You are on page 1of 157

‫أنا لم أقتله‬

‫ولكن الحب الذي قتله‬


‫ّ‬

‫بقلم‬
‫سارة عادل حممود‬
‫مؤسسة يسطرون للطباعة والنشروالتوزيع‬

‫رئيس جملس اإلدارة‬


‫الكتاب‪ :‬أنا مل أقتله ولكن احلب قتله‬
‫اسم املؤلف ‪ :‬ساره عادل حممود‬ ‫عماد سامل‬
‫الطبعة األولي‬
‫تصنيف الكتاب ‪ :‬رواية‬ ‫املدير العام‬
‫التصميم واإلخراج‪ :‬حسن عبد احلليم‬ ‫أمحد فؤاد اهلادي‬
‫املقاس‪20× 14 :‬‬
‫رقم اإليداع‪2021 /3070 :‬‬
‫مدير اإلنتاج‬
‫الرتقيم الدوىل‪987-977-993-052-7 :‬‬
‫مصطفى عماد‬

‫العنوان ‪3 :‬ش صفوت ‪ -‬حمطة املطبعة شارع امللك فيصل ‪ -‬اجليزة‬


‫التليفون ‪01157760052 - 01229300029 :‬‬
‫‪Email : Yastoron@gmail.com‬‬
‫موقعنا على الفيس بوك ‪ :‬مؤسسة يسطرون لطباعة وتوزيع الكتب‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف‬
‫اإلهداء‬
‫إىل والدي العزيز عادل محمود عرفانًا وتقدي ًرا‬
‫لِام قدَّ مه يل من تشجيع عىل الكتابة والدراسة‬
‫والحياة أطال الله عمره‪.‬‬

‫وإىل روح والديت املرحومة د ‪ /‬إميان بيضاين التي‬


‫بذلت كل ما يف وسعها يك أصل إىل ما وصلت له‪،‬‬
‫أسأل الله أن يتغمدها برحمته ‪.‬‬
‫المل�خ‬
‫ص‬
‫احلب‪ .....‬أعظم كلمة يف الوجود ‪ ،‬حتمل معاني كثرية ًّ‬
‫جدا‪.‬‬
‫ولكن عندما يزداد تكون كلمة رهيبة حتمل معاني اخلوف والفزع ‪.‬‬
‫إنه احلب األناني الذي يفوق كل حدود البشرية‬
‫فهل ميكن للحب أن يقتل ؟؟؟‬
‫هذا ما سنقرؤه يف سطور هذه الرواية‪...‬‬
‫أنا مل أقتله‪ .......‬ولكن احلب الذي قتله‪.‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ف‬
‫ال�صل ا أل�ول‬
‫الدكتورة عال‬

‫دكتــورة عــا امــرأة يف الســتني مــن العمــر كانــت يف املــايض‬


‫طبيبــة لحســاب الجرائــم الجنائيــة تزوجــت مــن رجــل أعــال‬
‫الــذي تــوىف بعــد أن أنجبــت منــه ولــد وبنــت‪،‬‬
‫ابنتهــا تزوجــت وســافرت مــع زوجهــا وابنهــا متــزوج يف‬
‫منــزل مســتقل يعمــل مهنــدس يف إحــدى الــركات ‪ ،‬تعيــش‬
‫يف أقــى املدينــة يف حــي هــادئ ‪ ،‬يف منــزل كبــر وجميــل مــع‬
‫وصيفتهــا جنــة التــي ترعاهــا ألنهــا كانــت ُمس ـ َّنة‪.‬‬
‫خصوصــا زراعــة األزهــار‬
‫ً‬ ‫كانــت هــذه املــرأة تهــوى الزراعــة‬
‫النــادرة لديهــا حديقــة جميلــة كثيفــة األزهــار واألشــجار مليئــة‬
‫بالطيــور ذات األلــوان الزاهيــة هواهــا عليــل بــارد جميــل ‪.‬‬
‫را وتحــب أن‬ ‫كانــت تحــب أن تتجــول يف حديقتهــا عــ ً‬
‫‪5‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫تزرعهــا بنفســها ‪.‬‬


‫تقــي وقتهــا بــن املــي يف الحديقــة والقـراءة تهوى الســفر‬
‫والرحــات ويف املســاء تجلــس لتعــود بذاكرتهــا للــايض ولأليــام‬
‫الجميلــة مــع زوجهــا وأصدقاؤهــا وأطفالهــا ‪ ،‬هــي تعــرف أن‬
‫اصدقــاء زوجهــا وأصدقائهــا مل يكفــوا عــن الســؤال عنهــا وزيارتهــا‬
‫حتــى بعــد وفــاة زوجهــا ‪ ،‬يــأيت ابنهــا لزيارتهــا مــرة يف األســبوع‬
‫أ ّمــا ابنتهــا فتزورهــا مــرة يف الســنة بحكــم أنهــا يف بــاد بعيــدة‪.‬‬
‫كانــت هــذه املــرأة ذكيــة جـ ًّدا رسيعــة االنتبــاه لديهــا قدرة‬
‫عــى تحليــل املواضيــع بحكــم عملهــا يف الســابق ‪ ،‬طيبــة القلــب‬
‫تحــب أن تســاعد اآلخريــن حتــى ولــو كان آخــر يــوم يف حياتهــا ‪.‬‬
‫أ َّمــا أصدقاؤهــا الذيــن يزورونهــا فأغلبهــم مــن رجــال‬
‫وســيدات األعــال واألطبــاء والضبــاط بحكــم عملهــا وعمــل‬
‫زوجهــا شــوقي رجــل األعــال ‪.‬‬
‫وهــي نشــيطة تقــوم يف الصبــاح الباكــر تتنــاول طعــام‬
‫اإلفطــار مــع وصيفتهــا جنــة وترتشــف القهــوة وهــي تقــراء‬
‫الصحيفــة يف حديقتهــا الجميلــة‪ ،‬ثــم تقــوم بنزهــة بعــد طعــام‬
‫‪6‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الغــذاء لتســقي الزهــور وهــي تتحــدث مــع وصيفتهــا جنــة ‪.‬‬


‫أمــا يف يــوم الخميــس تســتقبل ابنهــا الــذي يــأيت لزيارتهــا‬
‫مــع زوجتــه وابنتيــه وولــده‬
‫حيــث كانــت تفــرح بهــم وتقــي معهــم وقتًــا جميـاً إ َّمــا‬
‫يف املنــزل أو يذهبــوا جميعهــم للبحــر‪.‬‬
‫دامئًــا مــا تهتــم بقصــص الجرائــم التــي تكتــب يف الصحــف‬
‫وتناقشــها مــع أصدقائهــا أو مــع ابنهــا أو وصيفتهــا وتأخــذ‬
‫وقتًــا كبـ ًرا للتفكــر‪ ،‬وغال ًبــا مــا تخــرج بحلــول ونتائــج مذهلــة‬
‫تدهشــهم جميع ـاً وتنــال إعجابهــم‪.‬‬
‫هــي اآلن مشــركة بالجمعيــات الخرييــة والجمعيــات‬
‫حقــوق املــرأة والطفــل وجمعيــات مســاعدة األيتــام‪.‬‬
‫دامئًــا مــا تنصحهــا وصيفتهــا بــأن ال ترهــق نفســها‪ ،‬وكذلــك‬
‫ابنهــا وأصدقائهــا فــرد عليهــم هــذه متعتــي فأنــا أمثــل عدالــة‬
‫الحيــاة ‪.‬‬
‫هكــذا كانــت تقــي وقتهــا وأيامهــا جــد وتفكري وانشــغال‬
‫وضحــك وزيــارات تـزاور وتزار‬

‫‪7‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وتناقــش وتســاعد اآلخريــن وتســتفيد مــن خرباتهــم‬


‫ويف بعــض األوقــات تقــوم برحــات داخليــة أو خارجيــة مــع‬
‫أصدقائهــا ‪.‬‬
‫هكــذا كانــت تقــي أيامهــا وتحمــد اللــه عــى هــذه‬
‫الســعادة التــي ينعــم بهــا قلبهــا ‪.‬‬
‫ذات يــوم بينــا كانــت تقــرأ صحيفتهــا اليوميــة وهــي‬
‫ترتشــف فنجانًــا مــن القهــوة اللذيــذة يف حديقتهــا الغ ّنــاء يف‬
‫ضــوء الصبــاح املــرق الجميــل ‪ ،‬جاءتهــا وصيفتهــا جنــة حاملــة‬
‫الهاتــف قائلــة‪ :‬ســيدة عــا لديــك مكاملــة هاتفيــة مــن الســيد‬
‫مـراد عاشــور فــردت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬ســيد مـراد عاشــور؟؟؟؟‬
‫مل يتصــل يب منــذ أن كنــا يف رحلــة جــزر هــاواي ‪ ،‬أعطينــي ســاعة‬
‫الهاتــف ثــم أخدتهــا قائلــة‪ :‬صبــاح الخــر ســيد مـراد عاشــور فــرد‬
‫قائــا‪ :‬صبــاح الخــر ســيدة عــا ‪ ،‬لعلــك تســأيل عــن ســبب اتصايل؟‬
‫حسـ ًنا لــن أطيــل عليــك فأنتــي كــا أعلــم عدالــة الحيــاة‪ ،‬موعدنــا‬
‫الســبت القــادم يف الســاعة الثامنــة والنصــف صبا ًحــا يف منــزيل‬
‫أرجــو قبــول دعــويت ألعلمــك عــن ســبب اتصــايل بــك‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫تــرد ســيدة عــا قائلــة‪ :‬حس ـ ًنا وأنــا ســأعمل مــا بوســعي‬
‫ملســاعدتك إىل اللقــاء ‪ ،‬ثــم أغلقــت الخــط‪.‬‬
‫ثــم التفــت لوصيفتهــا جنــة قائلــة‪ :‬أن الســيد مـراد دعــاين‬
‫ملقابلتــه الســبت القــادم وكان صوتــه حزي ًنــا يبعــث عــى‬
‫الفــزع والرجــاء والغمــوض ‪ ،‬تــرى مــاذا بــه ؟ ومــاذا يريــد‬
‫منــي؟ أجابتهــا وصيفتهــا جنــة‪ :‬ال تقلقــي نفســك كثـ ًرا إن غـ ًدا‬
‫لناظــره قريــب ‪.‬‬
‫ويف املســاء جلســت الســيدة عــا يف غرفتهــا عــى الرسيــر‬
‫تتأمــل ضــوء القمــر الــذي كان يبــدو كقطعــة كرســتال تلمــع‬
‫وســط فســتان أســود ‪ ،‬وفكرهــا مشــغول بحديــث الســيد مـراد‬
‫قائلــة يف نفســها‪ :‬ال ميكــن أن أســاعده أو لــن يحتــاج يل إال إذا‬
‫كان هنــاك أمــر خطــر فهــو مل يقــل يل إنتــى عدالــة الحيــاة إال‬
‫إذا كان هنــاك يشء مريــب ج ـ ًّدا‪.‬‬
‫يشء لــن يهــدأ بالــه ولــن يهــدأ بــايل إال إذا حللنــا لغــزه‪،‬‬
‫فمنــذ أن تــوىف زوجــي مل أعهــده حزيــن هكــذا إال عندمــا‬
‫اســتنجد يب يف قضيــة صديقــه الــذي تــوىف غرقًــا يف ظــروف‬
‫‪9‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫غامضــة‪ ،‬وقــد حللــت لغــز مقتلــه فقــد اكتشــفت أن زوجتــه‬


‫ســا يف الشــاي‪ ،‬ثــم ســحبت الجثــة للبحــر يك تخفــي‬
‫أعطتــه ًّ‬
‫جرميتهــا وترتــه وتتــزوج بحبيبهــا‪ ،‬لكــن أنــا كشــفتها وســلمتها‬
‫للرشطــة‪.‬‬
‫ثــم انهكهــا التعــب ونامــت حتــى الصبــاح ‪ ،‬ويف الصبــاح‬
‫ذهبــت إلحــدى الجمعيــات لعمــل نــدوة للقيــام مبــرع متويــل‬
‫دار األيتــام‪ ،‬وبعــد انتهــاء النــدوة جــاءت للســيدة عــا فتــاة يف‬
‫أواخــر الثالثينيــات تدعــى نبيلــة‪ ،‬كانــت ســمراء نحيلــة شــعرها‬
‫أســود طويــل قالــت لهــا ‪:‬‬
‫‪ -‬مرحبــا ســيدة عــا أجابتهــا الســيدة عــا ‪ :‬أهــا مــن أنــت؟‬
‫‪-‬الســيدة نبيلــة‪ :‬أنــا نبيلــة أعمــل كحــارس شــخيص لســيدات‬
‫املجتمــع مثلــك وكــم أمتنــى أن أعمــل معــك ســيدة عــا‪.‬‬
‫سيدة عال ‪ :‬وملاذا تعميل معي أو تحرسيني؟ ‪،‬‬
‫‪ -‬نبيلــة مبتســمة‪ :‬ليــس كذلــك بالضبــط‪ ،‬ولكنــي جئــت مــن‬
‫بــاد بعيــدة وقــد ســمعت عنــك كثــ ًرا وأحببــت أن أصادقــك‬
‫وأنــزل عنــدك يف املنــزل لبعــض الوقــت ‪ ،‬ثــم أعطتهــا بطاقتهــا‬
‫لتعــرف شــخصيتها وبالفعــل أخدتهــا الســيدة عــا‪ ،‬ثــم التفتــت‬
‫‪10‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫للســيدة نبيلــة قائلــة ‪ :‬حســنا تفضــي عنــدي مرح ًبــا بــك بــأي‬
‫وقــت يف منــزيل ‪.‬‬
‫ثــم خرجتــا للشــارع واســتقلتا ســيارة أجــرة وركبتــا ‪،‬‬
‫قالــت الســيدة نبيلــة‪ :‬ســنذهب للفنــدق لجلــب أمتعتــي ثــم‬
‫نذهــب ملنزلــك ‪.‬‬
‫‪ -‬قالــت الســيدة عــا ‪ :‬حســ ًنا ‪ ،‬فانطلقــت الســيارة‬
‫ووصلــت للفنــدق خــال عــر دقائــق؛ ألن الفنــدق كان قري ًبــا‬
‫مــن مبنــى الجمعيــة ‪ ،‬توقفــت الســيارة وانطلقــت الســيدة‬
‫نبيلــة مرسعــة وخــال خمــس دقائــق عــادت تحمــل حقيبتهــا‬
‫التــي أدخلتهــا خانــة الســيارة وركبــت بجانــب الســيدة عــا‪،‬‬
‫وانطلقــت الســيارة يف طريقهــا ملنــزل الســيدة عــا ‪.‬‬
‫ويف الطريــق أخــذت الســيدة نبيلــة التــي كانــت تلبــس‬
‫نظــارة ســوداء تتأمــل الســيدة عــا ووجههــا الــذي كانــت متــأه‬
‫التجاعيــد التــي رســمها الزمــان كلوحــة ليحــط بصامتــه عليهــا‬
‫وعينيهــا الغارقتــن كبحــر األح ـزان ‪.‬‬
‫ثــم تأملــت الشــوارع واملنــازل الجميلــة ‪ ،‬التــي كان لــكل‬
‫‪11‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫منــزل حديقــة صغــرة جميلــة ج ـ ًّدا متتلــئ باألزهــار والنباتــات‬


‫النــادرة والطيــور ذات األلــوان الرائعــة‪.‬‬
‫وصلــت الســيارة منــزل الســيدة عــا ‪ ،‬ونزلــت الســيدتان‬
‫بعــد أن صممــت الســيدة نبيلــة عــى دفــع األجــرة للســائق‪.‬‬
‫دخلــت الســيدتان املنــزل ‪ ،‬ثــم نادت الســيدة عــا لوصيفتها‬
‫جنــة فجــاءت جنــة ‪ ،‬تطرقــت الســيدة عــا قائلــة لجنــة‪ :‬هــذه‬
‫ضيفتــي إنهــا الســيدة نبيلــة ســتقيض هنــا عندنــا بعــض الوقــت‬
‫أوصليهــا لغرفــة الضيــوف ‪ ،‬جنــة‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬اتبعينــي ســيده نبيلــة‪، ‬‬
‫فتبعتهــا الســيدة نبيلــة وهــي تتأمــل املنــزل ذو األلــوان البيضــاء‬
‫الناصعــة واألضــواء املبهجــة والكــرايس الذهبيــة ذات الطــراز‬
‫امللــويك‪ ،‬ويوجــد يف آخــر الصالــة بيانــو كبــر ‪ ،‬صعــدت الســيدة‬
‫نبيلــة الســلم متبعــة الســيدة جنــة والحظــت أنــه مــن الرخــام‬
‫الزجاجــي األســود‪ ،‬ومســنده كان مــن الحديــد املنحــوت بنقــش‬
‫رقيــق‪ ،‬والحظــت الطابــق العلــوي مكــون مــن أربــع غــرف ‪.‬‬
‫توقفــت الســيدة جنــة أمــام الغرفــة األخــرة وفتحــت بابهــا‬
‫قائلــة ‪ :‬تفضــي بالدخــول ســيدة نبيلــة إنهــا غرفتــك ‪ ،‬فــردت‬
‫‪12‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الســيدة نبيلــة قائلــة ‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬جنــة‪ :‬ســأطرق عليــك البــاب‬


‫عنــد موعــد الغــذاء ‪ ،‬الســيدة نبيلــة ‪ :‬حس ـ ًنا ‪.‬‬
‫خرجــت جنــة وأغلقــت البــاب وراءهــا ‪ ،‬أ ّمــا الســيدة‬
‫نبيلــة فأخــدت تتأمــل الغرفــة ذات اللــون الــوردي الفاتــح‬
‫توجــد نافــدة مطلــة عــى حديقــة املنــزل الجميلــة عليها ســتائر‬
‫ورديــة مطــرزة بحبــات الكريســتال الالمعــة ‪ ،‬ويوجــد رسيــر‬
‫ضخــم ملــي ذو لــون ذهبــي جميــل مزخــرف عليــه لحــاف‬
‫وردي بنفــس لــون الســتائر ووســادتني بنفــس اللــون مطــرزة‬
‫بحبــات الكريســتال الالمعــة ‪ ،‬يوجــد أيضــاً دوالب ذو أربــع‬
‫خانــات خانتــن لتعليــق املالبــس وخانتــن للمالبــس املرتبــة‬
‫وخزانتــان‪.‬‬
‫يتمتــع الــدوالب بلــون ذهبــي وزخــارف ملكيــة ويوجــد‬
‫بالغرفــة مــرآة ذهبيــة بهــا خزانــة صغــرة وأمامهــا كــريس ذهبي‬
‫ملــويك ذو زخــارف جميلــة ‪ ،‬ثــم اســتلقت الســيدة نبيلــة عــى‬
‫الرسيــر بعــد أن رتبــت مالبســها وأغراضهــا يف الــدوالب تفكــر‬
‫يف مهمتهــا الجديــدة منتظــرة موعــد الغــذاء قائلــة لنفســها ‪:‬‬
‫‪13‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫أمتنــى أن ال تكتشــف أمــري الســيدة عــا قبــل أن يحــن األوان ‪.‬‬


‫أ ّمــا الســيدة عــا فقــد كانــت تجلــس يف غرفتهــا تفكــر‬
‫بالســيدة نبيلــة قائلــة يف نفســها ‪ :‬تــرى مــن تكــون هــذه الســيدة‬
‫نبيلــة؟ ومــا هــو غرضهــا ؟ وملــاذا جــاءت ؟ آه ملــاذا أقلــق نفــي؟‬
‫ســأصرب وأكتشــف أمرهــا الغامــض ‪ ،‬غـ ًدا لناظــره قريب ‪ ،‬ســأنتظر‬
‫موعــد الغــذاء ثــم أتحــدث معهــا وأتعــرف عليهــا أكــر‪.‬‬
‫ثــم دخلــت الســيدة جنــة عليهــا قائلــة ‪ :‬ســيدة عــا مــاذا‬
‫تريديــن عــى مائــدة الغــذاء مــن مأكــوالت؟ الســيدة عــا ‪ :‬أي‬
‫يش‪ ،‬جنــة ملــاذا أنتــي قلقــة ســيديت؟ الســيدة عــا ‪ :‬أنــا قلقــة‬
‫بشــأن الســيدة نبيلــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬ال تقلقــي ليــس هنــاك أي يشء بهــا‬
‫يدعــوا للقلــق ســأعلمك مبوعــد الغــذاء حــن يجهــز ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا حس ـ ًنا ســأنتظرك ‪ ،‬وذهبــت الســيدة جنــة لتحضــر‬
‫املائــدة مبســاعدة الطبــاخ العــم صالــح ومقــدم الطعــام‬
‫العــم عبــده‪.‬‬
‫دقــت الســاعة الثانيــة ظهـ ًرا وحــان موعــد الغــداء ‪ ،‬قامــت‬
‫الســيدة جنــة بإعــام الســيدة عــا مبوعــد الغــذاء ‪ ،‬قالــت جنــة‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ســيدة عــا حــان موعــد الغــداء ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬أعلمي الســيدة‬


‫نبيلــة ‪ ،‬ونزلــت لغرفــة الطعــام بينــا ذهبــت الســيدة جنــة‬
‫لغرفــة الســيدة نبيلــة طرقــت البــاب قائلــة ‪:‬ســيدة نبيلــة‪،‬‬
‫الســيدة نبيلــة‪ :‬ادخــي فدخلــت الســيدة جنــة قائلــة‪ :‬حــان‬
‫موعــد الغــذاء ‪ ،‬الســيدة نبيلــة ‪ :‬حسـ ًنا آتيــة ‪ ،‬خرجــت الســيدة‬
‫جنــة ونزلــت لغرفــة الطعــام قائلــة‪ :‬إنهــا آتيــة‪.‬‬
‫نزلــت الســيدة نبيلــة متوجهــة لغرفــة الطعــام ‪ ،‬كانــت‬
‫غرفــة الطعــام كبــرة تطــل عــى اسـراحة التــي بدورهــا تطــل‬
‫عــى الحديقــة‪ ،‬ويوجــد عــى البــاب املــؤدي لالسـراحة ســتائر‬
‫شــفافة بلــون ليمــوين فاتــح ‪ ،‬انبهــرت الســيدة نبيلــة بغرفــة‬
‫الطعــام التــي تحتــوي عــى طاولــة كبــرة ذات اللــون البنــي‬
‫الداكــن وســتة كــرايس بنفــس اللــون‪ ،‬يوجــد عــى الطاولــة‬
‫فــرش أبيــض عليــه أطبــاق الفواكــه واألرز مــع اللحــم واملكرونــة‬
‫وكأســن مــن املــاء وآخريــن للعصــر وكوبــن للشــاي مــع إبريــق‬
‫الشــاي ‪ ،‬كــا يوجــد دوالب بنفــس اللــون كبــر ذو واجهــة‬
‫زجاجيــة يحتــوي عــى مجموعــة مــن األطبــاق البيضــاء الفاخرة‬
‫‪15‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ومجموعــة مــن الكــؤوس الزجاجيــة املذهبــة‪ ،‬كــا يوجــد بــه‬


‫طقــم مــن األكــواب الفاخــرة ومالعــق وســكاكني وأشــواك ‪،‬‬
‫ويوجــد عــى الحائــط ســاعة ضخمــة بنفــس اللــون‪.‬‬
‫قالــت الســيدة عــا ‪:‬تفضــي بالجلــوس ســيدة نبيلــة‬
‫فابتســمت الســيدة نبيلــة وجلســت قائلــة‪ :‬شــك ًرا ‪.‬‬
‫تناولتــا الغــذاء بصمــت وكالهــا تنظــر لألخــرى بتخفــي‪،‬‬
‫وبعــد أن أكملتــا تنــاول الطعــام دعــت الســيدة عــا الســيدة‬
‫نبيلــة لتنــاول الشــاي يف االسـراحة فلبــث دعوتهــا الســيدة نبيلــة‪،‬‬
‫وعندمــا جلســتا تطرقــت الســيدة نبيلــة قائلــة ‪ :‬كــا قلــت لــك‬
‫أعمــل كحــارس شــخيص لســيدات املجتمــع وقــد جئــت هنــا‬
‫ملهمــة صغــرة أال وهــي التــرع لجمعيــات األيتــام‪ ،‬وقــد ســمعت‬
‫عنــك الكثــر وعــن زوجــك وكونــك تعمــي يف نفــس الجمعيــة‬
‫التــي اتربعــت لهــا فقــد انتهــزت الفرصــة وتعرفــت عليــك؛ ألين‬
‫أحــب أن أتعــرف عــى شــخصيات مثلــك وأيضً ــا أنــا ال أعــرف‬
‫أح ـ ًدا هنــا أثــق بــه؛ لذلــك طلبــت منــك اســتضافتي‪.‬‬
‫اقتنعــت الســيدة عــا بــكالم الســيدة نبيلــة ‪ ،‬ثــم ابتســمت‬
‫‪16‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫قائلة‪:‬أه ـاً بــك يف أي وقــت فتطرقــت الســيدة نبيلــة قائلــة‪:‬‬


‫أنــا سأســافر بعــد غـ ٍـد األثنــن ألن مــا أتيــت ألجلــه قــد أنجزتــه‬
‫السيدة عال ‪ :‬حس ًنا أمتنى لك التوفيق‪.‬‬
‫مـ َّر اليومــن رسي ًعــا فأحبــت الســيدة عــا الســيدة نبيلــة‬
‫وتقربتــا لبعــض ‪ ،‬فقــد كانــت الســيدة نبيلــة تحــب أن تتحــدث‬
‫مــع الســيدة عــا ‪ ،‬وترافقهــا حيــث تذهبــت وتراقــب حركاتهــا‬
‫وترصفاتهــا بــكل دقــة وحــذر‪.‬‬
‫كانــت كثــرة األســئلة للســيدة جنــة عــن الحيــاة اليوميــة‬
‫للســيدة عــا ‪ ،‬وكانــت الســيدة جنــة تجيبهــا عــن جميــع‬
‫تســاؤالتها ومــن الــذي كانــت تســتغربه الســيدة جنــة أن‬
‫الســيدة نبيلــة تــدون مالحظــات يف مفكــرة صغــرة كلــا‬
‫أجابــت هــي عــن األســئلة‪.‬‬
‫وقــد أخــرت الســيدة عــا بذلــك فقالــت الســيدة عــا ‪ :‬ال‬
‫عليــك مل أعــد اقلــق بشــأنها‪.‬‬
‫وحــان موعــد الســفر ‪ ،‬فودعــت الســيدة نبيلــة الســيدة‬
‫عــا قائلــة ‪ :‬شــك ًرا ســيدة عــا عــى اســتضافتك وعــى كل يشء‬
‫‪17‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫قدمتــه يل ‪ ،‬الســيدة عــا ال شــكر عــى واجــب‪.‬‬


‫ســافرت الســيدة نبيلــة ‪ ،‬وعــادت الســيدة عــا تفكــر‬
‫مبوضــوع الســيد مــراد عاشــور قائلــة للســيدة جنــة ‪ :‬كــم أنــا‬
‫متلهفــة أن يــأيت يــوم الســبت بفــارغ الصــر ‪ ،‬فــردت الســيدة جنة‬
‫مبتســمة ‪ :‬لعلــه خــر ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ال أظــن ذلــك‪ ،‬ثــم تطرقــت‬
‫قائلــة‪ :‬أتعلمــن يــا جنــة أن الســيدة نبيلــة رغــم غموضهــا إال أين‬
‫أحببتهــا‪ ،‬الســيدة جنــة‪ :‬نعــم إنهــا طيبــة ‪ ،‬واآلن دعينــا ننــام ‪،‬‬
‫الســيدة عــا تصبحــي عــى خــر‪ ،‬الســيدة جنــة‪ :‬عمــت مســا ًء‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ال ف�صل ال ث�ا��ن‬


‫ي‬
‫في منزل السيد مراد عاشور‬

‫دقــت الســاعة السادســة صبــاح يــوم الســبت ‪،‬‬


‫واســتيقظت الســيدة عــا نشــيطة‪ ،‬ويف أتــم اســتعدادها‬
‫للذهــاب ملنــزل الســيد مــراد عاشــور ‪ .‬فاغتســلت وارتــدت‬
‫بدلــة ســوداء مرصعــة بحبــات الكريســتال الصغــرة ورسحــت‬
‫شــعرها ترسيحــة تليــق مبقامهــا كامــرأة يف الســتني مــن العمــر‬
‫وأخــدت حقيبتهــا الصغــرة ‪.‬‬
‫نزلــت الســيدة عــا لغرفــة الطعــام حيــث كانــت وصيفتها‬
‫الســيدة جنــة بانتظارهــا ‪ ،‬قالــت الســيدة جنــة‪ :‬صبــاح الخــر‬
‫ســيدة عــا أرايك اليــوم يف متــام نشــاطك ‪ ،‬فــردت الســيدة عــا‬

‫‪19‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫مبتســمة‪ :‬صبــاح الخــر جنــة نعــم إننــي اليــوم ذاهبــة ملوعــد‬


‫الســيد م ـراد عاشــور ملعرفــة مــا يريــد منــي ‪ ،‬وجلســتا لتتنــاوال‬
‫طعــام اإلفطــار‪ ،‬كان طعــام اإلفطــار عبــارة عــن جبنــه ‪ ،‬ومــرىب ‪،‬‬
‫وعيــش ‪ ،‬بيــض مســلوق ‪ ،‬ســلط أخــر ‪ ،‬وشــاي ‪ ،‬بعــد أن أكملتــا‬
‫قالــت الســيدة عــا‪ :‬إين ذاهبــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬هــل ســتتناولني الغــذاء‬
‫هنــا ؟ الســيدة عــا ‪ :‬نعــم ‪ ،‬ثــم خرجــت‪.‬‬
‫وقف��ت الس�يـدة ع�لا أم��ام منزلهــا منتظــرة مــرور ســيارة‬
‫أجــرة لتســتقلها للذهــاب ملنــزل الســيد مــراد عاشــور ‪ ،‬ومــا‬
‫هــي إال لحظــات حتــى توقفــت أمامهــا ســيارة فاخــرة ســوداء‬
‫نــزل ســائقها فات ًحــا لهــا البــاب الخلفــي للســيارة وهــو يقــول‪:‬‬
‫صبــاح الخــر ســيدة عــا تفضــي بالركــوب ‪ ،‬التفتــت لــه وعــى‬
‫وجههــا عالمــة اســتفهام‪ ،‬فقــال لهــا الســائق‪ :‬لقــد أرســلني‬
‫الســيد م ـراد عاشــور يك أقلــك إىل منزلــه فقالــت الســيدة عــا ‪:‬‬
‫آوه حسـ ًنا ‪ ،‬ثــم ركبــت الســيارة ‪ ،‬وانطلقــت الســيارة يف طريقهــا‬
‫ملنــزل الســيد م ـراد عاشــور الــذي كان يقــع يف حــدود املدينــة‬
‫عــى بعــد‪ 350‬ميـاً ‪ ،‬تأملــت الســيدة عــا الســيارة ذات الفــرش‬
‫‪20‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الفاخــر الرمــادي وكربهــا فهــي ذات ثــاث أبــواب وفيهــا تكيــف‬


‫برودتــه جميلــة ‪.‬‬
‫ويف الطريــق راحــت تتأمــل الشــوارع الجميلــة واملنــازل‬
‫الصغــرة ذات الحدائــق التــي تبعــث يف النفس البهجــة والرسور‬
‫املمتلئــة باألزهــار والــورود التــي تبعــث روائــح زكيــة والطيــور‬
‫ذات األلــوان الجميلــة وأصواتهــا املوســيقية التــي تبعــث يف‬
‫النفــس الهــدوء واالن ـراح والجــو الغائــم ذو النســيم العليــل‬
‫األشــبه باملمطــر ‪ ،‬تأملــت األغنــام واألبقــار والفالحــن والــزرع‬
‫األخــر‪ ،‬كل ذلــك أشــعرها باالرتيــاح والهــدوء والطأمنينــة ‪.‬‬
‫ثــم انتقلــت بهــا ذاكرتهــا إىل املــايض ‪ ،‬حيــث كيــف أن‬
‫زوجهــا كان يحــب الســيد مـراد عاشــور الــذي وقــف معــه حــن‬
‫أفلســت رشكتــه فأعطــاه مــاالً حتــى يســتعيد مكانتــه ورفــض‬
‫أن يأخــده حــن أراد الســيد شــوقي إرجــاع املــال للســيد مـراد ‪،‬‬
‫فقــد كانــا صديقــن حميمــن منــذ الطفولــة ‪ ،‬أكمــا دراســتهام‬
‫م ًعــا حتــى الجامعــة وســافرا للخــارج وك َّونــا ثروتهــا ورجعــا‬
‫وفتحــا رشكــة‪ ،‬ثــم انفصــا بعــد فــرة وبقيــا أصدقــاء ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫توقفــت الســيارة‪ ،‬وقــال الســائق‪ :‬هانحــن وصلنــا ســيدة‬


‫عــا ‪ ،‬فقالــت الســيدة عــا ‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬ثــم نزلــت ووقفــت تتأمــل‬
‫منــزل الســيد م ـراد عاشــور ‪ ،‬كان منــزل كبــر ذو طابقــن بلــون‬
‫أبيــض وســقف املنــزل بلــون األحمــر الداكــن ‪ ،‬ويحتــوي عــى‬
‫نوافــذ مــن جهــات مختلفــة ورشفــات جميلــة بلــون زهــري فاتح‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا مــن بوابــة املنــزل فانبهــرت بحديقــة‬
‫املنــزل كونهــا تعشــق الحدائــق‬
‫فقــد كانــت الحديقــة كبــرة ج ـ ًّدا ‪ ،‬وتحتــوي عــى الكثــر‬
‫مــن األشــجار والــورود واألزهــار ذات األلــوان والروائــح الجميلــة‬
‫التــي تبعــت عــى البهجــة والــرور ‪ ،‬كــا توجــد بحــرة صغــرة‬
‫ج ـ ًّدا للبجــع والطيــور املغــردة ذات األصــوات املوســيقية‪.‬‬
‫فســارت إىل أن دخلــت املنــزل فانبهــرت بجــال املنــزل‬
‫فــرأت األرض كلهــا مــن الرخــام الزجاجــي األســود والجــدران‬
‫البيضــاء‪ ،‬أ َّمــا األبــواب فكلهــا بأللــون الذهبــي ذو النقــوش‬
‫الجميلــة ‪ ،‬فجــاءت إليهــا الخادمــة قائلــة‪ :‬تفضــي بالدخــول‬
‫ســيدة عــا فــردت الســيدة عــا‪ :‬حســ ًنا ‪ ،‬ثــم ســارت لتتبــع‬
‫الخادمــة لغرفــة الضيــوف‪ ،‬وجلســت فقالــت الخادمــة ‪ :‬ســيأيت‬

‫‪22‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الســيد مـراد حــاالً‪ ،‬مــاذا ترشبــن ؟ فــردت الســيدة عــا ‪ :‬قهــوة‬


‫‪ ،‬الخادمــة‪ :‬حســ ًنا ثــم ذهبــت‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا تنتظــر مجيــئ الســيد م ـراد وهــي‬
‫تفكــر بالخدمــة التــي ســيتطلبها منهــا وبينــا هــي كذلــك‬
‫تجولــت بنظرهــا حــول الغرفــة فانبهــرت بهــا ‪ ،‬كانــت تحتــوي‬
‫عــى أربــع ك ـرايس بيضــاء مذهبــة وطاولــة صغــرة زجاجيــة‬
‫ومكتبــة بنفــس اللــون تحتــوي عــى كتــب ومجلــدات ونافــذة‬
‫صغــرة عليهــا ســتائر شــفافة ورديــة اللــون وســاعة ضخمــة‬
‫عــى الحائــط ذهبيــة اللــون ‪ ،‬كانــت مرتاحــة لرؤيــا األلــوان‬
‫املبهجــة‪ ،‬ولكنهــا قلقــة مــن مــا ســيطلبه الســيد م ـراد منهــا‪.‬‬
‫دخــل إىل الغرفــة الســيد مـراد عاشــور ومعــه ابنــه وزوجة‬
‫ابنــه والخادمــة التــي وضعــت القهــوة وخرجــت ‪ ،‬فقــال الســيد‬
‫م ـراد ‪ :‬صبــاح الخــر ســيدة عــا كــا عهدتــك جئــت باملوعــد‬
‫املحــدد فــردت الســيدة عــا مبتســمة‪ :‬نعــم أنــت تعــرف أننــي‬
‫ال أحــب التأخــر يف مواعيــدي ‪ ،‬فــرد الســيد مـراد ‪ :‬نعــم أعلــم‪،‬‬
‫أعرفــك بأبنــى عــاد وزوجتــه بثينــة فقالــت الســيدة عــا‪:‬‬
‫ترشفــت فــردا عليهــا ‪ :‬أهـاً وجلســوا جمي ًعــا يرشبــوا القهــوة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وبينــا هــم كذلــك التفــت الســيد مــراد للســيدة عــا‬


‫قائــاً‪ :‬إن الخدمــة التــي أردتــك هــي جرميــة قتــل وقعــت‬
‫بظــروف غامضــة واتهــم شــخص أنــا متأكــد مــن إنــه بــرئ وأن‬
‫هنــاك شــخص آخــر ارتكــب الجرميــة ‪ ،‬فــردت الســيدة عــا ‪:‬‬
‫ـدي أي‬
‫مــن هــو القتيــل؟ قــال الســيد م ـراد‪ :‬صدقينــي ليــس لـ َّ‬
‫معلومــات أفيــدك بهــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ولكــن‪ ....‬قاطعهــا الســيد‬
‫ـدي أي معلومــات ‪ ،‬إمنــا اخرتتــك ألننــي‬
‫م ـراد‪ :‬صدقينــي ليــس لـ َّ‬
‫أعلــم مواهبــك وقدراتــك بهــذا الجانــب‪ ،‬انتظــري مــا ســيصلك‬
‫مــن أشــياء تســاعدك يف تحقيــق عدالــة الحيــاة ‪ ،‬الســيدة عــا ‪:‬‬
‫مــا هــي األشــياء التــي ستســاعدين؟ وكيــف ســتصلني؟ ‪ ،‬الســيد‬
‫مـراد‪ :‬ال تســأيل إمنــا اعمــي مــا ُيليــه عليــك حدســك يــا عدالــة‬
‫الحيــاة ‪،‬أعلــم أنــك لــن تخذلينــي ‪ ،‬بقــي يشء أخــر ال تتصــي يب‬
‫إال يف حالتــن إمــا نجاحــك أو انســحابك ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬إين أكــن‬
‫لــك كل االحـرام ســأعمل كل مــا بوســعي ســيد مـراد‪ ،‬واآلن عــي‬
‫الذهــاب ‪ ،‬الســيد مــراد‪ :‬أمتنــى لــك كل التوفيــق‪ ،‬خــذي هــذا‬
‫املبلــغ ســتحتاجني إليــه ‪ ،‬فأخدتــه الســيدة عــا وخرجــت ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ركبــت الســيارة التــي أتــت بهــا ‪ ،‬ظلــت تفكــر طــوال‬


‫طريــق العــودة بــكالم الســيد مـراد وغموضــه واملهمــة الصعبــة‬
‫التــي كلفــت بهــا حتــى وصلــت ملنزلهــا‪.‬‬
‫دخلــت املنــزل واســتقبلتها الســيدة جنــة قاتلــة ‪ :‬مرح ًبــا‬
‫الغــداء جاهــز ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ســآيت‪.‬‬
‫وتوجهــت لغرفــة الطعــام شــاردة الذهــن وجلســت‬
‫لتــأكل‪ ،‬بعــد أن أكملتــا الغــذاء ســألت جنــة الســيدة عــا عــا‬
‫حــدت؟ وملــاذا هــي شــاردة الذهــن؟ ومــاذا قــال لهــا الســيد‬
‫مـراد؟ فــردت الســيدة عــا ‪ :‬ال يشء إمنــا أراد أن يطمــن عــي‬
‫كــوين زوجــة صديقــه‪ ،‬ثــم ذهبــت لغرفتهــا وهــي شــاردة‬
‫أخــدت تفكــر وتكتــب املالحظــات وتقــرأ الصحــف عــن جرائــم‬
‫القتــل التــي ميكــن أن تتعلــق بالســيد مـراد حتــى غلبهــا النــوم‪.‬‬
‫حـ َّـل الصبــاح وأرشقــت الشــمس بخيوطهــا الذهبيــة عــى‬
‫الحقــول موصلــة بذلــك مولــود جديــد ‪ ،‬اســتيقظت الســيدة‬
‫عــا مــن نومهــا يف متــام الســاعة التاســعة كانــت مرهقــة بعــض‬
‫الــيء ‪ ،‬ذهبــت لتأخــذ حاممهــا وغــرت مالبســها ثــم نزلــت‬

‫‪25‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫للطابــق الســفيل متوجهــة لغرفــة الطعــام ‪ ،‬حيــث كانــت الســيدة‬


‫جنــة تنتظرهــا يف االسـراحة ‪ ،‬ومــا أن رأتهــا الســيدة جنــة حتــى‬
‫ابتســمت قائلــة‪ :‬صبــاح الخــر ســيدة عــا مل تنهــض مبكــ ًرا‬
‫كعادتــك ‪ ،‬الســيدة عــا وهــي تجلــس عــى الكــريس بتثاقــل ‪:‬‬
‫نعــم إين أشــعر بإجهــاد فنمــت طويـاً حسـ ًنا مــا لدينــا لنــأكل ؟‬
‫الســيدة جنــة‪ :‬كل يشء ‪ ،‬فضحكتــا ثــم رشعتــا تــأكالن ‪،‬‬
‫ومــا إن أكملتــا الطعــام حتــى رشعتــا بــرب الشــاي الســاخن‪،‬‬
‫كان الطقــس جميـاً منعــش يبعــث الــرور يف النفــس ‪ ،‬وبينــا‬
‫هــم كذلــك قالــت الســيدة جنــة‪ :‬ســيدة عــا وصــل اليــوم‬
‫صبا ًحــا هــذا الظــرف مــن ابنتــك ‪ ،‬الســيدة عــا بفرحــة‪ :‬حقــا‬
‫! ثــم أخدتــه وفتحتــه وقــرأت الرســالة التــي فيهــا ( بســم اللــه‬
‫الرحمــن الرحيــم والــديت الغاليــة كيــف حالــك اشــتقت إليــك‪،‬‬
‫انتبهــي لصحتــك وخــدي املــال املرفــق ملســاعدتك عــى قضــاء‬
‫حاجتــك ابنتــك املحبــة لــك)‪ .‬وأخــدت املبلــغ املــايل الــذي فيــه‬
‫ثــم قالــت ‪ :‬إنهــا تطمــن عــى صحتــي وبعتــث يل هــذا املبلــغ‬
‫كمســاعده‪ ،‬جنــة وهــي ذاهبــة للمطبــخ ‪:‬إنهــا تحبــك ســيدة عــا‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الســيدة عــا ‪:‬نعــم واالن ســأذهب لغرفــة املكتــب إىل اللقــاء‪،‬‬


‫جنــة ‪ :‬إىل اللقــاء‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا غرفــة املكتــب وأخــدت تفكــر‬
‫بجديــة باملهمــة الصعبــة التــي كلفــت بهــا وقالــت لنفســها‪ :‬لــن‬
‫انتظــر حتــى تأتينــي األشــياء التــي وعــدين بهــا الســيد م ـراد‪،‬‬
‫ثــم تذكــرت الســيدة مهــا التــي كانــت تعمــل كحافظــة أرسار‬
‫الســيد م ـراد فهمــت باالتصــال بهــا‬
‫رضبــت األرقــام ووضعــت الســاعة يف أدنهــا رن أجــاب‬
‫عليهــا شــخص فقالــت ‪ :‬آلــو مرحبــا ‪ ،‬الشــخص ‪ :‬أهــا ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬هــل هــذا منــزل الســيدة مهــا ؟ الشــخص ‪ :‬نعــم وأنــا‬
‫زوجهــا‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬هــل ميكننــي مكاملتهــا ؟ أريدهــا يف‬
‫موضــوع حــول الســيد م ـراد عاشــور ‪ ،‬الشــخص‪ :‬مهــا توفــت‬
‫منــد ســنة أال تعلمــن؟ ‪ ،‬هــل أخدمــك بــيء ؟ الســيدة عــا‪:‬‬
‫ال ال شــك ًرا مــع ســامة ‪ ،‬الشــخص‪ :‬مــع ســامة ‪ ،‬أغلقــت الخــط‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬الخطــوة األوىل فشــلت‪.‬‬
‫أخــدت تفكــر يف شــخص أخــر يســاعدها يف إعطائهــا أي‬

‫‪27‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫معلومــة توصلهــا لطــرف الخيــط فاتصلــت للمحامــي الــذي‬


‫يعمــل لحســاب الســيد مـراد عاشــور ‪ ،‬رضبــت األرقــام ورفعــت‬
‫الســاعة رن أجــاب املحامــي ‪ :‬مرحبــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أهـاً هــل‬
‫هــذا مكتــب املحامــي إســاعيل يحــي؟ املحامــي‪ :‬نعــم الســيدة‬
‫عــا‪ :‬أنــا الســيدة عــا صديقــة الســيد مــراد عاشــور و‪، .......‬‬
‫قاطعهــا املحامــي‪ :‬أعــرف أخــرين الســيد مــراد عاشــور بــكل‬
‫يشء ال تســتعجلني ســيدة عــا وانتظــري ال تســتبقي األحــداث ‪،‬‬
‫اســمعي ســتصلك األســبوع القــادم رســالة اســتلميها ولبــي الدعوة‬
‫ال تســتعجيل أبــدا ً ليــس هنــاك مــا يدعــوا للعجلــة ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫حس ـ ًنا ســأنتظر مــع الســامة املحامــي ‪ :‬مــع الســامة‪.‬‬
‫أغلقــت الســيدة عــا الخــط قائلــة ‪ :‬فشــلت الخطــوة‬
‫الثانيــة ‪ ،‬حسـ ًنا ســانتظر مــا ســيايت مــن أشــياء تذلنــي إىل املهمــة‬
‫التــي كلفــت بهــا ‪ ،‬ألين لســت بهــذا الــذكاء املفــرط الــذي يظننــي‬
‫بــه الســيد م ـراد عاشــور هــل يظننــي امــرأة خارقــة؟ مــا هــذا‬
‫الجنــون ؟ ســأعتربه تحــدي وأنتظــر وأحــل اللغــز الــذي يريــد‬
‫الســيد م ـراد عاشــور منــي حلــه‪.‬‬
‫دقــت الســاعة الثانيــة ظهـ ًرا وحــان موعــد الغــذاء ‪ ،‬ذهبــت‬
‫‪28‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الســيدة عــا لغرفــة الطعــام حيــث كانــت تنتظرهــا الســيدة‬


‫جنــة وجلســتا لتتنــاوال طعــام الغــداء ‪ ،‬وبعــد أن أكملتــا طعــام‬
‫الغــذاء ذهبــت الســيدة عــا لغرفتهــا لتســرح‪ ،‬وقــرع جــرس‬
‫بــاب املنــزل مرتــن ‪.‬‬
‫ففتحــت الســيدة جنــة البــاب ووجــدت رســالتني ‪،‬‬
‫أخذتهــا لتســلمها للســيدة عــا‪..‬‬
‫قرعــت الســيدة جنــة بــاب غرفــة الســيدة عــا قائلــة ‪:‬‬
‫ســيدة عــا هــل ميكننــي الدخــول؟ الســيدة عــا ‪ :‬تفضــي جنــة‪،‬‬
‫مــاذا هنــاك؟ الســيدة جنــة ‪ :‬لقــد قــرع جــرس البــاب وعندمــا‬
‫فتحــت وجــدت هاتــن الرســالتني خديهــا ‪ ،‬فأخدتهــا الســيدة‬
‫عــا قائلــة‪ :‬حسـ ًنا ســأقرها ‪ ،‬أحــري يل قهــوة ‪ ،‬الســيدة جنــة‪:‬‬
‫حسـ ًنا وخرجــت لتحــر لهــا القهــوة‪.‬‬
‫فتحــت الســيدة عــا الرســالة األوىل التــي كانــت مــن‬
‫ابنهــا مفادهــا‪:‬‬
‫(بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫والــديت العزيــزة أعــرف أين قــرت يف حقــك‪ ،‬ولكنــك عــى‬
‫بــايل ويف قلبــي دامئًــا‬
‫‪29‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫كــا تعلمــن مشــاغل الحيــاة أثقلــت عــي‪ ،‬ولكــن أريــدك‬


‫أن تدعــي يل يف كل وقــت‬
‫ولقــد أرفقــت إليــك يف هــذه الرســالة مبلــغ مــايل؛ ألين ال‬
‫أســتطيع زيارتــك هــذه الفــرة إىل حــن لقــاء‬
‫ابنك املخلص لك )‪.‬‬
‫نزلــت دمعتهــا وهــي تأخــد املبلــغ املــايل وتدعــو لولدهــا‬
‫بالصحــة والعافيــة والخــر ‪ ،‬ثــم فتحــت الرســالة الثانيــة وقــرأت‬
‫مــا فيهــا والتــي جــاء فيهــا‪:‬‬
‫( بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫تحية طيبة وبعد‪..‬‬ ‫سيدة عال املحرتمة‬
‫نحــن رشكــة الســياحة نعلمــك بأنــك مســجلة لدينــا يف رحلــة‬
‫داخليــة حــول مشــاهدة اآلثــار لبعــض حضــارات التاريخيــة أرجــو‬
‫املجــئ إلينــا يك نســلمك تذكــرة الســفر وعمــل بعــض اإلجـراءات‬
‫للســفر وتحديــد موعــد الرحلــة‬
‫شركة السياحة)‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫أكملــت الســيدة عــا ق ـراءة الرســالة وطوتهــا يف الــدرج‬


‫قائلــة ‪ :‬قــد بــدأت املهمــة البــد أن هــذه الرحلــة نظمها الســيد‬
‫م ـراد ‪ ،‬ولكــن مــا عالقــة رحلــة ســياحية كهــذه بجرميــة قتــل؟‬
‫ســيتضح كل يشء ‪ ،‬ســأذهب غ ـ ًدا لعمــل كل يشء‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة جنــة غرفــة الســيدة عــا حاملــة معهــا‬
‫القهــوة فوضعتهــا عــى الطاولــة وجلســت بجانــب الســيدة عــا‬
‫قائلــة ‪ :‬مــاذا وجــدت يف الرســائل التــي قرأتيهــا؟ الســيدة عــا‪:‬‬
‫األوىل مــن ابنــي أرســل يل ســا ًما ومبل ًغــا ماليًّــا ‪ ،‬أ َّمــا الثانية فهي‬
‫دعــوة ملشــاركة يف نــدوة لرعايــة األيتــام ودعمهــم ‪ ،‬جنــة ‪:‬هــذا‬
‫جميــل ســوف يجــدد نشــاطك ‪ ،‬ومتــى ســتذهبني؟ الســيدة عــا‬
‫‪ :‬غ ـ ًدا ‪ ،‬لنتنــاول القهــوة ‪ ،‬جنــة ‪ :‬نعــم ‪ ،‬تناولتــا القهــوة وهــا‬
‫تتبــادال أطـراف الحديــث حــول مواضيــع مختلفــة عــن املـزارع‬
‫والــورود واألغنــام‪ ،‬ثــم عــن رجــال األعــال واإلقتصــاد الوطنــي‬
‫املوضــة واألزيــاء واألطعمــة الفاخــرة والرحــات والنــدوات‬
‫وكانتــا يف غايــة الســعادة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫جــاء املســاء بخيمتــه الســوداء بضــوء القمــر الالمــع ‪ ،‬وحــان‬


‫موعــد العشــاء ‪ ،‬ذهبــت كل مــن الســيدتان عــا وجنــة لتنــاول‬
‫طعــام العشــاء ‪ ،‬ثــم احتســتا القهــوة وودعتــا بعضهــا وذهبتــا‬
‫للنــوم اســتعدادا ً ليــوم جديــد‪.‬‬
‫أرشق الصبــاح بضوئــه املنتعــش الــذي يبعــث االنــراح‬
‫يف قلــوب النــاس ‪ ،‬وبعتــث األزهــار روائحهــا الذكيــة املبهجــة‬
‫للنفــس‪ ،‬وغــردت الطيــور بأصواتهــا الجميلــة لتبــر بيــوم جديد‪.‬‬
‫دقــت الســاعة السادســة صبا ًحــا واســتيقظت الســيدة عــا‬
‫يف متــام نشــاطها ‪ ،‬ذهبــت لتغتســل‪ ،‬ثــم ارتــدت فســتانًا أزرقًــا‬
‫أني ًقــا يليــق بســنها ورسحــت شــعرها ترسيحــة تناســب ســنها ‪،‬‬
‫ثــم نزلــت الطابــق الســفيل متوجهــة لغرفــة الطعــام ‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا أمــام الســيدة جنــة قائلــة ‪ :‬صبــاح‬
‫الخــر جنــة فــردت جنــة ‪ :‬صبــاح الخــر ســيدة عــا‪ ،‬هــل أنتــي‬
‫مســتعدة للذهــاب؟ ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬نعــم ‪ ،‬تناولتــا الطعــام الــذي‬
‫كان عبــارة عــن فطائــر بالجينــة ‪ ،‬وشــاي بالحليــب ‪ ،‬وبعــد أن‬
‫أكملتــا تنــاول طعــام اإلفطــار ودعــت الســيدة عــا جنــة قائلــة‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫إىل اللقــاء أرايك عنــد الغــذاء فــردت جنــة‪ :‬حسـ ًنا ســأنتظرك إىل‬
‫اللقــاء‪.‬‬
‫خرجــت الســيدة عــا واســتقلت ســيارة وذهبــت لرشكــة‬
‫الســياحة ‪ ،‬كان الطريــق للرشكــة مدتــه نصــف ســاعة مــع‬
‫زحمــة الطريــق ‪ ،‬وصلــت الســيدة عــا الســيارة‪ ،‬ودفعــت‬
‫األجــرة للســائق وانطلقــت الســيارة للذهــاب ‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا رشكــة الســياحة وتوجهــت نحــو‬
‫املكتــب املخصــص لعمــل اإلجــراءات بعــد أن اســتقبلتها‬
‫ســكرترية الرشكــة قائلــة‪ :‬هــل أنتــي الســيدة عــا ؟ الســيدة عــا‬
‫‪ :‬نعــم الســكرترية ‪ :‬اتبعينــي مــن فضلــك ‪ ،‬فاتبعتهــا الســيدة‬
‫عــا للطابــق العلــوي متوجهــن للمكتــب املخصــص لعمــل‬
‫اإلجــراءات ‪ ،‬دقــت الســكرترية بــاب املكتــب قائلــة ‪ :‬ســيدي‬
‫هــل ميكننــي الدخــول ؟ املديــر‪ :‬نعــم ‪ ،‬فتحــت الســكرترية‬
‫البــاب قائلــة ‪ :‬لقــد جــاءت الســيدة عــا ‪ ،‬املديــر ‪ :‬دعيهــا‬
‫تدخــل واجلبــي لنــا قهــوة الســكرترية ‪ :‬حس ـ ًنا ‪ ،‬ثــم خرجــت‬
‫قائلــة ‪ :‬تفضــي بالدخــول ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬شــك ًرا‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫فدخلــت الســيدة عــا إىل املكتــب ‪ ،‬وقــام املديــر ســلم‬


‫عليهــا قائـاً‪ :‬تفضــي بالجلــوس ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عال ‪ :‬شــكرا‪.‬‬
‫فجلســا برهــة ثــم تطــرق املديــر قائــاً‪ :‬قــد أرســلنا لــي‬
‫رســالة مفادهــا أن هنــاك رحلــة ســياحية لــك ملشــاهدة آثــار‬
‫بعــض الحضــارات التاريخيــة ‪ ،‬وهنــاك رشط وهــو إنــك إن قبلتيها‬
‫فــا ترتاجعــي عنهــا مهــا يحــدث‪ ،‬هكــذا قــال الســيد مــراد‬
‫ولــي الخيــار برفضهــا أو قبولهــا ‪ ،‬فكــرت الســيدة عــا قليـاً ثــم‬
‫تطرقــت قائلــة ‪ :‬ســأقبلها ‪ ،‬املديــر ‪ :‬حسـ ًنا هــذه تذكرتك ســيكون‬
‫رقــم الكــريس الــذي ســتقعدين عليــه (‪ )9‬أمــا غرفــة الفنــدق التي‬
‫ـخصا يف الرحلــة التــي‬
‫ســتنزلني فيهــا (‪ )67‬ســيكون معــك ‪ 12‬شـ ً‬
‫ســتكون مدتهــا شــهرين والتــي ســتبدأ يف يــوم الســبت القــادم‬
‫الســاعة الثامنــة صباحــا ‪ ،‬واآلن امــي هنــا ســيديت ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬ثــم مضــت وأخــذت التذكــرة قائلــة ‪ :‬شــك ًرا‪ ،‬املديــر‪:‬‬
‫نتمنــى لــك رحلــة ســعيدة ‪.‬‬
‫خرجــت الســيدة عــا لتعــود ملنزلهــا بعــد أن اشــرت بعــض‬
‫الفواكــه والخــروات‪ ،‬وبعــض األغـراض التــي كانــت بحاجــة لهــا‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ثــم اســتقلت ســيارة وعــادت للمنــزل يف متــام الســاعة الثانيــة‬


‫ظهـ ًرا‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا املنــزل ‪ ،‬اســتقبلتها الســيدة جنــة‬
‫مبتســمة قائلــة‪ :‬أهـاً ســيدة عــا لقــد تأخــرت قلقــت عليــك‪،‬‬
‫الغــداء جاهــز ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا ســأيت ‪ ،‬وذهبــت لتأخــد‬
‫حاممهــا وغــرت مالبســها ‪ ،‬ثــم نزلــت متوجهــة لغرفــة الطعــام‪،‬‬
‫حيــث كانــت الســيدة جنــة تنتظرهــا مبائــدة تتكــون مــن األرز‬
‫والســمك املقــي ‪ ،‬جلســتا تتنــاوال الغــداء بصمــت وبعــد أن‬
‫أكملتــا ذهبتــا لالسـراحة لتنــاول الشــاي ‪ ،‬ومــا إن أكملتــا تنــاول‬
‫الشــاي حتــى جــاءت صديقــة للســيدة جنــة ‪ ،‬فرحــت الســيدة‬
‫جنــة بهــا كثـ ًرا‪ ،‬وجلســت تتبــادل أطـراف الحديــث معهــا بعــد‬
‫أن اســتأذنت الســيدة عــا للذهــاب للراحــة بغرفتهــا‪.‬‬
‫ّمــ َّر الوقــت رسي ًعــا ‪ ،‬وهبــط الليــل بســتائره امل ُضــاءة‬
‫بضــوء القمــر وحــان موعــد العشــاء ‪ ،‬جلســت كالً مــن الســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬وجنــة لتنــاول العشــاء الــذي كان مك َّونًــا مــن البيــض‬
‫املســلوق والفــول املحمــص وأرغفــة ‪ ،‬بعــد أن أكملتــا تنــاول‬
‫‪35‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫العشــاء ‪ ،‬رشعتــا باحتســاء القهــوة اللذيــذة‪ ،‬قالــت الســيدة عــا‬


‫‪ :‬صديقتــك لطيفــة يــا جنــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬نعــم إنهــا تحبنــي كث ـ ًرا ‪،‬‬
‫ولكــن كيــف كانــت النــدوة ؟ ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أوه كانــت موفقــة‬
‫‪ ،‬وقــد قابلــت صديقــاً قد ًميــا دعــاين لرحلــة ســياحية داخليــة‬
‫ملشــاهدة آثــار بعــض الحضــارات التاريخيــة ملــدة شــهرين ‪،‬‬
‫جنــة‪ :‬حق ـاً هــذا جيــد‪ ،‬ولكــن أرجــو أن تهتمــي بصحتــك ‪ ،‬وأن‬
‫تطمئنينــي عليــك‪ ،‬ولكــن مــاذا عــن أوالدك ؟ هــل ســتخربينهم؟‬
‫الســيدة عــا‪ :‬بالتأكيــد ‪ ،‬جنــة ‪ :‬حس ـ ًنا موفقــة ســيديت ســأتركك‬
‫اآلن ألذهــب لنــوم عمــت مســاء ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫تصبحــن عــى خــر ‪ ،‬ونامتــا ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ث‬ ‫ل‬ ‫�‬‫ث‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫�‬‫ال ف‬


‫ل ا�‬

‫رسائل توجيهية‬

‫قــرع جــرس البــاب يف الســاعة الحاديــة عــر صبا ًحــا ‪،‬‬


‫فتحــت الســيدة جنــة فوجــدت رســالة عليهــا طابــع غريــب‬
‫مكتــوب بهــا تســلم للســيدة عــا ‪ ،‬فأخدتهــا الســيدة جنــة‬
‫وذهبــت للســيدة عــا التــي كانــت يف غرفــة املكتــب تحتــي‬
‫القهــوة وتقـراء الصحفيــة اليوميــة ‪ ،‬دقــت الســيدة جنــة البــاب‬
‫قائلــة ‪ :‬ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬تفضــي ‪ ،‬فدخلــت جنــة‬
‫وأعطــت الرســالة للســيدة عــا قائلــة‪ :‬لقــد وجــدت هــذه أمــام‬
‫بــاب املنــزل ‪ ،‬أخذتهــا الســيدة عــا ونظــرت إليهــا وبرسعــة‬
‫بديهيــة قالــت‪ :‬إنهــا مــن النــدوة وســتصلني عــدة رســائل‬
‫بشــان الرحلــة ‪ ،‬جنــة ‪ :‬ح ًقــا خ ـ ًرا إنــك أخربتينــي ســيدة عــا‬
‫واآلن أســتأذنك ألذهــب للســوق ‪ ،‬هــل تريديــن أن أجلــب لــك‬

‫‪37‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫شــيئا معــي؟ الســيدة عــا‪ :‬أحــري يل حقيبــة متوســطة للرحلــة‪،‬‬


‫جنــة‪ :‬حس ـ ًنا إىل اللقــاء ثــم خرجــت‪.‬‬
‫أفرغــت الســيدة عــا الرســالة قائلــة ‪ :‬لــرى مــا بهــا فقــد‬
‫بــدأت املهمــة ‪ ،‬البــد أن هــذه الرســالة والرحلــة لهــا عالقــة مبــا‬
‫طلبــه الســيد مـراد عاشــور ‪ ،‬ثــم قــرأت الرســالة التــي كتــب بهــا‪:‬‬
‫(بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫تحية طيبة وبعد‪...‬‬ ‫السيدة عال ‪ /‬املحرتمة‬
‫هــذه الرســالة ومــا ســتصلك مــن رســائل قبــل الرحلــة‬
‫عبــارة عــن رســائل توجيهيــة لتســاعدك كيــف تترصفــن يف هــذه‬
‫الرحلــة‪.‬‬
‫التوجيه األول‬
‫يجــب أن تأخــدي حقيبــة خفيفــة يك تســاعدك يف حملهــا‬
‫لتنقــل مــن مــكان آلخــر وال تأخــدي مالبــس كثــرة‪ ،‬خــدي حــذا ًء‬
‫رشاع ًيــا طب ًيــا لكافــة ظــروف الطقــس‪ ،‬خــدي مفكــرة وأقــام‬
‫ومســجل صغــر ج ـ ًّدا مــع أرش تطــه‪،‬‬

‫المرسل‬
‫نتمنى ليك التوفيق واملتعة‪.‬‬

‫شخص يهتم ألمرك‬


‫‪38‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫وبعــد أن قــرأت الســيدة عــا الرســالة قالــت ‪ :‬إنهــا‬


‫توجيهــات مهمــة‪ ،‬ولكــن مــا عالقــة تخفيــف املالبــس بجرميــة‬
‫قتــل ؟ يــا إلهــي مــا هــذا الجنــون ؟ هــل يظننــي الســيد مـراد‬
‫عاملــة الغيــب؟ اه حسـ ًنا ســأتابع هــذه التوجيهــات لعــي أوصل‬
‫لحــل اللغــز ‪ ،‬ســأتصل بجنــة االن ‪ ،‬ثــم أخــدت الهاتــف النقــال‬
‫واتصلــت قائلــة ‪ :‬مرح ًبــا جنــة أيــن أنتــي؟ جنــة‪ :‬أنــا اآلن يف‬
‫محــل بيــع الحقائــب ‪،‬هــل تريديــن شــيئًا آخــر؟ الســيدة عــا‪:‬‬
‫نعــم أريــد حــذا ًء طبيًّــا رشاعيًــا ويــا حبــذا أن يكــون جلديًــا‬
‫خفيفًـــا وقبعــة كبــرة مــن القــش ‪ ،‬جنــة ‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬الســيدة عال‪:‬‬
‫أحــري غــذا ًء ‪ ،‬فكــا تعلمــن الطبــاخ مريــض ‪ ،‬جنــة‪ :‬حس ـ ًنا‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬إىل اللقــاء ‪ ،‬جنــة‪ :‬إىل اللقــاء‪.‬‬
‫دقــت الســاعة الثانيــة ظهــ ًرا وعــادت جنــة للمنــزل ‪،‬‬
‫فاســتقبلتها الســيدة عــا قائلــة ‪ :‬إين أتضــور جو ًعــا ‪ ،‬جنــة ‪:‬لقــد‬
‫تأخــرت بســب الحــذاء مل أعــر عليــه بســهولة ‪ ،‬واآلن لنــأكل‪،‬‬
‫ثــم أريــك األشــياء التــي أحرضتهــا لــك ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬مــاذا‬
‫أحــريت لنــأكل؟ جنــة‪ :‬أحــرت دجا ًجــا مشــويًا وأرزًا ‪ ،‬ثــم‬
‫‪39‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫توجهتــا لغرفــة الطعــام وتناولتــا طعــام الغــذاء ‪.‬‬


‫وبعــد أن أكملتــا الغــداء ورشب الشــاي توجهتــا لغرفــة‬
‫الســيدة عــا ‪ ،‬دخلــت الســيدة عــا الغرفــة وتبعتهــا جنــة حاملــة‬
‫األغ ـراض ‪ ،‬وجلســتا‪ ،‬قالــت جنــة‪ :‬هــذه الحقيبــة التــي طلبتهــا‬
‫وهــذا الحــذاء ‪.‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬إنــه جميــل جـ ًّدا ومريــح ‪ ،‬والحقيبــة خفيفــة‬
‫ذوقــك جميــل يــا جنــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬أنظــري هــذه القبعــة ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬واااااااااااااا ويــا لجاملهــا إنهــا كبــرة ومكللــة بالزهــور إنــك‬
‫رائعــة يــا جنــة ‪ ،‬جنــة ‪ :‬كنــت متأكــدة إنهــا ســتعجبك ‪ ،‬وهــذه‬
‫هديــة منــي ســيدة عــا عــرة فســاتني خفيفــة تليــق بســنك ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬أوه‪ ،‬جنــة‪ :‬شــك ًرا لكرمــك إين أحبــك فعـاً عزيــزيت‪،‬‬
‫جنــة‪ :‬ال شــكر عــى واجــب ‪ ،‬واآلن لرنتــاح قليـاً ثــم لــرى مــاذا‬
‫نعمــل‪.‬‬
‫خ َّيــم الليــل بســتائره املطــرزة بحبــات الكريســتال ‪ ،‬وحـ َّـل‬
‫الهــدوء منــزل الســيدة عــا ‪ ،‬إنهــا الســاعة العــارشة مســا ًء حــن‬
‫دخلــت جنــة غرفــة الســيدة عــا قائلـةً‪ :‬مرحبًــا ســيدة عــا مــاذا‬
‫عملتــي؟ الســيدة عــا‪ :‬ارتحــت قليــاً ثــم ذهبــت للحديقــة‬
‫‪40‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ألتفقــد زهــوري وأســقيها‪ ،‬ثــم جلســت ألقــرأ بعــض الكتــب ‪،‬‬


‫وأنتــي ؟ ‪ ،‬جنــة ‪ :‬ارتحــت قليــاً ‪ ،‬ثــم كتبــت رســالة ألختــي‬
‫وأرســلتها مــع بعــض األغــراض ‪ ،‬ثــم رجعــت ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫لنــأكل طعــام العشــاء ‪ ،‬جنــة‪ :‬حسـ ًنا ســأحرضه إىل هنــا ‪ ،‬ذهبت‬
‫جنــة وعــادت بعــد ربــع ســاعة مح ّملــة مبائــدة صغــرة تتكــون‬
‫مــن‪ :‬جــن ‪ ،‬حمــص ‪ ،‬بيــض مســلوق ‪ ،‬إبريــق وأكــواب الشــاي‬
‫‪ ،‬وضعتهــا عــى الطاولــة الصغــرة وتناولتــا طعــام العشــاء ثــم‬
‫نامتــا‪.‬‬
‫ويف صبــاح اليــوم التــايل يف متــام العــارشة صبا ًحــا‪ ،‬بينــا‬
‫كانــت الســيدة عــا يف حديقتهــا تتفقــد الزهــور‪ ،‬جــاء أحــد‬
‫الج ـران قائ ـاً‪ :‬وجــدت هــذه الرســالة أمــام بابــك ســيدة عــا‬
‫خديهــا ثــم ذهــب‪ ،‬أخدتهــا الســيدة عــا وجلســت لتفتحهــا ‪،‬‬
‫وقــد جــاء بهــا‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫(بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫بعد التحية‬ ‫سيدة عال املوقرة‬
‫التوجيه الثاني‬
‫داومــي عــى تنــاول الخــروات والفواكــه الطازجــة حتــى‬
‫ال تُرهقــي بهــذه الرحلــة الشــاقة ‪ ،‬ال تخرجــي يف الجــو املمطــر‬
‫أو العاصــف أو املــرب ‪ ،‬خففــي مــن تنــاول الشــاي واملنبهــات‪،‬‬
‫ابتعــدي مــن الجلــوس بجانــب املدخنــن حتــى تحافظــن عــى‬
‫صحتــك‪.‬‬
‫نتمنى لكي التوفيق واملتعة‬
‫املرسل‬
‫شخص يهتم ألمرك)‬
‫أكملــت قـراءة الرســالة قائلــة‪ :‬إنهــا نصائــح مهمــة‪ ،‬ولكنــي‬
‫ال أجــد أي عالقــة بــن هــذه النصائــح واملهمــة التــي كلفــت بهــا‬
‫!!! ‪ ،‬حس ـ ًنا إن غ ـ ًدا لناظــره قريــب ‪ ،‬ثــم خبأتهــا حيــث كانــت‬
‫الرســالة األوىل ‪ ،‬وذهبــت لغرفــة املكتــب طالبــة مــن جنــة‬
‫فنجــان مــن القهــوة ‪ ،‬جلســت تطالــع كتــب بالقانــون والطــب‬
‫الجنــايئ ‪ ،‬دخلــت جنــة بالقهــوة قائلــة ‪ :‬أرايك منهمكــة هــذه‬
‫‪42‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫األيــام بق ـراءة الكتــب املتعلقــة بعملــك القديــم‪ ،‬الســيدة عــا‬


‫مبتســمة‪ :‬لقــد أشــتقت لعمــي القديــم كثـ ًرا كنــت أمثــل عدالــة‬
‫الحيــاة يف كشــف الحقائــق الخفيــة‪ ،‬جنــة‪ :‬ال بــأس ســيدة عــا‬
‫لقــد أعطيتــي الكثــر مــن جهــدك لعملــك‪ ،‬يجــب أن ترتاحــي‬
‫اآلن‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬نعــم وقــد جــاءت هــذه الرحلــة لرتيحنــي ‪.‬‬
‫جنــة ‪ :‬أمتنــى أن تســعدي بهــا عزيــزيت ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬مــا‬
‫رأيــك يف تنــاول الغــداء يف املطعــم ؟ جنــة‪ :‬فكــرة رائعــة ‪ ،‬حسـ ًنا‬
‫ســأذهب ألســتعد ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا وأنــا كذلــك‪.‬‬
‫حــان موعــد الغــداء كانــت الســاعة الثانيــة ظهــ ًرا حــن‬
‫وصلتــا الســيدتان عــا وجنــة إىل املطعــم ‪ ،‬جلســتا وطلبــت كل‬
‫منهــن البيت ـزا اإليطاليــة ‪ ،‬فطائــر الجــن ‪ ،‬ســلطة املاينيــز ‪.‬‬
‫كتــب النــادل الطلبــات ثــم ذهــب ليحرضهــا ‪ ،‬قالــت‬
‫جنــة‪ :‬هــل ســتذهبني إىل التســوق بعــد الغــداء ؟ الســيدة عــا‪:‬‬
‫نعــم أود أن أشــري مالبــس خفيفــة إىل جانــب مــا أحرضتيــه‬
‫يل وهنــاك أشــياء أخــرى أريــد رشاءهــا ‪ ،‬جنــة‪ :‬نعــم وأنــا أيضً ــا‬
‫سأشــري أشــياء ألين سأســافر بعــدك ‪ ،‬ســأذهب ألختــي إىل حــن‬
‫‪43‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫تعوديــن ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ذلــك حسـ ًنا ‪ ،‬فأنــت منــذ مـ ّدة مل تــزو ِر‬
‫أختــك بســببي‪ ،‬جنــة‪ :‬ال يــا ســيديت ال تقــويل هــذا الــكالم فأنــا‬
‫أحبــك كث ـ ًرا وأمتتــع بالعيــش معــك ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬شــك ًرا يــا‬
‫جنــة أحبــك أيضً ــا‪.‬‬
‫جــاء النــادل ووضــع الطعــام الســاخن عــى الطاولــة‪ ،‬ثــم‬
‫انــرف مح ّي ًيــا الســيدتني ‪.‬‬
‫قالــت الســيدة عــا‪ :‬أوه‪ ،‬كــم أحــب الطعــام الســاخن!!!!!‬
‫إين أتضــور جو ًعــا ‪ ،‬جنــة ‪ :‬نعــم إنــه شــهي‪ ،‬ثــم رشعتــا تــأكالن ‪،‬‬
‫وبعدمــا أكلملتــا كالهــا تنــاول الطعــام ‪ ،‬طلبتــا الشــاي ‪ ،‬جــاء‬
‫النــادل حامــل الشــاي ووضعــه عــى الطاولــة ‪ ،‬أحتســتا الشــاي‬
‫كل مــن الســيدتني عــا وجنــة ‪ ،‬بعــد أن أكملتــا أحتســاء الشــاي‬
‫طلبــت الســيدة عــا مــن النــادل فاتــورة الطعــام ‪ ،‬جــاء النــادل‬
‫بفاتــورة الطعــام قائـاً‪ :‬ألــف وخمــس مائــة ‪ ،‬ردت الســيدة عــا‪:‬‬
‫حســ ًنا ‪ ،‬خــد ‪ ،‬أخدهــا النــادل وذهــب ‪ ،‬قالــت الســيدة عــا‬
‫ضاحكــة‪ :‬لقــد أنقدتنــي النقــود التــي أرســلها يل أوالدي ‪ ،‬جنــة‬
‫مقهقهــة‪ :‬نعــم وإال كنــا يف قســم الرشطــة اآلن ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫‪44‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫نعــم حمــ ًدا للــه‪ ،‬واآلن هيــا بنــا نذهــب إىل الســوق ‪ ،‬جنــة‬
‫نعــم‪.‬‬
‫خرجتــا مــن املطعــم واســتقلتا ســيارة لتذهبــا إىل الســوق‪،‬‬
‫را حــن وصلتــا إىل‬
‫كانــت الســاعة الرابعــة والنصــف عــ ً‬
‫الســوق‪ ،‬رشعتــا بالتســوق ‪ ،‬اشــرت الســيدة عال عرشين فســتانًا‬
‫يليــق بســنها مــن النــوع الخفيــف ‪ ،‬ربطــات الشــعر الصغــرة‪،‬‬
‫جــوارب ‪ ،‬بعــض املجــات ‪ ،‬كــرة صــوف وإبــرة ‪ ،‬مناديــل ‪،‬‬
‫كــا اشــرت جنــة عرشيــن فســتانًا لهــا وألختهــا ‪ ،‬لعــب ألوالد‬
‫أختهــا‪ ،‬ربطــات شــعر ‪ ،‬حقيبــة ســفر ‪ ،‬أحذيــة وجــوارب‪ ،‬ثــم‬
‫ذهبتــا ملطعــم قريــب لتتنــاوال طعــام العشــاء الــذي كان عبــارة‬
‫عــن قطــع مــن الدجــاج املقرمــش ‪ ،‬والبطاطــس املقليــة وكوبــن‬
‫شــاي‪ ،‬كانتــا يف غايــة الســعادة والــرور ‪ ،‬دفعــت الســيدة عــا‬
‫مثــن الطعــام الــذي كان خمســائة فقــط ‪ ،‬ثــم خرجتا واســتقلتا‬
‫ســيارة أجــرة للعــودة للمنــزل ‪.‬‬
‫كانــت الســاعة العــارشة مســا ًء حــن دخلتــا املنــزل ‪،‬‬
‫كانتــا منهكتــن مــن كــرة التســوق ‪ ،‬ودعتــا بعضهــا ثــم‬
‫‪45‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ذهبــت كل واحــدة منهــن لغرفتهــا ‪ ،‬ترتــاح قليــاً‪ ،‬ثــم لتضــع‬


‫كل منهــن أغراضهــا يف حقيبــة الســفر حتــى تخفــف األشــياء‬
‫أســتعدا ًدا للســفر‪ .‬قبــل موعــده حتــى ال ترهقــا ليلــة الســفر ‪،‬‬
‫ألنهــا تعلــان جيــ ًدا مشــقة الســفر ‪ ،‬لذلــك تعمــا مــن اآلن‬
‫عــى ترتيــب أغراضهــا أول بــأول ليــأيت موعــد الســفر وهــا‬
‫جاهزتــان‪.‬‬
‫ويف ســكينة الليــل الجميــل ‪ ،‬ونســيمه العليــل ‪ ،‬وضــوء‬
‫القمــر املنــر ‪ ،‬والنجــوم الالمعــة الــذي كان يبــدو كســتار مــرح‬
‫اقصــا‬
‫الخــاب الــذي يتاميــل ر ً‬
‫متأللــئ يأخــد األلبــاب بجاملــه ّ‬
‫ميي ًنــا وشــاالً كأمــواج البحــر املتناغمــة التــي تقــذف وكأنهــا‬
‫دمــوع مــن عينــن خفيتــن ‪ ،‬راحتــا تدعــوان الرحمــن بالصحــة‬
‫والســر والغفــران ســائلتان املــوىل الجنــة ‪ ،‬ومرافقــة النبــي يف‬
‫الجنــة ‪ ،‬والنظــر لوجــه الكريــم ‪ ،‬وصلتــا العشــاء ‪ ،‬وقراءتــا مــا‬
‫ـر مــن القــرآن الكريــم ثــم نامتــا‪.‬‬
‫تيـ َّ‬
‫أرشقــت شــمس الصبــاح معلنــة مولــد جديــد ‪ ،‬وخــرج‬
‫العــال ألعاملهــم وكســب عيشــهم ‪ ،‬غـ ّردت الطيــور يف الحقــول‬
‫مرســلة البهجــة والــرور‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫اســتقيظت الســيدة عــا مــن نومهــا يف متــام الســاعة‬


‫الثامنــة صبا ًحــا‪ ،‬وتوجهــت لتأخــذ حاممهــا املعتــاد‪ ،‬ثــم ارتــدت‬
‫مالبســها ‪ ،‬ونزلــت للطابــق الســفيل متوجهــة لغرفــة الطعــام ‪،‬‬
‫حيــث كانــت الســيدة جنــة تنتظرهــا ‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا قائلــة ‪ :‬صبــاح الخــر يــا جنــة ‪ ،‬جنة‪:‬‬
‫صبــاح الخــر ســيدة عــا ‪ ،‬هــل منــت جي ـ ًدا ؟ الســيدة عــا ‪:‬‬
‫نعــم ‪ ،‬لقــد كنــت متعبــة البارحــة مــن كــرة التســوق‪ ،‬جنــة‪:‬‬
‫نعــم لقــد تعبنــا كثـ ًرا ‪ ،‬هيــا لنــأكل ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬نعــم ‪ ،‬ثــم‬
‫بدأتــا تتنــاوال طعــام اإلفطــار الــذي كان عبــارة بيــض مســلوق ‪،‬‬
‫جــن ‪ ،‬مــرىب ‪ ،‬وفواكــه ‪ ،‬وبعــض األرغفــة ‪ ،‬وبعــد إكــال تنــاول‬
‫طعــام اإلفطــار ‪ ،‬أحتســتا الشــاي يف االسـراحة ‪ ،‬قالــت الســيدة‬
‫عــا‪ :‬أن الطقــس جميــل اليــوم ســأزرع زهــور األوركيــدا ‪ ،‬جنــة‪:‬‬
‫عمــل جميــل ‪ ،‬وأنــا ســأحلب البقــر ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حســ ًنا‬
‫ممتــاز ‪ ،‬واآلن هيــا لنذهــب ‪ ،‬جنــة‪ :‬هيــا بنــا لنذهــب ‪ ،‬إىل‬
‫اللقــاء يف موعــد الغــداء‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ذهبــت كل منهــا إىل عملهــا ‪ ،‬ويف متــام الســاعة الثانيــة‬


‫عــر ظه ـ ًرا جــاء مقــدم الطعــام العــم عبــده إىل الســيدة عــا‬
‫قائ ـاً‪ :‬ســيدة عــا وجــدت هــذه الرســالة أمــام بــاب املنــزل وال‬
‫أعلــم مــن جــاء بهــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ال بــأس ‪ ،‬ثــم أخذتهــا قائلــة ‪:‬‬
‫حسـ ًنا أذهــب أنــت ‪ ،‬فذهــب العــم عبــده إىل عملــه ‪ ،‬وجلســت‬
‫الســيدة عــا لتفــرغ الرســالة وتقرأهــا ‪ ،‬وكان مفادهــا‪:‬‬
‫( بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫تحية طيبة وبعد‬ ‫سيدة عال املحرتمة‬
‫التوجيه الثالث واألخير‬
‫ســوف تقابلــن نــاس كثرييــن مشــركني يف الرحلــة اقــريب‬
‫منهــم لعلــك تجديــن مــا يحــل لغــز الجرميــة‪ ،‬ولكــن كــوين حذرة‪.‬‬
‫ســتتلقني دعــوة مــن شــخص مــا‪ ،‬أرجــو تلبيتهــا‪ ،‬ولكــن كوين‬
‫حــذرة قــدر املســتطاع‪ ،‬هنــاك مــن ســيحميك مــن أي خطــر أو‬
‫مكــروه‪.‬‬
‫أتمنى لك التوفيق واملتعة بهده الرحلة‬
‫املرسل‬
‫شخص يهتم ألمرك )‬
‫‪48‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫أكملــت الســيدة عــا قــراءة الرســالة قائلــة‪ :‬إنــه أهــم‬


‫توجيــه حسـ ًنا ســأعمل بــه جيـ ًدا ‪ ،‬ثــم خبأتهــا حيــث الرســالتني‬
‫الســابقة ‪ ،‬ثــم عــادت لحديقتهــا لتكمــل زراعــة الزهــور‪،‬‬
‫مــر الوقــت رسي ًعــا ‪ ،‬وكانــت الســاعة الثانيــة ظه ـ ًرا حــن‬
‫جــاءت الســيدة جنــة للســيدة عــا قائلــة‪ :‬الغــداء جاهــز ســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬حسـ ًنا آتيــة‪.‬‬
‫ذهبــت جنــة لغرفــة الطعــام وتبعتهــا الســيدة عــا‪،‬‬
‫وجلســتا‪ ،‬قالــت الســيدة عــا‪ :‬يــا لــه مــن طعــام شــهي !!!‬
‫كــم أنــا جائعــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬نعــم لقــد تعبنــا اليــوم كثــ ًرا ‪ ،‬ثــم‬
‫رشعتــا تــأكالن الغــداء الــذي كان عبــارة عــن قطــع مــن اللحــم‬
‫املشــوية‪ ،‬وطبــق خضــار وبعــض أرغفــة املحمصــة ‪ ،‬وبعــد أن‬
‫أكملتــا األكل ذهبتــا لالسـراحة لــرب الشــاي ‪ ،‬قالــت الســيدة‬
‫عــا‪ :‬يــا لــه مــن يــوم متعــب لقــد زرعــت الزهــور ‪ ،‬وســيتابعها‬
‫العــم عبــده والعــم صالــح بعــد ســفري ‪ ،‬جنــة ‪ :‬نعــم وكذلــك‬
‫املــوايش ســأطلب مــن العــم عبــده والعــم صالــح رعايتهــا ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ذلــك جيــد ‪ ،‬ســأذهب لغرفتــي ألســرح قلي ـاً ‪،‬‬
‫‪49‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫جنــة ‪ :‬وأنــا كذلــك ‪ ،‬ثــم ذهبــت كل واحــدة لغرفتهــا لتســرح بعــد‬


‫عنــاء طويــل‪.‬‬
‫جــاء الليــل بهدوئــه الجميــل ‪ ،‬وضــوء القمــر الخافــت الباعث‬
‫للســكينة واالطمئنــان ‪ ،‬ونجومــه املبعــرة هنــا وهنــاك وكأنهــا‬
‫حبــات لؤلــؤ منثــور عــى شــاطئ بحــر الهــوى القائــم عــى مــرآة‬
‫الســاء الدخانيــة‪.‬‬
‫كانــت الســاعة التاســعة مســا ًء حــن دخلــت الســيدة عــا‬
‫غرفــة الســيدة جنــة قائلــة‪ :‬أمل تشــعري بالجــوع؟ جنــة ‪ :‬بــى ‪،‬‬
‫لقــد كنــت حــاالً سأســألك ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حسـ ًنا لنذهــب ونــأكل‬
‫شــيئًا ‪ ،‬جنــة مبتســمة‪ :‬هيــا بنــا ســيديت‪.‬‬
‫ذهبــت الســيدة عــا إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬أمــا جنــة ذهبــت‬
‫لتعلــم العــم صالــح بتحضــر العشــاء ‪ ،‬ثــم عــادت إىل غرفــة‬
‫الطعــام‪ ،‬ومــا هــي إال لحظــات حتــى جــاء العــم عبــده حامــا‬
‫معــه طعــام العشــاء ووضعــه عــى الطاولــة ‪ ،‬كان طعــام العشــاء‬
‫عبــارة عــن رشائــح الالنشــون ‪ ،‬بيــض مســلوق ‪،‬ســلطة ‪ ،‬بعــض‬
‫األرغفــة ‪ ،‬وأكلتــا الســيدتان الطعــام ‪ ،‬ثــم أحتســتا الشــاي ‪ ،‬يف‬
‫‪50‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫االسـراحة وبينــا هــا كذلــك قالــت جنــة للســيدة عــا ‪ :‬هــل‬


‫غــدا ً ســتخربين أوالدك بأمــر ســفرك؟ الســيدة عــا‪ :‬بالتأكيــد ‪،‬‬
‫ســأتصل بابنتــي غ ـ ًدا صبا ًحــا ثــم أتصــل بابنــي بعــد الظهــر ‪،‬‬
‫جنــة‪ :‬جيــد جـ ًّدا ســيدة عــا ‪ ،‬هــل ســتخربينهم عــن مدتهــا؟ ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬هــذا رضوري يــا جنــة ‪ ،‬وأنثــي هــل ســتخربين‬
‫أختــك أنــك قادمــة إليهــا بعــد غــد ؟ جنــة‪ :‬بالتأكيــد ســأتصل‬
‫بهــا غــدا املغــرب عندمــا أشــري تذكــرة القطــار‪ .‬هــل كل‬
‫أغراضــك جاهــزة ســيدة عــا ؟ الســيدة عــا ‪ :‬نعــم كل يشء‬
‫مرتــب ‪ ،‬وأنثــي؟ جنــة‪ :‬نعــم جهــزت كل يشء سأســافر بعــد‬
‫ســفرك بســاعتني ‪ ،‬أي الســاعة العــارشة صبا ًحــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫هــل لديــك مثــن التذكــرة يــا جنــة؟ جنــة ‪:‬ال تهتمــي لذلــك‬
‫ســأدبر نفــي ‪ ،‬الســيدة عــا وهــي تعطــي جنــة مثــن التذكــرة‪:‬‬
‫خــذي يــا جنــة هــذه مثــن التذكــرة ‪ ،‬جنــة‪ :‬ال ال ال ‪ ،‬لــن أخــده‬
‫منــك ســيديت ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬خديهــا أنــا أعتــرك كابنــة يل ‪،‬‬
‫أحبــك كثـ ًرا يــا جنــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬شــك ًرا ســيدة عــا أنتــي تكرميننــي‬
‫كث ـ ًرا ‪ ،‬ومــن النــادر يف هــذا الوقــت نجــد ســيدات مجتمــع‬
‫‪51‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫أمثالــك ‪ ،‬يف التواضــع ونبــل األخــاق ‪ ،‬الســيدة عــا مبتســمة‪ :‬مــن‬


‫تواضــع للــه رفعــه‪ ،‬وقــد علمتنــي الحيــاة أن التكــر ال يجــدي‬
‫نفعـاً لصاحبــه ‪ ،‬جنــة مبتســمة‪ :‬صحيــح ‪ ،‬أشــكرك عــى كل يشء‪،‬‬
‫واآلن خــدي دواءك قبــل النــوم ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬نعــم ‪ ،‬فأخــدت‬
‫الســيدة عــا دواءهــا ‪ ،‬ثــم قبلــت جنــة الســيدة عــا عــى جبينها‪،‬‬
‫وذهبــت معهــا لغرفتهــا وغطتهــا مــن الــرد وأطفــأت النــور قائلــة‬
‫‪ :‬طابــت ليلتــك ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬طابــت ليلتــك جنــة ‪،‬‬
‫خرجــت جنــة مغلقــة بــاب غرفــة الســيدة عــا وراءهــا ‪ ،‬ونامــت‬
‫الســيدة عــا‪.‬‬
‫ذهبــت جنــة إىل غرفتهــا‪ ،‬التــي عبــارة عــن رسيــر بلــون‬
‫فــي مــن الط ـراز امللــي ‪ ،‬ودوالب بنفــس اللــون‪ ،‬كــا يوجــد‬
‫مــرآة كبــرة فضيــة ذات نقــوش جميلــة ‪ ،‬أمامهــا كــريس بنفــس‬
‫الطـراز ‪ ،‬توجــد نافــذة صغــرة عليهــا ســتائر حريــر بلــون قرمــزي‬
‫شــفاف ‪.‬‬
‫جلســت عــى الرسيــر وهــي يف غايــة الفــرح ملــا أعطتهــا‬
‫الســيدة عــا مــن مــال ل ـراء التذكــرة ‪ ،‬ثــم قالــت ‪ :‬كــم هــي‬
‫‪52‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫طيبــة الســيدة عــا ‪ ،‬أحبهــا كث ـ ًرا‪.‬‬


‫وضعــت جنــة املــال يف حقيبتهــا ‪ ،‬ورتبــت آخــر أغراضهــا‬
‫يف حقيبــة الســفر ‪ ،‬ثــم أطفــأت النــور وغطــت نفســها ونامــت‬
‫وهــي تدعــو للســيدة عــا‪.‬‬
‫ظهــر النهــار بإرشاقــة جديــدة ‪ ،‬وصفائــه املتجــدد ‪،‬غـ ّردت‬
‫الطيــور فــوق الحقــول ‪ ،‬معلنــة للنــاس مولــد يــوم جديــد ‘وقــام‬
‫الفالحــون بفالحــة األرض ‪ ،‬ورعايــة األغنــام وحلبهــا‪.‬‬
‫اســتيقظت الســيدة عــا يف الســاعة الثامنــة والنصــف‬
‫صبا ًحــا ‪ ،‬اغتســلت وغـ ّـرت مالبســها ‪ ،‬ثــم نزلــت إىل الطابــق‬
‫الســفيل متوجهــة إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬حيــث كانــت تجلــس‬
‫جنــة بانتظارهــا ‪ ،‬جلســت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬صبــاح الخــر يــا‬
‫جنــة ‪ ،‬جنــة ‪ :‬صبــاح الخــر ســيديت ‪ ،‬تفضــي بتنــاول الطعــام ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬حس ـ ًنا ‪ ،‬تناولتــا الطعــام الــذي كان عبــارة عــن‬
‫رشائــح النقانــق ‪ ،‬جبنــه ‪ ،‬وبعــض مــن الرغيــف‪ ،‬وكوبــن مــن‬
‫الشــاي‪ ،‬وحــن أكملتــا تنــاول الطعــام ورشب الشــاي جلســتا‬
‫يف االس ـراحة التــي تطــل عــى الحديقــة ‪ ،‬كان الطقــس بديــع‬
‫‪53‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫جـ ًّدا ‪ ،‬والســاء غامئــة ‪ ،‬قالــت جنــة ‪:‬هــل ســتتصلني بابنتــك اآلن‬
‫ســيدة عــا ؟ إنهــا العــارشة ونصــف ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬حســ ًنا‬
‫أعطنــي الهاتــف النقــال ‪ ،‬فأعطتهــا جنــة الهاتــف النقــال ‪،‬‬
‫أخــدت الســيدة عــا الهاتــف النقــال ورضبــت الرقــم ‪ ،‬رن ردت‬
‫االبنــة ‪ :‬آلــو مرح ًبــا أمــي ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬أهـاً ‪ ،‬كيــف حالــك؟ ‪،‬‬
‫االبنــة‪ :‬بخــر ‪ ،‬وأنثــي؟ ‪.‬الســيدة عــا ‪ :‬أنــا بخــر ‪ ،‬ســوف أذهــب‬
‫غـ ًدا يف رحلــة ملشــاهدة أثــار بعــض الحضــارات التاريخيــة ملــدة‬
‫شــهرين‪ ،‬االبنــة‪ :‬حقــا ! هــذا رائــع ‪ ،‬ولكنــي أرجــو أن تهتمــي‬
‫بصحتــك يــا أمــي ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا ال تقلقــي ‪ ،‬االبنــه‪ :‬إن‬
‫أحتجتــي شــيئًا أخربينــي ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا يــا ابنتــي أريــد‬
‫دعواتــك ‪ ،‬االبنــه‪ :‬وأنــا أيضً ــا أريــد دعواتــك إىل اللقــاء ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬مــع الســامة‪.‬‬
‫أغلقــت الســيدة عــا الخــط ‪ ،‬ثــم التفتــت إىل جنــة قائلــة‪:‬‬
‫ملــا ال تشــري التذكــرة اآلن يــا جنــة بــدالً مــن املغــرب؟ أخــاف أن‬
‫تبــاع وال تجــدي شــيئاً ‪ ،‬جنــة‪ :‬معــك حــق ســيديت ‪ ،‬ســأذهب اآلن‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬ســآيت معــك‪ ،‬جنــة ‪ :‬هيــا بنــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬هيــا‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫خرجــت كل مــن الســيدتان جنــة وعــا لــراء تذكــرة‬


‫ســفر لجنــة ‪ ،‬وقفتــا عــى الشــارع الرئيــي ‪ ،‬واســتقلتا ســيارة‬
‫أجــرة للذهــاب ملــكان بيــع التذاكــر ‪ ،‬وصلــت الســيارة ملــكان‬
‫بيــع تذاكــر ســفر بالقطــار ‪ ،‬دفعــت الســيدة عــا أجــرة الســيارة‬
‫وانطلقــت الســيارة يف طريقهــا ‪ ،‬توجهــت الســيدتان إىل مكتــب‬
‫بيــع التذاكــر ‪ ،‬قالــت جنــة‪ :‬أريــد تذكــرة ســفر بالقطــار غ ـ ًدا‬
‫الســاعة العــارشة صبا ًحــا ‪ ،‬البائــع ‪ :‬حســ ًنا هــا هــي لحظــة‬
‫أحســب مثنهــا ‪ ،‬إنهــا بأربــع مائــة فقــط ‪ ،‬جنــة ‪ :‬خــد ‪ ،‬البائــع ‪:‬‬
‫شــك ًرا ‪ ،‬أخــدت الســيدة جنــة التذكــرة متوجهــة حيــث تجلــس‬
‫الســيدة عــا بانتظارهــا ‪ ،‬ومــا إن رأتهــا الســيدة عــا حتــى‬
‫قالــت ‪ :‬كــم مثــن التذكــرة ؟ جنــة‪ :‬أربــع مائــة‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ال‬
‫بــأس مثنهــا معقــول ‪ ،‬هــل تحتاجــن شــيئاً مــن الســوق؟ ‪ ،‬جنة‪:‬‬
‫ال ‪ ،‬ال لقــد اشــريت وجهــزت كل يشء ‪ ،‬وال أحتــاج ألي يشء ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬حسـ ًنا لنشــري طعــام الغــداء ثــم نعــود للمنــزل‪،‬‬
‫جنــة ‪ :‬هيــا بنــا‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫خرجــت كل مــن الســيدتني مــن مكتــب بيــع التذاكــر ‪،‬‬


‫واســتقلتا ســيارة أجــرة للمطعــم ‪ ،‬اشــرت الســيدة عــا الغــذاء‪،‬‬
‫ثــم عــادت إىل الســيارة التــي توجهــت ملنــزل الســيدة عــا ‪،‬‬
‫وصلــت الســيدتان عــا وجنــة إىل املنــزل منهكتــن يف الســاعة‬
‫الثانيــة والنصــف ظهـ ًرا ‪ ،‬قالــت جنــة للعــم عبــده‪ :‬حــر املائــدة‬
‫وقــدم الطعــام بينــا نغــر مالبســنا ‪ ،‬العــم عبــده‪ :‬حسـ ًنا ســيديت‪،‬‬
‫ثــم ذهــب لتحضــر املائــدة ‪ ،‬بينــا ذهبــت كل مــن الســيدة عــا‬
‫وجنــة لغرفتيهــا لتغــر مالبســهام ‪ ،‬ثــم توجهــوا لغرفــة الطعــام‬
‫ورشعتــا تــأكالن طعــام الغــذاء الــذي كان عبــارة عــن قطــع‬
‫الدجــاج املشــوي ‪ ،‬وأرز ‪ ،‬وحــن أكملتــا طعــام الغــذاء ذهبتــا‬
‫إىل االسـراحة لتنــاول القهــوة‪ ،‬وبينــا هــا كذلــك تطرقــت‬
‫را مــا رأيــك يــا جنــة أن‬
‫الســيدة عــا قائلــة ‪ :‬إنهــا الرابعــة ع ـ ً‬
‫تتصــي بأختــك اآلن ؟ جنــة ‪ :‬فكــرة رائعــة ‪ ،‬حســ ًنا ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬خــدي هاتفــي النقــال وتكلمــي ‪ ،‬جنــة‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬ثــم أخــذت‬
‫الهاتــف ورضبــت األرقــام ‪ ،‬رن ‪ ،‬جنــة ‪ :‬ألــو مرح ًبــا أختــي ‪،‬‬
‫األخــت‪ :‬أهـاً يــا جنــة ‪ ،‬كيــف حالــك؟ لقــد اشــتقت إليــك كثـ ًرا‬
‫‪56‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫يــا جنــة ‪ ،‬جنــة ‪ :‬وأنــا أيضً ــا اشــتقت إليــك ‪ ،‬لــدي مفاجــأة‬
‫لــك أختــي ‪ ،‬األخــت ‪ :‬مــا هــي؟ جنــة‪ :‬ســوف آيت إليــك غ ـ ًدا ‪،‬‬
‫األخــت ‪ :‬حقــا رائــع هــذا أجمــل خــر ســمعته إين ســعيدة ‪،‬‬
‫ومــاذا عــن الســيدة عــا ؟ جنــة‪ :‬إنهــا ســتقوم برحلــة ابتــدا ًء‬
‫مــن غــد ملــدة شــهرين ملشــاهدة آثــار بعــض الحضــارات‬
‫التاريخيــة ‪ ،‬األخــت‪ :‬هــذا رائــع ألن هــذا معنــاه إنــك ســتبقي‬
‫عنــدي شــهرين ‪ ،‬آه كــم أنــا ســعيدة ‪ ،‬ســأنتظرك غــدا ً إىل‬
‫اللقــاء‪ ،‬جنــة‪ :‬إىل اللقــاء‪.‬‬
‫أغلقــت جنــة الخــط والتفتــت للســيدة عــا قائلــة‪ :‬لقــد‬
‫فرحــت أختــي كثــ ًرا بقدومــي ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬حمــد للــه ‪،‬‬
‫جنــة ‪ :‬واآلن أتصــي بابنــك ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬نعــم‬
‫حســنا‪.‬‬
‫أخــدت الســيدة عــا الهاتــف ‪ ،‬ورضبــت األرقــام ‪ ،‬رن ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪:‬الــو مرحب ـاً بنــي ‪ ،‬االبــن ‪ :‬أه ـاً يــا أمــي كيــف‬
‫حالــك؟ ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬بخــر و كيــف حالــك أنتــي وعائلتــك؟‬
‫االبــن‪ :‬بخــر ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ســأذهب غــدا ً يف رحلــة ســياحية‬
‫‪57‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫داخليــة ملشــاهدة آثــار بعــض الحضــارات التاريخيــة ‪ ،‬االبــن‪:‬‬


‫ومــن أيــن لــك مثنهــا يــا أمــي؟ الســيدة عــا‪ :‬لقــد أهــداين إيّاهــا‬
‫صديقـاً قدميـاً يل ولوالــدك ‪ ،‬االبــن ‪:‬جميــل وكــم مدتهــا ؟ الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬شــهرين ‪ ،‬االبــن ‪ :‬حسـ ًنا انتبهــي لنفســك أمــي وإن احتجتي‬
‫أي يشء أخربينــي ‪ ،‬الســيدة عــا ‪:‬شــكرا بنــي ال تقلــق إىل اللقــاء‪،‬‬
‫االبــن‪ :‬إىل اللقــاء ‪.‬‬
‫أغلقــت الســيدة عــا الخــط ‪ ،‬ثــم قالــت لجنــة ‪ :‬الحمــد للــه‬
‫يــا جنــة لقــد ســارت األمــور كــا خططــت لهــا ‪ ،‬جنــة ‪ :‬حمــد‬
‫للــه‪ ،‬واآلن لنذهــب يك نســريح قليـاً الســيدة عــا ‪ :‬حسـ ًنا أرايك‬
‫الحقـاً ‪.‬‬
‫َمـ َّر الوقــت وجــاء الليــل بأناملــه الناعمــة ‪ ،‬وأنفاســه التــي‬
‫تتالعــب بدقــات القلــب ليرتاقــص مــع أمــواج البحــر املنهمــر‬
‫عــى شــطئان املــرآة الدخانيــة ‪ ،‬لتعكــس دموعهــا عــى صفحــات‬
‫الحيــاة ‪.‬‬
‫كانــت الســاعة العــارشة مســا ًء حــن طلبــت الســيدة عــا‬
‫مــن جنــة إحضــار العشــاء لغرفتهــا ‪ ،‬ومــا هــي إال لحظــات حتــى‬
‫‪58‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫جــاءت جنــة طارقــة بــاب غرفــة الســيدة عــا قائلــه ‪ :‬لقــد‬


‫احــرت العشــاء ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ادخــي يــا جنــة ‪ ،‬دخلــت‬
‫جنــة ووضعــت الطعــام عــى الطاولــة وجلســت ‪ ،‬ثــم جــاءت‬
‫الســيدة عــا وجلســت أمــام جنــة ‪ ،‬ورشعتــا تــأكالن الطعــام‬
‫الــذي كان عبــارة عــن قطــع اللحــم املشــوي ‪ ،‬وبعــض األرغفــة‪،‬‬
‫وســلطة ‪ ،‬ومــا إن أكملتــا الطعــام حتــى جــاء العــم عبــده حامالً‬
‫القهــوة ‪ ،‬دخــل الغرفــة بعــد أن واســتأذن ووضــع القهــوة عــى‬
‫الطاولــة وانــرف ‪ ،‬بدأتــا الســيدتان باحتســاء القهــوة ‪ ،‬ومــا‬
‫أن أكملتــا حتــى قالــت الســيدة عــا‪ :‬سأشــتاق إليــك يــا جنــة ‪،‬‬
‫جنــة‪ :‬وأنــا أيضـاً ســيدة عــا سأشــتاق إليــك‪ ،‬ولكــن ســأطمنئ‬
‫عليــك بــن حــن وآخــر ‪ ،‬واآلن لننــام حتــى نســتيقظ غ ـ ًدا يف‬
‫أتــم نشــاطنا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬معــك حــق ‪ ،‬تصبحــن عــى خــر‪،‬‬
‫جنــة‪ :‬طابــت ليلــك ‪ ،‬وذهبــت جنــة لغرفتهــا ونامــت‪ ،‬أ ّمــا‬
‫الســيدة عــا فجلســت تقــرأ كتابًــا حتــى نامــت‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ال ف�صل الرا عب‬


‫�‬
‫الرحلة ‪ ،‬ودعوة مفاجئة‬

‫كانــت الســاعة الثامنــة حــن وصلــت الســيدة عــا إىل بــاص‬


‫الرحلــة ‪ ،‬جلســت يف مقعدهــا رقــم تســعة الــذي بجانــب النافذة‪،‬‬
‫كان معهــا اثنــا عــر راك ًبــا ‪ ،‬واملرشــدة الســياحية والســائق ‪.‬‬
‫جلــس الجميــع عــى مقاعدهــم وأغلــق بــاب البــاص ‪،‬‬
‫وبــدأ البــاص باالنطــاق ‪ ،‬قالــت املرشــدة‪ :‬ســوف تســتغرق هــذه‬
‫الرحلــة ملنطقــة الســياحة و الفنــدق تســع ســاعات ‪ ،‬أي ســنصل‬
‫را مــع اس ـراحة الغــذاء‪ ،‬رد الــركاب ‪:‬‬
‫يف الســاعة الخامســة ع ـ ً‬
‫حس ـ ًنا ‪ ،‬املرشــدة الســياحية‪ :‬الفنــدق يقــع يف منطقــة هضبيــة‬
‫مطلــة عــى البحــر أمــا املناطــق الســياحية فأغلبهــا جبليــة‪ ،‬ثــم‬
‫قامــت بتوزيــع أوراق عــى الــركاب وكتبــوا بياناتهــم ثــم ســلموها‬
‫‪60‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫لهــا ‪ ،‬بعــد ذلــك قامــت بتوزيــع لوائــح أســاء الــركاب وبرنامج‬


‫الرحلــة ‪ ،‬ثــم جلســت عــى مقعدهــا بجانــب الســائق‪.‬‬
‫أخــدت الســيدة عــا تقــرأ أســاء الــركاب اإلثنــا عــر‪:‬‬
‫الســيد أحمــد عــز ‪ ،‬الســيدة مهــا وابنتهــا ثريــا ‪ ،‬الســيدة كامليــا‬
‫وزوجهــا الســيد صوفــت ‪ ،‬الشــاب محمــد وصديقــه الشــاب‬
‫عمــر ‪ ،‬األســتاذتان ليــى ومنــى ‪ ،‬املليونــر رمــزي وزوجتــه عــزة‬
‫وبنتــه آالء‪ ،‬وأخ ـ ًرا الســيدة عــا‪.‬‬
‫وضعــت الســيدة عــا اللوائــح يف حقيبتهــا ‪ ،‬ثــم راحــت‬
‫تتأمــل الــركاب ووجوههــم قائلــة‪ :‬لعــل ذلــك الرجــل األنيــق‬
‫الســيد أحمــد عــز شــكله يــدل عــى أنــه رجــل أعــال ‪ ،‬وتلــك‬
‫املــرأة البدينــة الســيدة مهــا وبجانبهــا فتــاة صغــرة يف العــارشة‬
‫مــن العمــر مــن املؤكد انهــا ابنتهــا ثريا ‪ ،‬ورأت ســيدة متوســطة‬
‫العمــر تقري ًبــا يف الثالثينيــات مــن العمــر وبجانبهــا رجــل ضخــم‬
‫البنيــة فقالــت ‪ :‬البــد مــن أنهــا الســيدة كامليــا وزوجها الســيد‬
‫صوفــت شــكلهم يوحــي عــى أنهــا رشطــة‪ ،‬وهــذان الشــابان‬
‫محمــد وعمــر شــكلهام يوحــي عــى أنهــا طالبــان ‪ ،‬وهاتــان‬
‫‪61‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫األنســتان مــن املؤكــد أنهــا ليــى ومنــى شــكلهام يوحــي أنهــا‬


‫مدرســتان ‪ ،‬وأخــ ًرا هــذا هــو املليونــر رمــزي وزوجتــه عــزة‬
‫وابنتــه آالء كــم هــي جميلــة وشــابة‪.‬‬
‫ثــم قالــت يف نفســها‪ :‬ال أحــد مــن هــؤالء شــكله يوحــي‬
‫أنــه قاتــل ‪ ،‬يــا اللــه ســاعدين يف هــذه املهمــة الجنونيــة ‪ ،‬ثــم‬
‫نظــرت للســيدة كامليــا قائلــة ‪ :‬هــذه الســيدة شــكلها مألــوف‬
‫ـدي وجههــا أعرفــه‪ ،‬لكنــه متغــر متأكــدة أين قابلتهــا لكنــي ال‬
‫لـ َّ‬
‫أتذكــر ‪ ،‬آه يــا إلهــي عقــي يــكاد ينفجــر مــن كــرة التفكــر‪.‬‬
‫ثــم نظــرت مــن النافــدة ‪ ،‬كان الطقــس غامئًــا جميـاً بــار ًدا‪،‬‬
‫فيــه ألــوان قــوس قــزح يبعــث الطأمنينــة يف النفــس ‪ ،‬فــرأت‬
‫املنــازل الصغــرة الريفيــة ‪ ،‬والحقــول الخـراء ‪ ،‬والفالحــن الذيــن‬
‫يفلحــون األرض ‪ ،‬والفالحــات الــايت تحلــن األبقــار واألغنــام ‪،‬‬
‫وهنــاك الحدائــق الصغــرة املليئــة باألزهــار واألشــجار والــورد‬
‫التــي تبعــث روائحهــا الذكيــة التــي تهــدأ النفــس ‪ ،‬ورأت‬
‫البح ـرات الصغــرة املليئــة بالبجــع والطيــور الجميلــة ‪ ،‬والجبــال‬
‫والهضــاب املكســوة بالحشــائش الخــراء ‪ ،‬كل هــذه املناظــر‬

‫‪62‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫جعلــت الســيدة عــا مســرخية األعصــاب ‪ ،‬هادئــة البــال ‪،‬‬


‫مطمئنــة النفــس ‪ ،‬ثــم رأت قطــار يســر عــى بعــد مســافة‬
‫كبــرة مــن البــاص وبرسعــة كبــرة جـ ًّدا ‪ ،‬فقالــت لنفســها‪ :‬لعــل‬
‫جنــة مســافرة فيــه حفظهــا الرحمــن ‪ ،‬ثــم أغمضــت عينيهــا‬
‫مســرخية حتــى نعســت‪.‬‬
‫كانــت الســاعة الثانيــة ظهــ ًرا حــن اســتيقظت الســيدة‬
‫عــا عــى صــوت املرشــدة الســياحية التــي قالــت‪ :‬ســيدة عــا‬
‫اســتيقظي حــان موعــد الغــداء ‪ ،‬الســيدة عــا ناهضــة بتثاقــل ‪:‬‬
‫حسـ ًنا أيــن نحــن اآلن؟ ‪ ،‬املرشــدة الســياحية‪ :‬لقــد توقفنــا مــن‬
‫أجــل الغــداء ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬حسـ ًنا آتيــة‪.‬‬
‫ذهبــت املرشــدة الســياحية للمطعــم ‪ ،‬وتبعتهــا الســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬دخلــت الســيدة عــا املطعــم فانبهــرت بفخامتــه وكــره‬
‫‪ ،‬كانــت حيطانــه بيضــاء اللــون مزركشــة بالنقــوش الرتاثيــة ‪،‬‬
‫وهنــاك طــاوالت كبــرة وكـرايس ‪ ،‬توجهــت للطاولــة التــي جلس‬
‫عليهــا رفقائهــا بالرحلــة كانــت الطاولــة كبــرة بنيــة اللــون‬
‫مزخرفــة بالنقــش امللــي ‪ ،‬والك ـرايس بنفــس اللــون ‪ ،‬جلســت‬
‫‪63‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫الســيدة عــا يف الكــريس الفــارغ بجانــب املرشــدة الســياحية ‪،‬‬


‫تطرقــت املرشــدة قائلــه هــذه الوجبــة وغريهــا مــن الوجبــات‬
‫مدفــوع حســابها مــن ضمــن مثــن الرحلــة وقــد طلبــت مــا أراه‬
‫مناسـ ًبا لكــم ‪ ،‬الجميــع‪ :‬هــذا جيــد ‪ ،‬ومــا هــي إال لحظــات حتــى‬
‫جــاء النــادل وقــدم مائــدة الطعــام الــذي كان عبــارة عــن‪ :‬أطبــاق‬
‫مــن األرز ‪ ،‬أطبــاق مــن املكرونــه ‪ ،‬أطبــاق اللحــم املشــوي‪ ،‬أطباق‬
‫الدجــاج املشــوي ‪ ،‬أطبــاق مــن الفواكــه والخــروات ‪ ،‬كــؤوس‬
‫مــن املــاء والعصــر ‪ ،‬أكــواب مــن الشــاي والقهــوة ‪ ،‬بــدأ الجميــع‬
‫بتنــاول طعــام الغــداء بشــهية ‪ ،‬وبعــد أن أكملــوا تنــاول الطعــام‬
‫تناولــوا القهــوة والشــاي ‪ ،‬ثــم ذهــب بعضهــم إىل الحــام لقضــاء‬
‫الحاجــة ومــا إن أكملــوا حتــى توجهــوا عائديــن للبــاص‪.‬‬
‫را حــن انطلــق‬
‫كانــت الســاعة الثالثــة والنصــف عــ ً‬
‫البــاص مواص ـاً رحلتــه للفنــدق ‪ ،‬كان جميــع الــركاب منشــغلني‬
‫بأنفســهم ‪ ،‬جلســت الســيدة عــا تقــرأ لوحــة الربنامــج املتعلــق‬
‫بالرحلــة يوجــد فيــه جــداول يوميــة للرحلــة ووجبــات الطعــام‬
‫الثــاث ‪ ،‬قــرأت الجــداول التــي كانــت مقســمة إىل مثانيــة‬
‫‪64‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫أســابيع‪ ،‬األســبوع األول والثــاين رحلــة لزيــارة القصــور التاريخية‬


‫‪ ،‬األســبوع الثالــث والرابــع رحلــة لزيــارة آثــار الحضــارات ‪،‬‬
‫األســبوع الخامــس والســادس رحلــة لزيــارة املقابــر التاريخيــة‬
‫لعظــاء وملــوك الحضــارات‪ ،‬أ ّمــا األســبوع الســابع والثامــن‬
‫فهــو مخصــص لزيــارة األســواق الشــعبية ‪.‬‬
‫را‬
‫مــى الوقــت رسي ًعــا كانــت الســاعة الخامســة عــ ً‬
‫حــن توقــف البــاص أمــام الفنــدق املخصــص للــركاب ‪ ،‬ونــزل‬
‫جميــع الــركاب إىل الفنــدق ‪ ،‬دخلــوا إىل االســتقبال حيــث يوجد‬
‫املســؤل عــن اســتقبال الزبائــن تقدمــت املرشــدة الســياحية‬
‫للموظــف قائلــة‪ :‬نحــن الوفــد الســياحي أتينــا لرحلــة ســياحية‬
‫مدتهــا شــهرين ملشــاهدة آثــار بعــض الحضــارات التاريخيــة‬
‫‪ ،‬املوظــف ‪ :‬نعــم مفهــوم لقــد حجــز لكــم الطابــق الخامــس‬
‫بأكملــه مكــون مــن تســع غــرف ‪ ،‬أعطاهــم مفاتيــح الغــرف‬
‫وعليهــا أرقــام الغــرف مــن الرقــم ســتني إىل الرقــم تســعة‬
‫وســتني ‪ ،‬كان نصيــب الســيدة عــا الغرفــة رقــم ســبعة وســتني‬
‫ثــم التفــت للنــادل قائــاً‪ :‬أوصــل الســادة لغرفهــم ‪ ،‬النــادل‪:‬‬
‫‪65‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫حس ـ ًنا ‪ ،‬ثــم أضــاف املوظــف‪ :‬ســيتم إعالمكــم مبوعــد الوجبــات‬


‫إىل غرفكــم ‪ ،‬املرشــدة الســياحية ‪ :‬حس ـ ًنا ‪ ،‬النــادل ‪ :‬اتبعــوين يــا‬
‫ســادة ‪ ،‬فاتبعــوه جميــع النازلــن متوجهــن للمصعــد ‪ ،‬ضغــط‬
‫النــادل عــى زر املصعــد وحينئــذ فتــح بــاب املصعــد الــذي كان‬
‫كبـرا ً جـ ًّدا ‪ ،‬وصعــدوا جميعهــم للطابــق الخامــس ‪ ،‬وحــن وصلوا‬
‫فتــح بــاب املصعــد‪ ،‬وكان باســتقبالهم مجموعــة نادلــن حملــوا‬
‫األمتعــة للغــرف‪.‬‬
‫ذهــب كل واحــد مــن النــزالء لغرفتــه املخصصــة ويتبعــه‬
‫موظــف يحمــل أمتعتــه دخــل الجميــع إىل غرفهــم ‪ ،‬ودخلــت‬
‫الســيدة عــا إىل غرفتهــا تبعتهــا نادلــة تحمــل حقيبتهــا ‪،‬‬
‫شــكرت الســيدة عــا النادلــة ‪ ،‬فقالــت النادلــة‪ :‬ال شــكر عىل‬
‫واجــب ســيديت ‪ ،‬ســآيت إلعالمــك مبواعيــد الوجبــات ومواعيــد‬
‫الرحــات ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حسـ ًنا ال بــأس خرجــت النادلــة وأغلقت‬
‫البــاب وراءهــا ‪.‬‬
‫أخــدت الســيدة عــا تتأمــل الغرفــة التــي كان لونهــا زهــري‬
‫جميــل يوجــد بهــا رسيــر كبــر بنــي فاتــح ذو نقــوش ورديــة‬
‫‪66‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫عليــه فـراش مريــح عليــه لحــاف أبيــض بــورود زهريــة ووســادة‬


‫مريحــة بنفــس اللــون ودوالب بنــي فاتــح ذو نقــوش ورديــة ‪،‬‬
‫وهــو كبــر مكــون مــن أربــع خانــات إثنتــن للمالبــس املعلقــة‬
‫وآخريتــن للمالبــس املرتبــة وخزانتــان لألشــياء الصغــرة ‪ ،‬كــا‬
‫يوجــد مــرآة كبــرة بنفــس اللــون بهــا أربــع خزانــات صغــرة ‪،‬‬
‫أمامهــا كــريس صغــر لــه نفــس اللــون ‪ ،‬وأخ ـ ًرا يوجــد نافــدة‬
‫عليهــا ســتائر بيضــاء عليهــا ورود زهريــة ‪ ،‬كانــت النافــدة‬
‫مطلــة عــى البحــر مــن إرتفــاع كبــر ‪ ،‬كــا يوجــد منــازل كثــرة‬
‫ميكــن أن تــرى‪.‬‬
‫ذهبــت الســيدة عــا للحــام لتغتســل وتغــر مالبســها‪،‬‬
‫بعــد أن رتبــت أغراضهــا يف الــدوالب ‪ ،‬ثــم جلســت عــى الرسير‬
‫لتســريح قليـاً مــن تعــب الســفر ومــا هــي إال ســاعات حتــى‬
‫طــرق بــاب غرفــة الســيدة عــا ‪ ،‬قالــت الســيدة عــا‪ :‬مــن‬
‫الطــارق ؟ النادلــة‪ :‬أنــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ادخــي ‪ ،‬فدخلــت النادلة‬
‫قائلــة ‪ :‬إنهــا الثامنــة مســا ًء ســيديت موعــد العشــاء ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬ثــم اتبعــت النادلــة نحــو املصعــد ودخلتــا املصعد‬
‫‪67‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫هابطتــن للطابــق الثالــث ‪ ،‬وصــل املصعــد وخرجــت النادلــة‬


‫تبعتهــا الســيدة عــا متوجهــة لغرفــة الطعــام املخصصــة لهــم‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا فانبهــرت بجــال الغرفــة ‪ ،‬فهــي‬
‫تحتــوي عــى طاولــة كبــرة بلــون دهبــي جميــل ‪ ،‬وكـرايس بنفس‬
‫اللــون عددهــا خمســة عــر كــريس‪ ( ،‬ألن الفنــدق يجهــز لــكل‬
‫وفــد غرفــة طعــام خاصــة لــه) ‪ ،‬كــا يوجــد مصابيــح مزخرفــة‬
‫ومضــاءة بشــكل يأخــد األلبــاب ‪ ،‬كــا يوجــد بهــا التحــف‬
‫األنيقــة والزهريــات ‪ ،‬وتحتــوي الغرفــة عــى رشفتــن لــكل رشفــة‬
‫طاولــة صغــرة بيضــاء وأربــع ك ـرايس بنفــس اللــون ‪ ،‬وعــى كل‬
‫أبــواب الرشفتــن ســتائر بيضــاء جميلــة‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا بجانــب الســيدة كامليــا وهــي‬
‫متعبــة قلي ـاً ‪ ،‬ثــم نظــرت إىل طعــام العشــاء الــذي كان عبــارة‬
‫عــن قطــع اللحــم املشــوي ‪ ،‬نوعــن مــن األجبــان ‪ ،‬بيــض مقــي‬
‫وآخــر مســلوق ‪ ،‬خمســة أنــواع مــن الســلطة ‪ ،‬أطبــاق الفواكــه ‪،‬‬
‫وكــؤوس العصــر وأكــواب القهــوة‪.‬‬
‫بــدأ الجميــع بتنــاول الطعــام ‪ ،‬ثــم احتســوا القهــوة ‪ ،‬وبينــا‬
‫‪68‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫هــم كذلــك تطرقــت املرشــدة الســياحية قائلــة‪ :‬نظــ ًرا ألننــا‬


‫متعبــن فقــد أجلــت رحلــة الصبــح إىل العــر ‪ ،‬فــا رأيكــم؟‬
‫الجميــع‪ :‬خــرا ً مــا فعلتــي‪ ،‬وقامــوا جميعــا متوجهــن إىل‬
‫غرفهــم‪ ،‬وحــن وصلــوا إىل غرفهــم ودعــوا بعضهــم بعضــا قائلني‪:‬‬
‫تصبحــون عــى خــر ‪ ،‬طابــت ليلتكــم ‪ ،‬ودخلــوا جمي ًعــا‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا إىل غرفتهــا وهــي متعبــة ‪،‬‬
‫إنهــا الســاعة العــارشة مســا ًء قالــت لنفســها ‪ ،‬ثــم راحــت‬
‫تفكــر باهتــام الســيدة كامليــا وزوجهــا الســيد صفــوت‬
‫بهــا ونظراتهــم التــي ال تفارقهــا ‪ ،‬قالــت لنفســها ‪ :‬هنــاك‬
‫رس بهــا يجــب أن أعرفــه ‪ ،‬آه كــم أنــا متعبــة أريــد‬
‫أن أنام ‪ ،‬أطفأت النور وغطت نفسها ونامت‪.‬‬
‫طلــع النهــار بســرته البيضــاء املطــرزة بقطعــة مــن‬
‫الذهــب املشــع ‪ ،‬حولهــا قطــع مــن الــورود والحشــائش‬
‫الخ ـراء جــاء ليــدب الــروح يف الحيــاة‪ ،‬كان الطقــس جمي ـاً‬
‫جــ ًّدا معتــدالً نســب ًيا ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫كانــت الســاعة العــارشة صبا ًحــا حــن طرقــت النادلــة بــاب‬


‫غرفــة الســيدة عــا قائلــة ‪ :‬ســيدة عــا هــل ميكننــي الدخــول؟ ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬نعــم تفضــي ‪ ،‬دخلــت النادلــة قائلــة‪ :‬إنهــا العــارشة‬
‫صبا ًحــا ســيدة عــا وموعــد اإلفطــار قــد حــان ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫حس ـ ًنا ســآيت ‪ ،‬نهضــت الســيدة عــا مــن رسيرهــا وذهبــت إىل‬
‫الحــام ‪ ،‬بينــا نظفــت النادلــة الغرفــة ورتبتهــا ثــم خرجــت‪.‬‬
‫ارتــدت الســيدة عــا فســتانًا زهريًّــا خفيــف أنيــق يليــق‬
‫بســنها ‪ ،‬ورسحــت شــعرها بطريقــة مناســبة ‪ ،‬ولبســت قبعتهــا‬
‫الكبــرة املصنوعــة مــن القــش املزينــة بالــورود ‪ ،‬وانتعلــت‬
‫حذاءهــا الطبــي ‪ ،‬ثــم أخــدت حقيبــة اليــد الصغــرة وخرجــت‬
‫مــن غرفتهــا مغلقــة البــاب وراءهــا باملفتــاح الــذي وضعتــه يف‬
‫حقيبتهــا‪.‬‬
‫توجهــت الســيدة عــا نحــو املصعــد ‪ ،‬وعنــد وصلوهــا‬
‫وجــدت الســيدة مهــا وابنتهــا ثريــا ‪ ،‬والســيد أحمــد عــز ‪،‬‬
‫والســيدة كامليــا وزوجهــا الســيد صفــوت ‪ ،‬جميعهــم واقفــن‬
‫أمــام املصعــد منتظريــن طلوعــه ‪ ،‬وقفــت بجانبهــم ملقيــة‬
‫‪70‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫التحيــة قائلــة‪ :‬صبــاح الخــر يــا ســادة ‪ ،‬الجميــع ‪ :‬صبــاح الخــر‬


‫ســيدة عــا ‪ ،‬التفتــت الســيدة عــا نحــو الســيدة كامليــا التــي‬
‫كانــت ترتــدي معطــف مخمــي وشــعرها األحمــر املســتعار‬
‫الــذي يغطــي نصــف وجههــا قائلــة ‪ :‬ســيدة كامليــا أشــعر أننــا‬
‫تقابلنــا مــن قبــل ‪ ،‬قاطعهــا الســيد صفــوت مقهقهــا قائ ـاً‪ :‬ال‬
‫أظــن ذلــك ســيدة عــا فزوجتــي ال تخــرج إال معــي ‪ ،‬ثــم قالــت‬
‫الســيدة كامليــا مقهقهــة ‪ :‬نحــن ال نفــرق أب ـ ًدا ‪ ،‬يخلــق مــن‬
‫الشــبه أربعــن ‪ ،‬وحينئــذ فتــح بــاب املصعــد ‪ ،‬فقالــت ثريــا‬
‫ضاحكــة ‪ :‬هيــا بنــا يــا ســادة ســنموت جو ًعــا ‪ ،‬الجميــع‪ :‬هيــا‪.‬‬
‫صعــد الجميــع املصعــد وهبطــوا للطابــق الثالــث ‪،‬‬
‫دخــل الجميــع غرفــة الطعــام وجلســوا عــى املائــدة ‪ ،‬وقــد‬
‫اختــارت الســيدة عــا الكــريس الــذي يقــع بجانــب األنســتان‬
‫ليــى ومنــى‪ ،‬وبــدأ الجميــع بتنــاول طعــام اإلفطــار الــذي‬
‫كان عبــارة عــن ‪ ،‬ساندويتشــات الجــن واملــرىب ‪ ،‬وأخــرى مــن‬
‫الجــن والطامطــم ‪ ،‬أطبــاق مــن الفــول ‪ ،‬الحمــص ‪ ،‬الطحــن ‪،‬‬
‫أطبــاق مــن ســلطة الفواكــه ‪ ،‬وأخــرى مــن املاينيــز ‪ ،‬كــؤوس‬
‫‪71‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫املــاء والعصــر ‪ ،‬أكــواب مــن الشــاي والقهــوة ‪ ،‬بــدأ الجميــع‬


‫بتنــاول الطعــام وهــم يتناقشــون يف مواضيــع مختلفــة السياســة‪،‬‬
‫اإلقتصــاد ‪ ،‬املــال واألعــال‪ ،‬الفــن والثقافــة ‪ ،‬أكملــوا تنــاول‬
‫الطعــام واحتســاء الشــاي ‪ ،‬وعرفــت الســيدة عــا أن توقعاتهــا‬
‫بشــأن رفقائهــا صحيحــة‪ ،‬أحمــد عــز رجــل أعــال ‪ ،‬ليــى ومنــى‬
‫مدرســتان‪ ،‬محمــد وعمــر طالبــان يف كليــة التجــارة‪ ،‬مهــا وابنتهــا‬
‫مــن عائلــة متوســطة إجتامع ًّيــا‪ ،‬أ َّمــا عائلــة املليونــر رمــزي فهــي‬
‫معروفــة منــد البدايــة‪ ،‬بقــى الســيدة كامليــا والســيد صفــوت مل‬
‫تســتطع معرفــة شــيئاً عنهــا‪.‬‬
‫اســتأذنت الســيدة عــا الجميــع وذهبــت إىل إحــدى‬
‫رشفــات غرفــة الطعــام ‪ ،‬وجلســت عــى أحــد الك ـرايس مقابلــة‬
‫البحــر ‪ ،‬جلســت تتأمــل البحــر وأمواجــه التــي تتقــاذف وكأنهــا‬
‫يف ســباق ماراتــون‪ ،‬ورأت األســاك كيــف تتقافــز وكأنهــا أطفــال‬
‫فرحــة تعلــو إىل والديهــا ورأت أعــداد كبــرة مــن مراكــب الصيــد‬
‫والص ّياديــن يتأرجحــوا مرتاقصــن عــى أمواجــه وصوتــه وكأنهــا‬
‫حفلــة ملكيــة صاخبــة ‪ ،‬وشــاهدت الســاء الصافيــة التــي مــا‬

‫‪72‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫مــن أحــد يراهــا حتــى تعشــقها عينيــه وتتعلــق بهــا وكأنهــا‬


‫فتــاة يافعــة صافيــة القلــب ‪ ،‬ورأت الطيــور ذات األلــوان زاهيــة‬
‫تغــرد بأصــوات موســيقية هادئــة ‪ ،‬والجبــال املكســوة بالخــرة‬
‫والزهــور ذات األلــوان والروائــح التــي ال تقــاوم وكأنهــا قطعــة‬
‫مــن الســجاد املطــرز املعطــر ‪ ،‬ثــم أخــدت تراقــب املــزارع‬
‫الصغــرة التــي تحتــوي عــى األبقــار واألغنــام التــي ترعــى‬
‫الحشــائش ‪ ،‬وهنــاك رعــاة املــزارع الذيــن يزرعــوا مــزارع‬
‫منازلهــم‪.‬‬
‫راحــت تجــول بعينيهــا متأملــة املنــازل الصغــرة ذات‬
‫ألــوان مختلفــة ‪ ،‬منهــا مكــون مــن طابــق ومنهــا مــن طابقــن‪،‬‬
‫منهــا مــا هــو قديــم البنايــة ومنهــا مــا هــو حديــث البنايــة‪،‬‬
‫وبينــا هــي تتأمــل كل هــذه األشــياء ‪ ،‬شــد انتباههــا‬
‫فيــا صغــرة جميلــة ذات لــون أبيــض جميــل ســقفها أحمــر‬
‫تــويت‪ ،‬مكونــة مــن طابــق ومزرعــة خاليــة مــن كل يشء وتبــدو‬
‫مفتقــرة للحيــاة حزينــة ‪ ،‬وكأن هنــاك صــوت أنــن يــرخ‬
‫مــن وراء حيطانهــا مــن ظلــم وقــع عليــه واندثــر منــذ زمــن‬
‫‪73‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫فــا أحــد يعــرف عنــه شــيئًا ســوى شــاهد واحــد فقــط أال وهــو‬
‫اللــه جــل جاللــه ‪ ،‬كــا أن هنــاك شــيئًا شــد انتباههــا أكــر أال‬
‫وهــو منــزل صغــر قديــم مكــون مــن طابقــن ومزرعــة مهدومــة‬
‫بأشــياء قدميــة ج ـ ًّدا ‪ ،‬كان املنــزل ذو لــون رمــادي فاتــح قديــم‬
‫وهــو أيضً ــا يبــدو مفتقــر للحيــاة ‪ ،‬كئيــب ‪ ،‬يــدل عــى الخــوف‬
‫والفــزع والــدم وكأنــه منــزل أشــباح ‪ ،‬وكال مــن الفيــا واملنــزل‬
‫يقعــان بجــوار بعــض بينهــم مســافة صغــرة وأمامهــا البحــر‬
‫الغامــض كاتــم األرسار وعــى قــرب منهــا بعــض مــن املنــازل‬
‫الصغــرة وأيضً ــا مســجد صغــر‪.‬‬
‫انتبهــت الســيدة عــا _ وهــي تشــعر بقشــعريرة بســيطة‬
‫متــر بجســدها _ عــى صــوت الســيدة ليــى وهــي تجلــس‬
‫بجانبهــا قائلــة‪ :‬مرح ًبــا ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أه ـاً ‪ ،‬ليــى‪:‬‬
‫لقــد رأيتــك قــد أطلــت الجلــوس هنــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬نعــم فأنــا‬
‫أحــب مشــاهدة املناظــر الطبيعيــة ‪ ،‬ثــم التفتــت إىل ليــى قائلــة‪:‬‬
‫هــل أنتــي مدرســة ؟ ‪ ،‬ليــى ‪ :‬نعــم وقــد جئــت مــع رفيقتــي‬
‫منــى‪ ،‬وهــى أيضً ــا مدرســة يف نفــس مدرســتي ثانويــة البنــات ‪،‬‬
‫‪74‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫وقــد جئنــا لرنفــه عــى أنفســنا قبــل أفتتــاح املــدارس والعــودة‬


‫للشــقاء وأردفــت تضحــك‪ ،‬اعتدلــت الســيدة ليــى يف جلســتها‬
‫موجهــة ســؤالها للســيدة عــا‪ :‬وأنثــي ملــاذا جئــت إىل هنــا ؟‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬لقــد جئــت إىل هنــا عــن طريــق صديــق يل هــو‬
‫مــن دفــع يل مثنهــا كــوين مريضــة فقــد أرادين أن أجــدد نشــاطي‬
‫‪ ،‬ليــى‪ :‬هــذه الرحلــة مكلفــة وكــا علمــت أن زوجــك رجــل‬
‫أعــال متــوىف ‪ ،‬هــل صديقــك غنــي ســيدة عــا ؟ ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬نعــم إنــه رجــل أعــال معــروف ‪ ،‬أنــه الســيد مــراد‬
‫عاشــور ‪.‬‬
‫والحظــت الســيدة عــا وكأن ليــى تعرفــه ‪ ،‬فســألتها‪:‬‬
‫هــل تعرفيــه؟ ‪ ،‬ليــى‪ :‬ومــن منــا ال يعرفــه ويعــرف جرميــة‬
‫قتــل حفيــده جــواد الــذي قتــل بظــروف غامضــة فقــد وجــد‬
‫غريقــا مشــوه متامــا وقــد قتــل بعــد زواجــه بشــهر مــن نهــال‬
‫التــي اتهمــت بقتلــه ‪ ،‬ولكنــي متأكــدة مــن برأتهــا ألنهــا كانــت‬
‫تلميــذة عنــدي ‪ ،‬وهــي االن يف ســجن تجــري التحقيقــات معهــا‬
‫انظــري إىل هــذه الفيــا البيضــاء إنهــا لــه ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫تسـ ّمرت الســيدة عــا يف مكانهــا تحــاول تســتجمع قواهــا‪،‬‬


‫وأخــ ًرا قالــت‪ :‬مل أكــن أعــرف هــذه القصــة ‪ ،‬فــردت ليــى ‪:‬‬
‫ألنهــا وقعــت منــد ســنة رمبــا مل يشــاء الســيد م ـراد إزعاجــك ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬ملــا أنتــي متأكــدة مــن بـراءة نهــال ؟ ‪ ،‬ليــى‪ :‬ألين‬
‫أعرفهــا كونهــا تلميــذة عنــدي فهــي فتــاة بســيطة ربتهــا جدتهــا‬
‫بعــد وفــاة والديهــا بحــادث مؤســف وقــد أحبــت الســيد جــواد‬
‫وتزوجتــه‪ ،‬وكانــت حامــل فوضعــت طفلهــا يف الســجن وهــو اآلن‬
‫عنــد والــدا الســيد جــواد‪،‬‬
‫هــذه كل معلومــايت ‪ ،‬آه لقــد اطلــت بحديثــي وأثقلــت‬
‫عليــك ســيدة عــا حقــا آســفة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ال ‪ ،‬ال لقــد أمضيــت‬
‫معــك وقتًــا لطي ًفــا ‪ ،‬ليــى ‪ :‬آه إنهــا الواحــدة والنصــف ظه ـ ًرا ‪،‬‬
‫ثــم التفــت للداخــل قائلــة‪ :‬قــد بــدءوا بتقديــم الطعــام ‪ ،‬هــل ال‬
‫ذهبنــا ؟ ‪ ،‬الســيدة عــا مبتســمة‪ :‬أذهبــي أنثــى ســأعمل مكاملــة‬
‫البنــي ثــم ألحــق بــك ليــى ‪ :‬حس ـ ًنا ‪ ،‬ثــم ذهبــت ‪ ،‬استنشــقت‬
‫الســيدة عــا نفــس عميــق قائلــة‪ :‬هكــذا إذا ‪ ،‬لقــد أرادين الســيد‬
‫مــراد إكتشــاف قاتــل حفيــده الحقيقــي ‪ ،‬حســ ًنا قــد بــدأت‬

‫‪76‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫أمســك طــرف الخيــط ‪ ،‬ثــم كتبــت كل مــا قالتــه ليــى برسعــة‬


‫يف مفكرتهــا‪ ،‬وقامــت متوجهــة للداخــل وجلســت بجانــب‬
‫الســيد أحمــد عــز لتتنــاول طعــام الغــذاء‪.‬‬
‫كان طعــام الغــداء عبــارة عــن أطبــاق اللحــم املشــوي‪،‬‬
‫واملقــي ‪ ،‬واملحمــر ‪ ،‬أطباق الدجاج املشــوي ‪ ،‬واملقــي‪ ،‬واملحمر‪،‬‬
‫واملفــروم ‪ ،‬أطبــاق مــن األرز العــادي ‪ ،‬أرز مــع صلصــة ‪ ،‬أرز‬
‫مــع الســمك ‪ ،‬أطبــاق املكرونــه العاديــة مــع الصلصــة ‪ ،‬أطبــاق‬
‫املكرونــه بالباشــمل ‪ ،‬أطبــاق البطاطــس املحشــوة بالجــن‪.‬‬
‫أطبــاق مــن السمبوســة املحشــوة بالجــن ‪ ،‬وأخــرى محشــوة‬
‫باللحــم املفــروم ‪ ،‬أطبــاق مــن ســلطة الجــزر والخيــار بالزبــادي‪،‬‬
‫ســلطة املاينيــز ‪ .‬ســلطة الفواكــه بالزبــادي ‪ ،‬أطبــاق الفواكــه‪،‬‬
‫كــؤوس املــاء والعصــر ‪ ،‬أكــواب الشــاي والقهــوة ‪ ،‬أطبــاق‬
‫الكيــك‪ ،‬الكعــك ‪ ،‬والحلــوى املكونــة مــن أطبــاق الحلــوة‪ ،‬أطباق‬
‫الجيــي ‪ ،‬أطبــاق مــن الحلويــات املشــكلة ‪ ،‬وأخـ ًرا األيســكريم‪.‬‬
‫كان الطعــام فاخــر جــ ًّدا ورشع الجميــع بــاالأكل ‪ ،‬ثــم‬
‫بعــد ذلــك احتســاء الشــاي أو القهــوة ‪ ،‬والبعــض فضــل تنــاول‬
‫الحلــوة ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وبينــا هــم كذلــك قالــت املرشــدة الســياحية ‪ :‬إنهــا الثالثــة‬


‫بعــد الظهــر ‪ ،‬ســنذهب اآلن إىل زيــارة أحــد القصــور التاريخيــة‬
‫التــي ترجــع إىل عهــد القــرون الوســطى ‪ ،‬الجميــع ‪ :‬حسـ ًنا رائ ًعــا‪،‬‬
‫املرشــدة الســياحية‪ :‬حسـ ًنا لنســتعد ‪ ،‬فقــام الجميــع إىل غرفهــم‬
‫وجهــزوا أغراضهــم أســتعدا ًدا للذهــاب‪.‬‬
‫كانــت الســاعة الثالثــة وعــر دقائــق بعــد الظهــر حــن‬
‫جلــس الجميــع عــى مقاعدهــم ‪ ،‬وبــدأ البــاص باالنطــاق‪ ،‬وبعــد‬
‫انطــاق البــاص بخمــس دقائــق تطرقــت املرشــدة الســياحية‬
‫قائلــة‪ :‬ستســتغرق هــذه الرحلــة ســاعة ونصــف ‪ ،‬نصــف ســاعة‬
‫بالبــاص ‪ ،‬وســاعة كاملــة مــي عــى األقــدام؛ ألن البــاص ال‬
‫يســتطيع الصعــود األماكــن الجبليــة الوعــرة ‪ ،‬فــردت الســيدة‬
‫عــا‪ :‬يــا إلهــي!!! ســاعة كاملــة مــى يف منطقــة جبليــة وعــرة ‪،‬‬
‫املرشــدة الســياحية‪ :‬ال تقلقــي ســيدة عــا ‪ ،‬سنســندك جميعنــا ‪،‬‬
‫الســيد صفــوت ‪ :‬ال تقلقــي نحــن معــك أنــا و كامليــا ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا أشــكركم جمي ًعــا‪.‬‬
‫صمــت الجميــع ‪ ،‬راحــت الســيدة عــا تراقــب املنــازل‬
‫‪78‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫واملناظــر الطبيعيــة وهــي تفكــر بــكالم الســيدة ليــى حــول‬


‫جرميــة قتــل جــواد حفيــد الســيد مــراد عاشــور ‪ ،‬ولكنهــا‬
‫مــرورة ألنهــا مســكت طــرف الخيــط ‪ ،‬فقالــت لنفســها ‪ :‬عــي‬
‫أن أجــد أشــخاص يعرفــون جــواد أو زوجتــه نهــال ألعــرف مــن‬
‫هــو القاتــل الحقيقــي ‪.‬‬
‫ثــم أضافــت قائلــة لنفســها ‪ :‬أســتطيع تذكــر الرســالة‬
‫األخــرة التــي وصلــت يل لقــد جــاء فيهــا أنــه ســتأتيني دعــوة‬
‫مــن شــخص مــا يجــب عــي تلبيتهــا ‪ ،‬وأنــه يوجــد أشــخاص‬
‫مكلفــن بحاميتــي تــرى هــل هــم الســيد صفــوت وزوجتــه‬
‫الســيدة كامليــا ؟ آه يــا اللــه عقــي ســيصاب بارتجــاج مــن كــرة‬
‫التفكــر‪.‬‬
‫وصــل البــاص إىل منطقــة جبليــة عــى شــاطئ البحــر يف‬
‫متــام الســاعة الثالثــة وخمســة وأربعــن دقيقــة ‪ ،‬وقطــع حبــل‬
‫أفــكار الســيدة عــا بــكالم املرشــدة الســياحية التــي قالــت ‪:‬‬
‫هــا قــد وصلنــا‪ ،‬ونــزل الجميــع مــن البــاص مواصلــن الرحلــة‬
‫مش ـ ًيا عــى األقــدام‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫كان الطقــس مشــمس قليـاً ‪ ،‬حــا ًرا بريــاح جافــة ‪ ،‬ومــى‬


‫الجميــع صاعديــن نحــو القــر التاريخــي ‪ ،‬أمــا الســيدة عــا‬
‫فــكان يســندها الســيد صفــوت والســيدة كامليــا ‪ ،‬كان الطريــق‬
‫متعبـاً جـ ًّدا‪ ،‬وكان الجميــع ميشــون ويرشبــون املــاء البــارد حتــى‬
‫يخففــوا عــى أنفســهم إىل أن وصلــوا للقــر ودخلــوا إىل الداخل‪.‬‬
‫جلــس الجميــع لريتاحــوا قليــاً‪ ،‬ثــم تطرقــت املرشــدة‬
‫الســياحية قائلــة‪ :‬هــذا القــر يرجــع إىل القــرون الوســطى ‪،‬‬
‫وقــد أعيــد ترميمــه فيــا بعــد‪ ،‬ثــم قامــت والجميــع تبعهــا‬
‫قائلــة‪ :‬كــا تــرون أنــه مبنــى مــن الحجــار عــى شــكل حــرف‬
‫‪ u‬وهــو مكــون مــن طابقــن ‪ ،‬لــكل طابــق خمــس غــرف ‪ ،‬مــا‬
‫بــن كل غرفــة وغرفــة ممــر عــى شــكل حــرف ‪ ، z‬أن الشــكل‬
‫الهنــديس لهــذا القــر فريــد مــن نوعــه ‪ ،‬أمــا األبــواب والتوافــد‬
‫مصنوعــة مــن الخشــب األحمــر والزجــاج امللــون الــذي يعكــس‬
‫األضــواء الخارجيــة واألرض مصنوعــة مــن بــاط شــفاف‪ ،‬وكأنــه‬
‫زجــاج ممــرج‪ ،‬أ ّمــا الســقف فــكان بأكملــه عبــارة عــن زخــارف‬
‫ونقــوش ‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ثــم دخلــت إىل غرفــة امللــك وامللكــة‪ ،‬وأنصــت الجميــع‬


‫إىل املرشــدة الســياحية التــي قالــت‪ :‬هــذه غرفــة امللــك وامللكــة‪،‬‬
‫انظــروا إىل هــذا الرسيــر مصنــوع مــن الخشــب األحمــر‬
‫منحــوت عليــه معــامل هــذه الحضــارة وأيضً ــا الــدوالب مصنــوع‬
‫مــن الخشــب األحمــر ومنقــوش بالرســومات الدالــة عــى هــذه‬
‫الحضــارة ‪ ،‬وهنــاك ســاعة ضخمــة ومــرآة‪.‬‬
‫ثــم انتقلــت املرشــدة الســياحية إىل غرفــة أخــرى قائلــة‪:‬‬
‫هــذا هــو الديــوان امللــي الــذي كان يجتمــع امللــك فيــه بقواده‬
‫للتخطيــط والحــرب ومناقشــة شــؤون البــاد‪ ،‬وهــو مكــون مــن‬
‫صــوان امللــك يف نهايــة ممــر طويــل وعــى جانبيــه كــرايس‬
‫لقــواد الجيــش وأعضــاء مجلــس الشــيوخ‪.‬‬
‫وبعــد ذلــك انتقلــت املرشــدة الســياحية وتبعهــا الجميــع‬
‫إىل غرفــة أخــرى قائلــة‪ :‬هنــا كانــوا يخزنــوا األســلحة ‪ ،‬هــذا‬
‫ســيف امللــك وقــد نحــت أســمه عليــه ‪ ،‬وهــذا الــرس والــذراع‬
‫والخــوده ‪ ،‬وهــذه أســلحة املنجنيــق ‪ ،‬والســيوف ‪ ،‬والرمــاح ‪،‬‬
‫واألقــواس ‪ ،‬وهــذه بعــض الرســائل املتداولــة بالحــرب ‪ ،‬واألختام‬
‫والخرائــط وأشــياء أخــرى‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وأخــ ًرا انتقلــوا إىل الغرفــة األخــرة بعــد أن رأوا بقيــة‬


‫الغــرف‪ ،‬التــي كانــت عبــارة عــن غــرف نــوم تحتــوي عــى األرسة‬
‫امللكيــة الفخمــة بألــوان مختلفــة جميلــة جـ ًّدا ودواليــب بنفــس‬
‫ألــوان الرسايــر ‪ ،‬وهنــاك غرفــة الطعــام التــي تحتــوي عــى طاولــة‬
‫كبــرة ضخمــة عليهــا عــر ك ـرايس ‪ ،‬كانــت الطاولــة والك ـرايس‬
‫بلــون بنــي غامــق منقــوش عــى حوافهــم أســم امللــك بلــون‬
‫ذهبــي ‪ ،‬وهنــاك بعــض التحــف وقنينــات املزخرفــة بألــوان‬
‫زاهيــة جميلــة‪.‬‬
‫وحــن وصلــوا الغرفــة األخــرة ‪ ،‬قالــت املرشــدة الســياحية‪:‬‬
‫هــذه الغرفــة كانــت مخصصــة للحفــات امللكيــة ‪ ،‬واألغــاين‪،‬‬
‫والرقــص ‪ ،‬حيــث كان امللــك يــأيت بالغانيــات للغنــاء والرقــص‬
‫مقابــل املــال الوفــر إلرضــاء مزاجــه هــو وأعوانــه ‪ ،‬وأيضً ــا يقيــم‬
‫الحفــات‬
‫العائليــة الراقيــة املصحوبــة باملوســيقة الصاخبــة ‪ ،‬وهنــاك‬
‫الحفــات التنكريــة‪.‬‬
‫ثــم انتقلــوا إىل القبــو حيــث يوجــد عــد ًدا كبــ ًرا مــن‬
‫‪82‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الســجون ‪ ،‬وتطرقــت املرشــدة الســياحية قائلــة ‪:‬هنــا كان‬


‫يحبــس املســاجني ويعذبــون بشــتى الطــرق ‪ ،‬الجلــد ‪ ،‬التعذيــب‬
‫بالســيخ ‪ ،‬أو تعريضهــم للحيوانــات املتوحشــة لتأكلهــم أحيــاء‪،‬‬
‫وأضافــت قائلــة‪ :‬لقــد كان لهــذه الحضــارة أو هــؤالء القــوم‬
‫قوانــن شــنيعة بشــأن القصــاص بواســطة أنــاس غــاظ شــداد ‪.‬‬
‫تركــوا القبــو صاعديــن نحــو األعــى ‪ ،‬وتوجهــوا إىل‬
‫حديقــة القــر ‪ ،‬فقالــت املرشــدة الســياحية‪ :‬هــذه هــي‬
‫حديقــة القــر ‪ ،‬كانــت يف زمانهــا تحتــوي عــى أنــواع األشــجار‬
‫والــورود واألزهــار ‪ ،‬أ ّمــا اآلن تحــاول الجهــات املختصــة إعــادة‬
‫زراعتهــا مــن جديــد ‪ ،‬هــذا متثــال للملــك وهــو عــى جــواده‬
‫يحــارب ‪ ،‬هنــا أيضً ــا متثــال هــو واألســد الــذي يربيــه مــع‬
‫الوحــوش األخــرى ‪ ،‬هــذا البيــت الخشــبي كان لرتبيــه الوحــوش‬
‫والحيوانــات‪.‬‬
‫توقفــت املرشــدة الســياحية برهــة ثــم تطرقــت قائلــة ‪:‬‬
‫هــذا كل يشء عــن هــذا القــر ‪ ،‬أنهــا الســاعة الثامنــة مســا ًء‬
‫لنعــد إىل الفنــدق ‪ ،‬الجميــع‪ :‬نعــم حسـ ًنا لنعــد ‪ ،‬ثريــا‪ :‬جميعنــا‬
‫‪83‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫متعبــن ‪ ،‬أضافــت والدتهــا مهــا‪ :‬ونتضــور جوعاً ‪ ،‬ضحــك الجميع‪،‬‬


‫ثــم تطرقــت الســيدة عــا قائلــه ‪ :‬إننــي متعبــة من املــي الطويل‬
‫حــن جئنــا ‪ ،‬ومــن الوقــوف الطويــل هنــا والتنقــل مــن غرفــة‬
‫إىل غرفــة ‪ ،‬وصعــود وهبــوط الــدرج ‪ ،‬وال ينقصنــي إال طريــق‬
‫العــودة إىل الفنــدق ألمــوت ‪ ،‬ضحــك الجميــع قائلــن ‪ :‬هــوين‬
‫عليــك ســيدة عــا‪.‬‬
‫خــرج الجميــع مــن القــر متوجهــن إىل البــاص ‪ ،‬كان‬
‫الطقــس بــار ًدا جميــاً ‪ ،‬ونســيم البحــر يداعــب وجوهــم‬
‫كالطفــل الــذي يداعــب والدتــه ‪ ،‬وينــر قطراتــه البــاردة عليهــم‬
‫كحبــات اللؤلــؤ املنثــور‪ ،‬يف ظلمــه الليــل الحالــك الــذي يبــدو‬
‫كشــعر فتــاة يافعــة تتدلــل بشــعرها األســود املــزدان بحبــات‬
‫الكريســتال الالمعــة ‪ ،‬ظلــوا ميشــون ويكافحــون ذلــك الطريــق‬
‫الوعــر املتعــرج إىل أن وصلــوا إىل البــاص يف متــام الســاعة التاســعة‬
‫مســا ًء‪.‬‬
‫صعــد الجميــع البــاص وجلســوا يف مقاعدهــم ‪ ،‬انطلــق‬
‫البــاص عائــ ًدا إىل الفنــدق ‪ ،‬راح كل أعضــاء الرحلــة يتأملــون‬
‫‪84‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫املناظــر الطبيعيــة يف ضــوء القمــر الخافــت ‪ ،‬بــدت وكأنهــا‬


‫متجمــدة ســاكنة بــا حـراك كلوحــة مرســومة باأللــوان الزيتيــة‪.‬‬
‫وصــل البــاص إىل الفنــدق ‪ ،‬وتوقــف يف مكانــه املخصــص‬
‫يف متــام الســاعة التاســعة والنصــف مســا ًء ‪ ،‬نــزل الجميــع‬
‫متوجهــن إىل الفنــدق ‪ ،‬وأخــدوا مفاتيــح غرفهــم ‪ ،‬متوجهــن‬
‫نحــو املصعــد الــذي فتــح بابــه وصعــد الجميــع بــه إىل الطابــق‬
‫الخامــس ودخــل كل واحــد منهــم إىل غرفتــه‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا عــى الرسيــر متعبــة ومتهالكــة‬
‫القــوى قائلــة لنفســها‪ :‬يــا لــه مــن يــوم شــاق ومتعــب ‪ ،‬ثــم‬
‫رصخــت قائلــة‪ :‬هــل عليــا أن أتحمــل كل هــذا العنــاء مــن أجل‬
‫أن أحــل هــذا اللغــز ؟‪.‬‬
‫ثــم ذهبــت لتغــر مالبســها ‪ ،‬وبعــد أن أخــدت حاممهــا‬
‫جلســت عــى الرسيــر وتناولــت الئحــة برنامــج الرحلــة‬
‫فوجــدت أن رحلــة الغــد تتطلــب مش ـيًا عــى طــول الشــاطئ‬
‫ثــم صعــود الجبــل ‪ ،‬فقــررت أن تتخلــف عنهــا وقالــت‪ :‬ســوف‬
‫أخــر املرشــدة الســياحية‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وبينــا هــي كذلــك طرقــت النادلــة البــاب ثــم دخلــت‬


‫قائلــة‪ :‬العشــاء جاهــز ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪:‬حســناً آتيــة‪.‬‬
‫هبطــت الســيدة عــا باملصعــد إىل الطابــق الثالــث متوجهــة‬
‫إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬وجلســت بجانــب ثريــا ووالدتهــا مهــا‪ ،‬كان‬
‫الطعــام عــى الطاولــة عبــارة عــن سندوتشــات اللحــم املفــروم‪،‬‬
‫ســلطة الفواكــه وســلطة املاينيــز ‪ ،‬كــؤوس العصــر الــذي كان‬
‫عبــارة عــن ليمــون بالنعنــاع وأكــواب القهــوة ‪ ،‬تنــاول الجميــع‬
‫العشــاء بصمــت عــى أنغــام املوســيقى الكالســيكية ‪ ،‬ثــم احتســوا‬
‫القهــوة‪.‬‬
‫وبينــا هــم كذلــك تطرقــت الســيدة عــا قائلــة للمرشــدة‬
‫الســياحية‪ :‬ســأتخلف عــن رحلــة الغــد ألين متعبــة ولــن أتحمــل‬
‫مشــقة رحلــة الغــد ‪ ،‬املرشــدة الســياحية حسـ ًنا إذا ً ســتبقي هنــا‬
‫يف الفنــدق ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬نعــم ‪ ،‬وعندئــ ًذ تطرقــت الســيدة‬
‫كامليــا قائلــة‪ :‬وأنــا أيضً ــا ســأتخلف عــن الرحلــة أنــا وزوجــي‬
‫صفــوت ‪ ،‬صفــوت‪ :‬نعــم ‪ ،‬ألننــا متعبــن جــ ًّدا ‪ ،‬املرشــدة‬
‫الســياحية‪ :‬حسـ ًنا لــكل مــن ســيايت الرحلــة غــدا ً ســتكون يف متــام‬
‫‪86‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الثالثــة بعــد الظهــر مثــل اليــوم ‪ ،‬الجميــع‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬ثــم ذهــب‬
‫كل واحــد منهــم إىل غرفهــم‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا الغرفــة وجلســت عــى رسيرهــا‬
‫ونظــرت يف املفكــرة التــي كتبــت بهــا كالم ليــى عــن جرميــة‬
‫قتــل جــواد حفيــد الســيد مـراد عاشــور راحــت تفكــر و تفكــر‬
‫حتــى نامــت‪.‬‬
‫أرشقــت شــمس الصبــاح الذهبيــة وغــردت الطيــور‬
‫بأصواتهــا الجرســية الناعمــة ‪ ،‬اســتيقظت الســيدة عــى طــرق‬
‫النادلــة وهــي تقــول‪ :‬ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ادخــي ‪،‬‬
‫فدخلــت النادلــة وفتحــت النافــدة لتدخــل أشــعة الشــمس إىل‬
‫الغرفــة وتدفئهــا ثــم قالــت‪ :‬اإلفطــار جاهــز ســيديت ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬حسـ ًنا كــم الســاعة اآلن؟ النادلــة ‪ :‬الحاديــة عــر صبا ًحــا‪،‬‬
‫ذهبــت الســيدة عــا إىل الحــام وارتــدت فســتانًا أخــر‬
‫وانتعلــت حذاءهــا ‪ ،‬ثــم أخــدت حقيبتهــا متوجهــة إىل املصعد ‪،‬‬
‫وقفــت أمامــه ومــا هــي إال برهــة حتــى فتــح املصعــد وصعدت‬
‫بــه هابطــة إىل الطابــق الثالــث ‪ ،‬خرجــت مــن املصعــد متوجهــة‬
‫‪87‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬دخلــت الغرفــة وجلســت بجانــب الســيدة‬


‫عــزة زوجــة املليونــر رمــزي وتناولــوا الطعــام الــذي كان عبــارة‬
‫أطبــاق الفــول ‪ ،‬أطبــاق الحمــص ‪ ،‬أطبــاق الفاصوليــا ‪ ،‬بعــض‬
‫األرغفــة ‪ ،‬أكــواب الشــاي ‪.‬‬
‫تنــاول الجميــع طعــام اإلفطــار وهــم يتناقشــون حــول‬
‫الرحلــة الســابقة ‪ ،‬منهــم مــن أعجــب بهــا ومنهــم مــن مل يعجبــه‬
‫بســبب املشــقة والتعــب الــذي كابــدوه‪ ،‬أكملــوا تنــاول طعــام‬
‫اإلفطــار يف الثانيــة عــر ظهــ ًرا ‪ ،‬وحــان موعــد أذان الظهــر ‪،‬‬
‫فقــام كل منهــم ألداء صــاة الظهــر ‪.‬‬
‫َم ـ َّر الوقــت رسي ًعــا كالســهم عندمــا يطلقــه الص ّيــاد مــن‬
‫القــوس ليصيــب الهــدف الــذي يريــده ‪ ،‬كانــت الســاعة الثانيــة‬
‫ظه ـ ًرا حــن توجــه الجميــع إىل غرفــة الطعــام لتنــاول الغــذاء ‪،‬‬
‫وبينــا الســيدة عــا متــي يف املمــر املــؤدي إىل غرفــة الطعــام ‪،‬‬
‫إذ دنــا منهــا صــوت مبحــوح مســتوقفاً إيَّاهــا قائ ـاً‪ :‬هــل أنتــي‬
‫الســيدة عــا ؟ ‪ ،‬زوجــة رجــل األعــال شــوقي ؟ التفــت الســيدة‬
‫عــا نحــو ذلــك الصــوت فوجــدت امــرأة يف الخمســينات مــن‬
‫‪88‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫العمــر ‪ ،‬طويلــة وبنيتهــا متينــة وبجانبهــا فتــاة تبــدو بلهــاء يف‬


‫العرشينيــات مــن العمــر‪ ،‬و بــدا عــى وجههــا مالمــح الدهشــة‬
‫قائلــة‪ :‬نعــم أنــا ‪ ،‬ولكــن مــن أنتــي ؟ ‪ ،‬املــرأة‪ :‬أنــا مريــم وهــذه‬
‫ابنتــي ســها ‪ ،‬لقــد اتصــل بنــا الســيد مــراد عاشــور يعلمنــا‬
‫بحضــورك يف هــذه الرحلــة وأمــر باســتقبالك يف منــزيل ألنــك‬
‫ســتتعبني مــن مشــقة هــذه الرحلــة ‪ ،‬تذكــرت الســيدة عــا‬
‫الرســالة األخــرة التــي وصلتهــا ‪ ،‬وقالــت فــو ًرا‪ :‬هــذه رغبــة‬
‫الســيد مـراد عاشــور ويجــب ثلبيتهــا ‪ ،‬حسـ ًنا ســآيت غـ ًدا ظهـ ًرا‪،‬‬
‫مريــم‪ :‬حســ ًنا ســآيت ألصطحبــك ‪ ،‬واآلن إىل اللقــاء الســيدة‬
‫عــا‪ :‬إىل اللقــاء ‪ ،‬مــرت الســيدة كامليــا وزوجهــا صوفــت مــن‬
‫جانبهــم ملقــن التحيــة فــردوا التحيــة ‪ ،‬ثــم ذهبــت مريــم‬
‫وابنتهــا ســها‪ ،‬التحقــت الســيدة عــا بالســيدة كامليــا والســيد‬
‫صفــوت لتمــي معهــم متجهــة إىل غرفــة الطعام ‪ ،‬ســأل الســيد‬
‫صفــوت الســيدة عــا قائ ـاً‪ :‬مــن هــذه املــرأة الغريبــة ســيدة‬
‫عــا ؟ الســيدة عــا ‪ :‬أنهــا مبعوثــة مــن طــرف الســيد م ـراد‬
‫عاشــور الــذي نظــم يل هــذه الرحلــة ‪ ،‬وقــد أمرهــا باســتضافتي‬
‫‪89‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫يف منزلهــا ألن هــذه الرحلــة متعبــة وال أســتطيع تحمــل مشــاقها‪،‬‬
‫الســيدة كامليــا‪ :‬طب ًعــا بالتأكيــد‪.‬‬
‫دخــل الجميــع إىل غرفــة الطعــام وهــم يتناقشــون حــول‬
‫رحلــة اليــوم ‪ ،‬وجلســوا عــى املائــدة التــي تك ّونــت مــن أطبــاق‬
‫األرز املدخــن ‪ ،‬أطبــاق األرز املكبــوس ‪ ،‬أطبــاق األرز باللحــم ‪،‬‬
‫أطبــاق الدجــاج املشــوي ‪ ،‬املقــي ‪ ،‬أطبــاق املكرونــه بالباشــمل ‪،‬‬
‫أطبــاق الســلطات ‪ ،‬أطبــاق الفواكــه والخــروات ‪ ،‬كــؤوس عصــر‬
‫الربتقــال ‪ ،‬والرمــان ‪ ،‬والعنــب‪.‬‬
‫تنــاول الجميــع الطعــام بصمــت وأكملــوا يف متــام الســاعة‬
‫الثانيــة وخمســون دقيقــة ‪ ،‬عندهــا قالــت املرشــدة الســياحية ‪:‬‬
‫أمامكــم عــر دقائــق لتتجهــزوا وتتوجهــوا إىل البــاص ‪ ،‬الجميــع‪:‬‬
‫حس ـ ًنا ‪ ،‬وقامــوا لتجهيــز أنفســهم ‪ ،‬وتوجهــوا إىل البــاص يف متــام‬
‫الســاعة الثالثــة ‪ ،‬وانطلــق البــاص يف رحلتــه‪.‬‬
‫كانــت الســيدة عــا قابعــة يف رشفــة غرفــة الطعــام ‪ ،‬تنظــر‬
‫إىل فيــا جــواد وتفكــر بــكالم ليــى ‪ ،‬ثــم التفتــت إىل املنــزل الــذي‬
‫بجــواره قائلــة ‪ :‬إين متأكــدة مــن أن هــذا املنــزل لــه عالقــة‬
‫‪90‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫بجرميــة قتــل جــواد ‪ ،‬وأن هــذه املــرأة التــي تدعــى مريــم بهــا‬
‫رس‪ ،‬إن الســيد مـراد مل يرســلها يل إال أنــه متأكــد أنهــا ســتوصلني‬
‫لــيء مــا ‪ ،‬ولكــن عــى أن أكــون حــذرة كــا جــاء بالرســالة‪.‬‬
‫و‪ ، .........‬وقطــع حبــل أفكارهــا الســيد صفــوت الــذي جاء‬
‫هــو وزوجتــه الســيدة كامليــا قائـاً‪ :‬هــل تأتــن معنــا ســيدة عال‬
‫لتنــاول القهــوة يف حديقــة الفنــدق؟ الســيدة عــا‪ :‬بالتأكيــد‪،‬‬
‫فدهبــوا جمي ًعــا إىل حديقــة الفنــدق وجلســوا يحتســون‬
‫القهــوة‪.‬‬
‫كان الطقــس غامئًــا جميــاً جــ ًّدا يبعــث الســكون يف‬
‫النفــس ‪ ،‬وبينــا الثالثــة جالســن يحتســون القهــوة ‪ ،‬تطرقــت‬
‫الســيدة عــا ســائلة‪ :‬مــا هــو عملــك ســيد صفــوت قهقه الســيد‬
‫صفــوت قائـاً‪ :‬تســتطيعني أن تقــويل أين رجــل أعــال مســتهرت‪،‬‬
‫الســيدة عــا مبتســمة‪ :‬ســوف أعتقــد ذلــك مؤقتــاً‪ ،‬أرتبــك‬
‫الســيد صفــوت وتغـ ّـرت مالمــح الســيدة كامليــا‪ ،‬ولكــن رسعــان‬
‫مــا تــاىف األمــر الســيد صفــوت قائ ـاً ‪:‬مــا رأيكــم يف الذهــاب‬
‫إىل الســينام ؟ كامليــا‪ :‬فكــرة رائعــة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬رائــع أحــب‬
‫‪91‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫مشــاهدة األفــام داخــل دور العــرض الســيد صفــوت‪ :‬حســ ًنا‬


‫لنذهــب ‪.‬‬
‫قــام الجميــع وخرجــوا مــن الفنــدق ‪ ،‬واســتقل الســيد‬
‫صفــوت ســيارة أجــرة للذهــاب إىل املدينــة التــي تبعــد عــن‬
‫املنطقــة التــي هــم فيهــا ربــع ســاعة‪.‬‬
‫انطلقــت الســيارة بعــد أن ركبــوا فيهــا يف طريقهــا إىل‬
‫املدينــة‪ ،‬ومــن أغــرب الصــدف أنهــا مــرت بفيــا جــواد مــن‬
‫الشــارع الخلفــي ‪ ،‬والحظــت الســيدة عــا أن املنــزل القديــم‬
‫الــذي بجــوار الفيــا يوجــد بجانبــه دكان صغــر وكأنــه عطــار ‪،‬‬
‫فســألت ‪ :‬مــا هــذا الــدكان فأجــاب الســائق‪:‬أنه دكان عطــارة‬
‫وبيــع توابيــت املــوىت وأيضً ــا يبيــع مــواد تحنيــط الجثث ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬تحنيــط الجثــث؟ الســائق ‪ :‬نعــم فغال ًبــا يســتخدموه أهــايل‬
‫هــذه املنطقــة لتحنيــط األســاك الغريبــة وبيعهــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫جميــل‪.‬‬
‫ثــم أخرجــت املفكــرة مــن حقيبتهــا ود َّونــت معلومــات‬
‫الــدكان وأرجعتهــا إىل الحقيبــة ‪ ،‬ثــم أخــدت تشــاهد معــامل‬
‫‪92‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫املدينــة واملبــاين الشــامخة ‪ ،‬األبـراج ‪ ،‬األســواق ‪ ،‬واملحــات ‪ ،‬دور‬


‫العــرض ‪ ،‬املســارح ‪ ،‬كل يشء كان فيــه صخــب الحيــاة‪.‬‬
‫توقفــت الســيارة أمــام دور الســينام ‪ ،‬ونزلــوا جميعــا بعــد‬
‫أن دفــع الســيد صفــوت أجــرة الســيارة ‪ ،‬ودخلــوا الســينام‬
‫كانــت مقاعدهــم يف الصفــوف األماميــة وبــدأ العــرض‪.‬‬
‫َمــ َّر الوقــت رسي ًعــا وانتهــى عــرض الفيلــم ‪ ،‬خرجــت‬
‫الســيدة عــا و كامليــا والســيد صفــوت مــن الســينام وهــم‬
‫يف غايــة الســعادة ‪ ،‬يف متــام الســاعة التاســعة مســا ًء ‪ ،‬واقــرح‬
‫الســيد صفــوت الذهــاب إىل املطعــم لتنــاول طعــام العشــاء ‪،‬‬
‫وافقــت الســيدتان ‪ ،‬فاســتقلوا ســيارة أجــرة وذهبــوا إىل أفخــر‬
‫مطعــم يف املدينــة‪.‬‬
‫توقفــت الســيارة أمــام املطعــم ‪ ،‬ونــزل الجميــع داخلــن‬
‫إىل املطعــم‪ ،‬انبهــرت الســيدة عــا بجــال املطعــم وتصميمــه‬
‫الــذي كان زخرفتــه عــى منــط العــر الحجــري الحيطــان‬
‫املنحوتــة بالخشــب واألجــاص ‪ ،‬الطــاوالت والكـرايس الخشــبية ‪،‬‬
‫كل يشء فيــه يــدل عــى الــدوق الرفيــع‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫جلســت الســيدتان عــى إحــدى الطــاوالت بينــا ذهــب‬


‫الســيد صفــوت الختيــار الطعــام ودفــع الحســاب ‪ ،‬ثــم عــاد‬
‫وجلــس مــع الســيدتني عــا وكامليــا ‪ ،‬ومــا هــي إال لحظــات‬
‫حتــى جــاء النــادل ومعــه الطعــام الــذي كان عبــارة عــن البيتـزا ‪،‬‬
‫فطائــر الجــن ‪ ،‬فطائــر الفراولــة ‪ ،‬ســلطة املاينيــز ‪ ،‬عصــر الفواكــه‬
‫املشــكلة ‪ ،‬أيســكريم‪.‬‬
‫فانبهــرت الســيدة عــا قائلــةً‪ :‬هــذا كثــر ســيد صفــوت‬
‫أنــت كريــم ‪ ،‬كامليــا‪ :‬ال يــا ســيدة عــا هــذا طبــع زوجــي مــع‬
‫كل النــاس ‪ ،‬الســيد صفــوت مقهقــه‪ :‬ســتدفعني أنتــي متنــه ســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬ولكــن يؤســفني أن ال ارجــع معكــا‬
‫إىل الفنــدق؛ ألن صاحــب املطعــم ســيقوم بالواجــب ويرســلني إىل‬
‫الســجن ‪ ،‬فضحكــوا جمي ًعــا‪.‬‬
‫ورشعــوا يأكلــون ويشــاهدون االســتعراض الــذي أقامــه‬
‫املطعــم ‪ ،‬الــذي كان عبــارة عــن ســبع فقــرات‪ ،‬فقــرة رقــص‬
‫الباليــه‪ ،‬فقــرة عــزف املوســيقى الكالســيكية ‪ ،‬فقــرة الرقــص‬
‫الفلكلــوري الشــعبي ‪ ،‬فقــرة غنــاء األوبــرا ‪ ،‬فقــرة التمثيــل‬
‫‪94‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الكوميــدي ‪ ،‬فقــرة التمثيــل الرتاجيــدي ‪ ،‬فقــرة مســابقة‬


‫األطفــال‪.‬‬
‫أكمــل الجميــع تنــاول الطعــام ‪ ،‬وانتهــى العــرض ‪ ،‬شــكرت‬
‫الســيدة عــا الســيد صفــوت وزوجتــه ‪ ،‬وحينئـ ًذ تطــرق الســيد‬
‫صفــوت قائ ـاً‪ :‬إنهــا الحاديــة عــر مســا ًء علينــا العــودة إىل‬
‫الفنــدق ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬نعــم يجــب أن أرتــاح ثــم أوضــب‬
‫أغــرايض للذهــاب غــدا ً إىل منــزل الســيدة مريــم ‪ ،‬كامليــا‪:‬‬
‫حس ـ ًنا لنذهــب‪.‬‬
‫خــرج الجميــع مــن املطعــم واســتقل الســيد صفــوت‬
‫ســيارة أجــرة ‪ ،‬وركبــوا بهــا ‪ ،‬راحــت الســيدة عــا تشــاهد جــال‬
‫املدينــة املتأللــئ يف أضوائهــا الصاخبــة قائلــة‪ :‬حقـاً أنهــا تحفــة ‪.‬‬
‫الســيد صفــوت ‪ :‬نعــم هــذه املدينــة لهــا طابعهــا الخــاص حقـاً‬
‫إنهــا لوحــة فنيــة جميلــة ‪ ،‬تتميــز باألب ـراج الشــاهقة واملبــاين‬
‫وصخــب الحيــاة‪.‬‬
‫َمـ َّر الوقــت ووصلــت الســيارة إىل الفنــدق ونــزل الجميــع‬
‫بعــد أن حاســب الســيد صوفــت‬
‫‪95‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫الســائق الــذي انطلــق مرسعــاً ذهابــاً ‪ ،‬دخلــوا الفنــدق‬


‫وأخــدوا مفاتيــح غرفهــم ‪ ،‬وتوجهــوا إىل املصعــد ‪ ،‬فقابلوا املرشــدة‬
‫الســياحية التــي كانــت صاعــدة أيضً ــا هــي وبقيــة املجموعــة ‪،‬‬
‫فالقــوا عليهــم التحيــة ‪ ،‬وفتــح بــاب املصعــد ‪ ،‬وصعــدوا جمي ًعــا‪،‬‬
‫ســألت الســيدة عــا ‪ :‬كيــف كانــت الرحلــة؟ الجميــع بصــوت‬
‫واحــد‪ :‬جميلــة ولكنهــا شــاقة ج ـ ًّدا ‪ ،‬قالــت ثريــا‪ :‬أيــن ذهبتــم‬
‫؟ أجابــت الســيدة كامليــا‪ :‬ذهبنــا إىل املدينــة للمشــاهدة فلــم‬
‫يف دور الســينام ثــم تناولنــا طعــام العشــاء ‪ ،‬املرشــدة الســياحية‬
‫‪ :‬رائــع!!!‬
‫هــل ســتتخلفون عــن رحلــة الغــد ؟ الســيد صفــوت‪ :‬كال‬
‫أنــا وزوجتــي ســننضم معكــم وســتذهب الســيدة عــا إىل منــزل‬
‫صديقتهــا ‪ ،‬املرشــدة الســياحية ‪ :‬حقــاً ‪ ،‬رائــع ‪ ،‬ولكــن انتبهــي‬
‫لنفســك ســيدة عــا وإن حصــل أي يشء اتصــي بنــا ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬طبع ـاً بالتأكيــد ســوف أفعــل ‪ ،‬شــك ًرا‪.‬‬
‫وصــل املصعــد الطابــق الخامــس ‪ ،‬وفتــح البــاب ‪ ،‬خــرج‬
‫الجميــع وتوجهــوا إىل غرفهــم قائلــن لبعضهــم‪ :‬طابــت ليلتــك‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫حم ًمــا ســاخ ًنا ‪،‬‬


‫دخلــت الســيدة عــا غرفتهــا ‪ ،‬وأخــدت ّ‬
‫ثــم رتبــت أغراضهــا يف حقيبتهــا قائلــة لنفســها‪ :‬أمتنــى أن أنجــح‬
‫يف هــذه املهمــة الغامضــة‪.‬‬
‫ثــم قــرأت مفكرتهــا وهــي تنظــر مــن زجــاج النافــدة‬
‫إىل املنــزل القديــم ‪ ،‬قائلــة‪ :‬لســت غبيــة لهــده الدرجــة يــا‬
‫ســيد مـراد ولكنــي أعمــل بالخطــوات التــي تقــودين أنــت بهــا‬
‫ويجــب أن أحــل اللغــز‪.‬‬
‫أرجعــت املفكــرة إىل حقيبــة يدهــا ‪ ،‬وأطفــأت النــور‬
‫ونامــت لتســتعد الســتقبال يــوم ملــئ باملفاجــأة واألشــياء‬
‫املجهولــة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ف‬
‫ال�صل ال خ�امس‬
‫في منزل السيدة مريم ومعلومات جديدة‬

‫كانــت الســاعة التاســعة صبا ًحــا و جــاء الصبــاح بابتســامته‬


‫البيضــاء العريضــة ‪ ،‬وكأنهــا طفلــة يف الثالثــة مــن عمرهــا تبتســم‬
‫بـراءة الطفولــة الورديــة إىل والديهــا‪.‬‬
‫اســتيقظت الســيدة عــا مــن نومهــا عــى الصوت املوســيقي‬
‫الجميــل للعصافــر الــذي داعــب أذنيهــا ‪ ،‬ونهضــت مــن رسيرهــا‬
‫متوجهــة إىل الحــام ‪ ،‬اغتســلت وغـ ّـرت مالبســها فقــد ارتــدت‬
‫فســتانًا أخــر جميــل ولفــت شــعرها بترسيحــة تليــق بســنها‬
‫وانتعلــت حذاءهــا ولبســت قبعتهــا‪ ،‬ثــم تفقــدت أغراضهــا‬
‫لتســتعد للذهــاب إىل منــزل الســيدة مريــم‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫بعــد أن أنهــت ترتيــب نفســها جلســت عــى حافــة الرسير‬


‫بجانبهــا حقيبــة املالبــس ‪ ،‬وأخرجــت مفكرتهــا تراجــع مجــددا‬
‫ًمــا كتــب فيهــا ‪ ،‬طــرق بــاب الغرفــة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ادخــي ‪،‬‬
‫فدخلــت النادلــة قائلــة‪ :‬كيــف علمتــي أين مــن طــرق البــاب؟ ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬أنهــا العــارشة صبا ًحــا وموعــد اإلفطــار قــد حــان‬
‫وال أحــد ســيطرق ليعلمنــي باملوعــد غــرك ‪ ،‬النادلــة‪ :‬مــا هــذا ؟‬
‫هــل ســتغادرين الفنــدق؟ الســيدة عــا ‪ :‬نعــم لبعــض الوقــت‬
‫ثــم أعــود ‪ ،‬النادلــة‪ :‬حسـ ًنا امتنــى لــك رحلــة ســعيدة ســيديت ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬واآلن احمــي الحقيبــة إىل غرفــة الطعــام‪،‬‬
‫النادلــة ‪:‬حســ ًنا‪ ،‬فحملــت الحقيبــة وخرجــت مــن الغرفــة‬
‫وتبعتهــا الســيدة عــا‪.‬‬
‫توجهــت الســيدة عــا نحــو املصعد وتبعتهــا النادلــة ‪ ،‬فتح‬
‫بــاب املصعــد وصعــدوا بــه هابطــن إىل الطابــق الثالــث ‪ ،‬ومــا‬
‫أن وصــل املصعــد إىل الطابــق الثالــث حتــى فتــح بــاب املصعــد‬
‫وخرجــت كل مــن الســيدة عــا والنادلــة منــه متوجهتــان إىل‬
‫غرفــة الطعــام‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫دخلــت الســيدة عــا غرفــة الطعــام وجلســت عــى املائــدة‬


‫بجانــب محمــد وعمــر ووضعــت النادلــة الحقيبــة بجانبهــا‬
‫وذهبــت‪ ،‬قــال محمــد ‪ :‬لقــد قــررت الذهاب ســيدة عال‪ ، ‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬نعــم ‪ ،‬لبعــض الوقــت ‪ ،‬املرشــدة الســياحية‪ :‬سنشــتاق لــك‬
‫كث ـ ًرا تواصــي معنــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬بالتأكيــد ســأفعل‪.‬‬
‫جــاء النــادل بالطعــام ووضعــه عــى الطاولــة ‪ ،‬فــكان‬
‫عبــارة عــن قطــع الالنشــون ‪ ،‬قطــع النقانــق سندوتشــات الفــول‬
‫املدمــس‪ ،‬كــؤوس املــاء ‪ ،‬وكــؤوس العصــر املكــون مــن عصــر‬
‫الكيــوي ‪ ،‬والنعنــاع بالليمــون ‪ ،‬أكــواب القهــوة والشــاي‪.‬‬
‫رشع الجميــع بتنــاول الطعــام ‪ ،‬وهــم يتكلمــون عــن‬
‫الطقــس الجميــل الــذي بــدأ يعتــدل ويبعــث االنــراح يف‬
‫النفــس‪ ،‬ثــم احتســوا القهــوة ‪ ،‬تطرقــت املرشــدة الســياحة تقــول‪:‬‬
‫اليــوم ســنزور قــر يرجــع تاريخــه إىل العــر الســادس عــر‪،‬‬
‫الجميــع‪ :‬حســ ًنا ال بــاس ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أيــن يقــع القــر؟‬
‫املرشــدة الســياحية‪ :‬يقــع عــى الجبــل الرشقــي أي أنــه يحتــاج‬
‫ســاعتني مــي إىل الجبــل وســنذهب يف الســاعة الثانيــة عــر‬
‫‪100‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ونصــف ظهـ ًرا‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬الحمــد للــه أين لــن آيت معكــم ‪،‬‬
‫فضحــك الجميــع‪.‬‬
‫َمــ َّر الوقــت والجميــع يتكلمــون يف جــو مــن املــرح‬
‫والســعادة ‪ ،‬دقــت الســاعة الحاديــة عــر وربــع صبا ًحــا حــن‬
‫جــاءت الســيدة مريــم ‪ ،‬دخلــت إىل غرفــة الطعــام قائلــة‪ :‬صباح‬
‫الخــر الجميــع‪ :‬صبــاح الخــر ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أهــاً مريــم ‪،‬‬
‫مريــم ‪ :‬لقــد جئــت ألخــذك إىل منــزيل ‪ ،‬هــل أنتــي جاهــزة ؟ ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬نعــم ‪ ،‬لنذهــب ‪ ،‬مريــم ‪:‬هيــا بنــا ‪ ،‬تطــرق الســيد‬
‫صفــوت قائ ـاً‪ :‬ســأذهب إىل الســوق إلحضــار بعــض األغ ـراض‬
‫لزوجتــي مــا رأيكــم أن أوصلكــم إىل املنــزل يف ســيارة األجــرة؟‬
‫الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا رائ ًعــا‪.‬‬
‫خــرج كل مــن الســيد صفــوت والســيدتان عــا ومريــم‬
‫مــن الفنــدق ‪ ،‬واســتقل الســيد صفــوت ســيارة أجــرة ‪ ،‬ركــب‬
‫الثالثــة الســيارة ‪ ،‬عندهــا تطرقــت مريــم قائلــة‪ :‬منــزيل قريــب‬
‫مــن هنــا إنــه أمــام البحــر وقريــب مــن املســجد ‪ ،‬ال يســتغرق‬
‫غــر عــر دقائــق ‪ ،‬الســائق‪ :‬عرفــت الشــارع ‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ومــا هــي إال عــر دقائــق حتــى توقفــت الســيارة أمــام‬


‫ذلــك املنــزل الرمــادي اللــون ذو الطابقــن ‪ ،‬صعقــت الســيدة‬
‫عــا وقالــت‪ :‬هــل هــذا منزلــك يــا مريــم؟ ‪ ،‬مريــم‪ :‬نعــم تفضــي‬
‫بالدخــول ‪.‬‬
‫ونزلــت الســيدتان مــن الســيارة ‪ ،‬وو ّدعــت الســيدة عــا‬
‫الســيد صفــوت ‪ ،‬وانطلقــت الســيارة يف طريقهــا ‪ ،‬حملــت مريــم‬
‫حقيبــة الســيدة عــا ودخلــوا إىل املنــزل‪.‬‬
‫كانــت الحديقــة مهدومــة باألشــياء ومل يكــن هنــاك أي زرع‬
‫ســوى شــجريات شــيطانية تنمــو لوحدهــا بعــد هطــول املطــر‪،‬‬
‫فتحــت مريــم بــاب منزلهــا قائلــة ‪ :‬تفضــي بالدخــول ســيدة‬
‫عــا‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬ودخلــت إىل الصالــة ‪ ،‬بينــا حملــت‬
‫مريــم حقيبــة الســيدة عــا إىل إحــدى الغــرف يف الطابــق العلــوي‬
‫قائلــة‪ :‬ســأحمل حقيبتــك إىل الغرفــة وأرى ســها هــل انتهــت مــن‬
‫تجهيزهــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حسـ ًنا‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا يف الصالــة عــى أحــد الكــرايس‬
‫‪ ،‬وراحــت تتأمــل املنــزل فــرأت الصالــة مفتوحــة عــى ثــاث‬
‫‪102‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫غــرف‪ ،‬غرفــة مغلقــة بإحــكام ‪ ،‬وغرفــة الطعــام ‪ ،‬وغرفــة صغــرة‬


‫تبــدو كأنهــا مكتــب ‪ ،‬كانــت الحيطــان رماديــة اللــون قدميــة‬
‫الطــاء ‪ ،‬وكانــت األرض فيهــا بــاط مــن النــوع البنــي القديــم‬
‫قــد أثقــل كاهلــه الزمــن ‪ ،‬أ ّمــا األبــواب فكانــت مصنوعــة مــن‬
‫الحديــد املخصــص لألبــواب ‪ ،‬ويوجــد نافدتــن مــن الزجــاج‬
‫واحــدة تطــل عــى الحديقــة املطلــة لجهــة البحــر ‪ ،‬واألخــرى‬
‫مطلــة عــى الشــارع مبــارشة ‪ ،‬وكال النافدتــن عليهــا ســتائر‬
‫بيضــاء قــد أثقــل كاهلهــا الغبــار ‪ ،‬وأخ ـ ًرا يوجــد أربــع ك ـرايس‬
‫عليهــا فــرش مخمــي أزرق وســطهم طاولــة صغــرة‪.‬‬
‫نزلــت مريــم ومعهــا ابنتهــا ســها قائلــة‪ :‬عــذ ًرا ســيدة عــا‬
‫تأخرنــا عليــك غرفتــك جاهــزة ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ال بــأس ‪ ،‬شــك ًرا‪،‬‬
‫أتعبتكــم معــي ‪ ،‬مريــم‪ :‬ال شــكر عــى واجــب ‪ ،‬أنهــا الثانيــة‬
‫عــر ونصــف مــا رأيــك أن تصعــدي إىل غرفتــك يك ترتاحــي؟‬
‫وعندمــا يجهــز الغــداء ســأعلمك ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬فكــرة رائعــة ‪.‬‬
‫صعــدت مريــم إىل الطابــق العلــوي تبعثهــا الســيدة عــا‬
‫التــي راحــت تتأمــل الــدرج الخشــبية القدميــة التــي فقــدت‬
‫‪103‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫لونهــا ‪ ،‬وصلــوا إىل الطابــق العلــوي الــذي كان مكــون مــن غرفتني‬
‫متباعدتــن ‪ ،‬وقفــت مريــم أمــام الغرفــة اليمنــى وفتحــت البــاب‬
‫قائلــة‪ :‬تفضــي ســيدة عــا هــذه غرفتــك ‪ ،‬دخلــت الســيدة عــا‬
‫قائلــة ‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬مريــم ‪ :‬هــل تحتاجــن يشء؟ الســيدة عــا‪ :‬ال‪.‬‬
‫ذهبــت مريــم مغلقــة وراءهــا البــاب ‪ ،‬وقفــت الســيدة‬
‫عــا تتأمــل الغرفــة كانــت الغرفــة كبــرة جــ ًّدا رماديــة اللــون‬
‫بهــا رسيــر خشــبي متوســط بنــي داكــن ‪ ،‬ودوالب بنفــس‬
‫لــون الرسيــر ذو فردتــن واحــدة للتعليــق املالبــس ‪ ،‬واألخــرى‬
‫للمالبــس املعطفــة ‪ ،‬وخزانــة لألشــياء الصغــرة ‪ ،‬كــا يوجــد مــرآة‬
‫صغــرة عــى الحائــط أمامهــا كــريس خشــبي صغــر ‪ ،‬وهنــاك‬
‫نافــدة زجاجيــة تطــل عــى دكان العطــارة الــذي يقــع خلــف‬
‫املنــزل ‪ ،‬ويوجــد عــى النافــدة ســتائر بيضــاء ‪ ،‬وأخ ـرا ً يوجــد يف‬
‫الغرفــة حــام صغــر‪.‬‬
‫رتبــت الســيدة عــا أغراضهــا يف الــدوالب وذهبــت لتغتســل‬
‫وتصــي الظهــر ‪ ،‬ثــم اســتلقت عــى الرسيــر لرتتــاح قليـاً قائلــة‪:‬‬
‫يف نفســها ســأحاول أن أحصــل عــى بعــض املعلومــات مــن مريــم‬
‫‪104‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫دون أن أشــعرها بــيء ‪ ،‬ثــم أغمضــت عينيهــا لتســرخي قليـاً‪.‬‬


‫َمـ ّر الوقــت رسي ًعــا كضــوء الــرق الــذي يخطــف األبصــار‪،‬‬
‫ليخيــف البــر ويتبعــه صديقــه الرعــد بصوتــه الغاضــب‬
‫ليعلــن عــن انتقامــه مــن البــر‪.‬‬
‫كانــت الســاعة الثانيــة ظه ـ ًرا حــن أفاقــت الســيدة عــا‬
‫مــن اســرخائها عــى طــرق البــاب بواســطة مريــم التــي قالــت‪:‬‬
‫ســيدة عــا هــل ميكننــي الدخــول ؟ ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ادخــي ‪،‬‬
‫فدخلــت مريــم قائلــة‪ :‬الغــذاء جاهــز ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬حس ـ ًنا آتيــة‪.‬‬
‫خرجــت مريــم وتبعتهــا الســيدة عــا ‪ ،‬وهبطــوا الــدرج إىل‬
‫الطابــق الســفيل ‪ ،‬متجهتــان إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬التــي كانــت‬
‫مكونــة مــن أربــع كـرايس خشــبية وطاولــة متوســطة ‪ ،‬ودوالب‬
‫يحتــوي عــى أواين معدنيــة وزجاجيــة ‪ ،‬كــؤوس وأكــواب‬
‫وإبريــق ‪ ،‬مالعــق والســكاكني ‪ ،‬كــا يوجــد بهــا طباخــة صغــرة‬
‫وثالجــة صغــرة‪.‬‬
‫جلســت كل مــن الســيدة عــا ‪ ،‬مريــم‪ ،‬وســها ‪ ،‬عــى‬
‫‪105‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫املائــدة لتنــاول طعــام الغــداء الــذي كان عبــارة عــن ثــاث‬


‫أطبــاق مــن الرشبــة ‪ ،‬دجــاج مشــوي ‪ ،‬أرز بالصلصــة ‪ ،‬كــؤوس‬
‫عصــر الليمــون‪ ،‬أكــواب الشــاي‪.‬‬
‫رشعــوا بتنــاول الطعــام وهــم يتحدثــون حــول الطقــس ‪،‬‬
‫والزراعــة ‪ ،‬غــاء األســواق ‪ ،‬وكانــت ســها كل حديثهــا ضحــك‬
‫وتعليــق ‪ ،‬أكملــوا تنــاول الطعــام وانتقلــوا إىل الصالــة لــرب‬
‫الشــاي ‪ ،‬فوجــدت الســيدة عــا نفســها أمــام مريــم وابنتهــا ‪،‬‬
‫الحظــت أن مريــم امــرأة قويــة ج ـ ًّدا متينــة البنيــة رغــم كــر‬
‫ســنها شــعرها ملفــوف أســود بــه خصــات كثــرة بيضــاء ‪ ،‬وجهها‬
‫شــاحب ‪ ،‬عيناهــا غارقتــان حزينتــان ‪ ،‬أمــا ابنتهــا ســها فكانــت‬
‫بلهــاء رغــم جاملهــا إال أنهــا كثــرة الضحــك مضطربــة ‪ ،‬شــعرها‬
‫منكــوش أشــعت رغــم طولــه وجاملــه ‪ ،‬عيناهــا دامئًــا تــدوران‬
‫وتنظــران إىل الخلــف وكأنهــا خائفــة مــن يشء مــا ‪.‬‬
‫جلســوا لتنــاول الشــاي ‪ ،‬تطرقــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬ملــاذا‬
‫حديقتــك مهدومــة يــا مريــم ؟ وأضافــت‪ :‬أنــا أحــب الحدائــق‬
‫وأهتــم بزراعــة الزهــور ‪ ،‬مريــم‪ :‬لقــد كانــت مزروعــة إىل مــا‬
‫‪106‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫قبــل ســنة فجــاء مطــر غزيــر فتهدمــت األشــجار وعواميــد‬


‫الزينــة وبيــت األزهــار الخشــبي فأصبحــت كــا تريــن مهدومــة‬
‫بالخشــب واألشــياء القدميــة ومل أجــد مــن يســاعدين يف تنظيفها‪،‬‬
‫ســها‪ :‬كنــت أعشــق بيــت األزهــار ولكنــي فقدتــه ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬ال بــأس رمبــا يف يــوم ربنــا يعوضــك بأحســن منــه‪.‬‬
‫را ‪ ،‬وقــرع جــرس‬
‫دقــت الســاعة الثالثــة ونصــف عــ ً‬
‫البــاب ‪ ،‬فتحــت ســها البــاب فدخلــت امــرأة حاملــة معهــا‬
‫جرتــان مــن الحليــب البقــري ‪ ،‬فأدخلتهــا ســها إىل املطبــخ‬
‫لتصــب الحليــب يف زجاجــات‪.‬‬
‫تطرقــت مريــم قائلــة‪ :‬هــل ميــد لــك بــأي صلــة الســيد‬
‫مـراد عاشــور ؟ الســيدة عــا‪ :‬كال إنــه صديــق قديــم يل ولزوجي‪،‬‬
‫وهــو مــن نظــم يل هــذه الرحلــة كــوين مريضــة فــأرادين أن‬
‫أجــدد نشــاطي ‪ ،‬وأنتــي يــا مريــم هــل الســيد م ـراد عاشــور‬
‫مــن أقاربــك ؟ ‪ ،‬ارتبكــت مريــم قليــاً ثــم متالكــت أعصابهــا‬
‫قائلــة‪ :‬كال ‪ ،‬ولكنــي مربيــة حفيــده جــواد ‪ ،‬فأنصتــت الســيدة‬
‫عــا باهتــام ‪ ،‬وتابعــت مريــم قائلــة‪ :‬لقــد كنــت متزوجــة‬
‫‪107‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وأنجبــت ابنتــي ســها ولكــن زوجــي كان يريــد ولــد وليــس بنــت ‪،‬‬
‫ونظـ ًرا ألين لــن أخلــف بعــد بســبب مــرض أصابنــي فقــد طلقنــي‬
‫زوجــي وطــردين أنــا وابنتــي الرضيعــة يف الشــارع ‪ ،‬فــرآين الســيد‬
‫مــراد عاشــور عــى أحــد األرصفــة فأشــفق عــي وأخــدين إىل‬
‫منزلــه ‪ ،‬الــذي كان يعيــش فيــه مــع ابنــه عــاد وزوجــة ابنــه‬
‫بثينــة التــي كانــت قــد أنجبــت أخـ ًرا جــواد‪ ،‬فتوكلــت أنــا برتبيته‬
‫أحببتــه بــل عشــقته وكأنــه ابن ـاً يل ‪ ،‬كان الســيد م ـراد عاشــور‬
‫يحــب ابنتــي هــو وابنــه وزوجــه ابنــه ويعاملونهــا مثــل جــواد‪،‬‬
‫كان جــواد ال يفارقنــي أبــ ًدا‪ ،‬يرافقنــي يف كل مــكان ‪ ،‬أذهــب‬
‫بــه إىل املدرســة هــو وابنتــي ‪ ،‬وأخذهــم منهــا ‪ ،‬كان ينادينــي‬
‫أمــي‪ ،‬أحبنــي كثـ ًرا وتعلــق يب ‪ ،‬وتعلقــت بــه أكــر‪ ،‬رافقنــي معــه‬
‫يف كل مــكان أحببتــه أكــر مــن ابنتــي ‪ ،‬حتــى يف يــوم تخرجــه‬
‫ارمتــى بــن أحضــاين قبــل والديــه وجــده‪ ،‬كان يستشــرين بــكل‬
‫يشء إال أمــر زواجــه مــن تلــك اللعينــة نهــال‪ ،‬فقــد جــاء إىل هنــا‬
‫بهــدف عمــل صفقــه لجــده وبعــد شــهرين اتصــل بنــا مخ ـ ًرا‬
‫أنــه ســيتزوج بعــد أســبوع ‪ ،‬ســأله والــده مــن هــي وعرفنــا أنهــا‬
‫‪108‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫بنــت نــاس طيبــن لكنهــا كانــت تخفــي خبثهــا‪.‬‬


‫جئنــا إىل هنــا يف اليــوم الثــاين ‪ ،‬فوجدنــاه قــد رتــب كل‬
‫يشء واشــرى تلــك الفيــا التــي بجــواري وطلــب منــي العيــش‬
‫معــه ‪ ،‬إال أين رفضــت ألن ابنتــي شــابة ومل أشــاء أن تعيــش يف‬
‫منــزل متزوجــن يف شــهر عســل ‪ ،‬وطلبــت منــه أن يشــري يل‬
‫هــذا املنــزل نفــد طلبــي وهــو متضايــق ألنــه أرادين أن أعيــش‬
‫معــه ‪ ،‬ولكنــي أقنعتــه أين ســآيت لخدمتــه مــن الصبــاح حتــى‬
‫الليــل‪.‬‬
‫مــرت األيــام وبعــد شــهر مــن زواجــه ‪ ،‬ويف ليلــة مــا قبــل‬
‫ليلــة املطــر ســمعتهم يتكلمــون أن يف اليــوم التــايل ســتذهب‬
‫نهــال إىل تعلــم القــرآن الكريــم وعلومــه وكانــوا يف قمــة الفــرح‬
‫ألنهــا كانــت حامــل ‪ ،‬ويف اليــوم الثــاين قدمــت لهــم العشــاء‬
‫وعــدت إىل منــزيل ‪ ،‬فحــدث مطــر وعواصــف رهيبــة مل أســتطع‬
‫الخــروج ‪ ،‬فاتصلــت بجــواد فلــم يــرد عــي ال هــو وال نهــال ‪،‬‬
‫ويف صبــاح اليــوم التــايل وجــدت جثــة جــواد يف شــاطئ البحــر‬
‫مهشــمة الوجــه متا ًمــا وقــد ذهبــت ألتعــرف عليــه أنــا فعرفتــه‬
‫‪109‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫أ ّمــا أهلــه رفضــوا رؤيتــه ألنــه كان مشــوه متا ًمــا ‪ ،‬أ َّمــا نهــال فقــد‬
‫بحثــت عنهــا الرشطــة فلــم تجدهــا يف املنــزل بــل مل تعــد لــه منــذ‬
‫خروجهــا منــه ‪ ،‬ومل تذهــب لتعلــم القــرآن ‪ ،‬ومل تذهــب إىل منــزل‬
‫جدتهــا ‪ ،‬بــل وجــدت يف طريــق فرعــي مــؤدي إىل املدينــة متــي‬
‫بخــوف وفســتانها كلــه دم‪.‬‬
‫فنزلــت دمعــة حزينــة مــن عــن مريــم فمســحتها باملنديــل‬
‫وهــي تنظــر ناحيــة الغرفــة املغلقــة ‪ ،‬تطرقــت الســيدة عــا‬
‫قائلــة‪ :‬هــوين عليــك يــا مريــم مل أكــن أعــرف ذلــك كلــه مريــم‪ :‬ال‬
‫بــأس ســيديت ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ولكــن مــن الــذي كان ســيعلم نهال‬
‫الق ـران؟ مريــم‪ :‬أنــه إمــام املســجد الــذي يف الجــوار وهــو أيضً ــا‬
‫عمــدة املنطقــة هــذه ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬هــل نهــال بهــده القــوة‬
‫لتقتــل جــواد و تســحبه إىل الشــاطئ رغــم أنهــا حامــل ؟ مريــم‪:‬‬
‫جــواد نحيــل ‪ ،‬ثــم ســكتت برهــة وقالــت‪ :‬الــر يســاعد عــى‬
‫الــر مهــا كان ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬الطريــق الفرعــي بعيــد مــن‬
‫هنــا؟ مريــم‪ :‬بحــوايل عــر دقائــق وهــو طريــق ال يعرفــه الكثــر‪،‬‬
‫إنهــا خبيثــة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬هــل لديــك صــورة لهــا؟ مريــم‪:‬‬
‫‪110‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫نعــم ‪ ،‬فأخرجــت مريــم صــورة مــن جيبهــا وأعطتهــا للســيدة‬


‫عــا التــي بدورهــا قالــت بحــزن‪ :‬إنهــا شــابان ‪ ،‬تــرى مــا الــذي‬
‫حملهــا عــى قتلــه ؟ مريــم‪ :‬رمبــا أرادت أن ترثــه ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫هــل أرضعتــي جــواد ؟ ‪ ،‬مريــم‪ :‬لقــد كانــت الســيدة بثينــة‬
‫ترفــض أن يرضعــه أحــد غريهــا‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫ملــاذا مل يحكمــوا عــى نهــال حتــى اآلن ؟ مريــم‪ :‬الســيد‬
‫مـراد دامئًــا يطلــب إعــادة التحقيــق؛ ألنــه متأكــد مــن برأتهــا ال‬
‫أعــرف ملــاذا ؟ ســكتت الســيدة عــا برهــة ثــم غــرت املوضــوع‬
‫قائلــة‪ :‬هــل ابنتــك مريضــة ؟ مريــم ‪ :‬كال لقــد كانــت ســليمة إىل‬
‫أن حــدث بجــواد مــا حــدث ‪ ،‬وهدمــت املزرعــة التــي كانــت‬
‫تحبهــا كثــ ًرا ‪ ،‬وهــدم منــزل األزهــار الــذي كانــت تعشــقه ‪،‬‬
‫صــارت هكــذا رمبــا كان كل ذلــك صدمــة لهــا ‪ ،‬وقــد تطــوع‬
‫الســيد مــراد عاشــور بعالجهــا يف مصحــة األمــراض العقليــة‬
‫لكــن دون فائــدة ‪ ،‬فقــررت أن أخرجهــا ألرعاهــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫جيــد‪ ،‬اللــه يشــفيها‪.‬‬
‫خرجــت املــرأة صاحبــة الحليــب مــن املطبــخ برفقــة ســها‬
‫وألقــت التحيــة وخرجــت ‪ ،‬جلســت ســها بجانــب والدتهــا‬
‫‪111‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫قائلــة‪ :‬أمــي إنهــا الخامســة والنصــف علينــا القيــام مبهامنــا‬


‫اليوميــة ‪ ،‬مريــم‪ :‬ال ســوف نؤجلهــا إىل الليــل ‪ ،‬ســها بحزن‪ :‬حسـ ًنا‪.‬‬
‫تغاضــت الســيدة عــا عــن كالمهــا ‪ ،‬وأخرجــت كــرة‬
‫صوفيــة وإبــرة لتشــتغل ‪ ،‬بينــا راحــت ســها تســمع األغــاين يف‬
‫التلفــاز ‪ ،‬بينــا راحــت مريــم تغســل املالبــس وتنرشهــا ‪ ،‬وبينــا‬
‫هــي كذلــك ســقط بنطلــون رجــايل عــى األرض فانتشــلته برسعــة‬
‫وهــي مرتبكــة ‪ ،‬رأتــه الســيدة عــا ولكنهــا تغاضــت أيضً ــا‪.‬‬
‫َم ـ ّر الوقــت مــرور الدخــان الــذي ميــر عــى مــرآة الزمــن‬
‫الدخانيــة لريســم مذكراتــه البائســة عــى حيطانهــا ليكســوها‬
‫غبــار ســنوات الضيــاع‪.‬‬
‫كانــت الســاعة التاســعة مســا ًء حــن جــاءت مريــم‬
‫إىل الصالــة قائلــة‪ :‬العشــاء جاهــز ‪ ،‬ســها‪ :‬أوه إين جائعــة‬
‫ثــم راحــت برسعــة إىل املطبــخ ‪ ،‬تطرقــت الســيدة عــا‬
‫قائلــة ‪:‬لقــد تعبــت يــا مريــم ‪ ،‬مريــم‪ :‬ال عليــك ســيديت ‪.‬‬
‫ذهبــوا إىل املطبــخ وجلســوا عــى املائــدة لتنــاول طعــام العشــاء‬
‫‪112‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الــذي كان عبــارة عــن طبــق فاصوليــا ‪ ،‬طبــق حمــص ‪ ،‬طبــق‬


‫بيــض مقــي ‪ ،‬بعــض األرغفــة ‪ ،‬ثــاث كــؤوس مــن عصــر‬
‫الليمــون‪ ،‬أكــواب الشــاي ‪.‬‬
‫أكملــوا تنــاول طعــام العشــاء ‪ ،‬واحتســاء الشــاي ‪،‬‬
‫تطرقــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬أشــعر بالنعــاس ســأذهب ألنــام ‪،‬‬
‫مريــم ‪:‬معــك حــق وأنــا كذلــك أريــد أن انــام ‪ ،‬ذه ّنب الســيدات‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬طابــت ليتكــا ‪ ،‬فــردت كل مــن مريــم وابنتهــا‬
‫ســها ‪ :‬طابــت ليلتــك‪.‬‬
‫أطفــأت مريــم األنــوار ‪ ،‬وذهبــت وابنتهــا إىل غرفتهــم‪،‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا إىل غرفتهــا وأغلقــت البــاب بإحــكام‬
‫وجلســت عــى الرسيــر ‪ ،‬ثــم أخرجــت مفكرتهــا وكتبــت كل‬
‫املعلومــات التــي حصلــت عليهــا مــن مريــم ‪ ،‬ومــا أن أكملتهــا‬
‫ووضعتهــا يف حقيبتهــا حتــى ســمعت صــوت بــاب حديــدي‬
‫يفتــح يف الطابــق الســفيل ‪ ،‬أطفــأت األنــوار ‪ ،‬وانتظــرت برهــة‬
‫مــن الزمــن ثــم تســللت بهــدوء دون أن يشــعر بهــا أحــد ‪،‬‬
‫ونظــرت فوجــدت مريــم تدخــل الغرفــة املغلقــة ومعهــا مالبس‬
‫‪113‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫رجاليــة ومــا هــي إال ربــع ســاعة حتــى خرجــت ومعهــا مالبــس‬
‫رجاليــة أخــرى وأغلقــت البــاب بإحــكام ‪ ،‬فرجعــت الســيدة عــا‬
‫برسعــة إىل غرفتهــا ‪ ،‬ونظــرت مــن فتحــة البــاب فوجــدت مريــم‬
‫تتســحب داخلــة غرفتهــا‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا و كتبــت يف مفكرتهــا كل مــا رأتــه‪ ،‬ثــم‬
‫راحــت تحللهــا تحلي ـاً منطق ًّيــا لــكل املعلومــات التــي حصلــت‬
‫عليهــا ‪ ،‬وقالــت لنفســها ‪ :‬هنــاك شــيئني مفقوديــن إن وجدتهــم‬
‫ســأحل اللغــز‪.‬‬
‫اســتلقت الســيدة عــا تفكــر بــكل مــا توصلــت لــه حتــى‬
‫نامــت‪.‬‬
‫طلــع النهــار بأناملــه البيضــاء الناعمــة ‪ ،‬وكأنهــا أنامــل فتــاة‬
‫شــابة تداعــب نســيم البحــر املرتاقــص مــع خصــات شــعرها‬
‫الذهبيــة املنتــرة عــى أرجــاء األرض املرتاميــة األطـراف ليبعــث‬
‫األمــل يف قلــوب البــر‪.‬‬
‫كانــت الســاعة التاســعة صباحـاً ‪ ،‬حــن اســتقيظت الســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬و ذهبــت إىل الحــام لتغتســل وتغــر مالبســها وحــن‬
‫‪114‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫خرجــت ‪ ،‬ارتــدت فســتانها األصفــر ورسحــت شــعرها ‪ ،‬انتعلــت‬


‫حذاءهــا ‪ ،‬وحينئــ ًذ رن هاتفهــا النقــال ‪ ،‬ردت الســيدة عــا ‪:‬‬
‫آلــو صبــاح الخــر ســيد صفــوت ‪ ،‬الســيد صفوت‪:‬صبــاح الخــر‬
‫ســيدة عــا ‪ ،‬اســمعي قالــت املرشــدة الســياحية إننا ســنعود يف‬
‫نهايــة األســبوع القــادم وال أعــرف حتــى اآلن مــا هــو الســبب ‪،‬‬
‫ولكنهــا قالــت اليــوم يف العشــاء ســتخربنا عــن الســبب ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬حس ـ ًنا ســآيت العــر ‪ ،‬الســيد صفوت‪:‬حس ـ ًنا إىل اللقــاء ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬مــع الســامة ‪ ،‬ثــم وضبــت أغراضهــا يف الحقيبــة‪،‬‬
‫ووضعــت الحقيبــة بجانــب الرسيــر وخرجــت‪.‬‬
‫هبطــت الســيدة عــا الــدرج ‪ ،‬فتالقــت مــع مريــم ‪،‬‬
‫ابتســمت مريــم قائلــة ‪:‬كنــت صاعــدة يك أوقظــك ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا وهــي تهبــط الــدرج برفقــة مريــم متوجهــن إىل غرفــة‬
‫الطعــام ‪ :‬لقــد تلقيــت مكاملــة مــن الســيد صفــوت يخــرين أن‬
‫املرشــدة الســياحية قــررت أن نعــود يف نهايــة األســبوع القــادم‬
‫وقــال إنهــا ســتصفح عــن الســبب اليــوم عــى العشــاء ‪ ،‬مريــم‪:‬‬
‫حس ـ ًنا ســيديت أمتنــى لــك رحلــة ســعيدة ‪ ،‬تفضــي بالجلــوس ‪،‬‬
‫‪115‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫فجلســت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬لقــد ســمعت البارحــة صــوت بــاب‬


‫حديــدي يفتــح وبعــد برهــة أُقفــل مــاذا كان هــذا يــا مريــم ؟‬
‫ارتبكــت مريــم قائلــة‪ :‬رمبــا كان دكان العطــارة ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫رمبــا ‪ ،‬مريــم‪ :‬ســأخرج أنــا وســها لعمــل يشء وأعــود رسي ًعــا‬
‫الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا ســأنتظركام وأجلــس يف الصالــة ملشــاهدة‬
‫التلفــاز ‪ ،‬مريــم‪ :‬حســنا‪.‬‬
‫ورشع الجميــع بتنــاول طعــام اإلفطــار الــذي كان عبــارة‬
‫عــن سندوتشــات كبــده ‪ ،‬وطبــق فاكهــة ‪ ،‬كــؤوس مــاء وأكــواب‬
‫القهــوة‪.‬‬
‫بعــد أن أكملــوا تنــاول الطعــام واحتســاء القهــوة‪ ،‬توجهــوا‬
‫إىل الصالــة تطرقــت مريــم قائلــة‪ :‬إنهــا الحاديــة عــر ســنذهب‬
‫ولــن نتأخــر ‪ ،‬ال تفتحــي البــاب ألحــد حتــى ال تزعجــي نفســك‪،‬‬
‫الســيدة عــا مبتســمة ‪ :‬حســ ًنا ‪ ،‬وخرجــت مريــم وســها ‪،‬‬
‫وجلســت الســيدة عــا يف الصالــة تشــاهد التلفــاز‪.‬‬
‫حاولــت الســيدة عــا أن تفتــح بــاب الغرفــة املغلقــة ولكــن‬
‫دون فائــدة ‪ ،‬حاولــت أن تنظــر مــن خــال فتحــة البــاب لكنهــا‬
‫‪116‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫فشــلت ‪ ،‬حاولــت أن تفتــح بــاب املكتــب لكــن دون فائــدة‪،‬‬


‫وحينئــ ًذ قــرع جــرس البــاب فتحــت الســيدة عــا البــاب‬
‫فوجــدت املــرأة صاحبــة الحليــب ‪ ،‬فقالــت املــرأة‪ :‬جئــت ألخــد‬
‫زجاجتــي لقــد نســيتها البارحــة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا ادخــي‬
‫فدخلتــا اإلثنتــن إىل املطبــخ ‪ ،‬أخــذت املــرأة الزجاجــة ثــم‬
‫طلبــت مــن الســيدة عــا بعــض مــن الســكر ‪ ،‬فبحثــت عــن‬
‫علبــة الســكر بهــدوء ‪ ،‬بينــا هــي تبحــث وجــدت علبتــن‬
‫بجانــب الســكر ‪ ،‬فصعقــت الســيدة عــا لرؤيتهــا ‪ ،‬ولكنهــا‬
‫متالكــت نفســها وأخــدت علبــة الســكر وأعطــت بعــض منهــا‬
‫للمــرأة ثــم قالــت لهــا ‪ :‬ال تقــويل ملريــم إين فتحــت لــك البــاب‬
‫ألنهــا ال تريــدين أن أدخــل أحــد إىل هنــا ‪ ،‬املــرأة‪ :‬ولكنهــا‬
‫ســتالحظ عــدم وجــود الزجاجــة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ضعيهــا مكانهــا‬
‫وهــذا مثنهــا خديــه ‪ ،‬أخــدت املــرأة املــال وخرجــت ‪ ،‬أغلقــت‬
‫الســيدة عــا البــاب وجلســت يف الصالــة تكتــب كل مــا رأتــه يف‬
‫مفكرتهــا وخبأتهــا يف حقيبــة يدهــا‪.‬‬
‫جلســت عــى املقعــد يف الصالــة تفكــر بجديــة ‪ ،‬ثــم‬
‫‪117‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫قالــت لنفســها‪ :‬هكــذا إذا ً بقــى ســؤال واحــد وأحــل هــذا اللغــز‬
‫ســأذهب إىل عمــدة املنطقــة غ ـ ًدا‪.‬‬
‫َم ـ ّر الوقــت رسي ًعــا ‪ ،‬كانــت الســاعة الثانيــة ظه ـ ًرا حــن‬
‫عــادت مريــم وابنتهــا ســها إىل املنــزل ‪ ،‬وكانــت الســيدة عــا‬
‫قابعــة يف الصالــة ‪ ،‬فألقــت التحيــة عــى الســيدة عــا قائلــة‪:‬‬
‫مرح ًبــا ســيديت لقــد تأخرنــا عليــك ‪ ،‬بســبب إحضــار الغــداء ‪،‬‬
‫الســيدة عــا مبتســمة‪ :‬ال بــأس أوه إين أتضــور جو ًعــا ‪ ،‬مريــم‪:‬‬
‫حســ ًنا ‪ ،‬لنــأكل ‪ ،‬هــل آىت أحــدا ً إىل هنــا؟ الســيدة عــا ‪ :‬ال‪.‬‬
‫ذهبــوا إىل غرفــة الطعــام وجلســوا لتنــاول الطعــام الــذي‬
‫كان عبــارة عــن ‪ ،‬لحــم مشــوي ‪ ،‬أرز مكبــوس‪ ،‬بطاطــس مقــي‪،‬‬
‫ســلطة ماينيــز ‪ ،‬كــؤوس عصــر الكيــوي ‪ ،‬أكــواب القهــوة ‪ ،‬طبــق‬
‫حلــوة‪.‬‬
‫رشع الجميــع بتنــاول الطعــام ‪ ،‬واحتســاء القهــوة ‪ ،‬ثــم‬
‫دهبــوا إىل الصالــة ‪ ،‬تطرقــت الســيدة عــا ســائلة‪ :‬هــل تحتفظــن‬
‫بأشــياء جــواد؟ مريــم مرتبكــة‪ :‬كال فقــط الصــور ليــس إال ‪،‬‬
‫صمــت الجميــع ملشــاهدة التلفــاز برهــة مــن الوقــت ثــم‬
‫‪118‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫تطرقــت الســيدة عــا قائلــة ‪ :‬أوه إنهــا الرابعــة عــرا ً عليــا‬


‫العــودة إىل الفنــدق ‪ ،‬ســها ضاحكــة ‪ :‬أبقــي معنــا ‪ ،‬وكزتهــا‬
‫مريــم مــن الخلــف قائلــة‪ :‬نعــم أبقــي معنــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪:‬‬
‫ســأعود ألودعكــم ‪ ،‬مريــم ‪:‬حس ـ ًنا أه ـاً بــك وهــي تتمنــى أن‬
‫ال تعــود‪.‬‬
‫صعــدت الســيدة عــا إىل غرفتهــا ‪ ،‬وأخــذت حقيبتهــا‬
‫وتفقــدت الغرفــة لتتأكــد مــن أنهــا مل تنــى شــيئاً ‪ ،‬ثــم‬
‫هبطــت الــدرج حاملــة معهــا حقيبتهــا ‪ ،‬وقفــت يف الصالــة‬
‫فقامــت مريــم وابنتهــا لتوديعهــا ‪ ،‬ورافقتهــا مريــم إىل الشــارع‬
‫واســتقلت ســيارة ‪ ،‬وقبــل أن تركــب الســيارة نظــرت إىل مريــم‬
‫قائلــة‪ :‬ســأعود لتوديعــك قبــل أن أرحــل مــن هــذه املنطقــة ‪،‬‬
‫ابتســمت مريــم وقبــل أن تتكلــم ركبــت الســيدة عــا الســيارة‬
‫التــي انطلقــت يف طريقهــا إىل الفنــدق‪.‬‬
‫وصلــت الســيارة إىل الفنــدق وتوقفــت أمامــه ونزلــت‬
‫الســيدة عــا مــن الســيارة بعــد أن دفعــت األجــرة‪ ،‬دخلــت إىل‬
‫الفنــدق وســألت موظــف االســتقبال قائلــة‪ :‬أيــن املجموعــة؟‬
‫‪119‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫املوظــف‪ :‬مل يعــودوا بعــد مــن الرحلــة ‪ ،‬هــذا مفتاحــك ســيدة‬


‫عــا تفضــي ‪ ،‬الســيدة عــا شــك ًرا ‪ ،‬ثــم ســألته قائلــة‪ :‬ما هو أســم‬
‫عمــده املنطقــة هــذه ؟ املوظــف ‪ :‬أســمه عبــد اللــه الصــاوي‪،‬‬
‫أتريديــن رقــم هاتفــه ؟ الســيدة عــا‪ :‬نعــم مــن فضلــك‪.‬‬
‫أخــرج املوظــف ســجل أرقــام ضخــم وبحــث عــن رقــم‬
‫العمــدة إىل أن وجــده فأعطــاه للســيدة عــا التــي ســجلته يف‬
‫هاتفهــا النقــال ‪ ،‬قائلــة ‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬املوظــف‪ :‬ال شــكر عــى واجــب‪،‬‬
‫ثــم نــادى النادلــة لتحمــل حقيبــة الســيدة عــا‪.‬‬
‫جــاءت النادلــة وحملــت حقيبــة الســيدة عــا‪ ،‬وتوجهــت‬
‫برفقــة الســيدة عــا إىل املصعــد الــذي فتــح بابــه فصدعتــا‬
‫اإلثنتــن ‪ ،‬قالــت النادلــة‪ :‬أهـاً بــك ســيديت ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬شــك ًرا ‪،‬‬
‫وصــل املصعــدة إىل الطابــق الخامــس وتوجهتــا إىل غرفــة الســيدة‬
‫عــا التــي فتحتهــا فدخلتــا ووضعــت النادلــة الحقيبــة قائلــة‪ :‬هل‬
‫تحتاجــن يشء ســيديت؟ الســيدة عــا‪ :‬ال شــك ًرا ‪ ،‬خرجــت النادلــة‬
‫مغلقــة البــاب وراءهــا‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫جلســت الســيدة عــا عــى الرسيــر وأخــذت رقــم عمــده‬


‫املنطقــة ورضبــت األرقــام رن‬
‫الهاتــف ‪ ،‬رفــع الخــط ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬الــو مســاء الخري‪ ،‬هل‬
‫هــذا هاتــف الشــيخ عبــد اللــه الصــاوي عمــده هــذه املنطقــة؟‬
‫الشــيخ‪ :‬نعــم ‪ ،‬مــن أنتــي ؟ الســيدة عــا‪ :‬أنــا الدكتــورة عــا‬
‫أعمــل طبيبــة لحســاب الجرائــم الجنائيــة ســابقاً‪ ،‬زوجــة رجــل‬
‫األعــال املتــوىف شــوقي ‪ ،‬الشــيخ‪ :‬أهـاً هــل أســتطيع خدمتــك‬
‫بــيء ســيدة عــا ؟ الســيدة عــا‪ :‬نعــم ‪ ،‬هنــاك مســألة أريــد‬
‫التكلــم بهــا معــك ‪ ،‬متــى ميكننــي مقابلتــك ؟ الشــيخ‪ :‬حس ـ ًنا‪،‬‬
‫را يف منــزيل ‪ ،‬ثــم أعطاهــا عنــوان‬
‫غــ ًدا الســاعة الرابعــة عــ ً‬
‫منزلــه ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬شــك ًرا إىل اللقــاء ‪ ،‬الشــيخ إىل اللقــاء‪.‬‬
‫ذهبــت الســيدة عــا توضــب أغراضهــا يف الــدوالب ‪ ،‬ثــم‬
‫قالــت لنفســها‪ :‬إذا ق ـ ّرروا موعــد العــودة ســأخرب جنــة مبوعــد‬
‫قدومــي ‪ ،‬وراحــت تراجــع املعلومــات التــي حصلــت عليهــا‬
‫وتحللهــا‪.‬‬
‫َمــ ّر الوقــت كشــال جــارف ‪ ،‬ليجــرف مــا يــراه أمامــه‬
‫‪121‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫مــن صفحــات دخانيــة منقوشــة عــى صفحــات الزمــان الغابــر‬


‫بجروحــه املنهمــرة عــى قلــوب البــر‪.‬‬
‫كانــت الســاعة التاســعة حــن كانــت الســيدة عــا تطالــع‬
‫إحــدى املجــات الثقافيــة ‪ ،‬الرتفيهيــة لتتســى وتقــي وقتهــا ‪،‬‬
‫طــرق البــاب ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ادخــي ‪ ،‬النادلــة داخلــة‪ :‬العشــاء‬
‫جاهــز ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬آتيــة‪.‬‬
‫هبطــت الســيدة عــا باملصعــد إىل الطابــق الثالــث متوجهــة‬
‫إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬وحــن دخلــت غرفــة الطعــام قــال الجميــع ‪:‬‬
‫أهـاً بــك ســيدة عــا لقــد اشــتقنا لــك ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬شــك ًرا وأنــا‬
‫كذلــك اشــتقت لكــم ‪ ،‬ثــم جلســت بجانــب ليــى ‪ ،‬جــاء النــادل‬
‫وقــدم الطعــام الــذي كان عبــارة عــن فطائــر البيتــزا ‪ ،‬فطائــر‬
‫ســوبر ســوبريم ‪ ،‬ســلطة الفواكــه ‪ ،‬ســلطة املاينيــز ‪ ،‬أطبــاق‬
‫الفواكــه ‪ ،‬كــؤوس عصــر الربتقــال ‪ ،‬أكــواب الشــاي والقهــوة‪.‬‬
‫رشع الجميــع بتنــاول الطعــام واحتســاء الشــاي والقهــوة ‪،‬‬
‫وبعــد أن أكملــوا العشــاء تطرقــت املرشــدة الســياحية قائلــة‪ :‬لقد‬
‫قــررت أن نعــود إىل بلدتنــا يف نهايــة األســبوع القــادم ‪ ،‬بســبب‬
‫‪122‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫تحذيــرات خــراء الطقــس حيــث قالــوا أن يف نهايــة الشــهر‬


‫ســتأيت عواصــف وأمطــار ‪ ،‬ولهــذا قــررت العــودة ‪ ،‬وبســبب‬
‫هــذا غـ ّـرت برنامــج الرحلــة ‪ ،‬ســنكتفي بالقصــور التــي زرناهــا‬
‫ومــن غــدا ً ســنزور بقيــة األشــياء املحــددة ‪ ،‬الجميــع ‪ :‬رائــع ‪،‬‬
‫حسـ ًنا ‪ ،‬املرشــدة الســياحية‪ :‬هــل ســتنضمني معنــا ســيدة عــا؟‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬كال هنــاك أصدقــاء يل يجــب عليــا زيارتهــم ‪،‬‬
‫املرشــدة الســياحية ‪ :‬حسـ ًنا كــا تشــائني عزيــزيت ‪ ،‬منــى‪ :‬ســيدة‬
‫عــا إنــك مل ترافقينــا ســوى مــرة واحــدة مل تســتمتعي بهــذه‬
‫الرحلــة‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ألنهــا تتطلــب مــي كثــر وأنا ال أســتطيع‬
‫تحمــل املشــقة بســبب كِــر ســني ‪ ،‬أوه إنهــا العــارشة ســأذهب‬
‫إىل النــوم ‪ ،‬الجميــع ‪ :‬طابــت ليلتــك ســيدة عــا فــردت هــي ‪:‬‬
‫طابــت ليلتكــم‪.‬‬
‫صعــدت الســيدة عــا إىل غرفتهــا ‪ ،‬وجلســت عــى الرسير‬
‫واتصلــت بجنــة ‪ ،‬رن الهاتــف ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬آلــو مرحبــا جنــة ‪،‬‬
‫كيــف حالــك؟ جنــة‪ :‬بخــر ‪ ،‬لقــد اشــتقت لــك ســيديت ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬وأنــا كذلــك ‪ ،‬أســمعي ســوف نعــود يف نهايــة األســبوع‬
‫‪123‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫القــادم نتيجــة ســوء الطقــس ‪ ،‬جنــة‪ :‬ســأعود قبلــك الســيدة‬


‫عــا ‪ :‬ال ‪ ،‬ال ميكنــك البقــاء عنــد أختــك ‪ ،‬جنــة‪ :‬ســأعود قبلــك ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬حسـ ًنا إىل اللقــاء ‪ ،‬جنــة‪ :‬إىل اللقــاء‪.‬‬
‫أغلقــت الســيدة عــا الهاتــف ‪ ،‬وغطــت نفســها لتنــام‬
‫اســتعدادا ً يــوم جديــد‪.‬‬
‫طلعــت الشــمس املشــعة وكأنهــا قطعــة مــن الذهــب‪ ،‬لتنري‬
‫العــامل بنورهــا وتبــر النــاس بأمــل مولــد يــوم جديــد‪ ،‬غنــت‬
‫الطيــور فر ًحــا وطربًــا بهــذا اليــوم متمنيــة رزقهــا مــن اللــه عــز‬
‫رقصــا ونســيم البحــر ‪ ،‬فر ًحــا‬
‫وجــل ومتايلــت أغصــان األشــجار ً‬
‫وطربًــا مبولــود جديــد‪.‬‬
‫اســتيقظت الســيدة عــا يف متــام الســاعة التاســعة والنصف ‪،‬‬
‫عــى طــرق البــاب ‪ ،‬قالــت الســيدة عــا‪ :‬ادخــي ‪ ،‬فدخلــت كامليا‬
‫قائلــة وهــي تضحــك‪ :‬لســت النادلــة أنــا كامليــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫أه ـاً كامليــا تفضــي ‪ ،‬كامليــا وهــي تجلــس عــى الكــريس‪ :‬لقــد‬
‫ســمعت النادلــة تقــول ســأذهب إليقــاظ الســيدة عــا فقلــت‬
‫لهــا أنــا ســأوقظها ‪ ،‬وجئــت إليقاظــك ‪ ،‬الســيدة عــا مبتســمة‪:‬‬
‫‪124‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫أه ـاً بــك ســأذهب إىل الحــام ‪ ،‬ثــم ذهــب لتنــاول اإلفطــار ‪،‬‬
‫كامليــا ‪ :‬حسـ ًنا ســوف أنتظــرك هنــا‪.‬‬
‫ذهبــت الســيدة عــا إىل الحــام بعــد أن أخــذت أغراضهــا‬
‫وأغلقــت البــاب ‪ ،‬بعــد برهــة مــن الزمــن فتحــت كامليــا حقيبة‬
‫الســيدة عــا وأخرجــت املفكــرة وقــرأت مــا فيهــا برسعــة‬
‫وأرجعتهــا مكانهــا وكأن شــيئًا مل يكــن ‪ ،‬قالــت لنفســها ‪ :‬حسـ ًنا‬
‫بقــى شــيئاً واحــدا ً فقــط ونعــرف الــر‪.‬‬
‫خرجــت الســيدة عــا مــن الحــام مرتديــة فســتان أزرق‬
‫جميــل ثــم رسحــت شــعرها وانتعلــت حذاءهــا ‪ ،‬وخرجــت‬
‫مــع كامليــا هابطــن باملصعــد ‪ ،‬ثــم توجهتــا إىل غرفــة الطعــام‪،‬‬
‫جلســت كامليــا بجانــب زوجهــا صفــوت ‪ ،‬أ ّمــا الســيدة عــا‬
‫فجلســت بجنــاب عمــر ‪ ،‬رشع الجميــع بتنــاول الطعــام الــذي‬
‫كان عبــارة عــن فطائــر الجــن ‪ ،‬فطائــر الفراولــة ‪ ،‬سندوتشــات‬
‫كبــده ‪ ،‬أطبــاق حمــص ‪ ،‬أطبــاق طحــن بعــض األرغفــة ‪،‬‬
‫كــؤوس عصــر الفراولــة ‪ ،‬كــؤوس عصــر الرمــان ‪ ،‬أكــواب الشــاي‬
‫والقهــوة‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫رشع الجميــع بتنــاول الطعــام ومــا أن أكملــوا تنــاول‬


‫الطعــام حتــى تطرقــت املرشــدة الســياحية قائلــة ‪ :‬مــا رأيكــم‬
‫بزيــارة األســوق الشــعبية اليــوم ؟ الجميــع‪ :‬موافقــون ‪ ،‬املرشــدة‬
‫الســياحية‪ :‬حس ـ ًنا ‪ ،‬إنهــا العــارشة ونصــف هيــا بنــا ‪ ،‬الســيدة‬
‫را ‪ ،‬بعدهــا ســوف أترككــم‬
‫عــا‪ :‬ســآيت معكــم حتــى الرابعــة عـ ً‬
‫ألذهــب إىل شــخص معــروف ‪ ،‬املرشــدة الســياحية ‪ :‬هــذا جيــد‪.‬‬
‫خــرج الجميــع مــن الفنــدق وصعــدوا البــاص جالســن يف‬
‫مقاعدهــم ‪ ،‬وانطلــق البــاص ومــا هــي إال ربــع ســاعة حتــى‬
‫وصــل البــاص إىل مــكان األســواق الشــعبية ‪ ،‬ونــزل الجميــع‬
‫برفقــة املرشــدة الســياحية ‪ ،‬فتجولــوا يف األســواق ‪ ،‬فــرأوا املالبــس‬
‫الرتاثيــة‪ ،‬القنينــات ‪ ،‬التحــف ‪ ،‬املك ـرات والحلويــات الشــعبية‪،‬‬
‫التامثيــل ‪ ،‬وكل مــا يتعلــق بالــراث ‪ ،‬البعــض منهــم اشــرى ‪،‬‬
‫والبعــض اآلخــر أكتفــى باملشــاهدة‪.‬‬
‫َم ـ ّر الوقــت رسي ًعــا ‪ ،‬كانــت الســاعة الثانيــة ظه ـ ًرا عندمــا‬
‫حــان موعــد الغــذاء ‪ ،‬فذهبــوا إىل املطعــم الــذي كان ذو ط ـراز‬
‫رومــاين راقــي ‪ ،‬كان بنــاء املطعــم ذو شــكل قــارب ‪ ،‬أ ّمــا الطــاوالت‬
‫‪126‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫فكانــت ذو شــكل بيضــاوي بيضــاء اللــون مذهبــة األطــراف‬


‫والكـرايس لهــا شــكل الــوردة بنفــس اللــون ‪ ،‬أمــا األرض فكانــت‬
‫مــن البــاط الرخامــي األزرق ‪ ،‬وأخــ ًرا الســقف والحيطــان‬
‫فكانــت بيضــاء ذات نقــوش رومانيــة تراثيــة ‪ ،‬ويوجــد بــن كل‬
‫طاولــة وأخــرى عمــود مذ ّهــب ذو نقــوش وزخــارف جميلــة‪.‬‬
‫ســجلت املرشــدة الســياحية الطلبــات ‪ ،‬وانتظــروا عــى‬
‫الطاولــة ‪ ،‬جــاء النــادل بالطعــام الــذي كان عبــارة عــن أطبــاق‬
‫األرز باللحــم ‪ ،‬أطبــاق اللحــم املشــوي ‪ ،‬أطبــاق الدجــاج‬
‫املحمــر ‪ ،‬أطبــاق الســلطة ‪ ،‬كــؤوس عصــر املانجــو ‪ ،‬كــؤوس‬
‫عصــر األنانــاس ‪ ،‬أكــواب الشــاي والقهــوة‪.‬‬
‫كانــت الســاعة الثالثــة والنصــف حــن أكملــوا تنــاول‬
‫الطعــام واحتســاء الشــاي والقهــوة ‪ ،‬تطرقــت الســيدة عــا‬
‫قائلــة‪ :‬يجــب عــي أن أذهــب ‪ ،‬الســيد صفــوت‪ :‬ســأرافقك أن‬
‫أردت‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬ال داعــي لذلــك ســأذهب وحــدي ‪ ،‬املرشــدة‬
‫الســياحية ‪ :‬يف رعايــة اللــه‬
‫‪127‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫الســيدة عــا وهــي تغــادر ‪ :‬شــك ًرا إىل اللقــاء ‪ ،‬الجميــع ‪:‬إىل‬
‫اللقــاء‪.‬‬
‫خرجــت الســيدة عــا مــن املطعــم واســتقلت ســيارة أجــرة‪،‬‬
‫بعــد أن ركبــت بهــا أعطــت الســائق عنــوان الشــيخ عبــد اللــه‬
‫الصــاوي ‪ ،‬فانطلقــت الســيارة ووصلــت أمــام منــزل الشــيخ يف‬
‫متــام الســاعة الرابعــة ‪ ،‬نزلــت الســيدة عــا مــن الســيارة بعــد‬
‫أن دفعــت األجــرة إىل الســائق ‪ ،‬فانطلقــت الســيارة يف ســبيلها‪.‬‬
‫توجهــت الســيدة عــا إىل املنــزل ‪ ،‬كان املنــزل مكــون مــن‬
‫طابــق واحــد فقــط ‪ ،‬فمــرت بحديقــة املنــزل التــي كانــت تحتوي‬
‫عــى أنــواع مــن الــورود ‪ ،‬واألزهــار ‪ ،‬واألشــجار ‪ ،‬كــا يوجــد‬
‫طيــور جميلــة ‪ ،‬وأبقــار ‪ ،‬أغنــام ‪ ،‬ماعــز ‪.‬‬
‫وقفــت الســيدة عــا أمــام البــاب ‪ ،‬وطرقتــه ‪ ،‬فتــح البــاب‬
‫مــن قبــل شــاب صغــر يف الســن وقــال‪ :‬هــل أنتــي الســيدة عــا؟‬
‫الســيدة عــا‪ :‬نعــم ‪ ،‬الصبــي ‪ :‬تفضــي والــدي ينتظــرك ‪ ،‬فدخلــت‬
‫الســيدة عــا ‪ ،‬فاســتقبلتها امــرأة قائلــة‪ :‬اه ـاً بــك تفضــي ‪ ،‬أنــا‬
‫زوجــة الشــيخ عبــد اللــه أنــه بانتظــارك يف املكتــب ســأعلمه‬
‫‪128‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫بقدومــك تفضــي بالجلــوس ‪ ،‬الســيدة عــا وهــي تجلــس‪:‬‬


‫شــك ًرا‪.‬‬
‫ذهبــت املــرأة إلعــام زوجهــا ‪ ،‬وجلســت الســيدة عــا يف‬
‫الصالــة التــي كانــت صغــرة تحتــوي عــى أربــع كـرايس خشــبية‬
‫عريضــة منحوتــة األطـراف ‪ ،‬وطاولــة يف وســطهم بنفــس شــكل‬
‫ولــون الكــرايس ‪ ،‬يوجــد حــول الصالــة ثــاث غــرف غرفــة‬
‫للشــيخ وزوجتــه ‪ ،‬وغرفــة لــأوالد ‪ ،‬وغرفــة املكتــب ‪ ،‬وحــام‬
‫ومطبــخ يف جهــة منعزلــة ‪ ،‬كانــت الحيطــان بيضــاء مزينــة‬
‫بآيــات مــن الذكــر الحكيــم ‪ ،‬أ ّمــا األرض فكانــت مــن البــاط‬
‫العــادي ســكري اللــون‪.‬‬
‫جــاءت املــراة قائلــة‪ :‬تفضــي بالدخــول ســيدة عــا ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬حسـ ًنا ‪ ،‬ثــم دخلــت إىل املكتــب ‪ ،‬وقــف الشــيخ‬
‫وســلم عليهــا قائــا ‪ :‬تفضــي بالجلــوس ‪ ،‬فجلــس كالهــا ‪.‬‬
‫تطرقــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬لقــد كلفــت مبهمــة مل‬
‫أعــرف عنهــا شــيئًا مــن قبــل الســيد مـراد عاشــور ‪ ،‬وجئــت إىل‬
‫هنــا يف رحلــة ســياحية نظمهــا هــو يل ‪ ،‬واكتشــفت أن حفيــده‬
‫‪129‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫قتــل بظــروف غامضــة ‪ ،‬وأن املتهــم هــي زوجتــه رغــم براءتهــا‪،‬‬


‫الشــيخ ‪ :‬كيــف عرفتــي أنهــا بريئــة ؟ الســيدة عــا‪ :‬مــن خــال‬
‫مــا توصلــت لــه عرفــت أنهــا بريئــة ‪ ،‬وأن القاتــل شــخص آخــر‪،‬‬
‫الشــيخ باهتــام ‪ :‬مــن هــو ؟ ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ال ليــس اآلن ‪ ،‬عندمــا‬
‫يحــن الوقــت ســوف يعــرف القاتــل بنفســه ‪ ،‬ولكــن أريــد أن‬
‫أســألك هــل آتــت نهــال إليــك لتتعلــم القـران؟ الشــيخ‪ :‬لقــد جــاء‬
‫إيل جــواد قبــل مقتلــه بليلــة هــو وزوجتــه ‪ ،‬واتفقــا معــي عــى‬
‫أن تأتينــي زوجتــه يف اليــوم التــايل ولكنهــا مل تــأيت رمبــا بســبب‬
‫األمطــار التــي حدثــت ‪ ،‬ويف اليــوم التــايل وجــدت جثة جــواد عىل‬
‫شــاطئ البحــر مهشــمة الوجــه ‪ ،‬ونهــال وجــدت عــى الطريــق‬
‫الفرعــي املــؤدي إىل املدينــة بفســتان ملطــخ بــدم ‪ ،‬وهــي تــر‬
‫عــى أنهــا أفاقــت مــن النــوم لتجــد نفســها يف الطريــق الفرعــي ‪،‬‬
‫ســكت برهــة ‪ ،‬و الســيدة عــا تنصــت‬
‫باهتــام وتكتــب كل مــا يقولــه الشــيخ ‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬األغــرب‬
‫مــن هــذا كلــه يــا ســيدة عــا أن هنــاك شــاب يف العرشينيــات‬
‫مــن عمــره ‪ ،‬هــذا الشــاب مســكني فقــر وهــو أخــرس ‪ ،‬كان‬
‫‪130‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫يجلــس بجــوار فلــه جــواد للشــحاتة ‪ ،‬وكان الــكل يعطــف‬


‫وخصوصــا جــواد‪ ،‬ولكنــه يف يــوم مــا وجــد فيــه جثــة‬
‫ً‬ ‫عليــه‬
‫جــواد كان هــذا الشــاب قــد اختفــى ومل يظهــر حتــى األن ‪،‬‬
‫هــل ممكــن أن يكــون هــو القاتــل؟ الســيدة عــا مبتســمة‬
‫‪ :‬ال ليــس هــو ‪ ،‬ســؤالني أخرييــن هــل جســم هــذا الشــاب‬
‫يشــبه جســم جــواد؟ الشــيخ‪ :‬نعــم ‪ ،‬هــو نحيــل متلــه ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬هــل كان املطــر غزي ـرا ً ج ـ ًّدا مينــع الخــروج مــن املنــزل ؟‬
‫الشــيخ‪ :‬نعــم تقريبًــا‪ ،‬هــل توصلتــي إىل يشء ســيدة عــا ؟ ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬نعــم وســأعلمك يف الوقــت املناســب ‪ ،‬واآلن إىل‬
‫اللقــاء ‪ ،‬الشــيخ ‪ :‬إىل اللقــاء ‪ ،‬أن كان هنــاك يشء توصلتــي إليــه‬
‫أعلمينــي‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حســنا‪.‬‬
‫خرجــت الســيدة عــا مــن منــزل الشــيخ ‪ ،‬ويف نفــس‬
‫الوقــت تلقــى الشــيخ مكاملــة هاتفيــة ‪ ،‬اســتقلت الســيدة عــا‬
‫ســيارة أجــرة وعــادت إىل الفنــدق ‪ ،‬توقفــت الســيارة أمــام‬
‫الفنــدق فنزلــت منهــا بعــد أن دفعــت األجــرة ‪ ،‬ودخلــت‬
‫الفنــدق متوجهــة إىل املصعــد ‪ ،‬ووقفــت أمامــه فتــح بــاب‬
‫‪131‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫املصعــد فصعــدت الســيدة عــا بــه إىل الطابــق الخامــس ‪ ،‬ومــا‬


‫أن وصــل حتــى نزلــت الســيدة عــا متوجهــة إىل غرفتهــا ‪ ،‬حيــث‬
‫كانــت الســاعة الســابعة‪.‬‬
‫جلســت الســيدة عــا عــى رسيرهــا ورتبــت كل املعلومــات‬
‫التــي حصلــت عليهــا ‪ ،‬وكتبــت تحليــاً رائ ًعــا هــزت رأســها‬
‫بالــرىض عليــه ‪ ،‬ثــم كتبــت خطتهــا يف كشــف القاتــل ‪ ،‬ويف نهايــة‬
‫الخطــة قالــت لنفســها‪ :‬عنــد أكتشــاف القاتــل واعرتافــه ســأتصل‬
‫بالرشطــة‪.‬‬
‫َمــ ّر الوقــت برسعــة الريــاح ‪ ،‬كانــت الســاعة التاســعة‬
‫مســا ًء حــن كانــت الســيدة عــا تقــرأ مجلــة ثقافيــة ‪ ،‬طــرق‬
‫بــاب الغرفــة‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أدخــل ‪ ،‬فدخلــت كامليــا قائلــة ‪:‬‬
‫لقــد جئنــا أنــا وزوجــي نعلمــك مبوعــد العشــاء ‪ ،‬الســيدة عــا‬
‫مبتســمة‪ :‬حسـ ًنا آتيــة ‪ ،‬وخرجــوا مــن الغرفــة إىل املصعــد ‪ ،‬فتــح‬
‫بــاب املصعــد وحينئــذ قالــت كامليــا ‪ :‬أوه ســأذهب إىل الحــام‬
‫ثــم الحــق بكــا ‪ ،‬الســيد صفــوت‪ :‬حســناً‪.‬‬
‫فصعــد كال مــن الســيدة عــا والســيد صفــوت ‪ ،‬وهبطــوا إىل‬
‫‪132‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫الطابــق الثالــث ‪ ،‬نزلــوا متوجهــن إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬وقبــل أن‬


‫يدخــا لحقــت بهــم كامليــا ‪ ،‬فدخلــوا الثالثــة ‪.‬‬
‫جلســوا عــى املائــدة بجانــب بعــض ‪ ،‬وقــدم العشــاء‬
‫الــذي كان عبــارة عــن وجبــات شــعبية ‪ ،‬وكــؤوس مــن أنــواع‬
‫العصــر ‪ ،‬وأكــواب الشــاي والقهــوة ‪.‬‬
‫تنــاول الجميــع العشــاء واحتســوا الشــاي ‪ ،‬تطرقــت‬
‫الســيدة عــا قائلــة‪ :‬ســأذهب غ ـ ًدا إىل منــزل مريــم ألودعهــا‬
‫ســأمكث عندهــا ليلــة واحــدة ثــم أعــود ‪ ،‬الجميــع ‪ :‬حس ـ ًنا ‪.‬‬
‫ثــم قامــت قائلــة ‪ :‬ســأذهب إىل النــوم طابــت ليلتكــم ‪،‬‬
‫الجميــع ‪ :‬طابــت ليلتــك ســيدة عــا ‪ ،‬ثــم ذهبــت الســيدة عــا‬
‫إىل غرفتهــا ووضبــت أغراضهــا يف الحقيبــة ‪ ،‬ثــم أطفــأت النــور‬
‫ونامــت وهــي تأمــل أن تنجــح يف مهمتهــا الصعبــة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫س‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫�‬‫ال ف‬


‫ل ادس‬

‫النهاية و حل اللغز‬

‫جــاء الصبــاح يتفاخــر بفســتانه األبيــض املزخــرف بألــوان‬


‫الخلبــة التــي تعكــس فرحــة الطفولــة عــى قلــوب‬
‫الطبيعــة ّ‬
‫البــر ‪ ،‬وخــرج النــاس ألعاملهــم متوكلــن عــى اللــه ســبحانه‬
‫وتعــاىل ‪ ،‬حتــى الطيــور والحيوانــات خرجــت لتبحــث عــن رزقهــا‬
‫آملــة أن اللــه لــن يضيــع ســعيها‪.‬‬
‫نهضــت الســيدة عــا مــن نومهــا عــى نغــم الحيــاة الريفية‪،‬‬
‫يف متــام الســاعة العــارشة صبا ًحــا ‪ ،‬ذهبــت إىل الحــام واغتســلت‪،‬‬
‫فارتــدت فســتان سوســني ‪ ،‬وانتعلــت حذاءهــا ‪ ،‬ولبســت قبعتهــا‬
‫القــش ‪ ،‬وأخــدت حقيبتهــا ‪ ،‬وخرجــت مــن غرفتهــا متوجهــة إىل‬
‫املصعــد ‪ ،‬فتــح بــاب املصعــد وصعــدت بــه ‪ ،‬هابطــة إىل الطابــق‬
‫الثالــث فتــح البــاب ونزلــت متوجهــة إىل غرفــة الطعــام‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫دخلــت إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬فقــال الجميــع‪ :‬صبــاح الخــر‬


‫ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬صبــاح الخــر كامليــا ‪ :‬كنــت قادمــة‬
‫ألوقظــك ‪ ،‬الســيدة عــا وهــي تجلــس وتضــع حقيبتهــا‪ :‬ال بــأس‬
‫الســيد صفــوت‪ :‬متــى تدهبــن إىل منــزل مريــم ؟ الســيدة عــا‪:‬‬
‫ســأذهب يف الثانيــة عــر ظهـ ًرا ‪ ،‬كامليــا‪ :‬جيــد‪.‬‬
‫جــاء النــادل حامـاً طعــام اإلفطــار الــذي كان عبــارة عــن‬
‫سندوتشــات الكبــدة ‪ ،‬سندوتشــات النقانــق ‪ ،‬سندوتشــات‬
‫اللحــم املفــروم ‪ ،‬أطبــاق الســلطة الفواكــه ‪ ،‬ســلطة املاينيــز‪،‬‬
‫ســلطة الجــزر بالزبــادي ‪ ،‬كــؤوس عصــر العنــب ‪ ،‬أكــواب‬
‫الشــاي والقهــوة‪.‬‬
‫رشع الجميــع بتنــاول الطعــام ‪ ،‬وهــم يتحدثــون عــن‬
‫رحلــة اليــوم التــي ســتكون إىل أحــد مقابــر ملــوك وعظــاء‬
‫إحــدى الحضــارات التــي ترجــع إىل القــرون الوســطى ‪ ،‬قالــت‬
‫املرشــدة الســياحية ‪ :‬ستســتغرق هــذه الرحلــة أربــع ســاعات‬
‫بالبــاص ‪ ،‬ونصــف ســاعة مشــيا الجميــع ‪ :‬موافقــون ‪ ،‬املرشــدة‬
‫الســياحية‪ :‬إنهــا الحاديــة عــر لنذهــب اآلن ‪ ،‬الجميــع ‪ :‬هيــا‬
‫‪135‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫بنــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬ســأقدم معكــم بالبــاص إىل منــزل مريــم ‪،‬‬
‫املرشــدة الســياحية‪ :‬حس ـ ًنا ‪ ،‬هيــا بنــا‪.‬‬
‫خــرج الجميــع ‪ ،‬وصعــدوا إىل البــاص ‪ ،‬وجلســوا عــى‬
‫مقاعدهــم ‪ ،‬وانطلــق البــاص حتــى وصــل إىل منــزل مريــم ‪،‬‬
‫املرشــدة الســياحية ‪ :‬هــا قــد وصلنــا ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫شــك ًرا ‪ ،‬الســيد صفــوت وهــو يشــر إىل الطابــق العلــوي‪ :‬أيهــا‬
‫غرفتــك ســيدة عــا ؟ الســيدة عــا‪ :‬إنهــا الغرفــة اليمنــى ‪ ،‬الســيد‬
‫صفــوت‪ :‬ولكنهــا خاليــة مــن النوافــذ ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬كال بــل‬
‫بهــا نافــذة خلفيــة تطــل عــى دكان العطــارة ‪ ،‬الســيد صفــوت‪:‬‬
‫حسـ ًنا‪ ،‬موفقــة ســيدة عــا ‪ ،‬إىل اللقــاء ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬إىل اللقــاء‪.‬‬
‫نزلــت الســيدة عــا مــن البــاص ‪ ،‬وانطلــق البــاص يف رحلتــه‬
‫بينــا توجهــت الســيدة عــا إىل منــزل مريــم ‪ ،‬فطرقــت البــاب‬
‫‪ ،‬فتــح البــاب بواســطة مريــم التــي صعقــت حينــا رأت الســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬فقالــت‪ :‬أهـاً بــك ســيدة عــا ‪ ،‬تفضــي ‪ ،‬دخلــت الســيدة‬
‫عــا قائلــة‪ :‬شــك ًرا ‪ ،‬جئــت ألودعك ألين سأســافر يف نهاية األســبوع‬
‫القــادم ‪ ،‬مريــم‪ :‬أه ـاً بــك بــأي وقــت ‪ ،‬غرفتــك جاهــزة لكنــي‬
‫‪136‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫فتحــت النافــذة لتهويــة ‪ ،‬هــل أغلقهــا لــك؟ الســيدة عــا‪ :‬ال‬


‫دعيهــا مفتوحــة ‪ ،‬ثــم صعــدت إىل غرفتهــا قائلــة‪ :‬سأســريح‬
‫قلي ـاً حتــى موعــد الغــذاء أعلمينــي ‪ ،‬مريــم‪ :‬حس ـ ًنا ســيديت‪.‬‬
‫دخلــت الســيدة عــا إىل غرفتهــا ‪ ،‬ووضبــت أغراضهــا‪،‬‬
‫ثــم جلســت عــى الرسيــر تفكــر بجديــة ‪ ،‬حــول خطــة كشــف‬
‫الــر ‪ ،‬وجهــزت كل يشء حســب مــا خططــت لــه يف مفكرتهــا‪.‬‬
‫ومــن جهــة أخــرى وصــل البــاص إىل مقــرة إحــدى‬
‫حضــارات القــرون الوســطى ‪ ،‬ونــزل الجميــع مــن البــاص‬
‫برفقــة املرشــدة الســياحية التــي تطرقــت قائلــة‪ :‬هنــا قــر ملــك‬
‫هــذا القــوم وقــد كتــب عليــه أســمه ‪ ،‬لقــد كان هــؤالء القــوم‬
‫يقومــون مبراســيم الجنــازة عــى أرقــى مســتوى ثــم يحرقــون‬
‫الجثــة ويدفنــون رمادهــا ‪ ،‬ثــم انتقلــوا إىل مقــرة أخــرى ‪،‬‬
‫فتطرقــت املرشــدة الســياحية قائلــة‪ :‬هــذا االبــن األكــر للملــك‪،‬‬
‫ويقــال يف األســطورة أن والدتــه كانــت قــردة نتيجــة لشــكلها‬
‫الغريــب ‪ ،‬مــر الوقــت رسي ٍعــا وهــم يتنقلــون مــن مقــرة إىل‬
‫أخــرى‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫كانــت الســاعة الواحــدة ونصــف ظهــ ًرا ‪ ،‬حــن اقرتحــت‬


‫املرشــدة الســياحية الذهــاب إىل املطعــم لتنــاول طعــام الغــذاء‪،‬‬
‫وافــق الجميــع ‪ ،‬ثــم تطرقــت كامليــا قائلــة‪ :‬أشــعر بالتعــب‬
‫ســأعود إىل الفنــدق أنــا وزوجــي بعــد تنــاول الطعــام ‪ ،‬املرشــدة‬
‫الســياحية‪ :‬حســ ًنا ‪ ،‬كــا تشــائني‪ ،‬أ ّمــا نحــن ســوف نواصــل‬
‫الرحلــة ‪ ،‬ثــم صعــد الجميــع إىل البــاص الــذي انطلــق يف طريقــه‬
‫إىل املطعــم‪.‬‬
‫كانــت الســاعة الثانيــة والنصــف ظهــ ًرا ‪ ،‬حــن كانــت‬
‫الســيدة عــا تطالــع إحــدى املجلــات املســلية ‪ ،‬فطــرق البــاب‬
‫بواســطة مريــم التــي فتحــت البــاب قائلــة‪ :‬الغــذاء جاهــز ســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬أوه كــم أنــا جائعــة ‪ ،‬حس ـ ًنا آتيــة ‪ ،‬مريــم‬
‫مبتســمة‪ :‬هيــا بنــا‪.‬‬
‫هبطــت الــدرج كل مــن الســيدة عــا ومريــم إىل الطابــق‬
‫الســفىل متوجهتــان إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬ودخلتــا غرفــة الطعــام‪،‬‬
‫وجلســوا جمي ًعــا ‪ ،‬قالــت الســيدة عــا ‪ :‬أوه كــم هــو شــهي!!‬
‫سها ضاحكة‪ :‬بالهناء سيدة عال‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ورشع الجميــع يتنــاول الطعــام الــذي كان عبــارة عــن‬


‫طبــق أرز بريــاين ‪ ،‬ثــاث أطبــاق رشبــة ‪ ،‬طبــق اللحــم املشــوي‪،‬‬
‫طبــق كبــر مــن ســلطة املاينيــز ‪ ،‬طبــق فواكــه ‪ ،‬كــؤوس عصــر‬
‫النعنــاع بالليمــون ‪ ،‬أكــواب الشــاي والقهــوة‪.‬‬
‫أكملــوا تنــاول الطعــام ‪ ،‬واحتســوا الشــاي يف الصالــة ‪،‬‬
‫تطرقــت مريــم قائلــة‪ :‬ســأذهب ألغســل املالبــس برسعــة ‪ ،‬ثــم‬
‫أجلــس معــك ســيدة عــا ‪ ،‬ســها‪ :‬أنــا ســأنظف املنــزل ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬أنــا سأشــاهد التلفــاز ‪ ،‬وذهبــت كل واحــدة منهــن إىل مــا‬
‫تريــد عملــه‪.‬‬
‫َمـ َّر الوقــت كمــرور النظــر عــى صفحــات الحيــاة ‪ ،‬ليقـراء‬
‫ذكريــات الزمــن املؤملــة املرســومة عــى حيطــان مــرآة الزمــن‬
‫التــي تعكــس حقيقــة البــر‪.‬‬
‫دقــت الســاعة الســابعة مســاء حــن جــاءت مريــم إىل‬
‫الصالــة حاملــة معهــا أكــواب الشــاي ‪ ،‬وبعــض قطــع الكيــك ‪،‬‬
‫والبســكويت ‪ ،‬ووضعتــه عــى الطاولــة ‪ ،‬وجلســت أمام الســيدة‬
‫عــا قائلــة‪ :‬تفضــي ســيديت ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬شــك ًرا مريــم ورشعتــا‬
‫‪139‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫تــأكالن ‪ ،‬وفجــأة تطرقــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬لقــد ذهبــت إىل‬


‫الشــيخ عبــد اللــه الصــاوي مــن أجــل مســألة دينيــة ‪ ،‬فتســمرت‬
‫مريــم يف مكانهــا ‪ ،‬ثــم أضافــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬وقــد تحدثنــا‬
‫عــن مقتــل جــواد برصاحــة أنــا ســألته بحكــم عمــي الســابق‬
‫كطبيبــة يف الجرائــم الجنائيــة ‪ ،‬مريــم‪ :‬هــل أنثــى كذلــك فعــا ؟‪،‬‬
‫ـدي خــرة يف هــذا املجــال ‪ ،‬ومــن خــال‬
‫الســيدة عــا‪ :‬نعــم ولـ َّ‬
‫املعلومــات التــي حصلــت عليهــا توصلــت إىل أن القاتــل شــخص‬
‫آخــر غــر نهــال ‪ ،‬مريــم‪ :‬وملــاذا تخربينــي بذلــك ؟ ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬ألين أعلــم كــم تحبــن جــواد وتهتمــن ألمــره ‪ ،‬مريــم وهــي‬
‫تنظــر إىل الســيدة عــا نظــرة خبيثــه‪ :‬حس ـ ًنا‪.‬‬
‫يف ذلــك الحــن ســمعتا ضجــة يف الخــارج ‪ ،‬ثــم قــرع جــرس‬
‫البــاب ‪ ،‬ســألت مريــم ‪ :‬هــل تنتظريــن أحــد ؟ الســيدة عــا ‪ :‬كال‪،‬‬
‫وأنثــي؟ مريــم‪ :‬كال ‪ ،‬ســأفتح البــاب‪.‬‬
‫فتحــت مريــم البــاب فوجــدت الســيدة كامليــا والســيد‬
‫صفــوت ‪ ،‬فقــال الســيد صفــوت‪ :‬مســاء الخــر ‪ ،‬هــل الســيدة عــا‬
‫موجــودة ؟ ‪ ،‬مريــم‪ :‬أهـاً نعــم موجــودة تفضــا ‪ ،‬كامليــا‪ :‬شــك ًرا‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ودخــا برفقــة مريــم إىل الصالــة ‪ ،‬كامليــا عندمــا رأت‬


‫الســيدة عــا ‪ :‬مرحبًــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬أهــا ‪ ،‬هــل حــدث‬
‫يشء؟ الســيد صفــوت‪ :‬كال لقــد ذهبنــا الرحلــة وشــعرت كامليــا‬
‫بالتعــب فرجعنــا أنــا وهــي إىل الفنــدق بعــد أن تناولنــا طعــام‬
‫الغــذاء ‪ ،‬واآلن أرادت كامليــا أن تخــرج فاقرتحــت عليهــا‬
‫زيارتــك ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬أه ـاً بكــا ‪ ،‬مريــم‪ :‬ســأحرض لكــم‬
‫القهــوة ‪ ،‬كامليــا‪ :‬ال تحــري للســيدة عــا القهــوة الكثــرة‬
‫مــرة بالصحــة ‪ ،‬مريــم‪ :‬ســأحرض لهــا حليــب ســاخن ثــم‬
‫ذهبــت إىل املطبــخ‪.‬‬
‫جلــس الجميــع يتحدثــون يف مواضيــع مختلفــة ‪ ،‬وجــاءت‬
‫مريــم حاملــة القهــوة والحليــب ‪ ،‬وبعــض الكيــك والكعــك ‪،‬‬
‫تطرقــت كامليــا قائلــة‪ :‬إن ألختــي ولــد تــوىف وهــو يف الرابعــة‬
‫مــن عمــره وإىل اآلن محتفظــة مبالبســه ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬مثــل‬
‫مريــم‪ ،‬فجحظــت عينــا مريــم وقامــت لتعطــي الحليــب إىل‬
‫الســيدة عــا ‪ ،‬فمــدت الســيدة عــا يدهــا لتأخــذ الحليــب ‪،‬‬
‫وبحركــة رسيعــة مــن كامليــا ســقط كأس الحليــب مــن يــد‬
‫‪141‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫الســيدة عــا إىل األرض ‪ ،‬فاعتــذرت كامليــا قائلــة‪ :‬آســفة مل أقصــد‪،‬‬


‫مريــم وهــي متســح األرض ‪ :‬ال بــأس ســأحرض غــره ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬ال ســأرشب عنــد النــوم ‪ ،‬مريم‪:‬حســناً‪.‬‬
‫َمـ َّر الوقــت رسي ًعــا كحصــان يركــض هربًــا مــن صائــده ‪ ،‬أو‬
‫كغ ـزال يهــرب مــن مفرتســة ‪ ،‬مــر كــا ميــر عبــق الذكريــات يف‬
‫دهــن شــيخ عجــوز جالــس أمــام البحــر ‪ ،‬يتذكــر مــا مــى مــن‬
‫ســنني عمــره التــي مضــت كع ـرات متناثــرة‪.‬‬
‫كانــت الســاعة التاســعة مســا ًء حــن قدمــت مريــم طعــام‬
‫العشــاء يف الصالــة الــذي كان عبــارة عــن أطبــاق مــن الفطائــر‬
‫املنوعــة ‪ ،‬أطبــاق الحمــص ‪ ،‬أطبــاق الفــول ‪ ،‬بعــض األرغفــة ‪،‬‬
‫كــؤوس عصــر الربتقــال‪.‬‬
‫رشع الجميــع بتنــاول طعــام العشــاء ‪ ،‬وهــم يتحدثــون‬
‫مبواضيــع مختلفــة ‪ ،‬بعــد أن أكملــوا تنــاول الطعــام قــال الســيد‬
‫صفــوت ‪ :‬أنهــا العــارشة والنصــف يجــب أن نذهــب اآلن ‪ ،‬كامليــا‪:‬‬
‫حســ ًنا‪ ،‬ولكــن ســأرقص مــع ســها قليــاً ‪ ،‬وفتحــت موســيقى‬
‫صاخبــة ورقصــت مــع ســها بضجــة عاليــة جــ ًّدا ملــدة عــر‬
‫‪142‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫دقائــق ثــم أخــدت يــد زوجهــا ورقصــت معــه ذهابًــا وإيابًــا‬


‫حتــى غــادرا املنــزل‪.‬‬
‫ضحكــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬يــا لهــم مــن مجانــن ‪،‬‬
‫حس ـ ًنا ‪ ،‬ســأذهب إىل النــوم ‪ ،‬مريــم‪ :‬ملــاذا شــبهتي يب بأخــت‬
‫الســيدة كامليــا ؟ ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ألين رأيــت بنطلــون رجــايل‬
‫بــن مالبــس الغســيل فقلــت البــد أنــه لجــواد وأنثــى احتفظــي‬
‫بــه نتيجــة حبــك لــه وجعلتيــه ذكــرى هــذا مــا قصدتــه فقــط‪،‬‬
‫مريــم ‪:‬حســناً اصعــدي إىل غرفتــك وســأحرض لــك الحليــب ‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا‪.‬‬
‫صعــدت الســيدة عــا إىل غرفتهــا وجلســت ع الرسيــر ‪،‬‬
‫وغطــت نفســها ‪ ،‬ومــا هــي إال لحظــات حتــى دخلــت مريــم‬
‫حاملــة كــوب مــن الحليــب الســاخن الــذي وضعتــه بجانــب‬
‫الســيدة عــا ‪ ،‬ثــم قالــت‪ :‬طابــت ليلتــك ســيديت ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬طابــت ليلتــك يــا مريــم ‪ ،‬ثــم خرجــت مريــم مغلقــة‬
‫البــاب وراءهــا ‪ ،‬وأطفــأت الســيدة عــا األنــوار‪.‬‬
‫َمــ َّر الوقــت كمــرور نســيم البحــر بأغصــان األشــجار‬
‫‪143‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫لرياقصهــا يف ليلــة زفــاف أمــواج البحــر ‪ ،‬وتكــون حفــل ال ينــى‬


‫يحكيــه الزمــان لعيــون قادمــة تقــرأ ســطور صفحــات الحيــاة‪.‬‬
‫دقــت الســاعة الثانيــة بعــد منتصــف الليــل‪ ،‬وكانــت‬
‫الســيدة عــا جالســة عــى رسيرهــا بجانبهــا كــوب الحليــب‪،‬‬
‫وفجــأة ســمعت الســيدة عــا خطــوات تقــرب مــن البــاب وفتــح‬
‫البــاب بقــوة فــإذا هــي مريــم ‪ ،‬قالــت الســيدة عــا مشــعلة‬
‫األنــوار‪ :‬أهــاً مريــم مــا بــك؟‪ ،‬مريــم وهــي واقفــة بجانــب‬
‫الرسيــر‪ :‬جئــت ألطمــن عليــك هــل رشبتــي الحليــب أم ال ؟‪،‬‬
‫ثــم أخذتــه قائلــة‪ :‬لقــد صــار بــاردا ً سأســخنه لــك ‪ ،‬الســيدة عــا‪:‬‬
‫لــن أرشبــه هــل تعرفــن ملــاذا ؟ ألنــه يحتــوي عــى ســم تريديــن‬
‫قتــي عندمــا شــعريت بالخطــر مــن ناحيتــي ‪ ،‬فــأرديت أن تقتلينــي‬
‫مثــل مــا قتلتــي جــواد‪.‬‬
‫فجحظــت عينــا مريــم ‪ ،‬تابعــت الســيدة عــا ‪ :‬يف ليلــة‬
‫املطــر قــرريت أن تقتــي جــواد؛ ألنــك أرديت أن يتــزوج ســها ولكــن‬
‫ســارت األقــدار عكــس مــا تشــائني ‪ ،‬لذلــك قــرريت قتلــه وســاعدك‬
‫املطــر الــذي حــدث‪.‬‬
‫مل تســتطيعي رؤيتــه يتــأمل ويســيل دمــه أو يتشــوه وجهــه‬
‫الــذي لطاملــا أحببتيــه ‪ ،‬فقدمتــي لهــا العشــاء الــذي كان‬
‫‪144‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫يحتــوي عــى منــوم طويــل األمــد ‪ ،‬ثــم خرجتــي إىل منزلــك‬


‫فحــدث املطــر حينهــا اتصلتــي بهواتفهــا النقالــة يك تتأكــدي‬
‫مــن أنهــا نامــا‪ ،‬ثــم ذهبــت إليهــا برسعــة ومل يلحظــك أحــد‬
‫بســبب املطــر‪ ،‬فخنقتــي جــواد إىل أن تأكــديت مــن موتــه متا ًمــا‪،‬‬
‫ثــم ســحبتيه إىل الغرفــة املغلقــة التــي هنــا يف هــذا املنــزل ‪،‬‬
‫وأغلقتيهــا فشــاهدتك ســها التــي أجربتيهــا عــى الكتــان حتــى‬
‫أصيبــت بخلــل عقــي ‪ ،‬ثــم ســحبتي نهــال إىل خــارج الفيــا‬
‫‪ ،‬وأخــذيت مجموعــة مــن بــدل جــواد ووقفتــي أمــام ذلــك‬
‫الشــاب املســكني األخــرس وأخــذيت حجــر كبــر ورميتيهــا عــى‬
‫رأســه حتــى مــات‪ ،‬ثــم هشــمتي وجهــه حتــى يصبح مشــوه وال‬
‫يعرفــه أحــد ‪ ،‬ثــم لطختــي فســتان ووجــه نهــال بالدم وألبســتي‬
‫الشــاب بدلــه جــواد وســحبتيه إىل الشــاطئ ‪ ،‬ثــم ســحبتي نهــال‬
‫إىل الطريــق الفرعــي حتــى تتبثــي أن نهــال قتلتــه وهربــت‬
‫‪ ،‬ويف الصبــاح ذهبتــي ل ـراء مــادة التحنيــط بهــدف تحنيــط‬
‫ســمكة ملونــة‪ ،‬فحنطــي جثــة جــواد وجعلتيهــا متثــال يف الغرفــة‬
‫املغلقــة ‪ ،‬لرتيــه طــوال حياتــك‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫ـدي دليــل عــى كالمــي أختفــاء الشــاب ‪ ،‬البنطلــون الــذي‬


‫لـ َّ‬
‫رأيتــه يف الغســيل ‪ ،‬وعلبتــي التحنيــط واملنــوم التــي بجانــب‬
‫علبــة الســكر‪ ،‬رأيتهــم عندمــا خرجتــي أنتــي وابنتــك فجــاءت‬
‫بائعــة الحليــب‪ ،‬وكانــت تريــد زجاجــة الحليــب التــي نســتها‪،‬‬
‫فدخلنــا إىل املطبــخ ‪ ،‬وطلبــت منــي ســكر فرأيــت العلبتــن ‪،‬‬
‫فقلــت لهــا ‪ :‬ال تخــري مريــم أين أدخلتــك وأعطيتهــا مثــن‬
‫الزجاجــة ‪ ،‬وأخــ ًرا عندمــا منــت هنــا املــرة املاضيــة وســمعت‬
‫صــوت البــاب الحديــدي يفتــح تســللت ورأيتــك تدخــي ببدلــه‬
‫رجاليــة وخرجتــي بأخــرى ‪ ،‬هــذا دليــل قاطــع عــى أنــك تغرييــن‬
‫مالبــس التمثــال أو باألصــح جثــة جــواد‪.‬‬
‫أجهشــت مريــم ببــكاء مريــر جـ ًّدا ‪ ،‬ثــم قالــت‪ :‬نعــم ‪ ،‬كل‬
‫مــا قلتيــه صحيــح ولكنــي فعلــت هــذا‪ ،‬ألين أحببتــه كأبــن يل‬
‫أحببتــه حــب أنــاين ‪ ،‬أردتــه أن يتــزوج ابنتــي لكنــه تــزوج تلــك‬
‫اللعينــة‪.‬‬
‫فقتلتــه واحتفظـ ِ‬
‫ـت بــه يل أنــا ‪ ،‬ثــم ضحكــت قائلــة‪ :‬هــل‬
‫تظنــن أين ســأدعك تخرجــي مــن هنــا؟ ال أب ـ ًدا ســيدة عــا أب ـ ًدا‬
‫‪146‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫لــن أدع أحــدا ً يدفــن جــواد ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ستســجنني يــا مريم‪.‬‬
‫عندهــا رفعــت مريــم يدهــا حاملــة ملبــة النــور لتــرب‬
‫الســيدة عــا وهــي تقــول ‪ :‬مــويت أيتهــا العجــوز اللعينــة ‪،‬‬
‫حينهــا خــرج الســيد صفــوت مــن الحــام والســيدة كامليــا‬
‫مــن الــدوالب رافعــن الســاح قائلــن‪ :‬الرشطــة هنــا ‪ ،‬وبعدهــا‬
‫مبــارشة دخلــت الرشطــة مــن البــاب برفقــة الشــيخ عبــد اللــه‬
‫الصــاوي عمــدة املنطقــة والســيد م ـراد عاشــور‪.‬‬
‫مــى الوقــت وانطــوى كطــي الســجل للكتــاب ‪ ،‬وأرشقــت‬
‫الشــمس لتنبــئ بأمــل جديــد ‪ ،‬وتعلــن أن عدالــة الحيــاة قــد‬
‫متــت لتــرئ الــريء وتنــزل أقــى العقوبــة عــى الظــامل‪.‬‬
‫اســتيقظت الســيدة عــا يف متــام الســاعة العــارشة ‪،‬‬
‫فذهبــت إىل الحــام واغتســلت وغــرت مالبســها ورسحــت‬
‫شــعرها ونزلــت إىل الطابــق الثالــث متوجهــة إىل غرفــة الطعــام‬
‫‪ ،‬دخلــت غرفــة الطعــام قائلــة‪ :‬صبــاح الخــر ‪ ،‬الجميــع ومعهــم‬
‫الســيد مــراد عاشــور‪ :‬صبــاح الخــر ســيدة عــا ‪ ،‬جلســت‬
‫الســيدة عــا بجانــب املرشــدة الســياحية ‪ ،‬تطــرق الســيد مـراد‬
‫‪147‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫عاشــور قائـاً‪ :‬ســنتكلم ســيدة عــا بعــد تنــاول طعــام اإلفطــار ‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬حســناً‪.‬‬
‫جــاء النــادل بالطعــام الــذي كان عبــارة عن أطبــاق الحمص‪،‬‬
‫أطبــاق الفــول ‪ ،‬أطبــاق الطحــن ‪ ،‬أنــواع الجــن ‪ ،‬سندوتشــات‬
‫كبــده ‪ ،‬سندوتشــات اللحــم املفــروم ‪ ،‬سندوتشــات النقانــق ‪،‬‬
‫أطبــاق الفواكــه ‪ ،‬كــؤوس عصــر الكيــوي ‪ ،‬عصــر الرمــان ‪ ،‬عصــر‬
‫الربتقــال ‪ ،‬عصــر التفــاح ‪ ،‬أكــواب الشــاي والقهــوة‪.‬‬
‫تنــاول الجميــع الطعــام وكل مجموعــة تتحــدث عــن‬
‫موضــوع يخصهــا ‪ ،‬منهــم يف السياســة ‪ ،‬منهــم حــول رحلــة اليوم ‪،‬‬
‫منهــم حــول الطقــس ‪ ،‬وبعــد أن أكملــوا تنــاول الطعــام واحتســاء‬
‫الشــاي والقهــوة ‪ ،‬ذهــب كل مــن الســيدة عــا ‪ ،‬الســيد م ـراد‬
‫عاشــور ‪ ،‬الســيدة كامليــا ‪ ،‬الســيد صفــوت ‪ ،‬إىل إحــدى رشفتــي‬
‫غرفــة الطعــام املطلــة عــى البحــر ‪ ،‬وجلســوا عــى املقاعــد‬
‫مقابلــن لبعــض‪.‬‬
‫تطرقــت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬مــا عنــدي فقــد قلتــه البارحــة‪،‬‬
‫مــاذا لديــك ســيد مـراد ؟ الســيد مـراد‪ :‬لقــد كنــت أشــك مبريــم ‪،‬‬
‫‪148‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫ـدي دليــل قاطــع وكنــت واثــق أنــك ســتقدمني‬


‫ولكنــي مل يكــن لـ َّ‬
‫يل الدليــل ‪ ،‬أنــا مــن أرســلت لــك الرســائل التــي وصلــت لــك‪،‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬لقــد ســاعدتني كث ـ ًرا بهــا ســيد م ـراد ‪ ،‬الســيد‬
‫مـراد‪ :‬لقــد كلفــت الســيد صفــوت والســيدة كامليــا بحاميتــك‪،‬‬
‫الســيدة عــا ‪ :‬لقــد كنــت أشــعر بذلــك عندمــا لفــت نظــري‬
‫بالرســالة أن هنــاك مــن ســيحميني ‪ ،‬فشــعرت مــن ترصفاتهــا‬
‫معــي ‪ ،‬كامليــا‪ :‬لقــد كان لديــك حــق عندمــا قلتــي أنــك رأيتنــي‬
‫مــن قبــل ‪ ،‬وخلعــت نظارتهــا وشــعرها املســتعار ‪ ،‬عندهــا‬
‫شــهقت الســيدة عــا قائلــة‪ :‬معقــول أنتــي الســيدة نبيلــة ‪،‬‬
‫الســيدة كامليــا‪ :‬اســمي كامليــا وقــد أرســلني الســيد مــراد‬
‫ألتعــرف عليــك ‪ ،‬لكنــي نزلــت يف منزلــك حتــى اقــرب منــك‬
‫‪ ،‬أنــا وزوجــي نعمــل يف املباحــث الجنائيــة الرسيــة ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا‪ :‬لقــد أحكمــت خطتــك ســيد مـراد ‪ ،‬ولكــن كيــف عرفتــا‬
‫اين سأكشــف مريــم يف هــذا الوقــت؟‪ ،‬وكيــف دخلتــا املنــزل؟‬
‫وكيــف عرفتــي أن الســم كان يف الحليــب؟ كامليــا‪ :‬عندمــا‬
‫جئــت إليقاظــك وانتظرتــك وأنتــي يف حاممــك فتحــت حقيبتــك‬
‫‪149‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫وقــرأت كل مــا كتبتيــه ‪ ،‬وعندمــا جئنــا أنــا وصفــوت إليــك‬


‫وخرجنــا م ًعــا‪ ،‬ثــم قلــت ســأذهب إىل الحــام ‪ ،‬فأنــا ذهبــت‬
‫إىل غرفتــك وقــرأت اخــر النتائــج فعرفنــا أن القاتــل هــي مريــم ‪،‬‬
‫وعندمــا عدنــا إىل الفنــدق يف اليــوم الــذي عــديت مــن عنــد مريــم‬
‫قــال لنــا املوظــف ‪ :‬أنــك طلبتــي منــه هاتــف الشــيخ عبــد اللــه‬
‫الصــاوي عمــدة هــذه املنطقــة فاتصلنــا‬
‫بــه يف اليــوم التــايل ‪ ،‬وعرفنــا مــا دار بينكــا ‪ ،‬أمــا بخصــوص‬
‫كيــف دخلنــا املنــزل ‪ ،‬فعندمــا رقصنــا وعملنــا ضجــة ذهابــاً‬
‫وإيَّابــاً كانــت الرشطــة قــد وصلــت حديقــة املنــزل ‪ ،‬وعندمــا‬
‫خرجنــا لنقبــض عــى مريــم بعــد اعرتافهــا كــرت الرشطــة‬
‫البــاب ودخلــت إلينــا ‪ ،‬أمــا بخصــوص كيــف دخلنــا إىل غرفتــك‬
‫بعــد مــا خرجنــا مــن عنــدك ماشــينا إىل وراء املنــزل وقفزنــا مــن‬
‫النافــذة فاختبــأ صفــوت يف الحــام واختبــأت أنــا يف الــدوالب ‪،‬‬
‫إمــا بخصــوص الحليــب فعرفــت مــن خــال جحــوظ عنيهــا عندما‬
‫شــبهتيها بأختــي وحركتهــا الغريبــة وارتباكهــا الدائــم‪.‬‬
‫الســيدة عــا‪ :‬الحمــد للــه أين نجحــت يف هــذه املهمــة‬
‫الصعبــة ‪ ،‬وقــد كان يف جهدكــم أثــر كبــر يف نجاحهــا وحــل اللغــز‪،‬‬
‫‪150‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫وتحقيــق العدالــة ‪ ،‬الســيد م ـراد عاشــور‪ :‬لقــد حولــت مريــم‬


‫إىل محكمــة بلدتنــا وغــدا ً ســيكون الحكــم ‪ ،‬وأفــرج عــن نهــال‬
‫وهــي اآلن يف منــزيل ســتعيش معنــا لــريب ولدهــا‪ ،‬أ َّمــا فيــا‬
‫جــواد ســأبيعها وأضــع املــال يف البنــك باســم ابنه اآلن ‪ ،‬الســيدة‬
‫عــا ‪ :‬جيــد مــا فعلــت ‪ ،‬ولكــن مــاذا بشــأن ســها ؟ الســيد مـراد‪:‬‬
‫ســها نقلتهــا إىل مستشــفى األمــراض العقليــة وبعــد عالجهــا‬
‫ســتقيم عنــدي إىل أن تتــزوج ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬فيــك الخــر ســيد‬
‫م ـراد اللهــم يجعلــه يف مي ـزان حســناتك ‪ ،‬الســيد م ـراد‪ :‬آمــن‪،‬‬
‫هــل ســتعودين معنــا اليــوم ليــاً لتحــري الحكــم غــ ًدا يف‬
‫الســاعة العــارشة صبا ًحــا ؟ الســيدة عــا‪ :‬بالتأكيــد ‪ ،‬الســيد‬
‫م ـراد‪ :‬شــك ًرا عــى كل يشء عملتيــه ألجــي‪.‬‬
‫ذهبــت الســيدة عــا إىل غرفتهــا لتوضــب أغراضهــا‬
‫اســتعدادا ً للعــودة ‪ ،‬ومــر الوقــت رسيعــا ‪ ،‬كانــت الســاعة‬
‫الثانيــة ظه ـ ًرا حــن كان الجميــع يف غرفــة الطعــام اســتعدا ًدا‬
‫لتنــاول الغــداء ‪ ،‬وجــاء النــادل حامـاً طعــام الغــداء الــذي كان‬
‫عبــارة عــن أطبــاق األرز الربيــاين ‪ ،‬املدخــن ‪ ،‬املكبــوس ‪ ،‬أطبــاق‬
‫‪151‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫اللحــم املشــوي ‪ ،‬واملعمــول بالفــرن ‪ ،‬أطبــاق الســلطة املاينيــز‪،‬‬


‫أطبــاق ســلطة الفواكــه ‪ ،‬كــؤوس عصــر الفراولــة ‪ ،‬أكــواب‬
‫الشــاي ‪.‬‬
‫رشع الجميــع بتنــاول الطعــام ‪ ،‬ثــم احتســوا الشــاي ‪،‬‬
‫حينئــذ رن هاتــف الســيدة عــا التــي قالــت ‪ :‬إنهــا جنــة ‪ ،‬ردت‬
‫الــو مرحبــا جنــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬أه ـاً ســيديت لقــد عــدت إىل املنــزل ‪،‬‬
‫الســيدة عــا بفــرح ‪ :‬حق ـاً رائــع إننــي عائــدة اليــوم ‪ ،‬جنــة‪ :‬إذا ً‬
‫ســنلتقي قريبًــا إىل اللقــاء ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬مــع الســامة وأغلقــت‬
‫الخــط‪.‬‬
‫را‬
‫حينئــذ تطــرق الســيد مــراد قائــاً‪ :‬إنهــا الثالثــة عــ ً‬
‫لنذهــب ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا ‪ :‬هيــا بنــا ‪ ،‬ثــم ودعــت‬
‫رفقائهــا بالرحلــة قائلــة‪ :‬رسرت مبعرفتكــم ‪ ،‬الجميــع‪ :‬ونحــن‬
‫كذلــك ‪ ،‬لنلتقــي قري ًبــا إن شــاء اللــه‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬إن شــاء اللــه‪.‬‬
‫ذهــب كل مــن الســيد مـراد ‪ ،‬والســيد صفــوت ‪ ،‬والســيدتان‬
‫عــا وكامليــا ‪ ،‬إىل ســيارة الســيد مـراد التــي انطلقــت عائــدة إىل‬
‫الديار‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫راحــت الســيدة عــا تشــاهد املناظــر الطبيعيــة ‪ ،‬والجبــال‬


‫املكســوة بالخــرة واألزهــار ‪ ،‬وكذلــك املنــازل ذات املــزارع‬
‫الصغــرة ‪ ،‬والفالحــن وهــم يعملــون بالزراعــة والرعي شــاهدت‬
‫كل ذلــك‪ ،‬وهــي مرتاحــة البــال ال يقلقهــا يشء‪.‬‬
‫خ َّيــم الليــل عــى البــر بهدوئــه وســكونه الــذي يعكســه‬
‫عــى أمــواج البحــر الحزيــن كاتــم األرسار وســامع اآلهــات وال‬
‫يســتطيع البــوح بــأرساره ألحــد ‪.‬‬
‫كانــت الســاعة الحاديــة عــر حــن وصلــت الســيارة أمــام‬
‫منــزل الســيدة عــا التــي نزلــت مودعــة كل مــن يف الســيارة‪،‬‬
‫تطــرق الســيد مـراد قائـاً‪ :‬غـ ًدا ســآيت إليــك يف الســاعة التاســعة‬
‫صبا ًحــا‪ ،‬طابــت ليلتــك ســيدة عــا ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حســ ًنا ‪،‬‬
‫طابــت ليلتكــم‪.‬‬
‫فانطلقــت الســيارة يف ســبيلها ‪ ،‬ودخلــت الســيدة عــا إىل‬
‫منزلهــا ‪ ،‬وفتحــت البــاب فكانــت جنــة باســتقبالها ‪ ،‬ســلمت‬
‫عليهــا بح ـرارة قائلــة‪ :‬اشــتقت إليــك ســيديت ‪ ،‬الســيدة عــا ‪:‬‬
‫وأنــا كذلــك‪.‬‬
‫ثــم حملــت جنــة حقيبــة الســيدة عــا وصعدتــا إىل غرفــة‬
‫‪153‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫الســيدة عــا ‪ ،‬دخلتــا الغرفــة فذهبــت الســيدة عــا إىل الحــام‬


‫لتغتســل وتغــر مالبســها ‪ ،‬بينــا وضبــت جنــة أغراضهــا يف‬
‫الــدوالب ‪ ،‬خرجــت الســيدة عــا وجلســت عــى الرسيــر وروت‬
‫لجنــة كل مــا حــدث لهــا ‪ ،‬فقالــت جنــة‪ :‬توقعــت ذلــك ســيديت‪،‬‬
‫حمــ ًد اللــه عــى ســامتك ‪ ،‬واآلن نامــي لتســتيقظي مبكــ ًرا ‪،‬‬
‫طابــت ليلتــك ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬طابــت ليلتــك ‪ ،‬وخرجــت جنــة‬
‫مطفــأة األنــوار ومغلقــة البــاب وراءهــا ‪ ،‬ونامــت الســيدة عــا‪.‬‬
‫طلــع النهــار بــوروده وأزهــاره املرتاقصــة مــع النســيم‬
‫العليــل لرتســل روائحهــا الزكيــة إىل قلــوب البــر لتجــدد فيهــم‬
‫األمــل يف الحيــاة‪.‬‬
‫اســتقيظت الســيدة عــا يف متــام الســاعة الثامنــة صبا ًحــا‬
‫وهــي يف أتــم نشــاطها ‪ ،‬واغتســلت وارتــدت فســتانًا أزرق غامــق‬
‫اللــون ‪ ،‬ورسحــت شــعرها ترسيحــة مناســبة وانتعلــت حذاءهــا ‪،‬‬
‫وهبطــت إىل األســفل متوجهــة إىل غرفــة الطعــام ‪ ،‬حيــث كانــت‬
‫جنــة تنتظرهــا ‪ ،‬فقالــت‪ :‬صبــاح الخــر يــا جنــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬صبــاح‬
‫الخــر ســيدة عــا ‪ ،‬أرايك نشــيطة ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬نعــم لنــأكل ‪،‬‬
‫جنــة‪ :‬هيــا‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫فتناولتــا الطعــام الــذي كان عبــارة عــن سندوتشــات‬


‫الجــن واملــرىب ‪ ،‬طبــق فاكهــة ‪ ،‬كــؤوس عصــر التفــاح ‪ ،‬أكــواب‬
‫الشــاي‪ ،‬فرشعتــا بتنــاول الطعــام ثــم احتســاء الشــاي‪.‬‬
‫ومــا أن أكملتــا حتــى جــاء العــم عبــده قائــاً‪ :‬ســيدة‬
‫عــا الســيد م ـراد بانتظــارك يف ســيارته ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬حس ـ ًنا‬
‫ســأذهب ‪ ،‬إىل اللقــاء يــا جنــة ‪ ،‬جنــة‪ :‬إىل اللقــاء ســيديت‪.‬‬
‫خرجــت الســيدة عــا وركبــت ســيارة الســيد مـراد قائلــة‪:‬‬
‫صبــاح الخــر الجميــع‪ :‬صبــاح الخــر ‪ ،‬نهــال‪ :‬شــك ًرا ســيدة عــا‬
‫عــى كل يشء ‪ ،‬الســيدة عــا‪ :‬ال شــكر عــى واجــب يــا بنتــي‪.‬‬
‫انطلقــت الســيارة يف طريقهــا حتــى وصلــت املحكمــة يف‬
‫متــام العــارشة ‪ ،‬نــزل الجميــع ودخلــوا املحكمــة ‪ ،‬توجهــوا إىل‬
‫قاعــة املرافعــة وجلســوا يف الصــف األول ‪ ،‬وحينئـ ًذ عرفــوا أنــه‬
‫قــد متــت املرافعــة ومل يبــق إال الحكــم فانتظــروا عــى أحــر مــن‬
‫الجمــر‪.‬‬
‫مــى الوقــت وجــاء القــايض قائ ـاً ‪ :‬محكمــة ‪ ،‬حكمــت‬
‫املحكمــة عــى املتهمــة مريــم عــي عبــد الســتار التــي‬
‫اتهمــت بالقتــل شــخصني عمــدا ً ‪ ،‬كــا قامــت بإخفــاء جثــة‬
‫‪155‬‬
‫سارة عادل حممود‬ ‫أنا مل أقتله‬

‫أحــد القتيلــن وتحنيطهــا وجعلتهــا متثــال ‪ ،‬كــا قامــت بتشــويه‬


‫القتيــل التــاين ‪ ،‬كــا نومــت زوجــة أحــد القتيلــن التــي كانــت‬
‫حام ـاً ولطخــت فســتانها بالــدم وســحبتها إىل الطريــق الفرعــي‬
‫لتلفــق التهمــة عليهــا واإليحــاء للعدالــة بأنهــا هــي التــي قتلــت‬
‫زوجهــا وهربــت‪ ،‬وهــي أيضً ــا متهمــة بالــروع بالقتــل الســيدة‬
‫عــا ‪ ،‬لقــد عملــت جرائــم بشــعة ضــد الديــن ‪ ،‬والقانــون ‪ ،‬لــذا‬
‫حكمــت املحكمــة عليهــا باإلعــدام شــنقاً‪.‬‬
‫وحينئــ ًذ رصخــت مريــم الااااااااااااااااااا وبحركــة رسيعــة‬
‫أخرجــت مــن كــوم معصمهــا الخفــي زجاجــة صغــرة مــن‬
‫الســم‪( ،‬التــي أخفتهــا حــن أرادت قتــل الســيدة عــا بالحليــب‬
‫املســموم) وتجرعتهــا كلهــا فســقطت فــورا ً عــى األرض قائلــة‪ :‬أنــا‬
‫مل أقتــل جــواد ‪.‬‬
‫أنا لم أقتله ولكن الحب الذي قتله ‪ ،‬وماتت‪.‬‬

‫ت‬
‫�م ت�‬

‫‪156‬‬
‫أنا مل أقتله‬ ‫سارة عادل حممود‬

‫�‬‫ال ف‬
‫هرس‬
‫اإلهداء‪3........................................................................‬‬
‫امللخص‪4........................................................................‬‬
‫الفصل األول الدكتورة عال‪5............................................‬‬
‫الفصل الثاين يف منزل السيد مراد عاشور‪19.......................‬‬
‫الفصل الثالث رسائل توجيهية‪37.......................................‬‬
‫الفصل الرابع الرحلة ودعوة مفاجئة‪60..............................‬‬
‫الفصل الخامس يف منزل السيدة مريم ومعلومات جديدة‪98.......‬‬
‫الفصل السادس النهاية وحل اللغز ‪134................................‬‬

‫‪157‬‬

You might also like