You are on page 1of 120

‫أزاهير الفضيلة‬

‫رواية‬
‫عنــــوان الكتاب‪ :‬أزاهيـر الفضيلة‬
‫اســـــم المـؤلف‪ :‬روحـيــة عـامـر‬
‫التصنيف األدبي‪ :‬روايـــــــــــــــة‬
‫رقـم اإليـــــــداع‪2021 / 30027 :‬‬
‫الترقيـــم الدولي‪978 – 977 - 998 - 317 - 2 :‬‬

‫تـصـميـم الغالف‪ :‬شــيماء منيــر‬ ‫التدقيــق اللغوي‪ :‬د‪ .‬هبة ماردين‬


‫رقــــــم الطـبـعـة‪ :‬الطبعة األولـى‬ ‫التنسيق الداخلي‪ :‬محمد وجــيــه‬
‫المديــــــر العام‪ :‬د‪ .‬فادية محمد هندومة‬
‫دار ديوان العرب للنشر والتوزيع ‪ -‬مصر ‪ -‬بورسعيد‬
‫جوال‪00201211132879 :‬‬
‫البريد اإللكتروني‪mohamedhamdy217217@gmail.com :‬‬

‫حقـوق الطبـع والنشر لهذا المصنف محفوظة للمؤلف‪ ،‬وال يجـوز بأي صورة إعادة‬
‫النشر الكلي أو الجزئي‪ ،‬أو نسخه أو تصويره أو ترجمته أو االقتباس منه‪،‬‬
‫أو تحويله رقميا ً وإتاحته عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬إال بإذن كتابي مسبق من المؤلف‬
‫أو الناشر‪.‬‬
‫أزاهري الفضيلة‬

‫رواية‬

‫روحيـة عـامـر‬

‫‪3‬‬
4
‫روحية عامر‬

‫إهداء‬
‫إىل من قاموا بزرع أزاهري الفضيلة يف بستان حيايت‪..‬‬
‫إىل من رحلوا عين بأجسادهم و مازالت أرواحهم تهفو من حويل‬
‫تلنري يل طريق الفضيلة‪..‬‬
‫إىل رموز اخلري والفضيلة وادلي ووادليت وتوءم الروح ومنية‬
‫القلب شقييق الراحل د عماد اعمر‪.‬‬

‫الكاتبة روحية عامر‬

‫****‬

‫‪5‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل األول‪(:‬ضاع شادي)‬

‫مع إرشاقة يوم جديد‪ ،‬استيقظ يح ساكن السيدة زينب ىلع صوت زغرودة‬
‫تنطلق من إحدى نوافذ بيت عم إسماعيل‪ ..‬الرجل الطيب‪ ،‬الشهم‪ ،‬صاحب‬
‫الوجه البشوش‪ ..‬وزوجته آمال أو ماما آمال كما تناديها بنات اليح ملا‬
‫اشتهرت به من حنان وذاكء يف اتلعامل مع اجلميع‪.‬‬
‫ً‬
‫ونرى ماما آمال ويه حتتضن ابنتها دالل وتطري بها فرحا خلرب تفوقها‬
‫وحصوهلا ىلع بكالريوس العلوم بتقدير اعم امتياز مع مرتبة الرشف‪ ،‬مما‬
‫جيعلها مهيأة للتعيني يف سلك اتلدريس باجلامعة‪.‬‬
‫يا هلا من أمنية اغيلة طاملا داعبت خيال اعئلة دالل‪ ..‬ولكن الفرحة‬
‫كعادتها لم ولن تكتمل‪.‬‬
‫فعىل الرغم من تفوق دالل ادلائم اكن تعرث شقيقها وتوءمها شادي يف‬
‫ادلراسة‪.‬‬
‫فهو اآلن مهدد بالرفد من لكية اتلجارة بعد تكرار رسوبه‪ ،‬ىلع الرغم من‬
‫تفوقه يف السنوات األوىل من حياته ادلراسية وتمزيه بني أقرانه باألخالق‬
‫العايلة وطيبة القلب وخفة الظل وحب مدرسيه هل ملواهبه املتعددة يف‬
‫القراءة والرسم وانلحت‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫روحية عامر‬

‫وحصوهل ىلع العديد من اجلوائز خاصة يف جمال انلحت‪.‬‬


‫ولكن حاهل تبدل يف مرحلة اجلامعة‪ ،‬وحتول إىل شخص آخر عصيب املزاج‪،‬‬
‫متمرد ىلع لك يشء‪ ،‬ىلع أرسته وىلع دراسته‪ ،‬وخاصة بعد معرفته لرايم‪..‬‬
‫زميله اجلديد‪ ،‬اذلي تعرف عليه يف اجلامعة‪.‬‬
‫رايم ودل شيق‪ ،‬ولكنه حسن املظهر‪ ،‬يرتدي أفخم اثلياب‪ ،‬هل عطر خاص‬
‫ً‬
‫ممزي‪ ،‬دائما ما اكن يسأهل شادي عن اسمه وعن املاكن اذلي يستطيع أن‬
‫ً‬
‫يبتاع منه ذلك العطر ولكنه دائما ما اكن يتهرب من اإلجابة حىت يكون‬
‫اتلمزي هل فقط‪.........‬‬
‫ً‬
‫رايم دائما "يستصغر اخلطأ ويتعامل معه ىلع أنه ذاكء وخفة ظل‪.‬‬
‫ويف أحد األيام اصطحبه إىل أحد املطاعم الشهرية بالسمعة الطيبة‪ ،‬وبعد‬
‫وبصوت‬
‫ٍ‬ ‫تناول غذاءهما أخرج حرشة من جيبه ووضعها يف أطباق الطعام‪.‬‬
‫اعل‪ ،‬وجبرأة غري اعدية قام باستداعء انلادل واتهمه هو ولك من بعمل‬‫ٍ‬
‫باملطعم باإلهمال واتلقصري وعدم احرتام آدمية الزبائن‪.‬‬
‫وهنا قام مدير املطعم باالعتذار هلما وإعفائهما من دفع احلساب مقابل‬
‫الكف عن السب واللعن وادلاعية السلبية للمطعم‪.‬‬
‫خرج رايم وشادي وهما ال يتمالاكن نفسهما من الضحك واإلحساس‬
‫بنشوة االنتصار‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫اكن هذا هو ادلرس األول لشادي يف طريق االحنراف‪ ،‬وبعدها تكررت مثل‬
‫هذه املواقف‪.‬‬
‫يكتف رايم جبذب شادي حنو االحنراف وإهمال دراسته يف اجلامعة‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫فقط‪ ،‬بل جذبه إىل طريق احلانات وابلارات واملاليه الليلية‪....... .‬‬
‫ويف إحدى الليايل وبينما هما يف ملىه "الوردة احلمراء" حيتسيان اخلمر‪،‬‬
‫ُ‬
‫فوئج شادي بصوت ضحاكت خليعة لفتاة من فتيات الليل‪ ،‬ث َّم بدأ الصوت‬
‫يعلو ويعلو ولكما رن الصوت يف أذنه لكما دق قلبه‪ .‬إنها الراقصة "زينات"‬
‫صديقة رايم‪.‬‬
‫وبمجرد أن ملحت رايم ويه تتمايل برقصها ىلع املرسح حىت رمت إيله‬
‫ُ‬
‫بابتسامة ماكرة وغمزة لم يفهم هلا معىن يف ذلك الوقت‪ ،‬ث َّم أنهت زينات‬
‫ً‬
‫رقصتها رسيعا ويه تدور ىلع املرسح ونظرات عينها تدور حول رايم‬
‫وصديقه اجلديد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ث َّم اجتهت رسيعا إىل رايم وشادي‪ ،‬وجلست بينهما وبدأت يف الرتحيب‬
‫بالضيف اجلديد وطلبت هل مرشوبها املفضل وأخذت تنصحه بأن جيربه‬
‫ولن يندم فيه من سيقوم بدفع احلساب يف هذه الليلة‪.‬‬
‫ويف نهاية الليلة قامت بتوديع شادي ويه حتدق يف عينيه وتطلب منه‬
‫الوعد بتكرار الزيارة معللة ذلك بأنها لم تشعر بالراحة مثلما تشعر بها يف‬
‫وجوده‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫روحية عامر‬

‫أحدثت هذه اللكمات صدى يف نفس شادي وختيل أنه الوحيد اذلي حيظى‬
‫بهذه اللكمات وهذا االهتمام من سيدة هذا املاكن (ست اللك) كما يطلقون‬
‫عليها‪.‬‬
‫لم يكن يدري أنها جمرد مجل تكررها مع لك زبون جديد يدخل إىل‬
‫امللىه وأنها من طرق كسب العيش‪.‬‬
‫خرج شادي من امللىه وهو ال يكاد يلمس األرض من شدة فرحته‪ ،‬فألول‬
‫مرة يشعر أنه فىت مرغوب وهل معجبات‪..... ..‬‬
‫وهكذا تكررت زياراته إىل امللىه واجللوس مع زينات‪...‬‬
‫حىت أنه أصبح يتهرب من رايم ويذهب بمفرده حىت تكون زينات متفرغة‬
‫هل فقط‪.‬‬
‫ويف إحدى الزيارات وأثناء جلوسه معها اقرتب منها أحد الزبائن وحاول‬
‫جن جنون شادي وقام بمحاولة رضبه بسكني الفاكهة اليت‬‫تقبيلها‪ ،‬وهنا ّ‬

‫أمامه‪ ،‬ولكن حلسن احلظ أن اجلرح اكن غري نافذ وباتلايل تم إسعاف‬
‫الرجل والقبض ىلع شادي‪.‬‬
‫ويف الصباح فوئج عم إسماعيل باتصال هاتيف من مركز الرشطة يطلب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منه اذلهاب فورا ألمر هام فنهض مرساع إىل مركز الرشطة يلجد ابنه‬
‫ً‬
‫جالسا مطأطئ الرأس بعد أن تم القبض عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫واكن من الرضوري أن يكتب تعهدا ىلع ودله بعدم تكرار مثل هذه‬
‫األفعال‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫وخرجا من قسم الرشطة وظل عم إسماعيل صامتا طيلة الطريق ورأسه‬
‫تكاد تنفجر من اتلفكري وهو يتساءل بينه وبني نفسه عن سبب وصول‬
‫ابنه إىل هذا الطريق ومن املسؤول؟ ربما يكون هو املسؤول بتقصريه‬
‫جتاهه وانشغاهل بعمله والكفاح من أجل لقمة العيش وتوفري احلياة‬
‫الكريمة هل ولألرسة‪ ..‬وربما تكون وادلته وانشغاهلا مع بنات اليح‬
‫ايلتيمات‪ ..‬وربما يكون صديق السوء اذلي زين هل اجلريمة وسهل هل‬
‫الوصول إيلها‪ ..‬وربما يكون املجتمع وما فيه من حانات الفسق والعربدة‬
‫متاحة وميرسة أمام اجلميع‪.‬‬
‫هكذا حتول شادي من االستقامة إىل الفسق والفساد‪ ..‬وتبدل حال األرسة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فخيم احلزن عليها‪ ،‬وحاولت وادلة شادي إصالحه بكل الطرق‪ ،‬مرة‬
‫بانلصيحة ومرة بالعتاب‪ ،‬ومرات بقراءة القرآن عليه‪ ،‬حيث أن تغري حاهل‬
‫بهذا الشلك ليس باألمر الطبييع فربما أصابه مس من ّ‬
‫اجلن‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن حقيقة األمر أنه مس من اإلنسان‪ ،‬وهو أمر وأشد وطئا من مس‬
‫الشيطان‪ .‬ولكما جنحت هذه املحاوالت يف إصالح حاهل بعض اليشء ظهر‬
‫صديقه رايم يف حياته مرة أخرى فيقلب مزاجه ويعيده إىل حياة الفسق‬
‫واللهو‪.‬‬
‫واكن البد من تدخل دالل ملحاولة إصالح شقيقها‪ ،‬فاستأذنت يف ادلخول‬
‫إيله وبدأت حديثها معه بعتاب خفيف وبكلمات حانية قالت هل‪ :‬شادي‪..‬‬
‫ً‬
‫أيخ وصدييق وتوءم رويح‪ ..‬ملاذا بعدت عنا؟ ملاذا هجرتنا؟ أنت حقا تعيش‬

‫‪10‬‬
‫روحية عامر‬

‫معنا يف هذا املزنل ولكن بينك وبني لك فرد منا آالف األميال‪ ،‬عد أيها‬
‫ً‬
‫احلبيب إىل املايض اجلميل‪ ،‬تذكر يلايلنا اجلميلة‪ ..‬كم جلسنا سويا!‬
‫ً‬
‫وتسامرنا يلال! أتذكر يوم أن قمت بكرس فازة أليم واكنت اغيلة اثلمن‬
‫وقمت أنت بكرس حصاتلك ورشاء فازة جديدة قبل أن تشعر أيم حىت ال‬
‫أتعرض بلعض اللكمات من اللوم والعتاب؟‬
‫ً‬
‫أتذكر أول يوم نلا يف املدرسة؟ عندما ذهبنا سويا بصحبة وادلنا وحنن‬
‫نسابق الريح يف اجلري إىل املدرسة‪ .‬وبمجرد دخويل الفصل‪ ،‬فوجئت‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بوجودي بدونك حيث أن هناك فصوال خمصصة للبنات وأخرى للبنني‪..‬‬
‫فظللت أبكي وأصيح‪ :‬أريد أيخ شادي ميع‪ .‬وبالفعل قام مدير املدرسة‬
‫باستداعئك من فصل ابلنني يك جتلس ميع حىت تهدئ من رويع‪ ،‬وبالفعل‬
‫ظللت ميع ملدة أسبوع اكمل يف فصل ابلنات‪ .‬اكنت حاكيتنا حدوتة‬
‫يتناقلها مدرسو املدرسة واللك يتحاىك بنا ويطلقون علينا اسم اتلوءم‬
‫امللتصق‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نعم اكن اتلصالقنا اتلصاقا روحيا وليس اتلصاقا جسديا‪ ،‬كنت أميش‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫جبوارك وأشعر بأنين أقوى فتاة وأنين أطول عنان السماء‪ ،‬لم جيرؤ شاب أبدا‬
‫ىلع مضايقيت‪ ،‬فاللك يعرف أنين أخت شادي‪ ،‬فأصبحت مصدر حسد من‬
‫زمياليت فدلي أخ وصديق عطوف حنون‪.‬‬
‫أتذكر يا شادي يوم امتحان الرياضيات؟ حينما أخطأت يف إحدى املسائل‬
‫فقمت أنت باذلهاب إىل مدرس الرياضيات وطلبت منه أن حيذف درجة‬
‫‪11‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫يلع؟! وهنا قام املدرس بمنيح درجة‬ ‫السؤال من عندك حىت ال تتفوق ّ‬
‫ً‬
‫السؤال إكراما حلبك وفدائك يل‪ ،‬وقام بنرش اخلرب يف إذاعة املدرسة‪ ،‬ويومها‬
‫قامت املدرسة لكها طلبة ومدرسني باتلصفيق واتلحية للتوءم امللتصق‪.‬‬
‫حنن تاريخ يا شادي‪ ..‬قصة حتتاج إىل أوراق وأقالم نلدونها‪.‬‬
‫ً‬
‫ملاذا إذا بعد لك هذا اتلاريخ بعدت عين وعن وادلك وعن وادلتك؟ ملاذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اختذت لك اعملا منفصال عنا؟‬
‫ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫أرجوك يا شادي عد إيلنا‪ ..‬عد كما كنت‪ ..‬أخا وصديقا وابنا وطابلا ممزيا‪.‬‬
‫وهنا انفجر شادي يف ابلاكء واحتضن شقيقته وبنربة ابلائس قال‪ :‬لقد فات‬
‫امليعاد ولم يعد هناك جمال لإلصالح‪ ،‬فلم يعد دلي قدرة ىلع اتلعلم‬
‫وادلراسة واحلفظ واالختبارات‪ ،‬لقد أصبحت رأيس مشوشة وتركزيي أقل‬
‫ما يمكن‪.‬‬
‫ً‬
‫ونلفرتض مثال أنين انتهيت من اجلامعة وحصلت ىلع ابلاكلوريوس‪ ،‬فما هو‬
‫اجلديد؟ هل أحبث عن عمل بمرتب ضئيل يكيف بالاكد الطعام؟ مىت‬
‫ً‬
‫أستطيع أن أعيش مرفها يف احلياة؟ وكم عمر أحتاجه ليك أعيش عيشة‬
‫ٌ‬
‫راقية وأركب سيارة خاصة ويكون يل رصيد يف ابلنك؟ أنا أحتاج إىل‬
‫ثالثة أعمار إىل جانب عمري‪ ..‬أليس كذلك؟‬
‫وهنا حاولت دالل بهدوئها ورومانسيتها إقناعه بأن املال وسيلة وليس‬
‫اغية‪ ..‬وسيلة ملساعدة الغري ورسم البسمة ىلع وجوه الفقراء‪ .‬ولكن شادي‬
‫مقتنع بأن املال هدف يف حد ذاته يستحق أن حيارب من أجله‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫روحية عامر‬

‫حاول شادي إرضاء شقيقته ودخل غرفته وبدأ يف ترتيب كتبه وقرر العودة‬
‫إىل اجلامعة واستكمال دراسته‪.......‬‬
‫واستمر ىلع هذا احلال قرابة الشهر‪ ،‬ولكن عندما عرث مصادفة ىلع صورة‬
‫هل مع زينات؛ اعدت إيله ذكريات يلايله اجلميلة معها فهو لم يستطع‬
‫نسيانها‪ ،‬فمازالت ضحاكتها ترن يف أذنه بني احلني واآلخر‪..........‬‬
‫وبالفعل اعد إىل امللىه لرؤيتها‪ ،‬ولكنها يف هذه املرة أظهرت هل اجلفاء‬
‫وطلبت منه االبتعاد عن ماكن عملها‪ ،‬فيه مهددة بالطرد بسبب تهوره‬
‫السابق‪.‬‬
‫حاول اتلواصل معها بشىت الطرق ولكنها أغلقت يف وجهه مجيع طرق‬
‫االتصال‪.‬‬
‫ُ‬
‫فذهب إيلها ووقف جبانب امللىه‪ ،‬ينتظر خروجها ث َّم نادى عليها وطلب‬
‫منها ترك العمل يف امللىه ووعدها بأنه سيقوم باإلنفاق عليها‪ ،‬فضحكت‬
‫ضحكة ساخرة وقالت هل‪:‬‬
‫كيف لشخص مثلك مازال يطلب مرصوف من وادله أن يويف مصاريف‬
‫زينات؟‬
‫ً‬
‫فاغتاظ شادي جدا‪ ،‬وقرر أن يبحث عن املال بأي شلك وبأي وسيلة يك‬
‫يثبت هلا أنه رجل يستطيع حتمل املسؤويلة‪.‬‬
‫اعد شادي إىل ابليت ودخل غرفته وارتىم فوق رسيره ومجيع األفاكر تدور‬
‫يف ذهنه وصورة زينات ال تفارق خياهل‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫حىت جاء يوم من األيام ودق جرس ابلاب وإذا به وادل شادي اعئدا من‬
‫عمله وعليه آثار اتلعب واإلرهاق ويشعر بارتفاع درجة حرارته مع سعال‬
‫شديد‪.‬‬
‫وعندما رأته زوجته ىلع هذه احلالة تيقنت أنها أعراض مرض الكورونا‬
‫ً‬
‫ولكنها حاولت إخفاء هذه اهلواجس عنه يف بادئ األمر حفاظا ىلع حاتله‬
‫انلفسية‪ ،‬ولكن عندما حتدثت مع دالل أقنعتها برضورة املواجهة‪ ،‬فوادلها‬
‫البد أن يأخذ أدوية الكورونا والبد أن يأخذ إجازة من عمله ويعزل نفسه‬
‫ىلع األقل ملدة أسبوعني‪.‬‬
‫وبدأت دالل يف حتضري غرفة لوادلها يلتم عزهل فيها‪ ،‬وخبفة ظلها املعتادة‬
‫صارحت وادلها باحلقيقة‪.‬‬
‫لم يزنعج وادلها من املرض بقدر انزاعجه من فكرة اإلجازة‪ ،‬وخاصة أنه‬
‫تلوه استطاع احلصول ىلع نوع نادر من األدوية البن "األستاذ مأمون" مدير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرشكة فقد أصيب مؤخرا بمرض خطري وعالجه نادر جدا ولكنه استطاع‬
‫احلصول عليه من صيديل قريب هل‪.‬‬
‫فاقرتحت دالل عليه أن يقوم شادي بهذه املهمة ويقدم طلب اإلجازة لوادله‬
‫ويقوم بتوصيل ادلواء‪.....‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ذهب شادي مبارشة إىل مدير الرشكة‪ ،‬فوجده حزينا مهموما؛ فأرسع‬
‫بتقديم ادلواء هل فاكنت سعادته طاغية‪ ،‬وتبدل حاهل من احلزن للفرح وهو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يتخيل ودله بعد تناول ادلواء وأصبح متعافيا سليما‪ ،‬فقطع عليه حلمه‬

‫‪14‬‬
‫روحية عامر‬

‫بطلب إجازة لوادله‪ ،‬فوافق هل ىلع الفور‪ ،‬وأثناء جلوسه معه دق هاتف‬
‫األستاذ مأمون واكنت الصدمة شديدة‪ ،‬رصخ الرجل خلرب نزل عليه‬
‫اكلصاعقة فقد اكنت املستشىف ختربه بوفاة ابنه‪.‬‬
‫ً‬
‫خرج األستاذ مأمون مهروال‪ ،‬وترك مفاتيحه اخلاصة بالرشكة واملزنل‪.‬‬
‫فأخذ شادي املفاتيح وبينما هو جيري يللحق باألستاذ مأمون وسوس هل‬
‫الشيطان بأن يستغل وجود مفتاح اخلزنة ويرى ما بداخلها‪ ،‬وبالفعل فتح‬
‫ً‬
‫اخلزنة ووجد كثريا من األموال‪ ..‬وهنا ظهرت االبتسامة ىلع وجهه‪ ،‬فأمامه‬
‫املال اذلي حيقق به أحالمه‪ ..‬مال بدون عمل!‬
‫مأل شادي احلقيبة السوداء املوجودة جبوار املكتب باألموال وأغلق اخلزنة‬
‫ثم وضع املفاتيح ىلع مكتب املدير وخرج وهو جيري‪.‬‬
‫اكن اجلو شديد الربودة‪ ،‬تكاد الرياح تقتلع األشجار‪ ،‬ومع سماع صوت‬
‫الرعد ورؤية أضواء الربق تمأل األفق دخل شادي إىل مزنهل وهو حمتضن‬
‫احلقيبة السوداء ويرجتف ويبدو عليه لك معاين اخلوف والقلق‪ ،‬سأتله‬
‫وادلته عن حاهل وهل قام بتوصيل ادلواء إىل األستاذ مأمون؟ وكيف اكن‬
‫حاهل وحال ابنه؟ ولكنه لم يرد ىلع وادلته وكأنه ال يسمعها‪ .‬دخل غرفته‬
‫وداخله رصاع يكاد يقتله‪ ..‬رصاع القيم واتلقايلد اليت ترىب عليها من‬
‫وادليه مع شفافية ورقة دالل‪ ،‬ورصاع الرغبة الرسيعة يف الرثاء واحللم‬
‫الغايل باحلياة املرفهة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫دخلت عليه وادلته تلطمنئ عليه وتسأهل عن سبب ارتباكه وعن رس‬
‫احلقيبة السوداء اليت حيتضنها‪ .‬فانزعج بشدة واتلقط احلقيبة من يد وادلته‬
‫ونهرها وأرسع جيري خارج املزنل ووادلته تنادي عليه بال رد‪ ،‬وخرج‬
‫شادي بال عودة ىلع صوت فريوز خيرج من حجرة دالل "ضاع شادي"‪.‬‬

‫****‬

‫‪16‬‬
‫روحية عامر‬

‫الفصل الثاني‪( :‬رحلة بال عودة)‬

‫خرج شادي من املزنل وهو حمتضن حقيبته‪ ،‬وأول ما بدر بذهنه‪ ،‬زينات‬
‫فاآلن معه املال اذلي يستطيع به أن يكفلها ويغنيها عن العمل بامللىه‬
‫واتلعرض ملضايقات الزبائن‪ ،‬فحاول االتصال بها ولكنها ال ترد عليه‬
‫فذهب إىل أقرب سنرتال واتصل بها واكنت هذه املرة رسيعة يف الرد‪.‬‬
‫وبلهجة رسيعة قال هلا‪:‬‬
‫_ زينات أنا شادي‪.‬‬
‫ً‬
‫_ زينات‪ :‬ماذا تريد؟ قلت لك سابقا ابتعد عين ألم تفهم ذلك؟‬
‫_ شادي‪ :‬زينات أرجوكِ ال تغليق اخلط‪ ،‬فأنا اآلن ميع الكثري من األموال‬
‫تغنيك عن هذا امللىه‪ ،‬ونزتوج ونعيش يف أمان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اليت‬
‫_ زينات‪ :‬ومن أين لك بهذه األموال؟‬
‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬سأخربك الحقا ‪.....‬‬
‫وهنا تغريت هلجة زينات وبصوت رخيم قالت‪:‬‬
‫_ شادي‪ ..‬كيف أخبارك؟ لقد افتقدتك يف األيام السابقة‪ ،‬اعذرين يا‬
‫عزيزي فأنا أخاف عليك من امللىه ومن تهور زبائنه ذللك فقد قررت‬
‫االبتعاد عنك للحفاظ عليك يا حبيب القلب‪.‬‬
‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬إذا هل أستطيع أن أحرض لزيارتك اآلن؟‬

‫‪17‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ زينات‪ :‬بالطبع فأنت تعرف أن بييت هو بيتك‪ ،‬وألجلك سأظل ايلوم‬


‫بابليت ولن أذهب إىل امللىه حىت تكون أنت زبوين الوحيد‪ ،‬فأنا من اآلن‬
‫ملك لك وحدك‪.‬‬
‫ً‬
‫طار شادي فرحا حبديث زينات وختيل نفسه مع زينات يف لبس الزفاف‬
‫وهما يركبان سيارته الفارهة‪.‬‬
‫وهنا أخذ شادي يسابق الريح يف اجلري واذلهاب إىل بيت زينات‪.‬‬
‫وما إن وصل إىل بيتها حىت فوئج بها ويه تستقبله يف زينتها الاكملة‬
‫ُ‬
‫وترتدي مالبس شفافة تكشف عن مفاتن جسدها‪ ،‬ث َّم دعته للجلوس‪.‬‬
‫وبكلمات ماكرة ويه تنظر إىل احلقيبة السوداء قالت‪ :‬يا لك من ودل‬
‫احك يل كيف حصلت ىلع هذه األموال‪.‬‬
‫ِ‬ ‫شيق! هيا‬
‫ولكن بمجرد دخول شادي إىل بيتها فوئج بيشء غريب‪ ..‬إنه يشم عطر‬
‫رايم املمزي!‬
‫فبادرها بسؤال ماكر‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫_ أال تعرفني شيئا عن رايم؟ فأنا أفتقده جدا هذه األيام‪.‬‬
‫ولم تسأل عن هذا الودل؟ لقد قطعت عالقيت به منذ طلبت مين‬ ‫_ زينات‪َ :‬‬
‫ً‬
‫ذلك وال أعرف عنه شيئا‪.‬‬
‫وهنا تسلل الشك إىل قلبه وعقله‪ ،‬وتيقن أن هناك مؤامرة عليه ففكر يف‬
‫ً‬
‫طريقة للهروب فطلب منها فنجانا من القهوة ىلع نار هادئة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫روحية عامر‬

‫_ فضحكت زينات وقالت‪ :‬قهوة؟ تشعرين بأنين يف املدرسة‪ ،‬سأحرض لك‬


‫ً‬
‫كأسا من اخلمر املثلج‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬ال‪ ..‬ال أنا أرجتف وأريد مرشوبا ساخنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبمجرد دخوهلا إىل املطبخ حىت محل حقيبته وخرج مهروال"‪ ،‬ث َّم ركب‬
‫حافلة ال يعرف وجهتها‪.‬‬
‫فلك ما يعنيه اآلن هو االبتعاد عن هؤالء اخلونة‪.‬‬
‫وبالطبع حينما خرجت زينات بالقهوة ولم جتده ووجدت باب الشقة‬
‫ً‬
‫مفتوحا تيقنت أنه الحظ وجود رايم فاتصلت به‪ ،‬ولكنه لم يرد عليها حىت‬
‫ال يقع يف براثن مؤامرة جديدة‪.‬‬
‫أخذ شادي جيري وجيوب الشوارع بال هدف‪ ،‬وال يعرف ممن يهرب وال إىل‬
‫من يلجأ‪ ،‬ربما يهرب من نفسه اليت مازال بها بعض من اخلري‪ ،‬وبينما هو‬
‫جيري ويلهث سمع صفارة القطار ففكر أن الفرصة جاءت إيله يف اهلروب‬
‫فقفز بال تردد يف القطار دون أن يعرف وجهة القطار‪ ،‬لك ما يعنيه هو‬
‫اهلروب إىل ماكن ال يعرفه فيه أحد‪ ..‬ماكن حيقق فيه أحالمه ويشرتي‬
‫ُ‬
‫الفيال والسيارة‪ ،‬ث َّم أخذت االبتسامة تعود إىل وجهه وهو يتخيل نفسه‬
‫يرتدي أرىق املالبس ويقود أفخم سيارة ويقطن يف فيال ىلع انليل‪ ،‬اندفع‬
‫القطار إىل طريقه املرسوم وراكب يصعدون وراكب يزنلون‪ ،‬إىل أن فوئج‬
‫بعامل القطار خيربه بأن القطار وصل إىل نهاية رحلته والبد هل من‬
‫الزنول‪...‬‬
‫‪19‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫واعد ثانية إىل الشارع ال يعرف إىل أين يذهب فعاود اجلري مرة أخرى إىل‬
‫الال يشء‪ ..‬هو يشعر وكأن العالم بأرسه يطارده‪ ،‬و مازال صوت وادلته يتناغم‬
‫مع صوت دالل "شادي‪ ..‬عد إيلنا"‪.‬‬
‫وجد شادي نفسه أمام حبر ال نهاية هل ووجد أمامه مركب صيد‪ ،‬لم جيد يف‬
‫نفسه أي لوم أو عتاب يف أن يغتصبه‪ ،‬فقد اعتاد ىلع السطو ىلع ممتلاكت‬
‫الغري‪.‬‬
‫وأخذ يشق ابلحر بمركبه وهو ال ينوي ىلع يشء‪ ،‬لك ما يعنيه هو االبتعاد‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبمرور الوقت اشتد عليه اتلعب واإلرهاق‪ ،‬وأصيب جبروح بالغة وبدأ‬
‫يشعر باجلوع الشديد والعطش القايس‪ ،‬فتلفت حوهل لعله جيد ضاتله من‬
‫ً‬
‫أي مصدر للطعام أو الرشاب ولكن بال جدوى! فأخذ جيري بمركبه بعيدا‬
‫ً‬
‫بعيدا حىت أعياه اتلعب وترسب ايلأس إىل قلبه وشعر أنه سيموت يف هذا‬
‫ابلحر وسيكون هو ونقوده وجبة شهية ألسماك ابلحر‪ ،‬وحينها اعوده صوت‬
‫اعل واشتد‬
‫بصوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أمه وصوت دالل " شادي شادي عد إيلنا" فأخذ يبيك‬
‫صوت حنيبه وهو يرضب رأسه يف القارب ويقول نلفسه‪:‬‬
‫هل هذه يه انلهاية؟‬
‫هل هذه يه انلهاية؟‬
‫وبينما هو ىلع هذه احلال بدت هل من بعيد أضواء خافتة‪ ..‬فعاوده األمل يف‬
‫العثور ىلع جزيرة يستطيع أن يشرتي منها أذل وأشىه األطعمة‪..‬وخاصة أن‬
‫معه من انلقود ما جيعله حيصل ىلع ما يريد ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫روحية عامر‬

‫وزاد األمل من عزيمته ىلع إكمال املشوار والوصول إىل اجلزيرة وأخذ‬
‫يشحذ يف عزيمته إىل أن وصل إيلها‪.‬‬
‫ً‬
‫وقف شادي مبهورا أمام أضواء اجلزيرة املتألئلة واملباين املنمقة حيث تتمزي‬
‫بصغر مساحتها وقلة ارتفاعها واملساحات اخلرضاء اليت تغطي أرض‬
‫اجلزيرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫حدث شادي نفسه‪ :‬ياهلا من جزيرة تشعرك ألول حلظة وكأنها جزء من‬
‫اجلنة ىلع سطح األرض! ولكن أي جنة لشخص مثيل ارتكب من اآلثام‬
‫ما تعجز عن وصفه اللكمات؟‬
‫حاول شادي ادلخول من بوابة اجلزيرة العمالقة ولكن فشلت حماوتله‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫اعل جدا وابلوابة‬
‫فلم يستطع فتح هذه ابلوابة‪ ..‬كما أن سور اجلزيرة ٍ‬
‫مصفحة ال يوجد بها سوى ثقوب ضيقة تسمح هل بالاكد اتلمتع بانلظر إىل‬
‫اجلزيرة ومجاهلا األخاذ‪.‬‬

‫****‬

‫‪21‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الثالث‪( :‬الغريب)‬

‫اعل‪ :‬يا أهل اجلزيرة‪ ...‬يا أهل اجلزيرة‬


‫أخذ شادي ينادي بصوت ٍ‬
‫جاءه صوت من ادلاخل‪ :‬من باخلارج؟‬
‫_ شادي‪ :‬اعبر سبيل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫_ فرد عليه‪ :‬تقصد ضيف؟ أهال ومرحبا بالضيف‪.‬‬
‫ارتعد شادي حينما رأى ابلوابة ويه تنفتح ىلع مرصاعيها حينما كتب‬
‫الرجل لكمات معينة ىلع لوحة معدينة جبانب ابلوابة وسمع الرجل وهو يردد‬
‫بكلمات وهو يكتب‪ " :‬الفضيلة رس أرسار احلياة"‬
‫اندهش شادي من هذا املشهد العجيب‪ ،‬ولكنه جتاهل لك هذه األفاكر أمام‬
‫ّ‬
‫إحساسه باجلوع والعطش واتلعب واإلرهاق الشديد حيث أن قدميه لم‬
‫تعد تقويان ىلع محل جسده املنهك املريض‪.‬‬
‫سأل شادي أحد املارة عن ماكن يبتاع منه املأكوالت الطازجة واملجففة‬
‫واملعلبات والفاكهة فأشار هل بمتجر كبري ىلع بعد خطوات‪.‬‬
‫دخل املتجر وبدأ يعبئ عربة التسوق بما ذل وطاب وذهب دلفع احلساب‬
‫فدليه من املال الكثري ولكن أين الاكشري؟ أجابه أحد املارة بأن عليه‬
‫احلساب يف غرفة اتلحكم ىلع يده ايلمىن‪ ،‬دخل شادي إىل الغرفة وحاول‬
‫اتلعامل معها ولكنه فشل‪ ،‬فخرج منها وااعد السؤال ىلع شخص آخر‬

‫‪22‬‬
‫روحية عامر‬

‫فأجابه بأن عليه وضع ذراعه األيمن أمام الشاشة اإللكرتونية يلقوم خبصم‬
‫قيمة مشرتياته من رصيده من الفضيلة‪.‬‬
‫لم يفهم شادي هذه اللكمات ولم حياول الفهم فلك ما اكن يعنيه يف ذلك‬
‫الوقت هو احلصول ىلع الطعام‪.‬‬
‫فقام شادي بوضع ذراعه ايلمىن أمام الشاشة اإللكرتونية كما قال هل‬
‫الرجل‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا بدأ صوت صفارات اإلنذار يدوي يف مجيع أحناء اجلزيرة معلنا وجود‬
‫اكرثة!‬
‫بدأ أهل اجلزيرة يف االندفاع حنو ساحة اجلزيرة اخلرضاء وهم يتساءلون‬
‫"ماذا حدث؟ وما هو سبب هذه الصفارة؟‬
‫ّ‬
‫فمن املعروف أن صوت هذه الصفارات ال تنطلق بهذا الشلك إال يف حالة‬
‫اكرثة وشادي مندهش ال يعرف ماذا حدث‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وجود‬
‫وبدت التساؤالت ىلع وجوه اجلميع‪ ..‬اللك ال يفهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهنا تدخل شيخ اجلامع وحل اللغز وهو أن الصفارة ال تنطلق بهذا الشلك‬
‫إال إذا اكن هناك شخص مفلس حياول الرسقة‪.‬‬
‫ً‬
‫_ صاح شادي‪" :‬ال ال أنا لست مفلسا فدلي من انلقود الكثري‪ ،‬أنظر هذه‬
‫حقيبيت ممتلئة باملال الكثري"‬
‫_ وهنا نظر هل شيخ اجلامع وقال هل‪" :‬ال بل أنت مفلس كبري‪ ،‬قراءة اجلهاز‬
‫ختربنا بأن رصيدك صفر"‬
‫‪23‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ شادي‪ :‬أي رصيد تعين؟ ومن ذا اذلي فتح حقيبيت وأحىص رصيدي؟‬
‫_ شيخ اجلامع‪ :‬أتعين رصيدك من هذا الورق؟ هو ال يمثل هنا أي قيمة‪.‬‬
‫_ شادي‪ :‬ماذا تعين؟ أرجوك أنا ال أفهم‪.‬‬
‫_ شيخ اجلامع‪ :‬يا بين أنت يف جزيرة الفضيلة‪ ،‬العملة هنا يه الفضيلة‬
‫فلكما اكنت أعمالك صاحلة زاد رصيدك من الفضيلة‪ ،‬ولكما أسأت إىل أحد‬
‫زاد رصيدك من الرذيلة وقل رصيد الفضيلة‪.‬‬
‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬إذا هذه األموال ليس هلا أي قيمة هنا؟؟ لقد فقدت لك يشء من‬
‫أجلها!‬
‫ً‬
‫فسقط مغشيا عليه فأرسع الشيخ إيله وطلب من احلارضين محله إىل‬
‫مزنهل إلسعافه وإطعامه حىت تعود إيله اعفيته ويسرتد قوته‪ .‬وبالفعل نقلوه‬
‫إىل مزنل الشيخ يف غرفة الضيوف‪ .‬وطلب الشيخ رضوان من زوجته وابنته‬
‫االهتمام بالضيف وراعيته ومعامتله معاملة اعبر السبيل‪ .‬وبالفعل قامت‬
‫ابنته بتمريضه وتضميد جراحه ويه تقول لوادلتها‪ :‬يبدو أنه تعرض ملخاطر‬
‫كثرية أثناء رحلته ىلع مركبه هذا‪ ،‬أدت إىل إصابته جبروح يف أجزاء متفرقة‬
‫ً‬
‫من جسمه‪ ،‬كما أن حرارته مرتفعة جدا فقد أصيب بزنلة شعبية حادة‬
‫نتيجة مالطمة األمواج والرياح‪........... .‬‬
‫ً‬
‫وهكذا ظل شادي فاقدا الويع فرتة طويلة تتناوب فيها العناية بينها وبني‬
‫وادلتها‪ ..‬حىت اسرتد اعفيته‪ ،‬وبمجر أن فتح عينيه واعد إيله وعيه وجد‬
‫أمامه الشيخ رضوان بوجهه امليضء وابتسامته اهلادئة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬محدا هلل ىلع سالمتك أيها ابلطل‪.‬‬
‫_ شادي‪ :‬بطل! من تعين؟ أنا آخر شخص ممكن أن يقال هل هذا اللفظ‪.‬‬
‫ُ‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬نعم‪ ،‬بطل األبطال‪ .‬فنحن هنا منذ أن وعيت ىلع ادلنيا‬
‫ولم يستطع أحد الوصول إيلنا‪.‬‬
‫_ شادي‪ :‬اسمح يل أيها الشيخ اجلليل أن أعرف‪ ..‬من أنتم وما يه‬
‫حاكيتكم؟‬
‫_ الشيخ‪ :‬ال تتعجل يا ودلي‪ ،‬عليك اآلن فقط االهتمام بصحتك وبعدها‬
‫ً‬
‫ستعرف وحدك لك يشء‪ .‬واآلن هيا نذهب سويا إىل بيت الضيافة حمل‬
‫إقامتك حىت نوفر لك بيت خاص‪.‬‬
‫_ شادي‪ :‬اعجز عن شكرك سيدي‪ ،‬ولكن يل سؤال‪ ،‬هل هناك طريقة‬
‫تلحويل هذه األموال إىل فضائل؟ فأنا ميع منها الكثري‪............‬‬
‫ً‬
‫_ شيخ اجلامع‪ :‬يا بين عليك أن تدع هذه األوراق جانبا وأن حتاول أن ترفع‬
‫رصيدك من الفضيلة؛ حىت حتصل ىلع الطعام واملأوى إذا قررت احلياة‬
‫بيننا‪....‬‬
‫_ شادي‪ :‬واآلن بماذا تنصحين أيها الرجل الطيب؟‬
‫_ الشيخ‪ :‬عليك اآلن أن ترافقين إىل املسجد فقد اقرتبت صالة الفجر‬
‫والبد أن تعلن توبتك من ذنوبك السابقة‪.‬‬
‫وبدأ صوت "اهلل أكرب" يرتدد يف أحناء اجلزيرة‪ ،‬ومع بزوغ الفجر بدأ أهل‬
‫اجلزيرة يف اتلدفق إىل املسجد وكأنهم جراد منترش‪....‬‬
‫‪25‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫تعجب شادي من هذا املشهد الرائع واعود قلبه تدين وادليه ودب فيه‬
‫رعشة اخلوف والسعادة‪ ...‬اخلوف من لقاء اهلل يف الصالة وهو بكل هذه‬
‫اذلنوب‪ ،‬والسعادة بهذه اجلحافل املتجهة إىل اهلل ليك جتدد العهد وتزيد من‬
‫رصيد الفضيلة‪.‬‬
‫أشار الشيخ رضوان إيله بأن يذهب ويتوضأ ويقف خلفه يف الصف األول‪.‬‬
‫ً‬
‫وألول مرة بدأ شادي الصالة بقلبه وعقله وادلموع تنهمر من عينيه ندما‬
‫ً‬
‫وحرسة ىلع ما فات من عمره دون صالة‪ ..‬بمعىن آخر دون فضيلة‪.‬‬
‫انقضت صالة الفجر وانرصف أهل اجلزيرة بليوتهم ولكن احلديث بني‬
‫الشيخ وشادي لم ينته بعد‪ .‬حيث وضح هل لك الطرق اليت يمكنه بها زيادة‬
‫رصيده من الفضائل وذلك من خالل الصالة وقراءة القرآن والعمل‪ ،‬فالعمل‬
‫عبادة وعليه أن يبحث عن عمل يالئم طبيعة ما توصلت إيله اجلزيرة من‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حضارة حيث أن لك يشء يدار بالروبوت مثل الزراعة وجين املحصول‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أن املصانع يتم إدارتها باخلاليا الشمسية‪ ،‬والشوارع أيضا مضاءة بها‪.‬‬
‫أخذ شادي يفكر ماذا يعمل يف هذه اجلزيرة اليت ال حتتاج إىل إنسان فاشل‬
‫مثله‪ ،‬فهو لم يكمل دراسته ولم يتعلم أي حرفة‪.‬‬
‫وبينما هو ىلع هذه احلال من احلرية‪ ،‬فاجأه الشيخ بقوهل‪ :‬يعلم اهلل كم‬
‫ً‬
‫أحبك مثل أوالدي ولكن حقا إن كنت تنوي احلياة معنا فالبد من يشء‬
‫رضوري البد أن تفعله‪.‬‬
‫_ سأهل شادي‪ :‬ما هو أيها األب احلنون؟‬

‫‪26‬‬
‫روحية عامر‬

‫_ الشيخ رضوان‪ :‬الرشحية‪.‬‬


‫_ شادي‪ :‬رشحية؟‬
‫_ الشيخ‪ :‬نعم يا ودلي البد أن يتم تركيب رشحية إلكرتونية يف ذراعك‬
‫حىت تتمكن وحدة اتلحكم املركزية من حساب رصيدك من الفضيلة‬
‫وذلك حىت تستطيع ابليع والرشاء وممارسة حياتك بصورة طبيعية مثلنا‪.‬‬
‫وهنا جتهم وجه شادي وتسلل اخلوف إىل قلبه‪.‬‬
‫فهذا يشء جديد لم يسمع عنه من قبل‪ ،‬وبدأت الوساوس تدور يف رأسه‪.‬‬
‫كيف سيتعامل جسمه مع هذه الرشحية؟‬
‫وما هو موقف جهاز املناعة؟‬
‫وختيل نفسه وقد حتول إىل روبوت‪ ،‬فتملك اخلوف والقلق من قلبه من‬
‫فكرة الرشحية‪.‬‬
‫وقرر يف نفسه عدم تركيب الرشحية بل قرر اهلروب من هذه اجلزيرة‪.‬‬
‫ولكنه أخرب الشيخ رضوان بأنه يريد بعض الوقت يلفكر يف أمر الرشحية‪.‬‬

‫****‬

‫‪27‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الرابع‪( :‬الهروب)‬

‫يف املساء بعد انتهاء جلسات السمر واحلاكيات‪ ،‬وعند خلو جمالس اذلكر‬
‫واتلالوة وذهاب اجلميع إىل بيوتهم‪ ،‬أخذ شادي ما تبىق دليه من زاد‬
‫ً‬
‫للطريق وقرر اهلروب رسا من اجلزيرة واجته صوب ابلوابة الرئيسية واكنت‬
‫مغلقة بكلمة رس عرفها شادي من خالل وجوده يف اجلزيرة ويه‬
‫"الفضيلة رس أرسار احلياة"‬
‫كتبها شادي ىلع لوحة معدنية متصلة بابلوابة الشاهقة للجزيرة فانفتحت‬
‫ابلوابة ىلع مرصاعيها واجته للخروج من اجلزيرة‪ .‬ويف هذه األثناء نادى‬
‫املؤذن لصالة الفجر ونزل صوت املؤذن ىلع مسامعه وكأنه لم يسمع مثله‬
‫من قبل‪ .‬فارجتف جسده ورست بيه قشعريرة اخلوف مع اخلشوع‪ ،‬فتملكه‬
‫ابلاكء وانلدم وأخذ يعاتب نفسه‪:‬‬
‫مللت من الفضيلة؟‬
‫ِ‬ ‫هل‬
‫أرهقتك أداء الصالة يف مواعيدها؟‬
‫ِ‬ ‫هل‬
‫عليك حفظ القرآن؟‬
‫ِ‬ ‫هل ثقل‬
‫اشتقت إىل حياة الفسق والعربدة؟‬
‫ِ‬ ‫أم‬

‫‪28‬‬
‫روحية عامر‬

‫أحببت العودة يك تستمتيع بتلك األوراق اخلبيثة اليت رسقتها؟‬


‫ِ‬ ‫أم‬
‫أم أنك تديع اخلوف من تركيب الرشحية مع أنك ترى اجلميع وهم‬
‫يتعايشون مع رشحيتهم؟‬
‫ً‬
‫فقرر العودة مرة ثانية إىل اجلزيرة‪ ،‬واجته رسيعا إىل املسجد للحاق بصالة‬
‫الفجر‪ ،‬وحىت ال يأخذ أحد ماكنه يف الصف األول خلف الشيخ رضوان‪.‬‬
‫وبعد االنتهاء من صالة الفجر أخرب الشيخ رضوان بموافقته ىلع تركيب‬
‫الرشحية‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فرح الشيخ فرحة كبرية هلذا اخلرب‪ .‬ولكن هناك يشء رضوري البد أن‬
‫يفعله ىلع الرغم من صعوبته ىلع أي إنسان‪......‬‬
‫فقال هل‪ :‬هذه آخر مرة أناديك بشادي‪.........‬‬
‫_ شادي‪ :‬ملاذا هل أزعجتك يف يشء؟‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬ال يا ودلي ولكنه قانون جزيرتنا‪ ..‬فكما ترى أن لك من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معان دينية فعليك أن ختتار اسما جديدا‬
‫ٍ‬ ‫يعيش يف جزيرتنا هلم أسماء هلا‬
‫يتواءم مع جزيرة الفضيلة‪.‬‬
‫_ شادي‪ :‬ماذا تقول؟ هل تطلب مين أن أغري اسيم؟! هذا مستحيل‪.‬‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬ال مفر‪ ،‬حىت يمكنك تركيب الرشحية واتلعايش داخل‬
‫جزيرتنا ويصبح لك حقوق وعليك واجبات فالبد من تغيري اسمك‪...‬‬
‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬حسنا دعين أفكر‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وسار شادي بمفرده وأخذ حيدث نفسه مرة ثانية‪ :‬وماذا بعد يا شادي؟ كم‬
‫من اتلنازالت مطلوب منك تقديمها ليك تعيش يف أرض الفضيلة؟‬
‫وصل إىل بيته وارتىم ىلع رسيره واألفاكر تزتاحم يف رأسه إىل أن غلبه‬
‫انلعاس‪ ،‬فاستيقظ ىلع صوت دقات خفيفة ىلع باب مزنهل لصديقه اجلديد‬
‫ً‬
‫إسالم اذلي تعرف عليه مؤخرا أثناء صالة الفجر‪........‬‬
‫_ إسالم‪ :‬لقد جئت ايلوم ألصحبك ميع يف رحلة إىل مزارع جزيرتنا فأنا‬
‫ً‬
‫ىلع يقني أنها ستعجبك جدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬إذا نتناول إفطارنا أوال‪.‬‬
‫_ إسالم‪ :‬ليس هناك وقت نلضيعه‪ ..‬ستجد هناك ما هو أمجل من اإلفطار‬
‫ُ‬
‫خرج شادي بصحبة إسالم وركبا سيارة مكشوفة تدار بعدة أزرار تتصل‬
‫بشاشة إلكرتونية‪..‬‬
‫يا هلا من جزيرة يف اغية اتلكنولوجيا! هكذا حدث شادي نفسه‪.‬‬
‫ربما تكون هذه املرة األوىل اليت يتعمق فيها داخل شوارع اجلزيرة‪..‬‬
‫وينبهر بروعتها فالشوارع تكسوها اخلرضة‪ ،‬وراحئة الفل وايلاسمني تعبئ‬
‫املاكن‪ ،‬واملباين ىلع الرغم من فخامتها فيه غري مرتفعة‪ ،‬لك مبىن هل حديقته‬
‫اخلاصة ومسبح خاص به‪ ،‬وحييط حول لك مبىن سور كبري يضمن هل‬
‫احلماية واخلصوصية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫روحية عامر‬

‫وصلت السيارة إىل املزرعة وفوئج شادي بأناس هلم أشاكل غريبة تقوم‬
‫بمساعدة ماكينات احلصاد يف احلصاد واتلعبئة‪ ،‬فبادر شادي بتحية‬
‫املزارعني‪ :‬السالم عليكم كيف حالكم؟‬
‫ً‬
‫ضحك إسالم وارتفع صوته اعيلا يف الضحك‪.‬‬
‫_ سأهل شادي‪ :‬ملاذا تضحك؟ وملاذا ال يرد هؤالء املزارعني ىلع حتية‬
‫اإلسالم‪ ،‬هل دليهم ديانة أخرى؟‬
‫اعود إسالم الضحك وبصوت خمتلط بالضحك‪ :‬ديانة أخرى؟ ههههه‪،‬‬
‫ً‬
‫هؤالء املزارعني كما تسميهم ليسوا برشا مثلنا‪ ،‬إنهم روبوتات‪ ،‬أي عمل‬
‫شاق هنا ال يقوم به إال الروبوتات‪ ..‬سواء الزراعة أو ابلناء أو نقل ابلضائع‬
‫من وإىل املصانع‪.‬‬
‫تذكر شادي حديث الشيخ رضوان بهذا الشأن‪.‬‬
‫فأجاب ‪:‬نعم يا إسالم‪ .. :‬نعم معك حق‪.‬‬
‫فأكمل إسالم حديثه‪ :‬واآلن تعال ميع نلذهب إىل حدائق الفاكهة فيوجد‬
‫هنا أنواع ال حرص هلا‪.‬‬
‫انبهر بها أشد االنبهار‪ ،‬فهو لم ير فاكهة بهذا اجلمال‪ ،‬وهذا احلجم من قبل‪،‬‬
‫وأخذ يقطف من لك األنواع‪.‬‬
‫ويقول إلسالم‪ :‬معك حق إنه أشىه إفطار‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وهنا نبهه إسالم بأال تمتلئ معدته فأمامه مأدبة من اللنب واجلنب والقشدة‬
‫يف مزارع احليوانات‪.‬‬
‫تعجب شادي أشد العجب من نظافة احليوانات ونظافة احلظائر اليت ترتىب‬
‫فيها احليوانات‪ ،‬أرضية احلظائر من الرخام‪.‬‬
‫وأخذ يتساءل‪ :‬أين يذهب روث هذه املوايش؟ وكيف تبدو بهذا اجلمال؟‬
‫ً‬
‫أخربه إسالم بأن املوايش أيضا تم تركيب رشحية هلا حبيث تذهب لك منها‬
‫ً‬
‫إىل ماكن معني يشبه املرحاض تقيض فيه حاجتها‪ ،‬ويتم نقلها أوتوماتيكيا‬
‫إىل مصنع السماد العضوي‪.‬‬
‫تعجب شادي وقال يف نفسه‪ :‬ما هذه اجلزيرة اجلميلة! وأي مرحلة من‬
‫اتلقدم واتلكنولوجيا وصلت إيلها! وكيف تمكنت هذه اجلزيرة أن جتمع بني‬
‫ً‬
‫العلم وادلين بهذا االنسجام الرائع! إنها حقا تستحق أن يطلق عليها "عناق‬
‫ّ‬
‫األرض مع السماء"‬
‫وبعد هذه الرحلة قرر شادي أن يذهب إىل الشيخ رضوان وخيربه بقناعته‬
‫بتغيري اسمه وتركيب الرشحية ألنه لن يغادر جزيرة الفضيلة‪.‬‬
‫عرض عليه الشيخ جمموعة من األسماء يلختار منها مثل‪ :‬ركن ادلين‪،‬‬
‫حممود‪ ،‬أمحد‪ ،‬حممد‪ ،‬نور ادلين‪ ،‬عماد ادلين‪ ،‬إسالم‪............... .،‬‬
‫وبعد حرية شديدة اختار اسم "عماد ادلين"‬

‫‪32‬‬
‫روحية عامر‬

‫وهنا انفرجت أسارير الشيخ إمام وظهرت عليه آثار الفرحة اليت لم يعرف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هلا شادي سببا يف ذلك الوقت‪ ،‬وبفرحة طاغية قال هل‪ :‬إذا أنت من اآلن‬
‫ً‬
‫عماد ادلين‪ ،‬وبعد تركيب الرشحية تصبح ابنا من أبناء جزيرة الفضيلة‬
‫ترسي عليك أحاكمنا ولك ما نلا وعليك ما علينا‪.‬‬
‫وأنا اآلن سأقوم باالتصال باملركز الطيب تلحديد ميعاد إجراء جراحة تركيب‬
‫الرشحية‪ ،‬فيه حتتاج إىل طبيب جراحة واعلم يف اجلينات ومهندس‬
‫إلكرتونيات‪.‬‬

‫****‬

‫‪33‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الخامس‪( :‬يوم الجراحة)‬

‫ً‬
‫استيقظ شادي‪ ..‬وذهب إىل الشيخ رضوان وذهبا سويا إىل املركز الطيب وهو‬
‫مركز فيه من الفخامة ودالئل اتلكنولوجيا ما يطمنئ العقل والقلب ىلع‬
‫سالمة إجراء اجلراحة‪.‬‬
‫وقبل دخول غرفة العمليات سمع صوت إسالم ينادي‪ :‬شادي‬
‫رد عليه بابتسامة رضا‪ :‬شادي؟ من شادي؟ أنا عماد ادلين‬
‫ابتسم إسالم واحتضنه وتمىن هل السالمة بعد إجراء اجلراحة وودعه عند‬
‫بداية املمر‪.‬‬
‫دخل عماد ادلين إىل املمر الطويل حىت وصل إىل غرفة اجلراحة‪.‬‬
‫وبدأ طاقم اتلمريض يف حتضريه إلجراء اجلراحة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم بدأ هو اآلخر باالستعداد بالصالة وقراءة القرآن‪.‬‬
‫استمرت اجلراحة مدة طويلة امتدت إىل سااعت‪ ،‬خرج بعدها عماد ادلين‬
‫إىل غرفة اإلفاقة‪.‬‬
‫ويف ايلوم اثلاين اعد الشيخ رضوان ومعه إسالم لالطمئنان عليه‪ ،‬ومحدا اهلل‬
‫ً‬
‫كثريا حينما وجداه خبري وقد استعاد صحته‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم خرجوا للزنهة يف حديقة املركز الطيب وتناول الفطور‪ ،‬فهمس عماد‬
‫ادلين إىل إسالم يسأهل عن كيفية اتلعامل مع الرشحية وهل هلا ريموت‬

‫‪34‬‬
‫روحية عامر‬

‫معني؟ ضحك إسالم وطمأنه أنه لن يشعر أن بداخله رشحية فيه ستعمل‬
‫ً‬
‫تلقائيا‪.‬‬
‫وستقوم بتدوين حسناتك وسيئاتك دون أن تدري‪ .‬وإن وحدة اتلحكم‬
‫فقط يه اليت يمكن أن تستعلم بها عن رصيدك‪ ،‬وهلا أماكن معينة يف‬
‫اجلزيرة سأعطيك خريطة هلا‪.‬‬
‫هذا احلديث زاد من محاس عماد ادلين أن يبدأ يف زيادة رصيده من‬
‫الفضائل‪ ،‬والبد أن يبحث عن عمل!‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬تمهل يا ودلي حىت تستعيد صحتك‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬ال وقت أمايم يك أضيعه‪ ،‬وذلا فهناك ٌ‬
‫أمر أريد أن أستشريك‬
‫به‪....‬‬
‫ً‬
‫حني كنت يف املدرسة االبتدائية اكنت معلميت دائما تمتدح قدريت ىلع‬
‫ً‬
‫الرسم‪ ،‬بل وانلحت أيضا ذلا فأنا أستطيع أن أحنت تماثيل لشخصيات‬
‫عظيمة مثل اغندي وأمحد زويل وسعد زغلول وحممود خمتار‪ ....‬و‪.....‬‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬ومن هؤالء اذلين تتحدث عنهم؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫_ تعجب عماد ادلين‪ :‬حقا‪ ..‬ال تعرفونهم؟ إذا سيكون عميل معكم هو‬
‫عمل اتلماثيل وقص احلاكيات عن هؤالء العظماء‪..‬‬
‫ّ‬
‫وجيه الشيخ وإسالم‪ ،‬وفرحا بهذة الفكرة فيه حديثة‬ ‫ظهرت البسمة ىلع‬
‫ىلع اجلزيرة وسيعجب بها شباب اجلزيرة وكهوهلا فاجلميع هنا يعشق‬
‫القصص واحلاكيات‪..‬‬
‫‪35‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ عماد ادلين‪ :‬لكين أحتاج إىل بعض األدوات مثل‪ :‬الفرش‪ ،‬واأللوان‪،‬‬
‫وإزميل‪ ،‬وخشب‪ ،‬وجبس‪ ،‬وصلصال‪ ،‬وقاطع‪.‬‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬لك ما حتتاجه ستجده يف مزنلك اجلديد اذلي ستنتقل‬
‫إيله من ايلوم بعد أن ترتك بيت الضيافة اذلي تسكنه‪ ،‬فأنت من ايلوم‪ .‬من‬
‫ساكن جزيرة الفضيلة لك من احلقوق وعليك من الواجبات‪.‬‬

‫****‬

‫‪36‬‬
‫روحية عامر‬

‫الفصل السادس‪( :‬التخاطر)‬

‫_ إسالم‪ :‬يبىق يشء آخر البد أن تتعلمه كمواطن يف جزيرتنا‪.‬‬


‫_ عماد ادلين‪ :‬وما هذا ؟ هل يه جراحة أخرى؟‬
‫أكمل الشيخ حديث إسالم فهو يعرف ما يقصده‪..‬‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬اتلخاطر‪..‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬اتلخاطر؟ وماذا تقصد باتلخاطر يا موالي؟‬
‫_ الشيخ‪ :‬اتلخاطر هو لغة اتلواصل بيننا بدون أسالك أو موجات‬
‫ً‬
‫كهرومغناطيسية تسبب تدمريا للصحة انلفسية واجلسمية‪.‬‬
‫ويتم باالسرتخاء يف ماكن هادئ ومريح لألعصاب مع صفاء اذلهن من أي‬
‫ُ‬
‫أفاكر‪ ،‬ث َّم أخذ نفس عميق من األنف وإخراجه من الفم‪ ،‬وبعدها يمكنك‬
‫من خالهل كتابة رسالة وإرساهلا إىل شخص ما تعرفه تمام املعرفة‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬نعم نعم‪ ..‬فأنا منذ جئت إىل هنا وأنا أتساءل يف نفيس ىلع‬
‫الرغم من اتلقدم املذهل بهذه اجلزيرة ولكن ال يوجد أجهزة اتصال‬
‫حممولة؟‬
‫_ إسالم‪ :‬نعم يا عماد‪ ،‬قد كنا نعتمد عليها يف املايض واكن دلينا أحدث‬
‫أجهزة وشباكت ولكن بعد معرفة أرضارها وتأثريها ىلع احلياة احليوانية‬

‫‪37‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وانلباتية قمنا بتحطيم مجيع شباكت املحمول وتكسري األجهزة واالعتماد‬


‫ىلع اتلواصل عن طريق اخلواطر‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬وكيف حيدث هذا اتلخاطر؟‬
‫_ الشيخ رضوان‪ :‬املوضوع حيتاج إىل تدريب لفرتة طويلة ىلع يد املدربة‬
‫هبة اهلل فيه أستاذة اتلخاطر‪.‬‬
‫ً‬
‫_ إسالم‪ :‬غدا إن شاء اهلل سأصحبك إىل مركز اتلخاطر ملقابلتها‪.‬‬
‫ويف الصباح يف تمام العارشة اكن لقاء إسالم وعماد ادلين وذهبا إىل مركز‬
‫اتلخاطر الاكئن باملدينة اتلعليمية ويه رصح شامل مقسم إىل عدة أجنحة‪،‬‬
‫هناك جناح للبحوث يف جمال الفلك وجناح ابلحوث يف علم اجليولوجيا‬
‫وجناح خاص بعلم الوراثة واجلينات‪ ،‬وهناك ممر طويل نهايته الفتة مكتوب‬
‫عليها "حوار العقول"‪ ،‬فهم عماد ادلين من هذا العنوان أنه أمام مدخل‬
‫مركز اتلخاطر‪ .‬اكنت هناك اسرتاحة كبرية بها الفتات تدعو إىل الراحة‬
‫انلفسية (كيف تقرأ أفاكر صديقك) (ابللوتوث الروحاين)‪.‬‬
‫قال صىل اهلل عليه وسلم" اتقوا فراسة املؤمن فإنه ينظر بنور اهلل "‬
‫وهناك برواز معلق ىلع احلائط لوصف مخ اإلنسان من ادلاخل والكم‬
‫اهلائل من اخلاليا العصبية والتشابكات العصبية‪.‬‬
‫اكن يف استقباهلما يف االسرتاحة اآلنسة هدى اليت رحبت باألستاذ إسالم‬
‫وبالضيف اجلديد وقدمت هل استمارة يمأل فيها بياناته اخلاصة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫روحية عامر‬

‫وبعد ملء االستمارة تم دعوتهما ملقابلة املدربة هبة اهلل‪ ،‬فاستقبلتهما‬


‫بابتسامة هادئة ودعتهما إىل اجللوس وتناول عصري الليمون املثلج‪.‬‬
‫ً‬
‫رحبت يف ابلداية باألستاذ إسالم فقد انتهت قريبا من تدريبه ىلع اتلخاطر‪،‬‬
‫كما رحبت بالضيف اجلديد‪:‬‬
‫ً‬
‫_ أهال أستاذ عماد ادلين‪.‬‬
‫_ إسالم‪ :‬بالطبع أستاذة هبة تعرفني سبب جميئنا‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬بالطبع‪ ،‬تدريب األستاذ عماد ىلع اتلخاطر‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬وهل سيكون ذلك باليشء اليسري؟‬
‫_هبة اهلل‪ :‬إن ذلك من أبسط األمور‪ ،‬فهناك جمموعة من اتلدريبات تقوم‬
‫بها وبعد ذلك ستكون ىلع درجة كبرية من املهارة‪.‬‬
‫ً‬
‫_إسالم‪ :‬إذا فلنبدأ من اآلن‪.‬‬
‫ً‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬ال‪ ..‬ال ليس اآلن‪ ..‬البد أن حترض معنا غدا جلسة ايلوجا مع‬
‫ّ‬
‫رشوق الشمس عند شاطئ ابلحر‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬ابلحر! ملاذا؟ ملاذا ال نكون هنا أو أي ماكن؟‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬من املعروف أن مشاهدة أمواج ابلحر تعمل ىلع سحب الطاقة‬
‫السلبية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومع رشوق الشمس‪ ،‬ىلع نغمات زقزقة العصافري ممزوجة مع صوت املوج‬
‫اهلادئ اكن اللقاء‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫بدأت األستاذة هبة يف رشح أهداف ايلوجا حيث قالت‪:‬‬


‫_ ايلوجا رياضة جسدية روحية تهدف إىل تهذيب انلفس واالرتقاء بها من‬
‫خالل اتلأمل واتلحكم يف مسارات الطاقة‪ ،‬كما أنها تساعد ىلع زيادة‬
‫الرتكزي‪ .‬وهلا دور عظيمم يف عالج أمراض الضغط واتلوتر‪ ،‬إىل جانب‬
‫تأثريها الساحر ىلع مرونة وقوة العضالت واملفاصل‪.‬‬
‫اعل يشبه صوت مدرس الرتبية الرياضية‪ :‬اآلن نبدأ اجللسة‬ ‫وبصوت ٍ‬
‫وعلينا اتباع بعض اتلعليمات‪:‬‬
‫‪1‬ـ تصفية اذلهن من أية أفاكر‪.‬‬

‫‪2‬ـ أخذ نفس عميق من األنف وخروجه من الفم كما لو كنت تساعد ىلع‬
‫طريان ريشة يف اهلواء‪.‬‬
‫‪3‬ـ تثبيت انلظر يف اجتاه ابلحر ملدة نصف ساعة‪.‬‬
‫وبعد االنتهاء من جلسة ايلوجا شعر عماد ادلين بأنه شخص آخر تملؤه‬
‫ً‬
‫الطمأنينة والراحة انلفسية وشعر بسعادة داخلية وأنه أكرث هدوءا وأكرث‬
‫ً‬
‫استقباال للحياة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم اغدر ابلحرية وودع األستاذة هبة اهلل‪.‬‬
‫واعد إىل مزنهل وبدأ يف االستعداد لعمل تمثال شخصية األسبوع‪ ،‬وقرر أن‬
‫يكون اغندي أول شخصياته‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫روحية عامر‬

‫واستمر يف عمله عدة أيام لسااعت متواصلة ال يغادر ورشته إال تلأدية‬
‫الصالة يف املسجد‪ ،‬وها هو مساء اخلميس يقرتب‪ ،‬والبد أن ينيه عمله‬
‫حىت يويف بوعده مع الشيخ رضوان‪ ،‬كما أن رصيده من الفضائل مازال‬
‫ً‬
‫ضعيفا فال يوجد دليه سوى القليل نتيجة تأديته للصالة يف املسجد وقراءة‬
‫آيات من القرآن واذلكر بعد لك صالة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ها يه مالمح اغندي بدأت تظهر‪ ،‬لم يتبق سوى بعض اللمسات اخلفيفة‬
‫ً‬
‫ويكون تمثاهل جاهزا للعرض‪.‬‬

‫****‬

‫‪41‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل السابع‪( :‬جلسة املساء)‬

‫ويف املساء وبعد صالة العشاء بدأ أهل اجلزيرة يف اخلروج إىل الساحة‬
‫اخلرضاء حتت أضواء الكشافات املبهرة وىلع نغمات املوسيىق اهلادئة بدأ‬
‫نوه عنها إسالم ألهل‬ ‫أهايل اجلزيرة يف االستعداد الستقبال املفاجأة اليت ّ‬

‫اجلزيرة‪ ،‬فقد قام بتعليق الفتة كبرية يف منتصف الساحة‪.‬‬


‫ّ‬
‫ثقايف لم حيدث يف جزيرتنا‬ ‫حدث‬
‫ٍ‬ ‫(أهايل اجلزيرة الكرام‪ ،‬الليلة موعدنا مع‬
‫من قبل‪ ،‬يقدمه نلا صديقنا اجلديد عماد ادلين)‬
‫واجلميع يتساءل عن هذه املفاجأة اليت لم حتدث من قبل‪.‬‬
‫َُّ‬
‫دخل عماد برفقة إسالم ومعهما يشء مغطى حيمالنه بصعوبه‪ ،‬ثم وضعاه‬
‫ً‬
‫يف منتصف الساحة واجلميع يتملق انلظر إيله حماوال استباط ماهية هذا‬
‫اللغز‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ووسط ذهول اجلميع‪ ،‬وقف عماد ادلين مرحبا بأهايل اجلزيرة معربا عن‬
‫ُ‬
‫سعادته وامتنانه حلضورهم إىل سهرته اثلقافية‪ ،‬ث َّم طلب منهم اجللوس ألن‬
‫ُ‬
‫السهرة طويلة واحلاكية شيقة‪ ،‬ث َّم قام يرفع الستار عن تمثاهل وأخربهم أنه‬
‫لشخصية روحانية زعيم دولة عظيمة تسىم اهلند‪ :‬قزم اجلسد مارد الروح‬
‫القديس "اغندي"‬

‫‪42‬‬
‫روحية عامر‬

‫ُ‬
‫ث َّم بدأ يف رسد القصص واحلاكيات عن اغندي‪ ،‬اذلي امتلك قلوب انلاس‬
‫ّ‬
‫ووحد صفوفهم وواجه عدوه دون إراقة قطرة دم واحدة‪ ،‬هذا الرجل انترص‬
‫يف معركة الشهوات‪ ،‬حارب االستعمار وانترص عليه بصمته وإرضابه عن‬
‫الطعام‪ ،‬فلقد آمن الرجل بفكره أن صوت االمتناع عن الالكم والطعام أىلع‬
‫من صوت املتفجرات‪ ،‬وهو من دافع عن املسلمني وهو ىلع غري دينهم وصام‬
‫من أجلهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا الرجل مات مقتوال ودفع حياته ثمنا نلرصة دين غري دينه‪.‬‬
‫ومع صوت عماد ادلين وهو حييك بتأثر عن إطالق انلار ىلع اغندي أثناء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذهابة للصالة‪ ،‬ترقرقت ادلموع من عيون أهل اجلزيرة حبا وعشقا للزعيم‬
‫ً‬
‫وحزنا ىلع الغدر‪ ،‬وصفق اجلميع لعماد ادلين معربني عن إعجابهم الشديد‬
‫بهذه الفكرة اجلديدة‪ ،‬فبالرغم من تطور اتلكنولوجيا يف اجلزيرة‪ ،‬لم حيدث‬
‫ً‬
‫أبدا أن يقوم أحد بتقديم مثل هذه األعمال املبهرة‪.‬‬
‫ذاع صيت عماد ادلين واشتهر يف اجلزيرة باسم "انلحات القصاص" وأصبح‬
‫حديث أهل اجلزيرة‪.‬‬
‫ً‬
‫فاللك يعمل حبماس طيلة أيام األسبوع استعدادا حلاكيات عماد ادلين يف‬
‫نهايته عن اعمله الشيق امليلء باألحداث ادلرامية من رصاع وقتل وعنف‪،‬‬
‫فيه أشياء ال حتدث بينهم ولم يسمعوا عنها من قبل‪ ،‬فهذه احلاكيات‬
‫بالنسبة هلم بمثابة انلوادر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وهكذا استمر عماد ادلين يف عمله يف حنت اتلماثيل للشخصيات املشهورة‬


‫يف األدب والفن والسياسة‪ ،‬ولكما زادت سعادة أهل اجلزيرة لكما ازداد رصيد‬
‫عماد ادلين من الفضائل‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف يوم من األيام سمع عماد ادلين مناديا يف اجلزيرة خيربهم بموعد احلفل‬
‫السنوي وهو يللة عيد الفطر املبارك وىلع اجلميع االستعداد ذللك احلفل‪،‬‬
‫فسأل إسالم عن ذلك احلفل‪ ،‬فأخربه أنه يقام مرة واحدة لك اعم وفيه‬
‫جيتمع أهل اجلزيرة يف الساحة‪ ،‬ويتم قياس عدد الفضائل جلميع ساكن‬
‫اجلزيرة ومن حيصل ىلع أكرب عدد يكون هو الفائز باجلائزة الكربى‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬اجلائزة الكربى؟ وما يه؟‬
‫_ إسالم‪ :‬إنها ختتلف من اعم إىل آخر‪ ،‬إنها مفاجأة ال يعرفها سوى حاكم‬
‫اجلزيرة وال يفصح عنها إال يف نهاية احلفل‪ .‬ومن اآلن إىل يوم احلفل جتد‬
‫مجيع ساكن اجلزيرة يعملون جبد ويكرثون من أعمال اخلري فاجلميع يسىع‬
‫إىل زيادة حصيلته من الفضائل‪.‬‬
‫ابتسم عماد ادلين وحتدث إىل نفسه‪ ،‬ياهلا من مسابقة رائعة!‬
‫ما أمجل التسابق يف كسب الفضائل!‬

‫‪44‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬إذا ميعاد احلفل هو يللة عيد الفطر املبارك‪ ،‬كيف يل أن‬
‫أنتظر إىل هذا ايلوم؟ فأنا يف اغية الشوق إىل ذلك ايلوم‪.‬‬
‫ً‬
‫_ إسالم‪ :‬عليك أنت أيضا أن تعمل ىلع زيادة رصيدك فلربما تكون أنت‬
‫الفائز هذا العام‪......‬‬

‫****‬

‫‪45‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الثامن‪( :‬الندم القاتل)‬

‫دخل عماد إىل بيته اجلميل حيث يسود اهلدوء واألثاث املريح اجلميل مع‬
‫اإلضاءة اخلافتة اليت تبعث يف انلفس راحة عجيبة‪ ،‬دخل غرفته وألىق‬
‫بنفسه ىلع رسيره وهو يف قمة سعادته بهذه اجلزيره وبمسابقتها الرائعة‪ ،‬حىت‬
‫وقعت عيناه ىلع احلقيبة السوداء وهنا تذكر األستاذ مأمون‪ ،‬وأخذ حيدث‬
‫ً ُ‬
‫نفسه قائال‪ :‬يا ترى ما حدث هل؟ وما هو مصريه؟ هل هو السجن؟ مؤكد أنه‬
‫السجن‪ ،‬السجن مع وفاة ابنه‪ ..‬آه‪..‬آه‪ ..‬أي وغد أنا!‬
‫وعرص انلدم قلبه وأخذ يرضب رأسه يف احلائط وهو يتمىن لو اكنت قد‬
‫ُ‬
‫شلت يداه أو صدمته سيارة قبل أن يفعل ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ث َّم أخذ يتساءل بينه وبني نفسه‪ :‬ترى ما هو حال وادلي؟ ووادليت؟‬
‫و‪ ..‬وتوءم الروح ورفيقة الطفولة‪ ...‬دالل!‬
‫وهنا تذكر األستاذة هبة وبصوت خافت ظل يتمتم يلتها تستطيع أن‬
‫تساعدىن يف إرسال رسالة إىل دالل؟ آاه لو حتقق ذلك‪.‬‬
‫وداعب انلوم جفونه حىت استيقظ ىلع صوت إسالم يستدعيه لذلهاب‬
‫للمنطقة الصناعية‪ ،‬فحاول عماد االعتذار هل فذهنه مشغول وتفكريه‬
‫ً‬
‫مشتت‪ ،‬ولكن أمام إرصار إسالم اضطر إىل املوافقة‪ ،‬وبالفعل ذهبا معا إىل‬
‫جممع املصانع ووجدها مقسمة يه األخرى إىل جممواعت‪ ،‬املجموعة األوىل‬

‫‪46‬‬
‫روحية عامر‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لصنااعت الغذاء واألبلان‪ ،‬ث َّم صنااعت احللج والنسيج‪ ،‬ث َّم مصانع احلديد‬
‫والصلب‪ ،‬وهذه املرة لم يتعجب عماد ادلين من رؤية العمال يف زي موحد‪،‬‬
‫واكلعادة هم ال يتلكمون‪ ،‬وإنما عليهم تنفيذ األوامر فقط‪ ،‬بالطبع إنهم‬
‫روبوتات‪.‬‬
‫ولكن اذلي تعجب منه رؤية املصانع بدون دخان أو عوادم‪ ،‬وعندما سأل‬
‫إسالم عن ذلك أخربه أنهم قاموا برتكيب فالتر ومرشحات هلذه العوادم‪.‬‬
‫اعدا إىل اجلزيرة وودعه إسالم ىلع باب مزنهل‪ ،‬وهنا تذكر املدربة هبة اهلل‬
‫ودالل‪ ،‬فقرر اذلهاب إىل مركزها يف املدينة العلمية‪ ،‬فقابلته بابتسامة‬
‫رقيقة‪.‬‬
‫_ عماد‪ :‬أريد اإلرسال إىل شقيقيت ويه خارج اجلزيرة‪ ،‬هل أستطيع ذلك؟‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬أنت عجول يا عماد‪ ،‬لقد أخربتك أننا حنتاج إىل عدد من‬
‫اجللسات يك تصل ملرحلة إرسال الرسائل‪.‬‬
‫_ عماد‪َ :‬‬
‫ولم تضييع الوقت؟ فلنبدأ من اآلن‪.‬‬
‫هبة اهلل أخذت تنادي ىلع اآلنسة هدى وتطلب منها حتضري غرفة‬
‫اتلخاطر‪.‬‬
‫ذهب عماد ادلين إىل غرفة اتلخاطر ووجدها بعيدة يف نهاية املمر‪ ،‬هادئة‬
‫ومجيلة‪ ،‬خايلة من األثاث الفخم‪ ،‬ال يوجد بها سوى رسير مريح وكريس‪،‬‬
‫كما أنها مضاءة بأضواء خافته‪ ،‬وصوت املوسيىق اهلادئة يبعث يف انلفس‬
‫راحة وطمأنينة‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ هبة اهلل‪ :‬عليك اآلن أن تستليق ىلع الرسير‪ ،‬وحتاول تصفية ذهنك من‬
‫أي يشء‪ ،‬حىت من دالل‪ ،‬وما تريده منها‪ .‬واآلن عليك أن تغمض عينيك‪،‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم تقوم بعمل تدريب اتلنفس السحري السعيد‪ ،‬واذلي سبق اتلدريب‬
‫عليه عند شاطئ ابلحر وبعد ذلك فكر يف شخص معني وتلكن أختك‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬ال أتذكر هذا اتلدريب‪ .‬فقد كنت أعترب املوضوع مزحة‪،‬‬
‫ولكنين اآلن يف أشد االحتياج إيله‪.‬‬
‫َُّ‬ ‫ً‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬ال عليك‪ ،‬نكرره مرة أخرى‪ ،‬ستأخذ شهيقا ىلع أربع مرات‪ ،‬ثم‬
‫حتبس اهلواء يف الرئتني‪ ،‬واحد‪ ،‬اثنان‪ ،‬وبعدها خترج اهلواء من الفم بهدوء‬
‫وكأنك تطفئ شمعة‪.‬‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬هنا نكون قد وصلنا إىل نهاية اجللسة‪.‬‬
‫ولكن عماد يطلب منها رضورة االستمرار فهو حيلم بأن يصل إىل مرحلة‬
‫املهارة يف اتلخاطر‪.‬‬
‫ً‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬ال تتعجل حىت تتقن املهارة‪ ،‬وسيكون موعدنا غدا يف نفس‬
‫اتلوقيت‪.‬‬
‫ويف ايلوم اثلاىن وبمنتىه اللهفة‪ ،‬أخذ عماد يف االستعداد لذلهاب إىل‬
‫األستاذة هبة‪.‬‬
‫وبدأت اجللسة اكلعادة باالسرتخاء ىلع الرسير مع املوسيىق اهلادئة وىلع‬
‫أضواء الشموع‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫روحية عامر‬

‫وبدأ تمرين انلفس‪ ،‬شهيق‪ ..‬زفري‪ ،‬شهيق‪ ..‬زفري‪ .‬واآلن ختيل وجه دالل‬
‫ُ‬
‫أمامك‪ ،‬ث َّم قم بكتابة رسالة مبسطة بكلمات مفهومة دلالل‪.‬‬
‫فنفذ عماد لك ما طلبته منه هبة اهلل‪ ،‬وقام بكتابة رسالة من لكمات‬
‫بسيطة معناها دالل‪ ..‬أنا خبري‪ ..‬سأعود‪..‬‬
‫وبمجرد قيام عماد ادلين بإرسال رساتله إىل شقيقته حىت انتفضت من‬
‫ماكنها وخرجت من حجرتها واحتضنت وادلتها ومسحت دمعة تذرف من‬
‫ً‬
‫عينيها‪ ،‬فمنذ هروب شادي من املزنل ودموع أمها ال جتف‪ ..‬وقلبها دائما‬
‫ً ً‬
‫يعترص حزنا وأملا ىلع حظها العاثر يف تربية ودلها‪ ،‬وىلع شوقها ادلفني إىل‬
‫رؤيته‪ ،‬وىلع زوجها اذلي مزقته خيبة األمل وضياع حلمه الغايل يف رؤية‬
‫ودله يف أىلع املناصب‪ .‬اكن هذا هو حال األم ابلائسة اليت حاولت أن ختيف‬
‫دموعها عن ابنتها‪.‬‬
‫_ قالت دالل‪ :‬واهلل يا أيم لقد شعرت وكأنين أسمع صوت أيخ شادي يرتدد‬
‫ىلع مساميع وهو يقول يل‪:‬‬
‫_ "دالل‪ ..‬أنا خبري‪ ..‬سأعود"‪ ،‬شادي سيعود يا أيم‪ ،‬أنا ىلع يقني‪.‬‬
‫وهنا انفجرت األم يف ابلاكء وبنربة بائسة قالت‪:‬‬
‫_ لقد ضاع شادي‪ ..‬ضاع ابين‪.‬‬
‫_ دالل ويه تنفطر من لوعة احلزن واأللم‪ :‬واهلل يا أيم إنه ايلقني وإنه‬
‫إحساس القلب‪ ،‬فأنا أشعر بطمأنينة لم أشعر بها من قبل جتاه شادي‪،‬‬
‫أرجوك يا أيم اطمئين‪ ..‬اطمئين واطليب هل انلجاة‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫_ وهنا قالت األم‪ :‬إذا فليس أمامنا اآلن سوى امللجأ الوحيد للك من‬
‫ضاقت به السبل وضل به الطريق‪ ..‬وهو اللجوء إىل اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واتلرضع إيله بادلاعء أن ينجيه وييرس هل أمره ويعيده إيلنا ساملا اغنما بإذن‬
‫اهلل وأنا ىلع يقني أن اهلل سبحانه وتعاىل لن خييب آمانلا ورجاءنا‪.‬‬

‫وىلع اجلانب اآلخر جند عماد ادلين وهو جيلس مع األستاذة هبة ويريد أن‬
‫ً‬
‫يتأكد من وصول هذه الرسالة حقا أم أنه يتعلق بآمال زائفة؟ وقال‪ :‬هل‬
‫ً‬
‫ستستطيع دالل حقا استقبال رسائيل؟‬
‫غضبت األستاذة هبة هلذا السؤال‪ ،‬فالبد أن يؤمن بصدق فكرة اتلخاطر‬
‫َ‬
‫فحاول عماد ادلين إصالح خطأه وقال‪ :‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬أعتذر يف السؤال‪ ،‬أقصد‬
‫أريد أن أرسل الكثري من الرسائل ‪.‬‬
‫فقالت هل‪:‬‬
‫_ ال‪.‬ال يمكنك إرسال رسائل لفرتة‪ ،‬ألن إرسال مثل هذه الرسائل يستزنف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قدرا من طاقتك‪ ،‬البد أن تستعيد طاقتك أوال‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا فليكن لقاءنا بعد عرشة أيام‬
‫ً‬
‫_ عماد‪ :‬عرشة أيام! ال بأس‪ ،‬ولكن ذلك سيوافق يوم احلفل وسيكون يوما‬
‫ً‬
‫ممزيا‪ ،‬أرى اجلزيرة لكها تستعد هل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬حسنا‪ ،‬نرسل الرسالة نهارا‪ ،‬وحنرض احلفل يلال‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫روحية عامر‬

‫_ عماد ادلين وهو ىلع باب احلجرة اعد ليسأهلا‪ :‬أستاذة هبة‪ ،‬كيف‬
‫تستعدين هلذا احلفل؟ وما اذلي تنوين تقديمه ذلك ايلوم؟‬
‫_ هبة اهلل‪ :‬رسالة حب إىل لك ساكن اجلزيرة‪ .‬وماذا عنك‪ ،‬أيها الفنان‬
‫الكبري؟‬
‫_ عماد‪ :‬حىت اآلن ال أعرف ولم أحدد‪.‬‬
‫واستأذن يف اذلهاب والعودة إىل بيته‪.‬‬
‫ذهب إىل بيته وهو يفكر يف سؤال األستاذة هبة‪ ،‬ماذا سيقدم؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫البد أن يقدم شيئا خمتلفا‪ .‬وأخذ يتساءل بينه وبني نفسه‪ :‬هل أقوم بعمل‬
‫تمثال لشخصية تارخيية‪ ،‬أم فنية‪ ،‬أم ثقافية؟‬
‫َُّ‬
‫ولكنه ملل من احلديث عن هذه انلوعية من الشخصيات‪ ،‬ثم مر خباطره‬
‫فكرة أكرث حداثة‪....‬‬
‫ابتسم ملجرد اتلفكري فيها‪ ،‬وبدا يف االستعداد لعمله القادم بمنتىه النشاط‬
‫واحليوية‪ ،‬وخطط بينه وبني نفسه أن يتفرغ هذه األيام تلمثاهل اجلديد‬
‫ولكنه تذكر ميعاد الرحلة إىل مدينة العلوم اليت وعده بها إسالم ففكر يف‬
‫الغائها ولكنه يريد أن يلم بأكرب قدر من املعلومات عن هذه اجلزيرة‪.‬‬
‫ذللك قرر أن يقوم بزيارة مديبة العلوم وبعدها يتفرغ تلمثاهل اجلديد‪.‬‬

‫****‬
‫‪51‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل التاسع‪( :‬رحلة إىل مدينة العلوم)‬

‫يف الصباح جاء إسالم إىل عماد يك يصحبه يف زيارة إىل مدينة العلوم‪ .‬فركبا‬
‫سيارة إسالم وخطر سؤال يف ذهنه فقال هل‪:‬‬
‫ُ‬
‫_ إسالم‪..‬كيف تدير هذه السيارة وأنا ال أراك تضغط ىلع ابلزنين أو‬
‫الفرامل أو أي حمرك؟‬
‫ّ‬
‫_ إسالم‪ :‬السيارة تعمل بالطاقة الشمسية‪ ،‬حيث توجد رشائح الستقبال‬
‫ّ‬
‫الشمس‪ ،‬وأنا لك ما أقوم به هو ملس األزرار فقط‪ ،‬وما ّ‬
‫يلع سوى توجيه‬ ‫طاقة‬
‫السيارة يف االجتاه املراد اتلوجه إيله‪.‬‬
‫_ عماد‪ :‬يا هلا من تكنولوجيا!‬
‫وصل عماد وإسالم إىل مدينة العلوم‪ ،‬وأول ما لفت نظر عماد املدرسة!‬
‫فدخال إيلها ووجدا بها طلبة وطابلات يف زي واحد ممزي يعلو صوت الطلبة‬
‫والطابلات بالضحك‪ ،‬وهم يقومون بعمل اتلجارب العلمية‪.‬‬
‫نظر عماد إىل إسالم وقال هل اآلن عرفت رس تقدم هذه اجلزيرة‪.‬‬
‫_ إسالم‪ :‬يوجد أكرث من معمل يف املدرسة‪ ،‬وجند يف ادلور اثلاين معمل‬
‫الكيمياء به مجيع أنواع املركبات الكيميائية ومعمل الفزيياء حيث يوجد به‬
‫شاشة لعرض حركة الكواكب وانلجوم ونماذج للزهرة وحركة باطن األرض‬
‫وحركة الزالزل وفوران الرباكني ومعمل لألحياء به مجيع أنواع اهليالك‬

‫‪52‬‬
‫روحية عامر‬

‫العظمية ألنواع احليوانات املختلفة كما يوجد معمل للترشيح يوجد به‬
‫ُ ّ‬
‫عدد من الفرئان والضفادع معدة للترشيح وبالطبع يوجد أجهزة وأدوات‬
‫الترشيح‪ ،‬كما يوجد معمل االخرتااعت العلمية حيث يستغل املعمل أي‬
‫ُ‬
‫طالب يطرأ ىلع ذهنه فكرة جديدة ويريد جتربتها‪ .‬وهناك معلم وظيفته‬
‫استقبال هؤالء الطالب ومساعدتهم يف تنفيذ وجتريب أي فكرة‪.‬‬
‫وأثناء مغادرة املدرسة وجد جمموعة من الطلبة يف فناء املدرسة بني‬
‫األشجار وهم يقومون بغرس أشجار الفل والرحيان‪ .‬استشعر عماد عبري‬
‫ُ‬
‫الزهور وملئ صدره بها فانتعشت جوارحه وارتسمت ابتسامة مجيلة ىلع‬
‫وجهه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم اجتها إىل ركن آخر فيها وهو (جهاز إنتاج الطاقة)‪ .‬فوجدا عددا ال نهائيا‬
‫ّ‬
‫من ابلطاريات واخلاليا الشمسية‪ .‬وعند احلديث مع املهندسني أخربهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املهندس عبد اتلواب أن الطاقة الشمسية يه هدية السماء لألرض اليت ال‬
‫تنفد وال تلوث ابليئة وأن من يرتكها دون االستغالل فهو شعب أمحق ال‬
‫ّ‬
‫يستحق احلياة‪ ،‬فقد قمنا باستغالهلا يف عمل السخانات واألفران الشمسية‬
‫ً‬
‫وإنتاج الطاقة الكهربائية يف إنارة الشوارع واملنازل‪ ،‬وأخريا جنحنا يف‬
‫استخدامها يف إدارة حمراكت السيارات‪.‬‬
‫ا نبهر عماد بهذا اتلقدم اذلي وصل إيله ساكن هذه اجلزيرة وودع املهندس‬
‫عبد اتلواب وشكره ىلع هذه املعلومات‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وبمجرد عودة عماد ادلين من مدينة العلوم اليت زاد انبهاره بها من زيادة‬
‫إحلاح السؤال احلائر عليه‪ ،‬عن أصحاب هذه اجلزيرة‪ ،‬وهل هم برش‬
‫حقيقيون؟ أم هم اكئنات فضائية؟‬
‫ُ‬
‫وهل هذه اجلزيرة هلا أساس جغرايف؟ أم يه حلم؟ ربما يستيقظ منه بعد‬
‫فرتة وجيد أن اجلزيرة والشيخ رضوان وإسالم رساب؟‬
‫ً‬
‫وإن اكنوا برشا حقيقيني فلماذا جاؤوا إىل هذه املنطقة انلائية وكيف وصلوا‬
‫إىل هذه ادلرجة من العلم واتلكنولوجيا؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومساء وال جيد هلا إجابة شافية‪.‬‬ ‫أسئلة كثرية تراود عماد صباحا‬

‫****‬

‫‪54‬‬
‫روحية عامر‬

‫الفصل العاشر‪( :‬السؤال الحائر)‬

‫ً‬
‫وبتكرار السؤال ىلع صديقه إسالم اقرتح عليه أن يذهبا سويا إىل اجلدة‬
‫آيات فربما يكون دليها إجابة هلذه األسئلة‪.‬‬
‫حيث أنها أكرب معمرة ىلع هذه اجلزيرة‪..............‬‬
‫ً‬
‫ولكنها قليلة الالكم‪ ،‬إال مع من يرتاح قلبها هل وهذا نادرا ما حيدث‪.‬‬
‫فقد كنت يف زيارتها منذ فرتة بصحبة وادليت وسأتلها نفس سؤالك‪ ،‬عن‬
‫اعملنا وهل هناك أناس غرينا يف ماكن آخر؟‬
‫فنظرت ّ‬
‫إيل نظرة لم أفهم هلا معىن‪ ،‬وقالت‪ :‬لم حين امليعاد يك أتكلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فرح عماد ادلين فرحا شديدا هلذا اخلرب وطلب من إسالم أن يذهبا فورا‬
‫إيلها حيث تقطن‪ ،‬ولكن إسالم طلب منه اتلمهل حىت الصباح فاجلدة‬
‫ً‬
‫آيات تسكن يف أطراف اجلزيرة ويه حتب اهلدوء‪ ،‬وهذا الوقت مزعج جدا‬
‫هلا‪.‬‬
‫وهنا قام إسالم بتوديع عماد ىلع أن يعود إيله يف الصباح‪ .‬ولكن هذه‬
‫الليلة مرت طويلة عليه وظل يرتقب الصباح حىت يصل إىل حل هذا اللغز‬
‫اذلي حري عقله وفكره وما أن سمع أذان الفجر حىت خرج تلأدية الصالة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مرتديا ثيابه استعدادا لرحلة اجلدة آيات وظل يرتقب الطريق متلهفا ىلع‬
‫ً‬
‫وصول إسالم وبمجرد رؤيته من بعيد ابتسم ابتسامة عريضة وقفذ مرساع‬

‫‪55‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫يف سيارة إسالم ويه ما زالت تتحرك وأومأ إيله برضورة اتلحرك حىت ال‬
‫يضيع الوقت منهما‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اكن الطريق طويال وبعيدا جدا عن اجلزيرة وما فيها من حياة وعمل‬
‫وسيع‪ ،‬فاجلدة آيات تسكن بمفردها يلع هضبة اعيلة تطل ىلع ابلحر يف‬
‫بيت صغري ولكنه أشبه بمتحف كبري‪ ،‬لك مقتنيات املزنل هلا سحر خاص‬
‫وتشعر أن وراء لك قطعة من أساس املزنل حاكية طويلة وقصة مشوقة‪.‬‬
‫وصل عماد وإسالم إىل مزنل اجلدة آيات ونادى عليها إسالم من بعيد‪:‬‬
‫جديت آيات‪ ،‬هل تسميح نلا بادلخول؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجلدة آيات‪ :‬أهال بالضيوف ومرحبا‬
‫دخل الشابان إىل اجلدة العجوز وبمجرد دخوهلما نادت عليهما اجلدة‬
‫ً‬
‫وقالت‪ :‬أهال بالغريب‪ ..‬ملاذا تأخرت؟‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬أنا؟؟ تأخرت؟؟ أنا؟؟ وهل بيننا موعد؟!‬
‫_ اجلدة‪ :‬أجل يا ودلي‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬ومن حدد اللقاء؟‬
‫_ اجلدة‪ :‬القدر‬
‫ً‬
‫_ عماد ادلين وهو يتصبب عرقا وبصوت مرتعش‪ :‬وهل أنا من يستحق أن‬
‫يتحدث عنه القدر؟‬
‫_ اجلدة‪ :‬نعم يا ودلي لقد طالت غربتنا وقد تواعدنا منذ زمن بعيد ىلع‬
‫العودة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫روحية عامر‬

‫تواعدت مع من؟‬
‫ِ‬ ‫_ عماد ادلين‪ :‬تواعدنا؟!‬
‫_ اجلدة‪ :‬قلت لك يا ودلي مع القدر‪.‬‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬أنا ال أفهم ما تقصدين أيتها اجلدة‪.‬‬
‫_ اجلدة‪ :‬وكيف لشاب متهور مثلك أن يفهم مقصدي!‬
‫عرفت؟ هل فضحتين مالمح وجيه؟‬
‫ِ‬ ‫_ عماد ادلين‪ :‬متهور؟ كيف‬
‫_ اجلدة‪ :‬ال يا ودلي ال تظلم مالحمك اجلميلة‪ ،‬ولكنها يا عزيزي خربة‪،‬‬
‫السنني‪.....‬‬
‫ً‬
‫أعرف جيدا أنه لن يستطيع الوصول إىل جزيرتنا هذه إال شاب متهور‪،‬‬
‫سليم ابلنية‪ ،‬قادر ىلع ختطي الصعاب ومالطمة األمواج‪ ..‬ذللك قررت‬
‫املعيشة ىلع هذه اهلضبة املرتفعة ألراقب ابلحر وأنتظر املارد القادم اذلي‬
‫يكشف سرتنا‪ ،‬ويعيدنا إىل العالم ويعيد العالم إيلنا‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكنك تأخرت كثريا‪ ،‬واكن أكرث ما أخشاه أن يكون األجل أرسع منك‬
‫يف الوصول إىل هنا‪.‬‬
‫ً‬
‫_ عماد ادلين‪ :‬إذا حدثيين أيتها اجلدة العظيمة عن‪...‬‬
‫ً‬
‫_ قاطعته اجلدة‪ :‬مهال يا ودلي ال تتعجل سوف نتحدث يف لك يشء‬
‫ً‬
‫وسأجيب عن لك األسئلة‪ ،‬ولكن نتناول أوال واجب الضيافة‪ ،‬ونظرت إىل‬
‫إسالم وبكلمات حانية قالت هل‪ :‬قم يا ودلي بإعداد اإلفطار نلا فأنا منذ‬
‫زمن بعيد لم يشاركين أحد طعايم‪...‬‬

‫‪57‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وبعد تناول اإلفطار استأنفت اجلدة حديثها معها وبنظرة حانية وبصوت‬
‫هادئ قالت‪ :‬أعرف يا ودلي أنك متلهف إىل معرفة هوية جزيرتنا وكيف‬
‫تم بناؤها ومنذ مىت؟ وهل يه واقع أم خيال؟‬
‫نظر إيلها عماد ادلين نظرة تعجب‪ ..‬نظرة تعين كيف عرفيت لك ذلك!‬
‫يأت من فراغ‪ ،‬ولكنه ناتج عن‬
‫اجلدة‪ :‬أال ترى هذا الشيب يا ودلي! لم ِ‬
‫جتارب وحمن وشد وجذب‪ ..‬لقد صنعتين احلياة‪....‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ث َّم استكملت حديثها ويه تنظر إىل السماء الصافية واتكأت ىلع شقها‬
‫األيمن وبدأت يف استعادة ذكرياتها وبصوت يشبه مقدمة حاكيات ألف‬
‫يللة ويللة قالت‪:‬‬
‫منذ زمن بعيد كنت طفلة صغرية لم يتجاوز عمري العارشة استيقظت‬
‫من نويم ىلع صوت رصاص يدوي يف لك ماكن وعويل أيم وجديت يمأل‬
‫ابليت واللك يهرول من هنا وهناك‪ ،‬لم يكن هذا باجلديد ىلع بدلتنا فهذا‬
‫حاهلا منذ زمن بعيد‪ ،‬إنه سلسال ادلم واألخذ باثلأر‪ ،‬إنها ادلوامة اليت ال‬
‫ُ‬
‫تنتيه ليس هلا بداية وال ينتظر من ورائها نهاية‪ .‬أخذت أبكي أنا األخرى‬
‫دون أن أدري ملاذا أبكي وىلع من أحزن؟ ولكنه ناموس بدلتنا‪ ،‬لقد كتب‬
‫علينا احلزن فاعتادت سيدات ابلدلة ىلع ارتداء السواد‪ ،‬فالفرتة الزمنية بني‬
‫رحيل عزيز وعزيز آخر‪ ،‬لم تكن تتجاوز فرتة احلداد‪.....‬‬
‫احتضنتين أخيت الكربى وحاولت أن تهدئ من رويع وأنا أنتفض وأرجتف‬
‫من هذا اجلو املظلم الكئيب‪ ،‬وبعد دقائق فوجئنا جبمع غفري من أهل ابلدلة‬

‫‪58‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬
‫يقتحمون بيتنا وهم حيملون رجال اختفت معالم وجهه وألوان مالبسه من‬
‫نزيف ادلماء اذلي يغطيها فازداد صوت عويل أيم وجديت وأخيت وبدأت‬
‫سيدات القرية هن األخريات جتاملنا بمزيد من الرصاخ والعويل وأخذت‬
‫ً‬
‫أرصخ أنا أيضا وال أدري من هذا الرجل‪ .‬وفجأة سمعت صوت أخيت ويه‬
‫تسقط ىلع األرض فاقدة الويع ويه تقول أيب‪ ...‬أيب‪ .‬حينها فقط عرفت أن‬
‫هذا الرجل املقتول هو أيب‪ ..‬نعم إنه أيب‪ ..‬حصين‪ ..‬وأماين‪ ..‬وسندي‪ ..‬إنه‬
‫مصدر احلب واحلنان وادلالل فهو معروف بطيبة قلبه وحنانه ىلع الغريب‬
‫قبل األهل واألقارب وهو رجل اخلري والعطاء‪ ..‬هو الشهم املنقذ ألهل ابلدلة‪.‬‬
‫ولكنه قانون اثلأر! البد من اختيار أفضل شباب األرسة‪ ،‬يك تكون‬
‫الصفعة قوية‪ ،‬وتزداد دليهم نشوة االنتصار وذلة اثلأر‪.‬‬
‫وبينما حنن ىلع هذه احلالة من احلزن واأللم نسمع صوت الزاغريد والطبل‬
‫والرقص يف بيت ليس بابلعيد عنا فهم ال ينكرون أنهم قاموا بقتل وادلي‬
‫ً‬
‫أخذا ثلأر قديم اكن مر عليه زمن طويل فاعتقد اجلميع أنه يط النسيان‬
‫ً‬
‫ولكن كيف يكون النسيان وهناك دائما شيطان يقوم بتقليب األحداث‬
‫وإاعدة اذلكريات؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بكاء مريرا‪.‬‬ ‫أخذ جدي برأس أيب امللطخة بادلماء يف حضنه وأخذ يبيك‬
‫وهنا جاء عيم من السفر وما أن شاهد أيب ىلع هذه احلالة حىت أمسك‬
‫بسالح وأقسم أال يدفن أيب قبل أن يأيت بثأره ممن قتلوه وهنا رصخ فيهم‬
‫جدي رصخة مدوية وقف ىلع إثرها اجلميع مذهولني‪ .‬وبصوت متقطع من‬
‫‪59‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫شدة القهر واحلزن واأللم قال هل جدي‪ :‬كىف‪ ..‬كفانا ثأر وقتل! ماذا تتوقع‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫بعد أن تقتل ابنا هلم؟ سيأيت شاب آخر يلأخذ اثلأر منك ويقتلك‪ ..‬فيقوم‬
‫ً‬
‫أخوك األصغر بقتل من قتلك وهكذا سنظل لك يوم نودع شابا من خرية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شبابنا‪ .‬إنه سلسال ادلم اذلي لن ينتيه‪ .‬كفانا يا ودلي‪ ..‬كفانا حزنا وهما‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫وغما‪ ،‬وتعال نلقم بدفن شقيقك وتقبل عزاه وادلاعء هل‪ .‬وبعد ادلفن‬
‫سأعلن عليكم قراري‪.‬‬
‫ُ‬
‫انصاع عيم لطلب جدي فقانون اعئلتنا أن الكبري لكمته ال ترد‪ ،‬وقراره ال‬
‫ُ َ‬
‫يناقش‪.‬‬
‫انتهت مراسم ادلفن والعزاء ويف آخر الليل مجعنا جدي يلعلن القرار اذلي‬
‫اختذه واكن قرار عجيب وغريب أن يأيت من شيخ كبري مثل جدي فبدأ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حديثه‪ :‬أبنايئ‪ ..‬لقد أنهكتنا اخلالفات ماديا ومعنويا‪ ،‬فقدنا أهلنا وبيوتنا‬
‫وأبناءنا‪ ،‬لم نعد نهتم برتبية وتعليم األبناء‪ ،‬لك ما نهتم به هو تعليم رضب‬
‫انلار ومسك السالح وضبط الضغط ىلع الزناد‪ ،‬فنحن نريب أبناءنا وننظر‬
‫ً‬
‫إيلهم نظرة مودع‪ ..‬خيرج الشاب من بيته وهو ال يعلم هل سيعود ماشيا أم‬
‫ً‬
‫حمموال ىلع خشبة املوت! لقد مأل احلزن بدلتنا وعم فيها السواد ذللك فقد‬
‫قررت‪ ...‬وهنا بكى جدي حبرقة شديدة واجلميع ينظر إيله وينتظر قراره‪.‬‬
‫ً‬
‫استكمل جدي حديثه حماوال إخفاء دموعه‪ :‬قررت مغادرة بالد املوت‪،‬‬
‫وقف اجلميع واللك يف اغية ادلهشة والعجب من هذا القرار العجيب وبدأ‬
‫اهلمس‪ :‬كيف؟ إىل أين؟ وأرضنا؟ ومانلا؟ وبيوتنا؟ ومعارفنا؟‬

‫‪60‬‬
‫روحية عامر‬

‫استطرد جدي يف حديثه وكأنه لم يسمع همس أعمايم وعمايت‪ :‬سنذهب‬


‫ً‬
‫إىل أرض جديدة لم يعرف هلا ادلم سبيال‪ .‬أمامكم من اآلن يومان‬
‫لالستعداد يلوم الرحيل‪.‬‬
‫ً‬
‫ونظرا ألن قرار جدي ال يناقش والبد أن يطيعه اجلميع بال تردد‪ ،‬اغدرنا‬
‫جملس اجتماع العائلة واللك شارد اذلهن تدور يف عقل لك فرد فيهم ألف‬
‫فكرة وآالف األسئلة ولكن من جيرؤ ىلع جمرد املناقشة أو االعرتض!‬
‫ليس أمامنا سوى تنفيذ األومر‪.‬‬
‫وهنا بدأ اجلميع يف االستعداد يلوم الرحيل‪.‬‬

‫****‬

‫‪61‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الحادي عشر‪( :‬يوم الرحيل)‬

‫بدأ الرجال يف بيع األرايض وابليوت وابلهائم‪ ،‬وقامت السيدات بإعداد‬


‫حقائب الرحيل وصنع بعض املخبوزات والفطائر يك نتغذى عليها يف رحلة‬
‫أقل ما يمكن أن نوصفها بأنها رحلة انلهاية أو رحلة إىل املجهول‪....‬‬
‫َُّ‬
‫وجاء ايلوم املوعود‪ ،‬وتقدم جدي القافلة‪ ،‬وخلفه أعمايم وأخوايل‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬
‫عمايت وخااليت‪ ،‬ث َّم جاء دورنا حنن الفتيات واألطفال‪ ،‬ويف خلف القافلة‬
‫الشباب اذلكور من العائلة حلماية األطفال والسيدات‪.‬‬
‫كنا نميش وال نعرف إىل أين وإىل أي وجهة نتجه‪ ،‬حىت جدي نفسه لم‬
‫ً‬ ‫ً ُ‬
‫يكن يعرف إىل أين يتجه‪ ،‬فقد اكن يتجه يمينا ث َّم يسارا دون أن حيدد‬
‫اجتاهه‪ ..‬حىت وجدنا أنفسنا ىلع شاطئ ابلحر‪.‬‬
‫ً‬
‫لم يرتدد جدي يف اإلشارة إيلنا أن نركب مجيعا املراكب ونرتك للبحر حرية‬
‫االختيار فإما أن يوصلنا إىل ماكن آمن أو نكون وجبة شهية ألسماك‬
‫القرش اليت ربما تكون أحن علينا من البرش ورصااعتهم ادلامية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ركبنا املوج وأخذ يعلو بنا ويهبط‪ ،‬وترشق الشمس وتغيب علينا وحنن‬
‫نصارع املوج إىل أن ملح عيم من بعيد جزيرة كبرية املساحة‪.‬‬
‫واكنت هذه اجلزيرة!‬

‫‪62‬‬
‫روحية عامر‬

‫ابتهج اجلميع وارتفع صوت اتلهليل واتلكبري فقد خارت قوانا وأنهكنا‬
‫اتلعب ولم يعد دلينا قدرة ىلع اتلحمل‪.‬‬
‫ووصلنا إىل هذه اجلزيرة‪ .‬فبدأ جدي يف توزيع املهام ىلع أفراد العائلة‪،‬‬
‫فهناك من سيقوم بإصالح األرايض للزراعة وقد أحرض معه الكثري من‬
‫مجيع أنواع ابلذور للفاكهة واخلرضوات‪ ،‬وهناك من سيقوم ببناء منازل‬
‫ّ‬
‫صغرية نستظل بها من حرارة الشمس‪ ،‬وىلع السيدات إعداد مواقد بدائية‬
‫إلعداد الطعام‪.‬‬
‫ً‬
‫ويقينا منه بأننا إذا وفرنا طاقة الزناع واخلالف والشد واجلذب‬
‫واستغللناها يف اتلعمري وابلناء البد أن تتحقق الرفاهية وتتحقق نلا‬
‫السيادة‪ .‬وبالفعل حتول أفراد العائلة إىل خلية حنل‪ ،‬اللك يعمل بال خوف‬
‫من اآلخر أو خوف من الغد‪ ،‬لقد اكن اتلعاون خرسانة ابلناء واحلب‬
‫سقفها‪ ،‬اكن اإليمان باهلل والصدق يف العهد هو الشاغل الوحيد دلينا ويومها‬
‫أنشأ جدي دستور خاص بنا اكنت بنوده‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أداء الصالة يف مواعيدها‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬عمل جلسات لقراءة ومراجعة القرآن‪ ،‬فيكيف ما ضاع من عمرنا‬
‫فقد أهملنا صالتنا وقرآننا‪.‬‬
‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬ندوات ثقافية تلبادل املعلومات اثلقافية وادلينية واحلياتية‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬ال يوجد مايلة خاصة ألحد‪ ..‬األموال لكها مع شخص واحد وعليه‬
‫تلبية طلبات لك فرد دون مغاالة من أحد‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ومنذ ذلك ايلوم تم توزيع األعمال‪ ،‬فهناك جمموعة مسؤولة عن الزراعة‪،‬‬


‫وجمموعة أخرى مهمتها توفري الغذاء‪ ،‬وجمموعة مهمتها تعليم الصغار حيث‬
‫ُ‬
‫بدأوا يف عمل مدرسة صغرية‪ ،‬تم حتديثها إىل أن أصبحت جممع مدارس‪ ،‬ث َّم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جامعة تلعليم خمتلف العلوم الطبية واهلندسية‪ .‬وهكذا شيئا فشيئا نمت‬
‫جزيرتنا الصغرية وازدادت إىل أن أصبحت كما رأيتها اآلن‪.‬‬
‫جزيرتنا دستورها القرآن‪ ،‬وحدودها األمن واألمان‪ ،‬ورشط دخوهلا العطاء‪،‬‬
‫وتعايلم‬ ‫وشعارها احلب‪ .‬جزيرتنا يا ودلي مجعت بني قوانني األرض‬
‫ّ‬
‫السماء ردد عماد بصوت خافت مفعم باتلأثر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫حقا إنها "عناق األرض مع السماء"‬
‫جديت احلبيبة إن اجلد األكرب لم يقم بزراعة بزور الفاكهة واخلرضوات‬
‫فقط ولكنه قام باقتالع بزور احلقد والكراهية وزراعة أزاهري الفضيلة‬
‫ً‬ ‫اليت نراها اآلن‪ ،‬وقد نمت وترعرت فمألت القلوب ً‬
‫نقاء وانلفوس عطرا‪،‬‬
‫همست اجلدة بينها وبني نفسها‪:‬‬
‫امهلل لك احلمد أن أمهلتين يف العمر حىت أقوم بتوصيل األمانة إىل‬
‫أصحابها‪.‬‬
‫رد عليها عماد ادلين‪ :‬أيتها اجلدة احلكيمة‪ ..‬ما أروعك يف قص احلاكيات!‬
‫وأنت حتكني قصة‬
‫ِ‬ ‫إيلك‬
‫ِ‬ ‫وما أصدق نربة صوتك الرائعة! فلكما استمعت‬
‫وصولكم إىل هذه اجلزيرة أحسست وكأنين أستمع إىل أحد املؤرخني يف‬
‫فدليك مهارة‬
‫ِ‬ ‫عرصنا احلديث وهو يقص األحداث العظيمة يف حياة األمة‪،‬‬

‫‪64‬‬
‫روحية عامر‬

‫فأنت حبق‬
‫ِ‬ ‫فائقة يف رسد األحداث مع مرااعة دقة اتلفاصيل وروعة األداء‪،‬‬
‫دمت هلذه اجلزيرة‬
‫ِ‬ ‫سيدة عظيمة‪ ،‬تستحقني أن تكوين ذاكرة هذه اجلزيرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫رمزا وقوة وسندا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومع إعالن الشمس عن نهاية رحلتها ىلع كوكب األرض وبداية الغروب‪،‬‬
‫استأذن عماد وإسالم يف مغادرة اجلدة احلكيمة‪ ،‬فودعتهما ويه تديع هلما‬
‫بالسالمة واألمان‪.‬‬
‫وأخذا يلوحان هلا بيديهما حىت اغبت عنهما‪....‬‬
‫وأثناء عودتهما لم يتحدث أي منهما مع اآلخر فرأس لك منهما مشغولة‬
‫حبديث اجلدة‪ ،‬فهذه يه املرة األوىل اليت تفصح فيها اجلدة عن رس هذه‬
‫اجلزيرة‪.‬‬
‫وبمجرد عودتهما إىل اجلزيرة حىت شعرا حبركة غري اعدية واكنت الصدمة‬
‫قوية هلما‪ ،‬حيث ألول مرة خييم ىلع اجلزيرة السواد بهذا الشلك‪ ،‬فاللك‬
‫يشعر باحلزن‪ .‬وبسؤال املارة عرف منهم أن اجلدة آيات قد انتقلت إىل رمحة‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واكنت الصدمة قوية هلما‪ ،‬وقال إسالم‪ :‬يا اهلل‪ ،‬إنها حكمة إهلية أن تصمد‬
‫هذه اجلدة حىت تنقل رساتلها إيلك‪.‬‬
‫وهنا شعر عماد ادلين باملسؤويلة والعبء األكرب اذلي وضعته هذه اجلدة‬
‫ىلع اكهله‪ ،‬وتذكر لكماتها األخرية وظلت ترن يف أذنه ويه تقول هل‪ :‬لقد‬

‫‪65‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫قررت املعيشة ىلع هذه اهلضبة املرتفعة ألراقب املارد القادم اذلي يكشف‬
‫سرتنا ويعيدنا إىل احلياة ويعيد احلياة إيلنا‪.....‬‬
‫ً‬
‫وأخذ حيدث نفسه‪ :‬إذا ما هو املطلوب مين أيتها اجلدة العجوز؟ وهل من‬
‫املعقول أنين أستحق محل هذه األمانة؟‬
‫وبدأت اجلزيرة تستعد لعمل عزاء يليق باجلدة وماكنتها العظىم يف عقول‬
‫وقلوب ساكن اجلزيرة‪ ،‬فيه اكنت بمثابة الوتد اذلي يستند عليه الكبري‬
‫والصغري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ َ‬
‫وبدأت مراسم ادلفن وجتمع ساكن اجلزيرة‪ ،‬رجال ونساء وأطفال‪.‬‬
‫خرج اجلميع تلوديع اجلدة احلكيمة‪ ،‬واجلميع يشعر بالضعف من بعد قوة‪،‬‬
‫باهلوان من بعد عزة‪.‬‬
‫فعىل الرغم من بعد اجلدة عن حياة اجلزيرة وعدم مشاركتها هلم يف‬
‫احتفاالتهم وسهراتهم إال أنها اكنت تمتلك ماكنة عظيمة يف قلب وعقل لك‬
‫فرد يف اجلزيرة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكنه الفراق دائما هو احلقيقة الوحيدة يف احلياة‪ .‬وامتد احلداد يف اجلزيرة‬
‫ملدة تقرتب من عرشة أيام‪.‬‬

‫****‬

‫‪66‬‬
‫روحية عامر‬

‫الفصل الثاني عشر‪( :‬حكاية غرام)‬

‫اعد عماد إىل مزنهل وإىل هوايته املفضلة ويه انلظر من نافذة مزنهل ىلع‬
‫ابلحر وحديثه الصامت إىل موج ابلحر عن الرس اذلي جعل هذا املوج‬
‫اهلائج يدفع به إىل تلك اجلزيرة‪ ،‬هل أراد أن يطهرين باحلياة يف هذه األرض‬
‫الطاهرة؟ أم أراد أن يعذبين بإحساس اذلنب وتأنيب الضمري ىلع جرائيم‬
‫السابقة؟‬
‫أخذ يرصخ عماد ويبيك ويقول للبحر‪ :‬ماذا تريد مين؟ أخربيين أيتها‬
‫األمواج؟ يف أي طريق أميش؟ هل أستمر يف احلياة ىلع هذه األرض الطاهرة‬
‫مع هؤالء األشخاص اذلين تتفق صفاتهم مع صفات املالئكة؟ أم أعود إىل‬
‫حياة الفسق واللهو والعربدة؟ حياة املشاجرات والرصاع ىلع الال يشء‪ ..‬آه‪..‬‬
‫آه‪ ..‬آه‪.‬‬
‫ّ‬
‫واجته بنظره إىل السماء وأخذ يبيك وينتحب ويناجيه سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫إليه‪ ،‬رب السماوات واألرض‪ ،‬ريب‪ ،‬رب املستضعفني‪ ،‬أنت الغفار‪ ..‬أنت‬
‫اتلواب‪ ..‬امهلل تقبل توبيت‪ ...‬وأرشدين واهدين‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبينما هو ىلع هذه احلالة ومع أصوات تالطم األمواج وميالن الشمس حنو‬
‫الغروب‪ ،‬إذا به يرى من بعيد فتاة جتلس فوق ربوة اعيلة بالقرب من‬
‫الشاطئ‪ ،‬وتضع رأسها بني يديها وكأنها ختيف عينيها من انلظر إىل يشء ما‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫اعد بذاكرته إىل أسبوع مىض حيث رأى نفس الفتاة ىلع هذه اهليئة يف‬
‫نفس املوعد‪ ..‬وهو وقت الغروب واكنت جتلس ىلع نفس اهليئة بنفس ذلك‬
‫الرداء األسود‪.‬‬
‫شغله اتلفكري يف أمر هذه الفتاة وسبب جلوسها يف هذا املاكن وىلع هذه‬
‫اهليئة يف نفس ذلك املوعد‪.‬‬
‫دفعه الفضول إىل اذلهاب إيلها واحلديث معها‪.‬‬
‫هم باخلروج وهو يقوم بتحريك املفتاح يف ابلاب ساورته املخاوف‬‫وعندما َّ‬

‫من رد فعل هذه الفتاة ورد فعل أهل اجلزيرة‪ ،‬فهو إىل اآلن ال يعرف تقايلد‬
‫اجلزيرة وحدود العالقة املسموح بها بني الشاب والفتاة‪.‬‬
‫وهنا أغلق ابلاب واعد إىل نافذته يكتيف بانلظر إيلها من بعيد وكأن عينيه‬
‫مولكتان حبمايتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ظل ىلع هذا احلال حىت اختفت الشمس نهائيا وكأنها تعلن نهاية هذا‬
‫الفصل من هذه القصة احلزينة تللك الفتاة الشاردة‪.‬‬
‫نزلت الفتاة من ربوتها وأخذت طريقها واختفت عن عينيه وتركته يف‬
‫حريته عمن تكون هذه الفتاة‪ ،‬وعن سبب حزنها وجلوسها يف هذا املاكن‪.‬‬
‫ً‬
‫بدأ ظالم الليل يف ادلبيب إىل سماء اجلزيرة معلنا ميعاد العمل بالنسبة هل‬
‫ً‬
‫حيث اهلدوء والسكون‪ ،‬حيث أنه اعتاد ىلع هذا الوقت يف العمل‪ ،‬حماوال‬
‫ُ‬
‫إنهاء تمثاهل اذلي سيعرضه يف احلفل الكبري المقام يف يللة العيد‪.‬‬
‫فانغمس يف عمله حىت أذن املؤذن لصالة الفجر‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫روحية عامر‬

‫وكعادة أهل اجلزيرة مع صوت األذان يندفع اجلميع إىل املساجد تلأدية‬
‫الصالة وبداية يومهم اجلديد‪ ،‬لكن عماد اعد إىل مزنهل بعد الصالة‬
‫إلتمام عمله وبصوت مازح وابتسامة هادئة اجته إىل تمثاهل اجلديد‬
‫واحتضنه وقال هل‪ :‬هيا بنا نكمل العمل البد أن ننجز عملك قبل يللة‬
‫العيد‪.‬‬
‫وانغمس مرة ثانية يف عمل اتلمثال حىت غلبه انلوم‪ .‬استيقظ ىلع صوت‬
‫أذان العرص فندم ىلع فوات صالة الظهر وكيف أن انلوم تملكه إىل هذه‬
‫احلالة‪ ،‬وبعد عودته من صالة العرص وكعادة األصدقاء‪ ،‬يكون احلوار‬
‫وتبادل أطراف احلديث بعد االنتهاء من الصالة‪ ،‬ولكن عماد هرب من‬
‫اجلميع حىت من صديقه إسالم والشيخ رضوان حيث أن العالقة بينهما‬
‫تعدت حدود العطف والشفقة مع الغريب واعبر السبيل‪ ،‬كما اكنت يف‬
‫ابلداية‪ ،‬حيث اكتشف عماد أن الشيخ يتصنع احلجج يك يتقرب منه‬
‫ويدعوه إىل زيارة مزنهل‪ ،‬وبني اخللسة واألخرى جيد الشيخ رضوان ينظر‬
‫إيله نظرات غريبة لم يفهمها‪ ،‬ولم يشغل باهل يف حماولة فهمها‪ ،‬حيث يعتذر‬
‫ً‬
‫هل دائما عن زيارة املزنل‪ .‬وودعهما بكلمات مهذبة وبأن دليه عمل البد‬
‫أن ينجزه قبل موعد احلفل‪.‬‬
‫أرسع عماد يف العودة إىل مزنهل فإذا خىل الطريق من املارة أخذ جيري‪،‬‬
‫وعندما يلمح شخص يقرتب يبطئ يف السري حىت ال يالحظ أحد مدى‬

‫‪69‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫هلفته ىلع العودة إىل املزنل‪ ،‬وهو يتساءل بينه وبني نفسه‪ :‬هل أنت حبق‬
‫ترسع يف العودة إىل العمل أم لرتاها؟‬
‫ً‬
‫ابتسم عماد ابتسامة خفيفة وصارح نفسه بأنه فعال يريد اللحاق بمشاهدة‬
‫ً‬
‫فتاة الرداء األسود‪ ،‬وصعد سلم مزنهل مهروال وبمجرد فتح ابلاب اجته إىل‬
‫انلافذة‪ ،‬وجد فتاته يف ماكنها العايل فوق ربوتها املرتفعة وىلع نفس اجللسة‬
‫بنفس الرداء األسود وىلع نفس اهليأة حيث تضع رأسها بني يديها تلخيف‬
‫ً‬
‫شيئا ال يعلمه‪.‬‬
‫ّ‬
‫استمر يف مراقبتها وانلظر إيلها حىت غربت الشمس وذهبت إىل خمدعها‬
‫حيث ترتك للقمر فرصته يف إنارة أهل اجلزيرة وكعادة الفتاة نزلت بعد‬
‫الغروب من ربوتها العايلة واختفت يف شوارع اجلزيرة دون أن يعرف عماد‬
‫من يه؟ وأين تسكن؟ وسبب رشودها وحزنها؟‬
‫اعد إىل عمله وتمثاهل وكعادته بدأ عمله وهو حيتضن تمثاهل هذا‪ ....‬فهو‬
‫خمتلف بالنسبة هل لك االختالف عما سبق حنته من تماثيل‪.‬‬
‫وهكذا أصبحت حياة عماد حمصورة بني عمله يف تمثاهل ومراقبته لفتاة‬
‫الرداء األسود لك يوم؛ فيحاول إجناز عمله للتفرغ ملراقبتها وقت الغروب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تأت الفتاة إىل الربوة‬
‫إىل أن جاء يوم عصيب عليه‪ ،‬فيف هذا ايلوم لم ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫العايلة‪ ،‬وظل عماد حائرا يتساءل بينه وبني نفسه عن سبب غيابها ومر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ايلوم ثقيال‪ ،‬وهو موهما نفسه بأن ايلوم القادم سيصلح ما أفسده هذا ايلوم‬

‫‪70‬‬
‫روحية عامر‬

‫تأت الفتاة‪ ،‬وهكذا مر أسبوع اكمل ولم‬


‫ولكن تكرر نفس اليشء‪ ،‬ولم ِ‬
‫تأت الفتاة‪........‬‬
‫ِ‬
‫اكد القلق أن يقتله واحلرية تدمره‪ ،‬فأصبح مشغول ابلال ال يعرف ماذا‬
‫يفعل‪ ،‬هل يسأل عنها املارة يف الطريق؟ هل يسأل صديقه إسالم؟‬
‫ُ‬
‫ولكنه خيىش أن يفهم سؤاهل بطريقة خاطئة‪.‬‬
‫فقرر أن يذهب هو إىل تلك الربوة املرتفعة وجيلس ماكنها ويسأل موج‬
‫ابلحر‪ ،‬ربما جييبه عن األسئلة‪ ،‬فموج ابلحر لن يفهم سؤاهل بطريقة خاطئة‬
‫ولن يفضح مشاعره جتاه هذه الفتاة‪ .‬وبدأت اهلالوس جتوب بعقله ويتساءل‬
‫بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫هل من املمكن أن تكون هذه الفتاة يه عروس ابلحر اليت سمع عنها يف‬
‫األساطري؟‬
‫ً‬
‫وأثناء جلوسه ىلع تلك الربوة‪ ،‬وهو ىلع نفس هيئة جلوسها وواضعا رأسه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بني يديه‪ ،‬وكأنه خييف دموعه املتحجرة يف عينيه‪ ،‬سمع صوتا رقيقا ينادي‬
‫برفق‪ :‬عماد‪ ...‬عماد‪...‬‬
‫انتفض عماد من ماكنه حني وجدها أمامه‪ ..‬نعم يه فتاته بنفس الرداء‬
‫جئت؟ وأين‬
‫ِ‬ ‫أنت؟ من أين‬
‫أنت؟ من ِ‬
‫األسود وىلع نفس اهليئة الرقيقة‪ِ :‬‬
‫كنت؟ كيف تعرفيين؟‬
‫ِ‬
‫هدأت من روعه وطلبت منه اجللوس واهلدوء وأنها ستحيك يل لك يشء‪:‬‬
‫نعم أنا أعرفك تمام املعرفة‬
‫‪71‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫عماد‪ :‬تعرفيين؟ وأنا أشعر أيضا كأنين رأيتك كثريا ولكن ال أعرف هل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لك اكنت واقعا أم خياال؟‬
‫رؤييت ِ‬
‫ً‬
‫الفتاة‪ :‬نعم فأنا من قمت بتمريضك حينما نزلت بأرضنا واكن مغشيا‬
‫عليك من اإلرهاق واتلعب‪ ،‬حينما تم نقلك إىل مزننلا وقمت أنا وأرسيت‬
‫بالعناية بك إىل أن تم إفاقتك‬
‫ً‬
‫فأنت‪...‬‬
‫ِ‬ ‫عماد‪ :‬إذا‬
‫الفتاة‪ :‬نعم أنا آية ابنة الشيخ رضوان‪ ..‬إمام املسجد‬
‫عماد‪ :‬وماذا عن جلوسك ىلع هذه الربوة؟ وملاذا هذا احلزن املرسوم ىلع‬
‫وجهك؟ وهو نفس احلزن اذلي أسمعه يف نربة صوت الشيخ رضوان‪............‬‬
‫آية‪ :‬هذه حاكية طويلة‪.‬‬
‫عماد‪ :‬أريد أن أسمعها أرجوكِ ؛ فأنا منذ وصويل إىل هذه اجلزيرة أجد‬
‫اجلميع سعداء حيث الرخاء والرفاهية والعلم واتلكنولوجيا أما الشيخ‬
‫أنت معه أرى منكم احلزن ادلفني‪.............‬‬
‫رضوان واآلن ِ‬
‫آية وبصوت متقطع ممزوج بدموع حتاول إخفاءها‪ :‬أنا ابنة الشيخ الوحيدة‬
‫بعد فقدان أيخ وشقييق وتوءم رويح عماد‬
‫عماد‪ :‬هل اكن اسمه عماد؟‬
‫آية‪ :‬نعم وهذا السبب يف اقرتاح اسم عماد ادلين عليك فقد اقرتحت أنا‬
‫ووادليت هذا االسم ىلع وادلي‪ ،‬ولكنه لم يشأ أن جيربك عليه وترك لك حرية‬
‫اختيار االسم‪ ،‬وطار من السعادة حينما اخرتت أنت نفس االسم‪ ،‬وحينها‬

‫‪72‬‬
‫روحية عامر‬

‫تودل دلينا شعور عميق بأن إرادة اهلل سبحانه وتعاىل أن يعوضنا بك عن‬
‫أيخ عماد وأن يعود االسم مرة ثانية يف الرتدد يف مزننلا‪.‬‬
‫فقد أصبحنا نتلهف ىلع عودة وادلي من الصالة ليك خيربنا عن مغامرات‬
‫عماد وماذا فعل وعن تماثيله الفنية وحاكياته الشيقة عن أبطال اعلم لم‬
‫ً‬
‫نعرف عنه شيئا‪.‬‬
‫وقد طلبت وادليت منه مرات عديدة أن يدعوك إىل زيارة مزننلا فقد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعلقت بك كثريا منذ ايلوم األول يف وجودك يف بيتنا‪ ،‬فيه دائما تقول أنك‬
‫حتمل الكثري من صفات أيخ‪.‬‬
‫_ عماد‪ :‬أنا! كيف؟‬
‫_ آية‪ :‬يه تقول أنك حتمل الكثري من خفة الظل واذلاكء حىت مالحمك‪..‬‬
‫وادليت ترى فيك نفس مالمح أيخ عماد‪.‬‬
‫_ عماد‪ :‬اآلن عرفت سبب نظرات الشيخ جتايه‪.‬‬
‫عماد وهو شارد اذلهن ويعود بذاكرته إىل الوراء و يتذكر لكمات الشيخ‬
‫رضوان‪ :‬البد أن تأيت لزيارتنا‪ ..‬مىت ستأيت إىل زيارتنا؟ جدران مزننلا تشتاق‬
‫إيلك‪ ..‬زوجيت تدعوك إىل تناول الطعام معنا‪.‬‬
‫_ عماد‪ :‬غيب‪ ..‬نعم أنا غيب‪ ..‬ملاذا لم أفهم رغبة هذا الرجل الطيب وأقدر‬
‫ً‬
‫مشاعره! وكيف كنت دائما أصطنع احلجج يف رفض دعوته!‬
‫وبابتسامة مطعمة بالسخرية يوجه نظره إىل آية‪ :‬وتقولني عين ذيك؟‬
‫فليساحمك اهلل‬
‫‪73‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫_ آية‪ :‬ال عليك‪ ،‬ال ترهق نفسك يف العتاب‪ ،‬فهو دائما اكن يقدر رفضك‬
‫بأنك تهاب اخرتاق خصوصية املزنل‪ ،‬واكن حيرتم ذلك منك وال يغضب منه‬
‫بل بالعكس اكن يعتربه كمال يف الشخصية وزيادة يف األدب واالحرتام‪.‬‬
‫_ عماد‪ :‬ولكن ما عالقة فقدان شقيقك وجلوسك فوق هذه الربوة يف هذا‬
‫الوقت باتلحديد؟‬
‫_ قالت آية ويه تنظر إىل ابلحر‪ :‬يف مثل هذه األيام منذ سنتني خرجت أنا‬
‫وعماد إىل ابلحر كعادتنا‪ .‬جنلس ىلع هذه الربوة وهو يمسك صنارته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويرضبها يف ابلحر‪ ،‬فقد اكن صيادا ماهرا‪.‬‬
‫اكن صوت ضحاكتنا يمأل املاكن‪ ،‬كنت أشعر وأنا معه بأنين أملك ادلنيا وما‬
‫فيها‪ ،‬كنت أشعر كأن موج ابلحر يغار من حبنا بلعضنا ابلعض‪.‬‬
‫انظر! هذه أسماؤنا حمفورة ىلع الصخور‬
‫"آية وعماد توءم ال ينفصالن"‬
‫ً‬
‫" آية وعماد معا إىل األبد"‬
‫"آية وعماد الصداقة مع األخوة"‬
‫إىل أن جاء ايلوم املشؤوم‪ ،‬وامتألت عينا آية بادلموع وبصوت متقطع‬
‫أكملت حديثها‪:‬‬
‫يف هذا ايلوم قرر عماد الزنول للسباحة يف ابلحر كعادته فهو سباح ماهر‪،‬‬
‫لم أكن أعرف سبب خويف وهليع من نزوهل يف هذا ايلوم باذلات؛ فقد‬

‫‪74‬‬
‫روحية عامر‬

‫ّ‬
‫اعل وأن ابلحر‬
‫حاولت أن أنهيه عن الزنول متعللة بأن املوج يف هذا ايلوم ٍ‬
‫غدار‪ ،‬ولكنه لم يستجب نلدايئ وقفز من هذه الربوة إىل ابلحر‪ ...‬ولكنه‪..‬‬
‫لم يعد حىت اآلن‪.‬‬
‫وأخذت آية توجه نظرها إىل ابلحر وترصخ فيه‪ :‬ملاذا؟ ملاذا أخذت مين توءم‬
‫رويح؟ ملاذا أخذت من أيب وأيم فرحة عمرهم؟ ملاذا حولت بيتنا إىل مقربة‬
‫تملؤها األحزان؟‬
‫هل استنكرت علينا سعادتنا؟‬
‫هل أردت أن تزوج عرائس ابلحر بعريس األرض؟‬
‫ً‬
‫حاول عماد أن يهدئ من هلع آية ولكنه أيضا غلبته نوبة من ابلاكء‪ ،‬وهو‬
‫ً‬
‫يبيك حلال آية ويبيك أيضا حلال أخته دالل‪ ،‬فهو يسمع صوتها ويرى‬
‫دموعها مع دموع آية‪ ،‬ولكما حتدثت آية عن حال وادليها بعد فقد شقيقها‬
‫تذكر حال وادليه بعد رحيله عنهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهنا اقرتبت الشمس من املغيب وأعلنت نهاية رحلتها يف ذلك ايلوم عن‬
‫هذه اجلزيرة تلكمل مسريتها يف ماكن آخر‪.‬‬
‫فحاولت أن تكفكف دموعها وتستعد للزنول من تلك الربوة واذلهاب‬
‫ً‬
‫إىل بيتها حىت ال ينشغل عليها وادليها‪ ،‬وخاصة أنها يف فرتة اتلعايف من‬
‫اإلصابة بآالم القولون اليت تسببت يف غيابها عن ربوتها يف األيام السابقة‪.‬‬
‫طلب عماد من آية أن يصحبها يف السري يف الطريق فوافقت آية وطلبت‬
‫منه أن يأيت إىل مزنهلا يك تراه وادلتها حىت يسد شوقها إىل ابنها الفقيد‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وصل عماد وآية إىل املزنل‪ ،‬فوجدا وادلتها أمام املزنل ختربهما بأنها شعرت‬
‫براحئة ابنها عماد وبصوت متقطع رددت‪ :‬عماد‪ ..‬ابين‪ ..‬عماد‬
‫قام عماد بتقبيل رأسها ويديها وطلب منها السماح هل بأن يناديها بأيم‪،‬‬
‫أجهشت وادلة آية يف ابلاكء‪ ،‬وبصوت متقطع ممزوج بادلموع‪ :‬نعم أوافق‬
‫بشدة‪ ،‬أنت ابين عماد‪.‬‬
‫خرج الشيخ رضوان لريى سبب هذه األصوات‪ ،‬فوجد عماد وآية وزوجته‬
‫ىلع هذه احلالة من الفرحة املمزوجة باحلزن‪ ،‬واالبتسامة املختلطة‬
‫بادلموع‪.‬‬
‫ً‬
‫فنظر عماد إىل الشيخ وارتىم يف أحضانه طابلا منه السماح وكأنه يطلب‬
‫السماح من وادله عم إسماعيل عما بدر منه وعن تقصريه يف حقه‪.‬‬
‫وهنا داعه الشيخ لدلخول إىل املزنل وتناول الطعام معه وبأنه من اآلن‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أصبح فردا من العائلة‪ ،‬وأنه هدية السماء هلم ليك تعوضهم عن ابنهم‬
‫املفقود‪.‬‬
‫تعددت زياراته إىل بيت الشيخ‪ ،‬فقد شعر هو اآلخر جبو األرسة اذلي افتقده‬
‫منذ ترك بيته‪ ،‬ووجد يف الشيخ حنان األب ووجد يف زوجته األمومة‬
‫الطاغية بكل معاين احلب واحلنان والعطاء‪.‬‬
‫ً‬
‫أما آية فيه يشء آخر خمتلف‪ ،‬فقد اختلطت مشاعره جتاهها‪ ،‬فتارة جيد‬
‫ً‬
‫فيها صورة دالل حبنانها ورومانسيتها ورقتها‪ ،‬وتارة جيد فيها صورة‬
‫احلبيبة اليت دق هلا قلبه منذ أول مرة ملحتها عينه‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫روحية عامر‬

‫وهنا اكنت حريته الكبرية فكيف يتعامل معها‪ ،‬معاملة األخ الشقيق؟ أم‬
‫معاملة احلبيب؟ وخاصة أن صوت دقات قلبه لكما ملحتها عينه يعلو ىلع‬
‫صوت لسانه‪ ،‬ولكنه حياول تعليته حىت ال يسمع أحد دقات قلبه‪ ،‬ولكنه‬
‫يشعر بتأنيب الضمري‪ ،‬وبأنه خائن للعهد‪ ،‬فقد سلمه الشيخ رضوان لك‬
‫متعلقات ابنه عماد من املالبس واملتعلقات الشخصية‪ ،‬بل إنه طلب منه‬
‫ابلقاء معهم يف املزنل‪ ،‬وأن يسكن معهم يف حجرة ابنه عماد‪ ،‬يك تعود‬
‫ً ّ‬
‫ابلهجة إىل مزنهلم بعد أن مأله احلزن واهلم والغم‪ ،‬ولكنه اعتذر خاصة أن‬
‫وراءه عمل البد أن ينهيه قبل احلفل املقام يللة العيد‪.‬‬
‫وبدأ يسأل نفسه هل حبه آلية خيانة للشيخ رضوان وثلقته فيه؟ ولكنه‬
‫ليس دليه سلطان ىلع قلبه فهو ال يستطيع اتلوقف عن حبها واتلفكري‬
‫ادلائم فيها‪ ،‬حىت وهو يف مزنهل جيد صورتها أمامه يف لك ركن يف املزنل‪،‬‬
‫جيدها أمامه وهو يصنع تماثيله‪ ،‬ويشعر بها جتلس جبواره وتساعده يف‬
‫عمله‪ ،‬جيدها يف مطبخه تعد هل الطعام‪ ،‬جيدها جبواره ىلع وسادته … آه من‬
‫احلب‪ ،‬لقد تملك منه احلب وطىغ عليه‪.‬‬
‫وبدأت عيناه تفضحه لكما تقابلت عيناهما‪.‬‬
‫واعد إيله شعور اخليانة ألمانة وحب الشيخ‪ ،‬حىت إنه سلمه ابنته أيضا فلم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يعرتض أبدا ىلع وجودهما معا فوق الربوة املرتفعة‪ ،‬وجلوسمها معا يف مزنهل‬
‫ً‬
‫أو جتوهلما معا يف حديقة املزنل‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وهنا قرر أن يتوقف عن زيارة مزنل الشيخ واخلروج إىل الربوة واجللوس‬
‫مع آية حىت ال يسبب هلم احلرج أمام أهل اجلزيرة أو يتسبب يف اإلساءة إىل‬
‫آية وأن يتهمها أهل اجلزيرة بسوء السمعة‪ ،‬وبدأ حيبس نفسه يف مزنهل‬
‫ويكتيف بمراقبتها من نافذته وادلموع تنهمر من عينيه‪ .‬واكنت سلواه‬
‫الوحيدة يف ذلك يه عزمه ىلع عمل تمثال آلية حيمل تفاصيل وجهها‬
‫املالئكي‪.‬‬
‫حىت فوئج بطرق ىلع باب مزنهل ووجد أمامه الشيخ رضوان وزوجته‬
‫وابنتهما آية‪ ،‬وهنا سأهل الشيخ‪ :‬ملاذا توقفت عن زيارتنا؟‬
‫هل أساء أحد إيلك؟‬
‫هل قام أي شخص باتلقصري جتاهك؟‬
‫ً‬
‫أم أننا أصبحنا عبئا عليك؟‬
‫أنت معك حق فنحن حنمل عليك عبء فقدان ودلنا وأنت ال ذنب لك يف‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا قاطعه عماد قائال‪ :‬أرجوك‪ ..‬أرجوك ليس هذا هو السبب ولكن …‬
‫ً‬
‫لم جيد شيئا يلقوهل ولكن دموعه ونظراته احلانية إىل آية فضحته‪.‬‬
‫وهنا اكنت املفاجأة اليت ألقاها الشيخ رضوان ىلع عماد جعلته يف اغية‬
‫االرتباك فقد طلب منه الشيخ رضوان أن يزوجه من ابنته آية‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫روحية عامر‬

‫وقع اخلرب ىلع عماد اكن صدمة كربى ولم يعرف كيف يعرب عن صدمة‬
‫تليق هذا اخلرب‪ ،‬هل تكون بالفرحة بتحقيق احللم الغايل واحلياة مع‬
‫حبيبة القلب ومنية ّ‬
‫الروح؟‬
‫أم باحلزن العميق واخلوف من انكشاف رسه‪ ،‬ورس اخلطيئة اليت ارتكبها‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أمام حبيبته‪ ،‬فهو لص هارب وال جيوز هل أبدا أن يدنس هذه العائلة انلقية‬
‫بوجوده معهم بأخطائه وجرائمه السابقة‪.‬‬
‫تعجب الشيخ من رد فعل عماد وعدم ظهور الفرحة ىلع وجهه بهذا اخلرب‪،‬‬
‫وبدت عالمات اخلجل ىلع وجه آية ونظرت إىل وادلها نظرة عتاب ىلع‬
‫الترسع باتلرصيح هل بهذه الرغبة‪.‬‬
‫وبصوت متقطع طلب منهم أن يمهلوه يف الرد إىل احلفل الكبري يف يللة‬
‫العيد‪ ،‬فهناك الكثري من املفاجآت عنه اليت سيفصح عنها يف هذا ايلوم وإن‬
‫لم يتغري رأيهم فيه بعد ذلك فإنه سيأيت إىل مزنهلم ويطلب الزواج من حلم‬
‫عمره‪َّ ،‬‬
‫وهم الشيخ رضوان وأرسته بمغادرة مزنل عماد وتوديعه وىلع وجه لك‬
‫منهم عالمات احلزن واخلزي‪.‬‬
‫وبمجرد مغادرة الشيخ وأرسته مزنل عماد‪ ،‬حىت اخنرط يف ابلاكء الشديد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأخذ يرضب رأسه يف احلائط ندما وحرسة ىلع ضياع ذلك احللم من يديه‪،‬‬
‫ولكن كيف للص أفاق مثله أن يزتوج من هذا املالك الربيء؟‬

‫‪79‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ظل عماد ىلع هذه احلالة من ايلأس واحلزن‪ ،‬وحاول اهلروب من أحزانه‬
‫باللجوء إىل رسيره وحماولة انلوم ولكن هيهات أن جييئه انلوم وهو ىلع هذه‬
‫ً‬
‫احلالة‪ ،‬فقد خاصم انلوم جفونه‪ ،‬فقام إىل تمثاهل حماوال إتمامه فعليه أن‬
‫يركز يف إتمام عمله حىت ينتيه منه قبل موعد احلفل‪.‬‬

‫****‬

‫‪80‬‬
‫روحية عامر‬

‫الفصل الثالث عشر‪( :‬ليلة العيد)‬

‫ً‬
‫ويف صباح يوم وقفة العيد استيقظ عماد مبكرا ومحل تمثاهل يف سيارة‬
‫ُ‬
‫إسالم‪ ،‬وصل إىل الساحة الكبرية‪ ،‬ث َّم وضع تمثاهل يف منتصف الساحة‬
‫وحوهل ستارة سوداء‪.‬‬
‫وعندما سأهل إسالم عن اسم تمثاهل وعن موضوع حاكيته يف هذه الليلة‬
‫أجابه بأنها ستكون مفاجأة للجميع وسيعرفها يف الوقت املناسب‪.‬‬
‫وهنا تذكر ميعاده مع األستاذه هبة إلرسال خاطرة جديدة‪ ،‬وقرر أن تكون‬
‫ً‬
‫رساتله هذه إىل وادله‪ ،‬فاستأذن من إسالم وهرول مرساع حىت وصل مركز‬
‫اتلخاطر‪ ،‬وبلهفة شديدة أخرب األستاذة هبة اهلل أنه مستعد‪ ،‬فاصطحبته‬
‫إىل غرفة اتلخاطر‪ ،‬وىلع نغمات املوسيىق اهلادئة استحرض صورة وادله‬
‫وأرسل إيله لكمات موجزة‪...‬‬
‫(رسقت أموال الرشكة وسأعيدها)‬
‫وبمجرد وصول اخلاطرة إيله‪ ،‬انتفض من ماكنه واستعاذ من الشيطان يف‬
‫ً‬
‫وصول مثل هذه األفاكر مستبعدا فكرة وصول ابنه إىل هذه ادلرجة من‬
‫القبح‪ ،‬وأن يكون هو السارق اذلي يبحث عنه اجلميع!!‬
‫ً‬
‫فزادت حرية الرجل وكيف يترصف وهل يصارح أحدا بهذه اهلواجس؟‬
‫ولكنه اعتربها هواجس شيطانية فقرر جتاهلها‪..........‬‬

‫‪81‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ومع غروب شمس هذا ايلوم بدأ ساكن اجلزيرة يتوافدون ىلع الساحة يك‬
‫ُ‬
‫حيجز لك منهم ماكنه يف احلفل‪ ،‬ث َّم اجته اجلميع إىل مسجد اجلزيرة الكبري‬
‫ألداء صالة العشاء وبعدها اجتهوا إىل الساحة وبدأ لك فرد جيلس يف املاكن‬
‫املخصص هل‪.‬‬
‫وبعد فرتة قصرية ظهر حاكم اجلزيرة وتعجب عماد من هيئة احلاكم‬
‫فهو ال يرتدي أفخم املالبس وال يركب أىلغ السيارات ولكن هل هيبة‬
‫ووقار جتعل القلب يرتعد والعقل ينتبه‪.‬‬
‫ً‬
‫بدأ احلفل رسيعا واكنت ابلداية بقراءة القرآن بصوت الشيخ رضوان من‬
‫سورة (النساء) عن رد األمانات‪ ،‬وقعت هذه اآليات ىلع عقل وقلب عماد‬
‫موقع السهام‪ ،‬فبدأ قلبه يدق ودموعه تنهمر لسماع هذا الصوت املالئكي‬
‫ً‬
‫يف قراءة القرآن‪ ،‬وخاصة حينما ملح فتاته اجلميلة آية ويه جتلس يف‬
‫صفوف املنظمني للحفل فيه مقدمة احلفل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم جاء دور حاكم اجلزيرة يف تقديم لكمته ورساتله ألهل اجلزيرة حيث‬
‫بدأها بالسالم واتلهنئة ألهله بالعيد وجدد معهم العهد ىلع العمل من‬
‫ً‬
‫أجلهم ومن أجل سعادتهم ورفاهيتهم‪ ،‬وأنه لن يغفل يوما عن حتقيق أمنية‬
‫أو رد مظلمة أو دفع أذى عن أي فرد يف اجلزيرة‪ ،‬ويذكرهم بأنه هنا من‬
‫أجلهم وفقط‪ ،‬وأنه ىلع أتم االستعداد باتلنازل عن ماكنه هذا يف حال‬
‫تقصريه مع أي فرد يف اجلزيرة‪ ،‬وأنىه خطابه بأمانيه بدوام الريق والسعادة‪،‬‬
‫ً‬
‫وأن رساتله دائما يه أن تظل جزيرته يه اجلزيرة الفاضلة‪ ،‬فقال‪ :‬أهيل‬

‫‪82‬‬
‫روحية عامر‬

‫وعشرييت لقد نشأت ىلع هذه األرض وترعرعت بني جنباتها حىت وصلت‬
‫إىل ماكين هذا وما ويلت بمنصيب هذا ألفضلييت عليكم‪ ،‬ولكن‬
‫لكرمكم وجودكم ىلع شخيص البسيط‪ ،‬فأنا بدونكم ضئيل وبكم‬
‫ومعكم أشعر بالعظمة والكربياء‪ ،‬فأنتم أهيل وأحبايئ‪ ،‬أبناؤكم أبنايئ‬
‫ً‬
‫وبناتكم بنايت‪ ،‬إن طرفت عني طفل يف اجلزيرة فكأن سهما غرس يف قليب‪،‬‬
‫ً‬
‫وإن ذرفت دمعة ىلع وجه فتاة من بناتنا حفرت دموعها شقا يف قليب‪،‬‬
‫ولكم وبكم وعليكم السالم أهيل وأحبايئ‪.‬‬
‫وهنا أخذت آية امليكروفون تلكمل فقرات احلفل‪ ،‬وبداية عرض إبدااعت‬
‫أهل اجلزيرة الستكمال املسابقة والوصول إىل صاحب اجلائزة الكربى‬
‫واذلي سيتحدد ً‬
‫بناء ىلع درجة إعجاب أهل اجلزيرة به‪.‬‬
‫فاكن املتسابق األول وهو اعلم يف اهلندسة قام باخرتاع آلة للسفر إىل أي‬
‫ماكن يرغب فيه اإلنسان بمجرد حتديد الرغبة وقول "بسم اهلل"‪.‬‬
‫أعجب أهل اجلزيرة بهذا االخرتاع وصفق هل اجلميع وتم حتديد الوحدات‬
‫ُ‬
‫اخلاصة به عن طريق وحدة اتلحكم اخلاصة باجلزيرة‪ ،‬ث َّم جاء املتسابق‬
‫اثلاين وهو اعلم يف الزراعة وقام بعمل طريقة حديثة يف الزراعة حيث قام‬
‫بتقليل الفرتة الزمنية بني زراعة ابلذور وجين اثلمار إىل انلصف‪ ،‬صفق هل‬
‫ُ‬
‫أهل اجلزيرة وأشادوا باخرتاعه وقاموا بتحديد وحداته من الفضيلة‪ ،‬ث َّم‬
‫جاء املتسابق اثلالث وهو اعلم يف الفلك حيث عرض جهازه اجلديد واذلي‬
‫يمكنه من رؤية الفضاء اخلاريج وعمل لقاءات وحوارات مع ساكن‬
‫‪83‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫حوار مع ساكين أحد‬


‫ٍ‬ ‫الكواكب األخرى وبالفعل قام بفتح جهازه وعمل‬
‫الكواكب يف إحدى املجرات املجاورة‪.‬‬
‫_ املخرتع‪ :‬السالم عليكم جرياننا يف الفضاء‪.‬‬
‫ً ً‬
‫_ الفضائيون‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬أهال أهال ساكن كوكب األرض‬
‫_ املخرتع‪ :‬هل يمكننا اإلطالع ىلع أسلوب احلياة عندكم؟‬
‫_ الفضائيون‪ :‬نعم‪ ،‬أرضنا يه أرض اخلري وانلماء‪ ،‬حيث توجد اكئنات‬
‫يرتاوح طوهلا بني املرتين واثلالثة أمتار‪ ،‬تنمو ىلع أرضنا أنواع من انلباتات‬
‫قصرية الطول ولكنها مثمرة طيلة العام‪.‬‬
‫_املخرتع‪ :‬ولكننا كنا نعتقد أنه ال توجد حياة سوى ىلع كوكب األرض‬
‫فقط‪.‬‬
‫_ الفاضائيون‪ :‬هذا اعتقادكم وشأنكم‪ ،‬حنن ال نتنفس اهلواء مثلكم‬
‫ولكننا نتنفس ثاين أكسيد الكربون فهو أكسري احلياة عندنا‪ ،‬حنن نشارك‬
‫معكم يف يشء واحد وهو عبادة اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فقد هيأ اكئنات لك‬
‫ً‬
‫كوكب تبعا لظروف وإماكنيات هذا الكوكب‪ ،‬فقدرة اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫ليس هلا حدود‪.‬‬
‫وهنا انتىه حوار العالم مع الاكئنات الفضائية وترك أهل اجلزيرة منبهرين‬
‫به وصفق أهل اجلزيرة حبرارة‪ ،‬ورصدت وحدة اتلحكم أىلع درجة يف مجيع‬
‫املتسابقني حىت اآلن‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫روحية عامر‬

‫وجاء ادلور ىلع عماد ادلين يف السباق وعندها قامت آية يف طلب تقدم‬
‫عماد ادلين إىل الساحة لعرض ابتاكره اجلديد وعندها تالقت عيناهما‬
‫وبنظرة لكها عتاب أشارت إيله أن يمسك بامليكروفون تلقديم ابتاكره‬
‫وعرض حاكياته املثرية‪.‬‬
‫فتقدم عماد ادلين إىل تمثاهل اجلديد وبدأ حديثه بتقديم خالص الشكر‬
‫والعرفان إىل مجيع ساكن هذه اجلزيرة‪ ،‬فقد احتضنوه‪ ،‬وهو الغريب الفقري‬
‫اعبر السبيل ولم يسأهل أحد يف يوم من األيام عن سبب جميئه وعن أصله‬
‫وعن حاكيته وكيف تعامل معه اجلميع ىلع أنه فرد يف اجلزيرة هل ما هلم‬
‫وعليه ما عليهم‬
‫ً‬
‫وتوجه إىل الشيخ رضوان ووضع قبلة حانية ىلع رأسه شاكرا هل فضله‬
‫وكرمه معه من حلظة جميئه إىل أرض اجلزيرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم اجته إىل إسالم واحتضنه وشكره ىلع حتمله هل وصحبته اجلميلة إىل لك‬
‫جزء يف اجلزيرة‪ ،‬واعتذر هل عن غبائه يف فهم كثري من األمور والقوانني‬
‫ُ‬
‫اخلاصة بها‪ ،‬ث َّم اجته إىل مدربة اتلخاطر هبة اهلل وأخربها بأنه اآلن أصبح‬
‫ً‬
‫ماهرا يف اتلخاطر وأنه سريسل هلا رسالة يف نهاية احلفل يلخص هلا فيها ما‬
‫ً‬
‫ينوي القيام به يف الفرتة القادمة‪ .‬وأخريا اجته عماد إىل تمثاهل وبدأ يف إزاحة‬
‫الستار عنه‪ .‬وهنا اكنت املفاجأة‪ ..‬فقد قام عماد بعمل ثالثة تماثيل خمتلفة‪،‬‬
‫بدأ يف رشح لك تمثال ىلع حده‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫اتلمثال األول لشيخ كبري تكسوه اهليبة واجلالل‪ ،‬وبدأ حديثه‪ :‬هذا وادلي‪..‬‬
‫عم إسماعيل‪ ،‬الرجل الطيب‪ ،‬وادلي احلبيب احلنون‪ ،‬اذلي أفىن عمره يف‬
‫ٍ‬
‫كساع يف إحدى‬ ‫حماولة إلسعادي أنا وشقيقيت ىلع الرغم من عمله البسيط‬
‫رشاكت السياحة إال أنه استطاع أن جيذب اجلميع جتاهه بعلمه الواسع‬
‫وحفظه لكتاب اهلل وفهمه ألمور احلياة وأثبت للجميع أن الصدق‬
‫واإلخالص أكرث أهمية من املناصب‪ ،‬وأن علم القرآن أهم وأىلع من علوم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ادلنيا‪ ،‬فاكن إماما للصالة ومستشارا يف أمور ادلين‪ ،‬ولكنه لم يستطع أن‬
‫يشبع أطماع شاب متمرد مثيل اكنت لك رغبته وأمله يف احلياة هو الرثاء‬
‫الرسيع‪.‬‬
‫ّ‬
‫عيين عماد حاول إخفاءها وهو يزيح الستارة عن‬ ‫وهنا ذرفت دمعة من‬
‫تمثاهل اثلاين؛ فهو تمثال لوادلته اليت جعلت احلب رساتلها جلميع األهل‬
‫واألصحاب واجلريان‪ ،‬فيه صادقة يف املشورة وكريمة يف املشاعر‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫خصصت يوما يف لك أسبوع ببحث مشالك اجلريان سواء املادية أو األرسية‬
‫وابلحث واتلحري يف حماولة حل مشالكهم حىت لقبها ساكن اليح بـ"صاحبة‬
‫ُ‬
‫السعادة"‪ ،‬ث َّم اجته إىل تمثاهل اثلالث وأزاح عنه الستار وبلمسة حانية‬
‫احتضن اتلمثال وهو يقول هل‪ :‬هذه فتايت اجلميلة‪ ،‬وشقيقيت‪ ،‬وتوءم رويح‪،‬‬
‫إنها رمز الرقة والشفافية‪ ،‬إنها السيمفونية اليت لم تكتمل بعد‪ ،‬إنها اللحن‬
‫ٍّ‬ ‫ً‬
‫مثايل‬ ‫بعالم‬
‫ٍ‬ ‫احلزين وأنا من سبب حزنه‪ ،‬دالل الشاعرة الفنانة احلاملة دائما‬

‫‪86‬‬
‫روحية عامر‬

‫خال من احلقد والكراهية مثل اعملكم هذا جزيرتكم هذه يه جتسيد‬ ‫ٍ‬
‫للحلم اذلي طاملا راودها ‪......‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم نظر عماد ادلين إىل أهل اجلزيرة وبصوت متقطع يملؤه احلزن قال هلم‪:‬‬
‫ّ‬
‫احلب واتلقدير ولكن قدر هذه العائلة‬ ‫هذه يه اعئليت‪ ،‬اعئلة تستحق لك‬
‫األسود أن يأيت من نسلها شخص مثيل‪ ،‬فأنا اللص‪ ،‬أنا الوغد‪ ،‬أنا احلقري‪ ،‬أنا‬
‫املتمرد ىلع هذه احلياة البسيطة الرشيفة‪ ،‬أنا من دنس طهر ونقاء هؤالء‬
‫الرشفاء‪.‬‬
‫وهنا قام عماد ادلين بفتح حقيبته السوداء واستطرد حديثه وهو يبيك‪:‬‬
‫انظروا! هذه يه انلقود اليت من أجلها دمرت حياة أرسيت‪ ،‬لقد قمت برسقة‬
‫مدير الرشكة اليت يعمل بها وادلي‪ ،‬لقد استغللت خرب وفاة ابنه وارتباك‬
‫الرجل هلذا اخلرب وقمت برسقته‪ ..‬حقري أنا!‬
‫أنا ال أستحق احلياة بينكم‪.........‬‬
‫وال أستحق احلياة يف أرسيت الطاهرة‪،‬‬
‫ً‬
‫أنا ال أستحق احلياة نهائيا‪........‬‬
‫وارتفع صوت بكائه وحنيبه ووصل صدق مشاعره إىل احلارضين‪،‬‬
‫وترقرقت ادلموع من أعينهم فقام الشيخ رضوان واحتضنه بشدة وتعانقا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طويال‪ ،‬وبصوت متقطع خمتلط بادلموع قال هل‪ :‬يا بين باب اتلوبة دائما‬
‫مفتوح‪ ،‬فاهلل هو اتلواب وهو الغفور وهو الرحيم‪ ،‬يا بين دموع انلدم هذه‬
‫يه خري ما تتجه بها إىل اهلل سبحانه وتعاىل فقد قال صىل اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫‪87‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫"لك ابن آدم خطاء‪ ،‬وخري اخلطائني اتلوابون"‪ ،‬فقط قل من قلبك وبمنتىه‬
‫الصدق "امهلل اغفر يل وارمحين فأنت الغفور وأنت الرحيم"‬
‫وهنا انفجر عماد يف ابلاكء وأجهش صوته وهو يردد‪ :‬امهلل‪ ..‬امهلل اقبل‬
‫توبيت‪ ..‬امهلل أنت أعلم بما يف قليب أكرث مما أعلم‬
‫وهنا قام إسالم واجته حنو صديقه واحتضنه هو اآلخر وطمأنه بأنه مازال‬
‫صديقه املقرب‪ ،‬رغم لك ما سمع منه‪ ،‬وأنه لن يبتعد عنه وسيظل يرافقه إىل‬
‫انتهاء أزمته‪.‬‬
‫واكنت املفاجأة عندما بدأت آية باحلديث يف امليكروفون قائلة‪ :‬أهايل‬
‫جزيرتنا الكرام‪ ..‬أهيل وأحبايئ‪ ..‬لقد تعودنا يف جزيرتنا ىلع الصدق‬
‫والرصاحة واتللقائية يف احلديث دون خوف أو خجل من إبداء مشاعرنا‬
‫مادامت يف إطار األخالق والعرف واتلقايلد‪ ،‬وأنا ايلوم أعرتف أمام اجلميع‬
‫بأنين وقعت يف حب هذا الشاب الغريب الواقف أمامكم بكل هذه‬
‫اذلنوب اليت أثقلت اكهله وحنت ظهره وكرست قلبه‪ ،‬هذه اذلنوب اليت‬
‫جعلته يرفض طلب وادلي منه يف الزواج مين‪ ،‬فقد وجدنا فيه عوض االبن‬
‫املفقود‪ ،‬فهو حيمل كثري من روحه وطبعه‪ ..‬ليس فقط اسمه‪ ،‬ولكنه رفض‬
‫عرض وادلي عليه وكم اكن حزننا عميق هلذا الرفض الغريب‪ ،‬ولكن ايلوم‬
‫عرفت وفهمت هذا الرفض‪ ،‬فهو لم يرفض طلب الزواج ولكنه رفض‬
‫خداعنا‪ ..‬رفض خيانة األمانة‪ ..‬رفض ىلع حسب فهمه تدنيس بيت الشيخ‬
‫رضوان وهذا أصدق ديلل ىلع صدق توبته‪ .‬واآلن بعد معرفة لك اذلنوب اليت‬

‫‪88‬‬
‫روحية عامر‬

‫ارتكبها وتاب عنها توبة ال رجعة فيها أكرر عليه بعد إذن وادلي ووادليت‬
‫ً‬
‫طلب الزواج وأعده بأن أكون معه يدا بيد يف إصالح لك األخطاء وإاعدة‬
‫احلق ألصحابه وحتمل لك انلتائج‪ ،‬أعده بأنه أكون هل الزوجة الصاحلة‬
‫واالبنة ابلارة ألبويه واألخت احلنونة لشقيقته‪ ،‬أعده وأعدكم بأن أقوم‬
‫ً‬
‫معه بنرش رسائل جزيرتنا الفاضلة وقوانينها السمحة‪ ..‬ربما جنحنا معا يف‬
‫خلق جزر ومدن فاضلة جديدة‪.‬‬
‫وهنا اجتهت آية إىل عماد ادلين ونظرت يف وجهه وىلع وجهها ابتسامة‬
‫خجولة وبصوت هادئ قالت هل‪ :‬هل تقبل الزواج مين؟‬
‫لم يتمالك عماد ادلين نفسه من ابلاكء وأصبحت عيناه حيارى بني الشيخ‬
‫وبني آية وبني إسالم‪ .‬وهنا قام الشيخ رضوان باحتضانه وهو يقول هل‪:‬‬
‫أشهد اهلل بأين منذ رأيتك للحظة األوىل رأيت يف وجهك وجه ابين وفقيدي‬
‫ً‬
‫ومنذ حلظتها تمنيتك زوجا البنيت‪............‬‬
‫وهنا صفق اجلميع وانطلقت الزاغريد وتعالت الصيحات باملباراكت‬
‫واتلهنيئات‪.‬‬
‫وتوقف اجلميع أمام صوت حاكم اجلزيرة وهو يقدم اتلهنئة إىل اجلميع‬
‫وحيدد موعد عقد القرآن يوم اجلمعة القادم ىلع أن يكون الزفاف يف‪..‬‬
‫ً‬
‫قاطعه عماد قائال‪ :‬معذرة أيها احلاكم الفاضل فأنا أتفق معكم يف موعد‬
‫ً‬
‫عقد القران ولكن الزفاف يتم تأجيله حىت نعود سويا أنا وآية إىل أهيل‬
‫ُ‬
‫إلصالح األخطاء القديمة ورد احلق إىل أصحابه‪ ،‬ث َّم يكون الزفاف مع‬
‫‪89‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫أرسيت‪ ..‬فربما فرحة الزفاف تنسيهم جزءا من األلم واحلرسة اليت أصابتهم‬
‫منذ ايلوم املشؤوم‪.‬‬
‫نظر احلاكم إىل الشيخ رضوان فوجد ىلع وجهه إماءة باملوافقة ىلع هذا‬
‫الطلب‪ ،‬فأكمل احلاكم حديثه‪ :‬إذن فمن اآلن وحىت اجلمعة القادمة تقام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االحتفاالت يوميا استعدادا يلوم عقد القران‪.‬‬
‫أما عن نتيجة املسابقة الكربى فأنا أقرتح تأجيل إعالن نتيجة املسابقة‬
‫حلني عودة عماد ادلين وخطيبته آية من زيارتهما ألرسته وعودتهما‬
‫بسالمة اهلل‪ ،‬هذا اقرتاح مين ولكم حق املوافقة أو الرفض‪.‬‬
‫وهنا أشار اجلميع إشارات تعين املوافقة ىلع هذا االقرتاح‪.‬‬
‫وبذلك أصبحت اجلزيرة يف عيدين‪ ،‬ويف مساء لك يللة ترتدي آية أفضل‬
‫اثلياب وكذلك عماد ادلين ويتجهان إىل الساحة لالحتفال بني األهل‬
‫واألصدقاء‪.‬‬
‫إىل أن جاء يوم اجلمعة وبدأت اجلزيرة لكها يف االستعداد لعقد القران‪،‬‬
‫ُ‬
‫حيث تم تعليق الزينات وملعت األضواء يف لك ماكن وزينت األشجار‬
‫بإضاءة خافتة وانترشت الفتات اتلهنئة يف لك ماكن‪ ،‬وبعد صالة العشاء‬
‫أخذ اجلميع يرتقب وصول عروس اجلزيرة‪ .‬وبعد طول انتظار وصل الشيخ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويف يده مالكه اجلميل بزيه األبيض انلاصع وأخذا يتقدمان رويدا رويدا‬
‫إىل املنصة املخصصة لعقد ال ِقران وسط اتلصفيق واتلهليل من أهل‬
‫اجلزيرة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫روحية عامر‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ث َّم تقدم عماد ادلين وهو برفقة صديقه إسالم وحوهل شباب اجلزيرة‪ ،‬ث َّم‬
‫قدم اتلحية للشيخ اجلليل وجلس اجلميع أمام حاكم اجلزيرة وجبانبه‬
‫مأذون اجلزيرة وبدأ عقد القران‪.‬‬
‫وبمجرد االنتهاء من عقد القران علت صيحات اجلميع وارتفع صوت‬
‫الزاغريد أكرث وأكرث وترقرقت ادلموع من عيين الشيخ وهو حيتضن ابنته‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ويهنئها‪ ،‬ث َّم حيتضن عماد ويهنئه أوال ويهنئ نفسه ثانيا‪.‬‬
‫فقد اكنت فرحة الشيخ رضوان وزوجته ال يعادهلا فرحة‪ ،‬فايلوم فقط اعد‬
‫إيلهم فقيدهم الغايل‪.‬‬
‫استمرت االحتفاالت طوال اللليل حىت أذان الفجر واعدوا إىل احتفاالتهم‬
‫ّ‬
‫بعد صالة الفجر حىت انشق الصباح‪ ،‬وبدأت أشعة الشمس تداعب عيونهم‬
‫وهم مرصون ىلع ابلقاء ماكنهم حىت يكونوا يف وداع عماد وآية‪.‬‬

‫****‬

‫‪91‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الرابع عشر‪( :‬الوداع)‬

‫وجاءت حلظة الوداع‪ ،‬وألول مرة خرج مجيع ساكن اجلزيرة إىل خارج‬
‫ً‬
‫أسوار اجلزيرة‪ ،‬وقف اجلميع ىلع الشاطئ استعدادا لوداع العروسني‪ .‬وخرج‬
‫عماد ويف يده ايلمىن عروسه اجلميل إىل القارب اذلي جاء به إىل اجلزيرة‪،‬‬
‫ويف يده اليرسى حقيبته السوداء‪.‬‬
‫وقبل الزنول إىل القراب ارتىم عماد يف حضن الشيخ رضوان وقبل رأسه‬
‫ً‬
‫ويديه معربا هل عن خالص شكره وتقديره ملا قام به معه وأنه السبب يف‬
‫ُ‬
‫تغريه إىل شخص آديم‪ ،‬ث َّم احتضن صديقه إسالم وأعرب عن عجز اللكمات‬
‫عن وصف حبه وتقديره ملا قام من أجله وألول مرة خيربه بطلبه يف الزواج‬
‫من شقيقته دالل فهو حيمل الكثري من صفات دالل املالئكية‪.‬‬
‫ابتسم إسالم ابتسامة ممزتجة بادلموع وهو يقول هل‪ :‬أنا يف انتظار عودتك‬
‫ومعك عم إسماعيل وماما آمال ودالل‪.‬‬
‫أما آية فقد اختلط بداخلها حب عماد وفرحة مرافقتها هل يف رحلة العودة‬
‫إىل األهل‪ ،‬مع إحساس اخلوف واهللع من العالم اجلديد‪ ،‬مع إحساس احلزن‬
‫لفراق األب واألم الذلان ال يملاكن غريها‪ ،‬ولكنها حاولت إخفاء دموعها‬
‫عن وادليها واحتضنتهما بشدة ووعدتهما بالعودة القريبة مع أرسة عماد‬
‫ً‬
‫حىت يعيشوا سويا يف جزيرة الفضائل‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫روحية عامر‬

‫ونزل عماد وآية إىل القارب وهما يلوحان للجميع بإشارات احلب والسالم‪..‬‬
‫وىلع أصوات مع السالمة‪ ..‬يف راعية اهلل‪.‬‬
‫اغب عماد وآية عن أنظار اجلميع وبذلك بدأت رحلتهما مع مالطمة‬
‫األمواج وحتديات ابلحر يف نفس الطريق اذلي جاء منه عماد حىت قدر هلما‬
‫السميع العليم وصوهلما إىل الشاطئ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث َّم ركبا القطار وأخذ عماد يتذكر حاهل وهو هارب‪ ..‬خائف‪ ..‬مرجتف‪،‬‬
‫ويقارنه حباهل اآلن وهو معه ثباته اإلجيايب وفتاته اجلميلة‪.‬‬
‫احتضنت يده يد حبيبته اجلميلة وقبلها وبصوت خافت‪:‬‬
‫حبيبيت‪ ،‬منية القلب‪ ،‬وعشق الروح‪ ،‬زائرة الليل‪..‬‬
‫ً‬
‫لقد رأيتك كثريا يف أحاليم‬
‫سمعت صوتك يواسيين يف أحزاين‪،‬‬
‫تملكت‬
‫ِ‬ ‫شعرت بيدك مرات ومرات تطبطب ّ‬
‫يلع وختفف من آاليم‪ ،‬لقد‬
‫من لك وجداين قبل أن أراكِ ‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لك أبا وزوجا وابنا‪ ..‬بل‬
‫حبيبيت وصديقيت ورفيقيت‪ ،‬أعدك أن أكون ِ‬
‫ً‬
‫وخادما‪.‬‬
‫نظرت إيله نظرة حانية محلت إيله لك معاين احلب دون أن تتلكم‪.....‬‬
‫ً‬
‫أطلق القطار صفارته معلنا عن نهاية الرحلة‪ ،‬ووصول القطار إىل حمطته‬
‫الرئيسة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وبدأ عماد وآية يف االستعداد للوصول إىل بيت وادله وآية حتاول أن ترفع‬
‫من صوتها ويه تتبادل معه احلديث حىت تغطي ىلع صوت رضبات قلبه‬
‫ً‬
‫وهو حياول أن يلفت وجهه بعيدا عنها حىت ال تقع عيناه يف عيين حبيبته‬
‫فرتى دمعة خفية ترتقرق منهما‪ ..‬حىت وصال إىل بيت عم إسماعيل‪ ،‬ووقفا‬
‫ىلع باب املزنل‪ ،‬وبدأ عماد ادلين يف الطرق ىلع ابلاب‪ ،‬ومع صوت‪:‬‬
‫من الطارق؟ اذلي يأيت من داخل املزنل يرتقع صوت دقات قلبه‪ ،‬وبصوت‬
‫مرتعش جياوب‪ :‬أنا‪ ..‬أنا يا أيم‪ ..‬أنا شادي‪ ،‬يأتيه صوت أمه من ادلاخل ويه‬
‫ترصخ‪ :‬شادي؟ شادي؟ شااادي‪.‬‬
‫وهنا خرجت دالل من حجرتها ىلع رصاخ أمها ال تعرف السبب‪ ،‬وبمجرد‬
‫أن سمعت اسم شادي حىت ظلت تقفز مرة وجتري مرة وتصطدم بأثاث‬
‫ً‬
‫املزنل مرات ومرات حىت وصلت إىل ابلاب ونظرت إيله ووجدته حقا‪،‬‬
‫أخذت تتحسس جسده بيدها حىت تتأكد أنه حقيقة وليس خبيال أو‬
‫طيف‪ ..‬ذلك الطيف اذلي اكن يالزمها طوال الوقت‪.‬‬
‫ارتمت دالل يف أحضان شادي ويه تنتحب من ابلاكء‪ .‬أخذت دالل وماما‬
‫آمال تتلقفان شادي مرات ومرات وهما ممسكتان به حىت ال يفلت منهما‬
‫وتكتشفان اكلعادة بأنه رساب‪.‬‬
‫هدأ شادي من روعهما وارتىم ىلع قديم وادلته وقبلهما واعتذر عما سبب‬
‫ً‬
‫هلما من حزن وألم‪ .‬أما دالل فأخذها يف حضنه طويال‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬


‫ث َّم قطع هذا االستقبال حماوال إخفاء دموعه قائال‪ :‬ميع ضيفة أود أن حتسنا‬
‫ضيافتها حىت أعود‪ ،‬وبصوت واحد قالت دالل ووادلتها‪ :‬تعود؟؟ لن ندعك‬
‫تذهب حىت تعود‪ ،‬لن نرتكك خترج من هنا‪ ،‬فلم نعد حنتمل االنتظار حىت‬
‫تعود‪.‬‬
‫واجتهت دالل إىل ابلاب وأغلقته باملفتاح ووقفت أمامه وقالت هل‪ :‬لن خترج‬
‫ً‬
‫أبدا خارج هذا ابليت‪.‬‬
‫هدأ شادي من روعها وبصوت حنون قال هلا‪ :‬حبيبيت وتوءم رويح‪..‬‬
‫ً‬
‫صديقة الطفولة‪ ..‬البد أن أخرج اآلن حىت أصلح ما أفسدته سابقا يك أعود‬
‫ً‬
‫إيلكم ونعيش سويا وأنا مرتاح الضمري فأنا اآلن ممزق‪ ..‬أمحل فوق صدري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هما ثقيال‪ ،‬أطلب منكم أن تساعدوين ىلع ختفيف همويم‪.‬‬
‫دمعت دالل وأمها واستسلمتا لرغبة شادي‪.‬‬
‫اجته شادي حنو ابلاب وهو يقول هلم‪ :‬نسيت أن أعرفكم بالضيفة اجلديدة‬
‫ىلع أرستنا‪ ،‬إنها زوجيت آية‪ ،‬أما عن مىت قابلتها؟ وأين كنت؟ وكيف‬
‫رجعت؟ ستقوم آية برسد هذه احلاكيت لكم حىت أعود أنا ووادلي من‬
‫املأمورية املصريية‪.‬‬
‫ً‬
‫اجته شادي إىل ابلاب حمتضنا حقيبته السوداء‪ ،‬وبرفق وحنان طلب من‬
‫دالل أن تفتح هل باب املزنل‪ ،‬فقامت وفتحت هل ابلاب وقبلها وخرج‪.‬‬
‫أغلق شادي باب شقته ونزل درجات السلم وهو شارد اذلهن‪ ،‬ال يعرف أين‬
‫يذهب ومن أين يبدأ‪ ..‬هل يذهب إىل وادله يف العمل يك يأخذ منه املشورة؟‬
‫‪95‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫أم يتجه مبارشة إىل مزنل األستاذ مأمون مدير الرشكة ليك يعيد إيله ماهل‬
‫املسلوب؟‬
‫ولكنه ال يعرف مصري هذا الرجل وما حدث معه‪ ..‬وهل هو يف بيته؟ أم‬
‫مصريه أصبح اآلن يف السجن؟‬
‫ً‬
‫ارتبك شادي وازدادت حريته ولكنه تذكر أنه دائما لكما ضاقت عليه‬
‫السبل واختلطت عليه األمور لم ينقذه يف الرأي وانلصيحة سوى وادله‬
‫فاتصل به باهلاتف‪ :‬آلو‪ ..‬آلو‪ ..‬عم إسماعيل؟‬
‫_ عم إسماعيل يرد بلهفة وبصوت مرتعش‪ :‬نعم أنا‪ ..‬من أنت؟ وكيف‬
‫حصلت ىلع هذا اهلاتف؟ إنه خاص بابين شادي أخربين من أنت وكيف‬
‫حصلت عليه؟ هل أصيب وادلي؟ هل‪..‬؟‬
‫_ شادي‪ :‬ال ال اهدأ أيها الرجل الطيب‪ ،‬أنا هو‪ ..‬أنا شادي‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬شادي؟ ‪ ..‬شادي؟! كيف؟ وأين كنت؟ وملاذ ذهبت؟ وكيف‬
‫عدت؟ و‪..‬؟ و‪..‬؟‬
‫_ شادي‪ :‬اهدأ يا وادلي أرجوك وعندما نتقابل سأخربك بكل يشء‪.‬‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬أين أنت؟‬
‫_شادي‪ :‬أنا منتظرك يف نادي الرشكة‪.‬‬
‫ً‬
‫عم إسماعيل يهرول مرساع حىت أنه ال يرد ىلع زمالئه يف العمل وهم‬
‫يسألونه عن سبب انزاعجه وقلقه بهذا الشلك‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬
‫وها هما يتقابالن وجها لوجه‪ ..‬لم يصدق عم إسماعيل عينيه وهو يقابل‬
‫ً‬
‫ابنه شادي خاصة وهو بشلكه اجلديد فقد تغري شلكه واكتست مالحمه‬
‫بمالمح الرجولة واملروءة واالتزان‪ ،‬وبدا ىلع وجهه عالمات الصالح وانلور‬
‫اخليف اذلي ال يصدر إال من شخص اغية يف اتلدين‪ .‬وكيف تتوه هذه‬
‫العالمات ىلع رجل ادلين؟‬
‫فتح عم إسماعيل ذراعيه لودله ولكن شادي ارتىم ىلع قديم وادله‬
‫يقبلهما ويطلب منه السماح واملغفرة‪.‬‬
‫قام عم إسماعيل جبذب ودله شادي وأخربه بأن ماكنه يف القلب وليس حتت‬
‫ً‬
‫األقدام‪ ..‬فاحتضنه طويال‪.‬‬
‫جلس عم إسماعيل وشادي وأخذ ينظر لك منهما جتاه اآلخر يك تمتلئ‬
‫العيون من انلظر إىل احلبيب‪ .‬وبعد فرتة صمت‪ ..‬بدأ شادي يف رسد حاكيته‬
‫ً‬
‫لوادله بداية من ايلوم املشؤوم اذلي ذهب فيه إىل مدير الرشكة ورسقته‬
‫خلزنة الرشكة‪ ..‬إىل هذا ايلوم وهو عودته وخطيبته إىل بيتهما‪.‬‬
‫تعجب وادله هلذه الرواية وهذا التسلسل يف األحداث ولكنه اكن يف قمة‬
‫سعادته من عودة ابنه إيله‪ ،‬مرة أخرى وهو ىلع هذا الشلك من الصالح‬
‫وهذه اهليئة من اهليبة واالتزان واتلدين‪.‬‬
‫وهنا اكن البد من السؤال احلرج‪ :‬ما اذلي سنفعله اآلن مع مدير الرشكة؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهنا انتفض عم إسماعيل ووقف وكأنه تذكر شيئا هاما وجذب ابنه شادي‬
‫وقال هل‪ :‬هيا‪ ..‬هيا‪..‬‬
‫‪97‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ شادي‪ :‬إىل أين؟‬


‫_ عم إسماعيل‪ :‬سأخربك يف الطريق‪.‬‬
‫ً‬
‫وبرسعة أشار إىل سيارة من سيارات األجرة وركبا سويا‪ ،‬ويف الطريق أخربه‬
‫عم إسماعيل بأن ايلوم سيقوم األستاذ مأمون ببيع بيته يك يقوم بسداد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املبلغ وهذا بعد نظر الرشكة إيله بعني الرأفة نظرا لوفاة ودله ونظرا تلاريخ‬
‫األستاذ مأمون وأمانته املشهود بها‪ ،‬فهذه الواقعة لم تصدر منه طيلة فرتة‬
‫عمله يف الرشكة‪.‬‬
‫ذلا فإن املدير العام للرشكة لم يقم بإبالغ انليابة عن رسقة األموال من‬
‫اخلزنة وطلب منه أن يقوم برد املبلغ ووضعه يف خزانة الرشكة وأال يقوم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحد بإذاعة اخلرب حرصا ىلع سمعة األستاذ مأمون وحفاظا ىلع مشاعره‬
‫وخاصة بعد وفاة ابنه وحىت ال يتم فصله من الرشكة‪ .‬ولم جيد األستاذ‬
‫ً‬
‫مأمون حال سوى بيع بيته الكبري وابلحث عن شقة متواضعة يعيش فيها‬
‫هو وزوجته وابنته‪.‬‬
‫وصل عم إسماعيل وشادي إىل بيت األستاذ مأمون ومع دق جرس ابلاب‬
‫ازدادت رضبات قلبه ولكن وادله حياول أن يهدئ من روعه ويربط ىلع‬
‫كتفه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فتح ابلاب ودخل عم إسماعيل ممساك بيد ابنه وقدم اتلحية إىل األستاذ‬
‫ً‬
‫مأمون‪ ،‬ولكنهم وجدوه جيلس مطأطئ الرأس واضعا رأسه بني يديه‪ ،‬يبدو‬

‫‪98‬‬
‫روحية عامر‬

‫عليه عالمات احلزن واهلم‪ ،‬ترتعش يداه وهو حياول أن يتحكم يف القلم يك‬
‫يوقع ىلع عقد بيع املزنل‪.‬‬
‫اعل يقول عم إسماعيل‪ :‬انتظر يا أستاذ مأمون‪ ،‬لن تبيع‬
‫وبصوت ٍ‬‫ٍ‬
‫ابليت‪.......‬‬
‫نزلت هذه اللكمات ىلع قلب الرجل قبل أن تصل إىل أذنيه‪ ،‬ونظر إيله نظرة‬
‫ذهول وتعجب‪ :‬ماذا تقول يا عم إسماعيل!‬
‫تقدم إيله وهو يقدم ابنه إيله ويقول هل بصوت تملؤه ادلموع‪:‬‬
‫هذا ابين شادي‪ ..‬هو من قام برسقة خزانة الرشكة وهو اآلن يطلب منك‬
‫السماح واملغفرة‪ ،‬وأعلم أن هذا ليس من حقه ولكنه طمع منا يف كرم‬
‫أخالقك املعهودة‪.‬‬
‫وقام عم إسماعيل يأخذ احلقيبة السوداء من يد ابنه وفتحها أمام األستاذ‬
‫مأمون‪ ،‬هذه يه أموال الرشكة املرسوقة‪ ،‬بنفس األرقام بنفس العدد‪ ،‬لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ينقص منها جنيها واحدا‪ .‬وأنا وابين ىلع أتم االستعداد للعقاب اذلي حتكم‬
‫به ىلع شادي‪ ،‬فقد أخطأ والبد أن ينال عقابه‪.‬‬
‫لم يصدق األستاذ مأمون هذا الالكم ونظر إىل بيته و إىل زوجته وابنته وإىل‬
‫ُ‬
‫احلقائب املعدة هلجرة ابليت‪ ،‬فهل يعقل أن يأيت الفرج يف هذا الوقت من‬
‫الضيق والكرب الشديد‪ ،‬فهذا ابليت ليس جدران فقط‪ ،‬فقد ورثه عن أبيه‬
‫ً‬
‫وورثه أبيه عن جده‪ ..‬بيت ميلء باذلكريات وخاصة ذكريات ابنه املتويف‪،‬‬
‫فأكرث ما اكن يؤمله أن يرتك غرفة ودله بمالبسه وأحذيته وكتبه‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وأخذ اجلميع يرتقب لكمة ينطق بها األستاذ مأمون اذلي قام بتمزيق ورق‬
‫بيع ابليت وهنا جرت ابنته وارتمت يف حضنه ويه تقبل رأسه ويديه‬
‫ولسانها يلهث "احلمد هلل‪ ،‬احلمد هلل" بينما ارتمت زوجته ىلع األرض ويه‬
‫جتهش بابلاكء وتنظر إىل اتلابلوهات اليت رسمها ابنها وتمأل املاكن وتقول‪:‬‬
‫لن نرتك ابليت‪ ..‬لن نرتك أشياءك يا حبيب قليب‪.‬‬
‫وبعد أن هدأ اجلميع وقف شادي ووادله يف انتظار حكم األستاذ مأمون‬
‫عليه‪ ،‬هل سيقوم بإبالغ انليابة عن الشخص اللص؟ هل سيقوم باالتصال‬
‫باملدير العام يلطلعه ىلع ما حدث يك حيافظ ىلع صورته عند زمالئه يف‬
‫الرشكة؟‬
‫ولكن املفاجأة اكنت يف رد األستاذ مأمون حينما قال‪ :‬من أراد أن يغفر هل‬
‫ً‬
‫اهلل ويعفو عنه فليبدأ هو أوال بالعفو واملغفرة‪.‬‬
‫لم يصدق عم إسماعيل وشادي هذه اللكمات وأن الرجل عفا عنه بهذا‬
‫الشلك‪ .‬تلعثم شادي وهو يبحث عن قاموس لكمات الشكر اليت يتقدم بها‬
‫إىل األستاذ مأمون فتقدم إيله وقبل يده فأخذه الرجل يف حضنه وهنأه ىلع‬
‫اتلوبة والصالح اذلي وصل إيله‪.‬‬
‫اغدر شادي وعم إسماعيل مزنل االستاذ مأمون وقدماهما ال تلمس األرض‬
‫من فرط السعادة‪ .‬ها هو الاكبوس قد وىل واحلمل اثلقيل تم ازاحته من ىلع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اكهلهما فقاما بالسجود ىلع األرضا شكرا ومحدا هلل سبحانه وتعاىل ىلع‬
‫تفريج الكرب واتلخلص من اذلنب‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫روحية عامر‬

‫وأثناء سريهما يف اجتاه ابليت استأذن عم إسماعيل من ودله يف ادلخول إىل‬


‫أحد املحالت وخرج منه بعلبة كبرية سأهل عنها شادي فقال هل‪:‬‬
‫ال تتعجل ستعرف يف املزنل‪.....‬‬
‫وصل شادي ووادله إىل ابليت وما أن دق جرس ابلاب حىت وجد دالل‬
‫ووادلته وآية ثالثتهم يقوموا بفتح ابلاب وما أن وجدوا شادي مع وادله حىت‬
‫تهللت وجوههم بالفرح والسعادة‪ ،‬فقام عم إسماعيل بفتح العلبة وأخرج‬
‫منها كعكة كبرية مكتوب عليها‪:‬‬
‫ً‬
‫"أهال بزوجة ابين وابنيت اثلانية آية"‪ ،‬وهنا أخذت وادلة شادي تطلق‬
‫الزاغريد يف لك ماكن فتوافد اجلريان ىلع ماما آمال للسؤال عن سبب‬
‫الزاغريد‪ ،‬فهذا ابليت خييم عليه احلزن والكآبة منذ رحيل ابنهم شادي‪،‬‬
‫فأخربتهم بأن شادي قد اعد وومعه خطيبته وىلع اجلميع االستعداد حلفل‬
‫الزفاف‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخذ اجلميع يهنئ ماما آمال ث َّم قاموا بتوزيع املسؤويلات‪ ،‬فهذه مسؤولة‬
‫عن احلنة‪ ،‬وهذا مسؤول عن الفراشة وهذا عليه اإلضاءة‪ ،‬واجلميع يتقاسم‬
‫عمل طعام الزفاف فقد اكن حلم اجلريان أن تأيت الفرصة لرد مجيل هذا‬
‫الرجل الطيب وهذه السيدة احلنونة‪.‬‬

‫****‬
‫‪101‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل الخامس عشر‪( :‬يوم الزفاف)‬

‫وجاء ايلوم املوعود‪ ...‬يوم الزفاف‪ ،‬فزتينت آية بأمجل زينة هلا وكذلك شادي‬
‫وبدأت مراسم احلفل حبضور األهل واجلريان‪ ،‬وفوئج اجلميع بسيارة فارهة‬
‫يزنل منها رجل تكسوه اهليبة‪ ..‬إنه األستاذ مأمون ومعه زوجته وابنته‪ .‬لم‬
‫يصدق عم إسماعيل نفسه من الفرحة وكذلك شادي فمشاركته يف احلفل‬
‫يه شهادة إعالن عفوه الاكمل عن شادي‪.‬‬
‫استمر احلفل بفقرات خمتلفة حىت اقرتب أذان الفجر‪ ،‬فاستأذن شادي من‬
‫وادله رسعة إنهاء احلفل حىت يتسىن للجميع أداء صالة الفجر‪ .‬وهنا نظر‬
‫إيله وادله نظرة إعجاب هلذا اتلغيري الرائع يف شخصيته وتمسكه بدينه‪.‬‬
‫ويف ايلوم اتلايل حلفل الزفاف استيقظ اجلميع ىلع صوت رصاخ يأيت من‬
‫شقة أحد اجلريان‪ .‬خرج عم إسماعيل ومعه شادي للتحري عن أسباب‬
‫الرصاخ فوجدا جارهم األستاذ فتيح وهو حياول إشعال انلار يف زوجته‬
‫وأوالده فقد ضاقت به ادلنيا وزادت متطلبات احلياة وهو لم يعد يستطيع‬
‫تلبية هذه املتطلبات فهو جمرد اعمل يف أحد املطاعم يقوم بمساعدة الشيف‬
‫ً‬
‫يف حتضري أشىه األطعمة‪ ،‬وباتلايل فإن راتبه ضئيل جدا‪ .‬وهنا اتلقط شادي‬
‫ً ُ‬
‫اخليط حلل األزمة فهدأ من روعته أوال‪ ،‬ث َّم طلب منه اجللوس للحوار‬
‫وطلب من زوجته أن تعد هلم الشاي‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫روحية عامر‬

‫وبدأ حديثه مع األستاذ فتيح‪ :‬حيث أنك تعمل مع الشيف من فرتة‬


‫فبالطبع تعلمت الكثري من أرسار الطبخ‪.‬‬
‫قال هل فتيح‪ :‬نعم‪ ،‬ولكين لست بشيف ولن يعاملين أحد معاملة ًالشيف‪.‬‬
‫قاطعه شادي‪ :‬أنا أحتدث عن الشيف فتيح هنا وبني اجلريان‪ ،‬فلتبدأ من‬
‫اآلن بمساعدة زوجتك يف إعداد وجبات جاهزة وسأقوم أنا ووادلي ووادليت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعمل داعية لك بني اجلريان وشيئا فشيئا ستتسع دائرة أعمالك‪.‬‬
‫وأنا أول من حيجز معك أول طلب ايلوم ىلع الغذاء فأنا عريس وأريد أن‬
‫ً‬
‫أطعم زوجيت طعاما من نوع جديد وهذا هو عربون طعامنا ايلوم‪ .‬عليك‬
‫أن تقوم الىن برشاء الفحم واللحم وادلجاج وغريه‪ ،‬أريد أن تنرش راحئة‬
‫الطعام يف لك أرجاء "يح األرشاف"‪.‬‬
‫ً‬
‫ابتسم الرجل وابتسمت زوجته وطار األبناء فرحا وخرج شادي ووادله من‬
‫شقة األستاذ فتيح‪ .‬ومن بعيد يأيت صوت "قطيع ابلصل واخلضار‪ ...‬عندنا‬
‫بهارات؟‬
‫ً‬
‫نظر عم إسماعيل نظرة الرضا إىل ابنه شادي ولسان حاهل يقول "حقا رسول‬
‫السالم"‬
‫وبمجرد دخوهلما للمزنل اجته عم إسماعيل إىل آية ليشكرها ىلع اتلغيري‬
‫اتلام يف شخصية ودله‪ .‬وبدأ اجلميع يف تناول أطراف احلديث عن آية‬
‫وأرستها وعن أرض الفضيلة إىل أن جاءت طرقات ابلاب ودخلت زوجة‬

‫‪103‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫األستاذ فتيح ويه حتمل أذل وأشىه األطعمة وتنظر إيلهم نظرة يملؤها‬
‫الشكر والعرفان باجلميل‪.‬‬
‫ويف ايلوم اثلاين بعد صالة الفجر أثناء عودة شادي مع وادله إىل مزنهلمها‬
‫ملحا من بعيد سيدة منتقبة حتمل بني يديها طفل حديث الوالدة وتنتظر‬
‫خلو الشارع من املارة حىت تريم بهذا الطفل بني كومات القمامة‪ ،‬وهنا‬
‫جرى شادي حنوها وأمسك بها وبالطفل ونهرها عن ريم هذا الرضيع فهو‬
‫ً‬
‫لم يفعل ذنبا يستحق عليه أن يكون هذا مصريه‪.‬‬
‫وهنا بكت السيدة أشد ابلاكء وترجته أن يسترت عليها وىلع ابنتها (أم‬
‫الطفل) فقد غرر بها أحد الشباب وتركها يه وطفلها ويه اآلن اعجزة عن‬
‫مواجهة املجتمع بهذا الطفل وقلبها يتقطع ويه تريم حبفيدها بهذا الشلك‪.‬‬
‫دمعت عينا شادي ورق حاهل للسيدة وطلب منها عنوان هذا الشاب‬
‫ً‬
‫وعنوان وادله وعنوانها أيضا‪ ،‬وترجاها بأن تأخذ هذا الطفل إىل وادلته فهو‬
‫حيتاج إيلها اآلن ووعدها بأنه سيحاول أن حيل هذه األزمة‪ .‬دمعت عيين‬
‫السيدة وأخذت حفيدها يف حضنها واجتهت حنو مزنهلا‪ ،‬وما إن دخلت‬
‫ومعها الطفل وسمعت ابنتها صوت رضيعها حىت انتفضت وجرت إيله‬
‫واتلقطته من يد وادلتها واحتضنته ويه تبيك‪ :‬ابين‪ ..‬ابين‬
‫ويف الصباح اجته عم إسماعيل ومعه ابنه شادي إىل وادل الشاب فهو رجل‬
‫أعمال كبري دليه من املال الكثري ولكن دليه ودل واحد وخياف عليه أشد‬
‫اخلوف‪ .‬وبعد طلب اإلذن يف ادلخول إيله بدأ العم إسماعيل يف احلديث مع‬

‫‪104‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬
‫احلاج مدبويل فقال هل بأنه سمع كثريا عن أعماهل الكبرية وجتارته الواسعة‬
‫ولكن أكرث ما اشتهر به صيته هو عدهل وحبه للخري‪ ،‬وأن هذه السمعة‬
‫ً‬
‫الطيبة يه اليت شجعتهما ىلع امليجء إيله طمعا يف أخالقه الكريمة‪.‬‬
‫ارتاح الرجل إىل هذه املقدمة اجلميلة وبدأ يف عرض خدماته عليهم من‬
‫مال أو مساعدة للمحتاجني أو اتلربع ملؤسسة خريية أو إجياد فرصة عمل‬
‫ألحد الشباب‪.‬‬
‫وهنا قاطعه عم إسماعيل وأخربه أنه ال يريد أي من هذه األشياء ولكنه‬
‫يريد أن يعطيه وال يريد أن يأخذ منه‪ .‬تعجب الرجل وقال‪ :‬تعطيين؟ ماذا‬
‫دليك تلعطيين إياه؟ فأنا دلي املال واجلاه والسيارات والعمارات‪.‬‬
‫شادي‪ :‬ولكن دليك ودل واحد‬
‫حزين‪ :‬نعم لألسف‪ ،‬فقد أعطاين اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫ٍ‬ ‫بصوت‬
‫ٍ‬ ‫احلاج مدبويل‬
‫املال الكثري ولكنها إرادته سبحانه وتعاىل‪ .‬لقد أجنبت ابين هذا بعد عدة‬
‫حماوالت فاشلة مع أطفال األنابيب وجنحت اتلجربة مرة واحدة ولم تنجح‬
‫بعد ذلك‪ ..‬إنها إرادة اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬وإذا أراد اهلل سبحانه وتعاىل أن يعطيك ابنا جديدا هل‬
‫تقبل؟‬
‫_ انتفض احلاج مدبويل من ماكنه‪ :‬يعطيين؟ وكيف ذلك وأنا يف سن‬
‫ً‬
‫ايلأس؟ هل سمعتم شيئا عن زوجيت؟‬

‫‪105‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ شادي‪ :‬ال‪ ..‬زوجتك سيدة عظيمة وصيتها يمأل األسماع‪ ،‬حنن ال نقصد‬
‫ودل لك أنت‪ ..‬ولكنه حفيد‪.‬‬
‫_ احلاج مدبويل‪ :‬حفيد!! كيف؟‬
‫وعندها بدأ عم إسماعيل يف رسد أحداث القصة‪ ،‬وما إن وصل إىل أن‬
‫حفيده مصريه القمامة حىت انتفض الرجل من ماكنه وقام باالتصال بابنه‬
‫"رشيف" وطلب منه أن يأتيه يف أقىص رسعة‪.‬‬
‫وبمجرد أن وصل رشيف وسأهل وادله عن صدق هذه الرواية لم يستطع‬
‫اإلنكار وأخرب وادله بأنه تعرف ىلع هذه الفتاة فيه زميلة هل يف اللكية وأنها‬
‫ً ً‬
‫أحبته حبا مجا ووعدها بالزواج ولكنه طلب منها الزواج العريف حىت‬
‫اتلخرج‪ .‬سلمته الفتاة نفسها ألنها حتبه أشد احلب وتصدق الكمه املعسول‪.‬‬
‫ولكنها حني أخربته خبرب احلمل لم يستطع املواجهة وتهرب منها ومن‬
‫جنينها‪.‬‬
‫_ سأهل وادله‪ :‬وأين ورقة الزواج العريف؟‬
‫أخربه رشيف بأنه قام بتمزيقها حىت ال تستطيع الفتاة إثبات نسب الطفل‪.‬‬
‫قام احلاج مدبويل من ماكنه وصفع ودله صفعة مدوية وبصوت أجهش‪:‬‬
‫_ حقري‪ ..‬حقري‪ ..‬لقد حاولت أنا ووادلتك تربيتك ىلع الفضيلة والرب‬
‫واحرتام اآلخرين‪ .‬كيف وصلت بك انلذالة إىل هذا احلد؟ إذالل فتاة‬
‫صغرية! وعود اكذبة! وأد طفل بريء؟!‬

‫‪106‬‬
‫روحية عامر‬

‫حاول العم إسماعيل تهدئة احلاج مدبويل وأخربه أن الفرصة مازالت‬


‫متاحة يف إصالح ما تم إفساده وأنه قام بالفعل بإنقاذ الرضيع‪ ،‬وأن عليهم‬
‫ً‬
‫أن يذهبوا مجيعا إىل الطفل وأمه‪.‬‬
‫وبالفعل طلب احلاج مدبويل سيارة خاصة من سياراته واجتهوا إىل بيت‬
‫الفتاة‪ .‬وقبل أن يطرقوا ابلاب سمع احلاج مدبويل صوت بكاء الرضيع اذلي‬
‫مزق قلبه‪ ،‬وبمجرد دخوهل أخذ الطفل يف حضنه وقال هلم‪:‬‬
‫_ هذا مدبويل اجلديد‪.‬‬
‫لم تصدق وادلة الفتاة ما رأته وكأنها يف حلم‪ .‬وهنا استأذن شادي وعم‬
‫ً‬
‫إسماعيل يف الرحيل يلرتكوا األرسة معا يف هذه األجواء‪.‬‬
‫وأثناء عودة عم إسماعيل وودله إىل مزنهلما فوجئا بمشاجرة بني اثنني من‬
‫ُ‬
‫اجلريان‪ ،‬واشتدت املشاجرة إىل أن وصلت إىل تبادل الرضب‪ ،‬ث َّم تبادل‬
‫رضبات األسلحة‪ .‬وهنا اكن البد من تدخل شادي ووادله‪ ،‬فأمسك شادي‬
‫بأحد املتشاجرين ووادله باآلخر‪ ،‬وطلب شادي من اجلميع إخالء املاكن‪،‬‬
‫فنحن أهل وال دايع للتجمهر وأنه خالف بسيط‪ .‬قام أحد املتشاجرين وهو‬
‫"األستاذ رضا" زوج ابنة املتشاجر اآلخر وهو "املعلم اعشور" باالنسحاب‬
‫وبدؤوا يف رسد حاكيتهم وتبني أن ما حدث بينهما هو خالف بسيط حيث‬
‫اغدرت الزوجة بيت زوجها وذهبت إىل بيت أبيها ومعها أبناؤها‪ .‬وبسبب‬
‫ضيق حال وادلها وعدم قدرته ىلع اإلنفاق ىلع ابنته وأطفاهلا قامت الزوجة‬
‫برفع قضية تطلب فيها نفقة لألطفال‪ ،‬فقام الزوج برفع قضية يطلب‬
‫‪107‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الزوجة يف بيت الطاعة‪ ،‬وما أن سمع وادلها ببيت الطاعة حىت جن جنونه‪،‬‬
‫فكيف وهو الرجل الوقور وابنته خرجية اجلامعة يتم طلبها يف بيت حقري‬
‫يسىم بيت الطاعة!‬
‫وهنا اتلقط شادي طرف احلديث وقال بصوت تكسوه السخرية ويتجه‬
‫ببرصه حنو األستاذ رضا‪ :‬يا معلم اعشور‪ ،‬األستاذ رضا يتصنع احلجج إلاعدة‬
‫ً‬
‫زوجته وأوالده إىل بيته ولكن كرامته ال تسمح هل أن يطلبها مبارشة‬
‫ً‬
‫وخاصة بعد رفع القضايا ضده‪.‬‬
‫_ وبصوت ماكر سأل شادي األستاذ رضا‪ :‬ما هو رأيك يف هذا الالكم يا‬
‫أستاذ رضا؟‬
‫ً‬
‫_ األستاذ رضا وهو ينظر خجال إىل األرض‪ :‬نعم‪ ..‬أريد عودة زوجيت وأبنايئ‬
‫إىل ابليت‪ ،‬فأنا ال أطيق ابتعادهم عين‪ ،‬وابليت من دونهم خراب‪.‬‬
‫_ املعلم اعشور‪ :‬ملاذا لم تقل ذلك من ابلداية؟ ملاذا لم تطرق ابلاب بكل‬
‫حب ومودة وتأخذ زوجتك وأبناءك إىل بيتك؟‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬ال دايع للحديث والعتاب‪ .‬هيا يا أستاذ رضا قم اآلن‬
‫واشرت هدية لزوجتك واذهب إىل بيت أبيها وخذها إىل بيتك بدون عتاب‪.‬‬
‫ِ‬
‫وهنا قام األستاذ رضا يصافح املعلم اعشور ويطلب منه املساح يف مصاحلة‬
‫زوجته‪ ،‬فقام املعلم اعشور واحتضنه‪.‬‬
‫وهنا قام شادي ووادله بتوديع األستاذ رضا واملعلم اعشور واغدرا املاكن‪،‬‬
‫ويف طريقهما إىل املزنل نظر عم إسماعيل إىل ودله شادي نظرة حتمل لك‬

‫‪108‬‬
‫روحية عامر‬

‫ً‬
‫معاين الرضا والفخر وقال هل بكل حب‪ :‬لقد تغريت حقا يا شادي‪ ،‬لقد‬
‫ً‬
‫أصبحت رجال يعتمد عليه يف حل القضايا واخلالفات‪ ،‬أنت اآلن ابين اذلي‬
‫أفتخر به يف لك ماكن؛ فابتسم هل شادي وأخذ بيده وقبلها وقال هل‪ :‬يلتين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أستطيع أيها األب العظيم أن أمحل جزءا ولو ضئيال من صفاتك وأخالقك‬
‫وسعة أفقك‪.‬‬
‫ً‬
‫وتشابكت أيدي األب وابنه واجتها سويا إىل مزنهلما‪ ..‬وما أن وصال إىل‬
‫املزنل حىت فوجئا بأسئلة متالحقة من دالل ووادلتها وآية‪ ..‬اللك يتساءل‬
‫بلهفة عن سبب تأخرهما خارج املزنل‪ ،‬وكيف أن الشيطان وسوس هلم‬
‫حدوث مكروه هلما خارج املزنل‪.‬‬
‫_ فقالت هل وادلته‪ :‬لن أسمح لك يا شادي باخلروج من املزنل مرة ثانية‪،‬‬
‫فأنا لكما خرجت من املزنل وسوس يل الشيطان ويقول يل‪ :‬إنه لن يعود‪ ..‬وأنا‬
‫يا ودلي لم يعد يل طاقة ىلع فراقك‪.‬‬
‫فقام شادي باحتضان وادلته حماوال" طمأنتها‬
‫ً‬
‫وهنا تدخل األب وقال مازحا‪:‬‬
‫_ وأنا؟ أال يوجد من يقلق يلع وينشغل يب؟ مسكني أنا فقد ماتت وادليت‪.‬‬
‫ضحك اجلميع واتلفوا حول األب وبصوت واحد‪:‬‬
‫_ حنن بدونك ال يشء‪.‬‬
‫وفجأة تغري وجه شادي فقد جاءه خاطرة من صديقه إسالم يسأهل فيها عن‬
‫حاهل وعن موعد عودتهم إىل اجلزيرة الفاضلة‪ ،‬فحاول مجع شجاعته وبدأ‬
‫‪109‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫ً‬
‫يف اتلقديم لوادله يف فكرة العودة إىل أرض الفضيلة بصحبتهم مجيعا‪ ..‬هو‬
‫ووادلته ووادله وشقيقته‪ .‬أجاب وادله‪ :‬ولكن يا ودلي‪ ،‬كيف نرتك وطننا‬
‫ومزننلا وجرياننا وأقاربنا‪ ..‬اإلنسان يا ودلي ال تكتمل كينونته إال بمعارفه‬
‫وأقربائه‪.‬‬
‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬األمر ليس اختياريا يا وادلي ولكنها رسالة وأمانة محلتها يل‬
‫اجلدة آيات‪ ،‬وعهد قطعته ىلع نفيس معها‪ .‬ولم يعد هناك سبيل يف العودة‪..‬‬
‫فقد ماتت من محلتين الرسالة والعهد‪.‬‬
‫ً‬ ‫_ دالل‪َ :‬‬
‫ولم ال يا وادلي؟ فأنا مشتاقة جدا لرؤية هذه اجلزيرة الفاضلة اليت‬
‫طاملا رأيتها يف احاليم ورسمتها يف خميليت‪.‬‬
‫_ ماما آمال‪ :‬نعم يا زويج العزيز‪ ،‬ما أحوجنا اآلن وبعد لك هذا احلزن‬
‫والقهر اذلي اعنيناه يف غياب شادي يف أن نقوم بعمل مثل هذه الرحلة‬
‫خال من احلقد والكراهية واملشاحنات‪.‬‬
‫ماكن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫املمتعة إىل‬
‫_ آية‪ :‬اعئليت اجلديدة‪ ..‬لقد حدثين عماد‪ ..‬أو شادي كما تسمونه عن لك‬
‫واحد فيكم‪ ،‬ولكن لم أكن أختيل أنكم بهذه الروعة‪ ،‬وهذا السمو الرايق‬
‫يف األخالق‪ ،‬اسمحوا يل أنتم ماكنكم ليس هنا وسط املشاحنات‬
‫ً‬
‫والرصااعت والسب والقذف‪ ،‬بل والقتل أحيانا‪ ،‬ماكنكم هناك يف اعملنا‬
‫املثايل‪.‬‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬معك حق يا ابنيت‪ ،‬فقد استزنفت احلروب طاقة ادلول‪،‬‬
‫وكم ضاعت مزيانيات دول بالاكمل ويه حتاول أن تدافع عن حريتها من‬

‫‪110‬‬
‫روحية عامر‬

‫اعتداء دول أخرى ملجرد أنها أقوى منها يف العدة والتسليح‪ .‬وأنا ىلع يقني‬
‫أن سبب تقدم جزيرتكم ووصوهلا إىل هذا القدر من العلم واتلكنولوجيا‬
‫هو توفري مزيانية التسليح لصالح اتلعليم واتلنمية‪ ،‬يلت العالم بأرسه يعرف‬
‫هذ اتلجربة احلية ويتعلم منها‪.‬‬
‫ً‬
‫_ شادي‪ :‬إذا يا وادلي‪ ،‬البد كما قالت اجلدة آيات من رضروة نقل العالم‬
‫إيلهم ونقلهم إىل العالم تلدريس جتربتهم هذه ىلع مستوى العالم بأرسه‪.‬‬
‫ً‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬إذا فأنا موافق ىلع اذلهاب معكم ألرض الفضيلة‪ ،‬بل‬
‫وأقرتح أن نقوم بعمل إعالن اعم ىلع شباكت اتلواصل االجتمايع ىلع مجيع‬
‫وسائل اإلعالم للك من يريد اذلهاب معنا إىل أرض الفضيلة حىت يكون‬
‫هؤالء الزائرين هم رسل السالم بعد ذلك‪ ،‬حيث يقومون بنقل جتاربهم مع‬
‫الفضيلة إىل اآلخرين‪.‬‬
‫عليك يا دالل أن تقويم بتصميم إعالن يوزع‬
‫ِ‬ ‫_ شادي‪ :‬فكرة رائعة‪ ،‬واآلن‬
‫ىلع مجيع وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة عن رحلتنا هذه وعن مواصفات‬
‫أرض الفضيلة‪....‬‬
‫_ آية‪ :‬وما هو موعد الرحلة؟‬
‫_ شادي‪ :‬ما رأيكم أن تكون صباح وقفة عيد األضىح؟ فيكون العيد‬
‫عيدين‪.‬‬
‫_اجلميع يف صوت واحد‪ :‬موافقون‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫_ آية‪ :‬وأنا سأقوم بإرسال خاطرة إىل وادلي أطمئنه فيها ّ‬


‫يلع أنا وعماد ادلين‬
‫وأخربه فيها بموعد رحلتنا إيله‪.‬‬
‫_ عم إسماعيل‪ :‬وأنا من الغد سأقوم بتقديم طلب إجازة من العمل‪.‬‬
‫_ ماما آمال‪ :‬وأنا سأقوم بتجهزي زاد الرحلة من الطعام والرشاب‪.‬‬
‫وهنا تقوم دالل بعمل تصور عن اإلعالن عن الرحلة الغريبة وتطلب منهم‬
‫رأيهم فيها‪ ،‬فاكن نصه‪:‬‬
‫دعوة اعمة‬
‫إىل لك من تاقت نفسه إىل اعلم مثايل حيمل أخالق املالئكة‪.‬‬
‫إىل القلوب الطاهرة اليت ضاقت حبياة الغش واخلداع‪.‬‬
‫إىل انلفوس الراقية اليت حلمت حبياة خايلة من احلقد والكراهية‪......‬‬
‫ً‬
‫إىل لك من احنىن ظهره من محل السالح خوفا من ابلطش ومحاية" للعرض‬
‫والرشف‪.‬‬
‫إىل لك من أضاع ماهل وجهده ووقته يف إعداد خطط اثلأر واحلرب‪.‬‬
‫إىل لك من حلم مثيل وكرب حلمه باحلياة يف بالد دستورها القرآن وحدودها‬
‫األمن واألمان‪...‬‬
‫إىل لك هؤالء‬
‫"تعلن أرسة احلاج إسماعيل عبد اتلواب عن قيام رحلة غري اعدية إىل أرض‬
‫غري اعدية‪ ،‬فيها أناس غري اعديني‪ ..‬فيها برش ليسوا اكلبرش بل هم أشبه‬
‫باملالئكة‪ ..‬أناس قرروا احلياة حتت شعار احلب والسالم‪ ..‬رحلتنا إىل أرض‬

‫‪112‬‬
‫روحية عامر‬

‫الفضائل وىلع من يود االشرتاك يف الرحلة تسجيل اسمه من اآلن‪ ،‬قيمة‬


‫اشرتاك الرحلة‪ :‬مقدار ما تقوم به من فضائل‪ ..‬صالة أو قراءة قرآن أو أي‬
‫عمل صالح‪.‬‬
‫ميعاد الرحلة يوم وقفة عيد األضىح املبارك‪.‬‬
‫حاز اإلعالن ىلع إعجاب اجلميع وطلبوا منها رسعة إعالنه ىلع شباكت‬
‫اتلواصل االجتمايع ووسائل اإلعالم مع كتابة رقم اتلليفون للرد ىلع أي‬
‫استفسارات‪.‬‬
‫بمجرد نرش اإلعالن حاز ىلع إعجاب الكثري وبدأت األسئلة‬
‫واالستفسارات عن صفات ساكن هذه األرض وهل هم برش حقيقيون؟‬
‫وهل هناك خطورة يف السفر؟ وهل العودة متاحة؟ أم أنها رحلة ذهاب بال‬
‫عودة؟‬
‫أجابت دالل ىلع مجيع األسئلة بمنتىه اللباقة والكياسة مما زاد من شوق‬
‫اجلميع إىل الرحلة‪ ،‬وبدأ اجلميع يستعد لليوم املوعود وهو يوم الرحلة‪.‬‬

‫****‬

‫‪113‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫الفصل السادس عشر (اليوم املوعود)‬

‫جاء ايلوم املوعود‪ ،‬وعند شاطئ ابلحر اجتمع آالف من البرش ومعهم‬
‫حقائبهم واجلميع يف اغية الشوق واللهفة إىل رؤية الفضيلة ويه جمسدة‬
‫ىلع الواقع‪.........‬‬
‫بدأ شادي يف جتهزي السفن واملراكب‪ ،‬وحدد للك مركب عدد حمدد حىت ال‬
‫تتعرض ملخاطر ابلحر‪ ،‬ووزع أفراد اعئلته ىلع املراكب‪ ،‬حىت يكون لك فرد‬
‫منهم بمثابة املرشد واملطمنئ هلم‪ ،‬وأخذ هو مركب يف املقدمة واجلميع‬
‫ُ‬
‫خلفه يرددون داعء السفر‪ ،‬ث َّم قاموا بإنشاد أاغين عن الفضيلة‪:‬‬

‫وبكنـــوز الفضائــــل اعئــدون‬ ‫إىل أرض الفضيلة ذاهبون‬


‫وبرسائل السـالم واألمان مهتدون‬ ‫وعن مجيع ذنوبنا تائبــون‬

‫ومع تسارع األمواج تعلو الصيحات مرة بالرصخات ومرات بالضحاكت‪..‬‬


‫ياهلا من رحلة شيقة!‬

‫‪114‬‬
‫روحية عامر‬

‫ُ‬
‫ث َّم وصلت السفن واملراكب إىل جزيرة الفضيلة وفوئج شادي جبميع ساكن‬
‫جزيرة الفضيلة يقفون ىلع شاطئ ابلحر يف انتظار ضيوف الفضيلة‪.‬‬
‫ً‬
‫وبمجرد وصوهلم انطلقت الزاغريد ودقت الطبول فرحا بعودة األحباب‪.‬‬
‫واكن ىلع رأس املستقبلني الشيخ رضوان وزوجته وإسالم‪ ،‬فارتمت آية يف‬
‫ُ‬
‫أحضان وادليها وطمأنتهم ىلع حياتها مع عماد ادلين وأرسته‪ ،‬ث َّم تقدم‬
‫إسالم بالرتحيب بأرسة عماد ادلين فهو يعرفهم تمام املعرفة من حديث‬
‫ُ‬
‫عماد ادلين عنهم‪ ،‬ث َّم تقدم حاكم اجلزيرة ورحب بالضيوف واصطحبهم‬
‫إىل ساحة املناسبات ويه مزينة جبيمع أنواع الزينات من اإلضاءة والزهور‬
‫ولوحات ترحيب يف لك ماكن‪.‬‬
‫وبمجرد وصول الضيوف إىل الساحة فوجئوا بمأدبة عظيمة عليها مجيع‬
‫أنواع األطعمة والفاكهة‪.‬‬
‫وبعد تناول الطعام بدأت مراسم االحتفال بالضيوف واكنت ابلداية مع‬
‫قراءة القرآن بصوت الشيخ رضوان‪.‬‬
‫وهنا اقرتح عماد ادلين أن يذهب اجلميع لزيارة قرب اجلدة آيات‪ ،‬وخرجت‬
‫ُ‬
‫اجلموع يف مظهر مهيب تقشعر هل األبدان‪ ..‬يويح بعظمة المزار وماكنته‬
‫عند الزوار‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وبعد قراءة الفاحتة ىلع روحها الطاهرة وادلاعء اجلمايع هلا‪.....‬‬


‫تقدم عماد ادلين ووقف أمام قربها وبصوت متقطع تغلبه ادلموع‪:‬‬
‫جديت احلبيبة‪ :‬ما أثقل احلمل اذلي محلتِين إياه! وما أصعب هذه األمانة‬
‫اليت ألقيتِها فوق ظهري! فأرجو أن أكون وفيت بالوعد وحققت الرغبة اليت‬
‫عشت من أجلها‪ ،‬فلريمحك اهلل ويطيب ثراكِ ‪.‬‬
‫ِ‬

‫وهنا بدأ اجلمع الغفري يف العودة إىل الساحة الستكمال الرتحيب بضيوف‬
‫الفضيلة وعندها جاء دور حاكم اجلزيرة يف إلقاء لكمة الرتحيب‬
‫بالضيوف فقال‪:‬‬
‫ً‬
‫ضيوفنا األعزاء‪ ،‬قاموس اللغة يقف اعجزا عن وصف مدى فرحتنا‬
‫بوجودكم معنا‪ ،‬فقد طال اشتياقنا إيلكم‪ .‬وكم مر من الوقت وحنن نرتقب‬
‫وصولكم إىل أرضنا‪ ،‬وأحب اآلن أن أقول لكم بكلمات بسيطة وبدون‬
‫إطالة‪ :‬هذه أرضكم‪ ،‬وهؤالء الرجال إخوانكم‪ ،‬وهؤالء الشباب أبناؤكم‪،‬‬
‫لكم ما نلا من حقوق وعليكم ما علينا من واجبات‪ .‬لك ما هو مطلوب‬
‫منكم هو السالم والعمل بما قاهل اهلل سبحانه وتعاىل وصدق عليه رسوهل‬
‫الكريم من صالة وقراءة القرآن وأعمال صاحلة‪.‬‬
‫وإن أعجبتكم جتربتنا انرشوها يف اعملكم حىت يتحول كوكب األرض اىل‬
‫(كوكب الفضائل)‬

‫‪116‬‬
‫روحية عامر‬

‫ذلا فأنا اآلن أتوجه خبالص الشكر واتلقدير والعرفان لالبن الغايل "عماد‬
‫ادلين إسماعيل عبد اتلواب" ملا قام به من تنفيذ الوعد اذلي وعده جلدتنا‬
‫آيات وأاعدكم إيلنا فأنتم رسل السالم‪ ،‬فقد صدق ونفذ الوعد وصان‬
‫العهد‪ .‬ذلا فأنا اآلن أعلن نتيجة املسابقة املؤجلة منذ يللة عيد الفطر‬
‫وأعلن اآلن أن الفائز باجلائزة الكربى هو عماد ادلين إسماعيل عبد‬
‫اتلواب‪ ،‬فهو من حاز ىلع أكرب قدر من اإلعجاب من مجيع أبناء اجلزيرة‪،‬‬
‫وهذا ما تم تسجيله ىلع وحدة اتلحكم‪.‬‬

‫أما عن اجلائزة الكربى فيه‪ :‬السفر عرب آلة الزمن إىل أي ماكن أو زمان‬
‫حيب السفر إيله‪.‬‬
‫وهنا تعالت الصيحات وانطلقت الزاغريد‪ ،‬ودقت الطبول‪ ،‬وارتفعت أصوات‬
‫اتلهنئة لعماد ادلين وأرسته وآلية وأرستها‪ .‬وتقدم عماد ادلين من حاكم‬
‫اجلزيرة وشكره ىلع ثقته الغايلة فيه وأنه ال يستحق لك هذا اتلقدير من‬
‫احلاكم ومن أهل اجلزيرة الفاضلة‪ ،‬وطلب منه أن يصطحب زوجته آية‬
‫معه يف رحلته وصديقه إسالم وشقيقته دالل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫أزاهير الفضيلة‬

‫وهنا تقدم إسالم وطلب ىلع املأل من عم إسماعيل أن يزوجه ابنته دالل‬
‫ً‬
‫اليت أحبها لك احلب وتعلق بها دون أن يراها يف الواقع ولكنها اكنت دائما‬
‫ضيفة يف أحالمه‪.‬‬
‫ابتسمت دالل معلنة بابتسامتها الرقيقة موافقتها ىلع الزواج من إسالم‪،‬‬
‫وباتلايل وافق وادلها ىلع هذا الزواج املبارك‪.‬‬
‫وبذلك اكتملت الفرحة وعمت أرجاء اجلزيرة‪.‬‬

‫****‬

‫‪118‬‬
‫روحية عامر‬

‫متت حبمد اهلل‬

‫‪119‬‬
‫رواية‬

‫أزاهري الفضيلة‬
‫روحية عامر‬

‫الطبعة األولى‬
‫‪ 1443‬هــ ‪ 2021‬م‬
‫دار ديوان العرب للنشر والتوزيع‬
‫مصر – بورسعيد‬
‫جوال‪00201211132879 :‬‬
‫‪E-mail: mohamedhamdy217217@gmail.com‬‬

You might also like