You are on page 1of 10

‫ّ‬

‫تأليفية لسرحية “مغامرة رأس الملوك جابر" لسعد هللا ونوس ‪ ( /‬سماح املجولي )‬ ‫ورقة‬
‫‪ .I‬القضايا‬
‫‪ .1‬القضايا السياسية‪:‬‬
‫ّ‬
‫بالرعية‪:‬‬ ‫• عالقة الراعي‬
‫ّ‬
‫وذلها ّ‬ ‫ّ‬
‫رعية يغلب عليها الخوف والجزع‪،‬لذلك كان لها استقالل عن‬ ‫عمودية انبنت على استسالم وخنوع الرعية‬ ‫العالقة بين الراعي والرعي عالقة‬
‫عامة بغداد “ما لنا نحن وشؤون السيادة” وقولهم “ننزوي في بيوتنا ونتفرج” داللة‬ ‫الشأن السياس ي وعدم الخوض فيه ويظهر ذلك من خالل قول ّ‬
‫ينصب جل ّّ ” اهتمامهم في توفير األكل املعيشة واألمان “نشتر خبزنا وننزوي في بيوتنا”‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على االستسالم والهروب والخوف من قطع الرأس إذ‬
‫الجالدين وسياطهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقول الرجل الثالث‪ّ :‬‬
‫املرصعة باملسامير” ويقول الرجل األول‪ ” :‬ومن جراب الحراس وعيونهم” وتقول‬ ‫“سر األمان تعلمناه من‬
‫يهمهم وال يعنيهم “فخار يكسر بعضه‪”.‬‬‫املرأة الثانية‪“ :‬ومن السجون التي ال تنفتح أبوابها إال على الداخل”‪ .‬فالصراع على السلطة واملنصب ال ّ‬
‫الراعي في دور التهميش واإلقصاء لطرف الرعية واالستخفاف بهم في صورة ما إن طرقوا أعينهم إلى الخالف الكامن بين‬ ‫من جهة أخرى يظهر ّ‬
‫تلوح لهم بالعصا حتى يمحوا وتبتلعهم‬ ‫بالعامة؟ ال ‪ ..‬هؤالء ال يثيرون ّأي َة مخاوف‪ .‬يكفي أن ّ‬
‫ّ‬ ‫الخليفة والوزير “يقول الوزير‪ّ :‬‬
‫العامة ! ومن يبالي‬
‫ظلمات بيوتهم” عالقة استغالل وإثقال كاهل ّ‬
‫الرعية بالضرائب‪.‬‬
‫ّ‬
‫والكاتب من خالل هذا ينقد الهون والجمود الذي وصل إليه املجتمع العربي الذي بقي فيه فيطرح حال بديال لهذه الظاهرة من ضعف العامة‬
‫الحل والسبيل للخالص من خالل قول الرجل الرابع‪“ :‬ال أستطيع بمفردي أن أصلح ولو‬ ‫إلى أن يجعلوا العمل الجماعي والكلمة الجماعية هي ّ‬
‫زاوية صغيرة في غرفة” مثلما كان الحال مع جابر أراد وحده وملفرده أن يصلح ويغير من شأنه إال أن مصيره كان قطع رأسه‪ .‬ووجب أيضا أن‬
‫نتجنب التخويف والترهيب الصادر من السلطة أو من وسائلها‪،‬ألن القهر الجماعي ال يولد إال نماذج من املجتمعات الخائفة‪ ،‬لذلك كان مجتمع‬
‫بغداد مجتمعا ّيتصف بالالمباالة شعارها “من يتزوج أمنا نناديه ّ‬
‫عم نا”‪ .‬إنها عالقة قائمة بين مصالح تعلقت بالراعي ال بالرعية قامت على الغدر‬
‫ثم غدر بقطع رأسه‪.‬‬ ‫ومن ذلك عالقة الوزير بجابر التي قامت على مصلحة ّ‬

‫• عالقة الراعي بالحاشية‪:‬‬


‫تتعلق هذه العالقة بمن هم في السلطة أي بالخليفة ووزارئه ودواوينه وغير ذلك‪،‬وتجلت هذه العالقة في ظاهرة ّ‬
‫الصدام والتباعد وعلى الرغبة‬
‫في السلطة فنجد عالقة رغبة الخدم ومساعدي الوزير في السلطة و تتمثل في عالقة الوزير وجابر‪،‬والرغبة في التخلص منه ألن السائس ال يطيق‬
‫حوله في حاشيته أذكياء بل ال يطلب من الحاشية سوى الوالء لذلك يستمر ياسر في غبائه ويبقى منصور بخوفه وتردده ويقتل جابر ذكاؤه‬
‫الوقاد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ونجد من جهة أخرى عالقة تالؤم بين الوزير ومساعده عبد اللطيف اللذان يعمدان إلى الخطط والدهاء واملكر والخيانة لإلطاحة بالخليفة مما‬
‫دفع الوزير إلى االستقواء بملك العجم يقول الوزير‪“ :‬الجيش الغازي يأتي ليحمي مصالحنا ّ‬
‫ويجهز لنا كرس ي السلطة”‪ .‬عالقة احتقار من الوزير‬
‫توجس ومصانعة وخدمة من الحاشية فكانت العالقة بين الراعي والحاشية متعفنة وتنخرها املكائد يخبر عن خراب محتم للرعية‬ ‫ملماليكه‪ ،‬و ّ‬
‫قبل الراعي فالصراع بين الخليفة و وزيره على عرش الخالفة ما هو إال صورة رمزية لتكالب األحزاب و األطياف السياسية على الحكم في البالد‬
‫أن صالح‬ ‫العربية وهذا ما يدل على غياب الكفاءة السياسية والحنكة إلدراك شؤون الدولة والتحكم بها‪ ،‬ومن هنا يطرح سعد هللا ونوس مسألة ّ‬
‫ّ‬
‫الحاكم أو السلطان ال تتأتى إال من خالل صالح الحاشية بأن تكون لها الوالء للسلطان ولخدمة الرعية ال إقصائها وإبعادها عن أنظار الخليفة‪.‬‬

‫القضايا الثقافية واالجتماعية‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫• الثقف واملجتمع‪:‬‬
‫تتمثل هذه العالقة في املثقف من جهة حيث يمثله في الركح األول الحكواتي وفي الركح الثاني الرجل الرابع‪ ،‬هي صورة للرجل الواعي الذي فقه‬
‫املرحلة التي يعيشها ومستوعبا ملا يجري من حوله غير غافل وال فاقد بصيرته‪ ،‬املثقف الذي حارب الهامشية والجمود والقائل بالتمرد عن الواقع‬
‫ّ‬
‫الذليل واملواجهة واإلصالح الجماعي‪ ،‬هو رجل اللحظة واملوقف ال يريد أن يسلم نفسه للسلطة ويكون لعبة لديهم‪ ،‬لقد عمل الرجل الرابع على‬

‫‪1‬‬
‫توعية املجتمع وإقناع الجماعة بأن الطريق الحقيقي هو الوعي ال التبعية كاألنعام‪ ،‬ودعاهم إلى عدم الرضا بما يدعو إليه الوزير وبما يحصل‬
‫بينه وبين الخليفة من صراع لكن املثقف منفرد الصوت ليس له قوة وال إرادة كافية ليغير الواقع ويجسد موقفه إذ من خالل ذلك يطرح حال‬
‫بديال لهذه الظاهرة من ضعف العامة إلى أن يجعلوا العمل الجماعي والكلمة الجماعية هي ّ‬
‫الحل والسبيل للخالص من خالل قول الرجل الرابع‪:‬‬
‫“ال أستطيع بمفردي أن أصلح ولو زاوية صغيرة في غرفة” مثلما كان الحال مع جابر أراد وحده وملفرده أن يصلح ويغير من شأنه إال أن مصيره‬
‫كان قطع رأسه‪ .‬أراد ونوس أن َ‬
‫يعلو بالجماعة إلى سماء الفكر والوعي‪ ،‬إال أن الجماعة لم يستجيبوا وكأنه مجنون أو ساحر يتحدث لغياب الوعي‬
‫تسرب هذا الخوف والرهبة إلى نفس املثقف الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫والذ ّل في وقع نفوسهم وأذهانهم حتى ّ‬
‫يجسده من جهة أخرى منصور رمز‬ ‫وسيطرة الخوف‬
‫الوعي ّ‬
‫املتخفي الخائف‪ .‬حتى فقد الجماعة الحس الوطني كما هو واقع األمة اليوم كل يوم تنقص تلك النفحات والشعور باالعتزاز الوطني‬
‫واإلقليمي‪.‬‬

‫• عالقة العقل والعاطفة‪:‬‬


‫عبر عن غريزة جامحة‬‫عبر عن انفالت في توظيف كال الطرفين و ّ‬ ‫إن الصراع بين العقل والعاطفة في مسرحية رأس اململوك جابر إنما هو صراع ّ‬
‫ّ‬
‫كانت سببا في مصير مفزع‪ ،‬إذ يؤكد ّونوس من خالل هذه العالقة املضطربة بين العقل والعاطفة ضرورة التحكم في الشهوات وإخضاعها‬
‫وعقالنيتها فشخصية جابر شخصية غير متزنة أشار إليه “أنت ال تقدر الخطر الذي يحيط بنا” لغياب الوعي وسبق العاطفة في الحضور ليؤكد‬ ‫ّ‬
‫يعبر العقل عن املستقبل الواعد والواقع الحقيقي ال ما تمليه تخيالت العاطفة لذلك وجب‬ ‫سعد هللا ونوس أن العقل منتصر على العاطفة إذ ّ‬
‫ضرورة تحكيم العقل على العاطفة حتى ال نصل إلى نهاية مأساوية‪ ،‬ألن العاطفة ال تخدم إال املصالح الفردية ال العقل الذي هو ميزة كونية‬
‫شمولية‪.‬‬

‫‪ .3‬مسألة الشرف والسعادة‪:‬‬


‫طرح سعد هللا ونوس من خالل هذه العالقة بين الشرف والسعادة مسألة أخالقية اجتماعية وفي سياق سياس ي حيث تفاوتت أنظارهم إلى‬
‫السعادة فقد ّ‬
‫ضحى الوزير بأمة ألجل مصالح خاصة وفردية أنانية والسعادة في منظور جابر هي امتالك أدوات السمو املحققة للشرف والعلو‬
‫االجتماعي فقد طرح ونوس قضية الشرف في مثال أبلغ هو كسب السعادة من خالل التفريط في الشرف ويظهر ذلك من خالل الرجل الثاني‬
‫دعوته زوجته بأن ّ‬
‫تفرط في الشرف مقابل توفير لقمة عيش فتنتفي مظاهر الشرف واألخالق عند الحاجة والضرورة التي تحاصر الفرد‪.‬‬

‫‪ .4‬الزمن والتاريخ‪:‬‬
‫رغم اختالف األزمنة وتباعدها بين القرن السابع للهجرة زمن تدهور الخالفة العباسية والقرن العشرين ميالدي زمن أزمة ‪ 1967‬إال أن سمات‬
‫ّ‬
‫والر ّقي الحضار ّي‬
‫وتذللها وجمودها الفعلي في صنع املجد ّ‬ ‫املجتمعات العربية بين العصرين والزمنين متشابهة ومتماثلة في هوان املجتمعات العربية‬
‫الذي توقف ربما في ذلك الزمن األول‪،‬فالزمن رغم تباعده إال أنه فقد رمزيته فجعله الكاتب زمنا واحدا نظرا إلى نظرة الزبائن التي تفتقد إلى الوعي‬
‫بالتاريخ والزمن فهم ال يطلبون التاريخ لتمكين زمنهم هذا مزيد الفهم والوعي به بقدر ما يطلبون التاريخ لتمضية الزمن الحالي وتقصير الوقت‬
‫لطوله إذ يدعو ونوس إلى إعادة قراءة التاريخ والزمن لكونه جملة من النتائج املتولدة عن أسباب قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية‪،‬أردا من‬
‫خاللها ونوس أن يتجاوز زمن االنحطاط وتاريخ مشين بالهزائم والسقوط إلى تاريخ جديد يبنيه أبناء زمانه‪ ،‬حتى يقرأ املتلقي الواقع العربي قراءة‬
‫موضوعية تبين له أوجه االختالف واالئتالف بيهما ليكون تعليما لألمة العربية وإرشادا لها‪.‬‬

‫مسرح التسييس ومسرح التغريب‬ ‫‪.II‬‬


‫ّ‬
‫مسرح التسييس‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪2‬‬
‫والتغيرات التي تطرأ على املجتمعات‪ ،‬لطاملا كان لها أثر بليغ على نمط العيش وتأثيريها على املجتمع ثقافة وتصورا للحياة‪،‬ولم يقتصر‬ ‫ّ‬ ‫إن الظروف‬
‫الفن أيضا‪ ،‬فإن أحداث النكسة لسنة ‪ ،1967‬هذا الحدث السياس ي العربي واإلقليمي قد عرج بالفرد‬ ‫هذا التأثير على املجتمع فقط بل على نمط ّ‬
‫ّ‬
‫إال ّ‬
‫أن وتيرة الصدمة التي عاشها املجتمع العربي بعد نكسة ‪ 1967‬لم تدم طويال بأن صعد‬ ‫واملجتمع العربي الذي شعر في فترة بفقدان قيمته‬
‫ّ‬
‫التصدي لها عبر النمط املسرحي ليميل إلى الجانب السياس ي أكثر من السابق‪ ،‬ليتخذ املسرح منعرجا جديدا في‬ ‫جيل واع وناقد حملهم إلى ّ‬
‫مضمونه وشكله من الناحية السياسية الن املسرح ال يستطيع أن يدير ظهره بأي شكل ما لألحداث السياسية و يعتبر هذا مظهرا إيجابيا بالتالي‬
‫املتفرج إلى مواكبة حركة التاريخ واألحداث حتى يدرك‬‫ّ‬ ‫مجردة عن الواقع ناقدة له متحركة بحركة التاريخ ّ‬
‫ألنها بدورها تحمل‬ ‫تكون املسرحية غير ّ‬
‫املتفرج الذي بدوره يجب عليه أن ّيتخذ موقفا‬‫ّ‬ ‫أن كل ما على الركح ومن مضمون املسرحية إنما هو مرآة للواقع ونقال ملا فيه من قضايا ّ‬
‫تهم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ويكون حافزا على التسييس وهذا ما يحيلنا على القول‪ ” :‬من خصائص مسرح التسييس عند ّونوس أنه يقوم على حوار بين مسرحتين األولى هي‬
‫تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره‪ .‬والثانية هي جمهور القاعة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع‬ ‫العرض املسرحي الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ومشكالته ّ‬
‫لكن الفجوة بين الحلم والحقيقة كبيرة إذ تحول بين الحلم وتحقيقه حوائل عديدة منها ما يتعلق بالتقاليد‪".‬‬
‫والفن” يقول سعد هللا ونوس‪“ :‬يتحدد مفهوم التسييس من زاويتين متكاملتين‪ ،‬األولى فكرية وتعني‬ ‫ّ‬ ‫فهذا املسرح يقوم على قاعدتين هما “الفكر‬
‫أننا نطرح املشكلة أما الزاوية الثانية تهتم بالجانب الجمالي‪”.‬‬
‫تفرج وصلته بالواقع والحضارة‪ ،‬وبالتالي املسرح‬ ‫وفي هذا نجد أن املسرح عند ونوس هو مسرح واع وناقد من مقاصده االرتفاع والرقي بوعي امل ّ‬
‫عرفه ونوس بقوله‪“ :‬املسرح الذي يهتم بالسياسة بشكل مباشر ويومي‬ ‫السياس ي ليس غريبا على الفن العربي تحديدا الفن املسرحي الحديث فقد ّ‬
‫وبقضية من القضايا”‬ ‫ّ‬ ‫وملموس ومحسوس وبحدث من األحداث‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فهذا ّ‬
‫الفن الذي قصد به الكاتب خلق جمالية لم يقتصر التسييس فيه على الجانب املضموني فحسب بل تعداه إلى الجانب الفني الذي يبحث‬
‫ّ‬
‫القضية وينقلها إلى أرض الواقع ًّ‬
‫عمليا‪.‬‬ ‫فيه عن املتفرج الذي ّ‬
‫يتبنى‬

‫‪ .2‬مسرح التغريب‪:‬‬
‫هذا املصطلح ا قتنصه سعد هللا ونوس من املسرح البريشتي‪ ،‬هذا املسرح اليوم يقوم على جعل مسافة بين املتفرج والعرض املسرحي حتى ال‬
‫يندمج في املشهد وينصهر في شخصياتها وينفعل معها بل أراده أن يكون محايدا منسلخا عن املشاعر التي تؤثر في العقل من شفقة ورحمة إذ‬
‫قصد أن يكون املوقف منبثقا من عقل املتفرج ال موقفا مملى عليه‪.‬‬
‫وقد استعمل الكاتب وسائل مثل السرد وقطعه بالحديث أو باملوسيقىحتى ال ينصهر مع طول املسرحية قصد التغيير والوعي بما يشاهده فليس‬
‫املطالب به هو التطهير األرسطي بقدر ما هو التغيير املطلوب من املتفرج الذي هو جزء من األمة ومن املجتمع فقد كسر سعد هللا ونوس‬
‫بالتغريب الجدار الرابع وكسر اإليهام سعيا منه إلى إحياء التغيير والتثوير والتفكير في شخص املتفرج‪.‬‬
‫ومن الطرق التغريبية ازدواجية الدور عند املمثل لكسر الخط النظمي عند املتفرج ليكون املمثل يؤدي دورين كدور املمثل لشخصية منصور‬
‫والرجل الرابع‪ ،‬وكذلك يظهر التغريب في الجمع بين املاض ي والحاضر ليبين أن العصر القديم هو عصر حديث في مضامينه وما تعتريه من‬
‫َ‬
‫إشكاليات واقعية كما نجد ونوس قد ْارَتأى له أن يقوم بتبديل الديكور أمام أعين املتفرجين ال وراء الستار‪ ،‬ألن ونوس لم يعد يهتم بالديكور‬
‫كثيرا كما نجد ذلك في املسرح الكالسيس ي الذي يعير اهتماما كبيرا للديكور‪.‬‬

‫بناء النص السرحي‪ :‬السرد والحواروالسرد واملحكي‬ ‫‪.III‬‬


‫‪ )1‬التضمين‬

‫‪3‬‬
‫سعى سعد هللا ونوس إلى املزج بين مساحتين قصد التقريب بينها إقامة حوار واع وهادف كاسرا لتلك الحواجز املوجودة في املسرح القديم الذي‬
‫يقوم بوضع مسافة بين املتفرج واملسرح ف قصد الكاتب بوصل املتفرج باملسرحية مضمونا وشكال من خالل اقتحام املسرحية حياة املتفرج‬
‫الواقعية واليومية التي يعيشها بعين ناقدة منيرة تعالج إشكاالت ذلك الواقع املؤسس للكينونة الجماعية واملصير املشترك‪.‬‬
‫هذا التضمين الذي قصد من خالله الكاتب مخاطبة البشرية فتخلص فيه من الخطاب التقليدي القائم على الوعظ واإلرشاد وبرودة في الخطاب‬
‫َ‬ ‫محفز مثير أيقظ الفكر الراكد ّ‬
‫إلى خطاب مباشر ّ‬
‫ليتخذ موقفا من الواقع واألحداث املحيطة به ال أن يكون جامدا وأن ال يملى عليه املوقف ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يظهر التضمين عبر األدوات والوسائل ّ‬
‫الفن ّية التي ركبها الكاتب ليصل بين زمانين ويركب بينهما بين الحاضر واملاض ي‪ ،‬ليؤكد أن الحاضر هو‬
‫نفسه املاض ي مرآة ملجتمع لم يتقدم وعيا وفكرا وذلك عبر التضمين الذي نجده‬
‫في تضمين قصة داخل قصة عبر الحكواتي العم مونس الرابط بين األزمنة‪،‬فللتضمين أوجه ّأولها تضمين قصة داخل قصة من خالل‬ ‫‪.1‬‬
‫قصة الزبائن في املقهى كقصة إطار في القرن العشرين وقصة مضمنة وهي قصة اململوك جابر في القرن السابع للهجرة زمن الخالفة‬
‫العباسية‪.‬‬
‫تضمين زمن داخل زمن‪/‬املاض ي في الحاضر بين القرن الـسابع للهجرة زمن الخالفة العباسية والقرن العشرين زمن الكتابة وهو زمن‬ ‫‪.2‬‬
‫السقوط جراء نكبة ‪ 1967‬وسقوط بغداد من جديد سنة ‪ ،2003‬فالتاريخ نفسه‬
‫زمن أحداث املسرحية عبر ما نجده من وسائل فنية ومؤشرات عن ذلك (املذياع‪ :‬السابعة مساء…) من ذلك قول الزبائن‪“ :‬كأن الزمان‬ ‫‪.3‬‬
‫ال راح وال جاء” ويقول أخر معلقا على جابر‪“ :‬ابن زمانه” أي هناك صلة ورابطة بين الطرفين‪ ،‬ونجد أيضا‬
‫َ‬
‫تماه بين املؤلف والراوي في توجيه الخطاب إلى البشرية كك ّل‬
‫عالقة ٍ‬ ‫‪.4‬‬
‫ّ‬
‫متماه بين شخصيات املقهى وشخصيات القرن السابع للهجرة وشخصيات الجمهور املتفرج كلها تشترك في سمات محددة‬ ‫ٍ‬ ‫تضمين‬ ‫‪.5‬‬
‫ومتبادلة وهي السلبية والخمول والجمود‪.‬‬
‫‪ )2‬التناوب بين السرد والحوار‪:‬‬
‫يظهر التناوب بين خاصيتي ّ‬
‫السرد والحوار في مسرحية “رأس اململوك جابر” عبر تداخل السرد والحوار في الخطاب من خالل السرد بما هو‬
‫خطاب الحكواتي الذي يختلف طوله بين الطول والقصر وغالبا ما يكون مختزال على لسانه ممهدا للحوار الذي نجده من خالل شخصيات‬
‫الركح‪/‬املمثلون ويتخلل هذا الحوار التعليقات الصادرة من الزبائن وهذا التناوب بينهما نجده منتشرا على طول املسرحية هذا التناوب الذي‬
‫جمع بين فضاءات متعددة بين فضاء الشخصيات املمثلة للحكاية املضمنة (الوزير ومن معه) وفضاء املقهى من حكواتي وزبائن املقهى مع‬
‫فضاء ثالث هو فضاء املتفرج الحقيقي وهو خروج عن النمط املسرحي املعتاد التقليدي ينبني على الحوار بين شخصيات املسرحية ‪/‬املمثلون‬
‫ّ‬
‫املتفرج وخلق عالقة تفاعل بينهما‪.‬‬ ‫وبين‬
‫وهذا التناوب أو التداخل بين مساحات خشبة املسرح إنما هو وسيلة تمنع املتفرج من التأثر واالنفعال مع ما يعرض أمامه حتى يكون املتفرج‬
‫مستقال بذاته عن املسرحية بينه وبينها مسافة وعي ونقد حتى ال تجعله ينصهر في املسرحية‪.‬‬

‫‪ )3‬التناوب بين ّ‬
‫الرئي واملحكي‪:‬‬
‫السرد والحوار في مسرحية “رأس اململوك جابر” في وجود قصتين مضمنتين‪ ،‬هي قصة الحكواتي والزبائن‪ ،‬الذي بدوره يسرد‬ ‫يظهر التناوب بين ّ‬
‫ّ‬
‫قصة اململوك جابر‪ .‬بالتالي نجد املحكي املتمثل في ركح الحكواتي “عم مؤنس” الركن الثابت أمام الزبائن الذي يسرد القصة ويحكيها‪ ،‬والركن‬
‫ّ‬
‫املحكي عبر ركح املمثلين الذين يجسدون الحكاية التي يسردها الحكواتي و ركح الزبائن املتأثرون بالحكاية‪.‬‬ ‫املرئي الذي جسد‬
‫ّ‬
‫املتفرج حتى‬ ‫املتفرج في الحكاية ليكون الخطاب متداخال بين املساحات لتجاوز مساحة الركح إلى مساحة‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك كسر لإليهام والتأثر و انصهار‬
‫يتفاعل إيجابا مع املسرحية فكرا عبر توجيه الخطاب املباشر لهم كما هو موجه إلى زبائن املقهى ليتعلموا منه ولتبصير أعين املتفرج ونزع الغشاء‬
‫عن الواقع حتى يدرك املتفرج خطورة املرحلة التي يعيشها التي وجب عليه أن يكون متفاعال معها تفاعال إيجابيا ال سلبيا مثلما فعل الحرفاء‬
‫جزءا من املسرحية عبر االرتجال والتفاعل لكشف االشكاليات الواقعية واالجتماعية‬ ‫ّ‬
‫العباسية‪ .‬بل أراد ونوس أن يكون املتفرج ً‬ ‫ّ‬
‫ورعية الدولة‬
‫التي يواجها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫االشارات الركحية‬ ‫‪.IV‬‬
‫تعتبر اإلشارات الركحية عنصرا هاما من عناصر املسرحية من حيث البناء املسرحي إذ ال تقل قيمة عن غيرها من األدوات املسرحية ألنها تكون‬
‫ممهدة للسياقات التاريخية ومؤطرة لألمكنة والشخوص‪ ،‬حتى ّ‬
‫يتهيأ املتفرج والسامع الستعاب الحكاية وفهمها‪.‬‬

‫أنواع اإلشارات الركحية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫• اإلشارات السردية‪:‬‬

‫تسبق اإلشارات السردية الحوار أو تقطعه ونادرا ما تكون بعده تعليقا عليه‪ ،‬وهي إشارات مؤطرة للركح من حيث تحديد مكوناته وتحديد‬
‫الحركات من دخول وخروج وانتقال على خشبة الركح (الخادم يحضر الشاي للعم مؤنس )‬

‫• اإلشارات الوصفية‪:‬‬

‫وهي إشارات تنعى بتحديد مالمح الشخصيات الخارجية من هيئة يقول‪“ :‬شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره معتدل القامة شديد‬
‫ّ‬
‫داخلية تتمثل في استظهار الردود النفسية (الغضب ‪ /‬الفرح ‪ /‬االندهاش ‪ /‬الخوف ‪ ) … /‬أو وصف املكان من حيث مكونات‬ ‫الحيوية” ‪ ،‬ومالمح‬
‫الركح واألثاث والديكور‪.‬‬

‫• اإلشارات اإليقاعية التنظيمية‪:‬‬

‫وهي ما تنظم الركح عبر انتظام الشخوص على خشبة املسرح واملوسيقى أو صوت الراديو‪.‬‬

‫وظائف اإلشارات الركحية‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫تقديم الشخصيات من خالل املالمح الخارجية من هيئة يقول‪“ :‬شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره معتدل القامة شديد‬ ‫•‬
‫داخلية تتمثل في استظهار الردود النفسية (الغضب ‪ /‬الفرح ‪ /‬االندهاش ‪ /‬الخوف ‪( ) … /‬نافذ الصبر‪) ...‬‬ ‫ّ‬ ‫الحيوية” ‪ ،‬ومالمح‬
‫تأطير الركح مكانا وزمانا من خالل تحديد السياقات التاريخية واملكانية في آن سياق تاريخي قديم‪( :‬قال الراوي‪ :‬كان يا مكان في قديم‬ ‫•‬
‫الزمان وسالف العصر واألوان‪ ،‬خليفة في بغداد يدعى شعبان املنتصر باهلل …) وسياق تاريخي حديث وهو عالم املقهى املعاصر (نحن‬
‫في مقهى شعبي … ثمة العديد من الزبائن ‪ ..‬في أرجاء املقهى)‪.‬‬
‫مساعدة القارئ أو املتفرج على الفهم واستيعاب الحكاية‪.‬‬ ‫•‬
‫والديكور واملوسيقى والغناء واإلضاءة (يخفت الضوء في القاعة بينما يشتد على الكرس ي التي يجلس عليها الحكواتي)‬ ‫تحديد األثاث ّ‬ ‫•‬
‫(حزمة من الضوء على رأس جابر)‬
‫• تجسيد الحركات‪ :‬تحديد الحركات على الركح أي حركات املمثلين واألحداث ( تتم رواية هذا املقطع على صوت خبب الخيول وصليل‬
‫ّ‬
‫مثلوا عامة بغداد أو سواهم ‪ ..‬كلهم يدخلون وهم يصرخون ويمثلون‬ ‫السيوف وصيحات الرعب بين حين وآخر يندفع بعض الذين‬
‫ًّ‬
‫إيمائيا تلقي الطعنات أو هتك العرض‪).‬‬

‫العقد والنهاية والتراث‬ ‫‪.V‬‬


‫ّ‬
‫السرحية‪:‬‬ ‫العقد في‬ ‫‪.1‬‬

‫لئن كانت العقد في املسرح األرسطي تتمثل في العقدة الواحدة إال أن سعد هللا ونوس قد تجاوز العقدة الواحدة إلى العقدة املتعددة التي تتمثل‬
‫في كثرة العقد التي صاغها الكاتب عبر تصعيد الفعل الدرامي ثم اإلسراع بالقدم نحو الذروة وانهيار الفعل‪ ،‬وكما انبنت على التشويق من خالل‬
‫سرد الحكواتي وهي كاآلتي‪:‬‬
‫• عقدة الوزير‪ :‬حينما أخرج الرسالة إلى ملك العجم وما يخفيه فيها وتربص الخليفة للقضاء عليه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫• عقدة الخليفة‪ :‬املتمثلة في اإلطاحة بوزيره وكيف يقطع اإلمدادات عليه‪.‬‬
‫• عقدة جابر‪ :‬الذي ينتظر املصير املجهول املتمثل في قطع رأسه في عرض إيمائي وعقدة الظفر ّ‬
‫بزمرد‪..‬‬
‫‪ .2‬النهاية‪:‬‬

‫وقد أكد ونوس على دور الجماعة في العمل السياس ي إذ ال جدوى من العمل الفردي كمطلب للخالص بعد أن كان جابر آمال مريدا للتحرر من‬
‫العبودية بطريقة ال أخالقية من خالل الخيانة مقابل السعادة كان الثمن غاليا بقطع رأسه حيث تجلت النهاية في كونها نهاية مفزعة وتراجيدية‬
‫كانت مفاجئة للجمهور وللزبائن وحتى ال يتواصل انصهار الجمهور في الحكاية وفي شخصية اململوك جابر “هذا اململوك شيطان … ابن زمانه”‬
‫مما جعلهم ال يقبلون النهاية “إننا ال نقبل ‪ ..‬نهاية غير عادلة” جعل عرض مشهد القطع إيمائيا وجسد رأس جابر املقطوع تتقاذفه الشخوص‬
‫ّ‬
‫يستفز ونوس الجمهور ليدفعهم إلى إحياء الوعي والفكر‬ ‫األخرى في ما بينها‪ ،‬مشاهد ال توجد في املسرح األرسطي احترما للمتفرج‪ ،‬من خاللها‬
‫لديهم‪ ،‬ال أن يصير مصير املجتمع نحو ما ذهب إليه جابر‪.‬‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص السرحي‪:‬‬ ‫‪ .3‬التراث‪ :‬ودوره في بناء‬
‫يعتبر التراث رافدا من الروافد الكتابية والدرامية الهامة التي يستلهمون منها ويقتنصون مواضيع كتاباتهم‪ ،‬مثلما فعل سعد هللا ونوس في‬
‫مسرحية “رأس اململوك جابر” لينهل من التراث العربي مكونات أساسية للمسرحية تتجسد فيها‪ ،‬وللمحافظ على الهوية العربية للمسرح العربي‬
‫وجعله مواكبا للتطورات والتغيرات التي تطرأ على البيئة واملحيط ّ‬
‫الدائر بها‪ .‬ومن ذلك نجد أن الكاتب عاد إلى الحياة اليومية للجتمع العربي من‬
‫خالل أطر مكانية ومالمح الشخصية العربية وأبرز استلهامات الكاتب‪:‬‬

‫• الحكواتي ‪ /‬كرس ّي الحكواتي‪:‬‬


‫يعتبر الحكواتي مظهرا من مظاهر التراث الشعبي الذي دأب عليه املجتمع الشرقي ويعتبر قالبا فنيا متواترا في املجتمعات العربية وهي شخصية‬
‫تقص القصص التاريخية والشعبية وتحكيها ويقوم أشخاص بتمثيل ما يحكيه ولعل ما يجذب إليها املتفرج ما تتضمنه هذه الظاهرة من‬
‫استحضار البطوالت التاريخية الغائبة في الواقع املرير والراهن الذي فقد تلك املواصفات فهو يلهب املشاعر واألحاسيس عند املتفرج ويوقظها‬
‫وهذا ما قصده سعد هللا ونوس‪.‬‬

‫• الحكاية‪:‬‬
‫استلهم الكاتب القصة من الحكايات التاريخية فقد عاد إلى حكاية رأس اململوك جابر زمن الدولة العباسية في القرن السابع للهجرة لتكون‬
‫خلفية لبناء الصراع الدرامي وانتقى منه ما رآه يحاكي الواقع ويالمسه من تشابه ليعيد قراءة الواقع املأساوي لألمة في القرن الـعشرين ومما‬
‫وصلت إليه من جمود مجتمعاتها‪ .‬يقول سعد هللا ونوس“ ‪:‬لم يكن التراث بالنسبة إلي إال وسيلة أو شكال ساعدني على االتصال بصورة أعمق‬
‫ّ‬
‫فعالية عملي الفني اآلن بالنسبة للحياة‬ ‫بالراهن (…) أناأستعيرالحكاية لكي ّ‬
‫أتحدث عن اآلن (…) ال تعنيني إال بمقدارما تستطيع أن تزيد‬
‫الراهنة‪”.‬‬

‫• األمثال ‪:‬‬
‫شعبية في القول (ابعد عن الشر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربية مثل‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫وغن‬ ‫(أما نحن فال ناقة لنا وال جمل) ونقل أمثاال‬ ‫نقل سعد هللا ونوس أمثاال من رصيد الثقافة‬
‫له) وكذلك (من يتزوج أمنا نناديه ّ‬
‫عمنا) وهي أمثال ال تورث إال الذل والتواكل والهرب من استبدال الحال بأفضل منه وإيجاد البديل ‪.‬‬

‫• األطرالكانية والزمانية‪:‬‬
‫وظف الكاتب املقهى مكانا لسرد الحكاية إذ لها صدى كبير في وقع الكثير من أفراد املجتمع الشرقي في مصر وسوريا وفلسطين ولها طابع تقليدي‬
‫عالوة على األمكنة التاريخية التي ترجع إلى زمن الدولة العباسية بشوارع وقصور بغداد‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫• الشخصيات‪:‬‬
‫أسماء الشخصيات (املعتصم باهلل ‪ /‬عم مؤنس ‪ /‬العلقمي) أسماء تاريخية ومتداولة في املجتمع العربي وأهالي بغداد عالوة على سمات الحكواتي‬
‫كشخصية شرقية عربية تمثل تراثا عريقا‪ .‬وربما استلهم الكاتب رمزية الشخصيات وطبيعتها من مجتمع القرن السابع تحديدا أهالي بغداد ملا‬
‫َ‬
‫فيه من الوهن واالستخفاف وهي صورة أو مرآة للمجتمع املعاصر “يقول الوزير‪ :‬العامة ! ومن يبالي بالعامة؟ هؤالء ال يثيرون ّأية مخاوف‪ .‬يكفي‬
‫أن ّ‬
‫تلوح لهم بالعصا حتى يمحوا وتبتلعهم ظلمات بيوتهم‪”.‬‬
‫ً‬
‫فضاء لطرح القضايا‬ ‫إن العودة إلى التراث عند سعد هللا ونوس ليس استحضارا للهوية العربية وتأصيل املسرح العربي فقط بقدر ما كان‬
‫ّ‬
‫املتفرج العربي في القرن الـعشرين وربما كانت هذه القضايا ليست حديثة بقدر ما كانت قديمة مما جعل الكاتب‬ ‫ّ‬
‫واإلشكاليات التي يعاني منها‬
‫يستلهم صورة للعربي الحديث من العربي القديم الشبيه له في هوانه وضعفه وجموده‪.‬‬

‫عناصرالفرجة‪:‬‬ ‫‪.VI‬‬
‫األثاث ّ‬
‫والديكور‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫• الؤثثات‪:‬‬
‫كل ما يظهر على الركح من مكونات من األثاث الذي يركب دون أن يسدل الستار تحقيقا لوظيفة التغريب “أثناء كالم الحكواتي يجري تركيب‬ ‫هو ّ‬
‫غرفة على املسرح لها باب ونافذة ضيقة جدا النافذة مشبكة بالحديد والباب مغلق يقف عليه حارس” ومن الشواهد أيضا ديوان الوزير‬
‫والخليفة وملك العجم “يظهر ديوان امللك منكتم بن داود …وهو فاخر الريش” عالوة على أثاث املقهى “ثمة عدد من الزبائن يتفرقون على املقاعد‬
‫املبعثرة … يشربون الشاي … وبينهم يروح الخادم ويجيء حامال صواني الشاي والقهوة‪”.‬‬

‫• اإلضاءة‪:‬‬
‫وظفت األضواء إلضفاء جمالية على الركح وملزيد اإلثارة والتأثير مثلما وقع في مشهد حالقة رأس جابر “تسقط حزمة ضوء على رأس جابر فينبثق‬
‫القص “يخفت الضوء في القاعة بينما يشتد على الكرس ي الذي يجلس عليه الحكواتي‪”.‬‬‫ّ‬ ‫منه ملعان”‪ .‬وعندما قطع الحكواتي‬

‫• الوسيقى والغناء‪:‬‬
‫استلهم سعد هللا ونوس من املسرح البريشتي جمالية املوسيقى خالل العرض وعند قطعه وكانت أغاني كالسيكية في املقهى ومن ذلك غناء‬
‫الصبية عند مشهد الحالقة بقولها‪" :‬يا معلم الحالقين‪ ..‬بفن ومهارة خل الرأس يصير مثل خدود العذارى” كما يمكن للموسيقى والغناء أن‬
‫تتخلل الحوارات مثل غناء جابر على خبب جواده أو غناء املمثلين والزبائن في آخر املسرحية للجمهور‪.‬‬

‫• اإليماء‪:‬‬
‫هي من وسائل املسرح البريشتي وقد أحكم ونوس توظيفها مثل مشهد سقوط بغداد‪ ،‬أو مشهد قطع رأس “اململوك جابر‪”.‬‬

‫الشخصيات والحوار‬ ‫‪.VII‬‬


‫شخصيات السرحية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫• الحكواتي‪:‬‬
‫يعتبر الحكواتي مظهرا من مظاهر التراث الشعبي الذي دأب عليه املجتمع الشرقي ويعتبر قالبا فنيا متواترا في املجتمعات العربية وهي شخصية‬
‫تقص القصص التاريخية والشعبية‪ ،‬ولعل ما يجذب إليها املتفرج ما تتضمنه هذه الظاهرة من استحضار البطوالت التاريخية الغائبة في الواقع‬
‫املرير والراهن الذي فقد تلك املواصفات فهو يلهب املشاعر واألحاسيس عند املتفرج ويوقظها وهذا ما قصده سعد هللا ونوس‪ .‬شخصية تجذب‬
‫محنك ذو خبرة‪ ،‬صفاته تتناسب مع دوره الذي يجب أن يكون محايدا‬ ‫السامع واملتفرج إليها ومتوازنة ورصينة‪ ،‬رجل تجاوز الخمسين من عمره‪ّ ،‬‬
‫حتى تتحقق وظيفة التغريب ال أن َ‬
‫يملي األفكار واملواقف الجاهزة على الجمهور والزبائن بالتالي هو آلية من آليات كسر اإليهام ويخدم فكرة‬
‫التغريب يقول ونوس‪“ :‬إن الحكواتي يمكن أن يحقق االتصال الفوري بين الخشبة والصالة أي الزبائن واملمثلين‪”.‬‬

‫‪7‬‬
‫هذه الشخصية عبر اسمهما “العم مؤنس” أنيس الجميع وواضع املتفرج في واقع مثيل له عبر كسر خاطر الزبائن في الحديث عن الظاهر بيبرس‬
‫وحرصه على احترام الترتيب الزمني قصد تجذير املتفرج في الواقع الراهن الذي يعيشه عبر صورة شبيهة بهذه املجتمعات الضعيفة في القرن‬
‫ّ‬ ‫العشرين هو صورة عتيقة أصيلة تمثلت في السامر والراوي ّ‬
‫واملداح فالحكواتي يضطلع بوظائف أ ّ‬
‫همها السرد فيسكر بذلك خطية الحديث‬
‫بتدخالته وباختصاره الحكاية وجزئياتها مثل قوله “وكان جابر يقطع الفيافي والقفار يتحسس رأسه‪”.‬فالحكواتي قالب فني عربي و خرق صارخ‬
‫للمسرح األرسطي‪.‬‬

‫• الملوك جابر‪:‬‬
‫يعتبر اململوك جابر سليل املسرح البريشتي ال األرسطي فهو ليس بطال من النبالء بل هو مملوك( “كان عند الوزير العبدلي مملوك يقال له جابر‬
‫حل ّ‬
‫يحل معه اللهو واملجون وكان كأهل بغداد آخر من يعنيه ما يجري بين الخليفة وسيده الوزير”‪ .‬شهواني ودنيء‬ ‫ولد ذكي وذكاؤه وقاد أينما ّ‬
‫ظل ّ‬
‫وفيا للمسرح امللحمي وجعله إضافة إلى‬ ‫األخالق “لو أستطيع أن أملس هاتين الشفتين النديتين” ) فلم يستغن ونوس عن البطل امللحمي و ّ‬
‫ذلك شخصية هزلية كوميدية ( “يفرك مؤخرته بباطن كفه وكأنه يساط فعال”) مما يجعل شخصيته تستعطف الزبائن في املقهى داللة على‬
‫انسياق الزبائن معه وفقدانهم للوعي فالطرفان يشتركان في ظاهرة التغريب‪.‬‬
‫إن شخصية اململوك جابر طموحة مغامرة تراهن على حلم زائف يقود نفسه إلى الهالك بفقد العقالنية التي يجب أن تكون من سمته وسمة‬
‫املجتمع ال النهاية التراجيدية التي وصل إليها لذلك طرح ونوس من خالله ّ‬
‫خصيصا مسألة العالقة بين العقل والعاطفة من جملة القضايا التي‬
‫أثارها من خالل مسرحية “ أس اململوك جابر”‪ .‬فلم يكن رمزا للخلل بين العاطفة والعقل فقط بل كان رمز السذاجة والخبث ّ‬
‫ألنه بين صفاء‬ ‫ر‬
‫نيته وخبثه يريد الوصول ملا يريد دون تفكير فشخصيته جمعت بين كونه مملوكا وغارقا في اللهو إنه مظهر من مظاهر االغتراب‪.‬‬
‫‪ .VIII‬الحوارالسرحي‪:‬‬
‫ال يمكن القول بأن املسرح يستقيم دون حوار فهذا بديهي‪ .‬ومن مميزات املسرح عند ونوس أنه متعدد األطراف ويتم بين طبقات مختلفة للمجتمع‬
‫بين راع رعية ‪ /‬حاكم ومحكوم‪ ،‬وكل هذه األطراف تعبر عن قضايا ومواقف متعددة‪ .‬وقد تراوحت مواضيع الحوار بين ما هو اجتماعي من قضية‬
‫الغذاء واألمان وسياسية من سلطة ونفوذ وأخرى نفسية تناول فيها شهوانية جابر والشهرة ّ‬
‫وحب الظهور‪.‬‬

‫أطراف الحوار‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫تنوعت أطراف الحوار فنجدها موزعة على الركح األول‪ :‬بين الحكواتي والزبائن و الركح الثاني بين املمثلين (املماليك ‪ /‬أهل بغداد ‪ /‬زمرد ‪ /‬الوزير‬
‫‪ /‬الخليفة ‪ /‬الجالد)‪ .‬هذه األطراف املتنوعة واملتعددة بعثت موجات على الحوار متنوعة من موجات نفسية ثقافية عاطفية اجتماعية…‬

‫بناء الحوار‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫تراوح الحوار بين الطول والقصر والتوسط في املسرحية‪ ،‬وذلك حسب ما يقتضيه طبيعة الحوار وموضوعه‪ ،‬فنجد الطول غالبا ما يحضر في‬
‫الحوار الحجاجي القائم على اإلقناع وقد يقصر عند املواقف الصعبة أو االنفعاالت بين املمثلين أو بين أطراف الحوار‪ .‬عالوة على ذلك فإن بناء‬
‫الحوار قد كان تارة متصاعدا في القسم األول وتارة تنازليا في القسم الثاني‪.‬‬

‫أنواع الحوار‪:‬‬ ‫‪.3‬‬


‫ّ‬
‫جماعيا وقد يرد فرديا في الحوار غير املباشر إنما يكون مناجاة ويظهر في املناجاة عند الذروة أو األحداث‬ ‫يمكن للحوار أن يكون ثنائيا أو‬
‫االنفعالية “جابر‪ :‬يتكلم بال ضابط ‪..‬الخوف والذهول يموجان في عينه ويختلجان في صوته‪”.‬‬

‫أصناف الحوار‪:‬‬ ‫‪.4‬‬


‫• حوارتو افقي‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫ال نجد في الحوار تشنجا أو تضادا أو اختالفا فتكون الشخصيات متالئمة مثل حديث الزبائن في أول املسرحية‪:‬‬
‫زبون‪ :2‬سيرة الظاهر‪ ،‬نفد صبرنا ونحن ننتظر‪.‬‬
‫زبون‪ :1‬إي وهللا صار أوان سيرة الظاهر بيبرس‪.‬‬
‫زبون‪ :3‬يا عيني على ّأيام الظاهر‪.‬‬
‫• حوارخالفي‪:‬‬
‫يكون هذا الحوار غير توافقي بين الشخوص ف نجد االنفعاالت النفسية حاضرة ومختلفة وفيها تتقابل الشخصيات من حيث عالقاتها فيما بينها‬
‫بقية الزبائن” والحوار الذي دار بين جابر ومنصور‬ ‫ّ‬
‫ويجسد الحوار الخالفي خاصة “حوار الزبون الرابع مع ّ‬ ‫لتبرز االختالفات في املواقف واآلراء‬
‫وغير ذلك‪.‬‬

‫أساليب الحوار‪:‬‬ ‫‪.5‬‬


‫• الحوارالحجاجي‪:‬‬

‫ورد الحجاج بين الحجاج التعليمي في الحوار الصادر من الحكواتي املوجه إلى الزبائن لعله يرشدهم ويثير انتباههم ونجد في الحوار الحجاجي‬
‫ّ‬
‫سجاليا‬ ‫الحوار الجدلي الذي يسعى أحد أطرافه إلى إقناع الطرف اآلخر (الرجل الرابع والبقية ‪ /‬الوزير وعبد اللطيف) أو يكون حوارا حجاجيا‬
‫كالحوار الذي وقع بين (جابر ومنصور أو بين الوزير وجابر)‬

‫• الحوارالتقريري‪:‬‬

‫الذي نجده في الحوارات العادية كالحوار السياس ي أو حوار الرجل الرابع وغيره‪.‬‬

‫وظائف الحوار‪:‬‬ ‫‪.6‬‬


‫يضطلع الحوار بعدة وظائف أبرزها‪:‬‬
‫• دفع الحركة ّ‬
‫الدر ّ‬
‫امية‪:‬‬
‫يبرز ذلك من خالل بناء الحوار االنفعالي الذي يأخذ باألحداث نحو ّ‬
‫الت ّ‬
‫قدم والذروة فيكون قائما على الصراع دراميا باألساس لذلك غالبا ما‬
‫يطرأ على الحوار االنفالت والتوتر بين الشخصيات في الحوار الذي يطور الحبكة املسرحية‪.‬‬

‫• الكشف عن الشخصيات‪:‬‬

‫من خالل الحوار الحجاجي أو االنفعاالت يظهر املوقف متباينا بين الشخوص وتتبين اآلراء والسلوكيات املتنوعة واملختلفة مثل موقف الزبائن‬
‫الذي أظهر الخلفية االجتماعية والثقافية عالوة عن كشف طبيعة العالقات بين الشخصيات كالتقابل بين منصور وجابر أو التقابل بين الرجل‬
‫الرابع وبقية الزبائن أو طبيعة العالقة القائمة بين الحاكم واملحكوم كالحوار القائم بين جابر والوزير والحالق‪ :‬يقول الحالق “سمعا وطاعة‪”.‬‬

‫لغة الحوار‪:‬‬ ‫‪.7‬‬

‫هي لغة عربية فصيحة أغلب األحوال إال أنها تتخللها بعض األلفاظ العامية التي تتحرك ضمن مرجعية تراثية فاللغة يجب أن تكون لغة مسرحية‬
‫ً‬
‫لغة ّ‬
‫حية وديناميكية‬ ‫بامتياز فال يمثل ذلك إشكاال بين العامية والفصحى من حيث التوظيف‪،‬إذ يرى ونوس أن تكون اللغة الحوارية في النص‬
‫قادرة على تطوير الحوار واملواقف التي يقصد من خاللها إيصال املقصد والغاية للجمهور حتى ال يجد الجمهور حاجزا لفهم الواقع‪ ،‬ولغة املسرح‬

‫‪9‬‬
‫ّ‬
‫اللغة الفصحى قد ال ّ‬
‫تعبر عن الواقع بقدر كاف في إيصاله للمتفرج في القرن العشرين الذي ّ‬
‫ضيع اللغة‬ ‫ترتبط بشكل مباشر بالواقع إذ يرى أن‬
‫ّ‬ ‫العربية الفصحى إذ ّ‬
‫العي ليس في العربية الفصحى تحديدا وإنما لتباين الفهم بين الجمهور‪.‬‬

‫‪10‬‬

You might also like