Professional Documents
Culture Documents
دور القائد المسلم في إدارة الأزمات
دور القائد المسلم في إدارة الأزمات
هناء يماني
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على من بعث هاديا للعالمين ,نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ومن واله إلى يوم الدين .
ينبغي االعتراف بأن عالم اليوم هو عالم األزمات ألسباب تتعلق بالتغييرات الكثيرة التي حدثت في مجاالت
الحياة السياسية واالقتصادية والسكانية والبيئية والتي أثرت في حياة اإلنسان داخل الكيان االجتماعي
والتنظيمي ,فقد أصبح من المعروف بأن التحدي الكبير الذي يواجه األفراد والمنظمات والدول يتحدد بسلسلة
من األزمات التي تختلف في طبيعتها وحجمها وعوامل تحريكها مؤدية إلى خلق الصعوبات والمشكالت
وإحداث االنهيارات في القيم والمعتقدات والممتلكات ,لذا فإن مواجهة األزمات والوعي بها يعد أمرا ضروريا
لتفادي المزيد من الخسائر المادية والمعنوية .
تع ّرف األزمة بأنها ( :تهديدا خطرا أو غير متوقع ألهداف وقيم ومعتقدات وممتلكات األفراد والمنظمات
والدول والتي تحد من عملية اتخاذ القرار ) .
أما إدارة األزمات فهي ( :فن إدارة السيطرة من خالل رفع كفاءة وقدرة نظام صنع القرارات سواء على
المستوى الجماعي أو الفردي للتغلب على مقومات bاآللية البيروقراطية الثقيلة التي قد تعجز عن مواجهة
األحداث والمتغيرات المتالحقة والمفاجأة وإخراج المنظمة من حالة الترهل واالسترخاء التي هي عليها ) .
لقد وضع الفكر اإلداري الحديث عددا من الخطوات يمكن إتباعها عند حدوث األزمة ,وهي كما يلي :
• تكوين فريق عمل لوقت األزمات وإمداده بأفضل الكوادر والتجهيزات واألدوات .
• تخطيط الوقت أثناء األزمات واالستفادة من كل دقيقة في تخفيف أثر األزمات .
• الرفع من معنويات العاملين وقت األزمات مما يشعرهم بالحماس والحيوية وااللتزام بالعمل .
• اإلبداع والتجديد في المواقف العصيبة وإشعال روح اإلبداع لدى العاملين لتقديم حلول وآراء غير مسبوقة
• حل المشكالت وقت األزمات بتحديد المشكلة وإجراء المشورة ومن ثم اختيار الحل األنسب من الحلول
المتاحة .
• تقبل التغيير وقت األزمات .
• العمل على حصر األزمات التي من المتوقع أن تحدث في الحاضر والمستقبل والعمل على دراستها ووضع
بدائل للحلول المناسبة لها .
ولكن نجد أن نموذج ( إدارة األزمات ) الذي وضعته اإلدارة الحديثة تجاهل بعض النواحي اإلسالمية التي
يمكن تضمينها الستخالص نموذج إداري متكامل إلدارة األزمات يعتمد على األسس التي اعتمدت عليها
اإلدارة الحديثة بعد تأصيلها بالفكر اإلسالمي ,ولنا في رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – أسوة حسنة في
تفعيل األزمات واالستفادة منها وفي كيفية تحويل المحنة إلى منحة وتحويل الموقف السلبي إلى إيجابي وذلك
بقوة اإليمان والعزم والتوكل على هللا ,والنموذج اإلسالمي إلدارة األزمات يمكن وضعه على الصورة
التالية :
• أن يكون مرجع إدارة األزمة نابع من كتاب هللا وسنة رسوله – صلى هللا عليه وسلم – .
• الشعور بالطمأنينة والثقة باهلل سبحانه وتعالى ثم الثقة بالذات والنفس ويضع في اعتباره قوله تعالى ( :ومن
يتوكل على هللا فهو حسبه ) .
• التعلق باهلل جل وعال واإلكثار من الدعاء :ففي غزوة بدر عندما ظل النبي – صلى هللا عليه وسلم – رافعا
يديه إلى السماء يدعو ربه ويقول ( :اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل اإلسالم لن تعبد في األرض بعد
اليوم) فما زال يهتف بربه ،ماداً يديه مستقبل القبلة ،حتى سقط رداؤه عن منكبيه حتى جاءه أبو بكر – رضي
هللا عنه – قائال :إن هللا منجز وعدك يا رسول هللا ,ويوم أن قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
فقال – صلى هللا عليه وسلم – (حسبنا هللا ونعم الوكيل ) ,ويقول تعالى { :وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} ( غافر , ) 60 :ويجب علينا أال ننسى ( إن هللا يحب
الملحين بالدعاء ) ,ومن ذلك فعل النبي صلى هللا عليه وسلم كما يحدث به علي رضي هللا عنه يقول :لقد أتينا
ليلة بدر وما فينا إال نائم إال النبي صلى هللا عليه وسلم كان يصلي إلى شجرة ويدعو , )..ويقول – صلى هللا
عليه وسلم – ( :ما على األرض مسلم يدعو هللا بدعوة إال آتاه هللا إياها أو صرف عنه السوء مثلها ما لم يدعو
بإثم أو قطيعة رحم ) رواه الترمذي.
• الثقة باهلل جل وعال :وما يشير إلى ذلك قوله تعالى { :فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا } (الشرح
, ) 6 – 5 :وقوله تعالى { :وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنين } ( آل عمران , ) 139 :
وأيضا في غزوة بدر عندما وقف النبي – صلى هللا عليه وسلم – يشير إلى مواطن األرض ,ويقول : bهذا
مصرع فالن وهذا مصرع فالن ,يقول الصحابة :فما اخطأ موقع أحدهم ,وبعد موتهم ودفنهم في القليب
وقف أمام القليب – صلى هللا عليه وسلم – وقال ( :إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم
حقا) ,وفي هذا يقول الشاعر :
ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعا وعند هللا منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها ال تفرج
• االستفادة مما سبق من تجارب ماضية :والنبي صلى هللا عليه وسلم يؤكد على عدم الوقوع في األمر مرتين
فيقول ( :ال يلدغ المؤمن من جرح مرتين) متفق عليه ,واالستفادة من األزمة لمعرفة الصديق المساند من
العدو المتهرب ,يقول الشاعر :
جزى هللا الشدائد كل خير *** عرفت بها عدوي من صديقي
ويقول الشاعر أيضا مادحا أعداءه على فضلهم عليه بقوله :
عداتي لهم فـضل علي ومنة *** فال أبعد هللا عني األعـــاديا
همو بحثوا عن زلتي فاجتنبتها *** وهم نامشوني فاكتسبت األعاديا
فالواجب علينا االستفادة من تجاربنا السابقة وتجارب اآلخرين أيضا والعمل على قراءة المستقبل من خالل
معرفة الماضي لالستفادة من زماننا حتى ال يضيع سدى .
• عدم تقليد المنظمات األخرى في حلول األزمات التي تتبعها ,فما يناسب منظمة ليس بالضرورة أن يناسب
منظمة أخرى لعدم تكافؤ الظروف بين المنظمات .
• المبادأة واالبتكار فيما يخدم تغيير المنظمة نحو األفضل ,فالقائد الناجح عليه إشعال حماس العاملين األمر
الذي يؤدي إلى رغبة الفرد في المشاركة وحل األزمة ,فعلى سبيل المثال إتاحة الفرصة للتعبير عن النفس ،
وتحقيق الذات ،واإلحساس بأن الفرد نافع ،والرغبة في الحصول على معلومات ،والرغبة في التعرف
والعمل مع زمالء جدد ،واإلحساس باالنتماء إلى عمل خالق ومكان عمل منتج ،والرغبة في النمو والتطور
من خالل اإلبداع والتطوير ،وغيرها من مثيرات الحماس والدافعية .
• أن يتبنى إدارة األزمات داخل المنظمة قائدا يتمتع بصفات تؤهله إلدارة األزمات وحل المشكالت ,ومن هذه
الصفات ( العلم – الخبرة – الذكاء – سرعة البديهة – القدرة في التأثير على األفراد – التفكير اإلبداعي
والقدرة على حل المشاكل والسيطرة على األزمات – القدرة على االستفادة من علوم اآلخرين وخبراتهم –
القدرة على االتصال الفعال باآلخرين وتكوين العالقات اإليجابية – الرغبة والحماس ) ,يقول تعالى { :إن
خير من استأجرت القوي األمين } ( القصص . ) 26 :
• الموازنة الموضوعية بين البدائل المتاحة واختيار أقربها إلى حل األزمة وتحقيق مصلحة العمل والمنظمة
فيما ال يخالف الشريعة اإلسالمية ,وهذا ما فعله النبي – صلى هللا عليه وسلم – عندما جمع أصحابه في غزوة
الخندق يأخذ رأيهم ,فعرضوا عليه آرائهم وكان من بين اآلراء رأي سلمان الفارسي – رضي هللا عنه – الذي
أشار إلى حفر الخندق فأخذ برأيه النبي – صلى هللا عليه وسلم – ألنه األقرب للصواب .
• يعتبر ( الصبر ) من أهم الصفات التي يجب على القائد التحلي بها عند األزمة ,وتتضح أهمية الصبر من
موقف النبي – صلى هللا عليه وسلم في حل أزمة الحصار االقتصادي عليه وعلى الذين آمنوا معه قبل
الهجرة :يقول bتعالى { :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصالة إن هللا مع الصابرين } (البقرة ) 153 :
,وفي موقف آخر " لما عجزت قريش عن قتل النبي صلى هللا عليه وسلم أجمعوا على منابذته و من معه من
المسلمين ،فكتبوا كتابا ً تعاقدوا فيه على أال يناكحوهم و ال يبايعوهم و ال يدعوا سببا من أسباب الرزق يصل
إليهم و ال يقبلوا منهم صلحا ً و ال تأخذهم بهم رأفة حتى يسلم بنو المطلب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إليهم
ليقتلوه ،و علقوا الكتاب في جوف الكعبة و اشتد البالء برسول هللا صلى هللا عليه وسلم و الذين آمنوا معه حتى
كانوا يأكلون الخبط و ورق الشجر و كان التجار يغالون في أسعار السلع عليهم و كان األطفال يتضاغون من
الجوع ،و لم تترك سلعة تصل إليهم ,و بعد ثالث سنوات أجمع بنو قصي على نقض ما تعاهدوا عليه ،فأرسل
هللا على صحيفتهم األرضة فأتت على معظم ما فيها من ميثاق و عهد و لم يسلم من ذلك إال الكلمات التي ذكر
فيها اسم هللا عز وجل " فكان جزاء هذا الصبر و الجلد و تحمل المشاق أن هللا سبحانه وتعالى قد مكنهم من
منابع الثروة و االستيالء على عروش الملوك و فتح بالد الروم و فارس ,و صدق هللا إذ يقول{ :و نريد أن
نمن على الذين استضعفوا في األرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين } ( القصص . )5 :
• االستخارة :فلقد حكى لنا جابر أن رســول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يعلّمهم االستخارة في األمور كلها
كالسورة من القرآن ،والحظ أنه قال" :في األمور كلها" هكذا ،أي في عظيم األمر وحقيره؛ فما بالك بقرار
يتعلق بأزمة ،وها هو صلى هللا عليه وسلم يقول لنا" :إذا َه َّم أحدكم باألمر فليركع ركعتين من غير الفريضة،
ثم ليقل :اللهـم إني أستخيرك بعلمـك , ".....وكان يقول – صلى هللا عليه وسلم – ( :ما خاب من استخار وما
ندم من استشار ) .
• التمسك بالقيم والمثل واألخالق والسلوكيات الحسنة :فنجد أن الرسول صلى هللا عليه وسلم وقت األزمات و
المحن االقتصادية لم يتنازل عن القيم و المثل و األخالق و السلوكيات التي أمر هللا بها وبذلك استحق النصر
بعد األزمة و اليسر بعد العسر .
• الشجاعة :ومثال لذلك لما ارتجفت المدينة وسمع الناس دويا عظيما فيها فخرج الناس لينظروا ,فإذا بالنبي
– صلى هللا عليه وسلم – قد عاد راكبا على حصانه من غير سرج يقول لهم ( :لم تراعوا ...لم تراعوا ) ,
وكان أصحابه – رضوان هللا عليهم – يقولون ( :كنا إذا اشتد بنا الوطيس احتمينا بالنبي – صلى هللا عليه وسلم
–).
• التفاؤل وعدم التشاؤم :فيجب على المسلم أال ينظر لألزمة على أنها كلها شر ,فالنظرة السلبية تعوق التفكير
السليم الذي يسهل الوصول للحل المناسب ,وفي هذا يقول الشافعي :
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ....وتستقر بأقصى قاعه الدرر
• على القائد أن يتذكر دائما قاعدة ( ما أصابك لم يكن ليخطئك ) :هذه الوصية تجعلك تظفر بثمرة "اإليمان
بالقضاء والقدر"؛ فاألزمة في حقيقتها مصيبة يبتلينا ربنا -عز وجل -بها تمحيصا ً للذنوب ورفعة للدرجات،
قال -تعالى { :-إنا كل شيء خلقناه بقدر } {القمر ،}49 :وقال { :وكان أمر هللا قدرا مقدورا } {األحزاب:
،} 38وفي حديث جبريل -عليه السالم -أخبرنا الرسول صلى هللا عليه وسلم عن اإليمان بقوله" :أن تؤمن
باهلل ومالئكته وكتبه ورسله ،وتؤمن بالقدر خيره وشره" ,وفي هذا اإلطاري يقول جل من قال { :أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن هللا الذين صدقوا وليعلمن
الكاذبين } (العنكبوت , ) 3 – 2 :ويجب على المسلم أن يجعل اإليمان بالقضاء والقدر وسيلة لكسب الحسنات
وتكفير السيئات من منطلق حديث النبي – صلى هللا عليه وسلم – ( :ما يصيب المسلم من نصب وال وصب
والهم وال حزن وال أذى وال غم ،حتى الشوكة يشاكها إال كفر هللا بها من خطاياه) متفق عليه.
• تجنب الغضب وقت األزمة :ألن الغضب يؤدي إلى تشويش التفكير وعدم التركيز وبالتالي قرارات
عشوائية ,فعن أبي هريرة أن رجالً قال للنبي صلى هللا عليه وسلم :أوصني! فقال صلى هللا عليه وسلم " :ال
تغضب" فردد مراراً؛ قال" :ال تغضب" .
• توسيع نطاق المشاورة :يقول تعالى { :وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على هللا } (آل عمران :
.) 159
• التعاون بين األفراد داخل المنظمة للعمل على حل المشاكل واألزمات التي يمكن أن تواجهها المؤسسة ,وقد
قال تعالى { :وتعاونوا على البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان } ( المائدة . ) 2 :
• االستعانة والتوكل على هللا :فالمسلم بعد أن يختار من الحلول ما يراه مالئما لحل األزمة عليه أن يتوكل
على هللا ويستعين به ,لقوله – صلى هللا عليه وسلم – ( :اعقلها وتوكل ) ,ويقول bتعالى { :كتب هللا ألغلبن
أنا ورسلي إن هللا قوي عزيز } ( المجادلة . ) 21 :
• العزم والعمل وعدم التخاذل والتردد :يقول تعالى { :فإذا عزمت فنوكل على هللا } ( آل عمران , ) 159 :
ولذا فقد قيل :العاجز يلجأ إلى كثرة الشكوى ،والحازم يسرع إلى العمل
وبالتالي يمكننا االستفادة مما هو موجود بالفكر الغربي بعد تأصيله بالفكر اإلداري اإلسالمي الذي جاءت به
شريعتنا اإلسالمية في ضوء الكتاب والسنة النبوية المطهرة التي لم تترك أمرا من أمور الحياة الدنيا واآلخرة
إال تضمنتها ,يقول تعالى { :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دينا }
سبحانك اللهم ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما برحمتك يا أرحم الراحمين