Professional Documents
Culture Documents
قسم الترجمة
مقدمة:
تكتسي الترجمة بشقيها التحريري و الشفوي أهمية خاصة في العصر الحاضر ،اعتبارا أن الترجمة ضرورة حتمية للنمو
المجتمعي بمختلف مناحيه ومعطى حضاري ووسيط لنقل المعارف واآلداب والعلوم إلى شتى اللّغات .إن الترجمة عملية ال
غنى عنها كونها المحرك األساسي للتفاعل بين الحضارات والجسر الذي يربط بين األمم والشعوب كما أنها تعدّ ضرورة
قصوى للتطور والنمو وتبادل األفكار واإلنجازات .وفي السنوات األخيرة ،انصب اهتمام كبير على قضية الترجمة ونشطت
الدعوة لعودتها إلى سابق نهضتها وازدهارها لما لمسه المشتغلون بالعلم واألدب والثقافة من أزمة حادة تخنق هذا الرافد
الحيوي من روافد المعرفة اإلنسانية الذي طالما أدّى دورا محوريا في نشر العلم وإعالء مناره بما يتيحه من اتصال بين
مختلف الثقافات والتفاعل بينها وتجسير الهوة الفاصلة بينها .وال شك أن اإلنسان منذ العصور الغبرة انتقل من مكان إلى
آخر من أجل التجارة أو طلب العلم أو البحث عن أراض جديدة أو السيطرة عليها و بذلك كانت الحاجة الماسة إلى وجود
الترجمان الذي يتوسط بينه وبين اآلخرين لتيسير التواصل واإلفهام وإلغاء الحواجز اللّغوية التي تحول دون ذلك .وبعد أن
أصبح العالم قرية صغيرة ،ازداد استخدام الترجمة الشفوية باعتبارها وسيلة جوهرية للتواصل بين الجماعات الناطقة بلغات
مختلفة فقد كثرت اللقاءات الدولية من اجتماعات وندوات ومجالس ومؤتمرات يجتمع فيها أهل اإلختصاص من شتى بلدان
العالم ال يفصل بينهم سوى حاجز اللّغة الذي يمنعهم من التخاطب والتحاور فيلجئون إلى الترجمان إللغاء هذا الحاجز حتى
تتم عملية التواصل .إن الحديث عن الترجمة الشفوية يحيلنا إلى نوعين من الترجمة و هم ما يعرف بالترجمة التتابعية
( )Interprétation Consécutiveو الترجمة الفورية المتزامنة ( )Interprétation Simultanéeإضافة إلى الترجمة
المنظورة والترجمة الهمسية ...وقد ظهرت أهمية المترجم الشفوي (الترجمان) عندما نبتت الصالت األولى بين المجموعات
البشرية التي تتحدث بلغات مختلفة إذ تعدّ من أشق المهن في العالم نظرا للتوتر والضغط النفسي والذهني اللذين ّ
يتعرض لهم
الترجمان أثناء ممارسة عمله.
لقد ظهرت أهمية المترجم الشفوي منذ القدم كنتيجة طبيعية للتأسيس للوضع التواصلي بين المجموعات البشرية التي
تتحدث بلغات مختلفة وهي أيضا من أروع المهن ألن هدفها هو التقريب بين الناس وتمكينهم من فهم بعضهم البعض
بشكل أفضل وإلغاء حاجز اللّغة الذي يفصل بينهم حيث يساعدهم المترجم على معرفة أفكارهم مباشرة وبذلك يقوم
بمهمة الوسيط ويمكنهم من تحقيق التبادل الفكري.
ومنذ فجر اإلسالم ،كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرسل الرسل إلى الدول المجاورة لدعوتها لإلسالم إذ يستشف
من قوله صلى هللا عليه وسلم "من تعلّم لغة قوم أمن شرهم" فقد كان ينصح أصحابه بتعلّم اللّغات األجنبية لما في ذلك
من تمكين للدعاة لمخاطبة المجتمعات األعجمية بلغاتها .وبعد فتح القسطنطينية سنة 1453م ،أضحت الحاجة ماسة إلى
استخدام تراجمة في الميدان الدبلوماسي .وأشار المحامي الفرنسي Pierre du Boisإلى الدور الفعال والحيوي
للتراجمة بقوله " :إن أحسن طريقة لتسهيل التفاهم المتبادل بين المسيحيين هو استخدام عدد من المترجمين الحكماء
المخلصين الذين يتحدّثون بلغة كال الجانبين والذين يستطيعون أن يفسّروا ألحد الطرفين ما يرغب الطرف اآلخر في
إيصاله" .وقام كريستوفر كولومبس الذي سعى لكسب ثقة سكان العالم الجديد بإرسال الهنود وخاصة الشباب منهم إلى
إسبانيا لتعلم اللّغة اإلسبانية ،وفي نفس الرسالة التي بعث بها كولومبس إلى الملوك الكاثوليكيين أوصى ببدل عناية
خاصة بأولئك الهنود لكي يتمموا التدريب حول الترجمة الشفوية في أحسن الظروف .و بوسع المرء أن يورد أمثلة
كثيرة أخرى مختلفة من التاريخ للبرهنة على أن الترجمة الشفوية اعتبرت ضرورة ماسة في كل العصور.
والجدير بالذكر ،أن مترجمي المؤتمرات الدوليين الكبار منذ عام 1918م لم يكونوا مترجمين دائمين استخدموا
كموظفين ،بل مستقلين مارسوا إلى جانب الترجمة في المؤتمرات أعماال فكرية كالتدريس في الجامعات و الدبلوماسية
أو األعمال الخاصة .هكذا فإن أول مترجم مؤتمرات دولي في مؤتمر العلم في باريس كان بول مانتو ،المؤرخ واألستاذ
في جامعة لندن و أنطوان فيلمان العالم اللّغوي ومؤسس كلية المترجمين الشفويين في جامعة جنيف وجان هيريرت
الذي ألّف دليال عن ترجمة المؤتمرات موجها للطلبة وتراجمة المؤتمرات ،حيث وضع القواعد اللّغوية والمبادئ التي
تحكم هذا الفن الصعب ،األمر الذي ال يمكن اكتساب أسلوبه بغير التدريب المتواصل والذي ال يمكن إتقانه إال بعد
تدريب طويل .وقد أشارت ماريان لودرير في كتابها المعنون ":الترجمة الفورية المتزامنة التجربة والنظرية" ( La
)traduction simultanée expérience et théorieأن الترجمة المتزامنة ليست بالشيء الجديد حيث حوالي
سنة 1926و 1927توصل رجل أعمال يدعى إدوارد فيلين ومهندس كهرباء كوردن نينالي ورئيس شركة IBM
طوماس واطسون إلى اختراع أجهزة خاصة بالترجمة الفورية المتزامنة .وقد ظهرت ترجمة المؤتمرات ألول مرة
كمهنة في أوربا في نهاية الحرب العالمية األولى عندما فقدت اللّغة الفرنسية امتيازها باعتبارها اللّغة الوحيدة المستعملة
في المفاوضات الدبلوماسية.
غالبا ما يخلط الناس بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية ويعتقدون أنه ال توجد اختالفات بين أسلوب عمل
المترجم وأسلوب عمل الترجمان.
تتم الترجمة الشفوية Interprétationشفويا وآنيا في حين أن الترجمة التحريرية Traductionتتم كتابيا وبيسر -
وذا يوحي في الواقع بأن طبيعة هذين النشاطين مختلفة تماما.
إن المترجم والترجمان وظيفتان مختلفتان ومتكاملتان في الوقت ذاته ،فكلمة ترجمان تقابل Interprèteالفرنسية -
و Interpreterاإلنجليزية وكلمة مترجم تقابل Traducteurالفرنسية و Translatorاإلنجليزية ومن أجل
توضيح الفرق بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية يجب تقديم تعريف بسيط لكال العمليتين:
الترجمة التحريرية هي نقل نص مكتوب من لغة إلى أخرى أما الترجمة الشفوية فيراد بها نقل الكالم شفويا من لغة إلى
أخرى في وقت قصير دون تحضير مسبق .عالوة على ذلك ،فالترجمة التحريرية هي عملية خارج حدود الزمن
الحقيقي حيث يكون للمترجم وقت كاف لمعالجة النص األصلي عكس المترجم الشفوي (الترجمان) الذي عليه أن
يستجيب فورا للخطاب الذي يستمع إليه بصورة أسرع ب 20مرة من المترجم التحريري أي 150كلمة في الدقيقة
و 9000كلمة في الساعة الواحدة.
بينما للمترجم التحريري متسع كاف من الوقت للبحث في القواميس والمعاجم وأيضا التفكير في البدائل قيل اختيار أكثر
األلفاظ مالئمة ،فإن المترجم الفوري مطالب بترجمة نص الخطاب الشفوي آنيا دون إمكانية استشارة مراجع أو قواميس
أو القيام بتصويب معنى الخطاب الشفوي كما هو الحال بالنسبة للمترجم التحريري.
تنطبق هذه اإلختالفات على المترجم التحريري والمترجم الشفوي ولكنها ال تأخذ عين اإلعتبار الترجمة التتابعية حيث
يدون الترجمان مالحظات أثناء إلقاء الخطاب وال يبدأ بالترجمة إالّ بعد انتهاء الخطيب من حديثه .ومن الناحية
ّ
التاريخية ،يمكننا القول أن الترجمان سابق على المترجم أي أن فعل الكالم قد سبق فعل الكتابة .أما من حيث اإلجرائية،
فنقول إن الترجمة الفورية تختلف عن الترجمة التحريرية ليس فقط لكون األولى شفوية والثانية تحريرية ولكن لكون كل
منهما تحتكم إلى منطق يختلف عن منطق األخرى .ويرى أصحاب النظرية التأويلية المبنية على تحليل عملية الترجمة
الشفوية والتي تتبناها مدرسة باريس أساسا أن الترجمة الشفوية تخضع لمنطق المدلول عكس الترجمة التحريرية التي
تخضع لمنطق الدال حيث يمكن أن نقرأها أو نعيد قراءتها .ومن هنا ،يتبيّن أن هذه النظرية تتغلغل في كنه النص بتجاوز
القشرة اللّغوية ألن هذا النوع من الترجمة ال عالقة له بالكتابة بمعناها المحسوس والملموس إذ هو قائم على المشافهة
إضافة إلى أن هذه النظرية تدعو إلى التصرف وال مجال فيها للحرفية كما هو الحال بالنسبة للترجمة التحريرية التي
كثيرا ما يستسهل فيها المترجم الحرفية كون الجهد فيها أقل وأهون والتركيز أخف ومجال الوقت أفسح.