You are on page 1of 3

‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية و االجتماعية‬

‫قسم الترجمة‬

‫السنة الثالثة ليسانس‬

‫مقياس الترجمة الشفوية عربي‪-‬فرنسي‪-‬عربي‬

‫األستاذة‪ :‬بن عبده كريمة‬

‫المحاضرة ‪ :1‬مدخل إلى الترجمة الشفوية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تكتسي الترجمة بشقيها التحريري و الشفوي أهمية خاصة في العصر الحاضر‪ ،‬اعتبارا أن الترجمة ضرورة حتمية للنمو‬
‫المجتمعي بمختلف مناحيه ومعطى حضاري ووسيط لنقل المعارف واآلداب والعلوم إلى شتى اللّغات‪ .‬إن الترجمة عملية ال‬
‫غنى عنها كونها المحرك األساسي للتفاعل بين الحضارات والجسر الذي يربط بين األمم والشعوب كما أنها تعدّ ضرورة‬
‫قصوى للتطور والنمو وتبادل األفكار واإلنجازات‪ .‬وفي السنوات األخيرة‪ ،‬انصب اهتمام كبير على قضية الترجمة ونشطت‬
‫الدعوة لعودتها إلى سابق نهضتها وازدهارها لما لمسه المشتغلون بالعلم واألدب والثقافة من أزمة حادة تخنق هذا الرافد‬
‫الحيوي من روافد المعرفة اإلنسانية الذي طالما أدّى دورا محوريا في نشر العلم وإعالء مناره بما يتيحه من اتصال بين‬
‫مختلف الثقافات والتفاعل بينها وتجسير الهوة الفاصلة بينها‪ .‬وال شك أن اإلنسان منذ العصور الغبرة انتقل من مكان إلى‬
‫آخر من أجل التجارة أو طلب العلم أو البحث عن أراض جديدة أو السيطرة عليها و بذلك كانت الحاجة الماسة إلى وجود‬
‫الترجمان الذي يتوسط بينه وبين اآلخرين لتيسير التواصل واإلفهام وإلغاء الحواجز اللّغوية التي تحول دون ذلك‪ .‬وبعد أن‬
‫أصبح العالم قرية صغيرة‪ ،‬ازداد استخدام الترجمة الشفوية باعتبارها وسيلة جوهرية للتواصل بين الجماعات الناطقة بلغات‬
‫مختلفة فقد كثرت اللقاءات الدولية من اجتماعات وندوات ومجالس ومؤتمرات يجتمع فيها أهل اإلختصاص من شتى بلدان‬
‫العالم ال يفصل بينهم سوى حاجز اللّغة الذي يمنعهم من التخاطب والتحاور فيلجئون إلى الترجمان إللغاء هذا الحاجز حتى‬
‫تتم عملية التواصل‪ .‬إن الحديث عن الترجمة الشفوية يحيلنا إلى نوعين من الترجمة و هم ما يعرف بالترجمة التتابعية‬
‫(‪ )Interprétation Consécutive‬و الترجمة الفورية المتزامنة ( ‪ )Interprétation Simultanée‬إضافة إلى الترجمة‬
‫المنظورة والترجمة الهمسية‪ ...‬وقد ظهرت أهمية المترجم الشفوي (الترجمان) عندما نبتت الصالت األولى بين المجموعات‬
‫البشرية التي تتحدث بلغات مختلفة إذ تعدّ من أشق المهن في العالم نظرا للتوتر والضغط النفسي والذهني اللذين ّ‬
‫يتعرض لهم‬
‫الترجمان أثناء ممارسة عمله‪.‬‬

‫‪ -1‬نبذة تاريخية عن الترجمة الشفوية‪:‬‬

‫لقد ظهرت أهمية المترجم الشفوي منذ القدم كنتيجة طبيعية للتأسيس للوضع التواصلي بين المجموعات البشرية التي‬
‫تتحدث بلغات مختلفة وهي أيضا من أروع المهن ألن هدفها هو التقريب بين الناس وتمكينهم من فهم بعضهم البعض‬
‫بشكل أفضل وإلغاء حاجز اللّغة الذي يفصل بينهم حيث يساعدهم المترجم على معرفة أفكارهم مباشرة وبذلك يقوم‬
‫بمهمة الوسيط ويمكنهم من تحقيق التبادل الفكري‪.‬‬
‫ومنذ فجر اإلسالم‪ ،‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرسل الرسل إلى الدول المجاورة لدعوتها لإلسالم إذ يستشف‬
‫من قوله صلى هللا عليه وسلم "من تعلّم لغة قوم أمن شرهم" فقد كان ينصح أصحابه بتعلّم اللّغات األجنبية لما في ذلك‬
‫من تمكين للدعاة لمخاطبة المجتمعات األعجمية بلغاتها‪ .‬وبعد فتح القسطنطينية سنة ‪ 1453‬م‪ ،‬أضحت الحاجة ماسة إلى‬
‫استخدام تراجمة في الميدان الدبلوماسي‪ .‬وأشار المحامي الفرنسي ‪ Pierre du Bois‬إلى الدور الفعال والحيوي‬
‫للتراجمة بقوله‪ " :‬إن أحسن طريقة لتسهيل التفاهم المتبادل بين المسيحيين هو استخدام عدد من المترجمين الحكماء‬
‫المخلصين الذين يتحدّثون بلغة كال الجانبين والذين يستطيعون أن يفسّروا ألحد الطرفين ما يرغب الطرف اآلخر في‬
‫إيصاله"‪ .‬وقام كريستوفر كولومبس الذي سعى لكسب ثقة سكان العالم الجديد بإرسال الهنود وخاصة الشباب منهم إلى‬
‫إسبانيا لتعلم اللّغة اإلسبانية ‪ ،‬وفي نفس الرسالة التي بعث بها كولومبس إلى الملوك الكاثوليكيين أوصى ببدل عناية‬
‫خاصة بأولئك الهنود لكي يتمموا التدريب حول الترجمة الشفوية في أحسن الظروف‪ .‬و بوسع المرء أن يورد أمثلة‬
‫كثيرة أخرى مختلفة من التاريخ للبرهنة على أن الترجمة الشفوية اعتبرت ضرورة ماسة في كل العصور‪.‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬أن مترجمي المؤتمرات الدوليين الكبار منذ عام ‪1918‬م لم يكونوا مترجمين دائمين استخدموا‬
‫كموظفين‪ ،‬بل مستقلين مارسوا إلى جانب الترجمة في المؤتمرات أعماال فكرية كالتدريس في الجامعات و الدبلوماسية‬
‫أو األعمال الخاصة‪ .‬هكذا فإن أول مترجم مؤتمرات دولي في مؤتمر العلم في باريس كان بول مانتو‪ ،‬المؤرخ واألستاذ‬
‫في جامعة لندن و أنطوان فيلمان العالم اللّغوي ومؤسس كلية المترجمين الشفويين في جامعة جنيف وجان هيريرت‬
‫الذي ألّف دليال عن ترجمة المؤتمرات موجها للطلبة وتراجمة المؤتمرات‪ ،‬حيث وضع القواعد اللّغوية والمبادئ التي‬
‫تحكم هذا الفن الصعب‪ ،‬األمر الذي ال يمكن اكتساب أسلوبه بغير التدريب المتواصل والذي ال يمكن إتقانه إال بعد‬
‫تدريب طويل‪ .‬وقد أشارت ماريان لودرير في كتابها المعنون ‪ ":‬الترجمة الفورية المتزامنة التجربة والنظرية" ( ‪La‬‬
‫‪ )traduction simultanée expérience et théorie‬أن الترجمة المتزامنة ليست بالشيء الجديد حيث حوالي‬
‫سنة ‪ 1926‬و‪ 1927‬توصل رجل أعمال يدعى إدوارد فيلين ومهندس كهرباء كوردن نينالي ورئيس شركة ‪IBM‬‬
‫طوماس واطسون إلى اختراع أجهزة خاصة بالترجمة الفورية المتزامنة‪ .‬وقد ظهرت ترجمة المؤتمرات ألول مرة‬
‫كمهنة في أوربا في نهاية الحرب العالمية األولى عندما فقدت اللّغة الفرنسية امتيازها باعتبارها اللّغة الوحيدة المستعملة‬
‫في المفاوضات الدبلوماسية‪.‬‬

‫‪ -2‬الفرق بين الترجمة الشفوية والترجمة التحريرية‪:‬‬

‫غالبا ما يخلط الناس بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية ويعتقدون أنه ال توجد اختالفات بين أسلوب عمل‬
‫المترجم وأسلوب عمل الترجمان‪.‬‬

‫تتم الترجمة الشفوية ‪ Interprétation‬شفويا وآنيا في حين أن الترجمة التحريرية ‪ Traduction‬تتم كتابيا وبيسر‬ ‫‪-‬‬
‫وذا يوحي في الواقع بأن طبيعة هذين النشاطين مختلفة تماما‪.‬‬
‫إن المترجم والترجمان وظيفتان مختلفتان ومتكاملتان في الوقت ذاته‪ ،‬فكلمة ترجمان تقابل ‪ Interprète‬الفرنسية‬ ‫‪-‬‬
‫و‪ Interpreter‬اإلنجليزية وكلمة مترجم تقابل ‪ Traducteur‬الفرنسية و‪ Translator‬اإلنجليزية ومن أجل‬
‫توضيح الفرق بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية يجب تقديم تعريف بسيط لكال العمليتين‪:‬‬
‫الترجمة التحريرية هي نقل نص مكتوب من لغة إلى أخرى أما الترجمة الشفوية فيراد بها نقل الكالم شفويا من لغة إلى‬
‫أخرى في وقت قصير دون تحضير مسبق‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فالترجمة التحريرية هي عملية خارج حدود الزمن‬
‫الحقيقي حيث يكون للمترجم وقت كاف لمعالجة النص األصلي عكس المترجم الشفوي (الترجمان) الذي عليه أن‬
‫يستجيب فورا للخطاب الذي يستمع إليه بصورة أسرع ب‪ 20‬مرة من المترجم التحريري أي ‪ 150‬كلمة في الدقيقة‬
‫و‪ 9000‬كلمة في الساعة الواحدة‪.‬‬

‫بينما للمترجم التحريري متسع كاف من الوقت للبحث في القواميس والمعاجم وأيضا التفكير في البدائل قيل اختيار أكثر‬
‫األلفاظ مالئمة‪ ،‬فإن المترجم الفوري مطالب بترجمة نص الخطاب الشفوي آنيا دون إمكانية استشارة مراجع أو قواميس‬
‫أو القيام بتصويب معنى الخطاب الشفوي كما هو الحال بالنسبة للمترجم التحريري‪.‬‬

‫تنطبق هذه اإلختالفات على المترجم التحريري والمترجم الشفوي ولكنها ال تأخذ عين اإلعتبار الترجمة التتابعية حيث‬
‫يدون الترجمان مالحظات أثناء إلقاء الخطاب وال يبدأ بالترجمة إالّ بعد انتهاء الخطيب من حديثه‪ .‬ومن الناحية‬
‫ّ‬
‫التاريخية‪ ،‬يمكننا القول أن الترجمان سابق على المترجم أي أن فعل الكالم قد سبق فعل الكتابة‪ .‬أما من حيث اإلجرائية‪،‬‬
‫فنقول إن الترجمة الفورية تختلف عن الترجمة التحريرية ليس فقط لكون األولى شفوية والثانية تحريرية ولكن لكون كل‬
‫منهما تحتكم إلى منطق يختلف عن منطق األخرى‪ .‬ويرى أصحاب النظرية التأويلية المبنية على تحليل عملية الترجمة‬
‫الشفوية والتي تتبناها مدرسة باريس أساسا أن الترجمة الشفوية تخضع لمنطق المدلول عكس الترجمة التحريرية التي‬
‫تخضع لمنطق الدال حيث يمكن أن نقرأها أو نعيد قراءتها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتبيّن أن هذه النظرية تتغلغل في كنه النص بتجاوز‬
‫القشرة اللّغوية ألن هذا النوع من الترجمة ال عالقة له بالكتابة بمعناها المحسوس والملموس إذ هو قائم على المشافهة‬
‫إضافة إلى أن هذه النظرية تدعو إلى التصرف وال مجال فيها للحرفية كما هو الحال بالنسبة للترجمة التحريرية التي‬
‫كثيرا ما يستسهل فيها المترجم الحرفية كون الجهد فيها أقل وأهون والتركيز أخف ومجال الوقت أفسح‪.‬‬

You might also like