You are on page 1of 3

‫مقياس نظريات االتصال االجتماعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ السنة األولى ماسترعلم اجتماع االتصال‬

‫املحاضرة األولى‬

‫النظرية االجتماعية ومفهوم االتصال‬

‫ماذا نعني بالنظرية‪:‬‬


‫ً‬
‫شيوعا "للنموذج العلمي" أو "البناء العلمي"‪ .‬هناك سؤاالن عامان‬ ‫هنا تستخدم كلمة "نظرية" بمعناها الحديث األكثر‬
‫وأساسيان للغاية يمكن طرحهما في هذا الصدد هما‪ :‬ماذا سيكون البحث إذا كان يتألف فقط من أعمال تتوقف على جمع‬
‫البيانات فقط وليست مبنية على أي نظريات؟ وعلى العكس من‪ .‬ماذا سيكون البحث إذا كان يتألف فقط من النظريات‬
‫وليس مبنيا على جمع البيانات؟‬

‫يتيح لنا أن ننظر إلى السؤال الثاني أوال‪ .‬إذا كان البحث يتألف فقط من النظريات‪ ،‬فإنه يفتقر إلى اإلشارة إلى العالم الخيالي‪.‬‬
‫لن يكون للباحثين أي صفة للدخول إلى امليدان وإجراء املقابالت مع األشخاص أو تحليل املصادر‪ .‬إذا كان البحث ً‬
‫مؤلفا‬
‫ً‬
‫فقط من اإلنشاءات في تصورات الباحثين‪ ،‬فسيكون فارغا من املحتوى؛ وسيكون غير قادر على التحقق من صحتها أو‬
‫اختبارها بأي شكل من األشكال‪ .‬أي قطعة من املضاربة يجب أن تعتبر جيدة مثل غيرها‪.‬‬

‫لكن اآلن دعنا نلقي نظرة على السؤال األول‪ .‬إذا كان البحث يتألف فقط من جمع البيانات‪ ،‬فإنه سيفتقر إلى كل الترتيب‬
‫والحس‪ .‬إذا كان البحث يتألف فقط من أكوام من املعلومات‪ ،‬فإنه لن يكون أكثر من مجموعة من البيانات الفوضوية‪ ،‬من‬
‫املستحيل فك تشفيرها أو تقييمها أو تطبيقها على أي غرض ذي معنى‪ .‬سيكون عديم الفائدة وال طائل من ورائه‪.‬‬

‫يمكننا أن نستنتج من هذا أن النظرية مستحيلة من دون "املالحظة التجريبية‪ ،‬وباملثل فإن املالحظة التجريبية‬
‫مستحيلة بدون نظرية"‪ .‬إلعادة صياغة قول مشهور في عصر " الفلسفة التنويرية للفيلسوف ايمانويل كانط ‪Immanuel‬‬
‫‪ Kant‬في القرن الثامن عشر‪ ،‬يمكننا القول أن النظريات بدون االستعانة بالبيانات امليدانية تعتبر فارغة‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫البيانات امليدانية بدون إستناد نظري تعتبر عمياء‪ ،‬وفي هذا يقول كانط‪( :‬املفاهيم بدون تصورات فهي فارغة؛ التصورات‬
‫بدون مفاهيم فهي عمياء)‪.‬‬

‫مفهوم النظرية االجتماعية‪ :‬يمكن تعريف النظرية االجتماعية على أنها دراسة الطرق العلمية للتفكير في الحياة‬
‫االجتماعية‪ .‬فهي تشمل الدراسة العلمية لألفكار حول كيفية تغير املجتمعات وتطورها وتشمل أساليب تفسير السلوك‬
‫االجتماعي‪ ،‬السلطة والبنية االجتماعية‪ ،‬الثورات والطبقية الجنس‪ ،‬والعرق‪ ،‬الحداثة والحضارة‪ ...،‬والعديد من املفاهيم‬
‫واملشاكل املرتبطة بالحياة االجتماعية‪.‬‬

‫يتناول هذا التعريف بعض األسئلة الرئيسية التي تنشأ عندما نبدأ التفكير في فكرة "علم املجتمع" التي نبدأ بها مناقشة‬
‫معنى كلمة نظرية وتأثيراتها املختلفة على املنهج في البحث االجتماعي‪ .‬وتطرح ً‬
‫أيضا أسئلة حول عالقة النظرية االجتماعية‬
‫بـ الحس املشترك‪ ،‬ودور الحقائق‪ ،‬القيم واملوضوعية في البحث االجتماعي‪ ،‬وحول عالقة علم االجتماع بالتخصصات‬
‫مقياس نظريات االتصال االجتماعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ السنة األولى ماسترعلم اجتماع االتصال‬

‫األخرى في العلوم االنسانية واالجتماعية‪ ،‬مثل السياسية‪ ،‬علم النفس‪ ،‬علم األنتروبولوجيا‪ ،‬علم االتصال‪ ،‬التاريخ‬
‫والفلسفة‪.‬‬

‫هناك تعريف أخر للنظرية االجتماعية باعتبارها افتراض أو تخمين يهدف إلى شرح و‪/‬أو تحليل الواقع االجتماعي من منظور‬
‫سوسيولوجي‪ ،‬وذلك برسم الروابط بين املفاهيم الفردية من أجل تنظيم املعرفة االجتماعية وإثباتها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن هذه‬
‫ّ‬
‫املعرفة تتكون من أطر ومنهجية نظرية معقدة‪ .‬شرح بعض هذه النظريات االجتماعية جوانب من العالم االجتماعي وتمكن‬
‫من التنبؤ باألحداث املستقبلية‪ ،‬بينما يعمل البعض اآلخر منها كمنظورات واسعة توجه املزيد من التحليالت للواقع‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫ما هو البراديغم؟‬
‫ً‬
‫أساسيا ملعنى البراديغم‪ .‬فقال‪" :‬يستخدم البراديغم لوصف‬ ‫ً‬
‫تعريفا‬ ‫قدم مؤرخ العلوم توماس كوهن (‪)Thomas Kuhn‬‬
‫مجموعة من املفاهيم في إطار فرع من فروع املعرفة وفي أي وقت من األوقات‪ ".‬فهو فلسفة العلم‪ ،‬أو مجموعة من املفاهيم‬
‫أو أنماط التفكير بما في ذلك النظريات واألبحاث واملعايير للمساهمة في مجال العلوم أو الفلسفة‪ .‬وعادة ما يكون البراديغم‬
‫وراء النظريات ما يسمح للعالم بالنظر إلى الوضع والتحقيق في النظرية من كل زاوية‪ .‬كما يوفر البراديغم النموذج أو النمط‬
‫للمجتمع الذي يحقق ويستقص ي في نظرياته‪ .‬ويبين ما يجب مراعاته‪ ،‬وكيف ينبغي إجراء املالحظة ويبدأ النظرية األساسية‪.‬‬
‫كما يساعد البراديغم على توضيح كيفية إجراء التجارب وما هي أفضل املعدات التي يمكن استخدامها في مختلف الحاالت‪.‬‬
‫كما أنه بمثابة دليل لتفسير النتائج‪.‬‬
‫ً‬
‫الفرق بين البراديغم والنظرية‪ :‬يسير البراديعم والنظرية جنبا إلى جنب لشرح مفاهيم العلوم املختلفة ومساعدة‬
‫األكاديميين في عملهم على تحديد طبيعة الظواهر املختلفة‪ .‬إذ تشرح النظرية الظواهر ً‬
‫بناء على معايير معينة بينما يوفر‬
‫البراديغم الخلفية أو اإلطار الذي يسمح باختبار وقياس النظرية‪ .‬فالبراديغم يمكن أن يكون له عدد من النظريات في إطاره‪،‬‬
‫ويعمل كنقطة مرجعية لهذه النظريات‪ .‬فنجد أن هذان املفهومان يعمالن مع بعضهما البعض ولكنهما يختلفان‪ .‬كما يمثالن‬
‫العمود الفقري للعلوم املختلفة وخاصة منها العلوم االجتماعية من أجل تفسير نظام الحياة اليومية لألفراد والجماعات‬
‫ومساعدتهم في فهم معنى بيئتهم التي ينتمون اليها‪.‬‬

‫ما معنى االتصال‪ :‬إن العملية االتصالية بين البشر عملية أساسية نحس بها ونفهم من خاللها بيئتنا ويتأتى تبعا لذلك ان‬
‫نكون قادرين على التعامل معها‪ ،‬أي تؤثر فينا او تتأثر بهما‪ ،‬وليس ثمة سبيل الى هذا التأثر اال عن طريق هذه العملية‬
‫األساسية (االتصال‪)communication ،‬‬

‫لقد وضعت عدة مفاهيم لالتصال كل منها يؤكد على جانب او اخر له أهمية في تحقيق عملية االتصال‪ ،‬ومن تخصص الى‬
‫اخر تبعا لالهداف التي يسعى العلم الى تحقيقها‪ ،‬غير أن كل املفاهيم تؤكد على أن االتصال عملية حيوية لإلنسان‬
‫واملجتمع‪ ،‬ويمكن عرض بعض هذه املفاهيم من خالل السياق املعرفي لبعض التخصصات العلمية نورد منها ما يلي‪:‬‬
‫مقياس نظريات االتصال االجتماعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ السنة األولى ماسترعلم اجتماع االتصال‬

‫مفهومه في علم االجتماع‪ :‬االتصال ليس مفهوما حديثا في علم االجماع‪ ،‬فقد استخدمه علماء االجتماع االوائل وخاصة‬
‫تشارلز كولي وجون ديوي وكانوا يركزون على انه "عملية اجتماعية تنتقل بها األفكار واملعلومات بين الناس"‪ ،‬كما م تعريفه‬
‫على انه "عملية تفاعل بين طرفين وضرورة من ضروريات استمرارية الحياة االجتماعية لتحقيق التكامل االجتماعي"‪ ..‬يرتكز‬
‫هذا التعريف على عنصرين هما (تحقيق التفاعل والتكامل االجتماعي)‪.‬‬

‫في حين هناك تعريف يشتمل على عناصر عديدة توضح عملية االتصال في اطار الفكر االجتماعي مفاده أن االتصال هو‬
‫عملية اشتراك ومشاركة في املعنى من خالل التفاعل الرمزي تتميز باالنتشار في املكان والزمان فضال عن استمراريتها وقابليتها‬
‫للتنبؤ‪.‬‬

‫مفهومه في علم النفس‪ :‬يعد علم النفس أحد اهم الراوفد الفكرية التي تعتمد عليها الدراسات االتصالية‪ ،‬وقد ورد مفهوم‬
‫االتصال في الحقل بأنه "عملية نقل انطباع او تاثير من منطقة الى أخرى‪ ،‬ايمن فرد الى اخر او من بيئة الى الفرد وذلك من‬
‫خالل عدة أساليب جوهرها الكالم واستخدام الحواس التي تشعر االخرين باالهتمام"‬

‫كما يؤكد دفلور‪ ،Defleur‬في تعريفه لالتصال على انه "عملية عصبية حيوية يتم فيها تسجيل معاني ورموز معينة في ذاكرة‬
‫االفراد‪ ،‬يتم من خاللها اكتساب معاني ورموز التعليم"‬

‫مفهومه في االعالم واالتصال‪ :‬يعرف بأنه "يبث الرسائل التي تتسم بالواقعية ‪-‬االحداث اليومية‪ -‬او الخيالية ‪ -‬القصص‬
‫والروايات‪ -‬بموضوعات معينة على أعداد كبيرة من الناس مختلفين فيما بينهم في النواحي االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬السياسية‬
‫وحتى االقتصادية‪ ..‬ويوجدون في مناطق مختلفة"‬

‫قبل التعرض لنظريات االتصال من الضروري ان نلقي الضوء على الفعل االتصالي والعالقة االتصالية‪ ،‬باعتبار‬
‫النظريات االتصالية تهتم بتفسير وتحديد اتجاه الفعل االتصالي والعالقات االتصالية‪.‬‬

‫وفي هذا يشير ماكويل ‪ McQuail‬انه من الصعوبة اختيار نموذج فردي مناسب ليمثل او يصور عملية االتصال االجتماعي‪،‬‬
‫وهذه الصعوبة لم تنشأ من االختالف على الحقائق‪ ،‬او على مدى اختالف العناصر التي يجب ان تأخذ في االعتبار في الفعل‬
‫االتصالي‪ ،‬ولكن هذه الصعوبة تنشأ من التنوع الكبير للوقائع واالحداث االجتماعية‪ ،‬باإلضافة الى املفاهيم واألفكار املتباينة‬
‫في العالقة االتصالية‪ ،‬وال شك ان اآلراء العلمية للظواهر االجتماعية تعتبر اراء انتقائية‪ ،‬ولذلك فان اختالف الرؤى او‬
‫املنظورات التي ينظر من خاللها العالم الى الظواهر والوقائع تؤدي الى اختالف الكتابات واختالف اآلراء املعرفية التي يتبناها‬
‫حولها‪.‬‬

‫وبذلك انقسمت املواقف املعرفية بين اإليجابية والسلبية‪ ،‬وسوف نتبينهما من خالل عرض بعض النظريات والنماذج‬
‫النظرية الواردة في علم االجتماع وعلم النفس التي تتعلق باالتصال‪.‬‬

You might also like