You are on page 1of 4

‫الدول ة املرابطي ة هي دول ة إس المية ظه رت خالل الق رن اخلامس والس ادس اهلج ري يف منطق ة‬

‫املغ رب اإلس المي‪ .‬انبثقت من حرك ة دعوي ة إص الحية إس المية اعتم دت يف ب دايتها على العص بية‬
‫الصنهاجية بعد التحام عدد من قبائلها الكبرية‪ .‬حتول هذا االلتحام إىل سند شعيب مل يلبث بدوره أن‬
‫حتول إىل س ند عس كري أفض ى يف النهاي ة إىل نش وء ق وة إقليمي ة اقتص ادية لس يطرة تل ك القبائ ل على‬
‫ع دد من الط رق التجاري ة‪ 1،‬إض افة إىل ال روح اإلس المية اإلص الحية املبني ة على اعتق اد م الكي سين‪،‬‬
‫حترك عس كري‬ ‫فس مت نفس ها تس مية مع ربة عن ذل ك وهي دول ة الرب اط واإلص الح‪ .‬ك ان أول ّ‬
‫للملثمني صوب قبيلة جدالة‪ ،‬وبعد إمتام ضم بقية القبائل الصنهاجية البدوية إىل دعوهتم تقدموا حنو‬
‫الش مال ملواجه ة الزن اتيني املس يطرين على اخلط التج اري الواص ل بني الص حراء واألن دلس‪ ،‬وك ان‬
‫دخ ول وس يطرة املرابطني على سجلماسة س نة ‪447‬هـ ب اكورة عملي اهتم العس كرية الك ربى لتوحي د‬
‫املغرب اإلسالمي‪.‬‬

‫س يطرت الدول ة اجلدي دة على رقع ة جغرافي ة متت د من احملي ط األطلسي غربً ا وبالد ش نقيط‬
‫وحوض هنر السنغال جنوبًا‪ 2‬وهو مكان خماض ميالد احلركة‪ ،‬وامت ّدت شرقًا لتحاذي إمرباطورية كامن‬
‫وتزامحه ا على حبرية تش اد يف الص حراء الك ربى‪ .‬وامت د ه ذا اجملال يف الش مال خمرتق ا جب ال األطلس‬
‫بتالهلا وكبريها ومتوس طها وص غريها‪ ،‬وجتاوزت البح ر املتوسط فش ملت أج زاء من ش به اجلزي رة‬
‫األيبريية‪ ،‬وس يطرت على األن دلس‪ .‬ك انت حت ّد دول ة املرابطني من الش مال ممال ك قش تالة ون ّربة‬
‫وأراغون‪ ،‬ومن الشرق إمارات بين زيري وبين محاد‪ ،‬ويف جنوب الصحراء حبكم األمر الواقع‪ ،‬كل من‬
‫ممالك بامبوك وبوري ولويب وإمرباطورييت مايل وغانا‪.‬‬

‫وأبرز وجوه هذه احلركة هو أمري املسلمني يوسف بن تاشفني الذي أسس مراكش واختذها‬
‫عاص مة للدول ة‪ ،‬ودخ ل األن دلس وأخض عها لس لطته بع د معرك ة الزالقة‪ ،‬بع د أن اس تنجده مل وك‬
‫الطوائف من زحف املمالك املسيحية القشتالية‪ .‬وعايش ابنه األمري علي بن يوسف أبرز فرتات الدولة‬
‫املرابطي ة‪ ،‬ففي حكم ه ال ذي اس تمر قراب ة ‪ 37‬س نة‪ ،‬وص ل س لطان املرابطني باألن دلس إىل ال ذروة يف‬

‫التيار الفقهي املرابطي ومدى تأثريه على الفكر واألدب دعوة احلق العددان ‪ 156‬و‪157‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اجلزء اخلامس‪ ،1965 ،‬ص‪23 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫الس نوات العش ر األوىل‪ ،‬حيث توط دت دولتهم ح ىت أوش كوا على اس رتداد ك ل م ا غنم ه ألفونس و‬
‫السادس‪ ،‬مث تلتها فرتة ركود تأرجح فيها مصريهم بتوايل االنتصارات والنكسات‪ ،‬تلتها فرتة النكبات‬
‫وقيام الثورات يف األندلس ويف املغرب حيث قامت حركة املوحدين اليت قضت على دولة املرابطني‬
‫بدخوهلا العاصمة مراكش سنة ‪541‬هـ‪.‬‬

‫خلفية‬
‫عند ظهور املرابطني‪ ،‬كان املغرب األقصى خيضع حلكم عدة دويالت أو جتمعات قبلية‪ ،‬أبرزها‬
‫أرب ع ش وكات قوي ة هلا وزهنا‪ :‬برغواط ة وغم ارة ومغ راوة يف الوس ط والش مال وطوائ ف من الش يعة‬
‫البجلية‪ 3‬والوثن يني يف اجلنوب‪ .4‬تأسس ت يف برغواطة دول ة يف الق رن الث اين اهلج ري يف تامس نا الش اوية حاليً ا‪،‬‬
‫متت ُّد من ِّ‬
‫الربَ اط احلالي ة إىل بل دة أزم ور مص ب أم الربيع‪ .‬أش هر حكامه ا ص احل بن طري ف الربب اطي‪ ،‬نس بة إىل هنر‬
‫برب اط باَألنْ َدلُس؛ فص ارت كلم ة برب اطي تُطل ق على ك ل من اعتن ق ديانته‪ ،‬مث ُح ِّرفَت م ع ال وقت إىل برغ واطي‪.‬‬
‫ادعى ابن طريف النبوة‪ ،‬فأخرج هلم قرآنًا بلغة بربرية حملية يتكون من مثانني سورة‪ ،‬ومن شرائعه صوم رجب بدل‬
‫رمضان‪ ،‬وأضاف يف الوضوء غسل السرة واخلاصرتني‪ ،‬وأباح الزواج بأكثر من أربع وغريها من الشرائع‪ .‬وكانت‬
‫املالكي ة تُ ّك ُن ع داء كب رياً للربغواط يني‪ ،‬خاص ة وق د أمجع فقهائه ا على خ روج الربغواط يني عن اإلس الم‪ ،‬ف أوجبوا‬
‫حرهبم بعد أن دخل حتت حكم الربغواطيني الكثري من القبائل‪ ،‬فأطلقوا محلة لقتال املرت ّدين‪ ،‬فقاتلهم األدارسة يف‬
‫بداية األمر‪ ،‬ومن بعدهم األمويني واملغراويني‪.‬‬

‫أم ا غم ارة‪ ،‬فك انت قبائ ل تس كن جب ال الريف املمت دة من س بتة وطنج ة غربً ا‪ ،‬إىل وادي (نك ور ال ذي‬
‫كانت حتمل امسه مملكة نكور) بالقرب من احلُ َس ْيمة احلالية‪ ،‬ومتتد جنوبًا إىل قرب مدينة فاس‪ ،‬وغمارة أحد قبائل‬
‫مصمودة‪ ،‬وقد اشتهرت باملشعوذين وكان يقصدهم اخلوارج لالحتماء يف جباهلم‪ .‬ظهر فيهم حاميم الغماري وهو‬
‫رجل ادعى النبوة ووضع هلم قرآنًا بلغتهم احمللية‪ ،‬ومن تعاليمه حتليل أكل أنثى اخلنزير‪ ،‬وأسقط عنهم احلج والطهر‬
‫‪5‬‬
‫وحرم بيض الطيور‬
‫والوضوء‪َّ ،‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬
‫املدارس العلمية العتيقة باملغرب وإشعاعها العلمي واألديب‪ ،‬املدرسة اإللغية بسوس منوذجاً‪ ،‬املهدي بن حممد السعيدي‪ ،‬منشورات وزارة األوقاف‪،‬‬
‫الرباط‪ ،2006 ،‬ص ‪26‬‬
‫‪ 4‬االستبصار يف عجائب األمصار‪ ،‬ملؤلف جمهول‪ ،‬ص ‪190‬‬

‫يف تاريخ املغرب واألندلس‪ ،‬د‪ .‬العبادي‪ ،‬ص‪278 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪2‬‬
‫استقل بنو مغراوة الزناتيني عن الدولة األموية يف األندلس سنة ‪390‬هـ وبسطوا سيطرهتم تدرجيياً بدءاً من‬
‫فاس حىت سجلماسة وأغمات وتامدولت‪ ،‬بعدما خاضوا صراعات مستمرة وفوضى سائدة جعلت احلياة اليومية ال‬
‫تط اق وح الت دون أي نش اط اقتص ادي ط بيعي يف عه د الزن اتيني‪ 6.‬يب دو أن ش يئاً م ا يف ه ذه الوض عية العام ة ق د‬
‫اس تفز فقه اء املالكي ة ودفعهم إىل التندي د هبا ومعارض تها علني اً‪ ،‬خصوص اً وأن الزن اتيني مل يكون وا خص وماً من‬
‫الوجه ة الديني ة حبكم ك وهنم من أه ل الس نة يف ذل ك ال وقت‪ ،‬ب ل أن منهم من ك ان مول ع جبه اد برغواط ة‪ .‬لكن‬
‫سلسلة من اجملاعات اليت استمرت من سنة ‪ 380‬هـ إىل ‪ 462‬هـ‪ ،‬جعلت الزناتيون يثقلون بالضرائب على الرعية‬
‫بش كل دف ع الفقه اء‪ ،‬وباخلص وص أيب عم ران الفاسي‪ ،‬إىل إعالن الث ورة ض دهم ب دعوهتم إىل تغي ري منكر املظ امل‬
‫وأم رهم مبع روف رد احلق وق إىل أص حاهبا‪ .‬األم ر ال ذي يؤك د الرواب ط الوثيق ة بني آراء الفقه اء املعن يني باحلرك ة‬
‫املرابطية منذ أن كانت مشروعاً‪.7‬‬

‫عليهم‬
‫اءُ ُ‬ ‫غلب احلي‬ ‫ملا ح ووا إح راز ك ل‬
‫‪8‬‬
‫فتلثموا‬ ‫فضيلة‬

‫النشأة والتأسيس‬

‫قاصدا اجلزيرة العربية ألداء فريضة احلج تار ًك ا ابنه‬


‫  ملا انتقلت الرئاسة إىل حيىي بن إبراهيم‪ ،‬خرج من دياره ً‬
‫إب راهيم على رأس الس لطة ع ام ‪ 427‬هـ‪ .‬وبع د أداء الفريض ة‪ ،‬انطل ق بني املدارس الفقهي ة طالبً ا العلم‪ ،‬فك ان‬
‫لقائه يف القريوان باإلمام أيب عمران الفاسي‪ .‬شرح حيىي أليب عمران جهل قومه بأصول الدين‪ ،‬وطلب منه أن‬
‫يبعث معه أحد طلبته ليعلم قَومه‪ ،‬وكانت تلك هي اللبنة األوىل اليت قامت عليها الدولة الصحراوية على أسس‬
‫ديني ة حس ب مفه وم أه ل الس نة واجلماع ة‪ ،‬للقض اء على الفوض ى السياس ية والديني ة ال يت ك انت تعيش ها بالد‬
‫‪9‬‬
‫املغرب‪.‬‬

‫عبد اهلل گنون‪ ،‬أبو عمران الفاسي‪ ،‬جملة الثقافة العربية‪ ،‬يناير ‪ -‬فرباير ‪ ،1970‬ص‪53-52 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫وفيات األعيان ج‪.7/130‬‬ ‫‪7‬‬

‫أبو القاسم بن حوقل النصييب‪ ،‬صورة األرض‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪ ،1979 ،‬صص‪98-97 .‬‬ ‫‪8‬‬

‫ابن أيب زرع‪ ،‬األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬دار املنصور للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،1972 ،‬ص‪18 .‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪3‬‬
‫كان أبو عمران الفاسي قد نشأ يف فاس‪ 10‬اليت كانت حتت سلطة مغراوة‪ .‬حاول أبو عمران مواجهة هذه القوى‬
‫السياس ية يف مس قط رأس ه؛ إال أن ه فش ل يف ذل ك‪ ،‬واض طر للخ روج من املغ رب إىل الق ريوان‪ 11،‬لريس م فيه ا أط ر‬
‫دعوة إصالحية مبشاركة عناصر أخرى مشرقية‪ ،‬بعد أن رحل أبو عمران قبل ذلك إىل بغداد‪ ،‬وقيل جالس الفقيه‬
‫األشعري املاوردي‪ ،‬ورمبا اطّلع على مؤلفاته اليت اشتهرت بعمقها يف الفكر السياسي‪ ،‬واليت أبرزت تفهم كاتبها‬
‫ملعطيات عصره السياسي‪ ،‬فاشرتط حتالف الدين والقوة واملال من اجل إقامة الدولة‪ ]21[.‬ويبدو أن أبا عمران كان‬
‫شديد التأثر بتلك الرؤية‪ ،‬حني سعى إىل تطبيقها باملغرب‪ ،‬عن طريق االستعانة بعصبية صنهاجة‪ ،‬والتحكم يف جتارة‬
‫الس ودان إلقام ة دول ة املرابطني‪ .‬ك ان خط اب أيب عم ران ليح ىي بن إب راهيم ذا م دلول ين بئ عن مش روع جه ادي‬
‫إص الحي ك ان يس عى إىل حتقيق ه ملواجه ة التفك ك املذهيب يف املنطق ة وتص حيح األوض اع ال يت بس ببها َخ رج من‬
‫كرها‪.‬‬
‫موطنه ُم ً‬

‫ابن خلدون‪ ،‬العرب‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪374 .‬‬ ‫‪10‬‬

‫هناية األرب يف فنون األدب‪ ،‬شهاب الدين النويري‪ ،‬على موقع واي باك مشني‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪4‬‬

You might also like