You are on page 1of 18

‫‪:‬املبحث األول‪ :‬حد البدل بين القدماء واملحدثين‬

‫‪:‬البدل لغة‬

‫قبل الشروع في دراسة البدل ال بد لنا من الوقوف عليه من ناحيته اللغوية فالبدل‬

‫هو الخلف والتغيير ‪ ،‬البدل وبدل الشئ أي غيره‪ ،‬وتبدل الشئ وتبدل به واستبدل به‬

‫كله بمعنى اتخذ منه بدال‪ ،‬وأبدل الشئ من الشئ وبد له‪ :‬أتخذه منه بدال وإن لم تأتي‬

‫ببدل ‪ ،‬واألصل في التبديل تغيير الشئ عن حاله ‪ ،‬واألصل في اإلبدال جعل شئ مكان‬

‫شئ اخر كإبدالك من الواو تاء " و تاهلل "‪ ،‬البدل من الباء والدال والالم أصل واحد‬

‫وهو قيام الشئ مقام الشئ الذاهب ‪ ،‬يقال هذا بدل الشئ وبديله ‪ ،1‬واستبدلت ثوبا‬

‫مكان ثوب وأخا مكان أخ ‪ ،‬وبدل الشئ‪ 2،‬وقوله عز وجل ‪ ":‬وما بدلوا تبديال" معناه‬

‫أنهم ماتوا على دينهم غير مبدلين‪ ،‬والبدل بمنعنى التغييرواملبادلة وعلى هذا املعنى جاء‬

‫‪".‬قوله عز وجل ‪" :‬كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب‬

‫‪:‬البدل اصطالحا‬

‫تعريف البدل مر عند النحاة عبر مراحل بدءا من سيبويه وصوال إلى ابن مالك‪ ،‬يعتبر‬

‫سيبويه(‪180‬ه) من أوائل من عرف البدل فقال ‪ " :‬هذا باب من الفعل يستعمل في‬

‫االسم ‪ ،‬ثم يبدل مكان هذا االسم اسم اخر ‪ ،‬فيعمل فيها كما عمل في األول ‪ ،‬وذلك‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬المجلد الحادي عشر‪ ،‬ص‪.48 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫الخليل الفراهيدي‪ ،‬معجم العين‪ ،‬تحقيق الدكتور مهدي المخزومي‪ ، %‬الدكتور‪ %‬إبراهيم السامرائي‪،‬الطبعة‬
‫‪.‬الثانية‪ ،‬الجزء الثامن‪ ،‬ص‪45 :‬‬
‫‪1‬‬
‫قولك‪ :‬رأيت قومك أكثرهم"‪ .3‬فمن امللحوظ هنا أن سيبويه يوضح لنا البدل من‬

‫‪.‬خالل تقديم أمثلة وال يعرفه باملعنى االصطالحي الذي عرف الحقا‬

‫أما املبرد (‪ 210‬ه) فيعده تعيينا ‪ ،‬ويعلل لتسمية البدل قائال‪ :‬قيل بدل ألن الذي‬

‫عمل في الذي قبله قد صار يعمل فيه بأن فرغ له ‪ ،‬وحول عالقة البدل باملبدل منه‬

‫يستطرد قائال‪ ":‬اعلم أن البدل في جميع العربية يحل محل املبدل منه‪ ،‬وذلك قولك‬

‫‪ :‬مررت برجل زيد‪ ،‬وبأخيك عبد هللا‪ ،‬فكأنك قلت مررت بزيد‪ ،‬ومررت بأبي عبد‬

‫هللا"‪ .4‬ثم عرفه ابن السراج( ‪316‬ه) بقوله " وحق البدل وتقديره أن يعمل العامل‬

‫في الثاني كأنه خال من األول‪ ،‬وفي نفس الصدد عرفه ابن جني بقوله ‪ 5":‬اعلم أن‬

‫البدل يجري مجرى التوكيد في التحقيق والتجديد ومجرى الوصف في االيضاح‬

‫‪ ،‬والتخصيص " ‪6‬وهو يعني من كالمه أن البدل يجمع بين التوكيد والنعت‬

‫‪7‬‬
‫وقد ذكر لنا الرماني البدل في تعريفه فقال‪ ":‬البدل قول يقدر في موضع األول"‬

‫وعلى النقيض منه نجد الزمخشري يعرف البدل" ذلك الذي يعتمد الحديث ‪ ،‬وإنما‬

‫يذكر األول لنحو من التوطئة ‪،‬وليفاد بمجموعها فضل تأكيد وتبيين ال يكون في‬

‫اإلفراد"‪ ، 8‬فالزمخشري فصل في التعريف وبين الغاية منه وهي التأكيد والتبيين‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫عمر بن عثمان بن قنبر سيبويه (‪ 180‬ه)‪ ،‬الكتاب تحقيق عبد السالم محمد هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي بالقاهرة‪ /‬دار الرفاعي ) ‪3-‬‬
‫‪.‬بالرباط‪ ،‬طبعة ثانية ‪1402‬ه ‪ ،‬جزء ‪ 1‬ص‪150 :‬‬

‫‪4‬‬
‫أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (‪ ،) 210‬المقتضب‪ ،‬تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة‪ ،‬مطابع األهرام‪،،‬الجزء الرابع‪ ،‬ص‪-) :‬‬
‫‪295.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.‬أبي بكر بن سهل ابن السراج ‪316(،‬ه) األصول في النحو ج ‪ ،2‬تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلى‪ ،‬دار الرسالة ‪ ،‬ص‪)304 :‬‬
‫‪6‬‬
‫‪.‬أبو الفتح عثمان بن جني(‪ 392‬ه)‪ ،‬اللمع في العربية‪ ،‬المحقق‪ :‬فائز فارس الناشر‪ :‬دار الكتب الثقافية‪ ،‬ص‪- ) 27 :‬‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬علي بن عيسى الرماني‪ ،‬الحدود في النحو‪ ،‬ص‪) 6 :‬‬
‫‪8‬‬
‫أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري(‪ 538‬ه)‪،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬دراسة وتحقيق الدكتور فخر صالح قدارة ‪،‬دار )‪8-‬‬
‫‪.‬عمار‪ ،‬ص‪123 :‬‬

‫‪2‬‬
‫وإذا اطلعنا على حد ابن يعيش سنجد أنه يقارب حد الرماني كما أشرنا له سلفا‪،‬‬

‫حيث قال" البدل ثان يقدر في موضع األول ‪ ،‬نحو قولك" مررت بأخيك زيد ‪ ،‬فزيد‬

‫ثان من حيث كان تابعا لألول في إعرابه ‪ ،‬واعتباره بأن يقدر في موضع األول ‪ ،‬حتى‬

‫كأنك قلت ‪ :‬مررت بزيد فيعمل فيه العامل ‪ ،‬كأنه خال من األول‪.‬والغرض من ذلك‬

‫البيان‪ ،‬وذلك بأن يكون للشخص اسمان‪ ،‬أو أسماء‪ ،‬ويشتهر ببعضها عند قوم‪،‬‬

‫ووبعضها عند اخرين ‪ ،‬فإذا ذكر أحد االسمين‪ ،‬خاف أن اليكون ذلك االسم‬

‫مشتهرا عند املخاطب ويذكر االسم االخر على سبيل بدل أحدهما من االخر للبيان‬

‫وإزالة ذلك التوهم‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬مررت بعبد هللا زيد‪ ،‬فقد يجوز أن يكون املخاطب‬

‫يعرف عبد هللا ‪ ،‬وال يعلم أنه زيد‪ ،‬وقد يجوز أن يكون عارفا بزيد ‪ ،‬وال يعلم أنه‬

‫عبد هللا‪ ،‬فتتأتي باالسمين جميعا ملعرفة املخاطب"‪ .9‬فيما يخص ابن الحاجب فهو‬

‫‪:‬ذكر تعريفين للبدل حيث تطرق له في منظومته فقال‬

‫ذاك الذي قد لقبوا بالبدل‬ ‫‪"10‬التابع املقصود دون األول‬

‫ثم ذكره في كتاب اإليضاح قائال‪ :‬تابع مقصود بالذكر‪ ،‬وذكر متبوع قبله للتوطئة‬

‫والتمهيد‪ ،‬وقولنا (تابع) يجمع التوابع كلها‪ ،‬وقولنا مقصود بالذكر يفصل الصفة‬

‫والتأكيد وعطف البيان ‪ ،‬وقولنا )ذكر املتبوع ) إلى اخر يفصله عن املعطوف فإنه‬

‫لم يذكر للتوطئة"‪. 11‬‬

‫‪9‬‬
‫هوامش )‪9‬‬ ‫أبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش الموصلي(‪643‬ه)‪ ،‬شرح المفصل للزمخشري ج ‪ ،2‬قدم له ووضع‬
‫وفهارس الدكتور راميل بديع يعقوب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪25:‬‬
‫‪10‬‬
‫‪.‬ابن الحاجب(‪646‬ه)‪ ،‬شرح الشافية في نظم الكافية ج ‪ ،3‬تحقيق موسى بناي العليلي‪ ،‬ص‪) 268 :‬‬
‫‪11‬‬
‫‪.‬ابن الحاجب‪ ،‬االيضاح في شرح المفصل ج ‪ ،1‬تحقيق موسى بناي العليلي‪ ،‬ص‪) 449:‬‬
‫‪3‬‬
‫أما ابن عصفور (‪669‬ه) قدم تعريفا للبدل من خالل هذا القول االتي‪ " :‬إعالم‬

‫السامع بمجموع اسمين‪ ،‬أو فعلين على جهة تبيين األول‪ ،‬أو تأكيده‪ ،‬وعلى أن ينوي‬

‫باألول منهما الطرح معنى ال لفظا‪ ،‬فمثال مجيئه للتبيين قولك ‪( :‬قام أخوك زيد)‬

‫ومثال مجيئه للتأكيد (جدعت زيدا أنفه )‪ ،‬فمعلوم من قولك جدعت زيدا ‪ ،‬إن‬

‫املجدوع أنفه والدليل على أن األول ينوي به الطرح‪ 12"،‬ويالحظ على حد ابن عصفور‬

‫مايلي‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن افتتاحه بقوله (إعالم السامع) غير فني ‪،‬ألنه يجعل الحد بيانا للبدل‬

‫بمعناه املصدري بوصفه فعال يمارسه املتكلم ‪ ،‬واملطلوب هو بيان املعنى‬

‫االصطالحي النحوي "البدل"‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مجموع اسمين أو فعلين بمعنى أن البدل واملبدل منه إما اسمان معا‪ ،‬وإما‬

‫فعالن معا ‪ ،‬وإما اسم وفعل وإما جملتان معا‪.‬‬

‫وقدم ابن مالك بدوره حدين للبدل ‪ ،‬فقد عرفه في منظومته ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫واسطة هو املسمى بدال"‬ ‫"التابع املقصود بالحكم بال‬

‫وجاء به في كتابه تسهيل الفوائد وتكميل املقاصد "هو التابع املستقل بمقتضى‬
‫‪14‬‬
‫العامل تقديرا دون متبع"‪¥.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬ابن عصفور االشبيلي‪ ،‬المقرب ج‪ ،1‬تحقيق االستاذ صالح سعد محمد المليطى‪ ،‬دار األفاق العربية‪ ،‬ص ‪) 242:‬‬
‫‪13‬‬
‫‪.‬محمد بن عبد هللا بن مالك األندلسي‪ ،‬ألفية بن مالك‪ ،‬المكتبة الشعبية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪) 39 :‬‬
‫‪14‬‬
‫‪.‬ابن مالك‪ ،‬تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد‪ ،‬تحقيق كامل بركات‪ ،‬دار الكاتب العربي‪ ،‬ص‪) 127 :‬‬
‫‪4‬‬
‫وعلى نفس املنوال جاء الجرجاني (‪816‬ه) بتعريف البدل فقال ‪" :‬تابع مقصود بما‬

‫نسب إلى املتبوع دونه ‪ ،‬فقوله (مقصودة بما نسب إلى املتبوع يخرج عن النعت ‪،‬‬

‫والتوكيد ‪ ،‬وعطف البيان ‪ ،‬ألنها ليست بمقصودة بما نسب إلى املتبوع ‪ ،‬وبقوله‬

‫(دونه) يخرج عنه العطف بالحروف‪ ،‬ألنه وإن كان تابعا مقصودا بما نسب إلى‬

‫املتبوع ‪ ،‬كذلك مقصود بالنسبة"‪. 15‬‬

‫وقد وضع أيضا هؤالء النحاة من ابن الناظم (‪686‬ه)‪ ،‬وابن هشام(‪761‬ه) ‪ ،‬وابن‬

‫عقيل(‪769‬ه)‪ ،‬والسيوطي (‪911‬ه) حدا للبدل فقد نقلوا التعريف من ابن مالك‬

‫ولم يخرجوا عن ما ذكره " التابع املقصود بالحكم بال واسطة" ويفهم من هذا‬

‫التعريف مايلي‪:‬‬

‫أن البدل يتبع املبدل منه في إعرابه من رفع ونصب وخفض وجزم فالبدل‬ ‫‪-‬‬

‫هو محور الكالم واملقصود بالحكم مطلقا بدون واسطة بينه وبين متبوعه‬

‫الذي ماهو إال توطئة له‪.‬‬

‫هذا الحد يخرج بقية التوابع فقوله هو التابع املقصود بالحكم أخرج‬ ‫‪-‬‬

‫النعت والتوكيد وعطف البيان ‪ ،‬ألنها مكملة للمتبوع املقصود بالحكم‪،‬‬

‫وليست مقصودة بالحكم وقوله( بال واسطة ) أخرج عطف النسق ألنه‬

‫مقصود بالحكم ولكن بواسطة حرف النسق‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .‬علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني‪ :‬معجم التعريفات‪ ،‬تحقيق محمد صديق المنشاوي‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬ص ‪) 39:‬‬
‫‪5‬‬
‫ويعد البدل من مصطلحات البصريين ‪ ،‬وقد استعمله سيبويه ‪ ،‬وعند الكوفيين‬

‫يسميه األخفش الترجمة والتبيين‪ ،‬ويسميه ابن كيسان بالتكرير‪ ،‬يسمى كذلك‬

‫املردود‪.‬‬

‫استنتاج‪:‬‬

‫انطالقا من دراسة ماجاءت به من أنامل أهم معظم النحاة القدامى يمكن أن‬

‫نسجل العناصر االتية‪:‬‬

‫تعريف البدل عند القدماء دقيق ومختصر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫اتضح لنا أن البدل هو تابع مقصود بالحكم بال واسطة‬ ‫‪-‬‬

‫يعتبر حد البدل البن مالك هو الحد النهائي لهذا املصطلح ‪ ،‬هنا توقف‬ ‫‪-‬‬

‫واستقر فأخذ به معظم النحاة بعده وحدو حدوه‪.‬‬

‫الكوفيون يسمونه بالتكرير والترجمة ‪ ،‬أما تسمية‪( O‬بدل) فهي تسمية‬ ‫‪-‬‬
‫البصريين ‪.‬‬

‫البدل عند املحدثين ‪:‬‬

‫أغلب املعاصرين وافقوا القدماء في تعريف البدل ‪ ،‬فهذا مصطفى الغالييني (‬

‫‪1992‬م) يعرفه بقوله " هو التابع املقصود بالحكم بال واسطة بينه وبين‬

‫متبوعه"‪ ،16‬وفي نفس منواله ذهب راميل بديع يعقوب (‪1994‬م) وقال‪" :‬هو التابع‬

‫‪16‬‬
‫‪ .‬مصطفى الغالييني‪ :‬جامع الدروس العربية‪ ،‬موسوعة في ثالث أجزاء‪ ،‬مكتبة الصفا للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪) 588‬‬
‫‪6‬‬
‫املقصود بالحكم دون واسطة بينه وبين متبوعه‪ ،‬نحو كان الخليفة عمر‬

‫عادال"‪.17‬‬

‫وقد تحدث عباس حسن بدوره عن البدل‪ ،‬فهو لم يعرفه كاصطالح وإنما توجه إلى‬

‫مايقوله باقي النحاة في تعريف البدل وقال "إنه التابع املقصود وحده بالحكم‬

‫املنسوب إلى تابعه ‪ ،‬من غير أن تتوسط في األغلب واسطة لفظية بين التابع‬

‫واملتبوع"‪ ، 18‬فقد بين لنا عباس حسن من خالل هذا التعريف الفرق الحاصل بين البدل‬

‫والتوابع األخرى ‪ :‬فالنعت والتوكيد وعطف البيان ليست مقصودة بالحكم‪ ،‬وإنما هي‬

‫مكملة له بوجه من الوجوه التي سبقت في أبوابها‪.‬‬

‫وقد سار فاضل السامرائي في نهجه فاستسقى تعريفا للبدل من معين القدماء‬

‫وقدم تفسيرا له مما جاء به ابن يعيش في املفصل واملبرد والسيرافي وال يعنون‬

‫بذلك" أن املبدل منه ال فائدة فيه وليس له غرض ‪ ،‬بل على معنى أن البدل مستقل‬

‫بنفسه وإنما العامل كأنما باشر البدل"‪ 19.‬كما أن عبده الراجحي أشار في كتابه إل‬

‫تعريف البدل ووضح لنا من هذا التعريف أنه لم يخرج عما ذكره القدماء بصدد‬

‫حد البدل فنجده يقول ‪" :‬هو تابع مقصود بالحكم أي إن معنى الكالم يتوجه إليه‬

‫‪ .20‬وإذا ذهبنا إلى‬ ‫وحده ومع ذلك فهو يتبع اسما سابقا عليه يسمى املبدل منه "‬

‫توجه مهدي املخزومي سيتضح لنا أنه رفض تعريف القدماء للبدل ويحاول أن‬
‫‪17‬‬
‫‪.‬راميل بديع يعقوب‪ :‬موسوعة النحو والصرف واالعراب‪ ،‬دار العلم للماليين ‪ ،1994‬الطبعة ‪ ، 3‬ص‪) 196 :‬‬
‫‪18‬‬
‫عباس حسن‪ :‬النحو الوافي ج‪ ، 2‬القسم الموجز لطلبة الدراسات النحوية والصرفية بالجامعات‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬مكتبة )‪18-‬‬
‫‪.‬لسان العرب‪ ،‬ص‪664:‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ .‬فاضل صالح السامرائي ج‪ :‬معاني النحو‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة‪1420 ،1‬ه‪ ،‬ص‪-) 206 :‬‬
‫‪20‬‬
‫عبده الراجحي‪ :‬التطبيق النحوي‪ ،‬أستاذ العلوم اللغوية وعضو مجمع اللغة العربية‪ ،‬دار الصحابة للتراث بطنطا‪ ،‬الطبعة ‪20-) ، 1‬‬
‫‪1430.‬ه‪ ،‬ص‪354 :‬‬

‫‪7‬‬
‫يرده قائال ‪ ":‬أما البدل عندهم تابع بال واسطة‪ ،‬وهو عندهم املقصود بالحكم‬

‫"‪ ، 21‬وظاهر ما في هذا القول من تعارض‪ ،‬فكونه تابعا يعني أن املقصود بالحكم هو‬

‫املتبوع ‪ ،‬فإذا كان البدل هو املقصود بالحكم فينبغي أن يكون هو املسند لم يكن‬

‫تابعا‪.‬‬

‫خالصة‪ :‬أكثر املحدثين من النحاة يوافقون القدماء في تعريف البدل وال يخرجون‬

‫عند الحد الذي وضعه ابن مالك وشاع عند الذين جاءوا بعده‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬فائدة البدل والغرض منه‪:‬‬

‫سبق وأن عرفنا البدل التابع املقصود بالحكم بال واسطة بينه وبين متبوعه وما‬

‫املبدل إال تمهيدا وتوطئة له ‪ ،‬ألن البدل هو املعتمد في الكالم ‪،‬وما وظيفة البدل‬

‫إال إزالة اللبس واالبهام عنه وتقريب الداللة في نفس املخاطب ‪.‬‬

‫وفي حديثنا عن غرض وفائدة البدل فإننا نجد ابن األنباري عنه" البدل عموما يفيد‬

‫االيضاح ورفع االلتباس وإزالة التوسع واملجاز‪ 22".‬كما وضحه أيضا ابن يعيش‬

‫وقال‪ " :‬والغرض من ذلك البيان ‪ ،‬وذلك بأن يكون للشخص اسمان‪ ،‬أو أسماء ‪،‬‬

‫ويشتهر ببعضها عند قوم ‪ ،‬وببعضها عند اخرين ‪ ،‬فإذا ذكر أحد االسمين ‪ ،‬خاف‬

‫أن ال يكون ذلك االسم مشتهرا عند املخاطب‪ ،‬ويذكر االسم االخر على سبيل أحدهما‬

‫من االخر للبيان وإزالة ذلك التوهم ‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬مررت بعبد هللا زيد‪ ،‬فقد يجوز أن‬

‫‪21‬‬
‫‪ .‬مهدي المخزومي‪:‬في النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1406،‬ه‪ ،‬ص‪21-) 190:‬‬

‫‪22‬‬
‫‪.‬أبو بكر بن األنباري‪ :‬أسرار العربية‪ ،‬تحقيق يوسف هبود‪ ،‬طبعة ‪1420 ،1‬ه‪ ،‬ص‪22-) 298 :‬‬
‫‪8‬‬
‫يكون املخاطب يعرف عبد هللا ‪ ،‬وال يعلم أنه زيد ‪ ،‬وقد يجوز أن يكون عارفا بزيد ‪،‬‬

‫وال يعلم أنه عبد هللا ‪ ،‬فتأتي باالسمين جميعا ملعرفة املخاطب"‪ .23‬واتجه عباس حسن‬

‫إلى أن الغرض األصيل من البدل "هو في الغالب تقرير الحكم السابق وتقويته‬

‫بتعيين املراد‪ ،‬وإيضاحه ‪ ،‬ورفع االحتمال عنه‪ ،‬ألن هذا الحكم ينسب أوال للمتبوع‬

‫فيكون ذكر املتبوع تمهيدا للتابع الذي سيجئ وتوجيها للنفس الستقباله‬

‫بشوق ولهفة‪ .‬فإذا استقبلته‪ ¥‬وعرفته استقبلت معه الحكم وعرفته أيضا ‪ ،‬فكأن‬

‫الحكم قد ذكر مرتين ‪،‬وفي هذا تقوية للحكم وتوكيد ‪ ،‬وألجل تحقيق هذا الغرض‬
‫‪24‬‬
‫ال يصح أن يتحد لفظ البدل واملبدل منه إال إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح‪".‬‬

‫وبالتالي نخلص إلى أن الوظيفة األساس للبدل هي االيضاح والبيان والتي قد أجمع‬

‫عليها القدماء واملحدثين بمختلف توجهاتهم وانطباعتهم‪.‬‬

‫املبحث الثالث ‪:‬أقسام البدل‪:‬‬

‫لقد شكل تقسيم البدل منحيين اثنين‪ ،‬أما األول فقد سار على نهج القدماء في‬

‫تقسيمهم للبدل منهم من قسمه إلى أربعة أقسام وهي (بدل الكل‪ ،‬بدل البعض‪ ،‬بدل‬

‫االشتمال‪ ،‬بدل الغلط والنسيان)‪ ،‬ومن أمثالهم ‪ :‬ابن جني‪ ،‬ابن يعيش‪ ،‬ابن‬

‫الحاجب‪ ،‬ونجد بعض القدماء أضافوا نوعا خامسا (بدل الكل‪ ،‬بدل البعض‪ ،‬بدل‬

‫االشتمال ‪ ،‬بدل البداء ‪ ،‬بدل االضراب والغلط)‪ ،‬ومن أمثالهم ابن مالك‪،‬‬

‫السيوطي‪ ،‬أما بخصوص الثاني فقد ثار على ماجاء به القدماء فنجد بعض األبحاث‬
‫‪23‬‬
‫‪.‬ابن يعيش‪ ،‬شرح المفصل للزمخشري ج ‪ ،2‬ص‪23-) 256 :‬‬
‫‪24‬‬
‫‪.‬عباس حسن‪ :‬النحو الوافي ج ‪ ،3‬ص‪24-) 665 :‬‬
‫‪9‬‬
‫التي وقعها ثلة من النحويين املحدثين ومنهم مصطفى الغالييني وعباس حسن‬

‫وعبده الراجحي‪ ،‬قسموه إلى أربعة أقسام وهي (البدل املطابق‪ ،‬بدل البعض‪ ،‬بدل‬

‫االشتمال‪ ،‬البدل املباين‪ ،‬هذا األخير قسموه إلى ثالثة أقسام وهي‪ :‬بدل غلط ‪ ،‬بدل‬

‫نسيان‪ ،‬بدل اضراب‪ ،‬وبذلك فهم يفصلون بين كل منها معنويا‪.‬‬

‫إن الخالف حول أنواع البدل راجع ال محالة إلى بيان داللته بدقة وذلك إلزاحة‬

‫الغموض واللبس والتردد عنها‪ ،‬ومادام تقسيم مصطفى الغالييني وعباس حسن‬

‫تقسيما شامال لكل األنواع فسنكتفي بتفصيلهما لكي ال نقع في التكرار‪.‬‬

‫أقسام البدل األربعة املشهورة ‪ ،‬وكل منها هو املقصود وحده بالحكم ‪:‬‬

‫أولها‪ :‬بدل كل من كل‪ ":‬ويسمى بدل املطابقة‪ ،‬أو بدل املطابق من مطابقه"‪ ، 25‬وهو‬

‫بدل الشئ مما كان طبق معناه كقوله تعالى " اهدنا الصراط املستقيم صراط‬

‫الذين أنعمت عليهم" فالصراط املستقيم ‪ ،‬وصراط املنعم عليهم متطابقان معنى‪،‬‬
‫‪27‬‬
‫ألنهما كليهما بدالن على معنى واحد‪26 ".‬وقد أشار إليه سيبويه باسم "هوهو"‬

‫وأورد عليه بعض األمثلة ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بدل البعض من الكل‪" :‬وهو بدل الجزء من كله ‪ ،‬قليال كان ذلك الجزء أو‬

‫مساويا للنصف أو أكثر منه ‪ ،‬نحو جاءت القبيلة ربعها أو نصفها "‪ ،28‬وذكره في‬

‫نفس املنوال عباس حسن فقال‪ ":‬ضابطه أن يكون البدل جزءا حقيقيا من املبدل منه‬
‫‪25‬‬
‫‪.‬عباس حسن‪ :‬النحو الوافي ج‪ ،3‬ص‪25-) 665 :‬‬
‫‪.‬مصطفى الغالييني‪ :‬جامع الدروس العربية ‪ ،‬ص‪26-) 577 :‬‬
‫‪26‬‬

‫‪27‬‬
‫‪.‬عمر بن عثمان ابن قنبر سيبويه‪ ،‬الكتاب ج‪ ،1‬ص‪27-) 151 :‬‬
‫‪28‬‬
‫‪.‬مصطفى الغالييني‪ :‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ص‪28-) 578 :‬‬

‫‪10‬‬
‫(سواء أكان هذا الجزء أكبر من باقي األجزاء أم أصغر منها ‪ ،‬أم مساويا) وأن يصح‬

‫االستغناء عنه باملبدل منه ‪ ،‬فال يفسد املعنى بحذفه ‪(،‬أكلت البطيخة ثلثها‪،‬‬
‫‪29‬‬
‫والبرتقالة ثلثيها)‪".‬‬

‫ثالثا ‪ :‬بدل االشتمال‪:‬‬

‫هو بدل الشئ مما يشتمل عليه على شرط أن ال يكون جزءا منه نحو‪" ،‬نفعني‬

‫املعلم علمه" و "أعجبت‪ ¥‬بعلي خلقه الكريم" فاملعلم يشتمل على العلم ‪ ،‬وعلي‬

‫يشتمل على الخلق ‪ ،‬وكل من العلم والخلق ليس جزءا ممن يشتمل عليه"‪ .30‬وبين‬

‫لنا عباس حسن "أن بدل االشتمال مقصود لتعيين أمر في متبوعه ‪ ،‬وأن هذا األمر‬

‫عرضي طارئ وليس جزءا أصيال من املتبوع وأن أساس االشتمال وموضعه الحق هو‬

‫"العامل" بمعناه ‪ ،‬ال التابع وال املتبوع‪ .‬وبدل االشتمال كبدل البعض ال بد‬
‫‪31‬‬
‫لصحته من صحة االستغناء عنه باملبدل منه وعدم فساد املعنى بحذفه‪".‬‬

‫رابعا‪ :‬البدل املباين (املباينة)‪:‬‬

‫هو بدل الشئ مما يباينه‪ ،‬بحيث ال يكون مطابقا له ‪ ،‬وال بعضا منه وال يكون‬

‫املبدل منه مشتمال عليه‪ ،‬وهو ثالثة أنواع‪:‬‬

‫بدل الغلط‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫‪29‬‬
‫‪.‬عباس حسن‪ ،‬النحوالوافي ج‪ ،3‬ص‪29-)666:‬‬
‫‪30‬‬
‫‪.‬مصطفى الغالييني‪ :‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ص‪30-) 578:‬‬
‫‪31‬‬
‫‪.‬عباس حسن‪:‬النحو الوافي ج ‪.3‬ص‪31-) 667 :‬‬
‫‪11‬‬
‫" ما ذكر ليكون بدال من اللفظ الذي سبق إليه اللسان فذكر غلطا نحو "جاء‬

‫املعلم التلميذ" أردت أن تذكر التلميذ فسبق لسانك فذكرت املعلم غلطا‪،‬‬

‫فتذكرت غلطك فأبدلت منه التلميذ"‪ .32‬وهذا النوع قد انتبه إليه سيبويه‬

‫وغيره نحو "مررت برجل حمار" أردت أن تخبر بحمار فسبق لسانك إلى رجل ثم‬
‫‪33‬‬
‫أبدلت منه الحمار‪.‬‬

‫بدل النسيان ‪" :‬ما ذكر ليكون بدال من لفظ تبين لك بعد ذكره فساد قصده‬ ‫ب‪-‬‬

‫نحو " سافر علي إلى دمشق‪ ،‬بعلبك " توهمت أنه سافر إلى دمشق فأدرك‬

‫فساد رأيك فأبدلت بعلبك من دمشق‪34 ".‬وذكر عباس حسن الفرق بين البدل‬

‫وسابقه أن الغلط يكون من اللسان أما النسيان فمن العقل والجنان‪.‬‬

‫ج‪ -‬بدل االضراب ‪ ":‬هو الذي يذكر فيه املبدل منه قصدا ولكن يضرب عنه‬

‫املتكلم من غيره أن يتعرض له بنفي أو إثبات كأنه لم يذكره ويتجه إلى البدل ‪ ،‬نحو‬

‫"سافر في قطار‪ ،‬سيارة ‪ ،‬فقد نص املتكلم على القطار أوال ثم أضرب عنه تاركا‬

‫أمره ‪ ،‬ونص على السيارة بعد ذلك ‪ ،‬فهي بدل مقصود من القطار" ‪ 35.‬ووضحه‬

‫الغالييني في هذا املثال ‪ :‬خذ القلم ‪ ،‬الورقة أمرته بأخذ القلم ‪ ،‬ثم أضربت عن األمر‬

‫بأخذه إلى أمره بأخذ الورقة ‪ ،‬وجعلت األول في حكم املتروك‪ .‬وهذا النوع تحدث‬

‫‪32‬‬
‫‪32-) 578‬‬ ‫‪.‬مصطفى الغالييني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪33‬‬
‫‪.‬سيبويه‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪33-) 151 :‬‬
‫‪34‬‬
‫‪.‬مصطفى الغالييني‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪34-) 579 /578 :‬‬
‫‪35‬‬
‫‪.‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي ج ‪،3‬ص‪35-) 671 :‬‬
‫‪12‬‬
‫عنه سيبويه في مثال " رأيت زيدا عمرا " أن يكون أضرب عن ذلك فنحاه وجعل عمرا‬
‫‪36‬‬
‫مكانه‪".‬‬

‫خالصة‪ :‬ينقسم البدل إلى أربعة أقسام هما ‪ :‬البدل املطابق‪ ،‬بدل البعض من الكل‪،‬‬

‫بدل الكل من الكل‪ ،‬والبدل املباين ‪ ،‬الذي ينقسم بدوره إلى ثالث عناصر أساس‬

‫وهي ‪ :‬بدل الغلط ‪ ،‬بدل النسيان ‪ ،‬بدل البداء‪ ،‬االضراب‪.‬‬

‫املبحث الرابع ‪ :‬التداخل بين النعت والبدل‪:‬‬

‫وضع النحاة فروقا بين النعت والبدل ‪ ،‬ورسموا حدودا بين هذين التابعين‪ ،‬للفصل‬

‫بينهما ويمكن إجمالها في ما يلي‪:‬‬

‫النعت لفظ يتبع املوصوف في إعرابه تحلية وتخصيصا له بذكر معنى في‬ ‫‪-‬‬

‫املوصوف‪ ،‬ويأتي النعت إلزالة تلك الشركة ونفي اللبس ‪ ،‬فصفة املعرفة‬

‫للتوضيح والبيان وصفة النكرة للتخصيص"‪ ،37¥‬ويقهم من هنا أن النعت‬

‫والبدل كالهما للتوضيح والبيان ‪ ،‬غير أن البيان في البدل مقدم وفي النعت‬

‫مؤخر ‪ ،‬فالبدل ليس تتمة للمبدل منه عكس النعت فهو تتمة وتكملة‬

‫بيانية للمنعوت‪،‬‬

‫ويضاف إلى ما قيل أن النعت قد يراد به الثناء واملدح أو ضدهما من ذم‬

‫أو تحقير ‪ ،‬وهذه األغراض غير موجودة في البدل‪.‬‬

‫‪.‬مصطفى الغالييني ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص‪36-)579 :‬‬


‫‪36‬‬

‫‪37‬‬
‫‪.‬ابن يعيش‪ ،‬شرح المفصل للزمخشري ‪ ،‬جزء ‪،2‬ص‪37-) 233 :‬‬
‫‪13‬‬
‫البدل واملبدل منه كالنعت واملنعوت‪ ،‬فيلزم تطابقهما في التعريف و‬ ‫‪-‬‬

‫التنكير كما كان ذلك في النعت ‪ ،‬ألن النعت من تمام املنعوت وتحلية له ‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫والبدل منقطع من املبدل منه يقدر في موضع األول على ماذكرناه‪".‬‬

‫البدل اسم جامد جار على ما قبله‪ ،‬لكن ليس جريانه جريان النعت ألن‬ ‫‪-‬‬

‫البدل على نية تكرار العامل"‪ ،39‬واألغلب في البدل أن يكون جامدا ‪ ،‬ومن‬

‫مشتقا"‪ ،‬في حين أن النعت تابع مقصود باالشتقاق‬


‫‪40‬‬
‫القليل الجائز أن يكون‬

‫وضعا أو تأويال‪ ،‬مسوقا لتخصيص أو تعميم أو تفصيل أو مدح أو‬


‫‪41‬‬
‫ترحم‪...‬‬

‫يجري البدل في املضمر واملظهر‪ ،‬والنعت ليس كذلك إذ ال ينعت املضمر‬ ‫‪-‬‬

‫وال ينعت به‪ .‬وفي هذا الصدد يقول ابن يعيش ‪ " :‬اعلم أن البدل يتجاذبه‬

‫شبهان ‪ :‬شبه النعت‪ ،‬وشبه التأكيد‪ ،‬فكما املضمرات تؤكد ‪ ،‬فكذلك يبدل‬

‫منها‪ ،‬فهو في ذلك كاملظهر ‪ ،‬وليس األمر فيه كالنعت على ما تقدم "‪.‬‬

‫عالقة النعت باملنعوت أشد وأقوى من عالقة البدل واملبدل منه وهذه‬ ‫‪-‬‬

‫الفكرة يؤكدها ابن يعيش حين قال ‪ " :‬وجب للنعت أن يكون تابعا‬

‫للمنعوت فيما ذكرناه من قبل أن النعت واملنعوت كالشئ الواحد ‪ ،‬فصار‬

‫ما يلحق االسم يلحق النعت ‪ ،‬وإنما قلنا إنهما كالشئ الواحد من قبل أن‬

‫النعت يخرج املنعوت من نوع أخص منه ‪ ،‬فالنعت واملنعوت بمنزلة‬

‫‪.‬ابن يعيش ‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪38-) 265/266 :‬‬


‫‪38‬‬

‫‪39‬‬
‫‪.‬ناظر الجيش‪ :‬تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد ج ‪ ،7‬تحقيق علي محمد ناضر‪،‬دار السالم للطباعة والنشر‪ ،‬ص‪39-)3380:‬‬
‫‪40‬‬
‫‪.‬عباس حسن ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪40-) 669 :‬‬
‫‪41‬‬
‫‪.‬ابن مالك‪ :‬شرح التسهيل ج ‪ ، 3‬تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيد‪ ،‬هجر للطباعة والنشر ‪،‬ص‪41-) 306 :‬‬

‫‪14‬‬
‫إنسان ‪ ،‬واملنعوت وحده بمنزلة حيوان ‪ ،‬كذلك النعت واملنعوت أخص من‬

‫املنعوت وحده"‪ ،‬وهذا يميزه عن البدل الذي هو مستقل بنفسه‪ ،‬فهو"‬


‫‪42‬‬
‫التابع املستقل بمقتضى العامل تقديرا ال متبعا"‪.‬‬

‫اسم االشارة قد تكون بدال ونعتا في نفس الوقت ‪" ،‬فعلى هذا‬ ‫‪-‬‬

‫تقول ‪":‬مررت بزيد هذا"‪ ،‬فيكون (هذا) نعتا لزيد ‪ .‬هذا على مذهب من‬

‫يرى أن (هذا) أنقص من العلم جعله بدال ‪ ،‬ال نعتا ‪ ،‬وتقول ‪ " :‬جاءني هذا‬

‫الرجل" ‪ ،‬فتصف (هذا) بما فيه األلف والالم‪ ،‬ألن ما فيه األلف والالم‬

‫أنقص تعريفا من أسماء اإلشارة‪ .‬ولو قلت ‪ " :‬مررت بالرجل هذا"‪،‬‬

‫فتصف ما فيه األلف الالم باسم اإلشارة ‪ ،‬لم يجز‪ ،‬ألن االسم ال يوصف‬

‫بما هو أتم تعريفا منه ‪ ،‬فإن جعلته بدال أو عطف بيان ‪ ،‬جاز‪ ،‬فاعرفه"‪.‬‬
‫‪43‬‬

‫املبحث الخامس ‪ :‬العامل في البدل‪:‬‬

‫اختلف‪ ¥‬النحويون في تحديد عامل البدل‪ ،‬إذ يرى سيبويه أن العامل في البدل هو‬

‫العامل في املبدل منه فنراه يقول‪ " :‬هذا باب من الفعل يستعمل في االسم ثم يبدل‬

‫مكان ذلك االسم اسم اخر فيعمل فيه كما عمل في األول"‪ ،44‬و وافقه املبرد‬

‫بعد أن أورد مثاال على بدل الكل ‪ ،‬وإنما هو في الحقيقة تبيين ولكن قيل بدل ‪ ،‬ألن‬

‫‪42‬‬
‫‪.‬ابن يعيش ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪42-) 244:‬‬
‫‪43‬‬
‫‪.‬ابن يعيش‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪43-) 250 :‬‬
‫‪44‬‬
‫سيبويه‪ :‬الكتاب ج‪ ،1‬ص‪-) 15044 :‬‬

‫‪15‬‬
‫الذي عمل في الذي قبله قد صار يعمل فيه بأن فرغ له " ‪ 45‬وذهب معهم في نفس‬

‫الرأي ابن الحاجب من خالل قوله‪ ":‬والفرق االخر أن البدل في حكم تكرير العامل‬

‫"‪ ، 46‬وذكر لنا ابن يعيش أن سيبويه ‪ ،‬وأبو العباس محمد بن يزيد‪ ،‬والسيرافي من‬

‫املتأخرين إلى أن العامل في البدل هو العامل في املبدل منه ‪ ،‬كالنعت والتأكيد‪ ،‬وذلك‬

‫لتعلقهما به من طريق واحد ‪ ،‬وأما ظهور العامل في بعض املواضع ‪ ،‬فقد يكون‬

‫توكيدا كما يتكرر العامل في الشئ الواحد" ‪ .47‬وبعض النحاة ذهبوا إلى أن العامل في‬

‫البدل غير العامل في املبدل منه ‪ ،‬فهذا ابن األنباري يقول ‪ " :‬يحكى عن أبي علي‬

‫الفارسي أنه قيل له؟ كيف يكون البدل إيضاحا للمبدل منه وهو من غير جملته؟‬

‫فقال ملا لم يظهر العامل في البدل ‪ ،‬وإنما دل عليه العامل في املبدل واتصل البدل‬

‫باملبدل في اللفظ جاز أن يوضحه ‪ ،‬والذي يدل على أن العامل في البدل غير العامل‬

‫في املبدل منه" ‪.48‬‬

‫ويمكن أن نخلص من هنا إلى أن اختالف النحاة في عامل البدل ‪ ،‬باعتباره هو الذي‬

‫يحدد الحالة االعرابية في نظرهم ‪ ،‬فمنهم من ذهب إلى أن العامل في متبوعه ‪،‬‬

‫ومنهم من يرى أن العامل فيه هو التبعية ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪.‬المبرد‪ :‬المقتضب ج‪ ،4‬ص‪45-) 295 :‬‬
‫‪46‬‬
‫‪.‬ابن الحاجب‪ :‬شرح الرضى لكافية ابن الحاجب ج ‪ ،1‬ص‪46-) 1079 :‬‬
‫‪47‬‬
‫‪-‬‬
‫‪48‬‬
‫‪.‬أبو بكر ابن األنباري ‪:‬أسرار العربية ‪،‬تحقيق يوسف هبود‪ ،‬طبعة‪1420 ،1‬ه‪ ،‬ص‪47-) 218 :‬‬
‫‪16‬‬
17
18

You might also like