You are on page 1of 242

‫العنوان األصلي للكتاب‪:‬‬

‫‪Unveiled: how western liberals empower radical Islam, by Yasmine‬‬


‫‪Mohammed‬‬

‫عنوان الترجمة العربية‪:‬سافرة‪ :‬كيف يم ّكن الليبراليون الغربيون األصولية والتشدد اإلسالمي‪.‬‬

‫ز‬
‫غضبان‬ ‫ترجمة ‪ :‬ز‬
‫معت‬
‫عشي‪.‬‬ ‫ترجمة و مراجعة الصياغة‪ :‬لؤي ر‬
‫ز‬
‫المومن‪ ،‬و وفاء البحري‪.‬‬ ‫مراجعة تامة للتجمة‪ :‬إحسان‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪2‬‬
translationsproject.org

3
‫يجب أن يقرأ هذا الكتاب كل المهتمين بقدرة البشر‪ ،‬وكيفية تغلبهم على المحن‪.‬‬
‫إن ياسمين إحدى أشجع الشخصيات في عصرنا‪ ،‬إنها قدوة مشرقة لنا جميعًا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ي؛ مؤلفة كتاب "كافرة"‪.‬‬‫ايان هرسي عل ّ‬

‫صف‪ ،‬والتي يؤدي‬ ‫أن الضحايا الرئيسيين للقسوة الهائلة التي ال تو َ‬ ‫يفش ُل العديد منا في إدراك َّ‬
‫إليها االلتزام المتشدد‪ ،‬والمتحمس لإلسالم (ناهيك عن ذكر التسلط ‪ ،‬والهوس بالتحكم اللذين‬
‫يهيمنان َحتّى على أصغر تفاصيل الحياة اليومية) هم ال ُم ْس ِلمون أنفسهم‪ ،‬وخاصةً النِسا َء‪ .‬كتاب‬
‫ياسمين محمد المحرك للمشاعر‪ ،‬وال ُمد ِْمي للقلب‪ ،‬و المكتوب بجمالية ؛يوضح هذا األمر بطريقة‬
‫أخيرا على تغيير رأي َحتّى أشد العقول تضلُّ ًال من المدافعين عن اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫يجب أن تكون قادرة‬
‫في وسطنا‪ ،‬وبيئتنا الليبرالية حسنة النية‪.‬‬
‫ريتشارد دوكينز؛ مؤلف كتاب وهم االله‪.‬‬

‫ت َ ِرث النِساء‪ ،‬و المفكرون األحرار في المجتمعات ال ُم ْس ِلمة التقليدية عبئًا مضاعفًا‪ .‬فإذا أرادوا‬
‫العيش في العالم الحديث‪ ،‬عليهم ليس فقط مواجهة الثيوقراطيين (المتعصبين دينيًّا) في منازلهم‬
‫الكثير من الليبراليين العلمانيين بال مباالتهم‪ ،‬ونفاقهم‪ ،‬وتقواهم الزائفة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ضا‬
‫ومدارسهم‪ ،‬بل وأي ً‬
‫وهَلوسا ِتهم بخصوص "العنصرية"‪ ،‬والذين يضيفون حجابًا آخر على معاناتهم‪ .‬تقبل ياسمين‬
‫محمد في كتابها "سافرة" هذا التحدي ب ُك ّل ما في العالم من شجاعة‪ُ ،‬مكذِّبةً الفكرة الخطيرة‬
‫القائلة بأن نقد اإلسالم ضرب من ضروب التعصب‪ .‬فلتكن شجاعتها وحكمتها ملهمة لك‪.‬‬
‫س؛ مؤلف كتاب نهاية اإليمان‪.‬‬ ‫هار ْ‬
‫سام ِ‬

‫تمثل القصص الحقيقية الشخصية شهادات قوية‪ .‬قصة ياسمين تحرك المشاعر بعمق وقد‬
‫ضا مليئًة باألمل في ما يمكن أن يكون‪ً ،‬‬
‫بدال من الرضا‬ ‫تصيب المرء باالكتئاب أحيانا؛ ِلكنَّها أي ً‬
‫بالواقع بما هو كائن‪ ،‬وهي ليست قصة استثنائية‪ .‬إن النِساء اللواتي تركن اإلسالم هن على‬
‫خيارا شخصيًا آخر قد‬
‫ً‬ ‫ضا لالضطهاد في العالم‪ .‬أتحداكم أن تذكروا‬ ‫األرجح أكثر األقليات تعر ً‬
‫يقود الى العنف من أجل الشرف؛ باالضافة الى اإلعدام من قبل حشود العامة في دول نعتبرها‬
‫سه ليبراليًّا أن يدّعي الليبرالية حين يتجاهل هذه األقليات داخل‬ ‫حليفةً لنا‪ .‬ليس لمن يسمي نف َ‬
‫شتَّى أصقاع العالم أن يدركوا هذا االستبداد السلطوي الذي يقبع‬ ‫األقليات‪ .‬وعلى ال ُم ْس ِلمين في َ‬
‫بينهم‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪4‬‬
‫أرجو أن تستطيع قصة ياسمين الشخصية والشجاعة المساهمةً في خلق هذا الوعي الالزم بشدة‪.‬‬
‫ماجد نواز؛ مؤلف كتاب الراديكالي‪.‬‬

‫إن ياسمين محمد إمرأة ً شجاعةً جدًا‪ ،‬وقدوة رائعة ل ُك ّل النِساء الالتي واجهن‪ ،‬ويواجهنَ العنف‬
‫َّ‬
‫تحت غطاء الدّيْن‪ ،‬أو الثقافة‪ .‬قصة ياسمين مأساوية‪ ،‬وآسرة في نفس الوقت؛ فقد تحملت أشياء‬
‫ضا من قصص الشجاعة والعزيمة ألنه "ال مبرر‬ ‫ال ينبغي أن يتعرض لها إنسان‪ .‬قصتها أي ً‬
‫للتعنيف واإلساءة"‪.‬‬
‫راحيل رازا؛ مؤلف كتاب جهادهم ليس جهادي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪5‬‬
‫جدول المحتويات‬

‫إهداء‪9 …………………………………………………………..‬‬
‫مقدمة…………………………………………………………‪10 .‬‬
‫تمهيد…………………………………………………………‪13 ..‬‬
‫العنف (‪17 ..…………………………………………………… )1‬‬
‫الصالة………………………………………………………… ‪22‬‬
‫‪27‬‬ ‫اإلخضاع ‪.……………………………………………………1‬‬
‫صر…………………………………………………………‪36 .‬‬
‫ِم ْ‬
‫‪41‬‬ ‫الشرف ………………………………………………………‬
‫‪45‬‬ ‫سانتا الخفي ……………………………………………………‬
‫التحرش………………………………………………………‪49 ..‬‬
‫اليهود…………………………………………………………‪52 .‬‬
‫‪57‬‬ ‫اإلخضاع ‪.……………………………………………………2‬‬
‫‪62‬‬ ‫الحجاب………………………………………………………‪..‬‬
‫‪68‬‬ ‫المدرسة اإلسالمية………………………………………………‬
‫الخيانة………………………………………………………… ‪71‬‬
‫‪78‬‬ ‫األمهات………………………………………………………‪.‬‬
‫‪82‬‬ ‫االكتئاب ‪..……………………………………………………1‬‬
‫‪85‬‬ ‫تيفرز ‪...............................................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫منبوذة…………………………………………………………‬
‫‪96‬‬ ‫االكتئاب ‪..……………………………………………………2‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪6‬‬
‫‪100‬‬ ‫العثورعلى موطئ قدمي…………………………………………‪..‬‬
‫‪105‬‬ ‫الوطن…………………………………………………………‬
‫‪111‬‬ ‫اإلخضاع ‪……………………………………………………3‬‬
‫‪135‬‬ ‫العنف ‪………………………………………………………2‬‬
‫‪147‬‬ ‫طفلتي الرضيعة…………………………………………………‬
‫القاعدة………………………………………………………… ‪154‬‬
‫‪161‬‬ ‫الهروب………………………………………………………‪..‬‬
‫‪167‬‬ ‫إقامة جبرية……………………………………………………‪.‬‬
‫معتمدين على أنفسنا……………………………………………… ‪175‬‬
‫‪178‬‬ ‫الفيل…………………………………………………………‪..‬‬
‫الحرية………………………………………………………… ‪185‬‬
‫الشك…………………………………………………………‪191 ..‬‬
‫‪199‬‬ ‫إعادة البناء……………………………………………………‪..‬‬
‫‪205‬‬ ‫واين…………………………………………………………‪..‬‬
‫الدوحة………………………………………………………… ‪208‬‬
‫‪219‬‬ ‫الحب…………………………………………………………‪.‬‬
‫المقاومة………………………………………………………‪226 ..‬‬
‫‪230‬‬ ‫األمل…………………………………………………………‪.‬‬
‫‪239‬‬ ‫عرفان بالجميل…………………………………………………‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪7‬‬
‫إهداء‬
‫لذكرى ِتيفرز‬

translationsproject.org

8
‫إهداء‬
‫يحس أنه مسحوق تحت الضغط الهائل‪ ،‬والتهديدات المرعبة‬ ‫ُّ‬ ‫أهدي هذا الكتاب إلى ُك ّل إنسان‬
‫لإلسالم‪ .‬أرجو أن تساعدك قصتي وتلهمك لكي تنتزع حريتك وتبسط جناحيك الرائعين‪.‬‬
‫ضا ُمهدى إلى من يشعرون أنَّ ُهم ملزَ مون في تشويه‪ ،‬وشيطنة صورة ُك ّل ال ُم ْس ِلمين‬ ‫هذا الكتاب أي ً‬
‫تر ْوا أننا ُكلّنا بشر‪ ،‬وأننا ُكلّنا لدينا شياطيننا التي نحاربها‪.‬‬
‫‪ .‬آ َم ُل أن َ‬
‫هذا الكتاب ل ُك ّل من يرى أن عليه واجبًا للدفاع عن اإلسالم ضد التمحيص والنقد‪ .‬آ َم ُل أن تفهم‬
‫فإنك تمنع النور من أن يشع على الماليين من الناس َحبيسي الظالم‪.‬‬ ‫أنك ُكلّما تمنع النقد‪َ ،‬‬
‫آخرا؛ أهدي هذا الكتاب الى زمالئي في الكفاح؛ الى ال ُم ْس ِلمين السابقين ورفاقي‬ ‫أخيرا‪ ،‬وليس ً‬ ‫ً‬ ‫و‬
‫الملحدين‪ ،‬ورفاقي المفكرين األحرار‪ ،‬ورفاقي المشاغبين مثلي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة‬
‫بقلم ريك فابرو‬

‫يوم (الـ‪ )17‬من شهر يوليو سنة (‪2018‬م)؛ في تمام الساعة (‪ )11:26‬صبا ًحا‪ .‬إ ّني‬ ‫رن هاتفي َ‬ ‫َّ‬
‫ي تطبيق على هاتفي؛ ولذلك أخذتُ أقلّب عبر اإليميل‪،‬‬ ‫ي رن ٍة تترافق‪ ،‬وتدل على أ ّ‬ ‫ال أتَذكر أ ّ‬
‫أخيرا على الرسالة‬
‫ً‬ ‫وفيسبوك‪ ،‬وتويتر‪ ،‬وألعاب الكلمات التي ألعبها مع أصدقائي؛ إلى أن عثرت‬
‫النصية‪ ،‬وفتحتها‪.‬‬
‫"مرحبًا سيد‪ /‬فابرو‪ .‬لقد ُك ْنتُ إحدى طالباتك في الصف الثامن في مادة المسرح سنة‬
‫أنك تَتذكرني‪"...‬‬‫(‪1989/1988‬م)‪ ...‬لست متأكدة َ‬
‫ي بصمت‪.‬‬ ‫ش َحت العَبرات خدَّ َّ‬ ‫خفقَ قلبي عند قراءتي للرسالة‪ ،‬وو َّ‬
‫ت كثيرة ً جدًّا على مر الثالثين سنة‬
‫فيك مرا ٍ‬
‫"ياسمين؛ إني لست أتذكرك فحسب؛ بل لقد فكرت ِ‬
‫الماضية!"‪.‬‬
‫ذكراي عن تلك الفتاة الشجاعة ذات (الـ ‪ )13‬سنة؛ التي‬ ‫َ‬ ‫ت لي مرة أخرى بوضوح شديد‬ ‫خطر ْ‬‫َ‬
‫ت ضدها والتي تتحدى قدرة المرء على‬ ‫جلست قبالتي في مكتبي تصف البشاعات التي ارت ُ ِك َب ْ‬
‫التصديق بأن إنسانًا يمكن أن يكون بمثل هذه الوحشية تجاه غيره‪ ،‬ناهيك عن فتاة عديمة الحيلة‪،‬‬
‫ووديعة غير مؤذية‪َ .‬كانَت مصممة على أن ترفع أمرها الى السلطات علها تُنقذها من العذاب‬
‫المروع البغيض‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الذي تعيشه في بيتها‬
‫تدخلت السلطات ‪،‬ولم أرها مرة ثانية‪ .‬افترضت أنَّ ُهم أودَعوها مالذًا آمنًا‪ ،‬وأن ُك ّل شيء صار‬
‫في النهاية على ما يرام‪ .‬في نهاية العام انتقلتُ إلى مدرسة أخرى و ُك ْنتُ أتساء ُل عن مآل‬
‫ياسمين‪.‬‬
‫"أردت فقط أن أشكرك‪ .‬األمور لم تسر على ما يرام؛ ألن القاضي حكم بأن عنف عائلتي ضدي‬
‫يدخل تحت طائلة "الحريات الثقافية‪".‬‬
‫بدال من أن أتساءل عن تطورات حياتها خالل الثالثين‬ ‫كاد قلبي يتوقف عن الخفقان؛ حينئ ٍذ ً‬
‫ي‪ .‬اتفقنا على اللقاء‪ ،‬ثم تعانقنا‪ ،‬وتحدثنا‪ ،‬وبكينا‪،‬‬ ‫سنة الماضية‪ ،‬صرت مسكونًا بأسئلة تلح عل َّ‬
‫وطلبت مني أن أقرأ مسودة هذا الكتاب‪.‬‬
‫كتاب "سافرة" يحكي قصةَ الخضوع كاملةً‪ ،‬ويجيب عن األسئلة‪ُ .‬ك ّل من سلطة العائلة‪ ،‬و‬ ‫ُ‬
‫سلطة الدولة‪،‬وسلطة الدّيْن‪ ،‬والثقافة؛ حاولت فرض جبروتها عليها‪ .‬إنها تحكي في هذا الكتاب‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪10‬‬
‫كيف أن إرادتها‪ ،‬وشجاعتها ‪ -‬على الرغم من لحظات ضعفها وشعورها بالهزيمة‪ -‬قد انتصرت‬
‫في النهاية‪.‬‬

‫ضا ألن القصة‬


‫هذا الكتاب ليس مه ًّما فقط بسبب القصة الشخصية اآلسرة التي يرويها؛ بل أي ً‬
‫ليست فريدة من نوعها‪" .‬ياس" صوت يجب أن يبلغ ُك ّل الناس الذين يرزحون تحت قمع سلطات‬
‫تمنع وتعيق فرصتهم في حياة حرة‪.‬‬
‫ريك فابرو‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪11‬‬
‫ي أح ٍد حول مشاكلي‪،‬لَ ْم أ َ ُك ْن قادرة على مواجهة‬ ‫ُك ْنتُ أجد أنه من المستحيل ْ‬
‫أن أحدِّث أ ّ‬
‫ت مني في طفولتي‪ .‬لكن‬ ‫ي حال فإنني ال أملك الشجاعة؛ ُك ّل شجاعتي ُ‬
‫س ِل َب ْ‬ ‫اإلحراج‪ ،‬وعلى أ ّ‬
‫صا ب ُك ّل شيء‪.‬‬ ‫اآلن ‪،‬وفجأة؛ أجد في نفسي رغبةً شديدة في أن أحدّث شخ ً‬
‫روالد داهل؛ ماتيلدا‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪12‬‬
‫تمهيد‬
‫نشأتي ك ُم ْس ِلمة ينبغي أال تكون أكثر من ذكرى بعيدة‪ ،‬فقد تركت ذلك العالَم سنة (‪2004‬م)‪،‬‬
‫لكن العالَم المؤلم المسبب للصدمات الذي ترعرعت فيه؛ حدد معالم شخصيتي‪ .‬إنه في عظامي‪،‬‬
‫ويجري في عروقي مجرى الدم‪ ،‬وال أجد منه مهربًا؛ ظننت أَنّي يمكنني الهروب منه‪ ،‬وأن أبدأ‬
‫حياتي من جديد‪ ،‬وأعيد نحت ذاتي‪ ،‬وأن أعيش حياتي كما أريد؛ لك ِنّي اكتشفت أن ال مهرب لي‬
‫من نفسي؛ ال سلطان لي على الصالت التي تسكن ذهني‪ ،‬وردات الفعل العنيفة العميقة التي‬
‫ذلك‪ ،‬وال أستطيع أن أعيد نحت أو بناء ذاتي من‬ ‫ي من َ‬ ‫ي تحكم في أ ّ‬
‫يصدرها جسدي؛ ليس لي أ ّ‬
‫وف أستطيع أن أعيش حياة "طبيعية"؛ لكن‬ ‫الصفر‪ .‬قد أظن أني تغلبت على ُك ّل شيء‪ ،‬وأني َ‬
‫س َ‬
‫ما أن أسترخي ً‬
‫قليال َحتّى تطل برأسها إحدى الذكريات القبيحة الهاجعة‪.‬‬

‫مين بالخداع‪ ،‬و الخوف‪ ،‬واألكاذيب‬ ‫التربة التي أنبتتني‪ ،‬والماء الذي رواني كالهما َكانَا ُمس َّم ِ‬
‫وإلن بدَ ْوتُ شجرة ملؤها الحياة‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬والخيانة‪ ،‬والغضب‪ ،‬والحزن‪ ،‬والكثير الكثير من التعنيف؛‬
‫والصحة من الخارج‪ ،‬إال أن الحقيقة تكمن في جذوري‪ .‬أتمكن من مخاتلة ُك ّل من يحيط بي‪،‬‬
‫و َحتّى األصدقاء الذين عرفتهم لسنين ليس لَدَيهم فكرة عن الحقيقة؛ إذ يقولون أشياء مثل‪" :‬لكنك‬
‫أنك سليمة نفسيًّا‪ ،‬وعصبيًّا؟" ‪ ،‬أو "ما ُك ْنتُ أل َ ْح ِز َر!"‪.‬‬
‫تبدين عادية للغاية"‪ ،‬أو "كيف ِ‬

‫َحتّى زوجي يعجز عن التوفيق بين قصص هذه الفتاة ‪ -‬التي تختلف حياتها عن حياته للغاية‪-‬‬
‫ت بعائلتي‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن قد‬
‫مع هذه المرأة التي يحبها‪ .‬لقد التقينا بعد بضع سنوات من قطعي الصال ِ‬
‫ي حال من األحوال؛ بيد أَنّي ُك ْنتُ قد تعلمتُ كيف أبتلع آالمي‪ .‬لَ ْم تَ ُك ْن لَدَي طريقة‬ ‫شفيت بعد بأ ّ‬
‫للتعبير عن تلك اآلالم؛ لَ ْم َي ُك ْن أحد ليفهم‪ُ .‬ك ْنتُ أعلَ ْم أن الناس ال يرتاحون للحديث حول اإلسالم؛‬
‫ولذلك دفعت ُك ّل الفكرة بعيدًا فقط‪.‬‬

‫لَ ْم أعثر إال بعد سنوات من تركي اإلسالم على صفحة بيل مار على الفيسبوك‪َ .‬كانَ بعض‬
‫س‬ ‫هار ْ‬
‫ال ُم ْس ِلمين السابقين (الذين تركوا اإلسالم) يردون على رد فعل بن أفليك على انتقاد سام ِ‬
‫لإلسالم‪ .‬إن صراخه وهو يقول "مقزز" و"عنصري" صار أسطوريًّا اآلن بل‪ ،‬وكليشيهيًّا‬
‫مبتذَ ًال‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن قد سمعت قبل ذلك بعبارة " ُم ْس ِلم سابق"‪ ،‬ولَ ْم يَ ُك ْن لَدَي فكرة أنه يوجد آخرون‬
‫مثلي؛فقد احتفظت بأسراري البائسة لنفسي‪،‬وحياتي ال تتماشى مع الصوابية السياسية‪ ،‬وال‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪13‬‬
‫تتالءم مع السردية المفضلة‪ ،‬فقصة حياتي حقيقة غير مريحة‪ ،‬والناس يفضلون أكاذيبهم‬
‫المريحة؛ بيد أن ردة فعلهم تجاه غضب بن أفليك جعلتني أرغب في المشاركة في الجدل‪.‬‬

‫س عالم األعصاب‪ ،‬ومؤلف الكتاب الريادي؛ والمثير للجدل "نهاية اإليمان" َكانَ قد‬ ‫هار ْ‬
‫سام ِ‬
‫حضر في عرض (برنامج شو) بيل مار في أكتوبر (سنة ‪2014‬م) متحدثًا عن اإلسالم‪ ،‬وتكلَ ْم‬
‫بطريقته الشهيرة المميَّزة التي تجمع بين الصرامة‪ ،‬واللين؛ لقد تناول الموضوع بنفس الصرامة‬
‫ي ٍ من بحوثه حول أديان العالَ ْم‪ ،‬فتحدَّث عن اإلسالم بنفس الطريقة‬
‫األكاديمية التي يطبقها على أ ّ‬
‫ي‬ ‫التي تحدث بها عن المسيحية‪ ،‬واليهودية‪ ،‬والكثير من الديانات‪ ،‬واأليديولوجيات األخرى؛أ ّ‬
‫"بذِكر الحقائق"‪.‬‬

‫استهل هو‪ ،‬وبيل مار حديثهما بالتحسر على حقيقة فشل‪ ،‬أو تقصير الليبراليين في الدفاع عن‬
‫القيم الليبر الية؛ تحدث بيل حول‪ :‬كيف أن جمهوره يضج بالتصفيق لقيم مثل حرية التعبير‬
‫‪،‬وحرية المعتقد‪ ،‬والمساواة بين الجنسين‪ ،‬وحقوق األقليات‪ ،‬وحقوق المثليين‪ ،‬و مختلفي الميول‬
‫الجنسية؛ لَ ِكنَّه ما يلبث أن يلتزم الصمت إذا ما أشار أ ّ‬
‫ي أحد إلى أن هذه المبادئ ال تجد لها دع ًما‬
‫في العالم اإلسالمي؛ أما سام فقد أضاف أن الليبراليين ال يتوانون عن انتقاد الدول الدّيْنية‬
‫(الثيوقراطية) ذات العنصر األبيض‪ ،‬والحكم الدّيْني المسيحي‪ ،‬ولَ ِكنَّهم يحجمون عن انتقاد نفس‬
‫كدين يختلف جدًّا‪ ،‬وليس مرادفًا‬
‫ٍ‬ ‫هذه الشرور في العالم اإلسالمي؛ كما أنه وضح أن اإلسالم‬
‫وناس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ب‪،‬‬‫لل ُم ْس ِلمين كشعو ٍ‬

‫وكما َكانَ ُمتوقَّعًا‪ ،‬يبدو أن بن أفليك‪-‬الذي مث َّ َل من قبل دور مالك ساقط في فيلم "دوغما" أو‬
‫"عقيدة"‪ -‬قرر أن يتطوع ليصبح الدليل (أ) لتجسيد نفس الصورة الكاريكاتيرية الساخرية‬
‫لليبرالي المشوش التي تطرق إليها سام ؛ بإلقاء تهمة العنصرية على ك ٍّل من بيل‪ ،‬وسام؛ وشبههم‬
‫بأولئك الذي يستعملون مصطلحات مثل "اليهودي المخادع" ‪ ،‬أو القائلين بأن "السود يريدون‬
‫دائ ًما إطالق النار على بعضهم البعض"؛ وأصر على أن ال ُم ْس ِلمين "ال يريدون إال أن يأكلوا‬
‫سدًا بالمثال نفس ذلك النفاق الذي تحدث عنه سام‪ .‬هل َكانَ بن أفليك ‪-‬الذي‬ ‫السندويتشات"؛ مج ِ ّ‬
‫مثل في فيلم يركز على نحو خاص‪ ،‬وأساسي على نقد المسيحية‪ ،‬والسخرية منها‪ -‬يرى أنه تخطٍ‬
‫س‪ ،‬وبيل مار أن يمارسا نقاشا حضاريًّا‪ ،‬ومبنيًّا على‬ ‫هار ْ‬
‫للحدود وغير مقبول بالنسبة لسام ِ‬
‫الحقائق حول اإلسالم؟‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪14‬‬
‫كال من بيل‪ ،‬وسام استشهدا بإحصائيات من مركز بيو لألبحاث ‪ ،‬والتي‬ ‫على الرغم من أن ًّ‬
‫صريين يعتقدون أنه يجب قتل األشخاص لتركهم دينهم؛‬ ‫الم ْ‬
‫توضح بأن قرابة (‪ )90‬بالمئة من ِ‬
‫فقد أصر بيل على أن هذه األفكار السيئة ال يعتنقها إال عددا ً ضئيالً من ال ُم ْس ِلمين‪.‬‬

‫من وجهة نظري؛ ال يُ ْغ َفر لبن أفليك رفضه لنقد هذه األيديولوجيا التي قد سببت الكثير من‬
‫َّ‬
‫قتلهن‬ ‫المعاناة في العالم؛ إ ْذ في الغرب ‪ -‬على نح ٍو ٍ‬
‫عام‪ -‬ال يهتم أحد لسجن ال ِنساء ال ُم ْس ِلمات‪ ،‬أو‬
‫في إيران‪ ،‬والسعودية لعدم تغطيتهن شعورهن‪ .‬ال أحد يهتم لكون المدونين في بنجالدِش‬
‫يُض َْربون َحتّى الموت في الشوارع؛ ألنَّ ُهم تجرؤوا على الكتابة حول المذهب اإلنساني؛ كما أن‬
‫ُضربون َحتّى الموت؛ ألنَّ ُهم ش َّككوا في اإلسالم؛ لكن اآلن‪،‬‬ ‫ال أحد يبالي بأن الطلبة في باكستان ي َ‬
‫وأخيرا صار عموم الناس يتحدثون على وسائل اإلعالم الرئيسية حول هذه المشاكل التي ابت ُ ِل َي‬ ‫ً‬
‫بها العالم االسالمي ألكثر من (‪ 1400‬سنة) ؛ بينما يقف هذا الرجل‪ -‬الذي يبدو على أنه حسن‬
‫ضا طريق الناقدين!؛ ُك ْنتُ غاضبةً من ذلك‪.‬‬ ‫النوايا‪ ،‬وحامل لعقد ذنب الرجل األبيض ‪ -‬معتر ً‬

‫س في‬ ‫أتَذ َّكر أَنّي أردت أن أتكلم بحرية؛ أردت أن أصرخ بقوة؛ أردت االنضمام الى سام ِ‬
‫هار ْ‬
‫ضا مرعوبة‪ .‬أحسست أَنّي أقف على حافة جرف تحته محيط‬ ‫معركة األفكار هذه؛ َل ِكنّي ُك ْنتُ أي ً‬
‫شاسع؛ ُك ْنتُ في أمان على اليابسة‪ ،‬وقد حررت نفسي من المياه الخطيرة التي في األسفل؛ بِيدَ‬
‫أَنّي صرت أحس برغبة جارفة في الغطس مجددًا؛ أردت أن ألتقي آخرين مروا بنفس ما مررت‬
‫به‪ ،.‬وأن أشاركهم ‪ ،‬وعموم الناس قصتي‪ .‬أردت مجموعة من الناس تستطيع تَف ُّهم مخاوفي‬
‫الدفينة‪ ،‬وقلقي‪ ،‬وهواجسي‪.‬‬
‫لقد َكانَت مخاطرة ً كبرى ؛إذ لَ ْم َي ُك ْن أحد في حياتي يعرف خلفيتي؛ ال أحد‪ .‬الشخص الوحيد‬
‫الذي َكانَ يعرف توفي منذ سنوات؛ لَ ْم يَ ُك ْن لَدَي شهود على قيد الحياة‪ُ .‬ك ْنتُ أستطيع أن أعيش‬
‫متجنبةً ُك ّل هذه األنشطة‪ ،‬واألحداث الجارية‪ ،‬وأن أقرر عدم القفز من ذلك الجرف نحو ذلك‬
‫المحيط؛ ُك ْنتُ سأظل متوارية عن األنظار‪.‬‬

‫أو َكانَ بإمكاني كخيار آخر أن أكون شجاعة؛ َكانَ بإمكاني أن أقرر الغوص مجددًا‪ ،‬وأَبتَّل‬
‫بالمياه المالحة‪ ،‬وتغطيني الطحالب‪ ،‬وأغامر َحتّى باحتمالية غرقي؛ َكانَ بإمكاني أن أختار‬
‫مشاركة وجهة نظري؛ َكانَ بإمكاني أن أقرر تصحيح وجهة نظر أصدقائي الذين يصرون على‬
‫أن اإلسالم دين سالم؛ َكانَ بإمكاني أن أختار إزعاج الناس بحكايتي؛ َكانَ بإمكاني أن أختار‬
‫وف يبتعدون عني‪ ،‬والتهديدات بالقتل‪.‬‬
‫س َ‬‫مواجهة ردود الفعل العنيفة‪ ،‬واألصدقاء الذين َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪15‬‬
‫شخص أكثر تعقُّ ًال َكانَ ليختار أن يدير ظهره‪ ،‬ويترك ذلك المحيط وراءه؛ ُك ْنتُ أعلم جيدًا ما‬
‫أنا مقدمة عليه؛ إذ ُك ْنتُ في ذلك العالم سابقًا‪َ .‬كانَت إدارة ظهري لتكون أسهل للغاية‪ ،‬ومواصلة‬
‫حياتي على اليابسة اآلمنة التي ُك ْنتُ قد خاطرت بحياتي بالفعل للوصول إليها‪.‬‬
‫الغوص مجددًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫لَ ِكنّي اخترتُ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪16‬‬
‫العنف‪1 -‬‬
‫أرجوك!"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫"أرجوك ‪ :‬ال؛ أنا آسفة؛ يا ماما! يا ماما!‬
‫ِ‬

‫ُك ْنتُ مستلقيةً على الفراش‪ -‬كما أ ُ ِم ْرتُ ‪ ، -‬وأتوسل بطريق ٍة هستيرية؛ كما فعلتُ العديدَ من‬
‫المرات السابقة؛ ينتابني الخوف من هذا المشهد المألوف لي كأَنّي أراه أمامي اآلن؛ وهو يقبض‬
‫على كاحلي‪ ،‬و َيربطني بمقدمة الفراش بعنف؛ أحاول مقاومة الرغبة في سحب قدمي ألَنّي أعلَ ْم‬
‫أن األمر سيكون أسوأ لو فعلتُ ؛ أبكي بشدة بدون انقطاع ؛ َحتّى ال أكاد أجد ُمتسعًا السترداد‬
‫أنفاسي‪ ،‬وهو يستعم ُل الحبل الذي أستعمله للعب نط الحبل ‪،‬كي يربط قدم َّ‬
‫ي بالسرير‪.‬‬

‫يتناول عصاه البرتقالية البالستيكية المفضلة ‪-‬التي حلت محل العصي الخشبية التي ما فَتأت‬
‫تنكسر‪ُ -‬ك ْنتُ فَ ِرحةً في البداية؛ إذ على األقل لَ ْن تنغرز شظاياها في جسدي؛ لكن ما ُك ْنتُ‬
‫وف أكره اللون البرتقالي ما تبقى‬
‫س َ‬‫وف تؤلم أكثر بكثير من العصي األخرى؛ َ‬ ‫س َ‬
‫أجهله‪ :‬هو أنها َ‬
‫من حياتي؛ يجلد باطن قدمي ‪ ،‬فهو م َكانَه المفضل؛ ألنه ال يمكن للمعلمين مالحظة الندوب‬
‫هناك؛ َكانَ عمري ست سنوات‪ ،‬و َكانَ هذا عقابي ألَنّي لَ ْم أحفظ جيدًا بعض سور القرآن‪.‬‬

‫"إذن‪ ،‬أستحفظين جيدًا المرة القادمة؟"‬


‫"نعم!"‬

‫يدك؛ كي تحميني ؟ لم‬‫صوتك‪ ،‬أو ِ‬‫ِ‬ ‫أنظر إلى أ ُ ّمي بتوسل؛ ولسان حالي يقول‪ " :‬لم ال ترفعي‬
‫تكتفي بالوقوف هناك إلى جانبه؟"‬
‫ما ال ُمحتمل؛ الذي َكانَ يمنعها؟ أ َكانَت تخافه؟ ؛هي من طلبت حضوره؛ هل تتحمل جزء من‬
‫المالم؟ في تلك اللحظة َل ْم أستطع تَف ُهم َّ‬
‫أن امي ‪-‬الوالدة الوحيدة التي أعتبرها أحد الوالدّيْن وقتها‪-‬‬
‫عا لكي أُقَيَّدَ‪ ،‬وأ ُ ْجلَدَ؛ هو الشرير‪ ،‬وليست أ ُ ّمي؛ َكانَ ينبغي بالنسبة لي أن‬
‫ترضى أن تُسلُّمني طو ً‬
‫تكون هذه هي الحقيقة الوحيدة؛ إذن‪ :‬لماذا اتصلت به على الهاتف‪ ،‬وطلبت منه المجيء؟ لماذا؟‬

‫"في المرة القادمة التي آتي فيها إلى هنا؛ أريد سماع جميع السور الثالث؛ أتفهمين؟"‬
‫"نعم‪"...‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪17‬‬
‫"ما هي السور التي أتحدث عنها؟"‬

‫أتردد للحظة ‪،‬فيرفع يده مرة أخرى‪ ،‬و عيناه تُبرقان ترقبًا‪.‬‬

‫ي المتورمتين المكدومتين‪،‬‬ ‫عندما ال تجد ضرباته ِجلدًا طاز ًجا تَ ُحط عليه‪ ،‬فإنها تَ ُحط على قَدم ّ‬
‫طر عرقًا‪ ،‬وقلبي َيخفق بعنف؛ أجد صعوبةً في التنفس‪ ،‬لَ ِكنّي أعلم جيدًا‬ ‫والممزقتين؛ جسدي يَق ُ‬
‫أن هذا لَ ْن ينتهي أبدًا؛ إلى أن أستجمع ِقواي‪ ،‬وأجيب‪.‬‬

‫"الفاتحة‪ ،‬والكوثر‪ ..…،‬واالخالص"؛ ثالث سور قصيرة ضرورية إلقامة الصلوات الخمس‬
‫اليومية؛ خرجت الكلمات من حلقي بصوت مبحوح خشن‪ ،‬ومختنق؛ وبالكاد يمكن سماعها‪.‬‬
‫"إذا ارتكبت خطأ ً واحدًا ‪-‬خطأ واحدًا‪ -‬سأريك مقدار األلم الذي يُمكنّي في الحقيقة أن أسبب‬
‫لك"‪.‬‬
‫ِ‬

‫ضا‪ ،‬ويخرج؛أستلقي في مكاني منتظرة أ ُ ّمي؛ لتأتي‪،‬‬ ‫وأخيرا ي ِفك عقدة الحبل ويلقيه أر ً‬
‫ً‬
‫َ‬
‫وتواسيني؛ وهي ال تأتِ؛ أنتظرها بعد ُك ّل ضرب؛ ل ِكنّها ال تأ ِ‬
‫ت أبدًا؛ هي تتبعه دائ ًما نحو الباب‪،‬‬
‫ضحكاتهما‪ ،‬وهما يتبادالن الحكايات‪ ،‬والضحك؛ أنتظر محتبسةَ األنفاس‬ ‫صوتيهما‪ ،‬و َ‬‫أصغي إلى َ‬
‫سماع إغالق الباب؛ فأنا ال أستطيع أن أتنفس الصعداء‪ ،‬وأسترخي؛ َحتّى أتيَقن أنه ترك الشقة؛‬ ‫َ‬
‫ِمنَ الصعب أن أسترجع استقرار أنفاسي‪ .‬بينما أنا أشاهد أضواء السيارات من الشارع في‬
‫األسفل تترك انعكاساتها عبر سقف غرفتي‪ ،‬ومعها أزيز المحركات؛ في النهاية؛ انكمش على‬
‫نفسي في وضعية الجنين؛ كالكرة‪ ،‬وأضع إبهامي في فمي‪.‬‬
‫ط في‬ ‫ي‪ ،‬والشهقات الالإرادية التي تَنفُخ صدري بقوة؛ أ َ ُ‬
‫غ ُ‬ ‫عصف نبضات األلم في قد َم َّ‬ ‫رغم َ‬
‫صراعٍ يهدد بإهالك كيانك نفسه‪.‬‬ ‫ت إال بعدَ ِ‬‫ت عميق؛ من النوع الذي ال يأ ِ‬ ‫سبا ٍ‬

‫أستيقظ بضعف؛ مترنحةً في منتصف الليل‪ ،‬مع تلك البقعة المبتلة الباردة المعهودة تحتي؛‬
‫ش َّق‬
‫ت َمضجعي؛ أعلم أن علي أن أ ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫ي قد المست تلك البقعة‪ ،‬ولَسعات األلم أق َ‬‫إحدى قدم ّ‬
‫ي المتورمتين تجعل عيناي تغرورقان‬ ‫طريقي نحو الحمام؛ لكن مجرد فكرة الوقوف على قدم َّ‬
‫ي من على حافة الفراش بحذر شديد؛ إنهما متورمتان‪ ،‬وتغطيهما فقاقيع الدم؛‬ ‫بالدموع؛ أدلي بقدم ّ‬
‫وف ينفجران‬ ‫س َ‬‫ي؛ أعلم أَنّي إذا وضعت ُك ّل حملي عليهما‪ ،‬ف َ‬ ‫أستجمع قواي قبل أن أقف على قدم ّ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪18‬‬
‫ُ‬
‫يحرق الجرو َح المفتوحة؛ أسير على حافة‬ ‫أل ًما ‪،‬ود ًما؛ َل ِك َّن علي أن أُسارع الى غس ِل البول الذي‬
‫أعرج ببطءٍ ُمتئكةً في ك ِل خطوة؛ ً‬
‫أوال‪ :‬على فراشي‪ ،‬ثم‬ ‫ي؛ كي ال تلمس الجروح السجاد؛ ُ‬ ‫قدم ّ‬
‫باعتصار الجروح‪ ،‬وهي تتمزق‬
‫ِ‬ ‫خزانتي‪ ،‬ثم ِمقبض الباب‪ ،‬ثم جدار الرواق؛ إن إحساسي‬
‫الوطء عليها ‪ -‬ال أزال أتذكره إلى اليوم بعد مرور قُرابةَ‬
‫ِ‬ ‫ُمنفتحةً على نح ٍو محتوم ‪ -‬بسبب‬
‫أربعين سنة‪.‬‬

‫ظ ؛ لكن قب َل أن أتعلم‬ ‫أحفَ ْ‬


‫جهنم؛ إذا لَ ْم ْ‬
‫َ‬ ‫يؤكدون لي أن ُك ّل هذا األلم ال شيء مقارنةً بعذا ِ‬
‫ب نار‬
‫أن أص ُمت‪ ،‬وأن أ ُ َ‬
‫مسك لساني؛ ُك ْنتُ أتساءل‪:‬‬
‫أحرقهُ مجددًا‪ ،‬هكذا دَواليك إلى األبد؛ ألَ ْن أت َع َّود على‬ ‫"إذا أحرقَ هللاُ جلدي‪ ،‬ثم أنبَتهُ مجددًا‪ ،‬ثم َ‬
‫األمر في النهاية؟"‬
‫أن ك َّل مرةٍ ستكون بنفس ألم المرة األولى"‪.‬‬ ‫يحرص هللاُ على َّ‬
‫ُ‬ ‫تجيب أ ُ ّمي‪" :‬ال‪َ .‬‬
‫س‬ ‫ُ‬
‫ُك ْنتُ مرعوبةً من هللا‪ ،‬ويوم القيامة‪ ،‬واالحتراق في الجحيم؛ هذه ليست باألشياء التي تَشغل عقل‬
‫طفل عادي؛ حسنًا‪...‬أو باألحرى؛ عق َل طف ٍل عادي َ‬
‫غير ُم ْس ِل ٍم‪.‬‬

‫َيع ُج اليوتيوب بڤيديوهات ألطفا ٍل يتعرضون لعنفٍ شديد في المدارس القرآنية؛ فتياتٌ‬
‫وفتيان يُجلَدون‪ ،‬وي ُْر َكلون؛ إلى أن‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫شعورهن على األرض؛ لعدم ِلبسهن الحجاب‪،‬‬ ‫ي ُْج َر ْرنَ من‬
‫يقعوا على األرض‪ .‬العنف الذي تعرضت له ‪-‬على همجيته‪ -‬ضئي ٌل مقارنةً ببعض القصص التي‬
‫سمعتها؛ حدثتني فتاة صومالية عن كيف أن أمها سكبت الزيت الساخن في َحلق أخيها ‪-‬بينما هو‬
‫مقيد ٌ إلى الفراش‪ -‬وأرغَمت إخوتَه على المشاهدة‪.‬‬

‫وفقًا للتقارير المعاصرة؛ يتعرض أكثر من (‪ )%70‬من األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين‬
‫ق األوسط‪ ،‬وشما ِل‬ ‫العامين‪ ،‬واألربعة عش ََر عا ًما ‪ -‬في الدول ذات الغالبي ِة ال ُم ْس ِلمة في الشر ِ‬
‫صر؛‬ ‫وم ْ‬
‫أفريقيا‪ -‬إلى التأديب باستخدام العنف؛ ففي بعض الدول مثل اليمن‪ ،‬وتونس‪ ،‬وفلسطين‪ِ ،‬‬
‫يقول أكثر من(‪ )%90‬من األطفال أنَّ ُهم تعرضوا للعنف الشديد؛ ما سبب هذا؟‪ِ .‬ل َم ينتشر العنف‬
‫أن ُكلّها تت َّ ِبع ن ْ‬
‫َفس الدّيْن؛ الدّيْن الذي يدعو‬ ‫ضدَ األطفال في هذ ِه الدول؟‪ .‬ما يجمع هذه الدول هو‪َّ :‬‬
‫الحديث ال ُمح َّمدي‪ُ " :‬مروا صبيانَكم بالصالة إذا بلغوا سبعًا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ب أطفا ِلهم؛ يقو ُل‬
‫الناس إلى ضر ِ‬
‫(حديث صحيح؛ حسب األلباني ؛في صحيحِ الجامع‬ ‫ٌ‬ ‫عشرا"‪.‬‬ ‫واضربوهم عليها إذا بلغوا َ‬
‫أدب لهم"‪( .‬صححه األلباني‬ ‫سوط؛ حيث يراه أهل البيت‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫ا‪":‬علّقوا ال َ‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫‪)5868‬؛ كما قال أي ً‬
‫في صحيح الجامع ‪.)4022‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪19‬‬
‫وأهل البيت في الحديث هم ‪:‬األبناء‪ ،‬والزوجة‪ -‬أو الزوجات‪ ، -‬والعبيد‪.‬‬

‫كما تَرون؛ من واجب‪ ،‬ومسؤولية الوالدّيْن ‪-‬في تعاليم اإلسالم‪ -‬الحرص على حفظ األبناء‬
‫المسطر لهم؛ "أ َ َال ُكلُّ ُك ْم َراعٍ‪َ ،‬و ُكلُّ ُك ْم‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬وأال تفوتَهم صالة‪ ،‬وأن يتّبعوا السبي َل الضيق‬ ‫َّ‬ ‫للقرآن‬
‫علَى‬ ‫الر ُج ُل َراعٍ َ‬ ‫ع ْن َر ِعيَّتِ ِه‪َ ،‬و َّ‬‫اس َراعٍ‪َ ،‬و ُه َو َم ْسئُو ٌل َ‬ ‫علَى النَّ ِ‬ ‫ير الَّذِي َ‬ ‫ع ْن َر ِعيَّتِ ِه‪ ،‬فَ ْاأل َ ِم ُ‬
‫َم ْسئُو ٌل َ‬
‫ع ْن ُه ْم‪َ ،‬و ْال َع ْبدُ‬
‫ي َم ْسئُولَةٌ َ‬ ‫ت َب ْع ِل َها؛ َو َولَ ِدهِ‪َ ،‬و ِه َ‬ ‫أ َ ْه ِل َب ْي ِت ِه‪َ ،‬و ُه َو َم ْسئُو ٌل َع ْن ُه ْم‪َ ،‬و ْال َم ْرأَة ُ َرا ِع َيةٌ َ‬
‫علَى َب ْي ِ‬
‫ع ْن َر ِعيَّتِ ِه" (رواه‬ ‫ع ْنهُ‪ ،‬أ َ َال فَ ُكلُّ ُك ْم َراعٍ‪َ ،‬و ُكلُّ ُك ْم َم ْسئُو ٌل َ‬ ‫س ِيّ ِدهِ‪َ ،‬و ُه َو َم ْسئُو ٌل َ‬ ‫علَى َما ِل َ‬ ‫َراعٍ َ‬
‫البخاري ‪ 583‬و ُم ْس ِلم ‪ 1829‬وغيرهما)‪.‬‬

‫ب الدّيْني‪ ،‬والخوف التَقَ ِو َّ‬


‫ي‬ ‫ضرب الوالدان أبنائهما‪ ،‬فإنما يفعالن ذلك بدافعِ الواج ِ‬ ‫إذن؛ عندما يَ ِ‬
‫صين‪ ،‬فإذا لَ ْم ينشأ األبناء على‬ ‫ألن عليهم الحرص على أن يكونَ أبناؤهما ُمسلمين ُمخ ِل ِ‬ ‫من هللا؛ َّ‬
‫وف يحاسبهما هللا يوم ال ِد ِين؛ وإذا لَ ْم يلتزم‬ ‫س َ‬ ‫ذلك ‪،‬فإن الوالدّيْن ؛هما من فشِال ‪،‬أو ق َّ‬
‫صرا؛ ول َ‬
‫لخطر‬
‫ِ‬ ‫وف تكون عرضةً‬ ‫س َ‬ ‫األبناء بتعاليم اإلسالم‪ ،‬ويكونوا ُم ْس ِلمين مخلصين؛ فإن نفوس اآلباء َ‬
‫االحتراق في جهنم الى األبد‪.‬‬

‫أن (‪ )7‬من ضمن (‪ )10‬أطفال ‪-‬في المتوسط ‪ -‬يتعرضون للعنف النفسي‪،‬‬ ‫تُ ْ‬
‫ظ ِه ُر األبحاث ‪َّ :‬‬
‫وهذه النسبة تبلغ أعالها في اليمن ‪ 90(-‬بالمئة)‪-‬؛ بينما يتعرض (‪)6‬أطفال من ضمن (‪)10‬‬
‫صر‪ ،‬واليمن‪ ،‬وجمهورية أفريقيا‬ ‫ُ‬
‫حيث تبلغ هذ ِه النسب أعالها في ِم ْ‬ ‫أطفال إلى العقاب الجسدي؛‬
‫الوسطى (أكثر من ‪ 80‬بالمئة)‪.‬‬

‫فإن معظم األطفال‪ -‬في‬ ‫ب األحيان تَستخدم العائالت تشكيلةً من أساليب التربية العنيفة؛ َّ‬‫في أغل ِ‬
‫ب نفسية‪ ،‬وكذلك جسدية؛ مما يؤكد َّ‬
‫أن‬ ‫أغلب هذه الدول‪ ،‬أو المناطق‪ -‬يتعرضونَ الى أساليب عقا ٍ‬
‫وكثيرا ما يستخدمان معًا في ِسياق التربية؛‬
‫ً‬ ‫هذين األسلوبين من العقوبات يتداخالن في الغالب‪،‬‬
‫التعرض المكثف ألنواعٍ متعددة ً من العنف؛ يَزيد‪ ،‬ويُفاقم من احتماالت األضرار المحتملة‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫؛التي تحدث للطفل على المدى القصير‪ ،‬والبعيد على السواء‪.‬‬

‫الدم في عروقي‪ ،‬ويشالن حركتي؛‬ ‫على الرغم من َّ‬


‫أن التعنيف‪ ،‬والتهديد بالعنف؛ َكانَا يُجمدّان َ‬
‫محظورا‬
‫ً‬ ‫لكني ال أتَذَ َّكر لحظة في حياتي لَ ْم أقاوم فيها؛ فاالستماع إلى الموسيقى مثالً َكانَ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪20‬‬
‫حرا ًما؛ فالموسيقى من الشيطان ‪ -‬بنظر المتشددين‪ -‬ورغم ذلك؛ عندما ُك ْنتُ أصبح وحدي في‬
‫المنزل‪ُ ،‬ك ْنتُ أُدير المذياع إلى محطة (‪ ، )73LG‬ثم أستمع إلى آخر أغاني موسيقى البوب؛ لقد‬
‫س)؛ محقًّا ‪" :‬اآلباء ال يفهمون شيئًا"؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ‬ ‫بر ْن ْ‬
‫َكانَ ويل سميث في مسلسل (ذا فريش ِ‬
‫أخاف غضب هللا‪ ،‬فقد ُك ْنتُ أصمت؛ ُكلّما غنيت مع جون لينون أغنية "تخيل"؛ عند وصوله إلى‬
‫مقطع "تخيل أن العالم بال دين"؛ ُك ْنتُ أخاف للغاية َحتّى أن أُهَمهم بها‪ ،‬فأصير كافرة؛ َألن يكون‬
‫كافرا‪ ،‬أو مرتدًّا؛ لهي أكبر كبيرة ممكنة في اإلسالم‪ ،‬وعقوبتها الموت؛ أتَذَكر أَنّي ُك ْنتُ‬ ‫ً‬ ‫المر ُء‬
‫أتساءل‪ :‬كيف لي أن أحب (‪ 99‬بالمئة) من األغنية؛ لكنّي أتفادى بالكامل هذا المقطع؟ متج ِنّبةً له‬
‫ي به؛ هل يمكن أنه لو أن لينون قد أصاب في‬ ‫للغاية؛ َحتّى أَنّي ُك ْنتُ ال أستطيع أن أحرك شفت َّ‬
‫ضا؟‬
‫صاب في هذا المقطعِ أي ً‬
‫َ‬ ‫باقي األغنية‪ ،‬فقد أ َ‬

‫ق‬
‫بر شقو ِ‬
‫ع َ‬‫أنوار تسللت متألقةً للحظات َ‬
‫ٍ‬ ‫لَدَي بضع من الذكريات المشابهه لهذه؛ ذكريات عن‬
‫المطوقة؛ التي َكانَت تَدفنني بطبقاتها العديدة طوال طفولتي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫خرسانة اإلسالم‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪21‬‬
‫الصالة‬
‫ال ُم ْس ِلمون مطالَبون االلتزام بأركان اإلسالم الخمسة‪ :‬الشهادتان‪ ،‬والصلوات الخمس اليومية‪،‬‬
‫والزكاة‪ ،‬وصو ُم رمضان‪ ،‬والحج إلى الكعبة في مكة‪ .‬تكرار نفس األَفعال الروتينية‪ ،‬وغَمغَمة‬
‫نوم مغناطيسيًّا ‪ -‬أثناء الصلوات الخمس‪ -‬يضعنا ُكلّنا إلى األبد على‬ ‫الكلمات بلغة أجنبية ؛ كال ُم َ‬
‫يك للزيغِ عن الطريق المستقيم؛ إذا ما َكانَت الصالة‬‫وقت لَدَ َ‬
‫َ‬ ‫السراط أو الطريق المرسوم‪ ،‬فال‬
‫ضع طبقةٌ إسمنتية جديدة‪.‬‬‫شقُق الخرسانة؛ ألنه سرعان ما تُو َ‬‫تنتظرك دائ ًما؛ال مجال ِلت َ‬
‫ُ‬ ‫التالية‬

‫ملال‪ ،‬وال مجال فيها ألقل تغيير في أيّما حركة؛ ف ُك ّل حرك ٍة‬ ‫الصلوات متكررة مخدرة للعقل ً‬
‫طقسيةٍ‪ ،‬و ُك ّل عبارةٍ؛ محددة ً بدق ٍة ونظامية ُمتزَ متة؛ وبذلك فهي تنزع عن األُمة (المجتمع ال ُم ْس ِلم)‬
‫ج إلى‬ ‫أي مجال للفردانية؛ است ِق ْم في الصف‪ ،‬واتبَ ْع القطيع‪ ،‬وال تَتبّع ال ُملهيات‪ ،‬أما أثناء ال َح ّ ِ‬
‫الكعبة في مكة؛ ت ُ ْنزَ ع األزياء الفردية للجميع‪ ،‬وعلى ال ُح َّجاج ارتداء الزي األبيض البسيط‬
‫المتشابه المو َّحد‪.‬‬

‫أما االستعداد للصالة فهو َكتراتبية الصالة نفسها؛ الخطوة األولى‪ :‬هي الوضوء كنظاف ٍة‬
‫َسل اليدين ثالثًا‪ ،‬ثم َمض َمضة‬
‫طقسية‪ ،‬و ُك ّل خطوة من الوضوء يجب تكرارها ثالث مرات‪ :‬غ ْ‬ ‫َ‬
‫َسل اليدين من المعصمين الى‬ ‫َسل الوج ِه ثالثًا‪ ،‬ثم غ ْ‬‫األنف ثالثًا‪ ،‬ثم غ ْ‬
‫ِ‬ ‫الفم ثالثًا‪ ،‬ثم غ ْ‬
‫َسل‬ ‫ِ‬
‫المرفقين ثالثًا‪ ،‬ثم مسح األذنين ثالثًا‪ ،‬وأخيرا ً غسل القدمين ثالثا‪ً.‬‬

‫َسل‪ ،‬ولذلك ُك ْنتُ أقفز‬


‫ي نحو حوض الغ ْ‬ ‫َكانَت سا َقاي قصيرتان للغاية ؛ كي يمكنها رفع قدم ّ‬
‫لبدء الصالة‪.‬‬ ‫ً‬
‫جاهزا ِ‬ ‫على منضدة حوض الغسيل؛ من أجل الخطوة األخيرة‪ .‬بعد الوضوء تصبح‬
‫وف يكون‬‫س َ‬ ‫أطلقت الري َح) بعدَ الوضوء‪ ،‬ف َ‬
‫َ‬ ‫ت‪،‬‬ ‫ت (فَ َ‬
‫س ْو َ‬ ‫ض َر ْ‬
‫ط َ‬ ‫بْيدَ أنك إن تَبولت‪ ،‬أو تَغوطت‪ ،‬أو َ‬
‫طقس الوضوء من جديد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لزاما ً عليك أن تُعيد ك َّل‬

‫ت الصالة بخطواتها الطقسية التراتبية المحددة بالتفصيل؛ إذ يجب عليك أن تتوجه إلى‬ ‫الحقا ً تأ ِ‬
‫ي إلى القبلة وهي مكة في المملكة العربية السعودية‪ .‬ال يُلزَ م األوالد أن يرتدوا أ ّ‬
‫ي‬ ‫جه ٍة محددة‪ ،‬أ ّ‬
‫ي محد ٍد للصالة؛ لكن على الفتيات تغطية ُك ّل بوصة من أجسادهن بالكامل باستثناء وجوههن‬ ‫ز ّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪22‬‬
‫وأيديهن؛ ُك ْنتُ أكره ارتداء الجوارب لَ ِك َّن هللا ال يقبل صلوات الفتيات ذوات أصابع القدمين‬
‫َّ‬
‫المكشوفة‪ ،‬فهو يَقبلها من األوالد فقط ‪.‬‬

‫َكانَ أخي يَشرع باألذان ؛ مناديا ً للصالة؛ لم َي ُك ْن هنالك داعيًا لذلك؛ بما أننا كنا ُكلّنا موجودين‬
‫صا على أن يص َل صوته الى أبعد‬ ‫في غرفة المعيشة بالفعل‪َ .‬كانَ يُدير رأسه يمنةً‪ ،‬و يسرة حر ً‬
‫مكان ممكن‪.‬‬
‫ٍ‬

‫لصف األول‪ ،‬والفتيات في الصف الخلفي‪ .‬في‬ ‫ِ‬ ‫ف؛ بحيث يكون األوالد في ا‬ ‫ثم كنا نص َ‬
‫ط ُّ‬
‫المسجد الذي كنا نتردد عليه؛ َكانَ يدخل الرجال من البوابة الرئيسية؛ بينما تدخل ال ِنساء من‬
‫بواب ٍة خلفية تحاذي المطبخ‪ ،‬وقرب مقالب القمامة؛ ولقد لَفَت اإلصالحيون ال ُم ْس ِلمون مثل‬
‫مقاال في (الواشنطن‬ ‫(إسراء نعماني) االنتباه إلى مسألة الفصل الجندري في المساجد؛ فلقد كتبت ً‬
‫ذات مرةٍ من األبواب الرئيسية مع والدها؛ وكيف تعرضت هي‪،‬‬ ‫بوست) حو َل دخو ِلها المسجد َ‬
‫ووالدها إلى المضايقة؛ إلى أن غادرت المنطقة‪ ،‬وانضمت إلى ال ِنساء في القبو؛ حيث المكان‬
‫ليس فحسب بإقامة مساجد بال تمييز‪ ،‬وفص ٍل‬ ‫أوروبا‪َ ،‬‬ ‫الذي تنتمي له! تكافح النِساء اآلن في ُ‬
‫ضا بإقامة مساج ٍد تَؤمها نسا ٌء إمامات! هذه بالطبع ليست مساجد دائمة؛‬ ‫جندري فيها؛ بل وأي ً‬
‫حيث تتعبد هؤالء النِساء عموما ً في الكنائس التي يتكرم القَساوسة َكريمي ال ُخلق؛ بفتح أبواب‬
‫الكنائس لهن أيّام الجمعة؛ كي يستطعن الصالة هناك دون خوفٍ من االنتقام‪ ،‬أو التنكيل؛هن لسن‬
‫هن يت َحدين الفصل الجندري ‪ -‬المقبول على نحو واسع‪ ،‬وعام في‬ ‫إال عددًا ً‬
‫قليال من ال ِنساء؛ لَ ِكنَّ َّ‬
‫اإلسالم‪ . -‬إنهن يُ َغ ِيّ ْرنَ مكان العبادة أسبوعيًّا؛ تفاديًا‪ ،‬وخوفًا من هجمات المتطرفين الذين‬
‫ت أخرى من ال ُم ْس ِلمين؛ الذين‬ ‫مردهن؛ كما توجد مجموعا ٍ‬ ‫يرسلون إليهن رسائ َل تهديدٍ؛ بسبب تَ ُ‬
‫المثليين‪ ،‬وأصحاب الميول الجنسية‬ ‫يَتَحدّون المتطرفين؛ عبر إقامة مساجد تسمح للمصلين من ْ‬
‫المثليين‪ ،‬وأصحاب الميول الجنسية المختلفة‬ ‫المختلفة بالدخول فيها‪ ،‬و َحتّى قبول أئم ٍة من ْ‬
‫عم من ُك ّل قلبي؛ ال ُم ْس ِلمين المنفتحين لقبولهم ُك ّل‬ ‫(‪ LGBT‬مجتمع‪ ،‬أو مجتمع الميم)! إني أد َ‬
‫الناس ‪ ،‬والمساواة بينهم ‪،‬وكذلك الذين يعارضون التمييز‪.‬‬

‫ضا معًا؛ وإذا تطلَّ َ‬


‫ب األ َ ْمر أن‬ ‫صلّيْن أي ً‬
‫صلّي الرجا ُل عموما ً معًا بمعز ٍل عن ال ِنساء الالتي يُ َ‬
‫يُ َ‬
‫الصفوف األولى‪َ ،‬و ِمن ورا ِئهم‬
‫ِ‬ ‫صلّي الرجال في‬ ‫يكون الجنسان في نفس المكان‪ ،‬فيجب أن يُ َ‬
‫طف النِساء في العادة ‪ ،‬مع حاجز من نوعٍ ما؛ يفصل بين المجموعتين؛ وفي مجموعتي‬ ‫تَص َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪23‬‬
‫تتالمس أكتافهم ‪ ،‬وأقدامهم ؛‬
‫ُ‬ ‫صلون متالصقين؛ بحيث‬
‫طف ال ُم َ‬‫صفوف الجنسين المنفصلة‪ ،‬يَص ُ‬
‫كي ال يتم ّكن الشيطان من الدخول بينهم‪.‬‬

‫درك (اليمنى؛ فوق‬ ‫ص ِ‬


‫ويداك على َ‬ ‫َ‬ ‫تقف ً‬
‫أوال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ت محددة‪:‬‬ ‫سا‪ ،‬وإجراءا ٍ‬ ‫تت َّ ِب ُع الصالة ُ طقو ً‬
‫اليسرى) ‪ ،‬ثم تتلو سورة ً محددة ً في هذه الوضعية؛ (الفاتحة‪ ،‬ومعها سورة‪ ،‬أو ٌ‬
‫‪1‬‬
‫نص قرآني آخر‬
‫ثالث مراتٍ؛‬‫ُ‬ ‫صا تسبي ًحيا آخَر‬‫في أو ِل ركعتين)‪ ،‬ثم تض ُع يديك على ركبتيك (تركع)؛ وتتلو ن ًّ‬
‫ت محددةٍ ثالثًا؛‬
‫ي العظيم)‪ ،‬ثم تستقيم‪ ،‬ثم تسجد بوجهك نحو األرض‪ ،‬و تُغَم ِغم بكلما ٍ‬ ‫سبحانَ َرب َّ‬ ‫( ُ‬
‫رب المالئك ِة‪ ،‬والروح ‪-‬‬ ‫ي األعلى‪ ،‬أو أدعية‪ ،‬وتسابيح أخرى مثل‪ :‬سبوح سبوح؛ ُ‬ ‫سبحانَ َرب َّ‬ ‫( ُ‬
‫وهو أقل شهرة‪ ،)-‬ثم تَس ُجد بوجهك مرة ً أخرى؛ هذه العملية تُس َّمى الركعة األولى‪ ،‬ثم تقوم‪،‬‬
‫س الحركات؛ فيما يسمى بالركع ِة الثانية‪ ،‬وبعد سجدتي ك ٍّل من الركعة‬ ‫وتقف مستقي ًما‪ ،‬وتكرر َن ْف َ‬ ‫ُ‬
‫َص التش ُّهد؛ يتراوح طول‬ ‫الثانية‪ ،‬والرابعة ‪-‬أو الثالثة في صالة المغرب‪ -‬؛ تجلس لترديد ن َ‬
‫إثر ُك ّل صالة؛ هنالك صالة‪ ،‬أو صلوات؛‬ ‫الصلوات بين َركعتين‪ ،‬وثالث‪ ،‬وأربع ركعاتٍ‪ ،‬وعلى ِ‬
‫قيل لي أنها اختيارية (سنة) ِبيدَ أَنّي لَ ْم أ ُكن البتة ُمخَيرة ً فيها‪.‬‬

‫ت في اليوم‪ ،‬وفي ُك ّل صالة‪ ،‬و ُك ّل ركعة؛ ت ُ َّ‬


‫كرر‪،‬‬ ‫َمس مرا ٍ‬
‫قس؛ خ ُ‬ ‫ط ْ‬‫يجب تكرار كامل هذا ال َ‬
‫يٍ‬
‫ف قط في صغري معنى أ ّ‬ ‫ق في ذهني‪ .‬لَ ْم ِ‬
‫أعر ْ‬ ‫دق كالمطار ِ‬ ‫وتُرتَّل ن ْ‬
‫َفس الكلمات؛ التي َكانَت ت َ ُّ‬
‫من تلك الكلمات‪ ،‬التي ُك ْنتُ أكررها عشرينَ مرةٍ على األقل في اليوم؛ لَ ْم ن ُكن أبدًا نناقش‬
‫تفكير فيها‪ ،2‬ولَ ْم َي ُك ْن التساؤل‬
‫ٍ‬ ‫معانيها؛ هي توجد فقط كي نكررها بال توقُّف؛ َحتّى الغثيان؛ دون‬
‫ب‪ ،‬والتوبيخ‪.‬‬‫يؤدي إال إلى الغض ِ‬

‫اليوم في الصالة‪ ،‬فإن الشك وجدَ طريقَه إلى فكري؛ تمنيتُ لو‬
‫ِ‬ ‫بالرغم ِمن أنّي قضيتُ ُم َ‬
‫عظم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫كانَ بإمكاني ْ‬
‫أن أخضع(أ ْس ِل َم)‪ ،‬وينتهي األمر؛ فهذا في النهاية هو معنى اإلسالم الحقيقي؛‬

‫واجبا‪ ،‬لما روي زف صحيح‬ ‫ً‬ ‫يعتته أهل السنة والجماعة‬ ‫ز‬
‫اليمن عىل الشمال بالصالة‪ ،‬ر‬ ‫‪ 1‬التكتف زف الصالة أو القبض وهو وضع اليد‬
‫َ‬
‫اليمن عىل اليشى»‪ .‬وقد ذهب الشيعة إىل حرمته وبطالن الصالة به ‪ ،‬فن ُصوصهم‬ ‫ز‬ ‫ُم ْس ِلم‪« :‬وكان صىل هللا عليه وسلم يضع يده‬
‫تحرمه وتقول ببطالن الصالة به‪ -‬المتجم ‪.‬‬
‫و"ناطقي بالعربية"؛ بسبب سوء التعليم زف معظم أفراد شعوب هم ال يفهمون كالم العربية‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫"عربا"‪،‬‬ ‫ي ممن يسمون‬ ‫بي ال ُم ْس ِلم ز‬‫‪2‬ح ّن ز‬
‫كأنها لغة غريبة عنهم؛ العتمادهم عىل لهجات عامية نتاج عصور متطاولة من الجهل‪ ،‬ورداءة التعليم‪ ،‬والفقر‪ ،‬واإلفقار لشعوبنا‬
‫العتقاد زف نيل األجر ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫والشقية‪ ،‬وأغلبهم يقرؤون القرآن ال لفهم‪ ،‬وتفكر‪ ،‬ودراسة زف معانيه؛ بل مجرد ترديد طقس تعبدي‬ ‫العربية‪ ،‬ر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫يعن ال يختلف عن ترديد الهندوس لنص ڤيدي سنسكرين‪ ،‬بدون أي فهم تقريبا لمعظم الكالم‪ ،‬رغم أنهم عرب كما يفتض!‪-‬‬ ‫والثواب‪ ،‬ز‬
‫المتجم‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪24‬‬
‫فال ُم ْس ِلمون الحقيقيون؛ ال َيت َمردوا‪ ،‬وال يُقاوموا‪ ،‬ويستسلمون؛ خاضعين لإلسمنت الذي يُج ّمد ُهم‬
‫يجف رويدًا رويدًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في أما ِك ِنهم ؛ وهو‬

‫كيف لي أن أكون‬ ‫ف قط عن المقاومة‪َ ،‬ل ِكنّي امتألتُ آنذاك ِب ُكره الذات نتيجةً لذلك؛ إذ َ‬ ‫َل ْم أَتو َق ْ‬
‫ضع فقط؟ لَ ْم َيبد ُ لي أن أخي‪ ،‬وأختي َكانَت لهما أ ّ‬
‫ي‬ ‫ُم ْس ِلمة حقيقية إذا لَ ْم أستسلَ ْم(أُس ِلم)‪ ،‬وأخ َ‬
‫صمتني أ ُ ّمي بلقب‬
‫ي حال؛ بسبب سلوكي هذا َو َ‬ ‫مشاكل؛ ليست المشاكل التي َحدثاني عنها على أ ّ‬
‫أن الشيطان هو الذي َيجعلُني أتساءل‪.‬‬‫"الناشزة‪ ،‬أو مس ِبّبة العار للعائلة"؛ َكانَت تقول َّ‬

‫حوارا‬
‫ً‬ ‫كلما َك ِب ْرتُ ؛ غَدت األسئلة أكثر استعصا ًء على اإلجابة؛ أَتَذكر على وج ِه الخصوص‬
‫سن المراهقة‪ ،‬مع أ ُ ّمي‪ ،‬والذي يكشف عن الكثير‪:‬‬
‫لي في ِ‬

‫متجاوزا الخمسين عا ًما‪ ،‬ويتزوج من ابن ِة ست سنوات؟"‬ ‫ً‬ ‫"كيف له أن يكون عمره‬
‫"وما المشكلة؟ أتَظني أننا نعلم أكثر من رسول هللا؟ ؛ ومن أنتِ؛ كي تُش ّككي في أفعاله؟"‬
‫"هل َكانَ بيدوفيليًّا [محبًّا لألطفال؟؟"‬
‫نس معها إال عندما صارت إمرأة؛ عندما جاءتها دورتها‬ ‫الج َ‬
‫ُمارس ِ‬‫ْ‬ ‫"ال!؛ بالتأكيد ال!؛ إنه لَ ْم ي‬
‫يفعل إال األشياء األخرى؛ إلعدادها؛ كي تجد الراحة النفسية‬ ‫ْ‬ ‫الشهرية األولى؛ أما قب َل ذلك‪ ،‬فلَ ْم‬
‫معه عندما يأتي اليوم‪ .‬سبحان هللا! رسول هللا َكانَ دائ ًما رحي ًما‪ ،‬ومراعيًا هكذا"‪.‬‬
‫"أوه‪ ،‬إذن فقد َكانَت بالغةً ُمكتملةَ النمو؟"‬
‫"نعم‪ .‬في نظر هللا َكانَت مكتملة النمو؛ تصيرين إمرأة عندما تأتيك عادتك الشهرية األولى‪،‬‬
‫س َجل خطاياك"‪.‬‬ ‫سبة؛ أنت طفلة قبل ذلك‪ ،‬وال ت ُ َ‬ ‫وعندئذ تصيرين مكلفةً محا َ‬
‫عمرها إذن؟"‬
‫ُ‬ ‫"كم َكانَ‬
‫ذات تسع سنوات"‪.‬‬ ‫" َكانَت َ‬
‫"تسعة؟ ال يمكن اعتبارها إمرأة!" صرخت بقوة عند ذلك‪.‬‬

‫ت مليئةً بالقَرف‪ ،‬وال ُكره‪،‬‬ ‫ردت أ ُ ّمي على تساؤالتي ال ُم ِلحة بصفع ٍة على وجهي؛ مشفوعةً بكلما ٍ‬
‫ويوسوس لي‬
‫ُ‬ ‫صار يس ُكن عقلي‪،‬‬‫َ‬ ‫مصدر أسئلتي‪ ،‬وتَشكيكي؛ هو الشيطان الذي‬
‫َ‬ ‫مع تذكيرا ٍ‬
‫ت أن‬
‫بهذ ِه األفكار؛ وأن الشيطان أقوى مني‪ ،‬وأَنّي ال أستطيع مقاومته‪ .‬حاولتُ ابتال َ‬
‫ع أسئلتي؛ َل ِكنّي لَ ْم‬
‫أخاف للغاية َحتّى التساؤ َل‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫أ ُك ْن أستطيع من َع نفسي أحيانًا‪ ،‬وعندما احتدمت المعركة؛ صرت‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪25‬‬
‫سيُعاقبني لش ّكي فيه‪،‬‬
‫التشكيك في األمور داخل عقلي؛ بيني‪ ،‬ونفسي؛ ألن هللا سيعلم أفكاري‪ ،‬و َ‬
‫ضع ْفي؛ بسبب تأثير‬‫ي؛ َكانَ يُعت َبر من َ‬‫فك ُل شيءٍ ايجابي؛ َكانَ يُعتبَر من هللا‪ ،‬وك ُل شيءٍ سلب ّ‬
‫ي‪ .‬لَ ْم أشعر يو ًما أَنّي أتملَّكُ حياتي‪ ،‬وأتح ّك ُم فيها‪.‬‬
‫الشيطان عل ّ‬

‫تفكيرا ُمتش ِ ّك ًكا‪ ،‬ونَقديًّا طبيعيًّا‪.‬‬


‫ً‬ ‫الشيطان هو السبب؛ بل قَد َكانَ‬
‫ُ‬ ‫بالتأكيد لَ ْم يَكن‬

‫ت التي واجهتني في ترك اإلسالم‪ :‬اتخاذ القرارات‪ ،‬واإلصغاء الى‬ ‫هذه إحدى أصعب العقبا ِ‬
‫ي اآلن‬ ‫عل َّ‬
‫صار ِلزا ًما َ‬
‫َ‬ ‫بانتظام في الماضي؛‬ ‫ٍ‬ ‫الداخلي؛ الذي لطالما قُ ِم َع وأ ُ ْس ِك َ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫أفكاري‪ ،‬وصوتي‬
‫أستحض َر تلك األفكار‪ ،‬وأن أتعلم اإلصغا َء إلى نفسي‪ ،‬وأ ِثقَ فيها‪ .‬لَ ْم َيت ْم تَعليمي أن أفكر؛ بل‬ ‫ِ‬ ‫أن‬
‫كانَ يتم النَهي عن التفكير؛ وفي الحقيقة َكانَ التفكير ُمعاقَباً؛ ت َ َّم تَعليمي أن أُنفذ األوامر كما أُؤْ َمر‬
‫ضا بدقة؛ لَ ْم ت َ ُكن قراراتي بيدي‪ :‬بِد ًء من كيفية‬ ‫ط ًرا؛ َمفرو ً‬ ‫س َّ‬
‫بها‪ ،‬وكانَ ك ُل جزءٍ من حياتي ُم َ‬
‫ظافري؛ إلى كيفية انتعال ِحذائي ‪ -‬وما بينها‬ ‫استخدام الحمام؛ وكيفية شرب الماء؛ وكيفية َقص أ َ‬
‫من ُك ّل شيء‪-‬؛ ُكل هذا كانَ ُمحدَّدًا بعناية‪ ،‬فلَ ْم أ ُك ْن أكثر من ُمجرد وعاء لنقل رسالة هللا‪ ،‬و ‪-‬كما‬
‫َكانَ يُؤْ َم ُل وي ُْر َجى‪ -‬تكريس حياتي لهذا ال َمس َعى؛ تلك هي حياة ال ُم ْس ِلم(ة) المثالية بال ِزيادة‪ ،‬وال‬
‫نُقصان‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪26‬‬
‫اإلخضاع ‪1‬‬
‫ي خَرسانة‬ ‫ما ُك ْنت يو ًما قانعةً؛أو سعيدة ً بالدور المرسوم لي‪ .‬تَذ ّكرتُ زمنًا؛ ُك ْنتُ فيه ُحرة ً من أ ّ‬
‫الر ُج ُل الفظي ُع َحياتَنا‪ ،‬وهكذا وجدت نفسي أُصارع ُك َّل طبق ٍة من‬ ‫ُمك ِبّلة؛ قبل أن يدخل ذلك َ‬
‫سبقت ُمقابلة أ ُ ّمي إياه‪ ،‬واعتناقِها‬ ‫صبُّ علي؛ أَتَذَ َّكر السنوات التي َ‬ ‫نت؛تلك التي َكانَت ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫اإلس َم‬
‫شعرها‪ ،‬وتَصف ُك ّل شيءٍ بأنه حرام؛ أَتَذَ َّكر أَنّي‬ ‫َ‬ ‫اإلسالم األصولي ال ُمتطرف‪ ،‬فبدأت تُغطي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي االستيقاظُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫سا في السباحة‪ ،‬وألعب في الحديقة العامة؛ أتَذَكر كيف أنه ل ْم ي ُكن عل َّ‬ ‫ّ‬
‫ُك ْنتُ أتَلقى درو ً‬
‫كيف كانَ َمسمو ًحا لي اللعب بد ُمى باربي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سجادةٍ وأغَم ِغ ُم لها؛ أَتَذَ َّكر‬‫غ جبهتي في َ‬ ‫فجرا؛ كي أ ُ ّ‬
‫مر َ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫صتي‪ ،‬واللعب مع أطفال الجيران غير ال ُم ْس ِلمين؛ أتَذَ َّكر االحتفال بأعيا ِد الميالد‪ ،‬والسباحة‪،‬‬ ‫خا َّ‬
‫ار َحرا ًما حينذاك‪.‬‬
‫ص َ‬ ‫وأكل بسكويت أوريو؛ ك ُّل تلك األمور‪ ،‬وغيرها الكثير َ‬

‫صر‪-‬‬‫ت مثل هذه التربية في ِم ْ‬‫هذا على الرغم من أنّي ُك ْنتُ أعيش في كندا‪ -‬لَ ْم ت َ ُك ْن أ ُ ّمي قد ُر ِبّيَ ْ‬
‫باألبيض واألسود؛ َكانَت أ ُ ّمي في الصورة‬‫ِ‬ ‫ي التي َكانَت‬ ‫ُك ْنتُ أحدق بحسد في صور زواج وا ِلدَ َّ‬
‫شعرها على شكل كعكة‪ ،‬و َكانَت‬ ‫َ‬ ‫ترتدي فُستانَ زفافٍ كاشفٍ من عند الركبتين‪ ،‬و َكانَت ترب ُ‬
‫ط‬
‫تستعمل مكيا ًجا صاخبًا حول عينيها‪ ،‬وتضع رمشين صناعيين كبيرين حادين؛و في ُك ّل الصور‬
‫رقص شرقي؛ جميلةٌ‪ ،‬وأنيقة‪ُ .‬ك ْنتُ أحدق في صور الزفاف تلك فيَص ِد ُمني‬ ‫ٍ‬ ‫تقريبًا تُرى راقصةَ‬
‫الفرق التام بين العالم الذي أتت منه‪ ،‬والعالم الذي آلت إليه‪.‬‬

‫الكثير للغاية من األشياء في تلك الصور َكانَ حرا ًما‪ ،‬فقد َكانَت ساقا أ ُ ّمي عاريتين؛ وفستانها‬
‫ضيقًا؛ واألكمام تنتهي عند مرفقيها‪ 3‬؛وتضع مكيا ًجا؛ و شعرها مكشوفًا‪َ ،‬حتّى طريقة ربطها‬
‫خمر‪ ،‬وغناء‪ ،‬وموسيقى‪ ،‬ورقص؛‬ ‫ٌ‬ ‫شعرها على شكل كعكة َكانَت حراما في اإلسالم‪َ .‬كانَ هناك‬ ‫َ‬
‫و ُك ّل هذه األشياء حرا ٌم في اإلسالم‪.‬‬

‫بل لع َّل أ ُ ّمي لَ ْم تسمع على األرجح كلمة حرام قط في تربيتها؛ لقد عاشت حياة ً رائعة؛ َفعَ ُّم أبيها‬
‫صر وبالتالي كانوا فاحشي الثراء‪ ،‬وذوي نفوذ؛ لقد َكانَ َجدّي ُمتزو ًجا وله‬ ‫رئيس ِلم ْ‬
‫ٍ‬ ‫َكانَ أو َل‬
‫هرتَه الجديدة؛‬ ‫فقرر رغم ذلك أن يَستغ َّل ُ‬
‫ش َ‬ ‫َ‬ ‫صر‪،‬‬
‫ع َمه أقوى رج ٍل في ِم ْ‬
‫صار َ‬
‫َ‬ ‫ثالثةُ أطفا ٍل؛ عندما‬
‫لر ُجل كبير السن‬ ‫كي َيجدَ لنفسِه زوجةً بيضا َء البشرة؛ َكانَ يريدُ هذه الزوجة الشابة‪ -‬الغنيمة َ‬
‫‪ 3‬المرفق‪ :‬الكوع‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪27‬‬
‫أوروبية؛ ِبشرط أن تكون من أتباع الدّيْن المالئم‪ ،‬لذلك َحص َل‬ ‫لون‪ ،‬ومالمح ُ‬
‫ذات ٍ‬ ‫ثري ٍ مثله‪َ -‬‬
‫لنف ِس ِه على فتاةٍ شابةً تركية؛ كي تصب َح زوجةً ثانيةً له ‪-‬مع زوجتِه األولى‪.-‬‬

‫سخاءٍ على جهودِها؛‬ ‫صر‪-‬؛ َل ِك ّنها ُكوفئت ب َ‬


‫لَم تَ ُك ْن َجدَّتي تتكل ُم العربية‪-‬عندما َوصلت الى ِم ْ‬
‫وشرعت تَلد ُ له األبنا َء؛ الواحدَ ِت َلو اآلخر‪ -‬سبعةُ أبناءٍ‬ ‫َ‬ ‫صر ضخم؛ يَع ُج بالخدم‪،‬‬ ‫فانتقلت إلى قَ ٍ‬
‫تحديدا ً‪.-‬‬
‫ع ُّم َجدّي َر ُجالً منبوذاً؛ بحيث ت َّم َوضعُه َقيدَ اإلقام ِة‬‫حينَ تولَّى عبد الناصر السلطة؛ وغَدا َ‬
‫الجبرية في منزله‪ُ ،‬ك ّل هذا َكانَ ِحمالً َكبيرا ً للغاية على كاه ِل َجدّي؛ فقد َكانَ مسحوقًا بالفعل‬
‫عشرةِ أبناءٍ ‪ ،‬وزوجتين؛ فانتقل إلى المملكة العربية السعودية‪ ،‬ولقد‬ ‫بء اإلنفاق على َ‬ ‫تحت ِع ِ‬‫َ‬
‫األمر ذَريعةً للتخلص من ُك ّل‬ ‫َ‬ ‫ب؛ أنه َل ْم َي ُك ْن ُمحتا ًجا إلى المغادرة‪ ،‬وإنما ات َّخذ‬ ‫سمعتُ من أقار ٍ‬
‫عيش وحيدًا‬ ‫مسؤولياته العائلية‪ ،‬ومن هنالك كانَ يُرسل النقودَ الى عائلتيه‪ ،‬و بالطبع لَ ْم َي ُك ْن ليَ َ‬
‫هناك‪ ،‬فتزوج مرة ً ثالثة‪.‬‬

‫أن أ ُ ّمي َكانَت المفضلة لَدَيه بين‬


‫لَ ِكنَّه لَ ْم يُهاجر قبل دُخو ُل أ ُ ّمي الجامعة؛ إذ لَ ْم يَ ُك ْن من شَكٍ ؛ َّ‬
‫بنيه‪ ،‬إذ بما أنها َكانَت األولى بين سبعٍ من بنيه؛ َكانَت هي‪ ،‬وأُختها التوأم الوحيدتين اللتين‬
‫نل ِمثل هذا الحظ بقيةَ أبنائه‪ ،‬إذ بالكاد َيتَذكر بع ُ‬
‫ضهم وا ِلدَهم‪َ .‬كانَت لَدَيها‬ ‫عرعتا معه‪ ،‬ولَ ْم َي ْ‬ ‫تر َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ي شيءٍ بنفسها‪َ .‬كانَت النكتة ‪-‬الحقيقية‬ ‫لتقوم بأ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مربيات‪ ،‬وخادمات ِطوال حياتها‪ ،‬ول ْم تَكن‬
‫عرف َحتّى كيف تَغلي الماء؛ لقد دخلت مدارس‬ ‫الواقعية‪ -‬أنها عندما تزوجت أبي؛ لَ ْم تَ ُك ْن تَ ِ‬
‫الناس علمانيين أكثر بكثير مما هم‬ ‫ُ‬ ‫صر َكانَ‬‫كاثوليكية خاصة باهظةَ الثمن؛ ففي ذلك الوقت في ِم ْ‬
‫عليه اآلن‪َ .‬كانَ هذا قب َل بُزوغ نَجم اإلخوان ال ُم ْس ِلمون‪.‬‬

‫صلّون في كنائِسِهم‪ ،‬و َحتّى‬ ‫صر ‪-‬لألسف‪ -‬بالمئات وهم يُ َ‬ ‫في هذا العصر يُ ْقتَ ُل َمسيحيو ِم ْ‬
‫صر‪،‬‬ ‫ال ُم ْس ِلمون‪ -‬الذين يرى المتطرفون من السنة أن إسالمهم ناقص؛ كالصوفية ‪ -‬يُقتَلونَ في ِم ْ‬
‫صر‪-‬‬ ‫ق األوسط‪ ،‬وشمال أفريقيا‪ -‬بما في ذلك ِم ْ‬ ‫صار ُك ّل الشر ِ‬
‫َ‬ ‫جوامعهم؛ لقد‬
‫ِ‬ ‫صلّون في‬
‫وهم يُ َ‬
‫ضا؛ إنهم ال‬ ‫أكثر تطرفًا‪ ،‬وأخذَ هؤالء المتطرفون بالتسرب إلى أوروبا‪ ،‬وأمريكا الشَمالية أي ً‬ ‫َ‬
‫متطرف؛ ُمسل ًما أحمديًّا؛‬
‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫يتسامحون َحتّى مع طوائف ال ُم ْس ِلمين األخرى؛ لقد قَت َل ُمسل ٌم ُ‬
‫سن ٌّ‬
‫صاحب مح ٍل في المملكة المتحدة (بريطانيا)؛ فقط ألنه تَمنَّى لزبائِن ِه؛ عيدَ فصحٍ سعيد‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫َ‬
‫سنةُ؛ هم غالبيةُ ال ُم ْس ِلمين (‪ 90‬بالمئة)‪ ،‬بينما يُمثّل الشيعةُ بطوائِفهم؛ ثاني أكبر الطوائف (قُرابةَ‬ ‫ال ُ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ 10‬بالمئة)؛ بينما ال تُمثل بقية الطوائف ُمجتمعة َحتّى (‪1‬بالمئة)؛ حينَ أتحدث عن ال ُم ْس ِلمين في‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪28‬‬
‫إن هذه تجربتي الشخصية‪ .‬في‬ ‫ُ‬
‫حيث َّ‬ ‫سنيّة؛‬
‫صد الغالبية العظمى ال ُ‬‫هذا الكتاب عمو ًما؛ فإنما أنا أق ُ‬
‫سهم ك ُم ْس ِلمين على نحو حر‪ ،‬ولَ ْم يكونوا يأخذون الدّينَ‬‫ُعرفون أنف َ‬
‫الناس ي ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫زمن شباب أ ّمي َكانَ‬
‫الناس َيشربون الخَمر‪ ،‬و َكانَ اإلسالم‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫بجدي ٍة للغاية؛ لَ ْم ت َ ُك ْن ال ِنساء َيلبسنَ الحجاب‪ ،‬و َكانَ‬
‫ديانة تُتَّبَع دونَ تَز ُّمت؛ تما ًما كما هو األمر بالنسبة الى أغلب المسيحيين اليوم؛ لكن الوضع تغيَّر‬
‫جذريًّا‪.‬‬

‫سنى أل ُ ّمي أن تعيش حياة ً باهيةً؛ بينما أُر ِغمتُ أنا على دراسة سور من‬ ‫ُك ْنتُ غاضبةً ألنه قد تَ َّ‬
‫ب الدراجة خَوفًا ِمن أن أف ِقدَ عذريتي‪ ،‬أو أن أتعلّم السباحة؛ أل َّن‬ ‫القرآن‪ ،‬و لَ ْم يُس َم ْح لي بركو ِ‬
‫بنفس الحريات التي َكانَت‬ ‫ِ‬ ‫الكثير من الجسم؛ لماذا ل ْم ت ُ ِر ْد لي أن أتَمتَّع‬
‫َ‬ ‫تكشف‬
‫ُ‬ ‫مالبس السباحة‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هي قد َحصلت عليها؟ لقد كانَ لها أصدقا ٌء َمسيحيون؛ بينما ل ْم يَكن يُس َمح لي َحتى بالل ِعب مع‬
‫ق المجاورة؛ ألنَّ ُهما َكانَتا كافرتين‪َ -‬كانَتا يو ًما بعد يوم‬ ‫ي تشيلسي‪ ،‬وليندسي من الشق ِ‬ ‫صديقت ّ‬
‫تطرقان باب شقتنا‪:-‬‬

‫"هل يمكن أن ندخل‪ِ ،‬لنَلعب مع ياسمين؟"‬


‫ي راجيةً أن‬
‫أفركُ يدَ َّ‬ ‫"ال؛ ليس اآلن"‪َ ،‬كانَت أ ُ ّمي تجيب؛ بينما ُك ْنتُ أقف في ِروا ِ‬
‫ق الشقة ُ‬
‫تل ِينَ ‪.‬‬
‫ت إلى دارنا؟"‬ ‫"هل لها أن تأ ِ‬
‫"ال؛ هي مشغولةٌ اآلن"‪.‬‬
‫"لستُ مشغولة!" ُك ْنتُ أقول بصوت طفولي‪.‬‬
‫"أدخلي غرفتك!"‬

‫تلك القُنبُلة‬ ‫كثيرا ما تساءلت؛ كم ُك ْنتُ سأكون مختلفةً؛ لو لَم ت ُ َح َّ‬


‫طم حياتَنا بدخول؛ وانفجار َ‬ ‫ً‬
‫الذرية داخ َل بيتنا‪.‬‬

‫الر ُج ُل الذي اتَّخذَ أُمي زوجةً ثانية؛ "ال َعم" ُمنير؛ لقد َكانَ دُ ُخوله‬‫َكانَت تلك القُنبُلة؛ هي ذلك َ‬
‫تغير اتجاه الريح‪ ،‬بل تواجدَ‬ ‫إنذارا؛ ولَ ْم يَ ْ‬
‫ً‬ ‫س ِمعنا‬
‫األرض؛ وال َ‬
‫ُ‬ ‫رتعش‬
‫ْ‬ ‫انفجارا؛ لَ ْم ت َ‬
‫ً‬ ‫في حياتِنا؛ ً‬
‫فعال‬
‫تحم حياتَنا‪،‬‬ ‫(عدو للمجتمع؛ ُمعتَّل اجتماعيًّا) عنيف؛ اقَ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ي سوسيوباتي‬ ‫مريض نَفس ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫هناك فجأة؛‬
‫بتلك اللحية الشَعثاء‪ ،‬و يديه الث َ ِفنَتين قاسيتي الجلد‪ -‬وكأنَّه يملكه‪ ،‬لَ ْم ي ُك ْن‬ ‫ومزقها؛ دخل بيتنَا‪َ -‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪29‬‬
‫أر ُجل سريري‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن أدري أن أ ُ ّمي زوجة ثانية‪.‬‬ ‫يتفاعل معي أبدًا؛ اال إذا َكانَ ِلتوثيق قدم َّ‬
‫ي في َ‬
‫ع ّم"‪ ،‬و َكانَت له زوجته وأطفاله‪ ،‬ولَ ْم تكشف لي أ ُ ّمي الحقيقة؛ اال عندما صرت في‬ ‫كنا نناديه " َ‬
‫ُ‬
‫مخالف للقانون في كندا الديمقراطية الليبرالية؛ ولذلك لَ ْم ت َ ُك ْن أمي‬ ‫ٌ‬ ‫الجامعة؛ فتعد ُد الزوجات‬
‫تأتمننا‪ -‬ونحن أطفال ‪ -‬على معلوم ٍة بمث ِل هذه الخطورة؛ بْيدَ أنها لم تَ ُك ْن تعرف أن حكو َمتنا‬ ‫ِل ِ‬
‫َض الطرف عن ال ُم ْس ِلمين ُمعددي الزوجات؛ ماليين الدوالرات من األموا ِل الحكومية‬ ‫اعتادت غ َ‬
‫قادرا على إعال ِة ُك ّل‬‫ً‬ ‫يخرق القانون؛ إذا لَ ْم َي ُك ْن َر ُج ٌل‬
‫ُ‬ ‫الر ُجل الذي‬
‫لدعم أمثال هذا َ‬ ‫ِ‬ ‫َكانَت تذهب‬
‫زوجاتِه ‪ ،‬فإنه يجعلهن يتقدَ ْمنَ بطلب إعان ٍة اجتماعية؛ على اعتبار أنهن أمهات عازبات؛ وها‬
‫ت؛ وبما أن أ ُ ّمي َكانَت زوجته دينيًّا وليس قانونيًّا‪ ،‬فقد َكانَت إحدى أولئك‬ ‫هي المشكلة قد ُحلَّ ْ‬
‫تغض‬
‫ُ‬ ‫النِساء‪ ،‬ف َكانَت قادرة ً على الحصول على إعانة اجتماعية بصفة ٍأم عازبة‪ ،‬و َكانَت الدولة‬
‫ضربًا من ضروب‬ ‫الر ُجل؛ ألن التدَّخل في األمر َكانَ لَيُعتَبر َ‬ ‫الطرف عن أنها متزوجة من هذا َ‬
‫العنصرية أو‪ ،‬شيئًا من هذا القبيل‪.‬‬

‫على الرغم من أنه َكانَ زو ُج أ ُ ّمي( ‪ )stepfather‬؛ ّإال أَنّي لَ ْم أنادِه بهذه الصفة أبدًا (صفة‬
‫ب‪ ،‬وابنته؛ لقد َكانَ فقط‬ ‫عالقةً كتلك التي بين األ ِ‬‫األب االعتباري)‪ ،‬ولَ ْم تَ ُك ْن بيننا يو ًما قَط؛ َ‬
‫حين آلخر مع أ ُ ِمنا‪.‬‬
‫الجنس من ٍ‬‫َ‬ ‫يمارس‬
‫ُ‬ ‫ضربُنا؛ و ‪ -‬كما عرفت الحقا‪-‬‬ ‫الر ُج ُل الذي يَ ِ‬
‫َ‬

‫ُك ْنتُ أعود أحيانًا من المدرسة فأجده في بي ِتنا‪.‬‬


‫رب‬
‫ض ُ‬‫الغرض الوحيدُ من زيارا ِته؛ هو َ‬
‫ُ‬ ‫"ما الذي فَ َعلتُه؟"‪ُ -‬ك ْنتُ أقول‪ -‬؛ إ ْذ بحدو ِد معرفتي؛ َكانَ‬
‫أحد ُنا‪.‬‬
‫ف َكانَت أُمي تَردُّ ناهرة ً لي‪" :‬ال شيء؛ اذهبي‪ ،‬والعبي في غرف ِتك فقط‪".‬‬

‫غرف ِة االستحمام؛ لَ ْم أكترث‪ ،‬إذ آنذاك ُكنا أنا‪،‬‬ ‫سمعتُهما معًا في ُ‬ ‫مرة ً ذهبتُ الستعما ِل الحمام؛ ف َ‬
‫وأمام زوجتِه (أُمي)‪-‬ولسب ٍ‬
‫ب ال أتَذ َّك َره ‪ -‬زَ َّل‬ ‫َ‬ ‫ضا نَستح ُّم معًا في ذلك الوقت‪ ،‬الحقًا؛‬ ‫وأخي أي ً‬
‫األمر بشدة؛‬‫َ‬ ‫غرف ِة االستحمام‪ ،‬فأن َك َر هو‪ ،‬وأ ُ ّمي‬ ‫ِلساني بذِكر؛ أنَّ ُهما َكانَا معًا في ُ‬
‫قائلَين‪" :‬ماذا؟ هذا َ‬
‫ليس صحي ًحا!"‬
‫صرين ‪-‬‬ ‫ظال ُم َّ‬ ‫سمعتُكما كال ُكما بداخله‪ِ ".‬بيدَ أنَّ ُهما ّ‬ ‫أصررتُ قائلةً‪" :‬بلى؛ لقد ُكنتما معًا‪ ،‬وقد َ‬
‫غير قاب ٍل للتفسير‪ -‬على أنّي ُك ْنتُ أتوهَم‪ ،‬ولَ ْم أفه ْم لماذا‪.‬‬ ‫على نح ٍو َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪30‬‬
‫صرين على‬ ‫ظنها قادرة ً على ذلك‪ ،‬وظال ُم َّ‬ ‫أن أ َمك تكذب؛ لَ ْم أ َ ُك ْن أ ُ‬
‫أن تعلم َّ‬‫شعور غريب؛ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫إنَّه لَ‬
‫ي ُمخطئةٌ‪ ،‬وأتو َّهم‪ ،‬وفي نهاي ِة األمر؛ وجدت نفسي أوافِقُها؛ رغم أن ذلك َكانَ يُناقض ما َكانَ‬ ‫أَنّ ّ‬
‫عكسِه‪ ،‬و َكانَ علي‬‫أسمع ما سمعت؛ ألنها قالت ما هو ِبخال ِفه و َ‬ ‫ْ‬ ‫رأيت‪ ،‬ولَ ْم‬
‫ْ‬ ‫أر ما‬ ‫ً‬
‫ماثال أمامي؛ لَ ْم َ‬
‫ضختُ في‬ ‫أكثر من نفسي؛ لذلك ر َ‬ ‫أن أُصدّقَها؛ إذ أنها أ ُ ّمي‪ ،‬بالرغم من ُك ّل شيء؛ لقد َوثَقتُ فيها َ‬ ‫ْ‬
‫النهاية‪ ،‬واقتنعتُ أنَّ ُهما لَ ْم يكونا معًا في الحمام؛ البُدَّ أنّي ُك ْنتُ أتَو َّهم‪.‬‬

‫أن يتوقف عن‬ ‫وف تتحدث معه‪ ،‬وتطلب إليه؛ ْ‬ ‫س َ‬ ‫راودني نفس الشعور؛ عندما أخبرتني أنها َ‬
‫ت‬
‫فو َ‬‫اليوم التالي‪ .‬كيف َكانَ يعلم إذا َّ‬
‫ِ‬ ‫رغم أنه كانَ يُعيد ال َك َّرة مباشرة ً في‬
‫َ‬ ‫ضربي‪ ،‬وصدَّقتُها؛‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫لكالمها تلك القوة للتغَلب على الواقع الماثِل‬
‫ِ‬ ‫ب ما كانَ‬‫أ َ َحد ُنا صالةً؟ لم ي ُك ْن َحتّى موجودًا‪ ،‬ولسب ٍ‬
‫أمامي‪.‬‬

‫عةً بكثير قب َل غَز ِو ِه لبيتِنا؛ فقد كانَ لَدَينا َحوض ِسباح ٍة في البناية التي‬ ‫نعيش حياة ً َ‬
‫أكثر َودا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُكنَّا‬
‫الماء؛ لَ ِكنّي لَ ْم أ ُكن قَد أت َقنتُ َبع ْد َكيفية‬
‫ِ‬ ‫فوا على‬ ‫ط ً‬‫طن فيها‪ ،‬و ُك ْنتُ قَد تعلَّمت فقط السباحة َ‬ ‫نَق ُ‬
‫ازمةً على تَ َعلُّم ذلك؛ كما َكانَت لَدينا أي ً‬
‫ضا؛‬ ‫بتحريك الذراعين؛ ِبيدَ أنّي ُك ْنتُ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫األمام‬
‫ِ‬ ‫السباحة إلى‬
‫ت فيها؛ لقد ُك ْنتُ أركب دراجتي‬ ‫َمساحةً ِللَّ ِعب في المبنى الذي نس ُكن فيه‪ ،‬والتي ُك ْنتُ ألعب لساعا ٍ‬
‫صتي‪ -‬مع أصدقائِي‪ُ .‬ك ْنتُ أنا‪ ،‬وإخوتي نَتمتَّع ب ُحري ٍة كبيرة؛ ُكنَّا أصغر‬ ‫وألعب بِدُمى باربي‪ -‬خَا َّ‬
‫َ‬
‫إهماال في حقيق ِة األمر؛ فقد ُكنا نعتقد أ َّن ال ُحريةَ تَعني فقط‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ظنناهُ ُحرية؛ َكانَ‬‫ِم ْن أ َ ْن نفهم؛ أ َ َّن ما َ‬
‫أنَّه يُم ِكنُنا البقا ُء خار َج المنز ِل‪ ،‬واللَّعب قَد َْر ما نشاء؛ وعندما َكانَ ُك ُّل أصدقائي َيعودون إلى‬
‫ب معه؛ ُك ْنتُ أَص َعد ُ الساللم عائدة ً إلى‬ ‫بيو ِتهم لتناول ال َعشاء‪ ،‬وال َيتبقَّى أحد ٌ هنالك أحد ٌ؛ كي أل َع َ‬
‫ي عشاءٍ على طاولتنا قط‪.‬‬ ‫لكن‪ -‬دَو ًما‪ -‬لَ ْم ي ُكن هنالك أ ُّ‬
‫بيتنا؛ ْ‬

‫عليك العودة ُ الى بيتك اآلن؟"‬


‫ِ‬ ‫"أليس‬
‫َ‬ ‫َكانَت أ ُ ُّم صديقي [أو صديقتي؟ تسأل قائلةً‪:‬‬
‫در ما أُريد‪".‬‬
‫"كال؛ أستطي ُع البقاء قَ َ‬
‫نومك؟"‬‫"متى َموعد ُ ِ‬
‫بفخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫نوم"؛ ُكنتُ أُجيب‬‫"ليس لي موعد ُ ٍ‬‫َ‬
‫ت محظوظة!"‬ ‫َ‬
‫و َكانَ صديقي [أو صديقتي؟ تُجيب‪" :‬ك ْم أن ِ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪31‬‬
‫ُذور َعبّاد الشمس‬‫ومها وهي تُشا ِهد المسلسالت االجتماعية‪ ،‬وتَأ ُكل ب َ‬ ‫َكانَت أ ُ ّمي تَقضي ُم َ‬
‫عظم يَ ِ‬
‫ُ‬
‫الفارق‬ ‫بارح َمكانَها؛ و َكانَ‬ ‫(اللُّب السوري)؛ ُك ْنتُ أ ُ ُ‬
‫غادر إلى المدرس ِة‪ ،‬ث ُ َّم أعود؛ كي ِ‬
‫أجدها ل ْم ت ُ ِ‬
‫ي َكي‬
‫عل َّ‬
‫صي ُح َ‬ ‫شور تكون قد ارتَفعت‪ ،‬و َكانَت َبينَ الفَين ِة‪ ،‬واألُخرى ت َ ْ‬ ‫الوحيدُ؛ هو أ َ َّن َكو َمةَ القُ ِ‬
‫أُغ ِيّ َر لها القناة‪.‬‬

‫ِبإدركٍ ُمتأخر؛ ي َُر َّجح أ َّنها َكانَت مكتئبةً‪ .‬كانَ وا ِلدَاي قد التقيا في الجامعة في ِم ْ‬
‫صر‪ ،‬ث ُ َّم انتقال‬
‫ب‪ ،‬والسالم‪ ،‬وثقاف ِة الهيبي في سان فرانسيسكو في الستينيات‬ ‫ّام الح ِ‬
‫إلى سان فرانسيسكو معًا؛ أي َ‬
‫غم ُكل شيء‪.‬‬
‫انهار َر َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ولكن زوا َجهما‬ ‫بزواجهما‪ ،‬فانتقال الى ڤانكوڤر بكندا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أَ َ‬
‫ض َّرت‬

‫بحث يائِسةً‬ ‫داعم لها‪ ،‬ولَدَيها ثالثةُ أطفال؛ َكانَت ت َ ُ‬


‫ٍ‬ ‫سها وحيدة ً في بل ٍد جديد دونَ ِنظام‬ ‫َو ْ‬
‫جدت نَف َ‬
‫ع ُمها‪ ،‬ولألسف قَادَها هذا البحث إلى المسج ِد ال َمحلّي؛ هنالك وجدَت‬ ‫حتضنُها‪ ،‬ويَد َ‬
‫عن ُمجتمعٍ َي ِ‬
‫سِن من أحوا ِلها؛ َويُعي َل‬ ‫رض عليها أن يتزو َجها؛ َويُلَم ِلم ش َ‬
‫َتات ذا ِتها؛ َويُح ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ذلك الوحش الذي َ‬
‫ي إيمان‬ ‫ضياع‪ -‬ولكونها بدون أ ّ‬ ‫أطفا ِلها الثالثة‪ -‬البُدَّ أنها َكانَت تشعُر بالوحدةِ‪ ،‬والهجران‪ ،‬وال َ‬
‫ي ثق ٍة في أنَّها تستطيع أن تكون إنسانًا ناج ًحا وحدها‪ ،‬أو أنها ال‬ ‫بأن لها قوةً‪ ،‬وإرداة كإمرأة؛ وال أ َّ‬
‫شبَّثت‬‫كائن عائ ٍل يتمسك به‪ ،‬فَت َ َ‬
‫ٍ‬ ‫طفيليًّا؛ يبحث عن‬ ‫سها كا ِئنًا ُ‬
‫تحتا ُج َر ُج ًال [لتحقيق هذا؟‪،‬لقد َرأت نف َ‬
‫ب‬ ‫المصرية‪ ،-‬والذي َكانَ يَ ِ‬
‫ضر ُ‬ ‫الر ُجل الذي َكانَ دونَ منز َلتِها ‪َ -‬حسب المنظومة الطبقية ِ‬ ‫بهذا َ‬
‫َيارها الوحيد كانَ ؛ التغاضي‪ ،‬والقَبول ِل َما يُم ِكنُها الحصول عليه؛‬ ‫أن خ َ‬ ‫ش َعرت َّ‬‫أطفالَها‪ ،‬لقد َ‬
‫ُمعتبرة ً إياهُ قَدَ َرها‪.‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬ونظا َمه ال ُمح َكم‬


‫ِ‬ ‫ط َة‬
‫أن بَسا َ‬
‫شها؛ البُدَّ َّ‬
‫ضياع التي َكانَت تَعي ُ‬ ‫أثناء حال ِة االكتئاب‪ ،‬وال َ‬
‫ص أظافِرك؛ فهنالك‬ ‫َكانَا َجذَّابين لها؛إنَّه يُقد ُم نظا ًما صار ًما للغاية؛ لدرجة أنه يُحدد َحتّى َكيفيةَ قَ ّ‬
‫قيق تقص به أظافرك‪ ،‬ث َّم تتبعُه طريقةً دقيقةً في كيفي ِة التخلُّص من قُالمات األظافر تلك‪.‬‬ ‫رتيب دَ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫تَ‬
‫ت فيه؛ ف ُكل َمن َحى‪ ،‬و ُجزئي ٍة ِمن حياتِك؛ ُمحدَّدة ً لك ُمسبقًا؛‬ ‫ُترك للفر ِد ِليَ ِب َّ‬
‫ال قرارات وال شيء ي َ‬
‫وضائع حالةً من‬
‫ٍ‬ ‫شخص خائفٍ‬
‫ٍ‬ ‫وف يكون بالنسبة إلى‬ ‫س َ‬ ‫ِمث َل ذلك النظام ذي اإلحكام العسكرية؛ َ‬
‫‪4‬‬
‫النعمة ‪.‬‬

‫ً‬
‫عموما بطبيعة الحال‪ .‬وه‬ ‫والكتان‬ ‫المسيح‪ ،‬واليهودي‪،‬‬ ‫بالتعابت ذات األصل‬ ‫ز‬
‫اإلنچلتية ‪،‬والغربية مليئة‬ ‫ز‬
‫إنچلتي ؛ وثقافة اللغة‬ ‫‪ 4‬تعبت‬
‫ر‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ّ ُ ِّ ّ‬ ‫َ‬
‫تعن حرفيا‪ :‬الحالة الن يعتقد مسيح متدين أنه وصلها؛ حيث أن ذنوبه قد غ ِفرت وأنه سيدخل الجنة‪ ،‬وبتعريف آخر‪ :‬عمل هللا الذي‬‫ًّ‬ ‫ز‬
‫ًّ‬ ‫‪/‬‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬
‫يهب أعظم عطاء للبش لكن المعن هنا إنسان عام‪ ،‬وليس مسيحيا أو الهوتيا دينيا‪ -‬المتجم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪32‬‬
‫سهم‬ ‫تركون أنفُ َ‬
‫طست برأ ِسها ِمث َل المسيحيين المولودين ِوالدة ً جديدة [روحيًّا؟؛ الذين "يَ ُ‬ ‫غ َ‬
‫َ‬
‫"تولي َعجلة القيادة"؛ فهي لَ ْم تَ ُك ْن تُريد أن تكون مسؤولةً عن إتخاذ‬ ‫للرب"‪ ،‬ويَدعون يَسوع إلى َّ‬
‫سها مؤهلةً ألخذِها‪ ،‬و َكانَ‬ ‫القرارات؛ فقد َكانَت تريدُ من هللا أن يأخذَ ك َّل القرارات؛ التي ل ْم ت َ َر نف َ‬
‫أن ت ُ َر ِ ّجح‪ ،‬وتُوازن بين الخيارات الكثيرة المتاحةُ‬ ‫س ْكينَة لها؛ فلَ ْم ي ُك ْن عليها ْ‬‫في ذلك الكثير من ال َ‬
‫ي سيناريو ُمعَيَّن؛ لقد َكانَ ك ُل شيءٍ‬ ‫سا ِلك؛ التي َيجب اتخاذُها في أ ّ‬ ‫أقوم ال َم َ‬
‫قرر ما هي َ‬ ‫لها ؛ كي ت ُ ّ‬
‫ق‬
‫ق الضي ِ‬ ‫وأن تَسير في الطري ِ‬ ‫أن تت َبع‪ ،‬وتُطيع؛ ْ‬ ‫ُمحددًا ُمسبقًا لها‪ ،‬فَ ُك ُل ما َكانَ علي َها؛ هو ْ‬
‫[بنظرها؟‪َ .‬كانَت ُمنتَشيةً ثَ ِملةً بإمكانية النجاح؛‬ ‫ِ‬ ‫المستقيم؛ الذي يُقد ُمه الدّيْن؛ يَا لَها ِم ْن َعطيّ ٍة إلهية‬
‫ضا‬ ‫نظام إعالةٍ‪ ،‬أو دعم‪ ،‬بل أي ً‬ ‫ِ‬ ‫ب عليها‪ ،‬ودون‬ ‫ليس بالتأقلُ ِم ف َحسبْ في بل ٍد غري ٍ‬ ‫لقد سم َح لها هذا َ‬
‫بوجود ثالثةَ أطفا ٍل؛ َكثيري ال َجلَبة؛ ُمحتاجين لإلعّالة‪.‬‬

‫بالرضَّع‪ ،‬وإعجا ِبهم‬ ‫ستغرب َو َل َع اآلخرين ُ‬ ‫حب األطفال؛ َكانَت ت َ ِ‬ ‫كثيرا ما أخ َب َرتني أنَّها ال ت ُ ُ‬ ‫ً‬
‫ب سائ ٍل‪ ،‬وبكاءٍ كثير؟ هذا ما َكانَ‬ ‫ذات لعا ٍ‬ ‫بهم‪ ،‬ول ْم ت ُكن تَفه ْم ما هو ال ُمثير في الموضوع؛ ُك َرة ٌ َ‬
‫عدم إنجاب‬ ‫َيار؛ َ‬ ‫عرعت فيها؛ ل ْم ت ُكن ِلتسم َح لها بخ ِ‬ ‫الرضَّع يُمث ّ ُ‬
‫لون لها‪ ،‬لَ ِك َّن الثقافةَ التي ت َ َر َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫أطفال؛ إذ هذا ما كانَ ُمتوقَّعًا منها [من جانب المجتمع‪ ،‬واألسرة؟‪ .‬ل ْم أحس يو ًما أنها أرادت أيًّا‬
‫أن‬‫ضا َجعلت من ال ُمستحيل ْ‬ ‫حم ُل ذَ ّرة ً من األمومة في ُك ِّل كيانها؛ ثَقافَتُها أي ً‬ ‫ِمنّا‪ ،‬أو أنها َكانَت ت َ ِ‬
‫ضد َ‬ ‫كثيرا ما تكون األمهات‪ -‬في الثقافات التي تتحيَّز ِ‬ ‫ً‬ ‫لطان على حيا ِتها؛ لألسف‬ ‫س ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫يكونَ لها أ ُّ‬
‫علي ُه َّن‪ ،‬وهو‬ ‫سلطةَ لها؛ ّإال َ‬ ‫ت على َبناتِهن؛ إذ أنَّه ال ُ‬ ‫ساجونية)‪ُ -‬مؤذِياتٍ‪ ،‬وقاسيا ٍ‬ ‫النِساء (المي َ‬
‫اهتمامها باألطفال ‪-‬حتّى أطفا ِلها‪ -‬هو ما‬ ‫ِ‬ ‫عدم‬ ‫سه؛ َكانَ َ‬ ‫أن تمار َ‬‫سلط ِة الوحيد المقبو َل لها ْ‬ ‫َمجا ُل ال ُ‬
‫زوجها؛ التي َكانَت ُمغتَ ِر َبةً؛ ُمقيمةً‬
‫ِ‬ ‫ترك أخي‪ ،‬وأُختي في السعودية؛ َكي تُربي ُهما عائلةَ‬ ‫َج َعلَها ت َ ُ‬
‫ي‪ ،‬ث ُ َّم َح ِملت أ ُ ّمي بي‪.‬‬
‫ت َجدَّ َّ‬ ‫هناك؛ لقد قَضى أخي‪ ،‬وأُختي سنتين في بي ِ‬

‫بوب‬
‫ناول ُح َ‬ ‫س ٍة َكي تَمنَ َع أبي ِم ْن تَر ِكها؛ تَوقَّفت أ ُ ّمي ِخلسةً عن ت َ ُ‬
‫حاول ٍة يائ َ‬
‫على ما َيبدو؛ في ُم َ‬
‫أمال ِمنها في‬ ‫حام ٌل ُمجددًا (بي أنا)؛ ً‬ ‫تر َكها؛ أعلَ َمتَهُ أنَّها ِ‬ ‫شك ْ‬
‫أن يَ ُ‬ ‫على َو ِ‬ ‫نع الحمل؛ فعندما َكانَ َ‬
‫َم ِ‬
‫سابق ‪ .-‬لَ ِكنَّه ل ْم َيهتم هذ ِه المرة‪ ،‬وتَ َر َكها على‬ ‫أن َيمنَ َعه ذلك ِمن تَر ِكها ‪ -‬كما َمن َعهُ ذلك في ال َّ‬ ‫ْ‬
‫ض ْرتُ إلى هذا العالَم ألج ِلها‪ ،‬ف ُكنتُ‬ ‫أداء َمه َّمتي الوحيدة؛ التي أ ُ ْح ِ‬ ‫غم ِم ْن ذلك؛ لقد فَ ِشلتُ في ِ‬
‫الر ِ‬
‫َّ‬
‫األضرار الجانبي ِة‪ ،‬أو التبعية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بِال فائدَة؛ وزائدة ً عن الحاجة؛ وأحدَ‬

‫آخ ِر األ َ ْمر؛ أنَّها إمرأة ٌ‬


‫ت‪ -‬في ِ‬ ‫سنوا ٍ‬
‫شر َ‬
‫ع َ‬‫اكتشف أبي ‪ -‬بعد زَ واجٍ ُمتَع ِث ّ ٍر كاف َح خاللَهُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُربَّما‬
‫ي بثالث ِة‬ ‫ُ‬ ‫أن يُن ِقذَ نَف َ‬
‫سه‪ ،‬ولذلك ت َ َركها‪ ،‬وتَزو َّج َمرة ً أ َ‬ ‫أنانيةٌ‪ ،‬و ُمتَال ِعبة؛ ُربَّما قَ َّر َر ْ‬
‫خرى‪ ،‬و َح ِظ َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪33‬‬
‫حش؛ بأ َ ْن يَد ُخ َل في حيا ِتنا؛ ألنَّه يَخ ِد ُم‬ ‫أطفا ٍل آخرين‪َ ،‬وت ُ ِر ْكنا َكي تُر ِبّيَنا إمرأة ً نَرجسِيةً؛ َ‬
‫س َمحت ِل َو ٍ‬
‫حا َجتَها‪.‬‬

‫عرفه في الحقيق ِة أبدًا؛ فقد َكانَ‬ ‫رغم أ َ ّني َل ْم أ ِ‬ ‫َ‬ ‫أن يأتي أبي كي يُن ِقذَني؛‬ ‫كثيرا ما ُك ْنتُ أحلُم ْ‬ ‫ً‬
‫ظى بثالث ِة أطفا ٍل ُجدد؛‬ ‫ي قب َل عي ِد ميالدي الثاني‪ ،‬و َكانَ قب َل أن يتزَ وج ثانيةً‪ ،‬ويَح َ‬ ‫ط ُ‬
‫الق والدَ َّ‬ ‫َ‬
‫زورنا دَوريًّا؛ َكانَ يأ ُخذنا إلى ماكدونالدز‪ ،‬وإلى حديق ِة األسماك‪ .‬أَتذ ّكر أنّه أخذني ذَ َ‬
‫ات‬ ‫يأتي ل َي َ‬
‫ت خَليلت ِه‪ ،‬وتركني أل َعب ب َعرائِسها الروسية؛ َل ِكنَّه لَ ْم َي ُكن بالنسب ِة لي أبًا أبدًا‪َ .‬كانَ من‬ ‫َمرةٍ؛ إلى بي ِ‬
‫حاضرا قط؛ كي يُدافِ َع عن نفسِه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫السه ِل على أ ُ ّمي أن تَختَلقَ لنا ِحكايا ٍ‬
‫ت حو َل ش َّرهِ؛ ألنَّه ل ْم يَ ُكن‬
‫شر‬‫ع ِ‬‫ض ادِّعاءاتِها‪ ،‬لقد رأيتُه ِخال َل حياتي‪ ،‬وأراهُ ِبمعدَّل مرة ً ُك ّل َ‬ ‫ول ْم ي ُكن موجودًا قط؛ كي َيد َح َ‬
‫سنوات‪.‬‬

‫مكان ما؛ مكاني‬


‫ٍ‬ ‫وأن لي عائِلةٌ حقيقيةً في‬ ‫ُنجدَني؛ ُك ْنتُ أت َخيَّل أَنّي ُمتَ َبناةٌ‪َّ ،‬‬ ‫ل َكوني دونَ أ ٍ‬
‫بي ِ‬
‫أن أجتم َع بهم‬‫أحس في ِه أَنّي العار‪ ،‬أو النَشَاز الغريبة في العائلة‪ ،‬وأنّي إلى ْ‬ ‫ُ‬ ‫الطبيعي الذي ال‬
‫ُ‬
‫ي خَيار؛ سوى أن أتَ َح َّمل هذا الر ُجل ال َمقيت؛ الذي تَزو َجته أ ّمي‪ ،‬والذي يُصبح‬ ‫ليس لَدَي أ ّ‬
‫َ‬
‫ب التعنيف‪،‬‬‫ضرو ِ‬ ‫ي ت َ َح ُّمل ُك َّل ُ‬
‫بمرور األيام ُجز ًءا ال يتجزأ من حياتي؛ أكثر فأكثر؛ ف َكانَ عل َّ‬ ‫ِ‬
‫ي ِ يوم‪.‬‬
‫ُنزلها بي في أ ّ‬ ‫ضرب‪ ،‬أو اإلهانات التي يَرتأي أن ي ِ‬ ‫وال َ‬

‫طةَ أ ُ ّمي الموسيقية‪ُ -‬كلَّها‪ ، -‬وت ّك ُ‬


‫سير ُمش ِغّل‬ ‫من األشياء األولى التي فَعلها؛ تحطي ُم ك َّل أشر َ‬
‫أشرطةَ؛ هانك وليامز؛ ودولي بارتون؛ وفات ألبرت؛ وكيني رودجرز؛‬ ‫سر ِ‬ ‫األشرطة؛ لقد َك َ‬
‫بتكسير‬
‫ِ‬ ‫ظر ُمستَغربين؛ لماذا لَ ْم تُوقِفه أ ُ ّمي؟؛ لماذا تَسم ُح لهذا الر ُجل‬ ‫ونحن نَن ُ‬
‫ُ‬ ‫يٍ‪،‬‬
‫ق هَمج ّ‬
‫ِب َحن ٍ‬
‫تصير إمرأة ً ُمختلفةً للغاية في وجودِه‪ ،‬فتصب ُح فَجأةً؛‬ ‫ُ‬ ‫قف بِ ُخنوعٍ جانبًا؛ َكانَت‬‫أشيائِها؟؛ َكانَت تَ ُ‬
‫ي َكي يحميني‪،‬‬ ‫َوديعةً‪ ،‬وها ِدئَةً‪ ،‬و ُمتَقبّلةً ُك َّل شيءٍ على نح ٍو ال يُصدَّق‪َ .‬كانَت هي ُك ّل َمن لَدَ ّ‬
‫تلك اللحظة أنَّها لَ ْن تَن َهض‪،‬‬ ‫ولَ ِكنّها لَ ْم ت َ ُك ْن؛ كالمرأةِ العجيبة الخارقة في التلفاز؛ لقد َفهمتُ في َ‬
‫عنف ِه أبدًا؛ إ ْذ أنها ل ْم تُدافِع َحتّى عن ِ‬
‫أشرط ِتها‪.‬‬ ‫وتَقف معي أبدًا‪ ،‬وأنَّها لَ ْن تُداف َع عني ِ‬
‫ضد َ ُ‬

‫أج ْد في نَفسي َرغبةً؛ في ت َ ِ‬


‫كسير األلبومات؛‬ ‫االشتراك َمعهُ في التَكسير؛ لكن ل ْم ِ‬
‫ِ‬ ‫َكانَ َي ُحثَّنا على‬
‫ت الخرسانة اإلسالمية؛ لَ ْم ت َ ُك ْن تلك الطبقة قد‬ ‫تلك َكانَت أُولَى طبقا ِ‬ ‫أن َ‬ ‫لَ ْم أد ِْر‪ -‬في البداية‪َّ -‬‬
‫رح السؤال‪ ،‬فالتقطتُ األَجزا َء ال ُمحطمةَ من‬ ‫ط ِ‬ ‫سخت َبعدْ‪َ ،‬و ِمن ث َ َّم لَ ْم أجد َح َر ًجا؛ ألتردَّدَ قب َل َ‬ ‫تر َّ‬
‫ب تَكسيره اياها‪،‬‬ ‫شَريط بيل كوسبي؛ الخاص بألبوم "‪ ،"Stand-up‬وسألتُ أ ُ ّمي عن َ‬
‫سب ِ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪34‬‬
‫فأجابت أ ُ ّمي‪" :‬ألن هذه ُكلُّها َحرام!"‬

‫ي‬ ‫ي ْ‬
‫أن أمن َع عن نفسي أ ّ‬ ‫عل َّ‬ ‫ثير َحنَقي؛ وحتَّى هذا اليوم يَ ُ‬
‫ش ُّق َ‬ ‫ستَتغ ََّو ُل هذه الكلمة؛ كي ت ُ َ‬
‫َحرام؛ َكم َ‬
‫ب السنوات التي ُح ِرمتُ فيها ِمن ُك ِّل شيءٍ تقريبًا‪.‬‬ ‫شيءٍ ؛ بسب ِ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪35‬‬
‫صر‬
‫ِم ْ‬
‫ط ٍن خَفيف‪ ،‬ورا ِئ َحةَ‬ ‫ع َ‬‫ار‪ ،‬مع َ‬ ‫شت َ ُم را ِئ َحتَها؛ َرا ِئحةَ الغُ َب ِ‬
‫أن تَشعُر ِبحرارةِ القاهرة‪ ،‬فإنَّك ت َ ّ‬ ‫قَب َل ْ‬
‫صر‬ ‫ي؛ انتقلت ِبنا أ ُ ّمي ِمن َكندا إلى ِم ْ‬ ‫ص ِح ّ‬‫رف ال ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫يح ِمياه ال َ‬ ‫خور ُمحت َ ِرقَةٍ‪َ ،‬مع نَ ْفح ٍة ِم ْن ِر ِ‬
‫ص ٍ‬ ‫ُ‬
‫إنذار‪ ،‬أو إشعار؛ َبل أ ُ‬
‫ظنُّها لَ ْم تَ َر لنا‬ ‫ٍ‬ ‫سنَتي الثانية من الدراسة؛ دونَ‬ ‫عندما ُك ْنتُ في ُمنتَصف َ‬
‫َسير خَلفَها َك ِفراخِ ال َبط ال ُمتَ َبختِرةَ‬
‫أن ن َ‬ ‫ليس لنا إال ْ‬‫ظنُّها َكانَت تَرى أنَّه َ‬ ‫أصال؛ أ ُ‬‫ً‬ ‫َعلم‬
‫أن ن َ‬ ‫َحا َجةً؛ في ْ‬
‫َوراء أ ُ ِ ّمها؛ لَ ِكنَّنا ‪-‬في النهاية‪ -‬قد نَستَنج ما الذي حدث‪.‬‬

‫سنةَ‬ ‫ب ُم َع ِلّم ِة ال َ‬
‫حررنَا ِمنَ "ال َع ّم"؛ كما ه ََربتُ ِمن ُرع ِ‬ ‫ض َل شيءٍ ؛ أننا تَ َّ‬ ‫رغم ذلك؛ فقد كانَ أف َ‬ ‫َ‬
‫ي ٍ يو ًما؛‬‫ضدةٍ على طف ٍل شَق ّ‬ ‫بمن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عم عنها‪ -‬ألقت ِ‬ ‫ُ‬
‫ْب ما ز َ‬ ‫الدراسية الثانية؛ السيدة نيهولت؛ التي ‪َ -‬حس َ‬
‫عرف؛ ما الذي قد‬ ‫فأنت ال يُم ِكنُ َك أن تَ ِ‬
‫َ‬ ‫س أنفاسي؛‬ ‫ي ُمش ِكلة؛ َل ِكنَّي ُك ْنتُ أَح ِب َ‬
‫لَ ْم ت ُكن لي َمعها أ َّ‬
‫بار أبدًا‪.‬‬
‫ُغضب ال ِك َ‬
‫ُ‬ ‫ي‬

‫ب َمعهم‪.‬‬‫الكثير ِمنَ األَطفا ِل ِم ْن أقاربي؛ ألَل َع َ‬


‫َ‬ ‫صةً ألَنّي َوجدتُ‬ ‫ض َح لي أ َ َّن ِم ْ‬
‫صر ُم ّم ِتعةً؛ خَا َ‬ ‫ات َّ‬
‫سورة‪.‬‬‫ي ُ‬ ‫ظا؟؛ أ َّ‬ ‫س ِ ّم َع له [أتلو حف ً‬‫أن أ ُ َ‬
‫لب مني أحدٌ قط؛ ْ‬ ‫ط َ‬‫أن أُصلي‪ ،‬وال َ‬ ‫ل ْم َيطلب مني أحدٌ قَط؛ ْ‬
‫النوم ال ُمرتَ َجلة؛ المصنوعة من ِعدة‬ ‫ِ‬ ‫أكياس‬
‫َ‬ ‫ُكنا نَحتَشِد َمعًا في الليل؛ على األرض؛ في ما يُشابه‬
‫بطانيات‪.‬تَ َب َولّتُ في فِراشي ليلةً واحدة ً فقط؛ بعد ذلك؛ َجعلني اإلحراج أَتَ َعلَّم التَح ُكم في َمثانتي؛‬
‫ُس إبهامي في‬ ‫طاني ِة‪ ،‬وأد ُّ‬‫حت ال َب َّ‬
‫األنوار؛ ُك ْنتُ أختَبي ُء ت َ َ‬
‫َ‬ ‫طفاء‬
‫ص إبهامي؛ َبعد إِ ِ‬ ‫بِيدَ أَنّي بَقيْتُ أ َ ُم ُّ‬
‫فَمي‪َ ،‬وأ ُ َهدّ ِهد ُ نَ ْفسِي ِببُطءٍ ؛ إلى ْ‬
‫أن يأتيني النوم‪.‬‬

‫ت‬ ‫ت الصياح ال ُمز ِعج لألذَان‪ -‬ندا ُء الصالةِ الذي يَصد ُ ُح من ُم َك ِبّرات الصو ِ‬ ‫صو ِ‬‫استيقظتُ على َ‬
‫من هواء الليل البارد ؛ والرائحة‪ ،‬فقد كانَ لُك ِّل‬ ‫أعلَى المساجد في ُك ّل االتجاهات‪ -‬؛ وما ت َ َبقَّى ْ‬
‫بنايةٍ؛ ِمزبَلةً خاصةً بها؛ و َكانَ يُلقَى بالقُما َم ِة ِمنَ الشبابيك فوقَ َكو َم ِة القُما َمة التي في الشارع‬
‫ب القاهر ِة‬ ‫طط السائبة؛ كثيرة ً كعد ِد الذُباب؛ كنا نعيش في قَل ِ‬ ‫صراصير‪ ،‬وال ِق َ‬ ‫فقط؛ َكانَت ال َ‬
‫صحي‪ ،‬أو‬ ‫صرف ال ِ ّ‬ ‫وحارة الجو [في الصيف؟‪ ،‬والتي تَغ ُم ُرك برائح ِة القُ َمامة‪ ،‬أو ال َ‬ ‫َّ‬ ‫ظة؛‬‫ال ُم ّكت َ َّ‬
‫ِكليهما معًا‪.‬‬
‫غص َبطني ال ُمست َ ِ ّمرة‪.‬‬ ‫ي ٍ من ذلك؛ لَ ْم تُز ِعجني ِسوى َ‬
‫آالم َم ِ‬ ‫بِيدَ أَنّي ل ْم أَشت َ ِك؛ من أ ّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪36‬‬
‫ل ْم ت ُكن أ ُ ّمي ُم ِ‬
‫تعاطفةً معي بتاتًا‪.‬‬

‫عن التَش ِ ّكي؟؛ تشتكين ُك ّل ٍ‬


‫يوم من بطنِك!"‬ ‫ت ْ‬ ‫َّ‬
‫"هال تَوقف ِ‬

‫أن نَسيت َكيفيةَ الحياةِ دونَ ألَم؛ أعلَ ُم‬ ‫طوي ٍل للغاية؛ إلى ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مر لنفسي؛ لوق ٍ‬ ‫ظ باأل َ ِ‬
‫قررتُ االحتفا َ‬ ‫فَ َّ‬
‫أعراضها يوميًّا؛ لَ ْم‬
‫ِ‬ ‫عانيتُ من‬ ‫صر؛ والتي َ‬ ‫اآلن أنَّه َكانَت قد أصابتني ُجرثومةَ َمعدةٍ في ِم ْ‬
‫طباء في َكندا أن يفحصوني من جهة هذه‬ ‫طر على بَا ِل األ َ ّ‬ ‫ص ألكثر من ثالثين سنة؛ فلَ ْم َيخ ُ‬ ‫ش َّخ ْ‬ ‫أُ َ‬
‫صر في‬ ‫شؤون في الدو ِل النامية؛ وقد َكانَت ِم ْ‬ ‫البكتيريا بالتحديد؛ ألنَّها ال توجد إال عند الذين يُ َن َّ‬
‫أوائ ِل الثمانينيات؛ ينطبق عليها ذلك تما ًما‪.‬‬
‫غص ال َمعد ِة بِسرور؛ في ُمقابل َّأال‬ ‫يسيرا أدفَعَه‪ ،‬و ُك ْنتُ ألحتَم َل َم ُ‬ ‫ً‬ ‫رغم ذلك فقد َكانَ ليكون ثمنًا‬
‫صر؛ بعيدًا‬ ‫نعيش في ِم ْ‬
‫َ‬ ‫سنذهب َكي‬ ‫أرى وجهَ "ع ّمي" القبيح؛ ُك ْنتُ ُمتح ِ ّمسةً عندما ِقي َل لي أننا َ‬
‫أن أراه ُ‬ ‫ي ْ‬‫أطير منَ الفَرحة؛ ألنَّه َل ْن يكون عل َّ‬
‫ُ‬ ‫ع َوهُ؛ ِكدتُ‬
‫أن تد ُ‬‫للغاية عنه؛ بحيث ال يُمكن أل ُ ّمي ْ‬
‫ُمجدَّدًا أبدًا‪.‬‬

‫حاجز اللغة‪ ،‬والتخلُف عن بقي ِة‬ ‫ِ‬ ‫سي؛ ثم اشترينا ُكتبًا‪ ،‬وأقال ًما؛ ُك ْنتُ قَ ِلقةً من‬‫ي َمدر ِ ّ‬ ‫فُ ِ ّ‬
‫ص َل لي ِز ٌ‬
‫ألن السنة‬ ‫ف ُكل التالميذ اآلخرين‪ُ -‬ك ْنتُ قلقةً َّ‬ ‫التالميذ ‪-‬ألَنّي لَ ْم أ َ ُك ْن أتكلَ ْم العربية جيدًا؛ ِبخال ِ‬
‫الدراسية قد بَدأت بالفعل منذ أشهر‪ ،‬وأنّي ُك ْنتُ ألكافح‪ ،‬وأُعْنى؛ كي ألحق ببقي ِة التالميذ‪ .‬لَ ِك َّن‬
‫سوف يساعدونني‪ ،‬وبأنَّه ليس هناك داعٍ ِأل َ ْن أقلَق‪.‬‬ ‫طمأنوني؛ بأنَّ ُهم َ‬ ‫أقاربي َ‬

‫صرية؛ انقَلبَت األمور‪ ،‬وعادت ُكلُها‬ ‫وبينما ُك ْنتُ أ ِعدُّ نفسي؛ نفسيًّا لدُخو ِل مدرس ٍة ُحكومي ٍة ِم ْ‬
‫قاش‪ ،‬أو تفسير‪ ،‬وفجأة ً َوجدنا أنفُ َ‬
‫سنا نَستَق ُّل الطائرة‬ ‫كما َكانَت؛ قَ َّررت أ ُ ّمي تَرك ِمصر دونَ نِ ٍ‬
‫أكثر من ُمح َبطة‪.‬‬
‫َ‬ ‫عائدين الى كندا؛ ُك ْنتُ‬

‫نتحبةً قائلةً‪" :‬لَ ِكنَّنا بِعنا ُك َّل أثا ِثنا‪ ،‬والتِلفاز"‬


‫تَذَّ َمرتُ ُم ِ‬

‫أن تُجيب على تَسا ِؤل طفلة‪.‬‬ ‫وف نشتري غيرها"؛ قالت أ ُ ّمي‪ ،‬وهي ُمنزعجةً من َّ‬
‫أن عليها ْ‬ ‫س َ‬‫" َ‬
‫غير مؤدبة‪َ .‬كانَ من المفترض علي أن أغلق فمي وأخضع كبقية اخوتي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪37‬‬
‫وف نعيش؟"‬ ‫س َ‬ ‫قُلتُ لها‪" :‬لكن أين َ‬
‫صا بنا"‪.‬‬ ‫وف نم ُكث مع العم ُمنير؛ إلى ْ‬
‫أن نجد مكانًا خا ًّ‬ ‫س َ‬
‫فأجابت‪َ " :‬‬
‫تَوقَّ َ‬
‫ف قَلبي عن الخفقان‪.‬‬

‫ي؛ لقد تفاجأتُ‬ ‫أرجوك! ال!" قُلت لها وأنا أبكي بال سيطرةٍ‪ ،‬والدموع تَ ُ‬
‫نهمر على خَد َّ‬ ‫ِ‬ ‫"ال! أ ُ ّمي‬
‫أكثر منها عددًا هذه‬
‫َ‬ ‫ي في ثورتي؛ ففي العادة َكانَت ِلتَصفعُني؛ لَ ِكنَّنا ُكنا‬ ‫أن إخوتي انضموا إل َّ‬ ‫َّ‬
‫ت تكتي ًكا جديدًا‪.‬‬ ‫جربَ ْ‬
‫المرة‪ ،‬ولذلك َّ‬

‫ث (معه) لوق ٍ‬
‫ت طويل"‪.‬‬ ‫قصير فقط؛ لَ ْن نم ُك َ‬
‫ٍ‬ ‫ت‬‫أن هذه المرة ستكون لوق ٍ‬ ‫"أعد ُكم َّ‬
‫سلنا ُكلُّنا يائسين‪" :‬أتَعدينَنا؟"‬
‫تَو َّ‬
‫الخاص بنا؛ حا َل ما ْ‬
‫إن نَقد َِر على ذلك"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وف نعيش في منز ِلنا‬ ‫س َ‬‫"نعم؛ ال تقلقوا؛ َ‬

‫ي أ ُ ّمي الكثير الكثير من األكاذيب؛ على َم ِ ّر السنين ‪،‬لكن هذه ال ِكذبة؛ ال تزا ُل تُؤ ِل ُمني‬ ‫َكذَبت َ‬
‫عل َّ‬
‫ب ُك َّل‬‫قرارا يُر ِع ُ‬
‫ً‬ ‫كيف أل ُ ٍم أن تَت َّ ِخذ‬
‫َ‬ ‫صرتُ أ ُ ًّما اآلن‪-‬‬ ‫من غيرها؛ ال أستطي ُع أن أفهم ‪ -‬وقد ِ‬ ‫أكثر ْ‬
‫َ‬
‫أطفا ِلها بهذه الشدة! َكانَت تعلم أنَنا نَكر ُهه‪ ،‬وتعلم السبب‪ ،‬و َكانَت تعلم أنها تكذِب علينا‪ ،‬ولَ ِكنّها ل ْمَ‬
‫تكترث‪.‬‬
‫ضمنَ العائلة الكبيرة يدعمونها؛ فهي لَ ْم ت َ ُك ْن وحيدة؛ لَ ِكنَّهن‬ ‫صر َكانَت أخَواتها‪ ،‬وأقاربها ِ‬ ‫في ِم ْ‬
‫نهن؛ َكانَ بإمكانها أن تُنقذُنا من أذى ُمنير‪ ،‬وكنا‬ ‫ت بأنها أدنى ِم َّ‬ ‫س ْ‬ ‫ُك َّن جميعًا ُمتزوجات؛ فأح َّ‬
‫سها عديمةَ القيمة؛ إن لَ ْم َي ُك ْن لها‬ ‫طلقةً‪ ،‬و َكانَت ترى نف َ‬ ‫نستطي ُع البقا َء في ِمصر؛ لَ ِكنَّها َكانَت ُم َ‬
‫ِب أطفالَها؛ لذلك فَضَّلت أن‬ ‫ضرب‪ ،‬ويُعذّ َ‬ ‫َر ُج ٌل ت ُ ْل َحقَ به؛ َحتّى لو َكانَ ذلك الرجل عنيفًا‪ ،‬ويَ ِ‬
‫بؤس طالما أنَّه يؤدِّي إلى تمكينها من االلتحاق برجل‪.‬‬ ‫نعيش ُكلنا في ٍ‬ ‫َ‬

‫نوم خاصةً ِب ِه ؛في التسوية التي لَ ْم ت ُكن مكتملة التشطيب في كولومبيا‬ ‫وهكذا انتقلنا إلى ُ‬
‫غرف ِة ٍ‬
‫غرفة المعيشة؛‬‫تجانس بين ُ‬
‫ٍ‬ ‫غير ُم‬
‫طا غريبًا َ‬ ‫البريطانية في كندا؛ لَ ْم نَحس به كمنز ٍل؛ فقد َكانَ خلي ً‬
‫صا قانونيًا؛ كي ينتهي من تشطيب‬ ‫وغرفة األكل؛ وغرفة النوم؛ والمخزن‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن يملك ترخي ً‬
‫صد بنظام السكن التشديد‬ ‫القبو‪ ،‬ومن ث َ َّم َكانَ علينا أن نعيش في مكان ال يصلُح للعيش؛ لقد َكانَ يُق َ‬
‫على التراتبية الطبقية؛ فقد عاش منير مع زوجته الحقيقية‪ ،‬وأطفاله الحقيقيين في الطابق العلوي؛‬
‫ت أ ُ ّمي‪ -‬لكونها الزوجة الثانية؛ غير القانونية؛ األدنى مكانةً ‪ -‬إلى القبو مع أطفالها‪.‬‬ ‫بينما أ ُ ْن ِز ْل ْ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪38‬‬
‫صر؛ َكانَ ابنه األكبر ُمولَعًا بالمخدرات‪ ،‬و َكانَت زوجته‬
‫عاد أبناؤه من أونتاريو بينما كنا في ِم ْ‬
‫السابقة تخشى تأثيره السيء على الطفلين اآلخرين‪ ،‬ولذا أرسلتهم كلهم كي يعيشوا مع أبيهم‪،‬‬
‫وانتقلت هي إلى ِمصر‪ -‬بعض الناس يظلّون ينجبون األطفال‪ ،‬ويتركونهم هنا‪ ،‬وهناك في ُك ّل‬
‫بشرا‪ -‬تركت أ ُ ّمي؛ أخي‪ ،‬وأختي في السعودية‪ ،‬وهجر أبي ثالثتنا‬ ‫مكان؛ كأنَّ ُهم أشياء‪ ،‬وليسوا ً‬
‫(أبنا َءه)؛ وترك "عمي" أبناءه‪ ،‬واآلن تترك زوجته السابقة أطفالهما الثالثة؛ لستُ أدري كيف‬
‫يقدر الناس على فعل هذا ! لكن يبدو أنها قصة شائعة في حياتي‪.‬‬

‫قطارا عائدًا إلى‬


‫ً‬ ‫أن هرب؛ ثم استقل‬‫طويال؛ إذ ما لبث ْ‬‫ً‬ ‫لَ ْم يد ُم مكوث ابنه األكبر وقتًا‬
‫ط ِته‪ 5‬القديمة؛ وما لبث بعدئ ٍذ أن مات بجرعة زائدة من المخدرات؛ لَ ْم‬ ‫أونتاريو؛ عاد الى ِخ ْل َ‬
‫ت قالئ َل؛ لَ ِك َّن ذلك َكانَ كافيًا كي أعتبر وأتجنب المخدرات؛ أما االبن‪ ،‬واالبنة‬‫أقابله إال مرا ٍ‬
‫اآلخران فقد َكبِرا معنا؛ َكانَت ذات اثنتي عشرة سنة‪ ،‬و َكانَ ذا تسع سنوات‪.‬‬

‫الزوجة الحالية (رقم ‪ )1‬هي فرنسية‪-‬كندية؛ أسلَ َمت‪ ،‬ومثلي َكانَت غير سعيدة بمنظومة عيشنا؛‬
‫ال أدري كيف تحملت األمر‪ ،‬أو كيف قبلت بأن يحضر زوجها زوجة ثانية‪ ،‬وأطفالها الثالثة كي‬
‫يعيشوا في َقب ِوهم‪.‬‬

‫َكانَ تاري ُخها يُفسر فقط جز ًءا من األمر‪ ،‬فقد ترعرعت ضمن أسرةٍ كاثوليكية رومانية على‬
‫جزيرةٍ صغيرةٍ في مقاطعة كيبيك؛ ولكوني قابلت بعض األشخاص من نفس تلك الجزيرة ع ِل ْمتُ‬
‫أن الزمن كأنه توقف عندهم؛ فال تزال النِساء هناك يُعَا َم ْلنَ على أنهن في مرتبة أدنى‪ ،‬وكلمة‬
‫وأن ال ِنساء‬‫ت في محيط تعلمت فيه أن الرجال أسياد ٌ‪َّ ،‬‬‫النسوية كلمة سيئة عندهم؛ إذن فهي كب َُر ْ‬
‫ممتلكات‪ ،‬لذلك َكانَ انتقالها الى اإلسالم مجرد نقلة بسيطة؛ لَ ْم َي ُك ْن َلدَيها حظ في األمور‬
‫وف تصير راهبة على األرجح‪ ،‬واستعدادًا لحياة الراهبات عملت‬ ‫س َ‬‫العاطفية‪ ،‬واعتقد والداها أنها َ‬
‫كممرضة ‪ -‬ليس كممرضة حقيقية بل َكانَت "تغسل م َباول التبول في الفراش (نونيات األ ِس َّرة)‬
‫صري‬ ‫ت فيه؛ بحارس أمن ِم ْ‬ ‫فقط" كما َكانَت تذكر أ ُ ّمي بحماس‪ -‬التقت في المستشفى الذي ِ‬
‫عملَ ْ‬
‫متزوج‪ ،‬وله ثالثة أطفال؛ َل ِكنَّهما أقاما عالقة على الرغم من ذلك‪ .‬لم؟ ال أحد يعلم‪ .‬هل كانَ هو‬
‫المتالك "اللحم األبيض"فقط ؟ هل َكانَت هي متحمسة للحصول على انتباه َر ُجل فقط ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سا‬
‫متحم ً‬

‫ْ ُ‬ ‫‪5‬‬
‫ِخلطة الرجل‪ :‬أصدقائه ‪ ،‬ورفاقه‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪39‬‬
‫ي َر ُجل؟ في النهاية ترك زوجته األولى في أونتاريو‪ ،‬وانتقل إلى كولومبيا البريطانية مع‬ ‫أ ّ‬
‫زوجته الجديدة التي أسلَمت‪ ،‬لقد َكانَ هذا تقريبًا في نفس الفترة التي ترك فيها أبي زوجته‪،‬‬
‫ي نحن‪-‬؛ في كولومبيا البريطانية‪ ،‬وانتقل إلى كيبيك‪ .‬كم َكانَت أ ُ ّمي تتقن اختيار‬ ‫وأبناءه الثالثة ‪-‬أ ّ‬
‫الرجال المناسبين حقًّا!‬

‫فازت إذن تلك التي أس َلمت‪ ،‬قد ترك زوجته وابنائه الثالثة في أونتاريو‪ ،‬وانتقل معها إلى‬
‫كولومبيا البريطانية؛ فازت بجائزتها؛ و َكانَت تنتقل معه من مكان الى آخر في البلد‪ ،‬لَ ِك َّن األمور‬
‫رغم أنها استطاعت إخراج زوجته األولى من حياته؛ فها هي اآلن‬ ‫َ‬ ‫ط لها؛ إذ‬ ‫لَ ْم تسر كما ُخ ِ ّ‬
‫ط َ‬
‫ضا زوجة جديدة (ثالثة)‪ ،‬وأبناؤها الثالثة؛ ليكون عليها أن‬ ‫لَدَيها ليس أبناؤه الثالثة فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫ضا‪.‬‬
‫سهم أي ً‬
‫تناف َ‬

‫سالة‪ ،‬والمجفف َكانَا في قلب‬ ‫أن الغ َّ‬ ‫ُ‬


‫حيث َّ‬ ‫بجام إحباطها‪ ،‬ووطأةِ غضبها علينا؛ ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫َكانَت تُلقي‬
‫القَبو‪ ،-‬و َكانَت تتع َّمد إرسال رسالةٍ؛ باقتحامها المكان؛ وبِ َرطمها الباب؛ في أثناء فتحها له ؛ كي‬
‫تغسل المالبس‪ ،‬وهو ما اعت َقدتُ دائ ًما أنه غريب؛ لَ ِكنّي اآلن أفهم أنها َكانَت فقط تتأكد من أننا؛‬
‫نعرف منزلتَنا‪ ،‬وأننا لسنا َّإال ديدانًا تق ُ‬
‫طن القبو‪.‬‬

‫متكرر بوعدها‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫لفترةٍ طويلة ظللتُ أُذ ّكر أ ُ ّمي على نحو‬
‫ً‬
‫طويال؛ لقد وع ْد ِتنا"‪.‬‬ ‫ت أننا لَ ْن نمكث هنا‬‫"قل ِ‬
‫"نعم‪ .‬قريبًا"‪.‬‬

‫في النهاية تعبت من التمثيل التَحزيري؛ فقالت‪:‬‬


‫ت متمسكةً بذلك؟؛ لَ ْم ال تزالين تسألينني هذا بعد ُك ّل هذه السنين؟"‬
‫"أما زل ِ‬

‫غير مشروط؛ ووثِقتُ بها على نحو ُمطلق؛ رغم أنها لَ ْم‬ ‫ألَنّي ُك ْنتُ غبية؛ ألَنّي أحببت أ ُ ّمي حبًّا َ‬
‫أن غريزة األمومة الطبيعية فيها؛ ستستيقظ فجأة ً فتقرر‬ ‫ب لذلك؛ ُك ْنتُ ال أزال آمل َّ‬ ‫ي سب ٍ‬‫تمنحني أ َّ‬
‫حماية أطفالها؛ ربما ألنَّه لَ ْم يَ ُك ْن لَدَي خيار آخر؛ َكانَت هي ُك ّل ما لَدَي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪40‬‬
‫الشرف‬
‫في منز ٍل يع ُّج باألطفال؛ َكانَ على "الوا ِلدِين" الثالثة أن يجدوا طريقةً يتح َّكمون بها بنا؛ َكانَ‬
‫لنا ُكلّنا برنامج علينا أن نلتزم به؛ َكانَ لَدَينا "ملتقى عائلي" أسبوعي نُسا َءل فيه‪ ،‬ونُعاقَب على‬
‫ُحاضروننا حول بعض ال ُخروقات‪ ،‬ثم َيقضون بقيةَ الوقت في توبيخنا على‬ ‫بعض أفعالنا؛ كانوا ي ِ‬ ‫ِ‬
‫أمور كثيرة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫فنحن لَ ْم نكن عائلة؛ عندما‬


‫ُ‬ ‫كثيرا؛ يا لها من مسرحي ٍة هزلية؛‬
‫ً‬ ‫أكره تلك اللقاءات العائلية‬‫ُك ْنتُ َ‬
‫جرا عبر الساللم؛ ثم كنا خمستُنا؛ نجلس على األرض ؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أجر نفسي ًّ‬ ‫ُّ‬ ‫كنا نُ ْست َ ْد َعى؛ ُك ْنتُ‬
‫أن الفارق في موازين القوى لَ ْم‬
‫الكبار فقط َكانَ يحق لهم الجلوس على الكراسي‪ ،‬واألرائك؛ و َك َّ‬
‫َي ُك ْن واض ًحا‪ ،‬وبصفة يومية‪َ ،‬كانَ يُؤ َّكد على ذلك يوميًّا؛ َكانَت مؤخرتي تُصاب بالخدر؛ وظهري‬
‫يؤلمني؛ ورقبتي توجعني من ُكثرة النظر إلى األعلى إليهم‪ ،‬وهم فوقي‪.‬‬

‫َكانَ ُمنير يقود هذه االجتماعات في العادة؛ َل ِك َّن أ ُ ّمي َكانَت تضيف أحيانًا خيا َنتَها اللعينةَ لنا‬
‫ت على ذِكر ذلك؛ َكانَت زوجتَه في العادة تلتزم‬ ‫ص ْ‬ ‫ت أحد ُنا صالةً؛ ِ‬
‫حر َ‬ ‫[باإلبالغ عنا؟؛ فإذا فَ َّو َ‬
‫الصمت؛ إال اذا َكانَ لَدَيها شيئًا تقوله بخصوص طفليه المتبقيين اللذَي ِْن َكانَا يعيشان معها في‬
‫نادرا ما تحدثت عنا نحن األطفال الثالثة الذين يقطنون القبو‪ ،‬و َكانَت‬ ‫ً‬ ‫الطابق العلوي؛‬
‫ت دون استثناء بجلد أحدنا‪ .‬لعل هذه َكانَت نسختَهم من؛ ساحة‬ ‫االجتماعات تنتهي على نحو ثاب ٍ‬
‫الجلد‪ ،‬وقطع الرقاب؛ واأليدي في السعودية؛ َكانَ هدفهم اإلهانة العلنية ل ُمرتكب الخطأ‪.‬‬

‫ص َرف أحيانًا؛ كي ننظر في برامجنا؛ كي نت َحقق مما َيتو َجب علينا‬ ‫بعد هذه االجتماعات كنا نُ ْ‬
‫ت أخرى َكانَت تنتهي اجتماعاتنا بوجب ٍة نتناولها معًا‪.‬‬ ‫أن نكونَه‪ ،‬وما علينا أن نفعلَه‪ ،‬وفي مرا ٍ‬ ‫ْ‬
‫َكانَت زوجته هي التي تطهو في العادة ألن أ ُ ّمي لَ ْم ت َ ُك ْن تُجيد الطبخ؛ ثم كنا نحن البنات الثالثة‬
‫صحون؛ بينما تغسل الثالثة‬ ‫نُنظف؛ َكانَت إحدانا تُنظف‪ ،‬وتمسح الطاولة؛ وتغسِل األخرى ال ُ‬
‫ضا الالتي‬‫صرنا نحن أي ً‬ ‫ت صالحات‪ ،‬وفي النهاية ِ‬ ‫ب على أن نكون زوجا ٍ‬ ‫المالبس؛ كنا نُدَ َّر ُ‬
‫نطبخ الطعام‪ .‬الحقًا في السنة الثامنة من المدرسة عندما درستُ مادة الطبخ في المدرسة تفوقتُ‬
‫فيها بسهولة؛ ُك ْنتُ محترفة‪ ،‬إ ْذ ُك ْنتُ أطبخ لثمانية أشخاص ُك ّل ليلة وعلى مدى سنوات بحلول‬
‫ذلك الوقت‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪41‬‬
‫ت ُمسلم؛ هو قَ ٌ‬
‫در أسوأ من‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬فلَ ْم َي ُك ْن هذا إال جز ًءا من التدريب؛ ْ‬
‫فأن تكوني فتاة ً في بي ٍ‬
‫ُعلّمونك ْ‬
‫أن تَشعُري بالعار؛ من ُك ّل شيء تفعلينه؛ ُك ّل شيءٍ هو أنتِ‪.‬‬ ‫الجحيم‪ ،‬فهم ي ِ‬
‫ت فتاة!"‬‫"ال تضحكي هكذا؛ أن ِ‬
‫ت فتاة!"‬ ‫"ال تجلسي هكذا؛ أن ِ‬
‫ت فتاة!"‬
‫"أخ ِفضي من صوتك؛ أن ِ‬
‫ت فتاة!"‬ ‫صرك؛ أن ِ‬ ‫"أخفضي ب َ‬

‫ت أبدًا بالنظر إلى َر ُج ٍل مباشَرة ً في عينيه؛ يجب علينا أن نُبقي رؤو َ‬


‫سنا‬ ‫ال يُ ْس َم ُح للفتيا ِ‬
‫مخفوضة؛ كالكالب كي ال ننسى مكانتنا األدنى؛ هذا َكانَ بال نهايةٍ‪َ .‬كانَت كلمة "عار" تقال لي‬
‫ت طوا َل طفولتي‪" .‬عيب! عيب!" هي العبارة الوحيدة التي‬ ‫آالف المرا ِ‬
‫َ‬ ‫في وسوس ٍة صارخ ٍة‬
‫ُك ْنتُ أسمعها أكثر من "حرام"‪.‬‬
‫في ُك ّل ثقاف ٍة أيًّا ما تكون ‪ -‬لو َكانَ اإلسالم هو الدّيْن السائد‪ -‬توجد ُمرادفات لكلمة "عيب"‬
‫يُبصق بها على الفتيات؛ فيُقال للصوماليات‪" :‬كيب"‪ ،‬و " ِشيشهود "؛ و للتُركيات "آيبْ "؛ و‬
‫عيْب"؛ و للبا ِكستانيات "هييا"‪ ...‬إلخ‪ .‬تسمع ُك ّل الفتيات ال ُم ْس ِلمات هذه العبارات؛‬ ‫لل َماليزيات " َ‬
‫ألن شرف العائالت يقبَ ُع عند فتيات األسرة‪ ،‬وعلى وجه التحديد بين أفخاذهن‪.‬‬

‫الر ُجل‪ ،‬وعائلته بالفتيات‪ ،‬ويزيد شرفه بازدياد سيطرته على زوجته‪ ،‬وبناته؛‬ ‫شرف َ‬
‫ُ‬ ‫يقُاس‬
‫فمن واجبه الحرص على حراسة شرف عائلته‪ ،‬وذلك بالحرص على َّ‬
‫أن نسا َء األسرة يلبسن‬
‫مالبس متواضعة؛ محتشمة‪ ،‬ويلبسن الحجاب‪ ،‬وأن يتصر ْفنَ "بشرفٍ "؛ بإبقاء أصواتهن‬
‫هن اتجاه األرض؛ وبأن ي ُك َّن محتشماتٍ‪ .‬أما أهم مظاهر شرف الفتاة هو‬ ‫وأبصار َّ‬
‫ِ‬ ‫خفيضةً؛‬
‫ركوب الدراجات‪ ،‬أو الخيل‪،‬‬
‫َ‬ ‫عذريتها‪ ،‬ويجب الحفاظ عليها مهما َكانَ الثمن؛ فال يُ ْس َمح للفتيات‬ ‫ُ‬
‫أو ممارسة الرياضة؛ كي ال يتمزق ِغشاء َب َكارتها‪ ،‬ويجب على العائالت أن تُراقب الفتيات‬
‫عذريتهن؛ سوا ًء إذا فعلت الفتاة ذلك برغبتها‪ ،‬أو‬ ‫ُلوثْنَ شرف العائلة؛ بفُقدان ُ‬
‫بحرص؛ كي ال ي ّ ِ‬
‫تعرضها لالغتصاب؛ فال يهم‪ ،‬وغير ذي صلةٍ؛ فالهدف هو التأكد من أن "خَت َمها" ال‬ ‫بسبب ُ‬
‫أن غطاء "علبة الزبادي"‬ ‫ض ‪ -‬مثل غطاء علبة الڤيتامين‪ ،‬أو الزبادي‪ -‬ويجب الحرص على َّ‬ ‫يُفَ ُّ‬
‫سليم قبل تسليم الفتاة إلى زوجها‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪42‬‬
‫سا غربيًّا للغاية‪ ،‬أو غير إسالمي على نح ٍو كافٍ ‪ ،‬أو‬ ‫شرف العائلة؛ بلبسها لبا ً‬
‫َ‬ ‫وإذا لوثت فتاة ٌ‬
‫ي شيء آخر عادي‪ ،‬فإنها يمكن أن تدفع حياتها ثمنًا لهذا‬ ‫ذكورا‪ ،‬أو فرط نشاطها‪ ،‬أو أ ّ‬ ‫ً‬ ‫بمصادقتها‬
‫ب في‬‫إن العنف ألجل الشرف و‪ /‬أو القتل ألجل الشرف شيئان منتشران على نح ٍو مرع ٍ‬ ‫التمرد‪َّ .‬‬
‫المجتمعات االسالمية عبر أنحاء العالم‪ ،‬وتوجد آالف الحاالت سنويًّا؛ كما توجد أدلة قوية على‬
‫يض ال يُبَلَّغ عنه؛ كثي ًرا جدًّا ما ت ُ ِبلّ ُغ العائالتُ‬
‫ضا من فَ ٍ‬ ‫أن عدد الحاالت المبلَّغ عنه؛ ليس إال غي ً‬
‫هربْن‪ ،‬أو تُصر عائالت ُ َّ‬
‫هن أنَّهن انت َح ْرنَ ‪.‬‬ ‫بأن فتياتها قد َ‬

‫ال تقتصر هذه الحاالت على الدول ذات الغالبية ال ُم ْس ِلمة؛ بل توجد حاالت العنف و‪ /‬أو القتل‬
‫بالرصاص؛ ابنتيه في تكساس‪،‬‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫من أجل الشرف في ُك ّل أنحاء ُ‬
‫أوروبا؛ فقد قت َل َر ُج ٌل ِمصر ّ‬
‫حصر لها‪ ،‬وتعيش‬ ‫َ‬ ‫رأس امرأته‪ .‬هذه القصص مخيفة‪ ،‬وكثيرة ال‬ ‫َ‬ ‫طع باكستاني‬ ‫وفي نيويورك قَ َ‬
‫ص َر ُخ علينا بكلمة "عيب" في مختلف اللغات؛ لتذكيرنا بأننا إن لَ ْم‬ ‫الفتيات في خوفٍ دائم‪ .‬يُ ْ‬
‫وف نُزَ َّو ُج باإلكراه‪ ،‬أو َحتّى ما‬
‫س َ‬‫ونحرص على شرف العائلة؛ ف َ‬ ‫ِ‬ ‫نخضع للنظام‪ ،‬ونطيع األوامر‪،‬‬
‫هو أسوأ‪.‬‬

‫ِبيدَ أن الفتيان ال يخضعون لمثل هذه القواعد في عائالتهم‪ ،‬وبالكاد يسمعون تلك الكلمة ت ُ ْر َمى‬
‫ي أعمال منزلية‪ .‬أتَذَ َّكر عندما بدأت في رفض غسل مالبس أخي؛‬ ‫عليهم‪ ،‬وال يساعدون في أ ّ‬
‫ٌ‬
‫حينَ ُك ْنتُ مراهقةً‪ ،‬و َكانَ أكبر مني؛ فأبلَ َغ عني‪ ،‬و َحدَثت مشكلة كبيرة‪ ،‬لكن َكانَ علي أن أقاوم‪.‬‬

‫ي؛ من معرفة كيفية تشغيل قُرص‬


‫عضوهُ الذكر َّ‬ ‫"أيَ ُ‬
‫عجز عن الضغط على األزرار؟ أيمنَعه ُ‬
‫التشغيل ؟"‬

‫وكما يُمكن لك أن تتوقَّع‪،‬إنَّه أنا من وقعت في ورطةٍ؛ بسبب طريقة كالمي؛ لَ ِكنّي لَ ْم أهت ْم‪ ،‬ولَ ْم‬
‫سه بعد ذلك قط‪.‬‬ ‫أغسل مالب َ‬

‫بالمقابل َكانَت أختي كآلة بال عقل؛ تُطيع األوامر بما في ذلك غس َل مالبس أخي‪ .‬لَ ْم تَتَش َّكك‪،‬‬
‫غير مسموع؛ قبلت‬ ‫تسأل عن شيء‪ ،‬أو تقاوم‪ ،‬أو َحتّى تُغم ِغم بالتعبير عن ضي ِقها؛ بصو ٍ‬
‫ت َ‬ ‫ْ‬ ‫أو‬
‫ومحاص ًرا؛ َو َجدَتْه هي‬
‫ِ‬ ‫دورها كشاةٍ في القطيع‪ ،‬وبينما و َجدتُ سيل القواعد المستمر خانقًا‪،‬‬‫تما ًما َ‬
‫أن تفكر بنفسها‪ ،‬و َكانَت مرتاحةً لتتبع‬ ‫مري ًحا‪ ،‬ومطم ِئنًا للغاية؛ و َكانَت ُممتنةً؛ ألنه َ‬
‫ليس عليها ْ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪43‬‬
‫بوضوح؛ فبالنسب ِة إليها َكانَ هذا يجع ُل حياتَها؛ بسيطةً‪ ،‬وسهلةً؛ بالتأكيد‪.‬‬‫ٍ‬ ‫الطريقَ الذي ُر ِس َم لها‬
‫ي روح‪ ،‬وخالية من السعادة؛ أو الحب؛ أو الغرام‪ ،‬والشهوة؛ أو‬ ‫َكانَت حياتها ُمفرغةً من أ ّ‬
‫الحزن‪ ،‬أو خيب ِة األمل‪ ،‬أو اإلحباط‪ ،‬أو التَّحيُّر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ضا أنها خالية من‬ ‫الفضول‪ ،‬لَ ِك َّن ذلك َكانَ يعني أي ً‬
‫وف تَتَ َم ّكن من تجنُّب ُك ّل‬‫س َ‬ ‫َكانَت ُمستعدة ً للتخلي عن ُك ّل اإليجابيات؛ طالما ذلك يعني أنَّها َ‬
‫السلبيات؛ أرادت لحيا ِتها أن تَتهادى ببطءٍ على الطريق المرسوم لها؛ إلى أن تصل الى الموت؛‬
‫جهنم الى األبد؛ لَ ْم تجذِبها الجنة؛ بل خافت من‬ ‫َ‬ ‫هدفُها الرئيس أن تتفادى االحتراق في ِ‬
‫نار‬
‫ضا‬‫الجحيم‪ ،‬و َكانَ ذلك دافعها؛ َكانَت سعيدة ال ِت ّباعها الطريقَ الذي يَقيها َجهنم؛ ُك ْنتُ بالتأكيد أنا أي ً‬
‫باستمرار‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بنفس نجاحها في إطفاء عقلي‪ ،‬وإلغائه؛ ُك ْنتُ أقاوم‬ ‫ِ‬ ‫خائفة من جهنم‪ ،‬لَ ِكنّي لَ ْم أنجح‬
‫وانتظام‪ ،‬أو على األقل أت َّ ِقد ُ تمردًا في قَرارةِ نفسي‪ ،‬وأَغلي بداخلي‪.‬‬
‫ٍ‬

‫أن أختي ليست حليفةً لي‪َ .‬كانَت تتشنج إذا قلت‬ ‫صغري؛ َّ‬ ‫وألَنّي ُك ْنتُ ِجدٌّ مختلفة؛ ف ِهمت ُمنذ ِ‬
‫وف تشي بي؛ ورغم أن أختي‪ ،‬وابنة "عمي" َكانَتا‬ ‫س َ‬ ‫ي شيء أمامها‪ ،‬و ُك ْنتُ أعرف جيدًا أنها َ‬ ‫أ ّ‬
‫أكثر تقاربًا عاطفيًّا إلى بعضنا البعض؛ مما َكانَ بيني‬ ‫أكثر تقاربًا عمريًّا‪ ،‬اال أنَّه؛ أنا‪ ،‬وابنته كنا َ‬
‫ضا على نح ٍو تا ٍ ّم؛ لَ ِكنَّنا كنا نُ َّ‬
‫نفس عن كبتنا وإحباطاتنا عبر تباد ِل‬ ‫و أختي؛ لَ ْم نكن نثق ببعضنا بع ً‬
‫النظرات‪ ،‬أو برفع أعيننا إلى أعلى ؛من حين إلى حين؛ لَ ِك َّن األهل كانوا حريصين على عدم‬
‫‪6‬‬

‫ت بيننا؛ فكانوا غالبًا ما َيبُثون الفُرقة‪ ،‬والمشاكل بيننا؛ وإنه َل ِمن الغريب على‬ ‫السماح بتحالفا ٍ‬
‫أن سلو َكهم على قسوتِه‪ ،‬وتقلُّب ِه الدائم؛ َكانَ الشيء الثابت الوحيد في حياتنا؛ وقد أبقانا‬ ‫نحو كافٍ ؛ َّ‬
‫تحت السيطرة‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ً‬
‫تقريبا يوجد زف ك ّل الثقافات أو أغلبها‪.‬‬
‫ً‬ ‫عالمة عىل االنزعاج أو الغضب أو عدم التصديق‪ ،‬وهو تعبت جسدي عالم‬ ‫‪6‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪44‬‬
‫سانتا الخفي‬
‫تخلّفة عن الصف الثالث في المدرسة االبتدائية المحلية‪ ،‬وألنّه‬ ‫انتهى بي األمر إلى ْ‬
‫أن أنض َّم ُم ِ‬
‫فاتتني نهاية الصف الثاني‪ ،‬وبداية الصف الثالث؛ فقد تعثرتُ في الرياضيات؛ لقد استطعت‬
‫ألن الرياضيات من نوع المواد التي لها َمنهج تراكمي‬ ‫التدارك في ُك ّل المواد األخرى؛ لكن َّ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ت في تَعلمي الرياضيات‪.‬‬ ‫ُمترابط كالسلسلة‪ ،‬فقد صارت لَدَ َّ‬
‫ي فجوا ٍ‬

‫صف الرابع‪َ .‬كانَت هذه السنةَ التي بدأت فيها أشعر‬


‫ِ‬ ‫أنهيتُ السنة الثالثة؛ ث ُ َّم انتقلت الى ال‬
‫‪7‬‬
‫أخيرا في مدرستي الجديدة‪ .‬دعتني إحدى الفتيات اللطيفات للمشاركة في سانتا الخفي‬ ‫ً‬ ‫باالرتياح‬
‫أطير فر ًحا؛ النضمامي إلى صديقاتِها الرائعات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬و ُك ْنتُ‬

‫الخبر المثير‪.‬‬
‫َ‬ ‫عدت الى البيت‪ ،‬وأخبرت أ ُ ّمي‬
‫ُ‬

‫تصرف نَظرها‬
‫ِ‬ ‫ي شيء لتلك الكافرة‪ ،‬و ِلعيدها الكافر؛ الغبي"‪ .‬قالت ذلك‪ ،‬وهي‬‫" َل ْن أشتري أ ّ‬
‫ِلبُره ٍة قصيرةٍ عن شاشة التلفاز‪.‬‬

‫سألتُها‪" :‬هل لي أن آ ُخذَ معي شيئًا من المنزل؟ هل نستطيع على األقل شراء ورق لف الهدايا؟"‬
‫وكلّي أملٌ‪ ،‬ورجاء‪.‬‬
‫ي‪ِ ،‬‬ ‫فاركةً يدَ َّ‬
‫وقَ ْفتُ ِ‬

‫أن ُمصادَقتهم َحرام؟ أتريدين أن‬ ‫"لم تُحبين الكفار إلى هذه الدرجة؟"انفجرت صائحة" أال تدرين َّ‬ ‫َ‬
‫ُحب من يحبون أعداءه"؛ ثم استدارت مرة ً أخرى ل ُمشاهدةِ التلفاز‪.‬‬
‫يل َعن َِك هللا؟ هللاُ ال ي َ‬

‫أن تُغ ِيّر رأ َيها‪ .‬أردتُ منها فقط لمر ٍة واحدةٍ؛‬‫توقَّف قلبي عن الخَفقان؛ إذ علمتُ أنَّه ال مجا َل ْ‬
‫أن تُو ِلي اهتما َمها ِلما هو ُمهم لي؛ أردت منها فقط أن تُن ِ ّحي دينَها لمرةٍ واحدةٍ جانبًا؛ لكنّي علمتُ‬

‫ز‬ ‫‪7‬‬
‫إلهدائهم‬
‫ِ‬ ‫الغرن حيث يقتع شخص أو مجموعة أشخاص عىل اختيار شخص أو أشخاص إلهدائه هدية‪ ،‬أو‬ ‫ر‬ ‫تقليد حديث ف عيد الكريسماس‬
‫ًّ‬
‫تدريجيا إىل ما يعرف اليوم بال ‪ Secret Santa‬أو سانتا الشي‪ ،‬حيث يتبادلون‬ ‫هدايا‪ ،‬عىل أن تظل هوية معط الهدية رسية‪ .‬وقد حول الناس الفكرة‬
‫ز‬
‫الهدايا بشية ف فتة عيد الميالد‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪45‬‬
‫وف يَظل دائ ًما أكثر األشياء أهميةً لها؛ وله السيادة‪ ،‬مهما‬
‫س َ‬ ‫أن ذلك لَ ْن يحدث أبدًا‪َّ ،‬‬
‫وأن دينَها َ‬ ‫َّ‬
‫أعيش فيه وأتح َّملَه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َكانَ البؤس الذي يستلزم ذلك الدّي ُْن ْ‬
‫أن‬

‫تحرم على ال ُم ْس ِلمين ُمصادقةَ اليهود‪ ،‬والمسيحيين‪ ،‬و ُك ّل غير‬ ‫ُك ْنتُ أعرف عن آيات القرآن التي ّ‬
‫المؤمنين؛ يقول القرآن في اآلية (‪ )51‬من سورة المائدة‪":‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ الَ تَت َّ ِخذُواْ ْاليَ ُهودَ‬
‫ّللا الَ َي ْهدِي ْالقَ ْو َم‬‫ض َو َمن َيت َ َولَّ ُهم ِ ّمن ُك ْم فَإِنَّهُ ِم ْن ُه ْم ِإ َّن ّ َ‬
‫ض ُه ْم أ َ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍ‬
‫ارى أ َ ْو ِل َيا َء َب ْع ُ‬
‫ص َ‬‫َوالنَّ َ‬
‫يعتبرك هللا من الظالمين؛ ألنك تصادقهم؟‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫الظا ِل ِمينَ "‪ .‬فما الذي يمكن أن يكون أكث َ َر سو ًء ِمن ْ‬ ‫َّ‬
‫صديقتهم‪.‬‬ ‫لكنّي مع ذلك أردتُ أن أكون َ‬

‫اشتروه من هدايا؛‬
‫َ‬ ‫خالل بضعة أيّام التي تسبق يوم تباد ُ ِل الهدايا‪َ ،‬كانَ ُك ّل أصدقائي يتحدثون َ‬
‫ع َّما‬
‫وحزن في داخلي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫س ْستُ ٍ‬
‫بألم‬ ‫و ُكلّما ازدادت حماستُهم أح َ‬
‫لهن أنك ال تريدين المشاركة بأي شيء‬ ‫ت َّ‬‫"ذلك ألنك ضعيفة؛ فلو ُك ْنتُ قوية ل ُك ْنتُ ذهبتِ‪ ،‬وقل ِ‬
‫سلي‪.‬‬ ‫فريَّة‪ .".‬هذا ما قالته أ ُ ّمي وقد َكانَت َ‬
‫غير عابئة بتو ّ‬ ‫في سخافتهم ال ُك ِ‬

‫يوم تبادُل الهدايا‪ .‬شعرت باإلحراج‪ ،‬واإلذالل؛ ألن أ ُ ّمي تفعل هذا بي‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن ألَتعافَى‬
‫بَ َكيْتُ َ‬
‫قط من حرج أن أكون الطفلة الوحيدة التي ال تحمل هدية لصديقتها‪.‬‬

‫قبل تلك اللحظة ُك ْنتُ قد استطعت أن أتجاوز بنجاحٍ مشاكل األعياد‪ .8‬في عيد الفصح زيَّنتُ‬
‫البيض في مدرستنا بعناية شديدة‪ ،‬و ُك ْنتُ أتحدث مع أصدقائي دون حرج على نحو خيالي عن‬ ‫َ‬
‫صا عن ِزيي التنكري‪ ،‬و ُك ّل‬ ‫‪9‬‬
‫البحث عن بيض عيد الفصح ؛ وفي أثناء عيد الهالوين اختلقتُ قص ً‬
‫الحلوى التي حصلت عليها؛ وفي عيد الميالد (الكريسماس) السابق؛ ُك ْنتُ قد تم َّك ْنتُ من‬
‫االستماع إلى ما سردَه األطفا ُل اآلخرون حو َل هدايا ِهم؛ فكررته عندما سألوني ع َّما حصلتُ‬
‫عليه من هدايا‪.‬‬
‫ضا حصلت على جوارب‪ ،‬وبيجاما‪ ،‬وقميص من صوف (سويتر)‪"...‬‬ ‫"أوه؟ وأنا أي ً‬

‫‪8‬‬
‫الغربية المسيحية بطبيعة الحال‪ -‬المتجم‪.‬‬
‫َُ‬ ‫ُ ْ‬
‫المزين الذي ُيلون ضمن تقاليد االحتفال بعيد الفصح تقليديا بيض عيد الفصح بيض دجاج يزخرف ويلون بألوان زاهية‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫‪9‬‬
‫‪.‬‬ ‫بيض الفصح هو البيض‬
‫ي‪ .‬ولعبة البحث عن بيض‬ ‫يي عىل اختالف أديانهم عادة شبيهة زف عيد شم النسيم‪ ،‬ما عدا سلفن ومتشددي المرص ز‬
‫يي ال ُم ْس ِلم ز‬ ‫ولدى عموم المرص ز‬
‫عيد الفصح زف دول الغرب لعبة يخبأ فيها البيض الملون عن األطفال ويبحثون عنه‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪46‬‬
‫انكشف أمري؛ ُك ْنتُ كاذبة‪ .‬الحقيقة هي أن سانتا َكانَ دائما يتجاهل َ‬
‫دارنا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لكن في النهاية‬
‫جلست في الدائرة وأنا أُمسك د ُمية قط ٍة من ال ُمخمل القطيفة؛ التي منحتني اياها صديقتي‪ ،‬شاعرة‬
‫بأن داخلي به ِحم ٌم بركانية ُمنصهرة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ظريف جدًّا؛ كدت أحتفظ به لنفسي"‪ .‬قالت صديقتي مقهقهةً‪.‬‬‫ٌ‬ ‫"إنَّه‬
‫"فلتَحتفظي ِبه إذن يا كارا؛ ال بأس"؛ ناشدتُها‪.‬‬
‫أحضرتِه لي!"‬
‫ْ‬ ‫"ال‪ ،‬هاهاها بالتأكيد ال‪ .‬أريد ما‬

‫ي هدية لها‪َّ ،‬‬


‫وأن‬ ‫ي في الدائرة‪ ،‬وأنا أشر ُح لها أنَّه ال يُسمح لي بشراء أ ّ‬‫َكانَت ُك ّل األعين عل َّ‬
‫أ ُ ّمي ما َكانَت لتسم َح لي بذلك‪َ .‬كانَ الجميع في َحيرة‪ ،‬وعلى األرجح ُ‬
‫ظ َّن أنّي أكذب؛ إذ ل ْم َي ُك ْن‬
‫لهن؛ فقد َّْمنَ لي نصائ ٌح من قَبيل‪" :‬لم ال تقولين لها‪...‬؟" أو "كيف ال‬ ‫األمر منطقيًّا بالنسبة َّ‬
‫ُ‬
‫يمكنك‪...‬؟"‪ .‬كن فتيات لطيفات بريئات؛ ال خبرة ل ُه َّن بصعوبة محاولة التحدث بالمنطق مع‬
‫غولة؛ فابتسمتُ ‪ ،‬وأومأت برأسي بأدب‪ ،‬وأنا أستم ُع الى اقتراحاتهن‪.‬‬

‫"نعم سأجرب قول ذلك"؛ قلتُ ذلك‪ ،‬وأنا أعرف أَنّي لَ ْن أتجرأ أبدًا على ذلك‪.‬‬

‫أُقَدِّر حقًّا؛ َحقيقةَ َّ‬


‫أن صديقاتي ُك َّن يُحاولنَ ُمساعدتي؛ لقد أَحببتُهن دائ ًما؛ رغم أنَّ ُه َّن كافرات‪.‬‬
‫أن أُحبهن؛ لك ِنّي أَحببتُهن على الرغم من ذلك؛ وكيف لي أن ال‬ ‫ع ِلمتُ أنّه لم َي ُك ْن يجوز لي ْ‬
‫طرافة؟ ُك ْنتُ أستَمتع بالمدرسة‪ ،‬وأستمتِع برفقتِهن‪.‬‬ ‫أُحبُهن‪ ،‬و ُه َّن يَحطنَني باللُّطف‪ ،‬والحب‪ ،‬وال َ‬
‫اليوم‬
‫َ‬ ‫غير ال ُم ْس ِلمين‪ .‬لم ي ُك َّن يَقضين‬ ‫ُك ْنتُ أ ُ ُ‬
‫حب الحياة َ المب ِهجة؛ الخالية من الهموم؛ التي يعيشها َ‬
‫أن تُرسلنا مباشرة ً إلى‬ ‫األشياء السيئ ِة؛ التي قد نف َعلها دونَ قصدٍ‪ ،‬والتي من شأ ِنها ْ‬
‫ِ‬ ‫ت عن‬ ‫متحدثا ٍ‬
‫َجهنم؛ كنا نتحدث عن ال ِفتيان‪ ،‬والعرائس من ماركة كابِج باتش كيدز [أو ترجمة بديلة‪ :‬األطفال‬
‫المغرورين أبناء األغنياء أو من أين يأتي األطفال؟‪ ،‬ونلعب ألعابًا ونقرأ ُ ُكتبًا؛ قرأتُ قصةَ "آن‬
‫من غرين غايبلز‪"11‬؛ وتمنيت لو أمكن أن تتبنَّاني عائلةً طيبةً بعيدًا جدًا عن هذا الم َكانَ ‪.‬‬

‫‪ 10‬القهقهة‪ :‬الضحك‪.‬‬
‫(باإلنچلتية‪ :)Anne of Green Gables :‬رواية صدرت عام ‪ 1908‬للكاتبة الكندية لوس مود مونتغمري ر‬
‫(نشتها باسم‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫الخرصاء‬ ‫آن الجملونات‬
‫‪11‬‬
‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ل‪ .‬م‪ .‬مونتغمري)‪ .‬كتبت هذه الرواية لتناسب جميع األعمار‪ ،‬واعت رتت رواية أطفال كالسيكية منذ منتصف القرن ر‬
‫العشين‪ .‬تدور أحداث الرواية ف‬
‫ز ز‬ ‫عش‪ ،‬وتشد مغامرات آن شتىل‪ ،‬وه فتاة يتيمة زف الحادية ر‬ ‫أواخر القرن التاسع ر‬
‫أرسلت عن طريق الخطأ إىل شقيقي ف منتصف‬ ‫عشة من عمرها‪ِ ،‬‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ً‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫العمر‪ ،‬هما ماثيو وماريال كزبتت‪ ،‬اللذان كانا ينويان ف األصل أن يتبنيا صبيا يساعدهما ف أعمال مزرعتهما ف بلدة أفونىل الخيالية الواقعة ف جزيرة‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪47‬‬
‫باحتقار‪ ،‬وذ ٍ ّم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لَ ِك َّن كلمة؛ ُح َّرة َكانَت كلمة سيئة وال يُلفَ ُ‬
‫ظ بها إال‬
‫"آه؛ أتريدين أن تكوني ُح َّرة مث َل صديقاتِك الكافرات؟"‬

‫أردتُ ذلك؛ فالحرية شي ٌء إيجابّي ت َّم تشوي َهه‪ ،‬وتَحويلَه بطريق ٍة ما إلى شيء‬‫نعم بالطبع؛ َ‬
‫أعيش حياتي بسعادة‪ ،‬ولم أتكلم‬
‫ُ‬ ‫شرير‪ُ .‬ك ْنتُ في المدرسة أتخلَّص من ُك ّل قلقي‪ ،‬وتوتري؛ ُك ْنتُ‬
‫كيف َكانَت حياتي في البيت؛ لم أرغبْ في التفكير في األمر‪ .‬أعتقد أَنّي ُك ْنتُ أعيش‬‫َ‬ ‫يو ًما عن‬
‫حياة ً مزدوجة على نحو ما؛ شخصيتي الحقيقية َكانَت في المدرسة؛ أ ّما نُسختي‪ ،‬أو شخصيتي‬
‫ال ُمزيفة؛ التي َكانَت تبتل ُع حزنَها‪ ،‬وغض َبها ‪ -‬ألن التعبير عنهما لَ ْن يؤدي إال إلى التعذيب‬
‫الجسدي‪َ -‬كانَت الفتاة التي تعيش في المنزل‪.‬‬

‫علنا مع زميالت صفوفنا الكافرات؛ إلى أق ِل ح ٍد ممكن؛‬ ‫َكانَت أ ُ ّمي ت ّ‬


‫صر للغاية على تقلي ِل تفا ُ‬
‫قت تَناو ِل الغَداء َكي ال نُخالطهن‪ ،‬ونحادثهن‬ ‫َحتّى أنَّها أجبرتنا على العودة إلى المنزل يوميًّا َو َ‬
‫عهن [أو معهم؟ في‬ ‫[أو نخالطهم‪ ،‬ونحادثَهم؟ خالل اليوم الدراسي؛ كما لم يُ ْس َم ْح لي باللعب َم َّ‬
‫أثناء الفُسحة؛ لَ ِكنَّي دائ ًما ما ُك ْنتُ ألعب معهم‪ ،‬لقد شعرتُ بالذنب‪ ،‬لَ ِك َّن ذلك لم يوقفني‪.‬‬

‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ُ‬


‫وف المدرسة وضمن البلدة‪.‬‬ ‫األ ّمت إدوارد الكندية‪ ،‬فيحتف الشقيقان بها ويتبنيانها‪ .‬وتحك الرواية كيف تشق آن طريقها ف الحياة مع آل كزبتت‬
‫أكت الكتب ً‬ ‫ً‬
‫أكت من ‪ 50‬مليون نسخة‪ ،‬ما يجعلها واحدة من ر‬‫الخرصاء إىل ‪ 36‬لغة عىل األقل وبيع منها ر‬
‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ومنذ ر‬
‫مبيعا عىل‬ ‫نشها‪ ،‬ترجمت آن الجملونات‬
‫مستوى العالم‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪48‬‬
‫التحرش‬
‫ُّ‬
‫يتحرش بي ِجنسيًّا؛‬ ‫َّ‬ ‫أن "زو َجها"‬ ‫َكانَت السنة الدراسية الرابعة ؛ السنةَ التي أخبرتُ فيها أ ُ ّمي َّ‬
‫لم أ ُكن أمتَلك المصطلحات؛ َكي أ ُ َع ِبّر عن ذلك؛ لَ ِكنَّي أخبرتُها بما َكانَ يفعله بي؛ كانوا قد‬
‫عصيتُ ‪ .-‬ولذلك‬ ‫ضربُني؛ ْ‬
‫إن َ‬ ‫وف َي ِ‬‫س َ‬ ‫علَّموني "أن أُصغي دائ ًما الى الكبار‪-‬خاصةً؛ الكبير الذي َ‬
‫لم أفكر يو ًما في استنكار أفعا ِله؛ ُك ْنتُ قد اعت َدتُ أذاهُ لي َجسديًّا‪ ،‬واعتدت أن أكونَ ُمرغَمةً على‬
‫درك الفارق‪.‬‬ ‫َفس الشيء‪ ،‬ولم أ ُ ِ‬ ‫التح ُّمل؛ دون حماية من أ ُ ّمي؛ فَبدا هذا كاستمرارية‪ ،‬أو تَكملة لن ِ‬
‫شك‬ ‫شخص ما في الرواق؛ جعلتني أ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫سماعِ حركة‬ ‫لكن؛ َكانَ هناك شيء في ردَّ ِة فِع ِل ِه على َ‬
‫خبر أ ُ ّمي على سبيل االحتياط‪.‬‬ ‫أن أ ُ َ‬
‫نكرا‪ .‬ل ْم أ ُك ْن ُمتأكدة؛ لكن ف َّكرتُ ْ‬ ‫ت فِ ً‬
‫عال ُم ً‬ ‫عرفَتِ ِه أنَّه يأ ِ‬
‫بِ َم ِ‬

‫َكانَت َردة ُ فِع ِلها األولى؛ هي الغضب ِتجاهي‪ ،‬وا ِت ّهامي بالتحريض‪ ،‬أو اإلغراء على التحرش‬
‫منطقيَّةً بالنسبة لي‪ .‬أما َردَّة‬
‫بي؛ وقد تَحيَّرتُ من تسلسل [أو مجموعة؟ أسئلتِها؛ التي ل ْم ت ُك ْن ِ‬
‫ِفعلها الثانية؛ فقد َكانَت تجا ُهلي؛ تراءى لي أنّي َح َّركتُ شيئًا فيها؛ عندما أخبرتُها أو َل مرة‪،‬‬
‫وتكرارا‪ُ ،‬ك ْنتُ أُخبرها بما فعلَه‬
‫ً‬ ‫مرارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ذات الشيء‬ ‫أن أُحرك فيها َ‬‫فواصلت إخبارها على أمل ْ‬
‫بي بالضبط؛ وكيف َكانَت زوجتَه تشاركهُ المؤامرة‪ ،‬لكنَّها واصلت تجا ُهلي فقط‪َ .‬كانَت تتركني‬
‫ي ر ِد فعل‪.‬‬ ‫أتكلم‪ ،‬وتصغي إلي؛ لكنَّها ال ُ‬
‫ترد‪ ،‬وال تعطي أ َّ‬

‫ُك ْنتُ صغيرة للغاية؛ كي أفهم َحتّى ما الذي كانَ يفعَلَهُ‪ ،‬أو لماذا‪ ،‬و ُك ْنتُ خائفةً جدًّا من َّأال أفعل‬
‫أن ال أتحرك؛ فاستلقيت على‬ ‫وذهب الى الحمام‪ ،‬وأ َ َمرني ْ‬
‫َ‬ ‫ما أُؤ َم ُر به‪ .‬تَركني مرة ً في غرفتِه‪،‬‬
‫وملتُ باتجاه فَتحة التهوية‪ ،‬و َهمستُ إلى أ ُ ّمي في األسفل‪ ،‬وأنا خائفة ِم ْن أ َ ْن يَس َم َعني‪،‬‬ ‫بطني‪ِ ،‬‬
‫وآملَةً بال ُمبرر‪ ،‬أو سبب؛ أنَّها قد تَس َم َعني؛ لكن ُمنذُ أ َ ْن ُك ْنتُ في ِس ِّن الخامسة؛ لم تُن ِقذني منه‬ ‫ِ‬
‫سيختلف هذه المرة؟‬ ‫َ‬ ‫يو ًما‪ ،‬فَ ِل َم إذن َ‬
‫ظنَنتُ أ َّن األمر َ‬

‫كوابيس‬
‫ٍ‬ ‫أن أهرب‪ -‬إلى‬ ‫أن عائلةً ما؛ تتبناني‪ ،‬أو ْ‬ ‫ظة ‪-‬التي ُك ْنتُ أتخيَّل فيها َّ‬ ‫تحولت أَحال ُم ال َي َق َ‬
‫َّ‬
‫س ِتها؛ لكنَّها‬
‫عبَتني أحالمي؛ ِب َوحشِيتها‪ ،‬وشَرا َ‬ ‫َ‬
‫طع قَضي َبه؛ و ُك ْنتُ أستَمتِع بذلك‪ .‬أر َ‬ ‫أَط َعنَهُ فيها‪ ،‬وأق َ‬
‫طمأنين ِة‪ ،‬والسالم؛ ب ُمشاهدةِ دَ َمهُ يَتَدفَّق‪ .‬ل ْم ت َ ُمر ليلةً؛ ل ْم تُراودني فيها‬ ‫ضا؛ لقد شَعرتُ بال َ‬ ‫َهدَّأتني أي ً‬
‫صا آخر ينزف‬ ‫س بالسعاد ِة‪ ،‬والطمأنين ِة الشديدين؛ لرؤي ِت ِه شخ ً‬ ‫َ‬
‫كيف أل َح ٍد أن َي ِح َّ‬ ‫َ‬ ‫تلك األحالم؛‬ ‫َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪49‬‬
‫وكرهتُ َكوني وحشيةً للغاية‪ ،‬و ُك ْنتُ غاضبةً من نفسي؛‬‫ِ‬ ‫َحتّى الموت؟ شعرتُ أَنّي َوحش‪،‬‬
‫ِلشعوري بتلك الراحة تغ ُم ُرني؛ عندما تُراودني تلك األفكار البَشعة‪.‬‬

‫ت الغالبية ال ُم ْس ِلمة‪ُ -‬مقززة ً‬‫اإلحصائيات عن َمدى شيوع هذا النوع ِمنَ التحرش‪ -‬في الدول ذا ِ‬
‫حقًّا‪ .‬الحاالت الشهيرة إعالميًّا لدى الجماهير؛ ِمثل حالة الطفلة زَ ينب أنصاري‪ -‬من باكستان‪-‬‬
‫ذات الست سنوات؛ والتي ُو ِجدَت ُجثَتها ُملقاة ً في َكو َم ِة قُمامة؛ بعد اغتصا ِبها ‪ ،‬ث ُ َّم قت ِلها؛ أجبرت‬
‫ولّي على اإلهتمام باألمر ؛ حسب ُمنظمة ساهيل غير الحكومية التي ُّ‬
‫‪12‬‬
‫مقرها في‬ ‫ال ُمجتم َع الدَ ِ‬
‫فإن ال ُمعدل المتوسط هو؛(‪ )11‬حالة تحرش و‪ /‬أو اعتداء جنسي على األطفال يُبلَّ ُغ‬ ‫إسالم أباد‪َّ ،‬‬
‫ْ ‪13‬‬
‫عشر طفالت قُتِلنَ في مدينة قصور‬ ‫ِ‬ ‫عنها يوميًّا عبر أنحاء باكستان‪َ .‬كانَت زينب واحدة من‬
‫‪ Kasur‬في مقاطعة بنجاب سنة (‪.)2018‬‬

‫أن أغلب حاالت التحرش باألطفال‪ /‬انتهاك‪،‬‬ ‫ما يُر ِعب أكثر بكثير من هذه األرقام؛ هو إدراك َّ‬
‫[مثال؟ لم يُبلَّغ عنها‪ُ .‬هنالك عار؛ وصمة؛ شعور‬ ‫ً‬ ‫واغتصاب األطفال؛ ال يُبلَّغ عنها أبدًا‪ .‬حالتي‬
‫سبَّب في ذلك‪ ،‬وجل َبهُ عليها‪ ،‬أو أن الطفل‪ ،‬أو الطفلة َكانَ‬ ‫بأنه خطأ البنت‪ ،‬أو أنها فعلت شيئًا ت َ َ‬
‫صبها‪ .‬هنالك‬ ‫الزواج من ُمغت َ ِ‬
‫ِ‬ ‫يستطيع إيقاف األمر؛ وفي بعض الدول يُمكن أن تُجبَر الفتاة على‬
‫أسباب كثيرة للغاية؛ تُخيف البنات‪ ،‬وتُر ِغم ُّهن على الصمت‪.‬‬
‫ٌ‬

‫األمر على البنات؛ ففي المجتمعات ال ُمس ِلمة‪ -‬التي تمارس الفصل بين الجنسين‬ ‫ُ‬ ‫قتصر‬
‫ُ‬ ‫وال يَ‬
‫ً‬
‫سبيال للوصول إلى البنات؛ إال إذا َكانَ لدى ال ُمتحرش ابنة‪ ،‬لكن لَدَيهم‬ ‫بتشد ُد‪ -‬ال َيجد ال ُمتحرشون‬
‫ً‬ ‫ً ز‬ ‫‪12‬‬
‫كثتا ف الدول المتدينة النامية مقارنة بندرته الشديدة‬ ‫هذه حالة اختطاف واغتصاب وتعذيب وقتل شخص غريب عن األرسة لطفلة‪ ،‬وهذا يحدث‬
‫ر‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫ف الدول المتقدمة والعلمانية‪ .‬لكن ال توجد إحصائيات رسمية عن التحرشات واالغتصاب ف نطاق العائالت نفسها‪ ،‬ك ال تحرج الشعوب الشقية‬
‫وحكوماتها من مواجهة هذه المسائل أغلب األحيان‪ ،‬وه عىل األرجح كثتة‪.‬‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪13‬كن اثنن ر‬
‫الجان بنفس الطريقة‪ ،‬وف يوم السبت ‪ 17‬رفتاير ‪2018‬م أصدرت محكمة مكافحة اإلرهاب ف باكستان‬ ‫عش طفلة اختطفهن واعتدى عليهن وقتلهن‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫حكما باإلعدام عىل عمران عىل أرشد ف قضية اغتصاب وقتل الطفلة زينب بعد إثبات التهمة عليه باألدلة الجنائية واعتافه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ز‬
‫ف ‪ 26‬يناير ‪ 2018‬بثت وسائل إعالم باكستانية ڤيديو مشب للقاتل عمران عىل أرشد وهو يروي تفاصيل حادثة القتل‪ .‬تضمن اعتاف عمران عىل أنه اعتضها‪،‬‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز َ‬
‫واستدرجها صباح ‪ 4‬يناير حي كانت ف طريق عودتها من درس تالوة القرآن الكريم إىل بيت خالتها ف مدينة قصور بإقليم البنجاب‪ ،‬والذي أقامت فيه خالل فتة‬
‫ز‬
‫انتظار عودة والديها من قضاء مناسك العمرة ف المملكة العربية السعودية‪ ،‬وذلك بخداعها أن والديها قد عادا من السعودية وأن بإمكانه اصطحابها إليهما‪ .‬ثم‬
‫متلها‪ .‬اعتف المتهم أنه فر بعد ارتكاب الجريمة بحق الطفلة زينب إىل مدينة باكبتان ثم‬ ‫اغتصبها عدة مرات قبل خنقها ورم جثتها زف مكب للنفايات بالقرب من ز ز‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫غادر إىل مدينة أريفواال‪ ،‬ليعود الحقا إىل مدينة قصور حيث شارك زف جنازة زينب زف ‪ 10‬يناير والن كانت بعد يوم من العثور عىل جثتها وعودة والديها من السعودية‪.‬‬
‫الشع الذي رأرسف عىل عملية‬ ‫تشي ح جثة الطفلة الباكستانية زينب األنصاري‪ ،‬والذي تسلمته المحكمة العليا زف الهور‪ ،‬تأكد الطبيب ر‬ ‫أظهرت نتائج تقرير رسم عن ر‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫تشي ح الطفلة أنها لقيت مرصعها قبل حواىل يومي‪ ،‬وهو ما يرجح أنها ظلت مختطفة لفتة تتاوح من يومي إىل ‪ 4‬أيام‪ ،‬منذ خطفها يوم ‪ 4‬يناير ف الفتة من ‪9 - 7‬‬
‫آن‪ .‬وقال أن هناك أدلة عىل تعرض الطفلة لالغتصاب قبل خنقها بقوة ما أدى إىل تهشيم عظام أسفل الفك‪ ،‬كما وجدت‬ ‫حي َكانت زف طريقها إىل درس قر ز‬
‫مساء ز‬‫ً‬
‫ً‬
‫جروح غائرة عىل اللسان من جراء ضغط األسنان عليه‪ ،‬وأن هناك عالمات عىل األنف والرقبة تدل عىل تعرض الطفلة للتعذيب أيضا‪ .‬أدت الجريمة والمظاهرات إىل‬
‫ز‬
‫المخطوفي لعام ‪2019‬م‬ ‫إصدار إعالن زينب أو إعالن تأهب زينب‪ ،‬قانون االستجابة وإنقاذ األطفال‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪50‬‬
‫قدرة على الوصول إلى األوالد؛ في أفغانستان تعني عبارة "باشا بازي" "لعب األوالد"‬
‫(بالفارسية‪ :‬بچه بازى ) ويقصد بها؛ ولد ٌ صغير َيستغَّله الرجا ُل جنسيًّا‪ .‬في رواية َ‬
‫‪14‬‬
‫عدَّاء الطائرة‬
‫الورقية؛ التي كتبها األفغاني األمريكي خالد حسيني سنة (‪ ، )2003‬والتي ت ُ َّ‬
‫‪15‬‬
‫صور ممارسة‬
‫"باشا بازي"‪ -‬في الحبكة يتم إرغام إبن األخ (األخت) غير الشقيق لبطل الرواية على أن يُص ِب َح‬
‫َفس هذا المسؤول؛‬ ‫الرتبة في طالبان‪ ،‬و َكانَ ن ْ‬‫صا‪ ،‬ومستعبَدًا جنسيًّا لدى مسؤول عالي ُ‬ ‫ُ‬
‫غال ًما راق ً‬
‫السن)؛ و َكانَ المسؤول ُمراهقًا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫(حديث‬ ‫أب الطفل ُمنذ سنوات؛ عندما كانَ َحدَثًا‬
‫قد اغتصب َ‬

‫ي لألطفال؛ ُمح َّمد ‪-‬أعظ ُم قُدوة لالنسانية‬ ‫لألسف؛ يَق َبل‪ ،‬ويُش َْر ِع ُن اإلسال ُم االستغال َل الجنس َّ‬
‫ليس تابو[ أو‬ ‫اغتصاب األطفال َ‬ ‫َ‬ ‫ذات ِست سنوات؛ ولذلك َّ‬
‫فإن‬ ‫على مر العصور‪ -‬تزو َّج طفلةً َ‬
‫حظورا؟ بل يُبَ َّجل في الحقيقة؛ طالما أن الشخص ُمتزوج من الطفلة‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫فإن زوا َج‬ ‫ً‬ ‫حرا ًما َم‬
‫ض دعوات لرفع سن‬ ‫ت الغالبية ال ُم ْس ِلمة‪ .‬في باكستان‪ ،‬وإيران تُج َه ُ‬ ‫األطفال ُمتَفشيَّا في البلدان ذا ِ‬
‫عمرها أق ُل من‬ ‫زوج بنتٌ ُ‬‫ص ُم بأنَّها مخالفة لإلسالم‪ُ .‬ك ّل ثانيتين من الزمن تقريبًا؛ ت ُ َّ‬ ‫الزواج‪ ،‬وتو َ‬
‫ت؛ بل‬ ‫ثمانية عشر عا ًما‪ ،‬وفي بعض تلك الحاالت؛ يكون سبب الزواج هو أن الطفلة اغت ُ ِ‬
‫صبَ ْ‬
‫غتصبها‪،‬‬
‫صبة من ُم ِ‬ ‫وسنَّت العديد من الدول ذات الغالبية ال ُم ْس ِلمة؛ قوانين تُش ِ َّرع زواج ال ُمغت َ‬
‫ألن ال أحدَ آخر‬ ‫صبها؛ َّ‬ ‫زوج ِمن ُمغتَ ِ‬ ‫ت فتاةُ؛ فإنَّها يجب أن ت ُ َ‬ ‫والتي تَنُص على أنَّه ‪ :‬إذا اغت ُ ِ‬
‫صبَ ْ‬
‫ض‪.‬‬‫سيق َب ُل بها؛ فهي ِبضاعةٌ ُمستع َملة وخَت ُمها قد فُ َّ‬ ‫َ‬

‫تفكيرهم؛ بقدرة‬
‫ِ‬ ‫ير هؤالء القوم طريقةَ‬ ‫من المهم أن َنتَذ َّكر َّ‬
‫أن هذه األفكار عابرة ً للحدود‪ .‬ال يُ ِغّ ُ‬
‫قادر‪ ،‬أو بطريق ٍة سحرية؛ عندما ينتقلون إلى دول ٍة أخرى‪ .‬تتعرض البنات ال ُم ْس ِلمات عبر أنحاء‬
‫العالم الى نَفس المعاملة غير االنسانية؛ َحتّى وإن َكانَت تُخالف قوانين الدول الالتي يَعشن فيها‪،‬‬
‫ي على الدول الغربية؛ أن تحمي ُمواطناتها الفتيات من العائالت‪،‬‬ ‫ولهذا فإنَّه واجب أساس ّ‬
‫والمجتمعات الوحشية الرجعية؛ التي تنخرط في تلك الممارسات الوحشية‪.‬‬

‫ز‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫‪ 14‬تعبت عام ز‬


‫اقصي‪،‬‬ ‫اهقي من الرجال‪ ،‬ويعرف هؤالء األطفال بالصبيان الر‬ ‫وغالبا ما يتضمن هذا التقليد التحرش الجنس باألطفال والمر‬ ‫يعن لعب الصبيان‪،‬‬
‫ر‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫ويتضمن هذا االستعباد الجنس ودعارة األطفال واإلكراه‪ ،‬وه ممارسة توجد ف بعض أنحاء أفغانستان وشماىل غرب باكستان‪ .‬رصح مسؤولون ف رسطة باكستان‬
‫الشطة‬‫وكثتا ما ُقدمت تقارير عن تورط واشتاك ر‬‫ً‬ ‫ز‬
‫مسلحي ذو نفوذ‪.‬‬ ‫ز‬
‫المتورطي فيها أمراء حرب‬ ‫أن ُهم ال يستطيعون القضاء عىل هذه الممارسة ألن الكثت من‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫قريس فيلما وثائقيا بعنوان (األطفال الراقصون بأفغانستان) ‪The Dancing Boys of‬‬ ‫األفغان نجيب هللا‬ ‫الصحف‬ ‫األفغانية الطالبانية ف تلك الجرائم‪ .‬وقد عمل‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫‪ Afghanistan‬من إنتاج رسكة أفالم ‪ ،Clover Films‬والذي أذيع ف المملكة المتحدة ف مارس ‪ 2021‬ثم ف الواليات المتحدة بعدها بشهر‪ ،‬وحاز جائزة من جوائز‬
‫اإلعالم الممنوحة من منظمة العفو الدولية‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫تتوفر ترجمة عربية لهذه الرواية عىل عدة مواقع عربية عىل اإلنتنت‪ ،‬وكذلك نسخة الفيلم المقتبس من الرواية ‪ 2007The Kite Runner‬متجمة للعربية‪ .‬تذكر‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫أن تشتي ها طبعا إذا كنت قادرا عىل ذلك لدعم المؤلف ودار النش ورسكة إنتاج الفيلم‪ ،‬بدًل من تحميلها مجانا وخرق حقوق النش‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪51‬‬
‫اليهود‬
‫سكب الماء البارد على وجهي؛ كي‬‫ظ من النوم قبل طلوع الشمس؛ ب َ‬ ‫بأن أ ُ ُوقَ َ‬
‫َكانَت أيّامي تبدأ ْ‬
‫خوف من‬
‫ٌ‬ ‫ص ِلّي صالة الفجر‪ .‬كانَ ُك ّل األطفال [في البيت؟ يُوقَظون هكذا؛ وإلى اآلن لَدَي‬ ‫أُ َ‬
‫الغَرق‪.‬‬

‫حرقُني عيناي‪ ،‬و َيثقُل رأسي؛ أُمارس الطقوس المتكررة التي حرمتني النوم‪ .‬بعد ذلك‬ ‫وبينما تَ ِ‬
‫ضى تلك الساعات في‬ ‫أجد أنه ما زالت هناك ساعات على وقت الذهاب الى المدرسة‪ .‬ف َكانَت ت ُ ْق َ‬
‫قراءة القرآن‪ُ .‬ك ْنتُ أنو ُح بال فهم‪ ،‬أو اكتراث بذلك الكالم األجنبّي اللغة‪ -‬الذي ال أفهمه ‪ -‬بصو ٍ‬
‫ت‬
‫عديد من السنوات الحقًا‪.‬‬ ‫عان شريرة مشؤومة تعل ّمتُها بعد َ‬‫متناغم َرتيب‪ ،‬والذي له َم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ي ٍ أخنف‬‫أنف ّ‬
‫ُك ْنتُ بالكاد أرى الكلمات في الصفحات عبر دموعي‪ ،‬وتعبي؛ لكن القراءة الخاطئة َكانَت لتجلب‬
‫لي ضربةً على الرأس‪ ،‬ف ُك ْنتُ أقرأ‪ ،‬وأقرأ‪ ،‬وأقرأ‪ ،‬وأُغم ِغم الكلمات بصو ٍ‬
‫ت عا ٍل‪ ،‬وأنا أتأرجح‬
‫إلى األمام‪ ،‬وإلى الخلف‪.‬‬

‫ث ال ُم ْس ِلمون على تَعلُّم‪،‬‬


‫لم ت ُك ْن الغاية من قراءة القرآن هي فَهمه ؛ بل حفظه ‪-‬هذا مهم‪ .-‬ال يُ َح ُّ‬
‫ألج ِل اجترار ِه فقط‪ .‬يحظى حافظ القرآن‬ ‫أو فَهم ما يقرءون‪ ،‬أو ير ِت ّلُون؛ بل ي ُْحتَفى بهم ْ‬
‫باالحترام‪ ،‬والعديد من المنافع؛ لكن ال توجد مكافآت تقديرية على فَهم القرآن؛ بل في غالب‬
‫لم لهم بمعانيها ؛ ‪-‬ال يفهم‬ ‫األحيان يكون أولئك الذين يُغم ِغمون بالكلماتِ؛ باجتهادٍ‪ ،‬ومثابرةٍ؛ ال ِع َ‬
‫غالبيةَ ال ُم ْس ِلمون اللغةَ العربية‪.-‬‬

‫ي حال [فهم معاني؟ ما تَتلوه‪ .‬ك ُم ْس ِلم ال خيار لك إال أن تقبل به وال يوجد‬ ‫لم َي ُك ْن مه ًما على أ ّ‬
‫ص بوضوح جدًّا في اآلية الثانية من سورة البقرة‪" :‬ذَ ِل َك‬ ‫شك؛ فالقرآن ينُ ُّ‬ ‫مجال للتساؤل‪ ،‬أو ال َّ‬
‫فكر نقدِّي؛ بما أنَّه‬ ‫بذهن منفتح‪ ،‬و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ْب فِي ِه ُهدًى ِلّ ْل ُمتَّقِينَ "‪ .‬فما الفائدة إذن من تِالوته‬ ‫اب الَ َري َ‬ ‫ْال ِكت َ ُ‬
‫خيارا متا ًحا َحتّى‪ .‬ك ُم ْس ِلم عليك أن‬ ‫ً‬ ‫ي حال؟ فهذا ليس‬ ‫ي كلمة فيه؛ على أ ّ‬ ‫ال يُ ْس َم ُح لك بالشك في أ ّ‬
‫ص على أنه‪ { :‬فَإِن لَّ ْم ت َ ْف َعلُواْ‪َ ،‬ولَن ت َ ْف َعلُواْ‬‫طا ُك ّل هذا الكتاب بما فيه‪ ،‬ألن القرآن َينُ ُّ‬ ‫تصدِّق اعتبا ً‬
‫‪16‬‬
‫ارة ُ أ ُ ِعد ْ‬
‫َّت ِل ْل َكافِ ِرينَ }؛(البقرة‪.)24 :‬‬ ‫اس‪َ ،‬و ْال ِح َج َ‬
‫ار الَّتِي َوقُودُهَا النَّ ُ‬
‫؛فَاتَّقُواْ النَّ َ‬

‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ز‬


‫أخرى ح ّن‬ ‫بل واألخطر من ذلك أن التشكيك والتساؤل ف اإلسالم والقرآن سبب ف ررسعه لقتل الشاك أو الناقد بل وإقامة حرب مع قبيلة أو دولة‬
‫‪16‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فف سورة التوبة أو براءة‪ { :‬و ِإن نكثوا أ ْيمان ُه ْم‬ ‫ي بمجرد الكالم والتعبت عن الر ّ‬
‫أي والنقد‪ ،‬ز‬ ‫بزعم أن الطرف اآلخر نقض معاهدة سلم معقودة مع ال ُم ْس ِلم ز‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪52‬‬
‫كبيرا في اإلسمنت الذي َكانَ‬ ‫ت تلك المعرفة شر ًخا ً‬ ‫عندما فهمت في النهاية ما ُك ْنتُ أتلوه؛ تَ َر َك ْ‬
‫[كفيال؟؛ بالتسبب في‬ ‫ً‬ ‫كامالً؛ فما فَهمتُه َكانَ كافيًا‬‫يحيطني؛ إذ لم أ َ ُك ْن َحتّى في حاجة إلى فهمه ِ‬
‫صد ُوعٍ في اإلسمنت؛ الذي َكانَ يُس َكب عل َّ‬
‫‪17‬‬
‫ي يوميًّا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أصف ‪-‬عشرينَ مرةٍ يوميًا تقريبا ً‪ -‬غير ال ُم ْس ِلمين؛‬ ‫ضت؛ ُك ْنتُ ِ‬ ‫تعلَّمتُ أ ِنّي ِطوال بضعِ سنين م َ‬
‫َّ‬
‫‪،‬وأن‬ ‫‪18‬‬
‫أن ال ُم ْس ِلمين الذين يصادقون غير ال ُم ْس ِلمين؛ َمصيرهم جهنم‬ ‫أنَّهم أعداء هللا‪ ،‬و ُك ْنتُ أتلو َّ‬
‫أن اليهود‬ ‫غير ال ُم ْس ِلمين هم أدنى من الحيوان مرتبة ‪،‬و ال فائدة منهم؛ إال َكوقو ٍد لجهنم ‪،‬و َّ‬
‫‪20‬‬ ‫‪19‬‬
‫َ‬
‫‪22‬‬
‫َ‬
‫كثير من اآليات تنعت غير ال ُم ْس ِلمين؛ بالكاذبين الذين ال يمكن الثقة بهم‪.‬‬ ‫‪21‬‬
‫أدنى من البشر ‪ٌ .‬‬
‫أؤمن بتلك األشياء!‪ .‬لم‬ ‫غ ِش ْشتُ ‪ ،‬و ُخ ِد ْعتُ ‪ .‬لم أرغب في التلفُّظ بتلك األشياء‪ ،‬ولم ِ‬ ‫شعرت بأَنّي ُ‬
‫أحب أصدقائي؛ بل وفي الحقيقة قد كانوا‬ ‫ُ‬ ‫ب كراهي ٍة يوميًّا؛ لقد ُك ْنتُ‬ ‫أ ُك ْن أعلم أَنّي أُغم ِغم بخطا ِ‬
‫الشيء اإليجابي الوحيد في حياتي‪.‬‬

‫سبي؟‪ ،‬أو‬
‫في اإلسالم؛ ال ُم ْس ِلمون فقط لهم قيمة‪ ،‬فال مان َع ِمن اغتصاب غير ال ُم ْس ِلمات [ال َّ‬
‫استِعباد غير ال ُم ْس ِلمين‪ ،‬وغير ال ُم ْس ِلمات‪ُ .‬ك ّل من هم ليسوا من ال ُم ْس ِلمين ال ُم ْخ ِلصين يتعرضون‬

‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ز‬


‫ِم ْن ب ْع ِد ع ْه ِد ِه ْم وطعنوا ِف ِد ِينك ْم فق ِاتلوا أ ِئمة الكف ِر ِإن ُه ْم ال أ ْيمان ل ُه ْم لعل ُه ْم ينت ُهون (‪ .})12‬وكتب ستة ُمحمد واألحاديث حافلة بقصص قتل من‬
‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ُ ً‬
‫وقينن (مغنين) األخطل ف مكة وغتهم‪ ،‬وممن ق ِتلوا‬ ‫زانتقدوا اإلسالم ومحمدا مثل عصماء بنت مروان وأم قرفة وكعب بن األرسف النبيل اليهودي ِ‬
‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ز‬
‫المسكي زوجته‪ //‬فجرت عيناه من درره‪ .‬ما قض‬ ‫ز‬
‫المسكي من‬
‫ُِ‬ ‫ُ‬ ‫صاحب قصيدة‪ :‬غصب ِ‬ ‫األزدي الجذام َ‬ ‫َ َ‬
‫العباسيي صالح بن عبد القدوس‬ ‫ف عرص‬
‫ز‬ ‫ُ‬
‫دره‪ .‬وممن ق ِتلوا إبراهيم بن دنينت‪ ،‬وف العرص الحديث ق ِتل الكثت‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫الجور‬ ‫كون‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪//‬‬‫بنا‬ ‫طيف‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫اَلل‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ذت‬ ‫ع‬ ‫‪//‬‬ ‫طره‬ ‫و‬ ‫من‬ ‫المعشار‬ ‫ال‬‫و‬ ‫ال‬ ‫وطر‪//‬‬
‫ِ ز‬ ‫ز ِ‬
‫ومصطف جحا والكثت من األسماء المهمة لمفكرين ف السودان وإيران والسعودية وغتها‪ .‬والقائمة تطول لو أمكن‬ ‫من المفكرين منهم فرج فودة‬
‫ز‬ ‫ُ‬
‫معرفة ورسد ك ّل من قتلهم ُمحمد وأتباعه منذ عرص ُمحمد وبعد موت ُمحمد ح ّن عرصنا الحديث ف شن دول وبقاع العالم اإلسالم لمجرد نقد‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫اإلسالم والقرآن وستة محمد ‪،‬والقائمة مليئة بآالف القتىل منهم من حفظت الكتابة والسجالت وكتب التاري خ أسماءهم‪ ،‬وحتما لم تحرص كل أسماء‬
‫والشطة‪ -‬المتجم‪.‬‬ ‫الضحايا زف كتب التاري خ وسجالت القضاء ر‬
‫‪17‬‬
‫صدوع‪ :‬شقوق‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ْ ُ ُ ْ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ي (‪})51‬‬ ‫اَلل ًل ي ْه ِدي الق ْوم الظ ِال ِم ز‬ ‫ض ۚ ومن يتول ُهم ِّمنك ْم ف ِإنه ِمن ُه ْم ۗ ِإن‬ ‫ٰ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪18‬‬
‫{يا أيها ال ِذين آمنوا ًل تت ِخذوا اليهود والنصارى أو ِلياء ۘ بعضهم أو ِلياء بع ٍ‬
‫المائدة‬
‫ُ‬ ‫ُّ ْ ْ َّ‬ ‫َّ‬ ‫اَلل َّالذين َكف ُروا ف ُه ْم ًل ُي ْؤم ُنون (‪ })55‬األنفال‪ { ،‬إن ررس الدو ِّ‬ ‫َّ‬ ‫‪{ 19‬إن ررس الدو ِّ‬
‫الص ُّم ال ُبك ُم ال ِذين ًل ي ْع ِقلون (‪ })22‬األنفال‬ ‫اَلل‬
‫ِ‬ ‫ند‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ند‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫اب‬
‫ُ‬ ‫َُِ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ ِ 20‬‬
‫الطتي‪... :‬الضحاك يقول زف قوله ( حص ُب جهنم ) يقول‪:‬‬ ‫ز‬
‫اَلل حصب جهنم أنت ْم لها و ِاردون (‪ })98‬األنبياء‪ ،‬وف تفست ر‬
‫ُ‬
‫ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ{إنك ْم وما ت ْع ُبدون ِمن د‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تحصب بهم‪ ،‬وهو الرم يقول‪ :‬يرم بهم فيها‪.....‬وكان ابن عباس إن كان قرأ ذلك كذلك [قراءة حض ُب بالضاد]‪ ،‬أراد أن ُهم الذين تسعر‬ ‫ُ‬ ‫إن جهنم إنما‬
‫بهم جهنم‪ ،‬ويوقد بهم فيها النار‪ ،‬وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به فهو عند العرب حضب لها‪.‬‬
‫ر ٌّ َ ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اَلل ۚ من َّلعن ُه َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ً‬ ‫‪ُ { 21‬ق ْل ه ْل ُأن ِّب ُئ ُكم ب ر ٍّ ِّ‬
‫رس مكانا وأض ُّل‬ ‫اَلل وغ ِضب عل ْي ِه وجعل ِمن ُه ُم ال ِقردة والخن ِازير وعبد الطاغوت ۚ أول ٰ ِئك‬ ‫ش من ذ ٰ ِلك مثوبة ِعند ِ‬ ‫ِ‬
‫يل (‪ })60‬المائدة‬ ‫عن سو ِاء الس ِب ِ‬
‫اَلل وما ُأنزل إ َل ْينا وما ُأنزل من ق ْب ُل و َأن َأ ْك رتُك ْم فاس ُقون (‪ .....)59‬وتر ٰى َكث ًتا ِّم ْن ُهمْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َْ ْ‬
‫‪:‬‬ ‫‪22‬‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫آمنا ِب ِ َ ِ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫اب هل ت ِنقمون ِمنا ِإًل أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫{قل يا أ َه ْل ال ِكت ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عىل سبيل المثال‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الس ْحت ۚ ل ِبئس ما‬ ‫الس ْحت ۚ لبئس ما كانوا ي ْعملون (‪ )62‬ل ْوًل ينهاه ُم الربان ُّيون واأل ْحب ُار عن ق ْوله ُم اإلثم وأ كله ُم ُّ‬ ‫ُيسار ُعون زف اإلثم وال ُعدوان وأ كله ُم ُّ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َ ُ ِ‬
‫كانوا ي ْصن ُعون (‪ })63‬المائدة‪ ،‬و{ولن ت ْرض عنك اليهود وًل النصارى حن تت ِبع ِملتهم ۗ‪ }....‬سورة البقرة من اآلية‪ /‬النص ‪.120‬‬
‫ْ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫ز‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪53‬‬
‫لدرجات متباينة من ال ُكره‪ ،‬و أكثر الذين يكرههم ال ُم ْس ِلمون من بين الناس جميعًا هم اليهود‪،‬‬
‫ي‪ 23‬جدًّا‪ ،‬وعميق‪ ،‬وال لِينَ فيه‪.‬‬ ‫ليس ُمبالَغًا فيه؛ َّ‬
‫إن ُكره اليهود في اإلسالم َج ِل ٌّ‬ ‫وقَولي هذا َ‬

‫لخيار في‬ ‫أن إحدى عماتي [أو خاالتي؟ ؛ ‪-‬عندما ُك ْنتُ في ِمصر‪ -‬تح َّ‬
‫س َرت لكون ا ِ‬ ‫أَتَذ َّكر َّ‬
‫السوق َكانَ أصغر تلك السنة؛ ألن اليهود كانوا َيدُّسون السرطان في الخَضروات! َحتّى و أنا‬
‫أن هذه فكرة ٌ سخيفة؛ ال يمكن وضع السرطان في الخضروات؛ مع‬ ‫ذات سبعِ سنوات ع ِل ْمتُ َّ‬
‫أن عمتي لم تَ ُك ْن َحتّى متد ِيّنة‪.‬‬
‫العلم َّ‬

‫عادية[ر ُجل الشارع‪ ،‬أو العامة؟‪ .‬ال أقدر‬‫َ‬ ‫لشخص ُم ْس ِلم‪ ،‬أو ُم ْس ِلمة‬
‫ٍ‬ ‫هذا هو الخطاب العادي‬
‫أن أقارنه؛ اال برهاب الشيوعيين أثناء المكارثية في أمريكا‪ِ .‬بيدَ أن ال ُم ْس ِلمين يعيشون هذا‬ ‫ْ‬
‫ظ َل األطفال ال ُم ْس ِلمون يتعرضون إلى غسيل‬ ‫جيال بعد جيل َ‬ ‫الرهاب منذ أكثر من(‪ 1400‬سنة)‪ً .‬‬
‫الدماغ ؛ كي يكرهوا ُك ّل اليهود كما يكرههم هللا؛ دون سبب‪ ،‬أو َمغزى ‪َ .‬حتّى أينشتاين لم َي ْسلَ ْم‬
‫من هذا؛ لقد نبذَ ال ُم ْس ِلمون ك َّل مساهماتِه العلمية باستخفافٍ ‪ ،‬وتحقير‪ " :‬أيشنتاين؟ ما هو إال‬
‫يعرفهُ أينشتاين؟"‬
‫ي؛ غبي؛ قذر؛ ما الذي ِ‬
‫يهود ٌّ‬

‫شر َفني؛ بتسميتي فلسطين‪ .‬لكن ما أن علمت أ ُ ّمي معنى‬ ‫أن أبي فلسطيني‪ ،‬فقد أرادَ أن يُ ِ ّ‬ ‫بما َّ‬
‫طق ياسمين‪-‬‬ ‫الكلمة في اإلنچليزية غيرته الى اسم له لفظ مشابه في الصوتيات ‪-‬بالعربية اسمي يُن َ‬
‫‪َ .‬كانَ الخطاب الداعم لفلسطين‪ ،‬و المعادي إلسرائيل جز ًء من حياتي منذ طفولتي؛ لقد َكانَ ُكرهَ‬
‫إسرائيل‪ ،‬و ُك ّل يهود العالم ُخبزَ نا اليومي الذي نأكل منذ بداية حياتي‪ ،‬و َكانَ دائما من المسلَّمات‬
‫ي‬ ‫التي ال يجوز تغييرها‪ .‬منعتني أ ُ ّمي من مشاهدة ساين ِفلد؛ ألنَّه ي ِع ُّج باليهود؛ َكانَت َ‬
‫تكره أ ّ‬
‫أن اسمه كانَ يبدو يهوديًّا‪َ .‬كانَت كلمة "يهودي" تُستخدم لسب أحقر الناس؛ هذه‬ ‫فورا لو َّ‬
‫شخص ً‬
‫الكراهية لدى ال ُم ْس ِلمين معتادة عمو ًما لدرجة التُخمة‪.‬‬
‫عليك أن تُخفف من‬ ‫َ‬ ‫طا في المجال العام‪ ،‬فسيكون‬ ‫لكن في الغرب‪ ،‬وخاصةً إن َ‬
‫كنت ُم ْس ِل ًما ناش ً‬
‫ت أن هذه مهمة صعبة على بعض ال ُم ْس ِلمين السياسيين‪ ،‬وسبب‬ ‫حدة معاداتِك للسامية‪ ،‬وقد أُثْ ِب َ‬
‫أن معاداة‬ ‫ً‬
‫مقبوال هو؛ َّ‬ ‫الصعوبة عليهم في معرفة ما هو مقبو ٌل التغريد به على تويتر‪ ،‬وما ليس‬
‫السامية تحيط بهم؛ كما يحيط الماء بالسمكة‪ .‬من المهم اإلشارة إلى أن الكثير من العرب‪،‬‬
‫لكن أولئك األشخاص لألسف يُ ْس َكتُون؛ ألنَّ ُهم ال يلتزمون‬ ‫وال ُم ْس ِلمين ليسوا معادين للسامية؛ َّ‬

‫جىل‪ :‬واضح‪ ،‬والجالء ب ز‬


‫معن الوضوح‪.‬‬ ‫‪ٌّ 23‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪54‬‬
‫بالسردية‪ ،‬أو األدبيات المقبولة ال ُمهيمنة؛ فاألشخاص مثل باسم عيد يُ ْق َ‬
‫ص ْونَ إعالميًّا‪ ،‬أو يُ ِت ّ َه ُمون‬
‫بخيانة دينهم‪ ،‬أو ِعرقهم‪ .‬ما عليك إال أن تبحث في جوجل عن " ُم ْس ِلم مؤيد للصهيونية‪ ،‬أو‬
‫بدال من أن يحتفي‬ ‫صهيوني" وستجد الكثيرين الذي يحاولون إيصال أصواتهم‪ .‬من المؤسف أنه ً‬
‫الغرب بأصوات المختلفين‪ ،‬والمنش ِقّين في مجتمعاتهم‪ ،‬والتي يخاطر أصحابها بسالمتهم‪،‬‬
‫وحيواتهم منادين بالحب‪ ،‬وقبول اآلخر‪ ،‬والتعايش‪ ،‬فإن الغرب يدعم ال ُم ْس ِلمين المعادين للسامية‬
‫الذين يكررون نفس الكالم النمطي فقط‪.‬‬

‫ب وحشي ِتها‪ ،‬وسوء إدارتها للموارد‬ ‫تظاهر الكثير من الفلسطينيين في غزة ضدَّ حماس بسب ِ‬
‫ت في شراء قصور لقادةِ‬ ‫ُفترض أن تصل إلى الفلسطينيين؛ است ُ ْع ِملَ ْ‬ ‫المالية؛ فاألموال التي َكانَ ي َ‬
‫حماس‪ ،‬أو لشراء قذائف‪ ،‬وصواريخ‪ .‬يتظاهر الغ ِ َّزيون عبر التمرد في الشارع‪ ،‬ويُقتَلون‬
‫بالرصاص بوحشيةٍ‪ ،‬وال يُغطي اإلعالم مظاهراتهم؛ إال على نح ٍو هزيل‪ ،‬وال يكترث أحد ٌ بهم‪.‬‬
‫ال أحد مهتم بالسماع عن هؤالء الثوار الشجعان الذين يخاطرون بحياتهم ليقولوا أنَّ ُهم سئموا‬
‫لكن حماس ال‬ ‫زاهرا ألطفالهم؛ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مستقبال‬ ‫الحرب؛ إنهم يريدون السالم مع إسرائيل‪ ،‬و يريدون‬
‫تريد السالم؛ حماس تريد إبادة اسرائيل وك َّل من فيها‪ ،‬وهي ال تُخفي ذلك؛ بل تعلنه‪ .‬يظهر هذا‬
‫نظم في ُك ّل مكان في العالم َحتّى في‬ ‫ت [إسالمية؟ للقدس‪ ،‬والتي ت ُ َّ‬ ‫ي أح ٍد شاهد تظاهرا ٍ‬ ‫جليًّا أل ّ‬
‫الدول الغربية سنويًّا‪ .‬المناداة بخطاب كراهية في الشارع غير مقبول عمو ًما في تلك الدول‬
‫الغربية؛ إال إذا َكانَ معاديًا للسامية بغي ً‬
‫ضا‪ ،‬فعندئ ٍذ يُتجاهَل‪.‬‬

‫يوجد انطباع سائد أن اإلسالم ُ‬


‫دين سالم؛ فقط الذين لم يقرؤوا القرآن يمكن لهم أن يعتقدوا في‬
‫هذا ‪ ،‬ويقومون بتأ ِكيدهِ؛ يعُ ُّج‪ ،‬ويَطفح القرآن؛ والحديث بالعنف؛ ال يوجد عذر في عصر‬
‫العصر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اختيار في هذا‬
‫ٌ‬ ‫اإلنترنت للناس كي يكرروا عبارات جاهزة‪ .‬الجهل‬

‫ي؛ إال أنَّهم ليسوا‬


‫أن القرآن كالم هللا الحرف ّ‬‫ورغم صحة حقيقة أن ك َّل ال ُم ْس ِلمين يؤمنون؛ َّ‬
‫مستعدين للتصرف على أساس أوامره‪ ،‬وتعاليمه؛ لكن الكثيرين يصلحون كقصص وأخبار‬
‫حادث جديد مرتبط بـ إرهابيين؛‬ ‫ٌ‬ ‫جالبة لالنتباه على اإلنترنت‪ ،‬والتِلفاز‪ 24‬؛ ألنه يوجد دائ ًما‬
‫إسالميين‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ترندات أو أحداث وأمور تجذب الجمهور‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪55‬‬
‫يُقال أنَّه ال يوجد دُخان بال نار؛ وهنالك َك ٌم هائِ ٌل من الدخان ينبعث من ك ِّل أرجاء ال ُكرة‬
‫ت يوميًّا ‪-‬أكثر من مليار‬ ‫خمس مرا ٍ‬
‫ُ‬ ‫نارا تَست ِع ُر؛ فعلى األقل؛‪-‬‬
‫أن هناك ً‬ ‫شك َّ‬
‫األرضية‪ ،‬فال يوجد ٌّ‬
‫ُصيب‬
‫ُ‬ ‫شخص في العالم َيتْلُ ُونَ دا ِع ِين إلى قتل غير ال ُم ْس ِلمين؛ فَغسي ُل الدماغِ هذا؛ دون شك ي‬
‫أن(‪1‬بالمئة) فقط ِمن هؤالء المليار شخص؛ لُ ِقّنوا هذه العقيدة‪،‬‬ ‫الكثير من العقول؛ و َحتّى لو َّ‬ ‫َ‬
‫غير أن الحقيقة ‪-‬‬
‫وتشربوا بها‪ ،‬لكانَ سيكون عددهم (‪16‬مليون) شخص؛ يعتقد بهذه التعاليم؛ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫لألسف‪ -‬هي أنَّ ُهم أكثر بكثير من (‪ 1‬بالمئة)‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪56‬‬
‫اإلخضاع ‪2‬‬
‫كرر الحركات‪ ،‬وأهَم ِهم‬ ‫ل ُحسن الحظ؛ لم أ َ ُك ْن من الذين تم غَس ِل أدمغ ِتهم بنجاح؛ ُك ْنتُ فقط أ ُ ّ‬
‫فرقة بين كلمة‪ ،‬وغيرها‪ .‬لقد ُك ْنتُ أنتَ ِحل شخصيةً في‬ ‫بالكلمات األجنبية؛ دون أن أقدِر على الت َ ِ‬
‫بيتي‪ .‬في إحدى المرات؛ الحظت أ ُ ّمي أنّي ُك ْنتُ قد كتبتُ اسمي "جاسمين" باإلنچليزية؛ ِع َو ً‬
‫ضا‬
‫عن ياسمين بالنطق العربي (وهي ترجمة مباشرة السمي من العربية إلى اإلنچليزية)‪ ،‬فَفَقدت‬
‫صوابَها ألج ِل ذلك‪.‬‬

‫ُّ‬
‫يستحق عقابًا ال‬ ‫أن هذا التصرف في محاولة التشبه بالكفار‬ ‫قرر؛ َّ‬
‫أ َّما زو ُجها المزيَّف؛ فقد َّ‬
‫سخرية؛ إذ َّ‬
‫أن زمال َءه في العمل كانوا ينادونه مايك‪.‬‬ ‫ثير لل ُ‬
‫يمكن أن أنساه؛ وهذا ُم ٌ‬

‫جلستُ ُمحدقةً في الجدار؛ متمنيةً أن أختفي عبر خزانة الثياب إلى عالم نارنيا‪25‬؛ لم أ ُ ِرد حتَّى‬
‫علّي أستطيع أن‬ ‫وف يبتكرها هذه المرة؛ ِ‬ ‫س َ‬ ‫أن أُجازف ِبت َخيُّل نو َ‬
‫ع الخط ِة الشيطانية للعقاب؛ التي َ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫أجد حديقةً سرية؛ البد أن هنالك طريقةً للهروب من حياة العذاب هذه التي أعيشها؛ َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫فقط أن أجدها‪.‬‬

‫قبل أن أجد مهربًا سمعتهم ينادون باسمي؛ اقتادني إلى مرآب السيارة (الجراج)؛ حيث قيَّدَ‬
‫بأن أستلقي على أرضية‬ ‫أدر ما كانَ ينوي فِعلَه بي؛ عندما أمرني ْ‬
‫ي معًا ورا َء ظهري؛ لم ِ‬ ‫معص َم َّ‬
‫توترا مألوفًا؛ هذا ال‬ ‫ً‬ ‫ي معًا بحبل‪ ،‬فشعرت بشعور مألوف جلب لي‬ ‫ي قد َم َّ‬ ‫المرآب؛ ث ُ َّم أوثَق ِ‬
‫كاحلَ َّ‬
‫ي ذكريات ودَدتُ لو نسيتها‪ .‬استلقيتُ على أرضي ِة الجراج‪ ،‬وقد أصابني ما أعرف‬ ‫يزا ُل يثير ف َّ‬
‫بالخطاف الذي يستعمله‬ ‫َّ‬ ‫ب‬
‫سا على عق ٍ‬‫اليوم أنَّه نوبة هلع‪ ،‬وأنا في تلك الحالة؛ علقني مقلوبةً رأ ً‬
‫ذبيح؛ ُك ْنتُ‬
‫ٍ‬ ‫كحيوان‬
‫ٍ‬ ‫ب؛‬ ‫ابتكر خطةً لتعليقي مقلوبةً رأ ً‬
‫سا على عق ٍ‬ ‫َ‬ ‫لتعليق ذبيحة خروف العيد؛ لقد‬
‫ي‪ ،‬ويستطي َع‬ ‫واقف على ُكرسي؛ كي يَصل إلى قد َم َّ‬ ‫ٌ‬ ‫أتأر َجح إلى األمام‪ ،‬والى الخلف ‪ ،‬وهو‬
‫جلدَ ُهما‪.‬‬

‫ُ‬ ‫‪25‬‬
‫سجالت نارنيا أو كرونيكلز أوف نارنيا ‪ The Chronicles of Narnia:‬سلسلة فانتازيا خيالية تتكون من سبع روايات من تأليف المؤلف الشهت‬
‫ز‬
‫س‪ .‬إس‪ .‬لويس‪ ،‬تشتهر هذه السلسة ف أدب األطفال‪ ،‬وه من أعظم أعمال الكاتب‪ .‬لقد بيع ما يقرب من ‪ 100‬مليون نسخة بحواىل ‪ 47‬لغة‪ .‬نارنيا‬
‫ز‬ ‫ُ‬
‫عالم خياىل يتضمن السحر ؛و وحوش خرافية وحيوانات متكلمة‪ .‬تحك السلسلة عن مغامرات مجموعة من األطفال الذين يلعبون أدوار هامة ف‬
‫الكشف عن تاري خ هذا العالم‪ ،‬فيما عدا رواية الحصان وصبيه حيث أن أبطال هذه الرواية‪ ،‬عكس باف الروايات‪ ،‬أطفال يأتون من العالم الحقيف‪ .‬قد‬
‫جاءوا إىل نارنيا بواسطة السحر وقد طلب منهم ازالن األسد أن يحموا نارنيا من كل ررس وأن يعيدوا العرش إىل الوريث الحقيف‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪57‬‬
‫وبينما أنا ُمعلَّقةً؛ كخروفٍ بعدَ ذبحه‪ ،‬والدم يندفع إلى رأسي‪ ،‬والدموع‪ ،‬وال ُمخاط ؛يمأل ُ ك َل‬
‫إحساس بجسدي‪ُ .‬ك ْنتُ قد قرأت حديثًا للممثلة‬ ‫ٍ‬ ‫تجاويف وجهي‪ ،‬اكتشفتُ طريقةً أ ُ‬
‫سدُّ بها ك َّل‬
‫شيرلي ماكلين عن تجرب ٍة لها في الخروج من الجسد‪ ،‬و ُك ْنتُ أحاول معرفة كيفية فعل ذلك؛ َكانَ‬
‫أكثر ما أريده هو أن أخرج من هذا الجسد‪ ،‬من هذه الحياة التي أنا عالقة فيها‪.‬‬

‫ُك ْنتُ قد َحظيتُ بالكثير من الفرص‪ ،‬والوقت لتحسين‪ ،‬وصقل قدراتي خالل السنوات‪،‬‬
‫انكمش على‬
‫ُ‬ ‫ي شيء حقًّا؛ ُك ْنتُ‬ ‫وفاجأت نفسي في الحقيقة؛ بمدى قدرتي على عدم الشعور بأ ّ‬
‫صراخي‪،‬‬ ‫راض‪ ،‬ومستا ًء من عدم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫فرغ من تعذيبِه‪ ،‬ولكونه َ‬‫نفسي في وضعية‪ ،‬وأنتظر أن يَ َ‬
‫وأكثر من مرة شاهدته‬ ‫َ‬ ‫يضربني بإبزيمه الحديدي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يقلب حزا َمه؛ كي‬‫ُ‬ ‫أو محاولتي الهرب؛ َكانَ‬
‫ِق بي؛ ُمتح ِيّ ًرا‪ ،‬وحبات العرق تتصبَّب من جبينه؛ أظنه َكانَ يشعر أَنّي أسخَر من قوتِه‬ ‫يحدّ ُ‬
‫الذُكورية؛ من خالل عدم رد الفعل‪ ،‬ألن ذلك فقط يغضبه‪ ،‬ويحثُّه على مواصلة ضربي‪ .‬كنا‬
‫وكثيرا ما ُك ْنتُ أُطلق بضع صرخاتٍ؛ كي يحس بالرضا ويتركني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ق مسدود‪،‬‬ ‫نصل إلى طري ٍ‬
‫توجد أجزاء من كياني قد تضررت على نحو ال عالج له‪ ،‬على األرجح أكثر مما أريد أن‬
‫أعترف به لنفسي‪ .‬و قد تطلب مني األمر سنوات َحتّى تعود لي القدرة على التعاطف مع‬
‫اآلخرين كما أتعاطف اآلن‪ .‬عندما تقطع اإلحساس بجسدك فأنت تقطع دون إرادة منك عواطفك‬
‫[مثال؟ بالدغدغة اآلن‪ .‬توجد صورة أخذها لي أبي‪ ،‬وأنا أضحك بينما‬ ‫ً‬ ‫ضا‪ .‬فأنا لم أعد أحس‬‫أي ً‬
‫يدغدغني إخوتي على العشب في حديقة الملكة إليزابيث؛ عندما َكانَ عمري ثالث‪ ،‬أو أربع‬
‫سنوات‪ .‬أنظر الى تلك الصورة محاولة استرجاع ماهية اإلحساس بالدغدغة‪ ،‬وكيف َكانَت بهجة‬
‫ذلك الضحك‪ .‬لكن عبثًا أفعل ذلك إذ أَنّي قد فقدت الشعور بذلك وحسب‪.‬‬

‫ب‪ ،‬وأنّي أ ُ ْجلَد‪ ،‬لكنّي‬


‫سا على عق ٍ‬‫و أنا ُمعلَّقةً في المرآب؛ ُك ْنتُ واعية بأَنّي معلقة بالمقلوب رأ ً‬
‫الوعي‪ ،‬واألمر الالحق الذي وعيتُه أن أ ُ ّمي َكانَت‬ ‫لم أعد أحس بشيء‪ ،‬وفي مرحل ٍة ما؛ فقدتُ َ‬
‫تصرخ‪:‬‬
‫ُ‬
‫"ما الذي سنفعله اآلن؟"‬
‫َكانَت خائفة من أن يكون قد قتلني‪ ،‬فهي ل ْم ت ُك ْن ُمنزعجةً ِمن أنّي؛ قد أكون قُتِ ْلتُ ‪ ،‬بل َكانَت‬
‫صرخاتها‬ ‫خائفة فقط مما سيحدث لهما لو أنَّ ُهما قد قتالني ؛ عندما عدت الى َوعيي‪ ،‬وسمعت َ‬
‫سأرغب في االستيقاظ؟‬ ‫أن أعود الى َوعيي‪ .‬لماذا َ‬ ‫المرعوبة؛ تمنيتُ لو أَنّي قد ِم ُّ‬
‫ت؛ لَ ْم ِأرد ْ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪58‬‬
‫طرا؛ لكن ما زالت بي رغبة يائسة؛ في أن تُحبني أ ّمي‪.‬‬ ‫ُك ْنتُ حزينةً للغاية‪ ،‬و َكانَ قلبي ُمن َف ً‬
‫ُك ْنتُ عالقةً؛ ُممزَ قةً في قِسم ٍة ثنائية؛ بين رغبتي في أن تحبني أ ُ ّمي؛ وتقبَلَني؛ وتقدّ َِرني‪ ،‬وبين‬
‫أن أبتعد عنها بأقصى قَ ٍ‬
‫در ممكن‪.‬‬ ‫رغبتي المساوية لذلك؛ في ْ‬

‫دور البنت‬ ‫ي م َكان‪ ،‬ولم ي ُك ْن لي خَيار؛ ِسوى ْ‬


‫أن ألعب َ‬ ‫لكنّي ل ْم أ ُك ْن قادرة ً على الذهاب الى أ ّ‬
‫أصعب شيءٍ‬
‫َ‬ ‫ت‪ ،‬أو ح َييْتُ ‪ ،‬و َكانَ هذا‬
‫إن ِم ُّ‬ ‫ال ُمطيعة‪ُ .‬ك ْنتُ أعلم أن أ ُ ّمي َ‬
‫تكر ُهني‪ ،‬وأنَّها ال تهتم ْ‬
‫ي‪ .‬ظنَنتُ أَنّي أنا السبب في كرهها لي‪ .‬وأنه َكانَ خطأي؛ ألن الشيطان َكانَ أقوى مني‬ ‫عل َّ‬
‫َ‬
‫و َيتملَّكني؛ لَقد حاولت بأقصى جهدي أن أفعل ك َّل ما تريده مني‪.‬‬

‫ع اإلسمنت‬ ‫أتوقَّف عن ال ُمقاومة‪ْ ،‬‬


‫وأن أدَ َ‬ ‫أن َ‬ ‫أن ما أرادَتْهُ؛ هو َكسري؛ أرادَتْني ْ‬ ‫َكانَ جليًّا َّ‬
‫يدفنُني إلى األبد‪ .‬في ُك ّل مرة قاومت فيها تسبَّبْتُ في صدوعٍ أكثر في الخرسانة‪َ .‬كانَ هدفُها أن‬
‫ت أن تح ِقّقَ هذا؛ ليس فحسب من خالل‬ ‫تجعلني أتوقف عن المقاومة‪ ،‬وأن أخضع‪ ،‬وقد ِأملَ ْ‬
‫ضا؛ َكانَ الهدف هو نفسه‬‫روتينية‪ ،‬ورتابة الصلوات الخمس اليومية‪ ،‬بل وكذلك بطرق أخرى أي ً‬
‫دائ ًما‪ :‬أن تُعلّمنا اال ِت ّباع دون تفكير‪.‬‬

‫طفيلية‪ ،‬بدون قفازات‪ ،‬وال‬ ‫ب ال ُ‬


‫ع األعشا ِ‬ ‫وقت الفراغ؛ هو ْ‬
‫أن نَنز َ‬ ‫َ‬ ‫َكانَ أ َحد وسائل تَزجي ِة‬
‫سوداوين من الطين الذي تغلّغَل في جلدي‪ُ .‬ك ْنتُ أنَزع‬ ‫ان؛ َ‬‫داي الخشِنتان؛ الث َ ِفنَت َ ِ‬‫أدوات‪َ .‬كانَت َي َ‬
‫‪26‬‬
‫األعشاب يوميًّا في َمهم ٍة ال نهائية سيزيفية‬
‫أن هنالك ُمبيدات لألعشاب الطفيلية؛ عندما قرأتُ‬ ‫علمتُ الحقًا؛ َّ‬ ‫وغضبْتُ ؛ عندما َ‬
‫ِ‬ ‫تحي َّْرت‪،‬‬
‫‪27‬‬
‫رواية " ُح َفر" للويس ساكار (ساشار)‪.‬‬
‫أمر األطفال ب َحفر الحفر في الصحراء؛‬ ‫بعد سنواتٍ؛ أحسست ِبتماهٍ؛ مع بؤس الشخصيات؛ َكانَ ْ‬
‫دونَ تفكير؛ يُراد ُ به َكسر إرادتِهم؛ لقد فهمتُ ذلك‪.‬‬

‫مكرا بحسب الميثولوجيا اإلغريقية‪ ،‬حيث استطاع أن يخدع إله‬ ‫أكت الشخصيات ً‬ ‫ستيف أو سيسيفوس َكان أحد ر‬ ‫ستيفوس‪ ،‬ز‬ ‫ستيف أو ز‬ ‫‪ 26‬كمهمة ز‬
‫الموت ثاناتوس مما أغضب كبت اآللهة زيوس‪ ،‬فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إىل أعاله‪ ،‬فإذا وصل القمة تدحرجت إىل الوادي‪ ،‬فيعود إىل‬
‫رفعها إىل القمة‪ ،‬ويظل هكذا إىل األبد‪ ،‬فأصبح رمز العذاب األبدي‪.‬‬
‫ونشها‬ ‫زورا بالشقة‪ ،‬كتبها لويس ساشار ر‬ ‫‪27 Holes by Louis Sachar‬رواية عن طفل ُيرسل إىل مخيم إصالح زف صحراء تكساس بعد اتهامه ً‬
‫ُ‬ ‫ز‬
‫نقديا وتجا ًريا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نجاحا‬ ‫والتشد واأل ّمية والزواج المرتب‪ .‬حقق الكتاب‬
‫ر‬ ‫ألول مرة عام ‪ ،1998‬وتتطرق الرواية ف حبكتها إىل موضوعات مثل العنرصية‬
‫ز‬
‫المسجوني‪.‬‬ ‫ز‬
‫الملوني والشباب‬ ‫تركز الكثت من الثناء عىل الكتاب حول حبكة الكتاب المعقدة‪ ،‬والشخصيات المثتة لالهتمام‪ ،‬وتمثيل األشخاص‬
‫زً ز‬ ‫ر‬ ‫ز‬
‫تمتا ف األدب األمريك‬ ‫األكت‬ ‫الوطن األمريكية لعام ‪ 1998‬ألدب الشباب وميدالية نيوبري لعام ‪ 1999‬عن "المساهمة‬ ‫وفازت بجائزة الكتاب‬
‫ز‬ ‫ر‬ ‫ز‬
‫لألطفال"‪ .‬ف عام ‪ ، 2012‬احتلت المرتبة السادسة بي روايات األطفال استطالع نشته مجلة ‪ ، School Library Journal‬وف عام ‪2003‬‬
‫ز‬
‫فيلما مقتب ًسا عن الرواية‪.‬‬ ‫ز‬
‫ديزن ً‬ ‫أصدرت والت‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪59‬‬
‫أحد َمهماتنا األخرى؛ َكانَت جمع الصخور‪ .‬كنا نخرج قبل الفجر‪ ،‬وبعد الصالة‪ ،‬ف ُك ْنتُ ُُ أمأل‬
‫سا من الصخور التي كنا نجمعها من الشاطئ‪ .‬كنا نذهب إلى‬ ‫سا‪ ،‬وأكيا ً‬‫وأخواي؛ أكيا ً‬
‫َ‬ ‫أنا‪،‬‬
‫وبأذرعٍ متورمة‪ ،‬بينما َكانَ األطفال اآلخرون‬
‫ُ‬ ‫متر ِنّحين؛ ومحرومين من النوم؛‬
‫المدرسة ُمت َعبين؛ َ‬
‫يدخلون المدرسة بعد تناولهم فطور الصباح ؛مع ذَوي ِهم على األرجح‪.‬‬

‫الخراف‪ ،‬أو‬
‫هو إرغامنا على تناول "أطعمة"؛ مثل أمعاء ِ‬ ‫َكانَ أحد أمورهم المفضَّلة لَدَيهم؛ َ‬
‫ب عدا التأكيد على سيطرتِهم‪.‬‬
‫ي ِ سب ٍ‬ ‫لسانَ البقرة‪ ،‬أو خصيتي‪ ،‬أو مخ حيوانات أخرى؛ دون أ ّ‬
‫افعل ما يُطلب منك؛ مهما َكانَت درجة ُكرهك له‪ .‬ترا َجع؛ وأ َ ْذ ِع ْن؛ واستس ِلم؛ واخضع‪ .‬فكيف‬
‫يمكن َّأال َ‬
‫أكره حياتي؟‬

‫الشيء الوحيد الذي كرهته أكثر؛ َكانَ نَفسي؛ ألَنّي رغم قَلع األعشاب‪ ،‬وجمع الصخور؛‬
‫ب قط‪ ،‬رغم أنه‬ ‫ظللتُ حيةً في تلك الحياة‪ُ ،‬ك ْنتُ ال أزال أُقاوم‪ .‬أنا سعيدة ً جدًّا ألن النور لم ْ‬
‫يخ ُ‬ ‫َ‬
‫اليوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫صا‪ .‬لو انطفأ ذلك النور؛ لَما ُك ْنتُ حيةً‬
‫مرت بي أوقات؛ َكانَ النور فيها بالكاد بَصي ً‬

‫كيانك‬
‫َ‬ ‫ُعلّموك؛ َّ‬
‫أن‬ ‫علَّموني أن ذلك النور الذي تشبَّثتُ به؛ َكانَ الشيطانَ في الحقيق ِة‪ .‬تَخيَّل ْ‬
‫أن ي ِ‬ ‫َ‬
‫صا "صال ًحا"‬ ‫ُ‬
‫شَر؛ فما تحبهُ‪ ،‬وتجد نفسك فيه؛ هو الشر‪ .‬فتحاول أن تغير نفسك‪َ ،‬كي تصبِ َح؛ شخ ً‬‫ُ‬
‫‪ ،‬و ُمستحقًّا لمحبة هللا‪ ،‬لكنَّك ال تستطيع ذلك أبدًا؛ ألنَّك شرير‪ .‬هذا الصراع المتواصل؛ ُم ٌ‬
‫تعب‪،‬‬
‫ويَسحق رو َحك‪ ،‬ورغ َبتك في الحياة‪.‬‬

‫ِلذا يتشابه في هذه؛ ال ُم ْس ِلمون السابقون‪ ،‬وأفراد مجتمع الميم ‪ -‬المثليّون‪ ،‬و مختلفي الميول‬
‫أسر متدينة‪ .‬لقد َخ ِب ْرنا‪ 28‬شعور أن يقال لك أن‬ ‫كثيرا‪ ،‬خاصةً ال ُم ْس ِلمين الذين نشأوا في ٍ‬
‫الجنسية‪ً -‬‬
‫جوهر ذاتك شرير‪ .‬يستخدم ال ُم ْس ِلمون السابقون عبارات مثل "في الخزانة"‪ ،‬و "الخروج الى‬
‫َحس‪،‬‬
‫ي جنسيًّا؛ فهي ن ٌ‬ ‫ضا؛ أ َّما معاناة ال ُم ْس ِلم المثل ّ‬
‫العلن"؛ ألنها تتناسب مع حالتهم بنفس القدر أي ً‬
‫المثليَّة ال ُم ْس ِلمة؛ فهي‬
‫سه فيه؛ أما المرأة ِ‬ ‫شخص نف َ‬‫ٌ‬ ‫عفة؛ وهي أسوأ سيناريو قد يجد‬ ‫ولعنةً مضا َ‬
‫أتعس األقدار الممكنة؛ أما نصيبي من هذا المحتوى ؛ وعلى الرغم من أنه أمر سيء [إسالميًّا؟ ‪،‬‬
‫ويجعلني نَجسة؛ إال أَنّي ُك ْنتُ أحب األوالد؛ فقد َكانَ أول "كراش"‪ ،‬أو إعجاب لي في روضة‬
‫األطفال؛ لكن مع كثرة األمور المتنافسة فيما بينها لجعلي "شريرة" أو "ظالمة"‪ ،‬فقد َكانَت تلك‬

‫ْ‬ ‫‪28‬‬
‫خ ِرتنا‪ :‬عرفنا‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪60‬‬
‫أن صرتُ في السنة الدراسية الرابعة فقط صار األوالد [في نظري؟‬ ‫أسهلها تَر ًكا؛ فبمجرد ْ‬
‫‪29‬‬
‫مقززين‪ ،‬ومق َّملين‪.‬‬
‫لت مرة ً أخرى إلى مدرسة أخرى‪ .‬لكن التغيير هذه المرة‬
‫مع دُخولي السنة الدراسية الخامسة نُ ِق ْ‬
‫َكانَ شديدًا‪.‬‬

‫وبينما كنا ال نزال نعيش في ذلك القبو؛ الرطب؛ البارد؛ القبيح؛ الذي ال يليق بالبشر قانونيًّا‪،‬‬
‫مؤخرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫قررت أ ُ ّمي أن تُدخلنا مدرسة إسالمية‪ ،‬والتي َكانَت قد فتحت أبوابَها‬

‫في الحقيقة فإن تسميتها مدرسة؛ سيكون تضخي ًما من شأنها؛ لقد َكانَ األمر في الحقيقة مجرد‬
‫حفنة من اآلباء الذين قرروا أن يجمعوا أطفالهم معًا في غرفة المسجد متعددة األغراض‪،‬‬
‫والتداول على تدريسهم موادًا مختلفة‪َ .‬كانَ على نح ٍو أساسي ٍ تعلي ًما منزليًّا لكن دون أ ّ‬
‫ي نظام‬
‫مناهج رسمية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مصابون بالقمل ‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪61‬‬
‫الحجاب‬
‫عندما بلغت سن التاسعة ألبسوني الحجاب ألول مرة‪ ،‬والذي صرتُ ُملزَ مةً بارتدائه‪ .‬كرهته‬
‫ي أن‬ ‫الوهلة األولى‪ .‬كرهته ما أن بدأت أ ُ ّمي في لبسه‪ ،‬وصرتُ أكرهه أكثر عندما فُ ِر َ‬
‫ض عل َّ‬ ‫منذ َ‬
‫سه‪ .‬توسلت إليهم كي يمنحوني بدائل عنه‪.‬‬ ‫ألب َ‬
‫بدال من ذلك؟ ماذا إذا لبست باروكةً؟"‬
‫"رجاء هل لي أن أحلق رأسي ً‬
‫"مثل اليهود؟ أتريدين أن تصيري مثل اليهود؟"‬
‫ف حول ذلك‪.‬‬ ‫حاولت أن أُفاوض ؛ َكي ألت َ َّ‬

‫عليك الحجاب عندما ُك ْنتُ في سني؟"‬


‫ِ‬ ‫" ِل َم ل ْم يُ ْف َر ْ‬
‫ض‬
‫ي َكانَا جاهلين؛ َكانَ عليهما َجعلي أرتديه"‪.‬‬
‫"ألن والدَ َّ‬

‫ضا "جاهلةً"؛ كم تمنيت لو َمن َحت ِني إرجاء الحكم (أو اإلعفاء) الذي‬ ‫كم تمنيتُ لو َكانَت هي أي ً‬
‫ُمنِ َح لَها‪َ .‬ج َّربت ك َّل حيل ٍة اهتدى إليها عقلي الطفولي ذو التسع سنواتٍ؛ دون جدوى‪ُ .‬م ِن ْعتُ من‬
‫ُك ّل مالبسي [السابقة؟ ‪ ،‬ولم َيعُد مسمو ًحا لي؛ بلبس السراويل‪ .‬أصبح علي حينذاك أن أ ُ ّ‬
‫غطي ُك ّل‬
‫ي‪َ .‬كانَ هذا آخر مسمار د َُّق في ِ‬
‫نعش طفولتي‪.‬‬ ‫بوص ٍة من جسدي؛ ما عدا وجهي ويدَ َّ‬

‫شعرت أَنّي غير مرتاحة للغاية‪ ،‬وغريب َة المظهر‪ ،‬خَرقاء الشكل‪ ،‬وشاعرة ً ِب َح ٍر شديد ‪ -‬في‬
‫تلك المالبس الفضفاضة األكبر من حجمي‪ -‬؛ َكانَ ُك ّل جسدي يختنق؛ َكانَ رأسي ينبُض ‪،‬‬
‫أن ارتداء مالبس الكفار؛ هو فع ٌل‬ ‫سام جسدي‪ ،‬وكانوا يخبروني يوميًّا َّ‬ ‫وال َعرق َي ِن ُّز من ُك ّل َم ِ‬
‫شرير‪ ،‬وأَنّي سأذهب إلى الجحيم؛ إذا ارتَدَيْتُ بتلك الطريقة؛ باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فعندما تقو ُم‬
‫الخالفة لو ُك ْنتُ ال تلبسين الحجاب فكيف سيستطيعون تمييزك عن الكفار؛ فلو ُك ْنتُ تشبهينهم‬ ‫ِ‬
‫وف ت ُ ْقت َ ِل ِينَ مث َلهم‪.‬‬
‫س َ‬‫ف َ‬

‫الخالفة؛ َكانَت خطبة ُك ّل يوم جمعة بيانًا؛ عن َّ‬


‫أن ال ُم ْس ِلمين‬ ‫الخالفة؛ دائ ًما يتحدثونَ عن ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ب ُكله‪ ،‬و ُكنَّا ُك ّل أسبوع نقول ‪ :‬آمين؛ عندما يدعو‬‫سينجحون في فرض اإلسالم على الكوك ِ‬
‫اإلما ُم؛ هللاَ‪ ،‬ويتوسل إليه؛ بُزوغ ال ِخالفة قريبًا‪ْ ،‬‬
‫وأن نُبيدَ الكفار؛ ثم سيعُم السالم؛ هذا سبب نشوء‬
‫داعش في العراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬ولهذا قرر الكثير من األشخاص [ال ُم ْس ِلمين؟ من مختلف أنحاء‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪62‬‬
‫انضمامهم ؛‬
‫ِ‬ ‫العالم االنضمام إلى داعش‪ ،‬ثم أحرقوا جوازات سفرهم‪ ،‬ومنهم ناس يصعب تفسير‬
‫ت مرموقة في دول غربية‪َ .‬كانَ تحليل "الخبراء‪،‬‬ ‫ِمثل طلبة الجامعات الذين هم من عائال ٍ‬
‫والمثقفين" هو أنَّ ُهم افترضوا أن هؤالء األشخاص ُج ِنّدُوا كلُّهم من خال ِل اإلنترنت‪ .‬ياله من‬
‫سريع حقًّا! ؛ ِبيدَ أن السبب وراء االنضمام السريع جدًّا ل ُك ّل هؤالء الشبان‪ ،‬والنِساء إلى‬ ‫ٍ‬ ‫تجني ٍد‬
‫أن من واجبهم االنضمام إلى األ َّمة ضدَ الكفار‪،‬‬ ‫داعش هو أنَّهم ‪-‬مثلي‪ُ -‬ربُّوا على سماعِ‪ ،‬وتلقين َّ‬
‫الخالفة عندما تنشأ‪ ،‬وعلى األرجح أنَّ ُهم ‪-‬مثلي‪-‬‬ ‫تحت راية ِ‬ ‫َ‬ ‫أن من واج ِبهم االنضمام‬ ‫ع ِلّ ُموا َّ‬
‫و ُ‬
‫إن برزت إلى‬ ‫اليوم أبدًا؛ َل ِكنّها عادت‪ .‬دولةً إسالمية؛ وما ْ‬
‫َ‬ ‫ضا؛ ل ْم يعتقدوا أنَّ ُهم سيشهدون ذلك‬ ‫أي ً‬
‫أن عليهم االنضمام إليها؛‬ ‫عليهم ِفعلَهُ؛ فقد تعلموا من قَ ْب ُل َّ‬‫ف هؤالء الناس ما َيتو َجب َ‬ ‫ع ِر َ‬
‫الوجود‪َ ،‬‬
‫لقد لُ ِقّنوا هذا و ُح ِف َر في أذهانِهم ُمنذ طفولتهم‪.‬‬

‫َكانَت أ ُ ّمي تُجلسني أما َمها‪ ،‬وتجعلني أق ِس ُم؛ بأنّي سأكون ُمستعدة ً لقتل الكفار؛ عندما يحين وقت‬
‫ذلك‪.‬‬
‫و ُك ْنتُ أُجيبُها ِبنبرة رتيبة‪" :‬نعم‪ ،‬بالتأكيد"‪.‬‬

‫وأن أُقسِم‬
‫حاضر‪ُ .‬ك ْنتُ أُرغَم على الصالة‪ ،‬وحفظ القرآن‪ْ ،‬‬‫ٌ‬ ‫ع من اإلكراه‬ ‫َكانَ هناك دائ ًما نو ٌ‬
‫على قت ِل أصدقائي‪ ،‬ولبس هذا الحجاب الكريه بالتأكيد؛ لقد استخدموا ُك ّل أساليب اإلكراه الممكن‬
‫تصورها‪ ،‬من التخويف‪ ،‬والترغيب بإرضاء هللا‪ ،‬و االبتزاز العاطفي؛ لقد َكانَ هذا إلى ما ال‬
‫إن تلبسي مثل الكفار؛ فإنك تختارين‬ ‫نهاية‪ .‬ال تدخل الجنةَ؛ َّإال الفتياتُ ؛ ال ُم ْس ِلمات؛ المطيعات‪ْ .‬‬
‫بذلك جهنم؛ هذا هو ُكره الذات؛ الذي ُ‬
‫عبّئتُ به منذ سن التاسعة‪.‬‬

‫عور ِه َّن في‬


‫ش ِ‬ ‫ُك ْنتُ قد أخبرت؛ عن حديث يقول فيه الرسول ُم َح َّمد‪ :‬أنَّه رأى نسا ًء معلقات من ُ‬
‫َط ِين شَعرهن عن الرجال‪.‬‬ ‫النار‪ ،‬وأدمغَت ُه َّن تَغلي‪ ،‬ألن ُه َّن لم يُغ ِ ّ‬
‫و قد أخبروني أن هذا لحمايتي‪.‬‬

‫ق إيداعٍ‬
‫ستلبسينه في إصبَعك؛ أم ستؤ ِ ّمنِينَه في صندو ِ‬
‫ت تملكين خاتم من ال َماس؛ فهل َ‬ ‫"لو ُكن ِ‬
‫آمن؟"‬
‫ٍ‬
‫"سأل َبسه في اصبعي"‪.‬‬
‫عليك حمايته من اللصوص"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سرقتِه!‬ ‫سيتَم َّكن أ ّ‬
‫ي أحد ِم ْن َ‬ ‫"ال؛ هذا غباء‪َ .‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪63‬‬
‫"إذن ما الفائدة من امتالك خَاتم جميل؛ إذا ل ْم تستطيعي أن تلبسيه أبدًا؟ ما الفائدة منه وهو في‬
‫صندوق؟"‬
‫تتعودين عليه وتحبينه؛ ستفهمين عندما تكبرين"‪.‬‬ ‫وف ّ‬ ‫" ُك ِفّي عن الجدال! هذا لمصلحتك‪َ .‬‬
‫س َ‬
‫أوال إذن‪ ،‬ألَنّي ال‪"......‬‬
‫"هل أستطيع االنتظار إلى أن أكبر‪ ،‬وأفهم ً‬
‫إن لم تفهمي"‪.‬‬‫"ال‪ .‬علي أن أفعل ما هو في مصلحتك َحتّى ْ‬

‫ي أن ألبس الحجاب قُرابةَ عشرين سنة تقريبًا‪ ،‬ولم أفهم قط‪ .‬ذهبت ‪-‬‬ ‫"لم أفهم األمر قط‪َ .‬كانَ عل َّ‬
‫ي الدراسة الخامسة‪ ،‬والسادسة‪ .‬لم يفهم هو‬ ‫أزور أبي في مونتريال‪ -‬في الصيف بين سنت َّ‬ ‫َ‬ ‫كي‬
‫ضا‪ .‬حاول أن يجعلني أخلعه‪ ،‬وقد ر ِغبتُ في ذلك بالتأكيد؛ لكنّي ُك ْنتُ خائفة من أننا؛ حالما‬ ‫أي ً‬
‫وف َيشي أخي بي؛ ولذلك لبست قبعة راعي بقر سوداء طوال ذلك الصيف‬ ‫س َ‬ ‫نعود إلى المنزل َ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫بدال من ذلك‪ .‬قَ ِبل أبي بذلك؛ ألنه لم يَ ُك ْن ذلك الحجاب ال َمقيت‪َ .‬كانَ شَعري ُمغطى؛ وبالتالي لم‬
‫يَ ُك ْن ألخي أن يشي بي‪.‬‬

‫بالعودة إلى المقام األصلي؛ في مدرسة ال ُمسلمات َكانَت ُك ّل الفتيات يَل َبسنَ الحجاب و ُك َّن جميعًا‬
‫بعض‬
‫َ‬ ‫ضا؛ لَقد وجدنا‬‫بعضهم بع ً‬ ‫أن البائِسين يُحبون رفقة ِ‬ ‫يكرهنه بنفس درجة ُكرهي له‪ .‬صحي ٌح َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫سلوى؛ في حقيق ِة أننا ُكلنا أ ْر ِغ ْمنا على ارتداء تلك القطعة من القماش على رؤوسنا؛ لبسناه‬ ‫ال َ‬
‫أكثر‪.‬‬
‫ضا َ‬ ‫الحجاب‪ -‬من بعضنا بع ً‬
‫َ‬ ‫ُكلّنا‪َّ ،‬‬
‫وقر َبنَا ‪-‬ازدراؤنا‬
‫يكر ْهنَهُ عبر‬
‫في العصر الحالي‪ ،‬وبفضل وسائل التواصل االجتماعي؛ تستطيع النِساء‪ -‬الالتي َ‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬وي ُْرغ َْمنَ رغم ذلك على لبسه‪ -‬التواصل معًا‪ ،‬وأن َي ِج ْدنَ المواساة َ في بعضهن‬
‫ضمن هاشتاغ "حريتي السرية أو‪ ،‬ال ُمختَلَسة"‪ . 30‬من إيران َكانَ ُهنا ِلك ڤيديو‬ ‫وذلك ِ‬
‫َ‬ ‫ضا؛‬
‫َبع ً‬
‫تصرخ (أو تبكي)‪ ،‬وتُمزق الحجاب عن رأسها؛‬ ‫ُ‬ ‫انتشر بشَك ٍل واسعٍ؛ لفتاةٍ؛ ذات سبع سنوات‬
‫تذ ّكرني بنفسي‪ ،‬لكنّي لم أ َ ُك ْن بمثل تلك الشجاعة‪ ،‬أو التحدي؛ لقد َكانَت غاضبةً؛ ألن والدَيها‬
‫أخبَراها؛ أنَّه لن يُس َمح لها بالذهاب إلى المدرسة؛ إال إذا ل ِبست الحجاب على رأ ِسها؛ بينما‬
‫يستطيع أخوها بالتأكيد أن يلبس ما يريد أيًّا ما يكون‪ .‬نشرت الفتيات الصغيرات والنِساء البالغات‬
‫صورا‪ ،‬وڤيديوهات تحت هاشتاغ " ُمن َعتقةً من الحجاب"‪ ،31‬وكانَ‬ ‫ً‬ ‫من شتَّى أصقاع العالم‬

‫ز‬ ‫‪ 30‬آزادی یواشك زنان درایران‪ . My Stealthy Freedom‬ه حركة بدأت كصفحة عىل الفيسبوك منذ عام ‪2014‬م ر‬
‫تنش فيها غت الراغبات ف‬
‫لبس الحجاب باإلكراه صورهن بدونه عىل سبيل االعتاض واالحتجاج‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪#FreeFromHijab‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪64‬‬
‫غا َقد صنعنه لتوفير مكان يجدن فيه بعضهن َبع ً‬
‫ضا؛ ويجدن فيه التضامن‪ ،‬والدعم ‪-‬‬ ‫هاشتا ً‬
‫واألكثر أهميةً‪ -‬توفير ِمنبر َّ‬
‫لهن َكي َي ْك ِش ْفنَ هذه الوحشية للعالم‪.‬‬

‫إنه لمن المهم توضيح الفرق بين الثقافة‪ ،‬والدّيْن عندما نتحدث عن الحجاب؛ فمن الردود‬
‫ي الثقافات يقصدون؟ فالنِساء في إيران‪ ،‬والسعودية‪،‬‬ ‫أن الحجاب "لباس ثقافي"؛ لكن أ ّ‬ ‫الشائعة َّ‬
‫ب ثقافيةٍ؛ إذ ليس بينهن أطعمة؛ أو تقاليد؛ أو لغة‬ ‫والصومال‪ ،‬وإندونيسيا؛ ال َيتشار ْكنَ أي جوان ٍ‬
‫تشاركنه هو الدّيْن؛ فتلبس النِساء في ُك ّل هذه الدول الحجاب‬ ‫مشتركة‪ ،‬إ َن َّما الشي الوحيد الذي َي َ‬
‫وخواء االدعاء‬‫باس ثقافّي؛ فهو إدعا ٌء بنفس سخافة‪ِ ،‬‬ ‫بسبب دين اإلسالم؛ أ َّما إدِّعاء أن الحجاب ِل ٌ‬
‫لباس ثقافي‪ .‬الكاثوليك في الفلبين وإيطاليا وقارة أمريكا الجنوبية ال يتشاركون‬ ‫ٌ‬ ‫أن قُبعةَ البابا هي‬‫َّ‬
‫ي خصائص ثقافية لكنهم يتشاركون دينًا واحدًا‪ .‬يوجد خلط ُمت َع َّمد بين الدّي ِْن‪ ،‬والثقافة؛ الذي ال‬ ‫أ ّ‬
‫غايةَ منه؛ ِسوى َمحو الثقافات‪ ،‬وإبدالها باإلسالم‪ .‬لقد خَسرت عشرات البلدان ثقافا ِتها؛ بسبب‬
‫أن ُك ّل ال ُم ْس ِلمين يتشاركون نفس الثقافة؛ ال تزال متغلغلة‬ ‫اإلسالم‪ .‬من ال ُمحزن مالحظة فكرة؛ َّ‬
‫األمر كذلك؛ لك ٍل منهم ثقافتهم المميَّزة بهم؛ والتي يُغطيّها اإلسالم؛ بنفس‬ ‫ُ‬ ‫منتشرة‪ .‬ال؛ ليس‬
‫ْ‬
‫بحيث يَظ َه ْرنَ جميعًا متشابهات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الطريقة التي يُخفي بها الحجاب شخصيةَ ُك ّل فتاة ؛‬

‫ت مثل‪ :‬اليوم العالمي للحجاب في األول‬ ‫حو للثقافة الفردية؛ يت ُّم تَأبيدُهُ من ِخالل حمال ٍ‬
‫هذا ال َم َ‬
‫ناس في شتَّى أنحاء العالم؛ ففي ذلك اليوم تضع النِساء‬ ‫ُ‬
‫من شهر فبراير‪ ،‬وهو يو ٌم يحتفل به أ ٌ‬
‫ال ُم ْس ِلمات أكشا ًكا في أماكن العمل‪ ،‬والمدارس؛ ِلتشجيع غير ال ُم ْس ِلمات على لبس الحجاب لمدة‬
‫يوم واحد‪ .‬أما الرد المباشر على هذا؛ هو أن يكون لَدَينا يوم نش ّجع فيه ال ِنساء ال ُم ْس ِلمات على‬
‫خلع الحجاب ليوم واحد‪ ،‬لكنّا بالتأكيد؛ لن نستطيع فعل ذلك؛ فَقد ت ُ ْقتَ َل نسا ٌء‪ ،‬وفتيات لخَلع ّهن‬
‫ذات ستة عشر عا ًما؛ و َكانَت تعيش في كندا؛ خَنقَها أبوها ‪،‬‬ ‫الحجاب‪ .‬أقصى بارڤيز؛ هي فتاة ٌ َ‬
‫وأخوها َحتّى الموت؛ ِبحجا ِبها الذي رفضت أن تلب َ‬
‫‪32‬‬
‫سه ‪.‬‬

‫ولذلك فقد أعلنتُ يوم األول من شهر فبراير يوم "عدم ارتداء الحجاب" [أو يوم ال‬
‫للحجاب؟‪ ،33‬وشجعتُ الجميع على التضامن مع ال ِنساء‪ ،‬والفتيات عبر أنحاء العالم اللواتي ال‬
‫ز‬ ‫َ‬ ‫‪32‬‬
‫ديسمت ‪) 2007‬كانت ضحية جريمة قتل ف ميسيسوجا‪ ،‬أونتاريو‪ ،‬كندا‪ .‬خالل محاكمة القتل‪ ،‬أقر رئيس‬ ‫ر‬ ‫أقض بارڤيز (‪ 22‬أبريل ‪- 10 1991‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫المحكمة العليا بروس دورنو بأن جريمة القتل ه "جريمة رسف‪ "،‬مشتا إىل أنه وجد أنه من ُدواع القلق البالغ أن طفلة تبلغ من العمر ‪ 16‬عاما‬
‫يمكن أن تقتل عىل يد أبيها وشقيقها بغرض إنقاذ كتياء العائلة‪ ،‬إلنقاذهم مما يعتتانه إحر ً‬
‫اجا لألرسة أو العائلة "‪ .‬شنق أقض شقيقها وقاص وأبوها‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫عندما اختارت عدم ارتداء الحجاب‪ .‬حيث أثارت الحادثة جدًل عىل مستوى العالم‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪#NoHijabDay‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪65‬‬
‫وأسر ِه َّن على لبسه‪َ .‬كانَ ذلك اليو ُم‬
‫ِ‬ ‫هن‪ ،‬ومجتمعا ِت َّ‬
‫هن‪،‬‬ ‫ي ُِر ْدنَ لبس الحجاب؛ لكن ت ُ ْج ِب ُر ُه َّن حكوما ِت َّ‬
‫ناج ًحا؛ نجا ًحا ُمب ِه ًجا!؛ إذ نَشرت نسا ٌء من السعودية‪ ،‬واليمن ڤيديوهات يضعن فيها ُخ ُم َر ِه َّن‬
‫حرقنَها‪ ،‬وبدأت نساء من تركيا بنشر صور لهن في أثناء‬ ‫( ُح ُج َب ِه َّن) أو نُقُ َب ِه َّن تحت أر ُج َّ‬
‫لهن‪ ،‬أو َي ِ‬
‫أيّام ارتدائهن الحجاب؛ ث ُ َّم بعد خلع ِه َّن إياه‪ .‬ت ُ ْس َج ُن النِساء في إيران‪ -‬وهن أشجع النِساء من بين‬
‫الجميع‪ -‬لعشرات السنين؛ ل ُمشاركتهن في حملة "األربعاء األبيض"؛ حيث يلبَسْنَ حجابًا أبيض‪،‬‬
‫ُظ ِه ْرنَ مقاومتَهن للقوانين التمييزية‪.‬‬ ‫أو َيخلعن ُح ُج ِب ِه َّن؛ لي ْ‬

‫هناك نساء يقاومن [من المجتمعات‪ ،‬واألوساط اإلسالمية؟ في ُك ّل أنحاء العالم‪ .‬بعض النِساء‬
‫في باكستان َي ْر َكبْنَ دَراجاتِهن في األماكن العامة‪ ،‬والنِساء في إيران َيرقصن في الشوارع‪،‬‬
‫والنِساء في السعودية يلبَسن عباءاتهن بالمقلوب (الداخل إلى الخارج) للتعرف على بقية‬
‫ضا‪ .‬بعض الرجال في إيران ‪ -‬بدرجة أقل بكثير مما‬ ‫المتمردات في الشارع‪ .‬الرجال يشاركون أي ً‬
‫ض ّمون؛ لدعم النِساء ال ُمحتجات على قوانين الحجاب‪.‬‬
‫في السعودية‪ -‬ين َ‬

‫أن تُعاقبهم عائالتُهم؛ فيما‬


‫جرائمهم ضد الشريعة؛ فإما ْ‬
‫ِ‬ ‫بالتأكيد؛ يُعا َقب ُك ّل هؤالء الناس على‬
‫سلطاتهم؛ التي تسجنهم لعقودٍ؛ من أجل‬ ‫أن تُعاقبهم ُ‬
‫يُسمى بالعنف‪ ،‬أو القتل من أجل الشرف‪ ،‬أو ْ‬
‫تحدي القوانين الموضوعة للحفاظ على "االحتشام"‪.‬‬

‫طالما سمعت الناس يتساءلون‪ :‬ما المشكلة العويصة في لبس قطعة قماش على رأسك؟ األمر‬
‫ضا من فيض؛‬ ‫سلطة على أجسادهن! فالحجاب ليس ّإال غي ً‬ ‫أن ت ُ ْح َر َم النِساء؛ َحتّى من ال ُ‬
‫الخطير ْ‬
‫قِ َّمة جبل الجليد؛ إنه الت َمظهر الجسدي لإلخضاع‪ ،‬والتشييء‪ ،‬ونزع الصفة اإلنسانية‪ ،‬والتمييز‬
‫الجندري؛ المنتشر (أو االستبدادي) في أجزاء عديدة؛ من أرجاء العالم ذا الغالبية ال ُم ْس ِلمة‪.‬‬

‫بينما وصلت النِساء في الغرب الى درجة من الحرية تسمح لهن اآلن بالدعوة من جانب‬
‫َّ‬
‫بعضهن لحملة "تحرير حلمة الثدي" في األماكن العامة‪ ،‬فال تزال النِساء في العديد من أرجاء‬
‫العالم االسالمي يُطالبن بالحرية لوجوههن‪ ،‬وشعورهن!‬

‫ضا في مقاومتهن‪ ،‬لكن من المهم أن نَذ ُكر أنَّه في‬ ‫في الغرب عمو ًما‪ ،‬تدعم النِساء بعضهن بع ً‬
‫ضا؛ ف ُك ّل إمرأة‬‫المجتمعات األبويَّة الصارمة‪ ،‬والكارهة للنساء؛ قلَّما تدعم ال ِنساء بعضهن بع ً‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪66‬‬
‫منشغلة للغاية بمحاولة إنقاذ نفسِها؛ َحتّى أ َّنها ال تجدُ ُمتسعًا للتفكير بإنقاذ إمرأة ً أخرى‪ .‬هذه‬
‫منظومة موضوعة هكذا على نحو ُمتع َّم ٍد بالتأكيد‪ ،‬ألنه إذا انشغلت النِساء بالتنافس فيما بينهن؛‬
‫‪ -‬بما أن أزواجهن يستطيعون التزوج بأربعة نساء معًا‪ -‬فمن ث َ َّم ينتفي تهديد عملهن المتحا ِلف‬
‫يصرن مشغوال ٍ‬
‫ت جدًّا‪ ،‬وال‬ ‫ضد العدو المشترك‪ .‬اجعل النِساء يحاربن بعضهن البعض؛ كي ِ‬
‫قامعيهن‪ ،‬وظالمي ِه َّن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يَ ِج ْدنَ متسعًا من الوقت؛ لتوحيد قوا ُه َّن ضد‬

‫لكن اإلنترنت اآلن يغير ُك ّل ذلك‪ ،‬وهذا هام‪ ،‬وغير مسبوق؛ النِساء لَسنَ فقط يخلعن ُح ُج ِب ِه َّن‬
‫الدراجات‪ ،‬ويركضن في األماكن‬ ‫َّ‬ ‫ضا؛ يرقُصن علنًا‪ ،‬ويُغنين علنًا‪ ،‬ويَركبن‬ ‫علنًا‪ ،‬لكنَّهن أي ً‬
‫عواقب‬
‫ٌ‬ ‫العامة؛ َجميع هذه األنشطة البسيطة؛ إ َّما ُمخالفة للقانون في بعض الدول‪ ،‬أو تَتَأتَّى عنها‬
‫اجتماعية شديدة‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪67‬‬
‫المدرسة اإلسالمية‬
‫ي منا ُمقتنعةً‬‫لم أحب المدرسة اإلسالمية بما يمكن تخيُّله ‪ ،‬لكنّي أحببتُ صديقاتي‪ .‬لم ت َ ُك ْن أ ّ‬
‫المكياج ِس ًرا‪ ،‬ونحكي‬ ‫ئ في الحمامات‪ ،‬ونُدْخل ِ‬ ‫بالهراء الذي يُل ِقموننا إياه بِ ُحلوقِنا‪ُ .‬كنَّا نختب ُ‬
‫شوقة؛ ال ُمرة؛ ال ُحلوة ِلقدوم دور ِتنا الشهريَّة‪،‬‬
‫صا عن األوالد‪ ،‬وعن اإلثارة ال ُم ّ ِ‬ ‫ضا قص ً‬ ‫لبعضنا بع ً‬
‫حيضها؛ نجسة؛‬ ‫ِ‬ ‫والذي يَعفينا ُمؤقتًا ‪-‬خالل حدوثه‪ -‬من الصلوات اليومية المملة؛ فالمرأة في‬
‫لمس القرآن‪ ،‬وال أن تَقرأَهُ‪ ،‬وال حتَّى أن تد ُخ َل مسجدًا‪ .‬يخلقُك هللا‬ ‫صلي‪ ،‬وال أن ت َ َ‬ ‫وليس لها أن ت ُ َّ‬
‫هكذا ثم يح ُكم عليك بلعنة ألجل ذلك‪ .‬يا له من عدل!‬

‫َكانَت أ ُ ّمي معلمة اللغة العربية‪ ،‬والدراسات اإلسالمية في تلك المدرسة‪ ،‬ولذلك َكانَت دائ ًما‬
‫أن نتصرف‪ ،‬ونتَّخذ دور األطفال المطيعين‪ .‬في البداية َكانَت بقية الفتيات‬ ‫تؤكد على أهمية ْ‬
‫ع ِل ْمنَ أَنّي أكرهها‬ ‫يبتعدن عني‪َ .‬كانَت أ ُ ّمي صارمة‪ ،‬ولذلك ُك َّن ُمتخوفات مني؛ لكن َ‬
‫سرعانَ ما َ‬
‫بنفس درجة ُكر ِههن لها‪ ،‬وأنَّه يُمكننا أن َ‬
‫نكرهَها معًا‪.‬‬

‫أن أ ُ ُمه تَنعَت أ ُ ّمي‬


‫أن ولدًا قا َل لهم‪َّ :‬‬ ‫ألن صداقَتنا َكانَت قويةٌ للغاية؛ فقد أخبرتني َ‬
‫صديقاتي؛ َّ‬
‫ب‬
‫أمر َيصعُ ُ‬‫بالعاهرة؛ حاولت َّأال أُبالي باألمر‪ ،‬لكن مهما َكانَ سوء شعورك نَحو أ ُ ِ ّمك؛ فهذا ٌ‬
‫عهُ‪.‬‬
‫سما ُ‬
‫َ‬

‫تعرف أ ُ َّمك َحتّى"‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ي وقلتُ له‪" :‬لكن أ ُ ّمي ال‬ ‫واجهتُ الصب َّ‬
‫ع أبي بالزواجِ منها؛ أرادت أن تكونَ زو َجتَه الثانية!؛‬ ‫غارا؛ حاولت أ ُ ُم ِك إقنا َ‬
‫ص ً‬ ‫"بلى؛ عندما كنَّا ِ‬
‫وف تأخذُ األطفا َل وتتركه"‪.‬‬
‫س َ‬ ‫تخلص من العاهرة؛ َّ‬
‫وإال ف َ‬ ‫َّ‬ ‫لكن أ ُ ّمي طلبت من أبي؛ ْ‬
‫أن َي‬ ‫َّ‬

‫ي ذِكرى‬ ‫ضح في ذهني؛ فقد َكانَت لَدَ َّ‬ ‫لكن األمور بدأت تت ِ ّ‬ ‫ي معرف ٍة لي باألمر؛ َّ‬ ‫أنكَرتُ أ َّ‬
‫ُ‬
‫عرق؛ عاري الصدر؛ أسود؛ َكانَ يأخذ ُ أ ّمي إلى غرف ِة النوم‪ ،‬ويُغلق‬ ‫ضخم؛ ُمت َ ِ ّ‬
‫ٍ‬ ‫ُمب َهمة؛ عن ر ُج ٍل‬
‫تخرج‪ ،‬و َكانَت بين الفَينة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ط على الباب كي‬ ‫وأخبِ ُ‬
‫ْ‬ ‫الباب عليهما؛ أتَذ َّكر؛ أَنّي ُك ْنتُ أبكي‬ ‫َ‬
‫غير ُمرتدي ٍة إال مال ِبسها الداخلية؛ كي تطلب مني أن أخرس‪ .‬لم أ َ ُك ْن أستطي ُع‬ ‫تخرج؛ َ‬ ‫واألُخرى؛ ُ‬
‫ختلق األمور‪،‬‬‫فَهم هذه الذِكرى‪ .‬سألتها عن األمر عديدَ من المرات؛ لطالما َكانَت تُخبرني؛ أَنّي أ َ ُ‬
‫أن هذا َكانَ حقيقيًّا‪.‬‬‫أن األمر َكانَ ُمجرد حلم؛ لكنّي ع ِلمت َّ‬ ‫أو َّ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪68‬‬
‫َّاألمر ُكلّه َكذِبة‪ .‬ال أحدَ يريد أن‬
‫َ‬ ‫أن أُصدِّق أ ُ ّمي؛ في قو ِلها أن‬
‫أردت ْ‬
‫ُّ‬ ‫رغم هذ ِه الذِكرى؛‬
‫أن‬ ‫اليوم التالي؛ أل ُ َ‬
‫خبر ذلك الفتى؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫عدت الى المدرسة في‬ ‫خربةُ بيوت‪َ ،‬مع أَنّي ُ‬ ‫أن أ ُ َمه ُم ِ ّ‬
‫صدِّق َّ‬
‫يُ َ‬
‫بأن أ ّمي هي الكاذبة الحقيقية في هذا السيناريو‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إحساس ُمزع ٌج؛ َّ‬
‫ٌ‬ ‫مر اختلط عليه؛ َكانَ لَدَ َّ‬
‫ي‬ ‫األ َ َ‬
‫لكن‪-‬ومثل ُك ّل مر ٍة‪ -‬ن َجحت كلماتُ أ ُ ّمي في أن تكونَ أقوى من الحقيقة‪.‬‬

‫بر ُج ٍل آخر‪ .‬لقد‬ ‫أن ترتبط َ‬ ‫ظلَّت ت ُ َحاول باستماتةٍ؛ ْ‬


‫تر َكها والدِي؛ َ‬ ‫أن َ‬‫أعل ُم اآلن؛ أنَّها منذ ْ‬
‫ضها‪ .‬لستُ ُمستغربةً من مدى قلة التقدير التي‬ ‫استخدمت السِلعة الوحيدة التي َكانَت لَدَيها؛ ِل ِ‬
‫تعر َ‬
‫أن قيمتها الوحيدة‬ ‫كار َهةً للنساء؛ والتي علَّمتها َّ‬
‫ت في ثقافة ِ‬ ‫َكانَت لَدَيها تجاه نفسها؛ فقد ُر ِبّ َي ْ‬
‫عق ِلها‪ ،‬أو شخصيتها‪.‬‬ ‫أي جزءٍ من َ‬ ‫أن تُن ّمي َ‬ ‫تَقتَصر على ما بين فَخذيها؛ فلم تُحاول قَط؛ ْ‬
‫شخص بمثل هذا الفراغ هو المادة الخام‪ ،‬والوعاء المثالي لملئِه بالتطرف الدّيْني؛ أ ُ ّمي َكانَت‬ ‫ٌ‬
‫أسوار عق ِل ال ُمت َزَ ّمت‪.‬‬
‫َ‬ ‫نطق بإمكانه اختراق‬ ‫شفَقة‪ ،‬وال َم ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫متد ِيّنَة؛ ُمتزَ ِ ّمتَة؛ َن َم ِطية‪ .‬ال تعاطف‪ ،‬وال َ‬
‫ب إنساني ٍ يكون فيهم‪ .‬إنَّهم ُمبر َمجون كي‬ ‫ال توجد تكتيكات‪ ،‬أو مناورات‪ ،‬للوصول إلى جان ٍ‬
‫يت َّ ِبعوا؛ ال شي َء يُمكنه التشويش على ذلك الهدف المتصلب الذي هو الشاغ ُل الوحيد ألذها ِنهم‪.‬‬

‫أكثر ما َكانَ يُخيفني منها؛ هو أنها َكانَت قادرة على تزويجي باإلكراه إلى َر ُجل عجوز في‬
‫أعرف أنَّها إذا اتخذت ذلك القرار‪ ،‬فسينتهي‬ ‫ِ‬ ‫باستمرار‪ ،‬و ُك ْنتُ‬
‫ٍ‬ ‫ِمصر؛ فقد َكانَت تُهددني بذلك‬
‫جرا كي تن ِفّذَ رغباتِها؛ كما َكانَت‬
‫نقاش‪َ .‬كانَت لت ُجر ِنّي ًّ‬ ‫ٌ‬ ‫مهرب‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫أمري؛ ما َكانَ ِل ُ‬
‫يكونَ هناك‬
‫أمور كثيرة رغ ًما عني في السابق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ت َ ُج ُرني‪ ،‬وتُجبرني؛ على‬

‫أن المدرسة اإلسالمية َكانَت فقط للمرحل ِة الدراسية السابعة [الثاني اإلعدادي؟‪ ،‬فقد َكانَ‬ ‫بما َّ‬
‫لكن الفتيات ُك َّن خائفات مما سيحدث لَهن‪َ .‬كانَ‬
‫ُك ّل األوالد متشوقين لدخول المدرسة الثانوية‪َّ ،‬‬
‫الصيف قبل المدرسة الثانوية معروفًا بأنَّه الصيف الذي َكانَت تختفي فيه الفتيات؛ فقد َكانَ الوقت‬
‫أن يالحظ أحد ٌ ذلك‪ .‬في الحاالت القُصوى َكانَ وقتًا مألوفًا‬‫المثالّي إلعاد ِت ّهن إلى بُلدانهن؛ دون ْ‬ ‫ِ‬
‫الرتكاب ما يُس َّمى بحاالت القتل من أجل "الشرف"‪ .‬إن بعضهم يرتكب هذا في العادة كرد فعل‬
‫بكثيرهو التهديدَ‬
‫ٍ‬ ‫عا‬
‫األكثر ِشيو ً‬
‫َ‬ ‫على َكون الفتاة "غَربيَّة الطباع‪ 34‬أكثر من الالزم"؛ ْ‬
‫لكن َكانَ‬
‫عرفتُها في حياتي؛ من المألوف لَدَيها عبارة "سأعيدك إلى البالد؛ كي‬ ‫بالتزويجِ‪ .‬ك ُّل فتاةٍ ُم ْس ِلمة َ‬

‫ز‬
‫الغربيي‪ ،‬أو متبنية بعض ذلك‪.‬‬ ‫‪ 34‬أو بتجمة عربية أخرى‪ :‬متف ِرنجة‪ ،‬متبنية لمالبس وطريقة حياة وتقاليد وثقافة وقيم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪69‬‬
‫أن هذا‬ ‫جرد تَهدي ٍد فارغٍ؛ بالنسبة لنا؛ إذ ُكنَّا ن ِ‬
‫َعرف؛ َّ‬ ‫كثير من ُم َّ‬
‫أكثر ِب ٍ‬
‫َ‬ ‫يَت ُّم تزوي َج ِك"؛ َكانَ هذا‬
‫ُم ٌ‬
‫مكن جدًّا‪.‬‬

‫ت صديقتي المفضلة إلى فيجي‪ 35‬كي تُزَ َّو َج؛ ُك ْنتُ خائفةً‬ ‫تَأ َكدَّت ُك َّل َمخاوفي؛ عندما أ ُ ْر ِسلَ ْ‬
‫عليها‪ ،‬وعلى نَفسي؛ لم ي ُك ْن هنالك إيميل (بريد إلكتروني)‪ ،‬أو وسائل تواصل اجتماعي آنذاك؛‬
‫أن تُن َقل إحدا ُه َّن إلى دول ٍة أخرى؛‬
‫ي وسيل ٍة إلنقاذِها؛ وال لالتصال بها آنذاك؛ ما ْ‬ ‫فلم ت َ ُك ْن هنالك أ َّ‬
‫كأن األرض ق ْد ابتل َعتها‪.‬‬ ‫األمر؛ و َّ‬
‫َ‬ ‫َحتّى يُص ِب َح‬

‫ز ز‬ ‫ز‬
‫ميالنتيا ف جنوب المحيط الهادئ عىل بعد نحو ‪ 2000‬كلم شمال ررسق الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا‪ .‬فأقرب‬
‫‪35‬‬
‫فيح‪ :‬دولة جزرية ف‬ ‫جمهورية جزر ر‬
‫الشف وتونغا إىل ر‬
‫الشق و‬ ‫جاراتها فانواتو إىل الغرب وكاليدونيا الجديدة التابعة لفرنسا إىل الجنوب الغرن و كرماديك التابعة لنيوزيلندا إىل الجنوب ر‬
‫ر‬
‫واليس وفوتونا التابعة لفرنسا وساموا إىل الشمال ر‬
‫الشف وتوڤالو إىل الشمال‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪70‬‬
‫الخيانة‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫أن يُرسلوني َبعيدًا لتَزويجي‪ ،‬ابتلعتُ ك َّل أسئلتي‪ ،‬وشكوكي؛ وواصلتُ لَ ِع َ‬ ‫إلر ِتعابي من ْ‬
‫دور؛ االبنةَ؛ ال ُم ْس ِلمةَ؛ ال ُمطيعة‪ .‬بالنسبة للسنة الدراسية الثامنة (الثالثة اإلعدادية) أدخلوني‬ ‫َ‬
‫ا لمدرسة اإلعدادية الحكومة المحلية؛ فوجدت نفسي مرة أخرى في حاجة إلى تكوين صداقات‬
‫جديدة في بيئ ٍة تعليمية جديدة؛ ما صعَّب األمور أكثر؛ هو أَنّي دخلتُ المدرسة اإلعدادية ألول‬
‫مرة؛ البسةً قماشة على رأسي‪ .‬لم َي ُك ْن األمر مثل المدرسة االسالمية؛ حيث َكانَ الجميع يلبسْنَ‬
‫أحكام من اآلخرين؛ أ َّما األمر في هذه المدرسة فقد َكانَ‬‫ٍ‬ ‫تلك القماشة‪ ،‬ومن ث َ َّم لم أتعرض الى‬
‫مختلفًا‪ .‬ما َكانَ أحدٌ ليراني فيها على حقيقتي‪ ،‬بل َكانَ ُك ّل ما َي َرونَه؛ هو قطعة القماش الغبية‬
‫عرفُني‪ ،‬وتُحدد هويتي‪ُ .‬ك ْنتُ غاضبة جدًّا بسبب هذا؛ َ‬
‫فتلك لم ت ُك ْن حقيقتي‪ ،‬ولم‬ ‫تلك‪ ،‬والتي َكانَت ت ُ ِ ّ‬
‫ت َ ُك ْن هذه هي الصورة؛ التي أردتُ أن أ ُ ِر َيها للعالَم‪.‬‬

‫رغم قطعة القماش البشعة؛ التي تعلو رأسي‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُك ْنتُ مصممة على التحدّي‪ ،‬واالجتهاد‪ ،‬والتألق؛‬
‫صرت أعتز بهذه‬ ‫غ َمرتني بالسعادة؛ وقد ِ‬‫قربة َ‬‫ت وثيقةً ُم َّ‬ ‫ت جديدةً‪ ،‬وعالقا ٍ‬ ‫َك َّو ْنتُ صداقا ٍ‬
‫الصداقات أكثر؛ ألنّي أدركت أنَّ ُهم َكانَوا يتجاهلون تلك القماشة؛ كي َّ‬
‫يتعرفوا على شخصيتي أنا‪.‬‬
‫حاجزا كما أُريدَ لها أن تكون‪ .‬لم يسمح أصدقائي لها بأن‬
‫ً‬ ‫لم يسمحوا لتلك القماشة؛ بأن تَ ُكونَ‬
‫ي‪ ،‬وق ِبلوا بي‪ ،‬وأحبّوني ِلذاتي‪.‬‬ ‫تُحدد من أنا‪ .‬لقد َّ‬
‫تعرفوا عل َّ‬

‫ظنّت أ ُ ّمي أنَّه سيحدث‪ .‬أذ ُكر كيف ُك ْنتُ ّ ِ‬


‫أدون بابتهاجٍ؛ أسما َء ُك ّل‬ ‫َكانَ هذا بالضبط َعكس ما َ‬
‫أصدقائي؛ وألنّي أتيتُ من مدرس ٍة صغير ٍة لل ُم ْس ِلمات؛ إلى مدرس ٍة إعدادية‪ /‬ثانوية كبيرة؛ فقد‬
‫(وص ْرنَ ) لي؛ فَسألتني أ ُ ّمي "ماذا كنت أفعل" ؛‬ ‫ِ‬ ‫ذ ُ ِه ْلتُ من عدد األصدقاء الجدد الذين صاروا‬
‫ت‬ ‫قطبَت وج َه َها في غضب‪ ،‬واخت َ‬
‫طفَ ْ‬ ‫ب وج ُه َها‪ ،‬وبَدا عليه اإلحباط؛ ثم َّ‬ ‫ش ُح َ‬‫وعندما أخبرتَها َ‬
‫ب ُمت َّ ِقد؛ ل ّكني ُك ْنتُ قد توقعتُ هذا؛ فلم أكتُب أسما َء أي ٍ من‬
‫وقرأتها بغض ٍ‬
‫ي‪َ ،‬‬ ‫الورقة من بين يد َّ‬
‫األوالد في الورقة؛ لم أ ُكن غبية‪.‬‬

‫ت مع‬‫سأكون صداقا ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ساخطةً؛ ألَنّي‬ ‫مزقت الورقة ِ‬ ‫ومصدر قل ِقها؛ لقد َّ‬
‫ُ‬ ‫لكن هذا لم ي ُكن شا ِغلُها‪،‬‬
‫الكثير من ال ُكفّار؛ أعتقد أنها َكانَت قد افترضت؛ أَنّي سأكون انطوائية؛ لقد َ‬
‫ظنَّت َّ‬
‫أن التالميذ لن‬
‫ضير في إرسالي‬ ‫ت أنَّه ال َ‬‫عجيبةٍ؛ لَدَيها شي ٌء على رأ ِسها؛ لقد َح ِس َب ْ‬
‫َيرغَبوا في ُمصاحب ِة فتا ٍة َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪71‬‬
‫سينبذونني في ُك ّل الحاالت‪ ،‬ث َّم سأشفَى ‪ .‬ظنَّت أنَّهم كانوا؛‬ ‫لمدرس ٍة مليئة بالكفار؛ ألنَّهم َ‬
‫أن أُبادلهم الكراهية‪ ،‬والرفض‬ ‫ي خيار؛ سوى ْ‬ ‫ليكرهونني‪ ،‬ويرفضونني‪ ،‬وأنَّه لن يكون لَدَ َّ‬
‫ي أ َّ‬
‫بالمقابل‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫حاولت أ ُ ّمي في البداية إخراجي من هذه المدرسة على نح ٍو فور ّ‬
‫يٍ‪ .‬لقد هددتني بهذا لَ ِكنّها لم‬
‫ضا عن ذلك؛ أخبرتني بأن أستمتع بآخر سن ٍة لي في المدرسة‪ ،‬ألَنّي لن أعود‬ ‫تفعله‪ .‬لَ ِكنّها ِعو ً‬
‫عبني هذا؛ إذا أخرجوني من المدرسة ‪-‬التي هي صلتي الوحيدة بالعالم الواقعي‪ -‬؛‬ ‫إليها أبدًا‪ .‬أر َ‬
‫وخوف لم يكونا قد غَادرانِي َحتّى‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حزن‪،‬‬ ‫طعم السعادة ثانية؛ ُك ْنتُ يائسة‪ .‬غلبني‬
‫َ‬ ‫فلن أعرف‬
‫عندما ُك ْنتُ في المدرسة‪ .‬في العادة‪َ ،‬كانَت شخصيتي تتغير بين شخصية المدرسة‪ ،‬وشخصية‬
‫المنزل؛ بين األبيض واألسود‪ ،‬لكنّي حينذاك ُك ْنتُ قد صرت رمادية طوال الوقت‪.‬‬

‫سنِي كمشعل ضوء في‬ ‫سألني السيد فَابرو مدرس مادة المسرح إن ُك ْنتُ على ما يرام‪ .‬سؤاله م َّ‬
‫بئر مظلم عميق‪ُ .‬ك ْنتُ سعيدة ً للغاية بإخباري له ب ُك ّل شيء‪ .‬لم أتراجع‪ .‬قابلته وأريته آثار‬
‫ي‪ .‬وفي نوع من الحبكة األُورولية (نسبة إلى الكاتب‬ ‫ع َّ‬
‫الضرب والكدمات والتورمات على ذرا َ‬
‫ق؛ ُمحتَ َّجا؛‬
‫ب ناظر المدرسة في َح َن ٍ‬ ‫جورج أورويل) ؛بعدَ بضع ِة أي ٍّام؛ اندفع زَ و ُج أ ُ ّمي إلى مكت ِ‬
‫درس الذَ َكر؛ على رؤية‬ ‫غاضبًا؛ ألن السيد فابرو رأى ذِراعي‪ .‬كم هو وقح؛ كيف يَتَ َّجرأ هذا ال ُم ّ‬
‫الكدمات‪ ،‬والتورمات التي تسبب بها هو لهذه الطفلة! َكانَت المشكلة الكبرى ‪-‬حسب اعتقاده‪ -‬هي‬
‫أن َر ُج ًال ؛ لست متزوجة به ؛ قد رأى ذراعي؛ وليس أنَّه هو قَد ضربني‪.‬‬ ‫َّ‬

‫واجب قانوني بإبالغ السلطات إذا ع ِل َم‬


‫ٌ‬ ‫كأستاذ في مدرسة حكومية‪ ،‬فقد َكانَ على السيد فابرو‬
‫ستجوبتني الشرطة‪ ،‬وموظفو الشؤون‬ ‫ي‪ .‬ا َ‬‫قاصرا يتعرض أو تتعرض لخطر جسد ّ‬ ‫ً‬ ‫أن‬
‫االجتماعية‪ ،‬وأخبرتهم جميعًا كيف َكانَ "ع ِ ّمي" يضربنا بال رحمة‪ .‬أخبرتهم كيف َكانَ يدخل‬
‫جام غض ِبه‪ ،‬وتوتراتِه اليومية‪َ .‬كانَ ينزع ِحزا َمه‪،‬‬
‫ي َ‬‫ُفرغ عل َّ‬
‫ي استفزاز مني‪ -‬؛ ي ّ‬
‫غرفتي ‪-‬ودون أ ّ‬
‫ويضربَني؛ َحتّى يمأل جسدي بالكدمات‪ ،‬ورغم أَنّي لم أحس بها في وقت الضرب إال أن‬
‫التورمات‪ ،‬والندوب بقيت كدلي ٍل على فعل الضرب‪.‬‬

‫دار للرعاية؛ وأَنّي قد‬‫حذَّرني السيد فابرو أَنّي اذا اتخذت هذا السبيل؛ فقد ينتهي بي األمر في ٍ‬
‫أطير من‬
‫ُ‬ ‫ال أرى عائلتي ثانية أبدًا‪ ،‬وسألني إن ُك ْنتُ مستعدة لذلك؛ ُك ْنتُ متحمسةً جدًّا؛ ِكدت‬
‫الفرح ابتها ًجا باحتمالية أال أضطر لرؤية هؤالء األشخاص مجدَّدًا‪ُ .‬ك ْنتُ أتمنى فقط أن جرس‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪72‬‬
‫وف يحميني من إخراجي من المدرسة؛ تفكرت‪" :‬هل أقبل بأن أُؤخَذ من‬ ‫س َ‬‫اإلنذار الذي قرعته؛ َ‬
‫منزل األسرة؟‪ ....‬هل تمزح معي؟ بال شك‪ ،‬ال شيء في العالم يمكن أن يسعدني أكثر من‬
‫ي أن أكون قويةً‪ ،‬ومستعدةً؛ للوقوف أمام المحكمة ْ‬
‫وأن‬ ‫ضا بأنه سيتوجب عل َّ‬ ‫ذلك!"‪ .‬ون َبهني أي ً‬
‫أُخبر القاضي؛ ب ُك ّل ما أخبرته هو به؛ أتَذ ّكر دائ ًما أَنّي وعدته بأن أظ َّل قوية‪ .‬تخيَّلت أنّي سأُشير‬
‫إليه بشجاعة في المحكمة؛ كأَنّي في حلقة من ماتلوك"‪ُ .36‬ك ْنتُ مستعدة‪.‬‬

‫انتقل التحقيق من مقابالت معي في المدرسة إلى استجواب الشرطة للجميع في بيتنا‪ .‬بصقت‬
‫وأخيرا رأيتُ بَصي ً‬
‫صا‬ ‫ً‬ ‫أ ُ ّمي حرفيًّا في وجهي‪ ،‬وقالت لي بأنها تكرهني للغاية؛ لَ ِكنّي ظللتُ قوية؛‬
‫ألن أُصب َح حرة!‬
‫عبر طبقات الخرسانة‪ ،‬و ُك ْنتُ في طريقي ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ُوم ُ‬
‫من الضوء ؛ ي ِ‬

‫قليال‪َ .‬كانَت دائما تتصرف؛ وكأنه‬ ‫َكانَ جزء مني مستغربًا من أنَّها لم ت َ ُك ْن أكثر دع ًما لي؛ ولو ً‬
‫ي شيء ِحيا َل ذلك‪ .‬حسنًا‪،‬‬ ‫ال قوة‪ ،‬أو سيطرة لها لمن ِعه من ضر ِبنا‪ ،‬وكأنَّه لم َي ُك ْن بوسعها فعل أ ّ‬
‫ها أنا أفعل شيئًا حيال هذا! عندئ ٍذ اكتشفت أنها َكانَت تكذب‪ ،‬وأنَّها في الحقيقة َكانَت تَخدع‪،‬‬
‫وتُرا ِوغ‪ .‬بالتأكيد َكانَت تعلم جيدًا ما الذي يفعله بنا؛ لَ ِكنّها تظاهرت بأنَّه ليس لَدَيها أ ّ‬
‫ي ِ فكرة‪،‬‬
‫عديمة الحيلة؛ ألنها لم ت ُ ِرد أن نكرهها؛ لقد استحقَّت ُكرهَنا حقًّا‪ ،‬وقد َكانَت َجبانة‪.‬‬
‫وأنها َ‬

‫عندما استَجوبتها الشرطة؛ أنكرت ك َّل شيء‪ ،‬وادَّعت أنّي كاذبة‪ ،‬وفع َل أخي‪ ،‬وأختي نفس‬
‫ضا‪ .‬من بين خمسة أطفال ُك ْنتُ أنا الوحيدة التي تقول الحقيقة‪،‬‬ ‫كذب ِطفال ُمنير أي ً‬ ‫َ‬ ‫الشيء؛ كما‬
‫ي بالبقاء في هذه النوعية من الحياة؛ لقد كانوا خائفين‬ ‫وبسبب أكاذي ِبهم كانوا جميعًا يحكمون عل َّ‬
‫ً‬
‫احتماال؛ في أنّي لن أتم َّكن من مغادرة‬ ‫ب قول الحقيقة‪ .‬لقد أدركتُ أ َّن هناك‬ ‫للغاية من عواق ِ‬
‫وف ينتهي بي األمر؛ بأن أُواصل العيش‬ ‫س َ‬ ‫المنزل‪ ،‬وأنّي لن أ ُ ُودَ َ‬
‫ع ملجأ َ رعاي ٍة لألطفال‪ ،‬وأنه َ‬
‫والتحرش بها‪َ .‬كانَت هذه‬
‫ُّ‬ ‫معهم؛ بعدما حاولت الز َّج به في السجن؛ لجريمة إساءة معاملة طفلة‪،‬‬
‫أكثر األفكار ُرعبًا التي س ُك ْنتُ ذهني طوال حياتي‪.‬‬

‫بأن العقاب الجسدي ليس مخالفًا للقانون في كندا؛ وأنه بسبب "ثقاف ِتنا" قد تكون‬
‫حكم القاضي َّ‬
‫هذه العقوبات أحيانًا أقسى من غيرها في عموم العائالت الكندية‪ .‬أكثر أفكاري رعبًا‪ ،‬و القابعة‬
‫ُ‬
‫‪ 36‬ماتلوك ‪ Matlock‬مسلسل دراما قضائية أ ِنتج زف الواليات المتحدة‪ .‬يلعب فيه أندي جريفيث دور محام الدفاع الجنان ز‬
‫بي ماتلوك‪.‬‬
‫وهو مسلسل نجح بشعبية كبتة زف الغرب فقد استمر لتسعة مواسم كاملة من ‪ 3‬مارس ‪ 1986‬ح ّن ‪ 8‬مايو ‪ 1992‬عىل قناة ‪،NBC‬‬
‫ُ‬
‫وع ِرض عىل قنوات أخرى كذلك‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪73‬‬
‫طرقة القاضي‪ .‬لم أشعر قط بخيان ٍة شديدةٍ لي في‬ ‫في ذهني؛ صارت واقعًا بضرب ٍة سريعةٍ؛ من ِم َ‬
‫ط َم‪ .‬كم من ال ُمقزز أن‬ ‫حياتي؛ مثلما احسستُ بها ذلك اليوم‪ .‬لقد َكانَ هذا أملي الوحيد؛ وقد ُح ِ ّ‬
‫ب‪ ،‬والتعذيب ل ُمجرد أن ال ُمعذّب؛ ُمسيء المعاملة؛ صود َ‬
‫ِف أنَّه أتى‬ ‫ض طف ٍل؛ للضر ِ‬‫تعر َ‬‫تَسمح ُّ‬
‫س ُك ّل األطفال؛ بنفس‬ ‫َّ‬
‫الحق في الحماية‪َ .‬ي ِح ُّ‬ ‫من بل ٍد آخر‪ .‬ما عالقةَ هذا باألمر؟ لكل األطفال‬
‫سرهم‪ .‬الضرب‪،‬‬ ‫صرف النظر عن اختالف ثقافات أ ُ ِ‬ ‫مقدار األلم الجسدي‪ ،‬والعاطفي‪ ،‬والنفسي؛ ب َ‬
‫والتحرش الجنسي؛ لهما نفس الضرر على ُك ّل األطفال؛ أيًّا َكانَت ثقافتهم‪ .‬هل َكانَ ليطلق سراح‬
‫تحرش بي؛ إذا َكانَ من أص ٍل جرماني (ألماني)‪ ،‬أو هولندي؟ أ َما َكانَ ِليُ ْس َجنَ ؟ كيف‬ ‫ُمعذبي‪ ،‬وال ُم ِ‬
‫ق في هذا؟‬‫ي منط ٍ‬
‫يمكن أن يكون هناك أ ّ‬

‫ص ُّور عدد األطفال الذين يُتجا َهلُون‬ ‫ال تزال هذه القوانين ساريةً في كندا‪ .‬ال أستطيع َحتّى ت َ َ‬
‫حدث لي‪ .‬تواصل معي العديد من موظفي الشؤون‬ ‫َ‬ ‫عرين األسد؛ مثلما‬ ‫ويُعاد إلقاؤهم إلى َ‬
‫سفهم‪َ .‬ر ُجل منهم‬ ‫االجتماعية المختصين في مواجهة إساءة معاملة األطفال؛ البالغي بشدةِ أ َ‬
‫تتعرض‪ 37‬للعنف‪ ،‬والتحرش إلى‬ ‫َ‬ ‫ضطر للتخلي عن طفلة؛ وت رك ها ِل‬ ‫ٌ‬ ‫انزعج للغاية؛ لحقيقة أنه ُم‬
‫درجة أنه غي ََّر عمله في الوزارة؛ فهو لم يعد يستطيع القيام بذلك‪ .‬أخبرني أنه تسكنه آالم‬
‫ُكرسون حيواتهم لحماية‬ ‫الذكريات على ما أ ُ ْر ِغ َم على فعله لمدة (‪ 31‬سنة)‪ .‬األشخاص الذين ي ِ ّ‬
‫األطفال؛ ي ُْج َبرون على ترك األطفال يتعرضون للتعذيب‪ ،‬والتحرش ألن حكومتهم شغلها‬
‫الشاغل الذي ال يهمها سواه؛ هو النسبية الثقافية‪ ،‬واألخالقية‪ .‬الحاجة إلى أن يبدوا "مؤيدين‬
‫لحم‪ ،‬ودم ‪ -‬من العُنف‪.‬‬ ‫للتنوع الثقافي"؛ تطغَى على الحاجة إلى إنقاذ األطفال‪ -‬الذين هم من ٍ‬

‫صب‬‫ذات "حساسي ٍة ثقافية"؛ انتهى بها األمر الى التع ُّ‬ ‫َ‬ ‫دَولَتي؛ في َمسعاها إلى أن تكون‬
‫الشرير تجاهي‪ .‬لقد ع ِلمتُ أنّي لو ُك ْنتُ أتيت من عائلة ذات والدّيْن "أبيضين" ل ُك ْنتُ ُحمٍ ِيتُ ‪ .‬هذه‬
‫النتيجة الطبيعية ِلفكر اليساريين؛ الرجعيين؛ أو النُكوصيين‪ 38‬؛ فعندما تصبح عقولهم منفتحة‬
‫‪ 37‬هنا الالم الم المآل والمصت‪ ،‬وليست الم التعليل‪.‬‬
‫ز‬ ‫الليتالية الرجعية)‪ :‬كنية ازدرائية تطلق عىل جناح من اليسار ز‬ ‫ً ً‬ ‫‪38‬‬
‫المتهمي بالتناقض مع أنفسهم والتبشت بأفكار رجعية‬ ‫يي‬ ‫اليسار الرجع (وأيضا ر‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫اإلسالميي ومع العنرصية المعكوسة بدعوى تعدد الثقافات والنسبية‬ ‫ِبتصالحهم مع مبادئ وأيديولوجيات غت متحررة‪ ،‬خصوصا تصالحهم مع‬
‫ً ز‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫الثقافية‪ .‬شارك سام هار ْ‬
‫سبتمت من عام ‪ ،2015‬والذي نش الحقا ف‬ ‫ر‬ ‫س وماجد نواز ف منتدى عام استضافه معهد السياسة ف جامعة هارفارد ف‬ ‫ِ‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪.‬‬
‫كتاب قصت بعنوان اإلسالم ومستقبل التسامح (‪ )2015‬أشار الكاتب السياس بريان ستيورات ف مراجعة للكتاب ف مجلة ناشيونال ريفيو أونالين‪،‬‬
‫الميي يشكلون نسبة كبتة‬‫ز‬ ‫ز‬
‫الجهاديي واإلس‬ ‫ز ز‬
‫الرجعيي» ف الغرب يتجاهلون حقيقة أن‬ ‫س فإن «اليسار ز‬
‫يي‬ ‫وفقا ل ُك ّل من ماجد نواز وسام هار ْ‬ ‫ً‬
‫إىل أنه‬
‫ِ‬
‫س) من المجتمع ال ُم ْس ِلم العالم واألقلية ال ُم ْس ِلمة داخل الغرب‪ ،‬عىل الرغم من أن هذه الفصائل تعارض القيم ر‬
‫الليتالية مثل‬ ‫(‪ %20‬زف تقدير هار ْ‬
‫ِ‬
‫الليتاىل المتناقض‬‫س بالموقف االنعزاىل غت ر‬ ‫المثليي‪ ،‬إلخ‪ .‬ندد نواز وهار ْ‬
‫ز‬ ‫االستقاللية الفردية وحرية التعبت والديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق‬
‫ز‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ز‬
‫الليتاليي األكت ضعفا الذين يعيشون ف المجتمع‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الليتالية العالمية‪ ،‬وعن دعم األفراد ر‬
‫تخليا عن القيم ر‬ ‫عتتانها‬
‫تجاه أي انتقاد لهذه الظاهرة‪ ،‬الن ي ر‬
‫ً‬ ‫ْ ز‬ ‫ز‬ ‫ُ ْ‬
‫مت من عام ‪ ،2015‬المصطلح مرارا خالل محادثاته مع‬ ‫هارس ف أكتوبر ونوڤ ر‬ ‫النساء والمثليي والمرتدين والدفاع عنهم‪ .‬استخدم سام ِ‬ ‫المس ِلم‪ ،‬مثل ِ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪74‬‬
‫‪39‬‬
‫ُمرتكب‬ ‫ق‪ ،‬وإثنيَّة‬
‫ير ْونَ إال لونَ بشرةِ‪ ،‬وعر ِ‬ ‫أكثر من الالزم؛ تقع منها أدمغتهم‪ .‬إنهم ال َ‬
‫الجريمة‪ ،‬وليس جرائمه التي ارتكبها‪.‬‬
‫سينعتُه الجميع بالتزمت‪،‬‬ ‫إذا رفض خباز أبيض أن يخبز كعكةَ حفل زفاف زوج من المثليين؛ ف َ‬
‫غير مقبول؛ لكن عندما تفعل مخابز ال ُم ْس ِلمين ذلك؛ يكون ردُّ الفع ِل هو؛‬ ‫أمر َ‬ ‫أن هذا ٌ‬ ‫ويؤ ِ ّكدون َّ‬
‫صرنا إسالموفو ِبيين؛ ُمتعصبين!‬ ‫الصمت ال ُم ْ‬
‫ط ِبقَ ‪ .‬انها ثقافتهم‪ ،‬وعلينا احترام معتقداتِهم؛ وإال ِ‬ ‫َ‬

‫ال يوجد غباء‪ ،‬أو ازدواجية في المعايير أكثر من هذا في العصر الحالي‪ .‬علينا أن ننظر إلى‬
‫الفعلة‪ ،‬والحادثة؛ ال إلى لون بشرة؛ أو عرق؛ أو إثنية؛ أو دين؛ ُمرتكب الفعل؛ ال عالقة لكل هذا‬
‫باألمر‪ .‬الفعل غير األخالقي؛ يظ ُّل غير أخالقي؛ بغض النظر عن هوي ِة فاعله‪ .‬يجب علينا جميعًا‬
‫أن ننتقد التعصب‪ ،‬والتمييز الجندري‪ ،‬وتعنيف األطفال؛ وكل األفعال األخرى المعادية‬
‫لإلنسانية‪ .‬لماذا نهتم بـ هوية مرتكب الفعل؟؛ في كل الحاالت؛ فإن الفعل خاطئ بنفس الدرجة‪.‬‬
‫إن خفض سقف التوقعات‪[ 40‬تجاه فئة من البشر؟ ؛ هو أشنع أنواع العنصرية‪ ،‬وعلينا أن نحاكم‬
‫كل البشر حسب نفس المعايير‪.‬‬

‫َكانَت هذه أول مرة في حياتي أحاول فيها أن أستق َّل بنفسي؛ ُك ْنتُ قويةً‪ ،‬و ُك ْنتُ ِم ْ‬
‫صرة ً على أن‬
‫سنح لي الفرصة قط؛ بالكاد وقفتُ ً‬
‫قليال على‬ ‫أنظر الى ُمنير في عينيه؛ في المحكمة؛ لكن لم ت َ ْ‬
‫الجثو على األرض‪.‬‬‫ِّ‬ ‫ي‪ ،‬وتُرغمني على العودة إلى‬ ‫ي للحظة؛ قبل أن تقطع دَولَتي؛ َر ُجلَ َّ‬
‫قدم َّ‬
‫تركني هذا شاعرةً؛ بأن هذا مكاني الطبيعي الذي سأم ُكث فيه إلى األبد؛ ُك ْنتُ أكثر من ُم َّ‬
‫حطمة‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫األكت هو أن «اليسار الرجع» مستعد للتخىل عن حرية التعبت «خوفا من اإلساءة لألقليات»‪ ،‬األمر الذي سيؤدي إىل‬ ‫وسائل اإلعالم‪ ،‬قائًل إن الخطر ر‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫الرقابة الن تفرضها تلك األقليات‪ ،‬نقًل عن ترصيحات الصحف األمريك چ ز‬
‫اإلرهان عىل صحيفة شارىل إبدو كمثال‪.‬‬ ‫ر‬ ‫لي چرينوالد حول حادثة الهجوم‬
‫س أن رضا أصالن ونعوم تشومسك من اليسار الرجع‪.‬‬ ‫يعتت هار ْ‬
‫ر‬
‫ز‬ ‫ًُ‬ ‫ز‬ ‫ِ‬
‫التيطان والمؤلف‬ ‫التامج بيل مار وعالم األحياء ر‬‫ذكرت صحيفة واشنطن تايمز ف أكتوبر عام ‪ 2015‬أن كًل من الممثل األمريك الكوميدي ومقدم ر‬
‫ليت ز‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫دوكت « ر‬ ‫زز‬
‫اليي عندما يتعلق األمر باإلسالم»‪.‬‬ ‫الرجعيي الذين فشلوا ف فهم أنهم ليسوا ر‬ ‫اليساريي‬ ‫يرن‬ ‫الملحد ريتشارد‬
‫‪39‬‬
‫يعرفون بعضهم البعض عىل أساس أوجه الشبه مثل‬ ‫ِ‬ ‫الذين‬ ‫الناس‬ ‫من‬ ‫فئة‬ ‫ه‬ ‫العربية")‬ ‫جمات‬ ‫الت‬ ‫"حسب‬ ‫العرقية‬ ‫أو‬ ‫اإلثنية‪،‬‬ ‫(أو‬ ‫اإلثنية‬ ‫المجموعة‬
‫السلف‪ ،‬اللغة‪ ،‬المجتمع‪ ،‬الثقافة أو األمة‪ .‬عادة ما تكون اإلثنية حالة موروثة عىل أساس المجتمع الذي يعيش فيه الفرد‪ .‬االنتماء إىل مجموعة إثنية‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫يميل إىل أن يكون محددا باالشتاك بالتاث الثقاف‪ ،‬أو السلف‪ ،‬أو أسطورة األصل‪ ،‬أو التاري خ‪ ،‬أو الوطن‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو اللهجة‪ ،‬األنظمة الرمزية مثل‬
‫ز َّ‬ ‫ز‬
‫الميثولوجيا والطقوس‪ ،‬المطبخ‪ ،‬أسلوب المالبس‪ ،‬والفن‪ .‬المجموعات اإلثنية المستمدة من نفس تأثت المؤسس التاريح‪ ،‬غالبا ما تستمر ف تكلم‬
‫والتبن‪ ،‬يمكن أحيانا لألفراد أو الجماعات ترك مجموعة إثنية‬ ‫ز‬ ‫لغات مرتبطة وتتبادل تجميعة الجينات متماثلة‪ .‬عن طريق التحول اللغوي‪ ،‬التثاقف‪،‬‬
‫يعتت العرق واإلثنية‬
‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫للعضوية‬ ‫أساس‬ ‫كمعيار‬ ‫العرف‬ ‫النقاء‬ ‫عىل‬ ‫معينة وأن يصبحوا جزءا من مجموعة أخرى (باستثناء المجموعات اإلثنية الن تؤكد‬
‫ز‬
‫مفاهيم متصلة‪ .‬غالبا ما يفتض أن تكون اإلثنية نوعا من الهوية الثقافية لمجموعة ما‪ ،‬كثتا ما تقوم عىل أساس النسب واللغة والتقاليد الثقافية‪ ،‬ف‬
‫حي يفتض أن يكون العرق تصنيفا بيولوجيا صارما يستند إىل الحمض النووي والبنية العظمية‪.‬‬ ‫ز‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪40‬‬
‫عبارة أو مصطلح مستمد من جملة للكاتب والخطيب التلفزيون األمريك مايكل جتسون ‪ Michael Gerson‬ف قوله (التعصب الناعم الخاص‬
‫بخفض سقف التوقعات) "‪."the soft bigotry of low expectations‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪75‬‬
‫ي أم ٍل آخر؛ لم َي ُك ْن لَدَي أ ّ‬
‫ي شيء آخر‬ ‫أن ذلك َكانَ أملي الوحيد‪ ،‬ولم َي ُك ْن لي أ َّ‬
‫ق َّ‬
‫أحسست بصد ٍ‬
‫أعيش ألج ِله‪.‬‬
‫ُ‬

‫وف أُعاقَب بقسوة على خيانتي بني قومي‪ ،‬والتجا ِئي لل ُكفار؛ فهذه أعلى درجات الخيانة‪.‬‬ ‫س َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫كانوا دائما يُعلموني؛ أن الحياة َ معركة بيننا‪ ،‬وبينهم؛ وأنا قد لجأتُ للعدو بِطلب المساعدة‪ .‬هذا‬
‫أمرا ال يُ ْغت َ َفر‪.‬‬
‫َكانَ ً‬

‫صنع‬‫لإلسالم مفهوم متصلب جدًّا عن القَدَر؛ ف ُك ّل شيء ُمقد ًَّرا ُمسبقًا؛ ف ُك ّل َمسعى لمحاولة ُ‬
‫بنفسك؛ ال معنى له؛ فما يريدهُ هللاُ سيحدث في النهاية‪ُ .‬ك ّل حيا ِتك مكتوبةٌ قب َل َحتّى ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫قَدَ ِر َك‬
‫سيطرةً‪،‬‬ ‫س َك األول؛ وقد قَ َّوى و َمتَّنَ هذا الموقف؛ هذه التعاليم‪ ،‬والمعتقدات فِ َّ‬
‫ي‪ .‬لم أ ُك ْن ُم َ‬ ‫تتنفس نَفَ َ‬
‫ي فقط أن أقبَ َل ما أرادهُ هللا‪ ،‬ول ْم ي ُكن هنالك أ ّ‬
‫ي‬ ‫تغيير نصيبي في الحياة؛ َكانَ عل َّ‬‫ِ‬ ‫وال قادرة ً على‬
‫نطق ِم ْن مواصلة المعركة‪.‬‬ ‫معنى‪ ،‬أو َم ِ‬

‫ذهب هبا ًء‪،‬‬


‫َ‬ ‫أخرجتني أ ُ ّمي من المدرسة في نهاية تلك السنة كما َكانَت قد ت َ َّوعدت؛ ك ُّل ما فَعلتُهُ‬
‫سهم‬ ‫حس بالعالَم من حولي؛ عندما تَس ِلب الناس إحسا َ‬ ‫ع ْد أ ُ ُّ‬
‫باألمر الواقع‪ ،‬ولم أ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ول ْم ي ُْجدِ‪ .‬قَ ِبلتُ‬
‫َصب أعيُن ِهم‬
‫ي دافعٍ لمواصلة المقاومة‪ .‬ما ال َجدوى؟؛ لن يضعوا ن َ‬ ‫بإرادتِهم ال ُح َّرة؛ َّ‬
‫فإنك تسِلبهم أ َّ‬
‫وف يحدث؛‬ ‫س َ‬‫ألن لو َكانَ ذلك ُمقد ًَّرا له أن يحد ُث؛ ف َ‬ ‫ي شيء؛ َّ‬ ‫ي أهداف‪ ،‬أو يحاولوا تحقيق أ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فيسيرون دون تفكير عبر الحياة التي تنكشف أمام أعين ِهم؛ دونَ أم ٍل‪ ،‬أو محاول ٍة لتغيير حيواتهم‪.‬‬

‫ت عديدة؛ بعد ثالثين سنة؛ عاودتُ االتصال بالسيد فابرو‪ .‬لحظ َة رأيتُه انفجرتُ في‬ ‫بعد سنوا ٍ‬
‫دار رعايةٍ‪ .‬كاد ال يُصدِّق‬‫افترض أنّي قد أو ِد ْعتُ َ‬
‫َ‬ ‫ي فكرة ع َّما حدث لي؛ لقد‬ ‫البكاء‪ .‬لم يَ ُك ْن لَدَيه أ َّ‬
‫مديرا تنفيذيًّا‪ ،‬وتحدثّنا‬
‫ً‬ ‫ضينا اليوم في المطعم الذي يعمل به ابنُه‬ ‫أن النظام القضائي؛ قد خَذلني‪ .‬قَ َ‬ ‫َّ‬
‫ضا تلك األيّام‬ ‫حيث قابلنا زو َجته‪ .‬تذ َّكرت هي أي ً‬ ‫ُ‬ ‫عن ُك ّل شيء‪ .‬دعاني أنا‪ ،‬وزوجي الى بيتِه؛‬
‫مر عليها الكثير من الزمن‪َ .‬كانَ األمر أشبه بالحلم؛ ُك ْنتُ سعيدة للغاية‪ ،‬وتجتاحني المشاعر‬ ‫التي َّ‬
‫بعود ِته إلى حياتي؛ قضيت اليوم التالي بالبكاء؛ ألن ُك ّل الذكريات عادت إلى السطح واندفعت‬
‫أغادر بيته قال لي‬
‫َ‬ ‫إلى رأسي بعدما قابلته؛ بكيتُ ألج ِل تلك الفتاةِ الصغيرة [التي ُك ْنت ُها؟‪ .‬قبل أن‬
‫اك"‪.‬‬‫السيد فابرو باقتناع‪ُ " :‬ك ْنتُ ألتبنّ ِ‬
‫"نعم؛ كنا لنف َعل ذلك"؛ وافَقتهُ زو َجته‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪76‬‬
‫ت َ َّ‬
‫حطم قلبي لذلك إلى شظايا؛ ك ْم َكانَت حياتي لَتكون ُمختلفة‪.‬‬
‫لم تسمح لي أ ُ ّمي بالعودة إلى المدرسة السنة التالية‪ .‬وبحلول الوقتُ الذي عدتُ فيه لها‪َ ،‬كانَ‬
‫أن بدأتُ كتابةَ هذا الكتاب‪.‬‬ ‫السيد فابرو قد غادر‪ .‬لم تَتقاطع َ‬
‫طريقانا مجددًا؛ إلى ْ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪77‬‬
‫األ ُ َّمهات‬
‫سنتي الدراسيَّةَ التاسعةَ في المدرسة االسالمية؛ أتب ُع أ ُ ّمي ك ُمساعدتها الخاصة‪ .‬إذ َكانَت‬ ‫قضيت َ‬
‫دور في‬‫ٌ‬ ‫أخيرا صار لها‬ ‫ً‬ ‫ت إلى منصب رئيسة قسم الدراسات العربية واإلسالمية‪ .‬و‬ ‫قد ُر ِقّ َي ْ‬
‫المجتمع؛ حيث أصبحت تُقدَّر وت ُ َوقَّر‪َ .‬كانَت تأخذُ عملَها بجديَّة كبيره‪ُ ،‬متَخيّلةً نف َ‬
‫سها على أنَّها أحد‬
‫الناس به‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أعمدة المجتمع؛ لفترةٍ طويلة ظ َّل هذا الدور الذي تل َعبَهُ؛ متماس ًكا؛ قويًّا؛ فاقتنع‬
‫وتقدير‪ ،‬و َمها َبة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫باحترام‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وساعدوها على لَعبه‪ ،‬وعاملوها‬

‫سرعان ما صارت هناك حافالت‬ ‫أخذت المدرسة اإلسالمية تكبر أكثر يو ًما بعد يوم؛ و َ‬
‫غ َرف‬ ‫أطفاال من مناطق تبعد أ َ ً‬
‫مياال‪ .‬كنا ال نزال ليس لَدَينا منهج تعليمي الئق‪ ،‬أو ُ‬ ‫ً‬ ‫مدرسية تَجلب‬
‫ي شيءٍ يجعل منها مدرسةً‪ .‬في لحظ ٍة ما‪ ،‬الحظت الدولة ذلك‪ ،‬وصارت المدرسةُ‬ ‫صفّية‪ ،‬أو أ َّ‬‫َ‬
‫أن أخذَت األموال تتدَّفق من المملكة العربية السعودية‪ .‬فم َّكنَ‬‫مهددة ً فجأة ً باإلغالق‪ .‬لكن ما لَ ِبث ْ‬
‫جهزتين بأحدث‬ ‫ذلك الما ُل من تشييد َمبنيين؛ ُمخصصين لمدرستين ابتدائية‪ ،‬وثانوية؛ ُم َّ‬
‫ضا التعاليم الدّيْنية السعودية الوهابية؛‬‫الت َ ُك ْنولوجيات ال ُمتاحة‪ .‬مع المال السعودي؛ أتت أي ً‬
‫ال ُم ْس ِلمون المتطرفون‪ ،‬أو األصوليون الذين سمعتم عنهم بال شك‪ .‬أولئك الذين يف ِ ّجرون المباني‪،‬‬
‫طح البنايات؛ ُكلّهم ينتمون الى‬ ‫ويحرقون أطفال المدارس أحيا ًء‪ ،‬ويُلقون بالمثليين من على أس ُ‬ ‫ِ‬
‫نفس المدرسة الفكرية‪.‬‬

‫ي ذو لحية طويلة‪ ،‬وله زوجةً ت ُ ِ ّ‬


‫غطي‬ ‫ي المدير الهندي السابق من َمهامه‪ ،‬وح َّل َمحلًّهُ ِمصر ٌّ‬ ‫ُ‬
‫أ ْع ِف َ‬
‫ً‬
‫مماثال‪ ،‬و َكانَ‬ ‫منظرا‬
‫ً‬ ‫كامل جسدها‪َ -‬حتّى وج َه َها‪ ،‬ويديها ‪ -‬باألسود‪َ .‬كانَت أول مرة نرى فيها‬
‫بعض األطفال يل ِقّبونها؛ بالبطريق‪ ،‬أو ال ُخفَّاش‪ ،‬والبعض اآلخر بالنينجا‪.‬‬

‫ضاض‪ ،‬وانتزاع مكانَتها‬ ‫ّ‬ ‫دوة ً حينذاك؛ ِمصريةٌ ِمثلها؛ من بلدِها؛ تحاول االن ِق‬ ‫صار أل ُ ّمي َ‬
‫ع َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫طلب النُصح من أ ّمي‪ ،‬وصاروا يُق ِبلون على‬ ‫َّ‬
‫منها؛ كقائدةٍ للنساء في مجتم ِعنا؛ فتوقف الناس عن َ‬
‫غطي مساحةً من جسدِها؛‬ ‫أكثر تَقوى من أ ُ ّمي؛ ألنَّها ت ُ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫بدال منها‪ .‬كانوا يعتبرون النينجا‬ ‫النينجا ً‬
‫ضها أ ُ ّمي‪ِ ،‬بيدَ أنّها حاولت إق َحامي في‬ ‫أكثر من أ ُ ّمي‪ .‬لم أ َ ُك ْن أكتَرث لل ُمنافسة التي تَخو ُ‬‫َ‬
‫ي ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الموضوع‪ ،‬لكنّي ك ْنتُ متآمرة ال فائدة َ منها‪ .‬فقد ك ْنتُ قد تَخليت عن الحياةِ‪ ،‬ول ْم يَع ْد لدَ َّ‬
‫أُعطيه‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪78‬‬
‫صدَفةً خاويةً‪ .‬لَ ْم‬
‫ي الطاقةَ ِلتحقيقها‪ُ .‬ك ْنتُ َ‬ ‫أفكار انتحارية يوميًا؛ لكن لَ ْم ت ُك ْن لَدَ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َكانَت تُراودني‬
‫ت الحياة‪ ،‬وكانَ ُك ُّل شيءٍ‬ ‫عبر تيارا ِ‬ ‫ش ٍة َ‬
‫كشبح‪ ،‬وكري َ‬ ‫ٍ‬ ‫ي غضب‪ُ .‬ك ْنتُ أ ُم ُّر‬ ‫يعد يتبقى لَدَ ّ‬
‫ي َحتّى أ ّ‬
‫ي رغباتٌ ‪ ،‬أو آمال‪ ،‬أو طموحات‪ ،‬أو أفكار‪ ،‬أو أحاسيس‪.‬‬ ‫فاقدًا لطعم‪ ،‬ولون الحياة‪ .‬لَ ْم ت َ ُك ْن لَدَ َّ‬
‫ُك ْنتُ فقط موجودة‪.‬‬

‫نجحت أ ُ ّمي ‪ -‬بُمساعدة النظام القضائي لكولومبيا البريطانية‪ -‬في َكسري؛ و َكانَت فخورة ً‬
‫بذلك؛ َكانَت تفاخر بذلك وهي تأ ُمرني بالقيام بعم ٍل ُمهين تِ َلو اآلخر‪ .‬لَ ْم أقاوم قط و ُك ْنتُ أقوم بما‬
‫ض َعتني‪َ .‬كانَت في الصباح‬ ‫األمر منها؛ عشر سنوات؛ لكنَّها في النهاية أخ َ‬ ‫ُ‬ ‫طلَّب‬
‫ُطلَب مني؛ ت َ‬ ‫ي ْ‬
‫أن أر َك َع عندَ قد َميها؛ وأُقبلّ ُهما؛ ثُم أُعد لها شاي تويننجز لوس إيرل جراي ؛حسب ما‬
‫‪41‬‬
‫تأ ُمرني؛ ْ‬
‫الكوب‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫تحطم‬ ‫ذات مرةٍ‬
‫ُعرضني لضرب ٍة على رأسي؛ َ‬ ‫غير َمضبوط؛ ي ِ ّ‬ ‫ي مقدار َ‬ ‫تُحدده‪ ،‬وتحبه‪ .‬أ ّ‬
‫أن تتصل‬ ‫سلت إليها ْ‬ ‫ي د ًما؛ إذ نَزَ فت الجروح منهما كالنافورة؛ تَو َّ‬ ‫بِفعل الحرارة‪ ،‬وامتألت عينا َّ‬
‫باإلسعاف؛ لَ ِكنّها رفضت‪.‬‬
‫ي‪" :‬بالتأكيد!؛ َحتّى يلقوا بي في السجن‪ ،‬أليس كذلك؟ أتعتقدين أَنّي ال أعرف ما‬ ‫َت ف َّ‬‫صرخ ْ‬ ‫َ‬
‫تريدين؟ أتريدين أن تجربي مرة أخرى؟"‬ ‫َ‬
‫صرت العدوة‪ ،‬و ُك ْنتُ أُعا َمل على ذلك األساس‪.‬‬ ‫ُ‬

‫كيف أَنّي دَ َّمرت حياتها‪ ،‬و أنَّها لَ ْم ت ُ ِرد لي أن‬


‫َ‬ ‫يوميًّا ‪ -‬بينما ُك ْنتُ أ ُ َم ّ‬
‫سد قَدميها‪َ -‬كانَت تُخبرني‬
‫وأن وجودي لَ ْم يسبب لها‬ ‫أولَد‪ ،‬وأنَّها تمنَّت أنّي لَ ْم أولَد قط‪ ،‬وأنّي لَ ْم أجلب لها إال و َج َع القلب‪َّ ،‬‬
‫ي َر ُج ٍل يُريد أخذي منها‪ .‬وكيف‬ ‫إال البؤس‪ ،‬وأنَّها لن تتمكن أبدًا من التخلص مني؛ ألنَّه ال يوجد أ ّ‬
‫سم؛ لَ ْم تتوقف أبدًا‪.‬‬ ‫ي أحد‪َ .‬كانَت ُحقنة وريدية منَ ال ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أستحق حُبَّ أ ّ‬ ‫أنّي سمينة‪ ،‬وقبيحة‪ ،‬وال‬

‫أن هذا األمر‬ ‫بعد العديد من السنوات‪ ،‬وعندما صرتُ ناشطةً في المجتمع المدَني؛ الحظتُ َّ‬
‫سلطانَ لها‬‫ُمشترك؛ فالعديد ِمنَّا نحن الفتيات؛ أسا َءت لنا أُمهاتُنا‪ ،‬وآذ ْينَنا نَفسيًّا‪ .‬المرأة التي ال ُ‬
‫تتو ُق إلى الت َح ُّكم‪ ،‬وتوجد فقط مجاالت قليلة تكون فيها سيطرتَها مقبولة؛ في حدود‬ ‫على حياتِها؛ ُ‬
‫زوجها‪ ،‬أو اب ِنها؛ لكن‬
‫ِ‬ ‫سلطة على‬ ‫عائلتها المباشرة‪ ،‬وأقار ِبها األقربين؛ فال َي ِح ُّق لها ممارسة ال ُ‬
‫عدوانيتها‪ ،‬وإحباطاتِها في ذلك االتجاه الوحيد‪.‬‬ ‫لها أن تَفعل ما تُريد بابن ِتها؛ فت ُ ِ‬
‫فرغ َجا َّم ُ‬

‫‪41‬‬
‫التچموت (برتقال البيك‪ ،‬الليمون الشعتي)‪.‬‬
‫شاي أسود ذو نكهة حمضية ليمونية معد بنكهة فاكهة ر‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪79‬‬
‫ُقر ْرنَ َمصير‬ ‫ت ْ‬
‫أن ي ِ ّ‬ ‫أقدام األُمهات"‪ 42‬؛ فإن لألمها ِ‬
‫ِ‬ ‫بما أنَّه َحسب الحديث "ال َجنَةُ تَ َ‬
‫حت‬
‫سلطةٌ هائلةً جدًّا الستخدامها على‬ ‫أبنائِهن بين الجنة‪ ،‬أو االحتراق في الجحيم إلى األبد‪ .‬هذه ُ‬
‫ُ‬
‫صلت عليها أ ٌّم ُمسيئة؛‬ ‫سلطة؛ نتائج تراجيدية مأساوية؛ إذا تَح َّ‬ ‫أن يكون لهذه ال ُ‬ ‫فمنَ ال ُمم ِكن ْ‬
‫طفل؛ ِ‬
‫أن تُصبحي‬ ‫عليك ْ‬‫ِ‬ ‫حيث يُمكنها أن تُسيء استغالل هذه الم َكانَة‪ ،‬وتستَعم َلها للتح ُّكم‪ ،‬والتالعب؛‬
‫ودعمها‪ ،‬وقبو ِلها؛ ولكي ‪-‬وهذا هو األهم‪ -‬تَدخلي‬ ‫ِ‬ ‫صلي على عط ِفها‪،‬‬ ‫أ َ َمةً (أو عبدًا)؛ ُمطيعةً؛ ِلتح ُ‬
‫سحب منك مباركتها؛ متى شاءت‪ ،‬ومن ث َ َّم تتحكم فيك ِطوال‬ ‫َ‬ ‫(أو تدخل) الجنة ذات يوم‪ ،‬ولها أن ت َ‬
‫الحياة‪.‬‬

‫ثيرا؛ ِبعنوان "ما الّذي سيقولُه الناس"‪ .‬الفيلم حو َل فتاةٍ‬ ‫ؤخرا فيل ًما ت َماهيتُ معه َك ً‬‫شاهدت ُم ً‬
‫بالعجز‪ ،‬وقِل ِة الحيلة؛ في َمشه ٍد‬
‫ِ‬ ‫ش َع َرت‬
‫ضدَ إرادتِها؛ لقد َ‬ ‫ت في باكستان ِ‬ ‫باكستانية؛ بريطانية ت ُ ِر َك ْ‬
‫طا بعنفٍ ؛ إنَّه َمشهد ٌ قصير؛ لكنَّه من النوع الذي َيعلَق‬ ‫غير َمفهوم‪ -‬قِ ًّ‬
‫ب َ‬ ‫سبَ ٍ‬‫ضرب ‪ِ -‬ل َ‬‫من الفيلم ت َ ُ‬
‫تبحث عن ُمتَنفَّس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫سلطانَ لها َبتاتًا على حياتِها؛‬‫بذا ِك َرتك‪ .‬في ذلك المشه ِد رأَيْتُ فتاة ً صغيرةً؛ ال ُ‬
‫ي دونَ تَجميل‪.‬‬ ‫لقد َكانَ فيل ًما يُصيبُك بالغثيان‪ ،‬وانقباض القلب‪ .‬لكنَّه واقع ٌّ‬

‫كأن أ ُ ّمي استَمتَعت بطريق ٍة ساديةٍ؛ بتعذيبي‪َ .‬كانَ ذلك‬ ‫األمر؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫في بيتنا ُك ْنتُ أنا ال ِق َّ‬
‫طة‪َ .‬كانَ‬
‫ضيةً لَدَيها؛ ‪-‬ولألَسف‪ -‬لَ ْم ت َ ُكن هي الوحيدة؛ عندما تحدثت مع نساءٍ ُم ْس ِلمات‬ ‫يُرضي حاجةً َم َر ِ‬
‫سلوكي؛ شائ ٌع لدى األ ُ َّمهات ال ُم ْس ِلمات؛ على نح ٍو ملحوظ‪.‬‬ ‫أن هذا النمط ال ُ‬ ‫سابقات؛ وجدت َّ‬
‫غ َرفِهن؛ ألشهر؛ هذا يَ ْس ُه ُل‬ ‫أن أُمهاتَهن ُك َّن يَح ِبس َن ُه َّن في ُ‬
‫بعض النِساء السعوديات؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫أخبرتني‬
‫ي حماي ٍة قانوني ٍة‬ ‫فِعلُه على نح ٍو غير عادي في بلد مثل المملكة العربية السعودية؛ حيث ال توجد أ َّ‬
‫للفتيات اللواتي تُساء معاملَت َ ُه َّن‪ .‬أخبرتني إمرأة أخرى كيف أنها بعد هروبها الى الواليات‬
‫نزف من‬ ‫وذات يوم تعث َّ َرت؛ فسقطت‪ ،‬وأخذت ت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫المتحدة األمريكية؛ بدأت تواعد َر ُج ًال أمريكيًّا؛‬
‫عليها؛‬ ‫صرخ َ‬ ‫ت منه أن َي ُ‬ ‫ت)؛ لقد توقَّ َع ْ‬ ‫ضا؛ فأجفَلَت (فَ ِز َ‬
‫ع ْ‬ ‫حيث كشطت نفسها؛ أتى صدي َقها راك ً‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫‪42‬‬
‫هذا الحديث وإن كان إسناد لفظه ضعيفا إال أنه ورد بمعناه حديث آخر صحيح؛ رواه اإلمام أحمد ف مسنده‪ ،‬والنسان ‪-‬واللف له‪ -‬وابن ماجه ف‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ُ‬
‫الذهن‪ ،‬وأقره المنذري‪ ،‬من ُحديث معاوية بن جاهمة‪ :‬أنه جاء‬ ‫ر‬ ‫ووافقه‬
‫َ‬ ‫وصححه الحاكم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حسن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والطتان ف «المعجم الكبت» بإسناد‬
‫ر‬ ‫ننهما»‪،‬‬‫«س ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫هللا أردت أن أغزو‪ ،‬وقد ِجئتك أست ِش ُتك‪ ،‬فقال‪" :‬هل لك ِمن أم"؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬فالزمها؛ ف ِإن‬ ‫ْالن ِرن صىل هللا عليه وآله وسلم فقال‪ :‬يا رسول ِ‬
‫الجنة ت ْحت ِر ْج ِلها"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ز‬ ‫من ر‬
‫الشوح‪ :‬قال اإلمام المناوي ف (فيض القدير)‪" :‬األمهات يلتمس رضاهن المبلغ إىل الجنة بالتواضع لهن‪ ،‬وإلقاء النفس تحت أقدامهن والتذلل‬
‫لهن"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫"الجن ُة ت ْحت أ ْقد ِام األمهات؛ من ِش ز‬
‫ي أ ْدخ ْلن‪ ،‬وم ْن ِشيز‬ ‫ْ‬
‫وأما ما رواه ابن عدي‪ ،‬ونصه عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫َْ‬
‫أخر ْجن"‪ ،‬قال ابن عدي‪ :‬موس بن ُمحمد المقدس منكر الحديث ‪ -‬المتجم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪80‬‬
‫أن يسألها لماذا هي خرقاء للغاية‪ ،‬وال تعرف كيف تمشي؛ لقَد ذ ُ ِهلَ ْ‬
‫ت‬ ‫أو يخبرها كم هي غبية‪ ،‬أو ْ‬
‫بخير؟" لَ ْم تَ ُك ْن تلك ردة الفعل التي اعتادت على سما ِعها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عندما َكانَ أول كالمه‪" :‬هل أن ِ‬
‫ت‬

‫ُمارس بحيث؛ أنَّك‬ ‫ستُ بنفسي ُمرتبطةً تما ًما بحكايتها؛ لقد َ‬
‫أدركتُ ِمقدار التَعّنيف؛ الذي ي َ‬ ‫س ّ‬
‫أح َ‬
‫وف تُعتَبَر ُمذ ِنبًا ‪ ،‬وتُها َجم ؛ ألج ِل ذلك‪.‬‬
‫س َ‬ ‫فعلت‪ ،‬ومهما حد َ‬
‫ث؛ ف َ‬ ‫َ‬ ‫مهما‬

‫سها باالسم المستعار "السيدة المرتدة" ‪Sayeda‬‬ ‫سمي نَف َ‬ ‫توجد إمرأة أخرى على تويتر؛ ت ُ َّ‬
‫أن أ ُ َمها َكانَت تمارس عليها سيطرةٍ سا ِديَّةٍ؛ منذ سن الثالثة أو‬ ‫كيف َّ‬
‫َ‬ ‫؛ ‪َ Murtada‬ر َوت لي؛‬
‫عضَّاضتها فلَ ْم تتوقف‪ ،‬فوضعت لها الفلفل‬ ‫الرابعة؛ حاولت أ ُ ُمها جعلَها تتوقف عن استعمال َ‬
‫فمها‪ .‬لَ ْم تبا ِل بمقدار األلَ ْم‬‫األحمر الحار في فَ ِمها؛ وإذا َبكت َكانَت أ ُ ُمها ت ُ ْق ِح ُم ُخفَّها القذر في ِ‬
‫الهائل غير القابل للقياس الذي احتاجت إليقاعه بابنتها؛ طالما أنه سيُ َم ِ ّكنُها من التحكم فيها‬
‫والفوز في النهاية‪.‬‬
‫غرس‬ ‫تصاعدَ هذا العنف ِبنيَّة التح ُّكم؛ إلى أن أصبحت تُلقي عليها األشياء‪ ،‬وتخنُقها‪ ،‬وت َ ِ‬
‫سها في‬ ‫ضرب رأ َ‬‫شعرها‪ ،‬وت َ ِ‬ ‫ف د ًما‪ ،‬و َكانَت تَص َف َعها‪ ،‬وتُمسكها من ِ‬ ‫أظافرها في رقبتها؛ َحتّى تَ ِ‬
‫نز َ‬
‫صنادل ‪،‬والمالعق الخشبية‪ .‬ذات يوم كسرت الشوبك (مرقاق العجين)‬ ‫وتضربها بال َّ‬
‫ِ‬ ‫الجدار‪،‬‬
‫ق ابنتها‪ ،‬وانفجرت ضاحكة‪ً:‬‬ ‫الخشبي على سا ِ‬
‫"هذه العاهرة ال تشعر بشيء" هذا ما قالت عن ابنتها "سيدة"‪.‬‬
‫ضى ذلك رغبات أ ُ ِ ّمها الشيطانية‪،‬‬ ‫لو استسلمت "سيدة"؛ ِلتَ َح ُّكم أ ُ ِ ّمها بها‪ -‬مثلما فعلت أختي‪ -‬ألر َ‬
‫أكثر وحشيةً معنا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لك المقاومة؛ هي ما جعلت أ ُ َّمهاتنا َي ِ‬
‫ص ْرنَ‬ ‫لكنَّها ‪ -‬مثلي‪ -‬؛ َ‬
‫قاو َمت‪ ،‬و َكانَت تِ َ‬
‫لَقَد ُكنَّا الشيء الوحيد الذي يُم ِكن ُه َّن ممارسة السيطرة عليه؛ وقد فَش ِْلنَ في ذلك‪.‬‬

‫سها‪َ .‬كانَت ُممتَلئة بالغض ِ‬


‫ب‬ ‫كره حياتَها‪ ،‬ونَف َ‬
‫كرهُ زو َجها العنيف‪ ،‬وتَ َ‬ ‫َكانَت أ ُّم "سيدة َ" ت َ َ‬
‫كثيرا ما تخبر "سيدة" أنها تَتَمنى لو أج َهضتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال َمكبوت‪ ،‬و َكانَت "سيدة" ُمتنفَسِها الوحيد‪َ .‬كانَت‬
‫وكثيرا ما قالت لي أ ُ ّمي أنها تتمنى لو أَنّي لَ ْم أولد‪ ،‬ولسنوا ٍ‬
‫ت ُك ْنتُ أوافقُها الرأي‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪81‬‬
‫االكتئاب ‪1‬‬
‫بدون تمهيد‪ُ ،‬ح ِ ّر ْرتُ من استعبا ِد أ ُ ّمي؛ لكي يُس َمح لي بالعودة إلى المدرسة الحكومية في‬
‫سبتمبر التالي؛ فَيو ًما ُك ْنتُ عبدتها‪ ،‬وفي اليوم التالي أَص َبحت ِتلميذة ً في المدرسة الثانوية‪ .‬لَ ْم‬
‫كثيرا في البداية‪ .‬ما أتَذَ َّكره على نحو رئيس عن تلك الفترة؛ هو أَنّي ُك ْنتُ أحس‬ ‫ً‬ ‫يؤ ِث ّر هذا ف َّ‬
‫ي‬
‫نفسي خاويةً‪.‬‬
‫طلي الذي الحظ أَنّي ُمكتئبة؛ َكانَ صديقًا للعائلة‪ .‬أعتقد أن األمر َكانَ‬ ‫بعد سنوات علمتُ أن بَ َ‬
‫بديهيًّا ‪-‬إن لَ ْم َي ُك ْن واض ًحا مباشرة ً‪ -‬للذين َكانَوا األقرب الي‪َ .‬كانَ لَدَيه بنتان في حوالي نفس‬
‫سلطات؛ بزواج أ ُ ّمي التعددي غير القانوني إذا لَ ْم‬ ‫ُخبر ال ُ‬ ‫سني‪ ،‬و َكانَ قد رآنا نكبر معا؛ َهدَدَّ ْ‬
‫أن ي َ‬
‫سبَبَّ ذلك في قَطع‬ ‫يسمحوا لي بالذهاب الى المدرسة؛ حدثت مشكلة كبيرة بسبب ذلك‪ ،‬وت َ‬
‫ي‬ ‫الصداقة التي دامت لعقو ٍد بين عائلتينا‪ .‬إلى اليوم ال أدري ِل َم فعل ذلك ألجلي؛ فهو لَ ْم يتحدث إل َّ‬
‫صل بين الرجال‪ ،‬والنِساء‪َ .‬كانَت‬ ‫نادرا ما ُك ْنتُ قد تحدثتُ إليه؛ إ ْذ َكانَ دائما يُف َ‬
‫قط عن األمر؛ بل ً‬
‫أ ُ ّمي ُمتَح ِيّرة ً مثلما ُك ْنتُ ‪ ،‬وقد عب ََّرت عن هذا بنفس طريق ِتها الحاقدة؛ السامة؛ المعتادة لها؛‬
‫‪43‬‬
‫ي أح ٍد بأمرك؟ ِل َم قد يتخلى أحدهم عن صداق ٍة‬ ‫بريِب ٍة ؛ وقالت‪" :‬لماذا يهتم أ ُّ‬ ‫نظرت لي ِ‬
‫ألج ِل ِك؟"‬
‫سها أنها مهددة في أم ِنها ‪ -‬مرة ً أخرى بسببي ‪ ،-‬أعطاها سببًا إضافيًا لتكرهني‪.‬‬ ‫أن إحسا َ‬‫يبدو َّ‬
‫ُك ْنتُ [في نظرها؟ لعنةً غير عادية في حياتها‪ ،‬والتي هي السبب الالنهائي لألذى‪ ،‬والصدمات‬
‫لها‪ .‬لَ ْم تُدرك‪ ،‬أو تقبل قط االعتراف بدورها في تَسبُّب هذه المواقف لنفسِها؛ وهكذا ‪ -‬في ظل‬
‫س ِم َح لي بالعودة الى المدرسة الحكومية في سبتمبر‪.‬‬ ‫التهديد بالعواقب القانونية‪ -‬؛ ُ‬

‫ي‪َ .‬كانَ‬ ‫َكانَت تلك السنة ‪-‬سنتي الدراسية العاشرة [تعادل األولى الثانوية؟‪ -‬سنةً قاسيةً عل َّ‬
‫الظالم يُخ ِيّم على نَفسي من ُك ّل ا ِت ّجاه‪ .‬صارت عندي صديقةً؛ اس ُمها آمبر‪ ،‬و ُك ْنتُ أنا‪ ،‬وإيّاها‬
‫نمشي ُمتهادِيتين معًا‪ ،‬ونحن نغني أغاني إنيا‪ ،‬أو سينياد أوكونور‪ ،‬ونَضيع في عالَم الروايات‬
‫الرومانسية؛ التاريخية‪َ .‬ل ْم أ َ ُك ْن في الحقيقة استمتع بالموسيقى‪ ،‬أو الكتب؛ ُك ْنتُ فقط أت َبعُها في ُك ّل‬
‫ط ِلقَ‬‫ما تريد القيام به؛ أيًّا ما َكانَ ‪ .‬لَ ْم تَ ُك ْن لي رغبات أو تفضيالت شخصية؛ ربما كانَ قد أ ُ ْ‬
‫سراحي من السجن جسديًّا؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ ال أزال سجينةً داخل عقلي‪ .‬لَ ْم يَ ُك ْن هناك جدوى في أن‬
‫ي شيء‪.‬‬ ‫ي شيء؛ ألَنّي لن أحصل عليه أبدًا في ُك ّل الحاالت‪ ،‬ولذلك َكانَ األسهل َّأال أريدَ أ ّ‬
‫أريد أ ّ‬
‫ّ‬ ‫‪43‬‬
‫الريبة‪ :‬الشك‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪82‬‬
‫مرت سنتان منذ أن خانني ذلك القاضي‪ ،‬ولَ ْم أفكر َحتّى في إمكانية أن أشفَى من حالتي النفسية‬
‫وف أُزَ َّوج َ‬
‫لر ُج ٍل غريب‪،‬‬ ‫س َ‬‫فرغة‪ ،‬وأَنّي يو ًما ما َ‬ ‫ي وقت‪ .‬قبلت فقط حياتي الجديدة ال ُم َ‬ ‫في أ ّ‬
‫ُ‬
‫وف يصير لَدَينا أطفال أعلمهم الصالة َ؛ كي َيتَجنَّبوا االحتراقَ في الجحيم‪.‬‬
‫س َ‬‫و َ‬

‫في ذلك الصيف؛ الذي بين الصفين الدراسيين العاشر‪ ،‬والحادي عشر‪ 44‬؛ تناولتُ َحفنةً من‬
‫ي بؤسي؛ ُك ْنتُ حقًّا خائفة من أَنّي قد أموت بالفعل؛ َّ‬ ‫حبوب تايلينول‪ 45‬؛ ِآملةً ْ ُ‬
‫ألن االنتحار‬ ‫أن أ ْن ِه َ‬
‫مباشر الى َجهنم؛ لذلك فكرت في أن أتناول أكثر من الالزم "من غير قصد"‪ .‬ل َّ‬
‫كن هللا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫طريق‬
‫كرهتُ‬ ‫يعرف ما تفكر فيه‪ ،‬ومن ث َ َّم فهو يعرف أَنّي أردت تناول الحبوب؛ ُك ْنتُ ضائعة وعالقة؛ ِ‬
‫حياتي؛ لكنّي لَ ْم أستطع إنهائها‪ُ .‬ك ّل الطرق تؤدي إلى الجحيم؛ سواء هنا على األرض أو في‬
‫اآلخرة‪ .‬لَ ِكنّي تناولت الحبوب في النهاية‪ .‬إذا أراد هللا لي الحياة فَسأحيا؛ سأتركُ األمر له‪.‬‬

‫طتُ ألن المحاولة لَ ْم تنجح‪َ .‬ل ْم أعرف ما إذا‬ ‫تعرقةً؛ أ ُ ْح ِب ْ‬


‫بعد ساعات؛ استيقظت متر ِنّحةً‪ ،‬و ُم ِ ّ‬
‫ت‬
‫ي أن أجد لي مخر ًجا من هذه الظلما ِ‬ ‫أن أشعر باالرتياح‪ ،‬أو العكس‪ .‬قررت أنه عل َّ‬ ‫ي ْ‬‫َكانَ عل َّ‬
‫بطريقة‪ ،‬أو أخرى‪.‬‬

‫وجدت ُكراسةً قديمةً‪ ،‬وقد تَبَقَّت بها بضع صفحات‪ ،‬وبدأت أكتب‪ .‬كتبت ُك ّل الطرق المحتملة‬
‫و ُك ّل الحواجز التي تعيقني‪ .‬في النهاية وبعد أن فحصت مأزقي من ُك ّل الزوايا أدركت أن‬
‫المخرج الوحيد من هذا هو أن أت َ َح َّمل السنوات القليلة المتبقية‪َ .‬كانَ سن البلوغ يبدو لي بعيدًا لكنه‬
‫َكانَ الضوء الوحيد في نهاية هذا النفق ال ُمظلم‪.‬‬

‫بدال من تَخيُل نفسي أطعن ُمنير‪ ،‬وأُريق د َمه‪ ،‬صرت‬ ‫وصرت؛ َكي أُهد ِهد نفسي َحتّى أنام‪ً ،‬‬
‫وف يكون لي يو ًما من األيّام‪ُ .‬ك ْنتُ أتخيل نفسي داخلةً من‬
‫س َ‬‫أُجبر نفسي على تَخيُّل المنزل الذي َ‬
‫الباب األمامي‪ ،‬و َكانَت هناك سالل ٌم على اليمين؛ تقود الى األعلى‪ ،‬وغرفةُ معيش ٍة إلى اليسار‪.‬‬
‫ظر إلى غرفة المعيشة؛ رأيتُ ظهر األريكة‪ ،‬والتلفاز أمامي؛ تَخيَّلت نفسي؛‬ ‫عندما استدرتُ ِألن ُ‬
‫على أَنّي سأجلس دائ ًما على تلك األريكة‪ ،‬و آكل الفشار‪ ،‬أو المثلجات‪ ،‬و ُك ْنتُ أتخيل نفسي أقف‪،‬‬

‫ز‬
‫الثانويي‪.‬‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪44‬‬
‫والثان‬ ‫الصفي األول‬ ‫العرن‬
‫ر‬ ‫يعادالن عىل األرجح ف بعض دول العالم‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫نشته الطبية‪ :‬إذا تناول المريض جرعة زائدة يتعرض لتسمم كبدي خطت وقد يكون مميتا ف بعض األحيان‪.‬‬ ‫ز‬
‫‪ 45‬دواء مسكن وخافض للحرارة‪ ،‬ف ر‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪83‬‬
‫وأذهب الى المطبخ؛ أحيانًا ُك ْنتُ أذهب إلى غرفة النوم‪ ،‬وأُزينها بنفس الطريقة ُك ّل ليلةٍ‪ ،‬وأُضيف‬
‫بطانية؛ َكانَت هنالك نافذة ً ناتئة؛ بارزة إلى الخارج [نوع من الشرفات؟ في‬ ‫وسائد جميلة‪ ،‬وأضع َّ‬
‫ضوء الشمس؛ ال ُملقي بتألقه على غرفتي؛ ُك ْنتُ‬ ‫غرف ِة نومي‪ ،‬حيث ُك ْنتُ أجلس‪ ،‬وأقرأ كتابًا في َ‬
‫ت األطفال‪ ،‬وهم يلعبون في الشارع في األسفل‪.‬‬ ‫ع أصوا ِ‬
‫أستطيع سما َ‬

‫أواصل الحياة‪ ،‬وأنا أُكا ِفح‬


‫ِ‬ ‫صل قط على فرص ِة العيش ِب ُمفردي؛ َّ‬
‫لكن هذه األحالم جل َعتني‬ ‫لَ ْم أح ُ‬
‫عبر األيّام لسنوات‪.‬‬
‫َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪84‬‬
‫‪46‬‬
‫تيفرز‬
‫ي آمال‪ .‬افترضتُ َّ‬
‫أن السعادة َ؛ شي ٌء‬ ‫عندما بدأ الصف الدراسي الحادي عشر َل ْم ت َ ُك ْن َلدَي أ ّ‬
‫يشعر به األشخاص اآلخرون‪ ،‬وق ِبلت قَدَري فقط‪ :‬هذا ما قَدَّره هللاُ لي‪.‬‬

‫أن قَ َب ً‬
‫سا من النار ال‬ ‫َكانَت تلك السنة التي تعرفت فيها على تيفاني‪ .‬ساعدتني على اكتشاف َّ‬
‫وأخرجتني من‬
‫َ‬ ‫بحماس على تلك الشرارات الصغيرة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫س َكبت َ‬
‫الوقود‬ ‫زا َل يَتَّقد داخلي؛ لقد َ‬
‫غرقَ لوحةَ مفاتيح كمبيوتري‬ ‫أن أ ُ ِ‬
‫الرمادي؛ ال أستطيع أن أكتب عن تيفاني؛ دونَ ْ‬ ‫اكتئابي َ‬
‫بدموعي؛ فَقدتُها منذ بضعِ سنوات‪ ،‬و لن أكونَ كما ُك ْنتُ ؛ من بعدِها‪.‬‬

‫لحدَة منذ سنوات؛ قب َل وقت فقداني إياها‪ ،‬فعند فقدان تيفاني َكانَت‬ ‫رغم أَنّي ُك ْنتُ قد صرت ُم ِ‬
‫المرة األولى منذ تركت اإلسالم التي تمنيت فيها لو أَنّي ُك ْنتُ ال أزال أُؤمن بالجنَّة؛ ألخَفف ْ‬
‫من‬
‫وف‬‫س َ‬ ‫وأن هنالك َجنةً‪ ،‬وأَنّي َ‬
‫أن هذا صحيح‪َّ ،‬‬ ‫ت قليل ُك ْنتُ أتَخيَّل َّ‬‫َوطأة األمر؛ على نَفسي؛ لوق ٍ‬
‫أرى تيفرز مرة ً أخرى حقًّا؛ لكن هذا ال يجوز في اإلسالم في ُك ّل الحاالت؛ كنا لنحترقَ معًا في‬
‫أردتُ اإليمان بالجن ِة؛ كما يتصورها المسيحيون‪ ،‬لكنّي بقَدر ما‬ ‫الجحيم [بحسب عقيدة اإلسالم؟‪َ .‬‬
‫تحس باإلحباط‬ ‫أعرف أنَّها ُكلّها أكاذيب؛ تُش ِعرنا باالرتياح؛ َكانَت تيفاني لَ ِ‬
‫أردتُ اإليمانَ ؛ ُك ْنتُ ِ‬
‫بسببي؛ َكانَت لَتعود فقط كي يطاردُني شَب ُحها‪ ،‬وكي تُخبرني؛ أَنّي أتصرف بغباء‪.‬‬

‫بأال أؤمن‪ .‬لَ ْم أعلم حتَّى؛ َّ‬


‫أن هناك شيئًا‬ ‫خيارا متا ًحا َّ‬
‫ً‬ ‫شخص يُخبرني؛ أن هناك‬ ‫ٍ‬ ‫َكانَت أو َل‬
‫صلّي‪ ،‬وسألتني بُلطفٍ ؛ أسئلةً عن سبب ِ‬
‫قيامنا‬ ‫ست بالفضول بعد ُمشاهدتها لي وأنا أ ُ ِ‬ ‫كهذا‪ .‬أ َح َّ‬
‫ش ُهد (بعد السجدتين)‪ ،‬ثم َرفعي‬ ‫ي؛ في جلوس الت َ َّ‬ ‫ي على ركبت َّ‬‫بأمور غريبة؛ مثل سبب وضع يد َّ‬
‫إصبع السبابةَ بطريقة ُمتكررة؛ لن تشعُ َر بسخاف ِة شيءٍ ؛ حتّى يُشير أحدهم إلى ذلك‪.‬‬
‫شنَّ ُج اص َبعُك في النهاية؟"‬ ‫" ِل َم َيت َ‬
‫"أوه‪ ،‬ال أدري‪ .‬هذا ما نفعله فقط"‪.‬‬
‫" ِل َم ؟"‬
‫ي أدنى فكرة"‪.‬‬ ‫"ليست لَدَ َّ‬

‫ومعن تيفرز ر‬
‫ز‬ ‫تدليل تيف زان‪،‬‬
‫ز‬ ‫‪46‬‬
‫الثمي الذي ال يدرك الناس العاديون قيمته‪.‬‬ ‫السء‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪85‬‬
‫بعض الشيء؛ أال تظنين؟"‬
‫َ‬ ‫غريب‬
‫ٌ‬ ‫"هذا‬
‫"نعم أعتقد ذلك"‪.‬‬

‫ي رو ًحا؛ َكانَت قد تَضا َءلت؛ َحتّى كادت تصير ال‬ ‫ي؛ أيق َ‬
‫ظ ْ‬
‫ت ف َّ‬ ‫ت عينَ َّ‬‫ت حياتي‪ ،‬وفَتَ َح ْ‬ ‫غي ََّر ْ‬
‫إلمرأةٍ ضعيف ٍة جسديًّا؛ َكانَت تيفاني‬ ‫َ‬ ‫شيء‪َ .‬كانَت أقوى إمرأة سارت على هذا الكوكب بالنسبة‬
‫ي ٍ في القلب‪َ .‬كانَت ُك ّل سنة تعيشها معجزة؛ تترك األطباء في َحيرةٍ النهائي ٍة‬ ‫ض خَلق ّ‬‫تُعاني من مر ٍ‬
‫بعض‬
‫َ‬ ‫ضا‬
‫وكذلك أي ً‬
‫َ‬ ‫نحن االثنتين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أمرهم؛ َل ِكنّها لَ ْم تَ ُك ْن خَائِفةً؛ َكانَت لَدَيها شَجاعة تَكفينا‬‫من ِ‬
‫لحم‬
‫سندويتش َ‬
‫َ‬ ‫س ْلمان ُرشدي؛ الذي أكل وهو صغير‬ ‫األُخريات غيري‪ .‬أتَذَ َّكر أنّي قرأت عن َ‬
‫َ‬
‫أن اإلسالم ُمجرد أكاذيب‪.‬‬ ‫ي شيءٍ سيء؛ استنتج َّ‬ ‫سرا؛ ثم عندما اكتشف أنَّه لَ ْم يحد ُث له أ َّ‬ ‫خنزير ًّ‬
‫ٍ‬
‫شجاعا حقًّا في قيامه بهذا وحدَهُ! لكن َحتّى مع القوة التي ُك ْنتُ اكتسبها من تيفاني ‪ -‬وهي‬ ‫َكانَ ُ‬
‫ق شديدٍ‪.‬‬‫تدفعني إلى القيام بأشياء مماثلة‪-‬؛ ُك ْنتُ ال أزا ُل متشَربةً بالتعاليم الدّيْنية؛ بعُم ٍ‬

‫بدال من اليمنى‪ ،‬ثم‬‫أوال؛ ً‬ ‫"ما رأيك لو تُجربي هذه المرة فقط؛ دخول الحمام بسا ِقك اليسرى ً‬
‫ي شيء"‪.‬‬ ‫فلنر ما إذا سيحدث أ ّ‬
‫تخرجين بساقك اليمنى؟ َ‬
‫"ال ؛ال أستطيع‪ .‬أنت ال تفهمين‪[ "...‬أقول لنفسي‪:‬؟ لهذا َكانَ ِمنَ األفضل؛ َّأال أخبر الناس عن‬
‫ي اآلنَ أن أتعامل مع هذا الضغط‪.‬‬ ‫حياتي‪ .‬صار ِلزا ًما عل َّ‬
‫"حسنًا‪ ،‬أطيعي ِني فقط"‪.‬‬
‫ي شيءٍ عن‬ ‫"أوه‪ ،‬يا إلهي؛ ال‪ .‬أنا خائفةً للغاية"‪ .‬تمنيت لو أَنّي َكذبت عليها‪ ،‬ولَ ْم أُخبرها أ َّ‬
‫حياتي‪.‬‬
‫ليس صعبًا"‪.‬‬ ‫ضا؛ فقط أُدخلي الحمام الملعون يا ياسمين‪ .‬هذا َ‬ ‫ي ِ أدعي ٍة أي ً‬‫"و ال تُتم ِتمي بأ ّ‬
‫نصف مازح ٍة فقط؛ لقد علَّموني َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫سني الشيطان‪ ،‬وسيكون هذا بسببك ُكلّيًا"‪ .‬تَذ َّمرتُ‬ ‫وف يَلب َ‬
‫س َ‬ ‫" َ‬
‫وف َُ تلبسهم‬
‫س َ‬ ‫الناس الذين يدخلون الحمام بالقدم الخطأ‪ ،‬أو دون أن يَتلوا الدعا َء القصير‪َ ،‬‬
‫الشياطين الذين يعيشون في الحمام‪.‬‬
‫لك َممسوسةً؟ أتعتقدين َّ‬
‫أن ُك َّل هؤالء الناس‬ ‫َوطت في حياتي؟ هل أبدو ِ‬ ‫"هل تدرين كم مرة تَغ ُّ‬
‫قصيرا قب َل دخول الحمام بأقدامهم اليسرى؛ ممسوسون؟"‬ ‫ً‬ ‫الذين ال َيتلون دعا ًء‬
‫إنكار أنَّها قدَّمت حجةً قويةً‪.‬‬‫َ‬ ‫"ال أدري"‪ .‬قلت لها؛ لكنّي ما استطعتُ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪86‬‬
‫أوال؛ خائفةً للغاية‪ ،‬وقلبي َيخ ِفق كالطبل‪ .‬انتهيت من األمر‬
‫بحذر؛ بقدَمي اليُمنى ً‬
‫ٍ‬ ‫دخلتُ الحم َ‬
‫ام‬
‫بأسرع ما يمكن‪ ،‬وخرجت َجريًا في النهاية؛ الهثةً بصو ٍ‬
‫ت عا ٍل‪.‬‬
‫"هل أنت ممسوسةً اآلن؟"‬
‫"ال"‪.‬‬
‫"حسنًا‪ ،‬فلنذهب لتناول بعض الغداء‪".‬‬

‫تبدو كتابة هذا الكالم سخيفةً اآلن‪ ،‬ألَنّي لَ ْم أ ُ‬


‫ع ْد َمغسولةَ الدماغِ؛ لكن َكانَت بيني أنا وتِفرز‬
‫أشخاص آخرين‪َ .‬كانَت‬
‫ٍ‬ ‫ِحوارات كثيرة ‪-‬والتي أنا متأكدة تما ًما‪َ -‬ما ُكنتُ ألُفكر في خ ِ‬
‫َوضها؛ مع‬
‫كيف فعلت ذلك‪ُ .‬ك ْنتُ َألترك هذه الفتاة المجنونة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َحريصةً‪ ،‬ومثابرة ً معي للغاية؛ ال أدري‬
‫ضا أن تجعلني أُدرك‬ ‫ض َّم الى بعض األصدقاء العاقلين؛ لكنَّها وقفت إلى جانبي‪ ،‬وحاولت أي ً‬ ‫وأن َ‬
‫ع ّمي"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أن شيئًا يحدث بين أ ّمي‪ ،‬و " َ‬
‫َّ‬

‫ٌ‬
‫صديق للعائلة فقط"‪.‬‬ ‫"ال‪...‬ال؛ هو‬
‫"صديق للعائلة؛ تُمارس معه الجنس"‪.‬‬
‫"ال‪ .‬ال‪ ...‬هو متزوج"‪.‬‬
‫صل على شيءٍ‬ ‫أن تسم َح ِل َر ُج ٍل؛ أن يفع َل هذا بأطفا ِلها؛ إال إذا َكانَت تح ُ‬ ‫"ال يمكن المرأةٍ ْ‬
‫بالمقابل"‪.‬‬
‫األمر ليس كذلك"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫"ال يا تي ِفرز؛ صدقيني؛‬
‫أن أ ُ ّمي ُمخربة بيوت‪ ،‬وال َم َّرة؛ ُك ْنتُ حقًّا أصدّق‬
‫لَ ْم أدرك كم َكانَ األمر واض ًحا‪ .‬لَ ْم أشكُ َقط؛ َّ‬
‫ُك ّل األكاذيب التي َكانَت تخبرني بها‪.‬‬
‫األمر سنواتٍ؛ َحتّى تُثمر في النهاية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بذورا تطلَّب‬
‫ً‬ ‫ُذور الشك؛‬ ‫يب َ‬
‫لكن تيفاني؛ زرعت فِ َّ‬‫َّ‬

‫عرفي على تيفاني؛ تراخَت صالبةَ اإلسمنت؛ َحتّى صرت أستطيع‬ ‫بعدَ حوالي سنةً من ت َ ُّ‬
‫تحريك أصابع قدمي َعبره؛ َكانَت تيفاني َحبل النجاة بالنسبة لي؛ ُك ْنتُ أستمدُّ القوة‪ ،‬والشجاعة‬
‫منها؛ لكن لَ ْم أ َ ُك ْن قد صرتُ قادرة ً بعد ُ؛ على السير بمفردي‪.‬‬

‫ت حياتَها لحيوانات المالجئ‪َ .‬كانَ بيتها‬


‫س ْ‬
‫كر َ‬ ‫أن ال يكونَ ُمفاجي ًء؛ معرفةَ َّ‬
‫أن تيفاني قد َّ‬ ‫ينبغي ْ‬
‫مليئًا بالحيوانات التي رفضت أن تتخلى عنها لتُقت َ َل‪ .‬وعندما َكانَ بيتها‪ ،‬وحديقة بيتها على‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪87‬‬
‫ي حيوان آخر‪َ ،‬كانَت تعطي ُك ّل األنواع من الحيوانات‬ ‫السواء؛ ال يعودان كافيين الستيعاب أ ّ‬
‫المنبوذة‪ ،‬والضعيفة ‪-‬مما تساعده‪ -‬لعائلتها‪ ،‬وأصدقائها‪َ .‬كانَ لَدَيها العاطفة‪ ،‬والشغف‪ ،‬والصبر‪،‬‬
‫والقدرة على إعادة تأهيل الحيوانات التي أُسيئت معاملتها‪ ،‬وأ ُ ْه ِملَ ْ‬
‫ت‪ .‬و َلعلّي ُك ْنتُ أول الحاالت‬
‫التي تعاملت معها‪.‬‬

‫صف الدراسي الثاني عشر‪-‬آخر سنوات المدرسة الثانوية‪ -‬سنةٌ اختَلَطت فيها مشاعري‪.‬‬ ‫َكانَ ال َّ‬
‫ُك ْنتُ أعلم أنَّها َكانَت آخر فرصة في أن يكون لي عالقة هشة بالواقع‪ .‬لقد علمتُ أنه حالما تنتهي‬
‫كثيرا أَنّي حالما أنتهي‬
‫ً‬ ‫وف أُزَ َّو ُج‪ ،‬وهو تهديد َكانَ يَلُو ُح ل ي دائ ًما‪ .‬أخبرتني أ ُ ّمي‬
‫س َ‬
‫المدرسة ف َ‬
‫وف تتخلص مني‪ .‬عرضت علي‬ ‫س َ‬‫من المدرسة وأبتعد عن براثن (ودعم) أصدقائي الكفار فإنها َ‬
‫تيفاني أن تسمح لي باالنتقال معها إلى بيتها‪َ .‬كانَ لدى أسرتها منزل ضخم من ثالثة طوابق به‬
‫عرضها‪ُ .‬ك ْنتُ متأكدة أنَّها َكانَت مجرد لفتة‬‫ِ‬ ‫أستط ْع قبو َل‬
‫ِ‬ ‫مسبح ويطل على المحيط‪ .‬لَ ِكنّي لَ ْم‬
‫لتعيش معه في منزله‪ .‬حاولت االستمتاع بسنتي‬ ‫َ‬ ‫مهذبة‪ .‬ما َكانَ أحد ِليريدَ حقًّا هذه القمامةَ‬
‫األخيرة بأقصى قدر أستطيعه‪ ،‬فقد علمتُ أنَّها آخر سنة لي أتذوق فيها طعم الحرية‪.‬‬

‫في تلك السنة قدِم خالي (أو عمي) الحقيقي لزيارتنا من نيويورك‪ ،‬وأقنع أ ُ ّمي بأن تغادر القبو‪.‬‬
‫لقد عاتَبها على تربيتها أطفالها في مثل هذه الظروف‪ .‬لقد ساعدنا على حزم أغراضنا‪ ،‬وانتقلنا‬
‫أخيرا‪.‬‬
‫ً‬

‫كثيرا ما َكانَت أ ُ ّمي تتذمر من تكاليف ُك ّل عناصر المعيشة‪ ،‬وته ِدد ُنا بالعودةِ بنا إلى القبو‪.‬‬ ‫ً‬
‫تمك ْنتُ في النهاية من إقناعها؛ أن تسم َح لي بالعمل ‪-‬ك ُمتلقي ٍة لمكالمات الطلبات‪ -‬في محل للبيتزا‬
‫بقرش واحد لنفسي‪ُ .‬ك ْنتُ سعيدة ً‬ ‫ٍ‬ ‫؛كي أساعد في النفقات‪ُ .‬ك ْنتُ أعطيها ُك َّل أجري‪ ،‬ولَ ْم أحتفظ قَط‬
‫أجر يمكن أن أحصل عليه؛ وطالما َكانَ ذلك‬ ‫أكبر ٍ‬ ‫َ‬ ‫بخروجي من قَبو ذلك المنزل‪ ،‬و َكانَ ذلك‬
‫يساعد في عدم العودة أبدًا للعيش في قبو الرعب‪ ،‬فإني ُك ْنتُ سعيدة ً بالمساعدة في ذلك‪.‬‬

‫ت‬
‫حجر من المدرسة‪ ،‬ويبعُد حوالي(‪ 15‬دقيقة)عن بي ِ‬
‫ٍ‬ ‫َكانَ المنزل الذي أ َّج ْرناه على َمرمى‬
‫تيفاني؛ ومن ث َ َّم ُك ْنتُ أنا‪ ،‬وتيفرز نسير معًا ُمنتصف المسافة إلى المنزل؛ ثم ننفصل كي تسير‬
‫ُك ٍّل منا باقي طريقها إلى منز ِلها‪ .‬أخبرتني في إحدى مرات ِ‬
‫سيرنا؛ بأنَّها سمعت كلمات أغنية‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪88‬‬
‫أن تُؤذي مشاعري‪ ،‬لكنَّها في النهاية قالتها‪.‬‬ ‫ذ َّكرتها بي؛ َكانَت ُمترددة في إخباري؛ ِلخوفها ِم ْن ْ‬
‫‪47‬‬
‫َكانَت جملةً من أغنية ِلبيتي ميدلر بعنوان "الوردة"‪:‬‬
‫تخاف الموت؛ ال تتعلَّم الحياة"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫"الروح التي‬
‫بإيجاز‪ .‬نخاف ك ُم ْس ِلمين على‬
‫ٍ‬ ‫حسنًا‪ ،‬هذا َكانَ يَصفُ ِني ‪-‬إن لَ ْم يَ ُك ْن وصفًا ل ُك ّل ُم ْس ِل ٍم‪ ،‬و ُم ْس ِلمة‪-‬‬
‫ار‪ ،‬واليهودَ‪ ،‬والشيطانَ‬ ‫والكبائر‪ ،‬والكفَّ َ‬
‫َ‬ ‫والجحيم‪ ،‬واللعنةَ‪،‬‬‫َ‬ ‫نح ٍو ال نهايةَ له؛ يخاف ال ُم ْس ِلمون هللاَ‪،‬‬
‫إن هذه المخاوف ال تنتهي‪َ .‬كانَ هنالك خوف ينتشر في‬ ‫ب)‪ .‬يا للهول! َّ‬ ‫ِين (الحسا ِ‬
‫‪،‬ويوم ا ِلد ِ‬
‫َ‬
‫أن‬ ‫ً‬
‫ي شيء‪ ،‬ويجعلني خائفة للغاية من ْ‬ ‫أفكاري كالسرطان ِطوال الوقت‪ ،‬ويمنعني من عمل أ ّ‬
‫أتحرك‪.‬‬
‫وف تبدأ الحياة َ‬
‫س َ‬ ‫وما كنا لنتعلم كيف نعيش ألن ذلك لَ ْم َي ُك ْن الهدف؛ َكانَ الهدف أن تموت؛ حينها َ‬
‫[في الحياة األخرى؟‪ ،‬فما هذه الحياة إال امتحان؛ إنَّها وه ٌم‪ ،‬و َمتاع الغ َُرور؛ ال شيء يهم؛ فالحياة‬
‫الحقيقية المهمة تأتي الحقًا‪.‬‬

‫أنفجر باكيةً؛ َكانَت تلك أغنيتنا‪ُ .‬ك ْنتُ أنا وتيفرز‬


‫ُ‬ ‫ُك ّل مرة أسمع فيها بيتي ميدلر تغني أ َّ‬
‫ي شيءٍ ؛‬
‫ت عا ٍل معًا لبعضنا البعض؛ بينما كنا نَشرع السير في اتجاهين مختلفين؛ ُك ٌّل منا إلى‬ ‫نغنيها بصو ٍ‬
‫منزلها‪.‬‬

‫"البعض يقول َّ‬


‫أن الحب‪."...‬‬
‫"هو نهررررر‪."...‬‬

‫‪47‬‬
‫"‪BetteُMidler’sُsongُ"TheُRose‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪89‬‬
‫منبوذة‬
‫بينما يتحدث بقية المتخرجين من الثانوية عن الذهاب إلى الجامعة‪ ،‬أو اتخاذ سنة استراحة‪،‬‬
‫أجبتهم عن ُك ّل أسئلتهم عن خططي الخاصة ؛ بعبارة "ال أعرف"‪ ،‬وذلك ألَنّي لَ ْم أعرف حقًّا‪ .‬لَ ْم‬
‫أعرف ما تخططه لي أ ُ ّمي‪ .‬لَ ْم تبلغني‪ ،‬أو تشاورني‪ ،‬أو تسألني عن رأيي يو ًما؛ فبالطبع لَ ْم َي ُك ْن‬
‫ي مسألة‪ ،‬على كل حال‪.‬‬ ‫لي رأي؛ في أ ّ‬

‫أن هذه ستكون نهاية حياتي‪ ،‬ولَ ْن تكون لي فرصةً أخرى أبدًا للحياة؛ إذا‬ ‫ُك ْنتُ خائفةً للغاية من َّ‬
‫ف لي شَعري‪ ،‬ثم‬ ‫لَ ْم أقتَنصها اآلن‪ .‬سألتني صديقة ما إذا َكانَ يُمكنها أن تضع لي َمكيا ًجا‪ ،‬وتص ِف َّ‬
‫طت‬ ‫ي‪ُ .‬ك ْنتُ مرعوبةً؛ لَ ِكنّي وافقت؛ ضبَّ َ‬ ‫وف َيتَ َّ‬
‫عرفون عل َّ‬ ‫س َ‬‫نجلب أصدقاءنا‪ ،‬ونرى ما إذا َكانوا َ‬
‫هيئتي ثم نادت أصدقاءنا؛ َكانَ من بينهم ولد ٌ ُك ْنتُ ُمعجبةً به‪ ،‬لكن ما الجدوى من إعجابي بولدٍ؟‬
‫وكسر للقلب‪ .‬ومن ث َ َّم لَ ْم أسمح‬‫ٍ‬ ‫ق مسدود‪ ،‬إلى بركة من الدموع‪،‬‬ ‫سينتهي بي األمر إلى طري ٍ‬
‫لنفسي؛ َحتّى باالستمتاع (أو بقبول)إعجابي الساذج به؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ أراقب ردة فعله باهتمام؛ َكانَ‬
‫يتصرف بال مباالة أمام أصدقائه؛ لكنّه أخذ يعاملني بطريقة مختلفة بعد ذلك‪َ .‬كانَ يبتدع الطرق؛‬
‫ضا‪ ،‬وذات مرة ِكدنا نُق ِبّل بعضنا في سيارته؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ خائفة للغاية من‬ ‫كي ننفرد ببعضنا بع ً‬
‫ي‬
‫ب أبد ّ‬ ‫أسمح لهذا بالحدوث‪ .‬ما الجدوى؟ السنة الدراسية قاربت على االنتهاء‪ِ .‬ل َم أخاطر بعذا ٍ‬
‫في جهنم؛ ألجل خلي ٍل أقضي معه فقط بضعة أيّام؟‬

‫أن تأتي لي‬‫أردت الذهاب إلى حفلة تخرج الثانوية بشدة‪ ،‬و ُك ْنتُ قد خططتُ في الحقيقة؛ ْ‬
‫طحبني؛ لكن في الليلة التي سبقت الحفلة ذهبت عائلتي إلى بيت أسرة‬ ‫صديقةً بالسيارة‪ ،‬وتَص َ‬
‫صديقة لنا في مدينة مجاورة‪ ،‬وبِتنا عندهم ليلتين؛ مبيتًا ُمرت َ َج ًال‪ .‬كم َكانَ ذلك ُمحط ًما لقلبي؛ لقد‬
‫حرمتني أ ُ ّمي من فرصتي في أن يكون لي نهاية سعيدة لفترة حياتي‪ ،‬مع أصدقائي‪.‬‬

‫ت جامعية منذ ذلك الوقت‪ ،‬وفاتتني ُك ّل حفلة من حفالت تخرجها‬ ‫ث شهادا ٍ‬‫حصلتُ على ثال ِ‬
‫ضا‪ .‬ما الفائدة من الوقوف على المنصة؛ الستالم الشهادة إذا لَ ْم َي ُك ْن هناك أحد بين الحضور‬
‫أي ً‬
‫يهتم ألمرك‪ ،‬ويصفق لك‪ ،‬ويلتقط لك الصور‪ ،‬ويجلب لك الورود‪ ،‬و يُهنئك؟ َكانَ ذلك ليكون‬
‫ي ٍ من حفالت توزيع‬‫مؤلم لي؛ بأَنّي وحيدة في العالَ ْم‪ ،‬ولذلك لَ ْم أذهب قط إلى أ ّ‬
‫ٍ‬ ‫مجرد تذكير‬
‫شهاداتي‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪90‬‬
‫أوروبا‪ ،‬وذهبتُ أنا مع عائلتي‬‫بعد التخرج من المدرسة الثانوية؛ ذَ َهبَت تيفاني إلى أفريقيا؛ ثم ُ‬
‫صر ظل الجميع يسألونني عن خططي للمستقبل؛ تما ًما‬ ‫صر؛ للمرة الثانية في حياتي‪ .‬في ِم ْ‬‫الى ِم ْ‬
‫مثل أصدقاء المدرسة الثانوية الذين تركتهم في كندا‪ ،‬و ُك ْنتُ كذلك أجيب بأَنّي ال أعرف‪.‬‬

‫كثيرا ما يُسْأَل‪ ،‬ويتكرر‪ .‬ما الفارق الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫سؤاال سخيفًا للغاية‪ ،‬و َكانَ‬ ‫"ما الذي تريدين ِفعلَه؟" َكانَ‬
‫أتوقف يو ًما؛ َكي أفكر فيما أريده؛ َكانَ ذلك ليكون َعبثيًّا؛ هل يُسْأَل العبد عن‬ ‫سيصنعه ذلك؟ لَ ْم َّ‬
‫ي أن أنتظر وأرى ما‬ ‫خيارا في األمر؛ بل َكانَ عل َّ‬ ‫ً‬ ‫أن لَدَي‬‫ِوجهتِه لعطلة الصيف؟ لَ ْم أُدرك قط َّ‬
‫ي أحد غيري‪.‬‬ ‫سيحدث؛ مثل أ ّ‬
‫َكانَت أُختي ‪-‬المتزوجة اآلن‪ -‬في الجامعة‪ ،‬وكان أخي في ال ُكلّية؛ ولذا سألت أ ُ ّمي إذا ما ُك ْنتُ‬
‫َت بذلك فعليًّا "في أحالمك"‪.‬‬ ‫عن ْ‬ ‫ضا‪ ،‬فأجابت‪" :‬إن شاء هللا"؛ لكنَّها َ‬ ‫أستطيع الذهاب إلى ال ُكلّية أي ً‬
‫ي‬
‫ضا أ َّ‬ ‫وف تسم َح لي بالذهاب الى ال ُكلّية؛ لَ ِكنّها لَ ْم ت ُ ِ‬
‫عطني أي ً‬ ‫س َ‬ ‫ي إشارةٍ؛ إلى أنَّها َ‬ ‫لَ ْم تمنحني أ َّ‬
‫تلميح ؛عن الماهية الحقيقية ِلما تخططه لي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪.‬‬
‫حارة‬ ‫صر ممتعة هذه المرة؛ كما َكانَت عندما ُك ْنتُ في سن السابعة؛ َكانَت ال تزال َّ‬ ‫لَ ْم ت َ ُك ْن ِم ْ‬
‫ي أن أشعر ببعض الصلة؛ مع‬ ‫ال ُمناخ‪ ،‬ومتسخة‪ُ .‬ك ْنتُ بالكاد أفهم اللغة‪ ،‬و ُك ْنتُ أعرف أَنّه َكانَ عل ّ‬
‫ضيًا فيها‪ .‬لقد ُو ِلدْتُ ‪ ،‬ونشأتُ‬ ‫العالم المحيط بي؛ لك ِنّي َل ْم أشعر بذلك‪ .‬ال شيء بدا لي جيدًا‪ ،‬أو ُم ْر ِ‬
‫في كندا؛ رغم أَنّي ارتَدتُ المدارس اإلسالمية؛ وحاولت أ ُ ّمي جاهدة ً أن تُنشِأَني في فُقاعةٍ؛‬
‫صرية مختلفة جدًّا عن ثقافة‬ ‫الم ْ‬‫بمعز ٍل عن محيطي ‪،‬إال أَنّي ُك ْنتُ ‪ ،‬وال أزال كندية‪ .‬الثقافة ِ‬
‫ڤانكوڤر‪ ،‬ومختلفة تما ًما عن كيفية وصف أ ُ ّمي لها‪.‬‬

‫صريين أفضل بكثير [من‬ ‫الم ْ‬


‫وأن ِ‬‫صر أفضل بكثير‪َّ ،‬‬ ‫أن ِم ْ‬‫لطالما أطالت القول عن؛ كيف َّ‬
‫ي دليل على هذا‪َ .‬حتّى نَقد ُها المتواصل لطريقة عيش ال ُكفَّار؛‬ ‫وجهة نظر متشددة؟‪ ،‬لَ ِكنّي لَ ْم َ‬
‫أر أ ّ‬
‫لَ ْم ت َ ُك ْن ُمبررة بتاتًا؛ ففي ذلك البلد ال ُم ْس ِلم َكانَت توجد نساء ال يلبَسنَ الحجاب‪ ،‬و َكانَت موسيقى‬
‫عمرو دياب تَصدح في ُك ّل مكان‪ ،‬وفي الحفالت؛ َكانَ الرجال‪ ،‬والنِساء ُمخت َ ِلطين معًا؛ َحتّى أَنّي‬
‫صر‪ .‬تَ َّم االحتفال ‪ -‬بعيد ميالدي الثامن عشر‪-‬؛ بكعكة‬ ‫حصلت على أول كعكة لعيد ميالدي في ِم ْ‬
‫آيس كريم‪ ،‬و َكانَ ُك ّل أقاربي يُغنون "هابي بيرثداي"؛ بطريق ٍة غريبة؛ بلَك ْن ِتهم الجميلة ‪-‬التي‬
‫ي ٍ من هذا‪َ .‬كانَت تقاليدهم مربكة‪ ،‬ووجدت ال ُخرافة‬ ‫بالكاد يُمكن فهمها‪ .-‬لَ ْم أ َ ُك ْن معتادة على أ ّ‬
‫تَطغى لَدَيهم‪ .‬لَ ْم أع ِق ْل ُك َّل تلك المعايير الثقافية‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪91‬‬
‫ع ّم صيَّاد ِج ّن؛ شَبيه سام‪ ،‬ودين وينشستر في مسلسل "سوبرناتشورال"‪َ .‬كانَ الناس‬ ‫لي َ‬
‫ي‪ ،‬أو َكانَ لَدَيهم طفل يتصرف بطريقة غريبة‪،‬‬ ‫أن بيتَهم يسكنُه جن ٌّ‬ ‫يَتواصلونَ َمعَهُ؛ ُكلّما اعتقدوا َّ‬
‫الج َّن في ُك ِّل‬ ‫أو إذا لَ ْم تتمكن إمرأة من الحمل ‪-‬ل ُك ّل األسباب ال ُمختَلفة‪َ .-‬كانَ لَدَيهم اعتقاد جاد َّ‬
‫أن ِ‬
‫ضهم يُس ِبّبون الخَراب‪ ،‬ويثيرون‬ ‫وأن بع َ‬‫أرواح تعيش معنا؛ َّ‬ ‫رالج ُّن في القرآن على أنَّهم َ‬ ‫مكان‪ .‬ذُ ِك ِ‬
‫ضهم في الحب مع البشر‪،‬‬ ‫يتجول البعض اآلخر فقط؛ يقع بع ُ‬ ‫َّ‬ ‫المشاكل‪ ،‬والمتاعب؛ بينما‬
‫ست إحدى‬ ‫صدات بهم)‪ .‬أح َّ‬ ‫الحقات؛ ال ُمتر ّ‬ ‫بهن (أو كال ُم ِ‬ ‫فيتصرفون كال ُمالحقين؛ ال ُمترصدين َّ‬
‫َيور‬
‫ي الغ َ‬ ‫استحوذَ على ابن ِتها؛ بحيث َكانَ يُعيق َحملَها من زوجها؛ َّ‬
‫ألن الجن َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الجن قد‬ ‫النِساء َّ‬
‫أن‬
‫َكانَ يُحبها!‬

‫أشخاص بالغون‪ ،‬ومتعلمون؛ َكانَوا ناجحين في حيواتهم‪ ،‬وبكامل أه ِليَّتهم العقلية؛ لكنَّهم‬ ‫ٌ‬ ‫هؤالء‬
‫َكانَوا يؤمنون بهذا؛ بنفس القوة التي أعتقد بها أنا‪ ،‬وأنت أنَّنا نحتا ُج األوكسجين كي نعيش؛ لقد‬
‫والرقَى الشرعيَّة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الج ّن‪،‬‬
‫تشكيك فيها‪َ .‬كانَ تَلبُّس ِ‬ ‫َ‬ ‫نقاش‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫َكانَ هذا [في اعتقادهم؟ حقيقةً؛ ال‬
‫تشرعُ في الحديث عن حكايتك‬ ‫نتشرا هناك مثل عدوى البرد المنتشرة‪ .‬حالما َ‬ ‫وطرد الشياطين ُم ً‬
‫الج ّن؛ تجد الجميع لَدَيه عالج لك‪.‬‬
‫مع ِ‬
‫أن ِجنًّا َكانَ يس ُكنها"‪.‬‬
‫"هذا صحيح‪ .‬جدتي عانت من هذه المشكلة مرة‪ .‬وتبيَّنَ َّ‬
‫أن المشكلة فيهم هم‪.‬‬ ‫ط ْر على بالي قط ؛ َّ‬ ‫أن خَطبًا ما يعتريني‪ .‬لَ ْم يخ ُ‬‫أشعر َّ‬
‫ُ‬ ‫ُك ْنتُ بين أولئك الناس‬
‫أن البالغين قد يقولون‪ ،‬أو يفعلون‪ ،‬أو يؤمنون‬ ‫لكن ُك ّل ذلك بدأ يتغير؛ فَبدأت أفهم تدريجيًّا؛ َّ‬
‫بأشياء غبية‪.‬‬

‫َكانَ َ‬
‫ع ِ ّمي يأكل قطعة شيكوالتة يو ًما ما وقال‪:‬‬
‫"أتساءل ما هذه األشياء المقر َمشة التي بداخل الشيكوالتة؟"‬
‫‪48‬‬
‫األرز المنفوش"‪.‬‬
‫أجبته‪" :‬إنه ُ‬
‫فصاح ضاح ًكا‪" :‬ماذا؟"‬
‫قرمش‪ .‬هل لَدَيكم يا قوم؛ حبوب فطور أرز‬
‫"أرز كريسبيز" ال ُم ِ‬ ‫األرز المنفوش؛ مثل ُ‬ ‫ُ‬ ‫"إنه‬
‫صر؟"‬‫كريسبيز في ِم ْ‬
‫ز‬ ‫ُ‬
‫نحو شائع ف المأكوالت التقليدية لجنوب ررسق آسيا‬ ‫األرز المنفوخ أو المقرمش أو المفرقع ُيصنع من حبوب األرز المنفوخة الن ت‬
‫‪48‬‬
‫تناول عىل ٍ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫تجاريا ف الغرب منذ عام ‪ 1904‬وهو مشهور ف حبوب اإلفطار واألطعمة الخفيفة األخرى‪ .‬تشمل الطرق‬ ‫ورسق آسيا وجنوب آسيا‪ .‬كما تنتج‬ ‫ر‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫عال ف وجود‬
‫الغرن عن طريق تسخي حبات األرز تحت ضغط ٍ‬ ‫ر‬ ‫التقليدية لنفش األرز أو فقعه القىل بالزيت‪ .‬عادة ما يصنع األرز المنفوش التجاري‬
‫َ‬
‫كحشوات ألطعمة أخرى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫البخار‪ ،‬ورغم اختالف طريقة التصنيع عىل نطاق واسع‪ ،‬فإنه يؤكل إما كحبوب سائبة أو ُيحول إىل كعك أرز منتفخ أو‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪92‬‬
‫ضا بداخلها؟"‬
‫خضارا‪ ،‬ودجا ًجا مشويًا أي ً‬
‫ً‬ ‫أرز؟ لعلي إذن أجد‬ ‫قال مستهزئًا‪" :‬ما الذي تقولينه؟ ُ‬
‫َكانَ يضحك بشدة َحتّى أنَّه بالكاد استطاع أن يُكمل الشيكوالتة‪.‬‬
‫قلت له‪" :‬اقرأ المكونات"‪.‬‬
‫"ال تكوني سخيفة"‪.‬‬
‫قلت له مرة أخرى‪" :‬اقرأ المكونات"‪.‬‬
‫أر ًّزا"‪ .‬استمر في الضحك بينما تدور‬ ‫"ال تكوني غبية؛ ال أحتاج قراءة َ المكونات‪ .‬أعلَ ْم أنَّه ليس ُ‬
‫عيناه ورمى غالف الشيكوالتة‪.‬‬

‫هي عقلية ال ُم ْس ِلمين باختصار‪ :‬ال أحتاج أن أعلَ ْم الحقيقة؛ فأنا أعلَ ُمها مسبقًا‪ .‬ال أحتاج‬ ‫لك َ‬ ‫تِ َ‬
‫َ‬
‫ي شيء آخر؛ ألنّي أعلم‬ ‫ُّ‬
‫قراءة المكونات‪ ،‬وال أحتاج قراءة الكتب العلمية‪ ،‬وال أحتاج تعل َم أ ّ‬
‫ي ِ شيءٍ ‪.‬‬ ‫ظن أنَّك ت َ ْعلَ ُم؛ َحت ّى تَنتفي لَدَيك الرغبة في تعلُّ ِم أ ّ‬
‫مسبقًا‪ .‬و ما أن ت ُ‬

‫ي مكان‪ُ .‬ك ْنتُ أُبقيها في حقيب ٍة‬‫ذات صباح عندما ذهبت ألرتدي مالبسي؛ َل ْم أجدها في أ ّ‬
‫مكان؛ فبدأت أسأل َمن حولي‪ ،‬وفي النهاية وجدت الحقيبة‬ ‫ٍ‬ ‫زرقاء؛ لَ ِكنّي لَ ْم أجد الحقيبةَ في أ ّ‬
‫ي‬
‫ص َعداء؛ ألَنّي أستطيع اآلن ارتدا َء مالبسي؛ لَ ِكنّي‬ ‫ست ال ُ‬ ‫ث فيها أ ُ ّمي؛ تَنَف ّ‬ ‫في الغرفة التي تم ُك ُ‬
‫ي مما فيها يخصني‪.‬‬ ‫عندما فتحت الحقيبة؛ لَ ْم َي ُك ْن أ ٌّ‬
‫سألتُ أ ُ ّمي‪" :‬أينَ ُك ُّل أشيائي؟"‬ ‫ْ‬
‫"احتجتُ الحقيبةَ"‪.‬‬
‫"حسنا؛ لكن أين ُك ّل مالبسي؟"‬
‫ي مالبس"‪.‬‬ ‫"ليس لَدَ ِ‬
‫يك أ ّ‬
‫ي مالبس‪َ .‬كانَت ُكلّها في هذه الحقيبة!"‪.‬‬ ‫"ماذا؟ بَلى ‪ ،‬لَدَ َّ‬
‫"لقد منحتُها ُكلّها أقار َب ِك"‪.‬‬
‫"لَ ْماذا؟ كيف؟ وما الذي سأرتديه أنا؟"‬
‫ي ِ حال؛ أنت بدينةٌ جدًا‪،‬‬ ‫عليك؛ على أ ّ‬
‫ِ‬ ‫"تستطيعين شراء مالبس جديدة‪َ .‬كانَت ُكلّها تبدو قبيحةً‬
‫وقبيحة؛ يُحرجني أنَّك ابنتي"‪.‬‬
‫وإحساس باإلهانة؛ والنقمة‪ .‬بدأت‬ ‫ٍ‬ ‫ب‪ ،‬وارتباك‪،‬‬ ‫عيناي بالدموع؛ َكانَت دموع غض ٍ‬ ‫َ‬ ‫امتألت‬
‫سبَّتني بأفظع الكالم إلسكاتي‪.‬‬ ‫أُجادلُها؛ لَ ِكنّها كالعادة َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪93‬‬
‫مجرد‬
‫َّ‬ ‫غو ُ‬
‫طتك‪ .‬أنت‬ ‫ت جسمي؛ لقد ت َ َ‬‫ت سوى فضال ِ‬ ‫"لقد ت َ َبولت ُ ِك‪ .‬هل تَسمعيني؟ أنت َبولي؛ لس ِ‬
‫ي التخلص منه‪ .‬ال َيحق لك أن تُسائِليني‪ .‬أن ِ‬
‫ت ال شيء"‪.‬‬ ‫غائِط َكانَ عل َّ‬

‫أن تُعاملني كإنسانة؛ لكن َحتّى بالنسبة لها َكانَ هذا أدنى مستوى وصلت له ؛ لَ ْم ِ‬
‫أدر‬ ‫لَ ْم أعت َ ْد على ْ‬
‫كيفية رأب صدع ذلك‪.‬‬
‫صوتي ال ُمرتعش‪" :‬إذن سنذهب ألشتري مالبس جديدة تالئم مقاسي‬ ‫ب َ‬ ‫سألتُها وأنا بالكاد أغا ِل ُ‬
‫عندما نعود إلى كندا؟"‬
‫"نعم بالتأكيد؛ إن شاء هللا‪ .‬واآلن أُغربي عن وجهي"‪.‬‬
‫"وما الذي سألبَسه اليوم؟ أو على َمتن الطائرة غدًا؟"‬
‫اغربي عن وجهي"‪.‬‬ ‫"ال َي ُهم ِني؛ قُلتُ ؛ ُ‬

‫ومحرجين‪ ،‬و ُمعتذِرين‪ ،‬وحاولوا‬ ‫َ‬ ‫ي خ َِجلينَ ‪،‬‬


‫أن أقاربي؛ جاؤوا إل َّ‬ ‫ُك ْنتُ غاضبةً للغاية لدرجة َّ‬
‫بعض المفضَّل منها فقط‪ ،‬وتركت لهم البقية‪ .‬في ُك ّل الحاالت‬ ‫َ‬ ‫إعادة مالبسي لي‪ .‬فاسترجعت‬
‫ُك ْنتُ سأشعر بأَنّي قبيحة‪ ،‬وسمينة في تلك المالبس؛ بعدما صبت أ ُ ّمي ال َملح على ذلك ال ُجرح‬
‫القديم‪ .‬لقد ع ِل ْمتُ أَنّي لَ ْن أشعر بنفس االرتياح إذا عدتُ إلى ارتدا ِئها مرة ً أخرى؛ باإلضافة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬فيمكنني أن أذهب في جول ٍة تسوقيةٍ؛ عندما أعود إلى كندا‪ُ .‬ك ْنتُ أتطلع إلى ذلك‪ .‬لَ ِكنّي‬
‫أغلب مالبسي َكانَت مالبس أختي المستخدَمة ‪ ،‬وال ُم َحولَّة لي‪َ .‬كانَ‬ ‫َ‬ ‫ش َك ْكتُ في وعدها‪ ،‬بما َّ‬
‫أن‬
‫صا لي‪ ،‬ولذلك ُك ْنتُ ُمترددة ً جدًّا في التصديق‬ ‫ت خصي ً‬ ‫ي فقط القليل من المالبس التي اشت ُ ِريَ ْ‬ ‫لَدَ َّ‬
‫أن تشتري لي مجموعةً كاملةً من المال ِبس‪.‬‬ ‫وف ترغب فجأة ً في ْ‬ ‫بأن أ ُ ّمي َ‬
‫س َ‬ ‫َّ‬

‫االنتظار للعودة إلى البيت‪ ،‬ورؤية تيفاني‪،‬‬


‫َ‬ ‫وف نغادر غدًا‪ُ .‬ك ْنتُ ال أطيق‬‫س َ‬ ‫لكن ما أهمية ذلك؟ َ‬
‫واالستماع إلى َحكيها عن ُك ِّل رحالتها؛ وربما أنجح في الضغط على أ ُ ّمي ِلتركي أذهب إلى‬
‫الجامعة؛ أستطيع العمل لدفع نفقات دراستي‪ُ ،‬ك ّل ما عليها فقط أن تَس َمح لي بالخروج‪ .‬ذهبت إلى‬
‫ومشوشة‪ ،‬ومرهقة في آن واحد‪ .‬لقد أتعبني‬ ‫َّ‬ ‫الفراش تلك الليلةَ غاضبةً‪ ،‬وحزينةً‪ ،‬ومتشوقة‪،‬‬
‫صر و ُك ْنتُ أتطلَّع للعودة إلى الوطن‪.‬‬‫الوقت الذي قَضيتُه في ِم ْ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪94‬‬
‫ت شديد في البيت؛ شعرتُ باالستغراب؛ َّ‬
‫ألن الشمس‬ ‫في الصباحِ التالي؛ استيقظتُ على صم ٍ‬
‫َكانَت قد أشرقت‪ .‬قلتُ في نَفسي‪" :‬يا إلهي! هل فاتَتنا الطائرة؟ َكانَ علينا المغادرة إلى المطار‬
‫منذ ساعات!‬

‫َخفَق قلبي بينما أسرعت بحث ًا عن أ ُ ّمي؛ لَ ْم أجدها‪ ،‬ولَ ْم أجد الحقائب‪ .‬اختفت أختي أي ً‬
‫ضا‪ ،‬وكذلك‬
‫أخي‪ .‬ما الذي يحدث؟‬

‫والتعرق البارد‪ ،‬والتشَوش‬


‫ُّ‬ ‫شعرتُ بالضيق المألوف في صدري‪ ،‬والصعوبة في التنفُّس‪،‬‬
‫البصري؛ إنَّها نوبةُ هلعٍ أخرى تَعتريني‪.‬‬
‫طرتُها بأسئلتي؛ بطريق ٍة‬ ‫خت أ ُ ّمي التوأم؛ ورغم أَنّي ع ِل ْمتُ اإلجابةَ بالفعل‪ ،‬إال أَنّي أم َ‬
‫وجدتُ أ ُ َ‬
‫هستيرية‪.‬‬
‫"أين الجميع؟ ما الذي يحدث؟ هل ذهبوا إلى المطار بدوني؟ أين عائلتي؟"‬
‫ت"‪.‬‬‫غادر ْ‬
‫َ‬ ‫ب‪" :49‬لقد‬
‫فقالت باقتضا ٍ‬

‫‪ 49‬باقتضاب‪ :‬باختصار وجفاف أو جفاء‪.‬‬


‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪95‬‬
‫االكتئاب ‪2‬‬
‫ظلمة التي عشتُها َكانَت أشد على نح ٍو خاص‪ .‬في‬ ‫لكن هذه ال ُ‬‫ي؛ َّ‬‫لَ ْم يَ ُك ْن االكتئاب جديدًا عل َّ‬
‫سبب أستيقظ ألجله في الصباح؛ سوا ُء التباع أ ُ ّمي أينما تمضي في المدرسة‬ ‫ٌ‬ ‫السابق َكانَ لَدَي‬
‫ب بنفسي إلى المدرسة [اإلعدادية‪ /‬الثانوية؟‪َ .‬كانَ يجب علي أن أكون في‬ ‫اإلسالمية ‪،‬أو للذَها ِ‬
‫الفراش ألجله‪ ،‬ولذلك لَ ِزمت‬
‫َ‬ ‫صر لَ ْم َي ُك ْن لَدَي ما أغادر‬
‫م َكانَ ما أفعل شيئًا ما؛ لكن هنا في ِم ْ‬
‫الفراش‪.‬‬

‫تركتني أ ُ ّمي في رعاية أخ ِتها التوأم‪َ .‬كانَ من الصعب تحديد أيّ ُهن تستحق وصف التوأم الشريرة‪،‬‬
‫الشر‪ ،‬والتالعب‪.‬‬‫فكالهما َكانَت متساويتين في ِ ّ‬

‫أن رمضان َكانَ أق َّل عذابًا؛ َّ‬


‫ألن النهارات هناك َكانَت‬ ‫صر َّ‬ ‫َكانَ الشيء الوحيد الجيد في ِم ْ‬
‫أقصر‪ .‬خالل شهر رمضان ال يُسمح لل ُم ْس ِلمين باألك ّل منذ شروق الشمس َحتّى غروبها‪ .‬في كندا‬
‫مواسم الصيف‪ ،‬وبالتأكيد يكون األمر أسهل بكثير إذا‬‫ِ‬ ‫أصوم حوالي (‪15‬ساعة) في‬ ‫َ‬ ‫َكانَ يُمكن أن‬
‫شارك في ذلك ُك ّل َمن في البلد؛ فال إعالنات لمكدونالدز على الشاشة‪ ،‬أو أشخاص يأكلون‬
‫ي الرائحة من حو ِلك‪.‬‬
‫الطعام شه َّ‬

‫نهارا في كامل البلد‪ .‬في النهار؛ ينام الناس‪ ،‬وحالما‬


‫ً‬ ‫النهار ً‬
‫ليال‪ ،‬والليل‬ ‫ُ‬ ‫لشهر كام ٍل يستحيل‬
‫ٍ‬
‫تغرب الشمس يأكلون‪ ،‬و يشاهدون التِلفاز‪ ،‬والمسلسالت‪ ،‬ويخرجون مع األصدقاء الخ‪َ ...‬كانَ‬ ‫ُ‬
‫صر؛ ألنَّه لَ ْم يقتصر على تجويع النَفس‪ ،‬وتالوة القرآن؛ كما‬‫وقت فرحٍ‪ ،‬وبهجة في ِم ْ‬
‫َ‬ ‫رمضان‬
‫صار رمضان؛ يتعلق أكثر باألطعمة الخاصة المتميزة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َكانَ األمر في نشأتي؛ إذ فجأة‬
‫والموسيقى‪ ،‬والمسلسالت الجديدة‪.‬‬

‫قارب‬
‫ُ‬ ‫الشهر في النوم؛ ُكنَّا نَرقُب الساعة الحائطية‪ ،‬وعندما ت ُ‬
‫ِ‬ ‫في كندا‪َ ،‬كانَت أ ُ ّمي تَقضي كام َل‬
‫الشمس على الغروب؛ نُعدُّ لعشائِنا باكتة‪ 50‬؛من مستر نودلز [أندومي؟‪ ،‬أو كرافت دِينَر [مكرونة‬ ‫ُ‬
‫سريعة التحضير بالجبن؟‪َ .‬كانَ العيد رتيبًا على نح ٍو مماثل في كندا‪ .‬لَ ْم تَ ُك ْن هنالك والئم مع‬

‫‪ُ 50‬عبوة أو كيس‪.‬‬


‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪96‬‬
‫صر؛ يتداولون‬ ‫صر‪َ .‬كانَت العائالت‪ ،‬والجيران في ِم ْ‬‫العائلة‪ ،‬أو األصدقاء؛ كالتي يقيمونَها في ِم ْ‬
‫ضطروا للطهي يوميًّا؛ فكنا في أغلب أي ِّام الشهر‬‫ضا؛ كي ال يَ َّ‬ ‫طبخ األطعمة لبعضهم بع ً‬ ‫على َ‬
‫إفطار ضخمة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫نذهب الى منزل أحدهم لتناول وليمةَ‬
‫ُ‬

‫َحس بما يحس به‬


‫أن الهدف من رمضان؛ هو أن ن َّ‬‫خالل نشأتي كطفلةٍ؛ كانوا يُخبرونَني؛ َّ‬
‫الفقراء؛ الذين ال طعام لهم؛ وعلى نح ٍو طبيعي‪َ ،‬كانَ سؤالي التالي يكون عن سبب وجوب‬
‫الصوم على الفقراء؟ أليسوا يع َلمون ذلك الشعور بالفعل؟‬

‫ضا لماذا ال نُعطيهم فقط طعا ًما؛ ً‬


‫بدال من تجويع أنفُسنا؛‬ ‫ْ‬
‫أحصل قط على إجاب ٍة ُمقنعة؛ سألتُ أي ً‬ ‫لَ ْم‬
‫صل كذلك على إجاب ٍة مقنعة‪.‬‬ ‫أكثر عملّيةً؟ ْ‬
‫لكن؛ لَ ْم أح ُ‬ ‫َ‬ ‫أما َكانَ هذا لَيكونَ‬

‫تدريب األمة على الحرب‪ ،‬وظرو ِفها‪ .‬إذا استطعت أن‬ ‫ُ‬ ‫السبب الحقيقي هو؛‬
‫َ‬ ‫علمت الحقًا؛ َّ‬
‫أن‬
‫ً‬
‫جاهزا؛‬ ‫وف تصير ُم َعدًّا‬
‫س َ‬‫أكثر كفاءة ً بكثير؛ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫كامال دونَ طعام‪ ،‬فَستُص ِبح ُجنديًا‬ ‫نهارا‬
‫ً‬ ‫تقضي‬
‫لتح ُّمل شدائد الحرب‪ ،‬وظروفها القاسية؛ عندما يأتي الوقت الذي تُدعى فيه للقتال؛ ْ‬
‫من أجل‬
‫إرساء الخالفة‪ .‬لهذا حدثت معظم المعارك [اإلسالمية؟ في رمضان؛ هذا مقنع أكثر بكثير‪.‬‬ ‫ِ‬

‫النوم‪ ،‬واألكل دون هدف‪ .‬لَ ْم يَ ُك ْن لي‬


‫ِ‬ ‫صر؛ ُمض ِيّعةً أيّامي في‬
‫شهوري األولى في ِم ْ‬ ‫ضيتُ ُ‬ ‫ق َ‬
‫عجوزا وسأتذكر ُك ّل‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫هدف‪ ،‬أو صلة بالعالم الخارجي‪ .‬أتَذَ َّكر أنّي فكرت‪ :‬يو ًما ما سأصير‬
‫وف أستا ُء حقًّا على ُك ّل األيّام‬
‫س َ‬‫ي فعلها‪ ،‬و ُك ّل الوقت الذي ضيعته‪ ،‬و َ‬ ‫األشياء التي َكانَ يجب َ‬
‫عل َّ‬
‫ت‪.‬‬‫ض ِيّ َع ْ‬
‫التي ُ‬

‫َكانَت لَدَي شرفة في غرفتي و َكانَت ُمتنفسي الوحيد؛ ُك ْنتُ أجلس هناك أشاهد حركة السيارات‬
‫ي‪ ،‬أو‬ ‫الحارقة‪ ،‬أو الرمال التي تدخل عين َّ‬ ‫ِ‬ ‫باألسفل؛ قدر ما أستطيع قبل أن تُعيدني الحرارة‬
‫الرائحة النتنة للصرف الصحي؛ إلى الفراش مرة أخرى‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن ُهنا ِلك إيميل آنذاك‪ ،‬وال وسائ َل‬
‫ي طريق ٍة للتواصل؛ عبر المسافات البعيدة‪َ .‬حتّى‬ ‫ي‪َ ،‬وال آيفون؛ لَ ْم تَ ُك ْن هنالك أ ّ‬
‫تواص ٍل اجتماع ّ‬
‫االتصاالت بعيدة المسافات؛ لَ ْم َي ُك ْن يمكن عملها من المنزل؛ إذ َكانَ عليك الذهاب الى م َكانَ‬
‫هاتف عمومي؛ تدفع له ُمس َبقًا؛ كي تدخ َل غرفةَ كابينة هاتف‪ ،‬وتصرخ في‬ ‫ٌ‬ ‫[سنترال عمومي؟ به‬
‫سط ضجيج‬ ‫الهاتف؛ َحتّى يستطيع الشخص الذي على الجانب اآلخر‪ُ -‬متَلقي المكالمة‪ -‬سما َ‬
‫ع َك؛ َو َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪97‬‬
‫زحام الناس؛ المحيط بك‪ .‬لَ ْم ت َ ُك ْن بالضبط أفضل وسيلة اتصال باألصدقاء في وطني كندا‪،‬‬
‫وأحسستُ بالعزلة التامة‪.‬‬

‫صا من األمل؛ عندما أخبرتني إحدى الجارات عن جهاز جديد اشترته يدعى‬ ‫لمحت بصي ً‬
‫الفاكس‪ .‬صرت أستطيع أن أراسل تيفاني عبر الفاكس؛ ُك ْنتُ مبتهجةً؛ تحمست بجنون‪ ،‬وأنا‬
‫أخيرا صلةً بالعالم الخارجي!‬ ‫ً‬ ‫أشاهد أحرف رسالتها تظهر ببطء من آلة الفاكس؛ لقد وجدتُ‬
‫ي شيء آخر أفعله‪ .‬أخبرتني في رسائِلها عن‬ ‫كتبت لها رسائالً طوال الوقت؛ إذ لَ ْم َي ُك ْن لَدَي أ ّ‬
‫عبرها‪ .‬أما أنا فلَ ْم تَ ُك ْن‬
‫مباشر َ‬
‫ٍ‬ ‫مغامراتِها حو َل العالَ ْم‪ ،‬وصرتُ مرة ً أخرى أعيش على نح ٍو َ‬
‫غير‬
‫ي أخبار أحدثها عنها؛ ُك ْنتُ فقط أسألها عن مغامراتها‪ ،‬وأخبرها عن مدى اشتياقي إليها‪ ،‬و‬ ‫لَدَي أ ّ‬
‫كيف ال أطيق االنتظار لرؤيتها مرة ً أخرى‪.‬‬

‫كثيرا ما ُك ْنتُ ألتقي ابنَها‬


‫ً‬ ‫عندما ُك ْنتُ أذهب إلى بيت الجارة الستخدام الفاكس الخاص بها‪،‬‬
‫صدفةً؛ َكانَ لَدَيها ثالثة أوالد لَ ِك َّن هذا الشاب َكانَ يبدو موجودًا في المنزل دائ ًما ُكلّما ذهبت؛‬
‫ت طويلة؛‬ ‫صرنا في النهاية صديقين؛ َكانَ يسألني عن حياتي‪ ،‬وسبب عدم مغادرتي المنزل لفترا ٍ‬
‫ضا يسألني عن سبب عدم عودتي إلى كندا‪ ،‬و ُك ّل‬ ‫صا يهتم بي؛ َكانَ أي ً‬ ‫َكانَ لطيفًا أن أجد شخ ً‬
‫أستطع االجابة عليها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أنواع األسئلة األخرى التي لَ ْم‬

‫اكتشَفت خالتي أننا نتحدث؛ فبدأت في حبسي في الشقة‪ .‬على نحو واضح‪ ،‬بالنسبة لَهم أن‬
‫ُ‬
‫نحترق جميعًا‬ ‫س‬
‫يتحدث ولد ٌ‪ ،‬وبنت فهذا سيقود بالضرورة الى الجنس خارج إطار الزواج‪ ،‬ثم َ‬
‫ي الشقة؛ كما لو ُك ْنتُ سجينةً في قلعةٍ‪ ،‬أو سجن‪ .‬في كندا تُصنَع‬ ‫في الجحيم‪ ،‬ومن ث َ َّم أغلقت َ‬
‫عل َّ‬
‫صر يمكن أن تَحبس الناس داخل‬ ‫األبواب لمنع الغرباء من دخول المنازل‪ ،‬لَ ِك َّن األبواب في ِم ْ‬
‫ضا‪.‬‬
‫المنازل أي ً‬

‫َكانَت أُخت أ ُ ّمي التوأم تمنَعُني من الوصول إلى الشيء الوحيد الذي يبقيني على قيد الحياة‪ ،‬أ ّ‬
‫ي‬
‫ي َق َب ٍس إيجابي؛ ألم ٍل قد‬
‫إطفاء أ ّ‬
‫ِ‬ ‫جهاز الفاكس‪َ .‬كانَت لَدَيها نفس القدرة العجيبة ‪-‬مثل أ ُ ّمي‪ -‬على‬
‫أخاف أ ُ ّمي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َف منها كما‬ ‫يبدأ في اال ِت ّقاد بداخلي؛ كرهتُها؛ بنفس قدر كرهي أل ُ ّمي؛ لَ ِكنّي لَ ْم أخ ْ‬
‫ي تلك األفضلية‪.‬‬ ‫ولذلك َكانَت لَدَ َّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪98‬‬
‫أن من جملة أسباب كرهها الشديد لي؛ أَنّي أخبرتها أَنّي لَ ْن أتزوج ابنها أبدًا‪ .‬ارتَعشتُ ‪،‬‬ ‫ش َككت َّ‬ ‫َ‬
‫شر وجهي باشمئزاز‪ ،-‬وقلتُ لها أَنّي لَ ْن أتزوج أحد أقاربي من الدرجة‬ ‫ض ِحكتُ ‪-‬بينما ُكنت أ َك ّ‬ ‫و َ‬
‫ت أ ّمي التوأم؛ لقد َكانَ عمليًّا أ ًخا لي! َكانَ ابنَها الوحيد‪ ،‬ومن‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ابن أخ ِ‬
‫األولى أبدًا‪ ،‬نا ِهيك عن ِ‬
‫وجه ِة نظرها (في مجتمع يشيع فيه زواج أقارب الدرجة األولى)‪ ،‬فقد اعتبرت اشمئزازي من‬
‫سها؛ على أنَّه ُمو َّجه البنها المحبَّب لها على وجه التخصيص؛ فكيف أقدِر أنا؛ ومن أنا؛‬ ‫الفكرة نف َ‬
‫أميرها الصغير؟‬ ‫أرفض َ‬ ‫َ‬ ‫كي‬

‫أجد طريقةً ؛ كي‬


‫أغادر تلك الشقة‪ ،‬وأفلت منها ‪ .‬قررتُ أن ِ‬ ‫َ‬ ‫أبتكر طريقةً ؛ كي‬
‫َ‬ ‫ي أن‬
‫عل َّ‬‫َكانَ َ‬
‫خت أ ُ ّمي الصغرى‪ -‬؛ألنَّها َكانَت عادية أكثر؛ لذا كلَّمت أبناء خالتي‬
‫أعيش مع خال ٍة أخرى لي‪ -‬أ ُ َ‬ ‫َ‬
‫وف تسمح لي بالبقاء معها‪ .‬كما أخبرني ابن الجيران‬ ‫س َ‬ ‫َّ‬
‫(أو أقاربي) في األمر‪ ،‬فأخبروني أنها َ‬
‫وف يساعدني على إيجاد عمل؛ َكانَت خطتي تعمل جيدًا‪ ،‬وبمساعدة الجميع غادرتُ ذلك‬ ‫س َ‬ ‫أنَّه َ‬
‫ً‬
‫عمال‪ ،‬وأوقَ ْفتُ إضاعةَ حياتي‪.‬‬ ‫المنزل‪ ،‬ووجدتُ‬

‫في المرة التالية التي ذهبنا فيها الى بيت خالتي الصغرى للعشاء؛ رفضتُ العودة؛ ضربتني‬
‫ضتيها ال ُمغلقتين؛‪ -‬لقد َكانَ وزنها أكثر من(‪300‬رطل) [‪ 136‬كيلوغرام ؟‪ .-‬لَ ْم‬ ‫توأم أ ُ ّمي ب َقب َ‬
‫ً‬
‫حمال عبر الساللم؛ لتُلقي بي في‬ ‫أكتَرث لذلك‪ ،‬ولَ ْم أ َ ُك ْن ألُغادر؛ إال إذا َكانَت مستعدة ْ‬
‫أن تَحملني‬
‫سيارة تاكسي‪ .‬أنا لَ ْن أغادر‪.‬‬

‫هي في النهاية‪،‬‬‫ت َ‬ ‫بعدما أطلَقت ِعنان لسانها؛ بالسباب‪ ،‬والشتائم‪ ،‬والصراخ المتكرر؛ است َ ْسلَ َم ْ‬
‫طرت خالتي ايمان بتَحدِّي أختَها الكبرى‪ ،‬ووفَّرت لي مكانًا في بيتها‪ ،‬وكم ُك ْنتُ‬ ‫ت‪ .‬خا َ‬‫وغادَ َر ْ‬
‫ي أن أتشارك غرفةً مع ابنتيها‪،‬‬ ‫ممتنةً لذلك‪ .‬لَ ْم تعد لي غرفتي الخاصة بي بعد اآلن؛ إذ صار َ‬
‫عل َّ‬
‫لَ ِكنّي لَ ْم أمانع ذلك؛ إذ مع خالتي الشريرة َكانَ لي غرفتي الخاصة بي؛ لَ ِكنّي لَ ْم أشعر إال‬
‫أكثر سعادةً؛ بالهروب‬ ‫َ‬ ‫ي خالتي الصغيرتين‪ ،‬و ُك ْنتُ‬ ‫بالوحدة‪ُ .‬ك ْنتُ سعيدة بتشارك الغرفة مع بنت َ َّ‬‫َ‬
‫من تلك الحيزبون ال ُمستبدة‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪99‬‬
‫العثور على موطئ قدمي‬
‫ألول مرة في حياتي غيرتُ قدري‪ .‬نجحت في تغيير المسار الذي اتخذته حياتي‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬لَ ْم‬
‫أدرك أهمية تلك اللحظة‪ .‬لَ ْم يتسنى لي الوقت كي أتأمل‪ ،‬وأميز أَنّي أصبحتُ أمتلك القدرة على‬
‫التحكم في حياتي‪ُ .‬ك ْنتُ سعيدة؛ لكن َكانَ ُك ّل الفضل‪-‬باعتقادي‪ -‬يعود هلل‪ُ .‬ك ْنتُ ممتنة ألنَّه سمح‬
‫بحدوث ذلك‪.‬‬

‫عمال كموظفة استقبال في شرك ٍة يملُكها‬ ‫ً‬ ‫اتصلت بابن الجيران‪ ،‬و َكانَ عند وعدِه؛ إذ وجدَ لي‬
‫عملت مع إمرأةٍ أخرى‪ ،‬و َكانَت تقوم بالعمل‬ ‫سار على ما يرام؛ ِ‬ ‫َ‬ ‫صديقه‪ .‬الحمد هلل أن ُك َّل شيءٍ‬
‫تأهال حقيقيًّا؛ ُك ْنتُ فقط أُجيب على مكالمات الهاتف؛ ألثير‬ ‫ً‬ ‫الحقيقي ُكلَّه؛ ألنَّها َكانَت مؤهلة‬
‫وأجلس معهم في االجتماعات؛‬ ‫َ‬ ‫إعجاب العمالء بلغتي اإلنچليزية المثالية؛ ُك ْنتُ ألتقي العمالء‪،‬‬
‫بإتقان تا ٍ ّم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أن لدى شركتهم؛ موظفةٌ تتكلم اإلنچليزية‬ ‫دونَ داعٍ ؛إال كي يروا َّ‬

‫عملت هناك لبضعة أشهر‪ ،‬وفي ذلك الوقت بدأت أتعافى‪َ .‬كانَت حياتي إلى ذلك الحين تبدو‬
‫لي؛ سلسلةً من الخيبات‪ ،‬والصفعات العنيفة‪ُ .‬ك ْنتُ كطفلة ُكلّما حاولت الوقوف على قدميها؛‬
‫ي مرة ً أخرى‪ ،‬وأنا مراهقة ‪،‬‬ ‫يعيدونها إلى األرض ‪ ،‬وفي آخر األمر حاولت الوقوف على قدم َّ‬
‫وحدث نفس األمر‪ .‬بعد ُك ّل ضربة ُك ْنتُ أحتاج وقتًا أق َّل؛ فأق َّل؛ كي أتعافى‪ ،‬ثم ُه ِج ْرتُ ‪ ،‬وت ُ ِر ْكتُ‬
‫صر لسنة واحدة فقط؛ أصبحتُ أقوى‪.‬‬ ‫في ِم ْ‬

‫ثُرتُ لكرامتي‪ ،‬وقررتُ ؛ أَنّي سئمت ركوب الحافلة يوميًّا إلى العمل‪ ،‬والتعرض للتحرش من‬
‫قبل أعداد غفيرة من الرجال المقززين؛ في بلد مزدحم للغاية‪ .‬ال تسلَ ْم منهم أ ّ‬
‫ي إمرأة تسير دون‬
‫كأن ُك ّل الرجال يمارسون‬
‫َر ُجل يصحبُها؛ مهما َكانَ سنها‪ ،‬ومهما َكانَ جسدها مغطى‪ .‬بدا األمر َّ‬
‫نفس السلوك المتشابه‪ ،‬يتحرشون بالنِساء كأنَّه واجب وطني عليهم‪ .‬تظهر الدراسات َّ‬
‫أن‬
‫ض ِه َّن للتحرش الجنسي‪.‬‬ ‫صر في االستبيانات أ ْبلَ ْغنَ بتعر ِ‬
‫(‪ )%99.3‬من النِساء في ِم ْ‬

‫سيرا‪َ .‬كانَت هنالك مدرسة دولية خاصة قريبةٌ‬ ‫قررت إيجاد عمل قريب أستطيع الذهاب إليه ً‬
‫مديرها‪ ،‬وأخبرته أَنّي حصلت على الشهادة الثانوية فقط‪َ ،‬ل ِكنّي أريد‬
‫َ‬ ‫من بيت خالتي؛ ذهبت ألكلم‬
‫تدريس اإلنچليزية‪ .‬حاول إقناعي بتدريس التالميذ في السنوات األعلى لَ ِكنّي رفضت‪ ،‬وفضَّلت‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪100‬‬
‫أحب األطفال األصغر سنًّا‪ ،‬وألَنّي َل ْم أَ ُك ْن واثقة في‬
‫ُ‬ ‫أدرس أطفال الروضة ‪ ،‬ألَنّي ُك ْنتُ‬‫أن ّ‬
‫قدراتي التعليمية ‪-‬التي َكانَت ال وجود لها آنذاك‪ .-‬النَ في نهاية األمر؛ لكن بشرط ؛أن أقب َل ً‬
‫أجرا‬
‫صل على(‪ 100‬دوالر) شهريًّا مقابل التدريس لدوام كامل‪ .‬و ُك ْنتُ سعيدة‪.‬‬ ‫أقل‪ُ .‬ك ْنتُ أح ُ‬

‫َّ‬
‫معهن‪،‬‬ ‫ت أخر ُج‬ ‫أجد بهجةً في الحياة؛ أصب َح لي صديقات من زميالتي ال ُمدّرسات‪َ ،‬وبِ ُّ‬ ‫بدأت ِ‬
‫منازلهن‪ ،‬ونذهب للتسوق معًا‪ .‬كنا نت َجول معًا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أزورهن في‬ ‫إنسان حقيقي؛ وصرت‬‫ٍ‬ ‫وأعيش مثل‬
‫فسارعت كي تُنهي ذلك‬ ‫َ‬ ‫س ْمع أ ُ ّمي؛‬
‫ق تلك‪ .‬تناهى هذا إلى َ‬
‫ب هذه؛ وصدي ِ‬ ‫و نتحدث عن خطي ِ‬
‫وف أتلوث‪ ،‬ويلحقني‬ ‫س َ‬ ‫س ِم َح لي بالتجول مع النِساء العامالت‪ ،‬فإ ِنّي َ‬
‫فورا‪[ .‬ففي نظرها؟ إذا ُ‬
‫ً‬
‫العار‪.‬‬

‫سألتني بصوت أ َجش ضاغطةً على كالمها‪" :‬هل أولئك النِساء ُم ْس ِلمات‪ ،‬أم مسيحيات؟"‬
‫"ال أدري"‪ .‬رددتُ عليها‪ ،‬وأنا أرف ُع صوتي داخ َل ُحجيرة الهاتف؛ للتغلب على الضجيج في‬
‫الخلفية‪.‬‬
‫"هل يَ ْلبَسْنَ الحجاب؟"‬
‫"ال"‪.‬‬
‫األمر"‪.‬‬
‫َ‬ ‫صي‬ ‫"إذن تق ِ ّ‬
‫سألتُها‪" :‬و كيف لي أن أعلَ ْم؟"‬
‫هل يقلن ان شاء هللا؟"‪.‬‬
‫"نعم‪."...‬‬
‫ضا؛ قولي شيئًا عن‬ ‫أن هللاَ يعني؛ إله ُهم المسيحي أي ً‬ ‫ضهم يعتقد َّ‬ ‫"حسنًا‪ ،‬ال يُمكنك التأ ُّكد أبدًا؛ بع ُ‬
‫لهن‪" :‬صلي على النبي"‪.‬‬ ‫سيدّنا ُم َح َّمد لتتأكدي؛ في المرة القادمة عندما تكونين معهن قولي َّ‬
‫إن ُك َّن ُم ْس ِلماتٍ‪ ،‬أو غير‬
‫"وكيف ستتسنى لي الفرصة ألقول هذا؟ و ِل َم سأفعل هذا؟ ال ي ُهمني ْ‬
‫ُم ْس ِلمات"‪.‬‬
‫َّ‬
‫أنهن لسن ُم ْس ِلمات"‪.‬‬ ‫"ذلك ألنَّك تحبين الكفار‪ .‬إذا لَ ْم ي ُِجبْنَ بـ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فذلك يعني‬
‫"حسنًا"‪.‬‬
‫لك ب ُمصادقتهن!"‬ ‫"إذا لَ ْم يَ ُك َّن ُم ْس ِلمات‪ ،‬فال يُ ْس َم ُح ِ‬
‫برها؛ بسبب استقالليتي الجديدة‪.‬‬ ‫ص َ‬‫هن؛ بكلمة ِسر ال ُم ْس ِلمين؛ وأخذت أ ُ ّمي تف ِقد ُ َ‬ ‫لَ ْم أختبر قط إيما ِن َّ‬
‫وأخرجتني من المدرسة‪ ،‬وتركتني في بال ٍد أجنبية‬ ‫َ‬ ‫بدا أنَّه ال يمكن إيقافي‪ .‬ألبستني الحجاب‪،‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪101‬‬
‫؛لَ ِكنّي لَ ْم أتوقف عن أن أكون قويةً؛ قادرة ً على التعافي؛ على نح ٍو مزعجٍ لها؛ فقررت أ ُ ّمي‬
‫االنتقال إلى إجراءا ٍ‬
‫ت أقسى‪.‬‬

‫ت‪ ،‬بدأت أ ُ ّمي‪ ،‬وعائلتها حملةً جديدة؛ لتزويجي‬ ‫أن حملة تزويجي البن خالتي األول فشلَ ْ‬ ‫وبما َّ‬
‫من ابن خالتي الثاني‪ُ .‬ك ْنتُ في الثامنة عشرة من عمري‪ ،‬ولَ ْم أرغب في الزواج؛ لَ ِك َّن أ ُ ّمي َكانَت‬
‫ضاعي؛ َكانَت الخطة هي ترويضي؛‬ ‫صر؛ لتَرويضي‪ ،‬وإخ َ‬ ‫ُمتعنتةً ُمصرةً‪َ .‬كانَت قد تَركتني في ِم ْ‬
‫التحرر؛ من سيطرة أخ ِتها التوأم؛ وصرت اآلن أعمل‪ ،‬وأجني‬ ‫ُّ‬ ‫بدال من ذلك نجحتُ في‬ ‫لكن ً‬
‫َططت له؛ فصار‬ ‫ي شيء يسير كما خ َّ‬‫المال‪ ،‬وصرت واثقةً من نفسي‪ ،‬وأقوى‪ ،‬ومستقلةً‪ .‬لَ ْم يَ ُك ْن أ ّ‬
‫ِلزا ًما عليها أن تضع نهايةً لهذا على نح ٍو فوري‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن الضغط آتيًا منها فحسب‪ ،‬بل وكذلك؛‬
‫من خاالتي‪ ،‬وأخوالي‪ ،‬وأقاربي‪ ،‬و َحتّى الجيران‪.‬‬

‫ستفعلينَه غير الزواج؟ ال يُمكنك العمل فقط لبقي ِة حياتك‪ .‬عليك أن تتزوجي"‪َ .‬كانَ‬
‫"ما الذي َ‬
‫أقاربي يُلحون‪.‬‬

‫ب هذه‬ ‫مشاعر ِه الداخلية؛ وت ُ ْن َ‬


‫س ُ‬ ‫ِ‬ ‫أن يتجاهل‬ ‫ُعلّمون ال ُم ْس ِلم(ة)؛ ْ‬‫كما ذ َك ْرتُ من َق ْبلُ‪ ،‬فإنَّهم ي ِ‬
‫أذنك‪ ،‬ويجعلُك تشعر بتلك‬ ‫َ‬ ‫المشاعر في العادة إلى الشيطان؛ فالشيطان هو الذي َيهمس في‬
‫مشاعرك "الشريرة"‪ ،‬وتفعل ما تُؤمر به فقط‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أن تتجاهل‬ ‫المشاعر‪ ،‬واألحاسيس‪ِ .‬م ْن ث َ َّم تتعلَ ْم ْ‬
‫وأكثر تجربة‪.‬؛ وال يكون لك ثقة في قدرتك على‬ ‫َ‬ ‫أن اآلخرين الذين حولك؛ أذكى منك‬ ‫يُخبرونَك َّ‬
‫ي حا ٍل‪ ،‬فتلك المهارة ال ت ُش َّجع‪ ،‬أو تُن َّمى بفاعلي ٍة قط‪.‬‬ ‫اتخاذ قرارات على أ ّ‬

‫خططه هللا لي)‪ ،‬وتركتُهم يدفعونني إلى دوامة االستعدادات‬ ‫َّ‬ ‫قبلت نصيبي (قدري؛ الذي‬
‫ي أن أكون‬ ‫ي اختيار فستاني؛ ومجوهراتي؛ واألزهار؛ وغير ذلك‪ ،‬و َكانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫عل َّ‬‫للزَ فاف‪َ .‬كانَ َ‬
‫ي رغبة‪ ،‬أو اهتمام؛ لَ ِكنّي لَ ْم‬ ‫ُمطيعةً‪ ،‬وأقبل ُك ّل ما قد أ ُ ْك ِر ْهتُ عليه في الحقيقة‪ .‬لَ ْم ت َ ُك ْن لَدَي أ ّ‬
‫أقاوم ذلك‪ .‬لَ ْم ت َ ُك ْن هنالك بدائل‪َ .‬كانَ هذا ما يتوقعونه مني‪ ،‬و َكانَ الجميع سعدا َء للغاية‪ ،‬وطبعًا‬
‫تركتُ عملي‪.‬‬
‫طلبتُ من أ ُ ّمي؛ أن ترس َل لي تذكرة طائرة كي أتمكن من العودة إلى‬ ‫ذات يوم عبر الهاتف َ‬
‫الوطن؛ لتوديع كندا للمرةِ األخيرة‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪102‬‬
‫صر‪ ،‬صحيح؟ أت ُ‬
‫ظنين أ ِنّي غبية؟‬ ‫فقالت‪" :‬أوه‪ ،‬نعم‪ ،‬بالتأكيد‪ .‬لكي تأتي إلى هنا‪ ،‬وال تعودي الى ِم ْ‬
‫أنت تحاولين الهرب من ذلك الزواج فقط"‪.‬‬

‫لَ ْم أ َ ُك ْن قد فكرت في ذلك قط؛ لَ ِكنّها بدَت لي كخط ٍة ممتازة‪.‬‬

‫لَ ْم أطلب منها ُمجددًا أن أعود إلى الوطن‪ُ .‬ك ْنتُ أُثرثر بحماس لها فقط عن خطيبي‪،‬‬
‫حيث لَ ْم أُظهر ألحد ؛أ ّ‬
‫ي داللة على أن لي‬ ‫ُ‬ ‫وتحضيرات الزفاف‪َ .‬كانَت مقتنعة؛ أَنّي أقول الحقيقة؛‬
‫أدنى اهتمام بالعودة إلى الوطن‪.‬‬

‫أختار معه شقة؛ َكانَ سيدفع عربونًا‬ ‫َ‬ ‫بدأت األمور تصير خطيرةً؛ عندما طلب مني خطيبي أن‬
‫أن خطتي لو َن َج َحت‪،‬‬ ‫يشتري شقةً كبيرة للغاية بالنسبة إلى َر ُجل أعزب‪ .‬بدأت أقلق من َّ‬ ‫َ‬ ‫َكي‬
‫أن عليه أن يختار شقته‬ ‫طا في هذه الشقة الفسيحة‪ .‬حذَّرته؛ َّ‬ ‫سه متور ً‬‫وعدتُ إلى كندا؛ فسيجد نف َ‬
‫ألن من يدري ما قد يحدث بيننا‪ ،‬فأنت ال تستطيع أبدًا أن تعرف ما قد أعدَّهُ هللا؛ ماذا إذا‬ ‫وحده؛ َّ‬
‫إخباره أَنّي آ َم ُل‬
‫َ‬ ‫أستطع‬
‫ْ‬ ‫انتهى به األمر مع خطيبة أخرى‪ ،‬ولَ ْم يُعجبها ذَوقي في الشقق؟ لَ ْم‬
‫أن تكون له شقة كبيرة‪ ،‬وجميلة؛‬ ‫صر‪ ،‬وعدم العودة لها أبدًا؛ ثم فكرت أنَّه ال ضير في ْ‬‫مغادرة ِم ْ‬
‫َكانَ من الخطر للغاية إخباره بالحقيقة‪.‬‬

‫إكليال من ورود بالستيكية فوق حجابي‬ ‫ً‬ ‫عقدنا الخطوبة وأقمنا الحفلة و ُك ّل شيء‪ .‬لبست‬
‫ي أح ٍد أدنى فكرةٍ؛ ع َّما أُخط ُ‬
‫ط له‪ ،‬ولَ ْم ت َ ُك ْن لَدَي أ ّ‬
‫ي‬ ‫وشعرت أَنّي (وبدوت) كالغبية‪ .‬لَ ْم يَ ُكن أل ّ‬
‫وف أبقى في‬ ‫س َ‬ ‫وف تنجح؛ أم ال ؛ف ُك ْنتُ أتصرف بحذر كأَنّي َ‬ ‫س َ‬ ‫فكرة؛ ع َّما إذا َكانَت خطتي َ‬
‫صر؛ كي ال أجد نفسي في مأزق؛ إذا فشلت خطتي‪ ،‬ولَ ْم أستطع العودة إلى الوطن‪.‬‬ ‫ِم ْ‬

‫َل ِك َّن خطتي‪-‬أو باألحرى خطتها نجحت‪-‬؛ وافقت أ ُ ّمي على منحي تذكرة إلى الوطن (كندا)‪.‬‬
‫حصر لها‪ .‬نجحتُ‬
‫َ‬ ‫تمك ْنتُ من التالعب بأ ُ ّمي؛ كما َكانَت قد تالعبت هي بي من قَبْل؛ مرا ٍ‬
‫ت ال‬
‫قرارا‪ ،‬وعملت على تنفيذِه‪ ،‬ونفذتُه‪ .‬لعل هذا ممكن‪ ،‬وحقيق ّ‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫مرة ً ثانية؛ من تغيير قدري‪ .‬اتَّخذت‬
‫فعال‪ ،‬وليس مجرد حظ!‬ ‫ً‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪103‬‬
‫ما أن صارت التذكرة في يدي؛ َحتّى أخبرتُ خطيبي بالحقيقة‪َ .‬ل ْم َي ُك ْن َر ُج ًال سيئًا؛ لَ ِكنّي ما‬
‫صر‪،‬‬ ‫األمر مقبول تما ًما في ِم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضا‪ ،‬وبالتأكيد ما ُك ْنتُ ِألتزو َّج ابن خالتي؛‬
‫ُك ْنتُ ِألن َجذب إليه أبدًا أي ً‬
‫وفي ُك ّل أنحاء العالَ ْم االسالمي؛ فقد كادَ أخي أن يتزوج من ابنة خالته‪ ،‬ال أحد [من ال ُم ْس ِلمين؟‬
‫طفال؛ ذا ثالثة أعين‪ .‬أخبرتُه‬ ‫يرفض هذا النوع من الزواج‪ ،‬أو يتَحفَّظ عليه؛ لَ ِكنّي ما ُك ْنتُ ِأللدَ ً‬
‫ظن؛ أَنّي قد‬ ‫أَنّي عائدة الى كندا‪ ،‬وأَنّي في حاجة إلى أن يَكتِم السر‪ ،‬وأخبرته أَنّي ال أريده أن يَ ُ‬
‫هجرته؛ أعدت له الشَبكة‪ ،‬وهي مجوهرات يعطيها الخطيب لخطيبتِه‪-‬وهي نوع من أنواع‬
‫صر‪.-‬‬‫المهر‪ ،‬أو البائنة في ِم ْ‬

‫"إذا تركتِني؛ فلَ ْن أتزوج امرأة ً أخرى أبدًا"‬


‫"بلى ستتزوج"؛ قُلتُ متنهدةً‪ .‬كيف يُمكنه أن يكون دراميًّا هكذا؛ بينما نحن بالكاد نعرف بعضنا‬
‫ضا‪.‬‬
‫بع ً‬
‫عليك أن تعيشي مع ذلك‬
‫ِ‬ ‫"ال؛ لَ ْن أتزوج؛ سأموت وحيدًا‪ ،‬وسيكون ذلك بسببك؛ و َ‬
‫سيتعيَّن‬
‫اإلحساس بالذنب"‪.‬‬

‫اعتذرت إليه بشدة‪ ،‬وودعته‪ .‬شعرتُ بالذنب؛ لَ ِكنّي لَ ْم أ َ ُك ْن ِألسم َح لذلك بإثنا ِئي؛ أعددتُ حقائبي‬
‫بنشاطٍ ‪ ،‬وأنا أكاد أقفز فر ًحا‪.‬‬
‫وف تعودين بعد شهر فقط"‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫قال ابن خالتي الصغير‪ِ " :‬ل َم تأخذين ُك َّل شيء؟ َ‬
‫"ال‪ .‬لَ ْن أعود إلى هذا البلد أبدًا"‪.‬‬
‫سأراك مرة أخرى؟"‬‫ِ‬ ‫"ماذا؟ حقًّا؟ لَ ْم؟ متى‬
‫شهر بالتأكيد"‪.‬‬
‫"قد أعود بعد عشر سنوات‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬لكن ليس بعد ٍ‬

‫ي شيءٍ أن َيحول بيني‪ ،‬والمطار‪.‬‬ ‫سر؛ لَ ْم أُرد أل ّ‬ ‫مرة أخرى جعلت قَريبي يُقسِم على ْ‬
‫أن َيكتِم ال ّ‬
‫وتكرارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مرارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُك ْنتُ ألمس تذكرتي بعاطفة‪ ،‬وأقرأ شروطها‪ ،‬وأحكامها المكتوبة بخط صغير‬
‫واستذكر شعار الخطوط البريطانية‪ ،‬وأقرأ تفاصيل مسار الطائرة؛ ُك ْنتُ أعد الدقائق‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪104‬‬
‫الوطن‬
‫أطير فَر ًحا! ؛ ُك ْنتُ أنوي أن أقو َل أل ُ ّمي َ‬
‫نفس الكالم الذي‬ ‫ُ‬ ‫أخيرا؛ ِكدتُ‬
‫ً‬ ‫عندما است َقليتُ الطائرة‬
‫حمال؛ إلى الطائرة العائدة إلى‬‫ً‬ ‫توأمها الكريهة؛ ِمثلها‪" :‬ما لَ ْم تكوني عازمةً على حملي‬ ‫قُلته ِل ِ‬
‫ي م َكانَ !"‬‫صر‪ ،‬فإني لَ ْن أذهب إلى أ ّ‬‫ِم ْ‬

‫علّم ِة‬
‫ما أن أعود الى كندا؛ َحتّى أحصل على قرض طلبة‪ ،‬وأذهب إلى الجامعة‪ ،‬ثم أصير ُم ِ‬
‫شرقًا‪ ،‬وما ُك ْنتُ ِألسم َح ألح ٍد أن يقف في طريقي مرة‬
‫حضانة أطفا ٍل حقيقية‪َ .‬كانَ مستقبلي ُم ِ‬
‫أخرى أبدًا!‬

‫أفحص الحشود بحثًا عن أ ُ ّمي؛ لمحتُها‪ ،‬وقد اص َ‬


‫طحبت معها‬ ‫ُ‬ ‫حطت الطائرة؛ أخذت‬ ‫َّ‬ ‫عندما‬
‫‪51‬‬
‫زو ُجها المزيف ليَستقبِلني في المطار؛ شعرتُ بالغثيان‪.‬‬

‫سلمون‪َ .‬كانَت مطبوخةً‬ ‫أن "وجبة الترحيب بي" َكانَت سمك ال َ‬ ‫عدنا إلى شقتها‪ ،‬و َجدتُ َّ‬
‫حالما ُ‬
‫ً‬
‫أصال‪ ،‬لَ ِكنَّه‬ ‫السمك‬
‫َ‬ ‫قزز‪َ .‬كانَت تعلَ ْم أَنّي ال أحب‬
‫بكاملها في الفرن؛ دون نزع العيون؛ كم هذا ُم ّ‬
‫كمبر ٍر النتزاعه من زوجته‪ ،‬و‬ ‫ِّ‬ ‫َكانَ طعامه المفضل؛ لقد استغلت على األرجح مناسبة عودتي؛‬
‫َكانَت تحاول الظفر باستحسانِه‪ .‬ال أدري إن شعر بعدم ارتياح أكثر مما شعرتُ ‪ ،‬لَ ِك َّن شعوره‬
‫َكانَ مقاربًا لنفس درجة شعوري يقينًا (متبادَ ًال مع شعوري)‪.‬‬

‫ي شيء الى أن يحين وقت‬ ‫صر؛ لَ ْم أ َ ُك ْن أنوي قول أ ّ‬‫استمتَعت بإخبار أ ُ ّمي؛ أَنّي لَ ْن أعود الى ِم ْ‬
‫الر ُج َل الذي آذاني بوحشية إلى المطار؛ ثم جل َبته‬ ‫ت َ‬ ‫أحضر ْ‬
‫َ‬ ‫الرجوع‪ ،‬لَ ِكنّي غضبت للغاية ألنَّها‬
‫صقَ انتصاري في وجهها بأسرع ما أستطيع‪.‬‬ ‫أن أب ُ‬‫معها إلى شقتها؛ أردتُ ْ‬

‫ص ِد َمت في البداية‪.‬‬
‫ُ‬
‫"لكن ماذا عن الزواج؟! والمجوهرات؟! والشقة؟!" َكانَت تَصيح تقريبًا‪.‬‬‫ْ‬
‫ي من هذا"‪ .‬قلت ذلك‪ ،‬وأنّا أنظر في عينيها؛ فتغيَّر أسلوبها ً‬
‫فورا؛‬ ‫"ال أهتم أل ّ‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪51‬‬
‫االشمتاز‬ ‫الغثيان‪ :‬الرغبة ف التقيؤ‪،‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪105‬‬
‫قالت بنَبرة ُمظلمة‪ ،‬ومليئة بال ِغ ّل‪ُ " :‬ك ْنتُ أعرف هذا"؛ " ُك ْنتُ أعرف أنك فتاةً؛ مريضةً؛ شيطانية‪.‬‬
‫أحرص‬ ‫وف ِ‬ ‫س َ‬‫أن هذه خطتك؛ أنت ملعونة‪ .‬لَ ْن تذهبي إلى الجنة أبدًا دونَ رضاي!؛ َ‬ ‫ُك ْنتُ أعرف َّ‬
‫بك في منزلي!‬ ‫أن تَحتَرقي في الجحيم إلى األبد؛ لطالما كرهت ُ ِك دائ ًما؛ لَ ْم تعودي ُمرحبًّا ِ‬ ‫على؛ ْ‬
‫أُخرجي من منزلي أيّتها العاهرة القذرة"‪.‬‬
‫‪52‬‬

‫سئمتُ ُكرهها‬ ‫ان آخر أذهب اليه"‪َ .‬‬ ‫ضا ال أريد البقاء هنا‪ ،‬لكن ليس لَدَي م َك ٌ‬ ‫قلت لها‪" :‬حسنًا؛ أنا أي ً‬
‫ي‬ ‫صر لَ ْم أ َ ُك ْن ابنةَ أحدٍ‪ ،‬ولَ ْم يَ ُك ْن أحد يُملي َ‬
‫عل َّ‬ ‫لي‪ ،‬و ُك ْنتُ أقاومها بطريقة لَ ْم تع َهدها من قبل‪ .‬في ِم ْ‬
‫ي‪ ،‬أو يش ِتمني؛ لَ ْم يُ ِه ِنّي أحد‪ .‬جربتُ ألول مرة‬ ‫أفعالي‪ِ .‬طوال السنة الماضية؛ لَ ْم يصرخ أحدٌ َ‬
‫عل َّ‬
‫إحساس أن تُعا َم َل كإنسان‪ ،‬ولَ ْم أ َ ُك ْن ألتناز َل عن ذلك؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ عالقة باضطراري للعيش في‬
‫بيت أ ُ ّمي‪-‬على األقل بالنسبة لذلك الوقت‪.-‬‬
‫طالبي‪ ،‬وبدأت‬ ‫قرض ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أن أ ُ ّمي حاربتني في ُك ّل خطوة؛ إال أنّي تم ُك ْنتُ من الحصول على‬ ‫رغم َّ‬
‫تفرق ُك ّل‬‫أدرس في ال ُكلّية المحلية‪َ .‬كانَت قد مرت سنتان؛ منذ أن غادرت كندا؛ ومن ث َ َّم فقد َّ‬
‫سبُ َل حيوا ِتهم المختلفةَ‪ .‬تعرفت على أصدقاءٍ ُجدد في ال ُكلّية‪،‬‬ ‫أصحابي من الثانوية‪ ،‬واتخذوا ُ‬
‫وبدأتُ َحتّى أعمل في متجر "دوالر ستور" في المول المقابل ِل َحرم ال ُكلّية‪.‬‬

‫أعيش ُك َّل ٍ‬
‫يوم‬ ‫ُ‬ ‫ي خطةً على المدى الطويل؛ إذ ُك ْنتُ‬ ‫َكانَت األمور تسير بسالسة؛ ولَ ْم تَ ُك ْن لَدَ َّ‬
‫بيومه ‪ .‬حاولت تجاهل تذ ُّمر أ ُ ّمي اليومي؛ من َكوني خيبةَ أم ٍل لها‪.‬‬

‫ً‬
‫عمال‪ ،‬وتعيشين بمفردك‬ ‫وف تتركين المنزل‪ ،‬وتجدين‬
‫س َ‬ ‫ظنين أنَّك َ‬ ‫"لم تذهبين الى ال ُكلّية ؟ أت ُ‬
‫كعاهرة؟"‬
‫" أريد أن أصير كاتبة"‪.‬‬
‫أن الكذب حرام؟"‬‫"تريدين أن تصيري كاذبة؟ أال تعلمين َّ‬
‫"لقد قلتُ أَنّي أريد أن أصير؛ كاتبةً‪".‬‬
‫وف تُصبحين كاذبةً؛ فال ُكتّاب يحكون حكايات ال أكثر؛ فهل حكاياتهم صحيحة؟‬ ‫س َ‬ ‫"نعم‪ ،‬ومن ث َّم ف َ‬
‫ال بالتأكيد؛ ُكلّهم كاذبون‪".‬‬

‫ز‬ ‫اإلنچلتية المستعملة هنا ه ‪ ،filthy cunt‬وه شتيمة سوقية بذيئة تشبهها بعض الشتائم ال ِم ْرصية والعربية الن تأن‬
‫ز‬ ‫‪52‬‬
‫بمعن العاهرة‬ ‫الكلمة‬
‫ر‬
‫أكت سوقية‪.‬‬ ‫والقحبة لكن بلف‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪106‬‬
‫حاولت دون جدوى أال أسمح لهذا أن يؤ ِث ّر بي؛ في النهاية غيَّرت تخصصي من الكتابة‬
‫اإلبداعية؛ الى األدب اإلنچليزي؛ إلرضائها؛ث ُ َم الحقًا غيرته مرة أخرى إلى اللغة اإلنچليزية؛‬
‫وف أُدَ ِ ّرس اللغة اإلنچليزية ‪-‬فالتعليم مهنة مقبولة بالنسبة إلى إمرأة ُم ْس ِلمة‪.-‬‬
‫س َ‬‫عندما قررت أَنّي َ‬

‫ضر الحصص‪ ،‬والتقي مع أصحابي فيما بين الحصص‪ .‬ذات يوم في‬ ‫قَضيتُ أيّامي أَ ْح ُ‬
‫الكافيتيريا حدثَّتْنا فتاة اسمها سارة ً‬
‫قليال عن حياتها؛ إنها من عائلة ُم ْس ِلمة‪ ،‬ولذلك لَدَيهم دائ ًما تلك‬
‫القواعد "الصارمة" عندما يتعلق األمر باألوالد؛ أضع كلمة "الصارمة" بين شارتين معقوفتين؛‬
‫ألنَّه بالمقارنة مع حياتي في منزل أسرتي‪ ،‬فإن منزلها لَ ْم يَ ُك ْن صار ًما على اإلطالق‪.‬‬

‫شم نفسها؛ برسم ورقة شجرة القيقب؛ ألنَّها ممتنة لوجودها في كندا‪ ،‬وكيف‬ ‫أخبرتنا أنَّها تريد َو َ‬
‫خطط للهرب مع خليلها‪.‬‬ ‫أنَّها تَحدَّت والَدَيها طوال الوقت‪ ،‬و َكانَت ت ُ ِ ّ‬
‫َحسد ُتها على هذا؛ تمنَّيت لو َكانَ لَدَي خليل أهرب معه‪ .‬أردت الهروب بشدة؛ لَ ِكنّي ِخ ْفتُ من‬
‫صديقاتي الذين عرفتهم في ال ُكلّية ؛ في نفس الوضعية‬ ‫معتمدة ً على نفسي‪َ .‬كانَت ُك ّل َ‬ ‫ِ‬ ‫فعل ذلك‬
‫تشاركنا ُكلّنا‬
‫َ‬ ‫مثلي؛ َكانَت إحداهن من عائلة صينية صارمة‪ ،‬واألخرى من عائلة سيخية متشددة؛‬
‫ي شيء ِحيا َل‬ ‫ت من عمل أ ّ‬ ‫الرغبة في الهروب من حيواتنا الحالية آنذاك‪ ،‬لَ ِكنَّنا ُكلّنا كنا خائفا ٍ‬
‫ي ٍ منا؛ بالذهاب إلى بيوت األخريات‪ ،‬ولذلك كنا نلتقي فقط في المول بين‬ ‫ذلك‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن يُ ْس َم ُح أل ّ‬
‫ي ٍ منا‬‫ضا على الهروب؛ ألنَّه لَ ْم ت َ ُك ْن لدى أ ّ‬ ‫ضنا بَع ً‬ ‫حصص المحاضرات؛ لَ ِكنَّنا لَ ْم نش ِ ّج ْع بع َ‬
‫الشجاعة؛ للقيام بذلك‪.‬‬

‫حاولت التواصل مع أصدقاء قدماء؛ قد يُساعدونَني على ترك المنزل؛ لكن إعادة التواصل‬
‫أن تكون أرقام هواتف منازلهم؛ ال زالت‬ ‫َكانَت صعبة في تلك األيّام؛ إذ َكانَ عليك أن تت َّمنى؛ ْ‬
‫هي نفسها‪ ،‬وأن تتص َّل بوالدَيهم‪ ،‬وتطلب منهما بيانات االتصال الجديدة الخاصة بهم‪َ .‬كانَت‬
‫تيفاني بالتأكيد أو َّل من اتصلت به‪ ،‬لَ ِك َّن والديها أخبراني؛ أنَّها صارت تعيش في السويد مع‬
‫أن أحدَهم انتقل إلى جزيرة ڤانكوفر‬ ‫قربين اآلخرين‪ ،‬ووجدت َّ‬ ‫صديقها‪ ،‬فاتصلت بأصدقائِي ال ُم َّ‬
‫مع صديقته‪ ،‬بينما صار اآلخر يعيش في مونتريال آنذاك‪ .‬لَ ْم أجد َحب َل نجاة في أ ّ‬
‫ي م َكانَ ‪.‬‬

‫خاص في ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ذات يوم التقيتُ صديقًا قدي ًما من الثانوية ‪ُ -‬ك ْنتُ أحس بالشجاعة على نح ٍو‬
‫اليوم‪ ،-‬فأخبرته أَنّي معجبة به؛ لَ ِكنَّه أخبرني أنَّه ليس ُمنج ِذبًا لي‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬هو ال يجدني جذَّابة‬
‫ض أن يتغاضى عن‬ ‫قربين؛ َل ِكنَّه لَ ْم يرت َ ِ‬
‫ي شخص آخر‪ .‬كنا صديقين ُم َّ‬ ‫جسديًّا؛ ولَ ْن ينجذب إل َّ‬
‫يأ ّ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪107‬‬
‫أن يتغاضى عن هذا الغطاء على رأسي‪،‬‬ ‫ي أح ٍد ‪-‬له بصر‪ْ -‬‬ ‫قُبحي الجسدي؛ كيف يمكن أل ّ‬
‫أن نكونَ معًا‪ ،‬إذا َكانَ َحتّى أصدقائي المقربين جدًّا؛ لَ ْم يستطيعوا‬
‫ويجد ُني جذابة؛ فَيرغَبْ في ْ‬
‫التغاضي عن ذلك؟‬

‫سعاي ‪-‬لل ُخروج من وضعيتي التي ُك ْنتُ ُُ‬


‫َ‬ ‫عمني في َم‬‫أمير؛ يُحقّق لي أحالمي‪ ،‬ويد َ‬ ‫البحث عن ٍ‬
‫أحالم ِليهتم بالفوضى (أو "الهرجلة") التي‬
‫ٍ‬ ‫فيها آنذاك‪ -‬؛ لَ ْم َي ُك ْن هدفًا واقعيًّا‪ ،‬ولَ ْم َي ُك ْن أ ّ‬
‫ي أمير‬
‫ي الثقة في النفس‪ ،‬أو الشجاعة؛ لالعتقاد‪ ،‬أو التفكير في أَنّه يمكنني مغادرة‬ ‫ُك ْنتُ عليها‪ .‬لَ ْم تَ ُك ْن لَدَ َّ‬
‫منزل أ ُ ّمي؛ باالعتماد على نفسي؛ فلَ ْم أستطع رؤية مخرجٍ من مأزقي‪.‬‬

‫ي التوقف عن إحراجها‪،‬‬ ‫صر؛ هو تذ ُّمر‪ ،‬وإلحاح أ ُ ّمي؛ َ‬


‫عل َّ‬ ‫َكانَ الثابت الوحيد منذ عودتي من ِم ْ‬
‫وأن أتزوج سريعًا‪ .‬صرت تقريبا بعمرعشرين سنة‪ ،‬وقد تجاوزتُ بالفعل "تاريخ صالحيتي"‪،‬‬ ‫ْ‬
‫و َكانَ الحا ُحها يصير سخيفًا‪.‬‬

‫وف تخرجين من‬


‫س َ‬ ‫"من تخدعين بذهابك الى ال ُكلّية ؟ بأ ّ‬
‫ي ِ هدفٍ ؟ ما الجدوى؟ هل تظنين أنَّك َ‬
‫وتزوجي كامرأة محترمة!"‬
‫َّ‬ ‫المنزل‪ ،‬أو تعملين لتُعيلي نفسك؟ توقَّفي عن هذا ال ُهراء‪،‬‬

‫ي شيء‬ ‫وحيث أنَّه لَ ْم َي ُك ْن هناك أ ّ‬


‫ُ‬ ‫سا يوميًّا‪ ،‬وفي النهاية تم َكنَّت من إنهاكي‪.‬‬
‫طق ً‬‫َكانَ هذا َ‬
‫يسحبني في االتجاه المعاكس؛ فقد خَضعتُ ِلواب ِل نقدِها؛ الذي ال ينتهي؛ هذا صحيح‪َ .‬من أُخادع؟‬
‫ي فتى عادي أبدًا؛ ف ِل َم ال أوافق على مقابلة‬ ‫ي حال؟ لَ ْن يُع َجب بي أ ّ‬
‫ما هي خطتي النهائية على أ ّ‬
‫قززين؛ الذين ستُحضرهم؟‬ ‫الرجال ال ُم ِ ّ‬

‫ضهم و َكانَ ُك ّل منهم أفظع (أو أقبح) من سابقه‪ .‬لَ ْم أستَسِتغ فكرة َ االستسالم؛ لَ ِكنّي‬ ‫قابلتُ بع َ‬
‫ضا من المقاومة؛ الحقيقة هي أَنّي ُك ْنتُ مرهقة‪ ،‬و ُك ْنتُ ال أزال أريد أن تحبني‬ ‫ُك ْنتُ قد تعبتُ أي ً‬
‫أن أعيش حياة ً سلسةً؛ هادئة لمرة‪ .‬أردت إخماد هذا الرفض المستمر‬ ‫أ ُ ّمي‪ ،‬وتَفخَر بي‪ ،‬وأردتُ ْ‬
‫ي حال؟ ما هدفي‬ ‫الذي َكانَ يختلج في قلبي‪ ،‬وروحي‪ ،‬وعقلي؛ ما الذي أقاوم ألج ِله على أ ّ‬
‫أن الطريقة‬ ‫ي شيء؛ هو أن أحس بالحب‪ ،‬والتقبُّل‪ ،‬وبدَا َّ‬ ‫أكثر من أ ّ‬
‫النهائي؟ ما أردته في الحقيقة؛ َ‬
‫الوحيدة للحصول على هذا هي؛ االستسالم‪ ،‬واالنقياد أل ُ ّمي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪108‬‬
‫وف أتبع‬ ‫س َ‬
‫أصغي إليها بقلب مفتوح‪ .‬ال مزيد من المقاومة بعد اآلن‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫قررت في النهاية أن‬
‫إالم‪ 53‬سيقود‪ .‬علّي أجد السالم‪ ،‬والحب اللذين أتوق إليهما‪ .‬ربما إذا فعلت ُك ّل ما‬ ‫طريقها‪ ،‬وأرى َ‬
‫أخيرا شعور المعاملة‬‫ً‬ ‫تريده؛ لَ ْن تشعر بالتقزز بعد اآلن عندما تنظر لي‪ .‬علَّها تحبني‪ .‬علَّي أشعر‬
‫التي تُعا َمل بها أختي‪.‬‬
‫الر ُجل الذي َكانَ يضربني‪ ،‬ويتحرش بي وأنا‬ ‫تزوجت أختي الكبيرة؛ الصالحة؛ الطائعة ابنَ َ‬
‫طفلة‪ .‬أتَذَ َّكر أَنّي ُك ْنتُ مرعوبة وساءلت أ ُ ّمي‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫"ال شأن لك بمن تتزوج"‪.‬‬
‫"هل أخبرتها بما فعله بي حموها (أبو زوجها) المستقبلي؟"‬
‫"ال علم لي بما فعله بك"‪ .‬و َكانَ إنكارها حاس ًما‪.‬‬

‫أن تزوجته‪ ،‬وأنجبت ثالثة أطفال‪ ،‬وبعد أن خانَها كثير من المراتِ‪ ،‬وطلقها‬ ‫بعد سنوات‪ ،‬بعد ْ‬
‫ي‪:‬‬ ‫في النهاية‪ ،‬وجدتها على الفيسبوك؛ فأخبرتُها بالحقيقة‪ ،‬فردَّت َ‬
‫عل َّ‬
‫" ِل َم إذن لَ ْم يفعل بي نفس الشيء؟"‬
‫أن هذا سيحدث‪.‬‬ ‫أعرف َّ‬
‫ي أن ِ‬ ‫َكانَ هذا ردها‪ :‬اإلنكار‪ ،‬والمراوغة‪ .‬ال أدري ِل َم آلمني هذا؛ َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫أحسست أنَّها خرجت من الكمبيوتر‪ ،‬وطعنتني في الوجه‪ ،‬والقلب‪ .‬بعد ُك ّل هذه السنوات؛ وجدتُ‬
‫جهرا؛ و َكانَ هذا ردُّها‪.‬‬
‫ً‬ ‫أخيرا الشجاعة للحديث‬ ‫ً‬
‫صا من النوع الذي ُك ْنتُ أقتدي به؛ لَ ِكنّها َكانَت مهجة أ ُ ّمي‪ ،‬وأردتُ أن‬ ‫لَ ْم ت َ ُك ْن اختي أبدًا شخ ً‬
‫أحس نفس اإلحساس‪.‬‬
‫ي شيء؛ لقد أصغت لها‪ ،‬واتبَّعت نصائ َحها دائ ًما؛ مهما‬ ‫لَ ْم تقاوم‪ ،‬أو تتشاجر أختي مع أ ُ ّمي في أ ّ‬
‫َكانَت درجة جنون تلك النصائح‪ .‬بعد عملية بضع الفرج‪ 54‬؛ اقترحت عليها أ ُ ّمي أن تجلس في‬
‫حوض (بانيو) مليء بالماء ال َم ِلح‪ ،‬وفعلت ذلك‪ .‬أتَذَ َّكر أَنّي ُك ْنتُ أحدّق فيها باستغراب؛ مفتوحة‬
‫تسرد ذلك لي‪.‬‬
‫العينين‪ ،‬وهي ُ‬

‫ت المل َح على الجرح المفتوح حرفيًّا يا "ريما"! كيف أمكنك فعل ذلك؟"‬
‫"لقد وضع ِ‬
‫"أ ُ ّمي قالت لي ذلك"‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫إالم‪ :‬إىل ماذا سيؤدي‪ ،‬إىل ما سيؤدي إليه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪.‬‬ ‫ز‬ ‫‪:‬‬
‫العجان ‪ episiotomy‬شق جراح مخطط عىل العجان وجدار المهبل الخلف خالل المرحلة الثانية من المخاض ويعمل‬
‫‪54‬‬
‫بضع الفرج أو شق ِ‬
‫أكت اإلجراءات الطبية‬ ‫الشج أو بزاوية مائلة‪ ،‬تحت مخدر موضع‪ُ ،‬‬
‫ويخاط بعد الوالدة‪ .‬وه إحدى ر‬ ‫الشق بزاوية ‪ 90‬درجة من الفرج باتجاه فتحة ر‬
‫شيوعا‪ ،‬رغم انخفاض معدل استعماله زف العقود األختة‪.‬‬‫ً‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪109‬‬
‫وف يؤلمك‪".‬‬
‫س َ‬ ‫أن ذلك َ‬ ‫"نعم‪َ .‬ل ِكنَّك ُك ْنتُ تعرفين َّ‬
‫"اعتقدت أنَّه سوف يؤلمني؛ لَ ِك َّن أ ُ ّمي أدرى مني‪ ،‬ولذلك اعتقدت أَنّي ُك ْنتُ مخطئة"‪.‬‬
‫ى دائ ًما؟"‬‫"كيف يمكنك أن تنقادي لها بعَ َم ً‬

‫لَ ْم أستطع أن أفهم كيف َّ‬


‫أن شخصا أشاركه الجينات؛ يمكن أن يكون عكسي تما ًما‪.‬‬

‫أن نصائح أ ُ ّمي قادتها إلى المآزق‪،‬‬ ‫َل ْم تتغير أختي قط‪ .‬واصلت اتباع أوامر أ ُ ّمي؛ رغم َّ‬
‫والضياع‪ ،‬والبؤس‪ .‬أقنعتها أ ُ ّمي أن تتخلى عن أطفالها؛ ألبيهم إثر الطالق؛ ألنَّه "ال يوجد َر ُجل‬
‫ُ‬
‫حيث يستطيع‬ ‫أبدًا يريد إمرأة لديها ثالثة أطفال"‪ .‬أخذ زوجها األطفال‪ ،‬ورحل بهم إلى بلد ُم ْس ِلم؛‬
‫الزواج من زوجات عديدات بحرية‪.‬‬
‫آخر مرة رأيت فيها أبناء أختي‪َ ،‬كانَ عمر أصغرهم ؛ أرب َع سنوات‪ ،‬و َكانَت هي‪ ،‬وأختها‬
‫ترتديان الحجاب‪.‬‬

‫وف يحدث [مع أختي؟؛ ُك ّل ما ُك ْنتُ أعرفه هو َّ‬


‫أن أختي‬ ‫س َ‬‫أن أيًّا من هذا َ‬ ‫لَ ِكنّي لَ ْم أ َ ُك ْن أعرف َّ‬
‫َكانَت االبنة المحبوبة‪ ،‬وال ُم ْحتَفَى بها؛ بينما ُك ْنتُ أنا اإلزعاج البغيض‪.‬؛ فقررت تقليد أختي و‬
‫الحذو حذوها‪ ،‬والطاعة‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪110‬‬
‫اإلخضاع ‪3‬‬
‫ب‪ ،‬أو آلخر‪ُ .‬ك ْنتُ قد‬
‫تلو اآلخر‪ ،‬ورفضتهم جميعًا لسب ٍ‬
‫الخطبة؛ واحدًا َ‬ ‫واصلت مقابلة طالبي ِ‬
‫ق‪.‬‬
‫شخص الئ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أن أتزوج من‬ ‫ُ‬
‫اعتزمت الزوا َج؛ إرضا ًء أل ّمي؛ لَ ِكنّي ِأم ْلتُ على األقل ْ‬

‫طالب خطوب ٍة آخ َُر‪ ،‬ر َّحبت أ ُ ّمي به كالمعتاد‪.‬عندما أخذ يتحدث مع أ ُ ّمي بالعربية؛‬ ‫َ‬ ‫قابلنا‬
‫شخص ال يتقن اإلنچليزية‪ ،‬لذا‬
‫ٍ‬ ‫انفصلت ذهنيًّا؛ فقد ُك ْنتُ قد اتخذت قراري ُمسبقًا عدم الزواج من‬
‫توقَّفت عن االنتباه‪ .‬وبينما كنت أحدق في نمط السجادة؛ وأفكر في أحد الواجبات الجامعية التي‬
‫ي القيام بها‪ ،‬قفزت أ ُ ّمي من كرسيها‪ ،‬قائلة‪:‬‬ ‫عل َّ‬
‫يجب َ‬
‫"أنت هو! أنت الذي ُك ْنتُ أبحث عنه طوال حياتي!"‬
‫الر ُجل الذي بدا متفاجئًا قَد ِْري؛ ال أعلَ ْم ما الذي قاله؛ كي يثير حماسها بهذه الطريقة؛‬
‫نظرت إلى َ‬
‫لَ ِكنّها بالتأكيد َكانَت متحمسة لهذا الشخص‪.‬‬

‫ِّ‬
‫(مقز ًزا)‪.‬‬ ‫حاولَت الحقًا َجعلي أوافق على الزواج منه؛ َل ِكنّي ظللتُ أرفض؛ لقد وجدته من ِفّ ًرا‬

‫"ال‪ ،‬لَ ْن أتزوجه‪ .‬إنه ال يتحدث اإلنچليزية َحتّى!"‬


‫وصل األمر إلى أن تهددني بطردي من البيت‪ ،‬لَ ِكنّي تمسكت برفضي؛ َّ‬
‫فجربت تكتي ًكا مختلفًا‪:‬‬

‫ألجلك‪ .‬لَ ْم اتمكن من أن أعيش حياتي؛ ألَنّي ضحيت بها ألجل سعادتك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫"عشت ُك ّل حياتي‬
‫ُك ْنتُ أستطيع ترككم جميعًا مع أبيكم‪ ،‬والزواج مرة أخرى‪ ،‬واالستمتاع بحياتي‪ ،‬ونسيانكم تما ًما‬
‫كأم عزباء لثالث أبناء عا ِقّين‪ ،‬وحيدة ً في بالد‬
‫ضا من ذلك؛ عانيت ٍ‬ ‫كما فعل هو! لَ ِكنّي ِع َو ً‬
‫يمكنك‬
‫ِ‬ ‫غريبة‪ُ ،‬ك ّل ذلك ألجلكم‪ُ .‬ك ّل ما أطلبه ِ‬
‫منك؛ أن تفعلي هذا الشيء الوحيد من أجلي‪ ،‬وال‬
‫ِفع َل ذلك؟"‬

‫َكانَت دو ًما عمليات َجعلي أحس بالذنب‪ ،‬واالبتزاز العاطفي أكثر فاعليةً من التهديدات‪ .‬أردتُ‬
‫أخيرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الر ُجل؛ علّها تحبني‬ ‫فعال إسعاد أ ُ ّمي‪ ،‬وظننت َّ‬
‫أن هذا هو ما سيحقق ذلك‪ .‬إذا تزوجتُ هذا َ‬ ‫ً‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪111‬‬
‫أخيرا؛ ُك ْنتُ أ ِل ِي ُن ً‬
‫قليال لَ ِكنّي بَقيت‬ ‫ً‬ ‫أو علَّها تتوقف ‪-‬على األقل‪ -‬عن كرهي تلك الكراهيةَ الشديدة َ‬
‫إجبار نفسي على الموافقة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ال أستطيع‬
‫معك؛‬
‫ِ‬ ‫لكن إذا تزوجتِ ِه أنتِ‪ ،‬وعشتُ‬ ‫قالت لي‪" :‬افعلي هذا ألجلي‪ ،‬أنا ال أستطيع الزواج منه؛ ْ‬
‫وف أستطي ُع أن أكون معه"‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬
‫َكانَ هذا كال ًما عجيبًا جدًّا؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ ال أزال غير معتادة على تحديها بجدية‪.‬‬

‫ض تُدَ ِقّ ُق‬


‫ِطوال أشهر بعد ذلك استمرت في لقائِ ِه‪ُ .‬ك ْنتُ َحتّى لستُ موجودةً؛ لقد َكانَت كما يُفت َ َر ُ‬
‫فيه من أجلي‪.‬‬
‫وقتك‪ .‬لَ ْن أتزوجه"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت تض ِيّعين‬
‫"أن ِ‬
‫الر ُجل الذي‬ ‫"أنا ال أضيّع وقتي؛ أحب الحديث إليه؛ أنت غبية للغاية؛ وال تدركين قيمة َ‬
‫ي شيء‪.‬‬ ‫ت ال تعرفين أ ّ‬ ‫ترفضين؛ لَ ْن تجدي أبدًا َر ُج ًال آخ ََر مثله‪ .‬إن لي خبرة ً وأعرف الرجال! أن ِ‬
‫مقاومتك لي"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وف تندمين على‬
‫س َ‬
‫صا جيدًا مثله‪ ،‬و َ‬ ‫أنا أقول لك أنك لَ ْن تجدي أبدًا شخ ً‬

‫َكانَت تلك كلمات قوية‪ .‬كشخص لَ ْم يعلمني أحد؛ ْ‬


‫أن أقدّر آرائي الشخصية؛ أرعبني كالمها‪ُ .‬ك ْنتُ‬
‫أن أ ُ ّمي تعرف أكثر مني‪ ،‬و ُك ْنتُ خائفة من ارتكاب خطأ ما‪ ،‬لَ ِكنّي َبقيتُ رافضةً‬
‫على يقين من َّ‬
‫رغم ذلك‪.‬‬

‫ضغطها الحثيث قط‪ .‬إن اعتقدتُ أنَّها َكانَت سامةً شريرة ً قبل ذلك‪ ،‬فقد َكانَت وردة ً‬ ‫َل ْم ينكفئ َ‬
‫رقيقةً تما ًما مقارنةً بما أصبحت عليه االن‪ .‬لعدة شهور تلت أصبحت عنيفة جدًا في ضغطها‬
‫ضا‪َ .‬كانَ يخبرها أنَّه رآني في ٍ‬
‫حلم‬ ‫ط منه هو أي ً‬ ‫ف ضغ ٌ‬ ‫الر ُجل؛ كما أ ُ ِ‬
‫ضيِ َ‬ ‫ي كي أتزوج هذا َ‬‫عل َّ‬‫َ‬
‫ي أن أتزوجه‪.‬‬ ‫عل َّ‬ ‫َ‬
‫أقرأ له القرآن‪ ،‬وغيرها من العالمات التي تٌشيرأنّه ينبغي َ‬

‫إجبار في جعب ِتها‪َ .‬كانَت‬


‫ٍ‬ ‫ت ُك َّل أوراق االبتزاز العاطفي التي لَدَيها‪ ،‬و ُك ّل تكتيك‬
‫لقد استخدَ َم ْ‬
‫ترفض الرد إذا كلمتها‪َ .‬كانَت تتناول الطعام في الخارج‪ ،‬وال تشتري البقالة‪َ .‬كانَت تتجاهلني‬
‫ي ألَنّي خيبت أملها‪ ،‬وحطمت قلبها‪.‬‬ ‫عل َّ‬
‫تما ًما؛ إال إذا أرادت أن تصرخ في وجهي‪ ،‬أو تبصق َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪112‬‬
‫ض أ َّم َك؛ ف َل ْن تدخل الجنة‪َ .‬كانَ هذا‬ ‫يعلّمنا اإلسالم َّ‬
‫أن الجنة تحت قدم أمك ؛ فإذا لَ ْم ت ُ ْر ِ‬
‫‪55‬‬

‫ي‬ ‫االدّعاء يحكم حياتي‪ ،‬و ُك ْنتُ مرعوبة من أنَّها قد تحرمني من فرصة دخول الجنة‪ ،‬وتحكم َ‬
‫عل َّ‬
‫بالعيش في العذاب األبدي‪َ .‬كانَت لَدَيها السلطة لفعل ذلك [من المنظور اإلسالمي؟‪َ ..‬كانَت‬
‫ض أن أشعر بها تجاه هللا‪ ،‬كنت‬ ‫بالنسبة لي تجسدًا هلل‪َ .‬كانَت عالقة الحب‪ ،‬والخوف التي َكانَ يُ ْفت َ َر َ‬
‫أشعرها في الحقيقة تجاهها هي‪َ .‬كانَت تمسك آخرتي بيدها‪.‬‬

‫قدمك في الجنة‬
‫ِ‬ ‫أدعك تضعين‬‫ِ‬ ‫إن لَ ْم تتزوجيه؛ فلَ ْن‬
‫"أعدك أنَّك ستحترقين في جهنم إلى األبد‪ْ .‬‬
‫بك؛ لَ ْن يُس َم َح ِ‬
‫لك َحتّى أن تحضري‬ ‫ي عالقة ِ‬‫أبدًا؛ لَ ْن تشمي َحتّى رائحة الجنة! لَ ْن يكون لي أ ّ‬
‫وف أحرص على أن يعلم الجميع أنَّك لَ ْم تعودي ابنتي"‪.‬‬ ‫س َ‬
‫جنازتي! َ‬

‫وف تحترقين في النار إلى‬


‫س َ‬‫َكانَت هذه أقوى حيلها‪ ،‬ورقتها الرابحة‪" :‬لَ ْن تَري الجنة أبدًا‪َ .‬‬
‫األبد"‪ .‬كيف لي أن أقاوم مثل هذا النوع من اإلجبار‪.‬‬

‫ط َهدة‪َ .‬كانَت دائما قادرة على أن تكون‬ ‫أ ُ ّمي مفارقة غريبة‪ُ .‬ك ْنتُ أدعوها األميرة المض َ‬
‫در َك هذا االنفصام‪.‬‬ ‫سيطرة‪ ،‬وفي نفس الوقت الضحية؛ تَطلَّب األمر الكثير من الوقت كي أ ُ ِ‬ ‫ال ُم ِ‬
‫كبيرا من ال ُم ْس ِلمين يمكثون‬
‫ً‬ ‫أُدرك اآلن أنَّها ليست الوحيدة الحاملة لهذه العقلية‪ .‬أرى عددًا‬
‫بارتياح في نفس الدور؛ ففي األخبار ترى ال ُم ْس ِلمين غاضبين؛ وميَّالين للمجابهة‪ ،‬والعدوانية‬
‫بسبب كوكاكوال الحمية ‪،‬أو رفض بعض نسائهن المصافحة‪ ،‬أو حق [المنتقبات من؟ نسائهن في‬
‫تغطية وجوههن في مراسم منح الجنسية‪.‬‬

‫فرض طلباتك في بل ٍد أنت لست َحتّى أحد مواطنيها؛ هو عجرفة‪ ،‬وتعا ٍل إلى أقصى حد‪ِ .‬بيدَ أنَّه‬
‫مبر ٍر‪ -‬أنَّها حاالت اضطهاد‪ ،‬وأنَّهم ضحايا؛‬ ‫يُعلَن عن هذه المواقف ‪-‬على نح ٍو غير مف َّ‬
‫س ٍر‪ ،‬أو َّ‬
‫يقوض بالتأكيد ادعا َءهم‬
‫ضح تعا ِليًا‪ ،‬وتب ُج ًحا مما ّ ِ‬
‫كيف ألحد أن يكون ضحية؛ في نفس الوقت ين َ‬
‫أنَّ ُهم ضحايا؟!‬

‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬


‫والطت زان ف «المعجم الكبت» بإسناد‬ ‫روى اإلمام أحمد ف مسنده‪ ،‬والنسان ‪-‬واللف له‪ -‬وابن ماجه ف « ُسننهما»‪،‬‬
‫‪55‬‬
‫حسن‪َ ،‬وصححه الحاكم‬ ‫ر‬
‫ْ ُْ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫المنذري‪ ،‬من حديث معاوية بن ْجاهمة‪ :‬أنه ْجاء الن ِرن صىل هللا عليه وآله وسلم فقال‪ :‬يا رسول ِ‬
‫هللا أردت أن أغزو‪ ،‬وقد ِجئتك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الذهن‪ ،‬وأقره‬
‫ر‬ ‫َووافقه‬
‫أ ْست ِش ُتك‪ ،‬فقال‪" :‬ه ْل لك ِم ْن أ ٍّم"؟ قال‪ :‬نع ْم‪ ،‬قال‪" :‬فالز ْمها؛ ف ِإن الجنة ت ْحت ِر ْج ِلها"‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪113‬‬
‫ألن بشرتهم سمراء أو غير بيضاء؛ يُعتبَ ُرون تلقائيًّا‬‫ما هو أكثر غَرابَة؛ أنَّ ُهم ينجحون في هذا‪َّ .‬‬
‫الر ُجل األبيض؛ غير المنطقية لصالحهم‪ .‬طالبت إمرأة في‬ ‫عقدة ذنب َ‬ ‫ط َهدة؛ فيستعملون ُ‬‫أقلية ُمض َ‬
‫أن هذا َكانَ ضد القانون‪ .‬في‬ ‫كندا بالحق في تغطية وجهها أثناء مراسم منح الموا َ‬
‫طنة؛ رغم َّ‬
‫أن تصبح مواطنة)؛ هي تعلَ ْم جيدًا أنَّها ليست‬ ‫النهاية نجحت في تغيير قَوانينَا (قبل َحتّى ْ‬
‫طهدة في كندا‪ ،‬وتع َل ْم أنَّها هي التي تُمارس التسلط‪ ،‬واالستئساد؛ لَ ِكنّها تلعب دور الضحية‬ ‫ُمض َ‬
‫كلما صلُ َح ذلك كوسيلة مالئمة لتحقيق هدف‪.‬‬

‫ألن زوجة‬ ‫انظر إلى حالة ال ُم ْس ِلمين الذين تظاهروا في المملكة المتحدة (بريطانيا) غاضبين‪َّ ،‬‬
‫ت عا ٍل‬ ‫إرهابي معروف أخذتها الشرطة الستجوابها‪ .‬صاحوا في ُمكبرات الصوت بصو ٍ‬
‫وعدواني ٍة قائلين‪" :‬فلتذهب بريطانيا الى الجحيم‪ .‬فلتذهب الشرطة البريطانية إلى الجحيم"‪،‬‬
‫ت تقول "الشريعة هي الحل"؛ و"الشرطة البريطانية؛ إرهابية‪،‬‬ ‫ورفعوا أعال ًما سوداء‪ ،‬والفتا ٍ‬
‫ومتطرفة"‪ .‬بعد أن انتهت إمرأة ُمنقبَّة من توبيخ إمرأة بريطانية ألنَّها تسير في الشارع "عاريةً"‬
‫طويال‪ ،-‬وسألتها "من الذي تحاولين إغراؤه؟" و‬ ‫ً‬ ‫على حد قولها ‪َ -‬كانَت في الحقيقة تلبس ردا ًء‬
‫سبب‬
‫َ‬ ‫سِرة ً‬‫ضا "ضعي بعض المالبس"؛ نفس هذه المرأة قالت في المظاهرة الحقًا مف ّ‬ ‫قالت لها أي ً‬
‫ال ُمظاهرة أنَّه "رسالة إليقاف االضطهاد"؛ هذه ال ُمفارقة المثيرة للسخرية َكانَت ستكون مضحكةً‬
‫لوال أنَّها ُمحزنةٌ للغاية‪.‬‬
‫ي أكاديمية غس ِل دماغ؛ ذهب هؤالء ُكلُّهم! ‪-‬التي علَّ َمتهم نفس طريقة التفكير‬ ‫ال أدري؛ إلى أ ّ‬
‫ُ‬
‫والعمل‪ ،-‬لَ ِك ْن أرى نس ًخا من أ ّمي في ُك ّل األخبار يوميًّا‪ .‬لقد س َّمى كريستوفر ِهتْ ِش ْنز ذلك‬
‫"الثالوث المرعب ِمن؛ كراهية الذات‪ ،‬واستقامة الذات‪ ،‬وشفقة على الذات"‪ .‬كأنَّه قد ربته عائلة‬
‫ُم ْس ِلمة؛ إذ كيف أمكن له أن يحلل هذه العقلية‪ ،‬ويضرب في الصميم؛ بهذه الدقة؟‬

‫َكانَ لَدَي ِميزَ ة ً إضافية ألنَّه ت َ َّم تنشئتي من قِ َبل إمرأة تملك تعاليًا ال ينبع فحسب من كو ِنها‬
‫تتحدث العربية ‪-‬إذ فضَّل هللاُ أن يوحي القرآن بالعربية؛ ألنَّه يحب العرب أكثر من غيرهم‪ .‬إذ‬
‫ي العرب‪ ،‬والصلوات ال يمكن أن‬ ‫أن هللا اختار رسوله من بين "أفضل القوم" أ ّ‬ ‫يقال في القرآن َّ‬
‫ضا؛ َكانَت من أصول‬ ‫تؤدَّى إال بالعربية‪ ،‬واتجاه شبه جزيرة العرب (مكة)‪ ،‬وغير ذلك‪ ،-‬بل أي ً‬
‫ُ‬
‫أن بالدَهم ‪-‬حسب اعتقادهم‪ -‬هي؛ أ ُّم الدنيا‪َ .‬كانَت أ ّمي تعاني من‬ ‫صريون َّ‬ ‫الم ْ‬
‫صرية ؛ إذ يتفاخر ِ‬‫ِم ْ‬
‫سهُ!‬
‫عقدة حب سيطرة؛ تنافس بها ُم َح َّمدًا نف َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪114‬‬
‫ي دون انقطاع؛ تُراوح بين "واحزناه؛ أنت ال تريدين‬ ‫استَ َم َّرت أ ُ ّمي في ممارسة الضغط َ‬
‫عل َّ‬
‫ُرؤيتي سعيدةً"‪ ،‬و "أرجو أن تستمتعي في جهنم؛ ألنَّك لَ ْن تَري السعادة أبدًا"‪ .‬حت ًما؛ قد تعبت‬
‫أردتُ السالم‪ ،‬وأردتُ ح َبها‪ ،‬وقبولَها لي‪.‬‬ ‫أردت؛ َ‬ ‫من هذا الضغط المستمر‪َ .‬كانَ هذا عكس ما َ‬
‫سام الذي ُك ْنتُ أعيش فيه؛ صار ال يُطاق‪.‬‬ ‫وف تَلين؛ لَ ِكنّها لَ ْم ت َ ِل ْن قط‪ .‬البيت ال َّ‬
‫س َ‬‫افترضت أنَّها َ‬
‫أردت منها فقط أن تتوقَّف عن ُكرهي‪.‬‬

‫قلتُ لها باكيةً أَنّي قد استسلمتُ ؛ فلَ ْم تَنت ِقص دموعي من فرحتِها‪ .‬تخليت ُمنذ ُ وقت طويل عن‬
‫سة المعتادة منها‪ .‬اكتشفت حينذاك‬ ‫الخ َّ‬
‫غير مسبوق من ِ‬ ‫ضربًا َ‬ ‫أمل أن تحميني أ ُ ّمي‪ ،‬لَ ِك َّن ذلك َكانَ َ‬
‫أن أ ُ ّمي تضعني دائما بحماس في مواقفٍ ‪ ،‬وأوضاع أكرهها؛ كي تستمتع بذلك‪ .‬عانقتني‬ ‫َّ‬
‫القرار الصحيح‪.‬‬‫َ‬ ‫أخيرا صارت فخورة ً بي‪ ،‬وأنَّها سعيدة ً للغاية؛ ألَنّي اتَّخذت‬ ‫ً‬ ‫وأخبرتني؛ أنَّها‬
‫تالحظ درجةَ بؤسي؛ ناهيك أن تهت َّم لذلك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫شعرتُ بالغثيان؛ ُك ْنتُ مكتئبةً‪ ،‬وقانطةً للغاية؛ ألنَّها لَ ْم‬
‫أخيرا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫بطعم ُحب األم‬
‫ِ‬ ‫لكن؛ ربما اآلن؛ سأشعر‬ ‫ك ُّل ما َكانَت تراه؛ هو تَحقُّق رغباتها‪ْ .‬‬

‫ع َقدنا ال ِقران ( كتب الكتاب)‪ .‬منَ التقاليد ال ُم ِلزمة بين أسرتّي العريس‪،‬‬
‫بعدها مباشرة ً تقريبًا َ‬
‫مهرا؛ إذ تم التأكيد لي‬ ‫كمهر؛ في حالَتي قُدِّم لي القرآن ً‬
‫ٍ‬ ‫والعروس؛ أن تُقدم عائلة العريس مبلغًا‬
‫أن تلك الهدية َكانَت‬ ‫ُ‬
‫على أنَّه أثمنَ هدي ٍة يُمكن له أن َيهديها لي؛ لَ ْم يعترف هو‪-‬وال أ ّمي كذلك‪َّ -‬‬
‫إحدى مئات آالف النسخ التي تط َبعها‪ ،‬وتوزعها السعودية مجانًا في شتَّى أنحاء العالَ ْم‪.‬‬

‫اتفق ِعصام مع أ ُ ّمي؛ على تأجيل الزواج (الدخلة)؛ الى أن نصبح متزوجين رسميًّا؛ وفقًا‬
‫للقانون الكندي‪ .‬لَ ِك َّن كتب الكتاب حلَّل لنا؛ أن نكون معًا في نفس الغرفة‪.‬‬

‫أن يجعلني ألعب بعضوه الذكري‪ ،‬أو‬ ‫أخذ يأتي دوريًا؛ من أجل دروس في اإلنچليزية‪ ،‬وحاول ْ‬
‫ضتُها؟؛ لَ ْم أ َ ُك ْن أعلَ ْم كيفية تحقيق مطالبه‪،‬‬
‫سا فمويًّا‪ ،‬لَ ِك َّن طلباته َكانَت غير ُم ْجدِية [رفَ ْ‬ ‫أمنحه جن ً‬
‫لَ ْم أ َ ُك ْن َحتّى قد قب َّْلتُ َر ُج ًال من َق ْبلُ‪.‬‬

‫السوء في مرحلة "التعارف" هذه‪َ .‬حتّى أنَّه اتصل بي في عيد ميالدي ليهنئَني‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َل ْم َي ُك ْن بالغ‬
‫وهو تصرف فيه معصية [حسب عقيدة المتشددين المتطرفين؟؛ َّ‬
‫ألن أعياد الميالد حرام‪ ،‬وال‬
‫يجوز االحتفال‪ ،‬أو االعتراف بها‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪115‬‬
‫مسيط ًرا على نفسه في تلك الفترة؛هل َكانَ خائفًا من مخالفة بنودَ‬
‫ِ‬ ‫كثيرا ما تساءلتُ ؛ لماذا َكانَ‬ ‫ً‬
‫أن تُلغي الزواج؟ الزوا ُج مني َكانَ بالنسبة إليه؛‬ ‫ُ‬
‫العقد الذي عقده مع أ ّمي؟ هل َكانَ خائفًا من ْ‬
‫تذكرة نحو المستقبل ألَنّي في النهاية؛ طريقه نحو الجنسية الكندية؛ لكن حالما صارت الزيجة‬
‫ي من هذا مه ًما‪ ،‬لقد اغتصبني بالقوة؛ باعتباره حقَّه وفقًا للشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫رسميةً‪ ،‬لَ ْم َيعُ ْد أ ٌّ‬

‫َكانَت مراسم الزواج اإلسالمية "زفافًا" غريبًا‪ ،‬وغبيًّا‪َ .‬كانَت النِساء في الطابق العلوي‪،‬‬
‫أر َحتّى المخلوق الذي أتزوجه؛ جلستُ فقط في غرفة المعيشة‬ ‫والرجال في الطابق السفلي؛ لَ ْم َ‬
‫ي؛ ث ُ َّم سألني اإلمام األسئلة ال ُمعتادة؛ لَ ْم تَ ُك ْن موافقتي‬
‫أخمص قدم َّ‬
‫ِ‬ ‫مرتديةً األسود من رأسي إلى‬
‫ضون دقائق‬
‫ِ‬ ‫أن السكوت عالمة الرضى ‪-‬حسب الشريعة االسالمية‪ -‬وفي ُ‬
‫غ‬ ‫ضرورية؛ إذ َّ‬
‫صرت زو َجته‪ ،‬و ُملكيته‪.‬‬

‫غرف ِة نوم زوجها المزيف ‪-‬حيث أ ُ ْج ِب ْرتُ على أوضاعٍ خسيسةٍ؛‬ ‫بإنضباطٍ تام ‪ ،‬وفي نفس ُ‬
‫ي االحتفال بزواجي‪ .‬جلست هناك‬ ‫خسيس‪ ،‬وأنا بالغة؛ أ ّ‬
‫ٍ‬ ‫وضع‬
‫ٍ‬ ‫عندما ُك ْنتُ ُُ طفلةً‪ -‬أ ُ ْج ِب ْرتُ على‬
‫بينما قامت نسا ٌء غريبات بتصفيف شعري‪ ،‬وتزيين وجهي؛ ظللتُ أبكي؛ ُمفسدة ً عملَ ُه َّن؛ لَ ِكنَّهن‬
‫أن؛ هذه الشابة‬ ‫ي من تلك الحيزبونات؛ عديمات الرحمة؛ في غَرابة َّ‬ ‫ظلَ ْلنَ يُ ِع ْدنَ ذلك‪ .‬لَ ْم تفكر أ ّ‬
‫أن تقو َل أل ُ ّمي‪" :‬ما الذي تفعلينه بها؟" على األرجح‬ ‫منهن في ْ‬
‫َّ‬ ‫تستمر في البكاء؛ لَ ْم تفكر أ ٌّ‬
‫ي‬
‫الشيء ببنا ِتهن دون تردد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نفس‬
‫يفعلنَ َ‬ ‫ألنَّهن ‪ُ -‬كلّهن‪ْ -‬‬

‫ضا َّ‬
‫ألن األحمق الذي‬ ‫ي صور أي ً‬ ‫طأ ّ‬‫لكن بدون موسيقى ألنَّها حرام‪ .‬لَ ْم ت ُ ْلت َ َق ْ‬
‫َكانَ هناك طعام ْ‬
‫ي شيء به وجوه محرم َحتّى‬‫ضا‪ .‬أ ّ‬
‫أن الصور حرام أي ً‬ ‫ُك ْنتُ على وشك أن أتزوجه َكانَ يعتقد َّ‬
‫الد ُمى‪.‬‬

‫مر‪،‬وأن أتخلَّص من الضغط؛‬‫ْ‬ ‫ي أن أتركها تن َه‬‫أمرا صعبًا لَ ْم أستَطعه؛ َكانَ َعل َّ‬
‫َكانَ َكبح دموعي ً‬
‫ب تفاديها مهما َكانَ الثمن؛ فنوبات الهلع‬ ‫وإال انتهى بي األمرإلى نوب ِة َهلَعٍ تامة أخرى‪ ،‬و َج َ‬
‫أن أ ُ ّمي ستغضب ‪-‬إلحراجي إيَّاها‪ -‬إال أَنّي أطلقتُ العَنان‬ ‫مؤلمةً‪ ،‬و ُمرعبةً للغاية‪ .‬رغم ِعلمي َّ‬
‫لدموعي؛ التي ُك ْنتُ أح ِبسها‪ .‬أدار الضيوف ظهورهم لي؛ أظن أنَّهم شعروا بالحرج‪ ،‬وعدم‬
‫االرتياح لرؤيتي جالسةً هناك باكيةً على ذلك النحو‪ ،‬لذلك تجاهلوني فقط وملؤوا صحونهم مزيدًا‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪116‬‬
‫من الطعام‪ .‬جلست هناك أحدق في هذا المشهد السريالي العبثي الجاري من حولي محاولةً منع‬
‫نفسي من فقدان الوعي‪.‬‬

‫حصر لها لعرائس‬ ‫َ‬ ‫صورا ال‬


‫ً‬ ‫ت عديدة ‪-‬عندما صار هناك وجود لإلنترنت‪ -‬وجدت‬ ‫بعد سنوا ٍ‬
‫اليوم‪ ،‬فأنا أعلَ ُم اآلن؛ أَنّي لَ ْم أ َ ُك ْن‬
‫َ‬ ‫ُم ْس ِلمات َيبكينَ في زفافهن‪ .‬رغم إحساسي بالوحدة في ذلك‬
‫ُ‬
‫سبقن‪ ،‬وماليين الالحقات بعدي؛ اللواتي أرغِمنَ‬ ‫ضممت إلى ماليين الفتيات الالتي َ‬
‫وحيدة؛ لقد أن َ‬
‫ت ال ي ُِردْنها‪ .‬إنها ليست دموع فرح كما نرى في األعراس العادية في الغرب‪ .‬بل هي‬ ‫على زيجا ٍ‬
‫دموع غ ِ ّم‪ ،‬وشعور بالخيانة‪ ،‬واليأس‪.‬‬

‫صر؛ عصام لَ ْم َي ُك ْن لطيفًا‪َ .‬كانَ‬


‫َكانَ هذا مختلفًا تما ًما عن الزواج القسري الذي تَفاديتَه في ِم ْ‬
‫ي طاقة ايجابية بالقرب منه‪ .‬أردتُ فقط أن أبتعدَ عنه أقصى‬ ‫نذرا بالشر‪ ،‬والتهديد؛ ولَ ْم أشعُر بأ َّ‬
‫ُم ً‬
‫خمس سنوات؛ لكن بعد سنوات عديدة علمت من ويكيبيديا أنَّه‬ ‫َ‬ ‫ما يمكن‪ .‬تم إخباري أنَّه يكبُرني‬
‫يكبُرني أربعة عشر عا ًما! إنها كذبة أخرى من أ ُ ّمي‪.‬‬

‫أن النِساء ال ُمطلقات يتمتعن بحرية‬ ‫قُبوالً ل َقدَري حاولتُ إيجاد أسبابًا متفائلةً؛ فذ َّك ْرتُ نفسي َّ‬
‫أكبر في العالَ ْم اإلسالمي؛ فما إن تفقد النِساء عذريتهن؛ َحتّى ال يعد يهتم بهن أحد بعد ذلك‪ .‬إنَّهنَ‬
‫بضاعةً مستعملة‪ .‬لذا َخ َّمنت أَنّي سأحاول إنجاح الزواج؛ ولَ ْم َي ُك ْن لينجح على نحو واضح؛ ‪-‬‬
‫وف تتركني وشأَني؛ حدَّثتُ‬
‫س َ‬ ‫لكن؛ على األقل سأُثبت حينَها أل ُ ّمي أَنّي قد حاولتُ ‪ -‬وبعد طال ِقنا َ‬
‫شخص صغير مني؛ أحبه‪ ،‬ويحبني‬ ‫ٌ‬ ‫أخيرا‬
‫ً‬ ‫ص ُل َحتّى على طفل من هذا؛‬ ‫نفسي أَنّي قد أح ُ‬
‫بالمقابل‪.‬‬

‫أن هذه المشاعر‪ ،‬والتسويغات ‪-‬التي أقنعت نفسي بها‪ -‬منتشرة للغاية؛ فقد الت َقيتُ‬ ‫ضا َّ‬
‫ع ِل ْمتُ أي ً‬
‫أنفسهن بنفس األشياء؛ عندما ُك َّن في نفس الوضع‪ .‬يا لها من‬ ‫َّ‬ ‫ت حدَّثْنَ‬‫نسا ًء‪ ،‬وقرأْتُ عن أُخريَا ٍ‬
‫موح ٍش ال‬‫صل ٍة حزينة؛ تُشاركها مع الكثير من الناس‪ُ .‬كلّنا شعرنا؛ أنَّنا وحيدات تما ًما على نح ٍو ِ‬ ‫ِ‬
‫أن هنالك ماليين مثلَنا في شتَّى أنحاء العالَ ْم‪.‬‬ ‫يُصدَّق‪ ،‬بينما الحقيقة هي َّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪117‬‬
‫سب القانون‬
‫بدأ تقليد كتب الكتاب؛ عندما أراد ُم َح َّمد الزواج من عائشة ‪-‬ذات الست سنوات‪َ .-‬ح َ‬
‫بذلك ُمل َكه؛ لَ ِكنَّه لَ ْم يَ ُك ْن ليدخل بها إال في الموعد المتفق عليه؛ وهو بداية‬
‫َ‬ ‫اإلسالمي؛ أصب َحت‬
‫ذلك اليو ُم المشؤوم‪ ،‬وهي في ِس ِّن التاسعة‪.‬‬‫سب الحديث؛ جا َء َ‬ ‫ال َحيض‪َ .‬ح َ‬
‫يض فتاةٍ في سن التاسعة؛ خارج فَضا َء اإلحتمال؛ لكنَّه ُمب ِكر بِشَك ًل ُمريب‪.‬‬ ‫ال يُعَد بدايةَ َح ِ‬
‫بكرا في الصحراء؛ وهذا‬ ‫أن البنات يبلُغنَ ُم ً‬ ‫يصرون؛ َّ‬ ‫ّ‬ ‫أن المدافعين عن اإلسالم‬ ‫المضحك؛ هو َّ‬
‫ببساطة غير صحيح‪ .‬رغم السمعة التي يتمتع بها ُمح َّمد عند ال ُم ْس ِلمين؛ كقُدوة إنسانية في ُك ّل‬
‫العصور‪ ،‬فإن قرار ُم َح َّمد باغتصاب طفلة دمر حياة ماليين ‪-‬إن لَ ْم نقل مليارات‪ -‬من البنات في‬
‫ضت‪.‬‬ ‫شتَّى أنحاء الكوكب خالل أربَ َع عشرة َ ِ‬
‫ألف سن ٍة َم َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪118‬‬
)1968( ‫ي‬
َّ ‫حفل خطوبة والد‬
translationsproject.org

119
(1977)‫عندما َكانَ أخواي يُدغدغاني‬
translationsproject.org

120
‫والجلد حرا ًما (‪ .)1978‬أنا الصغرى التي على اليسار‬
‫أيّامنا السعيدة قبل أن يصير كشف الشعر ِ‬
‫في الصورة‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪121‬‬
)1988( ‫قطعة من مذكراتي‬
translationsproject.org

122
)1999( ‫قطعة أخرى من مذكراتي‬

translationsproject.org

123
‫ترجمة قطعة المذكرة‪:‬‬
‫سابقًا‪ ،‬عندما ُك ْنتُ أسمع عن أشخاص يريدون االنتحار‪ُ ،‬ك ْنتُ أعتقد أنَّهم أغبياء‪ ،‬وجبناء‪ .‬لَ ْم‬
‫أن اإلنسان قد تحيطه السحب‬ ‫أتصور أَنّي سأفهم هذا يو ًما‪ ،‬مثلما صرت أفهمه اليوم‪ .‬أعلَ ْم َّ‬
‫المظلمة َحتّى يستحيل عليه رؤية النور‪ ،‬هذه هي األوقات التي ُك ْنتُ أفقد فيها األمل‪.‬‬
‫أن كل شخص لمرة واحدة في حياته شعر كأنَّه يموت‪ .‬عندما تمتلئ حياتك بسجل‬ ‫أنا متأكدة َّ‬
‫أن من تحسبه صديقك‪ ،‬أو‬ ‫اإلخفاقات‪ ،‬عندما تتعثَّر‪ ،‬وتسقط في وسط الزحام‪ ،‬عندما تجد َّ‬
‫صديقتك المفضَّل األكثر قربًا منك؛ ليس صديقًا حقيقيًّا‪.‬‬

‫لكن عندما تصير األمور غير محت َملة‪ ،‬ومتكررة يوميًّا‪ ،‬فإن الحياة تصير غير محت َملة ً‬
‫فعال؛‬
‫هذا عندما يكون الشخص قد تحمل ما يكفي‪ ،‬ويريد العثور على مخرج [من بؤس حياته؟‪ْ ،‬‬
‫لكن‬
‫ال يوجد مخرج‪.‬‬

‫ق طرق‬ ‫مفتر ِ‬
‫َ‬ ‫حسنًا‪ ،‬أنا محظوظة ألَنّه ال يزال لَدَي كل حياتي أمامي حقًّا‪ ،‬فأنا لَ ْم أصل إلى‬
‫عهُ‪،‬‬
‫ينتز َ‬ ‫َّ‬
‫الحق‪ ،‬أو ِ‬ ‫الحق في أن أعيش‪ ،‬أن أعيش حياة ً جيدةً‪ ،‬وال أحد له أن يغ ِيّر َ‬
‫ذلك‬ ‫َّ‬ ‫إن لي‬‫بَ ْعد ُ‪َّ .‬‬
‫اآلخر [بدل االنتحار؟ هو االنتظار‪.‬‬
‫َ‬ ‫أو يجعلَني أغ ِيّ ُره‪ ،‬لذلك فإن خياري‬
‫االنتظار إلى أن أصل إلى مفترق الطرق ألختار طريقي‪ .‬إني أتطلع قُد ُ ًما؛ لَ ِكنّي أخشى ذلك‬
‫ب فه ُمهُ‪.‬‬
‫صع ُ ُ‬
‫شخص يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫أكثر‪ .‬إني‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪124‬‬
‫مع بعض صديقاتي من المدرسة الثانوية (تيفاني على يساري) (‪)1992‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪125‬‬
‫جزء من رسالة من تيفاني‪ ،‬أرسلتها لي عندما ُك ْنتُ عالقةً في ِم ْ‬
‫صر (‪)1993‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪126‬‬
‫ي‬
‫األم ِر ِك ّ‬
‫عصام حافظ وصل محمد مرزوق‪ ،‬صورة أرشيفية من مكتب التحقيقات الفيدرالي ِ‬
‫(غير معلومة التاريخ)‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪127‬‬
‫ض ِب َ‬
‫ط به‬ ‫مزور َكانَ يحمله و ُ‬
‫صورتان لعصام مرزوق‪ ،‬إحداهما من جواز سفر سعودي َّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪128‬‬
‫صرية (‪)1997‬‬
‫الم ْ‬
‫عصام مرزوق أمام النيابة ِ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪129‬‬
‫أنا وتوشا (إلى اليسار) في نا ٍد ليل ّ‬
‫ي ٍ مع صديقاتنا)‪(2002‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪130‬‬
‫ وبناتنا‬،‫أنا وتيفاني‬

translationsproject.org

131
)2007( ‫في حفل زفافنا‬

translationsproject.org

132
‫نخرج ُكلّنا في اإلجازات التي كان ال يُس َمح لي باالحتفال بها (الكريسماس‪ ،‬او عيد الميالد عام‬
‫‪)2012‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪133‬‬
‫صغيرنا "نور ِب ْرت"‬
‫َ‬ ‫يُعتقَد في اإلسالم َّ‬
‫أن الكالب نجسة‪ ،‬أما نحن فنحب‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪134‬‬
‫العنف ‪2‬‬
‫في البداية‪َ ،‬كانَت الخطة أن ننتقل ثالثتنا للعيش معًا‪ .‬وبتلك الطريقة تستطيع أ ُ ّمي أن تعيش مع‬
‫ً‬
‫منزال يتسع لنا‪،‬‬ ‫هذا الوحش الذي بدت أنَّها مندفعة للتقارب معه‪ .‬لكن بما أنَّه َكانَ صعبًا أن نجد‬
‫فاكتَفَيْنا باالستقرار في شقتين منفصلتين في نفس البناية‪َ .‬كانَت أ ُ ّمي في شقة في أحد األدوار‬
‫األدنى‪ ،‬بينما عشتُ أنا والوحش في الطابق السابع عشر‪ ،‬أ ّ‬
‫ي في أعلى البناية‪.‬‬

‫صراعيها‬‫في غضون األسبوع األول من زواجنا عاد الى المنزل ليجد الستائر مفتوحة على ِم ْ‬
‫في يوم مشمس وضيء‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫"هل أنت عاهرة؟"‬
‫صدَه‪.‬‬‫"ماذا؟" لَ ْم أعرف ما الذي قَ َ‬
‫"هل تريدين من جميع الناس أن يروك متبختِرة ً مكشوفةَ الشعر؟"‬
‫"إني لَ ْم أغادر هذه الشقةَ طوا َل اليوم"‪.‬‬
‫أن الشبابيك غير كاشفة؟ هل أنت‬‫أن الناس يستطيعون رؤيتك؟ أتعتقدين َّ‬ ‫"الشبابيك! أال تعتقدين َّ‬
‫غبية؟ تسيرين هكذا مثل عاهرة غبية عارية؟"‬
‫فهمت في النهاية مشكلته‪ ،‬فقلتُ له‪" :‬إنه الطابق السابع عشر! ال يستطيع أحد أن يرى الطابق‬
‫السابع عشر في األعلى‪ ،‬من داخله‪ .‬هل أنت قلق من وجود شخص يركب هليكوبتر تطير‪"...‬؛‬

‫أن أُض َْر َ‬


‫ب طوا َل حياتي؛ َكانَ األمر باألحرى‬ ‫ضربني؛ َل ْم أَ ُك ْن متفاجأة تما ًما‪ ،‬ألَنّي اعتدت ْ‬‫ثم َ‬
‫أن الزواج منه سيكون مهربًا لي من حياتي‬ ‫طا‪ .‬ها قد عدنا إلى الضرب من جديد‪ .‬لَ ْم أعتقد َّ‬ ‫مح ِب ً‬
‫المألى بالعنف ضدي‪ ،‬لَ ِكنّها َكانَت لتكون مفاجأة ً َّ‬
‫سارة ً‪.‬‬

‫ي؟"‬
‫عل َّ‬‫قلت له‪" :‬انتظر َحتّى أخبر أ ُ ّمي؛ لقد انتهى هذا الزواج‪ .‬كيف تَجرؤ على وضع يدك َ‬
‫حزَ ْمتُ حقائبي‪ ،‬وأنا أخبره أَنّي سأذهب إلى شقة أ ُ ّمي‪ ،‬ولَ ْن أعودَ أبدًا‪ُ .‬ك ْنتُ دائخةً من االنفعال‪،‬‬
‫عا كي‬ ‫األمر إال أسبو ً‬
‫ُ‬ ‫وأنا أنزل في المصعد‪َ .‬كانَ لَدَي عذر ممتاز‪َ .‬كانَ هذا ً‬
‫سهال جدًّا‪ .‬لَ ْم يتطلب‬
‫يضر َبنِي (ترجمة بديلة‪ :‬لي ُْخ ِفقَ )!‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪135‬‬
‫للر ُجل أن يضرب زوجته؟ أال تعرفين‬ ‫قالت دون اكتراث‪" :‬وما المشكلة؟ أال تعرفين أن هللا حلَّ َل َ‬
‫ي خطأ"‪.‬‬‫قرآنك؟ كيف لك أن تكوني ُم ْس ِلمة دون أن تعرفي هذا؟ لَ ْم يرتكب زوجك أ ّ‬
‫الحجاب؛‬
‫َ‬ ‫غير البس ٍة‬
‫أن أحدهم يستطيع رؤيتي وأنا في الطابق السابع عشر َ‬ ‫"إنه مخبول! يظن َّ‬
‫لَ ْن أعود الى هناك أبدًا"‪.‬‬
‫"بلى ستعودين؛ عليك أن تعودي؛ ال يمكنك البقاء هنا"‪.‬‬
‫"لَ ْم تفعلين هذا؟ لَ ْم ال تحميني؟"‬
‫"أحميك من ماذا؟ من زوجك؟ أنت ِمل َكه‪ ،‬وله ُك ّل الحق في فعل أيًّا ما كانَ يريده ِ‬
‫بك"‪.‬‬
‫"ال أكترث لماهية حقوقه؛ لَ ْن أعيش معه"‪.‬‬
‫م َكثْتُ في شقة أ ُ ّمي أيّا ًما؛ بينما هي تحاول إصالح ما بيننا؛ لَ ْم َي ُك ْن هنالك ما يمكن إصالحه‪ .‬لقد‬
‫ألن الضرب ضمن حقوقه‪ .‬وقفت أ ُ ّمي في صفه تما ًما‪ .‬فحسب القرآن في (اآلية‬ ‫رفض االعتذار‪َّ ،‬‬
‫‪ )34‬من سورة النِساء يو ِ ّجهُ هللاُ الرجا َل؛ أن يضربوا زوجاتهن؛ إذا كن "ناشزات" أ ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫عاصيات‪ ،‬أومغرورات‪ ،‬أو متر ِفّعات‪.‬‬

‫ي عدديًّا‪ ،‬و ُك ْنتُ خائفةً‪ .‬كيف لي أن أحارب تعاليم هللا الواضحة؟ ومع ذلك بقيت‬
‫تفوقوا عل َّ‬
‫رافضةً العودة إلى شقته في األعلى‪.‬‬

‫المجرب‪-‬؛‬
‫َّ‬ ‫أن تكتيكها القسري فشل؛ فقد لجأت إلى االبتزاز العاطفي‬ ‫"حسنًا" قالت أ ُ ّمي‪- .‬بما َّ‬
‫مبكرا؛ فسيظن ُك ّل الناس أنَّه طلَّقك؛‬
‫ً‬ ‫ت أطو َل ً‬
‫قليال؛ إذا انتهى الزواج‬ ‫"اذهبي‪ ،‬وعيشي معه لوق ٍ‬
‫ألنَّ ِك لَ ْم تكوني عذراء"‪.‬‬
‫"ال أكترث لما يظنه الناس! "‬
‫"أنا أكترث؛ أنا إمرأة محترمة في هذا المجتمع؛ هل تريدين تلطيخ اسمي في الوحل؟ هل تريدين‬
‫أن بعض الناس‬ ‫لي العار؟ بعد ُك ّل ما فعلته كي أصل إلى م َكانَتي في هذا المجتمع؟ أال تعرفين َّ‬
‫يحبون أن يعرفوا شيئًا سيئًا عني؛ ليتحدثوا به؟ امكثي معه بضعة أشهر فقط؛ َحتّى تنتفي‬
‫الشكوك‪".‬‬

‫ضعت احتياجاتَها؛ قبل احتياجاتي مرة‬ ‫مرة أخرى أرهقني إكراه أ ُ ّمي المستمر اللجوج‪ .‬و َ‬
‫أن ليس لي خيار؛ سوى العودة للعيش مع‬ ‫ب مكسور‪ ،‬وعلى كراه ٍة قلت لنفسي‪ْ :‬‬ ‫أخرى‪ ،‬وبقل ٍ‬
‫ذلك الوحش‪ُ .‬ك ْنتُ مرعوبة من العودة؛ فقد تضيع فرصتي في المغادرة إلى األبد؛ ُك ْنتُ خائفة‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪136‬‬
‫أن هذه قد تكون فرصتي األخيرة‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة من أَنّي قد أحمل منه؛ ثم أضطر ألن أظل‬ ‫من َّ‬
‫متزوجةً منه‪ .‬أخبرت أ ُ ّمي ب ُك ّل مخاوفي فقالت‪:‬‬
‫"ال تقلقي‪ ،‬سيكون ُك ّل شيء على ما يرام‪ .‬ال أحد يَحمل بهذه السرعة‪".‬‬
‫وباب المصع ِد يُ ْغ ِل ُق خلفي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫"حسنًا‪ ،‬لَ ْن أتركه يلمسني‪ ،‬من باب االحتياط‪ ".‬غمغ َْمتُ ؛‬
‫"ال يمكنك فعل ذلك"‪.‬‬
‫"ما الذي تعنينَه؟"‬
‫ت ُمل َكه‪ .‬إذا رفضتِ ِه؛ فستلعنُ ِك ُك ّل المالئكة إلى الصباح"‪.‬‬
‫"ال يُسمح لك برفضه؛ إنه حرام؛ أن ِ‬

‫حوصرت في ذلك المصعد؛ كأنَّه لَ ْم يعد هنالك هواء في العالَ ْم ُكلّه‪ُ .‬ك ّل قوانين‬ ‫ِ‬ ‫أحسست أَنّي قد‬
‫يضربُها‪ ،‬ويغتَصبُها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫صر المرأة في زواج قسري؛ مع َر ُج ٍل‬ ‫اإلسالم موضوعةً بوضوحٍ كي تُحا َ‬
‫‪56‬‬
‫ُك ُّل هذا يُصادِق عليه هللا‪.‬‬

‫شتَّى أنحاء العالَ ْم ‪-‬ذي األغلبية ال ُم ْس ِلمة‪-‬؛ أن يضرب الرجال زوجاتهن‪.‬‬ ‫ِمنَ الشائع جدًّا في َ‬
‫بث فقرة ً حول كيفية‬‫مشهورا في المغرب؛ َّ‬ ‫ً‬ ‫األمر منتشر في الحقيقة إلى درجة َّ‬
‫أن برنام ًجا يوميًا‬
‫تغطية المرأة العينَ المتورمة؛ بالمكياج‪ .‬ضرب الزوجة ليس مخالفًا للقانون في أغلب الدول‬
‫صر توجد حوارات على التلفاز؛‬ ‫ُحرم ما حلله هللا‪ .‬في ِم ْ‬ ‫ال ُم ْس ِلمة ؛ألنَّه ال يستطيع أ َّ‬
‫ي إنسان أن ي ِ ّ‬
‫لكن سرعان ما تُح َبط‬ ‫حيث تحاول نساء القول؛ أنَّه يجب على الرجال عدم ضرب زوجاتهن‪ْ ،‬‬
‫عا إلى (اآلية ‪ )34‬من السورة الرابعة‪[57‬النِساء؟ فتصبح حجتهن باطلة‪ .‬ال‬ ‫هن رجو ً‬ ‫محاوال ِت َّ‬
‫يستطيع أي إنسان منازعة كلمة هللا الحرفية [حسب اعتقاد ال ُم ْس ِلمين؟‪ .‬يحاول البعض اإلصرار‬
‫أن الخفة‬‫الخفيف‪ِ ،‬بيدَ أن كلمة خفيف؛ ال أثر لها إطالقًا في اآلية‪ .‬كما َّ‬ ‫َ‬ ‫الضرب‬
‫َ‬ ‫أن هللا قَ َ‬
‫صد َ‬ ‫على َّ‬
‫مفهوم ذاتي جدًّا‪.‬في نهاية األمر ال يجوز ألحد أن يضرب زوجتَه أبدًا‪ ،‬لَ ِك ْن هذه الحجة لَ ْن تص ُمدَ‬
‫أبدًا في مجتمعات قد قبلت العكس‪.‬‬

‫جته‪ ،‬يقبله‪ ،‬يستصوبه‪ ،‬يؤيده‪.‬‬ ‫الشعية‪ ،‬يوافق عليه‪ ،‬يسمح به‪ُ ،‬ي ز‬ ‫يشعنه‪ ،‬يعطيه ر‬ ‫يشعه أو ر‬ ‫‪ 56‬يصادق عليه‪ :‬ر ِّ‬
‫ظاتٌ لّ ِْلغَ ْي ِ‬
‫ب ِب َما َح ِف َ‬ ‫صا ِل َحاتُ قَانِت َاتٌ َحافِ َ‬ ‫ض َو ِب َما أَنفَقُوا مِ ْن أ َ ْم َوا ِل ِه ْم ُ فَال َّ‬‫علَ ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ساءِ ِب َما فَ َّ‬‫علَى النِّ َ‬ ‫{الر َجا ُل قَ َّوا ُمونَ َ‬
‫‪57‬‬
‫ظ َّ‬
‫ّللاُ‬ ‫ض ُه ْم َ‬ ‫ض َل َّ‬
‫ّللاُ َب ْع َ‬ ‫ِّ‬
‫يرا‬‫ع ِليًّا َكبِ ً‬ ‫يال ُ إِ َّن َّ‬
‫ّللاَ َكانَ َ‬ ‫سبِ ً‬
‫علَ ْي ِه َّن َ‬ ‫اجعِ َواض ِْربُوه َُّن ُ فَإ ِ ْن أ َ َ‬
‫ط ْعنَ ُك ْم فَ َال ت َ ْبغُوا َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ظوه َُّن َوا ْه ُج ُروه َُّن فِي ْال َم َ‬ ‫شوزَ ه َُّن فَ ِع ُ‬‫الالتِي تَخَافُونَ نُ ُ‬ ‫ُ َو َّ‬
‫(‪ })34‬النِساء‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪137‬‬
‫باإلضافة الى الضرب‪ ،‬تُها َجم النِساء في باكستان‪ ،‬وإيران على نحو شائع؛ بإلقاء حمض‬
‫الكبريتي ك (ماء النار) عليهن بسبب مخالفات مثل؛ ارتداء المالبس الغربية للغاية‪ ،‬أو عدم ارتداء‬
‫ضعنَ على أجسادهن‪ .‬ليس‬ ‫الحجاب‪ ،‬أو قص شعورهن‪ .‬ال يسمح للنساء َحتّى بحرية اختيار ما َي َ‬
‫ي سلطان‪ ،‬أو حكم مستقل على أنفسهن‪.‬‬
‫لهن أ ّ‬

‫فرض هذا التحكم في ال ِنساء‪ .‬جزء كبير من هذا‬ ‫ُك ّل هذا ينبع من تعاليم ثقافة الشرف؛ ثقافةٌ ت َ ِ‬
‫َّ‬
‫ألزواجهن‪.‬‬ ‫الجهد هدفه التحكم في النِساء؛ َحتّى ال يفقدن عذريتهن قبل َمنح ُه َّن‬

‫بعد عشرين سنة من القلق‪ ،‬والخشية ‪-‬نتيجة الشعور بالذنب بسبب األفكار "النجسة"‪ ،‬والحفاظ‬
‫"على نفسي" ألجل زوجي‪ ،-‬والكبت المتراكم عشرين سنة‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن يمكن لإلحباط أن يكون‬
‫أكثر من ذلك في الناحية الجنسية‪ .58‬لَ ْم ت َ ُك ْن قُبلَتي األولى جميلة‪ ،‬ورائعة مثل َمشا ِهد أفالم‬
‫يلمسني؛ لَ ِك َّن‬
‫أن ِ‬‫الر ُجل‪ ،‬ولَ ْم ِأرد ْ‬
‫ديزني؛ َبل َكانَت قَسرية‪ ،‬ومقززة‪ ،‬ومخيفة‪ .‬لَ ْم يعجبني هذا َ‬
‫زوجها؛ َحتّى لو‬ ‫ِ‬ ‫ي الحق في المقاومة‪ .‬ليس للمرأة أن تمنع نفسها عن‬ ‫دِيني َكانَ واض ًحا‪ :‬ليس لَدَ َّ‬
‫ب لي‪ .‬تمنيت؛ لو أَنّي‬ ‫أن هذا هو النصيب الذي ُك ِت َ‬
‫َكانَت على قتب جمل‪ُ .59‬ك ْنتُ تعيسة‪ ،‬ومحبطة َّ‬
‫ُك ْنتُ قد قب َّْلتُ ذلك الفتى من الثانوية الذي ُك ْنتُ مع َجبةً به في سيارته‪ .‬عندئذ ُك ْنتُ سأكون على‬
‫األقل قد جربت قبلة واحدة جميلة قبل موتي‪ .‬لَ ِكنّي لَ ْم أَعتَد الحصول على أشياء جيدة؛ فقد َمنَحني‬

‫‪ 58‬يوجد هنا تالعب لفظي جميل من المؤلفة‪ ،‬و ُك ّل تعبيراتها مليئة بالفصاحة اإلنجليزية‪the climax could not have been more .‬‬
‫‪anticlimactic‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ُج ُل ا ْم َرأتَهُ إِلى ف َِرا ِش ِه‬‫عا َّ‬ ‫سل َم‪« :‬إِذا دَ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫عل ْي ِه َو َ‬ ‫صلى هللاُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ّللاِ َ‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫َ‬
‫عنهُ‪ ،‬قالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّللاُ َ‬ ‫ي َّ‬ ‫ض َ‬ ‫عن أبِي ه َُري َْرة َ َر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫روى البخاري‪َ ... 3237 :‬‬
‫‪59‬‬

‫ع ِن األ َ ْع َم ِش ‪ //‬وروى أحمد بن‬ ‫ش ْعبَةُ‪َ ،‬وأَبُو َح ْمزَ ة َ‪َ ،‬وا ْبنُ دَ ُاودَ‪َ ،‬وأَبُو ُمعَا ِويَةَ‪َ ،‬‬ ‫صبِ َح» ت َابَعَهُ ُ‬ ‫علَ ْي َها لَعَنَتْ َها ال َمالَئِ َكةُ َحتَّى ت ُ ْ‬ ‫ضبَانَ َ‬ ‫غ ْ‬ ‫فَأَبَتْ فَبَاتَ َ‬
‫ساقِفَتِ َها ‪ ،‬فَ َر َّوى فِي‬ ‫ارقَتِ َها َوأ َ َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ارى ت َ ْس ُجد ُ ِلبَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ام‪ ،‬فَ َرأَى النَّ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ْ‬
‫حنبل ‪ 19403‬وابن ماجه ‪ ،1853‬واللفظ ألحمد‪ ...:‬قَد َِم ُمعَاذٌ اليَ َمنَ ‪ ،‬أ َ ْو قَالَ‪ :‬ال َّ‬
‫ساقِفَتِ َها‪ ،‬فَ َر َّوأْتُ فِي‬ ‫ارقَتِ َها َوأ ََ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫د‬‫ج‬‫ُ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ى‬ ‫ار‬
‫َ َ‬ ‫ص‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ْتُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫سو َل‬ ‫ظ َم‪ ،‬فَلَ َّما قَد َِم‪ ،‬قَالَ‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫سلَّ َم أ َ َح ُّق أ َ ْن يُ َع َّ‬‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى هللاُ َ‬ ‫سو َل هللاِ َ‬ ‫نَ ْف ِس ِه أ َ َّن َر ُ‬
‫ع َّز َو َج َّل‬
‫ِ َ‬ ‫هللا‬ ‫َّ‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫ُ‬
‫َْ َ‬‫ة‬‫َ‬ ‫أ‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ال‬‫ْ‬ ‫ِي‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ؤ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ِزَ‬‫ل‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬‫َْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫تُ‬ ‫ر‬
‫َْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫َ‬
‫أل‬ ‫ٍ‪،‬‬
‫د‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫أل‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ج‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ًا‬ ‫د‬‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫ر‬
‫ُ ُ‬‫م‬ ‫آ‬ ‫تُ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫"‬ ‫َ‪:‬‬
‫ل‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫م‬ ‫َّ‬
‫ظ‬
‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ق‬‫ُّ‬ ‫نَ ْفسِي أَنَّكَ أ َ َ‬
‫ح‬
‫ب أل ْعطته إِيَّاهُ‪ .‬صححه األلباني في صحيح ابن ماجه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫على ظ ْه ِر قت ٍ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِي َ‬ ‫س َها َوه َ‬ ‫ْ‬
‫سأل َها نَف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫عل ْي َها كلهُ‪َ ،‬حتى ل ْو َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِي َحق زَ ْو ِج َها َ‬ ‫َّ‬ ‫علَ ْي َها ُكلَّهُ‪َ ،‬حتى ت َؤد َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪ 1515‬وصحيح الترغيب ‪ ، 1943‬لكن ضعفه آخرون كلجنة محققي طبعة الرسالة لمسند أحمد‪.‬‬
‫وفي جامع أحاديث الشيعة للبروجردي‪ ،‬نذكر كمثال من ج‪ /20‬ص ‪ ،221‬من الكافي ومن ال يحضره الفقيه‪ )2( 703 :‬كا ‪ 507‬ج ‪- 5‬‬
‫وفقيه ‪ 276‬ج ‪ُ 3‬م ْسلِم عن أبي جعفر عليه السالم قال جاءت امرأة إلى النبي صلى هللا عليه وآله فقالت يا رسول هللا ما حق الزوج على‬
‫المرأة فقال لها أن تطيعه وال تعصيه وال تصدق من بيته إال بإذنه وال تصوم تطوعا اال باذنه وال تمنعه نفسها وإن كَانَت على ظهر قتب وال‬
‫تخرج من بيتها إال بإذنه وان خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها مالئكة السماء ومالئكة األرض ومالئكة الغضب ومالئكة الرحمة َحتّى‬
‫ترجع إلى بيتها‪....‬ومن لفظ ‪ )4( 705‬كا ‪ 508‬ج ‪ 5‬فقال أن تجيبه إلى حاجته وان كَانَت على قتب (‪ )5‬وال تعطي شيئا إال باذنه فان فعلت‬
‫فعليها الوزر وله األجر وال تبيت ليلة وهو عليها ساخط قالت يا رسول هللا وان َكانَ ظالما قال نعم‪ .‬قالت والذي بعثك بالحق ال تزوجت‬
‫زوجا أبدا‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪138‬‬
‫َض األشياء‪ ،‬ولذلك فقد اعتدت األمر‪ ،‬ولَ ْم أتذَ َّمر‪ ،‬وتح َّملت؛ أ َمالً َّ‬
‫أن هذه التضحية‬ ‫"هللا" عادة ً أبغ َ‬
‫ستقربُني من الجنة‪ ،‬وت ُ ْب ِعد ُني عن النار‪.‬‬
‫ِّ‬

‫حدث ما َل ْم أ َ ُك ْن أتوقعه؛ ِ‬
‫حملت منه‪ُ .‬ك ْنتُ عالقة؛ َل ِكنّي أي ً‬
‫ضا ُك ْنتُ معتادة على االستسالم‬
‫لقَدَري‪ ،‬لذلك ر َّكزت على كم هو رائ ٌع؛ أن يكون لي طفل صغير أحبه‪ ،‬ويحبني بالمقابل؛ تمنيّت‬
‫أن تكونَ بنتًا‪ُ .‬ك ْنتُ أعرف أَنّي سأصبح أ ًّما عزباء في يوم ما‪ ،‬وسيكون من األسهل التعامل مع‬
‫أعز صديقتين‪.‬‬ ‫شك‪ ،‬سأكون أنا‪ ،‬وابنتي َّ‬ ‫بنت؛ بال ٍّ‬

‫انتقلنا ثالثَتُنا للعيش في بيت من طابقين وانتقلت أ ُ ّمي معنا‪ .‬ما إن وصلنا؛ َحتّى َجا َل في‬
‫ي أح ٍد من‬‫الشمس‪ ،‬ويمنع أ َّ‬
‫َ‬ ‫المنزل‪ ،‬ولصق على ُك ّل النوافذ ورقَ تغليف اللحم البني؛ كي يح ُج َ‬
‫ب‬
‫أكثر‪.‬‬
‫ضا ‪،‬كي يتأكد َ‬ ‫صدفة‪ .‬ثم غطى النوافذ بستائر أي ً‬
‫رؤيتي ُ‬

‫ع ْد أغادر المنزل [منذ ذلك الحين؟ قط؛ إال لمواعيد طبيبة النِساء‪ ،‬والتوليد‪ .‬صارت تلك‬ ‫لَ ْم أ ُ‬
‫لكن بقدر ما تستطيع تنسم الهواء من‬ ‫النُزهات فرصتي الوحيدة الستنشاق بعض الهواء المنعش‪ْ ،‬‬
‫ي؛ الذي أتى كامالً تقريبًا‬ ‫الز ّ‬‫خالل قطعة قماش تغطي وجهك‪ .‬مرة في الشهر ُك ْنتُ أرتدي ذلك ِ‬
‫سوداوان‪َ .‬كانَ‬ ‫من السعودية‪ :‬جوربان أسودان سميكان‪ ،‬وعباءة سوداء‪ ،‬وحجاب‪ ،‬ونقاب َ‬
‫ي‪،‬‬ ‫عدا عي َن َّ‬ ‫عن قطعة قماش سوداء مربعة ذات طبقتين؛ طبقةٌ ت ُ ّ‬
‫غطي ُك َّل وجهي َ‬ ‫ال ِنقاب؛ ِعبارة َ‬
‫يِ؛ قفازين سوداوين‪ .‬حينَ‬ ‫ي‪ .‬و َكانَ الجزء األخير من ِ‬
‫الز ّ‬ ‫وأخرى َرقيقة فوقها كي تُغطي عي َن َّ‬
‫أكون جاهزة ً لمغادرة المنزل‪ ،‬ومستعدة ً لزيارة‬ ‫ُ‬ ‫تُصبح ُك َّل بُوص ٍة من ِجلدي ُمغطاة ً باألسود‪،‬‬
‫برفقة َر ُج ٍل َم ْح َرم بالتأكيد‪.‬‬
‫الطبيبة ِ‬

‫بالتأكيد َكانَ ِلزا ًما أن تكونَ الطبيبة أُنثى؛ إذ من الحرام أن أخاطب َر ُج ًال إال في الحاالت‬
‫أن تقولي‪:‬‬ ‫أن َر ُج ًال على َوشك الوقوع في بئر‪ ،‬فيجوز ِ‬
‫لك ْ‬ ‫ً‬
‫"مثال‪ ،‬لو َّ‬ ‫ال ُملحة االضطرارية‪.‬‬
‫ت منخفض "‪ .‬هذا َكال ٌم اقتبَستُه عن أ ُ ّمي حرفيًّا‪ ،‬متر َج ًما ِمن العربية‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫"إحذر"؛ لكن بصو ٍ‬

‫عت اإلنتنت‪:‬‬ ‫رد عىل سائلة مهووسة ًّ‬ ‫ً‬ ‫‪60‬‬


‫دينيا تسأل هل يجوز أن تكلم ابن عمها لالطمئنان عليه ر‬ ‫هذا جزء من فتوى أحد شيوخ اإلسالم‬
‫ز‬
‫ولذا فقد نص الفقهاء رحمهم هللا عىل المنع من التكلم مع المرأة الشابة خشية الفتنة‪ ،‬فقال العالمة الخادم رحمه هللا ف كتابه‪ :‬بريقة محمودية وهو‬
‫حنف قال‪ :‬التكلم مع الشابة األجنبية ال يجوز بال حاجة ألنه مظنة الفتنة‪ .‬وقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة‪ :‬وإن سلم الر ُجل عليها ّ‬
‫أي عىل‬ ‫ز‬
‫ُ‬
‫األجنن بالسالم‪ ،‬وكذا ردها عليه‪ ،‬وكرهوا ابتداء الرجل لها‬ ‫ُ‬
‫الشابة لم ترده دفعا للمفسدة‪ .‬ونص فقهاء الشافعية عىل حرمة ابتداء الشابة الرجل‬
‫ر‬
‫الشيعة سد الذرائع الن قد توصل إىل‬ ‫طمع له فيها‪ .‬فالحاصل إن من مقاصد ر‬ ‫ُ‬
‫بالسالم‪ ،‬وعللوا التفريق بينها وبينه أن ردها عليه أو ابتدائها له م ِ‬
‫عت اإلنتنت فيما ذكرت من مواضيع عامة؛ ك معرفة أحواله أو طرح مشاكل بعضكم عىل‬ ‫ينبع لك محادثة الشباب ولو أبناء عمك ر‬ ‫الحرام‪ ،‬وعليه فال ز‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪139‬‬
‫المنزل؛ في البيت ُك ْنتُ أشاهد ُ أوبرا ألجدَ لي صلةً بالعا َل ْم‬ ‫ِ‬ ‫صرت أرهَب الخرو َج من‬
‫أن هذه الصلة َكانَت أُحادية الجانب؛ إال أنَّها َكانَت شبيهةً بالتفاعل االجتماعي‪.‬‬ ‫الخارجي؛ رغم َّ‬
‫ُك ْنتُ ُمتماهيةً مع أوبرا‪ ،‬وضيوفِها‪ ،‬و َكانَ ذلك يُله ُمني‪ ،‬ويُش ِعرني؛ أَنّي جز ٌء من العالَ ْم ‪ ،‬و ُك ْنتُ‬
‫أتعلَ ُم منهم جميعًا‪.‬‬

‫أسير في َح ِ ّر الصيف؛ ُمغلَّفةً‪ ،‬و ُمكفَّنةً‬


‫ُ‬ ‫لكن عند ُخروجي إلى العالَ ْم الحقيقي‪ ،‬و ُكلما ُك ْنتُ‬
‫أن الحجاب‬ ‫صل ٍة بالعالَ ْم‪ .‬لقد شعرت َّ‬ ‫ي‪ ،‬لَ ْم أ َ ُك ْن أشعر بأ ّ‬
‫يِ ِ‬ ‫أخمص قدم َّ‬
‫َ‬ ‫باألسود؛ من رأسي َحتّى‬
‫ي‪ ،‬لَ ِك َّن النقاب تجاوز ذلك بأشواط‪ .‬إذا َكانَ الحجاب يقول‪" :‬اقترب مني‬ ‫َكانَ عائقًا صعبًا َ‬
‫عل َّ‬
‫غرب عن وجهي"‪.‬‬ ‫بحذَ ٍر"‪ ،‬فإن ال ِنقاب ال ُمغطي كام َل الوج ِه يقول‪" :‬ا ُ ُ‬

‫ُعيق قدرتَ ِك‬ ‫سك‪ ،‬فهو ي ُ‬ ‫تحر ُمك من حوا ِ ّ‬ ‫سِين أنَّ ِك في كابين ٍة ُمتن ِقّلة؛ ِ‬ ‫عندما تلبسين النقاب؛ تَح ّ‬
‫أشعر أَنّي أموتُ ببُطءٍ داخلَه وأ ْذ ِوي ِ ‪ُ .‬ك ْنتُ أعاني‬
‫‪61‬‬
‫ُ‬ ‫شم‪ُ .‬ك ْنتُ‬
‫واللمس‪ ،‬وال َّ‬
‫ِ‬ ‫سمع‪،‬‬‫على الرؤي ِة‪ ،‬وال َ‬
‫ق أحد ٌ إلى معايير زوجي الدّيْنية‪ .‬لَ ْم‬ ‫جسديًّا‪ ،‬وعاطفيًّا‪ .‬لَ ْم يُسمح لي بتكوين صداقات؛ ألنَّه لَ ْم يرت ِ‬
‫صا على اإلطالق‪َ .‬كانَت أفعالي‬ ‫يوم شخ ً‬ ‫ذات ٍ‬ ‫َ‬ ‫أصال‪ ،‬وال َحتّى ما إذا ُك ْنتُ‬ ‫ً‬ ‫أعد أعرف من أنا‬
‫يِ‬ ‫َ‬
‫مباشرا ألفعا ِله هو‪ .‬لَ ْم أ ُك ْن أجرؤ على التنفُّس؛ إال إذا حدَّد لي في أ ّ‬ ‫ً‬ ‫الوحيدة التي أفعلُها؛ نتا ًجا‬
‫سبةً القولُ؛ أَنّي‬ ‫أسير على قشر البيض‪ .‬لكن ِمنَ األكثر منا َ‬ ‫ُ‬ ‫أزفُ ُر‪ .‬يُمكنني القَول؛ أَنّي ُك ْنتُ‬
‫اتجا ٍه ْ‬
‫ي اتجا ٍه أستدير‪َ .‬كانَ ُم َع ِنّفًا ‪ ،‬و ُمسيئًا‬‫أمره لي في أ ّ‬ ‫ُك ْنتُ أ ِقف متوترة ً على قشر البيض؛ و ُمنتظرة ً َ‬
‫َحسب المعايير تما ًما‪ .‬أدركتُ الحقًا أنَّه َكانَ يتبع (ينطبق عليه نمط) الدورة الموصوفة في كتبي‬
‫سها في المدرسة‪.‬‬ ‫الدراسية الخاصة بعلم النفس بدقة الساعة‪ ،‬كما لو َكانَ قد دَ َر َ‬

‫ز‬ ‫ً‬ ‫ز‬


‫بعض الن ف هذا‪ -‬بال شك ‪ -‬توسعا وتساهال قد يجر إىل ما ال تحمد عقباه ؛ فإن وجدت حاجة فال بد أن يكون ذلك ف حدود األدب واألخالق‪ ،‬وإن‬
‫ر‬
‫النساء وفيما ينفع وفق الضوابط الشعية‪.‬‬ ‫استخدمت اإلنتنت لحاجة فاقترصي عىل محادثة‬
‫فكن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫َ‬
‫أول من‬ ‫النساء ف بيوتهن‪،‬‬ ‫الصالة والسالم ‪ -‬عن الخروج من المسجد هو وأصحابه‪ ،‬حن يدخل ِ‬ ‫‪ -‬ومن فتاوى متشددة أخرى‪ :‬وكان يتأخر ‪ -‬عليه‬
‫ُ‬
‫يخرج من المسجد‪ ،‬قبل خروج الرجال‪ ،‬وكن ال ُيح ِّق ْقن الطريق‪ ،‬بل ز‬
‫أن أسيد األنصاري أن رسول هللا ‪ -‬صىل هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‬ ‫يلت ْمن حوافه؛ فعن‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ َّ ُ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ رْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ َْ َ ُ َ ْ ْ ُ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫وقها‬
‫يق؛ فكان ِت المرأة تلت ِصق ِبال ِجد ِار حن ِإن ثوب ها ليتعلق ِبال ِجد ِار ِمن لص ِ‬
‫ات الط ِر ِ‬‫للنساء‪" :‬استأ ِخ ْرن‪ ،‬ف ِإنه ليس لكن أن تحققن الط ِريق عليكن ِبحاف ِ‬
‫ز‬
‫األلبان‪.‬‬ ‫ِب ِه"؛ رواه أبو داود وحسنه‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ ز‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫النساء؛ وهذا كله ف أماكن العبادة الن يكون فيها اإلنسان ‪ -‬عادة ‪ -‬أبعد ما يكون عن ارتكاب الرذيلة‪ ،‬أو الهم بها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫الرجال‬ ‫ك ّل ذلك لمنع اختالط‬
‫َ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ُ‬
‫الصحيحي‪" :‬إياكم والدخول عىل النس ِاء"‪ ،‬فقال‬ ‫النساء؛ فف‬ ‫فيكون غتها من األماكن أوىل بالمنع‪ .‬ونىه ‪ -‬صىل هللا عليه وسلم – عن الدخول عىل ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ر ُج ٌل من األنصار‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أفرأيت الح ْمو؟ قال‪:‬‬
‫والخال‪ ،‬وأبنائهم‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫والعم‬ ‫‪،‬‬ ‫كاألخ‬
‫ِ‬ ‫الزوج؛‬ ‫أقارب‬ ‫‪-‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫"الحمو الموت"؛ فمنع ‪ -‬صىل هللا‬
‫من الدخول عىل زوجات أقربائهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫أتنكس‪ُ ،‬‬ ‫ْ‬
‫أض ُع ُ‬ ‫‪61‬‬
‫أذبل‪.‬‬ ‫ف‪،‬‬ ‫أذوي‪ :‬أضمحل‪،‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪140‬‬
‫َكانَت هنالك مرات نادرة أشعرني فيها أَنّي ُم َميزة‪َ .‬كانَ هذا مه ًّما‪ ،‬خاصة في بداية العالقة كي‬
‫يجذبَني‪.‬‬
‫كك؛ أتمنَّى لو ُك ْنتُ‬ ‫الذهاب إلى العمل"؛ َكانَ يقول بحزن في الصباح؛ "ال أريد أن ُ‬
‫أتر ِ‬ ‫َ‬ ‫"ال أريد‬
‫أقدر أن أص ِغّ َر ِك؛ كي أضعَ ِك في جيبي؛ فتكوني معي ِطوال اليوم؛ في هذا الجيب" ‪ ،‬و َكانَ‬
‫ب قميصه "كي تكوني قريبةً من قلبي"‪.‬‬ ‫يقول وهو يُر ِبّت على جي ِ‬
‫ي؟ الذي عانيته بين هذه اللحظات‪،‬‬ ‫لقد ر ُج َح‪ ،‬وفاقَ هذا الفُتات من اإليجابية؛ التجوي ُع [النفس ُّ‬
‫سيكون فيها لطيفًا‪ ،‬أو ُمراعيًا‪ ،‬أو َحتّى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيث عشت ألج ِل الفُتات القادم؛ ألج ِل المرة التالية؛ التي‬
‫عديم الوحشية فقط‪.‬‬

‫كي تكتمل الدورة ؛ بهدف خضوعي تما ًما تحت لعن ِة تعنيفه لي‪َ ،‬كانَ يستخدم أسلوب اإلشراط‬
‫أن ُك ّل شيء حرام‪،‬‬
‫جرس طعام باڤلوڤ‪ .‬ظننتُ من قَب ُل َّ‬‫َ‬ ‫الكالسيكي‪ .62‬حلَّت لكمةً على َوجهي؛‬
‫ُ‬
‫تكون حرا ًما‪.‬‬ ‫لَ ِكنّي لَ ْم أ ُكن أعلَ ْم؛ كم من األشياء األخرى قد‬

‫ذات مرة ُك ْنتُ أبحث عن شيء في دليل الهاتف؛ فبدأتُ أغني بشرودٍ‪:‬‬
‫“ ‪"A B C D E F G … H I J‬‬
‫ي‪" :‬ما الذي تفعلين؛ بحق الجحيم؟" ثم ضربني على فمي بظهر يده‪.‬‬ ‫صا َح ف َّ‬

‫َكانَت هذه إحدى المرات التي وجدت نفسي فيها في َحيرةٍ من أمري؛ ما الذي فعلتُه بالضبط؟‬
‫ماذا َكانَت مخالفتي هذه المرة؟‬
‫" ِل َم تُغني في بيتي؟ تحاولين دعوة الشيطان إليه؟"‬
‫"إنه ترتيب األبجدية؛ ُك ْنتُ فقط‪"...‬‬

‫ز‬ ‫‪ 62‬ر‬
‫االستجان ‪ :classical conditioning‬مصطلح ف علم النفس السلوك‪ ،‬يصف أحد أشكال التعلم التابط‪،‬‬ ‫ر‬ ‫اإلرساط الكالسيك أو الباڤلوڤي أو‬
‫معي القدرة عىل استحضار استجابة الفرد الخاصة بمنبه آخر‪ .‬ظهر المصطلح عىل يد عالم النفس الروس إيڤان‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫خارح‬ ‫حيث يكتسب منبه‬
‫ً‬
‫محايدا؛ أيّ‬ ‫ر‬
‫باڤلوڤ عام ‪ ،1903‬وقام جون واتسون فيما بعد بدراسته عىل األطفال المثت الشط (‪ )Conditional Stimulus‬المثت الذي يكون‬
‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬
‫ً‬ ‫ز‬ ‫ال يولد استجابة متوقعة زف بادئ األمر‪ .‬ولكن من خالل تواجده قبل المثت غت ر‬
‫الشط‪ ،‬أو ف نفس الوقت معه فإنه يصبح قادرا عىل إحداث‬
‫ً‬
‫حدثا يقع ضمن نطاق مدى إحساس الكائن المراد رإرساطه‪ ،‬كما أنه ال ز‬
‫ينبع أن‬ ‫الشط أنه ينب زع أن يكون‬
‫بي مقومات المثت ر‬
‫الشطية‪ .‬ومن ز‬ ‫االستجابة ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫أي خصائص قبل اإلرساط شأنها أن تؤدي إىل إحداث االستجابات‪.‬االستجابة الشطية (‪ :)Conditioned Response‬االنعكاس المتعلم‬ ‫يكون له ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الجديد والذي يحدث نتيجة اقتان المثت الشط مع المثت الغت رسط‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪141‬‬
‫ألعذارك الغبية"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫"ال أكترث‬
‫وأن الموسيقى فقط َحرام؛ لكن ال‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫أن‬ ‫حتَّى ذلك الحين ُك ْنتُ أعتقد َّ‬
‫أن الغنا َء مسموح‪َّ ،‬‬
‫ستحض ُر ال َّ‬
‫شيطانَ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ٍ‪-‬؛ يَ‬
‫ِغناء األبجدية ‪-‬كي تساعد نفسك في البحث عن شيء بتسلس ٍل أبجد ّ‬

‫ت بطني‪ ،‬ازداد ضربُه المستمر لي‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة منه للغاية إلى درجة أَنّي ُكنت اتفاداه‬ ‫ُكلّما َك َ‬
‫بر ْ‬
‫طرقَ الباب؛ ألَنّي لَ ْم أشَأ التفاعل‬
‫در ممكن؛ َحتّى عندما يكون في الحمام؛ ُك ْنتُ أتفادى َ‬ ‫بأقصى قَ ٍ‬
‫معه‪ .‬لَ ْم أعرف قط مواقع األلغام‪ ،‬ولَ ْم أعرف قط ما الذي قد يتسبب لي بالضرب‪.‬‬
‫في أسوأ لحظات لي ‪ ،‬بينما أطال هو في الحمام‪ ،‬وبطني ال ُمتضخمة ‪-‬من الحمل‪ -‬تضغط على‬
‫استحمام من سلة الغسيل‪ ،‬وجلست عليها ألتبول؛ لقد اخترتُ أن أتبَّول في‬ ‫ٍ‬ ‫طويت منشفة‬ ‫مثانتي‪َ ،‬‬
‫مالبسي؛ ً‬
‫بدال من ْ‬
‫أن أكل َمه‪.‬‬

‫أن أغلب الضرب الذي تعرضت له؛ َكانَ بسبب‬ ‫رغم أَنّي َل ْم أعرف ما الذي قد يغضبه؛ إال َّ‬
‫الطعام‪ .‬تسببت لي تلك السنوات في حالة َجزع ِمنَ الطعام؛ لدرجة أنَّه َحتّى بعد عق ٍد كامل‪،‬‬
‫الر ُجل الذي أحب‪ ،‬بقيتُ ال أستطيع أن أطهو له الطعام‪ .‬جعلتني تلك السنوات‬ ‫عندما تزوجت َ‬
‫أن مجردَّ التفكير في إعداد وجبة لشخص؛ تملؤني بأحاسيس‬ ‫أكره الطبخ للغاية؛ إلى درجة َّ‬
‫الخوف‪ ،‬والتوتر من الطبخ عمو ًما‪ ،‬لَ ِكنّي ال زلت ال أطبخ‬
‫َ‬ ‫الذُعر‪ ،‬والخوف‪ .‬في النهاية تجاوزت‬
‫ي أصناف عربية‪.‬‬ ‫أ ّ‬

‫طبخ الطعام فقط؛ َكانَ هذا هو ما يشغَل ُك ّل حياتي‪َ .‬كانَ‬ ‫آنذاك َكانَت أيّامي تتمحور حول َ‬
‫ي أن‬ ‫تب طبخ‪ ،‬ويُلصق أوراق مالحظات على صور الوجبات التي يحبها‪ ،‬و َكانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫يشتري ُك َ‬
‫أطبخها؛ وبالتأكيد الوجبات التي طبختها لَ ْم تُطا ِب ْق تما ًما األطعمة التي يحبها؛ ف َكانَت ردة فعله‬
‫ي‪.‬‬
‫عل َّ‬
‫المعتادة إلقاء الصحنَ َ‬

‫في المرات التي َكانَ يأكل فيها الطعام الذي طبخته‪َ ،‬كانَ يُ َقدّم خالصة تفصيلية؛ عن كيفية‬
‫ي شيء‬ ‫سا‪َ .‬ل ْم يَ ُك ْن يحب أ ّ‬
‫تحسين الطبق في المرةِ القادمة؛ َكانَ دقيقًا جدًّا في طلباته؛ بل مهوو ً‬
‫فيه صلصة‪ ،‬وال وضع الطعام في كسرولة‪ ،‬ولَ ْم َي ُك ْن يُحب إال األطعمة التي على شكل األصابع‪،‬‬
‫ممال في عمله جدًّا؛ ألنَّه‬ ‫أن ُك ّل ما َكانَ يطلبه؛ َكانَ ُمتعبًا‪ُ ،‬و ًّ‬
‫عنَى هذا بالتأكيد؛ َّ‬‫أو ال ُمق ِبّالت‪.‬لقد َ‬
‫طع ٍة على حدة‪.‬‬‫يجب إعداد ُكل ِق َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪142‬‬
‫ذات مرة ُك ْنتُ أحدث صديقة عبر الهاتف‪ ،‬وسألتني عن سبب كون صوتي يبدو حزينًا‪ ،‬فأجبتُها‪:‬‬
‫"إنه غاضب من العشاء الذي أعدَ ْدتُه"‪.‬‬
‫"ما الذي أعددتِ ِه؟"‬
‫أر ًّزا‪ ،‬وسلطةً"‪.‬‬
‫"دجا ًجا مشويًّا‪ ،‬و ُ‬
‫"هذا يبدو رائعا!" قالت لي؛ بما أنَّها طالبة جامعية فإن وجباتها َكانَت جاهزة ً في العادة‪.‬‬

‫إنَّها ُمحقة‪ .‬ينبغي عليه أن يكونَ ُممتنًّا؛ ألنَّه يجد الوجبات الطيبة ُمعدة ً له‪ .‬الوغد؛ حاولت‬
‫التواصل معه من وجهة نظر إسالمية؛ أخبرته أنَّه يجب عليه أن يكون ُممتنًّا لما لَدَيه‪ ،‬ولما‬
‫حيث قال؛ أَنّي‬
‫ُ‬ ‫دره؛‬ ‫طةً من قَ ِ‬ ‫أعددته له؛ لكن انتهى بي األمر بوج ٍه ُمتورم؛ ألنَّه وجد كلماتي ُم ِح َّ‬
‫أتهمه؛ بقلة الدّيْن‪ ،‬وأنَّه ُم ْس ِلم سيء‪.‬‬
‫علَّقتُها على الحائط أما َمه‬ ‫طلبت من أ ُ ّمي لوحةً؛ كانت ُمعلَّقة في شقتها ن ُّ‬
‫صها؛ "الحمد ُ هلل"؛ ث ُ َّم َ‬
‫في م َكانَ جلوسه لتناول العشاء؛ إذا لَ ْم َي ُك ْن بمقدوري مخاطبته‪ ،‬فعلى األقل سأحاول أن أرسل له‬
‫بدال من ذلك‪.‬‬‫مبطنةً (باطنية ال شعورية) ً‬ ‫رسالة َّ‬

‫بعض األطعمة الكندية "الغريبة"‪ِ .‬أم ْلتُ أن يُعجب ِ‬


‫بجدَّ ِتها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أن أ ُ ِ ّ‬
‫عرفه إلى‬ ‫ضا ْ‬
‫حاولتُ اي ً‬
‫وبالتأكيد‪ ،‬ألنَّها أسهل مليار مرة من طبخ األطباق الشرق أوسطية‪ .‬لَ ْم يعجبه قط الطعام الكندي‪،‬‬
‫لَ ِكنّي من آن إلى آخر ُك ْنتُ أحاول دس طبق في الوسط‪.‬‬

‫ذات ليلة ُك ْنتُ أعد أحد األ طباق الكندية الشهية التقليدية؛ وهي حساء المكرونة بالدجاج‪ .‬علمت‬
‫أنَّه سيعود إلى المنزل قريبًا‪ ،‬وأَنّه ال زال أمامي الكثير للقيام به‪ُ .‬ك ْنتُ مشغولة بخ َْلي ِ لحم الدجاج‬
‫ي الحرص على‬ ‫ي شيء آخر غير اللحم‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫المغلي؛ من العظام‪ ،‬والغضاريف‪ ،‬والجلد‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي الصافي إلى حسائه (شوربته)‪َ .‬حتّى قطع الدجاج‬ ‫ي شيء غير لحم الدجاج المخل ّ‬ ‫أال أضيف أ ّ‬
‫الداكنة اللون أكثر من الالزم َكانَت تجعله يغضب‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة من التسرع في العملية لكن َكانَ‬
‫أنظف البيت‪ ،‬وأستَحم‪ ،‬وأرتدي مالبسي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ي أن‬‫عل َّ‬
‫ال يزال َ‬
‫طلبت من أ ُ ّمي المساعدة بخجل‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪143‬‬
‫الصدر‪ ،‬فإذا َل ْم تجدي الكثير‬
‫َ‬ ‫"أرجوك كوني حريصةً؛ ضعي أنقى قطع اللحم فقط؛ لقد َّ‬
‫قط ْعتُ‬ ‫ِ‬
‫وف يف ِقد صوابه‪ .‬فقط أضيفي‬ ‫س َ‬ ‫ير اللحم كأول شيء‪ ،‬ف َ‬ ‫طبعَهُ‪ ،‬إذا لَ ْم َ‬
‫فال بأس‪ .‬أنت تعرفين َ‬
‫‪63‬‬
‫الدجاج إلى هذه الطنجرة"‪.‬‬
‫"حسنًا حسنًا‪ .‬لستُ غبيةً‪ .‬اذهبي فقط"‪.‬‬
‫أرجوك أن تَحذري‪ .‬أتعلَ ْمين‪ ،‬انسي األمر؛ يوجد ما يكفي من الدجاج فيه بالفعل‪".‬‬ ‫ِ‬ ‫"أعلَ ْم‪ .‬لكن‬
‫ُك ْنتُ جد متوترة‪ ،‬ولَ ْم أَ ُك ْن ِألترك هذه المهمة لها‪ ،‬وعدم إجادة عمل طعامه َكانَت دائ ًما لها‬
‫عواقب أليمة مخيفة‪.‬‬
‫"قلت لك أعرف‪ .‬فقط اذهبي‪ ،‬ونظفي نفسك؛ قبل أن يأتي زوجك‪ ،‬فيراك هكذا"‪.‬‬

‫ُك ْنتُ متوترة خائفة من الذهاب؛ فأنا لَ ْم ُأو ِك ْل أل ُ ّمي مساعدتي في أ ّ‬


‫ي وجبة من قَ ْبلُ‪ ،‬لَ ِكنّي ُك ْنتُ‬
‫أعاني ضيقَ الوقت‪ ،‬و ُك ّل مهم ٍة بسيطة؛ تصبح صعبة‪ ،‬وأنت حامل‪ .‬لذلك تركتها كي تنهي‬
‫الحساء‪ ،‬وذهبت‪.‬‬

‫المغرفة في الطنجرة ألضع له الحساء‪ ،‬وعندما‬ ‫الحقًا عندما جلس لتناول العشاء‪ ،‬غمستُ ِ‬
‫أن المغرفة في يدي؛ امتألت بعظام‪ ،‬ودهن‪ ،‬وجلد الدجاج؛ فأنزلت‬ ‫ت لرؤيتي َّ‬ ‫صد ِْم ْ‬ ‫رفعتُها ُ‬
‫المغرفة بسرعة قبل أن يتمكن من لمحها‪.‬‬
‫"لم ُك ّل هذا التباطؤ؟"‬
‫"أنا‪ "...‬توقف عقلي عن التفكير‪.‬‬
‫"لم هي غبية للغاية؟" سأل أ ُ ّمي‪.‬‬
‫ردت أ ُ ّمي بقهقهة‪.‬‬
‫غَمستُ المغرفة ثانية‪ ،‬ووجدت نفس الخليط من عظام الدجاج‪ .‬لَ ْم أستوعب كيف ل ُك ّل هذه القذارة‬
‫كأن قطع عظام‬ ‫أن تصل إلى هناك عن طريق الخطأ؛ إذ لَ ْم تَ ُك ْن عظمةً‪ ،‬أو اثنتين؛ َكانَ األمر َّ‬
‫ت مباشرة ً من المصفاة إلى الطنجرة‪.‬‬ ‫الدجاج؛ قد أ ُ ْل ِقيَ ْ‬
‫َكانَ قد بدأ يفقد صبره‪.‬‬
‫ملعون؛ محترم على‬ ‫ٍ‬ ‫ي‪" .‬أال تستطيعين َحتّى وضع طب ٍ‬
‫ق؛‬ ‫"لقد عملت طوال اليوم!" صرخ ف َّ‬
‫الطاولة في الوقت السليم؟ أنت تجلسين في البيت‪ ،‬وال تفعلين شيئًا طوال اليوم!"‬

‫ْ‬ ‫‪63‬‬
‫طنجرة‪ :‬حلة‪ِ ،‬قدر‪ِ ،‬مرجل‪ ،‬نونية‪ ،‬غالية‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪144‬‬
‫نظرت إلى المصفاة التي تكون في العادة مليئة بالعظام‪ ،‬والفضالت األخرى‪ ،‬ف َكانَت فارغةً‪.‬‬
‫مصدومةً لهذا‪ ،‬نَظرتُ الى أ ُ ّمي بسرعة‪ .‬بدت كأنَّها مهتمة جدًّا بالتحديق في مفرش الطاولة عن‬
‫ي‪.‬‬
‫أن تنظر في عين َّ‬
‫دهاك؟" قفز من مقعدِه‪ ،‬ث ُ َّم وقف إلى جانبي ً‬
‫قافزا‪" .‬ضعي الحساء اللعين!"‬ ‫ِ‬ ‫"ما الذي‬
‫ي خَيار؛ سوى أن أغمس المغرفة ثانية‪ ،‬وهو يشاهدني؛ فخرجت مليئةً بالعظام؛ كما‬ ‫لَ ْم يَ ُك ْن لَدَ َّ‬
‫خرجت في المرتين السابقتين‪.‬‬
‫"ما هذا؟" همس مه ِدّدًا‪.‬‬
‫"أنا ‪ .......‬لقد َكانَ لَدَي الكثير لفعله؛ هذا الحمل يُتعبني؛ فطلبت من أ ُ ّمي أن تساعدني على طهو‬
‫الدجاج‪".‬‬
‫ي ألجل هذا؟"‬ ‫عل َّ‬
‫"ماذا؟ أستلقين باللوم َ‬
‫لوم؟ كيف تعرف ما الذي ُك ْنتُ سأقوله؟ َكانَت ال تزال جالسة على الطاولة‪ .‬كيف لها أن ترى‬ ‫ي ٍ‬ ‫أ ُّ‬
‫ما َكانَ في المغرفة؟ َحتّى تلك اللحظة ُك ْنتُ أعتقد أنَّه خطأ بريء‪ .‬لَ ْم أستوعب كيف يمكن أن‬
‫سهوا‪ ،‬وخطئًا ‪ ،‬لَ ِكنّي لَ ْم أكن قد قدرت على فهم البديل‪ .‬حينذاك‪ ،‬لَ ْم يعد‬‫تكون قد وضعت ُك َّل هذا ً‬
‫لَدَي خيار سوى أن أرى الحقيقةَ‪.‬‬

‫ُك ُّل تلك السنوات؛ وأنا أجد ُ لها األعذار‪ ،‬وأظن أَنّي أسيء فه َمها‪ ،‬وأقبل تبريرا ِتها‪ ،‬وأستمر في‬
‫منحها الثقةَ‪ ،‬وأعيش ألجل ُحبها‪ ،‬وألوم نفسي‪ ،‬وأكره نفسي‪ُ .‬ك ّل تلك السنوات‪ ،‬وأنا أقبل أَنّي‬ ‫ِ‬
‫فاشلة‪ ،‬واكافح إلرضائها‪ ،‬وأضع رغباتها‪ ،‬واحتياجاتها قبل رغباتي‪ .‬انكشف ُك ُّل شيء‪ ،‬وانهار‬
‫ي سبي ٍل لإلنكار‪ .‬نظرتُ إليه متوقعة أن يقتُلني؛‬ ‫يأ ّ‬‫في هذه الحادثة الواضحة؛ بحيث لَ ْم يَ ُك ْن لَدَ َّ‬
‫ي ضربة جسدية أن تضاهي األلَ ْم النفسي الذي ُك ْنتُ أشعر به‪.‬‬ ‫لكن لَ ْم َي ُك ْن ُمم ِكنًا أل ّ‬
‫أغرب شيء؛ قال‪" :‬ال بأس؛ دعينا نتجاوزَ الحساء ؛ ما الذي لَدَينا غيره للعشاء؟"‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حدث‬ ‫ثم‬
‫وأدرك أنَّها أوقَعت بي‪ .‬لقد رأى في عينَ َّ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫أن أ ُ ّمي؛ هي التي فعلت هذا‪،‬‬ ‫هم َّ‬
‫ي؛ لقد فَ َ‬ ‫عل َّ‬
‫لقد أشفقَ َ‬
‫ُ‬
‫ضا؛ لقد فهم أنَّها تُريد أن تراني أض َْرب مرة أخرى‪ ،‬وبينما أنا أصرخ‬ ‫أَنّي قد عرفتُ ذلك أي ً‬
‫مستنجدة ً بها‪ ،‬وهو يسحبني من شعري‪ ،‬ويلكمني في وجهي َكانَت لتقول ‪-‬كما َكانَت تقول دائ ًما‪:-‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وف يسمعُك الجيران‪ ،‬هل تريدينَ أن يُ ْس َجنَ ؟"‬ ‫س َ‬ ‫"اخرسي؛ َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪145‬‬
‫الر ُجل الشرير ‪-‬الذي سأع َل ْم الحقًا؛ أنَّه متورط في تفجيرات قتلت المئات من الناس‪،‬‬ ‫هذا َ‬
‫‪64‬‬
‫صر ‪ ،‬والتي ليس‬ ‫والذي حوكم ضمن من حو ِكموا؛ في أكبر محاكمة إلرهابيين في تاريخ ِم ْ‬
‫ُ‬ ‫أكبر منها إال محاكمة الذين اغتالوا الرئيس أنور السادات‪َ -‬كانَ لَدَيه رحمةً َ‬
‫أكثر من أ ّمي!‬

‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪64‬‬


‫وصل محمد مرزوق ف ترجمة ف أحد هوامش الكتاب‪ -‬المتجم‬ ‫قضية العائدين من ألبانيا‪ ،‬وسوف نعود لذكر الستة اإلرهابية ِلعصام حاف‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪146‬‬
‫طفلتي الرضيعة‬
‫أن أ ُ ّمي خسيسة‪ ،‬وشريرة‪ ،‬لَ ِكنّي احتَ ْجتُها‪ .‬فقد ُك ْنتُ قد تجاوزتُ ذكرى ميالدي‬ ‫لقد علمتُ َّ‬
‫الثانية والعشرين للتو‪ ،‬وصرتُ مسؤولةً عن حيا ٍة جديدة‪ُ .‬ك ْنتُ بالكاد قادرة على العناية بنفسي‬
‫ناهيك عن االعتناء بشخص آخر‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة ومتوترة‪ُ .‬ك ْنتُ ممتلئة بالحب لطفلتي الصغيرة‬
‫الرضَّع‪ ،‬لكن عندما‬
‫ضا بنفس القدر تحت وطأة الشعور بالمسؤولية‪ .‬أحب األطفال ُ‬ ‫لَ ِكنّي ُك ْنتُ أي ً‬
‫ي أن‬‫عل َّ‬
‫ي هذا الرضيع لي‪ .‬كيف َ‬ ‫لكن اآلنَ أُع ِ‬
‫ْط َ‬ ‫ينطلقون في البكاء ُك ْنتُ أُعيدهم إلى أمهاتِهم‪ْ .‬‬
‫أعرف كيفية التصرف؟‬

‫الطفل الوحيد الذي اعتنيت به سابقا َكانَ ابن أختي بينما َكانَت هي في المستشفى ت َ ِلد المزيد من‬
‫الرضَّع‪.‬‬
‫ُ‬
‫قالت أ ُ ّمي وهي ت ُغيّر حفاظته؛ "أواه؛ انظري إلى حجمه‪ .‬إنه ضخم مثل جده"‪.‬‬
‫ع َّم الصمتُ أرجا َء الغرفة‪ ،‬وأصا َبتني الحقيقة البشعة؛ في َّ‬
‫أن‬ ‫"أيّهم؟" تساءلت أختي ساخرةً؛ َ‬
‫أُمي قد مارست الجنس مع َجدَّيه ِكال ُهما؛ " إيو" ؛ زَ فرتُ بصو ٍ‬
‫ت خَفيض‪.‬‬
‫رغم ك ّل عيو ِبها؛ َكانَت أ ُ ّمي المرأة الوحيدة القادرة على مساعدتي في العناية ِب ِطفلتي‪َ .‬كانَت‬
‫أكثر مني‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن أعرف‬
‫َ‬ ‫تعرف‬
‫ُ‬ ‫الوحيدة معي في ال ُمستشفى وأنا أ ِلد‪ .‬رغم كل عيوبها َكانَت‬
‫شة‪.‬‬ ‫كيف أعتني بهذه الحياة الضئيلة اله َّ‬

‫ً‬
‫اتصاال هاتفيًّا من ال ُممرضة‪َ .‬كانَت خدمة مقدمة من‬ ‫بعد بضعة أيّام من والدتي طفلتي؛ تلقيتُ‬
‫الحكومة لألمهات حديثات الوالدة‪.‬‬
‫سألتني‪" :‬هل تنام جيدًا؟"‬
‫ضا‪".‬‬
‫وكثيرا في النهار أي ً‬
‫ً‬ ‫"تنام جيدًا حقًّا‪ .‬تنام كامل الليل‬
‫"كيف حال رضاعتها ؟"‬
‫" بالكاد ترضع‪ .‬إنها نائمة دائ ًما"‪.‬‬
‫كثيرا؟"‬
‫سألتني الممرضة بعد سكتة قصيرة‪" :‬أوه‪ .‬هل تبكي ً‬
‫"ال‪ ،‬على اإلطالق‪ .‬هي سعيدة بالنوم في أرجوحتها‪ .‬إنها طفلة رائعة"‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪147‬‬
‫"أود زيارتك َل ِكنّي ال أستطيع فعل ذلك اليوم‪ ،‬لذلك أحتاجك أن تفعلي شيئًا‪ .‬أنظري إلى بياض‬
‫أصفرا‪".‬‬
‫ً‬ ‫عينيها وأخبريني إن َكانَ‬
‫كثيرا هكذا"‪.‬‬ ‫ضع ً‬ ‫"هل هي بخير؟ إنها فقط طفلة هادئة‪ .‬قالت لي أ ُ ّمي أنَّه من الطبيعي أن ينام ُّ‬
‫الر َ‬
‫"ال‪ .‬يجب أن تتغذى ُك َّل ساعتين؛ يا ياسمين‪ ،‬إنها ال تتغذى على نح ٍو كافٍ "‪.‬‬
‫التفتت كي أتفَقدَها؛ وهي نائمة في مهدِها جانبي؛ َكانَت بالفعل تنا ُم أكثر من الالزم‪ُ .‬ك ْنتُ أعلَ ْم‬
‫أن خطبًا ما يعتريها؛ ُك ْنتُ أ ُسرع أحيانًا ألتفقد استمرار تنفُسِها‬ ‫هذا! أخبرت أ ُ ّمي أَنّي أحسست َّ‬
‫أصفرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بياض عينيها َكانَ بالفعل‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ً‬
‫طويال للغاية؛ فز ْعتُ عندما وجدت َّ‬ ‫ألنَّها تنام‬

‫قالت لي الممرضة‪" :‬خذيها إلى الطوارئ بأسرع ما يمكن‪ .‬أخبريهم أنَّها تعاني من اليرقان‪".‬‬

‫لَ ْم ت َ ُك ْن أ ُ ّمي مقتنعة‪.‬‬


‫"إنها غبية‪ .‬الطفلة بخير‪ .‬ال تستطيع ْ‬
‫أن تراها [عب َْر الهاتف؟‪ .‬ال يمكن إصدار هذه األحكام‬
‫الطبية من خالل الهاتف"‪.‬‬
‫"ال أزال أريد الذهاب"‪.‬‬
‫ض َع ينمون‪".‬‬ ‫"ال يوجد داعٍ للقلق! دعيها تنام فقط‪ .‬النوم يجع ُل ُ‬
‫الر َّ‬
‫"أود فقط الذهاب للفحص‪ .‬أريد أن يفحصها أحدهم"‪.‬‬

‫أن رض َخ في النهاية‪ ،‬وأ َخذَنا الى‬ ‫أصررتُ على هذا مع أ ُ ّمي‪ ،‬وأبيها [أبي الرضيعة؟‪ ،‬إلى ْ‬ ‫َ‬
‫المستشفى‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫دم لتفَقُّد معدل البيليروبين لَدَيها‪ .‬لَ ْم تَ ْجفَ ْل َحتّى‪.‬‬ ‫قدمها ألخذ عينة ٍ‬
‫كعب ِ‬
‫َ‬
‫‪65‬‬
‫َوخ َُز ُوا‬
‫ت!"‬ ‫"كم هي طفلة رائعة‪ .‬حتى أنها ما َب َك ْ‬
‫قالت الممرضة‪" :‬هذه ليست عالمة جيدة"‪.‬‬

‫توقف قلبي لكلماتِها؛ بالتأكيد هذا ليس جيدًا‪ .‬كيف لها أن تنام بعمق إلى درجة أنَّها ال تحس َحتّى‬
‫بوخزة كافية لسحب الدم؟ اعترتني حالة من الهلع التام مباشرة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫بإبرة ونحوه‪.‬‬
‫وخز‪ :‬شك‪ٍ ،‬‬
‫‪ 66‬تجف ُل‪ :‬تفزع‪ ،‬تتاجع‪ ،‬ت ْن ُكصُ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪148‬‬
‫فورا ‪ ،‬وت َّم َوض َعها تحت األضواء فوق البنفسجية‪.‬‬
‫أخذوها مني ً‬
‫قالوا لي‪" :‬دعيها هناك‪ ،‬ال تحمليها"‪.‬‬

‫فراش بالستيكي شفاف‪َ ،‬و َب َكيْتُ ‪ُ .‬ك ْنتُ عاجزة‪ُ .‬ك ّل ما ُك ْنتُ أستطيع‬ ‫ٍ‬ ‫جلست أشاهدها عاريةً في‬
‫فعله هو التحديق بها‪ ،‬والبكاء‪ .‬لَ ْم أحب أحدًا في حياتي قط مثلما أحببت هذه الكتلة الصغيرة التي‬
‫تزن بالكاد خمسة أرطال [‪ 2.25‬كيلوغرام؟‪ .‬لَ ْم أعرف َحتّى أنَّه يمكن لإلنسان ْ‬
‫أن ي ُِحبَّ بهذا‬
‫القدر‪ .‬أحسست بألَ ْم في ذراعي‪ ،‬وجسدي‪ ،‬و َكانَ ك ُّل ما أردتُ فِعلَهُ هو َح ْم َلها‪.‬‬

‫ي غريزيًّا‪ ،‬وبدأت‬
‫ع َّ‬
‫أخيرا‪ ،‬وبدأت تتحرك‪ .‬وصلت إليها‪ ،‬وحملتها بين ذرا َ‬ ‫ً‬ ‫َفت َحت عينيها‬
‫أرضعها‪ُ .‬ك ْنتُ سعيدة للغاية ألنَّها تجاوبت معي‪.‬‬

‫صاحت الممرضةُ‪" :‬ارجعيها تحت الضوء! تريدينها أن تتحسن أم ال؟ حملُها لَ ْن يساعد في ذلك‪.‬‬
‫أ َ ْن ِز ِليها"‪.‬‬
‫وف تبكي"‪.‬‬
‫س َ‬‫"لكن ما أن أعيدها َ‬
‫أن األمر صعب عليك‪َ ،‬ل ِكنَّه ال يتعلق بك‪ .‬عليك أن تفعلي‬ ‫"و ماذا إذن؟ ُك ّل الرضع يبكون‪ .‬أعلَ ْم َّ‬
‫حملَها"‪.‬‬‫ت ْ‬ ‫ً‬
‫طويال للغاية إذا واصل ِ‬ ‫وف يتطلب تعافيها وقتًا‬ ‫س َ‬‫ما هو في مصلحتها‪َ .‬‬

‫لقد فزت للتو بمعركة ضد أ ُ ّمي ألَنّي أصررتُ على االستماع إلى غرائزي بخصوص ابنتي‪.‬‬
‫ي شخص آخر‬ ‫ي أن أبدأ في االنتباه لغريزة األمومة لَدَي‪ .‬لَ ْن أثق في أ ُ ّمي‪ ،‬أو أ ّ‬ ‫عل َّ‬
‫أنا أم اآلن و َ‬
‫أصريت على أخذ ابنتي إلى اإلسعاف‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ت صحة غريزتي عندما‬ ‫إلخباري بمصلحة ابنتي‪ .‬لقد ثبت َ ْ‬
‫ي من قَ ْبلُ‪ ،‬لذلك وث ْقتُ في أَنّي‬‫رغم إصرار أ ُ ّمي على أنَّها بخير‪ .‬لقد أصابت غريزة األمومة لَدَ َّ‬
‫ينبغي أن أت َّ ِب َعها مرة ً أخرى‪ .‬رغم أوامر الممرضة راتشيت حملت ابنتي‪ ،‬وعانقتُها‪ ،‬وأرضعتها‬
‫ُكلّما استطعت‪ .‬قدم الطبيب‪ ،‬وعلَّقَ في الحقيقة على سرعة تعافيها‪ .‬تحت مسمعك أيّتها الممرضة‬
‫أن األبحاث أثبتت َّ‬
‫أن‬ ‫راتشيت! ع ِل ْمتُ أن السبب في ذلك حملي لها‪ .‬علمت بعد سنوات الحقًا َّ‬
‫الرضع يتعافون من اليرقان أسرع إذا َكانَ هنالك اتصال مباشر ببشرة األم‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪149‬‬
‫تركيزا أكثر على رضيعتي‪ .‬لَ ْم أعد أتركها في َم ْهدِها‪، 67‬أو في األرجوحة؛ كي أطبخ‬
‫ً‬ ‫اكتسبتُ‬
‫كثيري‬
‫َ‬ ‫له عشا َءه‪ ،‬أو أغسل مالبس أ ُ ّمي‪ ،‬وصرت أضع احتياجاتها في المرتبة األولى‪َ .‬كانَا‬
‫المطالب‪ ،‬ولئي َمي ِْن‪ ،‬بينما َكانَت هي تمكث فقط في م َكانَها كمالك‪ ،‬لذلك جعلتُ لها األولويةَ‬
‫عليهما‪ .‬ال مزيد من ذلك‪.‬‬

‫َكانَ يعود إلى البيت متى شاء‪ ،‬ويعلّق على فوضى البيت‪ ،‬أو ينظر من تحت أنفه إلى شعري‬
‫المنكوش‪ ،‬ويبصق على قميصي‪.‬‬
‫ت ُمقززة‪ .‬ولماذا هذا البيتُ ليس نظيفًا؟"‬
‫"نظفي نفسك؛ أن ِ‬

‫كوني محبطةً‪ ،‬ولَ ْم أنم جيدًا‪ ،‬وغاضبة‪ ،‬وغير مهتمة؛ فقدت قدرتي في الحكم على األمور‬
‫للحظة‪ .‬بالعربية كما بالفرنسية األسماء لها جنس‪ .‬عندما نتحدث عن المنزل‪ ،‬فإن السؤال يترجم‬
‫كاآلتي‪ :‬لم البيت ليس (وال نقول ليست) نظيفًا؟‬

‫فأجبته‪" :‬اسأله هو"‪.‬‬

‫ما أن خرج الكالم الوقح من فمي‪َ ،‬حتّى ند ِْمتُ ‪َّ .‬‬


‫قويْتُ نفسي وشدَدَ ْ‬
‫ت كامل جسدي‪ ،‬غير متأكدة‬
‫ي‪.‬‬ ‫أين ستحط الضربةُ َ‬
‫عل َّ‬

‫أسألك أنتِ"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ي‪" :‬أنا‬
‫صرخ ف َّ‬

‫ي أنَّه َكانَ يحدثني أنا وليس البيت؛ فانفجرت ضاحكة‪- .‬أعتقد َّ‬
‫أن العناية‬ ‫أذهلتني سخافة إجابته؛ أ ّ‬
‫بطفلة وحدك تما ًما دون إنترنت يرشد ُِك‪ ،‬أو أصدقاء تتصلين بهم‪ ،‬أو ُمتنَفَّس‪ُ ،‬ك ّل ذلك قد أضر‬
‫باتزاني‪-‬؛ أطلقت عنان قهقه ٍة من القلب؛ فضربني ضربًا كاد يفقدني التنفس ردًّا على ذلك‪.‬‬

‫َكانَت إحدى أقسى مرات الضرب التي ضربها لي‪ .‬لَ ْم يتقبل كبرياؤه أن أضحك عليه‪ُ .‬ك ْنتُ‬
‫مجرد إمرأة تضحك عليه‪ ،‬فقرر أن ي ُِر َيني من هو القائد‪ُ .‬ك ْنتُ جد متعبة من العناية بطفلته‬

‫‪67‬‬
‫المهد‪ :‬الشير‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪150‬‬
‫فبالكاد َكانَ لي ردة فعل‪ .‬لَ ْم يعد هنالك أذى إضافي يمكن إلحاقه بي؛ فقد ُك ْنتُ قد صرت‬
‫ُمستنزَ فة‪.‬‬

‫ُك ْنتُ متزوجة لَ ِكنّي ُك ْنتُ على نحو جوهري أ ُ ًّما عزبا َء؛ فهو لَ ْم يُظهر قط أدنى اهتمام بابنته‪.‬‬
‫لكن ذات يوم فعل ذلك!‬
‫بإحكام حول إصبعي؛ انحنى عليها‪ ،‬وسألني‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بينما كنت أق ِبّل أصابعها الصغيرة التي تلتف‬
‫"هل هي مط َّهرة؟"‬
‫قلت له‪" :‬نعم لقد حممتها اآلن"‪.‬‬
‫مقومة أو معالَجة)؟"‬‫"ال‪ ،‬أقصد هل هي مضبَّطة (أو َّ‬
‫"ال أفهم ما تقصده"‬
‫تدخلت أ ُ ّمي قائلةً‪" :‬ال ال‪ ".‬أجابته أ ُ ّمي‪" .‬سنفعل ذلك الحقًا عندما تكون أكبر"‪.‬‬
‫ثم فهمت‪ .‬لقد َكانَ يتكلَ ْم عن البتر التناسلي لإلناث (ختان اإلناث)‪ .‬أراد أن يتناول شفرة‪ ،‬ويبتر‬
‫ي شديد؛ كحمم البركان‪ ،‬والذي لَ ْم أ َ ُك ْن أدري أَنّي ال‬ ‫غضب دفاع ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫مالكي الصغيرة‪ .‬انفجر مني‬
‫أزال أمتلكه‪ .‬لَ ْم ت َ ُك ْن لي أبدًا الشجاعة للدفاع عن نفسي‪ ،‬لَ ِكنّي ُك ْنتُ مستعدة للقفز من النافذة مع‬
‫ابنتي كي أبعدها عنه؛ لكن إجابة أ ُ ّمي منحتني بعض الوقت‪.‬‬

‫"هل أنت متأكدة؟ األفضل أن نفعل ذلك ً‬


‫حاال‪ .‬لَ ْن أقبل أن تكون ابنتي غير مط َّهرة"‪.‬‬
‫صر ونفعل ذلك في أقرب وقت ممكن"‪.‬‬ ‫وف نأخذها إلى ِم ْ‬
‫س َ‬‫قالت أ ُ ّمي‪" :‬نعم نعم‪َ .‬‬

‫وف أحارب من أجل ابنتي‪ .‬قررت أ َ ْن‬ ‫س َ‬ ‫شعرت بضرورة التصرف العاجل؛ لقد علمتُ أَنّي َ‬
‫وف أحرص على أن تكون حرة منهما‬ ‫س َ‬ ‫أخرجها من هذا البيت؛ قبل أن يتمكنا من إيذائها‪َ .‬‬
‫كليهما قبل َحتّى أن تصير كبيرة على نحو يكفي؛ ألن تحتفظ بذكريات عن هَويتيهما‪.‬‬

‫المرة األخرى الوحيدة التي قال فيها شيئًا عن ابنتي‪َ ،‬كانَ كال ًما له ٌ‬
‫قدر مسا ٍو من الشناعة‪ .‬لقد‬
‫ردَّدَ سجعًا لها عندما رآني أُغ ِيّر لها مالبسها‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪151‬‬
‫‪68‬‬
‫"البس جديدًا وعش حميدًا ومت شهيدًا"‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ما عالقة ارتداء المالبس الجديدة بالموت شهيدةً؟ وثانيًا‪ :‬ال تتحدث عن موت ابنتي!‬
‫ُك ْنتُ ُُ جدَّ غاضبةٍ‪ ،‬وخائفة‪ ،‬ومنزعجة‪ ،‬وحزينة بسبب تلك الكلمات الغبية‪ .‬فعلت ُك ّل ما بوسعي‬
‫لتفادي تغيير مالبسها أمامه‪ .‬منذ ذلك الوقت رأيت ڤيديوهات ِلرجال يرسلون أطفالهم ‪-‬كحصان‬
‫طروادة‪ -‬ليموتوا "شهدا َء" في تفجيرات انتحارية‪ .‬هذه سلطة غسل الدماغ‪ .‬إنها تتغلب على‬
‫دوافعك الطبيعية الغريزية البشرية الخاصة بالحب‪ ،‬والتعاطف‪ .‬إنها تتطلب منك أن تتصرف‬
‫أن هذا ما يريده هللا‪ .‬عليك أن تتغلب على‬ ‫بطريقة الأخالقية‪ ،‬وفاسدة تجاه أطفالك؛ بزعم َّ‬
‫غرائزك األكثر أساسيةً التي تدعوك إلى حماية طفلك؛ َحتّى تلبي مطالب الدّيْن‪ ،‬مثل قصة‬
‫جنون‪ .‬لَ ِك َّن هذه الفعلة‬
‫ٌ‬ ‫إبراهيم؛ الذي َكانَ مستعدًّا لذبح ابنه ألجل هللا‪ .‬هذه ليست فضيلةً؛ بل‬
‫ي رب متعطش للدماء؛ مجنون يطلب مطلبًا‬ ‫ث ديانات عالمية‪ .‬أ ّ‬‫جوهر ثال ِ‬
‫َ‬ ‫ت للغاية‪ ،‬ومثَّلَ ْ‬
‫ت‬ ‫بُ ِ ّجلَ ْ‬
‫تصو ِره‪ .‬لَ ِك َّن‬
‫ُّ‬ ‫كهذا من مخلوقاته؟ كأنَّها لقطة من أحد أكثر األفالم رعبًا‪ ،‬مخيف جدًّا َحتّى في‬
‫هذه قمة الفضيلة [في نظر تلك األديان؟‪ :‬أن تكون مستعدًّا للتضحية بابنك هلل‪.‬‬

‫سميت ابنتي على اسم أ ُ ّمي‪َ .‬كانَت اخر محاولة لي للفوز بحبها‪ُ .‬ك ْنتُ في أقصى درجات اليأس‬
‫عندما فعلت ذلك‪ُ .‬ك ْنتُ قد حاولت ُك ّل شيء لجلبها الى صفي؛ يجب أن تنجح هذه المحاولة؛‬
‫أن أ ُ ّمي ستكون أحن عليها إذا حملت نفس‬ ‫ندمت على ذلك في الحال؛ لَ ِكنّي أقنعت نفسي بتبرير َّ‬
‫إسمها‪ ،‬و ُك ْنتُ محقة‪َ .‬كانَ هذا غرور أ ُ ّمي؛ حيث أنَّها فضلت ابنتي بفظاظة على نفس النحو الذي‬
‫بدال من أن أبتهج برؤية بنات أختي يُ ْنزَ ْلنَ إلى‬ ‫قاس؛ ً‬
‫قدر ٍ‬
‫ي؛ يا له من ٍ‬ ‫َكانَت تفضل أختي به َ‬
‫عل َّ‬
‫ت من المرتبة الثانية عند أ ُ ّمي‪ُ ،‬ك ْنتُ متقززة‪ .‬لم أرد البنتي أن تحس بالترفُّع على بنات‬ ‫حفيدا ٍ‬
‫ق تجرب ٍة كيف كن‬ ‫خالتها‪ ،‬وانفطر قلبي ألولئك الفتيات الصغيرات‪ ،‬ألَنّي أعلَ ْم شخصيًّا عن ساب ِ‬
‫يشعُ ْرنَ بالضبط‪.‬‬

‫ُك ْنتُ معتادة على تحيُّري بين رغبتي في أن تحبني أ ُ ّمي‪ ،‬ورغبتي في االبتعاد عنها بأقصى‬
‫قدر ممكن‪ .‬لكن في تلك األيّام ُك ْنتُ أ ُ ّميل إلى االبتعاد عنها‪ .‬عندما حملت ابنتي بين ذراع َّ‬
‫ي؛‬

‫"الكتى" (‪ ، )10070‬ر ز‬ ‫ز‬ ‫ز ز‬ ‫‪68‬‬


‫والتار‬ ‫ً َ‬ ‫َر‬ ‫"الكبت" (‪ ، )13127‬والنسان ف‬ ‫والطتان ُف َ‬
‫ر‬ ‫وأحمد َ(‪ ، )5620‬وابن حبان (‪)6987‬‬ ‫َ‬ ‫روى ابن ماجة (‪،)3558‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫اَلل صىل هللا علي ِه وسلم‪ :‬رأى عىل عمر ق ِميصا أبيض‬ ‫اق قال‪ :‬أنبأنا م ْعم ٌر‪ ،‬ع ِن الزه ِري‪ ،‬عن ْ س ِال ٍم‪ ،‬ع ِن اب ِن عمر‪ ،‬أن رسول ِ‬‫(‪ )6005‬من طريق ع ْبد الرز‬
‫ً‬ ‫ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ َْ ِ ٌ‬
‫فقال‪( :‬ث ْو ُبك هذا غ ِسيل أم ج ِديد؟) قال ًل‪ ،‬بل غ ِسيل قال ( البس ج ِديدا‪ ،‬و ِعش ح ِميدا‪ ،‬ومت ش ِهيدا ) والحديث حسنه صححه بعضهم وأعله‬
‫‪/‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫‪:‬‬
‫إطالة عىل القارئ هنا‪ ،‬لكن زف اآلداب والزهد والرقائق يأخذ السنة باألحاديث ح ّن من يضعفها منهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وضعفه آخرون بال‬
‫ً‬ ‫حربا دفاعية أو ً‬ ‫شهيدا زف حرب ضد الكفار‪ ،‬سواء أ َكانت ً‬ ‫ً‬ ‫ز‬
‫ًّ‬
‫هجوميا‪ ،‬أقض أمانيه! والنصوص‬ ‫فتحا واحتالًل‬ ‫السلف والجهادي الموت‬ ‫بالنسبة لل ُم ْس ِلم‬
‫ز‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫القرآنية واألحاديث المحمدية عند السنة والشيعة االثناعشية كثتة ف ذلك‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪152‬‬
‫أخيرا ُك ّل شيء من منظور مختلف‪ .‬فجأة ً‬ ‫ً‬ ‫وأحسستُ بذلك الحب الجارف الغريب‪ ،‬صرت أرى‬
‫لَ ْم أقدر على تصور كيف أل ُ ّمي أن تكون بمثل تلك القسوة معي طوال تلك السنين‪ .‬ما ُك ْنتُ‬
‫ي شيء؛ َحتّى حياتي! كيف أمكنَ لها فعل ُك ّل تلك‬ ‫ألتردَّدَ في الدفاع عن ابنتي دون اعتبار أل ّ‬
‫حرك ساكنًا بينما َكانَ الرجال الذي تُد ِْخلُهم في حياتي يعذبونني؟‬
‫األشياء لي؟ كيف أمكن لها َّأال ت ُ ّ‬
‫كيف أمكن لها أال تحميني؟‬

‫صتُ إلى أنَّه ال يمكن أن تكون قد شعرت بنفس شعوري الذي شعرته تجاه ابنتي؛ لَ ْم أ َ ُك ْن‬ ‫خل ُ ْ‬
‫متأكدة ً من السبب؛ لست متأكدة ً هل ُك ْنتُ أنا السبب أم هي‪ .‬لكن كيف يمكن أن أكون أنا السبب؟‬
‫ُ‬
‫ي الحقًا‪،‬‬ ‫عل َّ‬ ‫ي شيء وأنا طفلة‪ .‬لقد أ ْل ِق َ‬
‫ي اللوم َ‬ ‫ُك ْنتُ طفلة‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن باإلمكان لومي على أ ّ‬
‫باطال‪ ،‬وأنَّها حت ًما لَ ْم تشعر قط هذا بمثل هذا‬ ‫ً‬ ‫أن ُك ّل ذلك َكانَ‬ ‫اللوم‪ .69‬لَ ِكنّي اآلن أفهم َّ‬
‫َ‬ ‫ط ْنتُ‬‫واست ْب َ‬
‫الشعور األمومي نحوي‪ .‬ال يمكنك أن تشعري بهذا الشعور؛ ثم تفقدينه بعد بضع سنوات‪ .‬هذا‬
‫حب مغ ٍيّر للحياة‪ ،‬والروح‪ ،‬وعميق‪ ،‬وغير مشروط‪ .‬لَ ْم أتسبب في كرهها لي؛ بطبيعتي الذميمة‬
‫كما أقنعتني هي؛ لَ ْم تَ ُك ْن لي الفرصة أبدًا‪ .‬إنها لَ ْم تحبني قط منذ البداية‪.‬‬

‫حاجة لمثت ر‬
‫خارح‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫داخليا دون‬ ‫ينبع من داخلها‪،‬‬ ‫‪ّ 69‬‬
‫أي صار اللوم ُ‬
‫ٍ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪153‬‬
‫القاعدة‬
‫ي منهما َكانَ‬ ‫ُك ْنتُ ال أزال عالقةً مع أ ُ ّمي‘ والوحش الذي أرغَمتني على الزواج منه‪ .‬لَ ْم أدر أ ّ‬
‫األسوأ؛ ألنَّهما بدوا كأنَّهما يتبادالن األدوار‪ .‬الوقت الوحيد الذي َكانَت خاللَه تُصبح الحياة‬
‫تعاضدان؛ ُكنتُ أنا أُجلَد‪،‬‬ ‫ُمحت َملةً؛ َكانَ عندما يُغادران المنزل لسبب‪ ،‬أو آلخر‪ .‬طالما كانا ُم ِ‬
‫وتو َجهُ لي لَ َكما ِ‬
‫ت تَندُّر ِهما‪.‬‬

‫عزَ ْوتُ ‪ 70‬ذلك إلى َكو ِنهما يَتكلَّمان‬ ‫َكانَ ِكال ُهما ُمتالزمين على نح ٍو غير ُمعتاد؛ في البداية َ‬
‫فليخرجا‬
‫ُ‬ ‫ي ِ حا ٍل؛‬
‫ي ٍ منهما على أ ّ‬ ‫نفس اللغة‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن مهتمةً ‪-‬في الحقيقة‪ -‬بتمضية الوقت؛ مع أ ّ‬
‫سرا ذات‬ ‫معًا‪ ،‬ويبتعدا عني؛ لقد ُك ْنتُ سعيدة ً بقضاء الوقت مع رضيعتي‪ .‬لذلك عندما حدَّثني ًّ‬
‫ليلة‪ ،‬وقال لي أنَّه يريد أن ننتقل من البيت مع رضيعتنا؛ ُك ْنتُ متفاجئةً حقًّا‪.‬‬
‫صا صال ًحا"‬
‫مك ليست شخ ً‬ ‫"أ ُ ِ‬
‫حسنًا‪ ،‬نعم‪ .‬أنا أعرف ذلك‪ .‬لكن كيف عرف هو هذا؟‬
‫صيص زرعٍ واحدٍ"‪.‬‬ ‫"ما الذي تتحدث عنه؟ إنكما متالزمان دائ ًما كحبتي بازالء في إ ّ‬
‫ت أن نكون متقاربين‪ .‬أنت‬ ‫ي أنا‪ ،‬وأن ِ‬ ‫عل َّ‬
‫"وهذا خطأ‪ .‬ال يجب علينا أن نكون هكذا؛ يجب َ‬
‫زوجتي‪ ،‬وليست هي"‪.‬‬

‫أن أ ُ ّمي؛ ‪-‬وقد تجاوزَ ت الخمسين‪-‬؛‬


‫َكانَ هناك شيء غريب يحدث بالفعل‪ ،‬ال شك في ذلك‪ .‬إذ َّ‬
‫قررت أن تبدأ في لبس النقاب؛ َكانَت على نحو واضح جدًّا تحاول إرضا َءه‪ .‬لقد َبدوا أشبه‬
‫بالزوجين‪ ،‬أ َّما أنا فهي‪ :‬الطبَّاخة‪ ،‬وال ُم ِ ّ‬
‫نظفة‪ ،‬وال ُمربية‪.‬‬

‫ألن أ ُ ّمي َكانَت معي عند إنجابي طفلي األول‬ ‫في العادة‪َ ،‬كانَ الناس سيقولون أَنّي محظوظة؛ َّ‬
‫ستعتقدون ذلك‪ ،‬لَ ِك َّن األمر لَ ْم يَ ُك ْن كذلك؛ فقد َكانَت أ ُ ّمي عبئًا إضافيًّا‪َ .‬كانَت ُمتَ ِ‬
‫طلّبة مثله تما ًما‪.‬‬
‫أن تكونَ في‬ ‫هائال لخدمة كليهما‪ ،‬و َكانَت ابنتي‪-‬بالنسبة إليهما‪ -‬يُتوقَّع دائ ًما ْ‬ ‫ً‬ ‫ُك ْنتُ أبذل جهدًا‬
‫المرتبة الثالثة‪.‬‬

‫َّ ْ ُ‬ ‫‪ 70‬عز ْوت‪ْ :‬‬


‫فشت‪ ،‬عللت‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪154‬‬
‫قررتُ َقبو َل عرضه واالنتقال من‬ ‫طالما بَ ِقيا في هذا التحالف الملعون؛ فقد ُك ْنتُ في ورطة‪َّ .‬‬
‫فسوف أتم َّكن ِمنَ التعامل مع ك ٍّل‬
‫َ‬ ‫ألن ذلك سي َفرقهما‪ .‬فكرت أَنّي إذا تم ُك ْنتُ من فص ِل ِهما؛‬
‫البيت؛ َّ‬
‫وأن تجنب أ ُ ّمي والفَكاك منها أسهل من تَجنبه هو‪َ .‬خلُصت إلى أنَّه؛ حالما‬ ‫منهما على حدة‪َّ ،‬‬
‫سيمكنّي ‪-‬بطريقة ما‪ -‬أن أنتق َل إلى جانبها‪.‬‬ ‫فَ َّرقتُ بينهما‪ ،‬ف َ‬

‫ظننت أنها ستغضب‪ ،‬أو تشعر باإلهانة‪ ،‬أو الجرح؛ لَ ِكنّي‬ ‫أخبرت أ ُ ّمي أنه يريد أن يبتعد عنها‪َ .‬‬
‫لَ ْم أ َ ُك ْن مستعدة لرد فعلها االنفجاري على ذلك النحو؛ لقد استشاطت غَضبًا؛ بطريقة تثير الع َج َ‬
‫ب؛‬
‫َحتّى بالنسبة إلى إمرأة تَفقد صوا َبها على نح ٍو ُمنتظم‪َ ،‬و ُمتكرر مثلها‪.‬‬

‫يغضب مني؛ ألَنّي أخبرتها؛‬


‫َ‬ ‫صبَّت َجام غض ِبها عليه‪ .‬توقَّعت أن‬ ‫إن عاد الى المنزل؛ َحتّى َ‬ ‫ما ْ‬
‫إلخبارها بنفسه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لَ ِكنَّه لَ ْم يفعل؛ بل َكانَ سعيدًا لذلك‪ ،‬ألنَّه لَ ْم يُض َ‬
‫ط ّر‬

‫منزال بالفعل‪ ،‬و‬‫ً‬ ‫قال لي‪" :‬سوف أبيت في منز ِل َع ْم ٍرو الليلة‪.‬؛ اجمعي ُك َّل متا ِعنا؛لقد وجدتُ‬
‫نستطيع المغادرة غدًا"‪.‬‬
‫ُ‬
‫يحدث بينهما‪.‬‬ ‫خطيرا كانَ‬‫ً‬ ‫أمرا‬
‫أن ً‬ ‫غدا؟ يبدو َّ‬
‫هناك ليس َمعها؛‬
‫َ‬ ‫وتصرخ؛ مع أنَّه؛ لَ ْم َي ُك ْن‬
‫ُ‬ ‫ذرع الغرفة‪ ،‬وتشتِم‪،‬‬ ‫واستمرت أ ُ ّمي ت َ َ‬
‫َّ‬ ‫غادر مجددًا‪،‬‬
‫َ‬
‫حض َر لها كوبًا من الماء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فهر ْع إلى المطبخ؛ كي أ ِ‬ ‫تُ‬ ‫فأكثر؛ َ‬
‫َ‬ ‫أكثر؛‬
‫سعالها َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ثم بَدأت تسعُل‪ ،‬واشتد ُ‬
‫وعندما عدت َكانَت منحنية على حوض الحمام‪ ،‬وهي تَسعُل د ًما‪ ،‬وفي نفس الوقت َكانَ الد ُم‬‫ً‬
‫ينزف من أن ِفها‪ .‬حدَّقتُ بها‪ ،‬وبيدي كوب الماء‪ ،‬وأنا غير قادرة على الحركة‪ .‬استطاعت في‬ ‫ِ‬
‫النهاية أن تغُ َّق (تُبق ِبق) بصعوبة بين نوبات السعال قائلةً‪:‬‬
‫"‪"!911‬‬
‫ضتُ إلى الهاتف في‬ ‫ص ِع ْقتُ ؛ ألَنّي لَ ْم أ َ ُك ْن قد رأيتُ من قَ ْب ُل قط؛ هذه الكمية من الدم‪ .‬ر َك ْ‬ ‫ُ‬
‫األسفل؛ ثم عدت إليها مسرعةً‪ ،‬ثم مرة أخرى إلى األسفل‪ ،‬ثم إلى األعلى‪ ،‬ال أعرف كم مرة ً‬
‫برقم اإلسعاف‪.‬‬ ‫الهاتف‪ ،‬واتَّصل ِ‬
‫َ‬ ‫فعلتُ ذلك قبل أن أتوقف في النهاية‪ ،‬وأُمسك‬

‫أغادر المنز َل من دو ِنه قط من قَ ْبلُ‪.‬‬


‫ْ‬ ‫صلت سيارة االسعاف ألخذها؛ تردَّدَتُ ؛ فأنا َل ْم‬‫عندما َو َ‬
‫أن هذه حالة طارئة‪ ،‬ور َج ْوتُ أنَّه‬ ‫هل يُ ْس َم ُح لي بالذهاب معها؟؛ هل سأكون في ورطة؟؛ خ َّمنَتُ َّ‬
‫ي ِ حال‪ .‬ركبت‬ ‫أن هناك احتماليةً كبيرة ً أنه لَ ْن يتَفَّهم؛ لَ ِكنّي خاطرتُ على أ ّ‬
‫سيتَفَّهم؛ لقد أدركتُ َّ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪155‬‬
‫معهم أنا‪ ،‬ورضيعتي في سيارة اإلسعاف‪ .‬عندما وصلنا الى المستشفى سارعوا بأ ُ ّمي‪ ،‬وتركونا‬
‫لس في غرفة االنتظار‪.‬‬ ‫أنا‪ ،‬وابنتي ن َْج َ‬
‫يقترب منَّا َر ُجلٌ‪ ،‬وإمرأة‪.‬‬
‫َ‬ ‫كثيرا هناك؛ قبل أن‬ ‫لَ ْم يَ ِطل بنا الوقت ً‬
‫همس‪.‬‬ ‫"هل أنت ياسمين؟"؛ سألتني المرأة بلطفٍ ‪ ،‬وهي تكاد ت َ ِ‬
‫أخبارا عن أ ُ ّمي؛ فبدأتُ أسأل؛ عن سبب شروع النزيف لَدَيها فجأة ً‬ ‫ً‬ ‫أن لَدَيهما‬
‫افترضتُ ؛ َّ‬ ‫"نعم"‪َ .‬‬
‫بهذه الطريقة‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫قالت لي‪" :‬ال‪ .‬نحن من السي إس آي إس‪".‬‬
‫أن ذلك؛ اسم جناح في المستشفى‪.‬‬ ‫ضةً َّ‬ ‫"هل أخرجوها من قسم الطوارئ؟ "؛ سألتُ ؛ ُم ِ‬
‫فتر َ‬
‫اختصار جهاز االستخبارات األمنية الكندي"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫"ال‪ .‬سي إس آي إس؛ هو‬
‫صدينه؛ ما الذي يحدث؟"‪.‬‬ ‫"ال أدري ما الذي تق ُ‬
‫الر ُجل‪" :‬إنها مثل السي آي إيه‪ ،‬هي مثل السي آي إيه الكندية"‪.‬‬ ‫أجابني َ‬
‫"أوه‪ .‬لَ ْم أدر أن لَدَينا واحدة"‪.‬‬
‫ُك ْنتُ ما زلت ال أفهم لماذا َك ُمنَا لي هكذا في المستشفى‪ .‬فسألتُهما‪" :‬هل ارتكبتُ خطأً؟ ِل َم أنتما‬
‫‪72‬‬

‫هنا؟"‬
‫إليك منذ وقت طويل‪ ،‬ولَ ْم نجد الفرصة قط ؛لإلنفراد‬ ‫معك‪ .‬لَ ِكنَّنا أرد ْنا أن نتحدث ِ‬ ‫ِ‬ ‫"ال‪ ،‬ال مشكلةَ‬
‫أخيرا للتحدث معك"‪.‬‬
‫ً‬ ‫بك‪ .‬نحن في الحقيقة سعيدون جدًّا بالحصول على هذه الفرصة‬ ‫ِ‬
‫"عن ماذا؟"‬
‫"هل سيأتي زو ُجك إلى المستشفى؟"‬
‫ي شيء؟‬ ‫ف َّك ْرتُ ‪ :‬زوجي؟ ما عالقته بأ ّ‬
‫ق له‪".‬‬ ‫وف يبيت في منز ِل صدي ٍ‬ ‫س َ‬
‫"ال‪َ .‬‬
‫َكانَ هذا قبل أن تصير الهواتف المحمولة منتشرة ً مألوفةً‪ُ .‬ك ْنتُ قد تركت له ورقةً في البيت في‬
‫رقم هاتف صدي َقه‪.‬‬ ‫حال إن عادَ قَب َلنا؛ إذ لَ ْم َي ُك ْن لَدَي َ‬
‫"إذن فهو ال يعلَ ْم أنَّك هنا؟"‬
‫"ال‪ .‬إال إذا رجع إلى المنزل‪ ،‬و قرأ الورقة"‪.‬‬

‫َ‬ ‫‪71‬‬
‫اختصار‪ :‬جهاز (أو خدمة) االستخبارات األمنية الكندي ‪Canadian Security Intelligence Service‬‬
‫كمن‪ :‬ترصد‪ ،‬ترقب‬‫‪ُ 72‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪156‬‬
‫‪73‬‬
‫في رضيعتي النائمة في مهدها ذي العجالت‪،‬‬ ‫تحدَّثا بصوت خافت معًا؛ بينما كنت أحدِّق‬
‫متسائلةً هل ستعيش أ ُ ّمي؛ أم ستموت‪.‬‬

‫ت إلى ُ‬
‫غرف ٍة منزوي ٍة نتحدث‪ ،‬وسيبقى شريكي هنا‪ .‬إذا جاء زو ُجك‬ ‫"حسنًا‪ .‬سنذهب أنا‪ ،‬وأن ِ‬
‫وف يأتي ليخبرنا‪ .‬اتفقنا؟"‬
‫س َ‬ ‫ف َ‬
‫أجبتُها‪" :‬حسنًا"‪.‬‬
‫لَ ْم ت َ ُك ْن لَدَي أدنى فكرة عما يحدث‪َ ،‬ل ِكنّي ما ُكنتُ أشك في ضابط من السي إس آي إس (جهاز‬
‫االستخبارات األمنية الكندي)‪.‬‬

‫قادتني أنا‪ ،‬ورضيعتي النائمة إلى غرف ٍة أخرى‪ .‬وشرحت لي أ َ ّني متزوجة من عضو في‬
‫تنظيم القاعدة‪ .‬لَ ْم يَ ُك ْن لَدَي فكرة عما يعنيه ذلك‪َ .‬كانَ هذا قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر‪،‬‬
‫ولَ ْم َي ُك ْن العالَ ْم الغربي عمو ًما عارفًا بتلك المجموعة‪ .‬سألتني ُك ّل أنواع األسئلة‪ ،‬ولَ ْم أستطع‬
‫ي مرة‪ ،‬فنظرتُ إلى‬ ‫اإلجابة عن أغلبها؛ ثم سألتني إن ُك ْنتُ قد سم ْعتُ باسم أسامة بن الدن في أ ّ‬
‫عينيها بنظرةٍ خاطفة‪.‬‬
‫"هل ذكر ذلك االسم؟"‬
‫"حسنًا‪ ،‬لقد وجد مرة مجلَّة بها صورة أسامة بن الدن‪ ،‬واضطرب لذلك حقًّا‪ .‬سألني عن سببي‬
‫امتالكي للمجلة‪ ،‬وع َّما إذا ُك ْنتُ أعرف من ذلك الشخص؛ ثم طلب مني التخلص منها بأسرع ما‬
‫يمكن‪ .‬ل ْم أعرف ِل َم َكانَ يتصرف بتلك الطريقة المبالَغ فيها؛ بدا كأنَّه يته ُمني بشيء ما"‪.‬‬
‫ضا ِل َم تسألني هذه المرأة من جهاز االستخبارات األمنية الكندي عن بن الدن‪.‬‬ ‫لَ ْم أدر أي ً‬
‫ي شيء آخر؛ لَ ْم نتكلَ ْم عنه قد يكون مه ًّما"‪.‬‬ ‫إن كانَ هناك أ ّ‬ ‫"حسنًا حاولي تَذ ُّكر؛ ْ‬
‫ً‬
‫أصال ما الذي نتكلَ ْم عنه"‪.‬‬ ‫"ال أدري ما المهم‪ .‬ال أدري‬
‫أنك سمعتِه؟"‬
‫ي شيء يُحتمل ِ‬ ‫ي أصدقاء آخرين لَ ْم تذكريهم؟ أ ّ‬ ‫ي شيء‪ .‬أ ّ‬‫"أ ّ‬
‫نادرا‪ ،‬وهو دائم الخروج‪ ،‬ودائ ًما يقضي‬ ‫"ال أعتقد ذلك‪ .‬هو ال يُحضر أحدًا معه إلى البيت إال ً‬
‫الوقت في بيت صديقه عمرو‪ .‬أحيانا يمضي أيّا ًما هناك"‪.‬‬
‫لَ ْم يكونوا مهتمين بـ عمرو البتةَ‪.‬‬
‫حدث ُك ّل ذلك؟"‬
‫َ‬ ‫"من أين يأتي بالنقود؟ لقد أنشأ شركة للتو‪ ،‬فكيف‬

‫َّ‬
‫‪73‬حدق‪ :‬تمىل وأمعن النظر‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪157‬‬
‫عاطال عن العمل عندما تزوجته‪ .‬أرسلت سيرته الذاتية عشوائيًّا‬ ‫ً‬ ‫"ليست َلدَي أدنى فكرة‪َ .‬كانَ‬
‫ل ُك ّل الشركات‪ ،‬وفي النهاية اتصل به مستودع أطعمة بحرية‪ .‬هو يعمل هناك منذ بضعة أشهر‪.‬‬
‫ي شيء في الحقيقة عن الشركة‪ .‬ما أعرفه فقط َّ‬
‫أن اسمها "فور يو إنتربرايزس"‪.‬‬ ‫ال أعرف أ ّ‬
‫ي مهارات تعرفينها؟ ما مجال نشاط شركته؟"‬ ‫"هل لَدَيه أ ّ‬
‫"ال أعرف‪ .‬هو ليس متعل ًما جيدًا"‪.‬‬
‫"كيف تعرفين ذلك؟"‬
‫أن إنچليزيته لَ ْم تَ ُك ْن جيدة‪ ،‬لَ ِكنّي رأيته يكتب اسمه بالعربية ذات مرة‪ ،‬وبدا كأنَّما كتبه‬‫"أعلَ ْم َّ‬
‫طفل‪َ .‬حتّى أَنّي أكثر َمقدِره منه؛ على الكتابة‪ ،‬والقراءة بالعربية"‪.‬‬

‫لَ ْم ت َ ُك ْن لَدَي أدنى فكرة عن نوع نشاط شركته الذي بدأ فيه‪ ،‬أو من أين أتى بماله‪َ .‬كانَت وظيفته‬
‫تدفع الحد األدنى من األجور‪َ ،‬ل ِكنَّه بطريقة ما َكانَ دائ ًما معه مال‪َ .‬كانَ دائما يقول "‪ "911‬في‬
‫أن هذا غريب على نح ٍو كافٍ كي أسأله‬ ‫ت عا ٍل مع أصدقائه ثم يضحك‪ .‬ظننتُ َّ‬ ‫الهاتف بصو ٍ‬
‫كثيرا ما يفعل‪ .‬هكذا َكانَ يصرفني بإشارة تعني (إلى‬ ‫ً‬ ‫عنه‪ ،‬فأشار إلى الباب بإصبعه؛ كما َكانَ‬
‫الخارج)‪ ،‬مثلما تُز َجر حشرة‪.‬‬

‫لَ ْم أُخبرها حول حكاية (‪ )11/9‬الغريبة ألنَّها لَ ْم تبدُ مسألة مهمة آنذاك‪ْ .‬‬
‫لكن أدرك اآلن أنَّها‬
‫َكانَت ُمهمةً للغاية‪ ،‬لَ ِكنّي أشك أنَّهم َكانَوا سيتمكنون من ربط األمور ببعضها؛ على أ ّ‬
‫ي حال‪.‬‬

‫الر ُجل الذي‬ ‫ي معلومات أخرى أُقدمها ‪،‬أخبرتني َّ‬


‫أن َ‬ ‫يأ ّ‬‫عندما صار واض ًحا أَنّه لَ ْم تتبقَ لَدَ َّ‬
‫سفر سعودي ٍ ُمزيف؛ َّ‬
‫ألن جوازه‬ ‫ٍ‬ ‫تزوجتُ منه دخل كندا؛ كالجئ من أفغانستان ُمستخد ًما؛ جوازَ‬
‫صر‬‫صرية اعتبرته إرهابيًّا‪ .‬أرسلت ِم ْ‬ ‫الم ْ‬
‫ألن السلطات ِ‬ ‫صري َكانَ في القائمة الحمراء؛ ذلك َّ‬ ‫الم ْ‬
‫ِ‬
‫القبض عليه‪ ،‬بل أرادوا‬
‫َ‬ ‫مذكرة للقبض عليه‪ ،‬لَ ِك َّن جهاز االستخبارات األمنية الكندي لَ ْم ي ُِر ْد‬
‫معرفة خطته‪ ،‬وسبب مجيئه إلى كندا‪.‬‬

‫صرية‪ ،‬واستجوبته‪َّ ،‬‬


‫وأن ذلك‬ ‫الم ْ‬
‫صا عن أبيه؛ الذي أوقفته الشرطة ِ‬ ‫أتَذَ َّكر أنَّه َكانَ يخبرني قص ً‬
‫صرية له؛ فأجاب‬ ‫الم ْ‬
‫صر‪ .‬سألته عن سبب مالحقة الشرطة ِ‬ ‫سبب عدم قدرته على العودة إلى ِم ْ‬‫ُ‬
‫ي شيء؛ يجعل‬ ‫َ‬ ‫أن ُمبارك مجر ٌم‪ ،‬وديكتاتور‪َّ ،‬‬
‫وأن الحكومة بأكم ِلها فاسدة‪ ،‬ول ْم يذكر قط ارتكابَه أ َّ‬ ‫َّ‬
‫السلطات تهتم بشأنه‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪158‬‬
‫مت ُمبارك في بيتك‪ ،‬وسمعك‬‫صر؛ إذا شت َ َ‬‫ش ٌر خطير؛ ففي ِم ْ‬ ‫لكن في النهاية َل ْم َي ُك ْن هذا ُمؤ ِ ّ‬
‫عليك في اليوم التالي‪ .‬لذلك لَم يَ ُك ْن مفاجئَا لي؛ أن يكون جهاز الشرطة فاسدًا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫جارك؛ فقد يُقبَض‬
‫َكانَت البالد كلها فاسدة‪.‬‬

‫ي أن أكون أكثر خوفًا‪ ،‬ورهبةً منه؛ لَ ِكن لَ ْم يَ ُك ْن لَدَي فكرة عن القُدرات الحقيقية‬ ‫َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫للقاعدة‪ ،‬أو ما على شاكلتها‪َ .‬كانَ هناك الكثير من الذين يريدون أن يصبحوا مجاهدين في العالَ ْم‬
‫اإلسالمي و َكانَوا دائ ًما يصيحون‪" :‬الموت ألمريكا"‪ ،‬ويتذمرون من أن الناس ليسوا متدينين بما‬
‫صر‪ .‬إنك تعرفهم من تلك اللحية الشعثاء (بدون شارب)‪،‬‬ ‫شت َّى أنحاء ِم ْ‬
‫فيه الكفاية‪ .‬رأيتهم في َ‬
‫والسراويل المرتفعة بمقدار بوصة فوق كعوبهم‪ ،‬فهم يلبسون كما َكانَ الرسول ُم َح َّمد يلبس‪ .‬لَ ْم‬
‫يَ ُك ْن أحد يأخذَهم على محمل الجد‪َ .‬كانَوا في العادة َجهلَة؛ و منبوذين من بقية المجتمع‪َ .‬كانَ لَدَيهم‬
‫ُدركون (أو ال‬ ‫وألن الناس ال ي ِ‬‫َّ‬ ‫كثير من الغضب ‪،‬واإلحباط؛ كونهم يشعرون أنَّهم أكثر صال ًحا؛‬
‫ضا‪ ،‬ألنه‬ ‫بحذر أي ً‬
‫ٍ‬ ‫ظ َمتِهم؛ فقد َكانَ الناس َيسخَرون منهم؛ لَ ِكنَّهم َكانَوا يتعاملون معهم‬ ‫يعترفون) ب َع َ‬
‫ضا ألولئك‬ ‫معروف عنهم سرعة الغضب‪ .‬وألكون صادقة َكانَ هنالك كثير من االحترام أي ً‬
‫الرجال اآلخذين دينهم على محمل الجد للغاية‪ ،‬فذلك يجعل ال ُم ْس ِل ْمين اآلخرين يشعرون بالخجل؛‬
‫ألنَّهم ليسوا بنفس الدرجة من اإلخالص‪ ،‬والتديُّن‪ .‬هدفهم أن يضحوا بحياتهم هلل في تفجير‬
‫ي‬ ‫انتحاري أو شيء مشابه‪ .‬يتركز أغلبهم في فلسطين كجزء من تنظيم حماس‪ ،‬ويجتمعون في أ ّ‬
‫م َكانَ يوجد فيه ُم ْس ِل ْمون في حرب مع غيرهم‪ ،‬بحثًا عن فرصة لالستشهاد‪ .‬لَ ِك َّن أيًّا من ذلك لَ ْم‬
‫يَ ُك ْن يهم كندا‪ .‬لَ ْم تَ ُك ْن لَدَيهم أ ّ‬
‫ي قوة هنا‪.‬‬

‫طفال عاش مع‬ ‫ً‬ ‫سألته الحقًا عن سبب ذهابه إلى أفغانستان من األصل‪ .‬أخبرني أنَّه عندما َكانَ‬
‫صر‪ .‬ثم عندما صار مراهقًا حصل والده (مهندس) على وظيفة جيدة‪،‬‬ ‫أسرته في أفقر مناطق ِم ْ‬
‫فانتَقلوا للعيش في حي خاص بطبقة اجتماعية أعلى‪ .‬الفروقات‪ ،‬والتمييز بين طبقات المجتمع في‬
‫ضا على مستوى اللغة‪ ،‬والسلوك‪ ،‬و ذوق‬ ‫صر صارخ‪ .‬الفوارق ليست فقط جغرافية‪ ،‬بل أي ً‬ ‫ِم ْ‬
‫المالبس؛ َكانَ ُك ّل شيء مختلفًّا بشدةٍ‪ .‬وجد عصام صعوبة في التأقلم مع الشباب األغنياء؛ الذين‬
‫سخروا منه بسبب أصوله الفقيرة‪َ .‬كانَ منبوذًا بين أقرانه ؛ فت َ َّم التواصل معه ِمن ِقبَل الجهاديين‪.‬‬
‫شروه َّ‬
‫أن‬ ‫‪-‬وهذه قصة شائعة في كيفية تجنيد األشخاص في الجماعات اإلرهابية والعصابات‪ .-‬بَ َّ‬
‫قدَ َره؛ أسمى من أقدار الذين يتنمرون عليه‪ .‬وهو أن يذهب إلى مواضع في الجنة ال يد ُخلها إال‬
‫ض ْوهُ برسالتهم البسيطة ذات الغرض‪ ،‬وصار‬ ‫األبرار الذين ماتوا في سبيل هللا‪ .‬احتضنوه‪ ،‬وأر َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪159‬‬
‫عضوا في نادي‪ ،‬أو مجموعة شباب ذوي عالقة متماسكة‪ .‬صارت لَدَيه ُك ّل الرفقة التي ُح ِر َم‬ ‫ً‬
‫‪74‬‬
‫منها في مدرسته النخبوية‪ .‬صار له انتماء‪.‬‬

‫صغارا على كيفية‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫أطفاال‬ ‫أصرت أ ُ ّمي على أنَّه لَ ْم يتورط قط في أنشطة ارهابية وأنَّه فقط "دَ َّرب‬
‫استخدام المسدسات‪ ،‬ليدافعوا عن أنفسهم من الروس"‪.‬‬

‫سألتُه إن َكانَ هذا صحي ًحا وإذا ما َكانَت له أنشطة أكثر من ذلك‪َ ،‬ل ِكنَّه َل ْم يقدم لي قط ردًّا‬
‫صري ًحا؛ بغرابة َكانَ يبدو غير مرتا ًحا وهو يجيبني‪ .‬وعلى نحو ما‪ ،‬عندما َكانَت األسئلة تصد ُر‬
‫ت عا ٍل بأنشطته مع اآلخرين‪،‬‬ ‫خزية‪ .‬أتخيل أنَّه َكانَ يتفاخر بصو ٍ‬ ‫مني‪َ ،‬كانَ يشعر َّ‬
‫أن إجاباته ُم ِ‬
‫ي فعله لحماية اخوتي"‬ ‫عل َّ‬ ‫لكن معي َكانَ يكتفي بقول عبارات عامة خجلة‪ ،‬مثل‪" :‬فعلت ما َكانَ َ‬
‫‪،‬و "القتل في سبيل هللا ليس خطأً‪ ،‬بل هو أسمى شرف"‪.‬‬

‫ي شيء قد يساعد جهاز االستخبارات‬ ‫لَ ِكنّي مع ذلك ساءلتُه بفتور‪ ،‬وحاولت االستماع إلى أ ّ‬
‫لكن َكانَ تركيزي الرئيس هو الهروب منه بأقرب ما يمكن‪َ .‬كانَت عالقته بأ ُ ّمي‬
‫األمنية الكندي‪ْ .‬‬
‫قد انتهت دون ّ‬
‫شك‪.‬‬

‫أن غضبها الشديد منه رفع ضغط دمها بشدة لدرجة أنَّها نزفت من أنفها‪ ،‬و فمها؛‬ ‫من الواضح َّ‬
‫ي صلة به‪.‬‬‫فلَ ْم تعد تريد أن تكون لها أ ّ‬

‫ي فقط أن‬ ‫خبرا جيدًا بالنسبة لي ألنَّها اآلن قد تساعدني على الهرب منه‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫َكانَ هذا ً‬
‫أنتظر اللحظة المناسبة‪ .‬أردت أل ُ ّمي أن تستقر في شقتها الجديدة‪َ ،‬حتّى انضَّم إليها‪ ،‬ورضيعتي‪.‬‬
‫ترددت ألَنّي ُك ْنتُ خائفة‪ُ .‬ك ْنتُ أنتظر أن تصبح الظروف أكثر مواتاة ً كي أصير أق َّل خوفًا‪.‬‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪74‬‬


‫جاء ف ستته اإلرهابية هكذا‪ :‬بعد خدمته ف الجيش ال ِمرصي‪ ،‬ر‬
‫أخت والده أنه يريد الدراسة ف الواليات المتحدة‪ ،‬ل ِكنه انتقل بدال من ذلك إىل‬
‫ز‬
‫المناطق القبلية الخاضعة لإلدارة الفيدرالية عىل طول الحدود الباكستانية األفغانية ف سن ال ‪19‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪160‬‬
‫الهروب‬
‫بينما ُك ْنتُ أنتظر اللحظة المناسبة للهروب اكتشفت أَنّي حامل مرة أخرى‪ُ .‬ك ْنتُ وحدي مع‬
‫ابنتي ذات التسعة أشهر عندما استخدمت اختبار الحمل‪َ .‬كانَ قد أخبرني هو‪ ،‬وأ ُ ّمي أَنّه ال يمكن‬
‫أن حياتي‬ ‫أن كالهما َكانَا على خطأ‪ .‬اآلن أفكر في كيف َّ‬ ‫ضع‪ .‬لكن من الواضح َّ‬ ‫أن أحمل وأنا أ ُ ْر ِ‬
‫َكانَت ستتكشف لو كان لدي منفذ آنذاك مشابه لالنترنت في الوقت الحالي‪ .‬صرخت‪ ،‬ونحت‪،‬‬
‫أن‬‫وبكيت‪ ،‬ولعنت لساعتين َحتّى تهتَّكت حنجرتي‪ ،‬وجفت دموعي‪ُ .‬ك ْنتُ منهكةً‪ ،‬و ُك ْنتُ مستعدة ً ْ‬
‫أن قدري َكانَ محتو ًما‪.‬‬ ‫أكون أ ًما عزباء لطفلة واحدة‪ .‬لكن كيف لي أن أنفق على اثنتين؟ شعرت َّ‬
‫ي أن أغادر؛ لماذا انتظرتُ ؟ ُك ْنتُ أستطي ُع‬ ‫هذا الطفل هو نهايتي‪ ،‬وحياتي قد انتهت‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫ي أن أخضع تما ًما؛ فلَ ْم يعد لَدَي مهرب‪ .‬هذه هي حياتي‪ ،‬كما‬ ‫عل َّ‬
‫التحرر‪ ،‬لكن انتهى األمر اآلن؛ َ‬
‫صى من النِساء ال ُم ْس ِل ْمات األخريات‪.‬‬ ‫ضا حياة أ ُ ّمي‪ ،‬و حيوات عدد ال يُح َ‬ ‫َكانَت أي ً‬

‫ض ِربْتُ‬
‫عشت في هذا الخوف‪ ،‬والغضب‪ ،‬والحزن ألسابيع‪ ،‬في غضون ذلك الوقت ‪-‬بالتأكيد‪ُ -‬‬
‫ب دائ ًما بنفس االنتظام؛ في مرة َكانَ يركلني في ظهري وأنا مستلقية في وضعية‬ ‫كما ُك ْنتُ أُض َْر ُ‬
‫وف يؤذي الطفل الذي في أحشائي لَ ِكنَّه لَ ْم يُبا ِل‪.‬‬‫س َ‬ ‫الجنين على األرض‪ .‬حاولت إخباره أنَّه َ‬
‫استلقيت هناك فقط غير مكترثة بفعل االكتئاب الشديد‪ .‬استخدمت حيلتي القديمة باالنكماش على‬
‫ب‪َ .‬كانَ ظهري‪ ،‬ومؤخرتي مكدومين للغاية‬ ‫نفسي‪ ،‬وإيقاف الشعور باأللَ ْم‪ ،‬وانتظرتُ ْ‬
‫أن يت َع َ‬
‫لدرجة أَنّي لَ ْم أستطع الجلوس بارتياح أليّام‪.‬‬

‫لكي أهدئ مخاوفي من أن يكون قد آذى الطفل‪ ،‬قمت باختبار حمل ثان‪ ،‬فوجدتُ أنَّه ال يزال‬
‫أن اختبار الحمل يكشف فقط عن‬ ‫أن ُك ّل شيء على ما يرام‪ .‬لَ ْم أ َ ُك ْن أعرف َّ‬ ‫إيجابيًّا‪ ،‬ولذلك ظننت َّ‬
‫وجود هرمون معيَّن‪َ ،‬ل ِكنَّه ال يحدد ما إذا َكانَ الجنين حيًّا أم ال‪ ..‬أثناء فحصي بالموجات فوق‬
‫الصوتية توقفت التِ َقنِيَّةُ‪ 75‬في وسط اإلجراء‪ ،‬وغادَ َر ْ‬
‫ت الغرفةَ‪.‬‬
‫"ما الذي يحدث؟" سألتها عندما َر َج َع ْ‬
‫ت‪.‬‬
‫"عليك أن تذهبي إلى طبيبتك ً‬
‫حاال‪".‬‬ ‫ِ‬
‫"لم ال تخبريني؟"‬

‫ُ‬
‫‪ 75‬الفنية متخصصة األشعة و‪ /‬أو الموجات فوق الصوتية‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪161‬‬
‫تنتظر ِك‪ .‬أرجو أن تزوريها في هذه العيادة‪ ،‬اآلن"؛ ثم قدَّمت‬
‫ُ‬ ‫"ال أستطيع إخبارك‪ ،‬لكن طبيبتك‬
‫لي عنوانها على ورق ٍة صغيرة‪ ،‬وأوصلتني إلى الباب‪.‬‬

‫إلجهاض تلقائي‪َّ ،‬‬


‫وأن‬ ‫ٍ‬ ‫عندما وصلت مع زوجي إلى العيادة أخبرتني طبيبتي أ َ ّني تعرضت‬
‫أن قلب الطفل لَ ْم‬ ‫عليهم القيام بعملية توسيع وكحت الرحم في الحال‪ .‬االجهاض التلقائي يعني َّ‬
‫َي ُك ْن ينبض؛ ُك ْنتُ أحمل طفالً ميتًا؛ لقد قتلتُ طفلي‪ُ .‬ك ْنتُ كارهة جدًا للحمل إلى درجة أَنّي قتلت‬
‫طفلي‪ .‬لقد قتله حزني‪ ،‬وتوتُري‪ ،‬وغ ّمي‪ .‬لقد علم أنَّه غير مرغوب فيه؛ أنا ارتكبتُ هذا‪ .‬لَ ْم أفكر‬
‫اللوم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السبب‪ ،‬بل ح َّم ْلتُ نفسي كامل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫قط َّ‬
‫أن الضرب العنيف لزوجي لي قد‬

‫بالكاد َكانَ لَدَي وقت للتعامل مع ظني أَنّي قتلت طفلي‪ ،‬فسرعان ما وضعوني في تخدير‬
‫كامل‪ ،‬وأخرجوا مني الطفل الذي قتلتُه حسب ظني‪ ،‬وصار بإم َكانَي العودة إلى البيت‪.‬‬
‫رغم شدة وطأة الشعور بالذنب الذي شعرتُ به لسنين بعد ذلك‪ ،‬إال أَنّي أي َق ْنتُ أَنّي لَ ْن أضيع‬
‫فرصتي في الهرب مرة أخرى‪ .‬لَ ْن أنتظر اللحظة األنسب للهرب؛ سأغادر اآلن‪ .‬لقد رأيت لمحةً‬
‫وف أقوم‬ ‫س َ‬ ‫نفس الخطأ مجدَّدًا‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫أرتكب‬
‫َ‬ ‫عما ستؤول إليه حياتي إذا ترددتُ ؛ لذلك قررت َّأال‬
‫بقطيعة تامة‪ ،‬وبداية جديدة ألنقذ طفلتي التي ال تزال على قيد الحياة‪ .‬أخبرته أَنّي أريد أن أذهب‬
‫الى بيت أ ُ ّمي قُرابة أسبوع كي أت َعافى من العملية‪َ .‬كانَ مترددًا؛ لَ ِكنَّه أخذني في النهاية إليها؛ ألنَّه‬
‫َكانَ قلقًا من أن يُضطر إلى المساعدة في العناية بطفلته‪.‬‬

‫عندما أوصلني‪ ،‬ع ِل ْمتُ أَنّي لَ ْن أعود أبدًا‪ .‬لَ ْم َي ُك ْن هناك أ ّ‬


‫ي شيء في البيت أحتاجه‪َ .‬كانَت لَدَي‬
‫ابنتي و َكانَ ذلك ُك ّل ما أحتاجه‪.‬‬

‫في الصباح التالي‪ ،‬بعدما غادرت أ ُ ّمي إلى عملها‪ ،‬بحثت مباشرة في دليل الهاتف عن رقم‬
‫محام‬
‫ٍ‬ ‫شركة محاماة (شركة خدمة اإلحالة إلى محامين‪ ،‬وتوفُرهم) للحصول على معلومات عن‬
‫مستع ٍدّ لمساعدتي في الحصول على الطالق‪ ،‬وأمر قضائي بعدم التعرض‪، 76‬وحضانة كاملة في‬
‫أقرب وقت ممكن‪ .‬حالفني الحظ؛ وجدت محامية على َمقربة مني‪ .‬غطيت نفسي‪ُ -‬ك ّل بوصة من‬
‫جلَدَي‪َ ،‬حتّى عين َّ‬
‫ي‪ -‬بكفني األسود‪ ،‬ولبست القفازين السميكين‪ ،‬والجوربين اآلتيين من السعودية‪،‬‬

‫‪ 76‬أمر قضان بعدم االقتاب‪ ،‬أمر زجري‪.‬‬


‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪162‬‬
‫وخرجت من المنزل‪ .‬ركبت الحافلة مع أ ُ ّمي‪ ،‬وهلعتُ للحظة من فكرة أال أستطيع العودة قبل أن‬
‫تعود أ ُ ّمي إلى البيت من تدريسها الدراسا ِ‬
‫ت اإلسالميةَ في المدرسة اإلسالمية‪.‬‬

‫وجدت البناية بسهولة‪َ .‬كانَ قلبي يخفق بسرعة جدًّا؛ وأنا أدخل عبر األبواب الزجاجية؛ ومنها‬
‫إلى المصعد‪ ،‬حاملة طفلتي في مهدها ذي العجالت بطريقة خرقاء‪ُ .‬ك ْنتُ ممتنةً ألنَّها َكانَت‬
‫ي إلهاءٍ آخر‪ .‬عندما دخلت مكتب المحاماة‪،‬‬ ‫أسرع‪ ،‬ولَ ْم َي ُك ْن لَدَي الوقت أل ّ‬
‫ي أن ِ‬ ‫نائمة؛ َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫وجدت امرأتين تتبادالن أطراف الحديث‪ .‬التفتَتا إلي فجأة‪ ،‬والصدمة في عينيهما‪ .‬وقفت إحداهما‬
‫في مكانها تحدق بي‪ ،‬بينما اقتربت مني األخرى‪ ،‬وحيتني كأنَّها َكانَت تنتظرني‪َ .‬كانَت هي‬
‫المحامية‪.‬‬
‫"تعالي‪ ،‬اجلسي‪ .‬هل أنت بخير؟ أتريدين كوبًا من الماء؟"‬
‫ت ُك ّل هذا االهتمام‪ ،‬والتعاطف تجاهي‪ .‬أنا متأكدة أَنّي لَ ْم أ َ ُك ْن أول إمرأة‬ ‫تعجبت لماذا أبدَ ْ‬
‫تتصل بها للحصول على الحضانة الكاملة‪ ،‬أو الطالق‪ ،‬أو األمر الزجري بعدم التعرض‪ .‬لَ ْم‬
‫ً‬
‫داخال إلى مكتبها َل ْم يَ ُك ْن شيئًا يحدث لَدَيهم‬ ‫أن منظر شخص مغلف بكامله بالسواد‬ ‫يخطر لي قط َّ‬
‫ُك ّل يوم!!‬

‫شعورا فوريًّا بأنَّها‬


‫ً‬ ‫استأنفت المحامية كالمها معي بطريقة واثقة من نفسها‪ ،‬وجازمة‪ .77‬شعرت‬
‫من نوع األشخاص العمليين الذين ال يضيّعون وقتهم في الهراء‪ ،‬ويبقون كل شيء تحت‬
‫السيطرة‪ .‬قامت ب ُك ّل شيء مجانًا‪ ،‬وبأسرع ما يسمح به القانون لها‪َ .‬كانَت بارعة‪ ،‬ورائعة للغاية‪،‬‬
‫وتمنيت لو ُك ْنتُ أنا هي‪ .‬عاودت االتصال بها بعد سنوات‪ ،‬وجلبتُ معي زوجي الجديد‪ ،‬وابنتي‬
‫األخرى الحديثة كي تراهما‪ .‬أردتها أن تعلَ ْم أنَّها قد ساعدتني على جعل حياتي ممكنة‪َ .‬كانَت ال‬
‫تزال تتصف بتلك الطريقة العملية التي ال تضيع الوقت‪ .‬قالت‪" :‬لَ ْم أقم إال بعملي"‪َ .‬كانَ ذلك‬
‫ت أَنّه‬‫موقفها‪َ .‬ل ِك َّن األمر َكانَ أكثر من ذلك بكثير؛ لقد أنقذت حياتي وجعلتها ممكنة‪ .‬لقد ع ِل َم ْ‬
‫ي أن أصل إليها مرة أخرى‪ ،‬ولذلك أعدت ُك ّل الوثائق في الحال وجعلتني أوقع على‬ ‫عل َّ‬‫ب َ‬ ‫صعُ ُ‬
‫سيَ ْ‬
‫ُك ّل شيء قبل أن أغادر‪.‬‬

‫"هل لَدَيك هاتف أستطيع االتصال بك عليه؟ هل تريدين أ ّ‬


‫ي شيء آخر؟"‬
‫وف أتصل بك أنا"‪.‬‬
‫س َ‬‫"ال‪ .‬ال يمكنك االتصال بي‪َ .‬‬
‫‪77‬‬
‫أو رسمية أو قيادية‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪163‬‬
‫وف يكون ُك ّل شيء على ما يرام‪" .‬‬
‫س َ‬‫"حسنا‪ .‬اتصلي بي غدًا‪َ .‬‬

‫ُك ْنتُ ممتنةً‪ ،‬وسعيدة ً للغاية‪ ،‬و ُك ْنتُ خائفةً للغاية أي ً‬


‫ضا‪.‬‬

‫كأن شيئًا لَ ْم يحدث‪ ،‬بينما أنتظر أن‬


‫ُك ْنتُ أتحدث معه عبر الهاتف كما ُك ْنتُ أفعل في العادة؛ َّ‬
‫أخيرا‬
‫ً‬ ‫ي شيء؛ إلى أن ينتهي األمر‪ .‬عندما تأكدت‬ ‫يصله اإلشعار القانوني‪ .‬لَ ْم أُرده أن يعرف أ ّ‬
‫وف يُ ْش َع ُر قانونيًّا بأوراق الطالق في اليوم التالي‪ ،‬أخبَ ْرتُه‪.‬‬
‫س َ‬‫أن ُك ّل شيء قد ت َ َّم‪ ،‬وأنَّه َ‬
‫من َّ‬

‫شعورا سيئًا؛ ِالضطراري‬ ‫ً‬ ‫دوث ذلك‪ .‬وقد شعرتُ‬‫مغدورا‪ ،‬ومتفاجئًا‪ ،‬فهو لَ ْم يتوقع ُح َ‬ ‫ً‬ ‫َكانَ‬
‫أن أ ُ ّمي َكانَت تضغط عليه؛ كي يمارس‬ ‫انتقم مني حين أخبرني؛ َّ‬
‫َ‬ ‫الغدر به؛ بهذه الطريقة؛ لَ ِكنَّه‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الجنس؛ ِطوا َل فترةِ زواجنا تقريبًا‪ .‬أخبرني أنه حاول إقناعها بأن تتركه وشأنه؛ ل ِكنها‬ ‫َ‬ ‫معها‬
‫قراره بترك المنزل لالبتعاد عنها‪ .‬أخبرتُه أَنّي ال أصدّق أكاذي َبه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رفضت‪ ،‬وقال أن هذا سبب‬
‫يقين تا ٍ ّم؛ أنَّه َكانَ صادقًا في‬
‫ينتقم مني‪ ..‬لَ ِكنّي على ٍ‬
‫َ‬ ‫وأنَّها قصة ُمختلَقة‪ ،‬ومقززة جدًّا؛ اختلَقها كي‬
‫ُك ِّل كلم ٍة قالها عن ذلك‪.‬‬

‫أن يجعلَني أرى الحقيقةَ بنفسي؛ رغم أ َ ّني تذ َّكرت‬


‫ذَ َّك َرني ب ُك ِّل المرات التي حاول فيها ْ‬
‫ضا‪ .‬لقد َكانَ ذلك‬ ‫األحداث التي ذكرها‪ ،‬لَ ِكنّي لَ ْم أ َ ُك ْن ألتمكن قط آنذاك من ربط األمور بعضها بع ً‬
‫ي‪.‬‬
‫عل َّ‬ ‫ً‬
‫مستحيال َ‬

‫ُريدك عصام؟"‬
‫ِ‬ ‫سألتني أ ُ ّمي ذات مرة‪" :‬متى ي‬
‫"ما الذي تقصدينَه؟ ال أدري؛ متى أراد ذلك"‪.‬‬
‫"ال‪ .‬حاولي أن تفكري؛ هل هو وقتٌ معيَّن في اليوم؟ هل يكون ذلك عندما تلبسين شيئًا معيَّنًا؟"‬
‫" ِل َم تسأليني؟ ال أعرف! أعتقد ُكلّما ل ِبست روب الحمام أمامه؛ لذلك ال أحبُّ االستحمام‪ ،‬و هو‬
‫في البيت"‪.‬‬
‫"أوه‪ ،‬حسنًا"‪.‬‬

‫بعد بضعة أسابيع طلب مني دخول مكتبه‪.‬‬


‫"ما الذي يحدث؟ أنت ال تسمح لي في العادة بدخول المكتب"‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪164‬‬
‫"فقط انتظري"‪.‬‬
‫"ما الذي أنتظره؟"‬
‫"سترين"‪.‬‬
‫غير مرتدي ٍة شيئًا؛ سوى منشفةً‪ ،‬مبتلَّةً من االستحمام‪َ .‬كانَت تحمل في يدها‬ ‫وعندئذ ٍدخلت أ ُ ّمي َ‬
‫صورة لها باللونين األبيض‪ ،‬واألسود عندما َكانَت في سن العشرينيات‪.‬‬
‫ت عصا ًما‪ ،‬و عيناها ترمقني‪" :‬ما الذي تفعله هنا؟"‬ ‫سأَلَ ْ‬
‫ت هنا؟"‬ ‫"رد عليها بسؤا ِلها‪" :‬ما الذي تفعلينه أن ِ‬
‫"ل‪ ...‬لقد أحضرت لك هذه الصورة"‪.‬‬
‫بدال من ذلك نظر لي وأو َمأ كي آخذها منها‪ ،‬فأخذتُها من يدِها‪.‬‬ ‫لَ ْم يمد يده ألخذ الصورة‪ ،‬بل ً‬
‫قلت لها‪" :‬ال أفهم ما الذي يحدث هنا‪ .‬لماذا تأتين هنا في منشفة حاملةً له صورةً؟ هذا غريب‬
‫للغاية"‪.‬‬
‫ت لي هذه الصورة َ؟"‬ ‫سألها عصام‪" :‬لم أحضر ِ‬
‫ظ بها!" قالت له ذلك‪ ،‬وانتزعت الصورة من يدي‪ ،‬واستدارت‪،‬‬ ‫سأحتف ُ‬
‫نت ال تريدها؛ ف َ‬ ‫"إذا ُك َ‬
‫ت بتحدٍّ‪.‬‬‫وغادر ْ‬
‫َ‬

‫منتظرا ردة فعلي‪.‬‬


‫ًّ‬ ‫ي عصام‬ ‫نظر إل َّ‬
‫َ‬
‫"ماذا؟"‬
‫"أال ترين؟"‬
‫ي أن أذهب‪ .‬لقد استيقظت الطفلة"‪.‬‬ ‫قلت له‪" :‬نعم أرى‪ .‬لَ ِكنّي ال أفهم شيئًا؛ َ‬
‫عل َّ‬
‫وأنا أتذكر األحداث اآلن‪ ،‬ال أستطيع تصديق كم ُك ْنتُ غبيةً‪ ،‬وساذجة‪ .‬لقد حاول مرا ٍ‬
‫ت عديدةً‪،‬‬
‫وفي ُك ّل مرة ُك ْنتُ ساذَجة؛ غير شاكة بنفس الدرجة‪.‬‬

‫عا ال‬‫قبل أن يغلق السماعة قال لي أنَّه ال يهتم بما أفعله بقوانيني الكندية السخيفة؛ ألَنّي شر ً‬
‫أزال زوجته؛ وعندما أموت؛ إذا دخلت الجنة؛ فسأكون ال أزال زوجته‪ ،‬أما إذا لَ ْم أدخل الجنة؛‬
‫ب‬ ‫وف أكون زوجتَهُ إلى األبد‪ .‬ال َ‬
‫مهر َ‬ ‫س َ‬ ‫وف يطلبني‪ ،‬و َ‬ ‫س َ‬ ‫فسيدخلها هو ألنَّه سيكون شهيدًا‪ ،‬و َ‬
‫الر ُجل فقط يستطيع تطليق زوجته‪ ،‬وال يجوز العكس‪ .‬في نظر هللا‬ ‫هناك‪ .‬سأظل زوجته؛ َّ‬
‫ألن َ‬
‫سأظل متزوجةً منه‪ ،‬إال إذا َ‬
‫قرر هو أن يُ ْن ِه َ‬
‫ي الزوا َج‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪165‬‬
‫ت طالق" ثالث‬ ‫من ث َ َّم طلبتُ منه تطليقي‪ .‬يفعل الزوج ال ُم ْس ِل ْم ذلك ببساطة بأن ينطق جملةَ "أن ِ‬
‫مرات بالعربية؛ وهكذا يكون الزواج قد انتهى؛ لكنَّه رفض قول ذلك‪ ،‬وأعلمني أنَّه سيأتي‬
‫ليأخذني‪.‬‬

‫بالتأكيد عندما أتى لَ ْم أُد ِْخ ْله‪ .‬تجاهلتُ الهاتف‪ ،‬وأطفأتُ ك َّل األنوار‪ ،‬وتظاهرت أَنّي لَ ْم أ َ ُك ْن في‬
‫البيت؛ وقف في مدخل البناية‪ ،‬وأخذ يصرخ بالعربية‪:‬‬
‫أنك‬
‫ظني ِ‬ ‫ي زوجتي! أُريد ُ زوجتي؛ انتظري َحتّى أمسك بك؛ سأمزق وجهك! أت ُ‬ ‫"أعيدوا إل َّ‬
‫ت لي؛ هل تسمعين؟ إما أن تكوني‬ ‫ي َر ُجل؛ عندما أنتهي منك‪ .‬أن ِ‬‫تستطيعين تَركي؟ لَ ْن يريدك أ ّ‬
‫لي‪ ،‬أو تكوني ميتة"‪.‬‬

‫ي؛ منتظرة ً أن يغادر‪ ،‬أو أن تأتي الشرطة‪ ،‬أيّهما‬ ‫جلست في الظالم؛ أُهد ِهد ابنتي بين ذرا َ‬
‫ع َّ‬
‫أسبق‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة للغاية من أن يدخل‪ ،‬أو يخرج أحد من س َكان البناية‪ ،‬ويسمح له بدخولها‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪166‬‬
‫إقامة جبرية‬
‫ُ‬
‫حيث أنَّه‬ ‫ظار إنهاء إجراءات الطالق‪.‬‬
‫عشت في خوفٍ مستمر طوال السنة التالية؛ في إن ِت ِ‬
‫ي أن أنتظر سنة؛ َحتّى يحدث الطالق بتوقيعي فقط‪.‬‬ ‫رفَ َ‬
‫ض توقي َع أوراق الطالق؛ َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫أن ُهروبي منه‬‫ي حال؛ فقد أخبرني عدة مرات؛ َّ‬ ‫لن َيمنحني الطالق القانوني حريةً كبيرة على أ ّ‬
‫مؤقتًا فقط؛ ألنَّه سيمزقني إربًا في الجنة‪.‬‬

‫بما أ َ ّني لَ ْم أ ُ َ‬
‫طلَّ ْق حسب الشريعة االسالمية‪ ،‬فإ ِنّي ُك ْنتُ ال أزال زوجته في نظر هللا‪ .‬يُسمح‬
‫للر ُجل في الجنة اختيار َمن يرغب ؛ ِمن زوجاته في الحياةِ الد ُنيا؛ في أن ترافقه في الجنة ‪ .‬بما‬ ‫َ‬
‫وف يكون‬ ‫ت واحد)؛ فمن المعقول تما ًما أنَّه َ‬
‫س َ‬ ‫للر ُجل ان تكون له أربع زوجات (في وق ٍ‬ ‫أنَّه يُسمح َ‬
‫مرهِ‪ .‬قد ال يرغَب أن يَ ُك َّن جميعًا معهُ في الجنة ؛ ِلذا يستطيع‬
‫ع ِ‬‫لَدَيه كثير من الزوجات خالل ُ‬
‫اختيار المفضلة؛ أو المفضالت لَدَيه منهن؛ للعيش معه في الجنة‪ .‬في الجنة ليس ُملز ًما‬
‫باالقتصار على أربعة‪ ،‬بل يستطيع الحصول على ما يريد من زوجات‪.‬‬

‫اولئك الزوجات ؛ ‪-‬بالتأكيد‪ -‬يُضاف إلي ُهن؛ الحور (حور العين) ‪-‬وهن ِإما ٌء جنسياتٌ‬ ‫َ‬
‫‪78‬‬
‫ولهن أثداء كبيرة مستديرة‪ ،‬و ال‬ ‫َّ‬ ‫عذراوات‪ ،‬وبياض بشرتهن يسمح لك برؤية عروقهن‪،‬‬
‫ي إرادة‪ ،‬ويفعلن ُك ّل ما يطلب‬
‫يتغوطن‪ ،‬وال يَش َهدن الدورة الشهرية‪ ،‬وليس لهن أ ّ‬ ‫بولن‪ ،‬وال َ‬ ‫يت َ ْ‬
‫المقلّدة للشكل الحقيقي‪ ،‬قبل اختراع‬
‫‪79‬‬
‫ِ‬ ‫باختصار فقد اخترع ُم َح َّمد الدُّمى الجنسية‬
‫ٍ‬ ‫إليهن فعله‪.-‬‬
‫اليابانيين لها‪.‬‬

‫وف يكون مكانَها معه إلى‬ ‫س َ‬


‫ي رأي في هذا‪ .‬إذا اختار َر ُجل زوجته في الجنة؛ ف َ‬ ‫ليس للنساء أ ّ‬
‫األبد‪ .‬اإلسالم ‪-‬كما لعلكم قد أدركتم‪ -‬ديانةً ذكوريةً‪ ،‬وتمييزية إلى أقصى حدٍّ؛ فال تُذكر النِساء فيه‬

‫الطتي‪ ... :‬عن ابن ُجري ج‪ ،‬قال‪ :‬الكواعب‪ :‬النواهد‪.‬‬ ‫ز‬ ‫َْ ً‬ ‫َ‬ ‫َْ ً‬ ‫ً‬ ‫‪{ 78‬إن ِل ْل ُمت ِق ز‬
‫ي مفازا (‪ )31‬حد ِائق وأع َنابا (‪ )32‬وكو ِاعب أترابا (‪ })33‬من سورة َ النبأ‪ ،‬وف تفست ر‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ ....‬قال ابن زيد‪ ،‬زف قوله‪{ :‬وكو ِاعب أتر ًابا} قال‪ :‬الكواعب‪ :‬الن قد نهدت وكعب ثديها‪ ،‬وقال‪ :‬أترابا‪ :‬مستويات‪ ،‬فالنة تربة فالنة‪ ،‬قال‪ :‬األتراب‪:‬‬
‫َ‬
‫العي هو مما ورد زف كتب الحديث‪ ،‬مثل ما رواه البخاري‪..... -3245 :‬ع ْن أن ُهر ْيرة ر زض َّ ُ‬ ‫ِّ‬
‫اَلل ع ْن ُه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ز‬ ‫اللدات‪ .‬وباف المذكور من صفات الحور‬
‫ُ‬ ‫ِر ْ ُ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اَلل صىل َ هللا علي ِه وسلم‪« :‬أول زمرٍة ت ِلج الجنة صورتهم عىل صورِة القم ِر ليلة البد ِر‪ ،‬ال يبصقون ِفيها‪ ،‬وال يمت ِخطون‪ ،‬وال يتغوطون‪،‬‬ ‫قال رسول ِ‬
‫َّ‬
‫وق ِهما ِم ْن ور ِاء الل ْح ِم‬ ‫س‬‫آني ُت ُه ْم فيها الذه ُب‪ ،‬أ ْمش ُاط ُه ْم من الذهب والفضة‪ ،‬ومجام ُر ُه ُم األ ُلو ُة‪ ،‬ور ْش ُح ُه ُم الم ْس ُك‪ ،‬ول ُك ِّل واحد م ْن ُه ْم ز ْوجتان‪ُ ،‬يرى ُم ُّخ ُ‬
‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ْ ِ ً‬ ‫ُ ِ ُ ُِ ِ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ز‬ ‫ٌ‬
‫وب ُه ْم قل ٌب و ِاحد‪ُ ،‬يس ِّب ُحون اَلل ُبكرة وع ِش ًّيا»‪ ،‬وف لف حديث رقم ‪(ِ 3254‬لك ِّل ْام ِر ٍئ ز ْوجت ِان ِمن‬ ‫اختالف ب ْين ُه ْم وال تباغض‪ ،‬قل ُ‬
‫ِمن الحس ِن‪ ،‬ال ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ي)‪.‬‬ ‫الع ز‬ ‫ُ‬
‫ور ِ ِ‬ ‫الح ِ‬
‫‪79‬‬
‫‪ realistic sex dolls‬دم مطاطية تستخدم لممارسة الجنس‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪167‬‬
‫مدرب الكالب؛ ال يخاطب الكلب مباشرةً‪ ،‬بل‬ ‫َ‬ ‫إال في عالقتهن بالرجال‪ .‬ألوضح األمر بمثال‪َّ ،‬‬
‫ان‬
‫يخاطب ما ِل َكه‪ ،‬ويخبره كيف يتعامل مع ذلك الكلب‪ ،‬هذه هي العالقة بين هللا (ال ُمدرب)‪ ،‬والنِساء‬
‫‪80‬‬
‫(الكالب)‪.‬‬
‫لهذا؛ لَ ْم يرد في القرآن ذكر؛ لمن ستقضي المرأة آخرتها في الجنة معه‪ ،‬ولَ ْم يُشَر إلى هذا َحتّى؛‬
‫فال أحد يسأل أ َ َمةً (عبدةً) جنسية في سوق العبيد عما إذا َكانَت تريد أن تكون مع ما ِلكها‪ .‬سيكون‬
‫هذا سخيفًا‪.‬‬

‫ُفترض أنَّها ُك ّل شيء أريدُهُ‪ ،‬ف َل ْن‬


‫َكانَ باستطاعتي أن آ َم َل وأست ِد َّل على أنَّه إذا َكانَت الجنة ي َ‬
‫ي أن أكون معه‪ ،‬لكن هذا سيتناقض تما ًما مع وحي األحاديث التي تقول أنَّه هو الذي له‬ ‫عل َّ‬
‫يكون َ‬
‫أن يختار ما إذا يريد أن يكون معي أ ْم ال‪.‬‬

‫كم‪،‬‬ ‫طاردتني هذه الفكرة‪ ،‬وارعبتني‪ .‬شعرت أَنّي سأرتاح ً‬


‫قليال على األرض؛ كفترة إرجاءٍ ل ُح ٍ‬ ‫َ‬
‫سوف ينتهي بي الحال؛ عالقةً معه إلى األبد في الحياة اآلخرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫لَ ِك ْن‬

‫ركن ما‪َ .‬كانَ قد وصف لي بالتفصيل ما‬ ‫ٍ‬ ‫أن يكونَ كامنًا في‬ ‫لَ ْم أغادر الشقة قط؛ خوفًا من ْ‬
‫ُقطع وجهي بحيث أصبح‬ ‫أن ي ِ ّ‬‫سيفعله بي إذا حاولتُ تر َكهُ‪ ،‬وقد صدَّ ْقتُ ُك ّل كلم ٍة قالها؛ لقد تَوعَّد ْ‬
‫ناهيك عن لَ ْمسي‪َ .‬كانَ‬
‫َ‬ ‫ي‪،‬‬
‫النظر إل َّ‬
‫َ‬ ‫قبيحةً‪ ،‬ومشوهة للغاية؛ إلى درجة عدم رغبة أي َر ُج َل في‬
‫حسب اعتقادِه‪ ،‬و َكانَت فكرة أن يلمس َر ُجل آخر ُملكيته‬ ‫َ‬ ‫هذا شغله الشاغل األهم‪ُ .‬ك ْنتُ ُمل َكه‬
‫تُ ِ‬
‫غضبُه‪.‬‬

‫أخيرا عندما تواصل‬


‫ً‬ ‫الرعب لوقت طويل‪ ،‬لَ ِكنّي است َ‬
‫طعت االطمئنانَ‬ ‫عشت في هذه الحال من ُّ‬
‫ي تأكيدَ هويته في صورة‪َ .‬كانَت الصورة‬‫معي جهاز االستخبارات األمنية الكندي‪ ،‬وطلبوا إل َّ‬

‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ 80‬ز‬
‫من ُجهة‬ ‫ُ‬
‫ساء ل ِّمحم َد َ‬ ‫الن‬
‫ولوال ُلفت نظر بعض ِ‬ ‫ج ُل ْ‪َ ،‬‬
‫ذكر النساء إال ككائنات تابعة خاضعة للر ُ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫ونادرا ما ت‬ ‫ف معظم نصوص القرآن ُيذكر الرجال فقط‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ز‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫النساء لما كان صاغ محمدنصا أو آية كهذه {فاستجاب له ْم رب هم أن ًل أ ِضيع عمل ع ِام ٍل منكم من ذك ٍر أو أ ر ٰ‬
‫نن ۖ‬ ‫لمخاطبة ْ ِ‬ ‫تجاهل القرآن وهللا المزعوم‬
‫ُْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ ُ َ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ز‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫ات ت ْج ِري ِمن ت ْح ِتها‬ ‫ٍ‬ ‫ض ۖ فال ِذين هاج ُروا وأخ ِر ُجوا ِمن ِدي ِار ِه ْم وأوذوا ِف س ِب ِيىل وقاتلوا وق ِتلوا أل كفرن عن ُه ْم س ِّيئ ِات ِه ْم وألد ِخلن ُه ْم جن‬ ‫ٍ‬ ‫ب ْعضكم ِّمن ب ْع‬
‫ً‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ْ ْ ُ‬
‫الطتي مثًل‪... :‬عن‬ ‫اب (‪ ،})195‬وبحسب التفاست كان هذا بسبب اقتاح إحدى زوجات َ محمد‪ ،‬فف ر‬ ‫اَلل ۗ واَلل ِعنده حسن الثو ِ‬ ‫ند ِ‬ ‫األنهار ثوابا من ِع ِ‬
‫زّ‬ ‫النساء ف الهجرة ر‬ ‫ز‬
‫عامل منكم من‬ ‫ٍ‬ ‫بسء؟ فأنزل هللا تعاىل‪ " :‬فاستجاب لهم رب هم أن ال أضيع عمل‬ ‫أم سلمة‪ :‬أنها قالت‪ :‬يا رسول هللا ال أسمع هللا ذكر ِ‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ذكر أو ر‬
‫أنن"‪ .‬والحديث رواه بأسانيد صحيحة الحاكم ف مستدركه ‪ 3174‬وسعيد بن منصور ف سننه ‪ 525‬وف مسند أحمد بن حنبل ‪ 26575‬و‬
‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫النن صىل هللا عليه و سلم فقالت ما أرى كل سء إال للرجال‬ ‫‪ ،26603‬وف سي التمذي‪ .... - 3211 :‬عن عكرمة عن أم عمارة األنصارية‪ :‬أنها أتت ر‬
‫والمؤمني والمؤمنات} األحزاب‪ 35 :‬اآلية ‪.-‬المتجم‬ ‫ز‬ ‫ي وال ُم ْس ِلمات‬
‫فتلت هذه اآلية {إن ال ُم ْس ِلم ز‬ ‫بسء؟ ز ز‬ ‫النساء يذكرن ر‬ ‫وما أرى ِ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪168‬‬
‫صر؛ َكانَت عيناه ممتلئتين بغضب قاتل‪ ،‬و َكانَت‬ ‫بالفعل صورته‪ ،‬و َكانَ خلف القُضبان في ِم ْ‬
‫ومحبوس في قفص‪ُ .‬ك ْنت‬
‫ٌ‬ ‫عار)‪،‬‬
‫س ِ‬‫ب (ال ُ‬ ‫تعابيره الجسدية مخيفةً‪َ .‬كانَ حرفيًا كحيوان ُمصاب بال َكلَ ِ‬
‫ب شديد؛ كأنَّه‬
‫برع ٍ‬ ‫أعرف أَنّي أُمسك قُصاصةً من صحيفة باألبيض واألسود؛ لَ ِك َّن قلبي خفق ُ‬
‫تلك الصورة في ذهني إلى األبد‪ ،‬صورة الغضب‪ ،‬والعدوانية الهائلين‪،‬‬ ‫يقف أمامي‪ .‬ع ِلقت َ‬
‫بس إعصار؛ لقد بدا وكأنَّه سيقتلع القضبان‬ ‫القضبان‪ .‬لَ ْم أتصور أنَّه يمكن َح َ‬
‫ِ‬ ‫والمحت َجزَ ي ِْن وراء‬
‫ي لحظة‪ .‬ال أستطيع تصور كيف َكانَ يجد مخر ًجا ل ُك ّل تلك الطاقة‪ ،‬مع عدم‬ ‫من الجدار في أ ّ‬
‫‪81‬‬
‫وجود طريقة للتخلص منها‪ .‬ففي العادة ُك ْنت أنا ذلك المخرج‪.‬‬

‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪81‬‬


‫ملخص لقصة حياة عصام مرزوق‪ :‬حصل عصام مرزوق ف سن ال ‪ 19‬عىل المال من أبيه المهندس بدعوى أنه يريد السفر للدراسة ف الواليات‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫المتحدة‪ ،‬وبدًل من ذلك سافر إىل باكستان‪ .‬وفيما ز‬ ‫ً‬
‫العامي ‪ 1986‬و‪ 1987‬عمل عصام مرزوق كسائق لسيارة إسعاف تابعة للهالل األحمر ف‬ ‫بي‬
‫الحقا زف منظمة العالم اإلسالم‪ ،‬وفيما ز‬ ‫ً‬ ‫بيشاور بباكستان‪ ،‬حيث تقابل مع الم ْرصي الكندي حمد ز‬
‫بي السنوات ‪ 1988‬إىل ‪ 1993‬درب‬ ‫خرص‪ ،‬وعمل‬ ‫ِ‬
‫ون (كينيا)؛‬ ‫ز ُ ّ‬ ‫ز‬
‫أفغان عىل القتال‪ .‬وهو متورط ف تفجتات‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫سفارن الواليات المتحدة ف كل من دار السالم (تانزانيا) ونت ر‬ ‫ز‬
‫المجاهدين ف معسكر تدريب‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ف وقت واحد وذلك ف ‪ 7‬أغسطس ‪ ،1998‬وقضية اغتيال رفعت المحجوب ف ِمرص‪ ،‬بتدريبه المجاهدين‪ ،‬واتهمه النظام ال ِمرصي باالنتماء إىل‬
‫ز‬
‫تنظيم طالئع الفتح أو تنظيم الجهاد ال ِمرصي‪ ،‬وهو ضمن المقبوض عليهم ف قضية العائدين من ألبانيا‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ز‬
‫مزيفي وركب طائرة إىل الخرطوم‪ ،‬السودان يوم ‪ 23‬مايو‪ ،‬ومن هناك حصل عىل تذكرة طتان‬ ‫سعوديي‬ ‫ف عام ‪ 1993‬حصل عصام عىل جوازي سفر‬
‫ز‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الحرن‪ .‬وقد ق ِبض عليه ف كندا عندما‬ ‫ر‬ ‫بريتش كولومبيا‪ ،‬كندا‪ ،‬وكان يرتدي كشيخ سعودي ويسم نفسه فوزي‬ ‫إىل دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ومنه إىل فانكوفر‪ِ ،‬‬
‫ز‬
‫زيفتي‬ ‫متطوعا زف أفغانستان وباكستان‪ ،‬وأمر بتفتيش حقائبه فع رت عىل هويتيه ُ‬
‫الم‬
‫ً‬ ‫شك ضابط الهجرة جوردون بيتسون زف قصته عن كونه َكان ً‬
‫عربيا‬
‫ز‬ ‫ز ز‬
‫قانون‪ ،‬تقدم عصام مرزوق بطلب‬ ‫األخريي‪ ،‬وف أثناء اعتقاله بتهمة استعمال وثائق مزيفة واالحتيال وانتحال شخصية ودخول البلد عىل نحو غت‬
‫ز‬ ‫ّ‬
‫يخس االضطهاد الد ْي زن والسياس ف ِم ْرص‪ .‬وذهب عىل عبد السعود محمد الذي هو من طرف أسامة بن الدن (وعميل مزدوج‬ ‫ر‬ ‫مدعيا أنه‬ ‫ً‬ ‫للجوء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ز ز‬ ‫ز‬
‫للس آي إيه ف نفس الوقت ينتفع من الطرفي) ف رحلة إىل السودان‪ ،‬حيث التف أسامة بن الدن وجلب معه خالد أبو الدهب‪ ،‬الحقا اعتف أبو‬
‫ز‬
‫الدهب لمحقق ِم ْرصي أنه سحب ‪ 3‬آالف دوالر من حساب بنك ف كاليفورنيا بأوامر أسامة بن الدن نفسه لدفع كفالة عصام مرزوق‪ .‬عمل عصام‬
‫ر‬ ‫‪ .‬ز‬ ‫َ‬
‫مرزوق كسائق شاحنة وحصل عىل إعانة اجتماعية‪ ،‬بقيمة حواىل ‪ 20‬ألف دوالر كندي‪ ،‬وكان عمالء المخابرات الكندية يراقبونه ف عام ‪ 1997‬عتت‬
‫ً‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫اإلف ن آي عىل ذكر لعنوانه زف قائمة عناوين زف بيت وديع الحاج زف نتون (سكرتت ز‬
‫لبنان البن الدن ف فتة وجوده ف السودان‪ ،‬ثم الحقا مؤسس‬
‫ر‬ ‫ز‬ ‫رز‬ ‫ز ٍ‬ ‫ر‬
‫ون)‪ .‬وف عام ‪ 1998‬أسس رسكة لالستتاد والتصدير تدع فور يو‬ ‫المتحدة ف نت ر‬ ‫ون ومخطط لعملية تفجت سفارة الواليات‬ ‫ر‬ ‫لشبكة القاعدة ف نت‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫الشكة‪ .‬وبعد خمس سنوات من مكوثه‬ ‫وف رفتاير من نفس العام باع أصول تلك ر‬ ‫إنتبرايز مع صديقه األقرب له الكندي وال ِم ْرصي سابقا عمرو حامد‪،‬‬
‫ر‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫ياسمي وطفلته وذلك عام ‪ 1998‬وتوجه إىل تركيا‪ ،‬حيث يعتقد أنه التف بأحمد عجتة‪ ،‬قبل أن يعود إىل رسف‬ ‫ف كندا‪ ،‬ترك عصام مرزوق زوجته‬
‫ً‬ ‫ز ز‬ ‫ز‬
‫أفغانستان‪ ،‬بعد مقتل صديقه عمرو محمد حامد ف الهجوم األمريك عىل معسكر التدريب األفغان ف ‪ 20‬أغسطس ‪ 1998‬انتقاما منها ِلتفجت‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫دن رس ًيعا ليتوجه إىل أذربيجان‪ .‬وف أغسطس ‪ 1998‬أبلغ عميل للموساد‬ ‫ومنها إىل أوروبا‪ ،‬ثم عاد إىل ز ر‬ ‫دن‬ ‫سفارتها ف أفريقيا‪ ،‬ثم ذهب مرزق إىل ر‬
‫ْ ز‬ ‫ً‬
‫المخابرات الكندية عن مكالمة راقبها تحدد موعدا ز‬
‫بي إيهاب صقر (عضو ف حركة طالئع الفتح مخطط لتفجت سفارة ِمرص ف إسالم آباد باكستان‪،‬‬
‫ز‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وكان هدفا عاىل األولية للس آي إيه) عصام مرزوق ومسؤول من مخابرات الجمهورية اإلسالمية اإليرانية ف باكو‪ ،‬أذربيجان‪ ،‬وانتىه األمر بقبض‬
‫ز‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫متوك (أبو الفرج ال ِمرصي وله ستة إرهابية حافلة بدوره كان عضوا أعىل ف جبهة فتح الشام‪،‬‬ ‫االثني ومعهما أحمد سالمة ر‬ ‫الشطة األذربيجانية عىل‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫وقيادي سابق ف جبهة النرصة وتنظيم الجهاد ال ِم ْرصي‪ ،‬امتدت أنشطته ح ّن الشيشان وأفغانستان‪ ،‬قبض عليه ف روسيا ثم ف أذربيجان ثم ف‬
‫ز ز‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫السفارتي ف كينيا‬ ‫وسلم عصام مرزوق إىل ِم ْرص‪ ،‬وات ِهم بالعمل كمدرب لمفجري‬ ‫يحرص المسؤول اإلير زان االجتماع فلم ُيقبض عليه‪.‬‬ ‫ز‬ ‫ِم ْرص)‪ ،‬ولم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫زز‬
‫وتتانيا‪ .‬وحوكم أمام محكمة عسكرية ف ‪ 16‬مارس ‪ 1999‬كجزء من محاكمة العائدين من ألبانيا‪ ،‬وكان محاميه منترص الزيات‪ .‬وح ِكم عليه ب ‪ 15‬سنة‬
‫ْ‬ ‫ز‬
‫مع األشغال الشاقة بتهمة االنتماء إىل جماعة الجهاد اإلسالم أو تنظيم الجهاد ف ِمرص (إحدى الجماعات الخطتة الن ارتكبت الكثت من األعمال‬
‫ز‬
‫اإلرهابية ف قائمة طويلة تضم اغتيال السادات والمحاولة االنقالبية الفاشلة المعروفة بعملية الكلية الفنية العسكرية ‪ 1974‬والهجوم عىل السفارة‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ز‬
‫األلف ‪ 1993‬ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء‬ ‫شخصا ومحاولة اغتيال وزير الداخلية حسن ز‬ ‫ال ِم ْرصية ف باكستان ‪ 19‬رفتاير ‪ 1995‬الذي ق ِتل فيه ‪17‬‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫حسن مبارك باالشتاك مع‬ ‫عاطف صدف ‪ 1993‬واغتيال الشاهد األول ف قضية محاولة اغتيال عطاف صدف ‪ 1993‬وعدة محاوالت الغتيال محمد‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫منظمة القاعدة زف تفجت السفار ز‬
‫تي األمريكيتي ف كينيا وتتانيا ف وقت متامن (‪1998‬م)‪ -.‬المتجم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪169‬‬
‫يموت شهيدًا‪ ،‬وليس أن تحبسه الدولة‬
‫َ‬ ‫الحبس في سجن مبارك‪ .‬لقد أراد أن‬
‫َ‬ ‫َكانَت اكبر مخاوفه‬
‫ً‬
‫إذالال لَهُ بوجوده هناك‪ .‬شعرتُ في الحقيق ِة باألسف‬ ‫التي َكانَ يحتقرها‪َ .‬كانَ ذلك أكثر المآزق‬
‫عليه‪ ،‬لَ ِكنّي شعرت باالرتياح الشديد في نفس الوقت‪.‬‬

‫فبقدر ما كان األمر مرعباً‪ ،‬كان غريبا أن أفكر في أني قادرة على البدء في إعادة بناء حياتي‬
‫من جديد‪ .‬في آخر زيارةٍ لي؛ أهدتني ضابطةٌ أمن جهاز االستخبارات األمنية الكندية؛ حقيبةً‬
‫أن هذه الحقيبة لي؛ كي أستعم َلها حينَ أُنهي دراستي‪ ،‬وأصير ُم ِ‬
‫علّمة‪ .‬لقد‬ ‫جلديةً جميلة‪ ،‬وقالت لي َّ‬
‫وف أتوقَعَهُ من الكفار‪ ،-‬و َهنَّأتني على ّ‬
‫حريتي‪.‬‬ ‫س َ‬‫ت لي ذلك اللطف الجارف؛ ‪-‬الذي َ‬‫أظهر ْ‬
‫َ‬

‫أتحرك بحذر؛ ماذا لو استطاع‬


‫َّ‬ ‫أشعر بالحرية؛ ُك ْنتُ ال أزال‬
‫ْ‬ ‫أعتقد أَنّي ُك ْنتُ حرة؛ َل ِك ّني لَ ْم‬
‫الهرب؟ ماذا لو َكانَ له صديق بالجوار؛ ينت ِقم له؟ أين صديقَه َعمرو؟‪.‬‬ ‫َ‬

‫ضا؟ ال لَ ْم‬
‫صري هو أي ً‬ ‫عمرو قد اختفى في نفس الوقت‪ .‬هل َكانَ في سجن ِم ْ‬ ‫آنذاك َّ‬
‫أن َ‬ ‫َ‬ ‫علمت‬
‫يَ ُك ْن كذلك‪َ .‬كانَت هنالك تقارير تقول أنَّه قُ ِت َل في الضربة األمريكية لمعسكر التدريب األفغاني‬
‫عمرو َكانَ يعمل‬ ‫س ِجنَ فيه عصام تقريبًا‪ُ .‬ك ْنتُ قد افترضتُ َّ‬
‫أن َ‬ ‫الجهادي‪ ،‬في نفس الوقت الذي ُ‬
‫ي شيء قلته عنه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫تكترث المخابرات الكندية أل ّ‬ ‫مع اإلف بي آي؛ لذلك لَ ْم‬

‫رغم أنَّه قد ذهب‪ ،‬وصديقه كذلك‪َ ،‬ل ْم َي ُك ْن األمر بسهولة ضغط زر؛ فقد عشت لسنوات في‬
‫يٍ؛ شعور‬ ‫بشعور غير عقالن ّ‬
‫ٍ‬ ‫يوم‪ .‬شعرتُ‬ ‫ذات ٍ‬ ‫عالق ٍة عنيف ٍة ُمسيئة؛ د َّمرت الشخصية التي ُك ْنتُها َ‬
‫بالذنب كونه في السجن؛ قَلقتُ بصد ِد ما يأ ُكلّه‪ ،‬فقد َكانَ انتقائيًّا‪ ،‬ومد ِقّقًا في طعامه‪ .‬لَ ِكنّي أفهم‬
‫‪82‬‬
‫اآلن أَنّي ُك ْنتُ أعاني بشدة من متالزمة ستوكهولم‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫متالزمة ستوكهولم ‪ Stockholm syndrome :‬ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من‬
‫ْ‬ ‫ً ً‬ ‫المختطف مع ُ‬ ‫ُ‬
‫األشكال‪ ،‬أو يظهر بعض عالمات الوالء له مثل أن يتعاطف ُ‬
‫المخت ِطف‪ .‬وتسم أيضا برابطة األرس أو الخطف‪ .‬ويمكن اعتبار متالزمة‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫ستوكهولم كنوع من االرتباط الذي له عالقة بالصدمة‪ ،‬وال يتطلب بالرصورة وجود حالة خطف‪ ،‬فهو ترابط عاطف قوي يتكون بي شخصي أحدهما‬
‫ويرصب ويخيف اآلخر بشكل متقطع ومتناوب‪.‬إحدى الفرضيات الن تفش هذا السلوك‪ ،‬تفتض أن هذا االرتباط هو استجابة‬ ‫يضايق ويعتدي وي هدد ز‬
‫المعتدي فإن‬
‫ِ‬ ‫ز‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫الفرد للصدمة وتحوله لضحية فالتضامن مع المعتدي هو إحدى ُ الطرق للدفاع عن الذات فالضحية حي تؤمن بنفس أفكار وقيم‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫تعتتها الضحية تهديدا أو تخويفا‪ .‬وأطلق عىل هذه الحالة اسم «متالزمة ستوكهولم» نسبة إىل حادثة حدثت ف‬ ‫َ ْ‬
‫ً‬ ‫هذه األفكار والترصفات لن ر‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫موظف‬ ‫كريديتبانكي ‪ Kreditbanken‬هناك ف عام ‪ ،1973‬واتخذوا بعضا من‬ ‫ستوكهولم ف السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص عىل بنك‬
‫ً‬
‫البنك رهائن لمدة ستة أيام‪ ،‬خالل تلك الفتة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفيا مع الجناة‪ ،‬ودافعوا عنهم بعد إطالق رساحهم ‪-‬المتجم‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪170‬‬
‫ي أن أتعامل مع مسؤولياتي كأ ّم‪ .‬في‬ ‫باإلضافة إلى ُك ّل هذه الصراعات الداخلية‪َ ،‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫سا عن بُعد عن طريق اإلنترنت من جامعة‬ ‫األشهر الالحقة القليلة عشت مع أ ُ ّمي‪ ،‬وتلقيت درو ً‬
‫ضا‬
‫محلية‪ ،‬وحاولت إعادة بناء حياتي‪ .‬اخترت الدروس عن بُعد ألكون في المنزل مع ابنتي؛ أي ً‬
‫ألَنّي ُك ْنتُ ال أزال أخاف الخروج إلى الشارع‪.‬‬

‫وغير‬
‫َ‬ ‫س ِجنَ المرء لفترة طويلة على نحو كافٍ ‪ ،‬تصبح الحرية بالنسبة له شيئًا غريبًا‪،‬‬ ‫إن ُ‬
‫معتادٍ‪ ،‬وغير مريح‪ .‬رغم أَنّي لَ ْم أغادر البيت آنذاك إال ً‬
‫نادرا‪ ،‬فعندما ُك ْنتُ أغادره ُك ْنتُ ال أزال‬
‫النقاب؛ فلَ ْم أُمزقه عن وجهي في لحظة واحدة معيَّنة كي أتنفس الهواء المنعش؛ بل َكانَت‬ ‫َ‬ ‫أرتدي‬
‫عملية بطيئة‪ ،‬ومرهقة‪ ،‬ومألى بالشك في الذات‪ ،‬والحزن‪ ،‬و َك ٌم هائ ٌل من الخوف‪ .‬مرة ً أخرى‬
‫الخوف المو ِهن من ضربة نفسية أخرى‪ .‬مرة ً‬ ‫ِ‬ ‫ي محاولة التعافي من غدر القَدَر‪ ،‬ومن‬ ‫َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫أكثر‬
‫َ‬ ‫ي؛ لَ ِكنّي في تلك المرة ُك ْنتُ مكسورةً‪ ،‬ومت َعبةً‬
‫ي السعي للوقوف على قد َم َّ‬ ‫أخرى َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫بكثير‪ ،‬و ُك ْنتُ أحمل ِعبء مسؤولية طفل ٍة بين ذراع َّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ضا‪ ،‬بعدما فقد وظيفته؛ ألنَّه َكانَ دائ ًما يتأخر عن موعد عمله‪َ .‬كانَ‬ ‫انتقل أخي للعيش معنا أي ً‬
‫يعيش في شقة فوق م َكانَ عمله في وسط المدينة؛ فلَ ْم يَ ُك ْن عليه حرفيًّا إال ركوب المصعد لينزل‬
‫به‪ ،‬لَ ِكنَّه مع ذلك َكانَ دائما يتأخر‪ ،‬لذلك فصلوه من العمل؛ ث ُ َّم هرب من شقته في منتصف الليل؛‬
‫ي‪:‬‬ ‫يتهرب من دفع إيجار الشهر السابق؛ مع هذا َكانَ لَدَيه الوقاحة ليحكم َ‬
‫عل َّ‬ ‫كي َّ‬
‫ستفعلينه بحياتك اآلن؟"‬‫"ما الذي َ‬
‫وف أعيش"‪.‬‬ ‫س َ‬‫" َ‬
‫"ما الذي يعنيه هذا؟ كيف ستعيشين؟"‪.‬‬
‫المشي‬
‫َ‬ ‫ذات صباح َكانَ يشارك ابنتي الصغيرة صحنًا من العنب‪ ،‬و َكانَت طفلة دارجةً تتعلَ ْم‬
‫آنذاك‪.‬‬
‫قال بانزعاج‪" :‬لم ال تتركني أضع العنب في فمها؟"‬
‫قلت له‪" :‬إنها تحب إطعام نفسها بنفسها‪ ،‬لقد علمتها كيف تمضغ العنب كي ال تختنق به"‪.‬‬
‫ساخرا‪" :‬ما المشكلة؟ تستطيع وضع حبة كاملة في فمها!"‬ ‫ً‬ ‫قال‬
‫"إنه خطر االختناق‪ .‬ال تزال طفلة ومن األفضل لها أن تمضغه"‪.‬‬
‫"ال أفهم لم ال يمكنها رميها مباشرة في فمها"‪.‬‬
‫"ما دخلك في األمر؟" ؛ ُك ْنتُ قد بدأت أنزعج آنذاك‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪171‬‬
‫"أريد إطعامها!"‬
‫"حسنًا‪ ،‬لَ ِكنّها تريد إطعام نفسها‪ .‬دعها وشأنَها فقط"‪.‬‬
‫"عليها أن تتعلم أن تسمع الكالم‪ .‬قلت لك ضعيه في فمك!"‬

‫ب؛ بعنفٍ في‬ ‫َكانَ يصرخ بينما أمسك بالطفلة‪ ،‬وقلَبها على ظهرها‪ ،‬وحشَر َحفنةً من حبا ِ‬
‫ت عن ٍ‬
‫فمها‪ ،‬وهي تَصرخ‪.‬‬
‫قَفزت‪ ،‬وألقيت نفسي بينه‪ ،‬و ابنتي أل ُح ُو َل دونها؛ ردًّا على ذلك ل َكمني‪ ،‬وركلني‪ .‬تجاهلته قدر‬
‫ما أستطيع‪ ،‬وركزت ُك ّل طاقتي‪ ،‬وانتباهي على التأكد من أنَّها قد بصقت ُك ّل حبات العنب‪ ،‬وأنَّها‬
‫صعدا َء؛ مرهقَةً لكن ُمطمئنةً‪.‬‬
‫أن فمها فارغ‪ ،‬وأنَّها لَ ْم تختنق؛ تنفست ال ُ‬‫بخير‪ .‬ما إن تأكدت َّ‬‫ٍ‬
‫أخذَ يل ُكم وجهي ِبيدَ واحدة؛ بينما يُمسك شَعري بيده األخرى؛ كي يمن َعني من الهرب‪ .‬تراجعت‬
‫نادرا ما لجأت إلى حيلة االنكماش على ذاتي في‬ ‫كما اعتدتُ الى داخلي‪ ،‬وتوقفت عن الحركة‪ً .‬‬
‫تركيزا‪ ،‬وأقصر‪ .‬لكمة واحدة قوية‬ ‫ً‬ ‫أثناء فترة زواجي من عصام‪َ .‬كانَ أذى عصام في العادة أكثر‬
‫في الوجه‪ .‬لكن ضرب أخي َكانَ أشبه بالعنف الذي تعرضت له في طفولتي‪ ،‬ضرب متواصل‬
‫شعوره باإلحباط‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إلى أن أفرغ ُك َّل‬

‫ً‬
‫رجال َكانَ يع ِنّفُني‪،‬‬ ‫ألَ ْن أهرب يو ًما من هذه الحياة؟ نشَأْتُ في بيت ُك ْنتُ أ ُ َ‬
‫عنَّ ُ‬
‫ف فيه‪ ،‬وتزوجتُ‬
‫ت يعنفني فيه أخي‪ .‬كيف سأ ُ ْخ ِر ُج نفسي من دائرة العنف هذه قبل أن‬ ‫وهربْتُ من ذلك إلى بي ٍ‬ ‫َ‬
‫ضا؟ ُك ْنتُ ألمح ابنتي بين الل َكمات‪ ،‬لَ ْم تَ ُك ْن قد بلغت عمر السنتين َحتّى‪ ،‬وهي‬ ‫تنزلق فيها ابنتي أي ً‬
‫ب بوحشية‪ ،‬ولَ ْم يزعجها ذلك المنظر ولو ً‬
‫قليال‪ ،‬وهو يحدث أما َمها‪َ .‬كانَ األمر‬ ‫تشاهد أمها تُض َْر ُ‬
‫معتادًا بالنسبة لها كما َكانَ بالنسبة لي‪.‬‬

‫يجب أن يتوقف هذا‪ .‬يجب أن أ ُ ْن ِهي هذه الحلقة من العنف؛ لَ ْن أسمح بأن تصبح هي الطرف‬
‫المتل ِقّي للعنف يو ًما بسبب عجزي عن حمايتها من هذه الحياة‪.‬‬

‫يبدو أن جسمي الذي لَ ْم يعد يتجاوب؛ أَ ْخ َر َج أخي من نوبة غضبه المنفعل الشيطاني‪ .‬هزني فجأة‬
‫ليتأكد أَنّي ال أزال على قَيد ال َحياة‪.‬‬
‫"ظننت أَنّي قتلتك" قالها وهو يشهق بصو ٍ‬
‫ت عا ٍل‪.‬‬
‫"ابتعد عني"‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪172‬‬
‫ت بخير؟ ِل َم؛ لَ ْم تكوني تتحركين؟"‬
‫"هل أن ِ‬

‫َكانَت هذه آخر مرة يضربني فيها أخي‪ .‬ناد ًرا ما رأيته بعد ذلك‪ .‬لقد تحدث معي عن ذلك‪،‬‬
‫أن هذا أخافَهُ‪ ،‬وأعلَ ْم أنَّه ظل يحمل ذلك الخوف بداخله لسنوات الحقة‪ .‬لكن ذلك‬
‫لذلك فأنا أعلَ ْم َّ‬
‫الخوف لَ ْم َي ُك ْن كافيًا لمنعه من ضرب النِساء األخريات الالتي دخلن حياته بعد ذلك‪ .‬لقد ُ‬
‫س ِجنَ‬
‫بسبب إدانته بتهم العنف الزوجي مرات عديدة‪ ،‬و َكانَ يعاني من اإلدمان ومن مشاكل نفسية‪.‬‬
‫َحتّى أنَّه تشرد أحيانًا بال بيتٍ‪.‬‬

‫أكثر مني بال شك‪ ،‬و َكانَت أ ُ ّمي‪ ،‬والوحش‬ ‫َ‬ ‫لقد عانى أخي أكثر مني وهو يكبُر؛ َكانَ يُض َْر ُ‬
‫ب‬
‫الر ُجل الحقيقي"؛‬ ‫الذي "تزوجته"؛ يُشك َكانَ دائ ًما في "رجولته"‪ .‬ففي نظرهما؛ يجب أن يكون " َ‬
‫متسلّ ً‬
‫طا؛ و لَ ْم َي ُك ْن أخي يتوافق مع ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ب مستبدًّا‬ ‫مكر ٍر مقولَ ٍ‬
‫َّ‬ ‫عدوانيًّا على نح ٍو زائدٍ‪ ،‬وذا نمطٍ‬
‫ُ‬
‫ب ألعاب الڤيديو‪ ،‬ولَ ْم َي ُك ْن يهتم بالرياضة‪ ،‬أو‬ ‫ت الطبيعة‪ ،‬ولَ ِع َ‬ ‫النمط‪َ .‬كانَ يفضل وثائقيا ِ‬
‫ي من هوايات‪ ،‬وتسليات الذكور النمطيين ال ُمقولَبين‪ .‬لقد تعرض إلى الكثير من‬ ‫المصارعة‪ ،‬أو أ ّ‬
‫ُ‬
‫التعنيف‪ ،‬وظهرت عليه عالمات االضطراب النفسي في مراهقته‪ .‬تجاهلت أ ّمي األدوية التي‬
‫ي‬
‫وصفها له طبيب العائلة‪ ،‬وفضَّلت أن تدعو له؛ كي يَزول اكتئابَه واضطرابَه اإللزام َّ‬
‫فإن صلواتِها لَ ْم تحقق شيئًا‪،‬‬
‫االستحواذي (وسواسه القهري)؛ وغير ذلك‪ .‬على نح ٍو واضحٍ َّ‬
‫مؤخرا‪َ ،‬كانَ يغضب‬ ‫ً‬ ‫واستمرت حالة أخي في التدهور‪ .‬خالل الفترة القصيرة التي مكثها معنا‬
‫ألنَّه "سمعنا" أنا‪ ،‬وزوجي نتحدث عنه على نحو سيء خلف ظهره‪ .‬اعترف بأنَّه لَ ْم يعد يميز‬
‫بين الواقع‪ ،‬واألوهام التي تلعب بعقله عندما يسمع أصواتًا‪ .‬لَ ِكنَّه وجد صعوبةً في تصديقي عندما‬
‫أن ذلك لَ ْم يَ ُك ْن حقيقيًّا‪ .‬ساءت األمور بتسارع ؛ عندما تزايدَ غضبه أكثر‪ ،‬وقطعنا عالقتنا‬ ‫أخبرته َّ‬
‫في النهاية‪ُ .‬ك ْنتُ ألكون مثله لو لَ ْم انتش َل نفسي من ذلك العالَ ْم‪.‬‬

‫ي أحد‬ ‫في اليوم الذي تعرضت فيه آلخر مرة للضرب من َر ُجل ‪-‬أخي‪ -‬أدركتُ أ َ ْن ليس لي أ ّ‬
‫أعتمد عليه في هذا الكوكب حرفيًّا‪ .‬هل هللا في األعلى يرعاني؟ لم يبدُ ذلك منطقيًّا جدًّا؛ لَ ِكنّي لَ ْم‬
‫ي معونة ميتافيزيقية‪َ .‬كانَ ذلك شبح‬ ‫أ َ ُك ْن في وضعٍ يسمح لي بالبدء في التفكير في أ َ ّن ليس لَدَي أ ّ‬
‫ي‬ ‫األمل الوحيد الذي لَدَي‪ .‬حسب علمي لَ ْم يَ ُك ْن هناك أحد على هذا الكوكب لمساعدتي‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫أن أتدبَّر شؤون حياتي بنفسي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪173‬‬
‫ي اخراج ابنتي من هذا‬ ‫عل َّ‬ ‫صرتُ غير قادرة على مواصلة العيش مع أ ُ ّمي‪ ،‬وأخي‪ .‬أي َق ْنتُ َّ‬
‫أن َ‬
‫ي في هذه الحياة‪ ،‬و ُك ْنتُ أنا ُك ّل ما‬ ‫غدرا‪ ،‬ووحشيةً‪ ،‬وعنفًا‪َ .‬كانَت هي ُك ّل ما لَدَ َّ‬ ‫البيت الذي ينضح ً‬
‫إن دوري هو رعايتها؛‬ ‫ليس ُممكنًا أن أتَطلَّع إليها لُمساندتي‪َّ .‬‬ ‫لَدَيها‪ُ .‬ك ْنتُ المسؤولة عنها‪ ،‬لَ ِكن َ‬
‫ي إخرا ُجها من دائرة الخطر‪ .‬تمنيت لو أَنّي أخرجتها أب َك َر من ذلك‪ .‬إن ذكرى صدمة‬ ‫ف َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫محوها من ذهن ابنتي؛ فهي إلى اليوم ال تزال تخشى االختناق وهي تأكل؛‬ ‫ُ‬ ‫هذا اليوم ال يمكن‬
‫وتحتاج أن يكون إلى جانبها كوب ماء ُك َّل وجبة طوال حياتها‪ ،‬ألنَّها تصاب بالهلع من خَشية‬
‫الممزق لقلبي ألَنّي لَ ْم أُبعدها‬‫ِّ‬ ‫ي أن أشعر بالذنب‪ ،‬والندم‬ ‫االختناق‪ُ .‬ك ّل وجبة تأكلها في حياتها َ‬
‫عل َّ‬
‫عن األذى بسرعة كافية؛ هي اآلن تحمل هذه الندوب الداخلية إلى األبد بسببي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪174‬‬
‫معتمدين على أنفسنا‬
‫َكانَت أ ُ ّمي ضد فكرة انتقالي من المنزل بالتأكيد‪َ ،‬ل ْم تستطع فهم كيف لي َحتّى أن أقترح هذا‪.‬‬
‫النِساء ال ُم ْس ِل ْمات المحترمات ال يَ ِع ْشنَ وحدَ ُه َّن‪ .‬ال ينتقلن من بيوت آبائهن إال إلى بيوت‬
‫أزواجهن‪َ .‬كانَت فكرة أن تعيش ابنتها وحدها مزعجةً لها‪َ .‬ل ِكنّي لَ ْم أستطع البقاء هناك‪.‬‬

‫أخيرا مستعدة ً لتحديها على نحو صريح من أجل‬


‫ً‬ ‫أن انتقالي سيغضبها لَ ِكنّي صرت‬ ‫ع ِل ْمتُ َّ‬
‫ابنتي‪ .‬لَ ْم تَ ُك ْن لَدَي القوة من قَ ْب ُل قط لمواجهتها ألجل نفسي‪ ،‬لكن عندما تعلق األمر بحماية ابنتي‬
‫وجدت القوة‪.‬‬

‫قدمت طلبًا من أجل المعونة االجتماعية‪ ،‬وتحدثت إلى مدير البناية التي تعيش فيها أ ُ ّمي‪.‬‬
‫أن لَدَيه شقة ذات‬‫أخف وطأةً؛ إذا بقيتُ في نفس البناية‪ .‬أخبرني َّ‬
‫ُ‬ ‫فكرت َّ‬
‫أن اعتراضها سيكون‬
‫غرفة واحدة يمكنه تأجيرها لي‪ ،‬لَ ِكنّها َكانَت في طابق مختلف‪ .‬فكرت في االنتظار الى أن تشغر‬
‫شقة في طابقها‪ ،‬لَ ِكنّي تراجعت عن ذلك‪ .‬إن َكوني في نفس البناية هي مسافة قريبة على نح ٍو‬
‫كافٍ كي تراقبَني؛ لم يعد األمر كما لو كنت عذراء! فبعد الزواج ال تخضع المرأة المسلمة‬
‫أن ذلك لن يُرضيها؛ لَ ِكنّي فكرت أنَّها‬
‫لسيطرة عائلتها بشدة‪ .‬انتقلت بأسرع ما يمكن‪ .‬علمتُ َّ‬
‫ستتوافق معي كوني في نفس البناية‪.‬‬

‫لَ ِك َّن أ ُ ّمي اشتعل غضبها عندما غادرت شقتها؛ َكانَ األمر كأَنّي أ َّج ْرتُ بيتًا في الجهة األخرى‬
‫من المدينة‪ .‬سبَّتْني ب ُك ّل مرادفات كلمة "عاهرة" استطاعت أن تقولها‪ ،‬ورغم ُك ّل ذلك انتقَ ْلتُ ‪.‬‬

‫في يومي األول في الشقة الجديدة مألتُ طلبات انتساب الى الجامعات القريبة‪ .‬قُبِ ْلتُ في‬
‫الجامعة التي فض َّْلتُها على غيرها؛ فاشتعل غضب أ ُ ّمي ألَنّي تقدمت لدخول الجامعة‪ .‬أخذت‬
‫تحاول جعلي أقابل طالبي خطوبة آخرين‪ ،‬أزواج آخرين محت َملين‪ ،‬لَ ِكنّي ما ُك ْنتُ ِألَقَ َع في نفس‬
‫الحفرة مرة ثانية‪.‬‬

‫في األشهر القليلة التالية ‪-‬وأنا أنتظر بدء الدروس‪ -‬بدأت أتعا َفى ببطء‪ .‬أتَذَ َّكر كيف نزعت‬
‫أسير عاريةَ‬
‫ُ‬ ‫عار‪ .‬شعرت بالضعف‪ ،‬والخجل كما لو ُك ْنتُ‬‫أن وجهي ٍ‬ ‫النقاب ألول مرة‪ ،‬وشعرت َّ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪175‬‬
‫سوف يحدِّقون بوجهي المكشوف؛ لكن َل ْم يهتم أحد‪َ .‬كانَت ابنتي‬
‫َ‬ ‫الصدر‪ .‬توهمت َّ‬
‫أن الجميع‬
‫الحجاب على وجهي لتغطيَه‬
‫َ‬ ‫حاولَ ْ‬
‫ت أن تنزل‬ ‫الصغيرة الوحيدة التي استغربت كشف‪83‬وجهي‪ .‬لقد َ‬
‫بدال من العباءة‪ .‬وأخذت ببطءٍ أعيد اكتشاف ما‬ ‫ت طويلة ً‬‫مجددًا‪ .‬أخذتُ بالتدريج ألبس تنورا ٍ‬
‫ُك ْنتُ عليه قبل الزواج‪.‬‬

‫أل َ ّني ُك ْنتُ ال أزال أشعر بالحاجة إلى إرضاء أ ُ ّمي بحصولي على شقة في نفس البناية‪ ،‬فقد‬
‫َكانَ اإليجار أعلى بكثير مما ُك ْنتُ أقدر عليه‪ .‬وألنَّها ما َكانَت لتسمح لي باالنتقال الى شقة‬
‫أستطيع تحمل نفقة إيجارها‪ُ ،‬ك ْنت أحيانًا أطلب منها المال من أجل اإليجار‪ ،‬أو الطعام‪.‬‬

‫فلك ذلك‪ .‬افعلي ُك َّل شيء‬ ‫ت ِفعل ُك ّل شيء وحدك؛ ِ‬ ‫ت سيدة ً مستقلة؟ إذا أرد ِ‬ ‫َكانَت ترد‪" :‬ال‪ ،‬ألس ِ‬
‫وحدك!"‬
‫"هل أستطيع فقط استعارة بعض المال لشراء البقالة إذَ ْن؟ ليس لَدَي َحتّى الحليب‪ .‬لَدَي مال كافٍ‬
‫لدفع اإليجار فقط"‪.‬‬
‫ت في حاجة إلى دفع إيجار؛ تستطيعين العودة للعيش معي‪ .‬لَ ْن أُضيّع نقودي"‪.‬‬ ‫"لس ِ‬
‫"حسنا‪ .‬لكن هل أستطيع استعارة بعض المال مؤقتًا؟"‬
‫"قلت ال!"‬
‫عا؟"‬‫"هل ستتركين حفيدتك تموت جو ً‬
‫أدخلتُ يدي في حقيبتها‪ ،‬واخذت بطاقتَها االئتمانية‪.‬‬
‫ت"‪.‬‬ ‫وف أتصل بالبنك‪ ،‬وأ ُعلمهم؛ أنَّها قد ُ‬
‫س ِرقَ ْ‬ ‫س َ‬‫ت استعمالها؛ف َ‬ ‫"إذا حاول ِ‬
‫"ال‪ ،‬لَ ْن تفعلي؛ أنت تعلمين أَنّي أحتا ُج شرا َء الطعام لها‪ .‬إنها حفيدتك"‪.‬‬
‫ت أخذ‬‫وعليك أن تَتعايشي معها‪ .‬وإذا حاول ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت هذه القرارات الغبية‪،‬‬ ‫ت اتَّخذ ِ‬
‫"ال ي ُهمني‪ .‬أن ِ‬
‫ضا"‪.‬‬
‫ت أي ً‬ ‫س ِرقَ ْ‬
‫وف أتصل بالشرطة‪ ،‬وأخبرهم أنَّها ُ‬ ‫س َ‬‫سيارتي؛ ف َ‬
‫قلتُ لها أنَّها تُخادعني؛ ث ُ َّم أخذتُ ابنتي‪ ،‬ومفاتيح سيارتها‪ ،‬و بطاقتَها االئتمانية ‪ ،‬و ذهبت‬
‫سوق؛ أعطيتُ أل ُ ّمي فرصةً أخيرة ً في عقلي‪ .‬إذا اتصلت‬ ‫ي حال‪ .‬أثناء الت َ َّ‬‫لشراء الطعام على أ ّ‬
‫بالبنك أو‪ ،‬الشرطة؛ فستكون القشة التي قسمت ظهر البعير؛ َحتّى بالنسبة أل ُ ّمي بَدا هذا الفعل‬
‫بكثير‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫تجاوزا الحد‬ ‫ُم‬

‫‪83‬‬
‫تنورة‪ :‬جيبة‪ ،‬سكتت‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪176‬‬
‫جرد ش ِ ّكي؛ كان غريبًا بحد ذا ِته‪.-‬عندما ذهبتُ لدفع ثمن ال ِبقالة‪ ،‬أبلغني ال ُمحا ِسب؛‬ ‫أعتبر َّ‬
‫أن ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫كثيرا ما ُك ْنتُ أتردد على محل البقالة ذلك للتبضع‪.‬‬ ‫أن البطاقة مسروقة‪َ .‬كانَ يعرفني ألَنّي ً‬ ‫َّ‬

‫ي وابنتي؛ "لكن ال بأس؛‬


‫ي االتصال باألمن"‪ .‬قال لي بخجل‪ ،‬وعيناه تنتقالن عل َّ‬‫عل َّ‬ ‫ُفترض َّ‬
‫أن َ‬ ‫"ي َ‬
‫لَ ْن أتص َّل بهم‪ .‬لَ ِكنّي ال أستطيع تمرير هذه المشتريات"‪.‬‬

‫كأن أحدَهم َلكمني في حنجرتي؛ مرة ً أخرى َكانَ من ي َ‬


‫ُفترض أنَّه‬ ‫َّ‬ ‫شكرا"‪ .‬شعرتُ‬
‫ً‬ ‫"ال بأس‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫كافر‪ ،‬ونجس ‪ ،‬وقذر؛ أرحم بي من عائلتي‪.‬‬
‫ٌ‬

‫حينما عدت إلى السيارة؛ َكانَ ُك ّل ما استطعت التفكير فيه؛ أنَّها على األرجح قد اتصلت‬
‫ي العودة الى‬ ‫ي مع ابنتي؛ ف َكانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫عل َّ‬
‫ضا‪ .‬واآلن قد يُقبَض َ‬
‫بالشرطة وأبلغت عن سرقة سيارتها أي ً‬
‫البيت في أقرب وقت ممكن‪.‬‬

‫َكانَ ذلك هو اليوم الذي أدركتُ فيه؛ أنَّه ال يوجد شيء؛ أحقر من أ ُ ّمي حرفيًّا‪َ .‬كانَت لَدَي علبة‬
‫حليب مجفف مفتوحة ُك ْنتُ قد أخذتها من مطبخ المسجد‪ .‬أخبرت نفسي أنَّها لم تَ ُك ْن سرقة بل‬
‫بدال من المسجد‪.‬‬ ‫َكانَت هناك كي يستعملها الناس‪ .‬فما الذي سيحدث إذا استعملتها في البيت ً‬
‫خلطتها بالماء‪ ،‬وغذَّيْتُ بها ابنتي‪َ .‬كانَ ذلك عشا َءها‪َ ،‬كانَ عمرها آنذاك سنتين و قارورة واحدة‬
‫من الحليب؛ لم ت َ ُك ْن وجبة كافية‪ .‬تمنيت لو أَنّي لم أتوقف عن إرضاعها؛ َكانَ ذلك طعا ًما مجانيًّا‬
‫على األقل؛ َل ِكنّي اضطررت إلى التوقف عندما اكتشفت أَنّي حامل بأخيها‪ .‬استلقيت‪ ،‬وبكيت‬
‫َحتّى نمت‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ ُْ ُ‬
‫يك ُم َّ ُ‬ ‫ًَ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ ُ رْ ُ‬ ‫ُْۤ‬ ‫ٰ َ ُّ َّ‬
‫س فال يقر ُبوا ٱلم ْس ِجد ٱلحرام ب ْعد ع ِام ِه ْم ه ٰ ذا و ِإن ِخفت ْم ع ْيلة فسوف يغ ِن‬‫شكون نج ٌ‬ ‫‪84‬‬
‫ٱَلل ِمن فض ِل ِه ِإن شآء ِإن‬ ‫َّ كقوله‪{ :‬يأيها ٱل ِذين آمنوا ِإنما ٱلم ِ‬
‫يعن ه شتيمة‬ ‫ي نجاسة معنوية ال حقيقة مادية‪ ،‬ز‬ ‫يم} التوبة‪ 28 :‬وبحسب التفاست والفقه فإنها بحسب اعتقاد كثت من فقهاء ال ُم ْس ِلم ز‬ ‫يم حك ٌ‬
‫ِ‬
‫ٱَلل عل ٌ‬
‫ِ‬
‫الطتي يقول كذلك‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فقط‪،‬مثل كثت من الشتائم الن يزخر بها القرآن ضد ُغت المس ِلمي المخالفي‪ .‬لكن هناك رأي ف التفاست؛ ر‬
‫تصافحوهم‪ ،‬فمن صافحهم فليتوضأ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س } قال‪ :‬ال‬‫الم رْشكون نج ٌ‬ ‫ثنا ابن فضيل‪ ،‬عن أشعث‪ ،‬عن الحسن‪ { :‬إنما ُ‬
‫ِ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪177‬‬
‫الفيل‬
‫صعوبة‪ .‬احتجتُ المال لشراء الكتب‪ ،‬وتموين‬ ‫ت األمور أكثَر ُ‬ ‫ما إن دخلت الجامعة؛ َحتّى أم َ‬
‫س ْ‬
‫طررت إلى العودة للعيش‬ ‫الطعام‪ ،‬والمواصالت‪ ،‬و حضانة ابنتي؛ لم يعد بإم َكا ِني فعل هذا‪ .‬اض َ‬
‫ي أن‬ ‫مع أ ُ ّمي‪ ،‬وأخي؛ ث ُ َّم انتقلنا نحن األربعة الى منز ٍل من طابقين في مدينة مجاورة؛ ف َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫ت ذهابًا الى الجامعة وأربعة باصات للعودة إلى المنزل‪.‬‬ ‫أستق َّل أرب َع حافال ٍ‬

‫نوم هانئةٍ؛ إذا نمتُ أربع ساعات‪َ .‬كانَت َلدَي خمسة كورسات في الفصل‬ ‫ُك ْنتُ أعتبرها ليلةَ ٍ‬
‫الدراسي الواحد‪ ،‬إذ أردتُ أن أُنهي دراستي الجامعية في أقصر وقت؛ للحصول على شهادتي‬
‫أخيرا‪َ .‬كانَت‬
‫ً‬ ‫علّمة‪ .‬بعد ذلك أستطيع أن أصبح معلمة‪ ،‬وأن أبدأ في الحصول على بعض النقود‬ ‫ك ُم ِ‬
‫ي‪ ،‬ومن ث َ َّم سيذهب معظم مالي المستقبلي في سداد ُك ّل تلك‬ ‫عل َّ‬
‫القروض الطالبية تتكدس َ‬
‫ي فقط أن أعيش ُك ّل ٍ‬
‫يوم‬ ‫القروض في النهاية‪ .‬لَ ِكنّي لم أستطع شغل تفكيري بذلك آنذاك‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫على حدةٍ‪.‬‬

‫قابال للتحمل؛ عدا تذَ ُّمر‪ ،‬وضغط أ ُ ّمي المتواصل؛ لقد‬ ‫لكن ً‬
‫َكانَ ُك ّل شيء في حياتي صعبًا؛ ْ‬
‫أرد بال ُمقابل‪.‬‬ ‫َكانَت تثير جنوني‪ ،‬و ُك ْنتُ أحاول أن أقلل من شجارنا‪َ ،‬ل ِك َّن أحيانًا َكانَ َعل َّ‬
‫ي أن ُ‬

‫هتفت أ ُ ّمي‪" :‬اشتريتُ ِ‬


‫لك تيشيرتًا جديدًا"‪.‬‬

‫أخضرا داكنًا‪ .‬تملَّصت ابنتي حينما‬


‫ً‬ ‫ركضت ابنتي لترى ما في الحقيبة‪ .‬أخرجت أ ُ ّمي تيشيرتًا‬
‫حاولت أ ُ ّمي أن تُلبسها إياه‪.‬‬
‫دهاك؟"‬
‫ِ‬ ‫"ما الذي‬
‫تحب اللونَ األخضر‪ .‬هي تفضل اللون‬ ‫ُ‬ ‫تدخلّتُ قائلةً‪" :‬أنا أتركها تختار مالبسها‪ ....‬إنها ال‬
‫الزهري‪ ،‬أو البنفسجي"‪.‬‬
‫قالت أ ُ ّمي البنتي‪" :‬هل أنت غبية؟ األخضر لون جميل"‪.‬‬
‫صرخت فيها‪" :‬هي ليست غبية‪ .‬األشخاص يمكن أن يحبوا أشياء مختلفة‪ .‬هذا ال يجعلهم أغبياء‪.‬‬
‫هي ال تريده‪ .‬توقفي عن محاولة إجبارها على أن تحب ما تحبين"‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪178‬‬
‫صل األمر إلى شجار كبير‪ ،‬وصرت أنا البنت العاقَّة التي ال تتقبل الهدية بامتنان‪ .‬أما حقيقة‬ ‫و َ‬
‫أنَّها َكانَت تحاول إلباس طفلتي باإلكراه شيئًا لم تشأ هي ارتداؤه؛ فليست مسألةً ذات صلة‪ .‬ر َب َّما‬
‫ُجبرك أحد على ارتداء شيءٍ ال تريد ارتدا َءه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كانَ ردُّ فِعلي ُمبال ٌغ فيه‪ ،‬لَ ِكنّي أعرف شعور أن ي‬
‫ولم أ َ ُك ْن ألسمح أن تَ ُم َّر ابنتي بهذا الشعور‪.‬‬

‫ي غضبًا جهنميًّا‪.‬‬ ‫أن نَعتَها ابنتي بالغبية ألنَّها ال تحب نفس األشياء التي تحبها هي؛ أثار ف َّ‬
‫كما َّ‬
‫ي بطريقة شديدة لدرجة أَنّي ُك ْنتُ‬ ‫اختصارا لكامل حياتي التي عشتها‪ .‬السعي للتحكم ف َّ‬
‫ً‬ ‫َكانَ ذلك‬
‫وف تختار‬ ‫س َ‬ ‫قد نسيتُ أن لي آرائي الخاصة بي! لَ ْن أسمح أن تمر ابنتي بنفس التجربة‪َ .‬‬
‫وسوف تكون لها آراؤها الخاصة بها؛ وإذا أرادت أن تلبس الزهري‪ ،‬أو البنفسجي‬ ‫َ‬ ‫سها‪،‬‬‫مالب َ‬
‫وف تلبسه‪.‬‬
‫س َ‬ ‫فقط‪ ،‬فهذا ما َ‬

‫ألَنّي صرت ادرس في الجامعة؛ تنامت ثقتي في نفسي‪ ،‬وش َّج َعني هذا على تحدي أ ُ ّمي‪ُ .‬ك ْنتُ‬
‫أكبَ َر ببضع سنوات من أغلب زمالئي‪ِ ،‬لذا َكانَت لَدَي خبرة في الحياة أكثر منهم؛ ساعدني هذا‬
‫كثيرا على وجه الخصوص في منهج علم نفس الطفل الذي ُك ْنتُ أَدرسه‪ .‬بما أَنّي ُك ْنتُ الوحيدة‬ ‫ً‬
‫باإلضافة إلى األستاذ(ة) التي َكانَت لَدَيها طفلة‪ ،‬فغالبًا ما ُك ْنتُ أنا الطالبة الوحيدة في القاعة‬
‫القادرة على فهم متكامل‪ ،‬وبسيط لما تتحدث (أو يتحدث) عنه األستاذ(ة)‪َ .‬كانَت نقاشاتنا في‬
‫القاعة في أغلب األحيان هي محاوالت أستاذتي‪،‬وأنا شرح األمور لزمالئي األصغر مني سنًّا‪.‬‬
‫صار صوتي أكثر أهمية‪ ،‬وصارت آرائي‪ ،‬وتجاربي جديرة ً بالتقدير‪ .‬لم أعد تلك التي َكانَوا‬
‫يعتبرونها؛ غبيةً‪ ،‬و ُمغفلة‪ ،‬وعديمة الفائدة في البيت‪.‬‬
‫بدأت في الحقيقة َحتّى؛ في اكتشاف األخطاء في آراء أ ُ ّمي؛ لكن هل سأكون وقحة للغاية لو‬
‫ً‬
‫مستحيال‪ ،‬لَ ِكنّي قررت أن أختبر شكي‪.‬‬ ‫فكرت أَنّه يمكن أن أكون أذكى منها؟ بدا هذا‬

‫أرادت أ ُ ّمي شراء سيارة ڤولڤو؛ لسبب ما َكانَت ُمصممة على هذه الفكرة؛ ف َكانَت أولى‬
‫خطواتها التواصل مع بائعي السيارات المستعملة ال ُم ْس ِل ْمين َّ‬
‫ألن ‪-‬بالتأكيد‪ -‬ال ُم ْس ِل ْمين فقط يمكن‬
‫الثقة بهم؛ َكانَت هذه الفكرة بالنسبة لي مضحكةٌ‪ ،‬وسخيفة‪.‬‬
‫مؤشرا على مدى تمكنه في الميكانيكا"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫"اإلله الذي يعبده المرء؛ ليس‬
‫وف يكون أمينًا"‪.‬‬
‫س َ‬‫"إذا َكانَ ُم ْس ِل ْما ف َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪179‬‬
‫"هذا ليس بالضرورة صحي ًحا"‪..‬‬
‫"بلى‪ .‬إنه صحيح؛ فال ُم ْس ِلم الحقيقي؛ ال يغش ُم ْس ِل ًما آخر ؛ قد يغش الكفار ‪-‬ربما‪-‬؛ َل ِكنَّه لَ ْن يغش‬
‫‪85‬‬

‫آخرا أبدًا "‪.‬‬


‫ُم ْس ِل ًما ً‬
‫"الغشاش؛ غشاش‪ .‬أعتقد أنَّك ترتكبين خطأ"‪.‬‬
‫"ال أهتم لرأيك"‪.‬‬

‫ُ‬
‫انزعجتُ لتضييع أ ّمي مالَها على هذه السيارة الرثة؛ من ٍ‬
‫بائع ُمثير للريبَة‪ ،‬بينما َكانَت هنالك‬
‫سيارة ڤولڤو جيدة معروضة للبيع لدى وكيل ذي سمعة طيبة؛ لقد َكانَت أغلى بـ (‪ 500‬دوالر)‬
‫فقط‪ ،‬لكن على األقل َكانَت مضمونة من جهة كونِها ستع َمل!‬

‫في العادة؛ عندما أتعارك مع أ ُ ّمي حول أمر ما؛ ُك ْنتُ أرض ُخ لتقديرها "الحكيم"؛ ألَنّي ُك ْنتُ ال‬
‫أثق في تقديري‪ ،‬ورأيي‪ .‬لَ ِكنّي ُك ْنتُ متأكدة أَنّي على حق هذه المرة؛ لم يحدث هذا من قَب ُل قط؛‬
‫عم ُل‬ ‫شعورا غريبًا‪ .‬في الجامعة بدأت أُنمي مهارات التفكير النقدي لَدَي‪ ،‬وصرت أ ُ ِ‬ ‫ً‬ ‫َكانَ هذا‬
‫ومثيرا؛ أردت المزيد‪ ،‬وأحببت وضع‬ ‫ً‬ ‫عقلي بطريقة لم اعهدها من قبل‪َ .‬كانَ هذا جديدًا‪،‬‬
‫الفرضيات‪ ،‬واختبار مختلف الزوايا‪ ،‬ووجهات النظر للوصول إلى االستنتاج في النهاية؛ َكانَ‬
‫أن‬‫ي ِفعلَه‪ ،‬وكيفية ِفعلَه؛ إلى درجة َّ‬
‫عل َّ‬ ‫ش ً‬
‫طا للغاية‪.‬إذ ُك ْنتُ معتادة للغاية على تل ِقّي ما يجب َ‬ ‫هذا من ِ ّ‬
‫هذه المهارة الجديدة الكتشاف كيفية تقرير ما أريد فعله؛ َكانَت كاإلدمان‪ ،‬ونشواهُ لي‪ .‬قررت في‬
‫النهاية أن أسبر إمكانية أن أكون على حق‪ ،‬وأ ُ ّمي على خطأ‪.‬‬

‫لقد َكانَ مالَها و َكانَت حرة في شراء ما تريد به؛ توقفت عن نُص َحها؛ في الحقيقة شجعتها على‬
‫المضي قُد ًما‪ ،‬والشراء من البائع ال ُم ْس ِلم ال ُمريب‪.‬‬

‫تن َّحيتُ جانبُا‪ ،‬ث ُ َّم انتظرت ألرى ما إذا َكانَت هي على صواب؛ أم أنا‪ .‬إذا َكانَت على حق؛‬
‫فسأظل دائ ًما رهن رأيها‪ .‬وإذا ُك ْنتُ أنا على حق؛ فأعرف أنَّه يُمكنني الوثوق في قدرتي على‬
‫أكثر صوابًا من تقديرها‪.‬‬
‫التقدير‪ ،‬والحكم‪- ،‬في الحقيقة‪ -‬فإنه قد يكون َ‬
‫‪ ً 85‬ز‬
‫مثًل ف صحيح ُم ْس ِلم‪.... ] 101 [ :‬عن رأن هريرة أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قال من حمل علينا السالح فليس منا ومن غشنا فليس منا‬
‫[ ‪....] 102‬عن رأن هريرة أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم مر عىل ر‬
‫صتة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بلال فقال ما هذا يا صاحب الطعام‬
‫قال أصابته السماء يا رسول هللا قال أفال جعلته فوق الطعام ك يراه الناس من غش فليس ز‬
‫من‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪180‬‬
‫استخدامها‪ ،‬ورفض البائع أن يرجع إليها مالها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تعطلت السيارة عن العمل بعد يومين فقط ِمن‬
‫عرض عليها فقط أن "يصل َحها"‪ .‬ثم تعطلت عن العمل ثانية بعد بضعة أيّام‪ .‬وصارت السيارة‬
‫خطيرة جدًّا ألنَّها َكانَت تتوقف في وسط الزحام‪ ،‬فاضطرت في النهاية لالستسالم لألمر الواقع‪.‬‬

‫َكانَت هذه لحظة فارقة بالنسبة لي؛ لقد اختبرت فرضيتي‪ ،‬وتبيَّن أنَّها صحيحة‪ .‬فتح هذا عالَ ًما‬
‫غير قاب ٍل للجدل؛ على أَنّي أستطيع أن أثق في‬ ‫كامال أمام عقلي‪َ .‬كانَ هذا ً‬
‫دليال قاطعًا َ‬ ‫ً‬ ‫جديدًا‬
‫أحكامي‪ ،‬وحدسي‪ ،‬وقدرتي على اتخاذ قرارا ٍ‬
‫ت صحيحة‪.‬‬

‫في نهاية الفصل الدراسي الثاني من سنتي الجامعية األولى‪ ،‬بينما ُك ْنتُ أجري امتحانًا في‬
‫غير قادرة على كتابة جملة كاملة‪َ .‬كانَت اإلجابات تعوم في‬ ‫مادة علم النفس وجدتُ نفسي فجأة ً َ‬
‫ي طريقة‪ .‬لم أشعر من قبل قط بمثل‬ ‫ذهني؛ لَ ِكنّي لم أعد قادرة على كتابتها على ورقة اإلجابة بأ ّ‬
‫هذا االنقطاع بين عقلي‪ ،‬وجسدي؛ فقد ُك ْنتُ استنزف نفسي منذ وقت طويل‪ ،‬ولم أعد أنام َحتّى‬
‫ليال‪ ،‬و ُك ْنتُ محرومةً من النوم بشدة؛ باإلضافة إلى ذلك ُكله؛ ُك ْنتُ ُُ قد َم ِر ْ‬
‫ضتُ‬ ‫األربع ساعات ً‬
‫ضا‪ ،‬و َكانَ جسمي يقاوم الڤَي َْروس‪ .‬لَ ِكنّي ُك ْنتُ أ ًّما عزبا َء تذهب إلى الجامعة في حضور دوام‬ ‫أي ً‬
‫سا خصوصية في الليل‪ ،‬فلم َي ُك ْن لَدَي الوقت‬ ‫كامل‪ ،‬و ُك ْنتُ باإلضافة إلى ذلك أعطي درو ً‬
‫للمرض؛ لذلك تناولت كميات كبيرة خطيرة من مضادات الهستامين‪ ،‬ومسكنات األلم ألبعد‬
‫الحبوب ببعض النيو ستران‪ ،‬وهو دواء مهدئ للسعال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫األعراض؛ لَ ِكنّها ظلت مستمرة فأتْ َب ْعتُ‬
‫ومزيل لالحتقان‪ .‬لم يَ ُك ْن لَدَي الوقت (وال المال) لألكل في الجامعة؛ ُك ْنتُ على العموم دائ ًما إما‬
‫مستعجلة للغاية‪ ،‬أو مرهقة للغاية بحيث ال أستطيع إعداد طعام لنفسي ألخذه معي قبل مغادرة‬
‫البيت‪ .‬باختصار؛ ال طعام‪ ،‬إضافة إلى الكثير من الحبوب‪ ،‬ومعها نيوسيتران‪ ،‬ومع ضغط نفسي‬
‫ذلك ال يؤدي الى نتيجة جيدة‪.‬‬ ‫ساحق‪َ ،‬‬

‫ُك ْنتُ محبطة للغاية‪ ،‬وخائفة ألَنّي سأفعل شيئًا لم أفعله منذ وقت طويل‪ .‬منذ آخر مرة مع السيد‬
‫فابرو عندما أتت األمور بنتائج عكسية‪ .‬لقد طلبت المساعدة‪.‬‬

‫ي المتعرقتين‪ .‬ركزت بشدة كي‬ ‫سرت بحذر إلى األستاذة‪ ،‬قابضةً على ورقة االمتحان بيد َّ‬
‫أصيغ العبارات‪ ،‬وأحاول شرح حالتي‪ .‬توقعت منها أن تأمرني بأن أتَجلَّد‪ ،‬وأجلس‪ ،‬وأجيب عن‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪181‬‬
‫االمتحان‘ أو أسلم ورقة اإلجابة كما هي‪ .‬توقعت أن تن َهرني العتقادي أَنّي قد أجد بعض‬
‫التعاطف‪ ،‬أو المعاملة التمييزية منها‪.‬‬
‫ألن أول رد فعل لها َكانَ قولها‪" :‬أوه"‬‫قلت لها‪" :‬نيوسيتران"‪ .‬البد أَنّي ُك ْنت في حالة سيئة جدًّا َّ‬
‫سطت ذراعيها‪ .‬أتَذَ َّكر أنَّها كتبت "نيوسيتران" في أعلى ورقة امتحاني‪.‬‬ ‫ثم اتسعت عيناها‪ ،‬و بَ َ‬
‫وف تتركني أذهب‪ .‬ث َّمُ‬‫س َ‬ ‫َ‬
‫أدركتُ من خالل نظرة عينيها؛ أنَّه يُمكنني التوقُف عن التوتر‪ ،‬وأنها َ‬
‫ي؛ أن أتصل بها الحقًا لننظر في كيفية تعويض االمتحان‪ .‬لم أشعر‬ ‫أعطتني بطاقتَها‪ ،‬وطلبت ال َّ‬
‫بمثل هذا االرتياح التام من قَبل؛ فانتقلت من اليأس؛ إلى الشعور بالخالص في أقل من دقيقة‪،‬‬
‫وانهمرت دموعي؛ لم يَ ُك ْن نشي ًجا‪ ،‬بل فقط دموع تنهمر على وجهي‪ .‬استطعتُ أن أشكرها رغم‬
‫أن حنجرتي َكانَت متورمة وتؤلمني‪ .‬خرجت من القاعة‪ ،‬وأخذت أول حافلة إلى البيت‪.‬‬ ‫َّ‬

‫تفاجأتُ من لط ِفها؛ عندما قابلتها الحقًا في مكتبها‪َ .‬كانَ يُفترض أن يكرهني الكفار؛ لقد‬
‫ي أال اثقَ بهم‪ .‬لَ ِكنّها أظهرت تعاطفًا تجاهي؛ ال يزال يجعلني‬ ‫عل َّ‬ ‫علَّموني أنَّهم أعدائي‪َّ ،‬‬
‫وأن َ‬
‫طف أ ُ ّمي بي قط مثلما فعلت هي‪.‬‬
‫أذرف الدموع إلى اليوم؛ رغم مرور ُك ّل تلك السنوات‪ .‬لم تَل ُ‬
‫ُ‬

‫والتوتر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت بأَنّي أبدو متحملةً فوق طاقتي‪ ،‬وربما مكتئبة‪ ،‬لَ ِكنّي بالتأكيد أعاني اإلجهادَ‪،‬‬ ‫علَّقَ ْ‬
‫أصر أسناني في الليل بشدة‬ ‫ّ‬ ‫أخبرتها أَنّي أمر بفترة صعبة‪ ،‬وأَنّي أكافح بجه ٍد هائ ٍل‪ .‬أخبرتها أَنّي‬
‫ستشارا نفسيًا؛‬
‫ً‬ ‫أن أعا ِود ُم‬‫صت ْ‬‫إلى درجة أَنّي أستيقظ في الصباح مع ألم يستمر طوال اليوم؛ فأو َ‬
‫كي أخفف من حدة الضغط‪ .‬بما أنَّها َكانَت ُمرشدة نفسية ؛ طلبتُ إليها أن تكون ُمعالجتي؛‬
‫ي‪ ،‬لَ ِكنّي َه ِل ْعتُ ‪ .‬لقد وجدتُ شخ ً‬
‫صا‬ ‫وحاولَ ْ‬
‫ت اقترا َح بدائ ِل عل َّ‬ ‫َ‬ ‫دورها‪،‬‬
‫أن هذا ليس َ‬ ‫ضحت لي َّ‬ ‫فأو َ‬
‫واحدًا يعاملني بلطف‪ ،‬ويريد مساعدتي‪ ،‬فما احتمالية إيجاد شخص آخر؟ أخبرتها أَنّي أريد فقط‬
‫ي شخص آخر‪.‬‬ ‫أن أتحدث إليها؛ ألَنّي أثق بها؛ وال أستطيع أن أثق بأ ّ‬

‫ال أستطيع تخيل كم بدوت يائسة‪ .‬بإدراكٍ ُمتأ ّخر‪ ،‬فمن الواضح أني كنتُ أعاني من االكتئاب‪،‬‬
‫إن لم تقبل ُمساعدتي؛ فلَ ْن أسعى‬‫والقلق‪ ،‬و العديد من األشياء األخرى‪ .‬أعتقد أنَّها عرفت؛ ْ‬
‫ي م َكان آخر؛ وستكون ُمحقَّة بذلك؛ ألني ما كنتُ ألفعل‪.‬‬
‫للحصول على المساعدة من أ ّ‬

‫وأصر ْرتُ على أن أدفع لها نفس األجرة‬ ‫َ‬ ‫ُك ْنتُ ُُ ممتنةً للغاية أ َّنها قبلت عمل جلسات لي؛‬
‫ت بذلك في‬ ‫ي حوالي (‪ 100‬دوالر) في الساعة‪ .‬قَبِلَ ْ‬ ‫بالساعة الخاصة بالمعالجين النفسيين‪ ،‬أ ّ‬
‫الشيك بعد جلستنا‬
‫َ‬ ‫النهاية‪ ،‬لَ ِكنّها أخبرتني أنَّها لَ ْن تستطيع أن تراني إال لبضع جلساتٍ‪ .‬أعطيتها‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪182‬‬
‫الثالثة وأنا أعلم أَنّي ال أستطيع تحمل تكلفة جلسة أخرى معها‪ُ .‬ك ْنتُ قلقة‪ ،‬وحريصة جدًّا على أن‬
‫يكون لَدَي ما ٌل كافٍ في حسابي لتغطية مبلغ الشيك‪ .‬لكن بعد بضعة أسابيع اكتشفت أنه لم َي ُك ْن‬
‫أوال المحامية‪ ،‬ثم كاشير السوبرماركت‪،‬‬ ‫تصرفَهُ‪ .‬لقد قابلت مالكي الكافرة الثالثة‪ً ،‬‬
‫ِ‬ ‫لها نية في أن‬
‫واآلن معلمتي الخاصة بمادة علم النفس‪.‬‬

‫أردت أن أعود للتحدث إليها أكثر‪َ ،‬ل ِكنّي لم أستطع السماح لنفسي باستغالل طيبتها‪ .‬أل َ ّني‬
‫ي أن أتوقف عن زيارتها‪ .‬قررت ً‬
‫بدال‬ ‫ع ِل ْمتُ أنها ستظل ترفض صرف الشيكات‪ ،‬لذلك َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫من ذلك أن أُث ّمن كرمها بتطبيق دروس الحياة التي علمتني إياها‪ .‬إنها ال تدري إلى هذا اليوم كم‬
‫غي ََّر ْ‬
‫ت حياتي‪.‬‬

‫حدثتها عن رغبتي في التخلص من قبضة أ ُ ّمي الحديدية (سيطرتها الشديدة)‪ .‬بعد أن شرحت‬
‫ي ذلك‪ ،‬أنهيت كالمي‬ ‫لها ُك ّل األسباب التي ألجلها أريد ذلك‪ ،‬واألسباب التي ألجلها ينبغي َعل َّ‬
‫بعبارة "لكني ال أستطيع"‪.‬‬
‫"لم ال ؟"‬
‫سألتني‪َ :‬‬
‫عائلتك‪ ،‬أو مع‬
‫ِ‬ ‫أن تعيشي إما مع‬ ‫عليك َّ‬
‫ِ‬ ‫"ألَنّي ال أستطيع؛ ال تستطيع النِساء العيش بمفردهن‪.‬‬
‫زوجك‪ .‬ال يجوز للنساء أبدًا أن يعشن وحدَهن‪ .‬ال أستطيع جلب هذا العار على أ ُ ّمي‪ .‬ال‬
‫أستطيع"‪.‬‬
‫"تخيلي أنَّك ال تستطيعين قول ال أستطيع‪".‬‬

‫من َكانَ يعلم مدى التأثير العميق الذي سيكون لهذه الكلمات على حياتي؟ لعلها َكانَت تعرف‪،‬‬
‫لَ ِكنّي لستُ متأكدةً‪ .‬يا لها من نقطة تحول‪ .‬البد َّ‬
‫أن هذا َكانَ نفس شعور ُك ّل شخص عندما اكتشفوا‬
‫أن األرض ليست مسطحةً‪.‬‬ ‫َّ‬

‫أن هنالك احتمالية وجود شيء يتجاوز عبارة "ال أستطيع"‪ .‬وها أنا‬ ‫لم يخطر على بالي يو ًما َّ‬
‫اآلن أحدّق في أفق ال نهاية له‪ .‬في إحدى محاضرات نفس منهج مادة علم النفس‪ ،‬تعلمنا عن‬
‫(صغار‬
‫ُ‬ ‫الفيلة حديثة الوالدة التي تُقيَّد ببالطات خرسانية ثقيلة منذ مولدها‪ .‬تكافح تلك الدَغافِ ُل‬
‫األفيا ِل) ب ُك ّل قوتها للتحرر‪َ ،‬ل ِكنّها ال تستطيع‪ .‬تنزف أرجلها وهي تصرخ‪ ،‬وتصارع‪ ،‬لَ ِك َّن‬
‫مصيرها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التحرر فتستسلم‪ ،‬وتق َبل‬
‫َ‬ ‫الخرسانة ال تتزحزح‪ .‬في النهاية تفهم الدغافل أنَّها ال تستطيع‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪183‬‬
‫وألن الفيلة ال تنسى أبدًا‪ ،‬فإنك ترى الفيلة الكبيرة التي تستطيع تحريك شاحنة بنابيها لو أرادت‬ ‫َّ‬
‫صغير في األرض‪ .‬لقد قبلت تلك الفيلة قدرها منذ‬
‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬مربوطة بحب ٍل بسيطٍ من أرجلها إلى وت ٍد‬
‫زمن بعيد‪ ،‬وتوقفت عن المحاولة ألنَّها تعتقد أنَّها ال تقدر‪ .‬لو علمت تلك الفيلة فقط أنَّها لو‬
‫حركت أقدامها أقل حركة صغيرة ستصبح ُح َّره‪.‬‬
‫ُك ْنتُ أنا إحدى تلك الفيلة‪.‬‬

‫ي أن أتجاوز الخوف الذي‬ ‫تلك َكانَت أول مرة أُد ِْرك فيها أَنّي العائق الوحيد أمام نفسي‪َ .‬‬
‫عل َّ‬
‫ع في عقلي‪ .‬لقد أراد الجميع أن أؤمن أَنّي ال أستطيع أن أنجح وحدي‪ ،‬وصدقتهم‪ .‬لكن ما‬ ‫ُز ِر َ‬
‫أجمل ذلك االكتشاف المفاجئ الجميل أَنّي أستطيع! وأنَّهم ال يعرفون أَنّي أعرف! و يظنون أَنّي‬
‫ال أزال أصدق ذلك! يبتعدون ويتركوني موثوقة إلى ذلك الوتد في األرض ظانين أَنّي لَ ْن اقتلعه‬
‫ليال واثقين أنَّهم أقنعوني أَنّي ضعيفة بال حيلة‪ .‬لكن كان لي اليد العليا‪ .‬لقد عرفت‬ ‫أبدًا! ينامون ً‬
‫اأنّني قويّة!‬

‫تركت هذه المعرفة تستقر‪ ،‬وتتغلغل‪ ،‬وتكبر في داخلي؛ بينما أعيش حياتي اليومية كالمعتاد‪.‬‬
‫ُك ْنت خائفة جدًّا؛ لَ ِكنّي واصلت السير إلى األمام رغم الخوف‪ .‬بالتأكيد لَ ْن يحرقني هللا في الجحيم‬
‫إلى األبد لمجرد أَنّي أحاول إنقاذ ابنتي من نفس الحياة التي عشتها! سوف يتف َّهم أَنّي أردت‬
‫إخراجها من ذلك الوسط المسموم‪ ،‬بعيدًا عن أ ُ ّمي‪ ،‬وأخي‪ .‬سأشرح كل ذلك إلى هللا وسوف‬
‫ي فقط أن أنتظرها‪ .‬لم أ َ ُك ْن قادرة ً على إثارة‬ ‫يتف َّهم‪ .‬أدركت أَنّي سأجد فرصةً في النهاية‪ ،‬لكن َ‬
‫عل َّ‬
‫ي تحركات مفاجئة‪.‬‬‫الريبة بأ ّ‬

‫لم يطل األمر بعد اكتشافي لقدرات ذاتي‪َ ،‬حتّى بدأت أ ُ ّمي تستعد لزيارة أختي في ِ‬
‫فلوردا‪َ .‬كانَت‬
‫تلك فرصتي!‬

‫َكانَ إلحدى صديقاتي جار يبني شقة غير قانونية في القبو‪ .‬وقد احتاج أن يؤجرها بهدوء‬
‫وسرية‪ .‬ممتاز! لم ت َ ُك ْن َلدَي السمعة المالية‪ ،‬وال المراجع‪ ،‬وال الضمانات الالزمة إليجار شقة‬
‫ي حال‪ .‬ثم إني سأتمكن من العيش بالقرب من صديقتي! ومن ث َ َّم خططتُ ل ُك ّل هذا‬ ‫رسمية على أ ّ‬
‫فلوردا؛ سأجمع أغراضي‪ ،‬وأغراض ابنتي‪ ،‬وسنغادر هذا الم َكان‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫سرا‪ .‬عندما تكون أ ّمي في‬ ‫ًّ‬
‫عقَبة واحدة‪ .‬غادرت هي فجمعت أغراضنا‪ ،‬وانتق‬ ‫على ع َج ٍل! ذلك ما حدث بالضبط دون َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪184‬‬
‫الحرية‬
‫َكانَت مجرد شقة في قبو لَ ِكنّها َكانَت لي؛ كجنة ساحرة من الحرية‪َ .‬كانَت حرية باهظة الثمن؛‬
‫لَ ِكنّها تستحق ُك ّل قرش‪ .‬لم تَ ُك ْن شقتي كبيرة ‪-‬إذ ُك ْنت تستطيع رؤية (‪ 95‬بالمئة) منها من الباب‪-‬‬
‫لكن بالنسبة لي َكانَت ال تقدر بثمن‪ .‬أتَذَ َّكر أَنّي قلتُ لصديق(ة) أَنّي مستعدة لدفع إيجار أكثر من‬
‫المطلوب‪ .‬ما من ثمن يغلو على الحرية‪.‬‬

‫إذا مشيت بضع خطوات من الباب األمامي إلى غرفة المعيشة‪ /‬النوم‪ ،‬ستجد المطبخ ً‬
‫أوال‪ ،‬ثم‬
‫مالبس‪،‬‬
‫َ‬ ‫شا‪ ،‬وخزانةَ‬ ‫الحمام على يمينك‪ ،‬وغرفة نوم ابنتي أمامك‪ .‬وضعت لها هناك فرا ً‬
‫وصندوق ألعاب‪ .‬لم تَ ُك ْن لَدَي غرفتي الخاصة بي عندما ُك ْنتُ في سنها‪ ،‬لذلك ُك ْنتُ سعيدة ً ألَنّي‬
‫زاهي األلوان‪ ،‬وزينت جدران‬ ‫َ‬ ‫استطعتُ أن أو ِفّر لها غرفتها الخاصة بها‪، .‬اشتريتُ لها ِلحافًا‬
‫غرفتها بملصقات‪ .‬شغ ْفتُ بتلك الغرفة‪ ،‬ألنَّها َكانَت أول خطوة في شفائي‪َ .‬كانَ إعطاء ابنتي‬
‫شعورا باإلنجاز‪ .‬لم أعد أحزن‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫ضيًا‪ ،‬ومح ِقّقًا‬
‫األشياء التي لم أحظ بها قط في طفولتي ُم ْر ِ‬
‫أتو َّجع على الفرص الضائعة‪ ،‬إ ْذ أن إعطائها ُك ّل تلك الفرص عالجني‪ ،‬عالج تلك الطفلة في‬
‫داخلي؛ التي تعرضت للخيانة‪ ،‬والنسيان‪ ،‬والتجاهل‪ .‬لم أستطع أن أعوض تلك الطفلة بداخلي‬
‫بدال من ذلك للتركيز على ابنتي الصغيرة‪ .‬أردت أن تكون حياتها ُك ّل شيء لم‬ ‫فات‪ ،‬فس َعيْت ً‬
‫عما َ‬
‫ت َ ُك ْن عليه حياتي‪.‬‬

‫عام‪ ،‬و َكانَت تلك الشهور رحلة اكتشاف‬ ‫عشنا في تلك الشقة ذات غرفة النوم الواحدة حوالي ٍ‬
‫ي شيء‪ .‬ال مزيد من‬ ‫الذات‪ .‬أدخلتُ ابنتي حضانةً نهاريةً قريبةً‪ ،‬ولم أعد أعتمد على أ ُ ّمي في أ ّ‬
‫العناية بالطفلة أو المساعدة المالية‪ .‬ال شيء‪ .‬صرت أنا وابنتي وحدنا في مواجهة العالم ولَ ْن‬
‫يوقفنا شيء‪.‬‬

‫أن أ ْسلَ َم الطرق هو أن أفعل‬


‫َكانَت إحدى أكثر األشياء التي تقلقني هي كيف أكون أ ًّما‪ .‬قررتُ َّ‬
‫ت أ ُ ّمي بالضبط‪ .‬انشاتنا على تثمين الموت‪ ،‬والحياة اآلخرة‪ ،‬وعدم إعطاء‬ ‫ُك ّل شيء عكس ما ف َعلَ ْ‬
‫ي اهتمام بهذه الحياة‪ .‬لذلك فعلت العكس‪ .‬علَّ ْمتُ ابنتي أن تستمتع ب ُك ّل لحظة‪ ،‬وأن تجد السعادة َ‬ ‫أ ّ‬
‫في ُك ّل نَ َف ٍس‪َ .‬كانَت ُك ّل ليلة قبل النوم تخبرني بثالثة أشياء في الحياة هي ممتنة ألجلها‪ .‬أ ّ‬
‫ي‬
‫شيء؛ من النهار المشمس إلى أكلها كعكةً لذيذة ً في الغداء‪ .‬الحقًا عندما كبرت صارت تكتب‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪185‬‬
‫مذكرات امتنان‪ .‬رغم أنَّها كبرت اآلن‪ ،‬فهي ال تزال تحتفظ بمذكرة مماثلة‪ .‬تَعلُّم كيفية العناية‬
‫سهال‪ ،‬لكن عندما أنظر إليها اليوم أُد ِْركُ أَنّي أ َ َ‬
‫صبْتُ ‪.‬‬ ‫بطف ٍل صغير آنذاك لم َي ُك ْن ً‬

‫كثيرا باحثين عن إيجار أرخص‪َ .‬كانَ هدفي في تلك‬ ‫ً‬ ‫لم ت َ ُك ْن تلك السنوات سهلة‪ .‬كنا ننتقل‬
‫الفترة تحسين وضعي بأسرع ما يمكن؛ كي ال تتذكر ابنتي وقتًا؛ لم تَ ُك ْن َلدَينا فيه نقود للطعام‪ ،‬أو‬
‫اضطررنا للعيش في شقة ذات غرفة واحدة (شقة استوديو أو غرفة)‪ ،‬أو اضطررنا فيه للنوم‬
‫على فرشة أرضية (فوتون)‪ .‬لم أرد لها أن ت َ ْذ ُك َرني هكذا‪ .‬أردت أن أكون قدوة تستطيع أن ت َ ْفخ ََر‬
‫بها‪.‬‬

‫أن أمامي وقتًا إلى أن يصير ِسنها ست سنواتٍ‪ .‬ففي مثل ذلك‬ ‫بنا ًء على تقديراتي؛ َحسبتُ َّ‬
‫ي الكثير من‬ ‫عمرها ثالثة أعوام؛إذَن لم يَعُد لَدَ َّ‬
‫السن بدأت تتش َّكل لدي ذكريات واضحة‪َ .‬كانَ ُ‬
‫وكثيرا‪ ،‬وبالكاد ُك ْنتُ أنام‪ .‬ثا َبرتُ‬
‫ً‬ ‫الوقت؛ لَ ِكنّي ُك ْنتُ على المسارالصحيح‪َ .‬ع ِملت ِ‬
‫بجدٍ‪ ،‬وبسرعة‪،‬‬
‫على ذلك المنوال لسنوات‪ .‬و ُك ْنتُ على يقين من أَنّي سأحقق ما أريد قبل التاريخ النهائي‪ .‬لم يَ ُك ْن‬
‫لَدَي خيار آخر‪ُ .‬ك ْنتُ أذهب إلى الجامعة بدوام حضور كامل‪ ،‬وأعمل في نفس الوقت‪ ،‬وصرت‬
‫قادرة على الشعور بالحب‪ ،‬وعمل عالقات صداقة جيدة مع أصدقاء جدد‪.‬‬

‫وكما قال األديب تشارلز د َي ُك ْنز‪َ " ,‬كانَت أفضل األوقات وأسوأها"‪َ .‬كانَت لَدَي حريتي ولم َي ُك ْن‬
‫ضا أن أتعامل مع شيء لم أ َ ُك ْن أعرف عنه شيئًا‪:‬‬ ‫ي أي ً‬ ‫هناك شيء أفضل من ذلك‪ .‬لكن َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫ي فعله‪َ .‬كانَ التفكير النقدي‪ ،‬واتخاذ‬ ‫عل َّ‬
‫الحياة‪ .‬ففيما مضى‪ ،‬كان يت ُّم إخباري بما يتو َّجب َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرارات‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬والنظر في العواقب مفاهيم غريبة عني‪ .‬ت َّم تعليمي؛ أن أصغي‪ ،‬وأطيع‪،‬‬
‫ي أن أكتشف‪ ،‬وأقرر ُك َّل شيءٍ بنفسي‪ .‬كيف سأذهب إلى الجامعة‬ ‫أن أُفكر‪ .‬فجأة صار َ‬
‫عل َّ‬ ‫وال ْ‬
‫وكثيرا‬
‫ً‬ ‫ي اتخاذها ال تنتهي‪،‬‬ ‫يوميا؟ كيف سأدفع أجرة الحضانة النهارية؟ َكانَت القرارات التي َ‬
‫عل َّ‬
‫ما فشلت‪.‬‬

‫صرية في آلة التذاكر (التي تعمل بالوزن) في م َكانَ‬ ‫أتَذَ َّكر توتري وأنا أضع عمالت نقدية ِم ْ‬
‫ي أن أستقل‬ ‫دفع األجرة لكي أستطيع الذهاب إلى الجامعة بالحافلة‪َ .‬كانَت نقودي تنفد‪ ،‬و َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫بوضوح لم أ َ ُك ْن أعيش في أفضل األماكن‬
‫ٍ‬ ‫ثالث حافالت بين البيت والجامعة‪ .‬من ث َ َّم فإني‬
‫جغرافيًّا‪ ،‬لَ ِكنَّه َكانَ األرخص‪ ،‬واألفضل ماليًّا‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪186‬‬
‫ت‪ .‬ثم َكانَت هنالك أيام أوصل‬ ‫صرية التي َلدَي َحتّى نفذَ ْ‬ ‫استخدمت ُك ّل العمالت المعدنية ِ‬
‫الم ْ‬
‫فيها ابنتي إلى الحضانة النهارية كي أعود إلى البيت ألبكي‪ .‬لم َي ُك ْن لَدَي مال يكفي أجرة الحافلة‪.‬‬
‫سني‪.‬‬ ‫لو زارني أصدقائي يو ًما‪ ،‬واشتريت طعاما زائدًا َكانَ هذا يُف ِل ُ‬

‫ألن الجامعة َكانَت فرصتي الوحيدة‪ .‬إذا لم أدرس جيدًا؛ فلَ ْن أحقق‬
‫كثيرا َّ‬‫ً‬ ‫ُك ْنتُ أغضب من نفسي‬
‫هدفي أبدًا‪ .‬ذلك الغضب‪ ،‬والحزن‪ ،‬واإلحساس بالفشل‪ ،‬والخوف دفعني إلى الحرص على أن‬
‫تكون أيّام تغيبي قليلة‪ ،‬ومتبا ِعدة‪.‬‬

‫لكن عندما طلبت ابنتي علبة كيك بسكويت وافل مجمدة باهظة الثمن فقلتُ لها ال؛ ألَنّي ال‬
‫أملك النقود‪ ،‬شعرت بشعور أسوأ‪ ،‬وأصعب من شعوري بسبب التغيب عن حضور الجامعة‪.‬‬
‫ُك ْنتُ أخيّب أمل االنسانة الوحيدة التي أردتُ إسعادَها‪ ،‬و َكانَ ذلك بالنسبة لي أسوأ ما يمكن أن‬
‫أصير فيه‪ ،‬شعور أَنّي في القاع‪.‬‬
‫َ‬

‫لَ ِكنّي عدت إلى السطح مجددًا‪ ،‬وأنا ألعن غالء كيك الوافل‪ ،‬واستطعتُ أن أعود إلى الحالة‬
‫التي ُك ْنتُ فيها‪ُ .‬ك ْنتُ كحصاة تنزلق على سطح الماء خوفًا من أن أغرق مجددًا‪ ،‬وال أخرج أبدًا‪.‬‬
‫قليال؛ فسوف أغرق‪.‬‬ ‫ُك ْنتُ ممتلئة باألدرينالين‪ ،‬وأعلم أَنّه ال يمكنني أن أتوقف‪ .‬إذا أبطأتُ ولو ً‬
‫ي هو يوم‬ ‫ي أن أواصل التحرك؛ ولَ ِك َّن األمر َكانَ صعبًا للغاية‪َ .‬كانَ أصعب يوم َ‬
‫عل َّ‬ ‫َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫اضطررت لبيع سوار جدتي‪.‬‬

‫بعد موت جدي في حادث قارب انتقلت جدتي من السعودية إلى مونتريال‪ .‬وألنَّهما لم يكونا‬
‫سعوديين فقد َكانَ لزا ًما عليهما الحصول على توقيع مشترك من سعودي على ُك ّل ممتلكاتهما‬
‫ي شيء في السعودية ‪ .‬لكن ما إن‬ ‫وأعمالهما‪ ،‬ألنَّه ال يُ ْس َمح لألجانب غير السعوديين بتملك أ ّ‬
‫توفي جدي َحتّى استولى السعودي المشارك في التوقيع على ُك ّل شيء تار ًكا جدتي معدَمةً‪ .‬لم‬
‫ي أبي‪ .-‬وقد ذهبتُ إلى مونتريال لزيارتها بعد‬ ‫يَ ُك ْن لَدَيها خيار إال السفر للعيش مع ابنها ‪-‬أ ّ‬
‫حوالَ ْي سنتين من موت جدي‪.‬‬

‫َكانَت ضعيفة جدًّا‪ ،‬و َكانَت عيناها بيضاوين بسبب الچلوكوما (الماء األزرق)‪ .‬رغم أنَّها َكانَت‬
‫ً‬
‫طويال‪ .‬لقد َكانَ للحياة مع أبي‪ ،‬و‬ ‫ال تزال صغيرة نسبيًّا‪ ،‬إال أنَّه َكانَ من الواضح أنَّها لَ ْن تعيش‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪187‬‬
‫أثر سي ٌء عليها‪َ .‬كانَ قد دفعها على الجدار‪ ،‬وكسر ذراعها؛ ثم رفض أخذها الى‬
‫زوجته الفظيعة ٌّ‬
‫الطبيب مته ًما إياها بالتدلل‪ ،‬وبالكذب في قولها َّ‬
‫أن ذراعها انكسرت‪.‬‬

‫َكانَت قد تعبت من الحياة‪ .‬عاشت مع جدي منذ َّ‬


‫أن َكانَ سنها (‪)12‬و َكانَ عمره (‪َ .)15‬كانَ‬
‫ضخم الجثة ذا ضحكة عالية‪ ،‬وشخصية قوية‪ .‬أحيانًا َكانَ عليها أن تتحمل صفعه إياها‬ ‫َ‬ ‫َر ُج ًال‬
‫ت ذات صوت عا ٍل على نحو مبالغ فيه‪ ،‬لَ ِكنّها َكانَت في أغلب‬ ‫على مؤخرتها‪ ،‬أو تقبيلها قبال ٍ‬
‫األوقات تجلس إلى جانبه بصمت‪َ .‬كانَت ضائعة بدون وجوده معها‪.‬‬

‫جلسنا على أريكة أبي‪ ،‬وبكت وهي تعطيني آخر سوار ذهبي حول معصمها‪َ .‬كانَ لَدَيها دائما‬
‫(‪ )6‬أساور تتدلى من معصمها لَ ِكنّها آنذاك؛ لم يعد لَدَيها إال واحد‪.‬‬

‫"آسفة أنَّها ليست جديدة‪ .‬أكره أن أعطيك شيئا قدي ًما ورثًّا لَ ِك ّنها كل ما أملك‪ .‬أريدك أن تلبسيها‬
‫دائما"‪ .‬قالت ذلك لي وهي تعطيني إياها‪" .‬أذكريني بعد مماتي"‪.‬‬
‫"ال أرجوك‪ .‬احتفظي بها‪ .‬ال تتحدثي هكذا‪ .‬أنا ال أحتاج شيئًا كي أتذكرك‪ .‬ال تقولي أشياء كهذه"‪.‬‬

‫لَ ِكنّها أصرت‪ .‬وأخذتُها فقط كي تتوقف عن البكاء‪ ،‬وأقسمت َّأال أخل َعها أبدًا‪ .‬حافظتُ على‬
‫وعدي ألطول فترة استطعتُها‪َ .‬كانَ السوار آخر األشياء القيمة التي أملك‪ .‬بعته كي أغطي‬
‫تكاليف اإليجار‪ ،‬والدراسة الجامعية‪ ،‬والطعام‪ .‬أعتقد أن ذلك َكانَ الحضيض‪ .‬ال أستطيع التفكير‬
‫في لحظة أسوأ في حياتي‪.‬‬

‫وأخيرا انتهت‬
‫ً‬ ‫حصلت في نفس السنة على منحة من الجامعة بقيمة (‪ 3000‬آالف) دوالر‪،‬‬
‫شعور باالرتياح الشديد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مشاكل الحافلة‪ .‬أستطيع اآلن شراء سيارة؛ غ َم َرني‬

‫لَ ِكنّي ُك ْنتُ خائفة جدًّا من إنفاق ُك ّل المال على سيارة مستعملة؛ ألَنّه ليس لَدَي أدنى فكرة عن‬
‫استئجار سيارةٍ ً‬
‫بدال من ذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كيفية التعامل مع أي مشاكل ميكانيكية‪ .‬ففض َّْلتُ‬

‫في محل وكالة إيجار السيارات الذي َكانَ قريبًا من بيتي حاولت اقناع البائع أن يؤجر لي‬
‫سيارة‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪188‬‬
‫يك موثوقية ائتمانية؛ كما أنَّك طالبة بدوام حضور كامل‪،‬‬ ‫قال لي‪" :‬عليك أن تفهمي‪ ،‬ليس َلدَ ِ‬
‫يك دخل ثابت‪ .‬أنت تمثلين مخاطرة ائتمانية عالية‪ .‬لَ ْن يوافق البنك أبدًا"‪.‬‬ ‫وليس لَدَ ِ‬
‫وف أحافظ عليها جيدًا‪ .‬عليك أن تصدقني"‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫"أقسم أَنّي سأدفع ُك ّل الد ُفعات في وقتها‪ ،‬و َ‬
‫َكانَت معدتي تتقلَّب كما لو ُك ْنتُ راكبةً في قطار المالهي األفعواني‪.‬‬
‫ي شخص يمكن‬ ‫"لَ ْن يوافقوا إال إذا دفعت (‪ 3000‬دوالر) كوديعة‪ ،‬وضمن َِك شخص‪ .‬هل َلدَ ِ‬
‫يك أ ّ‬
‫ْ‬
‫أن يضمن َِك؟"‬
‫أكثر‪.‬‬
‫ب َ‬ ‫تضطر ُ‬
‫ِ‬ ‫"ال‪ .‬ليس لي أحد"‪ .‬أحسست بمعدتي‬
‫ي أحد في حياتك له رصيد؟"‪.‬‬ ‫"ال أ َّم ‪،‬أو أبَّ ‪ ،‬أو عمة‪ ،‬أو ع َّم (أو خالة‪،‬أو خال)؟" أليس هناك أ ّ‬
‫أن أطلب ذلك من أبي‪ .‬لم أتحدث إليه منذ سنين"‪.‬‬ ‫"أعتقد أَنّي يمكنني ْ‬
‫قال لي‪" :‬حاولي ذلك‪ .‬تفضلي‪ .‬تستطيعين استخدام هاتفي"‪.‬‬
‫"إنها مسافة بعيدة‪ ،‬إنه يعيش في مونتريال"‪.‬‬
‫"ال بأس‪ ،‬اِمضي في ذلك"‪.‬‬

‫طويال ثم اتصلت‪ .‬رفع أبي‬ ‫ً‬ ‫سا‬


‫أعطاني الهاتف ثم ابتعد ليمنحني بعض الخصوصية‪ .‬أخذت نف ً‬
‫سا البتةَ؛ ألني اقحمتُ نفسي في حياته‪ ،‬وازعجته‬ ‫السماعة فأخبرته ب ُك ّل القصة‪ .‬لم يَ ُك ْن متحم ً‬
‫بمشاكلي‪.‬‬
‫"ليس من المعقول أن تتصلي بي دون سابق إنذار لطلب المال"‪.‬‬
‫"أنا ال أحتاج المال؛ فقط توقيعك"‪ُ .‬ك ْنتُ أكاد أستطيع سماع تنهده الساخط من مونتريال دون‬
‫هاتف‪.‬‬
‫"تعلمين أنَّه نفس األمر جوهريًّا‪ .‬إذا لم تدفعي دفعاتِ ِك؛ سأتح َّمل أنا مسؤولية الدَي ِْن‪ .‬لَدَي ثالثة‬
‫ي دفعها‪ .‬أنا لستُ بن ًكا ِ‬
‫لك"‪.‬‬ ‫أطفال أُعيلهم‪ ،‬وزوجة‪ ،‬ودفعات رهن على المنزل َ‬
‫عل َّ‬
‫ي يو ًما؟ هل دفعت يو ًما نفقة رعاية الطفل إلعالتي؟ ال أعتقد حقًّا‬ ‫"بنكٌ لي؟ وما الذي أنفقته َ‬
‫عل َّ‬
‫أن هذا الكالم يخرج من فمي‪" .‬لم أطلب‬ ‫أنك منصف في كالمك"‪ .‬قلت هذا‪ ،‬وأنا أكاد ال أصدق َّ‬
‫ي شيء‪ .‬ومع ذلك ترفض؟‬ ‫منك يو ًما شيئًا قط‪ ،‬وهذا الطلب ال يمكن َحتّى اعتباره طلبًا مني أل ّ‬
‫أال تستطيع َحتّى أن توقع على ورقة من أجلي؟" قلتُ ذلك وأنا أبكي"‪" .‬ليس لَدَيك ثالثة أبناء‬
‫فحسب بل ستة‪ .‬أتذكر؟ ما الذي فعلته ألجلي على اإلطالق‪ ،‬وأنا أكبر طوال تلك السنين؟ لم َي ُك ْن‬
‫لي قط أب مثلما ألطفالك الجدد أب"‪.‬‬
‫َكانَ آخر فرصة لي‪ .‬إذا لم يوافق فلَ ْن أستطيع الحصول على السيارة‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪189‬‬
‫أحسست بالغثيان؛ وأنا أتَذَ َّكر وقوفي تحت المطر مع ابنتي في موقف الحافلة بينما أشاهد آالف‬
‫السيارات تمر بسرعة جوارنا‪.‬‬
‫ف‬‫"انظري؛ يا مامي‪ .‬هنالك الكثير من السيارات!"‪َ .‬كانَت تقول‪..." .‬وانظري"‪َ .‬كانَت تهت ُ ُ‬
‫مشيرة ً إلى موقف سيارات ممتلئ‪" .‬هنالك الكثير منها في ُك ّل مكان! لم ال نحصل على واحدة‬
‫فقط؟"‬
‫أن أجلب لنا سيارة يا حبيبتي‪ .‬أعدك"‬ ‫"أعدك ْ‬
‫و اآلن لَ ْن أقدر على الوفاء بوعدي‪.‬‬
‫ي أن يوقع هو‬ ‫عل َّ‬
‫وف يعرض َ‬
‫س َ‬‫اقترب مني البائع عندما رآني أبكي ممسكةً بهاتفه‪ .‬اعتقدت أنَّه َ‬
‫بنفسه‪َ .‬بدا حزينًا مثلي‪.‬‬
‫ي د ُفعة‪ .‬أعدك‪ .‬عليك أن تصدقني‪ .‬ال أعرف ما الذي يمكنني‬ ‫"أرجوك أبي‪ .‬لَ ْن أتخلف عن دفع أ ّ‬
‫قوله غير هذا‪ .‬أنا أحتاج هذه السيارة‪ .‬لم أطلب منك شيئًا من قبل‪ ،‬ولَ ْن أطلب منك شيئًا آخر‬
‫أبدًا"‪.‬‬
‫"لَ ْن يعجب هذا زوجتي لهذا‪ .‬لَدَينا الكثير من الفواتير فعليًّا"‪.‬‬
‫لم أهتم مقدار ذرة لزوجته‪.‬‬
‫ت أيَّا منها‪ .‬أعدك‪ .‬أرجوك"‪.‬‬ ‫فوتُ دُفعةً‪ ،‬ولَ ْن ّ ِ‬
‫أفو َ‬ ‫"لَ ْن تعرف إال اذا َّ‬

‫بعد توسالت كثيرة له‪ ،‬وكثير من توجيهاته؛ قَبِ َل أن يو ِقّ َع على مضض‪ .‬حصلت على‬
‫ي دفعة في‬‫ي سيارة في العالم‪ .‬لم أتخلف عن دفع أ ّ‬
‫سيارتي‪ ،‬واعتنيت بها أفضل اعتناء نالته أ ّ‬
‫السنوات الثالث التي َكانَت لَدَي فيها السيارة‪ .‬بعد نهاية عقد اإليجار دفعت (‪ 200‬دوالر)‬
‫لتنظيف‪ ،‬وتلميع السيارة‪ ،‬وقال لي البائع أنه لم ير قط سيارة ً تعود إليه في مثل تلك الحالة‬
‫المثالية‪ُ .‬ك ْنتُ ممتنة جدًّا للوكيل ألنَّه خاطر معي‪ ،‬وكنت عازمة على أن أردّ له الجميل‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪190‬‬
‫الشك‬
‫وإ ْذ صرتُ أكثر ارتيا ًحا في حياتي الجديدة اخترتُ عشوائيًّا مادة ً اختياريةً تتالءم مع جدول‬
‫مواعيدي‪ ،‬وهي مادة تاريخ األديان‪ .‬ركزت تلك المادة على الديانات اإلبراهيمية الثالث‪ ،‬وبما‬
‫أَنّي أرغمت على تعلم الدراسات اإلسالمية منذ حداثة سني‪ ،‬علمتُ أن ثلث المنهج على األقل‬
‫سيكون ً‬
‫سهال‪ .‬لم يَ ُك ْن لَدَي فكرة كم ستغير تلك المادة حياتي‪.‬‬

‫خالل تلك األسابيع االثنتي عشرة تف َّك َك ُك ّل ما ُك ْنت أعرفه ببطء‪ .‬لم أ َ ُك ْن قد نظرت إلى‬
‫اإلسالم نظرة ً مو ضوعية من قبل‪ .‬صرت أستطيع أن أرى السخافات‪ ،‬و الالمعقولية فيه بنفس‬
‫الوضوح الذي أستطيع أن أرى به السخافات‪ ،‬و الالمعقولية في األديان األخرى‪َ .‬كانَ من السهل‬
‫إدراك عدم منطقية‪ ،‬وعقالنية الثالوث‪ ،‬أو تقديس البقر‪ ،‬لكن عندما يكون عدم المنطقية‪،‬‬
‫أصعب‪.‬‬
‫َ‬ ‫والعقالنية هو الخاص بدينك يكون إدراكه‬

‫أن القرآن ليس‬ ‫س ِمح لي ألول مرة بالنظر إلى اإلسالم من منظور نقدي‪ ،‬وسرعان ما اكتشفت َّ‬ ‫ُ‬
‫ي كتاب آخر كتبه البشر‪َ .‬كانَ األمر واض ًحا على نحو‬ ‫ي فلسفة قديمة أخرى‪ ،‬أو أ ّ‬ ‫مختلفًا عن أ ّ‬
‫بأن األرض مسطحة كالسجادة‪ ،‬أو حديث‬ ‫مفضوح‪ .‬اإلسالم مليء بالسخافات مثل قول القرآن َّ‬
‫شرب بول البعير لعالج األمراض‪ .‬من الجلّي أنَّه كتابة أشخاص جاهلون‪ .‬اكتشفت أنَّه لم يَ ُك ْن‬
‫ْ‬
‫يخلق‬ ‫وحيًا‪ ،‬وكال ًما إلهيًّا من إله قدير؛ فاإلله الذي خلق السماوات‪ ،‬واألرض َكانَ ِليعلم أنَّه لم‬
‫األرض مسطحةً!‬
‫َ‬

‫ألن أغلبه سرقات أدبية رديئة‪.‬‬‫أن فكرة استثنائية القرآن‪ ،‬وقُدسيته هي فكرة ً باطلة؛ َّ‬
‫ثبت َّ‬
‫كما َ‬
‫بل وهناك َحتّى أمثلة عديدة على وجود كلمات من لغات غير عربية؛ كال ِعبرية‪ ،‬والسريانية‪،‬‬
‫معان غامضة‬
‫ٍ‬ ‫واإلثيوبية في نص القرآن العربي‪ .86‬لقد أخبرونا بالطبع أن تلك الكلمات ذات‬

‫ز‬ ‫‪86‬‬
‫األلفاظ األعجمية أو األجنبية ف القرآن هو مما تعتف به الكثت من كتب علوم القرآن اإلسالمية ذاتها وكتب التفست‪ ،‬وقد ترجم األخ العراف ذو‬
‫ز‬
‫االسم المستعار ابن المقفع فقرات كبتة من كتاب العالمة آرثر جيفري (األلفاظ األجنبية ف القرآن) ويمكن تحميله من هذا الرابط‪:‬‬
‫‪https://drive.google.com/file/d/1mvA9PrELz1vLrXB mB-LMjn9_rbpliXrK/view?usp=sharing‬‬
‫ز‬
‫وقد طرح لوكسمبورج أطروحته عن األلفاظ الشيانية ف القرآن‪..‬‬
‫ومن الكتب الن تكشف عن مصادر أساطت وقصص اإلسالم والقرآن كتاب كلت تسدل (مصادر اإلسالم)‪ ،‬وكتاب آخر لجون س بلت بنفس االسم‪،‬‬
‫كالهما تتوفر ترجمته العربية عىل اإلنتنت‪،‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪191‬‬
‫سرية ال يعلم تأويلها إال هللا‪ .‬لكن ال‪ .‬لقد َكانَت فقط سرقة أدبية رديئة‪ .‬لقد ُر ِقّ َع القرآن من‬
‫التعاليم‪ ،‬والخرافات التي َكانَ يحكيها‪ ،‬ويعلَ َمها أفراد‪ ،‬وقبائل اليهود‪ ،‬والمسيحيين العرب في‬
‫شبه جزيرة العرب‪.‬‬

‫أخيرا حقيقةَ أنَّه ليس اإلسالم وحدَه فحسب دينًا مختَلَقًا‪ ،‬بل في الحقيقة إن ُك ّل الديانات‬
‫ً‬ ‫قبلت‬
‫أخيرا من عقدة الذنب الوهمي المق ِيّدة التي عانيت منها لسنوات! لم‬ ‫ً‬ ‫مختلَقة‪ .‬ا ْبتَ َه ْجتُ بتخلصي‬
‫ي أن أشعر بالنقص ألَنّي ال أؤمن بتلك الحكايات الخرافية السخيفة‪ ،‬والعنيفة على نحو‬ ‫عل َّ‬
‫يعد َ‬
‫عجيب‪ُ .‬ك ْنتُ أنا العاقلة المحقة طوال الوقت!‬
‫أخيرا تنفس هوا ًء خاليًا من الشعور بالذنب الوهمي‪ .‬أردت أن أشرب‬ ‫ً‬ ‫كم هو مريح أن أستطيع‬
‫الخمر‪ ،‬وأذهب الى النوادي الليلية‪ ،‬وأفعل ُك ّل األشياء التي تفعلها ال ِنساء العازبات الحرائر‪.‬‬

‫لَ ِك َّن األمر لم َي ُك ْن بتلك السهولة‪ .‬فمثلما لم أستطع أن أتخلص من النقاب‪ ،‬والحجاب مباشرةً‪،‬‬
‫غ ِسلَ ْ‬
‫ت بها دماغي منذ أن ُك ْنتُ‬ ‫كذلك لم أستطع التخلص مباشرة ً من ُك ّل تلقين التعاليم الدّيْنية التي ُ‬
‫أن ُك ّل شيء َكانَ يعتقد بصحته أكاذيب‪.‬‬ ‫في سن الخامسة‪ .‬من الصادم للغاية أن يدرك المرء فجأة ً َّ‬
‫شعرتُ مثل جيم كاري في فيلم "ذا ترومان شو" [عرض ترومان؟‪ .‬العواطف الجياشة‪،‬‬
‫والغضب كوني ُخ ِد ْعتُ ‪ ،‬والحزن ألَنّي أضعت ُك ّل تلك السنين‪ ،‬والخوف من أَنّي قد أكون على‬
‫خطأ‪ ،‬والحرج من أَنّي ُك ْنتُ بهذا الغباء‪ُ ،‬ك ّل ذلك اجتاحني‪ .‬لكن في خضم تلك العمليات َكانَت‬
‫ي أوقات أقرر فيها أال أفكر أكثر من الالزم‪ ،‬وأن أستمتع بحريتي‪.‬‬ ‫عل َّ‬
‫تأتي َ‬

‫من حسن حظي أنَّه َكانَت لَدَي صديقة رائعة تُدعى توشا‪ ،‬والتي َكانَت دليلي في عالمي الحر‬
‫الجديد‪َ .‬كانَت تعرف ُك ّل شيء عن الشعر‪ ،‬والمكياج و ُك ْنتُ طالبتها المطيعة‪ .‬كنا نقضي كامل‬
‫األسبوع في الدراسة معًا نعمل بجد‪ ،‬وفي إجازة األسبوع تساعدني في اختيار ما ألبسه‪ ،‬ث ُ َّم‬
‫أخيرا أهرب من سجني‪ ،‬وأحطم آخر‬ ‫ً‬ ‫نذهب معًا إلى النوادي الليلية‪ ،‬لقد َكانَ ذلك رائعًا! ُك ْنتُ‬
‫أسوار سجني اإلسمنتي‪ ،‬وأعيش الحياة بطريقة لم أتخيل قط أَنّي قد أستطيع أن أعيشَها‪.‬‬

‫ض َج‬ ‫لم تَ ُك ْن توشا معلمتي في مسائل الشعر‪ ،‬والمكياج فقط بل ساعدتني أي ً‬


‫ضا على أن أن ُ‬
‫ومؤثرا شاركته إياي‪ ،‬والذي‬
‫ً‬ ‫أمرا عميقًا‪،‬‬
‫ت ً‬ ‫عمو ًما‪َ .‬كانَ والداها يمران بالطالق‪ ،‬واكتش َف ْ‬
‫شار ْكتُه مع كثير من الناس منذ ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪192‬‬
‫"أتعلمين؟ أُمك مجرد إمرأة" قالت لي‪" .‬هي مجرد إمرأة مثلك‪ ،‬ومثلي‪ ،‬ومثل ُك ّل ال ِنساء‪ .‬نحن‬
‫نُعلي من شأن أمهاتنا بسخافة‪ ،‬ونرا ُه َّن مختلفات عن بقية اإلنسانية؛ لَ ِكنَّهن لسنَ كذلك‪ .‬إنهن‬
‫مجرد نساء"‪.‬‬
‫كنا في سيارتها و َكانَت كلماتها مثل إزميل يكسر أكبر كتلة اسمنت تغطيني‪ .‬حدَّقت فقط في‬
‫زجاج السيارة األمامي محاولةً استيعاب ما تقوله‪ .‬عندما وصلنا إلى وجهتنا قفزت تلقائيًّا من‬
‫ي رد‪ ،‬وأخبرتها الحقًا بعظيم امتناني لها‪ .‬لقد صنع بيان الحقيقة هذا فرقًا عميقًا‬ ‫السيارة دون أ ّ‬
‫التغلب عليهما‪ ،‬وقد ساعدتني توشا‬ ‫َ‬ ‫في منظوري‪ .‬أ ُ ّمي‪ ،‬وخوفي منها َكانَا آخر شيئين احتجتُ‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫يُعطي اإلسالم لألم م َكانَةً شبه إلهية‪ .‬يستطعن تقرير ما إذا ُك ْنت ستحترق إلى األبد في الجحيم‬
‫أن أ ُ ّمي ال تمتلك قدرات خارقة للطبيعة‪ ،‬وأنَّها مجرد‬ ‫أم ال‪ .‬هذه سلطة كبيرة جدًّا‪ .‬لكن إدراك َّ‬
‫إنسانة عادية تخطئ مثل بقيتنا كبشر‪َ ،‬كانَ إدرا ًكا مغ ِيّ ًرا لذهنيتي‪.‬‬

‫لم أعد أعيش مع أ ُ ّمي‪ ،‬لَ ِكنّي ُك ْنتُ ال أزال أخاف بشدة من أن تكتشف أَنّي أخلع الحجاب‬
‫أحيانًا‪ُ .‬ك ْنتُ أعيش حياة مزدوجة‪ .‬في الليل ُك ْنتُ ال ألبس الحجاب لَ ِكنّي ظللت ألبسه في الجامعة‬
‫أن أحتا َج اإلجابةَ عن أسئلة‪ .‬كنا نعيش مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر و َكانَ‬ ‫ألَنّي لم أ ُ ِر ْد ْ‬
‫الناس منتبهين لمن يلبَسْنَ الحجاب‪.‬‬

‫لم تتفجع أ ُ ّمي ‪-‬على نحو متوقَّعٍ‪ -‬إال على ال ُم ْس ِلمين الذين ماتوا في برجي التجارة العالميين‪.‬‬
‫قلتُ لها‪" :‬أتعلمين أنَّه َكانَت هنالك حضانة في أحد ذينك البرجين‪".‬‬
‫"حسنًا‪ ،‬في ُك ّل حرب يوجد ضحايا"‪.‬‬
‫"تلك لم ت َ ُك ْن حربًا‪ ،‬بل َكانَت هجو ًما على مدنيين أبرياء"‪.‬‬
‫"ال تكوني غبية‪ .‬ال ُم ْس ِلمون دائ ًما في حرب مع الكفار‪ .‬تلك مشكلتك‪ .‬أنت لم تفهمي ذلك قط‪.‬‬
‫وف تُقتَلين معهم على األرجح‪ .‬عندما تعيشين معهم تصبحين غير قابلة للتميز عنهم‪،‬‬ ‫س َ‬‫ولذلك َ‬
‫وف ينالك"‪.‬‬ ‫س َ‬‫وف تستحقين ما َ‬ ‫س َ‬‫ولذلك َ‬
‫ضا"‪.‬‬
‫"أنت تعيشين معهم أي ً‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪193‬‬
‫"ليس مثلك؛ وليس َلدَي أصدقاء كفار‪ .‬أكرههم‪ ،‬وأكره بالدهم‪ ،‬وسأعود إلى بلَدي في أقرب‬
‫وقت يمكن فيه ذلك‪ .‬أنت تحبين الحياة هنا‪ ،‬وتحبينهم‪ ،‬وتَعتبرين نفسك منهم‪ .‬لكن لَ ْن يكون لك‬
‫وف ت ُ ْقت َ ِل ِينَ معهم مثل الكلبة"‪.‬‬
‫س َ‬‫خيار إال االنضمام إلى الخالفة عندما نغلبهم‪ ،‬وإال ف َ‬

‫لم تَ ُك ْن نظرة أ ُ ّمي الى العالم مختلفة عن خاطفي طائرات (‪ )9/11‬وال عن داعش‪ُ .‬كلّهم‬
‫اإلسالم‬
‫ِ‬ ‫أن واجب ال ُم ْس ِلم القتال إلى أن يصير ُك ّل الناس ُم ْس ِلمين‪ ،‬وإلى أن تح ُك َم شريعةُ‬
‫يؤمنون َّ‬
‫العالم‪ .‬لذلك عندما برزت داعش مدعيةً الخالفةَ في العراق‪ ،‬وسوريا؛ تدفق ُم ْس ِلمون من‬ ‫ِ‬ ‫ك َّل‬
‫أن شبانًا ونسا ًء من دول‬ ‫شتَّى أصقاع األرض لالنضمام إليها في القتال‪َ .‬كانَ منافيًا للمنطق َّ‬ ‫َ‬
‫فهم سبب هذا‪ .‬لَ ِك َّن ذلك َكانَ منطقيًّا‬
‫الناس َ‬
‫ُ‬ ‫غربية يختارون الذهاب إلى منطقة حرب‪ ،‬لم يستطع‬
‫أن من واجبهم دعم دولة اإلسالم‪.‬‬ ‫جدًّا‪ .‬لقد علّموا هؤالء األشخاص ‪-‬مثلما علّموني‪ -‬منذ طفولتهم َّ‬
‫ما إن حصلت داعش على السلطة َكانَ المجندون المتطوعون مشبَّعين مسبقًا بالتعاليم الجهادية‪،‬‬
‫سهم على أنَّهم‬ ‫ومستعدين لالنضمام إليها‪ .‬لم يكونوا يرون أنفسهم كإرهابيين بل َكانَوا يرون أنف َ‬
‫يحققون المشيئة االلهية‪.‬‬

‫بعد الحادي عشر من سبتمبر َكانَت العجرفة‪ ،‬و الشماتة‪ ،‬والفرحة هي الموقف الذي ُك ْنت أراه‬
‫بين ال ُم ْس ِلمين الذين في حياتي‪ .‬بينما َكانَ العكس بين الكفار الذين أعرفهم في تعاملهم معي‪.‬‬

‫ي مضايقة كرد فعل‪ .‬لقد قتل ُم ْس ِلمون‬ ‫استدعاني عميد ُكلّيتي ليسألني عما إذا تعرضت إلى أ ّ‬
‫أن ال أحد يضايقني‪ .‬آه يا كندا!‬‫للتو آالفًا من االمريكيين‪ ،‬و َكانَ أول شيء يثير قلقه هو التأكد من َّ‬
‫أن مخاوفك تثير عجبي‪ .‬ال‪ .‬لم يضايقني أحد‪ .‬بل في‬ ‫لو تدرين ما الذي تتعاملين معه‪ ،‬وكيف َّ‬
‫صا لكي يتأكدوا من أَنّي مرتاحة دائ ًما‪ .‬أردت أن أقول للعميد‪" :‬هل‬
‫الحقيقة كانوا يبذلون جهدًا خا ً‬
‫تمازحني؟" نحن ندعو الى قتلكم‪ ،‬وأنتم قلقون من أن تتأذى مشاعرنا؟"‬

‫مثيرا للغثيان‪ ،‬و ُمذ ًِّال بصراحة‪ .‬لم أ َ ُك ْن قطعة ثلجية هشة تحتاج إلى العناية الزائدة‬
‫ً‬ ‫َكانَ األمر‬
‫سا من نفس الدّيْن الذي أنا عليه كانوا قتلة‪َ .‬كانَ األمر برمته سخيفًا‪َ .‬كانَ األجدر أن‬ ‫َّ‬
‫ألن أنا ً‬
‫ألن حيواتنا كلنا صارت مختلفة اآلن‪ ،‬ونحن في نقطة الالعودة‪ .‬لَ ْن‬ ‫نتعامل مع الصدمة النفسية َّ‬
‫هوج َم مركز عالمنا للتو‪ ،‬و َكانَ ال ُك ّل يحاول استيعاب‬
‫ِ‬ ‫نستطيع الشعور باألمان بعد اآلن‪ .‬لقد‬
‫األمر‪َ .‬كانَ الجميع في حالة صدمة‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪194‬‬
‫أن هذه القماشة التي على رأسي‬ ‫ي نح ٍو‪ .‬كم كرهت َّ‬ ‫استَأْتُ من ربطي بأولئك الوحوش على أ ّ‬
‫جعلتني أبدو متورطة معهم‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة من اإلرهابيين مثل الجميع‪ ،‬وقد تزعزعت حياتي مثلهم‬
‫جميعًا‪ .‬تحطم قلبي حزنًا على ُك ّل الضحايا مثل الجميع‪ ،‬ولم تَ ُك ْن لي أحاسيس أخرى أُخفيها‪ ،‬أو‬
‫ذات وجهين‪.‬‬
‫ي صلة بيني‪ ،‬وبينهم‪ .‬لَ ِك َّن‬‫ع هذه القماشة‪ ،‬وإزالة أ ّ‬ ‫ي شيء آخر‪ ,‬أردت انتزا َ‬ ‫أكثر من أ ّ‬
‫َ‬ ‫أردتُ‬
‫خيارا مطرو ًحا‪ .‬قبل الحادي عشر من سبتمبر لم‬ ‫ً‬ ‫نزع الحجاب‪ ،‬وأنا تحت المجهر بالفعل لم َي ُك ْن‬
‫َي ُك ْن الناس ليهتموا على األرجح‪ ،‬لكن ال يمكن العودة إلى عالم ما قبل الحادي عشر من سبتمبر‪.‬‬
‫وف أُثير االنتبا ٍه لي أكثر مما أرتاح له‪ ،‬وقد ُك ْنتُ‬ ‫حضرتُ يو ُما دون الحجاب؛ ف َ‬
‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫تخيلت أَنّي إذا‬
‫الناس يسألوني إذا ُك ْنتُ ال أزال ُم ْس ِلمة‪ ،‬فكيف سأجيب‬ ‫َ‬ ‫أنال انتبا ًها َ‬
‫أكثر مما أريد ُ فعليًّا‪ .‬تخيَّلت‬
‫عن هذا السؤال؟؛ ُك ْنتُ ال أزال أتصارع مع نفسي في ذلك السؤال‪.‬‬

‫ت عنصرية‬ ‫قد يأخذون خلعي للحجاب؛ إشارة إلى أنَّه يمكنهم الحديث عن ال ُم ْس ِلمين بعبارا ٍ‬
‫أمامي مثل "الصحراويين" القذرين‪ ،‬باعتبار أَنّي قد تركت اإلسالم فأنا بالطبع ‪-‬كما قد‬
‫يتصورون‪ -‬يجب أن أكره ُك ّل ال ُم ْس ِلمين‪ ،‬بالتأكيد لم أرد أن يفهموا على نحو خاطئ رحلتي‬
‫الشخصية لترك اإليمان على أنَّها دعوة لكره الذين ال يزالون ُمس ِلمين‪ .‬أردت تفادي وضع نفسي‬
‫في موقف غير مالئم اضطر فيه للدفاع عن موقفي‪ ،‬وتفسيري؛ ألَنّي ُك ْنتُ لم أحدد بَعد ‪-‬في‬
‫نظرا للمشا ُك ّل المحيطة بقراري أن أتبنى اتجا ًها أو آخر‪ ،‬فقد‬
‫الحقيقة‪ -‬موقفي‪ ،‬أو تفسيري بعد‪ً .‬‬
‫ُك ْنتُ ُُ ُمح َّجبةً في النهار‪ ،‬ورو ٌح حرة ً في الليل‪.‬‬

‫ُك ْنتُ أبدو للعالم كإمرأة ُم ْس ِلمة لَ ِكنّي ُك ْنتُ في داخلي امرأة فقط‪ .‬بدأت أفقد ببطءٍ هويتي‬
‫ك ُم ْس ِلمة‪ ،‬لَ ِكنّي ُك ْنتُ لم أجد بعد ما أتَّخذهُ كهوية بديلة‪ُ .‬ك ْنتُ أتعايش مع الحياة يو ًما بيوم وأحاول‬
‫العيش بين هويتين‪.‬‬

‫خالل ذلك الوقت؛ تَلقيّتُ ُمكال َمة من أ ُ ّمي تطلب مني؛ أن أشغّل التلفاز على نشرة أخبار البي‬
‫بي سي‪َ .‬كانَ هنالك مراسل يقف على أنقاض أحد مواقع القاعدة في كابول و َكانَت األوراق‬
‫تتطاير من حوله‪ .‬انحنى المراسل والتقط ورقة عشوائيًّا‪ ،‬وقرأها على الهواء مباشرة‪.‬‬

‫"مكتوب في هذه الورقة شركة فوريو إنتربرايزس‪ ،‬ريتشموند‪ ،‬بريتيش كولومبيا‪ ،‬كندا‪ .‬نحن ال‬
‫نعرف ماهية هذه الشركة؛ أو إن َكانَت لها أ ّ‬
‫ي عالقة‪ ،‬لكن‪."..‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪195‬‬
‫من بين ُك ّل األوراق التي َكانَ يمكن له أن يلتق َ‬
‫طها‪ ،‬لم يلتقط إال هذه؟ ما احتماالت ذلك؟‬

‫ً‬
‫طويال؛ قبل أن يجدوني وامتأل جهاز الرد اآللي في هاتفي بالرسائل‪.‬‬ ‫مض وقتًا‬
‫لم يَ ِ‬

‫"أهال‪ .‬أنا أتصل من صحيفة الناشونال بوست‪ .‬أردت الحديث معك بخصوص شركة زوجك‬‫ً‬
‫السابق؛ شركة فوريو إنتربرايزس‪ .‬هل يمكن أن تعاودي االتصال لو سمحتِ؟"‬

‫سكر أمام بنايتي منتظرين أن‬ ‫َكانَ المتصلون مثابرين ال يتوقفون‪ ،‬وفي النهاية بدأوا في التع ّ‬
‫أغادر‪ .‬شعرت بـ انتهاك خصوصيتي‪ ،‬وبالخوف‪ِ .‬ل َم يقتحم ذلك العالَ ُم عالمي الجديد؟ لم تَ ُك ْن لي‬
‫عالقة باألمر‪ .‬وصل أحد المراسلين إلى باب بيتي‪.‬‬
‫"هل لَدَيك لحظة للحديث حول زوجك السابق؟"‬
‫"ال‪ .‬اتركني وشأَنّي‪ .‬ال أريد أن أتحدث إلى أحد‪ .‬ال أعرف شيئا عنه! رجا ًء دعني وشأني!"‬
‫"لَ ْن نتركك وشأنك َحتّى تتحدثي إلينا‪ .‬سوف يرحل بقيتُنا فقط إذا تحدثت إلى أحدنا‪ .‬نحن في‬
‫حاجة إلى تصريح فقط"‪.‬‬
‫"ليس لَدَي ما أصرح به"‪.‬‬
‫"احتفظي ببطاقتي‪ ،‬واتصلي بي عندما تكونين مستعدة ً للحديث‪ .‬لَ ْن يتوقف هاتفُ ِك عن الرنين‬
‫ولَ ْن نبتعد عن بنايتك إلى أن تتحدثي"‪.‬‬

‫ب‪ .‬أردت فقط أن يرحلوا‪ .‬شعرت باستغراب‬ ‫خيارا إال الرضوخ بغض ٍ‬
‫ً‬ ‫لم يترك لي تهديده‬
‫ي ٍ منها‪ .‬بعد حديثنا عبر الهاتف‬
‫إياي في أحداث ليس لي بها عالقة‪ .‬ليس لي عالقة بأ ّ‬
‫َ‬ ‫اقحامهم‬
‫صارت قصتي على الصفحة األولى من الجريدة الوطنية‪ .‬وكما ُو ِعدْت تركني الجميع في حالي‬
‫بعد ذلك‪.‬‬

‫التالي انتحى بي أستاذي جانبًا ليحدثني كأَنّي من المشاهير‪.‬‬


‫َ‬ ‫اليوم‬
‫َ‬ ‫عندما دخلت الجامعةَ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪196‬‬
‫بحماس‪" :‬هل هي أنتِ؟ ال اصدق أنك في صفي‪ .‬لقد قيل أ َّنها طالبة في اليو بي‬ ‫ٍ‬ ‫قال األستاذ‬
‫أن االحتمال ضئيل‪ .‬واتضح لي أنَّها بالفعل أنت"‪.‬‬‫سي (جامعة بريتيش كولومبيا) ففكرت َّ‬
‫"نعم‪ ،‬وال أريد الحديث حقًّا في األمر"‪ .‬وابتعدتُ عنه‪.‬‬
‫"حسنًا‪ ،‬هذا األمر ُكلّه مثير بالتأكيد"‪.‬‬
‫واصلت السير‪.‬‬

‫أن أحد عناصر‬ ‫ي‪ .‬كشف المقال َّ‬ ‫احتوى المقال على كثير من المعلومات التي َكانَت جديدة ً َ‬
‫عل َّ‬
‫ض عليهم باتهامات ذات صلة باإلرهاب‪َ ،‬كانَ هو الذي دفع كفالة عصام عندما‬ ‫القاعدة الذين قُ ِب َ‬
‫ض عليه عند دخوله كندا باستخدام جواز سفر سعودي مزيف؛ وتحدَّث المقال بتفصي ٍل شديد‬ ‫قُ ِب َ‬
‫أن هذا العنصر؛ قد و َّجهه بن الدن شخصيًّا لسحب نقود من حساب في كاليفورنيا‬ ‫عن كيف َّ‬
‫وأعطاها لعنصر آخر في بريتيش كولومبيا [بكندا؟‪.‬‬

‫أن هذه المهمة الجهادية لتحرير عصام قامت على أساس‬ ‫قال الرجال الذين َكانوا جهاديين َّ‬
‫طا مع بن الدن منذ‬ ‫أن عصام َكانَ منخر ً‬
‫توجيهات مباشرة من أسامة بن الدن‪ .‬وأشار المقال إلى َّ‬
‫الحرب ضد السوڤييتيين في أفغانستان‪ ،‬ويعتقدون أنَّه الشخص الذي درب مرتكبي تفجيرات‬
‫سفارتي الواليات المتحدة األمريكية في كينيا‪ ،‬وتنزانيا سنة (‪1998‬م) والتي قُ ِت َل فيها أكثر من‬
‫مئتي شخص‪.‬‬

‫صرب في‬ ‫عندما أخبرته أَنّي سأحصل على تطليقي منه‪ ،‬غادر كندا‪ ،‬وذهب لمحاربة ال ِ ّ‬
‫ض عليه بعد سن ٍة تقريبًا في أذربيجان‪ ،‬وأ ُ ْر ِس َل إلى ِم ْ‬
‫ص َر ليُ ْس َجنَ ‪ .‬و َكانَت تلك‬ ‫كوسوڤو؛ لَ ِكنَّه قُ ِب َ‬
‫صورته التي أراني إياها جهاز االستخبارت األمنية الكندي (سي إس آي إس) منذ عدة سنوات‪.‬‬

‫أن تلك َكانَت نهاية ذلك الفصل من حياتي‪ُ .‬ك ْنتُ أتجاوز األمر‪ ،‬وأمضي قُدُ ًما‪،‬‬
‫ُك ْنتُ قد تمنيت َّ‬
‫ولم أرد لهذا األمر أن يالحقني بقيةَ حياتي‪.‬‬

‫صر لفترة قصيرة بعد‬ ‫سا ِلم ْ‬


‫قليال عندما أفرج ُم َح َّمد مرسي ‪-‬الذي صار رئي ً‬‫ُك ْنتُ فقط متوترة ً‬
‫خلع مبارك من الحكم بثورة الشعب‪ -‬عن مجموعة من عناصر اإلخوان ال ُم ْس ِلمين من السجن‪.‬‬
‫لكن في الحقيقة َكانَ عصام يكره اإلخوان ال ُم ْس ِلمين‪ ،‬و َكانَ يعتبر اإلسالميين السياسيين لَ ِيّنين‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪197‬‬
‫صر تُد َعى جماعة الجهاد اإلسالمي‬ ‫و َكانَ منض ًّما إلى جماعة ذات طبيعة عسكرية أكثر في ِم ْ‬
‫صري للقاعدة‪ .‬لإلسالميين‪ ،‬والجهاديين‬ ‫الم ْ‬
‫صر) والذين كانوا الجناح ِ‬ ‫(أو تنظيم الجهاد في ِم ْ‬
‫ي نشر اإلسالم‪ ،‬لَ ِكنَّهم يتبنون وسائل‪ ،‬ومناهج مختلفة‪ .‬اإلسالميون يريدون فعل‬ ‫نفس الهدف أ ّ‬
‫ذلك عبر وسائل سلبية‪ ،‬وأكثر سلمية مثل السياسة‪ ،‬والهجرة‪ ،‬واالنجاب‪ .‬بينما يفضل الجهاديون‬
‫الوسيلة التي استعملها ال ُم ْس ِلمون األوائل‪ :‬السيف (العنف)‪ .‬هناك حديث يقول فيه ُم َح َّمد أن أفضل‬
‫ال ُم ْس ِلمين هم جيله؛ ثم يضعف ال ُم ْس ِلمون تدريجيًّا بمرور الزمن‪ .‬لذلك فعلى نحو طبيعي من‬
‫المنظور السلفي أن ُك ّل جيل حالي من ال ُم ْس ِلمين هو أسوأ جيل دائ ًما‪ .‬ال يجب على ال ُم ْس ِلمين أن‬
‫يسمحوا بتطور اإلسالم‪ ،‬بل عليهم أن يكافحوا دائ ًما لتقليد ما َكانَ ُم َح َّمد وأصحابه يفعلون منذ‬
‫من (‪ 1400‬سنة)‪ .‬لذلك يعتبر الجهاديون اإلسالميين أقل تقوى‪ ،‬ونقا ًء‪ ،‬وخدم أمريكا‬ ‫أكثر ْ‬
‫َ‬
‫الخائنين الذين يحلقون لحاهم‪ ،‬ويلبسون البدالت‪ .‬ال ُم ْس ِلمون الحقيقيون يلبسون مثل الرسول‪،‬‬
‫أن ُمرسي َكانَ إسالميًّا فقد فضل ترك الجهاديين مثل عصام خلف القضبان؛‬ ‫ويعيشون مثله‪ .‬بما َّ‬
‫فقد تكون لهم نفس األهداف لَ ِكنَّهم ليسوا حلفاء‪.‬‬

‫ي أصدقاء‪ ،‬أو حلفاء كانوا لَدَيه‬ ‫أن عصام ميت اآلن على األرجح‪َّ ،‬‬
‫وأن أ ّ‬ ‫أرغب في االعتقاد؛ َّ‬
‫ضا‪ .‬لو أنَّه ال يزال حيًّا؛ فسيكون عمره اآلن‬ ‫‪-‬الذين لديهم االستعداد؛ إليذائنا انتقا ًما له‪َ -‬موتى أي ً‬
‫(‪ 60‬سنة)‪ .‬لقد ُح ِك َم عليه بالسجن(‪ 15‬سنة) مع األشغال الشاقة‪ ،‬من ث َ َّم يمكن أن يكون قد خرج‬
‫من السجن اآلن؛ لكن من غير المر َّجح أن يكون جسده ال يزال بنفس القوة بعد قضاء تلك المدة‬
‫صري‪ .‬أستطيع أن أطمئن على األقل إلى أنَّه لَ ْن يمثل تهديدًا ماديًّا لنا‪ .‬ال‬ ‫الطويلة في سجن ِم ْ‬
‫أتخيل أن الحكومة الكندية ستسمح له بالعودة أبدًا‪ .‬علمت من مقال منشور في النيويورك تايمز‬
‫على اإلنترنت أنَّه َكانَ همزة الوصل لخلية بن الدن اإلرهابية في كندا‪ ،‬ومن ث َ َّم يستحيل عليه‬
‫على األرجح العودة إلى هنا‪ .‬أدخل دائ ًما على صفحته على الويكيبيديا؛‪َ 87‬كي أتحقق مما إذا َكانَ‬
‫مات ً‬
‫فعال‪.‬‬ ‫يوجد تحديث للمعلومات عنه‪ .‬سأقرأ يو ًما ما تأكيدًا لكونِ ِه قد َ‬

‫‪87‬‬
‫‪https://en.m.wikipedia.org/wiki/Essam_Marzouk‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪198‬‬
‫إعادة البناء‬
‫رغم الصعوبات المالية إال أَنّه َكانَت لي بعض األوقات الجميلة في تلك السنوات التي ُك ْنتُ‬
‫أفكك فيها ذاتي ال ُم ْس ِلمة‪ ،‬وأعيد بناء نفسي قطعة قطعة‪ُ .‬ك ْنتُ أستضيف صديقات الطفولة؛ فنقوم‬
‫ضا‪ ،‬ونضع المكياج لبعضنا البعض‪ ،‬ونش ِغّل الموسيقى‪ ،‬ونرقص؛ ‪-‬أ ّ‬
‫ي‬ ‫بتصفيف شعر بعضنا بع ً‬
‫ت في العشرينيات من العمر‬ ‫ُك ّل األشياء التي َكانَت ممنوعة في بيوت عائالتنا‪-‬؛ كنَّا مجرد فتيا ٍ‬
‫ُمارسنَ حريَّتهن؛ و َكانَت لي شعبية بينهن لذلك‪.‬‬
‫ي ِ‬

‫َكانَت تلك الفتيات ال يزَ ْلنَ عالقات في بيوتهن ‪-‬إحداهن َكانَت متزوجةً زوا ًجا ُر ِت ّ َ‬
‫ب لها ال حُبَّ‬
‫حرائر‪ .‬صديقتي ‪-‬التي ساعدتني على إيجاد‬ ‫َ‬ ‫فيه‪ -‬و َكانَ بيتي المكان الذي يستطعن أن َي ُك ْن فيه‬
‫عى واين‪ .‬ذات مرة بينما ُك ْنتُ مع‬ ‫الشقة التي في البدروم‪َ -‬كانَ لها أخ‪ ،‬و َكانَ أعز أصدقائه يُ ْد َ‬
‫صديقاتي أتى َواين دون سابق إنذار‪ُ .‬ك ْنتُ ال أزال ألبس الحجاب‪ ،‬لذلك لم َي ُك ْن قد رأى شعري‬
‫من قبل‪- .‬ال أعتقد أنَّه توقع أن يكون شكلي مختلفًا جدًّا دون الحجاب‪ ،-‬استطعتُ أن أرى‬
‫ت‬ ‫تفو ْ‬
‫غير مرتاح ٍة لشعور االنتباه لي‪ .‬لم ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫بوضوح أنَّه فوجئ‪ .‬فقهقهتُ ‪ ،‬وركضتُ بعيدًا‪،‬‬
‫صديقاتي تلك الحادثة‪.‬‬
‫إليك؟"‬‫"أرأيتِ‪ ...‬الطريقة التي َكانَ ينظر بها ِ‬
‫"نعم‪ .‬حسنًا‪ ،‬أظن أنَّه َكانَ يحسبني صلعاء"‪.‬‬
‫ت‬
‫رآك أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي منا تلبس الحجاب! إنه لم ينظر إلينا َحتّى‪ .‬كأنَّنا لم نكن هناك! لقد‬ ‫"لكن لم تَ ُك ْن أ ٌّ‬
‫فقط!"‬

‫َكانَ ما قلنَه صحي ًحا وقد شعرتُ باإلطراء لذلك‪ .‬لَ ِك َّن الصديقات يبال ْغنَ في تلك األمور دائ ًما‪.‬‬
‫لذلك تفاجأت حقًّا عندما عاد في تلك الليلة الحقًا وقال بوضوح أنَّه يبحث عما هو أكثر من‬
‫ضا‪.‬‬
‫الصداقة‪ .‬أصابني الدوار‪ ،‬بقدر ما فرحت بالفكرة؛ فقد أرعبتني بنفس القد ِْر أي ً‬

‫ُك ْنتُ قد اتخذت خطوة االنتقال إلى بيت مستقل‪ ،‬لكن أن يكون لي حبيب فتلك َكانَت مسألة‬
‫صا غير ُم ْس ِلم‪ -‬محرمة في‬
‫أخرى تما ًما‪ .‬العالقة مع شخص من الجنس المقابل ‪-‬خاصة شخ ً‬
‫اإلسالم تما ًما‪ .‬لم يَ ُك ْن هنالك فقط الجحيم الذي تدخله بعد الموت ِعقابًا لك حسب عقيدة اإلسالم‪،‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪199‬‬
‫ضا خطر محت َمل عليك هنا على األرض‪ .‬أما العار‪ ،‬واإلحساس بالذنب فذلك ُمرهق‬
‫بل هناك أي ً‬
‫للغاية‪.‬‬

‫أن أصاب بنوبة هلع‬ ‫عندما بدأنا نمارس الجنس معًا في البداية؛ فَ ِز ْعتُ للغاية َحتّى أَنّي ِكدت ْ‬
‫الر ُجل الكريه‬ ‫في ُك ّل مرة‪ .‬و لكي أهدئ نفسي ُك ْنتُ أتخيل أنَّنا متزوجان‪ُ .‬ك ْنتُ أتخيل أنَّه نفس َ‬
‫والعنيف‪ ،‬والفظيع الذي ُك ْنتُ متزوجة ًمنه‪ ،‬و َكانَ ذلك يهدئني! ُك ْنتُ خائفة للغاية من ممارسة‬
‫الجنس مع َر ُجل لستُ متزوجةً منه إلى درجة أَنّي ُك ْنتُ أتخيل أَنّي مع َر ُجل لم أرد أن أكون معه‬
‫ي حقًّا‪َ :‬كانَ واين حرا ًما‪ ،‬و َكانَ‬
‫عل َّ‬
‫سطوة قوية َ‬ ‫صاحب َ‬ ‫ِ‬ ‫كي أتجاوز األمر‪ .‬لقد َكانَ غسيل الدماغ‬
‫وكرهتُ عصام‪ُ .‬ك ْنتُ أستطيع فقط تهدئة‬ ‫حالال؛ رغم أَنّي أردت أن أكون مع واين‪ِ ،‬‬ ‫ً‬ ‫عصام‬
‫نفسي كي أمارس الجنس مع واين عن طريق تخيل نفسي مع عصام‪َ .‬كانَ ذلك مربِ ًكا للمشاعر‬
‫حقًّا‪.‬‬
‫تصارعت بشدة مع فكرة أن يكون هناك َر ُجل غير ُم ْس ِلم في حياتي‪ .‬يسمح للرجال ال ُم ْس ِلمين أن‬
‫منهن شريك‬‫َّ‬ ‫تكون لهم شريكات غير ُم ْس ِلمات‪ ،‬لكن ال يُسمح للنساء ال ُم ْس ِلمات بأن يكون للواحدة‬
‫غير ُم ْس ِلم‪ُ .‬ك ْنتُ أخرق العديد من التعاليم األساسية‪.‬‬

‫لكن َكانَ من الرائع أن يكون لي شخص أعتمد عليه‪ ،‬أن تكون هناك يد ُمواسية أمسك بها‪،‬‬
‫وأن يكون هناك عناق دافئ في نهاية يوم صعب‪ .‬لم يَ ُك ْن واين مؤذيًا بتاتًا‪ ،‬وقد أحبني‪ .‬و َكانَ‬
‫َف قط‬ ‫أكثر مما أحبه‪ .‬أعطاني ذلك سيطرة‪ ،‬ولم أَخ ْ‬ ‫هناك راحة كبيرة لي في معرفتي أنَّه يحبني َ‬
‫من أنَّه قد يؤذيني أبدًا‪.‬‬

‫ي شيء في العالم فقط؛ كي أرى ابتسامة على ذلك الوجه الجميل"‪.‬‬


‫"أنا مستعد لفعل أ ّ‬

‫كيف لشخص أن يقول مثل هذا الكالم لي؟ َكانَ ذلك سرياليًّا عجيبًا بالنسبة لي‪َ .‬كانَت كلماته مثل‬
‫إكسير قُدِّم لشخص مريض للغاية ولم يعرف إحساس األصحاء أبدًا‪.‬‬‫ٍ‬

‫مشاعر الذنب‪ ،‬والخوف وسمحت للعالقة أن تحدث بشكل طبيعي‪ .‬لم نعلن عالقتنا أبدًا‬ ‫َ‬ ‫حاربتُ‬
‫في الواقع‪ ،‬لَ ِكنَّه َكانَ دائ ًما موجودًا‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪200‬‬
‫بمرور السنين‪ ،‬انتقلنا من الصداقة؛ إلى مرحلة كوننا خليلين؛ ث ُ َّم الزواج في نهاية األمر‪ .‬لم‬
‫نُ ِقم حف َل زواج؛ بل مجرد مراسم مدنية سريعة في المحكمة‪ .‬أعتقد أَنّي تزوجته فقط لتخفيف ُك ّل‬
‫سيُغفر لي ذنوبي السابقة‪.‬‬ ‫مشاعر الذنب التي ُك ْنتُ أشعرها لنومي معه‪ .‬إذا تزوجنا؛ َ‬

‫لقد قابل أ ُ ّمي مرة واحدة‪ ،‬لكن بعد أن نطق بالشهادة؛ وأسلم [شكليًّا؟‪.‬‬
‫"ماذا إذا سألوني أسئلة؟"‬
‫"لَ ْن يفعلوا‪ .‬فقط كرر العبارات التي يقولها اإلمام"‪.‬‬
‫ثوان حتَّى يصير ُم ْس ِل ًما‪َ .‬كانَ مستعدًّا لدخول اإلسالم‪ ،‬وتعلُّم ُك َّل شيء‬
‫ٍ‬ ‫شر‬
‫ع ُ‬‫تطلَّب منه األمر؛ َ‬
‫ي شيء أريده‪.‬‬ ‫عنه‪ ،‬وفعل أ ّ‬
‫"لَ ْن آكل لحم الخنزير"‪.‬‬
‫لحم الخنزير الذي تريد‪ ،‬يا حبيبي‪ ،‬أرجوك‪ .‬أنا أقدِّر ما تَفعلهُ ألجلي؛ لَ ِكنّي لَ ْن‬ ‫قلتُ له‪" :‬بل ُك ْل َ‬
‫ي شيء أكثر من ذلك"‪.‬‬ ‫أطلب منك فعل أ ّ‬

‫ُك ّل ما أردته هو أن يغمغم كلمات "ال إله اال هللا؛ ُم َح َّمدًا رسول هللا"؛ ِب ُحضور ٍ‬
‫إمام ؛ كي ال‬
‫تكرهنا أ ُ ّمي‪.‬‬

‫أن حد الردة القتل‪ .‬لم أخبره بالكثير من األشياء‪ .‬لم َي ُك ْن في حاجة إلى معرفة أ ّ‬
‫ي من‬ ‫لم أخبره َّ‬
‫أن ُك ّل ذلك َكانَ شكليًّا فقط‪.‬‬ ‫ذلك ألَنّي ُك ْنتُ في أواخر إيماني آنذاك على أ ّ‬
‫ي حال‪ ،‬و ُك ْنتُ أعلم َّ‬

‫َهارا‪ ،‬ألجل‬
‫ي أن أواصل لبس الحجاب ن ً‬ ‫َل ِكنّي ُك ْنتُ أُدَ ِ ّرس في مدرسة إسالمية‪ ،‬ف َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫ً‬
‫فبدال أن ألبسه اآلن في النهار في‬ ‫التظاهر فقط؛ فقد ُك ْنتُ ال أزال أعيش حياة ً مزدوجةً‪.‬‬
‫الجامعة‪ ،‬صرت البسه في العمل‪.‬‬

‫كثيرا ما أنزع الحجاب وأنا‬


‫ً‬ ‫لَ ِكنّي على األقل ُك ْنتُ قادرة أن أكون على سجيتي في البيت‪ُ .‬ك ْنتُ‬
‫في السيارة في طريقي إلى البيت‪ .‬و َكانَت بنتي في كرسي السيارة الخلفي تفعل نفس الشيء‪ .‬منذ‬
‫ضا‪.‬‬‫ب منها أن تلبسه هي أي ً‬ ‫أن َكانَت َحتّى في الحضانة ُ‬
‫ط ِل َ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪201‬‬
‫أعرف الكثير ِم َّمن كانوا ُم ْس ِلمين الذين يعيشون هذه الحياة المزدوجة‪ ،‬ويعيشون مع والَدَيهم‪.‬‬
‫ي تَخيُّل حدوث ذلك‪ .‬أن تتحمل ذلك النوع من الحياة‪ ،‬وأنت مغسول الدماغ أمر؛ أما‬ ‫يَصعُب عل َّ‬
‫ب تخيُّله‪ .‬البد َّ‬
‫أن هذا عذاب‪.‬‬ ‫أن ت ُ ْج َبر على الحياة على هذا النحو‪ ،‬وعقلك حر؟ هذا ٌ‬
‫أمر يصعُ ُ‬

‫لكن لك ٍّل منا نصيبه من المعاناة‪ .‬ال يستطيع أ ّ‬


‫ي أح ٍد منا عمل هذه االنتقالة بسهولة؛ إنه صراع‬
‫يتشارك المرور به ُك ّل ال ُم ْس ِلمين السابقين‪.‬نحن نَدعوه البقاء في الخزانة؛ كتعبير عن المأزق‬
‫الذي نحن فيه‪.‬‬

‫ي سبب لمواصلة‬ ‫أدرس في كليةٍ‪ ،‬لم يعد لَدَي أ ّ‬


‫إن استقلتُ من المدرسة اإلسالمية‪ ،‬وبدأت ِ ّ‬ ‫ما ْ‬
‫هذه التمثيلية‪ .‬عرف جميع من هم في حياتي أَنّي لم أعد ألبس الحجاب‪ ،‬ما عدا أ ُ ّمي‪ .‬لم أفكر في‬
‫كيفية إخبارها في الحقيقة‪ .‬إذ أن عالقتنا َكانَت قد صارت هشةً جدًّا ومعلَّقةً بشعرة‪ ،‬وظننتُ أن‬
‫أن ي َحد ُث‪ .‬أردتُ‬‫أمرا ُمري ًحا ْ‬
‫هذه قد تكون القشة التي تقسم ظهر البعير‪ .‬ألكون صادقة َكانَ هذا ً‬
‫ي كان بعد اآلن‪ُ .‬ك ْنتُ‬ ‫ي شيء من أجل أ ّ‬ ‫أن أعيش حياتي بحرية فقط‪ .‬لم أعد أريد أن أتظاهر بأ ّ‬
‫قد أ ُ ْر ِه ْقتُ من العيش في حياة مزدوجة‪ .‬إذا َكانَ هذا سيجعلها تتبرأ مني؛ فل َي ُك ْن كذلك‪ .‬أنا لم‬
‫ي حال‪.‬‬‫أشعر أَنّي َكانَ لَدَي أم حقيقية على أ ّ‬

‫حيث ِعشنا حياتين منفصلتين في مدينتين بعيدتين‪ .‬لَ ِكنّها اتصلت بي ذات‬‫ُ‬ ‫نادرا ما أراها؛‬‫ً‬ ‫ُكنتُ‬
‫يوم؛ تطلب مني أن أوصلها إلى موعد طبيب بسيارتي‪ .‬بشجاعةٍ‪ ،‬وثقة تلك التي اكتسبتها من‬
‫دراسة مادة تاريخ األديان‪ ،‬ومن الحكمة المغ ِيّرة للذهن التي تعلمتها من توشا‪ ،‬ومن إدراكي أن‬
‫ي ‪-‬وأَنّي لَ ْن أهلَك دونَها‪-‬؛ قررت أن أذهب إليها سافرةً‪ ،‬كما أفعل ك َّل ٍ‬
‫يوم في‬ ‫ال سيطرة أل ُ ّمي َ‬
‫عل َّ‬
‫مشاويري األخرى‪.‬‬
‫بحماس‪ ،‬وقلق في ذات الوقت‪" .‬أتريدين أن‬ ‫ٍ‬ ‫"هل أنت متأكدة مما تفعلينه؟" قال لي َواين‬
‫أصحبَ ِك؟"‬
‫ي يوم آخر‬‫"ال‪ .‬قد يجعل هذا األمر أسوأ‪ .‬يجب أن أفعل هذا في النهاية‪ .‬هذا اليوم مناسب مثلما أ ّ‬
‫مناسب لذلك"‪.‬‬
‫طا كي ألبسه إذا فقدت شجاعتي في‬ ‫أخذتُ معي حجابًا وتركته في المقعد الخلفي للسيارة احتيا ً‬
‫فعال أن أفقدها؛ لَ ِكنّي عزمتُ على مواصلة القيادة‪ ،‬وعدم إعطاء نفسي‬ ‫آخر لحظة‪ ،‬و كدت ً‬
‫باب السيارة ونظرت لي نظرة ً‬ ‫ت َ‬ ‫فرصةً لوضع الحجاب‪ .‬عندما توقفت كي آخذها معي‪ ،‬فت َح ْ‬
‫ت في الصراخ َمذعوره‪:‬‬ ‫واحدة ً ثم بدأ َ ْ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪202‬‬
‫معك وأنت عارية كعاهرة‪ .‬كيف ال تخجلين من نفسك‬ ‫ِ‬ ‫دهاك؟ لَ ْن أركب‬‫ِ‬ ‫ت عارية؟ ما الذي‬
‫" ِل َم أن ِ‬
‫ت تسيرين هكذا؟ أعوذ باهلل! أستغفر هللا! أنا متقززة منك ألنَّ ِك عارية كالحيوان‪ .‬كيف‬ ‫وأن ِ‬
‫تجرؤين؟"‬
‫أجبتها بصوت هادئ جدًّا‪ ،‬و خفيض‪" :‬أتريدين الركوب للذهاب إلى الطبيب أم ال؟"‬
‫"لَ ْن أركب معك السيارة أيّتها العاهرة القذرة!"‬
‫"حسنًا‪ ،‬إذ ن أغلقي باب السيارة من فضلك‪ ،‬كي أعود أدراجي"؛ كم تفاجأت من ركوبها السيارة‪.‬‬
‫لكن وابل شتائمها المتواصل لم يتوقف‪.‬‬
‫"اللعنة عليك‪ .‬فلتذهبي إلى الجحيم‪ .‬ست ُ ْح َرقين‪َ .‬ل ْن أسمح لك َحتّى بأن تشمي رائحة الجنة أبدًا‪.‬‬
‫أن أقتلك بيدي‬ ‫ي َّ‬
‫عل َّ‬ ‫تستحقين العذاب إلى األبد‪ .‬يجب أن ت ُ ْقت َ ِلي‪ .‬لو كنا في ِم ْ‬
‫صر لقتلت ُ ِك‪َ .‬‬
‫المجردتين! إذَ ْن‪ ،‬هل أنت كافرة اآلن؟ هل خرجت من دينك تما ًما؟ هل أنت كافرة نجسة اآلن؟"‬
‫"ال‪ .‬أنا فقط ال أريد لبس الحجاب بعد اآلن"‪.‬‬
‫ت أجسادهن على ُك ّل َر ُجل‬ ‫"بالطبع‪ .‬ألنك عاهرة! العاهرات فقط ي ُِر ْدنَ التجول عاريات عارضا ٍ‬
‫ي أن أقتلك وأدفنك في الباحة الخلفية‪ .‬يا للعار‪ .‬يا للعار‪ .‬ال‬ ‫عل َّ‬
‫ت مقززة‪َ .‬‬‫ُشتهون! أن ِ‬
‫كي ي ْ‬
‫أنك ُك ْنت قد‬
‫تحضري جنازتي‪ .‬لست أمك‪ .‬أنت ال تمثلين شيئًا لي‪ .‬أنت ميتة بالنسبة لي‪ .‬أتمنى لو ِ‬
‫لك أن تفعلي هذا بي؟"‬‫ت‪ .‬كيف ِ‬ ‫ِم ّ ِ‬

‫مستقرا وفيه نبرة ْ‬


‫حز ٍم‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫عندما توقف صراخها صارت متج ِ ّهمةً‪ ،‬وصار صوتها‬
‫وف أقتلك قبل أن تفعلي ذلك‪ .‬لَ ْن تجريني إلى‬ ‫"لَ ْن أخاطر بتر ِك ِك تعيشين كي تتركي اإلسالم‪َ .‬‬
‫س َ‬
‫معك"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جهنم‬

‫َّت ابنةً ثم ارتد ْ‬


‫َّت‬ ‫آخر حسب دينها‪ .‬إذا رب ْ‬
‫خيارا َ‬
‫ً‬ ‫تر‬‫أن عليها قتلي لتنقذ روحها‪ .‬لم َ‬‫َكانَت تؤمن َّ‬
‫وف يعاقبها هللا على‬
‫س َ‬‫تلك االبنةُ‪ ،‬فستعاقب على ذلك في اآلخرة إلى األبد‪ .‬وسيكون ذلك بسببي‪َ .‬‬
‫أن ذلك لَ ْن يحدث أبدًا‪.‬‬
‫ذلك‪ .‬فعليها قتلي لتتأكد من َّ‬

‫صا‬ ‫ت إليه‪ .‬توقعتُ ذلك‪ .‬لكن مثلما تزوجت عصام متمنيةً أن يصير شخ ً‬ ‫لم يفاجئني ما وصلَ ْ‬
‫محتر ًما‪ ،‬فقد تمنيتُ أال تصل أ ُ ّمي إلى مثل هذا االستنتاج الحتمي‪ .‬لَ ِك َّن األمر َكانَ منطقيًّا‪َ .‬كانَ‬
‫دينها دائ ًما قبل حاجاتي‪ ،‬ورغباتي‪ ،‬وسعادتي‪ ،‬و َحتّى سالمتي‪ ،‬ذلك منذ أن َكانَ سني ست‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪203‬‬
‫سنوات عندما ُك ْنتُ أُض َْرب بسبب عدم الصالة‪ .‬لذلك ِل َم ستكون األمور مختلفة فجأة ً اآلن؟!‬
‫ي شيء آخر‪.‬‬ ‫َكانَت تعاليم الدّيْن تأتي دائ ًما قبل ُك ّل شيء آخر‪ ،‬و َكانَت أوامر هللا أهم من أ ّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪204‬‬
‫واين‬
‫بعد أن أوصلتها في ذلك اليوم لم أرها مجددًا قط‪ .‬و َكانَ ذلك سنة (‪ )2004‬اتصلت بها بعد‬
‫ذلك مرتين من م َكانَ بعيد آمن لم أخبرها عنه‪ .‬لكن لم يطل الوقت بعد ذلك اليوم البغيض َحتّى‬
‫نضجتُ ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تقب َّْلتُ أن ال جدوى من محاولة الحفاظ على العالقة بيننا‪ .‬لم أعد مهتمة برضاها‪ .‬لقد‬
‫وتجاوزتُ ذلك؛ لقد َكانَ ذلك عماد عالقتنا الوحيد؛ َكانَت تمنعني حبها َحتّى أرضخ ألوامرها ‪،‬‬
‫وأفعل ُك ّل شيء أستطيعه لنيل رضاها‪ .‬انكسرت تلك الحلقة اآلن‪ ،‬ألَنّي تقبلت حقيقةَ أَنّي مهما‬
‫فعلت فلَ ْن يكون ذلك كافيًا‪ ،‬ولَ ْن تكون هناك مرحلة‪ ،‬أو لحظة تأتي ِلتمنحني عندها الحب‪،‬‬
‫الر ُجل الذي اختارته هي‪،‬‬‫والتقبل الذين سعيت ألجلهما ب ُك ّل ما أوتيت من قوة؛ َحتّى زواجي من َ‬
‫ضها‪.‬‬
‫وعيشي كشبح إنسان دون شعور بالذات لم ي ُْر ِ‬

‫أن سعادتها تتسبب‬‫كثيرا َّ‬


‫ً‬ ‫قررت أن أعيش ألجل سعادتي اآلن‪ ،‬وليس ألج ِل سعادتها‪ .‬أحزنني‬
‫ي شيء آخر أستطي ُع فعله حيال‬ ‫وأن سعادتي تسبب لها التعاسة‪ .‬لكن لم َي ُك ْن هنالك أ ّ‬
‫في تعاستي َّ‬
‫هذا‪ .‬لَدَي حياة واحدة‪ ،‬وفرصة واحدة على هذا الكوكب‪ ،‬ولَ ْن أضيّعها ألجل سعادة‪ ،‬أو رضا أ ّ‬
‫ي‬
‫شخص آخر غيري‪.‬‬

‫ي حال‪ ،‬لكن‬ ‫لم َي ُك ْن لهذا تأثير على حياتنا اليومية؛ ألنَّها لم ت َ ُك ْن حاضرة ً في حياتنا على أ ّ‬
‫ث‪ ،‬موت االحتمال الذي َكانَ يمكن أن يحدث‪ .‬حاولت فعل األشياء‬ ‫ت قد حدَ َ‬‫األمر َكانَ أشبه بمو ٍ‬
‫كما أرادت هي‪َ ،‬ل ِكنّي لم أرد أن أمضي حياتي أتمرغ في الوحل من أجل وعد الجنة‪ .‬لم ت ْبد ُ‬
‫ذكر‪ ،‬لكن بالنسبة للنساء فإنها‬‫قت الجنة إلغراء عق ِل ٍ‬ ‫ت سخيفة‪ .‬لقد اخت ُ ِل ْ‬ ‫الجنة َحتّى مغرية بل بدَ ْ‬
‫ي من تلك الجوائز أو حبات الجزَ ر الخيالية المح ِفّزة‪ .‬ال شيء‬ ‫تبدو مملةً‪ .‬كما أَنّي لم أعد أؤمن بأ ّ‬
‫‪88‬‬
‫حقيقي‪ ،‬ومضمون إال النَفَس الذي أتنفسه‪ .‬اغتنم اللحظةَ واستمتع بالحياة!‬

‫تطلب األمر مني بضع سنوات كي أتغلب على حقيقة أنَّها لَ ْن تتصل بي أبدًا‪ ،‬وأنَّها لَ ْن تقبلني‬
‫كما أنا أبدًا‪ .‬لَ ْن تكون األم التي أردتها أن تكون لي أبدًا‪ .‬لم َي ُك ْن لَدَي خيار إال أن أتقبَّل أَنّي‬
‫ضا صارت ميتةً بالنسبة لي‪.‬‬ ‫صرت ميتةً بالنسبة لها حقًّا‪ ،‬وأنَّها هي أي ً‬

‫ز‬ ‫‪88‬‬
‫بالالتينية ف األصل‪.Carpe diem :‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪205‬‬
‫َل ِك َّن الحياة استمرت‪ ،‬وانتقلت أنا وابنتي‪ ،‬وواين إلى بيت جديد رائع‪ .‬لقد اشترينا ُك ّل األثاث‬
‫كأن لَدَينا ُك ّل شيء نحتاجه‪.‬‬
‫معًا‪َ .‬كانَت لَدَينا سيارتان‪َ .‬كانَت األمور من الخارج تبدو َّ‬

‫َكانَ واين متكيفًا‪ ،‬وموافقًا على ُك ّل شيء‪َ .‬كانَ ال يمانع موافقتي في أ ّ‬


‫ي شيء أردته‪.‬‬

‫أتَذَ َّكر أَنّي ُك ْنتُ أجلس الئمةً نفسي على عدم شعوري بالسعادة‪ .‬فما الذي يمكن أن أريده أكثر‬
‫من هذا؟‪َ ،‬كانَ لَدَي ُك ّل شيء يرى المجتمع أنَّك تحتاجه لتكون سعيدًا‪ .‬لكن لسب ٍ‬
‫ب ما لم يَ ُك ْن ذلك‬
‫كافيًا‪ .‬لقد مررت بالكثير‪ ،‬و ُك ْنتُ مر َهقًة‪ ،‬لكن بطريقة ما فإن القبول بالعادي جعل ُك ّل ذلك عبثًا‪.‬‬
‫عندما التقينا كنا نحن االثنين في فترة انتقالية من حياتنا‪ُ .‬ك ْنتُ أنتقل من كوني ُم ْس ِلمة تحت‬
‫سيطرة أ ُ ّمي إلى صيرورتي إمرأة مستقلة‪ ،‬وأ ًّما‪ ،‬وطالبة أشق طريقي معت ِمدة ً على نفسي‪.‬‬

‫و َكانَ هو ق ْد َف َقد أمه بسبب السرطان قبل سنة من التقائنا‪ .‬أعتقد أ َّننا احتجنا نحن االثنين‬
‫االستقرار الذي يمنحه الزواج‪ .‬كالنا كنا نتوق إلى الجو العائلي الذي افتقدناه في حياتنا‪.‬‬

‫قدمنا هذا لبعضنا‪َ ،‬ل ِكنَّنا لم نكن قادرين على تقديم ما هو أكثر من ذلك‪ .‬كنا غير متالئمين في‬
‫ُك ّل شيء آخر‪ .‬بحسب علم النفس الرائج‪ ،‬أو الشعبي‪ ،‬فقد كنا كالنا أ ًخا أصغر‪ ،‬أو أختًا صغرى‬
‫ي منا يرغب في أن يقود السفينة‪ .‬كان هناك شيء من الحقيقية‬ ‫في أسرة ك ٍّل منا‪ ،‬ومن ث َ َّم لم يَ ُك ْن أ ّ‬
‫في ذلك القول؛ فقد َكانَ يبحث عن شخصية أمومية‪ ،‬و ُك ْنتُ أبحث عن شريك قوي يهتم بي‪،‬‬
‫صا آخر أعتني به‪.‬‬
‫ويساعدني على خلق جو عائلي مستقر لي‪ ،‬والبنتي‪ .‬لم أرد شخ ً‬

‫بينما كنا ثالثتنا جالسين نتناول الفطور قبل نهاية زواجنا القصير جدًّا‪ ،‬بدأت أضع المربى‬
‫على قطعة الخبز المحمص التوست الخاصة بي‪.‬‬
‫سألتني ابنتي‪" :‬هل لي بنصفها؟"‬
‫فقلتُ لها‪" :‬بالتأكيد"‪.‬‬
‫فسألني َواين‪" :‬هل لي بالنصف اآلخر؟"‬

‫صا لحياتي‪َ .‬كانَت هذه‬‫توقفت لجزء من الثانية ثم أعطيته النصف اآلخر‪ .‬لقد عشت للتو ملخ ً‬
‫وف أعطي دائ ًما‪ ،‬وال آخذ شيئًا‪.‬‬
‫س َ‬‫هي بالضبط‪ .‬طالما أنا معه فستكون حياتي هكذا‪َ .‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪206‬‬
‫تعلمت الكثير من َواين؛ تعلمت أَنّي أستحق الحب‪ ،‬وجربت إحساس أن أكون في عالقة حب‪.‬‬
‫وف يحدث! رغم أَنّي‬ ‫س َ‬ ‫وأن ال شيء َ‬‫تعلمت أَنّي أستطيع أن أواصل كسر الحواجز‪ ،‬وتحدي هللا‪َّ ،‬‬
‫أن الخوف‪ ،‬والشك أَنّي قد أكون على خطأ َكانَا يتسلالن إلى‬ ‫ُك ْنتُ لم أعد أؤمن بهذا الهراء؛ إال َّ‬
‫وجداني بين الفينة‪ ،‬واألخرى‪ .‬لَ ِكنّي مارست الجنس خارج الزواج‪ ،‬وهي أكبر الكبائر بالنسبة‬
‫إلى امرأة‪ ،‬وال أزال بخير‪ .‬لقد أدركتُ أَنّي تزوجته ألنَّه َكانَ آمنًا‪ ،‬وواثقا من نفسه؛ بينما ُك ْنتُ أنا‬
‫شةً‪ ،‬ومكسورة‪ .‬لقد أدركتُ أنَّه َكانَ رائعًا‪ ،‬ومناسبًا لي آنذاك‪ ،‬وأنا ممتنة ألنَّنا كنا موجودين من‬ ‫ه َّ‬
‫ضا‪ .‬ال أستطيع أن أقول بصدق أَنّي ُك ْنتُ مغرمة به؛‬ ‫ضنا بع ً‬ ‫احتجنا بع َ‬
‫ْ‬ ‫أجل بعضنا البعض عندما‬
‫لكن هذا ال يكفي الستمرار الزواج‪.‬‬ ‫لَ ِكنّي بالتأكيد أحببته؛ َّ‬

‫غا‬‫َكانَ الطالق منه مخيفًا‪ُ .‬ك ْنتُ قد خسرت للتو ك َّل شيءٍ بما في ذلك هويتي‪َ .‬كانَ قد مأل فرا ً‬
‫هائال في حياتي؛ لَ ِكنّي عرفتُ أَنّي لَ ْن أحبه أبدًا بالطريقة التي أرادني أن أحبه بها‪ .‬لقد تزوجتُ‬
‫ً‬
‫أو َل فتى رأى شعري‪ ،‬ووجدني جذابة‪َ .‬كانَ من الممكن أن أقابل فتيانًا آخرين‪ ،‬و ُك ْنتُ ألختار‬
‫واحدًا آخر؛ ذلك الذي َكانَ ليح ِ ّمص الخبز من أجلي‪ ،‬وليس َم ْن يأخذ خبزي المح َّمص‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪207‬‬
‫الدَّوحة‬
‫في السنة التي سبقت وصولي إلى سن الثالثين قبلت بوظيفة تدريس في جامعة في الشرق‬
‫ي قرارات‬ ‫األوسط‪ ،‬في الدوحة‪ ،‬قطر‪ .‬دولة لم أ َ ُك ْن قد سمعت بها من قبل‪ُ .‬ك ْنتُ خائفة من اتخاذ أ ّ‬
‫خاص‪َ .‬كانَت هذه أول مرة أعتمد فيها‬ ‫ٍّ‬ ‫كبيرا‪ ،‬ومخيفًا على نح ٍو‬
‫ً‬ ‫في حياتي‪ ،‬لكن هذا القرار َكانَ‬
‫تما ًما على تقديري‪ ،‬وحكمي الشخصي‪ ،‬وقدرتي على اتخاذ قرارات سليمة‪ .‬إذا فشلت؛ فسوف‬
‫أُد ّمر حياة ابنتي أي ً‬
‫ضا‪.‬‬

‫قرارا خاطئًا؛ فقررت‬


‫ً‬ ‫َكانَت حرب العراق الثانية حامية الوطيس‪ ،‬و ُك ْنتُ أخشى أن أكون أتخذ‬
‫وإخبارها بقراري؛ استغلت الفرصة إلخباري كم أَنّي أم عديمة المسؤولية؛ ألَنّي‬
‫َ‬ ‫االتصال بأ ُ ّمي‬
‫آخذ ابنتي إلى منطقة نزاع حيث قد يقتلها الكفار‪ .‬ندمت على قراري باالتصال بها‪ ،‬فقد جعلتني‬
‫أشعر على نح ٍو أسوأ فقط‪.‬‬

‫كبيرا؛ مع توفير سكن مؤثَّث‪ ،‬وأجهزة‪،‬‬


‫ً‬ ‫ي راتبًا‬
‫عل َّ‬
‫ي قبول المنصب‪ ،‬فقد عرضوا َ‬ ‫َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫ومرافق يدفع تكاليفها صاحب العمل؛ كما أنَّهم منحوني وقت إجازة كبير‪ ،‬باإلضافة إلى ثمن‬
‫وف يكون بمقدوري سداد قُروضي الطالبية‪ ،‬ومنح ابنتي‬ ‫س َ‬
‫تذكرة العودة إلى الوطن سنويًّا‪َ .‬‬
‫الحياة التي تمنيتها لها‪ ،‬ويُحت َمل أن أقدر َحتّى على العودة إلى كندا بمال كافٍ لدفع عربون شراء‬
‫منزل! كيف لي أن أرفض؟‬

‫وف أظل حيةً"‪ ،‬وأغنية فرانك سيناترا "طريقي" ‪ ،‬و‬‫س َ‬‫استمعت إلى أغنية غلوريا غاينور " َ‬
‫إيمينيم "انغمس في األمر"؛ على نحو متكرر كي اشجع نفسي‪ .‬كما َكانَت أغنية "اإليمان"‬ ‫أغنية ِ‬
‫لجورج مايكل‪ ،‬وأغنية "فلتبدأ الحفلة" لب ِينك ضمن مختارات ذلك السي دي‪.‬‬

‫ي فِعل ذلك‪ .‬لقد‬ ‫ي أن أحافظ على هدوئي‪ ،‬وتركيزي‪ ،‬وأُس ِكت ُك ّل الشكوك؛ َكانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫سهال؛ كنُزه ٍة في حديقة مقارنةً ب ُك ّل ذلك‪.‬‬
‫أن هذا سيكون ً‬‫مررت بالكثير‪ ،‬لذلك قلتُ لنفسي َّ‬

‫َكانَ الشيء ال ُمقلق الحقيقي الوحيد لي؛ هو أَنّي سأعيش في بل ٍد ُم ْس ِلم؛ َكانَ لَدَي لقب َواين‪ ،‬ولم‬
‫صرية مسيحية‬ ‫أن أ ُ ّمي ِم ْ‬
‫أبد ُ عربية؛ ما أقلقني فقط هو اسمي‪َ ،‬ل ِكنّي فكرت أن أكتفي بالقول َّ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪208‬‬
‫قبطية‪َ .‬كانَ اسمي عربيًّا لكن ليس إسالميًّا‪ .‬يمكنني النجاة من ذلك بأال أخبر أحدًا؛ أ َنّي ُك ْنتُ يو ًما‬
‫ما ُم ْس ِلمة‪.‬‬

‫عد ُم ْس ِلمة‪ ،‬إال أَنّي لم أ َ ُك ْن قد قررت بعد ُ ما الذي سوف أعتقده؛ فقد مررت بعدة‬ ‫رغم أَنّي لم أ ُ‬
‫ي ديانة مؤسسية‬ ‫مراحل‪ .‬أوال صرت ُم ْس ِلمة غير ممارسة للشعائر‪ ،‬ثم صرتُ ال أعتقد بأ ّ‬
‫غير متد ِيّنةٍ‪ ،‬ثم صرتُ ال أدرية‪ ،‬وفي النهاية اخترتُ هويتي‬ ‫َ‬ ‫نظامية‪ ،‬ثم صرت روحانيةً‬
‫كملحدة‪ .‬اكتشفت في النهاية مصطلح " ُم ْس ِلمة سابقة (أو ُم ْس ِلم سابق)"‪ ،‬لَ ِك َّن ذلك حدث بعد‬
‫سنوات عديدة‪ .‬خالل تلك المراحل ُك ْنتُ أعتقد صدقًا أَنّي الوحيدة التي تمر بهذه التجربة‪ .‬لم أ َ ُك ْن‬
‫خيارا متا ًحا‪ .‬اإلسالم جزء من‬ ‫ً‬ ‫ي ُم ْس ِلم ترك اإلسالم‪ .‬لم َي ُك ْن ذلك‬ ‫قد عرفت‪ ،‬أو سمعت من قبل بأ ّ‬
‫هويتك‪ .‬األمر أشبه بأن تختار أال تصير أسود بعد اآلن‪ .‬ال يمكنك ذلك؛ إنها هويتك‪.‬‬
‫أن اإلسالم ليس هوية‪ .‬اإلسالم أيديولوجيا؛ أنت‬ ‫تطلب مني األمر سنوات كي أكتشف‪ ،‬وأفهم َّ‬
‫تختار أن تتبعها‪ ،‬أو ال‪ .‬إذا اخترت عدم ا ِت ّباعها؛ فسوف يتسبب ذلك بحكم إعدام على نفسك‬
‫أن اإلسالم لم َي ُك ْن جز ًءا من ذاتي‪َ .‬كانَ في استطاعتي التخلص منه وقد‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬لكن المقصود َّ‬
‫فعلت‪.‬‬

‫وعرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ي المرور عبر العديد من خبرات التعلُّم‪َ .‬كانَ طريقًا‬ ‫عل َّ‬‫لكن قبل القيام بذلك َكانَ َ‬
‫شا‪ .‬يجد ال ُم ْس ِلمون السابقون في العصر الحالي وسائل التواصل االجتماعي التي تساعدهم‪،‬‬ ‫وموح ً‬
‫وعرا مظل ًما‪َ ،‬ل ِكنَّه على األقل لم يعد موح ً‬
‫شا مليئًا بالوحدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الطريق‬ ‫وترشدهم‪ ،‬ال يزال‬

‫من الغريب اآلن أن نقرأ عن مدى شيوع مقولة ال ُم ْس ِلمين السابقين‪" :‬اعتقدتُ أَنّي ُك ْنتُ الوحيد‬
‫ضا‪ ،‬ذلك َل ِك َّن هنالك ماليين اآلخرين الذين‬ ‫فعال أَنّي الوحيدة أي ً‬
‫[على هذا الطريق؟"‪ .‬لقد اعتقدتُ ً‬
‫اعتقدوا ويعتقدون مثلي أنَّهم الوحيدون‪.‬‬

‫اإلسالم يعزلك بهذه الطريقة‪ .‬هذا مثل سرب سمك يسير ُكلّه في اتجاه واحد‪ ،‬وإذا خرجت عن‬
‫المسار تُنبَذ وتُعتَبَر مختلفًا‪ .‬يخبرونك ب ُك ّل الطرق أنَّك مكسور‪ّ ،‬‬
‫وأن الشيطان يتلبسك‪ ،‬وأنَّهم في‬
‫عار‪ .‬فتشعر أنَّك منبوذ‪ .‬كيف لك أن تفكر‬
‫حاجة إلى إرشادك‪ ،‬وإصالح أمورك‪ ،‬أو إنقاذك‪ .‬إنه ٌ‬
‫ي أحد غيرك؟‬ ‫َحتّى في مشاركة أفكارك القذرة مع أ ّ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪209‬‬
‫ُك ّل هذا جزء من المنهج الخبيث الماكر للمحافظة على السيطرة على األُمة‪ .‬كيف تسيطر على‬
‫األفراد؟ َح ّ ِو ْلهم الى روبوتات دون عقول‪ .‬تالعب بعقولهم منذ طفولتهم ؛ كي يؤمنوا حقًّا بأنَّه ال‬
‫يوجد إال طريق واحد‪ .‬ذلك ما يخبرونهم به يوميًّا منذ الوقت الذي يبدأون فيه في القدرة على فهم‬
‫الكالم‪.‬‬

‫سرعان ما صرت محاطة بسرب السمك هذا بعدما حطت طائرتي في قطر‪ .‬في الواقع‪ ،‬لقد‬
‫عة نحوي بينما‬ ‫َكانَ ذلك منذ أول محاضرة تعارف‪ .‬أتتني إمرأة محجبة متحمسة للغاية مسر ً‬
‫ُك ْنتُ أخرج من الحمام‪ ،‬وسألتني‪:‬‬
‫ت عربية؟"‬ ‫"اسمك ياسمين! هل أن ِ‬
‫ي أن أقول ال فقط‪.‬‬ ‫صرية"‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬ ‫رددت عليها‪" :‬نوعا ما‪ .‬أ ُ ّمي ِم ْ‬
‫ضا"‪.‬‬
‫صرية أي ً‬ ‫ً‬
‫وسهال‪ .‬أنا ِم ْ‬ ‫"أوه‪ً .‬‬
‫أهال‬
‫وفجأة صرت محاطة بسرب من ال ِنساء ال ُمتع ِ ّجبات من حولي‪ .‬حاولت تجاوزهن بدفعهن برفق‬
‫ي‪.‬‬
‫كي أغسل يدَ َّ‬
‫فورا أَنّي غبية‪.‬‬
‫"أهال بيكي!" وشعرتُ ً‬ ‫ً‬ ‫جاوبتُها قائلةً‪:‬‬
‫ت من القاهرة؟ كم أشعر‬ ‫صر قط؟ أين عشت؟ هل أن ِ‬ ‫ت في ِم ْ‬ ‫"أوه‪ .‬تتكلمين العربية! هل عش ِ‬
‫باإلثارة للقائك‪ .‬نجتمع معًأ للرقص الشرقي ُك ّل يوم جمعة‪ .‬هل تودين القدوم؟ هل تحبين عمرو‬
‫دياب؟ هل تعرفينه؟"‬

‫ُك ْنتُ حقًّا أحس باختناق؛ وأنا أحاول المرور من مكان المناديل الورقية إلى باب الخروج‪.‬‬
‫مقتحمات‪ ،‬وفضوليات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َكانَت هؤالء النِساء يحاولن فقط أن يَ ُك َّن لطيفات‪ ،‬لَ ِكنّي شعرت بأنَّهن‬
‫وارتعبتُ ‪.‬‬

‫لم أرد أن يعرف الناس أَنّي ُك ْنتُ ُم ْس ِلمة‪ُ .‬ك ْنتُ أعيش في بلد تحكمها الشريعة‪ ،‬وعقوبة الردة‬
‫هي الموت‪ .‬ليس هناك استثناءات في ذلك‪ .‬هذا أخطر ما في اإلسالم في العصر الحالي‪:‬‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫ي دول دينية ثيوقراطية في العالم اليوم ما عدا الدول التي تحكمها الشريعة‬
‫ال توجد أ ّ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والتي تتضمن بالطبع سبع وخمسين دولة من األعضاء في منظمة التعاون اإلسالمي‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪210‬‬
‫هذا مرعب‪ .‬طالما تتبع هذه الدول الشرائع اإلسالمية ف َل ْن تتقدم أبدًا‪ ،‬وتتجاوز شرائع القرن‬
‫الس ابع الميالدي الهمجية الميساجونية (الذكورية المعادية للنساء)‪ ،‬والمعادية للحريات‪ ،‬والهومو‬
‫فوبيا المعادية للمثليين‪ .‬يحق للناس أن يؤمنوا ب ُك ّل اآلباء الذين في السماء‪ ،‬والخرافات طالما هم‬
‫أن يفرضوا عقائد‪ ،‬وتعاليم أصدقائهم الخياليين على‬ ‫لكن ال يحق لهم ْ‬
‫يختارون أن يؤمنوا به‪ْ ،‬‬
‫غيرهم‪ .‬هذا على األقل ال يحدث في الديمقراطيات الحديثة‪.‬‬

‫كوني ُو ِلدْتُ في دولة علمانية ليبرالية ديمقراطية‪ ،‬فإني لم أ َ ُك ْن أعرف ما الذي وضعت نفسي‬
‫فيه؛ وهذا َكانَ في صالحي‪ .‬فلو أدركت على نحو كامل مدى الخطر الذي وضعت نفسي وابنتي‬
‫فيه لما ذهبت قط‪.‬‬

‫ال توجد قوانين علمانية‪ ،‬أو مبدأ حرية دينية يحميني هنا؛ وفقًا لحكم الشريعة‪ ،‬إذا تركت اإلسالم‪،‬‬
‫س َك‪ .‬نهاية القصة بال نقاش‪.‬‬ ‫وف تُق َ‬
‫طع رأ ُ‬ ‫س َ‬‫ف َ‬

‫بينما كنت أحاول أال أصاب بنوبة هلع‪ ،‬وتسارع تنفس‪ ،‬وأهرب من هناك دون الرد على‬
‫ي ُّ ٍُ من أسئلتهن‪ ،‬دخلت زميلة‪َ .‬كانَت تعمل في قسم الموارد البشرية‪َ .‬كانَ اسمها جينيفر‬ ‫أ ّ‬
‫و ُك ْنتُ للتو سمعتها تتكلم في محاضرة التعارف األولى‪ .‬لم أَ ُك ْن أعرف شيئا عنها لكن رؤيتها‬
‫سمحت لي أن أتنفس الصعداء مجدَّدًا‪ .‬مددت يدي نحوها غريزيًّا‪ ،‬مثلما تفعل لو ُك ْنتُ تغرق في‬
‫فوقك‪.‬‬
‫َ‬ ‫حمام سباحة وترى ًّ‬
‫ظال‬
‫"هل أنت بخير؟" سألتني وهي تأخذ بيدي‪.‬‬
‫"ال‪ .‬ال أحس أَنّي بخير‪ .‬أعتقد أَنّي أحتاج بعض الماء"‪.‬‬
‫"أُوه"‪ .‬تفرق سرب النِساء وتركوني أمر‪.‬‬

‫اصطحبتني زميلتي إلى صنبور ماء الشرب‪ ،‬أخذت تتحدث بهدوء عن حرارة الصحراء‬
‫ي أن أحرص على شرب كثير من الماء‪.‬‬ ‫عل َّ‬ ‫وكيف أنَّها تصل أحيانًا إلى (‪ 50‬درجة مئوية)‪َّ ،‬‬
‫وأن َ‬
‫ألخبرها أن الحقيقة؛ في أَنّي ُك ْنتُ منزعجة بسبب النِساء في الحمام‪.‬‬
‫َ‬ ‫قاطعتها‬
‫"ما الذي فَعلنَه ليج َع ْلن َِك منزعجةً ؟"‬
‫"ال أعرف"‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪211‬‬
‫ما الذي َكانَ يمكنني قوله؟ لم أرد وضع أولئك النِساء في مشكلة فقط ألنَّهن كن ودودات‪ ،‬لَ ِكنّي‬
‫صرية‪،‬‬ ‫في نفس الوقت شعرت بالحاجة إلى إعادة ضبط أموري‪ .‬لم ِأر ْد أن يعرفن أَنّي نصف ِم ْ‬
‫أن حقيقة‬ ‫ولم أرد أن يعتقدن أَنّي واحدة منهن‪ ،‬ولم أرد أن أقع في متاعب؛ ُك ْنتُ خائفة للغاية من َّ‬
‫غير‬
‫أن تنكشف ال إراديًّا‪ .‬لم أستطع أن أكون معهن‪ .‬غمغمت على نحو غير واضح‪َ ،‬‬ ‫خلفيتي ْ‬
‫قائل ٍة شيئًا‪ ،‬و في النهاية تجاوزت زميلتي األمر‪.‬‬
‫وف أُخاطبهن"‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫"حسنًا‪َ .‬‬
‫قلت لها‪" :‬لقد كن فقط ودودات فقط‪ .‬ال أريد أن يقعن في مشكلة"‪.‬‬
‫"ال‪ ،‬ال بأس‪ .‬أنا أتفهم األمر"‪.‬‬

‫لكن كيف لها أن تفهم؟ البد أنَّها ظنت أَنّي مجنونة‪.‬‬

‫بعد ذلك حرصت على َّأال أكشف أَنّي أفهم العربية أبدًا‪ ،‬وأال أنطق أ ّ‬
‫ي كلمة عربية أبدًا‪ .‬كما لم‬
‫كن زميالت كنديات بالتأكيد‪ .‬و َحتّى معهن ُك ْنتُ حذرة‬ ‫صرية إال إذا َّ‬ ‫أفصح قط عن أَنّي نصف ِم ْ‬
‫في مقدار المعلومات التي أفصح بها‪.‬‬

‫لحسن الحظ أنَّه مقارنة بالدول العربية‪ ،‬فإن هوس الهوية غير موجود تقريبًا في كندا متعددة‬
‫ي شيء عن ماضيك [الواحد أو الواحدة‬ ‫الثقافات‪ .‬أغلب الكنديين ال يكترثون في الحقيقة بمعرفة أ ّ‬
‫منهم قد تسألك فقط؟‪:‬‬
‫ي مكان في كندا أنتِ؟"‬ ‫"من أ ّ‬
‫"ڤانكوڤر"‪.‬‬
‫"حسنًا‪ ،‬عظيم"‪.‬‬
‫انتهى الحوار‪.‬‬
‫أما لو َكانَ المخاطب عربيًّا لقضى عشرين دقيقة في محادثة الستخراج ُك ّل شيء عن خلفيتي‬
‫اإلثنية‪ ،‬والدّيْنية‪ ،‬والجغرافية؛ كي يضمن أن يصنفني ب ُك ّل األفكار‪ ،‬والتصورات‪ ،‬واالفتراضات‬
‫المحاصرة‬
‫ِ‬ ‫النمطية ذات العالقة‪ُ .‬ك ْنتُ معتادة على هذه الحياة المنتهكة للخصوصية الشمولية‬
‫صر‪.‬‬ ‫س َم ِك الزينة في الحوض الزجاجي الشفاف‪ .‬أتَذَ َّكر ذلك منذ أن ُك ْنتُ في ِم ْ‬ ‫التي تجعلك َك َ‬
‫فورا بنفور كالغثيان من أن أعود للحياة على هذا النح ِو مرة ً أخرى‪ .‬ليس ُك ّل العالم لَدَيه‬ ‫شعرتُ ً‬
‫نظام طبقات اجتماعية دينية هندوسي‪ ،‬لَ ِكنَّه قد يكون كذلك‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬
‫عمال جديدًا في بلد جديد (قطر)‪،‬‬ ‫إذن فقد حدث الكثير وفي وقت قصير بسرعة‪ .‬فبدأت‬
‫وصرت أعيش في بيت جديد‪ ،‬وبدأت ابنتي تذهب إلى مدرسة جديدة؛ ك ُّل شيءٍ كان في فوضى‪،‬‬
‫وفوق ذلك كله؛ ُك ْنتُ أمر بإجراءات الطالق‪ .‬في إحدى المرات بينما كنت أخرج البقالة من‬
‫األكياس؛ انهرت لرؤيتي علبة مربى‪.‬‬

‫َكانَت ابنتي تفضل ساندويتشات المربى بزبدة الفول السوداني التي يعدها واين على‬
‫ساندويتشاتي؛ ألنَّه َكانَ دائ ًما يحسن وضع المقادير‪.‬‬

‫صراعيه؛‬
‫بعدما بكيت على األرض‪ ،‬وبين ذراعي علبة مربى‪ ،‬و باب الثالجة مفتوح على ِم ْ‬
‫ث ُ َّم نهضت‪ ،‬ونفضت الغبار عن نفسي‪ ،‬وواصلت رص البقالة‪ .‬ال وقت لَدَي للبكاء على الماضي‪.‬‬
‫ي أن أواصل المسير‪ .‬هكذا تعاملت مع ُك ّل المآسي في حياتي‪ ،‬وهكذا‬
‫عل َّ‬
‫ال وقت للتعامل مع هذا‪َ .‬‬
‫تعلمت‪ ،‬وهكذا ُك ْنتُ أعيش بالضبط ؛ إلى أن قررت أن أجلس‪ ،‬وأن أكتب هذا الكتاب‪.‬‬

‫بعد مضي عدة أشهر؛ توقف ُك ّل شيء فجأة عندما فجرت سيارة مفخخة مسر ًحا محليًا‪َ .‬كانَ‬
‫بالبريطانيين‪ ،‬و األمريكيين‪ ،‬واألُستراليين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫صا لألجانب فقط‪ ،‬و َكانَ ُمكت ً‬
‫ظا‬ ‫ذلك المسرح مخص ً‬
‫ألن ابنتي كانت متوعكة‪.‬‬‫والكنديين‪َ .‬كانَت لَدَي تذاكر لحضورعرض تلك الليلة؛ لَ ِكنّي لم أذهب َّ‬

‫صري الذي صدم السيارة في المبنى على الفور‪ ،‬واستطاع جميع من كان في‬ ‫الم ْ‬
‫توفي ِ‬
‫ي االصطدام الهائل‪ .‬حالما خرجوا ُكلّهم‪ ،‬عاد مدير المسرح‬ ‫الهرب؛ عندما سمعوا دو َّ‬
‫َ‬ ‫المسرح‬
‫إلى الداخل للتأكد من َّ‬
‫أن الجميع قد غادر‪ ،‬وعندئذ انفجرت القنبلة‪ ،‬ولم َين ُج المدير‪.‬‬

‫ي مثل َوقع أحداث الحادي عشر من سبتمبر‪.‬‬ ‫َكانَ َوق ُع ذلك اليوم َ‬
‫عل َّ‬

‫فكرت جديًّا في أن أجمع أغراضي‪ ،‬وأعود أدراجي‪ .‬لكن أعود إلى أين؟ لم أعد أنا‪ ،‬وواين‬
‫ي أن‬ ‫متزوجين‪ .‬ال يمكنني العودة للعيش مع أ ُ ّمي‪ .‬على األقل لَدَي بيت‪ ،‬وعمل هنا‪َ .‬كانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫ي شيء آخر‬ ‫أنجح‪ .‬قررت أن أمنح األمر فرصة ثانية متمنيةً أال أندم على ذلك‪ .‬إذا حدث أ ّ‬
‫فسوف أستقل أول طائرة إلى كندا‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪213‬‬
‫تطور َلدَي تشنج عصبي (غمز ال إرادي) في عيني اليمنى ولم يتوقف إال بعد ستة شهور‪.‬‬
‫عدا ذلك‪ ،‬و تلك المرة في الجامعة التي شلت فيها ذراعي قبل امتحان‪ ،‬ونوبات الهلع التي َكانَت‬
‫ي أعراض جسدية ناتجة عن ت َوتري‪ .‬أرعبني ذلك‬ ‫تصيبني من وقت إلى آخر‪ ،‬استطعت تفادي أ ّ‬
‫ضيْتُ قُد ُ ًما‪.‬‬
‫التشنج لَ ِكنّي تجاهلته‪ ،‬وم َ‬

‫ي هجمات إرهابية أخرى؛ فبدأت أسترخي‪ ،‬وأستمتع بحياتي الجديدة‪َ .‬كانَت فرصة‬ ‫لم تحدث أ ّ‬
‫ي أحد في قطر‪،‬‬ ‫جديدة غريبة كي أنسى ُك ّل الماضي‪ ،‬وأبدأ حياتي من جديد‪ .‬لم َي ُك ْن يعرفني أ ّ‬
‫ي شيءٍ عني‪ُ .‬ك ْنتُ قادرة على إعادة صنع نفسي على النحو الذي أريد‪ .‬بحلول‬ ‫وال عرف أحد ٌ أ ّ‬
‫ذلك الوقت‪ُ ،‬ك ْنتُ قد تم ُك ْنتُ من تفكيك ذاتي ال ُم ْس ِلمة بالكامل‪ .‬ومن ث َ َّم َكانَ الوقت قد حان‬
‫نادرا ما يحصل عليها الناس‪ ،‬وهي فرصة استغلَلتُها إلى‬ ‫إلعادة بناء نفسي من جديد‪ .‬إنها فرصة ً‬
‫أقصى حدٍّ‪.‬‬
‫ومبررة‬ ‫ِّ‬ ‫أخيرا قادرة على أن أكون نسوية حقيقية وليس نسوية ُم ْس ِلمة مرتبكة‬ ‫ً‬ ‫صرت آنذاك‬
‫هللا‬
‫إعطاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعذارا لتبرير‬
‫ً‬ ‫ي أن أختلق‬ ‫عل َّ‬‫ومدافعة عن أخطاء تعاليم اإلسالم باستمرار‪ .‬لم يعد َ‬
‫الر ُجل أو سبب اعتبار المحاكم الشرعية شهادة المرأة بقيمة‬ ‫ث َ‬ ‫نصف ميرا ِ‬
‫َ‬ ‫المزعوم المرأة َ‬
‫ِ‬
‫أن المرأة ناقصة عقل‪ .‬صرت قادرة على التنديد‬ ‫الر ُجل أو سبب قول ُم َح َّمد َّ‬ ‫نصف شهادة َ‬
‫َ‬
‫باطمئنان ب ُك ّل الميساجونية (العنصرية والكراهية ضد النِساء) دون أن أشعر بالخوف من أنّي قد‬
‫بفخر لنفسي والبنتي أننا ذواتا قيمة‪ ،‬وأنَّنا‬ ‫ٍ‬ ‫أعاقب في حياة أخرى‪ .‬صرت قادرة على أن أقول‬
‫ي أحد‪.‬‬‫لسنا في مرتبة ثانية بالنسبة إلى أ ّ‬

‫لالسف ُك ْنتُ في بلد َكانَ فيه المجتمع في خالف تام في ُك ّل شيء؛ مع موقفي النسوي الجديد‬
‫بحرا من ال ِنساء في زي أسود ال تميزهن من بعضهن‬ ‫غير المدافع عن عيوب الدّيْن‪ُ .‬ك ْنتُ أرى ً‬
‫البعض‪ُ ،‬كلّهن مكفَّنات باألسود‪ ،‬وممحيات الشخصية‪ .‬إنه م َكان لم تجد النسوية فيه بعد موطئ‬
‫أن النِساء مساويات في المجتمع للرجال؛‬ ‫قدم لها بعد‪ .‬ال أحد ‪َ -‬حتّى النِساء‪َ -‬كانَ مستعدًا للتفكير َّ‬
‫ألن ذلك يناقض دينهن الذي يتمسكن به بقوة‪ .‬برؤيتي أولئك النِساء‪ ،‬وتفاعلي مع الطالبات فهمت‬ ‫َّ‬
‫أن النِساء اللواتي يذبلن تحت األزياء الخانقة؛ كن متعطشات للحرية‬ ‫أن ذلك موطن الداء‪ .‬علمت َّ‬ ‫َّ‬
‫واالستقالل‪ ،‬على األقل بعضهن كن كذلك‪ .‬إنها الطبيعة البشرية‪ .‬كن قادرات على الكذب على‬
‫ى بعيدٍ‪ ،‬ثم‬ ‫كثيرا‪ .‬يمكن أن يستمر التنافر المعرفي‪ ،‬والكذب على الذات إلى مد ً‬ ‫ً‬ ‫أنفسهن فقط‬
‫تواجه مرحلةً يتقاطع فيها الواقع مع خيالك‪ .‬إذا َكانَت النِساء ملكات في اإلسالم‪ ،‬وإذا َكانَ ُم َح َّمد‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪214‬‬
‫أول نسوي‪ ،‬فلم لم يَ ُك ْن بوسعي تطليق زوجي العنيف؟ يسمح له الدّيْن بضربي‪ ،‬واغتصابي‪ ،‬وال‬
‫وف تعرف النِساء ال ُم ْس ِلمات الواقعات في المصيدة يو ًما ما سبب أَس ِْر ِه َّن‪.‬‬‫س َ‬ ‫يسمح لي بتطليقه‪َ .‬‬
‫وف يتمردنَ ‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ص ْلنَ على حريتهن‪ ،‬وسعادتهن كما فعلتُ ‪ُ .‬‬
‫أثق أنَّهن َ‬ ‫َّ‬
‫لهن جميعًا أن يح ُ‬ ‫تمنيتُ‬
‫أن أ َ ْش َهدَ هذا‪.‬‬
‫وينهضْنَ في النهاية‪ ،‬أتمنى فقط أن أحيا إلى ْ‬

‫بقدر ما أردت أن أتواصل مع أولئك ال ِنساء‪ ،‬وأن أُساعدهن فقد ُك ْنتُ مشغولة بثورتي‪،‬‬
‫واضطراب حياتي الخاصين بي‪ .‬لم تَ ُك ْن حياتي سهلة؛ كوني ُك ْنتُ أعيش في دولة دينية‪ ،‬فقد‬
‫ُك ْنتُ متوترة دائ ًما ألَنّي ال أعرف ما الذي قد يحدث‪ُ .‬ك ْنتُ واعية جدًّا بأَنّي لم أَ ُك ْن في وطني‪،‬‬
‫إشعار ألصغر تصرف‪ ،‬أو خطوة خاطئة‬ ‫ٍ‬ ‫وأَنّي ُك ْنتُ في بلدهم‪ ،‬ويمكنهم طردي في لحظ ٍة بال‬
‫ي طفلةً‪ .‬لم أتحرر من ُك ّل الضغط الذي‬ ‫أرتكبها‪َ .‬كانَ هذا مخيفًا مرهقًا لألعصاب خاصةً َّ‬
‫ألن لَدَ َّ‬
‫ُك ْنتُ أعيشه إال بعد سنتين من عودتي إلى األراضي الكندية‪ ،‬ولم أ َ ُك ْن أدرك َحتّى أَنّي ال أزال‬
‫مصابةً بذلك الضغط‪.‬‬

‫ضا بـ اإلمالءات بد ًءا بمكانك في التراتبية العرقية‪ :‬العرب‬ ‫َكانَ ُك ّل شيء في قطر مفرو ً‬
‫القطريون في القمة؛ث ُ َّم الغربيون (األمريكيون‪ ،‬وال َكنديون‪ ،‬و األستراليون‪ ،‬والبريطانيون)‪ ،‬ثم‬
‫صريون والسوريون إلخ‪ )...‬ثم الفلبينيون‪،‬‬ ‫والم ْ‬
‫ِ‬ ‫الخليجيون‪ ،‬ثم العرب اآلخرون (اللبنانيون‬
‫وأخيرا في القاع األشخاص الذين من جنوب آسيا (الهنود‪ ،‬والبا ِكستانيون‪ ،‬والَبنغاليون)‪ .‬يملون‬ ‫ً‬
‫عليك ما تلبسه‪ ،‬وخاصةً بالنسبة للنساء‪ ،‬كذلك ما تأكله‪ ،‬وتشربه‪ ،‬وأين تذهب‪ ،‬وأين تعيش‪ .‬لَدَيك‬
‫فعليك أن تعرف موقعك في المجتمع‬ ‫َ‬ ‫تعيش في قطر؛‬
‫َ‬ ‫أردت ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫مكان محدَّد في ذلك المجتمع‪.‬إذا‬
‫وتلزَ َمهُ‪.‬‬

‫ضا‪ .‬أحببت صداقاتي المقربة‪ ،‬وأحببت تضاؤل قُروضي‬ ‫كرهت ذلك البلدَ‪ ،‬وأحببته أي ً‬
‫الطالبية‪ ،‬وأحببت قدرتي على السفر‪ ،‬وأَنّي صرت متشجعة لتجربة أشياء جديدة‪ .‬كما أَنّي‬
‫صرت متشجعةً على أن أسمح البنتي أن تجرب أشياء جديدة‪َ .‬كانَت أم صديقتها المفضلة‬
‫غريبة‪ ،‬ودائ ًما تجرب أشياء جديدة‪ .‬عندما َكانَت الفتاتان في سن السابعة فقط‪ ،‬تحالفت ضدي في‬
‫عصابة مع طفالتنا‪ ،‬لتقنعني أن أدع بناتنا تركب قطار المالهي‪ .‬لم أ َ ُك ْن خائفة فحسب من قطار‬
‫نام فيه معايير السالمة منخفضة‪ ،‬أو منعدمة‪.‬‬ ‫ضا خائفة من كونها في بل ٍد ٍ‬ ‫المالهي‪ُ ،‬ك ْنتُ أي ً‬
‫ت في‬ ‫رضخت في النهاية َل ِكنّي شعرت بالسقم‪ .‬قضيت ُك ّل الوقت الذي َكانَت فيه البنات راكبا ٍ‬
‫تحكم؛ إلى أن عادت لي ابنتي بين ذراعي‪ .‬في نفس ذلك الصيف ذهبت‬ ‫ٍ‬ ‫قطار المالهي باكيةً بال‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪215‬‬
‫البنات لممارسة القفز من األماكن المرتفعة بالحبال المطاطية في تايالند‪ُ .‬ك ْنتُ أ ُ ْدفَ ُع حقًا خارج‬
‫منطقة راحتي وشعوري باالمان‪.‬‬

‫َكانَت السنة األولى صعبة حقًّا‪ ،‬لكن َكانَت أفضل األوقات عندما أتت تيفاني لزيارتي‪.‬‬
‫"كأن هذا الم َكانَ قد بناه الدكتُر‪ /‬سوس‪ .‬ال شيء منطقي هنا‪ ،‬و ُك ّل شيء غريب للغاية" قالت‬
‫تيفاني هذا كأول انطباع لها عن الدوحة‪.‬‬
‫وجدتها تبكي ذات يوم وهي تشاهد التلفاز‪.‬‬
‫"ما المشكلة؟"‬
‫صاحت‪" :‬انظري‪ ،‬أشجار!"‬
‫َكانَ العيش في صحراء قطر الجرداء بالنسبة إلى شخص من الساحل الغربي لكندا أشبه بالعيش‬
‫على سطح القمر‪.‬‬

‫سألتني في يوم آخر‪" :‬ما هذا؟"‬


‫"ماذا؟ أين؟"‬
‫"هل تلك حيتان؟"‬
‫ثم سمعته‪.‬‬
‫"الللللله"‬
‫فهمت أنَّها تتحدث عن صوت النحيب الطويل المسحوب األخنف الخاص باألذان‪ .‬وبما أَنّي‬
‫ت في اليوم فقد اعتدت على تجاهله‪ ،‬لَ ِكنَّه َكانَ صوتًا غريبًا بالنسبة إلى‬
‫خمس مرا ٍ‬
‫َ‬ ‫ُك ْنتُ أسمعه‬
‫تيفاني‪.‬‬

‫أن عليك أن تتظاهر باألمر الى أن يصير حقيقة‪ .‬حسنًا‪ ،‬لقد تظاهرت باألمر‪ُ .‬ك ْنتُ‬ ‫يقولون َّ‬
‫أستاذة جامعية‪ ،‬وذكية‪ ،‬وواثقة‪ُ .‬ك ْنتُ إمرأة قوية‪ُ .‬ك ْنتُ المرأة الوحيدة القوية بما فيه الكفاية لكي‬
‫أكون أ َّما عزباء في مثل هذا المجتمع الميسوجيني الذكوري المعادي للنساء‪ .‬صرت المرأة التي‬
‫أردتُ أن أكونَها‪ .‬صرت إياها على نحو جيد َحتّى أدركت في مرحلة أَنّي لم أعد أتظاهر‪ .‬لقد‬
‫أن أصير‪ .‬أدركت هذا ألول مرة عندما علق عميد الكلية بعد متابعته‬ ‫صرت ً‬
‫فعال ما أردتُ ْ‬
‫صفي‪:‬‬
‫"أنت واثقة من نفسك‪ .‬ول ُك ّل ُك ّل الحق في هذا‪ .‬أنت أستاذة ممتازة"‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪216‬‬
‫"واثقة؟"‬
‫لم آبه بإطرائه على قدرتي التعليمية‪ ،‬ألن هذه َكانَت المرة األولى التي يصفني فيها أ ّ‬
‫ي أحد‬
‫أَنّي واثقة من نفسي‪ .‬هل انتهيت من التظاهر؟ هل صرت ً‬
‫فعال واثقة من نفسي؟‬
‫شكرا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫"ال أشعر بالثقة في نفسي على اإلطالق‪ْ .‬‬
‫لكن‬

‫س َره بالتأكيد‬ ‫تطلب حصولي على الثقة في النفس حوالي عام ولم يَ ُك ْن بالعمل السهل‪ْ .‬‬
‫لكن قد ي َّ‬
‫كوني واحدة من قلة قليلة للغاية من النِساء العازبات في بلد يعج بالرجال العازبين‪َ .‬كانَ معظم‬
‫مقبوال تما ًما منحرفين مقززين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الرجال القادمين من دول يُ ْعتَبَ ُر فيها التلصص على النساء ً‬
‫أمرا‬
‫أن الرجال من شبه القارة الهندية وجنوب‬ ‫صر سيئين الى أن اكتشفت َّ‬ ‫ظننت أن الرجا َل في ِم ْ‬
‫ي منهم يتجرأ على‬ ‫آسيا أسوأ بكثير‪َ .‬ل ِكنَّهم على األقل حافظوا على مسافتهم مني‪ .‬ما َكانَ أ ّ‬
‫الحديث إلي‪ ،‬تفاديت النظر في أعينهم فقط وحافظت على مسافتي‪.‬‬

‫أن كل النِساء مهتمات بهم ألنَّهم أثرياء‪ .‬كانوا‬


‫شأن آخر‪ .‬فهم يعتقدون َّ‬ ‫َّ‬ ‫أما العرب ف َكانَ لهم‬
‫صدَمون عندما عندما يكتشفون العكس‪َ .‬حتّى َّ‬
‫أن إمرأة أجنبية مثلي سألتني ذات مرة‪:‬‬ ‫يُ ْ‬
‫"لَ ِكنَّك محظوظة جدًّا! لَدَيك ُك ّل ما يريدونه! أنت إمرأة أحالمهم المثالية‪ .‬لَدَيك الشعر المناسب‬
‫ي شيخ تريدين‪".‬‬ ‫ولون البشرة المناسب والوجه المناسب‪ .‬تستطيعين الحصول على أ ّ‬
‫ي شيخ‪".‬‬ ‫"من المؤسف أَنّي ال أهتم بأ ّ‬
‫فوتُ الفرصة "‪.‬‬‫"يا للخسارة‪ .‬لو ُك ْنتُ مكانك لما َّ‬
‫هذه اآلنسة الصغيرة غير الواعية باألمور ال علم لها بالذي َكانَت تضع نفسها فيه‪ُ .‬ك ّل ما‬
‫َكانَت تراه هو رمز الدوالر‪َ .‬ل ِكنّي علمتُ الثمن الحقيقي الذي سوف يتم دفعه‪.‬‬

‫لألمانة لم أ َ ُك ْن مهتمة بإيجاد َر ُجل؛ بل ساعدني كوني عازبةً على العمل ِ‬


‫بجدِّ‪َ .‬كانَ الرجال‬
‫المغتربون األجانب مساعدين لي جدًّا في تعزيز شعوري بذاتي‪ ،‬وكبريائي‪ .‬لم أشعر أَنّي جميلة‬
‫عامال للشفاء جدًّا أن أحظى بذلك النوع من‬ ‫ً‬ ‫ي مثلما شعرت تلك األيّام‪َ .‬كانَ‬ ‫للغاية‪ ،‬ومرغوب ف َّ‬
‫االهتمام ألواجه ُك ّل سلبية الماضي‪َ .‬كانَ أوسم الفتيان في المدينة يتج َّمعون من حولي‪،‬‬
‫ويتنافسون للحصول على اهتمامي!؛ َكانَ ذلك تغي ًُّرا سرياليًّا ْ‬
‫لكن مرحبًا ب ِه‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪217‬‬
‫في السنة األولى لي في قطر‪ ،‬دخلت في عالقة عاطفية مع زميل لي في العمل‪ .‬بحلول نهاية‬
‫تلك السنة ُك ْنتُ قد تحولت إلى امرأة مختلفة عن المرأة التي ان َجذب إليها في البداية‪ .‬لم أعد تلك‬
‫المرأة المتوترة‪ ،‬و المتزعزعة‪ ،‬وغير الواثقة في نفسها‪ ،‬والتي َكانَت تعيد بناء حياتها ببطء‪.‬‬
‫صرت آنذاك المرأة التي أردت أن أكون‪ :‬إمرأة قدوة إلبنَتها‪ُ .‬ك ْنتُ في البداية متقبلة لنوبات‬
‫عصبيته‪ ،‬لكن رفضت ذلك بعدئذٍ‪ .‬صرت أعرف أَنّي أستحق أفضل من هذا‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪218‬‬
‫الحب‬
‫ابتدأت سنتي الثانية بطريقة مختلفة جدًّا‪ .‬صرتُ واثقةً من نفسي‪ ،‬ومط َمئنةً‪ ،‬وشاعرة ً باألمان‬
‫في هويتي الجديدة‪ ،‬وصرت مستقرة تما ًما في هوية المرأة التي طالما أردت أن أكون‪ ،‬وصرت‬
‫أخيرا أن أتقبَّل الحياة‪ ،‬وأستمتع بها كامرأة عزباء‪ .‬أردت أن أكون‬
‫ً‬ ‫مستعدة لمواجهة العالم‪ .‬أردت‬
‫مثل آلي ماكبيل‪ ،‬أو إحدى نساء سلسلة أفالم "الجنس والمدينة" سكس آند ذا سيتي‪.‬‬

‫لم يطل األمر بعد بداية السنة َحتّى التقيت على نحو غير متوقع بحب حياتي‪.‬‬

‫ب‬‫يخر َ‬‫وتكرارا ألَنّي لم أرد أن ِ ّ‬


‫ً‬ ‫مرارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫لم أ ُ ِرد أن أحبه؛ لم أ ُ ِرد أن أحب أحدًا‪ .‬رفضت تودداته‬
‫إالم‬
‫عدم معرفتي؛ َ‬ ‫ذات الوقت ُك ْنتُ خَائفة من َ‬
‫َ‬ ‫َر ُج ٌل حياتي الرائعة كامرأة عزباء‪ .‬لَ ِكن في‬
‫ستؤول إليه تلك العالقة؛ وأندم لذلك بقيةَ حياتي‪ .‬لم أتخيل أَنّي سألتقي أبدًا شخ ً‬
‫صا مثله مجدَّدًا؛‬ ‫َ‬
‫أستط ِع إنكاره‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أن هنالك شيئًا مختلفًا فيه‪َ .‬كانَ هنالك بيننا انجذاب ال تفسير له‪ ،‬ولم‬
‫فقد علمتُ َّ‬
‫رغم أَنّي حاولتُ ‪.‬‬

‫في ُك ّل مرة صدَ ْدتُه فيها؛ َكانَ يقول لي ب ُك ّل لطفٍ أنَّه يفضل أن نظل صديقين؛ على أال أكون‬
‫في حياتِه على اإلطالق‪َ .‬كانَ دائ ًما يعرف بالضبط ما الذي يجب عليه قوله‪ ،‬و َما الذي َيجب علي ِه‬
‫بأن عالقتنا لَ ْن تنجح‪،‬‬ ‫فعله؛ ليس لَدَي أدنى فكرة كيف َكانَ يفعل ذلك‪ُ .‬ك ْنتُ أجد أسبابا ً لالعتقاد َّ‬
‫وما إن أراه مجدَّدًا؛ َحتّى يمحو ُك َّل األسباب أيًّا ما َكانَت‪َ ،‬حتّى وإن لم أقل له شيئًا؛ فقد َكانَ َي ْعلَم‬
‫بالغريزة‪.‬‬

‫ت انسحابي بعيدًا عنه؛ لم‬


‫َض النَظر؛ عن عدد مرا ِ‬ ‫َكانَ بيننا صلة فورية ال يمكن إنكارها‪ِ .‬بغ ِ ّ‬
‫واستمر في إدهاشي؛ وتجاوز ُك ّل الحواجز‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يَ ُك ْن ليسخر مني قط‪ .‬لقد تجاهل عصبيتي؛ وتقلُّبي‪،‬‬
‫والعقبات دون جهد‪ُ .‬ك ْنتُ ُمعتَادة ً للغاية أن أكون َمنطقيةً‪ ،‬وعقالنيةً؛ متجاهلةً قلبي‪ ،‬ومشاعري‪،‬‬
‫‪-‬فقد َكانَت تلك الطريقة الوحيدة التي أستطيع بها النجاة‪ .-‬لَ ِكنَّه َكانَ يجعلني أرغَب باإلصغاء إلى‬
‫ي الذهاب للعالج؛ كي أتعلم الثقة بأح ٍد مرة ً أخرى‪ .‬وفي النهاية فتحت له الباب‪.‬‬ ‫قلبي‪ .‬تَوجبَّ عل َّ‬
‫تخليت عن ُك ِّل مخاوفي‪ ،‬وقلقي‪ ،‬ومسألة عدم الثقة؛ ث ُ َّم تركت نفسي أقع في الحب‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪219‬‬
‫َكانَت هذه أول مرة ‪-‬على اإلطالق‪ -‬في حياتي أعيش فيها عالقة حب‪ .‬المرة األولى التي‬
‫يٍ‪ .‬تطلب مني األمر وقتا ً لكي أتعرف على‬ ‫عرفت فيها شعور أن ت ُ ِحبَّ ‪ ،‬وت ُ َحبَّ على نح ٍو حقيق ّ‬
‫هذا الشعور الغريب المجتاح لي؛ وهو السعادة؛ فانح َّل الضيق الذي َكانَ في صدري‪ ،‬وهدأ‬
‫شعوري بالغضب؛ ُك ْنتُ فوق السحب أعيش حل ًما سحريًا أكثر مما َكانَ يمكن لي أن أتخيل‪.‬‬

‫ثم جرحني‪ .‬بالنسبة لمر ِت ِبطي ِْن عاديَّي ِْن ربما َكانَ أسهل عليهما تجاوز تلك األمور‪ ،‬لَ ِكنّي لم‬
‫أ َ ُك ْن إمرأة ً عادية؛ فما عرفتُ سوى انفطار القلب‪ ،‬واأللم‪ ،‬والمعاناة‪ ،‬والشقاء و َكانَت تلك أول‬
‫أن لَدَي الفرصة ألعيش واقعًا مختلفًا‪ُ .‬ك ْنتُ قد وثِقتُ فيه‪ ،‬وصدَّقته‪.‬‬ ‫مرة في حياتي أؤمن فيها َّ‬
‫واعتقدت حقًّا أَنّي أستحق ُك ّل هذا الحب‪ ،‬واإلعجاب‪ .‬لكن اآلن أخذت شياطيني الداخلية تتحداني‪.‬‬
‫ي أن أسمح لنفسي أن‬ ‫[فصرت أقول لنفسي‪:‬؟ كم أنا غبية كي أكون بهذه السذاجة‪ .‬ما َكانَ َ‬
‫عل َّ‬
‫أكون ضعيفة‪ .‬وبالطبع ‪-‬مثلما هو متوقَّع من ُك ّل شخص في حياتي‪ -‬فقد جرحني‪.‬‬
‫عاش حياة ساحرة‪ ،‬ولم‬ ‫َ‬ ‫أن المتضادات تتجاذب؛ كان هذا منطبق تما ًما على حالتنا‪ .‬لقد‬ ‫يُقال َّ‬
‫َي ُك ْن لدي ِه أدنى فكرةٍ عن َماهية ال ُمعاناة الحقيقية‪ .‬فَكلمة "الضغط العصبي" بالنسبة له كانت‬
‫ضا لم يجربه ولم يَ ُك ْن لَدَيه فكرة عن ماهية الشعور به‪ .‬بينما أنا بالمقابل لم أ َ ُك ْن‬
‫مصطل ًحا غام ً‬
‫أعرف ماهية شعور الحياة دون ذلك الضغط‪ .‬في السنوات العشر التي سبقت لقاءنا َكانَ يقضي‬
‫ي مشاغل‪ ،‬في تناقض صارخ مع الكيفية التي عشتُ بها‬ ‫أوربا دون أ ّ‬
‫وقته في السفر عبر أنحاء ُ‬
‫آخر عشر سنوات من حياتي قبل معرفته‪.‬‬

‫كنا من عالَمين مختلفين تما ًما‪ .‬لو لم نلتق في الشرق األوسط؛ لما كنا التقينا في كندا أبدًا‪ .‬كنا‬
‫من ساحلين متقابلين في البلد‪ ،‬وبيننا آالف األ ُ ّميال‪ .‬كنا متباعدين ليس فقط جغرافيًّا بل أي ً‬
‫ضا ب ُك ّل‬
‫الطرق الممكنة؛ كنا مثل الين واليانچ‪.‬‬

‫لكن يوجد شيء في القوى المتضادة يخلق عالقة تعايش‪َ .‬كانَ انعدام توتره الترياق المناسب‬
‫لحياتي التي لم يَ ُك ْن بها إال التوتر‪َ .‬كانَت طريقة عيشه اللحظة دون أ ّ‬
‫ي هم العالج السليم لقلقي‬
‫المتواصل حيال المستقبل‪.‬‬

‫علمني أن أنفق الكثير من المال على الطعام الشهي (لكن ُكلّه سينتهي إلى المرحاض‪ .‬يا له‬
‫من تبذير)‪ .‬علمني أن أسافر (لكن ماذا إذا حدث طارئ و نحن بعيدان عن البلد؟)‪ُ .‬ك ْنتُ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪220‬‬
‫شخصية تفزع وتخاف بسهولة‪ ،‬بينما َكانَ هو مطمئنًا متأكدًا جدًّا من أنَّنا لَ ْن نتعرض لكوارث‪.‬‬
‫وأردت تصديقه‪.‬‬

‫ولذلك حاربتُ ألجل عالقتنا‪ .‬ال أعتقد أنَّه سيقدِّر أبدًا كم حاربت ألجلنا‪ .‬ال يمكنه أن يعرف‬
‫أبدًا كم الجهد الذي بذلتُهُ كي أقدر على أن أثق به مجدَّدًا‪ ،‬وكم َكانَ ذلك صعبًا بالنسبة لي‪.‬‬

‫وإنجابنا طفلةً‪ ،‬وعودتنا إلى‬ ‫ِ‬ ‫زواجنا‪،‬‬


‫ِ‬ ‫الحقيقة هي أَنّي َحتّى بعد سنوات من عالقتنا و َحتّى بعد‬
‫كندا لَ ْم أ ُكن أثق به على النحو التام بعد‪َ .‬كانَ هنالك دائ ًما جزء من قلبي أمنعه منه‪ .‬قطعة ظلت‬
‫وف‬
‫س َ‬ ‫قوية في حالة احتجت االنفصا َل‪ُ .‬ك ْنتُ دائ ًما أراقب حالتي المالية وأحرص على حساب ما َ‬
‫أحتاجه لالستمرار في الحياة معتمدة ً على نفسي لو احتجتُ طردَهُ من حياتي‪ .‬لَ ْن يُ ْغدَر بي مجدًّدا‪.‬‬
‫لَ ْن أ ُ ْخدَ َ‬
‫ع مجدَّدًا‪.‬‬

‫لم أتجاوز هذا حقًّا إال عندما جرحته بالمقابل بطريقة طفولية‪ ،‬وخطيرة جدًّا‪ .‬أنا سعيدة للغاية‬
‫ألنَّه حارب ألجل عالقتنا آنذاك‪ .‬انقلبت األمور‪ ،‬وأثبت لي أنَّه ملتزم بإخالص لي‪ ،‬و لزواجنا‪،‬‬
‫باهرا!‬
‫ً‬ ‫ولعائلتنا‪َ .‬كانَ ذلك آخر اختباراته وقد نجح فيه نجا ًحا‬

‫عدنا إلى الس فيغاس حيث كنا قد تزوجنا‪ ،‬من أجل ذكرى زواجنا العاشرة‪ ،‬لتجديد عهود‬
‫أخيرا أستطيع القول باقتناع أَنّي تخليت عن تلك‬ ‫ً‬ ‫الزواج‪ ،‬لَ ِك َّن هذه المرة تَولَّى ألڤيس ال َمه َّمة‪.‬‬
‫ظ بها َكمال ٍذ ِآمن ‪ .‬لم أعد أحسب باستمرار‬ ‫القطعة الصغيرة المتبقية من قلبي التي ُك ْنتُ أحتف ُ‬
‫وبنتاي في لحظةٍ‪ .‬أخيرا لم‬‫َ‬ ‫مصاريفنا ألحرص على أنَّه يوجد ما يكفي من المال كي أهرب أنا‪،‬‬
‫أخيرا شعرت باألمان بما يكفي؛ كي أدخل‬ ‫ً‬ ‫وقدم في الخارج‪.89‬‬ ‫ٍ‬ ‫بقدم في الداخل‪،‬‬
‫أعد أحتفظ ٍ‬
‫البيت‪ ،‬وأغلق الباب ورائي دون خوف‪ .‬لم أظن قط أَنّي سأصل إلى ذلك‪ .‬لم أ َ ُك ْن أعتبر ذلك َحتّى‬
‫[بمنح ِه‬
‫ِ‬ ‫أن التصرف بتلك الطريقة‬ ‫هدفًا واقعيًّا‪ .‬ألَنّي لم أعتقد أنَّه يمكن الحصول عليه‪ ،‬واعتقدتُ َّ‬
‫الثقةَ التامةَ؟ سيكون تصرفًا طائ ً‬
‫شا‪.‬‬
‫أن الحياة َ لَيست ِحكايةً‬ ‫أن السعادة‪ ،‬والحب قد غَمراني؛ فنَسيتُ َّ‬ ‫وأنا أستذكر األمر‪ ،‬أعتقد َّ‬
‫أن‬‫ور َاوحتُ بينَ نَقيضين‪ .‬لم تعد حياتي قصة رعب‪ ،‬وال قِصةً خيالية كذلك‪ .‬تعلمت َّ‬ ‫خَياليَّة‪َ ،‬‬
‫آمن‪ ،‬ومريح بين االثنين‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫الحياة مالذ ٌ‬

‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ُ ْ ِّ‬


‫أقدم ر ُجًل وأؤخر األخرى‪.‬‬ ‫ترجمة بديلة‪ :‬لم أعد‬
‫‪89‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪221‬‬
‫فعال ولم أظن قط أ َ َّن بإمكاني اإلحساس بهذا النوع من الحب؛ إلنسان آخر لم أنجبه‪.‬‬
‫أنا أحبه ً‬
‫قلبه كبير‪ ،‬وهو بطبيعته على نحو تلقائي؛ ُك ّل شيء أحتاجه‪َ ،‬حتّى وهو ال يفهم لذلك سببًا‪ .‬إنه‬
‫ضوئي في آخر النفق المظلم‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬ومثابرتي‪ .‬إنه َ‬ ‫جائزتي على نجاتي من ُك ّل صدمات ِ‬
‫ماض َّ‬

‫وحلوها َكانَ صوت تيفاني‪ .‬لقد‬ ‫أن ما جعلني أتماسك في مروري بتقلبات الحياة ُم ّرها‪ِ ،‬‬ ‫أعتقد َّ‬
‫عجبَت ب ِه ‪ ،‬و ُك ْنتُ أثق في حكمها أكثر من حكمي‪ .‬بعد سنة من زواجنا خضعت تيفاني لبعض‬ ‫أُ ِ‬
‫االختبارات الروتينية؛ لَ ِكنّها لم تغادر المستشفى حيةً قط‪َ .‬كانَ لَدَيها عيب خَلقي في قلبها؛ نتيجة‬
‫حامال بها‪َ .‬كانَ قلب تيفاني أشبه بلحافٍ‬‫ً‬ ‫وصف أحد مشتقات الثاليدوميد‪ 90‬أل ِ ّمها عندما َكانَت‬
‫َمشغو ٍل ِمن ُرقَعٍ ُمختلفة‪ ،‬و َكانَ طبيب القلب الخاص بها وحده فقط يفهم كيفية تركيبه‪ ،‬وكيفية‬
‫عمله‪ .‬لم َي ُك ْن طبيبها موجودًا عندما خضعت تيفاني للتصوير المقطعي الكمبيوتري‪ .‬فت َ َّم َحقنَها‬
‫بصبغ كي يتم َّكن األطباء ِمن رؤية كيفية انتقاله عبر شرايينها‪ .‬حدثت تعقيدات في أثناء التصوير‬
‫المقطعي الكمبيوتري باألشعة‪ ،‬وقد مرت بذلك من قبل العديد من المرات؛ لكن في هذه المرة لم‬
‫يَ ُك ْن طبيبها موجودًا‪.‬‬

‫بأن وفاتها دمرتني سيكون تهوينًا من األمر؛ شعرتُ حقًّا أنَّه لم تعد لي صلة بهذا‬
‫القول َّ‬
‫ي َحتّى تحولي إلى المرأة التي‬ ‫الكوكب‪َ .‬كانَت تيفاني اإلنسانة الوحيدة التي ظلت معي منذ ِ‬
‫ماض َّ‬
‫صرتُ عليها اآلن‪ .‬فقدنا االتصال بضع سنوات عندما ُك ْنتُ متزوجة من عصام لَ ِكنّي وجدتها‬
‫مجددًا بالسرعة الممكنة؛ بعد هروبي‪َ .‬كانَت الشاهد الوحيد على حياتي‪ ،‬بل؛ هَل كنتُ َألبقى‬
‫دونَها؟ توفيت تيفاني في نفس شهر عيد ميالدها‪ ،‬في نوڤمبر‪ .‬لذلك صرت أغرق في اكتئاب‬
‫مظلم سنويًّا؛ فيما بين عيد الهالوين‪ ،‬و عيد الميالد (الكريسماس)‪ .‬من المؤسف أن عيدي ميالد‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫‪ 90‬زف أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن ر‬
‫أكت كارثة طبية من صنع اإلنسان عىل‬ ‫العشين‪ ،‬أدى استخدام الثاليدومايد ف ال ِنساء الحوامل ف ‪ 46‬دولة إىل ر‬
‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫اإلطالق‪ ،‬مما أدى إىل والدة ر‬
‫أكت من ‪ 12000‬طفل مع مجموعة من التشوهات الشديدة‪ ،‬مثل تفقم األطراف‪ ،‬وآالف حاالت اإلجهاض‪ .‬قدمت الثاليدومايد ف عام‬
‫ُ ِّ‬
‫‪ 1956‬وسوقته بقوة ررسكة األدوية األلمانية ‪ Chemie Grünenthal‬تحت االسم التجاري ‪ Contergan‬كدواء للقلق ومشاكل النوم والتوتر وغثيان الصباح‪ .‬وقدم‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫آمنا زف أثناء الحمل‪ ،‬ولكن ر‬ ‫ز ُ ز‬ ‫ز‬
‫الشكة المنتجة كانت مخطئة فقد ُو ِلد آالف‬ ‫حي اعت ِرت ف البداية‬ ‫النساء الحوامل‪ .‬ف‬
‫كمسكن ودواء لغثيان الصباح دون اختباره عىل ِ‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫أيد‪ .‬تسبب الدواء بتشوهات خلقية لكثت من األطفال المولودين ف خمسينيات ومطلع ستينيات القرن ر‬
‫العشين‪ .‬وف كثت من الحاالت الوخيمة‬ ‫األطفال بال أقدام أو ٍ‬
‫َ‬
‫أيد أو أر ُجل‪ .‬كما كانت هناك والدات أخرى بأيد أو أر ُجل شبيهة بالزعانف وه حالة تعرف باسم فقمية األطراف‪ .‬واشتملت التشوهات األخرى فقد‬ ‫و ِلد أطفال بدون ٍ‬
‫ُ‬
‫ز‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫األذني أو تشوهها أو شذوذ ف تكون الحبل الشوك أو القلب أو بعض األعضاء األخرى‪ .‬بحلول عام ‪ 1957‬م‪ ،‬انتش استخدام عقار الثاليدوميد ف ألمانيا وكندا واليابان‬
‫ز‬ ‫ِّ‬
‫النساء الحوامل من غثيان الصباح‪ .‬أما ف الواليات المتحدة األمريكية فقد منعت إدارة الغذاء‬ ‫مسكن ومهدئ‪ ،‬ولعالج ِ‬ ‫وغتها من الدول‪ .‬فقد وصفه األطباء كعالج‬
‫ز‬ ‫‪ .‬ز‬ ‫ُ ز‬ ‫َ‬
‫والدواء استخدام هذا الدواء ودخوله األوىل فلم تبع ف أسواقها وف عام ‪ 1960‬م‪ ،‬هال األطباء األعداد المتايدة من األطفال المولودين بتشوهات خلقية‪ ،‬وثبت‬
‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ز‬
‫للباحثي مسؤولية الثاليدوميد عن هذه التشوهات‪ .‬وأيقن العلماء حتمية ظهور هذه التشوهات حن لو تعاطت السيدة الحامل هذا العقار مرة واحدة ف شهور‬
‫ُ‬
‫الحمل األوىل وح ِظر استخدام هذا العقار عام ‪1962‬م‪ .‬يمنع الثاليدوميد نمو األوعية الدموية الجديدة بجسم اإلنسان مما يسبب التشوهات الخلقية‪ .‬فاألوعية‬
‫الدموية الجديدة مهمة لنمو أطراف األجنة‪ -.‬المتجم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪222‬‬
‫ي أن أُج ِب َر نفسي كي أنظم الحفالت‪ ،‬وأختار المالبس‪ ،‬وأشتري‬ ‫عل َّ‬
‫ي كليهما في تلك الفترة‪َ .‬‬ ‫ابنتَ َّ‬
‫الهدايا‪ ،‬وأضع الزينات‪ ،‬بينما تكون الفكرة الوحيدة التي تريِ ُحني هي فكرة إنهاء حياتي‪ .‬إنها‬
‫أن أكافح هذا‬‫ي ْ‬ ‫عل َّ‬ ‫الفكرة الوحيدة التي تبدو صحيحةً‪ ،‬ومنطقية‪ .‬أواصل تَذكير نفسي دائ ًما َّ‬
‫أن َ‬
‫الدافع َحتّى الربيع فقط‪ .‬لَ ِك َّن هذا متعب‪ ،‬وأخشى أَنّي في إحدى تلك الشتاءات ال ُمظ ِلمة لَ ْن يكون‬
‫لَدَي الطاقة للمقاومة أكثر‪.‬‬

‫لَ ِكنّي أكافح في الحياة كما ُك ْنتُ أفعل دائ ًما‪ ،‬عندما ال تكون الحياة مظلمة تكون مجيدة‪ .‬أنا‬
‫ُممتنَّة ألجل ُك ّل يوم مشمس‪ ،‬و ُك ّل نَفَ ٍس أتنفَسه‪ ،‬وأنا ُممتنة للغاية ألجل زوجي‪ ،‬وبنتَ َّ‬
‫ي‪.‬‬
‫صغرى‪ ،‬وهي ذكية‪ ،‬ومراعية‪ ،‬وظريفة‪ ،‬ورائعة‪ ،‬ومذهلة في ُك ّل شيء‪ .‬إنها تشفي‬ ‫لَدَينا ابنتنا ال ُ‬
‫جروحي كما تفعل أختها‪ .‬لَدَيها الفرصة كي تكبر في بيت مستقر‪ ،‬ومحب‪ .‬لَدَيها أخت كبرى‬
‫ومرورا ب البيانو‪،‬‬
‫ً‬ ‫ي شيء‪ ،‬بد ًءا من كرة القدم‪،‬‬ ‫رائعة تحبها‪ .‬إنها ناجحة في ُك ّل شيء وأ ّ‬
‫ورقص الهيب هوب‪ ،‬وتعلُّم اللغات‪ .‬لَدَيها ُك ّل الفرص التي يمكن أن يرغب بها طفل وهي ال‬
‫ي شيء لحماية حياتها الخالية من التأذِّي‪ .‬إنها ُك ّل ما يُمكن أن‬ ‫تُضّيع أيًّا منها‪ .‬أنا مستعدة لفعل أ ّ‬
‫نكونَهُ؛ لو لَ ْم يتم تشوهنا في طفولتنا‪.‬‬
‫ُ‬

‫َل ْن يقابل زوجي‪ ،‬وال ابنتي الصغرى أ ُ ّمي أبدًا‪ ،‬فقد انقطع تواصلي معها منذ (‪ .)2004‬في‬
‫البداية َكانَ ألمي شديدًا للغاية إلى درجة أنَّه َكانَ سرعان ما يهيمن عليه غضبي‪ ،‬ث ُ َّم ينصهرا معًا‬
‫على نحو ُمعقّد بال انفصال‪ .‬لكن؛ ال أحد يستطيع أن يعيش هكذا إلى األبد‪ .‬ال أشعر بشيءٍ اآلن‪.‬‬
‫طويال على نح ٍو هائ ٍل‪ ،‬لَ ِكنّي في النهاية ‪-‬بأمانة‪ ،‬وصدق‪ -‬لم أعد‬ ‫ً‬ ‫لقد تطلب األمر مني وقتًا‬
‫أكترث لما يحدث لها‪ .‬لم أعد أريد رضاها منذ وقت طويل‪ ،‬لَ ِكن ظللتُ مع هذا االحتياج الساخط‬
‫الغاضب إلى اعتذارها لي‪ ،‬وتح ّملها المسؤولية عن ُك ّل األلم الذي سببته لي‪.‬‬
‫ي شيء‬ ‫أخيرا‪ .‬لم أعد أريد‪ ،‬أو أحتاج أ ّ‬‫ً‬ ‫أنا ممتنة ألَنّي أستطيع أن أقول أَنّي تجاوزت ُك ّل ذلك‬
‫منها‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬ ‫ي صلة مع إخوتي‪ ،‬أو أفراد العائلة اآلخرين أي ً‬ ‫ألن أ ُ ّمي تحكم العائلة فلم تعد لَدَي أ ّ‬
‫و َّ‬
‫أن أ ُ ّمي مليئة بالكراهية ومتالعبة بنا‪- ،‬اكتشف‬ ‫جمعني لقاء قصير بأخي؛ عندما اكتشف مثلي َّ‬
‫هو ذلك بعد عشر سنوات من اكتشافي ذلك‪ .-‬لكن بسبب ُك ّل السنوات التي تباعدنا فيها‪ ،‬و ُك ّل‬
‫قصيرا ولم يَد ُم‪.‬‬
‫ً‬ ‫صلَنا َكانَ‬
‫الصدمات‪ ،‬والغضب‪ ،‬والضغينة فإن توا ُ‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪223‬‬
‫أنا أسارع اآلن إلى قطع ُك ّل العالقات المؤذية السامة‪ .‬لم أعد أضيع الوقت في الغفران‪،‬‬
‫وتكرارا مثلما ُك ْنتُ أفعل سابقًا‪ .‬لذلك عندما اتهمتني أختي بالكذب بخصوص‬
‫ً‬ ‫مرارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫والمحاولة‬
‫تحرش "زوج" أمنا السابق بي‪ ،‬قطعت صلتي بها‪ .‬إنها متشددة‪ ،‬وغارقة عميقًا في ُحفر ِة أرنب‬
‫إن عالمينا صارا أبعد َحتّى عن أن يكونا في كونين متجاورين‪.‬‬ ‫ي حال؛ َّ‬‫تعاليم اإلسالم؛ على أ ّ‬
‫ك ٌّل من ابنتيها ‪-‬إحداهن أكبر سنًا من ابنتي بقلي ٍل‪ ،‬واألخرى أصغر منها‪ -‬متزوجتان‪ ،‬أما ابنها‬
‫فهو يدرس في إحدى أفضل جامعات كندا‪ ،‬وبذلك تستمر تلك الحلقة المألوفة المتكررة بال‬
‫انقطاع‪ ،‬أو ع َقبَات‪.‬‬

‫لَدَي خال واحد أتحدث إليه بين الفترة واألخرى‪ .‬لقد اعتنى بي عندما اضطرت أ ُ ّمي الى‬
‫العودة الى العمل منذ فترة طفولتي األولى َحتّى سن السنتين من عمري‪ .‬ولذلك لَدَينا صلة‬
‫خاصة‪ .‬يدعوني جيسي وال أدري لماذا لَ ِكنّي أحب ذلك اللقب وأحبه هو‪ .‬هو عائلتي الموسعة‬
‫ي أحد آخر‪.‬‬‫الوحيدة منذ سنة (‪ )2004‬وليس لي اتصال بأ ّ‬

‫أن لَدَي قريبة ‪-‬أبوها أخ غير شقيق أل ُ ّمي‪ -‬منفصلة‪ ،‬ومنبوذة من‬ ‫ثم ذكر خالي ذات مرة َّ‬
‫ضا مرفوضة من العائلة‪،‬‬ ‫فورا‪ ،‬وأخبرتُها أَنّي أنا أي ً‬
‫العائلة؛ ألنَّها تزوجت يهوديًّا‪ .‬اتصلت بها ً‬
‫فورا‪ ،‬وسرعان ما أتت لزيارتي‪َ .‬كانَ رائعًا أن ألت ِق َ‬
‫ي‬ ‫تقي بها‪ .‬تجاوبت معي ً‬ ‫وأَنّي آ َمل أن أل َ‬
‫ُم ْس ِلمةً سابقةً أخرى من العائلة؛ فالكلمات ال تكفي لتعبر عن سعادتي‪ ،‬وشعوري أَنّي محظوظة‬
‫ضا أنَّه‬‫بأن تكون لَدَي قريبة أخرى في حياتي تحبني‪ ،‬وتفهمني على نحو كامل‪ ،‬وأنا سعيدة أي ً‬
‫ي عمةٌ‪.‬‬
‫صارت البنتَ َّ‬

‫أنا حزينة ألَنّي لم أولد في عائلة محبة‪ ،‬لَ ِكنّي لست الوحيدة بالتأكيد التي عانت ذلك‪ .‬ينشأ‬
‫سا ناجحين جدًّا‪ .‬أنا لست حزينة بنفس‬ ‫الكثير من األشخاص بين وا ِلدين سيئين‪ ،‬لَ ِكنَّهم يصيرون نا ً‬
‫مقدار حزن ُم ْس ِلمين سابقين أعرفهم أحبوا آبا َءهم‪ ،‬ونشأوا في بيوت سعيدة مليئة بالحب‪ .‬أن‬
‫ينبذك أبوك (و‪ /‬أو أمك و‪ /‬أو أقاربك) ألنَّك تركت دينك بينما ُك ْنت قبل ذلك ابنته المفضلة البد‬
‫أن هذا مؤلم أكثر بكثير لهم‪َ .‬كانَ أبي بالكاد يعرفني‪ .‬لكن أن تتخلى عنك أمك التي ُك ْنت‬ ‫َّ‬
‫أن هذا‬ ‫أن ذلك مؤلم أكثر بكثير‪ .‬رغم َّ‬ ‫تحترمينها‪ ،‬األم التي َكانَت تعانقك ُكلّما آلمتك الحياة فالبد َّ‬
‫صورها‪ ،‬وقَطعًا ُمخيفًا للعالقات‪ ،‬فقد َكانَ أقل‬ ‫أدى إلى شعور بالوحدة الرهيبة؛ التي ال يمكن تَ َ‬
‫الخيارات إيال ًما لي‪ُ .‬ك ْنتُ مستعدة لدفع الثمن من أجل فرصة لحياة أفضل لي و‪-‬على نحو أكثر‬
‫أهمية‪ -‬الب ْنت َ َّ‬
‫ي‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪224‬‬
‫ُحرم التصوير‬ ‫أنا حزينة ألَنّه ليست َلدَي صور البنتي وهي طفلة رضيعة‪َ .‬كانَ والدها ي ّ‬
‫وتطلَّب األمر مني بضع سنوات بعد هروبي منه؛ كي أستطيع شراء آلة تصوير‪ .‬لكن وجه ابنتي‬
‫أتفرس في وجهها؛ بينما ُك ْنت أ ِعد ُها أنَّها‬
‫ت كثيرة ً َّ‬
‫الغالية منقوش في ذهني‪ .‬لقد قضيتُ ساعا ٍ‬
‫ستحظى بحياة أفضل‪ ،‬وأنَّها ستعرف طعم السعادة‪ ،‬والحرية‪.‬‬

‫صري من عائلتهن‪ .‬ال يعني ذلك لهن‬ ‫الم ْ‬


‫ي أحد من الجانب ِ‬ ‫ي َل ْن تعرفا أ ّ‬ ‫ألن ابنت َ َّ‬ ‫أنا حزينة َّ‬
‫صر بالنسبة إليهن كالحديث عن اليونان‪ ،‬أو الحديث عن الصين‪ُ ،‬كلّها بالد‬ ‫شيئًا‪ .‬الحديث عن ِم ْ‬
‫بعيدة‪.‬‬
‫ي العربية‪ ،‬وال تفهما ِنها‪.‬‬ ‫ي من ا ْب َنت َ َّ‬ ‫ال تتكلم أ ّ‬
‫تركعان له خمس‬
‫ِ‬ ‫ي منهما من أن يحرقهما شخص غير مرئي في السماء؛ ألنَّهما ال‬ ‫لَ ْن تخاف أ ّ‬
‫مرات في اليوم‪.‬‬
‫ي منهما شعور الخجل من جسديهما‪ ،‬أو شعريهما‪.‬‬ ‫لَ ْن تعرف أ ّ‬
‫ي شيء ال يرتحن له‪ ،‬أو إلرضاء الخيال المليء بـالغطرسة‪،‬‬ ‫ي منهما على فعل أ ّ‬ ‫لَ ْن ت ُ ْرغ ََم أ ّ‬
‫غنم من القرن السابع‪.‬‬ ‫والغرور‪ ،‬واالنتقام لراعي ٍ‬
‫ي منهما أبدًا للتغلب على ذكريات العنف في الطفولة‪ ،‬سواء أ َكانَ نفسيًّا‪ ،‬أو جسديًّا‪،‬‬ ‫لَ ْن تضطر أ ّ‬
‫أو جنسيًّا‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وأنا ممتنة لذلك‪ .‬لقد نجحت في مهمة حياتي‪ .‬لقد كسرت الخرسانة‬ ‫لقد استطعتُ حمايةَ ابنت َ َّ‬
‫وف يموت معي ُك ّل اإلخضاع‪ ،‬واإلذالل‪ ،‬وتلقين التعاليم‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫التي َكانَت تدفنُ ِني‪ ،‬وأوقفت الحلقة‪َ .‬‬
‫والخرافات الدّيْنية‪.‬‬
‫لقد ُك ْنتُ الجسر‪ ،‬والجيل األول ومثل هود ُور في مسلسل "لعبة العروش" ممسِكةً الباب كي‬
‫ي تجرب ٍة سيئةٍ؛ مماثلة لما مررتُ به في حياتي التي‬ ‫ابنتاي إلى حياة حرة‪ .‬لَ ْن ت َ ُم ّرا بأ ّ‬ ‫َ‬ ‫تمر‬
‫عشتها‪ .‬هذه الحياة غريبة عنهما كما هي غريبة عن البعض منكم‪ ،‬لذلك أنا سعيدة‪.‬‬
‫أنا قصة نجاح‪ .‬لقد ثابرت‪ ،‬ورفضت االستسالم‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪225‬‬
‫المقاومة‬
‫َكانَت كتابة هذا الكتاب رحلة شاقة لكن مثمرة‪َ .‬كانَت شاقة ألسباب واضحة؛ ال أظن أَنّي بكيت‬
‫قط في ُك ّل حياتي بقدر ما بكيت في أثناء كتابتي هذا الكتاب‪ .‬اضطررت للعودة إلى غياهب‬
‫ق‪ .‬رفعت األغطية وسمحت ل ُك ّل الوحوش بالخروج من تحت‬ ‫ذكريات مظلمة َكانَت مدفونةً بعم ٍ‬
‫الفراش‪ُ .‬ك ّل هذه التجارب التي لم أح ِكها ألصدقائي‪ ،‬أو زوجي‪ ،‬ولم أسمح لنفسي َحتّى‬
‫باالعتراف بها‪ ،‬لقد كتبتها ليقرأها العالم ُكلّه‪.‬‬

‫لك أن تتوقع للتخلص من ُك ّل تلك الشياطين‪.‬‬ ‫َكانَت الكتابة عال ًجا مفيدًا‪ ،‬ومط ِ ّه ًرا للذات كما َ‬
‫وحالما يشع عليها النور ال تعود مخيفةً بعد اآلن‪َ .‬كانَ لَدَي أستاذ كتابة قال لنا َ‬
‫ذات مرةٍ أنَّنا نبتلع‬
‫ريقنا دائ ًما ال إراديًّا طوال الوقت‪ ،‬وأنَّنا لو بصقناه على مكاتبنا فلَ ْن نلعقه‪ ،‬ونبتلعه ثانية أبدًا‪.‬‬
‫إن ت ُ ْخ ِرج شيئًا َحتّى ال يعود كما َكانَ من‬
‫صل الفكرة‪ .‬ما ْ‬‫طريقة فظة للتعبير عن األمر‪ ،‬لَ ِكنّها تو ِ ّ‬
‫قبل؛ واألهم أنَّه ال يبقى داخلك بعد ذلك‪.‬‬

‫لقد َكانَت كتابته مفيدة ً مجديةً لي؛ ألنَّه جعلني أتعرف على الكثير من األشخاص الرائعين عن‬
‫طريق اإلنترنت‪ .‬أتمنى لو استطعتُ أن أجمعكم جميعًا في عناق ضخم‪ .‬م َّكنَني النشر في مدونتي‬
‫على تمبلر‪ ،‬وصحفتي على فيسبوك‪ ،‬وحسابي على وتويتر من التواصل مع كثير من األشخاص‬
‫الرائعين؛ المهذبين؛ المحبين‪ .‬حقًّا لم أتمكن من القيام بهذا إال بفضل تشجيعكم‪ ،‬ودعمكم‪ .‬ف ُكلّما‬
‫وصلتني رسالة؛ سواء من أحد أصدقائي القدامى من المدرسة الثانوية‪ ،‬أو من ُم ْس ِلمات سابقات‬
‫سرا في السعودية‪ ،‬أو طفل أحد زمالئي في العمل‪َ ،‬كانَ هذا لي؛ كجرعة‬ ‫ُمتخفيات تركن اإلسالم ًّ‬
‫سجين أعطتني الطاقة ألواصل الكفاح‪.‬‬ ‫من األك ُ‬

‫َكانَت هنالك الكثير من األوقات التي ُك ْنتُ لم أعد أطيق فيها فكرة الجلوس للكتابة‪ ،‬و"دخول‬
‫غياهب الظالم" كما صرت أُس ّمي األمر‪ .‬لكن عندئذ ُك ْنتُ أجد رسالة نابعة من القلب في أحد‬
‫صناديق بريدي من شخص وجد نفسه في كتاباتي‪ ،‬أو أراد التعبير عن امتنانه‪ ،‬وتقديره‪ .‬لذلك‬
‫استمريتُ ‪ .‬أردت أن أكون شجاعة ألجلكم جميعًا‪ .‬سمعتكم تشجعونني من ُك ّل أنحاء العالم‪ .‬من‬
‫َّ‬
‫صر‪ ،‬وإيران‪ ،‬وباكستان‪ ،‬وغيرها من الدول‪ ،‬ومن‬ ‫وم ْ‬
‫فرنسا‪ ،‬وآيسلندا‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬وبولندا‪ِ ،‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪226‬‬
‫حديقتي الخلفية في أمريكا‪ ،‬وكندا‪ .‬تشجيعكم َعنَى لي الكثير‪ ،‬وال يزال كذلك‪ .‬أعلم أَنّي ما ُك ْنتُ‬
‫إنجاز هذا دون مساعدتكم‪.‬‬

‫تفردة‪ ،‬لَ ِكنّها ليست قصة فريدة‪ .‬فمنذ أن خرجت إلى العلن تَلَقَّيت ً‬
‫وابال من‬ ‫أعلم أنَّها قصتي ال ُم ِ ّ‬
‫الرسائل من نساء‪ ،‬ورجال وجدوا أنفسهم في قصتي‪ .‬حاولتُ قصارى جهدي أن أدعم ُك ّل‬
‫ي أحد في حياتهم يستطيعون الوثوق به‪َ ،‬ل ِكنَّهم وثقوا‬
‫شخص منهم‪ .‬لقد علمتُ أنَّه لم َي ُك ْن لَدَيهم أ ّ‬
‫بي‪ ،‬و َكانَ ذلك شرفًا‪ ،‬ومسؤولية لم أتهاون بهما‪.‬‬

‫لقد أخذتها على محمل الجد للغاية إلى درجة أنَّها كادت تقتلني إرهاقًا‪ .‬لم أذق طعم الراحة ولم‬
‫كال من‬ ‫أ َ ُك ْن مهنية‪ .‬لم يَ ُك ْن لَدَي سبيل للفصل بين ذاتي والقصص التي ُك ْنتُ أسمعها‪ .‬شعرتُ َّ‬
‫كأن ً‬
‫هؤالء األشخاص أبنائي‪ ،‬بينما أخذ أطفالي الطبيعيون يدفعون إلى أولوية ثانوية‪ .‬تلقيت ذات مرة‬
‫ي الرد عليه‪.‬‬ ‫عل َّ‬ ‫اتصاال من الصومال‪ ،‬وشعرتُ َّ‬
‫أن َ‬ ‫ً‬ ‫في وسط مباراة كرة قدم تلعب فيها ابنتي‬
‫أن أباها قد أخبر مجموعة إرهابية محلية (الشباب) أنَّها‬ ‫وعلمتُ أنَّه من فتاة َكانَت خائفة من َّ‬
‫تركت اإلسالم‪َ .‬كانوا سوف يخيرونها بين التوبة في ثالثة أيام‪ ،‬وإال يقتلوها‪ .‬أكيد َّ‬
‫أن هذا َكانَ‬
‫أهم من مشاهدة ابنتي تسجل بعض األهداف‪.‬‬

‫لكن في النهاية تضررت حياتي‪ ،‬وانهرت‪ .‬ضربني ُك ّل ذلك كطن من حجارة القرميد على‬
‫رأسي‪ .‬صرت ال أستطيع العمل بدون نوبات هلع مستمرة مرهقة َكانَت دائما مختبئة في أركان‬
‫وجداني‪ .‬أخبرت زوجي أَنّي أشعر بنفسي كورقة تعصف بها عاصفة مطرية‪ ،‬وتحاول تفادي‬
‫أن شيئًا جوهريًّا يجب أن يتغير‪.‬‬
‫قطرات المطر‪ .‬علمتُ َّ‬

‫حاولت العثور على متخصص أستطيع أن أحيل إليه ُك ّل هؤالء األشخاص‪ .‬متخصص‬
‫يستطيع تفهم مأزق هؤالء ال ُم ْس ِلمين السابقين العالقين في بلدان ذات غالبية ُم ْس ِلمة‪ ،‬حيث عقوبة‬
‫ترك الدّيْن قد تصل إلى حد اإلعدام من الدولة‪ُ .91‬ك ْنتُ قد زرت العديد من المعالجين النفسيين‬
‫الذين نصحوني نصائح مثل "تحدثي إلى أمك" أو "ربما تستطيعين حل المشكلة"‪ .‬وهي نصيحة‬
‫صلُ َح على اإلطالق في ذلك السياق‪ .‬فلو تحدث هؤالء‬ ‫بسيطة على نحو مضحك ما َكانَت ِلت َ ْ‬
‫ز‬
‫بعض الدول اإلسالمية فيها قانون لحد الردة وتنفذه‪ ،‬ودول ليس فيها قانون مماثل ك ِم ْرص لكن قد يقتلك غوغاء الناس ف هجمة أو يقتلك‬
‫‪91‬‬
‫إرهان‬
‫ر‬
‫ز‬ ‫ر ز‬
‫مبارسة ف معتقل أو تموت نتيجة ظروف االعتقال غت اآلدمية‪ ،‬واعتقال المفكر الحر ف دول ك ِم ْرص مسألة تخضع لهوى‬ ‫أو ح ّن يقتلك أمن الدولة‬
‫السلطة‪ ،‬لحاجة الحكومة للمفكرين األحرار لمواجهة وطأة وشدة تأثت انتشار أفكار التخلف والجماعات المتطرفة ‪ -‬المتجم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪227‬‬
‫األشخاص إلى أمهاتهم فقد يُقتَلُونَ ‪ .‬وفي أثناء بحثي وقعت على جيمي بانچاش‪ ،‬وهو ُم ْس ِلم سابق‬
‫صا في التدريب على‬ ‫أصل باكستاني يعيش في بريطانيا نبذته عائلته ألنَّه مثل ٌّ‬
‫ي‪َ .‬كانَ متخص ً‬ ‫من‬
‫الحياة و َكانَ يدرس دراسات عليا في الجامعة للحصول على الماجستير في علم النفس‬ ‫‪92‬‬

‫اإلرشادي‪َ .‬كانَ هو ضالتي المنشودة‪ .‬وسرعان ما أنشأت "قلوب حرة‪ ،‬عقول حرة" ( ‪Free‬‬
‫‪ )Hearts Free Minds, FHFM‬وبدأت أرسل لهم العمالء‪َ .‬كانَ هذا هو الحل المثالي‪ .‬صار بإمكاني‬
‫أن أجد المساعدة المهنية للناس الذين يتصلون بي‪ .‬إننا نعطي األولوية للنساء الالتي في‬
‫السعودية وأفراد مجتمع الميم‪ ،‬لَ ِكنَّنا نساعد العدد األقصى من األشخاص الذي نقدر عليه‪ .‬إذا‬
‫زرت مو قعنا على اإلنترنت فسيمكنك أن تقرأ شهادات من بعض األشخاص الذين ساعدناهم‪.‬‬
‫من الرائع أن أكون عضوة في تلك المنظمة‪ .‬إننا نديرها بالتبرعات فقط‪ ،‬و ُك ّل قرش يذهب إلى‬
‫مساعدة الناس وإنقاذ حياتهم‪ .‬فرجاء زوروا موقعنا على اإلنترنت واقرؤوا أكثر عنه ونأمل أن‬
‫تتبرعوا إذا أمكن ‪www.freeheartsfreeminds.com‬‬

‫باالضافة الى عملي الممتع في "قلوب حرة عقول حرة" ‪ ،FHFM‬فإني أجد مكافأة ً يوميةً‬
‫تتمثل في النِساء الالتي يستعملن هاشتاغ (وسم) منعتقة من الحجاب (‪.)#FreeForm Hijab‬‬
‫إحدى النِساء الالتي أتواصل معهن بالرسائل على نحو شخصي خاص (ألنَّها لم تتوافق مع‬
‫معايير منظمة "قلوب حرة عقول حرة" ألنَّها في كندا وليست في بلد ذي غالبية ُم ْس ِلمة) َكانَت‬
‫كثيرا مع مسألة اإليمان‪ .‬فقررت في يوم ال للحجاب (أو يوم خلع الحجاب ‪No Hijab‬‬ ‫ً‬ ‫تعاني‬
‫الكامرة ألول مرة‪ .‬انتشر الڤيديو الخاص بها كالنار في الهشيم‪ ،‬لقد‬ ‫ِ‬ ‫)أن تخلع حجابها على‬‫‪ْ #Day‬‬
‫قالت بيانًا عن تحرير المرأة بالعربية‪ ،‬واإلنچليزية‪ ،‬والفرنسية؛ ثم خلعت حجابها‪ ،‬وينتهي‬
‫أن تشجيع الجمهور‬ ‫الڤيديو بابتسامتها المشرقة‪ .‬حصل الڤيديو على الكثير من االنتباه لدرجة َّ‬
‫ضا‪ .‬لقد بدأت حريتها بنزع الحجاب لكن تلك‬ ‫الغفير لها شجعها على ترك زوجها المع ِنّف لها أي ً‬
‫َكانَت الخطوة األولى فقط‪ .‬هي اآلن حرة تما ًما في جسدها‪ ،‬وفي عقلها‪ .‬هذه قوة وسائل التواصل‬
‫أن الضغط على أيقونة اإلعجاب‪ ،‬أو المشاركة ال يؤدي إلى شيء َل ِكنَّه‬ ‫االجتماعي‪ .‬يعتقد الناس َّ‬
‫في الواقع قد يغير حيوات بعض الناس تما ًما‪ .‬إ ِنّي أرى هذا يحدث ُك ّل يوم‪.‬‬

‫صر‪ ،‬وإيران‪ ،‬والجزائر‪ ،‬واليمن‪ ،‬والسودان‪ ،‬ودول أخرى ذات‬ ‫وم ْ‬


‫أرى نساء في السعودية‪ِ ،‬‬
‫غالبية ُم ْس ِلمة يتش َّجعن بهتاف الجماهير لهن عبر اإلنترنت على المطالبة باستقاللهن‪ .‬أرى نساء‬

‫‪92‬‬
‫التدريب عىل الحياة ‪ )life coach(:‬عملية مساعدة الناس عىل تحديد وتحقيق األهداف الشخصية من خالل تطوير السلوك والمهارات الن‬
‫تؤدي إىل التحكم زف حياتنا بطريقة إيجابية‪ .‬يتناول هذا النوع من التدريب قضايا عامة مثل التوازن ز‬
‫بي العمل والحياة والتغتات المهنية‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪228‬‬
‫ي غطين وجوههن‪ ،‬ثم يظهرن شعورهن‪ ،‬وهن ال يزلن يغطين وجوههن؛ ثم في النهاية يظهرن‬
‫ُك ّل ذواتهن الجميلة بفخر‪ .‬إنه لشرف كبير أن أكون جز ًءا من هذا‪ .‬عندما َّ‬
‫در ْستُ في حضانة‬
‫أن ُك ّل كلمة إنچليزية على‬
‫صر شعرت بمردود معنوي كبير؛بحيث كانت مكافأتي َّ‬ ‫أطفال في ِم ْ‬
‫ف يقرؤها هؤالء األطفال في المستقبل ستكون بسبب تعليمي إياها لهم‪ .‬أنا أحصل‬ ‫سو َ‬‫األرجح َ‬
‫على نفس هذا الشعور من خالل عملي في مساعدة هؤالء النِساء اآلن‪ .‬إن مشاركة‪ ،‬وتشجيع‬
‫النِساء على تحرير أنفسهن‪ ،‬والعيش بحرية؛ هو أفضل ما يمكنني ِفعلهُ في حياتي‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪229‬‬
‫األمل‬
‫للر ُجل"‪.‬‬ ‫وف يعترف فيه العالم بأسره َّ‬
‫أن المرأة مساوية َ‬ ‫س َ‬‫"لقد اقترب اليوم الذي َ‬
‫سوزان‪ .‬ب‪ .‬أنتوني‬

‫قالت سوزان ب‪ .‬أنتوني هذه الكلمات منذ(‪ 135‬سنة)‪ .‬لألسف لم يأت بعد اليوم الذي توقعت‬
‫قدومه‪.‬‬

‫منذ(‪ 135‬سنة) في أمريكا َكانَت النِساء يُ ْعتَ َب ْرنَ ملكية آبائهن؛ ثم أزواجهن‪ .‬كانوا ي ُْملُونَ‬
‫لهن عملها‪ ،‬والرجال الذين سيتزوج َن ُه َّن‪ .‬خالل‬
‫عليهن ما يل َب ْسنَهُ‪ ،‬وكذلك األعمال التي يُم ِكن َّ‬
‫َّ‬
‫القرن الماضي كافحت النِساء من أجل تحرير أنفُسِهن من خالل الموجة األولى؛ ث ُ َّم الموجة‬
‫الثانية؛ ثم الثالثة؛ واآلن الموجة النسوية الرابعة المعاصرة‪ .‬لكن رغم روعة ُك ّل هذه الموجات‬
‫ى خارج العالم الغربي‪.‬‬ ‫فهي بالكاد تحدث صد ً‬

‫ف بمساواتهن للرجال‪ ،‬ففي العديد من أنحاء العالم ال تزال‬ ‫رغم َّ‬


‫أن النِساء الغربيات يُ ْعت َ َر ُ‬
‫اربْنَ‬
‫النِساء المطالبات بحق المرأة في االقتراع ‪-‬والالتي هن نظيرات لسوزان ب‪ .‬أنتوني‪ -‬يُ َح ِ‬
‫بقوة من أجل الحصول على مساوا ِت ِه َّن‪.‬‬

‫يوجد فارق وانقطاع كبير بين النسويات في العالم الغربي‪ ،‬والنسويات في الدول ذات الغالبية‬
‫ال ُم ْس ِلمة‪ .‬لنشأتي كأول جيل كندي في عائلة ُم ْس ِلمة أصولية متشددة؛ فقد جعلني هذا أقضي الكثير‬
‫من الوقت عالقة بين هذين العالَمين‪.‬‬

‫ي أن ألبس الحجاب لحماية نفسي‬ ‫علَّموني في المنزل أَنّه منذ أن يصير عمري (‪ 9‬سنوات) َ‬
‫عل َّ‬
‫من الرجال الذين يريدون التحرش بي‪ .‬بينما تعلّمت من مجتمعي َّ‬
‫أن هذا يسمى لوم الضحية‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪230‬‬
‫أن البنات الصالحات الطاهرات يلبسن الحجاب‪َّ ،‬‬
‫وأن البنات القذرات‬ ‫علَّموني في البيت َّ‬
‫نحالت ال ُمحتقَرات ال يلبسنه‪ .‬بينما تعلّمتُ من مجتمعي َّ‬
‫أن هذا يسمى الوصم بالعهر (أو‬ ‫ال ُم َّ‬
‫‪93‬‬
‫الوصم ِبعار الفسق)‪.‬‬

‫عندما صار لي حرية االختيار بين هذين العالَمين‪ّ ،‬‬


‫قررت انتزاع حريتي‪ .‬كاد هذا القرارأن‬
‫يكلفني حياتي وحياة ابنتي؛ لَ ِكنّها َكانَت مخاطرة ق ِبلت بها ليس فقط ألجلي‪ ،‬بل وعلى وجه‬
‫الخصوص ألجل ابنتي‪.‬‬

‫ُ‬
‫حيث‬ ‫حق التصويت؛‬ ‫عندما ُك ْنتُ طفلة قرأت عن بطالت التاريخ المطالبات بمنحِ ال ِن ِ‬
‫ساء َّ‬
‫واجهت تلك األٌقلية من النِساء المحاربات من أجل الحرية السجن‪ ،‬وخاطرن بحيواتهن‪ ،‬بل‬
‫ض َّحيْنَ برضا بحيواتهن لجلب االنتباه إلى معاناتهن‪َ .‬كانَت تلك النِساء منبوذات من‬ ‫و َحتّى َ‬
‫خطرا على النظام؛ وليس الرجال فحسب من‬ ‫ً‬ ‫ُزعزعنَ أركان الوضع القائم‪ُ .‬ك َّن‬‫المجتمع‪ ،‬وكن ي ِ‬
‫؛ألن قضيتهن تقاوم وتضادُّ مباشرة ً المجتمع الذكوري الذي يهيمن عليه‬ ‫َّ‬ ‫كان يعتبرهن تهديدًا‬
‫ي‬ ‫ضا‪ .‬هؤالء ال ِنساء ّ‬
‫كن بطالتي‪ .‬لم أرد أ ّ‬ ‫الذكر‪ ،‬بل حتى بعض ال ِنساء كانت تعتبرهن تهديدًا أي ً‬
‫شيء أكثر من أن أكون شجاعة مثلما ُك َّن‪.‬‬

‫شتَّى أنحاء‬ ‫اآلن وأنا إمرأة بالغة أعمل يوميًّا مع نساء يطالبن مثلهن بالحق في االنتخاب من َ‬
‫العالم‪ .‬ومثلي‪ ،‬رأت هؤالء النِساء كال العالَميْنَ واخترن المخاطرة في حياتهن؛ من أجل العيش‬
‫لرفض ِه َّن لبس قطعة قماش على رؤوسهن؛‬ ‫ِ‬ ‫حرائر‪ .‬من ُه َّن نساء في ايران ُي ُْجلَ ْدنَ ‪ ،‬ويُ ْس َج َّن‬
‫َ‬ ‫كنساءٍ‬
‫َّ‬
‫تفرضها الحكومة الدّيْنية الحاكمة بالشريعة اإلسالمية‪ .‬ومنهن نساء من السعودية يُ َعذبْنَ في‬
‫السجون لمطالبتِ ِه َّن بالحق في قيادة السيارة و‪ /‬أو السفر بدون الحصول على ِ‬
‫إذن َم ْح َر ٍم َر ُج ٍل‪.‬‬
‫ومنهن فتيات صغيرات في أفغانستان يُطلَق الرصاص عليهن في رؤو ِس ِه َّن ألنَّ ُه َّن ي ُِر ْدنَ الذهاب‬
‫النساء والفتيات‪ ،‬الذين ُينظر إليهم عىل أن ُهم ينتهكون توقعات السلوك والمظهر فيما يتعلق‬
‫‪93‬‬
‫عار الفسق هو ممارسة االنتقاد لألشخاص‪ ،‬وخاصة ِ‬
‫ً‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫النساء والفتيات والرجال من إدارة حياتهم الجنسية‪ .‬يمكن استخدامه أيضا‬ ‫تمكي ِ‬ ‫بالقضايا المتعلقة بالجنس‪ .‬يستخدم المصطلح ف إطار تيار‬
‫نادرا ما يتعرض الرجال ُ‬‫رفضا السلوكيات الجنسية الن تعتت منحلة زف بعض المجتمعات‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫ز‬
‫المغايرون‬ ‫ر‬ ‫المثليي‪ ،‬الذين قد يواجهون‬ ‫لإلشارة إىل الرجال‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬
‫جنسيا لعار الفسق تتضمن أمثلة عار الفسق االنتقاد أو المعاقبة عىل انتهاك سياسات نظام اللباس من خالل ارتداء المالبس بطرق ينظر إليها عىل‬ ‫ً‬
‫ً‬ ‫‪.‬‬ ‫ً‬
‫أنها مثتة جنسيا‪ ،‬وطلب الوصول إىل وسائل تحديد النسل‪ ،‬وممارسة الجنس خارج نطاق الزواج يمكن أن يشمل أيضا إلقاء اللوم عىل الضحية‬
‫لمخالفتهن قواعد‬ ‫بسبب تعرضها لالغتصاب أو االعتداء الجنس‪ .‬يتضمن عار الفسق انتقاد النساء أو أذيتهن نفسيا اجتماعيا أو جسديا أو قتلهن ُ‬
‫ِ‬
‫أي لومهن عىل السلوك أو المالبس أو الرغبات أو األفعال الجنسية الن تخالف معايت المجتمع‪ .‬يمكن اعتبار عار الفسق‬ ‫السلوك الجنس المقبولة‪ّ ،‬‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ً‬ ‫ز‬ ‫ً‬
‫شكًل من أشكال العقاب االجتماع وهو جانب من جوانب التميت عىل أساس الجنس‪ ،‬فضًل عن استخدامه ف المنافسة الجنسية بي اإلناث ف‬
‫النساء‪ ،‬ألن عار‬ ‫بعض المجتمعات األصولية‪ .‬يلف موضوع عار الفسق الضوء عىل القضايا االجتماعية المرتبطة بالمعايت المزدوجة ز‬
‫بي الرجال و ِ‬ ‫ً‬
‫النساء‪ ،‬وال يتعرض الفتيان والرجال عادة له‪ -‬المتجم‬
‫الفسق عادة ما يكون تجاه الفتيات و ِ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪231‬‬
‫إلى المدرسة‪ .‬ومنهن فتيات صغيرات في السودان يحرقن أنفسهن ألنهن ال ي ُِر ْدنَ أن يُزَ َّو ْجنَ‬
‫أن تُش ََّوهَ‬‫صر يكافحن لالحتفاظ بأجسا ِد ِه َّن كما ُو ِل ْدنَ بها دون ْ‬ ‫قسرا‪ ،‬ومنهن شابات في ِم ْ‬
‫ً‬
‫باألمواس‪ ،‬أو المباضع [في جريمة ختان اإلناث؟‪.‬‬

‫طرن بحياتهن لمحاربة مجتمعات ت ُ ِ‬


‫موضع‬ ‫ال أحتاج العودة إلى كتاب تاريخ إليجاد نساء خا َ‬
‫ال ِنساء في مرتبة مواطنات من الدرجة الثانية؛ فأنا أتفاعل معهن يوميًّا‪ .‬لكن لألسف أغلب‬
‫النسويات الغربيات المعروفات ال َي ِق ْفنَ إلى جانب هؤالء النِساء الباسالت‪ 94‬المكافحات من أجل‬
‫الحرية‪.‬‬

‫تخاف العديد من النسويات في العالم الغربي من أنَّهن بدعمهن ألخواتهن في الكفاح فقد يسيء‬
‫ي‪ ،‬أو عنصريةٌ؛ واألسوأ من تجاهلهن فقط‪ ،‬أن‬ ‫ب ِإثْ ِن ٌّ‬
‫ي ثقاف ٌّ‬ ‫البعض تفسير ذلك على أنَّه تع ُّ‬
‫ص ٌ‬
‫الشركات الغربية تدعم أحيانًا نفس األشياء التي تكافح ضدها هؤالء النِساء الشجاعات‪ .‬في العدد‬
‫المصورة ( ‪Sports‬‬
‫َّ‬ ‫المخصص لمالبس السباحة من مجلة سبورتس إلسترايتد‪ ،‬أو الرياضات‬
‫‪ )Illustrated‬لسنة (‪ )2019‬تظهر صور للبوركيني (زي سباحة ال ِنساء اإلسالمي)؛ وظهر‬
‫على غالف مجلة مسيرة النِساء (‪ )Women's March‬صورة إمرأة متحجبة‪.‬‬

‫ما َكانَت النسويات في أمريكا ِل َي ْق َب ْلنَ أبدًا وضع شركة نايكي لشعارها على المالبس الداخلية‬
‫المورمونية‪ ،‬لَ ِكنَّهن يدعمن وضعه على المالبس المحتشمة التي تفرضها ديانة أخرى‪ .‬كيف‬
‫يمكن أن نحارب البطريركية في الغرب‪ ،‬وفي نفس الوقت ندعم البطريركية االسالمية؟! أرجو‬
‫أن يكون هذا الكتاب قد دحض بعض األساطير‪ ،‬وسوء الفهم الذي يقود إلى مثل هذه‬
‫االنفصامات النفاقية الخطيرة‪ .‬يحاول بعض األشخاص في البلدان ذات الغالبية ال ُم ْس ِلمة أن‬
‫يطوروا ثقافتهم تماما كما فعلت الثقافة الغربية ذلك من قَ ْبلُ‪ .‬لقد تم ُك ْنتُم من إلغاء الرق‪ ،‬وتم ُك ْنتُم‬
‫من الكفاح من أجل مساواة المرأة؛ ال نريد إال فعل نفس الشيء‪ِ .‬ل َم عندما نحاول التقدم يصبح‬
‫صف باإلسالموفوبيا لنق ِدنَا الشريعةَ‪ ،‬والدفع نحو التغيير‪ِ .‬ل َم علينا االحتفاظ‬ ‫األمر سيئًا فجأةً؟‪ .‬نُو َ‬
‫الميساوجينية الهو ُموفوبية (العنصرية ضد النِساء‪ ،‬والمعادية للمثليين‪ ،‬وسائر مجتمع‬ ‫ِ‬ ‫بثقافتنا‬
‫ت الثقافات لتواكب تقدم اإلنسان؛ هذا ليس‬ ‫الميم)؟؛ الثقافات ليست مقدسة بل هي ديناميكية‪ُ .‬ج ِعلَ ْ‬
‫باألمر السيء‪ .‬لم َي ُك ْن شيئًا سيئًا بالنسبة لكم‪ ،‬وهو ليس شيئًا سيئًا بالنسبة لنا نحن أي ً‬
‫ضا‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الباسالت‪ :‬الشجاعات‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪232‬‬
‫ما َكانَ الفصل العنصري (األبارتايد) ِلي ُْلغَى في جمهورية جنوب أفريقيا‪ ،‬لوال ضغوطات‬
‫المجتمع الدولي‪ ،‬وما َكانَ جدار برلين ليسقط‪ ،‬وما َكانَت العبودية لَتُلغى‪ .‬إن أعظم إنجازات‬
‫عدَ األقوياء من يحتاجون ال َعون‪ .‬لقد نجوت من الظالم‪ ،‬وزحفت نحو‬ ‫البشرية ال تتحقق إال إذا سا َ‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫النور؛ اآلن وأنا هنا أشعر بنفسي ُملزَ َمة بمد يد المساعدة للنساء األخريات كي يُحقّقنَ حريتهن‪.‬‬
‫شتَّى أنحاء‬ ‫أود المساعدة في تحويل تلك الترددات الضعيفة من النسوية إلى موجا ٍ‬
‫ت تتردد عبر َ‬
‫العالم‪.‬‬

‫ت طويل‪ .‬فكيف سيحدث التقدم إذا اعتُبِ َر النقد ُ‬ ‫لقد تَ َّمت حماية العالَم اإلسالمي من النقد لوق ٍ‬
‫أن نقد اإلسالم مقزز‪ ،‬وعنصري؛ لم‬ ‫الر ُجل الذي قال َّ‬
‫أن نفس َ‬‫تعصبًا؟؛ إنَّه لمن المثير للسخرية؛ َّ‬
‫مقززا‪ ،‬وعنصريًّا؟ لماذا‬ ‫ً‬ ‫يجد مشكلةً في عمل فيلم يسخر من المسيحية‪ .‬لماذا لم يَ ُك ْن ذلك أي ً‬
‫ضا‬
‫حكرا لصالح دين "الناس البنيين الهمج"؟ أليس هذا تطرف االحتقار‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يكون هذا الموقف الذليل‬
‫بخفض التوقعات؟؛ أال يحق لل ُم ْس ِلمين أن يمروا بالتنوير‪ ،‬واإلصالح مثلما فعل مسيحيو العالم‬
‫الغربي؟؛ ألم يحدث ذلك بسبب األشخاص الذين انتقدوا الكنيسة؟ ألم يؤ ِدّ ذلك النقد في النهاية إلى‬
‫الفصل بين الكنيسة‪ ،‬و الدولة؟ كيف سيحدث ذلك في العالم ال ُم ْس ِلم بينما هناك أناس بهذا الموقف‬
‫أن بن أفليك هو المقزز‪،‬‬ ‫البطريركي؛ يمنعون التقدم عن ال ُم ْس ِلمين؟ أال يستطيعون ْ‬
‫أن يَ َر ْوا َّ‬
‫والعنصري في الحقيقة؟ أال يرون أنَّه هو الذي استخدم معايير مختلفة باختالف إثنية الناس؟‪.‬‬

‫ص ْلتُ رسالتي‪ .‬آمل أن يبدأ الناس في تقييم بعضهم البعض‪ ،‬والتعامل مع‬ ‫آمل أن أكون قد و َّ‬
‫بعضهم بناء على األفكار‪ ،‬وليس على الهويات‪ .‬آمل أال ينحني الناس أمام إثنّية األبوين حينما‬
‫أن ُك ّل البنات الصغيرات يُ َ‬
‫صبْنَ بالكدمات‬ ‫يلتقون بطفلة أو فتاة تضربُها عائلتها‪ .‬آمل أن يدركوا َّ‬
‫وف يحكم عليها بحياة‬‫س َ‬ ‫أن تبرير الضرب باسم إثنية والَدَيها َ‬‫مهما َكانَت إثْ ِنيَّ ِت ِه َّن‪ .‬آمل أن يفهموا َّ‬
‫مليئة بالعذاب الجسدي‪ ،‬والنفسي الذي سيبقى معها إلى أن تموت‪ ،‬مهما َكانَ لون بشرتها‪ .‬آمل أن‬
‫يختاروا حماية الطفل؛ عوضا ً عن حماية ثقافة‪ ،‬أو دين؛ بال وجه أو اسم‪ ،‬ال يستحق الحماية‪ .‬ال‬
‫ً‬
‫مقززا‪،‬‬ ‫أن فعلهم هذا ليس‬ ‫يمكن للحقوق الدّيْنية أن ت ُ ِب ِط َل حقوق اإلنسان‪ .‬آمل أن يفهموا َّ‬
‫ضا غير إنساني‪.‬‬‫وعنصريًّا فقط ؛ بل هو أي ً‬
‫آ مل أن تعبر عن أفكارك الحقيقية عندما تكون في مكان عملك‪ ،‬أو على إحدى صفحات‬
‫الفيسبوك‪ ،‬وأال تخضع للصمت خشيةَ التنمر‪ ،‬والهجوم عليك‪ .‬قوانين التَكفير في الدول اإلسالمية‬
‫ضا الصمت بسبب قوانين تَكفيريّة نفرضها على‬ ‫تُرغم الناس على الصمت‪ .‬إذا اخترنا نحن أي ً‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪233‬‬
‫أنفسنا‪ ،‬فمن الذي سيتكلم؟ إنها مسؤوليتنا‪ ،‬وواجبنا‪ ،‬وشرف لنا أن نقول ما نفكر فيه‪ .‬لقد قُتِ َل‬
‫الكثير من األشخاص كي يكون لك‪ ،‬ولي الحق في التعبير عن رأيك‪ .‬فيالها من إهانة لذكراهم لو‬
‫ضيَّ ْعنا هذه الهدية التي قدموها لنا‪.‬‬

‫عا عن النِساء‪ُ ،‬ك ّل النِساء‪ .‬ش ِهدْتُ خالل حياتي األمور تتغير‬ ‫ضا التكلم دفا ً‬
‫آمل أن تختار أي ً‬
‫ي تقريبًا‪ .‬لم َي ُك ْن تغييرا فجائيًّا نتَ َج عن حمالت إحراق‬ ‫نحو األفضل بالنسبة للنساء على نح ٍو يوم ٍّ‬
‫حماالت الصدر‪ ،‬أو غيرها من المظاهرات‪ ،‬بل َكانَ تغييرا بطيئا بينما كنا نكافح للحصول على‬
‫بأن النِساء مساويات للرجال في المجتمع‪.‬‬ ‫االعتراف َّ‬
‫ت األفالم‪ ،‬واإلعالنات‪ ،‬والڤيديوهات‬ ‫ُ‬
‫حيث أخذَ ْ‬ ‫لقد ش ِهدْتُ تغيرات جذرية تحدث في اإلعالم‪،‬‬
‫الموسيقية (الڤيديو ْك ِلبَّات) تتفادى الصور النمطية الميساجونية ‪،‬وتَسمح للنساء بلعب أدوار‬
‫عميقة‪ ،‬وكبيرة‪ .‬شاهدت شيريل ساندبرج تصل الى القمة بكتابها ‪( Lean in‬تقدمي إلى األمام؛‬
‫المرأة‪ ،‬والعمل‪ ،‬وإرادة القيادة‪ .)95‬لقد تعلمت منها‪ ،‬ومن أوبرا وينفري‪ ،‬ومن ميشيل أوباما‪ ،‬و‬
‫من بيونسيه‪ ،‬ومن عدد ال يُحصى من النِساء األخريات المشهورات اللواتي هن قدوة تُحتذَى‬
‫ريبريزنتيشن"‪:‬‬
‫ِ‬ ‫للشابات في أمريكا الشمالية‪ .‬وكما قالت جينا دي ِڤس في برنامجها الوثائقي "ميس‬
‫"ال يمكنك أن تكوني ما ال ترينه"‪ .‬لَ ِكنّي أرى العديد من ال ِنساء الالتي أعتَبر ُه َّن بطالتٍ‪.‬‬

‫ضا‪ ،‬ويردن أن‬ ‫أن الكثير من النِساء الشابات من الجيل التالي لجيلي يَ َر ْونَ ُه َّن بطال ٍ‬
‫ت أي ً‬ ‫أعتقد َّ‬
‫ضا ي ُِر ْدنَ أن َي ُك َّن قدوةً‪ ،‬وإلها ًما‪ ،‬وأن يواصلنَ تعبيد الطريق‬
‫ض َّمنَ مثلي إلى الكفاح‪ .‬هن أي ً‬
‫َين َ‬
‫الذي بدأته النِساء الشجاعات قبلنا‪ .‬لَ ِكنَّهن عكس النِساء قبلنا الالتي َكانَ عليهن إزالة أشجار‬
‫حجر رصفٍ تلو اآلخ َِر؛ فهؤالء الشابات قد‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫عمرها ألف سنة؛ إلنشاء طريق جديد واضعا ٍ‬
‫هن في جهودهن‪ .‬لقد فزنا‬ ‫ع َم َّ‬‫صرفِهن تد َ‬ ‫ُو ِل ْدنَ في عالم توجد فيه جرافات (بلدوزرات) تحت ت َ ُ‬
‫جوهريًّا هاهنا بالمعركة‪ .‬لم نحتج إلقناع أحد بالحاجة إلى طريق نحو المساواة َّ‬
‫ألن الجميع كانوا‬
‫مقتنعين في العالم الغربي‪.‬‬

‫ت‬ ‫ضا‪ .‬و بما َّ‬


‫أن أغلب الطرق قد ُم ِ ّهدَ ْ‬ ‫لكن هؤالء الشابات في العالم الغربي يُردن بناء طرق أي ً‬
‫بالفعل‪ ،‬فقد بذلت تلك الشابات المفعمات بالحيوية جهودهن في اتجاهات أخرى‪ .‬لقد َبدأن النقاش‬

‫‪ 95‬تتوفر له ترجمة عربية بالعنوان العرن المذكور‪ ،‬من ترجمة وتحقيق‪ :‬محمد السيد‪ ،‬الدار العربية للعلوم ر‬
‫نارسون‬ ‫ر‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪234‬‬
‫حول ما إذا يجب عليهن تسمية أنفسهن ‪ ،womxn96‬وما إذا َكانَت تهيئة مكيف الهواء في العمل‬
‫ميسوجينية متحيزة جنسيًّا!؛ و كيفية مكافحة ظاهرة فتح الرجال ألرجلهم في األماكن العامة‪.97‬‬
‫اخترعْنَ مشاكل كي يرضين‬‫َ‬ ‫فعندما لم يجدن مشاكل قانونية تحتاج إلى التغلب عليها‪ ،‬وحلها‪،‬‬
‫رغبتهن بحلها‪.‬‬

‫لو علمت أولئك الشابات فقط أن هنالك طريقة للسفر عبر الزمن‪ ،‬والتضامن مع البطالت‬
‫الالتي صنعن التاريخ الالتي يخاطرن بحياتهن للكفاح من أجل الحرية‪ .‬هناك طريقة تُمكنهن من‬
‫استخدام طاقتِهن في دعم النِساء الالتي يردن أن يعا َملن مساويات للرجال في مجتمعاتهن‪ .‬هنالك‬
‫طريقة تم ِ ّكنُهن من دعم البنات الالتي يرغبن في الذهاب إلى المدرسة فقط بدون الخوف من أن‬
‫يتلقَّيْنَ رصاصةً في الرأس‪ .‬هنالك طريقة تم ِ ّكنُهن من دعم البنات الالتي ال يردن أن يُزَ َّو ْجنَ في‬
‫سن الطفولة‪ُ .‬ك ّل هذه المشاكل وغيرها الكثير تقبع أمام أعيننا‪ .‬نحن ال نحتاج آلة الزمن الخيالية‬
‫ديلوريان للعودة قرونًا إلى الوراء إليجاد هؤالء النِساء‪ ،‬إ ْذ ُه َّن موجوداتٌ اليوم‪ .‬إنهن النِساء‬
‫الالتي يُعتَقَ ْلنَ ‪ ،‬وي ُْخفَيْنَ ألنَّهن يتجرأن على خلع الحجاب في إيران‪ .‬إنهن النِساء الالتي يُعتَقَ ْلنَ ‪،‬‬
‫وي ُْخفَيْنَ ألنَّهن يتجرأن على قيادة السيارة في السعودية‪ .‬إنهن النِساء الالتي يُعتَقَ ْلنَ ‪ ،‬أو يُ ْقت َ ْلنَ في‬
‫هن (يظهرن دون الحجاب) على وسائل‬ ‫وشعور َّ‬
‫َ‬ ‫باكستان‪ ،‬والعراق ألنَّهن ي ْ‬
‫ُظ ِه ْرنَ وجو َّه ُه َّن‪،‬‬
‫التواصل االجتماعي‪ .‬توجد هؤالء ال ِنساء الباسالت في عالمنا‪ ،‬وال ي ُِردْن أكثر من دعم النسويات‬
‫لهن في الغرب‪.‬‬

‫ومعن ‪womxn‬‬ ‫ز‬ ‫ز‬


‫بالتميت الجنس‪،‬‬ ‫‪ : womxn‬لف بديل ل ‪ woman/ womenr‬لتجنب اللف األخت المرتبط بحسب آراء بعض النسويات‬
‫‪96‬‬

‫ر‬
‫شخص أو إنسان إمرأة أو أنن‪ /‬أنوثية‪ ،‬وشبيه به لف ‪ womyn‬وهو تهجئة مختلفة لكلمة ‪ women‬لنفس السبب‪.‬‬
‫أكت من المساحة المخصصة لراكب‬ ‫متباعدتي زف وسائل النقل العامة؛ بحيث يحتل الشخص ر‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫بساقي‬ ‫مانستيدينج ‪ :manspreading‬الجلوس‬ ‫ال‬
‫‪97‬‬
‫ر‬
‫ز‬ ‫ْ ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ً‬
‫وطن ِمرص ف المواصالت والعزائم ف البيوت والمناسبات‬ ‫واحد‪ .‬الحظت أن كثتا من الرجال يجلسون بهذه الطريقة عىل نحو تلقان ف محيط‬
‫ُ ز‬ ‫َ ّ‬ ‫ز‬
‫األرسية وربما ح ّن ف الجلسات الرسمية الحكومية وأماكن العمل‪ ،‬وربما تبدو جلسة سخيفة‪ ،‬ل ِكنها حرية شخصية ما لم تك ْن ف مواصلة عامة ال‬
‫ز‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أماكن فسيحة فيها‪ ،‬ورأيت صورا عىل جوجل لناشطة تسكب ازجاجة ماء ز‬
‫بي رجىل من يكون فاتحا رجليه من الرجال ف المتو‪ ،‬والمشكلة أنها فعلت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ز‬
‫متر ف متو به عدة أماكن فارغة بحيث يمكن للشخص الجلوس كما شاء فعًل لعدم ضيق المكان‪ .‬يبدو هذا سلوكا ومطالبة متطرفة‪ ،‬طالما‬ ‫ذلك دون ر‬
‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫نطالب بحرية جسد المرأة ورفض أفكار زي وسلوك الحشمة الدين ‪ ،‬فمن حق الرجال كذلك حرية السلوكيات الشخصية ومنها طريقة الجلوس ما لم‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ُ‬
‫تك ْن مواصلة مزدحمة‪ ،‬ولعل آخر ما قالته المؤلفة ف هذه الفقرة عن اختاع النسويات الغربيات لمشاكل لحلها لعدم وجود مشاكل كبتة ف حقوق‬
‫ز‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫المرأة ف الغرب ف عرصنا يدل عىل رؤيتها أن تلك األمور مبالغ فيها ومتطرفة وهو نفس رأن‪ .‬بدأت المناقشة العامة حول طريقة الجلوس هذه ف عام‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫‪ 2013‬ف حملة مكافحة التحرش الجنس ف موقع التواصل االجتماع تمبلر؛ وظهر المصطلح بعد عام‪ .‬وبحسب ويكيبيديا‪ :‬استعملت الحركات‬
‫المانستيدينج اعتداء عىل‬
‫ر‬ ‫يدينج أحد أشكال التحرش الجنس‪ ،‬ومن جهة أخرى رأى الكثت من الناس أن‬ ‫ست ِ‬
‫واعتتت المان ر‬
‫ر‬ ‫النسوية المصطلح‬
‫ز ُ ْ‬
‫كتعبت عن‬
‫ٍ‬ ‫فاتحات أرجلهن‬
‫ٍ‬ ‫الجنسي‪ ،‬ون رِشت ُالكثت من الصور ِلنساء يشغلن مساحة مفرطة بطريقة ُجلوسهن‬ ‫مساحة الغت يمكن أن يمارسه كال‬
‫لتي زف أغسطس ‪ - 2015‬المتجم‪.‬‬ ‫انتقاد طريقة جلوس بعض الرجال بهذه الطريقة‪ .‬وقد أضيف المصطلح زف قاموس أكسفورد اإلنچ ز‬
‫ِ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪235‬‬
‫تخيلوا لو َكانَت سوزان ب‪ .‬أنتوني وبقية المطا ِلبات بحق التصويت على قيد الحياة اليوم‪،‬‬
‫بدال من أن تساعدهن في كفاحهن من أجل التحرر تقرر تجاهلهن ألنَّك تخاف أن دعمك‬ ‫لَ ِكنَّك ً‬
‫لهن قد يساء تفسيره على أنه تعصب أو عنصرية؟ فما بالك باألسوأ إذا اخترت أن تدعم الناس‬
‫ت تحت السيطرة؟ لألسف‪ ،‬هذا ما يحدث‬ ‫الذين يريدون إبقاء هؤالء النِساء الباسالت خاضعا ٍ‬
‫بالضبط في العصر الحالي‪ .‬هذا بالضبط ما تفعله اليوم الكثير من الشركات الغربية الكبرى‪،‬‬
‫فبدال من االحتفاء بهؤالء الشجاعات المحاربات من أجل الحرية‬ ‫ومجموعات نسوية غربية‪ً .‬‬
‫اللواتي ال يردن إال حريتهن الشخصية‪ ،‬يحتفي الغرب بذات الشي الذي تحارب النِسا ُء ضده‪.‬‬

‫ورمزا لألنوثة والنسوية حجابًا لكي ال تغري‬ ‫ً‬ ‫تلبس باربي اآلن التي َكانَت ذات يوم منارة ً‬
‫ضا بَنانا ِر ِيبَ ْب ِل ْك؛‬
‫الرجال على اغتصابها‪ .‬ويبيع ماركس وسبنسر ‪-‬أحد أكبر متاجر بريطانيا‪ -‬وأي ً‬
‫الحجاب‪ .‬يدعم الغرب الحر ‪-‬الذي َكانَت هؤالء الفتيات وال ِنساء الشجاعات ينظرن إليه على أنَّه‬
‫شعلة ضوء وأمل‪-‬؛ قامعي‪ ،‬وظالمي النِساء‪ ،‬ويحاربون ضد تقدمهن‪ ،‬وتحررهن في نهاية األمر‬
‫يِ‪،‬‬‫بالعص ّ‬
‫ِ‬ ‫النقاب‪ ،‬بينما تَربط النِساء في إيران األحجبة‬
‫َ‬ ‫نتيجةً لذلك‪ .‬تَ ْح ِر ُق النِسا ُء في السعودية‬
‫ويلوحن بها في صمتٍ‪ ،‬وتح ٍد في الشوارع‪ ،‬وهن يُ ْعتَقَ ْلنَ بالعشرات‪ .‬بينما في الغرب تضع نايكي‬
‫شعارها على الحجاب‪.‬‬ ‫َ‬

‫نحن نقبل‪ ،‬وندعم طواعيةً إخضاع أخواتنا في الشرق‪ ،‬رغم أنَّنا ما كنا لنقبل ذلك أبدًا ألنفسنا‪،‬‬
‫ت على "تحرير حلمة الثدي"‪،‬‬ ‫أو أخواتنا في الغرب‪ .‬نحن نطالب هنا بأن تكون النِساء قادرا ٍ‬
‫س ُه َّن‪.‬‬
‫بينما ندعم من يطالبون في الشرق بأن تغطي ال ِنساء رؤو َ‬

‫من المحزن مشاهدة هذا االنفصام‪ .‬تبحث الشابات هنا عن معركة‪ ،‬بينما الشابات هناك في‬
‫أن َي ُك ْن أفضل رفيقات داعمات‪ .‬لو قررت‬ ‫ت يقفن معهن‪ .‬من المفترض َّ‬ ‫س الحاج ِة إلى محاربا ٍ‬
‫أ َم َّ‬
‫ضا؛ عبر حدود الدول لما بقيت البطريركية‪ .‬ال تستطيع‬ ‫النِساء فقط أن يدعمن بعضهن بع ً‬
‫البطريركية التواجد دون مشاركة فعلية من النِساء‪ .‬يفضل الرجال زوجة مختونة لَ ِك َّن األمهات‬
‫ور ُه َّن‪ ،‬ويشوهن أعضاءهن التناسلية‪ .‬نحن‬ ‫هن اللواتي يأخذن بناتهن لكي تَبتُر نساء أخريات بُ ُ‬
‫ظ َ‬
‫نمسك ببناتنا ذوات الخمس سنوات‪ ،‬وهن يصرخن‪ ،‬ونسمح إلمرأة باستعمال مشرط للتقطيع من‬
‫رجاال يفضلون جعل ال ِنساء كذلك‪ .‬علينا أن ننهض‪ ،‬ونقول ال‪ .‬يجب‬ ‫ً‬ ‫أعضائهن التناسلية؛ َّ‬
‫ألن‬
‫بدال من مقاتلة بعضنا‬ ‫على النِساء أن يقفن من أجل بناتهن‪ .‬علينا أن نقاتل البطريركية معًا ً‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪236‬‬
‫البعض‪ .‬يجب أن تقف األخوات مع بعضهن البعض‪ ،‬ويجب على الجارات أن يقفن مع بعضهن‬
‫البعض‪.‬‬

‫ال يوجد خيار للنساء في الدول ال ُم ْس ِلمة إال الكفاح‪ ،‬أو الهروب‪ ،‬أو الخضوع‪ ،‬وفي العادة‬
‫يخترن الخضوع‪ .‬كلمة اختيار ليست هي الكلمة الصحيحة هنا في هذا السياق‪ .‬النِساء يَ ْقبَ ْلنَ ‪ ،‬وال‬
‫ض ْعنَ ‪ .‬في عالم أنت فيه سمكة سلمون وحيدة تسبح ضد تيار جارف يجب أن‬ ‫َي ْخت َ ْرنَ ‪ ،‬إنهن َي ْخ َ‬
‫الر ُجل الذي اختير‬ ‫لك‪ ،‬وتتزوجين َ‬ ‫ت ِ‬ ‫نتفهم أنَّه ال خيار لك إال الخضوع‪ .‬تقبلين بالحياة التي ُر ِس َم ْ‬
‫لك‪ ،‬وتنجبين له أطفاله‪ .‬ثم تموتين على أمل أنَّه بعد موتك تتركين جهنم إلى الجنة‪.‬‬

‫ضا خيار غير شائع وهو الهرب‪ .‬توجد قصص كثيرة حول نساء ه ََربْنَ من عائالتهن‪،‬‬ ‫يوجد أي ً‬
‫ت على أنفس ِه َّن في دول أخرى ليس لَدَيهن‬ ‫معتمدا ٍ‬
‫ِ‬ ‫أو أزواجهن‪ ،‬وحاولن البقاء على قيد الحياة‬
‫أن بعض‬ ‫فيها دعم من عائلة‪ ،‬أو مجتمع‪ ،‬أو أصدقاء‪ ،‬أو موارد‪ .‬انه خيار صعب؛ واألسوأ هو َّ‬
‫النِساء ‪-‬مثل دينا علي‪ -‬لم ينجونَ ‪ .‬فقد حاولت دينا(سنة ‪)2017‬الهروب من عائلتها في السعودية‬
‫ت من ركوب رحلتها إلى أستراليا‪ .‬أخبرت بقية‬ ‫لكن في أثناء توقفها في مطار مانيال ُم ِن َع ْ‬
‫وف يقتلها‪ .‬كتبت على‬ ‫وأن أباها قادم الستالمها‪ ،‬وأنَّه َ‬
‫س َ‬ ‫المسافرات أنَّها خائفة على حياتها‪َّ ،‬‬
‫ت دينا من يديها‪ ،‬وقدميها‬ ‫تويتر‪ ،‬وتوسلت إلى العالم كي ينقذها َل ِكنَّنا لم نحرك ساكنًا‪ .‬قُ ِيّدَ ْ‬
‫بأشرطة الصقة غليظة‪ ،‬وأ ُ ْر ِغ َمت على ركوب طائرة عائدة إلى السعودية‪ ،‬وقال شهود عيان‬
‫ت باإلكراه إلى‬ ‫كانوا على الطائرة أنَّها َكانَت تبكي‪ ،‬وتطلب المساعدة‪ ،‬وإنقاذها بعدما ُح ِملَ ْ‬
‫الطائرة‪ .‬لم يسمع أحد عنها شيئا منذ ذلك الوقت‪.‬‬

‫وختا ًما الخيار األخطر وهو الكفاح‪ ،‬والمقاومة‪ .‬النِساء الالتي يعشن في مجتمعات القمع‪،‬‬
‫ويقا ِو ْمنَ ت ُ ْس ِكت ُ ُه َّن عائالت ُ ُه َّن‪ ،‬أو حكومات الدول اإلسالمية‪ ،‬وأجهزتها األمنية القمعية‪ .‬إحدى‬
‫الحاالت الكثيرة الشهيرة هي حالة لُ َجيْن الهذلول‪ .‬دَ َرست لُجين في نفس الجامعة التي درست‬
‫فيها في كندا‪ .‬بعد تخرجها صارت إحدى أعتى ال ُمناديات بحقوق النِساء في السعودية‪ .‬فازت‬
‫بالعديد من جوائز المساعي اإلنسانية لجهودها‪ ،‬وكفاحها الذي ال يكل‪ ،‬وال يمل من أجل حق‬
‫النِساء في السعودية في قيادة السيارة‪ ،‬وفي أن يعُا َم ْلنَ كمواطنات مساويات للرجال‪ ،‬ومن أجل‬
‫باستمرار‪ ،‬وكأنَّهن يعشن‬
‫ٍ‬ ‫ت‬‫ت تابعا ٍ‬ ‫ت خاضعا ٍ‬ ‫إلغاء قوانين الوالية التي تجعل من ال ِنساء سجينا ٍ‬
‫في سجن في الهواء الطلق‪ .‬وفقًا ِلقوانين الفصل‪ ،‬والعزل العنصري الجندري هذه‪ ،‬ال يمكن‬
‫الر ُجل‪ ،‬يجب أن تحصل على‬ ‫للمرأة عمل أبسط األشياء دون إذن‪ ،‬وتصريح َوص ِيّها‪ ،‬أو و ِل ِيّها َ‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪237‬‬
‫تسافر‪ ،‬وفي بعض الحاالت َحتّى لكي تتمكن من‬ ‫َ‬ ‫إذنه قبل أن تفتح لنفسها حسابًا بنكيًّا‪ ،‬أو‬
‫َت دولةُ المملك ِة العربي ِة السعودي ِة لُجين‪ ،‬والعشرات من‬
‫س َجن ْ‬‫الحصول على العالج الطبي! وقد َ‬
‫نشاطهن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال ِنساء الناشطات بسبب‬

‫ورغم ُك ّل كفاح النِساء في العالم ال ُم ْس ِلم؛ فلَ ْن ننجح إال إذا اتحدّنا ُكلّنا‪ .‬يجب على النِساء في‬
‫الشرق العمل معًا‪ .‬أما بالنسبة الى ال ِنساء في الغرب؛ أرجو ُك َّن أن تمدُّن أيد َي ُك ْن إلى ال ِنساء في‬
‫معكن‪ .‬يا ُك ّل من يؤمن بالحرية‬ ‫َّ‬ ‫الشرق‪ ،‬وتساعدوهن على طريق الوصول إلى المساواة‬
‫والمساواة؛ ارجوكم ادعموا المكافحات من أجل الحرية في الدول ذات الغالبية ال ُم ْس ِلمة‪ .‬إنهن‬
‫َي ْحت َ ْجنَ إليكم‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪238‬‬
‫عرفان بالجميل‬
‫أوال وفي المقام األول شكر زوجي على دعمه لي خالل رحلتي المؤلمة نفسيًّا في كتابة‬ ‫أود ً‬
‫شكرا ألنَّك سرت معي وأنا في حالة اضطراب جامودي إلى الشاطئ كي أشاهد‬
‫‪98‬‬
‫ً‬ ‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫األمواج َحتّى أحسست نفسي أعود إلى جسدي مجددا‪ .‬شكرا ألنك ساعدتني على استعادة مزاجي‬
‫الطبيعي ُك ّل مرة عبر ُمسايرتي؛ ُكلّما رغبت في أكل الكعك‪ ،‬أو الدجاج المقلي‪ .‬كم أنا سعيدة‬
‫ألَنّي وجدتك؛ أنا أكثر ال ِنساء ح ً‬
‫ظا في العالم‪.‬‬

‫ي ِ اللتَي ِْن تح َّملتا نوبات بكائي العشوائية‪ ،‬وحاجتي المفاجأة لتدوين ذكرى ُك ّل فترة‬
‫وأشكر ابنتَ ّ‬
‫شكرا لكما لت َح ُّملكما إياي‪ ،‬وأنا أحكي ذكرياتي على غرار‪:‬‬
‫ً‬ ‫على هاتفي ألنَّها قد داهمتني بغتة‪.‬‬
‫ي عيد ميالد في صغري"‪ .‬شكرا ألنَّكما أكثر البنات‬ ‫أح َ‬
‫ظ بأ ّ‬ ‫"أوه‪ ،‬أتعتقدين أن هذا سيء؟ لم ْ‬
‫َّ‬
‫عليهن‪.‬‬ ‫روعةً‪ ،‬ومحبةً‪ ،‬ومراعاةً‪ ،‬وعنايةً‪ ،‬وإدها ً‬
‫شا يمكن أل ٍ ّم أن تحصل‬

‫س على تشجيعه لي على نشر هذا الكتاب بعدما‬


‫هار ْ‬
‫الشكر الخاص لسام ِ‬ ‫َ‬ ‫كما أريد أن أو ِ ّجهَ‬
‫ُك ْنتُ قد فقدت ُك ّل رغبة في نشره‪ .‬لقد َكانَ وابل رسائل الرفض‪ ،‬والكراهية المتواصل الذي‬
‫أغرقني يجعلني أرغب في االستسالم‪ .‬لكن لطف سام‪ ،‬وصبره‪ ،‬ودعمه المتواصل غيَّر من‬
‫رأيي‪ .‬لم تكونوا لتقرأوا هذا الكتاب لواله‪.‬‬

‫ي على تمهيد الطريق لنا ُكلّنا‪ ،‬وعلى اإللهام الذي تقدمه من خالل‬ ‫أشكر إيان هرسي عل ّ‬
‫شجاعتها‪ ،‬وقوتها‪ ،‬وتهذيبها‪ ،‬ولطفها‪ .‬دون مثالك على الشجاعة ما ُك ْنتُ أبدًا ألجد الشجاعة في‬
‫ت الطريقَ لي‪ ،‬وللماليين مثلي‪ .‬شكرا ل ُك ّل‬ ‫شكرا ألنَّك أنر ِ‬
‫ً‬ ‫شق طريقي من الصفر مثلك‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ال ُم ْس ِلمين السابقين اآلخرين الذين َكانَت لهم الشجاعة الكافية إلظهار وجوههم‪ ،‬والتكلم علنًا‪.‬‬

‫تتمت بحركات غت طبيعية‪ ،‬الالحركية‪ ،‬سلوكيات غت طبيعية وانسحاب‪ .‬قد‬ ‫ز‬ ‫شذوذ الحركة أو الجامود هو متالزمة سلوكية عصبية نفسية معقدة‬
‫‪98‬‬

‫‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫يكون بدء الجامود حادا أو غت ملحوظ واألعراض قد تخف أو تتضاءل أو تتغت خالل النوب هناك عدة أنواع فرعية للجامود مثل الجامود الالحرك‪،‬‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫الذهان والسلوكيات المتعمدة إليذاء النفس ف التوحد‪.‬عىل الرغم من ارتباط الجامود التار ز‬
‫يح بالفصام‬ ‫الجامود االنفعاىل‪ ،‬الجامود الخبيث‪ ،‬الهوس‬
‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ز‬
‫غالبا ما يشاهد ف االضطراب المز راح‪ .‬من المعروف حاليا أن أعراض الجامود غت محددة ويمكن أن تشاهد ف العديد من‬ ‫(الفصام الجامودي) َلكنه ً‬
‫ِ‬
‫الختاء) بل ُيستخدم‬‫ر‬ ‫طبيا بحد ذاته (عىل الرغم من معارضة بعض‬ ‫ً‬
‫تشخيصا ً‬ ‫االضطرابات النفسية والعصبية والطبية األخرى‪ .‬الجامود ليس‬
‫المصطلح لوصف سمة لالضطراب المستبطن‪.‬المتجم‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪239‬‬
‫شكرا ألنَّكم ألهمتم اآلخرين كي يعيشوا حياة حقيقية خالية من الزيف‪ ،‬وأل َّنكم شاطرتموهم‬
‫المغامرة‪ .‬كلما خرج عدد أكبر منا إلى العلن‪ ،‬صرنا ُكلّنا في أمان أكثر‪ .‬أنتم أبطالي‪.‬‬

‫مثال في قول الحقيقة مهما‬ ‫فخورا بي‪ .‬أنا أتَّخذك ً‬


‫ً‬ ‫شكرا كريستوفر هيتشنز‪ ،‬وأعتقد أنَّك ستكون‬ ‫ً‬
‫شكرا ريتشارد دوكينز ألنَّك أحد أولئك الشجعان‬ ‫ً‬ ‫َكانَ البعض يجدها مسيئة من وجهة نظرهم‪.‬‬
‫الذين ال يتراجعون‪ ،‬أو ي ُْح ِجمون عن نقد اإلسالم‪ ،‬وينتقدونه بنفس الطريقة التي ينتقدون‪،‬‬
‫ي دين‪ ،‬أو أيديولوجيا أخرى رغم ُك ّل ردود الفعل العنيفة‪ .‬شكرا ديڤ روبين‬ ‫ويدرسون بها أ ّ‬‫ِ‬
‫شكرا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إياي في برنامجك‪ ،‬وجعلي أنسى قليال التوتر الذي كاد يجعلني أفقد وعيي!‬ ‫َ‬ ‫الستضافتِ ِك‬
‫ماجد نواز‪ ،‬وطارق فتاح‪ ،‬وإمام توحيدي‪ ،‬وإسراء نعماني‪ ،‬وراحيل رضا‪ ،‬و ُك ّل ال ُم ْس ِلمين‬
‫اآلخرين الذين تكلموا علنًا دع ًما لل ُم ْس ِلمين السابقين‪ ،‬و ُك ّل األقليات المنبوذة المضط َهدة تحت حكم‬
‫الشريعة‪ .‬أنا أتشرف للغاية بمعرفتكم جميعًا‪.‬‬

‫شكرا بن أفليك‪ .‬ألنَّه لو لم يشن ذلك الهجوم الخارج عن المقبول على‬


‫ً‬ ‫و األهم من ال ُك ّل‬
‫برنامج بيل مار؛ لَما فكرت على األرجح في أن أصبح ناشطة؛ فبعد مشاهدته يهذي دون تناس ٍ‬
‫ق‬
‫س شعرت بنفس شعور شخصية إيلين في تلك الحلقة من سينفيلد؛ حيث َكانَ الجميع‬ ‫هار ْ‬
‫أمام سام ِ‬
‫يأكل األطعمة اإلصبعية الشكل بما في ذلك الشوكوالتة بالسكين‪ ،‬والشوكة‪ .‬فقامت وصرخت‪:‬‬
‫"هل جننتم جميعًا؟"‬

‫لقد َكانَ ذلك الشعور هو ما دفعني إلى هذا العالم من النشاط دفعًا‪ .‬كيف لي أن أجلس دون‬
‫ِحراك‪ ،‬وأنا محاطة بأشخاص يتصرفون بسخافة‪ ،‬وعلى نح ٍو منافٍ للعقل؟ أردت أن أقول لهم‬
‫ً‬
‫مقززا‪ ،‬وعنصريًّا بل بن أفليك‪ .‬فهو الذي َكانَ يعامل الناس بطرق مختلفة‬ ‫أنَّه ليس سام الذي َكانَ‬
‫بنا ًء على إثنيّتهم‪ .‬وذلك هو التعريف الحقيقي للعنصرية‪.‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪240‬‬
‫ت َرث النِساء‪ ،‬والمفكرون األحرار في المجتمعات ال ُم ْس ِلمة التقليدية عبئًا مضاعفًا‪ .‬فإذا أرادوا العيش في العالم‬
‫الكثير‬
‫َ‬ ‫ضا‬
‫الحديث فعليهم ليس فقط مواجهة الثيوقراطيين (المتعصبين دينيًّا) في منازلهم‪ ،‬ومدارسهم‪ ،‬بل وأي ً‬
‫ساتهم بخصوص العنصرية الذين‬ ‫من الليبراليين العلمانيين لعدم مباالتهم‪ ،‬ونفاقهم‪ ،‬وتقواهم الزائفة‪ ،‬وهلو َ‬
‫ُ‬
‫يضيفون حجابًا آخر على معاناتهم‪ .‬تقبل ياسمين ُم َح َّمد في كتابها السافرة هذا التحدي بك ّل ما في العالم من‬
‫بأن نقد اإلسالم ضرب من ضروب التعصب‪ .‬فلتُلهمك شجاعتها‬ ‫شجاعة مكذبة الفكرة الخطيرة القائة َّ‬
‫وحكمتها"‪.‬‬
‫س؛ مؤلف كتاب نهاية اإليمان‬ ‫هار ْ‬
‫سام ِ‬

‫منذ الحادي عشر من سبتمبر(‪ ،)2001‬والعالم الغربي منشغل باإلسالم ودوره في اإلرهاب‪ .‬إال َّ‬
‫أن النقاش‬
‫السالم‪ ،‬بينما يدعي الطرف اآلخر‬
‫ِ‬ ‫باعتبار ِه دينَ‬
‫ِ‬ ‫طب في جهتين‪ ،‬أحدهما يمتدحه‬ ‫العام حول دين اإلسالم مستق َ‬
‫أن ُك ّال الطرفين خاطئان على نحو‬
‫أن ُك ّل ال ُم ْس ِلمين إرهابيون‪ .‬تعتقد ياسمين ُم َح َّمد الناشطة في حقوق اإلنسان َّ‬
‫َّ‬
‫شديد‪.‬‬

‫في كتابها‪ ،‬وقصة حياتها "سافرة كيف يم ّكن الليبراليون الغربيون األصولية والتشدد اإلسالمي"‪ ،‬تتحدث‬
‫ي ٍ متشدد‪ .‬رغم‬ ‫ت في العالم الغربي؛ لَ ِكنّها ُر ِبّيَ ْ‬
‫ت في بي ٍ‬
‫ت إسالم ّ‬ ‫ياسمين عن الحقيقة التي مرت بها كإمرأةٍ ُو ِلدَ ْ‬
‫كونها أول جيل كندي من أسرتها‪ ،‬فقد عاشت فترة كبيرة من طفولتها كأنَّها تعيش في غير وطنِها كندا‪ ،‬ورغم‬
‫أنَّها ذهبت إلى مدارس إسالمية‪ ،‬وألبسوها الحجاب منذ سن التاسعة‪ ،‬فإن ياسمين لم تتواءم أبدًا مع أسرتها‬
‫ضا‪ .‬ولكون ياسمين عاشت بين العالَمين الغربي‪ ،‬واإلسالمي بهذه الطريقة‪ ،‬فهي قادرة إلى حد كبير‬ ‫ال ُم ْس ِلمة أي ً‬
‫على أن ترى كليهما بطريقة موضوعية من الخارج‪ ،‬وفي نفس الوقت قريبة من كال العالَمين كي تراهما‬
‫بأمانة‪ ،‬وصدق‪.‬‬

‫ي في كتابها وقصتها "كافرة"‪ ،‬ورواية "حكاية‬ ‫ِل َكون مذكرات ياسمين أشبه بمزيج من قصة أيان هرسي عل ّ‬
‫عالم أغلب الغربيين غير ُم َّ‬
‫ط ِلعين عليه‪ .‬تهدف‬ ‫األ َمة" للكاتبة الكندية مارچريت آتوود‪ ،‬فإنها ت ُ ْ‬
‫ط ِل ُع القرا َء على ٍ‬
‫ألكثر من خمسة عشر سنة إلى أن تكشف عن الحقيقة‪ .‬هل تشويه‪ ،‬وبتر األعضاء‬ ‫َ‬ ‫ياسمين كأستاذة جامعية‬
‫التناسلية لإلناث (الختان) ممارسة إسالمية أم ثقافية؟ هل الحجاب باإلجبار‪ ،‬أم هو اختيار؟ هل تمثل داعش‬
‫اإلسالم "الحقيقي" ؛أم انحرافًا متطرفًا؟ ولماذا هناك تضارب كبير للغاية في المعلومات؟ و كمعظم‬
‫المجتمعات المنعزلة؛ فإن العالم اإلسالم لَدَيه "خطاب متطرف"‪ ،‬و"خطاب معتدل" ؛وغالبًا ما يتحدث باألول‬
‫مع أفراده‪ ،‬وفي مجتمعاته‪ ،‬بينما يخاطب باألخير الغرب‪ ،‬والدول غير اإلسالمية‪ .‬فمن المستحيل على المشاهد‬
‫المتابع أن يحصل على إجابة صحيحة دون اطالع ودراسة‪.‬‬

‫ودون إخبار الناس مباشرة ً بما عليهم أن يعتقدوا به‪ ،‬فإن كتاب أو مذكرات "سافرة" يخطي الخطابة‪ ،‬ويرشد‬
‫الباحثين عن الحقيقة في روايات وتقارير اإلعالم‪ ،‬والصوابية السياسية‪ ،‬واألكاذيب الفجة إلى تجاوزهذه‬
‫المصادر‪ ،‬ويش ِ ّجع القرا َء على الوصول إلى استنتاجاتهم الخاصة بهم‪.‬‬
‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪241‬‬
‫ناشطة حقوق اإلنسان الكندية ياسمين ُم َح َّمد ال ُمناصرة لحقوق ال ِنساء‬
‫الالتي يعشنَ في الدول ذات األغلبية ال ُم ْس ِلمة‪ ،‬والالتي يكافحن ضد التشدد‬
‫ضا مؤسسة "قلوب حرة‪ ،‬عقول‬ ‫طه‪ .‬ياسمين هي أي ً‬ ‫الدّيْني الذي يعشن وس َ‬
‫ي لل ُم ْس ِلمين السابقين الذين يعيشون‬ ‫الدعم النفس َّ‬
‫َ‬ ‫حرة"‪ ،‬وهي مؤسسة تقدم‬
‫في الدول ذات الغالبية اإلسالمية‪ ،‬حيث هناك عقوبة قانونية تفرضها كثير‬
‫من تلك الدول على ترك اإلسالم بالقتل‪ ،‬أو يؤدي ترك اإلسالم في بعضها‬
‫اآلخر إلى خطر القتل على يد األفراد اآلخرين في المجتمع أو الجماعات‪.‬‬
‫َعرهما الرائع ينساب‬ ‫اليوم مع ابنتيها في كندا‪ ،‬اللتين تُط ِلقان ش َ‬ ‫َ‬ ‫إنها تعيش‬
‫ي فكرة عن‬ ‫بال حجاب‪ ،‬ومع زوجها المحبّ ِ المسان ِد لها الذي لم يَ ُك ْن لَدَيه أ ّ‬
‫قصة حياتها عندما تزوجها منذ أكثر من عق ٍد من الزمان‪ .‬إن كتابها وقصة‬
‫حياتها "سافرة كيف يمكن الليبراليون الغربيون األصولية والتشدد‬
‫اإلسالمي" هو أول كتاب لها‪.‬‬
‫يمكنك التحدث مع ياسمين عن طريق موقع اإلنترنت‬
‫‪www.YasmineMohammed.com‬‬

‫‪translationsproject.org‬‬

‫‪242‬‬

You might also like