You are on page 1of 12

‫الصراع‪ :‬توضيحات وتطبيقات‬

‫تتأتى براعة السرد من القدرة على رسم هذه الصراعات‪ ،‬وفضح تفاصيلها‪ ،‬وإظهار مستوايهتا‬
‫بدقة للمتلقي الذي يدخل عامل السرد متوقعا أفقا عاما مليئا ابلتشويق‪ ،‬وال شك أن هذه‬
‫الصراعات تعترب مادة أساسية يف خلق اإلاثرة اليت يشتهيها املتلقي‪ ،‬ويرغب يف التعرف إليها‪،‬‬
‫وفهمها‪ ،‬وإطالق احلكم عليها‪ ،‬ليعاقب القوة الظاملة‪ ،‬وينتصر للطرف اآلخر الضعيف‪.‬‬
‫األمثلة على ذلك كثرية جدا تكاد تغطي عامل السرد الذي ألفناه على مستوايت خمتلفة‪:‬‬
‫احلكاايت العاملية لألطفال‪ ،‬واملسرح‪ ،‬والقصص‪ ،‬والرواايت‪ ،‬واألفالم املرئية‪ ...‬إخل ‪ .‬فعلى سبيل‬
‫التمثيل‪:‬‬
‫‪ -‬حكاية "سندريال" اليت حكت وجود الصراع بني الطبقات االجتماعية‪ ،‬وضرورة جتاوز‬
‫ذلك حىت نلتقي إنسانيا‪ ،‬وهي قصة شعبية معروفة لألطفال‪ ،‬وإن كان يُشار إىل رودوبيس‬
‫ابعتبارها أقدم نسخة أدبية متثل حكاية سندريال‪ُ ،‬كتبت ما بني عامي ‪ 7‬ق‪.‬م و ‪23‬‬
‫بعد امليالد‪.‬‬
‫‪ -‬مسرحية روميو وجولييت‪ ،‬وهي من أشهر الكالسيكيات العاملية اليت كتبها شكسبري‪،‬‬
‫وحتكي عن الصراع القائم بني أرقى عائالت فريوان يف إيطاليا‪ ،‬وحنن يف هذه املسرحية ال‬
‫نعلم سبب الصراع الذي يبدو قدميا جدا‪ ،‬يف إشارة ذكية من املؤلف إىل قدم الصراعات‬
‫البشرية‪ ،‬وانسراهبا فينا حبيث تشكل هويتنا من حيث نعلم وال نعلم‪.‬‬
‫‪-‬حكاية مجيلة والوحش اخلرافية‪ ،‬وهي رسوم متحركة لألطفال صدرت عام ‪1991‬‬
‫لتحكي كذلك الصراع بني‬

‫القبح واجلمال‪ ،‬والغىن والفقر‪ ،‬والطبقات االجتماعية اليت تُعترب من أهم أسباب الصراع‬
‫البشري منذ حضوره‬

‫على وجه األرض‪.‬‬

‫‪-‬ومن الرواايت اجلميلة اليت حاولت الغوص يف الصراعات اإلنسانية القائمة على‬
‫االختالف رواية اجلرمية‬

‫والعقاب للكاتب الروسي دوستوفسكي‪ ،‬فالبطل الذي يقتل العجوز إيفانوفيا ويسرق‬
‫ماهلا‪ ،‬حياول التسويغ‬

‫لفعلته‪ ،‬واكتساب تعاطف املتلقي معه‪ ،‬وحماولة إقناعه أبن الفقر يدفع لذلك ويشرعنه‪.‬‬
‫‪-‬فلم أان روبوت الذي مثله ويل مسيث‪ ،‬وهو فلم خيايل علمي صدر عام ‪2004‬م‪،‬‬
‫مقتبس من أان روبوت‪ ،‬وكهوف الصلب للكاتب إسحاق عظيموف‪ ،‬وهي قصة حتكي صراع‬
‫اإلنسان مع اآللة‪ ،‬وهو صراع بدأان‬

‫نلمس جتلياته يف املدنية املتضخمة اليت نعيشها اآلن‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن أي اختالف يكمن بني اإلنسان واإلنسان‪ ،‬أو بني اإلنسان والطبيعة ميكن أن‬
‫يش ّكل صراعا مشروعا‪ ،‬يرويه الكاتب ابلتفاصيل اليت ختلق منه إاثرة فكرية ونفسية‪ ،‬تشحذ‬
‫املتلقي للمتابعة حىت النهاايت‪.‬‬
‫لنتأمل الصراع القائم يف مسرحية روميو وجولييت لشكسبري‪ ،‬فقد كان الصراع حاضرا يف هذا‬
‫السرد الراقي املمثل بصورة استثنائية‪ ،‬ولشدة أمهيته‪ ،‬فإن الكاتب قد بدأ مسرحيته ابحلديث عنه‪،‬‬
‫وجعل الصراع مدخال مهما هلذه احلكاية‪:‬‬
‫تبدأ الجوقة المشهد األول ‪ ،‬تقول‪:‬‬

‫ف بلدة رفيونا الحسناء (حيث المشهد)‬

‫عائلتان يزينهما كرم المحتد‬

‫تصحو عندهما أحقاد الماض الهوجاء‬

‫فيلوث دم أهل البلدة أيدي ر‬


‫الشفاء‬

‫الخصمي الرعناء‬
‫ر‬ ‫لكن من أصالب‬

‫يخرج للنور حبيبان‬

‫تعبس لهما األفالك‬

‫وتذيقهما أسواط هالك‬


‫َ‬
‫فتواري ف األرض بموتهما حقد الباء‬

‫ولسوف نصور هذي الساعة فوق المشح‬


‫قصة حب ذي أهوال رييصده الموت‬

‫ونزاع شيوخ لم تدفنه سوى مأساة األبناء‬

‫وصيتم يا سادتنا‬
‫فإذا أصغيتم ر‬

‫فلسوف نعوض ما فاتكمو من قصتنا‬


‫مسرحية روميو وجولييت لشكسبري‬
‫نالحظ هنا وجود القوتني املتصارعتني‪ :‬العائلتني اللتني تصحو بينهما أحقاد املاضي‪.‬‬
‫عم أهل البلدة‪ ،‬وما أن نستفيق من‬‫وقد بلغ الصراع مداه حني تكلل ابلقتل والدم واملوت الذي ّ‬
‫فكرة الصراع العام حىت تدخلنا اجلوقة يف صراع آخر‪ ،‬حيث يقف احلبيبان من العائلتني يف‬
‫مواجهة كبرية هلذه األحقاد القدمية‪ ،‬ومرة اثنية يصل الصراع لذروته حىت ميوت احلبيبان بسبب‬
‫هذا الصراع‪ ..‬وعلى ذلك فإن هذه املسرحية اليت متّ اختزاهلا يف حديث اجلوقة ستكون مسرحا‬
‫لصراع طويل‪ ،‬قوي‪ ،‬يتواجه فيه عاملان من أجيال متعددة لعائلتني من عوائل فريوان‪.‬‬

‫وإذا وصلنا إىل هناايت احلكاية‪ ،‬ننتبه كيف يتطور الصراع‪ ،‬وكيف يقرر روميو أن يقتل‬
‫ظن أن حبيبته جولييت قد ماتت‪ ،‬فهو مل يكن يعلم ابحليلة اليت عمدت إليها‪،‬‬ ‫نفسه بعد أن ّ‬
‫حني قررت أن أتخذ دواء يوحي مبوهتا ختلصا من طلب ابريس ابلزواج منها‪ .‬على لسان روميو‬
‫وهو يقف أمام جولييت امليتة ظاهراي‪ ،‬وميسك ابلسم كي يتجرعه‪:‬‬
‫سأظل هنا مع ديدان غدت اليوم وصيفاتك‬

‫وهنا أرس أسس مقام األبدي‬

‫وأخلص نفس‬

‫وأحرر منه جسدا أنهكه هذا العالم‬

‫دعن ألق عليها آخر نظرة‬

‫وأطوقها بذراع لخر مرة‬

‫يا ر ّ‬
‫شفن أيا أبواب األنفاس لنعقد هاتيك الصفقة‬

‫ذات األجل الدائم ‪ ..‬مع موت غاشم‪ ..‬بطهارة قبلة‬

‫‪...‬‬

‫حبين ‪ -‬ر‬
‫يشب السم‪ -‬ما أخلص صانع هذا السم!‬ ‫هذا نخب ر‬

‫ما أرسع ما يفعل فعله ‪ ..‬وبذاك أموت عىل قبلة!! ‪ -‬يلفظ أنفاسه‪-‬‬
‫مسرحية روميو وجولييت لشكسبري‬
‫وال ترتكنا املسرحية حىت توقعنا يف صراع أخري‪ ،‬حني تستيقظ جولييت وترى أن حبيبها مات‪،‬‬
‫فتقرر أن متوت كذلك‪ ،‬ونكاد ال نلتقط أنفاسنا وحنن نرتقب كيف ستنفذ قرارها‪:‬‬
‫زوج المخلص!‬
‫ما هذا؟ هذي كأس ف يد ر‬

‫بحبين قبل أوانه!‬


‫ر‬ ‫يبدو أن السم مض‬

‫ما أبخلك جرعت السم ولم رتيك ل قطرة‬

‫لم رتيك ما رأرسبه ك ألحق بك؟ سأقبل شفتيك‬

‫فلعل بقايا سمك عالقة بهما‬

‫يحن النفس‬ ‫ر‬


‫كيما ألق بما ر‬

‫ما زال الدفء بشفتيك ‪..‬‬

‫أسمع ضجة!! ال بد إذن أن أرسع‬

‫ئ‬
‫الهان ‪-‬تأخذ خنجر روميو‪ -‬هذا غمدك‬ ‫يا خنجري‬

‫‪-‬تطعن نفسها‪-‬‬

‫فلتصدأ فيه إذن‪ ..‬وألمت الن ‪..‬‬

‫‪ -‬تسقط فوق جثة روميو وتموت‪!!-‬‬


‫مسرحية روميو وجولييت لشكسبري‬
‫ابلغي يف صراعاتك ‪ ..‬واجعليها قابلة للتصديق يف آن معا‪.‬‬

‫ميكن أن تستهدي ابلنقاط التالية؛ جلعل صراعك يف السرد انضجا‪ ،‬ومقنعا‪ ،‬ومشوقا‪:‬‬
‫‪-‬رّكزي دائما على دوافع األبطال اليت حتفزهم لبناء الصراع وتطويره‪ :‬احلب‪ ،‬والكره‪ ،‬والغرية‪،‬‬
‫واإلرادة‪ ،‬والرغبة‪ ،‬والتحدي‪ ...‬إخل‪.‬‬

‫‪-‬طوري الصراع بشكل طبيعي من رحم األحداث واألفعال اليت بنيتها؛ إن هذا يضع القارئ‬
‫أمام صدمة التحول‪ ،‬والدهشة من إمكان اختالف األشياء الطبيعية حىت تصل إىل املنافسة‬
‫واالختالف‪.‬‬

‫‪-‬ضعي شخصياتك ضد بعضها بشكل مباشر أو غري مباشر‪ ،‬ميكن أن يكون ذلك من خالل‬
‫حتدايت قولية‪ :‬سأقتلك‪ ،‬أو‪ :‬تعرف أنين قادر على تدمريك‪ ،‬أو‪ :‬ال شك أنين من سيفوز يف‬
‫النهاية‪ ...‬إخل‪.‬‬

‫‪-‬ارمسي حماوالت جادة مينع فيها بطلك اآلخر من الوصول إىل أهدافه؛ كأن جينّد بطل السرد‬
‫نفسه إلبطال حماوالت اآلخر يف الوصول إىل خططه‪ ،‬وحتقيق أحالمه‪.‬‬
‫‪-‬اخلقي فعال صادما؛ لتتمكين من خلق ردود أفعال متصارعة‪ :‬إن حماولة البطل الوصول‬
‫ملكتسبات شخصية على حساب الوطن وخذالنه‪ ،‬ال شك أنه سيخلق صراعا عنيفا مع‬
‫املخلصني املنتمني‪.‬‬

‫‪-‬قابلي بني وجهات النظر املختلفة‪ ،‬وذلك إبفساح اجملال للمختلفني ابلظهور يف ساحة السرد‪:‬‬
‫من اجلميل مثال أن يتواجه بطل يؤمن أن الغاية تسوغ الوسيلة‪ ،‬مع بطل آخر صاحب مبدأ‪.‬‬

‫يهم القطاع األوسع من الناس؛ إن ذلك جيعل قاعدة عامة من القراء تندمج‬
‫‪-‬اجعلي صراعك مما ّ‬
‫معك‪ ،‬وتتفاعل شعوراي مع حكايتك‪.‬‬

‫بت قادرة على ترسيمة صراعك بشكل فين‪ ،‬وجيب تذكر مكانة الصراع من األحداث‬ ‫اآلن‪ّ ،‬‬
‫اليت كتبتها وتعرفت إىل تقنياهتا سابقا‪:‬‬

‫تدخل األحداث‬ ‫تتطور األفعال إىل أحداث‬ ‫نبدأ بكتابة األفعال‬


‫عامل الصراع والذروة‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬ميكن لك حل إشكاالتك اليت خلقتها‪ ،‬فتصلي ابملتلقي إىل هناية حمددة‪،‬‬
‫وميكن أال حتليها‪ ،‬فتجعلي املتلقي يفكر يف حلها‪ ،‬وهذا هو احلال يف النهاايت املفتوحة‪ .‬مع‬
‫االنتباه إىل إمكانية جعل هناايتك حزينة أو سعيدة‪ ،‬مبا ينسجم مع الفكرة اليت تريدين طرحها‪.‬‬
‫سيتضح لك جممل هذا البناء من خالل القصة التالية‪:‬‬

‫األفعال‬ ‫فىت عاشق للمغامرات‪ ،‬يقوم ابملمكن منها‪:‬‬


‫يقرر اقتحام مغامرة جديدة‪ ،‬جريئة‪ ،‬ولتكن‬
‫مواجهة رهاب املاء‪ /‬أكوافوبيا‪ ،‬الذي يعانيه‬
‫احلدث‪.‬‬ ‫من طفولته‪:‬‬

‫الصراع‬ ‫الفىت وسط البحر اهلائج‪ ،‬يقاومه ليصل إىل‬


‫الضفة األخرى‪:‬‬

‫الذروة‬ ‫ميكن تطوير الصراع ليصل إىل نقطة مفصلية‪،‬‬


‫كأن تضرب موجة حادة القارب فتكسره‪ ،‬ويرمتي‬
‫الفىت وسط البحر اهلائج‪:‬‬

‫احلل‬ ‫واآلن‪ ،‬ميكن أن ننهي القصة بطرق متعددة‪ ،‬مثال‪:‬‬

‫‪-‬أن يفوز البطل وينجو من البحر‪ :‬وهذا يرسم هناية حمددة سعيدة‪.‬‬

‫‪-‬أن يفوز البحر‪ ،‬وميوت البطل‪ :‬وهذا يرسم هناية حمددة حزينة‪.‬‬

‫‪-‬أن نرتك البطل يصارع املوج‪ ،‬ونعطي إشارات قد توحي ابلنهاية وال تقررها‪ :‬وهذا يرسم هناية‬
‫مفتوحة‪ ،‬جتعل املتلقي يفكر ابملصري الذي ستواجهه شخصية السرد‪.‬‬

‫من املهم هنا‪ ،‬أال خنتار النهاايت بشكل اعتباطي‪ ،‬بل تُدرس وتقدم بصورة تنسجم مع‬
‫بنية النص‪ ،‬واألفكار اليت يريد الكاتب متريرها‪.‬‬

You might also like