Professional Documents
Culture Documents
ل إبراهيم إنك
ل على محمد وعلى آلِ محمد ،كما صليت على إبراهيم وعلى آ ِ
(اللهم ص ِّ
ل
ل محمد ،كما باركت على إبراهيم وعلى آ ِ
د وعلى آ ِ
د مجيد .اللهم بارك على محم ٍ
حمي ٌ
د مجيد).
إبراهيم إنك حمي ٌ
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كالم هللا تعالى ،و خير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وآله
وصحبه وسلم ،وإن شر األمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة،ـ وكل ضاللةـ
في النار.
إخوتي في هللا،،،
تأتي هذه الوصية في وقت حرج ،تضاربت فيه األقوال ،واختلط فيه الجابل بالنابل،
وصدق قول رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم" :-إن بين يدي الساعة سنين خداعة؛ يصدق
فيها الكاذب ،ويكذب فيها الصادق ،ويؤتمن فيها الخائن ،ويخوّن فيها األمين ،وينطق فيها
الرويبضة" قيل" :وما الرويبضة؟" قال" :المرء التافه يتكلم في أمر العامة" السلسلة الصحيحة_
.2253
ال ينبغي أن تغرنا فوضى الفوضويين ،وال حماس المتحمسين ،وال كثرة المنافقين..
فإن الذي يحكمنا هو المنهج.
وكثيرا ما أؤكد أن منهجنا "الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة" معصوم بعصمة الكتاب والسنة.
فهو ليس منهج شيخ أحبه أو ألتزم معه ،إنما هو هذا الدين ،ألن هللا أمرنا بالتزامه ،فقال
اه َتدَو ْا}البقرة_آية.137:
د ْق ِ ه َ
ف َ من ُتم بِ ِ
ما آ َ
ْل َ م ُنو ْا بِ ِ
مث ِ سبحانهَ { :
فِإنْ آ َ
طلب العلم فريضة ،ونحن نرى في هذه الأيامـ إهماال لهذه الفريضة .حتى من يزعمون
السلفية والمنهج مهملون في طلب العلم ،بل حتى الذين يزعمون أنهم طلبة علم مقصرون
أيضا .فالكل -إال من رحم هللا -إنما يطلب علم الجمهور ..علم الدعوة؛ فقط يهتم بما
سيقول للناس!
أما العلم األكاديمي الذي يبني عالما مجتهدا ،فهو معنى مفقود في حياة األمة هذه األيام.
الذين يريدون أن يحصُـلوا على شهادات عليا من قبيل "الماجستر" والدكتوراه يذاكرون
ليصلوا إليها ،والذين يؤلفون الكتب يذاكرونـ لتأليف الكتب ،والثالث الذي يعمل في الدعوة
د ليكون عالما
ع ّ
وفي إلقاء الخطب والدروس يذاكر ما يقوله للناس .أما بناء طالبـ علم يُ َ
مجتهدا فهذا حال مفقود في الأمة حاليا مع األسف.
ن اطلب العلم ،وقد قلت قبل عشرين سنة بأنـ األحداث ال ينبغي أن
نصيحتي لك إذن أ ِ
تشغلنا بعيدا عن مرمى الهدف.
إن حراسة الدين هي هدفنا األول ،وال ينبغي أن يبقى الدماغ مشغوال بقضية
فلسطين وقضية الشيشان ،وقضية أفغانستان ،وقضية كشمير ..الخ
اترك هذا ألناس آخرين وال مانع ،وساعدهم أنت بالدعاء لهم ،وركزْ كطالب علم على ما
تطلبه :عقيدة ،فقه ،تفسير ،قرآن ،أصول ،مصطلح ،لغة..
هذا التخصص في طلب العلم واالجتهاد فيه هو الكفيل بأن ينجب لنا عالما مجتهدا مرجعيا.
ففي هذه األيامـ تغيب المرجعية العلمية الثقيلة المؤهلة لحمل األمانة.
النصيحة الثالثة :ال تنس أن من عظمة ديننا أنه دين مرن شمولي
نعم؛ إنه دين مرن يعالج الواقع بواقعية ،ويتخذ من الوسائل أوسع الوسائل ،ومن
عظمته أنه ال يواجه هذا الواقع بنظريات متجمدة ،وال يعالجـ هذه النظريات بوسائل
محددة، ،وهذه الفكرة هي من أصول فقه الدعوة.
ب ،فلكل حدود عليه أن
ب ود ّ
وأنا دائما أقول بأن فقه الدعوة له أهله ،فال يتكلم فيه من ه ّ
يلزمها ،وعلى كل واحد أن يعرف مقامه.
خذ مثال مسألة :هل نصطدم بعواطف الجماهير أم نرشّد عواطفهم؟
هذه مسألة شرعية تحتاج إلى بحث دقيق يختص به العلماء.
الجماهير هذه األيام هائجة؛ فهل نهيج معهم؟ أم نرشّدهم ونضبطهم على مقتضى الشرع
(وإن كرهوا ذلك ..وإن كرهونا من أجل قول الحق)؟؟
إذا عدت إلى مواقف النبي -صلى هللا عليه وسلم -حيال مثل هذه األحداث ،تجده مثال
يقول للسيدة عائشة -رضي هللا عنها" :-لوال أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة ،ثم
بنيتها على أساس إبراهيم" مسلم 1333-وهنا نلمس مراعاة الجماهير.
أبي
ّ لما طلب عمر رضي هللا عنه من رسول هللا-صلى هللا عليه وسلم -أن يقتل عبد هللا بن
بن سلول المنافق قال له" :دعه؛ ال يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" متفق عليه.
لكنك تجد من جهة أخرى أنه -صلى هللا عليه وسلم -لما أسري به إلى بيت المقدس،
وعرج به إلى السماء ،أصبح فأخبر الناس.
لما كان خارجا لصالة الصبح من بيته شدّته السيدة أم أيمن من ثيابه ،وقالت" :إياك أن
تحدث الناس فإنهم سيكذبونك" قال" :وإن كذبوني" .وخرج فحدثهم ،وارتد بعض المسلمين
لعدم إطاقة عقولهم فهم المسألةـ.
انظر كيف أنه في صلح الحديبية؛ كانـ كل المسلمين يعارضون قرار الرسول -صلى هللا عليه
لما أمرهم أن يحلقوا
وسلم -باستثناء أبي بكر -رضي هللا عنه ،-ولك أن تفهم ذلك من أنه ّ
رفضوا ،ولما طلب منهم أن يتحللوا عبروا عن رغبتهم في دخول مكة ،ورغم ذلك ثبت
وواجههم.
وسأسوق لكم قصة فاصلة للرد على من يتعامل مع األحداث بمنطق الربح والخسارة:
في قصة الهجرة إلى الحبشة ،قال عبد الله بن عمرو بن العاص" :وهللا آلتينهم غدا بما
أستأصل به شأفتهم" ،وذهب إلى النجاشي وقال له" :إنهم يقولون في عيسى بنِ مريم
قوال عظيما ،فاسألهم عنه" واجتمع المسلمون ،وتشاوروا..
..لما قرأ سيدنا جعفر -المتحدث الرسمي باسم المهاجرين -سورة مريم بكى النجاشي،
وبكى من حوله من بطارقته ،وخرج المسلمون منتصرين..
لقد كان الصحابةـ مخيرين بين خسران األمان والعودة إلى القتل والتعذيب وبين استعمال
الدهاء السياسي والمواربة كي يحافظوا على المكاسب .ولم يختاروا في النهاية أيا من
الخيارين ،بل قال جعفر -رضي هللا عنه" :-وهللا لو سألني ألص ُدقنه" .إذ ال مفاصلة على
العقيدة والمنهج.
وإن قلت لي بأنهم تصرفوا بخالف ذلك في بناء الكعبة مثال ،قلت إن ذلك لم يرتقِ إلى
المس بالمنهج ،كما أن قتل منافق أو عدمه ال يمس المنهج بدوره.
أما عندما يتعلق األمر بالمنهج فال بد من قول الحق وإن كره الناس.
وأكرر أن من فضل هللا علينا -كما قلت في دروس الحج -بأن أناسا ال يجيدون الحج وفق
السنة كي نقوم نحن بذلك.
لذلك أقول :حتى وإن ترك كل الدعاة حتى أهل الحق منهم (لتأويلـ صحيح أو فاسد) قول
الحق للناس ،فلنقله نحن ،ولنتميز ولنثبت .ولسنا بحريصين على رضا الناس.
لما جمع النجاشي جعفر والصحابة رضي هللا عنهم ،أجابوه وقالوا" :عيسى بن مريم عبد
هللا ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" -بنص القرآن.-فقال" :وهللا ما عدا عيسى
بن مريم ما قلتهم هذا العود" ورفع عودا من األرض ،ونخره البطارقة ،فقال" :وإن نخرتم".
قل الحق إذن ،وسيقيّد هللا لك من ينقل كلمتك ،ويسعد بها ،وإن كان واحدا وسط األمة.
النصيحة األخيرة :تحمل أذى الناس والصبر عليهم والرضا بقضاء هللا
المحن تجل ّي الصادق ،وتفضح الكاذب ،وهللا تعالى لم يترك الناس عند ادّعاء اإليمان،
هُم اَل ُي ْف َت ُنونَ } العنكبوت_آية .2:فالبد من
و ْ اس َأن ُي ْت َركُوا َأن يَقُولُوا آ َ
م َّنا َ ُ ِب ال َّن بل قالَ{ :أ َ
حس َ
االمتحان إذن.
إنني أؤكد أننا على مدار السنين الطويلة في طريق الدعوة رأينا أناسا هللا أعلم
ما وَأ َّ
ما َ جفَاء َ
ب ُ
ه ُ فَأ َّ
ما ال َّزبَ ُد َ
فيَ ْذ َ بعددهم ،وفي كل مرحلة كانت عملية الغربلة متواصلةَ { :
ال يهزنا أن يسقط كثير من الناس ،وال يؤلمنا أن يتنكر كثير من الناس ،وال يضرنا أن
ك}النساء_آية.84:
ْس َ كلَّ ُ
ف ِإال َّ نَف َ ه ال َ ُت َ
يل الل ّ ِ
س ِب ِ
ِل فِي َ يتخلى كل الناس ،ولكن ..اثبت أنتَ { :
فقَات ْ
( نسأل هللا أن يرزقنا وإياكم الثبات على الحق ،والعزيمة على الرشد ،والغنيمة من كل بر،
والسالمة من كل إثم ،والفوز بالجنة ،والنجاة من النار).