You are on page 1of 183

‫تبسيط علوم احلديث‬

‫اجلزء األول‬
‫‪1442‬ه ‪2021 -‬م‬

‫دكتور‬
‫ربيع إبراهيم حممد حسن الشيخ‬
‫أستاذ احلديث الشريف وعلومه املساعد بكلية أصول الدين وعلوم القرآن‪،‬‬
‫جبامعة السلطان عبد احلليم معظم شاه اإلسالمية العاملية‪ ،‬ماليزاي‬
"‫تبسيط علوم الحديث – "الجزء األول‬
Cetakan Pertama Mei, 2021

Hak cipta terpelihara. Sebarang bahagian dalam buku ini tidak boleh diterbitkan semula,
disimpan dalam cara yang boleh digunakan semula, ataupun dipindahkan dengan sebarang
bentuk ayat dengan sebarang cara, baik dengan cara elektronik, penggambaran semula dan
sebagainya tanpa mendapat izin daripada pemilik hak cipta terlebih dahulu.

‫ه ـ‬2440/‫م‬0202 ،‫الطبعة األولى‬


‫ ال سسمح‬.‫جـميع الـحقوق مـحفوظة لجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه اإلسالمية العالمية‬
‫ أو اآللية بما‬،‫بأي شكل من األشكال اإللكترونية‬
ّ ،‫أي جزء من هذا الكتاب‬
ّ ‫بإعادة طبع أو تصوسر‬
‫ أو التخزسن اإللكتروني إال بموافقة خطيّة مسبقة من‬،‫ أو التسجيل الصوتي‬،‫في ذلك التصوسر‬
.‫الناشر‬

Diterbitkan oleh:
KUIN SDN. BHD.
Universiti Islam Antarabangsa Sultan Abdul Halim Mu’adzam Shah (UniSHAMS)
09300 Kuala Ketil
Kedah Darul Aman, Malaysia

Cetakan oleh:
Asa Mesra Printer
No 9, Lot 33, Bandar Darul Aman
06000 Jitra, Kedah

Pihak untuk dihubungi:


Unit Pengurusan Penyelidikan
Tel.: +604-415 5087 Fax.: +604 415 5050
Email: rmu@unishams.edu.my

‫تبسيط علوم الحديث – الجزء األول‬


‫الدكتور ربيع إبراهيم محمد حسن الشيخ‬

ISBN: 978-967-0405-66-7
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل الذي أرسل رسوله ابهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله‪ ،‬ولو كره املشركون‪.‬‬
‫والصالة والسالم على خري خلق هللا أمجعني‪ ،‬حممد بن عبد هللا‪ ،‬النيب األمي العريب اهلادي األمني‪ ،‬الذي أرسله ربه‬
‫صما‪،‬‬ ‫سبحانه وتعاىل على حني فرتة من الرسل‪ ،‬والناس يف ضاللة عمياء‪ ،‬وجهالة ظلماء‪ ،‬ففتح هللا به أعينا عميا‪ ،‬وآذاان ّ‬
‫وقلواب غلفا‪ ،‬فكانت حياته خريا وبركة على الدنيا كلها‪ ،‬وبعثته رمحة للعاملني ‪ ...‬أما بعد‪ :‬فقد حث هللا تعاىل عباده على‬
‫تعلم العلم‪ ،‬ومدح العلماء‪ ،‬وقرن شهادهتم له تعاىل بشهادته لنفسه وشهادة مالئكته له على توحيده سبحانه ‪ ،‬فقال‬
‫احلَ ِك ُيم"[آل عمران‪]18:‬‬ ‫اَّللُ أَنههُ ََل إِلَهَ إِهَل ُه َو َواْل َم َالئِ َكةُ َوأُولُو اْلعِْل ِم قَائِ ًما ِابْل ِق ْس ِط ََل إِلَهَ إِهَل ُه َو اْل َع ِز ُيز ْ‬
‫تعاىل‪َ ":‬ش ِه َد ه‬
‫اَّللَ ِم ْن ِعبَ ِادهِ اْل ُعلَ َماءُ"[فاطر‪.]28:‬‬ ‫وحصر خشيته فيهم فقال جل وعال ‪" :‬إِهَّنَا َيَْ َشى ه‬
‫ين ََل يَ ْعلَ ُمو َن إِهَّنَا يَتَ َذ هك ُر‬ ‫هِ‬ ‫هِ‬
‫ين يَ ْعلَ ُمو َن َوالذ َ‬ ‫ونفى املساواة بني الذين يعلمون والذين َل يعلمون فقال‪" :‬قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي الذ َ‬
‫اب"[الزمر‪]9 :‬‬ ‫أُولُو ْاألَْلب ِ‬
‫َ‬
‫وأخرج أبو داود بسند حسن‪ ،‬عن أيب الدرداء رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪َ " :‬م ْن‬
‫ب الْعِْل ِم‪َ ،‬وإِ هن‬ ‫ضا لِطَالِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُع أَ ْجن َحتَ َها ِر ً‬
‫ِ‬ ‫اَّلل بِِه طَ ِري ًقا ِمن طُرِق ْ ِ‬
‫اْلَنهة‪َ ،‬وإِ هن اْل َم َالئ َكةَ لَتَ َ‬
‫سلَك طَ ِري ًقا يطْلُ ِ ِ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫ك هُ‬ ‫ب فيه ع ْل ًما َسلَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫احلِيتا ُن ِيف جو ِ ِ‬ ‫اْلع ِاِل لَيست ْغ ِفر لَه من ِيف ال هسمو ِ‬
‫ض ِل الْ َق َم ِر‬ ‫ض َل الْ َعاِل َعلَى الْ َعابِ ِد‪َ ،‬ك َف ْ‬ ‫ف اْل َماء‪َ ،‬وإِ هن فَ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ض‪َ ،‬و ْ َ‬ ‫ات‪َ ،‬وَم ْن ِيف ْاألَْر ِ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َْ ُ ُ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَْي لَةَ اْلبَ ْد ِر َعلَى َسائِِر اْل َكواكِ ِ‬
‫َخ َذهُ‬ ‫ب‪َ ،‬وإِ هن اْل ُعلَ َماءَ َوَرثَةُ ْاألَنْبِيَاء‪َ ،‬وإِ هن ْاألَنْبِيَاءَ َِلْ يُ َوِّرثُوا دينَ ًارا‪َ ،‬وََل د ْرََهًا َوهرثُوا اْلع ْل َم‪ ،‬فَ َم ْن أ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍّ ( ‪)1‬‬
‫َخ َذ ِِبَ ٍّّظ َوافر"‬
‫أَ‬
‫ين‬ ‫هِ‬ ‫اضح أَ هن الْعلَماء اله ِذين َهلم الْ َف ْ ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال اإلمام أبو حامت ابن حبان ‪ِ":‬يف ه َذا ْ ِ ِ‬
‫ض ُل الذي ذَ َك ْرَان‪ُ ،‬ه ُم الذ َ‬ ‫ُ َ َ َ ُُ‬ ‫احلَديث بَيَا ٌن َو ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ُ ،‬دو َن َغ ِْريه م ْن َسائ ِر اْل ُعلُوم‪ ،‬أَََل تَ َراهُ يَ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪" :‬اْل ُعلَ َماءُ َوَرثَةُ ْاألَنْبِيَاء"‪َ ،‬و ْاألَنْبِيَاءُ َِلْ‬ ‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫يُ َعلّ ُمو َن ع ْل َم الن ِّ‬
‫ِ ِ ( ‪)2‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم ُسنهتُهُ‪ ،‬فَ َم ْن تَ َعهرى َع ْن َم ْع ِرفَتِ َها َِلْ يَ ُك ْن ِم ْن َوَرثَِة ْاألَنْبيَاء‬
‫صلهى ه‬ ‫ِ ِ‬
‫يُ َوِّرثُوا إِهَل اْلع ْل َم‪َ ،‬وع ْل ُم نَبِيِّنَا َ‬
‫فعلم احلديث من أنفع العلوم وأشرفها وأعظمها قدراً‪ ،‬فبه يعرف املراد من كالم هللا عز وجل‪ ،‬وبه تعرف سنة النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬ومشائله‪.‬‬
‫وحسب طالب علم احلديث والباحث فيه أن يقف على ذلك كله ويعلمه للناس‪.‬‬
‫فمن حتمل احلديث واشتغل بتعلمه وتعليمه والعمل به‪ ،‬كان له احلظ األوفر من هذا املدح للعلماء‪ ،‬وكفى بذلك شرفاً‬
‫للحديث ومحلته‪.‬‬
‫بل إن صرف العمر يف تعلم احلديث ونشره أفضل من اَلشتغال بنوافل القرابت‪ ،‬وما ذاك إَل ملا فيه من بيان القرآن‪،‬‬
‫وإحياء سنة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والتأسي به‪.‬‬
‫وحسب طالب احلديث أنه أكثر طالب العلم ‪ -‬بل أكثر الناس ‪ -‬صالة على النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اليت ورد فيها‬
‫ما ورد من الفضل اْلزيل‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب العلم‪ -‬ابب احلث على طلب العلم – رقم(‪.)3641‬‬
‫)‪" (2‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان"(‪ ،)289/1‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫اَّللُ ْامَرأً َِمس َع ِمنها َح ِديثًا‪ ،‬فَ َح ِفظَهُ َح هَ يُبَ لِّغَهُ‪،‬‬ ‫وحسب طالب احلديث دخوله يف دعوة النيب صلى هللا عليه وسلم ‪":‬نَضَهر ه‬
‫ِ ِ ٍّ ( ‪)1‬‬ ‫ب ح ِام ِل فِ ْق ٍّه إِ َىل من هو أَفْ َقه ِمْنه‪ ،‬ور ه ِ ِ ِ ٍّ‬
‫س ب َفقيه"‬ ‫ب َحامل ف ْقه لَْي َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ ُ َُ‬ ‫فَ ُر ه َ‬
‫ِ ِ ( ‪)2‬‬
‫احلَديث"‬ ‫ضَرةٌ ِهلََذا ْ‬ ‫َح ٌد إِهَل َوِيف َو ْج ِه ِه نُ ْ‬ ‫قال سفيان بن ُعيينة‪" :‬لَيس ِمن أَه ِل ْ ِ ِ‬
‫احلَديث أ َ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫كما أن اَلشتغال بعلم احلديث تبليغ عن رسول هلل صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وامتثال ألمره‪ ،‬حني قال‪" :‬بَلِّغُوا َع ِّّن َولَ ْو آيَةً‪،‬‬
‫ب َعلَ هي ُمتَ َع ِّم ًدا‪ ،‬فَ ْليَ تَ بَ هوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النهار"‬
‫ِ ( ‪)3‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل َوَلَ َحَر َج‪َ ،‬وَم ْن َك َذ َ‬
‫َو َح ّدثُوا َع ْن بَّن إ ْسَرائ َ‬
‫وحب دراسة احلديث وتعلمه وتعليمه من أعظم عالمات حمبة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واملرء مع من أحب يوم القيامة‪،‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم فَ َق َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول‬
‫ال‪ََ :‬ي َر ُس َ‬ ‫ال‪َ :‬جاءَ َر ُج ٌل إِ َىل َر ُسول هللا َ‬ ‫وقد أخرج مسلم يف صحيحه عن أنس رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫س‪ :‬فَ َما‬ ‫ال أَنَ ٌ‬‫ت"‪ ،‬قَ َ‬ ‫َحبَ ْب َ‬
‫هك َم َع َم ْن أ ْ‬ ‫ال‪" :‬فَِإن َ‬ ‫ب هللاِ َوَر ُسولِهِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ُ :‬ح ه‬ ‫اع ِةق"‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪" :‬وما أَع َدد ِ‬
‫ت لل هس َ‬ ‫اعةُق قَ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫هللا َم ََ ال هس َ‬
‫ِ‬

‫ب هللاَ‬ ‫س‪ :‬فَأ ََان أ ُِح ُّ‬‫ال أَنَ ٌ‬ ‫ت"‪ ،‬قَ َ‬ ‫َحبَ ْب َ‬
‫هك َم َع َم ْن أ ْ‬
‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬فَِإن َ‬ ‫هيب َ‬ ‫اْل ْس َالِم فَ َر ًحا أ َ ِ ِ ِ‬
‫َش هد م ْن قَ ْول الن ِّ‬
‫فَ ِر ْحنَا‪ ،‬بَ ْع َد ِْ‬
‫ِِ ( ‪)4‬‬
‫ْر َو ُع َمَر‪ ،‬فَأ َْر ُجو أَ ْن أَ ُكو َن َم َع ُه ْم‪َ ،‬وإِ ْن َِلْ أ َْع َم ْل ِِب َْع َماهل ْم"‬
‫َوَر ُسولَهُ‪َ ،‬وأ ََاب بَك ٍّ‬
‫وأهل احلديث هم أوىل الناس هبذا الوصف‪.‬‬
‫"( ‪)5‬‬
‫ولذلك قال الشافعي‪ُ " :‬‬
‫أهل احلديث يف كل ممان كالصحابة يف مماهم‬
‫ٍّ‬
‫أحدا من أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"‬ ‫حديث فكأين رأيت ً‬ ‫صاحب‬ ‫وكان يقول‪" :‬إذا ر ُ‬
‫أيت‬
‫( ‪)6‬‬
‫َ‬
‫فعلم بذلك شرف أهل احلديث‪ ،‬وعلو مكانتهم يف الدين‪ ،‬وأن اَلشتغال ابحلديث من أعظم الطاعات وأجل القرابت‪،‬‬
‫فينبغي على املسلم أن يعتّن ِبديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حفظاً وفهماً‪ ،‬وتعلماً وتعليماً‪.‬‬
‫النيب وإن ‪ِ ........‬ل يصحبوا ن ْفسه أنفاسه ِ‬
‫صحبوا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أهل ِّ‬‫هم ُ‬‫أهل احلديث ُ‬
‫فهذا مدخل مبسط خمتصر لعلوم احلديث‪ ،‬راعيت فيه سهولة العبارة‪ ،‬واختصار املسائل للتتناسب مع طالب العلم‪،‬‬
‫ومسيته ‪" :‬تبسيط علوم احلديث"‪ ،‬وهذا هو اْلزء األول من الكتاب‪ ،‬وهو اْلزء املقرر يف مادة "علوم احلديث" لطالب‬
‫جدامعة السلطان عبد احلليم معظم شاه اْلسالمية العاملية‪ ،‬لكليات‪ :‬أصول الدين‪ ،‬والشريعة‪ ،‬واللغة العربية‪.‬‬
‫ويشتمل هذا اجلزء على‪ :‬مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬وعشرة فصول‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬وهي التقدمي للكتاب‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬ويشتمل على‪:‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب العلم‪ -‬ابب فضل نشر العلم – رقم(‪.)3660‬‬
‫من حديث ميد بن اثبت‪ ،‬وهو حديث صحيح متواتر‪.‬‬
‫)‪" (2‬املستخرج على املستدرك للحاكم" للحافظ العراقي‪( ،‬ص‪،)13:‬مكتبة السنة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب أحاديث األنبياء– ابب ما ذكر عن بّن إسرائيل– رقم (‪.)3461‬‬
‫من حديث عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما‪ .‬ومعىن‪":‬حدثوا عن بين إسرائيل"‪ :‬أي عما وقع هلم من األمور الغربية‪" .‬حرج"‪ :‬إمث أو ضيق‪.‬‬
‫"كذب علي"‪ :‬نسب إيل شيئا ِل أقله مما حيدث عن بّن إسرائيل أو غريهم‪" .‬فليتبوأ"‪ :‬من التبوؤ وهو اختاذ املباءة وهي املنزل‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب الرب والصلة– ابب املرء مع من أحب– رقم(‪.)2639‬‬
‫)‪" (5‬املستخرج على املستدرك للحاكم" للحافظ العراقي‪( ،‬ص‪.)13:‬‬
‫)‪" (6‬املستخرج على املستدرك للحاكم" للحافظ العراقي‪( ،‬ص‪.)14:‬‬
‫‪3‬‬
‫أوال‪ :‬بعض التعريفات واملصطلحات األساسية يف علم مصطلح احلديث‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬نشأة علم مصطلح احلديث‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬احلديث الصحيح‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬احلديث احلسن‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬احلديث الضعيف‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬أقسام احليث الضعيف بسبب فقد شرط اَلتصال‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬أقسام احلديث الضعيف بسبب الطعن يف الراوي‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬أقسام احلديث الضعيف بسبب اختالل شرط الضبط‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬الشاذ‪ ،‬واملعل‪.‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬أقسام احلديث ابلنسبة إىل من أسند إليه‪.‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬أقسام احلديث من حيث طرق وصوله إلينا‪.‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬حجية خرب اآلحاد يف األحكام والعقائد‪.‬‬

‫أسأل هللا تعاىل أن يرزقنا حسن الفهم‪ ،‬وحسن العمل‪ ،‬وصدق النية‬
‫وهللا املستعان وعليه التكالن‪ ،‬دكتور‪ /‬ربيع الشيخ‬

‫‪4‬‬
‫الـ ـ ـ ـ ـ ـتم ـ ـهـ ـ ـيـ ـ ـ ـد‬
‫أوال‪ :‬بعض التعريفات واملصطلحات األساسية يف علم مصطلح احلديث‬
‫(‪ )1‬علم املصطلح‪ :‬هو العلم ِبصول وقواعد يعرف هبا حال السند واملنت‪ ،‬من حيث القبول والرد‪.‬‬
‫أو هو هذه القواعد نفسها‪.‬‬
‫(‪ )2‬موضوع علم مصطلح احلديث‪ :‬السند واملنت من حيث القبول والرد‪.‬‬
‫(‪ )3‬مثرة علم مصطلح احلديث‪ :‬متييز الصحيح من السقيم من األحاديث‪.‬‬
‫(‪ )4‬حد علم احلديث‪ :‬هو علم يعرف به أقوال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأفعاله وأحواله(‪.)1‬‬
‫(‪ )5‬احلديث لغةً‪ :‬ضد القدمي‪ ،‬وهو اخلرب قليله وكثريه؛ ألنه حيدث شيئا فشيئا‪ ،‬وجيمع على أحاديث‪ ،‬على خالف‬
‫القياس(‪.)2‬‬
‫وحدث الشيء حدواث من ابب قعد جتدد وجوده‪ ،‬فهو حادث وحديث‪ ،‬ومنه يقال‪ :‬حدث به عيب إذا جتدد وكان‬
‫معدوما قبل ذلك‪ ،‬ويتعدى ابأللف فيقال أحدثته‪ ،‬ومنه حمداثت األمور وهي اليت ابتدعها أهل األهواء(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هيب‪ ،‬صلهى ه ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪ ،‬قَ ْوًَل لَهُ أ َْو ف ْع ًال أ َْو تَ ْق ِر ًيرا أ َْو ص َفةً‪َ ،‬ح هَ ا ْحلََرَك ُ‬
‫ات‬ ‫يف إِ َىل النِ ِّ َ‬ ‫احلديث اصطالحا‪َ :‬ما أُض َ‬
‫ِ( ‪)4‬‬
‫ات ِيف الْيَ َقظَِة َوالْ َمنَ ِام‪ ،‬فَ ُه َو أ ََع ُّم ِم َن ُّ‬
‫السنهة‬ ‫َوال هس َكنَ ُ‬
‫أو‪ :‬ما أضيف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو تقرير‪ ،‬أو صفة ِخ ْل ِقيٍّّة أو ُخلُ ِقيٍّّة‪.‬‬
‫(‪ )6‬اخلرب‪:‬‬
‫اخلرب لغة‪ :‬ما ينقل ويتحدث به‪ ،‬وهو عند علماء البالغة‪ :‬ما حيتمل الصدق والكذب لذاته‪ ،‬ومجعه أخبار‬
‫( ‪.)5‬‬

‫اخلرب اصطالحا‪ :‬فيه ثالثة أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫(أ) أن اخلرب واحلديث هلما نفس املعىن‪.‬‬
‫(ب) أن احلديث ما جاء عن النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬واخلرب ما جاء عن غريه‪.‬‬
‫(ج) أن احلديث ما جاء عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واخلرب‪ ،‬ما جاء عنه أو عن غريه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ويقال ملن يشتغل ابلتواريخ وما شاهبها وشاكلها من أخبار الناس‪ :‬إخباري‪ ،‬وملن يشتغل ابلسنة النبوية‪ :‬حمدث‬
‫احلديث‪ :‬ما جاء عن النيب صلى هللا عليه‬ ‫وقيل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الفن مر ِاد ٌ‬ ‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬اخلرب‪ :‬عند ِ‬
‫علماء هذا ِّ‬
‫ُ‬ ‫ف للحديث‪َ .‬‬ ‫َ‬
‫يخ وما َشا َكلَ َها‪" :‬ا ِْل ْخبَا ِري"‪ ،‬وملن يشتغل ابلسنهة النبوية‪:‬‬
‫قيل ملن يشتغلُ ابلتهوار ِ‬ ‫غريه‪ِ ،‬‬
‫ومن ََثهةَ‬ ‫وسلهم‪ ،‬واخلَب ر‪ :‬ما جاء عن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬
‫فكل حديث خربٌ‪ ،‬من غري ٍّ‬
‫عكس"‬ ‫ٍّ‬ ‫وخصوص ُمطْلَق‪ُّ :‬‬ ‫عموم‬ ‫ِ‬
‫"احمل ّدث"‪ ،‬وقيل‪ْ :‬بينهما ٌ‬
‫( ‪.)6‬‬
‫ٌ‬

‫)‪" (1‬الكواكب الدراري يف شرح صحيح البخاري" للكرماين‪ ،)12/1( ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان‪.‬‬
‫)‪" (2‬خمتار الصحاح" للرامي‪( ،‬ص‪ ،)68:‬املكتبة العصرية‪ ،‬الدار النموذجية‪ ،‬بريوت‪ ،‬صيدا‪.‬‬
‫)‪" (3‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري" للحموي‪ ،)124/1( ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (4‬فتح املغيث بشرح الفية احلديث للعراقي"(‪ ،)22/1‬للسخاوي‪ ،‬احملقق‪ :‬علي حسني علي‪ ،‬مكتبة السنة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)‪" (5‬خمتار الصحاح" (ص‪ ،)87:‬املكتبة العصرية‪ ،‬الدار النموذجية‪ ،‬بريوت‪ ،‬صيدا‪" ،‬املصباح املنري"‪ ،)162/1( ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (6‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"َلبن حجر‪( ،‬ص‪ ،)195:‬مطبعة سفري ابلرَيض‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(‪ )7‬األثر لغة‪ :‬بقية الشيء‪.‬‬
‫األثر اصطالحا‪ :‬فيه قوَلن؛ َها‪:‬‬
‫(أ) أن احلديث واألثر هلما نفس املعىن‪.‬‬
‫ت أ َْو َم ْوقُوفَةً"‬ ‫قال السخاوي‪" :‬لُغةً‪ :‬الْب ِقيهةُ‪ ،‬واص ِط َالحا‪ْ :‬األ ِ‬
‫وعةً َكانَ ْ‬
‫يث َم ْرفُ َ‬
‫َحاد ُ‬
‫( ‪)1‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ً‬
‫(ب) أن األثر ما أضيف إىل الصحابة والتابعني من أقوال أو أفعال‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬وعند فقهاء خراسان تسمية املوقوف ابألثر‪ ،‬واملرفوع ابخلرب‪ ،‬وعند احملدثني كله يسمى أثراً"‬
‫( ‪)2‬‬

‫(‪ )8‬اإلسناد‪ :‬له معنيان‪:‬‬


‫(أ) عزو احلديث إىل قائله مسندا‪.‬‬
‫املوصلة للمنت‪ ،‬وهو هبذا املعىن مرادف للسند‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(ب) سلسلة الرجال (أو الرواة) ّ‬
‫(‪.)3‬‬ ‫اعةَ‪" :‬احملدثون يستعملون ال هسنَ َد و ِْ‬
‫اْل ْسنَ َاد لشيء واحد"‬ ‫ال ابْ ُن ََجَ َ‬
‫قَ َ‬
‫َ‬
‫(‪ )9‬السند لغةً‪ :‬املعتمد‪ ،‬ومسي كذلك؛ ألن احلديث يستند إليه‪ ،‬ويعتمد عليه(‪.)4‬‬
‫اصطالحا‪ :‬سلسلة الرجال املوصلة للمنت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫السند‬
‫(‪.)5‬‬ ‫أو‪ :‬هو ِْ‬
‫اْل ْخبَار َعن طَ ِريق الْ َم ْنت‬
‫وهو مأخوذ إما من السند وهو ما ارتفع وعال عن سفح اْلبل ألن املسند يرفعه إىل قائله أو من قوهلم فالن سند أي‬
‫(‪.)6‬‬
‫معتمد فسمي اْلخبار عن طريق املنت سندا َلعتماد احلفاظ يف صحة احلديث وضعفه عليه‬
‫(‪ )10‬املنت لغةً‪ :‬ما صلب وارتفع من األرض‬
‫( ‪.)7‬‬

‫(‪.)8‬‬
‫اصطالحا‪َ :‬ما يَْن تَ ِهي إِلَْي ِه َغايَة ال هسنَد من الْ َك َالم‬
‫ً‬ ‫املنت‬
‫احل ِد ِ‬
‫يث الهِيت تَتَ َق هوُم ِهبَا الْ َم َعاين‬
‫ِ (‪.)9‬‬
‫أو‪ :‬هو أَلْ َفا ُظ َْ‬
‫وهو مأخوذ أما من املماتنة وهي املباعدة يف الغاية ألن املنت غاية السند أو من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضته‬
‫واستخرجتها وكأن املسند استخرج املنت بسنده أو من املنت وهو ما صلب وارتفع من األرض ألن املسند يقويه ابلسند‬
‫(‪.)10‬‬
‫ويرفعه إىل قائله أو من متتني القوس ابلعصب وهو شدها به وإصالحها‬

‫)‪" (1‬فتح املغيث بشرح الفية احلديث للعراقي"(‪.)17/1‬‬


‫)‪" (2‬التقريب والتيسري ملعرفة سنن البشري النذير يف أصول احلديث" للنووي‪( ،‬ص‪ ،)33:‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (3‬املنهل الروي" (ص‪.)30:‬‬
‫)‪" (4‬خمتار الصحاح" (ص‪.)155:‬‬
‫)‪" (5‬املنهل الروي يف خمتصر علوم احلديث النبوي"‪ ،‬بدر الدين ابن مجاعة‪( ،‬ص‪ ،)29:‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫)‪" (6‬املنهل الروي يف خمتصر علوم احلديث النبوي"‪ ،‬بدر الدين ابن مجاعة‪( ،‬ص‪ ،)29:‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫)‪" (7‬القاموس احمليط"(ص‪" ،)1233:‬اتج العروس" (‪.)144/36‬‬
‫)‪" (8‬املنهل الروي"(ص‪.)23:‬‬
‫)‪" (9‬تدريب الراوي" للسيوطي‪.)28/1( ،‬‬
‫)‪"(10‬املنهل الروي"(ص‪.)29:‬‬
‫‪6‬‬
‫(‪ )11‬املسنَد‪" :‬بفتح النون"‪.‬‬
‫لغةً‪ :‬اسم مفعول‪ ،‬من أسند الشيء إليه‪ ،‬مبعىن‪ :‬عزاه ونسبه إليه‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬له ثالثة ٍّ‬
‫معان‪:‬‬ ‫ً‬
‫(أ) كل كتاب مجع فيه مروَيت كل صحايب على حدة‪.‬‬
‫(ب) احلديث املرفوع املتصل سندا‪.‬‬
‫(ج) أن يراد به "السند" فيكون هبذا املعىن مصدرا ميميا‪.‬‬
‫(‪ )12‬املسنِد‪"،‬بكسر النون"‪.‬‬
‫هو من يروي احلديث بسنده‪ ،‬سواء كان عنده علم به‪ ،‬أم ليس له إَل جمرد الرواية‪.‬‬
‫احملدث‪ :‬هو من يشتغل بعلم احلديث رواية ودراية‪ ،‬ويطهلِع على كثري من الرواَيت‪ ،‬وأحوال رواهتا‪.‬‬ ‫(‪ِ )13‬‬
‫يث‪َ ،‬و َعلِ َم َع َدالَةَ ِر َجالِِه‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ال َّ ِ‬
‫نت َْ‬ ‫اس ُم اْل ُم َح ّدث عْن َد ُه ْم ََل يُطْلَ ُق إِهَل َعلَى َم ْن َحف َظ َم ْ َ‬ ‫الزْرَكش ُّي‪" :‬أَهما اْل ُف َق َهاءُ فَ ْ‬ ‫َوقَ َ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫ص ِر َعلَى ال هس َم ِاع"‬ ‫وجرحها‪ ،‬دو َن اْلم ْقتَ ِ‬
‫َ َْ َ َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫يث ِرَوايَةً َود َرايَةً‪َ ،‬و َمجَ َع ُرَواةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ث ِيف عص ِرَان فَهو م ِن ا ْشتَ غَل ِاب ْحلد ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫َّاس‪َ " :‬وأَهما الْ ُم َح ّد ُ َ ْ ُ َ َ‬ ‫الدي ِن بْ ُن َسيِ ِد الن ِ‬ ‫الشي ُخ فَـ ْتح ِ‬
‫ُ‬ ‫ال َّ ْ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ضْبطُهُ‪ ،‬فَِإ ْن تَ َو هس َع ِيف‬ ‫ِِ‬ ‫ت ِيف عص ِرهِ‪( ،‬وَمتَيه ز ِيف ذَلِك ح هَ ع ِر َ ِ ِ ِ‬ ‫الرواَي ِ‬ ‫واطهلَع علَى َكثِ ٍّري ِمن ُّ ِ‬
‫ف فيه ح ْفظُهُ) َوا ْشتُ ِهَر فيه َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫الرَواة َو َِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخ ُشيُوخه‪ ،‬طَبَ َقةً بَ ْع َد طَبَ َقة‪ِِ ،‬بَْي ُ‬
‫ث يَ ُكو ُن َما يَ ْع ِرفُهُ م ْن ُك ِّل طَبَ َقة أَ ْكثَ َر ممها َْجي َهلُهُ مْن َها فَ َه َذا‬ ‫وخهُ‪َ ،‬و ُشيُ َ‬ ‫ف ُشيُ َ‬ ‫ك َح هَ َعَر َ‬ ‫ذَل َ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫ظ"‬ ‫ُه َو ا ْحلَافِ ُ‬
‫(‪ )14‬احلافظ‪ :‬فيه قوَلن‪:‬‬
‫(أ) مرادف للمح ِّدث عند كثري من احملدثني‪.‬‬
‫(ب) وقيل هو أرفع درجة من احملدث‪ِ ،‬بيث يكون ما يعرفه يف كل طبقة أكثر مما جيهله‪.‬‬
‫وهذا ما أشار إليه ابن سيد الناس يف كالمه السالف الذكر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو من حيفظ مائة ألف حديث سندا ومتنا‪.‬‬
‫(‪ )15‬احلاكم‪ :‬هو من أحاط علما جبميع األحاديث‪ ،‬حَ َل يفوته منها إَل اليسري‪ ،‬وهذا على رأي بعض أهل العلم‪.‬‬
‫(‪ )16‬ا ْحلُ َّجةُ‪ :‬هو من أحاط علما بثالَثائة ألف حديث‪.‬‬
‫(‪ )17‬أمري املؤمنني يف احلديث‪ :‬وهو أرفع املراتب وأعالها‪ ،‬وهو من فاق حفظا وإتقاان وتعمقا يف علم األحاديث‬
‫وعللها كل من سبقه من املراتب‪ِ ،‬بيث يكون ْلتقانه مرجعا للحكام واحلفاظ وغريهم‪.‬‬
‫ومن أمراء املؤمنني يف احلديث‪ :‬سفيان الثوري‪ ،‬وشعبة بن احلجاج‪ ،‬ومحاد بن سلمة‪ ،‬وعبد هللا ابن املبارك‪ ،‬وأمحد بن‬
‫حنبل‪ ،‬والبخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬ومن املتأخرين‪ :‬احلافظ ابن حجر العسقالين‪.‬‬

‫)‪" (1‬تدريب الراوي" للسيوطي‪.)31/1( ،‬‬


‫)‪" (2‬تدريب الراوي" للسيوطي‪.)38/1( ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(‪ )18‬السنة لغة واصطالحا‪:‬‬
‫اْل ْس َالِم‬
‫"م ْن َس هن ِيف ِْ‬
‫السنة لغة‪ :‬السرية والطريقة املتبعة؛ حسنة كانت أو سيئة‪ ،‬ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم‪َ :‬‬
‫ُجوِرِه ْم َشيءٌ‪ ،‬وَم ْن َس هن ِيف ِْ‬
‫اْل ْس َالِم ُسنهةً‬ ‫سنهةً حسنَةً‪ ،‬فَ ع ِمل ِهبا ب ع َده‪ُ ،‬كتِب لَه ِمثْل أَج ِر من ع ِمل ِهبا‪ ،‬وََل ي ْن ُق ِ‬
‫ص م ْن أ ُ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ َْ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫سيِئةً‪ ،‬فَ ع ِمل ِهبا ب ع َده‪ُ ،‬كتِب علَي ِه ِمثْل ِوْمِر من ع ِمل ِهبا‪ ،‬وََل ي ْن ُق ِ‬
‫ص م ْن أ َْوَما ِره ْم َش ْيءٌ‬
‫"(‪.)1‬‬
‫َ َّ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫(أ) السنة يف اصطالح احملدثني‪ :‬تطلق السنة على ما أضيف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم خاصة عند بعضهم‪ ،‬واألكثر‬
‫أها تشمل ما أضيف إىل الصحايب أو التابعي أيضا‪.‬‬
‫(ب) السنة يف اصطالح األصوليني‪ :‬ما أضيف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬
‫فيجعلوها خاصة ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وَل يدخلون فيها الصفة‪ ،‬وذلك ألهم يبحثون فيها كمصدر للتشريع‪،‬‬
‫والتشريع يثبت ابلقول أو الفعل أو التقرير منه صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫فالسنة عندهم دليل كلي( إمجايل) من أدلة استنباط احلكم الشرعي‪.‬‬
‫(ج) السنة يف اصطالح الفقهاء‪ :‬تطلق عند الفقهاء على ما يثاب فاعله‪ ،‬وَل يعاقب اتركه‪.‬‬
‫أو ما أمر به الشارع أمرا ليس على سبيل احلتم واْللزام‪ ،‬فهي مرادف للمندوب‪.‬‬
‫فهي عندهم أحد أقسام احلكم التكليفي اخلمسة(الوجوب‪ ،‬والندب‪ ،‬واْلابحة‪ ،‬والكراهة‪ ،‬والتحرمي)‬
‫(‪ )19‬علم احلديث رواية‪:‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫هو علم يشتمل على أقوال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وتقريراته‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وروايتها‪ ،‬وضبطها‪ ،‬وحترير ألفاظها"‬
‫ومتثله كتب السنة‪ ،‬ومنها الكتب الستة‪.‬‬
‫موضوع علم احلديث رواية‪:‬‬
‫ما أضيف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم أو الصحايب أو التابعي‪ ،‬فإنه يبحث يف هذا العلم عن روايتها وضبطها ودراسة‬
‫أسانيدها ومعرفة حال كل حديث أنه صحيح أو حسن أو ضعيف‪ ،‬كما أهم يبحثون يف هذا العلم عن املعىن اْلمجايل‬
‫للحديث‪ ،‬وما يستنبط منه من الفوائد‪.‬‬
‫(‪ )20‬علم احلديث دراية‪:‬‬
‫أيضا "علم احلديث"‪ ،‬كما وقع يف‬
‫ويطلق عليه "مصطلح احلديث" أو "علوم احلديث" أو "أصول احلديث" ويطلق عليه ً‬
‫مصطلح ألفية العراقي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬علم يتعرف منه أنواع الرواية وأحكامها‪ ،‬وشروط الرواة‪ ،‬وأصناف املروَيت‪ ،‬واستخراج معانيها‬
‫(‪.)3‬‬

‫َح َو ُال ال هسنَ ِد َوالْ َم ْنت‬


‫ِ "(‪.)4‬‬ ‫والتعريف املختار لعلم احلديث دراية‪ِ " :‬ع ْلم بَِقوانِني ي عر ُ ِ‬
‫ف هبَا أ ْ‬ ‫ٌ َ َ َُْ‬
‫)‪ (1‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب العلم – ابب من سن سنة حسنة أو سيئة – رقم (‪)1017‬‬
‫)‪ (2‬راجع‪" :‬إرشاد القاصد إىل أسىن املقاصد"‪َ ،‬لبن األكفاين‪( ،‬ص‪ ،)155:‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫)‪ (3‬راجع‪" :‬إرشاد القاصد إىل أسىن املقاصد"‪َ ،‬لبن األكفاين‪( ،‬ص‪.)160:‬‬
‫)‪" (4‬تدريب الراوي" (‪.)36/1‬‬
‫‪8‬‬
‫وقيل‪ :‬هو الْ َقو ِ‬
‫اعد الْ ُكلية الْمعرفَة ِِبَال الهرا ِوي واملروي‬ ‫"( ‪.)1‬‬
‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫ومتثل علم احلديث دراية كتب مصطلح احلديث‪ ،‬مثل كتاب"الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪ ،‬و"علوم‬
‫احلديث" للحاكم النيسابوري‪ ،‬وغريَها‪.‬‬
‫وأحوال السند‪ :‬هي ما يطرأ عليه من اتصال‪ ،‬أو انقطاع‪ ،‬أو تدليس‪ ،‬أو تساهل بعض رجاله يف السماع‪ ،‬أو سوء‬
‫حفظه‪ ،‬أو اهتامه ابلفسق أو الكذب أو غري ذلك‪.‬‬
‫وأحوال املنت‪ :‬هي ما يطرأ عليه من رفع‪ ،‬أو وقف‪ ،‬أو شذوذ‪ ،‬أو صحة‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬
‫وموضوع هذا العلم‪ :‬هو السند واملنت من حيث التوصل إىل معرفة املقبول من املردود‪.‬‬
‫الفرق بني "علم احلديث رواية "و"علم احلديث دراية"‪:‬‬
‫علم احلديث دراية يوصل إىل معرفة املقبول من املردود بشكل عام أي بوضع قواعد عامة‪.‬‬
‫أما علم رواية احلديث فإنه يبحث يف هذا احلديث املعني الذي تريده‪ ،‬فيبني بتطبيق تلك القواعد أنه مقبول أو مردود‪،‬‬
‫ويضبط روايته وشرحه‪ ،‬فهو إذن يبحث ِبثا جزئيا تطبيقيا‪ ،‬فالفرق بينهما كالفرق بني النحو وبني اْلعراب وكالفرق بني‬
‫(‪.)2‬‬
‫أصول الفقه وبني الفقه‬
‫لت ِرهدةٌ يف األصح‬ ‫ِ‬
‫(‪ )21‬الصحايب‪ :‬هو َمن لَق َي النيب صلى هللا عليه وسلم مؤمناً به‪ ،‬ومات على اْلسالم‪ ،‬ولو َختَله ْ‬
‫(‪.)3‬‬

‫وإَّنا نقول ‪":‬من لقي"‪ ،‬وَل نقول‪ ":‬من رأى"‪ ،‬ليدخل يف الصحابة ابن أم مكتوم‪ ،‬وعتبان بن مالك‪ ،‬رضي هللا عنهما‪،‬‬
‫فإهما كاان ضريرين‪.‬‬
‫ِ‬
‫اْلسالم‬ ‫"ولو ختلَّلت ِر َّدةٌ"‪ :‬أي‪ :‬بني لُِقيِّ ِه له مؤمناً به‪ ،‬وبني موته على ا ِْلسالم‪ ،‬فِإن اسم الصحبة ابق له‪ ،‬سواء رجع إِىل‬
‫يف حياتِِه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أم بعده‪ ،‬سواء لقيه اثنيا أَم َل‪.‬‬
‫األصح"‪ :‬إشارة إىل اخلالف يف املسألة‪ ،‬لكن هذا هو الراجح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫(‪.)4‬‬
‫(‪ )22‬التَّابِ ِع ُّي‪ :‬هو من لقي الصحايب‪ ،‬مؤمنا ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومات على ذلك‬
‫(‪.)5‬‬
‫ض َرم‪ :‬هو من أدرك اْلاهلية وحياة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأسلم‪ ،‬وَل صحبة له‬ ‫ْم َخ ْ‬ ‫(‪ )23‬ال ُ‬
‫ض ِرَم‪ ،‬أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغريها‪ ،‬واشتقاقه من أن أهل اْلاهلية الذين أسلموا وِل يهاجروا‬ ‫كأنه ُخ ْ‬
‫كانوا َيضرمون آذان اْلبل‪ :‬أي يقطعوها لتكون عالم ًة ْلسالمهم؛ حَ َل يغار عليهم وَل يُقاتَلوا‪ ،‬فسموا خمضرمني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ِذ ْكر من أَدرَك ْ ِ ِ‬ ‫احل هج ِ ِ‬ ‫قال احلاكم‪" :‬قَرأْ ِ ِ ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ ،‬ولَكنههُ‬ ‫هيب َ‬ ‫اْلَاهليهةَ َوَِلْ يَ ْل َق النِ ه‬ ‫اج َرمحَهُ هُ َ َ ْ َ‬ ‫ت ِبَ ّط ُم ْسل ِم بْ ِن َْ‬ ‫َ ُ‬
‫ي‬‫س‪َ ،‬وِمْن ُه ْم ُس َويْ ُد بْ ُن َغ ْفلَةَ الْ ِكْن ِد ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ ه ِ‬
‫صلى هللاُ َعلَْيه َو َسل َم مْن ُه ْم‪ :‬أَبُو َع ْمرو الشْهي بَاينُّ َس ْع ُد بْ ُن إ ََي َ‬
‫هيب َ ه‬ ‫ِ‬
‫ص َحابَةَ بَ ْع َد الن ِّ‬
‫ب ال ه‬ ‫صح َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫صَرِة يَ ُقولُو َن‪ :‬ابْ ُن‬ ‫ُسْي ُر بْ ُن َع ْم ٍّرو‪َ ،‬وأ َْه ُل الْبَ ْ‬
‫ال أ َ‬ ‫يُ َك هىن أ ََاب أ َُميهةَ‪َ ،‬وِمْن ُه ْم‪ُ :‬شَريْ ُح بْ ُن َهانِ ٍّئ ا ْحلَا ِرثِ ُّي‪َ ،‬وِمْن ُه ْم يُ َسْي ُر بْ ُن َع ْم ٍّرو‪َ ،‬ويُ َق ُ‬

‫)‪" (1‬اليواقيت والدرر يف شرح خنبة ابن حجر"(‪ ،)231/1‬للمناوي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫)‪" (2‬منهج النقد يف علوم احلديث"(‪ )34/1‬نور الدين عرت‪ ،‬دار الفكر دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫)‪" (3‬خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"َلبن حجر العسقالين(‪ .)724/4‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪" (4‬شرح خنبة الفكر"‪ ،‬املال اهلروي القاري‪( ،‬ص‪ ،)595:‬دار األرقم ‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (5‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)407:‬‬
‫‪9‬‬
‫هخعِ ُّي َويُ َك هىن أ ََاب َع ْم ٍّرو‪َ ،‬وِمْن ُه ُم‬ ‫ي وي َك هىن أَاب عب ِد هِ ِ‬ ‫ٍّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َس َوُد بْ ُن يَِز َيد الن َ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬ومْن ُه ُم ْاأل ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َجاب ٍّر‪َ ،‬ومْن ُه ْم َع ْم ُرو بْ ُن َمْي ُمون ْاأل َْود ُّ َ ُ‬
‫اخلَْي َوِاينُّ أَبُو ُع َم َارةَ‪،‬‬ ‫ور بْ ُن ُس َويْ ٍّد‪َ ،‬وِمْن ُه ْم َعْب ُد َخ ِْري بْ ِن يَِز َيد ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب م ْن َساك ِّن الْ ُكوفَة‪َ ،‬ومْن ُه ُم الْ َم ْع ُر ُ‬
‫ْاألَسود بن ِه َال ٍّل الْمحا ِرِ ُّ ِ‬
‫َُ‬ ‫ْ َُ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ك بْ ُن ُع َم ٍّْري‪َ ،‬ومْن ُه ْم أَبُو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخو ِربْع ِي بْ ِن حَر ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ود بْ ُن حَر ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫َوِمْن ُه ْم ُشبَ ْي ُل بْ ُن َع ْوف ْاأل ْ‬
‫اش‪َ ،‬ومْن ُه ْم َمال ُ‬ ‫ّ‬ ‫اش أ ُ‬ ‫َمحَس ُّي‪َ ،‬ومْن ُه ْم َم ْس ُع ُ‬
‫س َويُ َك هىن‬ ‫امسُهُ ِع ْمَرا ُن بْ ُن َمتِ ٍّيم‪َ ،‬وِمْن ُه ْم غُنَ ْي ُم بْ ُن قَ ْي ٍّ‬‫ي َو ْ‬ ‫امسُهُ َعْب ُد الهر ْمحَ ِن بْ ُن َم ٍّّل ‪َ ,‬وِمْن ُه ْم أَبُو َر َج ٍّاء اْل ُعطَا ِرِد ُّ‬ ‫ي َو ْ‬ ‫هه ِد ُّ‬‫ُعثْ َما َن الن ْ‬
‫ي‪َ ،‬وِمْن ُه ْم‬ ‫امسُهُ َربِ َيعةُ بْ ُن ُمَر َارةَ‪َ ،‬وِمْن ُه ْم َخالِ ُد بْ ُن ُع َم ٍّْري الْ َع َد ِو ُّ‬
‫احلََال ِل الْ َعتَ ِك ُّي َو ْ‬
‫صائِ ُغ‪َ ،‬وِمْن ُه ْم أَبُو ْ‬ ‫أ ََاب الْ َعْن َِرب‪َ ،‬وِمْن ُه ْم أَبُو َرافِ ٍّع ال ه‬
‫(‪.)1‬‬
‫ضَرِم ُّي"‬ ‫ي‪َ ،‬وِمْن ُه ْم ُجبَ ْي ُر بْ ُن نُ َف ٍّْري ْ‬
‫احلَ ْ‬ ‫َُثَ َامةُ بْ ُن َح ْزٍّن اْل ُق َش ِْري ُّ‬
‫قلت‪ :‬ومنهم كذلك النجاشي‪ ،‬ملك احلبشة‪ ،‬أصحمة بن أِبر النجاشي‪ ،‬وامسه ابلعربية" عطية" والنجاشي لقب‪.‬‬

‫)‪" (1‬معرفة علوم احلديث" للحاكم النيسابوري‪( ،‬ص‪ ،)44:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫اثنيـ ـ ـا‪ :‬ن ـ ـشـ ـ ـأة علم مصطلح احل ـ ـديـ ـث وتـ ـط ـ ـوره‬
‫إن علم مصطلح احلديث له أَهية كبرية؛ إذ به يعرف صحيح احلديث من ضعيفه‪ ،‬ومقبوله من مردوده؛ كما مييز به بني‬
‫املرفوع واملوقوف‪ ،‬وبني املرسل واملوصول‪ ،‬وبني الشاذ واحملفوظ‪ ،‬وبني املنكر واملعروف‪.‬‬
‫وإَّنا يستمد هذا العلم أَهيته من أَهية احلديث النبوي الشريف‪ ،‬الذي هو املصدر الثاين للتشريع‪ ،‬بعد القرآن الكرمي‪،‬‬
‫فعليه يقوم استنباط األحكام من السنة الطاهرة‪ ،‬وبواسطته يتم حسن اَلقتداء ابلرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد نشأ هذا العلم الشريف مبكراً بعد ظهور الرواية‪ ،‬وقد وردت عن التابعني ومن بعدهم عبارات من هذا الفن‪ ،‬كما ورد‬
‫ت الْ ِفْت نَةُ‪ ،‬قَالُوا‪َ :‬مسُّوا لَنَا ِر َجالَ ُك ْم‪ ،‬فَيُ ْنظَُر إِ َىل أ َْه ِل‬
‫اْلسنَ ِاد‪ ،‬فَ لَ هما وقَع ِ‬
‫ََ‬ ‫من قول حممد بن سريين‪َِ " :‬لْ يَ ُكونُوا يَ ْسأَلُو َن َع ِن ِْ ْ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ح ِديثُ ُه ْم"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫السنهة فَيُ ْؤ َخ ُذ َحديثُ ُه ْم‪َ ،‬ويُْنظَُر إ َىل أ َْه ِل الْبِ َد ِع فَ َال يُ ْؤ َخ ُذ َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫ين‪ ،‬فَانْظُُروا َع هم ْن ََتْ ُخ ُذو َن ِدينَ ُك ْم"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال أيضا‪":‬إ هن َه َذا الْع ْل َم د ٌ‬
‫اد ِمن ال ِّدي ِن‪ ،‬ولَ ْوََل ِْ‬ ‫ِ‬
‫ال َم ْن َشاءَ َما َشاءَ"‬ ‫اد لََق َ‬‫اْل ْسنَ ُ‬ ‫وقال عبد هللا بن املبارك‪ْ ":‬اْل ْسنَ ُ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫ومن كالم ابن سريين يتبني لنا أن احلاجة ِل تكن ملحة إىل الكالم يف الرجال واألسانيد قبل وقوع الفتنة يف أواخر عهد‬
‫عثمان‪ ،‬إذ ِل يكن أحد يكذب على النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫بداية التدوين يف علم مصطلح احلديث‪:‬‬
‫(‪ )1‬أول من بدأ ابلتدوين يف هذا العلم الشريف‪ ،‬اْلمام حممد بن إدريس الشافعي (ت‪ 204 :‬ه ) يف كتاب "الرسالة"‪،‬‬
‫إذ تكلم عن شروط احلديث الصحيح‪ ،‬وشروط الراوي العدل‪ ،‬وِبث الكالم عن احلديث املرسل وشروطه‪ ،‬وتكلم عن‬
‫اَلنقطاع يف احلديث‪ ،‬وتكلم عن مجع السنة‪ ،‬وأنكر على من رد احلديث وتكلم عن حجية خرب الواحد وشروط احلفظ‪،‬‬
‫وتكلم عن الرواية ابملعىن‪ ،‬وعن التدلي س ومن عرف به‪ ،‬وتكلم عن مَيدة التوثيق يف الرواية بطلب إسناد آخر‪ ،‬وتكلم عن‬
‫أصول الرواية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مث تاله يف التأليف يف هذا الفن احلميدي عبد هللا بن الزبري (ت‪ 219 :‬ه ) وهو صاحب املسند وشيخ البخاري‪ ،‬إذ‬
‫يظهر من سوق اخلطيب يف كفايته إبسناد واحد إىل احلميدي عدة مسائل يف املصطلح أن له رسالة يف علم مصطلح‬
‫احلديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬مث تبع هذين العاملني اْلليلني يف الكتابة يف قضاَي املصطلح؛ اْلمام مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري املتوى‬
‫فضمن كتابه" اْلامع " مقدمة نفيسة تكلم فيها عن بعض القضاَي املهمة يف علم مصطلح احلديث؛ إذ‬ ‫سنة (‪ 261‬ه ) ّ‬
‫تكلم عن تقسيم األخبار‪ ،‬وعن تقسيم طبقات الرواة من حيث احلفظ واْلتقان‪ ،‬وتكلم عن احلديث املنكر‪ ،‬وعن تفرد‬
‫الرواة‪ ،‬وعن حكم األحاديث الضعيفة والرواَيت املنكرة‪ ،‬وتكلم عن وجوب الرواية عن الثقات‪ ،‬وترك الكذابني والتحذير‬
‫من الكذب على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ونصب األدلة على ذلك‪ ،‬وساق ما يدل على التغليظ يف النهي عن‬
‫الرواية عن الكذابني والضعفاء‪ ،‬والتساهل يف الرواية عن كل ما يسمع فتكلم عن أَهية اْلسناد‪ ،‬وعن وجوب جرح الرواة‬

‫)‪" (1‬مقدمة صحيح مسلم" (‪.)15/1‬‬


‫)‪" (2‬مقدمة صحيح مسلم" (‪.)14/1‬‬
‫)‪" (3‬مقدمة صحيح مسلم" (‪.)15/1‬‬
‫‪11‬‬
‫الضعفاء‪ ،‬وأنه ليس من الغيبة احملرمة‪ ،‬بل من الذب عن الشريعة املكرمة‪ ،‬مث تكلم إبسهاب وتفصيل عن صحة اَلحتجاج‬
‫ابحلديث املعنعن‪ ،‬حَ شد على من اشرتط ثبوت اللقاء فيه‪ ،‬ما ِل يكن املعنعن مدلسا‪.‬‬
‫وكتب كذلك كتابه"التمييز"وهو َل َيلو من بعض قضاَي مصطلح احلديث بسبب أن مسلماً مشهور ومعروف بتبسيط‬
‫العلم مما أداه إىل شرح بعض املصطلحات‪.‬‬
‫(‪ )4‬مث جاء اْلمام أبو داود السجستاين املتوى سنة (‪ 275‬ه ) فتكلم يف بعض قضاَي املصطلح‪ ،‬وذلك يف رسالته إىل‬
‫أهل مكة يف بيان منهجه يف سننه‪ ،‬إذ تكلم عن املراسيل وعن حكمها‪ ،‬وتكلم عن عدد السنن عن النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وتكلم عن اَلحتجاج ابحلديث الغريب‪ ،‬وعن حكم اَلحتجاج ابحلديث الشاذ‪ ،‬وتكلم عن احلديث الصحيح‪،‬‬
‫وعن املنقطع واملدلس‪ ،‬ومثّل لذلك‪ ،‬وتكلم عن صيغ السماع‪ ،‬وعن احلديث املعلول‪.‬‬
‫(‪ )5‬مث تبع هؤَلء يف التأليف اْلمام حممد بن عيسى بن سورة الرتمذي املتوى سنة (‪ 279‬ه ) فكتب كتابه"العلل‬
‫الصغري"‪ ،‬املوضوع يف آخر"اْلامع الكبري"‪ ،‬فقد تكلم فيه عن قضاَي مهمة يف مصطلح احلديث‪ ،‬فتكلم عن أنواع‬
‫التحمل‪ ،‬وخص اْلجامة بتوسع‪ ،‬وتكلم عن مسألة الرواية ابللفظ‪ ،‬والرواية ابملعىن‪ ،‬وتكلم على مَيدة الثقة‪ ،‬ونقل اختالف‬
‫العلماء يف جوام الكالم على الرجل جرحاً وتعديالً‪ ،‬مث رجح وجوب نقد الرجال؛ ألنه السبيل الوحيد إىل معرفة ما يقبل‬
‫وما يرد من احلديث النبوي الشريف‪ ،‬وقسم أجناس الرواة من حيث الضبط وعدمه وتكلم عن تفاوت الرواة يف ذلك‪،‬‬
‫وتكلم عن مفهوم احلديث احلسن عنده‪ ،‬وعن مفهوم احلديث الغريب‪ ،‬وتكلم عن املعلل واملرسل مع ذكر بعض أسباب‬
‫رد احمل ّدثني له‪ ،‬وكتابه"اْلامع الكبري" فيه كثري من القضاَي املهمة يف مصطلح احلديث‪.‬‬
‫(‪ )6‬مث جاء من بعدهم اْلمام أبو جعفر أمحد بن حممد الطحاوي احلنفي املتوى سنة (‪ 321‬ه ) فألف رسالة يف الفرق‬
‫بني التحديث واْلخبار‪ ،‬والفرق بني املعنعن واملؤنن‪ ،‬وهي موجودة يف "شرح مشكل اآلاثر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬مث جاء من بعدهم احلافظ حممد بن حبان البسيت املتوى سنة (‪ 354‬ه )‪ ،‬فكتب بعضاً من مسائل مصطلح‬
‫احلديث يف عدد من كتبه‪ ،‬فقد ذكر يف مقدمة كتابه"الثقات"الرواة الذين جيوم اَلحتجاج ِبربهم وساق شروطهم‪ ،‬مث‬
‫اخلمس الهِيت‬‫صال ْ‬ ‫قال‪":‬فَكل خرب وجد من روايه شيخ ِممهن أذكره ِيف ه َذا الْكتاب فَهو خرب ص ِحيح إِذا تعرى عن ِْ‬
‫اخل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ َ‬
‫الصدق من الثَِّقات وتعرى َعنهُ أهل األوابد والطامات َوإِ هان‬ ‫ذَكرَان َها فَيجب أَن ْيعتَرب َما قُ ْلنَا َح هَ ََل يلزق الوهن ِِب َْهل ْ‬
‫هتم ونقصد ِيف نظم أمسائهم املعجم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفصل أَمسَاء أَتبَاع التهابعني َونَ ْذ ُكر َما نَ ْع ِرف من أَنْ َساب الْ َم ْش ُهورين مْن ُهم وأوقات َم ْو ْ‬
‫(‪.)1‬‬
‫اد‪ ،‬لعلمي بتعذر حفظ الْكل ِمْنهُ على أَكثر النهاس"‬ ‫ِ‬
‫ليَ ُكون أسهل عْند البغية ملن أ ََر َ‬
‫أما كتابه "اجملروحني"‪ ،‬فقد ذكر يف مقدمته أنواع اْلرح‪ ،‬فكانت عشرين‪.‬‬
‫أما كتابه األعظم "الصحيح على التقاسيم واألنواع"‪ ،‬فقد ضمنه بعض قضاَي املصطلح املهمة يف مقدمته النفيسة‪ ،‬إذ‬
‫أمجل شرطه يف عنوان الكتاب‪ ،‬مث بسط كالمه عن هذه الشروط ودافع عن منهجه يف التصحيح‪ ،‬مث تكلم عن أقسام‬
‫األخبار من حيث طرقها‪ ،‬وتكلم عن اختالف الرفع والوقف‪ ،‬والوصل واْلرسال‪ ،‬وتكلم على مَيدات الثقات يف األسانيد‬
‫واملتون‪ ،‬مث تكلم عن رواية أهل البدع‪ ،‬وعن حكم الرواية عنهم‪ ،‬وتكلم عن املختلطني وعن حكم الرواية عنهم‪ ،‬وتكلم عن‬
‫املدلسني‪ ،‬وعن عدالة الصحابة‪.‬‬

‫)‪" (1‬الثقات"(‪ )3/6‬أبو حامت ابن حبان البُسيت‪ ،‬دائرة املعارف العثمانية ِبيدر آابد الدكن اهلند‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ي (املتوى‪360 :‬ه )‪ ،‬فألف كتابه‬ ‫بن َعْب ِد الهر ْمحَ ِن ب ِن َخاله ٍّد ال َفا ِرِس ُّي الهر َام ُه ْرُم ِز ُّ‬ ‫ٍّ‬
‫(‪ )8‬مث جاء من بعدهم أَبُو ُحمَ همد احلَ َس ُن ُ‬
‫اصل بني الهرا ِوي والو ِ‬ ‫ِِ‬
‫اعي"‪ ،‬وهو يبحث يف أبوابه األوىل يف مقدمات عن علم مصطلح احلديث‪ ،‬مث أوصاف‬ ‫ََ‬ ‫"املُ َح ّدث ال َف ِ َ‬
‫طالب احلديث‪ ،‬وبعض شروطه‪ ،‬وما يتعلق به‪ ،‬مث تكلم عن العايل والنامل من األسانيد‪ ،‬وما يتعلق به من الرحلة وعدمها‪،‬‬
‫مث تكلم عمن مجع بني الرواية‪ ،‬وتكلم إبجادة وتفصيل عن طرق التحمل‪ ،‬وصيغ األداء‪ ،‬مث تكلم عن اللحن‪ ،‬والرواية‬
‫ابملعىن‪ ،‬واملعارضة‪ ،‬واملذاكرة‪ ،‬واملنافسة‪ ،‬وغريها‪ ،‬واعتمد على نقل األخبار عن السلف املاضني ابألسانيد‪ ،‬حَ امتدحه‬
‫اد‬ ‫اب! قِيل‪ :‬إِ هن ِ ِ‬
‫أئمة هذا الشأن يف صنيعه يف هذا الكتاب‪ ،‬فقد قال فيه الذهيب‪" :‬وما أَحسنَهُ ِمن كِتَ ٍّ‬
‫السلَف هي َكا َن َلَ ي َك ُ‬
‫ّ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ِِ (‪.)1‬‬
‫ض ُعمره"‬ ‫ارق ك همهُ‪ ،‬يَ ْع ِّن ِيف بَ ْع ِ‬
‫ي َف ُ‬
‫(‪ )9‬مث جاء أبو عبد هللا حممد بن عبد هللا احلاكم النيسابوري املتوى سنة (‪ 405‬ه )‪ ،‬فألف كتابه"معرفة علوم احلديث"‬
‫وقد استوعب فيه أغلب أنواع علوم احلديث‪ ،‬وتقسيمه ذلك‪ ،‬وتفصيله ألنواعه‪.‬‬
‫(‪ )10‬مث جاء احلافظ أبو نعيم أمحد بن علي األصفهاين املتوى سنة (‪ 430‬ه )‪ ،‬فزاد على ما كتب احلاكم وتعقبه يف‬
‫بعض األمور‪ ،‬بكتاب أمساه‪" :‬املستخرج على كتاب احلاكم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬مث جاء احلافظ أبو يعلى اخلليلي املتوى سنة (‪ 446‬ه )‪ ،‬فألف كتاهب "اْلرشاد يف معرفة علماء احلديث"‪ ،‬وقد ذكر‬
‫يف مقدمة هذا الكتاب شيئاً من دقائق علم مصطلح احلديث‪ ،‬فتكلم عن احلديث الصحيح‪ ،‬وشرح شيئاً عن العلة‪،‬‬
‫وتكلم عن الشذوذ‪ ،‬وعن األفراد‪ ،‬وعن املنكر‪ ،‬والشاذ‪ ،‬وحتدث عن العلو والنزول‪ ،‬وحتدث عن طبقات احلفاظ وأئمة هذا‬
‫الشأن‪ ،‬ونقاد األثر‪ ،‬وطبقات فقهاء الصحابة وغريهم‪.‬‬
‫(‪ )12‬مث جاء اخلطيب البغدادي أبو بكر أمحد بن علي املتوى سنة (‪ 463‬ه )‪ ،‬فصنف يف قوانني الرواية كتابه املسم‬
‫"الكفاية يف علم الرواية" كما كتب يف أدب الرواية كتاابً مساه "اْلامع آلداب الشيخ والسامع"‪ ،‬وكان للخطيب البغدادي‬
‫دور واسع يف مصطلح احلديث‪ ،‬وألف كتباً مستقلةً قي أغلب فنون علم مصطلح احلديث‪ ،‬وبذلك أمجع املنصفون على‬
‫أن كل من جاء بعده كان عالة على كتبه‪.‬‬
‫(‪ )13‬مث جاء من بعدهم احلافظ أبو الفضل حممد بن طاهر املقدسي املتوى سنة (‪ 507‬ه ) فألف كتاابً يف العلو‬
‫والنزول‪ ،‬مث ألف القاضي عياض املتوى سنة (‪ 544‬ه ) كتاب "اْلملاع"‪ ،‬وأبو حفص امليانشي املتوى سنة (‪ 581‬ه )‬
‫جزءاَ لطيفاً مساه "ما َل يسع احمل ّدث جهله"‪.‬‬
‫(‪ )14‬مث جاء احلافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصالح الشهرموري املولود سنة (‪577‬ه ) واملتويف سنة (‪ 643‬ه )‬
‫نزيل دمشق‪ ،‬فجمع ما تفرق يف مؤلفات من سبقه‪ ،‬وضم إليه ما جيب ضمه من الفوائد‪ ،‬وذلك يف كتابه"معرفة أنواع علم‬
‫احلديث"‪ ،‬وهو من أجل كتب مصطلح احلديث وأحسنها‪ ،‬وقد رمق هللا تعاىل كتابه القبول بني الناس‪.‬‬
‫ص ٍّر‪ ،‬ومستد ِرٍّك‬‫وخمتَ ِ‬ ‫صى كم ٍّ‬
‫انظم له ُْ‬ ‫وقد اعتىن من جاء بعد ابن الصالح أشد العناي ة بكتابه حَ قال ابن حجر‪":‬فال ُْحي َ‬
‫ِ ٍّ (‪.)2‬‬
‫ض له ومنتَصر"‬ ‫ص ٍّر‪ ،‬ومعا ِر ٍّ‬ ‫ِ‬
‫عليه وم ْقتَ ِ‬
‫ُ‬

‫)‪" (1‬سري أعالم النبالء" للذهيب(‪ ،)73/16‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬


‫)‪" (2‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر" (‪َ )24/1‬لبن حجر العسقالين‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫(‪ ) 15‬مث جاء اْلمام حميي الدين حيىي بن شرف النووي‪ ،‬املتوى سنة (‪676‬ه )‪ ،‬فألف كتابه" التقريب والتيسري ملعرفة سنن البشري‬
‫النذير"‪ ،‬وهو اختصار لكتاب"علوم احلديث" َلبن الصالح‪.‬‬
‫(‪ )16‬مث جاء اْلمام مين الدين عبد الرحيم بن احلسني العراقي‪ ،‬املتوى سنة ( ‪806‬ه ) "نظم الدرر يف علم األثر"‪ ،‬ومشهورة‬
‫ابسم "ألفية العراقي"نظم فيها "علوم احلديث"َلبن الصالح‪ ،‬وماد عليه‪ ،‬وهي جيدة كثرية الفوائد‪ ،‬وعليها شروح عديدة‪.‬‬
‫(‪ ) 17‬مث جاء اْلمام احلافظ ابن حجر العسقالين املتوى سنة ( ‪852‬ه )‪ ،‬فألف كتابه "خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر" وهو‬
‫جزء صغري خمتصر جدًّا‪ ،‬لكنه من أنفع املختصرات وأجودها ترتيبا‪ ،‬ابتكر فيه مؤلفه طريقة يف الرتتيب والتقسيم ِل يسبق إليها‪،‬‬
‫وقد شرحه مؤلفه بشرح مساه "نزهة النظر" كما شرحه غريه‪.‬‬
‫(‪ )18‬مث جاء اْلمام حممد بن عبد الرمحن السخاوي‪ ،‬املتوى سنة (‪902‬ه )‪ ،‬فألف كتابه "فتح املغيث يف شرح ألفية احلديث"‬
‫وهو شرح على ألفية العراقي‪ ،‬وهو من أوى شروح األلفية وأجودها‪.‬‬
‫(‪ ) 19‬مث جاء اْلمام جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي‪ ،‬املتوى سنة (‪911‬ه )‪ ،‬فألف كتابه"تدريب الراوي يف شرح‬
‫تقريب النواوي"‪ ،‬وهو شرح لكتاب تقريب النواوي‪ ،‬كما هو واضح من امسه‪ ،‬مجع فيه مؤلفه كثريا من الفوائد‪.‬‬
‫(‪ )20‬مث جاء اْلمام عمر بن حممد البيقوين‪ ،‬املتوى سنة ( ‪1080‬ه )‪ ،‬فألف"املنظومة البيقونية"‪ ،‬وهي من املنظومات املختصرة؛‬
‫إذ َل تتجاوم أربعة وثالثني بيتا‪ ،‬وتعد من املختصرات النافعة املشهورة‪ ،‬وعليها شروح متعددة‪.‬‬
‫(‪ )21‬مث جاء اْلمام حممد مجال الدين القامسي‪ ،‬املتوى سنة ( ‪1332‬ه )‪ ،‬فألف كتابه" قواعد التحديث" وهو كتاب حمرر مفيد‪.‬‬
‫(‪ )22‬مث توالت بعد ذلك الكتابة يف بعض مسائل علوم احلديث‪ ،‬حَ ظهرت الكتابة الدراسات التطبيقية لبعض علوم احلديث‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل األول‬
‫احل ـ ـ ـ ـديـ ـ ـ ـ ـ ـث الصـ ـ ـ ـحي ـ ـ ـح‬
‫تعريفه لغة واصطالحا‪:‬‬
‫الصحيح لغة‪ :‬ضد السقيم‪ ،‬وهو حقيقة يف األجسام‪ ،‬جمام يف احلديث‪ ،‬وسائر املعاين‪.‬‬
‫جاء يف املصباح املنري‪ " :‬الصحة يف البدن حالة طبيعية جتري أفعاله معها على اجملرى الطبيعي وقد استعريت الصحة‬
‫للمعاين فقيل صحت الصالة إذا أسقطت القضاء وصح العقد إذا ترتب عليه أثره وصح القول إذا طابق الواقع وصح‬
‫الشيء يصح من ابب ضرب فهو صحيح واْلمع صحاح مثل كرمي وكرام والصحاح ابلفتح لغة يف الصحيح والصحيح‬
‫(‪.)1‬‬
‫احلق وهو خالف الباطل وصححته ابلتثقيل فصح"‬
‫ادهُ بِنَ ْق ِل الْ َع ْد ِل الضهابِ ِط َع ِن الْ َع ْد ِل الضهابِ ِط إِ َىل ُمْن تَ َهاهُ‪َ ،‬وََل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصحيح اصطالحا‪" :‬هو ْ ِ‬
‫يث الْ ُم ْسنَ ُد الهذي يَتهص ُل إِ ْسنَ ُ‬
‫احلَد ُ‬ ‫َُ‬
‫(‪.)2‬‬
‫يَ ُكو ُن َشاذًّا‪َ ،‬وََل ُم َعله ًال"‬
‫وإمنا قلنا‪ :‬إىل منتهاه ليشمل احلديث املرفوع إىل النيب صلى هللا عليه وسلم واملروي عن الصحايب وهو املوقوف‪ ،‬واملروي‬
‫عن التابعني وهو املقطوع‪.‬‬
‫ومن خالل هذا التعريف يتبني لنا أن شروط احلديث الصحيح مخسة‪:‬‬
‫(‪ )1‬اتصال السند‪.‬‬
‫(‪ )2‬عدالة الرواة‪.‬‬
‫(‪ )3‬متام الضبط‪.‬‬
‫(‪ )4‬عدم الشذوذ‪.‬‬
‫(‪ )5‬عدم العلة‪.‬‬
‫شرح هذه الشروط ‪:‬‬
‫(أوال) معىن اتصال السند‪ :‬أن يكون كل راو حتمل عمن فوقه مباشرة‪ِ ،‬بيث َل يكون هناك راو حمذوف‪ ،‬وَيرج هبذا‬
‫الشرط‪:‬‬
‫ْم َعلَّ َق‪ :‬وهو ما حذف من أول إسناده راو أو أكثر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ال ُ‬
‫ِ‬ ‫ال معاذُ بن جب ٍّل‪ِ ":‬‬
‫س بِنَا نُ ْؤم ْن َس َ‬
‫اعةً"‬ ‫اجل ْ‬ ‫ومثاله‪ :‬قال البخاري‪َ :‬وقَ َ ُ َ ْ ُ َ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ْ‬
‫فالبخاري قطعا ِل يدرك معاذ بن جبل‪ ،‬فاْلسناد من بعد البخاري إىل الراوي عن معاذ حمذوف‪.‬‬
‫ْم ْنـ َق ِط َع‪ :‬وهو ما سقط من سنده راو يف موضع أو مواضع‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ال ُ‬
‫بن خملد‪ ،‬حدهثنا ُه َشيم‪ ،‬أخربان يونُس بن ُعبيد‪ ،‬عن احلسن أن ُع َمَر ابن اخلطاب‬ ‫ومثاله‪ :‬قال أبو داود‪ :‬حدهثنا شجاعُ ُ‬

‫)‪" (1‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري" (‪ ،)333/1‬أمحد بن حممد بن علي الفيومي مث احلموي‪ ،‬أبو العباس املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (2‬معرفة أنواع علوم احلديث"(‪ )12/1‬عثمان بن عبد الرمحن‪ ،‬أبوعمروابن الصالح‪.‬‬
‫س‪.‬‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪:‬بُِ َّن ا ِْل ْسالَ ُم َعلَى َْ‬
‫َخ ٍّ‬ ‫ِ ِ‬
‫هيب َ‬
‫)‪ (3‬علقه البخاري يف صحيحه‪:‬كتاب اْلميان – ابب قَ ْول الن ِّ‬
‫‪15‬‬
‫العشر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫ت هبم إَل يف النصف الباقي‪ ،‬فإذا كانت ُ‬‫ين ليلة‪ ،‬وَل يَقنُ ُ‬
‫الناس على أيب بن كعب فكان يُصلّي هلم عشر َ‬ ‫مجع َ‬
‫ف‪ ،‬فصلهى يف بيته‪ ،‬فكانوا يقولون‪ :‬أبَ َق أ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ُيب‬ ‫األواخ ُر ختله َ‬
‫(‪.)1‬‬

‫فهذا منقطع‪ ،‬ألن احلسن البصري ِل يدرك عمر بن اخلطاب‪ ،‬ولد لسنتني بقيتا من خالفة عمر‪.‬‬
‫ض ُل‪ :‬وهو ما سقط من سنده راوَين فأكثر مع التوايل‪.‬‬ ‫ْم ْع َ‬
‫(‪ )3‬ال ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫مثاله‪ :‬ما رواه القعنيب‪ ،‬عن َمالِك؛ أَنههُ بَلَغَهُ أَ هن أ ََاب ُهَريْ َرَة قَ َ‬
‫ول هللا صلى هللا عليه وسلم‪":‬ل ْل َم ْملُوك طَ َع ُامهُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫وف‪ ،‬وَلَ ي َكله ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف م َن الْ َع َم ِل إَِله َما يُط ُ‬
‫يق"‬ ‫َوك ْس َوتُهُ ِابلْ َم ْع ُر َ ُ ُ‬
‫(‪.)2‬‬

‫هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ‬


‫ب‬‫َخبَ رَان أَبُو الطهيِّ ِ‬
‫وص َل َعْنهُ َخار َِج الْ ُم َوطأ‪ ،‬أ ْ َ‬ ‫ضلَهُ‪َ ،‬ع ْن َمالك َه َك َذا ِيف الْ ُم َوطهأ إِهَل أَنههُ قَ ْد َ‬ ‫قال احلاكم‪َ :‬ه َذا ُم ْع َ‬
‫ض ٌل أ َْع َ‬
‫اَّللِ‪ ,‬ثنا إِب ر ِاهيم بن طَهما َن‪َ ,‬عن مالِ ِ‬ ‫ص بْ ُن َعْب ِد ه‬ ‫ِ‬ ‫ي‪ ,‬حدهثَنَا َْحممش بْن ِع ٍّ‬ ‫ُحم هم ُد بن عب ِد هِ ِ‬
‫ك‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫صام الْ ُم َع ّد ُل‪ ،‬ثنا َح ْف ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫اَّلل الشهع ِري ُّ َ‬ ‫َ ْ ُ َْ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪:‬‬ ‫ول هِ‬ ‫س‪َ ,‬ع ْن ُحمَ هم ِد بْ ِن َع ْج َال َن‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬ ‫بْ ِن أَنَ ٍّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫يق" َوَه َك َذا َرَواهُ النُّ ْع َما ُن بْ ُن َعْب ِد ال هس َالِم‪َ ،‬و َغْي ُرهُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وف‪ ،‬وََل ي َكله ِ‬
‫ف م َن الْ َع َم ِل إِهَل َما يُط ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫وك طَعامه وكِسوتُه ِابلْمعر ِ‬
‫َ ُ ُ َ ْ َ ُ َ ُْ‬
‫"لِْلمملُ ِ‬
‫َْ‬
‫ِ ٍّ (‪.)3‬‬
‫َع ْن َمالك‬
‫فتبني أن بني اْلمام مالك وأيب هريرة اثنان‪َ ،‬ها‪ :‬حممد بن عجالن‪ ،‬وأبوه عجالن املدين القرشي‪ ،‬موىل فاطمة بنت الوليد‬
‫بن عتبة بن ربيعة‪.‬‬
‫وأخرجه أمحد يف مسنده من طريق آخر‪:‬‬
‫قال اْلمام أمحد‪َ :‬حدهثَنَا ُس ْفيَا ُن‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َع ْج َال َن‪َ ،‬ع ْن بُ َك ِْري بْ ِن َعْب ِد هللاِ‪َ ،‬ع ْن َع ْج َال َن‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هيب صلهى هللا علَي ِه وسلهم قَ َ ِ‬
‫ال‪" :‬ل ْل َم ْملُوك طَ َع ُامهُ َوك ْس َوتُهُ‪َ ،‬وََل تُ َكلّ ُفونَهُ م َن الْ َع َم ِل َما ََل يُط ُ‬
‫يق"‬ ‫َع ِن النِ ِّ َ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫(‪.)4‬‬

‫وسفيان‪ :‬هو ابن عيينة‪ .‬وبكري‪ :‬هو ابن عبد هللا بن األشج‪.‬‬
‫ْم ْر َس ُل‪ :‬وهو ما رواه التابعي عن النيب صلى هللا عليه وسلم من غري ذكر الصحايب‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ال ُ‬
‫ث‪َ ،‬عن ُع َقْي ٍّل‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ِشه ٍّ‬ ‫ِ‬
‫اب‪َ ،‬ع ْن‬ ‫َ‬ ‫ني بْ ُن الْ ُمثَ هىن‪َ ،‬حدهثَنَا اللهْي ُ ْ‬ ‫وح هدثَِّن ُحمَ هم ُد بْ ُن َراف ٍّع‪َ ،‬حدهثَنَا ُح َج ْ ُ‬
‫مثاله‪ :‬قال مسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‪"،‬أَ هن رس َ ِ‬ ‫يد بْ ِن الْمسيِّ ِ‬ ‫سعِ ِ‬
‫هخ ِل‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم نَ َهى َع ْن بَْي ِع الْ ُمَزابَنَة َوالْ ُم َحاقَلَة"‪َ ،‬والْ ُمَزابَنَةُ‪ :‬أَ ْن يُبَ َ‬
‫اع ََثَُر الن ْ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استكَْراءُ ْاأل َْر ِ‬
‫ض ابلْ َق ْم ِح"‬ ‫ِابلت ْهم ِر‪َ ،‬والْ ُم َحاقَلَةُ‪ :‬أَ ْن يُبَ َ‬
‫اع الهزْرعُ ابلْ َق ْم ِح‪َ ،‬و ْ‬
‫(‪.)5‬‬

‫فسعيد بن املسيب اتبعي‪ ،‬وقد رفع هذا احلديث دون ذكر الصحايب الذي مسعه منه‪ ،‬فيكون حديثه هذا مرسال‪.‬‬
‫آخر‪ ،‬وِل يَسمعه منه‪ ،‬لكنه مسع منه غريه من األحاديث‪ ،‬بصيغة حتتمل السماع وعدمه‪،‬‬ ‫(‪ )5‬املُدلَّس‪ :‬ما رواه راو عن َ‬
‫مثل "عن"‪ "،‬أن"‪.‬‬
‫س‪ :‬هو من حيدث عمن مسع منه ما ِل يسمع منه‪ ،‬بصيغة توهم أنه مسعه منه‪ ،‬كأن يقول‪ :‬عن فالن‪ ،‬أو قال فالن‪.‬‬ ‫ْم َدلِ ِ‬
‫وال ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الصالة‪ -‬ابب القنوت يف الوتر – رقم(‪.)1429‬‬
‫)‪ (2‬موطأ مالك‪ :‬كتاب اَلستئذان– ابب األمر ابلرفق ابململوك– رقم (‪.)809‬‬
‫(‪" )3‬معرفة علوم احلديث" (‪.)37/1‬‬
‫)‪ (4‬مسند أمحد‪ – )322/12( :‬رقم (‪.)7364‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب البيوع – ابب حترمي بيع الرطب ابلتمر– رقم (‪.)1539‬‬
‫‪16‬‬
‫اع ِّي‪َ ،‬ع ْن قُ هرةَ ابْ ِن َعْب ِد‬
‫يد بن مسلٍِّم‪ ،‬عن األَوم ِ‬ ‫ال‪:‬حدهثَنا ِ‬ ‫صا ِر ُّ‬ ‫ومثاله‪ :‬قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا إِ ْس َح ُ‬
‫الول ُ ْ ُ ُ ْ َ ْ ْ َ‬ ‫ي قَ َ َ َ َ‬ ‫وسى األَنْ َ‬ ‫اق بْ ُن ُم َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪" :‬قَ َ‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬
‫اَّللُ‬
‫ال ه‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬‫ي‪َ ،‬ع ْن أَِيب َسلَ َمةَ‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬ ‫الزْه ِر ِّ‬
‫الهر ْمحَ ِن‪َ ،‬ع ْن ُّ‬
‫(‪.)1‬‬
‫يل أ َْع َجلُ ُه ْم فِطًْرا"‬
‫ب ِعبَ ِادي إِ َه‬‫َح ه‬ ‫ِ‬
‫َعهز َو َج هل‪ :‬إ هن أ َ‬
‫فالوليد بن مسلم ثقة يدلس‪ ،‬وقد عنعن يف هذا اْلسناد ‪ ،‬وِل يصرح ابلسماع‪ ،‬لكنه صرح ابلسماع يف رواية أمحد يف‬
‫مسنده (‪ ،)182/12‬فانتفت عنه شبهة التدليس‪.‬‬
‫ْم ْر َس ُل اخلَِف ُّي‪ :‬وهو ما رواه راو عمن عاصره‪ ،‬ولكن ِل يسمع منه‪.‬‬ ‫(‪ )6‬ال ُ‬
‫صالِ ِح بْ ِن ُحمَ هم ِد بْ ِن َمائِ َد َة‪َ ،‬ع ْن ُع َمَر‬‫‪،‬ع ْن َ‬
‫ٍّ‬
‫ال‪ :‬أَنْبَأ ََان َعْب ُد الْ َع ِزي ِز بْ ُن ُحمَ همد َ‬
‫اح قَ َ‬‫صبه ِ‬‫مثاله‪ :‬قال ابن ماجه‪َ :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن ال ه‬
‫س"‬ ‫احلََر ِ‬
‫س ْ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه و َسلهم‪" :‬رِحم ه ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫بْ ِن َعْب ِد الْ َع ِزي ِز‪َ ،‬ع ْن ُع ْقبَةَ بْ ِن َع ِام ٍّر ْ ِ‬
‫اَّللُ َحار َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬‫ّن قَ َ‬‫اْلَُه ِّ‬
‫(‪.)2‬‬
‫َ َ َ َ‬
‫وعمر بن عبد العزيز ِل يلق عقبة بن عامر‪ ،‬كما قال املزي يف األطراف‪.‬‬
‫كيف يعرف اتصال السند؟‬
‫(‪ )1‬يكون اإلسناد متصال إذا صرح كل رجال اإلسناد مبا يدل على السماع‪ ،‬مثل‪( :‬مسعت) أو (مسعنا) أو (حدثّن)‬
‫أو (حدثنا) أو (قرأت عليه) أو (حدثّن قراءة عليه) أو (حدثنا قراءة عليه) أو (أخربين) أو (أخربان) أو (أنبأين) أو (أنبأان)‬
‫أو (قال يل) أو (قال لنا)‪ ،‬أو حنو ذلك من العبارات الدالة على أن الراوي قد لقي من فوقه‪ ،‬وأنه مسع منه ذلك احلديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذا عنعن الراوي الذي ال يدلس‪ ،‬وال يرسل‪ ،‬فتحمل عنعنته على االتصال عند اْلمام مسلم ومن وافقه‪ ،‬وإن ِل‬
‫يثبت اللقاء (ما ِل ينص على عدم مساعه حلديث معني منه)‪.‬‬
‫بينما يشرتط البخاري ومن وافقه ثبوت اللقاء بينهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬عنعنة الراوي املدلس الذي مل يصرح ابلسماع حتمل على االنقطاع‪:‬‬
‫لقوة احتمال تدليسه يف اْلسناد إبسقاط شيخه الذي مسع منه هذا احلديث‪.‬‬
‫وكذا األمر إذا اختلف العلماء يف مساع الراوي ممن فوقه عموماً‪ ،‬وِل يتبني الراجح يف ذلك‪ ،‬فإن احلكم على اْلسناد‬
‫ابتصاله حينئذ متوقف على ما يزول به احتمال اَلنقطاع من القرائن‪.‬‬
‫ويعرف عدم اتصال السند أبمرين‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬العلم ِبن املروي عنه مات قبل أن يبلغ الراوي سن‪.‬‬
‫اثنيهما‪ :‬أن ينص الراوي أو أحد أئمة احلديث على أنه ِل يتصل مبن روى عنه‪ ،‬أو ِل يسمع‪ ،‬أو ير منه ما َحدهث به عنه‪.‬‬
‫(اثنيا)"العدالة"‪:‬‬
‫العدالة لغة‪ :‬العدالة مصدر َع ُدل ابلضم‪ ،‬يقال عدل عدالة وعدولة‪ ،‬فهو عدل‪ ،‬أي رضا ومقنع يف الشهادة‪ ،‬ويقال رجل‬
‫عدل‪ ،‬ورجالن عدل‪ ،‬ورجال عدل‪ ،‬ونسوة عدل‪ ،‬وكل ذلك على معىن رجال ذو عدل ونسوة ذوات عدل‪ ،‬فهو َل يثّن‬
‫وَل جيمع وَل يؤنث‪ ،‬فإن رأيته جمموعا أو مثىن أو مؤنثا فعلى أنه قد أجري جمرى الوصف الذي ليس مبصدر‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الصوم – ابب ما جاء يف تعجيل اْلفطار – رقم (‪.)700‬‬
‫احلر ِس والته ْكِب ِري ِيف سِب ِيل هِ‬
‫اَّلل – رقم (‪.)2769‬‬ ‫َ‬ ‫ض ِل ََْ َ‬‫)‪ (2‬أخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب اْلهاد– ابب فَ ْ‬
‫‪17‬‬
‫وأما العدل الذي ضد اْلور فهو مصدر قولك‪ :‬عدل يف األمر فهو عادل‪ ،‬وتعديل الشيء تقوميه‪ ،‬يقال عدله تعديالً‬
‫(‪.)1‬‬
‫فاعتدل‪ ،‬أي‪ :‬قومته فاستقام‪ ،‬وكل مثقف معتدل‪ ،‬وتعديل الشاهد نسبته إىل العدالة‬
‫وقال الزبيدي‪" :‬العدل‪ :‬ضد اْلور‪ ،‬وهو ما قام يف النفوس أنه مستقيم‪ ،‬وقيل‪ :‬هو األمر املتوسط بني اْلفراط والتفريط"‬
‫(‪)2‬‬

‫فيظهر من خالل ما تقدم أن التعديل هو نسبة الرجل إىل العدالة‪ ،‬اليت هي الرضا والقناعة ابلشخص على أنه صاحل‬
‫للشهادة‪ ،‬وتزكيته‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬تعددت تعريفات العلماء ملفهوم العدالة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫(‪ )1‬تعريف ابن حزم الظاهري‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قال ابن حزم‪" :‬العدالة إَّنا هي التزام العدل والعدل هو القيام ابلفرائض واجتناب احملارم والضبط ملا روى وأخرب به فقط"‬
‫تعريف الغزايل للعدالة‪:‬‬
‫س ُْحت َم ُل َعلَى‬ ‫السريةِ وال ِّدي ِن وي رِجع ح ِ‬
‫اصلُ َها َإىل َهْي ئَ ٍّة َر ِاس َخةٍّ ِيف النه ْف ِ‬ ‫قال أبو حامد الغزايل‪" :‬واْلع َدالَةُ ِعبارةٌ عن ِ ِ ِ‬
‫َ َْ ُ َ‬ ‫است َق َامة ّ َ َ‬ ‫ََ َْ ْ‬ ‫ََ‬
‫اىل َخ ْوفًا َوا ِم ًعا َع ْن‬‫اَّللَ تَ َع َ‬
‫اف ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس بِص ْدقه‪ ،‬فَ َال ث َقةَ بَِق ْول َم ْن ََل ََيَ ُ‬ ‫ِ‬
‫صل ث َقةُ النُّ ُف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َال َمَمة الته ْق َوى َوالْ ُم ُروءَة َمج ًيعا َح هَ َْحت ُ ُ‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬
‫اْل َكذب"‬
‫تعريف ابن الصالح‪:‬‬
‫ضابِطًا لِ َما‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اهري أَئِ هم ِة ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫احلَديث َوالْف ْقه َعلَى‪ :‬أَنههُ يُ ْشتَ َر ُط ف َيم ْن ُْحيتَ ُّج بِ ِرَوايَته أَ ْن يَ ُكو َن َع ْدًَل‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫َمجَ َع َمجَ ُ‬ ‫قال ابن الصالح‪" :‬أ ْ‬
‫اب الْ ِف ْس ِق َو َخ َوا ِرِم الْ ُم ُروءَةِ‪ُ ،‬متَ يَ ِّقظًا َغْي َر ُمغَف ٍّ‬
‫هل‪َ ،‬حافِظًا إِ ْن‬ ‫َسب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْرِويه‪َ ،‬وتَ ْفصيلُهُ أَ ْن يَ ُكو َن ُم ْسل ًما‪َ ،‬ابلغًا‪َ ،‬عاق ًال‪َ ،‬سال ًما م ْن أ ْ َ‬
‫ِ‬
‫هث ِم ْن كِتَابِِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ضابِطًا ل ِكتَابِِه إِ ْن َحد َ‬ ‫حد َ ِ ِ ِ ِ‬
‫هث م ْن ح ْفظه‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث ِابلْ َم ْع َىن ا ْش ُِرت َط فيه َم َع ذَل َ‬‫َوإِ ْن َكا َن ُحيَ ّد ُ‬
‫ِ (‪)5‬‬
‫يل الْ َم َعاينَ"‬
‫ك أَ ْن يَ ُكو َن َعال ًما مبَا ُحي ُ‬
‫فنستطيع أن نقول إن العدالة عند ابن الصالح هي أن يكون الراوي مسلماً‪ ،‬ابلغاً عاقالً ساملاً من أسباب الفسق وخوارم‬
‫املروءة‪.‬‬
‫تعريف ابن حجرؤ العسقالين‪:‬‬
‫الممة التهقوى واملروءةِ"‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬املراد ابلع ْد ِل‪ :‬من له ملَ َكةٌ َْحت ِملُه على م ِ‬
‫(‪)6‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ َْ َُ‬
‫ُ‬
‫ونالحظ أن مجيع التعريفات السابقة متقاربة يف ألفاظها ومعناها‪ ،‬وهو أن العدالة هي اَلستقامة يف الدين بفعل الواجبات‬
‫وترك احملرمات‪.‬‬
‫هل الضبط واحلفظ يدخالن يف العدالة؟‬
‫التعريفات السابقة َل تدخل احلفظ والضبط يف تعريف العدالة‪ ،‬إَل تعريف اْلمام ابن حزم الظاهري فقط‪.‬‬

‫)‪" (1‬لسان العرب" (‪" ،)430/11‬خمتار الصحاح" (ص‪.)202:‬‬


‫)‪" (2‬اتج العروس" (‪.)443/29‬‬
‫)‪" (3‬اْلحكام يف أصول األحكام"َلبن حزم الظاهري‪ ،)144/1( ،‬دار اآلفاق اْلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق الشيخ أمحد شاكر‪.‬‬
‫)‪" (4‬املستصفى من علم األصول"أليب حامد الغزايل‪( ،‬ص‪ ،)125:‬حممد عبد السالم عبد الشايف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫)‪" (5‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪ .)105، 104:‬حتقيق‪:‬نور الدين عرت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬سورَي‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (6‬نزهة النظر" َلبن حجر العسقالين‪ .)58/1(،‬مطبعة املصباح‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الفرق بني العدالة الدينية وعدالة الرواية عند ابن حزم‪:‬‬
‫يفهم من هذا أن اْلمام ابن حزم ِل يكتف ابلعدالة الدينية اليت هي اَلستقامة يف الدين‪ ،‬والتزام أحكامه‪ ،‬ولكن يشرتط‬
‫إىل ذلك العدالة يف الرواية‪ ،‬وهي حفظ الراوي وضبطه‪.‬‬
‫ولكن مجهور احملدثني والفقهاء عندما يطلقون"العدالة" إَّنا يقصدون العدالة الدينية واليت هي اَلستقامة يف الدين‪.‬‬
‫ومن خالل التعريفات السابقة يتبني لنا شروط العدالة هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬اإلسالم‪ :‬فال تقبل رواية الكافر من يهودي أو نصراين أو غريَها إمجاعاً‪.‬‬
‫اس ٌق بِنَ بٍَّأ فَتَ بَ يه نُوا"‬
‫ال‪" :‬إِ ْن جاء ُكم فَ ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫اىل قَ َ‬ ‫ت ْاأل ََد ِاء ُم ْسلِ ًما‪ِ ,‬ألَ هن ه‬
‫اَّللَ تَ َع َ‬ ‫ب أَ ْن يَ ُكو َن َوقْ َ‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪ِ :‬‬
‫"وَجي ُ‬‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودا َم َع ِص هحة ْاعت َقاده‪ ،‬فَ َخبَ ُر الْ َكاف ِر بِ َذل َ‬
‫ك‬ ‫[احلجرات‪َ ،]6 :‬وإِ هن أ َْعظَ َم الْف ْس ِق الْ ُك ْف ُر‪ ،‬فَِإذَا َكا َن َخبَ ُر الْ ُم ْسل ِم الْ َفاس ِق َم ْرُد ً‬
‫(‪)1‬‬
‫أ َْوَىل"‬
‫فاْلسالم إذاً شرط عند األداء والتبليغ وليس شرطاً عند التحمل فيصح حتمل الكافر إذا أدى وهو مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬البلوغ‪ :‬هذا الشرط يتعلق ِبالتني من حاَلت الراوي‪ :‬حالة السماع والتحمل‪ ،‬مث حالة األداء والرواية‪.‬ولقد اختلف‬
‫احملدثون قدمياً يف ذلك‪ ،‬فمنهم من اشرتط سناً معيناً للتحمل‪ ،‬ومنهم من صحح مساع الصغري‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وقد ذكر هذا اخلالف اخلطيب البغدادي يف الكفاية فقال‪" :‬قَ هل من َكا َن يكْتب ْ ِ‬
‫ني‪,‬‬‫ص ِر التهابِع َ‬ ‫يث َعلَى َما بَلَغَنَا ِيف َع ْ‬ ‫احلَد َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َْ‬
‫يل‪ :‬إِ هن أ َْه َل‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوقَ ِريبًا ِمْنهُ‪ ,‬إِهَل َم ْن َج َاوَم َح هد الْبُلُ ِ‬
‫ص َار ِيف ع َداد َم ْن يَ ْ‬
‫صلُ ُح ل ُم َجالَ َسة الْ ُعلَ َماء َوُم َذا َكَرهت ْم َو ُس َؤاهل ْم‪َ .‬وق َ‬ ‫وغ َو َ‬
‫هعبُّ ِد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يث إِهَل ب ع َد استِكْمالِهِ ِع ْش ِرين سنَةً‪ ,‬وي ْشتَغِل قَبل ذَلِ َ ِِ ِ‬
‫ك ِب ْفظ الْ ُق ْرآن َوِابلت َ‬ ‫َ َ ََ ُ ْ َ‬ ‫احلَد َ َ ْ ْ َ‬
‫اح ُد ِمْن هم يسمع ْ ِ‬
‫ُْ َ ْ َ ُ‬
‫الْ ُكوفَ ِة َِل ي ُك ِن الْو ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقَا َل قَ ْوٌم‪ِ ْ :‬‬
‫ور الْعُلَ َماء‪ :‬يَص ُّح ال هس َماعُ ل َم ْن سنُّهُ‬ ‫ال مجُْ ُه ُ‬‫ث َع ْشَرةَ‪َ ,‬وقَ َ‬ ‫ال َغْي ُرُه ْم‪:‬ثََال َ‬
‫س َع ْشَرةَ َسنَةً‪َ ,‬وقَ َ‬ ‫احلَ ُّد يف ال هس َم ِاع َخَْ َ‬ ‫َ‬
‫اب"‬ ‫ك‪َ ,‬وَه َذا ُه َو ِعْن َد َان ال ه‬ ‫ِ‬
‫ص َو ُ‬ ‫ُدو َن ذَل َ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬العقل‪ :‬وهو من شروط العدالة اجملمع عليها‪.‬‬


‫يحا يَ ْلَزُم‬ ‫وغ‪ ،‬فَأَ هما ْاألَداء ِاب ِلرواي ِة فَ َال ي ُكو ُن ِ‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪" :‬قَ ْد ذَ َكرَان حكْم ال هسما ِع‪ ،‬وأَنهه ي ِ‬
‫صح ً‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ َ‬ ‫ص ُّح قَ ْب َل الْبُلُ ِ‬ ‫ْ ُ َ َ َ َُ‬
‫ت أََدائِِه َعاقِ ًال ممَُيًّزا"‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫الْعمل بِِه إِهَل ب ع َد الْب لُو ِغ‪ ،‬وَِجيب أَيضا أَ ْن ي ُكو َن الهرا ِوي ِيف وْق ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ َ ُ ْ ً َ‬ ‫ََ ُ‬
‫(‪ )4‬السالمة من أسباب الفسق وخوارم املروءة‪ :‬الفسق هو ارتكاب الكبرية أو اْلصرار على الصغرية‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وءةِ‪ :‬هي آداب نفسانية حتمل مراعاهتا اْلنسان على الوقوف عند حماسن األخالق ومجيل العادات"‬ ‫ْم ُر َ‬
‫ال ُ‬
‫والذي خيل ابملروءة شيئان‪:‬‬
‫مثال‪.‬‬
‫(‪ )1‬الصغائر الدالة على اخلسة‪ ،‬كسرقة لقمة أو شيء حقري ً‬
‫(‪ ) 2‬املباحات اليت تورث اَلحتقار وتذهب الكرامة كالبول يف الطريق‪ ،‬وفرط املزاح اخلارج عن حد األدب واَلعتدال‪ ،‬إىل‬
‫غري ذلك من األمور اليت يكون املرجع فيها إىل العادة والعرف‪ ,‬وَها َيتلفان ابختالف األممان والبيئات فقد يكون الشيء‬
‫خمال ابملروءة يف عصر أو بيئة وَل يكون كذلك يف عصر أو بيئة أخرى‪.‬‬

‫)‪" (1‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪( ،‬ص‪ ،)77:‬املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫)‪" (2‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪( ،‬ص‪ ،)54:‬املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫)‪" (3‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪( ،‬ص‪ ،)76:‬املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫)‪" (4‬توجيه النظر" (‪.)97/1‬‬
‫‪19‬‬
‫واملراد ابلعدالة يف احلديث الصحيح‪ :‬العدالة التامة الكاملة‪ ،‬أما الناقصة القاصرة فال يكتفى فيها يف احلكم ابلصحة‪.‬‬
‫املراد من العدل عند احملدثني‪:‬‬
‫عدل الرواية؛ وهو املسلم البالغ‪ ،‬العاقل‪ ،‬الساِل من أسباب الفسق وخوارم املروءة‪ ،‬أو املسلمة املتصفة بذلك‪ ,‬فيدخل فيه‬
‫الذكر واألنثى‪ ،‬واحلر والعبد‪ ،‬واملبصر والكفيف‪ ,‬واحملدود يف قذف إذا اتب (عند اْلمهور)‪.‬‬
‫وليس املقصود من العدل أن يكون بريئاً من كل ذنب‪ ،‬وإَّنا املراد أن يكون الغالب عليه التدين‪ ،‬والتحرى ى فعل‬
‫الطاعات‪ ،‬وإَل لتعطلت الرواية واألحكام‪ ،‬ومصاحل العباد‪.‬‬
‫لكن العدل من‬
‫كل مذنب عدَلً ِل جند جمروحاً‪ ،‬و ّ‬ ‫قال الشافعي‪" :‬لو كان العدل من َل ذنب له ِل جند عدَلً‪ ،‬ولو كان ّ‬
‫(‪.)1‬‬
‫اجتنب الكبائر‪ ،‬وكانت حماسنه أكثر من مساويه"‬
‫س من ش ِريف َوََل َعاِل َوََل ِذي ُس ْلطَان إِهَل َوفِيه عيب َل بد َولَكِن من النهاس من ََل تذكر‬
‫وقال سعيد بن املسيب‪" :‬لَْي َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫عيوبه من َكا َن فَضله أَكثر من نَقصه وهب نَقصه لفضله"‬
‫توجه آخر يف تعريف العدالة‪:‬‬
‫الراوي العدل عند ابن عبد الرب ‪ :‬توسع ابن عبد الرب يف مفهوم العدالة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وف الْعِنَايَِة بِِه فَ ُه َو َع ْد ٌل َْحم ُم ٌ‬
‫قال ابن عبد الرب‪ُ " :‬ك ُّل َح ِام ِل عِ ْل ٍّم َم ْع ُر ُ‬
‫ول ِيف أ َْم ِرهِ أَبَ ًدا َعلَى الْ َع َدالَة َح هَ تَتَ بَ ه َ‬
‫ني َج ْر َحتُهُ ِيف‬
‫ِ‬ ‫اَّلل َعلَْي ِه وسلهم َْحي ِمل َه َذا الْعِلْم ِمن ُك ِل َخلَ ٍّ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ني‬
‫يف الْغَال َ‬ ‫ف ُع ُدولُهُ يَْن ُفو َن َعْنهُ َْحت ِر َ‬ ‫َ ْ ّ‬ ‫ََ َ ُ‬ ‫صلهى هُ‬ ‫َحاله أ َْو ِيف َكثْ َرةِ َغلَطه ل َق ْوله َ‬
‫ِ ِ (‪.)3‬‬
‫ال الْ ُمْب ِطلِ َ ِ‬
‫َوانْتِ َح َ‬
‫ني"‬‫اْلَاهل َ‬‫يل ْ‬‫ني َو ََتْو َ‬
‫وتعقبه ابن الصالح بقوله‪َ :‬وفِ َيما قَالَهُ اتِّ َساعٌ َغْي ُر َم ْرض ٍّّي‬
‫ِ (‪.)4‬‬

‫وقريب من قول ابن عبد الرب – مع فارق ‪-‬كالم بعض العراقيني‪:‬‬


‫قال ابن األثري اجلزري‪" :‬وقد قال قوم‪ :‬إن العدالة‪ :‬عبارة عن إظهار اْلسالم فقط‪ ،‬مع سالمته عن فسق ظاهر‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬
‫مسلم جمهول عندهم عدل"(‪.)5‬‬
‫اْل ْس َالِم َو َع َد ُم الْ ِف ْس ِق‬
‫ب الهرِّد َعلَى َم ْن َم َعم أَ هن الْ َع َدالَةَ ِهي إِظْ َهار ِْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقد قام اخلطيب البغدادي ابلرد على هؤَلء‪ ،‬فقال‪َ " :‬اب ُ‬
‫يل إِلَْي َها إِهَل‬ ‫ِ‬ ‫ول أَمانَتِ ِه ونَزاهتِ ِه و ِ ِ ِِ ِ‬ ‫اه ِر الطه ِريق إِ َىل م ْع ِرفَِة الْع ْد ِل الْم ْعلُوِم َع َدالَتُه مع إِس َال ِم ِه‪ ،‬وح ِ‬ ‫الظه ِ‬
‫است َق َامة طََرائقه‪ََ ،‬ل َسب َ‬ ‫ص َ َ ََ َ ْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ص ُل َم َع َها الْعِْل ُم ِم ْن َان ِحيَ ِة َغلَبَ ِة الظه ِّن ِابلْ َع َدالَ ِة‪َ .‬وَم َع َم أ َْه ُل الْعَِر ِاق أَ هن الْ َع َدالَةَ ِه َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِاب ْختبَا ِر ْاألَ ْح َوال‪َ ،‬وتَتَ بُّ ِع اْألَفْ َعال الهِيت َْحي ُ‬
‫اه ٍّر ‪ ,‬فَمَ َكانَ ِ ِ‬ ‫اْلس َالِم وس َالمةُ الْمسلِِم ِمن فِس ٍّق ظَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب أَ ْن يَ ُكو َن َع ْدًَل"‬ ‫ت َهذه َحالَهُ َو َج َ‬ ‫إظْ َه ُار ِْ ْ َ َ َ ُ ْ ْ ْ‬
‫(‪.)6‬‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫اسم" َلبن الومير(‪، )55/1‬دار عاِل الفوائد للنشر والتوميع‪.‬‬ ‫)‪ "(1‬الهروض الباسم يف ال ِّذ ِب عن سن ِهة أيب ال َق ِ‬
‫ّ َْ ُ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫)‪ "(2‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)79/1‬‬
‫)‪"(3‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد" َلبن عبد الرب(‪.)28/1‬‬
‫واحلديث أخرجه البزار يف مسنده (‪ -)247/16‬رقم (‪ .)9423‬وقال البزار‪ :‬وخالد بن عمرو هذا ُمْن َكر احلديث قد حدث ِبحاديث عن الثوري‬
‫وغريه ِل يتابع عليها وهذا مما ِل يتابع عليه وإَّنا ذكرانه لنبني العلة فيه‪.‬‬
‫)‪"(4‬معرفة أنواع علوم احلديث"(‪َ )106/1‬لبن الصالح‪.‬‬
‫)‪"(5‬جامع األصول يف أحاديث الرسول" َلبن األثري‪ ،)75/1( ،‬مكتبة احللواين‪ ،‬مطبعة املالح‪ ،‬مكتبة دار البيان‪.‬‬
‫)‪"(6‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)81/1‬‬
‫‪20‬‬
‫ويتبني من ذلك أن الذي يعدله ابن عبد الرب ليس جمهول احلال‪ ،‬وَل الذي يعدله بعض أهل العراق من اَلكتفاء بظهور‬
‫اْلسالم وعدم الفسق الظاهري‪.‬‬
‫دقة نظر احملدثني يف العدالة‪:‬‬
‫وقد كان احملدثون على حق يف عدم اشرتاطهم يف الرواية الذكورة‪ ،‬واحلرية‪ ,‬واْلبصار‪ ،‬والعدد ألن الكثري من األحاديث‬
‫محلت عن أمهات املؤمنني وغريهن من النساء كأم سليم‪ ،‬وأم عطية‪ ،‬والكثري منها روي عن املوايل كزيد بن حارثة‪،‬‬
‫وعكرمة موىل ابن عباس‪ ،‬وانفع موىل ابن عمر وعن األكفاء(بفتح اهلمزة‪ ،‬وكسر الكاف وفتح الفاء املشددة مجع كفيف)‬
‫كعبد هللا ابن أم مكتوم‪ ،‬والكثري منها روي من طريق واحد يف الصحيحني وغريَها ممن التزموا ختريج الصحيح‪ ،‬فلو‬
‫اشرتطوا ذلك لتعطل كثري من األحاديث اليت رواها هؤَلء ولضاع الكثري من األحكام واآلداب‪.‬‬
‫مب تعرف العدالة؟‬
‫تعرف العدالة أبحد األمرين‪:‬‬
‫(‪ )1‬الشهرة واالستفاضة‪ :‬فمن اشت هرت عدالته بني أهل النقل‪ ،‬أو غريهم من العلماء‪ ،‬وشاع الثناء عليه هبا كفي‪،‬‬
‫كمالك‪ ،‬والسفيانني‪ ،‬واألوماعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأشباههم‪.‬‬
‫ك‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪" :‬ابب ِيف أَ هن الْمح ِّدث الْم ْشهور ِابلْع َدالَ ِة والثِ َق ِة و ْاألَمانَِة ََل َحيتاج إِ َىل تَ ْزكِي ِة الْمع ِّد ِل‪ِ ،‬مث ُ ِ‬
‫ال َذل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َُ َ َ َُ َ َّ َ َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ث بْ َن َس ْع ٍّد‪َ ،‬و َمحه َاد‬ ‫اع هي‪َ ،‬واللهْي َ‬ ‫اج‪ ،‬وأَاب عم ٍّرو ْاألَوم ِ‬
‫َْ‬ ‫ي‪َ ،‬و ُس ْفيَا َن بْ َن ُعيَ ْي نَةَ‪َ ،‬و ُش ْعبَةَ بْ َن ا ْحلَ هج ِ َ َ َ ْ‬ ‫س‪َ ،‬و ُس ْفيَا َن الث ْهوِر ه‬ ‫ك بْ َن أَنَ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫أَ هن َمال َ‬
‫اْلَهر ِاح‪َ ،‬ويَِز َيد بْ ِن َه ُارو َن‪،‬‬ ‫يع بْ َن ْ‬ ‫يد الْ َقطها َن‪ ،‬وعب َد الهر ْمح ِن بن مه ِد ٍّ ِ‬ ‫اَّللِ بن الْمبارِك‪ ،‬وَحيىي بن سعِ ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫ي‪َ ،‬وَوك َ‬ ‫َ َْ َْ ّ‬ ‫َ َْ‬ ‫بْ َن َميْد‪َ ،‬و َعْب َد ه ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ني‪ ،‬ومن جرى َْجمراهم ِيف نَباه ِة ال ِّذ ْك ِر‪ ،‬واستِ َقامةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍّ ِ‬ ‫َو َعفها َن بْ َن ُم ْسلٍِّم‪َ ،‬وأ ْ‬
‫َْ َ‬ ‫يّن‪َ ،‬وَْحي َىي بْ َن َمع ٍّ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َمحَ َد بْ َن َحْن بَل‪َ ،‬و َعل هي بْ َن الْ َمد ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْاألَم ِر‪ ،‬و ِاَل ْشتِها ِر ِاب ِ ِ‬
‫ني‪،‬‬‫لص ْدق َوالْبَص َرية َوالْ َف ْه ِم‪ََ ،‬ل يُ ْسأَ ُل َع ْن َع َدالَت ِه ْم‪َ ،‬وإِهَّنَا يُ ْسأ َُل َع ْن َع َدالَة َم ْن َكا َن ِيف ع َداد الْ َم ْج ُهول َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫أ َْو أَ ْش َك َل أ َْم ُرهُ َعلَى الطهالبِ َ‬
‫ني"‬
‫(‪.)1‬‬

‫ِ‬ ‫وقد ُسئِ َل ُ‬


‫سأل عنهق!‬ ‫إسحاق يُ ُ‬ ‫َ‬ ‫إسحاق ب ِن راهويه‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬
‫مثل‬ ‫َ‬ ‫حنبل عن‬ ‫بن ٍّ‬ ‫أمحد ُ‬
‫(‪.)2‬‬
‫إسحاق عندان إمام من أئمة املسلمني"‬

‫ال‪ِ " :‬مثْلِي يُ ْسأ َُل َع ْن أَِيب‬ ‫ني َع ِن الْ ِكتَابَةِ َع ْن أَِيب ُعبَ ْي ٍّد َوال هس َم ِاع‪ِ ,‬مْنهُ‪ ,‬فَ َق َ‬ ‫ت َْحيىي بْن َمعِ ٍّ‬
‫وقال محْ َدان بْن َس ْهل‪َ " :‬سأَلْ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫هاس"‬‫ُعبَ ْي ٍّدق أَبُو ُعبَ ْي ٍّد يُ ْسأ َُل َع ِن الن ِ‬
‫وان َم ْش ُهوِري الْ َع َدالَِة َو ِ‬ ‫ان إِ َىل الت ْهزكِيَ ِة َم ََ َِلْ يَ ُك َ‬
‫هاه ُد والْم ْخِرب إِهَّنَا َحيتَاج ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال أبو بَكْر ُحمَ َّمد بْن الطَّيِ ِ‬
‫ضا‪َ ،‬وَكا َن‬ ‫الر َ‬
‫ّ‬ ‫ب‪َ " :‬والش َ ُ ُ ْ َ‬
‫( ‪.)4‬‬
‫أ َْم ُرَُهَا ُم ْشكِ ًال ُم ْلتَبِ ًسا َوُجمَ هوًما فِ ِيه اْل َع َدالَةُ َو َغْي ُرَها"‬
‫وس ِم ْن تَ ْع ِد ِيل‬ ‫ك أَ هن الْعِْل َم بِظُ ُهوِر َس ِْرتَِهَا َوا ْشتِ َها ِر َع َدالَتِ ِه َما أَقْ َوى ِيف النُّ ُف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل َعلَى ذَل َ‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪َ " :‬والدهل ُ‬
‫وع إِ َىل النُّ ُف ِ‬
‫وس‬ ‫ص ِف ِه بِغَ ِْري ِص َفتِ ِه‪َ ,‬وِاب ُّلر ُج ِ‬ ‫ِ‬
‫اض َداعيَةٌ َهلَُما إِ َىل َو ْ‬
‫ِ ِِ‬
‫ب َواْل ُم َح َاابةُ ِيف تَ ْعديله‪َ ,‬وأَ ْغَر ٌ‬
‫ِ‬
‫وم َعلَْي ِه َما اْل َكذ ُ‬ ‫ني َجيُ ُ‬ ‫اح ٍّد واثْنَ ْ ِ‬
‫َو َ‬
‫ِ‬

‫)‪"(1‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)86/1‬‬


‫)‪"(2‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)87/1‬‬
‫)‪" (3‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)87/1‬‬
‫)‪" (4‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)88/1‬‬
‫‪21‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِمن حالِِه أَقْ وى ِيف النه ْف ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ي علَم أَ هن ظُه ِ‬
‫ضا أَ هن‬ ‫ك َما قُ ْلنَاهُ‪َ ،‬ويَ ُد ُّل َعلَى ذَل َ‬
‫ك أَيْ ً‬ ‫ص هح بِ َذل َ‬ ‫س م ْن تَ ْزكيَة الْ ُم َع ّدل َهلَُما‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ور ذَل َ ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هعد ِيل" ‪.‬‬ ‫اجةُ إِ َىل الت ْ‬
‫احلَ َ‬
‫ك فَ َما ْ‬ ‫هَايَةَ َح ِال تَ ْزكيَة الْ َع ْد ِل أَ ْن يَْب لُ َغ َمْب لَ َغ ظُ ُهوِر َس ِْرته‪َ ،‬وه َي ََل تَْب لُ ُغ ذَل َ‬
‫ك أَبَ ًدا‪ ،‬فَِإذَا ظَ َهَر ذَل َ‬
‫( ‪)1‬‬

‫الرضا‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬


‫ابلعدالة و ِ‬ ‫كية مَ ِل يكوان مشهوري ِن‬ ‫حيتاجان إىل التز ِ‬
‫ِ‬ ‫الشاهد وامل ِ‬
‫خربُ إَّنّا‬ ‫ُ‬ ‫وقال القاضي أبو بكر الباقالينُّ‪" :‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العلم بظهوِر ِس ِْرتَها‪ ،‬واشته ُار عدالت ِهما‬ ‫الدليل على ذلك أ هن َ‬ ‫وجم هوماً فيه العدالةُ وغريُها‪ .‬قال‪ :‬و ُ‬ ‫أمرَها ُم ْش ِكالً ُملتبِ َساً‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اض داعيةٌ هلما إىل وصف ِه بغ ِري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫تعديل واحد واثن ِ‬ ‫النفوس من ِ‬ ‫ِ‬
‫الكذب واحملاابةُ يف تعديله‪ ،‬وأغر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ني جيوم عليهما‬ ‫أقوى يف‬
‫ِ ِ ( ‪)2‬‬
‫صفته"‬
‫(‪ )2‬التنصيص‪ِ :‬بن ينص على تعديله عدل واحد على األقل‪ ،‬ولو كاان اثنني كان أفضل‪.‬‬
‫ويرى بعض العلماء اَلكتفاء بتزكية واحد‪ ،‬ونصه على التعديل‪.‬‬
‫ِ ِ ِ ٍّ‬ ‫ث اثْنَ ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجَزأَ"‬ ‫ني‪ ،‬لال ْحتيَاط‪ ،‬فَِإن اقْ تَ َ‬
‫صَر َعلَى تَ ْزكيَة َواحد أ ْ‬ ‫قال اخلطيب‪َ " :‬والهذي نَ ْستَحبُّهُ أَ ْن يَ ُكو َن َم ْن يَُزّكي الْ ُم َح ّد َ ْ‬
‫( ‪.)3‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫اح ِد‪ ,‬فَوجب لِ َذلِك أَ ْن ي ْقبل ِيف تَع ِديلِ ِه و ِ‬


‫اح ٌد"‬ ‫وقال اخلطيب‪" :‬قَ ْد ثَبت وجوب الْعم ِل ِِب ِرب الْو ِ‬
‫ََ َ َ ُ ََ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ َ َ ََ َ‬
‫ويقبل تعديل العبد واملرأة‪ ،‬إذا كاان عارفني به كما يقبل خربَها‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن يعرف الراوي حبمل العلم‪:‬‬
‫وف الْعِنَايَِة بِِه فَ ُه َو َع ْد ٌل َْحم ُم ٌ‬
‫ول ِيف أ َْم ِرهِ أَبَ ًدا َعلَى‬ ‫وهذا ما ذهب إليه ابن عبد الرب؛ حيث قال‪ُ " :‬ك ُّل َح ِام ِل ِع ْل ٍّم َم ْع ُر ُ‬
‫ني َج ْر َحتُهُ ِيف َحالِِه أ َْو ِيف َكثْ َرةِ َغلَطه"‬
‫ِ ِ (‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫الْ َع َدالَة َح هَ تَتَ بَ ه َ‬
‫ِ (‪.)6‬‬
‫وتعقبه ابن الصالح بقوله‪َ :‬وفِ َيما قَالَهُ اتِّ َساعٌ َغْي ُر َم ْرض ٍّّي‬
‫ابن عبد الرب‪ ،‬فقال‪" :‬إن ما ذهب إليه ابن عبد الرب هو الصواب وإن رده بعضهم‪ ،‬وسبقه املزي‬ ‫ابن اجلزري َ‬‫ووافق ُ‬
‫(‪.)7‬‬
‫فقال‪ :‬هو يف مماننا مرضي‪ ،‬بل رمبا يتعني"‬
‫وحنوه قول ابن سيد الناس‪ :‬لست أراه إَل مرضيا‪ ،‬وكذا قال الذهيب‪ :‬إنه حق‪ ،‬قال‪ :‬وَل يدخل يف ذلك املستور؛ فإنه غري‬
‫مشهور ابلعناية ابلعلم‪ ،‬فكل من اشتهر بني احلفاظ ِبنه من أصحاب احلديث‪ ،‬وأنه معروف ابلعناية هبذا الشأن‪ ،‬مث‬
‫كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تليينا‪ ،‬وَل اتفق هلم علم ِبن أحدا وثقه‪ ،‬فهذا الذي عناه احلافظ‪ ،‬وأنه يكون مقبول‬
‫احلديث إىل أن يلوح فيه جرح‪.‬‬

‫)‪" (1‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)88/1‬‬


‫)‪" (2‬شرح التبصرة والتذكرة" للحافظ العراقي‪ ،)331/1( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫)‪" (3‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)96/1‬‬
‫)‪" (4‬الكفاية يف علم الرواية"(‪.)96/1‬‬
‫)‪" (5‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد" َلبن عبد الرب(‪.)28/1‬‬
‫واحلديث أخرجه البزار يف مسنده (‪ -)247/16‬رقم (‪ .)9423‬وقال البزار‪ :‬وخالد بن عمرو هذا ُمْن َكر احلديث قد حدث ِبحاديث عن الثوري‬
‫وغريه ِل يتابع عليها وهذا مما ِل يتابع عليه وإَّنا ذكرانه لنبني العلة فيه‪.‬‬
‫)‪" (6‬معرفة أنواع علوم احلديث"(‪َ )106/1‬لبن الصالح‪.‬‬
‫)‪" (7‬فتح املغيث بشرح الفية احلديث للعراقي"(‪ ،)20/2‬مكتبة السنة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫قال‪ :‬ومن ذلك إخراج البخاري ومسلم ْلماعة ما اطلعنا فيهم على جرح وَل توثيق‪ ،‬فهؤَلء حيتج هبم؛ ألن الشيخني‬
‫(‪.)1‬‬
‫احتجا هبم ؛ وألن الدَهاء أطبقت على تسمية الكتابني ابلصحيحني"‬
‫ووسيلتنا ملعرفة العدالة كتب الرجال واْلرح والتعديل‪.‬‬
‫ما خيرج بشرط العدالة‪ :‬وبشرط العدالة خرج عن التعريف‪:‬‬
‫(‪ )1‬الفاسق‪.‬‬
‫(‪ )2‬املستور‪.‬‬
‫(‪ )3‬الكافر‪ ،‬سواء كان كتابيا أو وثنيا‪.‬‬
‫(‪ )4‬الصيب‪.‬‬
‫(‪ )5‬اجملنون‪.‬‬
‫(‪ )6‬املبتدع‪.‬‬
‫(‪ )7‬الكاذب يف حديث الناس‪.‬‬
‫(‪ )8‬التائب من الكذب يف حديث الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫[ ‪ ] 1‬رواية الفاسق‪:‬‬
‫الفسق لغة‪ :‬خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد ‪ ،‬يقال‪ :‬فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها‪ ،‬ويف هذا قوله‬
‫اْلِ ِّن فَ َف َس َق َع ْن أ َْم ِر َربِِّه"[الكهف‪ .]50 :‬أي‪ :‬خرج عن طاعة ربه وما أراده منه‪.‬‬
‫يس َكا َن ِم َن ْ‬‫ِه ِ ِ‬
‫تعاىل‪" :‬إَل إبْل َ‬
‫قال الفيومي ‪ ":‬فسق فسوقا من ابب قعد خرج عن الطاعة واَلسم الفسق ويفسق ابلكسر لغة حكاها األخفش فهو‬
‫فاسق واْلمع فساق وفسقة قال ابن األعرايب وِل يسمع فاسق يف كالم اْلاهلية مع أنه عريب فصيح ونطق به الكتاب‬
‫العزيز ويقال أصله خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وكذلك كل‬
‫شيء خرج عن قشره فقد فسق قاله السرقسطي وقيل للحيواانت اخلمس فواسق استعارة وامتهاان هلن لكثرة خبثهن‬
‫(‪.)2‬‬
‫وأذاهن حَ قيل يقتلن يف احلل‪.‬ويف احلرم ويف الصالة وَل تبطل الصالة بذلك"‬
‫ويطلق الفسق شرعا‪ :‬على اخلروج عن الطاعة‪ ،‬وعن الدين‪ ،‬وعن اَلستقامة‪.‬‬
‫والفاسق لغة‪ :‬هو اخلارج عن حد اَلعتدال‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬الفاسق هو املسلم الذي ارتكب كبرية قصدا‪ ،‬أو صغرية مع اْلصرار عليها بال َتويل‪.‬‬
‫أو‪ :‬هو الذي يرتكب احملرمات‪ ،‬أو يقصر يف أداء الواجبات؛ ألن الفسق خالف التقوى اليت هي التزام األوامر‪ ،‬واجتناب‬
‫النواهي‪ .‬أو‪ :‬هو العاصي الذي يفعل املعاصي‪ ،‬إما أنه يفعل الكبائر‪ ،‬أو يصر على الصغائر‪.‬‬
‫الزبيدي يف "اتج العروس"‪" :‬الفسق‪ ،‬ابلكسر‪ :‬الرتك ألمر هللا عز وجل والعصيان واخلروج عن طريق احلق سبحانه‪،‬‬
‫قال َّ‬
‫قاله الليث‪ .‬أو هو الفجور‪ ،‬كالفسوق ابلضم‪ .‬وقيل‪ :‬هو امليل اىل املعصية‪ .‬قال األصبهاين‪ :‬الفسق أعم من الكفر‪،‬‬
‫والفسق يقع ابلقليل من الذنوب وابلكثري‪ ،‬ولكن تعورف فيما كان بكثريه‪ .‬وأكثر ما يقال الفاسق ملن التزم حكم الشرع‬

‫)‪" (1‬فتح املغيث بشرح الفية احلديث للعراقي"(‪ ،)21-20/2‬مكتبة السنة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)‪" (2‬املصباح املنري"(‪.)473/2‬‬
‫‪23‬‬
‫وأقر به مث أخل جبميع أحكامه‪ ،‬أو ببعضها‪ .‬وإذا قيل للكافر األصل فاسق‪ ،‬فألنه أخل ِبكم ما ألزمه العقل‪ ،‬واقتضته‬
‫الفطرة‪ .‬ومنه قوله تعاىل‪ ):‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا َل يستوون (فقابل به اْلميان‪ ،‬فالفاسق أعم من الكافر‪،‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫والظاِل أعم من الفاسق"‬
‫وليس من ضرورة الفسق الكذب‪ ،‬ولكن يستدل به على قلة مباَلته‪ ،‬إذ َل وامع له من جهة الدين جيعله يتحرى الدقة‬
‫والصدق يف الرواية‪ ،‬فرد روايته أوىل‪ ،‬ومن األدلة على ذلك‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قوله تعاىل‪َ" :‬ي أَيُّها اله ِذين آمنُوا إِ ْن جاء ُكم فَ ِ‬
‫اس ٌق بِنَ بٍَّإ فَتَ بَ يه نُوا"[احلجرات‪.]6:‬‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل تعاىل قد هاان عن قبول خرب الفاسق والعمل به‪ ،‬إَل بعد التثبت والتأكد من صحته‪ ،‬فلو كان خرب‬ ‫وجه الداللة‪ :‬أن ه‬
‫الفاسق مقبوَلً ملا أمران ابلتثبت منه‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن الشخص إذا ثبت أنه فاسق‪ ،‬فإنه َل يتقي هللا وَل َيافه وَل َيشى عقابه‪ ،‬وَل يرجو ثوابه‪ ،‬فهو بذلك‬
‫َل يستبعد عنه الكذب‪ ،‬فال يوثق ِبربه‪ .‬وَل بد من الكشف عن سبب التفسيق ليظهر إن كان يصلح سببا لذلك أو َل‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬رواية املستور( جمهول احلال)‪:‬‬
‫اجلهالة نوعان‪:‬‬
‫(أ) جمهول العني‪ :‬وهو من روى عنه راو واحد‪ ،‬وِل يوثق‪.‬‬
‫(ب) جمهول احلال‪ :‬وهو من روى عنه راوَين‪ ،‬وِل يوثق وِل جيرح‪.‬‬
‫ِ‬
‫العدالة الباطنة‪ ،‬وهو عدل يف الظاهر‪.‬‬ ‫فاملستور‪ :‬هو ُ‬
‫جمهول‬
‫واْلمهور على عدم قبول روايته لعدم حتقق عدالته‪ ،‬وبعض العلماء يقبلون روايته مطلقا‪.‬‬
‫والتحقيق أ ّن رواية املستور وحنوه مما فيه اَلحتمال‪ ،‬فال يطلق القول بردها وَل بقبوهلا‪ ،‬بل هي موقوفة إىل استبانة حاله كما‬
‫جزم به إمام احلرمني اْلويّن‪.‬‬
‫وليس املقصود ابلعدالة الباطنة التنقيب عما ابلقلب!!‬
‫فذلك َل يعلمه إَل هللا‪ ،‬لكن املراد ابلعدالة الباطنة معرفته عن قرب‪ ،‬مبعرفة سلوكه‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬ومدى صدقه أو كذبه‪،‬‬
‫ومدى حتريه احلالل واحلرام من عدمه‪ ،‬ومدى سالمة عقيدته‪ ،‬وصحة عبادته‪ ،‬واستقامة معامالته‪.‬‬
‫مالحظة‪َ :‬يرج الصحابة رضوان هللا عليهم من شرط رواية اثنني عنه لزوال جهالة عينه‪ ،‬فضال عن سقوط شرط التنصيص‬
‫على التوثيق‪ ،‬ألن مجيع الصحابة عدول ثقات‪.‬‬
‫ومن الصحابة من ِل يرو عنه غري واحد‪ ،‬مثل املسيب بن حزن‪ ،‬رضي هللا عنه‪ِ ،‬ل يرو عنه غري ابنه سعيد بن املسيب‪.‬‬
‫ومرداس اَلسلمي ِل يرو عنه إَل قيس بن أيب حامم‪ ،‬وعمرو بن تغلب ِل يرو عنه إَل احلسن البصري‪.‬‬
‫وعبد هللا بن ثعلبة بن صعري ِل يرو عنه إَل الزهري‪ ،‬وأبو سعيد بن املعلى ِل يرو عنه إَل حفص بن عاصم‪.‬‬
‫[ ‪ ] 3‬رواية الكافر‪:‬‬
‫اتفق العلماء على عدم قبول رواية الكافر حال كفره‪ ،‬لكن إذا حتمل وهو كافر‪ ،‬مث أدى بعد إسالمه قبلت روايته‪ ،‬ومثاله‬

‫الرماق احلسيّن‪ ،‬الهزبيدي‪ ،‬دار اهلداية‪.‬‬


‫حممد بن عبد ّ‬
‫حممد بن ّ‬
‫)‪"(1‬اتج العروس من جواهر القاموس"(‪ّ ،)302/26‬‬
‫‪24‬‬
‫حديث أيب سفيان بن حرب‪ ،‬احلديث الطويل الذي أخرجه البخاري يف صحيحه يف كتاب "بدء الوحي"‪.‬‬
‫وإَّنا ترد رواية الكافر ألن هبا تثبت أحكام دين هو َل يؤمن به‪ ،‬وَل يعتقد عقيدته وَل يقر بشريعته‪ ،‬وهذا أدعى للسعي‬
‫يف هدم أركانه إبدخال ما ليس منه فيه‪.‬‬
‫قال اخلطيب البغدادي‪" :‬وجيب أن يكون وقت األداء مسلما‪ ،‬ألن هللا تعاىل قال‪" :‬إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"‬
‫[احلجرات‪ .]6 :‬وإن أعظم الفسق الكفر‪ ،‬فإذا كان خرب املسلم الفاسق مردودا مع صحة اعتقاده‪ ،‬فخرب الكافر بذلك‬
‫"(‪)1‬‬
‫أوىل‬
‫[ ‪ ] 4‬رواية الصيب‪ :‬اشرتط العلماء البلوغ عند األداء‪ ،‬واختلفوا يف اشرتاطه عند التحمل‪ ،‬فمنهم من اشرتطه عند‬
‫التحمل‪ ،‬ومنهم من اكتفى بشرط التمييز‪.‬‬
‫ني‪َ ،‬وقَ ِريبًا ِمْنهُ‪ ،‬إِهَل َم ْن َج َاوَم َح هد‬ ‫ِ‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪" :‬قَ هل من َكا َن يكْتب ْ ِ‬
‫ص ِر التهابِع َ‬‫يث َعلَى َما بَلَغَنَا ِيف َع ْ‬ ‫احلَد َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫وغ وصار ِيف ِع َد ِاد من يصلُح لِمجالَس ِة الْعلَم ِاء وم َذا َكرهتِم وسؤاهلِِم‪ .‬وقِيل‪ :‬إِ هن أَهل الْ ُكوفَِة َِل ي ُك ِن الْو ِ‬
‫اح ُد ِمْن ُه ْم يَ ْس َم ُع‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ َُ َ ْ َ َُ ْ َ َ‬ ‫الْبُلُ ِ َ َ َ‬
‫س‬ ‫ال قَ ْوٌم‪ِ ْ :‬‬
‫احلَ ُّد يف ال هس َم ِاع َخَْ َ‬ ‫هعبُّ ِد‪َ .‬وقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫يث إِهَل ب ع َد استِكْمالِِه ِع ْش ِرين سنَةً‪ ،‬وي ْشتَغِل قَبل ذَلِ َ ِِ ِ‬
‫ك ِب ْفظ الْ ُق ْرآن َوِابلت َ‬ ‫َ َ ََ ُ ْ َ‬ ‫احلَد َ َ ْ ْ َ‬
‫ِْ‬
‫ك‪َ ،‬وَه َذا ُه َو ِعْن َد َان‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ُّح ال هس َماعُ ل َم ْن سنُّهُ ُدو َن ذَل َ‬ ‫ال مجُْهور الْعلَم ِاء‪ :‬ي ِ‬
‫ث َع ْشَرةَ‪َ ،‬وقَ َ ُ ُ ُ َ َ‬ ‫َع ْشَرةَ َسنَةً‪َ ،‬وقَا َل َغْي ُرُه ْم‪ :‬ثََال َ‬
‫"(‪)2‬‬
‫اب‬
‫ص َو ُ‬
‫ال ه‬
‫[ ‪ ] 5‬رواية اجملنون‪َ :‬ل تقبل رواية اجملنون؛ َل يف األداء‪ ،‬وَل عند التحمل‪ ،‬سواء كان جنونه مستمراً أو متقطعاً؛ ألنه َل‬
‫يُعلم أكان حتمله وقت اْلفاقة أو وقت اْلنونق‪ .‬وذلك لعدم الضبط‪ ،‬وعدم التمكن من اَلحرتام عن اخللل‪.‬‬
‫[ ‪ ] 6‬رواية املبتدع‪ :‬اتفق العلماء على عدم قبول رواية املبتدع الذي يكفر ببدعته‪ ،‬كأن يعتقد ما يستلزم الكفر‪،‬‬
‫واختلفوا يف قبول رواية املبتدع الذي َل يكفر يف بدعته‪ .‬فمنهم من رد روايته مطلقا؛ ألنه فاسق ببدعته‪ ،‬وكما استوى يف‬
‫الكفر املتأول وغري املتأول يستوي يف الفسق املتأول وغري املتأول‪ .‬ومنهم من قبل رواية املبتدع إذا ِل يكن ممن يستحل‬
‫الكذب يف نصرة مذهبه أو ألهل مذهبه‪ ،‬سواء كان داعية إىل بدعته أو ِل يكن داعية إىل بدعته‪.‬‬
‫ومنهم من يقبل روايته إذا ِل يكن داعية‪ ،‬وَل يقبلها إذا كان داعية إىل بدعته‪ ،‬وهذا مذهب أكثر العلماء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ينظر يف هذا املبتدع إذا كان ليس ممن يكفر ببدعته إمجاعاً‪ ،‬وكان من أهل الصدق والضبط‪ ،‬فإن روايته مقبولة‬
‫بدعتَه أم ِل تؤيدها؛ ألن الراوي إما أن‬
‫أيدت روايتُه َ‬
‫غال‪ ،‬داعيةً إىل بدعته أم غري داعية‪ْ ،‬‬ ‫مطلقاً‪ ،‬سواء كان غالياً أو غري ٍّ‬
‫لت روايته مطلقاً‪ ،‬إَل أن يتبني خطؤه فيها‪.‬‬‫ت روايته مطلقاً‪ ،‬وإن كان ثقة قُبِ ْ‬
‫يكون ثقةً أو غري ثقة‪ ،‬فإن كان غري ثقة ُرهد ْ‬
‫ضابط البدعة املكفرة‪:‬‬
‫البدعة املكفرة هي اليت خترج صاحبها عن ملة اْلسالم‪ ،‬مثل ‪ :‬من أنكر أمراً ُجممعاً عليه متواتراً‪ ،‬ومنكر علم هللا لألشياء‬
‫حَ َيلقها وهم القائلون ِبنه َل قدر واألمر أُنُف‪ ،‬أو منكر علمه ابْلزئيات كالفالسفة‪ ،‬والقائلون ِبلول اْلهلية يف علي‬
‫رضي هللا عنه أو غريه كغالة الرافضة والسبئيني‪ ،‬أو نسبة وقوع التحريف يف القرآن‪ ،‬أو نسبة التهمة لعائشة رضي هللا‬
‫عنها‪ ،‬أو املنكرون لصفات هللا تعاىل‪ ،‬وأمثال ذلك مما كان التكفري به متهفقاً عليه‪.‬‬

‫)‪" (1‬الكفاية يف علم الرواية"(ص‪.) 77:‬‬


‫)‪" (2‬الكفاية يف علم الرواية"(ص‪.) 54:‬‬
‫‪25‬‬
‫وما ِمن ال ِّدي ِن ِابلضهرورةِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫جاء يف معارج القبول‪" :‬فَضابِ ُ ِ ِ‬
‫َُ‬ ‫ط الْب ْد َعة الْ ُم َك ّفَرة‪َ :‬م ْن أَنْ َكَر أ َْمًرا ُجمَ ْم ًعا َعلَْيه ُمتَ َواتًرا م َن الش ْهرِع َم ْعلُ ً َ‬ ‫َ‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ َوكِتَابُهُ َعْنهُ ِم ْن نَ ْف ٍّي‬ ‫ٍّ‬
‫ض أ َْو إِ ْح َال ِل ُحمَهرم أ َْو َْحت ِرِمي َح َال ٍّل أَ ِو ْاعتِ َق ِاد َما يُنَ هزهُ ه‬ ‫وض أ َْو فَ ْر ِ‬ ‫ِمن جح ِ‬
‫ود َم ْف ُر ٍّ‬
‫ض َما َِلْ يُ ْفَر ْ‬ ‫ْ ُُ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه ْم َو َسله َم َكبِ ْد َع ِة ا ْْلَ ْه ِميه ِة ِيف إِنْ َكا ِر صفات هللا‬‫صلهى ه‬ ‫اب وِمبَا أَرسل ه ِِ‬ ‫ك تَ ْك ِذ ِ ِ ِ‬ ‫ٍّ ِ ِ‬
‫أ َْو إِثْبَات؛ ألَ هن ذَل َ‬
‫اَّللُ به ُر ُسلَهُ َ‬ ‫يب ابلْكتَ َ ْ َ َ‬ ‫ٌ‬
‫اىل هاختَ َذ إِبْ َر ِاه َيم َخلِ ًيال َوَكله َم‬ ‫اَّللِ‪َ ،‬وإِنْ َكا ِر أَ ْن يَ ُكو َن ه‬
‫اَّللُ تَ َع َ‬ ‫ات ه‬ ‫آن‪ ،‬أَو خلْ ِق أَي ِص َف ٍّة ِمن ِص َف ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عز وجل َوالْ َق ْول ِبَلْ ِق الْ ُق ْر ْ َ ْ‬
‫ِ ِ هِ‬ ‫اَّللِ عهز وج هل وأَفْ عالِِه وقَ ِِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ضائه َوقَ َدره‪َ ،‬وَكب ْد َعة الْ ُم َج ّس َمة الذ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وَكبِ ْد َعة الْ َق َد ِريهة ِيف إِنْ َكا ِر ع ْل ِم ه َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫وسى تَكْل ًيما َو َغْي َر ذَل َ‬
‫ُم َ‬
‫ِ "(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل تَع َ ِ ِ‬
‫ك ِم َن ْاأل َْه َواء‬ ‫اىل ِِبَْلقه‪َ ،‬وغَ ِْري ذَل َ‬ ‫يُ َشبِّ ُهو َن هَ َ‬
‫[ ‪ ] 7‬رواية الكاذب يف حديث الناس‪:‬‬
‫فالكاذب يف حديث الناس فاسق‪ ،‬ويطلق عليه احملدثون "متهم ابلكذب"‪ ،‬وذلك ألنه َل يؤمن من أن يكذب يف حديث‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫قال اإلمام مالك رمحه هللا‪َ" :‬ل َتخذ العلم من أربعة‪ ,‬وخذ ممن سوى ذلك‪َ ,‬ل َتخذ من سفيه معلن ابلسفه وإن كان‬
‫أروى الناس‪ ،‬وَل َتخذ من كذاب يكذب يف أحاديث الناس‪ ،‬إذا جرب ذلك عليه‪ ،‬وإن كان َل يتهم أن يكذب على‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وَل من صاحب هوى يدعو الناس إىل هواه‪ ،‬وَل من شيخ له فضل وعبادة إذا كان َل‬
‫"(‪)2‬‬
‫يعرف ما حيدث‬
‫لكن إذا اتب من الكذب يف حديث الناس‪ ،‬وحسنت توبته تقبل روايته‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواية التائب من الكذب يف حديث الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫الكذب على النيب صلى هللا عليه وسلم ليس كالكذب على غريه‪ ،‬فحَ لو اتب وحسنت توبته تقبل شهادته وَل تقبل‬
‫روايته وهذا مما ختالف فيه الروايةُ الشهادةَ‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪ " :‬التائب من الكذب يف حديث الناس وغريه من أسباب الفسق تقبل روايته‪ ،‬إَل التائب من الكذب‬
‫متعمدا يف حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإنه َل تقبل روايته أبدا‪ ،‬وإن حسنت توبته‪ ،‬على ما ذكر عن غري‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫واحد من أهل العلم‪ ،‬منهم أمحد بن حنبل وأبو بكر احلميدي شيخ البخاري‬
‫وقال اخلطيب البغدادي‪" :‬فأما الكذب على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بوضع احلديث‪ ،‬وادعاء السماع‪ ،‬فقد ذكر‬
‫"(‪.)4‬‬
‫غري واحد من أهل العلم أنه يوجب رد احلديث أبدا‪ ،‬وإن اتب فاعله‬
‫قال عبيد هللا بن أمحد احلليب‪" :‬سألت أمحد بن حنبل عن حمدث كذب يف حديث واحد مث اتب ورجع‪ ،‬قال‪" :‬توبته‬
‫فيما بينه وبني هللا تعاىل‪ ،‬وَل يكتب حديثه أبدا"( ‪.)5‬‬

‫)‪" (1‬معارج القبول بشرح سلم الوصول إىل علم األصول"(‪ ،)1228/3‬حافظ بن أمحد بن علي احلكمي‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام‪.‬‬
‫)‪" (2‬الكفاية يف علم الرواية" (ص‪.) 116:‬‬
‫)‪" (3‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)116:‬‬
‫)‪" (4‬الكفاية يف علم الرواية" (ص‪.) 117:‬‬
‫)‪ "(5‬الكفاية يف علم الرواية"(ص‪.) 117:‬‬
‫‪26‬‬
‫"( ‪)1‬‬
‫وقال عبد هللا بن املبارك‪" :‬من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه‬
‫هم ِم ْن‬ ‫ي أَ هن من َك َذ ِ ٍّ ِ ٍّ‬
‫ب إِ ْس َقا ُط َما تَ َقد َ‬ ‫ب يف َخ َرب َواحد َو َج َ‬ ‫ام أَبُو الْ ُمظَهف ِر ال هس ْم َع ِاينُّ الْ َم ْرَوِم ُّ َ ْ َ‬ ‫وقال ابن الصالح‪" :‬وذَ َكر ِْ‬
‫اْل َم ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ ِ ِ (‪.)2‬‬
‫َحديثه"‬
‫رأي اإلمام النووي‪:‬‬
‫ب َغ ِْريَان‪َ ،‬وََل نُ َق ِّوي الْ َف ْر َق بَْي نَهُ َوبَ ْ َ‬
‫ني‬ ‫اع َدةِ َم ْذ َهبِنَا وَم ْذ َه ِ‬ ‫رهد النووي كل هذا الكالم‪ ،‬وقال‪" :‬وكل ذلك ُخمَالِف لَِق ِ‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫ِ (‪.)3‬‬
‫هه َادة"‬‫الش َ‬
‫اع ِد الشهر ِعيه ِة والْمختَار الْ َقطْع بِ ِ‬
‫ص هح ِة تَ ْوبَتِ ِه ِيف‬ ‫وقال يف شرح مسلم‪" :‬وه َذا اله ِذي ذَ َكره هؤََل ِء ْاألَئِ همةُ ضعِيف ُخمَالِف لِْل َقو ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ ُْ ُ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫صيَ ِة َوالن َ‬
‫اْل ْق َالع ع ِن الْمع ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫العزم على‬ ‫هد ُم على فعلها و ُ‬ ‫ت تَ ْوبَتُهُ بِ ُش ُروط َها الْ َم ْع ُروفَة َوه َي ِْ ُ َ َ ْ‬ ‫ص هح ْ‬‫َه َذا َوقَبُول ِرَو َاَيته بَ ْع َد َها إِ َذا َ‬
‫صحابةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اع ِد الش ْهرِع َوقَ ْد أ ْ‬ ‫اْلا ِري علَى قَو ِ‬ ‫ِ‬
‫َسلَ َم َوأَ ْكثَ ُر ال ه َ َ‬ ‫َمجَ ُعوا َعلَى ص هحة ِرَوايَة َم ْن َكا َن َكافًرا فَأ ْ‬ ‫أن َل يعود إلَْي َها فَ َه َذا ُه َو َْ َ َ‬
‫(‪)4‬‬ ‫هه َادةِ َو ِ‬
‫الرَوايَِة ِيف َه َذا"‬ ‫ني الش َ‬
‫ِِ‬ ‫َمجَعوا َعلَى قَب ِ‬
‫ول َش َه َادته َوََل فَ ْر َق بَ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َكانُوا ِهب ِذهِ ِ ِ‬
‫الص َفة َوأ ْ ُ‬ ‫َ ّ‬
‫ّ‬
‫اْل َش َارُة ِيف قَ ْولِِه َه َذا ُكلُّهُ لَِق ْوِل أ ْ‬
‫َمحَ َد‬ ‫ت ِْ‬ ‫ول‪ :‬إِ ْن َكانَ ِ‬ ‫ورجح السيوطي الرأي األول‪ ،‬وعلق على كالم النووي بقوله‪َ " :‬وأ ََان أَقُ ُ‬
‫ت لَِق ْوِل ال ه ِ‬ ‫اْلمام أ ْ ِ‬
‫َمحَ ُد تَ ْغليظًا َوَم ْجًرا‪َ ،‬وإِ ْن َكانَ ْ‬
‫ِ ٍّ‬ ‫ِ ِ ٍّ‬
‫اَّلل َما ُه َو مبُ َخالف َوََل بَعيد‪َ ،‬وا ْحلَ ُّق َما قَالَهُ ِْ َ ُ‬
‫اين فَ َال و هِ‬ ‫ِ‬ ‫وال ه ِ‬
‫صْي َر ِّ‬
‫يف‬ ‫يف َوال هس ْم َع ِّ َ‬ ‫صْي َر ِّ‬ ‫َ‬
‫يث َو َغ ِْريهِ"(‪.)5‬‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب‪َ ،‬عامٌّ ِيف الْ َكذب ِيف َْ‬
‫ِ‬
‫بنَاءً َعلَى أَ هن قَ ْولَهُ‪ :‬يَكْذ ُ‬
‫ِ‬
‫قلت ‪ :‬واألحوط للسنة املشرفة األخذ بقول املانعني لقبول روايته‪ ،‬احتياطا للسنة‪ ،‬ومجرا للكاذب على النيب صلى هللا‬
‫قياس مع الفارق‪ ،‬إذ إن مفسدة الشهادة مفسدة قاصرة‪ِ ،‬بالف مفسدة الكذب‬ ‫وقياس الرواية على الشهادة ٌ‬ ‫عليه وسلم‪ُ ،‬‬
‫يف الرواية فإها عامة عظيمة‪.‬‬
‫(اثلثا) متام الضبط‪:‬‬
‫الضبط لغة‪ :‬احلزم‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬نقل املروي كما تلقاه الراوي (لفظاً أو معىن)‪.‬‬
‫والضابط‪ :‬من يكون حافظا متيقظا‪ ،‬غري مغفل‪ ،‬وَل ساه‪ ،‬وَل شاك‪ ،‬يف حاليت التحمل واألداء‪.‬‬
‫أقسام الضبط‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬
‫(‪ )1‬ضبط صدر‪ :‬وهو أن حيفظ ما مسعه من شيخه ِبيث يتمكن من استحضاره مَ شاء من حني مساعه إىل حني‬
‫أدائه وروايته‪.‬‬
‫(‪ )2‬ضبط كتاب‪ :‬وهو حمافظته على كتابه‪ ،‬وصيانته عن أن يتطرق إليه تغيري ما‪ ،‬من حني مساعه فيه وتصحيحه إىل أن‬
‫يؤدي منه ويروي‪ ،‬وَل يعريه إَل ملن يثق فيه ويتأكد من أنه َل يغري فيه‪.‬‬

‫)‪" (1‬الكفاية يف علم الرواية" (ص‪.) 117:‬‬


‫)‪" (2‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪..)116:‬‬
‫)‪" (3‬التقريب والتيسري ملعرفة سنن البشري النذير" للنووي‪(،‬ص‪ ،)51:‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (4‬شرح النووي على مسلم"(‪.)70/1‬‬
‫)‪" (5‬تدريب الراوي" للسيوطي‪.)391/1( ،‬‬
‫‪27‬‬
‫واملراد ابلضبط يف احلديث الصحيح‪ :‬الضبط التام منه‪ ،‬فال تقبل رواية سيئ احلفظ‪ ،‬وَل املغفل الذي يكثر غلطه كأن‬
‫يرفع املوقوف‪ ،‬ويصل املرسل‪ ،‬ويصحف الرواة‪ ،‬فإن حديثه َل يكون صحيحا‪.‬‬
‫مب يعرف ضبط الراوي؟‬
‫يعرف ضبط الراوي بسرب أحاديثه وعرضها على أحاديث غريه من الرواة الثقات لتعرف مدى املوافقة واملخالفة هلم‪.‬‬
‫ات املعروفِني ابلضب ِط واْلتْ ِ‬ ‫اَيت الثَِّق ِ‬
‫ف َكو ُن الهرا ِوي ضابِطاً‪ِ ،‬ب ْن نَعترب‪ِ ،‬رواَيتِِه برو ِ‬
‫قان‪ ،‬فَإ ْن َو َج ْدان‬ ‫ُْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫قال ابن الصالح‪" :‬يُ ْعَر ُ ْ‬
‫ِ ِ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫املع َىن لِ ِرواَيهتِِم أو موافِ َقةً َهلَا يف األ ْغلَ ِ‬
‫ضابِطاً ثَْبتاً‪ ،‬وإ ْن‬
‫ب واملخالََفةُ َاند َرةٌ َعَرفْنا حْي نَئذ َك ْونَهُ َ‬ ‫ث ْ َ‬ ‫ِرَواَيتِِه موافقةً َولَ ْو ِم ْن َحْي ُ‬
‫ِ ِ (‪.)1‬‬
‫ضْب ِط ِه وَِلْ َْحنتَ هج ِبديثه"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثري املخالَفة هلم َعَرفْنا اختالَ َل َ‬‫جدانهُ َ‬ ‫َو ْ‬
‫وقال اإلمام مسلم‪ " :‬وعالمة املنكر يف حديث احملدث‪ ،‬إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غريه من أهل احلفظ‬
‫والرضا‪ ،‬خالفت روايته روايتهم‪ ،‬أو ِل تكد توافقها‪ ،‬فإذا كان األغلب من حديثه كذلك كان مهجور احلديث‪ ،‬غري‬
‫"(‪.)2‬‬
‫مقبوله‪ ،‬وَل مستعمله‬
‫(رابعا) عدم الشذوذ‪:‬‬
‫ُّ‬
‫والشاذ لغةً‪ :‬املنفرد‪ ،‬وهو مأخوذ من ش ّذ‪ ،‬يش ّذ شذاً أو شذوذاً‪ :‬ندر عن اْلمهور‪.‬‬
‫ُ‬
‫واصطالحا‪ :‬هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه‪ ،‬أو خالف فيه الثقة مجهور الثقات‪.‬‬
‫أو‪ :‬خمالفة الراوي الثقة ملن هو أقوى منه‪.‬‬
‫واألقوى منه قد يكون ثقة آخر‪ ،‬وقد يكون عدداً حاصالً مبجموعهم رجحان إتقاهم على إتقانه‪.‬‬
‫كما أنه إذا وقع فقد يكون يف سند أو بعض سند‪ ،‬ومنت أو بعض منت‪.‬‬
‫ملاذا اشرتط العلماء يف الصحيح عدم الشذوذ؟‬
‫ألن الثقة إذا خالفه من هو أقوى منه كان ذلك دليالً على أن هذا الثقة قد وهم يف رواية هذا احلديث‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬ما فائدة هذا الشرط طاملا أننا اشرتطنا يف الراوي أن يكون ضابطاق‬
‫واجلواب‪ :‬أن الضبط َملَ َكةٌ ابلنسبة ْلملة أحاديث الراوي‪ ،‬إَل أنه قد حيتمل أن يقع منه َوْه ٌم يف بعض ما يرويه‪ ،‬لذلك‬
‫صرحوا بنفي الشذوذ‪.‬‬
‫منسجما مع األحاديث املعروفة امل َسله َم ِة يف موضوعه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وذلك يعّن أن يكون احلديث‬
‫ُ‬
‫كيف يعرف الشذوذ يف احلديث؟‬
‫يعرف الشذوذ ابلتخريج ومجع الطرق‪ ،‬ومعرفة املتابعات والشواهد‪ ،‬فما كان من رواية خمالفة لرواَيت الثقات فهي شاذة‪،‬‬
‫سواء كانت هذه املخالفة يف السند‪ ،‬أو يف املنت‪ ،‬أو فيهما معا‪.‬‬
‫ش‪َ ،‬ع ْن أَِيب‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا األ َْع َم ُ‬ ‫اح ِد بْ ُن ِمََي ٍّد قَ َ‬ ‫ال‪ :‬حدهثَنَا عب ُد الو ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ي قَ َ َ‬ ‫الع َق ِد ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫مثاله‪ :‬قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا ب ْش ُر بْ ُن ُم َعاذ َ‬
‫ضطَ ِج ْع َعلَى َميينه"‬
‫ِ ِ ِ (‪.)3‬‬
‫َح ُد ُك ْم َرْك َع َِيت ال َف ْج ِر فَ ْليَ ْ‬
‫صلهى أ َ‬
‫ِ‬ ‫ول هِ‬
‫اَّلل َصلهى هاَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬إِ َذا َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬‫صالِ ٍّح‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪ ،‬قَ َ‬
‫َ‬
‫)‪"(1‬معرفة أنواع علوم احلديث"(‪َ )217/1‬لبن الصالح‪.‬‬
‫)‪"(2‬صحيح مسلم"‪ ،‬املقدمة‪.)6/1( ،‬‬
‫الو ْج ِه‪.‬‬ ‫ض ِطج ِاع ب ع َد رْكع ِيت ال َفج ِر – رقم (‪ .)420‬وقال‪ :‬حسن ص ِحيح َغ ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫يب م ْن َه َذا َ‬
‫َ ٌَ َ ٌ ٌ‬ ‫اء ِيف اَل ْ َ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫)‪ (3‬سنن الرتمذي‪ :‬أبواب الصالة ‪ -‬ابب َما َج َ‬
‫‪28‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ََ ،‬ل ِم ْن‬
‫صلهى ه‬
‫هيب َ‬‫ِ ِِ ِ‬ ‫اح ِد الْ َع َد َد الْ َكثِري ِيف َه َذا‪ ،‬فَِإ هن الن ِه‬
‫قال البيهقي‪ :‬خالَف عب ُد الْو ِ‬
‫هاس إَّنَا َرَوْوهُ م ْن ف ْعل الن ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫ش ِهبََذا الل ْفظ‬
‫ه ِ (‪.)1‬‬ ‫َصح ِ‬
‫اب ْاأل َْع َم ِ‬ ‫اح ِد ِمن ب ِ ِ ِ‬ ‫قَ ولِهِ‪ ،‬وانْ َفرد عب ُد الْو ِ‬
‫ني ث َقات أ ْ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ َ َ َ َْ َ‬
‫(خامسا) عدم العلة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِه‬
‫ليل‬
‫وع ٌ‬‫أعلههُ هللاُ تعاىل‪ ،‬فهو ُم َعلٌّ َ‬ ‫ض‪ ،‬من َع هل يَع ُّل‪ ،‬و ْاعتَ هل‪ ،‬و َ‬ ‫العلة لغة‪ :‬العلةُ‪ ،‬ابلكسر‪َ :‬‬
‫املر ُ‬
‫(‪.)2‬‬

‫العلة اصطالحاً‪ :‬هي األمر القادح يف احلديث سواء كانت هذه العلة جلية ظاهرة؛ كاْلرسال الظاهر‪ ،‬وهو أن يروي‬
‫عمن عرف عند الناس عدم اجتماعه به‪ ،‬وِل يسمع منه شيئا‪ ،‬أم خفية غامضة كاْلرسال اخلفي وهو أنه يروي عمن‬
‫عاصره بلفظ "عن" وِل يسمع منه شيئا‪.‬‬
‫واملراد ابلعلة هنا يف هذا الشرط العلة اخلفية‪.‬‬
‫(‪.)3‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه"‬
‫وليس معىن هذا أن الظاهرة َل تقدح يف صحة احلديث ولكنها خترج بشرط اَلتصال‪ ،‬أو العدالة‪ ،‬أو الضبط‪ ،‬أو عدم‬
‫الشذوذ‪.‬‬
‫قدح يف املنت؛ ما أخرجه أبو يعلى اخلليلي‪ ،‬قال‪ :‬حدهثَنَا الْ َق ِ‬
‫اس ُم بْ ُن َع ْل َق َمةَ‪،‬‬ ‫وقعت العِلهةُ يف إسناده من غري ٍّ‬ ‫ومن أمثلة ما ِ‬
‫َ‬
‫ار‪َ ،‬ع ِن‬ ‫ي‪َ ،‬ع ْن َع ْم ِرو بْ ِن ِدينَ ٍّ‬ ‫امت‪َ ،‬حدهثَنَا الْ ُمْن ِذ ُر بْ ُن َشا َذا َن‪َ ،‬حدهثَنَا يَ ْعلَى بْ ُن ُعبَ ْي ٍّد‪َ ،‬حدهثَنَا ُس ْفيَا ُن الث ْهوِر ُّ‬ ‫َحدهثَنَا ابْن أَِيب َح ٍِّ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ (‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ََل بَْي َع بَْي نَ ُه َما َح هَ يَتَ َفهرقَا إِهَل بَْي َع ْ‬
‫اخليَار"‬ ‫صلهى هللا َعلَْيه و َسلهم‪" :‬الْبَ يِّ َعان ِاب ْخليَا ِر وُك ُّل بَيِّ َع ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫هيب َ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ابْن ُع َمَر‪َ ،‬عن الن ِّ‬
‫ِ‬
‫ار‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ُع َمَر‪َ ،‬ه َك َذا َرَواهُ‬ ‫اَّللِ بْ ِن ِدينَ ٍّ‬
‫اب فِيهِ‪َ :‬عْب ُد ه‬ ‫ص َو ُ‬ ‫َوَه َذا َخطَأٌ َوقَ َع َعلَى يَ ْعلَى بْ ِن ُعبَ ْي ٍّد‪َ ،‬وُه َو ثَِقةٌ‪ُ ،‬مته َف ٌق َعلَْيهِ‪َ ،‬وال ه‬
‫ك َو َغْي ُرهُ‪َ ،‬ع ْن‬ ‫يث َانفِ ٌع َع ِن ابْ ِن ُع َمَر‪َ ،‬وَرَواهُ َمالِ ٌ‬ ‫ار‪ ،‬وقَ ْد روى ْ ِ‬
‫احلَد َ‬ ‫اب ُس ْفيَا َن َعْنهُ َع ْن َعْب ِد هِ ِ ٍّ‬
‫اَّلل بْ ِن دينَ َ َ َ‬
‫َصح ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْاألَئ همةُ م ْن أ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ال َمالِ ٌ‬ ‫يح ْ ِ‬ ‫ار‪ ،‬وهو ُخمَهرج ِيف ال ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪ :‬الْ َع َم ُل عْندي َعلَى َغ ِْريه؛ ألَ هن أ َْه َل بَلَد َان َرأَيْتُ ُه ْم يَ ُقولُو َن‪ :‬فَ هرقَهُ‬ ‫ني‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫صح َ‬ ‫َانف ٍّع َوابْ ِن دينَ ٍّ َ ُ َ ٌ‬
‫ك‪ ،‬فَِإنههُ يَ ْرِوي َوََل يَ ْع َم ُل بِِه‪.‬‬ ‫اب ِيف َه َذا َمالِ ٌ‬ ‫ِ ٍّ ِ‬
‫ال ابْ ُن أَِيب ذئْب‪َ :‬جي ُ‬
‫ب أَ ْن يُ ْستَ تَ َ‬ ‫الْ َك َال ُم‪ ،‬فَ َق َ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كل ح ٍّال‬‫نت على ِّ‬ ‫متصل بنقل العدل عن العدل‪ ،‬وهو معلهل غري صحيح‪ ،‬واملَْ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا إسناد‬
‫ار‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ُع َمَر"‪ ،‬هكذا رواه األئ همة ِم ْن أصحاب‬ ‫والعِلهةُ يف قوله‪" :‬عن عمرو بن دينار"‪ ،‬إَّنا هو‪" :‬عن عبد هللا بْ ِن ِدينَ ٍّ‬
‫وع َد َل عن عبد هللا بن دينار إىل عمرو بن دينار‪ ،‬وكالَها ثقة"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سفيان عنه‪َ ،‬فوه َم يعلى بن عبيد‪َ ،‬‬
‫فاحلديث الذي اجتمعت فيه هذه الشروط اليت وضحناها لك هو احلديث الصحيح‪.‬‬
‫دقة نظر احملدثني يف احلكم ابلصحة‪:‬‬
‫وإَّنا حكم احملدثون على احلديث الذي توفرت فيه هذه الشروط ابلصحة؛ ألن السند إذا كان متصال أمنا من أن يكون‬
‫هناك حمذوف يكون منه الكذب أو الغلط‪ ،‬وإذا كان رواة احلديث عدوَل ضابطني يغلب على الظن صدقهم‪ ،‬ويرتجح‬
‫عدم خطئهم ونسياهم‪ ،‬ويكون احتمال الكذب أو الغلط احتماَل بعيدا ألنه يبعد جدا من رجل ذي مروءة‪ ،‬مستقيم‬

‫)‪" (1‬تدريب الراوي" (‪)271/1‬‬


‫ِح أيضاً فقد ثَلِ َج‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫)‪" (2‬القاموس احمليط" (‪ )1035/1‬الفريومآابدى‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ .‬وثَل ُج الرجل إذا بََرَد قلبه عن شيء‪ ،‬وإذا فر َ‬
‫)‪" (3‬مقدمة ابن الصالح" (‪.)90/1‬‬
‫)‪" (4‬اْلرشاد يف معرفة علماء احلديث" (‪ -)341/1‬رقم (‪.)72‬‬
‫‪29‬‬
‫على الشريعة استقامة اتمة‪ ،‬أن يكذب وَل سيما على النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وكذلك يستبعد جدا من راو اتم الضبط أن يغلط فيما يروي أو ينسى ما حفظ‪ ،‬فإذا انضم إىل ذلك عدم وجود خمالف‬
‫له أقوى منه‪ ،‬وعدم وجود علة قادحة‪ ،‬ترجح عند الناقد الفاحص ترجحا قوَي صدق نسبته إىل قائله سواء أكان رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أم كان صحابيا‪ ،‬أم كان اتبعيا‪ ،‬ويكون احتمال عدم صدق نسبته إىل قائله يف غاية البعد‪.‬‬
‫أقسام احلديث الصحيح‬
‫ينقسم احلديث الصحيح إىل قسمني‪:‬‬
‫(‪ )1‬صحيح لذاته‪ :‬وهو ما اشتمل على الصفات املذكورة يف تعريف احلديث الصحيح‪.‬‬
‫مثاله‪:‬‬
‫الزَان ِد‪َ ،‬ع ِن األ َْعَرِج‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬رضي هللا‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا أَبُو ِّ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ‬ ‫َخبَ َرَان ُش َعْي ٌ‬
‫ال‪ :‬أ ْ‬
‫ان‪ ،‬قَ َ‬ ‫قال البخاري‪ :‬ح هدثَنَا أَبو اليم ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ (‪.)1‬‬
‫هم ِم ْن ذَنْبه"‬ ‫ِ‬ ‫اان و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬
‫"م ْن يَ ُق ْم لَْي لَةَ ال َق ْد ِر‪ ،‬إِميَ ً َ ْ‬
‫احت َس ًااب‪ ،‬غُفَر لَهُ َما تَ َقد َ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ :‬‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫(‪ )2‬صحيح لغريه‪ :‬وهو ما قصر عن الدرجة العليا يف بعض الشروط كالضبط‪ ،‬لكن اجنرب ذلك القصور بتعدد الطرق‬
‫فإن ِل ينجرب بتعدد الطرف فهو احلديث احلسن لذاته‪ ,‬فالصحيح لغريه أصله حسن لذاته‪ ،‬مث ارتقى بتعدد الطرق إىل‬
‫الصحيح لغريه‪.‬‬
‫حكم احلديث الصحيح‬
‫مقبول‪ ،‬وحجة جيب العمل به‪ ،‬سواء جاء من طريق واحد وهو الغريب‪ ،‬أو جاء من طريقني وهو العزيز‪ ،‬أو أكثر من‬
‫طريقني وهو املشهور‪ ،‬أو جاء من طرق كثرية تفيد القطع‪ ،‬وهو املتواتر‪.‬‬
‫ووجوب العمل ِبرب الواحد الصحيح هو مذهب العلماء قدميا وحديثا‪ ،‬خالفا للمعتزلة‪ ،‬والرافضة وأشباههم فإهم أنكروا‬
‫وجوب العمل ِبرب اآلحاد وقوهلم ابطل‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب اْلميان – ابب قيام ليلة القدر من اْلميان – رقم (‪.)35‬‬
‫وأبو اليمان‪ :‬هو احلكم بن انفع‪ .‬شعيب‪ :‬هو شعيب بن أيب محزة‪ .‬أبو الزاند‪ :‬هوعبد هللا بن ذكوان‪ ،‬واألعرج‪ :‬هو عبد الرمحن بن هرمز‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫فوائد مهمة تتعلق ابلصحيح‬
‫الفائدة األوىل‪:‬‬
‫إذا قيل عن حديث‪ ":‬أصح شيء يف الباب كذا" أو" أحسن شيء يف الباب كذا" فال يلزم من ذلك صحة احلديث‪،‬‬
‫وَل حسنه‪ ،‬لكن املقصود الصحة النسبية‪ ،‬وقد يكون أصح شيء يف الباب حسنا‪ ،‬والباقي ضعيف‪ ،‬أو يكون أصح شيء‬
‫ضعيفا‪ ،‬والباقي ضعيف جدا وموضوع‪ .‬فاملعىن أن هذا أفضل شيء يف الباب‪.‬‬
‫الفائدة الثانية‪:‬‬
‫قول بعض العلماء ‪" :‬رجاله رجال الصحيح" أو‪" :‬رجاله ثقات"‪َ ،‬ل يعّن صحة احلديث‪ ،‬ولكن معىن هاتني العبارتني‬
‫استيفاء شرطي العدالة والضبط‪ ،‬لكن ِل يتعرض للكالم عن اتصال السند‪ ،‬أو عدم الشذوذ‪ ،‬أو عدم العلة‪.‬‬
‫وعادة احلافظ ابن حجر اهليثمي يف "جممع الزوائد ومنبع الفوائد"‪ ،‬أن يقول بعد أحاديث معينة‪" :‬رجاله رجال الصحيح"‬
‫أو‪" :‬رجاله ثقات"‪ ،‬وأحياان يقول‪" :‬رجاله ثقات غري أنه منقطع"‪.‬‬
‫الفائدة الثالثة‪:‬‬
‫َل تالمم بني صحة السند وصحة املنت‪ ،‬فقد يصح السند وَل يصح املنت؛ لوجود شذوذ أو علة‪ ،‬كما أن ضعف السند َل‬
‫يقتضي دائما ضعف املنت‪ ،‬فقد أييت املنت من طريق آخر صحيح أو حسن‪.‬‬
‫الفائدة الرابعة‪:‬‬
‫معىن قول بعض العلماء‪" :‬حديث صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫املقصود بشرط الشيخني‪ -‬أو أحدَها – أن يكون مروَي من طريق رجال الكتابني – أو أحدَها – مع مراعاة الكيفية اليت‬
‫التزمها الشيخان – أو أحدَها – يف الرواية عنهم‪ ،‬أو أن يكون رجال إسناد هذا احلديث يف درجة رجال الشيخني‪ ،‬أو‬
‫قريبة منها‪.‬‬
‫وقد حيدث التساهل يف دعوى أنه على شرط الشيخني؛ كأن يروي الشيخان – أو أحدَها – عن راو مقروان بغريه‪ ،‬فإذا‬
‫جاء إسناد له غري مقرون بغريه فال يكون على شرطهما‪ ،‬أو أن يروي له مسلم مثال يف الشواهد واملتابعات‪ ،‬وليس يف‬
‫األصول‪ ،‬فإذا روي له حديث يف األصول فال يكون على شرطه‪ ،‬أو أن يروي له الشيخان – أو أحدَها‪ -‬عن شيخ‬
‫معني‪ ،‬فإذا روي له عن غري هذا الشيخ فال يكون على شرطهما‪.‬‬
‫الفائدة اخلامسة‪ :‬املقصود ابحلديث اجليد‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫هاد حديثًا ما ب الص هحة‪ ،‬أو احلُ ْس ِن‪ ،‬يرونه ‪ -‬يف الوقت نفسه ‪ -‬صاحلًا لالتصال ِبلقاب أخرى توحي ً‬
‫مجيعا‬ ‫حني يصف النُ ق ُ‬
‫صالِ ٌح‪َ ،‬وُم ْستَ ْح َس ٌن‪.‬‬
‫وف‪َ ،‬و َ‬ ‫ي‪َ ،‬وَاثبِ ٌ‬
‫ت‪َ ،‬وَْحم ُفو ٌظ‪َ ،‬وَم ْع ُر ٌ‬ ‫بقبوله وإمكان اَلحتجاج به‪ ،‬مثل‪َ :‬جيِّ ٌد‪َ ،‬وُجمَ هوٌد‪َ ،‬وقَ ِو ٌّ‬
‫يرى بعض العلماء أنه َل مغايرة بني احلديث اْليد واحلديث الصحيح‪ ،‬ومنه قول اْلمام أمحد "أجود األسانيد الزهري عن‬
‫ساِل عن أبيه"(‪ .)1‬بدَل من‪" :‬أصح األسانيد"‪.‬‬
‫ويرى ابن الصالح أيضا أن اْليد يتساوى مع الصحيح‪.‬‬

‫الدمشقي‪ ،‬احملقق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫)‪" (1‬توجيه النظر إىل أصول األثر"(‪ )421/1‬السمعوين اْلزائري‪ ،‬مث‬
‫‪31‬‬
‫إَل أن احملققني من العلماء َل يعدلون عن التعبري ابلصحيح إىل اْليد إَل لنكتة‪ ،‬كأن يرتقي احلديث عن احلسن لذاته‪،‬‬
‫ويرتدد يف بلوغه الصحيح‪ ،‬فالوصف به أنزل رتبة من الوصف ابلصحيح‪.‬‬
‫الفائدة السادسة‪ :‬املقصود ابحلديث الصاحل‪.‬‬
‫هو شامل للصحيح واحلسن لصالحيتهما لالحتجاج‪ ،‬ويستعمل أيضا يف الضعيف الذي يصلح لالعتبار يعّن‪ :‬املتابعات‬
‫والشواهد‪.‬‬
‫الفائدة السابعة‪ :‬احلديث اجملود‪ ،‬والثابت‪.‬‬
‫وأما اجملود‪ ،‬والثابت فيشمالن أيضا الصحيح واحلسن‪.‬‬
‫الفائدة الثامنة‪ :‬معرفة أصح األسانيد‪.‬‬
‫ختتلف أحكام النقاد على الرجال‪ ،‬فقد يكون الراوي عند أحدهم صدوقا‪ ،‬وعند اآلخر ثقة‪ ،‬وبعضهم يقول عنه‪ :‬ثقة‪،‬‬
‫وبعضهم يقول عنه‪ :‬ثقة ثبت‪ ،‬وهكذا حتتلف أحكامهم يف مراتب التعديل للراوي الواحد‪ ،‬وبناءا على ذلك اختفلت‬
‫آراؤهم يف حتديد أصح اَلسانيد‪.‬‬
‫الرأي األول‪َ :‬ل ميكن أن حيكم ْلسناد بعينه أنه أصح األسانيد مطلقا‪ ،‬لكن ميكن أن حيكم ْلسناد ِبنه أصح األسانيد‬
‫بقيد معني؛ كأن نقول ‪ :‬أصح أسانيد املكيني كذا‪ ،‬وأصح أسانيد الكوفيني كذا‪ ،‬وأصح أسانيد البصريني كذا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫علي بن أيب‬
‫أو أصح األسانيد ابلنسبة لصحايب معني‪ ،‬كأن أقول أصح األسانيد إىل أيب هريرة كذا‪ ،‬وأصح األسانيد إىل ّ‬
‫طالب كذا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫الرأي الثاين‪ :‬ميكن حتديد أصح األسانيد مطلقا‪ ،‬لكن من الطبيعي أن َيتلف القائلون بذلك يف حتديد أصحها مطلقا‪،‬‬
‫بسبب اَلعتبارات اليت ذكرانها‪.‬‬
‫* قيل أصح األسانيد‪ :‬الزهري‪ ،‬عن ساِل بن عبد هللا بن عمر‪ .‬وهذا الرأي منسوب لإلمام أمحد بن حنبل‪.‬‬
‫* وقيل أصح األسانيد‪ :‬سليمان بن مهران األعمش‪ ،‬عن إبراهيم النخعي‪ ،‬عن علقمة بن قيس النخعي‪ ،‬عن عبد هللا‬
‫بن مسعود رضي هللا عنه‪ .‬وهذا الرأي منسوب لإلمام حيىي بن معني‪.‬‬
‫* وقيل أصح األسانيد‪ :‬مالك بن أنس‪ ،‬عن انفع موىل ابن عمر‪ ،‬عن ابن عمر رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫وهذا الرأي منسوب لإلمام البخاري‪ ،‬وتسمى هذه السلسلة‪":‬سلسة الذهب"‪.‬‬
‫أصح األسانيد املقيدة‪:‬‬
‫* قيل أصح األسانيد عن عائشة‪ :‬عبيد هللا بن عمر‪ ،‬عن القاسم بن حممد بن أيب بكر‪ ،‬عن عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬
‫ابلدر‪.‬‬
‫ويسمى هذا اْلسناد بسلسة الذهب املشبك ُ‬
‫* وقيل أصح آسانيد آل البيت‪ :‬جعفر بن حممد بن علي بن احلسني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي رضي هللا عنه‪.‬‬
‫* وقيل أصح أسانيد املكيني‪ :‬سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر‪.‬‬
‫* وقيل أصح أسانيد اليمانيني‪ :‬معمر عن َهام عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مصادر احلديث الصحيح‬
‫[ ‪ ] 1‬موطأ مالك‬
‫التعريف بكتاب املوطأ‪:‬‬
‫هو أول ما صنف يف الصحيح غري اجملرد‪ ،‬فهو ممزوج ِبقوال‪ ،‬وفتاوى الصحابة‪ ،‬والتابعني‪.‬‬
‫وقد انتقى اْلمام مالك أحاديث املوطأ من مائة ألف حديث كان يرويها‪ ،‬واستغرق تصنيفه وتنقيحه أربعني عاماً‪.‬‬
‫سبب أتليفه وتسميته‪ :‬مجع اْلمام مالك كتابه هذا إبشارة من اخلليفة املنصور‪ ،‬حني حج وطلب إليه أن يُ َد ِّو ُن كتاابً‬
‫ص ابن عباس‪ ،‬وأن يُ َو ِطّئَهُ للناس‪ ،‬فألف كتابه هذا‪ ،‬ومسهاه "امل َوطهأ"‪.‬‬
‫هب فيه شدائد ابن عمر َوُر َخ َ‬
‫جامعاً يف العلم‪ ،‬يتجن ُ‬
‫ُ‬
‫وقيل مساه املوطأ ألنه وطأ به احلديث‪ ،‬أي يسره للناس‪ ،‬أو ملواطأة علماء املدينة له فيه‪ ،‬وموافقتهم عليه‪.‬‬
‫قال اإلمام مالك‪" :‬عرضت كتايب هذا على سبعني فقيها من فقهاء املدينة‪ ،‬فكلهم واطأين عليه فسميته املوطأ"‬
‫(‪)1‬‬

‫عدد كتب املوطأ‪ ،‬وأبوابه‪ ،‬وأحاديثه‪:‬‬


‫بلغ عدد كتبه ِبسب حتقيق األستاذ فؤاد عبد الباقي واحدا وستني كتااب‪ ،‬تشتمل على سبعمائة وثالثة أبواب‪.‬‬
‫اختلفت اآلراء يف عدد أحاديث املوطأ بسبب اختالف الرواَيت مَيدة ونقصاان‪.‬‬
‫ونُقل عن ُسلَْيمان بن بِالل قوله‪ :‬لقد وضع مالك املوطّأ وفيه أربعة آَلف حديث‪ ،‬أو قال أكثر‪ ،‬فمات وهي ألف‬
‫(‪.)2‬‬
‫حديث ونيِّف َيلصها عاماً عاماً بقدر ما يرى أنه أصلح للمسلمني وأمثل يف الدين‬
‫وقال أبو بكر األهبري‪ :‬مجلة ما يف املوطأ من اآلاثر عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وعن الصحابة والتابعني ألف‬
‫وسبعمائة وعشرون حديثا‪ ،‬املسند منها ستمائة حديث‪ ،‬واملرسل مائتان واثنان وعشرون حديثا‪ ،‬واملوقوف ستمائة وثالثة‬
‫(‪.)3‬‬
‫عشر‪ ،‬ومن قول التابعني مائتان وَخسة وَثانون‬
‫"أحصيت ما يف موطّأ مالك فوجدت فيه من املسند َخسمائة ونيفاً‪ ،‬وفيه‬
‫ُ‬ ‫وقال ابن حزم يف كتاب مراتب الداينة‪:‬‬
‫وهاها مجهور‬ ‫ثالَثائة ونيّف مرسالً‪ ،‬وفيه نيّف وسبعون حديثاً؛ قد ترك مالك نفسه العمل هبا‪ ،‬وفيه أحاديث ضعيفة ّ‬
‫(‪.)4‬‬
‫العلماء"‬

‫ومراده ابلضعف الضعف اليسري كما يعلم مما قد مر‪ ،‬وليس فيه حديث ساقط‪ ،‬وَل موضوع‪ ،‬كما َل َيفى على املاهر‪.‬‬
‫منهج اإلمام مالك يف املوطأ‪:‬‬
‫(‪ ) 1‬رتبه على األبواب الفقهية‪ ،‬ومن عادته أنه يذكر عقب عنوان الباب احلديث املرفوع إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫أحياان يذكر ما عليه‬
‫مث ما ورد فيه من اآلاثر عن الصحابة والتابعني‪ ،‬وخاصة من أهل املدينة؛ ألنه ِل يرحل عنها‪ ،‬و ً‬
‫العمل‪ ،‬أو اجملمع عليه يف املدينة‪ ،‬أو ما كان عليه التابعون الذين التقاهم‪ ،‬أو ما اختاره من جمموع آرائهم‪ ،‬أو ما قاسه‬
‫لغوَي أو بعض اْلمل‪.‬‬
‫أحياان بتفسري كلمة ًّ‬
‫على حكم منصوص عليه‪ ،‬وقد يتبع احلديث ً‬

‫(‪" )1‬تنوير احلوالك على موطأ مالك" للسيوطي‪( ،‬ص‪.)7 :‬‬


‫(‪" )2‬القبس يف شرح موطأ مالك بن أنس" (‪ )58/1‬أبو بكر بن العريب املعافري اَلشبيلي املالكي‪ ،‬دار الغرب اْلسالمي‪.‬‬
‫(‪")3‬املصدر السابق‪.‬‬
‫(‪")4‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫عاما‪ ،‬فكان متقنًا يف اببه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فاملوطأ خالصة ْلهود هذا اْلمام احمل ّدث الكبري خالل أربعني ً‬
‫(‪ )2‬وكان رمحه هللا تعاىل يتحرى يف املتون وينتقي يف األسانيد‪ ،‬وقد هبني العلماء ‪ -‬سل ًفا وخل ًفا‪ -‬أن أحاديث املوطأ كلها‬
‫مجيعا‪ ،‬فال يوجد يف املوطأ حديث مرسل وَل منقطع إَل وقد اتصل سنده من طرق‬ ‫صحيحة‪ ،‬وأن أسانيده وردت متصلة ً‬
‫أخرى‪ ،‬كما قرر العلماء‪ ،‬ومنهم أبو عمر بن عبد الرب يف كتابه "التقصي يف مسند حديث املوطأ ومرسله"‪.‬‬
‫ِ‬
‫األثر فمالك‬
‫َص ُّح من كتاب مالك بن أنس وإذا ذُكَر ُ‬ ‫وقدميًا قال اإلمام الشافعي‪" :‬ما على األرض بعد كتاب هللا تعاىل أ َ‬
‫"(‪)1‬‬
‫ض احلائط وَل تلتفت إليه‬
‫هج ُم وإذا جاءك احلديث من انحية الكوفني فلم جتد له أصال عند املدنيني فاضرب به عُْر َ‬ ‫الن ْ‬
‫وقال أيضا‪" :‬ما نظرت يف موطإ مالك إَل امددت منه فهما وعلما"(‪.)2‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬ما علمنا أن أحدا من املتقدمني ألف كتااب أحسن من موطإ مالك‪ ،‬وما ذكر فيه من األخبار عن أهل‬
‫"(‪)3‬‬
‫املدينة وغريهم من العلماء املشهورين‪ ،‬وِل يذكر فيه مرغواب عنه يف الرواية كما ذكر غريه يف كتبه‬
‫(‪ِ )3‬ل يتقيد اْلمام مالك يف املوطأ ابملسند املتصل‪ ،‬بل يذكر فيه املرسل واملنقطع‪ ،‬والبالغات‪ ،‬وهي اليت يقول فيها اْلمام‬
‫مالك بلغّن– أو حنوه– من غري أن يبني من روى عنه‪ ،‬كقوله‪ :‬بلغّن أن أاب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫وف‪ ،‬وَلَ ي َكله ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يق"‬‫ف م َن الْ َع َم ِل إَِله َما يُط ُ‬ ‫"ل ْل َم ْملُوك طَ َع ُامهُ َوك ْس َوتُهُ ِابلْ َم ْع ُر َ ُ ُ‬
‫(‪.)4‬‬

‫(‪ )4‬اعتىن اْلمام مالك ابحلديث رواية ودراية‪ ،‬وانتقى أحاديثه والرجال الذين َخهر َج هلم‪.‬‬
‫امسَهُ ثَِقةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َعهُ مالك يف موطئه وأظهر ْ‬ ‫ص َح نَ ْف َسهُ َعل َم أَ هن ُك هل َم ْن َو َ‬ ‫قال يعقوب بن سفيان‪َ " :‬وَم ْن َكا َن م ْن أ َْه ِل الْع ْل ِم َونَ َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫وم بِِه ْ‬
‫احلُ هجةُ"‬ ‫تَ ُق ُ‬
‫َش ِّد ِه ُم انْتِ َق ًادا لِ ِّلر َج ِال َوأَقَلِّ ِه ْم تَ َكلُّ ًفا َوأَتْ َقنِ ِه ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫َش ِّد الن ِ‬
‫هاس تَ ْرًكا ل ُش ُذوذ الْعِْل ِم َوأ َ‬
‫ِ‬
‫وم أَ هن َمال ًكا َكا َن ِم ْن أ َ‬ ‫قال ابن عبد الرب‪َ " :‬م ْعلُ ٌ‬
‫ص َار إِ َم ًاما"‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك َ‬ ‫ح ْفظًا فَل َذل َ‬
‫(‪.)6‬‬

‫)‪" (1‬كشف املغطا يف فضل املوطا"(ص‪ ، )36:‬أبو القاسم علي بن احلسن بن هبة هللا املعروف اببن عساكر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (2‬كشف املغطا يف فضل املوطا"(ص‪. )38:‬‬
‫)‪" (3‬كشف املغطا يف فضل املوطا"(ص‪. )38:‬‬
‫)‪ (4‬موطأ مالك‪ :‬كتاب اَلستئذان– ابب األمر ابلرفق ابململوك– رقم (‪.)809‬‬
‫)‪"(5‬املعرفة والتاريخ"(‪ ،)350/1‬يعقوب بن سفيان الفسوي‪ ،‬احملقق‪ :‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (6‬التمهيد "(‪.)65/1‬‬
‫‪34‬‬
‫[ ‪ ] 2‬صحيح البخاري‬
‫وهو أول ما صنف يف الصحيح اجملرد‪ ،‬أي اجملرد عن أقوال وفتاوى الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫التعريف بصحيح البخاري‪:‬‬
‫اسم املصنف‪ :‬أبو عبد هللا‪ ،‬حممد بن إمساعيل بن إبراهيم ابن املغرية بن بَ ْرِد ْمبَه‪.‬‬
‫اسم الكتاب‪" :‬اْلامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأَيمه"‪.‬‬
‫سبب أتليف البخاري لصحيحه‪:‬‬
‫اَّللِ صلى هللا عليه وسلم "‪.‬‬ ‫ال‪ ":‬لَو مجعتم كتااب ُْخمتَصرا لصحيح ُسنهة َر ُسول ه‬ ‫قال البخاري‪ُ :‬كنها ِعْند إِ ْس َحاق بن َر َاه َويْه فَ َق َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ص ِحيح‬
‫قليب فَأخذت ِيف مجع ا ْْلَ ِامع ال ه‬ ‫قال البخاري‪ :‬فَ َوقع َذلِك ِيف ِ‬
‫وقال حممد بن سليمان بن فارس‪َِ :‬مسعت البُ َخا ِر ّي يَ ُقول َرأَيْت النِهيب صلى هللا عليه وسلم وكأنّن َواقِف بَني يَ َديْ ِه َوبِيَ ِدي‬
‫ال يل أَنْت تذب َعنهُ الْ َك ِذب فَ ُه َو اله ِذي َمحلَِّن على إِ ْخَراج ْ‬
‫اْلَ ِامع‬ ‫مروحة أذب هبَا َعنهُ فَ َسأَلت بعض املعربين‪ ،‬فَ َق َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫ص ِحيح‬
‫ال ه‬
‫كيف َجع البخاري صحيحه ؟‬
‫اتبع البخاري منهجا علميا دقيقا‪ ،‬فقد مكث يف تصنيف صحيحه ست عشرة سنة‪ ،‬وانتقاه من ُمَهاء ستمائة ألف‬
‫حديث‪ ،‬قال‪ ":‬لقد خرجت كتايب الصحيح هذا من مهاء ستمائة ألف حديث‪ ،‬وما وضعت فيه حديثًا إَل واغتسلت‬
‫"(‪.)3‬‬
‫وصليت ركعتني هلل سبحانه وتعاىل‬
‫منزلة صحيح البخاري‪:‬‬
‫اتفق اْلمهور على أنه أصح كتب السنة على اْلطالق‪ ،‬وأطبق العلماء سلفا وخلفا على قبوله‪.‬‬
‫عدد أحاديث صحيح البخاري‪:‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬ومجلة ما يف كتاب البخاري سبعة آَلف حديث"‬
‫(‪.)4‬‬

‫وعدها عدًّا دقي ًقا اْلمام ابن حجر العسقالين‪ ،‬فكانت"‪"2602‬حديثًا‪ ،‬بغري املكرر‪.‬‬
‫ومجلة ما فيه من التعاليق ألف وثالَثائة وواحد وأربعون(‪ )1341‬حديثا‪ ،‬وأكثرها خمرج يف الكتاب يف أصول متونه‪،‬‬
‫واملتون املعلقة غري املوصولة يف كتابه تسع وَخسون ومائة‪ ،‬وصلها ابن حجر يف كتاب" تغليق التعليق"‪.‬‬

‫(‪" )1‬فتح الباري" (‪ ،)7/1‬دار املعرفة‪ "،‬تدريب الراوي" (‪.)92/1‬‬


‫(‪" )2‬فتح الباري" (‪ ،)7/1‬دار املعرفة‪.‬‬
‫(‪" )3‬فتح الباري" (‪ ،)7/1‬دار املعرفة‪.‬‬
‫(‪" )4‬املقدمة " (ص‪.)11 ،10‬‬
‫‪35‬‬
‫منهج اإلمام البخاري يف صحيحه‬
‫(‪ )1‬رتب البخاري كتابه على الكتب واألبواب الفقهية‪ ،‬فكان عدد كتبه سبعة وتسعني كتااب تقريبا‪ ،‬بدأها بكتاب" بدء‬
‫الوحي" ألنه منبع اخلريات‪ ،‬وبه قامت الشرائع وجاءت الرساَلت‪ ،‬ومنه عرف اْلميان والعلوم‪ ،‬مث كتاب اْلميان‪ ،‬مث كتاب‬
‫العلم‪ ،‬وهكذا حَ ختمه بكتاب التوحيد‪ ،‬وكأنه يريد أن يقول إن من كانت بدايته اتباع الوحي‪ ،‬مات على التوحيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬يسمى صحيح البخاري ابْلامع ألنه حيتوي على َثانية أشياء وهي‪ :‬السري‪ ،‬واآلداب والتفسري‪ ،‬والعقائد‪ ،‬والفنت‪،‬‬
‫واألحكام‪ ،‬وأشراط الساعة‪ ،‬واملناقب‪.‬‬
‫وَل يطلق "اْلامع" إَل على صحيح البخاري‪ ،‬وسنن الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬قسم كل كتاب إىل عدة أبواب‪ ،‬فكان عدد أبوابه ثالثة آَلف وَثاَّنائة واثنني وَثانني (‪ )3882‬اباب‪.‬‬
‫(‪ )4‬جعل لكل ابب – غالبا‪ -‬ترمجة ( عنواان للباب) تتعلق مبضمون ما يف الباب من أحادث‪ ،‬ولكن أحياان َل تكون‬
‫العالقة بني الرتمجة وأحاديث الباب ظاهرة‪ ،‬فرمبا تكون خفية َل يصل إليها إَل خاصة العلماء‪ .‬وهذه الرتاجم تدل على‬
‫فقه البخاري‪ ،‬ودقة فهمه‪ ،‬وعمق تفكريه‪ ،‬وحسن استنباطه‪ ،‬ولذلك قال العلماء‪" :‬فقه البخاري يف ترامجه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬التزم البخاري يف صحيحه الصحة‪ ،‬لكنه ِل يستوعب كل األحاديث الصحيحة‪ ،‬وِل يلتزم ذلك‪.‬‬
‫(‪ )6‬فيه كثري من الفوائد الفقهية‪ ،‬والنكات البديعة‪ ،‬فاستخرج فهمه من املتون معلومات كثرية فرقها يف أبواب الكتاب‬
‫ِبسب تناسبها‪.‬‬
‫(‪ )7‬اعتىن البخاري آبَيت األحكام فاستنبط منها الدَلَلت البديعة‪.‬‬
‫(‪ )8‬البخاري يكرر احلديث يف صحيحه أحياان عدة مرات‪ ،‬ملناسبة احلديث ألكثر من ابب‪.‬‬
‫(‪ )9‬يورد البخاري احلديث أحياان خمتصرا‪ ،‬وأحياان يقتصر على جزء منه‪ ،‬وذلك لفوائد عدة‪.‬‬
‫(‪ ) 10‬يكثر البخاري من التعليقات‪ ،‬ولكنه يصل الكثري منها يف مواضع أخرى من الكتاب‪ ،‬وما بقي مما ِل يصله يف‬
‫الكتاب وصله احلافظ ابن حجر يف كتاب "تغليق التعليق"‪.‬‬
‫ملاذا مل يرو البخاري يف صحيحه عن اإلمامني أيب حنيفة والشافعي؟‬
‫أوال‪ِ :‬ل يرو اْلمام البخاري مباشرة عن كل من اْلمامني أيب حنيفة والشافعي رمحهما هللا؛ ألن البخاري ِل يدرك أَي‬
‫منهما‪:‬فقد ولد البخاري سنة مائة وأربعة وتسعني‪194( ،‬ه )‪ ،‬أي بعد وفاة اْلمام أيب حنيفة ِبربع وأربعني سنة‪ ،‬فقد‬
‫الشافعي أيضا‪ ،‬فقد كان صغريا‪ ،‬فقد تويف‬
‫ه‬ ‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫تويف أبو حنيفة رمحه هللا سنة مائة وَخسني‪150( ،‬ه) ‪ ،‬وِل يدرك‬
‫الشافعي سنة مائتني وأربعة‪204( ،‬ه ) وعمر البخاري حينئذ عشر سنوات فقط‪ ،‬فمن املؤكد أنه ِل حيدث عنه‪.‬‬
‫إذن فأبو حنيفة والشافعي أعلى طبقة من اْلمام البخاري‪.‬‬
‫اثنيا‪ِ :‬ل َيرج البخاري شيئا من أحاديث أيب حنيفة بواسطة‪ ،‬أي من طريق بعض تالميذه عنه‪ ،‬وذلك ألن للبخاري‬
‫شرطا شديدا فيمن َيرج هلم يف صحيحه‪ِ ،‬ل يبلغه اْلمام أبو حنيفة رمحه هللا‪ ،‬لذلك ملا ترجم أليب حنيفة رمحه هللا يف‬
‫"التاريخ الكبري"‪" :‬كان مرجئا‪ ،‬سكتوا عنه‪ ،‬وعن رأيه‪ ،‬وعن حديثه‬
‫"(‪.)1‬‬

‫(‪")1‬التاريخ الكبري" للبخاري‪ ،)81/8(،‬دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬حيدر آابد‪ ،‬الدكن‪.‬‬


‫‪36‬‬
‫وأَي كان حكم احملدثني على أيب حنيفة‪ ،‬فإن هذا رأي البخاري فيه‪ ،‬وقد وثقه وأثىن عليه غريه‪.‬‬
‫اثلثا‪ِ :‬ل َيرج البخاري أحاديث من طريق اْلمام الشافعي‪ ،‬ألنه كان يبغي علو السند‪ ،‬فلو خرج أحاديث الشافعي كان‬
‫سيضطر لألخذ عن أحد تالميذ الشافعي‪ ،‬عن الشافعي‪ ،‬يف حني أنه تيسر له األخذ عمن هم يف طبقة الشافعي مباشرة‬
‫‪ ،‬فقد أدرك بعضهم‪ ،‬ومسع ممن رووا عن شيوخ الشافعي مباشرة‪ ،‬فال حاجة للنزول يف اْلسناد ما دام العلو متيسرا‪.‬‬
‫يقول اخلطيب البغدادي رمحه هللا‪" :‬والذي نقول يف تركه ( أي البخاري) اَلحتجاج ِبديث الشافعي إَّنا تَركه َل ملعىن‬
‫يُوجب ضعفه لكن غّن عنه مبا هو أعلى منه‪ ،‬وذلك أن أقدم شيوخ الشافعي الثقات الذين روى عنهم مالك بن أنس‬
‫وعبد العزيز بن حممد الدراوردي وداود بن عبد الرمحن العطار وسفيان بن عيينة‪.‬‬
‫والبخاري ِل يدرك الشافعي وروى عن من كان أكرب منه سنا وأقدم منه مساعا مثل مكي بن إبراهيم البلخي وعبيد هللا بن‬
‫موسى العبسي وأيب عاصم الشيباين وحممد بن عبد هللا األنصاري وخلق يطول ذكرهم‪.‬‬
‫وهؤَلء الذين مسيتهم رووا عن بعض التابعني‪ ،‬وحدثه أيضا عن شيوخ الشافعي مجاعة كعبد هللا بن مسلمة القعنيب وعبد‬
‫هللا بن يوسف التنيسي وإمساعيل بن أيب أويس وعبد العزيز األويسي وحيىي بن قزعة وأيب نعيم الفضل بن دكني وخالد بن‬
‫خملد وأمحد بن يونس وقتيبة بن سعيد‪.‬‬
‫وهؤَلء كلهم رووا عن مالك ومنهم من روى عن الدراوردي وكسعيد بن أيب مرمي املصري وأيب غسان النهدي وعبد هللا بن‬
‫الزبري احلميدي وعلي بن املديّن‪ ،‬وهؤَلء رووا عن سفيان بن عيينة وفيهم من حيدث عن داود بن عبد الرمحن العطار‪.‬‬
‫وغري من ذكرت أيضا ممن أدرك شيوخ الشافعي قد كتب عنه البخاري‪.‬‬
‫فلم ير أن يروي عنه حديثا عن رجل عن الشافعي عن مالك وقد حدثه به غري واحد عن مالك كما رواه الشافعي مع‬
‫"(‪.)1‬‬
‫كون الذي حدثه به أكرب من الشافعي سنا وأقدم مساعا‬

‫(‪")1‬مسألة اَلحتجاج ابلشافعي" (ص‪ ،)39، 38:‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬احملقق‪ :‬خليل إبراهيم مال خاطر‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة األثرية‪ ،‬ابكستان‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫[ ‪ ] 3‬صحيح مسلـ ـ ـم‬
‫التعريف بصحيح مسلم‪:‬‬
‫اسم املصنف‪ :‬مسلم بن احلجاج بن مسلم القشريي أبو احلسني النيسابوري‪( ،‬املتوى‪261 :‬ه )‪.‬‬
‫اسم الكتاب‪ :‬املسند الصحيح املختصر بنقل العدل عن العدل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫"صنفت هذا املسند الصحيح من ثالَثائة ألف حديث مسموعة"‬
‫(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫قال مسلم رمحه هللا تعاىل‪:‬‬
‫صحيح‬
‫ٌ‬ ‫علي أَ هن لهُ ِعلهةً تََرْكتهُ‪ ،‬وما قال‪ :‬هو‬
‫أشار ه‬ ‫ت كتايب هذا على أيب ُمْرعة الر ِّ‬
‫امي ف ُك ُّل ما َ‬ ‫ضُ‬‫ضا‪" :‬ولقد َعَر ْ‬ ‫وقال أي ً‬
‫ِ‬
‫ليس له علهةٌ أ ْ‬
‫َخَر ْجتُه"‬
‫(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫"(‪.)3‬‬
‫ضا‪" :‬ما وضعت شيئًا يف هذا املسند إَل ِبجة‪ ،‬وما أسقطت منه إَل ِبجة‬ ‫وقال أي ً‬
‫"(‪.)4‬‬
‫ضا‪" :‬ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إَّنا وضعت ها هنا ما أمجعوا عليه‬ ‫وقال أي ً‬
‫قال سراج الدين البلقيين‪" :‬أراد مسلم بقوله‪" :‬ما أمجعوا عليه" أربعة‪ :‬أمحد بن حنبل‪ ،‬وحيىي بن معني‪ ،‬وعثمان بن أيب‬
‫"(‪.)5‬‬
‫شيبة‪ ،‬وسعيد بن منصور اخلراساين‬
‫عدد أحاديثه‪:‬‬
‫قال الزركلي يف األعالم‪ " :‬مجع فيه اثّن عشر ألف حديث‪ ،‬كتبها يف َخسة عشر سنة‪ ،‬وهو أحد الصحيحني املعول‬
‫"(‪.)6‬‬
‫عليهما عند أهل السنة‪ ،‬يف احلديث‪ ،‬وقد شرحه كثريون‬
‫وهذا طبعا ابملكرر‪ ،‬وبغري املكرر بلغ عددها برتقيم الشيخ حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬ثالثة آَلف وثالاث وثالثني‪ )3033( ،‬حديثا‪.‬‬
‫منزلة ومكانة صحيح مسلم‪:‬‬
‫اب ُم ْسلٍِّم"(‪.)7‬‬
‫اب أَص ُّح ِمن كِتَ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫قال أبو علي احلافظ النيسابوري أستاذ احلاكم‪" :‬ما َْحت ِ‬
‫ت أَد ِمي ال هس َماء كتَ ٌ َ ْ‬
‫َ َ‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫لكن اْلمهور على أن صحيح البخاري ُمقدهم على صحيح اْلمام مسلم رمحهما هللا ً‬
‫وقال اإلمام النووي‪" :‬ومن حقق نظره يف صحيح مسلم ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬واطلع على ما أودعه يف أسانيده‪ ،‬وترتيبه‪ ،‬وحسن‬
‫سياقته‪ ،‬وبديع طريقته‪ ،‬من نفائس التحقيق‪ ،‬وجواهر التدقيق‪ ،‬وأنواع الورع واَلحتياط والتحري يف الرواية‪ ،‬وتلخيص‬
‫الطرق واختصارها‪ ،‬وضبط متفرقاهتا وانتشارها‪ ،‬وكثرة اطالعه‪ ،‬واتساع روايته‪ ،‬وغري ذلك مما فيه من احملاسن واألعجوابت‪،‬‬
‫واللطائف الظاهرات واخلفيات ‪ -‬علم أنه إمام َل يلحقه من بعد عصره‪ ،‬وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره‪،‬‬
‫(‪.)8‬‬
‫وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء‪ ،‬وهللا ذو الفضل العظيم"‬

‫(‪" )1‬تدريب الراوي" (‪.)40/1‬‬


‫(‪" )2‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم"(‪ )22/1‬اهلََرري الشافعي‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬
‫(‪" )3‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم"(‪. )22/1‬‬
‫(‪" )4‬صحيح مسلم" (‪ ،)304/1‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )5‬مقدمة ابن الصالح وحماسن اَلصطالح"(ص‪.)162:‬‬
‫(‪" )6‬األعالم للزركلي" (‪.)221/7‬‬
‫(‪ " )7‬تدريب الراوي" (‪.)98/1‬‬
‫(‪ " )8‬صحيح مسلم بشرح النووي " (‪.)11/1‬‬
‫‪38‬‬
‫منهج اإلمام مسلم‪ ،‬وشروطه يف صحيحه‪:‬‬
‫(‪ )1‬رتب اْلمام مسلم صحيحه ترتيبًا فقهيًّا دقي ًقا على الكتب واألبواب‪ ،‬دون تكرار أو جتزئة هلا كما صنع شيخه‬
‫البخاري‪ ،‬لكنه ِل يضع تراجم كما فعل البخاري وأصحاب السنن األربعة‪ ،‬لكن جاء الشراح من بعده فوضعوا تراجم‬
‫لألبواب‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬مث ان مسلما رمحه هللا رتب كتابه على أبواب فهو مبوب يف احلقيقة ولكنه ِل يذكر تراجم اَلبواب فيه لئال‬
‫(‪.)1‬‬
‫يزداد هبا حجم الكتاب أو لغري ذلك‬
‫(‪ ) 2‬جيمع اْلمام مسلم طرق املنت الواحد من غري تكرار‪ ،‬كما ألزم نفسه بذلك يف مقدمة كتابه‪ ،‬فإذا احتد املنت َل يكرره‪،‬‬
‫جديدا‪.‬‬
‫يسريا نبه عليه فقط‪ ،‬أما إذا كان غري يسري فإنه يعيد املنت؛ ألنه يصبح حينئذ متنًا ً‬
‫فإذا كان اَلختالف ً‬
‫(‪ ) 3‬اْلمام مسلم دقيق جدا يف روايته لألحاديث‪ ،‬ويتمثل هنا يف اعتنائه بضبط اختالف ألفاظ الرواة‪ .‬فهو يعتّن ابلتمييز‬
‫بني "حدثنا" و"أخربان"‪ ،‬وتقييده ذلك على مشاَيه‪ ،‬ويف روايته‪ ،‬وكان من مذهبه ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬الفرق بينهما‪ ،‬وأن‬
‫"حدثنا" َل جيوم إطالقه إَل على ما مسعه من لفظ الشيخ خاصة‪ ،‬و"أخربان" ملا قرئ على الشيخ‪.‬‬
‫ملاذا مل خيرج مسلم لشيخه البخاري يف صحيحه؟‬
‫تتلمذ اْلمام مسلم على البخاري وأثىن عليه‪ ،‬وَتثر مبنهجه‪ ،‬إَل أنه ِل َيرج له يف صحيحه‪ ،‬وقد يكون هذا ألحد أسباب‬
‫عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن مسلما ِل يلق شيخه البخاري إَل يف أواخر حياته بعد أن صنف الصحيح‪ ،‬فقد دخل البخاري نيسابور سنة‬
‫مائتني وَخسني (‪250‬ه) ‪ ،‬وكان مسلم قد استغرق يف مجع صحيحه َخس عشرة سنة‪ ،‬وقيل ست عشرة‪ ،‬فكان مسلم‬
‫قد اهى مجع صحيحه من أصوله اليت مجعها يف رحلة الطلب‪ ،‬أو كاد‪.‬‬
‫قال احلاكم‪" :‬ورد بنيسابور على كرب سنه‪ ،‬وأقام هبا َخس سنني‪ ،‬إىل أن وقعت الفتنة بينه وبني شيخ عصره حممد بن‬
‫"(‪.)2‬‬
‫حيىي الذهلي رضي هللا عنه‪ ،‬ولوَل ذلك ملا خرج من نيسابور‬
‫(‪ )2‬أنه رمبا ِل َيرج للبخاري يف صحيحه‪ ،‬مع أنه من أعظم شيوخه‪ ،‬ألن أحاديثه حمفوظة‪ ،‬فالذي يروى عنه وحيرص‬
‫عليه من األئمة من َيشى على حديثه من الضياع‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن مسلماً ترك رواية احلديث يف صحيحه عن شيخه البخاري ‪ -‬مع أنه روى عنه خارج الصحيح‪ -‬طلباً لعلو‬
‫السند‪ ،‬فإهما مشرتكان يف كثري من الشيوخ‪ ،‬ولكن يَِرُد على هذا أن البخاري أعلى طبقة من مسلم‪ ،‬وروى البخاري يف‬
‫صحيحه أحاديث عوايل ِل يبلغها مسلم إَل بواسطة‪ ،‬فكان البخاري كأنه شيخ ملسلم فيها‪.‬‬
‫(‪ )4‬أن مسلما ترك الرواية عن شيخه البخاري بسبب الفتنة اليت حدثت بنيسابور ‪ -‬فتنة اللفظ ابلقرآن‪ -‬وكانت بني‬
‫البخاري والذهلي‪ ،‬وي ِرد على هذا أيضاً أن مسلما روى عن البخاري يف غري الصحيح‪.‬‬
‫قال الذهيب يف ترَجته للبخاري‪" :‬وروى عنه مسلم يف غري صحيحه‬
‫"(‪.)3‬‬

‫قلت‪ :‬ورواية مسلم عن البخاري يف غري صحيحه رمبا تكون يف كتب اْلمام مسلم اليت فقدت‪.‬‬

‫(‪" )1‬صحيح مسلم بشرح النووي" (‪.)21/1‬‬


‫(‪" )2‬صحيح مسلم بشرح النووي" (‪.)11/1‬‬
‫(‪" )3‬سري أعالم النبالء" (‪ ،)397/12‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫(‪ )5‬أنه رمبا ترك الرواية عنه بسبب اشرتاط البخاري ثبوت اللقاء لقبول رواية املعنعن ‪ -‬غري املدلس‪ ،-‬ألن مسلما يكتفي‬
‫ابملعاصرة فقط‪ ،‬لكن يرد على ذلك أيضا أنه خرج له يف غري الصحيح‪.‬‬
‫والذي يرتجح عندي‪ -‬وهللا أعلم – التوجيه األول‪.‬‬
‫مقارن ـ ـة بيـ ـ ـن الصحيحيـ ـ ـن‬
‫(‪ )1‬لقد التزم الشيخان أَل َيرجا يف صحيحيهما سوى األحاديث الصحيحة‪ ،‬حَ وإن اختلفا يف املنهج‪ ،‬وترجح‬
‫أحدها على اآلخر يف قوة الشروط‪ :‬فمن حيث املنهج‪ ،‬فإن اْلمام البخاري كان جيزئ احلديث الواحد أو يكرره يف عدة‬
‫كتب أو أبواب فقهية؛ ألن احلديث الواحد قد يشتمل على أكثر من معىن‪ ،‬وكل معىن يندرج حتت ابب معني‪ ،‬فهو‬
‫ِبسن استنباطه وغزارة فقهه يستخرج منه الفوائد احلديثية ويستنبط األحكام الفقهية املختلفة‪ ،‬ومن هنا يكون السر يف‬
‫التكرار أو التجزئة‪.‬‬
‫منهجا دقي ًقا يف ترتيب األحاديث؛ حيث تالى ما فعله اْلمام البخاري يف صحيحه‪ ،‬فلم يكرر‬
‫وأما اْلمام مسلم‪ ،‬فالتزم ً‬
‫األحاديث وِل جيزئها يف أبواب عدة‪.‬‬
‫ومن حيث املوامنة يف هذه اْلزئية‪ ،‬فإن منهج اْلمام البخاري جيعل العثور على احلديث بكماله أشد صعوبة من البحث‬
‫عليه عند مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن اْلمام البخاري اهتم ابلرتاجم يف األبواب؛ ألها عكست فقهه ومذهبه‪ ،‬وتوضح رأيه يف‬
‫املسألة اليت يتناوهلا كل ابب‪.‬‬
‫مسلما ِل يذكر تراجم ألبوابه‪ ،‬ويعلل ذلك اْلمام النووي ِبنه رمبا أراد أَل يزيد حجم الكتاب‪.‬‬
‫ولكن ً‬
‫مسلما ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬رتب كتابه على أبواب فهو مبوب يف احلقيقة‪ ،‬ولكنه ِل يذكر تراجم األبواب‬
‫ً‬ ‫قال النووي‪" :‬مث إن‬
‫"(‪.)1‬‬
‫فيه؛ لئال يزداد هبا حجم الكتاب أو لغري ذلك‬
‫فقد يكون األمر كذلك‪ ،‬وقد يكون غريه‪ ،‬مثل أن يقال‪ :‬إنه فعل ذلك لئال ينشغل الناس عن األحاديث أو معانيها‬
‫(‪.)2‬‬
‫ابلتماس أوجه الصلة بني عناوين األبواب واألحاديث اليت ذكرت حتتها‪ ،‬كما حدث ذلك يف كتاب البخاري‬
‫وقد قام شراح صحيح مسلم وحمققوه بوضع تراجم األبواب اليت تتالءم مع معاين األحاديث فيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬وأما من حيث الصحة وقوة الشروط‪ ،‬فإن صحيح اْلمام البخاري مقدهم على صحيح مسلم يف هذا اْلانب‪.‬‬

‫(‪" )1‬صحيح مسلم بشرح النووي " (‪.)21/1‬‬


‫(‪" )2‬منهاج احملدثني يف القرن األول اهلجري وحَ عصران احلاضر"(‪.)299/1‬‬

‫‪40‬‬
‫[ ‪ ] 4‬صحيح ابن خزمية‬
‫التعريف ابلكتاب‪:‬‬
‫اسم املصنف‪ :‬أبو بكر حممد بن إسحاق بن خزمية بن املغرية بن صاحل بن بكر السلمي النيسابوري (املتوى‪311 :‬ه )‪.‬‬
‫اسم الكتاب‪ :‬خمتصر املختصر من املسند الصحيح عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال ابن حجر‪ :‬امسه" املسند الصحيح املتصل بنقل العدل عن العدل من غري ٍّ‬
‫قطع يف السند‪ ،‬وَل جرٍّح يف النقلة"‪.‬‬
‫شرطه يف كتابه‪:‬‬
‫اشرتط ابن خزمية‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬يف هذا الكتاب أَل َُيِّرج إَل احلديث الصحيح‪ ،‬وقد نص على ذلك يف عنوان كتابه حيث‬
‫قال‪ ":‬خمتصر املختصر من املسند الصحيح عن النيب صلى هللا عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصوَلً إليه صلى هللا‬
‫قطع يف أثناء اْلسناد‪ ،‬وَل جرٍّح يف انقلي األخبار اليت نذكرها مبشيئة هللا تعاىل"‪.‬‬
‫عليه وسلم من غري ٍّ‬
‫منهجه ابن خزمية يف صحيحه‪:‬‬
‫(أ) رتبه على الكتب واألبواب فبدأه بكتاب الوضوء مث كتاب الصالة‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫مث يورد حتت كل كتاب جمموعة من األبواب‪ ،‬يقول‪ :‬ابب كذا ‪ ...‬واترة يقول‪ :‬أبواب كذا‪.‬‬
‫(ب) يورد األحاديث مسندة منه إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإذا كان للحديث أكثر من طريق يذكرها‪.‬‬
‫(ج) يعقب على احلديث ‪ -‬غالباً ‪ -‬ابلكالم على سنده ومتنه‪ ،‬ويعتّن بضبط األلفاظ وخمالفة كل ر ٍّاو لآلخر يف لفظه‪،‬‬
‫وغالباً ما يبدأ كالمه بقوله‪ :‬قال أبو بكر‪:‬كذا"‪.‬‬
‫(د) كثرياً ما يذكر الراجح عنده يف املسألة يف تراجم األبواب على طريقة فقهاء احملدثني كالبخاري وأىب داود وغريَها‪،‬‬
‫ويعتّن بدقة اَلستنباط مثلهما‪.‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫ث َر ُس ْوِل هللاِ ِابملِن َق ِ‬
‫اش"‬ ‫ال‪" :‬يستَخرِج النُّكت ِمن ح ِدي ِ‬
‫َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫بن ُسَريْ ٍّج ‪َ -‬وذُكَر لَهُ ابْ ُن ُخَزْميَةَ‪ -‬فَ َق َ َ ْ ُ‬ ‫العبه ِ‬
‫اس ُ‬ ‫ال ا ِْل َم ُ‬
‫ام أَبُو َ‬ ‫قَ َ‬
‫(ه) العناية ابلتوفيق بني األحاديث اليت ظاهرها التعارض‪ ،‬وليس هذا ابلعجيب من هذا اْلمام الذي كان ينكر وجود‬
‫تعارض حقيقي بني حديثني أو أكثر ويقول‪":‬ليس مث حديثان متعارضان من كل وجه؛ ومن وجد شيئاً من ذلك فليأيت‬
‫(‪.)2‬‬
‫ألؤلف له بينهما"‬
‫(و) ابن خزمية َل يقدم املنت على اْلسناد إَل إذا كان يف احلديث مقال‪.‬‬
‫السنَّة‪:‬‬
‫مكانة صحيح ابن خزمية من كتب ُّ‬
‫يح ِأل َْد ََن‬
‫هص ِح ِ‬
‫ف ِيف الت ْ‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يح ابْ ِن حبها َن‪ ،‬لشدهة َحتَِّريه‪َ ،‬ح هَ إَنههُ يَتَ َوقه ُ‬ ‫ص ِح ِ‬ ‫ِ‬
‫يح ابْ ِن ُخَزْميَةَ أ َْعلَى َم ْرتَبَةً م ْن َ‬
‫صح ُ‬
‫قال السيوطي‪ِ " :‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫اْل ْسنَ ِاد‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬
‫َك َالٍّم ِيف ِْ‬
‫ك"‬ ‫اخلَبَ ُر‪،‬أ َْو إِ ْن ثَبَ َ‬
‫ت َك َذا َوَْحن َو َذل َ‬ ‫ص هح ْ‬ ‫ول‪:‬إِ ْن َ‬
‫(‪.)3‬‬

‫قلت‪ :‬ولعله َتثر يف هذا ابْلمام اْلليل الشافعي فإنه كثريا ما يعلق قوله ابحلديث على صحته أو ثبوته كما نقل ذلك‬
‫ثقات الشافعية عنه‪.‬‬

‫(‪" )1‬سري أعالم النبالء" (‪.)230/11‬‬


‫(‪" )2‬الباعث احلثيث" (‪.)175/1‬‬
‫(‪" )3‬تدريب الراوي" (‪.)115/1‬‬
‫‪41‬‬
‫[ ‪ ] 5‬صحيح ابن حبان‬
‫التعريف ابلكتاب‪:‬‬
‫اسم املصنف‪ :‬حممد بن حبان بن أمحد بن حبان بن معاذ بن َم ْع َبد‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حامت‪ ،‬البُسيت (املتوى‪354 :‬ه )‪.‬‬
‫اسم الكتاب‪" :‬املسند الصحيح على التقاسيم واألنواع من غري وجود قطع يف سندها‪ ،‬وَل ثبوت جرح يف انقلها"‪.‬‬
‫معىن التقاسيم واألنواع‪ :‬جعل ابن حبان طريقة تصنيفه لكتابه قياسا على القرآن‪ ،‬فإن القرآن مقسم إىل أجزاء‪ ،‬وكل جزء‬
‫من هذه األجزاء حتته سور‪ ،‬والسورة حتتها آَيت‪.‬‬
‫فقسم كتابه إىل أقسام‪ ،‬وحتت كل قسم أورد عدة أنواع‪ ،‬فالقسم مثل اْلزء‪ ،‬والنوع مثل السورة‪ ،‬وحتت كل نوع أورد عددا‬
‫من األحاديث‪.‬‬
‫فرأى أن السنن تنقسم إىل مخسة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬األوامر اليت أمر هللا عباده هبا‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬النواهي اليت هى هللا عباده عنها‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬األخبار؛ أي إخباره جل وعال‪ ،‬وعما احتيج إىل معرفته‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬اْلابحات اليت أبيح فعلها‪.‬‬
‫القسم اخلامس‪ :‬أفعال النيب صلى هللا عليه وسلم اليت انفرد بفعلها عن سائر األمة‪.‬‬
‫مث جعل حتت كل قسم عدة أنواع ‪ ،‬وحتت كل نوع يورد عددا من األحاديث‪.‬‬
‫وقد أنتجت عقليته املتميزة وأبدعت هذا الرتتيب ليحمل طالب العلم على حفظ هذا الكتاب املبارك‬
‫وهذا الرتتيب ينم عن امللكة احلديثية األصولية الفقهية َلبن حبان رمحه هللا‪.‬‬
‫وأكثر من حيتاجون إىل هذا الكتاب وينتفعون به طالب علم أصول الفقه‪.‬‬
‫والكشف على احلديث يف هذا الكتاب عسر جدا‪ ،‬ألنه غري مرتب على األبواب وَل املسانيد‪.‬‬
‫وقد رتبه على األبواب بعض العلماء املتأخرين وهو األمري عالء الدين أبو احلسن علي بن بلبان ابن عبد هللا الفارسي‬
‫احلنفي النحوي املتوى سنة تسع وثالثني وسبعمائة‪ ,‬ومسى ترتيبه‪ ":‬اْلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان"‪.‬‬
‫منزلة صحيح ابن حبان‪:‬‬
‫وقد نسب العالمة أبو عمرو بن الصالح؛ َلبن حبان تساهله يف التصحيح فقال يف مقدمته‪ :‬ويقاربه‪ -‬يعّن مستدرك‬
‫"(‪.)1‬‬
‫احلاكم‪ -‬يف حكمه صحيح أيب حامت بن حبان البسيت‬
‫"(‪.)2‬‬
‫قال العراقي‪" :‬إَّنا املراد أنه يقاربه يف التساهل‪ ،‬فاحلاكم أشد تساهال منه‬
‫"(‪.)3‬‬
‫قال احلازمي‪" :‬ابن حبان أمكن يف احلديث من احلاكم‬
‫قال السيوطي‪ " :‬وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح؛ فإن غايته أنه يسمي احلسن صحيحا‪ ،‬فإن كانت نسبته‬

‫(‪" )1‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)22:‬‬


‫(‪" )2‬التقييد واْليضاح شرح مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)31:‬‬
‫(‪" )3‬التقييد واْليضاح شرح مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)31:‬‬
‫‪42‬‬
‫إىل التساهل ابعتبار وجدان احلسن يف كتابه فهي مشا هحةٌ يف اَلصطالح‪ ،‬وإن كانت ابعتبار ِخف ِ‬
‫هة شروطه‪ ،‬فإنه َُيَِّر ُج يف‬ ‫َُ‬
‫الصحيح ما كان راويه ثقة غري مدلس‪ ،‬مسع من شيخه ومسع منه اآلخ ُذ عنه‪ ،‬وَل يكون هناك إرسال وَل انقطاع‪ ،‬وإذا ِل‬
‫يكن يف الراوي جرح وَل تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة‪ ،‬وِل أيت ِبديث منكر فهو عنده ثقة‪.‬‬
‫ويف كتاب ال ثقات له كثري ممن هذه حاله‪ ،‬وألجل هذا رمبا اعرتض عليه يف جعلهم ثقات من ِل يعرف حاله‪ ،‬وَل اعرتاض‬
‫عليه فإنه َل مشاحة يف ذلك‪ ،‬وهذا دون شرط احلاكم‪ ،‬حيث شرط أن َيرج عن رواة خرج ملثلهم الشيخان يف الصحيح‪،‬‬
‫"(‪.)1‬‬
‫فاحلاصل‪ :‬أن ابن حبان وى ابلتزام شروطه‪ ،‬وِل يوف احلاكم‬
‫منهج ابن حبان يف صحيحه‬
‫(‪ ) 1‬رتب ابن حبان كتابه ترتيبا بديعا خمرتعا؛ ِبيث َل ميكن اَلستفادة منه إَل ِبفظه‪ ،‬ألنه رأى الناس انصرفوا من احلفظ‬
‫إىل الكتاب‪.‬‬
‫قال يف املقدمة‪" :‬فتدبرت الصحاح ألسهل حفظها على املتعلمني‪ ،‬وأمعنت الفكر فيها لئال يصعب وعيها على‬
‫املقتبسني‪ ،‬فرأيتها تنقسم َخسة أقسام متساوية متفقة التقسيم غري متنافية‪.‬‬
‫فأوهلا‪ :‬األوامر اليت أمر هللا عباده هبا‪ .‬والثاين‪ :‬النواهي اليت هى هللا عباده عنها‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬إخباره عما احتيج إىل معرفتها‪ .‬والرابع‪ :‬اْلابحات اليت أبيح ارتكاهبا‪.‬‬
‫واخلامس‪ :‬أفعال النيب صلى هللا عليه وسلم اليت انفرد بفعلها‪ .‬مث رأيت كل قسم منها يتنوع أنواعا كثرية‪ ،‬ومن كل نوع‬
‫تتنوع علوم خطرية ليس يعقلها إَل العاملون الذين هم يف العلم راسخون‪ ،‬دون من اشتغل يف األصول ابلقياس املنكوس‬
‫وأمعن يف الفروع ابلرأي املنحوس" (‪.)2‬‬
‫(‪ )2‬يبدأ يف كل ابب بذكر الرتمجة الدالة على ما تتضمنه من أحاديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬يبدأ الباب ِبقوى األسانيد‪ ،‬كصنيع اْلمام مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )4‬يذكر أمت املتون وأكملها‪.‬‬
‫(‪َ )5‬ل يكثر من األحاديث يف الباب‪ ،‬فيكتفي يف الغالب ِبديث أو حديثني‪ ،‬كصنيع ابن خزمية يف صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )6‬يعقب كثريا على األحاديث‪ ،‬ببيان املراد من ا حلديث‪ ،‬وبيان العلل‪ ،‬وإمالة اْلشكاَلت عن األحاديث إن وجدت‪،‬‬
‫أو بيان حال أحد رواة احلديث‪.‬‬
‫(‪َ ) 7‬ل يكرر احلديث الواحد يف أكثر من موضع إَل اندرا‪ ،‬عند احلاجة إىل ذلك‪ ،‬أو لوجود مَيدة مفيدة‪ .‬وبعض هذا‬
‫مأخوذ من كالمه نفسه‪ ،‬وبعضه مستنبط من صنيعه يف الكتاب‪ ،‬حيث قال يف املقدمة‪" :‬ونبدأ منه ِبنواع تراجم الكتاب‪،‬‬
‫مث َّنلي األخبار ِبلفاظ اخلطاب ِبشهرها إسنادا‪ ،‬وأوثقها عمادا‪ ،‬من غري وجود قطع يف سندها‪ ،‬وَل ثبوت جرح يف‬
‫انقليها‪ ،‬ألن اَلقتصار على أمت املتون أوىل‪ ،‬واَلعتبار ِبشهر األسانيد أحرى من اخلوض يف ختريج التكرار‪ ،‬وإن آل أمره‬
‫(‪)3‬‬
‫إىل صحيح اَلعتبار"‬

‫(‪" )1‬تدريب الراوي"(‪.)115، 114/1‬‬


‫(‪" )2‬اْلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان"(‪ ،)103-102/1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪ " )3‬اْلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان"(‪. )104/1‬‬
‫‪43‬‬
‫[ ‪ ] 6‬املستدرك على الصحيحني للحاكم أيب عبد هللا‬
‫معىن االستدراك‪:‬‬
‫هو أن يتتبع إمام من األئمة إماما آخر يف أحاديث فاتته وِل يذكرها يف كتابه‪ ،‬وهي على شرطه‪ ،‬أخرج عن رواهتا يف كتابه‬
‫"املستدرك"‪ -‬بفتح‬
‫َ‬ ‫أو عن مثلهم فيحصي املستد ِرك‪ -‬بكسر الراء‪ -‬هذه األحاديث املرتوكة ويذكرها يف كتاب يسمى‪:‬‬
‫الراء‪ -‬غالبا أو ما يف هذا املعىن‪.‬‬
‫الدافع لتصنيف اإلمام احلاكم لكتاب "املستدرك على الصحيحني"‪:‬‬
‫كان الدافع من وراء تصنيف اْلمام احلاكم النيسابوري لكتابه هذا ما أاثره بعض الناس من أنه ِل يصح من األحاديث إَل‬
‫ما أخرج ه الشيخان يف صحيحيهما‪ ،‬فأراد أن جيمع هذا الكتاب تدليال على أنه صح من احلديث كثري مما ِل َيرجاه‪،‬‬
‫وهو على شرطهما‪ ،‬أو على شرط أحدَها‪ ،‬أو استوى شروط الصحيح وليس على شرطهما‪ ،‬وليس على شرط أحدَها‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قال احلاكم رمحه هللا يف مقدمة كتابه‪" :‬وقَ ْد نَب َغ ِيف عص ِرَان ه َذا َمج ِ‬
‫يع َما‬‫اعةٌ م هن الْ ُمْب تَد َعة يَ ْش َمتُو َن ب ُرَواة ْاآل َاث ِر‪ِ ،‬بَ هن َمج َ‬
‫َْ َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫ف ُج ْزٍّء أ َْو أَقَ هل أَْو‬
‫وعةُ الْم ْشتَ ِملَةُ َعلَى أَلْ ِ‬
‫َساَني ُد الْ َم ْج ُم َ ُ‬
‫يث‪ ،‬وَه ِذهِ ْاأل َ ِ‬
‫َ‬
‫ف ح ِد ٍّ‬ ‫ِ‬
‫يث ََل يَْب لُ ُغ َع ْشَرةَ َآَل َ‬
‫ص ُّح ِعْن َد ُكم ِمن ْ ِ‬
‫احلَد َ‬ ‫ْ َ‬
‫يِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ان أَه ِل الْعِْل ِم ِهب ِذهِ الْم ِدينَ ِة و َغ ِريها أَ ْن أ ْ ِ‬ ‫أَ ْكث ر ِمْنه ُكلُّها س ِقيمةٌ َغي ر ص ِحيح ٍّة‪ ،‬وقَ ْد سأَلَ ِّن َمج ِ‬
‫َمجَ َع كتَ ًااب يَ ْشتَملُ‬ ‫َ َ َ َْ‬ ‫اعةٌ م ْن أ َْعيَ ِ ْ‬‫ََ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫يل إِ َىل إِ ْخَر ِاج َما ََل ِعلهةَ لَهُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫احل هج ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ث الْمرِويهِة ِِب ِ‬ ‫ِِ‬
‫اج مبثْل َها‪ ،‬إ ْذ ََل َسب َ‬ ‫يل‪َ ،‬وُم ْسل ُم بْ ُن َْ‬
‫َسان َيد َْحيتَ ُّج ُحمَ هم ُد بْ ُن إ ْمسَاع َ‬
‫َ‬ ‫َعلَى ْاألَحاَدي َ ْ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫ك ِألَنُِف ِس ِه َما"‬ ‫ِ ِ‬ ‫هه َما َرِمحَ ُه َما ه‬
‫اَّللُ َِلْ يَدهعيَا َذل َ‬ ‫فَِإن ُ‬
‫منهج اإلمام احلاكم يف مستدركه‬
‫أوالً‪ :‬شروطه يف أسانيد "املستدرك‪:‬‬
‫(‪ )1‬شرط الصحة العام ‪ :‬اشرتط احلاكم أن َيرج احلديث الصحيح‪ِ ،‬بن يكون احلديث متصل اْلسناد‪ ،‬بنقل العدل‬
‫الضابط عن مثله إىل منتهى السند‪ ،‬من غري شذوذ وَل علة‪.‬‬
‫خر َج الشيخان أو أحدَها‪ ،‬أو يف درجتهما‪ ،‬أو درجة قريبة منهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن يكون رجال األسانيد مجيعا ممن ّ‬
‫اثنياً‪ :‬مقصوده بـ"شرط الشيخني أو أحدمها‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف ُمراد اْلمام احلاكم بشرط الشيخني أو أحدَها يف مستدركه‪ ،‬ومرجع هذا اَلختالف يعود إىل فهم‬
‫ان أ َْه ِل الْعِْل ِم ِهبَ ِذهِ الْ َم ِدينَ ِة َو َغ ِْريَها أَ ْن أ ْ‬
‫َمجَ َع كِتَ ًااب يَ ْشتَ ِم ُل‬ ‫كالمه يف مقدمة املستدرك حيث قال‪" :‬وقَ ْد سأَلَ ِّن َمجاعةٌ ِمن أ َْعي ِ‬
‫َ َ َ ََ ْ َ‬
‫يل إِ َىل إِ ْخَر ِاج َما ََل ِعلهةَ لَهُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫احل هج ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ث الْمرِويهِة ِِب ِ‬ ‫ِِ‬
‫اج مبثْل َها‪ ،‬إ ْذ ََل َسب َ‬ ‫يل‪َ ،‬وُم ْسل ُم بْ ُن َْ‬
‫َسان َيد َْحيتَ ُّج ُحمَ هم ُد بْ ُن إ ْمسَاع َ‬
‫َ‬ ‫َعلَى ْاألَحاَدي َ ْ‬
‫احتَ هج مبِِثْلِ َها‬ ‫ِ‬
‫ات‪ ،‬قَد ْ‬
‫ِ‬
‫يث ُرَواتُ َها ث َق ٌ‬ ‫َحاد َ‬
‫اَّلل علَى إِخر ِاج أ ِ‬
‫ني هَ َ ْ َ َ‬
‫هعيا َذلِك ِألَنُِف ِس ِهما‪ ....‬وأ ََان أ ِ‬
‫َستَع ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اَّللُ َِلْ يَد َ َ‬ ‫هه َما َرِمحَ ُه َما ه‬
‫فَِإن ُ‬
‫يد والْمتُ ِ‬
‫ون‬ ‫ِِ‬ ‫اْل ْس َالِم أَ هن ِّ ِ‬ ‫يح ِعْن َد َكافه ِة فُ َق َه ِاء أ َْه ِل ِْ‬
‫ص ِح ِ‬ ‫ان َر ِض َي ه‬ ‫الشهيخ ِ‬
‫الزََي َد َة يف ْاألَساَن َ ُ‬ ‫َح ُد َُهَا‪َ ،‬وَه َذا َش ْر ُط ال ه‬ ‫اَّللُ َعْن ُه َما أ َْو أ َ‬ ‫َْ‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫ص ْدتُهُ‪ ،‬وهو حسيب ونعم الوكيل‬ ‫ات م ْقبولَةٌ‪ ،‬و ه ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ني َعلَى َما قَ َ‬ ‫اَّللُ الْ ُمع ُ‬ ‫م َن الثَّق َ ُ َ‬
‫فقول احلاكم يف املوضعني"مبثلها‪ ،‬اختلف العلماء يف مراده هبا‪:‬‬

‫(‪" )1‬املستدرك على الصحيحني"(املقدمة)"‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬


‫(‪" )2‬املستدرك على الصحيحني"(املقدمة)"‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫(‪ )1‬فمنهم من قال‪ :‬إن املقصود مبراده ابملثلية‪ :‬هو نفس الرواة الذين أخرج هلم الشيخان أو أحدَها‪ ،‬ويعرب عن ذلك‬
‫ِبنه أراد املثلية احلرفية‪ ،‬وهذا ما أيده النووي وابن الصالح‪ ،‬وابن دقيق العيد‪ ،‬والذهيب‪ ،‬وابن حجر‪.‬‬
‫س َهلَُما َش ْر ٌط ِيف كِتَابَْي ِه َما َوََل‬ ‫قال النووي‪" :‬إِ هن الْمراد بَِقوهلِِم علَى شر ِط ِهما‪ :‬أَ ْن ي ُكو َن ِرج ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ال إ ْسنَاده يف كتَابَْيه َما؛ ألَنههُ لَْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ ْ ْ َ َ ْ َ‬
‫ِِ ( ‪.)1‬‬
‫ِيف َغ ْريَهَا"‬
‫(‪ )2‬ومنهم من قال‪ :‬إن مراد احلاكم أوصاف رواة الشيخني‪ ،‬أو أحدَها‪َ ،‬ل نفس الرواة‪ ،‬وهذا يعّن أن احلاكم َيرج لرواة‬
‫ِل يرو هلم الشيخان أو أحدَها‪ ،‬ولكنهم موصوفون بتوثيق مياثل يف درجته درجة من أخرج هلم الشيخان‪.‬‬
‫وهذا الرأي انتصر له احلافظ العراقي‪ ،‬ورهد على ابن دقيق العيد والذهيب‪ ،‬لقوهلما ابلرأي األول‪ ،‬فقال‪َ " :‬و َعلَى َه َذا َع ِم َل‬
‫ض َعلَْي ِه ِِبَ هن فِ ِيه فَُال ًان َوَِلْ َُيَِّر ْج‬
‫ي َمثًَال‪ ،‬مثُه يَ ْع َِرت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلاكِ ِم تَص ِح ِ ِ ٍّ‬
‫يحهُ حلَديث َعلَى َش ْرط الْبُ َخار ِّ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫ابْ ُن َدق ِيق الْعيد‪ ،‬فَإنههُ يَْن ُقلُ َع ِن َْ‬
‫صهر َح ِيف ُخطْبَ ِة الْ ُم ْستَ ْد َرِك‬ ‫ي‪ ،‬وَك َذا فَعل ال هذهِيب ِيف ُْخمتص ِر الْمست ْدرِك ‪ ...‬ولَيس ذَلِك ِمْن هم ِجبيِ ٍّد‪ ،‬فَِإ هن ْ ِ‬
‫احلَاك َم َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ْ َّ‬ ‫َ َ ُ َْ َ‬ ‫لَهُ الْبُ َخا ِر ُّ َ َ َ َ ُّ‬
‫ات قَ ِد احتَ هج مبِِثْلِها الشهيخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اىل علَى إِخر ِاج أ ِ‬ ‫ال‪ :‬وأ ََان أ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ان أ َْو‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫يث ُرَواتُ َها ث َق ٌ‬ ‫َحاد َ‬ ‫اَّللَ تَ َع َ َ ْ َ َ‬ ‫ني ه‬ ‫ِب َالف َما فَ ِه ُموهُ َعْنهُ‪ ،‬فَ َق َ َ ْ‬
‫َستَع ُ‬
‫ِ‬
‫يث‪َ ،‬وإِهَّنَا تَ ُكو ُن مثْ لَ َها إِذَا َكانَ ْ‬ ‫ك ْاألَح ِاد ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَح ُد َُها‪.‬فَ َقولُه‪ :‬مبِِثْلِها‪ ،‬أ ِِ‬
‫ت‬ ‫َي مبثْ ِل ُرَواهتَا‪ََ ،‬ل هب ْم أَنْ ُفس ِه ْم‪َ ،‬وُْحيتَ َم ُل أَ ْن يَُر َاد مبثْ ِل ت ْل َ َ‬
‫َ َ ُْ َ ْ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫س ُرَو ِاهتَا‪َ ،‬وفِ ِيه نَظٌَر"‬‫بِنَ ْف ِ‬
‫اقي‪ ،‬فقال‪":‬لكن تصرف احلاكم يقوي أحد اَلحتمالني اللذين ذكرَها شيخنا‬‫شيخه احلاف َظ العر َ‬
‫ابن حجر َ‬ ‫ظ ُ‬ ‫وتعقب احلاف ُ‬
‫‪ -‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬فإنه إذا كان عنده احلديث قد أخرجا أو أحدَها لرواته قال‪" :‬صحيح على شرط الشيخني أو أحدَها‬
‫وإذا كان بعض رواته ِل َيرجا له قال‪ :‬صحيح اْلسناد حسب‪.‬‬
‫ويوضح ذلك قوله ‪ -‬يف ابب التوبة‪ -‬ملا أورد حديث أيب عثمان عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬مرفوعا‪َ" :‬ل تنزع الرمحة‬
‫إَل من شقي"‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث صحيح اْلسناد "وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي ولو كان هو النهدي حلكمت‬
‫ابحلديث على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫( ‪.)3‬‬
‫فدل هذا على أنه إذا ِل َيرجا ألحد رواة احلديث َل حيكم به على شرطهما‪ ،‬وهو عني ما ادعى ابن دقيق العيد وغريه‬
‫قلت‪ :‬احلديث الذي أشار إليه احلافظ ابن حجر أخرجه احلاكم بسنده‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُعثْ َما َن‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪َ ،‬ر ِض َي ه‬
‫اَّللُ َعْنهُ‬
‫ت الهر ْمحَةُ إِهَل ِم ْن َش ِق ٍّّي"‪.‬‬
‫احلجرةِ صلهى هللا علَيهِ وسلهم‪" :‬ما نُِزع ِ‬
‫ب َهذه ُْ ْ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫اح ِ ِ‬
‫ص ُ‬
‫ال خلِيلِي وص ِفيِي ِ‬
‫ال‪ :‬قَ َ َ َ َ ّ َ‬ ‫قَ َ‬
‫هه ِد هي‬
‫ي َولَ ْو َكا َن الن ْ‬
‫اْلسن ِاد وَِل َُي ِرجاه‪ ،‬وأَبو عثْما َن ه َذا هو موَىل الْمغِريةِ ولَيس ِابلن ِ‬
‫يح ِْ ْ َ َ ْ َّ َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ‬
‫ههد ِّ‬ ‫صح ُ‬
‫يث ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال احلاكم‪َ :‬ه َذا َحد ٌ َ‬
‫ص هحتِ ِه َعلَى َش ْر ِط الشْهي َخ ْني"‬
‫ِ ( ‪)4‬‬ ‫َحل َكمت بِ ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫اثلثاً‪ :‬منهجه يف ترتيب أحاديث "املستدرك‪.‬‬
‫(‪ )1‬رتب اْلمام احلاكم كتابه "املستدرك" على أبواب الفقه‪ ،‬واتبع يف ذلك نفس ترتيب الشيخني يف صحيحيهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬اتبع اْلمام احلاكم نفس منهج البخاري يف تكرار بعض األحاديث يف أكثر من موضع من الكتاب‪ ،‬بنفس السند أو‬

‫(‪" )1‬تدريب الراوي"(‪.)137/1‬‬


‫(‪" )2‬تدريب الراوي"(‪.)137/1‬‬
‫(‪ " )3‬النكت على كتاب ابن الصالح" للحافظ ابن حجر‪.)320/1( ،‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪ :‬كتاب التوبة واْلانبة– (‪ – )277/4‬رقم(‪.)7632‬‬
‫‪45‬‬
‫تكثريا لدَلَلت النص‪.‬‬
‫إبسناد آخر‪ ،‬وذلك َلستدَلله ابلنص الواحد على قضاَي خمتلفة‪ً ،‬‬
‫(‪ )3‬قد َُيرج احلديث إبسناد‪ ،‬مث يعقبه إبسناد آخر أو أكثر من إسناد‪ ،‬إذا كان ابلسند وجه من وجوه الضعف‪.‬‬
‫(‪ )4‬يتبع اْلمام احلاكم منهج البخاري أيضا يف اختصار احلديث‪ ،‬فيذكر بعض طرق احلديث أو جزءا منه‪ ،‬مث يشري إىل‬
‫الباقي اختصارا‪.‬‬
‫وإذا كان للحديث أكثر من إسناد أو منت‪ ،‬فإنه قد يذكر بعضها ويشري إىل ابقيها‪ ،‬دون أن يذكرها بطوهلا‪.‬‬
‫(‪ )5‬ذكر املتابعات أو الشواهد‪ :‬إذا كان للراوي متابع فإنه يذكره بعد إمتام احلديث‪ ،‬وأما الشواهد فإنه يذكرها إذا أراد‬
‫تقوية احلديث‪.‬‬
‫(‪ )6‬اْلمام احل اكم يف املستدرك يدرج احلسن مع الصحيح‪ ،‬دون تفرقة بينهما‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن ابن خزمية‪ ،‬وابن حبان‬
‫يف صحيحيهما‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬منهجه يف نقد الرجال‪.‬‬
‫اْلمام احلاكم يتكلم على بعض الرواة توثيقا وتضعيفا‪ ،‬ويعتمد احلجة يف الرد على من َيالفه‪ ،‬ولكنه يعد من املتساهلني‬
‫يف التوثيق‪ ،‬وكذلك يف التصحيح‪ .‬وقد التمس له العذر احلافظ ابن حجر؛ فقال‪" :‬إَّنا وقع للحاكم التساهل ألنه سود‬
‫( ‪.)1‬‬
‫الكتاب لينقحه فعاجلته املنية وِل يتيسر له حتريره وتنقيحه"‬
‫احلاكِ ِم‪ ،‬وإِ ْن َكا َن َغالِب ما ي ِ‬ ‫ص ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حهُ‬‫ص ّح ُ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫يح َْ َ‬ ‫وقال ابن تيمية‪َ " :‬وهلََذا َكا َن أ َْه ُل الْع ْل ِم ِاب ْحلَديث ََل يَ ْعتَم ُدو َن َعلَى ُجمَهرد تَ ْ‬
‫ص ِّح ُح‬ ‫صواب أَ ْغلَب علَي ِه‪ .‬ولَي ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَهو ص ِحيح‪ ،‬لَ ِكن هو ِيف الْمص ِح ِح ِ ِ ِ ِ ِ ه ِ‬
‫س ف َيم ْن يُ َ‬‫ني مبَْنزلَة الثَّقة الذي يَكْثُ ُر َغلَطُهُ‪َ ،‬وإ ْن َكا َن ال ه َ ُ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫َُ َ ٌ ْ َُ‬
‫يح ْ ِ‬ ‫ص ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح ِه‪ِِِ ،‬ب َالف أَِيب حامت ب ِن ِحبها َن البسيت فَِإ هن تَ ِ‬ ‫َضعف ِمن تَص ِح ِ‬ ‫ِْ‬
‫احلَاك ِم َوأ َ‬
‫َج ُّل قَ ْد ًرا‪،‬‬ ‫يحهُ فَ ْو َق تَ ْ‬
‫صح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫يث أ ْ َ ُ ْ ْ‬ ‫احلَد َ‬
‫يث فَِإ هن َه ُؤََل ِء َوإِ ْن َكا َن ِيف‬ ‫الرتِم ِذ ِي‪ ،‬والدهارقُطِّْن‪ ،‬واب ِن خزْمية‪ ،‬واب ِن منده‪ ،‬وأَمثاهلِِم فِيمن يص ِحح ْ ِ‬
‫احلَد َ‬ ‫َ َْ ْ َ ْ ُ َ ّ ُ‬ ‫َ ْ َُ َ َ ْ‬ ‫يح ّ ْ ّ َ َ‬
‫ك تَص ِح ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَك َذل َ ْ ُ‬
‫ِ ِ ( ‪)2‬‬
‫احلَاكم"‬‫اب ِم ْن ْ‬
‫ض ما ي ْن قُلُونَهُ نَِزاعٌ فَ هم أتقن ِيف َه َذا الْب ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫بَ ْع ِ َ َ‬
‫هل التزم احلاكم شرط الشيخني أو أحدمها يف كتابه؟‬
‫نستطيع أن نقسم أحاديث املستدرك عدة أقسام‪:‬‬
‫(‪ )1‬األول‪ :‬ما التزم فيه املصنف شرط الشيخني‪.‬‬
‫أي ما كان على شرط الشيخني‪ ،‬أو أحدَها‪ ،‬وِل َيرجاه‪ ،‬أو ِل َيرجه أحدَها‪ ،‬ويكون يف ذلك مصيبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬الثاين‪ :‬أحاديث ِل خترج يف أصول الصحيحني أو أحدَها؛ أبن يكون البخاري أو مسلم‪َ ،‬يرج عن ر ٍّاو يف غري‬
‫األصول‪ -‬يف الشواهد واملتابعات – أو َيرج له مقروان بغريه‪ ،‬فيخرج له احلاكم يف األصول‪ ،‬أو منفردا‪ ،‬مث يقول‪ :‬على‬
‫شرط الشيخني‪ ،‬أو يقول‪ :‬هذا على شرط البخاري‪ ،‬أو يقول‪ :‬هذا على شرط مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الثالث‪ :‬أحاديث ضعيفة صححها على شرط الشيخني‪ ،‬أو على شرط أحدَها‪ ،‬أو صححها وهي ليست على‬
‫شرطهما‪ ،‬وَل على شرط أحدَها‪.‬‬

‫الدمشقي‪ ،‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬


‫ّ‬ ‫(‪" )1‬توجيه النظر إىل أصول األثر"(‪ ،)340/1‬السمعوين اْلزائري‪ ،‬مث‬
‫(‪" )2‬جمموع الفتاوى"َلبن تيمية‪ )256، 255/1( ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫(‪ )4‬الرابع‪ :‬أحاديث خرجاها‪ ،‬أو خرجها أحدَها‪ ،‬مث هو خرجها ظنا منه أهما ِل َيرجاها‪ ،‬أو ِل َيرجها أحدَها‪.‬‬
‫(‪ )5‬اخلامس‪ :‬أحاديث واهية وموضوعة‪ ،‬رمبا ِل يتمكن من تنقية الكتاب منها حيث وافته املنية‪.‬‬
‫تلخيص الذهيب للمستدرك‪:‬‬
‫صنف احلافظ الذهيب ملخصا هلذا املستدرك‪ ،‬وتعقب ما فيه من النكارة والضعف‪ ،‬وخلص إىل نتيجة هامة يف أحاديث‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬حيث قرر أن فيه مجلة كبرية على شرط الشيخني ابلفعل‪ ،‬ومجلة أخرى كبرية على شرط أحدَها‪ ،‬ولعل‬
‫جمموع ذلك حنو نصف الكتاب‪ ،‬وفيه حنو الربع مما صح سنده وإن كان فيه علة‪.‬‬
‫وقرابة ربع الكتاب مناكري واهيات َل تصح ‪،‬وبعضها موضوعات‪.‬‬
‫ولعل عذر اْلمام احلاكم يف ذلك أن املنية وافته قبل مراجعة وتنقيح كتابه‪.‬‬
‫[ ‪ ] 7‬املنتقى من السنن املسندة‬
‫"البن اجلارود"‬
‫ترَجة اإلمام ابن اجلارود(‪:)1‬‬
‫امسه ‪ :‬أبو حممد؛ عبد هللا بن علي بن اْلارود النيسابوري‪.‬‬
‫كنيته‪ :‬أبو حممد‪.‬‬
‫نسبته‪ :‬النيسابوري ‪.‬‬
‫مولده‪ :‬ولد يف حدود الثالثني ومائتني‪.‬‬
‫شيوخه‪ :‬مسع أاب سعيد األشج‪ ،‬وحممد بن آدم‪ ،‬وعلي بن خشرم‪ ،‬ويعقوب بن إبراهيم الدورقي‪ ،‬وعبد هللا بن هاشم‬
‫الطوسي‪ ،‬واحلسن بن حممد الزعفران ي‪ ،‬وأمح د بن األمه ر‪ ،‬وحمم د ب ن أب ي عبد الرمحن املقرئ‪ ،‬وأمحد بن يوسف‬
‫السلمي‪ ،‬وحممد بن حيىي‪ ،‬وإسحاق الكوسج‪ ،‬ومَيد بن أيوب‪ ،‬وابن عبد احلكم‪ ،‬وجبر بن نصر‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫تالميذه‪ :‬حدث عنه أبو حامد بن الشرقي‪ ،‬وحممد بن انفع املكي‪ ،‬وحيىي بن منصور‪ ،‬ودعلج السجزي‪ ،‬وأبو القاسم‬
‫الطرباين‪ ،‬وحممد بن جربيل العجيفي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫قال عنه الذهيب‪ :‬احلافظ اْلمام الناقد‬
‫( ‪)2‬‬

‫( ‪)3‬‬
‫وقال أيضا‪َ :‬كا َن ِم ْن أَئِ هم ِة األَثَر‬
‫وفاته‪ :‬تويف سنة ست أو سبع وثالَثائة ‪.‬‬
‫التعريف بكتاب" املنتقى"‪.‬‬
‫معىن "املنتقى"‪ :‬أي املختار من السنن املسندة إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف األحكام‪ ،‬وهو كاملستخرج على‬
‫صحيح ابن خزمية‪ ،‬يف جملد لطيف‪ ،‬وأحاديثه تبلغ حنو الثماَّنائة‪.‬‬

‫(‪" )1‬تذكرة احلفاظ"للذهيب (‪"، )12/3‬سري أعالم النبالء" (‪)149 -147/11‬‬


‫(‪" )2‬تذكرة احلفاظ"(‪ ،)12/3‬دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫(‪" )3‬سري أعالم النبالء" (‪.)240/14‬‬
‫‪47‬‬
‫وله شرح يسمى‪" :‬املرتقى يف شرح املنتقى" أليب عمرو األندلسي‪.‬‬
‫درجة أحاديثه‪ :‬تُتُبِّعت أحاديثه فوجد أنه ِل ينفرد عن الشيخني منها إَل بيسري‪.‬‬
‫ينزل فِي ِه عن رتْ بة احلسن أَبداً‪ ،‬هإَل ِيف النهادر ِيف أَح ِاديث َيَْتلف فِي ها ِ‬
‫اد النُّ قهاد"‬
‫اجت َه ُ‬ ‫وقال الذهيب‪َ" :‬لَ ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ُ َْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫[ ‪ ] 8‬املنتقى لقاسم بن أصبغ األندلسي‬
‫( ‪)2‬‬

‫مؤلفه‪ :‬هو اْلمام احلافظ قاسم بن أصبغ بن حممد بن يوسف البياين‪ ،‬حمدث األندلس أبو حممد األموي موَلهم القرطيب‬
‫املالكي‪ ،‬صاحب التصانيف املفيدة املتوى بقرطبة سنة أربعني وثالَثائة‪.‬‬
‫شيوخه وتالميذه‪ :‬وقد ارحتل ولقي الشيوخ من أشهرهم بقي بن خملد األندلسي صاحب املسند‪ ،‬وإمساعيل القاضي‪ ،‬وابن‬
‫أيب خيثمة‪ ،‬وقد محل عنه التاريخ وروى عنه الكثريون ومن بينهم حفيده قاسم بن حممد‪ ،‬وعبد هللا بن حممد احلافظ‬
‫الباجي وعبد الوارث بن سليمان وغريهم‪.‬‬
‫الثناء عليه‪:‬‬
‫كان إماما جليال انتهى إليه علو اْلسناد‪ ،‬واحلفظ واْلاللة يف بالد األندلس فال عجب أنه حظي بثناء العلماء عليه‪ ،‬ويف‬
‫آخر عمره كثر نسيانه واختلط‪ ،‬فلما أحس بذلك انقطع عن الرواية صوان لعلمه‪ ،‬وحتوطا للحديث‪.‬‬
‫التعريف بكتاب املنتقى لقاسم بن أصبغ‪:‬‬
‫كتاب املنتقى من اآلاثر ‪ ،‬على حنو كتاب املنتقى َلبن اْلارود‪ ،‬وكان قد فاته السماع منه‪ ،‬ووجده قد مات فألفه على‬
‫أبواب كتابه ِبحاديث خرجها عن شيوخه‪.‬‬
‫قال أبو حممد بن حزم ‪ :‬وهو خري انتقاء منه‪ ،‬وجعله يف املرتبة األوىل من كتب احلديث‪.‬‬
‫[ ‪ ] 9‬صحيح ابن السكن‬
‫مؤلفه‪ :‬اْلمام احلافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي‪ ،‬نزيل مصر‪ ،‬ولد سنة أربع وتسعني ومائتني وتويف‬
‫سنة ثالث وَخسني وثالَثائة‪.‬‬
‫وأجل مؤلفاته كتاب"الصحيح املنتقى"‪ ,‬ويسمى أيضا "ابلسنن الصحاح املأثورة عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"‪.‬‬
‫وهو كتاب حمذوف األسانيد جعله أبوااب يف مجيع ما حيتاج إليه من األحكام ضمنه ما صح عنده من السنن املأثورة وقد‬
‫جعله ابن حزم يف املرتبة األوىل من كتب احلديث‪.‬‬
‫[ ‪ ] 10‬األحاديث املختارة للضياء املقدسي‬
‫"األحاديث اْلياد املختارة مما ليس يف الصحيحني أو أحدَها"‪ ،‬وهو كتاب يشتمل على كثري من األحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫مؤلفه‪ :‬هو اْلمام احلافظ العاِل احلجة حمدث الشام‪ ،‬وشيخ السنة ضياء الدين أبو عبد هللا حممد ابن عبد الواحد السعدي‬
‫املقدسي مث الدمشقي الصاحلي احلنبلي ولد سنة تسع وستني وَخسمائة وتويف سنة ثالث وأربعني وستمائة‪.‬‬
‫مؤلفاته كثرية منها "املختارة"‪ ،‬التزم فيها الصحة فصحح أحاديث ِل يسبق إىل تصحيحها‪ ،‬وِل يتم الكتاب‪.‬‬

‫(‪" )1‬سري أعالم النبالء" (‪.)147/11‬‬


‫(‪" )2‬األعالم"للزركلي (‪"،)173/5‬سري أعالم النبالء" (‪"،)474 -472/15‬اتريخ علماء األندلس" (‪ ،)409 -406/1‬ابن الفرضي‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫وهي مرتبة على املسانيد على حروف املعجم َل على األبواب‪ ،‬وقد سلم له فيها التصحيح إَل أحاديث يسرية جدا‬
‫تعقبت عليه‪ ،‬وذكر ابن تيمية والزركشي وغريَها أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح احلاكم‪ ،‬ويف "الآللئ" للسيوطي‪،‬‬
‫ذكر الزركش ي يف ختريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح احلاكم‪ ،‬وأنه قريب من تصحيح الرتمذي‪ ،‬وابن‬
‫حبان" وذكر ابن عبد اهلادي يف "الصارم املنكى" حنوه‪ ،‬وماد‪ ،‬فإن الغلط فيه قليل ليس هو مثل صحيح احلاكم فإن فيه‬
‫أحاديث كثرية يظهر أها كذب موضوعة فلهذا احنطت درجته عن درجة غريه"‪.‬‬
‫مراتب احلديث الصحيح‬
‫مراتب احلديث الصحيح ابلنسبة للكتب اليت خرجته‪:‬‬
‫(‪ )1‬املرتبة األوىل‪ :‬ما اتفق عليه الشيخان‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرتبة الثانية‪ :‬ما انفرد به البخاري دون مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬املرتبة الثالثة‪ :‬ما انفرد به مسلم دون البخاري‪.‬‬
‫(‪ )4‬املرتبة الرابعة‪ :‬ما كان على شرط الشيخني وِل َيرجاه‪.‬‬
‫(‪ )5‬املرتبة اخلامسة‪ :‬ما كان على شرط البخاري وِل َيرجه‪.‬‬
‫(‪ )6‬املرتبة السادسة‪ :‬ما كان على شرط مسلم وِل َيرجه‪.‬‬
‫(‪ )7‬املرتبة السابعة‪ :‬ما كان صحيحا وِل َيرجاه وليس على شرطهما وَل شرط أحدَها‪.‬‬
‫وهذا الرتتيب من حيث اْلملة‪.‬‬
‫مبعىن أنه ليس كل حديث يف املرتبة األعلى أصح من أي حديث يف املرتبة األدَن‪.‬‬
‫فيكون هذا الرتتيب يف اجملموع وليس يف اْلميع‪ ،‬فقد يوجد حديث يف صحيح مسلم أصح من حديث يف صحيح‬
‫البخاري مثال‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ال ـ ـفص ـ ـ ـ ـ ـ ـل الثـ ـ ـ ـ ـان ـ ـي‬
‫ال ـ ـحديـ ـ ـ ـث احل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـن‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫وحسن‬
‫هيءُ ُح ْسنًا‪ .‬واحلَ َس ُن‪ :‬ما َح ُسن من كل شيء‪ .‬واستحسنه ع ّده حسناً‪ّ ،‬‬ ‫لغةً‪" :‬احلُ ُ‬
‫سن"‪ ،‬هو اْلمال‪ .‬و َح ُس َن الش ْ‬
‫احلُ ْس ُن ِض ُّد الْ ُقْب ِح‪ .‬واحلسن‪ :‬عكسه القبيح(‪.)1‬‬
‫حس َن‪ :‬عكسه قبُ َح‪ ،‬و ْ‬‫الشيء حتسيناً‪ :‬ميّنه‪ .‬و ُ‬
‫اصطالحا‪ :‬تعددت تعريفات احلديث احلسن‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫تعريف احلديث احلسن عند الرتمذي‪:‬‬
‫قال الرتمذي‪" :‬وما ذكران يف هذا الكتاب "حديث حسن"‪ ،‬فإَّنا أردان به حسن إسناده عندان‪ ،‬كل حديث يروى َل يكون‬
‫"(‪.)2‬‬
‫يف إسناده من يتهم ابلكذب‪ ،‬وَل يكون احلديث شاذا‪ ،‬ويروى من غري وجه حنو ذلك فهو عندان حديث حسن‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫" أن ال يكون يف إسناده من يتهم ابلكذب"‪:‬‬
‫يشمل حديث املستور واجملهول وحنوَها ِبالف الصحيح‪ ,‬فال بد أن يكون رواته ثقات أي عدوَل ضابطني‪.‬‬
‫"ويروى من غري وجه حنو ذاك"‪ :‬أن يكون ًّ‬
‫مروَي من وجهني أو أكثر‪ ،‬وَل يشرتط فيه أن يكون وروده من طريق آخر بلفظه‬
‫بل يكفي وروده ولو مبعناه‪.‬‬
‫قول الرتمذي يف بعض األحاديث‪" :‬ال نعرفه إال من هذا الوجه"‪ :‬يعّن بلفظه فال ينايف أن يكون معروفا مبعناه من وجه آخر‪.‬‬
‫نقد تعريف الرتمذي‪ :‬وقد انتقد هذا التعريف ِبنه غري جامع‪ ،‬فقد عرف احلسن لغريه‪ ،‬وِل يعرف احلسن لذاته والتعريف َل‬
‫جامعا مانعا‪.‬‬
‫بد أن يكون ً‬
‫قلت‪ :‬وتعريف الرتمذي‪ -‬على هذا‪ -‬يدخل فيه‪ :‬رواية املستور‪ ،‬والضعيف بسبب سوء احلفظ‪ ،‬و‬
‫املوصوف ابلغلط واخلطأ‪،‬‬
‫ُ‬
‫وحديث املختلط بعد اختالطه‪ ،‬واملدلس إذا َعْن َع َن‪ ،‬واملنقطع عموما‪ ،‬فكل ذلك عند الرتمذي من قبيل احلسن ابلشروط‬
‫الثالثة املاضية يف تعريفه‪.‬‬
‫فنستطيع أن نقول ‪ :‬إن هذا اصطالح خاص ابلرتمذي يف كتاب "السنن"‪ ،‬وليس اصطالحا عاما‪.‬‬
‫ولو كان هذا اصطالحا عاما ملا احتاج إىل هذا البيان‪ ،‬وهلذا ترك تعريف احلديث الصحيح‪.‬‬
‫َ‬
‫والشذوذ الوارد يف التعريف ليس هو الشذوذ اَلصطالحي الذي استقر عند املتأخرين‪ ،‬وهو ما رواه الثقة خمالفاً للثقات؛ ألنه‬
‫يف صدد ذكر حديث الضعفاء غري املرتوكني‪ ،‬دون الثقات؛ لذا يتعني محل كلمة الشذوذ هنا يف نص اْلمام الرتمذي على ما‬
‫شرحه هو يف آخر كالمه‪ ،‬حيث قال‪" :‬وأن يروى من غري وجه حنو ذلك"‪.‬‬
‫ويكون عطف هذه اْلملة على ما قبلها عطف تفسري هلا "وَل يكون احلديث شاذاً"‪.‬‬
‫وبذلك يكون لتحسني اْلمام الرتمذي مغزى آخر غري الذي يهدف إليه الكثريون من املعاصرين من حتسني احلديث‪ ،‬وهو‬

‫)‪" (1‬خمتار الصحاح" للرامي‪( ،‬ص‪" ،)73:‬مقاييس اللغة" َلبن فارس‪" ،)57/2(،‬لسان العرب" َلبن منظور‪)114 /13( ،‬‬
‫)‪" (2‬العلل الصغري للرتمذي"‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫موال الشذوذ عن املنت ابلطريقة اليت بينتها آنفاً‪ ،‬ولذا فما حيسنه يف سننه َل يلزم أن يكون صاحلاً لالحتجاج به دوماً‬
‫تعريف اخلطايب للحديث احلسن‪:‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫"ما عرف خمرجه‪ ،‬واشتهر رجاله‪ ،‬وعليه مدار أكثر احلديث‪ ،‬وهو الذي يقبله أكثر العلماء‪ ،‬ويستعمله عامة الفقهاء"‬
‫املوضع اله ِذي خرج ِمْنهُ احلَ ِديث‪َ ،‬وُه َو َكونه شامياً‪ ،‬عراقياً‪ ،‬مكياً‪ ،‬كوفياً‪َ ،‬كأَن يكون احلَ ِديث من ِرَوايَة ر ٍّاو‪َ ،‬وقد‬ ‫واملَ ْخرج‪ِ :‬‬
‫ا ْشتهر بِ ِرَوايَة َح ِديث أهل بَلَده كقتادة َوَْحنوه ِيف الْبَص ِريني‪ ،‬فَإِن َح ِديث الْبَص ِريني إِذا َجاءَ َعن قَتَ َادة َوَْحنوه َكا َن خمرجه َم ْع ُروفا‬
‫مراد‬ ‫ِ‬ ‫ك كِنَاية َعن ِاَلتِّ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫املرسل‪ ،‬واملنقطع واملعضل‪ ،‬لعدم ظُ ُهور َحاهلَا ََل يُ ْعلم خمرج احلَديث‪َ ،‬والْ َ‬ ‫صال‪ ،‬إ ْذ َ‬ ‫ِب َالفه َعن َغريهم‪َ ،‬وذَل َ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ُّهَرة ِابلْ َع َدالَةِ‪ ،‬والضبط"‬
‫ابلشهرة‪ :‬الش ْ‬
‫"عليه مدار أكثر احلديث"‪ :‬أي أن غالب األحاديث َل تبلغ رتبة الصحيح‪ ،‬وإَّنا قال‪ :‬ويقبله أكثر العلماء؛ ألن بعضهم َل‬
‫(‪.)4‬‬
‫يقبله‪ ،‬روي عن ابن أيب حامت قال‪ :‬سألت أيب عن حديث‪ ,‬فقال‪ :‬إسناده حسن‪ ،‬فقلت‪ :‬حيتج بهق قال‪َ :‬ل‬
‫أما الصحيح فيقبله عامة العلماء‪.‬‬
‫"ويستعمله عامة الفقهاء"‪ :‬أي حيتجون به ويعملون به‪.‬‬
‫وكالم أيب حامت حممول على احلسن لغريه‪ ،‬وليس احلسن عموما‪.‬‬
‫قال السخاوي‪" :‬ووجد للشافعي إطالقه (أي إطالق احلسن) يف املتفق على صحته‪ ،‬وَلبن املديّن يف احلسن لذاته‪،‬‬
‫(‪.)5‬‬
‫وللبخاري يف احلسن لغريه‪ ،‬وحنوه ‪ -‬فيما يظهر ‪ -‬قول أيب حامت الرامي‪ :‬فالن جمهول‪ ،‬واحلديث الذي رواه حسن‬
‫نقد التعريف‪ :‬يؤخذ على تعريف اخلطايب أنه غري جامع لقسمي احلسن‪ ،‬بل خاص ابحلسن لذاته‪.‬‬
‫ص ِحيح ِيف حد ْ‬
‫احلسن‪.‬‬ ‫ص ِحيح أَيْضا قد عرف خمرجه واشتهر ِر َجاله‪ ،‬فَ ْيدخل ال ه‬
‫وكذلك يؤخذ عليه أنه غري مانع‪ ،‬إذ إن ال ه‬
‫فكأنه يريد هبذا الكالم ما عرف خمرجه‪ ،‬واشتهر رجاله مما ِل يبلغ درجة الصحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تعريف الرتمذي يُنهزُل على احلسن لغريه‪ ،‬وتعريف اخلطايب يُنهزُل على احلسن لذاته‪.‬‬
‫احلسن عند البغوي يف"مشكاة املصابيح"‪:‬‬
‫يقسم البغوي أحاديث املصابيح إىل حسان وصحاح‪ ،‬مريداً ابلصحاح ما يف الصحيحني‪ ،‬وابحلسان ما يف السنن‪ ،‬وهذا‬
‫اصطالح خاص به‪ ،‬وليس احلسن عند أهل احلديث عبارة عن ذلك‪ ،‬فإن كتب السنن تشتمل على الصحيح واحلسن‪ ،‬والضعيف‪.‬‬
‫تعريف ابن حجر‪:‬‬
‫ٍّ‬ ‫اتم الضبط‪ ،‬متصل السند غري ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫خف‬
‫معلل‪ ،‬وَل شاذ‪ ،‬هو الصحيح لذاته … فإن ّ‬ ‫قال ابن حجر‪" :‬وخرب اآلحاد بنقل عدل ّ‬
‫(‪.)6‬‬
‫الضبط‪ ،‬فاحلسن لذاته"‬

‫)‪"(1‬املوامنة بني املتقدمني واملتأخرين يف تصحيح األحاديث وتعليلها"(‪ ،)44/1‬محزة املليباري‪.‬‬


‫)‪"(2‬معاِل السنن" للخطايب(‪ ،)6/1‬املطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫)‪"(3‬معاِل السنن" للخطايب(‪.)6/1‬‬
‫)‪"(4‬تدريب الراوي"(‪.)167‬‬
‫)‪"(5‬فتح املغيث"(‪.)95/1‬‬
‫)‪"(6‬خنبة الفكر" َلبن حجر العسقالين(‪.)29/1‬‬
‫‪51‬‬
‫التعريف املختار‪ :‬ويف ضوء تعريف احلافظ ابن حجر ميكن أن نعرف احلديث احلسن بقولنا‪":‬هو ما اتصل إسناده‪ ،‬بنقل‬
‫العدل خفيف الضبط‪ ،‬عن مثله‪ -‬أو عمن أقوى منه‪ -‬إىل منتهاه‪ ،‬من غري شذوذ‪ ،‬وَل علة"‪.‬‬
‫ومعىن" خفيف الضبط"‪ :‬أن يكون من املشهورين ابلصدق واألمانة‪ ،‬غري أنه ِل يبلغ درجة رجال الصحيح‪ ،‬لكونه يقصر‬
‫عنهم يف احلفظ واْلتقان‪ ،‬وهو مع ذلك يرتفع عن حال ما ينفرد به من حديثه منكر‪.‬‬
‫ص ِح ِ ِ ِِ‬ ‫لص ْد ِق َو ْاأل ََمانَةِ‪َ ،‬غْي َر أَنههُ َِلْ يَْب لُ ْغ َد َر َجةَ ِر َج ِال ال ه‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ص ُر‬
‫يح‪ ،‬ل َك ْونه يَ ْق ُ‬ ‫ين ِاب ّ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬أَ ْن يَ ُكو َن َرا ِويه م َن الْ َم ْش ُهور َ‬
‫ك يَ ْرتَِف ُع َع ْن َح ِال َم ْن يُ َع ُّد َما يَْن َف ِرُد بِِه ِم ْن َح ِديثِ ِه ُمْن َكًرا‪َ ،‬ويُ ْعتَ بَ ُر ِيف ُك ِّل َه َذا ‪َ -‬م َع‬ ‫ِ‬ ‫احلِْف ِظ و ِْ‬
‫اْلتْ َق ِ‬
‫ان‪َ ،‬وُه َو َم َع َذل َ‬ ‫ِ‬
‫َعْن ُه ْم يف ْ َ‬
‫يث ِم ْن أَ ْن يَ ُكو َن َشاذًّا وُمْن َكرا ‪َ -‬س َال َمتُهُ ِم ْن أَ ْن يَ ُكو َن ُم َعله ًال‪ .‬و َعلَى الْ ِق ْس ِم الث ِ‬
‫هاين يَتَ نَ هزُل َك َال ُم ْ ه‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلَط ِِّ‬
‫ايب"‬ ‫َس َال َمة َْ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫َ ً‬
‫حكم احلديث احلسن‬
‫هو كالصحيح يف اَلحتجاج به‪ ،‬وإن كان دونه يف القوة ‪ ،‬لذلك احتج به مجيع الفقهاء‪ ،‬وعملوا به‪.‬‬
‫وعلى اَلحتجاج به معظم احملدثني واألصوليني‪ ،‬وقد أدرجه بعض املتساهلني يف نوع الصحيح‪ ،‬كابن خزمية‪ ،‬وابن حبان‪،‬‬
‫واحلاكم‪.‬‬
‫من أمثلة احلديث احلسن‪:‬‬
‫ول هللاِ‪َ ،‬م ْن أَبَُّرق‬ ‫ت‪ََ :‬ي َر ُس َ‬ ‫ال‪ :‬قُ ْل ُ‬ ‫يد‪َ ،‬حدهثَنَا بَ ْهٌز‪َ ،‬ح هدثَِّن أَِيب‪َ ،‬ع ْن َج ِّدي‪ ،‬قَ َ‬ ‫(‪ )1‬قال اإلمام أمحد‪ :‬حدهثَنا َحيىي بن سعِ ٍّ‬
‫َ َ َْ ْ ُ َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫ب"‬ ‫ب فَ ْاألَقْ َر َ‬
‫ك‪ ،‬مثُه أ ََاب َك‪ ،‬مثُه ْاألَقْ َر َ‬ ‫ال‪" :‬أُهم َ‬
‫ت‪ :‬مثُه َم ْنق قَ َ‬ ‫ال‪ :‬قُلْ ُ‬
‫ك "‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ " :‬أُهم َ‬‫ت‪ :‬مثُه َم ْنق قَ َ‬
‫ال‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫ك "‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ " :‬أُهم َ‬
‫قَ َ‬
‫فهذا احلديث سنده متصل‪َ ،‬ل شذوذ فيه‪ ،‬وَل علة‪ ،‬فلم يقع فيه أي اختالف يف السند‪ ،‬وَل يف املنت‪.‬‬
‫واْلمام أمحد وشيخه حيىي بن سعيد القطان إمامان جليالن‪ ،‬وهبز بن حكيم من أهل الصدق والصيانة‪ ،‬حَ وثقه علي بن‬
‫املديّن‪ ،‬وحيىي بن معني‪ ،‬والنسائي‪ ،‬واحلاكم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وغريهم‪ ،‬لكن تكلم بعض العلماء يف بعض مروَيته‪ ،‬فمثله‬
‫"(‪.)3‬‬
‫يكون خفيف الضبط‪ ،‬لذلك قال فيه احلافظ ابن حجر‪":‬صدوق‬
‫ووالده حكيم بن معاوية بن حيدة القشريي‪ ،‬قال فيه العجلي‪ :‬ثقة‪ .‬وقال النسائي‪:‬ليس به ِبس‪.‬‬
‫"(‪.)5‬‬
‫وذكره بن حبان يف الثقات"(‪ ..)4‬وقال ابن حجر‪":‬صدوق‬
‫فيكون حديثه هذا حسنا لذاته‪ ،‬بل هو يف أعلى مراتب احلسن‪.‬‬
‫اعيلُ‪َ ،‬ع ْن َس هو ٍّار أَِيب محََْزةَ – قَ َ‬ ‫ي‪ ،‬حدهثَنَا إِ ْمس ِ‬ ‫ِ ٍّ‬
‫ال أَبُو َد ُاوَد‪َ :‬وُه َو َس هو ُار‬ ‫َ‬ ‫(‪ )2‬قال أبو داود‪َ :‬حدهثَنَا ُم َؤهملُ بْ ُن ه َشام يَ ْع ِّن الْيَ ْش ُك ِر ه َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪:‬‬ ‫ول هِ‬ ‫ب‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن َج ِّدهِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫يف ‪َ -‬ع ْن َع ْم ِرو بْ ِن ُش َعْي ٍّ‬‫صْي َرِ ُّ‬
‫بْ ُن َد ُاوَد أَبُو محََْزةَ الْ ُمَزِينُّ ال ه‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ِ "(‪.)6‬‬ ‫ِِ‬ ‫"مروا أَوََل َد ُكم ِابل ه ِ‬
‫ضاج ِع‬‫وه ْم َعلَْي َها‪َ ،‬وُه ْم أَبْنَاءُ َع ْش ٍّر َوفَ ِّرقُوا بَْي نَ ُه ْم ِيف الْ َم َ‬ ‫اض ِربُ ُ‬
‫ني‪َ ،‬و ْ‬‫ص َالة َوُه ْم أَبْنَاءُ َسْب ِع سن َ‬ ‫ُُ ْ ْ‬

‫)‪"(1‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)32:‬‬


‫)‪(2‬أخرجه أمحد يف مسنده‪ – )245/33( :‬رقم (‪.)20048‬‬
‫)‪ "(3‬هتذيب التهذيب"(‪ - )499، 498/1‬رقم(‪ "،)924‬تقريب التهذيب"(ص‪ -)128:‬رقم(‪.)772‬‬
‫)‪ "(4‬هتذيب التهذيب"(‪ -)451/2‬رقم(‪.)784‬‬
‫)‪ "(5‬تقريب التهذيب"(ص‪ -)177:‬رقم(‪.)1478‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الصالة – ابب مَ يؤمر الصيب ابلصالة – رقم (‪.)495‬‬
‫‪52‬‬
‫هذا إسناد متصل‪ ،‬ليس فيه شذوذ‪ ،‬وَل علة قادحة‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬إَل أن عمرو بن شعيب‪ ،‬وأابه شعيب ابن حممد بن عبد‬
‫"(‪.)1‬‬
‫هللا بن عمرو بن العاص‪ ،‬خفيفا الضبط‪ ،‬لذلك قال احلافظ ابن حجر يف عمرو ‪":‬صدوق‬
‫"(‪.)2‬‬
‫وقال يف أبيه شعيب بن حممد بن عبد هللا بن عمرو‪":‬صدوق ثبت مساعه من جده‬
‫فحديثهما هذا يكون حسنا لذاته‪ ،‬بل يف أعلى مراتب احلديث احلسن‪.‬‬
‫مراتب احلديث احلسن‬
‫ص ِح ِ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ب‪َ ،‬كال ه‬ ‫ِ‬
‫ضا َعلَى َمَرات َ‬‫احلَ َس ُن أَيْ ً‬
‫ْ‬
‫اق َع ِن‬ ‫ب َع ْن أَبِ ِيه َع ْن َج ِّدهِ‪َ ،‬وابْ ُن إِ ْس َح َ‬
‫يب‪ :‬فَأ َْعلَى َمراتِبِ ِه بَ ْه ُز بْن َح ِك ٍّيم َع ْن أَبِ ِيه َع ْن َج ِّدهِ‪ ،‬و َع ْمرو بْن ُش َعْي ٍّ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال َّ‬
‫الذ َهِ ُّ‬ ‫قَ َ‬
‫ضعِ ِيف ِه‪،‬‬‫ف ِيف َْحت ِسينِ ِه َوتَ ْ‬ ‫يح‪ .‬مثُه ب ع َد َذلِك ما ِ‬ ‫ص ِح ِ‬ ‫يح‪ ،‬وُهو ِم ْن أ َْد ََن َمراتِ ِ‬ ‫ال َذلِك ِممها قِيل‪ :‬إِنهه ِ‬
‫اختُل َ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ب ال ه‬ ‫َ‬ ‫صح ٌ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫الت ْهي ِم ِّي‪َ ،‬وأ َْمثَ ُ َ‬
‫ِ ِ (‪.)3‬‬ ‫ث ب ِن عب ِد هِ ِ‬ ‫يث ْ ِ‬ ‫َكح ِد ِ‬
‫اج ابْ ِن أ َْرطَا َة َوَْحنوه ْم‬ ‫اَّلل َو َعاص ِم بْ ِن َ‬
‫ض ْمَرَة َو َح هج ِ‬ ‫احلَا ِر ْ َْ‬ ‫َ‬
‫احلديث الصحيح لغريه‬
‫تعريفه‪ :‬هو احلديث احلسن لذاته إذا روي من طريق آخر مثله‪ ،‬أو أقوى منه‪ ،‬بلفظه‪ ،‬أو مبعناه‪.‬‬
‫وإَّنا ارتقى ألن ما كنا خنشاه من اخلطأ بسبب خفة الضبط مال بتعدد الطرق‪ ،‬فارتقى وحلق ابلصحيح‪.‬‬
‫مثاله‪:‬‬
‫ال‪:‬‬‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َعْب َدةُ بْ ُن ُسلَْي َما َن‪َ ،‬ع ْن ُحمَ هم ِد بْ ِن َع ْم ٍّرو‪َ ،‬ع ْن أَِيب َسلَ َمةَ‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪ ،‬قَ َ‬ ‫ب قَ َ‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا أَبُو ُكريْ ٍّ‬
‫َ‬
‫ٍّ (‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬
‫ص َالة"‬ ‫لس َواك عْن َد ُك ِّل َ‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬لَ ْوََل أَ ْن أ ُ‬
‫َش هق َعلَى أُهم ِيت َأل ََم ْرتُ ُه ْم اب ّ‬ ‫صلهى ه‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫قَ َ‬
‫ضعه َفهُ‬‫ان‪َ ،‬ح هَ َ‬ ‫الصيَانَِة‪ ،‬لَ ِكنههُ َِلْ يَ ُك ْن ِم ْن أ َْه ِل ِْ‬
‫اْلتْ َق ِ‬ ‫قال ابن الصالح‪ُ :‬حم هم ُد بن عم ِرو ب ِن ع ْل َقمةَ ِمن الْم ْشهوِرين ِاب ِ ِ ِ‬
‫لص ْدق َو ّ‬ ‫َ ُْ َْ ْ َ َ َ َ ُ َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍّ ِ ِ ِ‬
‫ك َك ْونُهُ ُرِو َ‬
‫ي‬ ‫ض هم إِ َىل َذل َ‬ ‫ض ُه ْم لص ْدقه َو َج َاللَته‪ ،‬فَ َحديثُهُ م ْن َهذه ا ْْل َهة َح َس ٌن‪ .‬فَلَ هما انْ َ‬ ‫ض ُه ْم م ْن ج َهة ُسوء ح ْفظه‪َ ،‬وَوثه َقهُ بَ ْع ُ‬ ‫بَ ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫اد‬
‫اْل ْسنَ ُ‬‫ص هح َه َذا ِْ‬ ‫ص اْليَسريُ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ك النه ْق ُ‬ ‫ك َما ُكنها َخنْ َشاهُ َعلَْيه م ْن ج َهة ُسوء ح ْف ِظه‪َ ،‬و ْاجنَبَ َر بِه َذل َ‬ ‫ُخَر‪َ ،‬م َال بِ َذل َ‬‫م ْن أ َْو ُجه أ َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫ص ِح ِ‬
‫يح‬ ‫َواْلتَ َح َق بِ َد َر َج ِة ال ه‬
‫قلت‪ :‬حديث حممد بن عمرو هذا جاء من طريق آخر‪:‬‬
‫‪،‬ع ِن األ َْعَرِج‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ َر ِض َي ه‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪ :‬أَ هن‬ ‫ك‪ ،‬عن أَِيب ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال البخاري‪ :‬حدهثَنا عب ُد هِ‬
‫الزَاند َ‬‫ّ‬ ‫َخبَ َرَان َمال ٌ َ ْ‬ ‫ال‪ :‬أ ْ‬‫ف‪ ،‬قَ َ‬ ‫وس َ‬ ‫اَّلل بْ ُن يُ ُ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ٍّ (‪.)6‬‬ ‫هاس َألَمرتُهم ِاب ِ ِ‬ ‫ول هِ‬
‫صالَة"‬‫لس َواك َم َع ُك ِّل َ‬ ‫َش هق َعلَى أُهم ِيت أ َْو َعلَى الن ِ َ ْ ُ ْ ّ‬ ‫ال‪ ":‬لَ ْوَلَ أَ ْن أ ُ‬‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫َر ُس َ‬

‫)‪" (1‬تقريب التهذيب"(ص‪ -)423:‬رقم(‪.)5050‬‬


‫)‪" (2‬تقريب التهذيب"(ص‪ -)267:‬رقم(‪.)2806‬‬
‫)‪" (3‬تدريب الراوي" (‪.)174/1‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب الطهارة‪ -‬ابب ما جاء يف السواك – رقم (‪.)22‬‬
‫)‪ (5‬مقدمة ابن الصالح (‪.)35/1‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلمعة‪ -‬ابب السواك يوم اْلمعة – رقم (‪.)887‬‬
‫‪53‬‬
‫احلديث احلسن لغريه‬
‫تعريفه‪ :‬هو ما كان يف أصله ضعيفاً ضعفاً يسرياً‪ ،‬ولكنه أتى من غري وجه هبذا النحو‪ ،‬فارتقى من رتبة احلديث الضعيف إىل‬
‫رتبة احلديث احلسن لغريه‪ ،‬فينطبق عليه تعريف الرتمذي للحديث احلسن‪ ،‬ويرتقي أيضا احلديث الضعيف بوجود الشواهد‪،‬‬
‫فيصري أيضا حسنا لغريه‪.‬‬
‫اخلَطَِأ فِ َيما‬‫س ُمغَ هف ًال َكثِ َري ْ‬ ‫ور َِل تَتحق ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ال إِ ْسنَاده م ْن َم ْستُ ٍّ ْ َ َ ْ‬
‫هق أ َْهليه تُهُ‪َ ،‬غْي َر أَنههُ لَْي َ‬ ‫يث اله ِذي ََل َيَْلُو ِر َج ُ‬ ‫قال ابن الصالح‪ِ ْ " :‬‬
‫احلَد ُ‬
‫ِ‬ ‫ب ِيف ْ ِ ِ‬ ‫يث‪ ،‬أَي َِلْ يظْهر ِمْنهُ تَع ُّم ُد الْ َك ِذ ِ‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ي رِو ِيه‪ ،‬وََل ُهو مت ِ ِ ِ‬
‫نت‬
‫آخ ُر ُم َف ّس ٌق‪َ ،‬ويَ ُكو ُن َم ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫احلَديث َوََل َسبَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫هه ٌم ابلْ َكذب ِيف َْ‬ ‫َْ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َد مبُتَابَ َعة َم ْن َاتبَ َع َرا ِويَهُ َعلَى مثْله‪ ،‬أ َْو مبَا‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك قَ ْد ُع ِر َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫احل ِد ِ‬
‫آخَر أ َْو أَ ْكثَ َر َح هَ ْاعتَ َ‬
‫ي مثْ لُهُ أ َْو َْحن ُوهُ م ْن َو ْجه َ‬‫ف ِبَ ْن ُرِو َ‬ ‫يث َم َع َذل َ‬ ‫َْ‬
‫ي َعلَى َه َذا الْ ِق ْس ِم‬ ‫يث آخر بِنح ِوهِ‪ ،‬فَيخرج بِ َذلِك عن أَ ْن ي ُكو َن شاذًّا ومْن َكرا‪ ،‬وَك َالم ِ ِ ِ‬
‫الرتمذ ِّ‬‫َ َ ُ ً َ ُ ّْ‬ ‫ََ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ‬
‫اه ٍّد‪ ،‬وهو ورود ح ِد ٍّ‬
‫َ ُ َ ُُ ُ َ‬
‫لَه ِمن ش ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫يَتَ نَ هزُل"(‪..)1‬‬
‫ومن كالم ابن الصالح يتبني لنا أن احلديث احلسن لغريه ما كان ضعيفا َل بسبب العدالة‪ ،‬بل بسبب الضبط‪ ،‬أو جهالة‬
‫احلال‪ ،‬مث اعتضد مبتابع أو شاهد‪.‬‬
‫شروط ارتقاء احلديث الضعيف ‪:‬‬
‫(‪ )1‬أَل يكون الضعف شديداً‪ ،‬بل يكون الضعف ضعفاً منجرباً‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن أييت من طريق آخر‪ ،‬مثله أو فوقه‪ ،‬فإن كان دونه َل يرتقي به‪.‬‬
‫(‪ )3‬أَل يكون سبب الضعف الطعن يف عدالة الراوي؛ كرواية الكذابني‪ ،‬واملرتوكني‪ ،‬أو املتهمني ابلكذب أو الفسق‪ ،‬بل‬
‫يكون سبب الضعف انقطاع السند‪ ،‬أو ضعف يف ضبط الراوي‪ ،‬أو جهالته‪.‬‬
‫(‪ )4‬أَل يعارض حديثا أقوى منه حسنا لذاته أو صحيحا‪.‬‬
‫مثال احلديث احلسن لغريه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ال‪ :‬حدهثَنَا ح ْفص بن ِغي ٍّ‬ ‫ِ‬
‫صلهْي ُ‬
‫ت َم َع‬ ‫عن ابْ ِن ُع َمَر‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪َ " :‬‬ ‫اج َع ْن َعطيهةَ ْ‬ ‫اث َع ْن احلَ هج ِ‬ ‫َ ُ ُْ َ‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا َعل ُّي بْ ُن ُح ْج ٍّر‪ ،‬قَ َ َ‬
‫ِ (‪.)2‬‬ ‫اَّلل َعلَْي ِه و َسلهم‪ ،‬الظُّ ْهر ِيف ال هس َف ِر رْك َعتَ ْ ِ‬
‫ني َوبَ ْع َد َها َرْك َعتَ ْني"‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫صلهى هُ‬ ‫ِ‬
‫هيب َ‬
‫الن ِّ‬
‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬وقَ ْد َرَواهُ ابْ ُن أَِيب لَْي لَى‪َ ،‬ع ْن َع ِطيهةَ‪َ ،‬وَانفِ ٍّع‪َ ،‬ع ْن ابْ ِن ُع َمَر‪.‬‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫فهذا اإلسناد فيه‪:‬‬
‫(‪ )1‬احلجاج بن أرطأة الكويف القاضي‪ ،‬وهو صدوق كثري اخلطأ والتدليس‪.‬‬
‫(‪ )2‬عطية بن سعد بن جناده العويف‪ ،‬صدوق َيطئ كثريا‪ ،‬وكان شيعيا مدلسا‪.‬‬
‫ولكن احلديث جاء من طريق آخر توبع فيه احلجاج‪ ،‬وعطية‪ ،‬فقد اتبع احلجاج ابن أيب ليلى‪ ،‬واتبع عطية انفع موىل ابن عمر‪.‬‬
‫اش ٍّم‪َ ،‬ع ْن ابْ ِن أَِيب لَْي لَى‪َ ،‬ع ْن َع ِطيهةَ‪َ ،‬وَانفِ ٍّع‪َ ،‬ع ْن ابْ ِن‬
‫ال‪ :‬حدهثَنَا علِي بن ه ِ‬
‫َ ُّ ْ ُ َ‬ ‫يب‪ ،‬قَ َ َ‬‫قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن ُعبَ ْي ٍّد امل َحا ِرِ ُّ‬
‫ض ِر الظُّ ْهر أ َْربَ ًعا وبَ ْع َد َها رْك َعتَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫اَّلل ُعلَي ِ‬ ‫هيب َ ه‬
‫ني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬‫احل‬ ‫يف‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫َ ْ ُ ََُ‬‫ل‬ ‫ص‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ه‬ ‫ال‬
‫و‬ ‫ر‬
‫ََ َ‬‫ض‬‫احل‬ ‫يف‬ ‫م‬
‫صلى هُ َ ْ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫س‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫ت َم َع الن ِّ‬ ‫صلهْي ُ‬
‫ال‪َ " :‬‬
‫ُع َمَر‪ ،‬قَ َ‬

‫)‪" (1‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)31:‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب السفر ‪ -‬ابب ما جاء يف التطوع يف السفر‪ -‬رقم (‪.)551‬‬
‫‪54‬‬
‫ب ِيف احلَ َ‬
‫ض ِر َوال هس َف ِر‬ ‫ص ِّل بَ ْع َد َها َشْي ئًا‪َ ،‬واملَْغ ِر َ‬ ‫صر رْك َعتَ ْ ِ‬ ‫ني وبَ ْع َد َها رْك َعتَ ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َوَِلْ يُ َ‬ ‫الع ْ َ َ‬
‫ني‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ت َم َعهُ يف ال هس َف ِر الظُّ ْهَر َرْك َعتَ ْ َ‬
‫صلهْي ُ‬
‫َو َ‬
‫ِ (‪.)1‬‬
‫هها ِر‪َ ،‬وبَ ْع َد َها رْك َعتَ ْني"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫َ‬ ‫ض ٍّر َوََل َس َف ٍّر‪َ ،‬وه َي ِوتْ ُر الن َ‬ ‫ص ِيف َح َ‬ ‫ث َرَك َعات‪ََ ،‬ل يُْنق ُ‬ ‫َس َواءً‪ ،‬ثََال َ‬
‫ول‪ :‬ما روى ابن أَِيب لَي لَى ح ِديثا أ َْعجب إِ َه ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال الرتمذي‪َ " :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫يل م ْن َه َذا‪َ ،‬وََل أ َْرِوي َعْنهُ‬ ‫ت ُحمَ هم ًدا‪ ،‬يَ ُق ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ً َ َ‬ ‫يث َح َس ٌن"‪َ ،‬مس ْع ُ‬
‫َشْي ئًا"‪.‬‬
‫فهذا اْلسناد فيه حممد بن عبد الرمحن بن أيب ليلى‪ ،‬وهو فقيه جليل‪ ،‬لكن تكلم فيه احملدثون من قبل حفظه"(‪ ،.)2‬حَ قال‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫فيه ابن حجر‪":‬صدوق سيء احلفظ جدا‬
‫لكن ملا توبع عليه مال ما كنا خنشاه من سوء حفظه فارتقى إىل مرتبة احلسن لغريه‪ .‬لذلك حسنه الرتمذي‪.‬‬
‫مثال آخر للحسن لغريه‪:‬‬
‫ي‪َ ،‬وُحمَ هم ُد بْ ُن َج ْع َف ٍّر‪ ،‬قَالُوا‪َ :‬حدهثَنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْن بَش ٍّ‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َْحي َىي بْ ُن َسعيد‪َ ،‬و َعْب ُد الهر ْمحَ ِن بْ ُن َم ْهد ٍّّ‬ ‫هار قَ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مسعت عب َد هِ‬ ‫اَّللِ‪ ،‬قَ َ ِ‬ ‫اص ِم بْ ِن ُعبَ ْي ِد ه‬‫ُشعبةُ‪ ،‬عن ع ِ‬
‫ت َعلَى‬ ‫اَّلل بْ َن َعام ِر بْ ِن َربِ َيعةَ‪َ ،‬ع ْن أَبِيه‪ ،‬أَ هن ْامَرأَةً م ْن بَِّن فَ َز َارةَ تَ َزهو َج ْ‬ ‫ال‪َْ ُ ْ َ :‬‬ ‫َْ َ ْ َ‬
‫ك بِنَ ْعلَ ْ ِ‬‫ك ومالِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫اَّللِ صلهى ه ِ‬ ‫نَ ْعلَ ْ ِ‬
‫َج َامهُ‪.‬‬ ‫ال‪ :‬فَأ َ‬
‫ت‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬قَ َ‬ ‫نيق" قَالَ ْ‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪ ":‬أ ََرضيت م ْن نَ ْفس َ َ‬ ‫ول ه َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ني‪ ،‬فَ َق َ‬
‫َسلَ ِم ِّي‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫قال الرتمذي‪ :‬وِيف الباب عن عمر‪ ،‬وأَِيب هري رَة‪ ،‬وسه ِل ب ِن سع ٍّد‪ ،‬وأَِيب سعِ ٍّ‬
‫س‪َ ،‬و َعائ َشةَ‪َ ،‬و َجابِ ٍّر‪َ ،‬وأَِيب َح ْد َرد األ ْ‬ ‫يد‪َ ،‬وأَنَ ٍّ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ َْ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫يث حسن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح ِد ُ ِ‬
‫يح‬
‫صح ٌ‬ ‫يث َعام ِر بْ ِن َربِ َيعةَ َحد ٌ َ َ ٌ َ‬
‫(‪.)4‬‬
‫َ‬
‫ويف إسناده عاصم بن عبيد هللا بن عاصم بن عمر بن اخلطاب العدوي املدين‪ ،‬ضعيف لسوء حفظه‪ ،‬قال فيه ابن‬
‫حجر‪":‬ضعيف"(‪ .)5‬ولكن حسن الرتمذي له هذا احلديث جمليئه من غري وجه"‪.‬‬
‫حكم احلديث احلسن لغريه‬
‫احلديث احلسن لغريه حجة يعمل به أيضا عند مجاهري العلماء من احملدثني واألصوليني وغريهم‪ ،‬ألنه وإن كان يف األصل‬
‫ضعيف ا لكنه قد اجنرب وتقوى بوروده من طريق آخر‪ ،‬مع سالمته من أن يعارضه شيء‪ ،‬فزال بذلك ما كنا خنشاه من سوء‬
‫حفظ الراوي أو غفلته‪ ،‬ابجملموع قوة تدل على أنه ضبط احلديث‪ ،‬وأداه كما مسعه‪ ،‬لذلك مسي احلديث حسنا‪.‬‬
‫مرتبته‪ :‬احلسن لغريه أدَن مراتب املقبول‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب السفر ‪ -‬ابب ما جاء يف التطوع يف السفر‪ -‬رقم (‪.)552‬‬
‫)‪" (2‬هتذيب التهذيب"(‪ - )302، 301/9‬رقم(‪.)503‬‬
‫)‪" (3‬تقريب التهذيب"(ص‪ -)493:‬رقم(‪.)6081‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب النكاح ‪ -‬ابب ما جاء يف مهور النساء‪ -‬رقم (‪.)1113‬‬
‫)‪ "(5‬تقريب التهذيب"(ص‪ -)285:‬رقم(‪.)3065‬‬
‫‪55‬‬
‫مظان احلديث احلسن‬
‫ِل يفرد العلماء مصنفات خاصة ابحلديث احلسن اجملرد‪ ،‬كما أفردوا الصحيح اجملرد يف مصنفات مستقلة‪ ،‬لكن هناك كتبا‬
‫يكثر فيها وجود احلديث احلسن‪ ،‬ومن أشهر تلك الكتب‪:‬‬
‫(‪ )1‬سنن الرتمذي‪ ،‬وهو أصل ِيف معرفَة ا ْحلسن‪َ ،‬وُه َو اله ِذي شهره‪َ ،‬وقد يُوجد ِيف َك َالم بعض طب َقة مشاَيه كأمحد بن َحْن بَل‬
‫ِ (‪.)1‬‬
‫ي‬
‫َوالْبُ َخار ّ‬
‫(‪ )2‬سنن أيب داود‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند اْلمام أمحد‪ ،‬وسنن النسائي‪ ،‬وسنن ابن ماجه‪ ،‬وسنن الدارقطّن‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬كذلك الكتب اليت يدرج مصنفوها الصحيح مع احلسن‪ ،‬دون تفريق بينهما‪ ،‬مثل صحيح ابن خزمية‪ ،‬وصحيح ابن‬
‫حبان‪ ،‬ومستدرك احلاكم على الصحيحني‪.‬‬

‫(‪" )1‬املنهل الروي يف خمتصر علوم احلديث النبوي"(‪َ )38/1‬لبن مجاعة الكناين‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫ال ـ ـف ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل الث ـ ـ ـ ـالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث‬
‫ال ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـديـ ـ ـث الـ ـ ـض ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـيف‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريفه لغة واصطالحاً‪:‬‬
‫ف‪ ،‬بفتح الضاد وضمها‪ ،‬ضد القوة‪ ،‬وقد ضعف فهو ضعيف‬ ‫الضعيف لغة‪ :‬الض ْهع ُ‬
‫(‪.)1‬‬

‫ويطلق الضعف على األجسام حقيقة‪ ،‬وعلى املعنوَيت جماماً‪ ،‬فيقال رجل ضعيف الرأي‪ ،‬ورجل ضعيف العقل‪ ،‬ورجل‬
‫(‪.)2‬‬
‫ضعيف العزمية‬
‫الضعيف اصطالحا‪:‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬كل حديث ِل جيتمع فيه صفات احلديث الصحيح‪ ،‬وَل صفات احلديث احلسن‪ ،‬املذكورات فيما‬
‫(‪.)3‬‬
‫تقدم‪ ،‬فهو حديث ضعيف"‬
‫واتبعه على هذا التعريف النووي فقال‪" :‬الضعيف‪ :‬وهو ما ِل جيمع صفة الصحيح أو احلسن"‪.‬‬
‫وعلق السيوطي فقال‪" :‬مجعها تبعاً َلبن الصالح‪ ،‬وإن قيل‪ :‬إن اَلقتصار على الثاين أوىل‪ ،‬ألن ما ِل جيمع صفة احلسن‬
‫(‪.)4‬‬
‫فهو عن صفات الصحيح أبعد‪ ،‬ولذلك ِل يذكره ابن دقيق العيد"‬
‫التعريف املختار‪:‬‬
‫(‪.)5‬‬
‫والتعريف الذي خنتاره ما عرفه به الدكتور نور الدين عرت حيث قال‪" :‬هو ما فقد شرطاً من شروط احلديث املقبول"‬
‫قال البيقوين يف منظومته‪ :‬وكل ما عن رتبة احلُ ْس ِن قَ ُ‬
‫ص ْر‪ .....‬فهو الضعيف وهو أقسام ُكثُ ْر‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬تفاوت درجات الضعيف‪ :‬تتفاوت درجات احلديث الضعيف ِبسب توفر أسباب الضعف‪ ،‬فمنه الض عيف ومن ه‬
‫الضعيف جدا ومنه الواهي‪ ،‬ومنه املنكر‪ ،‬وشر أنواعه املوضوع‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬بعد أن عرف احلديث الضعيف‪" :‬ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح"‪.‬‬
‫قــال الســيوطي‪" :‬ويتف اوت ض عفه" ِبس ب ش دة ض عف روات ه‪ ،‬وخفت ه‪ ،‬وقول ه‪" :‬كص حة الص حيح"‪ ،‬إش ارة إىل أن من ه‬
‫أوهى‪ ،‬كما أن يف الصحيح أصح‬
‫(‪.)6‬‬

‫وقد تكلم العلماء يف أوهى األسانيد كما تكلموا يف أصح األسانيد‪.‬‬


‫وس ى ال دهقِ ِيق ُّي‪َ ،‬ع ْن فَ ْرقَ ٍّد ال هس بَ ِخ ِّي‪َ ،‬ع ْن‬ ‫قال احلاكم يف "معرفة علوم احلديث"‪" :‬وأَوهى أ ِ ِ ِ ِ‬
‫َسانيد الصد ِيق‪َ :‬‬
‫ص َدقَةُ بْ ُن ُم َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫الص ِّد ِيق‪.‬‬
‫ب‪ ،‬عن أَِيب بك ٍّ ِ‬
‫ْر ّ‬ ‫ُمهرَة الطهيِّ ِ َ ْ َ‬

‫(‪" )1‬خمتار الصحاح" (‪ )160/1‬مادة "ض‪ .‬ع‪ .‬ف"‪.‬‬


‫(‪" )2‬الغريب َلبن سالم" (‪"،)38/4( ،)352 /3( ،)351 /3( ،)215 /3‬الغريب للخطايب" (‪.)525 /2‬‬
‫(‪" )3‬مقدمة ابن الصالح" (‪ ،)33، 32/1‬دار ابن خلدون‪.‬‬
‫(‪" )4‬تدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي" (‪ ،)179 /1‬مكتبة دار الرتاث‪.‬‬
‫(‪" )5‬منهج النقد يف علوم احلديث"(‪ )286/1‬د‪ .‬نور الدين عرت‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫(‪" )6‬تدريب الراوي" (‪.)180 /1‬‬
‫‪57‬‬
‫اص ِم بْ ِن ُع َم َر‪َ ،‬ع ْن أَبِي ِه‪َ ،‬ع ْن َج ِّدهِ‪ ،‬فَِإ هن‬ ‫اس ِم ب ِن عب ِد هِ‬
‫ِ‬ ‫وأَوهى أ ِ‬
‫َسانِيد ال ُْع َم ِريِ َ‬
‫ص ب ِن ع ِ‬
‫اَّلل بْ ِن ُع َمَر بْ ِن َح ْف ِ ْ َ‬ ‫ني‪ُ :‬حمَ هم ُد بْ ُن الْ َق ْ َْ‬ ‫َ َْ َ‬
‫اَّللِ َِلْ ُْحيتَ هج هبِِ ْم‪.‬‬ ‫ُحم هم ًدا والْ َق ِ‬
‫اس َم َو َعْب َد ه‬ ‫َ َ‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن أَبِي ِه‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وأَوهى أَسانِ ِ‬
‫يد أَِيب هريـرَة‪ :‬ال هس ِر ُّ ِ ِ‬
‫يل‪َ ،‬ع ْن َدا ُوَد بْ ِن يَِز َيد ْاأل َْود ِّ‬
‫ي بْ ُن إ ْمسَاع َ‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ان الْ ِكْن ِديهِة‪َ ،‬ع ْن َعائِ َشةَ‪.‬‬
‫ث ب ِن ِشب ٍّل‪ ،‬ع ِن أُِم النُّعم ِ‬ ‫وأَوهى أَسانِ ِ‬
‫يد َعائِ َشةَ‪ :‬نُسخةٌ ِعْن َد الْبص ِريِني‪ :‬ع ِن ْ ِ ِ‬
‫احلَار ْ ْ َ ّ ْ َ‬ ‫ََّْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ويف ثَِقةٌ‪.‬‬ ‫يك‪ ،‬عن أَِيب فَزارةَ‪ ،‬عن أَِيب مي ٍّد‪ ،‬عن عب ِد هِ‬
‫اَّلل إِهَل أَ هن أ ََاب فَ َز َارةَ َر ِاش َد بْ َن َكْي َسا َن ُك ِ ُّ‬ ‫يد عب ِد َِّ‬
‫وأَوهى أ ِ‬
‫َ َ َ ْ َْ َ ْ َ ْ‬ ‫اَّلل بْ ِن َم ْس ُعود‪َ :‬ش ِر ٌ َ ْ‬ ‫َسانِ َ ْ‬
‫َ َْ َ‬
‫اش‪َ ،‬ع ْن أَنَ ٍّ‬
‫س‪.‬‬ ‫وأَوهى أَسانِ ِ‬
‫يد أَنَس‪َ :‬د ُاوُد بْ ُن الْ ُم َح هِرب بْ ِن قَ ْح َذٍّم‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن أ ََاب َن بْ ِن أَِيب َعيه ٍّ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن ِع ْك ِرَم َة‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن‬ ‫اش‪َ ،‬ع ْن إِبْ را ِهيم بْ ِن يَِزي َد ْ ِ‬
‫اب بْ ِن ِخ َر ٍّ‬
‫ون الْ َقدهاح‪َ ،‬عن ِشه ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل بن ميم ٍّ‬ ‫وأَوهى أ ِ ِ‬
‫َسانِيد ال َْمكيِ َ‬
‫اخلُوم ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ني‪َ :‬عْب ُد ه ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫َعبه ٍّ‬
‫اس‪.‬‬
‫احلَ َك ِم بْ ِن أ ََاب َن‪َ ،‬ع ْن ِع ْك ِرَمةَ‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫وأَوهى أ ِ‬
‫اس‪.‬‬ ‫ص بْ ُن ُع َمَر الْ َع َدِينُّ‪َ ،‬ع ِن ْ‬ ‫َسانِيد الْيَ َمانِيِ َ‬
‫ني‪َ :‬ح ْف ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ين بْ ِن َس ْع ٍّد‪َ ،‬ع ْن أَبِي ِه‪َ ،‬ع ْن َج ِّدهِ‪َ ،‬ع ْن قُ هرَة بْ ِن َعْب ِد ال هر ْمحَ ِن‬ ‫احل هج ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأَوهى أ ِ‬
‫اج بْ ِن ر ْشد َ‬ ‫َمحَ ُد بْ ُن ُحمَ همد بْ ِن َْ‬
‫ني‪ :‬أ ْ‬ ‫َسانِيد ال ِْم ْ‬
‫ص ِريِ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫يل‪َ ،‬ع ْن ُك ٍّّل َم ْن َرَوى َعْنهُ‪ ،‬فَِإن َ‬
‫هها نُ ْس َخةٌ َكبِ َريةٌ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بْ ِن َحْيو َ‬
‫اَّلل ب ِن مح ٍّر‪ ،‬عن علِ ِي ب ِن ي ِز َيد‪ ،‬ع ِن الْ َق ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫يد َّ ِ‬
‫وأَوهى أَسانِ ِ‬
‫اس ِم‪َ ،‬ع ْن أَِيب أ َُم َام َة‪.‬‬ ‫وب‪َ ,‬ع ْن ُعبَ ْيد ه ْ َ ْ َ ْ َ ّ ْ َ َ‬ ‫صلُ ُ‬
‫س الْ َم ْ‬ ‫الشاميِ َ‬
‫ني‪ُ :‬حمَ هم ُد بْ ُن قَ ْي ٍّ‬ ‫َ َْ َ‬
‫اَّللِ ب ن عب ِد ال هر ْمح ِن ب ِن ملِيح ةَ‪ ،‬ع ن نَهش ِل ب ِن س عِ ٍّ‬ ‫وأَوهى أَسانِ ِ‬
‫اسـانِيِ َ‬
‫ض هح ِ‬
‫اك‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫يد‪َ ،‬ع ِن ال ه‬ ‫يد ْ‬
‫اس‪،‬‬ ‫َ ْ َ َ َْ ْ َ ْ َ‬ ‫ني‪َ :‬عْب ُد ه ْ ُ َْ‬ ‫اخلَُر َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫َين َِل أُح ِ‬
‫اب ِيف أَ ْكثَ ِر َما ذَ َك ْرتُهُ"‬ ‫ِ‬ ‫وابن ملِيح َة‪ ،‬ونَهشل نَيسابوِرهَي ِن‪ ،‬وإِهَّنَا ذَ َكرتُهما ِيف ْ ِ ِ ِ‬
‫اسا َن‪ ،‬ليُ ْعلَ َم أِّ ْ َ‬
‫اْلَْرِح م ْن بَ ْني َسائ ِر ُكوِر ُخَر َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ َ َ َ ْ َ ٌ ْ َ ُ‬
‫حكم رواية احلديث الضعيف‬
‫أجام العلماء رواية احلديث الضعيف‪ ،‬ما ِل يكن يف العقائد واألحكام‪ ،‬من غري اهتمام ببيان ضعفه‪ ،‬ما ِل يكن موضوعاً مكذوابً‪.‬‬
‫يقول عبد الرمحن بن مهدي‪" :‬إذا روينا عن النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلالل واحلرام واألحكام شددان يف األسانيد‬
‫(‪.)2‬‬
‫وانتقدان الرجال‪ ،‬وإذا روينا يف فضائل األعمال والثواب والعقاب واملباحات والدعوات تساهلنا يف األسانيد"‬
‫ويقول أمحد بن حنبل‪" :‬إذا روينا عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف احلالل واحلرام والسنن‪ ،‬واألحكام تشددان يف‬
‫(‪.)3‬‬
‫األسانيد‪ ،‬وإذا روينا عن النيب صلى هللا عليه وسلم يف فضائل األعمال وما َل يضع حكماً وَل يرفعه تساهلنا يف األسانيد"‬
‫ويقول أبو زكراي العنربي‪" :‬اخلرب إذا ورد ِل حيرم حالَلً وِل حيل حراماً وِل يوجب حكما وكان يف ترغيب أو ترهيب‪ ،‬أو‬
‫(‪.)4‬‬
‫تشديد‪ ،‬أو ترخيص‪ ،‬وجب اْلغماض عنه والتساهل يف رواته"‬
‫لكن يراعى عند رواية احلديث الضعيف أَل يروى بصيغة اْلزم؛ فال يقال‪" :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،"...‬‬

‫(‪" )1‬معرفة علوم احلديث"(ص‪.)57:‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪ :‬كتاب الدعاء والتكبري والتهليل والتسبيح والذكر – ابب ليس شيء أكرم على هللا من الدعاء ‪ -‬رقم (‪.)1844‬‬
‫(‪" )3‬الكفاية يف علم الرواية" أبو بكر اخلطيب البغدادي‪ ،)134/1( ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫وح ِك َي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ولكن جيب أن يروى بصيغة التمريض‪ ،‬حنو ُروى‪ ،‬وقيل‪ُ ،‬‬
‫املقصود بفضائل األعمال‪:‬‬
‫يقصد بفضائل األعمال ما شرع بدليل صحيح اثبت‪ ،‬مث روي حديث ضعيف يبني ثواب وفضل هذا العمل‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬بر الوالدين‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وإكرام اْلار‪ ،‬وإكرام اليتيم‪ ،‬كل هذه الفضائل ثبتت ِبدلة صحيحة من القرآن والسنة‪،‬‬
‫فإذا روي حديث ضعيف يبني ثواب وفضل أي عمل منها‪ ،‬فإنه يؤخذ به‪ ،‬ألنه َل يؤسس حلكم جديد‪ ،‬بل يرغب يف‬
‫عمل مشروع‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي يف فضله حديث َل يُعلم أنه كذب جام أن‬
‫يكون الثواب حقا‪ ،‬وِل يقل أحد من األئمة إنه جيوم أن جيعل الشيء واجبا أو مستحبا ِبديث ضعيف‪ ،‬ومن قال هذا‬
‫فقد خالف اْلمجاع‪ .‬وهذا كما أنه َل جيوم أن ُحيهرًم شيء إَل بدليل شرعي‪ ،‬لكن إذا علم حترميه وروي حديث يف وعيد‬
‫الفاعل له‪ ،‬وِل يعلم أنه كذب‪ ،‬جام أن يرويه‪ ،‬فيجوم أن يروي يف الرتغيب والرتهيب ما ِل يعلم أنه كذب‪ ،‬لكن فيما علم‬
‫رهب منه بدليل آخر غري هذا احلديث اجملهول حاله"‬
‫ب فيه أو ّ‬‫أن هللا ر هغ َ‬
‫(‪.)1‬‬

‫حكم العمل ابحلديث الضعيف‬


‫ذهب العلماء يف اَلحتجاج ابحلديث الضعيف يف األحكام وفضائل األعمال إىل ثالثة مذاهب‪:‬‬
‫[‪ ]1‬املذهب األول‪ :‬وهو مذهب أيب حنيفة ومالك وأمحد‪ ،‬وأيب داود السجستاين‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫ويرى أصحابه أنه يعمل ابحلديث الضعيف مطلقا‪ ،‬أي يف احلالل واحلرام‪ ،‬والفرض والواجب‪ ،‬وهذا حممول على ما ِل‬
‫يشتد ضعفه‪ ،‬وَل يوجد يف الباب أقوى منه‪ ،‬وَل ما يعارضه‪ .‬وذلك أنه ملا كان حمتمالً لإلصابة‪ ،‬وِل يعارضه شيء فإن هذا‬
‫يقوي جانب اْلصابة يف روايته‪ ،‬فيكون العمل به أوىل من القياس‪.‬‬
‫حكى أبو عبد هللا ابن منده احلافظ أنه مسع حممد بن سعد البارودي مبصر يقول‪ :‬كان من مذهب أيب عبد الرمحن‬
‫النسائي أن َيرج عن كل من ِل جيمع على تركه‪.‬‬
‫وقال ابن منده‪ :‬وكذلك أبو داود السجستاين أيخذ مأخذه وَيرج اْلسناد الضعيف إذا ِل جيد يف الباب غريه ألنه أقوى‬
‫(‪.)2‬‬
‫عنده من رأي الرجال"‬
‫الرجال"‬
‫(‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام أمحد بن حنبل‪" :‬إن ضعيف احلديث أحب إيل من رأي‬
‫واألخذ ابحلديث املرسل والضعيف أصل من األصول اليت بنيت عليها فتاوى اْلمام أمحد بن حنبل‪.‬‬
‫ص ِحيح َش ْيئا أَلْبَ ته ة ََل‬ ‫قال ابن القيم وهو يبني أصول مذهب اإلمام أمحـد بـن حنبـل‪َ .." :‬وُه َو ََل يق دم عل ى احلَ ِديث ال ه‬
‫س ِيف الْبَ اب‬ ‫عمال‪ ،‬وََل قِياسا‪ ،‬وََل قَول صاحب‪ ،‬وإِذا ِل يكن ِيف الْمسأَلَة ح ِديث ص ِحيح وَك ا َن فِيه ا ح ِديث ِ‬
‫ض عيف َولَ ْي َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ض عِيف َوقِيَ اس ق دم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شئ يردهُ عمل بِه‪ ،‬فَِإن َعارضه َما ُه َو أقوى مْنهُ تَركه للمعارض الْقوي‪َ ،‬وإِذا َك ا َن ِيف الْ َم ْس أَلَة َح ديث َ‬
‫َخرين‪ ،‬بل ُه َو واملتقدمون‬ ‫ِ‬ ‫احل ِديث الضهعِيف على الْقياس‪ ،‬ولَيس الضهعِيف ِيف اص ِط َالحه هو الضهعِيف ِيف ِ‬
‫اصط َالح الْ ُمتَأ ّ‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ‬

‫(‪ " )1‬جمموع الفتاوى"(‪.)251/1‬‬


‫(‪" )2‬مقدمة ابن الصالح" (‪.)30/1‬‬
‫(‪" )3‬تدريب الراوي" (‪ ،)168 /1‬مكتبة الرَيض احلديثة‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫احلسن ِعْندهم َداخل ِيف الضهعِيف ِِبَسب مراتبه"‬
‫ضعِيف َو ْ‬ ‫يقسمون احل ِديث إِ َىل ِ‬
‫صحيح َو َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال ابن القيم أيضا‪ :‬األصل الرابع‪ :‬األخذ ابملرسل واحل ديث الض عيف‪ ،‬إذا ِل يك ن يف الب اب ش يء يدفع ه‪ ،‬وه و ال ذي‬
‫رجحه على القي اس‪ ،‬ول يس امل راد ابلض عيف عن ده الباط ل وَل املنك ر‪ ،‬وَل م ا يف روايت ه م تهم ِبي ث َل يس وغ ال ذهاب إلي ه‬
‫فالعم ل ب ه‪ ،‬ب ل احل ديث الض عيف عن ده قس يم الص حيح وقس م م ن أقس ام احلس ن‪ ،‬وِل يك ن يقس م احل ديث إىل ص حيح‬
‫وحسن وضعيف‪ ،‬بل إىل صحيح وض عيف‪ ،‬وللض عيف عن ده مرات ب‪ ،‬ف إذا ِل جي د يف الب اب أث راً يدفع ه وَل ق ول ص احب‪،‬‬
‫وَل إمجاعاً على خالفه‪ ،‬كان العمل به عنده أوىل من القياس"(‪.)2‬‬

‫اب أَِيب َحنِي َف ةَ ‪َ -‬رِمحَهُ ه‬


‫اَّللُ ‪ُْ -‬جم ِم ُع و َن َعلَ ى‬ ‫َص َح ُ‬ ‫وعن تقدمي أيب حنيفة احلديث الضعيف على القياس يقول ابن الق يم‪َ " :‬وأ ْ‬
‫اس وال هرأْ ِي‪ ،‬وعلَ ى ذَلِ ك ب ىن م ْذهب ه‪َ ،‬كم ا قَ د ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَ هن م ْذهب أَِيب حنِي َف ةَ أَ هن ض عِيف ْ ِ ِ ِ‬
‫يث‬
‫هم َح د َ‬ ‫َ َ َ َ ََ ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫احلَ ديث عْن َدهُ أ َْوَىل م ْن الْقيَ ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‪َ ،‬وَمنَ َع‬‫ض ْعفه َعلَ ى ال هرأْ ِي َوالْقيَ ِ‬ ‫ضوء بِنَبِيذ الت ْهم ِر ِيف ال هس َف ِر َم َع َ‬ ‫يث الْ ُو ُ‬
‫هم َحد َ‬ ‫ض ْعفه َعلَى الْقيَ ِ‬
‫اس َوالهرأْ ِي‪َ ،‬وقَد َ‬ ‫الْ َق ْه َق َهة َم َع َ‬
‫يث فِي ِه ِ‬ ‫ض عش رةَ أ هََيٍّم و ْ ِ‬ ‫يث فِي ِه ِ‬ ‫قَطْ ع ال هس ا ِرِق بِس ِرقَ ٍّة أَقَ هل ِم ن عش رةِ در ِاه م و ْ ِ‬
‫يف‪،‬‬‫ضع ٌ‬ ‫َ‬ ‫احلَد ُ‬ ‫َ‬ ‫احلَْي ِ َ َ َ‬ ‫يف‪َ ،‬و َج َع َل أَ ْكثَ َر ْ‬ ‫ضع ٌ‬ ‫َ‬ ‫احلَد ُ‬ ‫ْ َ َ َ ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يث فِي ِه َك َذلِك‪ ،‬وتَ رَك الْ ِقي اس الْمح ض ِيف مس ائِ ِل ْاآلاب ِر ِآل َاث ٍّر فِيه ا َغي ر مرفُوع ة؛ٍّ‬ ‫احل دِ‬
‫ص َر َو َْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َش َر َط ِيف إقَ َام ة ْ‬
‫َ ْ ُ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َْ َ ََ‬ ‫اْلُ ُم َع ة الْم ْ‬
‫يف ِيف‬ ‫ض عِ ِ‬ ‫َمح َد‪ ،‬ولَيس الْم راد ِاب ْحل ِد ِ‬ ‫اس والهرأْ ِي قَ ولُه وقَ و ُل ِْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف وآ َاث ِر ال ه ِ‬ ‫فَتَ ْق ِدميُ ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫يث ال ه‬ ‫اْل َمام أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َُْ ْ‬ ‫ص َحابَة َعلَى الْقيَ ِ َ‬ ‫احلَديث الضهع َ‬
‫ضعِي ًفا َك َما‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ف هو الضهعِيف ِيف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ ُرو َن َح َسنًا قَ ْد يُ َس ّميه اْل ُمتَ َق ّد ُمو َن َ‬
‫ين‪ ،‬بَ ْل َما يُ َس ّميه اْل ُمتَأ ّ‬‫َخ ِر َ‬
‫اصط َال ِح اْل ُمتَأ ّ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫اصط َال ِح ال هسلَ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫هم بَيَانُهُ"‬
‫تَ َقد َ‬
‫فلقد أشار ابن القيم إىل أن الضعيف ميكن أن يقسم من حيث اَلحتجاج به يف األحكام إىل مراتب‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬امل َ‬
‫ض هعف أو اللني‪ ،‬وهو الذي فيه ضعف يسري‪.‬‬
‫ُ‬
‫الثانية‪ :‬متوسط الضعف كالذي فيه راو سيئ احلفظ‪ ،‬أو له أوهام‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الواهي‪ :‬أو الذي فيه راو متهم ابلكذب‪ ،‬أو شديد الضعف‪ ،‬أو املوضوع‪.‬‬
‫فالضعيف الذي يف املرتبة األوىل هو الذي حيتج به اْلمام أمحد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وغريَها‪ ،‬وهو يكاد يقرتب من احلسن‪.‬‬
‫وأما ما كان من املرتبة الثانية فيكون صاحلاً لالعتبار‪ ،‬فضال عن العمل به يف فضائل األعمال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬عمليا ما من إمام إَل وقدم احلديث الضعيف على القياس يف اْلملة‪ ،‬لكنهم يف ذلك ما بني موسع ومض يق‪ ،‬وم ن‬
‫ذلك على سبيل املثال َل احلصر‪:‬‬
‫* قدم أبو حنيفة حديث القهقهة يف الصالة على القياس‪ ،‬مع اتفاق العلماء على ضعفه‪.‬‬
‫* وقدم أبو حنيفة أيضا حديث‪َ ":‬ل مهر أقل من عشرة دراهم"‪ ،‬على القياس‪ ،‬مع ضعفه‪.‬‬
‫* وقدم أبو حنيفة أيضا حديث الوضوء بنبيذ التمر‪ ،‬مع ضعفه‪ ،‬على القياس‪.‬‬
‫* وقدم الشافعي حديث جوام الصالة مبكة يف وقت النهي‪ ،‬مع ضعفه‪ ،‬على القياس‪.‬‬
‫* واْلمام مالك يقدم املرسل واملنقطع على القياس‪.‬‬

‫(‪" )1‬الفروسية"(ص‪ ،)265، 264:‬ابن قيم اْلومية‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬السعودية‪ ،‬حائل‪.‬‬
‫(‪" )2‬إعالم املوقعني عن رب العاملني" َلبن قيم اْلومية (‪ ،)38 /1‬دار احلديث‪.‬‬
‫(‪" )3‬إعالم املوقعني عن رب العاملني" َلبن قيم اْلومية (‪ ،)61 /1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫[‪ ]2‬املذهب الثاين‪( :‬من مذاهب العلماء يف االحتجاج ابحلديث الضعيف)‪:‬‬
‫وهو مذهب مجاهري العلماء من احملدثني والفقهاء وغريهم‪.‬‬
‫ومذهبهم أنه يستحب العمل ابحلديث الضعيف يف فضائل األعمال‪.‬‬
‫قال النووي يف مقدمة كتـاب األذكـار‪" :‬ق ال العلم اء م ن احمل دثني والفقه اء وغ ريهم‪ :‬جي وم ويس تحب العم ل يف الفض ائل‬
‫والرتغيب والرتهي ب ابحل ديث الض عيف م ا ِل يك ن موض وعاً‪ ،‬وأم ا األحك ام ك احلالل واحل رام‪ ،‬والبي ع‪ ،‬والنك اح‪ ،‬والط الق‪،‬‬
‫وغ ري ذل ك‪ ،‬ف ال يعم ل فيه ا إَل ابحل ديث الص حيح أو احلس ن‪ ،‬إَل أن يك ون يف احتي اط يف ش يء م ن ذل ك كم ا إذا ورد‬
‫حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو األنكحة‪ ،‬فإن املستحب أن يتنزه عنه ولكن َل جيب‪.‬‬
‫وإَّنا ذكرت هذا الفصل ألنه جييء يف هذا الكتاب أحاديث أنص على صحتها أو حسنها أو ضعفها‪ ،‬أو أسكت عنها‬
‫"(‪.)1‬‬
‫لذهول عن ذلك أو غريه‪ ،‬فأردت أن تتقرر هذه القاعدة عند مطالع هذا الكتاب‬
‫ِ ( ‪)2‬‬ ‫يث الضهعيف يف فَ ِ‬ ‫وقد اته َفق العلَماء على جوا ِم العم ِل ابحل ِد ِ‬
‫وقال ابن امللقن‪ِ " :‬‬
‫ضائ ِل َ‬
‫األعمال"‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ َُُ‬
‫وقال ابن حجر اهليتمي‪ " :‬وقد اتفق العلماء على جوام العمل ابحلديث الضعيف يف فضائل األعمال‪ ،‬ألنه إن كان‬
‫صحيحا يف نفس األمر فقد أُعطي حقه من العمل به‪ ،‬وإَل ِل يرتتب على العمل به مفسدة حتليل وَل حترمي‪ ،‬وَل ضياع‬
‫حق للغري"(‪.)3‬‬
‫قلت‪ :‬دعوى اَلتفاق على جوام العمل ابحلديث الضعيف يف فضائل األعمال فيها ّ‬
‫جتوم كبري‪ ،‬فقد خالف يف ذلك ابن‬
‫العريب املالكي‪ ،‬وابن حزم الظاهري‪ ،‬وغريَها‪.‬‬
‫وقد اشرتط العلماء القائلون هبذا الرأي شروطاً(‪:)4‬‬
‫(‪ )1‬أن َل يكون احلديث ضعيفا ضعفاً شديداً‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن يكون له أصل أو قاعدة يندرج حتتها‪ ،‬فيخرج ما َيرتع وليس له أصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن َل يعتقد عند العمل به ثبوته‪ ،‬لئال ينسب إىل النيب صلى هللا عليه وسلم ما ِل يقله‪.‬‬
‫[‪ ]3‬املذهب الثالث‪:‬‬
‫ويرى أصحابه أنه َل يعمل ابحلديث الضعيف مطلقاً َل يف فضائل األعمال وَل يف غريها‪.‬‬
‫وهذا مذهب البخاري ومسلم‪ ،‬ويظهر هذا من صنيعها يف صحيحيهما‪ ،‬وابن معني‪ ،‬وأيب مرعة‪ ،‬وأيب حامت وابنه‪ ،‬وأيب‬
‫(‪.)5‬‬
‫بكر بن العريب‪ ،‬وابن حزم الظاهري‬
‫اخلَ ِامس َش ْيء نقل َك َما ذكرَان إِ هما بِنَ ْقل أهل الْمشرق َوالْم ْغرب أَو َكافهة َعن َكافهة أَو ثَِقة َعن ثَِقة َح هَ‬
‫قال ابن حزم‪َ " :‬و ْ‬
‫يبلغ إِ َىل النِهيب صلى هللا علَي ِه وسلم إِهَل أَن ِيف الطه ِريق رجال جمروحاً بكذب أَو غَفلَة أَو َْجمهول ا ْحلال فَه َذا أَيضا ي قُول بِهِ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬

‫(‪" )1‬األذكار املنتخبة من كالم سيد األبرار" للنووي (‪ ،)14، 13/1‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪" )2‬املعني على تفهم األربعني" َلبن امللقن‪( ،‬ص‪ ،)65:‬مكتبة أهل األثر للنشر والتوميع‪ ،‬حويل‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫(‪" )3‬الفتح املبني بشرح األربعني"(ص‪ ،)109:‬أمحد بن حممد بن علي بن حجر اهليتمي‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫(‪" )4‬قواعد التحديث" للقامسي" (‪ ،)116 /1‬دار العقيدة‪" ،‬سري أعالم النبالء" للذهيب (‪ ،)521/8‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )5‬قواعد التحديث" للقامسي (‪ ،)113 /1‬دار العقيدة‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫هص َارى فِ َيما أضافوه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِديقه وََل ْاأل ْ ِ‬
‫َخذ ب َش ْيء مْنهُ َوَهذه صفة نقل الْيَ ُهود َوالن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫عندان ال َق ْول بِه َوََل تَ ْ‬
‫بعض الْ ُمسلمني َوََل حيل َ‬
‫إِ َىل أَنْبِي ِ‬
‫ههم كفار بَِال ّ‬
‫شك َوََل مرية"‬ ‫ائهم ألَنههُ يقطع ِِبَن ُ‬
‫(‪.)1‬‬
‫َ ْ‬
‫قلت‪ :‬القول ِبن مذهب البخاري ومسلم رفض احلديث الضعيف مطلقا حمل نظر عندي؛ إذ إن البخاري أخرج يف‬
‫كتاب األدب املفرد كثريا من األحاديث الضعيفة اليت َل َيفى ضعفها‪ ،‬مما يدل على أن ظاهر مذهبه العمل ابلضعيف‬
‫يف فضائل األعمال‪ ،‬وكذلك فعل مسلم يف مقدمة صحيحه‪.‬‬
‫الفصل يف اخلالف‪:‬‬
‫قال اللكنوي‪" :‬فمنهم من منع العمل ابلضعيف مطلقا‪ ،‬وهو مذهب ضعيف‪ ،‬ومنهم من ّ‬
‫جومه مطلقا‪ ،‬وهو توسع‬
‫(‪.)2‬‬
‫سخيف‪ ،‬ومنهم من فصل وقيد‪ ،‬وهو املسلك املسدد"‬
‫مسائل تتعلق ابحلديث الضعيف‬
‫[‪ ]1‬ضعف اإلسناد ال يقتضي ضعف املنت‪:‬‬
‫َل يلزم من ضعف السند ضعف املنت‪ ،‬كما أنه َل يلزم من ضعف املنت ضعف السند‪ ،‬فقد يكون السند ضعيفاً وأييت‬
‫املنت من طريق آخر صحيح أو حسن‪ ،‬وكذلك قد يكون السند صحيحاً أو حسناً‪ ،‬ولكن املنت َل يصح لوجود شذوذ أو‬
‫(‪.)3‬‬
‫علة‬
‫لذلك جيب التحرم من سرعة احلكم على احلديث بناءا على احلكم على اْلسناد‪.‬‬
‫فإذا درست إسنادا فوجدته ضعيفا‪ ،‬فيكون حكمك عليه فقط‪ ،‬وليس على احلديث‪ ،‬فتقول‪":‬هذا إسناد ضعيف"‪ ،‬أو‬
‫تقول‪" :‬هذا احلديث ضعيف هبذا اْلسناد"‪.‬‬
‫لكن ملن بلغ درجة من احلفظ واْلحاطة بطرق احلديث وشواهده أن حيكم على احلديث سندا ومتنا‪ ،‬فيقول‪" :‬هذا‬
‫حديث صحيح"‪ ،‬أو ‪ :‬هذا حديث ضعيف‪ ،‬أو حديث حسن‪.‬‬
‫وملن ِل يبلغ هذه الدرجة أن ينقل حكم إمام معتمد على احلديث‪ ،‬وله كذلك أن يقلده‪.‬‬
‫[‪ ]2‬رواية احلديث الضعيف بغري سنده تقتضي تصديره بصيغة التمريض‪ ،‬وليس بصيغة اجلزم‪.‬‬
‫روي‪ ،‬قيل‪ُ ،‬حكي‪ ،‬نُقل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬‫فال يصدر بصيغة‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كذا‪ ،‬بل يصدر بصيغة التمريض‪ُ :‬‬
‫[‪ ]3‬ال يُشتغل مبا يرد يف احلديث الضعيف من استشكاالت‪:‬‬
‫فإذا استشكل احلديث الضعيف‪ ،‬لتعارضه لدليل صحيح‪ ،‬كالقرآن أو السنة الصحيحة‪ ،‬أو اْلمجاع‪ ،‬أو صريح العقل‪ ،‬أو‬
‫الوقائع الثابتة اترَييا‪ ،‬فال جيب اَلنتهاض للجمع وإمالة اَلستشكال‪ ،‬بل َل ينظر إليه‪ ،‬ألن وجود ذلك َل يزيد احلديث‬
‫الضعيف إَل ضعفا‪.‬‬
‫(‪.)4‬‬
‫اب عن احلديث حَ يكون صحيحا‪ ،‬والباطل يكفي يف رده كونه ابطال"‬ ‫قال القابسي‪َ" :‬ل يُ ُ‬
‫تكلف اْلو ُ‬

‫(‪" )1‬الفصل يف امللل والنحل"َلبن حزم‪ )69/2( ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬


‫(‪" )2‬األجوبة الفاضلة لألسئلة العشرة الكاملة" (ص‪ ،)53:‬عبد احلي اللكنوي اهلندي‪ ،‬مكتب املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫(‪ )3‬منهج النقد يف علوم احلديث" (‪ )290/1‬د‪ .‬نور الدين عرت‪.‬‬
‫(‪ )4‬قواعد التحديث من فنون مصطلح احلديث" (ص‪ ،)122:‬حممد مجال الدين بن حممد سعيد القامسي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪..‬‬
‫‪62‬‬
‫املصنفات يف األحاديث الضعيفة‬
‫من مظان احلديث الضعيف‪:‬‬
‫(‪ )1‬الكتب اليت صنفت يف بيان الضعفاء‪ :‬ككتاب اجملروحني َلبن حبان‪ ،‬وكتاب الضعفاء الكبري للعقيلي‪ ،‬والكامل َلبن‬
‫عدي؛ وميزان اَلعتدال للذهيب‪ ،‬فإن مؤلفيها يذكرون أمثلة لألحاديث اليت صارت ضعيفة بسبب رواية أولئك الضعفاء هلا‪.‬‬
‫درج‪ ،‬واملصحف‪ ،‬وغريها؛ ككتاب‬ ‫(‪ )2‬الكتب اليت صنفت يف أنواع من الضعيف خاصة‪ :‬مثل كتب املراسيل‪ ،‬والعلل‪ ،‬واملُ َ‬
‫املراسيل أليب داود‪ ،‬واملراسيل َلبن أيب حامت‪ ،‬وكتاب العلل للدارقطّن‪ ،‬والعلل لعلي بن املديّن‪.‬‬
‫(‪ )3‬كتب عرفت ابَلستقراء والتتبع أها إذا انفردت ِبديث فإنه يكون ضعيفا؛ مثل‪ :‬نوادر األصول للحكيم الرتمذي‪ ،‬كتب‬
‫اخلطيب البغدادي‪ ،‬ومسند الفردوس للديلمي‪ ،‬وحلية األولياء‪ ،‬أليب نعيم‪ ،‬واتريخ ابن النجار‪ ،‬واتريخ دمشق َلبن عساكر‪.‬‬
‫الف ـ ـ ـصـ ـ ـ ـل الرابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع‬
‫أقسـ ـ ـ ـ ـ ـام الـ ـ ـحديـ ـ ـ ـ ـث الضـ ـ ـ ـعيـ ـ ـ ـف بسـ ـ ـ ـبب فقـ ـ ـ ـد شـ ـرط االتـ ـصـ ـ ـ ـال‬
‫أوال‪ :‬الـ ـ ـحـ ـ ـديث ال ـ ـمرسـ ـ ـ ـل‬
‫تعريفه لغة واصطالحا‪:‬‬
‫املرسل لغة‪ :‬اسم مفعول من"أرسل"مبعىن "أطلق"‪ ،‬مأخوذ من اْلرسال مبعىن اْلطالق وعدم املنع‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪":‬أََِلْ تَ َر أَهان‬
‫ين تَ ُؤمُُّه ْم أَمًّا"‪،‬أي سلهطناهم عليهم‪ ،‬وِل َّننعهم منهم‪ ،‬ويقال‪ :‬أرسلت الطائر إذا أطلقته وأرسلت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫أ َْر َس ْلنَا الشهيَاط َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫الكالم إذا أطلقته من غري تقييده‬
‫"(‪.)2‬‬
‫قال العالئي‪" :‬فكأن املرسل أطلق اْلسناد وِل يقيده براو معروف‬
‫واصطالحاً‪ ،‬تعددت تعريفات املرسل‪ ،‬وكلها متقاربة يف املعىن‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(‪ )1‬تعريف احلاكم‪:‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلم‬ ‫ول هِ‬ ‫ول التهابِعِ ُّي‪ :‬قَ َ‬ ‫هصلَ ٍّة إِ َىل التهابِعِ ِّي فَيَ ُق ُ‬
‫ث ِِبَسانِ َيد مت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرسل‪ُ " :‬ه َو الهذي يَ ْرِويه الْ ُم َح ّد ُ َ ُ‬
‫ه (‪.)3‬‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫(‪ )3‬تعريف ابن الصالح‪ ،‬وهو التعريف املختار‪:‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪،‬‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ِِ ِِ ِ ِ‬ ‫صلهى ه ِ ه‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسل َم‪َ ،‬وأَهما َما َرَواهُ َاتبع ُّي التهابع ِّي َعن الن ِّ‬
‫ِِ ِ ِ‬
‫قال ابن الصالح‪َ :‬ما َرَواهُ التهابع ُّي َعن الن ِّ‬
‫هيب َ‬
‫(‪.)4‬‬
‫ض َل‬‫فَيُ َس ُّمونَهُ الْ ُم ْع َ‬
‫سواء أكان كبريا أم صغريا عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬من قوله أو فعله أو تقريره‪ ،‬فإذا مسعه التابعي من النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬حال كفره‪ ,‬مث أسلم بعد ذلك ورفع احلديث فإن حديثه يكون متصال َل مرسال‪ ،‬كالتنوخي رسول هرقل‪ ،‬فقد‬
‫أخرج حديثه اْلمام أمحد وأبو يعلى يف مسنديهما‪ ،‬وساقاه مساق األحاديث املسندة‪.‬‬

‫(‪" )1‬املصباح املنري"(‪" ،)226/1‬اتج العروس"(‪ 68/29‬وما بعدها)‪.‬‬


‫(‪" )2‬جامع التحصيل يف أحكام املراسيل"(‪ )23/1‬صالح الدين أبو سعيد العالئي‪ ،‬عاِل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )3‬معرفة علوم احلديث" (‪ ،)25/1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )4‬مقدمة ابن الصالح" (‪ ،)52/1‬دار الفكر‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫يد بْ ِن‬ ‫ال‪ :‬ح هدثَِّن َحيىي بن سلَي ٍّم‪ ،‬عن عب ِد هللاِ ب ِن عثْما َن ب ِن خث ي ٍّم‪ ،‬عن سعِ ِ‬ ‫قال اإلمام أمحد‪ :‬حدهثَنَا إِسح ُ ِ‬
‫ْ ُ َ ْ ُ َْ َ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َْ‬ ‫يسى‪ ،‬قَ َ َ‬ ‫اق بْ ُن ع َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وخ َّي رس َ ِ‬ ‫ال‪ :‬لَ ِقيت التَّـن ِ‬ ‫أَِيب َر ِاش ٍّد قَ َ‬
‫ص‪َ ،‬وَكا َن َج ًارا ِيل َشْي ًخا َكبِ ًريا قَ ْد بَلَ َغ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم ِب ْم َ‬ ‫ول هَرقْ َل إِ َىل َر ُسول هللا َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ُ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم إِ َىل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ ،‬وِر َسالَة َر ُسول هللا َ‬ ‫هيب َ‬ ‫ت أَََل ُختْربُين َع ْن ر َسالَة هَرقْ َل إ َىل الن ِّ‬ ‫ب‪ ،‬فَ ُقلْ ُ‬ ‫الْ َفنَ َد أ َْو قَ ُر َ‬
‫ول هللاِ‬ ‫يب إِ َىل ِهرقْل‪ ،‬فَ لَ هما أَ ْن جاءه كِتَاب رس ِ‬ ‫وك فَب ع ِ‬ ‫ال‪ :‬ب لَى‪ ،‬قَ ِدم رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َُ ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ث د ْحيَةَ الْ َك ْلِ ه‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم تَبُ َ َ َ َ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫َ َُ‬ ‫هَرقْ َلق فَ َق َ َ‬
‫ث َرأَيْتُ ْم‪َ ،‬وقَ ْد‬ ‫ال‪ :‬قَ ْد نََزَل َه َذا الهر ُج ُل َحْي ُ‬ ‫الر ِوم‪َ ،‬وبَطَا ِرقَتَ َها‪ ،‬مثُه أَ ْغلَ َق َعلَْي ِه‪َ ،‬و َعلَْي ِه ْم َاب ًاب‪ ،‬فَ َق َ‬
‫يسي ُّ‬ ‫صلهى هللا علَي ِه وسلهم دعا قِ ِس ِ‬
‫َ ُ َْ َ َ َ ََ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ث ِخ ٍّ‬ ‫يل ي ْدع ِوين إِ َىل ثََال ِ‬
‫ضنَا‪ ،‬أ َْو‬ ‫ض أ َْر ُ‬ ‫صال يَ ْد ُع ِوين إِ َىل أ َْن أَتهبِ َعهُ َعلَى دينه‪ ،‬أ َْو َعلَى أَ ْن نُ ْعطيَهُ َمالَنَا َعلَى أ َْرضنَا‪َ ،‬و ْاأل َْر ُ‬ ‫َ‬ ‫أ َْر َس َل إِ َه َ ُ‬
‫ت قَ َد َم هي‪ ،‬فَ َهلُ هم نَتهبِ ْعهُ َعلَى ِدينِ ِه‪ ،‬أ َْو نُ ْع ِط ِيه َمالَنَا‬ ‫ب‪ ،‬لَيَأْ ُخ َذ هن َما َْحت َ‬ ‫ب‪ ،‬وهللاِ لَ َق ْد َعرفْ تُم فِيما تَ ْقرءو َن ِمن الْ ُكتُ ِ‬
‫َ ْ َ َُ َ‬ ‫احلَْر َ َ‬ ‫نُْل ِق َي إِلَْي ِه ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫وان إِ َىل أَ ْن نَ َدع الن ِ‬ ‫اح ٍّد‪َ ،‬ح هَ َخَر ُجوا ِم ْن بََرانِ ِس ِه ْم َوقَالُوا‪ :‬تَ ْدعُ َ‬ ‫علَى أَر ِضنَا‪ ،‬فَنَخروا َخنْرةَ رج ٍّل و ِ‬
‫هصَرانيهةَ‪ ،‬أ َْو نَ ُكو َن َعب ًيدا أل َْعَرٍِّّ‬
‫ايب‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ك لَ ُك ْم ِألَ ْعلَ َم‬ ‫ال‪ :‬إِهَّنَا قُ ْل ِ‬
‫ت ذَل َ‬ ‫ُ‬ ‫وم َرفَأ َُه ْم َوَِلْ يَ َك ْد‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫هه ْم إِ ْن َخَر ُجوا ِم ْن ِعْن ِدهِ‪ ،‬أَفْ َس ُدوا َعلَْي ِه ُّ‬
‫الر َ‬ ‫جاء من احلجام‪ ،‬فَلَ هما ظَ هن أَن ُ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ص َالبَتَ ُك ْم َعلَى أ َْم ِرُك ْم‪".....‬‬ ‫َ‬
‫واملراد ابلتابعي الكبري‪ :‬من لقي كثريا من الصحابة وجالسهم وكانت أكثر روايته عنهم‪ ،‬كسعيد بن املسيب‪ ،‬وعبيد هللا بن‬
‫عدي بن اخليار‪ ,‬وقيس بن أيب حامم‪ ،‬واحلسن البصري‪ ،‬وأمثاهلم‪.‬‬
‫والتابعي الصغري‪ :‬هو من ِل يلق من الصحابة إَل عددا قليال‪ ،‬ولكن أكثر روايته عن التابعني‪ ،‬كالزهري‪ ،‬وحيىي بن سعيد‬
‫األنصاري‪ ،‬وأمثاهلم‪.‬‬
‫ومن رأى النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو غري مميز كمحمد بن أيب بكر الصديق‪ ,‬فإنه صحايب‪ ,‬ولكن لروايته حكم املرسل َل‬
‫املوصول‪ ،‬وليس له حكم مراسيل الصحابة؛ ألن أكثر رواية هذا وشبهه عن التابعني ِبالف الصحايب الذي أدرك‪ ,‬ومسع فإن‬
‫احتمال روايته عن التابعي بعيدة جدا‪.‬‬
‫صورة احلديث املرسل‪:‬‬
‫املرسل هو ما أضافه التابعي إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬ك مالك عن انفع عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬أو مالك عن‬
‫الزهري عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬واألعمش عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬أو عن ابن عيينة عن الزهري عن النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫فهذه كلها مراسيل؛ ألن طبقة الصحايب ساقطة‪ ,‬وسقطت الواسطة بني الراوي وبني النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫أمثلة على املرسل‪:‬‬
‫احلَِّر ِم ْن فَ ْي ِح‬
‫ال‪" :‬إِ هن ِش هد َة ْ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬ ‫ول هِ‬ ‫َسلَم‪َ ،‬ع ْن َعطَ ِاء بْ ِن يَس ٍّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ار‪ ،‬أَ هن َر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬ما رواه مالك َع ْن َميْد بْ ِن أ ْ َ‬
‫ضا‪ ،‬فَأ َِذ َن َهلَا‬ ‫ِ‬
‫ب أَ َك َل بَ ْعضي بَ ْع ً‬‫ت‪ََ :‬ي َر ِّ‬
‫ِ‬
‫هار إِ َىل َرّهبَا‪ ،‬فَ َقالَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ال‪" :‬ا ْشتَ َكت الن ُ‬ ‫ص َالةِ"‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫َج َهن َهم‪ ،‬فَِإذَا ا ْشتَ هد ا ْحلَُّر فَأَبْ ِرُدوا َع ِن ال ه‬
‫ِ (‪.)2‬‬
‫صْيف"‬‫س ِيف ال ه‬ ‫الشتَ ِاء‪َ ،‬ونَ َف ٍّ‬
‫س ِيف ِّ‬ ‫ني ِيف ُك ِل َع ٍّام‪ :‬نَ َف ٍّ‬ ‫بِنَ َفس ْ ِ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫وعطاء بن يسار من التابعني‪ ،‬فحديثه مرسل‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد يف مسنده‪ – )416/24( :‬رقم(‪.)15655‬‬


‫(‪ )2‬موطأ مالك‪ :‬كتاب وقوت الصالة– ابب النهي عن الصالة ابهلاجرة ‪ -‬رقم (‪)27‬‬
‫‪64‬‬
‫ال‪" :‬من أَ َكل ِمن ه ِذهِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫اب‪ ،‬عن سعِ ِ‬
‫يد بْ ِن الْمسّيِ ِ‬ ‫(‪ )2‬ما رواه مالك َعن ابْ ِن ِشه ٍّ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم قَ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ب أَ هن َر ُس َ‬ ‫َُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ "(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َم َساج َد َان‪ ،‬يُ ْؤذينَا بِ ِر ِ‬
‫يح الثُّوم‬ ‫هجَرةِ‪ ،‬فَ َال يَ ْق ُر ْ‬
‫الش َ‬
‫وسعيد بن املسيب من التابعني‪.‬‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن إِبْ َر ِاه َيم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هاد بْن ال هس ِر ِي‪َ ،‬ع ْن وكِ ٍّيع‪َ ،‬ع ْن ُس ْفيَا َن‪َ ،‬ع ِن ُّ ِ‬
‫الزبَ ْري بْ ِن َعد ٍّّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )3‬ما أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬قال‪َ :‬حدهثَنَا َهن ُ ُ‬
‫ِ ِ (‪.)2‬‬
‫اسوهد ظَ ْهر قَ َدمه"‬ ‫ص َالةِ‪ ،‬افْ تَر َ ِ‬
‫س ِيف ال ه‬ ‫ِ ه ِ‬ ‫هيب َ ه‬ ‫ال‪َ :‬كا َن النِ ُّ‬
‫ش ر ْجلَهُ الْيُ ْسَرى َح هَ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫صلى هللاُ َعلَْيه َو َسل َم إذَا َجلَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫وهذا مرسل؛ ألن إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي اتبعي‪ ،‬ولد سنة ست وأربعني‪ ،‬وتويف سنة ست وتسعني‪.‬‬
‫أمثلة على املرسل على اصطالح بعض احملدثني واألصوليني‪:‬‬
‫ما عرفناه سابقا من أن املرسل هو رواية التابعي عن النيب صلى هللا عليه‪ ،‬هو املرسل عند مجهور احملدثني‪ ،‬ولكن بعض‬
‫احملدثني وكثري من األصوليني يطلقون املرسل على كل منقطع‪ ،‬أَي كان موضع اَلنقطاع‪.‬‬
‫هن فَ ْوقَهُ‪ ،‬إِهَل أَ هن أَ ْكثَ َر َما‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ادهُ‪ِِ ،‬بَ ْن يَ ُكو َن ِيف ُرَواته َم ْن َِلْ يَ ْس َم ْعهُ مم ْ‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪َ " :‬وأَهما الْ ُم ْر َس ُل‪ ،‬فَ ُه َو‪َ :‬ما انْ َقطَ َع إِ ْسنَ ُ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسل هم"‬
‫ه (‪.)3‬‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫ال َما َرَواهُ التهابع ُّي َعن الن ِّ‬ ‫ث ِاَل ْستِ ْع َم ُ‬ ‫ف ِابِْْل ْر َس ِال ِم ْن َحْي ُ‬ ‫وص ُ‬‫يُ َ‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫هار‪َ ،‬حدهثَنَا َْحي َىي‪َ ،‬و َعْب ُد الهر ْمحَ ِن‪ ،‬قَ َاَل‪َ :‬حدهثَنَا ُس ْفيَا ُن‪َ ،‬ع ْن أَِيب َرْو ٍّق‪َ ،‬ع ْن إِبْ َر ِاه َيم‬ ‫(‪ )1‬قال أبو داود‪َ :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْن بَش ٍّ‬
‫ُ‬
‫ض ْأ» ‪.‬‬
‫(‪.)4‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَبهلَ َها َوَِلْ يَتَ َو ه‬ ‫هيب َ‬
‫ِ‬
‫الت ْهيم ِّي‪َ ،‬ع ْن َعائ َشةَ‪« ،‬أَ هن النِ ه‬
‫ِ‬
‫ات إِبْ َر ِاه ُيم‬
‫ال أَبُو َد ُاوَد‪َ :‬م َ‬ ‫ال أَبُو َد ُاوَد‪َ :‬وُه َو ُم ْر َس ٌل إِبْ َر ِاه ُيم الت ْهي ِم ُّي َِلْ يَ ْس َم ْع ِم ْن َعائِ َشةَ‪ ،‬قَ َ‬ ‫يب‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال أَبُو َد ُاو َد‪َ :‬ك َذا َرَواهُ الْ ِف ْرََيِ ُّ‬ ‫قَ َ‬
‫ْىن أ ََاب أ َْمسَاءَ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َسنَةً‪َ ،‬وَكا َن يُك َ‬ ‫الت ْهيم ُّي َوَِلْ يَْب لُ ْغ أ َْربَع َ‬
‫فأطلق أبو داود هنا اسم املرسل على املنقطع؛ ألن هذه صورة املنقطع عند احملدثني‪ ،‬وليست صورة املرسل‪.‬‬
‫اق بْ ِن‬ ‫ب‪َ ،‬ع ْن إِ ْس َح َ‬ ‫ي‪َ ،‬حدهثَنَا أَبُو َع ِام ٍّر‪ ،‬وأَبُو َداوَد‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن أَِيب ِذئْ ٍّ‬ ‫ك بْ ُن َم ْرَوا َن ْاأل َْه َوا ِم ُّ‬ ‫(‪ )2‬قال أبو داود‪ :‬حدهثَنَا َعب ُد الْملِ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫اَّللِ ب ِن مسع ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِز َيد ا ْهل َذِِيل‪ ،‬عن عو ِن ب ِن عب ِد هِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬إ َذا َرَك َع أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ود‪ ،‬قَ َ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬ع ْن َعْبد ه ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ُ ّ َ ْ َ ْ ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ْلي ُقل ثََال َ ٍّ‬
‫ك أ َْد َانهُ"(‪..)5‬‬‫يب ْاأل َْعلَى ثََال ًاث‪َ ،‬و َذل َ‬ ‫ِ‬
‫ك أ َْد َانهُ‪َ ،‬وإ َذا َس َج َد فَ ْليَ ُق ْل‪ُ :‬سْب َحا َن َرَِّ‬ ‫يب الْ َع ِظي ِم‪َ ،‬و َذل َ‬ ‫ث َمهرات‪ُ :‬سْب َحا َن َرَِّ‬ ‫َ ْ‬
‫اَّللِ»‬
‫ال أَبُو َد ُاو َد‪َ « :‬ه َذا ُم ْر َسلٌ‪َ ،‬ع ْو ٌن َِلْ يُ ْد ِرْك َعْب َد ه‬ ‫قَ َ‬
‫يد بْ ِن بَ ِش ٍّري‪،‬‬ ‫يد‪ ،‬عن سعِ ِ‬ ‫ِ‬
‫احلَهرِاينُّ‪ ،‬قَ َاَل‪َ :‬حدهثَنَا الْ َول ُ َ ْ َ‬ ‫ض ِل ْ‬ ‫ب ْاألَنْطَاكِ ُّي‪َ ،‬وُم َؤهم ُل بْ ُن الْ َف ْ‬ ‫وب بْن َك ْع ٍّ‬
‫(‪ )3‬قال أبو داود‪َ :‬حدهثَنَا يَ ْع ُق ُ ُ‬
‫اَّللِ‬ ‫ت َعلَى رس ِ‬ ‫ك‪َ :‬ع ْن َعائِ َشةَ َر ِض َي ه‬ ‫ال‪ :‬ي ع ُقوب ابن ُدري ٍّ‬ ‫ِ ٍّ‬
‫ول ه‬ ‫َُ‬ ‫ْر‪َ ،‬د َخلَ ْ‬‫ت أَِيب بَك ٍّ‬ ‫اَّللُ َعْن َها‪ ،‬أَ هن أ َْمسَاءَ بِْن َ‬ ‫َع ْن قَتَ َاد َة‪َ ،‬ع ْن َخالد‪ ،‬قَ َ َ ْ ُ ْ ُ َْ‬
‫ت‬ ‫ال‪َ« :‬ي أ َْمساء‪ ،‬إِ هن الْمرأََة إِ َذا ب لَغَ ِ‬ ‫ِ ه‬ ‫اَّللِ َ ه‬ ‫اب ِرقَ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم َو َعلَْي َها ثيَ ٌ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫صلى هللاُ َعلَْيه َو َسل َم‪َ ،‬وقَ َ َ َ ُ‬ ‫ول ه‬ ‫ض َعْن َها َر ُس ُ‬ ‫اق‪ ،‬فَأ َْعَر َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬موطأ مالك‪ :‬كتاب وقوت الصالة– ابب النهي عن دخول املسجد بريح الثوم ‪ -‬رقم (‪)30‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الصالة – ابب كيف اْللوس يف التشهد– رقم (‪.)962‬‬
‫(‪" )3‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪( ،‬ص‪ ،)21:‬املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الطهارة– ابب الوضوء من القبلة– رقم (‪.)178‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الصالة– ابب مقدار الركوع والسجود – رقم (‪.)886‬‬
‫‪65‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫َش َار إِ َىل َو ْج ِه ِه َوَكفْهي ِه‬
‫صلُ ْح أَ ْن يَُرى ِمْن َها إِهَل َه َذا َوَه َذا» َوأ َ‬
‫يض َِلْ تَ ْ‬
‫ِ‬
‫الْ َمح َ‬
‫ك َِلْ يُ ْد ِرْك َعائِ َشةَ َر ِض َي ه‬
‫اَّللُ َعْن َها»‬ ‫ال أَبو َداوَد‪« :‬ه َذا مرسل‪ ،‬خالِ ُد بن ُدري ٍّ‬
‫قَ َ ُ ُ َ ُ ْ َ ٌ َ ْ ُ َْ‬
‫أسباب اإلرسال ‪:‬‬
‫(‪ )1‬قد يريد اَلختصار يف اْلسناد‪ ،‬أو يتفنن يف سياق األسانيد مرة يسند‪ ،‬ومرة يرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬أو لكون من يروي عنه أصغر منه فيأنف يف الرواية عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أو يرسل ألسباب سياسية‪ ،‬أو تتعلق ابخلالف بني الفرق اْلسالمية‪ ،‬كأن يكون يف جمتمع نواصب‪ ،‬واخلرب من حديث‬
‫آل البيت‪ ،‬أو العكس‪.‬‬
‫(‪ )4‬أن يكون احلديث اثبتا عند الراوى الذى أخرجه لكن قد يكون ى سنده رجل غري موثق‪ ،‬ككونه جمهول احلال فيحذفه‬
‫من السند‪ ,‬كراهية أن يُرهد احلديث‪.‬‬
‫(‪ ) 5‬وأما من كان يرسل عن كل أحد فرمبا كان الباعث له على اْلرسال ضعف من حدثه‪ ،‬لكن هذا يقضي القدح يف فاعله‬
‫ملا ترتتب عليه من اخليانة‪.‬‬
‫أما من كان ال يرسل إال عن ثقة‪ ،‬فما احلامل له على اإلرسال؟ إن لذلك أسباابً منها‪:‬‬
‫(أ ) أن يكون مسع احلديث عن مجاعة ثقات وصح عنده‪ ،‬فريسله اعتمادا على صحته عن شيوخه‪ ،‬كما صح عن إبراهيم‬
‫(‪.)2‬‬
‫النخعي أنه قال‪" :‬ما حدثتكم عن ابن مسعود رضي هللا عنه‪ ،‬فقد مسعته من غري واحد وما حدثتكم فسميت فهو من مسيت"‬
‫تنسم فيها مالك عبري العلم النبوي الشريف بيئة حافلة‬
‫وهذا الباعث يصدق على مرسالت اْلمام مالك‪ ,‬ألن بيئة املدينة اليت ّ‬
‫ِبَ َملَة احلديث يف طبقة الصحابة فمن بعدهم فال يستبعد أن يكون مالك أو أحد شيوخه مسع اخلرب من مجاعة ثقات‪ ,‬وصح‬
‫عنده‪ ,‬فرتك ذكرهم يف السند‪.‬‬
‫(ب) أن يكون نسي من حدثه به وعرف املنت‪ ،‬فذكره مرسال‪ ،‬ألن أصل طريقته أنه َل حيمل إَل عن ثقة‪.‬‬
‫(ج) أن َل يقصد التحديث بل يذكر احلديث على وجه املذاكرة‪ ،‬أو على جهة الفتوى‪ ،‬فيذكر املنت ألنه املقصود يف تلك‬
‫احلالة دون السند‪ ،‬وَل سيما إن كان السامع عارفا مبن طوى ذكره لشهرته أو غري ذلك من األسباب‪.‬‬
‫وهذا ا لباعث قد يصدق على معىن اْلرسال عند األصوليني‪ ,‬حينما حيذف اْلسناد كله أو بعضه‪ ,‬وَل يكون كذلك على‬
‫معىن اْلرسال عند احمل ّدثني‪ ,‬حيث يسقط راو واحد من السند‪.‬‬
‫وقد نلمس هذا الباعث أيضا ى مواضع من موطّأ مالك‪ ,‬حيث يعمد إىل رواية أحاديث ِبسانيد متصلة مث يوردها ى مقام‬
‫تقرير حكم فقهى‪ ,‬حمذوفة اْلسناد‪.‬‬
‫مالحظات ‪:‬‬
‫(‪ )1‬من رأى النيب صلى هللا عليه وسلم وِل يسمع منه شيئاً‪ ،‬فله شرف الصحبة َل حكمها يف الرواية‪ ،‬فحديثه من قبيل‬
‫املرسل‪ ،‬وَل يعد متصالً‪ ،‬لكنه مبنزلة رواَيت كبار التابعني‪ .‬مثل‪ :‬جع َدة بن هب ي رةَ الْمخز ِ‬
‫وم ّي‪ ،‬أمه أم هانئ بنت أيب طالب‪،‬‬‫َ ْ ْ َُْ َ َ ْ ُ‬
‫ولد يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وله رؤية‪ ،‬ثبت له هبا شرف الصحبة؛ ولذا حكم بصحبته بعض أهل العلم‪ ،‬وراعى‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب اللباس– ابب فِ َيما تُْب ِدي الْ َمْرأَةُ ِم ْن ِم َينتِ َها– رقم (‪.)4104‬‬
‫(‪ " )2‬النكت على كتاب ابن الصالح" (‪َ )555/2‬لبن حجر العسقالين‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫آخرون عدم مساعه من النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فحكموا بتابعيته‪ ،‬وهذا ينبئك عن سبب اختالفهم‪.‬‬
‫فالتحقيق أنه صحايب‪ ،‬لكن حلديثه حكم رواَيت التابعني؛ ألنه ِل يسمع من النيب صلى هللا عليه وسلم شيئاً‪.‬‬
‫"(‪.)1‬‬
‫قال حيىي بن معني‪" :‬جعدة بن ُهبَ ْي َرة ِل يسمع من النِهيب صلى هللا َعلَْي ِه َوسلم َشْيئا‬
‫(‪ )2‬رواية من له رؤية لبعض الصحابة وِل يسمع من أحد منهم‪ ،‬فهذا يثبت له شرف التابعية َل أحكامها‪ ،‬وعليه‪ ،‬فروايته‬
‫عن النيب صلى هللا عليه وسلم معضلة‪ ،‬وروايته عن الصحابة منقطعة‪.‬‬
‫وذلك كرواَيت إبراهيم النخغي أو األعمش عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هيب صلهى ه ِ‬ ‫هخعِ ُّي أَح ًدا ِمن أ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم إِهَل َعائ َشةَ َوَِلْ‬ ‫َص َحاب النِ ِّ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ول‪َِ :‬لْ يَ ْل َق إِبْ َراه ُيم الن َ‬
‫ت أَِيب يَ ُق ُ‬ ‫قال ابن أيب حامت‪َ " :‬مس ْع ُ‬
‫(‪.)2‬‬
‫صغِريٌ َوأ َْد َرَك أَنَ ًسا َوَِلْ يَ ْس َم ْع ِمْنهُ"‬ ‫ِ‬
‫يَ ْس َم ْع مْن َها َشْي ئًا فَِإنههُ َد َخ َل َعلَْي َها َوُه َو َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪.‬‬
‫صلهى ه‬ ‫ٍّ‬
‫اَّلل َ‬
‫َص َحاب َر ُسول ه‬‫ش من واحد من أ ْ‬ ‫َعم ُ‬‫وقال أبو عبيد اآلجري‪ :‬مسعت أاب داود يقول‪َِ " :‬لْ يَ ْس َم ِع األ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ابن أَيب أَوى‪ ،‬وَل َِمسع منه‬ ‫ال‪ :‬وَل كلمة إَّنا رأى أنساً‪ ،‬وِل يرو عن َ‬ ‫قُ ْلت‪ :‬أَنسق‪ .‬قَ َ‬
‫حكم احلديث املرسل‪:‬‬
‫الصحيح الراجح ضعف احلديث املرسل؛ ألننا َل نعلم هل الذي سقط صحايب أو اتبعي‪ ،‬فإذا كان اتبعيا فقد يكون ثقة‪،‬‬
‫وقد يكون ضعيفا‪ ،‬وسقوط طبقة من طبقات اْلسناد تدل على ضعف اْلسناد؛ ألن اتصال السند من شروط احلديث‬
‫الصحيح واحلسن‪ ،‬واملرسل فقد شرط اَلتصال فيكون يف ذاته ضعيفا‪ ،‬إَل إذا اعتضد بغريه‪.‬‬
‫مذاهب الفقهاء يف العمل ابحلديث املرسل‪:‬‬
‫(أوال) مذهب َجُْ ُهور الْ ُف َق َهاء‪ :‬ذهب مجهور الفقهاء إىل وجوب العمل ابحلديث املرسل؛ منهم أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪،‬‬
‫وأصحاهبما‪ ،‬وقد حكي عن اْلمام أمحد اَلحتجاج به يف رواية‪.‬‬
‫املرسل عند احلنفية‪ :‬اتفق احلنفية على قبول مراسيل أهل القرن الثاين والثالث؛ لثبوت عدالتهم بشهادة النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقد أخرج الشيخان يف صحيحيهما عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ف‪،‬‬ ‫ال‪" :‬مثُه ي تخله ِ ِ ِ‬
‫ين يَلُونَ ُه ْم"‪ ،‬فَ َال أ َْد ِري ِيف الثهالِثَِة أ َْو ِيف الهرابِ َع ِة قَ َ‬ ‫هِ‬ ‫هِ‬ ‫" َخْي ر الن ِ ِ‬
‫ف م ْن بَ ْعده ْم َخ ْل ٌ‬
‫ََ َ ُ‬ ‫ين يَلُونَ ُه ْم‪ ،‬مثُه الذ َ‬ ‫هاس قَ ْرين‪ ،‬مثُه الذ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحده ْم َميينَهُ‪َ ،‬وَميينُهُ َش َه َادتَهُ"‬‫تَ ْسبِ ُق َش َه َادةُ أ َ‬
‫(‪.)4‬‬

‫فلم يفرق احلنفية بني إرسال الصحابة والتابعني وأتباعهم؛ ألن عدالتهم مجيعا ثبتت بشهادة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد‬
‫خص مالك ومجهور أصحابه قبول املرسل ابلتابعني فيما أرسلوه على اختالف طبقاهتم‪ ،‬وهو قول أمحد يف رواية‪ ،‬وكل من‬
‫(‪.)5‬‬
‫يقبل املرسل من احملدثني‬

‫(‪" )1‬اتريخ ابن معني (رواية الدوري)(‪ ، )46/3‬الناشر‪ :‬مركز البحث العلمي وإحياء الرتاث اْلسالمي‪ ،‬مكة املكرمة‪.‬‬
‫(‪" )2‬املراسيل"(‪َ )18/9‬لبن أيب حامت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪")3‬سؤاَلت أيب عبيد اآلجري أاب داود السجستاين يف اْلرح والتعديل" (‪.)103-102/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري ‪ :‬كتاب فضائل الصحابة – ابب فضل أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم – رقم(‪.)3651‬‬
‫ومسلم‪ :‬كتاب فضائل الصحابة – ابب فضل الصحابة – رقم (‪)2533‬‬
‫(‪ )5‬جامع التحصيل (‪ ،)24/1‬والتمهيد (‪.)2/1‬‬
‫‪67‬‬
‫وقد أطلق القول بقبول مراسيل القرن الثاين والثالث الربذوي والنسفي ووافقهما شارحا كتابيهما(‪ ،)1‬فلم يذكروا مجيعا سوى أها‬
‫مقبولة عندهم ‪ ،‬وِل يزيدوا عليه شيئا‪.‬‬
‫وممن صرح بذلك ابن احلنبلي فقال ‪ :‬واملختار يف التفصيل قبول مرسل الصحابة إمجاعا‪ ،‬ومرسل أهل القرن الثاين والثالث‬
‫(‪.)2‬‬
‫عندان( أي احلنفية) مطلقا‬
‫وتبعه على ذلك التهانوي فقال ‪ :‬وهبذا علم أن كون الراوي يرسل عن الثقات وغريهم جرح يف مرسل من هو دون القرون‬
‫(‪.)3‬‬
‫الثالثة‪ ،‬وأما أهل القرون الثالثة فمرسلهم مقبول عندان مطلقا‬
‫وذهب أبو بكر اْلصاص إىل أن مراسيل القرن الثاين والثالث مقبولة بشرط أن يكون املرسل غري معروف ابْلرسال عن غري‬
‫الثقات‪.‬‬
‫يقول اجلصاص‪ " :‬والصحيح عندي وما يدل عليه مذهب أصحابنا أن مرسل التابعني وأتباعهم مقبول ما ِل يكن الراوي ممن‬
‫(‪.)4‬‬
‫يرسل احلديث عن غري الثقات‪ ،‬فإن من استجام ذلك ِل تقبل روايته َل ملسند وَل ملرسل"‬
‫(اثنيا) مذهب الشافعي ومن وافقه‪:‬‬
‫وأما اْلمام الشافعي رضي هللا عنه فقد احتج ابملرسل بشروط‪ ،‬وما يؤخذ من خالل كالمه يف كتاب "الرسالة"‪ ،‬أن مراسيل‬
‫كبار التابعني حجة إن جاءت من وجه آخر ولو مرسلة‪ ،‬أو اعتضدت بقول صحايب‪ ،‬أو كان يفيت به أكثر العلماء‪ ،‬أو كان‬
‫املرسل لو مسي َل يسمى إَل ثقة‪ ,‬فحينئذ يكون مرسله حجة‪ ،‬وَل ينتهض إىل رتبة املتصل‪ ،‬وأما مراسيل غري كبار التابعني فال‬
‫أعلم أحدا قبلها‪.‬‬
‫شاهد أصحاب رسول هللا من التابعني‪ ،‬فحدهث حديثاً منقطعاً عن النيب اعتُرب عليه ِبمور‪ :‬منها‪:‬‬ ‫فقد قال رمحه هللا‪" :‬فمن َ‬
‫أن ينظر إىل ما أَرسل من احلديث‪ ،‬فإن َش ِرَكه فيه احلفاظ املأمونون‪ ،‬فأسندوه اىل رسول هللا مبثل معىن ما روى كانت هذه‬
‫دَللةً على صحة َمن قبل عنه وحفظه‪ .‬وإن انفرد إبرسال حديث ِل يَشركه فيه من يُسنده قُبِل ما ينفرد به من ذلك‪.‬‬
‫مرسل غريه ممن قُبل العلم عنه من غري رجاله الذين قُبل عنهمق‬ ‫ويعترب عليه ِبن ينظر‪ :‬هل يوافقه ِ‬
‫فإن ُوجد ذلك كانت دَللةً يَقوى له مرسلُه‪ ،‬وهي أضعف من األوىل‪.‬‬
‫وجد ذلك نُظر إىل بعض ما يُروى عن بعض أصحاب رسول هللا قوَلً له‪ ،‬فإن ُوجد يُوافق ما روى عن رسول هللا‬ ‫وإن ِل يُ َ‬
‫مرسلَه إَل عن أصل يصح إن شاء هللا‪.‬‬‫كانت يف هذه دَللةٌ على أنه ِل أيخذ َ‬
‫وكذلك إن ُوجد عو ُّام من أهل العلم يُفتون مبثل معىن ما روى عن النيب‪.‬‬
‫ِ‬
‫سم جمهوَلً وَل مرغوابً عن الرواية عنه‪ ،‬فيُستدل بذلك‬ ‫قال الشافعي‪" :‬مث يُعترب عليه‪ِ :‬بن يكون إذا مسى من روى عنه ِل ي ّ‬
‫على صحته فيما روى عنه‪ .‬ويكون إذا َش ِرك أحداً من احلفاظ يف حديث ِل َيالفه‪ ،‬فإن خالفه ُوجد حديثه َ‬
‫أنقص‪ :‬كانت يف‬
‫هذه دَلئل على صحة خمرج حديثه‪.‬‬

‫(‪ )1‬كشف األسرار (‪ ،)2/3‬وشرح املنار (‪.)647/1‬‬


‫(‪ )2‬قفو األثر (‪.)67/1‬‬
‫(‪" )3‬قواعد يف علم احلديث" (‪.)139/1‬‬
‫(‪" )4‬الفصول يف األصول"(‪.)145/3‬‬
‫‪68‬‬
‫ومَ ما خالف ما وصفت أضهر ِبديثه‪ ،‬حَ َل يسع أحداً منهم قبول مرسله‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإذا وجدت الدَلئل بصحة حديثه مبا وصفت أحببنا أن نقبل مرسله‪.‬‬
‫محل عن من يُرغب‬ ‫صل‪ ،‬وذلك أن معىن املنقطع مغَيهب‪ ،‬حيتمل أن يكون ُِ‬ ‫وَل نستطيع أن نزعم أن احلجة تثبت به ثبوهتا ابملتَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عن الرواية عنه إذا ُمسّي وإن بعض املنقطعات ‪ -‬وإن وافقه مرسل مثله ‪ -‬فقد حيتمل أن يكون خمرجها واحداً‪ ،‬من حيث لو‬
‫مسي ِل يُقبل‪ ،‬وأن قول بعض أصحاب النيب‪ -‬إذا قال برأيه لو وافقه‪ -‬يدل على صحة َخمرج احلديث‪ ،‬دَللةً قوية إذا نُظر‬
‫فيها‪ ،‬وميكن أن يكون إَّنا غلِط به حني ِمسع قول بعض أصحاب النيب يوافقه‪ ،‬وحيتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء‪.‬‬
‫فأما َمن بعد كبار التابعني الذين كثرت مشاهدهتم لبعض أصحاب رسول هللا‪ :‬فال أعلم منهم واحداً يُقبل مرسله ألمور‪:‬‬
‫جتوماً فيمن يروون عنه‪ ،‬واآلخر‪ :‬أهم يوجد عليهم الدَلئل فيما أرسلوا بضعف خمرجه‪.‬‬ ‫أحدها‪ :‬أهم أشد ّ‬
‫ِ‬
‫وضعف َمن يُقبل عنه‬ ‫واآلخر‪ :‬كثرةُ اْلحالة‪ .‬كان أمكن َ‬
‫للوَهم‬
‫(‪.)1‬‬

‫وقد قيل‪ :‬إن اْلمام الشافعي َل حيتج ابملرسل إَل مراسيل سعيد بن املسيب؛ ألنه تتبعها فوجدها مسندة من وجوه أخر‪.‬‬
‫وقد حقق اْلمام النووي أن اْلطالق يف النفي واْلثبات غري صحيح‪ ,‬وأن الصحيح أنه حيتج مبراسيل سعيد بن املسيب وغريه‬
‫إذا استكمل ت الشروط اليت ذكرانها‪ ،‬وليس َلبن املسيب ميزة يف هذا إَل أنه أصح التابعني إرساَل‪ ,‬على أن يف مراسيله ما ِل‬
‫يوجد مسندا ِبال من وجه صحيح‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم أن بعض التابعني قد يرسل احلديث لكونه مسعه عن كثري من الصحابة‪ ,‬أو لغري ذلك من األغراض‪,‬‬
‫ال‪ :‬إِهَّنَا أطلقته (أرسلته) إِذا مسعته من سبعني‬ ‫ص ِر ّ‬
‫ي أَنه قَ َ‬ ‫فإرسال مثل هذا َل يطعن يف روايته املرسلة‪َ .‬ك َما ذكر َعن ا ْحلسن الْبَ ْ‬
‫ِ (‪.)2‬‬
‫اىل َعنهُ ابخلصوص أَيْضا خلوف الْفْت نَة‬ ‫لي َر ِضي هللا تَ َع َ‬
‫اسم َع ّ‬
‫ص َحابَة‪َ ،‬وَكا َن قد حيذف ْ‬
‫من ال ه‬
‫وخنلص من ذلك إىل أن شروط اإلمام الشافعي للعمل ابملرسل ما يلي‪:‬‬
‫روي هذا املرسل من وجه آخر مسندا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬إذا ُ‬
‫(‪ )2‬إذا روي من وجه آخر مرسال عن غري شيوخ املرسل األول‪.‬‬
‫(‪ )3‬إذا اعتضد بقول بعض الصحابة‪.‬‬
‫(‪ )4‬إذا أفَ مبعناه أهل العلم‪.‬‬
‫ويضاف إىل أي شرط من هذه الشروط أنه يشرتط يف املرِسل أنه َل يرسل إَل عن ثقة‪.‬‬
‫ُ‬
‫مرسل الصحايب‪ :‬هو ما يرويه صغار الصحابة وأحداثهم كابن عباس‪ ،‬من قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أو فعله‪،‬‬
‫أو تقريره‪ ،‬وِل يسمعوه منه أو يشاهدوه‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪ ،‬رضي هللا عنها‪،‬‬ ‫مثاله‪ :‬حديث عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬يف بدء الوحي‪ ,‬أخرج البخاري يف صحيحه‪َ ،‬ع ْن َعائ َشةَ أُِّم املُْؤمن َ‬
‫ِ‬ ‫الرْؤَي ال ه ِ‬ ‫ول هِ‬
‫ت‬‫صاحلَةُ ِيف الن ْهوم‪ ،‬فَ َكا َن َلَ يََرى ُرْؤََي إِهَل َجاءَ ْ‬ ‫الو ْح ِي ُّ َ‬
‫ِ‬
‫اَّلل صلى هللا عليه وسلم م َن َ‬ ‫ئ بِِه َر ُس ُ‬ ‫ت‪ :‬أ هَو ُل َما بُ ِد َ‬
‫هها قَالَ ْ‬
‫أَن َ‬
‫"(‪.)3‬‬
‫ب إِلَْي ِه اخلَالَءُ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِمثْ َل فَلَ ِق ُّ‬
‫الصْب ِح‪ ،‬مثُه ُحبّ َ‬

‫(‪" )1‬الرسالة" للشافعي(‪.)463-461/1‬‬


‫(‪" )2‬شرح خنبة الفكر يف مصطلحات أهل األثر"(‪ ،)403/1‬دار األرقم‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ول هِ‬ ‫ف َكا َن ب ْدء الوح ِي إِ َىل رس ِ‬
‫اَّلل صلى هللا عليه وسلم– رقم(‪)3‬‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫)‪ (3‬أخرجه البخاري‪:‬كتاب بدء الوحي – ابب َكْي َ‬
‫‪69‬‬
‫فعائشة رضي هللا عنها‪ِ ،‬ل تشهد القصة‪ ،‬وِل تكن ولدت حينئذ فهي إما أن تكون مسعت احلديث من النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم بعد ذلك‪ ،‬أو يكون بعض الصحابة أخربها به فيكون من مراسيل الصحابة‪ ،‬وعلى هذا اَلحتمال الثاين يكون‬
‫اَلستدَلل ابحلديث‪.‬‬
‫حكم مرسل الصحايب‪:‬‬
‫مرسل الصحايب حجة عند احملدثني والفقهاء‪ ,‬وهو يف حكم املوصول املسند؛ ألن أكثر روايتهم عن الصحابة‪ ,‬واْلهالة‬
‫ابلصحابة َل تضر؛ ألهم مجيعا عدول‪ ,‬مث إن بعض العلماء ذكر أن اَلحتجاج به موضع إمجاع‪ ،‬وقد ذكر ابن األثري وغريه يف‬
‫ذلك خالفا يف اَلحتجاج به عند الفقهاء‪.‬‬
‫وحيكى عدم قبوله عن األستاذ أيب إسحاق اْلسفراييّن؛ َلحتمال تلقيه عن بعض التابعني‪.‬‬
‫وقد روى مجاعة من الصحابة عن التابعني كابن عباس‪ ,‬وبقية العبادلة‪ ,‬فقد رووا عن كعب األحبار بعض املروَيت‪ ,‬ولكن‬
‫فيما َل يتعلق ابحلالل واحلرام‪ ،‬وكعب من التابعني‪.‬‬
‫واحلق أن رواَيت الصحابة عن التابعني قليلة اندرة‪ ،‬وأها على قلتها ليست أحاديث مرفوعة‪ ،‬وإَّنا هي من اْلسرائيليات‪ ،‬أو‬
‫قصص وحكاَيت‪ ،‬وإذا رووا عنهم فإهم يبينون ذلك‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬أما مرسل الصحايب كإخباره عن شيء فعله النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أو حنوه‪ ،‬مما نعلم أنه ِل حيضره لصغر‬
‫سنه أو لتأخر إسالمه‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬فاملذهب الصحيح املشهور الذي قطع به مجهور أصحابنا ومجاهري أهل العلم أنه حجة‪،‬‬
‫وأطبق احملدثون املشرتطون للصحيح القائلون ِبن املرسل ليس ِبجة على اَلحتجاج به وإدخاله يف الصحيح‪ ،‬ويف صحيح‬
‫البخاري ومسلم من هذا ما َل حيصى‪.‬‬
‫وقال اَلستاذ أبو إسحاق اَلسفرايىن من أصحابنا َل حيتج به‪ ،‬بل حكمه حكم مرسل غريه إَل أن يبني أنه َل يرسل إَل ما‬
‫مسعه من النيب صلى هللا عليه وسلم أو صحايب‪ .‬قال‪ :‬ألهم قد يروون عن غري صحايب‪ .‬وحكى اخلطيب البغدادي وآخرون‬
‫هذا املذهب عن بعض العلماء‪ ،‬وِل ينسبوه‪ .‬وعزاه الشيخ أبو إسحاق املصنف يف التبصرة إىل األستاذ أيب إسحاق‪.‬‬
‫والصواب األول‪ ،‬وأنه حيتج به مطلقا ألن روايتهم عن غري الصحايب اندرة‪ ،‬وإذا رووها بينوها‪ ،‬فإذا أطلقوا ذلك فالظاهر أنه‬
‫"(‪.)1‬‬
‫عن الصحابة والصحابة كلهم عدول‬
‫أكثر من روى املراسيل‪:‬‬
‫ب‪َ ،‬وِم ْن أ َْه ِل َم هكةَ َع ْن َعطَ ِاء بْ ِن أَِيب َرَاب ٍّح‪َ ،‬وِم ْن‬ ‫قال احلاكم‪ :‬وأَ ْكث ر ما تُروى الْمر ِاسيل ِمن أَه ِل الْم ِدين ِة عن سعِ ِ‬
‫يد بْ ِن الْمسيِّ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َُ َ ْ َ َ َ ُ ْ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫صَرةِ َع ِن ا ْحلَ َس ِن بْ ِن أَِيب ا ْحلَ َس ِن‪،‬‬ ‫هام عن مكْح ٍّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال ّد َم ْشق ِّي‪َ ،‬وم ْن أ َْه ِل الْبَ ْ‬ ‫صَر َع ْن َسعيد بْ ِن أَِيب ه َالل‪َ ،‬وم ْن أ َْه ِل الش َ ْ َ ُ‬ ‫أ َْه ِل م ْ‬
‫ني إِهَل أَ هن الْغَلَبَ َة لِ ِرَو َاَيهتِِ ْم‬
‫(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يث ب ع َد ْ ِ ِ‬
‫احلَديث‪َ ،‬ع ْن َغ ِْريه ْم م َن التهابِع َ‬
‫وِمن أَه ِل الْ ُكوفَِة‪ ،‬عن إِب را ِهيم ب ِن ي ِزيد النهخعِ ِي‪ .‬وقَ ْد ي روى ْ ِ‬
‫احلَد ُ َ ْ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ ّ َ ُْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬

‫"الصاحلة"‪ :‬الصادقة وهي اليت جيري يف اليقظة ما يوافقها‪".‬فلق الصبح"‪ :‬ضياؤه ونوره‪" .‬اخلالء"‪ :‬اَلنفراد‪.‬‬
‫)‪" (1‬اجملموع شرح املهذب"(‪ ،)62/1‬دار الفكر‪.‬‬
‫(‪" )2‬معرفة علوم احلديث"(‪ )25/1‬للحاكم النيسابوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫أصح املراسيل‪:‬‬
‫ب بْ ُن َح ْزٍّن ِم ْن‬ ‫ب والدهلِيل َعلَْي ِه أَ هن سعِ ًيدا ِم ْن أ َْوََل ِد ال ه ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫قال احلاكم‪ :‬وأَص ُّحها مر ِاس ِ ِ‬
‫ص َحابَة‪ ،‬فَإ هن أ ََابهُ الْ ُم َسيه ُ‬ ‫َ‬ ‫يل َسعيد بْ ِن الْ ُم َسيّ َ ُ‬ ‫َ َ َ ََ ُ‬
‫اع ِة‬
‫س ِيف َمجَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ضو ِان‪َ .‬وقَ ْد أ َْد َرَك َسعِي ٌد ُع َمر‪َ ،‬وعُثْ َما َن‪َ ،‬و َعلِيًّا‪َ ،‬وطَلْ َحةَ‪َ ,‬و ُّ ِ ِ ِ‬ ‫اب ال هش َجرةِ َوبَْي َع ِة ِ‬
‫َصح ِ‬
‫الزبَْي َر إ َىل آخر الْ َع َشَرة‪َ ،‬ولَْي َ‬ ‫َ‬ ‫الر ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أَْ‬
‫س بْ ُن أَِيب َحا ِمٍّم‪ ،‬مثُه َم َع َه َذا فَِإنههُ فَ ِقيهُ أ َْه ِل ْحلِ َجا ِم َوُم ْفتِي ِه ْم‪َ ،‬وأ هَو ُل فُ َق َه ِاء‬ ‫مسع ِمْن هم َغي ر سعِ ٍّ‬
‫يد َوقَ ْي ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َم ْن أ َْد َرَك ُه ْم َو َ َ ُ ْ ْ ُ َ‬
‫ِ‬
‫التهابِع َ‬
‫اس ُحم هم َد بن ي ع ُقوب ي ُق ُ ِ‬ ‫س إِ ْمجاعهم إِ ْمجاع َكافه ِة الن ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ هِ‬
‫اس‬
‫ت الْ َعبه َ‬ ‫ول‪َ :‬مس ْع ُ‬ ‫ت أ ََاب الْ َعبه ِ َ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫هاس‪َ .‬مس ْع ُ‬ ‫ك بْ ُن أَنَ ٍّ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ين يَ ُع ُّد َمال ُ‬
‫ال هسْب َعة الذ َ‬
‫ضا‪ ،‬فَ َق ْد ََتَهم َل ْاألَئِ همةُ‬ ‫يد بْ ِن الْمسيِّ ِ‬ ‫ول‪" :‬أَص ُّح الْمر ِاس ِيل مرا ِسيل سعِ ِ‬ ‫ت َْحيىي بْن َمعِ ٍّ‬ ‫ي ي ُق ُ ِ‬
‫ب"‪َ ،‬وأَيْ ً‬ ‫َُ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ني يَ ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬مس ْع ُ َ َ‬ ‫الدُّوِر ه َ‬
‫ِِ (‪.)1‬‬
‫يل َغ ْريه"‬‫وج ْد ِيف َمَر ِاس ِ‬
‫ط َِلْ تُ َ‬ ‫يحةٍّ‪َ ،‬وَه ِذهِ الشَهرائِ ُ‬‫صح َ‬
‫الْمت َق ِّدمو َن مر ِاسيلَه فَوج ُدوها ِِبَسانِ َيد ِ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫أشهر املصنفات يف املراسيل‪:‬‬
‫(‪ )1‬املراسيل‪ ،‬أليب داود‪.‬‬
‫(‪ )2‬املراسيل‪َ ،‬لبن أيب حامت‪.‬‬
‫(‪ )3‬جامع التحصيل ألحكام املراسيل‪ ،‬للعالئي‪.‬‬

‫(‪" )1‬معرفة علوم احلديث"(‪ )25/1‬للحاكم النيسابوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫ث ـ ـانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيا‪ :‬الـ ـ ـ ـ ـحديـ ـ ـ ـ ـ ـث امل ـ ـع ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـق‬
‫تعريفه لغة واصطالحا‪:‬‬
‫املعلق لغة‪ :‬هو اسم مفعول من "علّق" الشيء ابلشيء‪ ،‬أي أانطه وربطه به‪ ،‬وجعله معلقا‪.‬‬
‫ومسي هذا السند معلقا بسبب اتصاله من اْلهة العليا فقط‪ ،‬وانقطاعه من اْلهة الدنيا‪ ،‬فصار كالشيء املعلق ابلسقف وحنوه‪.‬‬
‫واملعلق اصطالحا‪ :‬ما حذف من مبدأ إسناده ر ٍّاو فأكثر على التوايل‪.‬‬
‫أسباب التعليق‪:‬‬
‫(‪ )1‬االختصار يف إيراد األحاديث‪ :‬وذلك كأن يروي البخاري يف الباب ما يغّن عن اْلطالة بتخريج خرب اتم إسناداً ومتناً‬
‫مَيدة على ما خرج‪ ،‬وأحياانً يكون احلديث عنده إبسناد واحد على شرطه‪ ،‬وحيتاجه يف اببني‪ ،‬فيسنده يف أحدَها ويعلقه يف‬
‫اآلخر اتقاء لتكرار احلديث بنفس اْلسناد يف مكانني؛ ولذا يندر أن يؤخذ على البخاري أنه كرر حديثاً بنفس اْلسناد‬
‫واملنت‪ ،‬إَّنا ترى يف التكرار فائدة جديدة وَل بد‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقوية االستدالل على موضوع الباب مبا ال يدخل يف شرط الكتاب‪ :‬فالبخاري مثالً اشرتط أن يكون كتابه يف‬
‫احلديث املسند إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فريى فائدة يف ذكر بعض اآلاثر عن الصحابة أو من دوهم يف التفسري‬
‫واألحكام وغري ذلك‪ ،‬فلو أسندها خرج بذلك عن شرطه‪ ،‬فيعلقها وإن كانت صحيحة‪ ،‬والتزم أن َل َيرج أحاديث مجاعة‬
‫تكلم فيهم مبا ينزل هبم عن شرطه يف القوة‪ ،‬ورأى هلم بعض األخبار مما يصح اَلستشهاد به‪ ،‬فيعلق عنهم‪.‬‬
‫ص َوِر املعلق‪:‬‬
‫من ُ‬
‫(‪ ) 1‬أن حيذف مجيع اْلسناد‪ ،‬مث يقال مثال‪" :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬كذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومنها‪ :‬أن حيذف كل اْلسناد إَل الصحايب‪ ،‬أو إَل الصحايب والتابعي‬
‫املعلقات يف صحيح البخاري‪ :‬عدد املعلقات يف صحيح البخاري ألف وثالَثائة وأربعون‪ ،‬كلها موصولة إَل مائة وستني‪ ،‬أو‬
‫مائة وتسعة وَخسني‪ ،‬وهذه أيضا وصلها احلافظ ابن حجر العسقالين يف كتاب"تغليق التعليق"‪.‬‬
‫املعلقات يف صحيح مسلم‪:‬‬
‫قال احلافظ العراقي ‪ :‬ليس يف كتاب مسلم بعد املقدمة حديث معلق ِل يوصله إَل حديث أىب اْلهم املذكور وفيه بقية أربعة‬
‫(‪.)1‬‬
‫عشر موضعا رواه متصال مث عقبه بقول ورواه فالن‬
‫ث بْ ُن َس ْع ٍّد‪َ ،‬ع ْن َج ْع َف ِر بْ ِن َربِ َيعةَ‪َ ،‬ع ْن َعْب ِد الهر ْمحَ ِن بْ ِن ُه ْرُمَز‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬حديث أيب جهم املشار إليه‪ ،‬هو‪ :‬قَ َ ِ‬
‫ال ُم ْسل ٌم‪َ :‬وَرَوى اللهْي ُ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪.‬‬‫هيب َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ت أ ََان َو َعْب ُد الهر ْمحَن بْ ُن يَ َسار‪َ ،‬م ْوَىل َمْي ُمونَةَ َمْو ِج الن ِّ‬ ‫اس‪ ،‬أَنههُ َِمس َعهُ يَ ُق ُ‬
‫ول‪ :‬أَقْ بَ ْل ُ‬ ‫َع ْن ُع َم ٍّْري‪َ ،‬م ْوَىل ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم ِم ْن َْحن ِو‬ ‫اْله ِم‪" :‬أَقْ بل رس ُ ِ‬ ‫الص هم ِة ْاألَنْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْله ِم ب ِن ْ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ََ َُ‬ ‫ال أَبُو َْ ْ‬ ‫ي‪ ،‬فَ َق َ‬‫صار ِّ‬ ‫احلَا ِرث بْ ِن ّ‬ ‫َح هَ َد َخ ْلنَا َعلَى أَِيب َْ ْ ْ‬
‫اْلِ َدا ِر فَ َم َس َح َو ْج َههُ َويَ َديْ ِه‪،‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم َعلَْي ِه‪َ ،‬ح هَ أَقْ بَ َل َعلَى ْ‬ ‫بِْئ ِر َمج ٍّل‪ ،‬فَلَ ِقيه رجل فَسلهم علَيهِ‪ ،‬فَلَم ي رهد رس ُ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫َ ُ َ ُ ٌ َ َ َ ْ ْ َُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫مثُه َرهد َعلَْي ِه ال هس َالمُ"‬

‫(‪" )1‬التقييد واْليضاح شرح مقدمة ابن الصالح"(‪ )33/1‬للحافظ العراقي‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب احليض– ابب التيمم – رقم (‪.)369‬‬
‫‪72‬‬
‫قال الشيخ حممد فؤاد عبد الباقي‪ " :‬أيب اْلهم" هكذا هو يف مسلم‪ ،‬وهو غلط‪ ،‬وصوابه ما وقع يف صحيح البخاري وغريه‬
‫أبو اْلهيم"من حنو بئر مجل"‪ :‬أي من جانب ذلك املوضع وبئر مجل موضع بقرب املدينة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا احلديث الذي علقه مسلم وصله البخاري يف صحيحه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حيىي بن بكري‪ ،‬قال حدثنا الليث‪َ ،‬ع ْن َج ْع َف ِر‬
‫صلهى‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ال‪ :‬أَقْ ب ْلت أ ََان وعب ُد هِ‬ ‫ت ُع َمْي ًرا َم ْوَىل ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫ب ِن ربِيعةَ‪ ،‬ع ِن األ َْعرِج‪ ،‬قَ َ ِ‬
‫هيب َ‬ ‫اَّلل بْ ُن يَ َسار‪َ ،‬م ْوَىل َمْي ُمونَةَ َمْو ِج الن ِّ‬ ‫اس‪ ،‬قَ َ َ ُ َ َْ‬ ‫ال‪َ :‬مس ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫صلهى‬ ‫صا ِر ُّ‬ ‫ال أَبُو اْلَُهْي ِم األَنْ َ‬ ‫الص هم ِة األَنْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ ،‬ح هَ َد َخ ْلنَا َعلَى أَِيب ُج َهْي ِم بْ ِن احلَا ِرث بْ ِن ّ‬
‫ِ‬
‫هيب َ‬ ‫ي ‪":‬أَقْ بَ َل النِ ُّ‬ ‫ي‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫صار ِّ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم َح هَ أَقْ بَ َل َعلَى اْلِ َدا ِر‪ ،‬فَ َم َس َح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هيب َ‬‫هللاُ َعلَْيه َو َسله َم م ْن َْحن ِو بِْئ ِر َمجَ ٍّل فَلَقيَهُ َر ُج ٌل فَ َسله َم َعلَْيه فَلَ ْم يَ ُرهد َعلَْيه النِ ُّ‬
‫(‪.)1‬‬
‫بَِو ْج ِه ِه َويَ َديْهِ‪ ،‬مثُه َرهد َعلَْي ِه ال هسالَ َم"‬
‫ومن معلقات مسلم اليت وصلها م علقها سإسناد آخر‪:‬‬
‫ب ب ِن مالِ ٍّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫قَ َ ِ‬
‫ك‪َ ،‬ع ْن‬ ‫ث بْ ُن َس ْعد‪َ ،‬ح هدثَِّن َج ْع َف ُر بْ ُن َربِ َيعةَ‪َ ،‬ع ْن َعْبد الهر ْمحَ ِن بْ ِن ُه ْرُمَز‪َ ،‬ع ْن َعْبد هللا بْ ِن َك ْع ِ ْ َ‬ ‫ال ُم ْسل ٌم‪َ :‬وَرَوى اللهْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب ب ِن مالِ ٍّ‬
‫َص َواتُ ُه َما‪ ،‬فَ َمهر‬ ‫تأ ْ‬ ‫َسلَ ِم ِّي‪ ،‬فَ لَقيَهُ‪ ،‬فَ لَ ِزَمهُ‪ ،‬فَتَ َكله َما َح هَ ْارتَ َف َع ْ‬
‫ال َعلَى َعْبد هللا بْ ِن أَِيب َح ْد َرد ْاأل ْ‬ ‫ك‪ ،‬أَنههُ َكا َن لَهُ َم ٌ‬ ‫َك ْع ِ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ول النِّصف"‪ ،‬فَأَخ َذ نِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ول هللاِ َصلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫هبِِ َما َر ُس ُ‬
‫ص ًفا‬ ‫ص ًفا ممها َعلَْيه‪َ ،‬وتَ َرَك ن ْ‬ ‫َش َار بِيَده َكأَنههُ يَ ُق ُ ْ َ‬ ‫ب"‪"،‬فَأ َ‬ ‫ال‪ََ " :‬ي َك ْع ُ‬
‫(‪.)2‬‬
‫َ ْ‬
‫اب‪َ ،‬ح هدثَِّن َعْب ُد هللاِ بْ ُن‬ ‫َخب رِين يونُس‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ِشه ٍّ‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫َخبَ َرَان َعْب ُد هللا بْ ُن َوْهب‪ ،‬أ ْ َ َ ُ ُ‬ ‫فوصله مسلم‪ ،‬فقال‪َ :‬حدهثَنَا َح ْرَملَةُ بْ ُن َْحي َىي‪ ،‬أ ْ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم ِيف‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ب ب ِن مالِ ٍّ‬
‫اضى ابْ َن أَِيب َح ْد َرد َديْنًا َكا َن لَهُ َعلَْيه ِيف َع ْهد َر ُسول هللا َ‬ ‫َخبَ َرهُ‪َ ،‬ع ْن أَبِيه‪ ،‬أَنههُ تَ َق َ‬ ‫ك‪ ،‬أ ْ‬ ‫َك ْع ِ ْ َ‬
‫ول هللاِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم وهو ِيف ب يتِ ِه‪ ،‬فَخرج إِلَي ِهما رس ُ ِ‬ ‫َص َواتُ ُه َما َح هَ َِمس َع َها َر ُس ُ‬ ‫ِِ‬
‫صلهى هللاُ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ََ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َْ‬ ‫تأْ‬ ‫الْ َم ْسجد‪ ،‬فَ ْارتَ َف َع ْ‬
‫َش َار إِلَْي ِه‬ ‫ال‪ :‬لَبه يك َي رس َ ِ‬ ‫ف حجرتِهِ‪ ،‬وَان َدى َكعب بن مالِ ٍّ‬ ‫علَي ِه وسلهم ح هَ َكش ِ‬
‫ول هللا‪ "،‬فَأ َ‬ ‫ب"‪ ،‬فَ َق َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫"َي َك ْع ُ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫ك‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫ف س ْج َ ُ ْ َ َ‬ ‫َْ ََ َ َ َ َ‬
‫ضهِ"‬ ‫ول هللاِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم‪" :‬قُم فَاقْ ِ‬ ‫ول هللاِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ُ َْ ََ َ ْ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت ََي َر ُس َ‬ ‫ب‪ :‬قَ ْد فَ َع ْل ُ‬‫ال َك ْع ٌ‬ ‫ك"‪ ،‬قَ َ‬ ‫ض ِع ال هشطَْر م ْن َديْن َ‬ ‫بِيَده أ َْن َ‬
‫ِ‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن‬ ‫الزْه ِر ِّ‬
‫س‪َ ،‬ع ِن ُّ‬ ‫َخبَ َرَان يُونُ ُ‬ ‫اق بْ ُن إِبْ َراه َيم‪ ،‬أ ْ‬
‫َخبَ َرَان ُعثْ َما ُن بْ ُن ُع َمَر‪ ،‬أ ْ‬ ‫ م وصله من طريق آخر فقال‪َ :‬و َحدهثَنَاهُ إِ ْس َح ُ‬
‫ٍّ (‪.)3‬‬ ‫ك‪ ،‬أَخب ره أَنهه تَ َقاضى دي نًا لَه علَى اب ِن أَِيب ح ْدرٍّد مبِِثْ ِل ح ِد ِ‬ ‫ك‪ ،‬أَ هن َكعب بن مالِ ٍّ‬ ‫ب ب ِن مالِ ٍّ‬ ‫ِ ِ‬
‫يث ابْ ِن َوْهب‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َُ ُ َ َ ْ ُ َ ْ‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫َعْبد هللا بْ ِن َك ْع ِ ْ َ‬
‫حكم احلديث املعلق‪:‬‬
‫احلديث املعلق مردود؛ ألنه فقد شرطا من شروط القبول‪ ،‬وهو اتصال السند‪ ،‬وذلك ِبذف ر ٍّاو أو أكثر من إسناده‪ ،‬مع عدم‬
‫علمنا ِبال ذلك الراوي احملذوف‪.‬‬
‫حكم املعلقات يف الصحيحني‪ :‬معلقات الصحيحني هلا حكم خاص‪ ،‬وهو أن‪:‬‬
‫(‪ )1‬ما ذكر بصيغة اْلزم‪ :‬ك "قال"‪ ،‬و"ذكر"‪ ،‬و"حكى" فهو حكم بصحته عن املضاف إليه‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫(أ) ما ذكره البخاري حتت" ابب ما يذكر يف الفخذ"‪" :‬وقال أبو موسى‪ :‬غطى النيب صلى هللا عليه وسلم ركبتيه حني دخل‬
‫"(‪.)4‬‬
‫عثمان‬

‫صالَِة – رقم(‪.)337‬‬
‫ت ال ه‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب التيمم – ابب التهي ُّم ِم ِيف احل ِ ِ ِ ِ‬
‫اف فَ ْو َ‬
‫‪،‬و َخ َ‬
‫اء َ‬
‫ضر‪،‬إ َذا َِلْ َجيد املَ َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب املساقاة – ابب استحباب الوضع من – رقم (‪.)1558‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب املساقاة – ابب استحباب الوضع من – رقم (‪.)1558‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب الصالة‪ -‬ما يذكر يف الفخذ‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫فهذا حديث معلق؛ ألن البخاري حذف مجيع إسناده إَل الصحايب‪ ،‬وهو أبو موسى األشعري‪.‬‬
‫ص َدقَةِ‬ ‫يص‪ -‬أ َْو لَبِ ٍّ‬
‫يس‪ِ -‬يف ال ه‬ ‫ض ثِي ٍّ‬
‫اب َِ‬ ‫ِ‬
‫َخ ٍّ‬ ‫(ب) قال البخاري‪ :‬وقال طاووس‪ :‬قال معاذ بن جبل ألهل اليمن‪" :‬ائْ تُ ِوين ب َع ْر ٍّ َ‬
‫ِ ِ"(‪.)1‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم ِابلْ َمدينَة‬
‫هيب َ‬‫الذ َرةِ أ َْه َو ُن َعلَْي ُك ْم َو َخْي ٌر ِأل ْ ِ ِ‬
‫َم َكا َن الشهعِ ِري َو ُّ‬
‫َص َحاب الن ِّ‬
‫إسناده إىل طاووس صحيح‪ ،‬لكن طاووسا ِل يسمع من معاذ‪ ،‬فاْلسناد منقطع‪ ،‬غري صحيح‪.‬‬
‫و"ح ِك َي"؛ فليس فيه حكم بصحته عن املضاف إليه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬وما ذكر بصيغة التمريض‪:‬ك "قيل"‪ ،‬و"ذكر"‪ُ ،‬‬
‫بل فيه الصحيح واحلسن والضعيف‪ ،‬لكن ليس فيه حديث واهٍّ؛ لوجوده يف الكتاب املسمى ابلصحيح‪.‬‬
‫وطريق معرفة الصحيح من غريه هو البحث عن إسناد هذا احلديث‪ ،‬واحلكم عليه مبا يليق به‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫الصْب ِح‪َ ،‬ح هَ إِذَا‬‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم امل ْؤِمنُو َن ِيف ُّ‬
‫َ‬ ‫هيب‬
‫ُّ‬ ‫ب‪" ،‬قَ َرأَ النِ‬ ‫اَّللِ بْ ِن ال هسائِ ِ‬
‫(أ) قال البخاري يف الصالة‪َ " :‬ويُ ْذ َك ُر َع ْن َعْب ِد ه‬
‫ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪.)2‬‬
‫َخ َذتْهُ َس ْعلَةٌ فَ َرَك َع"‬
‫يسى ‪ -‬أ َ‬ ‫وسى‪َ ،‬وَه ُارو َن ‪ -‬أ َْو ذ ْك ُر ع َ‬ ‫َجاءَ ذ ْك ُر ُم َ‬
‫وهو حديث صحيح أخرجه مسلم‪.‬‬
‫"(‪.)3‬‬
‫(ب) قال البخاري يف الوصاَي‪" :‬ويذكر أن النيب صلى هللا عليه وسلم قضى ابلدين قبل الوصية‬
‫وقد رواه الرتمذي موصوَل من طريق احلارث األعور عن علي‪ ،‬واحلارث ضعيف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخبَ َرَان ُس ْفيَا ُن‪َ ،‬ع ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬
‫اق‪َ ،‬ع ْن احلَا ِرث‪َ ،‬ع ْن َعل ٍّّي أَنههُ‬ ‫ال‪ :‬أ ْ‬ ‫يد بْ ُن َه ُارو َن قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا يَِز ُ‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا بُْن َد ٌار قَ َ‬
‫اَّللِ صلهى ه ِ‬ ‫وصو َن ِهبَا أ َْو َديْ ٍّن"[النساء‪َ " ]12 :‬وإِ هن َر ُس َ‬ ‫ِ ِ ِ ٍّ‬ ‫ِِ‬
‫ضى‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم قَ َ‬ ‫ول ه َ‬ ‫ال‪ :‬إِنه ُك ْم تَ ْقَرءُو َن َهذه اآليَةَ‪":‬م ْن بَ ْعد َوصيهة تُ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫(‪.)4‬‬
‫الو ِصيهةِ‪"...‬‬ ‫ِ‬
‫ابلدهيْ ِن قَ ْب َل َ‬
‫مثال ما ُحذف بعض إسناده‪:‬‬
‫قول البخاري‪ :‬وقال عفان‪ :‬حدثنا صخر بن جويرية‪ ،‬عن انفع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬أراين‬
‫أتسوك بسواك‪ ،‬فجاءين رجالن‪ ،‬أحدَها أكرب من اآلخر‪ ،‬فناولت السواك األصغر منهما‪ ،‬فقيل يل‪ :‬كرب‪ ،‬فدفعته إىل األكرب‬
‫منهما"‪ .‬علقه البخاري فيما بينه وبينه عفان‪ ،‬وهو ابن مسلم الصفار ِل يدركه البخاري‪ ،‬إَّنا يروي عنه ابلواسطة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب الزكاة – ابب العرض يف الزكاة‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب األذان – ابب اْلمع بني السورتني يف الركعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب الوصاَي‪ -‬ابب َتويل قول هللا تعاىل‪{ :‬من بعد وصية يوصي هبا أو دين} [النساء‪.]11 :‬‬
‫(‪ )4‬صحيح الرتمذي‪ :‬أبواب الفرائض – ابب ما جاء يف مرياث اْلخوة من األب واألم– رقم(‪.)2094‬‬
‫‪74‬‬
‫ثـ ـ ـالثـ ـ ـا‪ :‬الـ ـ ـ ـحدي ـ ـ ـ ـث الـ ـ ـمنق ـ ـ ـطـ ـع‬
‫تعريف املنقطع‪:‬‬
‫واملنقطع لغة‪ :‬اسم فاعل من اَلنقطاع‪ ،‬وهو ضد اَلتصال‪ ،‬واملنقطع ضد املتصل(‪.)1‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬هو ما سقط من أثناء سنده راو واحد‪ ،‬وإن كان يف أكثر من طبقة‪.‬‬
‫الفرق بني املنقطع واملقطوع‪:‬‬
‫املنقطع غري املقطوع‪ ،‬فاملنقطع من صفات اْلسناد‪ ،‬واملقطوع من صفات املنت‪.‬‬
‫واملقطوع‪ :‬ما أضيف إاىل التابعي من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬
‫إذاً‪ :‬شروط املنقطع‪:‬‬
‫(‪ )1‬سقوط راو من الرواة َل أكثر‪ ،‬فلو سقط أكثر من راو على التوايل َل يسمى منقطعاً‪.‬‬
‫(‪ )2‬أَل يكون السقوط من آخر السند‪.‬‬
‫(‪ )3‬أَل يكون السقوط من أول السند‪.‬‬
‫صورة املنقطع‪:‬‬
‫أن يروي البخاري عن مالك عن انفع عن ابن عمر عن النيب صلى هللا عليه وسلم هللا عليه وسلم‪ ،‬فهذا منقطع؛ ألن‬
‫البخاري روى عن مالك بواسطة حممد بن مسلمة القعنيب‪ .‬أو أن يروي القعنيب عن مالك عن ابن عمر عن النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فهذا منقطع؛ ألنه سقط من أثناء سنده راو بني مالك وابن عمر رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫أمثلة على املنقطع‪:‬‬
‫ب‪ ،‬ح هدثَِّن معا ِويةُ بن صالِ ٍّح‪ ،‬ع ِن الْع َال ِء ب ِن ا ْحلا ِر ِ‬ ‫َمح ُد بن ِ‬
‫ث‪َ ،‬ع ْن‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َُ َ ْ ُ َ‬ ‫صال ٍّح‪َ ،‬حدهثَنَا ابْ ُن َوْه ٍّ َ‬ ‫(‪ )1‬قال أبو داود‪َ :‬حدهثَنَا أ ْ َ ْ ُ َ‬
‫ف ُك ِّل ُم ْسلٍِّم‬ ‫ِ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪":‬ال ه‬
‫ص َالةُ الْ َمكْتُوبَةُ َواجبَةٌ َخ ْل َ‬
‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ول‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬ ‫مكْح ٍّ‬
‫َ ُ‬
‫ِ (‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بًَّرا َكا َن أ َْو فَاجًرا َوإِ ْن َعم َل الْ َكبَائَر"‬
‫(‪.)3‬‬
‫فهذا اْلسناد منقطع‪ ،‬مكحول ِل يسمع من أيب هريرة‪ ،‬كذا قال الرتمذي‪ ،‬والدارقطّن والبيهقي‪ ،‬واملنذري‪ ،‬وغريهم‬
‫اق‪َ ،‬ع ْن أَِيب‬ ‫س بْ ِن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫يب‪َ ،‬ع ْن يُونُ َ‬ ‫ف الْ ِف ْرََيِ ُّ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬قال أبو داود‪َ :‬حدهثَنَا َعْب ُد الْ َوههاب بْ ُن َْجن َدةَ‪َ ،‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن يُ ُ‬
‫وس َ‬
‫"َي َعلِ ُّي‪ََ ،‬ل تَ ْفتَ ْح َعلَى ِْ‬
‫اْل َم ِام ِيف‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ :‬‬
‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ث‪َ ،‬ع ْن َعلِ ٍّّي‪َ ،‬ر ِض َي ه‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫احلا ِر ِ‬
‫اق‪َ ،‬ع ِن َْ‬ ‫إِ ْس َح َ‬
‫ِ (‪.)4‬‬
‫ص َالة"‬‫ال ه‬
‫س َه َذا ِمْن َها‪.‬‬ ‫ث‪ ،‬إِهَل أَرب عةَ أ ِ‬ ‫اق‪َِ ،‬ل يسمع ِمن ا ْحلا ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫يث‪ ،‬لَْي َ‬ ‫َحاد َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ال أَبُو َد ُاوَد‪ :‬أَبُو إ ْس َح َ ْ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫وهذا منقطع‪ ،‬قَ َ‬

‫(‪ )1‬راجع‪" :‬خمتار الصحاح" (ص‪" ،)256 :‬املصباح املنري" (‪)508/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الصالة– ابب إِمام ِة الْب ِر والَْف ِ‬
‫اج ِر– رقم (‪.)594‬‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬سنن الرتمذي‪ :‬أبواب الدعوات‪ -‬ابب ما جاء إن هلل مالئكة سياحني يف األرض– حديث رقم(‪،)3601‬‬
‫وسنن الدارقطين‪ :‬كتاب العيدين– ابب صفة من جتوم الصالة معه والصالة عليه– رقم(‪.)1768‬‬
‫ني – رقم (‪.)908‬‬‫هه ِي َع ِن الته ْل ِق ِ‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الصالة– ابب الن ْ‬
‫‪75‬‬
‫ضَرِم ُّي َحدهثَنَا َُحم هم ُد‬ ‫ف الْ َف ِقيهُ‪ ،‬ثنا ُحمَ هم ُد بْ ُن ُسلَْي َما َن ْ‬
‫احلَ ْ‬ ‫وس َ‬
‫ِ‬
‫هض ِر ُحمَ هم ُد بْ ُن ُحمَ همد بْ ِن يُ ُ‬ ‫(‪ )3‬قال احلاكم‪ :‬ومثاله ما َحدهثَنَا أَبُو الن ْ‬
‫ول هِ‬ ‫اق‪َ ،‬ع ْن َميْ ِد بْ ِن يُثَْي ٍّع‪َ ،‬ع ْن ُح َذيْ َفةَ قَ َ‬ ‫ي‪َ ،‬ع ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫ال‪ :‬ذَ َكَر الث ْهوِر ُّ‬‫بْ ُن َس ْه ٍّل‪ ،‬ثنا َعْب ُد الهرا همِق‪ ،‬قَ َ‬
‫صلهى هللاُ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫اَّللِ لَومةُ ََلئٍِّم‪ ،‬وإِ ْن ولهي تموها علِيًّا فَه ٍّاد مه ِد ُّ ِ‬ ‫ْر فَ َق ِو ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ُك ْم َعلَى طَِر ٍّيق‬ ‫ي يُق ُ‬ ‫َ َ ُُْ َ َ َ َ ْ‬ ‫ني ََل ََتْ ُخ ُذهُ ِيف ه ْ َ‬ ‫ي أَم ٌ‬ ‫وها أ ََاب بَك ٍّ‬‫َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬إِ ْن َولهْي تُ ُم َ‬
‫ُم ْستَ ِق ٍّيم"‪.‬‬
‫ان‪َ ،‬و َمسَاعُ َعْب ِد‬‫ضرِمي وُحمَ هم َد بن سه ِل ب ِن عس َك ٍّر ثَِقتَ ِ‬ ‫صالَهُ َو َسنَ َدهُ فَِإ هن ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قَ َ ِ‬
‫ََ َْ ْ َ ْ‬ ‫احلَ ْ َ ه َ‬ ‫اد ََل يَتَأَ هملُهُ ُمتَأ َّم ٌل إِهَل َعل َم اتّ َ‬ ‫ال ا ْحلَاك ُم‪َ :‬ه َذا إِ ْسنَ ٌ‬
‫اق‪َ ،‬وا ْشتِ َه ُارهُ بِِه َم ْع ُر ٌ‬‫ي ِم ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‪َ ،‬وا ْشتِ َه ُارهُ بِِه َم ْع ُر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وف‪.‬‬ ‫ك َمسَاعُ الث ْهور ِّ‬ ‫وف‪َ ،‬وَك َذل َ‬ ‫الهرمهاق م ْن ُس ْفيَا َن الث ْهور ِّ‬
‫َخبَ َرَانهُ أَبُو َع ْم ِرو بْ ُن‬ ‫ي َِلْ يَ ْس َم ْعهُ ِم ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫ي‪َ ،‬والث ْهوِر ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫اق أ ْ‬ ‫َوفيه انْقطَاعٌ يف َم ْوض َع ْني‪ ،‬فَإ هن َعْب َد الهرمهاق َِلْ يَ ْس َم ْعهُ م َن الث ْهور ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّع َما ُن بْ ُن أَِيب َشْي بَةَ‬‫َخ َِربِين الن ْ‬
‫ي‪ ،‬ثنا َعْب ُد الهرمهاق أ ْ‬ ‫ص ُحمَ هم ُد بْ ُن ا ْهلَْي ثَِم الْ َقاضي‪َ ،‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن أَِيب ال هس ِر ِّ‬ ‫َح َو ِ‬‫ال هس هماك‪ ،‬ثنا أَبُو ْاأل ْ‬
‫ظ‪ِ ،‬ابلْ ُكوفَِة‪ ،‬ثنا ا ْحلَ َس ُن بْ ُن َعلَ ِويهةَ‬ ‫احلَافِ ُ‬‫اق‪ ،‬فَ َذ َكَر َْحن َوهُ َحدهثَنَا أَبُو بَ ْك ِر بْ ُن أَِيب َدا ِرٍّم ْ‬ ‫ي‪َ ،‬ع ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫ِ‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن ُس ْفيَا َن الث ْهور ِّ‬ ‫اْلَنَ ِد ُّ‬
‫ْ‬
‫اق‪َ ،‬ع ْن َميْ ِد بْ ِن‬ ‫يك‪َ ،‬ع ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫ي‪ ،‬ثنا َش ِر ٌ‬ ‫اَّللِ بْ ُن َُّنٍَّْري‪ ،‬ثنا ُس ْفيَا ُن الث ْهوِر ُّ‬
‫صالِ ٍّح‪ ،‬ثنا َعْب ُد ه‬ ‫ِ‬
‫الْ َقطها ُن‪َ ،‬ح هدثَِّن َعْب ُد ال هس َالم بْ ُن َ‬
‫ِِ(‪.)1‬‬ ‫هيب صلهى هللا علَي ِه وسلهم فَ َذ َكر ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يث بِنَ ْحوه‬ ‫احلَد َ‬ ‫ال‪:‬ذَ َك ُروا ْاْل َم َارةَ َوا ْخل َالفَةَ عْن َد النِ ِّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫يُثَْي ٍّع‪َ ,‬ع ْن ُح َذيْ َفةَ‪ ,‬قَ َ‬
‫حكم احلديث املنقطع‪:‬‬
‫احلديث املنقطع حديث ضعيف؛ َلحتمال أن يكون الساقط ضعيفاً‪ ،‬أو جمهوَلً‪ ،‬أو مرتوكا‪ ،‬أو يكون راوَيً يهم أو َيطئ‬
‫كثرياً‪ ،‬واألصل يف الرواية احليطة‪ ،‬فنقول بضعف اْلسناد‪ ،‬حَ يتبني لنا السقط‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬احلديث املعضل‬
‫املعضل لغة‪ :‬اسم مفعول من اْلعضال‪ ،‬مأخوذ من أعضله أي أعياه‪ ،‬وهو الشيء املعجوم عنه(‪.)2‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما سقط من أثناء سنده اثنان فأكثر بشرط التوايل‪.‬‬
‫إذاً شروط املعضل‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يكون السقط من أثناء اْلسناد‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬أن يكون سقوطهما على التتابع؛ ألنه لو سقط من الطبقة األوىل راو‪ ،‬مث من الطبقة الثالثة راو‪ ،‬مث من الطبقة اخلامسة‬
‫راو؛ فهذا السقوط غري متوايل‪ ،‬فال يكون معضالً‪ ،‬بل يسمى منقطعا‪.‬‬
‫صورة املعضل‪ :‬أن يروي القعنيب مثال عن مالك عن النيب صلى هللا عليه وسلم؛ فهذا معضل؛ ألن بني مالك والنيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم راويني‪ ،‬مثل الزهري عن أنس‪.‬‬
‫أمثلة على املعضل‪:‬‬
‫ت ِر ْجلِي ِيف‬
‫ض ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم ح َ‬
‫ني َو َ‬
‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ص ِاين بِِه َر ُس ُ‬ ‫ك أَ هن معا َذ بن جب ٍّل قَ َ ِ‬
‫ال‪ :‬آخ ُر َما أ َْو َ‬ ‫ُ َ ْ َ ََ‬
‫(‪ )1‬ما روي عن مالِ ٍّ‬
‫َ‬
‫جبَ ٍّل"‬ ‫ِ‬
‫ك للن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْغَْرِم أَ ْن قَ َ‬
‫هاس ََي ُم َعاذُ بْ َن َ‬ ‫َحس ْن ُخلُ َق َ‬ ‫ال‪" :‬أ ْ‬
‫(‪.)3‬‬

‫(‪" )1‬معرفة علوم احلديث" (‪ )28/1‬للحاكم النيسابوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪" :‬خمتار الصحاح" (ص‪" ،)211 :‬املصباح املنري" (‪)415/2‬‬
‫(‪" )3‬موطأ مالك" كتاب حسن اخللق– ابب ما جاء يف حسن اخللق– رقم (‪.)682‬‬
‫‪76‬‬
‫وف‪َ ،‬وَلَ‬ ‫وك طَعامه وكِسوتُه ِابلْمعر ِ‬ ‫ول هللاِ صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لِْلمملُ ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬‫(‪ )2‬عن مالك؛ أَنههُ بَلَغَهُ أَ هن أ ََاب ُهَريْ َرةَ قَ َ‬
‫َ ُ ُ َ ْ َ ُ َ ُْ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ي َكله ِ‬
‫يق"‬‫ف م َن الْ َع َم ِل إَِله َما يُط ُ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ُ ُ‬
‫هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ‬
‫ب ُحمَ هم ُد‬ ‫َخبَ رَان أَبُو الطهيِّ ِ‬
‫ص َل َعنْهُ َخار َِج الْ ُم َوطأ‪ ،‬أ ْ َ‬ ‫ضلَهُ‪َ ،‬ع ْن َمالك َه َك َذا ِيف الْ ُم َوطهأ إِهَل أَنههُ قَ ْد َو َ‬ ‫ض ٌل أ َْع َ‬‫قال احلاكم‪َ :‬ه َذا ُم ْع َ‬
‫اَّللِ‪ ،‬ثنا إِب ر ِاهيم بن طَهما َن‪َ ،‬عن مالِ ِ‬ ‫ص بْ ُن َعْب ِد ه‬ ‫ِ‬ ‫ي‪ ،‬حدهثَنَا َْحممش بْن ِع ٍّ‬ ‫ابن عب ِد هِ ِ‬
‫س‪،‬‬ ‫ك بْ ِن أَنَ ٍّ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫صام الْ ُم َع ّد ُل‪ ،‬ثنا َح ْف ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫اَّلل الشهع ِري ُّ َ‬ ‫ْ ُ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ْن ُحمَ همد بْ ِن َع ْج َال َن‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه قَ َ‬‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬ل ْل َم ْملُوك طَ َع ُامهُ‬ ‫اَّلل َ‬
‫ول ه‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ِ ٍّ (‪.)2‬‬
‫ُّع َما ُن بْ ُن َعْب ِد ال هس َالِم‪َ ،‬و َغْي ُرهُ‪َ ،‬ع ْن َمالك‬‫يق" َوَه َك َذا َرَواهُ الن ْ‬
‫ِ‬ ‫وف‪ ،‬وََل ي َكله ِ‬
‫ف م َن الْ َع َم ِل إِهَل َما يُط ُ‬
‫ِ‬
‫َوك ْس َوتُهُ ِابلْ َم ْع ُر َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫وأخرجه مسلم‪ ،‬من طريق آخر‪:‬‬
‫احلا ِر ِ‬ ‫َخبَ رَان ابْن وْه ٍّ‬ ‫قال مسلم‪ :‬وح هدثَِّن أَبو الطه ِ‬
‫َش ِّج‪،‬‬‫ث‪ ،‬أَ هن بُ َكْي َر ابْ َن ْاأل َ‬ ‫َخبَ َرَان َع ْم ُرو بْ ُن َْ‬
‫ب‪ ،‬أ ْ‬ ‫َمحَ ُد بْ ُن َع ْم ِرو بْ ِن َس ْرٍّح‪ ،‬أ ْ َ ُ َ‬ ‫اه ِر أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال‪" :‬لِْلمملُ ِ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم أَنههُ قَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وك‬ ‫َْ‬ ‫َح هدثَهُ َع ِن الْ َع ْج َالن‪َ ،‬م ْوَىل فَاط َمةَ‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪َ ،‬ع ْن َر ُسول هللا َ‬
‫ِ‬ ‫طَعامه وكِسوتُه‪ ،‬وََل ي َكله ِ‬
‫ف م َن الْ َع َم ِل إِهَل َما يُط ُ‬
‫يق"‬
‫(‪)3‬‬
‫َ ُُ َ َْ ُ َ ُ ُ‬
‫حكم احلديث املعضل‪:‬‬
‫احلديث املعضل أشد ضعفا من املنقطع؛ للجهالة ِبال أكثر من ر ٍّاو‪.‬‬

‫(‪" )1‬موطأ مالك" ‪:‬كتاب اَلستئذان– ابب ما األمر ابلرفق ابململوك– رقم (‪.)809‬‬
‫(‪" )2‬معرفة علوم احلديث" (‪.)37/1‬‬
‫س‪َ ،‬وََل يُ َكلِّ ْف ُه َما يَ ْغلِبُهُ – رقم (‪.)1662‬‬ ‫وك ِممها أيْ ُكل‪ ،‬وإِلْب ِ‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم ‪ :‬كتاب األميان– اب ِإبطْع ِام الْمملُ ِ‬
‫اسهُ ممها يَْلَب ُ‬
‫َ ُ ََ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫‪77‬‬
‫خـ ـ ـ ـامـ ـ ـ ـسا‪ :‬احلـ ـدي ـ ـ ـ ـث املـ ـ ـ ـ ـُدلَّـ ـ ـ ـس‬
‫تعريف التدليس لغة واصطالحا‪:‬‬
‫املُدلَّس لغة‪" :‬بضم امليم وفتح الالم املشددة" يف اللغة‪ :‬مأخوذة من الدلس "بفتح الالم"‪ ،‬وهو‪ :‬اختالط الظالم ابلنور‬
‫وأطلقه احملدثون على األنواع اآلتية َلشرتاكها يف اخلفاء وعدم الوضوح‪.‬‬
‫س الظهالَِم‪،‬‬ ‫الم‪َ .‬وِمْنه قَ ْوهلم‪ :‬أ َ‬
‫َاتان َدلَ َ‬
‫اختِال ُط الظه ِ‬ ‫س‪ْ :‬‬ ‫ابلض ّم‪ .‬وال هدلَ ُ‬
‫كالدلْ َسة‪ّ ،‬‬
‫يك‪ :‬الظُّْلمةُ‪ِ ُّ ،‬‬
‫َ‬
‫قال الزبيدي‪" :‬ال هدلَس‪ ،‬ابلتهح ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫س بَ َق َاَي الن ْهبت والبَ ْق ِل"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫صْيف‪ .‬وال هدلَ ُ‬ ‫ت يُور ُق آخَر ال ه‬ ‫س‪ :‬الن ْهب ُ‬‫وخَر َج يف ال هدلَس والغَلَس‪ .‬وال هدلَ ُ‬
‫( ‪)1‬‬

‫وقال الفيومي‪" :‬دلهس الْبائِع تَ ْدلِيسا َكتم عيب ِ ِ ِ‬


‫س َدلْ ًسا‬
‫ضا َدلَ َ‬ ‫ال أَيْ ً‬‫اعةٌ َويُ َق ُ‬
‫ايب َو َمجَ َ‬‫َخ َفاهُ قَالَهُ ا ْخلَطه ِ ُّ‬‫السلْ َعة م ْن الْ ُم ْش َِرتي َوأ ْ‬ ‫َ َ َ ُ ً َ َ َْ َ ّ‬
‫َي ََل‬‫سأْ‬ ‫س َوََل َدلْ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ول لَْي ِ ِ‬
‫س يل يف ْاأل َْمر َولْ ٌ‬
‫ي َِمس ْع ُ ِ‬
‫ت أ َْعَرابيًّا يَ ُق ُ َ‬ ‫ال ْاأل َْمَه ِر ُّ‬‫يد أَ ْش َه ُر ِيف ِاَل ْستِ ْع َم ِال قَ َ‬
‫ب َوالته ْش ِد ُ‬‫ضَر َ‬
‫ِمن اب ِ‬
‫ب َ‬ ‫ْ َ‬
‫َصلُهُ ِم ْن ال هدلَ ِ‬ ‫الدلْسةُ ِابلض ِهم ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َوُه َو الظُّْل َمةُ"‬ ‫ال ابْ ُن فَا ِر ٍّس َوأ ْ‬ ‫ضا َوقَ َ‬ ‫اخلَد َيعةُ أَيْ ً‬ ‫خيَانَةٌ َوََل َخد َيعةٌ َو ُّ َ‬
‫( ‪)2‬‬
‫ّ‬
‫والتدليس اصطالحا‪ :‬أن يروي الراوي عمن مسع منه ما ِل يسمعه‪ ،‬بلفظ يوهم السماع (كعن‪ ,‬وقال‪ ,‬وأن)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ َعْنهُ‪ ،‬ومسع منه‪ ،‬وحدث‬ ‫ث الهر ُج ُل َع ِن الهر ُج ِل قَ ْد لَقيَهُ‪َ ،‬وأ َْد َرَك َمَمانَهُ‪َ ،‬وأ َ‬ ‫قال ابن عبد الرب‪َ " :‬وأَهما الت ْهدل ُ‬
‫يس فَ ُه َو أَ ْن ُحيَ ّد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫ك أَ ْن لَ ْو َكانَ ْ‬‫ب ِيف َذل َ‬ ‫ضى‪َ ،‬علَى أَ هن ْاألَ ْغلَ َ‬ ‫ضى َحالُهُ‪ ،‬أ َْو ََل تُ ْر َ‬ ‫عنه مبا ِل يسمعه مْنهُ‪َ ،‬وإِهَّنَا َمس َعهُ م ْن َغ ِْريه َعْنهُ مم ْهن تُ ْر َ‬
‫ِ‬ ‫اختِ َال َ‬ ‫حالُه مر ِضيهةً لَ َذ َكره‪ ،‬وقَ ْد ي ُكو ُن ِألَنهه استصغَره ه َذا هو الت ْهدلِيس ِعْن َد َمج ِ‬
‫ك"‬ ‫ف بَْي نَ ُه ْم ِيف َذل َ‬ ‫اعت ِه ْم ََل ْ‬
‫( ‪)3‬‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ ْ َُ َ ُ َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫ووجه الشبه بني املعىن اللغوي واالصطالحي‪:‬‬
‫أن الظلمة تغطي ما فيها كما أن املدلس يغطي املروي عنه فكأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره‪.‬‬
‫الفرق بني التدليس والكذب‪:‬‬
‫(‪ ) 1‬يتبني لنا مما سبق أن املدلس َل يصرح ابلسماع إَل فيما مسعه من شيخه‪ ،‬وأما ما دلسه فال يصرح فيه ابلسماع‪،‬‬
‫وهذا ِبالف الكذاب؛ فإنه يصرح ابلسماع ممن ِل يسمع منه‪ ،‬ورمبا ِل يلقه‪.‬‬
‫مسعت منهق فإنه يبني عدم السماع‪ ،‬وهذا ِبالف الكذاب فإنه إذا سئل عن السماع‬ ‫ِ‬
‫لس إذا ُسئل مباشرة هل َ‬‫(‪ )2‬أن امل ّد َ‬
‫يكذب‪ ،‬فيدعي السماع ويصرح به‪.‬‬
‫أقسام التدليس‪:‬‬
‫التدليس له أقسام عدة أشهرها ثالثة‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬تدليس اإلسناد‪.‬‬
‫وهو أن حيذف اسم شيخه الذي مسع منه ويرتقي إىل شيخ شيخه بلفظ يوهم السماع كعن‪ ،‬أو قال‪ ،‬أو أن‪ ،‬أو يسقط‬
‫أداة الرواية ابلكلية ويسمي الشيخ فقط فيقول‪ :‬فالن‪.‬‬
‫وممن كان يفعل ذلك فيما يفوته من السماع من بعض شيوخه سفيان بن عيينة‪ ،‬فروايته مثال عن الزهري‪ ،‬وعن عمرو بن‬

‫(‪" )1‬اتج العروس من جواهر القاموس"(‪ ،)84/16‬للهزبيدي‪ ،‬دار اهلداية‪.‬‬


‫(‪" )2‬املصباح املنري"(‪.)198/1‬‬
‫(‪" )3‬التمهيد" َلبن عبد الرب‪ ،)15/1( ،‬ومارة عموم األوقاف والشؤون اْلسالمية‪ ،‬املغرب‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫دينار مشهورة‪ ،‬لكن ما كان يفوته مساعه منهما كان أحياان يدلسه‪.‬‬
‫ت‪،‬‬ ‫يق فَ َس َك َ‬ ‫الزْه ِر ُّ‬
‫يل لَهُ‪ :‬حدث ُك ُم ُّ‬ ‫الزه ِر ُّ ِ‬
‫ي‪ ،‬فَق َ‬ ‫ال ُّ ْ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬‫مثاله‪ :‬قال َعلِ ُّي بْ ُن َخ ْشَرٍّم‪ُ :‬كنها ِعْن َد ُس ْفيَا َن بْ ِن ُعيَ ْي نَةَ ِيف َْجملِ ِسهِ‪ ،‬فَ َق َ‬
‫حدثّن عب ُد الهرم ِ‬ ‫الزه ِر ِي وََل ِممهن َِ‬ ‫يل لَهُ‪َِ :‬مس ْعتُهُ ِم َن ُّ‬ ‫الزه ِر ُّ ِ‬
‫هاق‬ ‫ي‪ْ َ ِ ،‬‬ ‫الزْه ِر ِّ‬
‫مس َعهُ َع ِن ُّ‬ ‫ال‪ََ :‬ل َِلْ أمسعه من ُّ ْ ّ َ ْ‬ ‫يق فَ َق َ‬ ‫الزْه ِر ِّ‬ ‫ي‪ ،‬فَق َ‬ ‫ال‪ْ ُّ :‬‬ ‫مثُه قَ َ‬
‫ي (‪.)1‬‬‫الزْه ِر ِّ‬
‫َع ْن معمر عن ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‪َ ،‬ع ْن إِبْ َراه َيم الت ْهيم ِّي‪َ ،‬ع ْن أَبِيه‪َ ،‬ع ْن أَِيب ذَ ٍّّر أَ هن النِ ه‬
‫هيب‬ ‫مثال آخر‪ :‬ما أخرجه احلاكم بسنده‪ ،‬عن أيب َع َوانَةَ‪َ ،‬ع ِن ْاأل َْع َم ِ‬
‫ت َه َذا ِم ْن‬ ‫ال أَبو عوانَةَ‪ :‬قُ ْلت لِْأل َْعم ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬قَ َ‬
‫ش‪َ :‬مس ْع َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪« :‬فَُال ٌن يف النهار يُنَادي ََي َحنها ُن ََي َمنها ُن»‪ ،‬قَ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ََ :‬ل َح هدثَِّن بِِه َح ِك ُيم بْ ُن ُجبَ ٍّْري َعْنهُ" ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إِبْ َر ِاه َيمق‪ ،‬قَ َ‬
‫تعريف اخلطيب البغدادي لتدليس اإلسناد‪:‬‬
‫اصَرهُ َوَِلْ يَلْ َقهُ‪ ،‬فَيُتَ َوهه ُم أَنههُ َِمس َع ِمْنهُ‪ ،‬أ َْو ِرَوايَتُهُ َع هم ْن قَ ْد لَ ِقيَهُ َما َِلْ يَ ْس َم ْعهُ ِمْنهُ َه َذا‬ ‫ِِ‬
‫قال اخلطيب‪ِ " :‬رَوايَةُ الْ ُم َح ّدث َع هم ْن َع َ‬
‫اْل ْسنَ ِاد"(‪.)3‬‬‫ُهو الت ْهدلِيس ِيف ِْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تعريف ابن الصالح لتدليس اإلسناد‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاصَرهُ وَِلْ يَلْ َقهُ‪ُ ،‬موَهاً أنههُ قَ ْد لَقيَهُ َو َمس َعهُ منهُ‬ ‫يروي َع هم ْن لَقيَهُ ما َِلْ يَ ْس َم ْعهُ منهُ‪ُ ،‬موَهاً أنههُ َمس َعهُ منهُ‪ ،‬أو َع هم ْن َ‬ ‫وهو أ ْن َ‬ ‫" َ‬
‫(‪.)4‬‬

‫س‬ ‫وواضح أن ابن الصالح واخلطيب يتوافقان على تعريف تدليس اْلسناد‪ ،‬فال يشرتطان ثبوت اللقاء بني املدلِّس َ ه‬
‫ومن دل َ‬
‫عن‪ ،‬بل يكتفيان ابملعاصرة‪.‬‬
‫ابن حجر يف النخبة وشرحها ففرق بني ما إذا روى عمن لقيه ما ِل يسمعه منه‪ ،‬وما إذا عاصره وِل‬ ‫ظ ُ‬ ‫وخالفهما احلاف ُ‬
‫مرسال خفيًّا‪.‬‬
‫تدليسا والثاين ً‬ ‫يلقه‪ ،‬فجعل األول ً‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫بني امل َدلهس وامل ْر َسل ِّ‬
‫هدليس ََيتص مبن روى‬ ‫صل حتر ُيره مبا ذُكر هنا‪ :‬وهو أَن الت َ‬ ‫دقيق‪َ ،‬ح َ‬ ‫اخلفي ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن حجر‪" :‬وال َف ْر ُق َ‬
‫( ‪.)5‬‬
‫ف أَنهه ِلقيَهُ‪ ،‬فَ ُهو امل ْر َسل اخلَِف ُّي"‬ ‫عاصَرهُ‪ ،‬وِل يُ ْعَر ْ‬
‫َ‬ ‫ف لقاؤه إَيه‪ .‬فأَ هما إِن‬ ‫عمن ُع ِر َ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫واستدل ملا ذهب إليه إبطباق أهل العلم ابحلديث على أن رواية املخضرمني‪،‬كأيب عثمان النهدي‪ ،‬وقيس بن أيب حامم‪،‬‬
‫عن النيب صلى هللا عليه وسلم من قبيل اْلرسال َل من قبيل التدليس‪ ،‬ولو كان جمرد املعاصرة يكتفى به يف التدليس‪,‬‬
‫قطعا‪ ,‬ولكن ِل يعرف‪ :‬ألقوهق أم َلق‬ ‫لكان هؤَلء مدلسني؛ ألهم عاصروا النيب صلى هللا عليه وسلم ً‬
‫أيضا اْلمام الشافعي وأبو بكر البزار‪.‬‬ ‫وممن قال ابشرتاط اللقاء يف التدليس ً‬
‫مب يعرف عدم ثبوت اللقاء؟‬
‫يعرف عدم املالقاة إبخبار املدلس عن نفسه بذلك‪ ،‬أو جزم إمام مطلع بذلك‪ ،‬وَل يكفي أن يقع يف بعض الطرق مَيدة‬
‫ر ٍّاو أو أكثر بينهما‪َ ،‬لحتمال أن يكون من املزيد يف متصل األسانيد‪.‬‬

‫(‪")1‬املدخل إىل كتاب اْلكليل" للحاكم النيسابوري‪( ،‬ص‪ ،)46 - 45 :‬دار الدعوة ‪ ،‬اْلسكندرية ‪.‬‬
‫(‪")2‬معرفة علوم احلديث" (ص‪.)105 :‬‬
‫(‪")3‬الكفاية"‪ ،‬للخطيب البغدادي‪( ،‬ص‪. )22 :‬‬
‫(‪" )4‬مقدمة ابن الصالح" (‪.)73/1‬‬
‫(‪ " )5‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر" َلبن حجر العسقالين‪( ،‬ص‪ ،)104 :‬مطبعة سفري ابلرَيض‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫حكم اإلسناد الذي يقع فيه التدليس‪:‬‬
‫اْلسناد الذي يقع فيه التدليس إسناد مرسل أو منقطع‪ ،‬لكنه صورة خاصة من اْلرسال أو اَلنقطاع‪ ،‬فارقت معىن‬
‫اْلرسال واَلنقطاع املعروفني فيما يقع فيها من إيهام السماع‪ ،‬إذ يسهل متييز اَلنقطاع واْلرسال املعروفني؛ ألنه ليس‬
‫فيهما إيهام ابلسماع‪.‬‬
‫ذم هذا النوع‪ :‬وقد كره هذا القسم من التدليس مجاعة من العلماء‪ ،‬وذموه‪ ،‬وكان شعبة بن احلجاج أشد الناس إنكارا‬
‫ِ ِ (‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َخو الْ َكذب‬ ‫يس أ ُ‬ ‫له‪ ،‬روى عنه اْلمام الشافعي أنه قال‪ :‬الت ْهدل ُ‬
‫ِ "(‪.)2‬‬ ‫ب إِ َه ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزَان‪ ،‬وَألَ ْن أَس ُق َ ِ‬ ‫يث أ َ ِ‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬
‫يل م ْن أَ ْن أ َُدلّ َ‬ ‫َح ُّ‬
‫ط م َن ال هس َماء أ َ‬ ‫َش ُّد م َن ِّ َ ْ‬ ‫يس ِيف َْ‬ ‫وقال أيضا‪" :‬الت ْهدل ُ‬
‫ِ‬ ‫ب إِ َه ِ‬
‫س"‬ ‫يل م ْن أ َْن أ َُدلّ َ‬ ‫وقال أيضا‪َ" :‬ألَ ْن أ َْمِينَ أ َ‬
‫َح ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫واعترب ابن الصالح هذا القول من شعبة مبالغة يف الزجر عنه والتنفري منه‪.‬‬
‫ِ ِ "(‪.)4‬‬
‫ول َعلَى الْ ُمبَالَغَ ِة ِيف الهز ْج ِر َعْنهُ َوالته ْنفري‬‫قال ابن الصالح‪َ " :‬وَه َذا ِم ْن ُش ْعبَةَ إِ ْف َرا ٌط َْحم ُم ٌ‬
‫قال البلقيين يف "حماسن االصطالح"‪ :‬وهذا الذي قاله شعبة ظاهر؛ فإن آفة التدليس هلا ضرر كبري يف الدين‪ ،‬وهي أضر‬
‫"(‪.)5‬‬
‫أحاديث حمتَج هبا تدل على أن أكل درهم من راب أشد من الزَن‬ ‫ُ‬ ‫من أكل الراب‪ ،‬وقد جاءت‬
‫ضي َذ هم‬ ‫وقد ذكر اخلطيب البغدادي ثالثة أوجه لذم هذا التدليس‪ ،‬فقال‪" :‬والت ْهدلِيس ي ْشتَ ِمل علَى ثََالثَِة أَحو ٍّال تَ ْقتَ ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ل ِْإل ْخبَا ِر ِابل هس َم ِاع مم ْهن َِلْ يَ ْس َم ْع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س وت وِهينِهِ‪ :‬فَأَحدها‪ :‬ما ذَ َكرانه ِمن إِيه ِام ِه السم ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُم َقا ِر ُ‬ ‫هن َِلْ يَ ْس َم ْع مْنهُ‪َ ،‬وذَل َ‬ ‫اع مم ْ‬ ‫هَ َ‬ ‫َ ُ َ َ َْ ُ ْ َ‬ ‫الْ ُم َدلّ ِ َ َ ْ‬
‫ِ ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف إِ َىل ِاَل ْحتِم ِال وذَلِ َ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِمْنه‪ .‬والثَّانِيَةُ‪ُ :‬ع ُدولُه َع ِن الْ َك ْش ِ‬
‫س إِهَّنَا َِلْ يُبَ ِّ ْ‬
‫ني‬ ‫ك ِب َالف ُموجب الْ َوَرِع َو ْاأل ََمانَة‪َ .‬والثَّالثَةُ‪ :‬أَن الْ ُم َدلّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ضا‬‫ك َع َد َل َع ْن ِذ ْك ِرهِ‪َ ,‬وفِ ِيه أَيْ ً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ني َم ْن َرَوى َعْنهُ لع ْل ِمه ِِبَنههُ لَ ْو ذَ َكَرهُ َِلْ يَ ُك ْن َم ْر ِضيًّا َم ْقبُ ًوَل عْن َد أ َْه ِل النه ْق ِل‪ ،‬فَل َذل َ‬ ‫َم ْن بَْي نَهُ َوبَ ْ َ‬
‫ك ِخ َالف‬ ‫ِ‬ ‫اْلسنَ ِاد‪ ،‬و ْاألَنَ َف ِة ِمن ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الرَوايَة َع هم ْن َح هدثَهُ‪َ ،‬وذَل َ‬ ‫َ ّ‬
‫ِ‬
‫س َعْنهُ طَلَبًا لتَ ْوهي ِم ُعلُ ِّو ْ ْ َ‬
‫ه‬
‫ني َم ْن َدل َ‬ ‫أَنههُ إِهَّنَا ََل يَ ْذ ُك ُر َم ْن بَْي نَهُ َوبَ ْ َ‬
‫اْلخبا ِر ِِب ِ ِ‬ ‫ب الْعِلْ ِم‪ ،‬وتَرِك ْ ِ ِ‬ ‫اض ِع ِيف طَلَ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وج ِ‬ ‫مِ‬
‫َخذ الْع ْل ِم َع هم ْن أ َ‬
‫َخ َذهُ"‬ ‫احلَميهة ِيف ِْ ْ َ ْ‬ ‫هو ُ‬ ‫ضى ال ّد ََينَة م َن الت َ‬ ‫ب الْ َع َدالَة َوُم ْقتَ َ‬
‫(‪.)6‬‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫حكم رواية من يدلس تدليس اإلسناد‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف قبول رواية من عرف هبذا النوع من التدليس‪ ،‬فجعله فريق من أهل احلديث والفقهاء جمروحا بذلك‪،‬‬
‫ني السماع أو ِل يُ ِّبني‪ .‬ونقل السيوطي يف التدريب أن ابن عبد الرب نقل عن أئمة احلديث‬ ‫وقالوا‪َ :‬ل تقبل روايته ِبال‪ ،‬بَ ه َ‬
‫(‪.)7‬‬
‫أنه يقبل تدليس ابن عيينة؛ ألنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما"‬

‫(‪" )1‬الكفاية" للخطيب البغدادي (ص‪.)355:‬‬


‫(‪" )2‬الكفاية" للخطيب البغدادي (ص‪.)355:‬‬
‫(‪" )3‬الكفاية" للخطيب البغدادي (ص‪.)356:‬‬
‫(‪" )4‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)159:‬‬
‫(‪" )5‬مقدمة ابن الصالح وحماسن اَلصطالح" (ص‪.)234:‬‬
‫(‪" )6‬الكفاية" للخطيب البغدادي (ص‪.)357:‬‬
‫(‪" )7‬تدريب الراوي"(‪.)263/1‬‬
‫‪80‬‬
‫ورجحه ابن حبان يف مقدمة صحيحه‪ ،‬فقال‪" :‬إِهَل أَن يكون املدلس يعلم أَنه َما دلّس ق ّط إِهَل َعن ثَِقة‪ ،‬فَِإذا َكا َن َك َذلِك‬
‫س ِيف الدُّنْيَا إِهَل ل ُس ْفيَا َن ب ِن ُعيَ ْي نَة َوحده‪ ،‬فَِإنههُ َكا َن يُ َدلس َوََل يُ َدلس إِهَل َعن ثَِقة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبلت رَوايَته َوإن ِل يبني السماع‪َ ،‬وَه َذا لَْي َ‬
‫اخلََرب بِ َعْينِه قد بَني َمسَاعه فِ ِيه َعن ثَِقة‪.‬‬
‫متقن‪َ ،‬وََل ي َكاد يُوجد لِ ُس ْفيَان بن ُعيَ ْي نَة خرب دلّس فِ ِيه إِهَل وجد ذَلِك ْ‬
‫احلك ِم ِيف ِرواية ابن عبهاس إِذا روى عن النِهيب صلى اله علَيهِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫احلكم ِيف قبُول ِرَوايَته هلَ ِذهِ الْعلهة َوإِن ِل يبني السماع فِ َيها َك ْ‬ ‫فَ ْ‬
‫ِ "(‪.)1‬‬
‫َوسلم َما ِل يسمع منْهُ‬
‫مث مثل ذلك مبراسيل كبار التابعني‪ ،‬فإهم َل يرسلون إَل عن صحايب‪ ،‬وسبقه إىل ذلك أبو بكر البزار‪ ،‬وأبو الفتح األمدي‪.‬‬
‫والصحيح التفصيل‪:‬‬
‫فما رواه املدلس بلفظ غري صريح يف اَلتصال فهو منقطع َل يقبل‪ ،‬وما رواه بلفظ صريح يف اَلتصال حنو مسعت وحدثنا‬
‫وأخربان وحنوها فهو متصل حمتج به إذا توفرت سائر الشروط األخرى‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬مما ينبغي أن يعلم أن ما كان يف الصحيحني وأشباههما من الكتب اليت التزمت الصحة من الرواية عن‬
‫املدلسني الذين رووا بلفظ "عن" حممول على ثبوت السماع من جهة أخرى‪ ،‬ولذلك جند البخاري ومسلما كثريا ما‬
‫يذكرون للحديث الواحد أكثر من سند هلذا الغرض‪ ،‬وقد َيتار صاحب الصحيح طريق العنعنة على طريق التصريح‬
‫ابلسماع لكوها على شرطه دون تلك‪ ،‬وهذا الضرب كثري كقتادة‪ ،‬والسفيانني‪ ،‬وهشام بن بشري‪ ،‬وعبد الرماق‪ ،‬والوليد بن‬
‫مسلم‪ ،‬واألعمش‪ ،‬واحلسن البصري‪ ،‬وغريهم‬
‫القسم الثاين‪ :‬تدليس الشيوخ‪.‬‬
‫ف"(‪.)2‬‬ ‫ف بِِه‪َ ،‬ك ْي ََل يُ ْعَر َ‬ ‫ص َفهُ ِمبَا ََل يُ ْعَر ُ‬ ‫"وهو‪ :‬أَ ْن ي رِوي عن َشي ٍّخ ح ِديثًا َِمسعه ِمْنه‪ ،‬فَيس ِميه أَو ي َكنِّيه‪ ،‬أَو ي ْنسبه‪ ،‬أَو ي ِ‬
‫َ ُ ُ ُ َ ّ َ ُ ْ ُ َ ُ ْ َ َُ ُ ْ َ‬ ‫َ ُ َ َْ َ َ ْ ْ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫اينّ فَ َق َ‬‫الس ِج ْستَ ِِ‬‫ِ‬
‫اَّلل بْ ِن أَِيب َد ُاوَد ّ‬
‫ْر عب ِد هِ‬
‫اْل َم ِام الْ ُم ْق ِر ِئ‪ :‬أَنههُ َرَوى َع ْن أَِيب بَك ٍّ َْ‬ ‫اه ٍّد ِْ‬
‫مثاله‪ :‬ما رِوي عن أَِيب ب ْك ِر ب ِن ُجم ِ‬
‫َ ُ َ َْ َ ْ َ‬
‫ال‪َ " :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن‬ ‫هاش الْ ُم َف ِّس ِر الْ ُم ْق ِر ِئ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ْر ُحمَ هم ِد بْ ِن ْ‬
‫احلَ َس ِن النه ق ِ‬ ‫اَّللِ‪َ ،‬وَرَوى َع ْن أَِيب بَك ٍّ‬ ‫اَّللِ بْ ُن أَِيب َعْب ِد ه‬
‫َحدهثَنَا َعْب ُد ه‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫َسنَد"‪ ،‬نَ َسبَهُ إِ َىل َج ّد لَهُ‬
‫(‪.)3‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫ي َعْنهُ‪َ ،‬وتَ ْو ِعريٌ لِطَ ِر ِيق‬ ‫ضيِ ِ‬
‫يع ل ْل َم ْرِو ِّ‬
‫قال ابن الصالح‪ :‬وأما القسم الثاين( يقصد تدليس الشيوخ)‪ ،‬فَأَمره أَخ ُّ ِ ِ‬
‫ف‪َ ،‬وفيه تَ ْ ٌ‬ ‫ْ ُُ َ‬
‫وف َعلَى َحالِِه َوأ َْهلِيهتِهِ‪.‬‬ ‫ب الْ ُوقُ َ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َم ْعرفَته َعلَى َم ْن يَطْلُ ُ‬
‫ك َك ْو ُن َشْي ِخ ِه اله ِذي َغيه َر مسَْتَهُ َغْي َر ثَِقةٍّ‪ ،‬أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب الْغَر ِ ِ‬
‫ض ا ْحلَام ِل َعلَْيه‪ ،‬فَ َق ْد َْحي ِملُهُ َعلَى َذل َ‬ ‫َ‬
‫ك ِِبَس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال يف َكَر َاهة َذل َ َ‬
‫ف ا ْحلَ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَيَْتَل ُ‬
‫الرَوايَِة َعْنهُ فَ َال‬
‫َصغَر ِسنًّا ِم َن الهرا ِوي َعْنهُ‪ ،‬أ َْو َك ْونُهُ َكثِري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ّ‬ ‫اعةٌ ُدونَهُ‪ ،‬أ َْو َك ْونُهُ أ ْ َ‬ ‫َخَر الْ َوفَاة قَ ْد َش َارَكهُ ِيف ال هس َم ِاع مْنهُ َمجَ َ‬ ‫َك ْونُهُ ُمتَأ ّ‬
‫اح َدةٍّ‪.‬‬
‫اح ٍّد علَى صورةٍّ و ِ‬
‫ص َو َ ُ َ َ‬
‫اْل ْكثار ِمن ِذ ْك ِر َشخ ٍّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ب ِْ َ َ ْ‬ ‫ُِحي ُّ‬
‫ِ ِ ِ (‪.)4‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ني‪ِ ،‬مْن ُهم ا ْخلَ ِطيب أَبُو بَك ٍّ‬ ‫الرواةِ الْم ِ ِ‬ ‫وتَس همح بِ َذلِك َمج ِ‬
‫صانيفه‬ ‫ْر‪ ،‬فَ َق ْد َكا َن َهل ًجا به ِيف تَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صنّف َ‬‫اعةٌ م َن ُّ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ََ‬

‫(‪" )1‬اْلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان"(‪ ،)161/1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬


‫(‪" )2‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)74 :‬‬
‫(‪" )3‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)74:‬‬
‫(‪" )4‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)76:‬‬
‫‪81‬‬
‫وقال العراقي‪ :‬وقد جزم أبو نصر بن الصباغ يف كتاب العدة أن من فعل ذلك لكون من روى عنه غري ثقة عند الناس‬
‫وإَّنا أراد أن يغري امسه ليقبلوا خربه جيب إَل يقبل خربه‪ ،‬وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط يف ذلك ْلوام أن يعرف غريه‬
‫"(‪.)1‬‬
‫من جرحه ما َل يعرفه هو‪ ،‬وإ ن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن جمهول َل جيب قبول خربه حَ يعرف من روى عنه‬
‫"(‪.)2‬‬ ‫ف نَسبِ ِه‪ ،‬أَو َِل ْختِ َالفِ ِهم ِيف قَب ِ‬
‫ول ِرَوايَتِ ِه فَ َال‬ ‫ض ْع ِف ِه فَجرح‪ ،‬أَو لِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال اآلمدي‪" :‬إِ ْن فَ َعلَهُ ل َ‬
‫ْ ُ‬ ‫ض ْع َ ْ‬ ‫َْ ٌ ْ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ث لَ ْو ُسئِ َل َعْنهُ َِلْ يُبَ يِّْنهُ‪ ،‬فَ َج ْر ٌح‪َ ،‬وإِهَل فََال"‬
‫وقال ابن السمعاين‪" :‬إِ ْن َكا َن ِِبَْي ُ‬
‫ت‬ ‫ومنع بعضهم إطالق اسم التدليس على هذا‪ ،‬روى البيهقي يف "املدخل إىل علم السنن"‪َ ،‬ع ْن ُحمَ هم ِد بْ ِن َرافِ ٍّع‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫يث َر ُج ٍّل‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‪ :‬أَلَْي ِ‬ ‫ِألَِيب ع ِام ٍّر‪َ :‬كا َن الثهوِر ُّ ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ورةً يَ ْعلَ ُم أَ هن أ َْهلَ َها ََل يَكْتُبُو َن َحد َ‬ ‫س إذَا َد َخ َل ُك َ‬ ‫َ‬ ‫ال‪ََ :‬ل يفعل‪ ،‬قُ ْل ُ‬ ‫سق قَ َ‬ ‫ي يُ َدلّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يس‬ ‫ِ‬
‫ني‪ ،‬لَْيس بِتَ ْدل ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ِابلْ ُكْن يَة َمسهاهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ف الهر ُج ُل ِابَل ْس ِم َكنهاهُ‪َ ،‬وإِذَا ُع ِر َ‬ ‫َح هدثَِّن َر ُج ٌل‪َ ،‬وإِذَا ُع ِر َ‬
‫ال‪َ :‬ه َذا تَ ْزي ٌ َ‬
‫(‪.)4‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬تدليس التسوية‪.‬‬


‫وهو إسقاط ضعيف بني ثقتني‪ ،‬وذلك ِبن يروي املدلس حديثا عن شيخ ثقة غري مدلس‪ ،‬وذلك الثقة يرويه عن ضعيف‬
‫عن ثقة‪ ،‬فيأيت املدلس الذي مسع من الثقة األول غري املدلس فيسقط الضعيف الذي يف السند‪ ،‬وجيعل احلديث عن‬
‫(‪.)5‬‬
‫شيخه الثقة الثاين بلفظ حمتمل‪ ,‬فيستوي اْلسناد كله ثقات‪ ،‬وهذا شر أقسام التدليس‪ ،‬قادح فيمن تعمد فعله‬
‫قال العالئي‪" :‬وَل ريب يف تضعيف من أكثر من هذا النوع‪ ،‬وقد وقع فيه مجاعة من األئمة الكبار لكن يسريا؛‬
‫كاألعمش وسفيان الثوري‪ ،‬حكاه عنهما اخلطيب‪ ،‬وروى عن قبيصة قال‪ :‬حدث سفيان الثوري يوما حديثا بدل فيه‬
‫"(‪.)6‬‬
‫رجال فقيل له َي أاب عبد هللا فيه رجل فقال هذا سهل للطريق‪ .‬وممن أكثر منه بقية‪ ،‬والوليد بن مسلم‪ ،‬وتكلم فيهما من أجله‬
‫وقال صاحل جزرة‪ :‬مسعت اهليثم بن خارجه يقول‪ :‬قلت للوليد بن مسلم‪ :‬قد أفسدت حديث األوماعي‪ ،‬قال‪ :‬كيفق‬
‫قلت‪ :‬تروي عن األوماعي عن انفع‪ ،‬وعن األوماعي عن الزهري‪ ،‬وعن األوماعي عن حيىي بن سعيد‪ ،‬وغريك يدخل بني‬
‫األوماعي وبني انفع عبد هللا بن عامر األسلمي‪ ،‬وبينه وبني الزهري إبراهيم بن مرة وقرة‪ ،‬قال‪ :‬أنبل األوماعي أن يروي عن‬
‫مثل هؤَلء‪ ،‬قلت‪ :‬فإذا روى عن هؤَلء وهم ضعفاء أحاديث كثرية مناكري فأسقطتهم وصريهتا من رواية األوماعي عن‬
‫"(‪.)7‬‬
‫الثقات ضعف األوماعي فلم يلتفت إىل قويل‬
‫قال اخلطيب‪ :‬وكان األعمش وسفيان الثوري يفعالن مثل هذا‬
‫(‪.)8‬‬

‫وقد نقل الذهيب عن أيب احلسن بن القطان يف بقية أنه يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك‪ ،‬وهذا إن صح عنه مفسد‬
‫لعدالته‪ .‬وعلق الذهيب على هذا ِبنه صح عنه أنه يفعله‪ ،‬وكذلك صح عن الوليد بن مسلم‪ ،‬وعن مجاعة كبار فِعلَهُ‪ ،‬وهذا‬

‫(‪" )1‬التقييد واْليضاح" (ص‪.)100:‬‬


‫(‪" )2‬تدريب الراوي" (‪.)265/1‬‬
‫(‪" )3‬تدريب الراوي" (‪.)265/1‬‬
‫(‪" )4‬املدخل إىل علم السنن" (‪ – )260/1‬رقم(‪ ،)560‬لإلمام البيهقي‪ ،‬دار اليسر للنشر والتوميع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪" :‬التدليس واملدلسون" (‪ ،)94/2‬محاد بن حممد األنصاري اخلزرجي السعدي‪ ،‬الناشر‪ :‬جملة اْلامعة اْلسالمية ابملدينة املنورة‪.‬‬
‫(‪" )6‬جامع التحصيل يف أحكام املراسيل"(‪ ،)103‬عاِل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )7‬النكت على مقدمة ابن الصالح" للزركشي‪ ،)107/2( ،‬أضواء السلف‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫(‪" )8‬تدريب الراوي" (‪.)259/1‬‬
‫‪82‬‬
‫بلية منهم ولكنهم فعلوا ذلك ابجتهاد‪ ،‬وما جوموا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره ابلتدليس أنه تعمد الكذب‪،‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وهذا أمثل ما يعتذر به عنهم‬
‫وقال السيوطي‪ :‬والقدماء يسمونه جتويدا‪ ،‬فيقولون جوده فالن‪ ،‬أي ذكر من فيه من األجواد‪ ،‬وحذف غريهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬والتحقيق أن يقال‪ :‬مَ قيل تدليس التسوية‪ ،‬فال بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط يف‬
‫(‪.)2‬‬
‫ذلك اْلسناد‪ ،‬قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه يف ذلك احلديث‬
‫قال الشافعي‪" :‬ومن عرفناه دلس مرة فقد أابن لنا عورته يف روايته‪ ،‬وليست تلك العورة ابلكذب فنرد هبا حديثه‪ ،‬وَل‬
‫النصيحة يف الصدق‪ ،‬فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة يف الصدق‪ ،‬فقلنا‪َ :‬ل نقبل من مدلس حديثا حَ يقول فيه‪:‬‬
‫(‪.)3‬‬
‫(حدثّن) أو (مسعت)‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ْم ِِبَنههُ ََل يُ ْقبَل ِم َن الْ ُم َدلِّ ِ‬
‫س َمهرًة"‬ ‫ه‬
‫َجَراهُ الشهافع ُّي َرض َي هاَّللُ َعْنهُ ف َيم ْن َعَرْف نَاهُ َدل َ‬ ‫س َح هَ يُبَ ِّ َ‬
‫ني قَ ْد أ ْ‬ ‫وقال ابن الصالح‪ْ " :‬‬
‫احلُك ُ‬
‫(‪.)4‬‬
‫ُ‬
‫حكم من كان يدلس تدليس التسوية‪ :‬هذا النوع شر األقسام‪ ،‬وفيه تغرير شديد‪.‬‬
‫(‪.)5‬‬
‫قال العراقي‪ :‬وهو قادح فيمن تعمد فعله‪ ،‬وقال العالئي‪ :‬وابْلملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها‬
‫ورا لِ َم ْن َأيْ ُخ ُذ َعْنهُ‪،‬‬ ‫هث‪َ ،‬و ُغ ُر ً‬
‫يسا َعلَى َم ْن ُحيَد ُ‬ ‫ض ُّم اْل َق ِو ِي إِ َىل اْل َق ِو ِ ِ‬
‫ي؛ تَ ْلب ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وح َو َ‬ ‫ص هح َع ْن قَ ْوٍّم إِ ْس َقا ُط اْل َم ْج ُر ِ‬ ‫ال ابْ ُن َح ْزم‪َ :‬‬ ‫قَ َ‬
‫ود؛ ِألَنههُ َساقِ ُ‬
‫ط اْل َع َدالَِة (‪.)6‬‬ ‫ِ‬ ‫فَ ه َذا َْجمر ِ‬
‫وح َوف ْس ُقهُ ظَاهٌر‪َ ،‬و َخبَ ُرهُ َم ْرُد ٌ‬ ‫َ ُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هه َما ََل يَ ْف َع َالنه إِهَل ِيف َح ِّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف بِه الث ْهوِر ُّ‬ ‫ِ‬
‫ش‪ ،‬فَاَل ْعت َذ ُار أَن ُ‬ ‫ي‪َ ،‬و ْاأل َْع َم ُ‬ ‫ك أَنههُ َج ْر ٌح‪َ ،‬وإِ ْن ُوص َ‬ ‫وقال احلافظ ابن حجر‪ََ" :‬ل َش ه‬
‫ضعِي ًفا ِعْن َد َغ ِْريَِهَا‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َم ْن يَ ُكو ُن ث َقةً عْن َد َُهَا َ‬
‫ول‪َ :‬س هواهُ فَُال ٌن‪َ ،‬وَه ِذهِ تَ ْس ِويَةٌ‪َ ،‬والْ ُق َد َماءُ يُ َس ُّمونَهُ َْجت ِو ًيدا‪،‬‬ ‫يس‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫ون لَ ْف ِظ الت ْهدلِ ِ‬ ‫ان إِهَّنَا َمسهاه تَس ِويةً بِ ُد ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫قال‪ :‬مثُه ابن الْ َقطه ِ‬
‫ُْ‬
‫ف َغْي َرُه ْم‬ ‫ِ‬
‫َج َواد‪َ ،‬و َح َذ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َي ذَ َكَر َم ْن فيه م َن ْاأل ْ‬ ‫فَيَ ُقولُو َن َج هوَدهُ فَُال ٌن‪ ،‬أ ْ‬
‫ط ِيف‬‫ت بَْي نَ ُه ُم الْ َو َسائِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ هِ‬ ‫ال‪ :‬مَ قِيل تَ ْدلِيس الت ِ‬ ‫قال‪ :‬والت ِ‬
‫ين ُحذفَ ْ‬ ‫هس ِويَة‪ ،‬فََال بُ هد أ َْن يَ ُكو َن ُكلٌّ م َن الثَّقات الذ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫يق أَ ْن يُ َق َ َ َ َ‬ ‫هحق ُ‬ ‫َ ْ‬
‫يس َِلْ َْحيَت ْج‬‫ون لَ ْف ِظ الت ْهدلِ ِ‬ ‫يث‪ ،‬وإِ ْن قِيل‪ :‬تَس ِويةٌ بِ ُد ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫احل ِد ِ‬
‫ك َْ‬
‫ِِ ِ‬
‫ص مْن ُه ْم بِ َشْي ِخ َشْيخه ِيف َذل َ‬
‫اْلسنَ ِاد‪ ،‬قَ ِد اجتمع الشهخ ِ‬
‫ََْ َ ْ ُ‬ ‫ك ِْ ْ‬
‫ِ‬
‫ذَل َ‬
‫َص ًال‪َ ،‬وَوقَ َع ِيف َه َذا‪ ،‬فَِإنههُ يَ ْرِوي َع ْن ثَ ْوٍّر‪َ ،‬ع ِن‬ ‫يس أ ْ‬ ‫ك‪ ،‬فَِإنههُ َِلْ يَ َق ْع ِيف الت ْهدلِ ِ‬ ‫َح ٍّد ِمْن ُه ْم ِمبَ ْن فَ ْوقَهُ‪َ ،‬ك َما فَ َع َل َمالِ ٌ‬ ‫إِ َىل ِ‬
‫اجت َم ِاع أ َ‬
‫ْ‬
‫َس َق َط عِ ْك ِرَمةَ ِألَنههُ َغْي ُر ُح هج ٍّة ِعْن َدهُ‪َ ،‬و َعلَى َه َذا يُ َفا ِر ُق الْ ُمْن َق ِط َع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اس‪َ ،‬وثَ ْوٌر َِلْ يَْل َقهُ َوإِهَّنَا َرَوى‪َ ،‬ع ْن ع ْك ِرَمةَ َعْنهُ فَأ ْ‬ ‫ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫ضعِي ًفا‪ ،‬فَ ُه َو ُمْن َق ِط ٌع َخ ٌّ‬ ‫ِِ‬
‫اص‬ ‫ِِبَ هن َش ْر َط ال هساقط ُهنَا أَ ْن يَ ُكو َن َ‬
‫"(‪.)7‬‬

‫(‪ " )1‬التدليس واملدلسون" (‪.)94/2‬‬


‫(‪" )2‬تدريب الراوي" (‪.)259/1‬‬
‫(‪" )3‬الرسالة للشافعي" (‪ ،)378/1‬احملقق‪ :‬أمحد شاكر‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبه احلليب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫(‪" )4‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)75 :‬‬
‫(‪" )5‬تدريب الراوي" (‪.)259/1‬‬
‫(‪" )6‬فتح املغيث" للسخاوي (‪.)242/1‬‬
‫(‪" )7‬تدريب الراوي"(‪.)259/1‬‬
‫‪83‬‬
‫أشهر من ُع ِر َ‬
‫ف بتدليس التسوية‪:‬‬
‫(‪ )1‬بقية بن الوليد بن صائد بن كعب احلمصي‪:‬‬
‫قال أبو مرعة الرامي‪ :‬بقية بن الوليد مشهور ابلتدليس‪ ،‬مكثر له عن الضعفاء يعاين تدليس التسوية وهو أفحش أنواع التدليس‬
‫(‪)1‬‬

‫وقال النسائي‪" :‬إذا قال حدثنا وأخربان فهو ثقة‪ ،‬وإذا قال عن فالن فال يؤخذ عنه ألنه َل يدري عمن أخذه"‬
‫وقال أبو مسهر الغساين‪" :‬بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية"(‪.)2‬‬
‫وقال عنه احلافظ يف التقريب ‪" :‬صدوق كثري التدليس عن الضعفاء"(‪.)3‬‬
‫(‪ )2‬الوليد بن مسلم القرشي‪ ،‬أبو العباس الدمشقي‪:‬‬
‫قال أَبو مسهر‪َ " :‬كا َن الْولِيد بن مسلم حيدث ِِبَح ِاديث ْاألَوم ِ‬
‫اع ّي َعن الْ َك هذابني مثه يدلسها َعْن ُهم"(‪.)4‬‬‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫وقال اهليثم بن خارجة‪ :‬قلت للوليد‪ :‬قد أفسدت حديث األوماعي‪ ،‬قال كيفق قلت‪ :‬تروي عن األوماعي عن انفع‪،‬‬
‫وعن األوماعي عن الزهري وحيىي بن سعيد‪ ،‬وغريك يدخل بني األوماعي وبني انفع عبد هللا بن عامر‪ ،‬وبينه وبني الزهري‬
‫إبراهيم بن مرة وقره وغريَها‪ ،‬فما حيملك على هذاق قال‪ :‬أنبل األوماعي عن هؤَلء‪ ،‬قلت‪ :‬فإذا روى األوماعي عن هؤَلء‬
‫اعي‪ ،‬قال فلم‬ ‫وهؤَلء وهم ضعفاء أحاديث مناكري فأسقطتهم أنت وصريهتا من رواية األوماعي عن الثقات ِ‬
‫ف األوم ُّ‬‫ض ّع َ‬
‫ُ‬
‫يلتفت إىل قويل‪ .‬وقال الدارقطين‪ :‬كان الوليد يرسل‪ ،‬يروي عن األوماعي أحاديث عند األوماعي عن شيوخ ضعفاء عن‬
‫شيوخ قد أدركهم األوماعي‪ ،‬فيسقط أمساء الضعفاء وجيعلها عن األوماعي عن انفع وعن عطاء(‪.)5‬‬
‫وقال احلافظ يف التقريب‪" :‬ثقة لكنه كثري التدليس والتسوية"‬
‫(‪)6‬‬

‫(‪ )3‬احلسن بن ذكوان أبو سلمة البصري‪:‬‬


‫قال حيىي بن معني يف كل ما رواه احلسن ين ذكوان عن حبيب بن أيب اثبت أن بينه وبني حبيب رجال ليس بثقة (‪.)7‬‬
‫وقال األثرم‪ :‬قلت أليب عبد هللا‪ :‬ما تقول يف احلسن بن ذكوانق فقال‪ :‬أحاديث أابطيل‪ ،‬يروي عن حبيب بن أيب اثبت‬
‫وِل يسمع من حبيب‪ ،‬إَّنا هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطي(‪.)8‬‬
‫وقال احلافظ يف التقريب‪" :‬صدوق َيطئ ورمي ابلقدر وكان يدلس"‬
‫(‪)9‬‬

‫(‪" )1‬املدلسني" أليب مرعة الرامي‪( ،‬ص‪ ،)37:‬دار الوفاء‪.‬‬


‫(‪" )2‬هتذيب التهذيب" (‪.)475 -474/1‬‬
‫(‪" )3‬تقريب التهذيب" (ص‪.)126 :‬‬
‫(‪" )4‬النكت على مقدمة ابن الصالح" للزركشي‪ ،)106/2( ،‬أضواء السلف‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫(‪" )5‬هتذيب التهذيب" (‪.)154/11‬‬
‫(‪" )6‬تقريب التهذيب" (ص‪.)584 :‬‬
‫(‪" )7‬جامع التحصيل للعالئي (ص‪ ،)105 :‬عاِل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )8‬هتذيب التهذيب" (‪.)277/2‬‬
‫(‪" )9‬تقريب التهذيب" (ص‪.)161 :‬‬
‫‪84‬‬
‫أكثر احملدثني تدليسا‪:‬‬
‫صَرةِ"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال احلاكم‪" :‬وأَ ْكث ر الْمح ِّدثِ ِ‬
‫يسا أ َْه ُل الْ ُكوفَة‪َ ،‬ونَ َفٌر يَسريٌ م ْن أ َْه ِل الْبَ ْ‬
‫ني تَ ْدل ً‬
‫(‪)1‬‬
‫َ َُ ُ َ َ‬
‫أسباب التدليس‪:‬‬
‫(‪ )1‬قد يكون الباعث على التدليس صغر سن الشيخ الذي مسع منه املدلس‪ ،‬أَو عدم شهرته وجاهه عند الناس‪ ،‬ألن‬
‫هذا معناه أنّه ِل يرحل للسماع من شيخ هذا الصغري‪ ،‬فيسمع منه بدَل من الرواية عن الصغري‪.‬‬
‫(‪ )2‬قد يكون الباعث على التدليس إخفاء ضعف شيخ الراوي‪ ،‬أو جهالته‪ ،‬وقد يفعله بعض األئمة الكبار ه‬
‫ألهم‬
‫يعلمون أن املنت جاء من طرق أخرى صحيحة‪ ،‬لكن إذا صرحوا ابلسماع من الضعيف ترد روايتهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬قد يكون الباعث على التدليس خوف الراوي على نفسه من عيب شيخه‪ ،‬أو بدعته‪.‬‬
‫فاحلسن البصري‪ ،‬مثال كان يف ممن بّن أمية‪ ،‬فإذا روى حديثا عن أحد من آل البيت قد َياف أن يصرح ابمسه‪ ،‬فيُؤذي‬
‫بسبب ذلك‪.‬‬
‫(‪ )4‬قد يدلس الراوي طلبا لعلو اْلسناد‪.‬‬
‫(‪ )5‬قد يدلس لإليهام بكثرة الشيوخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬قد يدلس تدليس األماكن والبلدان لإليهام بكثرة رحالته العلمية لطلب احلديث والرواية‪.‬‬
‫طبقات املدلسني‪:‬‬
‫املدلسون ليسوا على درجة واحدة‪ ،‬وَل على رتبة أو طبقة واحدة‪ِ ،‬بيث أيخذون مجيعا نفس احلكم؛ من حيث جرحهم‪،‬‬
‫أو رد مروَيهتم‪ ،‬أو رفض عنعنتهم مطلقا‪ ،‬بل هم َخس طبقات‪:‬‬
‫الطبقة األوىل‪ :‬من ِل يدلس إَلّ اندرا جدا؛ ِبيث ينبغي أَل يعد يف املدلسني كيحيي بن سعيد األنصاري‪ ،‬وهشام بن‬
‫عروة‪ ،‬وموسى بن عقبة‪.‬‬
‫وخرجوا له يف الصحيح‪ ،‬وإن ِل يصرح ابلسماع‪ ،‬وذلك لواحد من أسباب‬ ‫الطبقة الثانية‪ :‬من احتمل األئمة تدليسه ّ‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫(‪ )1‬إما ْلمامته‪.‬‬
‫(‪ )2‬وإما لقلة تدليسه يف جنب ما روى‪.‬‬
‫(‪ )3‬وإما ألنه َل يدلس إَلّ عن ثقة‪ ،‬كالزهري وسليمان األعمش‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬وإمساعيل بن أيب خالد‪ ،‬وسليمان‬
‫التيمي‪ ،‬ومحيد الطويل‪ ،‬واحلكم بن عتيبة‪ ،‬وحيي بن أيب كثري‪ ،‬وابن جريح‪ ،‬والثوري‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬وشريك القاضي‪ ،‬وهشيم‪.‬‬
‫وهو مقبول مطلقاً؛ ألنه َل يدلس إَل عن ثقة؛ ألهم كان يعتربونه جمرد إرسال‪ ،‬وِل ينووا به التدليس‪ ،‬فهم َل يضرهم ذكر‬
‫الشيخ؛ ألنه ثقة‪ ،‬ففي الصحيحني وغريَها هلؤَلء احلديث الكثري مما ليس فيه التصريح ابلسماع‪ ،‬ومحل بعض األئمة ذلك‬
‫على أن الشيخني اطلعا على مساع الواحد من أمثال هؤَلء لذلك احلديث الذي أخرجه بلفظ (عن) وحنوها عن شيخه‪,‬‬
‫ولكن يف هذا نظر؛ بل الظاهر أن ذلك لواحد من األسباب الثالثة اليت تقدمت آنفا‪ ,‬وهذا هو الراجح‪.‬‬

‫(‪" )1‬معرفة علوم احلديث"(ص‪.)111 :‬‬


‫‪85‬‬
‫ص ٍّ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ف لِس ْفيَا َن الثهوِر ِي َع ْن َحبِ ِ‬
‫يب بْ ِن أَِيب َاثبت َوََل َع ْن َسلَ َمةَ بْ ِن ُك َهْي ٍّل َوََل َع ْن َمْن ُ‬ ‫ِ‬ ‫قال الْبُ َخا ِر ُّ‬
‫ور َوذَ َكَر‬ ‫ْ ّ‬ ‫ي ‪َ " :‬وََل أ َْعر ُ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ال ََل أَع ِر ُ ِ‬
‫يسا َما أَقَ هل تدليسه‬
‫ف ل ُس ْفيَا َن َع ْن َه ُؤََلء تَ ْدل ً‬ ‫َم َشايِ َخ َكثِ َريةً فَ َق َ ْ‬
‫(‪.)1‬‬

‫الطبقة الثالثة‪ :‬قوم اشتهروا ابلتدليس‪ ،‬ولكنهم ثقات‪ ،‬فهم مشهورون ابلتدليس‪ ،‬أي‪ :‬أن األصل فيهم التدليس‪ ،‬ولكنهم‬
‫ثقات‪ ،‬فهؤَلء قبلهم البعض مطلقا ‪ ،‬وقبل البعض ما صرحوا فيه ابلسماع‪ ،‬وأما إذا روى بصيغة حتتمل السماع رد حديثه‬
‫يبني السماع ؛ كاحلسن البصري‪ ،‬وقتادة بن دعامة السدوسي‪ ،‬وأيب إسحاق السبيعي‪ ،‬وأيب الزبري املكي‪ ،‬وأيب سفيان‬
‫حَ ّ‬
‫طلحة بن انفع‪ ،‬وعبد امللك بن عمري‪.‬‬
‫الطبقة الرابعة‪ :‬من اتفقوا على أنه َل حيتج بشيء من حديثهم إَلّ مبا صرحوا فيه ابلسماع؛ لغلبه تدليسهم وكثرته عن‬
‫الضعفاء واجملاهيل‪ ...‬وذلك كمحمد بن إسحاق بن يسار‪ ،‬وبقية بن الوليد‪ ،‬وحجاج بن أرطاة‪ ،‬وجابر اْلعفي‪ ،‬والوليد‬
‫بن مسلم‪ ،‬وسويد بن سعيد‪ ،‬وأضراهبم ‪ .‬فهؤَلء الذين حيكم على ما رووه بلفظ (عن) ِبكم املرسل‪.‬‬
‫الطبقة اخلامسة‪ :‬من قد ضعف ِبمر آخر غري التدليس‪َ ،‬فرُّد حديثهم ابلتدليس َل وجه له؛ إذ لو صرح ابلتحديث ِل‬
‫(‪.)2‬‬
‫يب‪ ،‬وأيب سعيد البقال‪ ،‬وحنوَها‪ ,‬فليعلم هذا فإنه انفع يف معرفة هؤَلء‬ ‫يكن حمتجا به ‪ ..‬كأيب جنَ ٍّ‬
‫اب الْ َك ْلِ ُّ‬ ‫ُ‬
‫اخلالصة‪ :‬خنلص من ذلك إىل أن املدلسني من الطبقة األوىل‪ ،‬والثانية يقبل حديثهم‪ ،‬سواء صرحوا ابلسماع أو ِل‬
‫صرحوا فيه ابلسماع‪ ،‬أو توبعوا عليه‪ ،‬قُبِ َل‪ ،‬وما ِل‬
‫يصرحوا‪ ،‬وأما أصحاب الطبقة الثالثة‪ ،‬والرابعة فيُنظر يف حديثهم‪ ،‬فما ّ‬
‫يصرحوا فيه ابلسماع‪ ،‬وِل يتابعوا عليه‪ُ ،‬رهد‪ .‬وأما أصحاب الطبقة اخلامسة فأحاديثهم مردودة ابلتدليس‪ ،‬وبغريه من العلل‪.‬‬
‫طرق معرفة التدليس‪ :‬يعرف التدليس بعدة طرق؛ منها‪:‬‬
‫[‪ ]1‬إخبار املدلس نفسه‪:‬‬
‫يس فَ َف ِط َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصح ِ‬ ‫ومثاله ما أخرجه احلاكم النيسابوري‪ ،‬أَ هن َمج ِ‬
‫ْ‬
‫اجتَ َم ُعوا يَ ْوًما َعلَى أَ ْن ََل َأي ُخ ُذوا مْنهُ الت ْهدل َ‬ ‫اب ُه َشْي ٍّم ْ‬ ‫اعةً م ْن أ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫ت لَ ُك ُم الْيَ ْوَم‬‫ال َهلُْم‪َ :‬ه ْل َدله ْس ُ‬
‫غ قَ َ‬‫ني‪َ ،‬وُمغِ َريةُ‪َ ،‬ع ْن إِبْ َر ِاه َيم‪ ،‬فَلَ هما فَ َر َ‬‫صْ ٌ‬
‫ِ ٍّ‬
‫ول ِيف ُك ِّل َحديث يَ ْذ ُك ُرهُ‪َ :‬حدهثَنَا ُح َ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َكا َن يَ ُق ُ‬ ‫ِِ‬
‫ل َذل َ‬
‫ني َوُمغِ َريةُ َغْي ُر َم ْس ُم ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال‪َِ :‬لْ أ َْمسَ ْع م ْن ُمغ َريَة َح ْرفًا ممها ذَ َك ْرتُهُ‪ ،‬إِهَّنَا قُ ْل ُ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫وع يل"‬ ‫صْ ٌ‬ ‫ت‪َ :‬ح هدثَِّن ُح َ‬ ‫فَ َقالُوا‪ََ :‬ل‪ ،‬فَ َق َ‬
‫[‪ ]2‬أن يكون املدلس معروفا بعدم السماع من شيخه يف إسناد احلديث‪:‬‬
‫س‪ ،‬عن مالِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسى‪َ ،‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن بَك ٍّ‬
‫ك‬ ‫َخبَ َرَان ابْ ُن ُجَريْ ٍّج‪َ ،‬ع ْن ع ْمَرا َن بْ ِن أَِيب أَنَ ٍّ ْ َ‬
‫ْر‪ ،‬أ ْ‬ ‫مثاله‪ :‬قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا َْحي َىي بْ ُن ُم َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم يَ ُق ُ‬
‫ول‪ِ« :‬يف ِْ ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِن أَو ِس ب ِن ْ ِ‬
‫ص َدقَتُ َها‪َ ،‬وِيف اْلبُ ِّر َ‬
‫ص َدقَتُهُ»‪.‬‬ ‫اْلب ِل َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ت َر ُس َ‬‫احلَ َد َاثن‪َ ،‬ع ْن أَِيب َذ ٍّّر‪َ ،‬مس ْع ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫ت َع ْن ِع ْمَرا َن بْ ِن أَِيب أَنَ ٍّ‬ ‫س‪ ،‬ي ُق ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫سأَلْت ُحم هم ًدا عن ه َذا ْ ِ ِ‬
‫س‬ ‫ول‪ُ :‬ح ّدثْ ُ‬ ‫احلَديث فَ َق َال‪ :‬ابْ ُن ُجَريْ ٍّج َِلْ يَ ْس َم ْع م ْن ع ْمَرا َن بْ ِن أَِيب أَنَ ٍّ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫َ ُ َ َْ َ‬
‫[‪ ]3‬أن يروى احلديث من طريق آخر صحيحا بواسطة بني الراوي املدلس وشيخه‪:‬‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َسعِي ٌد ُه َو ابْ ُن أَِيب‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َعْب ُد هللاِ بْ ُن بَك ٍّ‬
‫ْر‪ ،‬قَ َ‬ ‫يل بْ ِن إِبْ َر ِاه َيم‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫مثاله‪ :‬قال النسائي‪ :‬أ ْ‬
‫َخبَ َرَان ُحمَ هم ُد بْ ُن إ ْمسَاع َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم ِيف ابْنَ ِة محََْزَة‬‫هيب َ‬ ‫اس‪ ،‬أَ هن َعلِيًّا‪ ،‬قَ َ ِ ِ‬ ‫ب‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫عروبةَ‪ ،‬عن علِ ِي ب ِن مي ٍّد‪ ،‬عن سعِ ِ‬
‫يد بْ ِن الْمسيِّ ِ‬
‫ال للن ِّ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ َ َ ْ َ ّ ْ َْ َ ْ َ‬

‫(‪" )1‬التمهيد" َلبن عبد الرب (‪.)35/1‬‬


‫(‪" )2‬التدليس واملدلسون" (‪.)95-94/2‬‬
‫(‪" )3‬معرفة علوم احلديث"(ص‪.)105 :‬‬
‫(‪")4‬علل الرتمذي الكبري"‪ :‬أبواب الزكاة – ابب َجاء ِيف َمَك ِاة ِْ‬
‫اْلبِ ِل – رقم (‪.)171‬‬ ‫َ‬
‫‪86‬‬
‫ت أَ هن هللاَ َحهرَم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪« :‬أ ََو َما َعل ْم َ‬
‫ال نَِ ِ‬
‫يب هللا َ‬‫اعة»‪ ،‬مثُه قَ َ ُّ‬
‫ال‪« :‬إِنهها اب نَةُ أ َِخي ِمن الهرض ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫َوذَ َكَر ِم ْن َمجَ ِاهلَا‪ ،‬فَ َق َ‬
‫بق»(‪.)1‬‬ ‫اع ِة َما َحهرَم ِمن النهس ِ‬ ‫ضَ‬ ‫م َن الهر َ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬
‫قال النسائي‪َِ :‬لْ يَ ْس َم ْعهُ َسعِي ٌد َع ْن َعلِ ِّي بْ ِن َميْ ٍّد‪.‬‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َسعِي ٌد‪َ ،‬ع ْن َر ُج ٍّل‪َ ،‬ع ْن‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا غُْن َدٌر‪ ،‬قَ َ‬ ‫يد‪ ،‬قَ َ‬ ‫مث ساق النسائي اْلسناد اآلخر‪ ،‬فقال‪ :‬أَخب رَان قُت ي بةُ بن سعِ ٍّ‬
‫ْ َ َ َْ َ ْ ُ َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيهِ َو َسله َم ِيف ابْنَ ِة محََْزةَ فَ َذ َكَر ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ال للنِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫اس‪ ،‬أَ هن َعليًّا‪ ،‬قَ َ‬ ‫علِ ِي ب ِن مي ٍّد‪ ،‬عن سعِ ِ‬
‫يد بْ ِن الْمسيِّ ِ‬
‫هيب َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ّ ْ َْ َ ْ َ‬
‫اع ِة َما َحهرَم‬‫ضَ‬
‫ِ‬
‫ت أَ هن هللاَ َحهرَم م َن الهر َ‬
‫ِ‬ ‫ول هللا صلهى هللا علَي ِه وسلهم‪« :‬إِنهها اب نَةُ أ َِخي ِمن الهرض ِ‬
‫اعة أ ََو َما َعل ْم َ‬‫َ ََ‬ ‫َ ُ َْ ََ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َمجَ ِاهلَا‪ ،‬فَ َق َ‬
‫(‪)2‬‬
‫بق»‬ ‫ِمن النهس ِ‬
‫َ َ‬
‫فتبني من اْلسناد الثاين أن اْلسناد األول مدلس‪.‬‬
‫[‪ ]4‬إخبار املدلس نفسه بعدم السماع إذا سئل سؤاال مباشرا‪:‬‬
‫الزبَ ِْري‪َ ،‬ع ْن َجابِ ٍّر‪ ،‬قَ َ‬ ‫يب‪ ،‬عن لَي ٍّ‬ ‫س ال ُك ِ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ث‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُّ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا املُ َحا ِرِ ُّ َ ْ ْ‬ ‫ويف قَ َ‬ ‫ام بْ ُن يُونُ َ‬‫مثاله‪ :‬قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا ه َش ُ‬
‫اح ٍّد‪،‬‬
‫ي‪ ،‬و َغي ر و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل ال هس ْج َدة‪َ ،‬وبِتَ بَ َارَك " َوَه َك َذا َرَوى ُس ْفيَا ُن الث ْهور ُّ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ام َح هَ يَ ْقَرأَ بتَ ْنز ُ‬
‫" َكا َن النِهيب صلهى ه ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم ََل يَنَ ُ‬ ‫ُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يث‪َ ،‬ع ْن‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َْحن َوهُ‪َ ،‬وَرَوى ُمَهْي ٌر‪َ ،‬ه َذا احلَد َ‬ ‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ِ ٍّ ِ ِ‬
‫الزبَ ْري‪َ ،‬ع ْن َجابر‪َ ،‬عن الن ِّ‬
‫ث‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُّ ِ‬ ‫يث‪ ،‬عن لَي ٍّ‬
‫َه َذا احلَد َ َ ْ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫مس ْعتَهُ ِم ْن َجابِ ٍّرق قَ َ‬
‫ال‪ :‬قُ ْلت لَه‪َِ :‬‬
‫ال‪َِ :‬لْ أ َْمسَ ْعهُ م ْن َجاب ٍّر‪ ،‬إِهَّنَا َمس ْعتُهُ م ْن َ‬
‫ص ْف َوا َن‪ ،‬أ َْو ابْ ِن َ‬
‫ص ْف َوا َن‬ ‫الزبَ ِْري‪ ،‬قَ َ‬
‫أَِيب ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ُ ُ‬
‫والقائل أل يب الزبري هو الليث بن سعد‪.‬‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا ُش ْعبَةُ‪َ ،‬ع ْن َع ْم ِرو بْ ِن ِدينَ ٍّ‬ ‫َخبَ رَان ُحمَ هم ُد بْن بَش ٍّ‬
‫ار‪َ ،‬ع ْن‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ٌد‪ ،‬قَ َ‬ ‫هار‪ ،‬قَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن أمثلته أيضا‪ :‬قال النسائي‪ :‬أ ْ َ‬
‫ت َِمس ْعتَهُ ِم ْن‬ ‫ول هللاِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم ‪ -‬ي ع ِّن الْعزَل‪ .‬قُلْ ِ‬ ‫ال‪ُ :‬كنها نَ ْفعلُه َعلَى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫َجابِ ِر بْ ِن َعْب ِد هللاِ‪ ،‬قَ َ‬
‫ت ل َع ْم ٍّرو‪ :‬أَنْ َ‬‫ُ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ َْ‬ ‫َُ‬ ‫َُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ال‪ََ« :‬ل»‬ ‫َجابِ ٍّرق قَ َ‬
‫والقائل لعمرو هو شعبة‪.‬‬
‫[‪ ]5‬ابلتنصيص من أحد األئمة على عدم مساع هذا الراوي هلذا احلديث من هذا الشيخ‪:‬‬
‫وذلك ِبن ينص إمام على حديث معني أن فالان ِل يسمعه من فالن‪ ،‬أو ينص على عدد األحاديث اليت مسعها منه وَل‬
‫يكون هذا احلديث منها‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه‬ ‫ول هِ‬ ‫ث‪َ ،‬ع ْن َعلِ ٍّّي‪َ ،‬ر ِض َي ه‬ ‫احلا ِر ِ‬ ‫(‪ )1‬أخرج أبو داود حديث أَِيب إِ ْس َح َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬‫اَّللُ َعْنهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫اق‪َ ،‬ع ِن َْ‬
‫ص َالةِ»(‪.)5‬‬ ‫و َسلهم‪ََ « :‬ي َعلِ ُّي‪ََ ،‬ل تَ ْفتَ ْح َعلَى ِْ‬
‫اْل َم ِام ِيف ال ه‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال أَبُو َد ُاو َد‪« :‬أَبُو إِ ْس َح َ‬
‫س َه َذا مْن َها»‪.‬‬ ‫يث‪ ،‬لَْي َ‬
‫َحاد َ‬‫احلَا ِرث‪ ،‬إهَل أ َْربَ َعةَ أ َ‬‫اق‪َِ ،‬لْ يَ ْس َم ْع م َن ْ‬ ‫قَ َ‬

‫اع ِة– رقم(‪.)5416‬‬ ‫ضَ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى‪ :‬كتاب النكاح– ابب َما َْحي ُرُم ِابلهر َ‬
‫اع ِة– رقم(‪.)5417‬‬ ‫ضَ‬ ‫(‪ )2‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى‪ :‬كتاب النكاح– ابب َما َْحي ُرُم ِابلهر َ‬
‫يم ْن يَ ْقَرأُ ال ُق ْرآ َن عِْن َد املنَ ِام– رقم(‪.)3404‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب الدعوات– ابب ما جاء فِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ف النهاقِلِ ِ‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى‪ :‬كتاب عشرة النساء– ابب الْعزُل وِذ ْكر اختِ َال ِ‬
‫ني للْ َخ َِرب ِيف ذَل َ‬
‫ك– رقم(‪.)9044‬‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ ْ‬
‫ني– رقم(‪.)908‬‬ ‫هه ِي َع ِن الته لْ ِق ِ‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود‪ :‬كتاب الصالة– ابب الن ْ‬
‫‪87‬‬
‫لي؛ فَلم يسمع أَبُو إِ ْس َحاق من ا ْحلَا ِرث إِهَل‬ ‫ِ‬ ‫وقال أبو داود يف رسالته ألهل مكة‪َ " :‬وأما أَبُو ْ‬
‫أس َحاق َعن ا ْحلَارث َعن َع ّ‬
‫أَرب عة أَح ِاديث لَيس فِيها مسند و ِ‬
‫احد"(‪.)1‬‬ ‫ْ َ َ ُْ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫(‪ )2‬قال شعبة‪ :‬يسمع أبو إسحاق من احلارث األعور إَل أربعة أحاديث‬
‫(‪ )3‬قال أمحد وغريه‪ِ :‬ل يسمع احلكم (ابن عتيبة) حديث مقسم إَل َخسة أحاديث‪ ،‬وعدها حيىي القطان‪ :‬حديث الوتر‬
‫والقنوت‪ ،‬وعزمة الطالق‪ ،‬وجزاء الصيد‪ ،‬والرجل أييت امرأته وهي حائض"(‪.)3‬‬
‫اَّلل علَي ِه وسلهم عب َد هِ‬ ‫(‪ )4‬أخرج الرتمذي حديث احلَ َك ِم‪َ ،‬ع ْن ِم ْق َس ٍّم‪َ ،‬ع ْن ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫احةَ‬‫اَّلل بْ َن َرَو َ‬ ‫صلهى هُ َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫هيب َ‬‫ث النِ ُّ‬ ‫ال‪ :‬بَ َع َ‬ ‫اس‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم مثُه أ ْ‬ ‫ول هِ‬ ‫ف فَأُصلِّي مع رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫َحلَُق ُه ْم‪،‬‬ ‫صلهى ه‬‫اَّلل َ‬ ‫ال‪ :‬أ ََختَله ُ َ َ َ َ ُ‬ ‫َص َحابُهُ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ك يَ ْوَم اْلُ ُم َعة‪ ،‬فَغَ َدا أ ْ‬ ‫ِيف َس ِريهة‪ ،‬فَ َوافَ َق َذل َ‬
‫ُصلِّ َي‬
‫ت أَ ْن أ َ‬ ‫ال‪ :‬أ ََرْد ُ‬ ‫كق»‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َص َحابِ َ‬
‫ك أَ ْن تَ ْغ ُد َو َم َع أ ْ‬ ‫ال لَهُ‪َ « :‬ما َمنَ َع َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َرآهُ‪ ،‬فَ َق َ‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ِ‬
‫صلى َم َع الن ِّ‬
‫فَ لَ هما َ ه‬
‫ض َل َغ ْد َوهتِِ ْم»(‪.)4‬‬‫ت فَ ْ‬ ‫ض َما أ َْد َرْك َ‬ ‫ت َما ِيف األ َْر ِ‬ ‫ال‪« :‬لَ ْو أَنْ َف ْق َ‬ ‫َحلََق ُه ْم‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ك مثُه أ ْ‬‫َم َع َ‬
‫ال َحيىي بن سعِ ٍّ‬ ‫ِِ‬ ‫يث ََل نَع ِرفُه إِهَل ِمن ه َذا الوج ِه»‪ ،‬قَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُش ْعبَةُ‪َِ « :‬لْ‬ ‫يد‪ :‬قَ َ‬ ‫يّن‪ :‬قَ َ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ال َعل ُّي بْ ُن املَد ِّ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫ م قال الرتمذي‪َ « :‬ه َذا َحد ٌ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫يسم ِع احل َكم ِمن ِم ْقس ٍّم إِهَل َخَْسةَ أَح ِاديث»‪ ،‬وعدهها شعبةُ‪ ،‬ولَيس ه َذا احل ِد ِ‬
‫يث َِلْ‬ ‫يث ف َيما َع هد ُش ْعبَةُ َوَكأَ هن َه َذا احلَد َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُ َْ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫ََْ َ ُ ْ َ‬
‫يَ ْس َم ْعهُ احلَ َك ُم ِم ْن ِم ْق َس ٍّم‪.‬‬
‫[‪ ]6‬ابلرجوع إىل كتب الرجال والتواريخ‪:‬‬
‫مبطالعة تراجم الرواة وخصوصا املوصوفني ابلتدليس أو اْلرسال ميكن الوقوف على مساعات هؤَلء من شيوخهم‪،‬‬
‫والتنصيص على من مسعوا منه ومن ِل يسمعوا منه‪ ،‬بل والتنصيص على عدد األحاديث أحياان‪ ،‬وذكرها أحياان أخرى‪.‬‬
‫[‪ ]7‬ابلتخريج وَجع طرق احلديث‪:‬‬
‫فبجمع طرق احلديث ميكن معرفة علله‪ ،‬ومنها التدليس‪ ،‬حيث قد يتبني ابلتخريج الواسطة بني املدلس وشيخه الذي‬
‫دلسه عنه‪ ،‬مع مراعاة التنبه والتفطن‪ ،‬إذ رمبا يكون هذا احلديث من املزيد من متصل األسانيد‪ِ ،‬بن يكون مسعه الراوي‬
‫مرتني‪ ،‬مرة عن شيخه مباشرة‪ ،‬ومرة بواسطة‪.‬‬

‫(‪" )1‬رسالة أيب داود إىل أهل مكة وغريهم يف وصف سننه"‪( ،‬ص‪ ،)11 :‬دار العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )2‬اْلرح والتعديل" َلبن أيب حامت‪.)132/1( ،‬‬
‫(‪" )3‬هتذيب التهذيب"(‪.)434/2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب اْلمعة– ابب ما جاء يف السفر يوم اْلمعة– رقم(‪.)527‬‬
‫‪88‬‬
‫س ـ ـ ـ ـادس ـ ـ ـ ـ ـا‪ :‬احلديث املرس ـ ـ ـل اخلـ ـ ـ ـ ـفي‬
‫تعريفـ ـ ـ ـه‪:‬‬
‫املرسل لغة‪ :‬اسم مفعول من الفعل أرسل مبعىن أطلق‪ ،‬واْلرسال‪ ،‬مبعىن اْلطالق(‪ ،)1‬كأن املرِسل أطلق اْلسناد وِل يقيده‪.‬‬ ‫َ‬
‫هصل إسنَاده بِ ِ ِ‬
‫صاحبِه‪َ ،‬وأ َْر َس ْل ُ‬
‫ت الْ َك َال َم ْإر َس ًاَل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ت الطهائَِر ِم ْن يَ ِدي إ َذا أَطْلَ ْقتُهُ‪َ ،‬و َح ِد ٌ‬
‫يث ُم ْر َس ٌل‪َِ :‬لْ يَت ْ ْ ُ ُ َ‬ ‫قال الفيومي‪َ " :‬وأ َْر َس ْل ُ‬
‫أَطْلَ ْقته ِمن َغ ِري تَ ْقيِ ٍّ‬
‫يد"(‪.)2‬‬ ‫ُُ ْ ْ‬
‫واخلفي‪ :‬هو غري الواضح الظاهر‪ ،‬وهو ضد اْللي؛ ألن هذا النوع من اْلرسال غري ظاهر‪ ،‬فال يعرف إَل ابلبحث(‪.)3‬‬
‫اهر ل َكونه ََل ْيدرك إِهَل بكشف َوِبث‪ ،‬واتساع علم‬ ‫قال السخاوي‪" :‬فَأَما الْمرسل اخلفى‪ :‬فَسمى بذلك احِرتاما عن الظه ِ‬
‫ْ ًَ َ‬ ‫ُْ‬
‫احلَافِظ اْلهبذ"(‪.)4‬‬ ‫من ْ‬
‫املرسل اخلفي اصطالحا‪ :‬أن يروي الراوي عمن عاصره‪ ،‬ما ِل يسمع منه‪ ،‬بلفظ حيتمل السماع وغريه‪ ،‬ك "قال"‪.‬‬
‫ص َد َر ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬
‫معاصر َِلْ يَ ْل َق َم ْن حدهث عنهُ‪ ،‬بل بينَه وبينه واسطةٌ"(‪.)5‬‬ ‫املرس ُل اخلَف ُّي‪ ،‬إِذا َ‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪َ " :‬‬
‫فاحلسن البصري مثال‪ ،‬عاصر أاب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬لكن ِل يلتقه‪ ،‬فعندما ذهب أبو هريرة إىل البصرة كان احلسن‬
‫البصري يف املدينة‪ ،‬فلما رجع احلسن إىل البصرة كان أبو هريرة قد خرج منها‪ ،‬فلم يلتقيا‪.‬‬
‫فما رواه احلسن البصري عن أيب هريرة بدون واسطة فهو من ابب املرسل اخلفي‪.‬‬
‫واملرسل اخلفي َل يدركه إَل نقاد احلديث وجهابذته‪ ،‬فإن اْلسناد قد يكون ظاهره اَلتصال‪ ،‬وهو منقطع ْلرساله إرساَل خفيا‪.‬‬
‫س بْ ُن ُعبَ ْي ٍّد‪َ ،‬ع ْن‬ ‫ي‪َ ،‬حدهثَنَا ُه َشْي ٌم‪ ،‬أَ ْخبَ َرَان يُونُ ُ‬ ‫اَّللِ ا ْهلََرِو ُّ‬
‫مثاله‪ :‬ما رواه الرتمذي يف العلل الكبري‪َ :‬حدهثَنَا إِبْ َر ِاه ُيم بْ ُن َعْب ِد ه‬
‫اَّللِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم‪" :‬مطْل الْغ ِِّن ظُْلم‪ ،‬وإِ َذا أ ُِح ْلت علَى ملِ ٍّ‬
‫يء فَاتْ بَ ْعهُ‪َ ،‬وََل تَبِ ْع‬ ‫َانفِ ٍّع‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ُع َمَر‪ ،‬قَ َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ول ه َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ّ ٌ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ٍّ"(‪.)6‬‬ ‫بَْي َعتَ ْ ِ‬
‫ني ِيف بَْي َعة‬
‫فهذا اْلسناد ظاهره اَلتصال‪ ،‬يونس بن عبيد أدرك انفعا وعاصره‪ ،‬إَل أنه ِل يسمع منه‪.‬‬
‫س بْ َن ُعبَ ْي ٍّد َِمس َع ِم َن َانفِ ٍّع‪.‬‬ ‫ال‪َ :‬ما أ ََرى يُونُ َ‬ ‫يث فَ َق َ‬‫احل ِد ِ‬
‫ت ُحمَ هم ًدا َع ْن َه َذا َْ‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬سأَلْ ُ‬
‫س بْ ُن ُعبَ ْي ٍّد‪َ ,‬ع ِن ابْ ِن َانفِ ٍّع‪َ ,‬ع ْن أَبِ ِيه َح ِديثًا‪.‬‬ ‫َوَرَوى يُونُ ُ‬
‫وهو رأي حيىي بن معني‪ ،‬وأمحد بن حنبل‪ ،‬وأيب حامت الرامي أيضا‪ .‬فهو من املرسل اخلفي‪.‬‬
‫عرف اإلرسال اخلفي؟‬‫مب يُ َ‬
‫عرف اْلرسال اخلفي بعدة أمور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫يُ َ‬
‫يلق من حدهث عنه‪ ،‬أو ِل يسمع منه مطلقا‪.‬‬
‫(‪ )1‬نص بعض األئمة على أن هذا الراوي ِل َ‬

‫(‪ )1‬راجع‪" :‬اتج العروس"(‪.)72/29‬‬


‫(‪" )2‬املصباح املنري"(‪.)226/1‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪" :‬املصباح املنري"(‪" ،)176/1‬خمتار الصحاح"(ص‪)94 :‬‬
‫(‪" )4‬الغاية يف شرح اهلداية يف علم الرواية" للسخاوي‪(،‬ص‪.)168 :‬‬
‫(‪" )5‬نزهة النظر" َلبن حجر‪( ،‬ص‪.)104:‬‬
‫ّن أَنههُ ظُلْ ٌم– رقم (‪.)345‬‬‫ِ ِ ِ‬
‫(‪" )6‬علل الرتمذي الكبري"‪ :‬أبواب البيوع – ابب َما َجاءَ يف َمطْل الْغَ ِّ‬
‫‪89‬‬
‫احلَ َس َن َِلْ يَ ْس َم ْع ِم ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪َ ،‬وََل ِم ْن َجابِ ٍّر‪َ ،‬وََل ِم َن ابْ ِن ُع َمَر‪َ ،‬وََل ِم َن‬ ‫يث أَ هن ْ‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ومثاله قول احلاكم‪" :‬فَ ْلي علَم ِ‬
‫ب َْ‬ ‫صاح ُ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ايب َغ ِْري أَنَ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هعِ ه‬
‫يب َِلْ يَ ْس َم ْع‬ ‫س‪َ ،‬وأَ هن الش ْ‬ ‫ص َح ٍِّّ‬
‫يب َِلْ يَ ْس َم ْع م ْن َ‬ ‫هعِ ه‬
‫س‪َ ،‬وأَ هن الش ْ‬ ‫ش َِلْ يَ ْس َم ْع م ْن أَنَ ٍّ‬‫اس َشْي ئًا قَ ُّط‪َ ،‬وأَ هن ْاأل َْع َم َ‬ ‫ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫ُس َامةَ بْ ِن َميْ ٍّد‪َ ،‬وََل ِم ْن َعلِ ٍّّي إِهَّنَا َرآهُ ُرْؤيَةً‪َ ،‬وََل ِم ْن ُم َع ِاذ بْ ِن َجبَ ٍّل‪َ ،‬وََل ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫اَّلل بْ ِن َم ْس ُعود‪َ ،‬وََل م ْن أ َ‬
‫ِمن عائِشةَ‪ ،‬وََل ِمن عب ِد هِ‬
‫ْ َ َ َ ْ َْ‬
‫صحاب ِة َغي ر مسموعة‪ٍّ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‪ ،‬وأَ هن َعا همةَ َحديث َع ْم ِرو بْ ِن دينَ ٍّ‬ ‫ص َح ٍِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ار َع ِن ال ه َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ايب َغ ْري أَنَ ٍّ َ‬ ‫َميْد بْ ِن َاثبت‪َ ،‬وأَ هن قَتَ َاد َة َِلْ يَ ْس َم ْع م ْن َ ّ‬
‫ِ ِ (‪.)1‬‬
‫هاظ لِْل َحديث"‬ ‫ك ُكلهه َيَْ َفى إِهَل علَى ا ْحلف ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ص َحابَة َح َوالَةٌ‪َ ،‬وأَ هن ذَل َ ُ‬
‫ول‪ ،‬ع ِن ال ه ِ‬
‫ْح ٍّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأَ هن َعا همةَ َحديث َمك ُ‬
‫(‪ )2‬إخباره عن نفسه ِبنه ِل يلق من حدث عنه‪ ،‬أو ِل يسمع منه شيئا‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬أن يعرف عدم مساعه منه لذلك احلديث فقط‪ ،‬وإن مسع منه غريه‪ ،‬إما بنص إمام أو إخباره عن نفسه بذلك يف‬
‫بعض طرق احلديث‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬
‫(‪ )4‬جميء احلديث من وجه آخر‪ ،‬فيه مَيدة شخص بني هذا الراوي‪ ،‬وبني من روي عنه‪.‬‬
‫وهذا األمر الرابع فيه خالف للعلماء؛ ألنه قد يكون من نوع "املزيد يف متصل األسانيد"‪.‬‬
‫لكن جيب التمييز بينهما ِبمرين‪:‬‬
‫(أ) يف متصل األسانيد ثبت السماع اترَييا بني الراويني املتواليني يف اْلسناد احملذوف‪ ،‬أما املرسل اخلفي فليس لدينا ما‬
‫يثبت أنه قد وقع السماع بني الراويني اللذين حكمنا على رواية أحدَها عن اآلخر ابْلرسال‪.‬‬
‫(ب) صيغة الرواية يف املزيد يف متصل األسانيد تثبت مساع الراوي للحديث ممن فوقه يف اْلسناد اخلايل من الزَيدة‬
‫صراحة‪ ،‬أو ابلقرائن الدالة على السماع‪ .‬أما صيغة الرواية يف املرسل اخلفي فإها َل تثبت مساعه منه يف اْلسناد الناقص‪،‬‬
‫فإذا جاءت رواية بزَيدة واسطة بينهما كان احلكم هلا‪.‬‬
‫حكم احلديث املرسل اخلفي‪ :‬ضعيف؛ ألنه من نوع املنقطع‪ ،‬غري أن املنقطع اَلصطالحي يكون انقطاعه ظاهرا‪ ،‬أما‬
‫املرسل اخلفي فانقطاعة غري ظاهر‪ ،‬فإذا ظهر انقطاعه‪ ،‬فحكمه حكم املنقطع ‪ ،‬إَل أنه يرتقي للحسن لغريه إذا جاء من طريق‬
‫آخر مثله أو أقوى منه‪.‬‬
‫الفرق بني التدليس واإلرسال‪:‬‬
‫(‪ )1‬التدليس روايته عمن مسع منه ما ِل يسمعه‪ ،‬أما اْلرسال فهو روايته عمن ِل يسمع منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬التدليس إيهام مساع ما ِل يسمع‪ ،‬وليس يف اْلرسال إيهام‪ ،‬فلو بني املدلس أنه ِل يسمع احلديث من الذي دلسه عنه‬
‫لصار احلديث مرسال َل مدلسا‪.‬‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫بني امل َدلهس وامل ْر َسل ِّ‬
‫هدليس ََيتص مبن‬
‫صل حتر ُيره مبا ذُكر هنا‪ :‬وهو أَن الت َ‬ ‫دقيق‪َ ،‬ح َ‬‫اخلفي ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وال َف ْر ُق َ‬
‫ف أَنهه ِلقيَهُ‪ ،‬فَ ُهو امل ْر َسل اخلَِف ُّي"(‪.)2‬‬
‫عاصَرهُ‪ ،‬وِل يُ ْعَر ْ‬
‫َ‬ ‫ف لقاؤه إَيه‪ .‬فأَ هما إِن‬
‫عمن ُع ِر َ‬
‫روى ّ‬
‫ُ‬
‫أشهر املصنفات يف املرسل اخلفي‪:‬‬
‫كتاب "التفصيل ملبهم املراسيل"‪ ،‬للخطيب البغدادي‪.‬‬

‫(‪" )1‬معرفة علوم احلديث" (ص‪.)111 :‬‬


‫(‪" )2‬نزهة النظر"(ص‪.)104 :‬‬
‫‪90‬‬
‫الـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـل اخلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـس‬
‫أق ـ ـ ـ ـ ـسام الـ ـ ـ ـ ـحديـ ـ ـث الض ـ ــعيـ ـ ــف بس ـ ـ ـ ـ ـ ـبب الطـ ـ ـ ـ ـ ـعن يف ال ـ ـراوي‬
‫املراد ابلطعن يف الراوي‪ :‬املراد ابلطعن يف الراوي جرحه‪ ،‬والتكلم فيه من انحية عدالته‪ ،‬أو ضبطه‪.‬‬
‫أسباب الطعن يف الراوي‪:‬‬
‫أسباب الطعن يف الراوي عشرة أسباب؛ َخسة منها تتعلق ابلعدالة‪ ،‬وَخسة تتعلق ابلضبط‪ ،‬وقد ذكرها احلافظ ابن حجر‬
‫يف النخبة فقال‪" :‬مث الطعن‪ :‬إما أن يكون لكذب الراوي‪ ،‬أو هتمته بذلك‪ ،‬أو فحش غلطه‪ ،‬أو غفلته [عن اْلتقان] ‪ ،‬أو‬
‫فسقه‪ ،‬أو وَهه [ِبن يروى على سبيل التوهم]‪ ،‬أو خمالفته [للثقات]‪ ،‬أو جهالته‪ ،‬أو بدعته‪ ،‬أو سوء حفظه [ِبن يكون‬
‫"(‪.)1‬‬
‫ليس غلطه أقل من إصابته]‬
‫[ أوال ] أما اليت تتعلق ابلطعن يف العدالة فهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬الكذب‪ :‬واملراد به ثبوت الكذب يف احلديث ولو مرة واحدة‪ِ ،‬بن ينسب إىل النيب صلى هللا عليه وسلم ما ِل يَ ُق ْله‪،‬‬
‫ِ‬
‫متعمداً لذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )2‬التهمة ابلكذب‪ :‬واملراد به ثبوت الكذب على الناس‪ ،‬وإن ِل يثبت عليه الكذب يف احلديث‪.‬‬
‫والتهمة ابلكذب سببها أمران‪:‬‬
‫ابطل‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫ِبديث ٍّ‬ ‫تفرده‬
‫العامة‪ ،‬أو ُّ‬
‫(أ) إما رواية الراوي للحديث ِبيث يكون مداره عليه مع خمالفة احلديث للقواعد الكليّة ّ‬
‫ف منه الكذب يف كالمه‪ ،‬وِل يظهر منه ذلك يف احلديث النبوي‪.‬‬ ‫(ب) وإما أن يُ ْعَر َ‬
‫ابلكذب على َمن حصل منه أحد األمرين‬ ‫ِ‬ ‫فالتهمة ابلكذب عند احملدثني َل تكون إَل ٍّ‬
‫بدليل‪ ،‬ولذلك تُطْلق التهمةُ‬
‫متهم ابلكذب‪ ،‬لَ ِقيل له‪ :‬وأين الدليلق‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫شخص خارٍّج عن هاتني الصورتني ِبنه عنده ٌ‬ ‫السابقني‪ِ ،‬بيث لو قال أحدهم يف‬
‫أما التهمة بغري ٍّ‬
‫دليل فال يَْبنون عليها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفسق‪ :‬واملراد به فعل الكبائر واْلصرار على الصغائر‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدعة‪ :‬واملراد هبا البدعة يف األصول‪ِ ،‬بن يعتقد خالف املعروف عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪َ ،‬ل بقصد‪ ،‬بل‬
‫بنوع شبهة‪.‬‬
‫والبدعة‪ :‬إما مبكفر‪ ،‬فال يقبل اْلمهور رواية صاحبها‪ ،‬أو مبفسق‪ ،‬فتقبل رواية من ِل يكن داعية‪ ،‬يف األصح‪ ،‬إَل إن روى‬
‫ما يقوي بدعته فريد‪ ،‬على املختار‪.‬‬
‫(‪ )5‬اجلهالة‪ِ :‬بن َل يعرف فيه تعديل وَل جتريح معني‪.‬‬
‫[ اثنيا ] وأما اليت تتعلق ابلطعن يف الضبط فهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬فحش الغلط‪ :‬والغلط هو وضع الشيء يف غري موضعه‪ ،‬وجيوم أن يكون صوااب يف نفسه‪ ،‬أما اخلطأ َل يكون صوااب‬
‫على وجه‪ .‬واخلطأ نقيض الصواب‪ ،‬وهو ما ليس لإلنسان فيه قصد‪.‬‬
‫وفحش الغلط هو كثرة األخطاء‪ ،‬أي‪ :‬أن يكثر خطؤه حَ يكون هو الغالب على حديثه‪ ،‬وهذا يُعرف مبخالفته للثقات‪.‬‬

‫(‪" )1‬خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"(‪( ،)732/4‬مطبوع ملحقا بكتاب سبل السالم)‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫(‪ )2‬سوء احلفظ‪ :‬وهو أن يكون غلطه ليس أقل من إصابته‪.‬‬
‫وإذا توبع سيء احلفظ مبعترب‪ ،‬وكذا املستور‪ ،‬واملرسل‪ ،‬واملدلس‪ ،‬صار حديثهم حسنا َل لغريه‪ ،‬أي مبجموع طرقه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الغفلة‪:‬‬
‫واملُغََّف ُل ‪ :‬هو غري اليقظ‪ ،‬والذي َل مييز بني ما جتوم روايته‪ ،‬وما َل جتوم روايته‪ ،‬وَل مييز بني ما هو من حديثه وما ليس‬
‫من حديثه‪ ،‬وهؤَلء املغفلون يغلب على حديثهم الغلط‪ ،‬واخلطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬كثرة األوهام‪:‬‬
‫والوهم‪ :‬هو اخلطأ الذي يعرتي احملدث‪ ،‬فيجانب وجه الصواب يف الرواية ظناً منه أنه صواب‪ ،‬أو هو خلل يف ضبط‬
‫الراوي لألخبار‪.‬‬
‫(‪ )5‬خمالفة الثقات‪ :‬وقد سبق الكالم عن ذلك‪.‬‬
‫وسنذكر أنواع احلديث املردود بكل بسبب من هذه األسباب على التوايل‪ ،‬مبتدئني ابلسبب األشد طعنا وهو الكذب‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الـ ـ ـحـ ـديـ ـ ـ ـ ـ ـث امل ـ ـ ـ ـ ـ ـوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوع‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريف املوضوع لغة واصطالحا‪:‬‬
‫الرْف عةِ‬
‫خالف ِّ َ‬
‫ُ‬ ‫ض َعةُ‪ ،‬ابل َفْت ِح وال َك ْس ِر‪:‬‬
‫املوضوع لغة‪ :‬هو اسم مفعول‪ ،‬من "وضع الشيء"‪ ،‬أي "حطه وجعله وضيعا"؛ وال ه‬
‫ِيف ال َق ْد ِر‪ ،‬وإَّنا مسي بذلك َلحنطاط رتبته(‪.)1‬‬
‫احل ِديث ْاف ت راه وَك هذبه فَ ْ ِ‬
‫ضوعٌ"(‪.)2‬‬
‫يث َم ْو ُ‬
‫احلَد ُ‬ ‫وقال الفيومي‪َ " :‬وَو َ‬
‫ض َع الهر ُج ُل َْ َ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫املوضوع اصطالحا‪ :‬التعريف اَلصطالحي َل َيرج عما قاله الفيومي‪.‬‬
‫فهو الكذب‪ ،‬املختلق‪ ،‬املصنوع‪ ،‬املنسوب إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪َ " :‬وُه َو اْل ُم ْختَ لَ ُق اْل َم ْ‬
‫صنُوعُ"(‪.)3‬‬
‫[ ‪ ] 2‬رتبة احلديث املوضوع‪:‬‬
‫هو شر األنواع‪ ،‬وأقبحها‪ ،‬وهو نوع مستقل‪ ،‬وليس نوعا من أنواع األحاديث الضعيفة‪.‬‬
‫[ ‪ ] 3‬حكم رواية احلديث املوضوع‪:‬‬
‫َل جتوم روايته مطلقا إَل مع بيان حاله؛ َل يف الرتغيب‪ ،‬وَل يف الرتهيب‪ ،‬وَل يف األحكام‪.‬‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬ ‫أي معىن َكا َن إَله م ْقروانً ببي ِ‬ ‫قال ابن الصالح‪" :‬وَلَ َِحت ُّل ِرواي ته ٍّ ِ‬
‫ضع ه "‬
‫ان َو ْ‬‫َُ َ‬ ‫ألحد َعل َم َحالَهُ يف ِّ ً‬
‫َ َُ ُ َ‬
‫وقال القامسي‪" :‬اتفقوا على أنه حترم روايته مع العلم بوضعه‪ ،‬سواء كان يف األحكام‪ ،‬أو القصص والرتغيب‪ ،‬وحنوها‪ ،‬إَل‬
‫مبينا وضعه"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬راجع‪" :‬خمتار الصحاح" (ص‪" ،)431 :‬اتج العروس"(‪.)336/22‬‬


‫(‪" )2‬املصباح املنري"(‪.)662/2‬‬
‫(‪" )3‬معرفة أنواع علوم احلديث"(ص‪.)98 :‬‬
‫(‪" )4‬معرفة أنواع علوم احلديث"(ص‪.)201 :‬‬
‫(‪" )5‬قواعد التحديث" للقامسي‪( ،‬ص‪.)150 :‬‬
‫‪92‬‬
‫السنهةُ‬‫ت ُّ‬ ‫مجيعِ ِهم‪ ،‬ودله ِ‬ ‫ول ِعْن َد أَه ِل الْعِْل ِم َكما أَ هن َشهادتَه مرد ِ ِ‬ ‫اس ِق َغ ْري م ْقب ٍّ‬ ‫قال اإلمام مسلم رمحه هللا‪ :‬خب ر الْ َف ِ‬
‫ودةٌ عْن َد َ ْ َ َ‬ ‫َ َ ُ َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ََ ُ‬
‫صلهى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َعلَى نَ ْف ِي ِروايَِة الْمْن َك ِر ِمن ْاأل ْ ِ‬
‫ور َع ْن َر ُسول هللا َ‬ ‫َخبَار َكنَ ْح ِو َدََللَة الْ ُق ْرآن َعلَى نَ ْف ِي َخ َرب الْ َفاسق َوُه َو ْاألَثَُر الْ َم ْش ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ني"‪.‬‬‫َح ُد الْ َكاذبِ َ‬
‫ب‪ ،‬فَ ُه َو أ َ‬‫هث َع ِّّن ِبَديث يَُرى أَنههُ َكذ ٌ‬ ‫"م ْن َحد َ‬ ‫هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ :‬‬
‫ى‪،‬عن َمسُرةَ بْ ِن جْن َد ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫يع‪َ ،‬ع ْن ُش ْعبَةَ‪َ ،‬ع ِن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬ح‬ ‫ُ‬ ‫احلَ َكم‪َ ،‬ع ْن َعْبد الهر ْمحَ ِن بْ ِن أَِيب لَْي لَ َ ْ َ‬ ‫َحدهثَنَا أَبُو بَ ْك ِر بْ ُن أَِيب َشْي بَةَ‪َ ،‬حدهثَنَا َوك ٌ‬
‫يب‪،‬عن ميمون بن أيب شبيب‪َ ،‬ع ِن الْ ُمغِ َريِة‬ ‫يع‪َ ،‬ع ْن ُش ْعبَةَ‪ ،‬و ُس ْفيَا َن‪َ ،‬ع ْن َحبِ ٍّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ضا‪َ ،‬حدهثَنَا َوك ٌ‬ ‫َو َحدهثَنَا أَبُو بَ ْك ِر بْ ُن أَِيب َشْي بَةَ أَيْ ً‬
‫ِ (‪. )1‬‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم ذَل َ‬
‫ك‬ ‫ول هللا َ‬ ‫بْ ِن ُش ْعبَةَ‪ ،‬قَ َاَل‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫[ ‪ ] 4‬طرق الوضاعني يف صياغة احلديث‪:‬‬
‫للوضاعني يف صياغة احلديث طريقان‪:‬‬
‫(‪ )1‬إما أن ينشئ الوضاع الكالم من عنده‪ ،‬مث يضع له إسنادا ويرويه‪.‬‬
‫(‪ )2‬وإما أن أيخذ كالما لبعض احلكماء‪ ،‬أو غريهم‪ ،‬ويضع له إسنادا‪.‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬بَ ْل ُه َو ِم ْن َك َالِم‬
‫صلهى ه‬ ‫احلِميةُ رأْس الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هواء"‪َ ،‬ل يصح رفعه إىل النيب َ‬ ‫ت الدهاء‪َ ،‬و ْ ْ َ َ ُ َ‬ ‫مثل َحديث‪" :‬الْ َمع َدةُ بَْي ُ‬
‫ب أ َْو َغ ِْريهِ(‪.)2‬‬ ‫ث بْ ِن َكلَ َدةِ طَبِ ِ‬
‫يب الْعر ِ‬
‫ََ‬
‫احلا ِر ِ‬
‫َْ‬
‫[ ‪ ] 5‬دواعي الوضع‪ ،‬وأصناف الوضاعني‪:‬‬
‫لوضع احلديث دو ٍّاع كثرية تدعو الوضاع لوضعه‪ ،‬فمن أبرمها ما يلي‪:‬‬
‫السي ِ‬
‫اسيَّةُ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬اخلِالَفَ ُ ِ‬
‫ات َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضة أكثر هذه الفرق‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم كثرة وقلة‪ ،‬فالهراف َ‬ ‫فقد انغمست الفَر ُق السياسية يف محأة الكذب على رسول هللا َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ْذبُو َن"‬‫كذابً‪ ،‬سئل مالك عن الهرافِضة فقال‪َ":‬لَ تُ َكلِّمهم وَلَ تَرِو عْن هم فَِإنههم يك ِ‬
‫ْ ُْ َ ْ َ ُْ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫يت إَِله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اضي‪ ،‬وقد كان معروفاً ابلتشيع مع اَلعتدال فيه‪ ":‬أ ِْ‬ ‫اَّللِ الْ َق ِ‬
‫يك بْ ُن َعْب ِد ه‬
‫َمح ُل [الع ْل َم] َع ْن ُك ِّل َم ْن لَق ُ‬ ‫ويقول َش ِر ُ‬
‫ِ "(‪.)4‬‬ ‫ث‪ ،‬وي ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هخ ُذونَهُ دينًا‬ ‫ض ُعو َن احلَدي َ َ َ‬ ‫ضةَ‪ ،‬فَِإن ُ‬
‫هه ْم يَ َ‬ ‫الهراف َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫استَ َح َسنها َشْي ئًا َج َع ْلنَاهُ َح ِديثًا"‬ ‫ال‪ُ " :‬كنها إِ َذا ْ‬
‫اجتَ َم ْعنَا فَ ْ‬ ‫ضةَ‪ -‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال َمحَّا ٌد بْ ُن َسلَ َمةَ‪َ " :‬ح هدثَِّن َشْي ٌخ َهلُْم‪ -‬يَ ْع ِّن الهراف َ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ِيف أ َْه ِل األ َْه َواء قَ ْوًما أَ ْش َه ُد ِاب ُّلزوِر م َن الهراف َ‬
‫ضةَ"‬ ‫وقال الشافعي‪َ " :‬ما َرأَيْ ُ‬
‫(‪.)6‬‬

‫الو ِصيه ِة ِيف َغ ِدي ِر ُخ ْم"‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫ضةُ من األحاديث ِبَديث " َ‬
‫ِ‬
‫السنهة ملا وضعته الهراف َ‬
‫ويستشهد أَهل ِ‬
‫ُْ ُ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬يف رجوعه من َح هج ِة الوداع مجع الصحابة يف مكان يقال له" َغ ِد ُير ُخ ْم" وأخذ‬ ‫هيب َ‬‫وخالصته أن النِ ه‬
‫بيد َعلِ ٍّّي ‪َ -‬ر ِض َي هللاُ َعْنهُ – ووقف به على الصحابة مجيعاً وهم يشهدون وقال‪َ " :‬ه َذا َو ِصيِّي َوأ َِخي َواخلَلِي َفةُ ِم ْن بَ ْع ِدي‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وب ِ ِ‬
‫الرَوايَة َع ِن الثَّقات‪َ ،‬وتَ ْرك الْ َك هذابِ َ‬
‫ني ‪.)8/1( -‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )1‬مقدمة صحيح مسلم‪ :‬ابب وج ِ‬
‫َ ُ ُُ‬
‫(‪" )2‬تذكرة املوضوعات" لل َفت ِهّن‪( ،‬ص‪" ،)206 :‬فتح املغيث" للسخاوي‪.)326/1( ،‬‬
‫(‪")3‬منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية"(‪َ)60/1‬لبن تيمية‪ -‬ط‪ :‬جامعة اْلمام حممد بن سعود اْلسالمية‪.‬‬
‫(‪")4‬منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية"(‪.)60/1‬‬
‫(‪ ")5‬لسان امليزان" (‪.)204/1‬‬
‫(‪")6‬منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية"(‪.)61/1‬‬
‫‪93‬‬
‫يع ْوا"‬ ‫ِ‬
‫لَهُ َوأَط ُ‬ ‫امسَ ُعوا‬
‫فَ ْ‬
‫(‪.)1‬‬

‫ِ‬ ‫قال أَ ْهل ِ‬


‫ضةُ وسيأيت بيان كذبه‪.‬‬ ‫السنَّة‪ :‬إنه حديث مكذوب بال شك‪ ،‬وضعته الهراف َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ْم ِه وَحيىي ِيف مه ِدهِ وموسى ِيف بطْ ِشهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫آد َم ِيف عِ ْل ِم ِه َونُ ٍّ‬
‫َ‬ ‫وح ِيف فَ ْهمه َوإبْ َراه َيم ِيف ُحك َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ومن ذلك‪َ :‬م ْن أ ََر َاد أَ ْن يَْنظَُر إِ َىل َ‬
‫ِ (‪.)2‬‬
‫فَ ْليَ ْنظُْر إِ َىل َعل ٍّّي"‬
‫قال السيوطي‪ :‬موضوع‪.‬‬
‫وم ُن فِ ِيه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني ُخيُوطُهُ‪َ ،‬وفَاط َمةُ عالقَتُهُ َواألَئ همةُ م ْن أُهم ِيت َع ُم ُ‬
‫ودهُ‪ ،‬تُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن ذلك‪" :‬أ ََان م َيزا ُن الْع ْل ِم‪َ ،‬و َعل ٌّي كفهتَاهُ َوا ْحلَ َس ُن َوا ْحلُ َس ْ ُ‬
‫ِِ‬ ‫أ َْعم ُ ِ‬
‫ني لَنَا"‬
‫ني لَنَا َوالْ ُمْبغض َ‬ ‫ال الْ ُمحبِّ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫ضهُ َسيِّئَةٌ َلَ يَْن َف ُع َم َع َها َح َسنَةٌ"‬ ‫ضُّر َم َع َها َسيِّئَةٌ‪َ ،‬وبُ ْغ ُ‬
‫ب َعلَ ٍّّي َح َسنَةً َلَ يَ ُ‬ ‫ومن ذلك‪ُ " :‬ح ُّ‬
‫ومن ذلك‪َ " :‬علِ ٌّي َخْي ُر الْبَ َش ِر‪َ ،‬م ْن أ ََىب فَ َق ْد َك َفَر "‪.‬‬
‫قال الشوكاين‪ :‬ويف إسناده‪ :‬حم مد بن علي اْلرجاين‪ ،‬وهو املتهم به‪ ،‬وحممد بن شجاع الثلجي وهو كذاب‪ ،‬وعمر بن‬
‫حفص الكويف‪ ،‬وليس بشيء‪.‬‬
‫(‪.)4‬‬
‫مرفوعا هبذا اللفظ‪ ،‬وِل يذكر جربيل‪ ،‬ويف إٍّسناده‪ :‬كذاب‪ ،‬وقال يف امليزان‪ :‬إنه ابطل‬ ‫ورواه اخلطيب عن جابر ً‬
‫يث ِيف ذَِم ُم َعا ِويَةَ‪" :‬إِذَا َرأَيْتُ ْم ُم َعا ِويَةَ َعلَى ِمْن َِربي فَاقْ تُ لُوهُ"‪.‬‬ ‫اد َ‬ ‫ضعوا األَح ِ‬
‫َ‬ ‫ك َو َ ُ‬ ‫َوَك َذلِ َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسل َم"‬
‫ه (‪.)5‬‬
‫صلهى ه‬ ‫ِ‬
‫ضوع ََل يَصح َع ْن َر ُسول هللا َ‬ ‫قال ابن اجلوزي‪َ " :‬ه َذا َحديث َم ْو ُ‬
‫اص‪:‬حديث‪" :‬الله ُه هم أ َْركِ ْس ُه َما ِيف الْ َفْت نَ ِة َوُدعه ُه َما ِيف النها ِر َد ًّعا"‪.‬‬ ‫الع ِ‬ ‫َوِيف ذَِم ُم َعا ِويَةَ َو َع ْم ِرو بْ ِن َ‬
‫قال اهليثمي يف جممع الزوائد(‪ :)121/8‬رواه الطهب رِاينُّ‪ ،‬وفِيهِ ِعيسى بن سواد َة الن ِ‬
‫هخع ُّي َوُه َو َك هذ ٌ‬
‫اب‪.‬‬ ‫َ ْ ُ ََ َ َ‬ ‫ََ ُ ََ َ‬
‫ضةُ يف وضع األحاديث مبا يتفق مع أهوائها‪ ،‬وبلغت من الكثرة حداً مزعجاً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهكذا أسرفت الهراف َ‬
‫ض ِة أكثرهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪ ،‬لوَل أن يعلم هؤَلء الهراف َ‬ ‫ويكاد املسلم يقف َم ْذ ُهوَلً من هذه اْلرأة البالغة على رسول هللا َ‬
‫هن أسلموا وِل يستطيعوا أن يَتَ َخله ْوا عن كل آاثر دَينتهم‬ ‫ِ‬
‫من الفرس الذين تَ َست ُهروا ابلتشيع لينقضوا ُعَرى اْلسالم‪ ،‬أو مم ْ‬
‫القدمية‪ ،‬فانتقلوا إىل اْلسالم بعقلية وثنية َل يَ ُه ُّم َها أن تكذب على صاحب الرسالة‪ ،‬لِتُ َؤيِّ َد ُحباً َاث ِوًَي يف أعماق أفئدهتا‪،‬‬
‫ال واألطفال حني حيبون وحني يكرهون‪.‬‬ ‫وهكذا يصنع اْلًُّه ُ‬
‫رد فعل اجلهال من أهل السنة‪:‬‬
‫السن ِهة‪ ،‬الكذب بكذب مثله وإن كان أقل منه دائرة وأضيق نطاقاً‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫قابل بعض اْلهلة من أ َْه ِل ُ‬
‫حديث‪" :‬أبو بكر يلي أميت بعدي"(‪.)6‬‬

‫(‪" )1‬األسرار املرفوعة يف األخبار املوضوعة املعروف ابملوضوعات الكربى" املال اهلروي القاري‪ ،‬احملقق‪ :‬حممد الصباغ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )2‬الآلىلء املصنوعة يف األحاديث املوضوعة"(‪ )325/1‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪" )3‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة"(‪َ )397/1‬لبن عراق الكناين‪.‬‬
‫(‪" )4‬الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة"(‪ )348/1‬للشوكاين‪.‬‬
‫(‪" )5‬املوضوعات َلبن اْلومي" (‪)26/2‬‬
‫(‪" )6‬املغّن يف الضعفاء" للذهيب (‪ – )605/2‬رقم(‪.)5738‬‬
‫‪94‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬موضوع‪.‬‬
‫ِ‬
‫ني فوضعوا أحاديث مثل‪ :‬ما رواه ابن عدي‪ ،‬قال‪َ :‬حدهثَنَا ا ْحلَ َسن بْن ُعثْ َمان‬ ‫صبُو َن ملعاوية َواأل َُم ِويِّ َ‬ ‫وكذلك قابلهم املُتَ َع ّ‬
‫اعيل ابْن َعيهاش َعن َْحي َىي بْن ُعبَ ْيد هللا َعن أَبِ ِيه‬ ‫التس ِرتي ح هدثَنَا ُحم همد بن سهل بن عس َكر حدهثَنَا ي ِزيد بن عبد ربه عن إِ ْمس ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫وعا‪":‬األ َُمنَاء ثََالثَة أ ََان َوِج ِْربيل َوُم َعا ِويَة"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َعن أيب ُهَريْ َرةَ َم ْرفُ‬
‫(‪.)1‬‬
‫يسرق َح ِديث النهاس‬ ‫يضع احلَديث َو ْ‬
‫ِ‬
‫احلَ َسن بْن ُعثْ َمان َك هذاب ُ‬ ‫ال ابْن عدي‪َ :‬ه َذا كذب ْ‬ ‫قَ َ‬
‫ال ِم َن الْغَ ِد ِمثْ َل‬
‫اْلَن ِهة فَ َد َخ َل ُم َعا ِويَةُ مثُه قَ َ‬
‫اب َر ُج ٌل ِم ْن أ َْه ِل ْ‬ ‫ول هللا ي ْد ُخل َعلَْي ُكم ِمن َه َذا الْب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ال َر ُس ُ َ ُ‬ ‫وما رواه ابْ ِن ُع َمَر‪ :‬قَ َ‬
‫ت‬ ‫ال أَنْ َ‬ ‫‪:‬ه َذا ُه َو‪ ،‬مثُه قَ َ‬
‫ال َ‬ ‫اَّللِ َه َذا ُه َو قَ َ‬‫ول ه‬ ‫ال َر ُج ٌل ََي َر ُس َ‬ ‫ك‪،‬فَ َد َخ َل ُم َعا ِويَةُ فَ َق َ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ال م َن الْغَد مثْ َل َذل َ‬
‫ذَلِك فَ َدخل معا ِويةُ مثُه قَ َ ِ‬
‫َ َ َ َُ َ‬
‫ني ال هسبهابَِة َوالْ ُو ْسطَى‬ ‫اْلَن ِهة َك َهاتَ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ولْتُ َزامحِّْن َعلَى اب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ْ‬ ‫م ِّّن ََي ُم َعا ِويَةُ َوأ ََان مْن َ َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"العبه ُ‬ ‫هيب قوله‪َ :‬‬ ‫وكذلك فعل املؤيدون للعباسيني فوضعوا إماء حديث وصاية َعل ٍّّي املكذوب وصاية العباس ونسبوا إىل الن ِّ‬
‫ِِ (‪.)3‬‬
‫َو ِصيِّي َوَوارثي"‬
‫س‬ ‫اس إِذَا َكا َن َسنَةُ َخَْ ٍّ‬ ‫"َي َعبه ُ‬ ‫اس‪َ :‬‬ ‫ال لِلْ َعبه ِ‬‫هيب قَ َ‬‫ولعل ما يبني مدى الكذب لدى هذه الفئة احلديث املكذوب التايل أَ هن النِ ه‬
‫ور َوِمْن ُه ُم الْ َم ْه ِد ُّ‬
‫ي"‬ ‫وثَالثِني وِمائٍَّة فَ ِهي لَك ولِولِ َدك ِمْن هم ال هسف ِ‬
‫صُ‬ ‫هاح َومْن ُه ُم الْ َمْن ُ‬
‫(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ ََ‬
‫يث؟‬ ‫ْذبو َن ِيف احل ِد ِ‬‫هل َكا َن اخلَوار ِ‬
‫َ‬ ‫ِج يَك ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬
‫أقل الفرق اْلسالمية كذابً هي فرقة اخلوارج الذين خرجوا على َعلِ ٍّّي بعد قبوله التحكيم‪ ،‬ويرجع قلة كذهبم إىل أهم يرون‬
‫ُك ْفَر مرتكب الكبرية على ما هو املشهور عنهم‪ ،‬أو مرتكيب الذنوب مطلقاً‪ ،‬فما كانوا يستحلون الكذب وَل الفسق‪ ،‬وقد‬
‫كانوا من التقوى على جانب عظيم‪.‬‬
‫ه ِ ِ (‪.)5‬‬ ‫ِِ‬ ‫مجي ِع أ ِ‬
‫صيَ ِة الظاهَرة"‬ ‫ب وِمن ذي املع ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫َصنَاف َها تَبَ هرأُ م َن ال َكاذ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫يقول املربد‪" :‬واخلَوارِج ِيف َِ‬
‫َ َ ُ‬
‫ص هح َح ِديثًا ِم َن اخلََوارِِج"‬ ‫ِ‬
‫س ِيف أ َْه ِل األ َْه َواء أَ َ‬ ‫يقول أبو داود‪" :‬لَْي َ‬
‫(‪.)6‬‬

‫(‪ )2‬التقرب إىل هللا تعاىل‪:‬‬


‫احل ِد ِ‬ ‫اخل ِري ِيف َشي ٍّء أَ ْك َذ ِ‬
‫يث"‪.‬‬ ‫ب مْن ُه ْم ِيف َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أخرج مسلم يف مقدمة صحيحة عن حيىي بن سعيد القطان قال‪َِ " :‬لْ تَ َر أ َْه َل َْْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ب َعلَى ل َساه ْم‪َ ،‬وََل يَتَ َع هم ُدو َن الْ َكذ َ‬ ‫قال مسلم‪َْ " :‬جي ِري الْ َكذ ُ‬
‫"(‪.)7‬‬

‫ِ ِ (‪.)8‬‬
‫احلَديث"‬ ‫ب ِيف َش ْي ٍّء أَ ْكثَ َر ِم َن ْ‬ ‫ِ‬
‫صال َح يَكْذ ُ‬
‫وروى اخلطيب يف الكفاية‪ ،‬عن أيب عاصم النبيل قال‪":‬ما رأَيت ال ه ِ‬
‫َ َْ ُ‬
‫وهذا الصنف من الوضاعني أشد خطرا‪ ،‬وأعظم ضررا‪ ،‬حيث يقع حديثهم من العامة موقع القبول والتسليم‪َ ،‬ل يظنون هبم‬

‫(‪")1‬الآلىلء املصنوعة يف األحاديث املوضوعة" للسيوطي(‪.)382/1‬‬


‫(‪")2‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة"َلبن عراق (‪ )20/2‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية – بريوت‪.‬‬
‫(‪")3‬الآلىلء املصنوعة يف األحاديث املوضوعة" للسيوطي(‪.)393/1‬‬
‫(‪")4‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة"َلبن عراق(‪.)25/2‬‬
‫(‪")5‬الكامل يف اللغة واألدب" (‪ )122/3‬حممد بن يزيد املربد‪(،‬ت‪285 :‬ه )‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر العريب – القاهرة‪.‬‬
‫(‪")6‬الكفاية يف علم الرواية"(‪)130/1‬‬
‫(‪")7‬مقدمة صحيح مسلم" ابب الكشف عن معايب رواة احلديث (‪.)17/1‬‬
‫(‪")8‬الكفاية يف علم الرواية"(‪)83/1‬‬
‫‪95‬‬
‫الكذب‪ ،‬وَل يتوقعون‪.‬‬
‫وكم ترى من أعاجيب هذه الفئة اليت تفضل التعبد وتزكية النفس عن العلم‪ ،‬حَ صاروا عند عوام الناس حجة على‬
‫الدين‪ ،‬مفسدة لعقول املسلمني‪ ،‬ومن أمثلة ما وضعوه يف هذا السبيل‪:‬‬
‫ورة‪ ،‬وليس‬ ‫ِ‬
‫ورة ُس َ‬‫عصمة نوح بن أيب مرمي الْمرومي من أَين للك عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬يف فضائل القرآن ُس َ‬ ‫قيل أليب َ‬
‫عند أصحاب عكرمة هذا !!‬
‫فقال‪ :‬إين رأيت الناس أعرضوا عن القرآن‪ ،‬واشتغلوا بفقه أيب حنيفة‪ ،‬ومغامي ابن إسحاق‪ ،‬فَوضعت َه َذا احلَ ِديث‬
‫(‪.)1‬‬
‫حسبَة"‬
‫هث بِِه‪،‬‬ ‫احل ِد ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ومن هؤالء‪ :‬ميسرة بن عبد ربه‪ ،‬قال عب ُد الهر ْمح ِن بن مه ِد ٍّي‪" :‬قُ ْل ِ‬
‫يث الهذي َحد َ‬ ‫ت ل َمْي َسَرةَ بْ ِن َعْبد َربّه ِيف َه َذا َْ‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ َْ ّ‬ ‫َْ‬
‫ِ "(‪.)2‬‬
‫هاس ِيف الْ ُق ْرآن‬ ‫ِ‬ ‫ضائِ ِل الْ ُقر ِ‬
‫ب الن َ‬‫ض ْعتُهُ‪ ،‬أ َُر ّغ ُ‬
‫ال‪َ :‬ه َذا َو َ‬ ‫آن‪ :‬أَيْ ِ‬
‫ش ُه َوق قَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِيف فَ َ‬
‫صبِيَّةُ للجنس‪ ،‬والقبيلة‪ ،‬واللغة‪ ،‬والبلد‪ ،‬واإلمام‪:‬‬ ‫الع َ‬
‫(‪َ )3‬‬
‫الشعُوبِيُّو َن حديث أيب أمامة – مرفوعا‪ -‬بلفظ‪" :‬إن هللا إذا غضب أنزل الوحي ابلعربية‪ ،‬وإذا رضي أنزل‬ ‫كما وضع ُ‬
‫"(‪.)3‬‬
‫الوحي ابلفارسية‬
‫"(‪.)4‬‬
‫فقابلهم َج َهلَةُ العرب ابملثل فقالوا‪" :‬إن هللا إذا رضي أنزل الوحي ابلعربية‪ ،‬وإذا غضب أنزل الوحي ابلفارسية‬
‫حديث‪" :‬يكون يف أميت رجل يقال له ‪ :‬حممد بن إدريس‪ ،‬أضر على أميت من إبليس‬ ‫َ‬ ‫صبُو َن أليب َحنِي َفةَ‬‫ِ‬
‫وكما وضع املُتَ َع ّ‬
‫"(‪.)5‬‬
‫(يقصد اْلمام الشافعي)‪ ،‬ويكون يف أميت رجل يقال له‪ :‬أبو حنيفة‪ ،‬هو سراج أميت‬
‫قال الشوكاين‪ :‬هو موضوع‪ ،‬ويف إسناده‪ :‬وضاعان‪ .‬مأمون بن أمحد السلمي‪ ،‬وأمحد ابن عبد هللا اْلويباري‪ ،‬والواضع له‬
‫يب َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ واقتصر على ما ذكره يف أيب حنيفة‬ ‫أحدَها‪ .‬وقد رواه ْ ِ‬
‫اخلَط ُ‬
‫(‪.)6‬‬
‫ََ ُ‬
‫وها من‬ ‫ِ‬
‫العلَ َماءُ َوَميه ُز َ‬
‫ثل هذا يقال يف األحاديث املوضوعة يف فضائل بعض البلدان والقبائل واألممنة‪ ،‬وقد بيه نَ َها ُ‬ ‫وم ُ‬
‫األحاديث الصحيحة يف هذا املوضوع‪.‬‬
‫(‪ )4‬الطعن يف اإلسالم‪ :‬وهؤَلء الوضاعون قوم من الزاندقة ِل يستطيعوا أن يكيدوا لإلسالم جهارا‪ ،‬فعمدوا إىل هذا‬
‫الطريق اخلبيث‪ ،‬فوضعوا مجلة من األحاديث بقصد تشويه اْلسالم والطعن فيه‪ ،‬ومن أمثلة ما وضعوه ليفسدوا به الدين‪،‬‬
‫ني‪ .‬ومن هؤالء‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ويشوهوا كرامته لدى العقالء َواملُثَقهف َ‬
‫يب بَ ْع ِدي إَِل‬ ‫حممد بن سعيد الشامي‪ ،‬املصلوب يف الزندقة‪ ،‬فقد روى عن محيد‪ ،‬عن أنس‪ ،‬مرفوعا‪" :‬أ ََان َخ َامتُ النهبِيِّ َ‬
‫ني‪َ ،‬ل نَِ ه‬
‫اَّللُ"‪.‬‬
‫أَ ْن يَ َشاءَ ه‬

‫(‪")1‬املوضوعات" َلبن اْلومي (‪.)41/1‬‬


‫(‪")2‬الضعفاء الكبري" للعقيلي(‪ ،)263/4‬دار املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪")3‬تنزيه الشريعة املرفوعة" (‪.)136/1‬‬
‫(‪")4‬تذكرة املوضوعات"(‪ )113/1‬للهندي ال َفت ِهّن (املتوى‪986 :‬ه )‪ ،‬إدارة الطباعة املنريية ‪.‬‬
‫(‪")5‬الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة"(‪ )420/1‬للشوكاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫(‪")6‬الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة"(‪. )420/1‬‬
‫‪96‬‬
‫وهذا استثناء موضوع ابطل َل أصل له من حديث أنس‪ ،‬وَل محيد‪ ،‬وإَّنا هو من موضوعات حممد بن سعيد الشامي‪،‬‬
‫املصلوب يف الزندقة‪،‬كان لعنه هللا وضاعا كذااب‪ ،‬فوضع هذا اَلستثناء يف هذا احلديث‪ ،‬ودعا الناس إليه‪ ،‬حدثهم به ليوقع‬
‫يف قلوهبم الشك‪ ،‬وهذا اَلستثناء عند املسلمني كفر وإحلاد ومندقة‪.‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وعا‪ ،‬واَلستثناء موضوع‪ ،‬وضعه أحد الزاندقة"‬ ‫قال الشوكاين‪َ " :‬رَواهُ ا ْْلَْوَمقَ ِاينُّ َع ْن أَنَ ٍّ‬
‫س َم ْرفُ ً‬
‫فقد ماد هذا الزنديق يف احلديث مجلة‪" :‬إَل أن يشاء هللا"‪ ،‬لدعم ما كان يدعو إليه من اْلحلاد والزندقة والتنبؤ‪.‬‬
‫س هؤَلء الزاندقة آَلَفاً من األحاديث يف العقائد واألخالق والطب واحلالل واحلرام‪.‬‬ ‫وهكذا َد ه‬
‫قال محاد بن زيد‪" :‬وضعت الزاندقة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اثّن عشر ألف حديث‬
‫"(‪.)2‬‬

‫"(‪.)3‬‬
‫ويف رواية أخرى عنه‪ ،‬قال‪" :‬وضعت الهزَان ِدقَة على النِهيب أ َْربَ َعة عشر ألف َح ِديث‬
‫ِِ‬
‫وقال ابن عدي يف عبد الكرمي بن أيب العوجاء‪" :‬ملا أُخذ ابْ ُن أيب العوجاء َوأُيت به ُحمَ همد بن ُسلَْي َمان بن َع ّ‬
‫لي فَأمر‬
‫"(‪.)4‬‬
‫احلََالل َوأحل فِ َيها ْ‬
‫احلََرام‬ ‫ال‪َ :‬وهللا لقد وضعت فِي ُكم أ َْربَ َعة َآَلف َح ِديث أحرم فِ َيها ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ض ْرب ُعنُقه قَ َ‬
‫موقف العباسيني من الزاندقة‪:‬‬
‫ملا ملس بعض خلفاء بّن العباس ما وراء حركة الزاندقة من خطر على كيان اْلسالم‪ ،‬تعقبوهم قتالً وتشتيتاً‪ ،‬وأشهر من‬
‫اصاً للزندقة‪ ،‬تتبع فيه أوكارهم ورؤساءهم من شعراء‬ ‫أعمل يف رقاهبم سيف التأديب اخلليفة املهدي الذي أنشأ ديواانً َخ ًّ‬
‫ني‪ :‬عبد الكرمي بن أيب العوجاء‪ ،‬قتله حممد بن سليمان بن علي أمري‬ ‫ِ‬
‫الوضهاع َ‬
‫وأدابء وعلماء ومن أشهر هؤَلء الزاندقة َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫البصرة‪ ،‬وبيان بن مسعان املهدي قتله خالد بن عبد هللا القسري‪ ،‬وحممد بن سعيد املصلوب قتله أبو جعفر املنصور‬
‫ولقد بني جهابذة احلديث أمر هذه األحاديث‪ ،‬وهلل احلمد واملنة‪.‬‬
‫(‪ )5‬التزلف إىل احلكام‪:‬‬
‫أي تقرب بعض ضعفاء اْلميان إىل بعض احلكام بوضع أحاديث متدحهم‪ ،‬أو تذم خصومهم السياسيني‪ ،‬أو تناسب ما‬
‫هم عليه من اَلحنراف‪ ،‬مثل قصة غياث بن إبراهيم النخعي الكويف مع أمري املؤمنني املهدي‪ ،‬حني دخل عليه وهو يلعب‬
‫(‪.)6‬‬
‫ف أ َْو َحافِ ٍّر‪ ،‬أ َْو َجنَ ٍّ‬
‫اح"‬ ‫ص ٍّل‪ ،‬أ َْو ُخ ٍّّ‬
‫ابحلمام‪ ،‬فساق بسنده على الت ِّو إىل النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪َ" :‬لَ َسبَ َق إَِله ِيف نَ ْ‬
‫واحلديث بغري هذه الزَيدة أخرجه الرتمذي والنسائي بسند صحيح‪ ،‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه‬
‫ِ ٍّ "(‪.)7‬‬
‫ص ٍّل‪ ،‬أ َْو ُخ ٍّّ‬
‫ف‪ ،‬أ َْو َحافر‬ ‫وسلم قال‪ََ":‬ل َسبَ َق إِهَل ِيف نَ ْ‬

‫(‪" )1‬الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة"(‪. )320/1‬‬


‫(‪" )2‬الضعفاء الكبري للعقيلي"(‪ ،)15/1‬دار املكتبة العلمية – بريوت‪.‬‬
‫(‪" )3‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة"َلبن عراق‪ ،)11/1(،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪")4‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة"َلبن عراق‪.)11/1(،‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪" :‬السنة ومكانتها يف التشريع اْلسالمي"(‪ ،)85/1‬مصطفى بن حسّن السباعي‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتب اْلسالمي‪ :‬دمشق‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫(‪")6‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة"َلبن عراق‪.)15/1(،‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب اْلهاد – ابب ما جاء يف الرهان والسبق– رقم(‪ .)1700‬والنسائي‪ :‬كتاب اخليل – ابب السبق– رقم (‪.)3586‬‬
‫وذو نصل كالسهم‪ ،‬وذو خف كاْلبل والفيل‪ ،‬وذو حافر كاخليل واحلمري‪ ،‬أي‪َ :‬ل حيل أخذ املال ابملسابقة إَل يف أحدها‪ ,‬وأحلق بعض هبا املسابقة‬
‫ابألقدام‪ ،‬وبعض املسابقة ابألحجار‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫فزاد غياث بن إبراهيم النخعي‪ ،‬كلمة "أو جناح" ألجل املهدي‪ ،‬فعرف املهدي ذلك‪ ،‬فأمر بذبح احلمام‪ ،‬وقال‪ :‬أان محلته‬
‫على ذلك‪ .‬وطرد هذا الوضاع املتزلف‪ ،‬وعامله بعكس قصده‪.‬‬
‫ب هذا الكاذب الفاجر‪ ،‬ويرتك احلمام من غري ذبح‪ ،‬بدَلً من أن يذبح احلمام ويرتك من‬ ‫ِ‬
‫كان خرياً للمهدي أ َْن يُ َؤّد َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫يستحق املوت حراً طليقاً ينعم مبال املُ ْسلم َ‬
‫وإذا كنا نذكر للعباسيني فضل تَ َع ُّقبِ ِه ْم للزاندقة الذين أفسدوا دين اْلسالم‪ ،‬فإننا َل ننكر أن من الدوافع اليت محلتهم على‬
‫ني الذين تقربوا إليهم‬ ‫تَع ُّقبِ ِهم ابلقتل هو أهم كانوا خارجني على حكمهم‪ ،‬بدليل أننا ِل نرهم فعلوا ِابل َك هذابِني و ِ‬
‫الوضهاع َ‬
‫َ ََ‬ ‫َ ْ‬
‫ضاءً ألهوائهم‪ُ ،‬ع ْشَر ما فعلوه مع اخلارجني على حكمهم‪.‬‬ ‫ابلكذب على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إِْر َ‬
‫ب عنها‪ ،‬وحيرسها لضاعت السنة واختفت معاملها‪.‬‬ ‫ولوَل أن قيض هللا تعاىل للسنة املشرفة من ي ُذ ُّ‬
‫(‪ )6‬التكسب وطلب الرزق‪:‬‬
‫كبعض القصاص الذين يتكسبون ابلتحدث إىل الناس‪ ،‬فيوردون بعض القصص املسلية والعجيبة‪ ،‬حَ يستمع إليهم‬
‫الناس ويعطوهم‪ ،‬كأيب سعيد املدائّن‪.‬‬
‫اص ‪ -‬على جهلهم وجرأهتم يف الكذب على هللا ورسوله ‪ -‬قد لقوا من العامة آذاانً صاغية‬ ‫ص ِ‬ ‫ومن املؤسف أن هؤَلء ال ُق ه‬
‫ولقي العلماء منهم َعنَ تًا َكبِ ًريا ‪.‬‬
‫والقصاص أولع الناس ابْلغراب‪ ،‬يستميلون به وجوه العوام إليهم‪ ،‬ويستدرون أمواهلم ابملناكري واألكاذيب من األحاديث‪.‬‬
‫اص‪ ،‬ما كان حديثه عجيبا‪ ،‬خارجا عن فطر العقول‪ ،‬أو كان رقيقا حيزن‬ ‫قال ابن قتيبة‪" :‬ومن شأن العوام القعود عند الْ َق ِّ‬
‫يل يف ميل‪َ .‬ويُبَ ِّو ُ‬
‫ئ هللا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القلوب‪َ ،‬ويَ ْستَ ْغزُر العيون‪.‬فإذا ذكر اْلنة‪ ،‬قال فيها احلوراء من مسك‪ ،‬أو معفران‪َ ،‬و َعج َيزتُ َها م ٌ‬
‫تعاىل َولِيههُ قصرا من لؤلؤة بيضاء‪ ،‬فيه سبعون ألف مقصورة‪ ،‬يف كل مقصورة سبعون ألف قُبه ٍّة ‪ ...‬يف كل قبة سبعون ألف‬
‫فراش على كل فراش سبعون ألف كذا‪ ،‬فال يزال يف سبعني ألف كذا‪ ،‬وسبعني ألفا؛ كأنه يرى أنه َل جيوم أن يكون العدد‬
‫" (‪.)1‬‬
‫فوق السبعني وَل دوها‬
‫وكلما كانت الغرائب أكثر كان اْلعجاب ابلقاص أكثر‪ ،‬والقعود عنده أطول‪ ،‬واأليدي ابلعطاء إليه أسرع!!‪.‬‬
‫ات الفقهية والكال ِميَّةُ‪:‬‬ ‫(‪ )7‬اخلالف ُ‬
‫فقد نزع اْلهال والفسقة من أتباع املذاهب الفقهية والكالمية إىل َتييد مذهبهم ِبحاديث مكذوبة‪.‬‬
‫صالَةَ لَهُ"‪.‬‬ ‫من ذلك ‪" :‬من رفَع ي َدي ِه ِيف ال ه ِ‬
‫صالَة فَالَ َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬
‫"(‪.)2‬‬
‫هه ُم بِهِ‪َ :‬مأْ ُمو ُن بْ ُن أمحد السلمي‬ ‫ضوعٌ‪َ .‬والْ ُمت َ‬ ‫اْلَْوَمقَ ِاينُّ َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ َم ْرفُ ً‬
‫وعا َوُه َو َم ْو ُ‬ ‫قال الشوكاين‪َ :‬رَواهُ ْ‬
‫ب ثَالَ ًاث فَ ِر َ‬
‫يضةً"‪.‬‬ ‫اق لِلْ ُجنُ ِ‬ ‫اَلستِْن َش ُ‬
‫ضةُ َو ْ‬ ‫ض َم َ‬
‫وحديث أن النيب صلى هللا عليه وسلم جعل امل ْ‬
‫ٍّ َ‬
‫احلَ هذ ِاء‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬أَ هن‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن َخالِ ٍّد ْ‬‫َسبَا ٍّط‪َ ،‬ع ْن ُس ْفيَا َن الث ْهوِر ِّ‬ ‫رواه الدارقطّن بسنده‪ ،‬عن بََرَكة بْن ُحمَ همد‪ ،‬ان يُ ُ ُ ْ ُ ْ‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫وس‬
‫ب ثََال ًاث فَ ِر َ‬
‫يضةً"‪.‬‬ ‫اق لِْل ُجنُ ِ‬
‫ضةَ َو ِاَل ْستِْن َش َ‬ ‫ض َم َ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم َج َع َل الْ َم ْ‬ ‫النِ ه‬
‫هيب َ‬

‫(‪َ")1‬تويل خمتلف احلديث" َلبن قتيبة (‪.)404/1‬‬


‫(‪ ")2‬الفوائد اجملموعة" للشوكاين (‪.)29/1‬‬
‫‪98‬‬
‫يث‬ ‫ث بِِه إِهَل ب رَكةُ‪ ،‬وب رَكةُ ه َذا يضع ْ ِ‬
‫وقال الدارقطين‪َ :‬ه َذا َاب ِط ٌل َوَِلْ ُحيَ ِّد ْ‬
‫احلَد َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫َ َ َ ََ َ َ َ ُ‬
‫(‪ )8‬قصد الشهرة‪ :‬وذلك إبيراد األحاديث الغريبة اليت َل توجد عند أحد من شيوخ احلديث‪ ،‬فيقلبون سند احلديث‬
‫ليستغرب‪ ،‬فريغب يف مساعه منهم‪ ،‬كابن أيب دحية ومحاد النصييب‪.‬‬
‫السجس ِ‬
‫تاين‪ ،‬جوام‬ ‫ْ‬ ‫(‪ )9‬مذهب الْ َك َّر ِاميَّ ِة يف وضع احلديث‪ :‬معمت فرقة من املبتدعة‪ ،‬مسوا ابلكرامية نسبة ُحمَ همد بن كرام‬
‫وضع األحاديث يف ابب الرتغيب والرتهيب‪ ،‬واستدلوا على ذلك مبا روي يف بعض طرق حديث‪" :‬من كذب علي‬
‫(‪.)2‬‬
‫متعمدا"من مَيدة مجلة‪" :‬ليضل الناس"؛ ولكن هذه الزَيدة ِل تثبت عند حفاظ احلديث‬
‫قلت‪ :‬حَ لو ثبتت هذه الزَيدة‪ -‬وهي َل تثبت‪ -‬لكانت حجة عليهم َل هلم‪ ،‬فإن جمرد جمرد الكذب عليه عمدا إضالل للناس‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪" :‬حنن نكذب له‪َ ،‬ل عليه" وهذا اَلستدَلل يف غاية السخف؛ فإن النيب صلى هللا عليه وسلم َل حيتاج‬
‫شرعه إىل كذابني لريوجوه‪.‬‬
‫وهذا الزعم خالف إمجاع املسلمني‪ ،‬حَ ابلغ الشيخ أبو حممد اْلويّن‪ ،‬فجزم بتكفري واضع احلديث‪.‬‬
‫(‪ )10‬خطأ بعض املفسرين يف ذكر بعض األحاديث املوضوعة يف تفاسريهم‪:‬‬
‫لقد أخطأ بعض املفسرين يف ذكرهم أحاديث موضوعة يف تفاسريهم من غري بيان وضعها‪َ،‬ل سيما احلديث املروي عن أيب‬
‫بن كعب يف فضائل القرآن سورة سورة‪ ،‬ومن هؤَلء املفسرين‪ :‬الثعليب‪ ،‬والواحدي‪ ،‬والزخمشري‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬والشوكاين‪.‬‬
‫[ ‪ ] 6‬كيف يعرف احلديث املوضوع؟‬
‫يعرف احلديث املوضوع بدون النظر يف إسناده ِبمور؛ منها‪:‬‬
‫(‪ )1‬إقرار الواضع ابلوضع‪:‬‬
‫كإقرار أيب عصمة نوح بن أيب مرمي ِبنه وضع حديث فضائل سور القرآن سورة سورة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬فقد أخرج احلاكم‬
‫اس َر ِض َي ه‬ ‫ك ِع ْن ِع ْك ِرَمةَ َع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ار الْمروِم ِي‪ ،‬قال‪ :‬ق ِ ِ‬ ‫ٍّ‬
‫اَّللُ َعْنهُ‬ ‫ص َمةَ م ْن أَيْ َن لَ َ‬‫يل ألَِيب ع ْ‬ ‫َ‬ ‫يف املدخل بسنده‪ ،‬عن أيب َع هم َ ْ َ ّ‬
‫آن َوا ْشتَ غَلُوا‬ ‫ضوا ع ِن الْ ُقر ِ‬
‫هاس قَ ْد أ َْعَر ُ َ ْ‬ ‫ت الن َ‬ ‫اب ِع ْك ِرَمةَ َه َذا فَ َق َ‬
‫ال إِِّين قَ ْد َرأَيْ ُ‬ ‫َصح ِ‬ ‫آن سورةٍّ سورةٍّ ولَي ِ‬
‫س عْن َد أ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ضائل الْ ُق ْر ُ َ ُ َ َ ْ َ‬
‫ِيف فَ َ ِ ِ‬
‫اق فَوضعت ه َذا ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يث حسبة"(‪.)3‬‬ ‫احلَد َ‬ ‫بِف ْقه أَِيب َحني َفةَ َوَمغَا ِمي ُحمَ همد بْ ِن إِ ْس َح َ َ َ ْ ُ َ‬
‫الع ْو َج ِاء بوضع أربعة آَلف حديث‪ ،‬حيرم فيها احلالل‪ ،‬وحيلل فيها احلرام‪.‬‬ ‫وكما اعرتف عبد الكرمي بن أيب َ‬
‫( ‪.)4‬‬
‫ُحلِّ ُل ْ‬ ‫يث‪ ،‬أ ِ‬ ‫ف ح ِد ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ :‬وضع ِ‬ ‫ال ابن َع ِدي‪ :‬لَ هما أ ِ‬
‫ُخ َذ لِيُ ْ‬
‫احلََر َام‬ ‫ُحِّرُم ف َيها ا ْحلََال َل‪َ ،‬وأ َ‬
‫َ‬ ‫ت في ُك ْم أ َْربَ َعةَ َآَل َ‬ ‫ب ُعنُ ُقهُ‪ ،‬قَ َ َ َ ْ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫قَ َ ْ ُ‬
‫(‪ )2‬أو ما يتنزل منزلة إقراره‪:‬‬
‫كأن حيدث عن شيخ‪ ،‬فيسأل عن مولده هو‪ ،‬فيذكر اترَيا تكون وفاة ذلك الشيخ قبل مولده هو‪ ،‬وَل يعرف ذلك‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫احلديث إَل عنده‪ .‬كما ادعى مأمو ُن بْ ُن أمحد اهلََرِو ُّ‬
‫"م ََ َد َخ ْل َ‬ ‫ي أَنه مسع من هشام بن عمار‪ ،‬فسأله اب ُن حبها َن‪َ :‬‬
‫ني"‪،‬‬ ‫ني وِمائَتَ ْ ِ‬ ‫الذي تَرِوي عْنه مات سنَةَ َخَْ ٍّ ِ‬ ‫ال ابن ِحبها َن‪ ":‬فَِإ هن ِهشاما ِ‬ ‫"سنَةَ َخَْ ِس َ ِ ِ‬
‫س َوأ َْربَع َ َ‬ ‫ْ ََُ َ َ‬ ‫ًَ‬ ‫ني َومائَتَ ْني"‪ ،‬قَ َ ْ ُ‬ ‫ال‪َ :‬‬
‫هامق" قَ َ‬
‫الش َ‬

‫(‪")1‬سنن الدارقطين"‪ :‬كتاب الطهارة – ابب مت روي يف املضمضة واَلستنشاق– رقم (‪.)409‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ ":‬املوضوعات َلبن اْلومي"(‪" ،)96/1‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪ "،)205 :‬الكامل يف ضعفاء الرجال" َلبن عدي‪.)83/1( ،‬‬
‫(‪")3‬املدخل إىل كتاب اْلكليل" للحاكم النيسابوري‪( ،‬ص‪ ،)54:‬دار الدعوة‪ ،‬اَلسكندرية‪.‬‬
‫(‪")4‬تدريب الراوي"(‪.)335/1‬‬
‫‪99‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫فقال‪ :‬هذا هشام بن عمار آخر‬
‫وقال اخلطيب البغدادي‪ :‬وان حممد بن يوسف‪ ،‬أان حممد بن عبد هللا أبو عبد هللا‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أاب علي احلافظ‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"ملا حدث عبد هللا بن إسحاق الْ ِك ْرَم ِاينُّ عن حممد بن أيب يعقوب‪ ،‬أتيته فسألته عن مولده‪ ،‬فذكر أنه ولد سنة إحدى‬
‫وَخسني ومائتني‪ ،‬فقلت له‪ :‬مات حممد بن أيب يعقوب قبل أن تولد بتسع سنني‪ ،‬فأعلمه‪ ،‬قال أبو عبد هللا‪ :‬وملا قدم‬
‫علينا أبو جعفر حممد بن حامت الْ ِك ِّس ُّي‪ ،‬وحدث عن عبد بن ُمحَْي ٍّد‪ ،‬سألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستني ومائتني‪،‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫ث َع ْشَرةَ سنة"‬ ‫فقلت ألصحابنا‪ :‬مسع هذا الشيخ من عبد بن محيد بعد موته بثال َ‬
‫وقال اإلمام مسلم‪ :‬وحدثّن عبد هللا بن عبد الرمحن الدارمي‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أاب نعيم‪ ،‬وذكر الْ ُم َعلهى بْ َن ُع ْرفَا َن‪ ،‬فقال‪ :‬قال‪:‬‬
‫ِ (‪.)3‬‬
‫حدثنا أبو وائل‪ ،‬قال‪ :‬خرج علينا ابن مسعود بصفني فقال أبو نعيم‪":‬أَتَُراهُ بُعِ َ‬
‫ث بَ ْع َد الْ َم ْوتق"‬
‫يف َسنَةَ اثنتني أو ثالثة وثالثني قبل انقضاء خالفة عثمان بثالث سنوات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وذلك ألن ابن مسعود تُ ُو َّ‬
‫الرَواة وإقامتهم ورحالهتم وشيوخهم ووفاهتم‪.‬‬ ‫وَل شك أن الفيصل يف مثل هذه احلاَلت علم التاريخ‪ ،‬اتريخ مواليد ُّ‬
‫هاد احلديث‪.‬‬ ‫ولذلك كان علم الطبقات علماً قائماً بذاته َل يستغّن عنه نُق ُ‬
‫قال ابن الصالح يف مقدمته‪ُ :‬رِّوينَا عن سفيان الثوري أنه قال‪ ":‬ملا استعمل الرواة الكذب استعملنا هلم التاريخ"‪ ،‬أو كما‬
‫اح ُسبُوا سنه وسن من كتب عنه‪.‬‬ ‫قال‪ .‬وُرِّوينَا عن حفص بن غياث أنه قال‪":‬إذا اهتمتم الشيخ‪ ،‬فحاسبوه ابلسنني"‪ ،‬يعّن ْ‬
‫وهذا كنحو ما ُرِّوينَا عن إمساعيل بن عياش قال‪":‬كنت ابلعراق‪ ،‬فأاتين أهل احلديث‪ ،‬فقالوا‪ :‬هاهنا رجل حيدث عن‬
‫خالد بن معدان‪ ،‬فأتيته‪ ،‬فقلت‪ :‬أي سنة كتبت عن خالد بن معدانق‬
‫فقال‪ :‬سنة ثالث عشرة ‪ -‬يعّن ومائة ‪ ،-‬فقلت‪ :‬أنت تزعم أنك مسعت من خالد بن َم ْع َدا َن بعد موته بسبع سننيق‬
‫(‪.)4‬‬
‫قال إمساعيل‪ :‬مات خالد سنة ست ومائة "‬
‫مرجئ حديثا يف اْلرجاء‪ ،‬مثل ما‬ ‫(‪ )3‬أو قرينة يف الراوي‪ :‬مثل أن يروي رافضي حديثا يف فضائل آل البيت‪ ،‬أو يروي ٌ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‬ ‫ول هِ‬ ‫اَّلل مع رس ِ‬ ‫أخرجه احلاكم بسنده َع ْن َحبهةَ بْ ِن ُج َويْ ٍّن‪ ،‬عن علي رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ت هَ َ َ َ ُ‬‫ال‪َ " :‬عبَ ْد ُ‬
‫َح ٌد ِم ْن َه ِذهِ ْاألُهمة‬
‫ِ "(‪.)5‬‬
‫ني قَ ْب َل أَ ْن يَ ْعبُ َدهُ أ َ‬
‫ِِ‬
‫َسْب َع سن َ‬
‫وقال الذهيب‪ :‬وهذا ابطل‪.‬‬
‫هشيُّع واهيا ِيف احلديث"‬
‫(‪.)6‬‬
‫وقال ابن حبان يف حبة بن جوين‪" :‬كان غاليا ِيف الت َ‬
‫(‪ )4‬أو قرينة يف املروي‪ :‬مثل كون احلديث ركيك اللفظ‪ ،‬أو خمالفا للحس‪ ،‬أو خمالفا لصريح القرآن‪ِ ،‬بيث َل يقبل‬
‫ب ِعْن َد ُك ْم ِيف‬
‫ال‪ :‬وَكا َن ِعْن َد َان ِمثْل وْه ٍّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫التأويل‪ ،‬مثل ما رواه عبد الرماق‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن الت ْهي ِم ِّي‪ ،‬قَ َ‬
‫َُ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َخال ٌد الهربَع ُّي‪ ،‬قَ َ َ‬

‫(‪")1‬لسان امليزان"(‪َ )7/5‬لبن حجر العسقالين‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫(‪")2‬اْلامع ألخالق الراوي وآداب السامع" (‪ )132/1‬للخطيب البغدادي‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وب ِ ِ‬
‫ني ‪)26/1( -‬‬ ‫الرَوايَة َع ِن الثَّقات‪َ ،‬وتَ ْرك الْ َك هذابِ َ‬
‫ّ‬
‫(‪" )3‬مقدمة صحيح مسلم"‪ :‬ابب وج ِ‬
‫َ ُ ُُ‬
‫(‪" )4‬معرفة أنواع علوم احلديث"(‪َ )380/1‬لبن الصالح‪ ،‬دار الفر‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة– ابب ذكر إسالم أمري املؤمنني علي رضي هللا عنه– رقم (‪.)4585‬‬
‫(‪")6‬اجملروحني من احملدثني والضعفاء واملرتوكني"(‪َ )267/1‬لبن حبان ‪ -‬احملقق‪ :‬حممود إبراهيم مايد‪ ،‬دار الوعي‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫اَّللُ َع ْن َه ِذهِ ْاألُهمةِ‪ ،‬فَ َج َعلَ َها إِ َىل‬‫هف ه‬ ‫ٍّ‬
‫اْلَنهةَ إِ َىل َسْب َعة‪ ،‬فَ َخف َ‬ ‫الزَان ََل يَ ْد ُخ ُل ْ‬ ‫ب‪" :‬أَ هن َولَ َد ِّ‬ ‫ض الْ ُكتُ ِ‬‫ب إِنههُ قَ َرأَ ِيف بَ ْع ِ‬ ‫ض الْ ُكتُ ِ‬ ‫بَ ْع ِ‬
‫ٍّ (‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ُخَرى"‪.‬‬ ‫آابء" فإنه خمالف لقوله تعاىل‪َ " :‬وَلَ تَ ِزُر َوا ِمَرةٌ ِوْمَر أ ْ‬ ‫َخَْ َسة َ‬
‫بل هذا احلديث املوضوع مأخوذ من التوراة‪ ،‬فإنه من أحكامها‪.‬‬
‫السن َِّة املُتَـ َواتَِرةِ‪:‬‬
‫ومثل ذلك أن يكون خمالفاً لصريح ُ‬
‫ث بْ ُن بََر ٍّام‬ ‫َخبَ َرَان أَ ْش َع ُ‬
‫ال‪ :‬أ ْ‬ ‫ي‪ ،‬قَ َ‬ ‫الزََي ِد ُّ‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا أَبُو َع ْو ٍّن ُحمَ هم ُد بْ ُن َع ْو ٍّن ِّ‬ ‫وب‪ ،‬قَ َ‬ ‫مثْ َل‪ :‬ما أخرجه العقيلي عن ُحمَ همد بْن أَيُّ َ‬
‫ِ‬
‫ال‪" :‬إِذَا ُح ِّدثْتُ ْم َع ِّّن َح ِديثًا‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬ ‫هيب َ‬‫اَّلل بْ ِن َشق ٍّيق‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬أَ هن النِ ه‬
‫ِ‬ ‫عن قَتادةَ عن عب ِد هِ‬
‫َ ْ َ َ َ ْ َْ‬
‫ِ ِ (‪.)2‬‬
‫ث به"‬ ‫ِ‬
‫ُح ّد ْ‬ ‫ي وافِق ا ْحل هق فَخ ُذوا بِِه‪ ،‬ح هدثْ ِِ‬
‫ت به أ َْو َِلْ أ َ‬‫َ ُ‬ ‫َُ ُ َ ُ‬
‫ث ه َذا َغي ر ح ِد ٍّ‬ ‫هيب صلهى هللا علَي ِه وسلهم إِسن ِ ِ‬ ‫وقال العقيلي‪ :‬ولَي ِ‬
‫يث ُمْن َك ٍّر‪.‬‬ ‫اد يَص ُّح‪َ ،‬ول ْألَ ْش َع َ َ ْ ُ َ‬ ‫س هلََذا الله ْف ِظ َع ِن النِ ِّ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ٌ‬ ‫َْ َ‬
‫ب َعلَ هي ُمتَ َع ِّم ًدا فَ ْليَ تَ بَ هوأْ َم ْق َع َدهُ ِم ْن النهار"‬
‫ِ (‪.)3‬‬
‫فإنه خمالف للحديث املتواتر‪َ " :‬م ْن َك َذ َ‬
‫السنَّةِ‪:‬‬
‫أو يكون خمالفاً للقواعد العامة املأخوذة من القرآن َو ُ‬
‫وب‬
‫ار أَبُو يَ ْع ُق َ‬ ‫اق بْن يَس ٍّ‬ ‫مثل‪ :‬ما أخرجه ابن بكري البغدادي‪ ،‬قال‪ :‬حدهثَنَا ح ِام ُد بْن َمحه ِاد بْ ِن الْمبارِك الْ َعس َك ِر ُّ ِ‬
‫ي‪ ،‬ثَنَا إ ْس َح ُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان‪َ ،‬عن مكْح ٍّ‬ ‫هص ِييب‪ ،‬حدهثَنَا ح هجاج بن الْ ِمْن ه ِال‪ ،‬ح هدثَنَا َمحهاد بن سلَمةَ‪ ،‬عن ب رِد ب ِن ِسنَ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫وعا‪:‬‬ ‫ول‪َ ،‬ع ْن أَِيب أ َُم َامةَ‪َ ،‬م ْرفُ ً‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ َ ْ ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُْ َ‬ ‫الن ُّ َ‬
‫ِ (‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودهُ ِيف ْ‬
‫اْلَنهة"‬ ‫ود فَ َس هماهُ ُحمَ هم ًدا تَبَ ُّرًكا بِه َكا َن ُه َو َوَم ْولُ ُ‬ ‫" َم ْن ُول َد لَهُ َم ْولُ ٌ‬
‫ومثل‪ :‬ما أخرجه قاضي املارستان بسنده‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"يوقف عبدان بني يدي هللا عز وجل‪ ،‬فيأمر هبما إىل اْلنة فيقوَلن ربنا مبا استأهلنا اْلنةق! وِل نعمل عمال جتامينا به‬
‫امسُهُ أمحد وَل ُحمَ هم ٌد"‬ ‫هار َم ْن ْ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَى نَ ْفسي أَن َل ْيدخل الن َ‬ ‫اْلنة!! فيقول هللا عز وجل هلما عبدي ادخال فإين آلَْي ُ‬
‫(‪.)5‬‬

‫السنهةُ من أن النجاة ابألعمال الصاحلة َل ابألمساء واأللقاب‪.‬‬ ‫فإن هذا خمالف للمعلوم املقطوع به من أحكام القرآن َو ُ‬
‫وضةَ ِيف الْيَ ْوِم َواللهْي لَ ِة‬ ‫اخلمس ال ه ِ‬
‫صلَ َوات الْ َم ْف ُر َ‬ ‫ضا َن َْ ْ َ‬
‫ٍّ ِ‬
‫صلهى ِيف آخ ِر ُمجَُعة م ْن َرَم َ‬
‫ِ‬
‫"م ْن َ‬ ‫أو أن يكون خمالفاً لإلَجاع‪ :‬مثل‪َ :‬‬
‫صالةِ َسنَ ٍّة"‪.‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫ت َعْنهُ َما أَ َخ هل به م ْن َ‬ ‫ضْ‬ ‫قَ َ‬
‫وعةَ‬ ‫ض َ‬ ‫يث الْ َم ْو ُ‬ ‫َحاد َ‬
‫ب الهِيت َمجع مصنِّ ُفوها فِيها األ ِ‬ ‫ال فِ ِيه وَِلْ أ َِج ْدهُ ِيف َشي ٍّء ِمن الْ ُكتُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال الشوكاين‪َ :‬ه َذا َم ْو ُ‬
‫ََ ُ َ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ضوعٌ َل إ ْش َك َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِِ ِ‬ ‫ولَ ِكنهه ا ْشت هر ِعْن َد َمج ٍّ ِ‬
‫ض َعهُ‬ ‫ك َوَل أ َْد ِري َم ْن َو َ‬ ‫ص َار َكثريٌ مْن ُه ْم يَ ْف َعلُو َن َذل َ‬ ‫ص ِرَان َه َذا َو َ‬ ‫صْن َعاءَ ِيف َع ْ‬ ‫اعة م َن الْ ُمتَ َف ّق َهة مبَدينَة َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َ ََ‬
‫ه ِ (‪.)6‬‬
‫ني‬
‫اَّللُ الْ َكذاب َ‬ ‫َهلُْم‪ .‬فَ َقبه َح ه‬
‫فإن هذا خمالف ملا أمجع عليه من أن الفائتة َل يقوم مقامها شيء من العبادات‪.‬‬

‫(‪")1‬املصنف"(‪ )455/7‬أبو بكر عبد الرماق بن َهام ‪ ،‬احملقق‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي ‪ -‬الناشر‪ :‬اجمللس العلمي‪ -‬اهلند ‪ -‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫(‪")2‬الضعفاء الكبري"(‪ )32/1‬العقيلي‪ ،‬احملقق‪ :‬عبد املعطي أمني قلعجي‪ ،‬دار املكتبة العلمية – بريوت ‪ -‬الطبعة‪:‬األوىل‪1404 ،‬ه ‪1984 -‬م‬
‫اىل َعلَْي ِه َو َسله َم – رقم(‪.)3‬‬
‫صلهى هللاُ تَ َع َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫(‪ ")3‬مقدمة صحيح مسلم"‪ :‬ابب ابب ِيف الت ِ ِ‬
‫هحذي ِر م َن الْ َكذب َعلَى َر ُسول هللا َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫(‪")4‬فضائل التسمية ِبمحد وحممد"(‪ )39/1‬أبو عبد هللا احلسني بن أمحد بن عبد هللا بن بكري البغدادي الصرييف‪ ،‬الصحابة للرتاث‪ ،‬طنطا‪.‬‬
‫(‪" )5‬أحاديث الشيوخ الثقات (املشيخة الكربى)(‪ )1041/3‬حممد بن عبد الباقي بن حممد األنصاري الكعيب‪ ،‬دار عاِل الفوائد للنشر والتوميع‪.‬‬
‫(‪")6‬الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة"(‪ )54/1‬للشوكاين ‪ -‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫أو أن يكون خمالفاً للقواعد العامة يف احلكم واألخالق‪:‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫ط"‬‫ب"‪ .‬قال السخاوي‪َ " :‬كالمٌ َساقِ ٌ‬ ‫مثل‪" :‬جور التُّرِك وَلَ َع ْد َل العر ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫ٍّ (‪.)2‬‬
‫أو كان خمالفاً لقواعد الطب املتفق عليها‪ :‬مثل‪" :‬البَ ِاذ ْجنَا ُن ِش َفاءٌ ِم ْن ُك ِّل َداء"‬
‫(‪ )5‬أو من حال الراوي وبواعثه النفسية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال حدثنَا‬ ‫يسى قَ َ‬ ‫قال‪:‬حدثّن أَبُو بكر أمحد بْ ُن الْ ُم َؤهم ِل بْ ِن ا ْحلَ َس ِن بْ ِن ع َ‬ ‫مثل ما أخرجه احلاكم يف"املدخل إىل اْلكليل"‪،‬‬
‫ال‬
‫ويف‪ ،‬قَ َ‬ ‫هيب الْ ُك ِ ُّ‬
‫اق الضُِّّ‬ ‫ال حدثنَا ُعبَ ْي ُد بْ ُن إِ ْس َح َ‬ ‫اْلُنَ ْي ِد‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّللِ بْ ِن ْ‬ ‫ال حدثنَا إِبْ َر ِاه ُيم بْ ُن َعْب ِد ه‬ ‫هعَرِاينُّ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ٍّ‬
‫ض ُل بْ ُن ُحمَ همد الش ْ‬ ‫الْ َف ْ‬
‫كق‬ ‫ال‪َ :‬مالَ َ‬ ‫يف فَجاء ابْنُهُ ِمن الْ ُكت ِ‬
‫هاب فَ َق َ‬ ‫ت ِعْن َد س ْع ِد بْ ِن طَ ِر ٍّ‬ ‫ال ُكْن ُ‬ ‫هم ِيم ُّي قَ َ‬‫حدثنَا سيف بن عمر الت ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ْ ُ ُ َ َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪:‬‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬ ‫حدثّن ِع ْك ِرَمةُ َع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫ضَربَِّن الْ ُم َعلِّ ُم فَ َق َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫اس‪ ،‬قَ َ‬ ‫هه ُم الْيَ ْوَم‪ِ ،‬‬ ‫ُخ ِزيَن ُ‬
‫ال َأل ْ‬ ‫ال َ‬ ‫قَ َ‬
‫معلِّ ُمو ِصْب يَانِ ُك ْم ِشَر ُارُك ْم أَقَلُّ ُه ْم َر ْمحَةً لِْليَتِي ِم َوأَ ْغلَظُ ُه ْم َعلَى الْ ِم ْسكني‬
‫ِ ِ (‪.)3‬‬
‫َ‬
‫يسةُ تَ ُش ُّد الظَ ْهَر"‪ ،‬فإن واضعه حممد بن احلجاج النخعي‪ ،‬كان يبيع اهلريسة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومثل حديث "اهلَر َ‬
‫ت‬ ‫وح طَافَ ْ‬ ‫(‪ )6‬فساد املعىن‪ِ :‬بن يكون احلديث خمالفاً لبدهيات العقول من غري أن ميكن َتويله مثل‪" :‬إِ هن َس ِفينَةَ نُ ٍّ‬
‫ت ِعْن َد امل َق ِام َرْك َعتَ ْني"‬
‫ِ (‪.)4‬‬
‫صله ْ‬‫َ‬ ‫ت َسْب ًعا َو‬ ‫ِابلب ي ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ضوعٌ‪ ،‬فَ َال تَتَ َكله ِ‬ ‫ٍّ‬
‫ف‬ ‫اعلَ ْم أَنههُ َم ْو ُ‬
‫ول‪ ،‬فَ ْ‬
‫ُص َ‬ ‫ض ْاأل ُ‬‫ول‪ ،‬أ َْو يُنَاق ُ‬ ‫ف اْل ُع ُق َ‬ ‫واخلالصة ما قاله ابن اجلوزي‪َ " :‬وُك ُّل َحديث َرأَيْتَهُ َُيَال ُ‬
‫َي‪ََ :‬ل تَ ْعتَِ ْرب ُرَواتَهُ‪َ ،‬وََل تَْنظُْر ِيف َج ْرِح ِه ْم‪.‬‬ ‫ْاعتبَ َارهُ" ‪ .‬أ ْ‬
‫(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪:‬‬ ‫(‪ )7‬خمالفته حلقائق التاريخ املعروفة يف عصر النَِّيب َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َجالِ ًسا ِيف الْ َوْمِن َو َعلَْي ِه ِمْئ َزٌر‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫احلَ هم َام‪ ،‬فَ َرأَيْ ُ‬
‫ت ْ‬ ‫ومن أمثلة ذلك حديث أنس‪َ " :‬د َخلْ ُ‬
‫احلَ هم ِام بِغَِْري ِمْئ َزر"‪.‬‬
‫ول ْ‬ ‫ت َد ُخ َ‬ ‫س إِهَّنَا َحهرْم ُ‬ ‫ال ََي أَنَ ُ‬ ‫ت أَ ْن أُ َكلِّ َمهُ فَ َق َ‬ ‫فَ َه َم ْم ُ‬
‫ِ‬
‫ُّخول ََل يكون‬ ‫اعة َْجم ُهولُو َن‪َ ،‬وَما أمسج من َوضعه‪ ،‬فَِإن الد ُ‬ ‫ضوع بالشك َوِيف ِرَوايَته مجَ َ‬ ‫"ه َذا َحديث َم ْو ُ‬ ‫قال ابن اجلوزي‪َ :‬‬
‫ط َوَل َكا َن ِعْندهم محام"‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلهم َمحاما قَ ُّ‬‫صلهى ه‬ ‫ِيف الْوْمن‪ ،‬وِل ْيدخل رسول هِ‬
‫اَّلل َ‬
‫(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬
‫ات موجودة يف احلجام يف عصره صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫فلم تكن احلَ هم َام ُ‬
‫(‪ )8‬اشتمال احلديث على إفراط يف الثواب العظيم على الفعل الصغري‪ ،‬واملبالغة ابلوعيد الشديد على األمر احلقري‪:‬‬
‫صله َى الض َ‬
‫ُّحى َك َذا َوَك َذا َرْك َعةً‬ ‫وقد أكثر القصاص من مثل هذا النوع ترقيقاً لقلوب الناس وإاثرة لتعجبهم‪ ،‬مثل‪َ " :‬م ْن َ‬
‫ِ (‪.)7‬‬
‫ني نَبيًّا"‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َسْبع َ‬
‫أ ُْعط َي ثَ َو َ‬

‫(‪" )1‬املقاصد احلسنة" (‪.)288/1‬‬


‫(‪" )2‬الفوائد اجملموعة" للشوكاين(‪.)167/1‬‬
‫(‪" )3‬املدخل إىل كتاب اْلكليل" (‪ ،)56/1‬أبو عبد هللا احلاكم النيسابوري‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬اَلسكندرية‪.‬‬
‫(‪" )4‬املوضوعات" َلبن اْلومي (‪.)100/1‬‬
‫(‪" )5‬املوضوعات" َلبن اْلومي (‪.)106/1‬‬
‫(‪" )6‬املوضوعات" َلبن اْلومي (‪.)181/2‬‬
‫(‪" )7‬األسرار املرفوعة يف األخبار املوضوعة املعروف ابملوضوعات الكربى" (‪. )424/1‬‬
‫‪102‬‬
‫ومثل حديث ‪ :‬من قال‪َ" :‬ل إله إَل هللا"؛ خلق هللا من كل كلمة ً‬
‫طائرا له سبعون ألف لسان‪ ،‬يف كل لسان سبعون ألف‬
‫لغة‪ ،‬يستغفرون هللا تعاىل له‪ .‬ومن فعل كذا وكذا أعطي من اْلنة سبعني ألف مدينة يف كل مدينة سبعون ألف قصر‪ ،‬يف‬
‫(‪.)1‬‬
‫كل قصر سبعون ألف حوراء"‬
‫(‪ )9‬استقراء األبواب‪ :‬أي قوهلم‪ِ :‬ل يصح يف الباب شيء‪ ،‬أو إَل حديث كذا‪ ،‬وذلك ملا قاموا به من استقراء لألحاديث‬
‫وتبويبها‪ ،‬وهو ضابط هام رأينا التنبيه عليه لعظيم فائدته‪ ،‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫أحاديث ذم األوالد‪ :‬كلها كذب من أوهلا إىل آخرها‪.‬‬
‫أحاديث التواريخ املستقبلة‪ :‬كل حديث فيه إذا كانت سنة كذا حل كذا وكذا‪ ،‬أو يكون يف سنة كذا أو شهر الفالين‬
‫كذا وكذا ابطل‪ .‬أحاديث مدح العزوبة‪ ،‬كلها ابطلة‪.‬‬
‫أحاديث فضائل األزهار‪ :‬كحديث فضل النرجس‪ ،‬والورد‪ ،‬واملرمجنوش‪ ،‬والبنفسج‪ ،‬والبان كلها كذب‪.‬‬
‫لكن ينبغي التنبه إىل خطورة هذا احلكم واحتمال خطئه‪ ،‬ملا فيه من احلصر ألمر واسع منتشر‪.‬‬
‫أحاديث الديك‪ِ :‬ل يصح يف أحاديث الديكة إَل حديثان‪:‬‬
‫اح ال ِّديَ َك ِة‬ ‫اَّلل عْنه‪ ،‬أَ هن النِهيب صلهى هللا علَي ِه وسلهم‪ ،‬قَ َ ِ ِ ِ‬
‫ال‪" :‬إ َذا َمس ْعتُ ْم صيَ َ‬ ‫ه َ ُ َْ ََ َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬ما أخرجه الشيخان‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة َرض َي هُ َ ُ‬
‫َت ملَ ًكا‪ ،‬وإِ َذا َِمسعتُم َهِيق احلِما ِر فَتَ ع هوذُوا ِاب هَّللِ ِمن الشهيطَ ِ‬
‫ان‪ ،‬فَِإنههُ َرأَى َشْيطَ ً‬ ‫اَّلل ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫اان"‬ ‫هها َرأ ْ َ َ‬ ‫ضله‪ ،‬فَِإن َ‬ ‫اسأَلُوا هَ ْ‬ ‫فَ ْ‬
‫(‪.)2‬‬
‫َ ْ‬ ‫ْْ َ َ َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ََ" :‬ل تَ ُسبُّوا‬ ‫ول هِ‬ ‫(‪ )2‬ما أخرجه أبو داود يف سننه بسند صحيح‪َ ،‬ع ْن َميْ ِد بْ ِن َخالِ ٍّد‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫ص َالة"‬‫ظ لِل ه‬‫يك فَِإنههُ يُوقِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ال ّد َ‬
‫أحاديث فضل العقل‪ :‬أحاديث العقل كلها كذب‪َ ،‬ل يصح فيها حديث‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫يث‪ .‬قَالَهُ أَبُو َج ْع َف ٍّر اْل ُع َقْيلِ ُّي‪َ ،‬وأَبُو َح ِامت بْ ُن ِحبها َن"‬
‫ص ُّح ِيف اْل َع ْق ِل َح ِد ٌ‬‫ي‪َ" :‬ل ي ِ‬
‫َ‬ ‫ال أَبُو الْ َف ْت ِح األَ ْزِد ُّ‬‫قَ َ‬
‫يث و ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحاديث اخلضر‪ :‬األ ِ‬
‫اح ٌد‪.‬‬ ‫ب َوَل يَص ُّح يف َحيَاته َحد ٌ َ‬ ‫يث الهِيت يُ ْذ َك ُر ف َيها ا ْخلَض ُر َو َحيَاتُهُ ُكله َها ك ْذ ٌ‬
‫َحاد ُ‬ ‫َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪َ" :‬ل يَْب َقى‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ِ‬
‫اس هل َها أحياءق فقال‪ :‬كيف يكون هذا وقد قال الن ِّ‬
‫ي َع ِن ْ ِ ِ ِ‬
‫اخلَضر َوإلْيَ َ‬ ‫َو ُسئِ َل الْبُ َخا ِر ُّ‬
‫هن ُه َو الْيَ ْوِم َعلَى ظَ ْه ِر األ َْر ِ‬ ‫ٍّ ِ‬
‫َح ٌد"‪.‬‬‫ضأَ‬ ‫َعلَى َرأْ ِس مئة َسنَة مم ْ‬
‫اخلَالِ ُدو َن"‪.‬‬
‫ت فَ ُه ُم ْ‬ ‫اخلُلْ َد أَفَِإ ْن ِم ه‬
‫ك ْ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫وسئِل عن ذَلِ ِ‬
‫ك َكثريٌ َغْي ُرَُهَا م َن األَئ همة فَ َقالُوا‪َ " :‬وَما َج َع ْلنَا لبَ َش ٍّر م ْن قَ ْبل َ‬ ‫َُ َ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪" :‬لَو َكا َن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ابْ ُن تَْي ِميَةَ َرمحَهُ ه‬‫وسئِل َعْنه َشْي ُخ ا ِْل ْس ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬‫ب َعلَْيه أَ ْن َأيِْيت النِ ه‬ ‫اخلَض ُر َحيًّا لََوج َ‬ ‫اَّللُ فَ َق َ ْ‬ ‫َُ َ ُ‬
‫صابَةُ َل تُ ْعبَ ْد ِيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم يَ ْوَم بَ ْد ٍّر‪" :‬الله ُه هم إِ ْن تُ ْهلَ ْ‬
‫صلهى ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني يَ َديْه َويَتَ َعله ُم مْنهُ َوقَ ْد قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ك َهذه الْع َ‬ ‫ال النِ ُّ‬
‫هيب َ‬ ‫َوُجيَاه ُد بَ ْ َ‬
‫ِ ِ ِ ٍّ "( ‪.)5‬‬
‫آابئِ ِه ْم َوقَبَائِلِ ِه ْم فَأَيْ َن َكا َن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ض" وكانوا ثالث مئة وثَالثَِة عشر رجال معروفِ ِ ِ‬
‫اخلَض ُر حينَئذق‬ ‫ني ِب َْمسَائ ِه ْم َوأ َْمسَاء َ‬
‫َ ََ َ ُ َ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫األ َْر ِ‬

‫(‪")1‬كشف اخلفاء ومزيل اْللباس" (‪ ،)509/2‬إمساعيل العجلوين‪ ،‬املكتبة العصرية‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب بدء اخللق– ابب خري مال املسلم غنم يتبع هبا شعف اْلبال– رقم (‪.)3303‬‬
‫وأخرجه مسلم‪ :‬كتاب الذكر والدعاء– ابب استحباب الدعاء عند صياح الديك– رقم(‪.)2729‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود‪ :‬كتاب األدب – ابب ما جاء يف الديك والبهائم – رقم(‪.)5101‬‬
‫(‪")4‬املنار املنيف" َلبن القيم‪( ،‬ص‪.)67:‬‬
‫(‪")5‬املنار املنيف" َلبن القيم‪( ،‬ص‪.)68-67:‬‬
‫‪103‬‬
‫أحاديث ذم معاوية‪ ،‬أو عمرو بن العاص‪ ،‬أو بين أمية‪ :‬كل أحاديث ذم هؤَلء كذب‪.‬‬
‫أحاديث مدح العزوبة( عدم الزواج) كلها ابطلة‪.‬‬
‫[ ‪ ] 7‬حماربة الوضع وأهم وسائلها‬
‫انربى العلماء حملاربة الوضع ودرء مفاسد الوضاعني‪ ،‬واتبعوا من أجل ذلك وسائل علمية دقيقة نلخصها فيما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬البحث يف أحوال الرجال وتتبع سلوكهم ورواَيهتم‪ ،‬ومعرفة الرواة‪ ،‬وقد ميزوا بذلك بني الثقات األثبات‪ ،‬وبني أهل‬
‫الصدق الذين وقع هلم ختليط‪ ،‬وأهل الكذب والفسوق‪ ،‬وذلك بتطبيق املعايري اليت تثبت العدالة والضبط‪.‬‬
‫(‪ )2‬التحذير من الكذابني وفضحهم‪ ،‬واْلعالن بكذهبم على رؤوس اخلالئق‪.‬‬
‫ومالك بن أنس َو ُس ْفيَا َن بْ َن ُعيَ ْي نَةَ‪َ :‬ع ْن الرجل يتهم يف‬
‫َ‬ ‫"سألت شعبةَ‪ ،‬وسفيا َن الثوري‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال حيىي بن سعيد القطان‪:‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫احلديث وَل حيفظق فقالوا‪ّ :‬بني أمره للناس"‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة‪ :‬كنا نتقي حديث داود بن احلصني‬
‫ِِ (‪.)3‬‬ ‫امسَعوا ِمْنهُ ما َكا َن ِيف ثَو ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َو َغ ْريه"‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقال أيضا‪َ"َ :‬ل تَ ْس َم ُعوا م ْن بَقيهةَ َما َكا َن ِيف ُسنهة ‪َ ,‬و ْ ُ‬
‫وذلك ألنه كان يدلس‪.‬‬
‫ت َع ْن ِذ ْك ِرهِ‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫اد بْ ُن َعبهاد‪َ ،‬و َج ِر ُير بْ ُن َحا ِمم‪ِ ،‬يف َر ُج ٍّل قُ ْلنَا‪ :‬لَ ْو َك َف ْف َ‬ ‫اج‪ ،‬أ ََان َو َعبه ُ‬ ‫َّاد بْ ُن َزيْد‪َ " :‬كله َمنَا ُش ْعبَةُ بْ ُن ْ‬
‫احلَ هج ِ‬ ‫قال َمح ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلُ ُم َعةَ فَإِ َذا ُش ْعبَةُ يُنَ ِاد ِيّن ِم ْن َخلْ ِفي فَ َق َ‬
‫ت لَ ُك ْم فيه ََل أ ََراهُ‬ ‫ال‪َ " :‬ذ َاك الهذي قُ ْل ُ‬ ‫يد ْ‬‫ت يَ ْوًما أُِر ُ‬
‫ضْي ُ‬ ‫فَ َكأَنههُ ََل َن َوأ َ‬
‫َجابَنَا‪ ،‬مثُه َم َ‬
‫(‪.)4‬‬
‫يَ َس ُع ِّن"‬
‫وهكذا كان أئمة احلديث هلم القدم الراسخ يف اجملتمع‪ ،‬والكلمة النافذة‪.‬‬
‫َح ِاديث‬ ‫ِ‬
‫احل هجة مْن ُهم ُموجبَة لالحتجاج مبَا ثبتوه من أ َ‬
‫قال الذهيب‪" :‬فشهادة الْ َفرد ِمْن هم ترد الْكثري من ْاألَخبار وتوثيق ْ ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫صار"‬‫سيد ْاألَبْ َرار إِن َه َذا َهلو الفخار َوإِن ِيف َذلك لعربة ألويل ْاألَبْ َ‬
‫(‪.)5‬‬

‫(‪ )3‬البحث عن األسانيد‪:‬‬


‫فال يقبل حديث َل يوجد له إسناد‪ ،‬بل يعترب ابطال‪ ،‬وما روي بسنده يبحث فيه سندا ومتنا على ضوء شروط القبول‪،‬‬
‫وقواعد هذا العلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬اختبار احلديث بعرضه على الرواَيت األخرى واألحاديث الثابتة‪ ،‬فيتبني بذلك ما وقع فيه من وهم أو علة وقعت‬
‫من أهل الصدق‪.‬‬
‫(‪ )5‬وضع ضوابط يكشف هبا احلديث املوضوع‪.‬‬
‫(‪ )6‬التصنيف يف األحاديث املوضوعة‪ ،‬للتنبيه عليها‪ ،‬والتحذير منها‪.‬‬

‫(‪" )1‬دَلئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة" (‪ ،)45/1‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫(‪" )2‬اْلرح والتعديل َلبن أيب حامت" (‪.)40/1‬‬
‫(‪" )3‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي (‪.)134/1‬‬
‫(‪" )4‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي (‪.)44/1‬‬
‫(‪" )5‬املغّن يف الضعفاء" للذهيب (‪.)3/1‬‬
‫‪104‬‬
‫[ ‪ ] 8‬أشهر املصنفات يف احلديث املوضوع‬
‫(‪ )1‬املوضوعات‪ ،‬أليب سعيد حممد بن علي األصبهاين النقاش (ت‪ 414 :‬هـ)‪:‬‬
‫وهو ِمن أقدم ما أُفرد ابلتصنيف يف األحاديث املوضوعة‪ ،‬وينقل منه الذهيب يف "ميزان اَلعتدال"‪ ،‬واحلافظ ابن حجر يف‬
‫"لسان امليزان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تذكرة املوضوعات‪ ،‬للحافظ حممد بن طاهر املقدسي ( ت‪ 507 :‬هـ) ‪:‬‬
‫وقد رتهب أحاديثه على حروف املعجم‪ ،‬وهو كتاب خمتصر ابلنسبة إىل غريه‪.‬‬
‫(‪ )3‬األابطيل واملناكري والصحاح واملشاهري"‪ ،‬أليب عبد هللا احلسني بن إبراهيم اجلورقاين (ت‪ 543 :‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )4‬كتاب املوضوعات البن اجلوزي (ت‪ 597 :‬هـ)‪:‬‬
‫كل َمن ألّف بعده فيها‪ ،‬لكنه متساهل يف احلكم‬
‫وهو أشهر الكتب املصنّفة يف املوضوعات على اْلطالق‪ ،‬وهو عمدة ّ‬
‫على احلديث ابلوضع‪ ،‬لذا انتقده العلماء وتعقبوه‪.‬‬
‫صح شيء يف هذا الباب‪ ،‬للموصلي (ت ‪ 622 :‬هـ)‪:‬‬ ‫(‪ )5‬املغُ ِْين عن احلفظ والكتاب‪ ،‬بقوهلم‪ :‬مل يَ َّ‬
‫وهو ضياء الدين‪ ،‬أبو حفص‪ ،‬عمر بن بدر املوصلي‪ ،‬وقد خلهص به كتاب اْلمام ابن اْلومي‪.‬‬
‫(‪ )6‬موضوعات الصاغاين‪ ،‬أليب الفضائل احلسن بن حممد العدوي الصاغاين (ت‪ 650 :‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )7‬تلخيص املوضوعات‪ ،‬للحافظ أيب عبد هللا حممد بن أمحد بن عثمان الذهيب (ت‪ 748 :‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )8‬املنار املنيف يف الصحيح والضعيف‪ ،‬البن قيم اْلومية (ت‪ 751 :‬ه )‪:‬‬
‫وقد خلص فيه كتاب املوضوعات َلبن اْلومي تلخيصاً حسناً‪ ،‬وق هعد قواعد وضوابط ملعرفة احلديث املوضوع دون النظر‬
‫يف سنده‪ ،‬وهذا يفيد ذوي اَلختصاص يف احلديث‪ ،‬ويعني على تكوين امللكة احلديثية اليت تساعد على التمييز بني أنواع‬
‫احلديث صحيحه‪ ،‬وضعيفه‪ ،‬وموضوعه‪.‬‬
‫(‪ )9‬الآللئ املصنوعة يف األحاديث املوضوعة‪ ،‬جلالل الدين السيوطي (ت ‪911 :‬ه)‪:‬‬
‫وهو اختصار لكتاب ابن اْلومي‪ ،‬وتعقيب عليه‪ ،‬ومَيدات ِل يذكرها ابن اْلومي‪ ،‬وألف كتابه الثاين الكبري ‪" :‬ذيل‬
‫املوضوعات "‪ ،‬وهو كتاب مفيد انفع‪.‬‬
‫(‪ )10‬تنزيه الشريعة املرفوعة عن األحاديث الشنيعة املوضوعة‪ ،‬البن عراق الكناين (ت‪963 :‬ه)‪:‬‬
‫وهو كتاب حافل مهذب مفيد‪ ،‬وقد رتبه مصنفه ترتيبا جيداً‪ ،‬وقدم له مبقدمة واسعة جامعة اشتملت على فوائد نفيسة‪،‬‬
‫كما اشتملت على أمساء الوضاعني مرتبة على حروف املعجم‪ ،‬فكانت كاملعجم هلم‪.‬‬
‫(‪ )11‬املصنوع يف معرفة احلديث املوضوع ‪ ،‬لعلى القاري اهلروي (ت‪ 1014 :‬هـ)‪:‬‬
‫فألهف كت ابني يف املوضوعات ‪ ،‬كتاب كبري وامسه متييز املرفوع عن املوضوع ‪ ،‬وهو املوضوعات الكربى ‪ .‬وآخر صغري وامسه‬
‫املصنوع يف معرفة احلديث املوضوع‪.‬‬
‫(‪ )12‬الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة‪ ،‬حملمد بن علي الشوكاين اليماين‪( ،‬ت‪ 1255 :‬هـ) ‪:‬‬
‫وقد ضمنه فوائد كثرية حسنة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وإىل جانب هذه املصنفات صنف العلماء كتباً خاصةً يف تراجم الضعفاء واجملروحني‪ ،‬وترمجوا فيها للوضاعني والكذابني‪،‬‬
‫ت عنهم‪ ،‬ونبههوا عليها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وكشفوا حاهلم‪ ،‬وذكروا يف ترامجهم َّناذج من األحاديث املوضوعة اليت نُقلَ ْ‬
‫ومن أمثلة هذه الكتب‪ :‬كتاب الضعفاء للبخاري‪ ،‬والضعفاء للنسائي‪ ،‬والضعفاء الكبري ُ‬
‫للعقيلي‪ ،‬والضعفاء واملرتوكني‬
‫َلبن حبان‪ ،‬والضعفاء لألمدي‪ ،‬والكامل يف الضعفاء َلبن عدي‪ ،‬والضعفاء َلبن اْلومي‪.‬‬
‫املصنفات يف أمساء الوضاعني‪:‬‬
‫(‪ )1‬الكشف احلثيث عمن رمي بوضح احلديث‪ ،‬لسبط بن العجمي( ت‪841 :‬ه) ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تذكرة الطالبني يف بيان املوض وع وأصناف الوضاعني‪ ،‬وشرحه اْلليس األمني‪ ،‬حملمد بن الشيخ علي آدم األثيويب‬
‫الولوي‪.‬‬
‫اثنـيـ ـ ـ ـ ـا‪ :‬احلديث الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـروك‬
‫إذا كان سبب الطعن يف الراوي هو التهمة ابلكذب‪ ،‬مسي حديثه ابملرتوك‪.‬‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريفه‪:‬‬
‫املرتوك لغة‪ :‬اسم مفعول من الرتك‪ ،‬يقال‪ :‬تركه يرتكه تركا وتركاان‪ ،‬واملرتوك هو املرحتل عنه واملفارق رغبة عنه‪ ،‬وتركت املنزل‬
‫تركا رحلت عنه‪ ،‬وتركت الرجل فارقته‪ ،‬مث استعري لإلسقاط يف املعاين فقيل ترك حقه إذا أسقطه وترك ركعة من الصالة ِل‬
‫(‪.)1‬‬
‫أيت هبا فإنه إسقاط ملا ثبت شرعا‬
‫املرتوك اصطالحا‪ :‬هو ا حلديث الذي يرويه من يتهم ابلكذب وَل يعرف ذلك احلديث إَل من جهته ويكون خمالفا‬
‫للقواعد املعلومة‪ ،‬وكذا من عرف ابلكذب يف كالمه وإن ِل يظهر منه وقوع ذلك يف احلديث النبوي‪ ،‬إذ إنه َل يؤمن عليه‬
‫(‪.)2‬‬
‫من الكذب على النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫[ ‪ ] 2‬أسباب اهتام الراوي ابلكذب‪:‬‬
‫أسباب اهتام الراوي ابلكذب أحد أمرين؛ َها‪:‬‬
‫(‪ )1‬أَل يروى ذلك احلديث إَل من جهته‪ ،‬ويكون خمالفا للقواعد املعلومة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن يعرف الراوي ابلكذب يف كالمه العادي‪ ،‬لكن ِل يظهر منه الكذب يف احلديث النبوي‪.‬‬
‫[ ‪ ] 3‬عالمات احلديث املرتوك‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يكون فيه راو متهم‪ ،‬يعّن‪ِ :‬ل يقطع ِبنه كذاب‪ ،‬لكنه اهتم ولوحظ عليه أنه يكذب يف حديث الناس‪ ،‬وِل ير عليه‬
‫الكذب يف حديث النيب صلى هللا عليه وسلم؛ فلذلك جتنبه العلماء‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن أييت ِبديث َيالف فيه القواعد الشرعية الكلية كالنصوص القطعية يف القرآن أو النصوص القطعية يف السنة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن يكون الراوي الذي يروي هذا احلديث هو راو كثر خطؤه‪ ،‬أو كثرت أوهامه‪ ،‬وغفلته‪ ،‬فكلما حدث ِبديث‬
‫خالف فيه أحاديث الثقات‪ ،‬لذلك يرتك العلماء حديثه‪ ،‬فهو مرتوك‪.‬‬

‫(‪")1‬املصباح املنري"(‪.)74/1‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪" :‬شرح خنبة الفكر"(‪.)28/7‬‬
‫‪106‬‬
‫[ ‪ ] 4‬من أمثلة املرتوك‪:‬‬
‫ضي هللا َعنهُ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أحاديث َعمرو بن مشر َعن جابر َعن ا ْحلا ِرث ْاألَ ْعور عموما‪َ ،‬عن َعلي ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّارقُط ِْين َوغَريمهَا ِيف َع ْمرو‪ :‬إِنهه َمْت ُروك احلَ ِديث‪.‬‬ ‫َّسائي َوالد َ‬
‫ال الن ِ‬
‫قَ َ َ‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا إِبْ َر ِاه ُيم بْ ُن‬
‫اهلِ ُّي‪ ،‬قَ َ‬
‫يب الْب ِ‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َد ُاوُد بْ ُن َشبِ ٍّ َ‬ ‫ُّوس بْ ُن ُحمَ هم ٍّد‪ ،‬قَ َ‬ ‫(‪ )2‬قال ابن ماجه‪َ :‬حدهثَنَا َعْب ُد الْ ُقد ِ‬
‫اَّللِ‬
‫ول ه‬ ‫ات إِب ر ِاهيم ابن رس ِ‬ ‫احلَ َك ُم بْ ُن ُعتَ ْي بَةَ‪َ ،‬ع ْن ِم ْق َس ٍّم‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫ال‪ :‬لَ هما َم َ ْ َ ُ ْ ُ َ ُ‬ ‫اس‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا ْ‬ ‫ُعثْ َما َن‪ ،‬قَ َ‬
‫اش لَ َكا َن ِص ِّدي ًقا نَبِيًّا‪،‬‬ ‫ال‪" :‬إِ هن لَه مر ِضعا ِيف ْ ِ‬
‫اْلَنهة‪َ ،‬ولَ ْو َع َ‬ ‫ُ ُْ ً‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫صلهى َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم َ‬ ‫َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫اس ُِرت هق قِْب ِط ٌّي"‬
‫ط‪َ ،‬وَما ْ‬‫َخ َوالُهُ الْ ِقْب ُ‬
‫تأْ‬ ‫اش لَ َعتَ َق ْ‬
‫َولَ ْو َع َ‬
‫يف إسناده ‪ :‬إبراهيم بن عثمان بن خواسيت أبو شيبة العبسي موَلهم الكويف قاضي واسط‪:‬‬
‫قال أمحد بن حنبل‪ ،‬وحيىي بن معني ‪،‬وأبو داود‪" :‬ضعيف"‪.‬‬
‫وقال الرتمذي‪" :‬منكر احلديث"‪ ,‬وقال النسائي والدوَليب‪" :‬مرتوك احلديث"‪.‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقال أبو حامت‪" :‬ضعيف احلديث سكتوا عنه وتركوا حديثه"‪ .‬وقال اْلومجاين‪ :‬ساقط‬
‫(‪.)3‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪ :‬مرتوك احلديث‬
‫وحدهثَنَا أَبُو ُعبَ ْي َد َة بْ ُن‬ ‫ال حدهثَنَا عب ُد الهرم ِ‬ ‫(‪ )3‬قال ابن ماجه‪َ :‬حدهثَنَا أ ْ‬
‫ال أَنْبَأ ََان ابْ ُن ُجَريْ ٍّج‪ ،‬ح َ‬ ‫هاق‪ ،‬قَ َ‬ ‫َْ‬ ‫ف‪ ،‬قَ َ َ‬ ‫وس َ‬‫َمحَ ُد بْ ُن يُ ُ‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اج بْ ُن ُحمَ هم ٍّد‪ ،‬قَ َ‬
‫وسى بْ ِن‬ ‫َخبَ َرِين إبْ َراه ُيم بْ ُن ُحمَ همد بْ ِن أَِيب َعطَاء‪َ ،‬ع ْن ُم َ‬ ‫ال ابْ ُن ُجَريْ ٍّج أ ْ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ال َحدهثَنَا َح هج ُ‬ ‫أَِيب ال هس َف ِر‪ ،‬قَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يضا َم َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬
‫ي‬‫ات َشه ًيدا‪َ ،‬وُوق َي فْت نَةَ الْ َق ْرب‪َ ،‬و ُغد َ‬ ‫ات َم ِر ً‬‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪َ " :‬م ْن َم َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫َوْرَدا َن‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪ ،‬قَ َ‬
‫ِ (‪.)4‬‬
‫يح َعلَْي ِه بِ ِرْمقِ ِه ِم َن ْ‬
‫اْلَنهة"‬ ‫ِ‬
‫َور َ‬
‫يف إسناده‪ :‬إبراهيم بن حممد بن أيب حيىي وامسه مسعان األسلمي موَلهم أبو إسحاق املدين‪.‬‬
‫قال أمحد‪َ :‬ل يكتب حديثه‪ ،‬ترك الناس حديثه‪،‬كان يروي أحاديث منكرة َل أصل هلا‪ ،‬وكان أيخذ أحاديث الناس‬
‫يضعها يف كتبه‪ .‬وقال بشر بن املفضل‪ :‬سألت فقهاء أهل املدينة عنه فكلهم يقولون‪ :‬كذاب‪.‬‬
‫وقال علي بن املديّن عن حيىي بن سعيد‪ :‬كذاب‪.‬‬
‫(‪.)5‬‬
‫وقال املعطي عن حيىي بن سعيد‪ :‬كنا نتهمه ابلكذب‪ .‬وقال النسائي‪ :‬مرتوك احلديث‬
‫يد‪َ ،‬ع ْن َج ِّدهِ‪،‬‬ ‫اَّللِ بن سعِ ٍّ‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َعْب ُد ه ْ ُ َ‬ ‫يسى قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ص ْف َوا ُن بْ ُن ع َ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َ‬ ‫(‪ )4‬قال ابن ماجه‪َ :‬حدهثَنَا ُع ْقبَةُ بْ ُن ُمكَْرٍّم قَ َ‬
‫(‪.)6‬‬
‫ت‪َ ،‬وا هد ِهنُوا بِِه‪ ،‬فَِإنههُ ُمبَ َارٌك"‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪ُ " :‬كلُوا الهزيْ َ‬
‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ول‪ :‬قَ َ‬ ‫ت أ ََاب ُهَريْ َرَة‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫قَ َ ِ‬
‫ال َمس ْع ُ‬
‫يف إسناده‪ :‬عبد هللا بن سعيد بن أيب سعيد كيسان املقربي أبو عباد الليثي‪.‬‬

‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم َوِذ ْك ِر َوفَاتِِه – رقم (‪.)1511‬‬ ‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬
‫ص َال ِة َعلَى اب ِن رس ِ‬
‫ْ َُ‬ ‫اء ِيف ال ه‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب اْلنائز‪ -‬ابب َما َج َ‬
‫(‪")2‬هتذيب التهذيب" (‪ -)144/1‬رقم(‪.)257‬‬
‫(‪")3‬تقريب التهذيب" (‪ -)92/1‬رقم(‪.)215‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب اْلنائز‪ -‬ابب ما ج ِ‬
‫يضا – رقم (‪)1615‬‬ ‫ات َم ِر ً‬
‫اء ف َيم ْن َم َ‬
‫َ ُ َ ََ‬
‫(‪")5‬هتذيب التهذيب" (‪ -)158/1‬رقم(‪.)284‬‬
‫ت – رقم (‪)3320‬‬ ‫(‪)6‬أخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب األطعمة‪ -‬ابب الهزي ِ‬
‫َ ُ ْ‬
‫‪107‬‬
‫قال أمحد بن حنبل‪ :‬منكر احلديث‪ ،‬مرتوك احلديث‪ .‬وقال الدارقطّن‪ :‬مرتوك ذاهب احلديث‪.‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وقال أبو قدامة عن حيىي بن سعيد‪ :‬جلست إليه جملسا فعرفت فيه يعّن الكذب‪ .‬وقال البخاري‪ :‬تركوه‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪ :‬مرتوك‬
‫[‪ ]5‬رتبة احلديث املرتوك‪ :‬ضعيف جدا‪ ،‬يلي املوضوع مباشرة من حيث درجة الرد‪.‬‬
‫ث ـ ـ ـ ـالـ ـ ـث ـ ـ ـا‪ :‬الـ ــحديث املنكر‬
‫إذا كان سبب الطعن يف الراوي فحش الغلط‪ ،‬أو كثرة الغفلة‪ ،‬أو الفسق‪ ،‬فحديثه يسمى ابملنكر‪.‬‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريفه‪:‬‬
‫املنكر لغة‪ :‬هو اسم مفعول من "اْلنكار" ضد املعروف‪.‬‬
‫والنكرة ضد املعرفة‪ ،‬وقد نكره‪ -‬ابلكسر‪ -‬نكرا‪ ،‬ونكورا ‪ -‬بضم النون فيهما‪ .-‬وأنكره‪ ،‬واستنكره‪ ،‬كله مبعىن‪ ،‬وأنكرته‬
‫إنكارا خالف عرفته (‪..)3‬‬
‫املنكر اصطالحا‪ :‬تطلق النكارة عند املتقدمني على التفرد حَ ولو كان من ثقة‪.‬‬
‫يث اله ِذي يَْن َف ِرُد بِِه الهر ُج ُل‪َ ،‬وََل يُ ْعَر ُ‬
‫ف‬ ‫احلافِ ِظ‪ :‬أَنهه ْ ِ‬
‫احلَد ُ‬ ‫ُ‬
‫ِِ‬
‫َمحَ َد بْ ِن َه ُارو َن الْبَ ْردجي ِّي َْ‬ ‫قال ابن الصالح‪" :‬بَلَغَنَا َع ْن أَِيب بَك ٍّ‬
‫ْر أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْل‪.‬‬ ‫آخَر‪ ،‬فَأَطْلَ َق الْبَ ْرد ِجي ُّي َذل َ‬
‫ك َوَِلْ يُ َف ّ‬ ‫َمْت نُهُ م ْن َغ ِْري ِرَوايَته ََل م َن الْ َو ْجه الهذي َرَواهُ مْنهُ َوََل م ْن َو ْجه َ‬
‫ِ ِ (‪.)4‬‬ ‫احل ْك ِم علَى الته َفُّرِد ِابلهرِد أَ ِو النه َكارِة أَ ِو ُّ ِ‬
‫احلَديث"‬ ‫ود ِيف َك َالِم َكثِ ٍّري ِم ْن أ َْه ِل ْ‬
‫الش ُذوذ َم ْو ُج ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َوإِطْ َال ُق ُْ َ‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪ " :‬وهذا ينبغي التيقظ له‪ ،‬فقد أطلق اْلمام أمحد والنسائي وغري واحد من النقاد لفظ املنكر على‬
‫جمرد التفرد‪ ،‬لكن حيث َل يكون املتفرد يف ومن من حيكم حلديثه ابلصحة بغري عاضد يعضده"‬
‫(‪.)5‬‬

‫( ‪.)6‬‬ ‫ص ُد ِ‬
‫وق من َكراً"‬ ‫الضعيف به‪ .‬وقد يُ َع ُّد ُم ْفَرُد ال ه‬ ‫وقال الذهيب‪" :‬وهو ما انفرد الراوي‬
‫ُ‬
‫( ‪.)7‬‬
‫س ثَِقة َوََل ضابطا"‬ ‫ِِ‬
‫وقال ابن َجاعة‪" :‬قيل‪ُ :‬ه َو َما تفرد به من لَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضابِطًا‪َ ،‬وإِ ْن َِلْ َُيَال ْ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ود‪َ ،‬وَك َذا إِ ْن َِلْ يَ ُك ْن َع ْدًَل َ‬ ‫وقال ابن كثري‪َ " :‬وُه َو َكالشهاذّ إِ ْن َخالَ َ‬
‫ف َرا ِويه الثَّقات فَ ُمْن َكٌر َم ْرُد ٌ‬
‫( ‪.)8‬‬
‫ود"‬
‫فَ ُمْن َكٌر َم ْرُد ٌ‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪ " :‬وأما ما انفرد املستور أو املوصوف بسوء احلفظ أو املضعف يف بعض مشاَيه دون بعض‬
‫بشيء َل متابع له وَل شاهد فهذا أحد قسمي املنكر‪ ،‬وهو الذي يوجد يف إطالق كثري من أهل احلديث‪.‬‬

‫(‪")1‬هتذيب التهذيب" (‪ -)237/5‬رقم (‪.)412‬‬


‫(‪")2‬تقريب التهذيب" (‪ -)306/1‬رقم (‪.)3356‬‬
‫(‪")3‬خمتار الصحاح" (ص‪" ،)319:‬املصباح املنري"(‪)625/2‬‬
‫(‪")4‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)80:‬‬
‫(‪")5‬النكت على كتاب ابن الصالح" (‪.)674/2‬‬
‫(‪")6‬املوقظة" (‪ )42/1‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية ِبلب‪.‬‬
‫(‪")7‬املنهل الروي"(ص‪ )51:‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫(‪")8‬الباعث احلثيث شرح اختصار علوم احلديث"(ص‪ ،)157:‬دار ابن اْلومي للنشر والتوميع‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫وإن خولف يف ذلك‪ ،‬فهو القسم الثاين وهو املعتمد على رأي األكثرين"‬
‫( ‪.)1‬‬

‫ف؛ فالهر ِاج ُح يُ ُ‬ ‫وقال ابن حجر أيضا‪" :‬وإ ْن وقَع ِ‬


‫ت املخالفة مع الض ْهع ِ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫روف"‪ ،‬ومقابلُهُ يقال له‪" :‬املن َكر"‬
‫قال لهُ‪" :‬امل ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ومن خالل ما سبق يتبني لنا أن للمنكر صورتني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫الصورة األوىل‪ :‬احلديث الفرد املخالف الذي يرويه املستور‪ ،‬أو املوصوف بسوء احلفظ‪ ،‬أو املضعف يف بعض شيوخه‬
‫دون بعض‪ ،‬أو بعض حديثه دون بعض‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬احلديث الذي يتفرد به الراوي الضعيف وَل يوجد له أصل من غري طريقه‪ .‬فهذا منكر جملرد تفرد الضعيف‬
‫وإن ِل َيالف‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬أمثلة احلديث املنكر‪:‬‬
‫يك‪َ ،‬ع ْن َسلَ َم َة بْ ِن ُك َهْي ٍّل‪،‬‬ ‫‪:‬حدهثَنَا َش ِر ٌ‬ ‫اعيل بن موسى‪ ،‬قَ َال‪ :‬حدهثَنَا ُحم هم ُد بن عمر ب ِن ُّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الروم ِّي‪ ،‬قَ َال َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا إ ْمسَ ُ ْ ُ ُ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ْم ِة َو َعلِ ٌّي َاببُ َها"‬ ‫ِ‬ ‫هللا صلهى ه ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬أَ َان َد ُار احلك َ‬
‫اِب ِي‪ ،‬عن علِ ٍّي‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال رس ُ ِ‬
‫ول َ‬ ‫َُ‬
‫عن سوي ِد ب ِن َغ َفلَةَ‪ ،‬ع ِن ُّ ِِ‬
‫الصنَ ّ َ ْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُْ ْ‬
‫اِب ِّي َوَلَ‬ ‫يك‪َ ،‬وَِلْ يَ ْذ ُك ُروا فِ ِيه َع ِن ُّ‬
‫الصنَ ِِ‬ ‫يث َعن َش ِر ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ض ُه ْم َه َذا احلَد َ ْ‬ ‫يب ُمْن َكٌر‪َ .‬وَرَوى بَ ْع ُ‬ ‫يث َغ ِر ٌ‬‫وقال الرتمذي‪َ :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫يك‪.‬‬ ‫ات َغ ِْري َش ِر ٍّ‬ ‫يث عن أَح ٍّد ِمن الثَِّق ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَ ْع ِر ُ‬
‫ف َه َذا احلَد َ َ ْ َ َ‬
‫ام بْ ُن‬ ‫ِ‬ ‫س اْل َم َدِينُّ قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َْحي َىي بْ ُن ُحمَ هم ِد بْ ِن قَ ْي ٍّ‬ ‫(‪ )2‬قال ابن ماجه‪ :‬حدهثَنَا أَبو بِ ْش ٍّر بكْر بْن َخلَ ٍّ‬
‫ال‪َ :‬حدهثَنَا ه َش ُ‬ ‫ف قَ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلَلَ َق ِاب ْْلَديد‪ ،‬فَإِ هن‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم‪ُ " :‬كلُوا الْبَ لَ َح ِابلت ْهم ِر‪ُ ،‬كلُوا ْ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ول ه‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت‪ :‬قَ َ‬ ‫ُع ْرَوَة‪َ ،‬ع ْن أَبِيه‪َ ،‬ع ْن َعائ َشةَ‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ِ ِ "(‪.)4‬‬ ‫الشهيطَا َن ي ْغضب‪ ،‬وي ُق ُ ِ‬
‫آد َم‪َ ،‬ح هَ أَ َك َل ا ْخلَلَ َق ِاب ْْلَديد‬ ‫ول بَق َي ابْ ُن َ‬ ‫ْ َ َ ُ ََ‬
‫ف إَِل بِِه‪.‬‬ ‫ال اْل ُع َقْيلِ ُّي‪َ :‬ل يُتَابَ ُع َعلَْي ِه َوَل يُ ْعَر ُ‬‫ْين‪ :‬تَ َفهرَد بِِه أَبُو ُمَك ٍّْري َع ْن ِه َش ٍّام‪ ،‬قَ َ‬‫َّارقُط ِ ُّ‬
‫ال الد َ‬‫قَ َ‬
‫ص ِرهِ‪ :‬إِنههُ َح ِد ٌ‬ ‫ِ‬
‫يث ُمْن َكٌر‬ ‫يب ِيف خمُْتَ َ‬ ‫ال ال هذ َهِ ُّ‬
‫َص َل لَهُ‪َ .‬وقَ َ‬‫ال ابْ ُن حبَّا َن‪َ :‬ل أ ْ‬ ‫َوقَ َ‬
‫(‪.)5‬‬

‫إسحاق َعن‬
‫َ‬ ‫ت امل ْقرئ‪ -‬عن أَيب‬ ‫يب الهزهَي ِ‬ ‫يب ‪ -‬وهو أَخو َمحَزةَ ب ِن َحبِ ٍّ‬ ‫ب ب ِن َحبِ ٍّ‬ ‫حامت‪ِ ،‬من طر ِيق ُحبَ يِّ ِ‬ ‫(‪ )3‬ما رواهُ ابن أَيب ٍّ‬
‫ُ‬
‫صال َة‪ ،‬وآتى الهزكا َة‪،‬‬ ‫َقام ال ه‬ ‫اس رضي هللا عنهما عن النيب صلهى هللاُ عليه وسلم َ‬ ‫ٍّ‬
‫العْي َزار ب ِن ُحَريْث ‪،‬عن اب ِن عبه ٍّ‬
‫"من أ َ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫الضيف َد َخ َل اْلنهةَ"‬
‫َ‬ ‫وصام‪ ،‬وقَ َرى‬ ‫وح هج‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫(‪.)6‬‬
‫إسحاق موقوفاً وهو املعروف‬ ‫َ‬ ‫قات رواهُ عن أيب‬ ‫قال أَبو حامت‪ :‬هو منكر؛ ألَ هن غريه ِمن الثِّ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫الحظ أن‪ :‬النكارة قد تقع يف اْلسناد‪ ،‬وقد تقع يف املنت‪ ،‬إذ التفرد أو املخالفة واردان فيهما‪.‬‬

‫(‪")1‬النكت على كتاب ابن الصالح"(‪.)675/2‬‬


‫(‪")2‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"(ص‪ ،)86:‬مطبعة سفري ابلرَيض‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب املناقب – ابب مناقب علي بن أب طالب رضي هللا عنه– رقم (‪.)3723‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه يف سننه‪ :‬كتاب األطعمة– ابب أكل البلح ابلتمر– رقم (‪.)3330‬‬
‫ستدرك احلَاكم"(‪ )2595/5‬ابن امللقن سراج الدين أبو حفص‬ ‫ِ‬
‫استدراك احلافظ ال ّذهيب على ُم َ‬
‫خمتصر َ‬‫ُ‬ ‫(‪ ")5‬الفوائد اجملموعة" للشوكاين (‪"،)181/1‬‬
‫عمر بن علي بن أمحد الشافعي املصري (املتوى‪804 :‬ه )‪.‬‬
‫(‪")6‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"(ص‪.)86:‬‬
‫‪109‬‬
‫[ ‪ ] 3‬مظان احلديث املنكر‪:‬‬
‫كتب الضعفاء اليت عنيت بذكر ما يؤخذ على الراوي أو بعض ما يؤخذ عليه‪ ،‬مما يندرج حتت أسباب ضعفه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫"الكامل"َلبن عدي‪ ،‬و"الضعفاء"للعقيلي‪ ،‬و"اجملروحني"َلبن حبان‪ ،‬وهي أنفع الكتب يف هذا الباب‪.‬‬
‫[ ‪ ] 4‬الفرق بني املنكر الشاذ‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن الشاذ ما رواه املقبول خمالفا ملا رواه من هو أوىل منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن املنكر ما رواه الضعيف خمالفا ملا رواه الثقة‪.‬‬
‫فيعلم من هذا أهما يشرتكان يف اشرتاط املخالفة‪ ،‬ويفرتقان يف أن الشاذ راويه مقبول‪ ،‬واملنكر راويه ضعيف‪.‬‬
‫اط املخال َف ِة‪،‬‬
‫وجه؛ أل هن بينَ هما اجتِماعاً يف ا ْشِرت ِ‬‫ف هبذا أَ هن بني الشها ِذّ واملْن َك ِر عموماً وخصوصاً ِمن ٍّ‬ ‫وع ِر َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال ابن حجر‪ُ " :‬‬
‫ٍّ‬ ‫ص ُد ْو ٍّق‪ ،‬واملن َكر روايةُ‬ ‫ٍّ‬
‫ضعيف‪ .‬وقد َغ َف َل َم ْن َس ّوى بينَ ُهما"‬ ‫وافرتاقاً يف أن الشا هذ روايةُ ثقة‪ ،‬أ َْو َ‬
‫(‪.)1‬‬

‫[ ‪ ] 5‬رتبة احلديث املنكر‪:‬‬


‫ضعيف جدا‪ ،‬ويلي املرتوك يف شدة الضعف‪.‬‬

‫(‪")1‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"(ص‪.)87:‬‬


‫‪110‬‬
‫ال ـ ـ ــفصـ ــل الـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــادس‬
‫أقـ ـ ــسام احلديـ ـ ـ ــث الض ـ ــعيـ ــف ب ـ ــسبب اختـ ـ ــالل شرط الضـ ـب ـ ــط‬
‫ج‬ ‫[ أوال ] ‪ :‬احل ـ ـ ِـدي ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـث الْم ـ ـ ـ ـُ ْد َر ُ‬
‫[‪ ]1‬تعريفه‪:‬‬
‫أدرجت الكتاب إذا طويتَه‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫املدرج لغة‪ :‬اسم مفعول من "أدرج" الشيء يف الشيء‪ :‬إذا أدخله فيه‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫امليت يف القرب إذا أدخلتَه فيه(‪.)1‬‬
‫أدرجت َ‬
‫ُ‬
‫املدرج اصطالحا‪ :‬هو ما أدخلت فيه مَيدة ليست منه‪ ،‬يف اْلسناد‪ ،‬أو املنت‪.‬‬
‫ت‪.‬‬ ‫اظ ُّ ِ‬ ‫ت ‪ِ ...‬من ب عض أَلْ َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِيف‬ ‫قال صاحب البيقونية‪ :‬والُ ْ‬
‫هصلَ ْ‬
‫الرَواة ات َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫احلديث َما أَتَ ْ‬ ‫مد َر َج ُ‬
‫ومدرج املنت‪.‬‬
‫مدرج اْلسناد‪َ ،‬‬ ‫املدرج قسمان‪َ :‬‬ ‫[ ‪ ] 2‬أقسامه‪َ :‬‬
‫مدرج اإلسناد‪:‬‬ ‫(أوال) َ‬
‫تعريفه‪ :‬هو ما غُِّري سياق إسناده‪.‬‬
‫من صوره‪ :‬أن يسوق الراوي اْلسناد‪ ،‬فيعرض له عارض‪ ،‬فيقول كالما من قبل نفسه‪ ،‬فيظن بعض من مسعه أن ذلك‬
‫الكالم هو منت ذلك اْلسناد ‪ ،‬فريويه عنه كذلك فيتغري سياق اْلسناد‪.‬‬
‫مثال مدرج اإلسناد‪:‬‬
‫ال‪:‬حدهثَنَا َاثبِت بن موسى أَبو ي ِز َيد‪َ ،‬عن َش ِر ٍّ‬ ‫ٍّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ش‪َ ،‬ع ْن‬ ‫يك‪َ ،‬ع ِن ْاأل َْع َم ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُْ ُ َ ُ َ‬ ‫يل بْ ُن ُحمَ همد الطهْلح ُّي قَ َ َ‬ ‫قال ابن ماجه‪َ :‬حدهثَنَا إ ْمسَاع ُ‬
‫ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫أَِيب ُس ْفيَا َن‪َ ،‬ع ْن َجابِ ٍّر‪ ،‬قَ َ‬
‫ص َالتُهُ ِابللهْي ِل َح ُس َن َو ْج ُههُ ِابلن َ‬
‫ِ ( ‪.)2‬‬
‫ههار"‬ ‫ت َ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم َ‬
‫‪":‬م ْن َكثَُر ْ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ني يَ َديْ ِه َوشريك يَ ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫اَّلل ال َقاضي َوالْ ُم ْستَ ْملي بَ ْ َ‬‫وسى الهزاهد دخل َعلَى شريك بْن ُعبَ ْيد ه‬ ‫وأصل القصة أن َاثبت بْن ُم َ‬
‫ال َم ْن‬‫وسى قَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َحدهثَنَا ْاأل َْع َمش َعن أيب ُس ْفيَان َعن َجابِر قَ َ‬
‫ال َر ُسول هللا َوِل يذكر الْ َم ْنت فَ لَ هما نظر إ َىل َاثبت بْن ُم َ‬ ‫ال قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صالتُهُ ِابللهْي ِل حسن و ْج ُههُ ِابلن َ ِ‬
‫وسى أَنههُ َرَوى‬ ‫هها ِر َوإهَّنَا أ ََر َاد بذلك َاثبت بْن ُمو َسى لزهده وورعه فَظن َاثبت بْن ُم َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫َكثَُر ْ‬
‫ش َع ْن أَِيب ُس ْفيَان َع ْن َجابِر‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وعا ِهبَ َذا ِْ‬ ‫ه َذا ْ ِ‬
‫اْل ْسنَاد فَ َكا َن َاثبت حيدث به َع ْن شريك َع ِن ْاأل َْع َم ُ‬ ‫احلَديث َم ْرفُ ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى‬‫من َاثبت بْن ُم َ‬ ‫من َه َذا الْ َو ْجه َو َعن قوم م َن الْ َم ْج ُروحني َسرقُوهُ ْ‬ ‫س هلََذا ا ْحلَديث أصل إِهَل ْ‬ ‫َولَْي َ‬
‫( ‪.)3‬‬

‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫درج املنت‪ :‬ما أدخل يف متنه ما ليس منه بال فصل‪ ،‬مما يؤدي إىل اْليهام ِبنه من كالم النيب‬
‫( اثنيا) ُم َ‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫ات ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫(أ) حديث عائشة يف بدء الوحي‪" :‬وَكا َن َيَْلُو بِغَا ِر ِحر ٍّاء فَي تحنه ُ ِ ِ‬
‫الع َدد قَ ْب َل أَ ْن يَْن ِزعَ‬
‫ايل َذ َو َ‬ ‫هعبُّ ُد‪ -‬الليَ َ‬
‫ث فيه‪َ -‬وُه َو الت َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫إِ َىل أ َْهلِ ِه"‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫اخلََِرب َوُه َو ِم ْن تَ ْف ِس ِري ُّ‬
‫ي َك َما َجَزَم بِه الطّ ِ ُّ‬
‫ييب"‬ ‫الزْه ِر ِّ‬ ‫هعبُّ ُد َه َذا ُم ْد َر ٌج ِيف ْ‬
‫قال ابن حجر‪" :‬قَ ْولُهُ َوُه َو الت َ‬
‫( ‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬راجع‪" :‬خمتار الصحاح" (ص‪" ،)103 :‬املصباح املنري" (‪.)191/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه يف سننه‪ :‬كتاب إقامة الصالة والسنة فيها‪ -‬ابب ما جاء يف قيام الليل– رقم (‪.)1333‬‬
‫(‪" )3‬الآلىلء املصنوعة يف األحاديث املوضوعة"(‪.)30/2‬‬
‫(‪ " )4‬فتح الباري" (‪.)23/1‬‬
‫‪111‬‬
‫ت َسعِ َيد ابْن املسيِّ ِ‬ ‫الزه ِر ِ ِ‬ ‫(ب) قال البخاري‪ :‬حدهثَنا بِ ْشر بن ُحم هم ٍّد‪ ،‬أَخب رَان عب ُد هِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫َ َُ‬ ‫س‪َ ،‬ع ِن ُّ ْ ّ‬
‫ي‪َ ،‬مس ْع ُ‬ ‫َخبَ َرَان يُونُ ُ‬ ‫اَّلل‪ ،‬أ ْ‬ ‫ْ َ َ َْ‬ ‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫َجَر ِان‪َ ،‬واله ِذي نَ ْف ِسي‬ ‫وك ال ه ِ‬
‫صال ِح أ ْ‬
‫اَّللِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم‪ ":‬لِلْعب ِد اململُ ِ‬
‫ول ه َ ُ َ ْ َ َ َ َْ َْ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال أَبُو ُهَريْ َرةَ َر ِض َي ه‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪ :‬قَ َ‬ ‫ول‪ :‬قَ َ‬
‫يَ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫بِي ِدهِ لَوَلَ اْلِهاد ِيف سبِ ِيل هِ‬
‫وك"‬‫وت َوأ ََان ممَْلُ ٌ‬
‫ت أَ ْن أ َُم َ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬واحلَ ُّج َوبُِّر أ ُّمي‪َ ،‬أل ْ‬
‫َحبَ ْب ُ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫َ ْ َُ َ‬
‫فقوله‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ...‬إخل" من كالم أيب هريرة؛ ألنه يستحيل أن يصدر ذلك منه صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه ِل‬
‫ميكن أن يتمىن الرق‪ ،‬وألن أمه ِل تكن موجودة حَ يربها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وك الْمصلِ ِح أ ِ ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س أَِيب ُهَريْ َرَة بِيَده‪ ،‬لَ ْوََل ا ْْل َه ُ‬
‫اد ِيف‬ ‫وقد جاء هذا اْلدراج مبينا يف رواية مسلم‪" :‬ل ْل َعْبد الْ َم ْملُ ُ ْ ْ‬
‫َجَران"‪َ ،‬والذي نَ ْف ُ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫وك"‬
‫وت َوأ ََان ممَْلُ ٌ‬
‫ت أَ ْن أ َُم َ‬
‫َحبَ ْب ُ‬
‫ِ‬ ‫َسبِ ِيل هللاِ‪َ ،‬و ْ‬
‫احلَ ُّج‪َ ،‬وبُِّر أ ُّمي‪َ ،‬أل ْ‬
‫[ ‪ ] 3‬دواعي اإلدراج‪:‬‬
‫داوعي اْلدراج متعددة‪ ،‬أشهرها ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يريد الراوي بيان حكم فيستدل عليه بقول النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وغالبا يكون هذا يف اْلدراج يف أول املنت‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن يريد الراوي استنباط حكم شرعي من احلديث قبل أن يتم احلديث‪ ،‬وهذا قد يكون يف اْلدراج يف وسط املنت‬
‫وقد يكون يف آخر املنت وهو األكثر‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن يريد الراوي تفسري بعض األلفاظ الغريبة يف احلديث النبوي‪ ،‬وكان اْلمام الزهري ممن يفعله‪.‬‬
‫[ ‪ ] 4‬كيف يدرك اإلدراج؟‪ :‬يدرك اْلدراج ِبمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(‪ )1‬ورود احلديث منفصال يف رواية أخرى‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫امسًا‬
‫ني ْ‬ ‫ومثاله‪ :‬ما وقع من بعض الرواة حلديث أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إِ هن هَّلل ت ْس َعةً َوت ْسع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خل اْلَنهةَ "‬
‫اها َد َ َ‬ ‫صَ‬ ‫َح َ‬ ‫مائَةً إِهَل َواح ًدا‪َ ،‬م ْن أ ْ‬
‫( ‪.)3‬‬

‫فأدرج فيه بعضهم سياق األمساء‪ ،‬كما أخرجه الرتمذي ‪ ،‬من طريق الوليد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعيب بن أيب محزة‪ ،‬عن‬
‫اَّللُ اله ِذي ََل إِلَ َه إِهَل‬
‫أيب الزاند‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬مرفوعاً‪ ،‬ماد بعد قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬دخل اْلنة"‪ُ " :‬ه َو ه‬
‫اب‬
‫الوهه ُ‬ ‫ص ِّوُر الغَف ُ‬
‫هار ال َق هه ُار َ‬ ‫ئ املُ َ‬ ‫الع ِز ُيز اْلَبه ُار املتَ َكِّربُ اخلَالِ ُق البَا ِر ُ‬
‫َ‬ ‫ُّوس ال هس َال ُم امل ْؤِم ُن امل َهْي ِم ُن‬‫ُ‬ ‫ك ال ُقد‬ ‫ِ ِ‬
‫ُه َو الهر ْمحَ ُن الهرح ُيم املل ُ‬
‫صري احل َكم الع ْد ُل الله ِطيف اخلبِري احللِ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬
‫الع ِظ ُيم‬ ‫يم‬
‫ُ َُ َ ُ َ‬ ‫ه ُ َ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫الب‬ ‫يع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُّ‬ ‫ذ‬ ‫امل‬ ‫ز‬‫ُّ‬ ‫ع‬ ‫امل‬ ‫ع‬ ‫اف‬‫ر‬ ‫ال‬
‫َ ُ ه ُ‬ ‫ض‬ ‫اف‬ ‫اخل‬ ‫ط‬
‫ُ‬ ‫اس‬ ‫العل ُيم َ ُ َ‬
‫الب‬ ‫ض‬ ‫ِ‬‫ب‬‫ا‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫هاح َ‬‫هاق ال َفت ُ‬ ‫الهرم ُ‬
‫يد الب ِ‬ ‫ظ امل ِقيت احل ِسيب اْللِيل ال َك ِرمي الهرقِيب امل ِجيب الو ِاسع احل ِكيم الود ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الغ ُفور ال هش ُكور ِ‬
‫ث‬‫اع ُ‬ ‫ود املَج ُ َ‬ ‫ُ ُ ُ َ ُ َ ُ َُ ُ‬ ‫العل ُّي ال َكبِريُ احلَفي ُ ُ ُ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫اح ُد‬‫اج ُد الو ِ‬ ‫يد املحيِي امل ِميت احلي ال َقيُّوم الوا ِج ُد امل ِ‬ ‫ئ املعِ ُ‬ ‫صي املْب ِد ُ‬ ‫يد املح ِ‬ ‫يل احلَ ِم ُ‬ ‫الوِ ُّ‬ ‫ني‬ ‫ي املتِ‬ ‫يل ال َق ِو ُّ‬ ‫يد احل ُّق الوكِ‬ ‫ال هش ِه ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُِ ِ ُ ِ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وف مالِ‬ ‫ء‬‫ر‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫الع‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ق‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫امل‬ ‫اب‬ ‫و‬ ‫الت‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫الب‬ ‫ِ‬
‫ايل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫امل‬ ‫ِ‬
‫ايل‬ ‫الو‬ ‫ن‬ ‫اط‬ ‫الب‬ ‫ر‬‫اه‬ ‫ه‬
‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫اآلخ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫َو‬
‫ه‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫امل‬ ‫ص َم ُد ال َق ِاد ُر امل ْقتَ ِد ُر امل َق ّد ُم‬
‫ال ه‬
‫ُ َ ُ َ َ َ َ َ ُّ ه ُ ْ َ ُ َ ُ ُّ ه ُ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور‬
‫صبُ ُ‬
‫يد ال ه‬ ‫الوا ِر ُ‬
‫ث ال هرش ُ‬ ‫يع البَاقي َ‬
‫ُّور اهلَادي البَد ُ‬ ‫ّن املغْ ِّن املان ُع الض ُّ‬
‫هار النهاف ُع الن ُ‬ ‫امللْك ذُو اْلََالل َوا ِْل ْكَرام‪ ،‬امل ْقس ُ‬
‫ط اْلامع الغَِ‬
‫"( ‪.)4‬‬

‫َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِل تفصل فيه هذه الزَيدة عن احلديث‪ ،‬مما ظنه بعض الناس يف مجلة احلديث‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب العتق– ابب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده – رقم (‪.)2548‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب العتق– ابب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده – رقم (‪.)2548‬‬
‫وم ِمن ِاَل ْشِرت ِ‬
‫اط َوالث ُّْن َيا ِيف ا ِْل ْق َرا ِر‪ – .....،‬رقم (‪.)2736‬‬‫َ‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الشروط– ابب َما َجيُ ُ َ‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الدعوات– ابب – رقم(‪.)3507‬‬
‫‪112‬‬
‫وهو عند البخاري وغريه‪ ،‬عن أيب اليمان عن شعيب‪ ،‬دون ذكرها‪ ،‬وكذلك رواه سفيان بن عيينة عن أيب الزاند‪ ،‬دوها‪،‬‬
‫ومن غري وجه عن أيب هريرة بدوها أيضاً‪.‬‬
‫والدليل على أها مدرجة ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي إبسناد آخر للوليد بن مسلم‪.‬‬
‫قال عثمان‪ :‬حدثنا هشام بن عمار‪ ،‬قال‪:‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا خليد بن دعلج‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن حممد بن‬
‫سريين‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬هلل تسعة وتسعني امساً‪ ،‬من أحصاها كلها دخل اْلنة"‪.‬‬
‫زاد بعده‪ :‬قال هشام (يعّن ابن عمار)‪ :‬وحدثنا الوليد بن مسلم‪ ،‬حدثنا سعيد بن عبد العزيز‪ ،‬مثل ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬كلها يف‬
‫"( ‪.)1‬‬
‫القرآن‪ ،‬هو هللا الذي َل إله إَل هو‪ ،‬فساق األمساء‬
‫فدل هذا على أن الوليد كان حيدث ابحلديث املرفوع إبسنادين‪ ،‬وكان يدرج فيه األمساء مما أخذه عن سعيد بن عبد العزيز قوله‪.‬‬
‫لكن جيب أن تعلم أن كشف مثل هذه العلة ليس مما يتهيأ بيسر‪ ،‬بل هو صورة من الصور اخلفية لعلل احلديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬التنصيص عليه من بعض األئمة املطلعني‪.‬‬
‫(‪ )3‬إقرار الراوي نفسه أنه أدرج هذا الكالم‪.‬‬
‫ات َوُه َو َل يُ ْش ِرُك ِاب هَّللِ شيئا دخل اْلنة‪ ،‬ومن‬
‫مثل‪ :‬حديث ابن مسعود عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬قال من َم َ‬
‫ات يُ ْش ِرُك ِاب هَّللِ َشْي ئًا َد َخ َل النار"‪.‬‬
‫َم َ‬
‫اش إبسناده ووهم فيه‪ ،‬فقد رواه األسود بن عامر وغريه َع ْن‬ ‫ي َع ْن أَِيب بَ ْك ِر بْ ِن َعيه ٍّ‬‫اْلَبها ِر الْ ُعطَا ِرِد ُّ‬
‫َمحَ ُد بْ ُن َعْب ِد ْ‬
‫هكذا رواه أ ْ‬
‫اَّللُ عليه وسلم‪ :‬من جعل هلل عز وجل ندا دخل النار‪ ،‬وأخرى أقوهلا وِل‬ ‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬ ‫أَِيب بَ ْك ِر بْ ِن َعيه ٍّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫اش بلفظ‪" :‬قَ َ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫ات َل َْجي َع ُل ِهَّللِ نِدًّا أدخله اْلنة"‬
‫أمسعها منه صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من َم َ‬
‫ومما يؤكد أهنا مدرجة ما جاء يف رواية أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫ت َعْب َد هللاِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫قال أمحد‪ :‬حدهثَنَا ابن َُّنَ ٍّري‪ ،‬حدهثَنَا ْاأل َْعمش‪ ،‬عن َش ِق ٍّيق‪ ،‬قَ َ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫ال‪َ :‬مس ْع ُ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫ُْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم يَ ُق ُ‬ ‫َكلِمةً‪ ،‬وقُ ْلت أُخرى‪َِ ،‬مسعت رس َ ِ‬
‫هار"‪.‬‬‫ات َوُه َو يُ ْش ِرُك ابهلل َشْي ئًا‪َ ،‬د َخ َل الن َ‬
‫ول‪َ " :‬م ْن َم َ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ْ ُ َُ‬ ‫َ َ ُ َْ‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫ات َوُه َو ََل يُ ْش ِرُك ِابهللِ َشْي ئًا‪َ ،‬د َخ َل ْ‬
‫اْلَنهةَ‬ ‫ت أ ََان‪َ " :‬م ْن َم َ‬
‫َوقُلْ ُ‬
‫( ‪.)4‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪ ":‬فهذا كالذي قبله يف اْلزم بكونه مدرجا"‬
‫(‪ )4‬استحالة كونه صلى هللا عليه وسلم يقول ذلك‪:‬‬
‫اَّللِ َو ْ‬
‫احلَ ُّج‬ ‫اد ِيف َسبِ ِيل ه‬ ‫ِ‬ ‫صالِ ِح أ ِ ِ‬
‫َجَران‪َ ،‬والهذي نفسي بيده لوَل ا ْْل َه ُ‬
‫ْ‬
‫مثل‪ :‬حديث أيب هريرة رضي هللا عنه‪":‬لِْلعب ِد اْلمملُ ِ‬
‫وك ال ه‬ ‫َْ َ ْ‬
‫"( ‪.)5‬‬
‫وبر أمي ألحببت أموت وأان مملوك‬

‫يد فِيما افْ ت رى علَى ِ‬


‫اْله ِم ِي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫هللا ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬ ‫العن ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ض ا ِْل َمام أَِيب َسعيِد ُعثْ َما َن بْ ِن َسعيِد َعلَى املَِريْس ِّي َْ ْ ّ َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي يف"نَ ْق ُ‬
‫يد"‪( ،‬ص‪ ،)56 :‬رقم( ‪ ،)15‬املكتبة اْلسالمية للنشر والتوميع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫ِمن التهوِح ِ‬
‫َ ْ‬
‫(‪ " )2‬الفصل للوصل املدرج يف النقل"(‪ )29/1‬للخطيب البغدادي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد يف مسنده‪ -)136/7( :‬رقم (‪.)4043‬‬
‫(‪")4‬النكت على كتاب ابن الصالح" أمحد بن حجر العسقالين (‪.)814/2‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب العتق– ابب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده – رقم (‪.)2548‬‬
‫‪113‬‬
‫صلهى ه‬
‫اَّللُ عليه وسلم ألمرين‪:‬‬ ‫ول هِ‬ ‫فهذا الكالم األخري ‪ -‬والذي نفسي بيده ‪ -‬يستحيل أضافته إِ َىل رس ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َُ‬
‫(‪ )1‬أنه ميتنع أن يتمىن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يصري مملوكا‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬أن أمه صلى هلل عليه وسلم توفيت وهو صغري‪ ،‬فلم يكن له أم يربها‪ ،‬فتعني أن يكون هذا من كالم أيب هريرة‪ ،‬وقد‬
‫موضحا يف الطريق اآلخر للحديث‪.‬‬
‫ً‬ ‫جاء ذلك‬
‫[ ‪ ] 5‬حكم اإلدراج‪:‬‬
‫اْلدراج حرام إبمجاع العلماء‪ ،‬من احملدثني‪ ،‬والفقهاء‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ط الْع َدالَةِ‪ ،‬وِممهن ُحي ِر ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف الْ َكل َم َع ْن َم َواضعه‪َ ،‬وُه َو ُملْ َح ٌق ِابلْ َك هذابِ َ‬
‫ني"‬ ‫اج فَ ُه َو َساق ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫قال السمعاين‪َ :‬‬
‫"م ْن تَ َع هم َد ْاْل ْد َر َ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫َ ْ َّ‬
‫وأما ما وقع من الراوي خطأ من غري عمد‪ ,‬فإن كان قليال فال حرج عليه إَل إن كثر خطؤه فيكون جرحا وطعنا يف ضبطه‬
‫وإتقانه أما اْلدراج لتفسري شيء من معىن احلديث ففيه تسامح‪ ،‬ولذلك فعله الزهري وغري واحد من األئمة واألوىل أن‬
‫ينص الراوي على بيانه‪.‬‬
‫ِ ( ‪.)2‬‬ ‫وم تَ َع ُّم ُد َشي ٍّء ِمن ِْ‬
‫"و ْاعلَ ْم أَنههُ ََل َجيُ ُ‬
‫اْل ْد َر ِاج الْ َم ْذ ُكور"‬ ‫ْ َ‬ ‫وقال ابن الصالح‪َ :‬‬
‫لكن جيب التفصيل يف ذلك؛ أبن يقال‪ :‬إذا كان يف اْلدراج إثبات حكم شرعي‪ ،‬وإيهام أنه مرفوع إىل النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فهو حرام‪ .‬أما إذا كان اْلدراج وقع تفسريا لبعض األلفاظ الغريبة يف احلديث؛ مثل لفظة التحنث ابلتعبد‪،‬‬
‫وكذلك تفسري الشغار‪ ،‬واحملاقلة‪ ،‬واملزابنة‪ ،‬والزعيم‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فإن األمر يف ذلك أهون؛ ألنه تفسري من الراوي‪ ،‬والراوي‬
‫أعرف بتفسري ما روى‪ ،‬وتوهم رفعه إىل النيب صلى هللا عليه وسلم َل يرتتب عليه حكم شرعي‪.‬‬
‫[ ‪ ] 6‬أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫(‪" )1‬الفصل للوصل املدرج يف النقل" للخطيب البغدادي‪ ،‬وقد احتوى على مائة وأحد عشر حديثا‪.‬‬
‫(‪" )2‬تقريب املنهج برتتيب املدرج" َلبن حجر‪ ،‬وهو تلخيص لكتاب اخلطيب‪ ،‬ومَيدة عليه‪.‬‬
‫فرتبه على األبواب مث اختصر أسانيده مث استدرك عليه ما فاته من األحاديث املدرجة وبلغت قدره مرتني أو أكثر‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ ... " :‬وقد خلصته ورتبته على األبواب واملسانيد‪ ،‬ومدت على ما ذكره اخلطيب أكثر من القدر الذي‬
‫ذكره‪ ،‬مث قال‪ :‬وامسه تقريب املنهج برتتيب املدرج أعان هللا على تكميله وتبيضه إنه على كل شيء قدير"‪.‬‬
‫ْم ْد َرج" للسيوطي‪ ،‬خلصه السيوطي من تقريب املنهج برتتيب املدرج للحافظ ابن حجر‪ ،‬إَل أنه‬
‫(‪ ")3‬ال َْم ْد َرج إىل ال ُ‬
‫اقتصر فيه على مدرج املنت دون مدرج اْلسناد‪.‬‬
‫ْم ْد َرج" للغماري‪.‬‬
‫(‪" )4‬تسهيل ال َْم ْد َرج إىل ال ُ‬
‫قصد السيد عبد العزيز الغماري إىل كتاب املدرج إىل املدرج فرتبه على املسانيد‪ ،‬ورتب املسانيد على حروف املعجم‪.‬‬

‫(‪")1‬تدريب الراوي" (‪.)322/1‬‬


‫(‪")2‬مقدمة ابن الصالح" (‪.)98/1‬‬
‫‪114‬‬
‫[ اثنيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ] ‪ :‬احل ـ ـ ـ ـ ـ ـدي ـ ـ ـ ـث الْم ـ ـ ـ ـ ـ ــَْقلُ ـ ـ ـ ـوب‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬هو اسم مفعول‪ ،‬من "القلب" وهو‪ :‬حتويل الشيء عن وجهه‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قال الفيومي‪" :‬قَ لَْب تُهُ قَ ْلبا ِمن اب ِ‬
‫ت ِ‬
‫الرَداءَ َح هولْتُهُ‬
‫وف َع ْن َو ْجهه َوقَ لَْب ُ ّ‬ ‫ص ُر ٌ‬ ‫وب َم ْ‬ ‫ب َح هولْتُهُ َع ْن َو ْج ِهه َوَك َال ٌم َم ْقلُ ٌ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ب َ‬ ‫ً ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجع ْلت أ َْع َاله أَس َفلَه وقَ لَبت الش ِِ ِ‬
‫ت ْاأل َْمَر ظَ ْهًرا لبَطْ ٍّن ْ‬
‫اختَ بَ ْرتُهُ‬ ‫ت َداخلَهُ َوَابطنَهُ َوقَ لَْب ُ‬ ‫هحتُهُ فَ َرأَيْ ُ‬
‫صف ْ‬
‫ضا تَ َ‬ ‫هيءَ لالبْتيَ ِاع قَ ْلبًا أَيْ ً‬
‫ُ ْ َُ ُْ ْ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫{وقَلهبُوا لَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اع ِة وقَلهْب ُ ِ ِ ِ ِ‬ ‫وقَ لَبت ْاألَر ِ‬
‫ور} [التوبة‪. ]48 :‬‬ ‫ك األ ُُم َ‬ ‫ت ابلته ْشديد يف الْ ُك ِّل ُمبَالَغَةٌ َوتَكْثريٌ َويف الته ْن ِز ِيل َ‬ ‫ض ل ِّلزَر َ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ ُْ ْ َ‬
‫اصطالحا‪ :‬إبدال لفظ آبخر‪ ،‬يف سند احلديث‪ ،‬أو متنه‪ ،‬بتقدمي‪ ،‬أو َتخري‪ ،‬وحنوه‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬أقسامه‪ :‬ينقسم املقلوب إىل قسمني رئيسيني‪،‬مها‪ :‬مقلوب السند‪ ،‬ومقلوب املنت‪.‬‬
‫(األول) مقلوب السند‪:‬‬
‫وهو ما وقع اْلبدال يف سنده‪ ،‬سواء عن قصد أو عن غري قصد‪ ،‬سهواً أو عمداً‪ ،‬والعمد يشبه الوضع‪ ،‬لكن قد يكون‬
‫العمد لقصد اْلغراب‪ ،‬وهذا فيه تدليس‪ ،‬ويدخل يف الكذب‪.‬‬
‫وله صوراتن‪:‬‬
‫(األوىل)‪ :‬أن يقدم الراوي ويؤخر يف اسم أحد الرواة‪ ،‬واسم أبيه؛ كحديث مروي عن "كعب بن مرة" فريويه الراوي عن‬
‫"مرة بن كعب"‪ ،‬أو يروي عن عيينة بن حصن فيقول‪ :‬حصن بن عيينة‪.‬‬
‫(الثانية)‪ :‬أن يبدل الراوي شخصا آبخر‪ ،‬بقصد اْلغراب؛ كأن يكون احلديث قد اشتهر بني الناس من رواية ساِل ابن‬
‫عبد هللا عن ابن عمر رضي هللا عنهما ‪ ،‬فيأيت آخر يغرب على الناس‪ ،‬حَ يلتف حوله الناس لريووه عنه‪ ،‬فيأيت هبذا‬
‫احلديث من رواية انفع عن ابن عمر َل من رواية ساِل عن ابن عمر‪.‬‬
‫ومثل أن يكون احلديث مشهورا عن عمرو بن دينار ‪ ،‬فيجعله عن عبد هللا بن دينار‪.‬‬
‫وهذا حمرم ابْلمجاع‪ .‬وممن كان يفعل ذلك من الرواة "محاد بن عمرو النصييب"‪.‬‬
‫مثاله‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ش‪،‬‬ ‫ييب‪َ ،‬ع ِن ْاأل َْع َم ِ‬ ‫اد بْ ُن َع ْم ٍّرو النهص ِ ُّ‬
‫قال العقيلي‪َ :‬وم ْن َحديثه َما َحدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن َع ْم ِرو بْ ِن َخالد‪َ ،‬حدهثَنَا أَِيب‪َ ،‬حدهثَنَا َمحه ُ‬
‫وه ْم ِابل هس َالِم َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هيب َعلَْي ِه ال هس َال ُم قَ َ‬ ‫عن أَِيب ِ‬
‫اضطَُّروُه ْم‬ ‫ني ِيف طَ ِر ٍّيق فَ َال تَْب َدءُ ُ‬‫ال‪" :‬إِذَا لَقيتُ ُم الْ ُم ْش ِرك َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صال ٍّح‪َ ،‬ع ْن أَيب ُهَريْ َرةَ‪َ ،‬عن الن ِّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫صالِ ٍّح َع ْن أَبِ ِيه َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ َح هدثَِّن أ ْ‬
‫َمحَ ُد‬ ‫يث ُس َهْي ِل بْ ِن أَِيب َ‬
‫ِ‬
‫ش إِهَّنَا َه َذا َحد ُ‬ ‫يث ْاأل َْع َم ِ‬ ‫ظ ه َذا ِمن ح ِد ِ‬
‫َضيَق َها" َوََل ُْحي َف ُ َ ْ َ‬
‫إِ َىل أ ْ ِ‬
‫ٍّ "( ‪.)2‬‬ ‫ت لِيَ ْحىي بْن معِ ٍّ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫بن حمم ٍّ‬
‫س بِ َش ْيء‬‫ييب قَ َال‪ :‬لَْي َ‬
‫ِ‬
‫اد بْ ُن َع ْم ٍّرو النهص ِ ُّ‬
‫ني‪َ :‬محه ُ‬ ‫ي‪َ ،‬حدهثَنَا ُعثْ َما ُن بْ ُن َسعيد‪ .‬قَ َال‪ :‬قُلْ ُ َ َ َ‬ ‫ود ا ْهلََرِو ُّ‬ ‫ْ ُ َْ ُ‬
‫وهذا النوع من القلب هو الذي يطلق على راويه أنه يسرق احلديث‪.‬‬
‫(الثاين) مقلوب املنت‪ :‬وهو ما وقع اْلبدال يف متنه‪ ،‬وله صوراتن أيضا‪:‬‬
‫(األوىل) ‪ :‬أن يقدم الراوي ويؤخر يف بعض منت احلديث‪.‬‬

‫(‪" )1‬املصباح املنري"(‪.)512/2‬‬


‫(‪")2‬الضعفاء الكبري للعقيلي" (‪.)308/1‬‬
‫‪115‬‬
‫ومثاله‪:‬‬
‫ال مهي ر‪ :‬حدهثَنا َحيىي بن سعِ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫يد‪َ ،‬ع ْن‬ ‫قال مسلم‪َ :‬ح هدثَِّن ُمَهْي ُر بْ ُن َح ْرب‪َ ،‬وُحمَ هم ُد بْ ُن الْ ُمثَ هىن‪َ ،‬مج ًيعا َع ْن َْحي َىي الْ َقطهان‪ ،‬قَ َ ُ َ ْ ٌ َ َ ْ َ ْ ُ َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُعبَ ْي ِد هللاِ‪ ،‬أ ْ ِ‬
‫هيب َ‬ ‫ب بْ ُن َعْبد الهر ْمحَن‪َ ،‬ع ْن َح ْفص بْن َعاصم‪َ ،‬ع ْن أَيب ُهَريْ َرةَ‪َ ،‬عن الن ِّ‬ ‫َخبَ َرين ُخبَ ْي ُ‬
‫اج ِد‪،‬‬‫اب نَشأَ بِعِبادةِ هللاِ‪ ،‬ورجل قَ ْلبه معلهق ِيف الْمس ِ‬
‫ََ‬ ‫ََ ُ ٌ ُ ُ ُ َ ٌ‬
‫ِ‬
‫ام الْ َعاد ُل‪َ ،‬و َش ٌّ َ َ َ‬ ‫‪":‬سْب َعةٌ يُ ِظلُّ ُهم هللاُ ِيف ِظلِّ ِه يَ ْوَم ََل ِظ هل إِهَل ِظلُّهُ‪ِْ :‬‬
‫اْل َم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال َ‬ ‫قَ َ‬
‫ب َو َمجَ ٍّال‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫هللا اجتَمعا علَي ِه وتَ َفهرقَا علَي ِه‪ ،‬ورجل دعْته امرأَةٌ ذَات مْن ِ‬ ‫ورج َال ِن َحت هااب ِيف ِ‬
‫اف هللاَ‪َ ،‬وَر ُج ٌل‬ ‫َخ ُ‬ ‫ال‪ :‬إِِّين أ َ‬ ‫ص ٍّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ ََ ُ ٌ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ْ ََ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هق بِ ٍّ‬
‫ت َعْي نَاهُ"‬ ‫اها َح ََّّت َال تَـ ْعلَ َم َميِينُهُ َما تُـ ْنف ُق مشَالُهُ‪َ ،‬وَر ُج ٌل ذَ َكَر هللاَ َخاليًا‪ ،‬فَ َف َ‬
‫اض ْ‬ ‫ص َدقَة فَأَ ْخ َف َ‬
‫صد َ َ‬ ‫تَ َ‬
‫فقوله‪" :‬ورجل تصدق بصدقة‪ ،‬فأخفاها؛ حَ َل تعلم ميينه ما تنفق مشاله"‪:‬‬
‫فهذا مما انقلب على بعض الرواة‪ ،‬وإَّنا هو‪" :‬حَّت ال تعلم مشاله ما تنفق ميينه"‪.‬‬
‫(الثانية)‪ :‬أن جيعل الراوي منت هذا احلديث على إسناد آخر‪ ،‬وجيعل إسناده ملنت آخر‪ ،‬وذلك بقصد اَلمتحان وغريه‪.‬‬
‫مثاله‪:‬‬
‫وسف بن‬ ‫احل هجاج الْمزي أَن يُ ُ‬ ‫اللؤلُ ِؤي فِ َيما قَ َرأت َعلَْيهِ َعن ا ْحلَافِظ أيب ْ‬ ‫َمحد بن عمر ْ‬ ‫قال احلافظ ابن حجر‪َ :‬‬
‫أخربان أ ْ‬
‫دثّن ُحمَ همد بن أيب ا ْحلسن الساحلي ثَنَا‬ ‫اخلَ ِطيب َح ِ‬ ‫صور الْ َقزام أَان أَبُو بكر ْ‬ ‫ِِ‬
‫ي أَان أَبُو َمْن ُ‬‫يَ ْع ُقوب أخربهُ أَان أَبُو الْيمن الْكْند ّ‬
‫ي قدم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي َِمسعت أ ََاب أ ْ‬ ‫ِ‬
‫َمحد بن عدي يَ ُقول َمسعت عدهة َم َشايخ يَ ُقولُو َن إن ُحمَ همد ابْن إ ْمسَاعيل البُ َخار ّ‬ ‫احلسن الهرام ّ‬ ‫َمحد بن ْ‬ ‫أْ‬
‫تمعوا وعمدوا إِ َىل مائَة َح ِديث فقلبوا متوها وأسانيدها وجعلُوا منت َه َذا ِْ‬
‫اْل ْسنَاد‬ ‫اج ُ‬
‫ِ‬
‫َص َحاب احلَديث فَ ْ‬
‫ِ‬
‫بَ ْغ َداد فَسمع بِه أ ْ‬
‫َ‬
‫إِسناد آخر وإسناد ه َذا الْمنت ملنت آخر ودفعوها إِ َىل عشرة أنفس لكل رجل عشرة أ ِ‬
‫مجلس‬ ‫ض ُروا الْ ْ‬ ‫وه ْم إِذا َح َ‬ ‫أمر ُ‬
‫َحاديث َو ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫ريها َومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسان َو َغ َ‬ ‫اعة من الغرابء من أهل ُخَر َ‬ ‫مجلس مجَ َ‬ ‫ضَر اْل ْ‬
‫ي َوأخ ُذوا اْلموعد للمجلس فَ َح َ‬ ‫أَن ي ْلقوا َذلك على البُ َخار ّ‬
‫ي ََل‬ ‫ِ‬
‫ال البُ َخار ّ‬ ‫َح ِاديث فَ َق َ‬ ‫ك ْاأل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجلس ِب َْهله انتدب رجل من اْلع ْشَرة فَ َسأَلَهُ َعن َحديث من ت ْل َ‬ ‫البغداديني فَلَ هما اطْ َمأَن اْل ْ‬
‫ي يَ ُقول ََل أعرفهُ فَ َكا َن اْل ُف َق َهاء ِممهن حضر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أعرفهُ فَ َما َم َال يلقي َعلَْيه َواح ًدا بعد َواحد َح هَ فرغ من عشرته َواْلبُ َخار ّ‬
‫ِ‬
‫صري‬ ‫ضي على البخا ِري ِابْلعج ِز والته ْق ِ‬ ‫اْلمجلس ي ْلتَفت بعضهم إِ َىل بعض وي ُقولُو َن فهم الرجل ومن َكا َن ِمْن هم غري َذلِك ي ْق ِ‬
‫َُ ّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ََل أعرفهُ فَ َسأَلَهُ‬ ‫ال البُ َخار ّ‬ ‫َحاديث املقلوبة فَ َق َ‬ ‫ك ْاأل َ‬ ‫َوقلة اْل َفهم مثه انتدب رجل آخر من اْلع ْشَرة فَ َسأَلَهُ َعن َحديث من ت ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي يَ ُقول ََل أعرفهُ مثه انتدب لَهُ‬ ‫ال ََل أعرفهُ فَلم يزل يلقي َعلَْيه َواح ًدا بعد َواحد َح هَ فرغ من عشرته َواْلبُ َخار ّ‬ ‫َعن آخر فَ َق َ‬
‫ي ََل يزيدهم على ََل أعرفهُ فَلَ هما علم‬ ‫ِ‬ ‫الثهالِث والهرابِع إِ َىل َمتام اْلع ْشرة ح هَ فرغوا كلهم من ْاأل ِ‬
‫َحاديث املقلوبة َواْلبُ َخار ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫صوابه َك َذا وحديثك الث ِ‬
‫هاين فَ ُه َو َك َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي أَهم قد فرغوا اْلتفت إِ َىل األول مْن ُهم فَ َق َ‬ ‫ِ‬
‫ال أما َحديثك األول فَ ُه َو َك َذا َو َ َ‬ ‫البُ َخار ّ‬
‫َوالثهالِث َوالهرابِع على اْل َوََلء َح هَ أَتَى على َمتام اْلع ْشَرة فَرد كل منت إِ َىل إِ ْسنَاده وكل إِ ْسنَاد إِ َىل َمتنه َوفعل ابآلخرين مثل‬
‫ض ِل‪.‬‬‫كلها إِ َىل أسانيدها وأسانيدها إِ َىل متوها فَأقر النهاس لَهُ ِاب ْحلِْف ِظ وأذعنوا لَهُ ِابْل َف ْ‬ ‫َذلِك ورد متون ْاأل ِ‬
‫َحاديث َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اخلَطَأ إِ َىل ال ه‬ ‫ِ‬
‫ص َواب بل الْعجب من حفظه للخطأ على تَ ْرتيب َما ألقوه‬ ‫ي فَ َما الْعجب من رده ْ‬ ‫قلت‪ُ :‬هنَا خنضع ل ْلبُ َخار ّ‬
‫( ‪.)1‬‬ ‫علَي ِه من مرة و ِ‬
‫اح َدة"‬ ‫ّ َ‬ ‫َْ‬

‫(‪ ")1‬تغليق التعليق" َلبن حجر (‪.)414/5‬‬


‫‪116‬‬
‫األسباب احلاملة على القلب‪:‬‬
‫ختتلف األسباب اليت حتمل بعض الرواة على القلب‪ ،‬وهذه األسباب هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬قصد اْلغراب؛ لريغب الناس يف رواية حديثه‪ ،‬واألخذ عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬قصد اَلمتحان‪ ،‬والتأكد من حفظ احمل ِّدث‪ ،‬ومتام ضبطه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الوقوع يف اخلطأ والغلط من غري قصد‪.‬‬
‫حكم القلب‪:‬‬
‫َيتلف حكم القلب ِبسب السبب احلامل عليه‪:‬‬
‫(‪ ) 1‬فإن كان القلب بقصد اْلغراب‪ ،‬فال شك يف أنه َل جيوم‪ ،‬ألن فيه تغيريا للحديث‪ ،‬وهذا من عمل الوضاعني‪.‬‬
‫(‪ )2‬وإن كان بقصد اَلمتحان‪ ،‬فهو جائز؛ للتثبت من حفظ احمل ِّدث وأهليته‪ ،‬وهذا بشرط أن يبني الصحيح قبل‬
‫انفضاض اجمللس‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬وإن كان عن خطأ وسهو‪ ،‬فال شك يف أن فاعله معذور يف خطئه‪ ،‬لكن إذا كثر ذلك منه فإنه َيل بضبطه‪ ،‬وجيعله‬
‫ضعيفا‪.‬‬
‫حكم احلديث املقلوب‪:‬‬
‫ضعيف مردود‪ ،‬كما هو معلوم؛ وذلك ألنه خمالف لرواية الثقات‪ ،‬ومنشأ الضعف فيه قلة الضبط‪ ،‬ملا يقع فيه من تقدمي‬
‫وَتخري واستبدال شيء بشيء‪ ،‬وهو فوق ذلك َيل بفهم السامع وحيمله على اخلطأ‪.‬‬
‫أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫كتاب"رافع اَلرتياب‪ ،‬يف املقلوب من األمساء واأللقاب" للخطيب البغدادي‪ ،‬والظاهر من اسم الكتاب أنه خاص بقسم‬
‫املقلوب الواقع يف السند فقط‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ض ـ ـ ـطَ ِر ُ‬
‫ب‬ ‫[ اثلثا ]‪ :‬احلـ ـ ـديـ ـ ـ ـث الْم ـ ـ ـُ ْ‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬هو اسم فاعل‪ ،‬من "اَلضطراب" وهو اختالل األمر وفساد نظامه‪ ،‬وأصله من اضطراب املوج‪ ،‬إذا كثرت حركته‪،‬‬
‫وضرب بعضه بعضا‪.‬‬
‫ضطَ ِرًاب‬‫ف لَهُ‪َ ،‬وإِهَّنَا نُ َس ِّم ِيه ُم ْ‬ ‫آخر ُخمَالِ ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫اصطالحا‪ :‬هو اله ِذي َختْتلِف ِ ِ ِ‬
‫الرَوايَةُ فيه فَيَ ْرِويه بَ ْع ُ‬
‫ض ُه ْم َعلَى َو ْجه َ َ‬ ‫ض ُه ْم َعلَى َو ْجه َوبَ ْع ُ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫َُ‬
‫الرواي تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪.‬‬ ‫إذَا تَ َس َاوت َِّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ي َعْنهُ‪ ،‬أ َْو َغْي َر ذَل َ‬ ‫ص ْحبَةً ل ْل َم ْرِو ِّ‬ ‫ث ََل تُ َقا ِوُم َها ْاألُ ْخَرى ِِبَ ْن يَ ُكو َن َرا ِو َيها أ ْ‬
‫َح َف َظ‪ ،‬أ َْو أَ ْكثَ َر ُ‬ ‫اَهَا ِِبَْي ُ‬
‫ت إِ ْح َد ُ‬ ‫أَهما إِذَا تَ َر هج َح ْ‬
‫ف الْم ْ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍّ‬ ‫احلك ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن وجوهِ التهرِج ِ‬
‫ْمهُ‪ .‬مثُه قَ ْد يَ َق ُع‬ ‫ضطَ ِرب َوََل لَهُ ُحك ُ‬ ‫ص ُ ُ‬ ‫ْم للهراج َحة‪َ ،‬وََل يُطْلَ ُق َعلَْيه حينَئذ َو ْ‬ ‫يحات الْ ُم ْعتَ َم َدة‪ ،‬فَ ُْ ُ‬ ‫ْ ُُ ْ َ‬
‫ٍّ( ‪.)1‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫اْلسنَ ِاد‪ ،‬وقَ ْد ي َقع ذَلِ ِ‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫اب ِيف َم ْ ِ‬ ‫ِاَل ْ ِ‬
‫اعة‬‫ني ُرَواة لَهُ َمجَ َ‬ ‫ك م ْن َر ٍّاو َواحد‪َ :‬وقَ ْد يَ َق ُع بَ ْ َ‬ ‫يث‪َ ،‬وقَ ْد يَ َق ُع ِيف ِْ ْ َ َ ُ َ‬ ‫نت َْ‬ ‫ضطَر ُ‬
‫[‪ ]2‬شروط حتقق االضطراب‪:‬‬
‫يتبني من النظر يف تعريف املضطرب وشرحه أنه َل يسمى احلديث مضطراب إَل إذا حتقق فيه شرطان‪ ،‬وَها‪:‬‬
‫(‪ )1‬اختالف رواَيت احلديث‪ِ ،‬بيث َل ميكن اْلمع بينها‪.‬‬
‫(‪ )2‬تساوي الرواَيت يف القوة‪ِ ،‬بيث َل ميكن ترجيح رواية على أخرى‪.‬‬
‫أما إذا ترجحت إحدى الرواَيت على األخرى‪ ،‬أو أمكن اْلمع بينها بشكل مقبول‪ ،‬فإن صفة اَلضطراب تزول عن‬
‫احلديث‪ ،‬ونعمل ابلرواية الراجحة يف حالة الرتجيح‪ ،‬أو نعمل جبميع الرواَيت يف حالة إمكان اْلمع بينها‪.‬‬
‫[ ‪ ] 3‬أقسامه‪:‬‬
‫ينقسم املضطرب ِبسب موقع اَلضطراب فيه إىل قسمني؛ مضطرب السند‪ ،‬ومضطرب املنت‪ ،‬ووقوع اَلضطراب يف‬
‫السند أكثر‪.‬‬
‫(أوال)‪ :‬االضطراب يف السند‪ :‬ويتنوع على مخسة أنواع هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬تعارض الوصل واالرسال‪:‬‬
‫فان احلديث اذا روي مرسال مرة‪ ،‬وروي مرة أخرى موصوَل فهذا يعد من األمور اليت تعل هبا األحاديث‪ ،‬ومنهم من َل‬
‫يعد ذلك علة وتفصيل األقوال فيها على النحو اآليت‪:‬‬
‫(أ) ترجيح الرواية املوصولة على املرسلة؛ ألنه من قبيل مَيدة الثقة‪.‬‬
‫(ب) ترجيح الرواية املرسلة‪.‬‬
‫(ج) اَلعتبار ألكثر الرواة عددا‪.‬‬
‫(د) الرتجيح لألحفظ‪.‬‬
‫(ذ) التساوي بني الروايتني والتوقف‪.‬‬
‫(‪ )2‬تعارض الوقف والرفع‪:‬‬

‫(‪" )1‬مقدمة ابن الصالح" (‪)94/1‬‬


‫‪118‬‬
‫كثريا ما جند احلديث روي مرفوعا اىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬مث جنده قد روي موقوفا عن الصحايب من قوله‪ ،‬فاذا‬
‫حصل هذا يف حديث ما فانه يكون حمل نظر وخالف عند احملدثني‪ ،‬وخالصة ذلك ما أييت‪:‬‬
‫فاذا كان السند نظيفا خاليا من بقية العلل؛ فان للعلماء فيه اَلجتاهات اآلتية‪:‬‬
‫(‪ )1‬حيكم للحديث ابلرفع‪ :‬ألن راويه مثبت وغريه ساكت‪ ،‬ولو كان انفيا فاملثبت مقدم على النايف؛ ألنه علم ما خفي‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلكم للوقف‪.‬‬
‫(‪ )3‬التفصيل‪ :‬فالرفع مَيدة‪ ،‬والزَيدة من الثقة مقبولة‪ ،‬اَل أن يقفه األكثر ويرفعه واحد؛ لظاهر غلطه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حيمل املوقوف على مذهب الراوي واملسند على أنه روايته فال تعارض‪ ،‬وقد رجح األول اَلمام النووي‪.‬‬
‫والذي يبدو من صنيع النقاد أهم ليس عندهم قاعدة كلية مطلقة‪ ،‬واَّنا يوامنون مث حيكمون ؛ لذلك فان ما أطلق اَلمام‬
‫النووي ترجيحه ميكن أن يكون مقيدا على النحو اآليت‪ :‬احلكم للرفع ألن راويه مثبت وغريه ساكت‪ ،‬ولو كان انفيا‬
‫فاملثبت مقدم على النايف؛ ألنه علم ما خفي( إَل اذا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يرتجح له معها الوقف)‪.‬‬
‫ا( ‪.)1‬‬
‫وقد يروى احلديث مرفوعا وموقوفا وكالَها ضعيف لكن احلفاظ يرجحون أحدَها على األخرى؛ اذا كان أقل ضعف‬
‫(‪ )3‬تعارض االتصال واالنقطاع‪:‬‬
‫قد يرد حديث ما بسند منقطع‪ ،‬مث يرد نفس اَلسناد من طريق آخر متصال خاليا من اَلنقطاع؛ فتختلف لذلك أنظار‬
‫احملدثني فيه‪ :‬فمنهم من يرجح الرواية املوصولة‪ ،‬ومنهم من يرجح الرواية املنقطعة‪ ،‬وقد يتوقف بعضهم يف ذلك‪ ،‬واألكثر‬
‫يعتربون الوصل مَيدة فإذا كان من ثقة قبل‪.‬‬
‫لكن صنيع احملدثني يشعر ِبنه‪ :‬ليس لذلك ضابط بل قد ترتجح الرواية املنقطعة اذا كان رواهتا أكثر أو احفظ‪ ،‬وقد‬
‫ا( ‪.)2‬‬
‫ترتجح الرواية املوصولة اذا كان رواهتا أكثر عددا أو اشد ضبطا وما اىل غري ذلك من املرجحات‬
‫(‪ )4‬زايدة رجل يف أحد االسنادين‪:‬‬
‫إ ذا روي حديث ِبسانيد متعددة‪ ،‬وكان مداره على رجل واحد‪ ،‬وميد يف أحد األسانيد رجل ونقص من بقية األسانيد‪،‬‬
‫وِل نستطع الرتجيح بني الرواَيت مما يدل على ان اخلطأ من الذي دار عليه اَلسناد فرواه مرة هكذا‪ ،‬ومرة هكذا‪ ،‬فتبني‬
‫لنا ان هذا الراوي ِل يضبط هذا احلديث فيحكم ع لى احلديث ابَلضطراب ويتوقف اَلحتجاج به حَ جند له ما يعضده‬
‫( ‪.)3‬‬
‫من متابعات أو شواهد ترفعه من الضعف اىل حيز القبول‬
‫(‪ ) 5‬االختالف يف اسم الراوي ونسبه اذا كان مرتددا بني ثقة وضعيف‪ :‬قد يروى حديث ابسناد‪ ،‬وَيتلف اَلسناد‬
‫( ‪.)4‬‬
‫حول مدار الراوي فيختلف يف نسبه وامسه حَ َل ميكن ترجيح احدى الرواَيت على اآلخرى‬
‫ومن أمثلة املضطرب سندا‪:‬‬
‫َمحَ ُد بْ ُن ُحمَ هم ِد بْ ِن ِمََي ٍّد‪ ،‬ثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن‬
‫وسى بْ ِن َم ْرُد َويْ ِه‪ ،‬ثَنَا أ ْ‬
‫َمحَ ُد بْ ُن ُم َ‬ ‫(‪ )1‬حديث أيب بكر رضي هللا عنه‪ :‬قال أَبُو بَك ٍّ‬
‫ْر أ ْ‬

‫(‪ )1‬راجع‪ " :‬أثر علل احلديث يف اختالف الفقهاء"(‪ ،)214، 213/1‬ماهر َيسني فحل اهلييت‪ ،‬الناشر‪ :‬دار عمار للنشر‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ " :‬أثر علل احلديث يف اختالف الفقهاء"(‪.)236/1‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ ":‬النكت على كتاب ابن الصالح"(‪" ،)778/2‬توضيح األفكار" (‪ "،)28/2‬أثر علل احلديث يف اختالف الفقهاء"(‪.)243/1‬‬
‫(‪ )4‬راجع‪ ":‬النكت على كتاب ابن الصالح"(‪" ،)778/2‬توضيح األفكار" (‪ "،)28/2‬أثر علل احلديث يف اختالف الفقهاء"(‪.)280/1‬‬
‫‪119‬‬
‫ال أَبُو بَك ٍّ‬
‫ْر‪،‬‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫اق‪َ ،‬ع ْن ِع ْك ِرَمةَ‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫اس‪ ،‬قَ َ‬ ‫وسى‪ ،‬ثَنَا َشْي بَا ُن‪َ ،‬ع ْن أَِيب إِ ْس َح َ‬ ‫الْ َفرِج األ َْمر ُق‪ ،‬ثَنا عب ي ُد هِ‬
‫اَّلل بْ ُن ُم َ‬ ‫َ َ َُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر ِض َي ه‬
‫َخ َواتُ َها"‬ ‫ال‪":‬نَ َع ْم‪َ ،‬شيه بَ ْت ِّن ُه ٌ‬
‫ود َوأ َ‬ ‫اَّلل‪ ،‬قَ َ‬
‫ول ه‬ ‫ت ََي َر ُس َ‬ ‫اَّللُ َعْنهُ‪ :‬شْب َ‬
‫( ‪.)1‬‬

‫ف َعلَْي ِه فِ ِيه َعلَى‬ ‫اق‪ ،‬وقَ ِد ِ‬


‫اختُل َ‬
‫ِ‬
‫ب فَِإنههُ َِلْ يُْرَو إِهَل م ْن طَ ِر ِيق أَِيب إِ ْس َح َ َ ْ‬ ‫ضطَ ِر ٌ‬ ‫ْين قوله‪َ " :‬ه َذا ُم ْ‬ ‫َّارقُط ِ ُّ‬
‫ونقل السيوطي عن الد َ‬
‫َْحن ِو عشرةِ أَوج ٍّه‪ ،‬فَ ِمْن هم من رواه مرس ًال‪ ،‬وِمْن هم من رواه موص ًوَل‪ ،‬وِمْن هم من جعلَه ِمن مسنَ ِد أَِيب بك ٍّ ِ‬
‫ْر‪َ ،‬ومْن ُه ْم َم ْن َج َعلَهُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ ْ ََ ُ ُْ َ َ ُ ْ َ ْ ََ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫َ ََ ْ ُ‬
‫ض ِه ْم َعلَى بَ ْع ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ك‪ ،‬ورواتُه ثَِقات ََل ميُْ ِكن تَرجيح ب ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪،‬‬ ‫ُ ْ ُ َْ‬ ‫م ْن ُم ْسنَد َس ْعد‪َ ،‬ومْن ُه ْم َم ْن َج َعلَهُ م ْن ُم ْسنَد َعائ َشةَ َو َغ ِْري ذَل َ َ ُ َ ُ ٌ‬
‫ه ( ‪.)2‬‬
‫اْلَ ْم ُع ُمتَ َعذٌر"‬
‫َو ْ‬
‫قلت‪ :‬رجعت إىل املطبوع من كتاب العلل للدارقطّن فلم أقف على هذا النص الذي نقله السيوطي‪ ،‬لكنه مجع وذكر‬
‫( ‪.)3‬‬
‫الطرق والرواة‬
‫يل بْ ُن أ َُميهةَ‪َ ،‬ح هدثَِّن أَبُو َع ْم ِرو بْ ُن ُحمَ هم ِد بْ ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫هل‪َ ،‬حدهثَنَا إ ْمسَاع ُ‬ ‫هد‪َ ،‬حدهثَنَا بِ ْش ُر بْ ُن الْ ُم َفض ِ‬ ‫(‪ )2‬قال أبوداود‪َ :‬حدهثَنَا ُم َسد ٌ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬ ‫ول هِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم فَ ْليَ ْج َع ْل‬ ‫ال‪" :‬إِذَا َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ث‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬أَ هن َر ُس َ‬ ‫ث‪ ،‬أَنههُ َِمس َع َجدههُ ُحَريْثًا ُحيَ ّد ُ‬ ‫حري ٍّ‬
‫ُ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امهُ"‬‫ضُّرهُ َما َمهر أ ََم َ‬ ‫صا فَ ْليَ ْخطُ ْط َخطًّا‪ ،‬مثُه ََل يَ ُ‬ ‫صا‪ ،‬فَِإ ْن َِلْ يَ ُك ْن َم َعهُ َع ً‬ ‫ب َع ً‬ ‫ت ْل َقاءَ َو ْج ِهه َشْي ئًا‪ ،‬فَإ ْن َِلْ َجي ْد فَ ْليَ ْنص ْ‬
‫( ‪.)4‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ري َعنهُ‬ ‫اختلف فيه على إ ْمسَاعيل‪ ،‬فَ َرَواهُ بشر بن الْمفضل‪َ -‬و َغريه ‪َ -‬ه َك َذا‪َ ،‬وَرَواهُ ُس ْفيَان الث ْهو ّ‬ ‫قال املناوي‪" :‬احلَديث فقد ْ‬
‫ُخَرى‬ ‫َعن أيب َع ْمرو بن ُحَريْث َعن أَبِيه َعن أيب ُهَريْ َرة‪َ ،‬وَرَواهُ غري الْ َم ْذ ُكورين على َهْي ئَة أ ْ‬
‫( ‪.)5‬‬

‫ث‪َ ،‬وُرهمبَا قَ َ‬ ‫ال‪ :‬عن أَِيب ُحم هم ِد ب ِن عم ِرو ب ِن حري ٍّ‬ ‫ضطَ ِرب ِيف ه َذا ْ ِ ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َ ْ َ ْ ْ ُ َْ‬ ‫احلَديث‪ ،‬فَ ُرهمبَا قَ َ َ ْ‬ ‫وقال الدارقطين‪َ :‬وَكا َن ابْ ُن ُعيَ ْي نَةَ يَ ْ ُ َ‬
‫اج‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ُجَريْ ٍّج‪َ ،‬ع ْن‬ ‫عن أَِيب عم ِرو ب ِن ُحم هم ٍّد‪ ،‬مثُه ثَبت علَى أَِيب ُحم هم ِد ب ِن عم ٍّرو‪ ،‬و ِ‬
‫ف َع ِن ابْ ِن ُجَريْ ٍّج؛ فَ َرَواهُ َح هج ٌ‬ ‫اختُل َ‬
‫َ ْ َْ َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ال عب ُد الهرم ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هاق‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ُجَريْ ٍّج‪،‬‬ ‫يل‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُحمَ همد بْ ِن َع ْم ٍّرو‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪َ .‬وَِلْ يَ ُق ْل َع ْن أَبِيه َوََل َع ْن َج ّده‪َ ،‬وَرفَ َعهُ‪َ ،‬وقَ َ َْ‬ ‫إ ْمسَاع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ال أَبو ع ِ‬ ‫اعيل‪ ،‬عن حري ِ‬ ‫ِ‬
‫يل بْ ِن أ َُميهةَ‪َ ،‬ع ْن‬ ‫ي‪َ :‬ع ْن إ ْمسَاع َ‬ ‫اص ٍّم‪َ :‬ع ِن ابْ ِن ُجَريْ ٍّج‪َ ،‬والث ْهوِر ُّ‬ ‫ار‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪َ .‬وقَ َ ُ َ‬ ‫ث بْ ِن َع هم ٍّ‬ ‫َع ْن إِ ْمسَ َ َ ْ ُ َْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫ال َذ هو ُاد بْ ُن ُعلَبَةَ‪َ :‬ع ْن‬ ‫يل بْ ِن أ َُميهةَ‪َ ،‬وقَ َ‬‫ال َم ْع َمٌر‪َ :‬ع ْن إ ْمسَاع َ‬ ‫ك قَ َ‬ ‫أَِيب َع ْم ِرو بْ ِن ُح َريْث‪َ ،‬ع ْن أَبِيه‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪َ ،‬م ْرفُ ً‬
‫وعا‪َ .‬وَك َذل َ‬
‫ِ ِ‬
‫وعا‪.‬‬ ‫يل بْ ِن أ َُميهةَ‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َع ْم ِرو بن حريث بن سليم‪ ،‬عن جده حريث‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة َم ْرفُ ً‬ ‫إ ْمسَاع َ‬
‫يل‪َ ،‬ع ْن أَِيب‬ ‫ِ ِ‬
‫ي‪ ،‬فَ َقالُوا‪َ :‬ع ْن إ ْمسَاع َ‬ ‫َس َوِد َوأَبُو إِ ْس َح َ‬
‫اق الْ َفَزا ِر ُّ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫هل‪َ ،‬و َعْب ُد الْ َوا ِرث بْ ُن َسعيد‪َ ،‬و ُمحَْي ُد بْ ُن ْاأل ْ‬ ‫َوَرَواهُ بِ ْش ُر بْ ُن الْ ُم َفض ِ‬
‫( ‪.)6‬‬
‫ال ِم ْن بَْينِ ِه ْم‪َ :‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‬ ‫ث‪َ ،‬ع ْن َج ِّدهِ‪َ ،‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪ ،‬إِهَل أَ هن ُمحَْي ًدا قَ َ‬ ‫عم ِرو ب ِن ُحم هم ِد ب ِن حري ٍّ‬
‫َ ْ ْ َ ْ ُ َْ‬
‫(اثنيا) االضطراب يف املنت‪:‬‬
‫ال‪ :‬حدهثَنَا األَسوُد بن َع ِام ٍّر‪َ ،‬عن َش ِر ٍّ‬
‫يك‪َ ،‬ع ْن أَِيب محََْزَة‪َ ،‬ع ْن‬ ‫َمح َد ب ِن مد ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ ُْ‬ ‫ُّويْه قَ َ َ‬ ‫مثاله‪ :‬قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن أ ْ َ ْ َ َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َع ِن الهزَكاةِق‬
‫صلهى ه‬ ‫ِ‬
‫ت‪ ،‬أ َْو ُسئ َل النِ ُّ‬
‫هيب َ‬ ‫ت‪َ :‬سأَْل ُ‬
‫س‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫اطمةَ بِْن ِ‬
‫ت قَ ْي ٍّ‬ ‫ِ‬
‫يب‪َ ،‬ع ْن فَ َ‬‫الش ْ ِ‬
‫هع ِّ‬

‫(‪")1‬األحاديث املختارة" (‪ )202/12‬للمقدسي‪.‬‬


‫(‪" )2‬تدريب الراوي" (‪.)312/1‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪":‬العلل الواردة يف األحاديث النبوية"(‪ )210-194/1‬للدارقطّن‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود‪ :‬كتاب الصالة – ابب اخلط إذا ِل جيد عصا – رقم (‪.)689‬‬
‫(‪" )5‬اليواقيت والدرر يف شرح خنبة ابن حجر"(‪. )97/2‬‬
‫(‪" )6‬العلل الواردة يف األحاديث النبوية" (‪. )281-280/10‬‬
‫‪120‬‬
‫س ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ َق َ ِ ه ِ ِ‬
‫وه ُك ْم"[البقرة‪]177 :‬اآليَةَ‬ ‫الرب أَ ْن تُ َولُّوا ُو ُج َ‬ ‫هِ ِ‬
‫ال‪":‬إن يف املَال َحلَقًّا س َوى الزَكاة"‪ ،‬مثُه تََال َهذه اآليَةَ اليت يف البَ َقَرة‪":‬لَْي َ‬
‫( ‪.)1‬‬

‫آدم‪َ ،‬عن َش ِر ٍّ‬


‫يك‪َ ،‬ع ْن أَِيب محََْزةَ‪َ ،‬ع ِن‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا َْحي َىي بْ ُن َ َ ْ‬ ‫ورواه ابن ماجه من هذا الوجه‪ ،‬فقال‪َ :‬حدهثَنَا َعلِ ُّي بْ ُن ُحمَ هم ٍّد قَ َ‬
‫ه ِ ( ‪.)2‬‬
‫س ِيف الْ َم ِال َح ٌّق ِس َوى الزَكاة"‬
‫ول‪":‬لَْي َ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم يَ ُق ُ‬ ‫هيب َ‬
‫ِ‬ ‫ت قَ ْي ٍّ‬
‫س‪ ،‬أَنْ َها َمس َعتْهُ تَ ْع ِّن النِ ه‬
‫اطمةَ بِْن ِ‬
‫ِ‬
‫يب‪َ ،‬ع ْن فَ َ‬‫الش ْ ِ‬
‫هع ِّ‬
‫( ‪.)3‬‬
‫فهذا اضطراب َل حيتمل التأويل‬
‫[ ‪ ] 5‬صور االضطراب‪:‬‬
‫(‪ )1‬قد يقع اَلضطراب من ر ٍّاو واحد‪ِ ،‬بن يروي احلديث على أوجه خمتلفة‪ ،‬فيرتدد يف اْلسناد أو املنت ‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫(كان فالن يضطرب فيه فتارة يقول كذا‪ ،‬واترة يقول كذا)‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد يقع اَلضطراب من مجاعة‪ِ ،‬بن يروي كل منهم احلديث على وجه َيالف رواية اآلخرين‪.‬‬
‫[ ‪ ] 6‬حكم احلديث املضطرب‪:‬‬
‫شعاره ِِبنه ِل يُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضبط‪.‬‬ ‫عف احلديث؛ ِْل َ‬
‫ض َ‬‫اَلضطراب ُموجب َ‬
‫ولكن قد جيامع اَلضطراب الصحة‪ ،‬وذلك ِبن يقع اَلختالف يف اسم رجل واحد وأبيه ونسبته وحنو ذلك ويكون ثقة‪،‬‬
‫فيحكم للحديث ابلصحة وَل يضر اَلختالف فيما ذكر مع تسميته مضطرًاب‪ ،‬ويف الصحيحني أحاديث كثرية هبذه املثابة‬
‫( ‪.)4‬‬
‫قال الزركشي‪":‬قد يدخل القلب والشذوذ واَلضطراب يف قسم الصحيح واحلسن‬
‫[ ‪ ] 7‬أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫كتاب "املقرتب يف بيان املضطرب" للحافظ ابن حجر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الزكاة‪ -‬ابب ما جاء أن يف املال حقا سوى الزكاة – رقم (‪.)659‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه يف سننه‪ :‬كتاب الزكاة‪ -‬ابب ما أدي مكاته فليس بكنز – رقم (‪.)1789‬‬
‫(‪")3‬النكت على مقدمة ابن الصالح" (‪ )239/2‬للزركشي‪"،‬تدريب الراوي"(‪"،)313/1‬توجيه النظر"(‪ )582/2‬طاهر بن صاحل الدمشقي‪.‬‬
‫(‪")4‬قواعد التحديث من فنون مصطلح احلديث"(‪ ،)132/1‬مجال الدين القامسي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫[ رابعا ] ‪ :‬احلـ ـ ـدي ـ ـ ـث الْمـ ـ ـ ـُص ـ ـ ـ ـَح ـ ــَف واحملرف‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬اسم مفعول‪ ،‬من "التصحيف"‪ ،‬وهو اخلطأ يف الصحيفة‪ ،‬ومنه"الصحفي"‪ ،‬وهو من َيطئ يف قراءة الصحيفة فيغري‬
‫بعض ألفاظها‪ ،‬بسبب خطئه يف قراءهتا‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬تغيري الكلمة يف احلديث إىل غري ما رواها الثقات‪ ،‬لفظا أو معىن‪.‬‬
‫أو‪ :‬هو احلديث يقع فيه تغيري يف نقط الكلمة يف إسناد أو منت‪ ،‬مع بقاء صورة اخلط‪.‬‬
‫ياق‪ :‬فإ ْن كا َن‬ ‫ِ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫كانت املخالفةُ بت ْغي ِري ٍّ‬
‫وعرفه احلافظ ابن حجر بقوله‪" :‬إِ ْن ِ‬
‫حرف‪ ،‬أَو حروف‪َ ،‬م َع بقاء صورة اخلَ ّط يف ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫( ‪)1‬‬
‫ف"‬ ‫ر‬
‫َه ُ‬‫ح‬ ‫فامل‬ ‫ْل‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ش‬
‫ه‬ ‫ال‬ ‫إىل‬ ‫ِ‬
‫سبة‬‫ِ‬
‫ف‪َ ،‬وإِ ْن كا َن ّ‬
‫ابلن‬ ‫ص هح‬ ‫ذلك ابلنِّ ِ‬
‫سبة إِىل النَ ْق ِط فَامل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫[ ‪ ] 2‬أمهيته ودقته‪:‬‬
‫هو فن جليل دقيق‪ ،‬وتكمن أَهيته يف كشف األخطاء اليت وقع فيها بعض الرواة‪ ،‬وإَّنا ينهض ِبعباء هذه املهمة احلذاق‬
‫من احلفاظ‪ ،‬كالدارقطّن‪.‬‬
‫وأَهية معرفة هذا النوع من علوم احلديث َل ختفى؛ ملا يقع ابلتصحيف من اْلحالة‪ ،‬فرمبا صريت الراوي اجملروح ثقة أو‬
‫العكس‪ ،‬وما يقع يف ألفاظ املتون من إفساد املعىن واخلروج به عن جادته‪.‬‬
‫والق در املتميز حتريفه أو تصحيفه من احلديث ضعيف‪ ،‬وهو خطأ َل يعترب به وسببه‪ :‬وهم الراوي وخطؤه‪ ،‬فهو نتيجة‬
‫لعدم إتقانه ملا أخطأ فيه من ذلك‪.‬‬
‫هوع مهمةٌ"‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬ومعرفةُ هذا الن ِ‬
‫( ‪.)2‬‬

‫يل‪ ،‬إَّنا ينهض ِبعبائه احلُ هذاق من احلُهفاظ‪ ،‬وال هداََرقُطِّْن منهم وله فيه تصنيف مفيد‪ ،‬ويكون‬ ‫ِ‬
‫وقال الطييب‪" :‬هذا فَ ٌّن َجل ٌ‬
‫( ‪)3‬‬
‫حمسوسا إما ابلبصر أو ابلسمع"‬
‫ً‬
‫[ ‪ ] 3‬تقسيماته‪ :‬قسم العلماء املص هحف إىل ثالثة تقسيمات‪ ،‬كل تقسيم ابعتبار‪ ،‬وإليك هذه التقسيمات‪:‬‬
‫( أوال) ابعتبار موقعه‪ :‬ينقسم املص هحف ابعتبار موقعه إىل قسمني؛ وَها‪:‬‬
‫(‪ )1‬تصحيف يف اإلسناد‪:‬‬
‫يج‪ ،‬ومراجم ومزاحم‪ ،‬ومحزة ومجرة‪ .‬واترًة يكون يف الشيخ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫يح وسر ٍّ‬‫مثل أن يصحف يف اَلسم كحيان وحبان‪ ،‬وشر ٍّ‬
‫ابسم ٍّ‬
‫آخر‪.‬‬ ‫رجل فيشتبه عليه ويصحف امسه ٍّ‬ ‫أن يروي عن ٍّ‬
‫ومن أمثلته‪ :‬حديث شعبة‪ ،‬عن "العوام بن مراجم"‪ .‬صحفه ابن معني‪ ،‬فقال‪ :‬عن "العوام بن مزاحم"‪.‬‬
‫ص ٍّْري‪َ ،‬حدهثَنَا ُش ْعبَةُ‪َ ،‬ع ِن‬ ‫ٍّ‬
‫اج بْ ُن نُ َ‬ ‫قال عبد هللا بن اإلمام أمحد‪َ :‬ح هدثَِّن َعبه ُ‬
‫اس بْ ُن ُحمَ همد َوأَبُو َْحي َىي الْبَ هز ُام‪ ،‬قَ َاَل‪َ :‬حدهثَنَا َح هج ُ‬
‫ال‪:‬‬‫ول هللاِ َصلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن ُعثْ َما َن‪ ،‬أَ هن َر ُس َ‬ ‫س ب ِن ثَعلَبةَ‪ ،‬عن أَِيب عثْما َن الن ِ‬
‫ههد ِّ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الْ َع هوام بْ ِن ُمَراج ٍّم‪ ،‬م ْن بَِّن قَ ْي ِ ْ ْ َ َ ْ ُ َ‬

‫(‪" )1‬نزهة النظر"(ص‪.)169-168:‬‬


‫(‪" )2‬نزهة النظر"(ص‪.)169:‬‬
‫(‪" )3‬اخلالصة يف معرفة احلديث"(ص‪ ،)57:‬احلسني بن حممد الطييب‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة اْلسالمية للنشر والتوميع‪ ،‬الرواد لإلعالم والنشر‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫( ‪.)1‬‬
‫ص ِم َن الْ َق ْرَان ِء يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة"‬ ‫"إِ هن ْ‬
‫اْلَ هماءَ لَتُ َق ُّ‬
‫ص ٍّْري‪ ،‬ثنا ُش ْعبَةُ‪َ ،‬ع ِن الْ َع هوِام بْ ِن‬
‫اج بْ ُن نُ َ‬
‫احلَ هج ُ‬
‫اح‪ ،‬ثنا ْ‬ ‫اَّللِ بْ ُن ال ه‬
‫صبه ِ‬ ‫والرواية املصحفة أخرجها البزار‪ ،‬قال‪َ :‬حدهثَنَا َعْب ُد ه‬
‫ات الْ َق ْرِن‪،‬‬ ‫ص هن لِْلج هم ِاء ِمن ذَ ِ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬قَ َ‬
‫صلهى ه‬ ‫احم‪ ،‬عن أَِيب عثْما َن الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ال‪" :‬لَيَ ْقتَ ه َ‬ ‫هيب َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ههد ِّ‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن ُعثْ َما َن‪َ ،‬عن الن ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ُمَز ْ َ ْ‬
‫ِ ( ‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْع ِّن‪ :‬يَ ْوَم الْقيَ َ‬
‫امة"‬

‫(‪ )2‬تصحيف يف املنت‪:‬‬


‫وسى بْ ُن ُع ْقبَةَ‪َ ،‬يُِْربُِين َع ْن بُ ْس ِر‬ ‫يل ُم َ‬ ‫ب إِ َه‬ ‫ال‪َ :‬كتَ َ‬‫يسى‪َ ،‬حدهثَنَا ابْ ُن َهلِ َيعةَ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ومثاله‪ :‬قال اإلمام أمحد‪ :‬حدهثَنَا إِسح ُ ِ‬
‫اق بْ ُن ع َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ت َِلبْ ِن َهلِ َيعةَ‪ِ :‬يف َم ْس ِج ِد‬ ‫ِِ‬
‫احتَ َج َم ِيف الْ َم ْسجد"‪ .‬قُ ْل ُ‬
‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم ْ‬
‫ت‪" :‬أَ هن رس َ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫َُ‬
‫يد‪ ،‬عن مي ِد ب ِن َاثبِ ٍّ‬
‫بْ ِن َسع َ ْ َْ ْ‬
‫ِ ٍّ‬
‫ه ( ‪.)3‬‬
‫سلم"‬ ‫ِ‬ ‫ول َ ه‬ ‫ال‪َ"َ :‬ل‪ِ ،‬يف مس ِج ِد الهرس ِ‬ ‫بَْيتِ ِهق قَ َ‬
‫صلى هللاُ َعلَْيه َو َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫مج ًيعا َوابْن َهلِ َيعة الْ ُمصحف ِيف َمتنه‬ ‫اس َدة من كل ِجهة فَاحش خطؤها ِيف الْم ْنت واَلسناد َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال مسلم‪" :‬وه ِذه ِرواية فَ ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫( ‪.)4‬‬
‫صلِّي فِي َها"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْ ُمغَفهل ِيف اسناده واَّنا احلَديث أَن النِهيب صلى هللا َعلَْيه َوسلم احتجر ِيف الْ َم ْسجد ِبوصة أَو َحصري يُ َ‬
‫ِ‬
‫يد‪ ،‬ح َو َح هدثَِّن ُحمَ هم ُد بْ ُن‬ ‫اَّللِ بن سعِ ٍّ‬ ‫والرواية الصحيحة أخرجها البخاري يف صحيحه‪ ،‬فقال‪ :‬وقَ َ ِ‬
‫ال املَ ّك ُّي‪َ :‬حدهثَنَا َعْب ُد ه ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ بن سعِ ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫اَّلل‪َ ،‬ع ْن بُ ْس ِر‬ ‫هض ِر َم ْوَىل ُع َمَر بْ ِن ُعبَ ْيد ه‬ ‫ال‪َ :‬ح هدثَِّن َساِلٌ أَبُو الن ْ‬ ‫يد‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِمََيد‪َ ،‬حدهثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن َج ْع َف ٍّر‪َ ،‬حدهثَنَا َعْب ُد ه ْ ُ َ‬
‫ص َفةً‪ ،‬أَو ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫ت َر ِض َي ه‬ ‫يد‪ ،‬عن مي ِد ب ِن َاثبِ ٍّ‬ ‫ِ ٍّ‬
‫ص ًريا‪،‬‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم ُح َجْي َرًة ُخمَ ه ْ َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫احتَ َجَر َر ُس ُ‬ ‫ال‪ْ :‬‬ ‫اَّللُ َعْنهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫بْ ِن َسع َ ْ َْ ْ‬
‫ال وجاءوا يصلُّو َن بِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم ي ِ ِ‬
‫ض ُروا‪،‬‬ ‫صالَته‪ ،‬مثُه َجاءُوا لَْي لَةً فَ َح َ‬ ‫َ‬ ‫صلّي ف َيها‪ ،‬فَتَ تَ به َع إِلَْيه ِر َج ٌ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ َْ ََ َ ُ َ‬ ‫ول ه َ‬ ‫فَ َخَر َج َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ول هِ‬
‫ال‬‫ضبًا‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اب‪ ،‬فَ َخَر َج إِلَْي ِه ْم ُم ْغ َ‬‫صبُوا البَ َ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم َعْن ُه ْم فَ لَ ْم َيَُْر ْج إِلَْي ِه ْم‪ ،‬فَ َرفَ ُعوا أ ْ‬
‫َص َواتَ ُه ْم َو َح َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫َوأَبْطَأَ َر ُس ُ‬
‫صالَةِ ِيف بُيُوتِ ُك ْم‪،‬‬ ‫ب َعلَْي ُك ْم‪ ،‬فَ َعلَْي ُك ْم ِابل ه‬ ‫ت أَنههُ َسيُكْتَ ُ‬ ‫صن ُيع ُك ْم َح هَ ظَنَ ْن ُ‬
‫اَّللِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم‪" :‬ما م َال بِ ُكم ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ول ه َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َهلُْم َر ُس ُ‬
‫( ‪.)5‬‬
‫صالََة املكْتُوبَةَ"‬ ‫صالَةِ امل ْرِء ِيف بَْيتِ ِه إِهَل ال ه‬
‫َ‬ ‫فَِإ هن َخْي َر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫( اثنيا ) ابعتبار منشئه‪ :‬وينقسم ابعتبار منشئه إىل قسمني أيضا‪ ،‬وَها‪:‬‬
‫(‪ )1‬تصحيف بصر‪ ،‬وهو األكثر‪.‬‬
‫أي يشتبه اخلط على بصر القارئ‪ ،‬إما لرداءة اخلط‪ ،‬أو عدم نقطه‪.‬‬
‫ومثاله‪" :‬من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال ‪ ،" ...‬صحفه أبو بكر الصويل فقال‪" :‬من صام رمضان وأتبعه شيئا من‬
‫شوال ‪ ،" ...‬فصحف "ستا" إىل "شيئا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تصحيف السمع‪ :‬أي تصحيف منشؤه رداءة السمع‪ ،‬أو بُعد السامع‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد‪ -)542/1( :‬رقم (‪ ،)520‬وهو حسن لغريه‪.‬‬


‫(‪")2‬كشف األستار‪ -)162/4(":‬رقم(‪.)3449‬‬
‫(‪ )3‬مسند أمحد ‪ -)484/35( :‬رقم (‪.)21608‬‬
‫(‪")4‬التمييز" (‪ )187/1‬مسلم بن احلجاج‪ ،‬مكتبة الكوثر‪ ،‬املربع‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب األدب– ابب ما جيوم من الغضب والشدة ألمر هللا– رقم (‪.)6113‬‬
‫(حجرية) تصغري حجرة‪ .‬خمصفة‪ :‬مبنية من اخلصفة وهي سعف النخل ويف نسخة (خبصفة)‪ .‬فتتبع إليه رجال‪ :‬طلبوا موضعه وذهبوا إليه‪.‬‬
‫حصبوا الباب ‪:‬رموه ابحلصباء وهي احلصى الصغرية تنبيها له ليخرج‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫فتشتبه عليه بعض الكلمات؛ لكوها على ومن صريف واحد‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬حديث مروي عن "عاصم األحول" صحفه بعضهم فقال‪ :‬عن "واصل األحدب"‪.‬‬
‫( اثلثا) ابعتبار لفظه أو معناه‪ :‬وينقسم ابعتبار لفظه أو معناه إىل قسمني‪ ،‬وَها‪:‬‬
‫(‪ )1‬تصحيف يف اللفظ‪" :‬وهو األكثر"‪ ،‬وذلك كاألمثلة السابقة‪.‬‬
‫املصحف اللفظ على حاله‪ ،‬لكن يفسره تفسريا يدل على أنه فهم معناه‬ ‫(‪ )2‬تصحيف يف املعىن‪ :‬أي أن يبقي الراوي ِ‬
‫ّ‬
‫فهما غري مراد‪.‬‬
‫صلهى‬ ‫ِ‬ ‫الستهةِ" َْحن ُن قَ ْوٌم لَنَا َشَر ٌ‬ ‫هب ِابلهزِم ِن‪ ،‬أَح ِد ُشي ِ ِ ِ ِ‬ ‫ومثاله‪ :‬قول ُحمَ هم ِد بْ ِن الْمثَ هىن الْ َعنَ ِز ِي الْملَق ِ‬
‫ف‪َْ ،‬حن ُن م ْن َعنَ َزَة َ‬ ‫وخ ْاألَئ همة ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم"‪.‬‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬ ‫إِلَْي نَا َر ُس ُ‬
‫اَّلل َ‬
‫ِ( ‪.)1‬‬
‫ني يَ َديْه‬
‫ب بَ ْ َ‬
‫صُ‬ ‫صلهى إِ َىل قَبِيلَتِ ِه ْم؛ َوإِهَّنَا الْ َعنَ َزةُ ُهنَا ْ‬
‫احلَْربَةُ تُْن َ‬ ‫صلهى إِ َىل َعنَ َزَة‪ ،‬فَتَ َوهه َم أَنههُ َ‬
‫يد أَ هن النِهيب صلهى ه ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم َ‬ ‫ه َ‬ ‫يُِر ُ‬
‫الفرق بني التصحيف والتحريف‪:‬‬
‫ف‪ ،‬فكالها يقع فيه اخلطأ ألنه مأخوذ عن الصحف‪ِ ،‬ل‬ ‫ف واملحهر ِ‬ ‫كان املتقدمون من نقاد احلديث َل يفرقون بني امل ِ‬
‫ص هح َ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫ينقل ابملشافهة والسماع‪.‬‬
‫وتبعا هلذا الرتادف بني اللفظني‪َ ،‬مسهى اْلمام العسكري كتابه يف هذه املباحث "التصحيف والتحريف وشرح ما يقع فيه"‪.‬‬ ‫ً‬
‫آن والسنهة‪ِ.‬‬ ‫وهو ِمن أَج ِل التصانيف يف بيان ما وقع فيه العلماء من تصحيف ال ُقر ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ْ َّ‬
‫ِ‬
‫ت ِيف كتَ ِايب َه َذا األَلْ َفا َظ َواأل ْ‬
‫َمسَاءَ‬ ‫وأراد العسكري أن َيرب قارئ كتابه بتساوي التصحيف والتحريف يف نظره فقال‪َ " :‬شَر ْح ُ‬
‫اليت تَتشابه ِيف صورةِ اخل ِّط فَي َقع فِيها الت ِ‬
‫يف"‪.‬‬‫هح ِر ُ‬ ‫ف‪َ ،‬ويَ ْد ُخلَ َها الت ْ‬‫هصحي ُ‬ ‫املُ ْش َكلَةَ ِ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ ْ‬
‫ف ِم ْن َغ ِْري أَ ْن يَلَ َق ْوا فِ ِيه العُلَ َماءَ فَ َكا َن يَ َق ُع فِ َيما‬ ‫الصح ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ ُذوا الع ْل َم َع ْن ُّ ُ‬ ‫َص ُل َه َذا أَ ْن قَ ْوًما َكانُوا أ َ‬ ‫وقال يف موضع آخر‪" :‬أ ْ‬
‫يَ ْرُوونَهُ الته ْغيِ َري"‪.‬‬
‫لكن املتأخرين من احلفاظ مالوا إىل التفرقة بني املصحف واحملرف وإن جاءت تفرقتهم لفظية شكلية‪ ،‬فرأى ابن حجر مثالً‬
‫ص هح ًفا"‪ ،‬وما كان فيه ذلك يف الشكل‬ ‫ط مسي" ُم َ‬ ‫أن ما كان فيه تغيري حرف أو حروف بتغيري النقط مع بقاء صورة اخل ُ‬
‫ضا َن َوأَتْ بَ َعهُ ِستًّا ِم ْن َش هو ٍّال"‪ ،‬صحفه أبو‬ ‫ص َام َرَم َ‬ ‫مسي" ُحمَهرفًا"‪ .‬فمثال املصحف‪ -‬على هذا اَلصطالح – حديث‪َ " :‬م ْن َ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫بكر الصويل فقال " َشْي ئًا"‪ ،‬ابلشني املعجمة والياء‬
‫السبب يف وقوع التصحيف واإلكثار منه‪:‬‬
‫إَّنا حيصل التصحيف غالبا ملن أيخذ من بطون الكتب والصحف‪ ،‬دون تلق للحديث عن أستاذ أو شيخ من ذوي‬
‫اَلختصاص‪ ،‬لذلك حذر أئمة احلديث من األخذ عمن هذا شأنه‪.‬‬
‫ابن َع ْون‪َ :‬ل َتخذوا العِْل َم إَل ممن يُ ْش َه ُد له ابلطلب‪.‬‬
‫وقال ُ‬
‫وم ْن يَ ْعتَ ِم ُد يف رواَيته على‬ ‫وقال سلَيمان بن موسى‪َ :‬ل ي ؤخ ُذ العِْلم من ِ‬
‫ص َحف ٍّّي ‪ -‬وهو َم ْن َُيطئ يف قراءة الصحيفة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬

‫(‪")1‬تدريب الراوي" (‪.)650/2‬‬


‫ض ودراسة" (‪ ، )255، 254/1‬صبحي إبراهيم الصاحل ‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪")2‬علوم احلديث ومصطلحه ‪ -‬عر ٌ‬
‫‪124‬‬
‫الص ُحف دون الرجال‬
‫( ‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫طريق معرفة التصحيف أو التحريف يف الرواية‪:‬‬
‫إن كان يف أمساء الرواة فبمراجعة كتب الرتاجم‪ ،‬خصوصاً كتب املتشابه‪ ،‬واملؤتلف واملختلف‪ ،‬وإن كان يف املتون فبتتبع‬
‫لفظ احلديث يف كتب الرواية‪ ،‬ومبراجعة كتب اللغة‪ ،‬وغريب احلديث‪.‬‬
‫ويف هذا الباب كتب خاصة مفيدة‪ ،‬منها‪" :‬إصالح غلط احملدثني" للخطايب‪ ،‬و"تصحيفات احملدثني" أليب أمحد العسكري‪.‬‬
‫[ ‪ ] 4‬تقسيم احلافظ ابن حجر‪ :‬هذا وقد قسم احلافظ ابن حجر التصحيف تقسيما آخر‪ ،‬فجعله قسمني‪ ،‬وَها‪:‬‬
‫املصحف‪ :‬وهو ما كان التغيري فيه ابلنسبة إىل نقط احلروف‪ ،‬مع بقاء صورة اخلط‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫احملرف‪ :‬وهو ما كان التغيري فيه ابلنسبة إىل شكل احلروف‪ ،‬مع بقاء صورة اخلط‪.‬‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫[ ‪ ] 5‬هل يقدح التصحيف يف الراوي؟‬
‫(‪ )1‬إذا صدر التصحيف من الراوي اندرا‪ ،‬فإنه َل يقدح يف ضبطه؛ ألنه َل يسلم من اخلطأ والتصحيف القليل أحد‪.‬‬
‫(‪ )2‬وإذا كثر ذلك منه‪ ،‬فإنه يقدح يف ضبطه‪ ،‬ويدل على خفته‪ ،‬وأنه ليس من أهل هذا الشأن‪.‬‬
‫[ ‪ ] 6‬السبب يف وقوع الراوي يف التصحيف الكثري‪:‬‬
‫غالبا ما يكون ال سبب يف وقوع الراوي يف التصحيف هو أخذ احلديث من بطون الكتب والصحف‪ ،‬وعدم تلقيه عن‬
‫الشيوخ واملدرسني‪ ،‬ولذلك حذر األئمة من أخذ احلديث عمن هذا شأهم‪ ،‬وقالوا‪َ" :‬ل يؤخذ احلديث من صحفي "أي‬
‫َل يؤخذ عمن أخذه من الصحف‪.‬‬
‫[‪ ]7‬حكم التصحيف‪:‬‬
‫َل جيوم تعمد التصحيف؛ َل يف السند‪ ،‬وَل يف املنت‪ ،‬وتشتد احلرمة يف التصحيف يف املنت ملا يرتتب عليه من استنباط‬
‫األحكام‪.‬‬
‫[‪ ]8‬أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫(‪" )1‬التصحيف"‪ ،‬للدارقطّن‪ ،‬وهو تصنيف مفيد‪ ،‬توسع مؤلفه فأورد فيه كل تصحيف وقع للعلماء حَ يف القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫(‪" )2‬إصالح خطأ احملدثني"‪ ،‬للخطايب‪.‬‬
‫(‪" )3‬تصحيفات احملدثني"‪ ،‬أليب أمحد العسكري‪.‬‬

‫العلَوي اهلََرري الشافعي‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬


‫(‪")1‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم " (‪ )240/1‬األ َُرمي َ‬
‫‪125‬‬
‫املـ ـزيـ ـ ــد يف مت ـ ـ ــصل األس ـ ـ ـ ــانيـ ـ ــد‬
‫[ ‪ ]1‬تعريفه لغة واصطالحا‪:‬‬
‫لغة‪ :‬املزيد‪ :‬اسم مفعول‪ ،‬من"الزَيدة"‪ .‬واملتصل‪ :‬ضد املنقطع‪ ،‬واألسانيد‪ :‬مجع إسناد‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬مَيدة ر ٍّاو يف أثناء سند ظاهره اَلتصال‪ِ ،‬بن يزيد يف اْلسناد رجالً ِل يذكره غريه‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬أقسامه‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما كان من متصل األسانيد وهو صحيح‪.‬‬
‫ال‪ :‬حدهثَنا فُرات‪ ،‬حدهثَنا عب ُد الْ َك ِرِمي‪ ،‬عن سعِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‪،‬‬ ‫يد بْ ِن ُجبَ ٍّْري‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫َْ َ‬ ‫َخبَ َرَان َكثريُ بْ ُن ه َش ٍّام‪ ،‬قَ َ َ َ َ ٌ َ َ َْ‬ ‫مثاله‪ :‬قال أمحد‪ :‬أ ْ‬
‫ِ ( ‪.)1‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬فَ لَ ْم يََزْل يُلَِّيب َح هَ َرَمى مجََْرَة الْ َع َقبَة"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِل بْ ِن َعبه ٍّ‬ ‫َع ِن الْ َف ْ‬
‫يف َر ُسول هللا َ‬‫اس‪ "،‬أَنههُ َكا َن َرد َ‬
‫وأخرجه ابن سعد يف طبقاته‪:‬‬
‫اك بن خملد قال‪ :‬حدهثَنا الْ ُفرات بن س ْلما َن عن عب ِد الْ َك ِرِمي عن سعِ ِ‬
‫يد بْ ِن‬ ‫ض هح ُ‬
‫َخبَ َرَان ال ه‬ ‫قال‪َ :‬حدهثَنَا َكثِريُ بْ ُن ِه َش ٍّام قَ َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ْ َْ‬ ‫ال‪ :‬أ ْ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫اس أنه كان ردف النيب صلى هللا عليه َو َسله َم‪ ،‬فَ لَ ْم يََزْل يُلَِّيب َح هَ َرَمى مجََْرةَ العقبة"‬ ‫ض ِل بْ ِن َعبه ٍّ‬
‫اس َع ِن الْ َف ْ‬‫ُجبَ ٍّْري َع ِن ابْ ِن َعبه ٍّ‬
‫فكثري بن هشام يف روا ية أمحد مسعه من فرات مباشرة دون واسطة‪ ،‬ويف رواية ابن سعد مسعه من الضحاك بن خملد‪،‬‬
‫والضحاك مسعه من الفرات‪ ،‬وهذا من املزيد يف متصل األسانيد‪.‬‬
‫والقول ِبنه من املزيد يف متصل األسانيد أوىل من ختطئة الثقة بغري حجة بينة‪.‬‬
‫وخصوصا اْلسناد الذي أييت صرحياً بذكر السماع بني ثقتني‪ ،‬فيقول الراوي الثقة مثالً‪( :‬حدثّن) أو(أخربين) يف الطريقني‪،‬‬
‫فال يوجد فيهما علة تدل على وهم أو خطأ‪ ،‬والراوي ثقة َل يعاب يف حفظه وَل يف صدقه‪ ،‬فيقال‪( :‬هذا من املزيد يف‬
‫متصل األسانيد) محالً على كون الراوي مسع احلديث أوَل بواسطة‪ ،‬مث لقي شيخ شيخه فحدثه به‪ ،‬وهذا واقع يف األسانيد‬
‫غري مستنكر‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما كان متصل األسانيد وهو وهم أو غلط‪:‬‬
‫مثاله‪:‬‬
‫ي‪َ ،‬ع ْن ُع َمَر بْ ِن‬ ‫الزْه ِر ِّ‬
‫اق‪َ ،‬ع ِن ُّ‬ ‫ب بْ ُن َج ِر ٍّير‪َ ،‬حدهثَنَا أَِيب‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن إِ ْس َح َ‬ ‫ٍّ‬
‫قال الرتمذي‪َ :‬ح هدثَنَا ُحمَ هم ُد بْ ُن بَشهار‪َ ،‬حدهثَنَا َوْه ُ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم نَ َهى َع ِن الْ ُمْت َع ِة يَ ْوَم الْ َفْت ِح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعْبد الْ َع ِزي ِز‪َ ،‬ع ِن الهربِي ِع بْ ِن َسْب َرةَ‪َ ،‬ع ْن أَبِيه‪ ،‬أَ هن النِ ه‬
‫هيب َ‬
‫ي‪َ ،‬ع ِن الهربِي ِع بْ ِن َسْب َرَة‪َ ،‬ع ْن‬ ‫يث خطَأٌ‪ ،‬وال ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫احل ِد ِ‬
‫الزْه ِر ِّ‬
‫يح َع ِن ُّ‬ ‫صح ُ‬ ‫ال‪َ :‬ه َذا َحد ٌ َ َ‬ ‫يث فَ َق َ‬ ‫ت ُحمَ هم ًدا َع ْن َه َذا َْ‬ ‫قال الرتمذي‪َ :‬سأَلْ ُ‬
‫ٍِّ ( ‪.)3‬‬
‫س فِ ِيه ُع َم ُر بْ ُن َعْب ِد الْ َع ِزي ِز‪َ ،‬وإِهَّنَا أَتَى َه َذا ْ‬
‫اخلَطَأُ ِم ْن َج ِري ِر بْ ِن َحامم‬ ‫ِِ‬
‫أَبيه لَْي َ‬
‫واحلديث روي من عدة أوجه عند مسلم عن الزهري عن الربيع ليس فيها ذكر عمر بن عبد العزيز‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد يف مسنده‪ – )332/3( :‬رقم (‪.)1832‬‬


‫(‪ " )2‬الطبقات الكربى"(‪َ )41/4‬لبن سعد‪.‬‬
‫(‪")3‬علل الرتمذي الكبري" (‪ – )162/1‬رقم (‪.)275‬‬
‫‪126‬‬
‫ي‪َ ،‬ع ِن الهربِي ِع بْ ِن َسْب َرةَ‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪،‬‬ ‫قال مسلم‪َ :‬حدهثَنَا َع ْمٌرو النهاقِ ُد‪َ ،‬وابْ ُن َُّنٍَّْري‪ ،‬قَ َاَل‪َ :‬حدهثَنَا ُس ْفيَا ُن بْ ُن ُعيَ ْي نَةَ‪َ ،‬ع ِن ُّ‬
‫الزْه ِر ِّ‬
‫اح الْ ُمْت َع ِة"(‪.)1‬‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم نَ َهى َع ْن نِ َك ِ‬ ‫هيب َ‬ ‫"أَ هن النِ ه‬
‫ي‪َ ،‬ع ِن الهربِي ِع بْ ِن َسْب َرةَ‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪" ،‬أَ هن‬ ‫الزْه ِر ِّ‬
‫وحدهثَنَا أَبُو بَ ْك ِر بْ ُن أَِيب َشْي بَةَ‪َ ،‬حدهثَنَا ابْ ُن ُعلَيهةَ‪َ ،‬ع ْن َم ْع َم ٍّر‪َ ،‬ع ِن ُّ‬ ‫وقال‪َ :‬‬
‫ِ ِ ِ ( ‪.)2‬‬ ‫رس َ ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم نَ َهى يَ ْوَم الْ َفْت ِح َع ْن ُمْت َعة النّ َساء"‬ ‫ول هللا َ‬ ‫َُ‬
‫َخب رَان ابْن ِشه ٍّ‬ ‫احل ْلوِاينُّ‪ ،‬وعب ُد بن ُمحي ٍّد‪ ،‬عن ي ع ُقوب ب ِن إِب ر ِاهيم ب ِن سع ٍّد‪ ،‬حدهثَنا أَِيب‪ ،‬عن ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫صالح‪ ،‬أ ْ َ َ ُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫وح هدثَنِ ِيه َح َس ٌن ُْ َ َ َْ ْ ُ َْ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫اْله ِِّن‪ ،‬عن أَبِ ِيه‪ ،‬أَنهه أَخب ره؛ "أَ هن رسو َل هللاِ صلهى هللا علَي ِه وسلهم نَهى ع ِن الْمْت ع ِة مما َن الْ َفْت ِح ‪ -‬مْت عةِ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ََ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ْ َ َُ‬ ‫َع ِن الهربِي ِع بْ ِن َسْب َرةَ َُْ ّ َ ْ‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫هع بِبُ ْرَديْ ِن أ ْ‬
‫َمحََريْ ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫النّ َساء ‪َ -‬وأَ هن أ ََابهُ َكا َن متََت َ‬
‫فهذه الصورة ليست من املزيد يف متصل األسانيد‪.‬‬
‫[ ‪ ] 3‬شروط رد الزايدة‪:‬‬
‫يشرتط لرد الزَيدة وع ِّد َها َو َْهًا ممن مادها شرطان‪ ،‬وَها‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يكون من ِل يزدها أتقن ممن مادها‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن يقع التصريح ابلسماع يف موضع الزَيدة‪.‬‬
‫فإن اختل الشرطان‪ ،‬أو أحدَها ترجحت الزَيدة وقبلت‪ ،‬وعد اْلسناد اخلايل من تلك الزَيدة منقطعا‪ ،‬لكن انقطاعه‬
‫خفي‪ ،‬وهو الذي يسمى "املرسل اخلفي‪.‬‬
‫[ ‪ ] 4‬االعرتاضات الواردة على ادعاء وقوع الزايدة‪:‬‬
‫يعرتض على ادعاء وقوع الزَيدة ابعرتاضني‪َ ،‬ها‪:‬‬
‫(‪ )1‬إن كان اْلسناد اخلايل عن الزَيدة ِبرف "عن" يف موضع الزَيدة‪ ،‬فينبغي أن جيعل منقطعا‪.‬‬
‫(‪ )2‬وإن كان مصرحا فيه ابلسماع‪ ،‬احتمل أن يكون مسعه من رجل عنه أوَل‪ ،‬مث مسعه منه مباشرة‪.‬‬
‫وميكن أن جياب عن ذلك مبا يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬أما اَلعرتاض األول فهو كما قال املعرتض‪.‬‬
‫(‪ )2‬وأما اَلعرتاض الثاين‪ ،‬فاَلحتمال املذكور فيه ممكن؛ لكن العلماء َل حيكمون على الزَيدة ِبها وهم إَل مع قرينة تدل‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫[ ‪ ] 5‬أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫كتاب‪" :‬متييز املزيد يف متصل األسانيد"‪ ،‬للخطيب البغدادي‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب النكاح – ابب نكاح املتعة – رقم (‪.)1406‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب النكاح – ابب نكاح املتعة – رقم (‪.)1406‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب النكاح – ابب نكاح املتعة – رقم (‪.)1406‬‬
‫‪127‬‬
‫الفصل السابع‬
‫الشاذ‪ ،‬واملعل‬
‫أوال‪ :‬احلديث الشاذ‬
‫[ ‪ ] 1‬تعريف الشاذ لغة واصطالحا‪:‬‬
‫والشاذُّ لغةً‪ :‬املنفرد‪ ،‬وهو اسم فاعل مأخوذ من ش ّذ‪ ،‬يش ّذ شذاً أو شذوذاً‪ :‬ندر عن اْلمهور‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن حزم‪" :‬كل من خالف أحدا فقد شذ عنه‪ ،‬وكل قول خالف احلق فهو شاذ عن احلق‪ ،‬فوجب أن كل خطأ فهو‬
‫"( ‪.)1‬‬
‫شذوذ عن احلق وكل شذوذ عن احلق فهو خطأ‬
‫الشاذ اصطالحا‪:‬‬
‫تعريف الشافعي‪ :‬عرف الشافعي بقوله‪" :‬ليس الشاذ من احلديث أن يروي الثقة حديثا ِل يروه غريه‪ ،‬إَّنا الشاذ من‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫احلديث أن يروي الثقات حديثا فيشذ عنهم واحد فيخالفهم‬
‫تعريف احلاكم النيسابوري‪ :‬عرفه احلاكم بقوله‪" :‬فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات‪ ،‬وليس للحديث أصل‬
‫( ‪.)3‬‬
‫متابع لذلك الثقة"‬
‫تعريف أيب يعلى اخلليلي‪ :‬عرفه أبو يعلى اخلليلي بقوله‪" :‬الشاذ‪ :‬ما ليس له إَل إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو‬
‫"( ‪.)4‬‬
‫غري ثقة‪ ،‬فما كان عن غري ثقة فمرتوك‪َ ،‬ل يقبل‪ ،‬وما كان عن ثقة يتوقف فيه وَل حيتج به‬
‫واخلليلي يف تعريفه متأثر بشيخه احلاكم‪.‬‬
‫وكالم اخلليلي يف تفرد الشيوخ‪ ،‬والشيوخ يف اصطالح أهل هذا العلم عبارة عمن دون األئمة واحلفاظ‪ ،‬وقد يكون فيهم‬
‫الثقة وغريه‪ ،‬فأما ما انفرد به األئمة واحلفاظ فقد مساه اخلليلي فرداً‪.‬‬
‫وقد رجح ابن الصالح تعريف الشافعي للحديث الشاذ معرتضا على تعريفي احلاكم واخلليلي‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬أما ما حكم الشافعي عليه ابلشذوذ فال إشكال يف أنه شاذ غري مقبول‪.‬‬
‫وأما ما حكيناه عن غريه فيشكل مبا ينفرد به العدل احلافظ الضابط‪ ،‬كحديث‪" :‬إَّنا األعمال ابلنيات"فإنه حديث فرد‬
‫تفرد به عمر رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬مث تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص‪ ،‬مث عن علقمة‬
‫"( ‪.)5‬‬
‫حممد بن إبراهيم‪ ،‬مث عنه حيىي بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل احلديث‬
‫تعريف ابن حجر‪:‬‬
‫عرفه ابن حجر بقوله‪" :‬الشاذ‪ :‬ما رواه املقبول خمالفا ملن هو أوىل منه‬
‫"( ‪.)6‬‬

‫(‪")1‬اْلحكام يف أصول األحكام" َلبن حزم الظاهري‪.)192/4( ،‬‬


‫(‪")2‬الكفاية" للخطيب البغدادي‪ ( ،‬ص‪.)141 :‬‬
‫(‪")3‬معرفة علوم احلديث" للحاكم‪( ،‬ص‪ ،)119:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫(‪")4‬اْلرشاد يف معرفة علماء احلديث" (‪ ، )176/1‬أبو يعلى اخلليلي القزويّن‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫(‪")5‬مقدمة ابن الصالح" (ص‪.)77 :‬‬
‫(‪")6‬نزهة النظر" (ص‪.)85 :‬‬
‫‪128‬‬
‫ومراده من املقبول الذي حيتج به عموما‪ ،‬سواء كان منفردا‪ ،‬أو متابعا‪ ،‬فيكون حديثه صحيحا أو حسنا‪.‬‬
‫وتعريف احلافظ ابن حجر يتوافق مع تعريف الشافعي الذي رجحه ابن الصالح‪.‬‬
‫التعريف املختار للحديث الشاذ‪:‬‬
‫هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه‪ ،‬أو خالف فيه الثقة مجهور الثقات‪.‬‬
‫أو‪ :‬خمالفة الراوي الثقة ملن هو أقوى منه‪.‬‬
‫واألقوى منه قد يكون ثقة آخر‪ ،‬وقد يكون عدداً حاصالً مبجموعهم رجحان إتقاهم على إتقانه‪.‬‬
‫كما أنه إذا وقع فقد يكون يف سند أو بعض سند‪ ،‬ومنت أو بعض منت‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬أين يقع الشذوذ؟‬
‫يقع الشذوذ يف السند‪ ،‬كما يقع يف املنت أيضا‪.‬‬
‫(أ) مثال الشذوذ يف السند‪:‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حدثنا ابن أيب عمر قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن َع ْو َس َجةَ‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا‬
‫ول هِ‬ ‫ات َعلَى َع ْه ِد رس ِ‬
‫صلهى ه‬
‫اَّللُ‬ ‫هيب َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َوَِلْ يَ َد ْ‬
‫ع َوا ِرًاث إِهَل َعْب ًدا ُه َو أ َْعتَ َقهُ فَأ َْعطَاهُ النِ ُّ‬ ‫صلهى ه‬
‫اَّلل َ‬ ‫َُ‬ ‫عنهما‪ ،‬أَ هن َر ُج ًال َم َ‬
‫سلهم ِمرياثَهُ"‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه َو َ َ َ‬
‫( ‪.)1‬‬

‫واتبع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغريه‪ ،‬وخالفهم محاد بن ميد‪ ،‬فرواه عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن عوسجة‪ ،‬وِل يذكر‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫ولذا قال أبو حامت‪" :‬احملفوظ‪ :‬حديث ابن عيينة" فحماد بن ميد من أهل العدالة والضبط‪ ،‬ومع ذلك فقد رجح أبو حامت‬
‫( ‪)2‬‬
‫رواية من هم أكثر عددا منه‬
‫(ب) مثال الشذوذ يف املنت‪:‬‬
‫صالِ ٍّح‪،‬‬
‫ش‪َ ،‬ع ْن أَِيب َ‬ ‫ال‪َ :‬حدهثَنَا األ َْع َم ُ‬ ‫اح ِد بْ ُن ِمََي ٍّد‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬حدهثَنَا عب ُد الو ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ي‪ ،‬قَ َ َ‬ ‫الع َق ِد ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫قال الرتمذي‪َ :‬حدهثَنَا ب ْش ُر بْ ُن ُم َعاذ َ‬
‫ضطَ ِج ْع َعلَى َميينه‬
‫ِ ِ ِ"(‪.)3‬‬
‫َح ُد ُك ْم َرْك َع َِيت ال َف ْج ِر فَ ْليَ ْ‬
‫صلهى أ َ‬
‫اَّللِ صلهى ه ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬إِ َذا َ‬ ‫ول ه َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬‫َع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ََ ،‬ل ِم ْن‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫اح ِد اْل َع َد َد اْل َكثِري ِيف َه َذا‪ ،‬فَِإ هن الن ِه‬ ‫قال البيهقي‪ :‬خالَف عب ُد اْلو ِ‬
‫هاس إَّنَا َرَوْوهُ م ْن ف ْعل الن ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫ِ‬
‫ش هبََذا الله ْفظ‬ ‫َصح ِ‬
‫اب ْاأل َْع َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قَ ولِهِ‪ ،‬وانْ َفرد عب ُد اْلو ِ‬
‫اح ِد ِم ْن بَ ْ ِ‬
‫ني ث َقات أ ْ َ‬
‫ِِ(‪.)4‬‬
‫ْ َ َ َ َْ َ‬
‫[ ‪ ] 3‬حكم احلديث الشاذ‪ :‬احلديث الشاذ ضعيف مردود‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الفرائض– ابب يف مرياث املوىل األسفل– رقم (‪.)2106‬‬
‫وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن والعمل عند أهل العلم يف هذا الباب‪ :‬إذا مات الرجل وِل يرتك عصبة أن مرياثه جيعل يف بيت مال املسلمني‪.‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب الفرائض– ابب من َل وارث له – رقم(‪.)2741‬‬
‫(‪")2‬نزهة النظر"(ص‪.)85 :‬‬
‫اء ِيف ِاَل ْ‬
‫ض ِط َج ِاع بَ ْع َد َرْك َع َِيت ال َف ْج ِر – رقم (‪.)420‬‬ ‫)‪ (3‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الصالة ‪ -‬ابب َما َج َ‬
‫الو ْج ِه‪.‬‬ ‫وقال الرتمذي‪ :‬حسن ص ِحيح َغ ِر ِ‬
‫يب م ْن َه َذا َ‬
‫َ ٌَ َ ٌ ٌ‬
‫)‪ "(4‬تدريب الراوي" (‪)271/1‬‬
‫‪129‬‬
‫املعل‬
‫اثنيا‪ :‬احلديث ُّ‬
‫[‪ ]1‬تعريف العلة لغة واصطالحا‪:‬‬
‫معان‪ ،‬أقرهبا وألصقها مبوضوعنا أها مبعىن املرض‪ ،‬وصاحبها ُمعتَ ّل‪.‬‬ ‫العلة لغة‪ :‬العلة يف اللغة هلا عدة ٍّ‬
‫(‪)1‬‬
‫قال ابن األعرايب‪َ :‬ع هل الرج ُل يَعِ ُّل من املرض‬
‫واعتل إذا مرض‪ ،‬وعُ هل اْلنسان ابلبناء للمفعول مرض‪ ،‬ومنهم من يبنيه للفاعل من ابب ضرب‪ ،‬فيكون املتعدي من ابب‬
‫قتل فهو عليل‪ ،‬والعلة املرض الشاغل‪ ،‬واْلمع عِلَلٌ‪ ،‬مثل ِس ْد َرةٍّ َو ِس َد ٍّر‪ ،‬وأعله هللا فهو معلول قيل من النوادر اليت جاءت‬
‫على غري قياس وليس كذلك فإ نه من تداخل اللغتني واألصل أعله هللا فعل فهو معلول أو من عله فيكون على القياس‬
‫(‪)2‬‬
‫وجاء معل على القياس لكنه قليل اَلستعمال‬
‫ِ‬ ‫ِه‬
‫ول‪،‬‬ ‫أعلههُ هللاُ تعاىل‪ ،‬فهو ُم َعلٌّ َ‬
‫وعليلٌ‪ ،‬وَل تَ ُق ْل َم ْعل ٌ‬ ‫ض‪َ .‬ع هل يَع ُّل‪ ،‬و ْاعتَ هل‪ ،‬و َ‬ ‫وقال الفريوز آابدي‪ :‬والعلةُ‪ ،‬ابلكسر‪َ :‬‬
‫املر ُ‬
‫(‪.)3‬‬
‫واملتكلمون يقولوها‬
‫وقال ابن الصالح‪" :‬ويسميه أهل احلديث (املعلول)‪ ،‬وذلك منهم ومن الفقهاء يف قوهلم يف ابب القياس‪" :‬العلة واملعلول‬
‫"(‪.)4‬‬
‫"مرذول عند أهل العربية واللغة‬
‫وذهب بعض أهل اللغة إىل جوام استعمال (معلول) يف اللغة‪.‬‬
‫قال الزركشي‪ :‬والصواب أنه جيوم أن يُقال‪ :‬علّه فهو معلول‪ ،‬من العلة واَلعتالل‪ ،‬إَل أنه قليل‬
‫(‪.)5‬‬

‫والذي يظهر لنا هو جوام استعمال (معلول) يف وصف احلديث الذي طرأت عليه العلة‪ ،‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه قد أجام هذا اَلستعمال بعض كبار أئمة اللغة كقطرب واْلوهري واملطرمي وابن القوطية وغريهم‪.‬‬
‫ولذا قال السخاوي‪" :‬إَل أن مما يساعد صنيع احملدثني ومن أشري إليهم استعمال الزجاج اللغوي له‪ ،‬وقول صاحب‬
‫"(‪.)6‬‬
‫عل الشيء فهو معلول يعّن من العلة‪ ،‬ونص مجاعة كابن القوطية يف األفعال على أنه ثالثي ‪...‬‬ ‫الصحاح‪ّ :‬‬
‫ض‪َ ،‬وِمْن ُه ْم َم ْن يَْبنِ ِيه لِْل َفاعِ ِل‬ ‫ِِ ِ‬
‫اْلنْ َسا ُن ِابلْبِنَاء ل ْل َم ْف ُعول َم ِر َ‬
‫الثاين‪ :‬أن له خمرجاً لغوَيً‪ ،‬قال الفيومي يف املصباح املنري‪" :‬عُ هل ِْ‬
‫اْلَ ْم ُع عِلَلٌ‪ِ ،‬مثْ ُل ِس ْد َرةٍّ َو ِس َد ٍّر‪،‬‬ ‫هاغلُ‪َ ،‬و ْ‬ ‫ب قَتل فَهو علِيل‪ ،‬والْعِلهةُ الْمرض الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِمن اب ِ‬
‫ََ ُ‬ ‫ب‪ ،‬فَيَ ُكو ُن الْ ُمتَ َع ّدي م ْن َاب َ َ ُ َ َ ٌ َ‬ ‫ضَر َ‬‫ب َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص ُل أ ََعلههُ ه‬
‫اَّللُ‬ ‫ني َو ْاأل ْ‬ ‫ك فَِإنههُ م ْن تَ َد ُ‬
‫اخ ِل اللُّغَتَ ْ ِ‬ ‫س َك َذل َ‬ ‫ِ ٍّ‬
‫ت َعلَى َغ ْري قيَاس‪َ ،‬ولَْي َ‬‫هواد ِر الهِيت َجاءَ ْ‬
‫يل م ْن الن َ‬
‫ول ق َ‬ ‫َوأَ َعلههُ ه‬
‫اَّللُ فَ ُه َو َم ْعلُ ٌ‬
‫يل ِاَل ْستِ ْع َمال‬
‫ِ (‪.)7‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فَ ُع هل فَ ُهو َم ْعلُ ٌ ِ ه‬
‫ول أ َْو م ْن َعلهُ فَيَ ُكو ُن َعلَى اْلقيَاس َو َجاءَ ُم َعلٌّ َعلَى اْلقيَاس لَكنههُ قَل ُ‬ ‫َ‬
‫(أعل) مبعىن‬‫(عل) مبعىن التكرار استعملوه امساً مفعوَلً ل ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أن احملدثني استعملوا (معلول) والذي هو اسم مفعول ل ّ‬

‫)‪" (1‬لسان العرب"(‪ )467/11‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬


‫)‪" (2‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري" (‪.)246/2‬‬
‫)‪" (3‬القاموس احمليط" (‪.)1035/1‬‬
‫)‪" (4‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)89:‬‬
‫)‪" (5‬شرح املوقظة للذهيب" (‪.)84/1‬‬
‫)‪" (6‬شرح املوقظة للذهيب" (‪.)85/1‬‬
‫)‪" (7‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري" (‪ ،)426/2‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫املرض‬
‫العلة اصطالحا‪ :‬العلة ابملعىن العام تشمل كل سبب يرد به احلديث؛ سواء كانت ظاهرة أو خفية‪ ،‬فالظاهرة كاْلرسال‬
‫واَلنقطاع ‪ ،‬واخلفية كاْلرسال اخلفي‪.‬‬
‫العلة ابملعىن اخلاص‪ :‬والعلة كاصطالح خاص تتعلق ابحلديث الذي ظاهره الصحة‪ ،‬ولكن يوجد فيه سبب قادح خفي‪،‬‬
‫يدل على وهم الراوي سواء كان ثقة أو ضعيفا‪ ،‬لكنها يف حديث الثقة أغمض وأخفى‪ ،‬وقد تكون يف اْلسناد وقد تكون‬
‫يف املنت‪.‬‬
‫وَل يطلع عليها إَل خاصة العلماء‪ ،‬ألها حتتاج إىل سعة اطالع على طرق احلديث‪ ،‬وشواهده‪ ،‬إضافة إىل امللكة النقدية‬
‫اليت َل توجد عند كل العلماء‪.‬‬
‫ث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل‪ ،‬فإن حديث اجملروح ساقط َواهٍّ‪ ،‬وعلة‬ ‫قال احلاكم النيسابوري‪" :‬وإَّنا يُ َعله ُل احلدي ُ‬
‫احلديث تكثر يف أحاديث الثقات‪ ،‬أن حيدثوا ِبديث له علة‪ ،‬فيخفى عليهم علمه‪ ،‬فيصري احلديث معلوَل‪ ،‬واحلجة فيه‬
‫"(‪)2‬‬
‫عندان احلفظ‪ ،‬والفهم‪ ،‬واملعرفة َل غري‬
‫اب خ ِفيه ٍّة َغ ِامض ٍّة قَ ِادحةٍّ‬ ‫اخلِب رةِ والْ َفه ِم الثهاقِ ِ ِ ِ‬ ‫ك أَهل ِْ ِ‬ ‫قال ابن الصالح‪" :‬إِهَّنَا ي ْ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َسبَ ٍّ َ‬ ‫ب‪َ ،‬وه َي عبَ َارةٌ َع ْن أ ْ‬ ‫احل ْفظ َو ْ ْ َ َ ْ‬ ‫ضطَل ُع ب َذل َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫احل ِديث اله ِذي اطُّلِع فِ ِيه علَى عِله ٍّة تَ ْق َدح ِيف ِص هحتِ ِه‪ ،‬مع أَ هن ظَ ِ‬
‫اهَرهُ ال هس َال َمةُ ِمْن َها‪.‬‬ ‫فِ ِيه‪ .‬فَ ْ ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫يث الْ ُم َعله ُل ُه َو َْ ُ‬
‫احلَد ُ‬
‫ه ِ "(‪.)3‬‬ ‫وي تطَهر ُق َذلِك إِ َىل ِْ ِ ِ‬
‫ث الظاه ُر‬‫الص هح ِة ِم ْن َحْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪ ،‬ا ْْلَام ِع ُش ُرو َط ّ‬
‫ِ‬
‫اْل ْسنَاد الهذي ِر َجالُهُ ث َق ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫وقال ابن رجب احلنبلي‪ " :‬حذاق النقاد من احلفاظ لكثرة ممارستهم للحديث‪ ،‬ومعرفتهم ابلرجال وأحاديث كل واحد‬
‫منهم‪ ،‬هلم فهم خاص يفهمون به أن هذا احلديث يشبه حديث فالن وَل يشبه حديث فالن فيعللون األحاديث بذلك‪.‬‬
‫"(‪.)4‬‬
‫وهذا مما َل يعرب عنه بعبارة حتصره وإَّنا يرجع فيه أهله إىل جمرد الفهم‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬اليت خصوا هبا عن سائر أهل العلم‬
‫وقال النووي‪ " :‬والعلة عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السالمة منه‪ ،‬ويتطرق إىل اْلسناد اْلامع شروط‬
‫"( ‪)5‬‬
‫الصحة ظاهرا‬
‫وليس معىن هذا أن الظاهرة َل تقدح يف صحة احلديث ولكنها خترج بشرط اَلتصال‪ ،‬أو العدالة‪ ،‬أو الضبط‪ ،‬أو عدم‬
‫الشذوذ‪.‬‬
‫[‪ ]2‬العلة مبفهومها العام‪:‬‬
‫ما ذكرانه سابقا هو املراد ابلعلة مبفهومها اخلاص يف اصطالح احملدثني‪ ،‬لكنهم قد يطلقون العلة أحياان على أي طعن‬
‫موجه للحديث‪ ،‬وإن ِل يكن هذا الطعن خفيا‪ ،‬أو قادحا؛كالتعليل بكذب الراوي‪ ،‬أو غفلته‪ ،‬أو سوء حفظه‪ ،‬أو حنو‬
‫ذلك‪ ،‬حَ لقد مسى الرتمذي النسخ علة‪.‬‬

‫)‪"(1‬شرح املوقظة للذهيب"(‪.)85/1‬‬


‫)‪"(2‬معرفة علوم احلديث"(ص‪.)112:‬‬
‫)‪"(3‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)90:‬‬
‫)‪"(4‬شرح علل الرتمذي"(‪.)163/1‬‬
‫)‪"(5‬التقريب والتيسري ملعرفة سنن البشري النذير يف أصول احلديث" ( ص‪ )44:‬للنووي‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫[‪ ]3‬دقة علم العلل‪ ،‬ودقة مباحثه‪:‬‬
‫تكمن أَهية علم علل احلديث يف دقة مباحثه‪ ،‬وخفائها على أكثر أهل العلم‪ ،‬حَ إها لتخفى عن كثري من احلفاظ‪،‬‬
‫وذلك ألها يكثر وقوعها يف أحاديث الثقات الذين عليهم العمدة يف الرواَيت‪ ،‬لذلك صار علم العلل من أغمص أنواع‬
‫علوم احلديث‪ ،‬وأدقها مسلكا‪ ،‬وَل يقوم به إَل من منحه هللا فهما دقيقا‪ ،‬واطالعا عميقا‪ ،‬وادراكا ملراتب الرواة‪ ،‬ومعرفة‬
‫اثقبة ابختالف املروَيت‪ ،‬ويقظة وفطنة‪ ،‬ومهارة وجمالسة‪ ،‬ومذاكرة‪ ،‬وخربة قوية‪ ،‬وذكاء متوقدا‪ ،‬وممارسة ودربة طويلة‪،‬‬
‫لذلك ِل يتكلم يف هذا العلم إَل خاصة العلماء وجهابذهتم وحذاقهم‪.‬‬
‫ورغم أن احملدثني يهتمون ابْلسناد اهتماما ابلغا‪ ،‬ويرون أنه من الدين‪ ،‬فيبحثون اتصاله‪ ،‬وثقة رجاله؛ إَل أهم تنبهوا ألمر‬
‫آخر‪ ،‬وهو أن الثقة قد يهم‪ ،‬واحلافظ قد ينسى‪ ،‬والضابط قد يشذ‪.‬‬
‫فكما أهم يقبلون بعض أحاديث الضعفاء اليت تدل القرائن على صحتها‪ ،‬فإهم كذلك يردون بعض أحاديث الثقات اليت‬
‫تدل القرائن على ضعفها وإعالهلا‪.‬‬
‫قال أبو عبد هللا بن منده‪" :‬إَّنا خص هللا مبعرفة هذه األخبار نفرا يسريا من كثري ممن يدعي علم احلديث‪ ،‬فأما شأن‬
‫الناس ممن يدعي كثرة كتابة احلديث أو متفقه يف علم الشافعي وأيب حنيفة‪ ،‬أو متبع لكالم احلارث احملاسيب واْلنيد وذي‬
‫"( ‪)1‬‬
‫النون وأهل اخلواطر‪ ،‬فليس هلم أن يتكلموا يف شيء من علم احلديث إَل من أخذه عن أهله وأهل املعرفة‪ ،‬فحينئذ يتكلم مبعرفة‬
‫"( ‪)2‬‬
‫قال نعيم بن محاد‪ :‬قلت َلبن مهدي‪ :‬كيف تعرف صحيح احلديث وسقيمهق قال‪ :‬كما يعرف الطبيب اجملنون‬
‫ص هحتِ َها‪َ -‬علَى َم ْع ِرفَِة‬ ‫يث‪ -‬علَى تَ ْق ِدي ِر ِ‬ ‫وقال ابن رجب خالل كالمه عن حديث معلول‪" :‬وإِهَّنَا ُْحتمل ِمثْل ه ِذهِ ْاألَح ِاد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل علَي ِه وسلهم‪ ،‬ولِ َك َالِم َغ ِريهِ‪ ،‬و ِحل ِال رواةِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يث ْ ِ ِ ِ ه ِ‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ِِ‬
‫ْ َ َ َُ‬ ‫صلهى هُ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫هيب َ‬ ‫ت ممَُ َار َستُ ُه ْم ل َك َالم الن ِّ‬
‫ين َكثَُر ْ‬
‫اْلَ َهاب َذة النُّ قهاد‪ ،‬الذ َ‬ ‫أَئ همة أ َْه ِل َْ‬
‫صو َن‬ ‫يث َيَْتَ ُّ‬‫احل ِد ِ‬
‫اص ِيف َْ‬ ‫ضْب ِط ِه ْم‪ ،‬فَِإ هن َه ُؤََل ِء َهلُْم نَ ْق ٌد َخ ٌّ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َخبَا ِر‪َ ،‬وَم ْع ِرفَت ِه ْم بِص ْدق ِه ْم َوَكذهب ْم َوح ْفظ ِه ْم َو َ‬
‫ِ‬ ‫ْاأل ِ ِ‬
‫َحاديث‪َ ،‬ونَ َقلَة ْاأل ْ‬ ‫َ‬
‫ي ا ْحلَ ِاذ ُق ِيف َم ْع ِرفَ ِة ْ‬
‫اْلَْوَه ِر‬ ‫اْلَْوَه ِر ُّ‬
‫وهبَا‪َ ،‬و ْ‬ ‫صها ومش ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫صي رِ ُّ ِ‬
‫يف ا ْحلَاذ ُق ِمبَْع ِرفَة النُّ ُقود َجيِّد َها َوَرديئ َها‪َ ،‬و َخالَ ِ َ َ َ ُ‬ ‫ص ال ه ْ َ‬ ‫ِمبَْع ِرفَتِ ِه‪َ ،‬ك َما َيَْتَ ُّ‬
‫ض‬‫ك أَنههُ يُ ْعَر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب َم ْع ِرفَته‪َ ،‬وََل يُق ُيم َعلَْيه َدل ًيال لغَ ِْريه‪َ ،‬وآيَةُ ذَل َ‬ ‫اْلَو ِاه ِر‪ ،‬وُكلٌّ ِم ْن َه ُؤََل ِء ََل ميُْ ِكن أَ ْن يُ َعِّرب َع ْن َسبَ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ابنْت َقاد ْ َ َ‬
‫ٍّ"( ‪)3‬‬
‫اب فِ ِيه ِم ْن َغ ِْري ُم َواطَأَة‬‫اْلو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احد علَى مج ٍّ ِ‬ ‫احل ِد ُ ِ‬
‫اعة مم ْهن يَ ْعلَ ُم َه َذا الْع ْل َم‪ ،‬فَيَ تهف ُقو َن َعلَى ََْ‬
‫يث الْ َو ُ َ ََ َ‬ ‫َْ‬
‫"( ‪.)4‬‬
‫صْي َرفِيًّا يف احلديث‪ ،‬كنت أمسع من الرجال فأعرض عليه ما مسعته‬ ‫قال األعمش‪" :‬كان إبراهيم النخعي َ‬
‫وقال عمرو بن قيس‪" :‬ينبغي لص احب احلديث أن يكون مثل الصرييف الذي ينقد الدراهم‪ ،‬فإن الدراهم فيها الزائف‬
‫والبهرج وكذا احلديث""(‪..)5‬‬
‫وقال األوزاعي‪" :‬كنا نسمع احلديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة‪ ،‬فما عرفوا أخذان‪،‬‬
‫"( ‪)6‬‬
‫وما أنكروا تركنا‬

‫)‪"(1‬العلل ومعرفة الرجال"(‪.)35/1‬‬


‫)‪"(2‬العلل ومعرفة الرجال"(‪.)35/1‬‬
‫)‪"(3‬جامع العلوم واحلكم"(‪.)105/2‬‬
‫)‪"(4‬جامع العلوم واحلكم"(‪.)105/2‬‬
‫)‪"(5‬جامع العلوم واحلكم"(‪.)105/2‬‬
‫)‪"(6‬جامع العلوم واحلكم"(‪.)105/2‬‬

‫‪132‬‬
‫[‪ ]4‬إىل أي إسناد يتطرق التعليل؟‬
‫خنلص من ذلك إىل أن التعليل إَّنا يتطرق إىل اْلسناد الذي ظاهره الصحة؛ ألن املردود بسبب ظاهر يسهل معرفته‪.‬‬
‫[‪ِ ]5‬مبَ تدرك العلة؟‬
‫إدراك العلة مبفهومها اخلاص ليس أمرا سهال هينا‪ ،‬بل َل بد من معرفة الطرق‪ ،‬والشواهد واملتابعات‪ ،‬وهذا يتطلب ملكة‬
‫خاصة‪ ،‬من سعة احلفظ‪ ،‬ودقة الفهم‪ ،‬والقدرة على النقد والتحليل‪.‬‬
‫الناقد‬
‫تنضم إىل ذلك يهتدي اْلهب ُذ‪ ،‬أي‪ُ :‬‬ ‫ائن ُّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قال احلافظ العراقي‪ُ " :‬‬
‫وتدرك العلةُ بتفرد الراوي‪ ،‬ومبخالفة غريه له‪ ،‬مع قر َ‬
‫اهم بغ ِري َ‬
‫ذلك‪،‬‬ ‫ٍّ‬
‫حديث‪ ،‬أو وه ِم و ٍّ‬ ‫حديث يف‬‫ٍّ‬ ‫فوع‪ ،‬أو ِ‬
‫دخول‬ ‫وقف يف املر ِ‬ ‫اطالع ِه على ِ‬
‫إرسال يف املوصول‪ ،‬أو ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫بذلك إىل‬
‫ِ‬
‫احلديث‪ .‬وإ ْن ِل‬ ‫ِ‬
‫بصحة‬ ‫أح َج َم عن احلك ِم‬ ‫ِ‬ ‫غلب على ظنِّ ِه ذلك‪ ،‬فأمضاهُ‪،‬‬
‫وحكم به‪ ،‬أو ترهد َد يف ذلك فوقف و ْ‬
‫َ‬ ‫ِبيث َ‬
‫ُ‬
‫ِ ( ‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يغلب على ِ‬
‫التعليل بذلك مع كون احلديث ِّ‬
‫املعل ظاهرهُ السالمةُ من العلّة"‬ ‫ظنه صحةُ ِ‬ ‫ْ‬
‫وإمنا ميكن ذلك من خالل عدة خطوات‪ ،‬وهذه اخلطوات هي‪:‬‬
‫أوالً‪َ :‬جع طرق احلديث‪:‬‬
‫وذلك بتتبع الرواَيت واألسانيد‪ ،‬ومعرفة الزَيدات يف املتون واألسانيد‪ ،‬واملخالفات‪ ،‬فيعرف بذلك املوقوف واملرفوع‪،‬‬
‫واملرسل واملوصول‪ ،‬واملدلس‪ ،‬واملرسل اخلفي‪ ،‬والشاذ‪ ،‬واملنكر‪ ،‬واملدرج‪ ،‬واملقلوب‪ ،‬واملص هحف‪ ،‬واحملهرف‪ ،‬واملضطرب‪،‬‬
‫واملنقطع واملتصل‪.‬‬
‫وقد كان احملدثون يهتمون بذلك ويؤكدون عليه‪:‬‬
‫ضها بِبَ ْعض تيَ َميهز صحيحها من سقيمها ويتبني ُرَواة ِض َعاف‬ ‫قال اإلمام مسلم‪" :‬فبجمع َه ِذه ِ‬
‫الرَو َاَيت ومقابلة بَ ْع َ‬
‫ّ‬
‫"( ‪)2‬‬
‫األخبار من أضدادهم من ا ْحلفاظ‬
‫قال أمحد بن حنبل‪" :‬احلديث إذا ِل جتمع طرقه ِل تفهمه واحلديث يفسر بعضه بعضا‬
‫"( ‪)3‬‬

‫قال حيىي بن معني ‪" :‬لو ِل نكتب احلديث من ثالثني وجها ما عقلناه‬
‫"( ‪)4‬‬

‫وقال علي بن املديين‪" :‬الباب إذا ِل ُجتمع طرقه ِل يتبني خطؤه‬


‫"( ‪)5‬‬

‫"( ‪)6‬‬
‫وقال عبد هللا بن املبارك‪" :‬إذا أردت أن يصح لك احلديث فاضرب بعضه ببعض‬
‫وقال اخلطيب البغدادي‪ " :‬والسبيل إىل معرفة علة احلديث أن جيمع بني طرقه وينظر يف اختالف رواته ويعترب مبكاهم من‬
‫"( ‪)7‬‬
‫احلفظ ومنزلتهم يف اْلتقان والضبط‬

‫)‪"(1‬شرح ألفية العراقي"(‪ ،)275/1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان ‪.‬‬


‫)‪"(2‬التمييز"(‪ ،)209/1‬لإلمام مسلم بن احلجاج‪.‬‬
‫)‪ "(3‬اْلامع ألخالق الراوي وآداب السامع"(‪.)212/2‬‬
‫)‪ "(4‬اْلامع ألخالق الراوي وآداب السامع"(‪.)212/2‬‬
‫)‪ "(5‬اْلامع ألخالق الراوي وآداب السامع"(‪.)212/2‬‬
‫)‪ "(6‬اْلامع ألخالق الراوي وآداب السامع"(‪.)295/2‬‬
‫)‪ "(7‬اْلامع ألخالق الراوي وآداب السامع"(‪.)295/2‬‬

‫‪133‬‬
‫اثنياً‪ :‬املوازنة بني الطرق‪ :‬ويف هذه اخلطوة يتم املقارنة بني طرق احلديث بعد مجعها‪ ،‬فإن اتفقت الطرق وِل يوجد بينها‬
‫اختالف علمنا حينئذ سالمة احلديث من العلة‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬مث بني السبيل إىل معرفة سالمة احلديث من العلة وهو‪ :‬أن جتتمع طرقه‪ ،‬فإن اتفقت رواته واستووا‬
‫"( ‪)1‬‬
‫ظهرت سالمته‪ ،‬وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة‪ ،‬فمدار التعليل يف احلقيقة على بيان اَلختالف‬
‫مث إذا وجد اخلالف فُيبدأ أوَل ابْلمع‪ ،‬فإن ِل ميكن اْلمع فالرتجيح‪ ،‬فإن ِل ميكن اْلمع وَل الرتجيح فيحكم ابَلضطراب‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي‪ ،‬ومبخالفة غريه له‪ ،‬مع قرائن تنضم إىل ذلك تنبه العارف هبذا‬
‫الشأن على إرسال يف املوصول‪ ،‬أو وقف يف املرفوع‪ ،‬أو دخول حديث يف حديث‪ ،‬أو وهم واهم بغري ذلك‪ِ ،‬بيث يغلب‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫على ظنه ذلك‪ ،‬فيحكم به‪ ،‬أو يرتدد فيتوقف فيه‪ .‬وكل ذلك مانع من احلكم بصحة ما وجد ذلك فيه‬
‫وهناك أحاديث ليس فيها اختالف يف طرقها‪ ،‬وإَّنا تدرك علتها ِبمور أخرى‪:‬‬
‫وقال ابن رجب احلنبلي‪" :‬حذاق النقاد من احلفاظ لكثرة ممارستهم للحديث‪ ،‬ومعرفتهم ابلرجال وأحاديث كل واحد‬
‫منهم‪ ،‬هلم فهم خاص يفهمون به أن هذا احلديث يشبه حديث فالن وَل يشبه حديث فالن فيعللون األحاديث بذلك‪.‬‬
‫"(‪.)3‬‬
‫وهذا مما َل يعرب عنه بعبارة حتصره وإَّنا يرجع فيه أهله إىل جمرد الفهم‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬اليت خصوا هبا عن سائر أهل العلم‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫(‪ )1‬قال البخاري‪ :‬حدثنا حممد بن كثري‪ ،‬أخربان إسرائيل‪ ،‬أخربان عثمان بن املغرية‪ ،‬عن جماهد‪ ،‬عن ابن عمر رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪" :‬رأيت عيسى وموسى وإبراهيم‪ ،‬فأما عيسى فأمحر َج ْع ٌد عريض الصدر‪،‬‬
‫ِ "(‪.)4‬‬
‫الز ّط‬
‫وأما موسى‪ ،‬فآدم جسيم سبط كأنه من رجال ُّ‬
‫قال القسطالين‪ " :‬تعقبه احلافظ أبو ذر كما هو هبامش اليونينية ونقله عنه غري واحد من األئمة ِبن الصواب ابن عباس‬
‫بدل ابن عمر‪ ،‬فالغلط من الفربري أو البخاري حدث به كذا‪ ،‬وجزم به الغساين والتيمي وغريَها وهو احملفوظ‪ ،‬واحتج‬
‫"( ‪)5‬‬
‫لذلك ِبنه يف مجيع الطرق عن حممد بن كثري وغريه عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫وقال ابن حجر‪" :‬الصواب ان جماهدا اَّنا روى هذا عن بن عباس‬
‫"( ‪)6‬‬

‫وقال ابن امللقن‪ " :‬قال أبو مسعود احلافظ‪ :‬أخطأ البخاري يف قوله‪( :‬جماهد عن ابن عمر)‪ ،‬وإَّنا رواه حممد بن كثري‬
‫وإسحاق بن منصور السلويل وابن أيب مائدة وحيىي بن آدم وغريهم عن إسرائيل عن عثمان‪ ،‬عن جماهد‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫"( ‪)7‬‬
‫رضي هللا عنهما‪ ،‬وقد نبه أبو ذر يف نسخته على ذلك‬

‫)‪" (1‬النكت على كتاب ابن الصالح"(‪.)114/1‬‬


‫)‪" (2‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)90:‬‬
‫)‪" (3‬شرح علل الرتمذي"(‪.)163/1‬‬
‫)‪(4‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب أحاديث األنبياء– ابب قول هللا {واذكر يف الكتاب مرمي إذ انتبذت من أهلها} [مرمي‪ – ]16 :‬رقم(‪.)3438‬‬
‫فأمحر‪ :‬أبيض مشرب ِبمرة‪ .‬جعد‪ :‬يف شعره انثناء‪ .‬آدم‪ :‬فيه مسرة‪ .‬جسيم‪ :‬كثري اللحم‪ .‬سبط‪ :‬هو خالف اْلعد‪ .‬الزط‪ :‬جنس طوال من السودان‪.‬‬
‫)‪" (5‬إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطالين‪ ،)414/5( ،‬املطبعة الكربى األمريية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)‪" (6‬التوضيح لشرح اْلامع الصحيح" َلبن امللقن‪ ،)560/19( ،‬دار النوادر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫)‪" (7‬فتح الباري" (‪.)96/13‬‬

‫‪134‬‬
‫واحلديث يف نسخة أيب ذر اهلروي من رواية ابن عباس وليس من رواية ابن عمر‪.‬‬
‫وذكر ابن عمر وهم من أحد رواته‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال البخاري‪ :‬حدثنا عبد هللا بن يوسف‪ :‬أخربان مالك‪ ،‬عن محيد‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬أن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم هى عن بيع الثمار حَ تزهي‪ ،‬فقيل له‪ :‬وما تزهيق قال‪ :‬حَ حتمر‪.‬‬
‫»(‪.)1‬‬
‫فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أرأيت إذا منع هللا الثمرة‪ ،‬مب أيخذ أحدكم مال أخيه‬
‫قال الدارقطين‪" :‬وقد خالف مالكاً مجاعة منهم إمساعيل بن جعفر وابن املبارك وهشيم ومروان ويزيد بن هارون وغريهم‬
‫"(‪)2‬‬
‫قالوا فيه قال أنس‪ :‬أرأيت إن منع هللا الثمرة‬
‫قال ابن حجر‪" :‬سبق الدارقطّن إىل دعوى اْلدراج يف هذا احلديث أبو حامت وأبو مرعة الرامَين وابن خزمية وغري واحد‬
‫" ( ‪)3‬‬
‫من أئمة احلديث كما أوضحته يف كتايب تقريب املنهج برتتيب املدرج‬
‫وقال ابن أيب حامت يف العلل‪" :‬هذا خطأ؛ إَّنا هو كالم أنس‬
‫"(‪)4‬‬

‫(‪ )3‬قال احلاكم‪ :‬وحدثنا علي بن محشاذ‪ ،‬ثنا علي بن عبد العزيز‪ ،‬ثنا احلضرمي حممد بن شجاع‪ ،‬أنبأ املبارك بن سعيد‪،‬‬
‫عن عمر بن سعيد‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬رضي هللا عنهما قال‪« :‬كان أحب الطعام إىل رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫»(‪)5‬‬
‫وسلم الثريد‬
‫وقال احلاكم‪" :‬هذا حديث صحيح اْلسناد وِل َيرجاه فإن عمر بن سعيد هذا أخو سفيان واملبارك ابنا سعيد‪.‬‬
‫فهذا إسناد ظاهره الصحة‪ ،‬وقد صححه احلاكم ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫وجبمع طرقه تبني أن يف إسناده رجال جمهوَل رواه عن عكرمة‪ ،‬وقد سقط من رواية احلاكم‪.‬‬
‫وقد أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬فقال‪ :‬حدثنا حممد بن حسان السميت‪ ،‬حدثنا املبارك بن سعيد‪ ،‬عن عمر بن سعيد‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬من أهل البصرة عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪" :‬كان أحب الطعام إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الثريد‬
‫"(‪.)6‬‬
‫من اخلبز‪ ،‬والثريد من احليس‬
‫قال أبو داود‪ :‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪ " :‬إذا وقعت العلة يف اْلسناد قد تقدح وقد َل تقدح وإذا قدحت فقد ختصه وقد تستلزم القدح‬
‫"(‪)7‬‬
‫يف املنت‪ ،‬وكذا القول يف اْلسناد فاألقسام على هذا ستة‬
‫ومن خالل كالم احلافظ ابن حجر ميكن تقسيم العلة بعدة اعتبارات‪:‬‬

‫)‪(1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب البيوع– ابب إذا ابع الثمار قبل أن يبدو صالحها‪ ،‬مث أصابته عاهة فهو من البائع– رقم(‪.)2198‬‬
‫)‪"(2‬اْللزامات والتتبع للدارقطّن"(‪ ،)360/1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫)‪"(3‬فتح الباري" (‪.)360/1‬‬
‫)‪"(4‬العلل َلبن أيب حامت"(‪ ،)610/3‬مطابع احلميضي‪.‬‬
‫)‪(5‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪ :‬كتاب األطعمة‪ –)129/4( -‬رقم(‪.)7117‬‬
‫)‪(6‬أخرجه أبو داود‪ :‬كتاب ‪ -‬ابب يف أكل الثريد– رقم(‪.)3783‬‬
‫)‪ "(7‬النكت على كتاب ابن الصالح"(‪َ )115/1‬لبن حجر العسقالين‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫تقسيمات العلة‪:‬‬
‫[‪ ]6‬تقسيم العلة حبسب أتثريها‪ :‬فالعلة ِبسب َتثريها على قسمني‪:‬‬
‫(‪ )1‬علة قادحة‪ :‬وهي العلة اليت يُ ّ‬
‫ضعف احلديث من أجلها‪.‬‬
‫(‪ )2‬علة غري قادحة‪ :‬وهي العلة اليت َل يُضعف هبا احلديث‪.‬‬
‫[‪ ]7‬تقسيم العلة حبسب حملها‪ :‬فالعلة ِبسب حملها على قسمني أيضاً‪:‬‬
‫(‪ )1‬علة يف اإلسناد‪ :‬وهي العلة اليت تقع يف إسناد احلديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬علة يف املنت‪ :‬وهي العلة اليت تقع يف منت احلديث‪.‬‬
‫املنت بَِقطْ ِع ُم ْسنَ ِد‬
‫قال احلافظ العراقي يف ألفيته‪ :‬وْهي َِجتيء َغالِباً يف ال هسنَ ِد ‪ ...‬تَ ْق َدح يف ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫[‪ ]8‬تقسيم العلة حبسب أتثريها وحملها معاً‪:‬‬
‫من خالل التقسيمني السابقني ميكن لنا ظهور هذا التقسيم الثالث‪ ،‬فاألقسام على هذا ستة‪:‬‬
‫(‪ )1‬إذا كانت العلة يف اإلسناد وال تقدح مطلقا‪ :‬مثل ما يوجد مثالً من حديث مدلس ابلعنعنة‪ ،‬فإن ذلك علة‬
‫توجب التوقف عن قبوله‪ ،‬فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح فيها ابلسماع تبني أن العلة غري قادحة‪.‬‬
‫وكذا إذا اختلف يف اْلسناد على بعض رواته‪ ،‬فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه‪ ،‬فإن أمكن اْلمع بينها على طريق‬
‫أهل احلديث ابلقرائن اليت حتف اْلسناد تبني أن تلك العلة غري قادحة‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذا كانت العلة يف اإلسناد وتقدح فيه دون املنت‪ :‬مثل من بدهل راوَي ثقةً بر ٍّاو ثقةٍّ‪.‬‬
‫فإن استبدل ثقة بضعيف‪ ،‬وتبني الوهم فيه استلزم القدح يف املنت أيضاً إن ِل يكن له طريق أخرى صحيحة‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬إذا كانت العلة يف املنت دون اإلسناد وال تقدح فيهما‪ :‬مثل ما وقع من اختالف ألفاظ كثرية من أحاديث‬
‫الصحيحني إذا أمكن رد اْلمع إىل معىن واحد‪ ،‬فإن القدح ينتفي عنها‪.‬‬
‫(‪ )4‬إذا كانت العلة يف املنت واستلزمت القدح يف اإلسناد‪ :‬مثل ما يرويه راو ابملعىن الذي ظنه‪ ،‬واملراد بلفظ احلديث‬
‫غري ذلك‪ ،‬فإن ذلك يستلزم القدح يف الراوي فيعلل اْلسناد‪.‬‬
‫(‪ )5‬إذا كانت العلة يف املنت دون اإلسناد‪ :‬مثل ما أخرجه مسلم يف صحيحه عن أنس بن مالك‪ ،‬أنه رضي هللا عنه‪،‬‬
‫قال‪ " :‬صليت خلف النيب صلى هللا عليه وسلم وأيب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬فكانوا يستفتحون ب احلمد هلل رب العاملني‪،‬‬
‫"(‪)1‬‬
‫َل يذكرون"بسم هللا الرمحن الرحيم"[الفاحتة‪ ]1 :‬يف أول قراءة وَل يف آخرها‬
‫فهذا احلديث سنده صحيح ومتنه ضعيف لوجود العلة فيه وهو أن األكثرين إَّنا قالوا فيه فكانوا "يستفتحون القراءة‬
‫ابحلمد هلل رب العاملني من غري تعرض لنفي البسملة وهكذا اتفق الشيخان على إخراجه فمن رواه كاللفظ املتقدم وفهم‬
‫من قوله" كانوا يستفتحون ابحلمد أهم كانوا َل يبسملون فصرح به وأخطأ ألنه قد ثبت عن أنس أنه سئل عن اَلفتتاح‬
‫ابلبسملة فذكر أنه َل حيفظ فيه شيئا عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫واْلواب أن يف قول ابن الصالح مع سائر األوصاف ما يدفع هذا اَلعرتاض ألن من مجلتها انتفاء العلة وهي ها هنا‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الصالة– ابب حجة من قال َل جيهر ابلبسملة– رقم (‪.)399‬‬

‫‪136‬‬
‫موجودة فليس صحة اْلسناد وحده مقتضيا للصحة حَ يرد هذا نعم ينبغي التأمل والنظر بني قوهلم هذا حديث‬
‫صحيح وهذا إسناد صحيح وبينهما فرق فإن الثاين يريدون به اتصال اْلسناد وعدم انقطاعه َل جودة الرجال فرمبا كان‬
‫"(‪)1‬‬
‫منت احلديث ضعيفا وإسناده‬
‫[‪ ]9‬حكم احلديث املعل‪ :‬احلديث املعل بعلة قادحة‪ ،‬ضعيف مردود‪ ،‬سواء كانت العلة يف السند‪ ،‬أو يف املنت‪.‬‬
‫[‪ ]10‬أشهر املصنفات يف علم علل احلديث‪:‬‬
‫(‪ )1‬كتاب العلل‪ ،‬لعلي بن املديّن‪.‬‬
‫(‪" )2‬علل احلديث"‪َ ،‬لبن أيب حامت الرامي‪.‬‬
‫(‪" )3‬العلل ومعرفة الرجال"‪ ،‬ألمحد بن حنبل‪.‬‬
‫(‪" )4‬العلل الكبري"‪ ،‬و"العلل الصغري"‪ ،‬للرتمذي‪.‬‬
‫(‪" )5‬العلل الواردة يف األحاديث النبوية" للدارقطّن‪.‬‬

‫)‪ "(1‬النكت على مقدمة ابن الصالح"(‪ )118/1‬للزركشي‪ ،‬الناشر‪ :‬أضواء السلف – الرَيض‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫أقسام احلديث ابلنسبة إىل من أسند إليه‬
‫أوال‪ :‬احلديث القدسي‬
‫[‪ ]1‬تعريفه‪:‬‬
‫احلديث القدسي لغة‪ :‬كلمة القدسي‪ ،‬نسبة إىل التقديس‪ ،‬وهي نسبة تدل على التشريف والتعظيم‪ ،‬ألن مادة هذه‬
‫يس هو تَْن ِزيهُ هللا تعاىل‪ .‬والتقديس هو التطهري‪ .‬ومنه األرض املقدسة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكلمة تدل على التنزيه والتطهري يف اللغة‪ .‬فالته ْقد ُ‬
‫وبيت املقدس‪.‬‬
‫ويقا ُل‪ :‬ال َقدُّوس فَ ُّعول ِم َن ال ُق ْدس‪َ ،‬وُه َو الطه َه َارةُ‪ .‬وتقدس‪ :‬أي تطهر‪ ،‬وقد قال هللا تعاىل حكاية عن مالئكته‪َ " :‬وَْحن ُن‬
‫ك" [البقرة‪ ،] :‬أي نعظمك ونكربك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫س لَ َ‬
‫نُ َسبّ ُح ِبَ ْمد َك َونُ َق ّد ُ‬
‫(‪.)1‬‬

‫ويقال له أيضا‪ :‬احلديث اْلهلي‪ ،‬أو الرابين‪.‬‬


‫احلديث القدسي اصطالحا‪ :‬هو ما َ‬
‫أخرب هللا تعاىل به نبيه إبهلام‪ ،‬أو مقام‪ ،‬فأخرب الرسول عليه الصالة والسالم عن ذلك‬
‫(‪.)2‬‬
‫املعىن بعبارة من نفسه‬
‫[‪ ]2‬الفرق بني احلديث القدسي وبني القرآن‪:‬‬
‫إذا نظران إىل ماهية احلديث القدسي‪ ،‬وإىل خصائص القرآن الكرمي وجدان أن هناك فروقا كثرية بينهما‪ ،‬منها‪:‬‬
‫السالم بلفظه ومعناه‪ ،‬أما احلديث القدسي فيوحى‬
‫(‪ )1‬أن القرآن الكرمي موحى به بوحي جلي‪ ،‬على لسان جربيل عليه ّ‬
‫مبعناه بكل صور الوحي‪ ،‬ومنها النفث يف الروع‪ ،‬واْلهلام‪ ،‬واملنام‪.‬‬
‫وقال الطيىب‪" :‬القرآن هو اللفظ املنزل به جربيل على النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والقدسي إخبار هللا معناه ابْلهلام أو‬
‫"(‪.)3‬‬
‫ابملنام فأخرب النيب أمته بعبارة نفسه‪ ،‬وسائر األحاديث ِل يضفها إىل هللا تعاىل وِل يروها عنه تعاىل‬
‫(‪ )2‬أن لفظ القرآن معجز‪ ،‬عجز العرب‪ ،‬وهم أرابب الفصاحة والبالغة أن أيتوا مبثل أقصر سورة منه‪ ،‬ووقفوا عاجزين‬
‫عن املعارضة‪ ،‬بعد أن حتداهم رسول هللا صلّى هللا عليه وسلم‪ِ ،‬بالف احلديث القدسي‪ ،‬فإنه ليس معجزا‪ ،‬لذلك جتوم‬
‫روايته ابملعىن‪ ،‬وَل جيوم ذلك مع القرآن‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن القرآن الكرمي َل ينسب إَل إىل هللا تعاىل‪ِ ،‬بالف احلديث القدسي‪ ،‬فإنه قد يروى مضافا إىل هللا تعاىل وينسب‬
‫إليه نسبة إنشاء‪ ،‬وقد يضاف إىل الرسول صلّى هللا عليه وسلم وينسب إليه نسبة إخبار؛ ألنه صلى هللا عليه وسلم هو‬
‫عز وجل‪.‬‬ ‫عز وجل فيقال‪ :‬قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ّ‬ ‫املخرب به عن هللا ّ‬
‫عز‬
‫(‪ )4‬القرآن َل يثبت إَل ابلتواتر‪ ،‬لذلك فجميعه قطعي الثبوت‪ ،‬وهو حمفوظ من التغيري والتبديل‪ ،‬مصداقا لقول هللا ّ‬
‫وجل‪ :‬إِ هان َْحن ُن نَهزْلنَا ال ِّذ ْكَر َوإِ هان لَهُ َحلافِظُو َن" [ احلجر‪ ،]9 :‬أما احلديث القدسي فال يشرتط لثبوته التواتر‪ ،‬فقد يكون‬

‫)‪" (1‬لسان العرب" َلبن منظور‪ "،)168/6( ،‬القاموس احمليط"(‪.)565، 564/1‬‬


‫)‪" (2‬اْلحتافات السنية ابألحاديث القدسية" للمناوي‪( ،‬ص‪.)6:‬‬
‫)‪" (3‬قواعد التحديث" للقامسي‪( ،‬ص‪.)66:‬‬
‫‪138‬‬
‫آحادا‪ ،‬وقد يكون متواترا‪ ،‬فمنه قطعي الثبوت ومنه ظّن الثبوت‪ ،‬ومنه الصحيح‪ ،‬واحلسن والضعيف‪ ،‬بل ومنه املوضوع‪.‬‬
‫مسه للمحدث‪ ،‬كما َل جتوم قراءته للجنب‪ ،‬كما ذهب إىل ذلك مجهور الفقهاء‪ ،‬وَها جائزان مع‬ ‫(‪ )5‬القرآن َل جيوم ّ‬
‫احلديث القدسي‪.‬‬
‫(‪ )6‬القرآن متعبد بتالوته‪ ،‬فهو املتعني للقراءة يف الصالة‪" :‬فَاقْ رُؤا ما تَي هسر ِمن الْ ُقر ِ‬
‫آن" [املزمل‪ ]20 :‬وجمرد قراءته عبادة‪،‬‬‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فللتايل عشر حسنات بكل حرف يتلوه من حروفه‪ ،‬وليس ذلك للحديث القدسي‪.‬‬
‫(‪ )7‬جاحد القرآن أو شيء منه يكفر ألنه متواتر قطعي الثبوت‪ ،‬وليس كذلك احلديث القدسي‪.‬‬
‫[‪ ]3‬الفرق بني احلديث القدسي واحلديث النبوي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الفرق بينهما من حيث نسبة كل منهما إىل قائله‪ :‬احلديث النبوي قسمان‪:‬‬
‫(‪ )1‬قسم توقيفي‪ :‬وهو الذي تلقى الرسول صلى هللا عليه وسلم مضمونه من الوحي فبيهنه للناس بكالمه‪ ،‬وهذا القسم‬
‫يُنسب إىل الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ألن الكالم إَّنا يُنسب إىل قائله وإن كان ما فيه من املعىن قد تلقاه عن غريه‪.‬‬
‫(‪ )2‬قسم توفيقي‪ :‬وهو الذي استنبطه الرسول صلى هللا عليه وسلم من فهمه للقرآن‪ ،‬ألنه ِّ‬
‫مبني له‪ ،‬أو استنبطه ابلتأمل‬
‫قطعا‪.‬‬
‫واَلجتهاد‪ ،‬فإذا سكت عنه القرآن كان صوااب‪ ،‬وإذا كان فيه خطأ بينه القرآن‪ ،‬وليس هذا القسم كالم هللا ً‬
‫ويتبني من ذلك‪ :‬أن األحاديث النبوية بقسميها‪ :‬التوقيفي‪ ،‬والتوفيقي اَلجتهادي الذي أقره الوحي‪ ،‬ميكن أن يقال فيها‬
‫مجيعا جبملتها إىل الوحي‪ ،‬وهذا معىن قوله تعاىل يف رسولنا‪ ,‬صلى هللا عليه وسلم‪َ " :‬وَما يَْن ِط ُق َع ِن ا ْهلََوى‪ ،‬إِ ْن ُه َو‬
‫إن مردها ً‬
‫ِ‬
‫وحى" [ النجم‪.]4-3 :‬‬ ‫إهَل َو ْح ٌي يُ َ‬
‫واحلديث القدسي معناه من عند هللا عز وجل‪ ،‬يُلْ َقى إىل الرسول صلى هللا عليه وسلم بكيفية من كيفيات الوحي‪َ -‬ل‬
‫على التعيني‪ -‬أما ألفاظه فمن عند الرسول صلى هللا عليه وسلم على الراجح ونسبته إىل هللا تعاىل نسبة ملضمونه َل نسبة‬
‫أللفاظه‪ ،‬ولو كان لفظه من عند هللا ملا كان هناك فرق بينه وبني القرآن‪ ،‬ولوقع التحدي ِبسلوبه والتعبد بتالوته‪.‬‬
‫مالحظتان‪:‬‬
‫(‪ )1‬حنن نقطع يف احلديث القدسي بنزول معناه من عند هللا لورود النص الشرعي على نسبته إىل هللا بقوله‪ ،‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪" :‬قال هللا تعاىل‪ ،‬أو يقول هللا تعاىل"‪ ،‬ولذا مسيناه قدسيًّا‪ِ ،‬بالف األحاديث النبوية فإها ِل يرد فيها مثل هذا‬
‫النص‪ ،‬وجيوم يف كل واحد منها أن يكون مضمونه معله ًما ابلوحي"أي توقيفيًّا"‪ ،‬وأن يكون مستنبطًا ابَلجتهاد "أي‬
‫نبوَي وقوفًا ابلتسمية عند احلد املقطوع به‪ ،‬ولو كان لدينا ما مييز الوحي التوقيفي لسميناه قدسيًّا‬
‫توفيقيًّا"‪ ،‬ولذا مسينا الكل ًّ‬
‫كذلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬لفظ احلديث القدسي من الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ولكنه ينسب إىل هللا تعاىل‪ ،‬وهذا سائغ يف اللغة العربية‪،‬‬
‫حيث ينسب الكالم ابعتبار مضمونه َل ابعتبار ألفاظه ‪ ،‬وأمثلته كثرية يف القرآن الكرمي‪ ،‬فقصة آدم وإبليس‪ ،‬واحلوار بني‬
‫إبليس وربه يف مسألة األمر ابلسجود‪ ،‬جاءت يف القرآن ِبلفاظ خمتلفة‪ ،‬لكن املضمون واحد‪ ،‬والواقعة واحدة ِل تتكرر‪،‬‬
‫وكذلك حوار فرعون مع موسى‪ ،‬وقصة السحرة‪ ،‬أوردها القرآن على ألسنة أصحاهبا ِبلفاظ خمتلفة‪ ،‬والواقعة واحدة‪ ،‬ألن‬
‫القرآن حيكي معىن ومضمون القصة‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫اثنيا‪ :‬الفرق بينهما من حيث الداللة على األحكام الشرعية‪:‬‬
‫تكاد ختلو األحاديث القدسية من األحكام التكليفية‪ ،‬ومن اْلجابة عن مسائل معينة‪ ،‬أو معاْلة وقائع معينة‪ ،‬وإَّنا‬
‫عز وجل وكمال قدرته وعظمته وسعة‬ ‫املالحظ أها تؤدي نوعا من التوجيه الرابين العظيم‪ ،‬مما يتعلق بصحة العقيدة ابهلل ّ‬
‫رمحته‪ ،‬وبسالمة السلوك وصحة العمل الذي ينسجم مع تلك العقيدة‪.‬‬
‫بينما األمر خمتلف يف األحاديث ال نبوية‪ ،‬فهي تشتمل فيما تشتمل عليه على أحاديث األحكام‪ ،‬سواء ابلسنة القولية أو‬
‫الفع لية أو التقريرية‪ ،‬إضافة إىل معاْلتها للوقائع واألحداث‪ ،‬ومشوهلا ْلميع اْلوانب‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬الفرق بينهما من حيث درجة الثبوت‪:‬‬
‫األحاديث القدسية واألحاديث النبوية سواء يف طرق ثبوهتا‪ ،‬فقد تثبت ابلتواتر‪ ،‬أو ابآلحاد‪ ،‬وختضع يف احلكم عليها لعلم‬
‫اْلرح والتعديل يف دراسة أسانيدها‪ ،‬فيكون منها مجيعا الصحيح‪ ،‬واحلسن‪ ،‬والضعيف‪ ،‬بل واملوضوع‪.‬‬
‫[‪ ]4‬من أمثلة احلديث القدسي‪:‬‬
‫(‪ )1‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬قال هللا تبارك‬
‫الش ْرِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال أَ ْشَرَك فِ ِيه َمعِي َغ ِْريي‪ ،‬تََرْكتُهُ َو ِش ْرَكهُ"‬ ‫ِ‬
‫وتعاىل‪" :‬أ ََان أَ ْغ َىن الشَُّرَكاء َع ِن ِّ‬
‫(‪.)1‬‬

‫(‪ )2‬ما أخرجه الشيخان‪ ،‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬يقول هللا تعاىل‪" :‬أ ََان ِعْن َد‬
‫ظَ ِّن َعْب ِدي ِيب‪َ ،‬وأ ََان َم َعهُ إِذَا ذَ َكَرِين‪ ،‬فَِإ ْن ذَ َكَرِين ِيف نَ ْف ِس ِه ذَ َك ْرتُهُ ِيف نَ ْف ِسي‪َ ،‬وإِ ْن ذَ َكَرِين ِيف َم ٍَّإل ذَ َك ْرتُهُ ِيف َم ٍَّإل َخ ٍّْري ِمْن ُه ْم‪،‬‬
‫ت إِلَْي ِه َاب ًعا‪َ ،‬وإِ ْن أ ََاتِين ميَْ ِشي أَتَْي تُهُ َه ْرَولَةً"‬ ‫يل بِ ِش ٍّرب تَ َقهربت إِلَي ِه ِذراعا‪ ،‬وإِ ْن تَ َقهرب إِ َه ِ‬ ‫وإِ ْن تَ َقهر َ ِ‬
‫اعا تَ َقهربْ ُ‬
‫يل ذ َر ً‬ ‫ب إ َه ْ ْ ُ ْ َ ً َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )3‬ما أخرجه الرتمذي يف سننه بسند صحيح‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬مسعت رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ِ‬
‫يك َوََل أ َُابِيل‪ََ ،‬ي ابْ َن‬ ‫ك َعلَى َما َكا َن ف َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫هك َما َد َع ْوتَِّن َوَر َج ْوتَِّن َغ َف ْر ُ‬ ‫آد َم إِن َ‬ ‫وسلم يقول‪" :‬قال هللا تبارك وتعاىل‪ََ " :‬ي ابْ َن َ‬
‫اب األ َْر ِ‬ ‫هك لَو أَتَْي تَِّن بِ ُقر ِ‬ ‫ك‪ ،‬وََل أُابِيل‪َ ،‬ي ابْن َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َخطَ َاَي مثُه‬ ‫َ‬ ‫آد َم إن َ ْ‬ ‫ت لَ َ َ َ َ َ‬ ‫استَ ْغ َف ْرتَِّن َغ َف ْر ُ‬
‫ك َعنَا َن ال هس َماء مثُه ْ‬ ‫ت ذُنُوبُ َ‬‫آد َم لَ ْو بَلَغَ ْ‬
‫َ‬
‫ِ "(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫ك بِ ُقَر ِاهبَا َم ْغفَرةً‬
‫لَقيتَِّن ََل تُ ْش ِرُك ِيب َشْي ئًا َألَتَْي تُ َ‬
‫(‪ )4‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬عن أيب ذر رضي هللا عنه ‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيما روى عن هللا تبارك‬
‫ال إِهَل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ٌّ‬‫ت الظُّْل َم َعلَى نَ ْفسي‪َ ،‬و َج َع ْلتُهُ بَْي نَ ُك ْم ُحمَهرًما‪ ،‬فَ َال تَظَالَ ُموا‪ََ ،‬ي عبَادي ُكلُّ ُك ْم َ‬ ‫وتعاىل أنه قال‪ََ " :‬ي عبَادي إِِّين َحهرْم ُ‬
‫ار‪ ،‬إِهَل‬ ‫استَطْعِم ِوين أُطْعِ ْم ُك ْم‪ََ ،‬ي ِعبَ ِادي ُكلُّ ُك ْم َع ٍّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫استَ ْه ُدوين أ َْهد ُك ْم‪ََ ،‬ي عبَادي ُكلُّ ُك ْم َجائ ٌع‪ ،‬إهَل َم ْن أَطْ َع ْمتُهُ‪ ،‬فَ ْ ُ‬ ‫َم ْن َه َديْتُهُ‪ ،‬فَ ْ‬
‫استَ غْ ِف ُر ِوين أَ ْغ ِف ْر‬ ‫ِ‬
‫وب َمج ًيعا‪ ،‬فَ ْ‬ ‫هها ِر‪َ ،‬وأ ََان أَ ْغ ِفر ُّ‬
‫الذنُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْس ِوين أَ ْك ُس ُك ْم‪ََ ،‬ي عبَادي إِنه ُك ْم ُختْطئُو َن ِابللهْي ِل َوالن َ‬ ‫استَك ُ‬ ‫َم ْن َك َس ْوتُهُ‪ ،‬فَ ْ‬
‫آخَرُك ْم َوإِنْ َس ُك ْم‬ ‫لَ ُكم‪َ ،‬ي ِعب ِادي إِنه ُكم لَن تَب لُغُوا ض ِري فَتضُّر ِوين ولَن تَب لُغُوا نَ ْفعِي‪ ،‬فَت ْن َفع ِوين‪َ ،‬ي ِعب ِادي لَو أَ هن أ هَولَ ُكم و ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َّ َ ُ َ ْ ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫آخَرُك ْم َوإِنْ َس ُك ْم‬ ‫اح ٍّد ِمْن ُكم‪ ،‬ما ماد ذَلِك ِيف م ْل ِكي َشي ئا‪َ ،‬ي ِعب ِادي لَو أَ هن أ هَولَ ُكم و ِ‬ ‫ب رج ٍّل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ًْ َ َ‬ ‫ْ َ ََ َ ُ‬ ‫َوجنه ُك ْم َكانُوا َعلَى أَتْ َقى قَ ْل َ ُ َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الزهد والرقائق– ابب من أشرك يف عمله غري هللا– رقم(‪.)2985‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب التوحيد– ابب قول هللا تعاىل‪{ :‬وحيذركم هللا نفسه} [آل عمران‪ – ]28 :‬رقم(‪.)7405‬‬
‫ومسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة– ابب احلث على ذكر هللا تعاىل– رقم(‪.)2675‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الدعوات– ابب – رقم(‪.)3540‬‬
‫‪140‬‬
‫آخَرُك ْم َوإِنْ َس ُك ْم‬ ‫اح ٍّد‪ ،‬ما نَ َقص ذَلِك ِمن م ْل ِكي َشي ئا‪َ ،‬ي ِعب ِادي لَو أَ هن أ هَولَ ُكم و ِ‬ ‫ب رج ٍّل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ًْ َ َ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َوجنه ُك ْم َكانُوا َعلَى أَفْ َج ِر قَ ْل َ ُ َ‬
‫ط إِذَا‬ ‫ص الْ ِم ْخيَ ُ‬ ‫ان مسأَلَتَهُ‪ ،‬ما نَ َقص ذَلِ َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫وِجنه ُكم قَاموا ِيف ِ ٍّ ِ ٍّ‬
‫صعيد َواحد فَ َسأَلُ ِوين فَأ َْعطَْي ُ‬
‫ك ممها عْندي إهَل َك َما يَْن ُق ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ُك هل إنْ َس َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َيها لَ ُك ْم‪ ،‬مثُه أ َُوفّي ُك ْم إِ هَي َها‪ ،‬فَ َم ْن َو َج َد َخْي ًرا‪ ،‬فَ ْليَ ْح َمد هللاَ َوَم ْن َو َج َد َغْي َر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ُْد ِخل الْبحر‪َ ،‬ي عبادي إِهَّنَا هي أ َْعمالُ ُكم أُح ِ‬
‫ِ‬
‫َ َ ْ ْ‬ ‫َ َ َْ َ َ‬
‫وم هن إِهَل نَ ْف َسهُ"‬ ‫ِ‬
‫ك‪ ،‬فَ َال يَلُ َ‬
‫ذَل َ‬
‫(‪.)1‬‬

‫(‪ )5‬ما أخرجه الشيخان‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيما يروي عن ربه عز وجل‬
‫ك‪ ،‬فَ َم ْن َه هم ِِبَ َسنَ ٍّة فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَ بَ َها ا هَّللُ لَهُ ِعْن َدهُ َح َسنَةً َك ِاملَةً‪،‬‬ ‫ات مثُه ب ه ِ‬‫ات وال هسيِئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬قال‪" :‬إِ هن ه‬
‫ني َذل َ‬
‫ََ‬ ‫ب احلَ َسنَ َ َّ‬ ‫اَّللَ َكتَ َ‬
‫اف َكثِ َريةٍّ‪َ ،‬وَم ْن َه هم بِ َسيِّئَ ٍّة فَلَ ْم‬
‫َضع ٍّ‬ ‫ِ ِ ِ ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫اَّللُ لَهُ عْن َدهُ َع ْشَر َح َسنَات إِ َىل َسْب ِع مائَة ض ْعف إِ َىل أ ْ َ‬
‫فَِإ ْن هو ه هم ِهبا فَع ِملَها َكت ب ها ه ِ‬
‫ُ َ َ َ َ َ ََ َ‬
‫اَّلل لَه ِعْن َده حسنَةً َك ِاملَةً‪ ،‬فَِإ ْن هو ه هم ِهبا فَ ع ِملَها َكت ب ها ا هَّلل لَه سيِئةً و ِ‬
‫اح َد ًة‬ ‫يَ ْع َم ْل َها َكتَ بَ َها هُ ُ ُ َ َ‬
‫"(‪.)2‬‬
‫ُ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َّ َ‬
‫صيَ ُغ روايته‪ :‬لراوي احلديث القدسي صيغتان يروي احلديث ِبيهما شاء‪ ،‬وَها‪:‬‬ ‫[‪ِ ]5‬‬
‫(‪ )1‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل‪.‬‬
‫(‪ )2‬أو قال هللا تعاىل‪ ،‬فيما رواه عنه رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]6‬أشهر املصنفات يف األحاديث القدسية‪:‬‬
‫(‪" )1‬اْلحتافات السنية ابألحاديث القدسية"‪ ،‬لعبد الرءوف املناوي‪ ،‬مجع فيه ‪ 272‬حديثا‪.‬‬
‫(‪" )2‬األحاديث القدسية مجعا ودراسة"‪ ،‬للدكتور عمر علي عبد هللا حممد‪ ،‬مكتبة جامع العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬واشتمل كتابه على ثالث وَثانني وأربعمائة حديث‪ ،‬الصحيح واحلسن منها اثنان وثالَثائة حديث‪.‬‬
‫(‪" ) 3‬األحاديث القدسية األربعينية" للمال علي القاري‪ ،‬ويشتمل على أربعني حديثا‪.‬‬
‫(‪ )4‬املقاصد السنية يف األحاديث اْلهلية"‪ ،‬لعلي بن بلبان املقدسي‪ ،‬ويشتمل على مائة حديث‪.‬‬
‫(‪ )5‬اْلامع يف األحاديث القدسية"‪ ،‬عبد السالم بن حممد بن عمر علوش‪.‬‬
‫(‪" )6‬اْلواهر السنية يف األحاديث القدسية"‪ ،‬حممد بن احلسن العاملي‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الرب والصلة– ابب حترمي الظلم– رقم(‪.)2577‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب الرقاق – ابب من هم ِبسنة أو بسيئة– رقم(‪.)6491‬‬
‫ومسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان– ابب إذا هم العبد ِبسنة كتبت‪ ،‬وإذا هم بسيئة ِل تكتب– رقم(‪.)131‬‬
‫‪141‬‬
‫اثنيا‪ :‬احلديث املرفوع‬
‫[‪ ]1‬تعريف احلديث املرفوع لغة واصطالحا‪:‬‬
‫املرفوع لغةً‪ :‬اسم مفعول من الفعل رفع يرفع رفاعة‪ ،‬فهو رفيع إذا شرف‪ ،‬والرفعة‪ :‬نقيض الذلة‪ ،‬وهي أيضا خالف‬
‫(‪.)1‬‬
‫الضعة‬
‫كأنه مسي بذلك؛ لنسبته إىل صاحب املقام الرفيع‪ ،‬وهو النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫املرفوع‬
‫تعريف اخلطيب البغدادي‪:‬‬
‫قال اخلطيب‪" :‬واملرفوع‪ :‬ما أخرب فيه الصحايب عن قول الرسول صلى هللا عليه وسلم أو فعله‬
‫"(‪.)2‬‬

‫فخصصه ابلصحايب‪ ،‬فيخرج عنه مرسل التابعي عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫فإما أن يقصد اخلطيب ابملرفوع املتصل يف مقابلة غري املرفوع وهو املرسل‪ ،‬أو أن حيمل كالمه على الغالب‪ ،‬وهو أن أكثر‬
‫األحاديث املرفوعة يرفعها الصحايب‪.‬‬
‫وإَل فإن التقييد ابلصحايب َل يصح‪ ،‬ألن املرفوع‪ ،‬واملوقوف‪ ،‬واملقطوع‪ ،‬من صفات املنت‪ ،‬وليست من صفات السند‪.‬‬
‫تعريف ابن الصالح‪:‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬هو ما أضيف إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خاصة‪ ،‬وَل يقع مطلقه على غري ذلك‪ ،‬حنو‬
‫"(‪.)3‬‬
‫املوقوف على الصحابة وغريهم‬
‫والتعريف املختار‪ :‬ما أضيف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬أو صفة خلقية أو خلقية‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫أي هو ما نسب أو ما أسند إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وسواء كان هذا املضاف قوَل للنيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أو‬
‫منقطعا‪ ،‬فيدخل فيه‬
‫ً‬ ‫متصال كان اْلسناد‪ ،‬أو‬
‫فعال‪ ،‬أو تقريرا‪ ،‬أو صفة‪ ،‬وسواء كان املضيف هو الصحايب‪ ،‬أو من دونه‪ً ،‬‬
‫املرفوع املوصول‪ ،‬واملرسل‪ ،‬واملتصل‪ ،‬واملنقطع‪ ،‬هذا هو املشهور يف حقيقته‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪ " :‬ويدخل يف املرفوع املتصل‪ ،‬واملنقطع‪ ،‬واملرسل‪ ،‬وحنوها‪ ،‬فهو واملسند عند قوم سواء‪ ،‬واَلنقطاع‬
‫""(‪.)4‬‬
‫واَلتصال يدخالن عليهما مجيعا‬
‫[‪ ]2‬أقسام احلديث املرفوع‪ :‬يتبني من التعريف أن أقسام احلديث املرفوع أربعة أقسام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬املرفوع القويل‪ :‬وهو أن يقول الصحايب أو من دونه‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كذا‪ ،‬أو مسعته يقول كذا‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما أخرجه البخاري‪ ،‬بسنده عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إذا أحسن‬

‫)‪" (1‬لسان العرب" (‪.)130/8‬‬


‫)‪" (2‬الكفاية يف علم الرواية"(ص‪.)21:‬‬
‫)‪" (3‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)45 :‬‬
‫)‪" (4‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)45 :‬‬
‫‪142‬‬
‫أحدكم إسالمه‪ :‬فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثاهلا إىل سبع مائة ضعف‪ ،‬وكل سيئة يعملها تكتب له مبثلها‬
‫"( ‪.)1‬‬

‫(‪ )2‬املرفوع الفعلي‪ :‬وهو أن يقول الصحايب أو من دونه‪ :‬فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كذا‪ ،‬أو رأيته يفعل كذا‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما أخرجه البخاري بسنده‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪" :‬احتجم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو‬
‫"( ‪)2‬‬
‫حمرم‬
‫(‪ )3‬املرفوع التقريري‪ :‬وهو أن يقول الصحايب أو من دونه‪" :‬فُعِ َل كذا ِبضرة النيب صلى هللا عليه وسلم"‪.‬‬
‫وذلك ألن النيب صلى هللا عليه وسلم َل يسكت على منكر‪ ،‬أو خطأ‪ ،‬وَل يؤخر البيان عن وقته‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما أخرجه أبو داود يف سننه بسند صحيح‪ ،‬عن عمرو بن العاص رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬احتلمت يف ليلة ابردة يف‬
‫غزوة ذات السالسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت‪ ،‬مث صليت ِبصحايب الصبح فذكروا ذلك للنيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم فقال‪َ" :‬ي عمرو صليت ِبصحابك وأنت جنبق"‪.‬‬
‫فأخربته ابلذي منعّن من اَلغتسال وقلت إين مسعت هللا يقول‪":‬وَل تقتلوا أنفسكم إن هللا كان بكم رحيما"[النساء‪]29 :‬‬
‫"( ‪)3‬‬
‫فضحك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وِل يقل شيئا‬
‫لق أو ُخ ِ‬
‫لق رسول هللا صلى هللا‬ ‫(‪ )4‬املرفوع الوصفي‪ :‬وهو أن يقول الصحايب أو من دونه كالما من عنده يف وصف َخ ِ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫من أمثلته‪:‬‬
‫س‬‫(‪ )1‬ما أخرجه البخاري بسنده‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لَْي َ‬
‫س ِاب ْْلَ ْع ِد ال َقطَ ِط‪َ ،‬وَلَ ِابل هسْب ِط‪ ،‬بَ َعثَهُ ه‬
‫اَّللُ َعلَى َرأْ ِس‬ ‫ض األ َْمه ِق‪ ،‬ولَْي ِ ِ‬
‫س ابْآل َدم‪َ ،‬ولَْي َ‬‫َ َ َ‬
‫ص ِري‪َ ،‬وَلَ ِابألَبْيَ ِ‬ ‫ِابلطه ِو ِيل البائِ ِن‪ ،‬وَلَ ِابل َق ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ِيف َرأْسه َوحلْيَته ع ْش ُرو َن َش ْعَرًة بَْي َ‬
‫ضاءَ‬ ‫ني‪َ ،‬وِابلْ َمدينَة َع ْشَر سن َ‬
‫ني‪ ،‬فَتَ َوفهاهُ ه‬
‫اَّللُ َولَْي َ‬ ‫ني َسنَةً‪ ،‬فَأَقَ َام مبَ هكةَ َع ْشَر سن َ‬ ‫أ َْربَع َ‬
‫"( ‪)4‬‬

‫(‪ )2‬ما أخرجه البخاري ومسلم يف صحيحيهما‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪" :‬كان النيب صلى هللا عليه‬
‫الع ْذ َر ِاء ِيف ِخ ْد ِرَها‪ ،‬فَِإ َذا َرأَى َشْي ئًا يَكَْرُههُ َعَرْف نَاهُ ِيف َو ْجهه‬
‫ِ ِ"( ‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫َش هد َحيَاءً م َن َ‬ ‫وسلم أ َ‬
‫(‪ )3‬ما أخرجه أمحد يف مسنده بسند صحيح‪ ،‬عن سعد بن هشام‪ ،‬قال‪ :‬سألت عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬فقلت‪ :‬أخربيّن‬
‫( ‪)6‬‬
‫عن خلق رسول هللا صلى هللا عليه وسلمق فقالت‪ " :‬كان خلقه القرآن"‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان– ابب حسن إسالم املرء– رقم(‪.)42‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب جزاء الصيد– ابب احلجامة للمحرم– رقم(‪.)1835‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ :‬كتاب الطهارة– ابب إذا خاف اْلنب الربد أيتيمم– رقم(‪.)334‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب املناقب– ابب صفة النيب صلى هللا عليه وسلم – رقم(‪.)3548‬‬
‫أمهق‪ :‬خالص البياض‪ .‬آدم‪ :‬شديد السمرة‪ .‬جعد‪ :‬متكسر الشعر‪ .‬قطط‪ :‬شديد اْلعودة‪ .‬سبط‪ :‬مسرتسل الشعر ضد اْلعد‪.‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب األدب– ابب من ِل يواجه الناس ابلعتاب– رقم(‪.)6102‬‬
‫ومسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب الفضائل– ابب كثرة حيائه صلى هللا عليه وسلم– رقم(‪.)2320‬‬
‫العذراء‪ :‬البكر ألن عذرهتا ابقية وهي جلدة البكارة‪ .‬خدرها‪ :‬اخلدر سرت جيعل للبكر يف جنب البيت‪.‬‬
‫عرفناه يف وجهه‪ :‬أي َل يتكلم به حليائه بل يتغري وجهه فنفهم حنن كراهته‪.‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه أمحد يف مسنده‪ – )183/42( :‬رقم(‪.)25302‬‬
‫‪143‬‬
‫اثلثا‪ :‬احلديث املوقوف‬
‫[‪ ]1‬تعريف املوقوف لغة واصطالحا‪:‬‬
‫ِ‬
‫هار وقفا‬
‫ت الد َ‬
‫ت َوَوقَ ْفتُ َها أ ََان‪َ ،‬وَوقَ ْف ُ‬
‫ف َوْق ًفا َوُوقُوفًا َس َكنَ ْ‬ ‫املوقوف لغة‪ :‬اسم مفعول‪ ،‬من "الوقف"‪ .‬ويقال َوقَ َف ْ‬
‫ت الدهابهةُ تَق ُ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫ف أيضا تسمية ابملصدر‬ ‫حبستها يف سبيل هللا‪ ،‬وشيء موقوف َوَوْق ٌ‬
‫كأن الراوي وقف ابحلديث عند الصحايب‪ ،‬وِل يتجاومه‪.‬‬
‫املوقوف اصطالحا‪:‬‬
‫تعريف اخلطيب البغدادي‪:‬‬
‫قال اخلطيب‪" :‬واملوقوف ما أسنده الراوي إىل الصحايب وِل يتجاومه‬
‫"( ‪)2‬‬

‫التعريف املختار‪ :‬هو كل حديث أضيف إىل صاحب من أصحاب رسول هللا‪ ،‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة َخلقية‬
‫أو صفة ُخلقية‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫أي هو ما نسب أو أسند إىل صحايب‪ ،‬أو مجع من الصحابة؛ سواء كان هذا املنسوب إليهم قوَل‪ ،‬أو فعال‪ ،‬أو تقريرا‪ ،‬أو‬
‫صفة خلقية أو ُخلقية‪ ،‬سواء كان السند إليهم متصال‪ ،‬أو منقطعا‪.‬‬
‫ومسي موقوفا ألنه وقف به عند الصحايب‪ ،‬وِل يرتفع إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]2‬أمثلة احلديث املوقوف‪:‬‬
‫(‪ )1‬مثال املوقوف القويل‪ :‬ما أخرجه الدارمي بسند صحيح‪ ،‬عن األحنف‪ ،‬قال‪ :‬قال عمر‪":‬تَ َفق ُ‬
‫ههوا قَ ْب َل أَ ْن تُ َس هوُدوا‬
‫"( ‪)3‬‬

‫(‪ )2‬مثال املوقوف الفعلي‪ :‬ما أخرجه البيهقي بسند صحيح‪ ،‬عن سعيد بن جبري‪ ،‬قال‪ ":‬كان ابن عباس يف سفر معه‬
‫"( ‪)4‬‬
‫أانس من أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم فيهم عمار فصلى هبم وهو متيمم‬
‫[‪ ]3‬اصطالح فقهاء خراسان‪:‬‬
‫يسمي فقهاء خراسان املرفوع خربا‪ ،‬واملوقوف أثرا‪ ،‬ويشهد هلم كالم الشافعي رمحه هللا‪ ،‬فإنه غالبا يطلق األثر على كالم‬
‫الصحابة واحلديث على قول النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]4‬املوقوف لفظا ومرفوع حكما‪:‬‬
‫هناك صور من املوقوف يف ألفاظها وشكلها‪ ،‬لكن املدقق يف حقيقتها يرى أها مبعىن احلديث املرفوع‪ ،‬لذا أطلق عليها‬
‫العلماء اسم "املرفوع حكما" أي أها من املوقوف لفظا‪ ،‬املرفوع حكما‪.‬‬

‫)‪" (1‬الكفاية"(ص‪.)21:‬‬
‫)‪" (2‬الكفاية"(ص‪.)21:‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الدارمي يف سننه‪ :‬كتاب املقدمة– ابب يف ذهاب العلم – رقم(‪.)256‬‬
‫وذكره البخاري معلقا‪ ،‬كتاب العلم‪ -‬ابب اَلغتباط يف العلم واحلكمة‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ :‬كتاب الطهارة – ابب اْلنب أو احملدث جيد ماء لغسله وهو َياف العطش فيتيمم– رقم(‪.)1110‬‬
‫‪144‬‬
‫ومن هذه الصور‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يقول الصحايب ‪ -‬الذي ِل يعرف عنه األخذ عن أهل الكتاب‪ -‬قوَل َل جمال للعقل وَلجتهاد فيه‪ ،‬وليس له تعلق‬
‫ببيان لغة‪ ،‬أو شرح غريب‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫(أ) ما أخرجه احلاكم يف املستدرك‪ ،‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬عن سعيد بن جبري‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هيب صلهى هللا علَيهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِِ‬ ‫ِ‬
‫يل َعلَْيه ال هس َال ُم يُْن ِزلُهُ َعلَى النِ ِّ َ ُ َ ْ‬ ‫"فُص َل الْ ُق ْرآ ُن م َن ال ّذ ْكر‪ ،‬فَ ُوض َع يف بَْيت الْعهزة يف ال هس َماء الدُّنْيَا‪ ،‬فَ َج َع َل ج ْرب ُ‬
‫"( ‪)1‬‬
‫َو َسله َم‪َ ،‬ويَُرتِّلُهُ تَ ْرتِ ًيال"‬
‫فهذا أمر غييب‪َ ،‬ل جمال فيه لالجتهاد ابلرأي‪ ،‬وَل يعرف عن ابن عباس التلقي عن مسلمة أهل الكتاب‪ ،‬فيكون له حكم‬
‫املرفوع إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫(ب) ما أخرجه النسائي بسند حسن‪ ،‬عن أنس بن سريين‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أنس بن مالك‪ ،‬يقول‪" :‬إِ هن نُوحا صلهى هللا علَيهِ‬
‫ً َ ُ َْ‬
‫"( ‪)2‬‬ ‫وح ثُلُثَها‪ ،‬ولِلشهيطَ ِ‬
‫ان ثُلُثَْي َها‬ ‫ِ‬
‫اصطَلَ َحا َعلَى أَ هن لنُ ٍّ َ َ ْ‬ ‫ال‪َ :‬ه َذا ِيل‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ال‪َ :‬ه َذا ِيل‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ود الْ َك ْرِم‪ ،‬فَ َق َ‬
‫وسلهم َانمعه الشهيطَا ُن ِيف ع ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ََُ ْ‬
‫وهذا أيضا كسابقه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أو َيرب الصحايب أهم كانوا يقولون أو يفعلون كذا‪ ،‬أو َل يرون ِبسا بكذا‪.‬‬
‫(أ) فإن أضافه إىل ممن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فالصحيح أنه مرفوع‪.‬‬
‫ول هللاِ صلهى هللا علَيهِ‬ ‫ومثاله‪ :‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬عن جابر رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ُ " :‬كنها نَ ْع ِزُل َعلَى َع ْه ِد رس ِ‬
‫ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪ ،‬فَ لَ ْم يَْن َهنَا‬ ‫وسلهم‪ ،‬فَب لَغ ذَلِك نَِ ِ‬
‫يب هللا َ‬
‫"( ‪)3‬‬
‫ََ َ َ َ َ ه‬
‫(ب) وإن ِل يضفه إىل ممن النيب صلى هللا عليه وسلم فهو موقوف عند اْلمهور‪:‬‬
‫"( ‪)4‬‬
‫صعِ ْد َان َكبه ْرَان‪َ ،‬وإِ َذا نََزلْنَا َسبه ْحنَا‬
‫ومثاله‪ :‬ما أخرجه البخاري‪ ،‬عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪ ،‬قال‪ُ " :‬كنها إِ َذا َ‬
‫(‪ )4‬أو يقول الصحايب‪" :‬أمران بكذا‪ ،‬أو هينا عن كذا‪ ،‬أو من السنة كذا"‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫(أ) ما أخرجه الشيخان‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪" :‬أ ُِمَر بِالَ ٌل أَ ْن يَ ْش َف َع األَ َذا َن‪َ ،‬وأَ ْن يُوتَِر ا ِْلقَ َامةَ‪ ،‬إِهَل ا ِْلقَ َامةَ‬
‫"( ‪)5‬‬

‫"( ‪)6‬‬
‫(ب) ما أخرجه الشيخان‪ ،‬عن أم عطية رضي هللا عنها‪ ،‬قالت‪ُ " :‬هِينَا َع ِن اتِّبَ ِاع اْلَنَائِِز‪َ ،‬وَِلْ يُ ْعَزْم َعلَْي نَا"‬

‫)‪ (1‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪ :‬كتاب التفسري– (‪ – )242/2‬رقم(‪.)2881‬‬


‫وقال احلاكم‪ :‬هذا حديث صحيح اْلسناد‪ ،‬وِل َيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه النسائي يف سننه‪ :‬كتاب األشربة – ابب ما جيوم شربه من الطالء‪ ،‬وما َل جيوم– رقم(‪.)5726‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب النكاح– ابب حكم العزل– رقم(‪.)1440‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلهاد والسري – ابب التسبيح إذا هبط وادَي– رقم(‪.)2993‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب األذان– ابب األذان مثىن مثىن– رقم(‪.)605‬‬
‫ومسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب الصالة – ابب األمر بشفع األذان وإيتار اْلقامة– رقم(‪ .)378‬إال اإلقامة‪ :‬أي إَل لفظ قد قامت الصالة فإنه يثىن‪.‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلنائز– ابب اتباع النساء اْلنائز– رقم(‪.)1278‬‬
‫ومسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلنائز– ابب هي النساء عن اتباع اْلنائز– رقم(‪.)938‬‬
‫‪145‬‬
‫السن ِهة إِذَا تَ َزهوج الهر ُجل البِكْر َعلَى الثهيِّ ِ‬
‫ب أَقَ َام‬ ‫(ج) ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ِ " :‬م َن ُّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫"( ‪)1‬‬
‫ب َعلَى البِ ْك ِر أَقَ َام ِعْن َد َها ثَالَ ًاث مثُه قَ َس َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عْن َد َها َسْب ًعا َوقَ َس َم‪َ ،‬وإذَا تَ َزهو َج الثهيّ َ‬
‫(‪ )5‬أو يقول الراوي يف احلديث عند ذكر الصحايب بعض هذه الكلمات األربع‪ ،‬وهي‪" :‬يرفعه‪ ،‬أو يَنْ ِميه‪ ،‬أو يبلغ به‪ ،‬أو روايةً"‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫ت بِِه‬ ‫ِ‬ ‫(أ) ما أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬يرفعه‪ ،‬قال‪" :‬إِ هن ه‬
‫ت‪ ،‬أ َْو َح هدثَ ْ‬ ‫اَّللَ َجتَ َاوَم ألُهم ِيت َع هما َو ْس َو َس ْ‬
‫أَنْ ُف َس َها‪َ ،‬ما َِلْ تَ ْع َم ْل بِِه أ َْو تَ َكل ْم"‬
‫ه ( ‪)2‬‬

‫ض َع الهر ُج ُل‬‫هاس يُ ْؤَم ُرو َن أَ ْن يَ َ‬


‫(ب) ما أخرجه البخاري‪ ،‬عن أيب حامم‪ ،‬عن سهل بن سعد رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪َ " :‬كا َن الن ُ‬
‫صالَةِ"‪.‬‬ ‫اع ِه اليُ ْسَرى ِيف ال ه‬ ‫الي َد اليمىن علَى ِذر ِ‬
‫َ ُْ َ َ َ‬
‫ه ( ‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫هيب َ ه‬ ‫قال أبو حازم‪َ :‬لَ أ َْعلَ ُمهُ إِهَل يَـ ْن ِمي ذَلِ َ ِ ِ‬
‫سلم ‪.‬‬
‫صلى هللاُ َعلَْيه َو َ َ‬ ‫ك إ َىل الن ِّ‬
‫(ج) ما أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬عن عطاء بن يسار‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه‪ ،‬يبلغ به النيب صلى هللا‬
‫ِ ٍّ "( ‪.)4‬‬
‫ب َعلَى ُك ِّل ُْحمتَلم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قال‪" :‬غُ ْس ُل يَ ْوم اْلُ ُم َعة َواج ٌ‬
‫الفطَْرةِ‪:‬‬‫"الفطْرةُ َخَْس‪ ،‬أَو َخَْس ِمن ِ‬ ‫(د) ما أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬عن سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬رواية‪ِ :‬‬
‫َ ٌ ْ ٌ َ‬
‫ِ ِ "( ‪.)5‬‬
‫ص الشهارب‬ ‫ف ا ِْلبْ ِط‪َ ،‬وتَ ْقلِ ُيم األَظْ َفا ِر‪َ ،‬وقَ ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫اخلتَا ُن‪َ ،‬واَل ْست ْح َد ُاد‪َ ،‬ونَْت ُ‬
‫ِ‬
‫أو يفسر الصحايب تفسريا له تعلق بسبب نزول آية‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومثاله‪ :‬ما أخرجه الشيخان يف صحيحيهما‪ ،‬عن ابن املنكدر‪ ،‬قال‪ :‬مسعت جابرا رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪َ " :‬كانَت اليَ ُه ُ‬
‫ود‬
‫( ‪.)6‬‬
‫ََن ِشْئ تُ ْم"[البقرة‪"]223 :‬‬ ‫ث لَ ُك ْم فَأْتُوا َح ْرثَ ُك ْم أ ه‬ ‫ت‪" :‬نِ َسا ُؤُك ْم َح ْر ٌ‬ ‫َح َوَل‪ ،‬فَنَ َزلَ ْ‬
‫الولَ ُد أ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ول‪ :‬إ َذا َج َام َع َها م ْن َوَرائ َها َجاءَ َ‬
‫تَ ُق ُ ِ‬
‫[‪ ]5‬تفاوت الصحابة يف الرواية والفقه‪:‬‬
‫مما هو معروف أنه ِل يصلنا عن مجيع الصحابة رواَيت‪ ،‬وأن عدد الرواة من الصحابة دون األلفني‪.‬‬
‫وهؤَلء الذين وصلت إلينا مروَيهتم تفاوت عدد ما روى عنهم من األحاديث‪ ،‬وأكثرهم ممن روى ما دون عشرة أحاديث‪،‬‬
‫عدد قليل َل يتجاوم العشرة‪ ،‬إذ إن الرواة الذين جتاومت مروَيهتم األلف‬ ‫وما يقرب من نصف األحاديث روى عن ٍّ‬
‫حديث هم سبعة فقط‪ ،‬والذين جتاومت مروَيهتم املائيت حديث هم أحد عشر فقط‪ ،‬أما أصحاب املائة فكانوا واحداً‬
‫(‪.)7‬‬
‫وعشرين صحابيّا‪ ،‬وذلك على حسب مسند بقي بن خملد رمحه هللا‬
‫وكما أهم متفاوتون يف الرواية فكذلك هم متفاوتون يف درجة الفقه‪ ،‬والقدرة على استنباط األحكام الشرعية‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب النكاح– ابب إذا تزوج الثيب على البكر– رقم(‪.)5214‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب األميان والنذور– ابب إذا حنث انسيا يف األميان– رقم(‪.)6664‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب األذان– ابب وضع اليمىن على اليسرى يف الصالة – رقم(‪.)740‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب الشهادات– ابب بلوغ الصبيان وشهادهتم– رقم(‪.)2665‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اللباس – ابب قص الشارب– رقم(‪.)5889‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب تفسري القرآن – ابب"نساؤكم حرث لكم ‪["....‬البقرة‪ ]223 :‬اآلية – رقم(‪.)4528‬‬
‫وأخرجه مسلم ‪ :‬كتاب النكاح – ابب جوام مجاعه امرأته يف قبلها‪ ،‬من قدامها‪ ،‬ومن ورائها من غري تعرض للدبر – رقم(‪.)1435‬‬
‫(‪ )7‬يُنظر ‪ :‬أمساء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد‪َ ،‬لبن حزم األندلسى‪ ،‬وتلقيح فهوم أهل األثر‪َ ،‬لبن اْلومى (‪ )363/1‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫فالتفاوت يف القدرات وامللكات‪ ،‬والفروق الفردية بني البشر أمر طبيعي‪ ،‬فالبعض قد يتفوق يف جانب دون جانب‪ ،‬وقد‬
‫َص َدقُهم حياء ُعثْما ُن‪ ،‬وأَقْ رُؤُهم لِ ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫ْر‪ ،‬وأَشدُّهم ِيف أَم ِر هِ‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أ َْر َح ُم أُهم ِيت ِِبُهم ِيت أَبُو بَك ٍّ َ َ ُ ْ ْ‬
‫اَّلل ُع َم ُر‪َ ،‬وأ ْ ُ ْ َ َ ً َ َ َ ْ‬
‫ت‪ ،‬وأَعلَمهم ِابحل َال ِل واحلرِام معاذُ بن جب ٍّل أَََل وإِ هن لِ ُك ِل أُهم ٍّة أ َِمينا وإِ هن أ َِمني ه ِذهِ‬
‫ِ ٍّ‬ ‫ُيب بْن َك ْع ٍّ‬ ‫هِ‬
‫َ َ‬ ‫ً َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ض ُه ْم َميْ ُد بْ ُن َاثب َ ْ ُ ُ ْ َ َ ََ ُ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ب‪َ ،‬وأَفْ َر ُ‬ ‫اَّلل أ َُّ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫األُهم ِة أَبُو ُعبَ ْي َدةَ بْ ُن اْلَهر ِاح"‬
‫وعلى ذلك فهناك الفقهاء اجملتهدون من الصحابة‪ ،‬الذين اشتهروا ابلعلم والفتوى‪ ،‬وأكثر الصحابة دون ذلك‪.‬‬
‫حجية قول الصحايب‪ :‬هناك نقاط حمل اتفاق بني العلماء يف قول الصحايب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬قول الصحايب ليس حجة على قول صحايب مثله‪.‬‬
‫(‪ )2‬قول الصحايب‪ -‬إذا صح – حجة فيما له حكم املرفوع‪.‬‬
‫(‪ )3‬قول الصحايب الذي مت اَلتفاق عليه بني الصحابة حجة؛ ألنه صار إمجاعا فيكون له حجة اْلمجاع‪.‬‬
‫(‪ )4‬قول الصحايب الذي ِل يعلم له خمالف من الصحابة يعد إمجاعا سكوتيا‪ ،‬حيتج به عند القائلني ِبجيته‪.‬‬
‫(‪ )5‬قول الصحايب فيما يتعلق بسبب نزول القرآن‪ ،‬وكذلك سبب ورود احلديث حجة؛ ألهم شهدوا الوحي بقسميه –‬
‫القرآن والسنة‪ -‬فهم أعلم ابلوقائع واألحداث‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت وِل تُنكر يف مماهم فهي حجة عند مجاهري العلماء‪،‬‬
‫وإن تنامعوا ُرهد ما تنامعوا فيه إىل هللا والرسول‪ .‬وِل يكن قول بعضهم حجة مع خمالفة بعضهم له ابتفاق العلماء‪ ،‬وإن قال‬
‫بعضهم قوَل وِل يقل بعضهم ِبالفه وِل ينتشر؛ فهذا فيه نزاع ومجهور العلماء حيتجون به كأيب حنيفة‪ ،‬ومالك؛ وأمحد يف‬
‫املشهور عنه؛ والشافعي يف أحد قوليه ويف كتبه اْلديدة اَلحتجاج مبثل ذلك يف غري موضع ولكن من الناس من يقول‪:‬‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫هذا هو القول القدمي‬
‫حمل النزاع‪:‬‬
‫من خالل كالم شيخ اْلسالم السابق يتبني لنا أن حمل النزاع بني العلماء يف املسائل اَلجتهادية اليت ليس فيها نص‬
‫شرعي من القرآن أو السنة‪ ،‬هل يكون حجة ملن بعدهم أم َلق‬
‫الرأي األول‪ :‬أن قول الصحايب حجة؛ مبعىن أنه دليل من أدلة استنباط احلكم الشرعي‪ ،‬كالقياس وغريه‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وهذا مذهب اْلمام مالك‪ ،‬ومذهب الشافعي‪ ،‬يف القدمي‪ ،‬ورواية عن اْلمام أمحد‪ ،‬وبه قال بعض احلنفية‬
‫ويشهد هلم‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫صلهى هللاُ‬
‫ب َم َع َر ُسول هللا َ‬ ‫صلهْي نَا الْ َم ْغ ِر َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫(‪ )1‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه عن أيب موسى األشعري رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫اهنَاق"‪.‬‬ ‫ال‪َ " :‬ما ِملْتُ ْم َه ُ‬ ‫صلِّ َي َم َعهُ الْعِ َشاءَ قَ َ‬
‫ال فَ َجلَ ْسنَا‪ ،‬فَ َخَر َج َعلَْي نَا‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه َو َسله َم‪ ،‬مثُه قُ ْلنَا‪ :‬لَ ْو َجلَ ْسنَا َح هَ نُ َ‬
‫َصْب تُ ْم"‪.‬‬ ‫ك الْعِ َشاءَ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ول هللاِ صلهي نا معك الْم ْغ ِرب‪ ،‬مثُه قُ ْلنا‪َْ :‬جنلِس ح هَ نُ ِ‬
‫َح َسْن تُ ْم أ َْو أ َ‬‫ال‪" :‬أ ْ‬ ‫صلّ َي َم َع َ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ َ َ َ َ‬ ‫قُ ْلنَا‪ََ :‬ي َر ُس َ‬

‫ِ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫ب َعن رس ِ‬ ‫ِ‬


‫ب َمَناقب ُم َعاذ ابْ ِن َجَب ٍّل‪َ ،‬وَميْد بْ ِن َاثبت‪َ ،‬وأ ٍَّّ‬
‫ُيب‪َ ،‬وأَِيب ُعَب ْي َد َة‬ ‫اَّلل صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬اب ُ‬ ‫اب اْل َمَناق ِ ْ َ ُ‬
‫)‪ (1‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أَبْ َو ُ‬
‫يث حسن ِ‬ ‫ِ‬ ‫بْ ِن اْلَهر ِاح َر ِض َي ه‬
‫يح ‪.‬‬
‫صح ٌ‬ ‫اَّللُ َعْن ُه ْم – رقم (‪ .)3791‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ .‬وقال الرتمذي‪َ :‬ه َذا َحد ٌ َ َ ٌ َ‬
‫)‪" (2‬جمموع الفتاوى"(‪.)14/20‬‬
‫)‪" (3‬تيسري التحرير"(‪ ،)120/4‬أمري ابدشاه احلنفي‪" ،‬شرح الورقات يف أصول الفقه"(ص‪ ،)189، 188:‬جالل الدين احمللي‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫وم أَتَى‬
‫ُّج ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وم أ ََمنَةٌ لل هس َماء‪ ،‬فَإذَا ذَ َهبَت الن ُ‬ ‫ُّج ُ‬
‫ال‪" :‬الن ُ‬ ‫ال فَ َرفَ َع َرأْ َسهُ إِ َىل ال هس َم ِاء‪َ ،‬وَكا َن َكثِ ًريا ِممها يَ ْرفَ ُع َرأْ َسهُ إِ َىل ال هس َم ِاء‪ ،‬فَ َق َ‬
‫قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َح ِايب‬
‫بأْ‬ ‫َص َح ِايب أ ََمنَةٌ ألُهم ِيت‪ ،‬فَإذَا ذَ َه َ‬ ‫َص َح ِايب َما يُ َ‬
‫وع ُدو َن‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫ت أَتَى أ ْ‬ ‫َص َح ِايب‪ ،‬فَِإذَا ذَ َهْب ُ‬ ‫وع ُد‪َ ،‬وأ ََان أ ََمنَةٌ أل ْ‬
‫ال هس َماءَ َما تُ َ‬
‫"( ‪.)1‬‬
‫أَتَى أُهم ِيت َما يُ َ‬
‫وع ُدو َن‬
‫ووجه اَلستدَلل ابحلديث أنه جعل نسبة أصحابه إىل من بعدهم كنسبته إىل أصحابه وكنسبة النجوم إىل السماء‪.‬‬
‫وهذا يفيد وجوب اهتداء األمة هبم‪.‬‬
‫اخلَطه ِ ِ‬ ‫َسلَ َم َم ْوَىل ُع َمَر بْ ِن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َرض َي هللاُ َعنْهُ‬ ‫(‪ )2‬ما أخرجه البيهقي يف السنن الكربى بسند صحيح‪َ ،‬ع ْن َانف ٍّع أَنههُ َمس َع أ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫اخلَطه ِ ِ‬ ‫ث َعْب َد هللاِ بْ َن ُع َمَر أَ هن ُع َمَر بْ َن ْ‬ ‫ِ‬
‫صبُو ًغا َوُه َو ُْحم ِرٌم فَ َقا َل لَهُ‬‫اب َرض َي هللاُ َعْنهُ َرأَى َعلَى طَْل َحةَ بْ ِن ُعبَ ْيد هللا ثَ ْوًاب َم ْ‬ ‫ُحيَ ّد ُ‬
‫صبُوغُ ََي طَْل َحةُق‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َم ْ‬ ‫ُع َم ُر َرض َي هللاُ َعْنهُ‪َ :‬ما َه َذا الث ْهو ُ‬
‫ط أَئِ َّمةٌ يَـ ْقتَ ِدي بِ ُك ُم‬ ‫اب َر ِض َي هللاُ َعْنهُ‪" :‬إِنَّ ُك ْم أَيُّـ َها َّ‬
‫الرْه ُ‬ ‫اخلَطه ِ‬ ‫ال ُع َم ُر بْ ُن ْ‬ ‫ني‪ :‬إِهَّنَا ُه َو َم َدٌر‪ ,‬فَ َق َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال طَْل َحةُ‪ََ :‬ي أَم َري الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫فَ َق َ‬
‫اْل ْحَرِام‪ ،‬فَ َال‬
‫صبه غَةَ ِيف ِْ‬ ‫ال‪ :‬إِ هن طَْلحةَ بن عب ي ِد هللاِ قَ ْد َكا َن ي ْلب ِ‬ ‫ِ‬
‫اب الْ ُم َ‬
‫س الثّيَ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ْ َ َُ ْ‬ ‫ب لَ َق َ‬‫َّاس فَلَ ْو أَ هن َر ُج ًال َجاه ًال َرأَى َه َذا الث ْهو َ‬ ‫الن ُ‬
‫ِ ( ‪.)2‬‬
‫صبه غَة"‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬
‫ط َشْي ئًا م ْن َهذه الثّيَاب الْ ُم َ‬ ‫تَ ْلبَ ُسوا أَيُّ َها الهرْه ُ‬
‫ص َحابَة فِ َيما‬ ‫َمجعوا على اتِّبَاع ال ه‬ ‫وحكى العالئي إمجاع التابعني على اَلحتجاج بقول الصحابة‪ ،‬فقال‪ ..." :‬أَن التهابعني أ ُ‬
‫ِ‬
‫( ‪.)3‬‬
‫هلم والفتيا بِِه من غري نَ ِكري من أحد ِمْن ُهم َوَكانُوا من أهل اَلجتهاد أَيْضا"‬ ‫َخذ ب َق ْو ْ‬‫ورد َعْن ُهم َو ْاأل ْ‬
‫س‬ ‫صح ِ ِ‬ ‫وقال العالئي أيضا‪ :‬ومن أمعن النّظر ِيف كتب ْاآل َاثر وجد التهابِعني ََل َيَْتَلِ ُفو َن ِيف ُّ ِ‬
‫ايب ف َيما لَْي َ‬ ‫الر ُجوع إ َىل أ َْق َوال ال ه َ ّ‬ ‫َ‬
‫فِ ِيه كتاب َوََل سنة َوََل إِ ْمجَاع مثه َه َذا َم ْش ُهور أَيْضا ِيف كل عصر ََل َيَْلُو َعنهُ مستدل هبَا أَو َذاكر ألقواهلم ِيف كتبه َوََل يُ َقال‬
‫( ‪.)4‬‬
‫لإل ْمجَاع ملا تقدم أَن ُخمَال َفة ْاْل ْمجَاع اَلستدَليل والظّن ََل ي ْق َدح َوَما َحنن فِ ِيه من َذلِك"‬ ‫فَيكون الْم َخالف ِيف َذلِك خارقا ِْ‬
‫ُ‬
‫الرأي الثاين‪ :‬أن قول الصحايب ليس ِبجة ؛ أي َل يعترب دليال يستنبط منه احلكم الشرعي‪ ،‬ألنه انتج عن اجتهاد قد‬ ‫‪.‬‬

‫يصيب وقد َل يصيب‪.‬‬


‫(‪)5‬‬
‫وهذا مذهب الشافعي يف اْلديد‪ ،‬وأمحد بن حنبل‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬وبعض متأخري املالكية‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم ‪ :‬كتاب الفضائل– ابب بيان أن بقاء النيب صلى هللا عليه وسلم أمان ألصحابه‪ ،‬وبقاء أصحابه أمان لألمة – رقم(‪.)2531‬‬
‫أمنة للسماء‪ :‬األمنة واألمن واألمان مبعىن واحد‪ ،‬واملعىن‪ :‬أن النجوم ما دامت ابقية فالسماء ابقية‪ ،‬فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يف القيامة وهنت‬
‫السماء فانفطرت وانشقت وذهبت ‪.‬وأان أمنة ألصحايب‪ :‬أي من الفنت واحلروب وارتداد من ارتد من األعراب واختالف القلوب وحنو ذلك مما أنذر‬
‫به صرحيا وقد وقع كل ذلك ‪.‬فإذا ذهب أصحايب أتى أميت ما يوعدون‪ :‬معناه من ظهور البدع واحلوادث يف الدين والفنت فيه وطلوع قرن الشيطان‬
‫وظهور الروم وغريهم عليهم وانتهاك املدينة ومكة وغري ذلك وهذه كلها من معجزاته صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ :‬كتاب احلج– ابب من كره لبس املصبوغ بغري طيب يف اْلحرام خمافة أن يراه اْلاهل ‪ –...‬رقم(‪.)9117‬‬
‫)‪" (3‬إمجال اْلصابة يف أقوال الصحابة"(ص‪ ،)66:‬صالح الدين أبو سعيد الدمشقي العالئي‪ ،‬الناشر‪ :‬مجعية إحياء الرتاث اْلسالمي‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫)‪" (4‬إمجال اْلصابة يف أقوال الصحابة"(ص‪.)67:‬‬
‫)‪ (5‬راجع‪" :‬روضة الناظر "(‪ "،)467/1‬البحر احمليط يف أصول الفقه"(‪"،)64/8‬شرح الورقات يف أصول الفقه"(ص‪ ،)188 :‬جالل الدين احمللي‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫رابعا‪ :‬احلديث املقطوع‬
‫[‪ ]1‬تعريف املقطوع لغة واصطالحا‪:‬‬
‫املقطوع لغة‪ :‬اسم مفعول‪ ،‬من "قطع" ضد "وصل"‪ .‬ويقال يف مجعه‪ :‬املقاطيع واملقاطع‪.‬‬
‫املقطوع اصطالحا‪ :‬قال ابن الصالح‪" :‬هو ما جاء عن التابعني موقوفا عليهم من أقواهلم أو أفعاهلم"‬
‫( ‪.)1‬‬

‫فاملقطوع‪ :‬هو ما أضيف إىل التابعي أو من دونه من قول أو فعل‪.‬‬


‫[‪ ]2‬الفرق بني املقطوع واملنقطع‪:‬‬
‫واملقطوع غري املنقطع؛ ألن املقطوع من صفات املنت‪ ،‬وهو كالم التابعي فمن دونه‪ ،‬وقد يكون السند متصال إىل ذلك‬
‫التابعي‪.‬‬
‫أما املنقطع فهو من صفات السند‪ ،‬وهو ما سقط من أثنائه راو‪ ،‬يف موضع أو يف عدة مواضع ليست على التوايل‪.‬‬
‫والشافعي رمحه هللا يطلق لفظ" مقطوع" ويقصد به املنقطع‪ ،‬ولعل ذلك قبل إقرار مصطلح" منقطع"‪.‬‬
‫[‪ ]3‬أمثلة احلديث املقطوع‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )1‬مثال املقطوع القويل‪ :‬ما أخرجه مسلم يف مقدمة صحيحه‪ ،‬عن حممد بن سريين‪ ،‬قال‪" :‬إ هن َه َذا الْعلْ َم د ٌ‬
‫ين‪ ،‬فَانْظُُروا‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫َع هم ْن ََتْ ُخ ُذو َن ِدينَ ُك ْم‬
‫وق يُْرِخي‬ ‫(‪ )2‬مثال املقطوع الفعلي‪ :‬ما أخرجه أبو نعيم يف احللية‪ ،‬عن إبراهيم بن حممد بن الْ ُمْن تَ ِش ِر‪ ،‬قال‪َ " :‬كا َن َم ْس ُر ٌ‬
‫السْت ر ب ي نه وب ني أَهلِ ِه وي ْقبِل علَى ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َالته َوَُيَلّي ِه ْم َوُدنْيَ ُ‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫اه ْم‬ ‫ّ َ َْ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ‬
‫[‪ ]4‬االحتجاج ابحلديث املقطوع‪:‬‬
‫املقطوع َل حيتج به يف شيء من األحكام الشرعية‪ ،‬ولو صحت نسبته لقائله؛ ألنه كالم أحد املسلمني أو فعلهم‪ ،‬لكن‬
‫إذا كان التابعي من الفقهاء فيعترب قوله وَل حيتج به إذا خالف نصا‪ ،‬أو قياسا جليا‪ ،‬أو خالفه اتبعي آخر‪.‬‬
‫ومعىن عدم اَلحتجاج به عدم اعتباره يف ذاته دليال من أدلة استنباط احلكم الشرعي‪ ،‬لكن إذا قال قوَل وانعقد اْلمجاع‬
‫عليه فتكون احلجة لإلمجاع وليس لقوله‪.‬‬
‫[‪ ]5‬من مظان املوقوف واملقطوع‪:‬‬
‫(‪ )1‬مصنف ابن أيب شيبة‪.‬‬
‫(‪ )2‬مصنف عبد الرماق‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفاسري ابن جرير‪ ،‬وابن أيب حامت‪ ،‬وابن املنذر‪.‬‬

‫)‪" (1‬مقدمة ابن الصالح"(ص‪.)119:‬‬


‫)‪" (2‬مقدمة صحيح مسلم"(‪.)14/1‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء‪.)96/2(،‬‬
‫‪149‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫أقسام احلديث من حيث طرق وصوله إلينا‬
‫ينقسم اخلرب ابلنسبة لوصوله إلينا إىل قسمني‪:‬‬
‫[‪ ]1‬فإن كان له طرق غري حمصورة بعدد معني‪ ،‬فهو املتواتر‪.‬‬
‫[‪ ]2‬وإن كان له طرق حمصورة بعدد معني‪ ،‬فهو اآلحاد‪.‬‬
‫ولكل منهما أقسام وتفاصيل‪ ،‬سأذكرها وأبسطها إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬مببحثني‪ ،‬وَها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬اخلرب املتواتر‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫املتواتر لغة‪ :‬هو اسم فاعل‪ ،‬مشتق من التواتر‪ ،‬أي التتابع‪ ،‬تقول‪ :‬تواتر املطر‪ ،‬أي تتابع نزوله‪.‬‬
‫ت اْلبل وال َقطا و ُّ ٍّ ِ‬ ‫ٍّ‬
‫كل شيء‪ ،‬إذا َجاءَ‬ ‫ال اللّحياينّ‪ :‬تواتَ َر ْ ُ‬ ‫ات‪َ .‬وقَ َ‬ ‫ينها فَ َج َو ٌ‬ ‫والتهواتُر‪ :‬التهتابُع‪ :‬تَتابُع ْاألَ ْشيَاء‪ ،‬أَو َم َع فَتَ َرات َوبَ َ‬
‫ِ‬
‫آلخر‪ ،‬فَإِذا تتابَعت فَلَْي ْ‬
‫ست‬ ‫ال َمّرًة‪ :‬املُتواتر‪ :‬الشيءُ يكون ُهنَ ْيهةً مثّ جييءُ ا ُ‬ ‫صطَهفةً ‪َ ...‬وقَ َ‬ ‫جتئ ُم ْ‬
‫بعض‪َ ،‬وِل ْ‬ ‫بعضه ِيف إِثْر ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ت بَْي نَ َها فَ ْت َرةٌ‪ ،‬وإَِل فَ ِه َي‬ ‫ِ ِ‬
‫ني األَشياء إَِل إِذا َوقَ َع ْ‬ ‫ُمتواترًة‪ ،‬إهَّنَا ه َي ُمتدا ِرَكة ُ‬
‫ومتتابعة‪ .‬واملُواتَ َرةُ‪ :‬الْ ُمتَابَ َعةُ‪َ ،‬وََل تَ ُكو ُن املُواتَ َرةُ بَ ْ َ‬
‫وم يَ ْوًما َويُ ْف ِط ُر يَ ُوًما أَو يَ ْوَم ْني‬
‫ِ "( ‪.)1‬‬ ‫مدارَكة ومواصلة‪ .‬وموات رةُ ال ه ِ‬
‫صُ‬ ‫ص ْوم‪ :‬أَن يَ ُ‬ ‫ُ َ ُ َ ُ ََ‬
‫تعريف اخلطيب البغدادي للخرب املتواتر‪:‬‬
‫اق الْ َك ِذ ِ‬
‫اه َدهتِِ ْم ِمبُ ْستَ َقِّر الْ َع َادةِ أَ هن اتَِّف َ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ب‬ ‫هواتُِر فَ ُه َو َما َيُْربُ به الْ َق ْوُم الذ َ‬
‫ين يَْب لُ ُغ َع َد ُد ُه ْم َحدًّا يُ ْعلَ ُم عْن َد ُم َش َ‬ ‫"فَأَ هما َخبَ ُر الت َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ت اله ِذي انْتَ َشَر ْ‬ ‫ال‪ ،‬وأَ هن التهواطُؤ ِمْن هم ِيف ِم ْق َدا ِر الْوقْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬
‫وم ُد ُخ ُ‬ ‫َخبَ ُروا َعْنهُ ََل َجيُ ُ‬ ‫اخلَبَ ُر َعْن ُه ْم فيه ُمتَ َع ّذٌر‪َ ،‬وأَ هن َما أ ْ‬ ‫َ‬ ‫مْن ُه ْم ُحمَ ٌ َ َ َ ُ ْ‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫ب ُمْن تَ ِفيَةٌ َعْن ُه ْم‬
‫هاعي ِة إِ َىل الْ َك ِذ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب الْ َق ْه ِر َوالْغَلَبَة َو ْاأل ُُموِر الد َ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫س َوالشُّْب َهة ِيف مثْله‪َ ،‬وأَ هن أ ْ‬
‫َسبَ َ‬ ‫اللهْب ِ‬
‫التعريف املختار‪:‬‬
‫اخلرب املتواتر هو ما رواه مجع عن مجع‪ ،‬حتيل العادة تواطؤهم على الكذب‪ ،‬ويكون مستند نقلهم احلس‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫ومعىن التعريف‪ :‬أن املتواتر هو احلديث أو اخلرب الذي يرويه يف كل طبقة من طبقات سنده مجع كثري‪ ،‬من غري تقييد‬
‫بعدد‪ ،‬إَّنا املقصود العدد الذي حيصل به إحالة العقل تواطؤهم ‪ -‬أي اتفاقهم ‪ -‬على الكذب‬
‫شروطه‪ :‬يتبني من شرح التعريف أن التواتر َل يتحقق يف اخلرب إَل بشروط أربعة وهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن يرويه عدد كثري‪ ،‬وقد اختلف يف أقل الكثرة على أقوال‪:‬‬
‫هِ‬
‫قياسا على شهود الزان الذين تثبت هبم جرمية الزان ويقام احلد على فاعله‪َ " :‬والذ َ‬
‫ين‬ ‫(أ) يرى البعض أن أقل الكثرة أربعة؛ ً‬
‫ات مثُه َِل أيْتُوا ِِبَرب ع ِة ُشه َداء فَاجلِ ُدوهم ََثَانِني جلْ َد ًة وََل تَ ْقب لُوا َهلم َشهاد ًة أَب ًدا وأُولَئِك هم الْ َف ِ‬
‫اس ُقو َن" [النور‪.]4 :‬‬ ‫ي رمو َن الْمحصنَ ِ‬
‫ْ َ َْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ ُْ َ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫َُْ ُ ْ َ‬
‫(ب) ومنهم من اشرتط أن يكونوا سبعة؛ َلشتماهلا على العدد املطلوب يف كل نوع من أنواع الشهادات‪ ،‬وهي‪ :‬األربعة‪،‬‬

‫)‪" (1‬اتج العروس"(‪" ،)338/14‬لسان العرب"(‪.)275/5‬‬


‫)‪" (2‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪(،‬ص‪.)16:‬‬
‫‪150‬‬
‫واَلثنان‪ ،‬والواحد‪.‬‬
‫ك َع َشَرةٌ َك ِاملَةٌ"} [البقرة‪ ،]196 :‬ووصفها‬ ‫ِ‬
‫(ج) ومنهم من اعترب أقل عدد التواتر عشرة؛ وذلك لقوله تعاىل‪" :‬تلْ َ‬
‫ابلكمال‪ ،‬وألها أول مجوع الكثرة‪ ،‬واختار ذلك السيوطي وسار عليه يف كتابه (األمهار املتناثرة يف األخبار املتواتر)؛ فقال‬
‫‪ " :‬كل حديث رواه عشرة من الصحابة؛ فهو متواتر عندان معشر أهل احلديث"‪.‬‬
‫(د) ومنهم من اشرتط أن يكون عددهم اثّن عشر مثل نقباء بّن إسرائيل‪َ " :‬وبَ َعثْ نَا ِمْن ُه ُم اثْ َ ّْن َع َشَر نَِقيبًا"[املائدة‪.]12 :‬‬
‫ني"[األنفال‪.]65 :‬‬ ‫صابِرو َن يَ ْغلِبُوا ِمائَتَ ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(ه) ومنهم من اشرتط أن يكونوا عشرين؛ لقوله تعاىل‪" :‬إ ْن يَ ُك ْن مْن ُك ْم ع ْش ُرو َن َ ُ‬
‫(و) ومنهم من اشرتط أن يكونوا أربعني؛ ألن عند هذه السن يُبعث األنبياء‪ ،‬وهي تدل على اكتمال العقل واألشد عند‬
‫ِ‬
‫ال َر ِّ‬
‫ب‬ ‫ني َسنَةً قَ َ‬ ‫اْلنسان؛ فمَ بلغ اْلنسان أربعني سنة فقد كمل نضجه العقلي والبدين‪َ " :‬ح هَ إِ َذا بَلَ َغ أ ُ‬
‫َشدههُ َوبَلَ َغ أ َْربَع َ‬
‫ي" [األحقاف‪.]15 :‬‬ ‫ت َعلَ هي َو َعلَى َوالِ َد ه‬
‫ك الهِيت أَنْ َع ْم َ‬
‫ِ‬
‫أ َْوِم ْع ِّن أَ ْن أَ ْش ُكَر ن ْع َمتَ َ‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫وسى قَ ْوَمهُ َسْبع َ‬
‫اختَ َار ُم َ‬ ‫(م) ومنهم من اشرتط أن يكونوا سبعني‪ ،‬مثل من اختارهم موسى عليه السالم مليقات ربه‪َ " :‬و ْ‬
‫َر ُج ًال لِ ِمي َقاتِنَا" [األعراف‪.]155 :‬‬
‫(ح) ومنهم من اشرتط أن يكونوا ثالَثائة‪ ،‬مثل أهل بدر ومن كانوا مع طالوت ‪ ...‬إىل غري ذلك‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أن العدد َل ُحي َ‬
‫صر برقم معني؛ وإَّنا مَ حتقق اَلطمئنان إىل أن هذا اْلمع يستحيل أن يتواطأ على الكذب‪،‬‬
‫وأَل يقع منهم ذلك ولو من قبيل املصادفة‪ ،‬وأن نتأكد من عدم وجود الداعي عندهم للكذب أو وجود أسباب له؛ فقد‬
‫حتقق التواتر‪ ،‬فالعربة ِبصول العلم القطعي اليقيّن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن توجد هذه الكثرة يف مجيع طبقات السند‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن حتيل العادة تواطؤهم على الكذب‪ ،‬كأن يكونوا من بالد خمتلفة‪ ،‬وأجناس خمتلفة‪ ،‬ومذاهب خمتلفة‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬
‫(‪ )4‬أن يكون مستند خربهم احلس؛ كقوهلم‪ :‬مسعنا‪ ،‬أو رأينا‪ ،‬أو ملسنا‪ ،‬أو ‪ ...‬أما إن كان مستند خربهم العقل‪ ،‬كالقول‬
‫ِبدوث العاِل مثال‪ ،‬فال يسمى اخلرب حينئذ متواترا‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬املتواتر يفيد العلم الضروري‪ ،‬أي العلم اليقيّن الذي يضطر اْلنسان إىل التصديق به تصديقا جامما‪.‬‬
‫اخلب ر عن قَوٍّم ه ِذهِ سبِيلُهم قُ ِطع علَى ِص ْدقِ ِه‪ ,‬وأَوجب وقُ ِ‬
‫ورًة"‬ ‫وع الْع ْل ِم َ‬
‫ض ُر َ‬ ‫قال اخلطيب‪" :‬فَ َم ََ تَ َواتَ َر ََْ ُ َ ْ ْ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫"( ‪.)1‬‬
‫ََْ َ ُ َ‬
‫أقسامه‪ :‬ينقسم اخلرب املتواتر إىل قسمني َها‪ :‬لفظي‪ ،‬ومعنوي‪:‬‬
‫(‪ )1‬املتواتر اللفظي‪ :‬وهو ما تواتر لفظه ومعناه‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫ب َعلَ هي ُمتَ َع ِّم ًدا‪ ،‬فَ ْليَ تَ بَ هوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النها ِر"‪.‬‬‫(أ) حديث‪َ " :‬م ْن َك َذ َ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫رواه اثنان وسبعون صحابيا‪ ،‬حصرهم السيوطي يف كتاب"األمهار املتناثرة يف األحاديث املتواترة"‬
‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍّه‬
‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍّه إِ َىل َم ْن ُه َو أَفْ َقهُ ِمْنهُ‪َ ،‬وُر ه‬
‫اَّللُ ْامَرأً َِمس َع ِمنها َح ِديثًا‪ ،‬فَ َح ِفظَهُ َح هَ يُبَ لِّغَهُ‪ ،‬فَ ُر ه‬ ‫(ب) حديث‪" :‬نَضَهر ه‬
‫س بَِف ِق ٍّيه"‪.‬‬
‫لَْي َ‬
‫)‪" (1‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪(،‬ص‪.)16:‬‬
‫)‪" (2‬األمهار املتناثرة يف األحاديث املتواترة"للسيوطي‪(،‬ص‪ ،)5:‬مطبعة دار التأليف‬
‫‪151‬‬
‫ذكر السيوطي َخسة عشر صحابيا رووه مجيعا عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫(ج) حديث‪" :‬امل ْسلِ ُم َم ْن َسلِ َم امل ْسلِ ُمو َن ِم ْن لِ َسانِِه َويَ ِدهِ"‪ ،‬أخرجه مجاعة من الصحابة؛ منهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(أ) عبد هللا بن عمر بن العاص رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫( ‪.)1‬‬
‫اَّللُ َعْنهُ"‬
‫اج ُر َم ْن َه َجَر َما نَ َهى ه‬ ‫وحديثه أخرجه البخاري بلفظ‪" :‬املسلِم من سلِم املسلِمو َن ِمن لِسانِِه وي ِدهِ‪ ،‬وامله ِ‬
‫ُ ْ ُ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ َُ‬
‫(ب) أبو موسى األشعري رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ِ ِ"(‪.)2‬‬
‫ال‪َ " :‬م ْن َسلِ َم امل ْسلِ ُمو َن ِم ْن لِ َسانِِه‪َ ،‬ويَده‬
‫ض ُلق قَ َ‬‫َي ا ِْل ْسالَِم أَْف َ‬ ‫اَّللِ‪ ،‬أ ُّ‬
‫ول ه‬‫وحديثه أخرجه البخاري بلفظ‪" :‬قَالُوا ََي َر ُس َ‬
‫ُ‬
‫(ج) جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫ِ ِ ِِ ِ ِ"( ‪.)3‬‬
‫ول‪" :‬الْ ُم ْسلِ ُم َم ْن َسلِ َم الْ ُم ْسلِ ُمو َن م ْن ل َسانه َويَده‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم يَ ُق ُ‬
‫هيب َ‬‫ت النِ ه‬
‫ِ‬
‫وحديثه أخرجه مسلم بلفظ‪َ " :‬مس ْع ُ‬
‫(د) أبو هريرة رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ِِ "( ‪.)4‬‬
‫هاس َعلَى ِد َمائِ ِه ْم َوأ َْم َواهل ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وحديثه أخرجه الرتمذي بلفظ‪":‬املُ ْسل ُم َم ْن َسل َم املُ ْسل ُمو َن م ْن ل َسانه َويَده‪َ ،‬واملُْؤم ُن َم ْن أَمنَهُ الن ُ‬
‫قال السيوطي‪ :‬أخرجه الشيخان عن ابن عمرو ‪ ،‬ومسلم عن أيب موسى‪ ،‬واحلاكم عن أنس وعمرو بن عبسة‪ ،‬والطرباين‬
‫( ‪.)5‬‬
‫عن بالل بن احلارث‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأيب أمامة‪ ،‬وواثلة بن األسقع"‬
‫(‪ )2‬املتواتر املعنوي‪ :‬هو ما تواتر معناه دون لفظه‪ ،‬وهو أن ينقل مجاعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع خمتلفة‬
‫تشرتك كلها يف أمر معني‪ ،‬فيكون هذا األمر متواترا‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫(‪ )1‬أحاديث رفع اليدين يف الدعاء‪ ،‬فقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم حنو مائة حديث‪ ،‬كل حديث منها فيه أنه رفع‬
‫يديه يف الدعاء‪ ،‬لكنها يف قضاَي خمتلفة‪ ،‬فكل قضية منها ِل تتواتر‪ ،‬والقدر املشرتك بينها ‪-‬وهو الرفع عند الدعاء‪ -‬تواتر‬
‫ابعتبار جمموع الطرق‪.‬‬
‫(‪ )2‬أحاديث رجم الزاين احملصن‪ ،‬وأحاديث نعيم القرب وعذابه‪ ،‬فإها من املتواتر املعنوي‪.‬‬
‫الفرق بني املتواتر اللفظي واملتواتر املعنوي‪:‬‬
‫يتفقان يف الشروط‪ ،‬وَيتلفان يف أن املتواتر اللفظي يتطابق لفظه يف كل رواَيته‪ ،‬واملتواتر املعنوي ختتلف ألفاظه وقضاَيه‪،‬‬
‫ولكن يتوافق يف معىن معني مشرتك بني كل الرواَيت‪.‬‬
‫وجود املتواتر‪:‬‬
‫يوجد عدد َل ِبس به من األحاديث املتواترة‪ ،‬منها حديث احلوض‪ ،‬وحديث املسح على اخلفني‪ ،‬وحديث رفع اليدين يف‬
‫الصالة‪ ،‬وحديث‪" :‬نضر هللا امرأ"‪ ،‬وغريها كثري؛ لكن لو نظران إىل عدد أحاديث اآلحاد لوجدان أن األحاديث املتواترة‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان‪ -‬ابب املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده– رقم(‪.)10‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان‪ -‬ابب أي اْلسالم أفضل– رقم(‪.)11‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب اْلميان‪ -‬ابب بيان تفاضل اْلسالم‪ ،‬وأي أموره أفضل‪ -‬رقم(‪.)41‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب اْلميان– ابب ما جاء يف أن املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده– رقم(‪.)2627‬‬
‫)‪" (5‬األمهار املتناثرة يف األحاديث املتواترة"للسيوطي‪(،‬ص‪.)7:‬‬
‫‪152‬‬
‫قليلة جدا ابلنسبة إليها‪.‬‬
‫أشهر املصنفات فيه‪ :‬لقد اعتىن العلماء جبمع األحاديث املتواترة وجعلها يف مصنف مستقل؛ ليسهل على الطالب‬
‫الرجوع إليها‪ ،‬فمن تلك املصنفات‪:‬‬
‫(‪ )1‬األمهار املتناثرة يف األخبار املتواترة‪ :‬السيوطي‪ ،‬وهو مرتب على األبواب‪.‬‬
‫(‪ )2‬قطف األمهار‪ :‬للسيوطي أيضا‪ ،‬وهو تلخيص للكتاب السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬نظم املتناثر من احلديث املتواتر‪ :‬حملمد بن جعفر الكتاين‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬خرب اآلحاد‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫اآلحاد لغة‪ :‬مجع أحد‪ ،‬مبعىن‪ :‬الواحد‪ ،‬وخرب الواحد هو‪ :‬ما يرويه شخص واحد‪.‬‬
‫اآلحاد اصطالحا‪ :‬هو ما ِل جيمع شروط املتواتر‪.‬‬
‫حكم اآلحاد‪ :‬يفيد العلم النظري؛ أي العلم املتوقف على النظر واَلستدَلل‪.‬‬
‫هذا وخلرب اآلحاد تقسيمان‪ ،‬كل تقسيم ابعتبار‪.‬‬
‫أقسام خرب اآلحاد‬
‫أوال‪ :‬تقسيم خرب اآلحاد ابلنسبة إىل عدد طرقه‪.‬‬
‫ينقسم اآلحاد إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫املشهور‪ ،‬والعزيز‪ ،‬والغريب‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املشهور‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫املشهور لغة‪ :‬هو اسم مفعول من "شهرت األمر" إذا أعلنته وأظهرته‪ ،‬ومسي بذلك لظهوره‪.‬‬
‫املشهور اصطالحا‪ :‬ما رواه ثالثة فأكثر ‪-‬يف كل طبقة‪ -‬ما يبلغ حد التواتر‪.‬‬
‫العلَ َم ِاء‪َ ،‬ح هَ إِذَا َِلْ يُْب ِق َعالِ ًما‬
‫ض ُ‬ ‫ض العِْل َم بَِقْب ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اعا يَْن تَ ِز ُعهُ م َن العبَاد‪َ ،‬ولَك ْن يَ ْقبِ ُ‬
‫اَّلل َلَ ي ْقبِ ِ ِ‬
‫ض الع ْل َم انْتَز ً‬ ‫مثاله‪ :‬حديث‪" :‬إِ هن هَ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسا ُج هه ًاَل‪ ،‬فَ ُسئلُوا فَأ َْف تَ ْوا بِغَ ِْري ع ْل ٍّم‪ ،‬فَ َ‬ ‫ه‬
‫ُّ ( ‪.)1‬‬
‫ضلُّوا َوأ َ‬
‫َضلوا"‬ ‫هاس ُرءُ ً‬
‫اختَ َذ الن ُ‬
‫فهذا احلديث رواه ثالثة من الصحابة‪ ،‬هم‪:‬‬
‫(أ) عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪ :‬وحديثه أخرجه الشيخان يف صحيحيهما‪.‬‬
‫(ب) عائشة أم املؤمنني رضي هللا عنها‪ ،‬وحديثها أخرجه أبو عوانة يف مستخرجه على صحيح مسلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب العلم‪ -‬ابب كيف يقبض العلم– رقم(‪.)100‬عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم‪ :‬كتاب العلم‪ -‬ابب رفع العلم وقبضه وظهور اْلهل والفنت يف آخر الزمان‪ -‬رقم(‪ .)2673‬عن عبد هللا بن عمرو‪.‬‬
‫وأخرجه الطرباين يف املعجم األوسط‪ -)277/6(:‬رقم(‪.)6403‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وأخرجه أبو عوانة يف صحيحه‪:‬كتاب العلم – ابب إابحة تسمية املفيت ً‬
‫جاهال إذا أفَ بغري علم‪ –...،‬رقم(‪ .)11749‬عن عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫(ج) أبو هريرة رضي هللا عنه‪ :‬وحديثه أخرجه الطرباين يف املعجم األوسط‪.‬‬
‫مث انتشر وكثرت طرقه واستفاضت بعد طبقة الصحابة رضوان هللا عليهم مجيعا‪.‬‬
‫املستفيض‪:‬‬
‫املستفيض لغة‪ :‬اسم فاعل‪ ،‬من"استفاض" مشتق من فاض املاء ومسي بذلك َلنتشاره‪.‬‬
‫املستفيض اصطالحا‪ :‬اختلف يف تعريفه على ثالثة أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫(أ) هو مرادف للمشهور‪.‬‬
‫(ب) هو أخص منه؛ ألنه يشرتط يف املستفيض أن يستوي طرفا إسناده‪ ،‬وَل يشرتط ذلك يف املشهور‪.‬‬
‫(ج) هو أعم منه‪ ،‬أي هو عكس القول الثاين‪.‬‬
‫املشهور غري االصطالحي‪:‬‬
‫ويقصد به ما اشتهر على األلسنة من غري شروط تعترب؛ فيشمل‪:‬‬
‫(ج) وما َل يوجد له إسناد أصال‪.‬‬ ‫(ب) وما له أكثر من إسناد‪.‬‬ ‫(أ) ما له إسناد واحد‪.‬‬
‫أنواع املشهور غري االصطالحي‪ :‬له أنواع كثرية‪ ،‬أشهرها‪:‬‬
‫(‪ )1‬مشهور بني أهل احلديث خاصة‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬حديث ‪ ":‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان‪.‬‬
‫س ب ِن مالِ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ‬‫هيب َ‬ ‫ت النِ ُّ‬ ‫ال‪" :‬قَنَ َ‬ ‫ك رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬ ‫(أ) أخرجه الشيخان‪ ،‬عن سليمان الت ْهيم ِّي‪َ ،‬ع ْن أَِيب ْجملَ ٍّز‪َ ،‬ع ْن أَنَ ِ ْ َ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫َعلَْي ِه َو َسله َم َش ْهًرا يَ ْدعُو َعلَى ِر ْع ٍّل َوذَ ْك َوا َن"‬
‫ول‪:‬‬‫الصْب ِح يَ ْد ُعو َعلَى ِر ْع ٍّل‪َ ،‬وذَ ْك َوا َن‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫ص َالةِ ُّ‬ ‫وع ِيف َ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم َش ْهًرا بَ ْع َد ُّ‬
‫الرُك ِ‬ ‫ولفظ مسلم‪" :‬قَنت رس ُ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫عصيهةُ ع ِ‬
‫صت هللاَ َوَر ُسولَهُ‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫َُ ََ‬
‫ووجه غرابته عند احملدثني أن سليمان التيمي يروي عن أنس بال واسطة‪ ،‬ورواه هنا بواسطة‪ ،‬وهو أبو جملز‪ ،‬وامسه َلحق‬
‫بن محيد‪.‬‬
‫ص َالةٍّ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم ِيف َ‬
‫ال رس ُ ِ‬ ‫ِ ِ ٍّ ِ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫ي‪ ،‬قَ َ‬ ‫(ب) وأخرجه مسلم يف صحيحه‪َ ،‬ع ْن ُخ َفاف بْ ِن إميَاء الْغ َفار ِّ‬
‫( ‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسلَ ُم َسالَ َم َها هللاُ"‬
‫ص ُوا هللاَ َوَر ُسولَهُ‪ ،‬غ َف ُار َغ َفَر هللاُ َهلَا‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫صيهةَ َع َ‬ ‫الله هم الْ َع ْن بَِّن حلْيَا َن‪َ ،‬وِر ْع ًال‪َ ،‬وذَ ْك َوا َن‪َ ،‬و ُع َ‬‫" ُ‬
‫اَّللِ صلهى هللا علَيهِ‬ ‫يد بْ ِن َميْ ٍّد‪ ،‬قَ َ‬ ‫(ج ) وأخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه عن سعيد بن ميد‪ ،‬بلفظ‪ :‬عن سعِ ِ‬
‫ول ه َ ُ َ ْ‬ ‫ت َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَنَ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ "( ‪.)4‬‬ ‫ال‪" :‬اللهه هم الْعن ِر ْع ًال‪ ،‬وذَ ْكوا َن‪ ،‬وعض ًال‪ ،‬وعصيهةَ عص ِ‬
‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ‪َ ،‬والْ َع ْن أ ََاب ْاأل َْع َوِر ُّ‬
‫السلَم هي‬ ‫ت ه‬ ‫َ َ ََ َ َُ َ َ َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َو َسله َم‪ ،‬فَ َق َ‬
‫(د) وأخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬بلفظ‪" :‬قنت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم شهرا متتابعا يف‬
‫الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬واملغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬والصبح‪ ،‬يف دبر كل صالة‪ ،‬إذا قال‪ :‬مسع هللا ملن محده‪ ،‬من الركعة األخرية‪ ،‬يدعو‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب الوتر‪ -‬ابب القنوت قبل الركوع وبعده– رقم(‪.)1003‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب املساجد ومواضع الصالة‪ -‬ابب استحباب القنوت يف مجيع الصالة‪ -‬رقم(‪.)677‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب املساجد ومواضع الصالة– ابب استحباب القنوت يف مجيع الصالة– رقم(‪.)679‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه‪ -)108/2( :‬رقم(‪.)7047‬‬
‫‪154‬‬
‫عليهم‪ ،‬على حي من بّن سليم‪ ،‬على رعل وذكوان وعصية‪ ،‬ويؤمن من خلفه‪ ،‬أرسل إليهم يدعوهم إىل اْلسالم‪ ،‬فقتلوهم‬
‫"( ‪.)1‬‬

‫(‪ )2‬مشهور بني العوام‪:‬‬


‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫(‪ )1‬حديث‪" :‬العجلة من الشيطان"‪ ،‬أخرجه الرتمذي يف سننه بسند ضعيف‪ ،‬عن َعْبد امل َهْي ِم ِن بْن َعبه ِ‬
‫اس بْ ِن َس ْه ِل بْ ِن‬
‫ِ ُ‬
‫اَّللِ‬ ‫اَّللِ صلهى ه ِ‬
‫الع َجلَةُ ِم َن ال هشْيطَان‬
‫ِ "( ‪.)2‬‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم‪" :‬األ ََانةُ م َن َ َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ول ه َ‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫ي‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن َج ِّدهِ قَ َ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫اع ِد ُّ‬
‫سع ٍّد ال هس ِ‬
‫َْ‬
‫ضعه َفهُ ِم ْن قِبَ ِل ِح ْف ِظ ِه"‪.‬‬ ‫ض أ َْه ِل الْعِلِْم ِيف َعْب ِد امل َهْي ِم ِن بْ ِن َعبه ِ‬
‫اس بْ ِن َس ْه ٍّل َو َ‬ ‫ُ‬ ‫يب‪َ .‬وقَ ْد تَ َكله َم بَ ْع‬
‫ٌ‬ ‫وقال الرتمذي‪َ " :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫يث َغ ِر‬
‫ُ‬
‫ص ْوِم ُك ْم يَـ ْو ُم َْحن ِرُك ْم"‪ .‬وهو مع شهرته وموافقته يف كثري من األحيان إَل أنه ابطل َل أصل له‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪" :‬يَـ ْو ُم َ‬
‫قال اهلروي‪َ" :‬ل أصل له كما قاله أمحد وغريه ذكره السخاوي‪ ،‬وذكره الزركشي بلفظ "حنركم يوم صومكم"‪ ،‬مث قال أمحد‬
‫( ‪.)3‬‬
‫بن حنبل‪َ :‬ل أصل له"‬
‫(‪ )3‬مشهور بني الفقهاء‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬حديث‪" :‬أبغض احلالل إىل هللا الطالق"‪ ،‬أخرجه أبو داود وابن ماجه‪ ،‬وصححه احلاكم والذهيب‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫"( ‪.)4‬‬
‫اَّللِ تَ َع َ‬
‫اىل الطهَال ُق‬ ‫احلََال ِل إِ َىل ه‬
‫ض ْ‬ ‫رضي هللا عنهما‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬أَبْ غَ ُ‬
‫(‪ )4‬مشهور بني األصوليني‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬حديث‪" :‬رفع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‪.‬‬
‫ض َع َع ْن أُهم ِيت‬ ‫ِل أقف عليه هبذا اللفظ ‪ ،‬لكن أخرجه ابن ماجه‪ ،‬بسنده عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬بلفظ‪" :‬إِ هن ه‬
‫اَّللَ َو َ‬
‫ِ"( ‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫استُ ْك ِرُهوا َعلَْيه‬
‫اخلَطَأَ‪َ ،‬والنّ ْسيَا َن‪َ ،‬وَما ْ‬
‫ْ‬
‫مث وقفت على قول العالمة الزكشي‪ََ" :‬ل يُوجد ِهبَ َذا الله ْفظ َوأقرب َما يُوجد بِلَ ْفظ رفع َعن َه ِذه اَلمة ثََالث‪َ ،‬رَواهُ ابْن‬
‫ال َر ُسول هللا ص صلى هللا َعلَْي ِه َوسلم‪" :‬رفع هللا َعن َه ِذه األمة ثََالث األمر‬ ‫ال قَ َ‬
‫بكرة قَ َ‬ ‫ِ‬
‫عدي يف اْل َكامل من َحديث أيب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نكرات َج ْع َفر بن جسر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ْرهو َن َعلَْيه"‪ .‬وعده ابْن عدي من ُم َ‬ ‫يك ُ‬
‫َوقد أ ْخ ُرج ابْن ماجه ِيف سنَنه ِيف الطهَالق َعن اَلوماعي َعن َعطاء بن ايب َرَابح َعن ابْن َعبهاس َعن النِهيب صلى هللا َعلَْي ِه َوسلم ‪:‬‬
‫ِ ( ‪.)6‬‬ ‫ِ‬
‫ْرهوا َعلَْيه"‬
‫استك ُ‬‫اخلَطَأ َوالنّ ْسيَان َوَما ْ‬ ‫"إن هللا وضع َعن أميت ْ‬
‫قلت‪ :‬وأخرجه ابن ماجه عن أيب ذر الغفاري رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إِ هن ه‬
‫اَّللَ قَ ْد َجتَ َاوَم‬

‫)‪ (1‬أخرجه أمحد يف مسنده‪ -)475/4( :‬رقم(‪.)2746‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي‪ :‬أبواب الرب والصلة– ابب ما جاء يف التأين والعجلة– رقم(‪.)2012‬‬
‫)‪ " (3‬األسرار املرفوعة يف األخبار املوضوعة املعروف ابملوضوعات الكربى"(ص‪.)397:‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه أبو داود‪ :‬كتاب الطالق – ابب يف كراهية الطالق– رقم(‪.)2178‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب الطالق – ابب حدثنا سويد بن سعيد– رقم(‪.)2018‬‬
‫واحلاكم يف املستدرك ‪ :‬كتاب الطالق – ابب ما أحل هللا شيئا أبغض إليه من الطالق ‪ - )558، 557/2( -‬رقم (‪( )2848‬موصوَلً)‪.‬‬
‫وقال احلاكم‪ :‬هذا حديث صحيح اْلسناد وِل َيرجاه‪ ،‬ومن حكم هذا احلديث أن يبدأ به يف كتاب الطالق‪ .‬وصححه الذهيب على شرط مسلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب الطالق– ابب طالق املكره والناسي– رقم(‪.)2045‬‬
‫)‪" (6‬الآللئ املنثورة يف األحاديث املشهورة"للزركشي‪( ،‬ص‪ ،)63:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫استُ ْك ِرُهوا َعلَْي ِه‬
‫"( ‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َع ْن أُهم ِيت ا ْخلَطَأَ‪َ ،‬والنّ ْسيَا َن‪َ ،‬وَما ْ‬
‫(‪ )5‬مشهور بني النحاة‪:‬‬
‫من أمثلته‪:‬‬
‫ص ِه"‪.‬‬
‫اَّلل َمل يـ ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لَ ْو َملْ َخيَف ََّ ْ َ‬
‫ص َه ْي ٌ‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬حديث‪" :‬ن ْع َم ال َْع ْب ُد ُ‬
‫وهذا مع شهرته فال أصل له يف كتب احلديث‪َ ،‬ل مرفوعا وَل موقوفا‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪" :‬أان أفصح من نطق ابلضاد؛ بيد أين من قريش"‪.‬‬
‫قال السخاوي‪" :‬معناه صحيح‪ ،‬ولكن َل أصل له كما قاله ابن كثري‬
‫"( ‪.)2‬‬

‫وقال أيضا‪ " :‬قد اشتهر يف كالم األصوليني وأصحاب املعاين وأهل العربية من حديث عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪،‬‬
‫وذكر الشيخ هباء الدين السبكي أنه ِل يظفر به يف شيء من الكتب‪ ،‬وكذا قال مجع جم من أهل اللغة‪ ،‬مث رأيت ِبط‬
‫إسنادا‪ ،‬وقال‪ :‬أراد أن‬
‫شيخنا رمحه هللا أنه ظفر به يف "مشكل احلديث"أليب حممد بن قتيبة‪ ،‬لكن ِل يذكر له ابن قتيبة ً‬
‫صهيبًا إَّنا يطيع هللا حبًا َل ملخافة عقابه‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقد وقفت على معىن ذلك من قول عمر رضي هللا عنه إَل أنه يف حق ساِل موىل أيب حذيفة فروى أبو نعيم يف "احللية"‬
‫من طريق عبد هللا بن األرقم‪ :‬حضرت عمر عند وفاته مع ابن عباس واملسور بن خمرمة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬مسعت رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬إن ساملا شديد احلب هلل عز وجل‪ ،‬لو كان َل َياف هللا ما عصاه" وسنده ضعيف‪ ،‬وعنده‬
‫ً‬
‫أيضا‪" :‬لو استخلفت ساملا موىل أيب حذيفة فسالّن ريب ما محلك على ذلك لقلت‪ :‬رب مسعت نبيك‬ ‫من طريق عمر ً‬
‫ً‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪ :‬إنه حيب هللا حقا من قلبه"‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫وهذا يؤيد َتويل ابن قتيبة املاضي‬
‫حكم احلديث املشهور‪:‬‬
‫املشهور اَلصطالحي وغري اَلصطالحي َل يوصف بكونه صحيحا أو غري صحيح ابتداء‪ ،‬لكن بعد البحث يتبني أن منه‬
‫الصحيح‪ ،‬ومنه احلسن‪ ،‬ومنه الضعيف‪ ،‬ومنه املوضوع أيضا لكن إن صح املشهور اَلصطالحي‪ ،‬فتكون له ميزة ترجحه‬
‫على العزيز والغريب‪.‬‬
‫أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫املراد ابملصنفات يف األحاديث املشهورة هي األحاديث املشهورة على األلسنة‪ ،‬وليست املشهورة اصطالحا؛ ألنه ِل يؤلف‬
‫أحد من العلماء كتبا يف مجع األحاديث املشهورة اصطالحا‪ .‬ومن هذه املصنفات‪:‬‬
‫(‪ )1‬املقاصد احلسنة‪ ،‬فيما اشتهر على األلسنة‪ ،‬للسخاوي‪.‬‬
‫(‪ )2‬كشف اخلفاء‪ ،‬ومزيل اْللباس‪ ،‬فيما اشتهر من احلديث على ألسنة الناس‪ ،‬للعجلوين‪.‬‬
‫(‪ )3‬متييز الطيب من اخلبيث‪ ،‬فيما يدور على ألسنة الناس من احلديث‪َ ،‬لبن الديبع الشيباين‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب الطالق– ابب طالق املكره والناسي– رقم(‪.)2043‬‬
‫)‪" (2‬املقاصد احلسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة على األلسنة"‪ ،‬للسخاوي‪( ،‬ص‪ ،)167:‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫)‪" (3‬األجوبة املرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية"(‪ ،)100/1‬للسخاوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الراية للنشر والتوميع‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫اثنيا‪ :‬العزيز‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫العزيز لغة‪ :‬هو صفة مشبهة‪ ،‬من " َعهز يَعُِّز" بكسر العني‪ ،‬أي قل وندر‪ ،‬والشيء‪ :‬قل‪ ،‬فال يكاد يوجد‪ ،‬فهو عزيز‪.‬‬
‫( ‪.)1‬‬
‫أو من " َعهز يَ َعُّز" ِابلْ َفْت ِح‪ ،‬إِذا قوي واشتد‪ ،‬فهو (عزيز) أي قوي بعد ذلة‬
‫العزيز اصطالحا‪ :‬هو أن َل يرويه أقل من اثنني عن اثنني‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقال البيقوين‪َ :‬ع ِز ُيز َم ْرِوي اثْنَ ْني ْأو ثَالَثَ ْه ‪َ ......‬م ْش ُه ُ‬
‫ور َم ْرِوي ْفو َق َما ثَ ْ‬
‫الثه‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫ليس املقصود أن يرويه اثنان عن اثنني عن اثنني إىل منتهى السند‪ ،‬فإنه َل يوجد حديث مبثل هذه الصفة‪.‬‬
‫لكن املعىن أنه َل يوجد يف أي طبقة من طبقات السند أقل من اثنني؛ أما إن وجد يف بعض طبقات السند ثالثة فأكثر‬
‫فال يضر‪ ،‬بشرط أن تبقى ولو طبقة واحدة فيها اثنان؛ ألن العربة ألقل طبقة من طبقات السند‪.‬‬
‫سبب تسميته بذلك‪:‬‬
‫ومسي بذلك إما لقلة وجوده وندرته‪ ،‬وإما لكونه َعهز‪ ،‬أي قوي مبجيئه من طريق أخرى‪ ،‬فكأَّنا تعزم به أي قوي‪.‬‬
‫ني"‪.‬‬
‫َمجَع َ‬ ‫ب إِلَْي ِه ِم ْن َوالِ ِدهِ َوَولَ ِدهِ َوالن ِ‬
‫هاس أ ْ ِ‬ ‫َح ه‬
‫َح ُد ُك ْم‪َ ،‬ح هَ أَ ُكو َن أ َ‬
‫ِ‬
‫مثاله‪ :‬حديث‪َ" :‬لَ يُ ْؤم ُن أ َ‬
‫( ‪.)2‬‬
‫فقد أخرجه الشيخان عن أنس ابن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬هبذا اللفظ"‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫وأخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬بلفظ‪" :‬فَ َوالهذي نَ ْفسي بيَده‪َ ،‬لَ يُ ْؤم ُن أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم َح هَ أَ ُكو َن‬
‫ِ ِ ( ‪.)3‬‬
‫ب إِلَْي ِه ِم ْن َوالِ ِدهِ َوَولَده"‬
‫َح ه‬
‫أَ‬
‫ورواه عن أنس قتادة بن دعامة السدوسي‪ ،‬وعبد العزيز بن صهيب‪.‬‬
‫مث رواه عن قتادة شعبة بن احلجاج‪ ،‬وسعيد بن أيب عروبة‪.‬‬
‫ورواه عن عبد العزيز بن صهيب إمساعيل بن علية‪ ،‬وعبد الوارث بن سعيد‪.‬‬
‫ورواه عن أيب هريرة األعرج عبد الرمحن بن هرمز‪ ،‬مث رواه عن األعرج أبو الزاند عبد هللا بن ذكوان‪.‬‬
‫هل العزيز من شرط البخاري؟‬
‫مبعىن‪ :‬هل يشرتط البخاري يف صحيحه جميء احلديث من طريقني على األقلق‬
‫صرح القاضي أبو بكر بن العريب يف شرح البخاري ِبن ذلك شرط البخاري‪ ،‬وأجاب عما أورد عليه من ذلك جبواب فيه‬
‫نظر؛ ألنه قال‪ :‬فإن قيل‪ :‬حديث‪" :‬األعمال ابلنيات" فرد؛ ِل يروه عن عمر إَل علقمةق قال‪ :‬قلنا‪ :‬قد خطب به عمر‬
‫( ‪.)4‬‬
‫على املنرب ِبضرة الصحابة؛ فلوَل أهم يعرفونه ألنكروه‪- .‬كذا قال‬

‫)‪" (1‬لسان العرب"(‪َ )375/5‬لبن منظور‪ "،‬خمتار الصحاح"للرامي‪( ،‬ص‪"،)207:‬القاموس احمليط"الفريومآابدى‪.)517/1(،‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان– ابب حب الرسول صلى هللا عليه وسلم من اْلميان– رقم(‪.)15‬‬
‫وأخرجه مسلم‪ :‬كتاب اْلميان– ابب وجوب حمبة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أكثر من األهل والولد‪ –.....‬رقم(‪.)44‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان– ابب حب الرسول صلى هللا عليه وسلم من اْلميان– رقم(‪.)14‬‬
‫)‪" (4‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر" َلبن حجر العسقالين‪(،‬ص‪.)51:‬‬
‫‪157‬‬
‫رد احلافظ ابن حجر على ابن العريب‪:‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪ " :‬وتعقب ِبنه َل يلزم من كوهم سكتوا عنه أن يكونوا مسعوه من غريه‪ ،‬وِبن هذا لو سلم يف عمر‬
‫منع يف تفرد علقمة مث تفرد حممد بن إبراهيم به عن علقمة‪ ،‬مث تفرد حيىي بن سعيد به عن حممد‪ ،‬على ما هو الصحيح‬
‫املعروف عند احملدثني‪ ،‬وقد وردت هلم متابعات َل يعترب هبا‪ ،‬وكذا َل يسلم جوابه يف غري حديث عمر‪.‬‬
‫( ‪.)1‬‬
‫قال ابن رشيد‪ :‬ولقد كان يكفي القاضي يف بطالن ما ادعى أنه شرط البخاري أول حديث مذكور فيه‬
‫أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫ِل يصنف العلماء مصنفات خاصة ابحلديث العزيز‪ ،‬والظاهر أن ذلك لقلته‪ ،‬ولعدم حصول فائدة مهمة من تلك‬
‫املصنفات‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬احلديث الغريب‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫الغريب لغة‪ :‬هو صفة مشبهة‪ ،‬مبعىن املنفرد‪ ،‬أو البعيد عن أقاربه‪ ،‬مأخوذ من الغرابة تقول‪ :‬غرب الشخص عن وطنه أي‬
‫بعد‪ ،‬ومجعه غرابء‪ ،‬وجيمع احملدثون الغريب على غرائب‪.‬‬
‫هم َغَرابَةً بَ ُع َد َع ْن َوطَنِ ِه فَ ُه َو‬
‫هخ ُ ِ ِ‬
‫ص ابلض ّ‬ ‫ب الش ْ‬
‫ِ‬
‫ت ِيف َمغيبِ َها َو َغ ُر َ‬
‫ت َوتَ َو َار ْ‬
‫واب بَ ُع َد ْ‬
‫ب ُغ ُر ً‬ ‫س تَ ْغ ُر ُ‬‫هم ُ‬ ‫ت الش ْ‬ ‫قال الفيومي‪َ " :‬غَربَ ْ‬
‫( ‪.)2‬‬ ‫َغ ِريب فَعِيل ِمبَعىن فَ ِ‬
‫اع ٍّل َومجَْ ُعهُ ُغَرَابءُ"‬ ‫ٌ ٌ َْ‬
‫( ‪.)3‬‬
‫الغريب اصطالحا‪ :‬هو ما ينفرد بروايته راو واحد فقط يف أي موضع من السند‬
‫الغريب والفرد‪:‬‬
‫ِ‬
‫حيث كثرةُ‬
‫الح غايَروا بينَ ُهما من ُ‬ ‫اَلصط ِ‬ ‫أهل‬
‫يب وال َف ْرَد مرتادفان لغةً واصطالحاً‪ ،‬إَل أن َ‬ ‫يقول احلافظ ابن حجر‪" :‬الغَر َ‬
‫يب‪ ،‬وهذا ِمن ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اَلستِ ِ ِ‬
‫حيث‬ ‫َكثر ما يُطْلقونه َعلى ال َف ْرد النّ ْس ِّ‬
‫يب أ ُ‬ ‫عمال وقلهتُه‪ُ ،‬‬
‫فالفرد أَ ْكثَ ُر ما يُطْلقونه على ال َف ْرد املُطْلَق‪ ،‬والغَر ُ‬
‫يب تفهرد بِِه فُال ٌن‪ ،‬أو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حيث استعما ُهلم الفعل املشتق فال يُ َفّرقون‪ ،‬فَيقولو َن يف املُطْلَق والنّ ْس ِّ‬ ‫طالق اَلس ِم علي ِهما‪ ،‬وأما ِمن ُ‬ ‫إِ ُ‬
‫( ‪.)4‬‬
‫أغرب به فالن"‬
‫أقسام الغريب ابلنسبة ملوضع التفرد‪:‬‬
‫يقسم الغريب ابلنسبة ملوضع التفرد فيه إىل قسمني‪َ ،‬ها‪" :‬غريب مطلق" و"غريب نسيب"‪.‬‬
‫(أوال)‪ :‬الغريب املطلق "أو الفرد املطلق"‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو ما كانت الغرابة يف أصل سنده‪ ،‬أي ما يتفرد بروايته شخص واحد يف أصل سنده‪.‬‬
‫وقد يستمر التفرد إىل آخر السند‪ ،‬وقد يرويه عن ذلك املتفرد عدة من الرواة‪.‬‬
‫من أمثلته‪:‬‬

‫)‪" (1‬نزهة النظر" َلبن حجر العسقالين‪(،‬ص‪.)53:‬‬


‫)‪" (2‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري" (‪.)444/2‬‬
‫)‪" (3‬قفو األثر يف صفوة علوم األثر" (ص‪ ،)47:‬ابن احلنبلي‪.‬‬
‫)‪" (4‬نزهة النظر" (ص‪.)66:‬‬
‫‪158‬‬
‫صيب ها‪ ،‬أَو إِ َىل امرأَةٍّ‬
‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬وإِهَّنَا لِ ُك ِل ام ِر ٍّئ ما نَوى‪ ،‬فَمن َكانَ ِ‬ ‫ال ِابلنِّيه ِ‬
‫َْ‬ ‫ت ه ْجَرتُهُ إِ َىل ُدنْيَا يُ ُ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ّ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬حديث‪" :‬إِهَّنَا األ َْع َم ُ‬
‫ِ ِ ( ‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَْنك ُح َها‪ ،‬فَ ِه ْجَرتُهُ إ َىل َما َه َ‬
‫اجَر إلَْيه"‬
‫فلم يصح عن أحد من الصحابة إَل عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪ ،‬وِل يصح عن عمر إَل من طريق علقمة بن‬
‫وقاص الليثي‪ ،‬وِل يصح عن علقمة إَل من طريق حممد بن إبراهيم التيمي‪ ،‬وِل يصح عن حممد بن إبراهيم التيمي إَل من‬
‫طريق حيىي بن سعيد األنصاري‪ ،‬مث اشتهر وكثرت طرقه بعد ذلك‪.‬‬
‫ض ٌع َو ِستُّو َن ُش ْعبَةً‪َ ،‬واحلَيَاءُ ُش ْعبَةٌ ِم َن اْلميَان"‬
‫ِ ِ ( ‪.)2‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪" :‬ا ِْلميَا ُن بِ ْ‬
‫تفرد به أبو صاحل عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬وتفرد به عبد هللا بن دينار عن أيب صاحل‪.‬‬
‫(اثنيا)‪ :‬الغريب النسيب"أو الفرد النسيب"‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو ما كانت الغرابة يف أثناء سنده‪ ،‬يرويه أكثر من راو يف أصل سنده‪ ،‬مث ينفرد بروايته واحد عن أولئك الرواة‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬مسي بذلك لكون التفرد فيه حصل ابلنسبة إىل شخص معني‪ ،‬وإن كان احلديث يف نفسه‬
‫( ‪.)3‬‬
‫مشهورا‪ ،‬ويقل إطالق الفردية عليه"‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪َ ،‬د َخ َل َع َام‬ ‫ول هِ‬ ‫س ب ِن مالِ ٍّ‬
‫ك َر ِض َي ه‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫اَّللُ َعْنهُ‪ ،‬أَ هن َر ُس َ‬ ‫مثاله‪ :‬حديث َمالك‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ش َهاب‪َ ،‬ع ْن أَنَ ِ ْ َ‬
‫"( ‪.)4‬‬
‫ال َفْت ِح‪َ ،‬و َعلَى َرأْ ِس ِه املِْغ َف ُر‬
‫فهذا احلديث روي من طرق عدة عن الزهري؛ إَل أنه َل يصح منها شيء إَل من طريق مالك عن الزهري‪.‬‬
‫ف َكبِري أَح ٍّد رواه‪َ ،‬غي ر مالِ ٍّ‬
‫الزْه ِر ِّ‬
‫ي"(‪..)5‬‬ ‫ك‪َ ،‬ع ِن ُّ‬ ‫قال الرتمذي‪ََ" :‬ل نَ ْع ِر ُ َ َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫سبب التسمية‪:‬‬
‫ومسي هذا القسم ب "الغريب النسيب"؛ ألن التفرد وقع فيه ابلنسبة إىل شخص معني‪ ،‬كقوهلم تفرد به فالن عن فالن‪ ،‬أو ِل‬
‫يروه ثقة إَل فالن‪ ،‬أو تفرد به أهل مكة‪ ،‬أو أهل الشام‪ ،‬أو تفرد به أهل الشام عن أهل احلجام‪.‬‬
‫أقسام الغريب من حيث السند واملنت‪ :‬قسم العلماء الغريب من حيث غرابة السند أو املنت إىل‪:‬‬
‫(أ) غريب متنا وإسنادا‪ :‬وهو احلديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد‪.‬‬
‫اَّللِ‬ ‫ان ِيف املِ َيز ِان‪ُ :‬سْب َحا َن ه‬
‫اَّللِ َوِِبَ ْم ِدهِ‪ُ ،‬سْب َحا َن ه‬ ‫ان‪ ،‬ثَِقيلَتَ ِ‬
‫ان علَى اللِّس ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مثاله‪ :‬حديث‪َ " :‬كل َمتَان َحبِيبَ تَان إِ َىل الهر ْمحَ ِن‪َ ،‬خفي َفتَ َ‬
‫ِ ِ ( ‪.)6‬‬
‫العظيم"‬
‫َ‬
‫فهذا احلديث تفرد به أبو هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬مث تفرد به عنه أبو ُمرعة بن عمرو بن جرير‪ ،‬وتفرد به عن أيب مرعة ُعمارةُ‬
‫بن القعقاع‪ ،‬وتفرد به عن عمارة حممد بن فُضيل‪.‬‬ ‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب بدء الوحي– ابب كيف كان بدء الوحي إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟ – رقم (‪.)1‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب اْلميان– ابب أمور اْلميان– رقم (‪.)9‬‬
‫)‪" (3‬نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"(ص‪َ )66:‬لبن حجر العسقالين‪ ،‬مطبعة سفري ابلرَيض‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب جزاء الصيد– ابب دخول احلرم‪ ،‬ومكة بغري إحرام– رقم(‪.)1846‬‬
‫)‪ (5‬سنن الرتمذي‪ :‬أبواب اْلهاد– ابب ما جاء يف املغفر– رقم(‪.)1963‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬كتاب التوحيد – ابب قراءة الفاجر واملنافق‪ ،‬وأصواهتم وتالوهتم َل جتاوم حناجرهم– رقم(‪.)7563‬‬
‫‪159‬‬
‫ومثله يعرب عنه الرتمذي بقوله"صحيح غريب َل نعرفه إَل من هذا الوجه"‪ ،‬أو "حسن غريب َل نعرفه إَل من هذا الوجه"‪،‬‬
‫أو "غريب َل نعرفه إَل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(ب) غريب إسنادا‪ ،‬ال متنا‪:‬‬
‫كحديث روى متنه مجاعة من الصحابة‪ ،‬وانفرد ر ٍّاو بروايته عن صحايب آخر‪.‬‬
‫اح ٍّد‪،‬‬
‫ال‪" :‬الْم ْؤِمن أيْ ُكل ِيف ِمعى و ِ‬ ‫ِ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم قَ َ ُ ُ َ ُ ً َ‬ ‫ِ ِ‬
‫هيب َ‬
‫وسى األشعري رضي هللا عنه‪َ ،‬عن الن ِّ‬ ‫ومثاله‪ :‬حديث أَِيب ُم َ‬
‫ٍّ "( ‪.)1‬‬
‫َوالْ َكافُِر َأيْ ُك ُل ِيف َسْب َع ِة أ َْم َعاء‬
‫فهذا املنت معروف عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد خرجاه يف الصحيحني من حديث أيب هريرة‪ ،‬ومن حديث ابن‬
‫عمر رضي هللا عنهم‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأما حديث أيب موسى هذا فخرجه مسلم عن أيب كريب‪ ،‬وقد‬
‫استغربه غري واحد من هذا الوجه‪ ،‬وذكروا أن أاب كريب تفرد به‪ ،‬منهم البخاري وأبو مرعة‪.‬‬
‫ومثله يعرب عنه الرتمذي بقوله‪":‬غريب من هذا الوجه"‪.‬‬
‫من مظان الغريب‪ :‬يوجد الغريب بكثرة يف بعض املصنفات؛ مثل مسند البزار‪ ،‬واملعجم األوسط للطرباين‪.‬‬
‫أشهر املصنفات فيه‪:‬‬
‫(‪ )1‬غرائب مالك‪ ،‬للدارقطّن‪.‬‬
‫(‪ )2‬األفراد‪ ،‬للدارقطّن أيضا‪.‬‬
‫(‪ )3‬السنن اليت تفرد بكل سنة منها أهل بلدة‪ ،‬أليب داود السجستاين‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب األشربة – ابب املؤمن أيكل يف معى واحد‪ ،‬والكافر أيكل يف سبعة أمعاء– رقم(‪.)2062‬‬
‫‪160‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫حجية خرب اآلحاد يف األحكام والعقائد‬
‫ذهب اْلمهور من الصحابة والتابعني‪ ،‬وأصحاب احلديث والفقه واألصول‪ ،‬إىل حجية خرب الواحد يف األحكام والعقائد‪،‬‬
‫مَ صح‪ ،‬وِل يقل أحد من السلف ِبالف ذلك‪ ،‬وقد ثبت الوجوب بعمل خرب اآلحاد الصحيح‪ ،‬ابلكتاب والسنة‬
‫واْلمجاع‪:‬‬
‫أوال‪ :‬األدلة من القرآن على وجوب العمل خبرب اآلحاد‪.‬‬
‫حي َذ ُرو َن"‬
‫َْ‬ ‫ههوا ِيف ال ِّدي ِن َولِيُ ْن ِذ ُروا قَ ْوَم ُه ْم إِذَا َر َج ُعوا إِلَْي ِه ْم لَ َعله ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍّ ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )1‬قوله تعاىل‪" :‬فَلَ ْوََل نَ َفَر م ْن ُك ِّل ف ْرقَة مْن ُه ْم طَائ َفةٌ ليَ تَ َفق ُ‬
‫[التوبة‪]122 :‬‬
‫وجه الداللة من اآلية‪ :‬أن هللا تعاىل أوجب على كل فرقة قبول نذارة النافر منها ِبمره النافر ابلتفقه وابلنذارة ومن أمره هللا‬
‫تعاىل ابلتفقه يف الدين وإنذار قومه فقد انطوى يف هذا األمر إجياب قبول نذارته على من أمره إبنذارهم والطائفة يف لغة‬
‫"( ‪.)1‬‬
‫العرب اليت هبا خوطبنا يقع على الواحد فصاعدا وطائفة من الشيء مبعىن بعضه هذا ما َل خالف بني أهل اللغة فيه‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫قال البخاري‪" :‬ويسمى الرجل طائفة لقوله تعاىل‪َ ":‬وإِ ْن طَائ َفَتان م َن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ني اقْ تَ تَ لُوا" [احلجرات‪" ،]9 :‬فلو اقتتل رجالن‬
‫"( ‪.)2‬‬
‫دخل يف معىن اآلية‬
‫اس ٌق بِنَ بٍَّأ فَتَبَ يه نُوا" [احلجرات‪.]6 :‬‬‫(‪ )2‬قوله تعاىل‪َ" :‬ي أَيُّها اله ِذين آمنُوا إِن جاء ُكم فَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫وجه الداللة‪ :‬ملا أمر هللا تعاىل ابلوقف والتثبت من خرب الفاسق‪ ،‬دل ذلك على قبول خرب العدل الثقة‪.‬‬
‫قال الشنقيطي‪" :‬وقد دلت هذه اآلية من سورة احلجرات على أمرين‪:‬‬
‫األول منهما‪ :‬أن الفاسق إن جاء بنبأ ممكن معرفة حقيقته‪ ،‬وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه جيب فيه التثبت‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬هو ما استدل عليه هبا أهل األصول من قبول خرب العدل ألن قوله تعاىل‪" :‬إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا" بدل‬
‫بدليل خطابه‪ ،‬أعّن مفهوم خمالفته أن اْلائي بنبأ إن كان غري فاسق بل عدَل َل يلزم التبني يف نبئه على قراءة‪ :‬فتبينوا‪.‬‬
‫"( ‪.)3‬‬
‫وَل التثبت على قراءة‪ :‬فتثبتوا‪ ،‬وهو كذلك‬
‫اثنيا‪ :‬األدلة من السنة على وجوب العمل خبرب اآلحاد‪.‬‬
‫واألدلة من السنة‪ ،‬والوقائع العملية كثرية جدا‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‬
‫صلهى ه‬ ‫ت النِ ه‬
‫هيب َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬ما أخرجه الرتمذي بسند صحيح‪ ،‬عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال‪َ " :‬مس ْع ُ‬
‫ب ُمبَلِّ ٍّغ أ َْو َعى ِم ْن َسام ٍّع‬
‫ِ "( ‪.)4‬‬
‫اَّللُ ْامَرأً َِمس َع ِمنها َشْي ئًا فَبَ لهغَهُ َك َما َِمس َع‪ ،‬فَ ُر ه‬
‫ول‪" :‬نَضَهر ه‬
‫يَ ُق ُ‬
‫( ‪.)5‬‬
‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍّه إِ َىل َم ْن ُه َو أَفْ َقهُ ِمْنهُ"‬‫اها َو َح ِفظَ َها َوبَلهغَ َها‪ ،‬فَ ُر ه‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ ْامَرأً َمس َع َم َقالَِيت فَ َو َع َ‬
‫وأخرجه أيضا عنه بلفظ‪" :‬نَضَهر ه‬

‫)‪" (1‬توجيه النظر إىل أصول األثر"(‪.)130/1‬‬


‫)‪" (2‬صحيح البخاري"‪ :‬كتاب أخبار اآلحاد‪ -‬ابب ما جاء يف إجامة خرب الواحد الصدوق يف األذان والصالة والصوم والفرائض واألحكام‪.‬‬
‫)‪" (3‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن ابلقرآن"(‪.)411/7‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب العلم– ابب ما جاء يف احلث على تبليغ السماع– رقم(‪.)2657‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ :‬أبواب العلم– ابب ما جاء يف احلث على تبليغ السماع– رقم(‪.)2658‬‬
‫‪161‬‬
‫اَّللُ َعْب ًدا َِمس َع‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪" :‬نَضَهر ه‬ ‫ول هِ‬ ‫س ب ِن مالِ ٍّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ك رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬ ‫وأخرجه ابن ماجه َع ْن أَنَ ِ ْ َ‬
‫( ‪.)1‬‬
‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍّه إِ َىل َم ْن ُه َو أَفْ َقهُ ِمْنهُ"‬ ‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍّه َغ ِْري فَ ِقيهٍّ‪َ ،‬وُر ه‬ ‫اها‪ ،‬مثُه بَلهغَ َها َع ِّّن‪ ،‬فَ ُر ه‬
‫َم َقالَِيت فَ َو َع َ‬
‫اَّللُ ْامَرأً َِمس َع‬
‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪" :‬نَضَهر ه‬ ‫ول هِ‬ ‫وأخرجه ابن ماجه أيضا عن ميد بن اثبت رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ِ "( ‪.)2‬‬ ‫ب ح ِام ِل فِ ْق ٍّه َغ ِري فَ ِقيهٍّ‪ ،‬ور ه ِ ِ ٍّ‬
‫ب َحام ِل ف ْقه إِ َىل َم ْن ُه َو أَفْ َقهُ مْنهُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َم َقالَِيت فَبَ لهغَ َها‪ ،‬فَ ُر ه َ‬
‫ف ِم ْن ِم ًىن‪،‬‬ ‫اَّللِ صلهى هللا َعلَْي ِه وسلهم‪ِ :‬اب ْخلَْي ِ‬ ‫وأخرجه ابن ماجه أيضا عن ُجبَ ِْري بْ ِن ُمطْعٍِّم رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫ََ َ‬ ‫ول ه َ ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َام َر ُس ُ‬
‫ِ "( ‪.)3‬‬ ‫ب ح ِام ِل فِ ْق ٍّه َغ ِري فَ ِق ٍّيه‪ ،‬ور ه ِ ِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ب َحام ِل ف ْقه إِ َىل َم ْن ُه َو أ َْف َقهُ مْنهُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫اَّللُ ْامَرأً َمس َع َم َقالَِيت فَبَ لهغَ َها‪ ،‬فَ ُر ه َ‬ ‫ال‪" :‬نَضَهر ه‬ ‫فَ َق َ‬
‫( ‪.)4‬‬
‫وهذا حديث متواتر بلغ رواته من الصحابة ستة عشر صحابيا‪ ،‬ذكرهم السيوطي يف كتاب"األمهار املتناثرة"‬
‫قال السرخسي‪" :‬يف قوله (فرب حامل فقه) بيان أن ما َيرب به الواحد فقه والفقه يف الدين ما يكون حجة وألان نعلم أنه‬
‫عليه السالم كان أيكل الطعام وما كان يزرع بنفسه ليتيقن بصفة احلل فيما أيكله وقد كان مأمورا ِبكل الطيب قال‬
‫تعاىل"َي أيها الرسل كلوا من الطيبات"‪ ،‬ورمبا كان يهدي إليه على ما روي أن سلمان رضي هللا عنه أهدي إليه طبقا من‬
‫رطب وأن بريرة رضي هللا عنها كانت هتدي إليه وكان يدعى إىل طعام فلو ِل يكن خرب الواحد حجة للعمل به يف حق هللا‬
‫تعاىل ملا اعتمد ذلك فيما أيكله وَل يقال كان يعلم من طريق الوحي حل ما يتناوله ألنه ما كان منتظر الوحي عند أكله‬
‫( ‪.)5‬‬
‫أَل ترى أنه تناول لقمة من الشاة املصلية"‬
‫ك ع ِن الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ال‪َ :‬ما َكانَ ْ‬ ‫يخ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ضِ‬ ‫س بْ َن َمال ٍّ َ‬ ‫ال‪َ :‬سأَلُوا أَنَ َ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ‬ ‫ص َهْي ٍّ‬
‫(‪ )2‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬عن عبد الْ َع ِزي ِز بْ ِن ُ‬
‫اب رس ِ‬ ‫َس ِقيها أَاب طَْلحةَ‪ ،‬وأَاب أَيُّوب‪ ،‬وِرج ًاَل ِمن أ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول‬ ‫َص َح َ ُ‬ ‫يخ‪ ،‬إِِّين لَ َقائ ٌم أ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫لَنَا َخٌَْر َغْي َر فَضيخ ُك ْم َه َذا الهذي تُ َس ُّمونَهُ الْ َفض َ‬
‫ال‪" :‬فَِإ هن ْ‬ ‫صلهى هللاُ َعلَْي ِه َو َسله َم ِيف بَْيتِنَا إِ ْذ َجاءَ َر ُجلٌ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ت"‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اخلَ ْمَر قَ ْد ُحِّرَم ْ‬ ‫اخلَبَ ُرق قُ ْلنَا‪ََ :‬ل‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬ه ْل بَلَغَ ُك ُم ْ‬ ‫هللا َ‬
‫"( ‪)6‬‬
‫وها‪َ ،‬وََل َسأَلُوا َعْن َها بَ ْع َد َخ َِرب الهر ُج ِل‬ ‫ال‪ :‬فَ َما َرا َج ُع َ‬ ‫س‪ ،‬أَ ِر ْق َه ِذهِ الْ ِق َال َل‪ ،‬قَ َ‬
‫ََي أَنَ ُ‬
‫ودَللة احلديث واضحة جلية يف قبول خرب الواحد الثقة‪.‬‬
‫الصْب ِح بِ ُقبَ ٍّاء‪َ ،‬جاءَ ُه ْم َر ُج ٌل‬
‫هاس ِيف ُّ‬ ‫اَّللُ َعْن ُه َما‪ ،‬بَْي نَ َما الن ُ‬ ‫(‪ )3‬ما أخرجه الشيخان يف صحيحيهما‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن ُع َمَر َر ِض َي ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫فَ َقا َل‪" :‬إِ هن َر ُس َ‬
‫وها‪َ ،‬وَكا َن َو ْجهُ‬ ‫استَ ْقبِلُ َ‬
‫صلهى هللاُ َعلَْيه َو َسله َم قَ ْد أُنْ ِزَل َعلَْيه اللهْي لَةَ قُ ْرآ ٌن‪َ ،‬وأُمَر أَ ْن يَ ْستَ ْقبِ َل ال َك ْعبَةَ‪ ،‬أََلَ فَ ْ‬
‫اَّلل َ‬
‫ِ ( ‪)7‬‬ ‫هاس إِ َىل ال هشأِْم‪ ،‬فَاست َداروا بِوج ِ‬
‫وه ِه ْم إِ َىل ال َك ْعبَة"‬ ‫الن ِ‬
‫َْ ُ ُ ُ‬
‫قال اإلمام الشافعي‪ " :‬وأهل قباء أهل سابقة من األنصار وفقه‪ ،‬وقد كانوا على قبلة فرض هللا عليهم استقباهلا‪.‬‬
‫وِل يكن هلم أن يدعوا فرض هللا يف القبلة إَل مبا تقوم عليهم احلجة‪ ،‬وِل يلقوا رسول هللا‪ ،‬وِل يسمعوا ما أنزل هللا عليه يف‬

‫)‪ (1‬أخرجه ابن ماجه يف سننه‪ :‬كتاب املقدمة– ابب من بلغ علما – رقم(‪.)236‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه ابن ماجه يف سننه‪ :‬كتاب املقدمة– ابب من بلغ علما – رقم(‪.)230‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ابن ماجه يف سننه‪ :‬كتاب املقدمة– ابب من بلغ علما – رقم(‪.)231‬‬
‫)‪" (4‬األمهار املتناثرة يف األحاديث املتواترة"للسيوطي‪( ،‬ص‪.)6، 5:‬‬
‫)‪" (5‬أصول السرخسي"(‪.)325/1‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب األشربة– ابب حترمي اخلمر‪ – ......‬رقم(‪.)1980‬‬
‫)‪ (7‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب تفسري القرآن – ابب "ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ‪[ "..‬البقرة‪ – ]145 :‬رقم(‪.)4490‬‬
‫وأخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب املساجد ومواضع الصالة– ابب حتويل القبلة من القدس إىل الكعبة– رقم(‪.)526‬‬
‫‪162‬‬
‫حتويل القبلة‪ ،‬فيكونون مستقبلني بكتاب هللا وسنة نبيه مساعا من رسول هللا وَل ِبرب عامة‪ ،‬وانتقلوا ِبرب واحد‪ ،‬إذا كان‬
‫عندهم من أهل الصدق‪ :‬عن فرض كان عليهم‪ ،‬فرتكوه إىل ما أخربهم عن النيب أنه أحدث عليهم من حتويل القبلة‪.‬‬
‫وِل يكونوا ليفعلوه ‪ -‬إن شاء هللا ‪ِ -‬برب إَل عن علم ِبن احلجة تثبت مبثله‪ ،‬إذا كان من أهل الصدق‪.‬‬
‫وَل ليحدثوا أيضا مثل هذا العظيم يف دينهم إَل عن علم ِبن هلم إحداثه‪ .‬وَل يدعون أن َيربوا رسول هللا مبا صنعوا منه‪.‬‬
‫ولو كان ما قبلوا من خرب الواحد عن رسول هللا يف حتويل القبلة‪ ،‬وهو فرض‪ :‬مما جيوم هلم‪ ،‬لقال هلم‪ -‬إن شاء هللا‪ -‬رسول‬
‫هللا‪ :‬قد كنتم على قبلة‪ ،‬وِل يكن لكم تركها إَل بعد علم تقوم عليكم به حجة من مساعكم مّن‪ ،‬أو خرب عامة أو أكثر من‬
‫"( ‪)1‬‬
‫خرب واحد عّن‬
‫(‪ )4‬مجلة من األحاديث اليت فيها بعث النيب صلى هللا عليه وسلم آحادا من الصحابة دعاة ووَلة وقضاة وأمراء ورسال؛‬
‫فبعث أاب بكر والياً على احلج ل يقيم للناس مناسكهم "وأخربهم عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مبا هلم وما عليهم"‪،‬‬
‫وخربه خرب واحد‪ ،‬وبعث علي بن أيب طالب لينبذ إىل قوم عهدهم‪ ،‬ولو ِل تكن احلجة قائمة ِبرب كل واحد منهما ملا بعثه‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وبعث معاذ بن جبل إىل اليمن‪ ،‬ووىل ميد بن حارثة بعث مؤتة‪ ،‬وبعث ابن أنيس سرية وحده‪،‬‬
‫وبعث اثّن عشر رسوَل إىل اثّن عشر ملكا يدعو كل واحد منهم من بعث إليه إىل اْلسالم ‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اإلَجاع‪.‬‬
‫وقد حكى اْلمجاع على قبول خرب الواحد الغزايل يف املستصفى‬
‫"( ‪)2‬‬

‫قال الشافعي‪ " :‬ولو جام ألحد من الناس أن يقول يف علم اخلاصة‪ :‬أمحع املسلمون قدميا وحديثاً على تثبيت خرب‬
‫لكن أقول‪ِ :‬ل أحفظ عن فقهاء‬
‫الواحد‪ ،‬واَلنتهاء إليه‪ِ ،‬بنه ِل يُعلم من فقهاء املسلمني أحد إَل وقد ثبهته جام يل‪ .‬و ْ‬
‫"(‪.)3‬‬
‫وصفت من أن ذلك موجوداً على كلهم‬
‫ُ‬ ‫املسلمني أهم اختلفوا يف تثبيت خرب الواحد مبا‬
‫والشافعي ِل يفرق بني العقائد واألحكام يف حجية خرب الواحد‪ ،‬وهذا دليل على أنه َل فرق بينهما عنده‪.‬‬
‫قال ابن عبد الرب‪ " :‬وأمجع أهل العلم من أهل الفقه واألثر يف مجيع األمصار فيما علمت على قبول خرب الواحد العدل‬
‫وإجياب العمل به إذا ثبت وِل ينسخه غريه من أثر أو إمجاع‪ ،‬على هذا مجيع الفقهاء يف كل عصر من لدن الصحابة إىل‬
‫"(‪.)4‬‬
‫يومنا هذا‪ ،‬إَل اخلوارج وطوائف من أهل البدع شرذمة َل تعد خالفا‬
‫وقال أيضا‪" :‬وكلهم يدين ِبرب الواحد العدل يف اَلعتقادات‪ ،‬ويعادى ويواىل علها‪ ،‬وجيعلها شرعا ودينا يف معتقده على‬
‫"(‪.)5‬‬
‫ذلك مجاعة أهل السنة‬
‫وهذا تصريح من ابن عبد الرب يف حجية خرب الواحد يف األحكام والعقائد سواء بسواء‪.‬‬

‫)‪" (1‬الرسالة للشافعي"(‪.)405/1‬‬


‫)‪" (2‬املستصفى" أليب حامد الغزايل‪( ،‬ص‪.)118:‬‬
‫)‪"(3‬الرسالة"للشافعي‪.)453/1(،‬‬
‫)‪"(4‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد"(‪.)2/1‬‬
‫)‪"(5‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد"(‪.)8/1‬‬
‫‪163‬‬
‫وقال اخلطيب البغدادي‪ " :‬وعلى العمل ِبرب الواحد كان كافة التابعني ومن بعدهم من الفقهاء اخلالفني‪ ,‬يف سائر أمصار‬
‫املسلمني إىل وقتنا هذا‪ ,‬وِل يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك وَل اعرتاض عليه ‪ ,‬فثبت أن من دين مجيعهم وجوبه‪ ,‬إذ لو‬
‫"(‪.)1‬‬
‫كان فيهم من كان َل يرى العمل به لنقل إلينا اخلرب عنه مبذهبه فيه‬
‫وهذا الكالم من اخلطيب البغدادي َل يفرق فيه بني العقائد واألحكام يف العمل ِبرب الواحد‪.‬‬
‫قال القرطيب‪":‬خرب الواحد‪ ،‬وهو جممع عليه من السلف معلوم ابلتواتر من عادة النيب صلى هللا عليه وسلم يف توجيهه‬
‫"(‪.)2‬‬
‫وألنه ورسله آحادا لآلفاق‪ ،‬ليعلموا الناس دينهم فيبلغوهم سنة رسوهلم صلى هللا عليه وسلم من األوامر والنواهي‬
‫فالقرطيب يف هذا النص َل يفرق بني العقائد واألحكام يف اَلحتجاج عليها ِبرب الواحد‪.‬‬
‫ك بِِه ِع ْل ٌم‬‫س لَ َ‬ ‫وقال ابن حزم‪" :‬وأقوى ما شغب به من أنكر قبول خرب الواحد أن نزع بقول هللا تعاىل‪َ ":‬وََل تَ ْق ُ‬
‫ف َما لَْي َ‬
‫ِ‬
‫ك َكا َن َعْنهُ َم ْسئُ ًوَل"[اْلسراء‪]36:‬‬ ‫إِ هن ال هس ْم َع َوالْبَ َ‬
‫صَر َوالْ ُف َؤ َاد ُك ُّل أُولَئ َ‬
‫قال أبو حممد‪ :‬وهذه اآلية حجة لنا عليهم يف هذه املسألة ألان ِل نقف ما ليس لنا به علم‪ ،‬بل ما قد صح لنا به العلم‬
‫"(‪.)3‬‬
‫وقام الربهان على وجوب قبوله‪ ،‬وصح العلم بلزوم اتباعه والعمل به‪ ،‬فسقط اعرتاضهم هبذه اآلية واحلمد هلل رب العاملني‬
‫وهذا قليل من كثري من نصوص العلماء على حجية خرب الواحد– مَ صح– ووجوب العمل به يف العقيدة والشريعة‬
‫سواء بسواء‪.‬‬
‫توضيح مهم‪:‬‬
‫قول ابن عبد الرب‪" :‬وإجياب العمل به إذا ثبت وِل ينسخه غريه من أثر أو إمجاع"‪ ،‬ليس معناه أن اْلمجاع ينسخ!‬
‫بل قصد دليل اْلمجاع هو الناسخ‪ ،‬ألن اْلمجاع َل يكون إَل عن دليل‪ ،‬لكن قد يصلنا الدليل وقد َل يصلنا‪ ،‬ومن‬
‫املعروف أن اْلمجاع َل يَنسخ وَل يُنسخ‪.‬‬

‫)‪"(1‬الكفاية يف علم الرواية" للخطيب البغدادي‪(،‬ص‪.)31:‬‬


‫)‪"(2‬اْلامع ألحكام القرآن"(‪ )152/2‬للقرطيب‪.‬‬
‫)‪"(3‬اْلحكام يف أصول األحكام"(‪،)115، 114/1‬ابن حزم ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫أوال‪ :‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬املصادر األخرى‪:‬‬
‫اإلحتافات السنية ابألحاديث القدسية" للمناوي‪ ،‬دار ابن كثري دمشق‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫أثر علل احلديث يف اختالف الفقهاء"‪ ،‬ماهر َيسني فحل اهلييت‪ ،‬الناشر‪ :‬دار عمار للنشر‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫إَجال اإلصابة يف أقوال الصحابة"‪ ،‬صالح الدين أبو سعيد الدمشقي العالئي‪ ،‬مجعية إحياء الرتاث اْلسالمي‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫األجوبة الفاضلة لألسئلة العشرة الكاملة" ‪ ،‬عبد احلي اللكنوي اهلندي‪ ،‬مكتب املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫األجوبة املرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية"‪ ،‬للسخاوي‪ ،‬دار الراية للنشر والتوميع‪.‬‬
‫أحاديث الشيوخ الثقات"‪ ،‬حممد بن عبد الباقي بن حممد األنصاري الكعيب‪ ،‬دار عاِل الفوائد للنشر والتوميع‪.‬‬
‫األحاديث املختارة"‪ ،‬ضياء الدين أبو عبد هللا حممد بن عبد الواحد املقدسي‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬عبد امللك بن عبد هللا بن‬
‫دهيش‪ ،‬دار خضر للطباعة والنشر والتوميع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫اإلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان"‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد بن حبان‪ ،‬أبو حامت‪ ،‬البُسيت‪ ،‬ترتيب‪ :‬األمري عالء‬
‫الدين علي بن بلبان الفارسي‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1408 ،‬ه ‪.‬‬
‫اإلحكام يف أصول األحكام"‪ ،‬علي بن أمحد ابن حزم الظاهري‪ ،‬دار اآلفاق اْلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق الشيخ أمحد شاكر‪.‬‬
‫األذكار"‪ ،‬أبو مكرَي حميي الدين حيىي بن شرف النووي‪ ،‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري "‪ ،‬أمحد بن حممد بن أىب بكر بن عبد امللك القسطالين القتييب املصري‪ ،‬أبو‬
‫العباس‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬املطبعة الكربى األمريية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة السابعة‪1323 ،‬ه ‪.‬‬
‫إرشاد الفحول إيل حتقيق احلق من علم األصول"‪ ،‬حممد بن علي لشوكاين‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬
‫اإلرشاد يف معرفة علماء احلديث"‪ ،‬أبو يعلى اخلليلي القزويّن‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫األزهار املتناثرة يف األحاديث املتواترة"‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬مطبعة دار التأليف‬
‫األسرار املرفوعة يف األخبار املوضوعة املعروف ابملوضوعات الكربى"‪ ،‬املال اهلروي القاري‪ ،‬احملقق‪ :‬حممد الصباغ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫أمساء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد"‪ ،‬ابن حزم األندلسى‪ ،‬حتقيق مسعد عبد احلميد السعدين‪ ،‬مكتبة القرآن‬
‫للطبع والنشر والتوميع‪.‬‬
‫أصول السرخسي"‪ ،‬حممد بن أمحد بن أيب سهل مشس األئمة السرخسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫أضواء البيان يف إيضاح القرآن ابلقرآن"‪ ،‬حممد األمني الشنقيطي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوميع بريوت‪.‬‬
‫إعالم املوقعني عن رب العاملني" حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد مشس الدين ابن قيم اْلومية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد‬

‫‪165‬‬
‫األعالم"‪ ،‬للزركلي الدمشقي‪ ،‬دار العلم للماليني‪.‬‬
‫اإللزامات والتتبع"‪ ،‬للدارقطّن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫الباعث احلثيث شرح اختصار علوم احلديث"‪ ،‬الشيخ أمحد شاكر‪ ،‬دار ابن اْلومي للنشر والتوميع‪.‬‬
‫البحر احمليط يف أصول الفقه"‪ ،‬حممد بن عبد هللا بن هبادر الزركشي‪ ،‬دار الكتيب‪ ،‬الطبعة األوىل‪1414 ،‬ه ‪.‬‬
‫الرماق احلسيّن‪ ،‬الهزبيدي‪ ،‬دار اهلداية‪.‬‬
‫حممد بن عبد ّ‬ ‫اتج العروس من جواهر القاموس"‪ّ ،‬‬
‫حممد بن ّ‬
‫اتريخ ابن معني (رواية عثمان الدارمي)"‪ ،‬حيىي بن معني بن عون بن مَيد بن بسطام‪ ،‬احملقق‪ :‬أمحد حممد نور سيف‪ ،‬دار‬
‫املأمون للرتاث‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫التاريخ الكبري"‪ ،‬حممد بن إمساعيل بن إبراهيم‪ ،‬البخاري‪ ،‬دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬حيدر آابد‪ ،‬الدكن‪.‬‬
‫اتريخ علماء األندلس"‪ ،‬عبد هللا بن حممد بن يوسف بن نصر األمدي‪ ،‬أبو الوليد‪ ،‬ابن الفرضي‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫أتويل خمتلف احلديث"‪ ،‬أبو حممد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬املكتب اَلسالمي‪ ،‬مؤسسة اْلشراق‪.‬‬
‫تدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي"‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار طيبة‪.‬‬
‫التدليس واملدلسون"‪ ،‬محاد بن حممد األنصاري اخلزرجي السعدي‪ ،‬جملة اْلامعة اْلسالمية ابملدينة املنورة‪.‬‬
‫تذكرة احلفاظ"‪ ،‬مشس الدين أبو عبد هللا حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ْاميام الذهيب‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1419 ،‬ه ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫تذكرة املوضوعات"‪ ،‬حممد طاهر بن علي الصديقي اهلندي ال َفت ِهّن‪ ،‬الناشر‪ :‬إدارة الطباعة املنريية‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫تغليق التعليق"‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن علي بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين‪ ،‬احملقق‪ :‬سعيد عبد الرمحن موسى‬
‫القزقي‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتب اْلسالمي‪ ،‬دار عمار‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫تقريب التهذيب"‪ ،‬أمحد ابن حجر العسقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عوامة‪ ،‬دار الرشيد‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫التقريب والتيسري ملعرفة سنن البشري النذير يف أصول احلديث"‪ ،‬حيىي بن شرف النووي‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫التقييد واإليضاح شرح مقدمة ابن الصالح"‪ ،‬عبد الرحيم بن احلسني بن عبد الرمحن بن أيب بكر بن إبراهيم العراقي‪،‬‬
‫احملقق‪ :‬عبد الرمحن حممد عثمان‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة السلفية ابملدينة املنورة‪.‬‬
‫تلقيح فهوم أهل األثر يف عيون التاريخ والسري"‪ ،‬مجال الدين أيب الفرج عبد الرمحن ابن اْلومي‪ ،‬الناشر‪ :‬شركة دار‬
‫األرقم بن أيب األرقم‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد"‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد هللا‪ ،‬ابن عبد الرب‪ ،‬ومارة عموم األوقاف والشؤون‬
‫اْلسالمية‪ ،‬املغرب‪.‬‬
‫التمييز"‪ ،‬مسلم بن احلجاج‪ ،‬احملقق‪ :‬د‪ .‬حممد مصطفى األعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الكوثر‪ ،‬املربع‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫تنزيه الشريعة املرفوعة عن األخبار الشنيعة املوضوعة" َلبن عراق‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫تنوير احلوالك شرح موطأ مالك"‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة التجارية الكربى‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫هتذيب التهذيب"‪ ،‬أمحد بن علي بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين‪ ،‬مطبعة دائرة املعارف النظامية‪ ،‬اهلند‪.‬‬
‫توجيه النظر إىل أصول األثر"‪ ،‬طاهر بن صاحل السمعوين اْلزائري‪ ،‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫توضيح األفكار ملعاين تنقيح األنظار"‪ ،‬حممد بن إمساعيل بن صالح الصنعاين‪ ،‬احملقق‪ :‬أبو عبد الرمحن صالح بن حممد‬
‫بن عويضة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ,‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1417‬ه ‪1997/‬م‪.‬‬
‫التوضيح لشرح اجلامع الصحيح" َلبن امللقن‪ ،‬دار النوادر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫تيسري التحرير"‪ ،‬أمري ابدشاه احلنفي‪ ،‬مصطفى البايب ا ْحللَِيب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫الثقات"‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد‪ ،‬أبو حامت‪ ،‬البُسيت‪ ،‬دائرة املعارف العثمانية ِبيدر آابد الدكن اهلند‪.‬‬
‫جامع األصول يف أحاديث الرسول"‪ ،‬أبو السعادات املبارك بن حممد بن حممد بن حممد ابن عبد الكرمي الشيباين اْلزري‬
‫ابن األثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد القادر األرنؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة احللواين‪ ،‬مطبعة املالح‪ ،‬مكتبة دار البيان‪.‬‬
‫جامع التحصيل يف أحكام املراسيل"‪ ،‬صالح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد هللا الدمشقي العالئي‪،‬‬
‫احملقق‪ :‬محدي عبد اجمليد السلفي‪ ،‬الناشر‪ :‬عاِل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫جامع العلوم واحلكم"‪ ،‬عبد الرمحن بن أمحد بن رجب‪ ،‬احلنبلي‪ ،‬احملقق‪ :‬شعيب األرانؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫اجلامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأايمه"‪ ،‬حممد بن إمساعيل‬
‫البخاري‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬
‫اجلامع ألحكام القرآن"‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح األنصاري القرطيب‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد الربدوين‬
‫وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1384 ،‬ه ‪1964 -‬م‪.‬‬
‫اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع"‪ ،‬أمحد بن علي بن اثبت بن أمحد بن مهدي اخلطيب البغدادي‪ ،‬مكتبة‬
‫املعارف‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫اجلرح والتعديل"‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن إدريس‪ ،‬ابن أيب حامت الرامي‪ ،‬طبعة جملس دائرة املعارف العثمانية‪ِ ،‬بيدر آابد‬
‫الدكن‪ ،‬اهلند‪.‬‬
‫حلية األولياء وطبقات األصفياء"‪ ،‬أبو نعيم أمحد بن عبد هللا بن أمحد بن إسحاق بن موسى بن مهران األصبهاين‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬السعادة ‪ -‬جبوار حمافظة مصر‪1394 ،‬ه ‪1974 -‬م‪.‬‬
‫اخلالصة يف معرفة احلديث"‪ ،‬احلسني بن حممد الطييب‪ ،‬املكتبة اْلسالمية للنشر والتوميع‪ ،‬الرواد لإلعالم والنشر‪.‬‬
‫دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة"‪ ،‬أمحد بن احلسني بن علي بن موسى اخلُ ْسَرْوِجردي اخلراساين‪ ،‬أبو بكر‬
‫البيهقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫الس ِج ْستاين‪ ،‬احملقق‪:‬‬
‫ِ‬
‫رسالة أيب داود إىل أهل مكة وغريهم يف وصف سننه"‪ ،‬أبو داود سليمان بن األشعث األمدي ّ‬
‫حممد الصباغ‪ ،‬دار العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫الرسالة"‪ ،‬حممد بن إدريس بن العباس‪ ،‬الشافعي‪ ،‬احملقق‪ :‬أمحد شاكر‪ ،‬مكتبه احلليب‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫ب َعن سن َِّة أيب ال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫اسم"‪ ،‬حممد بن إبراهيم بن علي بن املرتضى‪ ،‬القامسي‪ ،‬ابن الومير‪ ،‬دار عاِل‬ ‫اسم يف الذ ِ ْ ُ‬‫وض البَ ْ‬
‫الر ُ‬
‫َّ‬
‫الفوائد للنشر والتوميع‪.‬‬
‫روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل"‪ ،‬أبو حممد موفق الدين عبد هللا بن‬
‫أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي‪ ،‬مؤسسة الرَّين للطباعة والنشر والتوميع‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1423‬ه ‪.‬‬
‫السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411 ،‬ه ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫السنة ومكانتها يف التشريع اإلسالمي"‪ ،‬مصطفى السباعي‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتب اْلسالمي‪ :‬دمشق‪ ،‬سورَي‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه"‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن يزيد القزويّن‪ ،‬وماجة اسم أبيه يزيد‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬فيصل عيسى‬
‫البايب احلليب‪.‬‬
‫الس ِج ْستاين‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ِ‬
‫سنن أيب داود"‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق‪ ،‬األمدي ّ‬
‫سنن الرتمذي"‪ ،‬حممد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪ ،‬مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫سنن الدارقطين"‪ ،‬أبو احلسن علي بن عمر بن أمحد بن مهدي البغدادي الدارقطّن‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب اَلرنؤوط‪ ،‬وآخرون‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1424 ،‬ه ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫سنن الدارمي"‪ ،‬أبو حممد عبد هللا بن عبد الرمحن بن الفضل بن َهبرام بن عبد الصمد الدارمي‪ ،‬التميمي السمرقندي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حسني سليم أسد الداراين‪ ،‬دار املغّن للنشر والتوميع‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫السنن الكربى"‪ ،‬أمحد بن احلسني بن علي بن موسى اخلُ ْسَرْوِجردي البيهقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫السنن الكربى"‪ ،‬أمحد بن شعيب النسائي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫سنن النسائي"‪ ،‬أمحد بن شعيب بن علي اخلراساين‪ ،‬النسائي‪ ،‬مكتب املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫سؤاالت أيب عبيد اآلجري أاب داود السجستاين يف اجلرح والتعديل"‪ ،‬الناشر‪ :‬عمادة البحث العلمي ابْلامعة‬
‫اْلسالمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫سري أعالم النبالء"‪ ،‬حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ْاميام الذهيب‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫شرح املوقظة للذهيب"‪ ،‬حممود بن حممد بن مصطفى املنياوي‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة الشاملة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫شرح التبصرة والتذكرة"‪ ،‬مين الدين عبد الرحيم بن احلسني بن عبد الرمحن العراقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫شرح الورقات يف أصول الفقه"‪ ،‬جالل الدين احمللي الشافعي‪ ،‬الناشر‪ :‬جامعة القدس‪ ،‬فلسطني‪.‬‬
‫شرح علل الرتمذي"‪َ ،‬لبن رجب احلنبلي‪ ،‬احملقق‪ :‬الدكتور َهام عبد الرحيم سعيد‪ ،‬مكتبة املنار‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫شرح خنبة الفكر يف مصطلحات أهل األثر"‪ ،‬أبو احلسن نور الدين املال اهلروي القاري‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫الضعفاء الكبري"‪ ،‬أبو جعفر حممد بن عمرو بن موسى بن محاد العقيلي‪ ،‬دار املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫الطبقات الكربى"‪ ،‬حممد بن سعد بن منيع اهلامشي ابلوَلء‪ ،‬البصري‪ ،‬البغدادي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫علل الرتمذي الكبري"‪ ،‬عاِل الكتب‪ ،‬مكتبة النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫العلل الصغري للرتمذي"‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق ‪ :‬أمحد حممد شاكر وآخرون‪.‬‬
‫العلل الواردة يف األحاديث النبوية"‪ ،‬علي بن عمر بن أمحد بن مهدي البغدادي‪ ،‬الدارقطّن‪ ،‬دار طيبة الرَيض‪.‬‬
‫العلل البن أيب حامت"‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب حامت الرامي‪ ،‬مطابع احلميضي‪.‬‬
‫العلل ومعرفة الرجال"‪ ،‬أمحد بن حممد بن حنبل الشيباين‪ ،‬احملقق‪ :‬وصي هللا بن حممد عباس‪ ،‬دار اخلاين‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫عرض ودراسة"‪ ،‬صبحي إبراهيم الصاحل ‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫علوم احلديث ومصطلحه ‪ٌ -‬‬
‫الغاية يف شرح اهلداية يف علم الرواية"‪ ،‬حممد بن عبد الرمحن‪ ،‬السخاوي‪ ،‬احملقق‪ :‬أبو عائش عبد املنعم إبراهيم‪ ،‬مكتبة‬
‫أوَلد الشيخ للرتاث‪.‬‬
‫غريب احلديث"‪ ،‬أبو سليمان محد بن حممد بن إبراهيم بن اخلطاب البسيت املعروف ابخلطايب‪ ،‬احملقق‪ :‬عبد الكرمي إبراهيم‬
‫الغرابوي ‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر – دمشق‪ ،‬عام النشر‪ 1402 :‬ه ‪1982 -‬م‪.‬‬
‫غريب احلديث"‪ ،‬أبو ُعبيد القاسم بن سالّم بن عبد هللا اهلروي البغدادي‪ ،‬احملقق‪ :‬حممد عبد املعيد خان‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مطبعة دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬حيدر آابد‪ ،‬الدكن‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1384 ،‬ه ‪ 1964 -‬م‪.‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري"‪ ،‬أمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالين‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫الفتح املبني بشرح األربعني"‪ ،‬أمحد بن حممد بن علي بن حجر اهليتمي‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫فتح املغيث بشرح الفية احلديث للعراقي"‪ ،‬حممد بن عبد الرمحن بن حممد السخاوي ‪ ،‬مكتبة السنة ‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫الفروسية"‪ ،‬ابن قيم اْلومية‪ ،‬احملقق‪ :‬مشهور بن حسن بن حممود بن سلمان‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬السعودية‪ ،‬حائل‪.‬‬
‫الفصل يف امللل واألهواء والنحل"‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد بن حزم األندلسي القرطيب الظاهري‪ ،‬مكتبة‬
‫اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫الفصل للوصل املدرج يف النقل"‪ ،‬أمحد بن علي بن اثبت بن أمحد بن مهدي‪ ،‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬احملقق‪ :‬حممد بن‬
‫مطر الزهراين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اهلجرة‪.‬‬
‫الفصول يف األصول"‪ ،‬أمحد بن علي أبو بكر الرامي اْلصاص احلنفي‪ ،‬ومارة األوقاف الكويتية‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫فضائل التسمية أبمحد وحممد"‪ ،‬احلسني بن أمحد بن عبد هللا بن بكري البغدادي الصرييف‪ ،‬الصحابة للرتاث‪ ،‬طنطا‪.‬‬
‫الفوائد اجملموعة يف األحاديث املوضوعة"‪ ،‬الشوكاين‪ ،‬احملقق‪ :‬املعلمي اليماين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫القاموس احمليط"‪ ،‬حممد بن يعقوب الفريومآابدى‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫القبس يف شرح موطأ مالك بن أنس"‪ ،‬أبو بكر بن العريب املعافري اَلشبيلي املالكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور حممد عبد هللا ولد‬
‫كرمي‪ ،‬دار الغرب اْلسالمي ‪ -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫قفو األثر يف صفوة علوم األثر"‪ ،‬ابن احلنبلي‪ ،‬احملقق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫قواعد التحديث من فنون مصطلح احلديث"‪ ،‬حممد مجال الدين القامسي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الكامل يف اللغة واألدب"‪ ،‬حممد بن يزيد املربد‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫الكامل يف ضعفاء الرجال"‪ ،‬أبو أمحد بن عدي اْلرجاين‪ ،‬الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫كشف األسرار شرح أصول البزدوي"‪ ،‬عبد العزيز بن أمحد‪ ،‬عالء الدين البخاري احلنفي‪ ،‬دار الكتاب اْلسالمي‪.‬‬
‫كشف اخلفاء ومزيل اإللباس"‪ ،‬إمساعيل العجلوين‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد احلميد بن أمحد بن يوسف بن‬
‫هنداوي‪.‬‬
‫كشف املغطا يف فضل املوطا"‪ ،‬علي بن احلسن بن هبة هللا املعروف اببن عساكر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫الكفاية يف علم الرواية"‪ ،‬أمحد بن علي بن اثبت بن أمحد‪ ،‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫الكواكب الدراري يف شرح صحيح البخاري" للكرماين‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم "‪ ،‬األ َُرمي َ‬


‫العلَوي اهلََرري الشافعي‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬
‫الآلىلء املصنوعة يف األحاديث املوضوعة"‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫الآللئ املنثورة يف األحاديث املشهورة"‪ ،‬للزركشي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫لسان العرب"‪ ،‬حممد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬مجال الدين ابن منظور األنصاري‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫لسان امليزان"‪َ ،‬لبن حجر العسقالين‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫اجملروحني من احملدثني والضعفاء واملرتوكني"‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد بن حبان بن معاذ بن َم ْع َبد‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حامت‬
‫البُسيت‪ ،‬دار الصميعي للنشر والتوميع‪ ،‬الرَيض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫جمموع الفتاوى"‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة النبوية‪.‬‬
‫اجملموع شرح املهذب"‪ ،‬أبو مكرَي حميي الدين حيىي بن شرف النووي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫خمتار الصحاح"‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن عبد القادر احلنفي الرامي‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬الدار النموذجية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ستدرك احلَاكم"‪ ،‬ابن امللقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أمحد‬ ‫ِ‬
‫استدراك احلافظ الذهيب على ُم َ‬ ‫َ‬ ‫خمتصر‬
‫ُ‬
‫الشافعي املصري‪.‬‬
‫املدخل إىل علم السنن"‪ ،‬لإلمام البيهقي‪ ،‬دار اليسر للنشر والتوميع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫املدخل إىل كتاب اإلكليل"‪ ،‬أبو عبد هللا احلاكم النيسابوري‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬اَلسكندرية‪.‬‬
‫املدلسني"‪ ،‬أليب مرعة الرامي‪ ،‬دار الوفاء‪.‬‬
‫املراسيل"‪ ،‬عبد الرمحن ابن أيب حامت الرامي‪ ،‬احملقق‪ :‬شكر هللا نعمة هللا قوجاين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫مسألة االحتجاج ابلشافعي"‪ ،‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬احملقق‪ :‬خليل إبراهيم مال خاطر‪ ،‬املكتبة األثرية‪ ،‬ابكستان‪.‬‬
‫املستخرج على املستدرك للحاكم" للحافظ العراقي‪ ،‬مكتبة السنة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫املستدرك على الصحيحني"‪ ،‬أبو عبد هللا احلاكم حممد بن عبد هللا بن حممد بن محدويه‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املستصفى من علم األصول" أليب حامد الغزايل‪ ،‬حممد عبد السالم عبد الشايف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫مسند اإلمام أمحد بن حنبل"‪ ،‬أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫مسند البزار"‪ ،‬أبو بكر أمحد بن عمرو بن عبد اخلالق بن خالد بن عبيد هللا العتكي املعروف ابلبزار‪ ،‬احملقق‪ :‬حمفوظ‬
‫الرمحن مين هللا‪ ،‬وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫املسند الصحيح املختصر بنقل العدل عن العدل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"‪ ،‬مسلم بن احلجاج أبو احلسن‬
‫القشريي النيسابوري‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري"‪ ،‬أمحد بن حممد بن علي الفيومي مث احلموي‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املصنف يف األحاديث واآلاثر"‪ ،‬أبو بكر بن أيب شيبة‪ ،‬عبد هللا بن حممد بن إبراهيم بن عثمان بن خواسيت العبسي‪،‬‬
‫احملقق‪ :‬كمال يوسف احلوت‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫املصنف"‪ ،‬أبو بكر عبد الرماق بن َهام‪ ،‬احملقق‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي‪ .‬اجمللس العلمي‪ ،‬اهلند‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫معارج القبول بشرح سلم الوصول إىل علم األصول"‪ ،‬حافظ بن أمحد بن علي احلكمي‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام‪.‬‬
‫معامل السنن"‪ ،‬أبو سليمان محد بن حممد بن إبراهيم بن اخلطاب البسيت املعروف ابخلطايب‪ ،‬املطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1351‬ه ‪1932 -‬م‪.‬‬
‫املعجم األوسط"‪ ،‬سليمان بن أمحد بن أيوب بن مطري اللخمي الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطرباين‪ ،‬احملقق‪ :‬طارق بن عوض‬
‫هللا بن حممد ‪ ,‬عبد احملسن بن إبراهيم احلسيّن‪ ،‬دار احلرمني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫معرفة أنواع علوم احلديث"‪ ،‬عثمان بن عبد الرمحن‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬تقي الدين املعروف اببن الصالح‪ ،‬حتقيق‪ :‬نور الدين‬
‫عرت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬سورَي‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫معرفة علوم احلديث"‪ ،‬أبو عبد هللا احلاكم حممد بن عبد هللا‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املعرفة والتاريخ"‪ ،‬يعقوب بن سفيان الفسوي‪ ،‬احملقق‪ :‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املعني على تفهم األربعني" َلبن امللقن‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة أهل األثر للنشر والتوميع‪ ،‬حويل‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫املغين يف الضعفاء"‪ ،‬حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ْاميام الذهيب‪ ،‬احملقق‪ :‬الدكتور نور الدين عرت‪.‬‬
‫املقاصد احلسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة على األلسنة"‪ ،‬للسخاوي‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫مقاييس اللغة"‪ ،‬أمحد بن فارس بن مكرَيء القزويّن الرامي‪ ،‬أبو احلسني‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫املنار املنيف يف الصحيح والضعيف"‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد مشس الدين ابن قيم اْلومية‪ ،‬احملقق‪ :‬عبد‬
‫الفتاح أبو غدة‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية"‪َ ،‬لبن تيمية‪ ،‬جامعة اْلمام حممد بن سعود اْلسالمية‪.‬‬
‫منهاج احملدثني يف القرن األول اهلجري وحَّت عصران احلاضر"‪ ،‬على عبد الباسط‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج"‪ ،‬حميي الدين حيىي بن شرف النووي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫منهج النقد يف علوم احلديث"‪ ،‬نور الدين عرت‪ ،‬دار الفكر دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫املنهل الروي يف خمتصر علوم احلديث النبوي" بدر الدين ابن مجاعة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫املوازنة بني املتقدمني واملتأخرين يف تصحيح األحاديث وتعليلها"‪ ،‬محزة املليباري طبعة اثنية‪1422:‬ه ‪.‬‬
‫املوضوعات"‪ ،‬مجال الدين عبد الرمحن بن علي بن حممد اْلومي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن حممد عثمان‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة‬
‫السلفية ابملدينة املنورة‪.‬‬
‫املوطأ"‪ ،‬مالك بن أنس أبو عبدهللا األصبحي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫املوقظة"‪ ،‬حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ْاميام الذهيب‪ ،‬مكتبة املطبوعات اْلسالمية ِبلب‪.‬‬
‫خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر" َلبن حجر العسقالين‪ .‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر"‪َ ،‬لبن حجر العسقالين‪ ،‬مطبعة املصباح‪ ،‬دمشق‪ ،‬مطبعة‬
‫سفري ابلرَيض‪.‬‬
‫هللا عز وجل ِمن التـَّو ِح ِ‬
‫يد فِيما افْـتـرى علَى ِ‬
‫العنِ ِ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد"‪ ،‬املكتبة‬ ‫َ ْ‬ ‫ض ا ِإل َم ِام أَِيب َسعيِد ُعثْ َما َن بْ ِن َسعيِد َعلَى املَِريْس ِي ا ْجلَ ْهم ِي َ‬
‫نَـ ْق ُ‬
‫اْلسالمية للنشر والتوميع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫النكت على كتاب ابن الصالح"‪ ،‬أمحد بن حجر العسقالين‪ ،‬عمادة البحث العلمي ابْلامعة اْلسالمية‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫النكت على مقدمة ابن الصالح"‪ ،‬حممد بن عبد هللا بن هبادر الزركشي الشافعي‪ ،‬أضواء السلف‪ ،‬الرَيض‪.‬‬
‫اليواقيت والدرر يف شرح خنبة ابن حجر"‪ ،‬عبد الرؤوف املناوي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرَيض‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫‪2‬‬ ‫املقدمة‪.................................................................................... :‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫أوَل‪ :‬التعريفات واملصطلحات األساسية يف علم مصطلح احلدث ‪............................... ...‬‬
‫‪11‬‬ ‫اثنيا‪ :‬ن ش أة علم مص ط ل ح احل دي ث وت ط وره‪. .................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬احلديث الصحيح ‪..............................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫تعريف احلديث الصحيح لغة واصطالحا ‪........................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫شروط احلديث الصحيح ‪......................................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫أوَل‪ :‬اتصال السند ‪............................................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫تعريف اَلتصال ‪................................................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫ما َيرج بشرط اتصال السند ‪.....................................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫كيف يعرف اتصال السندق ‪......................................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫ما يعرف به عدم اتصال السند ‪...................................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫اثنيا‪ :‬العدالة ‪....................................................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫تعريف العدالة لغة واصطالحا ‪.....................................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫هل الضبط واحلفظ يدخالن يف العدالةق ‪............................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫الفرق بني العدالة الدينية وعدالة الرواية عند ابن حزم ‪.................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫شروط الراوي العدل ‪..............................................................................‬‬
‫‪20‬‬ ‫املراد من العدل عند احملدثني ‪.......................................................................‬‬
‫‪20‬‬ ‫الراوي العدل عند ابن عبد الرب ‪.....................................................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫دقة نظر احملدثني يف العدالة ‪........................................................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫مب تعرف العدالةق ‪.................................................................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫ما َيرج بشرط العدالة ‪.............................................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫اثلثا‪ :‬متام الضبط ‪.................................................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫تعريف الضبط لغة واصطالحا ‪......................................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫أقسام الضبط ‪.....................................................................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫مب يعرف ضبط الراويق ‪............................................................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫رابعا‪ :‬عدم الشذوذ ‪...............................................................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫تعريف الشذوذ لغة واصطالحا ‪.....................................................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫ملاذا اشرتط العلماء يف احلديث الصحيح عدم الشذوذق ‪...............................................‬‬

‫‪173‬‬
‫‪28‬‬ ‫كيف يعرف الشذوذ يف احلديثق ‪...............................................................‬‬
‫‪29‬‬ ‫خامسا‪ :‬عدم العلة ‪............................................................................‬‬
‫‪30‬‬ ‫أقسام احلديث الصحيح ‪.......................................................................‬‬
‫‪30‬‬ ‫حكم احلديث الصحيح ‪.......................................................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫فوائد مهمة تتعلق ابحلديث الصحيح ‪...........................................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫مصادر احلديث الصحيح ‪.....................................................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫(‪ )1‬موطأ مالك ‪... .................... ....................................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫التعريف بكتاب املوطأ ‪.......................................................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫منهج اْلمام مالك يف املوطأ ‪..................................................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪....................... ................................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫التعريف بكتاب اْلامع الصحيح ‪..............................................................‬‬
‫‪36‬‬ ‫منهج اْلمام البخاري يف صحيحه ‪.............................................................‬‬
‫‪36‬‬ ‫ملاذا ِل يرو البخاري يف صحيحه عن اْلمامني أيب حنيفة والشافعيق ‪...............................‬‬
‫‪38‬‬ ‫(‪ )3‬صحيح مسلم ‪....................... ..................................................‬‬
‫‪38‬‬ ‫التعريف بصحيح مسلم ‪......................................................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫منهج اْلمام مسلم يف صحيحه ‪...............................................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫ملاذا ِل َيرج مسلم لشيخه البخاري يف صحيحهق ‪...............................................‬‬
‫‪40‬‬ ‫مقارنة بني الصحيحني ‪......................................................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح ابن خزمية ‪........................ .............................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫التعريف بصحيح ابن خزمية ‪.................................................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫منهج ابن خزمية يف صحيح ‪..................................................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫منزلة صحيح ابن خزمية ‪.....................................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫(‪ )5‬صحيح ابن حبان ‪.....................................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫التعريف بكتاب صحيح ابن حبان ‪...........................................................‬‬
‫‪43‬‬ ‫منهج ابن حبان يف صحيحه ‪..................................................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫(‪ )6‬املستدرك على الصحيحني ‪......................... .....................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫التعريف بكتاب املستدرك ‪....................................................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫منهج احلاكم يف مستدركه ‪....................................................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫هل التزم احلاكم شرط الشيخني أو أحدَها يف كتابهق ‪............................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫تلخيص الذهيب للمستدرك ‪...................................................................‬‬

‫‪174‬‬
‫‪47‬‬ ‫(‪ )7‬املنتقى من السنن املسندة ‪...............................................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫ترمجة اْلمام ابن اْلارود ‪.....................................................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫التعريف بكتاب املنتقى َلبن اْلارود ‪.........................................................‬‬
‫‪48‬‬ ‫(‪ )8‬املنتقى لقاسم بن أصبغ األندلسي ‪.......................................................‬‬
‫‪48‬‬ ‫(‪ )9‬صحيح ابن السكن ‪....................... ............................................‬‬
‫‪48‬‬ ‫(‪ )10‬األحاديث املختارة للضياء املقدسي ‪....................... ............................‬‬
‫‪49‬‬ ‫مراتب احلديث الصحيح ‪........................ ...........................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬احلديث احلسن ‪.............................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫تعريف احلديث احلسن لغة واصطالحا ‪.......................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫تعريف احلديث احلسن عند اْلمام الرتمذي ‪..................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫تعريف احلديث احلسن عند اْلمام اخلطايب ‪...................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫احلسن عند البغوي يف "مشكاة املصابيح" ‪.....................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫تعريف ابن حجر للحديث احلسن ‪............................................................‬‬
‫‪52‬‬ ‫حكم احلديث احلسن ‪.......................................................................‬‬
‫‪52‬‬ ‫من أمثلة احلديث احلسن ‪....................................................................‬‬
‫‪53‬‬ ‫مراتب احلديث احلسن ‪.................... .................................................‬‬
‫‪53‬‬ ‫احلديث الصحيح لغريه ‪......................................................................‬‬
‫‪54‬‬ ‫احلديث احلسن لغريه ‪..................... ..................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫حكم احلديث احلسن لغريه ‪.................................................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫مظان احلديث احلسن ‪. .....................................................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬احلديث الضعيف ‪............ .............................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫تعريف احلديث الضعيف لغة واصطالحا ‪.....................................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫تفاوت درجات الضعيف ‪....................................................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫حكم رواية احلديث الضعيف ‪......................... ......................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫املقصود بفضائل األعمال ‪.....................................................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫حكم العمل ابحلديث الضعيف ‪................................................................‬‬
‫‪62‬‬ ‫مسائل تتعلق ابحلديث الضعيف ‪...............................................................‬‬
‫‪62‬‬ ‫املصنفات يف األحاديث الضعيفة ‪............................ .................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬أقسام احليث الضعيف بسبب فقد شرط االتصال ‪........... ..................‬‬
‫‪63‬‬ ‫أوال ‪ :‬احلديث املرسل‪........................ ...............................................‬‬

‫‪175‬‬
‫‪63‬‬ ‫تعريف املرسل لغة واصطالحا ‪.................................................................‬‬
‫‪64‬‬ ‫صورة احلديث املرسل ‪..... ...................................................................‬‬
‫‪64‬‬ ‫أمثلة على املرسل ‪.............................................................................‬‬
‫‪65‬‬ ‫أمثلة على املرسل على اصطالح بعض احملدثني واألصوليني ‪........................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫أسباب اْلرسال ‪..............................................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫حكم احلديث املرسل ‪.........................................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫مذاهب الفقهاء يف العمل ابحلديث املرسل ‪......................................................‬‬
‫‪69‬‬ ‫مرسل الصحايب ‪..............................................................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫حكم مرسل الصحايب ‪........................................................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫أكثر من روى املراسيل ‪.......................................................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫أصح املراسيل ‪...............................................................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫أشهر املصنفات يف املراسيل ‪...................................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫اثنيا‪ :‬احلديث املعلق‪..........................................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫تعريف احلديث املعلق لغة واصطالحا ‪..........................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫أسباب التعليق ‪..............................................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫من صور التعليق ‪............................................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫املعلقات يف صحيح البخاري ‪.................................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫املعلقات يف صحيح مسلم ‪...................................................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫حكم احلديث املعلق ‪.........................................................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫حكم املعلقات يف الصحيحني ‪................................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫اثلثا‪ :‬احلديث املنقطع ‪.......................... ............................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫تعريف احلديث املنقطع لغة واصطالحا ‪.........................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫الفرق بني املنقطع واملقطوع ‪....................................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫ص ورة املنقطع ‪................................................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫أمثلة على املنقطع ‪............................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫حكم احلديث املنقطع ‪........................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫رابعا‪ :‬احلديث املعضل ‪.......................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫تعريف احلديث املعضل لغة واصطالحا ‪........................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫صورة املعضل ‪...............................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫أمثلة على املعضل ‪...........................................................................‬‬

‫‪176‬‬
‫‪77‬‬ ‫حكم احلديث املعضل ‪.......................................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫خامسا‪ :‬احلديث املدلس ‪......................... ..........................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫تعريف التدليس لغة واصطالحا ‪..............................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫الفرق بني التدليس والكذب ‪.................................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫أقسام التدليس ‪.............................................................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫أكثر احملدثني تدليسا ‪........................................................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫أسباب التدليس ‪.............................................................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫طبقات املدلسني ‪............................................................................‬‬
‫‪86‬‬ ‫طرق معرفة التدليس ‪.........................................................................‬‬
‫‪89‬‬ ‫سادسا‪ :‬احلديث املرسل اخلفي ‪..............................................................‬‬
‫‪89‬‬ ‫تعريف املرسل اخلفي لغة واصطالحا ‪.........................................................‬‬
‫‪89‬‬ ‫مب يعرف اْلرسال اخلفيق ‪...................................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫حكم احلديث املرسل اخلفي ‪.................................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫الفرق بني التدليس واْلرسال اخلفي ‪..........................................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬أقسام احلديث املردود بسبب الطعن يف الراوي ‪................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫املراد ابلطعن يف الراوي ‪.....................................................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫أسباب الطعن يف الراوي ‪...................................................................‬‬
‫‪92‬‬ ‫أوال‪ :‬احلديث املوضوع‪......................... ............................................‬‬
‫‪92‬‬ ‫تعريف املوضوع لغة واصطالحا ‪..............................................................‬‬
‫‪92‬‬ ‫رتبة احلديث املوضوع ‪.......................................................................‬‬
‫‪92‬‬ ‫حكم رواية احلديث املوضوع ‪.................................................................‬‬
‫‪93‬‬ ‫طرق الوضاعني يف صياغة احلديث ‪............................................................‬‬
‫‪93‬‬ ‫دواعي الوضع وأصناف الوضاعني ‪.............................................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫كيف يعرف احلديث املوضوع ‪................................................................‬‬
‫‪104‬‬ ‫حماربة الوضع ووسائلها ‪............................. .........................................‬‬
‫‪105‬‬ ‫أشهر املصنفات يف احلديث املوضوع ‪.............................. ...........................‬‬
‫‪106‬‬ ‫اثنيا‪ :‬احلديث املرتوك‪.........................................................................‬‬
‫‪106‬‬ ‫تعريفه لغة واصطالحا ‪........................................................................‬‬
‫‪106‬‬ ‫أسباب اهتام الراوي ابلكذب ‪..................................................................‬‬
‫‪106‬‬ ‫عالمات احلديث املرتوك ‪......................................................................‬‬

‫‪177‬‬
‫‪107‬‬ ‫من أمثلة احلديث املرتوك ‪......................................................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫رتبة احلديث املرتوك ‪...........................................................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫اثلثا‪ :‬احلديث املنكر ‪............................... ..........................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫تعريفه املنكر لغة واصطالحا ‪..................................................................‬‬
‫‪109‬‬ ‫أمثلة احلديث املنكر ‪.........................................................................‬‬
‫‪110‬‬ ‫مظان احلديث املنكر ‪.......................................................................‬‬
‫‪110‬‬ ‫الفرق بني املنكر والشاذ ‪....................................................................‬‬
‫‪110‬‬ ‫رتبة احلديث املنكر ‪...........................................................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬أقسام احلديث الضعيف بسبب اختـ ـ ــالل شرط الضـ ـب ـ ــط ‪....................‬‬
‫ِ‬
‫‪111‬‬ ‫أوال ‪ :‬احل دي ُ‬
‫ث الْم ُْد َر ُج ‪.. ............................. .................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫تعريف املدرج لغة واصطالحا ‪................................................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫أقسام املدرج ‪..............................................................................‬‬
‫‪112‬‬ ‫دواعي اْلدراج ‪............................................................................‬‬
‫‪112‬‬ ‫كيف يدرك اْلدراجق ‪.....................................................................‬‬
‫‪114‬‬ ‫حكم اْلدراج ‪...........................................................................‬‬
‫‪114‬‬ ‫أشهر املصنفات يف احلديث املدرج ‪........................................................‬‬
‫‪115‬‬ ‫اثنيا‪ :‬احلديث املقلوب ‪..................................................................‬‬
‫‪115‬‬ ‫تعريف املقلوب لغة واصطالحا ‪...........................................................‬‬
‫‪115‬‬ ‫أقسام احلديث املقلوب ‪.................................................................‬‬
‫‪117‬‬ ‫األسباب احلاملة على القلب ‪............................................................‬‬
‫‪117‬‬ ‫حكم القلب ‪..........................................................................‬‬
‫‪117‬‬ ‫حكم احلديث املقلوب ‪.................................................................‬‬
‫‪117‬‬ ‫أشهر املصنفات يف احلديث املقلوب ‪....................................................‬‬
‫‪118‬‬ ‫اثلثا‪ :‬احلديث املضطرب ‪...............................................................‬‬
‫‪118‬‬ ‫تعريف املضطرب لغة واصطالحا ‪.............................................................‬‬
‫‪118‬‬ ‫شروط حتقق اَلضطراب ‪...................................................................‬‬
‫‪118‬‬ ‫أقسام املضطرب ‪..........................................................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫صور اَلضطراب ‪........................................................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫حكم احلديث املضطرب ‪.................................................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫أشهر املصنفات يف احلديث املضطرب ‪....................................................‬‬

‫‪178‬‬
‫‪122‬‬ ‫رابعا‪ :‬احلديث املصحف واحملرف‪.........................................................‬‬
‫‪122‬‬ ‫تعريف املصحف واحملرف لغة واصطالحا ‪.................................................‬‬
‫‪122‬‬ ‫أَهيته ودقته ‪..........................................................................‬‬
‫‪122‬‬ ‫تقسيمات التصحيف والتحريف ‪........................................................‬‬
‫‪124‬‬ ‫الفرق بني التصحيف والتحريف ‪........................................................‬‬
‫‪124‬‬ ‫السبب يف وقوع التصحيف واْلكثار منه ‪.................................................‬‬
‫‪125‬‬ ‫طرق معرفة التصحيف والتحريف يف الرواية ‪.................................................‬‬
‫‪125‬‬ ‫هل يقدح التصحيف يف الراويق ‪...........................................................‬‬
‫‪125‬‬ ‫السبب يف وقوع الراوي يف التصحيف الكثري ‪................................................‬‬
‫‪125‬‬ ‫حكم التصحيف ‪.......................................................................‬‬
‫‪125‬‬ ‫أشهر املصنفات يف التصحيف والتحريف ‪..................................................‬‬
‫‪126‬‬ ‫املزيد يف متصل األسانيد ‪..................................................................‬‬
‫‪126‬‬ ‫تعريفه لغة واصطالحا ‪....................................................................‬‬
‫‪126‬‬ ‫أقسامه ‪..................................................................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫شروط رد الزَيدة ‪.........................................................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫اَلعرتاضات الواردة على ادعاء وجود الزَيدة ‪...............................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫املصنفات يف املزيد يف متصل األسانيد ‪.....................................................‬‬
‫‪128‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬الشاذ‪ ،‬واملعل ‪...........................................................‬‬
‫‪128‬‬ ‫أوال‪ :‬احلديث الشاذ ‪......................................................................‬‬
‫‪128‬‬ ‫تعريف الشاذ لغة واصطالحا ‪.............................................................‬‬
‫‪129‬‬ ‫أين يقع الشذوذق ‪.......................................................................‬‬
‫‪129‬‬ ‫حكم احلديث الشاذ ‪...................................................................‬‬
‫‪130‬‬ ‫اثنيا‪ :‬احلديث املعل ‪....................................................................‬‬
‫‪130‬‬ ‫تعريف العلة لغة واصطالحا ‪.............................................................‬‬
‫‪131‬‬ ‫العلة مبفهومها العام ‪.......................................................................‬‬
‫‪132‬‬ ‫دقة علم العلل ودقة مباحثه ‪...............................................................‬‬
‫‪133‬‬ ‫إىل أي إسناد يتطرق التعليلق ‪............................................................‬‬
‫‪133‬‬ ‫مب تدرك العلةق ‪.........................................................................‬‬
‫‪136‬‬ ‫تقسيمات العلة ‪........................................................................‬‬
‫‪137‬‬ ‫حكم احلديث املعل ‪....................................................................‬‬

‫‪179‬‬
‫‪137‬‬ ‫أشهر املصنفات يف علل احلديث ‪.........................................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫الفصل الثامن‪ :‬أقسام احلديث ابلنسبة إىل من أسند إليه ‪..................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫أوال‪ :‬احلديث القدسي ‪...................................................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫تعريف احلديث القدسي لغة واصطالحا ‪....................................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫الفرق بني احلديث القدسي والقرآن الكرمي ‪...................................................‬‬
‫‪139‬‬ ‫الفرق بني احلديث القدسي واحلديث النبوي ‪................................................‬‬
‫‪140‬‬ ‫من أمثلة احلديث القدسي ‪................................................................‬‬
‫‪141‬‬ ‫صيغ رواية احلديث القدسي ‪...............................................................‬‬
‫‪141‬‬ ‫أشهر املصنفات يف األحاديث القدسية ‪.....................................................‬‬
‫‪142‬‬ ‫اثنيا‪ :‬احلديث املرفوع ‪............................ .......................................‬‬
‫‪142‬‬ ‫تعريف املرفوع لغة واصطالحا ‪..............................................................‬‬
‫‪142‬‬ ‫أقسام احلديث املرفوع ‪...................................................................‬‬
‫‪144‬‬ ‫اثلثا‪ :‬احلديث املوقوف ‪...................................................................‬‬
‫‪144‬‬ ‫تعريف املوقوف لغة واصطالحا ‪...........................................................‬‬
‫‪144‬‬ ‫أمثلة احلديث املوقوف ‪....................................................................‬‬
‫‪144‬‬ ‫اصطالح فقهاء خراسان ‪..................................................................‬‬
‫‪144‬‬ ‫املوقوف لفظا ومرفوع حكما ‪..............................................................‬‬
‫‪146‬‬ ‫تفاوت الصحابة يف الرواية والفقه ‪..........................................................‬‬
‫‪147‬‬ ‫حجية قول الصحايب ‪.....................................................................‬‬
‫‪149‬‬ ‫رابعا‪ :‬احلديث املقطوع ‪. .............. ...................................................‬‬
‫‪149‬‬ ‫تعريف املقطوع لغة واصطالحا ‪.............................................................‬‬
‫‪149‬‬ ‫الفرق بني املقطوع واملنقطع ‪.................................................................‬‬
‫‪149‬‬ ‫أمثلة احلديث املقطوع ‪.....................................................................‬‬
‫‪149‬‬ ‫اَلحتجاج ابحلديث املقطوع ‪...............................................................‬‬
‫‪149‬‬ ‫مظان احلديث املقطوع ‪.....................................................................‬‬
‫‪150‬‬ ‫الفصل التاسع‪ :‬أقسام احلديث من حيث طرقه وصوله إلينا‪.................................‬‬
‫‪150‬‬ ‫أوَل‪ :‬اخلرب املتواتر ‪.......................................................................‬‬
‫‪150‬‬ ‫تعريف املتواتر لغة واصطالحا ‪.............................................................‬‬
‫‪150‬‬ ‫شروط اخلرب املتواتر ‪.......................................................................‬‬
‫‪151‬‬ ‫حكم املتواتر ‪............................................................................‬‬

‫‪180‬‬
‫‪151‬‬ ‫أقسام املتواتر ‪............................................................................‬‬
‫‪152‬‬ ‫الفرق بني املتواتر اللفظي واملعنوي ‪..........................................................‬‬
‫‪152‬‬ ‫وجود املتواتر ‪.............................................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫أشهر املصنفات يف احلديث املتواتر ‪.........................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫اثنيا‪ :‬خرب اآلحاد ‪.........................................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫تعريف اآلحاد لغة واصطالحا ‪..............................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫حكم اآلحاد ‪.............................................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫أقسام خرب اآلحاد ‪. .......................................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫أوَل‪ :‬املشهور ‪..............................................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫تعريف املشهور لغة واصطالحا ‪...............................................................‬‬
‫‪154‬‬ ‫املستفيض ‪.................................................................................‬‬
‫‪156‬‬ ‫املشهور غري اَلصطالحي ‪...................................................................‬‬
‫‪156‬‬ ‫حكم احلديث املشهور ‪......................................................................‬‬
‫‪156‬‬ ‫أشهر املصنفات يف األحاديث املشتهرة ‪........................................................‬‬
‫‪157‬‬ ‫اثنيا‪ :‬العزيز ‪................................................................................‬‬
‫‪157‬‬ ‫تعريف العزيز لغة واصطالحا ‪.................................................................‬‬
‫‪157‬‬ ‫سبب تسمية العزيز بذلك ‪....................................................................‬‬
‫‪157‬‬ ‫هل العزيز شرط البخاري يف صحيحهق ‪.........................................................‬‬
‫‪158‬‬ ‫اثلثا‪ :‬الغريب ‪................................................................................‬‬
‫‪158‬‬ ‫تعريف الغريب لغة واصطالحا ‪..................................................................‬‬
‫‪158‬‬ ‫الغريب والفرد ‪...................................................................................‬‬
‫‪158‬‬ ‫أقسام الغريب ‪..................................................................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫مظان احلديث الغريب ‪............................................................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫أشهر املصنفات يف احلديث الغريب ‪.................................................................‬‬
‫‪161‬‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬حجية خرب اآلحاد يف األحكام والعقائد‪..............................................‬‬
‫‪173‬‬ ‫فهرس املوضوعات‪...............................................................................‬‬

‫‪181‬‬

You might also like