Professional Documents
Culture Documents
alanqri drangari
الطﺊاﺲﻐﺋ واﻗﺠﺎﺛراﺾات واﻗﺻﺎراﺖات؛لﻖﺲﻘم باﻓخطاء ِّ
ﻏرجى المراﺠﻂﺋ ﺲﻂى الﺊرﻏﺛ الﺎالﻎ1:
tafreeghalangri@gmail.com
٦
4
﷽
رب العالمين ،وص ّلى ال ّله وس ّلم وبارك على عبده ورسوله نبينا ّ
محمد وعلى آله وصحبه الحمد ل ّله ّ
أجمعين.
فلم يزل أهل الباطل يثيرون الشبهات حول هذا الدين ،ومن يحملونه من أهل العلم قديما وحديثا،
ومن أكثر من وجهت له السهام المنوعة :الشيخ اإلمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة اهلل تعالى
عليه ،وقع ذلك يف وقته وبعد وقته ،وزادت الهجمة على هذا الشيخ يف السنوات األخيرة ،والملفت يف
الهجمة األخيرة :هو اشرتاك أناس ينتسبون إلى هذه األمة جنبا إلى جنب مع أعداء لألمة ال يشك يف
عدائهم لهذا الدين ،فأضروا –واهلل -أنفسهم؛ إذ اصطفوا يف هذا السبيل مع من ال يعادون محمد بن عبد
الوهاب فقط؛ بل مع من يعادون محمد بن عبد اهلل سيد ولد آدم .
وموضوع الشبهات المثارة حول الشيخ طويل؛ نظرا لكثرة من يهاجمونه منذ أن جهرا
بدعوته التي قاوم فيها الشركيات المنتشرة يف وقته ،والتي ال تزال موجودة إلى اليوم يف عدد من البلدان،
لكن دعوة الشيخ قد أثرت تأثيرا عظيما ،فخفت شدة هذه المظاهر الشركية بفضل اهلل ثم بفضل دعوته،
وذلك يتضح لمن قارن حال هذه الشركيات يف زمن الشيخ وبعد زمنه.
سنجعل الكالم يف هذه الشبهات يف قسمني اثنني-بإذن اهلل ،-هما على النحو التالي:
القسم األول :بين يدي هذا الموضوع :سنجعل بين يدي هذا الموضوع فقرتين:
الفقرة األولى :أن مناقشة الشبهات المثارة حول أحد من أهل العلم يراد هبا بيان الحقيقة التي يتقرب
إلى اهلل بأيضاحها ،فهي مسألة يراد هبا وجه اهلل ال شخص هذا العالم أو ذاك ،فإن العالم ال يمثل نفسه
٦
5
حتى يكون األمر متعلقا بشخصه ،بل العالم يحمل إرث النبوة الذي قال النبي « :إ َّن األَ ْنب َيا َء
َل ْم ُي َور ُثوا دينَارا َو َل د ْر َهماَ ،و َّر ُثوا الع ْل َمَ ،ف َم ْن َأ َخ َذ ُه َأ َخ َذ ب َحظ َوافر» ،رواه أبو داود وغيره ،فهذا مما
يجب أن يستحضره كل من ذب عن علماء األمة؛ ليكون بذلك يف جهاده يذب عن الحق الذي بعث اهلل به
نبيه ابتداء.
الفقرة الثانية :هناك عبارة يرددها مثيرو الشبهات عند رؤيتهم من يدافع عن علماء األمة ،وهي
قولهم :هؤالء الذين تدافعون عنهم غير معصومين ،فيقال :إن أبعد الناس عن تزكية النفس هم العلماء
الذين على السنة ،فكيف يدعون العصمة ،أو يرضون أن تدعى لهم؟ ولكن هؤالء العلماء األخيار قد
قاموا بأمانة العلم التي أوجب اهلل عليهم ،فاجتهدوا يف بيان التوحيد ،والتحذير من الشرك ،فنفع اهلل –
تعالى -هبم أعظم النفع ،فكان من حقهم على األمة أن يعرف لهم قدرهم ،ويذب عنهم ما يفرتيه أهل
الشبهات ،فأما أنتم أهل هذه الشبهات فال نفع نفعتم به األمة ،وال كففتم شركم عنها ،ومع كل ذلك
فعندكم من تعظيم أنفسكم ،وجزمكم بآرائكم ،بل ومبالغتكم يف التعصب لها؛ ما ينبغي أن يوجه لكم
أنتم هذا السؤال :هل أنتم المعصومون؟!
القسم الثاين يف ذكر الشبهات المتعلقة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب تحديدا:
ثانيا :ما كان حقا ،لكنه عين اعتقاد أهل السنة ،قرره ابن عبد الوهاب ،كما قرره من قبله من علماء
األمة ،فنقده هؤالء ،فنقدهم -يف الحقيقة -ليس البن عبد الوهاب؛ بل هو لمنهج أهل السنة والجماعة.
فأما القسم األول :وهو الكذب المحض ،فكان القصد منه التنفير من كتب الشيخ ،وايحاش
َّ
الناس من مجرد االطالع على كتبه ،وبعض ما كذب على الشيخ يدل على ما عند من افرتوه من انعدام
تقوى اهلل .
فمن األكاذيب التي أشاعوها ون َّفرت الناس تنفيرا شديدا منه :ما ذكره الشيخ النعماين الهندي :من أن
خصوم الشيخ نشروا عنه أنه قدم المدينة ،وسكن بيتا قرب المسجد النبوي ليتخذ نفقا من البيت إلى قرب
النبي ؛ ليتمكن من العبث بجسد نبي اهلل ،غير أن ملك المدينة رأى يف المنام
النبي ،وذكر له :أن رجال اسمه :عبد الوهاب -هكذا يقولون -قدم من نجد لهذا الغرض،
فقبض عليه الملك ،وضرب عنقه ،بكل تفاهة قالوا هذا عن الشيخ.
قال النعماين :كان الناس يتناقلون هذه األكذوبة يف بلدي على أهنا حقيقة تاريخية معلومة ،ولم أكن
أشك يف هذا ،ومع أن النعماين هذا ديوبندي العقيدة؛ إال أنه كان يؤكد أن األكاذيب على الشيخ محمد
كانت شديدة ،واشرتكت فيها عدة أطراف.
ومن األكاذيب قولهم :إن ابن عبد الوهاب ينتقص النبي بأنواع من االنتقاص ،وهذا
كسابقه :يف أن المراد به مجرد التشنيع على الشيخ ،وتحذير األمة من قراءة كتبه ،والواقف على ما كان
يتحدث به الشيخ عن النبي يعلم عظم قدر النبي عنده ،كما هو عند غيره من
علماء األمة ،فهذا الذي نسبه هؤالء الخصوم مجرد فرية افرتوها ،ال يقولها -يف الحقيقة -إال من ال يتقي
اهلل ،الشيخ يتحدث عن النبي بأحسن الكالم؛ فيقول -على سبيل المثال:-
«هو أول شافع وأول مشفع ،ل يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ،حبيب اهلل وصفيه من خلقه ،سيد
الشفعاء ،صاحب المقام المحمود ،آدم فمن دونه تحت لوائه ،إمام المتقين السادة ،أفضل من صدع
بالحق ،صاحب األصل الماجد ،أرسله اهلل رحمة للعالمين ،ومحجة للسالكين ،وحجة على الناس
نسمة على اهلل ،وأفضل مولود» ،إلى غير ذلك من
أجمعين ،سيد ولد عدنان ،سيد الخلق أجمعين ،أكرم َ
األوصاف التي يصعب تتبعها.
وكان الشيخ محمد يخطب هبذا يف خطب الجمعة ،كما هو يف الكتاب المعد لجمع خطبه ،ويعلم
٦
7
الناس ذلك ،ويلقنهم إياه تلقينا ،وهذه األوصاف للنبي منتشرة يف كتبه لمن أراد الوقوف
عليها.
ومن أعجب وأغرب وألطف ما عند هؤلء الكذبة :موقفهم هم ممن سب النبي ،أو
استهزأ به؛ فإنهم يصرحون -ألنهم من غالة المرجئة -بأن السب واالستهزاء من حيث هما ال يعدان
كفرا حتى يضامهما اعتقاد القلب ،كما هو مذهبهم القبيح يف كل أقوال وأفعال الكفر والشرك ،أما الشيخ
محمد -الذي اتهموه هبذا -فإنه يقرر بجالء ما قرره أهل السنة :من أن من استهزأ بالنبي ،
أو سبه؛ فإنه يكفر كفرا ظاهرا باطنا يخرج به من الملة ،وصرح الشيخ هبذا يف عدد من المواضع من كتبه،
فيا هلل العجب من الذي حفظ للنبي جنابه ،أهو الشيخ محمد ،أم هؤالء المرجئة الجفاة؟
لكن من عجيب أقدار اهلل –تعالى ،-ولطيف ما قضى :أن هذه األكاذيب كانت من أكثر األسباب
لرجوع علماء ذموا الشيخ يف أول األمر ،ثم تراجعوا عن ذمهم؛ ألنهم حين عرفوا ما يف كالم هؤالء من
االفرتاء ،ورجعوا لكتب الشيخ؛ تبينت لهم حقيقة دعوته ،كما سيأيت بيانه يف القسم الثالث -بإذن اهلل
تعالى -من هذه الشبهات.
أما القسم الثاين من هذه الشبهات :فهي الشبهات التي انتقد فيها ابن عبد الوهاب؛ ألنه قرر عين
ما قرره أهل السنة ،وهو أنواع بحسب اعتقاد المبتدع الذي خالف أهل السنة ،فالذين نفوا الصفات
نقدوه ألنه أثبتها ،كما أثبتها أهل السنة ،والذين يغلون يف القبور ،ويشركون بأهلها نقدوه؛ لما هنى الناس
عن الغلو يف القبور ،وأوجب إفراد اهلل بالعبادة ،وهذا اعتقاد أهل السنة.
والذين يقررون مقالة المرجئة يف اإليمان نقدوه لما قرر :أن اإليمان قول واعتقاد وعمل ،كما أجمع
على ذلك أهل السنة ،إلى غير ذلك من مسائل االعتقاد المعروفة ،فهذا النوع من الشبهات لن نتعرض
له؛ ألن خصوم ابن عبد الوهاب لم يردوا عليه يف الحقيقة؛ بل ردوا على أهل السنة الذين اتفقوا على هذه
المسائل منذ عهد الصحابة ،ومن سلك على سبيلهم رضي اهلل تعالى عنهم وأرضاهم.
القسم الثالث من الشبهات المثارة حول الشيخ :تلك الشبهات التي كان يراد هبا تصوير الشيخ
بصورة من شذ عن جمهور علماء األمة ،وأتى بضالل ما سبقه إليه غيره ،وأن علماء عصره اتفقوا على
8
وصفه بأنه خارجي ،ال يعد من أهل السنة أصال ،وبعضهم وإن لم يصفه بذلك كله؛ إال أنه انتقد على
الشيخ أقواال زعم أنه لم يسبقه إليها أحد ،وسنورد لذلك -إن شاء اهلل -تعالى -أمثلة توضحه ،وهذا
القسم –بالذات -راجت شبهاته –لألسف -على بعض طالب العلم ممن لم يحقق العلم العقدي
ويحرره ،ولذا سنتعرض لهذا القسم -بإذن اهلل -بشيء من التفصيل:
فمن أكثر شبهات خصوم الشيخ قولهم :بأن ابن عبد الوهاب خالفه علماء األمة ،وردوا عليه
وضللوه ،وادعى بعضهم أن العلماء أجمعوا على ذلك ،والجواب على هذه الشبهة أن نقول ومن اهلل
تعالى نستمد المعونة:أما االتفاق على تضليله فقد وقع من أهل الخرافات والتضليل والضالالت ،وال
سيما من مروجي الشرك ،وكتبهم طافحة بذلك ،ال يرتددون فيه ،ويرون أن من هنى عن سؤال الموتى
الحاجات فهو كافر ،ويعممون هذا ،فينسبون أئمة كبارا قبل ابن عبد الوهاب إلى الكفر ،كما كفروا شيخ
اإلسالم ابن تيمية ،وابن القيم ،وغيرهما من أئمة اإلسالم ،فاالتفاق على تضليل ابن عبد الوهاب وقع
من هؤالء الغالة.
أما علماء األمة الذين كانوا على السنة فاتفقوا -بحمد اهلل -على الثناء على هذا الشيخ ،وتسميته
بالمجدد لمن در س من معالم دين اإلسالم ،وأنا هنا لن أنقل كالم العلماء المشهور ،بل سأنقل عن
علماء ذموا الشيخ محمد بن عبد الوهاب يف البداية لما سمعوا الدعاية المغرضة ،ودخلوا يف جملة من
حذر من الشيخ؛ لشناعة ما سمعوا عنه ،لكن هؤالء العلماء الصادقين لما وقفوا على كتب الشيخ ،وما
قرره فيها من االعتقاد الحق؛ ندموا على موقفهم المتعجل من الشيخ ،ثم كتبوا نظما ونثرا يف الثناء على
الشيخ ،وعلي ما قرره ،وذكروا أن السبب يف موقفهم األول :هو أنهم بنوه على ما سمعوه من خصوم
الشيخ الذين افرتوا عليه ،فلما وقف هؤالء العلماء على كتبه؛ غيروا موقفهم تغييرا تاما ،وذموا من تسببوا
يف تشويه حقيقة ما يدعو إليه هذا اإلمام.
وأعجب من ذلك :أن يف هؤالء الذين رجعوا عن ذم الشيخ من كانوا من فرق ضالة متلبسين
ببدعها ،لكنهم لما وقفوا على كتب الشيخ تأثروا بما وضحه فيها من معنى التوحيد ،والتحذير من
الشرك ،فرتكوا بدعهم حين وقفوا على تقرير الشيخ لتلك المسائل ،وانتقلوا من فرقهم الضالة إلى
مذهب أهل السنة الصايف من تلك البدع ،وسنذكر -بإذن اهلل تعالى -من باب المثال فقط ،ال من باب
٦
9
فمن ذلك :عالم جنوب الجزيرة؛ الشيخ :أحمد بن عبد القادر الحفظي ،المعاصر للشيخ محمد،
فهذا الرجل من أعظم العلماء يف وقته ،قصده الطالب من جميع األقطار ،وكان مع ذلك رأس الصوفية يف
زمنه ،يلبس ما يسميه الصوفية :الخرقة ،وله –أيضا -ميل إلى التشيع ،فلما وقف على كتب الشيخ محمد
بن عبد الوهاب؛ ترك جميع ما كان عليه من التشيع والتصوف ،وصار يدعو الناس يف بلده وخارج بلده
إلى إخالص العبادة هلل ،وترك الشركيات ،وأعلن ندمه على ما كان فيه يف سالف عمره من التصوف
والتشيع ،واستخدم يف ذلك شعره الرائع القوي؛ فمن ذلك قوله واصفا حاله حين سمع دعوة ابن عبد
الوهاب:
ماااااان األُ ُفااااااق األعلااااااى تج َّلااااااى لرائ َياااااا ْه وإ َّناااااااااا سااااااااامعنا داعا
ااااااااي اهلل معلناااااااااا
َ
وح ْو َق ْلنَااااااااا بعاااااااا م وت َْوج َياااااااا ْه
جوابااااااااا َ َ
مثااااااااال َمقالاااااااااه فقلناااااااااا بحماااااااااد اهلل
بماااااا أنااااات تُبدياااااه َوماااااا أنااااات تُخْ ف َيااااا ْه َو ُقلنااااااا لااااااه أهااااااال وسااااااهال ومرحبااااااا
نُقاااااااار ب َماااااااااا َكاااااااااان منَّاااااااااا َو َن ْقل َيااااااااا ْه َوماااااااا قلتَااااااا ُه َحاااااااق وصاااااااد وأ َّننَاااااااا
وبعث َتاااااااه مااااااان بعاااااااد اااااااول تَناسااااااا َي ْه لقااااااد أدهاااااار الااااااداعي رسااااااال َة أحمااااااد
وح َّقا َ
ااااااااق إساااااااااالما وجااااااااادَّ َد َبال َيااااااااا ْه ور َّد إلااااااااى خياااااااار القاااااااارون ساااااااالو َكنَا
َ
ثم إن الشيخ اجتهد كثيرا يف دعوة علماء بلده وعلماء اليمن إلى االلتحاق بدعوة الشيخ
محمد ،وقبول ما يدعو إليه من التوحيد ،فقال مخاطبا علماء تلك الجهات:
ااااااااول بتساااااااااناد وماااااااااتن ل َواع َيااااااااا ْه
َ وقا تساااااام َعا ماااااان َع َوال َياااااا ْه
َ َأ َل َأ ْبلغَااااااا مااااااا
َ
هااااال أراضااااا َي ْهيناااااادي إلاااااى التوحياااااد أ ااااااول لهااااااام إ َّناااااااا سااااااامعنا منادياااااااا
وقا َ
إلاااااى الااااايمن الميماااااون ن ُْصاااااحا ألَ ْهل َيااااا ْه ااااان ُر َجاااااال ب َّلااااا اهلل قصااااادَ َها
ااااار ْت م ْ
َس َ
وذكر يف شعره –أيضا -شدة انتشار الشرك يف وقته ،وأن دعوة ابن عبد الوهاب التي كانت هنيا عن
الشرك وأمرا بالتوحيد ،هذا وضعها ،فقال:
و َدان َيااااااااا ويااااااااأمر بالتوحيااااااااد قااااااااا ااار ُه وينهااااى عاااان الشاااار الااااذي َ ا َّ
ااام بحا ُ
دعااااااااكم فأشااااااااركتم مااااااااع اهلل ثان َيااااااااا ت عااان الحاااق ماااا الاااذي َف َياااا فر َقاااة َص َّ
ااام ْ
ومن ذلك :الشيخ عبد الرحمن الجربيت ،وهو متولي مشيخة المذهب الحنفي يف مصر ،وكان
معاصرا البن عبد الوهاب ،وقد ظل يدافع عن دعوة الشيخ حتى كان ذلك سببا يف قتله ،ليلة
العشرين من رمضان ،عام ألف ومئتين وسبع وثالثين ،على يد حاكم مصر :محمد علي.
وقد نقل الشيخ الجربيت يف تاريخه اعتقاد ابن عبد الوهاب ،الذي أرسله إلى أهل المغرب ،وفيه
إنكاره للشرك المنتشر بسؤال الموتى الحاجات التي ال يقدر عليها إال اهلل ،والتقرب لهم بالذبح والنذر،
وغير ذلك من العبادات ،وأن من جعل بينه وبين اهلل وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم ،فلما نقل
الجربيت الكتاب كامال قال :أقول :إن كان كذلك فهذا ما ندين اهلل به نحن أيضا ،وهو خالصة لباب
التوحيد ،وما علينا من المارقين والمتعصبين.
وقد ظل الجربيت -كما قلنا -ينافح عن دعوة الشيخ حتى بعد موته ،ويرد على ما يلقيه
خصومه من الشبهات ،إلى أن قتل بسبب ذلك ،عسى اهلل أن يجعله يف الشهداء.
وكان الشيخ الجربيت جريئا يف موقفه هذا ،فقد كان معاصره يف مصر :الشيخ األزهري :أبو الهدى
الصعيدي جريئا –أيضا ،-فإنه ناظر عددا من علماء الدعوة من أصحاب الشيخ محمد بطلب من الحاكم
٦
11
محمد علي ،فلما وقف على حقيقة هذه الدعوة قال بصريح العبارة :إن كانت الوهابية كما سمعنا
وطالعنا؛ فنحن –أيضا -وهابية.
وممن كان معاديا لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب :أحد أشهر علماء الحديث يف وقته ،وهو:
الشيخ الشريف المحدث :حسن بن خالد الحازمي ،وكان الحازمي يعادي دعوة الشيخ يف أول األمر،
ويرى -بحسب ما بلغه -أن ابن عبد الوهاب وأصحابه من الخوارج ،غير أنه بعد أن اطلع على كتب ابن
عبد الوهاب تراجع عن موقفه ،ورحل للدرعية ،والتقى علمائها وأثنى عليهم ،أجاز حفيد ابن عبد
الوهاب :الشيخ سليمان بن عبد اهلل بمروياته ،وسماه باإلمام سليمان.
وقد اشتد حماس الشيخ الحازمي لنشر ما يدعو إليه ابن عبد الوهاب من التوحيد ،والتحذير من
الشرك ،وصنف يف ذلك كتابه« :قوت القلوب يف توحيد عالم الغيوب» ،وكتابا يف وجوب هدم المشاهد
المبنية على القبور.
والواقف على كالم الشيخ الحازمي ال يخفى عليه تأثره الشديد الواضح بتقريرات الشيخ
محمد بن عبد الوهاب يف كتبه.
ومن ذلك ما كان من العالم األحسائي :حسين بن أبي بكر بن غنام ،الذي سمع بدعوة الشيخ محمد،
فارتحل إليه وتلقى عنه ،وصار يف خواص أصحابه ،وكان قبل ذلك على نفس اعتقاد كثيرين من أهل
البدع والضالل ،وقد وصف الشيخ حسين حال الناس يف الجزيرة وخارجها ،وذكر ما يوضح
االنتشار الشديد للممارسات الشركية ،ولذا صار من أشد المدافعين عن دعوة الشيخ شعرا
ونثرا ،وبعض الناس يظن هذا العالم كالعالم الجربيت مجرد مؤرخين؛ وهما من الفقهاء.
ومن ذلك :ما كان من العالم الحنبلي األحسائي ذائع الصيت :أحمد بن حسن العفالقي ،الذي
تلقى تعليمه عن ألد خصوم ابن عبد الوهاب ،وهو :محمد بن فيروز ،الذي كان يصحح الممارسات
التي يصنعها الغالة عند القبور ،وقد تأثر ابن عفالق بتقريرات شيخه هذا ،إال أنه حين قدم المدينة،
ووقف على اعتقاد السلف الصالح؛ غير موقفه تماما من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،فصار
يدرس كتب ابن عبد الوهاب يف المدينة ،ولما هاجم جيش إبراهيم باشا المدينة ،اتجه العفالقي إلى
12
الدرعية مع أصحاب الشيخ ،ولما تمكن إبراهيم من تدمير الدرعية وعذب علمائها؛ اشتد على العفالقي
يف التعذيب ،ورحله لمصر ،فالتقاه علماء مصر ،فثبت ثباتا عظيما لرسوخه يف العلم ،فلما رؤى
كذلك جعل مفتي المذهب الحنبلي يف مصر.
ومن العلماء الذين غ َّيروا موقفهم من دعوة الشيخ بعد وقوفهم على حقيقتها :الشيخ :علي
باصابرين ،فإنه يف درسه بجامع الشافعي نال نيال فاحشا من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،وكان
حاضرا يف الحلقة شيخان من تالميذ الشيخ علي :وهما :الشيخ مساعد ،والبسام ،فلما انتهى الشيخ من
درسه سأاله :يا شيخ؛ هل وقفت على كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين نلت منه وقلت ما قلت؟
فقال :ال ،لكن هذا مما عرفته من مشايخي ،فقال :ما رأيك أن تقرأ كتب الشيخ محمد؟ فقال :ال مانع،
فأعطياه من كتبه؛ فلما جاء بعد أسبوع ،قال لطالبه :لقد نلت من الشيخ محمد بن عبد الوهاب إحسانا
للظن بمشايخي ،وقد أطلعني اثنان من الطالب على كتبه ،وأنا أقول اآلن :إن ما دعا إليه هو الحق ،ثم
صنف الشيخ علي رسالة يف التوحيد بعد ذلك.
ومن ذلك –أيضا -موقف الشيخ القاضي محمد بن إبراهيم السناين :فقد قال :كنت يف أول األمر
مع أناس من جماعتنا نسمي كتاب :كشف الشبهات بجمع الشبهات ،ولم أطالعه ،ولم أره ،فلما سافرت
لبعض اآلفاق ،ورأيت كثرة من أعرض عن الحق ،عن لي أن أطالع كشف الشبهات ،فوجدته كاسمه
مشتمال على أجل المطالب ،فكان جديرا أن يكتب بماء الذهب ،فقلت عند ذلك:
الااااارد والااااادَّ ْفع
َّ اااااب
وقاااااالوا مقاااااال واج َ ااالج ْمع الكشا َ
ااف با َ اام ْوا ْ لقاااد ضا َّ
اال قاااوم َسا َّ
ااان نااااد
انهاااادَّ َمااااا شاااايد ما ْ
َوتضااااليلهم َمااااا َ ااااااع الشاااااا َب ْه َمااااااا َل َّف ُقااااااو ُه ب َبغْاااااايه ْم
َف َج ْم ُ
ومن هؤلء العلماء –أيضا -الشيخ :حامد بن محمد بن حسن ،من علماء القرن الثالث عشر،
حج عام ألف ومائتين وستة عشر ،والتقى علماء من أصحاب الشيخ محمد ،فتأثر بما قرروه يف معنى
التوحيد ،وأنشأ منظومة زادت على ألف بيت ،جعلها يف عدة أوزان ،يذكر فيها ما كان عليه سابقا من
٦
13
الوقوع يف الشرك ،ثم ما كان من رجوعه بعد أن وقف على تقريرات الشيخ محمد يف التحذير من الشرك،
فمن ذلك قوله:
بكياتاااااااه َف ْضاااااااال َلنَاااااااا كَيا َ
ااااااف ُي ْج َحااااااادُ الهاااادَ
اااان باااا َّين ُ
رب الخلااااق َم ْ
فنحماااادُ َّ
ثم إن الشيخ شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ،وقال فيه :أن اهلل لما من عليه
بالهدى بعد الضالل ،أراد أن يسلك مع السالكين يف مسلك التوحيد ،ويحدث بما أنعم اهلل عليه بعد
ليالي الشرك والكفر ،فشرح هذا الكتاب ،وسمى الشيخ :بشيخ اإلسالم ،قامع البدع ،محي السنة
المحمدية.
ومن مشاهير العلماء الذين تأثروا بدعوة ابن عبد الوهاب :الشيخ القاضي :محمد بن أحمد
الحفظي ،كان ذا مكانة علمية كبيرة ،حتى أقر بمكانته خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،وقد اغتموا
كثيرا حين ترك ما كان موغال فيه من التصوف والبدع ،فقد وقف هذا الشيخ على كتب ابن عبد الوهاب،
ونصر دعوته ،وأبدى ندمه على ما كان عليه يف سالف حياته من البدع ،ومما قال يصف حال الناس يف
وقته من جهة شدة انتشار الشرك فيهم ،حتى بلغته دعوة الشيخ:
الج َّهاااااااال أهااااااال ع ْلااااااام َأ ْو ما َ
اااااان ُ اااااان ْ
ما ْ حصااااى َعااااد ُه ْم
َاااار ُجموعااااا لاااايُّ ُي َ
وت َ
وف َعاااااااااااله ْم ويف العتقاااااااااااد الغَااااااااااالي متظاااااااااااهرين بشااااااااااركهم يف قااااااااااولهم
األح َمااااااااااادي
اااااااااااري ْ
َّ الحنبلاااااااااااي األ َث
َّ المحمااااااادي
َّ محمااااااادَ
َّ َشااااااا ْي َخ ُ
الهاااااااد
ونشط الشيخ الحفظي يف دعوة علماء اليمن وجنوب الج يرة لإلقبال على دعوة الشيخ محمد،
وشرح لهم مقاصد دعوته ،ونفى ما ُيشي ُعه عنها خصومه ،وقال يف شعر رائق ماتع:
المتحااااااول
َ ااااااب حال َهااااااا وار ُق ْ
ااااااب َعواق َ ااااااار َشا ْ
اااااااأنَها األيااااااااام وا ْن ُظا ْ
َو ْاست َْشااااااااهد َّ
اااااااام أ ْدر َماااااااااا َح ْي ُلو َلااااااااا ُة المت ََحيااااااااال
ْ لا والحااااااااق أو َلااااااااى أن ُيجا
ااااااااب وإنَّمااااااااا
َ
إلى آخرها.
وصنف الحفظي كتابا نافعا سماه« :درجات الصاعدين إلى مقامات الموحدين» ،ذكر فيه شدة انتشار
الشرك ،حتى كادت تنطمس آثار الشريعة ،قال« :إلى أن ب غ قمر التجديد ،و لعت شمُّ التوحيد
بدعوة شيخ السالم محمد بن عبد الوهاب ،فج َّلى اهلل به ال َق َتام َة».
وختم الشيخ الحفظي كتابه بقوله عن كتابه هذا« :وهذه النسخة المجموعة ،والفوائد المسموعة،
قطرة من َم ْطرة من سحائب الدعوة؛ يعني :دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب»
ومن العلماء الذين تأثروا بدعوة ابن عبد الوهاب :شيخ مكة الشهير :أبو بكر خوقير ،كان أحد
تالميذ الشيخ أحمد بن دحالن خصم الدعوة اللدود ،لكن الشيخ أبا بكر تراجع عن األباطيل والبدع التي
تلقاها عن شيخه هذا وعن أمثاله من خصوم دعوة الشيخ ،وصنف الشيخ أبو بكر كتابه الشهير« :فصل
٦
15
المقال وإرشاد الضال» ،رد فيه على دعاة الشرك والغلو ،ونصر ما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب من
التوحيد ،ولذا تعرض لالمتحان الشديد بسبب موقفه هذا ،لكنه ثبت على ما وقع له من ذلك
االمتحان.
وممن غ َّير موقفه من دعوة الشيخ بعد وقوفه على كتبه :الشيخ رشيد رضا الشامي ،ثم المصري ،قال
يف سبب تغيير موقفه« :كنا نسمع يف صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسائل َدحالن وأمثاله ،فنصدقها
أن الدولة العثمانية هي حامية الدين ،وألجله حار َب ْتهم ،و َخ َضدت
َّ بالتبع لمشايخنا وآبائنا ،ونصد
شوكتهم ،وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إل بعد الهجرة إلى مصر ،وال الع على «تاريخ الجبرتي»،
و«تاريخ الستقصاء يف تاريخ المغرب األقصى» ،إلى قوله« :ثم ا لعت على أكثر كتب الشيخ محمد بن
عبد الوهاب ورسائله وفتاويه ،وكتب أولده وأحفاده ورسائلهم ،ورسائل غيرهم من علماء نجد يف عهد
،ول عن فيهم؛ إل وأجابوا عنه ،فما كان كذبا النهضة التجديدية ،فرأيت أنه لم يصل إليهم اعترا
قالوا :سبحانك هذا بهتان عظيم ،وما كان صحيحا ،أو له أصل ب َّينوا حقيقته وردوا عليه ،وقد ُ بعت أكثر
كتبهم ،وعرف األلوف من الناس أصل تلك المفتريات»
وقد أثر الشيخ رشيد رضا يف كثير من العلماء حيث عرفهم بحقيقة دعوة الشيخ محمد ،ورد على
خصومها ،حتى قال األستاذ :شكيب أرسالن -رحم اهلل الجميع :-بأن الشيخ رشيد رضا سبب انقالبا يف
الرأي العام ،ولذا قال له شيخ األزهر -يف مأل من علماء األزهر :-جزاك اهلل خيرا بما أزلت عن الناس
من الغمة يف أمر الوهابية ،انتهى؛ يعني :أنه وضح حقيقة دعوة ابن عبد الوهاب ،وأنه على المنهج الحق،
وشيخ األزهر هذا هو أبو الفضل الجيزاوي .
وكان الشيخ رشيد قد قال بأنه كان يف مجلس هذا الشيخ ،فأورد اإلشاعات التي تدور حول ابن عبد
الوهاب ،وما يبثه خصومه عنه ،فأهدى الشيخ رشيد رضا لشيخ األزهر ،ولطائفة من أشهر علماء األزهر
كتاب« :الهدية السنية» ،الذي فيه توضيح ما يدعو إليه ابن عبد الوهاب ،قال الشيخ رشيد :فراجع الكتاب
شيخ األزهر والعلماء ،فاعرتفوا بأن الذي يف الكتاب هو عين مذهب أهل السنة والجماعة.
16
وممن كان يثني على ابن عبد الوهاب من علماء مصر :الشيخ محمد عبده ،مفتي الديار المصرية يف
زمنه ،نقل عنه تلميذه :حافظ وهبة ،بأنه كان يثني على الشيخ محمد بن عبد الوهاب يف دروسه بالجامع
األزهر ،ويلقبه بالمصلح العظيم ،ويلقي تبعة وقف دعوته اإلصالحية على األتراك ،وحاكم مصر محمد
علي ،قال :لجهلهم ومسايرهتم لمن ساروا على سنة من سبقهم من مؤيدي البدع والخرافات ،ومجافاة
حقائق اإلسالم ،وهذه الكلمات من علماء مصر كانت بعد اتضاح حقيقة دعوة الشيخ لهم ،وال سيما
وقد التقوا علماءها الذين رحلوا إلى مصر ،فتأثر عدد منهم بما عاينوه من الحقيقة التي أخفتها حمالت
شديدة على دعوة الشيخ.
ومن الذين غ َّيروا موقفهم تغييرا جذريا بسبب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب :الشيخ علي
بن عبد اهلل بن صوفان من علماء اليمن ،وكان زيديا ،فلما وقف على حقيقة دعوة الشيخ ترك مذهبه
الزيدي ،وانتقل لمذهب أهل السنة ،وقال مبديا ندمه على ما مضى يف عمره يف هذا السبيل ،معلنا اتباعه
لدعوة الشيخ:
اااااااااالما
َ علاااااااااى ن َْجاااااااااد ُأحيااااااااايك ُْم َس سااااااااااال ُم يماااااااااا ُ اآلفااااااااااا َ مسااااااااااكا
اااااااان ُأ َل َماااااااااا
ْ وهااااااااذا يف األصااااااااول َف َل ديااااااااان يااااااااادي جهاااااااااارا
َ ااااااااات
ُ َخ َل ْع
حرامااااااااا
َ ااااااالفت يف دهااااااااري
ُ ومااااااااا أسا إلاااااااى الغ َّفاااااااار يغفااااااار لاااااااي ذناااااااوبي
ااااااااالما
َ الس
أهااااااااديت َّ
ُ ُ
حيااااااااث لمااااااااا َذا المال َماااااااااا َّ َأل َياااااااااا ُلا
ااااااااومي َفاااااااااد ُعوا َ
كرامااااااااااا
فقااااااااااد واليااااااااااتُهم قومااااااااااا َ إلااااااااى نهااااااااُ هااااااااداة الناااااااااس ُ اااااااارا
ومن العلماء الذين غيروا نظرتهم للدعوة أيضا :الشيخ الجليل :محمد بن عبد الهادي العجيلي،
صاحب كتاب :الظل الممدود ،قال فيه :لم تزل الدعوة –يعني :دعوة الشيخ -هترول يف آفاق األرض
وتجري ،وتبكر يف جميع األقطار وتسري ،فلما انتهى ذلك النداء إلينا ،لم يسعنا إال االنتظام يف سلك من
دعا وأطاع ،واالعرتاف بأن ذلك هو الحق ال محالة ،وأن الذي نحن عليه عين الخطأ والضاللة.
٦
17
ومنهم الشيخ القاضي :أحمد بن عبد الخالق الحفظي ،وهو غير أحمد بن عبد القادر ،فالشيخ
هذا ابن عبد الخالق كان مفتي عسير يف زمن الدولة العثمانية ،بل تولى اإلفتاء يف أدرنة برتكيا ،وكان من
أكابر الصوفية ،يعطي إجازات لطالبه يف كتب التصوف ،إال أنه حين وقف على كتب ابن عبد الوهاب؛
ترك ما كان عليه من البدع ،وقرأ كتاب التوحيد البن عبد الوهاب أربع مرات على شيخه :مسفر الحنبلي،
ولما نفاه األتراك إلى بلده سمحوا له من بين جميع من نفوا بالتنقل داخل البلد؛ لعلمهم بمكانته الرفيعة،
ولذا أقام دروسه هناك يف تركيا ،وتلقى عنه عدد من مشاهير األتراك؛ منهم :وزير العدل ،ولما رجع
الشيخ من منفاه ،بادر بزيارة علماء الدعوة يف نجد ،وقال:
والمحااان
َ َأ ْن ُعااادت َأ ْرضاااي ُب َع ْيااادَ األَ ْسااار اهلل أكبااااااااار هاااااااااذا أعظااااااااام المااااااااانَن
ومن أشهر من تأثر بدعوة الشيخ :الشيخ العالمة الكبير :محمد بن علي الشوكاين ،العالم اليمني
المعروف ،كان هذا الشيخ أحد مشاهير الزيدية يف بلده ،وقد تأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
فرتك الزيدية وصار يدعو لالجتهاد ،مما أغضب كثيرين من أهل مذهبه ،وقد أثنى الشوكاين علي الشيخ
محمد ،وقال عنه :بأنه من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة ،وقال عنه –أيضا :-الشيخ
العالمة محمد بن عبد الوهاب الداعي إلى التوحيد ،المنكر على المعتقدين يف األموات ،ووصف كتب
الشيخ محمد التي وصلته يف اليمن؛ ألهنا كلها يف اإلرشاد إلى إخالص التوحيد والتنفير من الشرك ،وهي
رسائل جيدة ،مشحونة بأدلة الكتاب والسنة.
ولما وقف الشوكاين على رد أصحاب الشيخ محمد على جماعة من فقهاء صعدة باليمن يف مسائل
من أصول الدين ،وصف الشوكاين رد أصحاب ابن عبد الوهاب :بأهنا أجوبة محررة مقررة محققة ،تدل
على أنه من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة ،ووصف ردهم على أولئك :بأهنم قد هدموا
على فقهاء صعدة جميع ما بنوه ،وأبطلوا كل ما دونوه ،انتهى كالمه مختصرا.
هذا الكالم يوضح التغير الكبير الذي حصل للشوكاين بعد دعوة الشيخ ،ألن فقهاء صعدة هؤالء
كانوا من مذهبه الذي كان عليه سابقا ،ثم نبذه وصار يدعو لتقديم دليل الكتاب والسنة؛ تأثرا بدعوة
الشيخ محمد.
18
وقد أرجع الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي شيخ الشافعية يف الخليج سبب تغيير كثير من العلماء
موقفهم من دعوة ابن عبد الوهاب؛ إلى كون الدعاية ضده يف الماضي نالت رواجا ،لكن وطأهتا خفت
الحقا ،وعرف كثيرون يف سائر األقطار حقيقة دعوته وصحتها؛ بفضل انتشار العلم والوعي.
ولهذا قال الشيخ مسعود الندوي :من الممكن جدا ألي شخص أن يحمل آراء كاذبة عن الشيخ
محمد بصدق نية وإخالص ،ولكن اليوم إذ انتشرت كتبه وكتب تالميذه ،وراجت فال يقبل ذلك.
فالشيخان ابن حجر والندوي يعيدان سبب تغير النظرة لدعوة الشيخ إلى الفرتة التي أعقبت وفاته،
لكن الحقيقة أن السبب األقوى هو تأييد المعاصرين البن عبد الوهاب لدعوته يف وقته ،وإفتاؤهم من
يسألهم عن ابن عبد الوهاب :بأن ابن عبد الوهاب على الحق ،وذلك وقت اشتداد الحملة عليه يف حياته،
فكتاب التوحيد البن عبد الوهاب –مثال -أقره عدد من مشاهير شيوخه؛ كشيخه الشامي :علي
الداغستاين ،وكذا الشيخ عبد الكريم الداغستاين ،والشيخ محمد الربهاين ،والشيخ عثمان الديار بكري،
وكتاب التوحيد فيه خالصة دعوة ابن عبد الوهاب مقرونة باألدلة عليها .
وكان العلماء الذين يقرون ما عليه ا بن عبد الوهاب يف حياته يعتذرون بأن السبب المانع لهم من
الجهر بما جهر به ابن عبد الوهاب هو العجز ،كما ذكر ذلك الشيخ الجراعي ،والشيخ السويدي
وغيرهما ،ولكن كلمات معاصري ابن عبد الوهاب وكتاباهتم كان لها تأثير كبير يف تغيير النظرة عن
الشيخ فيما بعد ،وقد نبه ابن عبد الوهاب بنفسه على وجود هؤالء العلماء المعاصرين لدعوته ممن أقروا
دعوته بقوله عند كالمه على خصومه الذين ناصبوه العدا ،وذلك يف رسالته للشيخ :فاضل آل مزيد :أن
هذا األمر الذي أنكروا علي وأبغضوين ،وعادوين من أجله إذا سألوا عنه كل عالم يف الشام واليمن أو
غيرهم ،يقول :هذا هو الحق ،وهو دين اهلل ورسوله ،ولكن ما أقدر أظهره يف مكاين؛ ألجل أن الدولة ما
يرضوين؛ يعني :الدولة العثمانية ،وابن عبد الوهاب أظهره ألن الحاكم يف بلده ما أنكره ،بل لما عرف
الحق اتبعه ،هذا كالم العلماء ،وأظنه وصلك كالمهم ،انتهى كالم الشيخ.
ونبه إلى ما نبه إليه الشيخ غير واحد بعده؛ فالشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن؛ حفيد الشيخ ،حين
ذكر ما يدعو إليه الشيخ قال :قد أطبق على الثناء عليه بمقامه هذا جميع أهل نجد والحجاز ،وهتامة،
٦
19
وعمان ،وكثير من علماء الحرمين ،ومصر ،والعراق ،والشام ،حتى من أهل المغرب وبالد الروم،
ويقصدون يف تلك الفرتة ببالد الروم :بالد األتراك ،كلهم أو غالبهم بين من يثني على صاحب هذه
الدعوة ويدعو له ،ومن ليس كذلك فال يظهر منه إنكار.
وقال أيضا :كثير منهم عاداه يف أول هذه الدعوة ثم رجع واعرتف؛ أي :بعد أن وقف على كتبه.
وذكر أيضا :أن كتب الشيخ يف التوحيد ،وردوده على مخالفيه قد تلقاها العلماء بالقبول والتسليم
لصحتها ،فصارت تباع بأغلى األثمان يف مصر والشام ،وغيرها ،قال :وهذا مما ال يجهله من عرفه.
وما ذكره الشيخ عبد اللطيف من ميل بعض علماء الدولة العثمانية لدعوة ابن عبد الوهاب له دالئل
عدة:
من أهمها :أن مجلس شورى الدولة العثمانية -وهو أكرب مجلس يف الدولة العثمانية -اجتمع عام
ألف ومئتين وثمانية لتدارس ما رفعه والة مكة وبغداد والشام للسلطان العثماين من تحذيرات من دعوة
ابن عبد الوهاب ،وكان يف المجلس عدد ممن تولوا القضاء يف الحجاز ،فذهب بعضهم إلى أن ما يقرره
ابن عبد الوهاب ليس خطأ ،وأن ه ال يمكنهم أن يقولوا شيئا يف رجل يدعو إلى األمر بالمعروف والنهي
عن المنكر.
وقل مثل ذلك يف موقف العالم الرتكي ،الذي تولى منصب شيخ اإلسالم يف الدولة العثمانية ،فإنه
حين كاتب والة مكة السلطان العثماين محذرين من ابن عبد الوهاب ،قدم هذا الشيخ محضرا يقول فيه:
إن شيخ نجد محمد بن عبد الوهاب رجل على المذهب الحنبلي ،ومعلوم أن الدولة العثمانية كانت تقر
المذهب الحنبلي ضمن المذاهب األربعة داخلها ،وكان خصوم ابن عبد الوهاب يصفونه دائما :بأنه
خارجي له مذهب خامس خالف به المذاهب األربعة ،فقول هذا الذي تولى المنصب الديني األعلى يف
الدولة العثمانية :بأن ابن عبد الوهاب على المذهب الحنبلي؛ فيه مصادمة كربى لما نشره خصومه عنه
على نطاق واسع ،والدليل على ذلك :أن هذا المحضر الذي قدمه للسلطان كان من ضمن األسباب التي
جعلت السلطان ينظر إلى شكاوى أولئك الوالة على أهنا مبنية على الهوى ،مما جعله ال ينهض لتلبية ما
طلبه أولئك من القضاء على دعوة الشيخ.
20
ومن دلئل ميل علماء الدولة العثمانية أيضا :ما ذكره المؤره الع َّ اوي :من أن الدولة العثمانية
كانت تتخوف من تأثير دعوة ابن عبد الوهاب على بالد العرب خارج منطقة نجد ،ثم قال العزاوي بعد
أن ذكر أن ما كانت تخافه الدولة العثمانية قد تحقق فعال ،واألعظم من هذا أن من رجال الرتك من نشر
بعض الكتب يف بيان أحقية دعوة ابن عبد الوهاب ،وأن إهماله ،أو حربه كان منهم غفلة ،وصاروا يدعون
إليه ،وعاشروا العرب يف نجد ،وعرفوا ما عندهم ،ونشروا ذلك باللغة العربية والفارسية واألردية.
ولما تكلم المؤره الع َّ اوي عن حملة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،وصف القائمين عليها
َّ
بأنهم اختل ُقوا ما شاؤُ وا ،ونبذوا دعوته بما أرادوا قال :وهذا لم يمنع الكثير من العلماء أن يناصروه،
ويؤيدوه يف الخفاء ،وأن يتأثروا به يف بغداد ،وسائر األنحاء العراقية ،ويف األقطار الشامية والمصرية
واليمنية وبالد المغرب.
وقبل الع َّاوي ،ذكر العالمة الشيخ الشريف محمد بن ناصر الحا مي :أن دعوة ابن عبد الوهاب
قد أقر بصحتها علماء صنعاء ،وزبيد ،والحرمين ،ومصر والشام والمغرب والعراق ،ودارت مصنفاته
بينهم ،ونفقت عندهم ،ومدحه منهم العلماء ،وأثنوا عليه نثرا ونظما ،وهم المعول يف العلم والفهم.
وذكر الشيخ الحا مي أيضا :أن دعوة ابن عبد الوهاب قد استجاب لها كثير من الناس من غير
قتال ،ومثل على ذلك :بقبول عدد من البلدان النائية عن نجد لهذه الدعوة قناعة من أهلها هبا ،ومن
ضمن هذه البلدان :بلدان يف جنوب الجزيرة ،واليمن ،وهي موطن الشيخ الحازمي.
وبالجملة؛ فإن تأييد كثير من علماء البلدان لدعوة ابن عبد الوهاب مما يطول تتبعه ،لكن مما يلفت
النظر إقناع العلماء لبعض الوالة بصحة دعوة الشيخ؛ فمن ذلك :أن والي العراق من جهة العثمانيين:
سليمان باشا الصغير قد قبل دعوة ابن عبد الوهاب بتأثير الشيخ السويدي ،لكن هذا الوالي اتبع
هذه الدعوة دون مجاهرة؛ لخوفه من الدولة العثمانية ،كما ذكر ذلك العزاوي أيضا ،الذي ذكر :أن سبب
انتشار دعوة ابن عبد الوهاب يف العراق؛ وجود مذهب السلف الصالح يف العراق قبل دعوة ابن عبد
الوهاب.
ويوضح لك ما حصل من قبول العلماء لدعوة ابن عبد الوهاب :أن نفس العلماء الذين كانوا
٦
21
يشتكون من غربة الدين يف زمنهم لم ا رأوا آثار دعوة الشيخ حمدوا اهلل على منته بإقبال الناس على
الدعوة ،فالشيخ محمد الحفظي الذي تقدمت منظومته قريبا يف شكواه من غربة الدين الواقعين يف
الشرك ،قال بعد أن رأى آثار دعوة الشيخ
والشااااااااااااااكر هلل علااااااااااااااى آلئااااااااااااااه الحمااااااااااااااد هلل علااااااااااااااى نعمائااااااااااااااه
كتاب الشيخ
مثاااااااال الااااااااذي يف األربااااااااع القواعااااااااد وغيرهاااااااااااااا مااااااااااااان درر الفوائاااااااااااااد
يف ال َق ْفاااااااااااار َ
وم َشااااااااااااامخ الجبااااااااااااال اااااااااااااااااامع األذان باااااااااااااااااااالهالل
ُ ويسا
ُ
رصاااااااا
والصااااااافوف رصاااااااا َّ
ُ بالنااااااااس غصاااااااااا وكااااااااال مساااااااااجد يغااااااااا
اااااااااادت مشاااااااااااتملة
ْ وبالجاللياااااااااااب غا ااااااااار النسااااااااااء فيهاااااااااا ُمسااااااااا َب َلة
ُ وخم
ُ
يف لاااااااااااب الحاااااااااااق ويف الساااااااااااؤال ااااااار علااااااااى منااااااااوال
ااااااادو والحضا ُ
ُ والبا
وذكر الشيخ ال ُع َو ْيلي اليمني :أن أكثر بلده طائعين لكتب ابن عبد الوهاب وما أمر به ،وقال
الشيخان الشريفان يحيى بن درع ،ومحمد بن يحيى ،يف رسالتهما آلل الحفظي :ال واهلل ال نعلم أن طائفة
تدعو إلى التوحيد إال هذه الطائفة ،وهذا من فضل اهلل علينا ،فكل ما تقدم جواب على الشبهة األولى،
22
لهؤالء الذين زعموا أن ابن عبد الوهاب قد خالف العلماء ،وأنهم ردوا عليه ،وحكموا بأنه ضال ،فجوابه
كما سمعت :أن الذين قالوا هذا هم شيوخ الضالل ،من مروجي الشرك والبدع ،فأما العلماء على السنة
فقد حكموا بأن دعوة ابن عبد الوهاب دعوة حق نشرت التوحيد وطمست الشرك.
وأكثر العلماء الذين ذكرت كالمهم مما يجهل مواقفهم بعض طالب العلم ،فلذا ركزت على إبراز
كالمهم تحديدا ،أما العلماء الذين أثنوا على دعوة الشيخ منذ بدايتها ،فهم أكثر بكثير ،وهم –أيضا -قد
اشتهر كالمهم يف الثناء على دعوة الشيخ ،فال يخفى غالبا على طالب العلم ،وبذلك ينتهي الرد على
الشبهة األولى يف هذا القسم.
من الشبهات التي أثاروها عن الشيخ :أنه قال كالما لم يسبقه أحد إليه ،ومثلوا له بقوله :بأن شرك
المشركين يف زماننا أغلظ من شرك أهل الجاهلية ،وقد أجلب كثيرون على الشيخ هبذه الكلمة ،ورأوا أنه
بالغ؛ كيف يكون من شهد الشهادتين كأهل الجاهلية؟ فضال عن أن يكون أغلظ شركا منهم؟
واستعمل كثير من هؤالء وسائل التواصل االجتماعي ،ووسائل اإلعالم ليقدحوا هبذه الكلمة يف
الشيخ؛ ليظهروا أن الشيخ انفرد هبذه الكلمة ،ونحن نجيبهم باآلتي:
هذا التقرير مما ذكره العلماء قبل الشيخ بقرون متطاولة ،فنذكر عبارات من قالوا ذلك قبل الشيخ،
وعبارات من قالوا ذلك من معاصريه ،فمن ذلك :ما كان من علماء األمة السابقين:
فقد قال أبو عبيد القاسم بن سالم :من قال القرآن مخلوق؛ فهو شر ممن قال :إن اهلل ثالث ثالثة،
والذين قالوا :إن القرآن مخلوق يعني :هبم الجهمية والمعتزلة ،وهم يقولون :ال إله إال اهلل.
وقال الطبراين :من قال :إن القرآن مخلوق فهو شر من اليهود والنصارى وعبدة األوثان.
وقال شيخ السالم ابن تيمية :كان السلف وسادات األئمة يرون كفر الجهمية أعظم من كفر
اليهود ،كما قال عبد اهلل بن المبارك ،والبخاري وغيرهما.
وقال شيخ السالم –أيضا :-قال غير واحد من األئمة :إهنم أكفر من اليهود والنصارى ،فهذا
٦
23
بعض كالم المتقدمين يف هؤالء ،مع أهنم يقولون :ال إله إال اهلل ،فأما معاصرو ابن عبد الوهاب الذين
قالوا يف المشركين الذين عاصروهم ،فننقل عنهم بعضه:
من ذلك :قول عدد من أهل العلم معاصري الشيخ يف الغالة الذين يصرفون العبادة للقبور:
يقول الشوكاين يف هؤلء الغالة يف القبور :لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله باألصنام إال
فعلوه ،ثم قال :قد بلغ شركهم فوق شرك من قال :إنه تعالى ثاين اثنين ،أو ثالث ثالثة ،ثم ذكر أن الغالة
رجعوا للجاهلية األولى؛ بل إلى ما هو أشد ،كما ذكر أن المشركين األوائل يخلصون عند الشدة ،أما
هؤالء فيشركون حتى يف الشدائد.
ومن ذلك قول الصنعاين :بأن الغالة المتأخرين قد اعتقدوا ما اعتقده المشركون األوائل يف
األوثان ،ثم ذكر أن المتأخرين ساووهم ،ثم قال :بل زادوا ،كما ذكر :أن ما وقع من هؤالء الغالة من
المنكرات مما لم يبلغه المشركون األوائل.
ومن ذلك قول الشريف النعمي ،حين نقل نماذج من غلو المتأخرين ،الذين وصل
ببعضهم األمر إلى أن يطلبوا من الموتى أن يعيذوهم من النار والعياذ باهلل ،فقال النعمي :إن المشركين
األوائل ال يؤهلون كل ما عبدوه من دون اهلل لشيء من هذا ،وال لما هو أقل منه.
ومن ذلك –أيضا -قول الشيخ ُصنع اهلل الحلبي المكي الحنفي عن ممارسات الغالة يف القبور،
مقارنا بينهم وبين أهل الجاهلية :كما تفعله جاهلية العرب والصوفية الجهال ،ووصف ظنهم بأن األولياء
يجلبون النفع ويدفعون الضر من باب الكرامة ،بظن أهل األوثان.
ومن ذلك قول الشيخ علي السويدي عالم العرا :بأن الجاهلية األولى لو رجعت لعجزت عن
أقل القليل مما يفعله الغالة.
ومن ذلك قول ولي اهلل الدهلوي :بأن مثل ما يصنعه هؤالء بالقبور ،مثل من كان يعبد
المصنوعات ،أو يدعو الالت والعزى.
ومن ذلك قول الشيخ إسماعيل الدهلوي :بأن عباد األوثان يف الهند ما سلكوا طريقا إال وسلكه
األدعياء من المسلمين ،وذكر أن من عامل أحدا بما عامل به الكفار آلهتهم ،وإن كان يقر بأنه مخلوق
24
ومن ذلك :أن شهاب الدين األلوسي العراقي يف تفسيره ،لما ذكر أن المشركين األوائل ل يدعون
إل اهلل يف حال الشدة :ذكر أن الغالة إذا اعرتاهم الخطب الجسيم دعوا األولياء ،ثم قال مقارنا بين
الفريقين :فباهلل عليك قل لي أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيال؟
وذكر أيضا :أن الغالة يهشون لذكر أموات يستغيثون هبم ،وينقبضون من ذكر اهلل وحده ،كما ذكر
ومن ذلك قول الشريف حسن بن خالد الحا مي ،لما ذكر ما يقع من الغالة يف منه :حتى أربوا؛
يعني :حتى زادوا يف هذا الزمان على عباد األصنام يف زمان رسول اهلل .
وقال الشيخ صديق حسن خان عالم الهند :بأن كفر المشركين يف هذه األمة الواقع يف عرهبم
وعجمهم؛ أعظم من كفر الذين قاتلهم النبي يف الجاهلية.
وكالم العلماء الذين قالوا هذا كثير؛ منهم :شيخ األزهر :عبد الرحمن قراعة ،كذلك شيخ
األزهر بعده :عبد المجيد سليم ،قالوا :نفس العبارات ،وقد سربت أقواال زادت على ثالثين من أهل
العلم كلهم قالوا كلمة الشيخ هذه ،فعبارات من قبل الشيخ ،وعبارات من عاصروه ،وعبارات من بعده،
تؤكد على نفس كالمه ،فإن كان هؤالء المهاجمون لمحمد بن عبد الوهاب صادقين؛ فليعمموا
اهتامهم لجميع من قال ذلك ،سواء من العلماء المتقدمين ،أو المعاصرين للشيخ ،فأما أن يخص
المغرضون الشيخ هبذا دون غيره؛ فذلك تحكم أهل الباطل والعناد.
٦
25
ومن أكثر العبارات التي أجلبوا بها على الشيخ قوله :بأن من قال من علماء العارض بأنه قد عرف
معنى كلمة التوحيد فقد كذب ،ولقد صاح هبذه الكلمة كثيرون ،واستخدموا وسائل اإلعالم ،وظنوا أن
الشيخ لم يسبقه إلى هذه الكلمة أحد ،والواقع أن كالم العلماء يف هذا كثير جدا قبل دعوة الشيخ ،لمن
فهم األمر وأبعد عن التعصب ،فالشيخ محمد يتكلم عن تفسير الناس يف العارض لكلمة التوحيد بتفسير
المتكلمين الباطل ،حيث زعموا :أن معنى ال إله إال اهلل :اإلقرار بربوبية اهلل ،ودللوا على تقريرهم بدليل
المعتزلة الذي سموه :دليل الحدوث ،يذكرون فيه الجوهر والعرض ،وغير ذلك من عبارات المتكلمين،
فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :أنتم لم تعرفوا معنى كلمة التوحيد ،وقد رد علماء السنة على
المتكلمين قولهم هذا ،وأهنم لم يفهموا حقيقة دعوة المرسلين التي بعثوا هبا ،وال معنى كلمة التوحيد،
ردوا على المتكلمين هبذا قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقرون ،وقالوا للمتكلمين من المعتزلة
وأضراهبم :أنتم لم تعرفوا حقيقة التوحيد ،فالشيخ قال هذا الكالم يف المتكلمين يف منطقته يف نجد ،حين
كانوا يفسرون كلمة التوحيد بنفس تفسير المتكلمين ،ولهذا قال هذه الكلمة التي قالها الشيخ محمد بن
عبد الوهاب شيخ اإلسالم بنصها يف درء التعارض ،فشيخ اإلسالم بعد بيانه أن التفسير الصحيح
لكلمة التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة ،قال عمن فسرها من المتكلمين بأهنا تعني إثبات الربوبية :لم يعرفوا
حقيقة التوحيد الذي بعث اهلل رسوله ،فإين مشركي العرب كانوا مقرين بأن اهلل وحده خالق كل شيء،
وكانوا مع هذا مشركين ،نص كالم ابن عبد الوهاب تماما ،فابن عبد الوهاب لم يقل كلمة
مشكلة يحتاج إلى أن يجاب عنها ،أو أن يهاجم هبا ،كما هاجمه من هاجمه من المتأخرين ،بل قال كلمة
قالها العلماء قبله.
وقد قال اإلمام الكبير ابن سريج الشافعي ،مبينا فرق ما بين توحيد أهل الحق ،وما بين
توحيد المتكلمين :توحيد أهل العلم ،وجماعة المسلمين :أشهد أن ال إله إال اهلل ،وأن محمدا رسول اهلل،
وتوحيد أهل الباطل الخوض يف األعراض واألجسام ،وإنما بعث النبي بإنكار ذلك،
فجعل توحيدهم مقابال لتوحيد المسلمين ،وسماه :توحيد أهل الباطل؛ ألنه ال يقرر إال توحيد الربوبية،
فما الفرق بين كالم ابن سريج ،وبين كالم الشيخ محمد ،وبين كالم شيخ اإلسالم؟
26
وكما وصف ابن سريج توحيد المتكلمين هبذا ،فقد قال الحافظ البغدادي ،وقال ابن القيم يف
توحيدهم :بأنه إلحاد ال توحيد ،ومرادهم باإللحاد هنا ،ومراد المتقدمين هبذه الكلمة ،مرادهم هبا :الميل
عن الحق ،وقال السمعاين -لما ذكر ما يسميه هؤالء بالتوحيد :-تعسا لتوحيد أوردهم هذه المتألف،
وتسائل كيف يدعو مسلم إلى هذا الطريق المظلم؟
وقال الدارمي عن توحيدهم :بأنه تخليط وخرافات ،إن لم يوحد اهلل إال من قام هبا؛ فما يف أمة
محمد موحد.
وقد كان اإلمامان أبا حنيفة ومالكا رحمهما اهلل يلعنان رأس المعتزلة عمرو بن عبيد؛ ألنه أول من
فتح على هذه األمة الضالالت يف حقيقة التوحيد ،لمن صرف معه من وقعوا يف بدعة الكالم عن حقيقة
التوحيد ،الذي بعث اهلل به رسوله ،حتى قال اإلمام الشافعي يف رأس آخر للمعتزلة؛ هو
ابن علية :أنا مخالف له يف كل شيء ،ومخالف له يف ال إله إال اهلل ،وذلك لما عنده من الضالل العقدي،
فجهل المتكلمين بحقيقة التوحيد هو الذي استدعى قوة العلماء يف إنكار هذا المعنى المبتدع ،فجاء ابن
عبد الوهاب بعد العلماء بقرون فسلك على مسلك أهل العلم قبله يف إنكار ما أنكروه على من ابتدعوا
يف معنى التوحيد ما ال أصل له ،فضج خصومه ،ورموه بأشر العبارات ،مع أن علماء األمة -كما نقلنا
كالمهم -قد سبقوا ابن عبد الوهاب إلى ذلك.
واعلم أن الكلمات التي توافق كالم الشيخ كثيرة جدا ،ولكني أقتصر ببعضها عن بعض،
وإال فما ذكرته بعض من كالم علماء األمة رحمهم اهلل ،به تعلم أن هؤالء الذين حملوا على الشيخ يف
هذه الكلمات إنما حملوا على عموم العلماء الذين قالوا هذا من حيث ال يشعرون.
وبكل حال فالشيخ محمد عالم من علماء المسلمين ،الذين أحيا اهلل هبم السنة ،وانتشرت بدعوته
حقيقة التوحيد ،والشبهات التي يريدها المغرضون عنه يمكن الجواب عليها -بحمد اهلل -كما رأيت،
لكن هؤالء يستخدمون اإلعالم ،ووسائل التواصل؛ ليصلوا إلى العوام الذين ال قدرة لهم على الجواب
على أباطيلهم ،لذا قلدهم يف هذا السبيل –لألسف -عدد من أبنائنا اليوم ،ورددوا نفس شبهاهتم التي إذا
تأملها المنصف وجدها تعم علماء األمة قبل ابن عبد الوهاب ،لكن لجبنهم –أعني :أصحاب هذه
٦
27
الشبهات ،-وقلة تقواهم ،صوروا الشيخ محمدا بأنه انفرد عن األمة بما قرره ،وخالف ما سموه :السواد
األعظم ،وكذبوا واهلل؛ فقد كان الشيخ على جادة علماء السنة ،وإنما خالف شيوخ الضالل من
دعاة الغلو يف الموتى ،وغالة المرجئة وأضراهبم ،نسأل اهلل –تعالى -أن يجزي شيخ اإلسالم محمد بن
عبد الوهاب عن أمة محمد خير الجزاء ،وأن يورثه الفردوس بال حساب وال عذاب،
والكالم يف الحقيقة يف الشبهات التي حول الشيخ يطول جدا ،لكن أردنا أن نركز على شيء منها مما
حاول خصوم الشيخ أن يصوروا الشيخ -كما قلنا :-بأنه مجرد مبتدع خالف أمة محمد ،
وقال :كذا وكذا مما ال أصل له ،فوجدت أن العلماء قبله بالعشرات يقررون ما قرر -رحمة اهلل تعالى
عليه.-
واهلل أعلم؛ وصلى اهلل على محم ٍد ،وعلى آله وصحبه وسلم.
h