You are on page 1of 26

‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬

‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الأولى‪ :‬تعر يف العلم‬

‫النص ‪ :1‬تعر يف العلم‬


‫يذكر «لالاند» ‪ Lalande‬أننا نطلق مصطلح العلم على مجموعة من المعارف والأبحاث التي وصلت إلى درجة كافية من الوحدة والضبط‬
‫والشمول بحيث تفضي إلى نتائج متناسقة‪ ،‬فلا تتدخل في ذلك أذواق الدارسين ومصالحهم‪ ،‬إنما ثمة موضوعية خاصة‪ ،‬تؤيدها مناهج محددة‬
‫للتحقق من صحتها‪ .‬والعلم يقوم على المعرفة الموضوعية لا على الرغم‪ ،‬ولا على الحماس العاطفي‪ .‬وهذه المعرفة الموضوعية لم تتحقق إلا بفضل‬
‫وضع أسس ومبادئ عامة للتفكير العلمي‪ ،‬أو ما يصطلح عليه بالمنهج العلمي‪ .‬إن المتأمل في تاريخ العلوم يستخلص أن العلم في نهاية المطاف‬
‫هو‪ ،‬وفي آن واحد‪ ،‬موقف تجاه الطبيعة‪ ،‬وجملة معارف وأسلوب تفسير وعمل أي أن غاية العلم هي معرفة وفهم أحسن لكل ما هو موجود‪،‬‬
‫وذلك باقتراح تفسيرات جديدة‪ .‬كما يتوق أيضا إلى السيطرة والتحكم في الوقائع‪ ،‬كمقاومة الأمراض‪ ،‬ومحاربة الجهل والأمية وتحسين شروط‬
‫العمل‪ ...‬وهكذا‪ ،‬فعندما يراد الفهم‪ ،‬فالعلم الأساسي هو السبيل‪ ،‬وعندما يراد الإبداع فالعلم الطبيعي هو الأداة‪.1‬‬
‫النص ‪ :2‬العلم والميتافيز يقا‬
‫"العلم منظومة من القضايا والنظر يات قابلة للتواصل جماعيا‪ ،‬متماسكة نظر يا‪ ،‬قابلة للتطبيق عمليا تصف وتشرح ظواهر الواقع الموضوعي‪.‬‬
‫بهذا التعر يف‪ ،‬يمكننا أن نميز بدقة العلم من الميتافيز ياء النظر ية والدعاية الإيديولوجية‪ .‬إن القضايا الميتافيز يقية لا تتمتع بالتواصل الجماعي إلا في‬
‫حالات استثنائية‪ ،‬فالفلاسفة الميتافيز يقيون لا يفهمهم إلا أتباعهم‪ ،‬أو على الأقل أولئك الذين يؤكدون فهمهم وينسحب هذا المعنى إلى حد‬
‫كبير على ! لغة الدعاية الإيديولوجية‪ ،‬و يكفي أن نفكر في الالتباس المهول الذي يكتنف دلالات بعض الكلمات مثل العالم الحر‪ ،‬الحر ية‪،‬‬
‫العدالة الديمقراطية‪ ..‬الاشتراكية‪ ...‬الخ‪ .‬مليئة بالتضارب والتفكك‪ ،‬ويتجلى هذا بصفة أوضح من الدعاية الإيديولوجية التي تروج لها القوى‬
‫الرجعية في المجتمع‪.‬‬
‫كما أن حظ الميتافيز يقا من إمكانية التطبيق منعدم‪ ،‬وهذا ما يميزها بوضوح أكثر من العلم والفلسفة العلمية‪ ،‬ليست هناك حوادث‬
‫تجريبية يمكن أن تثبت أو ما قاله أفلاطون عن المثل‪ ،‬وأرسطو عن الكلمات وطوما الأكويني عن الثالوث الأقدس‪ ،‬وديكارت عن الجوهر‬
‫المفكر وسيينوزا عن إله المثل في الطبيعة الطابعة‪ ،‬وليبنتز عن الروح المطلق وشلر عن القيمة العليا للظاهرة‪ ،‬ووايتهيد عن الأشياء الخالدة‪.‬‬
‫هذه النظر يات كلها تزعم بأنها تعطي فكرة عن العالم وتشرح بعض الأشياء وتتجه صوب ملكاتنا الفكر ية‪ ،‬فتحدثنا بأشياء‪ ،‬بيد أنه ليس‬
‫في مقدورنا أن نتعرف على هذه الأشياء ونتأكد منها عن طر يق التجربة بصورة مباشرة وغير مباشرة‪ .‬إن وظيفة الإدارة التي يتمتع بها المنطق‬
‫والر ياضيات معدومة في النظر يات والقضايا الميتافيزقية‪ ،‬ولا يمكن لنا أن نطبق عليها المعايير الأساسية للحقيقة الموضوعية‪ ،‬ولذلك فهي بعيدة‬
‫عن حدود العلم‪.2‬‬
‫النص ‪ :3‬العلم والعقل‬
‫"إن الوظيفة الخاصة بالعقل هي الفهم وكما رأينا أن تصور الناس عن العقل قد تعرض للتغيير‪ ،‬كذلك فإن معنى كلمة عقل نفسها قد‬
‫تغير‪ ،‬ففي منظومة أرسطو أو السكولائيين يكون فهم ظاهرة ما معناه إرجاعـهـا إلى تجل لبعض الماهيات‪ ،‬وبالتالي العثور على الواقع الميتافيز يقي‬
‫للعالم المعقول تحت تعدد المظاهر الحسية‪.‬‬
‫فالفهم‪ .‬بالنسبة لديكارت‪ ،‬هو إرجاع الظاهرة إلى بعض البديهيات‪ ،‬بواسطة التحليل الوافي‪ ،‬وفهم ظاهرة ما يتم عندما يتم إرجاع‬
‫تفاصيلها إلى حقائق مدركة مباشرة من طرف الفكر‪.‬‬

‫محمد الخي (إعداد)‪ ،‬مناهج البحث التربوي‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬طبعة ‪ ،2001‬ص ‪.7-6‬‬ ‫‪1‬‬

‫ميشيل ماركو فيتش‪ ،‬العلم والإيديولوجيا‪ ،‬ترجمة أحمد السطاتي‪ ،‬منشورات مجلة أقلام ‪ -‬الرباط‪ .‬نقلا عن محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد أعالي (ترجمة)‪ ،‬الفلسفة الحديثة‪ :‬نصوص مختارة‪ ،‬إفر يقيا الشرق – المغرب‪ ،‬طبعة ‪ ،2001‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.223-224‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫وبالنسبة للفكر المعاصر فإن العالم المعقول لدى السكولائيين عالم وهمي‪ ،‬فليس هناك لنسق منتظم من الماهيات التي ستكون هي المجال‬
‫الأمثل للعقل الذي يستكشفها بواسطة المنطق ‪ -‬فقاعدة البداهة لدى ديكارت مستحيلة‪ ،‬ليس هناك حقائق أولية بديهية في ذاتها‪ ،‬فالعقل‬
‫ليس هو ملـكة إدراك هذه البديهيات ملـكة مستضيئة بذاتها‪ .‬أما اليوم فإن الفهم هو القدرة على إعادة إنجاز شيء ما‪ .‬فالمفهوم (‪)Concept‬‬
‫يكون مفهوما عندما يكون لدينا تعر يف إجرائي له‪ .‬والظاهرة تكون مفهومة عندما نكون قادرين على إعادة إنجازها‪ ،‬على الأقل ضمنيا‪ ،‬وبالتالي‬
‫التنبؤ بها‪ ،‬فالفهم قدرة وسلطة (‪.)....‬‬
‫لاحظ غ‪ .‬باشلار أن الموقف العلمي موقف نقدي‪ ،‬فهو امتداد للنقدية الـكنطية التي تجعل من العقل مصفاة للظواهر لا تمرر إلا ما‬
‫هو مطابق لمتطلباته قبليا‪.‬‬
‫لـكن بالنسبة لكانط‪ ،‬تشكل هذه المتطلبات العقلية‪ ،‬من ناحية بالنسبة للعقل‪ ،‬مضمونا دائما‪ ،‬أشكال حدس ومقولات منطقية‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬بالنسبة للعالم الموضوعي‪ ،‬إطارا ثابتا يتعين عليه أن يتكيف معه بالقوة‪ .‬أما بالنسبة للعلم المعاصر‪ ،‬فإن المطلب تجاه العالم يتلخص‬
‫فيما يلي‪ :‬وهو أن يسمح بقيام المعرفة به أي أن يتوصل إليه ويتعرف عليه بواسطة عمليات منتظمة‪ ،‬عمليات تجريبية دقيقة مترجمة إلى عمليات‬
‫ذهنية محددة وطبيعة هذه العمليات غير محددة‪ ،‬لم يعد هناك مضمون للعقل الذي هو نشاط محض‪ :‬فهو فقط القدرة على إنشاء منظومات‬
‫من القواعد وعلى تطبيقها وعلى اختبارها‪ .‬وإذا ما أخذنا تمييز لالاند وبرونشفيج بين عقل متأسس وعقل مؤسس فإن العقل المؤسس هو‬
‫النشاط الملازم لمس ار البحث العلمي الذي ينشئ منظومات القواعد الإجرائية‪ ،‬أما العقل المتأسس في لحظة معينة من التاريخ‪ ،‬فهو منظومة‬
‫القواعد المتبناة والتي إليها تنسب قيمة مطلقة ‪ -‬هكذا يمكن أن نقول إن العقل المتأسس قد اندثر لصالح العقل المؤسس‪.‬‬
‫وإذا ما كان من المم كن أن نتحدث عن إطار‪ ،‬بالنسبة للظواهر‪ ،‬فإنه لن يكون مفروضا عليها‪ ،‬بل يتعين عليه أن يتكيف معها‪ .‬وما‬
‫تطور الفيز ياء المعاصرة‪ ،‬منذ نظر ية النسبية سوى تاريخ الإنشاء التدر يجي والعسير‪ ،‬وأحيانا المضني‪ ،‬لإطار عقلي تفرضه التجربة‪ ،‬وليس‬
‫مفروضا عليها‪.‬‬
‫هكذا نستلخص أن بين الفكر والواقع اختيارا متبادلا وتحديدا متبادلا‪ ،‬وذاك هو العلم التحكم والخضوع هما قطبا ما هو عقلاني (‪.)...‬‬
‫إذا لم يعد هناك عقل متأسس على مبادئ عقلية خالدة وإذا كان من الصحيح أن العقل المؤسس هو في النهاية محض نشاط‪ ،‬فإنه‬
‫يظل من الممكن ومن المفيد أن نصنف هذا النشاط ونحلله باعتباره ميولا واتجاهات وبذلك نعيد من جديد اكتشاف بعض الأفكار المرتبطة‬
‫تقليديا بأفكار العقل‪ :‬الهو ية‪ ،‬عدم التناقض العلية‪ ،‬الحقيقة‬
‫وبقد ما كان العقل منظورا إليه على أنه مزود بمضمون المبادئ التقليدية للمنطق‪ ،‬كان من المفروض أنها تفرض ذاتها على العالم‬
‫الموضوعي‪ ،‬بصورة ضرور ية‪ .‬فقد كانت هذه المبادئ تصلح لتحليل هذا العالم بواسطة مفاهيم ثابتة‪ .‬لا أحد يسمح بهذا الافتراض‪ ،‬فالعلم لا‬
‫يؤكد هذا التحليل‪.‬‬
‫لـكن هذه المبادئ تأخذ كامل معناها من حيث هي قواعد للنشاط الذهني‪ ،‬وهي قواعد تفرض نفسها على كل منظومة تود إنشاءها‪،‬‬
‫وهي إنما تعبر عن قدرة العقل على إنتاج عملياته الخاصة دون أن يحرفها"‪.3‬‬

‫‪3‬‬
‫‪J. Ulmo, La pensée scientifique moderne p. 228-232.‬‬
‫نقلا عن محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد أعالي (ترجمة)‪ ،‬الفلسفة الحديثة‪ :‬نصوص مختارة‪ ،‬إفر يقيا الشرق – المغرب‪ ،‬طبعة ‪ ،2001‬ص ‪.224-223-222‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الثانية‪ :‬تعر يف العلوم الإنسانية‬

‫النص رقم ‪ :1‬تعر يف العلوم الإنسانية‬


‫"يمكن القول بصفة عامة‪ ،‬إن العلم هو في الأساس موجه إلى دراسة الطبيعة‪ .‬ويشتمل هذا المصطلح على العالم الفيز يقي وكذا عالم‬
‫الأحياء وبكلمات أخرى‪ ،‬فإن كل ما هو موجود أو منتج دون تدخل من طرف الإنسان يمثل ما نسميه بالطبيعة‪ ،‬أما الفروع الخاصة مثل‬
‫الفيز ياء والـكيمياء والبيولوجيا‪ ،‬فقد وضعت أصلا لدراسة هذه الطبيعة‪ ،‬سواء سميت بالعلوم الطبيعية أو الصحيحة أو الدقيقة أو مجرد علوم‬
‫فإنها حاليا تسمى بعلوم الطبيعة‪ .‬هناك فروع أخرى متصلة بها مثل الفلك والجيولوجيا‪ ،‬وأخرى جديدة تكونت عن طر يق ما يسمى بالتوأمة‬
‫مثل الفيز ياء الفلـكية والـكيمياء العضو ية‪ .‬لقد مثلت علوم الطبيعة طر يقة عمل يحتذى بها‪ ،‬لم تفتأ تتطور وتنمو بشكل معتبر إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫من جهته‪ ،‬يعتبر الإنسان موضوع دراسة لها خصائصها ومميزاتها العلمية‪ ،‬والهدف من مثل هذه الدراسات التي تجري في مختلف فروع‬
‫العلوم الإنسانية‪ ،‬هو معرفة وفهم الإنسان ومعنى أو دلالة أفعاله‪ .‬تشتمل هذه العلوم التي كانت تسمى في السابق بعلوم الإنسان‪ ،‬ثم لاحقا‬
‫بالعلوم الاجتماعية‪ ،‬خاصة في العالم الأنجلوسكسوني‪ .‬على فروع عديدة تقوم بدراسة الإنسان من جوانب متعددة‪ :‬ففي علم النفس‪ ،‬مثلا‬
‫التركيز بصفة خاصة على الظواهر النفسية‪ ،‬أما في علم الاجتماع فإننا سنبحث خاصة عن تفسير الظواهر الاجتماعية‪ :‬أما في التاريخ فإننا سنقوم‬
‫بدراسة الأحداث والوقائع الماضية؛ أما العلاقات السياسية والاقتصادية والإدار ية فإنها ستكون موضوع اهتمام فروع علم السياسة وعلم‬
‫الاقتصاد والإدارة"‪.4‬‬
‫النص رقم ‪ :2‬تعر يف العلوم الإنسانية‬
‫"لا يفوتنا التوقف لتوضيح ضرورة استخدام مصطلح العلوم الإنسانية ‪ ،Human Science‬فالـكثيرون وعلى رأسهم كلود ليفي شتراوس‬
‫يطابقون بين مصطلحي ‪ Human Sciences‬و‪ ،Sciences Social‬ولـكن مصطلح ‪ Human Sc‬الذي بدأ يسود في السنوات الأخيرة يبدو‬
‫أصوب؛ لأن الإنسان ‪ -‬وإن كان لا يوجد إلا في صورة جمعية ‪ -‬فإنه الموضوع المحوري‪ ،‬والوحدة النهائية التي ترتد إليها الدراسة في كل حال‪.‬‬
‫على أن التقاليد الأنجلوسكسونية و بجذور تعود لعصر النهضة وما قبيله‪ ،‬تضع مصطلح الإنسانيات ‪ Humanties‬ليدل على الآداب والفنون‬
‫والمسائل المعيار ية والقيمية واتجاهات لتفسير النصوص‪ ...‬إلخ‪ ،‬وكلها مسائل مفارقة للعلم‪ ،‬ولا ينبغي أن تختلط به‪ ،‬وهذا جعلهم يفضلون‬
‫مصطلح ‪ Social Sciences‬للدلالة على مجمل العلوم الإنسانية‪ .‬وساعدهم في هذا وجود اشتقاق آخر هو ‪ Sociological‬ليدل فقط على ما‬
‫ينتمي لعلم الاجتماع بالذات‪.‬‬
‫ورحنا نحن ننقل هذا بغير مراعاة للشائع من اشتقاقات لغتنا فنستخدم الترجمة الحرفية لمصطلح ‪ Social Sciences‬أي "العلوم‬
‫الاجتماعية" للدلالة على مجمل العلوم الإنسانية‪ ،‬وتستخدم أيضا مصطلح "العلوم الاجتماعية" للدلالة على ما ينتمي لعلم الاجتماع؛ أي كترجمة‬
‫للمصطلح ‪ Sociological‬في خلط ينبغي تجنبه عن طر يق استخدام مصطلح العلوم الإنسانية‪ ،‬وقصر مصطلح العلوم الاجتماعية على علم‬
‫الاجتماع وفروعه"‪.5‬‬
‫النص رقم ‪ :3‬تعر يف العلوم الإنسانية‬
‫"لقد نحت جون استیوارت مل مصطلح العلوم الأخلاقية ‪ Moral sciences‬الذي يقابله مصطلح (جايِسْت َسفيزن شافتن)‬
‫‪ Geisteswissen schaften‬في اللغة الألمانية لـكي يدل به على تلك العلوم التي نمت نموا كبيرا في القرن التاسع عشر وتمايزت عن مجموعة‬
‫العلوم الطبيعية‪ ،‬وهذا يعني أن دراسة الإنسان تختلف عن دراسة الطبيعة ‪ .Naturwissen schaften‬ولقد أثار نحت هذا المصطلح ودلالاته‬
‫الـكثير من المناقشات المنهجية‪ :‬منها السؤال التالي‪ :‬إلى أي مدى يمكن أن تحاكي العلوم الأخلاقية علوم الطبيعة الفائقة الدقة‪ ،‬وإلى أي مدى‬

‫موريس أنجرس‪ ،‬منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية‪ :‬تدريبات عملية‪ ،‬ترجمة صحراوي بوزيد وآخرون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ، 2006،‬ص ‪.59-58‬‬ ‫‪4‬‬

‫يمنى طر يف الخولي‪ ،‬مشكلة العلوم الإنسانية‪ :‬تقنينها وإمكانية حلها‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،2012 ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫يمكن أن تقف العلوم الأخلاقية على أقدامها؟ كما أن إعطاء اسم مشترك للدراسات الإنسانية بأنها علوم أخلاقية يمكن أن تثير جدلا حول‬
‫علاقة تلك العلوم بعضها بالبعض الآخر‪ ...‬هل هي تعالقية فعلا؟ وهل تشترك جميعها في أسس مناهجها؟ وكيف يتمايز مثلا المدخل التار يخي‬
‫عن المدخل الاجتماعي وفي نفس الوقت يتلاءمان؟‬
‫إني اعتقد‪ ،‬وآمل في أن أبين‪ ،‬إن التصنيف الثنائي للعلوم إلى علوم أخلاقية وأخرى طبيعية له معنى دقيق ومفید‪ .‬لما كان المصطلح‬
‫"علوم أخلاقية" ‪ moral sciences‬قليل الاستخدام عموما‪ ،‬كما أن الترجمة الألمانية له بالمصطلح ‪ Geisteswissen shaftan‬غامضة المعنى‬
‫بالنسبة إلى القارئ بالإنجليز ية‪ ،‬فلقد اخترت مصطلح "الدراسات الإنسانية"‪ ،‬وهو مصطلح بدأ ذيوع انتشاره على الرغم من شعبية مصطلح‬
‫"العلوم الاجتماعية"‪ ،‬ومصطلح الإنسانيات‪ .‬نعم إن هذين المصطلحين الأخيرين يغطيان بعض الموضوعات المتضمنة في الدراسات الإنسانة‬
‫ويمكن أن يستخدما أحيانا كمترادفين لمصطلح "الدراسات الإنسانية" لـكن معنى أي منهما أضيق‪ ،‬فنحن لا نفكر في علم النفس أو الاقتصاد‬
‫على أنها جزآن من الإنسانيات‪ ،‬كما إننا لا نفكر في الفلسفة على أنها علم اجتماع"‪.6‬‬

‫‪ 6‬ه‪.‬ب‪.‬ر يكمان‪ :‬منهج جديد للدراسات الإنسانية‪ ،‬محاولة فلسفية‪ ،‬ترجمة علي عبد المعطي ومحمد علي محمد‪ ،‬مكتبة مكاوي‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة الأولى‪ 1979 ،‬ص‪.108-107 ،‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الثالثة‪ :‬موضوعية العلوم الإنسانية‬

‫النص رقم ‪ :1‬العلوم الإنسانية والفهم‬


‫"تهتم العلوم الإنسانية بالوقائع شأنها في ذلك شأن العلوم الطبيعية‪ ،‬لـكن وقائع العلوم الإنسانية تختلف عن وقائع العلوم الطبيعية اختلافا‬
‫جذر يا‪ ،‬فالواقعة بالمعنى المستخدم في العلوم الإنسانية واقعة ينتجها إنسان تصدر عنه أحكام أخلاقية وله معايير وأهداف ومشاعر وقيم ولا‬
‫تتصف الواقعة الطبيعية بأي خاصية من هذه الخاصيات‪ .‬فوقائع العلوم الطبيعية محسومة وملموسة لها وجود ماثل أمام حواسنا‪ ،‬وهي مباشرة‬
‫تخضع للإدراك الحسي‪ ،‬أما وقائع العلوم الإنسانية فهي وقائع غير مباشرة تتمثل في المعاني والمشاعر والأفكار‪ ...‬ووقائع العلوم الطبيعية تخضع‬
‫للتفسير الذي يحاول بيان العلاقات الخارجية بين الوقائع‪ ،‬أما وقائع العلوم الإنسانية فتخضع للفهم التي ينفذ إلى المعاني الباطنة داخل الأشياء‪.‬‬
‫وأخيرا فإن وقائع العلوم الطبيعية يمكن التعبير عنها بلغة كمية بينما لا تخضع وقائع العلوم الإنسانية للـكم إذ إنها ذات طبيعة طيفية خالصة‪.‬‬
‫وليس الفهم منهجا‪ ،‬وإنما هو لب المنهج الـكيفي‪ ،‬وهو عملية لا غنى عنها في العلوم الإنسانية‪ ،‬بل هو يطبع هذه العلوم بطابعه‪ ،‬ولقد‬
‫عنت المدرسة الألمانية بالفهم كأداة معرفية متميزة تختلف عن العمليات المعرفية المستخدمة في العلوم الر ياضية والعلوم الطبيعية على حد‬
‫سوا ء‪ ،‬ذلك أن الفهم يحاول معرفة المشاعر والنوايا والمقاصد والرغبات والأفكار عن طر يق النفاذ إليها من خلال الكلمات أو التعبيرات أو‬
‫السياقات ومن ثم يمكن تعر يف الفهم بأنه العملية المعرفية المتميزة التي تستهدف استيعاب المحتو يات العقلية الكامنة في كل تعبير‪ .‬ويرتكز‬
‫ا لفهم على ثلاثة شروط إبستمولوجية وهي‪ :‬الألفة بالطبيعة الإنسانية ومعرفة الخلفية الثقافية والوعي بالسياقات المحددة التي تحدث فيها عمليات‬
‫التعبير"‪.7‬‬
‫النص رقم ‪ :2‬طبيعة الوقائع في العلوم الإنسانية‬
‫"‪ ..‬فمن جهة ليست العلوم التار يخية والإنسانية كالعلوم الفيز يائية الـكيمائية دراسة لوقائع خارجية عن الناس‪ ،‬وقائع عالم يتوجه إليه‬
‫فعلهم‪ ،‬إنها بالعكس من ذلك‪ ،‬دراسة لهذا الفعل نفسه‪ ،‬ولبنيته‪ ،‬والتطلعات التي تحييه والتحولات التي يخضع لها؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فباعتبار‬
‫الوعي ليس إلا مظهرا واقعيا ولـكنه جزئي للنشاط الإنساني‪ ،‬فليس من حق الدراسة التار يخية أن تقتصر على الظواهر الواعية و يجب عليها أن‬
‫تربط النوايا الواعية لممثلي التاريخ بالدلالة الموضوعية لسلوكاتهم وأفعالهم‪ .‬وتتحصل من ذلك نتيجتان‪:‬‬
‫‪ -‬فباعتبار سيرورة المعرفة العلمية في نفسها واقعة إنسانية وتار يخية واجتماعية فإن هذا يتضمن حين يتعلق الأمر بدراسة الحياة‬
‫الإنسانية‪ ،‬تطابقا جزئيا بين ذات المعرفة وموضوعها‪ .‬ولهذا يطرح مشكل الموضوعية بشكل مختلف في العلوم الإنسانية عنه في الفيز ياء‬
‫والـكيمياء‪.‬‬
‫‪ -‬باعتبار السلوك الإنساني واقعة كلية‪ ،‬فإن محاولات فصل مظاهره المادية عن مظاهره الفكر ية لا يمكن أن تكون‪ ،‬في أحسن‬
‫الحالات‪ .‬إلا تجريدات عرضية تتضمن دائما أخطار كبيرة بالنسبة للمعرفة‪ .‬ولهذا يجب على الباحث أن يجتهد في البحث عن الواقع الكلي‬
‫والملموس‪ ،‬حتى وإن كان يعرف أنه لن يستطيع الوصول إلى ذلك إلا بطر يقة جزئية ومحدودة‪ ،‬وعليه من أجل هذا‪ ،‬أن يدخل‪ ،‬في دراسة‬
‫الوقائع الاجتماعية‪ ،‬تاريخ النظر يات حول هذه الوقائع‪ ،‬وأن يربط‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬دراسة وقائع الوعي بتموضعاتها التار يخية وبنياتها‬
‫الاقتصادية والاجتماعية التحتية"‪.8‬‬
‫النص رقم ‪ :3‬خصوصية مناهج العلوم الإنسانية‬

‫علي عبد المعطي محمد‪ ،‬قضايا العلوم الإنسانية‪ ،‬إشكالية المنهج‪ ،‬إشراف يوسف زيدان‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬سلسلة الفلسفة والعلم‪ ،1996 ،‬بتصرف‪ ،‬ص ‪ .22-21‬نقلا عن حنان قصبي ومحمد الهلالي‪ ،‬في المنهج‪ ،‬دفاتر فلسفية‬ ‫‪7‬‬

‫نصوص مختارة‪ ،25 ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ ،2015‬ص ‪.49-48‬‬
‫لوسيان غولدمان‪ ،‬العلوم الإنسانية والفلسفة‪ ،‬ترجمة يوسف الأنطكي‪ ،‬المجلس الأعلى للثقافة‪ ،1996 ،‬ص ‪.60-59‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫"كان التفكير الذاتي المنطقي‪ ،‬الذي رافق تطور العلوم الإنسانية في القرن التاسع عشر‪ ،‬محكوما كلية بنموذج العلوم الطبيعية‪ .‬وذلك ما‬
‫تبينه إطلالة عجلی على تاريخ كلمة ‪( Geisteswissen schaften‬العلم الإنساني)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تكتسب هذه الكلمة معناها المألوف لدينا إذا‬
‫جاءت بصيغة الجمع فقط‪ ،‬فالعلوم الإنسانية (علوم الروح) ‪ Geisteswissen schaften‬تدرك ذاتها بوضوح شديد من خلال قياسها بالعلوم‬
‫الطبيعية التي يضمحل فيها الأثر المثالي المتضمن في مفهوم الروح ‪ Geist‬ومفهوم علم الروح‪ .‬لقد صارت كلمة ‪GeisteSwissen schaften‬‬
‫كلمة شائعة بفضل مترجم كتاب المنطق ‪ Logic‬لجون ستيوارت مل‪ .‬حاول مل في ملحق عمله‪ ،‬أن يحدد إمكانيات تطبيق منطق استقرائي‬
‫على العلوم الأخلاقية‪ .‬ولقد سمي المترجم هذه العلوم الأخلاقية‪ ،‬بالعلوم الإنسانية‪ .‬وحتى في سياق كتاب ميل "المنطق"‪ ،‬يبدو جليا عدم‬
‫وجود مسألة الاعتراف بأن للعلوم الإنسانية منطقها الخاص‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬هناك ما يؤكد أن المنهج الاستقرائي‪ ،‬وهو المنهج الأساسي للعلم‬
‫التجريبي برمته‪ ،‬هو المنهج الصائب الوحيد في هذا الحقل أيضا‪ .‬ومن هذه الناحية‪ ،‬ينخرط ميل في تقليد إنجليزي منحه هيوم الشكل الأشد‬
‫أثرا في مقدمة كتابة رسالة في الطبيعة البشر ية‪ .‬يعني العلم الأخلاقي أيضا بتأسيس التشابهات والانتظامات والامتثال للقانون‪ ،‬هذه التي تقيم‬
‫إمكانية التنبؤ بالظواهر والعمليات الفردية‪ .‬وفي ميدان الظواهر الطبيعية‪ ،‬ليس بالوسع بلوغ هذا الهدف على الدوام وبالمدى نفسه‪ ،‬غير أن‬
‫سبب هذا التغير هو أن المعطيات الكافية التي تتأسس عليها التشابهات لا يمكن الحصول عليها دائما‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن منهج علم الأرصاد الجو ية‬
‫هو نفسه منهج الفيز ياء‪ ،‬لـكن معطياته غير كاملة‪ ،‬ومن ثم تكون تنبؤاته غير يقينية‪ .‬و يصح الأمر نفسه في ميدان الظواهر الأخلاقية‬
‫والاجتماعية‪ .‬إن استخدام المنهج الاستقرائي متحرر أيضا من جميع الافتراضات الميتافيز يقية‪ ،‬وهو يبقى مستقلا تمام الاستقلال عن كيفية‬
‫تفكير المرء في الظواهر التي يلاحظها"‪.9‬‬

‫هانز جورج غادامير‪ ،‬الحقيقة والمنهج‪ :‬الخطوط الأساسية لتأو يلية فلسفية‪ ،‬ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح‪ ،‬دار أو يا للطباعة والنشر والتوز يع والثقافة‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،2007 ،‬ص ‪.50-49‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الرابعة‪ :‬في أهمية التربية وصعوبة تعر يفها‬

‫النص رقم ‪ :1‬أهمية التربية‬


‫"‪...‬أغلب الحيوانات العليا تستطيع أن تنطلق على قدميها منذ لحظة الولادة‪ ،‬وتستطيع أيضا ً أن تتناول طعامها وتبحث عنه وأن تجد‬
‫مأواها‪ .‬وهي في كل الأحوال تحتاج إلى مجرد الوقت اللازم كي تصل إلى أوج قوتها و يصل برنامجها الوراثي بيولوجيا ً إلى أتم حالاته المطلوبة‪.‬‬
‫أما الإنسان فهو الكائن الوحيد الذي لا يمتلك برنامجا ً وراثيا ً بيولوجيا ً للتكيف والوجود وهو فوق ذلك كله يكون أضعف الكائنات الحية‬
‫وأقلها قدرة عند الميلاد‪ .‬ويمكن القول بأنه يولد مجردا ً تقريبا ً من إمكانات الوجود والبقاء والاستمرار فهو يستطيع بصعوبة أن يأخذ ثدي أمه‬
‫عند الولادة و يكون واهيا ً عندما يأخذ رضعته الأولى‪ ،‬وهو كما نعرف جميعا ً لا يستطيع المشي أو الانتقال أو الكلام أو التمييز بين الأشياء‪.‬‬
‫إنها حالة من الضعف المطلق الذي يعرف به الإنسان في طفولته‪ .‬وما يحتاجه أبدا ً هو برنامج تربوي جديد يسجل له إمكان الحركة والانطلاق‬
‫والتكيف‪ .‬وهذا يعني أنه يجب على التربية أن تأخذ بيده على اكتساب ما يمكن أن نطلق عليه السجل العصبي الثقافي للإنسان الذي يترامى‬
‫في مناحي الحياة الاجتماعية للمجتمع‪ .‬فالإنسان يحتاج أن يدرب لمدة عامين كي يكتسب القدرة على المشي‪ ،‬و يكون قادرا ً على ضبط حاجاته‬
‫البيولوجية‪ ،‬و يحتاج إلى ثلاثة أعوام ليطلق عباراته الأولى وإلى عشرين عاما ً اليوم كي يستطيع الاستقلال ومواصلة الحياة بناء على إمكاناته‪،‬‬
‫وهو في مراحل حياته اللاحقة يحتاج إلى عامل التدريب والتربية والتعلم من أجل أن يكتسب هذه المهارات والقدرات التي تساعده على‬
‫التكيف‪ .‬وبعبارة أخرى يحتاج الإنسان إلى برنامج تربوي كامل على مدى الحياة ليستطيع التكيف مع متطلبات حياته الاجتماعية‪.‬‬
‫والإنسان وفقا ً لهذه الصيغة صيرورة تربو ية‪ ،‬وهذا ما يؤكده الفيلسوف الألماني كانط ‪ Kant‬في عبارته المشهورة التي يقول فيها‪ :‬إن‬
‫الإنسان لا يصبح إنسانا ً إلا بالتربية"‪ .‬وفي هذا الاتجاه يذهب عالم النفس الفرنسي هنري بييرون ‪ "Henrie Pieron, 1964-1881‬مؤكدا ً‬
‫القدرة الكلية للتربية حيث يقول "إن الطفل مرشح لأن يكون إنسانا ً وهو ليس أكثر من مرشح للارتقاء إلى هذا المستوى‪ ،‬وهو بالتالي لا يعدو‬
‫أن يكون غير وجود بالقوة لإرث النوع الإنساني‪ ،‬وبالتالي فإن الانتقال به من صورة القوة إلى صورة الفعل‪ ،‬من وجود إنساني بالقوة إلى‬
‫وجود إنساني بالفعل أمر مرهون بالفعل التربوي"‪.‬‬
‫فالإنسان بالنسبة لبييرون ليس معطى يندفع إلى الوجود بصورة نهائية‪ ،‬إنه كيان ينمو ويتطور في سياق تفاعلات عميقة وشاملة بين قطبي‬
‫الوجود المتمثلين في الشروط البيولوجية من جهة وفي الشروط الاجتماعية من جهة أخرى‪.‬‬
‫و يجد هذا القول صداه عند المفكر الفرنسي "أوليفيه ربول" إذ يقول لا يولد الإنسان إنساناً‪ :‬إنها نقطة تجمع عليها العلوم الإنسانية كلها‪،‬‬
‫ولا شيء من جوهر الإنسان أي اللغة والفكر والمشاعر والفن والأخلاق‪ ...‬قد انتقل إلى الإنسان عن طر يق الوراثة؛ إنها عناصر تكتسب‬
‫بالتربية والتربية وحدها‪ .‬وهذا يقتضي أن التربية جوهر إنساني ومن غيرها يفقد الإنسان خاصته الإنسانية‪.‬‬
‫وقد لعبت مسألة الأطفال أطفال (الذئاب الذين عثر عليهم مع الذئاب في الغابات الهندية والفرنسية بعيدا ً عن الحياة الاجتماعية‬
‫لأسباب مجهولة دورا ً كبيرا ً في إلقاء الضوء على الجوهر التربوي للإنسان"‪.‬‬

‫النص رقم ‪ :2‬الطبيعية الإنسانية والتربية‬


‫"لا يولد الإنسان إنسانا‪ :‬إنها نقطة تجمع عليها اليوم العلوم الإنسانية كلها فلا شيء من كل ما يؤلف الإنسانية‪ ،‬أي اللغة والفكر والمشاعر‬
‫والفن وعلم الأخلاق‪ ،‬ولا شيء من كل ما سعت الحضارة آلاف السنين للحصول عليه قد انتقل إلى جسم المولود الجديد فعليه أن يكتسبه‬
‫بالتربية‪ ...‬ذلك يعني أن الطبيعة الإنسانية تقتصر في معزل عن التربية‪ ،‬على شيء قليل جدا‪....‬‬
‫إن تلك النظر ية التي تمجد التربية تمجد من هنا بالذات الحر ية الإنسانية ولـكن حر ية من؟ أحر ية الذي يتلقى التربية أم حر ية المربي؟‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫ألسنا نبرر في إثباتنا أن طبيعتنا لا توجد إلا كلوح مصقول الوجه الأشد إلزاما للتربية؟ لقد قال الفيسيوس في مقدور التربية كل شيء‪،‬‬
‫ولقد تبنى السلوكيون هذا الإثبات في حماسة مقلقلة‪.....‬‬
‫وهكذا نفترض قابلية التشكل الكلية لدى الإنسان وجبروت التربية فنقصر هذه الأخيرة على ترو يض يؤلف ‪ -‬حتى إذا ما اتخذ هيئة‬
‫تكييف شرطي بدون ما إكراه ‪ -‬إجبارا مطلقا يقوم به المربي على الذي يتلقى التربية‪...‬‬
‫ومن أجل ذلك‪ ،‬لا يمكن للتربية أن تشجب فكرة الطبيعة التي تؤلف معاكسها الضروري‪ .‬وفي استطاعتنا أن نأخذ على مناصري‬
‫"الطبيعة"و "النمو العفوي"‪ ،‬أنهم تمثلوها تمثلا انفعاليا أكثر منه موضوعيا‪....‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن فائدة مفهوم الطبيعة مهما قل وضوحه‪ ،‬تقوم في إثبات أن كل شيء ليس ممكنا في التربية‪ ،‬وأن المربي يصطدم‬
‫بمقاومة لا يستطيع أن ينكرها أو أن يهدمها بغير أن يهدم مشروعه بالذات‪...‬‬
‫إن الطبيعة هي الطبع الخاص لدى كل ولد أي طر يقته الخاصة في العمل والإحساس‪ ،‬وإذا ما جهلنا ذلك وأردنا أن ندخل الولد‬
‫في قالب مشترك وأجبرناه على أن يكون "عاملا كأخيه" أو "فاضلا كجديه" أو شكنا أن نثبط همته على الدوام‪ ،‬لأننا لا نستند إلى قوته الخاصة‪.‬‬
‫لا تقوم التربية في تكوين بشر بحسب نموذج مشترك بل في الإفراج في كل إنسان عما يحول دون أن يكون ذاته‪ ،‬وفي أن نخوله أن يحقق‬
‫‪10‬‬
‫نفسه بحسب نبوغه الفريد"‬
‫النص رقم ‪ :3‬مشكلة تعر يف التربية‬
‫"لا تستطيع أن تتصور منذ خمسين سنة‪ ،‬وجود مؤلف في البيداغوجيا من غير أن يبتدئ بتعر يف للتربية بشكل محلل ومناقش‪ ،‬ومن‬
‫هنا كانت مئات التعار يف المقترحة‪ .‬لقد تغيرت المناهج مع تغير الأزمات إننا نبحث أحيانا عبثا في المراجع الهامة التي تتناول التربية عن‬
‫تعر يف صحيح ودقيق‪ ،‬الأمر الذي قاد إلى عدة مناقشات عقيمة بعض الشيء‪ ،‬لأنها تجعلنا ندافع عن التربية حسب ما نريد أن نفهمه منها‪،‬‬
‫وننتقد (بالمقابل) كل ما لا يستجيب مع التعر يف الذي أعطيناه لها‪.‬‬
‫إن المهمة ليست سهلة بالمرة‪ ،‬ويبدو أن من المفيد في هذا المجال أن نتساءل تساؤلا منهجيا قبل كل شيء‪ .‬فكل التعار يف تنطلق‬
‫بشكل من الأشكال من تصور قبلي‪ .‬وستحاول تجريب طر يق آخر‪ ،‬سندرس إخلاصا لتعليم معلمينا مواقف معينة‪ .‬سنحاول وصفها ثم البحث‬
‫عن تلك التي يمكن أن نسميها تربو ية‪ .‬وهاهنا سيكون‪ 11‬بمقدورنا أن ندخل في الحسبان مفهوم التربية الجيدة أو التربية الرديئة‪.12‬‬

‫أوليفيي ر بول فلسفة التربية‪ ،‬ترجمة جهاد نعمان‪ ،‬بيروت‪ -‬باريس‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1978‬ص ‪ 48‬وما بعدها‪ .‬نقلا عن خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.65‬‬ ‫‪10‬‬

‫خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.62‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪12‬‬
‫‪G. Mialaret, Les sciences de l'éducation, Q.S.J N 1645, Paris, P.U.F. 3eme Edition, 1984, p.15‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الخامسة‪ :‬تعر يف التربية معجميا‬

‫النص رقم ‪ :1‬جذور مفهوم التربية في اللغة العربية‬


‫يفتقر مفهوم التربي ة في اللغة العربية إلى المغامرة التار يخية التي عرفها هذا المفهوم في اللغات الأجنبية ولا سيما الإنكليز ية والفرنسية‪.‬‬
‫فالأصل الاشتقاقي لكلمة تربية في اللغة العربية يتميز بالوضوح والبساطة‪ ،‬و يفتقر كما ذكرنا أنفا ً إلى الغنى التار يخي في بعض اللغات العالمية حيث‬
‫شهد صدامات ومحنا علمية معرفية انتقل بفضلها إلى أكثر صوره كمالا ً وأصالة‪.‬‬
‫فالمغامرة التار يخية الصعبة التي شهدها مفهوم التربية في اللغات الأجنبية‪ ،‬يأتي تعبيرا ً عن المغامرات الحضار ية الـكبرى التي شهدتها‬
‫الحضارة الغربية منذ القرن الخامس حتى اليوم‪ .‬وفي ظل هذا الاندفاع الحضاري الغربي ولدت العلوم الإنسانية تتابعا ً تحت تأثير المماحكات‬
‫الحضار ية الملحة التي تجلت آثارها في انبثاق أشكال بالغة التنوع الفكر التربوي الذي ارتقى إلى صيغ معرفية متطورة تضاهي ما للمعرفة العلمية‬
‫من نضج وتكامل‪ .‬ومع ضعف المضامين التي نجدها لهذا المفهوم في اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬فإن هذا لا يعفينا من العودة إلى أصل هذه الكلمة‬
‫الاشتقاقي‪ ،‬ومقارنته مع الأصول اللغو ية لهذا المفهوم في اللغات الأجنبية‪ .‬وهنا يجب علينا الإشارة إلى مسألة هامة جدا ً وهي أنه لا يوجد‬
‫في الثقافة العربية أو في اللغة العربية تحديدات منفصلة أو تمايز لغوي بين التربية كفعل ‪ ،Education‬والتربية كفن ‪ ،Pedagogie‬أو التربية‬
‫كعلم ‪ .Science de l'éducation‬و يعود هذا كما أوضحنا إلى غياب التفكير النقدي المعاصر في مجال التربية والتعليم‪.‬‬
‫يتحدد جذر كلمة التربية وأصلها في المعاجم العربة بالقول "إن الراء والباء والحرف المعتل وكذلك المهموز منه يدل على أصل واحد هو‬
‫الز يادة والنماء والعلو‪ ..‬والربوة المكان المرتفع‪ .‬و يقال ربيته وتربيته إذا غذوته‪ .‬وفي حديث الصدقة أنها "تربو في كف الرحمن حتى تكون‬
‫أعظم من الجمل"‪ .‬ويرجع أصحاب اللغة مفهوم التربية إلى أربعة مصادر اشتقاقية في اللغة العربية‪:‬‬
‫‪ -‬يشتق مفهوم التربية في اللغة العربية من الفعل الماضي ربى ومضارعه يربي‪ ،‬وتعني أصلح الشيء وقومه‪ ،‬و يقال‪ :‬رب ّى الشيء‪ ،‬أي‬
‫اعتنى به وأصلحه‪ ،‬وربى الاب ولده‪ :‬أي رعاه واعتنى به واحسن القيام عليه‪.‬‬
‫‪ -‬كما تشتق من الفعل الماضي ربا ومضارعها يربو‪ ،‬وتعني زاد ونما‪ ،‬ومنه يربو ربوا ورباء (لسان العرب)‪ .‬قال تعالى‪" :‬وترى الأرض‬
‫هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" (الحج‪ ،‬آية) أي نمت وزادت لما يتداخلها من الماء والنبات‪ .‬ومنها قوله تعالى "ويربي الصدقات"‬
‫(البقرة آية‪ )276 :‬أي يزيدها و يضاعفها‪.‬‬
‫ورب الرجل قومه أي سادهم وساسهم‪ ،‬و يقول البيضاوي‬
‫ّ‬ ‫ُب وتعني أصلح وعالج ووجه‪.‬‬
‫َب ومضارعها ي َر ّ‬
‫‪ -‬ويشار أيضا ً إلى الفعل ر ّ‬
‫في تفسيره "رب العالمين" من سورة الفاتحة الرب في الأصل مصدر بمعنى تربية والتربية "تبليغ الشيء إلى كماله شيئا ً فشيئاً"‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مصادرها الاشتقاقية يشار (ربي على وزن رضي) ومعناها نشأ وترعرع‪.‬‬
‫وتأسيسا ً على ما سبق يمكن القول بأن كلمة تربية من وجهة نظر اشتقاقية في اللغة العربية يمكن أن تحال إلى ثلاث حالات هي‪1 :‬‬
‫النمو والز يادة كما في فعل ربا ‪ 2‬والتنمية والاستنبات كما في يربي ‪ 3‬والإصلاح والتوجيه كما في فعل ر َّ ّ‬
‫َب‪.‬‬
‫نص رقم ‪ :2‬جذور مفهوم التربية في الأصل اللاتيني‬
‫تعود كلمة تربية إلى الأصل اللاتيني ‪ Education‬والتي تدل على فعل التربية بمعناه الأولي المجسد‪ .‬لقد استخدم شيشرون (متوفى قبل‬
‫الميلاد) كلمة ‪ Education‬للدلالة على تربية الحيوانات‪ ،‬أما بلين ‪( Pline‬متوفى ‪ 19‬قبل الميلاد) فقد استخدم هذه الكلمة للتعبير عن تربية‬
‫النبات‪ .‬فالمربون الأوائل بالمعنى المجازي كانوا مربين للنبات والحيوان‪.‬‬
‫وقد ظهرت هذه الكلمة ووظفت في عام ‪ 1327‬في أعمال ‪ Jean de Vigny‬ولا سيما في كتابه "مرأة تار يخية" ويبين القاموس الفرنسي‬
‫اللاتيني لروبير إستيان ‪ Robert Estian‬عام ‪ 1539‬أن المعنى الأول لكلمة تربية يأخذ معنى فعل يغذي‪ :‬أي الطعام الذي يقدمه الشخص‬
‫إلى الصغير من نوعه من منطلق أن الصغير لا يستطيع أن يتناول طعامه بنفسه‪ ،‬وكلمة تربية ‪ Education‬مشتقة أصولا ً من كلمتين لاتينيتين‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫الأول هو الفعل ‪ Educare‬وهي تعني يغذي (تغذية طفل على سبيل المثال) أو العناية بالأشجار وتربية الحيوان‪ .‬أما الفعل الثاني فهو ‪Educere‬‬
‫و يعني أخرج أو استخرج مثل‪ :‬إخراج قارب من الميناء‪ ،‬وبناء منزل‪ ،‬وإبعاد شخص خارج المدينة أو خارج منزله‪ ،‬أو تسيير جيش أو ولادة‪،‬‬
‫ومن أجل التمييز بين الفعلين يستخدم المربي اللاتيني "فارو" ‪ " "Vamron‬مثالين هامين للتمييز بين الفعلين‪ :‬فالأول يتمثل في فعل إرضاع الطفل‬
‫وتغذيته‪ ،‬أما الثاني فيتمثل في فعل توليد المرأة الحامل‪.‬‬
‫وفيما بعد بدأت هذه الكلمة تغطي مجالات نفسية سيكولوجية وتربو ية وثقافية بالغة التنوع‪ .‬وأصبحت كلمة "‪ "Education‬تعني إعداد‬
‫الطفل ذهنيا ً ونفسيا ً وعقليا ً‪ .‬وهذا يعني أن هذه الكلمة تطورت من مستوى الدلالة البيولوجية (فعل) التغذية إلى مستوى الدلالة النفسية‬
‫والعقلية‪.‬‬
‫يذكر معجم "هاتسفيلد ‪ "Hatzfeld‬و"دار مستر ‪ Darmester‬وتوماس" "أننا لا نقع على كلمة تربية في الفرنسية قبل عام ‪ 1527‬ونحن‬
‫نجدها في جميع المعاجم منذ عام ‪ ،1945‬كما نجدها في المعجم الفرنسي اللاتيني لصاحبه روبير إتيين ‪ Robert Etienn‬حيث نجدها ملحقة‬
‫بكلمة طعام‪ ،‬ومع ذلك لم تكن تظهر في النصوص إلا بشكل عام‪ .‬واللغة اللاتينية كانت تستخدم الكلمة للدلالة على الطعام وعلى تهذيب بني‬
‫البشر دونما تفر يق بين هذه الأحوال جميعا ً‪ .‬وحتى عام ‪ 1649‬لم يكن المجمع العلمي الفرنسي يعرف غير المعنى الأول لهذه الكلمة‪ ،‬أي أنها‬
‫تكوين النفس والجسد‪ ،‬وكان يجعل منها والتعليم شيئا ً واحدا ً‪ ،‬إذ يرى فيها العناية التي تقدم لتعليم الأطفال سواء فيما يتصل بر ياضة النفس‬
‫أو ر ياضة الجسد‪.‬‬
‫وقد استخدمت هذه الكلمة وظهرت في قاموس أنطوان فورتييه ‪ "Antoine Furetere‬عام ‪ 1690‬حيث يعرف التربية بأنها العناية‬
‫التي توجه لتربية الأطفال وتغذيتهم‪ ،‬وتعني أيضا ً عملية تثقيف الروح والأخلاق والقيم‪ .‬ومنذ ذلك الوقت بدأت هذه الكلمة تأخذ مضامين‬
‫جديدة كما يرى "میلار یه " ‪.Mialaret‬‬
‫و يعرف "ليتر يه ‪ Littre‬التربية "بأنها العمل الذي نقوم به لتنشئة طفل أو شاب‪ ،‬وأنها مجموعة من العادات الفكر ية واليدو ية التي‬
‫تكتسب ومجموعة من الصفات الخلقية التي تنمو‪ .‬و يعطي هذا القاموس لهذه الكلمة معنيين‪ ،‬الأول يتمثل في تربية الحيوانات والنبات‪ ،‬أما الثاني‬
‫فيتمثل في فعل تزويد الأط فال والصغار بمهارات عملية وعقلية وقيم أخلاقية‪ .‬و يضيف هذا القاموس بأن التربية هي كلمة حديثة كانت تعني‬
‫قديما ً تغذية من حيث المبدأ"‪ .‬وفي الواقع أن أقدم تعر يف للتربية يعود إلى الأكاديمية الفرنسية التي تعرف التربية في عام ‪ 1649‬بأنها العناية‬
‫التي توجه لتربية الأ طفال في مستوى التربية الجسدية والروحية‪ .‬وتعرف موسوعة وبستر التربية "بأنها عملية تبدأ من الميلاد لتنمية القدرات‬
‫الفكر ية والمهارات اليدو ية‪ ،‬والوعي الاجتماعي‪ ،‬من خلال التعليمات والتوجيهات"‪.‬‬
‫و يعرف قاموس روبير ‪ "Petit Robert‬التربية "بأنها الجهود والفعاليات التي تؤدي إلى تشكيل وتنمية الكائن الإنساني و يحدد ثلاثة‬
‫معان أساسية لمفهوم التربية‪:‬‬
‫‪ -‬هي الأدوات والوسائل التي توظف في تأهيل الإنسان وتنميته‪.‬‬
‫‪ -‬هي تنمية منهجية لملـكة أو خاصة من خواص الإنسان مثل تربية الإرادة‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة وممارسة مستخدمة يعتمد عليها أفراد المجتمع في حياتهم مثل الكياسة واللطف والأنس‪ ،‬كأن يقول هذا رجل حسن التربية‬
‫أو هذا سيء التربية‪ ،‬يجب إصلاح تربية وضدها الفظاظة والشدة‪.‬‬
‫و يحدد قاموس "آشيت" الفرنسي لهذه الكلمة بعدين أساسيين هما‪:‬‬
‫• فعل تنمية القدرات العقلية والأخلاقية والفيزقية ونتائجها عند الإنسان‪.‬‬
‫• معارف وممارسات اجتماعية وثقافية تتسم بطابع الرقة واللطف والكياسة‪.‬‬
‫وحديثا تقدم مادلين" كراو يتر ‪ "Madeline Crawitz‬في معجم العلوم الاجتماعية الفرنسي تعر يفا ً مختصرا ً شاملا ً لمفهوم التربية قوامه‬
‫أن التربية "مجموعة من الفعاليات التي توظف في التأثير على الآخرين من أجل تنمية قدراتهم الجسدية والنفسية‪ ،‬وهي تشتمل على مختلف الوسائل‬
‫التي يستخدمها مجتمع ما من أجل التنشئة الاجتماعية"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫النص رقم ‪:3‬‬
‫ما حقيقة التربية كلمة (يربي) ‪ Educate‬على صلة وثيقة بكلمة ‪ educe‬والتي تعني في المفهوم التربوي القديم استخراج شيء كامن أو‬
‫مستتر‪ .‬أما في اللغة العربية (التربية) من (ربي) الرباعي‪ ،‬أي غذى الولد وجعله ينمو‪ ،‬وربى الولد هذبه‪ ،‬فأصلها ربا يربو أي زاد ونما‪ ،‬ومن‬
‫جعل أصلها (رب)‪ ،‬فلابد أن يجعل المصدر تربيا لا تربية يقال رب القوم ساسهم وكان فوقهم‪ ،‬ورب النعمة زادها‪ ،‬ورب الواد رباه حتى‬
‫أدرك‪.‬‬
‫صفوة القول‪ ،‬التربية عند العرب تفيد السياسة والقيادة والتنمية وكان فلاسفة العرب يسمون هذا الفن (سياسة)‪ ،‬كما هو معروف‬
‫عند ابن سينا مثلا في رسالته (سياسة الرجل أهله وولده)‪ .‬وكان العرب يقولون عن الذي ينشئ الولد ويرعاه المؤدب والمهذب‪ ،‬والمربي‪،‬‬
‫والمعلم‪ ،‬غير أن لفظة المؤدب أشيع‪ ،‬لأنها تفيد الر ياضة والسياسة‪ ،‬وتدل على العلم والأخلاق معا‪ .‬أما المعلم‪ ،‬فاصطلاح يفيد (تلقين) العلم‬
‫قبل كل شيء‪ .‬فتكون مهمته عرض المعلومات على التلميذ ليحظفها‪ .‬ولذلك كان التعليم شيئا والتربية شيئا آخر‪ ،‬أو قل إن التربية تحمل معنى‬
‫أخلاقيا والتعليم معنى علميا"‪.13‬‬

‫أحمد علي الفنيش التربية الاستقصائية‪ ،‬ليبيا ‪ -‬تونس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،1975 ،‬صص ‪39-40‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪3‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة السادسة‪ :‬مفهوم التربية في الاتجاهات التربوي ‪-1-‬‬

‫النص رقم ‪ :1‬التربية المثالية‬


‫تأخذ التربية عند المثاليين صيغة تهدف إلى هزيمة الشر وكمال العقل‪ .‬كانت التربية بالنسبة لسقراط هي "صياغة الإنسانية وطبعها على‬
‫الحق والخ ير والجمال وتحقيق مجتمع أفضل"‪ .‬وهي بالنسبة لأفلاطون "معرفة الخ ير وتنمية هذه المعرفة وطبع النفس الإنساني على الحق والخ ير‬
‫والجمال"‪ .‬و يعرف أفلاطون التربية قائلا "التربية هي إعطاء الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن"‪ .‬وهي تهدف في النهاية الى تحقيق التناسق‬
‫والتكامل بين نفس تحس بالجمال وجسد يتميز بالقوة والرشاقة وعقل يتميز بالأصالة والروعة‪.‬‬
‫فالتربية في صيغتها المثالية هي الفعل الذي يمكن الأطفال من الوصول إلى أعلى درجات نضجهم وتكاملهم الممكن‪ ،‬وهي تسعى إلى‬
‫أن تحقق للطفل ما يجب عليه أن يكون في المستقبل بوصفه كائنا ً اجتماعيا ً بيولوجيا ً وأخلاقيا ً وروحيا ً‪ .‬والتربية أن تعد الطفل لضرورتين في‬
‫وجوده‪ :‬تتمثل الأولى في كونه روحا ً خالدة‪ ،‬بينما تتمثل الضرورة الأخرى بوصفه جسدا ً وكيانا ً فيز يائيا ً يتعرض للموت والفناء‪ .‬وكما هو مبين‬
‫هنا فإن هذا التعر يف يعطي للجانب الروحي أهمية خاصة تبرز في ثنايا التعر يف‪.14‬‬
‫النص رقم ‪ :2‬التربية الطبيعية‬
‫يرى أنصار النزعة الطبيعية في التربية أن التربية هي الحياة وأنها سعي مستمر لتفجير الطاقات الطبيعية الحيو ية في الإنسان‪ .‬هذه التي‬
‫تؤصل في الإنسان الانطلاقات الطبيعية لوجوده وحركته‪ ،‬و يعبر عن هذه الرؤ ية بقوله المشهور دعوا الطفولة تنضج في الأطفال‪ .‬ووفقا ً لهذا‬
‫فإن روسو يطلق مفهوم التربية السلبية وينادي به في التربية‪ .‬والتربية السلبية لا تعني نفيا ً للتربية بل تعني تربية جديدة تسمح لقدرات الطفل‬
‫وميوله بالانطلاق‪ .‬ويمكن أن نفهم التربية السلبية بمقارنتها بمفهوم التربية الإ يجابية التي تعني التدخل مبكرا ً وقبل الأوان في تشكيل استعدادات‬
‫الطفل إنها تدخل مبكر وهج ين يؤدي إلى استل اب الإنسان وتعديل طبيعته‪ .‬وعلى خلاف ذلك فإن التربية السلبية هي هذه التي تسمح لميول‬
‫الطفل وقدراته الطبيعية بالانطلاق دونما تدخل الراشدين الذي يؤدي إلى تشو يه طبيعة الطفل وتدمير إمكاناته الطبيعية الخلاقة‪.‬‬
‫يعلن "روسو" بأنه يجب علينا ألا نهتم بالإعداد العقلي للطفل حتى سن الثانية عشرة (فترة الطفولة هي فترة الركود العقلي) ولا يجب‬
‫أن ندفع الطفل إلى التفكير أو القراءة أو أي مجهود عقلي‪ .‬وفي هذه المرحلة أيضا ً يجب أن ندع الطفل يتحمل النتائج الطبيعية لأعماله دون‬
‫تدخل أي إنسان‪ .‬ويرى روسو" في ذلك أن المربي يمكنه أن يشكل أخلاق الطفل عندما يبين له أن العقوبة التي تعرض لها كانت طبيعية‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا أبطأ الطفل في ارتداء ملابسه للخروج للنزهة فاتركه في المنزل‪ ،‬وإذا أفرط في الأكل اتركه ليعاني مرض التخمة وبعابرة‬
‫أخرى دعه يتحمل النتائج الطبيعية لعدم خضوعه لقوانين الطبيعة‪ .‬طبعا ً هناك اعتراضات كبيرة جدا ً على مفهوم روسو للتربية من حيث الشكل‪،‬‬
‫ولـكن جوهر النظر ية لعب دورا ً حضار يا ً في تأكيد مفاهيم الحر ية بمختلف معانيها الفيز يائية والروحية والعقلية عند الأطفال والمتعلمين‪ .‬وشكلت‬
‫نظريته هذه منطلق التربية الحديثة وركنها الأساسي منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم‪.‬‬
‫يقول "جان جاك روسو ‪ 1778-1712‬في كتابه "إميل"‪ :‬ليس على التلميذ أن يتعلم بل عليه أن يكتشف الحقائق بنفسه"‪ .‬فالهدف‬
‫الأساسي للتربية الطبيعية يكون في أن يتعلم الإنسان كيف يكون إنسانا ً كما خلقته الطبيعة‪ .‬التربية كما يراها هي هذه التي تجعل الأجسام أشد‬
‫قوة‪ ،‬والعقول أبهى ضياء وتنويرا ً‪ ،‬والأرواح فضيلة وأكثر جمالا ً‪ .‬والتربية السلبية كما يريدها "روسو" لا تكون بالتلقين لمبادئ الفضيلة‪ ،‬ولـكن‬
‫قوامها كما يقول المحافظة على القلب من الرذيلة والعقل من الزلل‪".‬‬
‫وهذا يعني أن التربية الحقة هي النمو الحر الطليق لطبيعة الطفل وقواه وميوله الفطر ية‪ .‬ولم يقصد روسو بالتربية السلبية تغييب التربية‬
‫ونفيها‪ ،‬وإنما أراد أن تكون هذه التربية مخالفة لما كان معهودا ً في ذلك الوقت‪ .‬ففي إحدى الرسائل التي كتبها دفاعا ً عن "إميل" كتب يقول‪:‬‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.165-164‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫إني أطلق تعبير التربية الإ يجابية على ذلك النو ع من التربية الذي يساعد على تكوين العقل قبل أوانه‪ ،‬وإني أطلق اسم التربية السلبية على تلك‬
‫التربية التي تعمل على تعبيد الطر يق للعقل بتمرين الحواس‪ .‬وهذه التربية كما يردد لا تعلم الفضيلة ولـكنها تحمي الفرد من الرذيلة"‪.15‬‬
‫النص رقم ‪ :3‬التربية برغماتيا‬
‫تنطلق النزعة البرغماتية في التربية من رباعية تنتظم فيها الواقعية والنفعية والعملية والمادية‪ .‬وتعد البرغماتية النمط التربوي الذي أفرزه‬
‫المجتمع الأمريكي وشعار التربية البرغماتية هو تعلم بأن تعمل وغايتها التربية من أجل العمل والتكيف مع الحياة الاجتماعية‪ .‬و يعرف فيلسوف‬
‫البرغماتية جون ديوي التربية بأنها تنظيم مستمر للخبرة هدفه توسيع محتواها الاجتماعي وتعميقه‪ ..‬والتربية عند البرغماتيين بصورة عامة هي‬
‫هذه التي تعد الطفل للحياة المتغيرة المتكاملة وهي التي تمكن الطفل من مواجهة احتياجات البيئة البيولوجية والاجتماعية‪ .‬إن التربية عند‬
‫ديوي هي هذه التي يمكنها أن تثير قوى الطفل وتحرض طاقاته لمواجهة المواقف الاجتماعية والتكيف معها‪.16‬‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.168-166‬‬ ‫‪15‬‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.172-171‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة السابعة‪ :‬مفهوم التربية في الاتجاهات التربوي ‪-2-‬‬

‫النص رقم ‪ :1‬التربية سوسيولوجيا‬


‫فرض دوركهايم حضورا ً مذهلا ً في مجال الفكر التربوي على امتداد قرن من الزمن‪ .‬ومازال تأثيره الفكري طاغيا ً في مجال التربية كما في‬
‫مجال علم الاجتماع‪ .‬و يأخذ تصوره لمفهوم التربية أهميةكبيرة جدا ً ينحني لها بكل تقدير أغلب المفكرين والباحثين في هذا الميدان‪ .‬و يأخذ تعر يفه‬
‫للتربية شهرة كبيرة تتجاوز جميع التصورات التي قدمت لهذا المفهوم عبر القرون الخمسة الماضية‪ ،‬و يعود السبب في ذلك إلى المنهجية العميقة‬
‫والتحليل العلمي الممنهج لقضايا التربية والمجتمع‪ .‬فدوركهايم يعلم قبل كل شيء كيف يمكن على المستوى المنهجي بناء تصور ما‪ ،‬أو تقديم‬
‫تعر يف محدد‪ ،‬وهو عندما يقرر تصوره للتربية فإن هذا التصور يقوم على أسس منهجية ويستند إلى منطلقات فكر ية بالغة الشمول والعمق‪.‬‬
‫ومن هنا جد اليوم تعر يف دور كهايم للتربية على كل لسان إنها التأثير الذي يمارسه الراشدون على الأجيال التي لم ترشد بعد‪.‬‬
‫لقد أبدى دور "كهايم انت قادات أصيلة لمفهوم التربية التقليدي الذي يركز على الجانب الفردي في التربية‪ ،‬وهو المفهوم الذي تبناه‬
‫أسلافه‪ ،‬والذي نجده عند كانط‪ ، Kant‬وهيربارت‪ ، Herbart‬وستيوارت ميل ‪ Stuart Mill‬وسبنسر ‪ Spencer‬وعلى خلاف أسلافه‬
‫جميعا ً ينظر دوركهايم إلى التربية بوصفها شيئا ً اجتماعيا ً بالدرجة الأولى‪ .‬وانطلاقا ً من ذلك‪ ،‬يعرفها بأنها تنشئة اجتماعية تمارسها الأجيال‬
‫السابقة على الأجيال اللاحقة"‪.‬‬
‫ان طلاقا ً من ملاحظة الوقائع ودراسة الأنظمة وتحليل البنى المعرفية يعرف التربية بأنها الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على‬
‫الأجيال التي لم ترشد بعد وذلك من أجل الحياة الاجتماعية‪ .‬و يكمن هدف التربية في تنمية الجوانب الفيز يائية والعقلية‪ ،‬والأخلاقية عند‬
‫الأطفال وتطويرها‪ ،‬وذلك على النحو الذي يحدده المجتمع السياسي بوصفه كلا متكاملاً‪ ،‬ووفقا ً للصورة التي يعلنها الوسط الاجتماعي الخاص‬
‫الذي ينتمي إليه الأ طفال"‪ .‬وباختصار شديد "التربية" عملية تنشئة اجتماعية منهجية للجيل الجديد"‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو‪ :‬لماذا‬
‫تكون التربية عملية ضرور ية بحد ذاتها؟ إنها كذلك لأنه كما يقول يوجد كائنان في داخل كل فرد منا‪ ،‬حيث تعمل التربية على إ يجاد نوع من‬
‫التوافق بينهما‪ .‬إذ يشكل الجانب الفردي الخاص بذواتنا أحد هذين الكائنين‪ ،‬والذي يمثل حياتنا الشخصية‪ ،‬وهو ما يمكن أن نطلق عليه‬
‫الكائن الفردي‪ .‬أما الآخر فهو نظام من الأفكار والمشاعر والعادات التي لا تعبر عن حياتنا الشخصية وإنما عن حياة الجماعة أو الجماعات‬
‫المختلفة التي ننتمي إلي ها‪ ،‬مثل العقائد الدينية والأخلاقية‪ ،‬والتقاليد القومية أو المهنية والآراء الجمعية المشتركة من أي نوع كانت‪ ،‬والتي تشكل‬
‫في مجموعها الكائن الاجتماعي‪ . L’ être Social‬وهنا يكمن هدف التربية وغايتها‪ ،‬أي في العمل على إعداد هذا الجانب الاجتماعي وتشكيله‬
‫في نهاية الأمر‪.‬‬
‫لقد سجلت مثل هذه الرؤ ية الموضوعية الواضحة التي يقدمها "دوركهايم" غيابا ً كاملا ً خلال القرون الأخيرة من الزمن على وجه العموم‪.‬‬
‫حيث كان يجمع الفلاسفة والمربون على النظر إلى أهمية الجانب الفردي في العملية التربو ية‪ .‬وفي هذا السياق يقول دوركهايم‪" :‬إن هدف‬
‫التربية عند كانط ‪ Kant‬وميل‪ Mill‬وهيربارت ‪ Hurbart‬كما عند سبنسر ‪ Spencer‬هو قبل كل شيء‪ ،‬تحقيق النمو الأمثل للملكات الفردية‬
‫للنوع الإنساني‪ ،‬والعمل على إيصال هذه الملكات إلى أعلى درجة من الـكمال الممكن"‪ .‬ولـكن هذا التصور لا يتفق مع الحقيقة الواقعية‪،‬‬
‫فالفلسفة الكلاسيكية كانت تتجاهل دائما ً النظر إلى الإنسان الواقعي في زمان ومكان محددين‪ .‬ويمكن الملاحظة أن هذه الرؤ ية تنطلق من مبدأ‬
‫التأمل الخالص في تحديدها لطبيعة الإنسان وأنها لا تعدو أن تكون سوى نتاج اعتباطي لتأمل يفتقر إلى المنهجية‪.17‬‬

‫النص رقم ‪ :2‬التربية في التيار الدوركايمي‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.171-169‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫لقد حاول دوركايم تحديد التربية كفعل اجتماعي يتم ويمارس في مجتمع محدد‪ ،‬وفي لحظة تار يخية معطاة‪ ،‬ووفق الأهداف العامة التي‬
‫يضعها كل مجتمع لنفسه كمشار يع يضع على عاتقه مهمة تحقيقها‪ .‬وهكذا يمكن القول إنه كان أول عالم اجتماعي فرنسي –بل وأوربي كذلك‪-‬‬
‫تنبه‪ ،‬بحس سوسيولوجي نقدي كبير‪ ،‬إلى طبيعة تلك ا لعلاقة النوعية الرابطة بين التربية والنظام الاجتماعي‪ ،‬ومن ثم وسم الظاهرة التربو ية‬
‫بمثل ما وصف به الظاهرة السوسيولوجية عموما‪ ،‬واعتبرها واقعة اجتماعية مستقلة عن وعي الأفراد‪ ،‬وبالتالي قابلة للدراسة العلمية الموضوعية‪.‬‬
‫بل يمكن القول إن المشروع السوسيولوجي الدوركايمي برمته هو‪ ،‬في العمق‪ ،‬مشروع تربوي‪ .‬ويمكن تلخيص أهم خصائص هذا التيار كالتالي‪:‬‬
‫‪ )1‬الطابع الإصلاحي الذي يعود في أصوله النظر ية إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‪ ،‬وذلك بعيدا عن كل تصور راديكالي‬
‫يهدف إلى إحداث تغيير جذري يستهدف عمق وأسس البناء الاجتماعي التربوي‪.‬‬
‫‪ )2‬وبتوجهه الإنساني‪ ،‬إذ كان المنظرون في الحقبة المذكورة يبحثون عما من شأنه أن يحقق إنسانية الإنسان في بعديها الـكوني العالمي‪.‬‬
‫‪ )3‬وبالسمة المعيار ية الأخلاقية المتمثلة في البحث عن نموذج مثالي تربوي ‪ Prototype‬يتجاوز حدود الزمان والمكان‪ ،‬ويتسم‬
‫بصلاحية مطلقة‪ ،‬لم يكن الهدف‪ ،‬على العموم‪ ،‬هو البحث عما هو كائن‪ ،‬بل عما يجب أن يكون‪ ،‬عن النموذج والمثال‪.‬‬
‫‪ )4‬ونتيجة لكل ذلك‪ ،‬ظل هذا التيار‪ -‬باستثناء المحاولة الدوركايمية في حدود معينة‪ -‬مبتعدا عن إدراك الممارسة التربو ية في شرطياتها‬
‫الا جتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية‪ ،‬أي في علائقها النوعية والجدلية مع كل الفعاليات والمجالات الاجتماعية الأخرى‪ ،‬وبالرغم‬
‫من الانتباه للدور الاجتماعي للتربية‪ ،‬كإرهاصات وبدايات أولى‪ ،‬مثلا عند روسو‪ ،‬وسان سيمون وسبنسر‪ ...‬وحتى عند دوركايم‪ ،‬لم يخرج‬
‫هذا التيار في سماته الـكبرى‪ ،‬عن مساره الأخلاقي الإصلاحي والإنساني‪.18‬‬
‫النص رقم ‪ :3‬تعار يف حديثة للتربية‬
‫يعتقد موريس شليك ‪ Schilik Maurice‬وهو كبير فلاسفة الوضعيين "إن التربية عملية تعديل لدوافع الفرد‪ ،‬وخلق إنسان خير من‬
‫إنسان شرير‪ ،‬وهي في الوقت نفسه عملية إكساب الفرد دوافع جديدة‪ ،‬تؤدي إلى تنمية القيم المعرفية‪ ،‬وإلى تحقيق سعادته في المجتمع‪ .‬ومن‬
‫أهم أهداف التربية عند الوضعيين هو برمجة بعض المواد الدراسية‪ ،‬و يعتقدون أن الأهداف التربو ية ينبغي أن تقع ضمن المادة الدراسية‪،‬‬
‫ويرون أن إكساب الفرد دوافع جديدة لا يتأتى إلا بالخ برة الحسية المستمرة‪ ،‬كما تهدف التربية إلى جعل المدرسة تدرك أن من ضمن واجباتها‬
‫تحقيق سعادة الطالب وفق حرص المجتمع على سلوكات معينة محسوبة"‪.19‬‬
‫يقدم المفكر الفرنسي فورنيل‪ Fournel. L.‬في عام ‪ 1940‬في كتابه مفاهيم تربو ية‪ Notions de la pédagogie générale‬تعر يفا ً‬
‫التربية قوامه أن التربية هي نتاج لتأثير الراشدين في بنية السلوك والنمو عند الأطفال‪ ،‬حيث يقول كل شيء ينمو وفقا ً لقوانينه الخاصة‪ ،‬ولـكن‬
‫عندما يتدخل الإنسان في توجه نمو الكائنات الحية وتعديل سلوكها و يؤثر في تكوينها ‪ -‬وهذا يشمل الإنسان والحيوان والنبات ‪ -‬فإن هذا‬
‫الفعل يعني التربية‪ .‬فالتربية هي الفعل الإنساني الذي يوجه نمو كائن ما نحو مسارات محددة وغايات معلنة‪ .‬ولـكن مفهوم التربية يستخدم‬
‫اليوم غالبا ً إن لم يكن حصرا ً في مجال الحياة الإنسانية‪.20‬‬
‫حديثا يعرف المفكر الفرنسي أوليفييه ربول ‪ Olivier Reboul‬التربية بانها "الفعل الذي يسمح للكائن الإنساني أن يطور قدراته العقلية‬
‫والنفسية ومؤهلاته الاجتماعية والجمالية والأخلاقي‪ ،‬وذلك من أجل تأكيد جوهره الإنساني ما أمكن ذلك‪ ،‬وهي ‪ -‬أي التربية ‪ -‬نتاج هذا‬
‫الفعل وفي تعر يف أحدث لربول يعرف التربية بأنها جملة العمليات والإجراءات التي تمكن الطفل تدر يجيا ً من الوصول إلى الثقافة التي تميز‬
‫الإنسان عن الحيوان"‪.21‬‬

‫مصطفى محسن‪ ،‬الاتجاهات النظر ية في سوسيولوجية التربية‪ ،‬مجلة الدراسات النفسية‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق جامعة القاهرة‪ 1984 ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪18‬‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.172‬‬ ‫‪19‬‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.172‬‬ ‫‪20‬‬

‫علي أسعد وطفة‪ ،‬مفهوم التربية بين إشكالية البناء ومقتضيات التعريب‪ :‬إضاءات جديدة في منهجي بناء المفهوم وتعريبه‪ ،‬مجلة تعريب‪ ،‬السنة ‪ ،13‬العدد ‪ 25‬يونيو ‪ ،2003‬ص ‪.172‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الأولى‪ :‬الظاهرة الإنسانية والظاهرة التربو ية‬

‫النص رقم ‪ :1‬خصوصية الظاهرة الإنسانية‬


‫تعتبر الظاهرة الطبيعية الفيز يائية‪ ،‬على الخصوص‪ ،‬إحدى الظواهر البسيطة السهلة التركيب إذا ما قورنت بالظاهرة الإنسانية‪ ،‬ذلك أنها‬
‫تتكون من بعد واحد ووحيد يتمثل‪ ،‬أساسا في البعد الفيز يائي؛ في حين أن الظاهرة الإنسانية (نفسية‪ ،‬اجتماعية‪ )...‬تتكون على الأقل من‬
‫ثلاثة أبعاد‪:‬‬
‫‪ - 1‬بعد فيز يائي بيولوجي‪،‬‬
‫‪ - 2‬بعد نفسي وعقلي ووجداني وحركي وروحي‪...‬‬
‫‪ - 3‬بعد يشمل تفاعل البعدين السابقين‪.‬‬
‫ولقد انعكس هذا التعقيد الذي تتميز به الظاهرة الإنسانية على مناهجها ووسائلها في البحث العلمي الأمر الذي أدى إلى ظهور مجموعة‬
‫من الألفاظ والمصطلحات وال مفاهيم مثل‪ :‬منهج استقرائي‪ ،‬منهج استنباطي‪ ،‬منهج تجريبي منهج إكلينيكي‪ ،‬منهج وصفي منهج‪،‬تار يخي‪ ،‬منهج‬
‫‪22‬‬
‫استبطاني‪ ،‬منهج إحصائي‪ ،‬منهج التحليل النفسي‪...‬‬
‫النص رقم ‪ :2‬خصوصية الظاهرة التربو ية‬
‫إن الظاهرة التربو ية فعالية إنسانية تتداخل فيها عناصر عدة يتداخل فيها ما هو بيولوجي وما هو سيكولوجي وما هو سوسيولوجي وما هو‬
‫سيكوسوسيولوجي وما هو اقتصادي‪ ...‬الخ‪ .‬أو بعبارة مركزة‪ ،‬يتداخل فيها كل ما يتصل بشخصية الإنسان برمتها من معطيات ذاتية ترتبط‬
‫بالفرد نفسه‪ ،‬ومعطيات موضوعية ترتبط بالمؤسسات والشروط العامة والخاصة التي تمارس في إطارها عملية التربية وهذا ما يستلزم بالطبع‬
‫علمية عدة تختص كل واحدة منها بجانب أو بجوانب من الظاهرة المدروسة‪ ،‬وهو ما استوجب بالتالي خلق علوم التربية‬ ‫‪23‬‬
‫تجنيد مقاربات‬
‫‪24‬‬
‫فماهي إذن هذه العلوم؟ وماهي التصانيف التي اقترحت بخصوصها؟‬

‫عبد الـكريم غر يب‪ ،‬منهج وتقنيات البحث العلمي‪ :‬مقاربة ابستيمولوجية‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،1997 ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪22‬‬

‫خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.11‬‬ ‫‪23‬‬

‫خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.12‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الثامنة‪ :‬علوم التربية ‪-1-‬‬

‫النص رقم ‪ :1‬نشأة علوم التربية‬


‫مع تطور الحركة العلمية‪ ،‬خاصة في منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬حيث ساد هاجس الدقة والموضوعية في تناول‬
‫الظواهر الإنسانية‪ ،‬لم يعد هناك مجال للتناول العفوي المستند فقط إلى التجربة الشخصي وعامل الحدس والتأو يل الذاتي‪ ،‬فنزعت العلوم‬
‫الإنسانية كلها نحو تأسيس موضوعها وتحديد منهجها في الدراسة والبحث‪ ،‬وقد حظيت التربية بدورها بنصيب وافر من هذا التأثير حيث هرع‬
‫الدارسون في حقلها إلى محاولة تأسيس علم لها ينصب بالدراسة الموضوعية على مختلف ظواهرها وقضاياها‪ ،‬فظهرت البوادر الأولى لما شرع في‬
‫تسميته بعلم التربية ‪ Science de l'éducation‬الذي كان يسعى إلى التحقيق الرصانة والضبط العلميين أكثر من سعيه إلى تناول الموضوع في‬
‫شتى مظاهره وأبعاده‪.‬‬
‫وهكذا بدأت تتأكد القناعة لدى المختصين حول أن خصوبة الظاهرة التربو ية وتشعب أطرافها أوسع بكثير من أن يستطيع علم واحد‬
‫حصرها ومن ثم السيطرة عليها‪ .‬وكانت النتيجة الحتمية هي العمل على تجاوز علم التربية بالمفرد واستبداله بمصطلح جديد يحتضن كل الحقول‬
‫المعرفية التي تتصدى بالاهتمام لمجموع أبعاد الظاهرة التربو ية‪ ،‬وكذا لمجموع الشروط التي تمارس فيها هذه الظاهرة‪ ،‬و يعرف هذا المصطلح‬
‫اليوم تحت اسم علوم التربية ‪.Sciences de l'éducation‬‬
‫وليس من قبيل الصدفة أن تعرف هذه العلوم في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا في معظم الجامعات والمعاهد العلمية‪ ،‬وتتبناها العديد‬
‫من الأنظمة التعليمية في إعداد برامجها‪ .....‬إن الأمر لا يرتبط‪ ،‬كما يقول ميالاري‪ ،‬بإلباس معطف جديد لممارسة قديمة‪ .25‬إنه أكثر من‬
‫ذلك بكثير‪ ،‬وأعمق من ذلك بكثير‪ .‬إنه يرتبط بمعطى عميق ودال يوازي ويستجيب في نفس الوقت لحقيقة جديدة‪.26‬‬
‫النص رقم ‪ :2‬نشأة علوم التربية‬
‫إن الاستبدال الحالي لعبارة «بيداغوجيا» بـ «علوم التربية» ليس عودة إلى المصادر‪ ،‬كما أنه ليس نتاج تأثير موضة عابرة‪ .‬إنه يمثل النمو‬
‫الذي عرفته كل هذه المواد ذات الصلة بالتربية‪ ،‬ذلك أننا لم نعد موجودين في ذلك الوقت الذي كانت فيه معارف "البيداغوجي" بدائية‬
‫ومحدودة‪ .‬فتكوين متخصص في علوم التربية يستلزم عدة سنوات وكفاءات جد متنوعة‪ .‬وستكتفي هنا بشكل سر يع بتقديم المواد الرئيسية‬
‫التي تشكل علوم التربية‪...‬‬
‫إننا نستطيع أن تميز عددا من الفئات الـكبرى في هذه المجموعة الشاسعة‪:‬‬
‫المواد التأملية‪ ،‬أي بالأساس فلسفة التربية‪.‬‬
‫المواد التي تقدم المعارف حول الأنظمة والطرائق وذلك إما من منظور تاريخ أو جغرافي كتاريخ التربية والتربية المقارنة‪.‬‬
‫المواد التي سنسميها أساسية‪ :‬البيولوجيا والسيكولوجيا والسوسيولوجيا‪.‬‬
‫المواد التي تستعمل طرائق وتقنيات العلوم السابقة في تحليلها للأوضاع التربو ية من وجهة نظرها كالبيوبيداغوجيا‪ ،‬والسيكوبيداغوجيا‬
‫والسوسيوبيداغوجيا‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة طرائق التربية‪ .‬وفي هذا الموضوع من المهم أن نحدد من الآن التمييز بين البيداغوجيا المجربة والبيداغوجيا التجريبية"‪.27‬‬

‫النص رقم ‪ :3‬علوم التربية والفلسفة‬

‫‪25‬‬
‫‪Mialaret, G., Les sciences de l'éducation, Q.S.J., N1645, Paris, P.U.E. 1ère édition, 1976, p.3.‬‬
‫خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.11‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪27‬‬
‫‪M.Debesse, G. Mialaret: Traité des sciences pédagogiques, 1. Introduction, Paris, P.U.F. 1969. pp.38-39.‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫توجد الآن علوم للتربية لا يمكن لفيلسوف التربية أن يتجاهلها كما لا يمكن لفيلسوف اللغة أن يتجاهل الألسنية‪ .‬غاية الأول هو أن يفكر‬
‫في الإيضاحات المقدمة من طرف هذه العلوم‪ ،‬ويتساءل عن قيمتها‪ ،‬معناها‪ ،‬وحدودها‪ ...‬وهذا ما يشكل منهجنا الثاني‪.‬‬
‫لنشر ‪ -‬أولا‪ -‬إلى أنه توجد علوم للتربية‪ ،‬وصيغة الجمع هذه متعذر تغييرها‪ .‬بالفعل فهذه العلوم يتم تعيينها –بطر يقة مزدوجة‪ -‬على أنها‬
‫متعددة‪ ،‬ما دامت ترتب في صنفين متميزين‪ .‬هناك أولا العلوم النظر ية المطبقة على التربية‪ ،‬هكذا نتكلم عن اثنولوجيا وسوسيولوجيا وسوسيو‪-‬‬
‫ألسنية واقتصاد وتاريخ‪ ...‬للتربية‪ .‬أقل ما يمكننا أن نطلب من هذه العلوم هو أن نح ترم شرطين‪ :‬أن يكون ‪ -‬قبل كل شيء‪ -‬من يمارسها‬
‫متخصصا بالفعل في ‪ -‬علومها الخاصة‪ ،‬مؤرخا مقتدرا‪ ،‬عالم اقتصاد عن جدارة‪ .‬بعد ذلك يجب أن يفرض كل واحد على نفسه إقامة علاقات‬
‫بين هذه العلوم المتعددة‪ ،‬بمعنى أن يتعاون مع الآخرين بالإقدام على المجازفة بتغيير وجهة نظره‪ .‬مثلا حول مشكل كالفشل الدراسي‪ ،‬لو بقي‬
‫كل واحد مقيدا بمادته‪ ،‬سينزع إلى تفسيره بواسطتها فقط‪ ،‬ويسقط في الدغمائية المختزلة‪.‬‬
‫وهناك – في المقام الثاني‪ -‬علوم نوعية تمخضت عن المشاكل المطروحة من طرف التربية ذاتها‪ :‬كيف نحسن تعليما ما‪ ،‬كيف نقوم أو‬
‫نقيم‪ ،‬كيف نيسر العلاقات بين التلاميذ والمعلمين‪ ،‬كيف نحصل على حركات متقنة في الر ياضة وبذلك ظهرت فنون التعليم‪ ،‬علم الامتحان‪،‬‬
‫علم النفس التربوي‪ ،‬علوم الأنشطة الجسمية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫أكيد أنه لا يمكننا أن نطلب ب إلحاح من علوم التربية صرامة وموضوعية العلوم المضبوطة‪ .‬يبقى أنها لا تكتسي "طابع العلمية" إلا‬
‫بشرطين‪ :‬أولا بأن تفسر‪ ،‬أو على الأقل تؤول الوقائع التربو ية‪ ،‬ثانيا بأن تفحص أو على الأقل تبرهن على الفرضيات المفسرة‪ :‬يبقى أن التعدد‬
‫يبدو كأمر لا يمكن تخطيه‪.28‬‬

‫‪28‬‬
‫‪Françoise Raynal et Alain Rieunier. Pédagogie dictionnaire des concepts clés apprentissage, formation, psychologie cognitive, Edition E.S.F 1997, pp 263/264‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة الثامنة‪ :‬علوم التربية ‪-2-‬‬

‫النص رقم رقم‪1 :‬‬


‫" إن علوم الإنسان تدرس غرض التربية‪ ،‬وخاصة الطفل من ناحية طبيعته وبيئته وتطوره‪ .‬ويدرس علم التربية طرائق التربية‪ ،‬أما‬
‫الفلسفة‪ ،‬فتفكر في غاياتها‪ :‬لم نربي؟ وما معيار تربية ناجحة؟ وعندما يصرح أب لابنه‪ :‬هذا من أجل صالحك‪ ،‬فإن ذلك اللجوء إلى الصالح هو‬
‫مسبقا‪ ،‬اختيار فلسفي يتعذر على أي علم أن يبنيه‪ ،‬وكل ما تجب معرفته هو ما ينطوي عليه ذلك الاختيار‪ ،‬فهل نستطيع مثلا أن "نعمل‬
‫صالح أحد" بالرغم منه؟ وعندما يتساءل مرب عن غايات مشروعه‪ ،‬فإنما يتساءل كفيلسوف‪ ،‬والأولى أن يكون ذلك عن خبرة"‪.29‬‬
‫النص رقم ‪2‬‬
‫"هكذا نرى أن البيداغوجيا‪ ،‬ولا سيما ذلك الجانب العام منها الذي يرسم الخطوط الموجهة التي ينبغي أن يلتزمها العمل التربوي‪ ،‬هي‬
‫قبل كل شيء فلسفة في التربية‪ .‬وينبغي أن تكون فلسفة لتقوم بمهمة الربط والتوحيد بين جميع المعطيات المبعثرة التي تقدمها جميع العلوم التي‬
‫تسهم فيها‪ .‬وهذه الفلسفة التربو ية بدورها تؤلف جزءا من فلسفة عامة‪ ،‬ولا يمكن إلا أن تكون جزءا منها‪ ،‬قد يمس البحث وعي الإنسان‬
‫وعمله‪ ،‬يدخل في نطاق الفلسفة‪ .‬والمذهب التربوي لا يفترض فقط مثل هذه الفلسفة‪ ،‬وإنما يكملها‪ ،‬وهو منها‪ ،‬كالأخلاق والتطبيق العملي‬
‫والتتمة الضرور ية‪.‬‬
‫بل إن المذهب التربوي مثقل بالخطورة ومحمل بالمسؤولية أكثر من الأخلاق‪ ،‬فالعمل الخلقي هو قبل كل شيء عمل يقوم به المرء على‬
‫ذاته ومن أجل ذاته‪ ،‬ولا يبلغ الآخرين إلا في نتائجه أما العمل التربوي فهو بالإضافة إلى ذلك عمل يوقع على الآخرين ومن أجل الآخرين‬
‫وأي آخرين إنهم أكثر الكائنات تواضعا وسرعة عطب واستسلاما للثقة وقرب متناول‪ ،‬إنهم الأطفال‪.‬‬
‫إن موضوع الفلسفة العامة التعر يف بالإنسان نفسه‪ .‬أما فلسفة التربية فموضوعها أن تكشف للطفل كشفا ً تدر يجيا عن الكائن الذي‬
‫يدعى لأن يكونه‪ .‬غير أن هذا الـكشف لن يكون شيئا ذا بال إن لم يتضمن في الوقت نفسه وسائل بلوغه‪ ،‬أي الوسائل التي يصبح بها ذاك‬
‫الطفل ذلك الإنسان"‪.30‬‬
‫النص رقم ‪ :3‬ميادين علوم التربية‬
‫يختص كل علم بحقل معين‪ ،‬بنوع الظاهرة التي يترقبها‪ ،‬بأنواع الفرضيات التي يفتش على تأكيدها أو إبطالها‪ ،‬بالطرق التي يستعملها‬
‫ومجموعة المناهج الفكر ية التي يضعها حيز التنفيذ في تحاليله‪ ،‬في استدلالاته‪ ،‬في الانتفاع من والتفسير للنتائج المحصلة‪ ،‬لا تستثني علوم التربية من‬
‫هذه القاعدة؛ لنبادر‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬إلى تعر يف هذا الحقل المختص بعلوم التربية‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬ما هي الميادين والمواضيع التي تجري عليها علوم‬
‫التربية أبحاثها‪.‬‬
‫تعتني علوم التربية‪ ،‬في الأساس‪ ،‬بثلاث مجموعات من الأحداث والميادين‪:‬‬
‫‪- 1‬الأحداث والحالات السابقة التي لا يمكن معرفتها إلا من خلال الوثائق‪ :‬نصوص‪ ،‬رسوم‪ ،‬منحوتات‪ ،‬موسیقی‪( ...‬على صعيد‬
‫المثال‪ :‬التعليم في إسبارطة)‪ .‬لم يعد في وسعنا التأثير في هذا الواقع؛ عندئذ نتحدث عن مواضيع مجمدة‪ ،‬عبر هذه الوثائق يستطيع الباحثون إصدار‬
‫تفسيرات مختلفة‪ ،‬غير أن الحدث التعليمي في حد ذاته لا يصبح معروفا ً إلا عن طر يق تلك المصادر‬
‫يصبح ممكنا ً ولا يمكن حتى التغيير فيه‪ ،‬إن إجراء التحليل والتفسير لنتائج البحث‪ ،‬كما لكل المواضيع التي سنتفحصها لاحقا ً‪ ،‬من‬
‫وجهات نظر جذا مختلفة‪ :‬فلسفية‪ ،‬تار يخية‪ ،‬تربو ية‪ ،‬جغرافية اقتصادية‪ ،‬نفسية‪ ،‬اجتماعية‪ ....‬عموما‪ ،‬في إمكان الموضوع نفسه أن يفسح‬
‫المجال أمام طرق مختلفة من الإدراك والتحليل‪.‬‬

‫أوليفي ربول‪ :‬فلسفة التربية‪ .‬ترجمة جهاد نعمان منشورات عويدات بيروت ‪ /‬باريس‪ ،‬ط ‪ .1978.1‬ص ‪ .10‬نقلا عن خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.31‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪ 30‬روني أوبير‪ ،‬التربية العامة‪ ،‬ترجمة عبد الله عبد الدائم‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للملايين‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،1977 ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫‪ – 2‬أحداث أخرى من التعليم يمكن معرفتها أيضا ً عن طر يق النصوص والملاحظة (مثال‪ :‬النظام الجامعي الفرنسي‪ ،‬كتابة النصوص‬
‫الحرة من قبل الطلاب) غير أنه في الإمكان إجراء التحليل إما بأسلوب مباشر (نصوص‪ ،‬معاینات‪ ،‬استقصاءات‪ .)...‬إما من خلال‬
‫الاستعانة بأشخاص معنيين بالحالة المدروسة (مثال‪ :‬الوزير المسؤول عن ذاك الإصلاح أم ذلك‪ ،‬رأي المدرسين في هذا الإصلاح‪ ،‬لماذا صور‬
‫طفل ذاك الرسم أو ذلك‪ )...‬والكل من منظور تربوي‪ ،‬فلسفي أو حتى اقتصادي‪ ،‬عندئذ تتحدث عن أحداث ثابتة نسبيا (التعليمات الرسمية‬
‫الصالحة لعدة عقود)‪ .‬بخلاف الأحداث المجمدة‪ ،‬يمكن للتحليل وللانتفاع من الوثائق أن ينتج عنهما تبعات وأن يؤديا إلى بعض التغييرات‬
‫في الحالة (مثلا‪ :‬بروز «‪ »Langevin -Wallon‬والتغييرات التي أجريت للبنيات الأكاديمية‪ ،‬في عدد من البلدان)‪.‬‬
‫‪ - 3‬حقل آخر يستحق علاجا ً خاصا ً‪ ،‬هو المتعلق بحالات التعليم‪ .‬من الجائز درس حالات التعليم إما بمجملها (ما يجري في الصف أو‬
‫ضمن فر يق عمل)‪ ،‬إما من منظور جماعي أو فردي من الضروري هنا إقامة تمييز جديد‪ :‬إما أن يبقى الباحث خارج المسار التربوي‪ ،‬أو أن‬
‫ينضم إليه‪ .‬في الحالة الأولى‪ ،‬إن الباحث يراقب‪ ،‬يجمع وثائق‪ ،‬يحلل نصوصا ً‪ ،‬مقابلات وتقارير عن الحالة أو العمل التعليمي‪ ،‬و يحلل جميع هذه‬
‫الوثائق وفقا ً للطر يقة العلمية‪.‬‬
‫في الحالة الثانية‪ ،‬فالباحث هو أحد عناصر الحالة التعليمية‪ ،‬إما مباشرة‪ ،‬أو بصورة غير مباشرة (مربي الصف)؛ عندها تطرح مسألة‬
‫موضوعية الملاحظات بحيث يكون الباحث مشبوكا مباشرة بالحالات الملاحظة‪ .‬إذا لا بد من فر يق عمل للتدخل والمراقبة بالإضافة إلى دور‬
‫مربي الصف الذي يجب أخذه بعين الاعتبار ‪ -‬مما يعقد حقا ً المهمة في بحث يقتضي العلمية‪ .‬إنه الإبهام ‪ /‬الالتباس الذي يحيط بمفهوم "عمل‬
‫‪ -‬بحث‪.31"..‬‬

‫غاستون ميالاري‪ ،‬طرق البحث في علوم التربية‪ ،‬ترجمة شفيق محسن‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،2008 ،‬ص ‪.13-12-11‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬

‫المجموعة التاسعة‪ :‬التمييز بين الديداكتيك والبيداغوجيا وعلوم التربية ‪-1-‬‬

‫النص رقم ‪:1‬‬


‫كل ممارسة يقوم بها شخص ما لتطوير تعلمات محددة لدى شخص آخر‪ .‬وهي حسب الفيلسوف البراغماتي سميث ‪ Smith‬فعل وممارسة‪،‬‬
‫وهذا الفعل يهدف إلى إحداث نتائج وآثار تعلمية‪.‬‬
‫ومن أجل تحديد مصطلح "بيداغوجيا" لا بد من إجراء تمييز بين البيداغوجيا وعلوم التربية والديداكتيك‪.‬‬
‫تتميز البيداغوجيا عن علوم التربية وعن الديداكتيك‪ ،‬إذ يسعى البيداغوجي إلى الإجابة على أسئلة تهم مباشرة عمله التربوي من قبيل‪:‬‬
‫ما هي طر يقة التدريس الأكثر فعالية بالنسبة لهذا النمط من التعلم أو ذاك؟ كيف نشجع التلاميذ على القراءة في التعليم الابتدائي عن طر يق‬
‫الصحيفة المدرسية؟‬
‫يبدو البيداغوجي هنا كممارس يهتم بالدرجة الأولى بفعالية عمله‪ .‬إنه رجل ميدان يسعى إلى إ يجاد حلول لمشاكل تعليمية ‪ -‬تعلمية‬
‫مشخصة وواقعية‪.‬‬
‫وتظل الممارسة والتجربة منابع رئيسية لحدسه البيداغوجي‪.‬‬
‫ويهتم الباحث في علوم التربية بالإجابة على نوع آخر من الأسئلة‪ ،‬أقل التصاقا بالممارسة العملية ولـكنها هامة بالنسبة للبيداغوجي‪.‬‬
‫ومن هذه الأسئلة‪ :‬ما هي أسباب الفشل الدراسي؟ ما هي علاقة التعلم بنظر يات معالجة المعلومات؟ هل الخطأ ضروري للتعلم؟ إن انشغاله‬
‫الأساسي يتمثل في تطوير معارفنا عن الظواهر التي تؤثر قليلا أو كثيرا في الممارسة التربو ية‪.‬‬
‫أما الديداكتيكي من جهته فإنه يعتبر متخصصا في منهجية تدريس مادة دراسية معينة‪ ،‬فهو يتساءل حول المفاهيم والمعارف‪ ،‬والمبادئ‬
‫التي ستتحول من خلال مادة دراسية إلى محتو يات للتعليم‪ .‬كما أنه يقيم مستوى التلاميذ وصعوبات التعلم الفردية والتمثلات الشخصية وذلك‬
‫من أجل تحديد العوائق ذات الطبيعة الابستمولوجية أو السيكولوجية التي يتعين تجاوزها لتحقيق التعلم‪.‬‬
‫يظل عمل الديداكتيكي عملا مرتبطا بمعالجة المعلومات‪ :‬أي تحو يل المعرفة العالمة إلى معرفة قابلة للتدريس (وما يعرف بالنقل أو‬
‫التحو يل الديداكتيكي ‪.)Transfert didactique‬‬
‫ومن الواضح أن المقاربات الثلاث للعمل البيداغوجي لا تتعارض أو تتنافى فيما بينها‪ ،‬بل إنها تتمفصل في ميدان البحث العملي‬
‫‪.Recherche –action‬‬
‫ينطلق العمل البيداغوجي في شكله المعاصر من تكامل المعرفة ‪ savoir‬ومعرفة الفعل ‪ .savoir-faire‬فالبيداغوجي والباحث في علوم‬
‫التربية والديداكتيكي مدعوون إلى تبادل المعارف والمعلومات مع الاحتفاظ بتوجهات مشتركة في معالجة أسئلة من مثل كيف نسهل‬
‫التعلمات؟ كيف ننمي الشخصية؟ كيف نحد من الفشل الدراسي؟ كيف نسهل عملية التحو يل؟ كيف نؤسس لأنظمة ضبط التعلمات الأكثر‬
‫نجاعة ومردودية؟ كيف نحبب المدرسة للأطفال؟‬
‫ما هي البيداغوجيا إذن؟ يخضع أي سلوك إنساني وأي عمل لمجموعة من المعتقدات‪.‬‬
‫وعمل البيداغوجي لا يخرج عن هذه القاعدة‪ .‬فالبيداغوجيا فعل معقد ومركب يتوجه بمجموعة من القيم‪.‬‬
‫(يتوجه بالنظرة التي يكونها البيداغوجي عن الإنسان‪ ،‬والمجتمع والعلاقة بينهما)‬
‫ويتوجه بمجموعة من الفرضيات المرتبطة بنمو الأفراد وتطورهم الاجتماعي‪ ،‬كما أنه متشبع بأيديولوجيا معينة‪.32‬‬

‫‪32‬‬
‫‪Françoise Raynal et Alain Rieunier. Pédagogie dictionnaire des concepts clés apprentissage, formation, psychologie cognitive, Edition E.S.F 1997, pp 263-264.‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫نص رقم ‪ :2‬نشأة البيداغوجيا‬
‫يعتبر هذا المفهوم نفسه فريسة لنقاشات حادة في الميدان التربوي والبيداغوجي‪ .‬حيث غدا من العسير أن نجد اتفاقا موحدا حول‬
‫تعر يفه‪ .‬لقد كان البيداغوجي ‪ le pédagogue‬في العصور القديمة هو العبد ‪ l'esclave‬الذي يرافق الأطفال عند المدرس‪ .‬من هنا التصقت‬
‫كلمة بيداغوجي بالمدرس‪ .‬ويشير ‪ Mialart‬إلى أن كلمة ‪ pédagogue‬حديثة العهد‪ ،‬إذ يعتقد أنها ترجع إلى سنة ‪ ،1485‬في حين يشير‬
‫قاموس ‪ Littré‬إلى أنها ظهرت سنة ‪ 1536‬عند ‪ .Calvin‬إلا أن الأكاديمية الفرنسية اعتمدت هذا المفهوم سنة ‪ ،1762‬الذي انتشر خلال‬
‫القرن التاسع عشر‪ .‬فبالنسبة لدوركهايم ‪ ،)1911( Durkheim‬فإنه يعتبر البيداغوجيا بمثابة‪ ،‬النظر ية التطبيقية للتربية‪ .‬و بصفة عامة‪ ،‬فهي‬
‫تعني "علم تربية الأطفال"‪ .‬وهي تختلف عن مفهوم «التربية» التي تعني بالنسبة إليه الفعل الذي تمارسه على شخص ما‪."..‬‬
‫إن تاريخ البيداغوجيا باعتبارها تفكيرا نظر يا حول التربية والتثقيف‪ ،‬يرتبط كثيرا بتاريخ مؤسسات تكوين المعلمين بفرنسا‪ ،‬فانطلاقا من‬
‫سنة ‪ 1883‬تم الشروع في تدريس البيداغوجيا‪ .‬لـكن وبشكل سر يع‪ ،‬أحس أساتذة المدارس العليا بضرورة التمييز بين بيداغوجيا عامة‪ ،‬وهي‬
‫عبارة عن سلسلة منظمة من التفكير الفلسفي يقدم لنا بعض المذاهب البيداغوجية‪ .‬حيث كان يقدم من حين لآخر كل من أفلاطون‬
‫‪ ،Platon‬مونطيني ‪ ،Montaigne‬روسو‪ ،‬وبين بيداغوجيا خاصة أو تطبيقية‪ ،‬وهي التي تعمل على مساعدة المدرسين المقبلين على تدريس‬
‫مادة تعليمية معينة من هنا نتحدث مثلا عن بيداغوجيا الحساب‪ ،‬بيداغوجيا القراءة‪ ،‬بيداغوجيا العلوم‪ ...‬الخ ‪33‬كذلك‪ ،‬ونتيجة لتأسيس‬
‫سيكولوجيا الطفل كعلم مستقل بذاته بدأ اهتمام المربين على الخصوص بعلم النفس التكويني ‪)Wallon-Piaget) Psychologie génétique‬‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ .‬وتشير ‪ Best‬في هذا الإطار إلى أنه "نتيجة للخلط الذي وقع فيه المر بون بين غايات التربية وضرورة معرفة الفرد‬
‫الذي سنربيه وبين التحكم في وسائل التدريس‪ ،‬نشأ علم جديد وهو علم النفس التربوي ‪ .La psychopédagogie‬من هنا بدأ مصطلح‪،‬‬
‫بيداغوجيا‪ ،‬ينمسخ حيث تم تقليصه ليعبر فقط على النتيجة العملية أو التطبيقية لعلم السيكولوجيا‪ ،‬فبدأت بذلك البيداغوجيا تقتصر شيئا فشيئا‬
‫على الإشارة إلى ممارسة المدرسين بالمدارس الابتدائية‪ ،‬حيث بدأوا يحملون لقب المربين ‪ .Les pédagogues‬لقد أصبح بالتأكيد الحديث عن‬
‫‪35‬‬
‫فعل ‪ l'action‬التربية والتدريس عوض الحديث عن تنظير هذا الفعل ‪ théorisation de cette action‬أو التفكير حول أسسه"‪.34‬‬
‫نص رقم ‪ :3‬البيداغوجيا من خلال القواميس‬
‫عندما نرجع إلى بعض القواميس التربو ية والسيكولوجية والفلسفية‪ ،‬فإننا نجد اختلافات وتفاوتات متعددة‪ ،‬فمثلا نجد عند ‪Foulquié‬‬
‫أن عبارة بيداغوجيا تشتق من كلمة ‪ paidagogia‬أي فن تربية الأطفال‪ ،‬وهي تتكون من ‪ paidos pais‬وهو الطفلو ‪ agogé‬وهو فعل‬
‫التوجيه أو القيادة وهي تعني "المادة التي تهتم بموضوع تربية الطفل وهي تتضمن علم الطفل ‪ pédologie‬إضافة إلى معرفة التقنيات التربو ية‬
‫وفن تشغيلها (أي البيداغوجيا بمعناها الحقيقي)‪ ،‬وعند مقارنته للبيداغوجيا بالتربية يقول‪ ،‬من حيث الاشتقاق "فالبيداغوجيا توحي بتوجيه‬
‫‪ agogé‬الطفل‪ ،‬أما التربية فهي تهتم كذلك بالتوجيه ‪ ducere‬ولـكنها تتحدد على مستوى الممارسة وتكوين الأطفال‪ ،‬أما البيداغوجيا‪ ،‬فعلى‬
‫العكس من ذلك تهتم بمجال التنظير ومعرفة الطرائق التربو ية"‪.36‬‬
‫أما بالنسبة ل ‪ Piéron‬فلا يشير أبدا إلى عبارة ‪ pédagogie‬بل يستعملها فقط نعتا لكلمة سيكولوجيا ‪.psychologie pédagogique‬‬
‫فنجده على العكس من ذلك يقرنها بعبارة ‪ paidologie‬حيث يعرفها بأنها "دراسة الطفولة (‪")...‬و ‪ psychologie pédologique‬هي‬
‫الدراسة السيكولوجية للأطفال‪ ،‬أما بالنسبة لعلم النفس التربوي فيعرفه بأنه "بيداغوجيا علمية ترتكز على سيكولوجيا الطفل"‪.37‬‬
‫وبالنسبة ل ‪ Morfaux‬نجده يقترح التعر يفات التالية‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫‪Best, F, 1988(66), Les avatars du mot "pédagogie", Perspectives, UNESCO, Vol XVIII, n 2 ; p 162.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Best, F, 1988(66), Les avatars du mot "pédagogie", Perspectives, UNESCO, Vol XVIII, n 2 ; p 162-163.‬‬
‫‪ 35‬خالد المير وآخرون‪ ،‬الطرائق البيداغوجية – بيداغوجيا الأهداف‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 4‬ص ‪.83-82‬‬
‫‪36‬‬
‫‪Foulquié, P, 1991, Dictionnaire de la langue pédagogique, Quadrige, P.U.F, Paris. p 357-358.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪Piéron, H, 1979, Vocabulaire de la psychologie, P.U.F. p 3-327-364‬‬

‫‪2‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫البيدا غوجيا‪ :‬مشتقة من "‪ "paidagogia‬وتعني قيادة أو تربية الأطفال ‪ paidagogos‬وتعني العبد أو الرق ‪ l’esclave‬الذي كان‬
‫مكلفا بمرافقة الأطفال إلى المدرسة‪ ...‬الخ وتعني كذلك "مادة نظر ية تهتم بموضوع التفكير حول تربية الطفل والمراهق‪ ،‬فهي تقترض تحديد‬
‫الغايات الأخلاقية والاجتماعية التي تهدف إلى تحقيقها (فلسفة التربية) ثم الطرائق والوسائل التعليمية وإمكانية تطبيقها (علوم التربية) وذلك‬
‫طبقا لطبيعة الطفل والمراهق (المزاج ‪ tempérament‬الطبع ‪ ) caractère‬ولنموه (سيكولوجيا الطفل والمراهق) وللوسط (علم النفس‬
‫الاجتماعي)و ففي الواقع‪ ،‬لا تنفصل البيداغوجيا عن التربية التي تعد بمثابة تطبيق لها‪ .‬فالبيداغوجيا هي "علم وتفكير وممارسة وتقنية وفن في‬
‫أن واحد"‪)René Hubert( .‬‬
‫ويشير ‪ Morfaux‬كذلك إلى أن البيداغوجيا في معناها الضيق والمتداول تعني البحث عن بعض الوسائل لتوظيفها من أجل تدريس‬
‫‪39‬‬
‫فعال وكمثال على ذلك‪ ،‬تتحدث عن بيداغوجيا الر ياضيات‪.38...‬‬

‫‪38‬‬
‫‪Morfaux, L.M, 1980, Vocabulaire de la philosophie et des sciences humaines, Armand Colin. p 263.‬‬
‫‪ 39‬خالد المير وآخرون‪ ،‬الطرائق البيداغوجية – بيداغوجيا الأهداف‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 4‬ص ‪.85-84‬‬

‫‪3‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫المجموعة التاسعة‪ :‬التمييز بين الديداكتيك والبيداغوجيا وعلوم التربية ‪-2-‬‬

‫النص رقم ‪1‬‬


‫"تعتبر علوم التربية من أحدث العلوم الإنسانية بالرغم من أن بعض مرتكزاتها المعرفية هي أقدم من أن تعتبر كذلك‪ .‬وتطرح بصدد‬
‫هذا المفهوم‪ ،‬أي مفهوم علوم التربية‪ ،‬عدة قناعات تتباين فيما بينها في كثير من الأحيان‪ .‬فالبعض يعتبرها كإطار معرفي شكل تجاوزا لمرحلة‬
‫البيداغوجيا‪ ، Pédagogie‬إذ لم تعد هذه الأخيرة قادرة على استيعاب كل التطور الكمي والنوعي في مجال التنظير للتربية‪ .‬فإذا كانت‬
‫البيداغوجيا‪ ،‬حسب هذا الطرح‪ ،‬قد ارتكزت أساسا على التأمل في مجال التربية كممارسة‪ ،‬فإن أفاقها بقيت مع ذلك‪ ،‬محصورة في نوع من‬
‫الحدس‪ ،‬هذا فضلا عن أن المصطلح ذاته‪ ،‬والذي يوحي باقتصار التربية على الطفل‪ ،‬كان عاملا أساسيا وراء ضرورة البحث أو تشكيل إطار‬
‫قادر على استيعاب المناهج العلمية ومتسم بالشمولية مع انفتاحه في نفس الوقت على باقي العلوم الأخرى‪ ،‬من أجل إغناء الذات واحتواء‬
‫الظاهرة التربو ية من جميع أبعادها‪.‬‬
‫أما البعض الآخر‪ ،‬فيعتبر مصطلح علوم التر بية ليس أكثر من وهم أو سراب علمي‪ .‬ذلك أن تفحص هذه العلوم التي برزت تسمياتها‬
‫مع النصف الثاني من هذا القرن‪ ،‬يبين فجاجة هويتها‪ ،‬إذ لا تعدو أن تكون إلصاقا لمصطلح التربية بعلوم أخرى كالبيولوجيا وعلم النفس وعلم‬
‫الاجتماع والاقتصاد والديموغرافيا وغيرها‪.....‬‬
‫ويبقى بين هذا الموقف وذاك طروحات بينية تمارس نوعا من الحذر الإبستمولوجي مترقبة في كل حين ما ستؤول إليه أوضاع هذه‬
‫العلوم التربو ية من تطورات‪ ،‬مؤكدة على أن المرحلة مرحلة مخاض‪ ،‬وأنه من الصعب الحكم على الوليد وبعض معالم سماته لم تتحدد بعد"‪.40‬‬

‫النص رقم ‪ :2‬الديداكتيك‬


‫يمكن استعراض بعض التعار يف التي تندرج في الاتجاه الذي ينظر إلى الديداكتيك باعتبارها إما مجرد صفة تنعت بها النشاط التعليمي‬
‫للمدرس أو مجرد شق من البيداغوجيا أو تطبيق لها على النحو التالي‪:‬‬
‫يستعمل لفظ ديداكتيك‪ ،‬حسب أسطولفي (‪ )Jasmin B1973‬كمرادف للبيداغوجيا بيد أنه إذا ما استبعدنا بعض الاستعمالات‬
‫الأسلوبية‪ ،‬فإن اللفظ يوحي بمعاني أخرى تعبر عن مقاربة خاصة لمشكلات التعليم‪ .‬فالديداكتيك لا تشكل حقلا معرفيا قائما بذاته أو فرعا‬
‫لحقل معرفة ما‪ ،‬كما لا تشكل أيضا مجموعة من الحقول المعرفية‪ ،‬إنها نهج أو بمعنى أدق‪ .‬أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية‪.‬‬
‫الديداكتيك هي بالأساس‪ ،‬تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها‪ ،‬والذي يواجه نوعين من المشكلات مشكلات تتعلق بالمادة‬
‫ومحتواها وبنيتها ومنطقهاو تنشأ عن موضوعات علمية ‪ -‬ثقافية سابقة الوجود‪ ،‬ومشكلات ترتبط بالفرد في وضعية التعلم وهي من طبيعة‬
‫سيكولوجية‪ ،‬فالديداكتيك إذن ليست حقلا معرفيا قائما بذاته‪ ،‬وذلك على الأقل في المرحلة الراهنة من تطورها حسب جاسمن ( ‪Jasmin‬‬
‫‪ ،)B1973‬وقد لا تكون مدعوة لأن تصبح حقلا معرفيا مستقلا‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ليس ثمة شك في وجود مجال للنشاط خاص بتدريس مختلف‬
‫المواد الدراسية‪ ،‬والذي يتطلب بحثا مستمرا قصد تحسين التواصل‪ ،‬وبالأخص البحث في كيفية اكتساب المتعلم للمفاهيم‪...‬‬
‫وكانت الديداكتيك حسب أبلي (‪ )ebli Hans1951‬وفي هذا السياق أيضا‪ ،‬علما مساعدا فقط للبيداغوجية‪ ،‬حيث أسند إليها دور‬
‫بناء الاستراتيجيات البيداغوجية المساعدة على بلوغ الأهداف‪ .‬الديداكتيك إذن مادة تطبيقية ليس إلا موضوعها تحضير وتجريب استراتيجيات‬
‫بيداغوجية تهدف إلى تسهيل إنجاز المشار يع ذات الطابع التعليمي‪ .‬و يمكن للديداكتيك أن تكتسي خصائص العلم التطبيقي‪ ،‬باعتبارها تسعى‬
‫إلى تحقيق هدف عملي والمتمثل في وضع استراتيجيات بيداغوجيةو لتحقيق هدفها تستعين الديداكتيك بعلوم السيكولوجيا والسوسيولوجيا‬
‫والابستمولوجيا‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫خالد المير وآخرون‪ ،‬ما هي علوم التربية‪ ،‬سلسلة التكوين التربوي‪ ،‬العدد ‪ 1‬ص ‪.31-30‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪1‬‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق‬
‫ذ‪ .‬مصطفى بوقدور‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مدخل إلى علوم التربية‪ :‬نصوص مختارة‬
‫إذن لا تستقل الديداكتيك ولا تستقيم في مختلف هذه التعار يف‪ ،‬بعيدا عن البيداغوجيا وخارج مظلتها‪.‬‬
‫هذا وإذا كان بعض التربو يين‪ ،‬وخاصة المتأثرين منهم بالأدبيات الفرنسية‪ ،‬كما يتضح من خلال التعار يف السابقة لا يعتبرون‬
‫الديداكتيك علما مستقلا ولا يفصلون وربما لحد الآن بينها وبين البيداغوجيا ولا ينظرون إليها إلا باعتبارها تطبيقا أو شقا منها‪ ،‬بسبب ما‬
‫لديهم من خلط بين التربية والتعليم‪ .‬فإننا أصبحنا نلاحظ‪ ،‬مقابل ذلك‪ ،‬تزايد من يعتبر الديداكتيك علما مستقلا بموضوعه ونماذجه ونظر ياته‬
‫ومتميزا عن غيره من علوم التربية‪ .‬ولهذا ستتضمن الديداكتيك بصفة أساسية‪ ،‬منهجية التعليم وطر يقته وليس المنهجية العامة للتربية‪.‬‬
‫وفيما يلي نماذج من هذا الاتجاه‪:‬‬
‫الديداكتيك هي الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتعلم لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حسي حركي وتتطلب‬
‫الدراسة العلمية‪ ،‬كما نعلم‪ ،‬شروطا دقيقة منها بالأساس الالتزام بالمنهج العلمي في طرح الإشكالية ووضع الفرضيات وصياغتها وتمحيصها للتأكد‬
‫من صحتها عن طر يق الاختبار والتجريب‪ .‬ومن حيث الموضوع تنصب هذه الدراسة على الوضعيات التعلمية التي يلعب فيها المتعلم (التلميذ)‬
‫الدور الأساسي‪ .‬بمعنى أن دور المدرس يتحدد في تسهيل عملية تعلم التلميذ بتصنيف المادة التعليمية تصنيفا يلائم حاجاته‪ ،‬وتحديد الطر يقة‬
‫الملائمة لتعلمه وتحضير الأدوات الضرور ية والمساعدة على هذا التعلم‪ .‬ويبدو أن هذه الاجراءات ليست بالعملية السهلة‪ ،‬إذ تتطلب الاستنجاد‬
‫بمصادر معرفية مساعدة‪ ،‬كعلم النفس لمعرفة هذا التلميذ وحاجاته‪ ،‬والتربية لتحديد الطرق الملائمة‪ .‬وينبغي أن يقود التنظيم المنهجي للعملية‬
‫التعليمية التعلمية إلى تحقيق أهداف تراعي شمولية السلوك الإنساني‪ .‬أي أن نتائج التعلم ينبغي أن تتجلى على مستوى المعارف والقدرات التي‬
‫يكتسبها المتعلم‪ ،‬وعلى مستوى المواقف الوجدانية‪ ،‬وكذلك على مستوى المهارات الحسية الحركية التي تتجلى مثلا في الفنون والر ياضات‪( .‬مدينة‬
‫ر يفيا ‪.)Medina Rivilla 2002‬‬
‫وفي اجتهادنا الشخصي نقصد بالديداكتيك أو علم التدريس الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته والأشكال تنظيم مواقف التعلم‬
‫التي يخضع لها التلميذ في المؤسسة التعليمية‪ ،‬قصد بلوغ الأهداف المسطرة مؤسسيا سواء على المستوى العقلي أو الوجداني أو الحسي ‪ -‬الحركي‪،‬‬
‫وتحقيق لديه المعارف والـكفايات والقدرات والاتجاهاتو القيم‪ .‬إن الديداكتيك أو علم التدريس‪ ،‬يجعل بالتعر يف من التدريس موضوعا له‪،‬‬
‫فينصب اهتمامه على نشاط كل من المدرس والتلاميذ وتفاعلهم داخل القسم‪ ،‬وعلى مختلف المواقف التي تساعد على حصول التعلم‪ .‬لذا يصير‬
‫تحليل العملية التعليمية في طليعة انشغالاته‪ .‬ويستهدف في جانبه النظري صياغة نماذج ونظر يات تطبيقية ‪ -‬معيار ية‪ ،‬كما يعني في جانبه التطبيقي‬
‫السعي للتوصل إلى حصيلة متنوعة من النتائج التي تساعد كلا من المدرس والمؤطر والمشرف التربوي وغيرهم‪ ...‬على إدراك طبيعة عملهم‬
‫والتبصر بالمشاكل التي تعترضهم‪ ،‬مما ييسر سبل التغلب عليها ويسهل قيامهم بواجباتهم التربو ية التعليمية على أحسن وجه (محمد الدريج‪.2000 ،‬‬
‫(‪.41)2004‬‬

‫محمد الدريج‪ ،‬عودة إلى تعر يف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل‪ ،‬مجلة علوم التربية العدد ‪ ،47‬مارس ‪ ،2011‬ص ‪.11-10-9‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪2‬‬

You might also like