You are on page 1of 94

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪.

‬‬
‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة الجياللي بونعامة بخميس مليانة‬

‫كلية العلوم االجتماعية و االنسانية‬

‫العنوان الرئيسي للمذكرة‬

‫التسامح وتعدد الثقافات عند ويل كيمليكا‬

‫مذكرة مقدمة الستكمال لمتطلبات نيل شهادة ماستر‬


‫في الفلسفة‬
‫االستاذ المشرف‪:‬‬ ‫اعداد الطلبة ‪:‬‬

‫*جودي علي‬ ‫*بوقطاية فتيحة‬

‫*متاجر حياة‬

‫السنة الجامعية ‪2022\2021 :‬‬

‫‪1‬‬
‫شكر وتقدير 🌟‬

‫الحمد لل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف األنبياء‬


‫محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى‬
‫والمرسلين سيدنا َّ‬
‫يوم الدين‪ ،‬وبعد ‪..‬‬

‫فإننا نشكر هللا تعالى على فضله حيث أتاح لنا إنجاز هذا العمل بفضله‪،‬‬
‫وآخر‪.‬‬
‫فله الحمد أوالا اا‬

‫كل الشكر لوالدانا العزيزان على كل الدعم حفظهم هللا ‪،‬ثم نشكر‬
‫أولئك األخيار الذين مدوا لنا يد المساعدة‪ ،‬خالل هذه الفترة‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتهم أستاذنا المشرف على الرسالة فضيلة األستاذ الدكتور"‬
‫جهدا في مساعدتنا‪ ،‬كما هي عادته مع‬ ‫جودي علي" الذي لم َّيدخر ا‬
‫كل الطلبة له كل تقدير حفظه هللا ومتّعه بالصحة والعافية ونفع‬
‫بعلومه‪.‬‬

‫كما نتوجه بشكر وعرفان لعائلتينا وأصدقائنا وكل أساتذة وعمال كلية‬
‫العلوم االنسانية واالجتماعية وكل من ساعدنا إلنجاز هذا العمل ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إهداء🌟‬
‫وصلت رحلتي الجامعية إلى نهايتها بعد تعب ومشقة…‬

‫وها أنا ذا أختم بحث تخرجي بكل همة ونشاط‪.‬‬

‫وأمتن لكل من كان له فضل في مسيرتي‪ ،‬وساعدني ولو باليسير‪،‬‬

‫إلى من أفضلها على نفسي ولم ال فلقد ضحت من أجلي‪ ،‬ولم تدخر‬
‫جهدا في سبيل إسعادي على الدوام (أمي الحبيبة فاطمة)‪.‬‬

‫نسير في دروب الحياة‪ ،‬ويبقى من يسيطر على أذهاننا في كل مسلك‬


‫نسلكه صاحب الوجه الطيب واألفعال الحسنة‪ ،‬فلم يبخل علي طيلة‬
‫حياته (والدي العزيز علي)‪.‬‬

‫إلى إخوتي‪ ،‬محمد‪ ،‬سمير‪ ،‬سارة‪ ،‬بالل ‪ ،‬أمين من كان لهم بالغ‬
‫األثر في كثير من العقبات والصعاب‬

‫فقلد كانوا بمثابة العضد والسند في سبيل استكمال البحث‪.‬‬

‫إلى إبن قلبي محمد رضا‬

‫الى صديقاتي سهيلة‪ ،‬حياة‪ ،‬إسراء‪ ،‬فلة‬

‫الى زوجي رفيق دربي سيدعلي حفظك هللا لي ‪.‬‬

‫⭐مسودة فتيحة ⭐‬

‫‪3‬‬
‫إهداء🌟‬

‫فخر وشرف أن أعتز بهما فوق الواجب‪ ،‬وأن أهدي ثمرة هذا الجهد المتواضع إلى التي‬
‫حملتني وهنا ووضعتني وهنا ‪ ،‬إلى من تتسارع لها عبارات الحب واالمتنان على ما‬
‫قدمته لي ألكون حاضرة في هذا المكان إلى" أمـــي" التي لو أعطيتها كل ما في الدنيا‬
‫ما وفيت أجرها ‪ ،‬إليكي يا أمي يا أعز ما أملك ‪.‬‬

‫إلى من علمني لذة النجاح ومتعته‪ ...‬إلى الذي لم يبخل عليّ بشيء احتجته إلى من‬
‫سهر وتعب من أجل راحتي إليك يانبع العطاء ورمز العمل والصرامة ‪ ،‬إليك يا أعز‬
‫مخلوق في الدنيا " أبـــي" ‪.‬‬

‫ومهما قلت فلن أوفيكما حقكما مقابل الجهد الذي قدمتموه في رعايتي وتربيتي‪.‬‬

‫إلى أمي الثانية فقيدة قلبي إلى من لم تمنحها الحياة عم ار طويال ‪..‬‬

‫إلى روحك التي لطالما أردتها بجانبي في هذه اللحظة إلى" خالـــتي"‬

‫إلى من تسابقوا وقدمو لي الدعم واحد تلو اآلخر إلى إخوتي " عبدالحق ‪ ،‬سامية ‪،‬‬
‫خير الدين "‬

‫إلى صديقاتي وحبيبات قلبي " إسراء ‪ ،‬فلة ‪ ،‬فتيحة " وفقنا هللا وإياكم‪.‬‬

‫إلى بنات عمي " إيمان‪ ،‬أمال ‪ ،‬سلمى" (إبن عمي محمد أمين) وزوجة عمي "حميدة"‬
‫حبيبتي قلبي ‪ ،‬أدامكم هللا أرواحا طيبة تسكن قلبي‪.‬‬

‫إلى جدتي الغالية روحي وقلبي "فاطمــة" ‪. ".‬‬

‫إلى عائلتي الكريمة بأكملها ‪ ،‬إلى كل من كان له دور في مساندتي ‪.‬‬

‫علي‬
‫وأخص بالذكر إلى كل من علمني حرفا منذ بداية مسيرتي الدراسية ولم يبخل ّ‬
‫بشيء ‪ ،‬إلى كل من كان لهم أثر في حياتي والذين أحبهم قلبي ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس🌟‬
‫شكر وتقدير ‪............................................‬‬

‫إهداء ‪...............................................‬‬

‫الفهرس ‪..........................................‬‬

‫مقدمة ‪08.....................................................‬‬

‫الفصل االول‪14................................................:‬‬

‫السياق المفاهيمي لفكرة التسامح ‪14...................................................‬‬

‫‪-‬اوال‪ :‬تطور مفهوم التسامح‪15............................................ ......‬‬

‫أ‪-‬نشأة مفهوم التسامح ‪15.....................................................‬‬

‫ب‪-‬التسامح في تاريخ العربي االسالمي‪19...........................................‬‬

‫ج‪-‬تبلور فكرة التسامح عند الغرب ‪23..............................................‬‬

‫‪-‬ثانيا‪ :‬تعريف التسامح‪27............................................................‬‬

‫أ‪-‬تعريف التسامح لغة ‪27.....................................................‬‬

‫ب‪-‬تعريف التسامح اصطالحا ‪31...............................................‬‬

‫ج‪-‬التسامح والفلسفة ‪35.......................................................‬‬

‫‪-‬ثالثا‪ :‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‪39......................................‬‬

‫أ‪-‬تعريف التنوع الثقافي ‪39..................................................‬‬

‫ب‪ -‬دواعي التنوع الثقافي ‪42................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫ج‪-‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‪44..................................‬‬

‫ملخص الفصل االول ‪47........................‬‬

‫الفصل الثاني ‪48.............................................:‬‬

‫مفهوم التسامح عند ويل كميليكا‪49.........................................‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف ويل كميليكا ‪49................................................‬‬

‫أ‪-‬نبذة عن ويل كميليكا واهم مؤلفاته‪49.......................................‬‬

‫ب‪-‬نظرة ويل كميليكا الى التعددية الثقافية‪51..................................‬‬

‫ج‪-‬أصول التعددية الثقافية ‪52...............................................‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الشخصيات التي اثرت في الفيلسوف ويل كميليكا‪54..............‬‬

‫أ‪ -‬التسامح عند يورغن هابرماس ومدى تأثيره على ويل كميليكا‪54..........‬‬

‫ب‪-‬المفهوم الحديث لتسامح‪56.................................‬‬

‫ج‪-‬منطق التعدد الثقافي‪58.....................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬فلسفة ويل كميليكا‪60......................................‬‬

‫أ‪-‬التنوع الثقافي وعالقته بتسامح‪60..................................‬‬

‫ب‪-‬اشكال التعددية الثقافية‪63..................................‬‬

‫ج‪ -‬انواع التعددية الثقافية‪65............................‬‬

‫ملخص الفصل ‪67......................‬‬

‫الفصل الثالث‪68......................:‬‬

‫أثر فكرة التسامح في ظل التعددية الثقافية ‪69 ..........................‬‬

‫‪6‬‬
‫اوال‪ : :‬أثر فكرة ويا كميليكا في الدعوة إلى فكرة التسامح ‪69.........................‬‬

‫أ‪-‬أثر الفكرة عند الغرب‪69.......................‬‬

‫ثانيا‪ :‬التسامح واثاره في الفكر اإلسالمي‪70......................‬‬

‫أ‪-‬أنواع التسامح‪70.........................................‬‬

‫ب‪-‬نظرية التسامح في الفكر االسالمي‪73................................‬‬

‫ج‪-‬أهمية التسامح ‪78................................ ..............‬‬

‫ثالثا‪:‬معيقات وصعوبات تحقيق فكرة التسامح‪79.....................‬‬

‫أ‪-‬عوائق في طريق التسامح ‪79..........................................‬‬

‫ب‪ -‬الداللة السلبية لتسامح‪83........................................‬‬

‫ج‪ -‬أثر فكرة التسامح على الفرد والمجتمع‪86........................‬‬

‫خاتمة ‪88....................‬‬

‫المراجع ‪90..................‬‬

‫ملخص البحث‪92..................‬‬

‫‪7‬‬
‫مقدمة 🌟‬

‫شك أن التغيير الحقيقي يبدأ من خالل تغيير طرق التفكير للدخول في عصر نهضة‬ ‫ال‬
‫جديدة واألخذ بأخالقيات التقدم‪ ،‬وتنمية العقل التي تقود اإلنسان إلي تحقيق قوة الفكر‬
‫الذي يساعده في حياته ويؤثر علي ذاته وصحته التنفسية وسلوكياته‪ ،‬فأي شيء يفكر‬
‫فيه اإلنسان يصبح اتجاه ا للعقل مما يؤثر علي اإلدراك والوعي ‪.‬‬

‫ولتحقيق عجلة التقدم ال بد من تحقيق السالم‪ ،‬ولن يتحقق السالم إال بنشر التسامح‬
‫ومعرفة قيمته والعمل علي نشر ثقافته‬

‫وثقافة التسامح هي التي تضبط عالقة اإلنسان بعقائده وأفكاره‪ ،‬بحيث ال تصل إلى‬
‫مستوي التعصب األعمى الذي يقود صاحبه إلى القتل وممارسة التدمير باسم القيم‪ .‬فإن‬
‫التسامح اليوم ليس محو ار من محاور المدينة الفاضلة‪ ،‬ولكنه أصبح ضرورة إنسانية‬
‫واجتماعية وسياسية وثقافية‪ ،‬حتى يستطيع الفرد أن يقف أمام أي عدو يستهدف الفرد‬
‫أو حضارته أو ثقافته أو بلده‪.‬‬

‫ويشير مفهوم التسامح إلى االعتراف والقبول بحقوق كل األفراد والجماعات التي لديها‬
‫أفكار وآراء ومواقف وسلوك‪ .‬حيث انه هو الطريق إلى الشعور بالسالم الداخلي‪.‬‬

‫لذا ال بد من االهتمام بدور العقل والفكر لالتجاه لتحقيق السالم العادل من خالل إبراز‬
‫قيم التسامح والحوار البناء والعدل وأثر ذلك في مختلف األصعدة (األسرة ‪ ،‬والمدرسة‪،‬‬
‫والمجتمع ‪ ،‬والدولة)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الخطة االساسية للمذكرة 🌟‬

‫‪ -‬الفصل االول‪:‬‬

‫السياق المفاهيمي لفكرة التسامح‬

‫‪-‬اوال‪ :‬تطور مفهوم التسامح‬

‫أ‪-‬نشأة مفهوم التسامح‬

‫ب‪-‬التسامح في تاريخ العربي االسالمي‬

‫ج‪-‬تبلور فكرة التسامح عند الغرب‬

‫‪-‬ثانيا‪ :‬تعريف التسامح‬

‫أ‪-‬تعريف التسامح لغة‬

‫ب‪-‬تعريف التسامح اصطالحا‬

‫ج‪-‬التسامح والفلسفة‬

‫‪-‬ثالثا‪ :‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‬

‫أ‪-‬تعريف التنوع الثقافي‬

‫ب‪ -‬دواعي التنوع الثقافي‬

‫ج‪-‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫مفهوم التسامح عند ويل كميليكا‬

‫‪9‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف ويل كميليكا‬

‫أ‪-‬نبذة عن ويل كميليكا واهم مؤلفاته‬

‫ب‪-‬نظرة ويل كميليكا الى التعددية الثقافية‬

‫ج‪-‬أصول التعددية الثقافية‬

‫ثانيا ‪ :‬الشخصيات التي اثرت في الفيلسوف ويل كميليكا‬

‫أ‪ -‬التسامح عند يورغن هابرماس ومدى تأثيره على ويل كميليكا‬

‫ب‪-‬المفهوم الحديث لتسامح‬

‫ج‪-‬منطق التعدد الثقافي‬

‫ثالثا‪ :‬فلسفة ويل كميليكا‬

‫أ‪-‬التنوع الثقافي وعالقته بتسامح‬

‫ب‪-‬اشكال التعددية الثقافية‬

‫ج‪ -‬انواع التعددية الثقافية‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫أثر فكرة التسامح في ظل التعددية الثقافية‬

‫اوال‪ : :‬أثر فكرة ويا كميليكا في الدعوة إلى فكرة التسامح‬

‫أ‪-‬أثر الفكرة عند الغرب‬

‫ثانيا‪ :‬التسامح واثاره في الفكر اإلسالمي‬

‫أ‪-‬أنواع التسامح‬

‫ب‪-‬نظرية التسامح في الفكر االسالمي‬

‫‪10‬‬
‫ج‪-‬أهمية التسامح‬

‫ثالثا‪:‬معيقات وصعوبات تحقيق فكرة التسامح‬

‫أ‪-‬عوائق في طريق التسامح‬

‫ب‪ -‬الداللة السلبية لتسامح‬

‫ج‪ -‬أثر فكرة التسامح على الفرد والمجتمع‬

‫• تعريف بالموضوع‬
‫‪ -‬ان العالم اليوم يعيش فلسفة جديدة تتمثل في سقي شجرة الكراهية والعنف ونشر‬
‫االحقاد والضغينة لعل ما نشاهده اليوم من تعصب للمواقف واالفكار حيث تتحص‬

‫أسوار من الغلو‪ ،‬كل هذا يدعونا الى اعادة النظر في مفاهيم أخرى بعيدة عن هذه‬
‫التوجهات كمفهوم التسامح لنحدد له مكانا بين كل هذه المناقضات التي نعيشها اليوم‬

‫‪ -‬أهمية الموضوع ‪:‬‬


‫‪ -‬تتجلى أهمية الموضوع في محاولته ابراز حقيقة التسامح التي تتفق البشرية على‬
‫اعتبارها قيمة انسانية كلية ‪،‬وذلك من وجهة نظر الفيلسوف ويل كيمليكا ومن منظور‬
‫العالم العربي االسالمي والغربي وابراز العالقة التي تربطه بتنوع الثقافات و التعايش‬
‫السلمي ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬أسباب اختيار الموضوع ‪:‬‬
‫‪ -‬يعود اختيار الموضوع الى اسباب عديدة بين ذاتية وموضوعية منها ‪:‬‬
‫‪ -‬أهمية الموضوع خصوصا في الوقت الحالي مع غياب دراسة وافية بالغرض الذي‬
‫نسعى اليه‪.‬‬
‫‪ -‬حرص على فهم طبيعة العالقة بين التسامح وتعدد الثقافات‪.‬‬
‫‪ -‬ارتباط الموضوع بتخصصي العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬أهداف الموضوع‪:‬‬
‫‪ -‬نسعى من خالل هذا البحث الى‪:‬‬
‫‪ -‬تبيان اهمية التسامح في حل النزاعات االنسانية والسماح بالتنوع الثقافي وترسيخ‬
‫التعايش السلمي‪.‬‬
‫‪ -‬اكتشاف طبيعة التسامح من منظور العالم العربي االسالمي والغربي‪.‬‬
‫‪ -‬ابراز حقيقة التسامح وٱلياته من منظور الفيلسوف ويل كيمليكا ‪.‬‬
‫‪ -‬تبيان مميزات التنوع الثقافي‪.‬‬
‫‪ -‬الدراسات السابقة ‪:‬‬

‫ال يوجد دراسات سابقة للموضوع‬

‫‪ -‬منهج الدراسة‪:‬‬
‫‪ -‬تبنت الدراسة المنهج االستقرائي المتمثل في تتبع آليات التي تعكس رؤية القرآن‬
‫للتسامح‪ ،‬ثم الوصفي التحليلي الذي يتجلى في تحليل المعاني انطالقا من التحليل‬
‫الداللي للكلمات ذات األهمية في تحديد رؤية القرآن لمفهوم التسامح من خالل‬
‫توصل إلى تفسير منطقي مدعم ببراهن‪.‬‬
‫ً‬ ‫السياقات التي تحكم نظرته إلى العالم‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬اشكالية البحث‪:‬‬
‫‪ -‬يسجل مفهوم التسامح حضوره في عمق التجربة االنسانية ويتجلى في صيغ تنوع‬
‫بتنوع المجتمعات االنسانية ‪،‬كما تسعى هذه الدراسة الى بناء نظرة شاملة التسامح‬
‫من المنظور العام وعالقتها بالتنوع الثقافي ومدى تأثيرها في الفكر اإلنساني ‪،‬‬
‫ولتناول الموضوع ستطرح الدراسة سؤاال مركزيا هو ‪ :‬ما عالقة التسامح بتعدد‬
‫الثقافات ؟ وما الرابطة التي تجمعهما ؟‬

‫وطبعا هذا السؤال سينجم عنه مجموعة من أسئلة أخرى منها ‪ :‬ما مفهوم التسامح ؟ وما‬
‫مفهومه عند العرب المسلمين ؟وعند الغرب ؟ وما هو التنوع الثقافي ؟ وما هي أهدافه؟‬

‫وما عالقة التسامح بتعدد الثقافات ؟وما مفهوم التسامح عند ويل كيمليكا ؟ وما‬
‫الشخصيات التي أثرت فيه ؟ وما أثر فكرة التسامح في العالم العربي ؟ وما معيقات‬
‫وصعوبات التي تعيق تحقيق فكرة التسامح في ظل تعدد الثقافات ؟‬

‫‪ -‬صعوبات البحث ‪:‬‬


‫‪ -‬كما هو معروف فإن كل بحث أو عمل أكاديمي يحتاج الى شد الهمة وتثبيط‬
‫العزيمة من اجل التنقيب في اعماق االشكالية موضوع الدراسة لبلوغ المسعى‬
‫المعرفي المنشود الى ان هذا ال يمنع من االصطدام بعوائق وصعوبات التي‬
‫يؤكد بعضها على أنها تتمثل في قلة االعمال والمصادر اال ان الصعوبة الحقيقة‬
‫تكمن في كيفية استثمار هذه المصادر وكيفية اختيار االنسب منها ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫االول‪:‬‬ ‫‪ -‬الفصل‬
‫السياق المفاهيمي لفكرة التسامح‬
‫‪-‬اوال‪ :‬تطور مفهوم التسامح‬
‫أ‪ -‬نشأة مفهوم التسامح‬
‫ب‪-‬التسامح في تاريخ العربي االسالمي‬
‫ج‪-‬تبلور فكرة التسامح عند الغرب‬
‫‪-‬ثانيا‪ :‬تعريف التسامح‬
‫أ‪-‬تعريف التسامح لغة‬
‫ب‪-‬تعريف التسامح اصطالحا‬
‫ج‪-‬التسامح والفلسفة‬
‫‪-‬ثالثا‪ :‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‬
‫أ‪-‬تعريف التنوع الثقافي‬
‫ب‪ -‬دواعي التنوع الثقافي‬
‫ج‪-‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‬

‫‪14‬‬
‫أوال ‪ :‬تطور مفهوم التسامح‬

‫أ‪ -‬نشأة مفهوم التسامح ‪:‬‬

‫يقوم التسامح على مبدأ بسيط يقول‪« :‬عش واترك اآلخرين يعيشوا»‪ ،‬وبذا يصبح هو صورة‬

‫التكيف التي بمقتضاها تميل الجماعات المتعارضة إلى االنسجام المتبادل‪ ،‬وتحاشي الصراع‬

‫من أجل التوصل إلى حل عملي‪ ،‬في ظل مبدأ عدم التدخل في معتقدات وتصرفات اآلخرين‬

‫التي ال يحبذها المرء‪.‬‬

‫والتسامح من القيم األصيلة في ثقافة الديمقراطية‪ ،‬إذ إن الحريات الثالث المرتبطة بالتفكير‬

‫والتعبير والتدبير‪ ،‬تنطوي على تسامح مع المعارضة السياسية‪ ،‬أو مع اآلخر المختلف معنا‬

‫في االتجاهات والتوجهات‪ ،‬ويوصم بالتعصب واالستبداد كل من يحاول أن يحرم المعارضين‬

‫من التعبير اللفظي والحركي عن أنفسهم‪ ،‬ما دام قولهم وفعلهم ال يخالف القانون‪ ،‬وال يشكل‬

‫اعتداء على حريات ومصالح اآلخرين‬


‫ً‬

‫‪ -‬سجل مفهوم التسامح ‪Tolérance‬حضوره في عمق التجربة اإلنسانية‪ ،‬ويتبدى في صيغ‬

‫تتنوع بتنوع المجتمعات اإلنسانية في إطار الزمان والمكان والمراحل التاريخية‪.‬‬

‫جاء في قاموس "الالروس" الفرنسي أن التسامح ‪Tolérance‬يعني احترام حرية اآلخر‬

‫وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية الدينية‪ .‬وجاء في قاموس العلوم االجتماعية أن مفهوم‬

‫" "‪ Tolérance‬يعني قبول آراء اآلخرين وسلوكهم على مبدأ االختالف وهو يتعارض مع‬

‫م فهوم التسلط والقهر والعنف‪ ،‬ويعد هذا المفهوم من أحد أهم سمات المجتمع الديمقراطي‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ومن يستعرض تطورات هذا المفهوم في التاريخ اإلنساني يجد بأنه أخذ أشكاالً وصيغاً‬

‫مختلفة ومتنوعة من حيث البساطة والتعقيد واالمتداد والحضور‪ .‬وسجلت هذه األشكال‬

‫والصيغ حضورها بوحي التنوع الحضاري والثقافي للمجتمعات اإلنسانية‪.‬‬

‫ولدت كلمة التسامح ‪Tolérance‬في القرن السادس عشر‪ ،‬إبان الحروب والصراعات‬

‫الدينية‪ ،‬التي عرفتها أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت حيث انتهى الكاثوليك إلى التسامح‬

‫مع البروتستانت‪ ،‬وبشكل متبادل‪ .‬ثم أصبح التسامح يمارس إزاء كل المعتقدات والديانات‬

‫األخرى‪ .‬وفي القرن التاسع عشر انتشر هذا المفهوم ليشمل مجال الفكر وحرية التعبير‬

‫وليضمن جوانب اجتماعية وثقافية بالغة الغنى والتنوع‪ .‬وغني عن البيان أن الحروب‬

‫والصراعات الدينية الطويلة التي عاشتها أوروبا في ألمانيا وهولندا وإنكلت ار واسبانية وفرنسا‬

‫كانت في أصل هذا التحول الذي شهده مفهوم التسامح‪.‬‬

‫وتتضح الحقيقة التاريخية لتطور مفهوم التسامح في كتاب جون لوك سنة ‪ 1689‬الذي عنون‬

‫طيات هذه الرسالة‪" :‬أن‬


‫بـ "رسالة في التسامح ‪Lettre sur tkolérance‬حيث يعلن في ّ‬

‫التسامح جاء كرد فعل على ال صراعات الدينية المتفجرة في أوروبا‪ ،‬ولم يكن من حل أمام‬

‫مفكري اإلصالح الديني في هذه المرحلة التاريخية‪ ،‬إال الدعوة والمناداة بالتسامح المتبادل‬

‫واالعتراف بالحق في االختالف واالعتقاد‪.‬‬

‫ومن الواضح أن مفهوم التسامح استطاع تجاوز حدود الدين واقترن بحرية التفكير وبدأ‬

‫ينطوي تدريجياً على منظومة من المضامين االجتماعية والثقافية الجديدة التي أوحت بها‬

‫‪16‬‬
‫العصور المتالحقة بما تضمنت عليه هذه المراحل من صور جديدة لتصورات اجتماعية‬

‫متجددة أسفر العصر الحديث بتطوراته المختلفة عن وجودها‪.‬‬

‫وغني عن البيان أن المفهوم المعاصر للتسامح يقوم على مبادئ حقوق اإلنسان العالمية‪ ،‬لقد‬

‫ربطت وثيقة إعالن المبادئ العالمي الصادر في ‪ 16‬تشرين الثاني ‪ 1995‬بين التسامح‬

‫وحقوق اإلنسان والديمقراطية والسلم وبالتالي ارتقت بالتسامح إلى صورة قيمة قانونية‬

‫تتطلب الحماية من قبل المجتمع الدولي‪ .‬حيث ورد في البند األول من هذه الوثيقة إعالن‬

‫المبادئ حول التسامح ‪Declaration de principes sur la Tolérance‬الصادرة‬

‫عن اليونسكو بصدد معنى التسامح أن مفهوم التسامح يتضمن العناصر التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬قبول تنوع واختالفات ثقافات عالمنا واحترام هذا التنوع‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التسامح موقف يقوم على االعتراف بالحقوق العالمية للشخص اإلنساني‪ ،‬والحريات‬

‫األساسية لآلخر‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التسامح هو مفتاح حقوق اإلنسان والتعددية السياسية والثقافية والديمقراطية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬إن تطبيق التسامح يعني ضرورة االعتراف لكل واحد بحقه في حرية اختيار معتقداته‪،‬‬

‫والقبول بأن يتمتع اآلخر بالحق نفسه‪ ،‬كما يعني بأن ال أحد يفرض آراءه على اآلخرين‪.‬‬

‫كما أنها ربطت بين مفهوم التسامح والسالم على أساس أن هذا األخير لن يرسخ كثقافة إال‬

‫بوجود األول‪ .‬فالتسامح على حد تعبير فدريكو مايور ‪F.Mayor‬شرط ضروري للسلم ما‬

‫‪17‬‬
‫بين األفراد كما بين الشعوب وهو بمثابة "التوابل" الالزمة لكل ثقافة للسالم‪.‬‬

‫ويعد التسامح من جهة أخرى إخضاع المرء قناعاته الخاصة لضرورات الحياة المشتركة مع‬

‫أناس يتأكد من أنهم على خطأ أساسي‪ .‬إن التسامح بالمعنى النبيل ال يستند إلى أساس التساهل‬

‫وال الشهامة والضعف وال الحساب النفعي أو الذرائعي‪ ،‬إنه االعتراف بتعددية المواقف‬

‫الفلسفية اإلنسانية‪ ،‬بتنوع اآلراء‪ ،‬والقناعات واألفعال واألخالق الناجمة عنها وبضرورة‬

‫‪1‬‬
‫التوفيق بين تبايناتها الحاسمة وتنافراتها ضمن نظام مدني سياسي‪.‬‬

‫‪1‬‬‫نشر الخميس‪ ٢٤ ،‬يناير ‪ /‬كانون الثاني ‪٢٠١٩‬‬


‫تطور مفهوم ’التسامح‘ في‬

‫‪18‬‬
‫ب‪-‬التسامح في التاريخ العربي اإلسالمي‪:‬‬

‫إن التسامح بالمفهوم الذي تناولناه يحيل إلى التساهل في الحقوق الشخصية باحترام اآلخر‬

‫وقبوله واالعتراف بحقه‪ .‬وال شك في أن هذا النوع من التصرف يعود إلى منحى أخالقي‪،‬‬
‫ويتطلب أعلى الصفات الكريمة من التواضع والرحمة وحسن المعاملة والسلوك الطيب‪.‬‬

‫ا إلى أن القرآن الكريم يمتً ل أكثر مرجعي ديني عناية باإلنسان‪ ،‬من حيث تصفية سلوكه‬

‫وتهذيبه‪ ،‬ونظر وهدايته وتوجيهه وإرشاده‪ ،‬فال بد من أن يكون مهتما بالتسامح الذي هو‬

‫قيمة كلية بشرية قبل أن يكون مع العلم أن مهمة األديان السماوية ال تخلو من محافظة‬

‫وإقامة األخالق والقيم الكلية مقصدا ديني‪-‬وبقوة‪ -‬في الرسالة القرآنية‪ .‬صحيح أن الكلمة‬

‫بعينها ولذلك نجد مفهوم التسامح ومضمونه حاضرلم ترد في القرآن الكريم‪ ،‬ولكن متطلباتها‬

‫وأسسها بل حقيقتها كانت غالبة في الخطاب القرآني تصريحا أو معلوم أن العبرة ليست‬

‫بالكلمات واأللفاظ بقدر ما هي في الحقائق والمغازي‪ .‬ضمني والقصد في الدراسة ليس‪ ،‬كما‬

‫يفعل بعض الباحثين‪ ،‬مجرد اإلسقاط لمفهوم التسامح‪ ،‬بالمعنى المتداول اآلن‪ ،‬على القرآن‬

‫الكريم‪ ،‬وإنما البحث في نوعية التسامح الذي يقدمه الخطاب القرآني‪ .‬ويكون ذلك بمحاولة‬

‫فهم وتحليل الشبكة المفاهيمية الخاصة بالمدلول والمغزى من خالل الكلمات ذات األهمية‪.‬‬

‫ارتبط التسامح في النص اإلسالمي المؤسس (القرآن الكريم) بقيم مثل الرفق الذي هو ضد‬

‫الحمق والخرق والعنف‪ ،‬وكذلك الحلم‪ ،‬الذي يعني الوعي بحاالت الضعف التي تنتاب‬

‫اإلنسان والصبر عليها‪ ،‬وأيضاً العفو وهو االستعداد للتنازل عن الحق الشخصي‪ ،‬وقبل كل‬

‫هذا بالرحمة‪ ،‬التي هي القيمة المركزية لإلسالم‪ ،‬ما يدل عليه مخاطبة هللا سبحانه وتعالى‬

‫‪19‬‬
‫للرسول الكريم قائالً له‪« :‬وإنك لعلى خلق عظيم»‪ .‬وتجلت هذه المعاني في الكثير من‬

‫التصرفات التي أتى المؤرخون على ذكرها‪ ،‬مثل «وثيقة المدينة» التي أبرمها الرسول مع‬

‫أهل يثرب بمن فيهم اليهود‪ ،‬وتعامله مع نصارى نجران‪ ،‬وتصرفات الخليفة الثاني عمر بن‬

‫الخطاب المتمثلة في «العهدة العمرية» والتي كانت ثورة بمقاييس زمنها‪ ،‬وعقابه البن والي‬

‫مصر عمرو بن العاص حين ضرب صبياً قبطياً‪ .‬وقد احتشدت عبقريات العقاد‪ ،‬على سبيل‬

‫المثال‪ ،‬بكثير من هذه المعاني‪ ،‬وكذلك كتابات خالد محمد خالد عن الصحابة‪ ،‬وكتابات عبد‬

‫الحليم‬

‫لكن قضية التسامح الديني لم تتبلور نظرياً بشكل محدد المعالم إال مع كتابات «إخوان الصفا‬

‫وخالن الوفا»‪( ،‬هم جماعة من فالسفة المسلمين من أهل القرن الثالث الهجري والعاشر‬

‫الميالدي بالبصرة اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد اإلسالمية والحقائق الفلسفية المعروفة)‪،‬‬

‫حسبما يرى علي خليل حمد في كتابه «التسامح في الفكر العربي»‪ ،‬حيث لم تشتمل رسائلهم‬

‫على عبارة صريحة أو ضمنية تنطوي على تعصب لشعب على آخر‪ ،‬أو ألمة على أخرى‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬األديان متماثلة في حقائقها اإللهية‪ ،‬وإنما يقع االختالف في الشرائع أو مناهج العمل‬

‫واألوامر والنواهي‪ ،‬وهو اختالف ينسجم مع اختالف األزمنة واألمكنة واألحوال‪ .‬ثانياً‪:‬‬

‫اكتساب الفرد لدين ما لم يقع باختياره‪ ،‬بل تم في صغره وترسخ في نفسه‪ ،‬بحيث عاد ال‬

‫يستطيع الخروج عليه‪ ،‬ما يجعله غير مسؤول عما ال يرضى اآلخر عنه منه‪.‬‬

‫وتحدث «إخوان الصفا» عن التسامح المذهبي والقائم على عدة نقاط اختالف‪ ،‬مثل اختالف‬

‫في ألفاظ القرآن كالذي بين القراء‪ ،‬واختالف في المعاني مثل ما هو بين المفسرين‪،‬‬

‫‪20‬‬
‫واختالف في أسرار الدين وحقائق معانيه الخفية كالذي بين المقلدين والمستبصرين‪،‬‬

‫واختالف في األئمة كالذي بين الشيعة‪ ،‬واختالف في أحكام الشريعة‪ ،‬وسنن الدين‪ ،‬بين الفقهاء‪.‬‬
‫لكن الفكر والفقه اإلسالمي فيما بعد اعتبر أن المشكلة األساسية ال تحل بـ «التسامح» إنما‬
‫بـ «فتح باب االجتهاد» فانشغلت العقول بهذا‪ ،‬ولم يخل انشغالها من معنى وسبب مقنع‪،‬‬

‫نظ اًر ألن توقف االجتهاد ساعد على بقاء كثير من اآلراء التي تكرس التعصب‪ ،‬وتقلل من‬

‫قيمة التحاور والتعارف‪ ،‬السيما في ظل دخول العالم اإلسالمي في صراعات متواصلة‪،‬‬

‫بدءاً بالصليبيين والمغول وانتهاء بالحركة االستعمارية في العصر الحديث‪.‬‬

‫وعاد العرب يطرحون القضية مع نهضتهم الحديثة في الثلث األخير من القرن التاسع عشر‪،‬‬

‫فاشتبك المسيحيون العرب في جدل حول نظرية داروين‪ ،‬ثم تدخل بعض المسلمين للدفاع‬

‫عن اإلسالم في مواجهة مستشرقين وسياسيين تحدثوا عن حرية الضمير‪ ،‬وحرية تغيير‬

‫الدين‪ ،‬وأخذوا على المسلمين مسألة حد الردة والجهاد وتهميش النساء‪ ،‬حسبما يرى رضوان‬

‫السيد‪ ،‬ثم تحدث أمين الريحاني عن التساهل الديني‪ ،‬ورأى أنه أساس التمدن‪ ،‬ألنه أطلق‬

‫طاقة الفكر الجريء في كل مجال‪ ،‬وعزز سلطة الضمير‪ ،‬وقيد السلطة السياسية المتألهة‪،‬‬

‫ومنح الحريات الفردية والعامة‪ ،‬وكتب أديب إسحق عن التعصب والتساهل‪ ،‬وكتب جمال‬

‫الدين األفغاني عن مثالب التعصب‪ ،‬وقدم سليم البستاني وشبلي شميل العديد من اآلراء التي‬

‫التقطوها من الفكر الغربي في هذا الصدد‪ .‬وقد التف األفغاني ومحمد عبده وخير الدين‬

‫التونسي على المسألة على نحو اعتذاري قبل أن يميزوا مع الكواكبي بين تسامح سياسي‬

‫يقبلونه‪ ،‬وبين تساهل ديني غير مقبول‪ .‬وقد استفاض فرح أنطون في تناول قضية فصل‬

‫الدين‬
‫وفي الوقت المعاصر أخذت قضية التسامح دفعة قوية‪ ،‬بعد ترسيخ الدساتير والقوانين‬

‫‪21‬‬
‫للمساواة‪ ،‬على المستوى النظري‪ ،‬بين المواطنين في الحقوق والواجبات‪ ،‬وتعزز قدرة‬

‫المجتمع المدني في التأثير‪ ،‬وتبنيه لقضية «المواطنة»‪ ،‬وااللتفات إلى ضرورة الحوار‪،‬‬

‫على المستوى الداخلي بين الفئات والشرائح التي تشكل الدولة‪ ،‬وعلى المستوى األكبر حيث‬
‫‪2‬‬
‫حوار الحضارات‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫اجد الغرباوي‪ ،‬التسامح ومنابع ت‪ :‬فرض التعايش بين األديان والثقافات )بغداد‪ :‬الدار الحضارية للطباعة‬
‫والنشر‪)، 2008 ،‬ص ‪ 20‬بتصرف‪.‬‬
‫أبو حيان محمد بن يوسف األندلسي‪ ،‬البحر المحيط في التفسير‪ ،‬تحقيق صدقي محمد جميل )بيروت‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪1420‬هـ(‪ ،‬ج ‪، 5‬ص ‪.256‬‬

‫‪22‬‬
‫ج‪ -‬تبلور فكرة التسامح عند الغرب ‪:‬‬

‫ظهرت فكرة التسامح عند الغرب في القرون الوسطى أو ما يسمى بعصر النهضة واإلصالح‬
‫ثم تركزت الفكرة‬
‫في فترة تميزت بسلطة مطلقة للكنيسة على الحياة والدولة والمجتمع والفرد‪ّ .‬‬
‫كقيمة أخالقية ذات دالالت سياسية ومجتمعية في القرن ‪18‬م أو ما يعرف بعصرالتنوير وممن‬

‫ساهم في إبراز هذه الفكرة من المفكرين في تلك ال حقبة من الزمن‪ ،‬نذكر‪ :‬جاكوب آكونتيوس‬
‫‪(Acontius‬ت ‪1566‬م؟) و ارازموس ‪(Erasmus‬ت ‪1536‬م) وجان بودان ‪(Bodin‬ت‬
‫‪1596‬م) وبلتازار هوبماير ‪(Hübmaier‬ت ‪1528‬م) وجون آلتسيوس ‪(Althusius‬ت‬
‫‪1638‬م) وجون لوك ‪(John Locke‬ت ‪1704‬م) صاحب الرسالة الشهيرة المعروفة بعنوان‬
‫‪A Letter concerning Toleration‬و فولتير ‪(Voltaire‬ت‬ ‫“رسالة عن التسامح”‪.‬‬
‫‪1778‬م) صاحب العمل الشهير‪TRAITE SUR LA TOLERANCE” .“ :‬وقد شهدت‬
‫فكرة التسامح عند الغرب تطو ار في مدلوالتها عبر السنين مواكبة لتطور الفكر الغربي نفسه‬
‫عن العالم والحياة‪ .‬فخرجت بذلك من طور المحلية أي التسامح بين أفراد الشعب الواحد إلى‬
‫ومرت “من مرحلة التنازل إلى مرحلة االعتراف‬
‫طور العالمية أي التسامح بين البشر جميعا‪ّ ،‬‬

‫تدل على قيمة ذات مضمون‬


‫الحق وقد أصبحت هذه الفكرة اليوم ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم إلى احترام هذا‬
‫بالحق ّ‬
‫ّ‬
‫أخالقي‪ ،‬وثقافي‪ ،‬وسياسي‪ ،‬ومجتمعي يشمل كل جوانب الحياة‪ ،‬وأضحت ركيزة من ركائز‬
‫المجتمعات‪ ،‬وأسا من األسس المنظمة للعالقات بين البشر بصفتهم الفردية أو الجمعية‪.‬‬
‫جد المرء كبير عناء في إثبات الفشل الغربي في التوفيق بين التنظير للتسامح وتطبيقه على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬فالهوة بينهما عميقة والبون شاسع مما يجعل أمر إدراك الفصل هينا ميسورا‪.‬‬

‫إن التسامح “موقف يتجلى في االستعداد لتقبل وجهات النظر المختلفة فيما يتعّلق‬
‫تقول النظرية ّ‬
‫باختالفات السلوك والرأي دون الموافقة عليها”‪ .‬وتقول‪“ :‬باحترام وتقدير وقبول التنوع الثري‬
‫لثقافات عالمنا‪ ،‬ومختلف أنماطنا التعبيرية‪ ،‬وطرق تحقيق كينونتنا اإلنسانية”‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫تقر بوجود االختالف بين البشر في ثقافاتهم وحضاراتهم‪ ،‬وتقبل‬
‫مما يعني أن نظرية التسامح ّ‬
‫التنوع بين أنماط العيش ا لمختلفة والسلوكيات المتباينة بين البشر لتباين وجهات نظرهم عن‬
‫بكل مدلوالته ومعانيه وأسسه التي قام عليها‪.‬‬
‫الحياة‪ .‬ولكن الممارسة العملية تهدم هذا التصور ّ‬
‫فالدعوة إلى االندماج في المجتمع الغربي التي تفيد الذوبان في ثقافة المجتمع وحضارته‪ ،‬والتي‬
‫تفيد تخلي المسلم عن هويته أي عن عقيدته‪ ،‬وثقافته‪ ،‬وحضارته‪ ،‬وقيمه‪ ،‬على النقيض تماما‬
‫ظر لها الغرب بمفكريه ومؤسساته المحلية والعالمية‪.‬‬
‫من نظرية التسامح التي ن ّ‬

‫والحملة المتواصلة على اإلسالم في بالد الغرب أكبر شاهد على هذا التناقض بين الفكر‬
‫والممارسة‪ .‬وما يرى من تشويه لصورة اإلسالم في وسائل اإلعالم‪ ،‬ومن تصريحات يومية‬
‫يدل مطلقا على احترام وتقدير لبقية الثقافات المغايرة لثقافة الغرب‪.‬‬
‫تطعن فيه وفي أهله‪ ،‬ال ّ‬
‫ومشكلة «الحجاب” التي أثيرت بقوة مؤخ ار في بالد الغرب خرق فاضح لنظرية تقوم على حرية‬
‫أن التسامح “يعني أن نقبل بأن البشر من طبيعتها أن تختلف في المظهر‪،‬‬
‫وتنص على ّ‬
‫ّ‬ ‫التدين‪،‬‬
‫والحالة‪ ،‬والكالم‪ ،‬والسلوك والقيم‪ ”.‬واألغرب من منع الخمار رؤية رافران رئيس الوزراء الفرنسي‬
‫الذي اعتبر “أن الحجاب اإلسالمي في مدارس الدولة أصبح تحديا سياسيا‬

‫للقيم األساسية الفرنسية ممثلة في االنفتاح والتسامح”[‪ .]11‬وهذا القول يعتبر تزييفا فاق الحدود‬
‫فيما يمكن تصوره من مخالفة النظرية للممارسة‪.‬‬

‫كل‬
‫كل دوله‪ ،‬والنظام الغربي على ّ‬
‫والسعي إلى دمقرطة العالم وفرض المبدأ الرأسمالي على ّ‬
‫شعوبه‪ ،‬أو بتعبير البروفسور البريطاني دامبو ‪ Micah Dembo‬في مقال له بصحيفة ‪The‬‬
‫‪Iindepende‬‬

‫“إن األسس الثقافية والفكرية لإلرهاب في المجتمعات اإلسالمية ال تدمر إالّ بتغريب‬
‫‪ّ :‬‬
‫‪ westernizing‬تلك المجتمعات”[‪ ،] 12‬مناقضة صريحة لنظرية التسامح‪ .‬فهي التوتاليتارية‬
‫أن الكليانية ‪ Totalitarianism‬هي‬
‫بعينها التي أوجبت نظرية التسامح الغربي رفضها‪ .‬ذلك‪ّ ،‬‬
‫“أحد أشكال الحكم مبني على إخضاع الفرد للدولة‪ ،‬وعلى السيطرة الصارمة على جميع مظاهر‬

‫‪24‬‬
‫حياة األمة وطاقاتها المنتجة‪ ،‬وذلك على أساس افتراضات أيديولوجية تحكمية معينة تبقي‬
‫الزعامة تطبيقها وتعلنها في جو من اإلجماع المفروض باإلكراه على السكان كافة‪]13[ ”.‬‬

‫وما تقوم به أمريكا وإنجلت ار في العراق‪ ،‬وما يراد بالعالم اإلسالمي ككل من حمله على تطبيق‬
‫الديمقراطية والعلمانية‪ ،‬وتغيير مناهج تعليمه‪ ،‬ليس إال كليانية‪ .‬وهو من باب فرض أيديولوجية‬
‫معينة على الشعوب من أجل التحكم في طاقاتها ومواردها‪.‬‬

‫وما قول شيراك رئيس فرنسا‪“ ،‬ال مساومة على العلمانية”‪ ،‬معلال تقنين منع الخمار على‬
‫المسلمة إال مخالفة واضحة لنظرية التسامح‪ .‬ألنه يحدد منطلقا واحدا ال يمكن التنازل عنه‪،‬‬
‫وهو العلمانية‪ ،‬وأما اإلسالم وتعاليمه الموجبة على المسلمة لبس الخمار‪ ،‬فهو مما يمكن التنازل‬
‫عنه‪ .‬وهذا هو الدغمائية والمطلقية التي أوجبت نظرية التسامح رفضهما‪ .‬فالدغمائية‬
‫‪ Dogmatism‬التي تفيد في أحد مدلوالتها “التصلب في الرأي أو القطع به بدون مناقشة أو‬
‫تفكير”[‪ ] 14‬أو هي” معرفة (مبدأ أو قاعدة) ال يمكن الرجوع عنها…”[‪ ]15‬متجسدة بوضوح‬
‫في قول شيراك‪.‬‬

‫الحق والكمال متجسدة‬‫ّ‬ ‫والمطلقية ‪ Absolutism‬التي تفيد كون الفكرة نهائية تمثّل وحدها‬
‫بأن اإلسالم يقبل المساومة‪ ،‬وعليه التنازل‪،‬‬
‫أيضا بوضوح في قول شيراك‪ .‬فهو يقول صراحة ّ‬
‫أما العلمانية فهي قطعية ال تقبل المساومة عليها أو التخلي عنها‪ .‬إن هذا ضرب من ضروب‬

‫الكليانية القائمة على عقلية اإلقصاء واإلبعاد واالستبداد وإن كان مغلفا بغالف الليبرالية‬
‫والديمقراطية وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وال ننسى التصريحات الشهيرة للمستشار األلماني شرودر عقب أحداث ‪ 11‬أيلول ‪2001‬م‪،‬‬
‫حيث اعتبر الهجوم على أمريكا هجوما على العالم المتحضر‪ ،‬ولبرلسكوني اإليطالي عقب‬
‫األحداث نفسها حيث قال‪ ”:‬إن الحضارة الغربية أعلى وأفضل من الحضارة اإلسالمية”‪.‬‬
‫أن القول بأن العالم‬
‫وكالهما أجج نار حرب‪ ،‬وأوقد شعلة صراع حضاري‪ .‬فقد نسي شرودر ّ‬
‫الغربي متحضر مرفوض ألنه يفيد عدم تحضر الغير‪ ،‬وهو ما يعني استعالء على بقية‬

‫‪25‬‬
‫الحضارات وانتقاصا من قدرها‪ ،‬وهي فكرة مناقضة لنظرية التسامح‪ .‬كما نسي برلسكوني أن‬
‫تنص على التسوية بين‬‫القول بعلو الحضارة الغربية وأفضليتها يناقض نظرية التسامح التي ّ‬
‫الحضارات وعدم وجود أفضلية بينها‪.‬هذا غيض من فيض‪ ،‬واألمثلة القطيعة بين نظرية التسامح‬
‫‪3‬‬
‫جدا يصعب حصرها‪.‬‬
‫عند الغرب وممارستها‪ ،‬سواء من التاريخ القديم أو الحديث‪ ،‬كثيرة ّ‬

‫‪3‬‬ ‫ينظر‪ :‬ندوة حول ” التسامح بين المفاهيم والواقع”‪ .‬المجلة العربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ص ‪ 62 -49‬العدد ‪ 2‬سنة ‪1995‬م‪.‬‬

‫معجم مصطلحات العلوم االجتماعية‪ ،‬د زكي بدوي‪ ،‬ص‪462‬‬


‫‪Brainy dictionary at : www.brainydictionary.com/words/to/toleration230826.‬‬

‫‪26‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف التسامح‬

‫أ‪-‬تعريف التسامح لغة‪:‬‬

‫تسجل مفردة التسامح ‪ Tolérance‬حضورها الدائم في أبجديات الحوار‬

‫السياسي و الديني و األخالقي في عمق التجربة االنسانية و تتبدى في صيغ تنوع‬

‫بتنوع االمجتمعات االنسانية في اطار الزمان و المكان‪ ،‬حتى أصبحت الشعار األمثل‬

‫والنموذج للتعامل مع اآلخر و أصبحت ضرورة قصوى‪ .‬ولقد عرفت الحضارات االنسانية‬

‫مفهوم التسامح و ما يقابله من مفاهيم العنف والتعصب و العدوان‪.‬و لعل هذا األمر يدعونا‬

‫إلى التوقف قليال عند هذا المفهوم لغة واصطالحا‪ ،‬و ما عرفه من تطور عبر التاريخ على‬

‫يد الفالسفة في الشرق و الغرب‪ .‬و أن البحث عن مفهوم التسامح في المعجم العربي ال‬

‫ينبغي أن يتوقف عند مادة (س‪ -‬م‪ -‬ح) بل يحتاج إلى ان يشمل مادة (ع ف و) و كل ما‬

‫يحيط بالتسامح من عبا ارت من أجل تحديد خصوصيته يرى بعض المفكرين أن اللغة العربية‬

‫ال تنطوي على مفهوم واضح للتسامح ( سمح ‪ ،‬التسامح‪ -‬السماحة ‪ 1‬بالمعنى المعاصر‬

‫للكلمة‪ .‬حيث جاء في لسان العرب والتسميح و تعني لغة الجهود‪ ،‬و اسمح إذ جاء و أعطى‬

‫بك ار و سحاء و أسمح وتسامح وافقني على المطلوب و المسامحة هي المساهلة‪.‬‬

‫و لعل أول ما يتبادر إلى أذهان أهل الّلسان العربي فيما يتعلق بمعنى التسامح‬

‫يفيد تبادل التسامح و السماحة و المسامحة ‪،‬و هي قيم لها دالال اإليجابية في اللغة‬

‫والثقافة العربية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫و قد جاء في مختار الصحاح سمح *سمح* له ‪*2‬سمح* له أعطاه‪ .‬وأي جاد و‬

‫من باب ظرف صار *سماحا* بسكون الميم و قوم سمحاء بوزن*سمح*أي أعطاه و‬

‫فقهاء وامرأة سموحة بسكون الميم و نسوة سماح بالكسر و المسامحة * المساهلة وتسامحوا‬

‫*تساهلوا‪ .‬فالجذر اللغوي للفظة التسامح المستخدمة كما يظهر في لسان العرب ومختار‬

‫الصحاح وغيرهما من القواميس العربية ال يحيل إلى المعاني الحديثة للتسامح مادامت‬

‫تعني الكرم والجود و المساهلة‪ .‬فهي ألفاظ تلغي مبدأ المساواة و التعامل الذي يعتبر شرطا‬

‫في الداللة الحديثة للتسامح‪ ،‬كمفهوم الكرم السخاء و تبرز عالقات التفاوت بين أطراف‬

‫العالقة من جهة أخرى يشيع استخدام لفظ المسامحة في لغة الخطاب السائد بمعنى‬

‫العفو والتنازل‪ ،‬و لفظ السماح بمعنى الموافقة‪ ،‬و عدم االعتراض و لفظ السماحة بمعنى‬

‫الزين والجمال سواء الماورائي أو المعنوي ‪ " .‬الالروس" الفرنسي فإن التسامح ‪Tolérance‬‬

‫تعني احترام ‪ 1‬أم ا في قاموس حرية اآلخر وطرق تفكيره‪ .‬بينما في قاموس العلوم‬

‫االجتماعية فإن بمفهوم يعني قبول آراء اآلخرين و سلوكهم على مبدأ االختالف وهو‬

‫يتعارض مع مفهوم التسلط و هذا المفهوم يعد من أهم سمات المجتمع الديمقراطي‪.‬‬

‫أي أن التسامح هو موقف من يقبل لدى اآلخرين وجود طرق تفكير وطرق‬

‫حياة مختلفة عما لديه‪ .‬و في الحقيقة هناك تعريف للتسامح أقدم في التاريخ من تعريف‬

‫تم عرضه (مقرونا بتعريف أديب إسحاق وحسن حنفي) يرتبط بظهور‬
‫الروس الذي ّ‬
‫الكلمة في القرن ‪ 16‬اثر الحروب الدينية‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إذا كان أئمة اللغة قد اتفقوا في تحديد المعنى الوضعي والجذر اللغوي لكلمة التسامح‪ ،‬فإن‬

‫ذلك لم يمنع وجود الخالف في ضبط مفهومه السياقي؛ إذ تعددت التعريفات واختلفت فيه‬

‫تحديد المفهوم االصطالحي له‪ ،‬بسب االختالف في المرجعيات‪ ،‬والتنوع في طبيعة النظر‪.‬‬

‫فمنهم من عرفه كأبي األعلى المودودي ‪.‬ويبدو أن التعريف فيه لمحة بأن »معناه أن‬

‫نا«فه بأنه‪» :‬المساكنة والتعايش في‬


‫نتحمل عقائد غيرنا وأعمالهم على كونها باطلة في نظر ّ‬
‫عن الجانب الديني كما تعبر عنها عبارة تحمل العقائد‪ .‬وهناك من عر ‪.‬ونالحظ أن هذا‬
‫التعريف أوسع من إطار رؤية إسالمية تحترم حق اآلخر في الرأي والعقيدة والفكر السابق؛‬
‫إذ يشمل احترام اآلخر سواء فيما يتعلق برأيه الفكري أو الديني‪ ،‬ولكنه يبقى محدودا في إطار‬
‫الرؤية اإلسالمية‪.‬‬

‫وفي خارج العالم االسالمي ‪ ،‬نجد أيضا المحاوالت عديدة لضبط معنى التسامح‪ ،‬إذ تم‬

‫تعريفه‪ ،‬وفقا لبنود منظمة اليونسكو سنة ‪1995‬م‪ ،‬بأنه »االحترام والقبول والتقدير للتنوع‬

‫الثري لثقافات عالمنا وألشكال ‪.‬وفي هذا األخير نالحظ أن المعنى كان أشمل؛ إذ تعلق‬

‫األمر بتقدير العنصر التعبير وللصفات اإلنسانية «البشري بغض النظر عن الصفات‬

‫اإلنسانية واالعتبارات األخرى الموجودة في التعاريف السابقة‪ .‬والذي نستخلصه من ذلك كله‬

‫أن مفهوم التسامح‪ ،‬رغم اختالف التعريفات في تحديده التخالف لمرجعيات وطبيعة النظر‪،‬‬

‫يبقى متضمنا لمعناه الوضعي الذي هو التساهل؛ إذ هو يمثل التساهل في الحقوق الذي‬

‫يفضي إلى قبول اآلخر واحترام اختياره سواء كان فكرة أو دينً ا أو بلدا‪ ،‬أو تعلق األمر بما‬

‫الدخل له فيه كجنسه أو عرقه‪ .‬وذلك مما يجعل العالقة بين المعنى الوضعي والمفهوم‬

‫االصطالحي عالقة وطيدة‪ .‬كما يجعلنا نخرج بخالصة وهي أن التسامح يعني احترام حق‬

‫‪29‬‬
‫‪4‬‬
‫اآلخر وقبوله بالتساهل في حقوقك الشخصية‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط ‪ (3‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1414 ،‬هـ(‪ ،‬مج ‪، 2‬ص ‪.490‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق وضبط عبد السالم محمد هارون )بيروت‪:‬‬
‫دار الفكر‪) 1979 ،‬ج ‪، 3‬ص ‪.99‬‬
‫‪ 3‬أبو العلى المودودي‪ ،‬السالم في مواجهة التحديات المعاصرة‪ ،‬تعريب خليل أحمد الحامدي‪ ،‬ط ‪ (4‬الكويت‪ :‬دار القلم‪،‬‬
‫‪)، 1980‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 4‬نقل عن‪ :‬سليمان دريع علي‪ ،‬حقيقة التسامح في اإلسالم )الكويت‪ :‬مكتبة ابن كثير‪)، 2009 ،‬ص ‪4 .11‬‬

‫‪30‬‬
‫ب‪-‬تعريف التسامح اصطالحا‪:‬‬

‫لقد تجلى مفهوم التسامح و ظهر في القرن ‪ 16‬إبان الحروب والصراعات الدينية‬

‫التي عرفتها أوربا بين الكاثوليك والبروتستانت حيث انتهى الكاثوليك بالتسامح مع‬

‫البروتستانت (في انجلترا) ثم تعمم استخدام التسامح مع كل المعتقدات وخاصة بين‬

‫طوائف الدين الواحد (المسيحية) والحقا و بدرجة أقل‪ -‬بين األديان المختلفة و تطور‬

‫هذا المفهوم بظهور و تطور أفكار عصر التنوير‪.‬‬

‫كما يذهب الكثير من المفكرين إلى أن مفهوم التسامح قد أفرز تطوره الصيغة‬

‫العصرية تحت تأثير الوضعية الجديدة التي أدت إليها حركة االصالح عن عرقة‬

‫االعتراف المتبادل بين القوى المتصارعة منذ أجيال و تجاوزه باالعتراف بالحق في‬

‫االختالف في االعتقاد ثم في حرية التفكير و من ثمة نجد ان مفهوم التسامح الذي بدأ‬

‫دينيا قد انتهى إن صح التعبير‪ ،‬مدنيا ‪ .‬و مع بروز مالمح الحداثة األوروبية وحظارنا و ال‬
‫سيما ظهور دولة القانون والمجتمع المدني و العلمانية‪ .‬خالل القرن ‪ 19‬تم توسيع مفهوم‬
‫التسام ح على مجاالت الفكر‪ ،‬و تعايش اآلراء المختلفة‪ ،‬وتأسيس المفهوم على نسبية الحقيقة‬
‫و معارضته الفهم األخالقي لها ‪ ،‬فالفكر المتسامح فكر متفتح ‪ ،‬و ال سيما فلسفة األنوار‬
‫التي بدأت منذ ق ‪ 18‬بما حملته الفلسفات من قيم و مفاهيم وأفكار جديدة حول العقل‬
‫والحرية والمساواة و الحقوق الطبيعية وحقوق االنسان‪ .‬ومهما كانت الشكوك التي أثيرت حول‬

‫‪31‬‬
‫ظروف أصل الكلمة‪ ،‬وفي مضمون الصطالحي المتداول خالل القرون الماضية‪ ،‬فإنه ال‬
‫وجود ألي قيود تعيق استعمالها فالعصر الحاضر للتعبير عن الحق في االختالف‪ ،‬واحترام‬

‫اآلراء ونبذ التعصب واالنغالق وكل أشكال التطرف واإلقصاء و التهميش ‪ .‬وضرورة اعتماد‬
‫لغة الحوار المتحضر لتفاهم‪ ،‬وحل الخالفات عن طريق القبول باآلخر واحترام الحقوق‬
‫والحريات اإلنسانية لألفراد‪ .‬لذلك جاء في المعجم الفلسفي البن مذكور أن التسامح – ( ‪E‬‬
‫‪ F (Tolérance( (Tolérance‬سعة صدر تفتح لآلخرين أن يعتبروا عن آراءهم و لو لم‬
‫تكن موضوع تسليم أو قبول ‪ ،‬و ال يحاول صاحبه فرض آراءه الخاصة على اآلخرين – أما‬
‫عن التسامح الديني فهو احترام عقائد اآلخرين‪.‬‬

‫وقد جاء في المعجم الفلسفي ألندري الالند ‪ lalande((André‬ما يلي ‪ " :‬ولدت كلمة‬
‫تسامح في القرن السادس عشر من الحروب الدينية بين الكاثوليك و البروستات و بالعكس ‪.‬‬
‫ثم صار التسامح يرتجى تجاه جميع الديانات فكل‪ 2‬المعتقدات و في أخر المطاف ‪ ،‬في‬
‫القرن التاسع‪ ،‬شمل التسامح الفكر الحر فالكثير من هذه المضامين التي ترتكز عليها مبادئ‬
‫الديمقراطية وحقوق االنسان تتجذر أصولها في التنظير الفكري للتسامح منذ بدايته قبل أزيد‬
‫من ‪ 3‬ثالثة قرون‪ .‬فالعديد من المفكرين أمثال " لوك فولتير" و " مونتيسيكيو" يعتبرون‬
‫التسامح و دعامة " كلنا ضعفاء وميالون للخطأ لذا ‪ 3‬أساسية للتنظيم الديمقراطي للحكم‪ .‬إذ‬
‫يقول فولتير دعونا نتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل و ذلك هو المبدأ األول‬
‫القانون الطبيعة و المبدأ األول لحقوق االنسان"‪ .‬و للحد من إشكالية ‪ :‬مفهوم (التسامح) فإن‬
‫المادة األولى من إعالن "مبادئ التسامح يعني االحترام و القبول التقدير للتنوع الثري ‪4‬‬
‫حقوق االنسان" نصت على أن لثقافات عالمنا و ألشكال التعبير‪ ،‬و للصفات االنسانية لدينا‪،‬‬
‫و يتعزز هذا التسامح بالمعرفة و االنفتاح‪ ،‬و االتصال و حرية لفكر و الضمير و المعتقد‪،‬‬
‫و أنه الوئام في سياق االختالف و هو ليس واجبا أخالقيا فحسب" اعتمد من قبل المؤتمر‬
‫العام لليونيسكو ‪ 16‬نوفمبر ‪ 1995‬و تضيف نفس المادة أن التسامح ال يعني التنازل أو‬

‫‪32‬‬
‫التساهل بل هو قبل كل شيء موقف إيجابي‪ ،‬يقر بحق اآلخرين في التعرف بحقوقهم‬

‫وحريات األساسية المعترف عالميا و ال تعني تقبل الظلم االجتماعي أو تخلي المرء‬

‫عن معتقداته أو التهاون بشأن و ما دام الناس يختلفون و ال تجمعهم نفس المصالح وال‬
‫يحملون نفس القناعات‪ ،‬فإنه من الحقوق الطبيعية لكل فرد أو جماعة التعيير عن االختالف‬
‫والمغايرة وعلى الجماعة بدورها أن تسمح لآلخرين بالتمتع بنفس الحق‪ .‬يشكل التمييز بين‬
‫البشر على أسا س الدين أو المعتقد إهانة للكرامة اإلنسانية وإنكا ار لمبادئ ميثاق األمم‬
‫المتحدة ‪ ،‬و يجب أن يشجب بوصفه انتهاكا لحقوق اإلنسان‪ ،‬و الواردة بالتفضيل في‬
‫العهدين الدوليين الخاصين بحقوق اإلنسان‪ ،‬و بوصفه عقبة في وجه قيام عالقات ودية و‬
‫سلمية بين األمم" و لذا المفهوم يكون التسامح ركيزة المجتمع الديمقراطي وعما ار لحقوق‬
‫اإلنسان‪" ،‬يحضر القانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل ‪2‬‬
‫تعريضا على التمييز أو العداوة أو العنف" ومع كل ذلك نالحظ أن المفهوم االصطالحي‬
‫للتسامح يتميز بنوع من المحدودية وهو ما جعل البعض يحاول توسيعه بينما البعض اآلخر‬
‫اتجه إلى هجر هذا المصطلح على أساس أن مصطلح تاريخي مرحلي تجاوزته الثقافة‬
‫الغربية بدعونا إلى الحوار‪ ،‬و هو في نظرهم أكثر تقدما من مصطلح التسامح‪ .‬وذلك بابتكار‬
‫مصطلح تعدد الثقافات‪ ،‬و الذي يعتبر نقطة حديثة ذات نفس المدلول لمصطلح التسامح‬
‫التي لمتعد صالحة للتداول‪.‬‬

‫إالّ أن لهذه المحدودية الكثير من المبررات داخل الثقافة الغربية خاصة‪ .‬كظروف‬

‫تنشئة المصطلح في حد ذاته‪ ،‬وكذلك دور العامل اللغوي في حصر الثقافة الغربية‬

‫لمفهومها االصطالحي للتسامح في الداللة المحدودة و المذكورة آنقا فاألصل اللغوي‬

‫للمقابل الالتيني لمصطلح "التسامح"‪ ،‬ال يتعدى معناه المعجمي ذو الصلة‬

‫بمصطلح التسامح‪ ،‬يتعدى فعلين لهما طبيعة سلبية هما تحمل و سمح بمعنى لم يمنع‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫وتبدو محدودية داللة الجذر الالتيني أكثر تجليا عند الموازنة بين ما تجذر لفظ التسامح‬

‫لعل لهذه المحدودية لمفهوم المصطلح‬


‫في اللغة العربية (سماح) من داللة متعددة و ثرية‪ .‬و ّ‬
‫الالتيني دور في الترجمة العربية و إلى تعريبه بلفظ التساهل و ليس لفظ التسامح‪ ،‬و في أن‬
‫البعض ما زالوا يرجحون لفظ التساهل كمقابل عربي لّلفظ الالتيني ‪. Tolerance‬‬

‫و من الواضح و األرجح فيما يخص مصطلح التسامح هو انه من غير الضروري التقيد‬
‫في مفهومه االصطالحي في الثقافة العربية بذات الداللة المحدودة لمقابله الالتيني في الثقافة‬
‫الغربية‪ .‬و واضح و صحيح أنه هناك محاوالت لتوسيع المفهوم االصطالحي للمقابل‬
‫الالتيني ‪ Tolerance‬للفظ التسامح بإدراج معاني الداللة اللغوية للفظ ‪ Tolerance‬األمر‬
‫‪5‬‬
‫الذي يزيد من غموض المصطلح و االختالف حوله‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫المعجم الفلسفي ‪ ،‬القاهرة الهيئة العامة لشؤون المطالع األميرية ‪،‬جمهورية مصر ‪1403،‬هـ‪1 -‬‬
‫‪، 1973‬مجمع اللغة‪ ، ،‬ص‪44‬‬
‫منشورات عويدات ‪ ،‬بيروت‪ ،‬تعريب خليل أحمد خليل‪G-A ، 2 ،‬لد األول ‪ -‬أندري الالند ‪ ،‬موسوعة الفلسفة ‪ ،‬ا‬
‫ط‪، 2‬تا‪، 2001 :‬إشراف أحمد عويدات‪ ،‬ص‪. 1461‬‬
‫‪ -‬فولتير‪3 .‬‬
‫‪ -‬المادة األولى من إعالن مبادئ حقوق اإلنسان‪4 .‬‬
‫‪h‬‬

‫‪34‬‬
‫ج‪-‬ا التسامح والفلسفة ‪:‬‬

‫لقد أفاضت الدراسة في تتبع تطور مفهوم التسامح على الساحة األوروبية منذ‬

‫العهد الروماني القديم إلى وقتنا الحاضر‪ ،‬و قد ظهرت هذه الكلمة على هامش‬

‫الكتابات الفلسفية‪ ،‬و أكدت حظورها في الممارسات التاريخية االسالمية القديم وشاعت في‬
‫الفكر الغربي ابتداءا من القرن السابع عشر حينما طالب البروتستانت الكنيسة البابوية بالتوقف‬
‫عن التدخل في العالقة بين هللا و االنسان‪ .‬و يظهر ذلك من خالل "فرح أنطون" المفكر‬
‫اللبناني في رده على الشيخ محمود عبده مفتي الديار المصرية في مجلة الجامعة التي بدأ‬
‫يصدرها في االسكندرية‪ .‬و يدل هذا الطرح على أن فرح أنطوان مطلع على الثقافة الفرنسية‬
‫التي أنارته سبل موضوع التسامح أو التساهل كما كان يقال آنذاك إذ يقول اذا الصدد‪.‬‬

‫" إن اإلنسان ال يجب أن يدين أخاه اإلنسان ألن الدين عالقة خصوصية بين‬

‫الخالق و المخلوق و إذا كان هللا سبحانه و تعالى يشرق شمسه على الصالحين و األشرار‬

‫"‪ .‬فيجب على اإلنسان أن يتشبه به و ال يضيق على غيره لكون اعتقاده ‪1‬مخالفا لمعتقده‪،‬‬
‫فليس على االنسان أن يهتم بدين أخيه االنسان أيدا كان‪ ،‬ألن هذا ال يعنيه فاإلنسانية هي‬
‫اإلخاء العام الذي يجب أن يشمل جميع البشر و يقصر دونه كل إخاء هذا التسامح يبلغ قمة‬
‫حرية االنسان في معتقده الديني‪ .‬و يضيف في كتابه صعود الخطاب العلماني قائال‪ ":‬إن‬
‫مفاهيم و قيما مثل الحرية و اإلخاء و المساواة و العدل والديمقراطية كفيلة بأن تنتقل بنا جميعا‬
‫من طور إلى طور‪ ،‬يكفي تفصل الدين عن الدولة و تؤدي إلى "إنقاذ األقليات" الدينية ككم‬
‫تستطيع أن تضع األسس العلمية و العلمانية لمفهوم جديد لألمة تستوي من خالله كل الملل‬
‫و الطوائف و الوثنيات أمام ‪ 2 .‬المصور كانت معالجته من منظور فلسفي تأريخي خاصة‬
‫حول حدوده السياسية وربطه بالسلطة و القوة و الغلبة‪ .‬و تطور هذا المفهوم في عهد الدولة‬

‫‪35‬‬
‫القومية انطالق من ظوابط أفكار جون لوك و حدود "فولتير" و قول "سينوزا" بأن ما ال يمكن‬
‫منعه يجب السماح به و اعتبار "ميرابو" أن الخطأ له حق مساو لما للصواب من حق‪.‬‬

‫و ما يمكن الوصول إليه هنا هو أن التسامح ال يمكن فهمه إال إذا وضع في‬

‫سياقه التاريخي‪ ،‬ألن األفكار ال تنشأ من فراغ و ال تنتشر إال إذا كانت تلبي حاجات‬

‫تاريخية معينة ولذا كان من المنطقي أن يتأسس هذا المفهوم ويأخذ حيويته في أوروبا‬

‫من خالل عصر األنوار‪ ،‬ذلك أن الفلسفة هي أكثر الميادين المعرفية استعدادا للقبول‬

‫اذا المبدأ و العمل به واالبتعاد بصاحبها عن التعصب األعمى لآلراء و المذاهب‪،‬‬

‫وجعله يصغي لآلخرين و يتبادل معهم األفكار و التجارب‪ ،‬فلوال الفالسفة لما كان‬

‫لم فهوم " التسامح" أن يرسخ في بنية العقل الغربي الحديثة‪ .‬و في هذا الموضوع أصدر مكتب‬
‫شؤون االعالم لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل يان نائب رئيس مجلس الوزراء دراسته بعنوان‬
‫المقومات الفلسفية للتسامح‪ ،‬وبينت كيف كان " التسامح" حاجة و جودية و فلسفية ملحة‬
‫للخروج باجتماعات الغربية من حروب التعصب الديني التي مزقتها طوال القرن ونصف من‬
‫الزمن فأصبح ال بد من معادلة عقالنية يحتكم إلى منطقها في فصل المقال فيما بين الدين‬
‫و السياسة من اتصال‪ ،‬كما وضحت الدراسة أن التسامح ليس مجرد التزام اخالقي فقط و إنما‬
‫هوأيضا ضرورة سياسية و قانونية‪ .‬و لطالما احتضنت الفلسفة‪ ،‬وكذا الدين التسامح ولطالما‬
‫كان العقل رائدهما وتخليا عنه عندما تخليا عن العقل فغدت الفلسفة عقيدة دوغمائية‪ .‬إيديولوجية‬
‫وكذلك دين‪ .‬األمر الذي ينتج عنه أقل من نسبة أخذ الفلسفة بالتسامح و ذلك حسب‬

‫مراحل تطورها معا‪ .‬و الواقع أن كلمة " التسامح" غائبة عن الخطاب الفلسفي بشكل عام‪،‬‬
‫وسواء أكان األمر يتعلق بالفلسفة العربية اإلسالمية أو الفلسفة اليونانية أو الفلسفة األوروبية‬

‫‪36‬‬
‫الحديثة والمعاصرة‪ .‬وحتى على المستوى االخالقي فناد ار ما اخذ بكلمة التسامح و بشكل‬
‫عرضي ليس إال‪ .‬وهذا يعود إلى أن كلمة تسامح دخلت الفلسفة من باب الفكر المعبرة عن‬

‫الصراع‪ ،‬ومحاولة للتخفيف منه‪ ،‬أي من باب االيديولوجيا فغدت الكلمة بين الفلسفة‬

‫ط اعتراض‪ ،‬و لم تتقبل في ميدان الفلسفة األ بامتعاض و مع‬


‫وااليديولوجيا وبقيت مح ّ‬

‫كثير من التسامح و التساهل‪ .‬و مع ذلك فإن التفلسف هو التفكير من دون براهين‪ .‬و هنا‬
‫يدخل التسامح على أن عندما تعرف الحقيقة فال يبقى من مكان للتسامح‪ ،‬كذلك أي إنسان‬
‫يرفض أن يفكر فيما يفرض عليه و هذا ما يقتضي حرية التفكير‪ ،‬فأي فرق مع التسامح؟‬

‫فالتسامح ال يتدخل إالّ في حالة ابتغاء المعرفة بحد ذا‪ ،‬ألن هذه األخيرة تجعلنا‬

‫في منأى عن كل شيء يقيدنا‪ ،‬و ذات األمر بالنسبة للعلم حيث أنه وحسب تعبير‬

‫"غاستون بالشارد"« ‪ « Bachlard Ghaston‬يتقدم بتصحيح أخطائه أي بأحداث‬

‫القطيعة مع األخطاء ألن تاريخ العلم في نظره هو تاريخ تصحيح األخطاء و المعارف‬

‫األولى هي أخطاء أولي‪ .‬و بالتالي من االستحالة أن نطلب من العلم التسامح مع أخطائه‪،‬‬
‫فالتسامح ال يطرح غالبا إال في مسائل الرأي و تقريبا باستمرار‪ .‬ما أن الفكرة التي ال تعود‬
‫للتسامح‪ ،‬بل إلى وجهة نظر علمية يمكن اسنادها إلى وجهة نظر فلسفية أخالقية أو دينية‬
‫فنظرية داروين حول " تطور األنواع من يقبل بالتسامح معها؟ و كذلك بالنسبة للكتب الدينية‬
‫المرتلة وغير المرتلة حيث ال يمكنا لبرهنة على كوتا مترحلة أو غير مرتلة‪ .‬و ال رفضها‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت إذن يجب القبول ا أو التسامح مع من يؤمن ا و إذا ما وجب التسامح معها‬
‫فلماذا ال تسامح مع كتاب كفاحي لهيتلر" وكل الكتب التي تلعب دو ار خط ار في تأجيج مشاعر‬
‫التعصب والتي تحول الناس إلى االنقضاض بعضهم على بعض و تفوض لهم استالب حقوق‬

‫مخالفيهم بالرأي و االعتقاد فموضوع التسامح ال يطرح إال في مسائل الرأي و يشكل‬

‫‪37‬‬
‫بالتالي وجهة نظر فالتسامح إذن كفضيلة أساسها الضعف النظري أي عدم القدرة على بلوغ‬

‫المطلق وهذا ما توصل اليه "مونتاني" و "بايل" و فولتير‪ .‬و في هذا الصدد قال‬

‫فولتير‪ »:‬إن التسامح وقف على االنسانية ‪ "....‬و أيضا علينا أن نتسامح مع بعضنا‬

‫البعض ألننا جميعا ضعفاء و غير منسجمين مع ذواتنا قابلين االستق اررية و الخطأ ‪....‬‬

‫ومنه فإن التواضع و الشفقة يتماشيان معا و هذا يؤدي بالنسبة للفكر إلى التسامح‪.‬‬

‫و الحقيقة أن كلمة التسامح جاءت كردة فعل على االجماع الذي أرادته‬

‫الكنيسة و هيمنتها مما أدى إلى الصراع بين المذهبين االساسيين في المسيحية الغربية أي‬
‫المذهب الكاثوليكي و المذهب البروستاتي و لذلك حصلت حروب األديان او‬

‫المذاهب و سالت الدماء بين الطرفين‪ .‬عندئذ دخل مفهوم الحقيقية في أزمة ألول مرة‬

‫في تاريخ الغرب‪ ،‬و حتما في تاريخ الفكر البشري ّ‬


‫‪6‬‬
‫ككل‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫مجموعة مؤلفين من أديب إسحاق و األفغاني إلى نصيف نصار‪ ،‬أضواء على التعصب‪ ،‬دار أمواج للطباعة و النشر‪1 ،‬‬
‫ط‪، 1‬مارس ‪، 1993‬ص‪. 67‬‬
‫‪ -‬سمير أبو حمدان ‪ ،‬فرح أنطون صعود الخطاب العلماني‪ ،‬الشركة العالمية للكتاب ‪ ،‬دار الكتاب العالمي ‪ ،‬الدار ‪2‬‬
‫اإلفريقية د‪.‬ت‪1413-1992 ،‬هـ ‪ ،‬ص‬

‫‪38‬‬
‫ثالثا‪ :‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‬

‫أ‪ -‬تعريف التنوع الثقافي‪:‬‬

‫إن “التنوع الثقافي” ليس هو العديد من الثقافات التي تمأل األرض فحسب‪ ،‬وإنما هو قبل ذلك‬
‫تلك الروح التي أبدعت هذا التنوع الضخم الذي ال يكاد يحصى من اإلفراز الثقافي‪ ،‬الذي ال‬
‫ينقطع‪ ،‬فهو اإلنسان إن شئنا أن نضع األمر في موضعه‪ ،‬فليس ثمة تنوع ثقافي خارج الكيان‬
‫اإلنساني‪ ،‬إال ما أفرزته القوانين في إطار النشوء الطبيعي غير الواعي بذاته‪ ،‬فنحن –إذاً– أمام‬
‫الهوية البشرية بأعمق انبثاق لها‪ ،‬وبأظهر ٍ‬
‫تجل لها ولذلك فإن أية مصادرة للتنوع الثقافي هي‬
‫هدم للكيان اإلنساني بحسب حقيقته الوجودية‪ ،‬وهي مغالطة لذات َمن يقوم بها قبل أن تكون‬
‫مصادرة لحق إنساني يتمتع به كل فرد وجد على هذه البسيطة إن هذه الورقة تحاول أن تق أر‬
‫هذا التنوع من بُعد فلسفي‪ ،‬راجياً أن تقدم ما يفيد القارئ‪ .‬كما عرفنا أن الثقافة بأصلها متنوعة‬
‫ألنها ناشئة من الفرد‪ ،‬فإن “التنوع الثقافي” يغدو أم اًر مفهوماً‪ ،‬وذلك ألن الثقافات بصفتها‬
‫الفردية متنوعة بعدد البشر‪ ،‬وهي كذلك من حيث الجماعات والمجتمعات متعددة بتعددها‪ ،‬إال‬
‫أنه رغم ذلك لم يتبلور هذا المصطلح إال مؤخ اًر‪ ،‬وأقصد بذلك أنه لم يدخل في أبجديات األمم‬
‫المتحدة إال في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ويبدو أن ما ألح على ذلك هو صعود اإلرهاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وذلك عندما أصدرت األمم المتحدة ميثاقها حول ذلك‪ .‬وبحدود اطالعي‪ ..‬فإن ما‬
‫يتم تقديمه في هذا الموضوع أغلبه ال ينصب على تعريف التنوع الثقافي ذاته‪ ،‬وإنما على‬
‫ٍ‬
‫ومتطلبا اجتماعيا باإلمكان أن أعرف‬ ‫تعريف الثقافة‪ ،‬وعلى أهمية التنوع بكونه ضرورة إنسانية‬
‫التنوع الثقافي بأنه هو الوضع الطبيعي الناشئ من وجود الثقافات التي ال تحصى‪ ،‬والذي‬
‫يستتبعه االعتراف بالثقافات على ‪7‬مختلف أنواعها؛ في حقها بالوجود والتعبير عن ذاتها وحماية‬

‫‪39‬‬
‫مكوناتها‪ ،‬على المستوى المعرفي والفلسفي والقانوني‪ ،‬وتجريم من يصادر أية ثقافة؛ أخالقياً‬
‫وقانونياً فنجد سّلم الوعي بالتنوع الثقافي؛ والذي هو واقع قائم في الوجود اإلنساني‪ ،‬وعند دخولها‬
‫في درجة التشريع القانوني؛ إن على مستوى الدول‪ ،‬أو في إطار األمم المتحدة‪ ،‬نشأ ما عرف‬
‫بالتعددية الثقافية‪ ،‬والتي تعني‪ ..‬اإلطار القانوني لتمكين التنوع الثقافي بين األفراد وفي‬
‫المجتمعات والدول وقضيتنا هنا هي فلسفة التنوع الثقافي‪ ،‬ولذلك يمكن القول‪ :‬إن فلسفة التنوع‬
‫الثقافي هي البحث في الجذور والمنطلقات التي يرتكز عليها هذا التنوع‪ ،‬والمآالت التي يؤدي‬
‫إليها‪ .‬وبالتالي لن نعمل على استقصاء أنواع الثقافات وعمليات التثاقف بينها‪ ،‬إال بمقدار ما‬
‫يخدم فلسفته‪.‬‬

‫التقنية في القرن‬
‫ّ‬ ‫يعتبر التعدد الثقافي أحد المصطلحات الحديثة التي صاحبت النهضة والثورة‬
‫الحادي والعشرين‪ .‬وتمثل التعددية الثقافية مفهوماً واسعاً يدخل ضمن مفاهيم تطوير المجتمعات‬
‫فك معادالتها‪.‬‬
‫الدول على ّ‬
‫ُ‬ ‫التي عملت‬

‫ف التعدد الثقافي أو التنوع الثقافي على ّأنه عملية تعايش عدد مختلف من الثقافات مع‬ ‫عر ُ‬
‫يُ َّ‬
‫ويقدرها‪ .‬ويرجع‬ ‫ٍ‬
‫طرف يحترم ثقافة اآلخر ّ‬ ‫كل‬
‫بعضها البعض في المجتمع ذاته‪ ،‬بطريقة تجعل ّ‬
‫هذا التقدير واالحترام إلى تعريف الثقافة نفسها الذي يتفق العاملون في حقله على ‪i‬أنه مجموعة‬
‫العادات والتقاليد والممارسات المجتمعية‪ ،‬بما فيها تفاصيل استخدام اللغة التي يتحلى بها أفراد‬
‫ممي َزٍة لهم‪ ،‬باعتبار اإلنسان أساساً للتنمية المستدامة التي‬
‫مجتمع معين‪ ،‬لتصبح بمثابة سمات ِّّ‬
‫تعمل عليها الدول والحكومات جميعاً‪.‬‬

‫تكمن أهمية التعدد الثقافي في احتياج الناس إلى العيش معاً وفق مفاهيم متقدمة تجعل الحياة‬
‫بدال من الحروب‪ ،‬أي قمة ما يسعى إليه‬ ‫أفضل وأرقى‪ ،‬وهي الممارسات التي تُ ِّح ُّل السالم ً‬
‫المجتمع اإلنساني‪ ،‬ومن هنا نتم ّكن من قراءة التعدد الثقافي وأهمية ممارسته فعالً وتطبيقاً‪،‬‬
‫كل فرٍد على حدة‪ ،‬مع التسليم بأن‬ ‫عبر االعتراف بتغير أشكال التعبير اإلنساني في حياة ّ‬
‫الحياة مشارك ٌة تُعنى بالممارسة الحياتية وثقافة الفرد‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫تلعب الثقافة أدوا اًر متنوعة مهمة على صعيد تطور أفراد المجتمع نفسياً واجتماعياً‪ ،‬كما أن‬
‫العادات والتقاليد التي تتناقلها األجيال تعكس مجموعة من الخبرات المتنوعة في مختلف‬
‫المجاالت‪ ،‬ففي المجتمعات ذات التعددية الثقافية يتحّقق مستوى أكبر من التشارك واالتصال‪،‬‬
‫جميعا بالخصوصية‬
‫ً‬ ‫ما يزيد لُحمة المجتمع وتماسكه وإنتاجيته وجودتها‪ ،‬نتيجة لشعور أفراده‬
‫‪8‬‬
‫واالحترام‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫مؤرشف من األصل في ‪ 19‬نوفمبر ‪vocabularies.unesco.org »، vocabularies.unesco.org،‬معلومات عن تنويع ثقافي على موقع‬
‫‪.2019‬‬
‫مؤرشف ‪" meshb.nlm.nih.gov »، meshb.nlm.nih.gov،‬معلومات عن تنويع ثقافي على موقع‬

‫‪41‬‬
‫ب‪ -‬دواعي التنوع الثقافي‪:‬‬

‫التنوع الثقافي ليس وليد تحرير الفلسفي بحيث ان الفالسفة قاموا بالتنظير له ثم نزل الى شارع‬
‫الناس لمثلوه بل هو قد نشأة من البشر ذاتهم أوال بصفتهم الفردية وان كانوا يعيشون في‬
‫مجموعات أو مجتمعات االنسان كائن لديه القدرة بأن يكون مختلفا واالختالف هو سر عمران‬
‫الوجود‪ .‬فالحيوانات منذ وجدت تعيش في حالة رتيبة‪ ،‬ال يكاد تجد بين مجاميعها المتباعدة‬
‫فرقاً‪ ،‬إال بحكم تأثير التنوع البيئي عليها أما اإلنسان فقد أبدع في مسكنه‪ ،‬وتنوع في ملبسه‪،‬‬
‫واختلف في مأكله‪ ،‬وتفنن في طرق عيشه‪ ،‬وقد تداولته الفضائل والرذائل بين أطرافها‪ ،‬فهو ما‬
‫بين إنسان رحيم إلى وحش كاسر‪ ،‬ومن شخص موادع إلى فارس محارب‪ ،‬ومن سيد مهاب‬
‫الجانب إلى عبد مستضعف وقد تعددت رغباته‪ ،‬وتنوعت آماله‪ ،‬واكتنف الفضول حياته‪ ،‬وكلما‬
‫صعد في التحضر درجة انفتح له من الحاجات ما ال يحصى عدده من أداء طرائقها كل ذلك‬
‫جعل منه كائناً يحكي قصة التنوع الثقافي‪.‬‬

‫واإلنسان هو كائن مثقف قبل أن يعي معنى الثقافة‪ ،‬بل قبل أن يدرك االختالف بين أفراده‪،‬‬
‫وقبل أن يفهم معنى ذلك االختالف وكنهه‪ ،‬والمآل الذي يؤدي إليه‪ ،‬فالوعي حالة متقدمة في‬
‫ينوع في‬
‫الجنس البشري‪ ،‬والتنوع قد نشأ نتيجة حاجة اإلنسان إليه‪ ،‬فاإلنسان البدائي وهو ّ‬
‫اختيار السكين الحجري الذي يدافع به عن نفسه‪ ،‬أو يهجم به على فريسته‪ ،‬أو يجتز بها قوته‪،‬‬
‫لم يكن يعي سبب اختياره هذا‪ ،‬إال بكون فطرة الحاجة قد دفعته إليه‪ ،‬فضالً أن يعي بأنه‬
‫يؤسس لثقافة ما‪ ،‬أو فلسفة يتبناها أحفاده باسم التنوع الثقافي‪.‬‬

‫وان كانت الحاجة قد دفعت اإلنسان إلى إيجاد ثقافته وتنوعها‪ ،‬فإنه كذلك كان مدفوعاً نتيجة‬
‫حبه للتملك‪ ،‬فحب التملك هو غريزة أخرى دفعت باإلنسان إلى أن ينوع في ثقافته‪ ،‬فلما ابتدع‬
‫اإلنسان أدواته األولى‪ ،‬كان عليه أن يحتفظ بها‪ ،‬وال يسلمها لغيره‪ ،‬فهو سيحتاج إليها مرة‬

‫أخرى‪ ،‬تماماً كما كان يحتفظ بقوته‪ ،‬فهو ال يريد أن يسيطر عليه شخص آخر‪ .‬وهذا ما تطور‬
‫عبر حقبه التاريخية التالية إلى ما يعرف اليوم بالملكية الفكرية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫حب المغامرة والفضول من أهم الدوافع التي أدت إلى التنوع الثقافي‪ ،‬فاإلنسان ُجبل على‬
‫المعرفة‪ ،‬وهو ال يرضى أن يقف على حد معين‪ ،‬فكل يوم يبحث عن جديد‪ ،‬يروي به ظمأه‬
‫األنطولوجي‪ ،‬ويشفي به غليله األبستمولوجي‪ .‬والفضول آفته التقليد‪ ،‬نعم لقد اتخذ اإلنسان‬
‫التقليد إطا اًر من أطر تنظيم الحياة‪ ،‬لكن إن قارناه بمغامرة الفضول‪ ،‬لوجدنا اإلنسان قد لجأ‬
‫إليه مضط اًر‪ ،‬وإال فهو ليس حتماً في حياته كحتمية البحث عن الجديد‪ ،‬الذي تتخلق الثقافة‬
‫في رحمه‪.‬‬

‫ولذلك يمكن القول‪ :‬إن الفضول هو الرحم الذي تنبلج الثقافة منه‪ ،‬بينما التقليد هو الماعون‬
‫الذي يحافظ عليها‪ ،‬فالثقافة تتجاور في التنوع بنظام التقليد‪ ،‬إال أنها لوال الفضول والبحث عما‬
‫هو جديد وم ٍ‬
‫غر في الحياة لما كان هذا التنوع أصالً‪.‬‬

‫وتشير المدونات الحجرية األولى إلى أن اإلنسان كان مولعاً بالفن منذ استوى عاقالً‪ ،‬فبكون‬
‫اإلنسان يدون شيئاً من أحداث يومه‪ ،‬فهو بالواقع كان يريد أن يسجل تلك اللحظة المبدعة في‬
‫حياته‪ ،‬والتي تش ّكل له روح الفرادة‪ ،‬واليوم نحن نعد تلك التدوينات عناصر ثقافية‪ ،‬ندرجها‬
‫ضمن فلسفة التنوع الثقافي‪ ،‬والتي لم تكن حينها تخطر على بال ذلك اإلنسان‪ .‬فدائماً اللحظة‬
‫ِّّ‬
‫المكونة لإلنسان تسبق وعيه وفلسفته ودينه وحضارته‪ ،‬بيد أنها تبقى اللحظة المؤسسة‪.‬‬

‫الجمال هو اآلخر شد اإلنسان إلى وعيه‪ ،‬فأورثه ثقافة تحكي لنا نشأته األولى‪ ،‬فحب اإلنسان‬
‫لجمال األصوات في الطبيعة أدى إلى نشوء فن الموسيقى وتنوع ألحانها‪ ،‬وهز الطبيعة لكيانه‬
‫كونت فن الرقص‪ .‬وكذلك هو الحال بالنسبة للرسم‪ ،‬فرغبة اإلنسان‬
‫تحول إلى حركات راقصة‪ّ ،‬‬

‫وصفوة القول‪..‬‬ ‫أن يحتفظ باللحظة اآلسرة؛ دعاه إلى رسمها‪ ،‬وهكذا نشأ فن الرسم العظيم‬
‫مكون أساس في النفس اإلنسانية‪ ،‬وإغفاله هو‬
‫إن التنوع الثقافي ليس تواطؤا اجتماعياً‪ ،‬بل هو ّ‬
‫‪9‬‬
‫إغفال لحقيقة النفس ‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫التنوع الثقافي تمت الكتابة بواسطة‪ :‬والء الصمادي تم التدقيق بواسطة‪ :‬ريم موسى آخر تحديث‪ ٢٤ ، ١٤:١١ :‬مارس ‪ ٢٠٢١‬محتويات‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫ج ‪-‬عالقة التسامح بتعدد الثقافات‪:‬‬

‫يعتبر سلوك التسامح مع االخر من اهم المطالب االنسانية في العصر الحديث خاصة في‬
‫المجتمعات ذات الهويات المختلفة و ذلك لما يحمله التسامح من مزايا وخصائص اجتماعية‬
‫وحضارية تضمن للمجتمع التقدم والنمو في ظل التعددية الثقافية بل تجعل من التعددية نقطة‬
‫قوة تثري التجربة االنسانية وتوسع من مداركه الفكرية واسهاماته الحضارية ويقصد بالتسامح‬
‫حسن التعايش مع األخر وان كان مختلفا فالفكر واالنتماء وهو ملتزم لتعامل بالحكمة والمعروف‬
‫واالحترام المتبادل لألخرين ‪.‬فمهما تباينت مظاهر االختالف وتشبعت ومن االهمية بمكان ان‬
‫نعلم ان التسامح مع االخير ال يستلزم أبدا التنازل عن القناعات الخاصة بل هو امتناع عن‬
‫استعمال وسائل العنف والتجريح ضد من يختلف ثقافيا أو عرقيا أو فكريا مع ضمان الحق‬
‫الكامل في االحتفاظ بالقناعات الخاصة وبناء على ما مضى فالتسامح موقف ايجابي ومتفهم‬
‫من العقائد واالفكار والممارسات يسمح بتعايش الرؤى والتجاهات المختلفة بأمن وسالم في‬
‫مجتمع واحد ومن يزيد من اهمية تطبيق مفهوم التسامح بالخصوص في المجتمعات البشرية‬
‫اليوم‬

‫ان العالم بات كالقرية الواحدة حيث يحتوي المجتمع الواحد على المزيج من الثقافات المتباينة‬
‫حيث ال يتسنى التعايش االمن بينها اال بتمكن التسامح وقيمة في المجتمع كما ان تطبيق‬
‫مفهوم التسامح ويضفي جوا من االمن والطمأنينة على المجتمع مما يساهم في زيادة االبداع‬
‫والتوسع في االنتاج الحضاري ويعتمد مفهوم التسامح االنساني على منظومة أخالقية متكاملة‬
‫تحتوي على مجموعة من القيم الكونية كقيمة التعايش وقيمة تقبل االخرين وقيمة االحترام‬
‫المتبادل مع المختلف فكريا وثقافيا في المجتمع وقد تصنف ثقافة التسامح و القيم المتصلة بها‬
‫ضمن القيم االخالقية المرتبطة بالضرورة االنسانية لنبذ ما لدى البشر من استعداد لتنافر‬
‫والعداء ويتطلب مفهوم التسامح االنساني في المجتمع عددا من التطبيقات العملية منها‬

‫‪44‬‬
‫نبذ العنف و التجريح في الخطاب والسلوك حال التعامل مع االخر ومن التطبيقات المحورية‬
‫في هذا السياق مبدأ عدم االستبداد بالرأي مهما كانت األفكار الخاصة مقتنعة أو عقالنية‬
‫باإلضافة الى تعزيز التواصل بين شرائح المجتمع المختلفة مع التركيز على االصل المشترك‬
‫لكل البشر والتعامل مع االخرين على هذا االساس فالبشر كلهم ٱلدم وآدم من تراب‬

‫ان اسس التسامح في المجتمع ليعكس بوضوح الفهم الدقيق لمتطلبات المرحلة التاريخية التي‬
‫تمر بها البشرية اليوم فالخير والسعادة و التنمية الحضارية التي ينشدها البشر ال تأتي اال في‬
‫ظل التسامح و الوئام التام بين كافة أطياف المجتمع ‪.‬‬

‫التعايش مبدآ اساسي للحفاظ على التنوع الثقافي‪ ،‬هذا االخير ال يتأتى اال بتوفير شروط اساسية‬
‫فعال وناجح‪ ،‬ويفسح مجال الحوار وثقافة الفهم ‪ ،‬وتقبل اآلخر في ظل‬
‫تجعل من هذا المبدأ ّ‬
‫تجاذب ال تنافر وفي اختالف ال خالف على حد تعبير" الجابري "‪.‬لهذا وجب ان يكون التعايش‬
‫بين االفراد داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات بعضها البعض‪ ،‬وحتى االمم فيما بينها‬
‫باختالف مللها ونحلها‪ .‬الن فلسفة التعايش تسمح بتنزيل ثقافة العيش المشترك المبني على‬
‫الهويات حتى ان التنوع الثقافي قد يصبح خط ار على المجتمع اذا لم يحبك بنسيج‬
‫ّ‬ ‫احترام‬
‫التعايش والتسامح‪.‬‬

‫تتميز المجتمعات اإلنسانية بالتنوع السياسي واالجتماعي والفكري والديني‪ ،‬مع أننا جميعاً‬
‫ننتمي لألسرة اإلنسانية‪ ،‬إال أننا مختلفون وأن لكل ّ‬
‫منا شخصية مستقلة ومميزة‪ ،‬ومن حقنا أن‬
‫نعبر عن هذا االختالف وأن نعتز به ألنه أساس ثراء اإلنسانية‪ .‬وأن إدراكنا لالختالف فيما‬
‫بي ننا يحتم علينا تعزيز فكرنا وثقافتنا وقبول اآلخرين من خالل دعم تسهيل مشاركتهم الكاملة‬
‫في نواحي الحياة المختلفة‪ ،‬وضرورة احترام هذا االختالف يبرر حق كل فرد في االنضمام إلى‬
‫الجماعة التي تشاركه أفكاره واهتماماته وميوله‪ ،‬وقد تكون هذه الجماعة نادياً رياضياً‪ ،‬ثقافياً أو‬
‫مؤسسة أهلية أو جماهيرية أو حزبية‪...‬إلخ‪ ،‬ومن حقنا وحق اآلخرين االختالف في وجهات‬
‫النظر تجاه القضايا المجتمعية الشائكة‪ ،‬ولم يعد مقبوالً فرض رأي األغلبية السياسية أو الدينية‬

‫‪45‬‬
‫أو العرقية على األقلية في المجتمع‪ ،‬والمجتمع المدني يؤمن بالتعددية المبنية على التسامح‬
‫بين فئات المجتمع المختلفة‪ ،‬والثقافة المدنية الملتصقة بالتسامح آراء و وجهات النظر المختلفة‬
‫تشكل شرطاً مهماً من شروط الممارسة المدنية‪ .‬يستطيع الناس تفهم وجهات نظر اآلخرين عن‬
‫طريق الحوار واالختالف الذي ال يولد حوا اًر يتحول الى خالف عنيف‪،‬‬

‫ولممارسة ال حوار أصول منها اإلصغاء لآلخرين واحترام آرائهم والتكلم بهدوء ووضوح وتقديم‬
‫األدلة على ما تقول‪ ،‬واالبتعاد عن الجدل الذي ال داعي له‪ .‬ومن أشكال التعددية تخصيص‬
‫فالتسامح يعني قبول فكره تعدد الثقافات‪ ،‬وأساليب الحياة داخل المجتمع وخارجه‪ ،‬أما التعددية‬
‫تعني الحياة ا لفكرية والثقافية والسياسية‪ ،‬فعندما يتاح المجال لعقل اإلنسان ليفكر ويتبادل‬
‫‪10‬‬
‫األفكار دون قيود‪ ،‬يستطيع أن يبدع وأن يقدم الجديد‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫ثقافة التسامح وتقبل التعدد الثقافي‪ ..‬وتطبيقاته في المجتمع‬

‫التصنيف‬
‫عامة‬
‫المصدر‬
‫عبد الباسط محمد إبراهيم‪2021 ,‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -‬مخلص ‪:‬‬

‫على الرغم أن البشر يحملون ُهويات عامة وخاصة‪ ،‬إال أن ُ‬


‫الهوية اإلنسانية هي المظلة‬
‫الجامعة بينهم أجمعين‪ ،‬لذلك يتوجب احترام ما يجمعنا‪ ،‬كما يتعين علينا إعادة قراءة تلك‬
‫الهوية الجامعة‪ ،‬خاصة أن اإلنسانية المشتركة تفرض التكامل واالندماج؛‬
‫الهويات في ضوء ُ‬‫ُ‬
‫حتى نتعايش بسالم‪ .‬ما يحتم التصرف بروح التضامن‪ ،‬وتفعيل ُهويتنا اإلنسانية في كل‬
‫القضايا‪ ،‬فاحترامنا للهويات يجعلها أكثر تقارباً وتعايشاً في إطار اإلنسانية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫مفهوم التسامح عند ويل كميليكا‬


‫أوال‪ :‬تعريف ويل كميليكا‬

‫أ‪-‬نبذة عن ويل كميليكا واهم مؤلفاته‬


‫ب‪-‬نظرة ويل كميليكا الى التعددية الثقافية‬
‫ج‪-‬أصول التعددية الثقافية‬

‫ثانيا‪ :‬الشخصيات التي اثرت في الفيلسوف ويل كميليكا‬

‫أ‪-‬التسامح عند يورغن هابرماس ومدى تأثيره على ويل‬


‫كميليكا‬
‫ب‪-‬المفهوم الحديث لتسامح‬
‫ج‪-‬منطق التعدد الثقافي‬

‫ثالثا‪ :‬فلسفة ويل كميليكا‬

‫أ‪-‬التنوع الثقافي وعالقته بتسامح‬


‫ب‪-‬اشكال التعددية الثقافية‬
‫ج‪ -‬انواع التعددية الثقافية‬

‫‪48‬‬
‫أوال ‪:‬تعريف ويل كميليكا‬

‫أ‪ -‬نبذة عن ويل كميليكا وأهم مؤلفاته‪:‬‬


‫يعتبر ويل كميليكا واحد من أهم الفالسفة في أمريكا الشمالية متخصص في قضايا الليبرالية‬
‫السياسية ومفهوم المواطنة ‪ ،‬نال شهادته الجامعية في الفلسفة من جامعة كونيز عام ‪1984‬‬

‫وينتمي ويل كميليكا إلى أوساط المفكرين األكثر علما بالفلسفة السياسية فيما وراء األطلسي ‪،‬‬
‫أي بمعنى القارة األمريكية ‪ ،‬نال شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام ‪ ، 1987‬وشارك‬
‫في تحرير عدد من الكتب والموسوعات والدوريات الفلسفية ‪.‬‬

‫يعتبر هذا الفيلسوف من أهم المساهمين والمنظرين والفالسفة الذين ساهمو في إثراء النقاش‬
‫والتنظير حول العدالة والتعددية الثقاف ية ‪ ،‬حيث يعتبر كتابه " أوديسا التعددية الثقافية" من‬
‫أهم ما كتبه ومن أهم مؤلفات أستاذ الفلسفة ويل كميليكا هي (الليبرالية والمجتمع والثقافة)‬
‫عام ‪ ( 1989‬الفلسفة السياسية المعاصرة) عام ‪ ( 1990‬والمواطنة متعددة الثقافة) عام‬
‫‪ 1995‬والبحث عن طريقنا تأمالت في العالقات اإلثنية الثقافية في كندا عام ‪1998‬‬
‫والقومية التعددية الثقافية والمواطنة عام ‪. 2001‬حيث يعد الفيلسوف الكندي من أهم الوجوه‬
‫الفكرية في الخطاب الفلسفي والسياسي المعاصر ‪ ،‬بقوة تدخله المثير للجدل في قضايا الواقع‬
‫ومناقشة مسائله وهمومه األكثر تعقيدا ‪ ،‬خصوصا السياسية والثقافية واالجتماعية منها ‪،‬‬
‫وفعال فالناظر في ما ألفه هذا الفيلسوف ‪ ،‬سرعان ما يكتشف أن أهم مايميز نمط الكتابة‬
‫الفلسفية عنده ‪ ،‬هو محاولته الدائبة لوصل الوعي بالبرهان النظري بالعملي ‪ ،‬الفكر بالواقع ‪،‬‬
‫وقد اقتضى من ذلك التحرك على جبهات معرفية متعددة‪ ،‬في السياسة والقانون واألخالق و‬
‫من ثمة فال غرابة من أن تجد متنه الفلسفي يعالج العديد من القضايا من قبل ‪ :‬الهوية‬

‫‪49‬‬
‫واالعتراف ‪ ،‬الحقوق والعدالة الديمقراطية ‪ ،‬والقومية و المواطنة ‪ ،‬والبحث عن سبيل‬
‫لالندماج و التعايش العرقي والثقافي وغيرها ‪...‬‬

‫وقد مثل كل ذلك اإلطار العام لفلسفته ‪ ،‬ولكن لو ابتغينا الدقة أكثر لوجب علينا اإلشارة‪ ،‬إلى‬
‫‪11‬‬
‫أن هذه المسائل تتناسل جميعا مع قضية مركزية حاكمة في وعي هذا الفيلسوف ‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫العدالة في الفكر االسالمي العربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة ‪261‬‬
‫التعددية الثقافية وهاجس العيش المشترك عند ويل كميليكا‬
‫من الخصوصية إلى الكونية‬
‫جواق سمير – جامعة قسنطينة ‪-2‬‬

‫‪50‬‬
‫ب‪ -‬نظرة ويل كميليكا إلى التعددية الثقافية‬

‫ينظر ويل كميليكا إلى التعددية الثقافية باعتبارها مفهوما لاللتزام السياسي ‪ ،‬إذ تضمن‬
‫مبادىء الحرية والفردية والمساواة من خالل ضمان حقوق األقليات القومية والشعوب األصلية‬
‫‪ .‬وخالفا للتصورين السالفي الذكر ‪ ،‬فإن كميليكا يحاول أن يوسع نطاق والعدالة ليشمل‬
‫المستوى الجماعي ‪ ،‬إضافة إلى مستواها الفردي ‪ ،‬ويرى أن التعددية الثقافية محدد أساسي‬
‫لبناء نظام ديمقراطي ‪ ،‬نظام يتجاوز المنظور الفرداني في مقاربة المسألة الثقافية فإذا قمنا‬
‫بمؤشرات األساس الديمقراطي في الغرب مثل الحرية الثقافية والسالم والرخاء اإلقتصادي‪،‬‬
‫نرى أنه لم يتقدم أي من الدول التي سلكت طريق التعددية الثقافية إلى حرب األهلية أو إلى‬
‫الفوضى أو واجهت إنقالبات عسكرية أو عانت من إنهيار إقتصادي ‪ ،‬بل على العكس‬
‫كانت أكثر المجمعات سالما واستق ار ار ورخاء على األرض ‪ ،‬وفي إتقاده أن تبني التعددية‬
‫الثقافية يمكن أن يسهم في تنمية الحرية والمساواة والديمقراطية ‪.‬‬

‫واستخدم مصطلح التعددية الثقافية كمصطلح شامل يغطي مساحة واسعة من السياسات التي‬
‫وفرت مستوى معين من اإلعتراف العام ‪ ،‬ومساندة المجموعات العرقية الثقافية غير‬
‫المسيطرة‪ ،‬سواءا كانت هذه الجماعات أقليات جديدة كالمهاجرين والالجئين أو أقليات قديمة‬
‫كاألقليات المستقرة تاريخيا والسكان األصليين وهذا يعطي أنواعا مختلفة من السياسات (أنواع‬
‫‪12‬‬
‫مختلفة من األقليات)‬

‫‪12‬‬ ‫الحق في االختالف وثقافة االختالف ‪ :‬مدخل إلى العدالة الثقافية‬


‫رشيد أبوجا‬
‫‪23/03/2019‬‬

‫‪51‬‬
‫ج‪ -‬أصول التعددية الثقافية‪:‬‬

‫لم تنشأ التعددية الثقافية من فراغ بل بنيت عبر الزمن ‪ ،‬اعتمادا على عدة مصادر وظروف‬
‫سهلت وجودها ‪ ،‬ومكنتها من أن تشق طريقها مما أطلق عليه جون كينغدون "سياسة‬
‫الشوربة البدائية" وتحتاج إلى مجهودات جادة لمساندة التعددية الثقافية إلى االنتباه إلى هذه‬
‫المصادر والشروط المسبقة ‪.‬‬

‫عند تفسير ظهور سياسات التعددية الثقافية يميل الشراح والمفسرين إلى التركيز على بلد‬
‫معين ‪ ،‬ثم اعتماد الوقائع التي تخص ذلك البلد ‪ ،‬مثل شخصية معينة ‪ ،‬أو بعض األحداث‬
‫الكبرى ‪ ،‬واستراتيجيات منظمات وما إلى ذلك ‪ ،‬وال شك في أن هذه العوامل مهمة في تفسير‬
‫تفصيالت الحالة الجزئية الخاصة ‪ ،‬لكن ال نكاد نعترف بالطبيعة النافذة في االتجاه نحو‬
‫التعددية الثقافية‪.‬‬

‫يبدو واضحا أن التفسير الرئيسي يكمن في القوى الموجودة في كثير من الديمقراطيات‬


‫الغربية ‪ ،‬وليست عوامل خاصة ببلدان معينة ‪ ،‬والبد أن تكون هناك أسباب كامنة تفسر لنا‬
‫لماذا يتحرك مثل هذا العدد الكبير من الديمقراطيات الغربية في اتجاهات مماثلة برغم‬
‫‪13‬‬
‫اختالف أنظمتها الحزبية واالنتخابية‪.‬‬

‫ومن بين العوامل نجد العامل األيديولوجي األكثر أهمية ‪ ،‬وعلى وجه التحديد ظهور ثقافة‬
‫حقوق اإلنسان ومانتج عنها نقض لشرعية السلطات العرقية والعنصرية ‪.‬ففي الحرب‬
‫العالمية الثانية انتشرت فكرة أن حقوق اإلنسان حلت محل حقوق األقليات ‪ .‬غير أن ثورة‬
‫حقوق اإلنسان أطلقت مجموعة من األفكار المتعلقة بالمساواة العرقية والعنصرية‪ ،‬ومجموعة‬

‫‪13‬‬ ‫العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة ‪111‬‬

‫‪52‬‬
‫من الحركات السياسية الرافضة للهي ارريكية العرقية والعنصرية ما أدى بصورة طبيعية إلى‬
‫الكفاح المعاصر من أجل التعددية الثقافية وحقوق األقليات ‪ ،‬وعلى ح‬

‫خالف األفكار التي سادت اثناء الحرب عن حماية األقليات ‪ ،‬فإن حقوق األقليات في هذا‬
‫الكفاح المعاصر مغزولة بشكل متين بالمثل العليا‪ ،‬لحقوق اإلنسان‪ ،‬لقد أثبت النموذج الناتج‬
‫عن التعددية الثقافية أن وعاء جاذب لتحويل العالقات التاريخية للهي ارريكية والعداء إلى‬
‫‪14‬‬
‫عالقة مواطنة ديمقراطية‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة من ‪113-111‬‬

‫‪53‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشخصيات التي أثرت في الفيلسوف ويل كميليكا‬

‫أ‪ -‬التسامح عند يورغن هابرماس وما مدى تأثيره على ويل كميليكا‬

‫إن مبدأ التسامح ليس ضد أصالة اإلعتقادات وأنماط الحياة الدينية وادعائها الحقيقة‪ ،‬بل إنها‬
‫يجب أن تتمكن من التعايش متساوية في الحقوق ‪ ،‬ضمن الكيان السياسي الواحد ‪.‬‬

‫من جهة أخرى عليه مراعاة النماذج األخالقية لآلخرين في إطار نفس الحدود ‪ ،‬ومن جانب‬
‫آخر التسامح ليس مطلوبا إال من خالل مفاهيم متصارعة ألسباب مفهومة ذاتيا ‪ ،‬حيث‬
‫تكمن أهمية فلسفة األلماني يورغن هابرماس في حرصه على الشرعنة لفلسفة تسامحية جديدة‬
‫ترسخ لفلسفة تواصلية وتحقيقا مهيبا ألخالقيات التفاهم وذلك في سياق فتح باب الحوار محو‬
‫النقاش في الفضاء العمومي‪.‬‬

‫كما سعى هذا الفيلسوف إلى التركيز على المنعرج اللغوي من جهة إيتيقا للحوار ‪ ،‬وفق‬
‫منظور كوني يخرج الذات من أفقها الضيق وينحو بها إلى المشاركة والتبادل الحقيقي‬
‫للمطارحات واآلراء المختلفة ‪.‬‬

‫حيث تتضمن اإليتيقا الهابرماسية على المقصد التواصلي الذي يعمد فيه المتكلم إلى ربط‬
‫وشائج قربى مع القارئ من داخل الخطاب نفسه باإلضافة إلى المقصد التداولي الذي يتبلور‬
‫في تلك الشرائط الجوهرية التي تكون بصفة المتكلم من ورائها تجسيد عملية تخاطبية مع‬
‫القارئ بغرض توجيهه إلى الوجهة السليمة ‪ ،‬حيث يحاول الفيلسوف ويل كميليكا أن يأتي‬
‫بالجديد حول موضوع التسامح ‪ ،‬لكن من خالل منظورنا لفلسفة يورغن هابرماس نجد أن‬
‫ويل كميليكا قد تأثر بهذا األخير حيث أضاف في كتابه "أوديسا التعددية الثقافية" أنه ما‬
‫دفعه إلى كتابة كتابه هو الشك المتزايد بشأن كيف يمكن أن يسهم على نحو أفضل في هذه‬
‫الجهود الدولية ‪ ،‬فقد أصبحت معظم الجماعات الدينية الليبرالية بالتدرج معايير الحرية‬
‫الفردية والتسامح والمساواة بين الجنسين مع مفاهيم خاصة ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫حيث توحي الدراسات بأن الدول ذات سياسات التعددية الثقافية لديها مستويات منخفضة بين‬
‫التعصب وعدم التسامح لديهما ايضا افضل األرقام القياسية للتكامل اإلقتصادي والسياسي‬
‫للمهاجرين على مدار الثالثين سنة ‪ ،‬لكن ربما يرجع ذلك إلى حد ما إلى حقيقة أن سياسات‬
‫الهجرة ترتكز بشكل قوي على إختيار المهاجرين المهرة الذين وصلوا إلى مستويات عليا من‬
‫الجودة من الناحية اإلنسانية والسياسية مطلوبة للتكامل ‪.‬‬

‫ربما لم تكن سياسات التعددية الثقافية ضرورية لتكاملهم الناجح أو ربما كانت عقبة كامنة‬
‫ألنها تميزهم على أنهم مختلفون أو محتاجون ‪ ،‬حيث إنتشر تأثير سياسة التعددية الثقافية‪،‬‬
‫بطريقة مثالية على تجربة طبيعية حيث تكون فيها مجموعتان من المهاجرين من البلد نفسه‬
‫ولديهم التجارب والمهارات األساسية نفسها ‪ ،‬ويستقرون في مكانين مختلفين أحدهما لديه‬
‫سياسات قوية للتعددية الثقافية واآلخر ال ‪.‬‬

‫والواقع أنه لم تكن هناك إختالفات ‪.‬محددة فقد بلغو مستويات متقاربة من التعليم ‪ .‬هذه حالة‬
‫واحدة من الحاالت ‪ ،‬وقد تعمم ومن الواضح أنها تختلف عن االنطباعات في كثير من‬
‫أجزاء القارة األوروبية حيث يعتقد على نطاق واسع أن سياسات التعددية الثقافية قد فشلت‬
‫‪15‬‬
‫‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة من ‪-195‬فلسفة االختالف والتسامح‬
‫بقلم ‪ :‬كمال طرشي‬
‫قسم‪ :‬الدراسات الدينية‪196‬‬

‫‪55‬‬
‫ب‪-‬المفهوم الحديث للتسامح‪:‬‬

‫مفهوم استمد من الالتينية والفرنسية في فترة الحروب الدينية ‪ ،‬وكان له بداية داللة محدودة ‪،‬‬
‫تتعلق بالتسامح إتجاه المعتقدات الدينية األخرى‪.‬‬

‫في هذه الفترة إكتسب التسامح الديني داللة قانونية ‪ ،‬وتحول التسامح الديني إلى مفهوم‬
‫قانوني ‪ ،‬لقد أصدرت الحكومات مراسيما للتسامح ‪ ،‬لإلخراط في الدين الصحيح ‪ ،‬والتمسك‬
‫بالعقيدة الحقيقة لقد أدى الفعل القانوني إلى التسامح أيضا مع األشخاص الذين ينتمون إلى‬
‫ديانة مختلفة عن طقوسهم وممارساتهم الدينية ‪ ،‬وطالب بالتسامح تجاه أعضاء مجموعة‬
‫دينية كانت حتى اآلن مقهورة ومضطهدة ‪ .‬لقد ميز اإلنجليز بشكل أكثر وضوحا من األلمان‬
‫‪ ،‬بين التسامح كفضيلة وإستعداد سلوكي ‪ ،‬وبين المسامحة كفعل قانوني‪.‬إن اللغة األلمانية‬
‫تعني بالتسامح ‪ ،‬األمر القانوني الضامن للتسامح الذي تتطلبه الفضيلة السياسية للحفاظ‬
‫على عالقات تسامحية مع الغير ‪ ،‬واليوم وفي إطار االستعمال الغير دقيق للكلمة فإنه يمكن‬
‫‪ ،‬مع هابرماس ‪ ،‬أن ندرك أصلها السياسي ‪ ،‬اللفظ ال يستخدم للداللة على توجه عام يقوم‬
‫التعامل بصبر وتسامح مع اآلخرين فحسب ‪ ،‬بل يسير أيضا إلى فضيلة في التصرف مع‬
‫من هم مختلفون عنا من المواطنين أو لديهم أصول مختلفة ‪.‬‬

‫وليعد المواطن مطيعا للقوانين مطلقا باقتصاره على عدم تكدير كيان الدولة ‪ ،‬بل يجب عليه‬
‫أيضا ‪ ،‬أال يكدر أحدا من المواطنين أيا كان ‪.‬‬

‫ال يشير التسامح إلى المؤمنين فقط ‪ ،‬بل إلى السلطة التي تعتبر حقيقة ممارسة التسامح‬
‫كتنازل ‪ .‬في الحقيقة ‪ ،‬إن التبريرات الفلسفية للتسامح الديني منذ سينو از ولوك إلى بايل ‪ ،‬ال‬
‫تشير إلى فقط للفعل القانوني السلطوي لتسامح ديني معلن من جانب واحد فحسب ‪ ،‬بل‬
‫أيضا إلى حق الممارسة الحرة للديانة ‪ ،‬حق يتأسس على االعتراف المتبادل بالحرية الدينية‬
‫لآلخر ‪ ،‬ويؤدي إلى الحق السلبي في احترام الممارسات الدينية لآلخرين ‪ ،‬وهو ما يشكل‬

‫‪56‬‬
‫تحوال سياسيا للدولة المطلقة باتجاه الدعوة إلى االعتراف المتبادل للحقوق الدينية المعبر عنها‬
‫‪16‬‬
‫من قبل المواطنين بأنفسهم ‪.‬‬

‫‪16‬‬‫روائع الشرائع ‪ :‬الجزء الثاني ‪ :‬الباب الخامس والعشرين ‪ ،‬الفصل التاسع ‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر ‪ ،‬دار المعارف القاهرة مصر ‪ 1953 ،‬ص‬
‫‪215‬‬

‫‪57‬‬
‫چ‪-‬منطق التعدد الثقافي ‪:‬‬

‫إن الحرية الدينية تضع مسألة حياد الدولة موضع اختبار قاس ‪ ،‬هذا الحياد مهدد بشكل‬
‫متواصل ومستمر بواسطة هيمنة ثقافة األغلبية التي تحتكر وتتعسف في استغالل سلطة‬
‫التحديد المكتسبة تاريخيا من أجل أن تحدد لوحدها ‪ ،‬وفقا لمقاييسها ومعاييرها الخاصة ‪ ،‬ما‬
‫يجب أن يعتبر بوصفه الثقافة السياسية اإلجبارية للمجتمع التعددي ‪ .‬فهناك من يرى عدم‬
‫إمكانية تحقيق مبدأ الحياد بشكل كلي ‪ ،‬ونجد في فرنسا مثال ‪ ،‬أن جدول العطل يتضمن‬
‫أياما ترتبط بالديانة الكاثوليكية ‪.‬ويقتضي مبدأ الحياد ‪ ،‬في هذه الحالة تعويض هذه األيام‬
‫بأيام محايدة ‪ ،‬وأن تمنح الفرد أيام عطل ال ترتبط بحدث خاص بحيث يتصرف فيها كيف‬
‫شاء ‪ .‬وإذا أردنا تأويل مبدأ الحياد باعتبارات تهم الجميع ‪ ،‬سنرى من باب اإلنصاف إعادة‬
‫توزيع جدول العطل بشكل يراعي الديانات األساس متواجدة فوق التراب الفرنسي وإدماج‬
‫عطل خاصة بها ‪.‬‬

‫مثل هذا الدمج والخلط اليزال قائما ودون حل ‪ ،‬يمكن أن يقود إلى جوهرانية متنامية وكاسحة‬
‫لتأويل الدستور لصالح إجرائية أساسية ‪ .‬بالفعل إن الجوهر األخالقي للمبادئ الدستورية‬
‫مضمون بواسطة إجراءات تعود قوة شرعيتها إلى عدم إنحياز ونزاهة وإلى التقدير المتساوي‬
‫للمصالح المختلفة المعينة ‪.‬‬

‫نأخذ كمثال من الحالة األولى "قضية الحجاب اإلسالمي" ومثال من الحالة الثانية رد فعل‬
‫حكومة بافاريا حول الحكم والقرار الصادر عن المحكمة الدستورية التي تحظر وتمنع تعليق‬
‫الصليب في المدارس‪ ،‬في الحالة األولى نرى أنه تم مناقشة الحرية الدينية بإيجابية ‪ ،‬أما في‬
‫الحالة الثانية ‪،‬الحرية الدينية بسلبية خصوصا أن الكاثوليك يدافعون عن الصليب بوصفه‬
‫تعبير عن القيم الغربية ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫فلكل منا حريته الدينية ينبغي أن يتضمن الحقوق الثقافية لجميع المواطنين ‪ ،‬وحيث ال ينبغي‬
‫أن يغيب عن نظرنا بأن المواطنين هم أيضا أشخاص لهم هويات فردية نمت وترعرعت‬
‫‪17‬‬
‫وسط تقاليد معينة‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫الدولة والتعدد الثقافي‪ :‬ترجمة المصطفي حسوني ‪،‬دار توبقال للنشر ‪،‬الدار البيضاء ‪،‬المغرب ‪ ، 2011،‬ص‪61‬‬

‫‪59‬‬
‫ثالثا‪ :‬فلسفة ويل كميليكا‬

‫أ‪:‬التسامح وعالقته بتعدد الثقافات‪:‬‬

‫يشهد العالم المعاصر مظاهر عديدة من التطرف وحرب األيديولوجيات ‪ ،‬وكوارث شنيعة‬
‫نتيجة العنف‪ ،‬وهو أمر في الحقيقة يهدد الكيان البشري ويمثل تحديا كبي ار للحضارة اإلنسانية‬
‫الراقية ‪ ،‬ومن ثم فقد حاولت المجتمعات اإلنسانية مواجهة هذه التحديات الخطيرة‪.‬‬

‫حيث يأتي في مقدمة هذه الحلول المقترحة مبدأ التسامح بين البشر ذلك لما له من أهمية‬
‫كبيرة في تحسين العالقات بين أفراد المجتمعات‪ ،‬و توطيد مبدأ التعايش السلمي بين الفئات‪.‬‬

‫أي استراتيجية مقبولة لنشر التعددية الثقافية الليبرالية تحتاج إلى فهم مصادر هذا الشك ‪،‬‬
‫والمقاومة ‪.‬‬

‫ولقد كانت أكثر االستجابات شيوعا لسوء الطالع ( السيما في الصحافة الشعبية ‪ ،‬و أيضا‬
‫في الدوائر السياسية) وهي تلك التي أخضعت الموقف للتحليل األخالقي والسيكولوجي فقد‬
‫نسيت مقاومة التعدد الثقافي إلى إصرار هويات ما قبل الحادثة ومواقف النظم القبلية ( أي‬
‫في إفريقيا وآسيا) أو إلى القومية العرقية أي في أوروبا مابعد الشيوعية‪ ،‬والمشكلة من هذا‬
‫المنطلق أن كثي ار من المجتمعات ينقصها التطور السياسي للتعامل البناء مع مسائل التنوع ‪،‬‬
‫لهذا ال تستطيع تقدير جدارة نماذج التعددية الثقافية التي انبثقت داخل األنظمة الديمقراطية ‪،‬‬

‫ولعالج هذه الم شكلة البارزة يلزم تأسيس برامج تعليمية لتعليم قيم التسامح في المدارس‬
‫وأجهزة اإلعالم البتكار ثقافة متداخلة وحوار ديني متبادل و بالعموم أكثر للترويج ألفكار‬
‫الحداثة ومابعدها شأن الهويات المتعددة والمتداخلة لحل محل مفاهيم التضاد الثنائي الثابت‬
‫بين "نحن" و "اآلخر" واليدهشنا أن هذه البرامج كثي ار ما استقبلها المستفيدون تجاه المجتمعات‬
‫و الثقافات غير الغربية ومن ثم فقد رفضتها ‪.‬إضافة إلى ذلك في التعالج المشكلة الحقيقة‬

‫‪60‬‬
‫إن معارضة التعددية الثقافية الليبرالية ليست فقط نتيجة لألحكام المبسترة و الجهل ‪ ،‬وكره‬
‫األجانب ‪ ،‬فالواقع أن التعددية الثقافية لها مخاطر عديدة وإن هذه المخاطر تتنوع تنوعا هائال‬
‫داخل المجتمعات وبين بعضها البعض‪.‬‬

‫فالتعددية الثقافية التتحدى فقط فهم الشعوب التقليدي لهويتها السياسية و الثقافية ‪ ،‬بل أيضا‬
‫مضامينها الكامنة لمسار العمل الديمقراطي والتطور االقتصادي واحترام حقوق اإلنسان بل‬
‫حتى األمن السياسي بمعنى الجغرافي‬

‫فالتعددية الثقافية في بعض األزمنة واألماكن ‪ ،‬يمكن أن تكون اختيا ار يحمل قد ار كبي ار من‬
‫المخاطرة وهذه المضامين ‪ ،‬ال اإلرتباط الغير منطقي بهويات ما قبل الحداثة ‪ ،‬هي التي‬
‫تدعم معارضة التعددية الثقافية الل يبرالية في دول مابعد اإلستعمار ومابعد الشيوعية ‪ ،‬إن‬
‫استراتيجيات في المجتمع الدولي الحالية لنشر التعددية الثقافية الليبرالية التعالج تلك‬
‫المخاوف بصورة كافية‪ .‬ونتيجة لذلك فإن كثي ار من جوانب الخطاب السياسي والقواعد‬
‫القانونية التي يروج لها المجتمع الدولي يبدو ساذجا وتعسفيا‪ ،‬بل خط ار على كثير من الناس‬
‫في دول مابعد اإلستعمار والحجج المعتادة للدفاع عن التعددية الثقافية ‪-‬اكثر بقليل من‬
‫تفاهات حول قيمة التنوع والتسامح‪ -‬لم ترتبطها ببساطة بإدراك الناس لألخطار واألعباء‬
‫المحتملة التي ينطوي عليها تنظيم عالقة الدولة باألقليات ‪.‬‬

‫إن أحد أسباب فشل المجتمع الدولي في معالجة هذه المخاوف بشأن مخاطر التعددية‬
‫الثقافية هو أنه لم يوجه إنتباها كافيا إلى الطريقة التي عولجت بها تلك المخاوف في الغرب‪،‬‬
‫وبقدر ما حصلت التعددية الثقافية على جذور غير متساوية في الغرب فلم يكن ذلك بسبب‬
‫أن للغربيين قيمة أخالقية متميزة عن التسامح‪ ،‬أو فهمها متطو ار لطبيعة هويتهم الثقافية‪،‬‬
‫والسياسية ‪.‬‬

‫بل باألحرى مجموعة من الظروف المواتية قد قللت من مخاطر التعددية الثقافية مما سمح‬
‫لألمم الغربية بأن تصوغ سياسات عرقية بطريقة تتفق مع حماية وتنمية قوية للديمقراطية ‪،‬‬
‫والرخاء اإلقتصادي ‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ ،‬والتخلو التعددية الثقافية من المخاطر خلوا تاما لكن‬

‫‪61‬‬
‫حيثما توجد هذه الظروف المواتية ‪ ،‬فإنها تصبح مخاطر جميلة مخاطر معتدلة تمكن‬
‫معالجتها ويجدى القيام بها من أجل مجتمع أكثر إنصافا وشموال ‪.‬‬

‫باختصار يتطلب النجاح طويل المدى إلنتشار التعددية الثقافية حيث يحتاج كل خطاب‬
‫سياسي عالمي للتعددية الثقافية والمعايير القانونية الدولية ومن المؤكد أن ذلك سوف يحتاج‬
‫إلى تغيرات ‪ ،‬ليست فقط في الطريقة التي توصف بها التعددية الثقافية ويروج لها عالميا ‪،‬‬
‫بل أيضا تغيرات في توقعاتنا بتعدد األشكال والجوانب في التعددية الثقافية األصلية التي‬
‫تتناسب مع األجزاء المختلفة في العالم حيث يعتقد بعض المعلقين أن هذه األنواع من‬
‫المتغيرات سوف تنبثق تلقائيا فلم يظهر إلتزام المجتمع الدولي بالتنوع إال حديثا نسبيا ‪،‬‬
‫واستطاعتنا أن نرى بالفعل عملية "ملئ" اإلطار وهي تتم عندما يبدأ ممثلون مختلفون‬
‫ومؤسسات في تعلم ماهي أنواع الخطاب والمعايير الفعالة تحت أي ظرف‪.‬‬

‫غير أن رأي الفيلسوف ويل كميليكا الخاص هو أن هذه الصعوبات لن تحل نفسها تلقائيا ‪،‬‬
‫وأي محاولة لمعالجة هذه الصعوبات سوف تتطلب عددا من الق اررات الصعبة المثيرة للجدل‬
‫بشأن طبيعة وهدف سياسات التعدد الثقافي وحقوق األقليات ودور المنظمات الدولية في‬
‫‪18‬‬
‫حمايتها‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة ‪40-38‬‬

‫‪62‬‬
‫پ‪ -‬أشكال التعددية الثقافية‬

‫إن التعددية الثقافية هي وجهة النظر التي تذهب إلى أن الدول ال ينبغي عليها أن تساند فقط‬
‫المجموعة المألوفة من الحقوق االجتماعية والسياسية والمدنية للمواطنة ‪ ،‬التي تحميها كل‬
‫الديمقراطيات الليبرالية الدستورية‪ ،‬ولكن ينبغي عليها كذلك تبني حقوق الجماعات الخاصة‬
‫المختلفة أو السياسات التي تهدف إلى اإلعتراف والتكيف مع الهويات والتطلعات المتميزة‬
‫للجماعات العرقية الثقافية ‪.‬‬

‫والمنظور المفيد أكثر لفهم منطق التعددية الثقافية ‪ ،‬هو أن نفهم ما الذي جاءت به هذه‬
‫التعددية الثقافية إستجابة له‪ ،‬أو ما الذي كان هي رد فعل ضده ‪ .‬فجميع الصراعات من أجل‬
‫التعددية الثقافية تشترك في رفض عام للنماذج المبكرة للدولة القومية الديمقراطية الليبرالية‬
‫ذات الثقا فات المتعددة ‪ ،‬فإننا نحتاج في البداية إلى فهم ذلك النموذج األقدم للدولة القومية‬
‫المتجانسة ولماذا رفضت ‪.‬‬

‫لقد كانت معظم الدول في جميع أنحاء العالم تتطلع إلى هذه الدولة في هذا النموذج ترضى‬
‫ضمنيا على أنها ملكية الجماعة القومية السائدة ‪ ،‬والتي تستخدم الدولة إلبراز هويتها ‪،‬‬
‫ولغتها ‪ ،‬وتاريخها ‪ ،‬وثقافتها‪ ،‬وآدابها‪ ،‬وأساطيرها ‪ ،‬وديانتها ‪ ،‬وما إلى ذلك والتي تعرف‬
‫الدولة بأنها تعبير عن القومية ‪ ،‬وأي شخص ال ينتمي إلى هذه المجموعة القومية المسيطرة‬
‫البد أن يخضع إما لالستيعاب وإما لإلقصاء‪.‬‬

‫وقد استخدمت بعض السياسات لبناء دولة قومية ولفرض لغة وثقافة المجموعة المسيطرة‬
‫على بقية السكان نذكر منها ‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ -‬تبنى قوانين اللغة الرسمية أي أن تكون اللغة الوحيدة المستخدمة في المصالح الحكومية‬

‫‪ -‬بناء نظام قومي للتعليم اإللزامي‬

‫‪ -‬إنشاء نظام قانوني وقضائي موحد وهذه مجرد عينة من السياسات التي تبنتها ‪.19‬‬

‫‪19‬‬ ‫العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة ‪84-81‬‬

‫‪64‬‬
‫ج‪ -‬أنواع التعددية الثقافية‬

‫أوال‪ :‬السكان األصليون‪:‬‬

‫يختص االتجاه األول بمعاملة السكان األصليين ‪ ،‬حيث كان وجميع البلدان في الماضي‬
‫هدف توقع واحد ‪ ،‬وهو أن يختفي السكان األصليون في النهاية كمجتمعات متميزة نتيجة‬
‫للوفاة أو الترواج بين عناصر أو طوائف أو قبائل مختلفة أو نتيجة لالستيعاب ‪.‬‬

‫ولقد تم تبني عدد من السياسات لإلسراع في هذه العملية ‪ ،‬كتجريد السكان األصليين من‬
‫أرضهم ‪ ،‬وتضييق ممارسة ثقافاتهم التقليدية ولغاتهم ودياناتهم ‪ ،‬غير أن هناك انقالبا هائال‬
‫في هذه السياسات بدأ من أوائل سبعينات القرن الماضي‬

‫ثانيا‪ :‬قوميات األقليات والجماعات الثانوية‪:‬‬

‫يتعلق االتجاه الثاني بمعاملة الجماعات " القومية " وفي جميع الحاالت نجد مجموعة‬
‫إقليمية متميزة تتصور نفسها أمة داخل دولة أكبر ‪ ،‬وتتحرك خلف األحزاب السياسية القومية‬
‫لكي تحقق اإلعتراف بكيانها كأمة ‪ ،‬إما في شكل دولة مستقلة وإما من خالل حكم ذاتي‬
‫إقليمي داخل الدولة الكبرى ‪ ،‬لقد حاولت جميع البالد أن تكبت التعبير عن قوميات‬
‫الجماعات الثانوية ‪ .‬بأن لها قومية متميزة فإن ذلك كان يرى تهديدا للدولة ‪ ،‬ويشكك في‬
‫الحق المشروع للدولة في أن تحكم كل أرضها وجميع سكانها ‪ ،‬ولقد بذلت جهود متعددة‬
‫ومختلفة لتقويض أي إحساس بقومية متميزة ‪.‬‬

‫وكثي ار ما استخدمت األدوات نفسها التي كانت تستخدم ضد السكان األصليين ‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال تضييق حقوق لغة األقليات ‪ ،‬وإلغاء األشكال التقليدية للحكم الذاتي اإلقليمي ‪،‬‬
‫وتشجيع أعضاء الجماعة المسيطرة على االستبطان في األرض األم لجماعة األقليات حتى‬
‫يفوقوهم عددا ولو أرضهم التقليدية ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ثالثا‪ :‬الجماعات المهاجرة ‪:‬‬

‫هناك توجه ثالث يتعلق بالتعامل مع الجماعات المهاجرة ‪ .‬وأهم بلدان الهجرة من الناحية‬
‫التاريخية (أستراليا‪ ،‬نيوزيلندا‪ ،‬وكندا ‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية ) اتخذت منهج االستيعاب‬
‫بالنسبة إلى الهجرة ‪ .‬كما كان هناك تشجيع للمهاجرين ‪ ،‬وتوقع أن يستوعبهم المجتمع القائم‬
‫بالفعل على أمل أنه بمرور الوقت سوف يصعب تمييزهم عن المواطنين األصليين في‬
‫حديثهم وملبسهم ‪ ،‬وأنماط تصويتهم االنتخابي ‪ ،‬وطريقة حياتهم بشكل عام وأي جماعة ترى‬
‫عاجزة عن هذا التمثل أو االستيعاب الثقافي تحرم من الهجرة في المقام األول ومن أن‬
‫‪20‬‬
‫يصبحوا مواطنين ‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر‬


‫ويل كميليكا نموذجا‬
‫أحمد عدنان عزيز‬
‫علياء محمد طارش‬
‫صفحة ‪94-87‬‬

‫‪66‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫يمكن أن نختزل مشروع ويل كميليكا و‪ ،‬أن التسامح متعدد األشكال باعتباره داللة تستند هي‬
‫األخرى لإللزامية اإلنسانية ‪.‬‬

‫وأن فكرة التسامح مرت عبر مراحل ومحطات فكرية أساسية‪ ،‬ساهمت في بلورة و تشكيل‬
‫معالمه ‪ ،‬حيث أن التسامح في نظر الفيلسوف ويل كميليكا بوابة عظيمة تدخل منها جميع‬
‫أشكال التواصل الثقافي والحضاري والعلمي واألخالقي‬

‫بحيث أن كميليكا يحاول أن يوسع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي وفي نظره أن‬
‫ل لتعددية الثقافية أثر أساسي وكبير لبناء نظام ديمقراطي‪ ،‬فقد تأثر هذا األخير لفلسفة يورغن‬
‫هابرماس ولم يأتي بالجديد من خالل نظرته للتسامح بحيث أن الفيلسوف ويل كميليكا كان‬
‫له شك في نظرته وأكدها من خالل يورغن هابرماس ونظرته للتسامح‪ .‬يمكن أن نختزل‬
‫مشروع ويل كميليكا و‪ ،‬أن التسامح متعدد األشكال باعتباره داللة تستند هي األخرى‬
‫لإللزامية اإلنسانية ‪.‬‬

‫وأن فكرة التسامح مرت عبر مراحل ومحطات فكرية أساسية‪ ،‬ساهمت في بلورة و تشكيل‬
‫معالمه ‪ ،‬حيث أن التسامح في نظر الفيلسوف ويل كميليكا بوابة عظيمة تدخل منها جميع‬
‫أشكال التواصل الثقافي والحضاري والعلمي واألخالقي‬

‫بحيث أن كميليكا يحاول أن يوسع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي وفي نظره أن‬
‫للتعددية الثقافية أثر أساسي وكبير لبناء نظام ديمقراطي‪ ،‬فقد تأثر هذا األخير لفلسفة يورغن‬
‫هابرماس ولم يأتي بالجديد من خالل نظرته للتسامح بحيث أن الفيلسوف ويل كميليكا كان‬
‫له شك في نظرته وأكدها من خالل يورغن هابرماس ونظرته للتسامح‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫أثر فكرة التسامح في ظل التعددية الثقافية‬

‫‪ :‬أثر فكرة ويا كميليكا في الدعوة إلى فكرة التسامح‬ ‫اوال‪:‬‬


‫أ‪-‬أثر الفكرة عند الغرب‬

‫ثانيا‪ :‬التسامح واثاره في الفكر اإلسالمي‬

‫أ‪-‬أنواع التسامح‬

‫ب‪-‬نظرية التسامح في الفكر االسالمي‬

‫ج‪-‬أهمية التسامح‬

‫ثالثا‪:‬معيقات وصعوبات تحقيق فكرة التسامح‬

‫أ‪-‬عوائق في طريق التسامح‬

‫ب‪ -‬الداللة السلبية لتسامح‬

‫ج‪ -‬أثر فكرة التسامح على الفرد والمجتمع‬

‫‪68‬‬
‫أوال ‪ :‬أثر فكرة ويا كميليكا في الدعوة إلى فكرة التسامح‬

‫أ‪-‬اثر الفكرة عند الغرب‬

‫هل جعلت سياسة التعددية الثقافية المشكلة أكثر سوءا بتشجيع المواطنين على المحافظة‬
‫على "تراثهم" أو عن طريق تثبيط موظفي الدولة عن التدخل إسم احتراما "التنوع" والتسامح" ؟‬
‫أو هل تقلص سياسات التعددية الثقافية في المشكلة بواسطة اإلنجذاب نحو الديمقراطية؟‪.‬‬

‫وعلى نحو مايحدث دائما ‪ ،‬يعوقنا غياب كامل تقريبا للدراسات المنظمة حول هذا الموضوع‬
‫‪ ،‬من الواضح أن سياسات التعددية الثقافية في الغرب التصفح ‪ ،‬على نحو رسمي أو شعبي‬
‫‪ ،‬عن الممارسات غير الليبرالية ‪ ،‬وأن أي محاوالت يقوم بها أنصار التراث التستخدم قواعد‬
‫أو مؤسسات التعددية الثقافية لكي تظفر بالقبول الشعبي للممارسات غير الليبرالية ‪ ،‬قد باءت‬
‫بالفشل ويمكننا أن نتخيل السيناريوهات التي يحاول أنصار التراث داخل جماعة المهاجرين‬
‫المختلفة من خاللها اإلستيالء على زمام البنية التحتية للتعددية الثقافية الرسمية ‪ ،‬من أجل‬
‫الدفاع عن هذه الممارسات وعلى سبيل المثال ‪ ،‬في إستطاعة المرء أن يتخيل أن أنصار‬
‫التراث من جماعات معينة من المهاجرين من شرق أفريقيا يجلسون في مجلس إستشاري‬
‫ألحد المستشفيات ‪ ،‬ليطالبوا بالسماح بختان البنات ‪ ،‬أو جماعات أنصار التراث من جنوب‬
‫آسيا يجلسون في مجالس الشرطة ليطالبوا بعدم التحقيق في حاالت العنف األسري أو الزواج‬
‫باإلكراه‪.‬‬

‫لكن إذا كانت مثل هذه المحاوالت قد تمت فقد كانت كلها فاشلة وعلى حد علمي فليس ثمة‬
‫وكالة ‪ ،‬أو مجلس ‪ ،‬أو برنامج أقيم في ظل التعددية الثقافية في أي ديمقراطية من‬
‫‪21‬‬
‫الديمقراطيات الغربية قد وافقت على أي من هذه الممارسات‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫أوديسا التعددية الثقافية‬


‫تأليف‪ :‬ويل كميليكا‬
‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬إمام عبدالفتاح إمام‬
‫ص‪202‬‬

‫‪69‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التسامح واثاره في الفكر االسالمي‬

‫أ‪-‬انواع التسامح ‪:‬‬

‫يتجلى مفهوم التسامح على مختلف العالقات في المجتمعات وبين الناس ‪ ،‬فقد يبدأ عند‬
‫األطفال الصغار من خالل حل الشجار وفض الخصومات فيما بينهم ‪ ،‬وبدء صفحة جديدة‬
‫نقية من صداقتهم ‪ ،‬فهذا نوع بريء لطيف للتسامح ‪ ،‬لكن بنظرة أعمق سيتبين أن أنواع‬
‫التسامح على الصعيد الواسع هي ‪:‬‬

‫التسامح العرقي والديني ‪ ،‬والتسامح السياسي ‪ ،‬والتسامح الثقافي‪.‬‬

‫فالتسامح العرقي هو من األنواع والمهمة التي إذا سادت وانتشرت تحل كثي ار من أزمات العالم‬
‫‪ ،‬ويقصد به االبتعاد عن النظرة العنصرية للطرف اآلخر سواءا كان ينتمي لبلد آخر ‪ ،‬أم‬
‫لعرق آخر ‪ ،‬أم أن لون بشرته مختلف عن لون بشرة الطرف اآلخر ‪ ،‬فإن اإلساءة وعدم‬
‫التسامح في هذا الموضوع فيه إجحاف كبير‪.‬‬

‫فيما يخص التسامح الديني فقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم خير مثال لهذا التسامح ومع‬
‫أنه رسول رب العالمين ‪ ،‬نشر الدين اإلسالمي الحنيف ‪ ،‬إال أنه لم يكره أحد على إعتناق‬
‫الدين اإلسالمي ‪ ،‬وسمح لليهود والنصارى بالبقاء على دينهم ‪ ،‬وممارسة طقوس عبادتهم ‪،‬‬
‫ومن أراد إعتناق الدين اإلسالمي منهم كان يحترم رغبته ‪ ،‬وكذلك ينبغي أن تكون كل‬
‫المجتمعات ‪ ،‬طالما أن كل فرد فيها يعرف حقوقه وواجباته‪.‬‬

‫أما التسامح السياسي فهو ينضوي تحت شعارات الديمقراطية ‪ ،‬التي تنادي بها كل بلدان‬
‫العالم ‪ ،‬وفيه يكون الضمان لحرية األفراد ‪ ،‬والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم‬
‫السياسية دون خوف أو ذعر من التعرض ألذى الطرف اآلخر المتناقض آلرائهم ‪ ،‬فإن‬
‫اإلختالف ال ينبغي أن يؤدي إلى خالف ‪ ،‬فلوال الليل لما عرف النهار ‪.‬‬

‫فيما يخص التسامح الثقافي فيقصد به احترام رأي اآلخرين وتقبله ‪ ،‬فكثي ار ما يعاني األفراد ‪،‬‬
‫وفي كل المجتمعات من مرض التعصب لرأيه الشخصي ‪ ،‬إذ أن كل فرد يرى أنه هو‬

‫‪70‬‬
‫الصحيح ‪ ،‬ومن لم يتبع رأيه وطريقته فهو خاطىء وبعيد عن جادة الصواب ‪ ،‬وهذا تفكير‬
‫التعصب بعيد كل البعد عن التسامح‪.‬‬

‫أ‪ -‬أنواع التسامح‬

‫يتجلى مفهوم التسامح على مختلف العالقات في المجتمعات وبين الناس ‪ ،‬فقد يبدأ عند‬
‫األطفال الصغار من خالل حل الشجار وفض الخصومات فيما بينهم ‪ ،‬وبدء صفحة جديدة‬
‫نقية من صداقتهم ‪ ،‬فهذا نوع بريء لطيف للتسامح ‪ ،‬لكن بنظرة أعمق سيتبين أن أنواع‬
‫التسامح على الصعيد الواسع هي ‪:‬‬

‫التسامح العرقي والديني ‪ ،‬والتسامح السياسي ‪ ،‬والتسامح الثقافي‪.‬‬

‫فالتسامح العرقي هو من األنواع والمهمة التي إذا سادت وانتشرت تحل كثي ار من أزمات العالم‬
‫‪ ،‬ويقصد به االبتعاد عن النظرة العنصرية للطرف اآلخر سواءا كان ينتمي لبلد آخر ‪ ،‬أم‬
‫لعرق آخر ‪ ،‬أم أن لون بشرته مختلف عن لون بشرة الطرف اآلخر ‪ ،‬فإن اإلساءة وعدم‬
‫التسامح في هذا الموضوع فيه إجحاف كبير‪.‬‬

‫فيما يخص التسامح الديني فقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم خير مثال لهذا التسامح ومع‬
‫أنه رسول رب العالمين ‪ ،‬نشر الدين اإلسالمي الحنيف ‪ ،‬إال أنه لم يكره أحد على إعتناق‬
‫الدين اإلسالمي ‪ ،‬وسمح لليهود والنصارى بالبقاء على دينهم ‪ ،‬وممارسة طقوس عبادتهم ‪،‬‬
‫ومن أراد إعتناق الدين اإلسالمي منهم كان يحترم رغبته ‪ ،‬وكذلك ينبغي أن تكون كل‬
‫المجتمعات ‪ ،‬طالما أن كل فرد فيها يعرف حقوقه وواجباته‪.‬‬

‫أما التسامح السياسي فهو ينضوي تحت شعارات الديمقراطية ‪ ،‬التي تنادي بها كل بلدان‬
‫العالم ‪ ،‬وفيه يكون الضمان لحرية األفراد ‪ ،‬والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم‬
‫السياسية دون خوف أو ذعر من التعرض ألذى الطرف اآلخر المتناقض آلرائهم ‪ ،‬فإن‬
‫اإلختالف ال ينبغي أن يؤدي إلى خالف ‪ ،‬فلوال الليل لما عرف النهار ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫فيما يخص التسامح الثقافي فيقصد به احترام رأي اآلخرين وتقبله ‪ ،‬فكثي ار ما يعاني األفراد ‪،‬‬
‫وفي كل المجتمعات من مرض التعصب لرأيه الشخصي ‪ ،‬إذ أن كل فرد يرى أنه هو‬
‫الصحيح ‪ ،‬ومن لم يتبع رأيه وطريقته فهو خاطىء وبعيد عن جادة الصواب ‪ ،‬وهذا تفكير‬
‫‪22‬‬
‫التعصب بعيد كل البعد عن التسامح‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫موضوع تعبير عن التسامح‬


‫تمت الكتابة بواسطة‪ :‬إسراء أبو زينة‬
‫تم التحقيق بواسطة‪ :‬أنوار عبدالغني‬
‫آخر تحديث‪/17 :‬ديسمبر‪2020/‬‬

‫‪72‬‬
‫ب‪ :‬نظرية التسامح في الفكر اإلسالمي‬

‫كان الدين اإلسالمي ومازال منهجا للهداية العقيدية مقابل منهج القهر السياسي ‪ ،‬وهو‬
‫التعامل الجماعي واستيعاب العالم ‪ ،‬وبه فضلهم على العالمين ‪ ،‬من أصحاب الدول‬
‫والمماليك الدنيوية المستمدة إلى القوة‪.‬‬

‫ولكن هذا النموذج ليس سلطة قهرية بديلة تستمد شرعيتها من الدين ‪ ،‬بقدر ماهي إستنهاف‬
‫لمشاعر اإليمان والرحمة والمودة والتسامح عند كل فرد ‪ ،‬بما هو روح ووعي وخليفة هلل‬
‫وبعض من نوره ‪ ،‬ومن ثم قابليته للتضحية الخالصة والفناء في سبيل هللا تعالى‪.‬‬

‫لعل فرادة اإلسالم وأصالته قائمتان في هذه الفكرة الجوهرية ‪ ،‬وهي أن الدين ليس دعوة‬
‫تبشيرية ولكن حركة إجتماعية وسياسية ‪ ،‬أي في جمع نزعة إلى الهداية الروحية إلى إرادة‬
‫القوة ‪ ،‬هذا الجمع هو الذي جعل اإلسالم يتخذ شكل الثورة التاريخية الكبرى ‪ ،‬كما أن السبب‬
‫الرئيسي في إنتصاره الكاسح وتدميره المعنوي القوي للدولة وإعادة بنائها على هامشه و بإزائه‬
‫وضده في الوقت نفسه ‪ ،‬وكما هو معلوم فإن النصوص المقدسة موجودة منذ أن أنزلها هللا‬
‫تعالى على البشرية ‪ ،‬وليس في ذلك مشكلة ‪ ،‬وإنما المشكلة في الجهد البشري الذي يقوم‬
‫يفهمها وتفسيرها ‪ ،‬الذي هو الفارق في مراحل التقدم أو التخلف ‪ .‬فعندما فهم العرب‬
‫والمسلمون النصوص وفق روح عصرهم ‪ ،‬بنو حضارة عظيمة وواسعة ومؤثرة ‪ ،‬فالتعصب‬
‫يولد التعصب ‪ ،‬واإلعتدال يولد اإلعتدال والتسامح يولد التسامح ‪ ،‬ويكفي أن نورد مثاال في‬
‫تاريخنا اإلسالمي المشرق ‪ ،‬فعندما حدثت اإلنتكاسة الكبرى أوساط القرن السابع الهجري‬
‫بخضوع الدولة إلسالمية إلى سلطة كافرة هي سلطة المغول ‪ ،‬التي دمرت الكثير‬
‫من معالم الفكر والحضارة اإلسالمية ‪ ،‬وكانت إنتكاسة هائلة في التاريخ اإلسالمي‬
‫وفي حياة المسلمين‪.‬‬

‫غير أن الفكر اإلسالمي إستطاع في تلك المرحلة ‪ ،‬أن يحافظ بل إستطاع أن‬
‫يعوض االنهيار السياسي بالتقدم الفكري والثقافي ‪ ،‬فكانت تلك الفترة المظلمة‬

‫‪73‬‬
‫سياسي مشرقة فكريا اذ صدر نتاج فكري وعلمي ضخم من قبل العلماء والمفكرين‬
‫المسلمين وهي ظاهرة تستحق الدراسة والبحث ‪ ،‬إال أن ذلك لم يحدث بل إنطلق‬
‫وربما بصورة ‪ ،‬أفضل من السابق وكان اإلنجاز األكثر أهمية ‪ ،‬هو تحول المحتل‬
‫المنتصر إلى العقيدة اإلسالمية وإعالن اإلسالم دينا رسميا في أجهزة السلطة‬
‫المغولية ‪ ،‬وهكذا حقق اإلسالم نص ار حضاريا ‪ ،‬رغم كون المسلمين خسروا‬
‫المعركة خسارة فادحة مدمرة‪.‬‬

‫فاإلنسانية التي حملها المسلمون هي إرث حضاري عربي إسالمي ‪ ،‬هي حضارة‬
‫إنسانية في األنسنة ‪ ،‬ويجب أن الننسى التجربة العربية اإلسالمية في بالد‬
‫األندلس ‪ ،‬إذ تعايش ثقافات وحضارات وشعوب ‪ ،‬فالحاكم كان عربيا مسلما وعنده‬
‫وزير يهودي ووزي ار إلسالمية إلى سلطة كافرة هي سلطة المغول ‪ ،‬التي دمرت‬
‫الكثير من معالم الفكر والحضارة اإلسالمية ‪ ،‬وكانت إنتكاسة هائلة في التاريخ‬
‫اإلسالمي وفي حياة المسلمين‪.‬‬

‫غير أن الفكر اإلسالمي إستطاع في تلك المرحلة ‪ ،‬أن يحافظ بل إستطاع أن‬
‫يعوض اإلنهيار السياسي بالتقدم الفكري والثقافي ‪ ،‬فكانت تلك الفترة المظلمة‬
‫سياسي مشرقة فكريا اذ صدر نتاج فكري وعلمي ضخم من قبل العلماء والمفكرين‬
‫المسلمين وهي ظاهرة تستحق الدراسة والبحث ‪ ،‬إال أن ذلك لم يحدث بل إنطلق‬
‫وربما بصورة ‪ ،‬أفضل من السابق وكان اإلنجاز األكثر أهمية ‪ ،‬هو تحول المحتل‬
‫المنتصر إلى العقيدة اإلسالمية وإعالن اإلسالم دينا رسميا في أجهزة السلطة‬
‫المغولية ‪ ،‬وهكذا حقق اإلسالم نص ار حضاريا ‪ ،‬رغم كون المسلمين خسروا‬
‫المعركة خسارة فادحة مدمرة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫فاإلنسانية التي حملها المسلمون هي إرث حضاري عربي إسالمي ‪ ،‬هي حضارة‬
‫إنسانية في األنسنة ‪ ،‬ويجب أن الننسى التجربة العربية اإلسالمية في بالد‬
‫األندلس ‪ ،‬إذ تعايش ثقافات وحضارات وشعوب ‪ ،‬فالحاكم كان عربيا مسلما وعنده‬
‫وزير يهودي ووزير مسيحي ‪ ،‬وقائد الجيش في إحدى المرات كان يهوديا ‪ ،‬وقد‬
‫وصل األمر آنذاك إلى قيام البابا سلفستر الثاني الذي درس ثالث سنوات في‬
‫جامعات العرب المسلمين في األندلس ثم عاد وسمي بابا في روما ‪ ،‬إلى دعوة‬
‫الرعايا الغربيين إلى تعلم اللغة العربية والتخلق بأخالق المسلمين ‪....‬الخ‬

‫إذن حياة المسلمين في الشرق والغرب ودولتهم وحضارتهم قدمت أجمل صورة‬
‫للتعايش و التسامح بين العرب وشعوب آسيا بينهم وبين شعوب أوروبا ‪.‬‬

‫وبالعودة إلى القرآن الكريم الذي يشكل المرجعية األساسية للشريعة فضال عن‬
‫السنة النبوية الشريفة ‪ ،‬فإن متابعة بعض آيات القرآن تعطينا صورة مشرفة‬
‫للتسامح ‪.‬‬

‫وكثي ار ما نسمع عن التسامح في التعامل مع األديان األخرى وخصوصا الديانات‬


‫السماوية يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ «:‬أال من ظلم معاهدا أو انتقض أو‬
‫كلفه فوق طاقته أو أخذ من شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» ومن‬
‫المشهور أن أصحاب الديانات من األخرى عاشو في ظل الحكم اإلسالمي قرونا‬
‫طويلة محفوظة كرامتهم مرعبة ذممهم وعهودهم‪.‬‬

‫لقد كان الرسول صلى هللا عليه وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتى مع‬
‫المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك ‪ ،‬ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل فقد عفا رسول‬
‫هللا عن ابن أبي سلول م ار ار ‪ ،‬و ازره لما مرض ‪ ،‬وصلى عليه لما مات واإلسالم‬

‫‪75‬‬
‫كفكر وعقيدة أكد قوانين ومبادئ مهمة عمل على نشرها في أرجاء العالم من أشهر‬
‫هذه المبادئ نجد الالعنف والتسامح حيث تدعو إلى‪:‬‬

‫ب‪ :‬الدعوة إلى التعارف بين الشعوب‬

‫والتسامح في هذا المقام ذا بعد وجودي أي إقتضت أن يكون وجود الناس على‬
‫األرض في شكل تجمعات بشرية ‪ ،‬وهي أن تقف في مايجمع بينها من وحدة‬
‫األصل والحاجة إلى والتجمع والحرص على البقاء والرغبة في التمكن من مقومات‬
‫الحياة والسعي في إقامة التمدن والعمران إلى اإلرتقاء والتقدم فإنها قد تباينت في‬
‫ماتنفرد به كل مجموعة ومن خصوصية عرقية ودينية‪.‬‬

‫ج‪ :‬عدم اإلكراه في الدين وإقرار التعددية‬

‫فالتسامح وفق المنظور اإلسالمي ‪ ،‬فضيلة أخالقية وضرورة مجتمعية ‪ ،‬وسبيل‬


‫بضبط اإلختالفات و إدارتها ‪ ،‬فالجميع ينحدرون من نفس واحدة لقوله تعالى‪ «:‬يا‬
‫أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما‬
‫رجاال ونساء واتقوا هللا الذي تساءلون به و األرحام إن هللا كان عليكم رقيبا» سورة‬
‫النساء اآلية ‪.1‬‬

‫د‪ :‬اإلعتراف بالديانات السماوية المغايرة وتقرير أنبيائها والسماح لمعتنقيها‬


‫باإلستمرار في عقائدهم لقوله تعالى ‪ «:‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه‬
‫والمؤمنون كل آمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله النفرق بين أحد من رسله» سورة‬
‫البقرة اآلية ‪.285‬‬

‫يمكن القول أن هذه المبادئ لو لم تكن موضع التطبيق في كل األحوال ‪ ،‬ولو لم‬
‫تنطلق منها حركات وفلسفات وإجتهادات مؤثرة وفاعلة ‪ ،‬لظلت هذه المبادئ على‬

‫‪76‬‬
‫الهامش وبعيدة عن الممارسات الغالبة بوجه عام ‪ ،‬ولكن هذه المبادئ تظل‬
‫‪23‬‬
‫موجودة ‪ ،‬وتصلح منطلقا إلصالحات دينية ال تزال ننتظرها‬

‫‪23‬‬ ‫مجلة أبحاث كلية التربية االساسية‬


‫المجلد ‪ 9‬العدد ‪2‬‬
‫التسامح وقبول المختلف في الفكر العربي اإلسالمي‬
‫أ‪.‬م‪ .‬فائز صالح محمود‬
‫أللهيبي‬
‫كلية العلوم السياسية ‪-‬جامعة الموصل‬

‫‪77‬‬
‫ج‪:‬أهمية التسامح وآثاره‬

‫التسامح من القيم األخالقية المهمة والتي لها مكانة كبيرة في كل المجتمعات ‪ ،‬وبالحديث‬
‫عن أهمية التسامح في اإلسالم ‪ ،‬يمكن القول أن اإلسالم قد حث على التسامح ودعا إليه ‪،‬‬
‫لما فيه من سبل مرضاه هللا تعالى ‪ ،‬وتخلق بأخالق القرآن الكريم ‪ ،‬وما دعا إليه الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم إذ ذكر الرسول الكريم أن العفو والتسامح سبب من أسباب نيل العزة‬
‫والشرف والمكانة‪.‬‬

‫أما ‪ ،‬أهمية التسامح على الصعيد اإلنساني تتجلى في أن اإلنسان المتسامح يشعر بالسالم‬
‫الداخلي ‪ ،‬ويحقق الرضا عن الذات عندما يعفو عن إنسان آخر وعندما يتسامح مع شخص‬
‫مختلف معه سياسيا أو فكريا أو دينيا أو اجتماعيا ‪ ،‬والبد أن يكون لهذا التسامح األثر الكبير‬
‫في نفوس من يحظون به ‪ ،‬إضافة إلى أنه سيكون قدوة صحيحة يقتدي بها الناس‪.‬‬

‫ال يمكن إنكار آثار التسامح التي تشكل جزءا من أهميته ‪ ،‬فعندما يحل التسامح يحل معه‬
‫الخير والحب والسالم والطمأنينة ‪ ،‬فتزهر حياة المجتمعات ‪ ،‬وتمأل السعادة قلوب البشر‬
‫‪24‬‬
‫جميعا ‪ ،‬ويتالشى الحقد والكره ‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫موضوع تعبير عن التسامح‬


‫تمت الكتابة بواسطة‪ :‬إسراء أبو زينة‬
‫تع التحقيق بواسطة‪ :‬أنوار عبدالغني‬
‫آخر تحديث‪/17 :‬ديسمبر ‪2020/‬‬

‫‪78‬‬
‫ثالثا‪:‬معيقات وصعوبات تحقيق فكرة التسامح‬

‫عوائق في طريق التسامح ‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫لتسامح قيمة أخالقية عليا‪ ،‬له أهميته الكبرى في ترسيخ دعائم األمن واالستقرار‬ ‫ب‪-‬‬
‫في المجتمعات‪ ،‬وتقويم العالقات اإلنسانية‪ ،‬وتعزيز التعايش والسالم‪ ،‬وخاصة في‬
‫هذه األوقات التي تشهد صراعات وحروباً وتطرفاً وإرهاباً‪ ،‬ما يتطلب تعزيز ثقافة‬
‫التسامح للتغلب عليها‪.‬‬

‫التسامح كأي قيمة أخرى تعترض طريقه عوائق وتحديات متنوعة‪ ،‬تتطلب من‬ ‫ت‪-‬‬
‫النخب المثقفة والعقول الواعية معالجتها‪ ،‬ليؤتي التسامح ثماره‪ ،‬ويكون شرياناً‬
‫للحياة‪.‬‬

‫ومن أكبر هذه العوائق‪ :‬التطرف واإلرهاب والطائفية والعنصرية بمختلف صورها‪،‬‬ ‫ث‪-‬‬
‫َّ‬
‫فإن هذه األمراض تفتك بالتسامح‪ ،‬وتنشر التعصب والكراهية واألحقاد‪ ،‬وتجعل‬
‫المجتمعات على صفيح ساخن‪ ،‬وخاصة مع ظهور الفضاء المفتوح وانتشار‬
‫وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬والحلول تجاه هذه التحديات متنوعة‪ ،‬سواء عبر سن‬
‫قوانين‪ ،‬أو تثقيف وتوعية‪.‬‬

‫وتأتي هنا أهمية الخطاب الديني والثقافي واإلعالمي لترسيخ قيم الوسطية‬ ‫ج‪-‬‬
‫واالعتدال‪ ،‬وعالج تلك األدواء معالج ًة سليمة حكيمة‪ ،‬تستند إلى التحليل السليم‬
‫لجذورها وأصولها‪ ،‬وتفنيد شبهاتها بالحجة والبرهان والمنطق السليم والعاطفة‬
‫المؤثرة‪ ،‬ومراعاة الطرح المتزن‪ ،‬والتجرد في ذلك كله عن أي غرض أو توظيف‬
‫لتلك األدواء لمصالح معينة‪ ،‬ليقع العالج على تلك األدواء وقوع الدواء الناجع‬
‫الفعال‪ ،‬وإال أصبح الطرح العالجي عائقاً في طريق التسامح لسلبيته أو ضعف‬
‫َّ‬
‫تأثيره‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ومن العوائق في طريق التسامح‪ :‬الصراعات الفكرية التي تشوش على المعنى‬ ‫ح‪-‬‬
‫الصحيح لهذه الكلمة‪ ،‬فالمصطلح الواحد قد يختلف معناه باختالف الثقافات‬
‫والبيئات والتوجهات الفكرية‪ ،‬وهنا يأتي دور العلماء والمفكرين والمثقفين‬
‫واإلعالميين في توضيح المعنى المناسب لهذه المصطلحات والتي تنسجم مع‬
‫هوية المجتمع وثقافته‪ ،‬وتواكب متطلبات العصر‪ ،‬وتزيل أي تصور خاطئ أو‬
‫لبس‪.‬‬

‫فجوهر التسامح هو حسن التعامل مع الناس‪ ،‬والتزام مكارم األخالق معهم‪،‬‬ ‫خ‪-‬‬
‫وإعطاؤهم ما لهم من حقوق‪ ،‬و َّ‬
‫أال يكون إكراهٌ في الدين‪ ،‬والتسامح ليس مجرد‬
‫سلوك مزاجي أو استجابة عارضة لظروف طارئة‪ ،‬بل هو قيمة أخالقية راسخة‬
‫تعبر عنها السلوكيات الحضارية الراقية في التعامل اإلنساني‪.‬‬

‫ومن العوائق كذلك في طريق التسامح‪ :‬تسيس هذا المصطلح‪ ،‬كما تفعله بعض‬ ‫د‪-‬‬
‫التيارات والتنظيمات والمنظمات‪ ،‬التي تتخذ من كلمة التسامح ُسلَّماً لتحقيق مآربها‬
‫السياسية‪ ،‬لالستيالء على السلطة‪ ،‬أو نشر الفوضى في المجتمعات باسم الحقوق‬
‫والحريات والتسامح‪ ،‬متاجرين بهذا المصطلح‪ ،‬محاولين إطفاء بريقه الحقيقي الذي‬
‫يصب في خدمة التعايش والسالم‪ ،‬ليجعلوه أداة تصارع ال تناغم ووئام‪.‬‬

‫ومن العوائق في طريق التسامح كذلك‪ :‬االدلة الفكريَّة واإلفراط في النسبيَّة‬ ‫ذ‪-‬‬
‫المعرفيَّة‪ ،‬التي تلغي مبدأ الصواب والخطأ والحق والباطل‪ ،‬ويرفض هؤالء‬
‫مصطلح التسامح‪ ،‬ويعتبرونه مصطلحاً استعالئياً‪ ،‬وأن منهجية التعامل مع اآلخر‬
‫في نظرهم ال بد أن تقوم على إلغاء مبدأ المخطئ والمصيب‪ ،‬وهذا الرأي مردود‬
‫من وجوه كثيرة‪.‬‬

‫فهو يقوم على اإلفراط في النسبيَّة المطلقة‪ ،‬ما يعني َّ‬


‫أن هذا الرأي نفسه ال يمكن‬ ‫ر‪-‬‬
‫الجزم بصوابه وال صحته‪ ،‬كما أن هذا الرأي يحمل بذور اإلكراه واإلجبار‬
‫والتعصب‪ ،‬فهو يقوم على إجبار اآلخر المسالم على التخلي عن إيمانه وقناعاته‬

‫‪80‬‬
‫في مقابل أن يحظى بالتعايش‪ ،‬كما أن هذه النظرة تنطوي على التساهل مع‬
‫مختلف األفكار بما في ذلك األفكار اإلرهابية المتطرفة‪ ،‬ما يهدم مبدأ التعايش‬
‫واالستقرار من جذوره‪.‬‬

‫كما أن هذه النظرة خيالية ال يمكن تطبيقها على أرض الواقع‪ ،‬فالعالم اإلنساني‬ ‫ز‪-‬‬
‫تقوم سننه الكونية على االختالف والتضاد والتنوع‪ ،‬كما أن هذا الرأي يلغي فكرة‬
‫التعددية والخالف من أساسها‪ ،‬فإذا لم يكن هناك صواب وخطأ فليس هناك‬
‫خالف وال تعددية حقيقية‪ ،‬وقد جاء في إعالن األمم المتحدة‪َّ :‬‬
‫«إن التسامح ال‬
‫يعني المساومة أو التنازل أو التساهل»‪.‬‬

‫س‪ -‬إن مبدأ التسامح يعني تقبل اآلخر المختلف المسالم كما هو‪ ،‬وهو يرادف‬
‫التعايش‪ ،‬مع تعزيز التواصل الحضاري والتحاور اإليجابي والمجادلة بالتي هي‬
‫أحسن‪ ،‬ونقد األخطاء وتصحيحها‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪{ :‬ادعُ إلى سبيل ربك‬
‫بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}‪ ،‬وقال سبحانه‪{ :‬ال ينهاكم‬
‫هللا عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا‬
‫إليهم إن هللا يحب المقسطين}‪.‬‬

‫ش‪ -‬ومن العوائق في طريق التسامح‪ :‬أن يكون محدود النطاق‪ ،‬ال أثر قوياً له في‬
‫حياة األفراد واألسر‪ ،‬فال يحرص الفرد على التحلي بهذه الفضيلة‪ ،‬وال يمارسها في‬
‫حياته اليومية‪ ،‬وكذلك األسرة إذا لم تكرس ثقافة التسامح واألخالقيات المتعلقة به‬
‫ٍ‬
‫وتغاض وتصالح وعدم غيبة ونميمة وبهتان‬ ‫من تواضع وصبر واعتذار وعفو‬
‫وعدوان ‪ ،‬والتخلص من المشاعر السلبية من حقد وحسد وكراهية وتكبر‪ ،‬وتعزيز‬
‫المشاعر اإليجابية كالتعاطف والتراحم‪ ،‬وتنقية العالقات من شوائب العداوات‪،‬‬
‫والدور األسري هنا ٌّ‬
‫مهم في غرس هذه المفاهيم والقيم في نفوس األبناء‪ ،‬ال على‬
‫مستوى النصائح والتوجيهات فقط‪ ،‬بل على مستوى التربية العملية التي يكون فيها‬

‫‪81‬‬
‫ص‪ -‬الوالدان قدوة ألبنائهم‪ ،‬متسامحين مع بعضهم ومع أقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم‬
‫وزمالئهم‪.‬‬

‫ض‪ -‬إن العوائق التي تعترض طريق التسامح كثيرة‪ ،‬ولقد قدمت دولة اإلمارات نموذجاً‬
‫فريداً متمي اًز للتسامح‪ ،‬وعملت على ترسيخه‪ ،‬ليكون جزءاً أساسياً من شخصية‬
‫المواطن والمقيم‪ ،‬لتكون دولة اإلمارات بذلك عاصمة للتسامح والتعايش‪125‬‬

‫‪25‬‬‫‪https://www.albayan.ae/1.2060015https://www.albayan.ae/1.2060015‬‬
‫احمد محمد الشحي‬
‫يناير ‪2019‬‬

‫‪82‬‬
‫ب‪ -‬الداللة السلبية لتسامح‪:‬‬

‫يرفض بعض الكتاب والمتحدثين‪ ،‬وصف تعاملنا مع اآلخر المختلف ديناً أو مذهباً أو عرقاً‬
‫أو توجهاً سياسياً‪ ،‬بكلمة "التسامح"‪ ،‬ألن التسامح يعني التنازل عن الحق أو الغفران عن‬
‫الذنب أو العفو عن اإلساءة‪ ،‬فهو يحمل داللة سيئة‪ ،‬ونموذجاً لهذا الفهم ما كتبه عبدالرحمن‬
‫الراشد ‪-‬الكاتب اإلعالمي‪ -‬في عموده اليومي عن المشكلة القبطية في مصر‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫األقباط في مصر ليسوا أقلية‪ ،‬ثمانية ماليين رقم كبير‪ ،‬ال يمكن معاملته كأقلية‪ ،‬ال يجوز‬
‫معاملتهم وفق مفهوم التسامح‪ ،‬فهذا من المفاهيم السيئة التي كثر تداولها اليوم بحسن نية‪،‬‬
‫أحد المتحدثين من المسيحيين العرب في مؤتمر‪ ،‬وصف كلمة "تسامح" بالمهينة‪ ،‬هناك فرق‬
‫واضح بين الحق والهدية‪ ،‬بين المساواة والتسامح‪ ،‬أنت تتسامح مع المخطئ وتمنح الغريب‬
‫شيئاً من حقوقك‪ ،‬والقبطي في بلده ليس مخطئاً أو ناقصاً حتى يتم التسامح معه‪ ،‬بل مواطن‬
‫مثله مثل المواطن المسلم‪ .‬والحقيقة أن مثل هذا الفهم السلبي لكلمة التسامح‪ ،‬فهم شائع في‬
‫الساحة اإلعالمية والثقافية‪ ،‬لكنه فهم يقوم على لبس أو سوء فهم مترسب من المفهوم التراثي‬
‫لكلمة "التسامح"‪ ،‬وقد أصبح مهجو اًر‪ ،‬تجاوزه العصر والمواثيق الدولية لحقوق اإلنسان‬
‫وضرورات التعايش المشترك‪ .‬إذا رجعنا إلى قواميس اللغة‪ ،‬وجدنا كلمة "التسامح" تحمل‬
‫معاني عديدة‪ :‬التساهل واللين والتيسير والموافقة والجود والكرم وكذلك "العفو" والغفران"‬
‫والتنازل "‪ ،‬لكن االستخدام التراثي للتسامح ركز على المعاني األخيرة‪ ،‬وهي العفو عن الخطأ‬
‫والغفران عن الذنب والتنازل عن الحق‪ ،‬وهي المعاني األكثر دوراناً في الكتب الفقهية ‪-‬‬
‫وصفاً‪ -‬للتعامل مع أهل الذمة‪ ،‬تذكر هذه الكتب أن إبقاء المسلمين على حياة غير المسلمين‬
‫وقبولهم إلقامة أهل الذمة في ديار اإلسالم مع حمايتهم وحماية معابدهم مقابل دفعهم‬
‫الجزية‪ ،‬ما هو إال نوع من تنازل المسلمين وتسامحهم‪ ،‬ألن األصل الفقهي ‪-‬في هذه الكتب‪-‬‬
‫عدم بقاء غير المسلم في ديار اإلسالم إال لمصلحة معتبرة يراها إمام المسلمين‪ ،‬وكون‬
‫المسلمين تسامحوا مع أهل الذمة فذلك من منطلق اإلنعام والمنَّة‪ ،‬كما أن التسامح عند علماء‬
‫الالهوت‪ ،‬يعني "الصفح عن مخالفة المرء لتعاليم الدين"‪ ،‬لكن التسامح بهذه المعاني‬
‫التاريخية والدينية قد تم تجاوزه من المسلمين وغيرهم بقيام الدولة الوطنية ووضع الدساتير‬

‫‪83‬‬
‫وإقرار حقوق المواطنة وتصديق كافة الدول العربية واإلسالمية على مواثيق حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫واالستخدام المعاصر لكلمة التسامح‪ ،‬والتي يكثر دورانها في المؤتمرات الحوارية وفي ساحة‬
‫التداول الفكري واإلعالمي ال يحمل مفاهيم العفو والغفران والتنازل أو اإلنعام و ِّ‬
‫المنَّة‪ ،‬بل له‬
‫داللة واضحة ومحددة لدى الجميع وهي "احترام حقوق اآلخرين وحرياتهم"‪ ،‬وال عالقة له‬
‫بالدالالت األخرى والتي ال زالت مستخدمة لكن في سياقات مختلفة عن سياق وصف‬
‫ا لعالقات بين أطياف وطوائف ومكونات المجتمع الواحد المحكوم بالدستور الوطني‪.‬‬
‫"التسامح" في االستخدام الحديث والدارج يعني‪ :‬قبول اآلخر على ِّ‬
‫عالّته‪ ،‬بما هو عليه من‬
‫اختالف في المعتقد والمشرب السياسي واالعتراف بحقه في الوجود والحرية والسعادة‪ ،‬ويهمنا‬
‫تأكيد أن كلمة "التسامح" المستخدمة ‪-‬حالياً‪ -‬هي ترجمة لـ" "‪Tolerance‬ال‬
‫عرف القاموس الفرنسي "الروس" كلمة التسامح‬
‫" ‪Forgiveness"،‬التي تعني "الغفران"‪ ،‬وقد َّ‬
‫بأنها‪ :‬احترام حرية اآلخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية‪ .‬وهذا ما اعتمدته‬
‫منظمة "اليونسكو" في إعالن "المبادئ حول التسامح"‪ ،‬باريس ‪ 16‬نوفمبر ‪- 1995‬اليوم‬
‫العالمي للتسامح‪ -‬وجاء فيه أن التسامح هو احترام حقوق وحريات اآلخرين‪ ،‬وتقدير التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬وقبول مختلف أنماط وأساليب التعبير لدى الجنس البشري‪ ،‬واالنفتاح على أفكار‬
‫اآلخرين وفلسفاتهم واإلفادة منها‪ ،‬واالعتراف بأنه ليس هناك فرد أو ثقافة أو وطن أو ديانة‬
‫تحتكر المعرفة والحقيقة‪ .‬التسامح موقف إيجابي من اآلخر دون استعالء أو تكبر‪ ،‬وهو ليس‬
‫مجرد واجب أخالقي بل هو ‪-‬أيضاً‪ -‬مطلب سياسي وقانوني مثلما هو قوة تساعد على‬
‫تحقيق السالم وإحالله محل ثقافة الحرب‪ ،‬أما الالتسامح فهو التوق الوحشي الذي يدفع إلى‬
‫الكراهية ومالحقة من هم على خطأ أو على ضالل لدرجة التضحية بالذات كما يقول‬
‫عاطف علبي‪ .‬والتسامح بهذا المفهوم يمثل اليوم جوهر حقوق اإلنسان كامتداد وتطوير لما‬
‫نادى به جون لوك (‪ )1706-1632‬في "رسالة التسامح"‪ .‬لكننا نحن المسلمين نجد أن‬
‫أساس وقاعد ة التسامح لدينا وفي ديننا قوله تعالى‪" :‬ال إكراه في الدين"‪ ،‬وقوله عز وجل في‬
‫إقرار التعددية‪" :‬ولو شاء ربك آلمن من في األرض كلهم جميعاً‪ ،‬أفأنت تكره الناس حتى‬
‫يكونوا مؤمنين"‪ ،‬وفي قوله عز وجل‪" :‬ولذلك خلقهم"‪ ،‬أي من أجل االختالف المؤدي للتنافس‬

‫‪84‬‬
‫الثري والخالّق والذ ي تتم به عمارة األرض وازدهارها‪ .‬ويبقى تساؤل قلق‪ :‬كيف يمكن ترسيخ‬
‫"ثقافة التسامح" في التربة المجتمعية وإشاعاتها سلوكاً وتعامالً بين األطياف المجتمعية؟ ذلك‬
‫يتطلب تفعيالً حقيقياً للمفاصل الرئيسية المسؤولة عن صياغة الثقافة المجتمعية‪ :‬المفصل‬
‫التربوي‪ ،‬في تسامح األ بوين مع بعضهما‪ ،‬والمفصل التعليمي بتعزيز التسامح في البيئة‬
‫التعليمية‪ ،‬والمفصل الديني بأسنة الخطاب الديني‪ ،‬والمفصل اإلعالمي بتعزيز المشترك‬
‫الثقافي بين الشعوب‪ ،‬والمفصل التشريعي بتخليص التشريعات من شوائب التمييز والتفرقة‪.‬‬
‫وأخي اًر‪ ،‬إذا أردنا لشجرة التسامح أن تثمر‪ ،‬علينا أن نتعلم كيف نختلف دون أن نتخاصم أو‬
‫يجرح بعضنا بعضاً‪.26‬‬
‫ّ‬

‫‪26‬‬ ‫‪https://www.alittihad.ae‬‬
‫هل التسامح داللة سلبية‬

‫‪85‬‬
‫ج‪-‬اثر فكرة التسامح على الفرد والمجتمع ‪:‬‬

‫إن للتسامح آثا اًر تعود على الشخص المتسامح‬


‫آثار التسامح على الفرد آثار التسامح الدنيوية ّ‬
‫نفسه‪ ،‬ومن هذه اآلثار ما يلمسه في الدنيا‪ ،‬ومنها‪ ]١[:‬شعور المتسامح بالسعادة؛ حيث يجد‬
‫في نفسه هناء وطيب عيش ألنه ال يقلق من تبدل األحوال واألوضاع‪ ،‬فهو يشعر دائماً‬
‫بالرضا‪ .‬كسب محبة الناس وثقتهم؛ حيث إن المتسامح يحبه الناس ويجدون فيه الشخص‬
‫اللّين‪ ،‬فهو يعامل الناس بلطف وإحسان‪ .‬استقرار وضع أسرته؛ حيث تشعر زوجته باألمان‬
‫والمحبة بجواره‪ ،‬ويطمئن له أوالده‪ ،‬فهم ال يخافون منه‪ ،‬بل يحبونه ويحترمونه‪ ،‬ويكتسب‬
‫محبة جميع األقارب له ويستشيرونه في أمورهم‪ .‬يعامل الناس بالسماحة في األمور المادية؛‬
‫سمحا‪ ،‬وإذا قضى ما عليه أو‬
‫سمحا‪ ،‬وإذا أخذ أو أعطى كان ً‬‫فإذا باع أو اشترى كان ً‬
‫سمحا‪ .‬يجلب لنفسه الخير الدنيوي بتسامحه؛ ألن الناس يحبون المتسامح‬
‫اقتضى ما له كان ً‬
‫الهين اللين‪ ،‬فيميلون إلى التعامل معه‪ ،‬ويكثر عليه الخير بكثرة محبيه والواثقين به‪ .‬يستقبل‬
‫المقادير بالرضى والتسليم مهما كانت مكروهة للنفوس‪ .‬آثار التسامح األخوية للتسامح أيضاً‬
‫آثار في اآلخرة تعود على المتسامح‪ ،‬ومنها‪ ]١[:‬رضا هللا تعالى عن الشخص المتسامح‬
‫ومحبته‪ ،‬فمن أحب الناس ورضي لهم الخير أحبه هللا‪ .‬دخول الجنة‪ ،‬فالشخص المتسامح ال‬
‫يعتدي على اآلخرين وال يقوم بأذية الغير‪ ،‬بل هو دائم اإلحسان إلى اآلخرين‪ .‬آثار التسامح‬
‫على المجتمع دعا اإلسالم إلى العفو والتسامح‪ ،‬وهو فضيلة أخالقية مهمة في الحياة؛ إذ إن‬
‫التسامح يؤدي إلى إزالة األحقاد وينقذ حياة الناس؛ ولهذا حبب اإلسالم الناس إلى التسامح‬
‫والصفح حتى في القصاص‪ ،‬وهو أصعب حاالت التسامح الرتباطه بفقدان عزيز‪ ،‬قال‬
‫َّللاِّ ِّإنَّهُ ال يُ ِّح ُّب‬
‫َج ُرهُ َعَلى َّ‬
‫َصَل َح َفأ ْ‬
‫تعالى‪( :‬وج َز ِّ ٍ ِّ‬
‫اء َس ّي َئة م ْثلُ َها َف َم ْن َعَفا َوأ ْ‬
‫ََ ُ‬
‫أيضا إلى مقابلة السيئة‬ ‫َّ ِّ ِّ‬
‫ين)‪ ]٣[]٢[.‬ولم يدع اإلسالم إلى التسامح فحسب؛ بل دعا ً‬ ‫الظالم َ‬
‫بالحسنة ألنها أكبر عامل لزيادة المودة بين الناس؛ ذلك أن اإلنسان المسيء عندما يرى‬
‫اإلحسان ممن أساء إليه يقدره‪ ]٣[.‬وفي التسامح توثيق للروابط االجتماعية التي تتعرض إلى‬
‫الوهن واالنفصام بسبب إساءة بعض الناس إلى بعضهم اآلخر‪ ،‬وجناية بعضهم على بعض‪،‬‬
‫َن تَ ْعُفوا‬
‫(وأ ْ‬
‫وهو سبب لنيل مرضات هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬كما أنه سبب للتقوى‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬

‫‪86‬‬
‫أَ ْق َر ُب لِّلتَّْق َوى َوالَ تَ ْن َس ُوا اْلَف ْ‬
‫ض َل َب ْي َن ُك ْم)‪ ]٤[.‬مظاهر التسامح في اإلسالم ّبينت رسالة اإلسالم‬
‫عدداً من المبادئ واألسس التي يقوم عليه ا في التسامح‪ ،‬وفيما يأتي بيان بعضها‪ ]٥[:‬مظاهر‬
‫التسامح الديني مع المسلمين التسامح مع المسلمين داللة على إشاعة الحب والمودة بين‬
‫بعيدا‪،‬‬
‫المسلمين‪ ،‬ومن مظاهر ذلك‪ ]٦[:‬السماحة في الفهم‪ ،‬فال يتكلف وال يذهب في فهمه ً‬
‫خيرا‪ ،‬باإلضافة إلى السماحة في التعامل؛ فال يحتد في تعامله مع الناس‪،‬‬
‫ويظن في الناس ً‬
‫وال يتجاوز الحد‪ .‬العفو عن هفوة الغير في النفس والمال دون أمور الدين والسنة‪ ،‬لقوله‬
‫َقرب لِّلتَقوى)‪ ]٨[.‬العفو عن كل من‬
‫(وأَن تَعفوا أ ُ‬
‫صَف ُحوا)‪ ]٧[،‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫(وْل َي ْعُفوا َوْل َي ْ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫أساء له بقول أو فعل‪ ،‬والعفو أبلغ من الكظم؛ ألن العفو ترك المؤاخذة‪ ،‬مع السماحة عن‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫المسيء‪ ،‬قال تعالى‪ِّ :‬‬
‫ض َع ِّن اْل َجاهل َ‬
‫ين)‪ ]٩[.‬مظاهر التسامح‬ ‫ْم ْر ِّباْل ُع ْرف َوأ ْ‬
‫َع ِّر ْ‬ ‫(خذ اْل َعْف َو َوأ ُ‬
‫ُ‬
‫الديني مع غير المسلمين اإلسالم دين التسامح مع المسلمين ومع غير المسلمين‪ ،‬ومن‬
‫مظاهر ذلك‪ ]١٠[:‬دعوة الناس إلى اإلسالم بالكلمة الطيبة واإلحسان إليهم‪ ،‬وعدم إكراه‬
‫وإجبار اآلخرين على الدخول في اإلسالم‪ ،‬وذلك منصوص عليه في كتاب هللا‪ ،‬حيث قال‬
‫ِّ‬
‫تعالى‪( :‬ال ِّإ ْك َراهَ ِّفي ّ‬
‫الد ِّ‬
‫ين)‪ ] ١١[.‬نقاش اآلخرين باللطف واللين‪ ،‬وعدم تعنيف غير‬
‫المسلمين‪ ،‬ومجادلتهم بالتي هي أحسن‪ .‬التعامل مع اآلخر وأخذ وقبول النافع منه‪ .‬التعايش‬
‫السلمي مع غير المسلمين و قبولهم في المجتمع‪ ،‬حيث يأمنون على نفسهم وأموالهم‪ ،‬فهم‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫جزء من المواطنين في الدولة اإلسالمية‪ ،‬لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين‪ ،‬وذلك‬
‫ين أُوتُوا‬ ‫طع َّ ِّ‬
‫ام الذ َ‬ ‫(و َ َ ُ‬
‫يشمل الشراء والبيع منهم ولهم‪ ،‬وأكل طعامهم والزواج منهم‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ام ُك ْم ِّح ٌّل َل ُه ْم)‪ ] ١٢[.‬المراجع هل لديك سؤال؟ اسأل هنا هل كان المقال‬ ‫اب ِّح ٌّل َل ُك ْم َو َ‬ ‫ِّ‬
‫ط َع ُ‬ ‫اْلكتَ َ‬
‫والمجتمع ‪:‬‬
‫‪27‬‬
‫مفيداً؟ نعم ال آثار التسامح في المجتمع تعبير عن أثر التسامح على الفرد‬

‫‪27‬‬‫اثار التسامح على الفرد والمجتمع تمت الكتابة بواسطة‪ :‬عمر السلمان تم التدقيق بواسطة‪ :‬آسيه الشياب آخر تحديث‪ ٢٤ ، ٠٦:٥٢ :‬مارس‬
‫‪٢٠٢٢‬‬

‫‪87‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫التسامح شجرة راسخة في األرض‪ ،‬جذورها طيبة وتعطي أروع الثمر‪ ،‬وتُريح األشخاص تحت‬
‫ظلها‪ ،‬وتهدأ القلوب‪ ،‬التسامح كالحقل المليء بالورد ينشر العطر الفواح بين الناس‪ ،‬ويزيد‬
‫من الطاقة اإليجابية بينهم‪ ،‬فأينما كان الخير كان التسامح والعفو‪.‬‬

‫التسامح يدخل للقلوب الحزينة فيعمل على شحنها بالفرح والسرور‪ ،‬ويُزيل عنها الطاقة‬
‫السلبية‪ ،‬ويمنحها التفاؤل‪ ،‬ويُشعرها باألمان والبعد عن النزاعات والخصومات‪ ،‬ويغرس الخير‬
‫في كل مكان‪.‬‬

‫التسامح والعفو والمغفرة هي من الصفات التي وصفها هللا لعباده المؤمنين الصالحين‪ ،‬فله‬
‫األثر الجميل والرائع على اإلنسان تصرفاته وسلوكه‪.‬‬

‫صفة التسامح من مكارم األخالق‪ ،‬والتحلي بها يشير إلى أخالق الفرد بشكل عام وتميزه بين‬
‫العديد من الناس ممن ال يتمتعون بهذه الصفة‪ ،‬وذلك ألنها صفة نادرة‪ ،‬فقلما تجد من‬
‫يتسامح مع غيره‪ ،‬ولهذا نحن بحاجة إلى اكتساب هذه الصفة الحميدة عن طريق تدريب‬
‫النفس على المسامحة‪.،‬‬

‫فيجب علينا جميعا تدريب أنفسنا على تعزيز التسامح بين بعضنا البعض‪ ،‬وعدم التفرقة بين‬
‫الناس في المسامحة‪ ،‬فهي صفة إن وجدت فالبد أن تكون موجودة للجميع‪ ،‬بمعنى أن من‬
‫يسامح تكون هذه المسامحة للجميع وليس لشخص على دين معين‪ ،‬نتمنى إيصال فكرة هذا‬
‫الموضوع عن التسامح‪ ،‬ونأمل في أن يسود بيننا التسامح‪.‬‬

‫التسامح من أكثر المبادئ التي حثت عليه كل القوانين السماوية والدساتير األرضي‪ ،‬فهو‬
‫يُعلمنا ُمسامحة األشخاص اآلخرين الخطائين إذ ال أحد معصوم من الخطأ‪ ،‬ويجب أن‬
‫نُسامح ونترك كل ما قد يزيد من الشحناء والبغضاء التي تي تقطع العالقات بين الناس‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫التسامح في معناه تقبل األفكار‪ ،‬ومصالحة العقول‪ ،‬إذ هو تقدير لإلختالف والتنوع بين‬
‫الناس والصفات اإلنسانية‪ ،‬فهو اعتراف صريح بحقوق اإلنسان وحريته‪ ،‬والتسامح لن يُقلل‬
‫من شأنك أمام اآلخرين بل سيجعلك شخصاً محبوباً‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المراجع‬

‫• القرآن الكريم‬
‫• االحاديث النبوية‬

‫نشر الخميس‪ ٢٤ ،‬يناير ‪ /‬كانون الثاني ‪٢٠١٩‬تطور مفهوم ’التسامح‘ في‬ ‫•‬
‫• اجد الغرباوي‪ ،‬التسامح ومنابع ت‪ :‬فرض التعايش بين األديان والثقافات )بغداد‪:‬‬
‫الدار الحضارية للطباعة والنشر‪. 2008 ،‬‬
‫أبو حيان محمد بن يوسف األندلسي‪ ،‬البحر المحيط في التفسير‪ ،‬تحقيق صدقي‬ ‫•‬
‫محمد جميل )بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬هـ(‪ ،‬ج ‪، 5‬‬
‫ينظر‪ :‬ندوة حول ” التسامح بين المفاهيم والواقع”‪ .‬المجلة العربية لحقوق‬ ‫•‬
‫اإلنسان‪ ،‬ص ‪ 62 -49‬العدد ‪ 2‬سنة ‪1995‬م‪.‬‬
‫معجم مصطلحات العلوم االجتماعية‪ ،‬د زكي بدوي‪،‬‬ ‫•‬
‫• انظر‪ :‬أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط ‪ (3‬بيروت‪:‬‬
‫دار صادر‪1414 ،‬هـ(‪ ،‬مج ‪2‬‬
‫انظر‪ :‬أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق وضبط‬ ‫•‬
‫عبد السالم محمد هارون )بيروت‪ :‬دار الفكر‪) 1979 ،‬ج ‪3‬‬
‫أبو العلى المودودي‪ ،‬السالم في مواجهة التحديات المعاصرة‪ ،‬تعريب خليل أحمد‬ ‫•‬
‫الحامدي‪ ،‬ط ‪ (4‬الكويت‪ :‬دار القلم‪. )، ،‬‬
‫نقل عن‪ :‬سليمان دريع علي‪ ،‬حقيقة التسامح في السالم )الكويت‪ :‬مكتبة ابن‬
‫ا‬ ‫•‬
‫كثير‪)، 2009 ،‬‬
‫المعجم الفلسفي ‪ ،‬القاهرة الهيئة العامة لشؤون المطالع األميرية ‪،‬جمهورية‬ ‫•‬
‫مصر ‪1403،‬هـ‪، 1 -‬مجمع اللغة‪،‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -‬أندري الالند ‪ ،‬موسوعة الفلسفة ‪ . ،‬األول ‪ ، G-A‬منشورات عويدات ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫تعريب خليل أحمد خليل‪ ،‬ط‪، 2‬تا‪، 2001 :‬إشراف أحمد عويدات‪. ،‬‬
‫مجموعة مؤلفين من أديب إسحاق و األفغاني إلى نصيف نصار‪ ،‬أضواء على‬ ‫•‬
‫التعصب‪ ،‬دار أمواج للطباعة و النشر‪1 ،‬ط‪، 1‬مارس ‪. ، 1993‬‬
‫‪ -‬سمير أبو حمدان ‪ ،‬فرح أنطون صعود الخطاب العلماني‪ ،‬الشركة العالمية‬
‫للكتاب ‪ ،‬دار الكتاب العالمي ‪ ،‬الدار ‪2‬اإلفريقية د‪.‬ت‪1413-1992 ،‬هـ ‪،‬‬
‫• معلومات عن تنويع ثقافي على موقع ‪vocabularies.unesco.org »،‬‬
‫‪ ،vocabularies.unesco.org‬مؤرشف من األصل في ‪ 19‬نوفمبر ‪.2019‬‬
‫• "معلومات عن تنويع ثقافي على موقع ‪meshb.nlm.nih.gov »،‬‬
‫‪ ،meshb.nlm.nih.gov‬مؤرشف‬
‫الثقافي تمت الكتابة بواسطة‪ :‬والء الصمادي تم التدقيق بواسطة‪ :‬ريم موسى‬ ‫•‬
‫آخر تحديث‪ ٢٤ ، ١٤:١١ :‬مارس ‪ ٢٠٢١‬محتويات‪ :‬التنوع‬
‫• ثقافة التسامح وتقبل التعدد الثقافي‪ ..‬وتطبيقاته في المجتمع‬

‫‪ 1‬العدالة في الفكر االسالمي العربي المعاصر ويل كميليكا نموذجا‬ ‫•‬


‫أحمد عدنان عزيز علياء محمد طارش‬ ‫•‬
‫التعددية الثقافية وهاجس العيش المشترك عند ويل كميليكا من الخصوصية إلى‬ ‫•‬
‫الكونية جواق سمير – جامعة قسنطينة ‪-2‬‬
‫‪ 1‬الحق في االختالف وثقافة االختالف ‪ :‬مدخل إلى العدالة الثقافية رشيد أبوجا‬ ‫•‬
‫‪ 1‬العدالة في الفكر السياسي الغربي المعاصر ويل كميليكا نموذجا‬ ‫•‬
‫‪ 1‬روائع الشرائع ‪ :‬الجزء الثاني ‪ :‬الباب الخامس والعشرين ‪ ،‬الفصل التاسع ‪،‬‬ ‫•‬
‫ترجمة عادل زعيتر ‪ ،‬دار المعارف القاهرة مصر ‪1953 ،‬‬
‫‪ 1‬الدولة والتعدد الثقافي‪ :‬ترجمة المصطفي حسوني ‪،‬دار توبقال للنشر ‪،‬الدار‬ ‫•‬
‫البيضاء ‪،‬المغرب ‪، 2011،‬‬

‫‪91‬‬
‫ملخص البحث‪:‬‬

‫التسامح هو إحدى القيم األخالقية النبيلة التي يدعو إليها الدين اإلسالمي‪ ،‬وهو‬
‫ركن مهم لبناء الثقة بين األفراد في المجتمعات‪ ،‬إضافة إلى أنه عامل مهم من‬
‫عوامل توثيق أواصر األلفة والمودة بن الناس‪ ،‬ومعنى التسامح هو‪ :‬العفو عن‬
‫اإلساءة‪ ،‬وعدم رد اإلساءة بمثلها أو أكثر‪ ،‬بل هو المسامحة والترفع عن‬
‫التصرف بخلق سيئ‪ ،‬واالرتقاء بالنفس إلى درجة عالية ورفيعة من الخلق‬
‫الحسن‪ ،‬وأشهر ما ُيقال من عبارات عن التسامح هو‪ :‬العفو عند المقدرة‪ ،‬وهنا‬
‫قادر على ضبط نفسه وتمالك أعصابه والعفو‬
‫ُيقصد أن اإلنسان كلما كان ًا‬
‫والتسامح سيكون ذا خلق ٍ‬
‫عال كريم ونبيل‪ ،‬والتسامح هو من أخالق األنبياء‬
‫والمرسلين‪ ،‬وهو أمر من هللا تعالى للبشرية جمعاء؛ إذ إنه يدل على التقوى‬
‫والطاعة‪ ،‬وإذا كان هللا جل جالله يعفو ويغفر ويسامح ويتجاوز عن أخطاء‬
‫أيضا أن ينتشر هذا الخلق الكريم بين الناس‪ ،‬وأن يعتادوا‬
‫العباد‪ ،‬فالصحيح ً‬
‫عاما يتحلى به كل المجتمع وفي كل عالقاته‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬حتى يصير التسامح خلًقا ً‬

‫‪La tolérance est l’un des gardiens moraux du Prophète qui‬‬


‫‪prétend avoir la religion islamique, et c’est une partie‬‬
‫‪importante de la confiance entre les individus dans les‬‬
‫‪congrégations, en plus du facteur important de‬‬
‫‪l’authenticité des éléments et des éléments. Le pardon‬‬

‫‪92‬‬
pour les pauvres, et non pas rejeter le mal pour le même
ou le plus, mais c’est une négligence et un gain de la
possession du mal, et édifiant au plus haut degré et plus
haut que la création du bien, Le pardon est pour le destin,
et ils veulent que l’homme soit capable de se retenir et de
posséder ses nerfs, son pardon et sa toléranceLa
tolérance est l’un des gardiens moraux du Prophète qui
prétend avoir la religion islamique, et c’est une partie
importante de la confiance entre les individus dans les
congrégations, en plus du facteur important de
l’authenticité des éléments et des éléments. Le pardon
pour les pauvres, et non pas rejeter le mal pour le même
ou le plus, mais c'est une négligence et un gain de la
possession du mal, et édifiant au plus haut degré et plus
haut que la création du bien, Le pardon est pour le destin,
et ils veulent que l'homme soit capable de se retenir et de
posséder ses nerfs, son pardon et sa toléranceLa tout;
Comme il indique la piété et l'obéissance, et si Dieu Tout-
Puissant pardonne, pardonne, pardonne et transcende les
fautes des gens, alors il est également vrai que ce noble
caractère se répand parmi les gens, et qu'ils s'y habituent,

93
de sorte que la tolérance devient une règle générale.
moralité propre à toute société et à toutes ses Relation

94

You might also like