Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
إن كثير من المفاهيم المغلوطة عن الجسد أصبحت منتشرة اليوم بشكل كبير ،فكثير من الناس يعتقد
أنه ُمسير فى فعل الخطية وأن الخطية هى جزء من تكوينه النفسى أو البيولوجى .وقد يتخذ لنفسه أسبابا ً منها
عدم قدرته على ضبط غرائزه أو إنفعاالته ،ويقول أن هذه الخطايا هى جزء منه ،وأنه ال يستطيع أن
يستأصلها .وهذه المفاهيم المغلوطة تؤثر بشكل فعال ،وسلبى فى نفس الوقت ،على حياة الشباب
والمتزوجين من جميع األعمار واألجناس .وفى هذه الورقة البحثية نشرح كيف ينظر المسيحى إلى جسده ؟
،وتأثير هذه الرؤية على حياة اإلنسان النفسية والروحية ،وكيف نرى التطرف فى التعامل مع الجسد
الجسد
يرى المسيحى جسده بأنه وحدة متكاملة مع النفس والروح ،فجسد اإلنسان ليس شيئا ً ،نشتهيه أو
نمتهنه .ولكنه مكرم جدا ً ،ألنه مخلوق على صورة هللا ومثاله هو الجسد الذى سيقوم به فى القيامة الثانية .
والجسد ليس منفصالً عن النفس والروح ولكنه يتأثر بهما ويؤثر فيهما .فإذا إنتبهت النفس لعمل النعمة من
أجل تجديد الذهن والتوبة مثالُ ،فإن هذا يؤثر مباشرة على سلوك الجسد ،فتجده ال ينظر نظرات شريرة ،
وال تمتد اليد لتسرق ،وهذا يحدث طبعا ً بإرادة اإلنسان الحرة .والعكس صحيح إذا لم تستجيب النفس لعمل
النعمة وتأخذ قرارات حاسمة تجاه الخطية ،نجد الجسد يسلك سلوكا ً مستبيحا ً ،على حسب نوع الخطية
المعروضة عليه .وأيضا ً إذا سكنت الخطية الجسد ،بإرادة اإلنسان ،تجد الجسد قد يبدأ بفعل الخطية
أوتوماتيكيا ً ،وهذا يؤثر سلبيا ً على النفس والروح أيضا ً .لذا يتعامل المسيحى مع جسده بإعتباره جزء من كل
كما يتحمل اإلنسان المسيحى مسئوليته الكاملة عن جسده ،وعن أفعاله وخطاياه .وينظر اإلنسان
2
المسيحى إلى جسده بأنه ليس شر فى حد ذاته .ولكن الشر يكمن فى الخطية التى يقبلها بفكره وقلبه ،والتى
ويرى المسيحى أيضا ً أنه عندما ولد أخذ جسدا ً يخلو من الخطية ،فالخطية ليس لها كيان .يقول
2
القديس أغسطينوس أن " الخطية عدم " 1ويقول القديس باسيليوس الكبير " الشر ال وجود له بحد ذاته "
وبالتالى فالخطية عند والدة اإلنسان ،وقبل أن يفعل خيرا ً أو شرا ً ،ال وجود لها فى جسد اإلنسان الطفل .أما
ما ورثناه من أبينا آدم هو الطبيعة الفاسدة أى الطبيعة التى تميل للشهوة والتحول نحو األشياء الحسية
والمادية .ويرفض القديس ساويرس األنطاكى 3فكرة أن اإلنسان مولود بالخطية ،ويؤكد على رفض جميع
اآلباء الشرقيين الذين كتبوا باليونانية هذا الفكر .وظهر ذلك عندما كتب األسقف يوليان كتابا ً إحتوى على
جملة " الجسد فى الخطية " .فرد عليه القديس ساويرس األنطاكى ردا ً مطوالً بإثباتات آبائية 4من أقول
القديس كيرلس الكبير والقديس أثناسيوس الرسولى ،يرفض فيه لفظ " الجسد فى الخطية " وقال أن هذا اللفظ
يوحى بأن الجسد يشتمل فى تكوينه على الخطية .فجسد آدم ،قبل السقوط ،كان فيه طبيعة قابلة للسقوط
نتيجة للحرية التى أعطاها له هللا بسبب محبته .ولكنه لما كان يعيش مع هللا كان يتمتع " بالنعمة اإللهية
الحافظة " .وعندما إختار ،بإرادته الحرة ،أن يبعد عن هللا فقد هذه النعمة اإللهية الحافظة .فتجاوبت طبيعته
القابلة للسقوط مع كالم حواء فسقط بالفعل .فالطفل يولد بطبيعة فاسدة مائلة للشهوة وليس بطبيعة خاطئة .
وبعدها يختار بإرادته الحرة إذا كان سيفعل الخطيئة أم ال .لذا فالمسيحى يؤمن بأنه لم يرث من أبويه خطية
وبالتالى يمكننا أن نفسر ما قاله القديس بولس الرسول فى رسالته إلى أهل رومية " فإ ِ ِني أعْل ُم أنَّهُ
1دكتور عدنان طرابلسى ،الرؤية األرثوذكسية لإلنسان ،لبنان ،منشورات النور 143 . 1989 ،
2دكتور عدنان ،الرؤية األرثوذكسية 143 .
3هو أحد اآلباء المعلمين ،وأحد الثمانية المعترف بهم فى كنيستنا القبطية األرثوذكسية كحماة اإليمان األرثوذكسى ،والذين يتم ذكرهم فى تحليل الخدام
وهم " القديس ساويرس األنطاكى ،القديس ديوسقوروس ،القديس أثناسيوس الرسولى ،القديس بطرس خاتم الشهداء ،القديس يوحنا ذهبى الفم ،
القديس كيرلس اإلسكندرى ( الكبير ) ،القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس الثيؤولوغوس ".
4راجع كتاب "الخطية الجدية بحسب تعليم القديس ساويرس األنطاكى " دكتور جورج فرج ،إصدار المركز األرثوذكسى للدراسات اآلبائية بالقاهرة .
اإلثْ ِم ُ
ص ِو ْرتُ ، والكتاب يحتوى على كثير ردود اآلباء المعلمين على اآليات التى توحى بأننا مولودين بخطية آدم منها قول معلمنا داود النبى " هأنذا بِ ِ
ت بِي أ ُ ِمي " ( مزمور ) 5 : 51وما شابهها من آيات .
وبِ ْالخطِ يَّ ِة ح ِبل ْ
3
اضرة ٌ ِع ْندِي ،وأ َّما أ ْن أ ْفعل ْال ُحسْنى فل ْستُ أ ِجدُ " ي فِي جسدِي ،ش ْي ٌء صا ِل ٌح .أل َّن ِ
اإلرادة ح ِ ليْس سا ِك ٌن فِ َّ
ي ،أ ْ
( رومية ) 18 : 7بأنه عندما إنفعل بالخطية وتجاوب معها ،فصارت تسكن فى جسده ،ألنه قال عن نفسه
" أنا الَّذِي ُك ْنتُ قب ًْال ُمج ِدفًا و ُمضْط ِهدًا و ُم ْفت ِريًا .ول ِكنَّنِي ُر ِح ْمتُ ،ألنِي فع ْلتُ بِج ْهل ِفي عد ِم إِيم ٍ
ان 1 ( " .تى
) 13 : 1وليس معنى كالمه إطالقا ً أنه قد ورث الخطية من أبوينا األولين .
إن هذه المناقشة الالهوتية هى أمر هام للغاية ،ألن اإلنسان إن إعتقد بأنه ورث الخطية من أبويه ،
وأصبح مضطرا ً أن يفعلها فيقول " وأين عدل هللا ؟!!" وهذا سيؤثر حتما ً على صورة هللا فى ذهنه ،حتى وإن
كان يحاول إخفاء ذلك .وسيؤثر حتما ً على عالقته باهلل ،ألنه سيعرف أنه هو المسئول األول واألخير عن
جسده ،وعن حياته الروحية والنفسية أيضا ً .وأن كل شيئ محكوم ومضبوط بقوة هللا العادلة .وأنه لن يجنى
لذلك فالتطرف بأن جسد اإلنسان هو مصدرا ً للخطية ،هو أمر غير مقبول .فجسد اإلنسان المولود به
مكرم جدا ً ،وفى المعمودية يحصل المعمد على سر الوالدة الجديدة فى المسيح يسوع المخلص .ولكن يجب
أن نعى جيدا ً أن كل خطية ينفعل بها اإلنسان بإرادته الحرة ،تبقى فى عقله الباطن .ويقوم عقله الباطن
بطريقة آلية بإستدعائها وبقذفها فى فكره ومشاعره ،فالخطية التى يراها اإلنسان تأتى من داخله ،يكون هو
المسئول عن قبولها فى وقت سابق .لذا فالبد أن نميز بين الخطية التى نقبلها اآلن ،فتحاول أن تفرض نفسها
علينا فى وقت الحق ،وبين أن جسدنا الذى ولدنا به هو جسد يحمل الخطية فى أعضائه .ألن الثانية تعنى أنى
لذا فاإلنسان المسيحى ينظر إلى جسده نظرة المسئولية والتقديس أيضا ً ،وهو يرى فى فداء المسيح
عودة هذه " النعمة اإللهية الحافظة " وأن كل ما عليه هو أن يرفض أن يتفاعل مع الخطية فكريا ً أو وجدانيا ً ،
وهذا هو الجهاد السلبى ،ولكنه مطالب باألكثر بالنمو فى معرفة ربنا يسوع المسيح المخلص ،وأن يستمر فى
4
) 13 : 4
ونفسيا ً ،فإن فكرة إنى غير مسئول عما فعله أبواى األولين ،ولكننى مسئول عن أفعالى فقط ،
تعطينى إطمئنانا ً ،وراحة ،وسالما ً ،وثقة فى هللا ،وتحفيزا ً على إستكمال المسيرة مع هللا نحو الكمال ،ثم
فهرس الحواشي
-1دكتور عدنان طرابلسى ،الرؤية األرثوذكسية لإلنسان ،لبنان ،منشورات النور 143 . 1989 ،
-3هو أحد اآلباء المعلمين ،وأحد الثمانية المعترف بهم فى كنيستنا القبطية األرثوذكسية كحماة
اإليمان األرثوذكسى ،والذين يتم ذكرهم فى تحليل الخدام وهم " القديس ساويرس األنطاكى ،القديس
ديوسقوروس ،القديس أثناسيوس الرسولى ،القديس بطرس خاتم الشهداء ،القديس يوحنا ذهبى الفم ،القديس
كيرلس اإلسكندرى ( الكبير ) ،القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس الثيؤولوغوس ".
-4راجع كتاب "الخطية الجدية بحسب تعليم القديس ساويرس األنطاكى " دكتور جورج فرج ،
إصدار المركز األرثوذكسى للدراسات اآلبائية بالقاهرة .والكتاب يحتوى على كثير ردود اآلباء المعلمين
ص ِو ْرتُ ،وبِ ْالخ ِطيَّ ِة
اإلثْ ِم ُ
على اآليات التى توحى بأننا مولودين بخطية آدم منها قول معلمنا داود النبى " هأنذا ِب ِ
ت ِبي أ ُ ِمي " ( مزمور ) 5 : 51وما شابهها من آيات .
ح ِبل ْ
6
المراجع
فرج دكتور جورج ،الخطية الجدية بحسب تعليم القديس ساويرس األنطاكى ،القاهرة ،المركز األرثوذكسى
للدراسات اآلبائية ،بدون .
طرابلسى دكتور عدنان ،الرؤية األرثوذكسية لإلنسان ،لبنان ،منشورات النور 1989 ،م
الرشية جان -كلود ،هوذا جسدى ،بيروت ،دير الشفيعة الحارة 2012 ،م