You are on page 1of 3

‫سارة الشنقيطي‬

‫تقديم الشخصية املرجعية‪ :‬ميسون بنت بحدل‬

‫‪ -‬م ــن ُهــنا‪ ،‬أي ــتها ال ــجاري ــة الج ــدي ــدة! ك ــيف ل ـ ِـك أن ت ــضيعي خ ــلفي؟‬
‫ث أن تــطرد الخــدم واح ـ ًدا تــلو اآلخــر‪ .‬إن‬ ‫ر ّـكـزي فــزوج ـ ُة الخـ ِ‬
‫ـليفة مــا تــلب ُ‬
‫ـجال للخ ــطأ ‪ ..‬ح ــصول ـ ِـك ع ــلى رض ــاه ــا ي ــعني‬
‫ث ُهــنا ف ــال م ـ َ‬ ‫ِ‬
‫أردت امل ُ ــكو َ‬
‫بالد املسلمني كافة‪ ،‬وعلى رأسهم الخليفة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حصولك على رضى‬ ‫ِ‬

‫‪ -‬ال تُبالِغي ‪..‬‬

‫ضـحكت‪ ،‬ونـاولـتني السـ ّلة بـينما كـنا نـسير فـي إحـدى حـدائـق الـقصر‪،‬‬
‫ـحبس األن ــفاس م ــن‬ ‫ـارف وال ــزي ـ ِ‬
‫ـنة ال ــتي ت ـ ُ‬ ‫ح ــدي ــق ٌة م ــز ّي ــن ٌة ب ــأن ــواع ِ ال ــزخ ـ ِ‬
‫ـصار مـن روعـتها‪ ،‬فـال أكـا ُد إال أن أض ّـل طـريـقي‬ ‫ف األب‬ ‫جـمالـها‪ ،‬وتخ ِ‬
‫ـط ُ‬
‫َ‬
‫وأنـسى الـوصـيف َة أمـامـي ‪ ..‬ال يـسعني إال أن أغـرق فـي تـفاصـيل كـل‬
‫جدا ٍر وزاوية‪ .‬ثم قطعت تأ ُّملي وأردفت‪:‬‬

‫ِ‬
‫ـنفسك‪ .‬م ــيسون ب ــنت‬ ‫‪ -‬ت ــقول ــني إن ــني أب ــال ــغ؟ ان ــتظري ح ــتى ت ــري ــنها ب ـ‬
‫ـبيلة بــدويـ ٍـة فــي الــعراق‪.‬‬
‫بحــدل ‪ ..‬شــاعــرة عــربـ ّية فــصيحة‪ ،‬وابــن ُة زعــيم ِ قـ ٍ‬
‫ت ــعلمني أن زواج ــها ب ــالخ ـ ِ‬
‫ـليفة م ــعاوي ــة ك ــان ب ــدوافـ ـعٍ س ــياس ــية؟ فله ــذا‬








‫ـبير ف ــي ان ــتصار ج ــيش املس ــلمني ب ــعد وق ــوع ض ــحاي ــا‬‫دور ك ـ ٌ‬‫ال ــزواج ٌ‬
‫ال ــطاع ــون‪ .‬أس ـ َكنَها الخ ــليف ُة دار اإلم ـ ِ‬
‫ـارة ُهــنا ف ــي دم ــشق‪ ،‬ف ــي ق ــصره‬
‫املـلكيّ‪ ،‬وو ّفـر لـها كـل مـا تـحتاجـه مـن رخـاء الـعيش‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬لـم تـعتد‬
‫ـصوص ا‪ ،‬ول ــم ت ــأل ــفها‪ .‬رف ــضت أفخ ــر‬
‫ًـ‬ ‫ح ــياةَ امل ــدي ــنة ع ــمو ًمــا‪ ،‬وال ــقصر خ ـ‬
‫ال ــثياب‪ ،‬رف ــضت أط ــيب ال ــطعام ووف ــرة الخ ــدم‪ .‬غ ــلبها ص ــدق ع ــاط ــفتها‬
‫ـبداوة الــتي ألِ ـفَتها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وحــنينُها إلــى وطــنها ‪ ..‬مشــتاق ـ ٌة هــي إلــى حـ ِ‬
‫ـياة الـ‬
‫أث ـ ـ ِبتي ك ـ ــفاءت ـ ـ ِـك وخ ـ ــذي ه ـ ــذه إل ـ ــيها‪ ،‬واخ ـ ــرج ـ ــي م ـ ــن غ ـ ــرف ـ ــتها دون أن‬
‫طردي‪.‬‬
‫تُ َ‬

‫تــركــتني الــوصــيف ُة عــند بــاب ضخــم ُمــف ِرط فــي الــزخــارف‪ .‬طــرق ـتُه ثــالثًــا‬
‫ـليال‪ .‬دخ ـ ُ‬
‫ـلت ح ــام ــل ًة السـ ـ ّلة‪،‬‬ ‫ـيت م ــن ق ــوة ليتح ـ ّـرك ق ـ ً‬ ‫ودف ــعتُه ب ـ ِّ‬
‫ـكل م ــا أوت ـ ُ‬
‫ـطلُّ‬‫ـط ُّل عــلى مــدخــل الــقصر — تُـ ِ‬ ‫ـلس عــلى شــرفـ ٍـة تُـ ِ‬
‫فــإذا بــمسيون تجـ ُ‬
‫عـلى أكـثر األمـاكـن روعـ ًة وبـها ًء‪ .‬ورغـم ذلـك‪ ،‬لـم يـنعكس املـنظر ال ّ‬
‫ـخالب‬
‫ع ــليها‪ .‬ك ــان ــت ب ــاه ــرةَ الج ــمال‪ ،‬وف ــي أج ــم ِل ُحـ ّلة ‪ ..‬ل ــكن ال ـ ُوج ــو َم ع ــلى‬
‫وج ــهها أخ ــفى ذل ــك ك ـ ّله‪ .‬وح ــتى م ــن ه ــذا ال ـبُعد‪ ،‬ك ــان ب ــإم ــكان ــي رؤي ــة‬
‫الآللِئ التي تسيل على خ ّديها‪ .‬سألتُها ُمستغربة‪:‬‬

‫وأنت في ُم ٍ‬
‫لك يُضاهي ُملك بلقيس؟‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬ما الذي يُ ِ‬
‫بكيك‬

‫‪ -‬أال ت ــترك ــون ــي وش ــأن ــي؟ م ــاذا ع ــساي أن أف ــعل؟ ل ــم ت ــفارق ــني ب ــادي ــتي‬
‫أح ُّن إليها وإلى أهلي فيها!‬ ‫يو ًما ‪ ..‬أشتاق إليها ‪ِ ..‬‬
‫سكتت بره ًة‪ ،‬ثم أنشدت قائل ًة‪:‬‬

‫أحب إلي من قص ٍر ُم ِ‬
‫نيف‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫تخفقُ األروا ُح فيه‬ ‫يت‬‫َلبَ ٌ‬
‫الش ِ‬
‫فوف‬ ‫أحب إلي من لِبس ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫وتقر عيني‬ ‫ٍ‬
‫عباءة‬ ‫و ُل ُ‬
‫بس‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الرغيف‬ ‫أحب إليّ من أك ِل‬ ‫يرة فـي ِكس ِر بيتي‬
‫س ٍ‬ ‫وأ ْك ُل ُك َ‬
‫ِ‬
‫الدفوف‬ ‫أحب إلى من نَ ْق ِر‬ ‫وأصوات الرياح ِ ِّ‬
‫بكل فجٍّ‬ ‫ُ‬
‫العيش الظَّ ِ‬
‫ريف‬ ‫ِ‬ ‫إلى نفسي من‬ ‫عيشتي في الب ْد ِو أشهى‬‫َ‬ ‫خشون ُة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫شريف‬ ‫ٍ‬
‫وطن‬ ‫ذاك من‬ ‫فحسبي َ‬ ‫فما أبغي سوى وطني بديال‬

You might also like