You are on page 1of 2

‫يروى بأنّه كان هنالك شجرة تين تعيش في واحد من البساتين الخضراء الجميلة‪ ،‬وكان بجانبها العديد من‬

‫أشجار التّين‪ ،‬ولكن أصحاب البستان يحبون ثمارها أكثر من جاراتها‪ ،‬وكانوا كلما أثمرت أتوا يقطفون‬
‫ضا إن جلس أحدهم‬ ‫ثمارها‪ ،‬ولكن هذه التينة كانت تغضب كلما أخذ أحدهم شيئًا من ثمارها‪ ،‬وكانت تغضب أي ً‬
‫تحتها ليستظل بظلها‪ ،‬وبقيت على هذه الحال سنين عديدة‪ ،‬حتى أتى يوم لم تعد تطيق أن يأخذ أحدهم منها‬
‫شيئًا‪ ،‬وعندها قالت لجاراتها ‪:‬إني أخرج الثّمار‪ ،‬فيأكل منها ك ّل من يمر من عندي‪ ،‬وأنا ال أستفيد منها بشيء‪،‬‬
‫ثمارا وال أوراقًا بعد ذلك أبدًا‪ ،‬حتى ال يأكل منها أحد‪ ،‬وال يجلس تحتها أحد ‪.‬‬
‫فقررت أن ال تخرج ً‬
‫الربيع‪ ،‬وتلونت جميع األشجار بألوان خضراء جميلة‪،‬‬
‫شتاء‪ ،‬ومن بعده أتى ّ‬ ‫ومرت األيام‪ ،‬وأتى فصل ال ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وأثمرت بثمار رائعة‪ ،‬إال هذه التينة التي لم تثمر‪ ،‬ولم تورق‪ ،‬وبقيت يابسة‪ ،‬كأنها ميتة‪ ،‬وعندما رآها صاحب‬
‫سا ‪ ،‬وقطعها‪ ،‬وجمع حطبها‪ ،‬وأوقد بها‬
‫البستان على هذه الحال‪ ،‬لم يتحمل ذلك‪ ،‬وقرر أن يقطعها‪ ،‬فأحضر فأ ً‬
‫ً‬
‫قائل ‪:‬‬ ‫النّار في الشتاء‪ ،‬وأنشد في خبر ذلك الشاعر إيليا أبو ماضي‬

‫ٍقالَت ِلَتـــرابها َوال َ‬


‫صيف َيحتَضــــر‬ ‫غضَّة اِلَفنان باســـــــــــــــــــقَة‬
‫َوتينَ ٍة َ‬

‫غيري عندَه النَ َظــــر‬


‫عندي ال َجمال َو َ‬ ‫ئس ال َقضاء الَّذي في اِلَرض أَو َجدَني‬
‫ب َ‬

‫غيرهـــــا أَثَــــــــــــر‬
‫َال يَبين َلها في َ‬ ‫َِلَحب َ‬
‫سنَّ عَلى َنفسي عَوارفَــــــــــــــها‬

‫يس لي بَل لغَيري ال َفيء َوالث َ َمــــر‬


‫َولَ َ‬ ‫كَم ذا أكَلف َنفسي َفوقَ طاقــــــــــــ َتها‬

‫يس في ال َعيش لي فيما أَرى َو َ‬


‫طــر‬ ‫َولَ َ‬ ‫لذي ال َجناح َوذي اِلَظفار بـــــــي َو َ‬
‫ط ٌر‬

‫فَال َيكون به طول َوال ق َ‬


‫صــــــــــــــر‬ ‫إني م َفصلَةٌ ظلي عَلى َج َ‬
‫ســــــــــــــدي‬

‫شـــــــــر‬ ‫يس َيطرقني َ‬


‫طير َوال بَ َ‬ ‫إن لَ َ‬ ‫َولَست مثم َرةً إال عَلى ثقَــــــــــــــــــ ٍة‬

‫ش َجــر‬ ‫فَا َّزينَت َواكت َ َ‬


‫ست بالسندس َال َ‬ ‫الربيع إلى الدنيا ب َموكبـــــــــــــه‬
‫عا َد َ‬

‫َكأَنَّها َوتَ ٌد في اِلَرض أَو َحـــ َجـــــــر‬ ‫َو َظلَّت التي َنة ال َحمقاء عاريَــــــــــــــةً‬

‫فَاجتَثَّها َف َه َوت في النار تَستَــــــــعر‬ ‫َولَم يطق صاحب البستان رؤ َيت َــــــها‬

‫فَإنَّه أَح َمقٌ بالحرص َينتَحــــــــــــر‬ ‫َمن لَ َ‬


‫يس يَسخو بما تَسخو ال َحيــاة به‬

‫أفه ُم كلماتي وأثري رصيدي اللّ ّ‬


‫غوي ‪:‬‬
‫غضة ‪ :‬طرية ‪ /‬اِلفنان ‪ :‬اِلغصان ‪ /‬أترابها ‪ :‬أصحابها ‪ /‬يحتضر ‪ :‬يشرف على الموت ‪ /‬أحبس ‪ :‬أمسك ‪ /‬العوارف ‪:‬اإلحسان‬
‫‪ /‬يبين ‪ :‬يظهر ‪ /‬الفيء ‪ :‬الظل ‪ /‬وطر ‪ :‬حاجة ‪ ،‬غاية ‪ /‬يطرقني ‪ :‬يبتغي ‪ ،‬يتوسل ‪ /‬السندس ‪ :‬اللباس األخضر ‪/‬‬
‫يطقْ ‪ :‬يتحمل ‪ /‬اجتثها ‪ :‬قلعها من جذورها ‪ /‬هوت ‪ :‬نزلت ‪ ،‬وضعت ‪ /‬يسخو‪ :‬من السخاء وهو العطاء ‪.‬‬
‫نص القصيدة‪:‬‬
‫تلخيص مضمون ّ‬
‫شاعر ظاهرة عدم الرضى بالقضاء وطبيعة الحياة التي تختلف من كائن إلى آخر ‪ ،‬كما هو حال‬ ‫يتناول ال ّ‬
‫ي‬
‫ي نبات ح ّ‬ ‫التينة في هذه القصيدة ؛ فالتّينة نبات خلقه هللا ينبت ويثمر ثمرا طيّبا ‪ ،‬وهذه نتيجة طبيعيّة أل ّ‬
‫ترض أن يتمتع غيرها بثمارها دونها وأن يتمتع بمظهرها الجميل األخآذ في حين هي من‬ ‫َ‬ ‫ولكن التّينة لم‬
‫يتعب في تكوين ذلك ‪ ،‬وفي الحقيقة هذا ليس تعبا وإنّما هي ضرورة الحياة نفسها ( فالتينة كي تعيش البد أن‬
‫تمتص الماء واألملح من التربة و نتيجة ذلك هو االخضرار وإ نتاج الثّمار ‪ ) ...‬فما كان منها إالّ أن امتنعت‬
‫عن مقومات الحياة من ماء وغيره فأصبحت عودا يابسا كريهَ المنظر فاقتلعها المزارع ليوقد بها ناره ؛ فبذلك‬
‫الطبيعة وضرورة الحياة‪...‬والتّينة‬ ‫جنت التينة على نفسها قبل أن تجني على غيرها حين بخلت بما سخت به ّ‬
‫هنا إنّما مثال ورمز إلى أشياء وأنواع من البشر في حياتنا تؤمن بما آمنت به التّينة فتجني على نفسها قبل‬
‫غيرها ‪.‬‬
‫الفكرة العامة ‪:‬‬
‫الحماقة تودي بحياة صاحبها‪.‬‬
‫األفكار األساسية ‪:‬‬
‫‪-1‬غرور التينة وكفرها بالقدر‪.‬‬
‫‪-2‬قرارها باالنعزال وترك العطاء‪.‬‬
‫‪-3‬نهاية الحمق هو الفناء‪.‬‬
‫المغزى ‪:‬‬
‫جسّد إيليا أخطار وأضرار الحمق المتحكم في نفوس بعض‬
‫النّاس في ق ّ‬
‫صة شعريّة تروي حكاية تينة حمقاء أنكرت‬
‫وضعها واعتبرته مزريا فهي تتعب وتبذل جهدا والخير‬
‫يعود لغيرها فقررت وضع ح ّد لهذا ‪.‬‬

‫إيليا أبو ماضي شاعر لبناني ‪ ،‬واحد من أكبر شعراء المهجر‪.‬‬

‫ي تناول فيه إيليا عواقب الحمق والغرور بأسلوب قصصي شيق‬ ‫ينتمي النّص إلى غرض ال ّ‬
‫شعر االجتماع ّ‬
‫غير مباشر عن طريق عرضها باللجوء إلى الطبيعة وجعل التبنة تتحدث وتعبر عن نفسها ‪..‬‬
‫شعريّة مثل ‪:‬‬‫ي على ي ّد ابن الرومي في مقطوعاته ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫شعر االجتماعي بدا يظهر في العصر العباس ّ‬
‫الحمال البائس‬

You might also like