You are on page 1of 165

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫د‪ .‬إبراهيم بن حسن احلضرييت‬

‫العام‪1442:‬ه‪2021-‬م‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪1‬‬

‫رقم اإليداع يف مكتبة امللك فهد الوطنية ‪1442/11038‬‬


‫اترخيه ‪1442/12/18‬ه‬
‫رقم ردمك ‪978-603-03-8314-6‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪2‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫املقدمة‬
‫ِ‬
‫سيئات‬ ‫حنمده‪ ،‬ونستعينُه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذُ ابهلل من شروِر ِ‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫احلمد هلل‪ُ ُ ،‬‬
‫إن َ‬
‫وحده ال‬
‫أشهد أن ال إلهَ إال هللاُ َ‬
‫هادي له‪ ،‬و ُ‬ ‫مضل له‪ ،‬ومن ْ ِ‬‫أعمالِنا‪ ،‬من يهدهِ هللاُ فال َّ‬
‫يضلل فال َ‬
‫عبدهُ ورسولُه‪.‬‬
‫حممدا ُ‬
‫أشهد أن ً‬ ‫يك لهُ‪ ،‬و ُ‬
‫شر َ‬

‫ﱡﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ‬
‫[آل عمران‪.]102 :‬‬

‫﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬
‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬
‫ﱒ‬ ‫ﱎﱏﱐ‬
‫ﱞ﴾ [النساء‪.]1 :‬‬

‫﴿ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬
‫[األحزاب‪،70 :‬‬ ‫ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ﴾‬
‫‪.]71‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن لعمل القلب أثره الكبري على العبادات‪ ،‬فإذا حقق العبد عمل القلب‪ ،‬وجاهد نفسه‬
‫إلصالح ما يف قلبه من أمراض‪ ،‬واستعان ابهلل على ذلك‪ ،‬وصدق وأخلص‪ ،‬فإن هللا وعد‬
‫إبعانته‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﲙ ﱠ [العنكبوت‪.]69 :‬‬
‫وإذا وفق هللا العبد لذلك ظهر أثره على عبادته‪ :‬إقامة هلا مع االتقان‪ ،‬وإخالصاً فيها‪ ،‬وحرصاً‬
‫على االهتداء ابهلدي النبوي يف أدائها‪ ،‬وظهر أثر ذلك أيضاً على إقبال القلب وحسن حضوره عند‬
‫أداء العبادة مع اخلشوع واخلضوع هلل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪3‬‬
‫وسأذكر ‪-‬إن شاء هللا تعاىل‪ -‬سلسلة بعنوان‪( :‬أثر عمل القلب على العبادات) وأركز يف اثلث‬
‫هذه السلسلة على عبادة احلج والعمرة‪ ،‬وقد وفقين هللا له احلمد واملنة إلخراج كتابني قبل هذا‪.‬‬
‫األول بعنوان‪( :‬أثر عمل القلب على عبادة الصالة)‪ ،‬والثاين بعنوان‪(:‬أثر عمل القلب على عبادة‬
‫الصوم)‪ ،‬ومها منشوران على الشبكة‪.‬‬
‫ونسأل هللا العظيم أن يرزقنا اإلخالص والصدق والتوفيق واإلعانة يف هذا العمل‪ ،‬وأن يتفضل‬
‫علينا ابلقبول‪ ،‬وأن يوفقنا خلري ما حيب ويرضى‪ ،‬وهللا من وراء القصد وهو اهلادي إىل سواء السبيل‪،‬‬
‫ورحم هللا من أهدى إيل عيويب‪ ،‬فال يبخل علي أخ انصح مبالحظة أو تصويب خللل يف املكتوب على‬
‫هذا الربيد‪ ،‬وفق هللا اجلميع‪.‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم بن حسن احلضريت‬
‫مكة املكرمة‪ ،‬إمام وخطيب جامع القناعة بشرائع اجملاهدين‬
‫‪ebrahim1407@gmail.com‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪4‬‬
‫وستكون إبذن هللا حماور هذا املوضوع حول العناصر اآلتية‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ملخص يف إثبات أثر عمل القلب‪ ،‬وأمهيته‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬من أدلة الكتاب والسنة يف إثبات أثر عمل القلب‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية عمل القلب‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اآلاثر العامة لعمل القلب على العبادات‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مناذج لبعض أعمال القلوب هلا عالقة بعبادة احلج والعمرة‪ ،‬وفيه متهيد‬
‫ومطالب‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬االرتباط الوثيق بني عمل القلب وعبادة احلج والعمرة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلخالص‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اليقني‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الصرب‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬احملبة‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬اخلوف واخلشية‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الرجاء‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عبادات قلبية هلا تعلق ابحلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التوبة واالستغفار‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬االهتمام بشرط قبول العمل‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط احلج ابلتوحيد‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ارتباط احلج ابلتقوى‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على مناسك احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة اإلحرام‪ ،‬وفيه مسائل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أن يستحضر بقلبه نية الدخول يف عبادة اإلحرام‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬التلبية شعار التوحيد وعالقتها بعمل القلب‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أن يدرك بقلبه خطر التساهل يف حمظورات اإلحرام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪5‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الطواف والسعي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أثر عمل القلب على عبادات يوم الرتوية‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبزدلفة‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة رمي اجلمار‪.‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة احللق أو التقصري‪.‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبىن ليايل أايم التشريق‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬ارتباط عمل القلب ابلذكر والدعاء يف احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على الذكر يف احلج‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬التلبية وأثر عمل القلب عليها‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬أذكار دخول املسجد احلرام‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أذكار الطواف والسعي‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬ذكر يوم عرفة‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬الذكر عند املشعر احلرام‪.‬‬
‫املسألة السادسة‪ :‬الذكر عند رمي اجلمار‪.‬‬
‫املسألة السابعة‪ :‬التكبري يوم النحر ويف أايم التشريق‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على الدعاء يف احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬الدعاء عند اإلحرام وبعده‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬دعاء دخول املسجد احلرام‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أدعية الطواف‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬أدعية السعي‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬دعاء يوم عرفة‪.‬‬
‫املسألة السادسة‪ :‬الدعاء عند املشعر احلرام‪.‬‬
‫املسألة السابعة‪ :‬الدعاء عند رمي اجلمار‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪6‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أثر عمل القلب على أخالق املسلم يف احلج‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مكانة اخللق احلسن يف دين اإلسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مظاهر حسن اخللق يف احلج‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬احلج من أعظم املواقف الت يظهر فيها حسن خلق املسلم‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬من مظاهر حسن اخللق يف احلج املرتبطة بعمل القلب‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬سوء اخللق وخطره على احلاج‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬الرفث والفسوق واجلدال يف احلج وارتباطها مبرض القلب‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬ما جاء يف نصوص الكتاب والسنة من الرتهيب من هذه اآلفات‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬عالقتها مبرض القلب‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬من مظاهر الرفث والفسوق واجلدال يف احلج‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬وقوع احلاج يف الذنوب اليت أتكل احلسنات من‪ :‬احلسد والبغضاء والشحناء‬
‫وقطيعة األرحام والعقوق‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬الكرب‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬الغضب للنفس‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬الشح والبخل‪.‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬من مظاهر مرض القلب يف عبادة احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ضعف تعظيم شعائر هللا يف احلج‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اآلفات املهلكة من الرايء‪ ،‬والسمعة‪ ،‬والعجب‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬خطر الرايء والسمعة والعجب على عبادة املسلم‪ ،‬وابلذات احلج والعمرة‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬تلخيص ما يتعلق هبذه اآلفات املهلكة(‪ )1‬مع بعض التوسع يف الكالم عنها‬
‫بشكل عام‪.‬‬

‫(‪ )1‬من العجب والرايء والسمعة وهي آفات قلبية مرتابطة بينها تداخل وهلذا آثرت احلديث عنها مع بعضها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪7‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬من مظاهر الرايء والسمعة والعجب لدى بعض احلجاج واملعتمرين‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬كيف حيافظ احلاج واملعتمر على عبادته من أن تدخلها الشوائب الت قد‬
‫تفسدها أو تنقص أجرها‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على عبده ورسوله حممد‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪8‬‬

‫املبحث األول‪ :‬ملخص يف إثبات أثر عمل القلب‪ ،‬وأمهيته‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬من أدلة الكتاب والسنة يف إثبات أثر عمل القلب‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية عمل القلب‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اآلاثر العامة لعمل القلب على العبادات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪9‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ملخص يف إثبات أثر عمل القلب‪ ،‬وأمهيته‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬من أدلة الكتاب والسنة يف إثبات أثر عمل القلب‪.‬‬
‫لقد اعتىن القرآن العظيم والسنة الشريفة مبسألة عمل القلب وأثره اعتناء كبرياً‪ ،‬فقد جاءت آايت‬
‫كثرية يف إثبات أثر عمل القلب وأتثره مبا يعمل صاحبه‪ ،‬فقد ذكر هللا ‪ ‬أن قلوب املؤمنني‬
‫يصيبها الوجل‪ ،‬وتطمئن بذكره‪ ،‬وأهنا ختشع وختضع ألمره‪ ،‬وغري ذلك كثري‪ ،‬وإذا تقرر هذا يف‬
‫حق املؤمنني‪ ،‬فإن القرآن الكرمي قد ذكر يف مقابل ذلك حال الكفار واملنافقني وأتثر قلوهبم مبا‬
‫يعملون‪ ،‬وذكر ‪ ‬كذلك أثر أمراض قلوهبم عليهم؛ من اخلتم والطبع‪ ،‬وما أصاهبا من مرض‬
‫النفاق‪ ،‬والزيغ عن احلق‪ ،‬والقسوة‪ ...‬وقد جاءت آايت كثرية يف بيان ذلك‪ .‬وكذلك جاءت‬
‫أحاديث كثرية تثبت أثر عمل القلب‪ ،‬ودونك ملخص إلثبات ذلك‪:‬‬
‫أولا‪ :‬أمثلة على إثبات أثر عمل القلب على املؤمن مع ذكر شواهدها من القرآن العظيم‪.‬‬
‫‪ -1‬وجل القلب وخوفه من هللا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝ ﱞﱠ اآلية [األنفال‪ .]2 :‬وفيها إثبات أثر ذكر هللا على القلب حبصول َ‬
‫الو َجل‪،‬‬
‫ومعناه‪ :‬اخلوف من هللا(‪ ،)1‬وال شك أن الذكر ال حيدث أثره يف حصول وجل القلب من‬
‫هللا تعاىل إال إذا تواطأ القلب مع احلواس‪.‬‬
‫‪ -2‬طمأنينة القلب‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛﳜ ﳝ ﳞ‬

‫ﳟ ﳠ ﳡﱠ [الرعد‪ ،]28 :‬دلت اآلية على أثر ذكر هللا على قلب املؤمن‪،‬‬
‫فهو أينس ويطيب ويسكن بذكر هللا تعاىل(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)425 /5‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تفسري الطربي (‪.)432 /16‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪10‬‬
‫اثنيا‪ :‬أمثلة على إثبات أثر مرض القلب على صاحبه وردت يف آايت الكتاب العزيز‪.‬‬
‫عقوبة هللا ألصحاب القلوب اليت كفرت ابهلل ابخلتم عليها‪ ،‬وزيغ القلوب عن احلق‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فقال تعاىل عنهم‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫ﱖ‬
‫ﱗ‬ ‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ‬

‫ﱘ ﱙ ﱚﱠ [البقرة‪.]7 ،6 :‬‬

‫قال البغوي رمحه هللا يف تفسريه ملعىن اخلتم على القلوب‪" :‬فقال‪ :‬ﱡﱍ ﱎﱠ‪ :‬طبع هللا‬

‫ﱡﱏ ﱐﱠ فال تعي ً‬


‫خريا وال تفهمه"(‪.)1‬‬

‫وهذا اخلتم على القلوب عقوبة هلم بسبب منهم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﱠ [الصف‪.]5 :‬‬

‫ومن آاثر مرض النفاق على القلوب تقييدها عن اخلري مبا حيدث هلا من الرتدد والتذبذب‬ ‫‪-2‬‬
‫والشك واحلرية والكسل عن الطاعات وكرهها‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕ‬

‫ﲖﱠ [التوبة‪ .]45 :‬والريب هو الشك‪ ،‬وهو من أثر أمراض النفاق على‬
‫القلوب‪ ،‬فيتولد منه أثره على القلب ابلرتدد والتذبذب والكسل عن الطاعة وكرهها‪ ،‬فقال‬
‫تعاىل يف بيان أثر النفاق على القلب‪ :‬ﱡﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ‬

‫(‪ )1‬تفسري البغوي (‪.)65-64 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪11‬‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ [النساء‪.]143 ،142 :‬‬

‫وقال تعاىل عن املنافقني‪ :‬ﱡﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﱠ [التوبة‪.]54 :‬‬
‫وقال تعاىل يف بيان أثر مرض النفاق على القلب وأن هللا ‪ ‬ل ِّ‬
‫ميكن صاحبه من‬ ‫‪-3‬‬

‫العمل‪ ،‬بل يقعده عنه عقوبةا له على ما يف قلبه من مرض‪ :‬ﱡﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ‬

‫ﲧﱠ [التوبة‪.]46 :‬‬

‫وإذا وجد العبد أنه يثبَّط عن الطاعات‪ ،‬وحيال بينه وبينها‪ ،‬فليفتِش عن مرض يف قلبه‪.‬‬

‫أثر الذنوب على القلب يف تغطيته وحجبه عن رؤية احلق‪ ،‬كما يف قول هللا تعاىل‪ :‬ﱡﱲﱳ‬ ‫‪-4‬‬
‫ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱠ ِ‬
‫[املطففني‪.]14 :‬‬
‫أثبت هللا تعاىل أن الذنوب تغطي على القلوب‪ ،‬فتحجبها عن رؤية احلق فال تقبله‪ ،‬كما يف‬
‫ت ِيف قَ ْلبِ ِه نُكْتَةٌ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫العْب َد إِ َذا أ ْ‬
‫َخطَأَ َخطيئَةً نُكتَ ْ‬ ‫اَّللِ ‪ ‬قَ َ‬
‫ال‪« :‬إِ َّن َ‬ ‫ول َّ‬‫حديث أَِيب ُهري رةَ ‪َ ،‬عن رس ِ‬
‫ْ َُ‬ ‫َْ َ‬

‫(‪ )1‬أي نُِق َ‬


‫ط نقطة يف قلبه‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الصحاح (‪ ،)269 /1‬النهاية يف غريب احلديث واألثر (‪ )114 /5‬البن األثري‪ ،‬مادة (نكت)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪12‬‬
‫الرا ُن الَّ ِذي‬
‫يد فِ َيها َح ََّّت تَ ْعلَُو قَ ْلبَهُ‪َ ،‬وُه َو َّ‬
‫ب ُس ِق َل قَ ْلبُهُ‪َ ،‬وإِ ْن َع َاد ِز َ‬
‫(‪)1‬‬
‫استَ ْغ َفَر َو َات َ‬ ‫َس ْوَداءُ‪ ،‬فَِإذَا ُه َو نََز َ‬
‫ع َو ْ‬
‫اَّلل‪ :‬ﱡﱲﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱠ ِ‬
‫[املطففني‪.)2(»]14 :‬‬ ‫ذَ َكَر َُّ‬

‫فإذا غطت الذنوب القلب عمي عن رؤية احلق وانطمست بصريته‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﳂ‬

‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﱠ [احلج‪.]46 :‬‬
‫اثلث ا‪ :‬وقد ورد يف السنة ما يبني مكانة عمل القلب وأثره على صاحبه‪ ،‬ودونك إشارة‬
‫لذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬أثر عمل القلب على صالح اجلسد أو فساده‪ ،‬ويدل عليه ما رواه النعمان بن بشري ‪‬‬
‫صلَ َح اجلَ َس ُد ُكلُّهُ‪َ ،‬وإِ َذا فَ َس َد ْ‬
‫ت‬ ‫ت َ‬
‫صلَ َح ْ‬ ‫قال‪ :‬قال ‪« :‬أَالَ َوإِ َّن ِيف اجلَ َس ِد ُم ْ‬
‫ضغَةً‪ :‬إِ َذا َ‬
‫ِ‬
‫ب»‪.‬‬ ‫فَ َس َد اجلَ َس ُد ُكلُّهُ‪ ،‬أَالَ َوه َي ال َق ْل ُ‬
‫ويف احلديث إشارة ‪-‬كما يقول ابن رجب رمحه هللا‪" :-‬إىل أن صالح حركات العبد جبوارحه‪،‬‬
‫سليما‪ ،‬ليس فيه إال‬‫واجتنابه احملرمات واتقاءه للشبهات حبسب صالح حركة قلبه‪ ،‬فإذا كان قلبه ً‬
‫حمبة هللا وحمبة ما حيبه هللا‪ ،‬وخشية هللا وخشية الوقوع فيما يكرهه‪ ،‬صلحت حركات اجلوارح‬
‫حذرا من الوقوع يف احملرمات‪.‬‬ ‫كلها‪ ،‬ونشأ عن ذلك اجتناب احملرمات كلها‪ ،‬وتوق للشبهات ً‬
‫فاسدا‪ ،‬قد استوىل عليه اتباع هواه‪ ،‬وطلب ما حيبه‪ ،‬ولو كرهه هللا‪ ،‬فسدت‬ ‫وإن كان القلب ً‬
‫حركات اجلوارح كلها‪ ،‬وانبعثت إىل كل املعاصي واملشتبهات حبسب اتباع هوى القلب"(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫ث‬ ‫اهنَا» َويُشريُ إِ َىل َ‬
‫ص ْد ِرهِ ثََال َ‬ ‫‪ -2‬ارتباط التقوى بعمل القلب‪ ،‬يقول ‪« :‬التَّ ْق َوى َه ُ‬

‫"ص ِق َل" ابلصاد‪ ،‬والسقل والصقل مبعىن واحد‪ ،‬أي‪ :‬جاله ونظفه وصفاه وذهب عنه أثر الذنب‪.‬‬
‫(‪ )1‬ويف أكثر رواايت احلديث‪ُ :‬‬
‫ينظر‪ :‬الصحاح (‪ )1744 /5‬مادة (صقل)‪ ،‬مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح (‪ ،)1622 /4‬حتفة األحوذي (‪)178 /9‬‬
‫للمباركفوري‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ )333 /13‬ح (‪ ،)7952‬والرتمذي واللفظ له(‪ )434 /5‬ح (‪ )3334‬وقال الرتمذي‪" :‬حديث حسن‬
‫صحيح"‪ ،‬وابن ماجه (‪ )1418 /2‬ح (‪ ،)4244‬وابن حبان يف صحيحه (‪ )210 /3‬ح (‪ ،)930‬احلاكم يف مستدركه(‪/2‬‬
‫‪ )562‬ح (‪ )3908‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )271 /2‬ح (‪ ،)1620‬وقال‬
‫شعيب األرانؤوط يف حتقيق املسند (‪ )334 /13‬ح (‪" :)7952‬إسناده قوي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جامع العلوم واحلكم البن رجب(‪.)210 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪13‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َمَّرات‪..‬احلديث‬
‫وذكر النووي يف شرحه للحديث أن التقوى إمنا حتصل مبا يف القلب من األعمال‪ ،‬فيقول‬
‫رمحه هللا‪" :‬إن األعمال الظاهرة ال حيصل هبا التقوى‪ ،‬وإمنا حتصل مبا يقع يف القلب من عظمة‬
‫هللا تعاىل وخشيته ومراقبته"(‪.)2‬‬
‫«ال‬
‫َّيب ‪َ :‬‬ ‫ال النِ ِ‬‫‪ -3‬يف بيان أثر مرض الكرب على القلب‪ ،‬فعن عبد هللا بن مسعود ‪ :‬قَ َ‬
‫ب أَ ْن يَ ُكو َن‬‫الر ُج َل ُِحي ُّ‬
‫ال ذَ َّرة ِم ْن كِ ْرب»‪ ،‬قَ َال َر ُج ٌل‪ :‬إِ َّن َّ‬
‫اجلَنَّةَ َم ْن َكا َن ِيف قَ ْلبِ ِه ِمثْ َق ُ‬
‫يَ ْد ُخ ُل ْ‬
‫ط‬ ‫ال‪ ،‬الْ ِك ْربُ‪ :‬بَطَُر ْ‬
‫احلَِق‪َ ،‬و َغ ْم ُ‬ ‫اجلَ َم َ‬
‫ب ْ‬ ‫يل ُِحي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ثَوبُهُ َحسنًا ونَ ْعلُهُ َحسنَةً! قَ َ ِ‬
‫ال‪« :‬إ َّن هللاَ ََج ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫النَّاس» ‪.‬‬
‫ويف احلديث دليل على أثر آفة الكرب على من تلبس هبا‪ ،‬وهو من أخطر أمراض القلوب‪ ،‬ومن‬
‫أعظم ما يصد القلوب عن اهلدى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)1986 /4‬ح(‪.)2564‬‬


‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)121 /16‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ )93 /1‬ح(‪.)91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪14‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية عمل القلب‪.‬‬
‫وتتضح الداللة على أمهية عمل القلب من خالل األمور اآلتية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬كثرة ذكرها يف القرآن العظيم‪ ،‬وقد تقدمت إشارة إىل ذلك‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ويكفي يف الداللة على عظيم مكانة عمل القلب يف السنة ماورد يف احلديثني اآلتيني‪:‬‬
‫ص َوِرُك ْم َوأ َْم َوالِ ُك ْم‪َ ،‬ولَ ِك ْن‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول هللا ‪« :‬إِ َّن هللاَ َال يَْنظُُر إِ َىل ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫‪َ -1‬عن أَِيب ُهَريْ َرةَ قَ َ‬
‫يَْنظُُر إِ َىل قُلُوبِ ُك ْم َوأ َْع َمالِ ُك ْم»(‪ ،)1‬فالقلوب وأعماهلا هي حمل نظر الرب ‪.،‬‬
‫ت فَ َس َد‬ ‫صلَ َح اجلَ َس ُد ُكلُّهُ‪َ ،‬وإِذَا فَ َس َد ْ‬ ‫ت َ‬ ‫صلَ َح ْ‬ ‫ضغَةً إِذَا َ‬‫‪ -2‬وقال ‪« :‬أَالَ َوإِ َّن ِيف اجلَ َس ِد ُم ْ‬
‫ِ‬
‫ب»(‪ ،)2‬فصالح اجلوارح مرتبط بصالح القلب‪ ،‬وهذا له أثره‬ ‫اجلَ َس ُد ُكلُّهُ‪ ،‬أَالَ َوه َي ال َق ْل ُ‬
‫الكبري على خشوع املؤمن يف صالته‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬حتدث ابن القيم عن أمهية عمل القلب‪ ،‬فقال رمحه هللا‪" :‬فعمل القلب هو روح‬
‫العبودية ولبها‪ ،‬فإذا خال عمل اجلوارح منه كان كاجلسد املوات بال روح‪ ...‬ومن أتمل الشريعة يف‬
‫مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال اجلوارح أبعمال القلوب‪ ،‬وأهنا ال تنفع بدوهنا‪ ،‬وأن أعمال‬
‫القلوب أفرض على العبد من أعمال اجلوارح‪ ،‬وهل مييز املؤمن عن املنافق إال مبا يف قلب كل‬
‫واحد منهما من األعمال الت ميزت بينهما؟! وهل ميكن أحد الدخول يف اإلسالم إال بعمل قلبه‬
‫قبل جوارحه؟! وعبودية القلب أعظم من عبودية اجلوارح وأكثر وأدوم‪ ،‬فهي واجبة يف كل وقت؛‬
‫وهلذا كان اإلميان واجب القلب على الدوام‪ ،‬واإلسالم واجب اجلوارح يف بعض األحيان"(‪.)3‬‬
‫وأعمال القلوب هي األصل‪ ،‬وهي فرض على األعيان ابتفاق أهل اإلميان‪ ،‬من تركها ابلكلية‬
‫فهو إما كافر أو منافق‪ ،‬وأعمال اجلوارح اتبعة ومتممة ألعمال القلوب‪ ،‬فال تتم إال هبا(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )1987 /4‬ح (‪.)2564‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )20 /1‬ح (‪ ،)52‬ومسلم (‪ )1219 /3‬ح (‪.)1599‬‬
‫(‪ )3‬بدائع الفوائد (‪.)193-192 /3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،)185-184 /18‬بدائع الفوائد (‪.)188-187 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪15‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اآلاثر العامة لعمل القلب على العبادات‪ ،‬وجنملها يف اآليت‪:‬‬
‫قبول هللا للعمل‪ ،‬وذلك يكون بشرطني‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أ‪ -‬جماهدة النفس على اإلخالص هلل تعاىل‪ ،‬مما يثمر احلرص على سالمة املقاصد يف العبادات‬
‫من العجب والرايء والسمعة‪.‬‬
‫جماهدة النفس على اتباع اهلدي النبوي يف أداء العبادة واحلرص على سالمتها من البدع‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪ -2‬طهارة القلب من التعلق بغري هللا يثمر حضور القلب يف العبادة وعدم تشتته يف‬
‫أودية الدنيا‪ ،‬واليؤدي إىل ضيقه ابلعبادة وثقلها عليه؛ ألنه اذا تعلق القلب ابهلل‬
‫وحده ال شريك له صفا له قلبه وطهر وصار مهه اآلخرة‪ ،‬وسلم من التشتت‬
‫والفتنة الت تضرب هبا القلوب املتعلقة بغري هللا‪ ،‬فتثبطها عن طاعة هللا‪ ،‬كما‬
‫قال تعاىل عن املنافقني‪ :‬ﱡ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲟﲠﲡﲢﲣ ﲤﲥﲦﲧ‬
‫اَّللُ ِغنَاهُ ِيف قَ ْلبِ ِه‪،‬‬
‫اآلخَرةُ َمهَّهُ َج َع َل َّ‬ ‫ت ِ‬ ‫ﱠ [التوبة‪ ،]46 :‬وقال‪«:‬من َكانَ ِ‬
‫َْ‬
‫اغمةٌ‪ ،‬ومن َكانَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّللُ فَ ْقَرهُ‬
‫ت الدُّنْيَا َمهَّهُ َج َع َل َّ‬ ‫َو ََجَ َع لَهُ ََشْلَهُ‪َ ،‬وأَتَ ْتهُ الدُّنْيَا َوه َي َر َ َ َ ْ‬
‫ني َعْي نَ ْي ِه‪َ ،‬وفَ َّر َق َعلَْي ِه ََشْلَهُ‪َ ،‬وََلْ َأيْتِِه ِم َن الدُّنْيَا إَِّال َما قُ ِد َر لَهُ»(‪.)1‬‬
‫بَْ َ‬
‫احلرص على إتقان العبادة وإمتامها‪ ،‬واالجتهاد يف الوصول إىل مقام اإلحسان يف‬ ‫‪-3‬‬
‫َّك تَ َراهُ‪ ،‬فَِإ ْن ََلْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَِإنَّهُ يََر َاك»(‪.)2‬‬
‫اَّللَ َكأَن َ‬
‫العبادات‪ ،‬كما قال ‪ ‬عن مقام اإلحسان‪« :‬أَ ْن تَ ْعبُ َد َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ )642 /4‬ح (‪ ،)2465‬وأخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪ )266 /11‬ح (‪ ، )11690‬وذكره األلباين‬
‫يف السلسة الصحيحة (‪ )633 /2‬ح (‪ ،)949‬وصححه يف صحيح اجلامع (‪ )1109 /2‬ح (‪.)6505‬‬
‫ني َعْي نَ ْي ِه‪َ ،‬وََلْ َأيْتِِه ِم َن‬ ‫ت الدُّنْيا َمهَّه فَ َّر َق َّ ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه أ َْمَرهُ‪َ ،‬و َج َع َل فَ ْقَرهُ بَْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫وأخرجه ابن ماجه(‪ )1375 /2‬ح (‪ )4105‬بلفظ‪« :‬من َكانَ ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ لَهُ أ َْمَرهُ‪َ ،‬و َج َع َل غنَاهُ يف قَلْبه‪َ ،‬وأَتَتْهُ الدُّنْيَا َوه َي َراغ َمةٌ» من حديث زيد‬ ‫ت ْاآل ِخَرةُ نِيَّتَهُ ََجَ َع َّ‬
‫الدُّنْيا إَِّال ما ُكتِب لَه‪ ،‬ومن َكانَ ِ‬
‫َ َ َ ُ ََ ْ‬
‫بن اثبت ‪ ، ‬وصححه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ )634 /2‬ح (‪ ،)950‬وصححه شعيب األرانؤوط يف‬
‫حتقيقه لسنن ابن ماجه (‪ )227 /5‬ح (‪.)4105‬‬
‫(‪)2‬أخرجه البخاري (‪ )19 /1‬ح(‪ ،)50‬ومسلم (‪ )36 /1‬ح(‪.)8‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪16‬‬
‫وهذه املرتبة العظيمة ال حتصل إال إذا سلم القلب هلل تعاىل‪ ،‬واستحضر عظمة هللا ومراقبته له وعلمه‬
‫واطالعه عليه‪ ،‬وجاهد العبد نفسه على إصالح قلبه‪ ،‬وتنقيته من شوائب العجب والرايء والكرب واحلسد‪،‬‬
‫ومن بقية اآلفات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪17‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مناذج لبعض أعمال القلوب املتعلقة ابحلج والعمرة‪ ،‬وفيه متهيد‬
‫ومطالب‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬الرتباط الوثيق بني عمل القلب وأثره على عبادة احلج والعمرة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلخالص‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اليقني‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الصرب‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬احملبة‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬اخلوف واخلشية‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الرجاء‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪18‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مناذج لبعض أعمال القلوب املتعلقة ابحلج والعمرة‪ ،‬وفيه متهيد ومطالب‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬الرتباط الوثيق بني عمل القلب وأثره على عبادة احلج والعمرة‪.‬‬
‫هناك ارتباط وثيق بني احلج والعمرة وعمل القلب‪ ،‬ألن عمل اجلوارح الظاهر مرتبط بعمل القلب‬
‫كما سبق‪ ،‬وال يكون احلج مربوراً يؤثر على من أييت به إال إذا صلح عمل القلب وكانت عبادة‬
‫احلج والعمرة خالصة هلل‪ ،‬وعند العبد يقني مبوعود هللا‪ ،‬وحتلى ابلصرب يف حجه وعمرته وذلك لكثرة‬
‫املشاق واملصاعب يف هذه العبادة الت َجعت بني العبادة املالية واجلسدية والقلبية‪ ،‬ولن يكون‬
‫هناك دافعاً جيعل العبد يتشوق إىل إمتام مناسك احلج والعمرة إال حبه هلل‪ ،‬وخوفه من عقوبته‪،‬‬
‫ورجاؤه ملا عنده من الثواب العظيم‪ ،‬إذن هناك ارتباط وثيق بني عمل القلب وعمل اجلوارح يف هذه‬
‫العبادة العظيمة‪ ،‬ودونك شيء من اخلرب ابختصار عن هذه األعمال القلبية بصورة عامة‪ ،‬وفق‬
‫املطالب اآلتية‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلخالص‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اليقني‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الصرب‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬احملبة‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬اخلوف واخلشية‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الرجاء‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪19‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلخالص(‪.)1‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫لقد عرف اإلخالص بتعاريف كثرية متقاربة‪ ،‬ومن أدقها تعريف الغزايل‪ ،‬فيقول رمحه هللا عن‬
‫اإلخالص أبنه‪" :‬جتريد قصد التقرب إىل هللا عن َجيع الشوائب"(‪.)2‬‬
‫وعرفه ابن القيم رمحه هللا مبجموعة من التعريفات من أدقها‪" :‬إفراد احلق ابلقصد يف الطاعة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬تصفية الفعل عن مالحظة املخلوقني‪ ،‬وقيل‪ :‬اإلخالص نسيان رؤية اخللق بدوام النظر إىل‬
‫اخلالق‪ ،‬ومن تزين للناس مبا ليس فيه سقط من عني هللا"(‪.)3‬‬
‫من أدلة الكتاب والسنة على اإلخالص‪:‬‬
‫لقد جاءت األدلة الكثرية من كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬دالة على هذا العمل القليب العظيم‪،‬‬
‫ومنها على سبيل املثال‪:‬‬

‫• قوله تعاىل‪ :‬ﱡﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ [األعراف‪.]29 :‬‬

‫يقول احلافظ ابن كثري رمحه هللا يف معىن هذه اآلية‪" :‬أي‪ :‬أمركم ابالستقامة يف عبادته يف‬
‫حماهلا‪ ،‬وهي متابعة املرسلني املؤيدين ابملعجزات فيما أخربوا به عن هللا تعاىل‪ ،‬وما جاءوا به عنه‬
‫من الشرائع‪ ،‬وابإلخالص له يف عبادته‪ ،‬فإنه تعاىل ال يتقبل العمل حَّت جيمع هذين الركنني‪ :‬أن‬
‫خالصا من الشرك"(‪.)4‬‬
‫يكون صو ًااب مواف ًقا للشريعة‪ ،‬وأن يكون ً‬

‫(‪ )1‬سيكون التعريف هلذه األعمال القلبية التعريف االصطالحي حرصاً على االختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬إحياء علوم الدين (‪.)379 /4‬‬
‫(‪ )3‬مدارج السالكني (‪.)92-91 /2‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري (‪.)403 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪20‬‬
‫ويقول السعدي رمحه هللا‪" :‬أي‪ :‬قاصدين بذلك وجهه وحده ال شريك له‪ .‬والدعاء يشمل‪:‬‬
‫دعاء املسألة‪ ،‬ودعاء العبادة‪ ،‬أي‪ :‬ال تراءوا وال تقصدوا من األغراض يف دعائكم سوى عبودية‬
‫هللا ورضاه"(‪.)1‬‬

‫• ومن األدلة على اإلخالص قوله تعاىل‪ :‬ﱡﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬


‫ﲨﱠ [غافر‪.]14 :‬‬

‫قال السعدي رمحه هللا يف تفسريه هلذه اآلية‪" :‬وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء املسألة‪،‬‬
‫واإلخالص معناه‪ :‬ختليص القصد هلل تعاىل يف َجيع العبادات الواجبة واملستحبة‪ ،‬حقوق هللا‬
‫وحقوق عباده‪ .‬أي‪ :‬أخلصوا هلل تعاىل يف كل ما تدينونه به وتتقربون به إليه‪.‬‬

‫﴿ﲦ ﲧ ﲨ﴾ لذلك‪ ،‬فال تبالوا هبم‪ ،‬وال يثنكم ذلك عن دينكم‪ ،‬وال‬
‫أتخذكم ابهلل لومة الئم‪ ،‬فإن الكافرين يكرهون اإلخالص هلل وحده غاية الكراهة‪ ،‬كما قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ‬

‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﱠ [الزمر‪.)2("]45 :‬‬

‫• ومن األدلة على وجوب إخالص النية هلل تعاىل يف َجيع العبادات الظاهرة والباطنة(‪ )3‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱡﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﱠ [البينة‪.]5 :‬‬
‫ال‬ ‫اَّللِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫ول‪« :‬إَِّمنَا األ َْع َم ُ‬ ‫ول َّ‬ ‫ِ‬
‫اب ‪ ‬قال‪ََ :‬س ْع ُ‬
‫ت َر ُس َ‬ ‫• ومما ورد يف السنة عن عُمر بْ ِن اخلَطَّ ِ‬
‫ََ‬
‫ت‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللِ ورسولِِه‪ ،‬فَ ِهجرتُه إِ َىل َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِابلنِيَّ ِة‪ ،‬وإَِّمنَا ِالم ِرئ ما نَوى‪ ،‬فَمن َكانَ ِ‬
‫اَّلل َوَر ُسوله‪َ ،‬وَم ْن َكانَ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ت ه ْجَرتُهُ إ َىل َّ َ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجَر إلَْيه» ‪.‬‬ ‫ه ْجَرتُهُ إِ َىل ُدنْيَا يُصيبُ َها أَ ِو ْامَرأَة يَتَ َزَّو ُج َها‪ ،‬فَ ِه ْجَرتُهُ إِ َىل َما َه َ‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي (‪.)286‬‬


‫(‪ )2‬تفسري السعدي (‪.)734‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتح القدير للشوكاين (‪ ،)580 /5‬تفسري السعدي (‪.)931‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ )140 /8‬ح (‪ ،)6689‬ومسلم(‪ )1515 /3‬ح (‪.)1907‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪21‬‬
‫قال ابن رجب رمحه هللا‪" :‬والنية يف كالم العلماء تقع مبعنيني‪:‬‬
‫مثال‪،‬‬
‫أحدمها‪ :‬مبعىن متييز العبادات بعضها عن بعض‪ ،‬كتمييز صالة الظهر من صالة العصر ً‬
‫ومتييز صيام رمضان من صيام غريه‪ ،‬أو متييز العبادات من العادات‪ ،‬كتمييز الغسل من اجلنابة من‬
‫كثريا يف كالم الفقهاء يف كتبهم‪.‬‬
‫غسل التربد والتنظف‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬وهذه النية هي الت توجد ً‬
‫واملعىن الثاين‪ :‬مبعىن متييز املقصود ابلعمل‪ ،‬وهل هو هللا وحده ال شريك له‪ ،‬أم غريه‪ ،‬أم هللا‬
‫وغريه؟ وهذه النية هي الت يتكلم فيها العارفون يف كتبهم يف كالمهم على اإلخالص وتوابعه‪،‬‬
‫كثريا يف كالم السلف املتقدمني"(‪.)1‬‬
‫وهي الت توجد ً‬
‫ال‪َ :‬جاءَ َر ُج ٌل‬ ‫اهلِي ‪ ‬قَ َ‬ ‫• ومما يدل على أن اإلخالص شرط لقبول العمل حديث أَِيب أُمامةَ الْب ِ‬
‫ََ َ‬
‫اَّللِ ‪َ :‬‬ ‫ال‪ :‬أَرأَيت رج ًال َغزا ي ْلت ِمس ْاألَجر و ِ‬ ‫إِ َىل النِ ِ‬
‫«ال َش ْيءَ‬ ‫ول َّ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫الذ ْكَر‪َ ،‬ما لَهُ؟ فَ َق َ‬ ‫َّيب ‪ ،‬فَ َق َ َ ْ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫اَّللَ َال يَ ْقبَ ُل ِم َن الْ َع َم ِل‬
‫ال‪« :‬إِ َّن َّ‬‫«ال َش ْيءَ لَهُ»‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬ ‫اَّللِ ‪َ :‬‬ ‫ول َّ‬‫ول لَهُ َر ُس ُ‬
‫ث َمَّرات‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫َع َاد َها ثََال َ‬
‫لَهُ»‪ ،‬فَأ َ‬
‫صا‪َ ،‬وابْتُغِ َي بِِه َو ْج ُههُ»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫إَِّال َما َكا َن لَهُ َخال ً‬
‫َّاس بِش َفاعتِك ي وم ِ‬
‫القيَ َام ِة؟ قَ َ‬ ‫ول َِّ‬ ‫• وعن أَِيب هري رةَ ‪ ‬أَنَّه قَ َ ِ‬
‫ال‬ ‫َس َع ُد الن ِ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬م ْن أ ْ‬ ‫يل‪َ :‬اي َر ُس َ‬
‫ال‪ :‬ق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ُ َْ َ‬
‫يث أَح ٌد أ ََّول ِمْن ِ‬ ‫َلين عن ه َذا احل ِد ِ‬ ‫ول َِّ‬
‫ت‬‫ك؛ ل َما َرأَيْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪َ -‬اي أ ََاب ُهَريْ َرةَ‪ -‬أَ ْن الَ يَ ْسأ ِ َ ْ َ َ‬ ‫اَّلل ‪« :‬لََق ْد ظَنَ ْن ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫صا ِم ْن قَ ْلبِ ِه»‬ ‫ال‪ :‬الَ إِلَه إَِّال َّ ِ‬ ‫َّاس بِش َفاع ِت ي وم ِ‬
‫القيَ َام ِة َم ْن قَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّللُ َخال ً‬ ‫َ‬ ‫َس َع ُد الن ِ َ َ َ ْ َ‬ ‫ك َعلَى احلَديث‪ ،‬أ ْ‬ ‫ِم ْن ِح ْر ِص َ‬
‫أ َْو‪« :‬نَ ْف ِس ِه»(‪.)3‬‬
‫ودل احلديث على أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن اإلخالص يف كلمة التوحيد من أعظم أسباب سعادة املؤمن بشفاعة النيب ‪ ‬يوم‬
‫القيامة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬جامع العلوم واحلكم (‪.)66-65 /1‬‬


‫وجود إسناده ابن حجر يف الفتح (‪ ،)28 /6‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ )25 /6‬ح (‪َّ ،)3140‬‬
‫الصحيحة (‪ )118 /1‬ح (‪ ،)52‬وقال يف صحيح سنن النسائي (‪ )384-383 /2‬ح (‪" :)3140‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري كتاب العلم‪ ،‬ابب احلرص على احلديث (‪ )31 /1‬ح (‪.)99‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)194 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪22‬‬
‫‪ -‬ويف عون املعبود‪" :‬ويف قوله يف حديث أيب هريرة‪« :‬أسعد الناس بشفاعت من قال‪ :‬ال إله إال‬
‫توحيدا كان‬‫هللا» سر من أسرار التوحيد‪ ،‬وهو أن الشفاعة إمنا تنال بتجريد التوحيد‪ ،‬فمن كان أكمل ً‬
‫أحرى ابلشفاعة"(‪.)1‬‬
‫ضى يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة َعلَْي ِه َر ُج ٌل‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن أ ََّوَل الن ِ‬
‫َّاس يُ ْق َ‬ ‫ول هللاِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫• عن أيب هريرة ‪ََ :‬س ْع ُ‬
‫ال‪ :‬قَاتَ ْل ِ‬ ‫ت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫استُ ْش ِه َد‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه فَ َعَّرفَهُ نَِع َمهُ فَ َعَرفَ َها‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ت‪ ،‬قَ َ‬ ‫استُ ْش ِه ْد ُ‬ ‫يك َح ََّّت ْ‬ ‫تف َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َما َعم ْل َ‬ ‫ْ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه َح ََّّت أُلْ ِق َي ِيف‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬
‫ِ‬ ‫ت ِألَ ْن يُ َق َ ِ‬
‫ال‪َ :‬جريءٌ‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫َّك قَاتَ ْل َ‬ ‫ت‪َ ،‬ولَ ِكن َ‬ ‫َك َذبْ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َما َعم ْل َ‬ ‫النَّا ِر‪َ ،‬وَر ُج ٌل تَ َعلَّ َم الْعِْل َم‪َ ،‬و َعلَّ َمهُ َوقَ َرأَ الْ ُق ْرآ َن‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه فَ َعَّرفَهُ نَِع َمهُ فَ َعَرفَ َها‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬ك َذبت‪ ،‬ولَ ِكنَّك ت علَّمت الْعِْلم لِي ق َ ِ‬ ‫تَعلَّمت الْعِْلم‪ ،‬وعلَّمته وقَرأْ ِ‬
‫ت‬ ‫ال‪َ :‬عاَلٌ‪َ ،‬وقَ َرأْ َ‬ ‫يك الْ ُق ْرآ َن‪ ،‬قَ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫تف َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ ْ ُُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ئ‪ ،‬فَ َق ْد قِ‬ ‫الْ ُقرآ َن لِ‬
‫ب َعلَى َو ْجهه َح ََّّت أُلْق َي ِيف النَّا ِر‪َ ،‬وَر ُج ٌل َو َّس َع هللاُ‬ ‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬‫ال‪ُ :‬هو قَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‪َ :‬ما‬ ‫ت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َما َعم ْل َ‬ ‫اف الْ َم ِال ُكلِ ِه‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه فَ َعَّرفَهُ نَِع َمهُ فَ َعَرفَ َها‪ ،‬قَ َ‬ ‫علَي ِه‪ ،‬وأَعطَاه ِمن أَصنَ ِ‬
‫َْ َ ْ ُ ْ ْ‬
‫ال‪ُ :‬ه َو‬ ‫ت لِيُ َق َ‬ ‫َّك فَ َع ْل َ‬‫ت‪َ ،‬ولَ ِكن َ‬ ‫ال‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت ف َيها لَ َ‬
‫ب أَ ْن ي ْن َفق فِيها إَِّال أَنْ َف ْق ِ‬
‫ُ‬ ‫ت م ْن َسبِيل ُحت ُّ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫تَرْك ِ‬
‫َ ُ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه‪ُُ ،‬ثَّ أُلْ ِق َي ِيف النَّا ِر»(‪.)2‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬
‫ِ‬
‫َج َو ٌاد‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬
‫واحلديث من أعظم الزواجر عن الرايء والسمعة الت هي من نواقض اإلخالص‪.‬‬
‫من أقوال العلماء يف اإلخالص‪:‬‬

‫قال الفضيل بن عياض رمحه هللا يف معىن قوله تعاىل‪ :‬ﱡﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬


‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱠ [امللك‪" :]2 :‬هو أخلصه وأصوبه"‪ ،‬قالوا‪ :‬اي أاب علي‪ ،‬ما‬
‫خالصا وَل يكن صو ًااب َل يقبل‪ ،‬وإذا كان صو ًااب وَل‬
‫أخلصه وأصوبه؟ فقال‪" :‬إن العمل إذا كان ً‬
‫خالصا صو ًااب‪ ،‬واخلالص أن يكون هلل‪ ،‬والصواب أن يكون‬
‫خالصا َل يقبل‪ ،‬حَّت يكون ً‬
‫يكن ً‬
‫على السنة"‪ُ ،‬ث قرأ قوله تعاىل‪ :‬ﱡﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬

‫(‪ )1‬عون املعبود (‪.)56 /13‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )1513 /3‬ح (‪.)1905‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪23‬‬

‫ﳝﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ‬

‫ﳫﱠ [الكهف‪.)1(]110 :‬‬

‫وقال أبو سليمان الداراين رمحه هللا‪" :‬إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس‬
‫والرايء"(‪.)2‬‬
‫رمال يثقله وال‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬العمل بغري إخالص وال اقتداء كاملسافر ميأل جرابه ً‬
‫ينفعه"(‪.)3‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬اليقني‪.‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫يوجد ارتباط وثيق بني معناه يف اللغة ويف االصطالح‪ ،‬فهو العلم الذي ال شك فيه‪.‬‬
‫وعرفه اجلنيد رمحه هللا بقوله‪" :‬اليقني هو استقرار العلم الذي ال ينقلب وال حيول وال يتغري يف‬
‫القلب"(‪.)4‬‬
‫وعرفه شيخ اإلسالم رمحه هللا بقوله‪" :‬أما اليقني فهو‪ :‬طمأنينة القلب‪ ،‬واستقرار العلم فيه"(‪.)5‬‬
‫من أدلة الكتاب والسنة على اليقني‪:‬‬
‫لقد اعتىن القرآن الكرمي هبذا العمل القليب العظيم‪ ،‬فذكر اليقني يف آايت كثرية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫• جعله هللا من صفات عباده املتقني‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱡﱟ ﱠ ﱡﱠ [البقرة‪.]4 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حلية األولياء (‪ ،)95 /8‬مدارج السالكني (‪ )89-88 /2‬مع بعض التصرف‪.‬‬
‫(‪ )2‬مدارج السالكني (‪ ،)92 /2‬البداية والنهاية (‪.)150 /14‬‬
‫(‪ )3‬الفوائد (‪.)49‬‬
‫(‪ )4‬مدارج السالكني (‪.)375 /2‬‬
‫(‪ )5‬جمموع الفتاوى (‪.)329 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪24‬‬
‫قال السعدي رمحه هللا‪" :‬واآلخرة اسم ملا يكون بعد املوت‪ ،‬وخصه ابلذكر بعد العموم؛ ألن‬
‫اإلميان ابليوم اآلخر أحد أركان اإلميان‪ ،‬وألنه أعظم ابعث على الرغبة والرهبة والعمل‪ ،‬واليقني‪:‬‬
‫هو العلم التام الذي ليس فيه أدىن شك‪ ،‬املوجب للعمل"(‪.)1‬‬

‫• وقال تعاىل‪ :‬ﱡﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‬

‫ﳗﱠ [املائدة‪.]50 :‬‬

‫ويف تفسري السعدي لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﳍ ﳎ ﳏ﴾‪" :‬أي‪ :‬أفيطلبون بتوليهم‬
‫وإعراضهم عنك حكم اجلاهلية‪ ،‬وهو كل حكم خالف ما أنزل هللا على رسوله؟!‬
‫فال َُثَّ إال حكم هللا ورسوله أو حكم اجلاهلية‪ ،‬فمن أعرض عن األول ابتلي ابلثاين املبين على‬
‫اجلهل والظلم والغي‪ ،‬وهلذا أضافه هللا للجاهلية‪ ،‬وأما حكم هللا تعاىل فمبين على العلم‪ ،‬والعدل‬
‫والقسط‪ ،‬والنور واهلدى‪﴿ ،‬ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ﴾ فاملوقن هو الذي‬
‫عقال‬
‫يعرف الفرق بني احلكمني ومييز إبيقانه ما يف حكم هللا من احلسن والبهاء‪ ،‬وأنه يتعني ً‬
‫وشرعا اتباعه‪ .‬واليقني هو‪ :‬العلم التام املوجب للعمل"(‪.)2‬‬
‫ً‬

‫• وقال تعاىل‪ :‬ﱡﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﱠ [الروم‪:‬‬


‫‪.]60‬‬

‫قال الطربي رمحه هللا يف تفسريه هلذه اآلية‪" :‬يقول تعاىل ذكره‪ :‬ﱡﳏﱠ اي حممد ملا ينالك‬
‫من أذاهم‪ ،‬وبلِغهم رسالة ربك‪ ،‬فإن وعد هللا الذي وعدك من النصر عليهم والظفر هبم ومتكينك‬
‫ومتكني أصحابك وتُبَّاعك يف األرض حق‪ ،‬ﱡﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﱠ يقول‪:‬‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي (‪.)41‬‬


‫(‪ )2‬تفسري السعدي (‪.)235‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪25‬‬
‫وال يستخفن حلمك ورأيك هؤالء املشركون ابهلل‪ ،‬الذين ال يوقنون ابملعاد‪ ،‬وال يصدقون ابلبعث‬
‫بعد املمات‪ ،‬فيثبطوك عن أمر هللا والنفوذ ملا كلَّفك من تبليغهم رسالته"(‪.)1‬‬

‫• وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ‬

‫ﱴﱠ [السجدة‪.]24 :‬‬


‫ومن هذه اآلية استنبط شيخ اإلسالم رمحه هللا أن اإلمامة يف الدين ال تنال إال ابلصرب واليقني(‪.)2‬‬
‫• وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﱠ [اجلاثية‪.]2 :‬‬

‫قال السعدي رمحه هللا‪" :‬أي‪﴿ :‬ﲧ﴾ القرآن الكرمي والذكر احلكيم ﴿ﲨ ﲩ﴾‬
‫أي‪ :‬حيصل به التبصرة يف َجيع األمور للناس‪ ،‬فيحصل به االنتفاع للمؤمنني‪ ،‬واهلدى والرمحة‪.‬‬
‫﴿ﲬ ﲭ﴾ فيهتدون به إىل الصراط املستقيم يف أصول الدين وفروعه‪ ،‬وحيصل به اخلري‬
‫والسرور والسعادة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهي الرمحة؛ فتزكو به نفوسهم‪ ،‬وتزداد به عقوهلم‪ ،‬ويزيد به‬
‫إمياهنم ويقينهم‪ ،‬وتقوم به احلجة على من أصر وعاند"(‪.)3‬‬
‫يت ِم ْن َوَر ِاء‬ ‫ِ‬
‫• ومما ورد يف السنة عن اليقني حديث أيب هريرة ‪ :‬قال رسول هللا ‪« :‬فَ َم ْن لَق َ‬
‫ط يَ ْش َه ُد أَ ْن َال إِلَهَ إَِّال هللاُ ُم ْستَ ْي ِقنًا ِهبَا قَ ْلبُهُ فَبَ ِشْرهُ ِاب ْجلَن َِّة»‪.‬‬
‫احلَائِ َ‬
‫َه َذا ْ‬
‫اليقني‪.‬‬
‫أن من شروط كلمة التوحيد َ‬ ‫دل هذا احلديث على َّ‬
‫ت َرِيب الَ إِلَهَ إَِّال‬ ‫«سيِ ُد ِاال ْستِ ْغ َفا ِر أَ ْن تَ ُق َ‬
‫ول‪ :‬اللَّ ُه َّم أَنْ َ‬ ‫َّيب ‪َ :‬‬ ‫• وعن َشدَّاد بْ ِن أ َْوس ‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫أَنْت‪ ،‬خلَ ْقتَِين وأ ََان عب ُد َك‪ ،‬وأ ََان علَى عه ِد َك وو ْع ِد َك ما استَطَعت‪ ،‬أَعوذُ بِ َ ِ‬
‫ت‪ ،‬أَبُوءُ‬ ‫ك م ْن َش ِر َما َ‬
‫صنَ ْع ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ ُ‬ ‫َ َْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫«وَم ْن قَا َهلَا ِم َن‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ت»‪ ،‬قَ َ‬ ‫وب إَِّال أَنْ َ‬
‫الذنُ َ‬‫ك بِ َذنِْيب فَا ْغ ِف ْر ِيل‪ ،‬فَِإنَّهُ الَ يَ ْغ ِفر ُّ‬ ‫ك َعلَ َّي‪َ ،‬وأَبُوءُ لَ َ‬ ‫ك بِنِ ْع َمتِ َ‬‫لَ َ‬
‫ُ‬
‫ات ِم ْن يَ ْوِم ِه قَ ْب َل أَ ْن ميُْ ِس َي‪ ،‬فَ ُه َو ِم ْن أ َْه ِل اجلَن َِّة‪َ ،‬وَم ْن قَا َهلَا ِم َن اللَّْي ِل َوُه َو ُموقِ ٌن‬ ‫ِ ِ‬
‫َّها ِر ُموقنًا هبَا‪ ،‬فَ َم َ‬ ‫الن َ‬

‫(‪ )1‬تفسري الطربي (‪.)120 /20‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)358 /3‬‬
‫(‪ )3‬تفسري السعدي (‪.)777‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪26‬‬
‫صبِ َح‪ ،‬فَ ُه َو ِم ْن أ َْه ِل اجلَن َِّة»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ات قَ ْب َل أَ ْن يُ ْ‬
‫هبَا‪ ،‬فَ َم َ‬
‫دل هذا احلديث على أن من شروط أثر سيد االستغفار على صاحبه أن يقوله بيقني‪.‬‬
‫من أقوال العلماء يف اليقني‪:‬‬
‫فرحا وحزًان‬
‫عن سفيان الثوري رمحه هللا قال‪" :‬لو أن اليقني‪ ،‬استقر يف القلب كما ينبغي لطار ً‬
‫وشوقًا إىل اجلنة‪ ،‬أو خوفًا من النار"(‪.)2‬‬
‫وقال سهل بن عبد هللا التسرتي رمحه هللا‪" :‬حرام على قلب أن يشم رائحة اليقني وفيه سكون‬
‫إىل غري هللا"(‪.)3‬‬
‫نورا وانتفى عنه كل ريب وشك‪ ،‬وعويف‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬فإذا ابشر القلب اليقني امتأل ً‬
‫وذكرا له وحمبة وخوفًا"(‪.)4‬‬
‫شكرا هلل ً‬
‫من أمراضه القاتلة‪ ،‬وامتأل ً‬
‫أيضا‪" :‬فالعلم أول درجات اليقني‪ ،‬وهلذا قيل‪ :‬العلم يستعملك‪ ،‬واليقني حيملك‪ ،‬فاليقني‬
‫ويقول ً‬
‫أفضل مواهب الرب لعبده‪ ،‬وال تثبت قدم الرضا إال على درجة اليقني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﱎ ﱏ‬

‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬

‫ﱟﱠ [التغابن‪ ،]11 :‬قال ابن مسعود ‪( :‬هو العبد تصيبه املصيبة‪ ،‬فيعلم أهنا من هللا‪،‬‬
‫فريضى ويسلم)(‪ ،)5‬فلهذا َل حيصل له هداية القلب والرضا والتسليم إال بيقينه"(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )67 /8‬ح (‪.)6306‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء (‪.)17 /7‬‬
‫(‪ )3‬مفتاح دار السعادة (‪.)154 /1‬‬
‫(‪ )4‬مفتاح دار السعادة (‪.)154 /1‬‬
‫(‪ )5‬نسبه ابن جرير إىل علقمة‪ ،‬ينظر‪ :‬تفسري الطربي (‪.)12 /23‬‬
‫(‪ )6‬مفتاح دار السعادة (‪.)155 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪27‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الصرب‪.‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫"الص ْربُ‪ :‬حبس النفس على ما يقتضيه العقل‬
‫من أدق تعاريفه تعريف الراغب رمحه هللا بقوله‪َّ :‬‬
‫والشرع"(‪.)1‬‬
‫حبسا‬
‫والذي يظهر يل أن تعريف الراغب تعريف دقيق؛ ألنه يشمل كل أنواع الصرب‪ ،‬فيكون ً‬
‫للنفس على الطاعة وترك املعصية‪ ،‬وعلى القدر املؤَل‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو‪" :‬حبس النفس عن اجلزع والتسخط‪ ،‬وحبس اللسان عن الشكوى‪ ،‬وحبس اجلوارح‬
‫عن التشويش"(‪ .)2‬وهذا التعريف يصلح لنوع من الصرب وهو الصرب على القدر املؤَل(‪.)3‬‬
‫ويقول ابن القيم رمحه هللا عن حقيقة الصرب وفائدته‪" :‬خلق فاضل من أخالق النفس‪ ،‬ميتنع به‬
‫من فعل ما ال حيسن وال جيمل‪ ،‬وهو قوة من قوى النفس الت هبا صالح شأهنا وقوام أمرها"(‪.)4‬‬
‫من أدلة الكتاب والسنة على الصرب‪:‬‬
‫موضعا"(‪.)5‬‬
‫قال اإلمام أمحد رمحه هللا‪" :‬ذكر هللا سبحانه الصرب يف القرآن يف تسعني ً‬
‫نوعا‪ ،‬وذكرها رمحه هللا مع ذكر‬
‫وذكر ابن القيم أن الصرب مذكور يف القرآن على ستة عشر ً‬
‫شواهدها‪ ،‬وأذكر منها على سبيل املثال‪ ،‬اآليت(‪:)6‬‬

‫ﳃﳅ‬
‫ﳄ‬ ‫• األمر به‪ ،‬حنو قوله تعاىل‪ :‬ﱡﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬

‫ﳆ ﳇ ﳈﱠ [البقرة‪.]153 :‬‬

‫(‪ )1‬املفردات يف غريب القرآن (‪.)474‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني (‪.)155 /2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أعمال القلوب للسبت (‪.)212 ،211 /2‬‬
‫(‪ )4‬عدة الصابرين (‪.)16‬‬
‫(‪ )5‬نقله ابن القيم عن اإلمام أمحد يف عدة الصابرين (‪ ،)71‬مدارج السالكني (‪.)151 /2‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬مدارج السالكني (‪.)152-151 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪28‬‬

‫• النهي عن ضده‪ ،‬كقوله‪ :‬ﱡﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬

‫ﳃﱠ [األحقاف‪ ،]35 :‬وقوله‪ :‬ﱡﲰ ﲱ ﲲﱠ [األنفال‪ ،]15 :‬فإن تولية األدابر‪:‬‬
‫ترك للصرب واملصابرة‪.‬‬

‫• الثناء على أهله‪ ،‬كقوله تعاىل‪ :‬ﱡﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ‬

‫ﱳ ﱵ ﱶ ﱷﱠ [البقرة‪ ،]177 :‬وهو كثري يف القرآن‪.‬‬


‫ﱴ‬ ‫ﱲ‬

‫• حمبته ‪ ‬هلم‪ ،‬كقوله‪ :‬ﱡﲰ ﲱ ﲲﱠ [آل عمران‪.]146 :‬‬


‫• معيته ‪ ‬هلم‪ ،‬وهي معية خاصة‪ ،‬تتضمن‪ :‬حفظهم ونصرهم‪ ،‬وأتييدهم كقوله‪ :‬ﱡﱊﱋ‬
‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱠ [األنفال‪ ،]46 :‬وهي ليست معية عامة‪ ،‬الت تتضمن‪ :‬معية العلم‬
‫واإلحاطة‪.‬‬

‫• اجلزاء منه ‪ ‬هلم بغري حساب‪ ،‬كقوله تعاىل‪ :‬ﱡﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ‬

‫ﳦﱠ [الزمر‪.]10 :‬‬


‫وورد الصرب يف السنة يف عدة أحاديث منها‪:‬‬
‫الص ْربُ ِضيَاءٌ»‬‫الص َدقَةُ بُْرَها ٌن َو َّ‬‫ور‪َ ،‬و َّ‬‫الص َالةُ نُ ٌ‬
‫«و َّ‬
‫ول هللا ‪َ :‬‬
‫ال رس ُ ِ‬
‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫• َع ْن أَِيب َمالِك ْاألَ ْش َع ِر ِي قَ َ‬
‫احلديث(‪.)1‬‬
‫قال النووي رمحه هللا يف شرحه هلذا احلديث‪" :‬واملراد‪ :‬أن الصرب حممود وال يزال صاحبه مستضيئًا‬
‫مهتداي"(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫ول َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم‪ُُ ،‬ثَّ َسأَلُوهُ‬ ‫اَّلل ‪ ‬فَأ َْعطَ ُ‬ ‫• و َع ْن أَِيب َسعيد اخلُ ْد ِر ِي ‪ :‬إِ َّن َان ًسا م َن األَنْ َ‬
‫صا ِر َسأَلُوا َر ُس َ‬
‫«ما يَ ُكو ُن ِعْن ِدي ِم ْن َخ ْري فَلَ ْن أ ََّد ِخَرهُ َعْن ُك ْم‪،‬‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫اه ْم‪َ ،‬ح ََّّت نَِف َد َما ِعْن َدهُ‪ ،‬فَ َق َ‬
‫اه ْم‪ُُ ،‬ثَّ َسأَلُوهُ فَأ َْعطَ ُ‬
‫فَأ َْعطَ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم(‪ )203 /1‬ح (‪.)223‬‬


‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)101 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪29‬‬
‫َح ٌد َعطَاءً َخ ْ ًريا‬ ‫ِ‬ ‫صِ ْربهُ َّ‬ ‫اَّللُ‪َ ،‬وَم ْن يَ ْستَ ْغ ِن يُ ْغنِ ِه َّ‬
‫ف يُعِفَّهُ َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ‪َ ،‬وَما أ ُْعط َي أ َ‬ ‫اَّللُ‪َ ،‬وَم ْن يَتَ َ‬
‫ص َّْرب يُ َ‬ ‫َوَم ْن يَ ْستَ ْعف ْ‬
‫َوأَْو َس َع ِم َن َّ‬
‫الص ِْرب»(‪.)1‬‬
‫دل احلديث على فضيلة الصرب ومكانته العظيمة‪ ،‬ومن يعاجل نفسه على الصرب ويعودها عليه‪ ،‬فإن هللا‬
‫غري حمدود جزا ُؤه‪ ،‬فيوفيه هللا‬ ‫ميكنه من نفسه حَّت تنقاد له‪ ،‬وأن الصرب أفضل ما يعطاه املرء لكونه َ‬
‫أجره بغري حساب(‪ ،)2‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱡﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦﱠ [الزمر‪:‬‬
‫‪.]10‬‬
‫من أقوال العلماء يف الصرب‪:‬‬
‫قال عمر بن اخلطاب ‪" :‬وجدان خري عيشنا ابلصرب"(‪.)3‬‬
‫وقال علي بن أيب طالب ‪" :‬أال إن الصرب من اإلميان مبنزلة الرأس من اجلسد‪ ،‬فإذا قطع الرأس‬
‫ابر اجلسم"‪ُ ،‬ث رفع صوته فقال‪" :‬أال إنه ال إميان ملن ال صرب له"‪ ،‬وقال‪" :‬الصرب مطية ال‬
‫تكبو(‪.)5(")4‬‬
‫وقال احلسن رمحه هللا‪" :‬الصرب كنز من كنوز اخلري‪ ،‬ال يعطيه هللا إال لعبد كرمي عنده"(‪.)6‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬وقد أمر هللا ‪ ‬يف كتابه ابلصرب اجلميل‪ ،‬والصفح اجلميل‪ ،‬واهلجر‬
‫اجلميل‪ ،‬فسمعت شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬قدس هللا روحه‪ -‬يقول‪ :‬الصرب اجلميل هو الذي ال‬
‫شكوى فيه وال معه‪ ،‬والصفح اجلميل هو الذي ال عتاب معه‪ ،‬واهلجر اجلميل هو الذي ال أذى‬
‫معه"(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري(‪ )122 /2‬ح (‪ ،)1469‬ومسلم (‪ )729 /2‬ح (‪.)1053‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)304 /11‬‬
‫(‪ )3‬الزهد ألمحد بن حنبل (‪ ،)97‬حلية األولياء (‪.)50 /1‬‬
‫(‪ )4‬أي‪ :‬دابة ال تعثر وال تسقط على الوجه أثناء احلركة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الصحاح (‪ ،)2471 /6‬مقاييس اللغة (‪ ،)155 /5‬لسان العرب (‪ )213 /15‬مادة (كبا)‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الصرب والثواب عليه البن أيب الدنيا (‪ ،)24‬حلية األولياء (‪ ،)76 /1‬وهو هبذا اللفظ يف عدة الصابرين (‪.)95‬‬
‫(‪ )6‬الصرب والثواب عليه البن أيب الدنيا (‪.)28‬‬
‫(‪ )7‬مدارج السالكني (‪.)159 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪30‬‬
‫أيضا‪" :‬وهو ثالثة أنواع‪ :‬صرب على طاعة هللا‪ ،‬وصرب عن معصية هللا‪ ،‬وصرب على‬
‫ويقول ً‬
‫امتحان هللا"(‪.)1‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬احملبة‪.‬‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫عرفها النووي رمحه هللا بقوله‪" :‬احملبة‪ :‬مواطأة القلب على ما يرضي الرب سبحانه‪ ،‬فيحب ما‬
‫أحب ويكره ما كره"(‪.)2‬‬
‫وخالصة القول كما قال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬ال حتد احملبة حبد أوضح منها‪ ،‬فاحلدود ال تزيدها‬
‫إال خفاء وجفاء‪ ،‬فحدها وجودها‪ ،‬وال توصف احملبة بوصف أظهر من احملبة‪.‬‬
‫وإمنا يتكلم الناس يف أسباهبا‪ ،‬وموجباهتا‪ ،‬وعالماهتا‪ ،‬وشواهدها‪ ،‬ومثراهتا‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬فحدودهم‬
‫ورسومهم دارت على هذه الستة‪ ،‬وتنوعت هبم العبارات‪ ،‬وكثرت اإلشارات‪ ،‬حبسب إدراك‬
‫الشخص ومقامه وحاله‪ ،‬وملكه للعبارة"(‪.)3‬‬
‫من أدلة الكتاب والسنة على احملبة‪:‬‬
‫• ذكر ‪ ‬أنه حيب املتقني‪ ،‬وحيب الصابرين‪ ،‬وحيب املتوكلني‪.‬‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱠ [آل عمران‪.]76 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲰ ﲱ ﲲﱠ [آل عمران‪.]146 :‬‬

‫واآلايت يف ذلك يصعب حصرها لكثرهتا‪.‬‬

‫• وذكر ً‬
‫أيضا ‪ ‬أنه ال حيب الكافرين‪ ،‬وال حيب املعتدين‪ ،‬وال حيب املسرفني‪ ،‬واآلايت يف ذلك‬
‫كثرية‪ ،‬منها قوله تعاىل‪ :‬ﱡﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكني (‪.)155 /2‬‬


‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)14 /2‬‬
‫(‪ )3‬مدارج السالكني (‪.)11 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪31‬‬

‫ﱱ‬
‫ﱲ‬ ‫ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﱠ [البقرة‪ ،]190 :‬وقوله تعاىل وتبارك‪ :‬ﱡﱮ ﱯ ﱰ‬

‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱠ [آل عمران‪.]32 :‬‬

‫• وجعل ‪ ‬عالمة على حمبته اتباع رسوله ‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱡﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ‬

‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱠ [آل عمران‪.]31 :‬‬


‫• وذكر ‪ ‬أن املؤمنني أشد حبا هلل‪ :‬ﱡﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱷ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱠ [البقرة‪.]165 :‬‬
‫ﱵﱶ ﱸ‬

‫• وقال ‪ ‬عن نفسه وعن عباده الصاحلني‪ :‬ﱡﲗ ﲘﱠ [املائدة‪.]54 :‬‬

‫ان‪ :‬أَ ْن يَ ُكو َن‬‫ث من ُك َّن فِ ِيه وج َد حالَوةَ ا ِإلميَ ِ‬ ‫س بْ ِن َمالِك ‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬ ‫و َع ْن أَنَ ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫ال‪« :‬ثَالَ ٌ َ ْ‬ ‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫ود ِيف ال ُك ْف ِر َك َما‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ب إِلَْي ِه ِممَّا ِس َو ُامهَا‪َ ،‬وأَ ْن ُِحي َّ‬
‫ب املَْرءَ الَ ُحيبُّهُ إَِّال ََّّلل‪َ ،‬وأَ ْن يَكَْرهَ أَ ْن يَعُ َ‬ ‫َح َّ‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ أ َ‬
‫َّ‬
‫ف ِيف النَّا ِر»(‪.)1‬‬ ‫يَكَْرهُ أَ ْن يُ ْق َذ َ‬
‫دل احلديث على أن حمبة هللا ورسوله من أعظم أسباب حالوة اإلميان‪ ،‬وهي جنة معجلة ملن‬
‫حقق أسباهبا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )20 /9‬ح (‪ ،)6941‬ومسلم (‪ )66 /1‬ح (‪.)43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪32‬‬
‫من أقوال العلماء يف احملبة‪:‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬احملبة هي حياة القلوب وغذاء األرواح‪ ،‬وليس للقلب لذة‪ ،‬وال نعيم‪،‬‬
‫وال فالح‪ ،‬وال حياة إال هبا‪.‬‬
‫وإذا فقدها القلب كان أمله أعظم من أَل العني إذا فقدت نورها‪ ،‬واألذن إذا فقدت َسعها‪،‬‬
‫واألنف إذا فقد َشه‪ ،‬واللسان إذا فقد نطقه‪ ،‬بل فساد القلب إذا خال من حمبة فاطره وابرئه وإهله‬
‫احلق أعظم من فساد البدن إذا خال من الروح‪ ،‬وهذا األمر ال يصدق به إال من فيه حياة"(‪.)1‬‬
‫أحياان فرح مبحبوبه‪ ،‬ويشتد فرحه به‪ ،‬ويرى مواقع‬‫أيضا‪" :‬احملب الصادق ال بد أن يقارنه ً‬ ‫وقال ً‬
‫لطفه به‪ ،‬وبره به‪ ،‬وإحسانه إليه‪ ،‬وحسن دفاعه عنه‪ ،‬والتلطف يف إيصاله املنافع واملسار واملبار‬
‫إليه بكل طريق‪ ،‬ودفع املضار واملكاره عنه بكل طريق"(‪.)2‬‬
‫وقال ابن قدامة رمحه هللا‪" :‬عالمة احملبة كمال األنس مبناجاة احملبوب‪ ،‬وكمال التنعم ابخللوة‪،‬‬
‫وكمال االستيحاش من كل ما ينقض عليه اخللوة‪ ،‬ومَّت غلب احلب واألنس صارت اخللوة‬
‫واملناجاة قرة عني تدفع َجيع اهلموم‪ ،‬بل يستغرق احلب واألنس قلبه"(‪.)3‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬فإن احملب الصادق أحب شيء إليه اخلرب عن حمبوبه وذكره‪ ،‬كما قال‬
‫عثمان بن عفان ‪( :‬لو طهرت قلوبنا ملا شبعت من كالم هللا)(‪ ،)4‬وقال بعض العارفني‪ :‬كيف‬
‫يشبعون من كالم حمبوهبم وهو غاية مطلوهبم؟!"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬اجلواب الكايف (‪.)546-545 /1‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني (‪.)340-339 /2‬‬
‫(‪ )3‬خمتصر منهاج القاصدين (‪. )351‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬حلية األولياء (‪.)300 ،272 /7‬‬
‫(‪ )5‬مدارج السالكني (‪.)291 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪33‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬اخلوف واخلشية‪.‬‬
‫التعريف‪:‬‬
‫عرفهما الراغب رمحه هللا بقوله‪" :‬اخلَْوف‪ :‬توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة‪ ،‬كما أن‬
‫الرجاء والطمع توقع حمبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة‪ ،‬ويضاد اخلوف األمن‪ ،‬ويستعمل ذلك‬
‫يف األمور الدنيوية واألخروية"(‪ .)1‬أما اخلشية فقال عنها‪" :‬اخلَ ْشيَة‪ :‬خوف يشوبه تعظيم‪ ،‬وأكثر‬
‫ما يكون ذلك عن علم مبا خيشى منه‪ ،‬ولذلك خص العلماء هبا يف قوله‪ :‬ﱡﲭ ﲮ ﲯ‬

‫ﲰ ﲱ ﲲﱠ [فاطر‪.)2("]28 :‬‬
‫وقال اجلرجاين رمحه هللا‪" :‬اخلوف‪ :‬توقع حلول مكروه‪ ،‬أو فوات حمبوب"(‪.)3‬‬
‫ويقول ابن القيم رمحه هللا عن معىن اخلشية‪" :‬واخلشية أخص من اخلوف‪ ،‬فإن اخلشية للعلماء‬
‫ابهلل‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ :‬ﱡﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﱠ [فاطر‪ ،]28 :‬فهي‬
‫خوف مقرون مبعرفة"(‪.)4‬‬
‫من أدلة الكتاب والسنة على اخلوف واخلشية‪:‬‬
‫تنوعت نصوص القرآن الكرمي يف ذكر اخلوف واخلشية‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬أمر هللا به‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱡﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜﱠ [آل عمران‪ ،،]175 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲊ ﲋ ﲌ‬

‫ﲍﱠ [املائدة‪.]44 :‬‬

‫(‪ )1‬املفردات (‪.)303‬‬


‫(‪ )2‬املفردات (‪.)283‬‬
‫(‪ )3‬التعريفات (‪.)101‬‬
‫(‪ )4‬مدارج السالكني (‪.)508 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪34‬‬

‫‪ -2‬واترة جيعل هللا اخلوف واخلشية من صفات أوليائه وعباده املتقني‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪ :‬ﱡﱂ‬

‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ‬

‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ [الرعد‪.]21-19 :‬‬
‫‪ -3‬ويذكر هللا ‪ ‬أنه بسبب خوفهم منه أدخلهم اجلنة كما يف قوله تعاىل‪ :‬ﱡﱘ ﱙ ﱚ‬

‫يضا‪ :‬ﱡﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﱛ ﱜﱠ [الرمحن‪ ،]46 :‬وكما يف قوله تعاىل أ ً‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ [النازعات‪.]41 ،40 :‬‬
‫‪ -4‬واترة يذكر أن العاقبة يف الدنيا هلم كما يف قوله ‪ :‬ﱡﲇ ﲈ ﲉ‬
‫ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﱠ [إبراهيم‪.]14 :‬‬

‫القيَ َام ِة ِيف ِظلِ ِه يَ ْوَم الَ ِظ َّل إَِّال‬


‫اَّلل ي وم ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ « :‬سْب َعةٌ يُظلُّ ُه ُم َُّ َ ْ َ‬ ‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ ‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫اف‬
‫َخ ُ‬ ‫ال‪ :‬إِِين أ َ‬ ‫صب َو ََجَال إِ َىل نَ ْف ِس َها‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِظلُّه» وذكرهم‪ ،‬ومنهم‪« :‬رجل دعْته امرأَةٌ َذات مْن ِ‬
‫َ ُ ٌ َ َ ُ َْ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اَّللَ»(‪.)1‬‬‫َّ‬
‫ومن أعظم ما حيجز العبد عن املعصية خوفه من هللا؛ ملا يرتتب على ذلك من العقوبة يف اآلخرة‪،‬‬
‫كما قال تعاىل‪ :‬ﱡﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﱠ [األنعام‪:‬‬
‫‪.]15‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري واللفظ له (‪ )133 /1‬ح (‪ ،)660‬ومسلم (‪ )715 /2‬ح (‪.)1031‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪35‬‬
‫من أقوال العلماء يف اخلوف واخلشية‪:‬‬
‫عن أيب بكر الصديق ‪ ‬أنه كان ميسك لسانه ويقول‪" :‬هذا الذي أوردين املوارد"‪ ،‬وقال‪" :‬اي‬
‫ليتين كنت شجرة تعضد ُث تؤكل"‪ .‬وكذلك قال طلحة وأبو الدرداء وأبو ذر ‪.)1(‬‬
‫رجال‬
‫وقال عمر ‪" :‬لو اندى منادي من السماء‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إنكم داخلون اجلنة كلكم إال ً‬
‫احدا‪ ،‬خلفت أن أكون أان هو"(‪.)2‬‬
‫و ً‬
‫وقال عبد هللا بن عامر بن ربيعة ‪ :‬رأيت عمر بن اخلطاب أخذ تبنة من األرض فقال‪" :‬اي‬
‫ليتين هذه التبنة‪ ،‬ليتين َل أكن شيئًا‪ ،‬ليت أمي َل تلدين‪ ،‬ليتين كنت نسيًا منسيا"(‪.)3‬‬
‫وقال ابن عمر رضي هللا عنهما‪" :‬كان رأس عمر على فخذي يف مرضه الذي مات فيه‪ ،‬فقال‬
‫يل‪ :‬ضع رأسي‪ ،‬قال‪ :‬فوضعته على األرض‪ ،‬فقال‪ :‬ويلي وويل أمي إن َل يرمحين ريب"(‪.)4‬‬
‫وقال املسور بن خمرمة ‪ :‬ملا طعن عمر قال‪" :‬لو أن يل طالع األرض(‪ )5‬ذهبًا‪ ،‬الفتديت به‬
‫من عذاب هللا قبل أن أراه"(‪.)6‬‬
‫وبكى أبو هريرة ‪ ‬يف مرضه‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ فقال‪" :‬أما إين ال أبكي على دنياكم هذه‪،‬‬
‫عد سفري وقلة زادي‪ ،‬وإين أمسيت يف صعود على جنة أو انر‪ ،‬ال أدري إىل‬ ‫ولكن أبكي على ب ِ‬
‫ُ‬
‫(‪)7‬‬
‫أيتهما يؤخذ يب" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر هذه اآلاثر يف‪ :‬حلية األولياء (‪ ،)236 /2 ،33 /1‬إحياء علوم الدين (‪ ،)111 /3‬خمتصر منهاج القاصدين (‪،)313‬‬
‫البداية والنهاية (‪.)95 /1‬‬
‫(‪ )2‬حلية األولياء (‪.)53 /1‬‬
‫أيضا‪ :‬سري أعالم النبالء (اخللفاء الراشدون‪.)83 /‬‬
‫(‪ )3‬شرح السنة (‪ ،)373 /14‬وينظر ً‬
‫(‪ )4‬حلية األولياء (‪ ،)52 /1‬شرح السنة (‪.)373 /14‬‬
‫(‪ )5‬قال األصمعي‪" :‬طالع األرض‪ :‬ملؤها"‪ .‬نقله عنه اجلوهري يف الصحاح (‪.)1254 /3‬‬
‫(‪ )6‬حلية األولياء (‪ ،)52 /1‬شرح السنة (‪.)373 /14‬‬
‫(‪ )7‬حلية األولياء (‪ ،)383 /1‬شرح السنة (‪.)373 /14‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪36‬‬
‫وقال عبد هللا بن مسعود ‪" :‬إن املؤمن يرى ذنوبه كأنه يف أصل جبل خياف أن يقع عليه‪،‬‬
‫وإن الفاجر يرى ذنوبه كذابب وقع على أنفه قال به هكذا فطار"(‪.)1‬‬
‫أيضا‪" :‬لقد مضى بني أيديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا احلصى‪ ،‬خلشي‬
‫وقال احلسن ً‬
‫أن ال ينجو من عظم ذلك اليوم"(‪.)2‬‬
‫وقال أبو سليمان الداراين رمحه هللا‪" :‬ما فارق اخلوف قلبًا إال خرب"(‪.)3‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬واخلوف احملمود الصادق‪ :‬ما حال بني صاحبه وبني حمارم هللا ‪،‬‬
‫فإذا جتاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط"(‪.)4‬‬
‫ظاهرا وابطنًا"(‪.)5‬‬ ‫قال أبو عثمان رمحه هللا‪ِ " :‬ص ُ‬
‫دق اخلوف هو‪ :‬الورع عن اآلاثم ً‬
‫ويقول ابن القيم‪ :‬وَسعت شيخ اإلسالم ابن تيمية قدس هللا روحه يقول‪" :‬اخلوف احملمود ما‬
‫حجزك عن حمارم هللا"(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)68 /8‬والرتمذي واللفظ له (‪.)658 /4‬‬


‫(‪ )2‬شرح السنة (‪.)374 /14‬‬
‫(‪ )3‬إحياء علوم الدين (‪ ،)162 /4‬مدارج السالكني (‪.)509 /1‬‬
‫(‪ )4‬مدارج السالكني (‪.)510 /1‬‬
‫(‪ )5‬مدارج السالكني (‪.)510 /1‬‬
‫(‪ )6‬مدارج السالكني (‪.)511 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪37‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الرجاء‪.‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫عرفه ابن القيم رمحه هللا بقوله‪" :‬هو النظر إىل سعة رمحة هللا"(‪.)1‬‬
‫إذن‪ ،‬الرجاء الطمع يف رمحة هللا والنظر إىل سعتها‪.‬‬
‫من أدلة الكتاب والسنة على الرجاء‪:‬‬

‫• أخرب ‪ ‬عن سعة رمحته فقال تعاىل‪ :‬ﱡﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢﱠ [األعراف‪ ،]156 :‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫ﱡﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﱠ [غافر‪.]7 :‬‬


‫• وقال ‪ ‬خماطبًا من أسرف على نفسه ابملعاصي‪ :‬ﱡﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩﱠ [الزمر‪.]53 :‬‬
‫دلت اآلايت على سعة رمحة هللا تعاىل‪ ،‬مما يفتح ابب الرجاء للعبد‪ ،‬وحيدوه إىل التوبة من ذنوبه‪،‬‬
‫وعليه أن حيذر من اليأس والقنوط من رمحة هللا‪.‬‬
‫آد َم‪،‬‬ ‫اَّللِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫وعن أَنَس ب ِن مالِك ‪ ‬قَ َ ِ‬
‫اَّللُ تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل‪َ :‬اي ابْ َن َ‬
‫ال َّ‬ ‫ول‪« :‬قَ َ‬ ‫ول َّ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ال‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ت ذُنُوبُ َ‬ ‫يك َوَال أ َُابِيل‪َ ،‬اي ابْ َن َ‬
‫آد َم‪ ،‬لَْو بَلَغَ ْ‬ ‫ك َعلَى َما َكا َن ف َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫إِن َ‬
‫َّك َما َد َع ْوتَِين َوَر َج ْوتَِين َغ َف ْر ُ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫اب األ َْرض‬ ‫َّك لَو أَتَ ْي تَِين بِ ُقر ِ‬ ‫ن‬‫آد َم‪ ،‬إِ‬ ‫ن‬ ‫اب‬ ‫اي‬ ‫‪،‬‬ ‫يل‬ ‫ِ‬‫ُاب‬ ‫أ‬ ‫ال‬
‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫ت‬‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫ُث‬ ‫السم ِ‬
‫اء‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬‫ُ‬ ‫َعنَا َن َّ َ‬
‫ك بِ ُقَر ِاهبَا َم ْغ ِفَرةً»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َخطَ َااي ُُثَّ لَقيتَِين َال تُ ْش ِرُك ِيب َشْي ئًا َألَتَ ْي تُ َ‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكني (‪.)37 /2‬‬


‫(‪" )2‬أي‪ :‬مبا يقارب مألها" النهاية يف غريب احلديث (‪ )34 /4‬مادة (قرب)‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ )375 /35‬ح (‪ )21472‬عن أيب ذر ‪ ،‬والرتمذي واللفظ له(‪ )548 /5‬ح (‪ )3540‬من حديث أنس‬
‫‪ ‬وقال‪" :‬هذا حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه"‪ ،‬واحلاكم بلفظ مقارب عن أيب ذر ‪ )269 /4( ‬ح‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪38‬‬
‫س ُحمَ َّمد بِيَ ِدهِ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ول‪« :‬والَّ ِذي نَ ْف ِسي بِي ِدهِ ‪-‬أَو‪ :‬والَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ول هللا ‪ ‬يَ ُق ُ َ‬
‫ال‪ََِ :‬سعت رس َ ِ‬
‫وعنه ‪ ‬قَ َ ْ ُ َ ُ‬
‫س‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ض‪ُُ ،‬ثَّ است ْغ َفرُُت هللا لَغَ َفر لَ ُكم‪ ،‬والَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬
‫ني َّ‬ ‫َخطَأْ ُُْت َح ََّّت متََْألَ َخطَ َااي ُك ْم َما بَْ َ‬
‫لَ ْو أ ْ‬
‫ُ‬
‫ُحمَ َّمد بِيَ ِدهِ ‪-‬أ َْو‪َ :‬والَّ ِذي نَ ْف ِسي بِيَ ِدهِ‪ ،-‬لَ ْو ََلْ ُختْ ِطئُوا َجلَاءَ هللاُ بَِق ْوم ُخيْ ِطئُو َن‪ُُ ،‬ثَّ يَ ْستَ ْغ ِف ُرو َن هللاَ‪،‬‬
‫فَيَ ْغ ِف ُر َهلُْم»(‪.)1‬‬
‫دل احلديثان على رمحة هللا الواسعة بعباده املذنبني إذا أقبلوا عليه اتئبني مستغفرين‪.‬‬
‫من أقوال العلماء يف الرجاء‪:‬‬
‫قال الغزايل رمحه هللا‪" :‬الرجاء واخلوف جناحان هبما يطري املقربون إىل كل مقام حممود‪ ،‬ومطيتان‬
‫هبما يقطع من طرق اآلخرة كل عقبة كؤود"(‪.)2‬‬
‫وقال ابن القيم عليه رمحة هللا‪" :‬الرجاء حاد حيدو القلوب إىل بالد احملبوب‪ ،‬وهو هللا والدار‬
‫اآلخرة‪ ،‬ويطيب هلا السري"(‪.)3‬‬
‫"وقيل‪ :‬هو االستبشار جبود وفضل الرب تبارك وتعاىل‪ ،‬واالرتياح ملطالعة كرمه سبحانه"(‪.)4‬‬
‫وقال شاه الكرماين رمحه هللا‪" :‬عالمة صحة الرجاء حسن الطاعة"(‪.)5‬‬
‫وقال أبو علي الروذابري عليه رمحة هللا‪" :‬اخلوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استواي استوى الطري‬
‫وُت طريانه‪ ،‬وإذا نقص أحدمها وقع فيه النقص‪ ،‬وإذا ذهبا صار الطائر يف حد املوت"(‪.)6‬‬

‫(‪ )7605‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ )250 /1‬ح (‪ ،)127‬وحسنه حمقق‬
‫املسند (‪ )375 /35‬ح (‪.)21472‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )146 /21‬ح (‪ ،)13493‬ومسند أيب يعلى (‪ )226 /7‬ح (‪ ،)4226‬وقال يف جممع‬
‫الزوائد(‪ )215 /10‬ح (‪" :)17624‬رواه أمحد‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬ورجاله ثقات"‪ ،‬وقال حمقق املسند (‪ )146 /21‬ح‬
‫(‪" :)13493‬صحيح لغريه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬إحياء علوم الدين (‪.)142 /4‬‬
‫(‪ )3‬مدارج السالكني (‪.)36 /2‬‬
‫(‪ )4‬مدارج السالكني (‪.)36 /2‬‬
‫(‪ )5‬مدارج السالكني (‪.)37 /2‬‬
‫(‪ )6‬مرآة الزمان يف تواريخ األعيان (‪ )89 /17‬مدارج السالكني (‪.)37 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪39‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬عبادات قلبية هلا تعلق ابحلج‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬


‫املطلب األول‪ :‬التوبة والستغفار‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهتمام بشرط قبول العمل‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط احلج ابلتوحيد‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ارتباط احلج ابلتقوى‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪40‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عبادات قلبية هلا تعلق ابحلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫عبادة احلج والعمرة إىل بيت هللا احلرام هلا أثر عظيم على حياة املسلم وسلوكه وال شك أن احلج املربور‬
‫س لَهُ َجَزاءٌ إَِّال‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ْ " :‬‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ور لَْي َ‬ ‫احلَ ُّج الْ َم ْربُ ُ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫من أعظم العبادات كما ‪ :‬وقَ َ َ ُ‬
‫اجلَنَّةُ‪َ ،‬والْعُ ْمَرَات ِن أَ ِو الْعُ ْمَرةُ إِ َىل الْعُ ْمَرةِ يُ َكف َُّر َما بَْي نَ ُه َما "(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫ول َِّ‬
‫ض َل ال َع َم ِل‪ ،‬أَفَ َال‬‫اَّلل‪ ،‬نََرى اجلِ َه َاد أَفْ َ‬ ‫ت‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫ني َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن َها‪ ،‬أ ََّهنَا قَالَ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫و َع ْن َعائ َشةَ أُِم املُْؤمن َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ُُن ِ‬
‫ور»(‪.)2‬‬ ‫ض َل اجل َهاد َح ٌّج َم ْربُ ٌ‬ ‫«ال‪ ،‬لَ ِك َّن أَفْ َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫اه ُد؟ قَ َ‬ ‫َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم أ ُّ‬ ‫ال‪ :‬سئِل رس ُ ِ‬
‫ال‪:‬‬
‫ض ُل؟ قَ َ‬ ‫َي ْاأل َْع َم ِال أَفْ َ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ ُ َ َ ُ‬
‫ور»(‪.)3‬‬ ‫ال‪َ « :‬ح ٌّج َم ْربُ ٌ‬ ‫ال‪ُُ :‬ثَّ َما َذا؟ قَ َ‬ ‫اد ِيف َسبِ ِيل هللاِ» قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪« :‬ا ْجل َه ُ‬ ‫ال‪ُُ :‬ثَّ َما َذا؟ قَ َ‬ ‫«إِميَا ٌن ِابهللِ»‪ ،‬قَ َ‬
‫فاحلج من األعمال الت حتدث أثراً كبرياً على سلوك املسلم وأخالقه‪ ،‬وذلك حيدث بسبب ارتباط‬
‫احلج بعبادات كثرية مَّت ما وفق هللا احلاج لتحقيق هذه العبادات زاد أثر حجه عليه‪ ،‬وإذا حصل‬
‫النقص يف تلك العبادات املرتبطة ابحلج وغريه‪ ،‬وضعف حتقيقها يف القلب ضعف أثر احلج على العبد‬
‫ورمبا خيرج من حجه ال يتغري فيه شيء‪ ،‬ويبقى على غفلته‪ ،‬وهذه العبادات العظيمة الت إذا صدق‬
‫احلاج يف عملها ظهرت الثمار املباركة حلجه عليه منها‪ :‬التوبة وكثرة االستغفار‪ ،‬واالهتمام بشرط قبول‬
‫العمل‪ ،‬وحتقيق التوحيد وتنقيته وتصفيته من الشرك‪ ،‬وظهور آاثر التقوى على صالح الباطن والظاهر‪،‬‬
‫ودونك تفصيلها يف املطالب اآلتية‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التوبة واالستغفار‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬االهتمام بشرط قبول العمل‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط احلج ابلتوحيد‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ارتباط احلج ابلتقوى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪)309 /12‬ح(‪ ،)7354‬والبزار (‪)367 /15‬ح(‪ ،)8956‬والنسائي (‪ )112 /5‬ح(‪ ،)2622‬وأبو يعلى (‪/12‬‬
‫‪ )13‬ح(‪ ،)6660‬وابن حبان (‪ )8 /9‬ح(‪ ،)3695‬وحكم األلباين بصحته يف خترجيه لسنن النسائي ح (‪ ،)2622‬وصحح‬
‫إسناده حمقق املسند وقال (‪ ":)309 /12‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪)133 /2‬ح(‪.)1520‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪)14 /1‬ح(‪ ،)26‬ومسلم واللفظ له(‪)88 /1‬ح(‪.)83‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪41‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التوبة والستغفار‪.‬‬
‫كبريا يف إفساد القلب‪ ،‬وضررها عظيم عليه‪" ،‬وأن ضررها يف‬
‫أثرا ً‬
‫ال شك أن للذنوب واملعاصي ً‬
‫القلوب كضرر السموم يف األبدان‪ ،‬على اختالف درجاهتا يف الضرر‪ ،‬وهل يف الدنيا واآلخرة شر وداء‬
‫إال وسببه الذنوب واملعاصي؟!"(‪.)1‬‬
‫والذنوب هلا أثرها العظيم على احلاج واملعتمر‪ ،‬فتعوقه عن االنتفاع حبجه وعمرته‪ ،‬وتكون سبباً لتقصريه‬
‫عالجا‪ ،‬وهو االستغفار والتوبة‪.‬‬
‫يف املناسك‪ ،‬وهذا الداء اخلطري على القلوب قد جعل هللا له ً‬
‫قال تعاىل يف بيان أثر االستغفار‪ :‬ﱡﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﱁﱂﱃ‬

‫ﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱠ [نوح‪.]12-10 :‬‬


‫وقال ‪ ‬يف بيان مثرات االستغفار والتوبة‪ :‬ﱡﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬

‫ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﱠ [هود‪.]3 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ‬

‫ﳋﳌﳍﳎﳏﳐﱠ [هود‪.]52 :‬‬


‫والذي يظهر من أقوال املفسرين يف زايدة القوة أهنا قوة حسية ومعنوية‪ ،‬جيدون أثرها يف حياهتم(‪.)2‬‬
‫وال شك أن احلاج حباجة ماسة هلذه القوة الت يعينه هللا هبا على أداء مناسك حجه على الوجه‬
‫الصحيح الذي حيبه هللا ويرضاه‪ ،‬ويف احلج من أنواع املشاق واملصاعب ما حيتاج معه العبد إىل إعانة‬
‫هللا ورعايته‪ ،‬وأن ميده هللا بقوة من عنده على هذا العمل الشاق الذي جيد فيه احلاج لذة يف مشاقه‪،‬‬
‫وذلك كلما صدق يف توبته واستغفاره‪.‬‬

‫(‪ )1‬اجلواب الكايف (‪ )98 /1‬البن القيم‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تفسري الطربي (‪ ،)445 /12‬تفسري البغوي (‪ ،)183 /4‬تفسري ابن كثري (‪ ،)329 /4‬فتح القدير للشوكاين (‪/2‬‬
‫‪ ،)573‬تفسري السعدي (‪.)383‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪42‬‬
‫وملا كان للتوبة مكانة عظيمة عند هللا أمر هبا َجيع عباده املؤمنني‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱡﳊﳋﳌ‬

‫ﳍﳎﳏﳐﳑﱠ [النور‪.]31 :‬‬


‫قال السعدي رمحه هللا يف تفسريه هلذه اآلية‪ ":‬ألن املؤمن يدعوه إميانه إىل التوبة ُث علق على ذلك‬
‫الفالح‪ ،‬فقال‪{ :‬لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو َن} فال سبيل إىل الفالح إال ابلتوبة‪ ،‬وهي الرجوع مما يكرهه هللا‪،‬‬
‫ظاهرا وابطنا‪ ،‬إىل‪ :‬ما حيبه ظاهرا وابطنا‪ ،‬ودل هذا‪ ،‬أن كل مؤمن حمتاج إىل التوبة‪ ،‬ألن هللا خاطب‬
‫اَّللِ} أي‪ :‬ال ملقصد غري‬
‫املؤمنني َجيعا‪ ،‬وفيه احلث على اإلخالص ابلتوبة يف قوله‪َ { :‬وتُوبُوا إِ َىل َّ‬
‫وجهه‪ ،‬من سالمة من آفات الدنيا‪ ،‬أو رايء وَسعة‪ ،‬أو حنو ذلك من املقاصد الفاسدة"(‪.)1‬‬
‫وأنظر أخي احلاج إىل حال القدوة ‪ ،‬وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما أتخر‪ ،‬ومع هذا‬
‫عظيما يف كثرة االستغفار والتوبة‪ ،‬وذلك ما جيعل املؤمن يسابق وينافس يف هذا املضمار‬
‫جهدا ً‬
‫يبذل ً‬
‫لينال مثرة ذلك يف حياته وعلى حجه ليكون حجاً مربوراً‪.‬‬
‫وب إِلَْي ِه ِيف اليَ ْوِم أَ ْكثَ َر‬ ‫َستَ ْغ ِف ُر َّ‬
‫اَّللَ َوأَتُ ُ‬
‫ول‪« :‬و َِّ‬
‫اَّلل‪ ،‬إِِين َأل ْ‬ ‫اَّلل ‪ ‬يَ ُق ُ َ‬
‫ول َِّ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫يقول أَبُو ُهَريْ َرةَ ‪ََ :‬س ْع ُ‬
‫ني َمَّرةً»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َسْبع َ‬
‫َستَ ْغ ِف ُرهُ ِيف ُك ِل يَ ْوم‬ ‫ِ‬
‫وب إِ َىل هللا‪َ ،‬وأ ْ‬
‫ول النَِّيب ‪« :‬اي أَيُّها النَّاس‪ ،‬تُوبوا إِ َىل هللاِ‪ ،‬و ِ‬
‫استَ ْغف ُروهُ‪ ،‬فَِإِين أَتُ ُ‬
‫َْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ويَ ُق ُ ُّ‬
‫ِمائَةَ َمَّرة أ َْو أَ ْكثَ َر ِم ْن ِمائَِة َمَّرة»(‪.)3‬‬
‫ال‪« :‬إِ َّن هللاَ ‪ ‬يَْب ُس ُ‬
‫ط‬ ‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬ ‫وسى‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬ ‫ومن رمحة هللا بعباده أن فتح هلم ابب التوبة‪ ،‬ف َع ْن أَِيب ُم َ‬
‫س ِم ْن‬ ‫َّم‬‫الش‬ ‫ع‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫ط‬
‫ْ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫َّت‬
‫َّ‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬‫وب ُم ِسيءُ اللَّْي ِ‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ط ي َده ِابلنَّها ِر لِ‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫َّها ِ‬
‫ر‬ ‫الن‬ ‫يء‬ ‫س‬‫ي َده ِابللَّي ِل لِي تُوب م ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ْ َ َ ُ‬
‫َم ْغ ِرِهبَا»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي (‪.)567‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )67 /8‬ح (‪.)6307‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )226 /30‬ح (‪ ،)18294‬والسنن الكربى للنسائي(‪ )168 /9‬ح (‪ ،)10205‬وصححه األلباين‬
‫يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ )435 /3‬ح (‪ ،)1452‬وقال حمقق املسند شعيب األرانؤوط (‪ )226 /30‬ح‬
‫(‪" :)18294‬حديث صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ )2113 /4‬ح (‪.)2759‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪43‬‬
‫عظيما قربه النيب ‪ ‬مبثال؛ ليظهر منه عظيم‬
‫فرحا ً‬
‫بل األمر أعظم من ذلك‪ ،‬فاهلل يفرح بتوبة عبده ً‬
‫فرحة الرب ‪ ‬بتوبة عبده‪.‬‬
‫َش ُّد فَرحا بِتَ وب ِة عب ِدهِ الْم ْؤِم ِن ِمن رجل ِيف أَرض د ِويَّة مهلِ َكة‪ ،‬معه ر ِ‬
‫احلَتُهُ‪َ ،‬علَْي َها‬ ‫ََُ َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ول ‪َََّّ« :‬للُ أ َ َ ً ْ َ َْ ُ‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ش‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ ِ ِ‬
‫ال‪ :‬أ َْرج ُع إ َىل َم َكاينَ‬ ‫ت‪ ،‬فَطَلَبَ َها َح ََّّت أ َْد َرَكهُ الْ َعطَ ُ‬
‫ظ َوقَ ْد َذ َهبَ ْ‬
‫استَ ْي َق َ‬
‫طَ َع ُامهُ َو َشَرابُهُ‪ ،‬فَنَ َام فَ ْ‬
‫ظ و ِعْن َده ر ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫الَّ ِذي ُكْن ِ ِ‬
‫احلَتُهُ َو َعلَْي َها‬ ‫استَ ْي َق َ َ ُ َ‬ ‫وت‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ض َع َرأْ َسهُ َعلَى َساعده ليَ ُم َ‬ ‫وت‪ ،‬فَ َو َ‬ ‫ت فيه‪ ،‬فَأ ََان ُم َح ََّّت أ َُم َ‬ ‫ُ‬
‫َش ُّد فَرحا بِتَ وب ِة الْعب ِد الْم ْؤِم ِن ِمن ه َذا بِر ِ‬
‫احلَتِ ِه َوَز ِادهِ»(‪.)1‬‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َز ُادهُ َوطَ َع ُامهُ َو َشَرابُهُ‪ ،‬فَاهللُ أ َ َ ً ْ َ َْ ُ‬
‫وحَّت حيصل من التوبة واالستغفار أثرمها على التائب‪ ،‬فال بد من مراعاة أمور‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ول ‪":‬‬
‫‪ -1‬الندم على ما حصل من الذنوب‪ ،‬وهو من أكثر العالمات الدالة على صدق التوبة‪ ،‬يَ ُق ُ‬
‫الن ََّد ُم تَ ْوبَةٌ "(‪ ،)2‬فإذا ندم احلاج على ما حصل منه من ذنوب وتقصري يف حق هللا‪ ،‬فهذه عالمة على‬
‫صدق التوبة‪.‬‬
‫والندم هو األسف واحلسرة الت تكون يف القلب على ما حصل من الذنب مما يؤدي إىل بقية شروط‬
‫التوبة من‪:‬‬
‫اإلقالع عن الذنب‪ ،‬وهو دليل على صدق الندم يف القلب الذي يثمر إقالع العبد عن الذنب وعدم‬ ‫‪-2‬‬
‫إصراره عليه‪ ،‬وقال تعاىل يف صفات عباده املتقني عند توبتهم من الذنب ﱡ ﱝﱞﱟ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱠ [آل عمران‪.]135 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )2103 /4‬ح (‪.)2744‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ )113 /7‬ح(‪ ،)4012‬وابن ماجه (‪)1420 /2‬ح (‪ ،)4252‬وابن حبان (‪)377 /2‬ح(‪ ،)612‬واحلاكم‬
‫(‪ )271 /4‬ح(‪ )7612‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري(‪)1150 /2‬ح(‪،)6802‬‬
‫وقال حمقق املسند(‪)113 /7‬ح(‪":)4012‬حديث صحيح وهذا إسناد قوي"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪44‬‬
‫وقال ابن كثري رمحه هللا‪" :‬وقوله‪ :‬ﱡ ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱠ أي‪ :‬اتبوا من‬
‫ذنوهبم‪ ،‬ورجعوا إىل هللا عن قريب‪ ،‬وَل يستمروا على املعصية ويصروا عليها غري مقلعني عنها‪ ،‬ولو‬
‫تكرر منهم الذنب اتبوا عنه"(‪.)1‬‬
‫العزم على عدم العودة للذنب‪ ،‬وهذا من مثرات التوبة الصادقة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وإذا كان الذنب يف حقوق اآلدميني‪ ،‬فال بد من إرجاعها هلم أو طلب السماح(‪.)2‬‬ ‫‪-4‬‬
‫حضور القلب عند التوبة واالستغفار‪ ،‬فتكون التوبة واالستغفار ابللسان والقلب‪ ،‬فيحدث أثر التوبة‬ ‫‪-5‬‬
‫يف القلب‪ ،‬وهذا األثر حيدث ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬مع كثرة االستغفار والتوبة؛ ألنه مع التكرار حيضر القلب‬
‫وحيدث األثر فيه‪ ،‬ولذا جاءت النصوص ابإلكثار من التوبة واالستغفار‪ ،‬كما سبق يف األحاديث من‬
‫فعل النيب ‪ ‬وحثه ألمته‪.‬‬
‫ومن عالمات صدق التوبة البحث عن جلساء صاحلني يعينونه على اخلري والبعد عن جلساء السوء‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫كما يف حديث قاتل املائة‪ ،‬فقد حثه العاَل على الذهاب إىل قرية الصاحلني حَّت جيد من يعينونه على‬
‫توبته(‪ ،)3‬فإن من أسباب االنتكاس عن التوبة والرجوع الذنوب املاضية البقاء مع جلسائه السابقني‬
‫من أهل السوء‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)125 /2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رايض الصاحلني (‪ )34-33‬للنووي‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يب هللاِ ‪ ‬قَ َ‬ ‫(‪ )3‬وقد دل على هذا حديث أِيب َسعِيد ْ‬
‫اخلُ ْد ِر ِي‪ ،‬أ َّ‬
‫ني نَ ْف ًسا‪،‬‬ ‫يم ْن َكا َن قَ ْب لَ ُك ْم َر ُج ٌل قَتَ َل ت ْس َعةً َوت ْسع َ‬ ‫ال‪َ « :‬كا َن ف َ‬ ‫َن نَِ َّ‬
‫ني نَ ْف ًسا‪ ،‬فَ َه ْل لَهُ ِم ْن تَ ْوبَة؟ فَ َق َال‪َ :‬ال‪ ،‬فَ َقتَ لَهُ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬إِنَّهُ قَتَ َل ت ْس َعةً َوت ْسع َ‬ ‫ض فَ ُد َّل َعلَى َر ِاهب‪ ،‬فَأَ َاتهُ فَ َق َ‬ ‫فَ َسأ ََل َع ْن أ َْعلَِم أ َْه ِل ْاأل َْر ِ‬
‫ال‪ :‬نَ َع ْم‪،‬‬ ‫ال‪ :‬إِنَّهُ قَتَ َل ِمائَةَ نَ ْفس‪ ،‬فَ َه ْل لَهُ ِم ْن تَ ْوبَة؟ فَ َق َ‬ ‫ض فَ ُد َّل َعلَى َر ُجل َع ِاَل‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫فَ َك َّمل بِِه ِمائَةً‪ُُ ،‬ثَّ َسأ ََل َع ْن أ َْعلَِم أ َْه ِل ْاأل َْر ِ‬
‫َ‬
‫ك‪ ،‬فَِإ َّهنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَم ْن َُ ُ َْ َ ُ َ َْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ ْ ََ َ ْ ْ َ ْ َ‬
‫ض‬ ‫َر‬‫أ‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ال‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫هللا‬ ‫د‬ ‫ب‬‫اع‬ ‫ف‬ ‫هللا‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ان‬ ‫ُ‬
‫أ‬ ‫ا‬ ‫هب‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ذ‬ ‫ك‬‫و‬ ‫ا‬‫ذ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫َر‬ ‫أ‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫؟‬ ‫ة‬ ‫ب‬‫َّو‬
‫الت‬ ‫ني‬ ‫ب‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ول‬ ‫حي‬
‫ت َم َالئِ َكةُ‬ ‫الر ْمحَِة وم َالئِ َكةُ الْ َع َذا ِ‬ ‫أَرض سوء‪ ،‬فَانْطَلَق ح ََّّت إِذَا نَصف الطَِّريق أَ َاته الْموت‪ ،‬فَاختَصم ِ ِ ِ‬
‫ب‪ ،‬فَ َقالَ ْ‬ ‫ت فيه َم َالئ َكةُ َّ َ َ‬ ‫َ ُ َْ ُ ْ ََ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َم َالئ َكةُ الْ َع َذاب‪ :‬إنَّهُ ََلْ يَ ْع َم ْل َخ ْ ًريا قَط‪ ،‬فَأَ َات ُه ْم َملَ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آدمي‪ ،‬فَ َج َعلُوهُ‬ ‫ص َورة َ‬ ‫ك يف ُ‬ ‫الر ْمحَة‪َ :‬جاءَ َاتئبًا ُم ْقب ًال ب َقلْبه إ َىل هللا‪َ ،‬وقَالَ ْ‬
‫اسوهُ فَ َو َج ُدوهُ أ َْد َىن إِ َىل ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ي نَ هم‪ ،‬فَ َق َ ِ‬
‫ضْتهُ‬‫ض الَِّت أ ََر َاد‪ ،‬فَ َقبَ َ‬ ‫ني‪ ،‬فَِإ َىل أَيَّت ِه َما َكا َن أ َْد َىن فَ ُه َو لَهُ‪ ،‬فَ َق ُ‬ ‫ضْ ِ‬ ‫ني ْاأل َْر َ‬ ‫يسوا َما بَْ َ‬‫ال‪ :‬ق ُ‬ ‫َْ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫الر ْمحَة»‪.‬‬‫َم َالئِ َكةُ َّ‬
‫أخرجه مسلم(‪ )2118 /4‬ح (‪.)2766‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪45‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهتمام بشرط قبول العمل‪.‬‬
‫ومن أعظم ما ينبغي أن حيرص عليه املؤمن أشد احلرص علمه بشرط قبول العمل واجتهاده على‬
‫حتقيق ذلك يف كل عبادته‪ ،‬ومن تلك العبادات عبادة احلج والعمرة‪ ،‬فال تقبل عبادة احلج والعمرة عند‬
‫هللا إال بشرطني‪ :‬أوهلما‪ :‬اإلخالص هلل تعاىل‪ ،‬واثنيهما‪ :‬متابعة النيب ‪ ‬يف االقتداء به يف أداء‬
‫مناسك احلج والعمرة‪ ،‬ودونك تفصيل هذين الشرطني‪:‬‬
‫‪ -1‬الشرط األول‪ :‬اإلخالص هلل تعاىل يف عبادة احلج والعمرة‪ ،‬فيحرص احلاج واملعتمر على سالمة‬
‫ِين ُح َن َفآءَ‬ ‫ين ل َ ُه ٱلد َ‬ ‫ٱَّلل ُمخۡلِص َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٓ ُ ُ ٓ ْ َّ َ ۡ ُ ُ ْ َّ‬
‫ِ‬ ‫مقصده يف عبادته‪ ،‬يقول هللا تعاىل‪ :‬ﵟ وما أمِروا إِلا ل ِيعبدوا‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ ُ ۡ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ ٰ َ ُ ۡ َ‬
‫ال‬ ‫م‬
‫َ َْ ُ‬ ‫َع‬‫أل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َّ‬
‫من‬ ‫ِ‬‫إ‬‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ويقول‬ ‫‪،‬‬ ‫ﵕﵜ‬ ‫اآلية‬ ‫ة‬‫ن‬‫ِ‬
‫ََ‬‫ي‬ ‫الب‬‫ﵝ‬ ‫ﵞ‬ ‫‪٥‬‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫وي ِقيموا ٱلصلوة ويؤتوا ٱلزكوة َۚ وذل ِك دِين ٱل ِ‬
‫ي‬ ‫ق‬
‫صيبُ َها‪ ،‬أ َْو إِ َىل ْامَرأَة يَْن ِك ُح َها‪،‬‬ ‫ت ِهجرتُه إِ َىل دنْيا ي ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ِابلنيَّات‪َ ،‬وإَّمنَا ل ُك ِل ْام ِرئ َما نَ َوى‪ ،‬فَ َم ْن َكانَ ْ ْ َ ُ ُ َ ُ‬
‫اجَر إِلَْي ِه»(‪ ،)1‬وعليه أن جيتهد أشد االجتهاد يف احلرص على سالمة نيته هلل تعاىل‬ ‫فَ ِه ْجَرتُهُ إِ َىل َما َه َ‬
‫يف كل عباداته فينتبه ملقاصده‪ ،‬وحيذر أشد احلذر من مفسدات النية من الرايء‪ ،‬والسمعة‪ ،‬وحب‬
‫اَّللَ َال يَ ْقبَ ُل ِم َن الْ َع َم ِل إَِّال‬
‫ثناء الناس عليه‪ ،‬وغري ذلك من مفسدات اإلخالص‪ ،‬وقال ‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫ف َعلَْي ُك ْم ِعْن ِدي‬ ‫َخ َو ُ‬ ‫ِ‬
‫ُخِربُُك ْم مبَا ُه َو أ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫صا‪َ ،‬وابْتُغ َي بِه َو ْج ُههُ» ‪ ،‬ويقول ‪« :‬أََال أ ْ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫َما َكا َن لَهُ َخال ً‬
‫صلِي‪ ،‬فَيُ َزيِ ُن‬ ‫الر ُج ُل يُ َ‬
‫وم َّ‬‫اخلَف ُّي‪ ،‬أَ ْن يَ ُق َ‬
‫الشرُك ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ْ « :‬‬ ‫َّج ِال؟» قَ َال‪ :‬قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ِم َن الْ َم ِس ِ‬
‫يح الد َّ‬
‫ص َالتَهُ؛ لِ َما يََرى ِم ْن نَظَ ِر َر ُجل»(‪ ،)3‬ويقول ‪«:‬قَ َال هللاُ تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل‪ :‬أ ََان أَ ْغ َىن الشَُّرَك ِاء َع ِن‬ ‫َ‬
‫الشْرِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال أَ ْشَرَك فِ ِيه َمعِي َغ ِْريي تََرْكتُهُ َو ِشْرَكهُ» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫إنه ملن احملزن جداً على أحوال بعض احلجاج واملعتمرين ما أحدثته وسائل التواصل احلديثة من‬
‫خرق كبري وخلل خطري يف املقاصد والنيات حَّت حتول احلج والعمرة عند البعض إىل رحلة سياحية‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪)6 /1‬ح(‪.)1‬‬


‫وجود إسناده ابن حجر يف الفتح (‪ ،)28 /6‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ )25 /6‬ح (‪َّ ،)3140‬‬
‫الصحيحة (‪ )118 /1‬ح (‪ ،)52‬وقال يف صحيح سنن النسائي (‪ )384-383 /2‬ح (‪" :)3140‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه يف كتاب الزهد‪ ،‬ابب الرايء والسمعة (‪ )1406 /2‬ح (‪ ،)4204‬واحلاكم يف املستدرك يف كتاب الرقاق‬
‫(‪ )365 /4‬ح (‪ )7936‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسن إسناده البوصريي يف زوائد ابن ماجه (‪ )236 /4‬ح (‪،)1505‬‬
‫وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )119 /1‬ح (‪.)30‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم يف كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬ابب من أشرك يف عمله غري هللا (‪ )2289 /4‬ح (‪.)2985‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪46‬‬
‫ينقل فيها حتركات احلاج واملعتمر من خالل هذه املواقع ليشاهدها الناس‪ ،‬وهذا خيل كثرياً ابملقاصد‬
‫والنيات؛ ألنه هبذا العمل يفتح عليه أبواب الرايء والسمعة والعجب ابلعمل‪ ،‬فقد يفسد حجه‬
‫وعمرته أو ينقص أجره بسبب ذلك‪ ،‬وسيأيت مزيد بيان هلذا يف ثنااي الكتاب حبول هللا وقوته‪.‬‬
‫الشرط الثاين لقبول العمل‪ :‬متابعة النيب ‪ ‬واالقتداء به يف مناسك احلج والعمرة‪ ،‬واحلذر من‬
‫الوقوع يف البدع واحملداثت الت تكون سبباً يف رد العمل وعدم قبوله‪.‬‬
‫َّح ِر‪،‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم يَْرمي َعلَى َراحلَته يَ ْوَم الن ْ‬ ‫ت النِ َّ‬
‫َّيب َ‬ ‫ول‪َ " :‬رأَيْ ُ‬ ‫وعن جابر رضي هللا عنه يَ ُق ُ‬
‫َح ُّج بَ ْع َد َح َّج ِت َه ِذهِ»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وي ُق ُ ِ‬
‫ول‪« :‬لتَأْ ُخ ُذوا َمنَاس َك ُك ْم‪ ،‬فَِإِين َال أ َْد ِري لَ َعلي َال أ ُ‬ ‫ََ‬
‫اس َك ُك ْم) فهذه الالم‬ ‫وقال النووي رمحه هللا يف شرح احلديث السابق‪ ":‬وأما قوله ‪( :‬لِتَأْخ ُذوا منَ ِ‬
‫ُ َ‬
‫الم األمر ومعناه‪ :‬خذوا مناسككم‪ ،‬وهكذا وقع يف رواية غري مسلم وتقديره‪ :‬هذه األمور الت أتيت‬
‫هبا يف حجت من األقوال‪ ،‬واألفعال‪ ،‬واهليئات‪ ،‬هي أمور احلج وصفته‪ ،‬وهي مناسككم‪ ،‬فخذوها عين‬
‫واقبلوها‪ ،‬واحفظوها‪ ،‬واعملوا هبا‪ ،‬وعلموها الناس‪.‬‬
‫وهذا احلديث أصل عظيم يف مناسك احلج‪ ،‬وهو حنو قوله صلى هللا عليه وسلم يف الصالة‪" :‬صلوا‬
‫كما رأيتموين أصلي""(‪.)2‬‬
‫وهلذا جيب على احلاج أن يتعلم مناسك حجه وعمرته قبل الوصول إىل مواقيت احلج حَّت يؤدي‬
‫عبادته كما أمر النيب صلى هللا عليه وسلم وال يقع يف البدع واحملداثت فريد عليه عمله‪ ،‬كما قال صلى‬
‫س َعلَْي ِه أ َْم ُرَان فَ ُه َو َردٌّ»(‪.)3‬‬‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫ل‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬
‫هللا عليه وسلم‪« :‬من ع ِ‬
‫م‬ ‫َْ َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ت‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫ويف الرواية األخرى يف صحيح مسلم َع ْن َعائ َشةَ رضي هللا عنها‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫س ِمْنهُ فَ ُه َو َردٌّ»(‪.)4‬‬ ‫َح َد َ ِ ِ‬
‫ث يف أ َْمرَان َه َذا َما لَْي َ‬ ‫َو َسلَّ َم‪َ :‬‬
‫«م ْن أ ْ‬
‫وإنك لتحزن كثرياً على ما خالف به الناس أمر رسول هللا ‪ ،‬واحدثوه من بدع يف مناسك احلج‬
‫والعمرة فهناك بدع يف اإلحرام‪ ،‬وبدع يف الطواف والسعي‪ ،‬واحللق والتقصري‪ ،‬وبدع يف الوقوف بعرفة‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )943 /2‬ح (‪ )1297‬ويف صحيح اجلامع لأللباين (‪ )1304 /2‬ح(‪ ، )7882‬عن جابر رضي هللا عنه‪،‬‬
‫َح ُّج بَ ْع َد َع ِامي هذا"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس! ُخ ُذوا َع ِين َمنَاس َك ُك ْم فَِإِين الَ أ َْد ِري لَ َعلي الَ أ ُ‬
‫يقول ‪َ ":‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)45 /9‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪)1343 /3‬ح(‪.)1718‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪)1343 /3‬ح(‪.)1718‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪47‬‬
‫ويف املبيت مبزدلفة‪ ،‬وبدع يف رمي اجلمار ويف غري ذلك(‪ ،)1‬ولذا جيب على املسلم الذي يريد أداء‬
‫مناسك احلج والعمرة أن يتعلم هذه العبادة قبل اجمليء اليها بفرتة طويلة‪ ،‬حَّت يتقن ذلك وهذا من‬
‫يضةٌ َعلَى ُك ِل ُم ْسلِم"(‪.)2‬‬
‫ب الْعِْل ِم فَ ِر َ‬
‫العلم الفرض على املسلم الذي ال يعذر فيه‪ ،‬قال ‪":‬طَلَ ُ‬
‫يضةٌ َعلَى ُك ِل ُم ْسلِم"‪ ،‬فقال كل عمل كان‬ ‫ب الْعِْل ِم فَ ِر َ‬
‫"وسئل الفضيل بن عياض عن قوله ‪":‬طَلَ ُ‬
‫عليك فرضاً‪ ،‬فطلب علمه عليك فرض‪ ،‬وما َل يكن العمل به عليك فرضاً‪ ،‬فليس طلب علمه عليك‬
‫بواجب"(‪.)3‬‬
‫وعلى هذا من العلم الفريضة على املسلم الذي ال يعذره هللا جبهله أن يتعلم أحكام حجه وعمرته‬
‫املفروضة عليه قبل أداء النسك‪ ،‬وأن يسال أهل العلم عما يشكل عليه‪ ،‬حَّت يؤدي نسكه على بينة‬
‫من أمره‪ ،‬فانه يالحظ تساهل الناس يف تعلم فرائض دينهم‪ ،‬مما يوقع املسلم يف البدع واحملداثت وهو‬
‫ال يشعر‪ ،‬فيعرض عبادته للرد وعدم القبول‪ ،‬بسبب تساهله يف تعلم عبادته‪ ،‬وهللا املستعان‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهناك كتب اعتنت بعرض هذه البدع لتحذير الناس منها‪ ،‬وهي وهلل احلمد كثرية منهم من أفردها مبؤلف خاص ومنهم من‬
‫ذكرها ضمن منسكه‪ ،‬ودونك أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬التحقيق واإليضاح لكثري من مسائل والعمرة والزايرة‪ ،‬للعالمة ابن ابز رمحه هللا‪.‬‬
‫‪ -‬مناسك احلج والعمرة‪ ،‬للعالمة األلباين رمحه هللا‪.‬‬
‫‪ -‬مناسك احلج والعمرة واملشروع يف الزايرة‪ ،‬للعالمة ابن عثيمني رمحه هللا‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر كثرياً منها ابن عثيمني رمحه هللا يف كتابه فقه العبادات‪.‬‬
‫‪ -‬البدع واملخالفات يف احلج‪ ،‬جملموعة من املؤلفني‪ ،‬طبعته وزارة الشؤون اإلسالمية ابململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪)81 /1‬ح(‪ ،)224‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )140 /1‬ح(‪.)72‬‬
‫(‪ )3‬نقله عنه اخلطايب يف معاَل السنن (‪.)186 /4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪48‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط احلج ابلتوحيد‪.‬‬
‫احلج من أعظم أركان اإلسالم ارتباطاً ابلتوحيد من بدايته إىل هنايته والعمرة كذلك ومعاَل التوحيد‬
‫ومظاهره هي أبرز ما يكون فيه وسيتضح ذلك جلياً حبول هللا قوته يف ثنااي الكتاب‪ ،‬ودونك خالصة‬
‫يف ذلك‪:‬‬
‫التلبية شعار التوحيد‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الطواف والسعي وما يفعله احلاج واملعتمر فيهما وما يقوله من الذكر والدعاء كل ذلك مرتبط‬ ‫‪-2‬‬
‫ابلتوحيد‪.‬‬
‫دعاء يوم عرفة كله توحيد‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وذكر هللا عند املشعر احلرام وارتباطه ابلتوحيد‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وعبادات يوم النحر كلها توحيد‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ورمي اجلمار مرتبط ابلتوحيد‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫وعلى هذا فإن احلج مدرسة عظيمة تريب املسلم على جتريد التوحيد هلل تعاىل‪ ،‬واحلذر من الشرك‬
‫بكل أنواعه‪ ،‬والتحرز من السبل املوصلة إليه‪ ،‬وهذه بعض املظاهر الشركية الت يقع فيها بعض‬
‫احلجاج‪:‬‬
‫ونبدأ أولا مبسألة حتتاج إىل شيء من التوضيح وحيصل فيها خلط وتلبيس عند أهل البدع وهي‬
‫مسألة التربك(‪ )1‬وهو ينقسم إىل قسمني‪ :‬تربك مشروع دلت عليه األدلة‪ ،‬وتربك ممنوع يؤدي إىل‬
‫الشرك واخللل يف العقيدة ونفصله يف املسائل اآلتية‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬التربك املشروع‪ :‬وهو طلب الربكة من هللا‪ ،‬وذلك أن يفعل املسلم العبادات‬
‫املشروعة طلباً لألجر من هللا تعاىل املرتتب على العبادة‪ ،‬وله أمثلة كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫(‪ )1‬من أراد التوسع يف هذه املسألة املهمة فلينظر إىل املصادر اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬رسالة دكتوراه‪ ،‬للدكتور اجلديع بعنوان التربك أنواعه وأحكامه‪.‬‬
‫‪ -‬التربك املشروع والتربك املمنوع‪ ،‬للدكتور العلياين‪.‬‬
‫‪ -‬التربك املشروع واملمنوع‪ ،‬للشيخ حممد صفوت‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪49‬‬
‫أ‪ -‬التربك بذكر هللا‪ ،‬وتالوة القرآن الكرمي‪ ،‬ويكون ذلك على الوجه املشروع‪ ،‬وهو طلب‬
‫الربكة من هللا عز وجل بذكر القلب‪ ،‬واللسان‪ ،‬والعمل ابلقرآن والسنة على الوجه‬
‫املشروع؛ ألن من بركات ذلك اطمئنان القلب‪ ،‬وقوة القلب على الطاعة‪ ،‬والشفاء من‬
‫اآلفات‪ ،‬والسعادة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومغفرة الذنوب‪ ،‬ونزول السكينة‪ ،‬وأن القرآن يكون‬
‫شفيعاً ألصحابه يوم القيامة‪ ،‬وال يتربك ابملصحف كوضعه يف البيت أو يف السيارة وإمنا‬
‫التربك يكون ابلتالوة‪ ،‬والعمل به(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬أن يتربك ابلصالة يف املسجد احلرام طلباً للثواب املرتتب على ذلك كما صح به‬
‫ف ص َالة فِ ِ‬‫احلرِام أَفْ َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫احلديث‪ ،‬قال ‪َ " :‬و َ ِ‬
‫يما س َواهُ‬
‫َ‬ ‫ض ُل م ْن مائَة أَلْ َ‬ ‫ص َالةٌ يف الْ َم ْسجد ََْ‬
‫"(‪.)2‬‬
‫ت‪ -‬أن يتربك بتقبيل احلجر األسود أو استالمه أو اإلشارة إليه اتباعاً للرسول ‪ ‬واقتداء‬
‫به أما احلجر األسود فليس فيه بركة يف ذاته وإمنا الربكة يف االتباع واالقتداء ابلنيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم يف تقبيله أو استالمه أو اإلشارة إليه اقتداء‪ ،‬يقول عمر رضي هللا عنه‪:‬‬
‫«إين أعلم أنك حجر‪ ،‬ال تضر وال تنفع‪ ،‬ولوال أين رأيت النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقبلك ما قبلتك»(‪.)3‬‬
‫وهكذا استالم الركن اليماين اتباعاً للنيب صلى هللا عليه وسلم واقتداء به‪.‬‬
‫ث‪ -‬أن يتربك ابلطواف ابلكعبة طاعة هلل واستجابة ألمره تعاىل‪ ،‬واقتداء ابلنيب ‪ ،‬قال‬
‫َ ۡ َ َّ َّ ُ ْ ۡ َ ۡ ۡ‬
‫ت ٱل َعتِيقﵞ ﵝاحلَج اآلية ﵙﵒﵜ‪.‬‬
‫هللا تعاىل‪ :‬تعاىل‪ :‬ﵟوليطوفوا بِٱلبي ِ‬
‫َح ُّج بَ ْع َد َح َّج ِت َه ِذهِ» وطاف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال ‪« :‬لتَأْ ُخ ُذوا َمنَاس َك ُك ْم‪ ،‬فَِإِين َال أ َْد ِري لَ َعلي َال أ ُ‬
‫صلى هللا عليه وسلم حلجه ولعمرته اذن التربك املشروع هو بطاعة هللا تعاىل واالقتداء‬
‫بنبيه صلى هللا عليه وسلم يف أداء املناسك‪ ،‬أما التربك ابلكعبة ابلتمسح جبدراهنا ألجل‬

‫(‪ )1‬عقيدة املسلم يف ضوء الكتاب والسنة (‪ )755 /2‬وينظر‪ :‬التربك‪ :‬أنواعه وأحكامه‪ ،‬للدكتور اجلديع‪.)241 – 201( ،‬‬
‫(‪)2‬أخرجه أمحد (‪ )415 /23‬ح(‪ ،)15271‬وابن ماجه (‪)451 /1‬ح(‪ ،)1406‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع(‪/2‬‬
‫‪)714‬ح(‪،)3838‬وصحح إسناده حمقق املسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)149 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪50‬‬
‫الربكة تنتقل إليه منها فهذا تربك غري مشروع؛ ألنه َل يرد عليه دليل أبن الربكة يف ذات‬
‫حجارة الكعبة أو ستارهتا‪ ،‬وحنن عبيد هلل مطلوب منا االقتداء برسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم فما فعل يف حجه وعمرته نفعل‪ ،‬وما هنى عنه ُنتنبه‪.‬‬
‫ج‪-‬التربك ابلصالة خلف مقام إبراهيم ‪ ‬ركعتني طاعة هلل واقتداء برسوله ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫َّ َ ۡ َ َ ُ َ ّٗ‬ ‫َ َّ ُ ْ‬
‫ﵟ وٱتخِذوا مِن مقام إِبرهِـۧم مصلىۖ ﵞ ﵝالبَ َقَرة اآلية ﵕﵒﵑﵜ‪ ،‬وعليه فال يتمسح مبقام إبراهيم‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫طلباً للربكة ألن ذلك َل حيث عليه النيب صلى هللا عليه وسلم وَل يفعله‪ ،‬وهذه عبادات‬
‫مبينة على الدليل فمن أحدث عمالً يريد به التقرب إىل هللا والتربك به وَل أيمر به هللا أو‬
‫س َعلَْي ِه أ َْم ُرَان فَ ُه َو َردٌّ»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«م ْن َعم َل َع َم ًال لَْي َ‬
‫نبيه فعمله ابطل مردود عليه قال ‪َ :‬‬
‫س ِمْنهُ فَ ُه َو‬ ‫َح َد َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ث يف أ َْمرَان َه َذا َما لَْي َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ :‬‬
‫«م ْن أ ْ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ويف الرواية األخرى قَ َ َ ُ‬
‫َردٌّ»‪.‬‬
‫ح‪ -‬التربك بشرب ماء زمزم لورود النص بذلك قال ‪ :‬قال‪« :‬إهنا مباركة‪ ،‬إهنا طعام‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬إِ َّهنَا ُمبَ َارَكةٌ‪َ ،‬وِه َي‬
‫صلَّى َّ‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫طعم»(‪ ،)1‬ويف الرواية األخرى قَ َ‬
‫طَ َع ُام طُ ْعم َو ِش َفاءُ ُس ْقم "(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫َ َٓ‬ ‫َّ َّ َ ۡ َ‬
‫خ‪ -‬التربك ابلسعي بني الصفا واملروة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﵟإِن ٱلصفا َوٱل َم ۡر َوة مِن شعائ ِ ِر ٱَّللِِۖ‬
‫َ َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ َ ۡ َ َّ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ ۡ َ َ َّ َّ َ‬
‫فمن حج ٱلبيت أوِ ٱعتمر فلا جناح عليهِ أن يطوف ب ِ ِهما َۚ ومن تطوع‬
‫يمﵞ ﵝالبَ َقَرةِ اآلية ﵘﵕﵑﵜ‪ ،‬وبينه النيب ‪ ‬قوالً وفعالً يف سنته‪.‬‬ ‫َخيۡ ّٗرا فَإ َّن َّ َ‬
‫ٱَّلل َشاك ٌِر َعل ِ ٌ‬
‫ِ‬
‫د‪ -‬التربك أبداء املناسك يف الزمان واملكان الذي حدده الشرع يف كتاب هللا كما يف سورة‬
‫البقرة وسورة احلج‪ ،‬وبينه رسوله صلى هللا عليه وسلم بقوله وفعله يف سنته‪ ،‬فقال ‪َ " :‬اي‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)1922 /4‬ح(‪.)2473‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود الطيالسي (‪ )364 /1‬ح(‪ ،)459‬والبيهقي يف معرفة السنن واآلاثر (‪ )356 /7‬ح(‪ ،)10320‬وصحح‬
‫إسناده البوصريي يف إحتاف اخلرية املهرة(‪)246 /3‬ح(‪ ،)2663‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع(‪)478 /1‬ح (‪.)2435‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪51‬‬
‫َح ُّج بَ ْع َد َع ِامي هذا"‪ ،‬فبني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس! ُخ ُذوا َع ِين َمنَاس َك ُك ْم فَِإِين الَ أ َْد ِري لَ َعلي الَ أ ُ‬ ‫أَيُّ َها الن ُ‬
‫صلى هللا عليه وسلم صفة احلج والعمرة من اإلحرام إىل آخر النسك أعظم بيان وأمته‬
‫وأكمله‪ ،‬ومن أحدث شيئاً يف نسك احلج والعمرة َل يقله النيب صلى هللا عليه وسلم وَل‬
‫يفعله‪ ،‬فقد وقع يف الضالل والبدع الت حذر منها النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫صلَّى بِنَا‬‫أعظم التحذير كما يف حديث العرابض بن سارية رضي هللا عنه‪ ،‬يقول‪َ :‬‬
‫ات يَ ْوم‪ُُ ،‬ثَّ أَقْ بَ َل َعلَْي نَا‪ ،‬فَ َو َعظَنَا َم ْو ِعظَةً بَلِيغَةً‬ ‫الصْب َح َذ َ‬‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ُّ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫َُ‬
‫َن َه ِذهِ َم ْو ِعظَةُ‬ ‫ول هللاِ‪َ ،‬كأ َّ‬ ‫ال قَائِ ٌل‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫وب‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ت مْن َها الْ ُقلُ ُ‬
‫َذرفَت ِمْن ها الْعيو ُن‪ ،‬ووِجلَ ِ‬
‫َ ْ َ ُُ َ َ ْ‬
‫اع ِة‪َ ،‬وإِ ْن َكا َن َعْب ًدا‬ ‫الس ْم ِع َوالطَّ َ‬‫ُوصي ُك ْم بِتَ ْق َوى هللاِ‪َ ،‬و َّ‬ ‫ال‪ " :‬أ ِ‬ ‫ُم َوِدع‪ ،‬فَ َماذَا تَ ْع َه ُد إِلَْي نَا؟ فَ َق َ‬
‫اخلُلَ َف ِاء‬
‫اختِ َالفًا َكثِ ًريا‪ ،‬فَ َعلَْي ُك ْم بِ ُسن َِّت َو ُسن َِّة ْ‬ ‫ِ‬
‫ش مْن ُك ْم بَ ْعدي فَ َس ََريى ْ‬
‫حب ِشيا‪ ،‬فَِإنَّه من يعِ ِ‬
‫َُْ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ضوا َعلَْي َها ِابلن ََّو ِاج ِذ‪َ ،‬وإِ َّاي ُك ْم َوُْحم َد َاث ِت ْاأل ُُموِر‪ ،‬فَِإ َّن‬ ‫ني‪ ،‬متََ َّس ُكوا ِهبَا‪َ ،‬و َع ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫الراشدي َن الْ َم ْهديِ َ‬
‫ول َِّ‬
‫صلَّى هللاُ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ض َاللَةٌ "‪ ،‬ويف الرواية األخرى‪َ :‬و َعظَنَا َر ُس ُ‬ ‫ُك َّل ُْحم َدثَة بِ ْد َعةٌ‪َ ،‬وُك َّل بِ ْد َعة َ‬
‫اَّللِ‪ ،‬إِ َّن‬‫ول َّ‬
‫وب‪ ،‬فَ ُق ْلنَا‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫علَي ِه وسلَّم مو ِعظَةً َذرفَت ِمْن ها الْعيو ُن‪ ،‬ووِجلَ ِ‬
‫ت مْن َها الْ ُقلُ ُ‬ ‫َ ْ َ ُُ َ َ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َْ‬
‫ض ِاء لَْي لُ َها َكنَ َها ِرَها‪،‬‬ ‫ال‪« :‬قَ ْد تََرْكتُ ُك ْم َعلَى الْبَ ْي َ‬ ‫َه ِذهِ لَ َم ْو ِعظَةُ ُم َوِدع‪ ،‬فَ َماذَا تَ ْع َه ُد إِلَْي نَا؟ قَ َ‬
‫اختِ َالفًا َكثِ ًريا‪ ،‬فَ َعلَْي ُك ْم ِمبَا َعَرفْ تُ ْم‬ ‫ك‪ ،‬من يعِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش مْن ُك ْم فَ َس ََريى ْ‬ ‫يغ َعْن َها بَ ْعدي إَِّال َهال ٌ َ ْ َ ْ‬ ‫َال يَِز ُ‬
‫اع ِة‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اخللَ َف ِاء َّ ِ ِ‬
‫ضوا َعلَْي َها ِابلن ََّواجذ‪َ ،‬و َعلَْي ُك ْم ِابلطَّ َ‬ ‫ني‪َ ،‬ع ُّ‬ ‫ين الْ َم ْهديِ َ‬‫الراشد َ‬ ‫ِم ْن ُسن َِّت‪َ ،‬و ُسن َِّة ُْ‬
‫يد انْ َق َاد» (‪.)1‬‬ ‫ف‪َ ،‬حْي ثُ َما قِ َ‬ ‫اجلم ِل ْاألَنِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوإ ْن َعْب ًدا َحبَشيا‪ ،‬فَإَّمنَا الْ ُم ْؤم ُن َك َْ َ‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪)375 /28‬ح(‪ ،)17145‬وأبو داود(‪ )200 /4‬ح(‪ ،)4607‬والرتمذي(‪ )44 /5‬ح(‪)2676‬وقال‪ ":‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح"‪ ،‬وابن ماجه (‪ )16 /1‬ح(‪ ،)43‬وحكم األلباين بصحته يف إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار‬
‫السبيل (‪)107 /8‬ح (‪ ،)2455‬وصححه حمقق املسند(‪)375 /28‬ح(‪.)17145‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪52‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬التربك املمنوع‪ :‬وهو ينقسم من حيث حكمه إىل قسمني‪:‬‬
‫املتربك أن املتربَّك به ‪ -‬وهو املخلوق ‪ -‬يهب الربكة‬ ‫‪ - 1‬تربك شركي‪ :‬وهو أن يعتقد ِ‬
‫إستقالال‪ ،‬ويعتقد أن موجد الربكة هو هذا املخلوق من‬ ‫ً‬ ‫بنفسه‪ ،‬فيبارك يف األشياء بذاته‬
‫صاحب قرب أو غار أو حنوه‪ ،‬ألن هللا تعاىل وحده موجد الربكة وواهبها وال شريك له يف‬
‫اَّللِ"(‪ ،)1‬فطلبها من غريه‪ ،‬أو اعتقاد‬
‫الربَكةُ ِم َن َّ‬
‫ذلك‪ ،‬وقال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ََ " :‬‬
‫أن غريه يهبها بذاته شرك أكرب‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربك بدعي‪ :‬وهو أن يتربك مبا َل يرد دليل شرعي يدل على جواز التربك به‪،‬‬
‫معتقدا أن هللا جعل فيه بركة أو يتربك ابلشيء الذي ورد التربك به يف غري ما ورد يف‬
‫ً‬
‫الشرع التربك به فيه‪.‬‬
‫وهذا بال شك حمرم؛ ألن فيه إحداث عبادة ال دليل عليها من كتاب أو سنة‪ ،‬وألنه‬
‫جعل ما ليس بسبب سببًا‪ ،‬فهو من الشرك األصغر؛ وألنه يؤدي إىل الوقوع يف الشرك‬
‫األكرب‪.‬‬
‫وهذا القسم من التربك ‪ -‬وهو التربك البدعي – له أحوال منها(‪:)2‬‬
‫التربك ابلعلماء والصاحلني وآاثرهم‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫وجه سؤال للعالمة ابن ابز رمحه هللا يقول السائل‪" :‬هناك من يرى جواز التربك‬
‫ابلعلماء والصاحلني وآاثرهم مستدال مبا ثبت من تربك الصحابة ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪-‬‬
‫ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فما حكم ذلك؟ ُث أليس فيه تشبيه لغري النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ابلنيب صلى هللا عليه وسلم؟ وهل ميكن التربك ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫بعد وفاته؟ وما حكم التوسل إىل هللا تعاىل بربكة النيب صلى هللا عليه وسلم؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال جيوز التربك أبحد غري النيب صلى هللا عليه وسلم ال بوضوئه وال بشعره‬
‫وال بعرقه وال بشيء من جسده‪ ،‬بل هذا كله خاص ابلنيب صلى هللا عليه وسلم ملا‬
‫جعل هللا يف جسده وما مسه من اخلري والربكة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪)114 /7‬ح(‪.)5639‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬خمتصر شرح تسهيل العقيدة اإلسالمية (ص‪.)156‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪53‬‬
‫وهلذا َل يتربك الصحابة ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪ -‬أبحد منهم‪ ،‬ال يف حياته وال بعد وفاته‬
‫صلى هللا عليه وسلم ال مع اخللفاء الراشدين وال مع غريهم فدل ذلك على أهنم قد‬
‫عرفوا أن ذلك خاص ابلنيب صلى هللا عليه وسلم دون غريه‪ ،‬وألن ذلك وسيلة إىل‬
‫الشرك وعبادة غري هللا سبحانه‪.‬‬
‫وهكذا ال جيوز التوسل إىل هللا سبحانه جباه النيب صلى هللا عليه وسلم أو ذاته أو‬
‫صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك؛ وألن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه‬
‫عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫وألن ذلك أيضا َل يفعله أصحابه ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪ -‬ولو كان خرياً لسبقوان إليه‪،‬‬
‫وألن ذلك خالف األدلة الشرعية‪ .‬فقد قال هللا عز وجل‪ :‬ﵟ َو ِ ََّّللِ ٱل ۡ َأ ۡس َمآءُ‬
‫َ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ﵝالأ ۡع َراف الآية ﵐﵘﵑﵜ ‪ ،‬وَل أيمر بدعائه سبحانه جباه أحد أو حق‬ ‫َ‬
‫ٱلحُ ۡس َن ٰى فٱد ُعوهُ ب ِ َهاِۖﵞ‬
‫أحد أو بركة أحد‪.‬‬
‫ويلحق أبَسائه سبحانه التوسل بصفاته كعزته‪ ،‬ورمحته‪ ،‬وكالمه وغري ذلك‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما جاء يف األحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات هللا التامات‪ ،‬والتعوذ بعزة هللا‬
‫وقدرته‪ .‬ويلحق بذلك أيضا‪ :‬التوسل مبحبة هللا سبحانه‪ ،‬وحمبة رسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وابإلميان ابهلل وبرسوله والتوسل ابألعمال الصاحلات‪ ،‬كما يف قصة أصحاب‬
‫الغار الذين آواهم املبيت واملطر إىل غار فدخلوا فيه فاحندرت عليهم صخرة من‬
‫اجلبل فسدت عليهم ابب الغار‪ ،‬وَل يستطيعوا دفعها‪ ،‬فتذاكروا بينهم يف وسيلة‬
‫اخلالص منها‪ .‬واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إال أن يدعوا هللا بصاحل‬
‫أعماهلم‪ ،‬فتوسل أحدهم إىل هللا سبحانه يف ذلك‪ :‬برب والديه‪..‬فانفرجت الصخرة‬
‫شيئا ال يستطيعون اخلروج منه‪ُ ...‬ث توسل الثاين بعفته عن الزان بعد القدرة عليه‪،‬‬
‫فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم ال يستطيعون اخلروج من ذلك‪ُ . . .‬ث توسل‬
‫الثالث أبداء األمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا‪.‬‬
‫وهذا احلديث اثبت يف الصحيحني عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬من أخبار من‬
‫قبلنا ملا فيه من العظة لنا والتذكري‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪54‬‬
‫وقد صرح العلماء رمحهم هللا مبا ذكرته يف هذا اجلواب‪ . . .‬كشيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية‪ ،‬وتلميذه العالمة ابن القيم‪ ،‬والشيخ العالمة عبد الرمحن بن حسن يف فتح‬
‫اجمليد شرح كتاب التوحيد وغريهم‪.‬‬
‫وأما حديث توسل األعمى ابلنيب صلى هللا عليه وسلم يف حياته صلى هللا عليه‬
‫وسلم فشفع فيه النيب صلى هللا عليه وسلم ودعا له فرد هللا عليه بصره‪ . . .‬فهذا‬
‫توسل بدعاء النيب وشفاعته وليس ذلك جباهه وحقه كما هو واضح يف احلديث‪. . .‬‬
‫وكما يتشفع الناس به يوم القيامة يف القضاء بينهم‪.‬‬
‫وكما يتشفع به يوم القيامة أهل اجلنة يف دخوهلم اجلنة‪ ،‬وكل هذا توسل به يف حياته‬
‫الدنيوية واألخروية‪..‬وهو توسل بدعائه وشفاعته ال بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل‬
‫العلم‪ ،‬ومنهم من ذكران آنفاً"(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬التربك ابألمكنة واجلمادات‪.‬‬
‫‪ -‬من التربك املمنوع الذي يؤدي ابحلاج إىل الوقوع يف البدع واحملداثت الذهاب إىل‬
‫اجلبال مثل جبل حراء املسمى جببل النور مبكة‪ ،‬ألجل التربك ابلغار الذي نزل‬
‫فيه الوحي على النيب ‪ ،‬أو التربك ابلذهاب إىل جبل ثور الذي اختفى فيه‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم يف هجرته‪ ،‬أو التربك جببل عرفة وابلذات العمود الذي‬
‫يف أعاله فكل هذا َل يدل عليه دليل فعندما حج النيب ‪َ ‬ل يذهب إىل غراء‬
‫حراء‪ ،‬وال جبل ثور‪ ،‬وَل يصعد على جبل عرفات وإمنا وقف يف أسفله عند‬
‫اهنَا‪َ ،‬وِم ًىن ُكلُّ َها َمْن َحٌر‪ ،‬فَ ْاحنَُروا ِيف ِر َحالِ ُك ْم‪،‬‬
‫ت َه ُ‬‫«حنَْر ُ‬
‫الصخرات‪ ،‬وقال ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف»(‪.)3‬‬ ‫اهنَا‪َ ،‬و ََجْ ٌع ُكلُّ َها َم ْوق ٌ‬ ‫اهنَا‪َ ،‬و َعَرفَةُ ُكلُّ َها َم ْوق ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫ت َه ُ‬ ‫ف‪َ ،‬وَوقَ ْف ُ‬ ‫ت َه ُ‬
‫َوَوقَ ْف ُ‬

‫(‪ )1‬جمموع فتاوى ومقاالت متنوعة البن ابز (‪.)67 -65 /7‬‬
‫(‪َ )2‬جع هي مزدلفة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪)893 /2‬ح(‪.)1218‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪55‬‬
‫فال تشرع زايرة جبل ثور وال غار حراء وال يشرع الصعود على جبل عرفات‬
‫والتمسح ابلعمود املبين فوقه يف احلج وال يف غريه؛ ألنه َل يفعل ذلك النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم وال صحبه الكرام من بعده‪ ،‬فالربكة يف االتباع والشر يف االبتداع‪.‬‬
‫‪ -‬ومن التربك املمنوع التربك بزايرة األماكن الت َل يرد دليل عليها مثل‪ :‬مكان املولد‬
‫النبوي وَل يرد دليل صحيح على إثبات مكان مولد النيب ‪ ،‬ولو فرض‬
‫أنه عرف مكانه‪ ،‬فال جيوز التربك بذلك لعدم ورود الدليل‪ ،‬فما دام أن النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم َل يفعله أو حيث على فعله فهو من البدع احملدثة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن احملداثت زايرة مساجد يف املدينة النبوية واالعتقاد بفضل الصالة فيها‪،‬‬
‫مثل املساجد السبعة وغريها‪ ،‬ممن َل يرد دليل على فضل العبادة فيه‪ ،‬وإمنا ورد‬
‫الدليل بفضل الصالة يف املسجد النبوي ومسجد قباء‪.‬‬
‫ت‪ -‬التربك ابملسجد احلرام والكعبة واملقام‪ ،‬واملسجد النبوي‪.‬‬
‫والتربك بذلك يكون ابتباع الشرع والعمل مبا جاء يف الكتاب والسنة يف هذه‬
‫األماكن املباركة‪ ،‬أما عمل أمور فيها َل يرد عليه الدليل‪ ،‬فذلك من التربك املمنوع‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪ -‬تقبيل أعمدة املسجد احلرام واملسجد النبوي والتمسح هبا‪.‬‬
‫‪ -‬التمسح جبدران الكعبة وستارهتا ألنه َل يرد على هذا التمسح دليل وإمنا ورد‬
‫الدليل على مسح احلجر األسود والركن اليماين كما سبق وكذلك إلزاق الصدر‬
‫ابمللتزم بني ابب الكعبة واحلجر األسود فهذا مما دل عليه الدليل أما بقية جدران‬
‫الكعبة وأركاهنا فلم يرد دليل على التربك بذلك‪ ،‬وهكذا ما يسمى حبجر إَساعيل‬
‫َل يرد دليل على مسحه‪.‬‬
‫‪ -‬ومن التربك املمنوع التمسح مبقام إبراهيم ‪‬؛ ألنه َل يرد عليه الدليل كما سبق‬
‫الكالم على ذلك‪.‬‬
‫ث‪ -‬التربك بقرب النيب ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪56‬‬
‫ومن التربك املمنوع التربك ابلقرب النبوي والتمسح به وتقبيله‪ ،‬واالعتقاد يف القلب‬
‫أنه ينفع العبد ويدفع عنه الضرر‪ ،‬وهذا األمر َل يرد عليه دليل بل جاء الدليل خبالف‬
‫اَّللِ‬
‫ول َّ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت‪ :‬قَ َ‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد قال ‪ ‬حمذراً ألمته‪َ :‬ع ْن َعائِ َشةَ َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن َها‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫َّص َارى َّاختَ ُذوا‬ ‫ود َوالن َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ِيف َمَر ِض ِه الَّ ِذي ََلْ يَ ُق ْم ِمْنهُ‪« :‬لَ َع َن َّ‬
‫اَّللُ اليَ ُه َ‬ ‫َ‬
‫َّخ َذ‬ ‫ك أُبْ ِرَز قَْربُهُ َغ ْ َري أَنَّهُ َخ ِشي ‪ -‬أ َْو ُخ ِشي ‪ -‬أ َّ‬ ‫اج َد»‪ ،‬لَوَال ذَلِ‬ ‫قُبور أَنْبِيائِ ِهم مس ِ‬
‫َن يُت َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َ ْ ََ‬
‫َم ْس ِج ًدا(‪.)1‬‬
‫اَّلل َعْن هم قَ َاال‪ :‬لَ َّما نَزَل بِرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن عائِشةَ‪ ،‬وعب َد َِّ‬
‫ول‬ ‫َ َُ‬ ‫اَّلل بْ َن َعبَّاس‪َ ،‬رض َي َُّ ُ ْ‬ ‫ويف احلديث أ َّ َ َ َ َْ‬
‫يصةً لَهُ َعلَى َو ْج ِه ِه‪ ،‬فَِإذَا ا ْغتَ َّم َك َش َف َها َع ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ ،‬طَف َق يَطَْر ُح ََخ َ‬ ‫اَّلل َ‬
‫ور أَنْبِيَائِِه ْم‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وج ِه ِه‪ ،‬فَ َقا َل وهو َك َذلِك‪« :‬لَعنَةُ َِّ‬
‫َّص َارى‪ ،‬اختَ ُذوا قُبُ َ‬ ‫اَّلل َعلَى اليَ ُهود َوالن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََُ‬ ‫َْ‬
‫صنَ عُوا(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َساج َد» ُحيَذ ُر َما َ‬
‫ت‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ذَ َكَر ْ‬ ‫َّيب َ‬‫ت‪ :‬لَ َّما ا ْشتَ َكى النِ ُّ‬ ‫اَّللُ َعْن َها‪ ،‬قَالَ ْ‬‫َع ْن َعائِ َشةَ َر ِض َي َّ‬
‫ت أ ُُّم َسلَ َمةَ‪َ ،‬وأُم‬ ‫ال َهلَا‪َ :‬ما ِريَةُ‪َ ،‬وَكانَ ْ‬ ‫ض احلَبَ َش ِة يُ َق ُ‬ ‫يسةً َرأَيْنَ َها ِأب َْر ِ‬ ‫ب ع ِ ِِ ِ‬
‫ض ن َسائه َكن َ‬ ‫َْ ُ‬
‫صا ِو َير فِ َيها‪ ،‬فَ َرفَ َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض احلَبَ َشة‪ ،‬فَ َذ َكَرَات م ْن ُح ْسن َها َوتَ َ‬ ‫َحبِيبَةَ َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن ُه َما أَتَتَا أ َْر َ‬
‫الصالِ ُح بَنَ ْوا َعلَى قَِْربهِ َم ْس ِج ًدا‪ُُ ،‬ثَّ‬ ‫الر ُج ُل َّ‬ ‫ات ِمْن ُه ُم َّ‬ ‫ك إِ َذا َم َ‬ ‫ال‪« :‬أُولَئِ ِ‬ ‫َرأْ َسهُ‪ ،‬فَ َق َ‬
‫اَّللِ»(‪.)3‬‬ ‫ك ِشَر ُار اخلَْل ِق ِعْن َد َّ‬ ‫الصورةَ أُولَئِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُّ َ‬ ‫ص َّوُروا ف ِيه تِْل َ‬
‫َ‬
‫ات‪ ،‬بَنَ ْوا‬ ‫الرجل َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ال‪« :‬إِ َّن أُولَئِ َ ِ‬ ‫ويف الرواية األخرى‪ :‬فَ َق َ‬
‫الصال ُح فَ َم َ‬ ‫ك إذَا َكا َن فيه ُم َّ ُ ُ‬
‫اَّللِ يَ ْوَم‬
‫ك ِشَر ُار اخلَْل ِق ِعْن َد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص َوَر‪ ،‬أُولَئِ َ‬
‫يك ُّ‬ ‫ص َّوُروا ف ِيه تِ َ‬‫َعلَى قَِْربه َم ْسج ًدا‪َ ،‬و َ‬
‫القيَ َام ِة»(‪.)4‬‬‫ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري واللفظ له(‪ )102 /2‬ح(‪ ،)1390‬ومسلم (‪ )376 /1‬ح(‪.)529‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪)147 /7‬ح(‪.)5815‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪)90 /2‬ح(‪.)1341‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪)50 /5‬ح(‪ ،)3873‬ومسلم (‪ )375 /1‬ح(‪.)528‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪57‬‬
‫وكان من دعائه ‪ ‬الذي أستجابه هللا فحمى قربه‪ ،‬ف َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الله َّم َال َْجت َع ْل قَِْربي َوثَنًا‪ ،‬لَ َع َن هللاُ قَ ْوًما اختَ ُذوا قُبُ َ‬
‫ور‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ُ " :‬‬ ‫َع ِن النِ ِ‬
‫َّيب َ‬
‫اج َد "(‪.)1‬‬‫أَنْبِيائِ ِهم مس ِ‬
‫َ ََْ‬
‫وأما التربك املشروع ابلنيب صلى هللا عليه وسلم يف حال حياته بريقه وشعره وفضلة‬
‫وضوئه والتمسح جبسده الشريف؛ فكل ذلك دل عليه الدليل وفعله الصحابة‬
‫مبحضر النيب صلى هللا عليه وسلم وَل ينكر عليهم‪ ،‬وكذلك من التربك املشروع التربك‬
‫آباثره الت بقيت بعد وفاته صلى هللا عليه وسلم من شعره ومالبسه وآنيته فكل من‬
‫خصائص النيب صلى هللا عليه وسلم ال يصح لغريه‪.‬‬
‫ج‪ -‬التربك بقبور الصحابة والصاحلني‪.‬‬
‫فإذا كان قرب النيب صلى هللا عليه وسلم ال يصح التربك به وال جيوز فمن ابب أوىل قبور‬
‫الصحابة ومن تبعهم من الصاحلني‪ ،‬فما حيدث من تربك شركي بقبور الصاحلني من طلب املدد منهم‬
‫والطواف بقبورهم والنذر هلم والذبح عند قبورهم والصالة والدعاء عند قبورهم حبجة أهنم أولياء هلل‬
‫يتوسطون ملن أييت إليهم عند هللا‪ ،‬فكل هذا من الشرك األكرب الذي يشابه كفار مكة حني قالوا عن‬
‫ُ ٓ َ ۡ َ ٓ َ َ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َّ ُ َ ُ َ ٓ َ‬ ‫َ َّ َ َّ َ ُ ْ‬
‫ِين ٱتخذوا مِن دونِهِۦ أول ِياء ما نعبدهم إِلا ل ِيق ِربونا إِلى‬ ‫معبوداهتم‪ ،‬قال تعاىل عنهم‪ :‬ﵟوٱلذ‬
‫َّ ۡ َ‬
‫ٱَّللِ ُزلفىﵞ ﵝ ُّالزَمر اآلية ﵓﵜ ‪.‬‬
‫وتالحظ اهنم يدعون أن هذه املعبودات هم ال يعبدوهنا يف ذاهتا بل هي يف زعمهم واسطة بينهم وبني‬
‫هللا وأهنم لصالحهم يقربون إىل هللا‪ ،‬وهذا املنهج الضال صار عليه كل من وقع يف الشرك بعدهم‪،‬‬
‫جتدهم يقولون حنن نتقرب إىل هللا بواسطة هذا الويل وال نعبده وإننا نعبد هللا وهؤالء ألهنم صاحلون‬
‫يقربوان إىل هللا‪.‬‬
‫تعاىل هللا عما يقولون علواًكبرياً‪ ،‬فقد قاسوا اخلالق العظيم الذي أحاط علماً بكل شيء‪ ،‬على‬
‫املخلوق الضعيف من امللوك يف الدنيا الذين حيتاجون إىل واسطة يبلغوهنم حاجات الرعية‪ ،‬ألهنم ال‬
‫حييطون علماً بكل شيء‪ ،‬وهذا ال شك من جهل هؤالء ابهلل تعاىل وعدم تقديرهم له حق قدره‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪)314 /12‬ح(‪ ،)7358‬وقال حمقق املسند(‪ ":)314 /12‬إسناده قوي"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪58‬‬
‫ت َم ۡطو َّي ٰ ُ‬
‫تُۢ‬ ‫يعا َق ۡب َض ُت ُهۥ يَ ۡو َم ٱلۡقِ َيٰ َمةِ َو َّ‬
‫ٱلس َم ٰ َو ٰ ُ‬ ‫ۡرض َجم ّٗ‬‫َ َۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ َّ َ َ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﵟوما قدروا ٱَّلل حق قدرِه ِۦ وٱلأ‬
‫ُ ۡ َ ٰ َ ُ َ َ َ ٰ َ ٰ َ َّ ُ ۡ ُ َ‬
‫الزَمر اآلية ﵗﵖﵜ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ﵝ‬ ‫ﵞ‬ ‫‪٦٧‬‬ ‫ون‬ ‫ب ِ َي ِمينِهَِۚۦ سبحنهۥ وتعلى عما يش ِرك‬
‫ِينﵞ ﵝ ُّالزمر اآلية ﵒﵜ‪ ،‬أي‪ :‬أخلص‬ ‫ٱَّلل ُمخۡل ِ ّٗصا ل َّ ُه ٱلد َ‬‫ٱع ُب ِد َّ َ‬ ‫َ ۡ‬
‫قال الشيخ السعدي يف تفسريه‪ " :‬قال‪ :‬ﵟف‬
‫َ‬

‫هلل تعاىل َجيع دينك‪ ،‬من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة‪ :‬اإلسالم واإلميان واإلحسان‪ ،‬أبن تفرد هللا‬
‫وحده هبا‪ ،‬وتقصد به وجهه‪ ،‬ال غري ذلك من املقاصد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ َۡ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ِص ﵞ هذا تقرير لألمر ابإلخالص‪ ،‬وبيان أنه تعاىل كما أنه له الكمال كله‪،‬‬ ‫ﵟ ألا َِّللِ ٱلدِين ٱلخال َۚ‬
‫وله التفضل على عباده من َجيع الوجوه‪ ،‬فكذلك له الدين اخلالص الصايف من َجيع الشوائب‪ ،‬فهو‬
‫الدين الذي ارتضاه لنفسه‪ ،‬وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به‪ ،‬ألنه متضمن للتأله هلل يف حبه وخوفه‬
‫ورجائه‪ ،‬ولإلانبة إليه يف عبوديته‪ ،‬واإلانبة إليه يف حتصيل مطالب عباده‪.‬‬
‫وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها‪ ،‬دون الشرك به يف شيء من العبادة‪ .‬فإن هللا بريء منه‪،‬‬
‫وليس هلل فيه شيء‪ ،‬فهو أغىن الشركاء عن الشرك‪ ،‬وهو مفسد للقلوب واألرواح والدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫ُم ْشق للنفوس غاية الشقاء‪ ،‬فلذلك ملا أمر ابلتوحيد واإلخالص‪ ،‬هنى عن الشرك به‪ ،‬وأخرب بذم من‬
‫َ‬ ‫ُ ٓ َۡ َٓ‬ ‫َ َّ َ َّ َ ُ ْ‬
‫أشرك به فقال‪ :‬ﵟوٱلذِين ٱتخذوا مِن دونِهِۦ أول ِياء ﵞ أي‪ :‬يتولوهنم بعبادهتم ودعائهم‪[ ،‬معتذرين]‬
‫َ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َّ ُ َ ُ َ ٓ َ َّ ُ ۡ َ‬
‫(‪ )1‬عن أنفسهم وقائلني‪ :‬ﵟ ما نعبدهم إِلا ل ِيق ِربونا إِلى ٱَّللِ زلفىﵞ أي‪ :‬لرتفع حوائجنا هلل‪،‬‬
‫وتشفع لنا عنده‪ ،‬وإال فنحن نعلم أهنا‪ ،‬ال ختلق‪ ،‬وال ترزق‪ ،‬وال متلك من األمر شيئا‪.‬‬
‫أي‪ :‬فهؤالء‪ ،‬قد تركوا ما أمر هللا به من اإلخالص‪ ،‬وجترأوا على أعظم احملرمات‪ ،‬وهو الشرك‪ ،‬وقاسوا‬
‫الذي ليس كمثله شيء‪ ،‬امللك العظيم‪ ،‬ابمللوك‪ ،‬وزعموا بعقوهلم الفاسدة ورأيهم السقيم‪ ،‬أن امللوك‬
‫كما أنه ال يوصل إليهم إال بوجهاء‪ ،‬وشفعاء‪ ،‬ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاايهم‪ ،‬ويستعطفوهنم‬
‫عليهم‪ ،‬وميهدون هلم األمر يف ذلك‪ ،‬أن هللا تعاىل كذلك‪.‬‬
‫وهذا القياس من أفسد األقيسة‪ ،‬وهو يتضمن التسوية بني اخلالق واملخلوق‪ ،‬مع ثبوت الفرق العظيم‪،‬‬
‫عقالً ونقالً وفطرة‪ ،‬فإن امللوك‪ ،‬إمنا احتاجوا للوساطة بينهم وبني رعاايهم‪ ،‬ألهنم ال يعلمون أحواهلم‪.‬‬
‫فيحتاج من يعلمهم أبحواهلم‪ ،‬ورمبا ال يكون يف قلوهبم رمحة لصاحب احلاجة‪ ،‬فيحتاج من يعطفهم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪59‬‬
‫عليه [ويسرتمحه هلم] وحيتاجون إىل الشفعاء والوزراء‪ ،‬وخيافون منهم‪ ،‬فيقضون حوائج من توسطوا هلم‪،‬‬
‫مراعاة هلم‪ ،‬ومداراة خلواطرهم‪ ،‬وهم أيضا فقراء‪ ،‬قد مينعون ملا خيشون من الفقر‪.‬‬
‫وأما الرب تعاىل‪ ،‬فهو الذي أحاط علمه بظواهر األمور وبواطنها‪ ،‬الذي ال حيتاج من خيربه أبحوال‬
‫رعيته وعباده‪ ،‬وهو تعاىل أرحم الرامحني‪ ،‬وأجود األجودين‪ ،‬ال حيتاج إىل أحد من خلقه جيعله رامحا‬
‫لعباده‪ ،‬بل هو أرحم هبم من أنفسهم ووالديهم‪ ،‬وهو الذي حيثهم ويدعوهم إىل األسباب الت ينالون‬
‫هبا رمحته‪ ،‬وهو يريد من مصاحلهم ما ال يريدونه ألنفسهم‪ ،‬وهو الغين‪ ،‬الذي له الغىن التام املطلق‪،‬‬
‫الذي لو اجتمع اخللق من أوهلم وآخرهم يف صعيد واحد فسألوه‪ ،‬فأعطى كال منهم ما سأل ومتىن‪َ ،‬ل‬
‫ينقصوا من غناه شيئا‪ ،‬وَل ينقصوا مما عنده‪ ،‬إال كما ينقص البحر إذا غمس فيه املخيط‪.‬‬
‫وَجيع الشفعاء خيافونه‪ ،‬فال يشفع منهم أحد إال إبذنه‪ ،‬وله الشفاعة كلها‪.‬‬
‫فبهذه الفروق يعلم جهل املشركني به‪ ،‬وسفههم العظيم‪ ،‬وشدة جراءهتم عليه‪.‬‬
‫ويعلم أيضا احلكمة يف كون الشرك ال يغفره هللا تعاىل‪ ،‬ألنه يتضمن القدح يف هللا تعاىل‪ ،‬وهلذا قال‬
‫َّ َّ َ َ ۡ ُ‬
‫ٱَّلل يحك ُم‬ ‫حاكما بني الفريقني‪ ،‬املخلصني واملشركني‪ ،‬ويف ضمنه التهديد للمشركني‪ :-‬ﵟ إِن‬
‫َۡ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫بَ ۡي َن ُه ۡم فِى َما ه ۡم فِيهِ يخ َتلِفونَۗ ﵞ‪.‬‬
‫وقد علم أن حكمه أن املؤمنني املخلصني يف جنات النعيم‪ ،‬ومن يشرك ابهلل فقد حرم هللا عليه اجلنة‪،‬‬
‫ومأواه النار‪.‬‬
‫‪ٞ‬‬ ‫َ ۡ ُ َ َ ٰ ‪َّ َ ٞ‬‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬
‫ﵟإِن ٱَّلل لا يه ِديﵞ أي‪ :‬ال يوفق للهداية إىل الصراط املستقيم ﵟمن هو ك ِذب كفارﵞ أي‪:‬‬
‫وصفه الكذب أو الكفر‪ ،‬حبيث أتتيه املواعظ واآلايت‪ ،‬وال يزول عنه ما اتصف به‪ ،‬ويريه هللا اآلايت‪،‬‬
‫أىن له اهلدى وقد سد على نفسه الباب‪ ،‬وعوقب أبن طبع هللا‬ ‫فيجحدها ويكفر هبا ويكذب‪ ،‬فهذا َّ‬
‫على قلبه‪ ،‬فهو ال يؤمن؟ "(‪.)1‬‬
‫ُ ُ َ َ َُٓ‬ ‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ََُُۡ َ‬
‫ون ٱَّللِ َما لا يَض ُّره ۡم َولا يَنف ُع ُه ۡم َو َيقولون هؤلا ِء‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ون‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬ﵟويعبد‬
‫ۡرض ُس ۡب َ‬
‫حٰ َنهۥُ‬ ‫َۡ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ ُ ۡ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ۡ َ‬ ‫ُ َ َ َُ‬
‫ت ولا فِى ٱلأ ِ ِۚ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫شفعؤنا عِند ٱَّللَِۚ قل أتنبِـون ٱَّلل بِما لا يعلم فِى ٱلسمو ِ‬
‫َ َ َ ٰ َ ٰ َ َّ ُ ۡ ُ َ‬
‫ركون ‪١٨‬ﵞ ﵝيُونُس اآلية ﵘﵑﵜ‬ ‫وتعلى عما يش ِ‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي(ص‪.)718‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪60‬‬
‫َ‬
‫ويف تفسري السعدي‪":‬يقول تعاىل‪ :‬ﵟ َي ۡع ُب ُدونﵞ أي‪ :‬املشركون املكذبون لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ون ٱَّللِ َما لا يَض ُّره ۡم َولا يَنف ُع ُه ۡم ﵞ أي‪ :‬ال متلك هلم مثقال ذرة من النفع وال تدفع‬
‫ﵟ مِن د ِ‬
‫عنهم شيئا‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ َُٓ ُ َ َ َُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ﵟ َو َيقولونﵞ قوال خاليا من الربهان‪ :‬ﵟ هؤلا ِء شفعؤنا عِند ٱَّللَِۚﵞ أي‪ :‬يعبدوهنم ليقربوهم‬
‫إىل هللا‪ ،‬ويشفعوا هلم عنده‪ ،‬وهذا قول من تلقاء أنفسهم‪ ،‬وكالم ابتكروه هم‪ ،‬وهلذا قال تعاىل ‪-‬مبطال‬
‫َۡ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ ۡ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ َ‬
‫ت ولا فِى ٱلأ ِ ِۚ‬
‫ۡرضﵞ أي‪ :‬هللا تعاىل‬ ‫ُ‬
‫هلذا القول‪ :-‬ﵟ قل أتنبِـون ٱَّلل بِما لا يعلم فِى ٱلسمٰو ٰ ِ‬
‫هو العاَل‪ ،‬الذي أحاط علما جبميع ما يف السماوات واألرض‪ ،‬وقد أخربكم أبنه ليس له شريك وال إله‬
‫معه‪ ،‬أفأنتم‪-‬اي معشر املشركني‪ -‬تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟ أفتخربونه أبمر خفي عليه‪،‬‬
‫وعلمتوه؟ أأنتم أعلم أم هللا؟ فهل يوجد قول أبطل من هذا القول‪ ،‬املتضمن أن هؤالء الضالل اجلهال‬
‫السفهاء أعلم من رب العاملني؟ فليكتف العاقل مبجرد تصور هذا القول‪ ،‬فإنه جيزم بفساده وبطالنه‪:‬‬
‫ۡ ُ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ﵟ ُس ۡب َ‬
‫حٰ َن ُهۥ َوتعٰل ٰى ع َّما يُش ِركونﵞ أي‪ :‬تقدس وتنزه أن يكون له شريك أو نظري‪ ،‬بل هو هللا‬
‫األحد الفرد الصمد الذي ال إله يف السماوات واألرض إال هو‪ ،‬وكل معبود يف العاَل العلوي والسفلي‬
‫سواه‪ ،‬فإنه ابطل عقالً وشرعاً وفطرة‪.‬‬
‫ۡ‬
‫ٱَّلل ُه َو ٱل َعلِىُّ‬ ‫َ ٰ َ َ َّ َّ َ ُ َ ۡ َ ُّ َ َ َّ َ َ ۡ ُ َ‬
‫ون مِن ُدونِهِۦ ُه َو ٱلۡ َبٰ ِط ُل َوأَ َّن َّ َ‬ ‫ﵟذل ِك بِأن ٱَّلل هو ٱلحق وأن ما يدع‬
‫ُ‬ ‫ۡ َ‬
‫ٱلكبِير ‪٦٢‬ﵞ ﵝاحلَج اآلية ﵒﵖﵜ " ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي(‪.)360‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪61‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ارتباط احلج ابلتقوى‪.‬‬
‫إن املتأمل يف آايت احلج جيد االرتباط العظيم بني التقوى واحلج؛ ألن عبادة احلج من أبرز مقاصدها‬
‫حتقيق التقوى يف حياة املسلم‪ ،‬وهذه بعض الت ربطت بني عبادة احلج والتقوى‪.‬‬
‫ﲦ‬
‫ﲧ‬ ‫ﲠ ﲢ ﲣﲤﲥ‬
‫ﲡ‬ ‫قال تعاىل عن املواقيت الزمانية للحج‪ :‬ﱡ ﲞﲟ‬ ‫‪-1‬‬

‫ﲲ ﲴ ﲵﲶ‬
‫ﲳ‬ ‫ﲨ ﲩ ﲪﲫﲬﲭﲮﲯ ﲰﲱ‬

‫ﲷﲸﲹﲺﲻ ﲼﱠ [البقرة‪.]189 :‬‬

‫ﲣﳩﱠ‪ُ ،‬ث ختمها بقوله‬


‫وقال تعاىل يف أول آايت احلج من سورة البقرة ﱡ ﲠﲡﲢ ﲤ‬ ‫‪-2‬‬

‫ﱡ ﳪﳫﳬﳭﳮﳯﳰﱠ [البقرة‪.]196 :‬‬ ‫تعاىل‪:‬‬


‫ﱃﱅ ﱆ‬
‫ﱄ‬ ‫وقال تعاىل بعد ذلك يف آايت احلج من سورة البقرة‪ :‬ﱡ ﱁﱂ‬ ‫‪-3‬‬
‫ﱐﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱑ‬ ‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ‬

‫ﱝﱟ ﱠﱡﱠ [البقرة‪.]197 :‬‬


‫ﱞ‬ ‫ﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫وقال تعاىل عن أحكام الصيد للمحرم‪ :‬ﱡ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇ‬ ‫‪-4‬‬

‫ﱉ ﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ ﱖﱠ [املائدة‪:‬‬ ‫ﱈ‬


‫‪.]96‬‬

‫وقال تعاىل يف خامتة آايت احلج يف سورة البقرة‪ :‬ﱡ ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈ‬ ‫‪-5‬‬

‫ﱓﱕﱖﱗﱘﱙ‬
‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱔ‬

‫ﱚﱛﱜﱝﱠ [البقرة‪.]203 :‬‬

‫وقال تعاىل عن األضاحي واهلدااي املرتبطة بشعائر احلج‪ :‬ﱡ ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ‬ ‫‪-6‬‬

‫ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﱠ‬
‫[احلج‪.]37 :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪62‬‬

‫وقال تعاىل عن تعظيم مناسك احلج ومنها اهلدي وغريه من املناسك‪ :‬ﱡ ﱘﱙﱚﱛﱜ‬ ‫‪-7‬‬

‫ﱝﱞﱟﱠﱡﱠ [احلج‪]32 :‬‬


‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫وهذه بعض الوقفات تعليقاً على هذه اآلايت‪:‬‬


‫الوقفة األوىل‪ :‬ماهي التقوى؟‬
‫التقوى بعبارة موجزة أن جتعل بينك وبني عذاب هللا وقاية ابمتثال األمر واجتناب النهي‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬التقوى عمل قليب يظهر أثره على اجلوارح‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱠ [احلج‪.]32 :‬‬
‫فتعظيم شعائر هللا دليل على تقوى القلوب‪ ،‬وأضاف التقوى يف اآلية إىل القلب ألن حقيقة‬
‫ِ‬
‫ث َمَّرات(‪ .)2‬واملعظم لشعائر هللا‬ ‫اهنَا» َويُشريُ إِ َىل َ‬
‫ص ْد ِرهِ ثََال َ‬ ‫التقوى فيه‪ ،‬كما قال ‪« :‬التَّ ْق َوى َه ُ‬
‫يربهن على تقواه وصدق إميانه(‪ ،)3‬وهذا يدل على أمهية عمل القلوب وأثره على حياة العبد‪ ،‬فإذا‬
‫حقق العبد التقوى ظهر عليه تعظيمه لشعائر هللا تعاىل يف سره وجهره‪ ،‬ومن أبرز ما يظهر فيه أثر‬
‫التقوى على العبد مناسك احلج‪ ،‬كما سيايت يف الوقفة اآلتية‪:‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬احلج من أعظم العبادات اليت تظهر فيها آاثر التقوى على سلوك احلاج واملعتمر‪.‬‬
‫وذلك ألن احلج رحلة شاقة فيها مفارقة لألهل والوطن‪ ،‬وفيها جهد بدين‪ ،‬وبذل مايل‪ ،‬وال يعني على‬
‫ذلك إال التقوى‪ ،‬فحني يقبل احلاج واملعتمر على فعل أمر هللا واجتناب هنيه‪ ،‬ابتغاء أن يقيه هللا‬
‫عذاب الدنيا واآلخرة‪ ،‬فحينئذ تسهل عليه أداء مناسك حجه وعمرته على أحسن حال حيبه هللا‬
‫ويرضاه‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬طرق عملية لتفعيل أثر التقوى على احلاج واملعتمر‪.‬‬
‫وهذه بعض الطرق العملية ‪-‬على وجه االختصار‪ -‬الت تعني احلاج واملعتمر على حتقيق التقوى يف‬
‫حجه وعمرته‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التقوى يف آايت احلج‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم احلقيل‪ ،‬موقع األلوكة على الشبكة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪)1986 /4‬ح(‪.)2564‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬تفسري القرطيب (‪ ،)56 /12‬تفسري السعدي (‪.)538‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪63‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص هلل تعاىل واملتابعة للنيب ‪ ‬يف حجه وعمرته كما سبق الكالم عن ذلك‪،‬‬
‫وسيأيت كذلك مزيد بيان لذلك يف ثنااي الكتاب‪.‬‬
‫‪ -2‬احلرص على أن تكون نفقته يف حجه وعمرته من مكسب حالل ألن هللا طيب ال يقبل‬
‫إال طيباً‪ ،‬وألن املال احلرام مينع إجابة الدعاء‪ ،‬قال ‪ " :‬أَيُّ َها الن ِ‬
‫َّاس‪ ،‬إ َّن هللاَ طَيِ ٌ‬
‫ب َال‬ ‫ُ‬
‫ال‪ :‬ﱡ ﲑﲒﲓﲔ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْقبل إَِّال طَيِبا‪ ،‬وإِ َّن هللا أَمر الْم ْؤِمنِ ِ‬
‫ني مبَا أ ََمَر بِه الْ ُم ْر َسل َ‬
‫ني‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ً َ َ ََ ُ َ‬ ‫َ َُ‬
‫ﲕﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﱠ [املؤمنون‪.]51 :‬‬

‫ﱡ ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ ﱠ [البقرة‪.]172 :‬‬ ‫ال‪:‬‬


‫َوقَ َ‬
‫الس َفر أَ ْشعث أَ ْغرب‪ ،‬مي ُّد يدي ِه إِ َىل َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َماء‪َ ،‬اي َر ِب‪َ ،‬اي َر ِب‪َ ،‬وَمطْ َع ُمهُ‬ ‫يل َّ َ َ َ ََ َُ َ َ ْ‬ ‫الر ُج َل يُط ُ‬ ‫ُُثَّ ذَ َكَر َّ‬
‫َىن يستج ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك؟ "(‪.)1‬‬ ‫ي ِاب ْحلََرام‪ ،‬فَأ َّ ُ ْ َ َ ُ‬
‫اب ل َذل َ‬ ‫َحَر ٌام‪َ ،‬وَم ْشَربُهُ َحَر ٌام‪َ ،‬وَم ْلبَ ُسهُ َحَر ٌام‪َ ،‬وغُذ َ‬
‫‪ -3‬أن حيرص على الرفقة الصاحلة يف حجه وعمرته الت تعينه على طاعة هللا وتذكره ابهلل‬
‫إذا غفل‪.‬‬
‫‪ -4‬أن حيرص احلاج واملعتمر على امتثال األحاديث اآلتية سلوكاً عملياً يف حجه وعمرته‪ ،‬ويف‬
‫وسائر أحواله‪:‬‬
‫ال‪« :‬امل ْسلِ ُم‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫َ‬ ‫اَّللُ َعْن ُه َما‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫َّيب‬ ‫‪َ -‬ع ْن َعْب ِد َّ‬
‫اَّللِ بْ ِن َع ْمرو َر ِض َي َّ‬
‫(‪ُ )2‬‬ ‫من سلِم املسلِمو َن ِمن لِسانِِه وي ِدهِ‪ ،‬وامله ِ‬
‫اَّللُ َعْنهُ» ‪.‬‬ ‫اج ُر َم ْن َه َجَر َما َهنَى َّ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ َُ‬
‫ال لَهُ‪ :‬ات َِّق هللاَ َحْي ثُ َما‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫‪ -‬و َع ْن أَِيب َذر َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪ ،‬أ َّ‬
‫َن النِ َّ‬
‫َّيب َ‬
‫َّاس ِخبُلُق َح َسن"(‪.)3‬‬ ‫ِِ‬ ‫السيِئَةَ ْ‬
‫ت‪َ ،‬وأَتْبِ ِع َّ‬
‫احلَ َسنَةَ متَْ ُح َها‪َ ،‬و َخالق الن َ‬ ‫ُكْن َ‬
‫الم الْ َم ْرِء تَ ْرُكهُ َما َال يَ ْعنِ ِيه "(‪.)4‬‬ ‫ول هللاِ صلَّى هللا َعلَْي ِه وسلَّم‪ِ " :‬من حس ِن إِ ْس ِ‬
‫ْ ُْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫‪ -‬وقَ َ‬

‫(‪)1‬أخرجه مسلم (‪ )703 /2‬ح(‪.)1015‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪)11 /1‬ح(‪ )10‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم بعضه دون قوله‪":‬واملهاجر‪ )65 /1( "..‬ح(‪.)41‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪)284 /35‬ح(‪ ،)21354‬والدارمي(‪ )925 /2‬ح(‪ ،)2820‬والرتمذي(‪)355 /4‬ح(‪ )1987‬وقال‪ ":‬حسن‬
‫صحيح"‪ ،‬واحلاكم (‪)121 /1‬ح(‪)178‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع (‪)81 /1‬ح(‪.)97‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪)259 /3‬ح(‪ ،)1737‬والرتمذي (‪ )558 /4‬ح(‪ )2317‬وقال‪" :‬حديث غريب"‪ ،‬وابن ماجه (‪)1315 /2‬‬
‫ح(‪ ،)3976‬وابن حبان (‪ )466 /1‬ح(‪ ،)229‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع(‪ )1027 /2‬ح(‪ )5911‬ويف غريه‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪64‬‬
‫ول‪:‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ول الن ُّْع َما َن بْ َن بَ ِشري َر ِض َي َّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫اَّللُ َعْنهُ‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫‪ -‬يَ ُق ُ‬
‫َّاس‪ ،‬فَ َم ِن اتَّ َقى‬ ‫ات َال يَ ْعلَ ُم َها َكثِريٌ ِم َن الن ِ‬ ‫ني‪َ ،‬وبَْي نَ ُه َما ُم َشبَّ َه ٌ‬‫ني‪َ ،‬واحلََر ُام بَِ ٌ‬‫" احلََال ُل بَِ ٌ‬
‫ات‪َ :‬كَراع يَْر َعى َح ْوَل احلِ َمى‪،‬‬ ‫ات استَربأَ لِ ِدينِ ِه و ِعر ِض ِه‪ ،‬ومن وقَع ِيف الشُّب ه ِ‬ ‫امل َشبَّه ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ْ ََ ْ َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ك أَ ْن يُ َواقِ َعهُ‪ ،‬أََال َوإِ َّن لِ ُك ِل َملِك ِمحًى‪ ،‬أََال إِ َّن ِمحَى َّ‬
‫اَّللِ ِيف أ َْر ِض ِه َحمَا ِرُمهُ‪ ،‬أََال َوإِ َّن‬ ‫وش ُ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫ت فَ َس َد اجلَ َس ُد ُكلُّهُ‪ ،‬أََال‬ ‫صلَ َح اجلَ َس ُد ُكلُّهُ‪َ ،‬وإِذَا فَ َس َد ْ‬ ‫ت َ‬ ‫صلَ َح ْ‬‫ضغَةً‪ :‬إِذَا َ‬ ‫ِيف اجلَ َس ِد ُم ْ‬
‫ب "(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َوه َي ال َق ْل ُ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الر ُج َل‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫ول َِّ‬ ‫‪َ -‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني َخ ِري ًفا ِيف النَّا ِر»(‪.)2‬‬ ‫لَيَ تَ َكلَّ ُم ِابل َكل َمة َال يََرى هبَا َأبْ ًسا يَ ْه ِوي هبَا َسْبع َ‬
‫َخ ِيه َما‬ ‫ب ِأل ِ‬ ‫َح ُد ُك ْم‪َ ،‬ح ََّّت ُِحي َّ‬ ‫ال‪ِ َ :‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫‪َ -‬ع ْن أَنَس َع ِن النِ ِ‬
‫«ال يُ ْؤم ُن أ َ‬ ‫َّيب َ‬
‫ب لِنَ ْف ِس ِه»(‪.)3‬‬ ‫ُِحي ُّ‬
‫‪ -5‬أن حيرص احلاج واملعتمر على التخلق ابخللق احلسن والبعد عن أخالق السوء‪ ،‬وسيأيت‬
‫مزيد بيان لذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬أن حيفظ جوارحه من الوقوع يف احلرام‪.‬‬
‫‪ -7‬أن جياهد نفسه على اخلشوع يف صالته(‪.)4‬‬
‫‪ -8‬أن حيرص احلاج واملعتمر على وقته يف أثناء أداء املناسك فال يضيعه فيما ال فائدة منه‪،‬‬
‫بل يعمر أوقاته ابلعبادة من تالوة وذكر واستغفار وتوبة مع احلرص أداء املناسك يف‬
‫أوقاهتا احملددة شرعاً‪.‬‬

‫وقال يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪)96 /3‬ح(‪":)2881‬حسن لغريه"‪ ،‬وحسنه مبجموع شواهده االرانؤوط يف تعليقه على‬
‫سنن ابن ماجه(‪.)119 /5‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪)20 /1‬ح(‪ ،)52‬ومسلم (‪ )1219 /3‬ح(‪.)1599‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ )149 /12‬ح(‪ ،)7215‬والرتمذي(‪)557 /4‬ح(‪ )2314‬وقال‪" :‬حسن غريب"‪ ،‬واحلاكم (‪/4‬‬
‫‪)640‬ح(‪ )8769‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح(‪ )334 /1‬ح(‪ ،)1618‬وصححه حمقق مسند‬
‫أمحد (‪.)149 /12‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪)12 /1‬ح(‪ ،)13‬ومسلم (‪)67 /1‬ح (‪.)45‬‬
‫(‪ )4‬ينظر كتاب أثر عمل القلب على عبادة الصالة للمؤلف على موقع شبكة األلوكة‪ ،‬من تصميم وإخراج مشروع تعظيم قدر‬
‫الصالة مبكة املكرمة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪65‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على مناسك احلج‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة اإلحرام‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الطواف والسعي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أثر عمل القلب على عبادات يوم الرتوية‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبزدلفة‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة رمي اجلمار‪.‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة احللق أو التقصري‪.‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبىن ليايل أايم التشريق‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪66‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على مناسك احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة اإلحرام‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫وحني يصل احلاج واملعتمر إىل املواقيت املكانية أو حياذيها من اجلو أو البحر‪ ،‬فيستعد للدخول يف‬
‫عبادة اإلحرام‪ ،‬والت سيكون احلديث عنها يف املسائل اآلتية‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أن يستحضر بقلبه نية الدخول يف عبادة اإلحرام‪.‬‬
‫وهنا احلاج واملعتمر عند إحرامه حيرص على سالمة مقصده هلل تعاىل يف هذه العبادة‪ ،‬يتفقد قلبه وهو‬
‫ينوي الدخول يف نسكه‪ ،‬فيحذر املقاصد الفاسدة الت تزينها له نفسه وشيطانه من الرايء والعجب‬
‫س بْ ِن َمالِك‬
‫والسمعة‪ ،‬وسيأيت بيان ذلك‪ ،‬وهذا حال القدوة صلى هللا عليه وسلم عند إحرامه ف َع ْن أَنَ ِ‬
‫ث(‪َ ،)1‬وقَ ِطي َفةٌ(‪َ )2‬ال‬ ‫ال‪« :‬ح َّج النَِّيب صلَّى هللا علَي ِه وسلَّم علَى ر ِ‬
‫احلَة َعلَْي َها َر ْح ٌل َر ٌّ‬ ‫ُّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َرض َي هللاُ َعْنهُ‪ ،‬قَ َ َ‬
‫ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬اللَّ ُه َّم َه ِذهِ َح َّجةٌ َال ِرَايءَ فِ َيها َوَال َسُْ َعةَ»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫تُ َسا ِوي أ َْربَ َعةَ َد َراه َم‪ُُ ،‬ثَّ قَ َال َ‬
‫وعبادة احلج والعمرة عبادة عظيمة‪ ،‬ووقعها يف قلوب الناس عظيم‪ ،‬فال بد من االنتباه للمقصد والنية‬
‫وجماهدة النفس على اإلخالص هلل تعاىل يف هذه العبادة والتجرد من أسباب الرايء والسمعة الت‬
‫تفسد على احلاج واملعتمر عبادته‪ ،‬وسيأيت مزيد بيان لذلك‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬التلبية شعار التوحيد‪ ،‬وعالقتها بعمل القلب‪.‬‬
‫ويبدأ احلاج واملعتمر يف التلبية عند استوائه على مركوبه من سيارة وحنوها؛ لورود األحاديث بذلك‪،‬‬
‫وهنا حيسن التنبيه على بعض األمور املتعلقة بعمل القلب عند التلبية‪ ،‬ومن ذلك ما أييت‪:‬‬
‫‪ -1‬رفع الصوت ابلتلبية عبادة عظيمة هلا أثر كبري يف لذة هذه العبادة إذا توافق القلب مع‬
‫اللسان‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يستحضر املليب معىن ما يقول‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرث‪ :‬الشيء البايل القدمي‪.‬‬


‫ينظر‪ :‬الصحاح (‪ )282 /1‬مادة(رثث)‪ ،‬مقاييس اللغة (‪ )384 /2‬مادة(رث)‪.‬‬
‫(‪ )2‬القطيفة‪ :‬كساء له أهداب‪ .‬ينظر‪ :‬املعجم الوسيط (‪.)747 /2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء (‪ ،)308 /6‬والرتغيب والرتهيب لقوام السنة (‪)16 /2‬ح(‪ )1056‬وأبو الضياء املقدسي يف‬
‫األحاديث املختارة (‪)80 /5‬ح(‪ )1705‬بسند صحيح كما قاله األلباين يف منسكه(‪)16‬ح(‪ )13‬وصححه يف السلسلة‬
‫الصحيحة مبجموع طرقه(‪)230/6‬ح(‪.)2617‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪67‬‬
‫املواصلة يف هذه العبادة مع رفع الصوت حَّت يصل احلاج واملعتمر إىل البيت العتيق‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وسي أيت مزيد بيان للتلبية وما يتعلق هبا يف مبحث قادم‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أن يدرك بقلبه خطر التساهل يف حمظورات اإلحرام‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊ‬
‫ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓ ﲔﲕﲖﲗﱠ [املائدة‪.]94 :‬‬

‫ويف هذه اآلية دليل على خطورة التساهل يف حمظورات اإلحرام‪ ،‬فإذا تلبس املسلم بنسك‬
‫احلج والعمرة حرم عليه ما كان حالالً قبل ذلك ابتالءً واختباراً‪ ،‬وهنا يظهر أثر اخلوف من هللا‬
‫ذلك العمل القليب العظيم الذي إذا كان حياً يف القلب حجز صاحبه عن الوقوع يف حمظورات‬
‫اإلحرام وغريها من احملرمات‪ ،‬وخيترب هللا عبده حبصول بعض األشياء املرغوبة لديه مما حيبه ويرغب‬
‫قلبه فيه‪ ،‬وذلك يكون يف حال خلوته ال يراه أحد فهنا يظهر الصادق يف خوفه من هللا الذي‬
‫خيشاه ابلغيب وينجح يف االختبار أو يضعف خوفه من هللا يف حال خلوته فريتكب ما حرم هللا‬
‫عليه ألن ال يراه أحد فيسقط يف االختبار‪ ،‬وهلذا جاء الوعيد الشديد الذي تنخلع منه القلوب‪،‬‬
‫«أل َْعلَ َم َّن أَقْ َو ًاما ِم ْن أ َُّم ِت َأيْتُو َن يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة‬
‫ملن ينتهك حمارم هللا يف حال خلوته‪ ،‬فقال ‪َ :‬‬
‫اَّللِ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ول َّ‬ ‫ال ثَ ْوَاب ُن‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫اَّللُ ‪َ ‬هبَاءً َمْن ثُ ًورا»‪ ،‬قَ َ‬ ‫يضا‪ ،‬فَيَ ْج َعلُ َها َّ‬ ‫ِحبَ َسنَات أ َْمثَ ِال جبَ ِال هتَ َامةَ بِ ً‬
‫ال‪« :‬أ ََما إِ َّهنُْم إِ ْخ َوانُ ُك ْم‪َ ،‬وِم ْن‬ ‫ِص ْف ُه ْم لَنَا‪َ ،‬جلِ ِه ْم لَنَا؛ أَ ْن َال نَ ُكو َن ِمْن ُه ْم َوَْحن ُن َال نَ ْعلَ ُم‪ ،‬قَ َ‬
‫وها»(‪.)1‬‬ ‫ِج ْل َدتِ ُكم‪ ،‬وأيْخ ُذو َن ِمن اللَّي ِل َكما َأتْخ ُذو َن‪ ،‬ولَ ِكنَّهم أَقْ وام إِذَا خلَوا ِمبَحا ِرِم َِّ‬
‫اَّلل انْتَ َه ُك َ‬ ‫َ ُْ َ ٌ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ْ ََ ُ‬
‫واليوم تيسر َساع احلرام والنظر إليه من خالل أجهزة اجلوال والقنوات الفضائية ومير على املسلم ومن‬
‫ضمنهم احلاج واملعتمر مناظر حمرمة يستطيع أن يراها بدون أن يعلم به أحد من الناس؛ ليختربه هللا‬
‫هل خياف هللا ابلغيب فيحذر من السقوط يف االختبار‪ ،‬أو أنه ال يبايل مبا حرم هللا ما دام ال يراه‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه(‪ )1418 /2‬ح (‪ ،)4245‬وقال املنذري يف الرتغيب والرتهيب(‪ )170 /3‬ح (‪" :)3534‬رواه ابن ماجه‬
‫ورواته ثقات"‪ ،‬وقال البوصريي يف زوائد ابن ماجه (‪ )246 /4‬ح (‪" :)1525‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )591 /2‬ح (‪ ،)2346‬وحسن إسناده شعيب األرانؤوط يف حتقيقه لسنن ابن ماجه‬
‫(‪ )317 /5‬ح (‪.)4245‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪68‬‬
‫الناس وينسى أن هللا يراه‪ ،‬فتزل قدم بعد ثبوهتا‪ ،‬ويسقط يف االختبار ويعرض نفسه لعقوبة هللا‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك سبباً خلذالنه‪ ،‬نسأل هللا السالمة والعافية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الطواف والسعي‪.‬‬
‫الطواف ابلبيت العتيق والسعي بني الصفا واملروة عبادة عظيمة هلا ارتباط وثيق بعمل القلب‪ ،‬وذلك‬
‫أن يستحضر من يقوم هبذه العبادة بقلبه أنه ميتثل أمر هللا ويقتدي برسول هللا ‪ ،‬وهلذا حيرص يف‬
‫طوافه وسعيه على متابعة النيب ‪ ،‬فيفعل مثله يف طوافه وسعيه‪ ،‬وحيذر من الوقوع يف البدع‬
‫واحملداثت الت أدخلها الناس يف هذه العبادة وهي ليست منها‪ ،‬وَل يفعلها النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫يف طوافه وسعيه‪ ،‬مثل إحداث أدعية خاصة لكل شوط من الطواف والسعي َل ترد يف سنة النيب ‪،‬‬
‫وكذلك ما أحدثه الناس يف طوافهم وسعيهم من أمور تنايف اإلخالص هلل تعاىل يف هذه العبادة مثل‬
‫تصوير أنفسهم وهم يؤدون هذه العبادة‪ ،‬وهذا الفعل خطري على املقاصد والنيات ويدخل الشيطان‬
‫من خالل ذلك‪ ،‬فيوقعهم يف الرايء والسمعة‪ ،‬وسيأيت حديث مفصل عن هذه اآلفات‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أثر عمل القلب على عبادات يوم الرتوية‪.‬‬
‫يشعر بقلبه أنه يقتدي بنبيه صلى هللا عليه وسلم يف أداء مناسك احلج‪ ،‬ففي اليوم الثامن من ذي‬
‫احلجة يذهب إىل مىن ليصلي هبا الظهر والعصر واملغرب والعشاء واملبيت هبا وصالة الفجر‪ُ ،‬ث‬
‫االنطالق إىل عرفات بعد شروق الشمس‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫هذا اليوم من أايم هللا اخلالدة يف حياة احلاج خاصة‪ ،‬وله وقعه العظيم يف قلبه‪ ،‬هذا يوم عرفة قال عنه‬
‫احلَ ُّج َعَرفَةُ‪ )1("..‬احلديث‪ ،‬وهذا املوقف بعرفة من أعظم مواقف الدنيا الت يقفها‬ ‫املصطفى ‪ْ ":‬‬
‫اهي الْ َم َالئِ َكةَ ِأب َْه ِل‬‫العبد بني يدي هللا‪ ،‬وابألخص وقت العشي منه‪ ،‬قال ‪ ":‬إِ َّن هللا عَّز وج َّل ي ب ِ‬
‫َ َ َ َ َُ‬
‫ول‪ :‬انْظُُروا إِ َىل ِعبَ ِادي ُش ْعثًا غُ ْ ًربا "(‪ ،)2‬وقال ‪َ ":‬ما ِم ْن يَ ْوم أَ ْكثَ َر ِم ْن أَ ْن يُ ْعتِ َق هللاُ فِ ِيه‬
‫َعَرفَات‪ ،‬يَ ُق ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪)64 /31‬ح(‪ ،)18774‬والرتمذي(‪)228 /3‬ح(‪ ،)889‬والنسائي (‪)264 /5‬ح(‪ ،)3044‬وابن ماجه (‪/2‬‬
‫‪ )1003‬ح(‪ ،)3015‬وابن خزمية يف صحيحه(‪)1331 /2‬ح(‪ ،)2822‬واحلاكم(‪ )305 /2‬ح(‪)3100‬وصححه وأقره‬
‫الذهيب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع(‪ )606 /1‬ح(‪ ،)3172‬وصحح إسناده حمقق املسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪)415 /13‬ح(‪ ،)8047‬وابن يف صحيحه(‪ )163 /9‬ح(‪ ،)3852‬واحلاكم(‪)636 /1‬ح(‪ )1708‬وصححه‪،‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب(‪)33 /2‬ح(‪ ،)1152‬وصححه حمقق املسند‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪69‬‬
‫ول‪َ :‬ما أ ََر َاد َه ُؤَال ِء؟ "(‪ ،)1‬وقال‬ ‫اهي هبِِِم الْ َم َالئِ َكةَ‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫عب ًدا ِمن النَّا ِر‪ِ ،‬من ي وِم عرفَةَ‪ ،‬وإِنَّه لَي ْدنُو‪ُُ ،‬ثَّ ي ب ِ‬
‫َُ‬ ‫ْ َ ْ ََ َ ُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ض أ َْه َل‬ ‫اهي ِأب َْه ِل ْاأل َْر ِ‬ ‫السم ِاء الدُّنْيا فَي ب ِ‬ ‫اَّللِ ِمن يوِم َعرفَةَ ي ْن ِزُل َّ ِ‬ ‫‪":‬وما ِمن يوم أَفْ َ ِ‬
‫َ َُ‬ ‫اَّللُ إ َىل َّ َ‬ ‫ض ُل عْن َد َّ ْ ْ َ َ‬ ‫ََ ْ ْ‬
‫ول‪ :‬انْظُُروا إِ َىل عبادي شعثاً غرباً ضاحني جاؤوا ِم ْن ُك ِل فَج َع ِميق يَْر ُجو َن َر ْمحَِت‪َ ،‬وََلْ يََرْوا‬ ‫الس َم ِاء‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬
‫َّ‬
‫َع َذ ِايب‪ ،‬فَلَ ْم يَُر يَ ْوٌم أَ ْكثَ ُر ِعْت ًقا من النار من يوم عرفة"(‪ ،)2‬وقال ‪‬كما يف مسند البزار‪َ " :‬وأ ََّما‬
‫ول‪ِ :‬عبَ ِادي‬ ‫اهي بِ ُك ُم الْ َمالئِ َكةَ يَ ُق ُ‬ ‫ط إِ َىل ََس ِاء الدُّنْيا فَي ب ِ‬ ‫ك َع ِشيَّةَ َعَرفَةَ فَِإ َّن َّ‬
‫اَّللَ تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل يَ ْهبِ ُ‬
‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُوقُوفُ َ‬
‫الرْم ِل‪ ،‬أ َْو َك َقطْ ِر الْ َمطَ ِر‪ ،‬أ َْو‬‫ت ذُنُوبُ ُك ْم َك َع َد ِد َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َجاءُ ِوين ُش ْعثًا م ْن ك ِل فَج َع ِميق يَْر ُجو َن َر ْمحَِت فَلَ ْو َكانَ ْ‬
‫يضوا ِعبَ ِادي َم ْغ ُف ًورا لَ ُك ْم َولِ َم ْن َش َف ْعتُ ْم لَهُ"(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكَزبَد الْبَ ْح ِر لَغَ َفَرَها‪ ،‬أ َْو لَغَ َف ْرُهتَا‪ ،‬أَف ُ‬
‫وهنا ال بد أن نقف وقفة مع دعاء يوم عرفة هبذا الذكر املخصوص الذي يقول عنه النيب ‪" :‬‬
‫ت أ ََان َوالنَّبِيُّو َن ِم ْن قَ ْبلِي‪َ :‬ال إِلَهَ إَِّال َّ‬ ‫ِ‬ ‫خري الد ِ‬
‫يك لَهُ‪ ،‬لَهُ‬ ‫اَّللُ َو ْح َدهُ َال َش ِر َ‬ ‫ُّعاء ُد َعاءُ يَ ْوم َعَرفَةَ‪َ ،‬و َخ ْريُ َما قُ ْل ُ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫ك َولَهُ احلَ ْم ُد َوُه َو َعلَى ُك ِل َش ْيء قَ ِد ٌير "(‪.)4‬‬ ‫امل ْل ُ‬
‫ُ‬
‫وروى البيهقي بسنده‪" :‬عن احلسني بن احلسن املروزي‪ ،‬وكان جاور مبكة حَّت مات قال‪ :‬سألت‬
‫سفيان بن عيينة‪ ،‬عن تفسري قول النيب صلى هللا عليه وسلم" أكثر دعائي ودعاء األنبياء قبلي بعرفة ال‬
‫إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له امللك وله احلمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير" وإمنا هو ذكر ليس فيه‬
‫دعاء‪.‬‬
‫قال سفيان‪َ :‬سعت حديث منصور عن مالك بن احلارث(‪)5‬؟ قلت‪ :‬نعم قال‪ :‬ذاك تفسري‬
‫هذا‪ُ ،‬ث قال‪ :‬أتدري ما قال أمية بن أيب الصلت حني أتى ابن جدعان يطلب انئله ومعروفه؟ قلت‪:‬‬
‫ال قال‪ :‬ملا أاته قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)982 /2‬ح(‪.)1348‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن حبان يف صحيحه (‪)164 /9‬ح(‪ ،)3853‬وقال حمققه‪" :‬حديث صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البزار يف مسنده (‪ )317 /12‬ح(‪ )6177‬وقال‪" :‬وهذا الكالم قد روي عن النيب صلى هللا عليه وسلم من وجوه‪ ،‬وال‬
‫نعلم له طريقا أحسن من هذا الطريق"‪ ،‬واملنذري يف الرتغيب والرتهيب(‪ )111 /2‬وقال‪" :‬وهي طريق ال أبس هبا رواهتا كلهم‬
‫موثقون" وحسنه لغريه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪)9 /2‬ح (‪.)1112‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪)548 /11‬ح (‪ ،)6961‬الرتمذي(‪)572 /5‬ح(‪ )3585‬واللفظ له وقال‪" :‬حديث غريب"‪ ،‬وقال اهليثمي يف‬
‫جممع الزوائد(‪)252 /3‬ح(‪" :)5550‬رواه أمحد‪ ،‬ورجاله موثقون"‪ ،‬واأللباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪/4‬‬
‫‪)8‬ح(‪ )1503‬وقال بعد أن ذكر شواهده هناك‪" :‬وَجلة القول‪ :‬أن احلديث اثبت مبجموع هذه الشواهد وهللا أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الزهد والرقائق ‪ -‬البن املبارك ‪ -‬ت األعظمي (‪ )326‬فقد أورده عن كالم مالك بن احلارث رقم األثر (‪ ،)929‬وقد‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪70‬‬
‫ك ِْ‬ ‫اج ِت أ َْم قَ ْد َك َف ِاين ‪ِ ...‬حبَ ُاؤ َك إن ِش َيمتَ َ‬
‫احلبَاءُ‬ ‫أَأَذْ ُك ُر َح َ‬
‫ك الْ َم ْرءُ يَ ْوَما ‪ ...‬ك َفاهُ ِم ْن تَ َعُّر َ‬
‫ضك الثَّنَاءُ‬ ‫إذَا أَثْ َىن َعلَْي َ‬
‫قال سفيان‪ :‬فهذا خملوق حني ينسب إىل اجلود‪ ،‬قيل‪ :‬يكفينا من تعرضك الثناء عليك حَّت أتيت على‬
‫حاجتنا‪ ،‬فكيف ابخلالق؟"(‪.)1‬‬
‫وهذه بعض الوقفات مع هذا الدعاء والذكر العظيم‪:‬‬
‫ُّع ِاء‬ ‫هذا ذكر وهو يف نفس الوقت دعاء‪ ،‬وكما يف احلديث يقول ‪َ .." :‬وأَفْ َ‬
‫ض ُل الد َ‬ ‫‪-1‬‬
‫احلَ ْم ُد ََِّّللِ" احلديث(‪ ،)2‬وذلك ألن الدعاء ينقسم كما قال أهل العلم إىل نوعني‪ ،‬األول‪:‬‬
‫ْ‬
‫دعاء عبادة وثناء وهو ما يقوم به العبد من عبادة وثناء على هللا من صالة وذكر وصدقة‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬وهو َل يطلب ويسال هللا لكنه بعبادته وثنائه على هللا فهو متعرض إىل دعاء‬
‫هللا وهللا يعلم ماذا يريد فيعطيه‪ ،‬والنوع الثاين‪ :‬دعاء مسألة وطلب من هللا تعاىل‪ ،‬وهذا‬
‫هو الدعاء املعروف تسأل هللا ما تريد من أمور الدنيا واآلخرة‪ ،‬ودعاء عرفة يدخل يف‬
‫النوع األول فهو دعاء عبادة وثناء‪ ،‬ومها متالزمان(‪.)3‬‬
‫«اإلميَا ُن بِ ْ‬
‫ض ٌع‬ ‫وهذا الذكر والدعاء العظيم هو أفضل وأعلى وأرفع شعب اإلميان قال ‪ِْ :‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ض ٌع َو ِستُّو َن ‪ُ -‬ش ْعبَةً‪ ،‬فَأَفْ َ‬
‫ضلُ َها قَ ْو ُل َال إِلَهَ إَِّال هللاُ‪َ ،‬وأ َْد َان َها إِ َماطَةُ ْاألَذَى‬ ‫َو َسْب عُو َن ‪ -‬أ َْو بِ ْ‬
‫اإلميَ ِ‬‫احلَيَاء ُش ْعبَةٌ ِمن ِْ‬ ‫ِ‬
‫ان»(‪.)4‬‬ ‫َ‬ ‫َع ِن الطَِّريق‪َ ،‬و ْ ُ‬

‫اَّللُ َعَّز َو َج َّل‪« :‬إِ َذا َشغَ َل َعْب ِدي ِذ ْك ِري َع ْن َم ْسأَلَِت‬
‫ول َّ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫ال‪ :‬يَ ُق ُ‬ ‫ورد مرفوعاً من حديث عُ َمَر َع ِن النِ ِ‬
‫َّيب َ‬
‫ني» أخرجه البزار(‪)247 /1‬ح(‪ ،)137‬ومسند الشهاب القضاعي (‪ )340 /1‬ح(‪،)584‬‬ ‫أَعطَي ته أَفْضل ما أُع ِطي َّ ِِ‬
‫السائل َ‬ ‫ْ ُُْ َ َ َ ْ‬
‫وقد ذهب الكثري من احملققني إىل تضعيفه‪ ،‬وذهب البعض إىل تصحيحه‪ ،‬والعلم عند هللا تعاىل‪ ،‬وله الفاظ أخرى‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ختريج أحاديث الكشاف للزيلعي(‪)220 /3‬ح(‪ ،)1133‬وسلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة(‪ )745 /10‬ح(‪.)4989‬‬
‫(‪ )1‬شعب اإلميان (‪.)96 /2‬‬
‫(‪" )2‬أخرجه الرتمذي (‪ )462 /5‬ح(‪ )3383‬وقال‪" :‬حديث حسن غريب"‪ ،‬ابن ماجه (‪)1249 /2‬ح(‪ ،)3800‬وابن حبان‬
‫(‪)126 /3‬ح(‪ ،)846‬واحلاكم (‪ )676 /1‬ح(‪ )1834‬وصححه‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪/2‬‬
‫‪)221‬ح (‪ ،)1526‬وحسنه شعيب األرانؤوط يف حتقيقه لسنن ابن ماجه (‪)712 /4‬ح(‪.)3800‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد(‪.)2 /3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪)63 /1‬ح(‪.)35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪71‬‬
‫اإلميَا ُن أ َْربَ َعةٌ َو ِستُّو َن َاب ًاب‪ ،‬أ َْرفَعُ َها َوأ َْع َال َها قَ ْو ُل‪َ :‬ال إِلَهَ إَِّال هللاُ‪،‬‬
‫ال ‪ِْ ":‬‬
‫ويف رواية قَ َ‬
‫َوأ َْد َان َها إِ َماطَةُ ْاألَذَى َع ِن الطَِّر ِيق"(‪.)1‬‬
‫ب فيها الكتب‪ ،‬وتعرضوا ملا يتعلق هبا من معىن‬ ‫ِ‬
‫وفضائل هذه الكلمة العظيمة قد ُكت َ‬ ‫‪-3‬‬
‫وشروط ولوازم يف كتب العقائد‪.‬‬
‫وإذا كان الذاكر هلل هبذه الكلمة العظيمة حاضر القلب يدرك معاين ما يقوله بلسانه يف‬ ‫‪-4‬‬
‫هذا املوقف العظيم‪ ،‬واتفق القلب مع اللسان‪ ،‬فإن هلذا الدعاء والثناء على هللا والذكر‬
‫بكلمة التوحيد أثره العظيم على صالح ظاهر اإلنسان وابطنه‪ ،‬وبراءته من الشرك‪ ،‬ومن‬
‫كل تعلقات القلب بغري هللا‪ ،‬ولو رسخ يف قلب املسلم عظمة هذه الكلمة‪ ،‬وفهم معناها‪،‬‬
‫وعمل مبقتضاها؛ ألدى ذلك إىل قلع وخلع جذور الشرك ابهلل من القلب‪.‬‬
‫وألن كلمة التوحيد تعين إفراد هللا ابلعبادة واإلقرار بتوحيد األلوهية والربوبية هلل تعاىل‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وماله من األَساء احلسىن والصفات العليا‪ ،‬وهلذا كانت دعوة َجيع األنبياء عليهم السالم‬
‫ألممهم الدعوة إىل حتقيق معاين هذه الكلمة يف حياهتم‪ ،‬وإفراد هللا جبميع العبادة‪ ،‬وال‬
‫يصرف منها شيء لغريه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫ﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱠ [األعراف‪ .]59 :‬وقاهلا صاحل وهود وشعيب وكل نيب لقومه‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱠ‬


‫[األنبياء‪.]25 :‬‬

‫وقاهلا النيب صلى هللا عليه وسلم لقومه حَّت إهنم عجبوا من هذه الدعوة إىل توحيد هللا وإفراده‬
‫ابلعبادة‪ ،‬وهي مقتضى كلمة التوحيد‪ :‬ال إله إال هللا الت بلغها هلم‪ ،‬فقالوا مستعجبني كما ذكر‬
‫هللا عنهم‪ :‬ﱡﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱠ [ص‪.]5 :‬‬

‫(‪ )1‬وهي يف مسند أمحد (‪)496 /14‬ح(‪ )8926‬وقال احملقق‪ ":‬إسناده صحيح على شرط مسلم"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪72‬‬
‫وق ِذي الْ َم َجا ِز(‪ )1‬يَتَ َخلَّلُ َها‬ ‫ول هللاِ ‪ ‬بِس ِ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫َي‬‫أ‬
‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َ‬‫ن‬‫ك ب ِن كِ‬ ‫و َعن رجل من ب ِين مالِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫اب‬‫الرت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬وأَبُو َج ْهل َْحيثي َعلَْيه َُّ‬ ‫َّاس‪ ،‬قُولُوا‪َ :‬ال إِلَهَ إَِّال هللاُ؛ تُ ْفلِ ُحوا»‪ ،‬قَ َ‬ ‫ول‪َ « :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫يَ ُق ُ‬
‫ت‬‫الال َ‬ ‫يد لِتَ ْرتُُكوا ِآهلتَ ُك ْم‪َ ،‬وتَْرتُُكوا َّ‬
‫َّاس‪َ ،‬ال يَغَُّرنَّ ُك ْم َه َذا َع ْن ِدينِ ُك ْم‪ ،‬فَِإَّمنَا يُِر ُ‬
‫ول‪َ :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫َويَ ُق ُ‬
‫ول هللاِ ‪ ..‬احلديث(‪.)2‬‬ ‫ت إِلَْي ِه َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬وَما يَْلتَف ُ‬ ‫َوالْعَُّزى‪ ،‬قَ َ‬
‫وق ِذي الْ َم َجا ِز َو َعلَْي ِه ُحلَّةٌ‬ ‫اَّللِ ‪ِ ‬يف س ِ‬
‫ُ‬ ‫ول َّ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ال‪َ :‬رأَيْ ُ‬ ‫و َع ْن طَا ِرِق بْ ِن َعْب ِد َّ‬
‫اَّللِ الْ ُم َح ِارِِيب قَ َ‬
‫اَّللُ؛ تُ ْفلِ ُحوا»‪َ ،‬وَر ُج ٌل يَْت بَ عُهُ يَْرِم ِيه ِاب ْحلِ َج َارةِ‪،‬‬
‫َّاس‪ ،‬قُولُوا‪َ :‬ال إِلَهَ إَِّال َّ‬
‫«اي أَيُّ َها الن ُ‬ ‫ول‪َ :‬‬ ‫َمحَْراءُ‪َ ،‬وُه َو يَ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫َوقَ ْد أ َْد َمى عُْرقُوبَْي ِه َوَك ْعبَ ْي ِه‪َ ،‬وُه َو يَ ُق ُ‬
‫ت‪َ :‬م ْن َه َذا؟‬ ‫اب‪ ،‬فَ ُق ْل ُ‬‫َّاس‪َ ،‬ال تُطيعُوهُ‪ ،‬فَِإنَّهُ َك َّذ ٌ‬ ‫ول‪َ :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫ال‪َ :‬ه َذا َعْب ُد‬ ‫ت‪ :‬فَ َم ْن َه َذا الَّ ِذي يَْت بَ عُهُ يَْرِم ِيه ِاب ْحلِ َج َارةِ؟ قَ َ‬‫ب‪ ،‬قُ ْل ُ‬‫قِيل‪َ :‬ه َذا غُ َال ُم بَِين َعْب ِد الْمطَّلِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الْعَُّزى أَبُو َهلَب‪ ..‬احلديث(‪.)3‬‬
‫ال‪:‬‬‫ث ُم َعا ًذا ‪َ ‬علَى اليَ َم ِن‪ ،‬قَ َ‬ ‫اَّللِ ‪ ‬لَ َّما بَ َع َ‬
‫ول َّ‬ ‫َن َر ُس َ‬ ‫وع ِن ابْ ِن َعبَّاس َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن ُه َما‪ :‬أ َّ‬ ‫َ‬
‫اَّللِ‪ ،‬فَِإ َذا َعَرفُوا َّ‬
‫اَّللَ‪،‬‬ ‫وه ْم إِلَْي ِه ِعبَ َادةُ َّ‬ ‫ِ‬
‫َّك تَ ْق َد ُم َعلَى قَ ْوم أ َْه ِل كتَاب‪ ،‬فَ ْليَ ُك ْن أ ََّوَل َما تَ ْدعُ ُ‬ ‫«إِن َ‬
‫َخِ ْربُه ْم أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخِ ْربُه ْم أ َّ‬
‫اَّللَ‬
‫َن َّ‬ ‫صلَ َوات ِيف يَ ْوم ِه ْم َولَْي لَت ِه ْم‪ ،‬فَِإذَا فَ َعلُوا‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫اَّلل قَ ْد فَر َ ِ‬
‫ض َعلَْيه ْم َخَْ َ‬ ‫َن ََّ َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ض َعلَْي ِه ْم َزَكاةً ِم ْن أ َْم َواهلِِ ْم َوتَُرُّد َعلَى فُ َقَرائِ ِه ْم‪ ،‬فَِإ َذا أَطَاعُوا ِهبَا‪ ،‬فَ ُخ ْذ ِمْن ُه ْم َوتَ َو َّق َكَرائِ َم أ َْم َو ِال‬ ‫فَ َر َ‬
‫ِ (‪)4‬‬
‫حممدا رسول هللا‪ ،‬ف َع ِن‬ ‫َّاس» ‪ ،‬وفسر يف الرواية الثانية عبادة هللا بشهادة أن ال إله إال هللا وأن ً‬ ‫الن‬
‫ِ‬ ‫ول َِّ ِ ِ‬ ‫ابْ ِن َعبَّاس َر ِض َي َّ‬
‫ني بَ َعثَهُ إِ َىل اليَ َم ِن‪« :‬إِن َ‬
‫َّك‬ ‫اَّلل ‪ ‬ل ُم َعاذ بْ ِن َجبَل ح َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫اَّللُ َعْن ُه َما قَ َ‬

‫(‪ )1‬موضع سوق ابجلاهلية هلذيل ابلقرب من عرفة يف منتصف املسافة بينها وبني ما يسمى اليوم شرائع النخل‪ ،‬من انحية‬
‫جبل كبكب‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬معاَل مكة التأرخيية واألثرية (‪ ،)243‬معجم معاَل احلجاز(‪.)1503-1502‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )148 /27‬ح (‪ ،)16603‬وقال يف جممع الزوائد ومنبع الفوائد (‪ )22-21 /6‬ح (‪:)9830‬‬
‫"رواه أمحد‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح"‪ ،‬وقال حمقق املسند (‪ )148 /27‬ح (‪" :)16603‬إسناده صحيح‪ ،‬رجاله ثقات رجال‬
‫الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن خزمية يف صحيحه (‪ )119 /1‬ح (‪ ،)159‬وابن حبان يف صحيحه (‪ )518-517 /14‬ح (‪ ،)6562‬قال‬
‫شعيب األرانؤوط يف حتقيقه لصحيح ابن حبان (‪ )519 /14‬ح (‪" :)6562‬إسناده صحيح"‪ ،‬وقال األعظمي حمقق صحيح‬
‫ابن خزمية (‪ )119 /1‬ح (‪" :)159‬إسناده صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ )119 /2‬ح (‪.)1458‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪73‬‬
‫َن ُحمَ َّم ًدا َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫َستَأِْيت قَ ْوًما أ َْه َل كِتَاب‪ ،‬فَِإذَا ِجْئ تَ ُه ْم فَ ْادعُ ُه ْم إِ َىل أَ ْن يَ ْش َه ُدوا أَ ْن الَ إِلَهَ إَِّال َّ‬
‫اَّللُ َوأ َّ‬
‫اَّللِ‪ »...‬احلديث(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫َّيب ‪‬‬ ‫ث النِ ُّ‬ ‫ول‪ :‬لَ َّما بَ َع َ‬ ‫ويف الرواية الثالثة‪ :‬أن يوحدوا هللا‪ ،‬عن ابْن َعبَّاس َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن ُه َما يَ ُق ُ‬
‫َّك تَ ْق َدم علَى قَوم ِمن أَه ِل ِ‬
‫الكتَ ِ‬
‫اب‪ ،‬فَ ْليَ ُك ْن أ ََّوَل‬ ‫ال لَهُ‪« :‬إِن َ ُ َ ْ ْ ْ‬ ‫ُم َعا َذ بْ َن َجبَل إِ َىل َْحن ِو أ َْه ِل اليَ َم ِن قَ َ‬
‫اَّللَ تَ َع َاىل‪ »...‬احلديث(‪.)2‬‬ ‫وه ْم إِ َىل أَ ْن يُ َو ِح ُدوا َّ‬
‫َما تَ ْدعُ ُ‬
‫قال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬وهلذا كان الصحيح‪ :‬أن أول واجب جيب على املكلف‪ :‬شهادة أن ال‬
‫إله إال هللا‪ ،‬ال النظر‪ ،‬وال القصد إىل النظر‪ ،‬وال الشك‪ ،‬كما هي أقوال ألرابب الكالم املذموم‪،‬‬
‫«م ْن‬
‫فالتوحيد أول ما يدخل به يف اإلسالم‪ ،‬وآخر ما خيرج به من الدنيا‪ ،‬كما قال النيب ‪َ :‬‬
‫اجلَنَّةَ»(‪ ،)3‬فهو أول واجب‪ ،‬وآخر واجب‪ ،‬فالتوحيد أول‬ ‫آخ ُر َك َال ِم ِه َال إِلَهَ إَِّال َّ‬
‫اَّللُ َد َخ َل ْ‬ ‫َكا َن ِ‬
‫األمر وآخره"(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )128 /2‬ح (‪.)1496‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )114 /9‬ح (‪.)7372‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ )190 /3‬ح (‪ ،)3116‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪ )1105 /2‬ح (‪ ،)6479‬وقال شعيب‬
‫األرانؤوط يف حتقيقه لسنن أيب داود (‪ )34 /5‬ح (‪" :)3116‬حديث صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مدارج السالكني (‪.)412 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪74‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبزدلفة‪.‬‬
‫ﱪ ﱬﱭ‬
‫ﱫ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ‬

‫ﱴﱶﱷ‬
‫ﱵ‬ ‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ‬

‫ﱸﱹﱺﱻﱼ ﱽﱾﱠ[البقرة‪.]198 :‬‬

‫فإذا أفاض احلاج من عرفات ووصل إىل مزدلفة صلى هبا املغرب والعشاء َجع أتخري يف أحكام تتعلق‬
‫هبا يرجع فيها إىل كتب املناسك‪ ،‬ونقف هنا مع هذه اآلية عدة وقفات‪:‬‬
‫الوقفة األوىل‪ :‬العبادة احلاضرة يف كل منسك من مناسك احلج ذكر هللا وسيأيت الكالم عنه‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬حني يذكر اإلنسان بقلبه عظيم نعمة هللا عليه ابهلداية بعد الضالل‪ ،‬وعلمه ما َل يكن‬
‫يعلم‪ ،‬فهذه من أكرب النعم‪ ،‬الت جيب شكرها‪ ،‬ومقابلة ذلك بذكر املنعم هبا ابلقلب واللسان(‪ ،)1‬وقال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﳊﳋﳌﳍﳎﳏﱠ [النحل‪ ،]53 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆ‬

‫ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠ [إبراهيم‪ ،]34 :‬فحني تتذكر نعمة‬


‫اهلداية من هللا‪ ،‬وأهنا حمض فضل من هللا تفضل هبا عليك‪ ،‬وأنعم هبا عليك‪ ،‬ولوال فضله ومنته ما‬
‫عرفت هذا الدين وما اهتديت إليه‪ ،‬فكم من البشر على وجه األرض ال يعرفون هذا الدين‪ ،‬اجتالتهم‬
‫شياطني اجلن واألنس عنه‪ ،‬فلله الفضل واملنة العظيمة علينا حنن أهل اإلسالم‪ ،‬قال تعاىل ممتناً على‬
‫عباده‪ :‬ﱡ ﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒ‬

‫ﳓﳔﳕﳖﱠ [احلجرات‪.]17 :‬‬

‫وقال تعاىل ممتناً كذلك على عباده ‪ :‬ﱡ ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲ‬

‫ﱴ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫ﱵ‬ ‫ﱳ‬

‫ﱾﱠ[البقرة‪.]198 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري السعدي(‪.)92‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪75‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ‬
‫ﱺﱻﱼﱽﱾﱿ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﱠ [احلجرات‪.]8 – 7 :‬‬

‫الوقفة الثالثة‪ :‬فإذا استحضر العبد بقلبه عظيم منته هللا عليه ابهلداية شعر بفقره وحاجته امللحة لربه‬
‫يف حفظ هذه النعمة عليه‪ ،‬وأنه ال حول له وال قوة إال ابهلل‪ ،‬فيقبل على شكر هللا وذكره وهو يشعر‬
‫بعظيم نعمة هللا عليه وَجيله الذي يطوقه وال يستطيع مهما عمل واجتهد يف العمل أن يرد شيئاً يسرياً‬
‫من َجيل هللا عليه وعظيم منته عليه ابهلداية والتوفيق هلا‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة رمي اجلمار‪.‬‬
‫وعبادة رمي اجلمرات هلا عالقة وثيقة بعمل القلب ويتضح ذلك يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬التسليم واالنقياد ألمر هللا يف طاعته واالقتداء برسوله صلى هللا عليه وسلم يف كل مناسك احلج‬
‫من إحرام وطواف وسعي ووقوف يف املشاعر ورمي اجلمار واحللق والتقصري‪ ،‬وأنت أيها احلاج عبد هلل‬
‫تنفذ أمره ألجل ذكره والتقرب إليه هبذه العبادات‪ ،‬فقلبك يعظم شعائر هللا فال يكون يف النفس أي‬
‫تربم أو حرج من أمر هللا‪ ،‬بل ال يرى هللا من قلبك إال التسليم واالنقياد يف حجك وعمرتك‪ ،‬ويف‬
‫سائر أمرك حيثما كنت ال يرى هللا منك إال االستسالم واالنقياد يف صغري األمر وكبريه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡ‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ‬
‫ﲺﲻﲼﲽﲾﱠ [النساء‪ ،]65 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲴﲵﲶﲷ‬

‫ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﱠ‬

‫[النور‪ ،]51 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬

‫ﱐﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱠ [األحزاب‪.]36 :‬‬


‫ﱑ‬ ‫ﱏ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪76‬‬
‫ول هللاِ‬‫ت َر ُس َ‬ ‫اثنيا‪ :‬عبادة رمي اجلمرات مرتبطة ابلذكر والدعاء‪ ،‬عن عائِ َشةَ رضي هللا عنها قَالَ ِ‬
‫ت‪ََ :‬س ْع ُ‬‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوةِ‪َ ،‬وَرْم ُي ْ‬
‫اجلِ َما ِر ِِإلقَ َام ِة‬ ‫ِ‬ ‫ول‪ " :‬إَِّمنَا ُجعِ َل الطََّو ُ‬
‫اف ِابلْ َك ْعبَة‪َ ،‬وبَْ َ‬
‫ني َّ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬
‫َ‬
‫ِذ ْك ِر هللاِ َعَّز َو َج َّل "(‪.)1‬‬
‫والذكر والدعاء ال حيدث أثره يف حياة العبد إال إذا كان القلب حاضراً مدركاً ملعىن ما يقوله ويفعله‪،‬‬
‫فإذا اتفق القلب واللسان على الذكر والدعاء خشع القلب وخشعت اجلوارح هلل رب العاملني‪ ،‬ووجد‬
‫الذاكر لربه طمأنينة القلب وراحة النفس قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝ‬

‫ﳞﳟﳠﳡﱠ [الرعد‪.]28 :‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة احللق أو التقصري‪.‬‬


‫ولعمل القلب أثر على عبادة احللق أو التقصري من كوهنا من مناسك احلج والعمرة‪ ،‬ويظهر فيها‬
‫امتثال أمر هللا واالقتداء برسول ‪ ‬وكل منسك من مناسك احلج والعمرة يريب املسلم على مطلق‬
‫االمتثال واالنقياد ألمر هللا دون مدافعة وال ممانعة بل استسالم اتم وانقياد كامل‪ ،‬وقد سبق الكالم يف‬
‫ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪)17 /41‬ح(‪ ،)24468‬وأبو داود (‪ )179 /2‬ح(‪ ،)1888‬والرتمذي(‪)237 /3‬ح(‪ )902‬وقال‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح"‪ ،‬وابن خزمية يف صحيحه (‪)1295 /2‬ح (‪ ،)2738‬واحلاكم (‪ )630 /1‬ح(‪ )1685‬وصححه‬
‫وأقره الذهيب‪ ،‬وصحح إسناده حمقق صحيح ابن خزمية ح (‪ ،)2738‬وضعفه األلباين يف ضعيف أيب داود (‪)170 /2‬‬
‫ح(‪ )328‬وقال أن الصواب الذي رواه الثقاة وقفه على عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬ومال إىل هذا حمقق املسند ح(‪،)24468‬‬
‫والعلم عند هللا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪77‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبىن ليايل أايم التشريق‪.‬‬
‫وكما سبق فأعمال أايم التشريق ولياليه إلقامة ذكر هللا وتربية املسلم على أن يكون القلب منقاداً ألمر‬
‫هللا مستسلماً حلكمه حريصاً على االقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم يف كل مناسك حجه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪78‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬ارتباط عمل القلب ابلذكر والدعاء يف احلج والعمرة‪ ،‬وفيه‬
‫مطلبان‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على الذكر يف احلج والعمرة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على الدعاء يف احلج والعمرة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪79‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬ارتباط عمل القلب ابلذكر والدعاء يف احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطلبان‪.‬‬
‫ومن الشعائر الظاهرة جداً يف احلج والعمرة وهي أبرز شعائره القولية األمر بكثرة ذكر هللا ودعائه يف‬
‫كل مناسك احلج والعمرة من ابدية النسك إىل هنايته‪ :‬من تلبية‪ ،‬وأذكار وأدعية الطواف والسعي‪،‬‬
‫وأذكار ودعاء يوم عرفة‪ ،‬وذكر هللا ودعاؤه عند املشعر احلرام‪ ،‬والذكر الدعاء عند رمي اجلمار وأذكار‬
‫أايم التشريق‪ ،‬وال شك أن لعمل القلب أثره العظيم على هذه األذكار واألدعية‪ ،‬إذا جاهد العبد‬
‫نفسه على حضور القلب وكانت أعمال القلب من حمبة وخوف ورجاء حاضرة ومتحققة يف القلب‬
‫والبد أن يظهر أثرها على جوارح العبد فيكون ذاكراً وداعياً هلل بقلبه ولسانه‪ ،‬فحينئذ ال جتد احلاج‬
‫واملعتمر إال وهو يذكر هللا قائماً وقاعداً وعلى جانبه يف حله وترحاله‪ ،‬ويف كل أحواله يلهج لسانه‬
‫ابلذكر والدعاء‪ ،‬ودونك شيء من التفصيل وفق املطلبني اآلتيني‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على الذكر يف احلج والعمرة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على الدعاء يف احلج والعمرة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على الذكر يف احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫ﱪ ﱬﱭ‬
‫ﱫ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ‬

‫ﱴﱶﱷ‬
‫ﱵ‬ ‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ‬

‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ‬

‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﱠ [البقرة‪]199 - 198 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬

‫ﲗﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﱠ‬
‫ﲘ‬
‫[البقرة‪]200 :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪80‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬

‫ﱖ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱠ‬
‫ﱗ‬ ‫ﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬
‫[البقرة‪]203 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ‬

‫ﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳ‬

‫ﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃ‬

‫ﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﱠ [احلج‪]37 - 36 :‬‬

‫ول‪ " :‬إَِّمنَا‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫أما من السنة‪ ،‬فعن عائِشةَ رضي هللا عنها قَالَت‪ََِ :‬سعت رس َ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ْ ْ ُ َُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اجلِ َما ِر ِِإلقَ َام ِة ِذ ْك ِر هللاِ َعَّز َو َج َّل "‪.‬‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوةِ‪َ ،‬وَرْم ُي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُجعِ َل الطََّو ُ‬
‫اف ِابلْ َك ْعبَة‪َ ،‬وبَْ َ‬
‫ني َّ‬
‫ت أ ََان َوالنَّبِيُّو َن ِم ْن قَ ْبلِي‪َ :‬ال إِلَهَ إَِّال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ويقول النيب ‪ " :‬خري الد ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫ُّعاء ُد َعاءُ يَ ْوم َعَرفَةَ‪َ ،‬و َخ ْريُ َما قُ ْل ُ‬‫َ ُْ َ‬
‫ك َولَهُ احلَ ْم ُد َوُه َو َعلَى ُك ِل َش ْيء قَ ِد ٌير "‪.‬‬ ‫يك لَهُ‪ ،‬لَهُ امل ْل ُ‬ ‫َو ْح َدهُ َال َش ِر َ‬
‫ُ‬
‫وسيكون إن شاء هللا تفصيل يف هذا املطلب وفق املسائل اآلتية‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬التلبية وأثر عمل القلب عليها‪.‬‬
‫الص ِد ِيق رضي هللا عنه‪ ،‬أ َّ‬
‫َن النِ َّ‬
‫َّيب‬ ‫أولا‪ :‬النصوص الت جاءت برفع الصوت يف التلبية‪ :‬عن أَِيب بكْر ِ‬
‫َْ َ‬
‫َّج»(‪.)1‬‬
‫الع ُّج َوالث ُّ‬
‫ال‪َ « :‬‬
‫ض ُل؟ قَ َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ُسئِ َل‪ :‬أ ُّ‬
‫َي احلَ ِج أَفْ َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َ‬
‫و(العج) رفع الصوت ابلتلبية و(الثج) حنر اهلدي واالضاحي لِيَ ثُ َّج الدم من املنحر(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي(‪)180 /3‬ح(‪ ،)827‬وابن ماجه (‪ )975 /2‬ح(‪ ،)2924‬والدارمي (‪ )1130 /2‬ح(‪ ،)1838‬وصحيح‬
‫ابن خزمية (‪ )1247 /2‬ح(‪ ،)2631‬واحلاكم(‪)620 /1‬ح (‪ )1655‬وصححه‪ ،‬وذكره األلباين يف سلسلة األحاديث‬
‫الصحيحة (‪)486 /3‬ح(‪ )1500‬وحسنه‪ ،‬وأورده حمقق املسند يف هامش ختريج مسند أمحد (‪ )101 /27‬وقال‪" :‬ورجاله‬
‫ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬صحيح ابن خزمية (‪.)1247 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪81‬‬
‫يل‪،‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه و َسلَّم‪َ " :‬جاءِين ِج ِْ‬
‫رب‬ ‫َ‬
‫ول هللاِ‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫عنه‬ ‫هللا‬ ‫رضي‬ ‫ين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ُ‬‫اجل‬
‫ْ‬ ‫د‬ ‫وعن زي ِد ب ِن خالِ‬
‫َ ْ َْ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫احلَ ِج "(‪.)1‬‬ ‫َص َو َاهتُْم ِابلتَّ ْلبِيَ ِة‪ ،‬فَِإ َّهنَا ِم ْن َش َعائِِر ْ‬
‫ك‪ ،‬فَ ْل َ ْريفَعُوا أ ْ‬‫َص َحابَ َ‬‫ال‪َ :‬اي ُحمَ َّم ُد‪ُ ،‬م ْر أ ْ‬ ‫فَ َق َ‬
‫ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم يَْرفَعُو َن أ ْ‬
‫َص َو َاهتُْم‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل َ‬
‫َصحاب رس ِ‬
‫ال‪َ « :‬كا َن أ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫ب بْ ِن َعْب ِد َّ‬
‫اَّللِ قَ َ‬ ‫َع ِن الْمطَّلِ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِابلتَّ ْلبِيَة َح ََّّت تُبَ َّح أ ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫َص َوا ُهتُْم‪. »..‬‬
‫الرْو َحاءَ َح ََّّت تُبَ ُّح‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َال يَْب لُغُو َن َّ‬ ‫ول َِّ‬ ‫َصحاب رس ِ‬ ‫وب بْ ِن َزيْد قَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال‪َ « :‬كا َن أ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫َع ْن يَ ْع ُق َ‬
‫َص َوا ُهتُْم ِم ْن ِشدَّةِ تَ ْلبِيَتِ ِه ْم»(‪.)3‬‬
‫أْ‬
‫ص ُر ُخ ِاب ْحلَ ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫و َع ْن أَِيب َسعِيد رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم نَ ْ‬ ‫«خَر ْجنَا َم َع َر ُسول هللا َ‬ ‫ال‪َ :‬‬
‫الرت ِويَِة‪َ ،‬وُر ْحنَا إِ َىل‬‫ي‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن يَ ْوُم َّْ‬ ‫اق ا ْهلَْد َ‬‫اخا‪ ،‬فَلَ َّما قَ ِد ْمنَا َم َّكةَ أ ََمَرَان أَ ْن َُْن َعلَ َها عُ ْمَرةً إَِّال َم ْن َس َ‬ ‫صَر ً‬ ‫ُ‬
‫ِم ًىن‪ ،‬أ َْهلَْلنَا ِاب ْحلَ ِج»(‪.)4‬‬
‫ويف احلديث دليل على رفع الصوت ابلتلبية للرجل كهيئة الصراخ وهو أشد ما ميكن رفع الصوت‬
‫إليه‪ ،‬ولكن هذا بشرط أال يتسبب يف أذية نفسه‪ ،‬واملتفق عليه بني أهل العلم استحباب رفع الصوت‬
‫ابلتلبية‪ ،‬وذهب بعض أهل الظاهر إىل وجوبه‪ ،‬وأما املرأة إذا كانت بني النساء فإهنا ترفع صوهتا بقدر‬
‫ما تسمع جارهتا‪ ،‬وإذا كانت حبضرة رجال فتخفض من صوهتا(‪.)5‬‬
‫اجلَبَ لَ ْ ِ‬
‫ني»(‪.)6‬‬ ‫ني ْ‬‫ََسَ َع َما بَْ َ‬‫ت َم َع ابْ ِن عُ َمَر «فَلَ ََّّب َح ََّّت أ ْ‬‫ال‪ُ :‬كْن ُ‬
‫و َع ْن بَكْر املزين قَ َ‬
‫ال‪َ « :‬ما ِم ْن ُملَب يُلَِيب‪ ،‬إَِّال لَ ََّّب‪،‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫ول َِّ‬ ‫اع ِد ِي‪َ ،‬عن رس ِ‬ ‫الس ِ‬
‫و َع ْن َس ْه ِل بْ ِن َس ْعد َّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ْ َُ‬
‫اهنَا»(‪.)7‬‬ ‫ما عن َميِينِ ِه وَِشالِِه‪ِ ،‬من حجر‪ ،‬أَو َشجر‪ ،‬أَو م َدر‪ ،‬ح ََّّت تَ ْن َق ِطع ْاألَر ِ‬
‫اهنَا َوَه ُ‬
‫ض‪ ،‬م ْن َه ُ‬‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ ْ َ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪)11 /36‬ح(‪ ،)21678‬واحلاكم(‪ )620 /1‬ح(‪ )1654‬وصححه‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع‬
‫الصغري(‪ )74 /1‬ح(‪ ،)68‬وصحح إسناده حمقق املسند ح(‪.)21678‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه (‪ )373 /3‬رقم األثر(‪ )15057‬وصحح إسناده ابن حجر يف الفتح(‪.)408 /3‬‬
‫(‪ )3‬مصنف ابن أيب شيبة (‪.)372 /3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪)914 /2‬ح(‪.)1247‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬شرح النووي على مسلم(‪ ،)232/8‬البحر احمليط الثجاج يف شرح صحيح اإلمام مسلم بن احلجاج (‪.)369 /23‬‬
‫(‪ )6‬مصنف ابن أيب شيبة (‪.)372 /3‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه الرتمذي(‪ )180 /3‬ح(‪ ،)828‬وابن ماجه (‪ )974 /2‬ح(‪ ،)2921‬وصحيح ابن خزمية(‪)1248 /2‬ح(‪،)2634‬‬
‫واحلاكم (‪)620 /1‬ح(‪ )1656‬وصححه‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪)22 /2‬ح(‪،)1134‬‬
‫وصححه األرانؤوط يف تعليقه على ابن ماجه (‪ )159 /4‬ح(‪.)2922‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪82‬‬

‫صلَّى هللاُ‬
‫ول َِّ‬
‫اَّلل َ‬
‫َن تَ ْلبِيةَ رس ِ‬
‫اَّللُ َعْن ُه َما‪ " :‬أ َّ َ َ ُ‬ ‫اثنيا‪ :‬لفظ تلبية النيب ‪َ :‬ع ْن َعْب ِد َّ‬
‫اَّللِ بْ ِن عُ َمَر َر ِض َي َّ‬
‫ك‪َ ،‬ال َش ِري َ‬
‫ك‬ ‫ك َوامل ْل َ‬‫ك‪ ،‬إِ َّن احلَ ْم َد َوالنِ ْع َمةَ لَ َ‬ ‫ك لَبَّ ْي َ‬ ‫ك َال َش ِر َ‬
‫يك لَ َ‬ ‫ك‪ ،‬لَبَّ ْي َ‬ ‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬لَبَّ ْي َ‬
‫ك اللَّ ُه َّم لَبَّ ْي َ‬
‫ُ‬
‫ك "(‪.)1‬‬ ‫لَ َ‬
‫األفضل للحاج واملعتمر أن يلتزم بتلبية النيب ‪ ‬وان زاد عليها فال أبس لورود الدليل بذلك من فعل‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم وإقراره للصحابة على ما زادوا من تلبية‪.‬‬
‫وقال الشيخ األلباين رمحه هللا يف كتابه مناسك احلج والعمرة‪:‬‬
‫" ‪ -‬ويليب بتلبية النيب صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫أ‪" -‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شريك لك لبيك إن احلمد والنعمة لك وامللك ال شريك‬
‫لك"‪ .‬وكان ال يزيد عليها‪.‬‬
‫ب‪ -‬وكان من تلبيته صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لبيك إله احلق"‪.‬‬
‫‪ -‬والتزام تلبيته صلى هللا عليه وسلم أفضل وإن كانت الزايدة عليها جائزة إلقرار النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم الناس الذين كانوا يزيدون على تلبيته قوهلم‪" :‬لبيك ذا املعارج‪ ،‬لبيك ذا الفواضل"‪.‬‬
‫وكان ابن عمر يزيد فيها‪" :‬لبيك وسعديك‪ ،‬واخلري بيديك‪ ،‬والرغباء إليك والعمل""(‪.)2‬‬
‫اثلث ا‪ :‬قال ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬والتلبية هي‪ :‬إجابة دعوة هللا تعاىل خللقه حني دعاهم إىل حج بيته‬
‫على لسان خليله إبراهيم صلى هللا عليه وسلم واملليب هو املستسلم املنقاد لغريه كما ينقاد الذي لبب‬
‫وأخذ بلبته‪ .‬واملعىن‪ :‬أان جميبوك لدعوتك؛ مستسلمون حلكمتك مطيعون ألمرك مرة بعد مرة ال نزال‬
‫على ذلك والتلبية شعار احلج "فأفضل احلج العج والثج"‪ ،‬فالعج‪ :‬رفع الصوت ابلتلبية‪ ،‬والثج إراقة‬
‫دماء اهلدي‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري وهذا لفظه(‪)138 /2‬ح(‪ ،)1549‬ومسلم (‪ )841 /2‬ح(‪ )1184‬ولفظه‪َ :‬ع ْن َعْبد هللا بْ ِن عُ َمَر َرض َي هللاُ‬
‫ِ ِ‬
‫ك‬‫احلَ ْم َد َوالنِ ْع َمةَ لَ َ‬
‫ك‪ ،‬إِ َّن ْ‬ ‫ك لَبَّ ْي َ‬‫يك لَ َ‬ ‫ك َال َش ِر َ‬ ‫ك‪ ،‬لَبَّ ْي َ‬
‫الله َّم‪ ،‬لَبَّ ْي َ‬
‫ك ُ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪« :‬لَبَّ ْي َ‬
‫َن تَلْبِيَةَ َر ُسول هللا َ‬
‫َعْن ُه َما‪ ،‬أ َّ‬
‫ال‪ :‬وَكا َن عب ُد هللاِ بن عمر ر ِضي هللا عْن هما ي ِز ُ ِ‬
‫ك‪،‬‬‫اخلَْريُ بِيَ َديْ َ‬
‫ك‪َ ،‬و ْ‬ ‫ك‪َ ،‬و َس ْع َديْ َ‬ ‫ك لَبَّ ْي َ‬
‫يد ف َيها‪ " :‬لَبَّ ْي َ‬ ‫ْ ُ ُ ََ َ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫ك» قَ َ َ َْ‬ ‫ك َال َش ِر َ‬
‫يك لَ َ‬ ‫َوالْ ُملْ َ‬
‫ك َوالْ َع َم ُل" ‪ .‬وتالحظ يف هذه الرواية زايدة ابن عمر على تلبية النيب ‪ ،‬وذلك دليل جواز الزايدة يف التلبية‬ ‫الر ْغبَاءُ إِلَْي َ‬
‫ك َو َّ‬‫لَبَّ ْي َ‬
‫كما ذكر أهل العلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬مناسك احلج والعمرة (‪.)17-16‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪83‬‬
‫وهلذا يستحب رفع الصوت هبا للرجل حبيث ال جيهد نفسه واملرأة ترفع صوهتا حبيث تسمع رفيقتها‬
‫ويستحب اإلكثار منها عند اختالف األحوال مثل أدابر الصلوات ومثل ما إذا صعد نشزا أو هبط‬
‫واداي أو َسع ملبيا أو أقبل الليل والنهار أو التقت الرفاق وكذلك إذا فعل ما هني عنه"(‪.)1‬‬
‫رابعاً‪ :‬أثر عمل القلب على التلبية‪ ،‬ويكون يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن مما يبعث على اإلكثار من التلبية حمبة العبد لربه وشوقه إىل استجابة نداء احلق الذي‬
‫دعاه إىل حج بيته‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ‬

‫ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﱠ [احلج‪.]27 :‬‬


‫نقل ابن حجر عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪" :‬ملا فرغ إبراهيم عليه السالم من بناء‬
‫البيت قيل له‪ :‬أذن يف الناس ابحلج قال‪ :‬رب وما يبلغ صويت‪ ،‬قال‪ :‬أذن وعلي البالغ‪،‬‬
‫قال‪ :‬فنادى إبراهيم اي أيها الناس كتب عليكم احلج إىل البيت العتيق‪ ،‬فسمعه من بني‬
‫السماء واألرض‪ ،‬أفال ترون أن الناس جييئون من أقصى األرض يلبون‪.‬‬
‫ومن طريق بن جريج عن عطاء عن بن عباس وفيه‪ :‬فأجابوه ابلتلبية يف أصالب الرجال‪،‬‬
‫وأرحام النساء‪ ،‬وأول من أجابه أهل اليمن‪ ،‬فليس حاج حيج من يومئذ إىل أن تقوم‬
‫الساعة إال من كان أجاب إبراهيم يومئذ‪.‬‬
‫قال ابن املنري يف احلاشية‪ :‬ويف مشروعية التلبية تنبيه على إكرام هللا تعاىل لعباده أبن‬
‫وفودهم على بيته إمنا كان ابستدعاء منه ‪.)2("‬‬
‫ث أثرها على القلب واجلوارح‪ ،‬فيطمئن هبا‬ ‫إن حضور القلب مع اللسان عند التلبية حيُ ِد ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫القلب ويتلذذ هبا‪ ،‬وختشع اجلوارح هلل تعاىل‪.‬‬
‫ورفع الصوت للرجال ابلتلبية اظهار هلذه الشعرية العظيمة حَّت ترتج هبا األفاق ويشعر‬ ‫‪-3‬‬
‫املسلم بعزته إبسالمه‪ ،‬ويقوى يف قلبه حب هللا وحب دينه ويشعر‪ ،‬بعظمة هذا الدين‪،‬‬
‫فيسارع ويسابق إىل مرضاة هللا يف حجه وعمرته‪ ،‬ويف سائر أحواله‪.‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (‪.)115 /26‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري (‪.)409 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪84‬‬
‫وإذا حضر القلب مع اللسان وأدرك املليب معىن ما يقول رسخت يف النفس معاين‬ ‫‪-4‬‬
‫التوحيد اخلالص هلل تعاىل‪ ،‬وكلما زادت معرفة العبد بربه زاد حبه وإميانه ابهلل وخوفه‬
‫ورجاؤه‪ ،‬وزاد يف قلبه بغض الشرك كبريه وصغريه‪.‬‬
‫وإذا لَّب احلاج واملعتمر أدرك عظيم نعمة هللا عليه بتوفيقه هلذه العبادة العظيمة‪ ،‬وشعر مبنة‬ ‫‪-5‬‬
‫هللا عليه العظيمة‪ ،‬فلهج يف تلبية ابحلمد والثناء على ربه‪ ،‬وكان يف ذلك أفضل الدعاء‬
‫ُّع ِاء ْ‬
‫احلَ ْم ُد ََِّّللِ"‪ ،‬وقد مرت اإلشارة إىل ذلك‪.‬‬ ‫قال ‪َ .." :‬وأَفْ َ‬
‫ض ُل الد َ‬
‫املسألة الثانية‪ :‬أذكار دخول املسجد احلرام‪.‬‬
‫ليس لدخول املسجد احلرام ذكر خاص‪ ،‬وإمنا يذكر ما ورد من أذكار يف دخول أي مسجد‪ ،‬لكنه‬
‫جياهد قلبه ليشعر بعظمة املوقف بني يدي هللا وهو يدخل املسجد احلرام الذي تعدل الصالة فيه مائة‬
‫ألف صالة فيما سواه‪ ،‬كما صح بذلك احلديث(‪.)1‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أذكار الطواف والسعي‪.‬‬
‫ما ثبت من أذكار الطواف والسعي‪:‬‬
‫‪ -1‬يقطع التلبية حني يشرع يف الطواف‪.‬‬
‫‪ -2‬ويقول عند استالم احلجر األسود (بسم هللا‪ ،‬هللا أكرب)‪ ،‬وعند حماذاته يف كل مرة ‪-‬يف‬
‫حال الزحام‪( -‬هللا أكرب) ويشري إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬حيرص احلاج واملعتمر يف طوافه أن يتذكر أموراً منها‪:‬‬
‫‪ -‬جيتهد يف حضور القلب يف هذا املوقف العظيم وهو يؤدي عبادة الطواف ببيت هللا‬
‫احلرام‪.‬‬
‫‪ -‬يقبل بقلبه على ربه‪ ،‬ويفرغه من كل تعلق بغري هللا‪.‬‬
‫ﱡ ﲡﲢﲣﱠ [احلج‪.]29 :‬‬ ‫‪ -‬يستشعر بقلبه أنه ميتثل أمر ربه‬

‫يما ِس َواهُ "‪ .‬أخرجه أمحد (‪ )415 /23‬ح(‪،)15271‬‬‫ِ‬ ‫احلرِام أَفْ َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫(‪ )1‬قال ‪َ " :‬و َ ِ‬
‫ص َالة ف َ‬
‫ض ُل م ْن مائَة أَلْف َ‬ ‫ص َالةٌ يف الْ َم ْسجد ََْ‬
‫وابن ماجه (‪)451 /1‬ح(‪ ،)1406‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع(‪)714 /2‬ح(‪،)3838‬وصحح إسناده حمقق‬
‫املسند‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪85‬‬
‫‪ -4‬ليس للطواف ذكر خمصوص‪ ،‬فله أن يقرأ القرآن ويذكر هللا مبا شاء‪ ،‬قال ‪ ":‬إَِّمنَا ُجعِ َل‬
‫اجلِ َما ِر ِِإلقَ َام ِة ِذ ْك ِر هللاِ َعَّز َو َج َّل"‪.‬‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوةِ‪َ ،‬وَرْم ُي ْ‬ ‫ِ‬
‫اف ِابلْ َك ْعبَة‪َ ،‬وبَْ َ‬
‫ني َّ‬ ‫الطََّو ُ‬
‫َح َّل فِ ِيه النُّطْ َق‪ ،‬فَ َم ْن نَطَ َق فِ ِيه فََال يَْن ِط ْق إَِّال‬
‫اَّللَ أ َ‬
‫َن َّ‬‫ص َالةٌ‪ ،‬إَِّال أ َّ‬ ‫ِ‬
‫اف ِابلْبَ ْيت َ‬ ‫وقال ‪« :‬الطََّو ُ‬
‫ِخبَْري»(‪.)1‬‬
‫ص َالةٌ‪ ،‬فَأَقِلُّوا ِم َن الْ َك َالِم»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫اف ِابلْبَ ْيت َ‬‫وقال ‪« :‬الطََّو ُ‬
‫‪ -5‬فعلى احلاج واملعتمر أن حيرص يف حال طوافه على االقبال على هللا بقلبه ووجهه‪،‬‬
‫ويستحضر عظمة من يعبده ويطيعه يف أداء هذه العبادة وحيرص على اخلشوع والبعد عن‬
‫أذية املسلمني يف حال طوافه ويكون عليه سكينة ووقار ألنه يف عبادة هلل تعاىل‪ ،‬ويشغل‬
‫وقته يف طوافه بكثرة ذكر هللا والدعاء مبا فتح هللا عليه‪ ،‬أما ما حيدثه بعض الناس من رفع‬
‫صوت ابلدعاء بطريقة تشوش على الطائفني خشوعهم‪ُ ،‬ث يزيد األمر سوءاً أن بعضهم‬
‫يرفع صوته ويردد من خلفه ما يقوله من دعاء‪ ،‬وكان األوىل هبم أن يؤمنوا على دعائه وال‬
‫يردده بعده‪ ،‬فليس هلذا أصل وهللا أعلم‪ ،‬وغالب من يقوم برفع الصوت ابلدعاء يف‬
‫الطواف هم من خيصص لكل شوط دعاء‪ ،‬وهذا كما قال أهل العلم من احملداثت‪،‬‬
‫وسيأيت الكالم عنه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارمي (‪ )1165 /2‬ح(‪ ،)1889‬احلاكم(‪)293 /2‬ح(‪ )3058‬وسكت عنه وأقره الذهيب‪ ،‬وقال ابن حجر يف‬
‫التلخيص احلبري (‪" :)346 /1‬وصححه ابن السكن‪ ،‬وابن خزمية‪ ،‬وابن حبان"‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪/2‬‬
‫‪ )733‬ح(‪.)3954‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ )222 /5‬ح(‪ ،)2922‬وقال عنه ابن حجر يف التلخيص احلبري (‪" :)349 /1‬وهذه الرواية صحيحة‪،"..‬‬
‫وحكم األلباين بصحته يف تعليقه على أحاديث سنن النسائي (‪ )222 /5‬ح(‪.)2922‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪86‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬ذكر يوم عرفة‪.‬‬
‫وقد سبق الكالم عن أذكار يوم عرفة وسيأيت إشارة إىل الدعاء يف يوم عرفة‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬الذكر عند املشعر احلرام‪.‬‬
‫ﱡ ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ ﱠ‬
‫[احلج‪.]27 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫صلَّى هبَا الْ َم ْغ ِر َ‬ ‫ويف حديث جابر رضي هللا عنه يف وصف حجة النيب ‪َ ":‬ح ََّّت أَتَى الْ ُم ْزَدل َفةَ‪ ،‬فَ َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫اضطَجع رس ُ ِ‬ ‫احد وإِقَ َامتَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ني‪َ ،‬وََلْ يُ َسبِ ْح بَْي نَ ُه َما َشْي ئًا‪ُُ ،‬ثَّ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َوالْع َشاءَ أبَذَان َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني لَهُ ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َواءَ‪َ ،‬ح ََّّت أَتَى‬ ‫ب الْ َق ْ‬ ‫الصْب ُح‪ ،‬أبَ َذان َوإقَ َامة‪ُُ ،‬ثَّ َرك َ‬ ‫ني تَبَ َّ َ‬ ‫صلَّى الْ َف ْجَر‪ ،‬ح َ‬ ‫َح ََّّت طَلَ َع الْ َف ْج ُر‪َ ،‬و َ‬
‫َس َفَر ِجدا‪ ،‬فَ َدفَ َع قَ ْب َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْقبَ َل الْقْب لَةَ‪ ،‬فَ َد َعاهُ َوَك ََّربهُ َوَهلَّلَهُ َوَو َّح َدهُ‪ ،‬فَلَ ْم يََزْل َواق ًفا َح ََّّت أ ْ‬ ‫الْ َم ْش َعَر ْ‬
‫احلََر َام‪ ،‬فَ ْ‬
‫ض َل بْ َن َعبَّاس‪)1("..‬احلديث‪.‬‬ ‫ف الْ َف ْ‬ ‫س‪َ ،‬وأ َْرَد َ‬ ‫أَ ْن تَطْلُ َع الش ْ‬
‫َّم ُ‬
‫دل هذا احلديث على وقت الذكر بعد صالة الفجر ملن سيدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس‪ ،‬أما‬
‫الضعفة ومن يف حكمهم فإهنم يذكرون هللا قبل مغادرة مزدلفة بعد منتصف الليل‪ ،‬وَكا َن َعْب َد هللاِ بْ َن‬
‫ض َع َفةَ أ َْهلِ ِه فَيَ ِق ُفو َن ِعْن َد الْم ْش َع ِر ْ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫احلََرام ابلْ ُم ْزَدل َفة ابللَّْي ِل‪ ،‬فَيَ ْذ ُك ُرو َن هللاَ‬ ‫َ‬ ‫عُ َمَر رضي هللا عنهما «يُ َقد ُم َ‬
‫ص َالةِ الْ َف ْج ِر‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِْ‬ ‫ِ‬
‫اإل َم ُام َوقَ ْب َل أَ ْن يَ ْدفَ َع‪ ،‬فَمْن ُه ْم َم ْن يَ ْق َد ُم م ًىن ل َ‬ ‫َما بَ َدا َهلُْم‪ُُ ،‬ثَّ يَ ْدفَعُو َن قَ ْب َل أَ ْن يَق َ‬
‫ول‬
‫ك َر ُس ُ‬ ‫ص ِيف أُولَئِ َ‬ ‫ول‪« :‬أ َْر َخ َ‬ ‫ك‪ ،‬فَِإ َذا قَ ِد ُموا َرَم ْوا ْ‬
‫اجلَ ْمَرةَ» َوَكا َن ابْ ُن عُ َمَر يَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫َوِمْن ُه ْم َم ْن يَ ْق َد ُم بَ ْع َد َذل َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫هللا َ‬
‫ويف مواطن ذكر هللا ينبغي على احلاج عدم العجلة يف ذكره‪ ،‬وأن يقبل بقلبه على ربه‪ ،‬فيذكره بقلب‬
‫حاضر يدرك معىن ما يقول‪ ،‬ويستشعر عظيم توفيق هللا له حيث أوقفه هذه املواقف اخلالدة وتفضل‬
‫عليه أبداء هذا النسك فيحمد هللا ويكربه ويهلله‪ ،‬ويدعو ربه مبا شاء من خري الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫إن مما يبقى أثر احلج على حياة املسلم سريه يف أداء مناسكه على طريقة النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫واالقتداء به يف حجه وعمرته وتتبع سنته يف ذلك واحلرص على اإلخالص هلل تعاىل يف هذه املواقف‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)891 /2‬ح(‪.)1218‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪)941 /2‬ح(‪.)1295‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪87‬‬
‫العظيمة‪ ،‬واحلذر من إفساد النية ابلتصوير حبجة الذكرى وحنو ذلك من احلجج الشيطانية‪ ،‬وسيأيت‬
‫مزيد تفصيل لذلك‪.‬‬
‫املسألة السادسة‪ :‬الذكر عند رمي اجلمار‪.‬‬
‫اجلِ َما ِر ِِإلقَ َام ِة ِذ ْك ِر هللاِ َعَّز َو َج َّل "‪.‬‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوةِ‪َ ،‬وَرْم ُي ْ‬
‫ني َّ‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪ ":‬إَِّمنَا ُجعِ َل الطََّو ُ‬
‫اف ِابلْ َك ْعبَة‪َ ،‬وبَْ َ‬
‫وورد أن النيب صلى هللا عليه وسلم يكرب مع كل حصاة عند رمي اجلمار(‪َ ،)1‬جرة العقبة يف يوم العيد‪،‬‬
‫ِ‬
‫ك‬ ‫ويف حديث جابر الذي سبق يف صفة حج النيب ‪َ ":‬ح ََّّت أَتَى بَطْ َن ُحمَ ِسر‪ ،‬فَ َحَّرَك قَل ًيال‪ُُ ،‬ثَّ َسلَ َ‬
‫اها بِ َسْب ِع‬ ‫ِ‬
‫َّجَرةِ‪ ،‬فَ َرَم َ‬
‫اجلَ ْمَرةَ الَِّت عْن َد الش َ‬ ‫اجلَ ْمَرةِ الْ ُك ْ َربى‪َ ،‬ح ََّّت أَتَى ْ‬‫يق الْ ُو ْسطَى الَِّت َختُْر ُج َعلَى ْ‬ ‫الطَِّر َ‬
‫ف‪َ ،‬رَمى ِم ْن بَطْ ِن الْ َو ِادي"(‪.)2‬‬ ‫اخل ْذ ِ‬
‫صى َْ‬ ‫حصيات‪ ،‬ي َكِرب مع ُك ِل ح ِ ِ‬
‫صاة مْن َها‪ ،‬مثْ ِل َح َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ َ‬
‫وعند رمي اجلمرات الثالث يف أايم التشريق(‪.)3‬‬
‫وهنا يتذكر احلاج بقلبه وهو يرمي اجلمار ويقول (هللا أكرب) مع كل حصاة معىن هللا أكرب‪ ،‬وهذا‬
‫سيكون التفصيل فيه يف املسألة اآلتية‪.‬‬
‫ورمي اجلمار إلقامة ذكر هللا‪ ،‬فعلى احلاج أن حيرص على االلتزام هبدي النيب ‪ ‬يف رميه للجمار‪ ،‬فال‬
‫يقع يف الغلو يف الدين الذي هو من أمراض القلب الت تفسد على اإلنسان دينه‪،‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َغ َداةَ الْ َع َقبَ ِة َوُه َو َعلَى‬ ‫ول َِّ‬ ‫ال ِيل َر ُس ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال ابْ ُن َعبَّاس رضي هللا عنهما‪ :‬قَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ض ْعتُ ُه َّن ِيف يَ ِدهِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ات‪ ،‬الْ ُق ْط ِيل» فَلَ َقطْت لَه حصيات ه َّن حصى ْ ِ‬
‫اخلَ ْذف‪ ،‬فَلَ َّما َو َ‬ ‫ُ ُ َ ََ ُ َ َ‬
‫احلَتِ ِه‪« :‬ه ِ‬
‫َ‬
‫رِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َم ْن َكا َن قَ ْب لَ ُك ُم الْغُلُُّو ِيف الدين» ‪.‬‬ ‫«أب َْمثَ ِال َه ُؤَالء‪َ ،‬وإِ َّاي ُك ْم َوالْغُلَُّو ِيف الدي ِن‪ ،‬فَِإَّمنَا أ َْهلَ َ‬
‫ِ‬

‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم « ََلْ يََزْل‬ ‫ض ِل بْ ِن َعبَّاس‪ ،‬أ َّ‬


‫َن النِ َّ‬
‫َّيب َ‬ ‫(‪ )1‬ويف مسند أيب يعلى (‪ 96 /12‬ت حسني أسد)ح(‪َ )6728‬ع ِن الْ َف ْ‬
‫ِ‬
‫صاة» وقال احملقق‪" :‬إسناده صحيح"‪.‬‬ ‫صيَات‪َ ،‬ويُ َكِربُ َم َع ُك ِل َح َ‬ ‫اها بِ َسْب ِع َح َ‬ ‫يُلَِيب َح ََّّت َرَمى َجََْرةَ الْ َع َقبَة‪ ،‬فَ َرَم َ‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪)891 /2‬ح(‪.)1218‬‬
‫صلَّى الظُّ ْهَر‪ُُ ،‬ثَّ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ صلَّى َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َ‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ح َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫اض َر ُس ُ‬‫ت‪ :‬أَفَ َ‬ ‫(‪ )3‬ويف صحيح ابن حبان (‪)180 /9‬ح(‪َ )3868‬ع ْن َعائ َشةَ قَالَ ْ‬
‫صاة‬ ‫صيَات ُك َّل َجََْرة‪َ ،‬ويُ َكِربُ َم َع ُك ِل َح َ‬ ‫س بِ َسْب ِع َح َ‬‫َّم ُ‬‫ول الش ْ‬ ‫اجلِ َم َار َح ََّّت تَ َز َ‬ ‫َر َج َع إِ َىل ِم ًىن‪ ،‬فَأَقَ َام ِهبَا أ ََّاي َم التَّ ْش ِر ِيق الث ََّال َ‬
‫ث يَ ْرِمي ْ‬
‫ف ِعنْ َد َها‪ .‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَ ْكبِريةً ي ِقف ِعنْ َد ْاأل َ ِ‬
‫ف إِذَا َرَمى الْ ُك ْ َربى‪َ ،‬وَال يَق ُ‬ ‫ص ِر ُ‬ ‫ُوىل َوعنْ َد الْ ُو ْسطَى ببَطْ ِن الْ َوادي‪ ،‬فَيُط ُ‬
‫يل الْ َم َق َام‪َ ،‬ويَنْ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫احملقق‪ ":‬إسناده حسن‪ ،‬حممد بن إسحاق‪ :‬روى له مسلم قي املتابعات‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬وقد صرح ابلتحديث‪ ،‬فانتفت شبهة‬
‫تدليسه‪ ،‬وابقي رجاله رجال الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪)350 /3‬ح(‪ ،)1851‬والنسائي (‪ )268 /5‬ح(‪ ،)3057‬وأبو يعلى (‪ )316 /4‬ح(‪ ،)2427‬وابن خزمية(‪/2‬‬
‫‪)1349‬ح(‪ ،)2867‬واحلاكم (‪ )637 /1‬ح(‪)1711‬وصححه وأقره الذهيب‪ ،‬وحكم األلباين بصحته يف تعليقه على سنن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪88‬‬
‫اخل ْذ ِ‬ ‫ول جابر رضي هللا عنه‪« :‬رأَيت النَِّيب صلَّى هللا علَي ِه وسلَّم رمى ْ ِِ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫صى َْ‬ ‫اجلَ ْمَرةَ مبثْ ِل َح َ‬ ‫َ ْ ُ َّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫ويف احلديث دليل على استحباب أن يكون قدر احلصاة كما ورد يف احلديث كحبة الباقالء(‪ )2‬وهو‬
‫أكرب قليالً من حبة احلمص كحبة الفول‪ ،‬أو مثل بعرة الغنم(‪.)3‬‬

‫املسألة السابعة‪ :‬التكبري يوم النحر ويف أايم التشريق‪.‬‬


‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﱂﱃﱄﱅﱆﱠ [البقرة‪.]203 :‬‬ ‫قال‬
‫وذكر ابن كثري يف تفسريه‪ ":‬قال ابن عباس‪" :‬األايم املعدودات" أايم التشريق‪ ،‬و"األايم املعلومات"‬
‫أايم العشر‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬ﱡ ﱂﱃﱄﱅﱆﱠ يعين‪ :‬التكبري أايم التشريق‬
‫بعد الصلوات املكتوابت‪ :‬هللا أكرب‪ ،‬هللا أكرب"(‪.)4‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ " :‬أ ََّاي ُم التَّ ْش ِر ِيق أ ََّاي ُم أَ ْكل‪َ ،‬و ُش ْرب‪َ ،‬وِذ ْك ِر هللاِ "(‪.)5‬‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫وقَ َ َ ُ‬
‫ومن الذكر يف أايم التشريق التكبري املطلق يف كل وقت من ليل أو هنار يف أايم التشريق إىل مغرب‬
‫آخر يوم من أايمها‪ ،‬والتكبري املقيد يف أدابر الصلوات‪.‬‬
‫والتكبري للحاج يبدأ من رمي محرة العقبة يوم العيد ويكون املقيد منه يف أدابر الصلوات من ظهر يوم‬
‫العيد إىل فجر اليوم الثالث من أايم التشريق(‪.)6‬‬
‫والتكبري من أكثر األذكار الت يقوهلا املسلم يف يومه وليلته ويف كل العام يكون يف األذان واإلقامة‪،‬‬
‫ويف الصلوات يف االنتقال بني أركاهنا‪ ،‬وبعد الصلوات‪ ،‬وقبل النوم‪ ،‬ويف العيدين‪ ،‬ويف أايم العشر من‬

‫النسائي ح(‪ ،)3057‬وقال حمقق مسند أمحد (‪" :)351 /3‬إسناده صحيح على شرط مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)944 /2‬ح(‪.)1299‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شرح النووي على مسلم(‪.)47/9‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬توفيق الرب املنعم بشرح صحيح اإلمام مسلم (‪.)468 /3‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري (‪.)560 /1‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪ )800 /2‬ح(‪.)1141‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬اجملموع شرح املهذب للنووي(‪ ،)33 /5‬املغين البن قدامة (‪.)288 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪89‬‬
‫ذي احلجة‪ ،‬ويف يوم النحر وأايم التشريق‪ ،‬ويقوله اجملاهد يف سبيل هللا يف ساحات الوغى‪ ،‬وهلذا ارتباط‬
‫كبري بعمل القلب يتجلى يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬معناه‪ :‬هللا أكرب من كل شيء(‪.)1‬‬
‫اثنيا‪ :‬مثراته وآاثره املباركة على حياة املسلم‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا رسخ يف قلب العبد اليقني مبعاين التكبري‪ ،‬وكان يقوله بقلب حاضر يدرك ويعلم معاين‬
‫ما يقول‪ ،‬وجاهد نفسه على االستمرار والصرب على حضور قلبه؛ ليعقل وليفهم ويعلم ما‬
‫يقول‪ ،‬أمثر ذلك خشوعه وخضوعه لعظمة هللا الكبري‪.‬‬
‫والسؤال املهم‪ :‬ما أثر قولنا هلذا التكبري كثرياً يف حياتنا على خشوع قلوبنا؟ وعلى خوفنا وخشيتنا‬
‫من هللا وتعظيمه حق التعظيم‪ ،‬فزادت خشيتنا له‪ ،‬وزادت هيبتنا منه‪ ،‬وزادت عظمته يف قلوبنا فقدرانه‬
‫حق قدره وعظمناه حق التعظيم‪ ،‬وخشعت قلوبنا من هيبته وجالله وعظمته‪ ،‬إنه هللا ‪ ‬أكرب من كل‬
‫شيء‪ ،‬كل شيء من دونه أصغر‪ ،‬هو الكبري املتعال الذي خضعت لعظمته َجيع املخلوقات طوعاً‬
‫وكرهاً‪ ،‬قال تعاىل عن نفسه عزوجل‪ :‬ﱡ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬

‫ﳁﳂﳃﳄﳅﱠ [آل عمران‪.]83 :‬‬

‫تعاىل‪:‬ﱡ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱠ [الرعد‪:‬‬ ‫وقال‬


‫‪.]15‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼ‬
‫ﲽﲾﲿﱠ [فصلت‪.]11 :‬‬

‫هو مالك امللك مدبر األمر مصرف الكون‪ ،‬بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪،‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱠ [امللك‪.]1 :‬‬ ‫قال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الشرح املمتع على زاد املستقنع (‪.)24 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪90‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ‬

‫ﲋﲍﲎﲏﲐﲑﱠ [آل عمران‪.]26 :‬‬


‫ﲌ‬ ‫ﲈﲊ‬
‫ﲅﲆ ﲇ ﲉ‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﱠ [يس‪.]83 :‬‬ ‫وقال‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ‬
‫ﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﱠ املؤمنون‪.]89 – 88 :‬‬

‫هو وحده الذي يرزق ويعطي من يشاء ومينع من يشاء‪ ،‬ميسك السموات فال تقع على األرض إال‬
‫إبذنه‪ ،‬يرفع السماء بغري عمد نراها‪ ،‬أقرأ هذه اآلايت بقلب حاضر متدبر يدرك بقلبه عظمة هللا وقوته‬
‫ويقدره حق قدره‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﱠ‬
‫[الزمر‪.]67 :‬‬

‫ﱡ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬
‫ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﱠ [الرعد‪.]10 – 9 :‬‬

‫ﱡ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨﲩﱠ[ احلج‪.]62 :‬‬

‫ﱡ ﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣ ﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱠ لقمان‪30 :‬‬

‫[احلج‪.]74 :‬‬ ‫ﱡ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ‬

‫ﱡ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫[األنبياء‪.]104 :‬‬ ‫ﱣﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱠ‬

‫[هود‪.]66 :‬‬ ‫ﱡﲈﲉﲊﲋﲌﱠ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪91‬‬

‫ﱡ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬

‫ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ‬

‫ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﱠ‬
‫[فاطر‪.]3 – 2 :‬‬

‫ﱡ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬

‫ﲐ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ [فاطر‪.]41 :‬‬
‫ﲑ‬ ‫ﲎﲏ‬

‫[األنعام‪.]18 :‬‬ ‫ﱡ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﱠ‬
‫ﱡ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ‬
‫[غافر‪.]16 :‬‬ ‫ﳌﱠ‬
‫إذا حضر يف القلب حمبة هللا والشعور بعظمته وأنه أكرب من كل شيء‪ ،‬ازداد العبد شوقاً‬ ‫‪-2‬‬
‫للقاء ربه وسهلت عليه كل املشاق الت يواجهها يف طريقه إىل ربه‪ ،‬بل يرتقى يف سلم‬
‫احملبة حَّت يصل إىل درجة التلذذ مبا يلقاه يف سبيل هللا وسبيل مرضاته‪ ،‬وال يبايل مبن‬
‫يصده عن الطريق عن هللا ألهنم يف نظره أصغر شيء ال حول هلم وال قوة إال ما أقدرهم‬
‫عليه العلي الكبري‪ ،‬فهم يثبتون على احلق الذي حيبه هللا ويرضاه ثبات اجلبال الراسيات‪،‬‬
‫ودونك هذه األمثلة الت تبني هذه احلقيقة‪:‬‬
‫املثال األول‪ :‬وهم سحرة فرعون‪ ،‬يعلنون الرضا مبا يلقونه يف ذات هللا‪ ،‬عندما توعدهم فرعون‬
‫ابلعقوبة الت ظن أهنا سرتهبهم‪ ،‬وتعيدهم إىل ما كانوا عليه من الطاعة والتقرب له‪ ،‬ولكن القوم‬
‫ذاقوا حالوة اإلميان‪ ،‬وعرفوا مرارة الكفر والعصيان‪ ،‬فأصبحوا جيدون لذة فيما يصيبهم يف ذات‬
‫هللا‪ ،‬وهكذا اإلميان إذا خالطت بشاشته القلوب‪ ،‬يثبت صاحبه على احلق ثبات اجلبال‬
‫الراسخات‪ ،‬فال هتزه العواصف‪ ،‬وال يتزحزح عن احلق الذي معه مهما كانت قوة الباطل وصلفه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪92‬‬
‫ولنعش مع أحداث هذه القصة كما يذكرها ربنا ‪ ‬يف أكثر من سياق‪ ،‬فيقول تعاىل‪ :‬ﱡﱝ‬

‫ﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ‬

‫ﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾ‬

‫ﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ‬

‫ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡ‬

‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﱠ [الشعراء‪.]51-43 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ‬

‫ﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣ‬

‫ﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ‬

‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋ‬

‫ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙ‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ‬

‫ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬

‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑ‬

‫ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ‬

‫ﳣﳤﳥﳦﳧﳨﳩﳪﳫﳬﱠ [طه‪.]76-65 :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪93‬‬
‫ال‪:‬‬ ‫املثال الثاين‪ :‬وهذا منوذج آخر على الرضا مبا يلقاه يف ذات هللا‪ :‬فعن أ ََيب ُهَريْ َرةَ ‪ ‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ول َِّ‬
‫ي َج َّد‬ ‫صا ِر َّ‬‫اَّلل ‪َ ‬ع َشَرةَ َرْهط َس ِريَّةً َعْي نًا ‪َ ،‬وأ ََّمَر َعلَْي ِه ْم َعاص َم بْ َن َاثبِت األَنْ َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ث َر ُس ُ‬ ‫بَ َع َ‬
‫ِ(‪)3‬‬
‫ني عُ ْس َفا َن َوَم َّكةَ‪ -‬ذُكُِروا‬ ‫اب‪ ،‬فَانْطَلَ ُقوا َح ََّّت إِ َذا َكانُوا ِابهلََدأَة ‪َ -‬وُه َو بَْ َ‬ ‫اص ِم بْ ِن عُمر بْ ِن اخلَطَّ ِ‬
‫ََ‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫صوا آ َاث َرُه ْم‬ ‫ال َهلُْم‪ :‬بَنُو َحلْيَا َن‪ ،‬فَنَ َف ُروا َهلُْم قَ ِريبًا ِم ْن ِمائَ َ ْت َر ُجل ُكلُّ ُه ْم َرام‪ ،‬فَاقْ تَ ُّ‬ ‫ِحلَي ِم ْن ُه َذيْل يُ َق ُ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫آه ْم‬
‫صوا آ َاث َرُه ْم‪ ،‬فَلَ َّما َر ُ‬ ‫ب‪ ،‬فَاقْ تَ ُّ‬ ‫َح ََّّت َو َج ُدوا َمأْ َكلَ ُه ْم متًَْرا تَ َزَّوُدوهُ م َن املَدينَة‪ ،‬فَ َقالُوا‪َ :‬ه َذا متَُْر يَثْ ِر َ‬
‫وان ِأبَيْ ِدي ُك ْم‪َ ،‬ولَ ُك ُم‬ ‫َحا َط هبِِ ُم ال َق ْوُم‪ ،‬فَ َقالُوا َهلُْم‪ :‬انْ ِزلُوا َوأ َْعطُ َ‬ ‫َص َحابُهُ َجلَئُوا إِ َىل فَ ْدفَد َوأ َ‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫َعاص ٌم َوأ ْ‬
‫اَّللِ الَ أَنْ ِزُل‬
‫الس ِريَِّة‪ :‬أ ََّما أ ََان فَ َو َّ‬
‫اص ُم بْ ُن َاثبِت أ َِمريُ َّ‬ ‫ال ع ِ‬
‫َح ًدا‪ ،‬قَ َ َ‬
‫ِ‬
‫اق‪َ ،‬والَ نَ ْقتُ ُل مْن ُك ْم أ َ‬ ‫الع ْه ُد َواملِيثَ ُ‬
‫َ‬
‫ك‪ ،‬فَرموهم ِابلنَّب ِل فَ َقتَ لُوا ع ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اص ًما ِيف َسْب َعة‪ ،‬فَنَ َزَل إِلَْي ِه ْم‬ ‫َ‬ ‫َخِ ْرب َعنَّا نَبِيَّ َ َ َ ْ ُ ْ ْ‬ ‫اليَ ْوَم ِيف ذ َّمة َكافر‪ ،‬اللَّ ُه َّم أ ْ‬
‫استَ ْم َكنُوا‬ ‫ِ‬ ‫صا ِر ُّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫آخ ُر‪ ،‬فَلَ َّما ْ‬ ‫ي‪َ ،‬وابْ ُن َدثنَةَ‪َ ،‬وَر ُج ٌل َ‬ ‫ب األَنْ َ‬ ‫ثَالَثَةُ َرْهط اب َلع ْهد َوامليثَاق‪ ،‬مْن ُه ْم ُخبَ ْي ٌ‬
‫ث‪ :‬ه َذا أ ََّو ُل الغَ ْد ِر‪ ،‬و َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫مْن ُه ْم أَطْلَ ُقوا أ َْو َات َر قسيِ ِه ْم فَأ َْوثَ ُق ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫َص َحبُ ُك ْم؛‬ ‫اَّلل الَ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫الر ُج ُل الثَّال ُ َ‬ ‫ال َّ‬ ‫وه ْم‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ِ‬
‫ص َحبَ ُه ْم فَأ َََب فَ َقتَ لُوهُ‪ ،‬فَانْطَلَ ُقوا‬ ‫يد ال َقْت لَى‪ ،‬فَ َجَّرُروهُ َو َعا َجلُوهُ َعلَى أَ ْن يَ ْ‬ ‫ُس َوةً‪ ،‬يُِر ُ‬ ‫إِ َّن ِيل ِيف َه ُؤالَء َأل ْ‬
‫اع ُخبَ ْي بًا بَنُو احلَا ِر ِث بْ ِن َع ِام ِر بْ ِن نَ ْوفَ ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِخبُب يب واب ِن دثِنَةَ ح ََّّت ابع ُ ِ‬
‫ومهَا مبَ َّكةَ بَ ْع َد َوقْ َعة بَ ْدر‪ ،‬فَابْتَ َ‬ ‫َْ َ ْ َ َ َ ُ‬

‫(‪ )1‬الرهط يف اللغة‪ :‬يطلق على اجملموعة من الثالثة إىل العشرة‪.‬‬


‫ينظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة (‪ )450 /2‬مادة (رهط)‪.‬‬
‫الس ِر ِي الن َِّفيس‪،‬‬
‫(‪ )2‬السرية قطعة من اجليش أكثرها أربعمائة‪ ،‬وَسوا بذلك ألهنم يكونون خالصة العسكر وخيارهم‪ِ ،‬من الشيء َّ‬
‫وقيل‪ :‬أصلها من السرى ألهنا خترج يف الليل حَّت ال يعلم هبا أحد‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬غريب احلديث البن قتيبة (‪ ،)227 /1‬النهاية يف غريب احلديث واألثر (‪.)363 /2‬مادة (سرى)‪ ،‬واملقصود من‬
‫إرسال هذه السرية تتبع أخبار العدو‪.‬‬
‫أيضا اب ْهلَدَّة‪ ،‬وهو املوقع الذي حصلت فيه مقتلة الصحابة وهو أسفل اهلدة ويسمى الرجيع‪ ،‬وهو ماء يعرف ابسم‬ ‫(‪ )3‬ويسمى ً‬
‫«الْ َو ِطيَّ ِة»‪ ،‬يقع َشال مكة على مسافة سبعني كلم‪ ،‬ويقع يف شرق عسفان يسار اخلارج من عسفان إىل مكة‪ ،‬وتسمى املنطقة‬
‫كلها اليوم هبدى الشام‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬املعاَل األثرية يف السنة والسرية (‪ )125‬حملمد بن حممد حسن ُشراب‪ ،‬معجم املعاَل اجلغرافية يف السرية النبوية (‪،)138‬‬
‫معجم معاَل احلجاز (‪ )1825‬لعاتق البالدي‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفدفد‪ :‬املكان املرتفع فيه صالبة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬هتذيب اللغة (‪ )53 /14‬مادة‪( :‬فد)‪.‬‬
‫(‪ )5‬القسي َجع قوس‪ ،‬وهي آلة رمي النبال‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬لسان العرب(‪ )185/6‬مادة (قوس)‪ ،‬وينظر أيضاً‪ :‬غريب احلديث للخطايب(‪.)233/3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪94‬‬
‫ب ِعْن َد ُه ْم أ َِس ًريا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ث ُخبَ ْي ٌ‬ ‫ث بْ َن َع ِامر يَ ْوَم بَ ْدر‪ ،‬فَلَبِ َ‬ ‫ب ُه َو قَتَ َل احلَا ِر َ‬ ‫بْ ِن َعْبد َمنَاف‪َ ،‬وَكا َن ُخبَ ْي ٌ‬
‫وسى‬ ‫ِ‬
‫استَ َع َار مْن َها ُم َ‬ ‫اجتَ َمعُوا ْ‬ ‫ني ْ‬
‫ِ‬
‫َخ ََربتْهُ‪ :‬أ ََّهنُْم ح َ‬
‫ِ‬
‫ت احلَا ِرث أ ْ‬ ‫اَّللِ بْ ُن ِعيَاض أ َّ‬
‫َن بِْن َ‬ ‫َخ ََربِين عُبَ ْي ُد َّ‬
‫فَأ ْ‬
‫يستَ ِح ُّد ِهبا‪ ،‬فَأَعارتْه‪ ،‬فَأَخ َذ اب نًا ِيل وأ ََان َغافِلَةٌ ِحني أ ََاته‪ ،‬قَالَت‪ :‬فَوج ْدتُه ُْجملِسه علَى فَ ِخ ِذهِ‬
‫َ ُ ْ َ َ ُ َُ َ‬ ‫َ ََُ َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ت ِألَفْ َع َل‬ ‫ني أَ ْن أَقْ تُلَهُ؟! َما ُكْن ُ‬ ‫ال‪َ :‬ختْ َش ْ َ‬ ‫ب ِيف َو ْج ِهي‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ت فَ ْز َعةً َعَرفَ َها ُخبَ ْي ٌ‬
‫ِِ‬
‫وسى بِيَده‪ ،‬فَ َف ِز ْع ُ‬ ‫َواملُ َ‬
‫ف ِعنَب ِيف‬ ‫اَّللِ لََق ْد وج ْدتُهُ ي وما أيْ ُكل ِمن قِطْ ِ‬ ‫ط َخ ْ ًريا ِم ْن ُخبَ ْيب‪َ ،‬و َّ‬ ‫ت أ َِس ًريا قَ ُّ‬ ‫ذَلِك‪ ،‬و َِّ‬
‫اَّلل َما َرأَيْ ُ‬
‫َ َ َْ ً َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫اَّللِ َرَزقَهُ ُخبَ ْي بًا‪ ،‬فَلَ َّما‬
‫ول‪ :‬إِنَّهُ لَ ِرْز ٌق ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ت تَ ُق ُ‬‫يَده‪َ ،‬وإِنَّهُ لَ ُموثَ ٌق ِيف احلَديد‪َ ،‬وَما ِمبَ َّكةَ م ْن َمثَر‪َ ،‬وَكانَ ْ‬
‫ني‪ُُ ،‬ثَّ‬ ‫ني‪ ،‬فَََرتُكوهُ‪ ،‬فَرَك َع رْك َعتَ ْ ِ‬‫ب‪َ :‬ذر ِوين أَرَك ْع رْك َعتَ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫هل‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫خرجوا ِمن احلرِم لِي ْقتُلُوه ِيف احلِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ٌ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ ََ َ ُ‬
‫ص ِه ْم َع َد ًدا‪.‬‬‫َن ما ِيب جزعٌ لَطََّولْتُها‪ ،‬اللَّه َّم أَح ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ال‪ :‬لَ ْوالَ أَ ْن تَظُنُّوا أ َّ َ‬ ‫قَ َ‬
‫صَر ِعي‬ ‫ِِ‬ ‫م ا أُب ِايل ِحني أُقْ تَل مسلِم ا ‪ ...‬علَى أ ِ ِ‬
‫َي شق َكا َن ََّّلل َم ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُْ ً‬ ‫َ َ‬
‫ص ِال ِش ْلو ممََُّزِع‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ِيف َذات ا ِإللَه َوإِ ْن يَ َشأْ ‪ ...‬يُبَا ِرْك َعلَ ى أ َْو َ‬‫َو َذل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫فَ َقت لَه ابن احلا ِر ِث‪ ،‬فَ َكا َن خب يب هو س َّن الرْكعت ِ ِ‬
‫ني ل ُك ِل ْام ِرئ ُم ْسلم قُت َل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫اَّللُ‬
‫اب َّ‬ ‫استَ َج َ‬‫ص ْ ًربا ‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ُ َ ْ ٌ ُ َ َ َّ ََ ْ‬ ‫َ ُ ُْ َ‬
‫س ِم ْن ُكفَّا ِر‬ ‫ُصيب‪ ،‬فَأَخرب النَِّيب ‪ ‬أَصحابه خربهم‪ ،‬وما أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ث َان ٌ‬ ‫ُصيبُوا‪َ ،‬وبَ َع َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ ََُ ْ َ َ‬ ‫ل َعاص ِم بْ ِن َاثبِت يَ ْوَم أ َ ْ ََ ُّ‬
‫ف‪َ ،‬وَكا َن قَ ْد قَتَ َل َر ُج ًال ِم ْن عُظَ َمائِ ِه ْم‬ ‫ني ُح ِدثُوا أَنَّهُ قُتِ َل لِيُ ْؤتَ ْوا بِ َش ْيء ِمْنهُ يُ ْعَر ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫قَُريْش إِ َىل َعاصم ح َ‬
‫اصم ِمثْ ُل الظُّلَّ ِة ِم َن الدَّبْ ِر(‪ ،)2‬فَ َح َمْتهُ ِم ْن َر ُسوهلِِ ْم‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْق ِد ُروا َعلَى أَ ْن‬ ‫ث علَى ع ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْوَم بَ ْدر‪ ،‬فَبُع َ َ َ‬
‫يَ ْقطَ َع ِم ْن َحلْ ِم ِه َشْي ئًا(‪.)3‬‬

‫صربا‪.‬‬
‫صربا‪ :‬كل من قتل يف غري معركة‪ ،‬وال حرب‪ ،‬وال خطأ‪ ،‬فإنه مقتول ً‬
‫(‪ )1‬القتل ً‬
‫ينظر‪ :‬عون املعبود وحاشية ابن القيم(‪.)251 /7‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬مثل السحابة من الزانبري‪ ،‬وقيل‪ :‬هي ذكور النحل‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)384 /7‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري(‪ )67 /4‬ح (‪.)3045‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪95‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على الدعاء يف احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫ومن العبادات احلاضرة يف مناسك والعمرة كثرة دعاء هللا تعاىل‪ ،‬فهناك أدعية خاصة جاءت هبا‬
‫النصوص يف مواطن حمددة يف كل منسك من مناسك احلج والعمرة‪ ،‬وهناك جمال رحب واسع للدعاء‬
‫مبا شاء اإلنسان من خري الدنيا واآلخرة بدون االلتزام بصيغة حمددة للدعاء‪ ،‬بل يدعو مبا شاء‬
‫واألكمل واألفضل أن حيرص على األدعية الت جاءت يف القرآن وصحيح السنة‪.‬‬
‫تنبيه مهم جدا‪:‬‬
‫وهنا تنبيه مهم جداً يف مسألة الدعاء يف احلج والعمرة‪ ،‬وهو أن احلج والعمرة عبادة مبنية على‬
‫َّاس! ُخ ُذوا َع ِين‬
‫التوقيف واالتباع واالقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم الذي قال‪َ " :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫َح ُّج بَ ْع َد َع ِامي هذا"‪ ،‬والدعاء يف احلج أو العمرة أحد هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمنَاس َك ُك ْم فَِإِين الَ أ َْد ِري لَ َعلي الَ أ ُ‬
‫املناسك‪ ،‬فال يصح ألحد أن حيدث دعاء خمصوصاً يف أحد هذه املناسك إال بدليل منه ‪ ،‬وهو‬
‫س َعلَْي ِه أ َْم ُرَان فَ ُه َو َردٌّ»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«م ْن َعم َل َع َم ًال لَْي َ‬
‫القائل ‪َ :‬‬
‫س ِمْنهُ فَ ُه َو‬ ‫َح َد َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ث يف أ َْمرَان َه َذا َما لَْي َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ :‬‬
‫«م ْن أ ْ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ويف الرواية األخرى قَ َ َ ُ‬
‫َردٌّ»‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن خص منسكاً من مناسك احلج أو العمرة بدعاء خاص هلذا املنسك َل يرد عن النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم فعمله مردود عليه‪ ،‬ألن النيب صلى هللا عليه وسلم َل أيمر بذلك‪ ،‬ومثال على ما‬
‫أحدثه الناس من أدعية خمصوصة لكل شوط من الطواف والسعي َل يذكره النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫أنه خاص هبذه األشواط‪ ،‬فيكون بذلك قد أحدث عمالً َل أيمر به النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإن‬
‫كانت نيته حسنة يريد بذلك وجه هللا تعاىل‪ ،‬فقد حقق الشرط األول من شروط قبول العبادة وهو‬
‫اإلخالص‪ ،‬وَل حيقق الشرط الثاين وهو االقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم يف عبادة احلج والعمرة‬
‫فقد يرد عمله عليه‪ ،‬ألن هذا العمل الذي عمله هذا احلاج أو املعتمر َل أيمر به النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم أو يرشد إليه أو يعمله يف احلج أو العمرة‪ ،‬فمن أحدث دعاء خمصوصاً يف الطواف أو السعي‬
‫أو يف أي منسك من مناسك احلج أو العمرة فقد وقع يف البدعة؛ ألنه َل يرد عن النيب صلى هللا عليه‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪96‬‬
‫وسلم وَل يفعله؛ وهلذا كان من َل يلتزم هبدي النيب صلى هللا عليه وسلم يف حجه وعمرته على خطر‬
‫س َعلَْي ِه أ َْم ُرَان فَ ُه َو َردٌّ»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫ل‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬
‫عظيم‪ ،‬قال ‪«:‬من ع ِ‬
‫م‬ ‫َْ َ‬
‫س ِمْنهُ فَ ُه َو‬ ‫َح َد َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ث يف أ َْمرَان َه َذا َما لَْي َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ :‬‬
‫«م ْن أ ْ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ويف الرواية األخرى قَ َ َ ُ‬
‫َردٌّ»‪.‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪﱠ [الفرقان‪.]23 :‬‬ ‫وقال‬
‫وهذه األعمال الت جيعلها هللا هباء منثوراً يف يوم القيامة‪ ،‬فال ينتفع أصاحبها هبا وهم أحوج ما‬
‫يكونون إليها‪ ،‬ألهنا إما ليست خالصة هلل تعاىل‪ ،‬وإما أهنا على غري سنة رسول هللا ‪.)1(‬‬
‫أولا‪ :‬ما ثبت من أدعية احلج والعمرة‪:‬‬
‫ودونك هذه املسائل حول هذا املوضوع‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬الدعاء عند اإلحرام وبعده‪.‬‬
‫يقول عند نية الدخول يف النسك‪ :‬اللهم هذه حجة ال رايء فيها وال َسعة‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ -‬علَى‬ ‫َّيب ‪َ -‬‬ ‫«ح َّج النِ ُّ‬‫ال‪َ :‬‬ ‫س بْ ِن َمالِك َر ِض َي هللاُ َعْنهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ف َع ْن أَنَ ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه‬ ‫ال ‪َ -‬‬ ‫ث(‪َ ،)2‬وقَ ِطي َفةٌ(‪َ )3‬ال تُ َسا ِوي أ َْربَ َعةَ َد َر ِاه َم‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬ ‫احلَة َعلَْي َها َر ْح ٌل َر ٌّ‬ ‫رِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َسلَّ َم ‪ :-‬اللَّ ُه َّم َهذهِ َح َّجةٌ َال ِرَايءَ ف َيها َوَال َسُْ َعةَ»‪.‬‬
‫اإلهالل ابلتوحيد‪ ،‬يقول جابر رضي هللا عنه يف وصفه حلجة النيب ‪" :‬فَ َخَر ْجنَا َم َعهُ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫احللَي َف ِة‪..،‬فَصلَّى رس ُ ِ‬
‫ب‬‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ِيف الْ َم ْسجد‪ُُ ،‬ثَّ َرك َ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َح ََّّت أَتَ ْي نَا َذا ُْ ْ‬
‫ني يَ َديْ ِه‪ِ ،‬م ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْ َقصواء‪ ،‬ح ََّّت إِ َذا استَ و ْ ِ‬
‫ص ِري بَْ َ‬‫ت إِ َىل َمد بَ َ‬ ‫ت بِه َانقَتُهُ َعلَى الْبَ ْي َداء‪ ،‬نَظَْر ُ‬ ‫َْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬
‫ك‪َ ،‬وَر ُس ُ‬ ‫ك‪َ ،‬وِم ْن َخ ْلف ِه ِمثْ َل ذَل َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َع ْن يَ َسا ِرهِ ِمثْ َل ذَل َ‬ ‫َراكِب َوَماش‪َ ،‬و َع ْن َميِينِ ِه ِمثْ َل ذَل َ‬
‫ف َأتْ ِويلَهُ‪َ ،‬وَما َع ِم َل بِِه‬ ‫ني أَظْ ُه ِرَان‪َ ،‬و َعلَْي ِه يَْن ِزُل الْ ُق ْرآ ُن‪َ ،‬وُه َو يَ ْع ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم بَْ َ‬ ‫هللا َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مدارج السالكني(‪.)89 /2‬‬


‫(‪ )2‬الرث‪ :‬الشيء البايل القدمي‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الصحاح (‪ )282 /1‬مادة(رثث)‪ ،‬مقاييس اللغة (‪ )384 /2‬مادة(رث)‪.‬‬
‫(‪ )3‬القطيفة‪ :‬كساء له أهداب‪ .‬ينظر‪ :‬املعجم الوسيط (‪.)747 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪97‬‬
‫ِ‬
‫ك‪ ،‬إِ َّن‬
‫ك لَبَّ ْي َ‬ ‫ك َال َش ِر َ‬
‫يك لَ َ‬ ‫ك‪ ،‬لَبَّ ْي َ‬
‫الله َّم‪ ،‬لَبَّ ْي َ‬
‫ك ُ‬ ‫ِم ْن َش ْيء َع ِم ْلنَا بِِه‪ ،‬فَأ ََه َّل ِابلت َّْو ِحيد «لَبَّ ْي َ‬
‫ك»"‪.‬‬ ‫يك لَ َ‬ ‫ك َال َش ِر َ‬ ‫ك‪َ ،‬والْ ُم ْل َ‬‫احلَ ْم َد َوالنِ ْع َمةَ لَ َ‬
‫ْ‬
‫املسألة الثانية‪ :‬دعاء دخول املسجد احلرام‪.‬‬
‫يقول العالمة ابن ابز رمحه هللا يف منسكه يف وصفه لدخول املسجد احلرام‪ ":‬فإذا وصل إىل املسجد‬
‫احلرام سن له تقدمي رجله اليمىن‪ ،‬ويقول‪" :‬بسم هللا والصالة والسالم على رسول هللا أعوذ ابهلل العظيم‬
‫وبوجهه الكرمي وسلطانه القدمي من الشيطان الرجيم اللهم افتح يل أبواب رمحتك"‪.‬‬
‫ويقول ذلك عند دخول سائر املساجد‪ ،‬وليس لدخول املسجد احلرام ذكر خيصه اثبت عن النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم فيما أعلم"(‪.)1‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أدعية الطواف‪.‬‬
‫َل يصح عن النيب صلى هللا عليه وسلم يف الطواف دعاء خاص‪ ،‬قال شيخ اإلسالم يف منسكه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ب له يف الطو ِ‬
‫ليس‬
‫أبس‪ ،‬و َ‬ ‫تعاىل ويَ ْدعُ َوهُ مبا يُ ْشَرعُ‪ ،‬وإ ْن قرأَ القرآ َن سرا فال َ‬ ‫اف‪ :‬أ ْن يذ ُكَر هللاَ َ‬ ‫"ويُ ْستَ َح ُّ‬
‫بل يدعُو فيه بسائ ِر‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ ِ ِِ‬ ‫النيب صلَّى َّ ِ َّ‬ ‫حمدود ع ِن ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ عليه وسل َم‪ ،‬ال أب َْمره‪ ،‬وال ب َق ْوله‪ ،‬وال بتعليمه‪ْ ،‬‬ ‫فيه ذ ْكٌر ٌ‬
‫ِ‬ ‫حتت امليز ِ‬ ‫الناس ِم ْن دعاء َّ‬ ‫وما يذ ُك ُرهُ كثريٌ ِم َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصل لَهُ‪ ،‬لكن‬ ‫ك َفال َ‬ ‫اب وحن ِو ذل َ‬ ‫معني َ‬ ‫األدعية الشرعية‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا ِر»‪،‬‬‫«ربَّنَا آتنَا ِيف الدُّنْيَا َح َسنَةً َوِيف ْاآلخَرةِ َح َسنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫كان خيت ُم طوافَهُ بني الركنني بقوله‪َ :‬‬
‫األئمة"(‪ ،)2‬ولكن ثبت‬ ‫ابتفاق ِ‬ ‫ك‪ ،‬وليس يف ذلك ِذ ْكر و ِاجب ِ‬ ‫ِ‬
‫كما كا َن خيتِ ُم سائَِر األدعية بذل َ‬
‫ٌَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أنه صلى هللا عليه وسلم يقول‪ :‬بني الركن اليماين واحلجر األسود ‪ ،‬ما روي َع ْن َعْب ِد َّ‬
‫اَّللِ بْ ِن‬ ‫)‬‫‪3‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬التحقيق واإليضاح لكثري من مسائل احلج والعمرة والزايرة على ضوء الكتاب والسنة (ص‪.)40‬‬
‫(‪ )2‬مناسك احلج البن تيمية(ص‪.)75-74‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬وصح عن ابن عمر رضي هللا عنهما كما يف جممع الزوائد(‪ )240 /3‬األثر رقم(‪َ )5471‬ع ْن َانفع قَ َال‪َ :‬كا َن ابْ ُن عُ َمَر إِ َذا ْ‬
‫استَ لَ َم‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ .‬رَواهُ الطَََّربِاينُّ ِيف‬
‫صلَّى َّ‬ ‫صلِي َعلَى النِ ِ‬
‫َّيب َ‬ ‫ك َو ُسن َِّة نَبِيِ َ‬
‫ك‪ُُ .‬ثَّ يُ َ‬
‫ال‪ :‬اللَّه َّم إِميَا ًان بِك‪ ،‬وتَ ِ‬
‫صدي ًقا بِ ِكتَابِ َ‬
‫َ َ ْ‬ ‫احلَ َجَر قَ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫الص ِح ِ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ال َّ‬ ‫ْاأل َْو َس ِط‪َ ،‬وِر َجالُهُ ِر َج ُ‬
‫ويكون هذا يف ابتداء الطواف‪ ،‬وأشار إىل القول به يف بداية الطواف كثري من أهل العلم لوروده عن الصحابة ‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬اجملموع شرح املهذب للنووي (‪ ،)30 /8‬املغين البن قدامة(‪ ،)215 /5‬مناسك احلج البن تيمية(ص‪ ،)70‬التحقيق واإليضاح‬
‫لكثري من مسائل احلج والعمرة البن ابز(ص‪.)41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪98‬‬
‫ني َربَّنَا آتِنَا ِيف الدُّنْيَا َح َسنَةً‬
‫الرْكنَ ْ ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ ِ‬ ‫السائِ ِ‬
‫ني ُّ‬
‫«ما بَْ َ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ال‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوِيف ْاآلخَرةِ َح َسنَةً‪َ ،‬وقنَا َع َذ َ‬
‫اب النَّا ِر»(‪.)1‬‬
‫وقال العالمة ابن ابز رمحه هللا يف منسكه‪" :‬ويستحب له أن يكثر يف طوافه من ذكر هللا والدعاء وإن‬
‫قرأ فيه شيئاً من القرآن فحسن‪.‬‬
‫وال جيب يف هذا الطواف وال غريه من األطوفة‪ ،‬وال يف السعي ذكر خمصوص وال دعاء خمصوص‪.‬‬
‫وأما ما أحدثه بعض الناس من ختصيص كل شوط من الطواف أو السعي أبذكار خمصوصة أو أدعية‬
‫خمصوصة فال أصل له‪ ،‬بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى‪ ،‬فإذا حاذى الركن اليماين استلمه‬
‫بيمينه وقال‪ " :‬بسم هللا وهللا أكرب " وال يقبله‪ ،‬فإن شق عليه استالمه تركه ومضى يف طوافه وال يشري‬
‫إليه وال يكرب عند حماذاته؛ ألن ذلك َل يثبت عن النيب صلى هللا عليه وسلم فيما نعلم‪ ،‬ويستحب له‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{ربَّنَا آتنَا ِيف الدُّنْيَا َح َسنَةً َوِيف ْاآلخَرةِ َح َسنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫اب‬ ‫أن يقول بني الركن اليماين واحلجر األسود‪َ :‬‬
‫النَّا ِر} [البقرة‪ ،]201 :‬وكلما حاذى احلجر األسود استلمه وقبله وقال‪ " :‬هللا أكرب "‪ ،‬فإن َل يتيسر‬
‫استالمه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه وكرب"(‪.)2‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬أدعية السعي‪.‬‬
‫الرْك َن فَ َرَم َل‬‫استَ لَ َم ُّ‬‫ت َم َعهُ‪ْ ،‬‬ ‫قال جابر رضي هللا عنه يف وصفه حلجة النيب ‪َ ..":‬ح ََّّت إِ َذا أَتَ ْي نَا الْبَ ْي َ‬
‫ِ ِ‬ ‫الس َالم‪ ،‬فَ َقرأَ‪ِ ِ :‬‬ ‫ثََال ًاث َوَم َشى أ َْربَ ًعا‪ُُ ،‬ثَّ نَ َف َذ إِ َىل َم َق ِام إِبْ َر ِاه َيم َعلَْي ِه َّ‬
‫صلى}‬ ‫{و َّاخت ُذوا م ْن َم َقام إِبْ َراه َيم ُم َ‬ ‫َ َ‬
‫صلَّى‬ ‫ول ‪َ -‬وَال أ َْعلَ ُمهُ ذَ َكَرهُ إَِّال َع ِن النِ ِ‬ ‫ت‪ ،‬فَ َكا َن أَِيب يَ ُق ُ‬ ‫[البقرة‪ ]125 :‬فَجعل الْم َقام ب ي نَه وبني الْب ي ِ‬
‫َّيب َ‬ ‫َ َ َ َ َ َْ ُ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َح ٌد َوقُ ْل َاي أَيُّ َها الْ َكاف ُرو َن‪ُُ ،‬ثَّ َر َج َع إِ َىل ُّ‬
‫الرْك ِن‬ ‫هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ :-‬كا َن يَ ْقَرأُ ِيف َّ‬
‫الرْك َعتَ ْ ِ‬
‫ني قُ ْل ُه َو هللاُ أ َ‬
‫الص َفا والْ َم ْرَوةَ ِم ْن َش َعائِِر هللاِ}‬ ‫الص َفا قَ َرأَ‪{ :‬إِ َّن َّ‬ ‫الص َفا‪ ،‬فَلَ َّما َد َان ِم َن َّ‬
‫اب إِ َىل َّ‬ ‫استَ لَمهُ‪ُُ ،‬ثَّ َخرج ِمن الْب ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫فَ ْ َ‬
‫استَ ْقبَ َل الْ ِقْب لَةَ‪،‬‬
‫ت فَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لص َفا‪ ،‬فَ َرق َي َعلَْيه‪َ ،‬ح ََّّت َرأَى الْبَ ْي َ‬ ‫[البقرة‪« ]158 :‬أَبْ َدأُ ِمبَا بَ َدأَ هللاُ بِِه» فَبَ َدأَ ِاب َّ‬
‫احلَ ْم ُد َوُه َو َعلَى ُك ِل َش ْيء‬ ‫ك َولَهُ ْ‬ ‫يك لَهُ‪ ،‬لَهُ الْ ُم ْل ُ‬ ‫«ال إِلَهَ إَِّال هللاُ َو ْح َدهُ َال َش ِر َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫فَ َو َّح َد هللاَ َوَك ََّربهُ‪َ ،‬وقَ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ )120 /24‬ح(‪ ،)15399‬وأبو داود(‪)179 /2‬ح(‪ )1892‬واللفظ له‪ ،‬وابن خزمية (‪/2‬‬
‫‪)1288‬ح(‪ ،)2721‬وابن حبان (‪)134 /9‬ح (‪ ،)3826‬واحلاكم (‪)304 /2‬ح(‪ )3098‬وصححه ووافقه الذهيب‪،‬‬
‫وحسنه األلباين يف صحيح سنن أيب داود(‪ )141 /6‬ح(‪ ،)1653‬وقال حمقق املسند (‪" :)121 /24‬إسناده حمتمل‬
‫للتحسني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬التحقيق واإليضاح لكثري من مسائل احلج والعمرة والزايرة على ضوء الكتاب والسنة(ص‪.)45-43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪99‬‬
‫ال‪:‬‬
‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫قَ ِدير‪َ ،‬ال إِلَه إَِّال هللا وح َده‪ ،‬أ َُْنز وع َده‪ ،‬ونَصر عب َده‪ ،‬وهزم ْاألَحزاب وح َده» ُُثَّ دعا ب ِ‬
‫ني ذَل َ‬ ‫ُ َ ْ ُ ََ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ت قَ َد َماهُ ِيف بَطْ ِن الْ َو ِادي َس َعى‪َ ،‬ح ََّّت إِذَا‬ ‫صبَّ ْ‬
‫ِ‬
‫ث َمَّرات‪ُُ ،‬ثَّ نََزَل إِ َىل الْ َم ْرَوة‪َ ،‬ح ََّّت إِذَا انْ َ‬‫ِمثْ َل َه َذا ثََال َ‬
‫آخ ُر طََوافِ ِه‬ ‫الص َفا‪ ،‬ح ََّّت إِ َذا َكا َن ِ‬ ‫ِ‬
‫صع َد َات َم َشى‪َ ،‬ح ََّّت أَتَى الْ َمْرَوةَ‪ ،‬فَ َف َع َل َعلَى الْ َم ْرَوة َك َما فَ َع َل َعلَى َّ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ت ََلْ أ ُ ِ‬ ‫ال‪« :‬لَو أَِين استَ ْقب ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‪َ ،‬و َج َع ْلتُ َها عُ ْمَرةً‪ ،‬فَ َم ْن‬‫َسق ا ْهلَْد َ‬ ‫ت م ْن أ َْم ِري َما ْ‬
‫استَ ْدبَْر ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َعلَى الْ َم ْرَوة‪ ،‬فَ َق َ ْ‬
‫ي فَ ْليَ ِح َّل‪َ ،‬ولْيَ ْج َع ْل َها عُ ْمَرةً» احلديث‪.‬‬ ‫س َم َعهُ َه ْد ٌ‬
‫ِ‬
‫َكا َن مْن ُك ْم لَْي َ‬
‫وهذه تنبيهات حول هذا اجلزء من احلديث‪:‬‬
‫‪ -1‬وتالحظ هنا أنه َل يذكر النيب دعاء خمصوصاً عند مقام إبراهيم ‪ ‬وال بعد الصالة‬
‫خلفه‪ ،‬فعليه فال يصح إحداث دعاء خمصوص هلذه العبادة‪ ،‬ومن فعل فقد ابتدع يف دينه‬
‫وأحدث ماَل أيمر به النيب ‪.)1(‬‬
‫‪ -2‬ويف احلديث صفة ما قاله النيب صلى هللا عليه وسلم يف السعي بني الصفا واملروة‪ ،‬فيقرأ‬
‫«ال‬
‫اآلية عند قربه من الصفا فريقى على الصفا حَّت يرى الكعبة فيستقبلها ويقول الذكر‪َ :‬‬
‫احلَ ْم ُد َوُه َو َعلَى ُك ِل َش ْيء قَ ِد ٌير‪َ ،‬ال إِلَهَ إَِّال‬
‫ك َولَهُ ْ‬ ‫إِلَهَ إَِّال هللاُ َو ْح َدهُ َال َش ِر َ‬
‫يك لَهُ‪ ،‬لَهُ الْ ُم ْل ُ‬
‫اب َو ْح َدهُ» ثالث مرات وبني كل مرة‬ ‫َحَز َ‬ ‫صَر َعْب َدهُ‪َ ،‬وَهَزَم ْاأل ْ‬ ‫هللاُ َو ْح َدهُ‪ ،‬أ َُْنََز َو ْع َدهُ‪َ ،‬ونَ َ‬
‫يدعو مبا شاء من خري الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويكرر هذا الذكر والدعاء ثالث مرات‪ ،‬وَل ينص‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم على دعاء خمصوص يف هذا املوقع كما يظهر من حديث جابر‬
‫رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬وقال العالمة ابن ابز يف منسكه‪ ":‬ويستحب أن يستقبل القبلة وحيمد هللا ويكربه ويقول‪:‬‬
‫" ال إله إال هللا‪ ،‬وهللا أكرب‪ ،‬ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له امللك وله احلمد حييي‬
‫ومييت وهو على كل شيء قدير‪ ،‬ال إله إال هللا وحده أُنز وعده ونصر عبده وهزم‬
‫األحزاب وحده " ُث يدعو مبا تيسر رافعاً يديه‪ ،‬ويكرر هذا الذكر والدعاء ثالث مرات‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح حديث جابر يف صفة حجة النيب البن عثيمني (ص‪ )34‬وقال الشيخ رمحه هللا‪ ":‬وهل للمقام دعاء؟‬
‫اجلواب‪ :‬ليس للمقام دعاء وال دعاء قبل الركعتني وال بعدمها‪ ،‬ولكن املشكلة أن مثل هذه البدع صارت كأهنا قضااي مسلمة مشروعة‬
‫حَّت إن احلاج لريى أن حجه انقص إذا َل يفعل هذا‪ ،‬وكل هذا بسبب تقصري العلماء أو قصورهم‪ ،‬وإال فمن املمكن أن يعطى‬
‫هؤالء احلجاج مناسك من بالدهم توجههم للطريق الصحيح"‪ .‬شرح حديث جابر يف صفة حجة النيب البن عثيمني (ص‪-34‬‬
‫‪.)35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪100‬‬
‫ُث ينزل فيمشي إىل املروة حَّت يصل إىل العلم األول‪ ،‬فيسرع الرجل يف املشي إىل أن يصل‬
‫إىل العلم الثاين‪ ،‬وأما املرأة فال يشرع هلا اإلسراع بني العلمني؛ ألهنا عورة وإمنا املشروع هلا‬
‫املشي يف السعي كله‪ُ ،‬ث ميشي فريقى املروة أو يقف عندها والرقي عليها أفضل إن تيسر‬
‫ذلك‪ ،‬ويقول ويفعل على املروة كما قال وفعل على الصفا‪ ،‬ما عدا قراءة اآلية وهي قوله‬
‫اَّللِ} [البقرة‪ ،]158 :‬فهذا إمنا يشرع عند الصعود‬ ‫الص َفا َوالْ َم ْرَوةَ ِم ْن َش َعائِِر َّ‬
‫تعاىل‪{ :‬إِ َّن َّ‬
‫إىل الصفا يف الشوط األول فقط؛ أتسياً ابلنيب ‪.)1("‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬دعاء يوم عرفة‪.‬‬
‫وقال ابن ابز يف منسكه‪ُ ":‬ث يقف الناس بعرفة‪ ،‬وكلها موقف إال بطن عُرنَةَ‪ ،‬ويستحب استقبال‬
‫القبلة وجبل الرمحة إن تيسر ذلك‪ ،‬فإن َل يتيسر استقباهلما استقبل القبلة وإن َل يستقبل اجلبل‪،‬‬
‫ويستحب للحاج يف هذا املوقف أن جيتهد يف ذكر هللا سبحانه ودعائه والتضرع إليه‪ ،‬ويرفع يديه حال‬
‫الدعاء وإن لَّب أو قرأ شيئاً من القرآن فحسن‪ ،‬ويسن أن يكثر من قول ال إله إال هللا وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬له امللك وله احلمد حييي ومييت وهو على كل شيء قدير؛ ملا روي عن النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫لت أان والنبيون من قبلي ال إله إال هللا وحده ال‬ ‫أنه قال‪« :‬خري الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قُ ُ‬
‫شريك له‪ ،‬له امللك وله احلمد ُحييي ومييت وهو على كل شيء قدير» وصح عنه صلى هللا عليه‬
‫وسلم أنه قال‪« :‬أحب الكالم إىل هللا أربع سبحان هللا واحلمد هلل وال إله إال هللا وهللا أكرب»‬
‫فينبغي اإلكثار من هذا الذكر وتكراره خبشوع وحضور قلب وينبغي اإلكثار أيضاً من األذكار‬
‫واألدعية الواردة يف الشرع يف كل وقت وال سيما يف هذا املوضع يف هذا اليوم العظيم وخيتار جوامع‬
‫الذكر والدعاء"(‪.)2‬‬
‫املسألة السادسة‪ :‬الدعاء عند املشعر احلرام‪.‬‬
‫ص َواءَ‪َ ،‬ح ََّّت أَتَى‬ ‫قال جابر رضي هللا عنه يف وصفه حلجة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ِ ُ :‬‬
‫ب الْ َق ْ‬ ‫"ُثَّ َرك َ‬
‫َس َفَر ِجدا‪ ،‬فَ َدفَ َع قَ ْب َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْقبَ َل الْقْب لَةَ‪ ،‬فَ َد َعاهُ َوَك ََّربهُ َوَهلَّلَهُ َوَو َّح َدهُ‪ ،‬فَلَ ْم يََزْل َواق ًفا َح ََّّت أ ْ‬
‫احلََر َام‪ ،‬فَ ْ‬
‫الْ َم ْش َعَر ْ‬
‫ض َل بْ َن َعبَّاس‪."..‬‬ ‫ف الْ َف ْ‬ ‫س‪َ ،‬وأَْرَد َ‬ ‫أَ ْن تَطْلُ َع الش ْ‬
‫َّم ُ‬

‫(‪ )1‬التحقيق واإليضاح(ص‪.)46‬‬


‫(‪ )2‬التحقيق واإليضاح(ص‪.)53-52‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪101‬‬
‫املسألة السابعة‪ :‬الدعاء عند رمي اجلمار‪.‬‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمني رمحه هللا يف منسكه عن املبيت مبىن ليايل التشريق ورمي اجلمار بعد طواف‬
‫اإلفاضة يف يوم النحر‪ ":‬رجع إىل مىن فيبيت هبا ليلت اليوم احلادي عشر والثاين عشر‪ ،‬ويرمي‬
‫اجلمرات الثالث إذا زالت الشمس يف اليومني واألفضل أن يذهب للرمي ماشياً وإن ركب فال أبس‪،‬‬
‫فريمي اجلمرة األوىل وهي أبعد اجلمرات عن مكة وهي الت تلي مسجد اخليف بسبع حصيات‬
‫متعاقبات واحدة بعد األخرى‪ ،‬ويكرب مع كل حصاة‪ُ ،‬ث يتقدم قليالً ويدعو دعاء طويالً مبا أحب‪،‬‬
‫فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا مبا يسهل عليه ولو قليالً ليحصل السنة‪.‬‬
‫ُث يرمي اجلمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات‪ ،‬يكرب مع كل حصاة‪ُ ،‬ث أيخذ ذات الشمال‬
‫فيقف مستقبالً القبلة رافعاً يديه ويدعو دعاء طويالً إن تيسر عليه‪ ،‬وإال وقف بقدر ما يتيسر‪ ،‬وال‬
‫ينبغي أن يرتك الوقوف للدعاء ألنه سنة‪ ،‬وكثري من الناس يهمله إما جهالً أو هتاوانً‪ ،‬وكلما أضيعت‬
‫السنة كان فعلها ونشرها بني الناس أؤكد لئال ترتك ومتوت‪.‬‬
‫ُث يرمي َجرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكرب مع كل حصاة ُث ينصرف وال يدعو بعدها‪.)1(".‬‬
‫تنبيه مهم‪ :‬هذه األدعية اليت مر ذكرها يف املناسك حتتاج إىل أن نقف معها بعض الوقفات حول‬
‫أثر عمل القلب عليها‪:‬‬
‫‪ -1‬احلرص على حضور القلب عند الدعاء مع اليقني أبن هللا سيستجيب له‪ ،‬وذلك ألن‬
‫حضور القلب مع اليقني ابإلجابة له أثر كبري يف استجابة الدعاء‪ ،‬أما غفلة القلب وعدم‬
‫اَّللَ َوأَنْتُ ْم ُموقِنُو َن ِاب ِإل َجابَِة‪،‬‬
‫«ادعُوا َّ‬
‫حضوره ويقينه يؤثر على قبول هللا للدعاء يقول‪ْ :‬‬
‫يب ُد َعاءً ِم ْن قَ ْلب َغافِل َاله»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ َال يَ ْستَج ُ‬
‫َن َّ‬‫َو ْاعلَ ُموا أ َّ‬
‫الشعور ابالفتقار إىل هللا يف الدعاء‪ ،‬يؤدي إىل انكسار القلب بني يدي هللا تعاىل‪ ،‬وذلك‬ ‫‪-2‬‬
‫له أثر عجيب يف قرب العبد من ربه وسرعة استجابته لدعوته‪.‬‬

‫(‪ )1‬املنهج ملريد العمرة واحلج (ص‪.)25-24‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ )235 /11‬ح(‪ ،)6655‬والرتمذي واللفظ له (‪ )517 /5‬ح(‪ )3479‬وقال‪« :‬هذا حديث غريب ال نعرفه‬
‫إال من هذا الوجه»‪ ،‬واحلاكم (‪)670 /1‬ح(‪ )1817‬وقال‪" :‬هذا حديث مستقيم اإلسناد تفرد به صاحل املري‪ ،‬وهو أحد زهاد‬
‫أهل البصرة‪ ،‬وَل خيرجاه "‪ ،‬وقال اهليثمي يف جممع الزوائد(‪)148 /10‬ح(‪":)17203‬رواه أمحد‪ ،‬وإسناده حسن"‪ .‬واحلديث حسنه‬
‫األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (‪ )108 /1‬ح(‪ )245‬وذكره يف السلسلة الصحيحة (‪)141 /2‬ح(‪.)594‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪102‬‬
‫اإلحلاح على هللا والتضرع إليه‪ ،‬ومن األسباب العظيمة الستجابة الدعوة إحلاح العبد على‬ ‫‪-3‬‬
‫ربه وشدة طلبه وشدة تضرعه‪ ،‬وألن ذلك دليل على افتقار العبد واحتياجه إىل ربه‪ ،‬وهذا‬
‫أدعى لإلجابة‪.‬‬
‫رفع اليدين يف الدعاء وتكرار اي رب اي رب‪ ،‬اي ذا اجلالل واإلكرام‪ ،‬اي حي اي قيوم والثناء‬ ‫‪-4‬‬
‫على هللا مع الصالة والسالم على النيب ‪ ‬هلا أثر يف شعور القلب بقرب هللا منك ومعيته‬
‫اخلاصة لك‪ ،‬وذلك من أسباب استجابة هللا للداعي‪.‬‬
‫ول‪ :‬أ ََان ِعْن َد ظَ ِن َعْب ِدي ِيب َوأ ََان‬ ‫ول هللاِ ‪« :‬إِ َّن هللاَ يَ ُق ُ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫‪ -‬ويف احلديث القدسي قَ َ‬
‫َم َعهُ إِذَا َد َع ِاين»(‪ ،)1‬وكانت أدعية األنبياء وعباد هللا بقوهلم‪ :‬ربنا‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ‪« :‬إِ َّن َربَّ ُك ْم تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل َحيِ ٌّي َك ِرميٌ‪ ،‬يَ ْستَ ْحيِي ِم ْن َعْب ِدهِ إِذَا َرفَ َع يَ َديِْه إِلَْي ِه‪،‬‬
‫أَ ْن يَُرَّد ُمهَا ِص ْفًرا»(‪.)2‬‬
‫‪ -‬وقال ‪« :‬أَلِظُّوا بِيَا َذا اجلََال ِل َوا ِإل ْكَرِام»(‪.)3‬‬
‫ومعىن "أَلِظُّوا "‪ :‬أي الزموه واثبتوا عليه وأكثروا من قوله يف دعائكم‪ ،‬وقيل‪ :‬هو مبعىن‬
‫اإلحلاح على هللا هبذه اللفظة(‪.)4‬‬
‫صلَّى‬ ‫ول َِّ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ََِ :‬س َع َر ُس ُ‬ ‫ول َِّ‬ ‫احب رس ِ‬ ‫‪ -‬يقول فَضالَةُ بن عب يد‪ ،‬ص ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ َ َُ ْ َ‬
‫صلَّى هللاُ‬ ‫ص ِل َعلَى النِ ِ‬
‫َّيب َ‬ ‫ص َالتِِه ََلْ ميَُ ِج ِد َّ‬
‫اَّللَ تَ َع َاىل‪َ ،‬وََلْ يُ َ‬
‫ِ‬
‫هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم َر ُج ًال يَ ْدعُو ِيف َ‬
‫ال لَهُ‪:‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ « :‬ع ِج َل َه َذا»‪ُُ ،‬ثَّ َد َعاهُ فَ َق َ‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فَ َق َ‬
‫يد َربِِه َج َّل َو َعَّز‪َ ،‬والثَّنَ ِاء َعلَْي ِه‪ُُ ،‬ثَّ‬
‫‪ -‬أَو لِغَ ِريهِ ‪« -‬إِ َذا صلَّى أَح ُد ُكم‪ ،‬فَ ْلي ب َدأْ بِتم ِج ِ‬
‫َ َ ْ َْ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ُُ ،‬ثَّ يَ ْدعُو بَ ْع ُد ِمبَا َشاءَ»(‪.)5‬‬‫َّيب َ‬‫صلِي َعلَى النِ ِ‬ ‫يُ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )2067 /4‬ح (‪.)2067‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود(‪)78 /2‬ح(‪ ،)1488‬وجود إسناده ابن حجر يف فتح الباري(‪ ،)143 /11‬وصححه األلباين يف صحيح سنن‬
‫أيب داود (‪ )226 /5‬ح(‪ ،)1337‬وصححه شعيب األرانؤوط يف تعليقه على سنن أيب داود(‪.)610 /2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪)138 /29‬ح (‪ ،)17596‬والرتمذي(‪)540 /5‬ح(‪ ،)3525‬واحلاكم (‪ )676 /1‬ح(‪ )1836‬وصححه وأقره‬
‫الذهيب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع(‪)269 /1‬ح(‪ ،)1250‬وصحح إسناده حمقق املسند (‪.)138 /29‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬شرح سنن أيب داود البن رسالن (‪ ،)445 /17‬قوت املغتذي على جامع الرتمذي (‪.)951 /2‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد (‪ )363 /39‬ح(‪ ،)23937‬وأبو داود(‪)77 /2‬ح()‪ ،‬والرتمذي(‪)517 /5‬ح(‪ )3477‬وقال‪" :‬هذا حديث‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪103‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬أثر عمل القلب على أخالق املسلم يف احلج‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مكانة اخللق احلسن يف دين اإلسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مظاهر حسن اخللق يف احلج‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬سوء اخللق وخطره على احلاج‪.‬‬

‫حسن صحيح"‪ ،‬واحلاكم(‪ )354 /1‬ح(‪ )840‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وصحح إسناده األلباين يف صحيح سنن أيب داود‬
‫(‪ )221 /5‬ح(‪ ،)1331‬وصحح إسناده حمقق مسند أمحد (‪.)363 /39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪104‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أثر عمل القلب على أخالق املسلم يف احلج‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مكانة اخللق احلسن يف دين اإلسالم‪.‬‬
‫ودونك طرفًا من األحاديث يف بيان مكانة اخللق احلسن‪:‬‬
‫ال‪« :‬أَثْ َق ُل َش ْيء ِيف الْ ِم َيز ِان يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة ُخلُ ٌق َح َس ٌن»(‪.)1‬‬ ‫َع ْن أَِيب الد َّْرَد ِاء‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫َحبِ ُك ْم إِ ََّ‬ ‫ِ‬ ‫ال عب ُد َِّ‬
‫َخالَقًا»(‪.)2‬‬
‫َح َسنَ ُك ْم أ ْ‬
‫يل أ ْ‬ ‫اَّلل بْ ُن َع ْمرو رضي هللا عنهما‪ :‬قال ‪« :‬إِ َّن م ْن أ َ‬ ‫وقَ َ َْ‬
‫اسنُ ُك ْم‬‫اَّللِ بن عمرو رضي هللا عنهما‪ :‬قال النيب ‪« :‬إِ َّن ِخيارُكم أَح ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ َ‬ ‫ويف رواية أخرى عن َعْبد َّ ْ ُ َ ْ‬
‫َخالَقًا»(‪.)3‬‬ ‫أْ‬
‫ول‪« :‬إِ َّن الْ ُم ْؤِم َن لَيُ ْد ِرُك ِحبُ ْس ِن ُخلُِق ِه‬
‫اَّللِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫ول َّ‬‫ت َر ُس َ‬ ‫وعن عائِ َشةَ رضي هللا عنها قَالَ ِ‬
‫ت‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫الصائِِم الْ َقائِِم»(‪.)4‬‬
‫َد َر َجةَ َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬‫ال‪ُ :‬سئِ َل َر ُس ُ‬
‫وع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ قَ َ‬
‫ال‪« :‬تَ ْق َوى َّ‬ ‫َّاس اجلَنَّةَ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اَّلل ‪َ ‬ع ْن أَ ْكثَر َما يُ ْدخ ُل الن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪« :‬ال َف ُم َوال َف ْر ُج»(‪.)5‬‬ ‫َّار‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َو ُح ْس ُن اخلُلُق»‪َ ،‬و ُسئ َل َع ْن أَ ْكثَر َما يُ ْدخ ُل الن َ‬
‫َّاس الن َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )537 /45‬ح (‪ ،)27555‬وابن حبان (‪ )230 /2‬ح (‪ ،)481‬وصححه األلباين يف صحيح‬
‫اجلامع(‪ )89 /1‬ح (‪ ،)134‬وقال حمقق املسند (‪ )537 /45‬ح (‪" :)27555‬حديث صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري(‪ )28 /5‬ح (‪.)3759‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ )14 /8‬ح (‪ ،)6035‬ومسلم (‪ )1810 /4‬ح (‪)2321‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )346 /42‬ح (‪ ،)25537‬وأبو داود (‪ )252 /4‬ح (‪ ،)4798‬وابن حبان (‪ )228 /2‬ح‬
‫(‪ ،)480‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )8 /3‬ح (‪ ،)2643‬وقال شعيب األرانؤوط يف حتقيقه للمسند‬
‫(‪ )346 /42‬ح (‪" :)25537‬حديث صحيح لغريه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )47 /15‬ح (‪ ،)9096‬والرتمذي (‪ )363 /4‬ح (‪ )2004‬وقال‪" :‬صحيح غريب"‪ ،‬وابن ماجه‬
‫(‪ )1418 /2‬ح (‪ ،)4246‬وابن حبان يف صحيحه (‪ )224 /2‬ح (‪ ،)476‬واحلاكم (‪ )360 /4‬ح (‪ )7919‬وصححه‬
‫ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )318 /2‬ح (‪.)1723‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪105‬‬
‫َحبِ ُك ْم إِ ََّ‬ ‫ول‪« :‬أََال أ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫ُخربُُك ْم ِأب َ‬ ‫َّيب ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫وعن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما أَنَّهُ ََس َع النِ َّ‬
‫َع َاد َها َمَّرتَ ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال الْ َق ْوُم‪ :‬نَ َع ْم َاي‬ ‫ني أ َْو ثََال ًاث‪ ،‬قَ َ‬ ‫َوأَقْ َربِ ُك ْم م ِين َْجمل ًسا يَ ْوَم الْقيَ َامة؟»‪ ،‬فَ َس َك َ‬
‫ت الْ َق ْوُم‪ ،‬فَأ َ‬
‫َح َسنُ ُك ْم ُخلًُقا»(‪.)1‬‬ ‫ال‪« :‬أ ْ‬ ‫ول هللاِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ومما يدل على مكانة حسن اخللق وأثره العظيم أنه سبب لدخول اجلنة مع قلة النوافل‪ ،‬أو العقوبة‬
‫ال‪:‬‬‫فعن أَِيب ُهَريْ َرةَ قَ َ‬ ‫ابلنار ملن ساء خلقه مع كثرة نوافله‪ ،‬لكنها ال تنفعه‪ ،‬بسبب سوء خلقه‪ْ ،‬‬
‫ص َدقَتِ َها‪َ ،‬غ ْ َري أ ََّهنَا تُ ْؤِذي‬ ‫ول هللاِ‪ ،‬إِ َّن فَُالنَةَ ي ْذ َكر ِمن َكثْ رةِ ِ ِ ِ‬
‫ص َالهتَا َوصيَام َها َو َ‬ ‫ُ ُ ْ َ َ‬ ‫ال َر ُج ٌل‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫قَ َ‬
‫ول هللاِ‪ ،‬فَِإ َّن فَُالنَةَ يُ ْذ َك ُر ِم ْن قِلَّ ِة ِصيَ ِام َها‬ ‫ال‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫ال‪ِ « :‬ه َي ِيف النَّا ِر»‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِج َري َاهنَا بِلِ َس ِاهنَا‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ِ « :‬ه َي ِيف‬ ‫َّق ِاب ْألَثْ َوا ِر ِم َن ْاألَقِ ِط‪َ ،‬وَال تُ ْؤِذي ِج َري َاهنَا بِلِ َس ِاهنَا‪ ،‬قَ َ‬‫صد ُ‬ ‫وص َدقَتِها و ِ‬
‫ص َالهتَا‪َ ،‬وإِ َّهنَا تَ َ‬
‫ََ َ ََ‬
‫اجلَن َِّة»(‪.)2‬‬ ‫ْ‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مظاهر حسن اخللق يف احلج‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬احلج من أعظم املواقف اليت يظهر فيها حسن خلق املسلم‪ ،‬أو سوء خلقه‪،‬‬
‫ولذلك عدة أسباب منها‪:‬‬
‫حصول مشقة السفر‪ ،‬وَسي السفر سفراً‪ ،‬ألنه يسفر عن األخالق(‪.)3‬‬ ‫‪-1‬‬
‫التعامل مع طبائع خمتلفة من الناس جيمعهم مكان واحد‪ ،‬فيهم املريض‪ ،‬وفيهم اجلاهل الذي يعد اخللق‬ ‫‪-2‬‬
‫احلسن ضعفاً‪ ،‬وفيهم صاحب اخللق السيء الذي تعود على ذلك حَّت صار سجية له‪.‬‬
‫تغري مواعيد النوم واليقظة‪ ،‬وقضاء احلاجة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫التعب واالرهاق بسبب كثرة املشاق يف احلج‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )347 /11‬ح (‪ ،)6735‬وابن حبان(‪ )235 /2‬ح (‪ ،)485‬وقال يف جممع الزوائد (‪ )21 /8‬ح‬
‫(‪" :)12666‬رواه أمحد إبسناد جيد"‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )10 /3‬ح (‪.)2650‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )33 /29‬ح (‪ ،)9674‬وابن حبان (‪ )76 /13‬ح (‪ ،)5764‬واحلاكم(‪ )183 /4‬ح (‪)7304‬‬
‫َّه َار َوِيف لِ َسا ُهنَا َش ْيءٌ يُ ْؤِذي ِج َري َاهنَا َسلِيطَةٌ‪،‬‬
‫وم الن َ‬
‫صُ‬
‫إن فَُالنَةَ تُ ِ‬
‫صلي اللَّْي َل َوتَ ُ‬‫َ‬ ‫وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬ولفظه عند احلاكم‪َّ :‬‬
‫صد ُ ِ ِ‬ ‫«ال خري فِيها ِهي ِيف النَّا ِر» وقِيل لَه‪ :‬إِ َّن فَُالنَةَ تُ ِ‬
‫س َهلَا َش ْيءٌ َغ ْريُهُ‬ ‫َّق اب ْألَثْ َوار َولَْي َ‬ ‫ضا َن َوتَتَ َ‬
‫وم َرَم َ‬
‫صُ‬ ‫صلي الْ َمكْتُوبَةَ َوتَ ُ‬‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ال‪َ َ َ ْ َ َ :‬‬ ‫قَ َ‬
‫اجلَن َِّة»‪ ،‬وقال يف جممع الزوائد (‪" :)169 /8‬رواه أمحد والبزار‪ ،‬ورجاله ثقات"‪ ،‬وصححه‬ ‫«ه َي ِيف ْ‬ ‫ال‪ِ :‬‬ ‫َح ًدا‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫َوَال تُ ْؤذي أ َ‬
‫األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )682 /2‬ح (‪.)2560‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬معجم لغة الفقهاء (ص‪.)245‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪106‬‬
‫ضيق املكان وشدة الزحام‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫قلة موارد املاء والطعام يف بعض األزمان‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬من مظاهر حسن اخللق املرتبطة بعمل القلب‪.‬‬
‫‪ -1‬املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده‪ ،‬وهذا خلق املسلم احلقيقي‪ ،‬قال عنه‬
‫‪«:‬امل ْسلِ ُم َم ْن َسلِ َم امل ْسلِ ُمو َن ِم ْن لِ َسانِِه َويَ ِدهِ‪ »..‬احلديث‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاذا أراد احلاج أن يقيم نفسه هل هو مسلم حقاً وحقيقة‪ ،‬فلينظر إىل حاله مع إخوانه‬
‫احلجاج هل سلموا من لسانه ويده؟ ومن أعظم العالمات الدالة على متكن هذا املعىن يف‬
‫القلب اخلُلُق اآليت‪:‬‬
‫ب‬ ‫ب ِأل ِ‬
‫َخ ِيه َما ُِحي ُّ‬ ‫َح ُد ُك ْم‪َ ،‬ح ََّّت ُِحي َّ‬ ‫‪ -2‬أن حيب ألخيه ما حيبه لنفسه‪ ،‬قال ‪ِ َ :‬‬
‫«ال يُ ْؤم ُن أ َ‬
‫لِنَ ْف ِس ِه»(‪.)1‬‬
‫وهذا املعىن العظيم ال يسكن يف قلب العبد وال يستطيع أن يتخلق به إال إذا طهر قلبه‬
‫من الشح والبخل واحلسد واألاننية وحرص على سالمة قلبه من الشحناء والبغضاء‬
‫إلخوانه املسلمني‪ ،‬ومن العالمات الدالة على وجود هذا املعىن يف القلب اخلُلُق اآليت‪:‬‬
‫‪ -3‬الرمحة والرفق واللني إبخوانه احلجاج‪ ،‬من مظاهر حمبة املسلم ألخيه املسلم أن يرمحه‬
‫فريفق به ويلني جانبه له‪ ،‬فيبتعد عن غلظة القلب والقسوة على أخيه احلاج بل يرفق به‬
‫ويشفق عليه ويرمحه قال تعاىل عن رسوله صلى هللا عليه وسلم ﱡ ﱉﱊﱋﱌ‬

‫ﱎﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱠ [آل عمران‪.]159 :‬‬


‫ﱍ ﱏ‬

‫‪ :‬ﱡ ﱊﱋﱠ [الفتح‪.]29 :‬‬ ‫وقال تعاىل يف وصف أصحاب النيب‬


‫وحيبونه‪ :‬ﱡ ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﱠ [املائدة‪:‬‬ ‫وقال تعاىل يف وصف عباده الذين حيبهم‬
‫‪.]54‬‬

‫وهلذا جاءت األحاديث مرغبة يف الرمحة والرفق واللني ومن ذلك‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري واللفظ له (‪ )12 /1‬ح(‪ ،)13‬ومسلم (‪ )67 /1‬ح(‪.)45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪107‬‬
‫اَّللِ ‪« :‬الَ يَْر َح ُم َّ‬
‫اَّللُ َم ْن الَ يَْر َح ُم‬ ‫ول َّ‬‫ال َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ما ورد عن َج ِري ِر بْ ِن َعْب ِد َّ‬
‫اَّللِ ‪ ‬قَ َ‬
‫َّاس»(‪.)1‬‬‫الن َ‬
‫اَّلل عن هما‪ ،‬ي ب لُغ بِِه النَِّيب ‪ِ َّ :‬‬ ‫و َع ْن َعْب ِد َّ‬
‫«الرامحُو َن يَْر َمحُ ُه ُم َّ‬
‫الر ْمحَ ُن ْار َمحُوا أ َْه َل‬ ‫َّ‬ ‫اَّللِ بْ ِن َع ْمرو َر ِض َي َُّ َْ ُ َْ ُ‬
‫الس َم ِاء»(‪.)2‬‬
‫ض يَْر َمحْ ُك ْم َم ْن ِيف َّ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬
‫ول‪:‬‬‫احلُ ْجَرةِ يَ ُق ُ‬ ‫ب َه ِذهِ ْ‬ ‫صاح َ‬
‫وق ‪ِ ‬‬
‫َ‬ ‫ص ُد َ‬ ‫اس ِم َّ ِ‬
‫الصاد َق الْ َم ْ‬
‫ال‪ََِ :‬سعت أَاب الْ َق ِ‬
‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ ‪ ‬قَ َ ْ ُ َ‬
‫الر ْمحَةُ إَِّال ِم ْن َش ِقي»(‪.)3‬‬ ‫«ال تُْن َزعُ َّ‬‫َ‬
‫اَّللِ ‪،‬‬ ‫ول َّ‬ ‫ود َعلَى رس ِ‬
‫َُ‬
‫ط ِمن الي ه ِ‬
‫ت‪َ :‬د َخ َل َرْه ٌ َ َ ُ‬ ‫َّيب ‪ ‬قَالَ ْ‬ ‫وعن َعائِ َشةَ َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن َها َزْو ِج النِ ِ‬
‫ِ‬
‫ول‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت‪ :‬فَ َق َ‬ ‫الس ُام َواللَّ ْعنَةُ‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ت‪َ :‬و َعلَْي ُك ُم َّ‬ ‫ت َعائ َشةُ‪ :‬فَ َف ِه ْمتُ َها فَ ُق ْل ُ‬ ‫الس ُام َعلَْي ُك ْم‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫فَ َقالُوا‪َّ :‬‬
‫اَّللِ‪ ،‬أ ََوََلْ تَ ْس َم ْع‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللَ ُِحي ُّ‬
‫«م ْه ًال َاي َعائِ َشةُ‪ ،‬إِ َّن َّ‬ ‫َِّ‬
‫ول َّ‬ ‫ت‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫الرفْ َق ِيف األ َْم ِر ُكله»‪ ،‬فَ ُق ْل ُ‬‫ب ِ‬ ‫اَّلل ‪َ :‬‬
‫ت‪َ :‬و َعلَْي ُك ْم»(‪.)4‬‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل ‪« :‬قَ ْد قُ ْل ُ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َما قَالُوا؟! قَ َ‬
‫ت َعائِ َشةُ‪َ :‬علَْي ُك ْم‪،‬‬ ‫الس ُام َعلَْي ُك ْم‪ ،‬فَ َقالَ ْ‬
‫َّيب ‪ ‬فَ َقالُوا‪َّ :‬‬ ‫ود أَتَ ُوا النِ َّ‬‫َن يَ ُه َ‬ ‫و َعنها َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن َها‪ :‬أ َّ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫ك ِاب ِلرفْ ِق‪َ ،‬وإِ َّايك َوالعُْن َ‬ ‫ال‪« :‬مه ًال اي َعائِ َشةُ‪َ ،‬علَي ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ُك ْم‪ .‬قَ َ َ ْ َ‬ ‫ب َّ‬ ‫اَّللُ‪َ ،‬و َغض َ‬ ‫َولَ َعنَ ُك ُم َّ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ت؟! َرَد ْد ُ‬ ‫ال‪« :‬أ ََوََلْ تَ ْس َمعي َما قُ ْل ُ‬ ‫ت‪ :‬أ ََوََلْ تَ ْس َم ْع َما قَالُوا؟! قَ َ‬ ‫ش»‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫َوال ُف ْح َ‬
‫ِ‬
‫يف»(‪.)5‬‬ ‫اب َهلُْم ِ َّ‬‫اب ِيل في ِه ْم‪َ ،‬والَ يُ ْستَ َج ُ‬ ‫فَيُ ْستَ َج ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )115 /9‬ح (‪ ،)7376‬ومسلم (‪ )1809 /4‬ح (‪.)2319‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )33 /11‬ح (‪ ،)6494‬وأبو داود واللفظ له (‪ )285 /4‬ح (‪ ،)4941‬والرتمذي(‪ )323 /4‬ح‬
‫(‪ )1924‬وقال‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪ ،‬واحلاكم(‪ )175 /4‬ح (‪ )7274‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫يف صحيح اجلامع (‪ )661 /1‬ح (‪ ،)3522‬ويف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )549 /2‬ح (‪ )2256‬قال‪" :‬حسن لغريه"‪،‬‬
‫وقال حمقق املسند األرانؤوط (‪ )33 /11‬ح (‪" :)6494‬صحيح لغريه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ )378 /13‬ح (‪ ،)8001‬وأبو داود (‪ )286 /4‬ح (‪ ،)4942‬والرتمذي (‪ )323 /4‬ح (‪ )1923‬وقال‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن"‪ ،‬وابن حبان (‪ )213 /2‬ح (‪ ،)466‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )550 /2‬ح‬
‫(‪ ،)2261‬وقال شعيب األرانؤوط يف تعليقه على املسند (‪ )378 /13‬ح (‪" :)8001‬إسناده حسن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري واللفظ له(‪ )12 /8‬ح (‪ ،)6024‬ومسلم(‪ )1706 /4‬ح (‪.)2165‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ )12 /8‬ح (‪.)6030‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪108‬‬
‫الرفْ َق ُْحيَرِم ْ‬
‫اخلَْ َري»(‪.)1‬‬ ‫«م ْن ُْحيرِم ِ‬
‫ال‪َ َ :‬‬ ‫و َع ْن َج ِرير‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫الرفْ َق‪َ ،‬ويُ ْع ِطي‬ ‫يق ُِحي ُّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هللاِ ‪ ‬قَ َ‬ ‫و َع ْن َعائِ َشةَ َزْو ِج النِ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫ال‪َ « :‬اي َعائ َشةُ‪ ،‬إِ َّن هللاَ َرف ٌ‬ ‫َّيب ‪ ،‬أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬
‫ف‪َ ،‬وَما َال يُ ْع ِطي َعلَى َما ِس َواهُ»(‪.)2‬‬‫الرفْ ِق ما َال ي ْع ِطي َعلَى الْعْن ِ‬
‫ُ‬ ‫َعلَى ِ َ ُ‬
‫الرفْ َق َال يَ ُكو ُن ِيف َش ْيء إَِّال َزانَهُ‪َ ،‬وَال يُْن َزعُ ِم ْن‬
‫ال‪« :‬إِ َّن ِ‬ ‫و َعنها َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْن َها‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫َش ْيء إَِّال َشانَهُ»(‪.)3‬‬
‫ومن مظاهر الرمحة والشفقة واللني والرفق إبخوانه احلجاج‪:‬‬
‫أ‪ -‬املشي مع أخيه احلاج خلدمته يف قضاء حاجته له كداللته على موقع خميمه‪.‬‬
‫مساعدة احلاج يف محل متاعه‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫مساعدة احلاج املريض ابستدعاء اإلسعاف له‪ ،‬أو إيصاله إىل املركز الصحي القريب‪.‬‬ ‫ت‪-‬‬
‫احلرص على املشاركة يف سقيا احلاج وإطعامه‪.‬‬ ‫ث‪-‬‬
‫احلرص على أخيه احلاج يف مواطن الزحام عند الطواف والسعي ورمي اجلمار ابلتوسعة له‬ ‫ج‪-‬‬
‫وألهله وعدم مدافعتهم بيده أو أذيتهم بلسانه‪ ،‬وأن حيرص على سالمتهم كما حيرص على نفسه‬
‫وأهله‪.‬‬
‫التعاون مع رجال األمن يف تنظيم سري احلجاج وعدم املخالفة لذلك بل الدعاء هلم ابلتوفيق‬ ‫ح‪-‬‬
‫واإلعانة والثواب واألجر‪ ،‬مع شكرهم على ما يقدمونه وما يتعاملون به من أخالق عالية مع احلاج‪،‬‬
‫ونصحهم برفق ولني إذا رأى منهم شيء من الغلظة على احلاج‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )2003 /4‬ح (‪.)2592‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )2003 /4‬ح (‪.)2593‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ )2004 /4‬ح (‪.)2594‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪109‬‬
‫‪ -4‬الكلمة الطيبة صدقة‪.‬‬
‫من األخالق العالية الت ينبغي على احلاج أن يتخلق هبا احلرص على الكلمة الطيبة والت تتمثل‬
‫يف األمور اآلتية‪:‬‬
‫املوعظة احلسنة إلخوانه احلجاج‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫فعندما يرى وقوع بعض اخوانه احلجاج يف خمالفات شرعية أو بدع حمدثة يسارع إىل نصحهم‬
‫وإرشادهم برفق ولني ووعظهم ونصحهم ابحلسىن مع بيان احلق بدليله إذا كان لديه علم يف‬
‫ذلك أو داللتهم على مواقع التوعية اإلسالمية يف احلج‪.‬‬
‫األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫وأحببت أن أفرده ابلذكر مع أنه يندرج فيما سبقه ألنه من أعظم شعائر الت ينبغي أن حيرص عليها‬
‫احلاج وال ميل من تكرار ذلك األمر ابملعروف والنهي عن املنكر برفق ولني ورمحة وموعظة حسنة كما‬
‫سبق‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖ‬

‫ﱗﱘﱙﱠ [آل عمران‪.]110 :‬‬

‫فعلى احلاج أال ميل من قيامه هبذا األمر كلما رأى تقصرياً يف معروف أو ارتكاابً ملنكر من قبل‬
‫إخوانه احلجاج‪ ،‬فيسارع إىل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر برفق ولني وموعظة حسنة‪ ،‬وهذا‬
‫«م ْن َرأَى ِمْن ُك ْم ُمْن َكًرا فَ ْليُغَِ ْريهُ بِيَ ِدهِ‪ ،‬فَِإ ْن ََلْ يَ ْستَ ِط ْع‬
‫من أعظم الدالئل على إميان القلب قال ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫اإلميَ ِ‬
‫ف ِْ‬‫َض َع ُ‬ ‫فَبِل َسانِِه‪ ،‬فَِإ ْن ََلْ يَ ْستَ ِط ْع فَبِ َق ْلبِ ِه‪َ ،‬وذَل َ‬
‫كأ ْ‬
‫الرد أبدب وكلمة طيبة عند حصول تعدي من أحد احلجاج عليه‪.‬‬ ‫ت‪-‬‬
‫كثري ما حيصل تعدي من بعض احلجاج على إخوانه بلسانه أو بيده يف بعض األحيان‪ ،‬فهنا‬
‫ينبغي على احلاج املعتدى عليه أن يرد عليه أخيه برفق وشفقة ورمحة به‪ ،‬وأن يتجاوز عنه‬
‫ويعفو وال يرد السيئة مبثلها‪ ،‬وإمنا ميلك نفسه عند الغضب كما سيأيت الكالم على ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬ما دل عليه حديث ايب ذر رضي هللا عنه من أخالق عظيمة ينبغي على عامة‬
‫املسلمني أن يتخلقوا هبا واحلجاج خاصة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم(‪ )69 /1‬ح (‪.)49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪110‬‬
‫ِ‬ ‫ك ِيف وج ِه أ ِ‬
‫ك َع ِن املْن َك ِر‬‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وأ َْم ُرَك ِابمل ْع ُروف َوَهنْيُ َ‬
‫َ‬ ‫ك‬‫يك لَ َ‬‫َخ َ‬ ‫يقول ‪« :‬تَبَ ُّس ُم َ َ ْ‬
‫ِ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ص ِر لَ َ‬
‫ك‬ ‫الرديء البَ َ‬ ‫ص ُرَك لِ َّلر ُج ِل َّ‬
‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وبَ َ‬‫ك َ‬ ‫َّال ِل لَ َ‬
‫ض الض َ‬ ‫الر ُجل ِيف أ َْر ِ‬
‫اد َك َّ َ‬‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وإِ ْر َش ُ‬
‫َ‬
‫ك ِم ْن َدلْ ِو َك ِيف‬‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وإِفْ َراغُ َ‬
‫ك َ‬ ‫العظْ َم َع ِن الطَِّر ِيق لَ َ‬ ‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وإِ َماطَتُ َ‬
‫ك احلَ َجَر َوالش َّْوَكةَ َو َ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ص َدقَةٌ» ‪.‬‬ ‫دلْ ِو أ ِ‬
‫ك َ‬ ‫يك لَ َ‬‫َخ َ‬ ‫َ‬
‫وهذه األخالق العظيمة الت نص عليها هذا احلديث حقيق بكل مسلم يريد اخلري لنفسه‪،‬‬
‫وبكل حاج يريد أن يكون حجه مربوراً أن حيرص على امتثال هذه األخالق يف حجه‬
‫وعمرته‪ ،‬وكل أحواله وهي عامة للمسلمني يف كل مكان وزمان‪ ،‬ومبا أن الكالم عن سلوك‬
‫احلاج مع إخوانه احلجاج فإنه سيكون الرتكيز على ربط هذه األخالق العظيمة بسلوك‬
‫احلاج‪ ،‬وهي على النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬تبسمك يف وجه أخيك احلاج لك صدقة‪.‬‬
‫‪ -‬امرك ابملعروف إلخوانكم احلجاج وهنيك عن املنكر صدقة‪.‬‬
‫‪ -‬وأرشادك ألخيك احلاج صدقة‪.‬‬
‫‪ -‬داللة احلاج ضعيف البصر أو األعمى وايصاله إىل مكانه إذا اته عنهم من َجلة‬
‫الصدقات‪.‬‬
‫‪ -‬إماطة األذى من حجر أو عائق من أشواك أو مسامري أو اسياخ حديد أو حنو ذلك‬
‫مما يعوق احلاج يف طريقه‪ ،‬ذلك لك من الصدقات‪.‬‬
‫‪ -‬مساعدة احلاج يف سقيا املاء من الصدقات‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي(‪)340 /4‬ح(‪ ،)1956‬والبزار يف مسنده(‪ )457 /9‬ح(‪ ،)4070‬وابن حبان (‪ )286 /2‬ح(‪،)529‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪)20 /3‬ح(‪ ،)2685‬وقال حمقق صحيح ابن حبان (‪": )287 /2‬حديث‬
‫صحيح"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪111‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬سوء اخللق وخطره على احلاج‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬الرفث والفسوق واجلدال يف احلج وارتباطها مبرض القلب‪.‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫الرفث والفسوق واجلدال من األخالق املذمومة الت جاءت النصوص بنهي احلاج عن الوقوع فيها؛‬
‫لضررها العظيم على حجه‪ ،‬مما يؤدي إىل نقص أجره وضعف أثر احلج عليه‪ ،‬ودونك تفصيل هذه‬
‫املسألة يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬ما جاء يف نصوص الكتاب والسنة من الرتهيب من هذه اآلفات‪.‬‬
‫ﱃﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ‬
‫ﱄ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁﱂ‬

‫ﱎﱏﱐﱠ [البقرة‪.]197 :‬‬

‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ " :‬م ْن َح َّج فَلَ ْم يَْرفُ ْ‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫ث َوََلْ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫يَ ْف ُس ْق‪َ ،‬ر َج َع َك َهْي ئَتِ ِه يَ ْوَم َولَ َدتْهُ أ ُُّمهُ "(‪.)1‬‬
‫اثنيا‪ :‬معاين هذه اآلفات‪:‬‬
‫‪ -1‬معىن الرفث‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هو الفاحش من القول والفعل‪ ،‬ومنه اجلماع ومقدماته القولية والفعلية‬
‫‪ -2‬معىن الفسوق‪.‬‬
‫هي املعاصي واآلاثم برتك أمر هللا وارتكاب ما هنى عنه‪ ،‬ويدخل فيه حمظورات اإلحرام(‪.)3‬‬
‫ممنوعا يف‬
‫ويف ذخرية العقَّب يف شرح اجملتَّب‪" :‬وإمنا صرح بنفي الفسق يف احلج‪ ،‬مع كونه ً‬
‫كل حال‪ ،‬ويف كل حني؛ لزايدة التقبيح‪ ،‬والتشنيع‪ ،‬ولزايدة أتكيد النهي عنه يف احلج‪،‬‬
‫اَّلل تعاىل أعلم"(‪.)4‬‬
‫وللتنبيه على أن احلج أبعد األعمال عن الفسق‪ .‬و َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد واللفظ له(‪)38 /12‬ح(‪ ،)7136‬وهو يف صحيح مسلم بلفظ مقارب(‪ )983 /2‬ح(‪.)1350‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شرح النووي على مسلم (‪ ،)119 /9‬تفسري السعدي(ص‪.)91‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪ ،)54 /1‬تفسري السعدي (ص‪.)91‬‬
‫(‪ )4‬ذخرية العقَّب يف شرح اجملتَّب (‪.)316 /23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪112‬‬
‫وألن املعصية يف احلرم ويف األشهر احلرم أشد منها خارج احلرم كما هو معلوم هذا األمر‬
‫عند السلف رمحهم هللا‪.‬‬
‫وقد نقل ابن رجب رمحه هللا عن السلف يف هذه املسألة نقوالت منها‪:‬‬
‫ُصيب ِم ْن معاصي هللا صيداً كان أو غريه‪ ،‬وعنه قال‪:‬‬ ‫" قال ابن عمر‪ :‬الفسوق‪ :‬ما أ َ‬
‫الفسوق إتيان معاصي هللا يف احلرم‪.‬‬
‫{وَم ْن يُِرْد فِ ِيه إبِِ ْحلَاد بِظُْلم نُ ِذقْهُ ِم ْن َع َذاب أَلِيم}‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫ابن‬ ‫وكان َجاعة من الصحابة يتَّقو َن سكىن احلرم‪َ ،‬خشيةَ ار ِ‬
‫تكاب ُّ‬
‫الذنوب فيه منهم‪ُ :‬‬ ‫ُ‬
‫عباس‪ ،‬وعبد هللا بن عمرو بن العاص‪ ،‬وكذلك كان عمر بن عبد العزيز يفعل‪ ،‬وكان عبد‬
‫هللا بن عمرو بن العاص يقول‪ :‬اخلطيئةُ فيه أعظم‪.‬‬
‫سبعني خطيئةً ‪ -‬يعين‪ :‬بغ ِري َم َّكةَ ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫وروي عن عمر بن اخلطاب‪ ،‬قال‪ :‬ألَ ْن أُخطئ‬ ‫ُ‬
‫إيل ِم ْن أن أُخطئ خطيئة واحدةً مبكة‪.‬‬ ‫أحب َّ‬‫ُّ‬
‫وعن جماهد قال‪ :‬تُضاعف السيِئات مبكة كما تُضاعف احلسنات‪.‬‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬بلغين أن اخلطيئة مبكة مبئة خطيئة‪ ،‬واحلسنة على حنو ذلك‪.‬‬
‫ألمحد‪ :‬يف شيء من احلديث أن السيِئة‬ ‫قلت َ‬ ‫وقال إسحاق بن منصور‪ُ :‬‬
‫أن رجالً بعدن‬ ‫مبكة لِتعظيم البلد "ولو َّ‬ ‫تُكتب أبكثر ِم ْن واحدة؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ما َسعنا َإال َّ‬
‫َ‬
‫هم"‪...‬‬‫أبني َّ‬
‫فإن َم ْن َعصى‬ ‫وقوة معرفته ابهلل‪ ،‬وقُربِه منه‪َّ ،‬‬ ‫ئات بشرف فاعلها‪َّ ،‬‬ ‫ف السيِ ُ‬ ‫ضاع ُ‬
‫وقد تُ َ‬
‫خاصةَ عباده على‬ ‫أعظم ُجرماً ِممَّن عصاه على بُعد‪ ،‬وهلذا توعَّد هللا َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫السلطان على بساطه ُ‬ ‫ُّ‬
‫عصمتهم ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ليبني هلم فضله عليهم ب َ‬ ‫عصمهم منها‪َ ِ ،‬‬ ‫مبضاعفة اجلزاء‪ ،‬وإن كان قد َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫املعصية‬
‫ت تَ ْرَك ُن إِلَْي ِه ْم َشْيئاً قَلِيالً إِذاً ألَذَقْ نَ َ‬
‫اك‬ ‫ِ‬ ‫{ولَْوال أَ ْن ثَبَّ ْت نَ َ‬
‫اك لََق ْد ك ْد َ‬ ‫ذلك‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ات}‪.‬‬ ‫احلياةِ و ِضعف الْمم ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ََْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ض ْع َ‬
‫اب ِض ْع َف ْ ِ‬ ‫َّيب من أيْ ِت ِمْن ُك َّن بَِف ِ‬ ‫وقال تعاىل‪ِ :‬‬
‫ني‬ ‫ف َهلَا الْ َع َذ ُ‬ ‫اع ْ‬
‫ضَ‬ ‫اح َشة ُمبَ يِنَة يُ َ‬ ‫{اي ن َساءَ النِ ِ َ ْ َ‬
‫َ‬
‫َجَرَها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك علَى هللاِ ي ِسرياً ومن ي ْقنُ ِ‬ ‫ِ‬
‫صاحلاً نُ ْؤهتَا أ ْ‬‫ت مْن ُك َّن هلل َوَر ُسوله َوتَ ْع َم ْل َ‬ ‫َ ََ ْ َ ْ‬ ‫َوَكا َن ذَل َ َ‬
‫ني}‪.‬‬‫َمَّرتَ ْ ِ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪113‬‬
‫َّيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من بين هاشم مثل‬
‫يتأول يف آل الن ِ‬
‫علي بن احلسني َّ‬
‫وكان ُّ‬
‫َّيب ‪."‬‬
‫ذلك لقرهبم من الن ِ‬
‫‪ -3‬معىن اجلدال املذموم يف احلج(‪.)1‬‬
‫وهو اجلدال ابلباطل لنشر الباطل‪ ،‬وهو كما يقول السعدي رمحه هللا يف معىن اجلدال يف احلج‪":‬‬
‫واجلدال وهو‪ :‬املماراة واملنازعة واملخاصمة‪ ،‬لكوهنا تثري الشر‪ ،‬وتوقع العداوة"(‪.)2‬‬
‫أما اجلدال املنهي عنه يف احلج فهو اجلدال ابلباطل واخلص ام واملنازعة واملماراة ألجل أن ينتص ر‬
‫لنفس ه ويغص ب ص احبه مما يؤدي إىل رفع الص وت والس ب والش تائم واملنازعة والفرقة واالختالف‬
‫الذي يدخل بسببه الشيطان بينهم‪.‬‬
‫وأما اجلدال ابحلق فليس هو من اجلدال املذموم‪ ،‬لكن بشرط أن يكون ألجل توضيح احلق وبيانه‬
‫ملن جيادل يف هذا األمر جهالً منه ابحلكم الش رعي‪ ،‬وكل منهما يريد الوص ول إىل احلق‪ ،‬ويدخل‬
‫فيه مذاكرة العلم(‪.)3‬‬
‫قال ابن مس عود وابن عباس وعطاء‪" :‬اجلدال هنا أن متاري مس لماً حَّت تغض به فينتهي إىل‬
‫السباب‪ ،‬فأما مذاكرة العلم فال هني عنها"(‪.)4‬‬
‫وقال الش يخ حممد علي آدم االثيويب يف ش رحه حلديث جابر يف وص ف حجة النيب ‪ " :‬على‬
‫أهل العلم والفض ل أن يغتنموا فرص ة التقائهم ابحلجاج يف املس جد احلرام وغريه من املواطن‬
‫املقدس ة‪ ،‬فيعلموهم ما يلزم من مناس ك احلج‪ ،‬وأحكامه على وفق الكتاب والس نة‪ ،‬وأن ال‬
‫يش غلهم ذلك عن الدعوة إىل أص ل اإلس الم الذي من أجله بعثت الرس ل‪ ،‬وأنزلت الكتب‪ ،‬أال‬
‫وهو التوحي د‪ ،‬ف إن أكثر من لقين اهم حَّت ممن ينتمي إىل العلم وج دانهم يف جه ل ابلغ حبقيق ة‬
‫التوحيد‪ ،‬وما ينافيه من الش ركيات والوثنيات‪ ،‬كما أهنم يف غفلة اتمة عن ض رورة رجوع املس لمني‬
‫على اختالف مذاهبهم‪ ،‬وكثرة أحزاهبم إىل العمل الثابت يف الكتاب والسنة يف العقائد واألحكام‬
‫واملعامالت واألخالق والس ياس ة واالقتص اد وغري ذلك من ش ؤون احلياة‪ ،‬وأن أي ص وت يرتفع‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري ابن كثري(‪.)546/1‬‬


‫(‪ )2‬تفسري السعدي(ص‪.)91‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬توفيق الرب املنعم بشرح صحيح اإلمام مسلم (‪.)629 /3‬‬
‫(‪ )4‬تفسري القرطيب (‪.)410 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪114‬‬
‫وأي إصالح يُْز َعم على غري هذا األصل القومي‪ ،‬والصراط املستقيم‪ ،‬فسوف ال جيين املسلمون منه‬
‫وضع ًفا‪ ،‬والواقع أكرب شاهد على ذلك‪ ،‬وهللا املستعان‪.‬‬ ‫إال ذُال ُ‬
‫كثريا من اجلدال ابلت هي أحس ن‪ ،‬كما قال هللا ‪-‬‬ ‫قليال أو ً‬ ‫وقد تتطلب الدعوة إىل ما س بق ش يئًا ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْم ِة َوالْ َم ْو ِعظَِة ْ‬ ‫{ادع إِ َىل س بِ ِيل ربِ َ ِ ِ‬
‫َح َس ُن}‬ ‫احلَ َس نَة َو َجاد ْهلُْم ِابلَِّت ه َي أ ْ‬ ‫ك اب ْحلك َ‬ ‫َ‬ ‫عز وجل‪َ ُ ْ :-‬‬
‫وق َوَال‬‫ث َوَال فُ ُس َ‬‫[النحل‪ ،]125 :‬فال يص دنك عن ذلك معارض ة اجلهلة بقوله تعاىل‪{ :‬فَ َال َرفَ َ‬
‫احلَ ِج} [البقرة‪ ،]197 :‬فإن اجلدال املنهي عنه يف احلج هو كالفسق املنهي عنه يف غري‬ ‫ِج َد َال ِيف ْ‬
‫أيض ا‪ ،‬وهو اجلدال ابلباطل‪ ،‬وهو غري اجلدال املأمور به يف آية الدعوة‪ ،‬قال ابن حزم ‪-‬رمحه‬ ‫احلج ً‬
‫هللا‪ :)196 /7(-‬واجلدال قس مان‪ :‬قس م يف واجب وحق‪ ،‬وقس م يف ابطل‪ ،‬فالذي يف احلق‬
‫ك}[النحل‪ ،]125 :‬ومن جادل‬ ‫{ادعُ إِ َىل َس بِ ِيل َربِ َ‬
‫واجب يف اإلحرام وغري اإلحرام‪ ،‬قال تعاىل‪ْ :‬‬
‫يف طلب حق له‪ ،‬فقد دعا إىل س بيل ربه تعاىل‪ ،‬وس عى يف إظهار احلق واملنع من الباطل‪ ،‬وهكذا‬
‫ذاكرا إلحرام ه‬
‫ك ل من ج ادل يف حق لغريه‪ ،‬أو هلل تع اىل‪ ،‬واجل دال ابلب اط ل‪ ،‬ويف الب اط ل عم ًدا ً‬
‫احلَ ِج} [البقرة‪.]197 :‬‬ ‫وق َوَال ِج َد َال ِيف ْ‬ ‫ث َوَال فُ ُس َ‬ ‫مبطل لإلحرام وللحج؛ لقوله تعاىل‪{ :‬فَ َال َرفَ َ‬
‫وهذا كله على أن (اجلدال) يف اآلية مبعىن املخاص مة واملالحاة‪ ،‬حَّت تغض ب ص احبك‪ .‬وقد‬
‫ذهب إىل هذا املعىن َجاعة من الس لف‪ ،‬وعزاه ابن قدامة يف "املغين" (‪ )296 /3‬إىل اجلمهور‪،‬‬
‫ورجحه‪.‬‬
‫وهناك يف تفس ريه قول آخر‪ :‬وهو اجملادلة يف وقت احلج‪ ،‬ومناس كه‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ُ ،‬ث ابن‬
‫أصال‪،‬‬
‫تيمية يف "جمموعة الرسائل الكربى" (‪ ،)361 /2‬وعلى هذا فاآلية غري واردة فيما حنن فيه ً‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫يالحظ الداعية أنه إذا تبني له أنه ال جدوى من اجملادلة مع املخالفة له‬ ‫ومع ذلك فإنه ينبغي أن ِ‬
‫لتعصبه لرأيه‪ ،‬وأنه إذا صابره على اجلدل فلرمبا ترتب عليه ما ال جيوز‪ ،‬فمن اخلري له حينئذ أن‬
‫يدع اجلدال معه؛ لقوله ‪" :‬أان زعيم ببيت يف َربَض اجلنة ملن ترك املراء‪ ،‬وإن كان ُِحمقا"‪ ،‬رواه‬
‫أبو داود بسند حسن‪ ،‬عن أيب أمامة ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وللرتمذي حنوه من حديث أنس رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬وحسنه‪ ،‬وفقنا هللا واملسلمني ملعرفة سنة نبيه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬واتِباع هديه"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬البحر احمليط الثجاج يف شرح صحيح اإلمام مسلم بن احلجاج (‪.)130-129 /23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪115‬‬
‫اثلثا‪ :‬عالقتها مبرض القلب‪.‬‬
‫وهذه األعمال املذمومة هلا ارتباط أبمراض القلب‪ ،‬وهي عالمات ومؤشرات على خلل يف القلوب‬
‫جيعل احلاج يرتكب هذه املناهي وهو قد خرج من بيته إلقامة عبادة عظيمة تقتضي منه أن يطهر قلبه‬
‫مما علق به من فساد بتوبة صادقة وكثرة استغفار‪ ،‬وشعور بعظمة املوقف وهو يؤدى مناسك احلج يريد‬
‫أن يكون حجه مربوراً وسعيه مشكوراً‪ ،‬فعليه أن يتحرز من هذه اآلفات الت تفسد عليه حجه‪ ،‬ويعود‬
‫وهو َل جيد للحج أثراً يف حياته‪ ،‬وهذا هو الغنب واخلسارة نسأل هللا العافية والسالمة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬من مظاهر الرفث والفسوق واجلدال يف احلج‪.‬‬
‫مشاهدة احلرام أو َساعه من خالل وسائل االتصاالت احلديثة من قنوات فضائية وأجهزة حاسوبية‬ ‫‪-1‬‬
‫وكفية‪.‬‬
‫عدم غض البصر عند رؤية النساء‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مزامحة النساء عند الطواف ورمي اجلمار والقرب منهن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬اللعن والسباب والشتم‪.‬‬
‫‪ -5‬التساهل يف الوقوع يف حمظورات اإلحرام‪.‬‬
‫‪ -6‬التدخني‪.‬‬
‫‪ -7‬التفريط يف أوقات الصلوات ابلنوم‪.‬‬
‫‪ -8‬الوقوع يف الغيبة‪.‬‬
‫‪ -9‬التساهل يف الكالم مبقدمات اجلماع القولية والفعلية مع الزوجة‪.‬‬
‫‪ -10‬تصوير ما يقوم به من مناسك‪ ،‬فيحصل اخللل يف املقاصد الذي رمبا يفسد عليه حجه وهو ال يشعر‪.‬‬
‫‪ -11‬تربج النساء ولبس مالبس الزينة ابلذات يف يوم العيد‪ ،‬ومزامحة الرجال‪.‬‬
‫‪ -12‬تساهل املرأة يف السفر للحج من غري حمرم‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬وقوع احلاج يف الذنوب اليت أتكل احلسنات من‪ :‬احلسد والبغضاء والشحناء‬
‫وقطيعة األرحام والعقوق‪.‬‬
‫ودونك األدلة على خطر هذه اخلطااي على املسلم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪116‬‬

‫قال تعاىل عن سبب عداء أهل الكتاب ألمة اإلسالم‪ :‬ﱡ ﱾﱿﲀﲁﲂﲃ‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎ ﲏﲐ‬

‫ﲑﲒﱠ [البقرة‪.]109 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ‬

‫ﱹﱺﱻ ﱼﱽﱾﱠ [حممد‪.]23 – 22 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬

‫ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ ﲬﲭﱠ [الرعد‪.]25 :‬‬

‫َّعَر‪،‬‬ ‫ب إِلَي ُكم داء األُم ِم قَب لَ ُكم‪ :‬احلس ُد والب ْغضاء‪ِ ،‬هي احلالَِقةُ‪َ ،‬ال أَقُ ُ ِ‬
‫ول‪َْ :‬حتل ُق الش َ‬ ‫قال ‪َ « :‬د َّ ْ ْ َ ُ َ ْ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ين‪َ ،‬والَّ ِذي نَ ْف ِسي بِيَ ِدهِ َال تَ ْد ُخلُوا اجلَنَّةَ َح ََّّت تُ ْؤِمنُوا‪َ ،‬وَال تُ ْؤِمنُوا َح ََّّت َحتَابُّوا‪ ،‬أَفَ َال‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َولَك ْن َْحتل ُق الد َ‬
‫ك لَ ُك ْم؟! أَفْ ُشوا َّ‬
‫الس َال َم بَْي نَ ُك ْم»(‪.)1‬‬ ‫أُنَبِئ ُكم ِمبَا ي ث بِ ِ‬
‫ت ذَل َ‬‫ُ ْ َُ ُ‬
‫وترك احلسد وعدم إظهاره إن وجد يف القلب‪ ،‬وجماهدة النفس على السالمة من ذلك‪،‬‬
‫ال‪ُ :‬كنَّا جلُوسا مع رس ِ‬
‫ول‬ ‫ُ ً ََ َُ‬ ‫س بْ ِن َمالِك ‪ ‬قَ َ‬ ‫وعدم الغش من أسباب دخول اجلنة‪ ،‬فعن أَنَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪« :‬يطْلُع علَي ُكم ْاآل َن رجل ِمن أَه ِل ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫صا ِر‪ ،‬تَ ْنط ُ‬
‫ف‬ ‫اجلَنَّة»‪ ،‬فَطَلَ َع َر ُج ٌل م َن ْاألَنْ َ‬ ‫َُ ٌ ْ ْ‬ ‫هللا ‪ ‬فَ َق َ َ ُ َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِحلي تُه ِمن وضوئِِه‪ ،‬قَ ْد تَعلَّق نَعلَي ِه ِيف ي ِدهِ ِ‬
‫ك‪ ،‬فَطَلَ َع‬ ‫َّيب ‪ِ ‬مثْ َل ذَل َ‬ ‫ال النِ ُّ‬ ‫الش َم ِال‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن الْغَ ُد قَ َ‬ ‫َ َ ْْ َ‬ ‫َْ ُ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫ضا‪ ،‬فَطَلَ َع َذل َ‬ ‫َّيب ‪ِ ‬مثْ َل َم َقالَتِ ِه أَيْ ً‬ ‫ال النِ ُّ‬‫ث قَ َ‬ ‫ُوىل‪ .‬فَلَ َّما َكا َن الْيَ ْوُم الثَّال ُ‬‫الر ُج ُل ِمثْ َل الْ َمَّرةِ ْاأل َ‬
‫ك َّ‬ ‫َذل َ‬
‫ال‪ :‬إِِين‬‫اص فَ َق َ‬ ‫َّيب ‪ ‬تَبِ َعهُ َعْب ُد هللاِ بْ ُن َع ْم ِرو بْ ِن الْ َع ِ‬ ‫الر ُج ُل َعلَى ِمثْ ِل َحالِِه ْاأل َ‬
‫ُوىل‪ ،‬فَلَ َّما قَ َام النِ ُّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ت أَ ْن تُ ْؤِويَِين إِلَْي َ‬ ‫ِ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ك َح ََّّت متَْض َي فَ َعْل َ‬ ‫ت أَ ْن َال أ َْد ُخ َل َعلَْيه ثََال ًاث‪ ،‬فَِإ ْن َرأَيْ َ‬‫ت أَِيب فَأَقْ َس ْم ُ‬ ‫َال َحْي ُ‬
‫وم ِم َن‬
‫ث‪ ،‬فَلَ ْم يََرهُ يَ ُق ُ‬ ‫ك اللَّيَ ِايل الث ََّال َ‬ ‫ت َم َعهُ تِْل َ‬‫ث أَنَّهُ َاب َ‬ ‫هللا ُحيَ ِد ُ‬
‫قَ َال‪ :‬نَعم‪ .‬قَ َال أَنَس‪ :‬وَكا َن عب ُد ِ‬
‫ٌ َ َْ‬ ‫َْ‬
‫ص َال ِة الْ َف ْج ِر‪ .‬قَ َال‬ ‫اللَّي ِل َشي ئا‪َ ،‬غري أَنَّه إِ َذا تَع َّار وتَ َقلَّب علَى فِر ِاش ِه ذَ َكر هللا ‪ ‬وَكَّرب‪ ،‬ح ََّّت ي ُق ِ‬
‫وم ل َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ ًْ َْ ُ َ َ َ َ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )29 /3‬ح (‪ ،)1412‬والرتمذي واللفظ له (‪ )664 /4‬ح (‪ )2510‬وذكر أن احلديث خمتلف فيه‪،‬‬
‫وجود إسناده كل من املنذري يف الرتغيب والرتهيب (‪ )285 /3‬ح (‪ )4084‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪ )30 /8‬ح‬
‫(‪ ،)12732‬وحسنه لغريه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )23 /3‬ح (‪.)2695‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪117‬‬
‫ث لَيال وكِ ْدت أَ ْن أ ِ‬ ‫ول إَِّال خريا‪ ،‬فَلَ َّما م َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪:‬‬‫َحقَر َع َملَهُ‪ ،‬قُ ْل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ضت الث ََّال ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َعْب ُد هللا‪َ :‬غ ْ َري أَِين ََلْ أ ََْسَ ْعهُ يَ ُق ُ َ ْ ً‬
‫ك‬
‫ول لَ َ‬ ‫ول هللاِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َوَال َه ْجٌر َُثَّ‪َ ،‬ولَك ْن ََس ْع ُ‬ ‫ضٌ‬ ‫ني أَِيب َغ َ‬
‫ِ‬
‫َاي َعْب َد هللا‪ ،‬إِِين ََلْ يَ ُك ْن بَْي ِين َوبَْ َ‬
‫اجلن َِّة»‪ ،‬فَطَلَعت أَنْت الث ََّال َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثََال َ ِ‬
‫ت أَ ْن‬ ‫ث مَرار‪ ،‬فَأ ََرْد ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ث مَرار‪« :‬يَطْلُ ُع َعلَْي ُك ُم ْاآل َن َر ُج ٌل م ْن أ َْه ِل َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آ ِوي إِلَي ِ‬
‫ال‬
‫ك َما قَ َ‬ ‫ي بِِه‪ ،‬فَلَ ْم أ ََرَك تَ ْع َم ُل َكثِ َري َع َمل‪ ،‬فَ َما الَّذي بَلَ َغ بِ َ‬ ‫ك‪ ،‬فَأَقْ تَد َ‬ ‫ك ألَنْظَُر َما َع َملُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ما ُه َو إَِّال َما َرأَيْ َ‬ ‫ت َد َع ِاين‪ ،‬فَ َق َ‬‫ال‪ :‬فَلَ َّما َولَّْي ُ‬‫ت‪ .‬قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬ما ُه َو إَِّال َما َرأَيْ َ‬ ‫ول هللاِ ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َح ًدا َعلَى َخ ْري أ َْعطَاهُ هللاُ إِ َّايهُ‪.‬‬ ‫َغري أَِين َال أ َِج ُد ِيف نَ ْف ِسي ِألَحد ِمن الْمسلِ ِم ِ‬
‫َح ُس ُد أ َ‬‫ني غشا‪َ ،‬وَال أ ْ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يق(‪.)1‬‬ ‫ك‪َ ،‬وه َي الَِّت َال نُط ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ال َعْب ُد هللا‪َ :‬هذه الَِّت بَلَغَ ْ‬ ‫فَ َق َ‬
‫احلسد والبغضاء من أمراض القلوب الت تفتك بعبادة العبد‪ ،‬وتقضي على حسناته‪ ،‬وذلك حيتاج‬
‫إىل مقاومة ما يف النفس من هذه األمراض حَّت ال تضر حبج العبد كثرياً‪ ،‬وللشحناء والتباغض‬
‫بني املسلمني‪ ،‬وقطيعة الرحم خطر عظيم عليهم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وخطر كبري على حج العبد‪،‬‬
‫ومن أكثر ما يعيق املسلم عن املنافسة يف اخلري يف هذا هذه األايم العظيمة وهو يقوم مبناسك‬
‫أعظم شعرية ‪ ،‬وجود هذه اخلطااي واالستمرار عليها وعدم التوبة منها‪ ،‬ومن النصوص الت تبني‬
‫خطر هذه الذنوب‪ ،‬وأحب أن أنقل لكم األحاديث اليت وردت يف كتاب صحيح الرتغيب‬
‫والرتهيب لأللباين(‪ )2‬عن الرتغيب يف صلة الرحم‪ ،‬والرتهيب من هذه اخلطااي وحرصت على‬
‫نقل أكثرها ألمهيتها ولعظيم احلاجة لذلك(‪ ،)3‬حتت عدة عناوين‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ )124 /20‬ح (‪ ،)12697‬وقال املنذري يف الرتغيب والرتهيب(‪ )348 /3‬ح (‪" :)4384‬رواه أمحد إبسناد‬
‫أيضا إال شيخه سويد بن نصر‪ ،‬وهو ثقة"‪ ،‬وقال العراقي يف ختريج‬ ‫على شرط البخاري ومسلم والنسائي‪ ،‬ورواته احتج هبم ً‬
‫أحاديث اإلحياء (‪" :)1085‬رواه أمحد إبسناد صحيح على شرط الشيخني"‪ ،‬واهليثمي يف جممع الزوائد(‪ )79 -78 /8‬ح‬
‫(‪ ،)13048‬وقال‪" :‬ورجال أمحد رجال الصحيح"‪ ،‬وقال البوصريي يف إحتاف اخلرية املهرة بزوائد املسانيد العشرة (‪)78 /6‬‬
‫ح (‪" :)5383‬هذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم"‪ ،‬وقال حمقق املسند ح (‪" :)12697‬إسناده صحيح على‬
‫شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وأصل الكتاب الرتغيب والرتهيب لإلمام املنذري رمحة هللا على اجلميع‪ ،‬وقام بتخريج أحاديثه العالمة األلباين وقسمه إىل‬
‫كتابني صحيح الرتغيب وضعيف الرتغيب‪ ،‬وقد قمت حبذف التخريج يف الغالب إال ما دعت له احلاجة‪ ،‬واختصرت بعض‬
‫األحاديث‪ ،‬وأبقيت على حكم الشيخ على احلديث ألنه مقصود‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهنا حيسن التنبيه أن التمعن يف قراءة هذه األحاديث واالطالع عليها كاملة جيعل القارئ أو السامع خيرج مبعلومة كافية عن‬
‫خطر هذه الذنوب على املسلم يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪118‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫األول‪( :‬الرتغيب يف صلة الرحم وإ ْن قطعت‪ ،‬والرتهيب من قطعها)‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال‪:‬‬‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫أن َ‬ ‫‪[ -‬صحيح] وعن أنس رضي هللا عنه؛ َّ‬
‫ص ْل َرِمحَهُ"‪.‬‬
‫ط له يف ِرْزقِ ِه‪ ،‬وي نَ َّسأَ له يف أثَِرهِ؛ ف ْلي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أحب أ ْن يُْبس َ‬
‫"م ْن َّ‬ ‫َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال هلا‪:‬‬ ‫النيب ‪َ -‬‬‫أن َّ‬ ‫‪[ -‬صحيح] وعن عائشة رضي هللا عنها؛ َّ‬
‫وحسن‬
‫ُ‬ ‫الرِح ِم‬
‫وصلةُ َّ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرِة‪ِ ،‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫طي [حظه من] الرفق؛ فقد أُعط َي حظهُ م ْن خري الدنيا و َ‬ ‫"أنَّه َم ْن أ ُْع َ‬
‫يدان يف األ َْعما ِر"‪.‬‬ ‫اجلِوا ِر ‪-‬أو حسن اخللُ ِق‪ -‬ي ع ِمر ِان الداير‪ ،‬ويز ِ‬
‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ ُُْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َّ -‬‬
‫‪":‬إن‬ ‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫‪[ -‬صحيح] وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫بك ِم َن‬ ‫ِ‬
‫مقام العائِذ َ‬ ‫ت‪ :‬هذا ُ‬
‫غ منهم قام ِ ِ‬
‫ت الرح ُم فقالَ ْ‬ ‫َ‬ ‫هللا تعاىل َخلق اخلَْل َق‪ ،‬حَّت إذا فَر َ‬
‫قالت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ك‪ ،‬وأقْطع من قطَع ِ‬ ‫أصل من وصلَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َق ِ‬
‫ك؟ ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫رضني أ ْن َ َ ْ َ َ‬ ‫طيعة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما تَ َ‬ ‫َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪:-‬‬‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫ك"‪ُ .‬ث قال َ‬ ‫فذاك لَ ِ‬

‫شئ تُم‪ :‬ﱡ ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶ‬


‫"اقْرؤوا إ ْن ْ‬
‫ﱷﱸﱹﱺﱻ ﱼﱽﱾﱠ [حممد‪.]23 – 22 :‬‬

‫َصلُهم‬ ‫إن يل قرابةً أ ِ‬ ‫أن رجالً قال‪ :‬اي رسول هللا! َّ‬ ‫‪[ -‬صحيح] وعن أيب هريرة رضي هللا عنه‪َّ :‬‬
‫كنت‬
‫علي؟ فقال‪[ ":‬ولئن] َ‬ ‫أحلُم عليهم َو ْجي َهلون َّ‬ ‫إيل‪ ،‬و ْ‬‫ُح ِس ُن إليهم ُويُسيئون َّ‬ ‫َوي ْقطَعوين‪ ،‬وأ ْ‬
‫ِ‬ ‫كما قلت َّ ِ‬
‫ت على ذلك"‪.‬‬ ‫فكأمنا تُسفُّهم املَ َّل‪ ،‬وال يز ُال [معك] م َن هللا ظهريٌ علي ِه ْم ما ُد ْم َ‬ ‫َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪":-‬ما‬
‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫‪[ -‬صحيح] وعن أيب بكرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫اآلخَرةِ‪ِ -‬م َن‬
‫صاحبِه العقوبةَ يف الدنيا ‪-‬مع ما يدَّخر له يف ِ‬ ‫أجدر أ ْن يعجل هللا لِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫م ْن َذنْب َ ُ‬
‫الب ْغ ِي وقَطيع ِة ِ‬
‫الرح ِم"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪[ -‬حسن لغريه] ورواه الطرباين‪ ،‬فقال فيه‪:‬‬
‫ت‬‫حَّت إن أ َْهل الب ي ِ‬ ‫الرب ثواابً ابلصلة ِ‬
‫الرح ُم‪َّ ،‬‬ ‫الرح ِم‪ ،‬واخلِيانَِة‪ ،‬وال َكذب‪َّ ،‬‬
‫وإن أ َْع َجل ِ ِ‬ ‫"من قَطيعة ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫اصلُوا"‪.‬‬
‫ليكونون فَ َجَرةً‪ ،‬فتنموا ْأموا ُهلم‪ ،‬ويكثُر َع َد ُدهم إذا تَو َ‬
‫‪[ -‬حسن لغريه] ورواه ابن حبان يف "صحيحه" َّ‬
‫ففرقه يف موضعني‪ ،‬وَل يذكر اخليانة والكذب‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)674 -666 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪119‬‬
‫اجو َن"‪.‬‬
‫يحتَ ُ‬
‫اصلو َن فَ ْ‬ ‫وزاد يف آخره‪" :‬وما ِم ْن ِ‬
‫أهل ْبيت يتَو َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫رسول هللا ‪َ -‬‬
‫َسعت َ‬ ‫‪[ -‬حسن] وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ُ :‬‬
‫اجلم َع ِة‪ ،‬فال يُ ْقبَل َع َم ُل قاط ِع َرِحم"‪.‬‬
‫كل َخيس ليلَةَ ُ‬
‫رض َّ‬
‫آدم تُ ْع ُ‬
‫مال بين َ‬
‫أع َ‬‫"إن ْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪-‬‬
‫النيب ‪َ -‬‬
‫َسع َّ‬ ‫‪[-‬صحيح] وعن جبري بن مطعم رضي هللا عنه؛ أنَّه َ‬
‫قاطع"‪ .‬قال سفيان‪ :‬يعين قاطع رحم‪.‬‬ ‫يدخ ُل اجلنَّة ٌ‬
‫يقول‪":‬ال ُ‬
‫العنوان الثاين‪( :‬الرتهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر)(‪.)1‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪:-‬‬ ‫[صحيح] عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫‪-‬‬
‫ملسلم‬ ‫ِ‬ ‫"ال تَقاطَعوا‪ ،‬وال تَدابَروا‪ ،‬وال تَبا َغضوا‪ ،‬وال َحتاس ُدوا‪ ،‬وكونوا َ ِ‬
‫عباد هللا إ ْخواانً‪ ،‬وال َحي ُّل ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أ ْن يَ ْه ُجَر أخاهُ ْفو َق ثالث"‪.‬‬
‫ض هذا‪ ،‬وخريُُهم الَّذي يَْبدأُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض هذا ويُ ْع ِر ُ‬ ‫[صحيح لغريه] والطرباين‪ ،‬وزاد فيه‪" :‬يَْلتَقيان فيُ ْع ِر ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫ابلسالم"‪.‬‬
‫املسل ِم؛ يُ ْدبُِر عنه بَِو ْج ِه ِه"‪.‬‬
‫اض ع ِن ْ‬ ‫اإلعر َ‬
‫ب التدابَُر إال ْ‬ ‫قال مالك‪" :‬وال أ ِ‬
‫َحس ُ‬‫ْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال‪":‬ال‬ ‫رسول هللا ‪َ -‬‬‫أن َ‬ ‫أيوب رضي هللا عنه؛ َّ‬ ‫[صحيح] وعن أيب َ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َِحي ُّل ملسلم أ ْن ي هجر أخاه َ ِ‬
‫ض هذا‪ ،‬وخريُمها‬ ‫ض هذا‪ ،‬ويُ ْع ِر ُ‬ ‫فوق ثالث ليال‪ ،‬يَْلتَقيان؛ فيُ ْع ِر ُ‬ ‫َْ ُ‬
‫ِ‬
‫ابلسالم"‪.‬‬ ‫الَّذي يَْبدأُ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪" :-‬ال‬ ‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫[صحيح] وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬ ‫‪-‬‬
‫النار"‪.‬‬
‫دخل َ‬ ‫فمات؛ َ‬ ‫هجر ْفو َق ثالث َ‬ ‫من َ‬ ‫فوق ثالث‪ ،‬فَ ْ‬ ‫َِحي ُّل ملسلم أ ْن يَ ْه ُجر أخاه َ‬
‫يهجر مؤمناً‬
‫حيل ملؤمن أن َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪" :-‬ال ُّ‬‫رويف رواية أليب داود‪ :‬قال النيب ‪َ -‬‬
‫السالم فقد اشرتكا يف‬ ‫َ‬ ‫فوق ثالث‪ ،‬فإن مرت به ثالث فلي ْل َقه فليسل ِم عليه‪ ،‬فإن َرَّد عليه‬
‫األج ِر‪ ،‬وإن َل يرد عليه فقد ابء ابإلُث‪ ،‬وخرج املسلِ ُم من اهلجر"‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫أن َ‬ ‫[حسن صحيح] وعن عائشةَ رضي هللا عنها؛ َّ‬ ‫‪-‬‬
‫كل ذلك‬ ‫ثالث مرات؛ ُّ‬ ‫فوق ثالثَِة َّأايم‪ ،‬فإذا لَِقيَهُ سلَّم عليه َ‬ ‫ملسلم أ ْن يَ ْه ُجر مسلماً َ‬
‫"ال يكو ُن ْ‬
‫إبمثِِه"‪.‬‬
‫ال يَُرُّد عليه؛ فقد ابءَ ْ‬

‫(‪ )1‬صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)53 -49 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪120‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪-‬‬ ‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫[صحيح] وعن هشام بن عامر رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫احلق‪ .‬ما داما على‬ ‫بان ع ِن ِ‬ ‫فإهنُما انكِ ِ‬ ‫‪":‬ال َِحي ُّل ملسلم أ ْن ي هجر مسلِماً فو َق ِ‬
‫ثالث لَيال‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫ْ‬
‫رد ِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫سالمهُ؛ َّ‬ ‫فارةً له‪ ،‬وإ ْن سلَّم فلَ ْم يَ ْقبَ ْل َورَّد عليه َ‬ ‫صرامهما‪ ،‬وأ ََّوُهلما فَ ْيئاً يكو ُن َسْب ُقه ابلْ َفيء َك َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يدخال اجلنَّة َجيعاً أبداً"‪.‬‬ ‫اآلخ ِر الشيطا ُن‪ ،‬فإ ْن ماات على صرامهما؛ ََلْ ُ‬ ‫ورد على َ‬ ‫عليه املالئكةُ‪َّ ،‬‬
‫رواه أمحد‪ ،‬ورواته حمتج هبم يف "الصحيح"‪ ،‬وأبو يعلى والطرباين‪ ،‬وابن حبان يف "صحيحه"؛‬
‫إال أنه قال‪َ":‬ل يدخال اجلنة وَل جيتمعا يف اجلنة"‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪:-‬‬
‫رسول هللا ‪َ -‬‬
‫ورواه أبو بكر بن أيب شيبة؛ إال أنَّه قال‪ :‬قال ُ‬
‫فوق ثالث؛ ََلْ َْجيتَمعا يف اجلن َِّة أبَداً‪ ،‬وأميا بدأَ‬ ‫اصطَرما َ‬ ‫ِ‬
‫فوق ثالث‪ ،‬فإن ْ‬ ‫صطَ ِرما َ‬ ‫ِ‬
‫"ال َحي ُّل أ ْن يَ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ك‪َ ،‬ورَّد على‬ ‫رد عليه امللَ ُ‬ ‫ت ذنوبُه‪ ،‬وإ ْن هو سلَّم فلَ ْم يَُرَّد عليه وََلْ يقبَ ْل َ‬
‫سالمهُ؛ َّ‬ ‫صاحبَه ُكفَر ْ‬
‫الشيطا ُن"‪.‬‬‫ذلك ْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫‪[ -‬صحيح لغريه] وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪َ -‬‬
‫فوق ِ‬
‫ثالثة َّأايم‪ِ ،‬‬
‫َج ِر‪ ،‬وإ ْن َلْ‬ ‫اآلخ ُر ا ْش َرتكا يف األ ْ‬ ‫فإن الْتَقيا فسلَّم ُ‬
‫أحدمها فَ َّرد َ‬ ‫اهلجر َ‬
‫‪":-‬ال َحي ُّل ُ‬
‫هاجر ِان ال َجيتَ ِم ِ‬ ‫ومها مت ِ‬ ‫ِ‬
‫عان‬ ‫ْ‬ ‫اآلخ ُر ‪-‬وأحسبه قال‪ -:‬وإ ْن ماات ُ َُ‬ ‫ئ هذا م َن ا ِإل ُْث‪ ،‬وابءَ به َ‬ ‫يَُرَّد بَِر َ‬
‫يف اجلن َِّة"‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪-‬‬‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫أن َ‬ ‫[حسن لغريه] وعن فضالة بن عبيد رضي هللا عنه؛ َّ‬ ‫‪-‬‬
‫فوق ثالث فهو يف النا ِر‪ ،‬إال أ ْن يَتدارَكهُ هللا َبر ْمحَتِه"‪.‬‬‫"م ْن َه َجر أخاه َ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫صلَّى‬
‫َسع النيب ‪َ -‬‬ ‫[صحيح] وعن أيب حراش حدرد بن أيب حدرد األسلمي رضي هللا عنه؛ أنَّه َ‬ ‫‪-‬‬
‫ك َد ِمه"‪.‬‬ ‫هللا َعلَي ِه وسلَّم ‪ -‬يقول‪" :‬من هجر أخاه سنةً؛ فهو َكس ْف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ْ ََ َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬يقول‪َّ :‬‬
‫"إن‬ ‫النيب ‪َ -‬‬ ‫َسعت َّ‬‫[صحيح] وعن جابر رضي هللا عنه قال‪ُ :‬‬ ‫‪-‬‬
‫رب؛ ولكن يف التحر ِ‬
‫يش بَْي نَ ُهم"‪.‬‬ ‫الشيطا َن قد يئس أ ْن ي ْعب َده املصلُّون يف جزيرةِ الع ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫(التحريش)‪ :‬هو اإلغراء وتغيري القلوب والتقاطع‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪" :-‬لو أن رجلني دخال يف‬ ‫[صحيح] وعنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫‪-‬‬
‫يرجع‪ .‬يعين الظاَل منهما"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحدمها خارجاً من اإلسالم حَّت َ‬ ‫اإلسالم فاهتجرا؛ لكان ُ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال‪" :‬تُ ْفتَح‬ ‫رسول هللا ‪َ -‬‬ ‫أن َ‬ ‫[صحيح] وعن أيب هريرة رضي هللا عنه‪َّ ،‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪121‬‬
‫فر لِ ُك ِل عبد ال يُش ِرُك ابهلل‬ ‫يوم االثْنَ ْ ِ‬
‫ني واخلَ ِ‬
‫ميس‪ ،‬فيُ ْغ ُ‬
‫ِ‬
‫اب اجلنَّة َ‬‫أبو ُ‬
‫يصطَلِحا‪ ،‬أنْ ِظروا‬ ‫شيئاً‪ ،‬إال رجالً كان بينَه وبني أخيه َشحناء‪ِ ُ ،‬‬
‫فيقال‪ :‬أَنْظروا ه َذيْ ِن حَّت ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صطَلِحا"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صطَلحا‪ ،‬أنْظروا هذين حَّت يَ ْ‬
‫ه َذي ِن حَّت ي ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫قال أبو داود‪" :‬إذا كانت اهلجرة هلل فليس من هذا بشيء‪ ،‬فإن النيب ‪َ -‬‬
‫‪ -‬هجر بعض نسائه أربعني يوماً‪ ،‬وابن عمر هجر ابناً له إىل أن مات" انتهى‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫النيب ‪َ -‬‬‫‪[ -‬حسن صحيح] وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه عن ِ‬
‫ف ِمن َشعبا َن‪ ،‬في ْغ ِفر جلمي ِع خ ْل ِقه إال لِم ْش ِرك أو م ِ‬ ‫ِ‬
‫شاح ِن"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫النص ِ ْ ْ‬ ‫"يطَّ ُ‬
‫لع هللا إىل ََجي ِع َخ ْلقه ليلةَ ْ‬
‫العنوان الثالث‪ :‬الرتهيب من عقوق الوالدين(‪.)1‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪":‬أال أُنبِئُكم‬ ‫[صحيح] وعن أيب بكرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫رسول هللا َ‬
‫أبك ِرب الكبائِر؟ (ثالاثً) "‪ .‬قلنا‪ :‬بَلى اي َ‬
‫رسول هللا! قال‪:‬‬
‫وشهادة الزوِر"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وعقوق الوالِدي ِن ‪-‬وكان متكئاً فجلَس فقال‪ :‬أال ُ‬
‫وقول الزوِر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫"اإلشر ُاك ابهلل‪،‬‬
‫فما زال يُ ِ‬
‫كرُرها حَّت قلنا‪ :‬لَْي تَهُ َس َك َ‬
‫ت‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫[صحيح] وعن عبد هللا بن عمرو بن العاصي رضي هللا عنهما ع ِن ِ‬
‫النيب َ‬
‫الغموس"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اليمني‬ ‫الديْ ِن‪ ،‬وقتل ِ‬
‫النفس‪ ،‬و ُ‬ ‫وعقوق الو َ‬
‫ُ‬ ‫قال‪" :‬الكبائر‪ :‬اإلشر ُاك ابهلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال‪" :‬ثالثَةٌ‬ ‫[حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي هللا عنهما عن رسول هللا َ‬
‫اخلمر‪ ،‬واملنَّان عطاءَه‪ .‬وثالثَةٌ ال يَدخلو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ينظر هللا إليهم يوم ِ‬
‫القيَ َام ِة‪ٌّ :‬‬
‫العاق لوالديْه‪ ،‬ومدم ُن ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الر ُجلَة"‬ ‫العاق لوالِديْه‪ ،‬والديُّ ُ‬
‫وث‪ ،‬و َّ‬ ‫اجلنَّة‪ُّ :‬‬
‫(الديوث) بتشديد الياء‪ :‬هو الذي يقر أهله على الزان مع علمه هبم‪.‬‬
‫[الرجلة] املرأة تتشبه ابلرجال‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال‪:‬‬‫رسول هللا َ‬
‫أن َ‬ ‫[حسن لغريه] وعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما؛ َّ‬
‫ث يف‬ ‫ِ‬ ‫حرم هللا تبارك وتعاىل علي ِهم اجلنَّةَ‪ِ :‬‬
‫مدم ُن اخلَ ْم ِر‪ ،‬و ُّ‬
‫وث؛ الذي يُقُّر اخلُْب َ‬ ‫العاق‪ ،‬والديُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫"ثالثَةٌ َّ‬
‫ْأهلِ ِه"‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)665-660 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪122‬‬
‫قبل‬ ‫ِ َّ‬ ‫رسول هللا َ َّ‬
‫[حسن] وعن أيب أمامة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫صلى هللاُ َعلَْيه َو َسل َم‪" :‬ثالثَةٌ ال يَ ُ‬
‫وم َك ِذب ب َق َدر"‪.‬‬ ‫ص ْرفاً وال َع ْدالً‪ُّ :‬‬
‫عاق‪ ،‬ومنَّا ٌن‪ُ ،‬‬ ‫وجل منهم َ‬ ‫عز َّ‬ ‫هللا َّ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال‪:‬‬ ‫[صحيح لغريه] حديث أيب هريرة رضي هللا عنه؛ أن رسول هللا َ‬
‫"‪. . .‬؛ قال‪ :‬ملعو ٌن من َع ِم َل َع َم َل قوم لوط‪ ،‬ملعو ٌن من َع ِم َل َع َم َل قوم لوط‪ ،‬ملعو ٌن من َع ِم َل‬
‫ذبح لغ ِري هللاِ‪ ،‬ملعو ٌن من َع َّق والديه" احلديث‪.‬‬ ‫َع َم َل قوم لوط‪ ،‬ملعو ٌن من َ‬
‫"لعن هللا َم ْن ذبَح لِغَ ِري هللا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم قال‪َ :‬‬ ‫[صحيح] حديث ابن عباس عن النيب َ‬
‫سب والديه" احلديث‪.‬‬ ‫لعن هللا َم ْن َّ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬و َ‬ ‫وم‬
‫لعن هللا َم ْن َغ َري ُخت َ‬
‫و َ‬
‫احلي مقربةٌ‪،‬‬
‫جانب ذلك ِ‬ ‫مرةً حياً‪ ،‬وإىل ِ‬ ‫لت َّ‬ ‫العوام بن َح ْو َشب قال‪ :‬نز ُ‬ ‫[حسن موقوف] وعن َّ‬
‫نشق فيها قرب‪ ،‬فخرج رجل رأسه ر ِ‬
‫سد إنسان‪،‬‬ ‫سده َج ُ‬ ‫وج ُ‬ ‫أس احلما ِر‪َ ،‬‬ ‫ٌ ُ ُ‬ ‫ٌْ َ‬ ‫ص ِر ا َّ‬‫الع ْ‬
‫بعد َ‬ ‫فلما كان َ‬ ‫َّ‬
‫عجوز تَ ْغ ِزل َشعراً أو صوفاً‪ِ ،‬‬
‫فقالت ْامرأَةٌ‪ :‬ترى‬ ‫طبق عليه القربُ‪ ،‬فإذا ٌ‬
‫ْ ْ‬ ‫ثالث َهنْقات ُُثَّ انْ َ‬‫فنه َق َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫تلك العجوز؟ قلت‪ :‬ما َهلا؟ قالت‪ :‬تلك ُّأم هذا‪ .‬قلت‪ :‬وما كا َن قِ‬
‫يشر ُ‬
‫َ‬ ‫كان‬ ‫‪:‬‬ ‫قالت‬
‫ْ‬ ‫ه؟‬ ‫ُ‬‫ت‬ ‫ص‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫فيقول هلا‪َّ :‬إمنا أنْ ِ‬
‫ت‬ ‫اخلمر؟! ُ‬ ‫ب هذه َ‬ ‫بين ات َِّق هللا إىل مَّت تَ ْشَر ُ‬
‫تقول له أ ُُّمه‪ :‬اي َّ‬
‫اح ُ‬ ‫اخلمر‪ ،‬فإذا ر َ‬‫َ‬
‫ص ِر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الع ْ‬
‫بعد َ‬‫قالت‪ :‬فهو يَْن َش ُّق عنه القربُ َ‬ ‫ص ِر‪ْ .‬‬ ‫الع ْ‬
‫بعد َ‬
‫فمات َ‬
‫قالت‪َ :‬‬ ‫مار! ْ‬ ‫قني كما يَْن َه ُق احل ُ‬‫تَ ْن َه َ‬
‫ثالث َهنََقات‪ُ ،‬ثَّ يْنطَبِق عليه القربُ‪.‬‬
‫كل يوم فيَ ْن َه ُق َ‬ ‫ُّ‬
‫رواه األصبهاين وغريه‪ .‬وقال األصبهاين‪" :‬حدَّث به أبو العباس األصم إمالءً بنيسابور مبشهد من‬
‫احلفاظ فلم ينكروه"‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬الكرب‪.‬‬
‫وتعريفه كما يف احلديث‪ :‬رد احلق واحتقار الناس‪.‬‬
‫اجلَنَّةَ َم ْن‬
‫«ال يَ ْد ُخ ُل ْ‬‫ال‪َ :‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫َّيب َ‬ ‫َع ْن َعْب ِد هللاِ بْ ِن َم ْسعُود َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫ب أَ ْن يَ ُكو َن ثَ ْوبُهُ َح َسنًا َونَ ْعلُهُ َح َسنَةً‪،‬‬ ‫الر ُج َل ُِحي ُّ‬ ‫ال ذَ َّرة ِم ْن كِ ْرب» قَ َ‬
‫ال َر ُج ٌل‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫َكا َن ِيف قَ ْلبِ ِه ِمثْ َق ُ‬
‫َّاس»(‪.)1‬‬ ‫ط الن ِ‬ ‫ال‪ ،‬الْ ِك ْربُ بَطَُر ْ‬
‫احلَِق‪َ ،‬و َغ ْم ُ‬ ‫اجلَ َم َ‬
‫ب ْ‬ ‫يل ُِحي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫قَ َ ِ‬
‫ال‪« :‬إ َّن هللاَ ََج ٌ‬
‫ويدل هذا احلديث على أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الكرب مرض قليب خطري يدمر من وجد فيه ويورده املهالك‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )93 /1‬ح(‪.)91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪123‬‬
‫التحذير من الكرب ودواعيه‪ ،‬وبيان خماطره على العبد من األمور الت ينبغي أن يعتين هبا‬ ‫‪-2‬‬
‫الناصحون‪.‬‬
‫من مظاهر الكرب رد احلق وعدم قبوله بسبب كرهه للحق وأهله‪ ،‬وذلك من أعظم أسباب‬ ‫‪-3‬‬
‫دخوهلم النار‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ [الزخرف‪.]78 - 74 :‬‬
‫من مظاهر الكرب احتقار الناس والتعايل عليهم والنظر هلم ابزدراء‪ ،‬فال يرى هلم حقاً عليه‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وينفر من مقاربتهم له‪ ،‬ويضيق هبم إذا كانوا جبواره يف املبيت مبزدلفة مثالً‪..‬‬
‫توعد هللا أن يصرف القلوب املتكربة عن فهم آايته الكونية واملتلوة قال تعاىل‪ :‬ﱡ‬ ‫‪-5‬‬

‫[األعراف‪:‬‬ ‫ﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱠ‬
‫‪.]146‬‬

‫احتقار الناصح والنفور من نصح الناصحني‪ ،‬من دالئل وجود نوع من الكرب يف القلب‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫اض َع‬
‫التواضع هلل سبب لرفعة العبد يف الدنيا واآلخرة وقال صلى هللا عليه وسلم‪َ ...":‬وَما تَ َو َ‬ ‫‪-7‬‬
‫َح ٌد ََِّّللِ إَِّال َرفَ َعهُ هللاُ"(‪ .)1‬احلديث‪ ،‬ومن أراد أن يكسر الكرب الذي يف نفسه‪ ،‬فليتواضع‬
‫أَ‬
‫إلخوانه حجاجاً كانوا‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬

‫حكم الكرب‪ :‬جاءت النصوص ابلتحذير والتنفري منه‪:‬‬

‫▪ قال تعاىل‪ :‬ﱡﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬

‫ﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )2001 /4‬ح(‪.)2588‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪124‬‬

‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﱠ [األعراف‪:‬‬
‫‪.]146‬‬
‫▪ وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲚ ﲛ ﲜ ﲝﱠ [النحل‪.]23 :‬‬

‫▪ وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓﱠ [األعراف‪.]40 :‬‬

‫▪ وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ‬

‫ﲡﱠ [الزمر‪.]72 :‬‬


‫▪ وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚﱠ [غافر‪.]60 :‬‬

‫▪ وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ‬


‫[غافر‪.]35 :‬‬
‫وكل هذه اآلايت تبني خطورة هذا الذنب العظيم‪ ،‬وقبحه وعظيم حرمته عند هللا‪ ،‬وأثره على من‬
‫يقع فيه‪.‬‬

‫▪ قال القرطيب رمحه هللا‪" :‬ﱡﱴ ﱵﱠ أي‪ :‬خيتم ﱡﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﱺﱠ حَّت ال يعقل الرشاد وال يقبل احلق"(‪.)1‬‬

‫▪ وقال تعاىل عن قول قوم صاحل ملن آمن منهم‪ :‬ﱡﱵ ﱶ ﱷ‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطيب (‪.)313 /15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪125‬‬

‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱠ [األعراف‪.]76 :‬‬
‫وقال السعدي رمحه هللا‪" :‬محلهم الكرب أن ال ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء"(‪.)1‬‬
‫اجلَنَّةَ َم ْن َكا َن ِيف قَ ْلبِ ِه‬
‫«ال يَ ْد ُخ ُل ْ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬ ‫▪ و َع ْن َعْب ِد هللاِ بْ ِن َم ْسعُود ‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫ب أَ ْن يَ ُكو َن ثَ ْوبُهُ َح َسنًا َونَ ْعلُهُ َح َسنَةً!‬‫الر ُج َل ُِحي ُّ‬
‫ال َر ُج ٌل‪ :‬إِ َّن َّ‬‫ال َذ َّرة ِم ْن كِ ْرب»‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِمثْ َق ُ‬
‫ط الن ِ‬
‫َّاس»‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬الْ ِك ْربُ بَطَُر ْ‬
‫احلَِق‪َ ،‬و َغ ْم ُ‬ ‫اجلَ َم َ‬
‫ب ْ‬ ‫يل ُِحي ُّ‬ ‫ِ‬
‫ال‪« :‬إ َّن هللاَ ََج ٌ‬
‫قَ َ ِ‬
‫ول هللاِ ‪« :‬الْعُِّز‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫اخلُ ْد ِر ِي َوأَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنهما قَ َاال‪ :‬قَ َ‬ ‫▪ و َع ْن أَِيب َسعِيد ْ‬
‫إَِز ُارهُ‪َ ،‬والْ ِك ِْربَايءُ ِرَد ُاؤهُ‪ ،‬فَ َم ْن يُنَا ِزعُ ِين َع َّذبْتُهُ»(‪.)2‬‬
‫قال النووي رمحه هللا يف شرح احلديث‪" :‬فالضمري يف «إزاره ورداؤه» يعود إىل هللا تعاىل للعلم به‪،‬‬
‫وفيه حمذوف تقديره‪ :‬قال هللا تعاىل‪« :‬ومن ينازعين ذلك أعذبه» ومعىن «ينازعين»‪ :‬يتخلق‬
‫بذلك‪ ،‬فيصري يف معىن املشارك‪ ،‬وهذا وعيد شديد يف الكرب مصرح بتحرميه"(‪.)3‬‬
‫اجلَن َِّة؟» قَالُوا‪:‬‬
‫ُخِربُُك ْم ِأب َْه ِل ْ‬
‫ال‪« :‬أََال أ ْ‬
‫ِ‬
‫▪ وعن َحا ِرثَةَ بْ َن َوْهب‪ ،‬أَنَّهُ ََس َع النِ َّ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫ضعِف‪ ،‬لَ ْو أَقْ َس َم َعلَى هللاِ َألَبََّرهُ»‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬
‫ال‪« :‬أََال‬ ‫ضعِيف ُمتَ َ‬ ‫ال ‪ُ « :‬ك ُّل َ‬ ‫بَلَى‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ُ « :‬ك ُّل عُتُل َج َّواظ ُم ْستَكِْرب»(‪.)4‬‬ ‫ُخِربُُك ْم ِأب َْه ِل النَّا ِر؟» قَالُوا‪ :‬بَلَى‪ ،‬قَ َ‬
‫أْ‬
‫وقال النووي رمحه هللا‪" :‬أما العُتُل‪ ..‬فهو اجلايف الشديد اخلصومة ابلباطل‪ ،‬وقيل‪ :‬اجلايف الفظ‬
‫الغليظ‪ ،‬وأما اجلََّواظ‪ ..‬فهو اجلموع املنوع‪ ،‬وقيل‪ :‬كثري اللحم املختال يف مشيته‪ ،‬وقيل‪ :‬القصري‬
‫البطني‪ ..‬وأما املتكرب واملستكرب فهو صاحب الكرب‪ ،‬وهو بطر احلق وغمط الناس"(‪.)5‬‬
‫مفصال القول يف حكم الكرب‪" :‬فالذي يف قلبه كرب‪ ،‬إما أن‬
‫ً‬ ‫قال الشيخ ابن عثيمني رمحه هللا‬
‫كربا عن احلق وكراهة له‪ ،‬فهذا كافر خملد يف النار وال يدخل اجلنة؛ لقول هللا تعاىل‪:‬‬
‫يكون ً‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي (‪.)295‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )2023 /4‬ح (‪.)2620‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على مسلم (‪.)173 /16‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ )2190 /4‬ح (‪.)2853‬‬
‫(‪ )5‬شرح النووي على مسلم (‪.)188 /17‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪126‬‬
‫ﱡﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ [حممد‪ ،]9 :‬وال حيبط العمل إال‬

‫ابلكفر كما قال تعاىل‪ :‬ﱡﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ‬

‫ﲜ ﲝﱠ [البقرة‪.]217 :‬‬

‫وتعاظما على اخللق‪ ،‬لكنه َل يستكرب عن عبادة هللا‪ ،‬فهذا ال يدخل‬


‫ً‬ ‫كربا على اخللق‬
‫وأما إذا كان ً‬
‫كامال مطل ًقا َل يسبق بعذاب؛ بل ال بد من عذاب على ما حصل من كربه وعلوائه‬ ‫دخوال ً‬
‫اجلنة ً‬
‫على اخللق‪ُ ،‬ث إذا طهر دخل اجلنة"(‪.)1‬‬
‫وهبذا يتضح أن منه ما هو كفر أكرب خيلد يف النار‪ ،‬ومنه ما هو كبرية من الكبائر وصاحبه على‬
‫خطر عظيم‪.‬‬
‫اثلثاا‪ :‬صور من الكرب عند من ابتلي به‪:‬‬
‫‪ -1‬رد احلق وعدم قبوله حبجج واهية ظاهرها شيء قد يقبل عند الناس‪ ،‬وابطنها الكرب‪ ،‬منها حبجة‬
‫علما منه‪ ،‬أو أصغر سنا‪ ،‬وحنو ذلك من احلجج‪ ،‬الت يربر هبا رده للحق‪.‬‬ ‫أهنم أقل ً‬
‫‪ -2‬احتقار الناس وازدراؤهم‪ ،‬والتعايل عليهم بنسبه أو مبنصبه أو بشهادته العلمية أو مباله وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬النفور من جمالسة الفقراء واملساكني وعامة الناس حبجة أن ذلك يسقط هيبته ومكانته العلمية‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬خطر الكرب‪:‬‬
‫را‬
‫‪ -1‬انفضاض الناس من حوله‪ ،‬ونفورهم منه‪.‬‬
‫‪ -2‬الذل واهلوان واخلذالن وقلة التوفيق وتسلط الشياطني يف الدنيا‪.‬‬
‫‪ -3‬الذل واهلوان يف اآلخرة ودخول أشد العذاب يف النار‪ ،‬كما يف احلديث َع ْن َع ْم ِرو بْ ِن ُش َعْيب‪َ ،‬ع ْن‬
‫ص َوِر الن ِ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫الذ ِر ِيف ُ‬ ‫ال َّ‬ ‫ال‪ُْ « :‬حي َشُر الْ ُمتَ َكِربُو َن يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة أ َْمثَ َ‬ ‫أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن َج ِدهِ‪ ،‬أ َّ‬
‫َن النِ َّ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬

‫(‪ )1‬شرح رايض الصاحلني (‪.)542-541 /3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪127‬‬
‫س‪ ،‬فَتَ ْعلَُوُه ْم َان ُر ْاألَنْيَا ِر‪،‬‬ ‫الصغَا ِر‪َ ،‬ح ََّّت يَ ْد ُخلُوا ِس ْجنًا ِيف َج َهن ََّم‪ ،‬يُ َق ُ‬
‫ال لَهُ‪ :‬بُولَ ُ‬ ‫وه ْم ُك ُّل َش ْيء ِم َن َّ‬
‫يَ ْعلُ ُ‬
‫ص َارةِ أ َْه ِل النَّا ِر»(‪.)1‬‬ ‫يس َقو َن ِمن ِطينَ ِة ْ ِ‬
‫اخلَبَال‪ ،‬عُ َ‬ ‫ُْ ْ ْ‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬الغضب للنفس‪.‬‬
‫ومما يكثر حصوله من بعض احلجاج وغريهم الغضب لغري هللا من أجل االنتقام لنفسه‪ ،‬وهذا حيدث‬
‫يف احلج بسبب الزحام على موارد املاء والطعام‪ ،‬ومكان قضاء احلاجة‪ ،‬وعند زحام الطواف والسعي‬
‫ورمي اجلمار‪ ،‬فتجد من غضب لنفسه ورمبا يقع يف السب واللعن ومد اليد على أخيه احلاج‪،‬‬
‫ألنه بسبب جهل احلاج حبقوق أخيه املسلم فيغضب لنفسه ويظن أن ذلك ال يؤثر على حجه‪ ،‬وهذا‬
‫الفهم ال شك أنه غلط لورود النصوص يف حث املسلم على ترك الغضب لنفسه‪ ،‬وإمنا يكون الغضب‬
‫هلل إذا انتهكت حمارم هللا‪ ،‬ومع هذا يكون الغضب هلل برفق ولني‪ ،‬وموعظة حسنة‪ ،‬واحللم على‬
‫اجلاهل‪.‬‬
‫ولذا جاءت النصوص حمذرة من الغضب للنفس؛ ألنه مفتاح للشر عظيم‪ ،‬وابب يرتصد‬
‫عنده الشيطان ليوقع العبد يف حفرة من حفر النار بسبب غضبه نسأل هللا العافية‬
‫والسالمة‪.‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬أ َْو ِص ِين‪ ،‬قَ َال‪َ« :‬ال‬ ‫ال لِلنِ ِ‬
‫َّيب َ‬ ‫َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪ ،‬أ َّ‬
‫َن َر ُج ًال قَ َ‬
‫ب»(‪.)2‬‬ ‫ضْ‬ ‫ال‪َ« :‬ال تَ ْغ َ‬ ‫ب» فَ َرَّد َد ِمَر ًارا‪ ،‬قَ َ‬‫ضْ‬ ‫تَ ْغ َ‬
‫َّد ُ ِ ِ‬ ‫لصرع ِة(‪ ،)3‬إَِّمنَا الش ِ‬ ‫ال‪« :‬لَيس الش ِ‬ ‫ول َِّ‬
‫ك‬‫يد الَّذي ميَْل ُ‬ ‫يد ِاب ُّ َ َ‬
‫َّد ُ‬ ‫اَّلل ‪ ‬قَ َ ْ َ‬ ‫َن َر ُس َ‬ ‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ ‪ ،‬أ َّ‬
‫ب»(‪.)4‬‬ ‫ضِ‬ ‫نَ ْف َسهُ ِعْن َد الغَ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ )260 /11‬ح (‪ ،)6677‬والرتمذي (‪ )655 /4‬ح (‪ )2492‬وقال‪" :‬حديث حسن"‪ ،‬وقال البغوي يف شرح‬
‫السنة (‪ )167 /13‬ح (‪" :)3590‬هذا حديث حسن"‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )107 /3‬ح‬
‫(‪ )2911‬وحسن إسناده شعيب األرانؤوط يف حتقيقه للمسند ح (‪.)6677‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪)28 /8‬ح(‪.)1616‬‬
‫كثريا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقال يف الصحاح (‪ )1243 /3‬عن معىن الصرعة‪" :‬أي‪ :‬يصرع الناس ً‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ )28 /8‬ح (‪ ،)6114‬ومسلم (‪ )2014 /4‬ح (‪.)2609‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪128‬‬
‫وهذه بعض الفوائد من شرح ابن رجب وابن حجر على حديث" لتغضب"‪.‬‬
‫قال ابن رجب‪ ":‬فهذا الرجل طلب من النيب صلى هللا عليه وسلم أن يوصيه‬ ‫‪-1‬‬
‫وصية وجيزة جامعة خلصال اخلري‪ ،‬ليحفظها عنه خشية أال حيفظها لكثرهتا‪،‬‬
‫فوصاه النيب أال يغضب‪ُ ،‬ث ردد هذه املسألة عليه مراراً‪ ،‬والنيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم يردد عليه هذا اجلواب‪ ،‬فهذا يدل على أن الغضب َجاع الشر‪ ،‬وأن التحرز‬
‫منه َجاع اخلري"(‪.)1‬‬
‫وقال ابن رجب‪ " :‬والغضب‪ :‬هو غليان دم القلب طلباً لدفع املؤذي عند خشية‬ ‫‪-2‬‬
‫وقوعه‪ ،‬أو طلباً لالنتقام ممن حصل له منه األذى بعد وقوعه‪ ،‬وينشأ من ذلك‬
‫كثري من األفعال احملرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان؛ وكثري من األقوال‬
‫احملرمة كالقذف والسب والفحش‪ ،‬ورمبا ارتقى إىل درجة الكفر‪ ،‬كما جرى جلبلة‬
‫بن األيهم‪ ،‬وكاألميان الت ال جيوز التزامها شرعاً‪ ،‬وكطالق الزوجة الذي يعقب‬
‫الندم‪ .‬والواجب على املؤمن أن تكون شهوته مقصورة على طلب ما أابحه هللا‬
‫له‪ ،‬ورمبا تناوهلا بنية صاحلة‪ ،‬فأثيب عليها‪ ،‬وأن يكون غضبه دفعا لألذى يف الدين‬
‫َ ُ ُ‬
‫له أو لغريه وانتقاماً ممن عصى هللا ورسوله‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﵟقٰتِلوه ۡم ُي َع ِذ ۡب ُه ُم‬
‫ور قَومۡ‬‫نص ۡر ُك ۡم َعلَ ۡيه ۡم َو َي ۡش ِف ُص ُد َ‬ ‫يك ۡم َو ُي ۡخزه ِۡم َو َي ُ‬
‫ُ‬ ‫ٱَّلل ب َأيدۡ‬
‫َّ ُ‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫ُّ ۡ َ َ ُ ۡ ۡ َ ۡ َ ُ ُ‬
‫مؤ ِمنِين‪ ،‬ويذهِب غيظ قلوب ِ ِهمَۗ ﵞ ﵝالتَّوبَة اآلية ‪.]15-14‬‬
‫ۡ‬

‫وهذه كانت حال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإنه كان ال ينتقم لنفسه‪ ،‬ولكن إذا‬
‫انتهكت حرمات هللا َل يقم لغضبه شيء وَل يضرب بيده خادماً وال امرأة إال أن‬

‫(‪ )1‬جامع العلوم واحلكم(‪.)362 -361 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪129‬‬
‫جياهد يف سبيل هللا‪« .‬وخدمه أنس عشر سنني‪ ،‬فما قال له‪ " :‬أف " قط‪ ،‬وال‬
‫قال له لشيء فعله‪َ " :‬ل فعلت كذا "‪ ،‬وال لشيء َل يفعله‪ " :‬أال فعلت كذا»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن رجب‪" :‬وقول النيب صلى هللا عليه وسلم‪« :‬إذا غضبت فاسكت» يدل‬ ‫‪-3‬‬
‫على أن الغضبان مكلف يف حال غضبه ابلسكوت‪ ،‬فيكون حينئذ مؤاخذاً‬
‫ابلكالم‪ ،‬وقد صح عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه أمر من غضب أن يتالىف‬
‫غضبه مبا يسكنه من أقوال وأفعال‪ ،‬وهذا هو عني التكليف له بقطع الغضب‪،‬‬
‫فكيف يقال‪ :‬إنه غري مكلف يف حال غضبه مبا يصدر منه‪ .‬وقال عطاء بن أيب‬
‫رابح‪( :‬ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فتهدم عمر‬
‫َخسني سنة‪ ،‬أو ستني سنة‪ ،‬أو سبعني سنة‪ ،‬ورب غضبة قد أقحمت صاحبها‬
‫مقحماً ما استقاله)‪ .‬خرجه ابن أيب الدنيا"(‪.)2‬‬
‫ويف جامع العلوم واحلكم‪" :‬قال جعفر بن حممد‪( :‬الغضب مفتاح كل شر)‪ .‬وقيل‬ ‫‪-4‬‬
‫البن املبارك‪ :‬اَجع لنا حسن اخللق يف كلمة‪ ،‬قال‪( :‬ترك الغضب)‪ .‬وكذا فسر‬
‫اإلمام أمحد‪ ،‬وإسحاق بن راهويه حسن اخللق برتك الغضب"(‪.)3‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬لو رأى الغضبان نفسه يف حال غضبه لكف غضبه حياء من‬ ‫‪-5‬‬
‫قبح صورته واستحالة خلقته هذا كله يف الظاهر وأما الباطن فقبحه أشد من‬
‫الظاهر ألنه يولد احلقد يف القلب واحلسد وإضمار السوء على اختالف أنواعه بل‬
‫أوىل شيء يقبح منه ابطنه وتغري ظاهره مثرة تغري ابطنه وهذا كله أثره يف اجلسد‬
‫وأما أثره يف اللسان فانطالقه ابلشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم‬
‫قائله عند سكون الغضب‪ ،‬ويظهر أثر الغضب أيضاً يف الفعل ابلضرب أو القتل‪،‬‬

‫(‪ )1‬جامع العلوم واحلكم(‪.)370 -369 /1‬‬


‫(‪ )2‬جامع العلوم واحلكم(‪.)374 /1‬‬
‫(‪ )3‬جامع العلوم واحلكم(‪.)363 /1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪130‬‬
‫وإن فات ذلك هبرب املغضوب عليه رجع إىل نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم‬
‫خده ورمبا سقط صريعاً ورمبا أغمي عليه ورمبا كسر اآلنية وضرب من ليس له يف‬
‫ذلك جرمية‪ ،‬ومن أتمل هذه املفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة‬
‫اللطيفة من قوله صلى هللا عليه وسلم "ال تغضب" من احلكمة واستجالب‬
‫املصلحة يف درء املفسدة مما يتعذر إحصاؤه والوقوف على هنايته‪ ،‬وهذا كله يف‬
‫الغضب الدنيوي ال الغضب الديين كما تقدم تقريره يف الباب الذي قبله"(‪.)1‬‬
‫وقال ابن حجر‪ ":‬ويعني على ترك الغضب استحضار ما جاء يف كظم الغيظ من‬ ‫‪-6‬‬
‫الفضل‪ ،‬وما جاء يف عاقبة مثرة الغضب من الوعيد‪ ،‬وأن يستعيذ من الشيطان‬
‫كما تقدم يف حديث سليمان بن صرد‪ ،‬وأن يتوضأ كما تقدمت اإلشارة إليه يف‬
‫حديث عطية‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وقال الطويف أقوى األشياء يف دفع الغضب استحضار التوحيد احلقيقي وهو أن‬
‫ال فاعل إال هللا وكل فاعل غريه فهو آلة له فمن توجه إليه مبكروه من جهة غريه‬
‫فاستحضر أن هللا لو شاء َل ميكن ذلك الغري منه اندفع غضبه‪ ،‬ألنه لو غضب‬
‫واحلالة هذه كان غضبه على ربه جل وعال وهو خالف العبودية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهبذا يظهر السر يف أمره صلى هللا عليه وسلم الذي غضب أبن يستعيذ‬
‫من الشيطان ألنه إذا توجه إىل هللا يف تلك احلالة ابالستعاذة به من الشيطان‪،‬‬
‫أمكنه استحضار ما ذكر‪ ،‬وإذا استمر الشيطان متلبساً متمكناً من الوسوسة َل‬
‫ميكنه من استحضار شيء من ذلك‪ ،‬وهللا أعلم"(‪.)2‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬الشح والبخل(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)521 -520 /10‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري(‪.)521 /10‬‬
‫(‪ )3‬الشح أشد البخل‪ ،‬فهو خبل مع حرص‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪131‬‬
‫ومن أمراض النفوس الت جاءت النصوص حمذرة منها وهلا خطر على عبادة احلج الشح والبخل‬
‫ومها خلقان ذميمان ينقصان أجر احلاج ويقع بسببهما يف األُث‪ ،‬ودونك بعض النصوص يف‬
‫التحذير منهما‪:‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﱔ ﱕﱖﱠ [النساء‪.]128 :‬‬ ‫قال‬
‫وقال السعدي يف تفسريه‪ ":‬أي‪ :‬جبلت النفوس على الشح‪ ،‬وهو‪ :‬عدم الرغبة يف بذل ما على‬
‫اإلنسان‪ ،‬واحلرص على احلق الذي له‪ ،‬فالنفوس جمبولة على ذلك طبعاً‪ ،‬أي‪ :‬فينبغي لكم أن‬
‫حترصوا على قلع هذا اخلُلُق الدينء من نفوسكم‪ ،‬وتستبدلوا به ضده وهو السماحة‪ ،‬وهو بذل‬
‫احلق الذي عليك؛ واالقتناع ببعض احلق الذي لك‪.‬‬
‫فمَّت وفق اإلنسان هلذا اخلُلُق احلسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبني خصمه ومعامله‪،‬‬
‫وتسهلت الطريق للوصول إىل املطلوب‪ .‬خبالف من َل جيتهد يف إزالة الشح من نفسه‪ ،‬فإنه يعسر‬
‫عليه الصلح واملوافقة‪ ،‬ألنه ال يرضيه إال َجيع ماله‪ ،‬وال يرضى أن يؤدي ما عليه‪ ،‬فإن كان‬
‫خصمه مثله اشتد األمر"(‪.)1‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﲡ ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﱠ [التغابن‪.]16 :‬‬ ‫وقال‬

‫وقال السعدي عند قوله تعاىل‪ :‬ﱡ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬

‫{وأَنِْف ُقوا} من النفقات الشرعية الواجبة‬


‫ﲥﲦﲧﱠ [التغابن‪َ ":]16 :‬‬
‫خريا لكم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإن اخلري كله يف امتثال أوامر هللا‬
‫واملستحبة‪ ،‬يكن ذلك الفعل منكم ً‬
‫تعاىل وقبول نصائحه‪ ،‬واالنقياد لشرعه‪ ،‬والشر كله‪ ،‬يف خمالفة ذلك‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬مقاييس اللغة (‪ ،)178 /3‬املفردات يف غريب القرآن ( ‪ ،)446‬لسان العرب (‪ )495 /2‬مادة (شح)‪.‬‬
‫وقال اخلطايب رمحه هللا يف التفريق بني البخل والشح‪" :‬الشح أبلغ يف املنع من البخل‪ ،‬وإمنا الشح مبنزلة اجلنس والبخل مبنزلة النوع‪،‬‬
‫وأكثر ما يقال البخل إمنا هو يف إفراد األمور وخواص األشياء‪ ،‬والشح عام وهو كالوصف الالزم لإلنسان من قبل الطبع‬
‫واجلبلة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬البخل أن يضن مبال‪ ،‬والشح أن يبخل مباله ومبعروفه"‪ .‬معاَل السنن (‪.)84-83 /2‬‬
‫(‪ )1‬تفسري السعدي(‪.)207‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪132‬‬
‫كثريا من الناس‪ ،‬من النفقة املأمور هبا‪ ،‬وهو الشح اجملبولة عليه أكثر النفوس‪،‬‬ ‫ولكن ُث آفة متنع ً‬
‫فإهنا تشح ابملال‪ ،‬وحتب وجوده‪ ،‬وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة‪.‬‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن}‬ ‫فمن وقاه هللا شر شح نفسه أبن َسحت نفسه ابإلنفاق النافع هلا {فَأُولَئِ َ‬
‫ألهنم أدركوا املطلوب‪ ،‬وُنوا من املرهوب‪ ،‬بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد‪ ،‬وهني عنه‪،‬‬
‫فإنه إن كانت نفسه شحيحة‪ ،‬ال تنقاد ملا أمرت به‪ ،‬وال خترج ما قِبلها‪َ ،‬ل يفلح‪ ،‬بل خسر الدنيا‬
‫نفسا َسحة‪ ،‬مطمئنة‪ ،‬منشرحة لشرع هللا‪ ،‬طالبة ملرضاة‪ ،‬فإهنا ليس‬ ‫واآلخرة‪ ،‬وإن كانت نفسه ً‬
‫بينها وبني فعل ما كلفت به إال العلم به‪ ،‬ووصول معرفته إليها‪ ،‬والبصرية أبنه مرض هلل تعاىل‪،‬‬
‫وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز"(‪.)1‬‬
‫استَ َحلُّوا‬ ‫ِ‬ ‫ُّح؛ فَِإ َّن الش َّ‬ ‫وقال ‪َ « :‬واتَّ ُقوا الش َّ‬
‫ك َم ْن َكا َن قَ ْب لَ ُك ْم‪َ ،‬محَلَ ُه ْم َعلَى أَ ْن َس َف ُكوا د َماءَ ُه ْم َو ْ‬ ‫ُّح أ َْهلَ َ‬
‫َحمَا ِرَم ُه ْم» احلديث(‪.)2‬‬
‫ب َعْبد أَبَ ًدا»‬ ‫اإلميَا ُن ِيف قَ ْل ِ‬ ‫ُّح و ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ ‪ ‬قَ َ‬
‫اَّلل ‪َ « :‬وَال َْجيتَم ُع الش ُّ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫احلديث(‪.)3‬‬
‫ك َم ْن َكا َن قَ ْب لَ ُك ْم‪ ،‬أ ََمَرُه ْم ِابلْ َق ِط َيع ِة فَ َقطَعُوا‪َ ،‬وأ ََمَرُه ْم‬ ‫ُّح؛ فَِإ َّن الش َّ‬
‫ُّح أ َْهلَ َ‬ ‫ويقول ‪َ « :‬وإِ َّاي ُك ْم والش َّ‬
‫ِابلْبُ ْخ ِل فَبَ ِخلُوا‪َ ،‬وأ ََمَرُه ْم ِابلْ ُف ُجوِر فَ َف َج ُروا» احلديث(‪.)4‬‬
‫س بْ ِن َمالِك ‪ :‬أ َّ‬
‫َن‬ ‫كثريا من جمموعة من األخالق السيئة منها البخل‪ ،‬ف َع ْن أَنَ ِ‬ ‫وكان ‪ ‬يتعوذ ً‬
‫َخ ُر َج إِ َىل َخْي ََرب»‪ ،‬فَ َخَر َج ِيب‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَِّيب ‪ ‬قَ َ ِ‬
‫س غُالًَما م ْن غ ْل َمان ُك ْم َخيْ ُد ُم ِين َح ََّّت أ ْ‬ ‫ال ألَِيب طَْل َحةَ‪« :‬التَم ْ‬ ‫َّ‬
‫ول َِّ‬ ‫ِ‬
‫ت أ ََْسَعُهُ‬ ‫اَّلل ‪ ‬إِ َذا نََزَل‪ ،‬فَ ُكْن ُ‬ ‫َخ ُد ُم َر ُس َ‬ ‫تأْ‬ ‫ت احلُلُ َم‪ ،‬فَ ُكْن ُ‬ ‫أَبُو طَْل َحةَ ُم ْردِيف َوأ ََان غُالٌَم َر َاه ْق ُ‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي(‪.)868‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬ابب حترمي الظلم (‪ )1996 /4‬ح (‪.)2578‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ )433/15‬ح (‪ ،)9693‬والنسائي(‪ )13/6‬ح (‪ ،)3110‬وابن حبان يف صحيحه(‪ )43/8‬ح (‪،)3251‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪ )1262/2‬ح (‪ ،)7616‬وصححه مبجموع طرقه شعيب األرانؤوط يف حتقيقه للمسند‬
‫ح (‪.)9693‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪ )26 /11‬ح (‪ ،)6487‬وأبو داود (‪ )133 /2‬ح (‪ ،)1698‬وابن حبان يف صحيحه(‪ )579 /11‬ح‬
‫(‪ ،)5176‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )701 /2‬ح (‪ ،)2604‬وصحح إسناده شعيب األرانؤوط يف‬
‫حتقيقه للمسند ح (‪.)6487‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪133‬‬
‫الع ْج ِز وال َكس ِل‪ ،‬والبُ ْخ ِل واجلُْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‪« :‬اللَّه َّم إِِين أَعوذُ بِ َ ِ‬ ‫َكثِ ًريا يَ ُق ُ‬
‫ضلَ ِع‬
‫نب‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ك م َن اهلَِم َواحلََزن‪َ ،‬و َ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الر َج ِال»(‪.)1‬‬ ‫الدَّيْ ِن‪َ ،‬و َغلَبَ ِة ِ‬
‫والبخل والشح هلما خطر على احلاج وحيصل هذا عند حصول خلل يف مناسك احلج فتكون‬
‫على احلاج فدية جلرب اخللل يف النسك فبعض احلجاج بسبب شحه وخبله ال يؤدي الفدية‬
‫ويبحث عن املخارج منها ولو أدى به األمر إىل عدم القيام هبا أو إذا اضطر إىل الفدية مع قدرته‬
‫املالية أخذ الضعيفة واهلزيلة الت تكون أبرخص األسعار بسبب خبله وشحه‪ ،‬وجتده يتهرب من‬
‫نسك التمتع الذي هو أفضل األنساك إىل الصيام مع قدرته املالية على هدي التمتع‪ ،‬وكل ذلك‬
‫يرجع إىل املرض القليب شح النفس والبخل‪ ،‬نسأل هللا السالمة والعافية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )36 /4‬ح (‪.)2893‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪134‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬من مظاهر مرض القلب يف عبادة احلج وفيه مطالب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ضعف تعظيم شعائر هللا يف احلج‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اآلفات املهلكة من الرايء‪ ،‬والسمعة‪ ،‬والعجب‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬خطر الرايء والسمعة والعجب على عبادة املسلم‪ ،‬وابلذات احلج والعمرة‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬من مظاهر الرايء والسمعة والعجب لدى بعض احلجاج واملعتمرين‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬كيف حيافظ احلاج واملعتمر على عبادته من أن تدخلها الشوائب اليت قد‬
‫تفسدها أو تنقص أجرها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪135‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬من مظاهر مرض القلب يف عبادة احلج والعمرة‪ ،‬وفيه مطالب‪.‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫إن ملرض القلب مظاهر وعالمات تدل على وجوده‪ ،‬وإال فهو من أعمال السر الت ال يعلمها إال هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬لكن هناك دالئل ومظاهر إذا وقعها فيها العبد وتساهل يف الوقوع فيها‪ ،‬فإن ذلك مؤشر‬
‫خطري على فساد النيات واملقاصد‪ ،‬وضعف حمبة هللا يف القلب‪ ،‬وضعف اخلوف من هللا وخشيته يف‬
‫القلب‪ ،‬فتظهر آاثر تلك األمراض على سلوك العبد‪ ،‬ويف تعامله مع هللا أو مع الناس‪ ،‬ومن ذلك‬
‫بعض هذه املظاهر الت سيكون احلديث عنها يف األمور اآلتية‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ضعف تعظيم شعائر هللا‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱠ [احلج‪.]32 :‬‬
‫فتعظيم شعائر هللا يف احلج وغريه دليل على تقوى القلوب‪ ،‬وأضاف التقوى يف اآلية إىل‬
‫ِ‬
‫ث َمَّرات‪.‬‬ ‫اهنَا» َويُشريُ إِ َىل َ‬
‫ص ْد ِرِه ثََال َ‬ ‫القلب ألن حقيقة التقوى فيه‪ ،‬كما قال ‪« :‬التَّ ْق َوى َه ُ‬
‫واملعظم لشعائر هللا يربهن على تقواه وصدق إميانه(‪ ،)1‬وهذا يدل على أمهية عمل القلوب وأثرها‬
‫على حياة العبد‪ ،‬فإذا حقق العبد التقوى ظهر عليه تعظيمه لشعائر هللا تعاىل يف سره وجهره‪.‬‬
‫فإذا ضعفت التقوى يف القلب‪ ،‬تساهل العبد يف تعظيم شعائر هللا وحبث عن احليل والرخص‬
‫ليستحل تلك احملارم بتلك احليل والرخص‪ ،‬فحني يرتكب احلاج حمظوراً من حمظورات اإلحرام ال‬
‫يبايل بذلك‪ ،‬وال يشعر خبطئه‪ ،‬ويرتكب احملرمات يف حرم هللا وجبوار بيته املعظم دون أن يشعر‬
‫حبرج يف قلبه‪ ،‬بل أنه رمبا يصل به األمر إىل اجملاهرة ابملعصية دون أدىن وازع يردعه عن ذلك‪ ،‬بل‬
‫ورمبا إذا نصحه الناصح اثر عليه ورد نصحه عليه حبجة أنه يعرف كل شيء‪ ،‬وكربه الذي سكن‬
‫يف قلبه جعله يرد النصيحة ويزدري الناصح ورمبا يتهمه ابلتشدد والدين يسر‪ ،‬وهو ال يدرك‬
‫خطورة الكالم الذي يقوله‪ ،‬وقد يستهزئ ابلناصح وكل ذلك عالمات على عدم تعظيمه لشعائر‬
‫هللا‪ ،‬وسيأيت معنا بعض األمثلة على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري القرطيب (‪ ،)56 /12‬تفسري السعدي (‪.)538‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪136‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اآلفات املهلكة من الرايء‪ ،‬والسمعة‪ ،‬والعجب‪ ،‬وفيه مسائل‪.‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫ومن اآلفات املهلكة الت تفسد العبادة وتذهب أبثرها من حياة العبد وقوعه يف الرايء والسمعة‬
‫والعجب‪ ،‬وهذه أمراض قلبية مهلكة مردية لصاحبها‪ ،‬فكم من أعمال يف ظاهرها الصالح من حج‬
‫وعمرة وصدقة وتالوة وذكر وحنوها‪ ،‬غفل أصحاهبا عن هذه األمراض فوقعوا فيها‪ ،‬فخسروا أعماهلم‬
‫وهم ال يشعرون ألن هذه األمراض تسكن يف القلوب وقد ال يعلم هبا من وجدت عنده لغفلته عن‬
‫ذلك‪ ،‬وهذه األمراض خفية حتتاج إىل مزيد جماهدة وتفقد وحماسبة للنفس ودعاء وتضرع إىل هللا أن‬
‫يطهر القلب منها‪ ،‬وال حيصل ذلك إال خبوف من خطرها وضررها العظيم على عبادات املسلم‪.‬‬
‫وهلذا كان السلف عليهم رمحة هللا مع اجتهادهم العظيم وشدة حماسبتهم ألنفسهم إال أهنم كانوا‬
‫على خوف عظيم من هذه اآلفات‪.‬‬
‫ودونك طرفاً من أخبارهم‪:‬‬
‫وقيل لسهل رمحه هللا‪ :‬أي شيء أشد على النفس؟ فقال‪" :‬اإلخالص؛ ألنه ليس هلا فيه‬
‫نصيب"(‪.)1‬‬
‫أجتهد يف إسقاط‬
‫ُ‬ ‫وقال يوسف بن احلسني رمحه هللا‪" :‬أعز شيء يف الدنيا‪ :‬اإلخالص‪ .‬وكم‬
‫الرايء عن قليب! فكأنه ينبت على لون آخر"(‪.)2‬‬
‫تنبيه‪ :‬وهذا الكالم ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬ألجل ِ‬
‫حث النفس على االجتهاد يف اإلخالص‪ ،‬إال أنه‬
‫قد يصيب من يسمعه ابليأس من اإلخالص وأنه غري مقدور عليه‪ ،‬فيضعف االهتمام به‪ ،‬وهذا‬
‫ما ينبغي أن ينتبه له املسلم عند َساعه هلذه األقوال عن اإلخالص وحنوه من أعمال القلوب‪،‬‬
‫بل ينبغي أن يعلم يقيناً أن هللا ال خييِب من جاهد وبذل األسباب املوصلة إيل اإلخالص وحنوه‪،‬‬
‫بل قال تعاىل يف بيان أن الذي جياهد نفسه على اخلري سيجد عون هللا له وهدايته حتف به‪:‬‬
‫ﱡﲐﲑﲒﲓﲔ ﱠ [العنكبوت‪.]69 :‬‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكني (‪.)92 /2‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني (‪.)92 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪137‬‬
‫رمال يثقله وال‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬العمل بغري إخالص وال اقتداء كاملسافر ميأل جرابه ً‬
‫ينفعه"(‪.)1‬‬
‫ومن مثرات جماهدة النفس على حتقيق اإلخالص التخلص من الرايء وكثرة الوساوس‪ ،‬يقول‬
‫أبو سليمان الداراين رمحه هللا‪" :‬إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرايء"(‪.)2‬‬
‫وسيكون احلديث عن هذه اآلفات وفق احملاور اآلتية‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬خطر الرايء والسمعة والعجب على عبادة املسلم وابلذات احلج والعمرة‪.‬‬
‫وهذه اآلفات القلبية هلا خطر عظيم على عبادات املسلم‪ ،‬ومنها عبادة احلج والعمرة‪ ،‬وسيكون‬
‫احلديث عنها يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫خطرها العظيم‪:‬‬
‫‪ -1‬ذهاب العمل من بني يدي صاحبه وهو أحوج ما يكون له يف يوم القيامة‪،‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡ ﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪﱠ [الفرقان‪.]23 :‬‬ ‫قال‬
‫وهذه األعمال الت جيعلها هللا هباء منثوراً يف يوم القيامة‪ ،‬فال ينتفع أصاحبها هبا وهم أحوج ما‬
‫يكونون إليها‪ ،‬ألهنا إما ليست خالصة هلل تعاىل‪ ،‬وإما أهنا على غري سنة رسول هللا ‪.)3(‬‬
‫حبوط العمل وعدم قبوله يف اآلخرة‪ ،‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱧﱨﱩﱪﱫ‬ ‫‪-2‬‬
‫ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬

‫ﱽﱿ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﱠ[هود‪15 :‬‬


‫ﱾ‬ ‫ﱹ ﱺﱻ ﱼ‬
‫– ‪.]16‬‬
‫ومن أعظم ما خييف املؤمن ما حيدث من خطر عظيم على من يقع يف هذه األمراض‬ ‫‪-3‬‬
‫يف يوم القيامة يف موقف خميف تنخلع منه القلوب من شدة هوله‪ ،‬وأتمل معي يف‬
‫هذا احلديث العظيم الذي ينقل هذا املشهد من يوم القيامة‪ ،‬هذا املشهد الذي‬

‫(‪ )1‬الفوائد (‪.)49‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني (‪ ،)92 /2‬البداية والنهاية (‪.)150 /14‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مدارج السالكني(‪.)89 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪138‬‬
‫أبكى الصاحلني بكاء عظيما وهم قد بلغوا يف الصالح مبلغا عظيما من أصحاب‬
‫النيب ‪ ‬بكى منه أبو هريرة رضي هللا عنه واغمي عليه‪ ،‬وبكى منه معاوية رضي‬
‫في األصبحي امل ِدينَةَ‪ ،‬فَإِذَا ُه َو بَِر ُجل قَ ْد‬ ‫هللا عنه بكاء شديد ا‪ ،‬فكيف مبن عداهم؟ َد َخ َل ُش ٌ‬
‫َ‬
‫ني يَ َديِْه َو ُه َو‬‫ت بَْ َ‬ ‫ت مْنهُ َح ََّّت قَ َع ْد ُ‬
‫ال‪ :‬من ه َذا؟ فَ َقالُوا‪ :‬أَبو هري رةَ‪ ،‬فَ َدنَو ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ ُ ََْ‬ ‫َّاس‪ ،‬فَ َق َ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫اجتَ َم َع َعلَْيه الن ُ‬ ‫ْ‬
‫ك ِحبق وِحبق لَما حدَّثْتَِين ح ِديثًا ََِس ْعتَه ِمن رس ِ‬ ‫ُحيَ ِد ُ‬
‫ول‬ ‫ُ ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫َسأَلُ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ت لَهُ‪ :‬أ ْ‬ ‫ت َو َخ َال قُلْ ُ‬ ‫َّاس‪ ،‬فَلَ َّما َس َك َ‬ ‫ث الن َ‬
‫اَّللِ‬
‫ول َّ‬ ‫َّك َح ِديثًا َح َّدثَنِ ِيه َر ُس ُ‬ ‫ُحدثَن َ‬
‫ال أَبو هري رةَ‪ :‬أَفْ عل‪َ ،‬أل ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم َع َقلْتَهُ َو َعل ْمتَهُ‪ ،‬فَ َق َ ُ ُ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫اَّللِ صلَّى َّ ِ‬
‫َّ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫اق‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َع َقلْتُهُ َو َعلِ ْمتُهُ‪ُُ ،‬ثَّ نَ َش َغ أَبُو ُهَريْ َرةَ نَ ْشغَةً فَ َم َكثْ نَا قَلِ ًيال ُُثَّ أَفَ َ‬‫صلَّى َّ‬ ‫َ‬
‫َح ٌد غَ ِْريي َوغَ ْريُهُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ صلَّى َّ ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ِيف َه َذا البَ ْيت َما َم َعنَا أ َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫َّك َح ِديثًا َح َّدثَنِ ِيه َر ُس ُ‬ ‫ُحدثَن َ‬
‫َأل ِ‬
‫َ‬
‫َّك َح ِديثًا َح َّدثَنِ ِيه‬ ‫ال‪ :‬أَفْ عل‪َ ،‬أل ِ‬
‫ُحدثَن َ‬ ‫اق فَ َم َس َح َو ْج َههُ فَ َق َ َ ُ َ‬ ‫يدةً‪ُُ ،‬ثَّ أَفَ َ‬ ‫ُُثَّ نَ َش َغ أَبُو ُهَريْ َرةَ نَ ْشغَةً َش ِد َ‬
‫َح ٌد غَ ِْريي َوغَ ْريُهُ‪ُُ ،‬ثَّ نَ َش َغ أَبُو ُهَريْ َرةَ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ صلَّى َّ ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم َوأ ََان َوُه َو ِيف َه َذا البَ ْيت َما َم َعنَا أ َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اَّللِ‬
‫ول َّ‬ ‫ال‪َ :‬ح َّدثَِين َر ُس ُ‬ ‫اق فَ َق َ‬ ‫َسنَ ْدتُهُ َعلَ َّي طَ ِو ًيال‪ُُ ،‬ثَّ أَفَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال َخارا َعلَى َو ْج ِهه فَأ ْ‬ ‫يدةً‪ُُ ،‬ثَّ َم َ‬ ‫نَ ْشغَةً َش ِد َ‬
‫ض َي بَيْ نَ ُه ْم‬ ‫القيام ِة ي ْن ِزُل إِ َىل العِب ِاد لِي ْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل تَبَارَك وتَ َع َ ِ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ " :‬أ َّ‬
‫صلَّى َّ‬
‫َ َ‬ ‫اىل إذَا َكا َن يَ ْوُم َ َ َ‬ ‫َن ََّ َ َ‬ ‫َ‬
‫اَّللِ‪َ ،‬وَر ُج ٌل َكثِريُ امل ِال‪،‬‬ ‫َوُك ُّل أ َُّمة َجاثِيَةٌ‪ ،‬فَأ ََّو ُل َم ْن يَ ْدعُو بِِه َر ُج ٌل ََجَ َع ال ُق ْرآ َن‪َ ،‬وَر ُج ٌل قُتِ َل ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫ال‪ :‬فَماذَا ع ِملْت َفِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َّ ِ‬
‫يما‬‫ال‪ :‬بَلَى َاي َرب‪ .‬قَ َ َ َ َ َ‬ ‫ت َعلَى َر ُس ِويل؟ قَ َ‬ ‫ك َما أَنْ َزلْ ُ‬ ‫اَّللُ للْ َقا ِر ِئ‪ :‬أَََلْ أ َُعل ْم َ‬ ‫فَيَ ُق ُ‬
‫ول لَهُ امل َالئِ َكةُ‪:‬‬ ‫ت‪َ ،‬وتَ ُق ُ‬ ‫َ‬ ‫اَّللُ لَهُ‪َ :‬ك َذب‬
‫ْ‬ ‫ول َّ‬ ‫َّها ِر‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬‫َ‬ ‫آانءَ الن‬‫آانءَ اللَّْي ِل َو َ‬‫وم بِِه َ‬ ‫ُ‬ ‫ت أَقُ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪ُ :‬كنْ‬ ‫ت؟ قَ َ‬ ‫َ‬ ‫عُلِ ْم‬
‫ِ َ‬
‫ول‬‫ب امل ِال فَيَ ُق ُ‬ ‫صاح ِ‬ ‫َ‬ ‫ئ فَ َق ْد قِيل ذَ َاك‪ ،‬وي ْؤتَى بِ‬ ‫ال‪ :‬إِ َّن فَُال ًان قَا ِر ٌ‬ ‫ت أَ ْن يُ َق َ‬ ‫اَّللُ‪ :‬بَ ْل أ ََرْد َ‬
‫ول َّ‬ ‫ت‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫َك َذبْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬فَماذَا ع ِملْ ِ‬
‫يما‬‫تفَ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ َ َ َ‬ ‫ال‪ :‬ب لَى اي ر ِ‬
‫َحد؟ قَ َ َ َ َ‬ ‫اج إِ َىل أ َ‬‫ك َْحتتَ ُ‬ ‫ك َح ََّّت ََلْ أ ََد ْع َ‬ ‫اَّللُ لَهُ‪ :‬أَََلْ أ َُو ِس ْع َعلَْي َ‬
‫َّ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َصل َّ ِ‬ ‫ال‪ُ :‬كنْ ِ‬
‫ول لَهُ املََالئ َكةُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وتَ ُق ُ‬ ‫اَّللُ لَهُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬
‫ول َّ‬ ‫َّق‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫صد ُ‬ ‫الرح َم َوأَتَ َ‬ ‫تأ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك؟ قَ َ‬ ‫آتَيْ تُ َ‬
‫يل ذَ َاك‪َ ،‬ويُ ْؤتَى ِابلَّ ِذي قُتِ َل ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫اَّللِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَُال ٌن َج َو ٌاد فَ َق ْد ق َ‬ ‫ت أَ ْن يُ َق َ‬ ‫اىل‪ :‬بَ ْل أ ََرْد َ‬ ‫اَّللُ تَ َع َ‬
‫ول َّ‬ ‫َويَ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ‬
‫ول َّ‬ ‫ت‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫ت َح ََّّت قُتلْ ُ‬ ‫ك فَ َقاتَلْ ُ‬ ‫ت ِابجلِ َهاد ِيف َسبِيل َ‬ ‫اَّلل لَه‪ِ :‬يف ماذَا قُتِلْت؟ فَي ُق ُ ِ‬
‫ول‪ :‬أُم ْر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ول َُّ ُ َ‬ ‫فَيَ ُق ُ‬
‫ال‪ :‬فَُال ٌن َج ِريءٌ ‪ ,‬فَ َق ْد‬ ‫ت أَ ْن يُ َق َ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ‪ :‬بَ ْل أ ََرْد َ‬
‫ول َّ‬ ‫ت‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫ول لَهُ املََالئ َكةُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وتَ ُق ُ‬ ‫اىل لَهُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫تَ َع َ‬
‫ول َِّ‬ ‫ِ‬
‫ك الث ََّالثَةُ‬ ‫«اي أ ََاب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬أُولَئِ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َعلَى ُرْكبَِت فَ َق َ‬‫صلَّى َّ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ب َر ُس ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫يل ذَ َاك "‪ُُ ،‬ثَّ َ‬ ‫ق َ‬
‫َخ ََربِين عُ ْقبَةُ بْ ُن ُم ْسلِم «أ َّ‬
‫َن‬ ‫ال ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫أ ََّو ُل خلْ ِق َِّ‬
‫يد أَبُو عُثْ َما َن‪ :‬فَأ ْ‬ ‫الول ُ‬
‫َّار يَ ْوَم القيَ َامة» َوقَ َ َ‬ ‫اَّلل تُ َسعَّ ُر هب ُم الن ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الع َالءُ بْ ُن أَِيب َحكيم‪ ،‬أَنَّهُ‬ ‫ال أَبُو عُثْ َما َن‪َ :‬و َح َّدثَِين َ‬ ‫َخ َربَهُ هبَ َذا» قَ َ‬ ‫ُش َفيا‪ُ ،‬ه َو الَّذي َد َخ َل َعلَى ُم َعا ِويَةَ فَأ ْ‬
‫ال ُم َعا ِويَةُ‪ " :‬قَ ْد فُعِ َل ِهبَُؤَال ِء‬ ‫َخ َربَهُ ِهبَ َذا َع ْن أَِيب ُه َريْ َرةَ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكا َن َسيَّافًا ل ُم َعا ِويَةَ فَ َد َخ َل َعلَْيه َر ُج ٌل‪ ،‬فَأ ْ‬
‫ك‪َ ،‬وقُلْنَا قَ ْد َجاءَ َان‬ ‫يدا َح ََّّت ظَنَ نَّا أَنَّهُ َهالِ ٌ‬ ‫َّاس؟ ُُثَّ بَ َكى ُم َعا ِويَةُ بُ َكاءً َش ِد ً‬ ‫ف ِمبَ ْن بَِقي ِم َن الن ِ‬
‫َ‬ ‫َه َذا فَ َكْي َ‬
‫ص َد َق َّاَّللُ َوَر ُسولُهُ‪ :‬ﱡ ﱧﱨﱩ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫اق ُم َعا ِويَةُ َوَم َس َح َع ْن َو ْج ِه ِه‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫الر ُج ُل بِ َشر‪ُُ ،‬ثَّ أَفَ َ‬ ‫َه َذا َّ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪139‬‬
‫ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬

‫ﱽﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅ‬
‫ﱾ‬ ‫ﱶﱷﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ‬

‫ﲆﱠ[هود‪.)1("]16 – 15 :‬‬
‫ول‪ " :‬إِ َّن أ ََّوَل الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫اَّلل عْنه ََِسعت رس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫عن أيب هريرة َرض َي َُّ َ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫ال‪:‬‬‫ت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َما َعمْل َ‬ ‫استُ ْش ِه َد‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه فَ َعَّرفَهُ نَِع َمهُ فَ َعَرفَ َها‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ضى يَ ْوَم الْقيَ َامة َعلَْيه َر ُج ٌل ْ‬ ‫يُ ْق َ‬
‫ِ‬ ‫ت ِألَ ْن يُ َق َ ِ‬ ‫قَاتَ ْل ِ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ‬ ‫ال‪َ :‬جريءٌ‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫َّك قَاتَ ْل َ‬ ‫ت‪َ ،‬ولَ ِكن َ‬ ‫ال‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪ ،‬قَ َ‬ ‫استُ ْش ِه ْد ُ‬
‫يك َح ََّّت ْ‬ ‫تف َ‬ ‫ُ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه َح ََّّت أُلْ ِق َي ِيف النَّا ِر‪َ ،‬وَر ُج ٌل تَ َعلَّ َم الْعِْل َم‪َ ،‬و َعلَّ َمهُ َوقَ َرأَ الْ ُق ْرآ َن‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫أُمَر به فَ ُسح َ‬
‫يك الْ ُق ْرآ َن‪،‬‬ ‫ال‪ :‬تَعلَّمت الْعِْلم‪ ،‬وعلَّمته وقَرأْ ِ‬ ‫ال‪ :‬فَما ع ِم ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫تف َ‬ ‫ت ف َيها؟ قَ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ‬ ‫فَ َعَّرفَهُ ن َع َمهُ فَ َعَرفَ َها‪ ،‬قَ َ َ َ َ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ‬ ‫ئ‪ ،‬فَ َق ْد قِ‬ ‫ر‬‫ال‪ُ :‬هو قَا ِ‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫ال‪ :‬ع ِاَل‪ ،‬وقَرأْت الْ ُقرآ َن لِ‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫ال‪َ :‬ك َذبت‪ ،‬ولَ ِكنَّك تَعلَّمت الْعِْلم لِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قَ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫اف الْ َم ِال‬ ‫أ ُِمر بِِه فَس ِحب علَى وج ِه ِه ح ََّّت أُلْ ِقي ِيف النَّا ِر‪ ،‬ورجل و َّسع هللا علَي ِه‪ ،‬وأَعطَاه ِمن أَصنَ ِ‬
‫ََ ُ ٌ َ َ ُ َ ْ َ ْ ُ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ َْ َ‬ ‫َ‬
‫ب أَ ْن‬ ‫ت ِم ْن َسبِيل ُِحت ُّ‬ ‫ال‪َ :‬ما تََرْك ُ‬ ‫ت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َما َعم ْل َ‬ ‫ُكلِ ِه‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه فَ َعَّرفَهُ نَِع َمهُ فَ َعَرفَ َها‪ ،‬قَ َ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أ ُِمَر‬ ‫ِ‬ ‫ت لِيُ َق َ‬ ‫ي ْن َفق فِيها إَِّال أَنْ َف ْق ِ‬
‫ال‪ُ :‬ه َو َج َو ٌاد‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫َّك فَ َع ْل َ‬‫ت‪َ ،‬ولَ ِكن َ‬ ‫ال‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت ف َيها لَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه‪ُُ ،‬ثَّ أُلْ ِق َي ِيف النَّا ِر")‪.(2‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫به فَ ُسح َ‬
‫ومن خطر السمعة على من يقع فيها وحيب أن يسمع ثناء الناس عليه ويبحث عن‬ ‫‪-4‬‬
‫ذلك‪ ،‬أن هللا يعاقبه بنقيض قصده ويصغره وحيرقه يف الدنيا يف اآلخرة‪ ،‬واخلطر‬
‫العظيم ما يكون يف يوم القيامة‪ ،‬وكان عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما ُحيَ ِد ُ‬
‫ث َعْب َد‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ )591 /4‬ح(‪ ،)2382‬وقال الرتمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪ ،‬وابن حبان (‪)136 /2‬‬
‫ح(‪ ،)408‬واحلاكم يف املستدرك(‪ )579 /1‬ح(‪ )1527‬وصححه وأقره الذهيب‪ ،‬وابن خزمية (‪)1188 /2‬ح(‪،)2482‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪)114 /1‬ح(‪ ،)22‬وصحح إسناده شعيب األرانؤوط يف حتقيقه لصحيح‬
‫ابن حبان(‪)137 /2‬ح(‪.)408‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )1513 /3‬ح(‪.)1905‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪140‬‬
‫َّاس بِ َع َملِ ِه‬
‫ول‪َ « :‬م ْن ََسَّ َع الن َ‬ ‫ول هللاِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫هللاِ بن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬قَ َ ِ‬
‫ال‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫ْ َ ُ ََ‬
‫ت َعْي نَا َعْب ِد هللاِ بْ ِن عُ َمَر(‪.)1‬‬ ‫ال‪ :‬فَ َذ َرفَ ْ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫ََسَّ َع هللاُ بِه َسام َع َخ ْلقه‪َ ،‬و َ‬
‫صغََّرهُ َو َحقََّرهُ»‪ ،‬قَ َ‬
‫اتبع احلديث السابق‪ ،‬وفيه زايدة‪" :‬يَ ْو َم ال ِّْقيَ َام ِّة"‪ :‬فعن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫َّاس بِ َع َمله ََسَّ َع هللاُ بِه َسام َع َخ ْلقه يَ ْوَم الْقيَ َامة‪ ،‬فَ َحقََّرهُ‬
‫ول هللا ‪َ « :‬م ْن ََسَّ َع الن َ‬ ‫قَ َ َ ُ‬
‫صغََّرهُ»(‪.)2‬‬
‫َو َ‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم عن خطر العجب على صاحبه‪ ،‬أنه سبب هلالكه ‪ :‬من‬ ‫‪-5‬‬
‫املهلكات‪ :‬فَ ُش ٌّح مطاع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حديث أنس ‪« :‬ثالث مهلكات‪ُ ،»..‬ث قال ‪« :‬وأما‬
‫وهوى متَّبع‪ ،‬وإعجاب ِ‬
‫املرء ِ‬
‫بنف ِسه"(‪.)3‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وسيأيت مزيد إضافة هلذا األمر يف املسألة اآلتية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ )430 /11‬ح (‪ ،)6839‬وقال يف جممع الزوائد(‪ )222 /10‬ح (‪" :)17660‬رجال أمحد‪ ،‬وأحد أسانيد‬
‫الطرباين يف الكبري رجال الصحيح"‪ ،‬وقال حمقق املسند (‪ )430 /11‬ح(‪" :)6839‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )566 /11‬ح (‪ ،)6986‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )117 /1‬ح (‪،)25‬‬
‫وقال حمقق املسند (‪ )566 /11‬ح (‪" :)6986‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البزار يف مسنده (‪ )114 /13‬ح (‪ ،)6491‬والطرباين يف املعجم األوسط (‪ )328 /5‬ح (‪ ،)5452‬وحسنه املنذري‬
‫مبجموع طرقه يف الرتغيب والرتهيب (‪ )174 /1‬ح (‪ ،)654‬وقال األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )312 /1‬ح‬
‫(‪" :)453‬حسن لغريه"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪141‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬تلخيص ما يتعلق هبذه اآلفات املهلكة(‪ )1‬مع بعض التوسع يف الكالم عنها‬
‫بشكل عام‪.‬‬
‫أولا‪ :‬الرايء‪.‬‬
‫عظيما‪ ،‬وشره‬ ‫حكمه‪ :‬الرايء من الشرك األصغر‪ ،‬وهو ً‬
‫أيضا من الشرك اخلفي؛ ولذا كان خطره ً‬
‫مستطريا‪ ،‬فال بد من احلذر منه‪ ،‬واالنتباه له ولعظيم ضرره‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن األدلة على ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬قول هللا تعاىل‪ :‬ﱡﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ‬

‫ﳪ ﳫﱠ [الكهف‪.]110 :‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬ ‫ب‪-‬‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ [النساء‪:‬‬
‫‪.]142‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫ت‪-‬‬

‫ﱋ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱠ [النساء‪:‬‬
‫ﱌ‬ ‫ﱉﱊ‬
‫‪.]38‬‬
‫واآلايت تدل على عظيم خطر الرايء وأن من تلبس به وأنه من الشرك‪ ،‬ومن صفات املنافقني‪،‬‬
‫وصاحبه الشيطان قرين له فساء قريناً‪.‬‬

‫قال سفيان الثوري رمحه هللا عند قوله تعاىل‪ :‬ﱡﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬ ‫ث‪-‬‬
‫ﳑﱠ [الزمر‪" :]47 :‬ويل ألهل الرايء! ويل ألهل الرايء! هذه آيتهم وقصتهم"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬من العجب والرايء والسمعة وهي آفات قلبية مرتابطة بينها تداخل وهلذا آثرت احلديث عنها مع بعضها‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسري القرطيب (‪.)265 /15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪142‬‬
‫اَّللُ بِِه»(‪.)1‬‬
‫اَّللُ بِِه‪َ ،‬وَم ْن يَُرائِي يَُرائِي َّ‬
‫«م ْن ََسَّ َع ََسَّ َع َّ‬ ‫ال النِ ُّ‬
‫َّيب ‪َ :‬‬ ‫ج‪-‬وقَ َ‬
‫• وذكر اخلطايب رمحة هللا يف معين احلديث‪ :‬أن من عمل ً‬
‫عمال على غري إخالص‪ ،‬وإمنا يريد‬
‫أن يراه الناس ويسمعوه‪ ،‬جزاه هللا على ذلك أبن يشهره ويفضحه‪ ،‬ويظهر ما كان يبطنه(‪.)2‬‬
‫• وأضاف ابن حجر إىل ما ذكره اخلطايب‪ ،‬فقال‪" :‬وقيل‪ :‬من قصد بعمله اجلاه واملنزلة عند‬
‫الناس‪ ،‬وَل يرد به وجه هللا‪ ،‬فإن هللا جيعله حديثًا عند الناس الذين أراد نيل املنزلة عندهم‪،‬‬
‫وال ثواب له يف اآلخرة ومعىن «يرائي»‪ :‬يطلعهم على أنه فعل ذلك هلم ال لوجهه"(‪.)3‬‬
‫اف علَي ُكم ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫ح‪-‬وعن َْحمم ِ‬
‫الشْرُك‬ ‫َخ ُ َ ْ ُ‬ ‫ف َما أ َ‬ ‫ول هللا ‪« :‬إِ َّن أ ْ‬
‫َخ َو َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫ود بْ ِن لَبِيد ‪ ‬قَ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ول يَ ْوَم ُجتَ َازى‬ ‫الرَايءُ؛ إِ َّن هللاَ يَ ُق ُ‬
‫ال‪ِ « :‬‬ ‫َصغَُر؟ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْاألَصغَر»‪ ،‬قَالُوا‪ :‬اي رس َ ِ‬
‫ول هللا‪َ ،‬وَما الشْرُك ْاأل ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُْ‬
‫ين ُكْن تُ ْم تَُراءُو َن ِأب َْع َمالِ ُك ْم ِيف الدُّنْيَا‪ ،‬فَانْظُُروا َه ْل َِجت ُدو َن ِعْن َد ُه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫الْعِب ِ ِِ‬
‫اد أب َْع َماهل ْم‪ :‬ا ْذ َهبُوا إ َىل الذ َ‬
‫َُ‬
‫َجَزاءً؟!»(‪.)4‬‬
‫الشْرِك‪،‬‬ ‫ال هللا تَبارَك وتَع َاىل‪ :‬أ ََان أَ ْغىن الشُّرَك ِاء ع ِن ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫خ‪-‬و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ قَ َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ول هللا ‪« :‬قَ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫َم ْن َع ِم َل َع َم ًال أَ ْشَرَك فِ ِيه َمعِي َغ ِْريي تَ َرْكتُهُ َو ِشْرَكهُ»(‪.)5‬‬
‫• وذكر الشيخ صاحل آل الشيخ حفظه هللا يف شرحه على التوحيد أن الرايء على درجتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬رايء املنافقني؛ أبن يظهر اإلسالم ويبطن الكفر؛ ألجل رؤية اخللق‪ ،‬وهذا مناف‬
‫للتوحيد من أصله وكفر أكرب ابهلل‪ ،‬وقد وصف املنافقني بقوله‪ :‬ﱡﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬
‫ﱸ ﱹ ﱺﱠ [النساء‪ ،]142 :‬فقوله تعاىل‪ :‬ﱡﱴ ﱵﱠ الرايء األكرب الذي‬
‫هو إظهار اإلسالم وإبطان الكفر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري واللفظ له عن جندب ‪ )104 /8( ‬ح (‪ ،)6499‬ومسلم عن ابن عباس رضي هللا عنهما (‪)2289 /4‬‬
‫ح (‪.)2986‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أعالم احلديث يف شرح صحيح البخاري للخطايب(‪.)2257/3‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري (‪.)336 /11‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪ )44-43 /39‬ح (‪ ،)23636‬وجود إسناده املنذري يف الرتغيب والرتهيب (‪ )34 /1‬ح (‪ ،)50‬وقال‬
‫اهليثمي يف جممع الزوائد (‪ )102 /1‬ح (‪" :)375‬رواه أمحد‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح"‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب‬
‫والرتهيب (‪ )120 /1‬ح (‪ ،)32‬وقال شعيب األرانؤوط يف حتقيقه للمسند (‪ )44 /39‬ح (‪" :)23636‬إسناده حسن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم(‪ )2289 /4‬ح (‪.)2985‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪143‬‬
‫الثانية‪ :‬وهو أن يرائي املسلم بعمله أو ببعض عمله‪ ،‬فهذا شرك خفي ينايف كمال التوحيد(‪.)1‬‬
‫صور من الرايء عند من ابتلي به(‪:)2‬‬
‫‪ -2‬ينشط يف العبادة إذا رآه الناس‪ ،‬وحيسنها ويتقنها من أجل شعوره برؤية الناس له‪ ،‬كما يف احلديث‬
‫ال‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َّج َ‬‫يح الد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫َع ْن أَِيب َسعِيد اخلدري ‪ ‬قَ َ‬
‫اَّلل ‪َ ‬وَْحن ُن نَتَ َذا َك ُر الْ َمس َ‬ ‫ال‪َ :‬خَر َج َعلَْي نَا َر ُس ُ‬
‫الشْرُك‬ ‫ال‪ِ « :‬‬ ‫َّج ِال؟» قَ َ‬
‫ال‪ :‬قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫يح الد َّ‬ ‫ف َعلَْي ُك ْم ِعْن ِدي ِم َن الْ َم ِس ِ‬ ‫َخ َو ُ‬ ‫ِ‬
‫ُخِربُُك ْم مبَا ُه َو أ ْ‬ ‫«أََال أ ْ‬
‫ص َالتَهُ؛ لِ َما يََرى ِم ْن نَظَ ِر َر ُجل»(‪.)3‬‬ ‫صلي‪ ،‬فَيُ َزيِ ُن َ‬
‫الرجل ي ِ‬
‫وم َّ ُ ُ ُ َ‬
‫ِْ‬
‫اخلَف ُّي‪ ،‬أَ ْن يَ ُق َ‬
‫‪ -3‬حيافظ على البعد عن حمارم هللا إذا كان الناس يرونه‪ ،‬وإذا خال مبحارم هللا انتهكها؛ ألنه ال ينتهي‬
‫عن احملارم إال خمافة من الناس‪ ،‬وهلذا عقوبته عظيمة‪ ،‬كما يف احلديث َع ْن ثَ ْوَاب َن ‪َ ،‬ع ِن النِ ِ‬
‫َّيب‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يضا‪ ،‬فَيَ ْج َعلُ َها‬ ‫ال‪َ« :‬أل َْعلَ َم َّن أَقْ َو ًاما ِم ْن أ َُّم ِت َأيْتُو َن يَ ْوَم الْقيَ َام ِة ِحبَ َسنَات أ َْمثَ ِال جبَ ِال هتَ َامةَ بِ ً‬ ‫‪ ‬أَنَّهُ قَ َ‬
‫اَّللِ‪ِ ،‬ص ْف ُه ْم لَنَا‪َ ،‬جلِ ِه ْم لَنَا؛ أَ ْن َال نَ ُكو َن ِمْن ُه ْم َوَْحن ُن‬
‫ول َّ‬ ‫ال ثَ ْوَاب ُن‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫اَّللُ ‪َ ‬هبَاءً َمْن ثُ ًورا»‪ ،‬قَ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ال‪« :‬أ ََما إِ َّهنُْم إِ ْخ َوانُ ُك ْم‪َ ،‬وم ْن ج ْل َدت ُك ْم‪َ ،‬و َأيْ ُخ ُذو َن م َن اللَّْي ِل َك َما َأتْ ُخ ُذو َن‪َ ،‬ولَكن ُ‬
‫َّه ْم أَقْ َو ٌام‬ ‫َال نَ ْعلَ ُم‪ ،‬قَ َ‬
‫وها»‪.‬‬ ‫إِذَا خلَوا ِمبَحا ِرِم َِّ‬
‫اَّلل انْتَ َه ُك َ‬ ‫َْ َ‬
‫وهذا حيصل من البعض‪ ،‬جتده ينتهك حمارم هللا إذا خال جبواله أو جهاز حاسبه أو ابلقناة‬
‫الفضائية الت تعرض ما حرم هللا‪.‬‬
‫‪ -4‬يطلب العلم ومهه أن يرى تعظيم الناس له‪ ،‬وقضاء حاجاته‪ ،‬وتقدميه يف اجملالس‪.‬‬
‫‪ -5‬الرايء ابلقول‪ ،‬وهو أن يقوم هبذه األعمال من أجل الناس‪ ،‬ويكون مهتما ابلوعظ والتذكري والنطق‬
‫ابحلكمة‪ ،‬وحفظ األخبار واآلاثر؛ إلظهار غزارة العلم‪ ،‬ومن ذلك حتريك الشفتني ابلذكر يف حمضر‬
‫الناس‪ ،‬واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر أمامهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التمهيد (‪.)396‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إحياء علوم الدين (‪ ،)297 /3‬نضرة النعيم (‪ ،)4553 /10‬اإلخالص حقيقته ونواقضه (‪.)339-336‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪ )1406 /2‬ح (‪ ،)4204‬واحلاكم (‪ )365 /4‬ح (‪ )7936‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسن إسناده‬
‫البوصريي يف زوائد ابن ماجه (‪ )236 /4‬ح (‪ ،)1505‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )119 /1‬ح‬
‫(‪.)30‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪144‬‬
‫فالان‪،‬‬
‫فالان قد زار ً‬
‫‪ -6‬املراءاة ابألصحاب والزائرين‪ ،‬كأن يطلب املرائي من عاَل أن يزوره ليقال‪ :‬إن ً‬
‫ومن ذلك كثرة ذكره للشيوخ الذين قابلهم وزارهم‪ ،‬وحيرص على إظهار ذلك للناس من خالل‬
‫الوسائل املتاحة له‪ ،‬ال ألجل االقتداء ونشر اخلري‪ ،‬وإمنا ألجل أن يشعر الناس مبكانته‪.‬‬
‫خطر الرايء(‪:)1‬‬
‫نفور الناس منه‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫خذالن هللا له وقلة توفيقه‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تسلط األعداء عليه من شياطني اإلنس واجلن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫حيبط أعماله وينزع هللا منها الربكة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ال يسلم املرائي من أن يفضح هللا أمره يف الدنيا‪ ،‬ويظهر عيوبه‪ ،‬فيسقط من أعني الناس وتذهب‬ ‫‪-5‬‬
‫هيبته‪ ،‬انهيك عن حسرته يوم القيامة‪.‬‬
‫َّث أ َّ‬
‫َن‬ ‫َن عُ ْقبَةَ بْ َن ُم ْسلِم َحد َ‬ ‫من يرائي ابألعمال الصاحلة أول من تسعر به النار‪ ،‬كما يف احلديث أ َّ‬ ‫‪-6‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُش َفيا األ ِ‬
‫ال‪َ :‬م ْن َه َذا؟‬ ‫َّاس‪ ،‬فَ َق َ‬
‫اجتَ َم َع َعلَْيه الن ُ‬ ‫َصبَح َّي َح َّدثَهُ أَنَّهُ َد َخ َل املَدينَةَ‪ ،‬فَِإ َذا ُه َو بَِر ُجل قَ ْد ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َو َخ َال‬ ‫َّاس‪ ،‬فَلَ َّما َس َك َ‬ ‫ث الن َ‬ ‫ني يَ َديْ ِه َوُه َو ُحيَ ِد ُ‬
‫ت بَْ َ‬
‫فَ َقالُوا‪ :‬أَبو هري رةَ‪ ،‬قال فَ َدنَو ِ‬
‫ت مْنهُ َح ََّّت قَ َع ْد ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ ُ َْ َ‬
‫ال أَبُو‬ ‫اَّللِ ‪َ ‬ع َق ْلتَهُ َو َعلِ ْمتَهُ‪ ،‬فَ َق َ‬‫ول َّ‬ ‫ك ِحبق وِحبق لَما حدَّثْتَِين ح ِديثًا ََِس ْعتَه ِمن رس ِ‬
‫ُ ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫َسأَلُ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ت لَهُ‪ :‬أ ْ‬ ‫قُ ْل ُ‬
‫اَّللِ ‪َ ‬ع َق ْلتُهُ َو َعلِ ْمتُهُ‪ُُ ،‬ثَّ نَ َش َغ أَبُو ُهَريْ َرةَ نَ ْشغَةً‬ ‫ول َّ‬ ‫َّك َح ِديثًا َح َّدثَنِ ِيه َر ُس ُ‬ ‫ُحدثَن َ‬
‫هري رةَ‪ :‬أَفْ عل‪َ ،‬أل ِ‬
‫ُ َْ َ َ ُ َ‬
‫َح ٌد‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ‪ِ ‬يف َه َذا البَ ْيت َما َم َعنَا أ َ‬
‫ول َِّ‬ ‫َّك َح ِديثًا َح َّدثَنِ ِيه َر ُس ُ‬ ‫ُحدثَن َ‬
‫اق‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬أل ِ‬
‫َ‬ ‫فَ َم َكثْ نَا قَلِ ًيال ُُثَّ أَفَ َ‬
‫َّك‬ ‫ِ‬ ‫َغ ِْريي َو َغ ْريُهُ‪ُُ ،‬ثَّ نَ َش َغ أَبُو ُهَريْ َرةَ نَ ْشغَةً َش ِد َ‬
‫يدةً‪ُُ ،‬ثَّ أَفَ َ‬
‫ال‪ :‬أَفْ َع ُل‪َ ،‬ألُ َحدثَن َ‬ ‫اق فَ َم َس َح َو ْج َههُ فَ َق َ‬
‫َح ٌد َغ ِْريي َو َغ ْريُهُ‪ُُ ،‬ثَّ نَ َش َغ أَبُو ُهَريْ َرةَ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ‪َ ‬وأَ َان َوُه َو ِيف َه َذا البَ ْيت َما َم َعنَا أ َ‬
‫ول َِّ‬ ‫َح ِديثًا َح َّدثَنِ ِيه َر ُس ُ‬
‫اَّللِ‬
‫ول َّ‬ ‫ال‪َ :‬ح َّدثَِين َر ُس ُ‬ ‫اق فَ َق َ‬ ‫َسنَ ْدتُهُ َعلَ َّي طَ ِو ًيال‪ُُ ،‬ثَّ أَفَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال َخارا َعلَى َو ْج ِهه فَأ ْ‬ ‫يدةً‪ُُ ،‬ثَّ َم َ‬ ‫نَ ْشغَةً َش ِد َ‬
‫ض َي بَْي نَ ُه ْم َوُك ُّل أ َُّمة َجاثِيَةٌ‪،‬‬ ‫القيام ِة ي ْن ِزُل إِ َىل العِب ِاد لِي ْق ِ‬‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫اَّللَ تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل إِ َذا َكا َن يَ ْوُم َ َ َ‬ ‫َن َّ‬ ‫‪« :‬أ َّ‬
‫اَّللُ لِْل َقا ِر ِئ‪:‬‬
‫ول َّ‬ ‫اَّللِ‪َ ،‬وَر ُج ٌل َكثِريُ امل ِال‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬‫فَأ ََّو ُل َم ْن يَ ْدعُو بِِه َر ُج ٌل ََجَ َع ال ُق ْرآ َن‪َ ،‬وَر ُج ٌل قُتِ َل ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ َِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ال‪ُ :‬كْن ُ‬ ‫ت؟ قَ َ‬ ‫يما عُل ْم َ‬ ‫تفَ‬ ‫ال‪ :‬فَ َماذَا َعم ْل َ‬ ‫ال‪ :‬بَلَى َاي َر ِب‪ .‬قَ َ‬ ‫ت َعلَى َر ُس ِويل؟ قَ َ‬ ‫ك َما أَنْ َزلْ ُ‬ ‫أَََلْ أ َُعل ْم َ‬
‫ِ‬ ‫أَقُ ِ‬
‫اَّللُ‪ :‬بَ ْل‬
‫ول َّ‬ ‫ت‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫ول لَهُ املََالئ َكةُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وتَ ُق ُ‬ ‫اَّللُ لَهُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬
‫ول َّ‬ ‫وم بِه آ َانءَ اللَّْي ِل َوآ َانءَ الن َ‬
‫َّها ِر‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نضرة النعيم(‪.)4567 /10‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪145‬‬
‫اَّللُ لَهُ‪ :‬أَََلْ أ َُو ِس ْع‬‫ول َّ‬ ‫ب امل ِال فَيَ ُق ُ‬ ‫اح ِ‬ ‫ئ‪ ،‬فَ َق ْد قِيل ذَ َاك‪ ،‬وي ْؤتَى بِص ِ‬ ‫ال‪ :‬إِ َّن فَُال ًان قَا ِر ٌ‬ ‫ت أَ ْن يُ َق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ ََرْد َ‬
‫ال‪ :‬فَماذَا ع ِم ْل ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ك؟ قَ َ‬ ‫ت ف َيما آتَْي تُ َ‬ ‫ال‪ :‬بَلَى َاي َر ِب‪ ،‬قَ َ َ َ َ‬ ‫َحد؟ قَ َ‬ ‫اج إِ َىل أ َ‬‫ك َْحتتَ ُ‬ ‫ك َح ََّّت ََلْ أ ََد ْع َ‬ ‫َعلَْي َ‬
‫ِ‬ ‫َصل َّ ِ‬ ‫ُكْن ِ‬
‫اَّللُ تَ َع َاىل‪:‬‬ ‫ول َّ‬‫ت‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫ول لَهُ املََالئ َكةُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وتَ ُق ُ‬ ‫اَّللُ لَهُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬
‫ول َّ‬ ‫َّق‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬‫صد ُ‬ ‫الرح َم َوأَتَ َ‬ ‫تأ ُ‬ ‫ُ‬
‫اَّللُ لَهُ‪:‬‬
‫ول َّ‬ ‫يل َذ َاك‪َ ،‬ويُ ْؤتَى ِابلَّ ِذي قُتِ َل ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫اَّللِ‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَُال ٌن َج َو ٌاد‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫ت أَ ْن يُ َق َ‬ ‫بَ ْل أََرْد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ تَ َع َاىل لَهُ‪:‬‬ ‫ول َّ‬ ‫ت‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫ت َح ََّّت قُت ْل ُ‬ ‫ك فَ َقاتَ ْل ُ‬ ‫ت ِابجلِ َهاد ِيف َسبِيل َ‬ ‫ِيف ماذَا قُتِْلت؟ فَي ُق ُ ِ‬
‫ول‪ :‬أُم ْر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت أَ ْن يُ َق َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَُال ٌن َجريءٌ‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫اَّللُ‪ :‬بَ ْل أ ََرْد َ‬‫ول َّ‬ ‫ت‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫ول لَهُ املََالئ َكةُ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وتَ ُق ُ‬ ‫َك َذبْ َ‬
‫ك الث ََّالثَةُ أ ََّو ُل َخ ْل ِق ا ََّّللِ تُ َس َّع ُر‬‫«اي أ ََاب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬أُولَئِ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫اَّللِ ‪َ ‬علَى ُرْكبَِت فَ َق َ‬ ‫ول َّ‬ ‫ب َر ُس ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫َذ َاك»‪ُُ ،‬ثَّ َ‬
‫َن ُش َفيا ُه َو الَّ ِذي َد َخ َل‬ ‫َخ ََربِين عُ ْقبَةُ بْ ُن ُم ْسلِم أ َّ‬ ‫القيام ِة»‪ .‬وقَ َال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يد أَبُو عُثْ َما َن‪ :‬فَأ ْ‬ ‫الول ُ‬
‫َ‬ ‫َّار يَ ْوَم َ َ َ‬ ‫هب ُم الن ُ‬
‫الع َالءُ بْ ُن أَِيب َح ِكيم‪ ،‬أَنَّهُ َكا َن َسيَّافًا لِ ُم َعا ِويَةَ‪،‬‬ ‫ال أَبُو عُثْ َما َن‪َ :‬و َح َّدثَِين َ‬ ‫َخ ََربهُ ِهبَ َذا‪ .‬قَ َ‬‫َعلَى ُم َعا ِويَةَ فَأ ْ‬
‫ف ِمبَ ْن بَِق َي‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َخ ََربهُ ِهبَ َذا َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ِ‬
‫ال ُم َعا ِويَةُ‪ :‬قَ ْد فُع َل هبَُؤَالء َه َذا‪ ،‬فَ َكْي َ‬ ‫فَ َد َخ َل َعلَْيه َر ُج ٌل‪ ،‬فَأ ْ‬
‫الر ُج ُل بِ َشر‪،‬‬ ‫ك‪َ ،‬وقُ ْلنَا‪ :‬قَ ْد َجاءَ َان َه َذا َّ‬ ‫يدا َح ََّّت ظَنَ نَّا أَنَّهُ َهالِ ٌ‬ ‫َّاس؟! ُُثَّ بَ َكى ُم َعا ِويَةُ بُ َكاءً َش ِد ً‬ ‫ِم َن الن ِ‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ‪ :‬ﱡﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ص َد َق َّ‬ ‫اق ُم َعا ِويَةُ َوَم َس َح َع ْن َو ْج ِه ِه‪َ ،‬وقَ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ُُثَّ أَفَ َ‬
‫ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ‬

‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲆﱠ [هود‪.)1( ]16 ،15 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي(‪ )591 /4‬ح (‪ ،)2382‬وقال الرتمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪ ،‬وابن حبان يف صحيحه (‪)136 /2‬‬
‫ح (‪ ،)408‬واحلاكم(‪ )579 /1‬ح (‪ )1527‬وصححه وأقره الذهيب‪ ،‬وابن خزمية (‪ )1188 /2‬ح (‪ ،)2482‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )114 /1‬ح (‪ ،)22‬وصحح إسناده شعيب األرانؤوط يف حتقيقه لصحيح ابن حبان‬
‫(‪ )137 /2‬ح (‪.)408‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪146‬‬
‫اثنيا‪ :‬السمعة‪.‬‬
‫والفرق بينها وبني الرايء‪ :‬أن السمعة تتعلق حباسة السمع(‪ ،)1‬والرايء يتعلق حباسة البصر(‪.)2‬‬
‫وكالمها مبعىن متقارب يف نتيجة احلكم عليهما كما سيأيت‪.‬‬
‫حكم السمعة‪:‬‬
‫السمعة حكمها كحكم الرايء‪ ،‬فكل ما ورد يف الرايء من األدلة يرد فيها‪ ،‬وقد جاء يف السنة ما‬
‫يبني عظيم خطرها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫اَّللُ بِِه»‪.‬‬
‫اَّللُ بِِه‪َ ،‬وَم ْن يَُرائِي يَُرائِي َّ‬ ‫قول النِ ِ‬
‫َّيب ‪َ :‬‬
‫«م ْن ََسَّ َع ََسَّ َع َّ‬
‫اَّلل بِِه ي وم ِ‬
‫القيَ َامة» احلديث(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ « :‬م ْن ََسَّ َع ََسَّ َع َُّ َ ْ َ‬
‫ت رسول هللا ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫عن جندب ‪ََ :‬س ْع ُ‬
‫ت‬ ‫ث عب َد هللاِ بن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬قَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫ْ َ ُ ََ‬ ‫وكان عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما ُحيَد ُ َْ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ول هللاِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َّاس بِ َع َمله ََسَّ َع هللاُ بِه َسام َع َخ ْلقه‪َ ،‬و َ‬
‫صغََّرهُ َو َحقََّرهُ»‪ ،‬قَ َ‬ ‫ول‪َ « :‬م ْن ََسَّ َع الن َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ت َعْي نَا َعْب ِد هللاِ بْ ِن عُ َمَر(‪.)4‬‬
‫فَ َذ َرفَ ْ‬
‫ول هللاِ ‪« :‬من ََسَّع الن ِ ِ ِ‬
‫َّاس ب َع َمله ََسَّ َع هللاُ‬
‫َْ َ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫وعن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال‪ :‬قَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫بِه َسام َع َخ ْلقه يَ ْوَم الْقيَ َامة‪ ،‬فَ َحقََّرهُ َو َ‬
‫صغََّرهُ»(‪.)5‬‬
‫وحكمها حكم الرايء‪ ،‬وابلذات حينما تقارن العمل‪.‬‬
‫قال ابن حجر رمحه هللا‪" :‬والسمعة‪ ..‬مشتقة من َسع‪ ،‬واملراد هبا حنو ما يف الرايء‪ ،‬لكنها تتعلق‬
‫حباسة السمع‪ ،‬والرايء حباسة البصر"(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬األعمال الت تسمع من تالوة أو ذكر أو دعاء وحنو ذلك؛ ألجل َساع مدح الناس‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري (‪.)336 /11‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري(‪ )64 /9‬ح (‪.)7152‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪ )430 /11‬ح (‪ ،)6839‬وقال يف جممع الزوائد(‪ )222 /10‬ح (‪" :)17660‬رجال أمحد‪ ،‬وأحد أسانيد‬
‫الطرباين يف الكبري رجال الصحيح"‪ ،‬وقال حمقق املسند (‪ )430 /11‬ح(‪" :)6839‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )566 /11‬ح (‪ ،)6986‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )117 /1‬ح (‪،)25‬‬
‫وقال حمقق املسند (‪ )566 /11‬ح (‪" :)6986‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري (‪)336 /11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪147‬‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمني رمحه هللا بعد أن ذكر تعريف الرايء‪" :‬ويدخل يف ذلك من عمل العمل‬
‫ليس َم َعه الناس"(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫ما يستثىن من السمعة‪:‬‬
‫ويستثىن من السمعة احملرمة ما يعمله اإلنسان املقتدى به‪ ،‬فيظهر العمل ليقتدي به الناس‪ ،‬بشرط‬
‫أن حيرص على سالمة نيته من مقصد السمعة املذمومة‪ ،‬وذلك حببه لسماع ثناء الناس ومدحهم‪.‬‬
‫وقال ابن حجر رمحه هللا‪" :‬ويف احلديث(‪ )2‬استحباب إخفاء العمل الصاحل‪ ،‬لكن قد يستحب‬
‫إظهاره ممن يقتدى به على إرادته االقتداء به‪ ،‬ويقدر ذلك بقدر احلاجة‪ ،‬قال ابن عبد السالم‪:‬‬
‫يستثىن من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به‪ ،‬أو لينتفع به ككتابة العلم(‪ ،)3‬ومنه‬
‫ص َالِيت»(‪ )4‬قال الطربي‪ :‬كان ابن عمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حديث سهل املاضي يف اجلمعة‪« :‬لتَأَْمتُّوا ِيب‪َ ،‬ولتَ َعلَّ ُموا َ‬
‫وابن مسعود وَجاعة من السلف يتهجدون يف مساجدهم ويتظاهرون مبحاسن أعماهلم ليقتدى‬
‫قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله‬ ‫إماما يسنت بعمله عاملًا مبا هلل عليه ً‬ ‫هبم‪ ،‬قال‪ :‬فمن كان ً‬
‫وما خفي؛ لصحة قصده‪ ،‬ومن كان خبالف ذلك‪ ،‬فاإلخفاء يف حقه أفضل‪ ،‬وعلى ذلك جرى‬
‫رجال‬
‫عمل السلف‪ ،‬فمن األول حديث محاد بن سلمة عن اثبت عن أنس قال‪َ :‬سع النيب ‪ً ‬‬
‫اب" قال‪ :‬فإذا هو املقداد بن األسود أخرجه الطربي(‪.)5‬‬ ‫يقرأ ويرفع صوته ابلذكر‪ ،‬فقال‪" :‬إِنَّهُ أ ََّو ٌ‬

‫(‪ )1‬القول املفيد على كتاب التوحيد (‪.)124 /2‬‬


‫اَّللُ بِِه»‪.‬‬
‫اَّللُ بِِه‪َ ،‬وَم ْن يَُرائِي يَُرائِي َّ‬ ‫«م ْن ََسَّ َع ََسَّ َع َّ‬
‫(‪ )2‬يقصد ابن حجر رمحه هللا حديث‪َ :‬‬
‫(‪َ )3‬ل أجده هبذا اللفظ فيما تيسر يل من كتب العز بن عبد السالم‪ ،‬ووجدت قريباً منه يف كتايب‪ :‬الفوائد ومقاصد الرعاية له رمحه‬
‫هللا‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الفوائد يف اختصار املقاصد(‪ ، )127-125‬مقاصد الرعاية حلقوق هللا(‪ )98‬كالمها للعز بن عبد السالم‪.‬‬
‫(‪ )4‬وهو يف مسلم (‪.)544( )386 /1‬‬
‫(‪َ )5‬ل أقف عليه فيما تيسر من مصادر‪ ،‬ولكين وجدت قريبًا منه يف مسند أمحد (‪ )306 /31‬ح (‪ )18971‬ولفظه‪َ :‬ع ِن ابْ ِن‬
‫َخ َذ بِيَ ِدي‪ ،‬فَانْطَلَ ْقنَا‪ ،‬فَ َمَرْرَان َعلَى َر ُجل‬ ‫ال‪ :‬فَ َر ِآين‪ ،‬فَأ َ‬ ‫اجتِ ِه‪ ،‬قَ َ‬
‫ض َح َ‬ ‫ات لَْي لَة‪ ،‬فَ َخَر َج لِبَ ْع ِ‬
‫َّيب ‪ ‬ذَ َ‬ ‫س النِ َّ‬
‫َح ُر ُ‬‫تأْ‬ ‫ْاأل َْد َرِع قَ َال‪ُ :‬كنْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ول هللاِ‪ ،‬ي ِ‬ ‫َّيب ‪َ « :‬ع َسى أَ ْن يَ ُكو َن ُمَرائِيًا»‪ ،‬قَ َ‬ ‫يصلِي َجيهر ِابلْ ُقر ِ‬
‫ض‬‫صلي َْجي َه ُر ِابلْ ُق ْرآن‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َرفَ َ‬‫َُ‬ ‫ت‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫ال‪ :‬قُلْ ُ‬ ‫ال النِ ُّ‬‫آن‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ُ َ َُْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ بيَدي‪ ،‬فَ َمَرْرَان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح ُر ُسهُ لبَ ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪« :‬إِنَّ ُك ْم لَ ْن تَنَالُوا َه َذا ْاأل َْمَر ِابلْ ُمغَالَبَة»‪ ،‬قَ َ‬ ‫يَ ِدي‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬
‫اجته‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ض َح َ‬ ‫ات لَْي لَة َوأَ َان أ ْ‬‫ال‪ُُ :‬ثَّ َخَر َج َذ َ‬
‫ت‪ ،‬فَِإ َذا ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫علَى رجل يصلِي ِابلْ ُقر ِ‬
‫ال‪ :‬فَنَظَْر ُ‬ ‫اب»‪ ،‬قَ َ‬ ‫َّيب ‪َ « :‬ك َّال إِنَّهُ أ ََّو ٌ‬ ‫ت‪َ :‬ع َسى أَ ْن يَ ُكو َن ُمَرائيًا‪ ،‬فَ َق َال النِ ُّ‬ ‫ال‪ :‬فَ ُق ْل ُ‬ ‫آن‪ ،‬قَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ُ َ‬
‫َعْب ُد هللاِ ذُو الْبِ َج َاديْن‪ .‬وقال يف جممع الزوائد (‪ )369 /9‬ح (‪" :)15982‬رواه أمحد‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح"‪ ،‬وحسن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪148‬‬
‫ومن الثاين حديث الزهري عن أيب سلمة عن أيب هريرة قال قام رجل يصلي‪ ،‬فجهر ابلقراءة‪،‬‬
‫فقال له النيب ‪« :‬ال تسمعين‪ ،‬وأَسع ربك» أخرجه أمحد(‪ ،)1‬وابن أيب خيثمة‪ ،‬وسنده‬
‫(‪)2‬‬
‫حسن"‬
‫من مظاهر السمعة عند من ابتلي هبا(‪:)3‬‬
‫‪ -1‬ما ورد من مظاهر يف الرايء وما سريد يف العجب كلها متقاربة‪.‬‬
‫‪ -2‬كثرة إطراء النفس واحلديث عنها‪.‬‬
‫‪ -3‬التمطيط بقراءة القرآن وإخراجها عن احلد املشروع يف القراءة‪ ،‬حَّت خييل لك أنه ال يقرأ وإمنا ينشد‬
‫شعرا‪ ،‬ويتفاعل مع َجاهري السامعني ويردد اآلية ال للتدبر‪ ،‬وإمنا للتمطيط وزايدة التنغيم والدخول‬
‫ً‬
‫من مقام إىل مقام آخر‪ ،‬حَّت يشبع رغبة يف نفسه حبب ثناء الناس ومدحهم‪.‬‬
‫‪ -4‬ال حيب الناصح‪ ،‬ويرى أنه ينزل من قدره‪.‬‬
‫مدحا وال ثناء يغضب يف داخل نفسه‪ ،‬ورمبا ال يواصل درسه أو‬
‫درسا أو موعظة وَل يلق ً‬
‫‪ -5‬إذا ألقى ً‬
‫مواعظه يف نفس املكان‪.‬‬
‫‪ -6‬كثري النقد واالعرتاض على اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -7‬يتصيد األخطاء ويفرح هبا‪ ،‬ويضخمها وهي صغرية؛ ليشعر من يسمعه أنه عنده غرية على الدين‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫أما ما يسمعه اإلنسان عنه من ثناء حسن من غري قصد لذلك‪ ،‬وتطلع إليه‪ ،‬فال يدخل يف‬
‫ال‪ :‬قِيل لِرس ِ ِ‬
‫ت‬
‫ول هللا ‪ :‬أ ََرأَيْ َ‬ ‫فع ْن أَِيب ذَر ‪ ‬قَ َ َ َ ُ‬ ‫السمعة املذمومة؛ ألن هذا مما استثناه احلديث‪َ ،‬‬
‫ال‪« :‬تِْلك ع ِ‬
‫اج ُل بُ ْشَرى الْ ُم ْؤِم ِن»(‪.)4‬‬ ‫َّاس َعلَْي ِه؟ قَ َ‬ ‫الر ُجل يَ ْع َمل الْ َع َمل ِمن ْ ِ‬
‫َ َ‬ ‫اخلَْري‪َ ،‬وَْحي َم ُدهُ الن ُ‬ ‫َّ َ ُ َ َ‬

‫إسناده األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ )285 /4‬ح (‪ ،)1709‬واحلديث ضعف إسناده حمقق املسند (‪/31‬‬
‫‪ )306‬ح (‪.)18971‬‬
‫(‪ )1‬مسند أمحد (‪ )72 /14‬ح (‪.)8326‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري (‪.)337 /11‬‬
‫(‪ )3‬األخالص حقيقته ونواقضه(‪.)370-368‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ )2034 /4‬ح (‪.)2642‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪149‬‬
‫نقل النووي كالم العلماء يف معىن قوله ‪« :‬تِْلك ع ِ‬
‫اج ُل بُ ْشَرى الْ ُم ْؤِم ِن» فقال رمحه هللا‪" :‬قال‬ ‫َ َ‬
‫العلماء‪ :‬معناه‪ :‬هذه البشرى املعجلة له ابخلري وهي دليل على رضاء هللا تعاىل عنه وحمبته له‪،‬‬
‫فيحببه إىل اخللق كما سبق يف احلديث(‪ُ ،)1‬ث يوضع له القبول يف األرض‪ ،‬هذا كله إذا محده‬
‫الناس من غري تعرض منه حلمدهم‪ ،‬وإال فالتعرض مذموم"(‪.)2‬‬
‫قال السيوطي رمحه هللا‪" :‬قال‪« :‬تِْلك ع ِ‬
‫اج ُل بُ ْشَرى الْ ُم ْؤِم ِن» أي‪ :‬هذه البشرى املعجلة دليل‬ ‫َ َ‬
‫للبشرى املؤخرة إىل اآلخرة"(‪.)3‬‬
‫خطر السمعة‪:‬‬
‫يقال هنا ما قيل يف خطر الرايء لتقارب اآلفتني‪ ،‬ويضاف ما ورد يف احلديث‪َ « :‬م ْن ََسَّ َع ََسَّ َع َّ‬
‫اَّللُ‬
‫القيَ َامة» احلديث‪.‬‬ ‫بِِه ي وم ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ت‬‫ال الراوي‪ :‬فَ َذ َرفَ ْ‬ ‫َّاس بِ َع َمله ََسَّ َع هللاُ بِه َسام َع َخْلقه‪َ ،‬و َ‬
‫صغََّرهُ َو َحقََّرهُ»‪ ،‬قَ َ‬ ‫ول ‪َ « :‬م ْن ََسَّ َع الن َ‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫َعْي نَا َعْب ِد هللاِ بْ ِن عُ َمَر‪.‬‬
‫ففي هذين احلديثني بيان عقوبة من يقع يف السمعة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وذكر أهل العلم(‪ )4‬يف شرح هذا احلديث عدة معان تدل على خطورة السمعة‪ ،‬ودونك أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه إذا عمل يريد َساع ثناء الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خريه َسع هللا به يوم القيامة الناس‬
‫وفضحه‪.‬‬
‫‪ -2‬يفضحه هللا يف الدنيا ويظهر ما كان يبطنه وخيفيه عن الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬وقيل‪ :‬إذا أراد ابلسمعة اجلاه واملنزلة عند الناس وَل يرد به وجه هللا فإن هللا جيعله حديثًا عند الناس‬

‫يل ِيف‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ب فُالَ ًان فَأ ْ ِ‬‫اَّللَ ُِحي ُّ‬
‫يل‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫(‪ )1‬يشري رمحه هللا إىل حديث‪ « :‬إِ َذا أ َ‬
‫يل‪ ،‬فَيُنَادي ج ْرب ُ‬
‫َحبْبهُ‪ ،‬فَيُحبُّهُ ج ْرب ُ‬ ‫العْب َد َان َدى ج ْرب َ‬
‫اَّللُ َ‬
‫ب َّ‬ ‫َح َّ‬
‫ض»‪ ،‬وحديث أَِيب َذر ‪ ‬قَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ول ِيف األ َْر ِ‬ ‫وض ُع لَهُ ال َقبُ ُ‬ ‫َحبُّوه‪ ،‬فَي ِحبُّه أَهل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َم ِاء‪ :‬إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ ُِحي ُّ‬ ‫أ َْه ِل َّ‬
‫الس َماء‪ُُ ،‬ثَّ يُ َ‬ ‫ب فُالَ ًان فَأ ُ ُ ُ ْ ُ‬
‫اج ُل بُ ْشَرى الْ ُم ْؤِم ِن»‪ .‬أخرجه أمحد يف املسند (‪/35‬‬ ‫الرجل ي عمل لِنَ ْف ِس ِه فَي ِحبُّه النَّاس؟ قَ َال‪« :‬تِلْك ع ِ‬ ‫فَ ُقلْت‪ :‬اي رس َ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ول هللا‪ُ َ ْ َ ُ ُ َّ ،‬‬ ‫ُ َ َُ‬
‫‪ )379‬ح (‪ ،)21477‬وصحح إسناده شعيب األرانؤوط يف حتقيقه ملسند أمحد (‪ )379 /35‬ح (‪.)21477‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)189 /16‬‬
‫(‪ )3‬شرح السيوطي على مسلم (‪.)556 /5‬‬
‫(‪ )4‬ينظر يف ذلك‪ :‬شرح النووي على مسلم (‪ ،)116 /18‬فتح الباري البن حجر (‪.)337-336 /11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪150‬‬
‫الذين أراد نيل املنزلة عندهم‪ ،‬وال ثواب له يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل‪ :‬املعىن‪ :‬من َسع بعيوب الناس وأذاعها أظهر هللا عيوبه وَسعه املكروه‪.‬‬
‫خريا َل يصنعه‪ ،‬فإن هللا يفضحه‬
‫عمال صاحلًا َل يفعله وادعى ً‬‫‪ -5‬وقيل‪ :‬املعىن‪ :‬من نسب إىل نفسه ً‬
‫ويظهر كذبه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪151‬‬
‫ب‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬العُ ْج ُ‬
‫من أقوال العلماء يف معىن العجب‪:‬‬
‫قال عبد هللا بن املبارك رمحه هللا عن العجب‪" :‬أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غريك"(‪.)1‬‬
‫وقال الغزايل رمحه هللا عن العجب‪" :‬استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إىل‬
‫املنعم"(‪.)2‬‬
‫وقال أبو العباس القرطيب‪" :‬إعجاب الرجل بنفسه هو مالحظته هلا بعني الكمال واالستحسان‬
‫مع نسيان منة هللا تعاىل"(‪.)3‬‬
‫وقال اجلرجاين‪" :‬العجب‪ :‬هو عبارة عن تصور استحقاق الشخص رتبة ال يكون مستحقا‬
‫هلا"(‪.)4‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتضح أن العجب مرتبط ابلنفس‪ ،‬وهو أن يرى أبن عنده ما ليس عند غريه‪،‬‬
‫ومالحظته لنفسه بعني الكمال واالستحسان‪ ،‬مع نسيان أن املنعم عليه هو هللا تعاىل‪.‬‬
‫حكم العجب‪:‬‬
‫دلت نصوص الكتاب والسنة على حترمي العجب‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫قال تعاىل يف وصية لقمان البنه‪ :‬ﱡﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ‬

‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﱠ [لقمان‪.]18 :‬‬

‫ِ‬
‫قال السعدي رمحه هللا يف تفسريه هلذه اآلية‪" :‬ﱡﳆ ﳇ ﳈ ﳉﱠ أي‪ :‬ال ُمت ْلهُ‬
‫فخرا‬ ‫وتعاظما‪ .‬ﱡﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﱠ أي‪ً :‬‬
‫بطرا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫تكربا عليهم‬
‫وتعبس بوجهك للناس؛ ًُّ‬

‫(‪ )1‬شعب اإلميان (‪.)514 /10‬‬


‫(‪ )2‬إحياء علوم الدين (‪.)371 /3‬‬
‫(‪ )3‬املفهم ملا أشكل من تلخيص مسلم(‪.)406/5‬‬
‫(‪ )4‬التعريفات (‪.)147‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪152‬‬

‫ابلنعم‪ ،‬انسيًا املنعم‪ ،‬معجبًا بنفسك‪ .‬ﱡﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕﱠ يف نفسه وهيئته‬

‫وتعاظمه‪ ،‬ﱡﳖﱠ بقوله"(‪.)1‬‬


‫اس ِم ‪« :-‬بَْي نَ َما َر ُج ٌل ميَْ ِشي ِيف ُحلَّة‪،‬‬‫ال أَبو ال َق ِ‬
‫َّيب ‪- ‬أ َْو‪ :‬قَ َ ُ‬‫ال النِ ُّ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫وعن أيب ُهَريْ َرةَ ‪ ‬قَ َ‬
‫اَّلل بِِه‪ ،‬فَهو ي تج ْلجل إِ َىل ي وِم ِ‬
‫القيَ َام ِة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ ََ َ َ ُ َ ْ‬ ‫ف َُّ‬‫تُ ْعجبُهُ نَ ْف ُسهُ‪ُ ،‬مَرج ٌل َُجَّتَهُ‪ ،‬إِ ْذ َخ َس َ‬
‫املهلكات‪ :‬فَ ُش ٌّح‬
‫ُ‬ ‫وقال ‪ ‬من حديث أنس ‪« :‬ثالث مهلكات‪ُ ،»..‬ث قال ‪« :‬وأما‬
‫مطاع‪ ،‬وهوى متَّبع‪ ،‬إعجاب ِ‬
‫املرء ِ‬
‫بنف ِسه"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫يت َعلَْي ُك ْم َما ُه َو أَ ْكثَ ُر ِمْنهُ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫و َعن أَنَس ‪ ‬قَ َ‬
‫اَّلل ‪« :‬لَ ْو َلْ تَ ُكونُوا تُ ْذنبُو َن َخلَش ُ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫ب»(‪.)3‬‬‫الْعُ ْج َ‬
‫ال ‪َ -‬وََلْ أ ََْسَ ْعهُ ِمْنهُ‪« -‬إِ َّن فِي ُك ْم قَ ْوًما يَ ْعبُ ُدو َن‬
‫ول هللاِ ‪ ‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬ذُكَِر ِيل أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬ ‫و َع ْن أَنَس ‪ ‬قَ َ‬
‫الس ْه ِم ِم َن‬
‫وق َّ‬ ‫وي ْدأَبو َن‪ ،‬ح ََّّت ي عجب هبِِم النَّاس‪ ،‬وتُع ِجب هم نُ ُفوسهم‪ ،‬ميَْرقُو َن ِمن ِ‬
‫الدي ِن ُم ُر َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ ُْ َ َ ُ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ ْ ُ‬
‫الرِميَّ ِة»(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫ودلت هذه النصوص على أن العجب حمرم ومن كبائر الذنوب‪ ،‬بل عده شيخ اإلسالم رمحه هللا‬
‫كثريا ما يقرن الناس بني الرايء والعجب‪ ،‬فالرايء من ابب اإلشراك ابخللق‪،‬‬
‫من الشرك‪ ،‬فقال‪" :‬و ً‬
‫والعجب من ابب اإلشراك ابلنفس‪ ،‬وهذا حال املستكرب‪ ،‬فاملرائي ال حيقق قوله‪ :‬ﱡﱒ‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي (‪.)649‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري واللفظ له (‪ )141 /7‬ح (‪ ،)5789‬ومسلم (‪ )1654 /3‬ح (‪.)2088‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البزار يف مسنده (‪ )326 /13‬ح (‪ ،)6936‬والبيهقي يف شعب اإلميان (‪ )399 /9‬ح (‪ ،)6868‬وقال اهليثمي يف‬
‫جممع الزوائد (‪ )269 /10‬ح (‪" :)17948‬رواه البزار‪ ،‬وإسناده جيد"‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع (‪ )938 /2‬ح‬
‫(‪.)5303‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ )244-243 /20‬ح (‪ ،)12886‬وأبو يعلى (‪ )116 /7‬ح (‪ ،)4066‬وقال األلباين يف سلسلة‬
‫األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها (‪ )519 /4‬ح (‪" :)1895‬وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم"‪ ،‬وقال شعيب‬
‫األرانؤوط يف حتقيقه ملسند أمحد (‪ )244 /20‬ح (‪" :)12886‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪ ،‬وقال حمقق مسند أيب‬
‫يعلى (‪ )116 /7‬ح (‪" :)4066‬إسناده صحيح"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪153‬‬
‫ﱓﱠ‪ ،‬واملعجب ال حيقق قوله‪ :‬ﱡﱔ ﱕﱠ‪ ،‬فمن حقق قوله‪ :‬ﱡﱒ‬
‫ﱓﱠ خرج عن الرايء‪ ،‬ومن حقق قوله‪ :‬ﱡﱔ ﱕﱠ خرج عن‬
‫اإلعجاب"(‪.)1‬‬
‫مما يدل على خطر العجب على األمة‪ ،‬وأثره العظيم يف حصول اهلزمية‪ ،‬ما ذكره هللا يف تعقيبه‬
‫على غزوة حنني وهو يريب األمة على احلذر من هذه املسالك‪ ،‬حينما حصل هزمية يف أول املعركة‬
‫بسبب العجب ابلكثرة وتعلق القلب هبا‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬ﱡﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬

‫ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﱠ [التوبة‪،]25 :‬‬
‫وكان من أسباب اخللل واهلزمية العجب الذي أدى إىل ركون القلب إىل الكثرة واالعتداد هبا أبهنم‬
‫لن يهزموا‪ ،‬وغفلوا عن أن النصر من هللا‪ ،‬وليس ابلكثرة وال ابلقوة املادية‪ ،‬فأصاهبم اخلذالن‪ ،‬وَل‬
‫تغن عنهم الكثرة شيئًا‪ ،‬فحصلت اهلزمية والفرار يف أول املعركة من هؤالء‪ ،‬وثبت هللا نبيه ‪‬‬
‫واملؤمنني معه‪ ،‬ونصرهم يف هناية املعركة‪ ،‬حيث قال ‪ :‬ﱡﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬

‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸﱠ [التوبة‪.]26 :‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (‪.)277 /10‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪154‬‬
‫من أقوال السلف يف التحذير من العجب‪:‬‬
‫‪ -‬قال علي بن أيب طالب ‪" :‬اإلعجاب ضد الصواب‪ ،‬وآفة األلباب"(‪.)1‬‬
‫‪ -‬وعن كعب ‪ ‬أنه قال لرجل رآه يتبع األحاديث‪" :‬اتق هللا‪ ،‬وارض ابلدون من اجمللس‪ ،‬وال‬
‫سفاال‬
‫أحدا‪ ،‬فإنه لو مأل علمك ما بني السماء واألرض مع العجب ما زادك هللا به إال ً‬
‫تؤذ ً‬
‫ونقصاان"(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬وقال أبو الدرداء ‪" :‬عالمة اجلهل ثالث‪ :‬العجب‪ ،‬وكثرة املنطق فيما ال يعنيه‪ ،‬وأن ينهى‬
‫عن شيء وأيتيه"(‪.)3‬‬
‫جهال أن يعجب‬
‫علما أن خيشى هللا‪ ،‬وكفى ابملرء ً‬
‫‪ -‬وعن مسروق رمحه هللا قال‪" :‬كفى ابملرء ً‬
‫بعمله"(‪.)4‬‬
‫‪ -‬وقال أبو وهب املروزي رمحه هللا‪" :‬سألت ابن املبارك‪ :‬ما الكرب؟ قال‪ :‬أن‪ ،‬تزدري الناس‪.‬‬
‫فسألته عن العجب‪ ،‬قال‪ :‬أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غريك‪ ،‬ال أعلم يف املصلني شيئًا شرا‬
‫من العجب"(‪.)5‬‬
‫جلوجا ممارًاي معجبًا بنفسه‪ ،‬فقد‬
‫‪ -‬وعن خالد بن يزيد بن معاوية رمحه هللا قال‪" :‬إذا رأيت الرجل ً‬
‫متت خسارته"(‪.)6‬‬
‫‪ -‬وكان حيىي بن معاذ رمحه هللا يقول‪" :‬إايكم والعجب؛ فإن العجب مهلكة ألهله‪ ،‬وإن العجب‬
‫ليأكل احلسنات كما أتكل النار احلطب"(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬أدب الدين والدنيا (‪.)237‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء (‪.)376 /5‬‬
‫(‪ )3‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)569 /1‬‬
‫(‪ )4‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)569 /1‬‬
‫(‪ )5‬سري أعالم النبالء (‪.)407 /8‬‬
‫(‪ )6‬مساوئ األخالق (‪.)263‬‬
‫(‪ )7‬شعب اإلميان (‪.)395 /9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪155‬‬
‫وقيل لعبد هللا بن املبارك‪ :‬ما الذنب الذي ال يغفر؟ قال‪" :‬العجب")‪.(1‬‬
‫ويقصد ابن املبارك رمحه هللا أن العجب من الكبائر الت ال تغفر إال ابلتوبة‪.‬‬
‫صور من العجب عند املبتلى به(‪:)2‬‬
‫تلميحا‪.‬‬
‫كثرة احلديث عن نفسه ومنجزاته وأعماله إما تصرحيًا أو ً‬ ‫‪-1‬‬
‫حبه ونشاطه يف األعمال الت فيها ظهور أمام اجلمهور‪ ،‬ويف املقابل البعد أو الكسل عن األعمال‬ ‫‪-2‬‬
‫الت ال يراه فيها الناس؛ ألن الظهور أمام الناس يليب رغبة العجب الت يف نفسه‪.‬‬
‫حيب من يقدمه ويثين عليه‪ ،‬وينفر من الذين ال يثنون عليه‪ ،‬وال حيب النشاط يف هذه األماكن‬ ‫‪-3‬‬
‫الت ال يثىن عليه فيها‪.‬‬
‫الضيق والتربم من النصيحة‪ ،‬والبعد عن الناصحني‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫حبه للتصدر وحرصه عليه قبل أن يتأهل لذلك‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الفرح بذكر أو َساع عيوب إخوانه؛ مما يؤدي به إىل البحث والتنقيب عن عيوهبم‪ ،‬ونسيان عيوب‬ ‫‪-6‬‬
‫نفسه‪ ،‬وهو يظن أنه بذلك يظهر قدرته العلمية‪.‬‬
‫عدم استشارة أهل العلم‪ ،‬معتدا برأيه‪ ،‬ويظن أنه ليس حباجة إىل استشارة أحد لكمال عقله‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫(‪ )1‬شعب اإلميان (‪.)396 /9‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬خمتصر منهاج القاصدين (‪ ،)234‬مقال بعنوان العجب داء القلوب اخلفي يف موقع املسلم على الشبكة‪ ،‬اإلخالص‬
‫حقيقته ونواقضه (‪ ،)487-486‬نضرة النعيم (‪.)5380 /11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪156‬‬
‫خطر العجب‪:‬‬
‫العجب له خطر عظيم عليه يف نفسه‪ ،‬وعلى ما يقوم به‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬نفور الناس منه‪.‬‬
‫‪ -2‬سبب للكرب والغرور والتعايل على الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬سبب للرايء والسمعة‪.‬‬
‫‪ -4‬نسيان الذنوب والتمادي يف التقصري‪ ،‬وال يوفق للتوبة‪.‬‬
‫اعتدادا برأيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -5‬اإلصرار على األخطاء‪ ،‬وعدم َساع العلماء الناصحني‬
‫سبب للخذالن وقلة التوفيق‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬من مظاهر الرايء والسمعة والعجب لدى بعض احلجاج واملعتمرين‪.‬‬
‫مر يف الكالم السابق احلديث عن هذه اآلفات بشكل عام‪ ،‬وأنيت إىل بعض صور هذه اآلفات فيمن‬
‫ابتلي هبا يف حجه وعمرته‪ ،‬ألجل التنبه لذلك واحلذر من الوقوع يف مثل هذه الصور واملظاهر أو‬
‫حنوها‪.‬‬
‫وهذه أمثلة على مظاهر هذه األمراض القلبية الدالة على وجودها يف القلب لدى بعض احلجاج‬
‫واملعتمرين‪:‬‬
‫تنبيه مهم‪ :‬وقبل عرض هذه األمثلة ال بد من التنبيه على مسألة مهمة‪:‬‬
‫وهي احلذر من احلكم على الناس املعينني‪ ،‬ألن ذلك حيتاج إىل أن هؤالء ال جيهلون احلكم وامنا‬
‫تعمدوا ذلك وأصروا عليه مع علمهم أن ذلك قد يبطل العمل أو ينقص أجر العمل‪ ،‬واألمر‬
‫اآلخر الذي جيعل املؤمن الصادق خياف من احلكم على نوااي الناس ومقاصدهم؛ ألن هذا‬
‫األعمال خفية ال يعلمها إال هللا‪.‬‬
‫وهل أقيمت على هؤالء احلجة وعلموا حكم هللا يف ذلك أم َل حيصل ذلك؟‬
‫فهم وقعوا يف ذلك بسبب جهلهم وقلة الناصحني‪ ،‬وإمنا احلكم هنا على العموم وعلى العمل ال‬
‫على العامل‪ ،‬وهللا اهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪157‬‬
‫ومن هذه املظاهر‪:‬‬
‫‪ -1‬ينشط يف العبادة إذا أحس برؤية الناس له ويتمها‪ ،‬وإذا شعر أنه ال يراه أحد رمبا‬
‫انم عن العبادة أو أداها بكسل وفتور وعدم اتقان هلا‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا أدى منسكاً من مناسك احلج أو العمرة ومعه أحد أتقنه وأمته وحرص على‬
‫تطبيق السنن‪ ،‬وإذا كان وحده ال يفعل ذلك بل يتساهل يف أداء العبادة وال‬
‫يتقنها كما كان يف املرة األوىل؛ ألنه هناك يراه أصحابه فال يريد أن يظهر أمامهم‬
‫مبظهر املتساهل املفرط‪ ،‬وألنه حيب مدح الناس وثناؤهم عليه‪ ،‬فينشط من أجل‬
‫رؤية الناس له ويريد أن يسمع ثناؤهم عليه‪.‬‬
‫ال‪:‬‬ ‫وهذا من الشرك اخلفي الذي حذر منه النيب صلى هللا عليه وسلم ف َع ْن أَِيب َسعِيد اخلدري ‪ ‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬
‫ف َعلَْي ُك ْم‬ ‫ُخِربُُك ْم مبَا ُه َو أ ْ‬
‫َخ َو ُ‬ ‫ال‪« :‬أََال أ ْ‬
‫َّج َال‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اَّلل ‪َ ‬وَْحن ُن نَتَ َذا َك ُر الْ َمس َ‬
‫يح الد َّ‬ ‫َخَر َج َعلَْي نَا َر ُس ُ‬
‫صلِي‪،‬‬ ‫الر ُج ُل يُ َ‬
‫وم َّ‬ ‫الشرُك ْ ِ‬
‫اخلَف ُّي‪ ،‬أَ ْن يَ ُق َ‬
‫ِ‬
‫ال‪ْ « :‬‬ ‫َّج ِال؟» قَ َ‬
‫ال‪ :‬قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫يح الد َّ‬ ‫ِعْن ِدي ِم َن الْ َم ِس ِ‬
‫ص َالتَهُ؛ لِ َما يََرى ِم ْن نَظَ ِر َر ُجل»(‪.)1‬‬ ‫فَيُ َزيِ ُن َ‬
‫‪ -3‬ومن أخطر مظاهر الرايء والسمعة وعجب اإلنسان بعمله ما حيدث يف وسائل‬
‫التواصل احلديثة من خالل النقل املباشر ملا يقوم به الشخص من مناسك احلج‬
‫والعمرة‪ ،‬فتجد هؤالء قد أغرقوا انفسهم يف حبر جلي يغشاه املوج من كل مكان حبر‬
‫الرايء والعجب وحب ثناء الناس عليه اهنم ينقل هلم بث مباشر أو مسجل وهو‬
‫يرتدي مالبس اإلحرام وهو يليب وهو يطوف ويصلي وهو يسعى ويف عرفات‬
‫ومزدلفة وعند رمي اجلمار وهو يكرب ويقرأ القرآن وكأهنا رحلة سياحية للرتفيه عن‬
‫النفس‪ ،‬ونسي أو فنت أبصحاب السوء الذين يشجعون على ذلك أن هذه عبادات‬
‫ال تقبل عند هللا إال إذا أريد هبا وجه وحده ال شريك له‪ ،‬اما ما يفعله هؤالء بعمل‬
‫ما يسمى ب(السْل ِفي) أمام الكعبة وهو يطوف وأان يف الشوط كذا أو هو خلف‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ )1406 /2‬ح (‪ ،)4204‬واحلاكم(‪ )365 /4‬ح (‪ )7936‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وحسن إسناده‬
‫البوصريي يف زوائد ابن ماجه (‪ )236 /4‬ح (‪ ،)1505‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )119 /1‬ح‬
‫(‪.)30‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪158‬‬
‫املقام أو حنو ذلك فهذه مظاهر خميفة ومهلكة ورمبا تكون مفسدة للعبادة وهللا‬
‫املستعان‪.‬‬
‫اَّللِ َوَر ُسولِِه‪،‬‬
‫ت ِه ْجَرتُهُ إِ َىل َّ‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪«:‬إَِّمنَا األ َْعم ُ ِ ِ‬
‫ال ِابلنيَّة‪َ ،‬وإَِّمنَا ال ْم ِرئ َما نَ َوى‪ ،‬فَ َم ْن َكانَ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اَّللِ ورسولِِه‪ ،‬ومن َكانَ ِ‬
‫ت ه ْجَرتُهُ إِ َىل ُدنْيَا يُصيبُ َها أَ ِو ْامَرأَة يَتَ َزَّو ُج َها‪ ،‬فَ ِه ْجَرتُهُ إِ َىل َما َه َ‬
‫اجَر‬ ‫فَ ِه ْجَرتُهُ إِ َىل َّ َ َ ُ َ َ ْ ْ‬
‫إِلَْي ِه»(‪.)1‬‬
‫َجَر‬
‫س ْاأل ْ‬
‫ِ‬
‫ت َر ُج ًال َغَزا يَْلتَم ُ‬ ‫ال‪ :‬أ ََرأَيْ َ‬‫َّيب ‪ ‬فَ َق َ‬ ‫اهلِ ِي ‪ ‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬جاءَ َر ُج ٌل إِ َىل النِ ِ‬ ‫وعن أَِيب أُمامةَ الْب ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َْ‬
‫اَّللِ ‪:‬‬ ‫ول َّ‬ ‫ول لَهُ َر ُس ُ‬ ‫ث َمَّرات‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫اَّللِ ‪َ :‬‬ ‫وِ‬
‫َع َاد َها ثََال َ‬ ‫«ال َش ْيءَ لَهُ»‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ول َّ‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫الذ ْكَر َما لَهُ؟ فَ َق َ‬ ‫َ‬
‫صا‪َ ،‬وابْتُغِ َي بِِه َو ْج ُههُ» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ َال يَ ْقبَ ُل م َن الْ َع َم ِل إَِّال َما َكا َن لَهُ َخال ً‬
‫ال‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫«ال َش ْيءَ لَهُ»‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري(‪ )140 /8‬ح (‪ ،)6689‬ومسلم (‪ )1515 /3‬ح (‪.)1907‬‬


‫وجود إسناده ابن حجر يف الفتح (‪ ،)28 /6‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ )25 /6‬ح (‪َّ ،)3140‬‬
‫الصحيحة (‪ )118 /1‬ح (‪ ،)52‬وقال يف صحيح سنن النسائي (‪ )384-383 /2‬ح (‪" :)3140‬حسن صحيح"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪159‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬كيف حيافظ احلاج واملعتمر على عبادته من أن تدخلها الشوائب اليت قد تفسدها‬
‫أو تنقص أجرها‪.‬‬
‫هذه العبادة كنز مثني حيتاج املسلم للمحافظة عليه من اللصوص الذين يسرقون األجر والثواب ويزينون‬
‫ﱃﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱄ‬ ‫له ما يفسد عبادته‪ ،‬ويقول تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁﱂ‬

‫ﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱠ [البقرة‪.]197 :‬‬

‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ " :‬م ْن َح َّج فَلَ ْم يَْرفُ ْ‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫و َع ْن أَِيب ُهَريْ َرةَ رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫ث َوََلْ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫يَ ْف ُس ْق‪َ ،‬ر َج َع َك َهْي ئَتِ ِه يَ ْوَم َولَ َدتْهُ أ ُُّمهُ "‪ ،‬ومن فعل هذا كان حجه مربوراً الذي قال عنه النيب ‪ :‬ف َع ْن‬
‫اَّللِ‪ ،‬نَرى اجلِهاد أَفْضل العم ِل‪ ،‬أَفَ َال ُُن ِ‬ ‫ني َر ِض َي َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُد؟‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ََ‬ ‫ت‪َ :‬اي َر ُسوَل َّ َ‬ ‫اَّللُ َعْن َها‪ ،‬أ ََّهنَا قَالَ ْ‬ ‫َعائ َشةَ أُِم املُْؤمن َ‬
‫ِ ِ‬
‫ور»(‪.)1‬‬ ‫ض َل اجل َهاد َح ٌّج َم ْربُ ٌ‬ ‫«ال‪ ،‬لَ ِك َّن أَفْ َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫قَ َ‬
‫اجلَنَّةُ‪َ ،‬والْعُ ْمَرَات ِن أَ ِو الْعُ ْمَرةُ‬
‫س لَهُ َجَزاءٌ إَِّال ْ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ْ " :‬‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ور لَْي َ‬
‫احلَ ُّج الْ َم ْربُ ُ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫وقَ َ َ ُ‬
‫إِ َىل الْعُ ْمَرةِ يُ َكف َُّر َما بَْي نَ ُه َما "(‪.)2‬‬
‫وقال الشيخ األلباين رمحه هللا يف تعليقه على صحيح الرتغيب والرتهيب‪" :‬و (احلج املربور)‪ :‬هو الذي‬
‫ال خيالطه شيء من املآُث‪ ،‬وقيل‪ :‬هو املقبول املقابل ابلرب وهو الثواب‪ ،‬وال يكون كذلك إال إذا صفا‬
‫من البدع واألمور الت اعتادها الناس‪ ،‬وكان من كسب حالل أراد به صاحبه أداء الفريضة‪ ،‬وامتثال‬
‫أوامر الرب تبارك وتعاىل‪ .‬نسأل هللا العافية"(‪.)3‬‬
‫وال شك أن من أعظم املآُث الرايء والعجب والسمعة وقد سبق الكالم عن ذلك‪.‬‬
‫أما كيف يسلم احلاج واملعتمر على عبادته من عوادي الرايء والسمعة والعجب‪ ،‬فهذه بعض الوسائل‬
‫املعينة على ذلك وفق النقاط اآلتية‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪)133 /2‬ح(‪.)1520‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪)309 /12‬ح(‪ ،)7354‬والبزار (‪)367 /15‬ح(‪ ،)8956‬والنسائي (‪ )112 /5‬ح(‪ ،)2622‬وأبو يعلى (‪/12‬‬
‫‪ )13‬ح(‪ ،)6660‬وابن حبان (‪ )8 /9‬ح(‪ ،)3695‬وحكم األلباين بصحته يف خترجيه لسنن النسائي ح (‪ ،)2622‬وصحح‬
‫إسناده حمقق املسند وقال (‪ ":)309 /12‬إسناده صحيح على شرط الشيخني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)7 /2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪160‬‬
‫أولا‪ :‬العلم ُث العلم ُث العلم‪ ،‬ألنه من أكرب العواصم من القواصم فبه يعرف دسائس الرايء وخفيا‬
‫العجب والسمعة‪.‬‬
‫اثني ا‪ :‬مطالعة القلب ألمساء هللا وصفاته‪ ،‬وابألخص أمساء هللا السميع البصري العليم اخلبري؛ فإن‬
‫عظيما يف بعد القلب عن مزالق هذه اآلفات؛ ألنه يستحي من هللا أن يطلع على قلبه‬
‫هلا أ اثرا ا‬
‫وفيه شيء من اآلفات‪ ،‬فيمقته‪:‬‬
‫ودونك هذه األدلة من كتاب هللا تذكر القلوب ابطالع هللا عليها وعلمه هبا وَسعه وبصره احمليط بكل‬
‫شيء‪ ،‬وإن املتدبر هلذه اآلايت بقلبه‪ ،‬وهو يستحضر معناها وأثرها على قلبه‪ ،‬سيكون لذلك أعظم‬
‫األثر يف حماسبة نفسه على التخلص من هذه اآلفات‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱠ[البقرة‪.]77 :‬‬

‫ﲉﲋﲌﲍﲎﲏﱠ‬
‫ﲊ‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ‬
‫[البقرة‪.]235 :‬‬

‫ﱡﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﱠ [التوبة‪:‬‬ ‫وقال تعاىل‪:‬‬


‫‪.]78‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲆﲇﲈﲉﲊﲋﱠ [املائدة‪.]99 :‬‬

‫ﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱠ [األنعام‪:‬‬ ‫وقال تعاىل‪:‬‬


‫‪.]3‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ‬

‫ﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﱠ [هود‪.]5 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﱠ‬


‫[النحل‪.]23 :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪161‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ‬
‫ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ‬
‫ﱾﱿﱠ [احلديد‪.]6-4 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬


‫ﱒﱠ [امللك‪.]14 ،13 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱘﱙﱚﱛﱠ [البقرة‪.]234 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱰﱱﱲﱳﱠ [التوبة‪.]16 :‬‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﲦﲧﲨﲩﱠ [الشورى‪.]27 :‬‬

‫ﲈﲊﲋﲌﱠ[األنعام‪.]13 :‬‬
‫ﲉ‬ ‫وقال‪ :‬ﱡﲃﲄﲅﲆﲇ‬

‫ﱒﱔﱕﱖﱠ [الشورى‪.]11 :‬‬


‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱐﱑ ﱓ‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕ‬


‫ﲖﲗﱠ [احلج‪.]61 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ‬

‫ﱑﱒﱓﱠ [اجملادلة‪.]1 :‬‬


‫واآلايت يف هذا املعىن كثرية‪ ،‬والناظر يف هذه اآلايت بقلب حاضر يتدبر كالم هللا ويؤمن بيقني أن‬
‫وحذرا‬
‫هللا مطلع عليه عاَل بسره وُنواه يسمعه ويراه‪ ،‬فال بد أن حيدث يف قلبه خوفًا وحياء من هللا‪ً ،‬‬
‫من الوقوع يف هذه اآلفات‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬من أعظم أسباب عالج هذه اآلفات االطالع على آاثرها يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪162‬‬
‫وقد سبقت اإلشارة إىل ذلك يف خطر هذه اآلفات‪.‬‬
‫رابعاُ‪ :‬الدعاء والتضرع إىل هللا مع االحلاح عليه ومواصلة الدعاء أبن يقيه هللا الرايء وهذه اآلفات‪.‬‬
‫خامس ا‪ :‬أن يصطحب يف حجه وعمرته من يعينه على الطاعة وعلى اتباع السنة ويذكره إذا غفل‬
‫وينصحه إذا قصر‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أن يقرأ كثرياً ويسمع ألهل العلم يف خطر هذه اآلفات قبل حجه وعمرته حَّت يعرف خماطرها‬
‫فيحذر منها أشد احلذر‪.‬‬
‫سابع ا‪ :‬حماسبة النفس وتفقدها واجملاهدة هلا عندما جيدها ترغب يف هذه األمور فيستغفر هللا ويتوب‬
‫إليه ألن النفس يف طبعها حتب هذه األمور فال بد من مسايستها حَّت تبعد عن مواطن اخلطر‪.‬‬
‫ت َم َع أَِيب بَكْر‬ ‫اثمنا‪ :‬اإلكثار من هذا االستعاذة كما يف احلديث عن معقل بن يسار قال‪ :‬انْطَلَ ْق ُ‬
‫ال أَبُو بَكْر‪:‬‬‫يب الن َّْم ِل»‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َخ َفى ِم ْن َدبِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الص ِد ِيق ‪ ‬إِ َىل النِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ « :‬اي أ ََاب بَكْر‪ ،‬لَلشْرُك في ُك ْم أ ْ‬ ‫َّيب ‪ ‬فَ َق َ‬
‫َخ َفى ِم ْن‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشرُك إَِّال من جعل مع َِّ‬ ‫ِ‬
‫َّيب ‪َ « :‬والَّذي نَ ْفسي بِيَده‪ ،‬لَلشْرُك أ ْ‬ ‫ال النِ ُّ‬
‫آخَر؟! فَ َق َ‬ ‫اَّلل إِ َهلًا َ‬ ‫َ ْ ََ َ َ َ‬ ‫َوَه ِل ْ‬
‫ال‪« :‬قُ ِل‪ :‬اللَّ ُه َّم إِِين أَعُوذُ بِ َ‬
‫ك‬ ‫ك قَلِيلُهُ َوَكثِريُهُ؟» قَ َ‬‫ب َعْن َ‬ ‫ِ‬
‫ك َعلَى َش ْيء إذَا قُ ْلتَهُ ذَ َه َ‬
‫َدبِ ِ‬
‫يب الن َّْم ِل‪ ،‬أََال أ َُدلُّ َ‬
‫َستَ ْغ ِف ُرَك لِ َما َال أ َْعلَ ُم»(‪.)1‬‬ ‫أَ ْن أُ ْش ِرَك بِ َ‬
‫ك َوأ ََان أ َْعلَ ُم‪َ ،‬وأ ْ‬
‫وصل اهلل وسلم على عبده ورسوله حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف األدب املفرد (‪ )377‬ح (‪ )716‬وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد (‪ )266-265‬ح (‪،)554‬‬
‫أيضا يف صحيح اجلامع (‪ )694 /1‬ح (‪ ،)3731‬وحسنه لغريه يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )121 /1‬ح‬ ‫وصححه ً‬
‫أبسا‬
‫(‪ ،)36‬وقد قال العالمة ابن ابز رمحه هللا يف برانمج الفتاوى الشهري (نور على الدرب) عن هذا احلديث‪" :‬ال أعلم به ً‬
‫سنده ال أعلم به علة"‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬املوقع الرَسي لسماحة الشيخ اإلمام ابن ابز على الرابط‪:‬‬
‫‪ttps://binbaz.org.sa/fatwas/11434/‬‬
‫العلمان يف احلكم على احلديث فهو حديث صحيح‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وبناء على ما قاله هذان َ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪163‬‬
‫فهرس احملتوايت‬
‫املقدمة ‪2 .............................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ملخص يف إثبات أثر عمل القلب‪ ،‬وأمهيته‪ ،‬وفيه مطالب‪9 .................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬من أدلة الكتاب والسنة يف إثبات أثر عمل القلب‪9 ......................... .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية عمل القلب‪14 .................................................... .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اآلاثر العامة لعمل القلب على العبادات‪ ،‬وُنملها يف اآليت‪15 ............... :‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مناذج لبعض أعمال القلوب املتعلقة ابحلج والعمرة ‪18 .......................‬‬
‫التمهيد‪ :‬االرتباط الوثيق بني عمل القلب وأثره على عبادة احلج والعمرة‪18 .................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلخالص‪19 ............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬اليقني‪23 ............................................................... .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الصرب‪27 ............................................................. .‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬احملبة‪30 ................................................................ .‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬اخلوف واخلشية‪33 .................................................... .‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عبادات قلبية هلا تعلق ابحلج والعمرة ‪40 ..................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التوبة واالستغفار‪41 .................................................... .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬االهتمام بشرط قبول العمل‪45 ........................................... .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط احلج ابلتوحيد‪48 ................................................ .‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ارتباط احلج ابلتقوى‪61 .................................................. .‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على مناسك احلج والعمرة ‪66 ..............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة اإلحرام ‪66 .....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الطواف والسعي‪68 ............................ .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أثر عمل القلب على عبادات يوم الرتوية‪68 ............................... .‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة الوقوف بعرفة‪68 ............................... .‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبزدلفة‪74 ............................. .‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أثر عمل القلب على عبادة احلج والعمرة‬


‫‪164‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة رمي اجلمار‪75 .............................. .‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة احللق أو التقصري‪76 ............................‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬أثر عمل القلب على عبادة املبيت مبىن ليايل أايم التشريق‪77 ................. .‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬ارتباط عمل القلب ابلذكر والدعاء يف احلج والعمرة ‪79 ....................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر عمل القلب على الذكر يف احلج والعمرة ‪79 ..............................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر عمل القلب على الدعاء يف احلج والعمرة ‪95 .............................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أثر عمل القلب على أخالق املسلم يف احلج‪104 ........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مكانة اخللق احلسن يف دين اإلسالم‪104 ................................. .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مظاهر حسن اخللق يف احلج‪105 ..........................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬سوء اخللق وخطره على احلاج‪111 ........................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬من مظاهر مرض القلب يف عبادة احلج والعمرة‪135 .......................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ضعف تعظيم شعائر هللا‪135 ............................................ .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اآلفات املهلكة من الرايء‪ ،‬والسمعة‪ ،‬والعجب ‪136 ..........................‬‬

‫‪‬‬

You might also like