You are on page 1of 7

‫ذكر هللا دواء األنفس السقيمة‬

‫في خضم هذه الحياة الصعبة المائجة بمشاكلها؛ يبحث كثير من الناس عن عالج ألمراضهم النفسية‪،‬‬
‫بعيدا عن محاولة البحث عن السبل القريبة لتطهير القلب من أدرانه‪ ،‬ويقطعون دونها المسافات وينفقون‬
‫ألجلها األموال الباهظة‪ ،‬والعالج سهل يسير‪ ،‬متاح لكل من أرخى سمعه لنداء الحق وأيقن يقين المؤمن‬
‫‪.‬آلياته‬

‫‪.‬إنه ذكر هللا تعالى قوال وفعال وتأسيا‬

‫ذكر هللا يؤتي ثماره الطيبة في حياة الفرد والجماعة‪ ،‬وأول هذه الثمار سكينة النفس وانشراح الصدر‬
‫الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر هللا أال بذكر هللا تطمئن ‪:‬وطمأنينة القلب‪ ،‬يقول هللا عز وجل‬
‫‪ [1].‬القلوب‬

‫يقول ابن كثير في تفسير هذه اآلية‪“ :‬أي تطيب وتركن إلى جانب هللا‪ .‬وتسكن عند ذكره‪ ،‬وترضى به‬
‫‪].‬أي هو حقيق بذلك” [‪ 2‬أال بذكر هللا تطمئن القلوب ‪:‬مولى ونصيرا ولهذا قال‬

‫سكينة النفس وطمأنينة القلب‪ ،‬يشعر بها الذاكر ويعيشها‪ ،‬تمأل أقطار نفسه فال يحس إال باألمن إذا خاف‬
‫‪.‬الناس‪ ،‬والسكون إذا اضطرب الناس‪ ،‬واألمل إذا يئس الناس‪ ،‬والرضا إذا سخط الناس‬

‫وللذكر فضائل وفوائد ال حصر لها‪ ،‬يقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى‪“ :‬ما ذكر هللا عز وجل على‬
‫صعب إال هان‪ ،‬وال عسير إال تيسر‪ ،‬وال مشقة إال خفت‪ ،‬وال شدة إال زالت‪ ،‬وال كربة إال انفرجت‪ ،‬فذكر‬
‫‪].‬هللا هو الفرج بعد الشدة‪ ،‬واليسر بعد العسر‪ ،‬والفرج بعد الغم والهم” [‪3‬‬

‫لم يقل هللا عز وجل‪ :‬تطمئن القلوب بذكر هللا‪ ،‬ولو كانت اآلية كذلك لتغير المعنى وكان االطمئنان بذكر‬
‫فال غرو كان ذلك أال بذكر هللا تطمئن القلوب ‪:‬هللا وبغيره‪ ،‬أما حينما جعل العبادة قصرا في قوله تعاال‬
‫للتأكيد واليقين على أن القلوب ال يمكن أن تطمئن أو تستقيم إال بذكر هللا تعالى‪ ،‬طمأنينة تأمن معها‬
‫‪.‬النفس وتسلم من كل األمراض‬

‫طمأنينة لو رامت القلوب الظمأى العيش بين أحضانها لوجدت ضالتها المفقودة‪ ،‬ولو أيقنت بما عند هللا‬
‫من أدواء ألمراضها استقرت ال محالة من اضطرابها ولوجدت سعادتها المفقودة‪ ،‬يقول ابن تيمية رحمه‬
‫إن في الدّنيا لجنّة من لم يدخلها لم يدخل جنّة اآلخرة”‪ ،‬وهو تأكيد لما جاء في قوله تعالى‬
‫ولمن ‪:‬هللا‪ّ “ :‬‬
‫‪ [4].‬خاف مقام ربه جنتان‬

‫ويقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه هللا‪“ :‬تنبني الشخصية اإليمانية اإلحسانية بذكر هللا‪ .‬كل العبادات‬
‫شرعت لذكر هللا‪ .‬كل األعضاء الظاهرة والباطنة منتدبة لذكر هللا‪ .‬ذكر القلب‪ ،‬أعظمها‪ ،‬ثم ذكر اللسان‪،‬‬
‫نهار الصوم‪ ،‬أو تطوف وتسعى وتقف وترمي‬ ‫ثم ذكر األعضاء عندما تتكيف بكيفيات الصالة‪ ،‬أو ت ُ ْمسك َ‬
‫أدوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫في نسك الحج‪ ..‬ذكر هللا به يتقدس الكيان القلبي للمؤمن‪ ،‬ويكون التقديس أعظم إن كان ذكر هللا‬
‫‪].‬ويكون ذكر هللا أعظم إن كانت دواعي الغفلة وأزمة الموقف أشد” [‪5‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا علي “ ‪:‬وذكر هللا أربح تجارة وأعظم صفقة‪ ،‬عن أبي الدرداء رضي هللا عنه قال‬
‫وسلم‪ :‬أال أنبؤكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب‬
‫والورق‪ ،‬وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬ذكر هللا‬
‫َّللا‬
‫َّللا من ِذك ِْر ه ِ‬
‫ب هِ‬ ‫‪” [6].‬تعالى‪ ،‬قا َل معاذُ بنُ جب ٍل‪ :‬ما شَي ٌء أنجى ِمن عذا ِ‬

‫الخصال العشر (‪ :)2‬الذكر‬


‫بقلم‬
‫مقدمة‬

‫‪).‬سورة الرعد‪ ،‬آية ‪ (28‬أَال بِ ِذك ِْر ه ِ‬


‫َّللا تَ ْط َم ِئنُّ ا ْلقُلُ ُ‬
‫وب ‪:‬يقول هللا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز‬

‫إن القلوب المثقلة بذنوبها لن تحقق الطمأنينة والسكينة دون أن تسعى إلى التطهر لمعالجة دائها‪ ،‬وترياق‬
‫دوائها هو ذكر هللا والتفكر في آالئه ومناجاته‪ ،‬لعلها تستمطر رحمته وتصادف ساعة استجابة‬
‫للمستغفرين والمذنبين المقصرين‪ ،‬وساعة قبول عند هللا سبحانه وتعالى وفوز برضوانه في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ .‬كما أن ذكر هللا قوت قلوب العارفين وحياة أرواحهم‪ ،‬يقول ابن القيم رحمه هللا تعالى في مدارج‬
‫السالكين‪“ :‬الذِّّكر منشور الوالية الذي من أ ُ ِّ‬
‫عط َيه اتصل‪ ،‬ومن ُمنِّ َعهُ عُ ِّزل‪ ،‬وهو قوت قلوب القوم الذي‬
‫تعطلت عنه صارت بوراً‪ ،‬وهو سالحهم‬ ‫متى فارقها صارت األجساد لها قبوراً‪ ،‬وعمارة ديارهم التي إذا ّ‬
‫الذي يقاتلون به قطاع الطريق‪ ،‬وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق‪ ،‬ودواء أسقامهم الذي متى‬
‫سبب الواصل؛ والعالقة التي كانت بينهم وبين عالم الغيوب‬ ‫‪”.‬فارقهم انتكست منهم القلوب‪ ،‬وال ّ‬

‫إن السلوك إلى هللا سبحانه وتعالى هو غاية الذاكرين‪ ،‬والطريق لمعرفة الحق تتطلب اتباع المنهاج النبوي‬
‫المنير لتربية القلوب قبل إرشاد العقول‪ ،‬حتى تتدرج في شعب اإليمان وتسير نحو معارج اإلحسان في‬
‫‪.‬سلم الخصال العشر‪ ،‬الذي يشكل فيه الذكر الخصلة الثانية بعد الصحبة والجماعة‬

‫الذكر تربية‬

‫س َنةٌ ِل َمن كَانَ يَ ْرجُو ه َ‬


‫َّللا ‪:‬قال هللا عز وجل في محكم كتابه الحكيم‬ ‫س َوةٌ َح َ‬ ‫َّللا أ ُ ْ‬
‫لهقَ ْد كَانَ لَكُ ْم فِي َرسُو ِل ه ِ‬
‫َّللا َكثِ ً‬
‫يرا‬ ‫َ‬
‫‪).‬سورة األحزاب‪ ،‬آية ‪َ (21‬وا ْليَ ْو َم ْاْل ِخ َر َوذك ََر ه َ‬

‫إن مكانة الذكر عظيمة عند هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فهو يرفع الذاكر إلى مقام التأسي برسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم؛ إن تحقق بالذكر رجاء هللا تعالى برجاء مغفرته‪ ،‬ورجاء اآلخرة بطلب وجهه الكريم‪ .‬و”في‬
‫كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة‪ ،‬والذكر عبودية القلب واللسان‪ ،‬وهي غير مؤقتة‪ .‬بل هم يؤمرون‬
‫ٌ‬
‫قيعان وهو غراسها‪،‬‬ ‫بذكر معبودهم ومحبوبهم على كل حال‪ :‬قياما وقعودا وعلى جنوبهم‪ .‬فكما أن الجنة‬
‫بور خراب وهو عمارتها وأساسها‪ .‬وهو جالء القلوب ودواؤها إذا غشيها اعتاللها‪ ،‬وكلما‬ ‫فكذلك القلوب ٌ‬
‫‪).‬زاد الذاكر في الذكر استغراقا‪ ،‬زاد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقا (…)” (‪1‬‬

‫وعالقة ال ذاكر بمحبوبه تقوى وتشتد‪ ،‬ودوامها ال يكون إال باتخاذ ورد يومي يكون صلة وصل وحبل‬
‫نجاة وشعاع أمل يتعلق به كل ذاكر محب‪ .‬ويزداد الذاكر قربا كلما ازداد الورد‪ ،‬حتى يكون حصنا منيعا‬
‫‪.‬وحبال متينا يتشبث به ليوصله إلى درجات القرب والوصل‬
‫يقول أحد العارفين باهلل تعالى‪( :‬من ال ورد له ال وارد له)‪ ،‬والورد هو دوام الذكر والعبادة بمقدار معلوم‬
‫وتكرارها يوميا‪ ،‬وهو ما يضمن للذاكرين هللا كثيرا و الذاكرات المتهجدين واردا من اإليمان والورع‬
‫‪.‬والتقوى يقذفه هللا سبحانه وتعالى في قلوبهم لتزداد طمأنينة وقربا من خالقها‬

‫الذكر تنظيما‬

‫يقول اإلمام عبد السالم ياسين‪“ :‬الذكر ليس فقط مناجاة في الضمائر‪ ،‬وكلمات على اللسان‪ ،‬وشعائر‬
‫ظاهرة يعظمها المؤمن‪ .‬بل الذكر الوقوف بين يدي هللا صفا في الصالة‪ ،‬يتقدم إليه جند هللا ألداء مراسيم‬
‫العبودية‪ ،‬ثم إشاعة حاكمية هللا في عالقات جند هللا مع هللا‪ ،‬وفي عالقاتهم استعدادا لتطبيق شريعته يوم‬
‫يؤول الحكم إلى المؤمنين‪ ،‬في كل مجاالت الحكم‪ ،‬والسياسة‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬وشكل المجتمع‪ ،‬والعدل فيه‪،‬‬
‫‪).‬والثقافة‪ ،‬والجهاد كله” (‪2‬‬

‫والء جند هللا تعالى هلل سبحانه‪ ،‬فهم يطلبون وجهه‪ ،‬ويتبعون سنة نبيهم محمد صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ويتخذون كتاب هللا دستورا متبعا‪ ،‬ويجاهدون في سبيل إعالء كلمة الحق‪ .‬واستعدادهم لبذل حياتهم في‬
‫‪.‬سبيل هللا تعالى دليل صدق إيمانهم‬

‫ووالء المومنين هلل تعالى يحقق لهم النصر والتمكين في األرض‪ ،‬وهو يتناقض مع كل والء عرقي أو‬
‫قومي متعصب ومفرق‪ ،‬يشتت جهود المومنين ويزرع الخالفات بينهم‪ ،‬لذا يجب أن تظل آيات هللا وسنة‬
‫‪ .‬نبيه المصطفى شرعا يحتكم إليه كل المسلمون حتى تقوم الدولة اإلسالمية على شريعة اإلسالم العادلة‬

‫شعب الخصلة‬

‫ال إله إال هللا‬

‫إنها كلمة الحق والكلمة الطيبة التي تجمع الشعوب والقبائل للتآلف والتعارف والقيام بأمر هللا تعالى‪ ،‬هي‬
‫‪.‬أم الشعب‪ ،‬وكلمة اإلخالص‪ ،‬والشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها‬

‫وهذه الكلمة الطيبة هي أصل وحقيقة اإليمان‪ ،‬المجددة له والمقوية ألصوله‪ ،‬واإلكثار من قولها شفاء‬
‫‪ .‬للصدور ودواء وهدى ورحمة للموقنين‬

‫الصالة‬

‫‪.‬إن روح الصالة هي الخشوع فيها وهذا ال يتأتى إال بصحبة الصالحين الخاشعين‬

‫وبجد المؤمن واجتهاده للخشوع في صالته يزداد إيمانه‪ ،‬وبتلبية النداء عند سماع األذان ينتقل المسلم من‬
‫‪.‬النفس والرفقة الغافلة إلى الصحبة الذاكرة‬

‫النوافل‬
‫يكون التقرب إلى هللا تعالى بالفرض أوال ثم بالنفل بعد إتمام الفرض أركانا وخشوعا‪ ،‬وباإلضافة إلى‬
‫ضرورة المحافظة على السنن والرواتب ال بأس من المواظبة على صالة االستخارة والحاجة‪ ..‬لطلب‬
‫‪.‬الرشد في األمر‪ ،‬فعليه سبحانه وتعالى االعتماد واالفتقار‬

‫تالوة القرآن‬

‫َّللاِ‪ ،‬ويتَدَارسُونَه ( ‪:‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫اب ه‬ ‫َّللا يَتْلُونَ ِكت َ َ‬
‫ت هِ‬ ‫َما اجْ ت َ َم َع قَ ْو ٌم فِي بَ ْي ٍ‬
‫ت ِم ْن بُيو ِ‬
‫الرحْ َمة‪َ ،‬و َح هفتْهُم المالئِكَةُ‪ ،‬وذَكَرهُ ْم ه‬
‫َّللا فيِ ْ‬
‫من ِعنده‬ ‫شيَتْ ُه ْم ه‬ ‫س ِكينَة‪ ،‬و َ‬
‫غ ِ‬ ‫رواه ( )ب ْينَهُم‪ ،‬إِاله نَ َزلتْ علَيهم ال ه‬
‫‪) .‬مسلم وأبو داوود وغيرهما‬

‫الذكر وأثره‬

‫رواه ( ) َمث َ ُل الهذِي يَ ْذك ُُر َربههُ َوالهذِي ال يَ ْذك ُُر َربههُ َمث َ ُل الحَي ِ َوال َميِ ِ‬
‫ت( ‪:‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ ).‬البخاري ومسلم‬

‫إن ذكر هللا فيه إحياء للقلوب في زمن الغفلة والفتنة‪ ،‬وهو شفاء للقلوب؛ يزيل عنها الغشاوة ويقربها لربها‬
‫‪.‬زلفى‬

‫مجالس اإليمان‬

‫هي مجالس الذكر الجماعي ة اإليمانية؛ التي تتباهى بها المالئكة وتغشاها الرحمة ويذكرها هللا في مإل‬
‫‪.‬عنده‬

‫التأسي بأذكاره صلى هللا عليه وسلم وبدعواته‬

‫‪ .‬وذلك بحفظ جوامع الذكر النبوية‪ ،‬واألذكار الواردة عقب الصلوات‪ ،‬وفي كل المناسبات واألوقات‬

‫الدعاء وآدابه‬

‫‪).‬سورة الفرقان‪ ،‬آية ‪ (77‬قُ ْل َما َي ْع َبأ ُ ِبكُ ْم َر ِبي َل ْو َال ُدعَا ُؤكُ ْم ‪:‬يقول هللا عز وجل في محكم كتابه‬

‫إن مقام العبد هو التذلل بين يدي هللا عز وجل‪ ،‬وإظهار االفتقار إليه‪ ،‬ودعائه بمسكنة وتباكي‪ ،‬تضرعا‬
‫إليه وطلبا لالستجابة دون استعجالها‪ .‬ودعوة المؤمن ألخيه عن ظهر الغيب مستجابة‪ ،‬لذلك أوصى بها‬
‫‪.‬السلف الصالح‬

‫الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫من ( ‪:‬روى مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫‪).‬صلى علي صالة واحدة صلى هللا عليه بها عشرا‬
‫والصالة على نبينا المصطفى مفتاح خير وصلة وصل به صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكلما أكثرنا منها كانت‬
‫‪ .‬صحبتنا له ومحبتنا أكبر‪ ،‬نهتدي بها إلى ذكر هللا ومحبته لنا‬

‫التوبة واالستغفار‬

‫أول اإلقبال على هللا تعالى توبة نصوح بعد رد المظالم إلى أهلها وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن‬
‫‪.‬واالستغفار في األسحار‪ ،‬عسى أن يكتبنا هللا تعالى من التائبين ويجعلنا من المستغفرين المقبولين عنده‬

‫الخوف والرجاء‬

‫الغلو في الخوف ينحدر بنا نحو اليأس والقنوط من رحمة هللا تعالى‪ ،‬والغلو في الرجاء يدفعنا للتهاون‬
‫والتقصير في أمر هللا تعالى‪ ،‬والمجتهدون في عبادة ربهم يدعونه خوفا ورجاء‪ ،‬فهم ال يأمنون عذابه‬
‫‪.‬ولكن يرجون مغفرته ورحمته‪ ،‬ويصحبون أعمالهم الصالحة باالستغفار والدعاء‬

‫ذكر الموت‬

‫الدنيا قنطرة ودار ابتالء‪ ،‬والكيس من يعمل فيها موقنا بالحساب والجزاء يوم البعث‪ ،‬قال رسول هللا‬
‫زر القبور تذكر بها اْلخرة‪ ،‬واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو ( ‪:‬صلى هللا عليه وسلم ألبي ذر‬
‫رواه الحاكم ( )موعظة بليغة‪ ،‬وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك‪ ،‬فإن الحزين في ظل هللا يوم القيامة‬
‫‪).‬وصححه‪ ،‬وتابعه الذهبي‬

‫خاتمة‬

‫‪:‬قال اإلمام الشافعي رحمه هللا يناجي ربه ويذكره‬

‫صباح َوالغَلَ ِّس‬


‫ِّ‬ ‫اإل‬
‫هر َو ِّ‬ ‫قَلبي ِّب َرح َمتِّكَ اللَ ُهم ذو أنس ** في ِّ‬
‫الس ِّ ّر َوال َج ِّ‬
‫فس َوالنفَ ِّس‬ ‫ِّكركَ َبينَ ال ّن ِّ‬ ‫ما تَقَلبتُ ِّمن نَومي َوفي ِّسنَتي ** ِّإ ّال َوذ ُ‬
‫اآلالء َوالقُ ِّ‬
‫دس‬ ‫ِّ‬ ‫َللاُ ذو‬‫عرفَ ٍة ** ِّبأَنكَ َ‬
‫على قَلبي ِّب َم ِّ‬ ‫لَقَد َمنَنتَ َ‬
‫فاضحي فيها ِّب ِّفع ِّل َمسي‬ ‫َوقَد أَت َيتُ ذُنوبا ً أَنتَ ت َعلَ ُمها ** َولَم تَكُن ِّ‬
‫الدين ِّمن لَبَ ِّس‬‫ِّ‬ ‫علَي إِّذا ً في‬ ‫ِّكر الصالِّحينَ َوال ** ت َجعَل َ‬ ‫علَي بِّذ ِّ‬
‫فَامنُن َ‬
‫عبَ ِّس‬‫وم َحشري بِّما أَنزَ لتَ في َ‬ ‫آخ َرتي ** َويَ َ‬ ‫َوكُن َمعي طو َل د َ‬
‫ُنياي َو ِّ‬

‫›‬

‫في ذكر هللا عز وجل‬


‫ب‬

‫محايدة األفكار والممارسات تصبح عسيرة جدا على من ال يقدر لجم انفعاالته‪ ،‬وإيجاد توازن بين عقله‬
‫‪.‬وقلبه‪ ،‬ال سلطان للهوى وال هوس للفكر‪ ،‬نشدان الكمال من هذا وذاك يحققه ذكر هللا عز وجل‬

‫قد يستغرب البعض من هذه النتيجة‪ ،‬أو قد يزدري قدرها من لم يعتقد في أعماق إيمانه أن بناء الشخصية‬
‫اإليمانية ليس بالضرورة كبنائنا الذي نعيش فيه‪ ،‬وما يزال اإلنسان يجدد ويبتكر في عالم الهندسة لينبهر‬
‫من شكل الخلية‪ ،‬وينفذ إلى مسكن النمل فيدرسه… صنع هللا الذي أتقن كل شيء‪ ،‬فيعيد العبقري المعجب‬
‫‪.‬بإبداعه مراجعة مسلماته‪ ،‬واالعتراف بنقائصه‬

‫لبنة في بناء األمة تتمايز وتتوهج وترتفع بالعطاء والسابقة و”شيء وقر في الصدر”‪ ،‬أمور كلها منبتها‬
‫التعرض الدائم لعطايا الكريم الوهاب عز وجل‪ ،‬يهب لمن يشاء‪ ،‬متى يشاء‪ ،‬ما يشاء‪ ،‬ذكر هللا عز وجل‬
‫بداية ونهاية‪ ،‬هو وقود السير ونور اإلدالج‪ .‬وليس من الصعب أيضا فهم أو استيعاب أهمية الذكر‬
‫وآثاره‪ ،‬ليقف أمام الفعل عقبات‪ ،‬وأمام االنضباط سهول وهضاب ووديان من المصابرة‪ ،‬وأحيانا كثيرة‬
‫َولَنَ ْبلُ َونهكُ ْم َحت ه ٰى نَ ْعلَ َم ‪:‬أهوال وهي ما يطلق عليه الوصف الرباني القرآني “االبتالء”‪ ،‬يقول عز وجل‬
‫اس أَن يُتْ َركُوا أ َن يَقُولُوا آ َمنها ‪)،‬سورة محمد‪ (31 ،‬ا ْل ُمجَا ِه ِدينَ ِمنكُ ْم َوالصها ِب ِرينَ َونَ ْبلُ َو أ َ ْخبَ َ‬
‫اركُم‬ ‫ب النه ُ‬ ‫أَحَ ِ‬
‫س َ‬
‫‪).‬العنكبوت‪َ (2 ،‬وهُ ْم َال يُ ْفتَنُونَ‬

‫سنة إلهية هو االبتالء‪ ،‬لمن آمن قوال وال يزال قلبه لم يحتمل المعنى الشريف لهذا التكليف‪ ،‬ولكل مقام‬
‫برهان للصدق يجب على طالبه أن يؤديه‪ ،‬ال بمعنى اإلجهاد واإلجحاف‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‪،‬‬
‫العنكبوت‪ ( ،)69 ،‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ‪:‬ولكن بمعنى التأهيل واالصطفاء‪ ،‬يقول عز وجل‬
‫وهنا تتجلى بين ثنايا الطريق نبضات الحب‪ ،‬فهي الدافع الرافع‪ ،‬يقفز بالسائر بين المحطات ليجاوز‬
‫العقبات أسرع مما يتصور‪ ،‬حب هللا والحب في هللا‪ ،‬يحدو بالذاكر المصابر‪ ،‬عطاء وأي عطاء أن يستيقظ‬
‫!في قلب مريد وجه هللا عز وجل فيبصر بعد عمى‪ ..‬ويستقيم بعد اعوجاج‬

‫يرتقي في مراتب الحب ارتقا َءه في مدارج اإليمان‪ ،‬فيحب المرء ال يحبه إال هلل‪ ،‬ويعطي هلل‪ ،‬ويمنع هلل…‬
‫يرى إحسان هللا له في كل شيء‪ ،‬فيعبد هللا كأنه يراه؛ مقام علوي سني يعود بعده الذاكر متأمال في حال‬
‫‪.‬خلقته‪ ،‬مبصرا في نفسه‪ ،‬شاكرا لربه‪ ،‬قاصدا في مشيه‪ ،‬عامرا بربه‬ ‫ِّ‬

‫العنكبوت‪ ،)45 ،‬حينما يتعلق األمر بالذكر فالمفترض فيه كثرته‪ ( ،‬ولذكر هللا أكبر وهللا يعلم ما تصنعون‬
‫وال يذكرون هللا ‪:‬والتحفيز فيه على مغالبة حال أهل النفاق الذين وصفهم هللا عز وجل فقال عز من قائل‬
‫النساء‪ .)142 ،‬استحضار اآلخرة ذكر‪ ،‬وغلبة الندم على ماضي التفريط وتجديد التوبة ذكر ( إال قليال‬
‫للمصير وخوف من الجليل عز وجل‪ ،‬وإن هللا يرتضي ألحبابه أشرف األعمال ويحذرهم من االقتراب‬
‫‪.‬من هوة التقليل والتفريط‪ ،‬فالركب سائر ليله ونهاره‪ ،‬والبد من زاد للوصول ومن ادخار للمحصول‬

‫وإذا ما تتبعنا ذكر مفردة “قليل” في كتاب هللا عز وجل‪ ،‬وجدنا أن القلة المؤمنة الذاكرة هللا كثيرا تغلب‬
‫الفئة الكبيرة عددا القليلة ذكرا لموالها عز وجل‪ ،‬وفي الحديث الشريف الذي أخرجه ابن أبي الدنيا‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه س ئل‪ :‬أي أهل المسجد خير؟ قال‪“ :‬أكثرهم ذكرا ً هلل عز مرسال‬
‫وجل”‪ .‬قيل‪ :‬أي الجنازة خير؟ قال‪“ :‬أكثرهم ذكرا هلل عز وجل”‪ .‬قيل‪ :‬فأي المجاهدين خير؟ قال‪:‬‬
‫“أكثرهم ذكرا هلل عز وجل” قيل‪ :‬فأي الحجاج خير؟ قال‪“ :‬أكثرهم ذكرا هلل عز وجل”‪ .‬قيل‪ :‬وأي العُبهاد‬
‫‪”.‬خير؟ قال‪“ :‬أكثرهم ذكرا هلل عز وجل‬

‫وفي عقد الصحبة اإليمانية تتمتن الوصية بالمحافظة على ذكر هللا كونه قلبا لجسدها الحي مادام الذكر‬
‫رحمه هللا وصية اإلمام المجدد عبد السالم ياسين فيها حيا سائرا بين األفراد المتحابين في هللا‪ ،‬وفي‬
‫نتلمس هذا األمر إذ يقول‪“ :‬وأوصي بذكر هللا في المإل والخالء‪ ،‬وأوصي بالذكر كما هي مفصلة آحاده‬
‫لمن وعى نصح طبيب للقلوب قائال‪ :‬رسالة النصيحة في خصلة الذكر”‪ ،‬وهو أيضا يسمعنا من خالل‬
‫“فما يقول جليس فينا ليس له ورد من الذكر‪ ،‬وال جلسة استغفار باألسحار؟ كيف يُنتظر ممن ال زمام‬
‫يمسكه عن التسيب في األوقات من ورد الزم‪ ،‬وجلوس للذكر عازم‪ ،‬أن يرقى إلى مقام دوام الذكر ودوام‬
‫التضرع ودوام الطلب؟ يفتر الطلب‪ ،‬وتتفتت العزيمة‪ ،‬وينقطع الحبل إن لم يكن الورد دواما ومداومة‬
‫‪”.‬وصبرا ومصابرة‪ ،‬بعد ذلك فقط نتحدث عن الصبر في الغد الجهادي ال قبله‬

‫ذكر هللا عز وجل فاضت أسرار المحبين في وصفه‪ ،‬وزادت بركاته عن عده وحصره‪ ،‬فهو ماء حياة‬
‫‪.‬القلب وهو سر الحضور مع الرب عز وجل‪ ،‬رفع هللا ذكرنا عنده‪ .‬آمين‬

You might also like