You are on page 1of 6

‫الغش الدوائي بين الوقاية والحماية‬

‫بسم هللا والحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا‬


‫مفهوم الغش وتعريفه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪ :‬الغش لغة غش ( بالفتح ) صـــــدره غشا ( بالكسر ) انطوى على الحقد‬
‫والضغينة وصاحبه غشا زين له غير المصلحة وأظهر له غير ما يضمر والغشش المشرب‬

‫الكدر ‪ ،‬والمغشوش غير الخالص يقال لبن مغشوش وذهب مغشوش ــ انظر المعجم الوسيط‬

‫فالغش كما يبين تزين لغير المصلحة ‪ ،‬وإظهار لغير المضمر ‪ ،‬وعدم نقاء الشيء وخلوصه ‪،‬‬

‫فهو في االصطالح قريب من هذا المعني حتى أن شراح القانون المدني يعرفون الغش والخداع‬
‫المدني بأنه كل حيلة أو مناورة كالمية يقصد منها فاعليها التأثير على شخص آخر وإيهامه بأن‬
‫ما يعرضه عليه من مال أو بضاعة هو في غاية الجودة واإلتقان ــ انظر كتاب النظرية العامة‬

‫للموجبات والعقود د ‪ /‬جورج سيوفي ص ‪112 ، 111‬‬

‫أساليب وأنواع الوقاية من الغش‬

‫و من هنا يمكننا أن نخلص إلى أن الغش هو إيهام الغير بغير الحقيقة للتأثير على ركن الرضى‬

‫لديه وحمله على التعاقد باستخدام أساليب احتيالية مختلفة ـــ وألن الغش مفسد للرضا ولما تحمله‬

‫بعض أنواع الغش من مضار تلحق بالمصلحة العامة فإن المشرع وإن لم يجرم جميع أنواع‬
‫الغش تاركا ألصحاب المصلحة أن يلجئوا إلى القضاء المدني إلبطال العقود التي عقودها بناء‬

‫على غش أو تدليس أوقعهم فيهم الطرف الثاني من العقد فإنه قد جرم بعض أنواع الغش مراعاة‬

‫للمصلحة العامة وإضفاء حماية أكبر على المصالح الخاصة كما فعل في جريمة النصب التي ال‬

‫تخرج عن كونها استحواذ على مال الغير بطريق الخداع ـــ وهكذا فعل فيما يتصل بحماية‬
‫المستهلك في بعض أصناف البضائع الضرورية لإلنسان كالطعام والدواء‬
‫كما اتخذ المشرع بعض اإلجراءات االحترازية حماية للمستهلك فنظم االتجار ببعض السلع‬
‫كاألغذية وحضر تداول الغير صالحة لالستهالك اآلدمي أو كانت مغشوشة أو غير مطابقة‬
‫للمواصفات المقررة ( المادة ‪ 7‬من القانون الصحي ) وكان الدواء من بين السلع التي لقيت عناية‬

‫خاصة من المشرع بحيث جعل لوزارة الصحة حق اإلشراف على تداول األدوية ومزاولة المهن‬
‫الطبية والمهن المرتبطة بها إذ نص في‬

‫المادة الثانية من القانون الصحي‬

‫تشرف وزارة الصحة على الصحة العامة‪ ،‬والصحة الوقائية‪ ،‬والطب العالجي‪ ،‬والمؤسسات‬

‫العالجية‪ ،‬والمنشآت الصيدلية‪ ،‬وتراقب تداول األدوية‪ ،‬ومزاولة المهن الطبية والمهن المرتبطة‬
‫بها‪.‬‬

‫كما اشترط لتداول أي دواء واستيراده إال بعد الموافقة من وزارة الصحة وفقا لما هو مبين بنص‬

‫المادة ‪ 100‬من القانون الصحي التي تقضي بأنه { ال يسمح باستيراد أو دخول النباتات أو‬
‫المتحصالت الطبية أو المواد الدوائية وال باإلفراج عنها إال بعد موافقة وزارة الصحة وبشرط‬

‫أن تكـون متداولة في البلد المصنع لها}‪.‬‬

‫واشتراط تداولها في بلد المنشأ هي زيادة في االحتراز وضمان جودتها وعدم انطوائها على‬
‫مخاطر قد ال يكون في مقدور معامل التحليل بليبيا أن تكتشفها‪.‬‬

‫وزيادة في االحتياط فقد اشترط لتداول الدواء أو أي مستحضر إقراره من قبل لجنة متخصصة‬
‫في الطب والصيدلة مانعا من حصول أي تعديل في محتوى المنتج بعد تسجيله إال بموافقة‬

‫الوزارة ـــ وهذا من باب سد الذرائع وقفل الباب أمام أي تالعب في المنتج مستقبال لضمان أن‬

‫يصل إلى المستهلك بالجودة والنوعية التي أعلن عنها وقت تسجيله كما هو مبين بنص المادة‬
‫‪ 102‬من القانون الصحي‬
‫كما أعطى بموجب نص المادة ‪ 103‬من نفس القانون الحق في حظر استيراد أو تداول أي‬
‫مستحضر طبي يرى أنه ضار بالصحة ويلغى في هذه الحالة تسجيله وتعدم الكميات الموجودة‬
‫منه‬

‫أساليب وأنواع الحماية من الغش‬


‫بعد هذه اإلجراءات االحترازية التي خص بها الدواء من حيث االستيراد واالنتاج والتداول‬

‫بحيث جعل ضرورة قيدها في سجالت وزارة الصحة أمرا أوليا إذ ال يجوز استيرادها إال إذا‬

‫كانت مسجلة كما قرر ضرورة فحصها من لجنة مختصة قبل القيد وأعطى الحق في حظر‬

‫استيرادها وشطبها من السجل إذا تبين أنها ضارة أو لها انعكاسات سلبية قوية متخذا من شرط‬
‫تداول الدواء في البلد المنتج كؤشر أولي على جودته وصالحيته‬

‫بعد هذا كله قرر المشرع العقاب على مخالفة هذه القواعد من خالل نصوص منها نص المادة‬

‫‪ 9 * 8 / 138‬حيث نصت على أن { يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على ثالثة أشهر وبغرامة ال‬
‫العقوبتين‪.‬‬ ‫هاتين‬ ‫بإحدى‬ ‫أو‬ ‫دينار‬ ‫مائة‬ ‫تجاوز‬

‫‪1)……………….‬‬

‫……………………)‪2‬‬

‫)‪8‬كل من استورد أو تداول أو أدخل نباتات أو متحصالت طبية أو مواد دوائية بالمخالفة‬
‫ألحكام المادتين (‪ )100‬و(‪ )103‬من هذا القانون‪.‬‬

‫)‪9‬كل من تداول مستحضرا ً طبيا ً خاصا ً غير مسجل بوزارة الصحة}‪.‬‬

‫دون أن تخل هذه العقوبات بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات ومن هنا تعين‬

‫أن نعود إلى قانون العقوبات لتقص النصوص والمواد التي يمكن اللجوء إليها وقت اكتشاف غش‬
‫في الدواء‬
‫ونظرا ألن الغش كلمة فضفاضة مرنة تصلح لإلطالق على الغش اليسير الذي قد يكون أثره‬
‫محدود وقد يكون متسامحا فيه وتصلح لوصف الغش الجسيم الذي من شأنه أن يؤثر تأثيرا‬
‫جسيما على الصحة والسالمة العامة لهذا فإنه يمكن مواجهة الغش الدوائي الجسيم بموجب نص‬

‫المادة ‪ 301‬عقوبات المعنونة باالعتداء على السالمة العامة والتي نصت على اآلتي‬

‫{مع مراعاة أحكام المواد السابقة يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات كل من عرض‬

‫للخطر سالمة وسائل النقل العـامة أو أربك المواصالت أو سبب انقطـاعها أو عرقلها أو ارتكب‬

‫فعالً ضد صيـانة المنشآت أو الوسـائل األخـرى المعدة لإلنتاج أو توزيع الطاقة الكهربائية أو‬

‫العامة‪.‬‬ ‫السالمة‬ ‫على‬ ‫خطر‬ ‫الفعل‬ ‫عن‬ ‫نجم‬ ‫إذا‬ ‫الصناعة‪،‬‬ ‫أو‬ ‫اإلنارة‬ ‫غاز‬
‫وتطبق العقوبة ذاتها على من قام بعمل يرمي لهدم بناء أو جزء منه أو لوقوع كارثة أخرى إذا‬
‫نجم عن الفعل خطر على السالمة العامة}‬

‫فهذا النص يمكن أن يلجأ إليه القاضي إذا تبين له أن الغش الدوائي قد وصل من الجسامة بحيث‬

‫يشكل خطرا على السالمة العامة وكان الفاعل متعمدا لذلك بقصد مباشر أو بقصد احتمالي أي‬

‫اتجهت إرادته نحو تحقيق النتيجة أو لم تتجهه ولكن كان يتوقع حدوثها ولم يبالي‬

‫وربما هذا النص العقابي هو أشد النصوص التي يمكن أن نلجأ إليه في حالة الغش الدوائي في‬

‫الظروف االعتيادية ـــ وأقصد هنا أن لظروف الحرب أو الظروف السياسة أحكامها التي يمكن‬
‫أن تطبق على جريمة الغش الدوائي في تلك الظروف كنص المادة ‪ 298‬عقوبات‬

‫جريمة الغش بطريق اإلفساد والتقليد‬


‫هذا النوع من الغش اعتنى به المشرع من خالل نص المادة ‪ 307‬عقوبات وجعل العقوبة‬

‫بالنسبة لغش أو تقليد األدوية الحبس مطلقا أي الحبس من يوم إلى ثالث سنوات‬

‫حيث نص على‬
‫وتقليدها‬ ‫المستهلكات‬ ‫غش‬ ‫)‬ ‫‪307‬‬ ‫(‬ ‫مادة‬
‫يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على سنتين كل من أفسد أو غش أو قلد مياها ً أو مواد غذائية أو‬
‫غيرها مما هو معد لالستهالك العام قبل سحبها أو توزيعها أو اإلتجار بها فصيرها خطرة على‬

‫العامة‪.‬‬ ‫الصحة‬
‫وتكون العقوبة الحبس إذا وقع الغش أو التقليد على مواد طبية‪.‬‬

‫جريمة حيازة األدوية المغشوشة‬

‫كما عاقب على حيازة المواد الدوائية المقلدة او المغشوشة من خالل نص المادة ‪ 308‬التي‬

‫تقضي‬

‫المقلدة‬ ‫أو‬ ‫المغشوشة‬ ‫أو‬ ‫المسممة‬ ‫بالمواد‬ ‫اإلتجار‬ ‫)‬ ‫‪308‬‬ ‫(‬ ‫مادة‬
‫يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين ‪ 306‬و ‪ 307‬كـل من حاز للتجارة أو عرض‬

‫للبيع أو وزع لالستهـالك مياها ً أو مواد أو أشياء أخـرى كان قد سممها أو غشها أو قلدها غيره‬

‫بحيث أصبحت خطرة على الصحة العامة مع علمه بذلك وذلك إذا لم يكن شريكا ً في الجرائم‬

‫المنصوص عليها في المادتين المذكورتين‪.‬‬


‫جريمة االتجار باألدوية المغشوشة‬

‫فاسدة‬ ‫أدوية‬ ‫أو‬ ‫بأغذية‬ ‫اإلتجار‬ ‫)‬ ‫‪309‬‬ ‫(‬ ‫مادة‬

‫يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على سنتين كل من حاز للتجارة أو عرض للبيع أو وزع لالستهالك‬
‫أو أعطى مـواد غذائية خطرة على الصحة العامة دون أن تكـون مقلدة أو مغشوشة مع علمه‬

‫بذلك‪.‬‬

‫وتكون العقوبة الحبس إذا كان محل الجريمة أدوية فاسدة أو معيبة‪.‬‬
‫التوصية‬
‫وبالرغم من كل هذه النصوص إال أن هذه التشريعات النافذة والمنظمة لعملية استيراد األدوية‬
‫واالتجار بها تبقى في حاجة للمراجعة والنظر في مدى كفايتها اليوم لمواجهة األساليب المتنوعة‬
‫والمتطورة للغش فقد جاءت هذه النصوص في زمن غير هذا الزمن وتعاملت مع شريحة من‬
‫الجانحين لو عاشوا بيننا اليوم ربما عددناهم من الفضالء ولهذا ينصح بمراجعة هذه النصوص‬
‫والنظر في مدى كفايتها لمواجهة الغش الدوائي من خالل لجنة من الصيادلة واألطباء والتجار‬

‫ورجال القانون ليكون في المقدور حصر أنواع وأساليب الغش وتجريمها ليكون بين أيدينا‬
‫تشريعا يضمن سالمة وصالحية األدوية المتداولة‬

You might also like