Professional Documents
Culture Documents
مي إبراهيم صحافية
السبت 21مايو 21:58 2022
محاوالت متعددة إلحياء المسجد على مدار سنوات باءت كلها بالفشل( الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية -مواقع
التواصل االجتماعي)
تضج مساجد القاهرة ،الWتي عWرفت دائمWا ً بمدينة األلف مئذنWة ،بالمصWلين على مWدار الWزمن ،وتعد منطقة القWاهرة
القديمة ،بما تضWWمه من مسWWاجد تاريخية وأضWWرحة ألوليWWاء هللا الصWWالحين ،واحWWدة من أكWWثر المنWWاطق الWWتي تعكس
روح التراث اإلسالمي بشكل فريد ،ويتوافد المصلون على مساجدها العريقة بشكل ال ينقطع.
لكن مسجداً يقع في منطقة بWاب الWوزير لم تقWWام فيه صWالة ،ولم يرفع فيه أذان منذ أكWWثر من 500عWWام ،هو مسWجد
خاير بك ،األمير المملWWوكي الWWذي خWWان جيشWWه ،وكWWان سWWببا ً رئيسWا ً في هزيمة المماليك وأفWWول عهWWدهم ،وانتصWWار
العثمانيين وسيطرتهم على مصر لما يقارب ثالثة قرون.
يعد المسجد جزءاً من مجموعة معمارية فريدة تعد واحدة من أجمل إبداعات تلك الحقبWWة ،حيث تعتWWبر قبة المسWWجد
واحWدة من أجمل قبWاب القWاهرة بزخارفها النباتية الدقيقWة ،وقد كWان شWائعا ً في تلك الفWترة أن يقيم الحWاكم مجموعة
متكاملة تضم مسجداً ومدرسة وسبيالً ،وتباري الحكام واألمراء آنذاك بهذه المجموعات .وزائرو القاهرة القديمة ال
يكفون في رواحهم وغدوهم عن قراءة الفاتحة والترحم على أصحابها ،إال صاحب هWWذا المسWWجد الWWذي ال يWWدعو له
أحد أو يترحم عليه إنسان.
محاوالت عدة جرت على مر السنوات إلحياء المسجد الWWذي دفن فيه خWWاير بك وإقامة الصWWلوات فيWWه ،لكن رفضWا ً
شعبيا ً وحاجزاً نفسيا ً وقف بينه وبين المصريين على مدار خمسة قرون ،فرفضوا الصالة في مسجد الخائن رفضا ً
قاطعا ً ليبقي المسجد مزاراً سياحيا ً وشاهداً على التراث المعماري لتلك الحقبة من دون إقامة صالة واحدة.
يقول سامح الزهار ،المؤرخ والباحث في التاريخ اإلسالمي W،لـ"اندبندنت عربية"" ،خاير بك واحد من كبار أمراء
المماليك الجراكسة في مصر ،وهو أول حاكم لمصر بعد سيطرة العثمانيين عليها ،وقد كان أميراً ذا نفوذ ،مما دفع
السلطان قنصوة الغوري حاكم مصر وقتها إلى تعيينه نائبا ً على حلب ،ربما إلبعاده عن الحكم في مصر ،لكنه كان
قراراً خاطئا ً من الغوري ،حيث أصبح خاير بك مركز قوة في حلب ،وغالبا ً ما بدأ اتصWWاله بالعثمWWانيين خالل هWWذه
الفترة".
يضيف" ،تعد مجموعة خWWاير بك من أجمل اآلثWWار الWWتي تعWWود لتلك الفWWترة ،وتعWWرف عمWWارة القWWاهرة عمومWا ً بأنها
عمارة وظيفية ،أي أنها تؤدي وظيفة معينة مثل المساجد أو المدارس واألسبلة ،وإلى جانب ذلك كان للقائمين على
إنشائها من الحكام واألمراء أهداف أخرى ،مثل تخليد الذكر أو استعراض القوة".
اعتبر المصريون خاير بك سببا ً رئيسا ً في هزيمة مصر أمام العثمانيين( الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية -مواقع
التواصل االجتماعي)
عدت معركة "مرج دابق" الWتي وقعت خWارج مصر في سWهل قWرب حلب بداية النهاية لحقبة حكم المماليك لمصر
ووقوعها في قبضة العثمانيين لما يقWWرب من ثالثة قWWرون ،فانتصWWارهم فيها أتWWاح لهم التقWWدم واالشWWتباك في معركة
أخري هي معركة الريدانية الواقعة قرب القاهرة ،لتنتهي بانتصار العثمWWانيين وتمكنهم من مصر بعد القضWWاء على
طومان باي السلطان المملوكي األخير الذي شنقوه على باب زويلة ،وتركوا جثمانه معلقا ً لثالثة أيWWام رمWزاً ألفWWول
عهد المماليك.
يوضح الزهWWار" ،عنWWدما أصWWبحت المعركة حتمية وال مفر من تالقي الجيشWWين ظهر الفWWارق بين طبيعة كل جيش
وأسلوبه في القتال ،فالجانب العثماني كان أكثر تطوراً من الناحية العسكرية ويعتمد وسWWائل وأسWWلحة أحWWدث ،بينما
المماليك يعتمدون السيف والفرس ،إضافة إلى مفهومهم Wبأن القتWWال البد أن يكWWون وجهWا ً لوجWWه ،وغWWير ذلك يعتWWبر
عجWWزاً عن المواجهWWة ،وعلى الWWرغم من ذلWWك ،فعنWWدما احتWWدم القتWWال واشWWتدت المعWWارك أبلي المماليك بالء حسWWناً،
وكانوا على وشك االنتصار حتى جاءت لحظة الخيانة".
يتابع" ،كان خاير بك يقود ميسرة الجيش وهو أول من هرب من القادة إضافة إلى نشره إشاعة مفادها أن السلطان
الغوري قتل في المعركة ،مما كان له عظيم األثر على الجيش الذي انفرط عقده وانهزم ،والحقيقة أن خيانته بWWدأت
قبل موقعة (مرج دابق) بكثير ،إذ كان على صلة بالعثمانيين ،يراسلهم بWأحوال مصWWر ،ويكشف أسWWرارها لهم ،وال
يعرف تحديداً بداية عالقته بالعثمانيين ،لكن يعتقد أنها كانت عنWWدما واله السWWلطان الغWوري نيابة حلب ،فهي منطقة
تقع عند حدود السلطنة المملوكية ،وتحاذي السلطنة العثمانية".
تعتبر مجموعة خاير بك بالقاهرة القديمة Wمن أروع النماذج المعمارية لتلك الفترة( الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية
-مواقع التواصل االجتماعي)
خاير بك واليا ً
قبل أن يغادر السلطان سليم مصر عين خاير بك نائبا ً له بمصر ،ولقب خاير بملك األمراء ،وصعد إلى القلعة الWWتي
كانت مقراً لحكم السالطين ،ولم يلق أي قبول من الناس ،كما لم يكن موضع ثقة العثمانيين أنفسWWهم لما عرفWWوه عنه
من خيانته ،يقول الزهار" ،حاول خلق الهيبة لنفسه والتشبه بسWWلوك السWWالطين ،فكWWان يWWنزل من القلعة في مWWواكب
يحاول أن يضفي عليها األبهة ،لكنها كانت تالقي فتوراً واحتقاراً من عموم الشعب ،وال يذكر المؤرخون أن الناس
قابلته أبداً بWالترحيب والتهليل كما كWWان يحWWدث أيWWام السWWالطين ،فقد كWان الشWWعب المصWري يحتقر الخWائن احتقWWاراً
كبيراً ،وال يذكره إال بـ(خWWائن بWWك) ،وكWان احتقWار الشWWعب له نتيجة عWدة عوامل على رأسWها الخيانة الفادحة الWتي
تسببت في هزيمة مصر أمام العثمانيين ،والثانية هي حكمه الظالم وعجزة عن رد الحقوق".
اقرأ المزيد
حكاية منزل أثري في مصر تحول من بيع اللحوم إلى مركز ثقافي
يضيف" ،قيل عن خاير بك أنه كان مخلصا ً في خيانته ،فلم يفكر في االسWWتقالل بمصر أبWWداً ،بل إنه قطع رأس أحد
المواطنين كان جرؤ وردد إشاعة عن نية الخائن في االستقالل بمصر ،بعكس آخرين من خونة هذا العصر ،فجان
بردى الغزالي األمير الملوكي الذي خان طومان باي وأعطاه السلطان العثماني نيابة الشWWام تمWWرد بعد فWWترة وطمع
باالستقالل بالشام ليقطع العثمانيين رأسه في النهاية ،وأما الخائن الثالث في هذه األحداث فكWWان شWWيخ العWWرب حسن
بن مرعي الذي سلم طومان باي للعثمانيين بعد أن اختبأ عنده فقد قطعت رأسه أيضWWاً ،وقيل إن المماليك الجراكسة
شربوا من دمه وقطعوا لحمه بالسيوف انتقاما ً منه على خيانته لقائدهم".
النهاية
حينما اقتربت النهاية ،تغير خاير بك وانتهج أسلوبا ً لم يعهWWده النWWاس عنWWه ،حيث وزع الصWWدقات والعطايWWا ،وأطلق
سراح المظلومين ،واعتق الرقاب ،أمالً في أن يعفو هللا عنه ويرفع عنه المرض ،يقول الزهار" ،بدأ مWWرض خWاير
بك في ذي القعدة سنة 928هـ ،واشتد به ،وقيل إنه وقع فريسة أمراض عدة جاءته مجتمعWWة ،وعنWWدما تزايد مرضه
لجأ إلى أفعال الخير للمرة األولي ،فتصدق على جميع أطفال الكتاتيب بالقاهرة ،لكل صWWغير نصف فضWWة ،وكWWانوا
يقولWWون لهم اقWWرءوا الفاتحة وادعWWوا لملك األمWWراء بالعافيWWة ،وبWWذل العطايا للمجWWاورين في األزهWWر ،والمWWزارات،
والزوايا ،ولم تتحسن حالته حتى أنه شّ Wل تمامWا ً وعجز عن القيWWام ،فWWأعتق حينها جميع جواريه ومماليكWWه ،وأفWWرج
عمن كان سجنهم ظلماً ،وقيل عن تلك األيام إنها أفضل ما مر على الناس في عهWWده ،حيث جWWاد على الفقWWراء وأبر
المساكين وانتهي ظلمه الذي عهده الناس".
رفض المصريون على مر السنوات الصالة في المسجد( الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية -مواقع التواصل
االجتماعي)
يختتم حديثه" ،توفي خاير بك في سنة 928هـ ،ودفن في مقبرته التي بناها قرب باب الWWوزير على طريق القلعWWة،
ويقول ابن زنبل الرمال ،الذي عد من أشWWهر مWWؤرخي هWWذه الفWWترة ،عن قWWبر خWWاير بك إنه كWWان يمر عليه الباشWWات
والصناجق واألغوات عند ذهابهم وإيWاهم ،فلم يلتفت إليه منهم أحWWد ،وال يWWترحم عليه وال يقWرأ له الفاتحWWة ،مع أنها
تربة مليحة المنظWWWر ،ومع ذلك صد هللا عنه قلWWWوب الخلق ألنه كWWWان سWWWببا ً في هالك ألWWWوف مؤلفة من الجراكسة
واألروام والعرب وغيرهم".