Professional Documents
Culture Documents
(القسم األول)
بقلم
فهد عبد هللا
نيل المرام
والكالم نفسه يقال يف التفاسري الفقهية واليت عمد فيها الفقهاء إىل بيان األحكام اليت ورد ذكرها بسم اهلل الرمحن الرحيم
يف القرآن الكرمي بيد أن الفارق هو أن الفقهاء اقتصروا على اآليات املتعلقة? باألحكام دون غريها. احلمد هلل رب العاملني وأصلي وأسلم على خري خلق اهلل حممد بن عبد اهلل وعلى آله وصحبه وسلم
مراحل التأليف في آيات األحكام: وبعد.
من املمكن أن نقسم املراحل التارخيية للتصنيف? يف هذا العلم على ثالث مراحل: فإن خدمة القرآن الكرمي من أعظم األعمال اليت يتقرب هبا املسلم إىل خالقه سبحانه ،ويف هذا
املرحلة األوىل :املرحلة الذهبية :وهو العصر املمتد من القرن الثالث وحىت الثاين عشر ،فقد الكتاب الصغري احلجم العظيم املضمون? شرح آليات األحكام واليت ال يستغين طالب العلم عن
كانت بداية البداية يف منتصف القرن الثالث ،مث انتشر التتصنيف بعد ذلك بسبب انتشار معرفتها واإلملام هبا ومعرفة استنباطات أهل العلم منها.
املذاهب وحماولة لدعم موقف املذهب شرعيا ببيان حججه القرآنية ،وغلب على هؤالء التمكن وكان منهجي يف هذا الشرح هو االقتصار على ذكر هذه االستنباطات واخلالفات الفقهية الناجتة
العلمي? واملذهيب. عن اختالف أفهام أهل العلم وتوجيهاهتم ،دون اخلوض يف الفوائد واللطائف التفسريية واليت ال
وكانت الساحة اإلسالمية تشهد جمادالت ومناظرات واسعة بني أتباع املذاهب ،واالختالف تدخل يف إطار حبثنا هذا ،وقد مسيته نيل املرام شرح آيات األحكام ،أسأله تعاىل أن جيعل هذا العمل
يف أقرب مذهب للشرع من أبعده ،مما أمثر مثل هذه الدراسات. خالصا لوجهه الكرمي ،وآمل من قارئه واملستفيد منه الدعاء بالرمحة واملغفرة ،واهلل املوفق.
ورغم هذه الفرتة الزمنية الطويلة إال أن تلك اجلهود كانت حمدودة ومعدودة ?،وقد قام بعض مقدمات
املعاصرين بوضع قائمة بأمساء املؤلفات اخلاصة باألحكام فلم يصل تعدادها األربعني مؤلفا أوال :تدوين علوم القرآن:
بعضها رسائل صغرية ،وأخرى ناقصة ،وقد تغايرت القرون يف نصيب التصنيف يف هذا العلم لقد احتل القرآن املرتبة األوىل يف اهتمام املسلمني فعكفوا على حفظه ودراسته واستنباط األحكام
فأكثر القرون حضا القرن الثالث والرابع والتاسع مث يايت القرن السادس مث بقية القرون. منه ،وكان القرآن كتاهبم األوحد الذي مجع بني دفتيه كالم رب العزة سبحانه وتعاىل ،ومع مرور
أما القرنان الثاين عشر والثالث عشر ففيهما خفت هذا العلم فلم يسجل أي كتاب يتصل الزمن وتراكم العلوم وتكاثر البحوث نشأت علوم كاملة تتعلق بكتاب اهلل سبحانه ،وتنوعت تبعا
هبذا اجملال. لتنوع اجلوانب املتعلقة? بالدرس القرآين ،من رسم وقراءات وأسباب نزول ،وغريب ومعاين وإعراب،
املرحلة الثانية :الفتور:ورغم? أن األمة قد دخلت عصور التقليد قبل هذه الفرتة بقرون بيد أن وغريها وكتب العلماء يف هذه العلوم العشرات من الكتب واجمللدات مما ال يوجد له نظري يف أي دين
الذروة كانت يف هذين القرنني ،فقد اتفق اجلميع على صحة تقليد إمام من األئمة األربعة ،وأهنم أو أي كتاب آخر.
مجيعا يرتشفون من الشرع فرتك الناس االستنباط وركنوا إىل التقليد فخفت نور هذا العلم وبدال وقد كان من بني هذه العلوم? علم التفسري فدجبت يراعات أهل العلم تفاسري متنوعة منها الكبري
من العكوف على مثل هذه الدراسات متماشية مع دراستهم املذهبية اقتصروا على قراءة املتون واملتوسط والصغري ،ومتيز كل تفسري مبيزة أو ميزات إذ انعكست? شخصيات ومعلومات وإدراكات
والشروح وتنافسوا فيها بعيدا عن هدي القرآن ،والتمرس يف التعامل مع النص القرآين واخللفيات العلمية للمفسرين على تفاسريهم ،فمنهم من غلب عليه األثر كابن كثري يف تفسريه تفسري
واالستنباط منه. القرآن العظيم ،ومنهم من غلب عليه ختصصه اللغوي فغلب? على تفسريه كأيب حيان يف تفسريه البحر
احمليط ،ومنهم من غلب عليه القصص والرقائق فجاء تفسريه انعكاسا لذلك كالثعليب.
1
بوتقة التقليد رغم رسوخ الكثريين منهم يف العلوم النقلية والعقلية فرغم تأهلهم مجدوا عقوهلم بل لقد ازداد األمر سوءا عندما نادى البعض بعدم جواز االستنباط من القرآن والسنة وأهنما
واكتفوا مبطالعة الفروع اليت ال تنتهي واإلكثار منها وترك النص املعصوم? القريب الواضح. جملرد التربك!!!
كما أن هذا كان سببا يف تقزمي وجتزيء العقل الفقهي فبدال من أن يكون عقال استنباطيا إن يف زماننا الكثريين ممنوصفهم رسول اهلل بأهنم دعاة على أبواب جهنم ممن يريدون أن
ينطلق من التأصيل إىل التفريع أصبح العكس وأصبح العمدة يف الفقه هو ما نصت عليه كتب حينطوا القرآن وجيعلوهنا للتربك.
الفروع ،وأكرر القول بأن هذا ليس عيبا إذا ما انضم إليه تكوين للعقلية? الفقهية االستنباطية صحيح أن العلماء الداعني ملقولتهم تلك مل يريدوا فصل الدين عن الدولة وحاشاهم ،ولكن
ولكن العيب كل العيب هو ترك األصل وجتاهله والتمسك بالفرع وجعله أصال. هذه الدعوى يف بعض جوانبها تؤدي إىل ما يهدف غليه أولئك الدعاة ،ألن املذاهب الفقهية لن
ويف اعتقادي أن هذا االحنسار الفكري واالستنباطي كان سببا كبريا من األسباب اليت حتيط بشؤون الدنيا ومشاكلها ،كما أن القرآن والسنة مها مصدرا? التشريع ال غريمها وكل
أوصلت األمة إىل ما وصلت إليه بعد ذلك ،إذ تبلدت الذهنية املسلمة يف كثري من جوانبها إال يستدل لقوله? وال يستدل به.
ما رحم اهلل ،فأضحت األمة جسما وعقال لقمة سائغة للمرتبصني هبا. كما يؤدي هذا القول إىل قطع الصلة بني الناس وكتاب رهبم وسنة نبيهم وهو لعمر اهلل خطأ
املرحلة الثالثة :العودة :وهي عصرنا احلاضر والذي عادت فيه الكتابة يف هذا العلم ،وسأتكلم فادح ،وما املآسي اليت تقع اليوم ممن يوصمون باملفكرين والتحرريني والتقدميني ودعاة احلقوق
عن هذه املرحلة يف هناية هذه املقدمات. املتنوعة املوضات والصراعات ،وما االنفالت الذي يعاين منه الكثري من الشباب فتيانا وفتيات
وغريه الكثري من احملزنات إال جتل واضح لالغرتاب عن الدين والبعد عن القرآن والسنة.
وإن مما يؤسف له أن جند اليوم من يتبىن هذا القول الذي قاله علماء وصفوا أنفسهم
باملقلدين ،ويف عصور عانت األمة فيها من التخلف واالحنطاط املريع ،يف حني أننا نريد العودة
باألمة إىل القرآن والسنة ،مع تلمس خطوات أهل العلم الذين أمرنا اهلل سبحانه بالرجوع إليهم،
مع التفريق بني التفسريات املرتبطة بالواقع املتغري وتلك املرتبطة بالنص كثابت ال يتغري وال
يتبدل.
فال يفهم من كالمي هذا الدعوة إىل نبذ كتب أهل العلم والدعوة العامة إىل استنباط
األحكام من القرآن مباشرة دون تأهل بل هذا مما يزيد الطني بله كما أنه خمالف للقرآن الداعي
الذ ْك ِر ِإن ُكنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن) األنبياء ،7وما أعنيه أن املقولة
اسَألُواْ َْأهل ِّ
َ إىل سؤال أهل العلم (ف ْ
السابقة جعلت بني الناس والقرآن هوة واسعة وأبعدت األمة عن وحي رهبا.
أما استثناؤهم املؤهل لالستنباط فغري جمدي لتصرحيهم خبلو األرض من اجملتهدين بطبقاهتم
املطلقة واملذهبية ،فلم يبق هلذا االستثناء جمال ،وعتيب الكبري على هؤالء أهنم حصروا أنفسهم يف
2
حاول كل مصنف أن يثبت رجحان مذهبه قدر استطاعته ولو أدى -2 ثانيا :أهم الكتب وأشهرها في هذا العلم:
هذا أحيانا إىل شيء من التعسف يف التفسري واستنباط احلكم. قد ألف يف هذا العلم كثري ولكنه قليل جدا مقارنة بغريه من العلوم.
كان للمذهبية انعكاس سليب عند البعض إذ مل يكتف برد أدلة اخلصم -3 من أشهرهم:
وتفنيد حججه بل تعداه أحيانا إىل النيل والسخرية منه وجتهيله. -1أمحد بن حممد اجلصاص الرازي احلنفي (.)370
توسع البعض يف تفسري بعض اآليات بسرد أوجه االستدالل ومناقشة -4 -2علي بن حممد الكيا اهلراسي الشافعي (.)543
حجج اخلصوم ،ودفع اإليرادات مما أخرج الكتاب عن الغرض املوضوع ألجله وهو -3حممد بن عبد اهلل بن العريب املالكي (.)543
بيان وجه االستدالل باآليات على األحكام وهذه الطريقة هي اليت غلبت على -4حممد صديق خان ()1307
اجلصاص ويأيت ابن العريب يف املرتبة التالية يف حني كان تفسري اهلراسي متوازنا إىل حد وأنبه هنا إىل أن البعض ذكر أن أول من ألف يف هذا العلم اإلمام الشافعي يف كتاب له مطبوع
كبري. بعنوان أحكام القرآن والصواب أن هذا الكتاب ليس من تصنيف الشافعي وإمنا مجعه البيهقي من
تنوعت هذه الكتب إىل نوعني :حتكي املذهب واألقوال املخالفة مع -5 مؤلفات اإلمام ورتبه على األبواب الفقهية(.)1
ذكر احلجج واألدلة ،وانتهج هذا النهج طوال كتابه كاجلصاص وابن العريب ومنها ما ولكي نقرتب من الكتب املتخصصة يف آيات األحكام واليت ذكرنا أمهها سابقا واليت كتب هلا
كان يقتصر على وجه داللة اآلية وتوجيهها يف ضوء املذهب كما فعل إلكيا. القبول يف أوساط الفقهاء وطالب العلم رأيت من الفائدة أن أذكر مقارنات مقتضبة هلا يف النقاط
انتشار املسائل وكثرة االستطرادات ،وهذا كثر عند اجلصاص مث ابن -6 التالية:
العريب. غلب على مؤلفي تلك الكتب كغريها م كتب املقلدين االجتاه املذهيب -1
فكل مصنف ختندق يف مذهبه مدافعا عنه مبينا باستفاضة أحيانا وجهة نظر املذهب
وفهمه أو تأويله للنص يف حني كان تفسري حسن خان تفسريا اجتهاديا يتبع فيه الدليل
وقوة االستدالل متأثرا يف ذلك كله مبدرسة الشوكاين التجديدية ،وكال الطريقتني
هامتان إذ سجل لنا التفسري الفقهي املذهيب الكثري من التعليالت والنظرات املذهبية
وكيفية تعامل فقهاء املذاهب مع النصوص ،وكيف كان تعامل أتباعهم مع نصوص
األحكام ،كما أن التفسري االجتهادي خرج عن املألوف ووضع فكرة االجتهاد بني
أقوال أهل العلم ومناقشتها ومقارنة وترجيح األوفق بالنص واألقرب إليه.
5
حاملني هلم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا فهذا مما ال جيوز اعتقاده يف البسملة
3
الصحابة رضي اهلل عنهم. الر ِح ِيم الفاتحة1
الر ْحم ِن َّ بِس ِم ِ
اهلل َّ ْ
القول الثاين :ليست آية من الفاحتة وال من شيء من سور القرآن وهذا مذهب مالك. اليسملة ليست من آيات األحكام وإمنا نبدأ بذكرها تربكا ،وتبعا ملا جرت عليه كتب آيات
واستدل مبا يلي: األحكام.
-1عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم الخالف يف أن البسملة بعض آية من سورة النمل من قوله تعاىلِ :إنَّهُ ِمن ُسلَْي َما َن َوِإنَّهُ بِ ْس ِم
يف احلديث القدسي" :قسمت الصالة بيين وبني عبدي نصفني فإذا قال الر ِحي ِمالنمل 30وإمنا وقع اخلالف يف كوهنا آية من الفاحتة ومن كل سورة أو ال اللَّ ِه الرَّمْح َ ِن َّ
العبد احلمد هلل رب العاملني" إىل آخر احلديث ،ومل يذكر البسملة ،رواه أقوال:
مسلم?. القول األول :هي آية من الفاحتة ومن كل سورة وهذا مذهب الشافعي وأمحد وإسحاق وأبي
-2عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال" :إن عبيد.
من القرآن سورة ثالثني آية شفعت? لرجل حىت غفر له وهي تبارك وأدلة هذا القول:
الذي بيده امللك" رواه أبو داود والرتمذي ،وقال حديث حسن ،ويف -1عن أيب هريرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :إذا قرأمت احلمد هلل
رواية أيب داود «تشفع» قالوا وقد أمجع القراء على أهنا ثالثون آية فاقرءوا بسم اهلل الرمحن الرحيم إهنا أم القرآن وأم الكتاب والسبع املثاين وبسم اهلل الرمحن
سوى البسملة. 1
الرحيم إحداها.
-3عن أنس رضي اهلل عنه قال" :صليت مع رسول اهلل صلى اهلل -2عن أنس قال:بينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذات يوم بني أظهرنا إذ أغفى
عليه وسلم وأيب بكر وعمر وعثمان رضي اهلل عنهم فلم أمسع أحداً إغفاءة مث رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول اهلل قال أنزلت علي آنفا سورة
منهم يقرأ بسم اهلل الرمحن الرحيم" رواه مسلم ويف رواية له "فكانوا فقرأ { بسم اهلل الرمحن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك واحنر إن شانئك هو األبرت
يفتتحون باحلمد هلل رب العاملني ال يذكرون بسم اهلل الرمحن الرحيم يف 2
}
أول قراءة وال آخرها". -3أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم على إثباهتا يف املصحف يف أوائل السور
القول الثالث :هي آية تامة أنزلت للفصل بني السور وليست آية من الفاحتة ،وبه قال مجيعـاً سوى براءة خبط املصحف ،خبالف األعشار وتراجم السور ،فإن العادة
أبو حنيفة. كتابتها حبمرة وحنوها ،فلو مل تكن قرآناً ملا استجازوا إثباهتا خبط املصحف من
واستدل مبا يلي: غري متييز ،ألن ذلك حيمل على اعتقاد أهنا قرآن فيكونون مغررين باملسلمني،
1سنن الدارقطين 1/312وصححه? األلباين يف صحيح اجلامع رقم .729
3اجملموع 3/293 2مسلم1/300
6
ين ـك َّن َّ ِ ْك سلَيما َن وما َك َفر سلَيما ُن ولَ ِ ِ و َّاتبعواْ ما َت ْتلُواْ َّ ِ باألحاديث الدالة على عدم اجلهر بقراءهتا أو ذكرها فدل هذا -1
الش ْياط َ َ ُ َْ َ ين َعلَى ُمل ُ ْ َ َ َ الشيَاط ُ َ َُ َ
ِ ِ
وت َو َما ار َوت َو َم ُ ار َ الس ْح َر َو َما ُأن ِز َل َعلَى ال َْملَ َك ْي ِن ببَاب َل َه َُّاس ِّ َك َف ُرواْ ُي َعلِّ ُمو َ3ن الن َ على أهنا ليست من الفاحتة ومثلها بقية سور القرآن.
َأح ٍد َحتَّى َي ُقوالَ ِإنَّ َما نَ ْح ُن فِ ْتنَةٌ فَالَ تَ ْك ُف ْر َفيََت َعلَّ ُمو َن ِم ْن ُه َما َما ُي َف ِّرقُو َن بِ ِه ِ ِ
ُي َعلِّ َمان م ْن َ عن ابن عباس قال :كان النيب - ال يعرف فصل السورة حىت ينزل -2
َأح ٍد ِإالَّ بِِإ ْذ ِن الل ِّه َو َيَت َعلَّ ُمو َ3ن َما يَ ُ
ض ُّر ُه ْم آر ِ ِ
ين بِه م ْن َ ض ِّ ََب ْي َن ال َْم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه َو َما ُهم بِ َ بسم اهلل الرمحن الرحيم" وهذا يدل على أن موضوعها للفصل بني السورتني وأهنا
س َما َش َر ْواْ بِ ِه ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ليست من السور.1
َوالَ يَن َفعُ ُه ْم َولََق ْد َعل ُمواْ ل ََم ِن ا ْشَت َراهُ َما لَهُ في اآلخ َرة م ْن َخالَق َولَبْئ َ
َأن ُف َس ُه ْم ل َْو َكانُواْ َي ْعلَ ُمو َ3ن }البقرة102 املناقشة والرتجيح:
معنى اآلية: يظهر مما استدل به الشافعي قوة حجته فما استدل به من السنة صريح يف كون
واتبعوا ما تتلوا الشياطني الفريق من أحبار اليهود وعلمائها الذين وصفهم اهلل جل ثناؤه بأهنم البسملة آية من الفاحتة ،كما يقوى جانب هذا القول بكون البسملة آية من بقية السور
نبذوا كتابه الذي أنزله على موسى وراء ظهورهم جتاهال منهم وكفرا مبا هم به عاملون كأهنم ال بكتابة الصحابة هلا مع القرآن.
يعلمون? فأخرب عنهم أهنم رفضوا كتابه الذي يعلمون أنه منزل من عنده على نبيه صلى اهلل عليه أما القول الثاين فضعيف لكون? أدلته غري صرحية إذ قد يكون املراد بـ(احلمدهلل) السورة
وسلم ونقضوا عهده الذي أخذه عليهم يف العمل مبا فيه وآثروا السحر الذي تلته الشياطني يف ملك اليت فيها احلمد بغض النظر عن بدايتها.
سليمان بن داود فاتبعوه وذلك هو اخلسار والضالل املبني.2 وكذلك يقال يف القول الثالث فكون آية ال جيهر هبا –على اخلالف -ال يعين أهنا
وأنبه هنا إىل قصة يذكرها الكثري من املفسرين أو من يتعرض ملعىن هذه اآلية وهي أن امللكني ليست من الفاحتة ،يف حني كان دليله قويا يف كون البسملة ليست آية من سور
استغربا كثرة معاصي البشر فخلق اهلل فيهما الغرائز وأنزهلما إىل األرض فجارا يف أحكامهما وشربا القرآن.
اخلمر وزنيا ،فخريمها اهلل بني عقاب الدنيا وعقاب اآلخرة ،فاختارا عقاب الدنيا ،فأوحى اهلل إليهما وهلذا فالذي أراه راجحا واهلل أعلم أن نفرق بني مسألتني:
أن ائتنا بابل فانطلقنا إىل بابل فخسف هبما فهما منكوسان بني السماء واألرض معذبان إىل يوم كون البسملة آية من الفاحتة فالراجح أهنا آية منها بنص -1
القيامة. السنة.
كون البسملة آية من بقية سور القرآن خال براءة فالراجح -2
أهنا آية مستقلة? نزلت للفصل بني السور كما صح هذا عن ابن عباس.
السحر
1السابق
4انظر ابن العريب ،1/83واملغين11/74 2اجلصاص1/154
5تيسري البيان للموزعي 1/291 3التحرير والتنوير1/493
15
واحتجوا مبا يلي:
-1قوله تعاىل { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتلى } فيدخل يف في القصاص حياة
العموم? العبد والذمي . ْح ِّر َوال َْع ْب ُد بِال َْع ْب ِد َواُألنثَى
ْح ُّر بِال ُ
يا َُّأيها الَّ ِذين آمنُواْ ُكتِب َعلَي ُكم ال ِْقص ِ
اص في الْ َق ْتلَى ال ُ
َ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ
ِ ِ ٍ ِ
َأداء ِإل َْيه بِِإ ْح َسان َذل َ ِ ِ ِ ِ ِ
-2قوله { :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }. 3 يف ِّمن َّربِّ ُك ْم
ك تَ ْخف ٌ بِاُألنثَى فَ َم ْن عُف َي لَهُ م ْن َأخيه َش ْيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِال َْم ْع ُروف َو َ
القول الثاين :لا يقتل الحر بالعبد هو قول اجلمهور. اص َحيَاةٌ يَاْ ُأولِي اَأللْبَ ِ
اب ل ََعلَّ ُك ْم ص ِ ِ ِ
يم() َولَ ُك ْم في الْق َ
ك َفلَه َع َذ ِ
اب َأل ٌ
ٌ
ِ
َو َر ْح َمةٌ فَ َم ِن ا ْعتَ َدى َب ْع َد ذَل َ ُ
ْ
واستدلوا مبا يلي: َتَّت ُقو َن البقرة179،178
-1أن مبىن القصاص على املساواة وهي منتفية بني املالك واململوك وهلذا ال يقطع معنى اآلية:
طرف احلر بطرف العبد خبالف العبد بالعبد بإمجاع. يقول تعاىل :كتب عليكم العدل يف القصاص أيها املؤمنون? حركم حبركم وعبدكم بعبدكم
-2انعقد اإلمجاع فيمن قتل عبدا خطأ أنه ليس عليه إال القيمة فكما مل يشبه احلر يف وأنثاكم بأنثاكم وال تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدي من قبلكم وغريوا حكم اهلل فيهم .
اخلطأ مل يشبهه يف العمد. وسبب ذلك قريظة والنضري كانت بنو النضري قد غزت قريظة يف اجلاهلية وقهروهم فكان إذا قتل
احلكم الثاين :قتل املسلم بالكافر: النضري القرظي ال يقتل به بل يفادي مبائة وسق من التمر ،وإذا قتل القرظي النضري قتل وإن فادوه
يف هذه املسألة قوالن: فدوه مبائيت وسق من التمر ضعف دية قريظة فأمر اهلل بالعدل? يف القصاص وال يتبع سبيل املفسدين.1
القول األول :يقتل املسلم بالذمي? وهو قول أيب حنيفة. بيان األحكام:
واستدل مبا يلي: اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام ،ولكن قبل ذكرها ال بد من بيان مسألة كانت سببا يف
-1عموم قوله تعاىل (كتب عليكم القصاص يف القتلى) خالف وقع بني الفقهاء وهي أهنم اختلفوا يف قوله تعاىل { :كتب عليكم القصاص يف القتلى } ;
4
وفى بذمته
-2أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أقاد مسلما بذمي وقال :أنا أحق من ّ فقيل :هو كالم عام مستقل بنفسه ; وهو قول أيب حنيفة .
أنه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كاملسلم 5فالذمي مع املسلم متساويان يف احلرمة اليت وقال سائر الفقهاء منهم مالك والشافعي :ال يتم الكالم هاهنا ; وإمنا ينقضي عند قوله تعاىل { :
تكفي يف القصاص وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد فإن الذمي حمقون? الدم على التأبيد األنثى باألنثى } وهو تفسري له ,وتتميم ملعناه.2
واملسلم كذلك وكالمها قد صار من أهل دار اإلسالم.6 احلكم األول :قتل احلر بالعبد:
اختلف الفقهاء يف هذه املسألة على قولني:
3القرطيب2/239 القول األول :يقتل احلر بالعبد واملسلم بالذمي وهو مذهب أيب حنيفة.
4سنن البيهقي الكربى ،8/30وضعفه األلباين يف الضعيفة1/669
5املغين 10/299 1ابن كثري 1/284
6القرطيب2/239 2انظر ابن العريب 1/90
16
-4أمجع العلماء -كما قال ابن عبد الرب -على أنه ال يقاد املسلم بالكافر فيما دون القول الثاين :ال يقتل به ،وهو مذهب اجلمهور :و مالك و الثوري و األوزاعي و الشافعي
النفس ،فهذا تعارض بني قوهلم بالقصاص يف النفس دون اجلراح ،بل إذا مل يثبت القصاص وإسحاق وأمحد.1
يف اجلراح فالنفس أوىل. واستدلوا مبا يلي:
ومن خالل هذه اإليرادات واملناقشات ملذهب األحناف تبني رجحان قول اجلمهور لداللة -1قول النيب صلى اهلل عليه وسلم " :املسلمون? تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم
السنة الثابتة عليه. أدناهم وال يقتل مؤمن بكافر" 2أي املسلم أنه مكاىفء للمسلم? خبالف الذمي.
احلكم الثالث :هل يقتل اجلماعة بالواحد: -2عن أيب جحيفة قال :قلت لعلي هل عندكم كتاب ؟ قال ال إال كتاب اهلل أو
إذا اشرتك مجاعة يف قتل واحد هل يقتلون? مجيعا؟ يف املسألة أقوال: فهم أعطيه رجل مسلم أو ما يف هذه الصحيفة ،قال قلت فما يف هذه الصحيفة ؟ قال
القول األول :أن اجلماعة إذا قتلوا واحدا فعلى كل واحد منهم القصاص وهو قول اجلمهور العقل وفكاك األسري وال يقتل مسلم بكافر.3
مالك والشافعي وأمحد. املناقشة والرتجيح:
واستدلوا مبا يلي: استدالل األحناف مناقش مبا يلي:
-1اإلمجاع ،فقد روى سعيد بن املسيب أن عمر بن اخلطاب قتل سبعة من أهل -1أن القاعدة األصولية تقول بأن العموم إذا خصص يعمل باخلاص فيما تناوله
صنعاء قتلوا رجال وقال :لو متاأل عليه أهل صنعاء لقتلتهم? مجيعا ،وعن علي رضي اهلل عنه والعام يف الباقي ،والعام الذي استدلوا به قد خصص باحلديث الثابت يف البخاري وغريه
أنه قتل ثالثة قتلوا رجال وعن ابن عباس أنه قتل مجاعة بواحد ومل يعرف هلم يف عصرهم (ال يقتل مسلم بكافر) فوجب العمل باخلاص ،ولكن مشكلة األحناف أهنم يقولون بأن
خمالف فكان إمجاعا. التخصيص نسخ والسنة ال تنسخ القرآن.
-2عن أيب هريرة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ":لو أن أهل السماء وأهل -2احلديث الذي استدل به األحناف ضعيف فهو من رواية ابن البيلماين وهو
5
األرض اشرتكوا يف دم مؤمن ألكبهم اهلل يف النار" ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل كما يف هذا احلديث 4وهلذا قال ابن املنذر :مل يصح
-3لو مل يقتل اجلماعة بالواحد لتذرع الناس إىل القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم خرب يعارض حديث (ال يقتل مسلم بكافر).
باجلماعة.6 -3نقل عن الشافعي أنه قال :حديث ابن البيلماين على تقدير ثبوته منسوخ بقوله
القول الثاين :ال تقتل اجلماعة بالواحد بل تؤخذ منهم الدية ،وهو قول الظاهرية ورواية عن أمحد. عليه السالم يف زمن الفتح " :ال يقتل مسلم بكافر ".
القول الثالث :يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقني حصصهم من الدية روي هذا عن معاذ بن
1انظر :أشرف املسالك ،1/160مغين احملتاج ،4/13واملغين9/342
جبل وابن الزبري و ابن سريين والزهري.
2أبو داود 2/89وصححه? ابن حبان و األلباين
5الرتمذي 4/17وصححه األلباين 3البخاري 1/53
6انظر املغين 142 /5والقرطيب2/239واملهذب 3/190 4املغين 10/299
17
إىل السعي يف اإلصالح بينهم فإذا وقع الصلح سقط اإلمث عن املصلح واإلصالح فرض على واستدل القوالن مبا يلي:
الكفاية فإذا قام أحدهم به سقط عن الباقني وإن مل يفعلوا أمث الكل.1 -1قوله تعاىل( :كتب عليكم القصاص يف القتلى) فشرطت اآلية املساواة واملماثلة
احلكم األول :هل جتب الوصية؟ وال مساواة بني الواحد واجلماعة.
اختلف العلماء يف وجوب الوصية على من خلف ماال بعد إمجاعهم على أهنا واجبة على من -2قوله تعاىل { :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } فمقتضاه أنه ال يؤخذ
قبله ودائع وعليه ديون: بالنفس أكثر من نفس واحدة.
القول األول :الوصية غري واجبة على من ليس قبله شيء من ذلك وهو قول مالك و الشافعي و الرتجيح:
الثوري موسرا كان املوصى أو فقريا . الذي يظهر رجحان قول اجلمهور خاصة وأن القولني اآلخرين يفضيان إىل مفاسد عظمى وهرج
القول الثاين :الوصية واجبة قليال كان املال أو كثريا قاله الزهري. كبري.
احلكم الثاين :هل اآلية حمكمة أو منسوخة؟
اختلف أهل العلم يف هذه اآلية هل هي حمكمة أو منسوخة ؟ قوالن: الوصية لألقربين
صيَّةُ لِلْوالِ َدي ِن واألقْربِين بِالْمعر ِ
وف ت ِإن َتر َك َخ ْيراً الْو ِ َأح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ ب َعلَْي ُك ْم ِإذَا َح َ ِ
القول األول :حمكمة : َ ْ َ َ َ َ ُْ َ َ ض َر َ ُ كت َ
َّ ِ ِ
-1قال بعضهم :جيمع للوارث بني الوصية واإلرث هبذه اآلية وبآية املواريث وهذا ين ُيبَ ِّدلُونَهُ ِإ َّن اللّهَ َس ِم ٌ
يع ِ
ين{ }180فَ َمن بَ َّدلَهُ َب ْع َد َما َسم َعهُ 3فَِإ نَّ َما ِإثْ ُمهُ َعلَى الذ َ َح ّقاً َعلَى ال ُْمتَّق َ
القول بعيد جدا خمالف لإلمجاع. ور ِ
َأصلَ َح َب ْيَن ُه ْم فَالَ ِإثْ َم َعلَْيه ِإ َّن اللّهَ غَ ُف ٌ
وص َجنَفاً َْأو ِإثْماً فَ ْ اف ِمن ُّم ٍ يم{ }181فَ َم ْن َخ َ ِ
َعل ٌ
يم{}182 ِ
-2أن الوصية للوالدين واألقربني يف هذه اآلية على الندب ال على الفرض ،فنسخت َّرح ٌ
السنة جواز الوصية للوالدين وبقيت الوصية لألقربني على الندب ،وهذا حيكى عن النخعي اشتملت هذه اآليات على مجلة أحكام :
والشعيب ،واستدلوا بقوله باملعروف وبقوله حقا على املتقني والواجب ال خيتص باملتقني -1جيب على من حضره املوت بأن يكون مريضا مرض املوت أو كرب سنه أنه إن
قال املوزعي :لكنه بعيد لقوله? تعاىل :كتب عليكم. ترك خريا وهو املال الوفري –واختلفوا يف مقداره -أن يوصي لوالديه واألقربني من أهله
القول الثاين :منسوخة وعليه أكثر أهل العلم واختلفوا يف الناسخ: باملعروف.
-1قال بعضهم :كانت الوصية واجبة يف صدر اإلسالم مث نسختها آية املواريث. -2حيرم على من مسع الوصية من املوصي أن يبدل الوصية أو حيرفها فيغري حكمها
-2الناسخ حديث" :ال وصية لوارث".2 ويزيد فيها أو ينقص ويدخل يف ذلك الكتمان هلا بطريق األوىل
-3الناسخ اآلية مع احلديث. -3إن خاف املسلمون من موص ميال يف الوصية وعدوال عن احلق ووقوعا يف إمث
ومل خيرجها باملعروف وذلك بأن يوصي باملال إىل زوج ابنته أو لولد ابنته لينصرف املال إىل
1القرطيب 2/275 ابنته أو إىل ابن ابنه والغرض أن ينصرف املال إىل ابنه أو أوصى لبعيد وترك القريب فبادروا
2أبو داود 2/127وحسنه الحافظ في التلخيص 3/92
18
واستدلوا لقوهلم بقوله تعاىل( :يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر) فدلت اآلية على أن واختلفوا يف املنسوخ من اآلية:
الغرض الرتخيص فيما هو عسر وشاق وال مشقة يف حنو أصبع. -1ذهب طاووس وغريه إىل أهنا منسوخة يف حق األقارب الذين يرثون وبقي
الرتجيح: وجوهبا يف األقارب الذين ال يرثون كاألبوين الكافرين.
ما قاله اجلمهور هو الراجح ،كما أن قاعدة االحتياط تستدعي ذلك لعظم منزلة الصوم يف -2نسخ منها الوصية للوالدين وبقيت لألقربني.
اإلسالم. -3مجيع ما يف اآلية منسوخ فاملواريث نسخت كل وصية.
لكن اجلمهور اختلفوا يف مقدار السفر الطويل على أقوال: فرضية الصوم
القول األول :مسرية ثالثة أيام بلياليها وهو قول أيب حنيفة. ين ِمن َق ْبلِ ُك ْم ل ََعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن{3 َّ ِ
ب َعلَى الذ َ
ِ
ام َك َما ُكت َ الصيَ ُ
ب َعلَْي ُك ُم ِّ ِ
آمنُواْ ُكت َ ين َ
َّ ِ
يَا َُّأي َها الذ َ
َّ ِ ِ ِ ود ٍ3
القول الثاين :مسرية يومني وهو قول مالك والشافعي وأمحد. ات فَ َمن َكا َن من ُكم َّم ِريضاً َْأو َعلَى َس َف ٍر فَع َّدةٌ ِّم ْن َأيَّ ٍام ُأ َخ َر َو َعلَى الذ َ
ين َ }183أيَّاماً َّم ْع ُد َ
ي ِطي ُقونَه فِ ْديةٌ طَع ِ
ولكل قول أدلته املذكورة يف كتب الفقه. ومواْ َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم ص ُ ع َخ ْيراً َف ُه َو َخ ْي ٌر لَّهُ َوَأن تَ ُ ام م ْس ِكي ٍن فَ َمن تَطََّو َُ َ َُ ُ
احلكم الثاين :هل اإلفطار للمريض واملسافر رخصة أو عزمية؟ ات ِّمن ال ُْه َدى والْ ُفرقَانِ َّاس وبِّينَ ٍ ِ ِ ِ َت ْعلَمو َن{َ }184ش ْهر َر َم َ َّ
َ ْ َ ي ُأن ِز َل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِّلن ِ َ َ ضا َن الذ َ ُ ُ
اختلف الفقهاء هنا على قولني: ُأخ َر يُ ِري ُد اللّهُ بِ ُك ُم ص ْمهُ َو َمن َكا َن َم ِريضاً َْأو َعلَى َس َف ٍر فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن َأيَّ ٍام َ فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم َّ
الش ْه َر َفلْيَ ُ
القول األول :جيب على املريض واملسافر الفطر ويقضيان وأهنما إذا صاما مل جيزئهما ،وهذا ْملُواْ ال ِْع َّدةَ َولِتُ َكِّب ُرواْ اللّهَ َعلَى َما َه َدا ُك ْم َول ََعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن{ الْيسر والَ ي ِري ُد بِ ُكم الْعُسر ولِتُك ِ
ُ َْ َ ُ َْ َ ُ
مذهب الظاهرية. }185
واستدلوا مبا يلي: بيان األحكام:
-1باآلية (فعدة من آيام آخر) اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام هي:
-2بقوله" :ليس من الرب أن تصوموا يف السفر".2 احلكم األول :املرض والسفر املبيحان لإلفطار:
القول الثاين :أن الفطر رخصة وأنه جيوز الصوم مع املرض والسفر وهو قول اجلمهور. القول األول :مطلق املرض حىت ولو كان وجع ضرس يبيح اإلفطار ،ومطلق السفر حىت لو كان
واستدلوا مبا يلي: قصريا وهو قول الظاهرية ،وعزاه ابن قدامة لبعض السلف.1
-1أن يف اآلية تقديرا هو (فأفطر فعدة من أيام أخر) نظري قوله تعاىل( :فقلنا اضرب واستدلوا بعموم اآلية (فمن كان منكم مريضا).
بعصاك احلجر فانفجرت) أي فضرب فانفجرت. القول الثاين :املراد باملرض املبيح للفطر هو املرض الشديد الذي يؤدي إىل ضرر يف النفس أو زيادة
العلة أو تأخر الربء ،والسفر ال بد أن يكون طويال ،وهذا مذهب األئمة األربعة.
2القرطيب2/351
3اجلصاص1/326 1انظر فتح القدير1/239
26
روي عن علي وعمر أهنم قالوا إمتامهما أن حترم هبما من دويرة أهلك -1 اإلنفاق
. ين{ِِ َأح ِس ُن َواْ ِإ َّن اللّهَ يُ ِح ُّ يل الل ِّه والَ ُت ْل ُقواْ بَِأي ِدي ُكم ِإلَى الت ْ ِ
َأنف ُقواْ فِي َسبِ ِ
و ِ
ب ال ُْم ْحسن َ َّهلُ َك 3ة َو ْ ْ ْ َ َ
وقال جماهد إمتامهما بلوغ آخرمها بعد الدخول فيهما . -2 }195
وقال سعيد بن جبري وعطاء هو إقامتهما إىل آخر ما فيهما هلل تعاىل -3 يف هذه اآلية دليل على وجوب اإلنفاق وجوبا كفائيا على كل مناحي اخلري واملنفعة ،ويدخل
ألهنما واجبان كأهنما تأوال ذلك على األمر بفعلهما. فيها اجلهاد دخوال أوليا ألن اإلنفاق هنا وارد فيه.
بيان األحكام: ويف املراد بقوله تعاىل( :وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة) أقوال:
اشتملت اآلية على مجلة أحكام هي: -1املعىن ال تلقوا بأيديكم بأن ترتكوا النفقة يف سبيل اهلل وختافوا العيلة فيقول الرجل
احلكم األول :حكم العمرة: :ليس عندي ما أنفقه قاله مجهور المفسرين.
اختلف الفقهاء يف العمرة هل هي واجبة أو سنة على قولني: -2ال متسكوا أموالكم فريثها منكم غريكم فتهلكوا حبرمان منفعة أموالكم .
القول األول :العمرة واجبة يف العمر مرة ،وهو قول الشافعي وأمحد. -3وال متسكوا فيذهب عنكم اخللف يف الدنيا والثواب يف اآلخرة .
واستدلوا مبا يلي: -4ال تنفقوا من حرام فريد عليكم فتهلكوا
-1قول اهلل تعاىل { وأمتوا احلج والعمرة } ومقتضى األمر الوجوب ،واملعىن ائتوا قال الطربي :قوله وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة عام يف مجيع ما ذكر لدخوله فيه إذ اللفظ
هبما تامني مستجمعني للشرائط واألركان ،أو يقال ":اللفظ حيتمل إمتامهما بعد الدخول حيتمله .1
فيهما وحيتمل األمر بابتداء فعلهما فالواجب محله على األمرين".2
-2عطف العمرة على احلج يف اآلية ،واألصل التساوي بني املعطوف واملعطوف اإلحصار
ِ ِ ُأح ِ ِِ ِ
عليه. وس ُك ْماسَت ْي َس َر م َن ال َْه ْد ِي َوالَ تَ ْحل ُقواْ ُرُؤ َ
ص ْرتُ ْم فَ َما ْ ْح َّج َوالْعُ ْم َر َة للّه فَِإ ْن ْ
َ وَأت ُّمواْ ال َ
-3عن أيب رزين أنه أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا رسول اهلل إن أيب شيخ حتَّى ي ْبلُ َغ ال َْه ْدي م ِحلَّهُ 3فَمن َكا َن ِمن ُكم َّم ِريضاً َأو بِ ِه َأذًى ِّمن َّرْأ ِس ِه فَِف ْديةٌ ِّمن ِ
صيَ ٍام َْأو َ ْ َ َُ َ َ
َّ ِ ِ ِ ِ ٍ ٍ
كبري ال يستطيع احلج وال العمرة وال الظعن قال :حج عن أبيك واعتمر.3 اسَت ْي َس َر م َن ال َْه ْد ِي فَ َمن ل ْم َّع بالْعُ ْم َرة ِإلَى ال َ
ْح ِّج فَ َما ْ سك فَِإ ذَا َأمنتُ ْم فَ َمن تَ َمت َ ص َدقَة َْأو نُ َُ
ْك َع َشرةٌ َك ِاملَةٌ 3ذَلِ َ ِ ِ ٍ ِإ ِ ِ ِ ِ
القول الثاين :سنية العمرة وبه قال أبو حنيفة ومالك. ك ل َمن لَّ ْم يَ ُك ْن َْأهلُهُ ْح ِّج َو َس ْب َعة ذَا َر َج ْعتُ ْم تل َ َ ام ثَالثَة َأيَّ ٍام في ال َيَج ْد فَصيَ ُ
واستدلوا مبا يلي: اب البقرة196 َأن اللّهَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ
ْح َر ِام َو َّات ُقواْ اللّهَ َوا ْعلَ ُمواْ َّ ِِ
َحاض ِري ال َْم ْسجد ال َ
ِ
اختلف السلف يف تأويل هذه اآلية :
2اجلصاص1/329
3أبو داود 1/562وصححه? األلباين يف الصحيحة .3/464 2/206 1وانظر القرطيب2/359
27
-3احتياطا هلذه العبادة. -1روى جابر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ قال " :ال
والقول الثاين مناقش مبا يلي: وإن تعتمروا فهو أفضل" أخرجه الرتمذي ونقل عن الشافعي تضعيفه.1
-1األحاديث اليت استدل هبا القول الثاين ضعيفة ال تقوم هبا حجة ،وكون العمرة مل -2عن طلحة أنه مسع رسول اهلل يقول " :احلج جهاد والعمرة تطوع" رواه ابن
ترد يف السنة ال يستلزم عدم وجوهبا. ماجه.2
-2ليست العمرة من قواعد اإلسالم حىت يقال بأنه مل ترد يف أحاديث قواعد -3مل يرد ذكر للعمرة? يف األحاديث اليت بينت قواعد اإلسالم.
اإلسالم. -4أنه نسك غري موقت فلم يكن واجبا كالطواف اجملرد.
-3قياسها على الطواف اجملرد غري سديد ألنه قياس يف مقابل داللة اآلية. املناقشة والرتجيح:
احلكم الثاين :هل اإلحصار يشمل املرض والعدو؟ هذه املسالة صعبة الرتجيح لكون? أدلة القولني هلا وجاهتها ،فاألحناف ومن وافقم
اإلحصار لغة :املنع من املضي ألمر واحلبس ،وشرعا منع املضي يف أفعال احلج ،وهنا اختلف كالشوكاين جييبون عن أدلة املوجبني بأن ذلك بعد الشروع فيها وهي حينئذ واجبة ،قال
العلماء يف السبب الذي يكون به اإلحصار والذي يبيح للمحرم? التحلل من اإلحرام: الشوكاين :وهذا وإن كن فيه بعد لكنه جيب املصري إليه مجعا بني األدلة وعلى هذا حيمل ما فيه
القول االول :ال يكون اإلحصار إال بالعدو ،وهو قول مالك والشافعي وأمحد. داللة على وجوهبا ،وهكذا ينبغي محل ما ورد من األحاديث اليت قرن فيها بني احلج والعمرة يف
وعللوا قوهلم بان اآلية نزلت يف إحصار النيب عام احلديبية عندما منع من دخول مكة هو أهنما من أفضل األعمال وأهنما كفارة ملا بينهما وأهنما يهدمان ما كان قبلهما وحنو ذلك.3
وأصحابه وكانوا حمرمني بالعمرة. وأما اآلية فأجابوا عنها بأن ال داللة فيها على الوجوب ،وذلك ألن أكثر ما فيها األمر
القول الثاين :يكون اإلحصار بكل حابس حيبس احلاج عن البيت من عدو أو مرض أو خوف أو بإمتامها وذلك إمنا يقتضي نفي النقصان عنهما إذا فعلت ألن ضد التمام هو النقصان ال
ذهاب نفقة أو ضالل راحلة أو موت حمرم الزوجة يف الطريق وغري ذلك من االعذار املانعة ،وهذا البطالن.4
قول أيب حنيفة. كما يتوقف األمر على صحة حديث جابر والذي اختلف يف تصحيحه وتضعيفه.
وحجته ظاهر اآلية (فإن أحصرمت) ألن اهلل تعاىل علق احلكم على مسمى اإلحصار وهو عام والذي يرتجح حاليا وجوب العمرة يف العمر مرة كاحلج ملا يلي:
فتناول الكل. -1لألمر بإمتامها .
الرتجيح: -2لصحة حديث أيب رزين.
ما ذهب إليه أبو حنيفة هو الذي يظهر رجحانه ملا يلي:
1ضعيف الرتمذي 1/108
-1ورود اإلحصار مطلقا عن أي قيد.
2ضعيف ابن ماجة1/237
-2قال ابن جرير :لو كان معىن اآلية العدو لوجب أن يكون حصرمت.5
3فتح القدير1/299
5نظر توجيه ما قاله يف تفسريه 2/215 4اجلصاص1/329
28
القول األول :املراد يف أشهر احلج هو ما بني إحرام العمرة وإحرام احلج فإذا انتهى من عمرته -3أن هذا هو املوافق ليسر ومساحة اإلسالم.
حل له الصيام وإن مل حيرم بعد احلج واألفضل أن يصوم يوم الرتوية ويوم عرفة ويوما قبلهما أما االحتجاج بسبب النزول فمن املعلوم? أصوليا أن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب.
يعين السابع والثامن والتاسع من ذي احلجة وبه قال الشافعي. احلكم الثالث :ماذا جيب على احملصر واين موضع ذبح اهلدي؟
القول الثاين :ال يصح صومه إال بعد اإلحرام يف احلج لقوله? تعاىل (يف احلج) وهي من عند يف قوله تعاىل( :فإن أحصرمت فما استيسر من اهلدي) دليل على وجوب اهلدي على احملصر
شروعه يف اإلحرام إىل يوم النحر واألصح أهنا ال جتوز يوم النحر وال أيام التشريق واملستحب أن وأقله شاة لقوله تعاىل( :فما استيسر من اهلدي) واألفضل بقرة أو بدنة.
تكون يف العشر من ذي احلجة قبل يوم عرفة ،وبه قال أبو حنيفة. وأما املكان الذي يذبح فيه هدي اإلحصار فأقوال:
وسبب اخلالف بني القولني هو اختالفهم يف تفسري قوله تعاىل( :ثالثة أيام يف احلج) فاحلنفية القول األول :موضع احلصر سواء كان حال أو حرما ،وبه قال الشافعي ومالك وأمحد.
قالوا يف أشهر احلج والشافعية قالوا يف إحرام احلج. وقالوا حمله موضعه ،وألن رسول اهلل حنر باحلديبية حني أحصر.
وأما السبعة األيام فقد اختلف الفقهاء يف وقت صيامها: القول الثاين :ال ينحره إال يف احلرم لقوله تعاىل( :مث حملها إىل البيت العتيق) وهو قول أيب
القول األول :الرجوع إىل األهل والوطن وهذا مذهب الشافعية. حنيفة.
واستدلوا بقوله تعاىل( :وسبعة إذا رجعتم) القول الثالث :إذا كان يستطيع البعث به إىل احلرم وجب عليه وإال ينحره يف حمل إحصاره،
القول الثاين :جيزي الصوم يف الطريق وال يشرتط الوصول إىل أهله ووطنه ،قاله أمحد. وهو قول ابن عباس.
القول الثالث :املراد من الرجوع الفراغ من أعمال احلج وهو مذهب أيب حنيفة ومالك. الرتجيح:
الرتجيح: قول اجلمهور هو الراجح لداللة السنة عليه.
القول األول أرجح ملا يلي: احلكم الثالث :املتمتع الذي مل جيد اهلدي:
-1ثبت يف الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال" فمن مل جيد فليصم ثالثة أيام يف قال ابن املنذر :أمجع أهل العلم على أن من أهل بعمرة يف أشهر احلج من أهل اآلفاق من
احلج وسبعة إذا رجع إىل أهله" فبني أن الرجوع املذكور يف اآلية هو الرجوع إىل األهل . امليقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام هبا وحج من عامه أنه متمتع وعليه اهلدي إن وجد وإال
-2ثبت أيضا يف الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ "وسبعة إذا رجعتم إىل فالصيام وقد نص اهلل تعاىل بقوله تعاىل { :فمن متتع بالعمرة إىل احلج } اآلية .
أمصاركم".1 وقال ابن عمر " :متتع الناس مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالعمرة إىل احلج فلما قدم
احلكم الرابع :من هم حاضروا املسجد احلرام؟ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال للناس :من مل يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا
وهنا مسألتان: واملروة وليقصر مث ليهل باحلج ويهدي فمن مل جيد هديا فليصم ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا
املسألة األوىل :اإلشارة بقوله { :ذلك ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلرام} رجع إىل أهله" متفق عليه
1فتح القدير 1/299 وقد اختلف الفقهاء يف هذا الصيام :
29
قال الشوكاين" :ويظهر فائدة اخلالف يف ما وقع من أعمال احلج بعد يوم النحر فمن قال إن يف اإلشارة بقوله { :ذلك} قوالن:
ذا احلجة كله من الوقت مل يلزمه دم التأخري ومن قال :ليس إال العشر منه قال :يلزم دم -1هي راجعة إىل التمتع ،والتقدير :ذلك التمتع ملن مل يكن أهله حاضري املسجد
التأخري".1 احلرام ،فتدل على أنه ال متعة حلاضري املسجد احلرام وهذا قول أيب حنيفة.
احلكم الثاين :اإلحرام باحلج قبل أشهر احلج: -2أهنا راجعة إىل احلكم وهو وجوب اهلدي أو الصيام على املتمتع ،فال جيب ذلك
يف صحة هذا اإلحرام أقوال: على من كان من حاضري املسجد احلرام كما يقوله الشافعي ومن وافقه ،واستدلوا بأن
القول األول :لا جيوز اإلحرام باحلج قبل أشهر احلج فمن أحرم باحلج قبلها أحل بعمرة وال جيزيه اإلشارة تعود إىل أقرب مذكور وأقرب مذكور وجوب اهلدي أو الصيام..
عن إحرام احلج كمن دخل يف صالة قبل وقتها فإهنا ال جتزيه وهذا قول الشافعي. املسألة الثانية :املراد ب (حاضري املسجد احلرام):
القول الثاين :وقال أمحد وأبو حنيفة :إنه مكروه فقط وروي حنوه عن مالك -1أهل مكة بعينها ،قاله مالك ،واختاره الطحاوي.
.القول الثالث :واملشهور عنه جواز اإلحرام باحلج يف مجيع السنة من غري كراهة وهو قول أيب -2أهل احلرم قاله ابن عباس ،قال احلافظ :وهو الظاهر.
حنيفة ومشهور قول مالك -3من كان أهله على أقل مسافة تقصر فيها الصالة ،واختاره ابن جرير.
واحتج هلم بقوله تعاىل { :يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس واحلج } فجعل األهلة أشهر الحج ومحرمات الحج
كلها مواقيت للحج ومل خيص الثالثة األشهر ،وقياسا على العمرة فكما تصح يف مجيع السنة فكذلك ال فِي
وق َوالَ ِج َد َ س َ
ث َوالَ فُ ُ
ْح َّج فَالَ َرفَ َ ات فَمن َفر ِ
ض في ِه َّن ال َ
وم ٌَ َ َ 3 ْح ُّج َأ ْش ُه ٌر َّم ْعلُ َ
ال َ
احلج. ون يَا ُْأولِي
الت ْقوى و َّات ُق ِ
الزاد َّ َ َ
الْح ِّج وما َت ْفعلُواْ ِمن َخي ٍر ي ْعلَمهُ اللّهُ وَتز َّو ُدواْ فَِإ َّن َخير َّ ِ
َْ َ َ ْ ْ َ ْ َ ََ َ
الرتجيح: اَأللْبَابالبقرة197 ِ
القول األول هو الراجح ،والقول باجلواز جياب عن أدلته مبا يلي: بيان األحكام:
-1جياب عن اآلية بأهنا عامة وهذه خاصة واخلاص يقدم على العام. احلكم األول :املراد بأشهر احلج:
-2أما القياس على العمرة فال خيفى أنه قياس مصادم للنص القرآين فهو باطل.2 اختلف العلماء يف املراد من قوله تعاىل (احلج أشهر معلومات) ما هي هذه األشهر:
احلكم الثالث :حرمة الرفث يف احلج القول األول :هي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي احلجة وبه قال أبو حنيفة والشافعي
حرم اهلل سبحانه الرفث يف احلج وهو اجلماع كما فسره اجلمهور ،وأمجع العلماء على أن وأمحد.
اجلماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج وعليه املضي فيه لقوله? تعاىل :وأمتوا احلج والعمرة هلل القول الثاين :هي شوال وذو القعدة و ذو احلجة كله وبه قال مالك.
1فتح القدير1/306
2فتح القدير1/306
30
ين َوالْيَتَ َامى َوال َْم َساكِي ِن ِ ِ ِ
ك َماذَا يُنف ُقو َ3ن قُ ْل َما َأن َف ْقتُم ِّم ْن َخ ْي ٍر فَلل َْوال َديْ ِن َواَألق َْربِ َ
يَ ْسَألُونَ َ والحج من قابل واهلدي ،وإمنا اختلفوا يف الوقت الذي يفسده فقال قوم يفسد احلج مطلقا،
ِِ ِ ِ السبِ ِ
يم البقرة215 يل َو َما َت ْف َعلُواْ م ْن َخ ْي ٍر فَِإ َّن اللّهَ به َعل ٌ َوابْ ِن َّ وقال آخرون ال يفسده إال إذا وقع فبل التحلل األصغر.
احلكم الرابع :وال فسوق:
أكثر علماء التفسري على أن هذه اآلية منسوخة قال ابن مسعود نسختها آية الزكاة ،وإليه قوله تعاىل { :وال فسوق } يعين مجيع املعاصي كلها قاله ابن عباس و عطاء و احلسن
ذهب كثري من أهل العلم. وكذلك قال ابن عمر ومجاعة :الفسوق إتيان معاصي اهلل عز وجل يف حال إحرامه باحلج
وقال بعضهم املراد ما يتقرب به اإلنسان إىل اهلل تعاىل وهي النوافل فأخرب سبحانه أن من كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر وشبه ذلك.
قصد ذلك ينبغي أن يرب بذلك املذكورين وعليه فال نسخ يف اآلية قال ابن اجلوزي" :وهذا
الظاهر من اآلية ألن ظاهرها يقتضي الندب".3
احلكم اخلامس :وال جدال:
القتال في األشهر الحرم
نصت هذه اآلية على حرمة اجلدال ،ويف املراد منه خالف بني املفسرين الصحيح منه أن
ال َو ُه َو ُك ْرهٌ لَّ ُك ْم َو َع َسى َأن تَك َْر ُهواْ َش ْيئاً َو ُه َو َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم َو َع َسى َأن ب َعلَْي ُك ُم ال ِْقتَ ُ ِ
ُ كت َ
املعىن ال ميارين أحد أحدا فيخرجه املراء إىل الغضب وفعل ماال يليق باحلج ،و إىل هذا املعىن
ْح َر ِام
الش ْه ِر ال َ
ك َع ِن َّ تُ ِحبُّواْ َش ْيئاً َو ُه َو َش ٌّر لَّ ُك ْم َواللّهُ َي ْعلَ ُم َوَأنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن{ }2163يَ ْسَألُونَ َ
ذهب ابن عمر و ابن عباس.
اج َْأهلِ ِه ِِ ِ ال فِ ِيه َكبِير وص ٌّد َعن سبِ ِ ِ
يل اللّه َو ُك ْف ٌر بِه َوال َْم ْسجد ال َ
ْح َر ِام َوِإ ْخ َر ُ َ ٌ َ َ ال فِ ِيه قُ ْل قِتَ ٌ
قِتَ ٍ
ِ ِ ِ ِ ِ والنهي عن الفسوق واجلدال ال خيتص حبال وإمنا خصه اهلل سبحانه مبن فرض احلج تعظيما
َّى َي ُردُّو ُك ْم َعن ِدينِ ُك ْم ِ
م ْنهُ َأ ْكَب ُر عن َد اللّه َوالْف ْتنَةُ َأ ْكَب ُر م َن الْ َق ْت ِل َوالَ َي َزالُو َن ُي َقاتلُونَ ُك ْم َحت َ وتفخيما لشأن احلج.1
ت َأ ْع َمال ُُه ْم فِيك َحبِطَ ْ ت َو ُه َو َكافِ ٌر فَ ُْأولَـِئ َ استَطَاعُواْ َو َمن َي ْرتَ ِد ْد ِمن ُك ْم َعن ِدينِ ِه َفيَ ُم ْ ِإن ْ
ِ
احلكم السادس :التزود للحج:
َّ ِ َّ ِ ِ ِ الد ْنيا و ِ
اآلخ َر ِة َو ُْأولَـِئ َ
ين
آمنُواْ َوالذ َ ين َ اب النَّا ِر ُه ْم ف َيها َخال ُدو َن{ِ }217إ َّن الذ َ َأص َح ُك ْ ُّ َ َ ينبغي للحاج أن يتزود ألمر اهلل سبحانه بذلك فإن ترك الزاد واعتمد على املسألة فإن كان
يم{}218 ت الل ِّه واللّه غَ ُف ِ يل الل ِّه ُْأولَـِئ َ
اه ُدواْ فِي َسبِ ِ
ور َّرح ٌ َ ُ ٌ ك َي ْر ُجو َن َر ْح َم َ اج ُرواْ َو َج َ
َه َ غنيا حرم عليه وإن كان فقريا وال كسب له كره ومل حيرم عليه فعله ،2قال ابن عباس :كان أهل
بيان األحكام:
اليمن حيجون وال يتزودون ويقولون? حنن املتوكلون فيسألون الناس ،فأنزل اهلل تعاىل وتزودوا فان
احلكم األول :هل يباح القتال يف األشهر احلرم؟
خري الزاد التقوى.
اختلف العلماء يف حرمة القتال يف األشهر احلرم على قولني:
سبل اإلنفاق
القول األول :احلرمة وبه قال عطاء ،مستدال هبذه اآلية.
القول الثاين :اجلواز ،وأن هذه اآلية منسوخة وهو قول اجلمهور.
1املوزعي 1/398
3زاد املسري1/234 2السابق.
31
الراجح هو القول الثاين محال للمطلق على املقيد. واستدلوا مبا يلي:
-1قوله تعاىل( :فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم) وأن هذه اآلية نسخت آية
يسألونك.
-2قوله تعاىل( :وقاتلوا املشركني كافة كما يقاتلونكم كافة)
-3أن النيب غزا هوازن حبنني ،وثقيفا بالطائف وكان ذلك يف بعض األشهر احلرم.
الرتجيح:
تحريم الخمر والميسر
قول اجلمهور هو الراجح لداللة القرآن والسنة عليه ،إال قوهلم بالنسخ ،قال ابن العريب:
َّاس َوِإثْ ُم ُه َما َأ ْكَب ُر ِمن
ك َع ِن الْ َخ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر قُ ْل فِي ِه َما ِإثْ ٌم َكبِ ٌير َو َمنَافِ ُع لِلن ِ يَ ْسَألُونَ َ "والصحيح أن هذه اآلية رد على املشركني حني أعظموا على النيب القتال يف الشهر احلرام،
ك يبيِّن اللّهُ لَ ُكم اآلي ِ
ات ل ََعلَّ ُك ْم َتَت َف َّك ُرو َن{3 ِ ِ َّن ْف ِع ِه َما َويَ ْسَألُونَ َ
ُ َ ك َماذَا يُنف ُقو َ3ن قُ ِل ال َْع ْف َو َك َذل َ ُ ُ فقال تعاىل( :وصد عن سبيل اهلل وكفر به) فإذا فعلتم ذلك كله يف الشهر احلرام تعني قتالكم
الد ْنيا و ِ
اآلخ َر ِة ِ
}219في ُّ َ َ فيه ،1وعليه فال ناسخ وال منسوخ.
معاني المفردات3: احلكم الثاين :عمل املرتد:
امليسر:القمار ما حكمهما. اختلف العلماء يف املرتد هل حيبط عمله بنفس الردة أم بالوفاة على الكفر؟ قوالن:
(إمث كبري) عظيم ،ملا حيصل بسببهما من املخاصمة واملشامتة وقول الفحش القول األول :حيبط العمل مبجرد الردة وهذا قول أبو حنيفة ومالك
(ومنافع للناس) بالربح يف جتارة اخلمر وإصابة املال بال كد يف امليسر . واحتجوا باآليت:
(العفو)? أي الفاضل عن احلاجة وال تنفقوا ما حتتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم َ -1بقوله تعاىل :لئن أشركت ليحبطن عملك
بيان األحكام: -2قوله تعاىل :ومن يكفر باإلميان فقد حبط عمله.
احلكم األول :حترمي اخلمر: فقد دلت اآليتان على أن الكفر حمبط للعمل بدون تقييد بالوفاة على الكفر.
نزلت يف اخلمر أربع آيات: القول الثاين :ال يبطل العمل إال باملوت على الكفر ،وبه قال الشافعي.
-1تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا [ النحل ] 67 : واحتج بقوله تعاىل( :فيمت وهو كافر) فقيد احلبوط باملوت على الردة.
-2ثم نزلت يسألونك عن اخلمر وامليسر قل فيهما إمث كبري ومنافع للناس ويظهر أثر اخلالف فيمن حج مسلما مث ارتد مث أسلم فقال مالك عليه احلج ،ألن ردته
. أحبطت حجه ،وقال الشافعي ال حج عليه ،ألن الردة ال تبطل العمل إال إذا اتصلت? باملوت.
-3مث نزلت يا أيهاالذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنت سكارى حىت الرتجيح:
تعلموا ما تقولون
1ابن العريب 1/207
32
املتخد مما عدا العنب كيف كان وبأي اسم مسى مىت كان حبيث يسكر من مل يتعوده حرام -4مث نزل قوله تعاىل :إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم إىل قوله :
وقليله ككثريه ،وحيد شاربه ،ويقع طالقه ،وجناسته غليظة".2 فهل أنتم منتهون
ففي هذه اآلية ذم اهلل سبحانه اخلمر ،فأما التحرمي فيعلم من آية أخرى وهي آية ( املائدة )
وعلى هذا أكثر املفسرين.
احلكم الثالث :امليسر: احلكم الثاين :ما هي اخلمر؟
َّ ِ اختلف العلماء يف تعريف اخلمر على قولني:
ذكر اهلل امليسر مع اخلمر هنا كما ذكره معها يف آية املائدة يف قوله تعاىل:يَا َأيُّ َها الذ َ
ين َآمنُواْ
اجتَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َناملائدة ِ ِ القول األول :أن اخلمر هو الشراب املسكر من عصري العنب فقط وأما املسكر من غريه
س ِّم ْن َع َم ِل الشَّْيطَان فَ ْ اب و ْ ِ
اَألزالَ ُم ر ْج ٌ ِإمَّنَا اخْلَ ْم ُر َوالْ َمْيس ُر َو َ
اَألنص ُ َ
3
90فما قلناه يف داللة اآلية على حترمي اخلمر يقال أيضا يف امليسر. كالشراب من التمر والشعري فال يسمى مخرا بل يسمى نبيذا ،وبه قال الكوفيون وأبو حنيفة.
هذا وقد اتفق الفقهاء على حترمي ضروب القمار وأهنا من امليسر احلرام ،ملا فيها من أكل واحتجوا بأن األنبذة ال تسمى مخرا وال يسمى مخرا إال الشيء املشتد من عصري العنب.
أموال الناس بالباطل ومن جلب العداوة والبغضاء ومن تعويد املقامرين على الكسل وانتظار القول الثاين :أن اخلمر اسم لكل شراب مسكر سواء كان من عصري العنب أم الشعري ،وهذا
الربح على القمار دون كد وعمل. مذهب اإلئمة الثالثة.
ويف حكم امليسر مجيع أنواع القمار من النرد والشطرنج وغريمها حىت أدخلوا فيه لعب واستدلوا مبا يلي:
الصبيان باجلوز والكعاب والقرعة يف غري القسمة ومجيع أنواع املخاطرة والرهان.4 -1ثبت يف الصحيحني عن ابن عمر أن رسول اهللقال ( :كل مسكر مخر).
وأما السبق يف اخليل والدواب والرمي بالنصال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من -2وقال أنس بن مالك :لقد حرمت اخلمر وكانت عامة مخورهم يومئذ خليط
كتب الفقه. البسر والتمر.1
احلكم الرابع :إنفاق العفو: الرتجيح:
ذهب بعض املفسرين إىل أن آية (يسألونك ماذا ينفقون? قل العفو) منسوخة بالزكاة وكأهنم الراجح ما قاله اجلمهور ،فقد نصت السنة على أن كل مسكر يصدق عليه اسم اخلمر سواء
ظنوا أن اآلية تدل على وجوب إنفاق ما فضل عن األهل ،والصحيح أنه ليس فيها ما يدل على كانت هذه التسمية شرعية أو لغوية ففي كلتا احلالتني ال جيوز تعاطي النبيذ ،إما لدخوله لغة يف
مسمى اخلمر لكونه خيامر العقل ،أو إلدخال الشرع له جبعله كل مسكر مخرا ،وهلذا أصبح
متأخرو األحناف يفتون بقول اجلمهور -وهو قول حممد من احلنفية -لضعف القول باجلواز،
ومصادمته للنصوص ،يقول اآللوسي" :وعندي أن احلق الذي ال ينبغي العدول عنه أن الشراب
2روح املعاين 2/113
3انظر زاد املسري ،1/239والسايس 1/236
4روح املعاين2/114 1البخاري3/1570
33
ذلك بل اآلية نزلت جوابا ملن سألوا ماذا ينفقون فبني هلم أنه ال يلزمهم أن ينفقوا اجلهد من
الصدقة ،1فاملعىن انفقوا ندبا ما فضل عن حوائجكم ومل تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة.
نكاح الكتابيات
َألمةٌ ُّمْؤ ِمنَةٌَ 3خ ْي ٌر ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة َول َْو َأ ْع َجبَْت ُك ْم َوالَ ِ ِ
َ والَ تَنك ُحواْ ال ُْم ْش ِر َكات َحتَّى ُيْؤ م َّن َو َ
ِ
التصرف في مال اليتيم
ك يَ ْدعُو َن ين َحتَّى ُيْؤ ِمنُواْ َول ََع ْب ٌد ُّمْؤ ِم ٌن َخ ْي ٌر ِّمن ُّم ْش ِر ٍك َول َْو َأ ْع َجبَ ُك ْم ُْأولَـِئ َ ِ ِ
تُنك ُحواْ ال ُْمش ِرك َ
ِ ِ
ح لَّ ُه ْم َخ ْي ٌر َوِإ ْن تُ َخالطُ ُ
وه ْم فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم َواللّهُ َي ْعلَ ُم ك َع ِن الْيَتَ َامى قُ ْل ِإ ْ
صالَ ٌ َ ويَ ْسَألُونَ َ
ْجن َِّة َوال َْمغْ ِف َر ِة 3بِِإ ْذنِِه َو ُيَبيِّ ُن آيَاتِِه لِلن ِ
َّاس ل ََعلَّ ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َنالبقرة ِإلَى النَّا ِر َواللّهُ يَ ْدعُ َو ِإلَى ال َ ِ الْم ْف ِس َد ِمن الْم ِ
يم{}220 صل ِح َول َْو َشاء اللّهُ أل ْعنَتَ ُك ْم ِإ َّن اللّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ َ ُ ْ ُ
221 روى أبو داود و النسائي عن ابن عباس قال " :ملا أنزل اهلل تعاىل :وال تقربوا مال اليتيم إال
بيان األحكام: باليت هي أحسن [ األنعام ] 152 :و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء 10 :
احلكم األول :حكم نكاح الكتابيات: ] انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه فيحبس له حىت يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم
دلت اآلية على حرمة نكاح الوثنيات واملشركات. فذكروا ذلك لرسول اهلل فأنزل اهلل تعاىل :ويسألونك عن اليتامى قل إصالح هلم خري
أما الكتابيات فقوالن: فخلطوا طعامهم? بطعامه وشراهبم بشرابه" .
القول األول :عدم جواز نكاح الكتابيات ،وحيكى عن ابن عمر. بيان األحكام:
ودليله هذه اآلية واليت فيها النهي عن نكاح املشركات ،وكان يقول" :ال أعلم شركا أعظم دلت هذه اآلية على جواز التصرف يف أموال اليتامى على وجه اإلصالح ،فيجوز لويل اليتيم
من أن تقول :رهبا عيسى" وذهب إىل هذا القول الزيدية من الشيعة وجعلوا هذه اآلية ناسخة أن يبيع ماله وأن يشرتي له ،وأن يقسم له وأن يدفع ماال له ملن يعمل فيه قراضا ومضاربة وأن
آلية املائدة. يعمل فيه الويل نفسه قراضا ،وأن خيلط ماله مباله إذا كان ذلك صالحا.
القول الثاين :جواز نكاح الكتابيات ،وبه قال اجلمهور. وإذا كانت اآلية قد دلت على جواز خلط مال اليتيم مباله يف مقدار ما يظن أن اليتيم يأكله
ِ واستدلوا بقوله تعاىل :وطَعام الَّ ِذين ُأوتُواْ الْ ِكتَ ِ
ات اب حلٌّ لَّ ُك ْم َوطَ َع ُام ُك ْم ح ُّل هَّلُ ْم َوالْ ُم ْح َ
صنَ ُ َ َ َُ َ على ما روي عن ابن عباس فقد دلت على جواز املناهدة اليت يفعلها بعض الناس يف األسفار
ني ِ ِ ِإ ِ ِ ِ ات والْمحصن ِ َّ ِ ِ ِ ِ
ور ُه َّن حُمْصن َ
ُأج َ وه َّن ُ
اب من َقْبل ُك ْم ذَا آَتْيتُ ُم ُ ين ُأوتُواْ الْكتَ َ
ات م َن الذ َم َن الْ ُمْؤ منَ َ ُ ْ َ َ ُ فيخرج كل واحد منهم شيئا معلوما فيخلطونه مث ينفقونه وقد خيتلف أكل الناس.2
َأخ َد ٍان املائدة.5 ِِ ِِ
ني َوالَ ُمتَّخذي ْ
َغْيَر ُم َسافح َ
املناقشـة والرتجيح:
رد اجلمهور على قول ابن عباس مبا يلي: 1السايس 1/239
2السايس 1/241
34
قال العلماء :وهذه الكراهة إذا كانت الكتابية ذمية أما إذا كانت حربية فالكراهة اشد -1أن املشركات ال يتناول الكتابيات لقوله تعاىل :ما يود الذين كفروا من أهل
وعللوا الكراهة هذه خبشية رق ولدها إذا سبيت حامال وألن يف اإلقامة بدار احلرب تكثري الكتاب وال املشركني فقد عطف املشركني على أهل الكتاب والعطف يقتضي املغايرة.
لسوادهم 1وتعريض الولد على التخلق بأخالق أهل الكفر 2وهلذا كله كانت كراهة نكاح -2ما قالوه من النسخ ليس بصحيح ألن البقرة من أول ما نزل باملدينة واملائدة من
احلربية شديدة بل قال ابن تيمية":والذي يفهم من كالم أمحد هو حترمي الزواج باحلربيات".3 آخر ما نزل.
احلكم الثاين :نكاح اجملوسية: وعليه فالراجح قول اجلمهور ،ولكن يف النفس شيء من قوهلم بأن الكتابيات ال تدخل يف
اختلف العلماء يف نكاح اجملوسية على قولني-: عموم املشركات ،والذي يظهر هو الدخول ،وأن لفظة املشركات تعم كل مشركة ،كما قال
القول األول :عدم جواز نكاحها وهو مذهب اجلمهور مبا فيهم األئمة األربعة. اجلمهور يف لفظ املشركني اآليت الحقا إذ نصوا على عمومه للكتابيني فكان األصل أن يقال
واستدلوا مبا يلي-: ذلك هنا ،وقوهلم بأن القرآن قد غاير بني املشركني والكتابيني فيقال هذا ليس من باب عطف
قوله تعاىل(:وال تنكحوا املشركات)واجملوسية مشركة. .1 الشيء على غريه بل هو من عطف اخلاص على العام ،ومما يؤيد هذا كله أن القرآن قد نص
ص ِم الْ َك َوافِ ِر)(املمتحنة :من اآلية ِ ِ
قوله تعاىلَ ) (:وال مُتْس ُكوا بِع َ .2 يح ابْ َن ِ ِ ِ
على شرك اليهود والنصارى فقال :اخَّتَ ُذواْ ْ
َأحبَ َار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم َْأربَاباً ِّمن ُدون اللّه َوالْ َمس َ
)10واجملوسية كافرة,فرخص من ذلك يف أهل الكتاب فمن عداهم يبقى على احداً الَّ ِإلَـهَ ِإالَّ ُه َو ُسْب َحانَهُ َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن التوبة31 مرمَي وما ُِأمرواْ ِإالَّ لِيعب ُدواْ ِإلَـهاً و ِ
َ َ ُْ َْ َ َ َ ُ
العموم? كما أنه مل يثبت أن للمجوس? كتابا. وعليه فاآلية تدل على حرمة نكاح املشركات مجيعا ،مث خص منهن الكتابيات بآية املائدة
روي عنه صلى اهلل عليه وآله وسلم ":سنوا باجملوس سنة أهل الكتاب .3 فيقضي اخلاص على العام ،وهبذا يعلم أيضا أال نسخ يف اآلية كما ذهب إليه البعض.
4
غري ناكحي نسائهم وال آكلي ذبائحهم" ومع القول باجلواز لآلية غال أن العلماء قالوا بكراهة نكاح الكتابية ملا يلي:
القول الثاين :جواز نكاح اجملوسية وهذا مروي عن علي وهو مذهب أيب ثور وابن "أن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب «طلقوهن فطلقوهن .1
حزم قال يف احمللى":وجائز للمسلم? نكاح الكتابية وهي :اليهودية والنصرانية واجملوسية إال حذيفة فقال له عمر :طلقها .قال :تشهد أهنا حرام؟ قال هي حرة طلقها .قال
بالزواج"5 تشهد أهنا حرام؟ قال هي حرة قال :قد علمت أهنا حرة ولكنها يل حالل .فلما
وقد استدل هلذا القول مبا يلي-: كان بعد طلقها ،فقيل له أال طلقتها حني أمرك عمر؟ قال كرهت أن يرى الناس
أين ركبت أمراً ال ينبغي يل».
1انظر حتفة احملتاج مع حواشي الشرواين وابن قاسم .7/322 وألنه رمبا مال إليها قلبه ففتنته. .2
2انظر فتح القدير البن اهلمام .3/135 ورمبا كان بينهما ولد فيميل إليها. .3
3الفتاوى الكربى 5/455 وألن الكتابية تتغذى باخلمر واخلنزير ويتغذى الولد يف بطنها منه. .4
الموطأ 278لكنه ضعيف انظر التلخيص 3/172 4
5احمللى .9/445
35
أما إقرارهم باجلزية فألنا غلبنا حكم التحرمي لدمائهم فيجب أن يغلب -6 -1ما أخرجه مالك يف املوطأ أن عمر بن اخلطاب ذكر اجملوس فقال:ما
حكم التحرمي يف ذبائحهم ونسائهم.3 أدري كيف أصنع يف أمرهم،فقال عبدالرمحن بن عوف :أشهد لسمعت? رسول
اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم يقول ":سنوا هبم سنة أهل الكتاب".1
-2ملا روي أن حذيفة تزوج جموسية.
احلكم الثالث:حرمة نكاح املشركني: -3ألهنم يقرون باجلزية فأشبهو اليهود والنصارى.
دلت هذه اآلية على حرمة نكاح املسلمة للمشرك? سواء كان كتابيا أم غريه ،ويتبني مما سبق املناقشة والرتجيح-:
أن كلمة (املشركني) تستغرق كل مشرك ويدخل يف عمومها الكتايب بنص القرآن على شركه عندما يتفحص الباحث القول الثاين جيده ضعيفا ملا يلي-:
ووصفه بذلك. أن قوله صلى اهلل عليه وآله وسلم ":سنوا هبم سنة أهل الكتاب"فيه -1
وسياق اآلية يدل على هذا املعىن ،فقوله تعاىل (حىت يؤمنوا) غاية لصحة النكاح وهو اإلميان، دليل على أنه ال كتاب هلم وإمنا أراد النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم حقن دمائهم
ومعلوم أن اإلميان يف الشرع يراد به األعمال الباطنة وهي أركان اإلميان ،واألعمال الظاهرة فيجب أن يغلب حكم التحرمي لنسائهم وذبائحهم.
اب ِ
وهي أركان اإلسالم ،ألن اإلميان يف القرآن إذا أطلق ومل يقرتن باإلسالم يشمل املعنيني (أعمال {و َه َذا كتَ ٌ"اجملوس ليسوا من أهل الكتاب .قال اهلل تبارك وتعاىلَ : -2
الظاهر والباطن) فشرطت اآلية إميان املشرك فهل الكتايب مؤمن هبذا املعىن؟ اللهم ال. ني ِم ْن َقْبلِنا}
الكتاب على طَاِئَفت ِ
ُ َأْنَزلْنَاه ُمبَ َار ٌك} إىل قولهَ{ :أ ْن َي ُقولُوا إمّن ا ُأنْ ِز َل
كما وصف العبد بانه مؤمن أي توفرت فيه أركان اإلميان واإلسالم ،فهل الكتايب مؤمن هبذا معناه واهلل أعلم أي أنزلت عليكم لئال تقولوا إمّن ا أنزل الكتاب على طائفتني من
املعىن؟ اللهم ال. قبلنا.
ولو كان اجملوس من أهل الكتاب لكان أهل الكتاب ثالث طوائف -3
ولكون العبد مؤمنا فإنه يدعو زوجته إىل اجلنة خبالف املشرك الذي يدعو إىل النار ( ُْأولَـِئ َ
ك
2
يَ ْدعُو َن ِإىَل النَّا ِر َواللّهُ يَ ْدعُ َو ِإىَل اجْلَن َِّة َوالْ َم ْغ ِفَر ِة? بِِإ ْذنِِه) فهل الكتايب يدعو إىل اجلنة؟ اللهم ال. فيؤدي إىل اخللف يف خربه عز وجل ،وذلك حمال"
فأنت ترى أن اآلية ظاهرة الداللة يف حرمة نكاح املسلمة للكتايب وعلى هذا أمجع املسلمون?، مل يثبت أن حذيفة تزوج جموسية فقد ضعف أمحد هذه الرواية وقال -4
ومما علل به هذا احلكم ،أن للزوج سلطة والية على الزوجة فرمبا أجربها على ترك دينها ومحلها ابن سريين:كانت امرأة حذيفة نصرانبة.
على أن تكفر باإلسالم وقد وقع من هذا وقائع ،ومن مقاصد اإلسالم حفظ الدين ،وحرمة هذا لو ثبت ذلك عن حذيف فال يصح االحتجاج به ملعارضته للكتاب. -5
النكاح تندرج ضمن مفردات حفظ هذا املقصد?.
احلكم الثالث :ال نكاح إال بويل:
1املوطأ 2/186بشرح الزرقاين.
3انظر مغين ابن قدامة .9/545 2البدائع 2/552
36
استنبط مجهور أهل العلم من قوله تعاىل :وال تُنكحوا املشركني اشرتاط الويل يف زواج
املرأة ،ألن النهي توجه هنا إىل األولياء ولو جاز للمرأة تزويج نفسها لقال( :وال تنكحن) كما
خاطب الرجال فدل هذا على شرطية الويل.
معاين الكلمات:
-1احليض:
يض َحْيضاً وحَمِ يضاً ،وال َـم ِحيض يكون امساً ويكون مصدراً ِ
حاضت املرَأة تَـح ُ
يقالَ : اعتزال النساء في المحيض
يض َحْيضاً وحَمَاضاً وحَمِ يضاً،واحلَْيضات مجاعة ،واحليضة ِ
...يقال :حاضت املرَأة حَت ُ وه َّن
يض َوالَ َت ْق َربُ ُِّساء فِي ال َْم ِح ِ يض قُ ْل ُه َو َأذًى فَا ْعتَ ِزلُواْ الن َ ك َع ِن ال َْم ِح ِ َ ويَ ْسَألُونَ َ
ض ،وقـيل :احلِيضةُ الدم نفسه(. )3 ِ
االسم ،بالكسر ،واجلمع احليَ ُ
وأصل الكلمة من السيالن واالنفجار ،يقال :حاض السيل وفاض ،وحاضت الشجرة أي سالت
بين َويُ ِح َُّّواب َ وه َّن ِم ْن َح ْي ُ
ث ََأم َر ُك ُم اللّهُ ِإ َّن اللّهَ يُ ِح ُّ
ب الت َّ ِ َّى يَط ُْه ْر َن فَِإ ذَا تَطَه َّْر َن فَْأتُ ُ
َحت َ
رطوبتها ،ومنه احليض أي احلوض ،ألن املاء حييض إليه أي يسيل(.)4 ين {}222 ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ
قال ابن عرفة :احمليض واحليض :اجتماع الدم إىل ذلك املوضع ،وبه مسي احلوض الجتماع املاء سبب النزول:
فيه ،يقال :حاضت املرأة وحتيضت (.)5 ثبت يف صحيح مسلم? "عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت املرأة فيهم مل يؤاكلوها ومل
وقد عرفه الفقهاء بأنه" :دم جبلة خيرج من أقصى رحم املرأة يف أوقات خمصوصة"(.)6 جيامعوهن يف البيوت ،فسأل أصحاب النيب النيب فأنزل اهلل تعاىل ويسألونك عن احمليض قل هو
قال املاوردي :أما احمليض يف قول اهلل تعاىل :ويسألونك عن احمليض فهو دم احليض بإمجاع أذى فاعتزلوا النساء يف احمليض.
العلماء . .وأما احمليض يف قوله تعاىل :فاعتزلوا النساء يف احمليض فقيل :إنه دم احليض وقيل زمانه فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :اصنعوا كل شيء إال النكاح ،فبلغ ذلك اليهود،
وقيل مكانه وهو الفرج"(.)7 فقالوا :ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إال خالفنا فيه ،فجاء أسيد بن حضري وعباد بن
بشر ،فقاال :يا رسول اهلل! إن اليهود تقول كذا وكذا فال جنامعهن؟!
)?(3لسان العرب ( )7/142والقاموس احمليط ( )826م حيض. فتغري وجه رسول اهلل حىت ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لنب إىل النيب
)?(4ينظر روح املعاين أليب الفضل حممود اآللوسي ( )1/124دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت لبنان ،ط،4 صلى اهلل عليه وسلم ،فأرسل يف آثارمها فسقامها ،فعرفا أن مل جيد عليهما"(.)1
1405هـ1985،م .وغاية البيان شرح زبد ابن رسالن حملمد بن أمحد الرملي ( )98ختريج وتعليق وضبط :خالد عبد ومن هنا يظهر أن دين اهلل وسط بني غلوين فقد " كانت اليهود واجملوس جتتنب احلائض،
الفتاح شبل ،مؤسسة الكتب الثقافية ،ط1411 ، 1هـ1991 -م. وكانت النصارى جيامعون احليض؛ فأمر اهلل بالقصد? بني هذين"(.)2
)?(5لسان العرب ( )7/142م حيض ،و اجلامع ألحكام القرآن ()3/81
)?(6غاية البيان شرح زبد ابن رسالن حملمد بن أمحد الرملي ( )98وروح املعاين(.)1/124 )?(1أخرجه مسلم ()1/246
)?(7اجملموع ()2/290 )?(2اجلامع ألحكام القرآن ()3/81
37
وحجته ما يلي: -2األذى:
-1قول اهلل تعاىل { :فاعتزلوا النساء يف احمليض } واحمليض اسم ملكان احليض قال املفسرون":املقصود باألذى يف قوله تعاىل قل هو أذى أنه شئ تتأذى به املرأة وغريها أي
كاملقيل واملبيت فتخصيصه موضع الدم باالعتزال دليل على اباحته فيما عداه. برائحة دم احليض ،واألذى كناية عن القذر على اجلملة"(.)1
-2قال النيب صلى اهلل عليه وسلم " :اصنعوا كل شيء غري النكاح" رواه مسلم? وقالوا :مسي احليض أذى لقبح لونه ،و ننت رحيه ،وقذره وجناسته وأضراره ،وهو جامع ملعان شىت
الرتجيح: من معاين األذى(.)2
القول الثالث هو الذي يظهر رجحانه وبه قال حممد بن احلسن من احلنفية ورجحه الطحاوي بيان األحكام:
وهو اختيار أصبغ من املالكية وأحد القولني أو الوجهني للشافعية واختاره بن املنذر وقال احلكم األول :ما جيب اعتزاله من احلائض:
النووي هو األرجح دليال حلديث أنس يف مسلم اصنعوا كل شيء إال اجلماع. 5 اختلف أهل العلم يف هذه املسألة على أقوال:
وجياب عن أدلة القول الثاين باآليت: القول األول :مجيع بدن املرأة ،وهو مروي عن ابن عباس.
-1حيمل حديث عائشة وشبهه على االستحباب مجعا بني األدلة.6 وحجته أن اهلل أمر باعتزال النساء ومل خيصص من ذلك شيئا دون شيء فوجب اعتزال مجيع
-2ليس يف حديث عائشة وشبهة ما يقتضي منع ما حتت اإلزار ألنه فعل جمرد ،قاله بدن املراة لعموم اآلية.
ابن دقيق العيد. القول الثاين :ما بني السرة والركبة ،وهو مذهب أيب حنيفة ومالك والشافعي.
-3حديث عائشة دليل على حل ما فوق اإلزار ال على حترمي غريه وقد يرتك النيب وحجتهم ما يلي:
صلى اهلل عليه وسلم بعض املباح تقديرا كرتكه أكل الضب واألرنب.7 -1عن عائشة قالت " :كان رسول اهلل يأمرين فأتزر فيباشرين وأنا حائض" رواه
أما قول ابن عباس فقال فيه القرطيب ":وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء وإن كان البخاري.
()8
عموم اآلية يقتضيه فالسنة الثابتة خبالفه" -2عن عمر قال :سألت رسول اهلل عما حيل للرجل من امرأته وهي حائض فقال
بقي أن أشري إىل أنه ال ينبغي للزوج أن يعتزل فراش زوجته احلائض ،ألن ذلك تشبه باليهود، :فوق اإلزار.3
وقد هنينا عن التشبه هبم ،وروي أن ابن عباس رضي اهلل عنهما فعل ذلك ،فبلغ ميمونة رضي القول الثالث :موضع األذى وهو الفرج فقط ،وهو مذهب كثري من السلف والثوري وأمحد
وإسحاق.4
5انظر املرجع السابق ،وشرح النووي على مسلم 3/205 )?(1املصدر السابق.
6الفتح 1/404وشرح النووي على مسلم 3/205 )?(2ينظر جامع البيان ( )2/381واجملموع ()2/290
7املغين 1/384 3أخرجه أبو داود 1/104وضعفه األلباين.
)?(8اجلامع ألحكام القرآن ()3/86 4الفتح1/404
38
القول الثاين :الطهر الذي حيل به مجاع احلائض الذي يذهب عنها الدم هو تطهرها باملاء اهلل عنها ،فأنكرت عليه ،وقالت :أترغب عن سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم «كان
كطهر اجلنب وال جيزيء من ذلك تيمم وال غريه وبه قال مالك و الشافعي. يضاجعنا يف فراش واحد يف حالة احليض»(.)1
واحتجوا بقوله { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهلل } فشرط يف إباحته شيئني احلكم الثاين :حكم إتيان احلائض:
أحدمها انقطاع الدم واآلخر االغتسال ألن قوله ( فإذا تطهرن ) ال حيتمل غري االغتسال. قوله تعاىل :فاعتزلوا النساء يف احمليض(البقرة" )222 :تنصيص على حرمة الغشيان يف أول
القول الثالث :انقطاع الدم حيلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ ،قاله جماهد و عكرمة و طاوس. احليض وآخره"()2قال العلماء":يكفر مستحله ،ويفسق مباشره"(.)3
القول الرابع :ذهب األوزاعي إىل أهنا إن انقطع دمها وغسلت فرجها باملاء جاز وطؤها ، قال يف اإلقناع":وطؤها يف الفرج كبرية من العامد العامل بالتحرمي املختار ،يكفر مستحله ...
وبه قال أبو حممد بن حزم. جتاوز عن أميت اخلطَأ والنسيان وما استكرهوا خبالف الناسي واجلاهل واملكره ،خلرب« :إن اهلل َ
واحتجوا بقوله تعاىل { وال تقربوهن حىت يطهرن } وحىت غاية تقتضي أن يكون حكم ما عليه»(.)5( ")4
بعدها خبالفها فذلك عموم يف إباحة وطئها بانقطاع الدم.6 َّ ِ
واألمر باالعتزال أقوى من النهي عن الفعل وهذا كقول اهلل تعاىل يف شأن اخلمر:يَا َأيُّ َها الذ َ
ين
سبب اخلالف: اجتَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو َن ِ اَأْلزالم ِرج ِ
س م ْن َع َم ِل الشَّْيطَان فَ ْ
اب َو ْ ُ ْ ٌ ص ُ
ِ
َآمنُوا ِإمَّنَا اخْلَ ْم ُر َوالْ َمْيس ُر َواَأْلنْ َ
قال ابن رشد مبينا سبب اخلالف " :وسبب اختالفهم االحتمال الذي يف قوله تعاىل { فإذا (املائدة.)90:
تطهرن فاتوهن من حيث أمركم اهلل } هل املراد به الطهر الذي هو انقطاع دم احليض أم الطهر احلكم الثالث :مىت حيل قربان املرأة؟
باملاء ؟ مث إن كان الطهر باملاء فهل املراد به طهر مجيع اجلسد أم طهر الفرج ؟ فإن الطهر يف دل قوله تعاىل( :وال تقربوهن حىت يطهرن) على رمحة قربان الرجل زوجته يف حالة احليض
كالم العرب وعرف الشرع اسم مشرتك يقال على هذه الثالثة املعاين وقد رجح اجلمهور حتة يطهرن ولكن الفقهاء اختلفوا يف املراد بالطهر على أقوال:
مذهبهم بأن صيغة التفعل إمنا تنطلق على ما يكون من فعل املكلفني ال على ما يكون من فعل القول األول :املراد به انقطاع الدم ،ف إن انقطع الدم بعد مضي عشرة أيام جاز له أن
غريهم فيكون قوله تعاىل { فإذا تطهرن } أظهر يف معىن الغسل باملاء منه يف الطهر الذي هو يطأها قبل الغسل وإن كان إنقطاعه قبل العشرة مل جيز حىت تغتسل أو يدخل عليها وقت
انقطاع الدم واألظهر جيب املصري إليه حىت يدل الدليل على خالفه ورجح أو حنيفة مذهبه بأن الصالة.
لفظ يفعلن يف قوله تعاىل { حىت يطهرن } هو أظهر يف الطهر الذي هو انقطاع دم احليض منه
يف التطهر باملاء".7 )?(1املبسوط()10/146
الرتجيح: )?(2املبسوط ()3/147
)?(3املصدر السابق ( ،)10/146وينظر ( )3/147منه ،واملهذب ()1/44
األقرب ما قاله اجلمهور :
)?(4أخرجه أبو القاسم سليمان بن أمحد الطرباين يف األوسط ( )2/331حتقيق :طارق بن عوض اهلل وعبد احملسن
6النيل1/351 احلسيين ،دار احلرمني القاهرة 1415هـ.
7بداية اجملتهد1/88 )?(5اإلقناع ()1/24
39
يريد من أي الوجوه لك،ولذلك جييب اجمليب فيه بأن يقول :من كذا وكذا ،كما قال تعاىل خمرباً -1لداللة التطهر املقتضي للتفعل? وهو كسب العبد على االغتسال.
ت ُه َو ِم ْن ِعْن ِد اللَّ ِه(آل عمران :من اآلية عن زكريا يف مسألته مرمي قَ َال يا مرمَيُ َأىَّن لَ ِ
ك َه َذا قَالَ ْ َ َْ -2ألن اهلل تعاىل قد علل ذلك بقوله (إن اهلل حيب التوابني وحيب املتطهرين) وظاهر
.)37 اللفظ يدل على أن الرماد به الطهارة احلسية وهي االغتسال باملاء.1
وهي مقاربة (أين) و(كيف) يف املعىن ،ولذلك تداخلت معانيها فأشكلت (أىن) على سامعها احلكم الرابع :هل جيب إتيان احلائض عقب التطهر؟
ومتأوهلا حىت تأوهلا بعضهم مبعىن (أين) ،وبعضهم مبعىن (كيف) ،وآخرون مبعىن (مىت)وهي خمالفة أخذ ابن حزم من األمر يف اآلية (فإذا تطهرن فأتوهن )..وجوب إتيان احلائض عقب طهرها.
لجميع ذلك يف معناها ،وهن هلا خمالفات ،وذلك أن (أين) إمنا هي حرف استفهام عن األماكن وذهب اجلماهري من أهل العلم إىل عدم وجوب إتيان احلائض عقب التطهر ،ألن األمر هنا
واحملال ،وإمنا يستدل على افرتاق معاين هذه احلروف بافرتاق األجوبة عنها. بعد احلظر وفيه خالف بني العلماء الكثريون على أنه يفيد اإلباحة والصحيح أنه يعيد احلكم إىل
أال ترى أن سائالً لو سأل آخر فقال :أين مالك ؟ ما قبل احلظر.
لقال :مبكان كذا ،ولو قال له :أين أخوك ؟ لكان اجلواب أن يقول :ببلدة كذا أو مبوضع كذا. نساؤكم حرث لكم
فيجيبه باخلرب عن حمل ما سأله عن حمله ،فيعلم أن (أين) مسألة عن احملل. ِّمواْ َألن ُف ِس ُك ْم َو َّات ُقواْ اللّهَ َوا ْعلَ ُمواْ ِ نِ َسآُؤ ُك ْم َح ْر ٌ
ث لَّ ُك ْم فَْأتُواْ َح ْرثَ ُك ْم َأنَّى شْئتُ ْم َوقَد ُ
ولو قال قائل آلخر :كيف أنت ؟ لقال :صاحل ،أو خبري ،أو يف عافية ،وأخربه عن حاله اليت هو ِِ
ين البقرة223 َأنَّ ُكم ُّمالَقُوهُ َوبَ ِّش ِر ال ُْمْؤ من َ
فيها. (احلرث) ورد يف اللغة على عدة معاين منها :الزرع( ،)2وهو على حذف مضاف أي موضع
فيعلم حينئذ أن (كيف) مسألة عن حال املسؤول. حرثكم ،أو احلرث مبعىن احملرتث واملزدرع(. )3
ولو قال له :أىن حييي اهلل هذا امليت ؟ لكان اجلواب أن يقال :من وجه كذا ووجه كذا، وإمنا كانت النساء حمرتثاً ومزدرعاً ألهنن مكان الولد،واملعىن :نساؤكم مزدرع لكم ،تثمر لكم
فيصف قوالً نظري ما وصف اهلل تعاىل ذكره للذي قال:أىن حيىي هذه اهلل بعد موهتا فعالً،حني بعثه من األوالد ،فأتوا هذا املزدرع (.)4
بعد مماته (.)5 بيان األحكام:
-2عن ابن عباسعن النبـي قال":ال ينظر اهلل إىل رجل جامع امرأة يف دبرها"(.)6 لقد نص العلماء على حرمة إتيان الزوج زوجته من الدبر وكانت أدلتهم كما يلي:
-3عن ابن مسعود عن النبـي قال":حماش النساء حرام عليكم"(.)7 -1قوله أىن شئتمأي :من أي وجه شئتم،وذلك أن (أىن) يف كالم العرب كلمة تدل إذا
ابتدىء هبا يف الكالم على املسألة عن الوجوه واملذاهب ،فإذا قال قائل لرجل :أىن لك هذا املال؟
)?(5جامع البيان ( )2/397وما بعدها ،وينظر احمللى ()10/69 1روائع البيان .1/302
)?(6صحيح ابن حبان ( )9/517وحنوه الرتمذي ( )3/468وحسنه. )?(2ينظر القاموس احمليط ( )214م حرث ،مؤسسة الرسالة ،ط1407 ،2م.
)?(7أخرجه الطحاوي يف شرح معاين اآلثار ( )3/46والدارمي يف سننه ( ، )1/276والبيهقي يف الكربى ،7/199 )?(3ينظر الطربي ()2/392
وأبو القاسم سليمان الطرباين يف األوسط ()7/357 )?(4ينظر الكشاف عن حقائق التنزيل جلاراهلل حممود الزخمشري( )1/134واألساس لسعيد حوى ()1/518
40
معني منها،فلم يكن محل قوله (أىن شئتم) على التخيري يف األمكنة ،فيكون حمموالً على التخيري يف -4عن أيب هريرة عن النبـي صلى اهلل عليه وآله وسلم قال" :من أتى حائضاً ،أو امرأة يف
الكيفيات"(.)8( )7 دبرها ،أو كاهناً فصدقه مبا يقول؛ فقد كفر مبا أنزل على حممد"(.)1
-5عن أيب هريرة قال :قال رسول اهلل َ " :م ْلعُو ٌن َم ْن أتى امرأةً يف دبْ ِرها" (.)2
ونزيد على هذا ونقول :إن قضاء الشهوة من املقاصد األساسية لإلنسان من النكاح ،بيد أن أحول فأنزل ولدها َ الرجل امرأته من وراِئها جاءَ ُ ُ جامع
-6عن جابر قال":قالت اليهود :إذا َ
حفظ النسل من املقاصد الشرعية الضرورية الكلية ،وقضاء الشهوة هو من الوجهة املقاصدية مسألة ِ
ٱعلَ ُمۤواْ َأنَّ ُكم ث لَّ ُك ْم فَْأتُواْ َح ْرثَ ُك ْم َأىَّنٰ شْئتُ ْم َوقَد ُ
ِّمواْ ألنفسكم َو َّٱت ُقواْ ٱللَّهَ َو ْ اهلل تعاىل :نساؤكم َح ْر ٌ
حتسينية أو حاجية أومكملة ملقصد? حفظ النسل ،وهبذا يتضح هنا الفرق بني مقاصد الشارع ني.)3(ُّملَـٰ ُقوهُ َوبَ ِّش ِر ٱلْ ُمْؤ ِمنِ َ
ومقاصد املكلف . -7عن عمرو بن العاص عن النيب أنه قال":هي اللوطية الصغرى"يعين اتيان النساء يف
وهنا قاعدة مقاصدية مهمة تفيدنا يف هذا املوضوع،وهي أنه إذا تعارض املقصدان أدبارهن(.)4
قدم قصد الشارع،وهنا تعارض قصد الرجل يف إتيان الدبر لقضاء شهوته املريضة مع -8عن خزمية بن ثابت أن رسول اهلل قال" :إن اهلل ال يستحيي من احلق ،ال تأتوا النساء يف
قصد الشرع الذي طلب? النسل-واإلتيان من الدبر يعارض هذا املقصد-واحلفاظ عليه، أعجازهن"(.)5
وجعل قضاء الشهوة احلالل وسيلة لذلك فيقدم قصد الشرع ،ألن الشارع هو احلاكم، واألعجاز"مجع عجز بفتح اجليم على املشهور مؤخر الشيء واملراد الدبر"(.)6
وألن الشريعة جاءت لتخرج اإلنسان من داعية هواه كما قال اإلمام الشاطيب رمحه اهلل " -9من املعلوم? أن املرأة جبميع أجزائها ليست حمالً للحراثة ،بل حمل احلراثة هو املوضع املعني
يف املوافقات(.)9 منها ،فلما محل مواضع احلراثة على ذوات النساء احتجنا إىل تقدير مضاف آخر يف املبتدأ،والتقدير:
ونقطة مهمة أخرى وهي أن للمرأة حقاً يف قضاء شهوهتا ،ال جيوز للرجل حبال من األحوال أبضاع نسائكم حرث لكم ،وال شك أن موضع حراثة الولد ليس أماكن متعددة بل هو موضع
إغفاله،ويف إتيان املرأة من دبرها قضاء على هذه الشهوة ،وإفساد للعشرة? الزوجية.
6التلخيص? احلبري3/210 ابن ماجه 1/660وصححه احلاكم على شرط مسلم وخالفه الذهيب واحلافظ وحسنه األلباين. 2
42
-3أهنا مدة ضربت له تأجيال فلم يستحق املطالبة فيها كسائر اآلجال.1 معاين املفردات:
الرتجيح: اإليالء لغة احللف ،وشرعا:أن حيلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر.
الراجح قول اجلمهور لقربه من داللة اآلية. الرتبص :النظر أو التوقف.
احلكم الثاين :صفة ميني اإليالء: فاءوا :رجعوا.
اختلف الفقهاء يف اشرتاط أن تكون اليمني لإلضرار أوال على قولني: ويف هذه اآلية أبطل اهلل سبحانه ما كانوا عليه من الضرار ،فقد كان الرجل يويل من امرأته
القول األول :ال يشرتط يف اإليالء الغضب وال قصد اإلضرار روي ذلك عن ابن مسعود? وبه السنة والسنتني وأكثر وال تطلق عليه ،فأبطل اهلل ذلك وأنظر املويل أربعة أشهر فإما أن يفيء أو
قال الثوري و الشافعي وأمحد. يطلق.
وعللوا قوهلم باآليت: بيان األحكام:
-1عموم اآلية حلالة الغضب? واإلضرار وغريمها. احلكم األول :مدة اإليالء:
-2أن الزوج منع نفسه من مجاع زوجته بيمينه فكان موليا كحال الغضب . اتفق الفقهاء على أن من حلف أال ميس زوجته أكثر من أربعة أشهر كان موليا ،واختلفوا
-3حكم اإليالء يثبت حلق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد اإلضرار أو مل يقصد فيمن حلف أال ميسها أربعة أشهر :
كاستيفاء ديوهنا وإتالف ماهلا. القول األول :يثبت له حكم الإيالء ،فإذا مضت? أربعة أشهر قبل أن يفيء بانت بتطليقة ،وبه
القول الثاين :ال يكون إيالء إال إذا حلف عليها يف حال غضب على وجه اإلضرار ،وبه قال قال أبو حنيفة وأصحابه .
مالك. وحجة أيب حنيفة أن اهلل تعاىل حدد املدة للفيء? بأربعة أشهر فإذا مل يرجع عن ميينه يف هذه
وحجته ما روي عن علي أنه سئل عن رجل حلف أال يطأ امرأته حىت تفطم ولدها ومل يرد املدة فكأنه أراد طالقها وعزم عليه ،والعزمية أمر قليب ،فاملراد من قوله تعاىل (عزموا الطالق)
اإلضرار هبا وإمنا قصد مصلحة? الولد فقال له :إمنا أردت اخلري وإمنا اإليالء يف الغضب. عقدوا عليه قلوهبم ،ومل تشرتط اآلية أن يطلق بالفعل.
الرتجيح: القول الثاين:ال تطلق مبضي املدة وإمنا يؤمر الزوج بالفيئة _أي الرجوع عن ميينه -أو
ما قاله اجلمهور هو الرجح لقوة ما استدلوا به. بالطالق فإذا امتنع الزوج منهما طلقها احلاكم عليه ،وبه قال اجلمهور.
احلكم الثالث :اليمني يف اإليالء: وحجة اجلمهور ما يلي:
اختلف العلماء يف ضرورة اليمني لكي يكون الزوج موليا على قولني: -1هذه اآلية وظاهرها أن الفيئة بعد أربعة أشهر لذكره الفيئة بعدها بالفاء املقتضية
القول األول :ال يكون الزوج موليا إال باليمني ،وبه قال أبو حنيفة والشافعي وامحد. للتعقيب? .
واحتجوا بقوله تعاىل( :يؤلون)? واليت تعين اليمني. -2قال تعاىل { :وإن عزموا الطالق فإن اهلل مسيع عليم } ولو وقع مبضي املدة مل
1املغين 8/529 حيتج إىل عزم عليه
43
عدة المطلقة القول الثاين :إذا امتنع الرجل عن زوجته بقصد اإلضرار من غري عذر ومل حيلف كان حكمه
ص َن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالَثَةَ ُق ُر َو ٍء َوالَ يَ ِح ُّل ل َُه َّن َأن يَكْتُ ْم َن َما َخلَ َق اللّهُ فِي َ وال ُْمطَلَّ َق ُ
ات َيَت َربَّ ْ حكم املويل ألن اإليالء مل يرد لعينه وإمنا أريد ملعىن سوء العشرة والضرر وهذا حاصل إذا
ِّه َّن فِي َذلِ َ
اآلخ ِر وبعولَته َّن َأح ُّق بِرد ِ َأرح ِام ِه َّن ِإن ُك َّن يْؤ ِم َّن بِالل ِّه والْيوِم ِ
ك ِإ ْن ََأر ُ
ادواْ َ ُُ ُ ُ َ َ َ َْ ُ َْ ضارهن دون ميني.
وف ولِ ِّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ِإ ْ الرتجيح:
لر َجال َعلَْي ِه َّن َد َر َجةٌ َواللّهُ َع ِز ٌيز َح ُك ٌ
يم{ صالَحاً َول َُه َّن مثْ ُل الذي َعلَْي ِه َّن بال َْم ْع ُر َ
}228 الراجح قول اجلمهور لتأيده بلفظ اآلية ،وإن كان قول مالك صحيحا من حيث املعىن إال أنه
بينت هذه اآلية عدة املطلقة غري املدخول هبا وغري احلامل ،ليستدل هبا على براءة الرحم. يقال إن اإليالء الوارد يف الشرع والذي بني القرآن حكمه له صفة خاصة من أركاهنا اليمني.
بيان األحكام: وما ذكره املالكية له باب آخر هو الضرر فيمكن للزوجة أن ترفع أمرها للقاضي مطالبة برفع
احلكم األول :املراد بالقروء: الضرر.
يطلق القرء لغة على العادة املستمرة ،فيطلق على احليض والطهر ،ولكن الفقهاء اختلفوا يف احلكم الرابع :املراد بالفيء:
تعيني املراد منهما هنا على قولني: اختلف العلماء يف املراد بالفيء هنا على أقوال:
القول األول :املراد به الطهر وبه قال مالك والشافعي وراوية عن أمحد. القول األول:اجلماع ليس غري ،فإذا مل يغشها وانقضت? املدة بانت منه ،وبه قال الشعيب.
وحجتهم ما يلي: القول الثاين :اجلماع ،إال إذا كان معذورا كان يكون مريضا أو مسافرا فيكفي املراجعة
-1إثبات التاء يف العدد (ثالثة) وهو يدل على أن املعدود مذكر وأن املراد به الطهر. بالساو القلب ،وهذا مذهب مجهور الفقهاء.
-2قوله تعاىل { :فطلقوهن لعدهتن } أي يف عدهتن كقوله تعاىل { :ونضع املوازين القول الثالث :املراجعة باللسان? على كل حال ،فيكفي أن يقول :قد فئت ،وحيكى عن
القسط ليوم القيامة } أي يف يوم القيامة وإمنا أمر بالطالق يف الطهر ال يف احليض. النخعي.
القول الثاين :املراد باألقراء احليض ،وبه قال أبو حنيفة ورواية عن أمحد. الرتجيح:
واحتجوا مبا يلي: قول اجلمهور هو الراجح.
-1قول اهلل تعاىل { :والالئي يئسن من احمليض من نسائكم إن ارتبتم فعدهتن ثالثة احلكم اخلامس :هل توجب الفيئة الكفارة؟
أشهر والالئي مل حيضن } فنقلهن عند عدم احليض إىل االعتداد باألشهر فدل ذلك على الفيئة توجب الكفارة عند أهل العلم ،والغفران خيتص بالذنب ال بالكفارة بدليل حديث"إذا
أن األصل احليض. حلفت على ميني فرأيت غريها خريا منها فأت الذي هو خري وكفر عن ميينك".1
-2أن املعهود يف لسان الشرع استعمال القرء مبعىن احليض [ قال النيب صلى اهلل عليه وقال احلسن والنخعي ال جتب الكفارة وهو القدمي من قول الشافعي.2
وسلم :تدع الصالة أيام أقرائها ] رواه أبو داود [ وقال لفاطمة? بنت أيب حببيش فإذا أتى 1البخاري6/2613
2املوزعي 1/428
44
وقوله تعاىل( :إن كن يؤمن باهلل واليوم اآلخر خرج خمرج الوعيد هلن والتوكيد) وهو كما قرؤك ] ...رواه النسائي ومل يعهد يف لسانه استعماله مبعىن الطهر يف موضع فوجب أن
تقول للرجل إن كنت مؤمنا فال تظلم.5 حيمل كالمه على املعهود يف لسانه.
احلكم الثالث :الرجعة: -3أن العدة استرباء فكانت باحليض كاسترباء األمة وذلك ألن االسترباء ملعرفة براءة
قوله { :وبعولتهن أحق بردهن يف ذلك إن أرادوا إصالحا } أي وزوجها الذي طلقها أحق الرحم من احلمل والذي يدل على احليض فوجب أن يكون االسترباء به.1
بردها ما دامت يف عدهتا إذا كان مراده بردها اإلصالح واخلري ،وهذا يف الرجعيات فأما فائدة اخلالف:
املطلقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه اآلية مطلقة? بائن وإمنا كان ذلك ملا حصروا يف فائدة اخلالف أنه إذا طلقها? يف طهر خرجت من عدهتا عند األولني مبجيء احليضة الثالثة،
الطلقات الثالث ،فأما حال نزول هذه اآلية فكان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها? مائة مرة ألنه حيسب هلا الطهر الذي طلقت? فيه وال خترج من عدهتا إال بانقضاء احليضة الثانية عند
فلما قصروا يف اآلية اليت بعدها على ثالث تطليقات صار للناس مطلقة بائن وغري بائن.6 اآلخرين.2
احلكم الرابع :املعاشرة باملعروف: احلكم الثاين :حرمة كتمان ما يف األرحام:
يف قوله تعاىل( :وهلن مثل الذي عليهن باملعروف) تأسيس لقاعدة أسرية مهمة بني الزوجني، قوله تعاىل( :وال حيل هلن أن يكتمن ما خلق اهلل يف أرحامهن) فيه ثالثة أقوال:
وهي قاعدة التعامل باملعروف والعشرة احلسنة ،وكان االعتناء بذكر ما للنساء من احلقوق على -1احلمل قاله عمر و ابن عباس .
الرجال وتشبيهه مبا للرجال على النساء بسبب عدم االعتناء هبا والتهاون يف أداء حقوقها. -2احليض قاله عكرمة والنخعي .
عدد التطليقات ،ومشروعية الخلع -3احلمل واحليض قاله ابن عمر وابن زيد.3
ان َوالَ يَ ِح ُّل لَ ُك ْم َأن تَْأ ُخ ُذواْ ِم َّما
وف َأو تَس ِريح بِِإ حس ٍ
ْ ْ ٌ َْ
اك بِمعر ٍ ِ ِإ
الطالَ ُق َم َّرتَان فَ ْم َس ٌ َ ْ ُ
َّ قال ابن العريب":والثالث هو الصحيح ،ألن اهلل جعلها أمينة على رمحها فقوهلا فيه مقبول إذ
ود الل ِّه فَِإ ْن ِخ ْفتُم َأالَّ ي ِقيما ح ُد َ ِ ِ
اح
ود اللّه فَالَ ُجنَ َ ْ ُ َ ُ يما ُح ُد َ وه َّن َش ْيئاً ِإالَّ َأن يَ َخافَا َأالَّ يُق َ
آَت ْيتُ ُم ُ ال سبيل إىل علمه إال خبربها ،وال خالف بني األمة أن العمل على قوهلا يف دعوى الشغل للرحم
ك ُه ُم ود الل ِّه فَ ُْأولَـِئ َ ود الل ِّه فَالَ َت ْعتَ ُد َ
وها َو َمن َيَت َع َّد ُح ُد َ ْك ُح ُد ُ ت بِ ِه تِل َ ِ
َعلَْي ِه َما ف َ
يما ا ْفتَ َد ْ أو الرباءة ما مل يظهر كذهبا".4
الظَّالِ ُمو َنالبقرة229 وقد حرم اهلل كتمان املرأة ما يف رمحها لتعلق ذلك حبق الرجعة واختالط األنساب.
معىن اآلية:
املراد بالطالق املذكور هو الرجعي بدليل ما تقدم يف اآلية األوىل :أي الطالق الذي تثبت
فيه الرجعة لألزواج هو مرتان :أي الطلقة األوىل والثانية إذ ال رجعة بعد الثالثة وإمنا قال
1انظر املغين 9/81
2السايس 1/257
5زاد املسري 1/260 3زاد املسري 1/260
6ابن كثري1/363 1/254 4
45
احلكم الثاين :الطالق الثالث بلفظ واحد: سبحانه { :مرتان } ومل يقل طلقتان? إشارة إىل أنه ينبغي أن يكون الطالق مرة بعد مرة ال
اختلف أهل العلم يف إرسال الثالث دفعة واحدة هل يقع ثالثا أو واحدة فقط. طلقتان دفعة واحدة هكذا قال مجاعة من املفسرين .
القول األول :يقع ثالثا ،وبه قال األئمة األربعة. وملا مل يكن بعد الطلقة الثانية إال أحد أمرين إما إيقاع الثالثة اليت هبا تبني الزوجة أو اإلمساك
واستدلوا مبا يلي: هلا واستدامة نكاحها وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه { :فإمساك مبعروف أو تسريح
-1أن للزوج على زوجته ثالث تطليقات فإما أن جيمعها أو يفرقها واإلسالم قد بإحسان } أي فإمساك بعد الرجعة ملن طلقها زوجها طلقتني مبعروف :أي مبا هو معروف عند
أرشده إىل ما هو األفضل واألصلح ،فإذا جاوز هذا إىل ما فيه تضييق عليه أخذ جبريرة الناس من حسن العشرة { أو تسريح بإحسان } أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار هلا
نفسه. وقيل املراد { :فإمساك مبعروف } أي برجعة بعد الطلقة الثانية { أو تسريح بإحسان } أي
-2اإلمجاع حيث قضى به عمر فأقره مجيع الصحابة ومل ينكر عليه أحد منهم. برتك الرجعة بعد الثانية حىت تنقضي عدهتا واألول أظهر.1
القول الثاين :يقع واحدة ،وبه قال بعض أهل الظاهر وابن تيمية وتلميذه ابن القيم. بيان االحكام:
واستدلوا مبا يلي: احلكم األول :حكم الطالق:
-1ثبت يف مسلم? عن بن عباس قال :كان الطالق على عهد رسول اهلل وأيب بكر الطالق على مخسة أضرب:
وسنتني من خالفة عمر طالق الثالث واحدة فقال عمر بن اخلطاب :إن الناس قد -1واجب :وهو طالق املويل بعد الرتبص إذا أىب الفيئه وطالق احلكمني يف الشقاق
استعجلوا يف أمر كانت هلم فيه أناة فلو امضيناه عليهم ،فأمضاه عليهم. إذا رأيا ذلك .
-2فرق اهلل الطالق بقوله( :الطالق مرتان) أي مرة بعد مرة وما كان مرة بعد مرة -2مكروه :وهو الطالق من غري حاجة إليه وألمحد رواية أنه حمرم ألنه ضرر بنفسه
الميلك الكلف إيقاعه دفعة واحدة مثل اللعان ال بد من التفريق فيه ولو قال :أشهد باهلل وزوجته وإعدام للمصلحة احلاصلة هلما من غري حاجة إليه فكان حراما كإتالف املال
أربع شهادات إين ملن الصادقني كان مرة واحدة ،كما أن الشارع طلب? أن يسبح العبد ولقول النيب صلى اهلل عليه وسلم [ :ال ضرر وال ضرار ] وهو قول وجيه.
ريه وحيمده ويكربه ثالثا وثالثني وال يكفيه أن يقول سبحان اهلل ثالثا وثالثني ،فكذلك -3مباح وهو عند احلاجة إليه لسوء خلق املرأة وسوء عشرهتا والتضرر هبا من غري
هنا. حصول الغرض هبا .
-4مندوب إليه وهو عند تفريط املرأة يف حقوق اهلل الواجبة عليها مثل الصالة
وحنوها وال ميكنه إجبارها عليها أو تكون له امرأة غري عفيفة .
الرتجيح: -5حمظور :وهو الطالق يف احليض أو يف طهر جامعها فيه.2
49
الثاين :أنه خطاب لألولياء يف عضلهن أن يرجعن إىل أزواجهن الذين كانوا أزواجا هلن
أزواجا باعتبار ما كان "ويكون معىن إسناد الطالق إليهم أهنم سبب له لكوهنم املزوجنيً و مسوا
()1
للنساء املطلقات من األزواج املطلقني هلن" .
الثالث :جلميع الناس ،فيتناول عضل األزواج واألولياء مجيعاً( )2قال أبو السعود" :وإما
للناس كافة فإن إسناد ما فعله واحد منهم إىل اجلميع شائع مستفيض ،واملعىن :إذا وجد فيكم طالق
فال يقع فيما بينكم عضل سواء كان ذلك من قبل األولياء أو من جهة األزواج ،وفيه هتويل ألمر
العضل وحتذير منه وإيذان بان وقوع ذلك بني ظهرانيهم وهم ساكتون عنه مبنزلة صدوره عن الكل
يف استتباع الالئمة وسرابة الغائلة "(.)3
ولكن الذي يظهر رجحانه هو القول الثاين ،ألن عليه مجهور املفسرين( )4ولتأيده بسبب النزول،
واهلل اعلم.
51
-2وقال بعضهم? هو وارث املولود على اإلطالق من الرجال والنساء روي عن واستدل بقوله سبحانه { :ومحله وفصاله ثالثون شهرا } ومل يرد باحلمل محل األحشاء ألنه
أمحد بن حنبل يكون سنتني فعلم أنه أراد احلمل يف الفصال.
-3هو من كان ذا رحم حمرم من ورثة املولود روي عن أيب حنيفة وايب يوسف القول الثالث :ما كان بعد احلولني من رضاع بشهر أو شهرين أو ثالثة فهو من احلولني وحيكى
وحممد. عن مالك.
الثاين :أن املراد بالوارث هاهنا وارث الوالد روي عن احلسن والسدي . القول الرابع :قال زفر مدة الرضاع ثالث سنني.
الثالث :أن املراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة اآلخر روي عن سفيان . الرتجيح:
الرابع :أنه أريد بالوارث الصيب نفسه والنفقة عليه فان مل ميلك شيئا فعلي عصبته.4 الراجح قول اجلمهور لداللة اآلية (حولني كاملني) .
ويف قوله تعاىل( :مثل ذلك) ثالثة أقوال: احلكم الثالث :تقدير نفقة املرضع:
أنه اإلشارة إىل أجرة الرضاع والنفقة . -1 دل قوله تعاىل ( :وعلى املولود له رزقهن وكسوهتن باملعروف) على وجوب النفقة للمرضع على
أن اإلشارة بذلك إىل النهي عن الضرار . -2 الزوج ،والرزق هنا هو الطعام الكايف،1واملراد بالكسوة :ما يتعارفون به أيضا 2وقوله ( :باملعروف )
أنه إشارة إىل مجيع . -3 أي باملتعارف يف عرف الشرع من غري تفريط وال إفراط مث بني تعاىل أن اإلنفاق على قدر غىن الزوج
ويشهد هلذا أنه معطوف? على ما قبله وقد ثبت أن على املولود له النفقة والكسوة و أن ال ومنصبها بقوله تعاىل { :ال تكلف نفس إال وسعها }.
يضار فيجب أن يكون قوله مثل ذلك مشريا إىل مجيع ما على املولود له.5 احلكم الرابع :نفقة الولد على الوالد
أحكام أخرى: أخذ الفقهاء من هذه اآلية (وعلى املولود له رزقهن) وجوب نفقة الولد على الوالد ،ألن اهلل
هذا وقد اشتملت اآلية على أحكام أخرى وهي: أوجب نفقة املطلقة على الوالد يف زمن الرضاع ألجل الولد فتجب نفقته على أبيه ما دام صغريا مل
-1يف قوله تعاىل( :وعلى املولود له) دليل على نسب األوالد لآلباء وهلذا وجب يبلغ سن التكليف.3
عليهم اإلنفاق. احلكم اخلامس :وعلى الوارث مثل ذلك
-2أن األب واألم إذا أرادا فطام الطفل قبل احلولني عن تراض وتشاور بينهما يف يف املراد بالوارث أربعة أقوال:
هذا األمر فجائز هلما ذلك ما مل يكن فيه إضرار بالطفل. أحدها :أنه وارث املولود وهو قوال عطاء وغريه ،واختلف أرباب هذا القول على أقوال:
-3يف اآلية إشارة إىل استحباب أن تسري شؤون األسرة بالتشاور والرتاضي بني -1فقال بعضهم? هو وارث املولود من عصبته كائنا من كان وهذا مروي عن عمر .
الزوجني.
1القرطيب2/152
4زاد املسري1/270 2فتح القدير 1/371
5املرجع السابق 3روائع البيان 1/355والقرطيب 2/152
52
برهة من اإلسالم إذا تويف الرجل وخلف امرأته حامال أوصى هلا زوجها بنفقة سنة وبالسكىن ما -4جيوز اختاذ الظئر –املرضع -إذا اتفق األب واألم على ذلك دل عليه قوله تعاىل
مل خترج فتتزوج مث نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر وباملرياث . (وإن أردمت أن تسرتضعوا أوالدكم فال جناح عليكم).
وقال قوم ليس يف هذا نسخ وإمنا هو نقصان من احلول كصالة املسافر ملا نقصت من األربع -5قوله تعاىل( :إذا سلمتم ما آتيتم باملعروف) ليس شرطا جلواز االسرتضاع وإمنا
إىل االثنتني مل يكن هذا نسخا . هو ندب إىل األوىل ،لتكون املرضع طيبة النفس راضية ،فيعود ذلك على الصيب بالنفع.1
قال القرطيب :وهذا غلط بني؛ ألنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا مل خترج فإن خرجت مل
متنع مث أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا وهذا هو النسخ وليست صالة املسافر من عدة الوفاة
ص َن بَِأن ُف ِس ِه َّن َْأر َب َعةَ َأ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً فَِإ ذَا َبلَغْ َن ِ َّ ِ
هذا يف شيء ،وقد قالت عائشة رضي اهلل عنها :فرضت الصالة ركعتني ركعتني فزيد يف صالة ين ُيَت َو َّف ْو َن من ُك ْم َويَ َذ ُرو َن َأ ْز َواجاً َيَت َربَّ ْ
َ والذ َ
وف َواللّهُ بِ َما َت ْع َملُو َ3ن َخبِ ٌير{}234 َأجلَه َّن فَالَ جنَاح َعلَي ُكم فِيما َفعلْن فِي َأن ُف ِس ِه َّن بِالْمعر ِ
احلضر وأقرت صالة السفر حباله.2 َ ُْ ُ َ ْ ْ َ َ َ َ ُ
احلكم الثاين :اإلحداد:
بيان األحكام:
اختلف العلماء يف الذي يرتبص عنه هذه املدة فقال يرتبصن عن النكاح والطيب والزينة
احلكم االول :مدة عدة الوفاة:
والنقلة من املسكن.
ال ختلو املتوفاة عنها زوجها من أن تكون حائال أو حامال ،ويف هذه اآلية بيان لعدة احلائل
وقال آخرون :إمنا عدة املتوىف عنها زوجها أن ترتبص بنفسها عن األزواج خاصة فأما عن
وهي أربعة أشهر وعشر ليال ،وأما احلامل فعدهتا وضع محلها لقوله? تعاىل (وأوالت األمحال
الطيب والزينة والنقلة من املنزل فلم تنه عن ذلك ،وهو ضعيف ،ويؤيد قول اجلمهور حديث
أجلهن أن يضعن محلهن) فهذه اآلية قد خصصت عموم (والذين يتوفون )...هذا ما قاله
حفصة ابنة عمر زوج النيب عن النيب أنه قال " :ال حيل المرأة تؤمن باهلل واليوم االخر أن حتد
اجلمهور.
فوق ثالث إال على زوج فإهنا حتد عليه أربعة أشهر وعشرا".3
ولكن ذهب علي وابن عباس إىل أن احلامل تعتد بأبعد األجلني ،فتكون هبذا قد عملت
واإلحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ولبس ما يدعوها إىل األزواج من ثياب وحلي
باآليتني واجلمع أول من الرتجيح.
وغري ذلك وهو واجب يف عدة الوفاة قوال واحدا ،وال جيب يف عدة الرجعية قوال واحدا،
قال القرطيب :وهذا نظر حسن لوال ما يعكر عليه من [ حديث سبيعة األسلمية وأهنا نفست
واستحبه الشافعية ،وهل جيب يف عدة البائن فيه قوالن للشافعي? اجلديد عدمه ،وجيب اإلحداد
بعد وفاة زوجها بليال وأهنا ذكرت ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأمرها أن تتزوج ]
على مجيع الزوجات املتوىف عنهن أزواجهن سواء يف ذلك الصغرية والآيسة واحلرة واألمة
واحلديث يف البخاري ومسلم.
واملسلمة والكافرة لعموم? اآلية ،وأما احلامل فتحد مدة بقاء محلها.4
وأكثر العلماء على أن هذه اآلية ناسخة لقوله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون?
2اجلامع ألحكام القرآن 3/165 أزواجا وصية ألزواجهم متاعا إىل احلول غري إخراج } [ البقرة ] 240 :ألن الناس أقاموا
3أخرجه مسلم 2/1123
4انظر تفسري القرآن العظيم ،1/382ومغين احملتاج ،3/393واملغين9/167 السايس 1/277 1
53
بيان األحكام: خطبة المرأة
احلكم األول :حكم خطبة النساء: ِّساء َْأو َأ ْكنَنتُ ْم فِي َأن ُف ِس ُك ْم َعلِ َم َ والَ جنَاح َعلَي ُكم فِيما َع َّر ْ ِ ِ ِ ِ ِ
ضتُم به م ْن خطْبَة الن َ ُ َ ْ ْ َ
النساء يف حكم اخلطبة على ثالثة أقسام: وه َّن ِس ّراً ِإالَّ َأن َت ُقولُواْ َق ْوالً َّم ْع ُروفاً َوالَ ِ ِ
اللّهُ َأنَّ ُك ْم َستَ ْذ ُك ُرو َن ُه َّن َولَـكن الَّ ُت َواع ُد ُ
-1جتوز خطبتها تعريضا وتصرحيا وهي اليت ليست يف عصمة أحد من األزواج َأن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما فِي َأن ُف ِس ُك ْم
َأجلَهُ َوا ْعلَ ُمواْ َّ ِ َت ْع ِز ُمواْ عُ ْق َدةَ النِّ َك ِ
اب ََّى َي ْبلُ َغ الْكتَ ُ
اح َحت َ
وليست يف العدة ألنه ملا جاز نكاحها جازت خطبتها. َأن اللّه غَ ُف ِ
يم{}235 ور َحل ٌ اح َذ ُروهُ َوا ْعلَ ُمواْ َّ َ ٌ فَ ْ
-2جتوز خطبتها ال تصرحيا وال تعريضا وهي اليت يف عصمة الزوجية فإن خطبتها
معىن اآلية:
وهي يف عصمة آخر إفساد للعالقة الزوجية وهو حرام وكذلك املطلقة رجعيا فإهنا يف
هذا خطاب ملن أراد الزواج بمعتدة ،والتعريض اإلمياء والتلويح من غري كشف فهو إشارة بالكالم
حكم املنكوحة.
إلىك أن يقول إين أريد أن أتزوج أو أن يقول إنك جلميلة و إنك حلسنة وإنك إلىل خري
-3جتوز خطبتها تعريضا ال تصرحيا وهي املعتدة يف الوفاة وهي اليت أشارت إليها
قوله تعاىل أو أكننتم يف أنفسكم أي أضمرمت
اآلية (وال جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) ومثلها املعتدة البائن املطلقة ثالثا
علم اهلل أنكم ستذكروهنن أي باخلطبة وال تصربون عنهن فأباح لكم التعريض
فيجوز التعريض هلا دون التصريح.2
ولكن ال تواعدوهن سرا يف املراد بالسر أقوال:
احلكم الثاين :النكاح يف العدة:
-1النكاح فاملعىن ال تواعدوهن بالتزويج وهن يف العدة تصرحيا إال أن تقولوا قوال
حرم اهلل تعاىل عقد النكاح يف العدة بقوله تعاىل { :وال تعزموا عقدة النكاح حىت يبلغ
معروفا ال تذكرون فيه رفثا وال نكاحا .
الكتاب أجله } وهذا من احملكم اجملمع على تأويله أن بلوغ أجله انقضاء العدة ،واتفق العلماء
-2أن يقول هلا إين لك حمب وعاهديين أن ال تتزوجي غريي
على فساد العقد على املعتدة ووجوب فسخه ،واختلفوا يف تأبيد التحرمي بعد الفسخ على
-3أن املراد بالسر الزىن
قولني:
-4أن املعىن ال تنكحوهن يف عدهتن سرا فاذا حلت أظهرمت ذلك .
القول األول :يتأبد التحرمي ،فال حيل للزوج نكاحها أبدا وهو قول مالك.
ويف القول املعروف قوالن:
ودليله قضاء عمر بذلك ،وألنه استعجل الشيء قبل أوانه فعوقب حبرمانه.
-1التعريض هلا .
القول الثاين :يفسخ النكاح فإذا خرجت من العدة كان العاقد خاطبا من اخلطاب ومل يتأبد
-2أنه إعالم وليها برغبته فيها .
التحرمي ،وهو قول أيب حنيفة والشافعي.
قوله تعاىل و التعزموا عقدة النكاح قال الزجاج معناه ال تعزموا على عقدة النكاح
حىت يبلغ الكتاب أجله أي انقضاء العدة.1
60
إخراج الفائدة وعدم االنتفاع هبا ،فإن خشي أو ظن من نفسه استعماله واالنتفاع به حرم عليه ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن{َ }280و َّات ُقواْ َي ْوماً ُت ْر َجعُو َن فِ ِيه ِإلَى الل ِّه ثُ َّم ُت َوفَّى ُك ُّل َن ْف ٍ
س َّما
األخذ. ت َو ُه ْم الَ يُظْلَ ُمو َن{}281
سبَ ْ
َك َ
املراد بالربا هنا هو ربا اجلاهلية ،وقال يف حجة الوداع ":أال أن كل ربا من ربا اجلاهلية
موضوع لكم رؤوس أموالكم ال تظلمون? وال تظلمون".1
فردهم تعاىل مع التوبة إىل رؤوس? أمواهلم وقال هلم :ال تظلمون? يف أخذ الربا وال تظلمون يف أن
يتمسك بشيء من رؤوس أموالكم فتذهب أموالكم.2
فإن كانت باقية بعينها أخذوها ،وإن كانت تالفة أخذوا من الغرمي عوضها إن كان موسرا وإن
كان ذو عسرة وجب إنظاره إىل ميسرة وحرم مطالبته ومالزمته والصدقة أفضل من الصرب.3
ويف العصر احلاضر تقوم البنوك إعطاء فوائد ربوية عن املال املودع لديها فهل جيوز أخذه؟
دل قوله تعاىل :فلكم رؤوس? أموالكم على حرمة أخذ الزيادة (الربا) وأن ليس له إال ماله،
ولكن ذهب بعض املعاصرين إىل جواز أخذ الزيادة من البنوك الربوية وتفريقها يف سبل اخلري يف غري
املساجد وحنوها ،معلال قوله بأن يف ترك املال هلذه البنوك إعانة هلا على االستمرار بل وعلى زيادة
االستثمار فهو ربح جماين قدمه هلا املودع التقي!!
ورد على هذا القول آخرون وشنعوا عليه حبجة خمالفته للنص القرآين اآلمر بأخذ رأس املال دون
زيادة.
والذي يرتجح أنه إذا حصل املودع على الفائدة الربوية دون طلب أو غفلة منة منذ البداية حيث
مل يذكر يف أوراق املعاملة عدم رغبته يف الفائدة ،جيوز له أخذها ولكن جيب عليه إنفاقها على الفقراء
واملساكني ودور األيتام ،واملصابني بالكوارث وحنوهم ،وال جيوز أن يبين هبا مسجدا أو يطبع
مصحفا ،وحنوها ،أو ينوي هبا الزكاة ،بل إخراج الفائدة هو للتخلص من املال احلرام ،فال يعين أنه
مأجور هبذه اإلنفاق ،ولكي ال يساهم يف مناء األموال الربوية ،هذا ملن يعلم من نفسه قدرته على
1أبو داود2/264
2القرطيب 3/240
3تيسري البيان للموزعي 1/506
61
أمر اهلل بكتابة الدين فاختلف العلماء يف وجوبه وندبه على قولني: آيـة الـدَّين
ب بِال َْع ْد ِل ِ َّ ِ
القول األول :الوجوب ،فيجب على من له أو عليه الدين أن يكتبه إذا وجد كاتبا وأن َأج ٍل ُّم َس ًّمى فَا ْكتُبُوهُ َولْيَكْتُب َّب ْينَ ُك ْم َكات ٌ آمنُواْ ِإذَا تَ َدايَنتُم بِ َديْ ٍن ِإلَى َين َ يَا َُّأي َها الذ َ
ِ ِ ِ ِ
يشهد وبه قال الظاهرية. ب َولْيُ ْمل ِل الَّذي َعلَْيه ال َ
ْح ُّق َولْيَت َِّق اللّهَ َربَّهُ َوالَ ب َك َما َعلَّ َمهُ اللّهُ َفلْيَكْتُ ْ ب َأ ْن يَكْتُ َْأب َكات ٌ َوالَ يَ َ
واستدلوا مبا يلي: يع َأن يُ ِم َّل ُه َو َفلْيُ ْملِ ْل ِ يب َخس ِم ْنهُ َشيئاً فَإن َكا َن الَّ ِذي َعلَي ِه الْح ُّق س ِفيهاً َأو َ ِ
ضعيفاً َْأو الَ يَ ْستَط ُ ْ ْ َ َ ْ َْ ْ
-1قوله تعاىل( :وال يأب كاتب أن يكتب كما علمه اهلل فليكتب). ِ ِ َّ ِإ ِ
استَ ْش ِه ُدواْ َش ِهي َديْ ِن من ِّر َجال ُك ْم فَ ن ل ْم يَ ُكونَا َر ُجلَْي ِن َف َر ُج ٌل َو ْام َرَأتَان م َّمن ِ ِ ِ
َوليُّهُ بال َْع ْدل َو ْ
-2قوله تعاىل( :فليس عليكم جناح أال تكتبوها) فلما رخص يف ترك الكتابة عند الش َه َداء ِإ َذا َما ُدعُواْ ْأب ُّ اه َما اُأل ْخ َرى َوالَ يَ َ اه َما َفتُ َذ ِّك َر ِإ ْح َد ُ
ض َّل ْإ ْح َد ُ ض ْو َن ِم َن ُّ
الش َه َداء َأن تَ ِ َت ْر َ
حضور التجارة برفع اجلناح دل على أن األمر على احلتم. اد ِة َوَأ ْدنَى َأالَّ ْوم لِ َّ ِ والَ تَسَأمواْ َأن تَكْتبوه ص ِغيراً َأو َكبِيراً ِإلَى َأجلِ ِه ذَلِ ُكم َأقْس ُ ِ
لش َه َ ط عن َد اللّه َوَأق ُ ْ َ َ ُُ ْ ُ َ َ ْ ُْ
القول الثاين :الكتابة واإلشهاد بالدين غري منسوخ ،وبه قال اجلمهور. وها َوَأ ْش ِه ُد ْواْ ِ ِ ِ ِإ
اح َأالَّ تَكْتُبُ َ
س َعلَْي ُك ْم ُجنَ ٌ َت ْرتَابُواْ الَّ َأن تَ ُكو َن ت َج َارةً َحاض َرةً تُد ُيرو َن َها َب ْينَ ُك ْم َفلَْي َ
واستدلوا مبا يلي: ض َّ ِ
سو ٌق بِ ُك ْم َو َّات ُقواْ اللّهَ َو ُي َعلِّ ُم ُك ُم اللّهُ ِإ ِإ
ب َوالَ َش ِهي ٌد َو ن َت ْف َعلُواْ 3فَ نَّهُ فُ ُ آر َكات ٌ ِإ َذا َتبَ َاي ْعتُ ْم َوالَ يُ َ
َّه َاد ِة َو َْأدىَن َأالَّ َت ْرتَابُوا) وهذا إرشاد ط ِع َند اللّ ِه وَأقْ ِ -1قوله تعاىل( :ذَلِ ُك ْم َأقْ َس ُ
وم للش َ َ ُ يم{}282 ٍ ِ ِ
َواللّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ
إىل دفع التظامل وحفظ املال ،وعدم الريبة يف حفظه بالشهادة وتقومي الشهادة على وجهها. بيان األحكام:
ض ُكم َب ْعضاً َفْلُيَؤ ِّد الَّ ِذي اْؤ مُتِ َن ََأما َنتَهُ) ِ
-2قوله تعاىل( :فَِإ ْن َأم َن َب ْع ُ اشتملت هذه اآلية على مجلة وفرية من األحكام وهي كالتايل:
الرتجيح: احلكم األول :الدين إىل أجل:
ما ذهب إليه اجلمهور هو الراجح ويدل له ما صح يف السنة عن عمارة بن خزمية أن عمه أحل اهلل سبحانه املداينة إىل أجل مسمى ،فيدخل يف ذلك بيع السلعة املعينة بثمن إىل أجل
حدثه وهو من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم :أن النيب ابتاع فرسا من أعرايب واستتبعه مسمى وبيع السلعة يف الذمة إىل أجل مسمى وهو السلم.1
ليقبض مثن فرسه فأسرع النيب وأبطأ األعرايب وطفق الرجال يتعرضون لألعرايب فيسومونه احلكم الثاين :األجل
بالفرس وهم ال يشعرون أن النيب ابتاعه حىت زاد بعضهم? يف السوم على ما ابتاعه به منه فنادى يف اآلية تنبيه على أنه ال جيوز املداينة إال إىل أجل مسمى ،فأما األجل اجملهول فال يكتب
األعرايب النيب فقال :إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإال بعته فقام النيب حني مسع نداءه فقال لعدم صحته ملا فيه من الغرر ،وعلى هذا اتفق أهل العلم وإمنا اختلفوا يف التوقيت باألوقات
أليس قد ابتعته منك قال ال واهلل ما بعتكه فقال النيب :قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنيب املعلومة? الوقت اجملهولة املقدار كاحلصاد واملوسم ،فمنعه أبو حنيفة والشافعي وأجازه مالك
وباألعرايب ومها يرتاجعان ،وطفق األعرايب يقول :هلم شاهدا يشهد أين قد بعتكه قال خزمية بن ورأى غرره يسريا كنقصان? الشهور.
ثابت :أنا أشهد أنك قد بعته قال :فأقبل النيب على خزمية فقال :بم تشهد؟ قال :بتصديقك يا احلكم الثالث :كتابة الدين واإلشهاد عليه:
رسول اهلل ،قال فجعل رسول اهلل شهادة خزمية شهادة رجلني.2
2أبو داود ،3/208والنسائي ،7/301وصححه األلباين 1املوزعي 1/507
62
احلكم السابع :حكم االستشهاد: فلو كان اإلشهاد واجبا ملا بايع رسول اهلل من غري شهود.
ان مِم َّن
قال تعاىل( :واستَ ْش ِه ُدواْ َش ِه َيدي ِن من ِّرجالِ ُكم فَِإن مَّل ي ُكونَا رجلَ ِ َفرجل وامرَأتَ ِ
ْ َ َ ُ نْي َ ُ ٌ َ ْ َ َ ْ ْ َ ْ احلكم الرابع:الكتابة:
ِإ ِ ِ
اُألخَرى) اشتملت هذه اجلملة على مجلة ُّه َداء َأن تَض َّل ْإ ْح َدامُهَا َفتُ َذ ِّكَر ْح َدامُهَا ْ
ض ْو َن م َن الش َ
َت ْر َ ذكر اهلل سبحانه األمر بالكتابة وهنى الكاتب عن االمتناع من أن يكتب كما علمه اهلل فقال
ب َك َما َعلَّ َمهُ اللّهُ) وال حيفى أن القيام ِ (ولْيكْتُب َّبينَ ُكم َكاتِ ِ ِ
أحكام: ب َأ ْن يَكْتُ َ ب بالْ َع ْدل َوالَ يَْأ َ
ب َكات ٌ ٌ ْ ْ ََ
احلكم الثامن :شهادة الكافر: بالكتابة للصكوك? وحفظ احلقوق فرض على الكفاية كالقيام بالشهادة قد جعلها اهلل سبحانه
ختصيص الشهادة برجالنا يقتضي أنه ال جيوز شهادة غري رجالنا ،وقد اتفق أهل العلم على أن قرينة للشهادة وإن كانت الشهادة آكد بدليل شرطيتها يف النكاح ،وبأنه جيب على احلاكم
شهادة الكافر غري جائزة يف الديون واملعامالت ،لكنهم اختلفوا يف جواز شهادة أهل الذمة على اإلشهاد مبا تقرر عنده من احلق ويف وجوب الكتابة خالف واألصح عند الشافعية واجلمهور
مثلهم فأجازها احلنفية 5خالفا للجمهور. الندب.1
احلكم التاسع :شهادة الصبيان: احلكم اخلامس :العدل يف الكتابة :أوجب اهلل سبحانه على الكاتب العدل فيما يكتب وبني
ختصيص الشهادة بالرجال يقتضي أن الصبيان ال جتوز شهادهتم وعلى هذا اتفق أهل العلم إال اهلل سبحانه طريق العدل فأمر الرشيد الكامل أن ميلي بنفسه وليتق اهلل وال يبخس منه شيئا وأمر
يف شهادة بعضهم? على بعض يف القتال واجلراح فخالف: الويل أن ميلي عن املوىل عليه إذا كان سفيها أو مبذرا مفسدا للمال أو ضعيفا غبيا أمحق أو ال
القول األول :جتوز شهادة الصبيان مامل يتفرقوا أو خيتلفوا وبه قال مالك. يستطيع اإلمالء جلنون أو صغر أو عي فأقام القيم عليهم مقامهم?.2
واستدل بعمل أهل املدينة فقال " :هو األمر عندنا اجملتمع عليه".6
قال ابن رشد" :ليست يف احلقيقة شهادة عند مالك وإمنا هي قرينة حال ولذلك اشرتط فيها احلكم السادس :احلجر على السفيه:
أن ال يتفرقوا لئال جيبنوا".7 هذا اخلطاب ظاهر يف أن السفيه الذي ال يصلح املال يكون أمره إىل وليه وأنه يرد عليه
وقد ذكر املالكية تسعة شروط يف قبول شهادة الصبيان وهي -1 :أن يكونوا ممن يعقل احلجر بعد البلوغ إما ابتداء أو دواما مع حجر الصبا وهبذا قال مالك والشافعي.
الشهادة -2وأن يكونوا أحرارا -3ذكورا -4حمكوما هلم باإلسالم -5وأن يكون املشهود وذهب أبو حنيفة إىل أنه ال يبتدأ عليه بعد البلوغ رشيدا وإن بذر واستدلوا حبديث حبان بن
3
به جرحا أو قتال -6وأن يكون ذلك بينهم خاصة ال لكبري على صغري وال لصغري على كبري منقذ فقد كان خيدع يف البيع والشراء فقال له رسول اهلل" :قل ال خالبة وأنت باخليار ثالثا"
ومل مينعه من التصرف ،وسيأيت الكالم على هذه املسألة يف أوائل سورة النساء.4
1املوزعي 1/511
5املبسوط6/148 2املوزعي 1/511
6القرطيب 1/355 3أخرجه البخاري 2/745ومسلم 3/1165
7بداية اجملتهد1/1273 4املوزعي 1/511
63
قال ابن املنذر :واتفقوا مجيعا على قبول شهادهتن مفردات فيما ال يطلع عليه الرجال -7وأن يكونوا اثنني فأكثر -8وأن يكون ذلك قبل تفرقهم وحتبيهم -9وأن تكون شهادهتم
كاحليض والوالدة واالستهالل وعيوب النساء ،5ولكنهم اختلفوا يف العدد املقبول: متفقة غري خمتلفة.1
فعند اجلمهور ال بد من أربع. -7 القول الثاين :عدم قبوهلا وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وعن مالك وبن أيب ليلى يكفي شهادة اثنتني . -8 واستدلوا بقوله تعاىل( :من رجالكم) وقوله( :ممن ترضون) وقوله( :ذوي عدل منكم) وهذه
وعن الشعيب والثوري جتوز شهادهتا وحدها يف ذلك وهو قول -9 الصفات ليست يف الصيب.2
احلنفية.6 القول الثالث :قبوهلا مطلقا ،وحيكى عن إياس بن معاوية.3
كما اختلفوا يف بعض الصور اليت يذهب البعض إىل أهنا مما يطلع عليها الرجال احلكم العاشر :شهادة الفاسق:
كالرضاع حيث ذهب أبو حنيفة على أنه جيوز أن يطلع عليه حمارم املرأة من الرجال فال ختصيص الشهادة باملرضي من الشهداء يقتضي أنه ال جيوز غريه ،وقد أمجع أهل العلم على
يثبت بالنساء منفردات كالنكاح ،كما روي عنه أن شهادهتن منفردات ال تقبل يف قبول شهادة العدل هلذه اآلية ولقوله تعاىل( :وأشهدوا ذوي عدل منكم) وعلى رد شهادة
استهالل املولود عند الوالدة حبجة أنه يكون بعد الوالدة وخالفه يف ذلك صاحباه وأكثر الفاسق لقوله? تعاىل( :يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق فتبينوا) وإمنا اختلفوا يف تفصيل العدالة
أهل العلم ،ألنه يكون حال الوالدة ويتعذر حضور الرجل فأشبه الوالدة نفسها. فذهب اجلمهور إىل أهنا امتثال أوامر اهلل واجتناب نواهيه.
قال أبو عبيد أما اتفاقهم على جواز شهادهتن يف األموال فلآلية املذكورة وأما اتفاقهم على وذهب أبو حنيفة إىل أهنا ظاهر اإلسالم ما مل يعلم جرحه أو فسقه ،وهو حمجوج هبذه اآلية
منعها يف احلدود والقصاص فلقوله تعاىل( :فان مل يأتوا بأربعة شهداء) ألن اهلل سبحانه شرط يف الشهيدين أن يكونا ممن نرضامها والرضا صفة زائدة عليهما.4
وأما اختالفهم يف النكاح وحنوه فمن أحلقها باألموال فذلك ملا فيها من املهور والنفقات وحنو احلكم احلادي عشر :شهادة النساء مع الرجال:
ذلك ومن أحلقها باحلدود فألهنا تكون استحالال للفروج? وحترميها هبا.7 شهادة النساء مع الرجال جتوز عند احلنفية يف األموال والطالق والنكاح والرجعة والعتق
احلكم الثاين عشر :اليمني مع الشاهد: وكل شيء إال احلدود والقصاص.
تدل اآلية على أن الشهادة نوعان :شهادة رجلني ،وشهادة رجل وامرأتني وهذه الداللة وعند املالكية جتوز يف األموال وتوابعها خاصة وال تقبل يف أحكام األبدان مثل احلدود
تقتضي حصر احلجة يف ذلك ،وأن اليمني مع الرجل الواحد ال يقوم هبا احلق ،واملسألة فيها والقصاص والنكاح والطالق والرجعة والعتق.
قوالن: وقال الشافعي ال جتوز شهادة النساء مع الرجال يف غري األموال.
القول األول :ال جيوز القضاء بالشاهد واليمني ،وبه قال أبو حنيفة.
1التلقني 538
5الفتح 5/266 2انظر القرطيب ،1/355واملوزعي1/512
6السابق 5/266 3اجلصاص 2/225
7السابق 5/266 4املوزعي1/512
64
القول الثاين :ال تقبل شهادة الوالد لولده ،وتقبل شهادة العدو على عدوه ،وحيكى عن أيب واستدلوا مبا يلي:
حنيفة. -1أن الشهادة قسمان كما ذكرها اهلل يف هذه اآلية ومل يذكر الشاهد واليمني ،فال
وعلل هذا القول بأن العداوة ال متنع الشهادة ألهنا ال ختل بالعدالة كالصداقة. جيوز القضاء بالشاهد واليمني ألنه حينئذ يكون قسما ثالثا للشهادة مع أن اهلل مل يذكر هلا
القول الثالث :ال تقبل شهادة العدل يف احلاالت السابقة ،وهو قول مالك والشافعي وأمحد. إال قسمني.
واستدلوا مبا يلي: -2حديث "شاهداك أو ميينه" وال جيوز عليه أال يستويف أقسام احلجة للمدعي ألنه
-1ما روته عائشة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال " :ال جتوز شهادة خائن وقت البيان.
وال خائنة وال ذي غمر على أخيه وال ظنني يف قرابة وال والء" 1و الظنني املتهم واألب القول الثاين :جيوز القضاء بالشاهد واليمني ،وبه قال اجلمهور.
يتهم لولده ،ألن ماله كماله ،واحلديث أخص من اآليات فتخص به. واستدلوا حبديث ابن عباس يف مسلم أن رسول اهلل قضى باليمني مع الشاهد.
-2أن بني الوالد وولده بعضية فكأنه يشهد لنفسه وهلذا قال عليه السالم " :فاطمة الرتجيح:
بضعة مين يريبين ما راهبا" . قول اجلمهور هو الراجح لداللة السنة ،وأما عدم ذكر ذلك يف القرآن فال يعين عدم
2
-3أن الوالد متهم يف الشهادة لولده? كتهمة العدو يف الشهادة على عدوه . مشروعيته بل للسنة التشريع كالقرآن ،وقد أيت األحناف من قاعدهتم اليت خالفهم فيها مجاهري
الرتجيح: أهل العلم بأن الزيادة على النص نسخ ،وملا رأوا أن يف احلديث زيادة على النص القرآين ردوه
احلق عدم قبول شهادة األب البنه والعكس ،وعدم قبول شهادة "العدو على عدوه لقيام لكونه من وجهة نظرهم ناسخ لنص القرآن ،ومع رد اجلمهور هلذه القاعدة فقد جاروا األحناف
الدليل على ذلك واألدلة ال تعارض مبحض اآلراء وليس للقائل بالقبول دليل مقبول".3 هنا وقالوا بأن الشاهد واليمني ليس قسما ثالثا للشهادة إمنا هو باعتبار أن القضاء باليمني
وإسقاط الشاهد ترجيح جلانب املدعي ،كما ردوا على قول احلنفية من عدم ذكر هذا يف القرآن
إضافة إىل الرد السابق من كون السنة تستقل بالتشريع أن القضاء عند احلنفية جيوز بالنكول وهو
احلكم الرابع عشر( :وال يأب الشهداء إذا ما دعوا):
قسم ثالث ليس له يف القرآن ذكر.
اختلف العلماء يف املراد هبذه اجلملة على أقوال:
األول :ال يأب الشهداء عن حتمل الشهادة إذا حتملوا ،ومسوا شهداء هنا جمازا باعتبار ما احلكم الثالث عشر :شهادة العدل مع قيام التهمة:
سيؤولون? إليه. تعميم اخلطاب يقتضي قبول شهادة العدل مع قيام التهمة كشهادة الوالد لولده والعدو على
عدوه واملسألة خالفية:
1رواه أمحد وأبو داود وحسنه األلباين. القول األول :تقبل شهادة العدل يف احلاالت السابقة وهو قول داود.
2انظر املغين 12/65
واستدلوا بعموم? اآليات ،وألنه تقبل شهادته يف غري هذا فتقبل شهادته فيه كاألجنيب
3نيل األوطار9/154
65
احلكم السادس عشر :مضارة الكاتب والشهيد: الثاين :إىل إقامتها وأدائها عند احلكام بعد أن تقدمت شهادهتم هبا ،والتسمية بشهداء هنا
قوله تعاىل( :وال يضار كاتب وال شهيد) يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو للمفعول: حقيقية.
فعلى األول معناه :ال يضارر كاتب وال شهيد من طلب? ذلك منهما إما بعدم اإلجابة أو الثالث :إىل حتملها و إىل أدائها.
بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان? يف كتابه ويدل على هذا قراءة عمر بن اخلطاب وابن رجح البعض كابن العريب محلها على املعىن األول لكون حالة األداء مبينة يف قوله تعاىل:
عباس وابن أيب إسحاق وال يضارر -بكسر الراء األوىل.- (ومن يكتمها فإنه آمث قلبه).1
وعلى الثاين ال يضارر كاتب وال شهيد بأن يدعيا إىل ذلك ومها مشغوالن مبهم هلما ويضيق ورجح آخرون كاآللوسي محلها على املعىن الثاين لعدم إحتياجه إىل إرتكاب اجملاز.2
عليهما يف اإلجابة ويؤذيا إن حصل منهما الرتاخي أو يطلب منهما احلضور من مكان بعيد وحيتمل أن يراد املعنيان بناء على قاعدة عموم اجملاز فيحمل اللفظ على حقيقته وجمازه.
ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود? وال يضارر -بفتح الراء األوىل -وصيغة املفاعلة تدل على واختلفوا يف اقتضاء هذا النهي على أقوال:
اعتبار األمرين مجيعا.6 -1أن فعل ذلك ندب.
مث قال سبحانه { :وإن تفعلوا } يعين املضارة { فإنه فسوق بكم } أي معصية? ،فالكاتب -2فرض كفاية.
والشاهد يعصيان بالزيادة أو النقصان وذلك من الكذب املؤذي يف األموال واألبدان وفيه إبطال -3فرض عني.
احلق وكذلك إذايتهما إذا كانا مشغولني معصية? وخروج عن الصواب من حيث املخالفة ألمر قال الشوكاين" :وظاهر هذا النهي أن االمتناع من أداء الشهادة حرام" 3والصحيح التفصيل
اهلل.7 فيقال بأنه "إذا دعي ألدائها فعليه اإلجابة إذا تعينت وإال فهو فرض كفاية".4
2املغين 4/401
3املوزعي 1/519
4القرطيب 3/386 1بداية اجملتهد 1/1082
67
قال ابن عباس :هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن باإلميان وال يقتل وال يأيت مأمثا ،وقيل : ال تتخذوا أيها املؤمنون الكفار ظهرا وأنصارا توالوهنم على دينهم وتظاهروهنم على املسلمني من
إن املؤمن إذا كان قائما بني الكفار فله أن يداريهم باللسان? إذا كان خائفا على نفسه وقلبه دون املؤمنني وتدلوهنم على عوراهتم فإنه من يفعل ذلك فقد برئ من اهلل وبرئ اهلل منه بارتداده عن
3
مطمئن باإلميان ،قال العلماء :والتقية ال حتل إال مع خوف القتل أو القطع أو اإليذاء العظيم . دينه ودخوله يف الكفر إال أن تتقوا منهم تقاة أي :إال أن تكونوا يف سلطاهنم فتخافوهم على
قال اجلصاص" :وقد اقتضت اآلية جواز إظهار الكفر عند التقية وهو نظري قوله تعاىل( :من أنفسكم فتظهروا هلم الوالية بألسنتكم وتضمروا هلم العداوة وال تشايعوهم على ما هم عليه من
كفر باهلل من بعد إميانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإلميان) وإعطاء التقية يف مثل ذلك إمنا هو الكفر وال تعينوهم على مسلم? بفعل.1
رخصة من اهلل تعاىل وليس بواجب بل ترك التقية أفضل ،قال أصحابنا فيمن أكره على الكفر بيان األحكام:
فلم يفعل حىت قتل :إنه أفضل ممن أظهر ،وقد أخذ املشركون خبيب بن عدي فلم يعط التقية احلكم األول :حكم االستعانة بالكفار? يف احلرب:
حىت قتل فكان عند املسلمني أفضل من عمار بن ياسر حني أعطى التقية وأظهر الكفر فسأل يف هذه املسألة قوالن:
النيب عن ذلك فقال :كيف وجدت قلبك قال مطمئنا باإلميان فقال -وإن عادوا فعد وكان القول األول :ال جيوز االستعانة بالكفار? يف احلرب ،وهو مذهب املالكية.
ذلك على وجه الرتخيص".4 واستدلوا مبا يلي:
-1ظاهر اآلية .
-2عن عائشة رضي اهلل عنها أن رجال من املشركني حلق بالنيب معه فقال له :ارجع
فإنا ال نستعني مبشرك.2
القول الثاين :جيوز االستعانة بالكفار يف احلرب بشرطني :احلاجة إليهم والوثوق من جهتهم،
فريضة الحج وهو قول اجلمهور.
ين{ }96فِ ِيه آيَ ٌ ِ ض َع لِلن ِ ِ ِ توِ ٍ
ات
ات َبيِّـنَ ٌ َّاس لَلَّذي ببَ َّكةَ ُمبَ َاركاً َو ُه ًدى لِّل َْعالَم َ ِإ َّن ََّأو َل َب ْي ُ واستدلوا بفعل النيب فقد استعان بيهود قينقاع وقسم هلم ،واستعان بصفوان بن أمية يف
اع ِإل َْي ِه َسبِيالً َو َمن ت َم ِن ْ
استَطَ َ َ آمناً َولِل ِّه َعلَى الن ِ
َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ َّم َقام ِإبر ِاهيم ومن َد َخلَه َكا َن ِ
ُ ُ َْ َ َ َ هوازن.
ِ ِ
ين{}97 َك َف َر فَِإ َّن اهلل غَن ٌّي َع ِن ال َْعالَم َ الحكم الثاني :التقية:
احلكم األول :وجوب احلج: دلت هذه اآلية على جواز التقية ولكن ما هي التقية؟
3القرطيب 4/60
،2/290 4وملعرفة الفرق بني ما قاله علماء اإلسالم يف شأن التقاة هنا وما يقوله الرافضة يراجع كتاب أصول الشيعة 1الطربي3/227
للقفاري. 2مسلم 3/1449
68
-1أن قوله( :ومن دخله كان آمنا) كان يف اجلاهلية لو أن إنسانا ارتكب جريرة مث أوجب اهلل سبحانه حج البيت وهو ركن من أركان اإلسالم فمن جحد وجوبه فهو كافر
جلأ إىل احلرم مل يتعرض له حىت خيرج من احلرم. لقوله تعاىل( :ومن كفر فإن اهلل غين عن العاملني) ويؤخذ من هذا أن كل من جحد حكما
-2فسر بعض العلماء األمن باألمن يف اآلخرة ملن دخل احلرم معظما له مؤديا معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر ،وأما من ترك احلج هتاونا أو خبال أو تسويفا فهو عاص
النسك ال جمرما فارا من وجه العدالة. بفعله وليس بكافر بإمجاع املسلمني.1
-3لو أخذنا بالقول األول ألصبح احلرم مركزا الجتماع اجلناة واجملرمني والختل احلكم الثاين :حكم اجلاين يف احلرم:
األمن ،ألن القاتل يقتل مث يفر من وطنه ويأيت احلرم ألنه يعلم أنه حيميه وبذلك تنتشر اتفق الفقهاء على أن من جىن يف احلرم فإنه يقتص منه سواء كانت اجلناية يف النفس أم يف
اجلرائم وتكثر املفاسد.2 األطراف وعللوا ذلك بأن اجلاين انتهك حرمة احلرم فلم يعد يعصمه احلرم من القصاص ،ألنه
احلكم الثاين :شرط االستطاعة: هو الذي أحدث فيه فيقتص منه.
بينت هذه اآلية شرط االستطاعة لوجوب احلج ،وهي ملك الزاد والراحلة ،ونفقة األهل فرتة واختلفوا فيمن جىن يف غري احلرم مث جلأ إىل احلرم هل يقتص منه يف احلرم؟ على قولني:
غيابه ،وأمن الطريق ،واحملرم للمرأة. القول األول :ال يقتص منه يف احلرم وهو قول احلنفية واحلنابلة.
واستدلوا بقوله تعاىل(ومن دخله كان آمنا) وقالوا بأنه خرب يقصد به األمر فيكون املعىن من
دخله فأمنوه.
القول الثاين :يقتص منه ،وبه قال املالكية والشافعية.
واستدلوا مبا يلي:
-1ما صح يف البخاري ومسلم " :إن احلرم ال يعيذ عاصيا وال فارا بدم وال فارا
خبربة".
-2عموم األمر جبلد الزاين وقطع السارق واستيفاء القصاص من غري ختصيص مبكان
دون مكان.
املناقشة والرتجيح:
ما قاله املالكية والشافعية هو الراجح لقوة تعليلهم ،ولضعف ما قاله احلنفية:
1املوزعي ،1/522وللمزيد? حول مسألة التكفري وضوابطه يراجع كتاب ضوابط التكفري ،وكتاب مسألة التكفري
2روائع البيان 1/412 عند ابن تيمية ?،وكتاب التكفري :حكمه وضوابطه والغلو فيه.
69
ِ ِ ِ ِ
ثِّساء َم ْثنَى َوثُالَ َ
اب لَ ُكم ِّم َن الن َوَِإ ْن خ ْفتُ ْم َأالَّ ُت ْقسطُواْ في الْيَتَ َامى فَانك ُحواْ َما طَ َ سورة النساء
ك َأ ْدنَى َأالَّ َتعُولُواْ{}3 ت َأيْ َمانُ ُك ْم ذَلِ َ ورباع فَِإ ْن ِخ ْفتم َأالَّ َتع ِدلُواْ َفو ِ
اح َدةً َْأو َما َملَ َك ْ مال اليتيم
َ ْ ُْ َ َُ َ
ِ يث بِالطَّيِّ ِ
َ وآتُواْ الْيَتَ َامى َْأم َوال َُه ْم َوالَ َتتَبَ َّدلُواْ الْ َخبِ َ
قوله تعاىل وإن خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى اختلفوا يف تنزيلها وتأويلها على أقوال: ب َوالَ تَْأ ُكلُواْ َْأم َوال َُه ْم ِإلَى َْأم َوال ُك ْم ِإنَّهُ
-1أن القوم كانوا يتزوجون عددا كثريا من النساء يف اجلاهلية وال يتحرجون من َكا َن ُحوباً َكبِيراً{}2
ترك العدل بينهن وكانوا يتحرجون يف شأن اليتامى فقيل هلم هبذه اآلية احذروا من ترك
العدل بني النساء كما حتذرون من تركه يف اليتامى. ملا علم اهلل جل جالله ضعف اليتامى وعجزهم عن دفع بأس الظاملني هلم هنى العباد عن أخذ
ِإ َّ ِ
-2أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى فلما كثر النساء مالوا أمواهلم وتوعد على ذلك مبا مل يتوعد على غريه فجعل آكلها إمنا يأكل نارا فقالَّ :ن الذ َ
ين
صلَ ْو َن َسعِرياً{ }10ومسى أموال هِنِ
على أموال اليتامى فقصروا على األربع حفظا ألموال اليتامى. يَْأ ُكلُو َن َْأم َو َال الْيَتَ َامى ظُْلماً ِإمَّنَا يَْأ ُكلُو َن يِف بُطُو ْم نَاراً َو َسيَ ْ
-3أهنم حترجوا من نكاح اليتامى كما حترجوا من أمواهلم فرخص اهلل هلم هبذه اآلية اليتامى خبيثة لينفر القلوب عن تناوهلا استقذارا هلا من خبثها.1
وقصرهم على عدد ميكن العدل فيه فكأنه قال وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن ال تعدلوا ودل قوله تعاىلَ :وآتُواْ الْيَتَ َامى َْأم َواهَلُ ْم على وجوب دفع املال لليتيم ،وقد اتفق أهل العلم
فيهن فانكحوهن وال تزيدوا على أربع لتعدلوا فان خفتم أن ال تعدلوا فيهن فواحدة. على أن اليتيم ال يعطى ماله قبل البلوغ وإيناس الرشد لقوله تعاىل يف اآليات التاليةَ :و ْابَتلُواْ
-4يف البخاري :كان عروة بن الزبري حيدث :أنه سأل عائشة رضي اهلل عنها وإن اح فَِإ ْن آنَ ْستُم ِّمْن ُه ْم ُر ْشداً فَ ْاد َفعُواْ ِإلَْي ِه ْم َْأم َواهَلُ ْم واحلكمة أن الصغري ِإ
الْيَتَ َامى َحىَّتَ َذا َبلَغُواْ النِّ َك َ
خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت :هي اليتيمة يف ال حيسن التصرف يف ماله ورمبا صرفه يف غري وجوه النفع وللعلماء? يف تفسري هذه اآلية وجهان:
حجر وليها فريغب يف مجاهلا وماهلا ويريد أن يتزوجها بأدىن من سنة نسائها فنهوا عن األول :أن يكون املراد باليتامى البالغني الذين بلغوا سن الرشد ،ومسوا يتامى باعتبار ما كانوا
نكاحهن إال أن يقسطوا هلن يف إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن من النساء. عليه أي الذين كانوا يتامى.
قالت عائشة مث استفىت الناس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد فأنزل اهلل عز وجل الثاين :املراد باليتامى الصغار الذين هم دون سن البلوغ واملراد باإليتاء اإلنفاق عليهم بالطعام
ويستفتونك يف النساء قل اهلل يفتيكم فيهن قالت :فبني اهلل يف هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات والكسوة.2
مجال ومال ورغبوا يف نكاحها ومل يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق فإذا كانت مرغوبة عنها يف
قلة املال واجلمال تركوها والتمسوا غريها من النساء قال فكما يرتكوهنا حني يرغبون عنها
فليس هلم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إال أن يقسطوا هلا األوىف من الصداق ويعطوها حقها.3 تعدد الزوجات
1املوزعي 1/531
البخاري3/1016 3
2روائع البيان 1/425
70
-1قوله " :تستأمر اليتيمة يف نفسها وإن سكتت فهو إذهنا وإن أبت فال جواز فيكون معىن اآلية على هذا القول :و إن خفتم يا أولياء اليتامى أن ال تعدلوا يف صدقات
عليها".3 اليتامى إذا نكحتموهن فانكحوا سواهن من الغرائب اللوايت أحل اهلل لكم.
-2عن ابن عمر " أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع ذلك واملقصود النهي عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل إال أنه أوثر التعبري عنه باألمر
إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال :أهنا يتيمة وال تنكح إال بإذهنا".4 بنكاح األجنبيات كراهة النهي الصريح عن نكاح اليتيمات.1
-3أن غري األب –واجلد على مذهب الشافعي -قاصر الشفقة فال يلي نكاح وعائشة مل تسند هذا إىل رسول اهلل ولكن سياق كالمها يؤذن بأنه عن توقيف ولذلك
الصغرية كاألجنيب. أخرجه البخاري يف باب تفسري سورة النساء بسياق األحاديث املرفوعة اعتدادا بأهنا ما قالت
الرتجيح: ذلك إال عن معاينة حال النزول وأفهام املسلمني اليت أقرها الرسول عليه السالم ال سيما وقد
قول اجلمهور هو الراجح لقوة أدلتهم ،كما أن باب اجلواز لو فتح فسيكون منفذا لفساد قالت :مث إن الناس استفتوا رسول اهلل وعليه فيكون إجياز لفظ اآلية اعتدادا مبا فهمه الناس مما
كثري. يعلمون من أحواهلم وتكون قد مجعت إىل حكم حفظ حقوق اليتامى يف أمواهلم املوروثة حفظ
أما اآلية فمحمولة على البالغة بدليل قول اهلل تعاىل :تؤتوهنن ما كتب هلن وإمنا يدفع إىل حقوقهم يف األموال اليت يستحقها البنات اليتامى من مهور أمثاهلن.2
الكبرية.5 بيان األحكام:
احلكم الثاين :حكم النكاح: احلكم األول :من جيوز له تزويج الصغرية
أخذ الظاهرية من هذه اآلية وجوب النكاح بناء على ظاهر األمر الذي يفيد الوجوب يف يف هذه املسالة أقوال:
قوله تعاىل :فانكحوا. القول األول :لغري األب تزويج الصغرية وهلا اخليار إذا بلغت وبه قال أبو حنيفة.
وذهب اجلمهور إىل أن هذا األمر لإلباحة مثل األمر يف قوله تعاىل :وكلوا واشربوا، وحجته أن اهلل تعاىل قال :وإن خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من
صرِب ُواْ ِ ِ
والذي صرفه عن الوجوب قوله تعاىلَ :و َمن مَّلْ يَ ْستَط ْع من ُك ْم طَْوالً إىل قولهَ :وَأن تَ ْ النساء ومفهومه أنه إذا مل خيف فله تزويج اليتيمة واليتيم من مل يبلغ لقول النيب صلى اهلل عليه
َخْيٌر لَّ ُك ْم. وسلم " :ال يتم بعد احتالم" وهذا بناء على تأويل عائشة.
القول الثاين :ليس لغري األب إجبار كبرية وال تزويج صغرية جدا كان أو غريه وهبذا قال
مالك وأمحد.
القول الثالث :ليس لغري األب واجلد إجبار كبرية وال تزويج صغرية ،وبه قال الشافعي.
3رواه أبو داود 1/637و النسائي ،6/87وقال اهليثمي :4/514رجاله رجال الصحيح ،وصححه? األلباين يف
وحجة القولني ما يلي:
صحيح أيب داود 2/394
4أخرجه أمحد وقال اهليثمي :4/514رجاله ثقات وحسنه األلباين يف اإلرواء6/233 1السايس 1/359
5املغين 7/379 2التحرير والتوير 1/886
71
كان هذا هو نقد الشوكاين الستدالل البعض باآلية على حرمة الزيادة على أربع بيد أن قال الرازي" :فحكم تعاىل بأن ترك النكاح يف هذه الصورة خري من فعله فدل ذلك على أنه
انتقاد الشوكاين ال يسلم من النقاش إذ اآلية"تدل كلها على معىن تكرير اسم العدد لقصد? ليس مبندوب فضال عن أنه واجب".6
اع(فاطر :من اآلية )1أي لطائفة جناحان َأجنِ َح ٍة َم ْثىَن َوثُ َ
الث َو ُربَ َ التوزيع كقوله تعاىلُ :أويِل ْ احلكم الثالث :حكم الزواج بأكثر من واحدة:
ولطائفة ثالثة ولطائفة أربعة والتوزيع هنا باعتبار اختالف املخاطبني يف السعة والطول ... يف هذه اآلية داللة على جواز تعدد الزوجات إىل أربع ،وعليه أمجع أهل العلم ،كما أمجعت
كقولك جلماعة:اقتسموا هذا املال درمهني درمهني وثالثة ثالثة وأربعة أربعة على حسب أكربكم األمة على حرمة نكاح أكثر من أربع 2ولكن الفقهاء اختلفوا من أين يستنبط هذا احلكم هل من
سناً".4 القرآن والسنة واإلمجاع أو من السنة واإلمجاع فقط .
ولكن وإن سلم أن اآلية تدل على جواز نكاح أربع فقط إال أن االستدالل هبا على حترمي ذهب اجلمهور إىل استنباطه من القرآن والسنة واإلمجاع -:
الزيادة بعيد ،ألهنا ال تدل مبنطوقها على ذلك احلكم ألن جمرد االقتصار على أربع ليس كافيا يف الث َو ُربَاع) -1أما القرآن فمن هذه اآلية فَانْ ِكحوا ما طَاب لَ ُكم ِمن الن ِ
ِّساء َم ْثىَن َوثُ َ
ُ َ َ ْ َ َ
االستدالل على الزيادة . (النساء :من اآلية )3وبينوا ذلك بأنه خطاب جلميع األمة ،وأن كل ناكح له أن خيتار ما أراد
وهلذا جاء دليل السنة فقد ورد فيها عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن غيالن بن سلمة الثقفي من هذا العدد كما يقال للجماعة اقتسموا هذا املال وهو ألف درهم ...درمهني درمهني وثالثة
أسلم وله عشر نسوة يف اجلاهلية فأسلمن معه فأمره النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أن يتخري وثالثة وأربعة أربعة ،وقد انتقد الشوكاين هذا التوجيه وقال":وهذا مسلم? إذا كان املقسوم? قد
أربعا منهن.5 ذكرت مجلته أو عني مكانه أما لو كان مطلقا كما يقال:اقتسموا الدراهم ويراد به ما كسبوه
ولصحة وصراحة احلديث أمجع العلماء على حرمة نكاح مازاد على األربع. فليس املعىن هكذا واآلية من الباب اآلخر ال من الباب األول على أن من قال لقوم? يقتسمون
وهنا شذوذان: ماال معينا كثريا :اقتسموه مثىن وثالث ورباع فقسموا بعضه بينهم درمهني درمهني وبعضه ثالثة
الشذوذ األول :ذهب البعض إىل جواز نكاح تسع باعتبار أن الواو جامعة وجعل مثىن مثل ثالثة وبعضه أربعة أربعة كان هذا هو املعىن العريب ومعلوم أنه إذا قال القائل :جائين القوم مثىن
6
اثنني وهكذا ثالث ورباع فيكون العدد تسعة فكأنه قال :انكحوا جمموع هذا العدد املذكور وهم ألف كان املعىن أهنم جاؤوه اثنني اثنني ...واخلطاب للجميع مبنزلة اخلطاب لكل فرد فرد
ونسبه بان العريب إىل قوم من اجلهال ومل يعينهم ونسبه القرطيب إىل الرافضة وبعض أهل الظاهر، الث كما يف قوله تعاىل (:اقتلوا املشركني) فقوله :فَانْ ِكحوا ما طَاب لَ ُكم ِمن الن ِ
ِّساء َم ْثىَن َوثُ َ
ُ َ َ ْ َ َ
وقال الفخر الرازي :هم قوم سدى وهلذا مل يذكر الكثري من العلماء خمالفا أصالً .7 اعمعناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتني اثنتني وثالثا ثالثا وأربعا أربعا َو ُربَ َ
هذا ما تقتضيه لغة العرب فاآلية تدل على خالف ما استدلوا به عليه ...فاألوىل أن يستدل
على حترمي الزيادة على األربع بالسنة ال بالقرآن".3
4التحرير والتنوير .225/ 3
5أخرجه الرتمذي ،3/435وصححه ابن حبان 9/554 6مفاتيح الغيب 9/172
6انظر فتح القدير 1/483والقرطيب .3/17 2انظر تفسري القرطيب .3/17
7انظر التحرير والتنوير .3/225 3فتح القدير .1/483
72
الشذوذ الثاين :قول بعض املعاصرين بأن تعدد الزوجات مشروط بالعدل? فَِإ ْن ِخ ْفتُ ْم َأالَّ وقد وصف القرطيب هذا القول باجلهالة 1وقال الشوكاين فيه":إنه جهل باملعىن العريب"2وهو
اح َدةً وبأن القرآن قد نص على عدم استطاعة العدل ولن تستطيعوا أن تعدلوا بني َتع ِدلُواْ َفو ِ كذلك ملا يلي-:
َ ْ
النساء ولو حرصتم وعليه فيحرم على الزوج أن يعدد وهذا الشذوذ ليس من فقيه مسلم بل -1أن العرب ال تدع لفظة قريبة خمتصرة لتعرب عنها بألفاظ مطولة دون داع ،فلم
هو من بعض املتشبهني باآلخر واملتأثرين به ،ومبا أهنم ال يستطيعون رد هذا احلكم علنا راحوا يعرف عن العرب أهنا إذا أرادت مثال تسعة تقول اثنان وثالثة وأربعة بل تستقبح من يقول
يبحثون عن تأويالت تضفي على قوهلم شيئا من الشرعية ،وزيادة يف التهويل حيتجون ببعض هذا وال يقول تسعة ،فالواو هنا بدل أي انكحوا ثالثا بدال من مثىن ورباع بدال من ثالث
احلكايات لتعددات فاشلة وجيعلون منها أمثلة ألضرار التعدد!!! .
وهذا القول مردود ملا يلي: -2أن :مثىن وثالث ورباع ...إىل عشار كما هو مذهب الكوفيني وخالفهم
-1أن ربطهم بني اآليتني غري صحيح ويستغلون? جهل الناس بالقرآن فال البصريون فقالوا إىل أربع وقال آخرون منهم إىل ستة إال أهنم متفقون عل أن صيغتا (فُعال
صتُ ْم ِ ِ ومفعل)? يف أمساء األعداد معدولة عن واحد واثنني وثالثة إىل عشرة لزيادة معىن فالعرب ُ
ِّساء َولَ ْو َحَر ْ
يذكرون بقية اآلية وهي َ ولَن تَ ْستَطيعُواْ َأن َت ْعدلُواْ َبنْي َ الن َ
فَالَ مَتِيلُواْ ُك َّل الْ َمْي ِل ويتناسى هؤالء أن النيب كان يعدل القسمة بني نسائه تقول :جاء القوم مثىن أي اثنني اثنني فعدلوا عن لفظ :اثنني اثنني وحنوه فقالوا :مثىن،
مث يقول( :اللهم هذا قسمي فيما أملك فال تؤاخذين فيما متلك وال أملك)، ثالث،رباع وهكذا.
وكان معروفا ميله إىل السيدة عائشة رضي اهلل عنها. وقد ذهب آخرون من أهل الظاهر إىل إباحة اجلمع بني مثاين عشرة من النساء متسكا منهم
بأن العدل يف تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع? فجعلوا مثىن مبعىن اثنني اثنني وهكذا ثالث
-2انعقد اإلمجاع من لدن الصحابة إىل يوم الناس هذا على إباحة التعدد
و رباع ،3والعجيب الغريب جعل الشوكاين هلذا القول وجها.4
بناء على نص القرآن والسنة ،وكفى هبما دليالن فهل هؤالء اعلم بالشرع من
والصواب خطأ هذا القول قال القرطيب فيه":وهذا كله جهل باللسان والسنة وخمالفة إلمجاع
الصحابة وأئمة املسلمني?.
األمة"،5أما بالنسبة لقوهلم? مثىن تدل على اثنني اثنني أي أربعة فقط فليس كذلك بل تدل على
-3االحتجاج ببعض حوادث التعدد الفاشلة غري سديد وخيالف املنطق اثنني اثنني مطلقا ولو إىل ألف ال إىل أربعة فقط ومن هنا قال القرطيب ":إنه جهل باللسان".
ألننا سنقول وبنفس هذا املنطق ال جيوز الزواج ألن كثريا من حاالته اليوم
تؤول إىل الفشل بل لقد ارتفعت نسبة الطالق يف بعض دول العرب إىل أكثر
من %55فهل يعين هذا حرمة الزواج؟ فالصواب أن يقال بأن احلل هو زيادة 1انظر تفسري القرطيب .3/17
التوعية الدينية وتعريف الزوج حبقوق الزوجات وواجبه جتاههن ونفس الكالم 2انظر فتح القدير .1/483
يقال للزوجات ،أما التحرمي فال جيرؤ أحد عليه. 3انظر تفسري القرطيب 3/17فتح القدير .1/483
4انظر فتح القدير .1/483
5تفسري القرطيب .3/17
73
مث هذه احلادثة بالنسبة للزوجة األوىل تدخل يف دائرة االبتالء واالختبار اليت تقوم عليها الدنيا -4الغريب أنه بدال من أن يكون هذا التشريع شيئا يفاخر به املسلم ألن
برمتها ،واالبتالءات ختتلف باختالف الناس واألجناس ،وهلل أن يبتلي عباده مبا أراد وكيف أراد. فيه حال ملشاكل اجتماعية عديدة لعل من أمهها مشكلة? العنوسة واليت وصلت
الثالثة :أن التعدد حكم شرعي ال جيوز ألحد أن ينكره كما ال جيوز ألحد أن يلتف عليه، إىل نسب هائلة كالثالثينات واألربعينات يف املائة ،وبلغ عدد العوانس املاليني
والنفس قد تكره أحيانا بعض التكاليف قال تعاىل يف شأن القتال :كتب عليكم القتال وهو كره ففي اجلزائر وحدها يفوق عدد العوانس الـ 11مليونا ،ويف مصر العشرة
لكم ولكن ال يتم اإلميان إال بالتسليم فَالَ وربِّك الَ ي ِمنو َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ ماليني ،والسؤال أين يذهنب هؤالء؟ أليس من حقهن أيضا الزواج واألمومة؟
يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ الَ وك ف َ َ َ َ ُْؤ ُ َ َ َ ُ
ت َويُ َسلِّ ُمواْ تَ ْسلِيماًالنساءَ 65و َما َكا َن لِ ُمْؤ ِم ٍن َواَل ُمْؤ ِمنَ ٍة ِإذَا ِ أم هي حكر على الزوجات الغاضبات؟
ضْي َ جَيِ ُدواْ يِف َأن ُفس ِه ْم َحَرجاً مِّمَّا قَ َ
ضاَل الًض َّل َ ضى اللَّهُ َو َر ُسولُهُ َْأمراً َأن يَ ُكو َن هَلُ ُم اخْلَِيَرةُ ِم ْن َْأم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ
ص اللَّهَ َو َر ُسولَهُ? َف َق ْد َ قَ َ أليس يف التعدد حال ولو جزئيا هلذه املشكلة اليت قد تودي باجملتمع ويفشوا فيه اجلرائم
ُّمبِيناً األحزاب.36 واملوبقات ،أم أن هذه اجلرائم شؤون شخصية ومباحة ،والتعدد مذمة وقبح.
احلكم الرابع :االقتصار على واحدة عند خوف العدل: لقد راع بعض النساء هذه األعداد الضخمة من العوانس فقامت بتأسيس مجعيات تدعو
ِ ِ ِ ِ للتعدد وتشجع عليه لضرورته? امللحة للمجتمع.
ك َْأدىَن َأالَّ دل قوله تعاىل :فَِإ ْن خ ْفتُ ْم َأالَّ َت ْعدلُواْ َف َواح َدةً َْأو َما َملَ َك ْ
ت َأمْيَانُ ُك ْم ذَل َ
َتعُولُواْ على أن من علم من نفسه أو خشي عدم عدله بني زوجاته يف النفقة والقسم وبقي أن أشري إىل نقاط:
االقتصار على واحدة أو على ملك اليمني وأنه أوىل وأفضل ألنه أقرب إىل عدم اجلور. األوىل :ليس إباحة التعدد مقصورا على حاالت مرض الزوجة األوىل أو كرب سنها أو حنو هذا
وجوب إيتاء الصداق الكالم الذي يذكره البعض لسبب أو آلخر ،بل التعدد مباح مطلقا حىت وإن كانت األوىل سليمة
ص ُدقَاتِِه َّن نِ ْحلَةً فَِإ ن ِط ْب َن لَ ُك ْم َعن َش ْي ٍء ِّم ْنهُ َن ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َّم ِريئا()ً4
َّساء َ
َ وآتُواْ الن َ معافاة ال عيب فيها ،ألن الشرع مل يقيد هبذه القيود ،فال نقيده حنن ،مث هل كانت زوجات
اختلف يف توجه اخلطاب على قولني: الصحابة والتابعني ومن بعدهم من ذوات األعذار!!!
-1األزواج :أمرهم اهلل تعاىل بأن يتربعوا بإعطاء املهور حنلة منهم ألزواجهم . الثانية :أن احلديث عن الزوجات احلزينات وما جتره الزجية الثانية من كمد وضيق وغضب
-2األولياء :فقد كان الويل يأخذ مهر املرأة وال يعطيها شيئا فنهوا عن ذلك وأمروا لألوىل كل هذا وغريه يقال بغرض تشويه هذا احلكم وهو زعم مبطن بأنه تشريع جائر ،وهذا فيه
أن يدفعوا ذلك إليهن . ما فيه ،ومع هذا نقول ملاذا ال تنظرون إىل الطرف اآلخر من النساء يا من يطالب حبقوق النساء ،ما
حال العوانس واألرامل وغريهن؟ ألسن أهال ألن تنظرن إىل حاهلن أيضا؟ أم أن املسألة هنا تتعلق
بتشريع إسالمي؟
74
-5تدل اآلية بعمومها على أن هبة املرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة قال القرطيب" :واألول أظهر فإن الضمائر واحدة وهي جبملتها لألزواج فهم املراد ألنه قال :
وبه قال مجهور الفقهاء ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للويل مع وإن خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى إىل قوله :وآتوا النساء صدقاهتن حنلة وذلك يوجب
أن امللك هلا. تناسق الضمائر وأن يكون األول فيها هو اآلخر".1
-6اتفق العلماء على أن املرأة املالكة ألمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ والنحلة هي العطية ،فالصداق عطية من اهلل تعاىل للمرأة وقيل :حنلة أي عن طيب نفس من
ذلك عليها وال رجوع هلا فيه إال أن شرحيا رأى الرجوع هلا فيه واحتج بقوله { :فإن طنب األزواج من غري تنازع وقال قتادة :معىن حنلة فريضة واجبة ،وال تعرض بني األقوال فالنحلة
لكم عن شيء منه نفسا } وإذا كانت طالبة له مل تطب به نفسا قال ابن العريب :وهذا عطية من اهلل فرضها على الزوج يعطوها لزوجاهتم من غري تنازع.
باطل ألهنا قد طابت وقد أكل فال كالم هلا إذ ليس املراد صورة األكل وإمنا هو كناية عن مث أباح اهلل لألزواج ما طابت به نفوسهن أي عن رضا كامل ال يشوبه سخط وهذا هو سر
اإلحالل واالستحالل وهذا بني.6 التعبري بالطيبة ،دون اهلبة أو اإلعطاء ،ألن الزوج قد ميارس ضغوطا متنوعة كي جيعل الزوجة
الحجر على السفيه توافق على إعطائه املال فتعطيه حمرجة أو لرتتاح من ضغوطه ،أو سوء خلقه ومعاشرته.
وه ْم َوقُولُواْ الس َفهاء َأموالَ ُكم الَّتِي جعل اللّهُ لَ ُكم قِياماً وار ُزقُ ُ ِ بيان األحكام:
س ُوه ْم ف َيها َوا ْك ُ ْ َ َْ ََ َ َ والَ تُْؤ تُواْ ُّ َ ْ َ ُ
2
ل َُه ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً{}5 -1هذه اآلية تدل على وجوب الصداق للمرأة وهو جممع عليه وال خالف فيه .
معاين الكلمات: -2أن الصداق ليس يف مقابلة االنتفاع بالبضع ألن اهلل تعاىل جعل منافع النكاح من
-السفهاء :أصل السفة اخلفة واحلركة ،واملراد هنا الذي ال حيسن التصرف يف ماله قضاء الشهوة والتوالد مشرتكة بني الزوجني ،مث أمر الزوج بأن يؤيت الزوجة املهر فكان
أو يبذره يف غري الطرق املشروعة. ذلك عطية من اهلل ابتداء.3
-قياما :مصدر? قام ،أي تقوم مبعاشكم. -3جيوز للزوجة أن تعطي زوجها مهرها أو جزءا منه سواء أكان مقبوضا معينا أم
بيان األحكام: كان يف الذمة فشمل ذلك اهلبة واإلبراء.4
احلكم األول :ما املراد بالسفهاء يف هذه اآلية؟ -4حيل للزوج أخذ ما وهبت زوجته بالشرط السابق وهو أن يكون عن طيبة من
يف املراد بالسفهاء مخسة أقوال نفسها وليس عليه بعد ذلك تبعه يف الدنيا أو اآلخرة.5
-1أهنم النساء قاله ابن عمر
-2النساء والصبيان 1اجلامع ألحكام القرآن 5/25
2السابق
-3األوالد الصغار
3السايس 1/366
4السابق.
اجلامع ألحكام القرآن 5/25 6
5السابق
75
يرجع نفعه إليك وقيل :معناه وعدوهم وعدا حسنا أي إن رشدمت دفعنا إليكم أموالكم ويقول األب -4اليتامى
البنه :مايل إليك مصريه وأنت إن شاء اهلل صاحبه إذا ملكت رشدك وعرفت تصرفك.3 -5القول على إطالقه واملراد به كل سفيه يستحق احلجر عليه.
قال ابن جرير " :والصواب من القول يف تأويل ذلك عندنا أن اهلل جل ثناؤه عم بقوله { :وال
اح فَِإ ْن آنَ ْستُم ِّم ْن ُه ْم ُر ْشداً فَا ْد َفعُواْ ِإل َْي ِه ْم َْأم َوال َُه ْم َوالَ
َّى ِإذَا َبلَغُواْ النِّ َك َ
َ و ْابَتلُواْ الْيَتَ َامى َحت َ تؤتوا السفهاء أموالكم } فلم خيصص سفيها دون سفيه فغري جائز ألحد أن يؤيت سفيها ماله صبيا
ف ومن َكا َن فَِقيراً َفلْيْأ ُكل بِالْمعر ِ ِ ِ
وف َ ْ َ ُْ وها ِإ ْس َرافاً َوبِ َداراً َأن يَكَْب ُرواْ َو َمن َكا َن غَنيّاً َفلْيَ ْسَت ْعف َْ َ 3 تَْأ ُكلُ َ صغريا كان أو رجال كبريا كان أو أنثى
فَِإ ذَا َد َف ْعتُ ْم ِإل َْي ِه ْم َْأم َوال َُه ْم فََأ ْش ِه ُدواْ َعلَْي ِه ْم َو َك َفى بِالل ِّه َح ِسيباً{}6 والسفيه الذي ال جيوز لوليه أن يؤتيه ماله هو املستحق احلجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء
معاني الكلمات: تدبريه".1
(وابتلوا) اختربوا احلكم الثاين :وجوب احملافظة على املال:
(اليتامى) قبل البلوغ يف دينهم وتصرفهم يف أحواهلم يف هذه اآلية داللة على النهي عن تضييع املال ووجوب حفظه وتدبريه وحسن القيام عليه حيث
(بلغوا النكاح) أي صاروا أهالً له . قد جعله تعاىل سببا يف إصالح املعاش وانتظام االمور وكان السلف يقولون ?:املال سالح املؤمن.2
(آنستم) أبصرمت . احلكم الثالث :احلجر على السفيه:
(ر ْشداً) صالحاً ُ استدل الفقهاء هبذه اآلية على وجوب احلجر على السفيه ألن اهلل هنانا عن تسليم السفهاء أمواهلم
(إسرافا) بغري حق حال حىت نأنس منهم الرشد ويبلغوا سن اإلحتالم كما يف اآلية التالية.
(وبداراً) أي مبادرين إىل إنفاقها خمافة أن يكربوا وينتزعوا املال وأسباب احلجر هي :الصغر ،واجلنون والسفه واإلفالس ،وكلها مبينة يف الكتب الفقهية.
(أن يكربوا) رشداء وه ْم َوقُولُواْ هَلُ ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً: احلكم الرابع :وارزقُ ِ
وه ْم ف َيها َوا ْك ُس ُ
َ ُْ ُ
بيان األحكام: احلكم هنا يعود إىل املراد بالسفهاء سابقا وعلى ترجيح الطربي بأن املراد به العموم فنقول جتب
الحكم األول :متى يسلم لليتيم ماله؟ النفقة على الزوج لزوجته ،وعلى ويل مال اليتيم على اليتيم وعلى األب البنه وعلى أولياء احملجور
ملا أمر اهلل بإيتاء اليتامى أمواهلم بقوله :وآتوا اليتامى أمواهلم شرع يف تعيني وقت تسليمهم? حملجورهم.
أمواهلم وبيان شرط ذلك الدفع ،فأمر األولياء باختبار اليتامى يف عقوهلم وأحواهلم حىت إذا علموا أما قوله تعاىل َ :وقُولُواْ هَلُ ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً أراد تليني اخلطاب والوعد اجلميل واختلف يف القول
منهم بعد البلوغ أن هلم فهما وعقال وقدرة يف معرفة املصاحل واملفاسد دفعوا إليهم أمواهلم. املعروف فقيل :معناه ادعوا هلم :بارك اهلل فيكم وحاطكم وصنع لكم وأنا ناظر لك وهذا االحتياط
3/586 1
76
ويشرتط تكرر االختبار مرتني أو أكثر حبيث يغلب على الظن رشده فال يكفي مرة ألنه قد واتفق أبو حنيفة والشافعي على أن هذا االختبار يكون قبل البلوغ وتشهد هلم الغاية ،وحيكى عن
يصيب فيها اتفاقا ووقته.5 مالك أنه بعد البلوغ.1
وقد اتفق الفقهاء على أن الصغري ال يدفع إليه ماله حىت يبلغ سن االحتالم ويؤنس منه الرشد فإن والبلوغ يكون بأحد مخسة أشياء :ثالثة يشرتك فيها الرجال والنساء :االحتالم ،واستكمال مخس
وجد أحدمها دون اآلخر مل جيز تسليم املال هلذه اآلية ،وأليب حنيفة خالف سيأيت. عشرة سنة ،واإلنبات ،وشيئان خيتصان بالنساء :احليض ،واحلمل.
بيد أن الشافعي جيعل الرشد صالح الدين واملال وأبو حنيفة خيصه بصالح املال فقط ،وبكال وعموم اللفظ يتناول ذكور اليتامى وإناثهم ،وال خالف بني أهل العلم يف أن األمر فيهم واحد
القولني قال ناس من املفسرين ،وسبب اخلالف يرجع إىل معىن الرشد. لكن مالك خالف يف سن رشد املرأة فقال ال بد من دخول زوجها عليها ومضي مدة من الزمان
الحكم الثاني :الحجر على الكبير: متارس فيها األحوال ،واختلف املالكية يف هذا التحديد :عام –عامان -سبعة أعوام ،قال ابن العريب:
ذهب مجهور أهل العلم إىل أن الكبري حيجر عليه كما حيجر على الصغري إذا كان سفيها. وليس يف حتديد املدة دليل.2
وذهب أبو حنيفة إىل أن من بلغ مخسا وعشرين سنة سلم له ماله سواء كان رشيدا أو غري رشيد. وحجة مالك أن إيناس الرشد ال يتصور من املرأة إال بعد اختبار الرجال ،وأما أقاويل أصحابه
والراجح قول اجلمهور ألن املدار على السفه ال على السن ،وما حيكى من أن أبا حنيفة قال بأنه فضعيفة خمالفة للنص والقياس أما خمالفتها النص فإهنم مل يشرتطوا الرشد وأما خمالفتها للقياس فألن
يصري يف هذه السن جدا وهو يستحي أن حيجر على جد حجة غري سديدة ألنه ال عالقة باجلدودة مبا الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه املدة احملدودة.3
حنن فيه. أما كيفية االختبار فيكون بتفويض التصرفات اليت يتصرف فيها أمثال اليتيم فإن كان من أوالد
مث إن الصيب إمنا منع منه ماله لفقدان? العقل اهلادي إىل حفظ املال وكيفية االنتفاع به فإذا كان التجار فوض إليه البيع والشراء فإذا تكررت منه فلم يغنب ومل يضيع ما يف يده فهو رشيد وإن كان
هذا املعىن قائما بالشيخ والشاب كانا يف حكم الصيب فوجب أن مينع دفع املال إليهما ما مل يؤنس من أوالد الدهاقني والكرباء الذين يصان أمثاهلم عن األسواق دفعت إليه نفقة مدة لينفقها يف مصاحله
منهما الرشد.6 فإن كان قيما بذلك يصرفها يف مواقعها ويستويف على وكيله ويستقصى عليه فهو رشيد واملرأة
وهلذا قال القرطيب بأن هذا التعليل يدل على ضعف هذا القول.7 يفوض إىل ربة البيت من استئجار الغزاالت وتوكيلها يف شراء وأشباه ذلك فإن وجدت ضابطة ملا يف
الحكم الثالث :هل يباح للوصي أن يأكل من مال اليتيم؟ يديها مستوفية من وكيلها فهي رشيده.4
ف ومن َكا َن فَِقرياً َفْليْأ ُكل بِالْمعر ِ
وف تقسيم األوصياء ِ ِ
َ ْ َ ُْ يف قوله تعاىلَ :و َمن َكا َن َغنيّاً َفْليَ ْسَت ْعف ْ? َ َ
إىل صنفني:
-1غين :أمره اهلل باالستعفاف.
1السايس 1/369
5مغين احملتاج 2/165 2ابن العريب 419 /1
6السابق 3بداية اجملتهد 1/1090
5/35 7 4املغين4/566
77
وحجتهم اآلية الكرمية. -2فقري :جيوز له األكل من مال اليتيم باملعروف
املناقشة والرتجيح: ولكن وقع بني أهل العلم خالف يف داللة هذه اآلية نذكرها يف األحكام الالحقة.
ما قاله اجلمهور هو الراجح بنص القرآن ،وادعاء النسخ بعيد لعدم التعارض بني اآليتني "وهو الحكم الرابع :استعفاف الغني:
ختصيص لعموم? النهي عن أكل أموال اليتامى يف اآليتني السابقتني للرتخيص يف ضرب من ضروب العفة :االمتناع عما ال حيل ،وقد اختلف أهل العلم يف داللة أمر الغين باالستعفاف على قولني:
الكل وهو أن يأكل الوصي الفقري من مال حمجوره باملعروف ،وهو راجع إىل إنفاق بعض مال اليتيم القول األول :الوجوب :فال جيوز للغين أن يأخذ من مال اليتيم بأي حال من األحوال.
يف مصلحته? ،ألنه إذا مل يعط الفقري باملعروف أهلاه التدبري لقوته عن تدبري مال حمجوره".4 القول الثاين :الندب :أي األفضل له أال يأخذ ،فإذا ما أخذ جيوز له ويكون أجرة يف مقابل العمل،
الحكم السادس :معنى األكل بالمعروف: أي إذا أراد أن يأخذ أجر مثله جاز له إذا كان له عمل وخدمة أما إذا كان عمله جمرد التفقد لليتيم
في األكل باملعروف أربعة أقوال: واإلشراف عليه فال أجر له.1
أحدها :أنه األخذ على وجه القرض وهذا مروي عن عمر وابن عباس. الحكم الخامس :هل يجوز للفقير األكل من مال اليتيم؟
والثاين :األكل مبقدار احلاجة من غري إسراف وهذا مروي عن ابن عباس والنخعي يف هذه املسألة قوالن:
والثالث :أنه األخذ بقدر أجرة املثل وهو مذهب مالك.5 القول األول :ال جيوز له األكل مطلقا ،واستثىن أبو حنيفة وصاحباه من املنع حالة السفر فقالوا:
والرابع :له أقل األمرين من أجرته أو قدر كفايته ،وهذا مذهب الشافعي 6وأمحد.7 ال يأخذ إال إذا سافر من أجل اليتيم يأخذ قوته يف السفر.
وعلل بأن الوصي يستحقه بالعمل? واحلاجة مجيعا فلم جيز أن يأخذ إال ما وجدا فيه. وافرتق هؤالء يف تأويل هذه اآلية إىل أقوال:
الحكم السابع :هل على الفقير اآلكل الضمان إذا أيسر؟ األول :إن له أن يأخذ من مال اليتيم قرضا بقدر ما حيتاج إليه مث إذا أيسر قضاه وهذا قول ابن
ذكرنا أن للفقري الذي ال جيد ما يكفيه وتشغله رعاية مال اليتيم عن حتصيل الكفاية أن يأخذ جبري وجماهد.
قدر كفايته باملعروف من غري إسراف ،ولكن هل عليه الضمان إذا أيسر أقوال: الثاين :ذهبت إىل أن ذلك حق اليتيم ينفق عليه من ماله حبسب حاله ،وهو بعيد ال ينتظم مع
القول األول :أنه ال ضمان عليه وهو قول الشعيب والنخعي. قوله :ومن كان غنيا فليستعفف.
2
الثالث :ادعى نسخ هذه اآلية بقوله تعاىل بعدها :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وهذا
مروي عن ابن عباس قال ابن اجلوزي" :وال يصح".3
القول الثاين :جيوز للفقري األكل باملعروف من مال اليتيم وهذا قول اجلمهور.
4التحرير والتنوير1/897
5السابق. 1التحرير والتنوير1/898
6مغين احملتاج 2/173 2السايس 1/374
7املغين 4/319 3زاد املسري 2/17
78
إال ببينة عند مالك 5والشافعي 6هلذه اآلية ،ولأن الذي زعم أنه دفعه إليه غري الذي ائتمنه كالوكيل وعلل قوهلم بأن اهلل تعاىل أمر باألكل من غري ذكر عوض ،بل هو عوض عن عمله فلم يلزمه بدله
بدفع املال إىل غريه ال يصدق إال ببينة. كاألجري واملضارب.1
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وحممد وزفر واحلسن بن زياد يف الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه القول الثاين :إذا أيسر وجب عليه القضاء روي عن عمر وغريه.
قد دفع املال إليه أنه يصدق ،وكذلك لو قال أنفقت عليه يف صغره صدق يف نفقة مثله وكذلك لو وعلل هذا القول بأنه استباحه باحلاجة من مال غريه فلزمه قضاؤه كاملضطر إىل طعام غيره.2
قال هلك املال ،7وعلله اجلصاص بأنه بمنزلة الودائع واملضاربات وما جرى جمراها من األمانات القول الثالث :وهو لإلمام أمحد وهو التفريق بني األب وغريه ،فإن كان أبا مل يلزمه عوضه رواية
فوجب أن يكون مصدقا على الرد كما يصدق على رد الوديعة.8 واحدة ،ألن لألب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع احلاجة وعدمها ،وإن كان غري األب روايتان.3
صيب ِّم َّما َتر َك الْوالِ َد ِ
ِ ِ ِ ِ لر َج ِ
ان َواَألق َْربُو َن َ َ ال نَصيِ ٌ
ب ِّم َّما َت َر َك ال َْوال َدان َواَألق َْربُو َن َوللن َ
ِّساء نَ ٌ لِّ ِّ الحكم الثامن :اإلشهاد على تسليم المال لليتيم:
صيباً َّم ْف ُروضاً النساء7ِم َّما قَ َّل ِم ْنهُ َأو َك ُثر نَ ِ قوله تعاىل :فإذا دفعتم إليهم أمواهلم فأشهدوا عليهم أي :إذا حصل مقتضى الدفع فدفعتم
ْ َ
هذا شروع يف بيان أحكام املواريث اليت تضمنتها اآليات التالية هلذه اآلية بعد بيان أموال اليتامى إليهم أمواهلم فأشهدوا عليهم أهنم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم وتأمنوا عاقبة الدعاوى
املنتقلة إليهم باإلرث. الصادرة منهم.
وسبب نزول هذه اآلية أن أوس بن ثابت األنصاري تويف وترك ثالث بنات وامرأة ،فقام رجالن وقيل :إن اإلشهاد املشروع هو ما أنفقه عليهم األولياء قبل رشدهم .
من بين عمه يقال هلما قتادة وعرفطة فأخذا ماله ومل يعطيا امرأته وال بناته شيئا ،فجاءت امرأته إىل وقيل هو على رد ما استقرضه إىل أمواهلم .
النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت له ذلك وشكت الفقر فنزلت هذه اآلية قاله ابن عباس. وظاهر النظم القرآين مشروعية اإلشهاد على ما دفع إليهم من أمواهلم وهو يعم اإلنفاق قبل الرشد
وقال قتادة وابن جبري أن اجلاهليني ما كانوا يورثون النساء واألطفال ويقولون? :إمنا يرث من والدفع للجميع إليهم بعد الرشد.4
حيارب ويذب عن احلوزة وللرد عليهم نزلت هذه اآلية. واألمر هنا حيتمل الوجوب وحيتمل الندب وبكل قالت طائفة من العلماء مل يسم أصحاهبا :فإن
قال ابن عاشور :ومناسبة تعقيب اآلي السابقة هبذه اآلية أهنم كانوا قد اعتادوا إيثار األقوياء لوحظ ما فيه من االحتياط حلق الوصي كان اإلشهاد مندوبا ،ألنه حقه فله أن ال بفعله .
واألشداء باألموال وحرمان الضعفاء وإبقاءهم عالة على أشدائهم حىت يكونوا يف مقاهتم فكان وإن لوحظ ما فيه من حتقيق مقصد? الشريعة من رفع التهارج وقطع اخلصومات كان اإلشهاد
األولياء مينعون عن حماجريهم أمواهلم وكان أكرب العائلة حيرم إخوته من املرياث معه فكانوا لضعفهم واجبا نظري ما تقدم يف قوله تعاىل إذا تداينتم بدين إىل أجل مسمى فاكتبوه وللشريعة? اهتمام
بتوثيق احلقوق ،ألن ذلك أقوم لنظام املعامالت ،وأيا ما كان فقد جعل الوصي غري مصدق يف الدفع
4انظر شرح زبد ابن رسالن للرملي ،ومغين احملتاج.3/232 البدائع 2
85
ومن هذا ميكن أن نلخص أقسام احملرمات من النسب يف أربع طبقات -: ج -وقال أبو منصور البغدادي حيث قال":حترم نساء القرابة إال من دخلت يف اسم ولد العمومة?
.1األصول مهما علوا فيحرم عليه التزوج من أمه وجداته من جهة أبيه أو ولد اخلؤولة ".1
أو من جهة أمه مهما علون وهذا الضبط أرجح -:
.2الفروع مهما نزلوا فيحرم عليه التزوج ببناته وبنات أوالده ذكورهم .1ألنه أكثر إجيازا.
وإناثهم مهما نزلوا .2أن ضبط الشيخ أيب إسحق ال ينص على اإلناث ،ألن لفظ األصول
.3فروع أبويه مهما نزلوا فيحرم عليه التزوج بأخته وببنات أخته والفصول? يتناول الذكور واإلناث .
2
وأخواته وببنات أوالد إخوته وأخواته. .3أن األليق بالضابط أن بكون أقصر من املضبوط
.4الفروع املباشرة ألجداده فيحرم عليه التزوج بعمته وخالته وعمة أبيه ك الاَّل يِتاج َ
ك َْأز َو َ " .4جمليئه على منط قوله تعاىل يَا َأيُّ َها النَّيِب ُّ ِإنَّا ْ
َأحلَْلنَا لَ َ
ك وبنَ ِ ِ آتيت ُأجوره َّن وما ملَ َكت ِين مِم
وعمة جده ألبيه أو أمه ،وعمة أمه ،وعمة جدته ألبيه أو أمه أما الفروع غري ات ك َو َبنَات َع ِّم َ َ َ ك َّا َأفَاءَ اللَّهُ َعلَْي َ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ َ ْ مَي ُ َ
ك وبنَ ِ ِ ِ
املباشرة لألجداد فيحل الزواج هبم ولذلك يباح التزواج بني أوالد األعمام ك(األحزاب :من اآلية )50فدل على أن ات َخاالتِ َ ك َو َبنَات َخال َ َ ََع َّماتِ َ
والعمات وأوالد األخوال و اخلاالت.5 ما عداهن من األقارب ممنوع".3
وقد عربوا عن أصول الرجل بأنه من ينسب الرجل إليه بالبنوة وعن فصوله بأنه من ينسب
نكاح البنت من الزنا: إيل الرجل باألبوة وأن فصول أول أصوله مبعىن األخوات وأوالدهن وبنات األخوة
وقد اختلف يف البنت من الزنا أهي داخلة يف قوله :وبناتكم قوالن: طبقات القرابة-:
القول األول:عدم حرمة نكاح البنت من السفاح مطلقا وهو مذهب الشافعي ويف اآلية اليت ذكر فيها التحرمي من جهة النسب جند أن اهلل تعاىل وضع هذا التحرمي على ترتيب
وعندهم وجه باحلرمة إذا حتقق أهنا من ماء زناه ويضربون مثال للتحقق? بأن خيربه بذلك نيب عجيب فحرم أوال" أصول اإلنسان عليه وفصوله? وفصول أصوله األوىل بال هناية وحرم فصول فصوله
6
كعيسى إذا كان يف زمنه بال هناية وحرم فصول كل أصل ليس قبله أصل إىل غري هناية وهو أوالد األخوة واألخوات وحرم
هذا وعمم الشافعية احلكم يف صور كثرية فقد جاء يف حاشية البيجوري ما لفظه":ومثل املخلوقة أول فصل من كل أصل قبله أصل آخر بينه وبني الناكح وهو أوالد اجلد وأبو اجلد فإن التحرمي
7
من ماء زناه املخلوقة من ماء استمنائه بغري يد حليلته ومثلها أيضا املرتضعة بلنب الزنا" 4
مقصور? وابنة اخلال على أول فصل فابنة العم وابنة العمة وابنة اخلال حالل"
وتتلخص أدلة الشافعية فيما يلي-:
1انظر املصدرين السابقني.
5انظر يف ظالل القرآن 1/608 2انظر املصدرين السابقني.
6انظر مصدر سابق 3مغين احملتاج .3/232
2/161 7 4أحكام القرآن للكيا اهلراسي 1/192
86
مما يدل على حرمة البنت من الزنا حرمت البنت من .5 .1أن الشرع قطع النسب بينها وبينه .
3
الرضاعة بل حترمي بنت الزنا أوىل .2قاعدة احلرام الحيرم احلالل.
املناقشة والرتجيح-: .3ال حرمة ملاء الزنا بدليل انتفاء سائر األحكام عنها.
مما سبق يتبني رجحان مذهب اجلمهور وهو حرمة نكاح البنت من الزنا .4يف القول باحلرمة تبعيض لألحكام إذ كيف يقال حترم عليه ألهنا بنته
وجياب على أدلة قول الشافعية يف جتويزهم ذلك مبا أجاب به اجلمهور-: ويقال ال تنتسب إليه والترث منه فهذا تبعيض غري مقبول ألنه إما أن جيعل هلا
.1أن الشرع إمنا قطع النسب بينها وبينه ملا يف أحكام البنت كلها أو ينفيها كلها.
اإلضافة إليه من إشاعة الفاحشة وهذا ال ينفي النسبة احلقيقة، ولكن مع قول الشافعية باحلل إال أهنم كرهوه واختلفوا يف توجيه هذه الكراهة فقيل
ألن احلقائق المرد هلا. خروجا من اخلالف وهذا ما اختاره السبكي وذكره الرملي يف شرحه على املنهاج مقتصرا
.2أما علة انتفاء سائر األحكام عنها فيقال فيه مثل ما عليه فقال":نعم يكره له نكاحها خروجا من اخلالف".
سبق. وقيل الحتمال كوهنا منه فإن تيقن أهنا منه حرمت وهو اختيار مجاعة من الشافعية منهم
. 1
.3قوهلم إن يف ذلك تبعيض لألحكام جياب بأنه الروياين
المانع منه حيث بعض الشارع ويقال أيضا إن النسبة القول الثاين:حرمة نكاح البنت من السفاح وهو مذهب اجلمهور.
احلقيقية ثابتة إال أن الشرع اعترب يف اإلرث ثبوت النسب وحجتهم ما يلي:
شرعا جلريان اإلرث والنفقة فمن ادعى ذلك يف النكاح فعليه أهنا خملوقة من مائه فكانت بنته حقيقة. .1
4
الدليل كماأن ختلف بعض األحكام ال ينفي كوهنا بنته قوله تعاىل(:حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم)وهي بنته .2
وهذه احلقيقة ال ختتلف باحلل واحلرمة.
المحرمات 3من النكاح بسبب الرضاع أهنا بضعة منه. .3
اع ِة
ضَ الر َ
َأخ َواتُ ُكم ِّم َن َّ َ و َُّأم َهاتُ ُك ُم الالَّتِي َْأر َ
ض ْعنَ ُك ْم َو َ مل يعرف عن أحد من الصحابة أنه أباح أن ينكح .4
2
بعد أن ذكر اهلل احملرمات بسبب النسب أعقبه بذكر احملرمات بسبب الرضاع ،ومل يذكر الرجل بنته من الزنا
يف القرآن من احملرم بالرضاع إال األم واألخت ،فاألم أصل واألخت فرع فنبه تعاىل بذلك
على مجيع األصول والفروع.
3تفسري املنار 4/318 1انظر مغين احملتاج 3/233
4مغين ابن قدامة9/530 2تفسري املنار 4/318
87
استدل أصحاب هذا القول حبديث سامل والذي رواه مسلم أن أم سلمة قالت ألم املؤمنني عائشة تعريف الرضاع-:
رضي اهلل عنها :إنه يدخل علي الغالم األيفع الذي ما أحب أن يدخل علي . الرضاع لغة:مص الثدي ونقول الرضاع والرضاعة بفتح الراء وكسرها.1
فقالت عائشة :أمالك يف رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أسوة حسنة واصطالحا :وصول لنب امرأة أو ما حصل منه الغذاء يف جوف طفل
وقالت:إن امرأة أيب حذيفة قالت:يارسول اهلل إن ساملا يدخل علي وهو رجل ويف نفس أيب يف احلولني. 2
حذيفة منه شيء فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم :أرضعيه حىت يدخل عليك والرضاع ينشر احلرمة كما ينشره النسب كما نصت عليه اآلية الكرمية إذ" مسى املرضعة
فهذا احلديث قد عارضه حديث عائشة السابق أهنا قالت:دخل علي رسول اهلل وعندي رجل قاعد ٌأما للرضيع وبنتها أختا له فأعلمنا بذلك أن جهة الرضاعة كجهة النسب تأيت فيها األنواع
فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب يف وجهه فقلت? يارسول اهلل :إنه أخي من الرضاعة قال:انظرن اليت جاءت يف النسب كلها"3لكن هذا "فيما يتعلق بتحرمي النكاح وتوابعه وانتشار احلرمة
إخوتكن من الرضاعة فإمنا الرضاعة من اجملاعة " بني الرضيع وأوالد املرضعة وتنزيلهم منزلة األقارب يف جواز النظر واخللوة واملسافرة ولكن
قال ابن رشد فمن ذهب إىل ترجيح هذا احلديث قال:الحيرم اللنب الذي ال يقوم للرضيع مقام ال يرتتب عليه باقي أحكام األمومة من التوارث ،ووجوب اإلنفاق ،والعتق بامللك
الغذاء ...ومن رجح حديث سامل وعلل حديث عائشة بأهنا مل تعمل به قال :حيرم رضاع الكبري ".6 والشهادة والعقل ،وإسقاط القصاص"4ألن النسب أقوى من الرضاع ،فال يقاس عليه يف
مناقشته-: مجيع أحكامه وإمنا يشه به فيما نص عليه فيه 5كما أن هناك صورا من الرضاع حيل النكاح
ناقش اجلمهور هذا القول وحاولوا دفعه وكان هلم يف ذلك مسالك كمايلي-: فيها دون النسب.
املسلك األول:القول بأن هذا خاص بسامل وهذا مسلك اإلمام الشافعي فقد قال يف األم":هذا بيان األحكام:
واهلل أعلم يف سامل موىل أيب حذيفة خاصة"7ودلل على قوله هذا بقول أم سلمة:وكان ذلك يف احلكم األول :رضاع الكبري -:
سامل خاصة" وقال":وإين قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم أن رضاع سامل خاص مث اختلف أهل العلم يف رضاع الكبري هل حيرم أوال قوالن-:
قوى قوله بنقل أقوال عن الصحابة كقول عمر ":إمنا الرضاع رضاع الصغري "وعن ابن عمر أنه األول :أن رضاع الكبري الحيرم وإىل هذا ذهب اجلماهري من أهل العلم .
كان يقول ":ال رضع إال ملن أرضع يف الصغر".8 الثاين :أنه حيرم وذهب إىل هذا مجاعة من الفقهاء وقد عزا ابن رشد احلفيد هذا املذهب
املسلك الثاين:القول جبواز ذلك مث نسخ مبا جاء من أحاديث من أن الرضاع ال حيرم إال يف إىل داود وأهل الظاهر
الصغر كحديث ":ال رضاع بعد الفصال"9وغريه مما سبق ذكره.
1القاموس احمليط
6بداية اجملتهد 3/67 2أسهل املدارك 2/48
7األم 5/28 3تفسري املنار 4/382
8انظر األم .5/28 4فتح الباري 177 /9
9اخرجه البيهقي من حديث علي. 5انظر املغين 11/309
88
.2أما القائلون باخلصوصية لسامل دون من عداه وهذا مسلك أم سلمة فهذا احلديث وغريه وكذا اآلثار اليت وردت عن الصحابة تفيد اتفاقهم على النسخ ،1وهذا
وهذا أقوى مما قبله بيد أن ختصيص حال سامل وأمثاله أوىل من ختصيص مسلك احلنفية وملا ورد على مسلكهم قول أزواج النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم بالتخصيص
شخص بعينه وأقرب إىل العمل جبميع األحاديث من اجلانبني وقواعد الشرع وجهوه بقوهلم":لعل سببه ما تضمنه مما خياف أصول الشرع حيث يستلزم مس عورهتا بشفتيه
تشهد له.6 فحكمن بأن ذلك خصوصية".2
الرتجيح-: املسلك الثالث:وهو تضعيف احلديث فقد أعله صاحب اجلوهر النقي باالضطراب سندا ومتنا،
من خالل عرض األقوال الثالثة وحججها ومنا قشتها يتبني رجحان القول الثالث واهلل أعلم علما وقال يف هذا الشأن ":مث إنه حديث مضطرب اإلسناد واملنت ،فقد ورد أنه عليه الصالة والسالم
أنه اجلاري على القواعد األصولية مع مالحظة أن الشريعة حاكمة لكل زمان ومكان فهي مستمرة قال هلا :أرضعيه عشر رضعات مث ليدخل عليك".3
إىل قيام الساعة وهلذا نقول بتخصيص احلال ال بتخصيص الشخص أي ال حيرم رضاع الكبري كما القول الثالث :وهو مذهب شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشوكاين أن رضاع
هو نص األدلة العامة وخنصص من حاالت أفرادها ما كان مثل حالة سامل وحنن هذا نكون-: الكبري حيرم يف احلاالت اليت تشبه حالة سامل موىل أيب حذيفة وذلك للحاجة قال ابن
.1قد أعملنا القواعد األصولية من التوفيق واجلمع بني األدلة قدر تيمية":ورضاع الكبري تنتشر به احلرمة من حيث الدخول واخللوة إذا كان قد ترىب يف البيت حبيث
اإلمكان وهو هنا التخصيص من العموم? فيعمل باخلاص فيما تناوله والعام يف ال حيتشموا منه للحاجة لقصة سامل موىل أيب حذيفة"4قال الفقيه الشوكاين ":وهو الراجح
الباقي. عندي".5
.2عملنا حبديث سامل ومل هنمله وإعمال الدليل أوىل من إمهاله. هذا وقد ناقش ابن القيم يف الزاد قول احملرمني مطلقا ورد على مسلكي النسخ والتخصيص
وهبذا يظهر رجحان هذا القول عن غريه حيث إن القول األول أمهل حديث السابقني يف دفع احلديث مبا ملخصه-:
سامل وإن قال بأنه خاص به فهو إمهال له من جهة كونه غري معمول? به بعد سامل .1أن القائلني بالنسخ مل يأتوا حبجة سوى الدعوى فإهنم ال ميكنهم
كما أننا حناول االبتعاد قدر اإلمكان من اللجوء إىل القول بالنسخ أو التخصيص إثبات التاريخ املعلوم األخر بينه وبني تلك األحاديث ولو قلب أصحاب هذا
باألفراد إذ فيهما نوع حتجيم للشرع ،وأما القول الثاين فقد أمهل األحاديث وداللة القول عليهم الدعوى وادعوا نسخ تلك األحاديث حبديث سهلة لكانت نظري
اآليات يف أن رضاع الكبري ال حيرم فاألولون ردوا دليال خاصا واآلخرون ردوا أدلة دعواهم .
عامة.
.3أن فيه رفعا للمشقة وقد اتفقوا على أن املشقة جتلب التيسري وأن 1انظر فتح القدير البن اهلمام .3/310
2مصدر سابق .3/310
احلرج مرفوع وإذا كنا نستدل هبذه القواعد يف حاالت لرمبا تكون أهون من
3اجلوهر النقي للمارديين ومعه السنن الكربى .7/456
هذه ومل يرد عليها دليل خبصوصها خيرجها من حكمها العام بيد أن الفقهاء
4اإلختيارات الفقهية
6انظر زاد املعاد 4/182:180 5نيل األوطار .6/752
89
.2أن اسم الرضاع يف الشرع واللغة يتناول القليل والكثري وذلك يقتضي أعملوا فيها هذه القاعدة فهنا أوىل إعماال للدليل مع القاعدة إذ كيف يرتىب
صريورة املرضع أما للراضع جملرد وجود الرضاعة. 3 الطفل على امرأة حيسبها أمه لسنوات طوال مث ما إن يطر شاربه أو يكاد حىت
.3ما ورد عن السلف مؤيدا هلذا القول حنو ماروي عن ابن عمر ":إن حتتجب عنه ولرمبا طرد من البيت الذي عاش طفولته? فيه وفارق األسرة الىت
القليل حيرم" 4وجاء عن علي وابن مسعود كما يف التمهيد أهنما قاال :حيرم قليله قضى معها صغره مث بني ليلة وضحاها جيد نفسه غريبا وحيدا طريدا ال أسرة
وكثريه. حتتويه وال بيت يؤويه مث هو ال يزال قليل املعرفة باحلياة وتقلباهتا مما جيعله
.4اعتصاما باإلحتياط كما هي قاعدة املالكية يف مسائل التحرمي.5 عرضة لتجار اجلرمية وهلذا إذا كان قول اجلمهور وجيها يف السابق فقول شيخ
.5اإلمجاع فقد نقلوا عن الليث قوله":اجتمع املسلمون? على أن قليل اإلسالم هو الوجيه يف هذا العصر إذ به حيمى أطفال وتلتئم أسر وحنمي
الرضاع وكثريه حيرم يف املهد ما يفطر الصائم".6 اجملتمع.
القول الثاين :أن الرضاع احملرم مخس رضعات فصاعدا وهذا مذهب الشافعي وأمحد يف ظاهر احلكم الثاين :املقدار احملرم من اللنب-:
مذهبه وابن حزم. اختلف الفقهاء يف املقدار احملرم من اللنب على أقوال-:
استدل أصحاب هذا القول مبا يلي-: القول األول:ال حيد مبقدار معني روي هذا املذهب عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس
.1حديث سهلة يف سامل يف املوطأ أنه قال هلا النيب صلى اهلل عليه وآله وابن عمر واحلسن حكي و عن الثوري واألوزاعي والليث وهو مذهب احلنفية واملالكية جاء يف
1
وسلم ":أرضعيه مخس رضعات فيحرم بلبنها" اهلداية ":قليل الرضاع وكثريه سواء إذا حصل يف مدة الرضاع تعلق به التحرمي"
.2عن عائشة رضي اهلل عنها قالت":كان فيما أنزل اهلل يف القرآن عشر ويف مدونة الفقه املالكي":لنب املرضع حيرم إذا وصل إىل اجلوف قليال كان أو كثريا ولو كان
رضعات معلومات حيرمن فنسخن خبمس معلومات فتويف رسول اهلل وهن فيما مبقدار ما يفطر الصائم ".2
يقرأ من القرآن" رواه مسلم إذا مذهب من سبق أن اللنب إذا وصل إىل اجلوف ولو كان متناهيا يف القلة حبيث يفطر
وردوا على أصحاب القول األول بأن-: الصائم فإنه حيرم وتثبت له مجيع أحكام الرضاع .
.1اآلية اليت استدلوا هبا قد فسرهتا السنة وبينت الرضاعة احملرمة ،والسنة واستدل أصحاب هذا القول مبا يلي-:
تثبت األحكام كآية السرقة اع ِة قالوا
ضَ َأخ َواتُ ُك ْم ِم َن َّ
الر َ .1قوله تعاىلَ :و َُّأم َهاتُ ُك ُم الاَّل يِت َْأر َ
ض ْعنَ ُك ْم َو َ
هذه اآلية عامة يف قليل الرضاع وكثريه.
3انظر األنكحة الفاسدة ،1/150ومدونة الفقه املالكي 3/145
4انظر فتح القدير البن اهلمام .3/306
5انظر مدونة الفقه املالكي .3/146 1اهلداية مع فتح القدير 3/305
6انظر أحكام القرآن للجصاص .2/156 3/145 2
90
من خالل عرض أدلة كل قول ومناقشتها تبني رجحان قول القائلني بأن اخلمس الرضعات .2دليل القول األول عام ودليل هذا القول خاص واخلاص مقدم? على
فصاعدا حيرمن لقوة حججهم وبه جنمع بني األدلة . العام .
احلكم الثالث :لنب الزنا-: القول الثالث :أنه الحيرم إال ثالث رضعات فصاعدا ،أما الرضعة والرضعتان فال حترمان،وهذا
واملراد هنا أن املرأة إذا ولدت ابنا من زنا مث أرضعت آخر فهل يصبح الرضيع اآلخر ابنا للزاين مذهب زيد بن ثابت وأبو ثور وابن املنذر وأبو عبيد وداود وأمحد يف رواية.1
حبيث لو كانت أنثى حترم عليه أم ال استدل هلذا القول مبا يلي-:
اختلف الفقهاء هنا على قولني مشهورين مها-: -1عن أم الفضل أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال ":الحترم الرضعة
القول األول :أنه ال صلة بينهما وعليه فإن هذا الرضيع الحيرم على األب لو كان أنثى وإمنا والرضعتان أو املصة واملصتان " رواه مسلم.
تكون صلة الرضيع مبن أرضعته فقط وهذا مذهب الشافعي ومالك يف رواية عنه وذهب إليه -2عن عبداهلل بن الزبري أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال":ال حترم من
بعض احلنابلة.5 الرضاعة املصة واملصتان"
أما دليل هذا القول فقد استند اإلمام الشافعي لقضاء رسول اهلل صلى اهلل عله وآله وسلم بابن مناقشته-:
أمة زمعة لزمعة وأمر سودة أن حتتجب منه ملا رأى منه من شبهه بعتبة فلم يرها ،قال الشافعي : وهذا القول وإن استند يف استدالله إىل السنة إال أن أدلته ال تفي مبدعاه ذلك أن هذه األحاديث
وقد قضى أنه أخوها حىت لقيت اهلل عز وجل ،ألن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخا هلا وكذلك تدل مبفهومها على أن الثالث من الرضعات أو املصات أو اإلمالجات تقتضي التحرمي فهي إذن ال
ترك رؤية املولود من نكاح أخته مباح وإمنا منعين من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا.6 تدل مبنطوفها على أن ما زاد على الثالث حيرم ،وهذا بعكس حديث عائشة يف الرضعات اخلمس
القول الثاين :أنه حيرم وهذا مذهب األئمة الثالثة. فهو يدل على"أن ما دوهنا ال يقتضي التحرمي فيتعارض املفهومان ويرجع إىل الرتجيح"2ومعلوم? أصوليا
الرتجيح-: أن املنطوق مقدم? على املفهوم حني التعارض وبناء عليه ف"إن اآلية فرهتا السنة وبينت الرضاعة
يالحظ تشابه هذه املسألة مع مسألة نكاح البنت من الزنا إال أن بعض احلنابلة وافق احملرمة"3وصريح منطوق حديث عاءشة خيص مفهوم ما رووه واستدلوا به فنجمع األخبار وحنملها
الشافعي هنا وخالفه هناك وفرق بينهما بأن البنت هناك من نطفته حقيقة خبالف هذه 7والذي على الصريح الذي رويناه.4
أراه ـواهلل أعلم ـ رجحان مذهب اجلمهور هنا كما يف مثيلتها والفرق الذي أبداه بعض احلنابلة الرتجيح-:
ليس بذي طائل.
4حاشية مال زادة على البيضاوي .2/296 1انظر املصدر السابق .4/8
5انظر املصدر السابق .2/296 2السابق
6فتح القدير .1/523 3انظر لسان العرب م حصن.
95
أمر اهلل بإيتاء األزواج مهورهن وأجاز احلط بعد االتفاق برضا الزوجني وعلى ذلك تكون اآلية -2ملوافقته سبب النزول وهلذا قال يف التمهيد ":ويف حديث أيب سعيد اخلدري هذا
نزلت يف النكاح املتعارف. دليل واضح على ذلك وفيه تفسري االية وهو أوىل ما قيل يف تفسريها".1
وقيل نزلت يف املتعة ،وهي أن يستأجر الرجل املرأة مبال معلوم? إىل أجل معني ،وكان الرجل ينكح -3ألنه قول كثري من املفسرين.
امرأة وقتا معلوما ليلة أو ليلتني أو أسبوعا بثبوت أو غري ثبوت ،ويقضي منها وطرا ويرتكها. احلكم الثاين :وأحل لكم ما وراء ذلكم:
وانقسم هؤالء فريقني :فاجلمهور? قالوا بنسخها ،وحكي عن ابن عباس أنا حمكمة وأن املتعة باقية اسم اإلشارة يرجع إىل احملرمات املذكورة قبل وفيه داللة على أنه حيل هلم نكاح ما سوى
لكنها خاصة باملضطر وحكي عنه الرجوع عن هذا القول. املذكورات وهذا عام خمصوص مبا صح عن النيب من حترمي اجلمع بني املرأة وعمتها ،وبني املرأة
والصواب أن هذه اآلية ال عالقة هلا باملتعة ال من قريب وال من بعيد وإمنا هي يف سياق الكالم وخالتها.2
على أحكام الزوجات كما بينا سابقا ،وورد كلمة استمتعتم و أجورهن ال يعين املتعة ،ألن وذهب بعضهم? إىل أن اجلمع بني املرأة وعمتها أو خالتها فهم حترميه من قوله تعاىل :وأن جتمعوا
االستمتاع هنا املراد به التلذذ واألجور هي املهور ،ومسي املهر أجرا ألنه أجر االستمتاع فيكون املعىن بني األختني بطريق القياس ،ألن العلة يف حترمي اجلمع هي القرابة القريبة ،فكل من بينهما قرابة قريبة
فما انتفعتم وتلذذمت باجلماع من النساء بالنكاح الصحيح فآتوهن أجورهن أي مهورهن. حرم اجلمع بينهما فجاز أن يقال :وأحل لكم ما وراء ذلكم أي من ذكرن أي إما بطريق النص أو
والصواب أيضا هو قول أئمة املسلمني من لدن الصحابة إىل اآلن بأن نكاح املتعة كان جائزا يف بطريق القياس ،3واستبعده الشوكاين.4
صدر اإلسالم مث نسخ فهي حرام إىل يوم القيامة وأدلتهم ما يلي: ومن عجائب زماننا ذهاب بعض املوسومني باملفكرين –وما أكثرهم يف هذا العصر -إىل جواز
عن علي رضي اهلل عنه " أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم هنى -1 اجلمع بني املرأة وعمتها أو خالتها مستدال هبذه اآلية وأحل لكم ما وراء ذلكم وعندما ووجه
عن نكاح املتعة وعن حلوم احلمر األهل زمن خيرب " ويف رواية " هنى عن متعة النساء بالسنة رفضها مجلة وتفصيال وطعن فيها ،وهذا خيشى عليه الكفر.5
ِِ
يوم خيرب وعن حلوم احلمر األنسية "متفق عليهما. اح ور ُه َّن فَ ِر َ
يضةً َوالَ ُجنَ َ ُأج َ استَ ْمَت ْعتُم بِه مْن ُه َّن فَآتُ ُ
وه َّن ُ احلكم الثالث :معىن قوله تعاىل :فَ َما ْ
عن سلمة بن األكوع قال " :رخص لنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله -2 يض ِة ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلِيماً َح ِكيماً ِِ ِ
اضْيتُم بِه من َب ْعد الْ َف ِر َ
يما َتَر َ
ِ
َعلَْي ُك ْم ف َ
وسلم يف متعة النساء عام أوطاس ثالثة أيام مث هنى عنها ".
عن سربة اجلهين " أنه غزا مع النيب فتح مكة قال :فأقمنا هبا مخسة -3
عشر فأذن لنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم يف متعة النساء " وذكر احلديث .3/144 1
إىل أن قال " فلم أخرج حىت حرمها رسول اهلل "ويف رواية " أنه كان مع النيب 2فتح القدير1/675
3السايس 1/429
فقال يا أيها الناس أين كنت أذنت لكم يف االستمتاع من النساء وإن اهلل قد حرم
4فتح القدير1/675
ذلك إىل يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله وال تأخذوا مما آتيتموهن
5بل نص ابن حزم يف الفصل على ردة منكر سنة اآلحاد ،ونص السيوطي يف ظالل اجلنة على ردة منكر السنة
شيئا"رواهن أمحد ومسلم? ،ويف لفظ عن سربة قال " :أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه مطلقا.
96
عليه جاز صداقا كمنافع الدار ،أما تعليم القرآن فاختلفت الرواية عن أمحد يف جعله صداقا فقال وآله وسلم باملتعة عام الفتح حني دخلنا مكة مث مل خنرج منها حىت هنانا عنها "رواه
يف موضع :أكرهه وقال يف موضع :ال بأس.4 مسلم .
القول الثاين :ال يصح أن يكون املهر منفعة ،وبه قال أبو حنيفة ،إال أنه قال :إذا تزوج على قال الشوكاين" :وعلى كل حال فنحن متعبدون مبا بلغنا عن الشارع ،وقد صح لنا عنه
ذلك فالنكاح جاز وهو يف حكم من مل يسم هلا وهلا مهر مثلها إن دخل هبا وإن مل يدخل هبا التحرمي املؤبد وخمالفة طائفة من الصحابة له غري قادحة يف حجيته وال قائمة لنا باملعذرة عن
فلها املتعة. العمل به كيف واجلمهور من الصحابة قد حفظوا التحرمي وعملوا به ورووه لنا حىت قال ابن
وحجته: عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح " إن رسول اهلل أذن لنا يف املتعة ثالثا مث حرمها
-1أن منافع احلر ال تكون صداقا ألهنا ليست ماال وإمنا قال اهلل تعاىل :أن تبتغوا واهلل ال أعلم أحد متتع وهو حمصن إال رمجته باحلجارة " وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النيب
بأموالكم صلى اهلل عليه وآله وسلم " هدم املتعة الطالق العدة واملرياث " أخرجه الدارقطين وحسنه
-2تحقيق املال ما تتعلق به األطماع ويعد لالنتفاع ومنفعة الرقبة يف اإلجارة ومنفعة احلافظ".1
التعليم للعلم? كله ليس مبال احلكم الرابع :مالية املهر:
-3اإلجارة خمالفة للقياس? فال يقاس عليها. يف قوله تعلى :بأموالكم أباح اهلل الفروج باألموال ومل يفصل فوجب إذا حصل بغري املال
5
-4احلديث يف حد اآلحاد و ال يرتك نص الكتاب خبرب الواحد أال تقع اإلباحة به ألهنا على الشرط املأذون فيه كما لو عقد على مخر أو خنزير أو ما ال يصح
القول الثالث :الكراهة ،ولذلك رأى فسخه قبل الدخول وبه قال مالك. متلكه ،فهذه ال تعد امواال.2
وإمنا كره ذلك مالك ألنه يستحب أن يكون الصداق معجال واإلجارة واحلج يف معىن احلكم اخلامس :هل يكون املهر منفعة؟
املؤجل.6 قد يقول قائل تقييد االبتغاء باألموال يقتضي أنه ال جيوز بغري األموال واملسألة فيها خالف:
وسبب اختالفهم سببان :أحدمها هل شرع من قبلنا الزم لنا حىت يدل الدليل على ارتفاعه القول األول :يصح أن يكون املهر منفعة ،وهو قول الشافعي وأمحد.
أم األمر بالعكس ؟ فمن قال هو الزم أجازه لقوله تعاىل { إين أريد أن أنكحك إحدى ابنيت ودليله حديث سهل بن سعد" :قد زوجناكها مبا معك من القرآن" 3والباء للعوض?.
هاتني على أن تأجرين مثاين حجج } اآلية ومن قال ليس بالزم قال :ال جيوز النكاح باإلجارة فإن أصدقها تعليم صناعة صح ،ألنه منفعة معلومة معلومة جيوز بذل العوض عنها فجاز
. جعلها صداقا كخياطة ثوهبا ،وإن أصدقها تعليمها شعرا مباحا معينا أو فقها أو أخذ األجرة
2/364 1
4روح املعاين 5/18 2انظر املوزعي 1/613
)?(5انظر إرشاد الفحول 99 3روح املعاين 5/18
102
وه َّن فَِإ ْن َأطَ ْعنَ ُك ْم فَالَ َت ْبغُواْ َعلَْي ِه َّن َسبِيالً ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلِيّاً
ض ِربُ ُ ضِ
اج ِع َوا ْ وه َّن فِي ال َْم َ
َو ْاه ُج ُر ُ والتعريف الذي اختاره ورجحه بعض العلماء وجيمع كل ما سبق ،هو التعريف املروي عن
َكبِيراً{}34 ابن عباس أن الكبائر هي " :كل ذنب ختمه اهلل بنار أو غضب أو لعنه أو عذاب"( ،)1ومبعناه ما
بيان األحكام: روي عن اإلمام أمحد أهنا ما يوجب حداً يف الدنيا ووعيداً يف اآلخرة.
احلكم األول:القوامة: ويدخل يف الكبائر –كذلك -كل ذنب توعد صاحبه بأنه ال يدخل اجلنة وال يشم رائحة
() 5
"قوام فعال للمبالغة من القيام على الشئ فيه ،وحفظه باإلجتهاد" . اجلنة ،وقيل فيه من فعله فليس منا ،وأن صاحبه آمث ،فهذه كلها من الكبائر ومن أمثلته :قوله:
وقوامية الرجل على املرأة هي:أن يقوم بتدبريها وتأديبها،وتويل أمرها وإصالح حاهلا آمراً (ال يدخل اجلنة قاطع) (. )2
ناهياً هلا ،كما يقوم الوالة على الرعايا ،وإمساكها يف بيتها ومنعها من الربوز(،)6ومبا أن املراد وقال شيخ اإلسالم البارزي? :التحقيق أن الكبرية كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن
بالقيام هنا هو الرئاسة ،فليس معناها التصرف باملرؤوس بإرادته واختياره ،وليس معناها-أيضاً- بنص كتاب أو سنة أو علم أن مفسدته? كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن أو أكثر من
أن يكون املرؤوس مقهوراً مسلوب اإلرادة ال يعمل عمالً إال ما يوجهه إليه رئيسه ،فإن كون مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه يف دينه إشعار أصغر الكبائر املنصوص عليها بذلك.3
الشخص قيماً على آخر هو عبارة عن إرشاده واملراقبة عليه يف تنفيذ ما يرشده إليه،أي مالحظته أما اإلصرار على الصغرية فهل حيوهلا إىل كبرية؟ يقول اإلمام الشوكاين " :وقد قيل إن
يف أعماله وتربيته(. )7 اإلصرار على الصغرية حكمه حكم مرتكب الكبرية ،وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به،
هذا وقد بني القرآن سبب القوامية هذه وأنه سببان مها -: وإمنا هي مقالة لبعض الصوفية ،فإنه قال ال صغرية مع إصرار ،وقد روى بعض من ال يعرف علم
السبب األول :فطري ،فاهلل عز وجل"فضل الرجال على النساء يف أصل اخللقة وأعطاهم من الرواية هذا اللفظ وجعله حديثاً ،وال يصح ذلك بل احلق أن اإلصرار حكمه حكم ما أصر
احلول والقوة مامل يعطهن،فكان من أجل ذلك التفاوت يف التكاليف واألحكام الشرعية ويف احلقوق عليه ،فاإلصرار على الصغرية صغرية ،واإلصرار على الكبرية كبرية"( )4وهذا هو الصواب،
والواجبات مرتتباً على هذا التفاوت يف فطرهتم وأصل خلقتهم وجبلتهم واستعدادهم"( )8فالرجال ويضاف عليه بأن الصغائر تكفر دائماً بالوضوء والصالة وأفعال اخلري كما جاءت هبذا
هلم فضيلة يف زيادة العقل والتدبري فجعل اهلل هلم حق القيام عليهن لذلك ،كما أن للرجال زيادة قوة األحاديث.
يف النفس والطبع ما ليس للنساء؛ ألن طبع الرجال غلب عليه احلرارة واليبوسة فيكون فيه قوة وشدة قوامة الرجل
ض َوبِ َما َأن َف ُقواْ ِم ْن َْأم َوالِ ِه ْم
ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍَّل اللّهُ َب ْع َ ال َق َّو ُامو َن َعلَى الن ِ
ِّساء ب َما فَض َ َ الر َج ُ
ِّ
وز ُه َّن فَ ِعظُ ُ
وه َّن ش َ ظ اللّهُ َوالالَّتِي تَ َخافُو َن نُ ُ ب بِ َما َح ِف َ ات َحافِظَ ٌ
ات لِّ ْلغَْي ِ الصالِ َح ُ
ات قَانِتَ ٌ فَ َّ
)?(5اجلامع ألحكام القرآن ()5/169
)?(6ينظر اجلامع ألحكام القرآن ( )5/169وأحكام القرآن أليب بكر ابن العريب ( )1/530والكشاف للزخمشري ( )?(1جمموع الفتاوى 11/652
. )1/265 )?(2البخاري 5/2231ومسلم 4/1981
)?(7ينظر تفسري املنار ()5/56 3روح املعاين 5/17
)?(8املفصل ()7/277 )?(4إرشاد الفحول 99
103
احلكم الثالث :تأديب املرأة الناشز. وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والربودة ،فيكون فيه معىن اللني والضعف؛فجعل? هلم حق القيام
ويف هذا احلكم فروع: عليهن بذلك(.)1
الفرع األول :حكم تأديب الناشز ووسائله: السبب الثاين :كسيب ،وهو مبا أنفقه وينفقه الرجل على امرأته من مهر ونفقة وتكاليف أخرى
دلت هذه اآلية على جواز تأديب املرأة الناشز يف قوله تعاىل َ :والاليِت خَتَافُو َن ألزمه الشرع هبا( ، )2فعن ابن عباس قال :فضله عليها بنفقته وسعيه( ، )3وفسر سفيانومبا أنفقوا
وه َّن فَِإ ْن َأطَ ْعنَ ُك ْ?م فَال َتْبغُوا َعلَْي ِه َّن نُشوزه َّن فَعِظُوه َّن واهجروه َّن يِف الْم ِ
اض ِربُ ُ
ضاج ِع َو ْ
َ َ ُ َ ْ ُُ ُ ُ َُ من أمواهلم مبا ساقوا من املهر (.)4
َسبِيالً ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلِيّاً َكبِرياً(النساء :من اآلية )34والنشوز هو :معصيتها لزوجها ويلخص الطربي معىن اآلية فيقول ":فتأويل الكالم إذاً أن الرجال قوامون على نسائهم بتفضيل
فيما له عليها مما أوجبه له النكاح(.)9 اهلل إياهم عليهن ،وبإنفاقهم عليهن من أمواهلم"(.)5
فللزوج حق تأديب زوجته إذا قصرت يف أداء احلق عليها ،أو إذا قصرت يف أداء حقوقه اليت احلكم الثاين :وجوب طاعة املرأة زوجها.
أوجبها الشرع عليها وحق اهلل عليها ،هو فعل ما أمرها به وترك ما هناها عنه(. )10 إن القوامية للرجل ال تستقيم كاملة مامل تكن املرأة مطيعة لزوجها بل إن الطاعة من لوازم
وقد ذكرت اآلية وسائل التأديب الشرعي وهي - : القوامية،قال القرطيب عند تفسري هذه اآلية ":وأن عليها طاعته وقبول أمره ما مل تكن معصية"(.)6
-2اهلجر يف املضاجع. -1الوعظ. وقوله تعاىل :فالصاحلات قانتات حافظات للغيب? خرب"مقصوده? األمر بطاعة الزوج ،والقيام
-3الضرب. حبقه يف ماله ويف نفسها يف حال غيبة الزوج"(.)7
أوالً :الوعظ -: و دلت السنة –أيضاً -على ما دل عليه القرآن هنا ،فعن أيب هريرة قال:قال رسول اهلل صلى اهلل
قال ابن عباس ":فعظوهن يعين:عظوهن بكتاب اهلل ،أمره اهلل إذا نشزت أن يعظها ويذكرها عليه وسلم":خري النساء اليت إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرهتا أطاعتك ،وإذا غبت عنها حفظتك
اهلل ويعظم حقه عليها"(.)11 يف نفسها ومالك ،قال :وتال هذه اآليةالرجال قوامون على النساء إىل آخر اآلية"(.)8
وقال القرطيب":فعظوهن أي :بكتاب اهلل ،وذكروهن ما أوجب اهلل عليهن من حسن الصحبة،
)?(1ينظر اجلامع ألحكام القرآن ( ، )5/169املنار ()5/56
ومجيل العشرة للزوج ،واالعرتاف بالدرجة اليت له عليها"(.)12 )?(2ينظر تفسري ابن كثري ( )1/492واملنار ( )5/56واملفصل ()7/277
)?(3جامع البيان ()5/59
)?(4املصدر السابق.
)?(5املصدر السابق
)?(9املغين ()8/189 )?(6اجلامع ألحكام القرآن ()5/169
)?(10املفصل ()7/309 )?(7اجلامع ألحكام القرآن ()5/169
)?(11جامع البيان ()5/62 )?(8مسند الطيالسي ( )1/306والفردوس مبأثور اخلطاب أليب شجاع الديلمي ( )2/181حتقيق :السعيد بسيوين،
)?(12اجلامع ألحكام القرآن ( )5/171وينظر املغين ()7/242 دار الكتب العلمية،بريوت،ط1986 ،1م.
104
والذي يظهر أن املراد اهلجر يف املضجع نفسه ،وهو الفراش أي هجرها يف النوم بأن يوليها وجيب أن يكون الوعظ باليت هي أحسن ،هيناً لينا خالياً من التعنيف والشدة ،وأن يشعر زوجته
ظهره،وال جيامعها،وال يكلمها إال بقدر قليل جداً حىت ال يضطر إىل كالمها بعد ثالثة أيام ،ألنه ال أنه يريد اخلري هلا ،ويقيها الضرر بسبب تقصريها فيما أوجبه اهلل عليها(. )13
جيوز هجر كالمها أكثر من ذلك(،)7كما جاء يف السنة عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال :قال ثانيا اهلجر يف املضاجع -:
رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ":ال حيل ملسلم أن يهجر أخاه فوق ثالث"(.)8 وه َّن يِف
إن مل ينفع الوعظ حتول الزوج إىل الوسيلة الثانية ،وهي اهلجر يف املضاجع َ و ْاه ُج ُر ُ
ثالثا الضرب -: الْمض ِ
اج ِع وللمفسرين? أقوال يف املراد باهلجر وهي-: َ َ
()2
الضرب هو الوسيلة الثالثة إذا مل ينفع مع الزوجة وعظها وهجرها يف املضجع قال تعاىل: .1هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ،وال جيامعها،روي هذا عن ابن عباس وغريه .
واضربوهن والضرب يف هذه اآلية هو الضرب غري املربح وهو الذي الجيرح ،وال يكسر عظماً، .2القبيح من الكالم ،أي:غلظوا عليهن يف القول ،وضاجعوهن للجماع وغريه قال معناه
وال يشني جارحة ،كاللكزة وحنوها،فإن املقصود منه الصالح(. )9 سفيان ،وروى عن ابن عباس.
وهذا كما ثبت يف صحيح مسلم عن جابر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال يف حجة .3شدوهن وثاقاً يف بيوهتن من قوهلم:هجر البعري،أي ربطه باهلجار،وهو حبل يشد به
الوداع":واتقوا اهلل يف النساء؛ فإهنن عندكم عوان ولكم عليهن أن ال يوطئن فراشكم أحداً البعري،وهو اختيار الطربي(،)3وقدح يف سائر األقوال ونظر القرطيب يف كالمه( ،)4ورد عليه القاضي
تكرهونه ،فإن فعلن فاضربوهن غري مربح". أبو بكر بن العريب يف أحكامه ،وقال :ياهلا من هفوة من عامل بالقرآن والسنة(.)5
قال النووي":وأما الضرب املربح فهو:الضرب الشديد الشاق ،ومعناه :اضربوهن ضرباً ليس .4أن ال جيامعها ويضاجعها على فراشها ،ويوليها ظهره ،وال يكلمها مع ذلك وال حيدثها،
بشديد وال شاق ،والربح املشقة"(.)10 روي هذا عن السدي .
وضبطه بعضهم? بأنه "ما يعظم أمله بأن خيشى منه مبيح تيمم"(. )11 .5اهجروا حجرهن.
() 6
إذن املقصود من الضرب هنا هو الضرب غري املربح ،ومثل له بعض العلماء بالضرب بالسواك أو .6ترك الدخول عليهن واإلقامة عندهن .
القصبة الصغرية واملنديل امللفوف وحنوها(.)12
)?(13ينظر املفصل ()7/313
)?(7ينظر مفاتيح الغيب()10/93 )?(2اجلامع ألحكام القرآن ()5/171
)?(8البخاري ( )5/2253ومسلم ( )4/1993وينظر املنار ( )5/60واملفصل ()7/315 )?(3ينظر جامع البيان ()5/63
)?(9ينظر اجلامع ألحكام القرآن ( )5/172وابن كثري ()1/493 )?(4ينظر اجلامع ألحكام القرآن ()5/171
)?(10املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج ،ليحي النووي ( )8/184دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،ط،2 )?(5أحكام القرآن أليب بكر ابن العريب( )1/532مراجعة وتعليق :حممد عبد القادر عطا ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
1392هـ. لبنان ،ط1408 ،1هـ1988-م.
)?(11حواشي البجريمي على اإلقناع ()3/599 )?(6ينظر اجلامع ألحكام القرآن ( )5/171والطربي ( )5/66واملنار ( )5/60وابن كثري(? )1/493وعون املعبود (
)?(12ينظر املصدر السابق ،وتفسري املنار ()5/60 )6/129
105
وللحافظ هنا كالم مجيل إذ يقول" :ويف قوله أن يضرب خياركم داللة على أن ضرهبن مباح يف فعن عطاء قال" :قلت البن عباس ما املربح؟ قال بالسواك وحنوه"(،)1وروي حنو هذا عن ابن عمر
اجلملة ،وحمل ذلك أن يضرهبا تأديباً إذا رأى منها ما يكره فيما جيب عليها فيه طاعته ،فإن اكتفى رضي اهلل عنهما(.)2
بالتهديد وحنوه كان أفضل ،ومهما أمكن الوصول إىل الغرض باإليهام ال يعدل إىل الفعل؛ ملا يف ونقل الرازي عن بعضهم قوله":ينبغي أن يكون الضرب مبنديل ملفوف? بيده وال يضرهبا بالسياط
وقوع ذلك من النفرة املضادة حلسن املعاشرة املطلوبة يف الزوجية إال إذا كان يف أمر يتعلق مبعصية وال بالعصا " .
اهلل"(.)8 قال الرازي":وباجلملة? فالتخفيف مراعى يف هذا الباب على أبلغ الوجوه"( ،)3ويظهر هبذا أن
وقال املناوي يف فيض القدير ":أما األخيار فريون الالئق سلوك سبيل العفو واحللم والصرب عليهن، املقصود األول بالعقاب هو العقاب املعنوي ال احلسي،وإال ما الذي يفعله سواك أومنديل.
ومالينتهن باليت هي أحسن ،واستجالب خواطرهن باإلحسان بقدر اإلمكان"(.)9 لكن إذا خرج الضرب عن حده التأدييب ،أو"أدى إىل اهلالك وجب الضمان"(.)4
الفرع الثاين :ترتيب الوسائل-: هذا وقد ذهب بعض الفقهاء إىل أن الضرب ال يكون إال إذا تكرر النشوز وهو ما رجحه مجهور
هذه الوسائل الثالث السابقة مرتبة ترتيباً تصاعدياً فالذي"يدل عليه نص اآلية أنه تعاىل ابتدأ العراقيني من الشافعية وتبعهم الرافعي ،والذي صححه النووي جواز الضرب وإن مل يتكرر النشوز
بالوعظ ،مث ترقى منه إىل اهلجران يف املضاجع ،مث ترقى منه إىل الضرب ،وذلك تنبيه جيري جمرى لظاهر اآلية(.)5
التصريح يف أنه مهما حصل الغرض بالطريق األخص وجب االكتفاء به ،ومل جيز اإلقدام على والضرب وإن كان مباحاً إال أن تركه أفضل ،كما قال الشافعي(.)6
()10
الطريق األشق" وجاء يف السنة عن أم كلثوم بنت أيب بكر قالت":مث كان الرجال هنوا عن ضرب النساء،مث
لكن قال الشوكاين":وظاهر النظم القرآين أنه جيوز للزوج أن يفعل مجيع هذه األمور عند خمافة شكوهن إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فخلى بينهم وبني ضرهبن.
النشوز"(.)11 مث قلت :لقد طاف الليلة بآل حممد صلى اهلل عليه وسلم سبعون امرأة كلهن قد ضربت قال
ويبدو أن الشوكاين فهم هذا من حرف العطف(و) الذي يدل على مطلق اجلمع كما هو مذهب القاسم :مث قيل:هلم بعد ولن يضرب خياركم"(.)7
مجاهري النحاة ،وال يدل على الرتتيب كما ذهب إليه قلة من النحاة( )12وعزي إىل الشافعي ،والذي
114
رد األحسن أن يزيد فيقول :عليك السالم ورمحة اهلل ملن قال :سالم عليك فإن قال :سالم وإن كانت شابة فسالم أحدمها على اآلخر مكروه وال يستحق املسلم -
عليك ورمحة اهلل زدت يف ردك :وبركاته وهذا هو النهاية فال مزيد. منهما جوابا ،بل اجلواب منها حرام ومنه مكروه ،وسيأيت مزيد تفصيل يف سورة
والرد باملثل أن تقول ملن قال السالم عليك :عليك السالم إال أنه ينبغي أن يكون السالم كله النور بإذن اهلل.
بلفظ اجلماعة وإن كان املسلم عليه واحدا. ثالثا :الكافر:
والسنة يف السالم واجلواب اجلهر وال تكفي اإلشارة باإلصبع والكف عند الشافعي وعند املالكية إذا سلم الكافر السالم الشرعي ففي وجوب الرد عليه وعدمه خالف:
تكفي إذا كان على بعد.3 القول األول :لا بأس بالرد عليه جمازاة له و لكن ال يزيد على قوله :و عليك ملا روي عن رسول
اهلل صلى اهلل عليه و سلم أنه قال [ :إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإمنا يقول السام عليكم
فقولوا و عليكم ] وبه قال احلنفية.1
القول الثاين :يندب الرد وبه قال املالكية.
القول الثالث :جيب الرد ،ويقول :وعليك فقط خلرب الصحيحني "إذا سلم عليكم أهل الكتاب
فقولوا وعليكم".
وروى البخاري خرب إذا سلم عليكم اليهود فإمنا يقول أحدهم السام عليك فقولوا وعليك وبه
قال الشافعية 2واحلنابلة.
الرتجيح:
أن الذمي إذا سلم السالم املذكور عن يهود املدينة من قوهلم :السام عليك ،فيباح الرد ب:
وعليك واألمر الوارد يف احلديث للتعليم ،ولتفطني الصحابة ،وألن قوهلم ليس حتية حىت جيب الرد
عليها ،وأما إذا سلم السالم الشرعي فيجب الرد لعموم اآلية.
احلكم الرابع :صفة رد السالم:
1البدائع4/306
3القرطيب 5/283 2مغين احملتاج4/211
115
-3شبه العمد ما تعمد ضربه بغري سالح من حجر أو عصا. عقوبة 3القتل الخطأ
احلكم الثاين :كفارة القتل اخلطأ: َ و َما َكا َن لِ ُمْؤ ِم ٍن َأن َي ْقتُ َل ُمْؤ ِمناً ِإالَّ َخطَئاً َو َمن َقتَ َل ُمْؤ ِمناً َخطَئاً َفتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَ ٍ3ة َو ِديَةٌ
أوجب اهلل سبحانه يف القتل اخلطأ أمرين :عتق رقبة مؤمنة ،ودية مسلمة إىل أهله إال أن يتصدقوا ص َّدقُواْ فَِإ ن َكا َن ِمن َق ْوٍم َع ُد ٍّو لَّ ُك ْم َو ُه َو ْمْؤ ِم ٌن َفتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَ ٍة َوِإن ُّم َسلَّ َمةٌِ 3إلَى َْأهلِ ِه ِإالَّ َأن يَ َّ
هبا فال جتب. َكا َن ِمن َق ْوٍم َب ْينَ ُك ْم َو َب ْيَن ُه ْم ِّميثَا ٌق فَ ِديَةٌ ُّم َسلَّ َمةٌ ِإلَى َْأهلِ ِه َوتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَةً 3فَ َمن لَّ ْم يَ ِج ْد
والدية تتحملها العاقلة كما دلت عليه السنة ،ولكن الفقهاء اختلفوا يف حتديد العاقلة: ام َش ْه َريْ ِن ُمتَتَابِ َع ْي ِن َت ْوبَةً ِّم َن الل ِّه َو َكا َن اللّهُ َعلِيماً َح ِكيماً{}92 فَصيَ ُ
ِ
فقال أبو حنيفة هم أهل ديوانه . هذه الآية من أمهات األحكام ومعناها :ما ينبغي ملؤمن أن يقتل مؤمنا إال خطأ فقوله :وما كان
وقال اجلمهور هم قرابته من جهة أبيه وهم عصبته ،وحجتهم أنه تعاقل الناس يف زمن النيب ويف ليس على النفي وإمنا هو على التحرمي والنهي ،ولو كانت على النفي ملا وجد مؤمن قتل مؤمنا قط
زمن أيب بكر ،ومل يكن هناك ديوان ،وإمنا كان الديوان يف زمن عمر. ألن ما نفاه اهلل جيوز وجوده.1
وحتميل العاقلة الدية من باب املعاونة ،وقد كان حتمل العاقلة الدية معروفا عند العرب -بل ال زال
يف اليمن إىل اليوم -وكانوا يعدونه من مكارم? األخالق فجاء اإلسالم وأقرهم على ذلك. بيان األحكام:
بقي أن أشري إىل أن األصم واخلوارج منعوا حتمل العاقلة الدية متمسكني باآلية ،وال دليل هلم مع احلكم األول :أنواع القتل:
قياس النص واإلمجاع واحلكمة يف ذلك أن دية املسلم كثرية ال يطيقها القاتل وحده إال نادرا ،وال أوجب اهلل القصاص يف القتل يف آية البقرة كتب عليكم القصاص يف القتلى وأوجب الدية
ميكن إهدار دم املقتول عند فقر القاتل فكانت على عاقلته حفظ الدماء.3 والكفارة يف القتل اخلطأ يف اآلية اليت معنا فيعلم أن الذي وجب فيه القصاص هو القتل العمد ال
احلكم الثالث:مقدار? دية اخلطأ: اخلطأ 2وقد رأى مالك يف بعض الروايات عنه أن القتل إما عمد وإما خطأ وال ثالث هلما ،ألنه إما
أمجع أهل العلم على أن على أهل اإلبل مائة من اإلبل واجلمهور أهنا خممسة كما يف أثر ابن يقصد القتل فيكون عمدا أو ال يقصده فيكون خطأ.
مسعود? أنه قال : أما سائر فقهاء األمصار فقد أثبتوا واسطة بني العمد واخلطأ وهو شبه العمد ،وبياهنا كما
"دية اخلطأ مخسة أمخاس :عشرون حقه ،وعشرون جذعة ،وعشرون بنات خماض ،وعشرون يلي:
بنات لبون ،وعشرون بين لبون ذكور" قال الدارقطين :هذا إسناد حسن. -1العمد :أن يقصد قتله مبا يفضي إىل املوت غالبا كسيف.
واختلفوا فيما جيب على غري أهل اإلبل على أقوال: -2اخلطأ وهو ضربان :أحدمها :أن يقصد رمي مشرك أو طائر فيصيب مسلما،
.1قال مالك والشافعي يف القدمي :على أهل الذهب ألف دينار ،وأما أهل الورق والثاين أن يظنه مشركا ألنه يف حيز أهل الشرك أو عليه لباسهم ،فاألول خطأ يف الفعل
فاثنا عشر ألف درهم ،وحجتهم ما جاء عن عمر أنه قوم الدية على أهل القرى فجعلها والثاين خطأ يف القصد
على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثين عشر ألف درهم
1القرطيب5/297
3املوزعي 1/656 2السايس 1/492
116
وحجته أن ذلك أقل ما يف قيل يف ذلك والذمة برئة إال بيقني أو حجة.4 .2وقال الشافعي يف اجلديد :ال تؤخذ من أهل الذهب وال من أهل الفضة إال قيمة
احلكم اخلامس :عموم اجملين عليهم: اإلبل بالغة ما بلغت.
علق اهلل سبحانه هذه األحكام بقتل املؤمن وأطلقه فوقع على الذكر واألنثى والصغري والكبري .3وقال أبو حنيفة وأصحابه و الثوري :الدية من الورق عشرة آالف درهم رواه
واحلر والعبد واحلكم كذلك بإمجاع املسلمني إال يف العبد ،فقالت طائفة من الكوفيني جتب فيه الدية الشعيب عن عبيدة عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار ،وعلى أهل الورق
لظاهر اآلية ،وال تبلغ دية احلر ،وقال الشافعي ومالك :جتب فيه القيمة بالغة ما بلغت قياسا على عشرة آالف درهم ،وعلى أهل البقرة مائيت بقرة ،وعلى أهل الشاء ألف شاة ،وعلى أهل
سائر األموال ،وقال أبو حنيفة :جتب يف القيمة وال يزاد هبا على دية احلر. اإلبل مائة من اإلبل ،وعلى أهل احللل مائيت حلة
احلكم السادس :املؤمن الذي أهله كفار: ودية اخلطأ خمففة من ثالثة أوجه :كوهنا خممسة ،وكوهنا على العاقلة ،وكوهنا مؤجلة يف ثالث
هذه مسألة املؤمن الذي يقتله املسلمون? يف بالد الكفار الذين كان منهم مث أسلم ومل يهاجر وهم سنني.
يظنون أنه مل يسلم وأنه باق على دين قومه فهل فيه دية مع الكفارة:
القول األول:جتب الدية دون الكفارة ،وهو قول أيب حنيفة واحلنابلة. احلكم الرابع :دية الذمي:
وحجتهم قول اهلل تعاىل :فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ومل يذكر اختلف العلماء من هذا الباب يف تفصيل دية الذمي على أقوال:
دية وتركه ذكرها يف القسم مع ذكرها يف الذي قبله وبعده ظاهر يف أهنا غري واجبة. القول األول :هي على النصف من دية املسلم ودية اجملوسي مثامنائة درهم ودية نسائهم على
القول الثاين :جتب الدية والكفارة وهو قول مالك و الشافعي ،وهي عند الشافعي لبيت املال. النصف من ذلك ،وهو قول مالك وأمحد.1
وحجتهم : ودليله ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم جعل دية
-1عموم قول اهلل تعاىل :ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إىل اليهودي والنصراين على النصف من دية املسلم.2
أهله. القول الثاين :مثل دية املسلم ،وهو قول أيب حنيفة.
-2قال عليه السالم [ :أال أن يف قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا مائة من ودليله قوله تعاىل :فدية وذلك يقتضي الدية كاملة كدية املسلم.3
اإلبل ] . القول الثالث :دية اليهودي والنصراين ثلث دية املسلم ودية اجملوسي ثلثا عشر دية املسلم ،وهو
-3أنه قتل مسلما خطأ فوجبت ديته كما لو كان يف دار اإلسالم قول الشافعي وروي هذا القول عن عمر وعثمان
واختلفوا يف وجه سقوط الدية على قولني:
-1أن أولياء القتيل كفار ال حق هلم يف الدية .
1املغين9/528
2سنن الرتمذي 4/25وحسنه ،كما حسنه األلباين يف اإلرواء 7/307
كفاية األخيار602 4
3البدائع6/304
117
القول الثاين :ما تعمد ضربه بسالح أو ما أجري جمرى السالح كاحملدد من اخلشب وليطة -2أن هذا الذي آمن ومل يهاجر حرمته قليلة لقول اهلل تعاىل :والذين آمنوا ومل
القصب? واملروة احملددة والنار ،وبه قال أبو حنيفة. يهاجروا ما لكم من واليتهم من شيء
القول الثالث :إنه كل قتل من قاتل قاصد للفعل? حبديدة أو حبجر أو بعصى أو بغري ذلك ،وقيده احلكم السابع :قتل املعاهد خطأ:
بعض أهل العلم بأن يكون مبا يقتل مثله يف العادة ،وهذا مذهب اجلمهور. قوله تعاىل :وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق هذا يف الذمي واملعاهد يقتل خطأ فتجب
الرتجيح: الدية والكفارة قاله ابن عباس و الشعيب و النخعي و الشافعي واختاره الطربي قال " :إال أن اهلل
الراجح ما ذهب إليه اجلمهور ألن املقصود بالقصاص صيانة الدماء من اإلهدار والقتل باملثقل سبحانه وتعاىل أهبمه ومل يقل :وهو مؤمن كما قال يف القتيل من املؤمنني ومن أهل احلرب ،وإطالقه
كالقتل باحملدد يف إتالف النفوس فلو مل جيب به القصاص كان ذلك ذريعة إىل إزهاق األرواح ما قيد قبل يدل على أنه خالفه".1
واألدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص كتابا وسنة وردت مطلقة? غري مقيدة مبحدد أو غريه.2
احلكم الثاين :القتل باإليدز:
يعترب مرض اإليدز مرضا قاتال ال شفاء منه إال أن يشاء اهلل سبحانه ،وهلذا جتهز الدول مصحات
خاصة ملرضى هذا املرض يقضي فيه بقية حياته متنقال بني العلل واألمراض بعد أن يرتكه األقربون له.
وهنا نقول ماذا لو اختذ هذا املرض وسيلة للقضاء على اآلخرين وإهناء حياهتم كما حدث يف كثري
من احلاالت واليت اشتهر بعضها دوليا حيث قامت بعض املمرضات بتلقيح العشرات من األطفال
بلقاح موبوء هبذا املرض فأصيبوا مجيعا وكان املوت مصريهم.
هل يعترب فاعل هذه اجلرمية قاتال للنفس ،أم يقتصر األمر على اخلناجر واألسلحة النارية وحنوها؟ القتل العمد
ب اللّهُ َعلَْي ِه َول ََعنَهُ َو َ
َأع َّد لَهُ َع َذاباً ِ ومن ي ْقتُل مْؤ ِمناً ُّمَتع ِّمداً فَجزآُؤ هُ جهن ِ ِ
من املعلوم أن الوسائل مما تتغري بتغري الزمان واملكان واألحوال واألشخاص بل واملستوى الثقايف َّم َخالداً ف َيها َوغَض َ
ََ ُ ََ َ ََ َ ْ ُ
واالجتماعي ،والضابط هو أهنا وسيلة تقتل غالبا ،كم ذكر أهل العلم ،وال شك أن اإليدز يقتل َعظيماً{}93 ِ
غالبا ،بيد أن املوت قد يتأخر لسنوات ،والذي يظهر واهلل أعلم أن مرتكب هذه اجلرمية حيبس حىت بيان األحكام:
يظهر أمران: احلكم األول :ماهو القتل العمد:
-1شفاء اجملين عليه ،وحينئذ تسقط عنه هتمة القتل العمد ويستحق العقوبة التعزيرية ،وال خيلو اختلف العلماء يف معىن العمد على أقوال:
معها من اإلمث،فهو مدان ديانة وقضاء. القول األول :هو القتل حبديدة كالسيف واخلنجر وسنان الرمح وحنو ذلك من احملدد أو مبا يعلم
أن فيه املوت من ثقال احلجارة وحنوها ،وهو قول النخعي.
2النيل7/99 القرطيب5/297 1
118
القول األول :ذكر الشافعية واحلنابلة إىل أنه لو قال اجملين عليه للجاين اقتلين ففعل فال شيء عليه، -2موت اجملين عليه بسبب املرض وتداعيات الكثرية ،واليت يعرب عنها الفقهاء باملوت سراية ،ويف
قال النووي يف املنهاج":لو قال :اقتلين ففعل فهدر" أي لو قال اجملين عليه للجاين اقتلين فقتله فال هذه احلالة تثبت على اجلاين جرمية القتل العمد وإمثه فيقام عليه حد القتل قصاصا جزاء ما اقرتفت
قصاص ويف وجوب الدية قوالن املعتمد ال جتب ورأوا يف اإلذن شبهة دارئة للحد ،وأوجبوا عليه يداه لعموم قوله تعاىل :ومن يقتل مؤمنا متعمدا.
الكفارة فقط حلق اهلل تعاىل ألن اإلذن ال يؤثر فيه.1 وحنن لو قلنا بغري هذا لفتحنا الباب واسعا ملرتكيب اجلرائم وألصبح القتل هبذه الطريقة أسهل بكثري
القول الثاين :ذهب األحناف إىل وجوب الدية فقط ،2لنفس الدليل السابق. من الوسائل التقليدية األخرى.
وسبب اخلالف يف الدية مبين على أن الدية ثبتت مليت ابتداء يف آخر جزء من حياته مث يتلقاها احلكم الثالث :القتل الرحيم:
الوارث أو على أن الدية ثبتت للوارث ابتداء عقب هالك املقتول ؟ إن قلنا باألول مل جتب الدية يف قد يعاين البعض من مراض ميؤوس من شفائه وتشتد وطأته على املريض مما جيعل املريض يفضل
حال السراية ،ألنه أذن فيما يملك وإال وجبت.3 املوت على احلياة فيرتجى األطباء بأن ينهوا حياته رمحة له من آالمه املربحة –عافانا اهلل -وهلذا مسي
5
القول الثالث :عليه القصاص ،وهو قول املالكية وزفر من احلنفية 4وبعض احلنابلة القتل الرحيم.
وميكن أن يستدل هلم بأن اإلنسان ال ميلك حياته وال جسمه ،وعليه ال جيوز أن يأذن لغريه إهناء وللقتل? الرحيم صور:
حياته. -1إعطاء املريض جرعة كبرية من دواء قوي خمفف لألمل حبيث تقضي هذه اجلرعة
القول الرابع :للمالكية وهلم تفصيل فيه عليه
الرتجيح: -2أن يكون املريض غري قادر على التنفس إال بواسطة املنفاس فإذا فصل عنه هذا
يبدو أن قول احلنفيه هو الراجح واهلل أعلم ،ألن مبىن احلدود على درء الشبهات فإذا ما وجدت اجلهاز توقف تنفسه ومات.
شبهة وهي هنا اإلذن درأت احلد ولكن جتب الدية ألهنا حق الورثة ،والكفارة ألهنا حق اهلل ،وتكون -3أن يكون عالج املريض سببا يف استمرار حياته دون شفائه فإذا أوقف عنه
هذه الصورة? مستثناة أو غري داخلة يف عموم اآلية. العالج مات.
ومذهب مالك مبين فيما يبدو على سد الذرائع إذ خيشى أن يرتكب أحدهم هذه اجلرمية ويقول هذه املسائل تعترب من عويصات املسائل واليت دار حوهلا جدل كبري ليس على املستوى الشرعي
أذن يل اجملين عليه ،وهذا قد يفتح باب فساد كبري ،وهلذا كان قول املالكية أوفق باألصل التشريعي بل والقانوين الدويل ،وكانت دول أوروبا حترم وجترم هذا القتل بيد أن كثرة املطالبات والضغوط
املتكررة من مجاعات مؤيدة هلذه اجلرمية حمتجة بكونه حقا إنسانيا ال دخل ألحد فيه رضخت بعض
1انظر مغين احملتاج ،4/48ودليل الطالب2/215 الدول وأباحته.
2اللباب ،4/5والبدائع6/174
أما من وجهة النظر الشرعية فقد ذكر الفقهاء صورة قريبة من هذه وهي ما لو قال شخص ألخر
3الفقه على املذاهب األربعة5/130
اقتلين فقتله هل يقاص به أم ال خالف:
4البدائع 6/174
5اإلنصاف9/454
119
الكبري سد الذرائع ،وقول غريهم أوفق بالنص اجلزئي وهو درء احلدود بالشبهات ،والنص اجلزئي
يقدم على الكلي يف الغالب ،واملسألة اجتهادية ،وهلذا فهي حتتاج إىل مزيد من الدراسة وخاصة يف
تداعياهتا ،ومآالهتا ،لكوهنا تتعلق بالدماء وهي مما يتحرز فيها أشد التحرز.
بناء على اخلالف السابق نقول يف مسألة القتل الرحيم:
لو أخذنا بقول املالكية نقول إن الطبيب الذي يرتكب صورة من الصور املاضية عامدا عاملا خمتارا
يكون قد ارتكب جرمية القتل الذي يعاقب عليها الشرع بالقصاص ،وال يشفع له إذن اجملين عليه
"لأن الدماء ال تستباح باالستباحة والبذل" 1وال يشفع له شدة أمل املريض أو مشاعر الشفقة والرمحة
اليت محلته على هذا اجلرم ،ألنه داخل يف عموم اآلية :ومن يقتل مؤمنا متعمدا.
ولو أخذنا بقول اجلمهور مل نوجب عليه شيء إال الكفارة كما هو مذهب الشافعية ،أو الدية
كما هو مذهب باألحناف.
ولكن ال ننسى أنه إذا أخذنا هبذا القول فال يكفي قول الطبيب فال يصدق الطبيب بأنه مأذون له،
بل البد من وجود بينة وهذا معلوم?.
مت القسم األول
واحلمد هلل أوال وآخرا.
1املغين 9/439
120