You are on page 1of 121

‫شرح آيات األحكام‬

‫(القسم األول)‬
‫بقلم‬
‫فهد عبد هللا‬

‫نيل المرام‬
‫والكالم نفسه يقال يف التفاسري الفقهية واليت عمد فيها الفقهاء إىل بيان األحكام اليت ورد ذكرها‬ ‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫يف القرآن الكرمي بيد أن الفارق هو أن الفقهاء اقتصروا على اآليات املتعلقة? باألحكام دون غريها‪.‬‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وأصلي وأسلم على خري خلق اهلل حممد بن عبد اهلل وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫مراحل التأليف في آيات األحكام‪:‬‬ ‫وبعد‪.‬‬
‫من املمكن أن نقسم املراحل التارخيية للتصنيف? يف هذا العلم على ثالث مراحل‪:‬‬ ‫فإن خدمة القرآن الكرمي من أعظم األعمال اليت يتقرب هبا املسلم إىل خالقه سبحانه‪ ،‬ويف هذا‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬املرحلة الذهبية‪ :‬وهو العصر املمتد من القرن الثالث وحىت الثاين عشر‪ ،‬فقد‬ ‫الكتاب الصغري احلجم العظيم املضمون? شرح آليات األحكام واليت ال يستغين طالب العلم عن‬
‫كانت بداية البداية يف منتصف القرن الثالث‪ ،‬مث انتشر التتصنيف بعد ذلك بسبب انتشار‬ ‫معرفتها واإلملام هبا ومعرفة استنباطات أهل العلم منها‪.‬‬
‫املذاهب وحماولة لدعم موقف املذهب شرعيا ببيان حججه القرآنية‪ ،‬وغلب على هؤالء التمكن‬ ‫وكان منهجي يف هذا الشرح هو االقتصار على ذكر هذه االستنباطات واخلالفات الفقهية الناجتة‬
‫العلمي? واملذهيب‪.‬‬ ‫عن اختالف أفهام أهل العلم وتوجيهاهتم‪ ،‬دون اخلوض يف الفوائد واللطائف التفسريية واليت ال‬
‫وكانت الساحة اإلسالمية تشهد جمادالت ومناظرات واسعة بني أتباع املذاهب‪ ،‬واالختالف‬ ‫تدخل يف إطار حبثنا هذا‪ ،‬وقد مسيته نيل املرام شرح آيات األحكام‪ ،‬أسأله تعاىل أن جيعل هذا العمل‬
‫يف أقرب مذهب للشرع من أبعده‪ ،‬مما أمثر مثل هذه الدراسات‪.‬‬ ‫خالصا لوجهه الكرمي‪ ،‬وآمل من قارئه واملستفيد منه الدعاء بالرمحة واملغفرة‪ ،‬واهلل املوفق‪.‬‬
‫ورغم هذه الفرتة الزمنية الطويلة إال أن تلك اجلهود كانت حمدودة ومعدودة‪ ?،‬وقد قام بعض‬ ‫مقدمات‬
‫املعاصرين بوضع قائمة بأمساء املؤلفات اخلاصة باألحكام فلم يصل تعدادها األربعني مؤلفا‬ ‫أوال‪ :‬تدوين علوم القرآن‪:‬‬
‫بعضها رسائل صغرية‪ ،‬وأخرى ناقصة‪ ،‬وقد تغايرت القرون يف نصيب التصنيف يف هذا العلم‬ ‫لقد احتل القرآن املرتبة األوىل يف اهتمام املسلمني فعكفوا على حفظه ودراسته واستنباط األحكام‬
‫فأكثر القرون حضا القرن الثالث والرابع والتاسع مث يايت القرن السادس مث بقية القرون‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬وكان القرآن كتاهبم األوحد الذي مجع بني دفتيه كالم رب العزة سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومع مرور‬
‫أما القرنان الثاين عشر والثالث عشر ففيهما خفت هذا العلم فلم يسجل أي كتاب يتصل‬ ‫الزمن وتراكم العلوم وتكاثر البحوث نشأت علوم كاملة تتعلق بكتاب اهلل سبحانه‪ ،‬وتنوعت تبعا‬
‫هبذا اجملال‪.‬‬ ‫لتنوع اجلوانب املتعلقة? بالدرس القرآين‪ ،‬من رسم وقراءات وأسباب نزول‪ ،‬وغريب ومعاين وإعراب‪،‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬الفتور‪:‬ورغم? أن األمة قد دخلت عصور التقليد قبل هذه الفرتة بقرون بيد أن‬ ‫وغريها وكتب العلماء يف هذه العلوم العشرات من الكتب واجمللدات مما ال يوجد له نظري يف أي دين‬
‫الذروة كانت يف هذين القرنني‪ ،‬فقد اتفق اجلميع على صحة تقليد إمام من األئمة األربعة‪ ،‬وأهنم‬ ‫أو أي كتاب آخر‪.‬‬
‫مجيعا يرتشفون من الشرع فرتك الناس االستنباط وركنوا إىل التقليد فخفت نور هذا العلم وبدال‬ ‫وقد كان من بني هذه العلوم? علم التفسري فدجبت يراعات أهل العلم تفاسري متنوعة منها الكبري‬
‫من العكوف على مثل هذه الدراسات متماشية مع دراستهم املذهبية اقتصروا على قراءة املتون‬ ‫واملتوسط والصغري‪ ،‬ومتيز كل تفسري مبيزة أو ميزات إذ انعكست? شخصيات ومعلومات وإدراكات‬
‫والشروح وتنافسوا فيها بعيدا عن هدي القرآن‪ ،‬والتمرس يف التعامل مع النص القرآين‬ ‫واخللفيات العلمية للمفسرين على تفاسريهم‪ ،‬فمنهم من غلب عليه األثر كابن كثري يف تفسريه تفسري‬
‫واالستنباط منه‪.‬‬ ‫القرآن العظيم‪ ،‬ومنهم من غلب عليه ختصصه اللغوي فغلب? على تفسريه كأيب حيان يف تفسريه البحر‬
‫احمليط‪ ،‬ومنهم من غلب عليه القصص والرقائق فجاء تفسريه انعكاسا لذلك كالثعليب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫بوتقة التقليد رغم رسوخ الكثريين منهم يف العلوم النقلية والعقلية فرغم تأهلهم مجدوا عقوهلم‬ ‫بل لقد ازداد األمر سوءا عندما نادى البعض بعدم جواز االستنباط من القرآن والسنة وأهنما‬
‫واكتفوا مبطالعة الفروع اليت ال تنتهي واإلكثار منها وترك النص املعصوم? القريب الواضح‪.‬‬ ‫جملرد التربك!!!‬
‫كما أن هذا كان سببا يف تقزمي وجتزيء العقل الفقهي فبدال من أن يكون عقال استنباطيا‬ ‫إن يف زماننا الكثريين ممنوصفهم رسول اهلل‪ ‬بأهنم دعاة على أبواب جهنم ممن يريدون أن‬
‫ينطلق من التأصيل إىل التفريع أصبح العكس وأصبح العمدة يف الفقه هو ما نصت عليه كتب‬ ‫حينطوا القرآن وجيعلوهنا للتربك‪.‬‬
‫الفروع‪ ،‬وأكرر القول بأن هذا ليس عيبا إذا ما انضم إليه تكوين للعقلية? الفقهية االستنباطية‬ ‫صحيح أن العلماء الداعني ملقولتهم تلك مل يريدوا فصل الدين عن الدولة وحاشاهم‪ ،‬ولكن‬
‫ولكن العيب كل العيب هو ترك األصل وجتاهله والتمسك بالفرع وجعله أصال‪.‬‬ ‫هذه الدعوى يف بعض جوانبها تؤدي إىل ما يهدف غليه أولئك الدعاة‪ ،‬ألن املذاهب الفقهية لن‬
‫ويف اعتقادي أن هذا االحنسار الفكري واالستنباطي كان سببا كبريا من األسباب اليت‬ ‫حتيط بشؤون الدنيا ومشاكلها‪ ،‬كما أن القرآن والسنة مها مصدرا? التشريع ال غريمها وكل‬
‫أوصلت األمة إىل ما وصلت إليه بعد ذلك‪ ،‬إذ تبلدت الذهنية املسلمة يف كثري من جوانبها إال‬ ‫يستدل لقوله? وال يستدل به‪.‬‬
‫ما رحم اهلل‪ ،‬فأضحت األمة جسما وعقال لقمة سائغة للمرتبصني هبا‪.‬‬ ‫كما يؤدي هذا القول إىل قطع الصلة بني الناس وكتاب رهبم وسنة نبيهم وهو لعمر اهلل خطأ‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬العودة‪ :‬وهي عصرنا احلاضر والذي عادت فيه الكتابة يف هذا العلم‪ ،‬وسأتكلم‬ ‫فادح‪ ،‬وما املآسي اليت تقع اليوم ممن يوصمون باملفكرين والتحرريني والتقدميني ودعاة احلقوق‬
‫عن هذه املرحلة يف هناية هذه املقدمات‪.‬‬ ‫املتنوعة املوضات والصراعات‪ ،‬وما االنفالت الذي يعاين منه الكثري من الشباب فتيانا وفتيات‬
‫وغريه الكثري من احملزنات إال جتل واضح لالغرتاب عن الدين والبعد عن القرآن والسنة‪.‬‬
‫وإن مما يؤسف له أن جند اليوم من يتبىن هذا القول الذي قاله علماء وصفوا أنفسهم‬
‫باملقلدين‪ ،‬ويف عصور عانت األمة فيها من التخلف واالحنطاط املريع‪ ،‬يف حني أننا نريد العودة‬
‫باألمة إىل القرآن والسنة‪ ،‬مع تلمس خطوات أهل العلم الذين أمرنا اهلل سبحانه بالرجوع إليهم‪،‬‬
‫مع التفريق بني التفسريات املرتبطة بالواقع املتغري وتلك املرتبطة بالنص كثابت ال يتغري وال‬
‫يتبدل‪.‬‬
‫فال يفهم من كالمي هذا الدعوة إىل نبذ كتب أهل العلم والدعوة العامة إىل استنباط‬
‫األحكام من القرآن مباشرة دون تأهل بل هذا مما يزيد الطني بله كما أنه خمالف للقرآن الداعي‬
‫الذ ْك ِر ِإن ُكنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن) األنبياء‪ ،7‬وما أعنيه أن املقولة‬
‫اسَألُواْ َْأهل ِّ‬
‫َ‬ ‫إىل سؤال أهل العلم (ف ْ‬
‫السابقة جعلت بني الناس والقرآن هوة واسعة وأبعدت األمة عن وحي رهبا‪.‬‬
‫أما استثناؤهم املؤهل لالستنباط فغري جمدي لتصرحيهم خبلو األرض من اجملتهدين بطبقاهتم‬
‫املطلقة واملذهبية‪ ،‬فلم يبق هلذا االستثناء جمال‪ ،‬وعتيب الكبري على هؤالء أهنم حصروا أنفسهم يف‬
‫‪2‬‬
‫حاول كل مصنف أن يثبت رجحان مذهبه قدر استطاعته ولو أدى‬ ‫‪-2‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أهم الكتب وأشهرها في هذا العلم‪:‬‬
‫هذا أحيانا إىل شيء من التعسف يف التفسري واستنباط احلكم‪.‬‬ ‫قد ألف يف هذا العلم كثري ولكنه قليل جدا مقارنة بغريه من العلوم‪.‬‬
‫كان للمذهبية انعكاس سليب عند البعض إذ مل يكتف برد أدلة اخلصم‬ ‫‪-3‬‬ ‫من أشهرهم‪:‬‬
‫وتفنيد حججه بل تعداه أحيانا إىل النيل والسخرية منه وجتهيله‪.‬‬ ‫‪ -1‬أمحد بن حممد اجلصاص الرازي احلنفي (‪.)370‬‬
‫توسع البعض يف تفسري بعض اآليات بسرد أوجه االستدالل ومناقشة‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪ -2‬علي بن حممد الكيا اهلراسي الشافعي (‪.)543‬‬
‫حجج اخلصوم‪ ،‬ودفع اإليرادات مما أخرج الكتاب عن الغرض املوضوع ألجله وهو‬ ‫‪ -3‬حممد بن عبد اهلل بن العريب املالكي (‪.)543‬‬
‫بيان وجه االستدالل باآليات على األحكام وهذه الطريقة هي اليت غلبت على‬ ‫‪ -4‬حممد صديق خان (‪)1307‬‬
‫اجلصاص ويأيت ابن العريب يف املرتبة التالية يف حني كان تفسري اهلراسي متوازنا إىل حد‬ ‫وأنبه هنا إىل أن البعض ذكر أن أول من ألف يف هذا العلم اإلمام الشافعي يف كتاب له مطبوع‬
‫كبري‪.‬‬ ‫بعنوان أحكام القرآن والصواب أن هذا الكتاب ليس من تصنيف الشافعي وإمنا مجعه البيهقي من‬
‫تنوعت هذه الكتب إىل نوعني‪ :‬حتكي املذهب واألقوال املخالفة مع‬ ‫‪-5‬‬ ‫مؤلفات اإلمام ورتبه على األبواب الفقهية(‪.)1‬‬
‫ذكر احلجج واألدلة‪ ،‬وانتهج هذا النهج طوال كتابه كاجلصاص وابن العريب ومنها ما‬ ‫ولكي نقرتب من الكتب املتخصصة يف آيات األحكام واليت ذكرنا أمهها سابقا واليت كتب هلا‬
‫كان يقتصر على وجه داللة اآلية وتوجيهها يف ضوء املذهب كما فعل إلكيا‪.‬‬ ‫القبول يف أوساط الفقهاء وطالب العلم رأيت من الفائدة أن أذكر مقارنات مقتضبة هلا يف النقاط‬
‫انتشار املسائل وكثرة االستطرادات‪ ،‬وهذا كثر عند اجلصاص مث ابن‬ ‫‪-6‬‬ ‫التالية‪:‬‬
‫العريب‪.‬‬ ‫غلب على مؤلفي تلك الكتب كغريها م كتب املقلدين االجتاه املذهيب‬ ‫‪-1‬‬
‫فكل مصنف ختندق يف مذهبه مدافعا عنه مبينا باستفاضة أحيانا وجهة نظر املذهب‬
‫وفهمه أو تأويله للنص يف حني كان تفسري حسن خان تفسريا اجتهاديا يتبع فيه الدليل‬
‫وقوة االستدالل متأثرا يف ذلك كله مبدرسة الشوكاين التجديدية‪ ،‬وكال الطريقتني‬
‫هامتان إذ سجل لنا التفسري الفقهي املذهيب الكثري من التعليالت والنظرات املذهبية‬
‫وكيفية تعامل فقهاء املذاهب مع النصوص‪ ،‬وكيف كان تعامل أتباعهم مع نصوص‬
‫األحكام‪ ،‬كما أن التفسري االجتهادي خرج عن املألوف ووضع فكرة االجتهاد بني‬
‫أقوال أهل العلم ومناقشتها ومقارنة وترجيح األوفق بالنص واألقرب إليه‪.‬‬

‫‪ ))1‬انظر أحكام القرآن للشافعي ‪19‬‬


‫‪3‬‬
‫والسنة بل مبا يتعلق منهما باألحكام‪ ،‬قال الغزايل وتبعه مجاهري علماء األصول‪ :‬إن الذي يف‬ ‫رابعا‪ :‬أهمية دراسة هذا العلم‬
‫الكتاب العزيز من ذلك قدر مخسمائة آية‪ ،1‬قال ابن العريب‪" :‬وقد يزيد عليها حبسب تبحر‬ ‫تكمن أمهية دراسة هذا العلم فيما يلي‪:‬‬
‫الناظر وسعة علمه"‪.2‬‬ ‫ربط طالب العلم بالقرآن والغرس يف ذهنه أمهية بل وضرورة العودة‬ ‫‪-1‬‬
‫قال الشوكاين‪ :‬ودعوى االحنصار يف هذا املقدار إمنا هي باعتبار الظاهر للقطع? بأن يف‬ ‫للقرآن? يف كافة شؤون احلياة واالستنباط منه‪ ،‬إذ فيه تفصيل كل شيء‪.‬‬
‫الكتاب العزيز من اآليات اليت تستخرج منها األحكام الشرعية أضعاف أضعاف ذلك بل من‬ ‫معرفة النصوص القرآنية املتعلقة? باألحكام‪ ،‬إذ شرط العلماء معرفتها ملن‬ ‫‪-2‬‬
‫له فهم صحيح وتدبر كامل يستخرج األحكام من اآليات الواردة جملرد القصص واألمثال‪.‬‬ ‫يريد بلوغ مرتبة االجتهاد‪.‬‬
‫لكن يبدوا أن الغزايل ومن تابعه قصدوا بذلك اآليات الدالة على األحكام داللة أولية‬ ‫معرفة األحكام املنصوصة واملستنبطة يف القرآن الكرمي‪ ،‬وتزويد الطالب‬ ‫‪-3‬‬
‫بالذات ال بطريق التضمن واإللتزام ‪.‬‬ ‫بذخرية فقهية واستنباطية واسعة بذل فيها علماء األمة جهودا جبارة‪.‬‬
‫وقد حكى املارودي عن بعض أهل العلم أن اقتصار املقتصرين على العدد املذكور إمنا هو‬ ‫تعلم الطالب وتدربه على االستدالل واالستنباط من خالل دراسته‬ ‫‪-4‬‬
‫ألهنم رأوا مقاتل بن سليمان أفرد آيات األحكام يف تصنيف وجعلها مخسمائة آية قال األستاذ‬ ‫الستنباطات األئمة ومناهجهم فيها وكيفية تعاملهم? مع النصوص مما ينمي عندهم‬
‫أبو منصور يشرتط معرفة ما يتعلق حبكم الشرع وال يشرتط معرفة ما فيها من القصص‬ ‫امللكة الفقهية واالستنباطية‪ ،‬ويؤهلهم للنظر االجتهادي‪.‬‬
‫واملواعظ‪.3‬‬
‫والذي سنجري عليه يف هذا الكتاب أقل من هذا العدد لسبب بسيط وهو أن بعض هذه‬
‫اآليات ظاهرة الوضوح ال حتتاج إىل شرح إضافة إىل الرغبة يف عدم تضخيم الكتاب‪ ،‬ومبا‬
‫يتوافق مع السنة الدراسية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬عدد آيات األحكام‬


‫‪ 1‬املستصفى‪342‬‬ ‫وضع علماء األصول شروطا ملن يبلغ رتبة االجتهاد كان أوهلا معرفة القرآن الكرمي‪ ،‬وضيق‬
‫‪ 2‬احملصول‪135‬‬ ‫بعضهم هذه الدائرة وقصرها على آيات األحكام‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال يشرتط معرفته جبميع الكتاب‬
‫‪ 3‬إرشاد الفحول ‪ ،370‬وانظر إجابة السائل‪384‬‬
‫‪4‬‬
‫كما ينبغي اقتناص املفاهيم القرآنية العامة والقواعد الكلية والعلل اليت ينص عليها القرآن‬ ‫سادسا‪ :‬التفسير الفقهي‪ 3‬في العصر الحديث‬
‫وبياهنا كي تشكل الذهنية القرآنية عند الطالب وتعطيه معرفة مبنطلقات وتعليالت القرآن اليت‬ ‫نظرا ألمهية هذا العلم وما ميثله من إعادة ترتيب للذهنية الفقهية والتفسريية وعودة للمنبع‬
‫ميكن أن ينزل عليها الكثري من الوقائع وكيف يعاجل املستجدات من خالل النظرة القرآنية‪.‬‬ ‫الصايف القرآن والسنة برزت عدة مؤلفات كانت الدراسات اجلامعية سببا يف وجودها من أهم‬
‫وأخريا ال أدعي أن ما أقدمه يف هذا الكتيب قد حقق املنشود وغطى قصورا واضحه نعانيه‬ ‫هذه الكتب‪:‬‬
‫يف هذا خلصوص‪ ،‬بل هو جهد املقل‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬ ‫‪ -‬آيات األحكام للسايس‪.‬‬
‫‪ -‬روائع البيان للصابوين‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام القرآن البن عثيمني وغريها‪.‬‬
‫ولكل مؤلف? طابعه ومنهجه‪ ،‬بيد أن من أهم ما يؤخذ عليها أهنا يف جمملها صدى لكتب‬
‫األقدمني ال تكاد جتد فيها إضافة وكأن الزمن قد توقف عن احلركة‪ ،‬وكأن املستجدات املنتشرة‬
‫واملتزايدة يوما بعد يوم لتدخل يف النص القرآين من قريب أو بعيد‪ ،‬وكان القرآن قد توقف عن‬
‫احتواء الزمان واملكان واألشخاص واألحوال‪ ،‬فبالرغم من كثرة ما ميكن أن يبحث ويدرس? مما‬
‫له صلة باملستجدات يف كافة اجملاالت ومعاجلتها قرآنيا وتطبيق النصوص عليها إال أننا ال نلمس‬
‫ذلك بتاتا‪ ،‬بل جند املسائل هي املسائل مع تغري يف الرتتيب والتطويل واالختصار‪ ،‬ولست? هنا‬
‫أقلل من جهد أحد –معاذ اهلل‪ -‬فما حنن إال تالميذ هلم وكتبهم‪ ،‬وقد أدوا ما قدروا عليه أو‬
‫أرادوه‪ ،‬بيد أين أنبه إىل مسألة ضرورية يف هذا العلم‪ ،‬وهي جتديد احملتوى مبا يتوافق مع جدة‬
‫العصر وتطوره‪ ،‬والنظر إىل هذه التطورات واملتغريات من خالل النص القرآين‪ ،‬وهذا ما مضى‬
‫عليه السلف ومن بعدهم‪ ،‬وهذه الطريقة بال شك ÷ي اليت نريدها اليوم وبقوة‪ ،‬خاصة مع البعد‬
‫الكبري الذي نلحظه بني بعض أهل العلم وثقافة عصره‪ ،‬حبيث يشعر البعض منهم بالغربة الزمانية‬
‫واملكانية‪ ،‬هذا االغرتاب الذي أضر بالدين أوال وباملشروع اإلسالمي ثانيا وبعقلية وفهم‬
‫واستنباط الفقيه ثالثا‪.‬‬
‫كما أن من الواجب علينا جتاه الدين عامة والقرآن خاصة هو تنزيله على الوقائع املستجدة‬
‫والعودة إليه يف كل حادث طارئ وتفعيله واقعيا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حاملني هلم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا فهذا مما ال جيوز اعتقاده يف‬ ‫البسملة‬
‫‪3‬‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬ ‫الر ِح ِيم ‪‬الفاتحة‪1‬‬
‫الر ْحم ِن َّ‬ ‫‪‬بِس ِم ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫ْ‬
‫القول الثاين‪ :‬ليست آية من الفاحتة وال من شيء من سور القرآن وهذا مذهب مالك‪.‬‬ ‫اليسملة ليست من آيات األحكام وإمنا نبدأ بذكرها تربكا‪ ،‬وتبعا ملا جرت عليه كتب آيات‬
‫واستدل مبا يلي‪:‬‬ ‫األحكام‪.‬‬
‫‪ -1‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫الخالف يف أن البسملة بعض آية من سورة النمل من قوله تعاىل‪ِ :‬إنَّهُ ِمن ُسلَْي َما َن َوِإنَّهُ بِ ْس ِم‬
‫يف احلديث القدسي‪" :‬قسمت الصالة بيين وبني عبدي نصفني فإذا قال‬ ‫الر ِحي ِم‪‬النمل‪ 30‬وإمنا وقع اخلالف يف كوهنا آية من الفاحتة ومن كل سورة أو ال‬ ‫اللَّ ِه الرَّمْح َ ِن َّ‬
‫العبد احلمد هلل رب العاملني" إىل آخر احلديث‪ ،‬ومل يذكر البسملة‪ ،‬رواه‬ ‫أقوال‪:‬‬
‫مسلم?‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬هي آية من الفاحتة ومن كل سورة وهذا مذهب الشافعي وأمحد وإسحاق وأبي‬
‫‪ -2‬عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬إن‬ ‫عبيد‪.‬‬
‫من القرآن سورة ثالثني آية شفعت? لرجل حىت غفر له وهي تبارك‬ ‫وأدلة هذا القول‪:‬‬
‫الذي بيده امللك" رواه أبو داود والرتمذي‪ ،‬وقال حديث حسن‪ ،‬ويف‬ ‫‪ -1‬عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إذا قرأمت احلمد هلل‬
‫رواية أيب داود «تشفع» قالوا وقد أمجع القراء على أهنا ثالثون آية‬ ‫فاقرءوا بسم اهلل الرمحن الرحيم إهنا أم القرآن وأم الكتاب والسبع املثاين وبسم اهلل الرمحن‬
‫سوى البسملة‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الرحيم إحداها‪.‬‬
‫‪ -3‬عن أنس رضي اهلل عنه قال‪" :‬صليت مع رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫‪ -2‬عن أنس قال‪:‬بينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذات يوم بني أظهرنا إذ أغفى‬
‫عليه وسلم وأيب بكر وعمر وعثمان رضي اهلل عنهم فلم أمسع أحداً‬ ‫إغفاءة مث رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول اهلل قال أنزلت علي آنفا سورة‬
‫منهم يقرأ بسم اهلل الرمحن الرحيم" رواه مسلم ويف رواية له "فكانوا‬ ‫فقرأ { بسم اهلل الرمحن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك واحنر إن شانئك هو األبرت‬
‫يفتتحون باحلمد هلل رب العاملني ال يذكرون بسم اهلل الرمحن الرحيم يف‬ ‫‪2‬‬
‫}‬
‫أول قراءة وال آخرها"‪.‬‬ ‫‪ -3‬أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم على إثباهتا يف املصحف يف أوائل السور‬
‫القول الثالث‪ :‬هي آية تامة أنزلت للفصل بني السور وليست آية من الفاحتة‪ ،‬وبه قال‬ ‫مجيعـاً سوى براءة خبط املصحف‪ ،‬خبالف األعشار وتراجم السور‪ ،‬فإن العادة‬
‫أبو حنيفة‪.‬‬ ‫كتابتها حبمرة وحنوها‪ ،‬فلو مل تكن قرآناً ملا استجازوا إثباهتا خبط املصحف من‬
‫واستدل مبا يلي‪:‬‬ ‫غري متييز‪ ،‬ألن ذلك حيمل على اعتقاد أهنا قرآن فيكونون مغررين باملسلمني‪،‬‬
‫‪ 1‬سنن الدارقطين‪ 1/312‬وصححه? األلباين يف صحيح اجلامع رقم ‪.729‬‬
‫‪ 3‬اجملموع ‪3/293‬‬ ‫‪ 2‬مسلم‪1/300‬‬
‫‪6‬‬
‫ين‬ ‫ـك َّن َّ ِ‬ ‫ْك سلَيما َن وما َك َفر سلَيما ُن ولَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َّاتبعواْ ما َت ْتلُواْ َّ ِ‬ ‫باألحاديث الدالة على عدم اجلهر بقراءهتا أو ذكرها فدل هذا‬ ‫‪-1‬‬
‫الش ْياط َ‬ ‫َ ُ َْ َ‬ ‫ين َعلَى ُمل ُ ْ َ َ َ‬ ‫الشيَاط ُ‬ ‫َ َُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت َو َما‬ ‫ار َ‬‫وت َو َم ُ‬ ‫ار َ‬ ‫الس ْح َر َو َما ُأن ِز َل َعلَى ال َْملَ َك ْي ِن ببَاب َل َه ُ‬‫َّاس ِّ‬ ‫َك َف ُرواْ ُي َعلِّ ُمو َ‪3‬ن الن َ‬ ‫على أهنا ليست من الفاحتة ومثلها بقية سور القرآن‪.‬‬
‫َأح ٍد َحتَّى َي ُقوالَ ِإنَّ َما نَ ْح ُن فِ ْتنَةٌ فَالَ تَ ْك ُف ْر َفيََت َعلَّ ُمو َن ِم ْن ُه َما َما ُي َف ِّرقُو َن بِ ِه‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي َعلِّ َمان م ْن َ‬ ‫عن ابن عباس قال‪ :‬كان النيب ‪ - ‬ال يعرف فصل السورة حىت ينزل‬ ‫‪-2‬‬
‫َأح ٍد ِإالَّ بِِإ ْذ ِن الل ِّه َو َيَت َعلَّ ُمو َ‪3‬ن َما يَ ُ‬
‫ض ُّر ُه ْم‬ ‫آر ِ ِ‬
‫ين بِه م ْن َ‬ ‫ض ِّ َ‬‫َب ْي َن ال َْم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه َو َما ُهم بِ َ‬ ‫بسم اهلل الرمحن الرحيم" وهذا يدل على أن موضوعها للفصل بني السورتني وأهنا‬
‫س َما َش َر ْواْ بِ ِه‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ليست من السور‪.1‬‬
‫َوالَ يَن َفعُ ُه ْم َولََق ْد َعل ُمواْ ل ََم ِن ا ْشَت َراهُ َما لَهُ في اآلخ َرة م ْن َخالَق َولَبْئ َ‬
‫َأن ُف َس ُه ْم ل َْو َكانُواْ َي ْعلَ ُمو َ‪3‬ن }البقرة‪102‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫معنى اآلية‪:‬‬ ‫يظهر مما استدل به الشافعي قوة حجته فما استدل به من السنة صريح يف كون‬
‫واتبعوا ما تتلوا الشياطني الفريق من أحبار اليهود وعلمائها الذين وصفهم اهلل جل ثناؤه بأهنم‬ ‫البسملة آية من الفاحتة‪ ،‬كما يقوى جانب هذا القول بكون البسملة آية من بقية السور‬
‫نبذوا كتابه الذي أنزله على موسى وراء ظهورهم جتاهال منهم وكفرا مبا هم به عاملون كأهنم ال‬ ‫بكتابة الصحابة هلا مع القرآن‪.‬‬
‫يعلمون? فأخرب عنهم أهنم رفضوا كتابه الذي يعلمون أنه منزل من عنده على نبيه صلى اهلل عليه‬ ‫أما القول الثاين فضعيف لكون? أدلته غري صرحية إذ قد يكون املراد بـ(احلمدهلل) السورة‬
‫وسلم ونقضوا عهده الذي أخذه عليهم يف العمل مبا فيه وآثروا السحر الذي تلته الشياطني يف ملك‬ ‫اليت فيها احلمد بغض النظر عن بدايتها‪.‬‬
‫سليمان بن داود فاتبعوه وذلك هو اخلسار والضالل املبني‪.2‬‬ ‫وكذلك يقال يف القول الثالث فكون آية ال جيهر هبا –على اخلالف‪ -‬ال يعين أهنا‬
‫وأنبه هنا إىل قصة يذكرها الكثري من املفسرين أو من يتعرض ملعىن هذه اآلية وهي أن امللكني‬ ‫ليست من الفاحتة‪ ،‬يف حني كان دليله قويا يف كون البسملة ليست آية من سور‬
‫استغربا كثرة معاصي البشر فخلق اهلل فيهما الغرائز وأنزهلما إىل األرض فجارا يف أحكامهما وشربا‬ ‫القرآن‪.‬‬
‫اخلمر وزنيا‪ ،‬فخريمها اهلل بني عقاب الدنيا وعقاب اآلخرة‪ ،‬فاختارا عقاب الدنيا‪ ،‬فأوحى اهلل إليهما‬ ‫وهلذا فالذي أراه راجحا واهلل أعلم أن نفرق بني مسألتني‪:‬‬
‫أن ائتنا بابل فانطلقنا إىل بابل فخسف هبما فهما منكوسان بني السماء واألرض معذبان إىل يوم‬ ‫كون البسملة آية من الفاحتة فالراجح أهنا آية منها بنص‬ ‫‪-1‬‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫السنة‪.‬‬
‫كون البسملة آية من بقية سور القرآن خال براءة فالراجح‬ ‫‪-2‬‬
‫أهنا آية مستقلة? نزلت للفصل بني السور كما صح هذا عن ابن عباس‪.‬‬

‫السحر‬

‫‪ 2‬تفسري الطربي‪1/491‬‬ ‫‪ 1‬سنن أيب داود‪ 1/269‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫‪7‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل‪َ :‬فيََت َعلَّ ُمو َن ِمْن ُه َما َما يُ َفِّرقُو َن بِِه َبنْي َ الْ َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه‪ ‬فأثبتت‬ ‫هذه القصة أخرجها اإلمام أمحد يف مسنده وقد ضعفها بعض احملدثني بل ذكرها ابن اجلوزي يف‬
‫اآلية وجود تأثري للسحر فهو يفرق بني الرجل وزوجته‪.‬‬ ‫املوضوعات‪ 1‬ورجح البيهقي وقفها على كعب‪ ،2‬وأنكرها الرازي والقرطيب‪ ،‬يف حني حسن إسنادها‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل‪ :‬من شر النفاثات يف العقد‪ ‬وتدل هذه اآلية على تأثري السحر وهلذا‬ ‫احلافظ ابن حجر‪ 3‬والسيوطي? وقال اهليثمي‪ :‬أخرجه أمحد ورجاله رجال الصحيح‪.4‬‬
‫أمرنا باالستعاذة من شر السواحر‪.‬‬ ‫وهذان امللكان أنزال لتعليم السحر إبتالء من اهلل تعاىل للناس‪ ،‬وهلل تعاىل أن ميتحن عباده مبا شاء‬
‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬ ‫كما أمتحن قوم طالوت بالنهر‪.5‬‬
‫مما ساقه كل قول من أدلة يتبني رجحان قول اجلمهور إذ أدلتهم واضحة يف كون الساحر له قدرة‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫على التأثري وقلب األعيان كما حدث مع سحرة فرعون‪.‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬هل للسحر حقيقة وتأثري‪:‬‬
‫أما أدلة القول األول فمناقشة مبا يلي‪:‬‬ ‫اختلف أهل اإلسالم يف تأثري السحر وهل له حقيقة وواقع أم ال على قولني‪:‬‬
‫‪ -‬بعد األدلة عن قوهلم بل هي أدلة للجمهور ألن قوله تعاىل (خييل) يدل على‬ ‫األول‪ :‬ذهب املعتزلة ومن وافقهم إىل انه ال تأثري للسحر وأنه ال خيرج عن أن يكون‪ :‬متويها‬
‫قدرهتم يف التأثري على بصر الناس حبيث يرون احلبال كاألفاعي وهذا أسلوب من أساليب‬ ‫وختييال كأن يطري الساحر عصفورا وخيرج آخر كان قد أخفاه‪ ،‬أو يكون مبواطأة حيث يوكل‬
‫السحر ال يعرتفون به‪.‬‬ ‫الساحر من يطلع على أخبار الناس مث خيربه فإذا ما جاء الزائر أخربه بشأنه‪ ،‬أو يكون منيمة‬
‫‪ -‬ذكروا أنواع السحر عندهم وأنه ال خيرج عن التمويه والذي يسمى يف عصرنا بـ‬ ‫وحنوها‪.‬‬
‫(فن اخلفة) وله كلياته ومعاهده املتخصصة وال يعتمد ممارسه على أي نوع من أنواع‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫الشعوذة وإمنا يعتمد على مترنه املستمر وحيله املعدة سلفا‪ ،‬وهذا ال يسمى سحرا‪،‬‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل‪ :‬خييل إليه من سحرهم أهنا تسعى‪ ‬فهو ختييل ال حقيقة له‪.‬‬
‫وباإلمجاع ال يعد صاحبه كافرا كما سيأيت بيان هذه املسألة‪.‬‬ ‫‪ -2‬قوله تعاىل‪ :‬وال يفلح الساحر حيث أتى‪ ‬فنفى اهلل عنه الفالح فلن يستطيع‬
‫احلكم الثاين‪ :‬تعلم السحر وتعليمه‪:‬‬ ‫قلب األشياء‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف جواز تعلم السحر وتعليمه على قولني‪:‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ذهب مجهور أهل السنة إىل قدرة الساحر على قلب األشياء‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬جيوز تعلم السحر وإليه ذهب الفخر الرازي‪.‬‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫ودلل وعلل لقوله مبا يلي‪:‬‬
‫وقوع التعليم من املالئكة مع عصمتهم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪ 1‬انظر تذكرة املوضوعات ‪759‬‬
‫‪ 2‬انظر كشف اخلفاء ‪2/1870‬‬
‫العلم بالسحر ليس بقبيح وال حمظور ألن العلم لذاته شريف لعموم قوله‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ 3‬انظر فتح الباري‬
‫تعاىل ‪ :‬هل يستوي الذين يعلمون? والذين ال يعلمون‪.‬‬
‫‪ 4‬جممع الزوائد‪ 5/105‬وانظر الفوائد اجملموعة‪491‬‬
‫‪ 5‬روح املعاين ‪1/340‬‬
‫‪8‬‬
‫صح إطالق كلمة علم عليه‪ -‬مذموم بال شك ينفر منه كل عاقل حيرتم ذاته فضال عن‬ ‫لو مل يعلم السحر ملا أمكن الفرق بينه وبني املعجزة والتعليم املساق‬ ‫‪-3‬‬
‫مؤمن مسلم? مأمور باألخذ باألسباب واالعتقاد السليم‪.‬‬ ‫للذم هنا حممول على التعليم لإلغواء واإلضالل‪.‬‬
‫أن السحر الذي فيه استخدام للجن أساسه تعظيم غري اهلل‪ ،‬وهذا‬ ‫‪-3‬‬ ‫بل غاىل الفخر الرازي وزعم وجوبه‪ ،‬وتابعه بعض املتأخرين فأوجبوا على املفيت تعلمه لكي يعرف‬
‫لوحده كاف يف حترميه وهلذا نص كثري من أهل العلم على كفر الساحر‪.‬‬ ‫حاالت القتل بالسحر وحنوها‪.‬‬
‫أما توقف الفرق بينه وبني املعجزة على العلم به ممنوع ألا ترى أن أكثر‬ ‫‪-4‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬حرمة تعلمه وتعليمه بل قال أبو حنيفة ومالك وأمحد يكفر بذلك‪. 1‬‬
‫العلماء أو كلهم إال النادر عرفوا الفرق بينهما ومل يعرفوا علم السحر وكفى فارقا‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫بينهما ما تقدم ولو كان تعلمه واجبا لذلك لرأيت أعلم الناس به الصدر? األول مع‬ ‫أن اهلل قد ذمه يف القرآن وبني كفر متعلمه? (حنن فتنة فال تكفر)‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أهنم مل ينقل عنهم شيء من ذلك أفرتاهم أخلوا هبذا الواجب وأتى به هذا القائل أو‬ ‫أن الرسول ‪ ‬عده من املوبقات كما جاء عن أيب هريرة عن النيب‬ ‫‪-2‬‬
‫أنه أخل به كما أخلوا ‪.3‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪ ( :‬اجتنبوا السبع املوبقات ) ‪ .‬قالوا يا رسول اهلل وما هن ؟‬
‫إفتاء املفيت بوجوب القود أو عدمه ال يستلزم معرفته علم السحر ألن‬ ‫‪-5‬‬ ‫قال‪ :‬الشرك باهلل والسحر وقتل النفس اليت حرم اهلل إال باحلق وأكل الربا وأكل مال‬
‫صورة إفتائه على ما ذكره العالمة ابن حجر إن شهد عدالن عرفا السحر وتابا منه أنه‬ ‫اليتيم والتويل يوم الزحف وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت‪.2‬‬
‫يقتل غالبا قتل الساحر‪.4‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫ثبت يف السنة لعن الكاهن كما جعل السحر من املوبقات فكيف‬ ‫‪-6‬‬ ‫ما ذهب إليه الفخر الرازي ومن وافقه مناقش مبا يلي‪:‬‬
‫يكون بعد ذلك تعلمه واجبا!!!‬ ‫أن تعليم املالئكة السحر للناس كان لالبتالء كما سبق‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وهبذا يتبني رجحان قول اجلمهور وبعد قول املخالفني هلم‪.‬‬ ‫أن العلوم ليست كلها مشروعة إذ إهنا تدور على األحكام اخلمسة‬ ‫‪-2‬‬
‫النسخ‬ ‫فهناك العلوم الواجبة واملندوبة واملباحة واملكروهة واحملرمة‪ ،‬كما يعلم كل عاقل أن من‬
‫َأن اللّهَ َعلَ َى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‬
‫َم َت ْعلَ ْم َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫نس ْخ م ْن آيَة َْأو نُنس َها نَْأت ب َخ ْي ٍر ِّم ْن َها َْأو مثْل َها َأل ْ‬
‫{ما نَ َ‬
‫َ‬ ‫العلوم ما هو نافع ومنها ما هو ضار‪ ،‬واملعيار يف ذلك أي يف متييز النافع من الضار أو‬
‫}البقرة‪106‬‬ ‫املشروع من غري املشروع أمران‪ :‬الشرع‪ ،‬والضرر‪ ،‬فما أجازه الشرع فهو جائز وما‬
‫معىن اآل‬ ‫منعه فهو ممنوع‪ ،‬وكذلك العلم الذي ثبت ضرره على األفراد واجلماعات والدول‬
‫النسخ يف اللغة يأيت على معنيني‪:‬‬ ‫يقال مبنعه وما ثبت نفعه فهو مشروع‪ ،‬والسحر على كال الضابطني ممنوع ألنه قد‬
‫اإلزالة حنو‪ :‬نسخت الشمس الظل إي أزالته‪.‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫وصف بالكفر يف القرآن‪ ،‬كما ثبت واقعيا ضرره على األفراد واألسر‪ ،‬فهو علم –إذا‬

‫‪ 3‬روح املعاين ‪1/340‬‬ ‫‪ 1‬عمدة? القاري‪14/63‬‬


‫‪ 4‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 2‬البخاري ‪ 6/2515‬ومسلم ‪1/92‬‬
‫‪9‬‬
‫من الواضح رجحان قول اجلمهور وضعف قول املخالف وهلذا مل حيك هذا القول إال عن‬ ‫التقل‪ :‬حنو‪ :‬نسخت الكتاب أي نقلته‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫هذا الرجل وحنوه والذين وصفهم اجلصاص بأهنم من غري أهل الفقه‪ ،‬وأهنم إمنا أتوا من قلة العلم‬ ‫أما يف االصطالح فهو‪ :‬رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر‪.‬‬
‫بنقل الناقلني‪ ،‬وقال الشوكاين‪" :‬وإذا صح هذا عنه –أي األصفهاين‪ -‬فهو دليل على أنه جاهل‬ ‫ومعىن اآلية‪ :‬ما نرفع آية من جهة النسخ بأن نبطل حكمها أو باإلنساء هلا بأن منحوها عن‬
‫هبذه الشريعة احملمدية جهال فظيعا وأعجب من جهله هبا حكاية من حكى عنه اخلالف يف كتب‬ ‫القلوب ‪‬نأت خبري منها‪ ‬أي ‪ :‬أصلح ملن تعبد هبا وأنفع هلم وأسهل عليهم وأكثر ألجرهم { أو‬
‫الشريعة فإنه إمنا يعتد خبالف اجملتهدين ال خبالف من بلغ يف اجلهل إىل هذه الغاية"‪.2‬‬ ‫مثلها } يف املنفعة واملثوبة { أمل تعلم أن اهلل على كل شيء } من النسخ والتبديل وغريمها‪.1‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫ويف هذه اآلية مجلة أحكام‪:‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬أنواع النسخ‪:‬‬
‫احلكم األول‪ :‬وقوع النسخ يف الشريعة اإلسالمية‪:‬‬
‫النسخ الواقع يف القرآن يتنوع إىل أنوع ثالثة ‪:‬‬
‫يف هذه املسألة قوالن‪:‬‬
‫‪ -1‬نسخ احلكم والتالوة مجيعا حنو ما ورد عن عائشة رضي اهلل عنها أهنا قالت‪ :‬كان‬
‫القول األول‪ :‬ذهب اجلماهري من أهل العلم إىل وقوع النسخ يف الشرع اإلسالمي مستدلني مبا‬
‫فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن مث نسخن خبمس معلومات وتويف‬
‫يلي‪:‬‬
‫رسول اهلل وهن فيما يقرأ من القرآن‪.‬‬
‫اآلية السابقة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -2‬نسخ احلكم دون التالوة كقوله تعاىل (يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول‬ ‫مِب‬ ‫ٍ‬
‫فقدموا بني يدي جنواكم صدقة) منسوخة بقوله سبحانه (ءأشفقتم أن تقدموا بني يدي‬ ‫{وِإ َذا بَ َّدلْنَا آيَةً َّم َكا َن آيَة َواللّهُ َْأعلَ ُم َا يَُنِّز ُل قَالُواْ ِإمَّنَا َ‬
‫َأنت ُم ْفرَتٍ بَ ْل‬ ‫َ‬ ‫‪-2‬‬
‫َأ ْكَث ُر ُه ْم الَ َي ْعلَ ُمو َن }النحل‪ 101‬فهاتان اآليتان صرحيتان يف وقوع النسخ‪.‬‬
‫جنواكم صدقات فإذ مل تفعلوا وتاب اهلل عليكم فأقيموا الصالة وءاتوا الزكاة وأطيعوا اهلل‬
‫األدلة املتكاثرة يف القرآن الدالة على وقوع النسخ كما سيأيت ذكر‬ ‫‪-3‬‬
‫ورسوله) على معىن أن حكم اآلية األوىل منسوخ حبكم اآلية الثانية مع أن تالوة كلتيهما‬
‫بعضها‪.‬‬
‫باقية‬
‫‪ -3‬نسخ التالوة دون احلكم حنو ما جاء عن عمر ابن اخلطاب وأيب بن كعب أهنما‬ ‫القول الثاين‪ :‬عدم وقوع النسخ يف الشرع وينسب هذا القول إىل أيب مسلم? اخلرساين‬
‫قاال‪ :‬كان فيما أنزل من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجوها ألبتة) وهذه اآلية مل‬ ‫اطل ِمن ب ِ ي َدي ِه واَل ِمن خ ْل ِف ِه تَن ِزيل ِّمن ح ِكي ٍم مَحِ ٍ‬
‫ِِ ِ‬
‫يد‪‬فصلت‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫واستدل بقوله تعاىل‪‬اَل يَْأتيه الْبَ ُ َنْي َ ْ َ ْ َ‬
‫يعد هلا وجود بني دفيت املصحف وال على ألسنة القراء مع أن حكمها باق على إحكامه مل‬ ‫‪42‬‬
‫ينسخ‪.‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬أنواع النسخ إىل بدل‪:‬‬

‫‪ 2‬إرشاد الفحول‪276‬‬ ‫‪ 1‬الوجيز للواحدي ‪123‬‬


‫‪10‬‬
‫نت َعلَْي َها ِإالَّ لَِن ْعلَ َم َمن‬
‫ول َعلَْي ُك ْم َش ِهيداً َو َما َج َعلْنَا ال ِْق ْبلَةَ الَّتِي ُك َ‬
‫الر ُس ُ‬ ‫َعلَى الن ِ‬
‫َّاس َويَ ُكو َن َّ‬ ‫‪ -1‬النسخ إىل بدل أخف على نفس املكلف كنسخ حترمي األكل والشرب واجلماع‬
‫َّ ِ‬ ‫ول ِم َّمن يَن َقلِب َعلَى َع ِقَب ْي ِه وِإن َكانَ ْ ِ‬ ‫َيتَّبِ ُع َّ‬
‫ين َه َدى اللّهُ َو َما َكا َن‬ ‫ت لَ َكب َيرةً ِإالَّ َعلَى الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫بعد النوم يف ليل رمضان? بإباحة ذلك إذ قال سبحانه ‪‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل‬
‫َّاس لَرُؤ ٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم ‪ ‬البقرة‪142،143‬‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫يمانَ ُك ْم َّن اللّهَ بالن ِ َ‬ ‫يع ِإ َ‬
‫اللّهُ ليُض َ‬ ‫نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس هلن علم اهلل أنكم كنتم ختتانون أنفسكم فتاب عليكم‬
‫وعفا عنكم فالئن باشروهن وابتغوا ما كتب اهلل لكم وكلوا واشربوا حىت يتبني لكم‬
‫املراد بالسفهاء اليهود ‪ ,‬فقد عابوا على املسلمني رجوعهم إىل الكعبة عن بيت املقدس ‪,‬‬ ‫اخليط األبيض من اخليط األسود من الفجر‪‬‬
‫وكان النيب صلى اهلل عليه وسلم حيب أوال أن يتوجه إىل بيت املقدس? ‪ ,‬حىت إذا داىن اليهود يف‬ ‫‪ -2‬النسخ إىل بدل مساو للحكم األول يف خفته أو ثقله على نفس املكلف كنسخ‬
‫قبلتهم كان أقرب إىل إجابتهم ‪ ,‬فإنه عليه السالم كان حريصا على تأليف الكلمة ‪ ,‬ومجع الناس‬ ‫وجوب استقبال بيت املقدس بوجوب استقبال الكعبة يف قوله سبحانه‪ :‬قد نرى تقلب‬
‫على الدين ‪ ,‬فقابلت اليهود هذه النعمة بالكفران ‪ ,‬فأعلمهم اهلل تعاىل أن اجلهات كلها له ‪ ,‬وأن‬ ‫وجهك يف السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما‬
‫املقصود وجهه ‪ ,‬وامتثال أمره ‪ ,‬فحيثما أمر بالتوجه إليه توجه إليه ; وصح ذلك فيه ‪.‬‬ ‫كنتم فولوا وجوهكم شطره‪‬‬
‫مث إن املسجد احلرام قد ورد ذكره يف القرآن والسنة وقصد به عدة معان‪:‬‬ ‫‪ -3‬النسخ إىل بدل أثقل من احلكم املنسوخ ومذهب اجلمهور وقوع هذا النوع يف‬
‫الكعبة ومنه قوله تعاىل‪( :‬فول وجهك شطر املسجد احلرام) أي جهة‬ ‫‪-1‬‬ ‫الشرع ويستدلون على هذا بأمثلة كثرية تثبت الوقوع السمعي وهو أدل دليل على اجلواز‬
‫الكعبة‪.‬‬ ‫العقلي فإن اهلل تعاىل نسخ إباحة اخلمر بتحرميها ‪ ،‬ومنها أن حد الزىن كان يف فجر‬
‫املسجد كله ومنه قوله‪ " :‬صالة يف مسجدي هذا خري من ألف صالة‬ ‫‪-2‬‬ ‫اإلسالم ال يعدو التعنيف واحلبس يف البيوت مث نسخ ذلك باجللد والنفي يف حق البكر‬
‫فيما سواه إال املسجد احلرام"‪.1‬‬ ‫وبالرجم يف حق الثيب‪ ،‬ومنها أن اهلل تعاىل فرض على املسلمني أوال صوم يوم عاشوراء‬
‫َأسَرى بِ َعْب ِد ِه لَْيالً ِّم َن‬ ‫ِ‬
‫{سْب َحا َن الَّذي ْ‬ ‫مكة املكرمة كقوله تعاىل‪ُ :‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫مث نسخه بفرض صوم شهر رمضان كله ‪.‬‬
‫يع‬ ‫الْمس ِج ِد احْل ر ِام ِإىَل الْمس ِج ِد اَألقْصى الَّ ِذي بار ْكنَا حولَه لِنُ ِريه ِمن آياتِنَا ِإنَّه هو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َُ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫وذهب البعض إىل عدم جوازه مستدلني بقوله تعاىل (نأت خبري منها أو مثلها) واألشق ليس‬
‫صريُ }اإلسراء‪1‬‬ ‫الب ِ‬ ‫خريا وال مثال‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين َآمنُواْ‬‫احلرم كله –مكة وما حوهلا‪ -‬كما يف قوله تعاىل‪{ :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬ ‫‪-4‬‬ ‫وأجاب اجلمهور بأن اخلريية هنا بالنسبة للمكلف? من حيث حصوله على أجر وثواب‬
‫س فَالَ َي ْقَربُواْ الْ َم ْس ِج َد احْلََر َام َب ْع َد َع ِام ِه ْم َهـ َذا َوِإ ْن ِخ ْفتُ ْم َعْيلَةً‬ ‫ِ‬
‫َا الْ ُم ْشر ُكو َن جَنَ ٌ‬
‫ِإمَّن‬ ‫أعظم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ف ي ْغنِي ُكم اللّهُ ِمن فَ ْ ِ ِ ِإ‬
‫يم }التوبة‪28‬‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫ضله ن َشاء َّن اللّهَ َعل ٌ‬ ‫فَ َس ْو َ ُ ُ‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫تحويل القبلة‬
‫احلكم األول‪ :‬هل الواجب استقبال عني الكعبة أم جهتها‪:‬‬ ‫الس َف َهاء ِم َن الن ِ‬
‫َّاس َما َوالَّ ُه ْم َعن قِ ْبلَتِ ِه ُم الَّتِي َكانُواْ َعلَْي َها قُل لِّل ِّه ال َْم ْش ِر ُق‬ ‫ول ُّ‬
‫‪َ ‬سَي ُق ُ‬
‫البخاري‪ 1/398‬ومسلم ‪2/1012‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ك َج َعلْنَا ُك ْم َُّأمةً َو َسطاً لِّتَ ُكونُواْ ُش َه َداء‬‫() َك َذلِ َ‬ ‫صر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَ ِق ٍيم َ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َي ْهدي َمن يَ َشاءُ لَى َ‬ ‫َوال َْم ْغ ِر ُ‬
‫‪11‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬جواز النسخ يف الشرع‪:‬‬ ‫ال خالف بني العلماء يف وجوب استقبال الكعبة يف الصالة وإمنا اختلفوا يف وجوب استقبال‬
‫قد بينا سابقا أن النسخ جائز يف الشرع وهنا دلت اآلية على نسخ استقبال بيت املقدس باستقبال‬ ‫عينها أم جهتها على قولني‪:‬‬
‫الكعبة‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬الواجب استقبال عني الكعبة وهو قول الشافعي‪ ،‬واستدل مبا يلي‪:‬‬
‫قول اهلل تعاىل ‪ { :‬وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أنه جيب على املصلي التوجه إىل الكعبة فلزمه التوجه إىل عينها كاملعاين‬ ‫‪-2‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬جواز نسخ السنة بالقرآن‪:‬‬
‫هلا‬
‫دلت اآلية على جواز نسخ السنة بالقرآن‪ ،‬وذلك أن النيب‪ ‬صلى إىل بيت املقدس? وليس يف ذلك‬
‫القول الثاين‪ :‬الواجب استقبال عني الكعبة وهبذا قال اجلمهور واستدل مبا يلي‪:‬‬
‫قرآن فلم يكن احلكم إال بالسنة الفعلية مث نسخ ذلك بالقرآن‪.‬‬
‫أنه املأمور به يف القرآن ‪ ,‬إذ قال ‪ { :‬فول وجهك شطر املسجد احلرام‬ ‫‪-1‬‬
‫السعي بين الصفا والمروة‬ ‫وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } فهذا خطاب ملن كان معاينا للكعبة وملن كان‬
‫غائبا عنها ‪ ,‬واملراد ملن كان حاضرها إصابة عينها وملن كان غائبا عنها النحو الذي‬
‫اح َعلَْي ِه َأن يَطََّّو َ‬
‫ف بِ ِه َما‬ ‫الص َفا َوال َْم ْر َو َة ِمن َش َعآِئ ِر الل ِّه فَ َم ْن َح َّج الَْب ْي َ‬
‫ت َأ ِو ا ْعتَ َم َر فَالَ ُجنَ َ‬ ‫‪ِ‬إ َّن َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫هو عنده أنه حنو الكعبة وجهتها يف غالب ظنه‪ ،‬ألنه معلوم? أنه مل يكلف إصابة العني‬
‫يم‪ ‬البقرة‪158‬‬ ‫ع َخ ْيراً فَِإ َّن اللّهَ َشاك ٌر َعل ٌ‬ ‫َو َمن تَطََّو َ‬
‫إذ ال سبيل له إليها‪.‬‬
‫معىن اآلية‪:‬‬
‫عن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ما بني‬ ‫‪-2‬‬
‫إن الصفا واملروة ‪-‬ومها جبالن معروفان? مبكة‪ -‬من متعبداته فمن حج أو اعتمر فال إمث عليه أن‬
‫املشرق واملغرب قبلة" رواه الرتمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح وظاهره أن مجيع ما‬
‫يطوف باجلبلني وذلك أن أهل اجلاهلية كانوا يطوفون بينهما وعليهما صنمان ميسحوهنما فكره‬
‫بينهما قبلة ‪.‬‬
‫املسلمون? الطواف بينهما فأنزل اهلل تعاىل هذه اآلية ومن تطوع خريا أي فعل غري املفرتض عليه من‬
‫لو كان الفرض إصابة العني ملا صحت صالة أهل الصف الطويل على‬ ‫‪-3‬‬
‫طواف وصالة وزكاة وطاعة فإن اهلل شاكر عليم‪.3‬‬
‫خط مستو وال صالة اثنني متباعدين يستقبالن قبلة واحدة‪. 1‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫احلكم األول‪ :‬هل السعي بني الصفا واملروة فرض أو تطوع؟‬
‫يتبني مما سبق رجحان قول اجلمهور لقوة ما استدلوا به‪ ،‬ومع هذا يكاد يكون اخلالف بني‬
‫اختلف الفقهاء يف هذه املسألة على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫الفريقني شكليا‪ ،‬ألهنم صرحوا بأن غري املشاهد هلا يكفي أن يعتقد أنه متوجه إىل عني الكعبة حبيث‬
‫القول األول‪ :‬أنه ركن من أركان احلج‪ ،‬فمن تركه بطل حجه وهو مذهب املالكية والشافعي‬
‫لو أزيلت احلواجز يرى أنه متوجه يف صالته إىل عينها‪.2‬‬
‫ورواية عن أمحد‪.‬‬
‫‪ 1‬املغين‪ ،1/490‬ابن العريب ‪ ،1/65‬واجلصاص‪1/128‬‬
‫الوجيز للواحدي ‪140‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪ 2‬روائع البيان ‪1/127‬‬
‫‪12‬‬
‫ومن استدل بقول تعاىل (ومن تطوع خريا‪ )..‬فاملراد أن يتطوع باحلج والعمرة مرة أخرى كما‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫قال الطربي‪.‬‬ ‫قوله‪ ‬وهو يسعى بني الصفا و املروة‪ :‬كتب عليكم السعي فاسعوا"‪.1‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن النيب ‪ ‬سعى بعد الطواف وقال خذوا عين مناسككم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫القول الثاين‪ :‬إنه واجب وليس بركن وإذا تركه وجب عليه دم‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪.‬‬
‫كتمان العلم الشرعي‬
‫واستدل بأن اآلية رفعت? اإلمث عمن تطوف هبما (فال جناح عليه أن يطوف هبما) ورفع اجلناح‬
‫ك‬‫اب ُأولَـِئ َ‬‫ْكتَ ِ‬ ‫ات َوال ُْه َدى ِمن َب ْع ِد َما َبَّينَّاهُ لِلن ِ‬
‫َّاس فِي ال ِ‬ ‫‪ِ‬إ َّن الَّ ِذين يكْتُمو َن ما َأنزلْنَا ِمن الْبِّينَ ِ‬
‫ََ ُ َ َ َ َ‬ ‫يدل على اإلباحة ال على أنه ركن ولكن فعل النيب‪ ‬جعله واجبا فصار كالوقوف باملزدلفة جيزئ عنه‬
‫َأصلَ ُحواْ َو َبَّينُواْ فَ ُْأولَـِئ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َعلَْي ِه ْم َوَأنَا‬
‫ك َأتُ ُ‬ ‫لع ُن ُه ُم اللّهُ َو َيل َْع ُن ُه ُم الاَّل عنُو َن ()ِإالَّ الذ َ‬
‫ين تَابُواْ َو ْ‬ ‫يَ َ‬ ‫دم إذا تركه‪.‬‬
‫يم‪‬البقرة‪160 ،159‬‬ ‫َّواب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫الت َّ ُ‬ ‫القول الثالث‪ :‬أنه تطوع ليس بركن وال واجب‪ ،‬وال جيب برتكه شئ وهو رواية عن أمحد‪.‬‬
‫معنى اآلية‪:‬‬
‫واستدل له مبا يلي‪:‬‬
‫نزلت هذه اآلية يف أهل الكتاب الذين كتموا صفة حممد‪ ‬مث أخرب أنه يلعنهم كل شيء على‬
‫لقول اهلل تعاىل ‪ :‬فال جناح عليه أن يطوف هبما‪ ‬ونفي احلرج عن‬ ‫‪-1‬‬
‫صنيعهم ذلك‪ ،‬فكما أن العامل يستغفر له كل شيء حىت احلوت يف املاء والطري يف اهلواء فهؤالء ‪-‬‬
‫فاعله دليل على عدم وجوبه فإن هذا رتبة املباح وإمنا تثبت سنيته بقوله ‪ :‬من شعائر‬
‫خبالف العلماء‪ -‬يلعنهم اهلل ويلعنهم الالعنون‪ ،‬إال من تاب منهم‪.‬‬
‫اهلل‪. ‬‬
‫واملراد هنا كل من كتم احلق فهي عامة يف كل من كتم علما من دين اهلل حيتاج إىل بثه‪ ،‬وال‬
‫قوله تعاىل‪( :‬ومن تطوع خريا فإن اهلل شاكر عليم) فبني أنه تطوع‬ ‫‪-2‬‬
‫ختص اليهود والنصارى إذ العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪.‬‬
‫وليس بواجب‪.‬‬
‫فاخلطاب وإن كان لبين إسرائيل غري أن خطابات القرآن وقصصه املتعلقة? باألمم األخرى إمنا‬
‫روي أن مصحف أيب وابن مسعود? ‪( :‬فال جناح عليه أن ال يطوف‬ ‫‪-3‬‬
‫يقصد منها االعتبار واالتعاظ فنحن حمذرون? من مثل ما وقعوا فيه بطريق األوىل ألننا أوىل بالكماالت‬
‫هبما) وهذا إن مل يكن قرآنا فال ينحط عن رتبة اخلرب ألهنما يرويانه عن النيب‪.‬‬
‫النفسية‪.2‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫يظهر من استعراض أدلة الفريقني رجحان قول اجلمهور ألمر النيب‪ ‬بأخذ املناسك عنه واألمر‬
‫استدل بعض الفقهاء هبذه اآلية على حرمة أخذ األجرة على تعليم العلم الديين‪ ،‬ألن اآلية أمرت‬ ‫للوجوب‪.‬‬
‫بإظهار العلم ونشره وعدم كتمانه وال يستحق إنسان أجرا على عمل يلزمه أداؤه كما ال يستحق‬ ‫أما االستدالل على عدم الركنية بنفي احلرج فغري ظاهر ألن نفي احلرج وهو اإلمث ال يستلزم نفي‬
‫األجر على الصالة ألهنا قربة وعبادة‪.‬‬ ‫الركنية‪ ،‬يوضحه أن البعض كان يتأمث من السعي لكونه كان مسعى اجلاهلية فقال اهلل بأنه ال إمث يف‬
‫ذلك وقالت السنة هو ركن من أركان احلج‪.‬‬
‫التحرير والتنوير‪1/266‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ 1‬مسند أمحد‪ 6/421‬وصححه? ابن خزمية‪ 4/233‬واأللباين يف اإلرواء‪4/268‬‬
‫‪13‬‬
‫اختلف العلماء يف االنتفاع بامليتة يف غري األكل كدهن السفن بشحمها على قولني‪:‬‬ ‫غري أن املتأخرين ملا رأوا أنه ليس يف الناس مع كثرة مشاغل احلياة ما يلجئهم إىل االنقطاع هلذه‬
‫القول األول‪ :‬حرمة االنتفاع بامليتة مطلقا‪ ،‬وهذا قول اجلمهور‪.‬‬ ‫املهام أباحوا أخذ األجور‪ ،‬لضرورة? حفظ العلم ونشره وعدم ضياعه‪.‬‬
‫وعللوا قوهلم مبا يلي‪:‬‬ ‫وإذا كان هذا شأن عصور كان اإلسالم وتطبيقه هو الغالب على اجملتمعات اإلسالمية‪ ،‬وكانت‬
‫‪ -1‬بأن التحرمي الوارد يف اآلية يتناول سائر وجوه املنافع ولذلك قال بعض العلماء ال‬ ‫العلوم الشرعية هلا الرواج الكبري‪ ،‬فكيف بنا اليوم بعد أن انصرف الكثريون عن هذا التخصص‬
‫جيوز االنتفاع بامليتة على وجه وال بطعمها الكالب واجلوارح ألن ذلك ضرب من‬ ‫والذي هو يف حقيقة األمر قوام احلياتني الدنيوية واألخروية وهلذا نشأت اجلامعات اإلسالمية‬
‫االنتفاع هبا وقد حرم اهلل امليتة حترميا مطلقا معلقا بعينها مؤكدا له حكم احلظر فال جيوز‬ ‫وخصصت األقسام الشرعية يف كثري من جامعات العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫االنتفاع بشيء منها إال أن خيص شيء منها بدليل جيب التسليم له ‪.2‬‬
‫‪ -2‬عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪ :‬أنه مسع رسول اهلل ‪‬يقول عام الفتح وهو‬ ‫تحريم الخبائث‬
‫مبكة‪ ( :‬إن اهلل ورسوله? حرم بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام ) فقيل‪ :‬يا رسول اهلل‬ ‫اغ َوالَ‬ ‫ْخن ِزي ِر َو َما ُِأه َّل بِ ِه لِغَْي ِر الل ِّه فَ َم ِن ا ْ‬
‫ضطَُّر غَْي َر بَ ٍ‬ ‫‪ِ‬إنَّما ح َّرم َعلَي ُكم الْميتَةَ والدَّم ولَحم ال ِ‬
‫َ َ َ ْ ُ َْ َ َ َ ْ َ‬
‫يم ‪ ‬البقرة ‪173،172‬‬ ‫ع ٍاد فَال ِإثْم علَي ِه ِإ َّن اللّه غَ ُف ِ‬
‫أرأيت شحوم امليتة فإهنا يطلى هبا السفن‪ ،‬ويدهن هبا اجللود‪ ،‬ويستصبح هبا الناس ؟ فقال‪:‬‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫"ال هو حرام" مث قال رسول اهلل‪ ‬عند ذلك‪" :‬قاتل اهلل اليهود إن اهلل ملا حرم شحومها‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫مجلوه مث باعوه فأكلوا مثنه"‪.3‬‬ ‫اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام هي‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جيوز دهن السفن بشحوم امليتة وهذا ينقل عن عطاء‪.‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬عموم اآلية وخصوصها‪:‬‬
‫وحجته أن اآلية إمنا هي يف حترمي األكل‪ ،‬ويدل عليه قوله تعاىل‪( :‬حمرما على طاعم يطعمه)‬ ‫صح يف السنة عن عبد اهلل ابن عمر أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬أحلت لكم ميتتان‬
‫والراجح هو قول اجلمهور‪.‬‬ ‫ودمان ‪ .‬فأما امليتتان فاحلوت واجلراد وأما الدمان فالكبد والطحال"‪ 1‬فاختلف العلماء يف ختصيص‬
‫احلكم الثالث‪ :‬الدم‬ ‫عموم حترمي أكل امليتة والدم هبذا احلديث على قولني‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن الدم حرام جنس ال يؤكل وال ينتفع به ‪ ,‬وقد عينه اهلل تعاىل هاهنا مطلقا ‪,‬‬ ‫القول األول‪ :‬يعمل بالتخصيص وهو قول الشافعي وأبو حنيفة وأمحد‪.‬‬
‫وعينه يف سورة األنعام مقيدا باملسفوح ‪ ,‬ومحل العلماء املطلق على املقيد إمجاعا ‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أجازوا أكل السمك دون اجلراد ألن احلديث السابق مل يصح عندهم‪ ،‬لكنهم أجازوا‬
‫وروي عن عائشة أهنا قالت ‪ :‬لوال أن اهلل تعاىل قال ‪ :‬أو دما مسفوحا لتتبع الناس ما يف العروق‪.4‬‬ ‫أكل ميتته السمك حلديث‪" :‬هو الطهور ماؤه واحلل ميتته"‪.‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬اخلنزير‪:‬‬ ‫الراجح‪:‬‬
‫من الواضح أن قول اجلمهور هو الراجح لصحة ما استدلوا به‪.‬‬
‫‪ 2‬اجلصاص ‪1132‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬االنتفاع بامليتة يف غري األكل‪:‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري ‪ 2/779‬ومسلم‪3/1207‬‬
‫‪ 4‬ابن العريب ‪1/79‬‬ ‫‪ 1‬أخرجه ابن ماجه وصححه األلباين‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫وفسر قوله تعاىل‪( :‬غري باغ وال عادي) أي على اإلمام بأن خيرج ليقطع الطريق‪.‬‬ ‫قال ابن العريب‪" :‬اتفقت األمة على أن اخلنزير حرام جبميع أجزائه‪ ،‬والفائدة يف ذكر اللحم أنه‬
‫القول الثاين‪ :‬يأكل على قدر سد الرمق ‪ ,‬وبه قال اجلمهور ‪.‬‬ ‫حيوان يذبح للقصد? إىل حلمه"‪.1‬‬
‫وعللوا قوهلم بأن‪:‬‬ ‫وما حكاه ابن العريب من االتفاق غري سديد فقد خالف بعض الظاهرية وقال حبرمة اللحم فقط‪،‬‬
‫‪ -1‬اإلباحة ضرورة فتتقدر بقدر الضرورة ‪.‬‬ ‫لنص اآلية عليه‪ ،‬ولكنه فهم ظاهري لآلية‪ ،‬ال يعول عليه وهلذا أغفله ابن العريب‪ ،‬فالصحيح أن اخلنزير‬
‫‪ -2‬أنه بعد سد الرمق غري مضطر فلم حيل له األكل لآلية‪.4‬‬ ‫حترم كل أجزائه‪.‬‬
‫وفسر اجلمهور قوله تعاىل (غري باغ وال عادي) غري باغ يف األكل وال متعد حد الضرورة‪.‬‬ ‫ومما يتعرض له املفسرون والفقهاء البحث يف حرمة خنزير املاء وفيه خالف‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ -‬فقال أبو حنيفة ال جيوز أكله حمتجا بعموم اآلية‪ ،‬فظاهر قوله (وحلم اخلنزير)‬
‫ما ذهب إليه اجلمهور هو الراجح‪ ،‬إذ إن األصل حترمي امليتة وإمنا وجبت للضرورة وبعد كسر‬ ‫موجب حلظر مجيع ما يكون منه يف الرب ويف املاء لشمول الاسم له‪.2‬‬
‫سورة اجلوع ال ضرورة‪ ،‬كما أن الشافعية نصوا على جواز محل امليتة إذا ما خشي املضطر انعدام ما‬ ‫‪ -‬وقال مالك والشافعي جيوز أكله لقوله تعاىل " أحل لكم صيد البحر وطعامه "‬
‫يأكله فيأكل من امليتة‪.‬‬ ‫أي مصيده ومطعومه?‪.‬‬
‫احلكم السادس‪ :‬اللحم املستورد‪:‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫اللحوم املستوردة واليت يعلم أنه ماتت بغري الذبح كالصعق? الكهريب وغريه ذهب اجلماهري من‬ ‫الذي يظهر واهلل أعلم رجحان القول الثاين‪ ،‬أما احتجاج األحناف باحتاد االسم فغري سديد‪،‬‬
‫أهل العلم على أهنا ميتة جنسة ال جيوز أكلها‪ ،‬وسنفصل املسألة يف سورة املائدة بإذن اهلل‪.‬‬ ‫ألن "أمساء أنواع احلوت روعيت فيها املشاهبة كما مسوا بعض احلوت فرس البحر وبعضه محام‬
‫احلكم السابع‪ :‬الرخص ال تناط باملعاصي‪:‬‬ ‫البحر وكلب البحر فكيف يقول أحد بتأثري األمساء واأللقاب يف األحكام الشرعية"‪.3‬‬
‫إذا فسرنا قوله تعاىل‪ :‬غري باغ وال عاد‪ ‬بأنه البغي على اإلمام واالعتداء على الناس فإن معىن‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬إباحة امليتة للمضطر‪?:‬‬
‫اآلية سيكون جواز بل وجوب أكل امليتة للمضطر ما مل يكن عاصيا بسفره هذا وهذا قول مالك‬ ‫اتفقت األمة على أن للمضطر أن يأكل من امليتة بل أوجبوا عليه ذلك واختلفوا يف املقدار‬
‫والشافعي وخالف أبو حنيفة وبعض املالكية فقالوا له أن يأكل‪ ،‬ورمبا استدلوا بقوله تعاىل‪ :‬وال تلقوا‬ ‫اجلائز على قولني‪:‬‬
‫بأيديكم إىل التهلكة‪ ‬فإن إتالف النفس أعظم من أكل امليتة والحجة هلم فإنه مكلف? باجتناب ما‬ ‫القول األول‪ :‬يأكل حىت يشبع ويتضلع وهذا مذهب مالك ورواية عن أمحد ‪.‬‬
‫هنى اهلل‪ ،‬وميكنه حفظ نفسه بأن يتوب ويأكل‪.5‬‬ ‫ودليله أن الضرورة ترفع التحرمي فيعود مباحا ‪ ,‬ومقدار الضرورة إمنا هو من حالة عدم‬
‫القوت إىل حالة وجوده حىت جيد‪.‬‬

‫‪ 1‬السابق‬
‫‪ 4‬انظر ابن العريب ‪ ،1/83‬واملغين‪11/74‬‬ ‫‪ 2‬اجلصاص‪1/154‬‬
‫‪ 5‬تيسري البيان للموزعي ‪1/291‬‬ ‫‪ 3‬التحرير والتنوير‪1/493‬‬
‫‪15‬‬
‫واحتجوا مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتلى } فيدخل يف‬ ‫في القصاص حياة‬
‫العموم? العبد والذمي ‪.‬‬ ‫ْح ِّر َوال َْع ْب ُد بِال َْع ْب ِد َواُألنثَى‬
‫ْح ُّر بِال ُ‬
‫‪‬يا َُّأيها الَّ ِذين آمنُواْ ُكتِب َعلَي ُكم ال ِْقص ِ‬
‫اص في الْ َق ْتلَى ال ُ‬
‫َ ْ ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َأداء ِإل َْيه بِِإ ْح َسان َذل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬قوله ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }‪. 3‬‬ ‫يف ِّمن َّربِّ ُك ْم‬
‫ك تَ ْخف ٌ‬ ‫بِاُألنثَى فَ َم ْن عُف َي لَهُ م ْن َأخيه َش ْيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِال َْم ْع ُروف َو َ‬
‫القول الثاين‪ :‬لا يقتل الحر بالعبد هو قول اجلمهور‪.‬‬ ‫اص َحيَاةٌ يَاْ ُأولِي اَأللْبَ ِ‬
‫اب ل ََعلَّ ُك ْم‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم() َولَ ُك ْم في الْق َ‬
‫ك َفلَه َع َذ ِ‬
‫اب َأل ٌ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫َو َر ْح َمةٌ فَ َم ِن ا ْعتَ َدى َب ْع َد ذَل َ ُ‬
‫ْ‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫َتَّت ُقو َن‪ ‬البقرة‪179،178‬‬
‫‪ -1‬أن مبىن القصاص على املساواة وهي منتفية بني املالك واململوك وهلذا ال يقطع‬ ‫معنى اآلية‪:‬‬
‫طرف احلر بطرف العبد خبالف العبد بالعبد بإمجاع‪.‬‬ ‫يقول تعاىل ‪ :‬كتب عليكم العدل يف القصاص أيها املؤمنون? حركم حبركم وعبدكم بعبدكم‬
‫‪ -2‬انعقد اإلمجاع فيمن قتل عبدا خطأ أنه ليس عليه إال القيمة فكما مل يشبه احلر يف‬ ‫وأنثاكم بأنثاكم وال تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدي من قبلكم وغريوا حكم اهلل فيهم ‪.‬‬
‫اخلطأ مل يشبهه يف العمد‪.‬‬ ‫وسبب ذلك قريظة والنضري كانت بنو النضري قد غزت قريظة يف اجلاهلية وقهروهم فكان إذا قتل‬
‫احلكم الثاين‪ :‬قتل املسلم بالكافر‪:‬‬ ‫النضري القرظي ال يقتل به بل يفادي مبائة وسق من التمر‪ ،‬وإذا قتل القرظي النضري قتل وإن فادوه‬
‫يف هذه املسألة قوالن‪:‬‬ ‫فدوه مبائيت وسق من التمر ضعف دية قريظة فأمر اهلل بالعدل? يف القصاص وال يتبع سبيل املفسدين‪.1‬‬
‫القول األول‪ :‬يقتل املسلم بالذمي? وهو قول أيب حنيفة‪.‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫واستدل مبا يلي‪:‬‬ ‫اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام‪ ،‬ولكن قبل ذكرها ال بد من بيان مسألة كانت سببا يف‬
‫‪ -1‬عموم قوله تعاىل (كتب عليكم القصاص يف القتلى)‬ ‫خالف وقع بني الفقهاء وهي أهنم اختلفوا يف قوله تعاىل‪ { :‬كتب عليكم القصاص يف القتلى } ;‬
‫‪4‬‬
‫وفى بذمته‬
‫‪ -2‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أقاد مسلما بذمي وقال ‪ :‬أنا أحق من ّ‬ ‫فقيل ‪ :‬هو كالم عام مستقل بنفسه ; وهو قول أيب حنيفة ‪.‬‬
‫أنه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كاملسلم‪ 5‬فالذمي مع املسلم متساويان يف احلرمة اليت‬ ‫وقال سائر الفقهاء منهم مالك والشافعي‪ :‬ال يتم الكالم هاهنا ; وإمنا ينقضي عند قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫تكفي يف القصاص وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد فإن الذمي حمقون? الدم على التأبيد‬ ‫األنثى باألنثى } وهو تفسري له ‪ ,‬وتتميم ملعناه‪.2‬‬
‫واملسلم كذلك وكالمها قد صار من أهل دار اإلسالم‪.6‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬قتل احلر بالعبد‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬
‫‪ 3‬القرطيب‪2/239‬‬ ‫القول األول‪ :‬يقتل احلر بالعبد واملسلم بالذمي وهو مذهب أيب حنيفة‪.‬‬
‫‪ 4‬سنن البيهقي الكربى ‪ ،8/30‬وضعفه األلباين يف الضعيفة‪1/669‬‬
‫‪ 5‬املغين ‪10/299‬‬ ‫‪ 1‬ابن كثري ‪1/284‬‬
‫‪ 6‬القرطيب‪2/239‬‬ ‫‪ 2‬انظر ابن العريب ‪1/90‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ -4‬أمجع العلماء ‪-‬كما قال ابن عبد الرب‪ -‬على أنه ال يقاد املسلم بالكافر فيما دون‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يقتل به‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور‪ :‬و مالك و الثوري و األوزاعي و الشافعي‬
‫النفس‪ ،‬فهذا تعارض بني قوهلم بالقصاص يف النفس دون اجلراح‪ ،‬بل إذا مل يثبت القصاص‬ ‫وإسحاق وأمحد‪.1‬‬
‫يف اجلراح فالنفس أوىل‪.‬‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫ومن خالل هذه اإليرادات واملناقشات ملذهب األحناف تبني رجحان قول اجلمهور لداللة‬ ‫‪ -1‬قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬املسلمون? تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم‬
‫السنة الثابتة عليه‪.‬‬ ‫أدناهم وال يقتل مؤمن بكافر"‪ 2‬أي املسلم أنه مكاىفء للمسلم? خبالف الذمي‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬هل يقتل اجلماعة بالواحد‪:‬‬ ‫‪ -2‬عن أيب جحيفة قال‪ :‬قلت لعلي هل عندكم كتاب ؟ قال ال إال كتاب اهلل أو‬
‫إذا اشرتك مجاعة يف قتل واحد هل يقتلون? مجيعا؟ يف املسألة أقوال‪:‬‬ ‫فهم أعطيه رجل مسلم أو ما يف هذه الصحيفة‪ ،‬قال قلت فما يف هذه الصحيفة ؟ قال‬
‫القول األول‪ :‬أن اجلماعة إذا قتلوا واحدا فعلى كل واحد منهم القصاص وهو قول اجلمهور‬ ‫العقل وفكاك األسري وال يقتل مسلم بكافر‪.3‬‬
‫مالك والشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫استدالل األحناف مناقش مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلمجاع‪ ،‬فقد روى سعيد بن املسيب أن عمر بن اخلطاب قتل سبعة من أهل‬ ‫‪ -1‬أن القاعدة األصولية تقول بأن العموم إذا خصص يعمل باخلاص فيما تناوله‬
‫صنعاء قتلوا رجال وقال ‪ :‬لو متاأل عليه أهل صنعاء لقتلتهم? مجيعا‪ ،‬وعن علي رضي اهلل عنه‬ ‫والعام يف الباقي‪ ،‬والعام الذي استدلوا به قد خصص باحلديث الثابت يف البخاري وغريه‬
‫أنه قتل ثالثة قتلوا رجال وعن ابن عباس أنه قتل مجاعة بواحد ومل يعرف هلم يف عصرهم‬ ‫(ال يقتل مسلم بكافر) فوجب العمل باخلاص‪ ،‬ولكن مشكلة األحناف أهنم يقولون بأن‬
‫خمالف فكان إمجاعا‪.‬‬ ‫التخصيص نسخ والسنة ال تنسخ القرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أيب هريرة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪":‬لو أن أهل السماء وأهل‬ ‫‪ -2‬احلديث الذي استدل به األحناف ضعيف فهو من رواية ابن البيلماين وهو‬
‫‪5‬‬
‫األرض اشرتكوا يف دم مؤمن ألكبهم اهلل يف النار"‬ ‫ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل كما يف هذا احلديث‪ 4‬وهلذا قال ابن املنذر ‪ :‬مل يصح‬
‫‪ -3‬لو مل يقتل اجلماعة بالواحد لتذرع الناس إىل القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد‬ ‫عن النيب صلى اهلل عليه وسلم خرب يعارض حديث (ال يقتل مسلم بكافر)‪.‬‬
‫باجلماعة‪.6‬‬ ‫‪ -3‬نقل عن الشافعي أنه قال ‪ :‬حديث ابن البيلماين على تقدير ثبوته منسوخ بقوله‬
‫القول الثاين‪ :‬ال تقتل اجلماعة بالواحد بل تؤخذ منهم الدية‪ ،‬وهو قول الظاهرية ورواية عن أمحد‪.‬‬ ‫عليه السالم يف زمن الفتح ‪ " :‬ال يقتل مسلم بكافر "‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقني حصصهم من الدية روي هذا عن معاذ بن‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬أشرف املسالك‪ ،1/160‬مغين احملتاج‪ ،4/13‬واملغين‪9/342‬‬
‫جبل وابن الزبري و ابن سريين والزهري‪.‬‬
‫‪ 2‬أبو داود ‪ 2/89‬وصححه? ابن حبان و األلباين‬
‫‪ 5‬الرتمذي‪ 4/17‬وصححه األلباين‬ ‫‪ 3‬البخاري ‪1/53‬‬
‫‪ 6‬انظر املغين ‪ 142 /5‬والقرطيب‪2/239‬واملهذب ‪3/190‬‬ ‫‪ 4‬املغين ‪10/299‬‬
‫‪17‬‬
‫إىل السعي يف اإلصالح بينهم فإذا وقع الصلح سقط اإلمث عن املصلح واإلصالح فرض على‬ ‫واستدل القوالن مبا يلي‪:‬‬
‫الكفاية فإذا قام أحدهم به سقط عن الباقني وإن مل يفعلوا أمث الكل‪.1‬‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل‪( :‬كتب عليكم القصاص يف القتلى) فشرطت اآلية املساواة واملماثلة‬
‫احلكم األول‪ :‬هل جتب الوصية؟‬ ‫وال مساواة بني الواحد واجلماعة‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف وجوب الوصية على من خلف ماال بعد إمجاعهم على أهنا واجبة على من‬ ‫‪ -2‬قوله تعاىل ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } فمقتضاه أنه ال يؤخذ‬
‫قبله ودائع وعليه ديون‪:‬‬ ‫بالنفس أكثر من نفس واحدة‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬الوصية غري واجبة على من ليس قبله شيء من ذلك وهو قول مالك و الشافعي و‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫الثوري موسرا كان املوصى أو فقريا ‪.‬‬ ‫الذي يظهر رجحان قول اجلمهور خاصة وأن القولني اآلخرين يفضيان إىل مفاسد عظمى وهرج‬
‫القول الثاين‪ :‬الوصية واجبة قليال كان املال أو كثريا قاله الزهري‪.‬‬ ‫كبري‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬هل اآلية حمكمة أو منسوخة؟‬
‫اختلف أهل العلم يف هذه اآلية هل هي حمكمة أو منسوخة ؟ قوالن‪:‬‬ ‫الوصية لألقربين‬
‫صيَّةُ لِلْوالِ َدي ِن واألقْربِين بِالْمعر ِ‬
‫وف‬ ‫ت ِإن َتر َك َخ ْيراً الْو ِ‬ ‫َأح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ‬ ‫ب َعلَْي ُك ْم ِإذَا َح َ‬ ‫ِ‬
‫القول األول‪ :‬حمكمة ‪:‬‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض َر َ‬ ‫‪ُ ‬كت َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -1‬قال بعضهم‪ :‬جيمع للوارث بني الوصية واإلرث هبذه اآلية وبآية املواريث وهذا‬ ‫ين ُيبَ ِّدلُونَهُ ِإ َّن اللّهَ َس ِم ٌ‬
‫يع‬ ‫ِ‬
‫ين{‪ }180‬فَ َمن بَ َّدلَهُ َب ْع َد َما َسم َعهُ‪ 3‬فَِإ نَّ َما ِإثْ ُمهُ َعلَى الذ َ‬ ‫َح ّقاً َعلَى ال ُْمتَّق َ‬
‫القول بعيد جدا خمالف لإلمجاع‪.‬‬ ‫ور‬ ‫ِ‬
‫َأصلَ َح َب ْيَن ُه ْم فَالَ ِإثْ َم َعلَْيه ِإ َّن اللّهَ غَ ُف ٌ‬
‫وص َجنَفاً َْأو ِإثْماً فَ ْ‬ ‫اف ِمن ُّم ٍ‬ ‫يم{‪ }181‬فَ َم ْن َخ َ‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫يم{‪}182‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬أن الوصية للوالدين واألقربني يف هذه اآلية على الندب ال على الفرض‪ ،‬فنسخت‬ ‫َّرح ٌ‬
‫السنة جواز الوصية للوالدين وبقيت الوصية لألقربني على الندب‪ ،‬وهذا حيكى عن النخعي‬ ‫اشتملت هذه اآليات على مجلة أحكام ‪:‬‬
‫والشعيب‪ ،‬واستدلوا بقوله ‪‬باملعروف‪ ‬وبقوله ‪‬حقا على املتقني‪ ‬والواجب ال خيتص باملتقني‬ ‫‪ -1‬جيب على من حضره املوت بأن يكون مريضا مرض املوت أو كرب سنه أنه إن‬
‫قال املوزعي‪ :‬لكنه بعيد لقوله? تعاىل‪ :‬كتب عليكم‪.‬‬ ‫ترك خريا وهو املال الوفري –واختلفوا يف مقداره‪ -‬أن يوصي لوالديه واألقربني من أهله‬
‫القول الثاين‪ :‬منسوخة وعليه أكثر أهل العلم واختلفوا يف الناسخ‪:‬‬ ‫باملعروف‪.‬‬
‫‪ -1‬قال بعضهم‪ :‬كانت الوصية واجبة يف صدر اإلسالم مث نسختها آية املواريث‪.‬‬ ‫‪ -2‬حيرم على من مسع الوصية من املوصي أن يبدل الوصية أو حيرفها فيغري حكمها‬
‫‪ -2‬الناسخ حديث‪" :‬ال وصية لوارث"‪.2‬‬ ‫ويزيد فيها أو ينقص ويدخل يف ذلك الكتمان هلا بطريق األوىل‬
‫‪ -3‬الناسخ اآلية مع احلديث‪.‬‬ ‫‪ -3‬إن خاف املسلمون من موص ميال يف الوصية وعدوال عن احلق ووقوعا يف إمث‬
‫ومل خيرجها باملعروف وذلك بأن يوصي باملال إىل زوج ابنته أو لولد ابنته لينصرف املال إىل‬
‫‪ 1‬القرطيب ‪2/275‬‬ ‫ابنته أو إىل ابن ابنه والغرض أن ينصرف املال إىل ابنه أو أوصى لبعيد وترك القريب فبادروا‬
‫‪ 2‬أبو داود ‪ 2/127‬وحسنه الحافظ في التلخيص ‪3/92‬‬
‫‪18‬‬
‫واستدلوا لقوهلم بقوله تعاىل‪( :‬يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر) فدلت اآلية على أن‬ ‫واختلفوا يف املنسوخ من اآلية‪:‬‬
‫الغرض الرتخيص فيما هو عسر وشاق وال مشقة يف حنو أصبع‪.‬‬ ‫‪ -1‬ذهب طاووس وغريه إىل أهنا منسوخة يف حق األقارب الذين يرثون وبقي‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫وجوهبا يف األقارب الذين ال يرثون كاألبوين الكافرين‪.‬‬
‫ما قاله اجلمهور هو الراجح‪ ،‬كما أن قاعدة االحتياط تستدعي ذلك لعظم منزلة الصوم يف‬ ‫‪ -2‬نسخ منها الوصية للوالدين وبقيت لألقربني‪.‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ -3‬مجيع ما يف اآلية منسوخ فاملواريث نسخت كل وصية‪.‬‬
‫لكن اجلمهور اختلفوا يف مقدار السفر الطويل على أقوال‪:‬‬ ‫فرضية الصوم‬
‫القول األول‪ :‬مسرية ثالثة أيام بلياليها وهو قول أيب حنيفة‪.‬‬ ‫ين ِمن َق ْبلِ ُك ْم ل ََعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن{‪3‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬ ‫الصيَ ُ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫آمنُواْ ُكت َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ود ٍ‪3‬‬
‫القول الثاين‪ :‬مسرية يومني وهو قول مالك والشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫ات فَ َمن َكا َن من ُكم َّم ِريضاً َْأو َعلَى َس َف ٍر فَع َّدةٌ ِّم ْن َأيَّ ٍام ُأ َخ َر َو َعلَى الذ َ‬
‫ين‬ ‫‪َ }183‬أيَّاماً َّم ْع ُد َ‬
‫ي ِطي ُقونَه فِ ْديةٌ طَع ِ‬
‫ولكل قول أدلته املذكورة يف كتب الفقه‪.‬‬ ‫ومواْ َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم‬ ‫ص ُ‬ ‫ع َخ ْيراً َف ُه َو َخ ْي ٌر لَّهُ َوَأن تَ ُ‬ ‫ام م ْس ِكي ٍن فَ َمن تَطََّو َ‬‫ُ َ َُ‬ ‫ُ‬
‫احلكم الثاين‪ :‬هل اإلفطار للمريض واملسافر رخصة أو عزمية؟‬ ‫ات ِّمن ال ُْه َدى والْ ُفرقَانِ‬ ‫َّاس وبِّينَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َت ْعلَمو َن{‪َ }184‬ش ْهر َر َم َ َّ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ي ُأن ِز َل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِّلن ِ َ َ‬ ‫ضا َن الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اختلف الفقهاء هنا على قولني‪:‬‬ ‫ُأخ َر يُ ِري ُد اللّهُ بِ ُك ُم‬ ‫ص ْمهُ َو َمن َكا َن َم ِريضاً َْأو َعلَى َس َف ٍر فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن َأيَّ ٍام َ‬ ‫فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم َّ‬
‫الش ْه َر َفلْيَ ُ‬
‫القول األول‪ :‬جيب على املريض واملسافر الفطر ويقضيان وأهنما إذا صاما مل جيزئهما‪ ،‬وهذا‬ ‫ْملُواْ ال ِْع َّدةَ َولِتُ َكِّب ُرواْ اللّهَ َعلَى َما َه َدا ُك ْم َول ََعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن{‬ ‫الْيسر والَ ي ِري ُد بِ ُكم الْعُسر ولِتُك ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ُ َْ َ ُ‬
‫مذهب الظاهرية‪.‬‬ ‫‪}185‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -1‬باآلية (فعدة من آيام آخر)‬ ‫اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام هي‪:‬‬
‫‪ -2‬بقوله‪" :‬ليس من الرب أن تصوموا يف السفر"‪.2‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬املرض والسفر املبيحان لإلفطار‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن الفطر رخصة وأنه جيوز الصوم مع املرض والسفر وهو قول اجلمهور‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬مطلق املرض حىت ولو كان وجع ضرس يبيح اإلفطار‪ ،‬ومطلق السفر حىت لو كان‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫قصريا وهو قول الظاهرية‪ ،‬وعزاه ابن قدامة لبعض السلف‪.1‬‬
‫‪ -1‬أن يف اآلية تقديرا هو (فأفطر فعدة من أيام أخر) نظري قوله تعاىل‪( :‬فقلنا اضرب‬ ‫واستدلوا بعموم اآلية (فمن كان منكم مريضا)‪.‬‬
‫بعصاك احلجر فانفجرت) أي فضرب فانفجرت‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬املراد باملرض املبيح للفطر هو املرض الشديد الذي يؤدي إىل ضرر يف النفس أو زيادة‬
‫العلة أو تأخر الربء‪ ،‬والسفر ال بد أن يكون طويال‪ ،‬وهذا مذهب األئمة األربعة‪.‬‬

‫مسلم ‪2/786‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪ 1‬املغين‪3/88‬‬
‫‪19‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ -2‬عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قال‪ :‬خرجنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫ما قاله اجلمهور هو الراجح لقوة أدلتهم‪.‬‬ ‫شهر رمضان يف حر شديد حىت إن كان أحدا ليضع يده على رأسه من شدة احلر وما فينا‬
‫‪1‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬هل جيب قضاء الصوم متتابعا؟‬ ‫صائم إال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وعبداهلل بن رواحة‪.‬‬
‫يف هذه املسألة قوالن‪:‬‬ ‫‪ -3‬عن محزة بن عمرو األسلمي رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬يا رسول اهلل أجد يب قوة‬
‫القول األول‪ :‬جيب القضاء متتابعا وهو قول علي وابن عمر والشعيب‪.‬‬ ‫على الصيام يف السفر فهل علي جناح ؟ فقال رسول اهلل‪ :‬هي رخصة من اهلل فمن أخذ‬
‫وحجتهم أن القضاء نظري األداء فلما كان األداء متتابعا فكذلك القضاء‬ ‫هبا فحسن ومن أحب أن يصوم فال جناح عليه‪.2‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جيوز متتابعا ومتفرقا وهو قول اجلمهور‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫واحتجوا بقوله تعاىل‪( :‬فعدة من أيام أخر) فاآلية مل تشرتط إال صيام أيام بقدر األيام اليت أفطرها‬ ‫من الواضح رجحان قول اجلمهور وضعف قول الظاهرية‪.‬‬
‫وليس فيها ما يدل على التتابع فهي نكرة يف سياق اإلثبات فأي يوم صامه قضاء أجزأه‪.3‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬هل الصيام أفضل أم اإلفطار‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫اختلف اجلمهور القائلون بأن اإلفطار رخصة يف أيهما أفضل‪:‬‬
‫ما قاله اجلمهور هو الراجح لقوة دليلهم‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬الصوم أفضل ملن قوي عليه‪ ،‬أما إذا شق عليه فالفطر أفضل وهو قول أيب حنيفة‬
‫احلكم اخلامس‪( :‬وعلى الذين يطيقونه)‪:‬‬ ‫والشافعي ومالك‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف املراد بقوله تعاىل‪( :‬وعلى الذين يطيقونه) على قولني‪:‬‬ ‫واستدلوا بقوله تعاىل‪( :‬وأن تصوموا خري لكم)‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬أن املعىن‪ :‬الذين يستطيعون الصوم ويفطرون بدون عذر عليهم أن يطعموا عن كل‬ ‫القول الثاين‪ :‬يسن للمسافر الفطر ويكره له الصوم ولو مل جيد مشقة وهو قول أمحد واألوزاعي‬
‫يوم مسكينا قدر ما يأكله من يومه فدية عن الفطر وكان هذا أول ما فرض الصوم إذ كان املسلمون‬ ‫وإسحاق‪.‬‬
‫خمريين بني الصوم والفدية فلما نزل قوله تعاىل { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } نسخ هذا احلكم‬ ‫واستدل مبا يلي‪:‬‬
‫وأصبح الصوم هو احملتم على املستطيع‪ ،‬وهذا قول اجلمهور‪.‬‬ ‫‪ -1‬عمال بالرخصة فإن اهلل حيب أن تؤتى رخصه‪.‬‬
‫واستدلوا حبديث سلمة بن األكوع قال‪ :‬لما نزلت { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني }‬ ‫‪ -2‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ليس من الرب الصوم يف السفر "‪.‬‬
‫كان من أراد أن يفطر ويفتدي حىت نزلت اآلية اليت بعدها فنسختها‪.4‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬أفضلهما أيسرمها على املرء‪ ،‬فمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك‬
‫القول الثاين‪ :‬أن املراد بـ { الذين يطيقونه } العجوز الكبري الذي ال يستطيع الصوم واملريض مرضا‬ ‫فالصوم يف حقه أفضل‪ ،‬وهذا قول عمر بن عبد العزيز واختاره ابن املنذر‪.‬‬
‫مزمنا ال يربأ منه وال يستطيع معه الصوم فإهنما جتب عليهما الفدية وال يكلفان بالصوم وعليه فمعىن‬ ‫استدلوا بقول اهلل تعاىل ‪‬يريد اهلل بكم اليسر‪‬‬

‫روائع البيان ‪1/208‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪ 1‬مسلم‪2/790‬‬
‫البخاري‪ 4/1638‬ومسلم‪2/801‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪ 2‬مسلم‪2/789‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -3‬الرؤية ظنية والشهود ليسوا معصومني من اخلطأ واحلساب الفلكي احلديث قطعي‬ ‫{ يطيقونه } يتكلفونه مبشقة وجهد أصلها ( يتطوقونه ) من الطوق إما مبعىن الطاقة وهي غاية‬
‫و نسبة احتمال اخلطأ يف تقديراته (‪ )100000 -1‬يف الثانية‪.‬‬ ‫الوسع وإما مبعىن القالدة وهي ما يوضع يف العنق وكل منهما فيه معىن املشقة والعسر واإلسالم جاء‬
‫‪ -4‬احلساب الفلكي خيرج األمة من مشكلة? إثبات اهلالل والفوضى اليت أصبحت‬ ‫برفعهما فأباح هلؤالء الفطر مع وجوب الفدية‪ ،‬وهذا مروي عن ابن عباس‪.‬‬
‫خمجلة بل مذهلة حيث يبلغ الفرق كما حصل يف بعض األعوام ثالثة أيام‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫‪ -5‬هدف احلديث "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدروا له" وهو‬ ‫ما قاله اجلمهور هو األقرب ملا ثبت عن سلمة أهنا منسوخة وإن احتمل أن يكون النسخ هناك‬
‫يوما من شهر غريه‪ ،‬كشعبان‬ ‫يوما منه‪ ،‬أو يصوموا ً‬
‫أن يصوموا رمضان? كله‪ ،‬وال يضيعوا ً‬ ‫مبعىن التخصيص فكثريا ما يطلق املتقدمون النسخ مبعناه كما قال القرطيب‪.1‬‬
‫أو شوال‬
‫‪ -6‬الرؤية ليست عبادة يف ذاهتا ولكنها الوسيلة املمكنة امليسورة إذ ذاك وذلك‬ ‫وجوب صوم رمضان‬
‫ات ِّمن ال ُْه َدى والْ ُفرقَ ِ‬ ‫َّاس وبِّينَ ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫‪َ ‬ش ْهر رم َ َّ ِ‬
‫بسبب أمية رسول اهلل –صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬والعرب باحلساب الفلكي‪.2‬‬ ‫ان فَ َمن َش ِه َد‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ي ُأن ِز َل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِّلن ِ َ َ‬ ‫ضا َن الذ َ‬ ‫ُ ََ‬
‫ص ْمهُ َو َمن َكا َن َم ِريضاً َْأو َعلَى َس َف ٍر فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن َأيَّ ٍام ُأ َخ َر يُ ِري ُد اللّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َوالَ‬ ‫ِمن ُك ُم َّ‬
‫الش ْه َر َفلْيَ ُ‬
‫ْملُواْ ال ِْع َّدةَ َولِتُ َكِّب ُرواْ اللّهَ َعلَى َما َه َدا ُك ْم َول ََعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن{‪}185‬‬ ‫ي ِري ُد بِ ُكم الْعُسر ولِتُك ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ُ‬
‫يف هذه اآلية مجلة أحكام هي‪:‬‬
‫احلكم األول‪ :‬مب يثبت الشهر؟‬
‫جماع الصائم والمعتكف‬ ‫املراد بشهود الشهر رؤية اهلالل وهذا هو املعهود حني نزول اخلطاب كما أنه املنصوص يف السنة‪:‬‬
‫اس لَّ ُه َّن َعلِ َم اللّهُ َأنَّ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِئ‬ ‫‪ِ‬‬
‫اس لَّ ُك ْم َوَأنتُ ْم لبَ ٌ‬
‫ث ِإلَى ن َسآ ُك ْم ُه َّن لبَ ٌ‬ ‫الرفَ ُ‬‫الصيَ ِام َّ‬‫ُأح َّل لَ ُك ْم ل َْيلَةَ ِّ‬ ‫"صوموا لؤيته وأفطروا لرؤيته"‪.‬‬
‫ب اللّهُ لَ ُك ْم‬ ‫ُكنتُم تَ ْختانُو َن َأن ُفس ُكم َفتَاب َعلَي ُكم و َع َفا َعن ُكم فَاآل َن ب ِ‬ ‫وهنا ترد مسألة العمل باحلساب‪ ،‬وهي مسألة تعرض هلا بعض الفقهاء وخاصة املتأخرين‪ ،‬وهلم‬
‫وه َّن َو ْابَتغُواْ َما َكتَ َ‬ ‫اش ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَألس َود م َن الْ َف ْج ِر ثُ َّم َأت ُّمواْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيها قوالن‪:‬‬
‫ض م َن الْ َخ ْيط ْ‬ ‫اَألبيَ ُ‬
‫ط ْ‬ ‫َو ُكلُواْ َوا ْش َربُواْ َحتَّى َيتََبيَّ َن لَ ُك ُم الْ َخ ْي ُ‬
‫ود الل ِّه فَالَ َت ْق َربُ َ‬ ‫اج ِد تِل َ‬ ‫وه َّن وَأنتُم َعاكِ ُفو َ‪3‬ن فِي الْمس ِ‬ ‫ِ‬
‫وها‬ ‫ْك ُح ُد ُ‬ ‫ََ‬ ‫الصيَ َام ِإلَى الَّ ْلي ِل َوالَ ُتبَاش ُر ُ َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫القول األول‪ :‬العربة بالرؤية فإن غم اهلالل أكمل الشهر (ثالثون) وهذا قول اجلمهور‬
‫َّاس ل ََعلَّ ُه ْم َيَّت ُقو َن{‪}187‬‬ ‫ك ُيَبيِّ ُن اللّهُ آيَاتِِه لِلن ِ‬ ‫َك َذلِ َ‬ ‫واستدلوا باحلديث املتفق عليه‪" :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غمى عليكم فأكملوا العدد"‬
‫أي ثالثني كما يف رواية أخرى يف الصحيح‪ ،‬ففي احلديث تعليق للصوم برؤية اهلالل‪.‬‬
‫مفردات‪ 3‬اآلية‪:‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬جيوز العمل باحلساب الفلكي‪.‬‬
‫( أحل ) أبيح ورخص به ‪.‬‬ ‫وكانت حججهم كما يلي‪:‬‬

‫‪ 2‬انظر احلساب الفلكي بني القطعية واالضطراب ‪،3‬‬ ‫‪2/272 1‬‬


‫‪21‬‬
‫كما دل قوله ‪‬باشروهن‪ ...‬على أن اجلنابة ال تنايف صحة الصوم‪ ،‬فإباحة اجلماع إىل آخر الليل‬ ‫( الرفث إىل نسائكم ) اإلفضاء إليهن باجلماع ‪.‬‬
‫يعىن طلوع الفجر وهو جنب وقد أمره اهلل بإمتام صومه ‪‬مث أمتوا الصيام إىل الليل‪ ‬ويف الصحيحني‬ ‫( هن لباس لكم وأنتم لباس هلن ) كناية عن كون كل من الزوجني سكنا لآلخر وسرتا له وأنه‬
‫عن عائشة أن النيب‪ ‬كان يصبح جنبا وهو صائم مث يغتسل‪.‬‬ ‫شديد االحتياج إليه مياسه ويباشره كما يباشر اللباس ‪.‬‬
‫الحكم الثاني‪:‬هل يجب قضاء صوم النفل إذا أفسده؟‬ ‫( ختتانون أنفسكم ) جتامعون? النساء وتأكلون وتشربون يف الوقت الذي كان حيرم عليكم ذلك ‪.‬‬
‫يف هذه املسألة أقوال‪:‬‬ ‫( فاآلن باشروهن ) بعد احلل لكم أن جتامعوهن ‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬جيب قضاء ما شرع فيه من صوم التطوع‪ ،‬وهو مذهب احلنفية‪.‬‬ ‫( ابتغوا ) اطلبوا مبباشرهتن ومجاعهن ‪.‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫( ما كتب اهلل لكم ) ما أحله اهلل ورخص لكم به من التمتع هبن أو ما قدره اهلل تعاىل من الولد‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪( :‬مث أمتوا الصيام من الليل) قالوا‪ :‬هذه اآلية عامة لكل صوم‬ ‫‪-1‬‬ ‫وقد ذهب مجهور املفسرين إىل أنه يف أول شريعة حممد‪ ‬كان الصوم عبارة عن اإلمساك عن‬
‫فكل صوم شرع فيه لزمه إمتامه‪.‬‬ ‫املفطرات هنارا وال يقرب شيئا منها بعد النوم وال بعد صالة العشاء األخرية فإذا فعل شيئا منها بعد‬
‫قوله تعاىل (وال تبطلوا أعمالكم) فمن أبطل نافلة وجب عليه إعادهتا‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫النوم أو بعد صالة العشاء فقد ارتكب حمرما ونسخ هذا احلكم هبذه اآلية‪.1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬إن أبطله فعليه القضاء وإن كان طرأ عليه ما يفسده فال قضاء عليه‪ ،‬وبه قال‬ ‫وزعم أبو مسلم? األصفهاين أن هذه احلرمة مل تكن يف شرعنا بل يف شرع النصارى وأن اهلل تعاىل‬
‫املالكية‪.‬‬ ‫نسخ هبذه اآلية ما كان يف شرع النصارى‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬ال جيب عليه القضاء‪ ،‬وهو مذهب الشافعية واحلنابلة‪.‬‬ ‫ورد اجلمهور مبا يف اآلية من داللة على أن احلكم كان يف اإلسالم مبا فيها من اخلطاب للمسلمني‬
‫واستدلوا جبملة أدلة أقواها حديث أم هاينء أن رسول اهلل‪ ‬قال‪" :‬الصائم املتطوع أمري نفسه إن‬ ‫والعفو عنهم‪.‬‬
‫شاء صام و إن شاء أفطر" وهو حديث صحيح‪.2‬‬ ‫بيان األحكام ‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫الحكم األول‪ :‬مباشرة الزوجة في ليل رمضان‪:‬‬
‫من الواضح رجحان قول الشافعي وأمحد لقوة دليلهم‪" ،‬والذي يظهر أن اآلية ليست بصدد بيان‬ ‫قوله سبحانه (باشروهن) أمر فهل يفيد الوجوب؟‬
‫وجوب إمتام ما شرع فيه فرضا أو نفال بل بصدد حتديد الزمن الذي حيل فيه تناول املفطرات والذي‬ ‫هو على اخلالف يف حكم األمر بعد احلضر هل هو للندب أو للوجوب أو يعيد األمر إىل حكمه‬
‫ال حيل‪ ،‬وال تعرض فيها لنفل شرع فيه مث أفسده‪ ،‬وال لفرض شرع فيه مث فسد بل ذلك حكم آخر‬ ‫قبل احلضر‪.‬‬
‫يستفاد من دليل مستقل"‪ 3‬فظهر هبذا بعد مأخذ احلنفية ومن وافقهم من هذه اآلية‪ ،‬ومع هذا نقول‪:‬‬
‫وعلى فرض التسليم بعموم اآليات فحديث أم هانئ خاص‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه الرتمذي وصححه احلاكم واأللباين‪.‬‬
‫‪ 3‬السايس ‪1/177‬‬ ‫‪ 1‬السايس وزمالؤه ‪1/169‬‬
‫‪22‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف معتكف النساء على قولني‪:‬‬ ‫الحكم الثالث‪ :‬االعتكاف‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬للمرأة أن تعتكف يف كل مسجد وال يشرتط إقامة اجلماعة فيه ألهنا غري واجبة‬ ‫االعتكاف هو يف اللغة املقام واالحتباس‪ ،‬ويف الشرع لبث صائم يف مسجد مجاعة بنية‪.‬‬
‫عليها وهبذا قال الشافعي‪.‬‬ ‫ويشرتط يف االعتكاف أن يكون يف املسجد لقوله? تعاىل‪( :‬وأنتم عاكفون يف املساجد) وظاهر اآلية‬
‫واحتجوا مبا يلي‪:‬‬ ‫عدم التفرقة بني املساجد‪.‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪ { :‬وأنتم عاكفون يف املساجد }‬ ‫وقد وقع االختالف يف املسجد الذي يكون فيه االعتكاف على أقوال‪:‬‬
‫‪ -2‬أن أزواج النيب صلى اهلل عليه وسلم استأذنه يف االعتكاف يف املسجد فإذن هلن‬ ‫القول األول‪ :‬ال يصح االعتكاف إال يف املساجد الثالثة‪ ،‬وهو مروي عن حذيفة‪.‬‬
‫ولو مل يكن موضعا العتكافهن ملا أذن فيه‪.‬‬ ‫وحجة هذا القول حديث "ال تشد الرحال إال إىل ثالثة مساجد"‪.‬‬
‫‪ -3‬أن االعتكاف قربة يشرتط هلا املسجد يف حق الرجل فيشرتط يف حق املرأة‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يصح إال يف مسجد تقام فيه اجلماعة‪ ،‬وبه قال احلنابلة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ ::‬هلا االعتكاف يف مسجد بيتها‪ ،‬وهو املكان الذي جعلته للصالة منه واعتكافها‬ ‫وعللوا قوهلم بأن اجلماعة واجبة واعتكاف الرجل يف مسجد ال تقام فيه اجلماعة يفضي إىل أحد‬
‫فيه أفضل ألن صالهتا فيه أفضل وبه قال أبو حنيفة و الثوري‪.‬‬ ‫أمرين إما ترك اجلماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثريا مع إمكان التحرز منه وذلك‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫مناف لالعتكاف‪.1‬‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ترك االعتكاف يف املسجد ملا رأى أبنية‬ ‫‪-1‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬يصح االعتكاف يف كل مسجد‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أزواجه فيه وقال ‪ :‬الرب تردن ؟‬ ‫واحتجوا بعموم قوله تعاىل‪( :‬وأنتم عاكفون يف املساجد)‪.‬‬
‫أن مسجد بيتها موضع فضيلة صالهتا فكن موضع اعتكافها كاملسجد‬ ‫‪-2‬‬ ‫القول الرابع‪ :‬لا اعتكاف إال يف مسجد فيه مجعة وهي رواية ابن عبد احلكم عن مالك‪.‬‬
‫يف حق الرجل‪.‬‬ ‫وعلل بانقطاع عمل املعتكف باخلروج إىل اجلمعة‪.‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫القول األول هو الراجح لقوة أدلتهم‪ ،‬وألن القول الثاين مناقش مبا يلي‪:‬‬ ‫ما قاله اجلمهور هو الراجح وما قاله اآلخرون مناقش مبا يلي‪:‬‬
‫حديث عائشة حجة للقول? األول‪ ،‬وإمنا كره اعتكافهن يف تلك احلال‬ ‫‪-1‬‬ ‫أن اآلية مل تعني مسجدا خمصوصا فبقي اللفظ على عمومه‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫حيث كثرت ابنيتهن ملا رأى ‪ ‬من منافستهن فكرهه منهن خشية عليهن من فساد‬ ‫التخصيص مبسجد مجاعة حيتاج إىل دليل‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫نيتهن وسوء املقصد? به ولذلك قال ‪" :‬الرب تردن" منكرا لذلك أي مل تفعلن ذلك تربرا‬ ‫غاية ما يدل عليه حديث شد الرحال تفضيل هذه الثالثة على ما‬ ‫‪-3‬‬
‫ولذلك ترك االعتكاف لظنه أنه تتنافس يف الكون معه ولو كان للمعىن الذي ذكروه‬ ‫عداها أو عدم شد الرحال إليها‪.‬‬
‫ألمرهن باالعتكاف يف بيوهتن ومل يأذن هلن يف املسجد ‪.‬‬

‫‪ 2‬مسلم ‪2/830‬‬ ‫‪ 1‬املغين‪3/127‬‬


‫‪23‬‬
‫القول الثالث‪ :‬يفسد االعتكاف القبلة على الفم ولو مل يقصد املقبل لذة ومل جيدها ولو مل‬ ‫قياسهم االعتكاف على الصالة ال يصح‪ ،‬فإن صالة النفل للرجل يف‬ ‫‪-2‬‬
‫ينزل أما اللمس واملباشرة فإهنما يفسدان بشرط قصد اللذة أو وجداهنا وإال فال‪ ،‬ولكن حيرم‬ ‫بيته أفضل وال يصح اعتكافه فيه‪.‬‬
‫على املعتكف أن يفعل تلك الدواعي بشهوة‪ ،‬وهو قول املالكية‪.‬‬ ‫الحكم الرابع‪ :‬المباشرة‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫اتفق الفقهاء على أن املراد باملباشرة اجلماع‪ ،‬واتفقوا على أن املعتكف ممنوع من اجلماع ما‬
‫ما قاله اجلمهور هو الراجح لقوة أدلتهم‪.‬‬ ‫دام معتكفا‪.‬‬
‫واختلفوا يف الدواعي هلا حكم اجلماع بالنسبة للمعتكف فتكون حراما عليه وتفسد‬
‫حرمة أكل أموال الناس بالباطل‬ ‫االعتكاف أو ليس هلا هذا احلكم‪:‬‬
‫ْح َّك ِام لِتَْأ ُكلُواْ فَ ِريقاً ِّم ْن َْأم َو ِال‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬والَ تَْأ ُكلُواْ َْأم َوالَ ُكم َب ْينَ ُكم بِالْبَاط ِل َوتُ ْدلُواْ بِ َها ِإلَى ال ُ‬ ‫القول األول‪ :‬إن كانت املباشرة لغريه شهوة فال بأس هبا مثل أن تغسل رأسه أو تفيه أو‬
‫َّاس بِاِإل ثْ ِم َوَأنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن‪ ‬البقرة‪188‬‬ ‫الن ِ‬ ‫تناوله شيئا وإن كانت على شهوة فهي حمرمة‪ ،‬وألنه ال يأمن افضاءها إىل إفساد االعتكاف وما‬
‫معنى اآلية‪:‬‬ ‫أفضى إىل احلرام كان حراما فإن فعل فأنزل فسد اعتكافه وإن مل ينزل مل يفسد‪ ،‬وهبذا قال أبو‬
‫ال يأكل بعضكم مال بعض بالباطل فجعل تعاىل ذكره بذلك آكل مال أخيه بالباطل‬ ‫حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫كاآلكل مال نفسه بالباطل كقوله تعاىل ‪ { :‬وال تلمزوا أنفسكم } [ احلجرات ‪. ] 11 :‬‬ ‫واحتجوا مبا يلي‪:‬‬
‫وأكله بالباطل ‪ :‬أكله من غري الوجه الذي أباحه اهلل آلكليه‪.‬‬ ‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يدين رأسه إىل عائشة وهو معتكف‬ ‫‪-1‬‬
‫وأما قوله ‪ { :‬وتدلوا هبا إىل احلكام } فتحتمل وجهان‪:‬‬ ‫فرتجله‪ ،‬فهذا دليل على املباشرة بغري شهوة‪.‬‬
‫‪ -1‬وختاصموا هبا ‪ -‬يعين ‪ :‬بأموالكم ‪ -‬إىل احلكام‪ ،‬ارتكانا على احلجة الداحضة‬ ‫قول اهلل تعاىل { وال تباشروهن وأنتم عاكفون يف املساجد } واملباشرة‬ ‫‪-2‬‬
‫وذرابة اللسان وشهود الزور‪.‬‬ ‫حقيقة يف وضع البشرة علىالبشرة فيعم كل ما يتحقق فيه هذا املعىن وال خيرج عنه‬
‫‪ -2‬رشوة احلكام لبقضوا بأكل أموال الناس باإلمث‪.‬‬ ‫شيء إال بدليل‪.‬‬
‫{ لتأكلوا فريقا } – أي طائفة ‪ -‬من أموال الناس ‪.‬‬ ‫قول عائشة ‪" :‬السنة للمعتكف أن ال يعود مريضا وال يشهد جنازة‬ ‫‪-3‬‬
‫{ باإلمث } باحلرام الذي قد حرمه اهلل عليكم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وال ميس امرأة وال يباشرها" رواه أبو داود ‪.‬‬
‫{ وأنتم تعلمون } أي ‪ :‬وأنتم تتعمدون? أكل ذلك باإلمث على قصد منكم إىل ما حرم اهلل‬ ‫القول الثاين‪ :‬يفسد يف احلالني وحيكى عن مالك ‪.‬‬
‫عليكم منه ومعرفة بأن فعلكم? ذلك معصب هلل وإمث‪.‬‬ ‫واحتج بأهنا مباشرة حمرمة فأفسدت االعتكاف كما لو أنزل‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ 1‬صححه? األلباين‬
‫‪24‬‬
‫وقد اختلف السلف يف أول آية نزلت يف اإلذن بالقتال فروي عن الربيع بن أنس وغريه أهنا‬ ‫اتفق األئمة على أن من ادعى حقا ليس له يف يد رجل وأقام بينة فقضي له هبا‪ ،‬ال جيوز له‬
‫ِ ِِ‬
‫هذه اآلية‪ ،‬وروي عن مجاعة من الصحابة منهم أبو بكر أهنا قوله تعاىل‪ُ{ :‬أذ َن للَّذ َ‬
‫ين يُ َقاَتلُو َن‬ ‫أخذها‪ ،‬وحكم احلاكم ال يبيح احملظور‪ ،‬وقد أخرج البخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النيب‬
‫ص ِر ِه ْم لََق ِد ٌير }احلج‪1 ،39‬ورجحه ابن العريب‪.2‬‬ ‫ِ‬
‫بَِأن َُّه ْم ظُل ُموا َوِإ َّن اللَّهَ َعلَى نَ ْ‬ ‫صلى اهلل تعاىل عليه وسلم أن رسول اهلل صلى اهلل تعاىل عليه وسلم قال "‪ :‬إمنا أنا بشر وإنكم‬
‫ونزلت هذه اآلية يف صلح احلديبية وذلك أن رسول اهلل‪ ‬ملا انصرف من احلديبية إىل املدينة‬ ‫ختتصمون? إىل ولعل بعضكم? أن يكون أحلن حبجته من بعض فأقضي له على حنو ما أمسع منه‬
‫املنورة حني صده املشركون عن البيت صاحلهم على أن يرجع عامه القابل وخيلوا له مكة ثالثة‬ ‫فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فال يأخذنه فإمنا أقطع له قطعة من النار"‪.‬‬
‫أيام فلما كان العام القابل جتهز رسول اهلل‪ ‬وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن ال تفي هلم‬ ‫وذهب اإلمام أبو حنيفة رضي اهلل تعاىل عنه إىل أن احلاكم إذا حكم ببينة بعقد أو فسخ عقد‬
‫قريش وأن يصدوهم عن البيت ويقاتلوهم وكره أصحاب رسول اهلل‪ ‬قتاهلم يف الشهر احلرام يف‬ ‫مما يصح أن يبتدأ فهو نافذ ظاهرا وباطنا ويكون كعقد عقداه بينهما وإن كان الشهود زورا‪،‬‬
‫احلرم فأنزل اهلل تعاىل ‪ { :‬وقاتلوا يف سبيل اهلل } أي ‪ :‬يف دين اهلل وطاعته { الذين يقاتلونكم‬ ‫وملعرفة أدلته تراجع كتب الفروع‪.‬‬
‫} يعين ‪ :‬قريشا { وال تعتدوا } وال تظلموا فتبدؤوا يف احلرم بالقتال‪.3‬‬ ‫كما دلت اآلية على حرمة أكل أموال الناس بسبل باطلة مطلقا كالقمار? واالختالس‪ ،‬والربا‬
‫وغريها‪ ،‬و يف صحيح مسلم? حني ذكر النيب‪" : ‬الرجل يطيل السفر أشعث أغرب ميد يده إىل‬
‫السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي باحلرام فأىن‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫يستجاب لذلك"‪.‬‬
‫احلكم األول‪ :‬جواز القتال يف احلرم‪:‬‬
‫يف هذه املسألة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن هذه اآلية منسوخة بقوله تعاىل ‪ { :‬فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم }‬
‫ويروى عن قتادة‪.‬‬ ‫مشروعية القتال‬
‫ين{‪}190‬‬ ‫ِ‬ ‫ين ُي َقاتِلُونَ ُك ْم َوالَ َت ْعتَ ُدواْ ِإ َّن اللّهَ الَ يُ ِح ِّ‬ ‫‪‬وقَاتِلُواْ فِي سبِ ِ ِ َّ ِ‬
‫واحتج بقتله صلى اهلل عليه وسلم البن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة‬ ‫ب ال ُْم ْعتَد َ‬ ‫يل اللّه الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول الثاين‪ :‬أن اآلية محكمة‪ ،‬وعليه ال جيوز القتال يف احلرم إال بعد أن يتعدى بالقتال فيه‬ ‫ث َأ ْخ َر ُجو ُك ْم َوالْف ْتنَةُ َأ َش ُّد م َن الْ َق ْت ِل َوالَ‬‫وهم ِّم ْن َح ْي ُ‬ ‫وه ْم َوَأ ْخ ِر ُج ُ‬ ‫ث ثَق ْفتُ ُم ُ‬ ‫وه ْم َح ْي ُ‬
‫َواقُْتلُ ُ‬
‫وه ْم َك َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ْح َر ِام َحتَّى ُي َقاتِلُو ُك ْم فِ ِيه فَِإ ن قَاَتلُو ُك ْم فَاق ُْتلُ ُ‬ ‫ِِ‬
‫فإنه جيوز دفعه باملقاتلة له‪.‬‬ ‫ك َج َزاء‬ ‫وه ْم عن َد ال َْم ْسجد ال َ‬ ‫ُت َقاتِلُ ُ‬
‫وه ْم َحتَّى الَ تَ ُكو َن فِ ْتنَةٌ‬ ‫الْ َكافِ ِرين{‪ }191‬فَِإ ِن انتهواْ فَِإ َّن اللّه غَ ُف ِ‬
‫وحجة اجلمهور هذه اآلية واألصل عدم النسخ‪.‬‬ ‫يم{‪َ }192‬وقَاتِلُ ُ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين{‪}193‬‬ ‫انت َهواْ فَالَ عُ ْد َوا َن ِإالَّ َعلَى الظَّالم َ‬ ‫ِّين للّه فَِإ ن َ‬ ‫َويَ ُكو َن الد ُ‬
‫‪ 1‬انظر الطربي‪2/195‬‬ ‫مل ختتلف األمة يف أن القتال مل يكن مشروعا قبل اهلجرة بل كان حمظورا بقوله تعاىل‪ْ ( :‬ادفَ ْع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪1/102 2‬‬ ‫يم }فصلت?‪ 34‬وحنوها من اآليات‪.‬‬ ‫َأح َس ُن فَِإذَا الَّذي َبْينَ َ‬
‫ك َو َبْينَهُ َع َد َاوةٌ َكَأنَّهُ َويِل ٌّ مَح ٌ‬ ‫بِالَّيِت ه َي ْ‬
‫‪ 3‬الوجيز للواحدي‪154‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ -1‬إذا قاتلوكم يف الشهر احلرام وهتكوا حرمته قاتلتموهم يف الشهر احلرام مكافأة‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫هلم وجمازاة على فعلهم?‪.‬‬ ‫ما قاله اجلمهور هو الراجح وقول قتادة جياب عنه مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬أنه ذو القعدة وهو الشهر الذي كان رسول اهلل ‪‬اعتمر فيه عمرة احلديبية فصده‬ ‫‪ -1‬ميكن اجلمع بني اآليتني ببناء العام على اخلاص فيقتل املشرك حيث وجد إال‬
‫مشركو أهل مكة عن البيت ودخول مكة سنة ست من هجرته وصاحل رسول اهلل صلى ‪‬‬ ‫باحلرم ومما يؤيد ذلك ما ثبت يف الصحيح أنه قال ‪ " :‬إهنا مل حتل ألحد قبلي وإمنا أحلت‬
‫املشركني يف تلك السنة على أن يعود من العام املقبل فقال اهلل جل ثناؤه لنبيه صلى اهلل‬ ‫يل ساعة من هنار"‪.‬‬
‫عليه وسلم وللمسلمني معه { الشهر احلرام } ‪ -‬يعين ذا القعدة الذي أوصلكم اهلل فيه إىل‬ ‫‪ -2‬أما حادثة ابن خطل فيجاب بأهنا وقعت يف تلك الساعة اليت أحل اهلل لرسوله‬
‫حرمه وبيته على كراهة مشركي قريش ذلك حىت قضيتم منه وطركم ‪ { -‬بالشهر احلرام‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪.1‬‬
‫} الذي صدكم مشركو قريش العام املاضي‪.‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬النهي عن االعتداء‪:‬‬
‫واآلية حتتمل الوجهني وميكن أن حتمل عليهما مجيعا بيد أن القول األول قريب إىل سياق‬ ‫يف املراد باالعتداء يف قوله تعاىل ‪ { :‬وال تعتدوا إن اهلل ال حيب املعتدين } أقوال‪:‬‬
‫اآلية‪ ،‬والقول الثاين يؤيده ما روي أنه سبب نزول اآلية‪.‬‬ ‫‪ -1‬اجلمهور على أنه االعتداء أثناء القتال ويدخل يف ذلك ارتكاب املناهي من املثلة‬
‫وقوله ‪( :‬واحلرمات قصاص) يكون املعىن على القول األول‪ :‬إن أقدموا على مقاتلتكم ومل‬ ‫والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ وأصحاب الصوامع وحتريق األشجار وقتل احليوان‬
‫يراعوا حرمة األشهر احلرم فقاتلوهم‪.‬‬ ‫لغري مصلحة?‪ ،‬وهلذا جاء يف صحيح مسلم عن بريدة أن رسول اهلل ‪‬كان يقول ‪ " :‬اغزوا‬
‫ويكون املعىن على القول الثاين‪ :‬أن احلرمات هي‪ :‬الشهر احلرام والبلد احلرام وحرمة اإلحرام‬ ‫يف سبيل اهلل قاتلوا من كفر باهلل اغزوا وال تغلوا وال تغدروا وال متثلوا وال تقتلوا الوليد وال‬
‫واملعىن أهنم ملا أضاعوا هذه احلرمات يف سنة ست فقد عوضكم اهلل عنها يف سنة سبع‪.‬‬ ‫اصحاب الصوامع " ‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫‪ -2‬النهي عن البدء بالقتال‪ ،‬قاله مقاتل‪.‬‬
‫أخذ الفقهاء من قوله تعاىل‪ :‬فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم‪ ‬ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -3‬النهي عن قتال من مل يقاتل‪ ،‬قاله سعيد بن جبري‪.‬‬
‫‪ -1‬جعل العلماء هذه اآلية أصلا يف املماثلة يف القصاص فمن قتل بشيء قتل مبثل ما‬
‫قتل به وهو قول اجلمهور ما مل يقتله بفسق كاللوطية? وإسقاء اخلمر فيقتل بالسيف‪.2‬‬ ‫اص فَ َم ِن ا ْعتَ َدى َعلَْي ُك ْم فَا ْعتَ ُدواْ َعلَْي ِه بِ ِمثْ ِل َما‬‫ص ٌ‬
‫الش ْه ِر الْحر ِام والْحرم ُ ِ‬
‫ات ق َ‬ ‫ََ َ َُُ‬ ‫ْح َر ُام بِ َّ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫الش ْه ُر ال َ‬
‫ين{‪}194‬‬ ‫ِ‬ ‫ا ْعتَ َدى َعلَْي ُك ْم َو َّات ُقواْ اللّهَ َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬
‫‪ -2‬من استهلك لغريه ماال كان عليه مثله وذلك املثل ينقسم إىل وجهني أحدمها مثله‬ ‫َأن اللّهَ َم َع ال ُْمتَّق َ‬
‫‪3‬‬
‫يف جنسه وذلك يف املكيل واملوزون واملعدود واآلخر مثله يف قيمته‪.‬‬ ‫معنى اآلية‪:‬‬
‫اختلف يف املراد بقوله تعاىل‪( :‬الشهر احلرام بالشهر احلرام) على قولني‪:‬‬

‫‪ 2‬القرطيب‪2/351‬‬
‫‪ 3‬اجلصاص‪1/326‬‬ ‫‪ 1‬انظر فتح القدير‪1/239‬‬
‫‪26‬‬
‫روي عن علي وعمر أهنم قالوا إمتامهما أن حترم هبما من دويرة أهلك‬ ‫‪-1‬‬ ‫اإلنفاق‬
‫‪.‬‬ ‫ين{‬‫ِِ‬ ‫َأح ِس ُن َواْ ِإ َّن اللّهَ يُ ِح ُّ‬ ‫يل الل ِّه والَ ُت ْل ُقواْ بَِأي ِدي ُكم ِإلَى الت ْ ِ‬
‫َأنف ُقواْ فِي َسبِ ِ‬
‫‪‬و ِ‬
‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫َّهلُ َك ‪3‬ة َو ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال جماهد إمتامهما بلوغ آخرمها بعد الدخول فيهما ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪}195‬‬
‫وقال سعيد بن جبري وعطاء هو إقامتهما إىل آخر ما فيهما هلل تعاىل‬ ‫‪-3‬‬ ‫يف هذه اآلية دليل على وجوب اإلنفاق وجوبا كفائيا على كل مناحي اخلري واملنفعة‪ ،‬ويدخل‬
‫ألهنما واجبان كأهنما تأوال ذلك على األمر بفعلهما‪.‬‬ ‫فيها اجلهاد دخوال أوليا ألن اإلنفاق هنا وارد فيه‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫ويف املراد بقوله تعاىل‪( :‬وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة) أقوال‪:‬‬
‫اشتملت اآلية على مجلة أحكام هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬املعىن ال تلقوا بأيديكم بأن ترتكوا النفقة يف سبيل اهلل وختافوا العيلة فيقول الرجل‬
‫احلكم األول‪ :‬حكم العمرة‪:‬‬ ‫‪ :‬ليس عندي ما أنفقه قاله مجهور المفسرين‪.‬‬
‫اختلف الفقهاء يف العمرة هل هي واجبة أو سنة على قولني‪:‬‬ ‫‪ -2‬ال متسكوا أموالكم فريثها منكم غريكم فتهلكوا حبرمان منفعة أموالكم ‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬العمرة واجبة يف العمر مرة‪ ،‬وهو قول الشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫‪ -3‬وال متسكوا فيذهب عنكم اخللف يف الدنيا والثواب يف اآلخرة ‪.‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -4‬ال تنفقوا من حرام فريد عليكم فتهلكوا‬
‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل { وأمتوا احلج والعمرة } ومقتضى األمر الوجوب‪ ،‬واملعىن ائتوا‬ ‫قال الطربي ‪ :‬قوله وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة عام يف مجيع ما ذكر لدخوله فيه إذ اللفظ‬
‫هبما تامني مستجمعني للشرائط واألركان‪ ،‬أو يقال‪ ":‬اللفظ حيتمل إمتامهما بعد الدخول‬ ‫حيتمله ‪.1‬‬
‫فيهما وحيتمل األمر بابتداء فعلهما فالواجب محله على األمرين"‪.2‬‬
‫‪ -2‬عطف العمرة على احلج يف اآلية‪ ،‬واألصل التساوي بني املعطوف واملعطوف‬ ‫اإلحصار‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُأح ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫وس ُك ْم‬‫اسَت ْي َس َر م َن ال َْه ْد ِي َوالَ تَ ْحل ُقواْ ُرُؤ َ‬
‫ص ْرتُ ْم فَ َما ْ‬ ‫ْح َّج َوالْعُ ْم َر َة للّه فَِإ ْن ْ‬
‫‪َ ‬وَأت ُّمواْ ال َ‬
‫‪ -3‬عن أيب رزين أنه أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اهلل إن أيب شيخ‬ ‫حتَّى ي ْبلُ َغ ال َْه ْدي م ِحلَّهُ‪ 3‬فَمن َكا َن ِمن ُكم َّم ِريضاً َأو بِ ِه َأذًى ِّمن َّرْأ ِس ِه فَِف ْديةٌ ِّمن ِ‬
‫صيَ ٍام َْأو‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كبري ال يستطيع احلج وال العمرة وال الظعن قال ‪ :‬حج عن أبيك واعتمر‪.3‬‬ ‫اسَت ْي َس َر م َن ال َْه ْد ِي فَ َمن ل ْم‬ ‫َّع بالْعُ ْم َرة ِإلَى ال َ‬
‫ْح ِّج فَ َما ْ‬ ‫سك فَِإ ذَا َأمنتُ ْم فَ َمن تَ َمت َ‬ ‫ص َدقَة َْأو نُ ُ‬‫َ‬
‫ْك َع َشرةٌ َك ِاملَةٌ‪ 3‬ذَلِ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِإ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫القول الثاين‪ :‬سنية العمرة وبه قال أبو حنيفة ومالك‪.‬‬ ‫ك ل َمن لَّ ْم يَ ُك ْن َْأهلُهُ‬ ‫ْح ِّج َو َس ْب َعة ذَا َر َج ْعتُ ْم تل َ َ‬ ‫ام ثَالثَة َأيَّ ٍام في ال َ‬‫يَج ْد فَصيَ ُ‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫اب ‪‬البقرة‪196‬‬ ‫َأن اللّهَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬
‫ْح َر ِام َو َّات ُقواْ اللّهَ َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬ ‫ِِ‬
‫َحاض ِري ال َْم ْسجد ال َ‬
‫ِ‬
‫اختلف السلف يف تأويل هذه اآلية ‪:‬‬

‫‪ 2‬اجلصاص‪1/329‬‬
‫‪ 3‬أبو داود ‪ 1/562‬وصححه? األلباين يف الصحيحة ‪.3/464‬‬ ‫‪ 2/206 1‬وانظر القرطيب‪2/359‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ -3‬احتياطا هلذه العبادة‪.‬‬ ‫‪ -1‬روى جابر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ قال ‪" :‬ال‬
‫والقول الثاين مناقش مبا يلي‪:‬‬ ‫وإن تعتمروا فهو أفضل" أخرجه الرتمذي ونقل عن الشافعي تضعيفه‪.1‬‬
‫‪ -1‬األحاديث اليت استدل هبا القول الثاين ضعيفة ال تقوم هبا حجة‪ ،‬وكون العمرة مل‬ ‫‪ -2‬عن طلحة أنه مسع رسول اهلل ‪‬يقول ‪" :‬احلج جهاد والعمرة تطوع" رواه ابن‬
‫ترد يف السنة ال يستلزم عدم وجوهبا‪.‬‬ ‫ماجه‪.2‬‬
‫‪ -2‬ليست العمرة من قواعد اإلسالم حىت يقال بأنه مل ترد يف أحاديث قواعد‬ ‫‪ -3‬مل يرد ذكر للعمرة? يف األحاديث اليت بينت قواعد اإلسالم‪.‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ -4‬أنه نسك غري موقت فلم يكن واجبا كالطواف اجملرد‪.‬‬
‫‪ -3‬قياسها على الطواف اجملرد غري سديد ألنه قياس يف مقابل داللة اآلية‪.‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬هل اإلحصار يشمل املرض والعدو؟‬ ‫هذه املسالة صعبة الرتجيح لكون? أدلة القولني هلا وجاهتها‪ ،‬فاألحناف ومن وافقم‬
‫اإلحصار لغة‪ :‬املنع من املضي ألمر واحلبس‪ ،‬وشرعا منع املضي يف أفعال احلج‪ ،‬وهنا اختلف‬ ‫كالشوكاين جييبون عن أدلة املوجبني بأن ذلك بعد الشروع فيها وهي حينئذ واجبة‪ ،‬قال‬
‫العلماء يف السبب الذي يكون به اإلحصار والذي يبيح للمحرم? التحلل من اإلحرام‪:‬‬ ‫الشوكاين‪ :‬وهذا وإن كن فيه بعد لكنه جيب املصري إليه مجعا بني األدلة وعلى هذا حيمل ما فيه‬
‫القول االول‪ :‬ال يكون اإلحصار إال بالعدو‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫داللة على وجوهبا‪ ،‬وهكذا ينبغي محل ما ورد من األحاديث اليت قرن فيها بني احلج والعمرة يف‬
‫وعللوا قوهلم بان اآلية نزلت يف إحصار النيب‪ ‬عام احلديبية عندما منع من دخول مكة هو‬ ‫أهنما من أفضل األعمال وأهنما كفارة ملا بينهما وأهنما يهدمان ما كان قبلهما وحنو ذلك‪.3‬‬
‫وأصحابه وكانوا حمرمني بالعمرة‪.‬‬ ‫وأما اآلية فأجابوا عنها بأن ال داللة فيها على الوجوب‪ ،‬وذلك ألن أكثر ما فيها األمر‬
‫القول الثاين‪ :‬يكون اإلحصار بكل حابس حيبس احلاج عن البيت من عدو أو مرض أو خوف أو‬ ‫بإمتامها وذلك إمنا يقتضي نفي النقصان عنهما إذا فعلت ألن ضد التمام هو النقصان ال‬
‫ذهاب نفقة أو ضالل راحلة أو موت حمرم الزوجة يف الطريق وغري ذلك من االعذار املانعة‪ ،‬وهذا‬ ‫البطالن‪.4‬‬
‫قول أيب حنيفة‪.‬‬ ‫كما يتوقف األمر على صحة حديث جابر والذي اختلف يف تصحيحه وتضعيفه‪.‬‬
‫وحجته ظاهر اآلية (فإن أحصرمت) ألن اهلل تعاىل علق احلكم على مسمى اإلحصار وهو عام‬ ‫والذي يرتجح حاليا وجوب العمرة يف العمر مرة كاحلج ملا يلي‪:‬‬
‫فتناول الكل‪.‬‬ ‫‪ -1‬لألمر بإمتامها ‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ -2‬لصحة حديث أيب رزين‪.‬‬
‫ما ذهب إليه أبو حنيفة هو الذي يظهر رجحانه ملا يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ضعيف الرتمذي ‪1/108‬‬
‫‪ -1‬ورود اإلحصار مطلقا عن أي قيد‪.‬‬
‫‪ 2‬ضعيف ابن ماجة‪1/237‬‬
‫‪ -2‬قال ابن جرير‪ :‬لو كان معىن اآلية العدو لوجب أن يكون حصرمت‪.5‬‬
‫‪ 3‬فتح القدير‪1/299‬‬
‫‪ 5‬نظر توجيه ما قاله يف تفسريه ‪2/215‬‬ ‫‪ 4‬اجلصاص‪1/329‬‬
‫‪28‬‬
‫القول األول‪ :‬املراد يف أشهر احلج هو ما بني إحرام العمرة وإحرام احلج فإذا انتهى من عمرته‬ ‫‪ -3‬أن هذا هو املوافق ليسر ومساحة اإلسالم‪.‬‬
‫حل له الصيام وإن مل حيرم بعد احلج واألفضل أن يصوم يوم الرتوية ويوم عرفة ويوما قبلهما‬ ‫أما االحتجاج بسبب النزول فمن املعلوم? أصوليا أن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪.‬‬
‫يعين السابع والثامن والتاسع من ذي احلجة وبه قال الشافعي‪.‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬ماذا جيب على احملصر واين موضع ذبح اهلدي؟‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يصح صومه إال بعد اإلحرام يف احلج لقوله? تعاىل (يف احلج) وهي من عند‬ ‫يف قوله تعاىل‪( :‬فإن أحصرمت فما استيسر من اهلدي) دليل على وجوب اهلدي على احملصر‬
‫شروعه يف اإلحرام إىل يوم النحر واألصح أهنا ال جتوز يوم النحر وال أيام التشريق واملستحب أن‬ ‫وأقله شاة لقوله تعاىل‪( :‬فما استيسر من اهلدي) واألفضل بقرة أو بدنة‪.‬‬
‫تكون يف العشر من ذي احلجة قبل يوم عرفة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪.‬‬ ‫وأما املكان الذي يذبح فيه هدي اإلحصار فأقوال‪:‬‬
‫وسبب اخلالف بني القولني هو اختالفهم يف تفسري قوله تعاىل‪( :‬ثالثة أيام يف احلج) فاحلنفية‬ ‫القول األول‪ :‬موضع احلصر سواء كان حال أو حرما‪ ،‬وبه قال الشافعي ومالك وأمحد‪.‬‬
‫قالوا يف أشهر احلج والشافعية قالوا يف إحرام احلج‪.‬‬ ‫وقالوا حمله موضعه‪ ،‬وألن رسول اهلل حنر باحلديبية حني أحصر‪.‬‬
‫وأما السبعة األيام فقد اختلف الفقهاء يف وقت صيامها‪:‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال ينحره إال يف احلرم لقوله تعاىل‪( :‬مث حملها إىل البيت العتيق) وهو قول أيب‬
‫القول األول‪ :‬الرجوع إىل األهل والوطن وهذا مذهب الشافعية‪.‬‬ ‫حنيفة‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله تعاىل‪( :‬وسبعة إذا رجعتم)‬ ‫القول الثالث‪ :‬إذا كان يستطيع البعث به إىل احلرم وجب عليه وإال ينحره يف حمل إحصاره‪،‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جيزي الصوم يف الطريق وال يشرتط الوصول إىل أهله ووطنه‪ ،‬قاله أمحد‪.‬‬ ‫وهو قول ابن عباس‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬املراد من الرجوع الفراغ من أعمال احلج وهو مذهب أيب حنيفة ومالك‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫قول اجلمهور هو الراجح لداللة السنة عليه‪.‬‬
‫القول األول أرجح ملا يلي‪:‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬املتمتع الذي مل جيد اهلدي‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبت يف الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال‪" ‬فمن مل جيد فليصم ثالثة أيام يف‬ ‫قال ابن املنذر ‪ :‬أمجع أهل العلم على أن من أهل بعمرة يف أشهر احلج من أهل اآلفاق من‬
‫احلج وسبعة إذا رجع إىل أهله" فبني‪ ‬أن الرجوع املذكور يف اآلية هو الرجوع إىل األهل ‪.‬‬ ‫امليقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام هبا وحج من عامه أنه متمتع وعليه اهلدي إن وجد وإال‬
‫‪ -2‬ثبت أيضا يف الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ "وسبعة إذا رجعتم إىل‬ ‫فالصيام وقد نص اهلل تعاىل بقوله تعاىل ‪ { :‬فمن متتع بالعمرة إىل احلج } اآلية ‪.‬‬
‫أمصاركم"‪.1‬‬ ‫وقال ابن عمر ‪" :‬متتع الناس مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالعمرة إىل احلج فلما قدم‬
‫احلكم الرابع‪ :‬من هم حاضروا املسجد احلرام؟‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال للناس ‪ :‬من مل يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا‬
‫وهنا مسألتان‪:‬‬ ‫واملروة وليقصر مث ليهل باحلج ويهدي فمن مل جيد هديا فليصم ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا‬
‫املسألة األوىل‪ :‬اإلشارة بقوله ‪ { :‬ذلك ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلرام}‬ ‫رجع إىل أهله" متفق عليه‬
‫‪ 1‬فتح القدير ‪1/299‬‬ ‫وقد اختلف الفقهاء يف هذا الصيام ‪:‬‬
‫‪29‬‬
‫قال الشوكاين‪" :‬ويظهر فائدة اخلالف يف ما وقع من أعمال احلج بعد يوم النحر فمن قال إن‬ ‫يف اإلشارة بقوله ‪ { :‬ذلك} قوالن‪:‬‬
‫ذا احلجة كله من الوقت مل يلزمه دم التأخري ومن قال ‪ :‬ليس إال العشر منه قال ‪ :‬يلزم دم‬ ‫‪ -1‬هي راجعة إىل التمتع‪ ،‬والتقدير‪ :‬ذلك التمتع ملن مل يكن أهله حاضري املسجد‬
‫التأخري"‪.1‬‬ ‫احلرام‪ ،‬فتدل على أنه ال متعة حلاضري املسجد احلرام وهذا قول أيب حنيفة‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬اإلحرام باحلج قبل أشهر احلج‪:‬‬ ‫‪ -2‬أهنا راجعة إىل احلكم وهو وجوب اهلدي أو الصيام على املتمتع‪ ،‬فال جيب ذلك‬
‫يف صحة هذا اإلحرام أقوال‪:‬‬ ‫على من كان من حاضري املسجد احلرام كما يقوله الشافعي ومن وافقه‪ ،‬واستدلوا بأن‬
‫القول األول‪ :‬لا جيوز اإلحرام باحلج قبل أشهر احلج فمن أحرم باحلج قبلها أحل بعمرة وال جيزيه‬ ‫اإلشارة تعود إىل أقرب مذكور وأقرب مذكور وجوب اهلدي أو الصيام‪..‬‬
‫عن إحرام احلج كمن دخل يف صالة قبل وقتها فإهنا ال جتزيه وهذا قول الشافعي‪.‬‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬املراد ب (حاضري املسجد احلرام)‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬وقال أمحد وأبو حنيفة ‪ :‬إنه مكروه فقط وروي حنوه عن مالك‬ ‫‪ -1‬أهل مكة بعينها‪ ،‬قاله مالك‪ ،‬واختاره الطحاوي‪.‬‬
‫‪.‬القول الثالث‪ :‬واملشهور عنه جواز اإلحرام باحلج يف مجيع السنة من غري كراهة وهو قول أيب‬ ‫‪ -2‬أهل احلرم قاله ابن عباس ‪ ،‬قال احلافظ‪ :‬وهو الظاهر‪.‬‬
‫حنيفة ومشهور قول مالك‬ ‫‪ -3‬من كان أهله على أقل مسافة تقصر فيها الصالة‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫واحتج هلم بقوله تعاىل ‪ { :‬يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس واحلج } فجعل األهلة‬ ‫أشهر الحج ومحرمات الحج‬
‫كلها مواقيت للحج ومل خيص الثالثة األشهر‪ ،‬وقياسا على العمرة فكما تصح يف مجيع السنة فكذلك‬ ‫ال فِي‬
‫وق َوالَ ِج َد َ‬ ‫س َ‬
‫ث َوالَ فُ ُ‬
‫ْح َّج فَالَ َرفَ َ‬ ‫ات فَمن َفر ِ‬
‫ض في ِه َّن ال َ‬
‫وم ٌ‪َ َ َ 3‬‬ ‫ْح ُّج َأ ْش ُه ٌر َّم ْعلُ َ‬
‫‪‬ال َ‬
‫احلج‪.‬‬ ‫ون يَا ُْأولِي‬
‫الت ْقوى و َّات ُق ِ‬
‫الزاد َّ َ َ‬
‫الْح ِّج وما َت ْفعلُواْ ِمن َخي ٍر ي ْعلَمهُ اللّهُ وَتز َّو ُدواْ فَِإ َّن َخير َّ ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫َ ََ َ‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫اَأللْبَاب‪‬البقرة‪197‬‬ ‫ِ‬
‫القول األول هو الراجح‪ ،‬والقول باجلواز جياب عن أدلته مبا يلي‪:‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -1‬جياب عن اآلية بأهنا عامة وهذه خاصة واخلاص يقدم على العام‪.‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬املراد بأشهر احلج‪:‬‬
‫‪ -2‬أما القياس على العمرة فال خيفى أنه قياس مصادم للنص القرآين فهو باطل‪.2‬‬ ‫اختلف العلماء يف املراد من قوله تعاىل (احلج أشهر معلومات) ما هي هذه األشهر‪:‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬حرمة الرفث يف احلج‬ ‫القول األول‪ :‬هي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي احلجة وبه قال أبو حنيفة والشافعي‬
‫حرم اهلل سبحانه الرفث يف احلج وهو اجلماع كما فسره اجلمهور‪ ،‬وأمجع العلماء على أن‬ ‫وأمحد‪.‬‬
‫اجلماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج وعليه املضي فيه لقوله? تعاىل‪ :‬وأمتوا احلج والعمرة هلل‪‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬هي شوال وذو القعدة و ذو احلجة كله وبه قال مالك‪.‬‬

‫‪ 1‬فتح القدير‪1/306‬‬
‫‪ 2‬فتح القدير‪1/306‬‬
‫‪30‬‬
‫ين َوالْيَتَ َامى َوال َْم َساكِي ِن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َماذَا يُنف ُقو َ‪3‬ن قُ ْل َما َأن َف ْقتُم ِّم ْن َخ ْي ٍر فَلل َْوال َديْ ِن َواَألق َْربِ َ‬
‫‪‬يَ ْسَألُونَ َ‬ ‫والحج من قابل واهلدي‪ ،‬وإمنا اختلفوا يف الوقت الذي يفسده فقال قوم يفسد احلج مطلقا‪،‬‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السبِ ِ‬
‫يم ‪ ‬البقرة‪215‬‬ ‫يل َو َما َت ْف َعلُواْ م ْن َخ ْي ٍر فَِإ َّن اللّهَ به َعل ٌ‬ ‫َوابْ ِن َّ‬ ‫وقال آخرون ال يفسده إال إذا وقع فبل التحلل األصغر‪.‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬وال فسوق‪:‬‬
‫أكثر علماء التفسري على أن هذه اآلية منسوخة قال ابن مسعود نسختها آية الزكاة‪ ،‬وإليه‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬وال فسوق } يعين مجيع املعاصي كلها قاله ابن عباس و عطاء و احلسن‬
‫ذهب كثري من أهل العلم‪.‬‬ ‫وكذلك قال ابن عمر ومجاعة ‪ :‬الفسوق إتيان معاصي اهلل عز وجل يف حال إحرامه باحلج‬
‫وقال بعضهم املراد ما يتقرب به اإلنسان إىل اهلل تعاىل وهي النوافل فأخرب سبحانه أن من‬ ‫كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر وشبه ذلك‪.‬‬
‫قصد ذلك ينبغي أن يرب بذلك املذكورين وعليه فال نسخ يف اآلية قال ابن اجلوزي‪" :‬وهذا‬
‫الظاهر من اآلية ألن ظاهرها يقتضي الندب"‪.3‬‬
‫احلكم اخلامس‪ :‬وال جدال‪:‬‬
‫القتال في األشهر الحرم‬
‫نصت هذه اآلية على حرمة اجلدال‪ ،‬ويف املراد منه خالف بني املفسرين الصحيح منه أن‬
‫ال َو ُه َو ُك ْرهٌ لَّ ُك ْم َو َع َسى َأن تَك َْر ُهواْ َش ْيئاً َو ُه َو َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم َو َع َسى َأن‬ ‫ب َعلَْي ُك ُم ال ِْقتَ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ ‬كت َ‬
‫املعىن ال ميارين أحد أحدا فيخرجه املراء إىل الغضب وفعل ماال يليق باحلج‪ ،‬و إىل هذا املعىن‬
‫ْح َر ِام‬
‫الش ْه ِر ال َ‬
‫ك َع ِن َّ‬ ‫تُ ِحبُّواْ َش ْيئاً َو ُه َو َش ٌّر لَّ ُك ْم َواللّهُ َي ْعلَ ُم َوَأنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن{‪ }2163‬يَ ْسَألُونَ َ‬
‫ذهب ابن عمر و ابن عباس‪.‬‬
‫اج َْأهلِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ال فِ ِيه َكبِير وص ٌّد َعن سبِ ِ ِ‬
‫يل اللّه َو ُك ْف ٌر بِه َوال َْم ْسجد ال َ‬
‫ْح َر ِام َوِإ ْخ َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫ال فِ ِيه قُ ْل قِتَ ٌ‬
‫قِتَ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنهي عن الفسوق واجلدال ال خيتص حبال وإمنا خصه اهلل سبحانه مبن فرض احلج تعظيما‬
‫َّى َي ُردُّو ُك ْم َعن ِدينِ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫م ْنهُ َأ ْكَب ُر عن َد اللّه َوالْف ْتنَةُ َأ ْكَب ُر م َن الْ َق ْت ِل َوالَ َي َزالُو َن ُي َقاتلُونَ ُك ْم َحت َ‬ ‫وتفخيما لشأن احلج‪.1‬‬
‫ت َأ ْع َمال ُُه ْم فِي‬‫ك َحبِطَ ْ‬ ‫ت َو ُه َو َكافِ ٌر فَ ُْأولَـِئ َ‬ ‫استَطَاعُواْ َو َمن َي ْرتَ ِد ْد ِمن ُك ْم َعن ِدينِ ِه َفيَ ُم ْ‬ ‫ِإن ْ‬
‫ِ‬
‫احلكم السادس‪ :‬التزود للحج‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ْنيا و ِ‬
‫اآلخ َر ِة َو ُْأولَـِئ َ‬
‫ين‬
‫آمنُواْ َوالذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫اب النَّا ِر ُه ْم ف َيها َخال ُدو َن{‪ِ }217‬إ َّن الذ َ‬ ‫َأص َح ُ‬‫ك ْ‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫ينبغي للحاج أن يتزود ألمر اهلل سبحانه بذلك فإن ترك الزاد واعتمد على املسألة فإن كان‬
‫يم{‪}218‬‬ ‫ت الل ِّه واللّه غَ ُف ِ‬ ‫يل الل ِّه ُْأولَـِئ َ‬
‫اه ُدواْ فِي َسبِ ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫ك َي ْر ُجو َن َر ْح َم َ‬ ‫اج ُرواْ َو َج َ‬
‫َه َ‬ ‫غنيا حرم عليه وإن كان فقريا وال كسب له كره ومل حيرم عليه فعله‪ ،2‬قال ابن عباس‪ :‬كان أهل‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫اليمن حيجون وال يتزودون ويقولون? حنن املتوكلون فيسألون الناس‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل وتزودوا فان‬
‫احلكم األول‪ :‬هل يباح القتال يف األشهر احلرم؟‬
‫خري الزاد التقوى‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف حرمة القتال يف األشهر احلرم على قولني‪:‬‬
‫سبل اإلنفاق‬
‫القول األول‪ :‬احلرمة وبه قال عطاء‪ ،‬مستدال هبذه اآلية‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬اجلواز‪ ،‬وأن هذه اآلية منسوخة وهو قول اجلمهور‪.‬‬
‫‪ 1‬املوزعي ‪1/398‬‬
‫‪ 3‬زاد املسري‪1/234‬‬ ‫‪ 2‬السابق‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الراجح هو القول الثاين محال للمطلق على املقيد‪.‬‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل‪( :‬فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم) وأن هذه اآلية نسخت آية‬
‫يسألونك‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل‪( :‬وقاتلوا املشركني كافة كما يقاتلونكم كافة)‬
‫‪ -3‬أن النيب‪ ‬غزا هوازن حبنني‪ ،‬وثقيفا بالطائف وكان ذلك يف بعض األشهر احلرم‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫تحريم الخمر والميسر‬
‫قول اجلمهور هو الراجح لداللة القرآن والسنة عليه‪ ،‬إال قوهلم بالنسخ‪ ،‬قال ابن العريب‪:‬‬
‫َّاس َوِإثْ ُم ُه َما َأ ْكَب ُر ِمن‬
‫ك َع ِن الْ َخ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر قُ ْل فِي ِه َما ِإثْ ٌم َكبِ ٌير َو َمنَافِ ُع لِلن ِ‬ ‫‪‬يَ ْسَألُونَ َ‬ ‫"والصحيح أن هذه اآلية رد على املشركني حني أعظموا على النيب‪ ‬القتال يف الشهر احلرام‪،‬‬
‫ك يبيِّن اللّهُ لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ات ل ََعلَّ ُك ْم َتَت َف َّك ُرو َن{‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّن ْف ِع ِه َما َويَ ْسَألُونَ َ‬
‫ُ َ‬ ‫ك َماذَا يُنف ُقو َ‪3‬ن قُ ِل ال َْع ْف َو َك َذل َ ُ ُ‬ ‫فقال تعاىل‪( :‬وصد عن سبيل اهلل وكفر به) فإذا فعلتم ذلك كله يف الشهر احلرام تعني قتالكم‬
‫الد ْنيا و ِ‬
‫اآلخ َر ِة‪‬‬ ‫ِ‬
‫‪ }219‬في ُّ َ َ‬ ‫فيه‪ ،1‬وعليه فال ناسخ وال منسوخ‪.‬‬
‫معاني المفردات‪3:‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬عمل املرتد‪:‬‬
‫امليسر‪:‬القمار ما حكمهما‪.‬‬ ‫اختلف العلماء يف املرتد هل حيبط عمله بنفس الردة أم بالوفاة على الكفر؟ قوالن‪:‬‬
‫(إمث كبري) عظيم‪ ،‬ملا حيصل بسببهما من املخاصمة واملشامتة وقول الفحش‬ ‫القول األول‪ :‬حيبط العمل مبجرد الردة وهذا قول أبو حنيفة ومالك‬
‫(ومنافع للناس) بالربح يف جتارة اخلمر وإصابة املال بال كد يف امليسر ‪.‬‬ ‫واحتجوا باآليت‪:‬‬
‫(العفو)? أي الفاضل عن احلاجة وال تنفقوا ما حتتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬بقوله تعاىل‪ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك‪‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫‪ -2‬قوله تعاىل‪ :‬ومن يكفر باإلميان فقد حبط عمله‪.‬‬
‫احلكم األول‪ :‬حترمي اخلمر‪:‬‬ ‫فقد دلت اآليتان على أن الكفر حمبط للعمل بدون تقييد بالوفاة على الكفر‪.‬‬
‫نزلت يف اخلمر أربع آيات‪:‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يبطل العمل إال باملوت على الكفر‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫‪ -1‬تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا‪ [ ‬النحل ‪] 67 :‬‬ ‫واحتج بقوله تعاىل‪( :‬فيمت وهو كافر) فقيد احلبوط باملوت على الردة‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم نزلت ‪‬يسألونك عن اخلمر وامليسر قل فيهما إمث كبري ومنافع للناس‬ ‫ويظهر أثر اخلالف فيمن حج مسلما مث ارتد مث أسلم فقال مالك عليه احلج‪ ،‬ألن ردته‬
‫‪.‬‬ ‫أحبطت حجه‪ ،‬وقال الشافعي ال حج عليه‪ ،‬ألن الردة ال تبطل العمل إال إذا اتصلت? باملوت‪.‬‬
‫‪ -3‬مث نزلت ‪‬يا أيهاالذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنت سكارى حىت‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫تعلموا ما تقولون‪‬‬
‫‪ 1‬ابن العريب ‪1/207‬‬
‫‪32‬‬
‫املتخد مما عدا العنب كيف كان وبأي اسم مسى مىت كان حبيث يسكر من مل يتعوده حرام‬ ‫‪ -4‬مث نزل قوله تعاىل‪ :‬إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم‪ ‬إىل قوله ‪:‬‬
‫وقليله ككثريه‪ ،‬وحيد شاربه‪ ،‬ويقع طالقه‪ ،‬وجناسته غليظة"‪.2‬‬ ‫‪‬فهل أنتم منتهون‪‬‬
‫ففي هذه اآلية ذم اهلل سبحانه اخلمر‪ ،‬فأما التحرمي فيعلم من آية أخرى وهي آية ( املائدة )‬
‫وعلى هذا أكثر املفسرين‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬امليسر‪:‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬ما هي اخلمر؟‬
‫َّ ِ‬ ‫اختلف العلماء يف تعريف اخلمر على قولني‪:‬‬
‫ذكر اهلل امليسر مع اخلمر هنا كما ذكره معها يف آية املائدة يف قوله تعاىل‪:‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُواْ‬
‫اجتَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن‪‬املائدة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القول األول‪ :‬أن اخلمر هو الشراب املسكر من عصري العنب فقط وأما املسكر من غريه‬
‫س ِّم ْن َع َم ِل الشَّْيطَان فَ ْ‬ ‫اب و ْ ِ‬
‫اَألزالَ ُم ر ْج ٌ‬ ‫ِإمَّنَا اخْلَ ْم ُر َوالْ َمْيس ُر َو َ‬
‫اَألنص ُ َ‬
‫‪3‬‬
‫‪ 90‬فما قلناه يف داللة اآلية على حترمي اخلمر يقال أيضا يف امليسر‪.‬‬ ‫كالشراب من التمر والشعري فال يسمى مخرا بل يسمى نبيذا‪ ،‬وبه قال الكوفيون وأبو حنيفة‪.‬‬
‫هذا وقد اتفق الفقهاء على حترمي ضروب القمار وأهنا من امليسر احلرام‪ ،‬ملا فيها من أكل‬ ‫واحتجوا بأن األنبذة ال تسمى مخرا وال يسمى مخرا إال الشيء املشتد من عصري العنب‪.‬‬
‫أموال الناس بالباطل ومن جلب العداوة والبغضاء ومن تعويد املقامرين على الكسل وانتظار‬ ‫القول الثاين‪ :‬أن اخلمر اسم لكل شراب مسكر سواء كان من عصري العنب أم الشعري‪ ،‬وهذا‬
‫الربح على القمار دون كد وعمل‪.‬‬ ‫مذهب اإلئمة الثالثة‪.‬‬
‫ويف حكم امليسر مجيع أنواع القمار من النرد والشطرنج وغريمها حىت أدخلوا فيه لعب‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫الصبيان باجلوز والكعاب والقرعة يف غري القسمة ومجيع أنواع املخاطرة والرهان‪.4‬‬ ‫‪ -1‬ثبت يف الصحيحني عن ابن عمر أن رسول اهلل‪‬قال‪ ( :‬كل مسكر مخر)‪.‬‬
‫وأما السبق يف اخليل والدواب والرمي بالنصال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من‬ ‫‪ -2‬وقال أنس بن مالك‪ :‬لقد حرمت اخلمر وكانت عامة مخورهم يومئذ خليط‬
‫كتب الفقه‪.‬‬ ‫البسر والتمر‪.1‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬إنفاق العفو‪:‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫ذهب بعض املفسرين إىل أن آية (يسألونك ماذا ينفقون? قل العفو) منسوخة بالزكاة وكأهنم‬ ‫الراجح ما قاله اجلمهور‪ ،‬فقد نصت السنة على أن كل مسكر يصدق عليه اسم اخلمر سواء‬
‫ظنوا أن اآلية تدل على وجوب إنفاق ما فضل عن األهل‪ ،‬والصحيح أنه ليس فيها ما يدل على‬ ‫كانت هذه التسمية شرعية أو لغوية ففي كلتا احلالتني ال جيوز تعاطي النبيذ‪ ،‬إما لدخوله لغة يف‬
‫مسمى اخلمر لكونه خيامر العقل‪ ،‬أو إلدخال الشرع له جبعله كل مسكر مخرا‪ ،‬وهلذا أصبح‬
‫متأخرو األحناف يفتون بقول اجلمهور ‪-‬وهو قول حممد من احلنفية‪ -‬لضعف القول باجلواز‪،‬‬
‫ومصادمته للنصوص‪ ،‬يقول اآللوسي‪" :‬وعندي أن احلق الذي ال ينبغي العدول عنه أن الشراب‬
‫‪ 2‬روح املعاين ‪2/113‬‬
‫‪ 3‬انظر زاد املسري ‪ ،1/239‬والسايس ‪1/236‬‬
‫‪ 4‬روح املعاين‪2/114‬‬ ‫‪ 1‬البخاري‪3/1570‬‬
‫‪33‬‬
‫ذلك بل اآلية نزلت جوابا ملن سألوا ماذا ينفقون فبني هلم أنه ال يلزمهم أن ينفقوا اجلهد من‬
‫الصدقة‪ ،1‬فاملعىن انفقوا ندبا ما فضل عن حوائجكم ومل تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة‪.‬‬

‫نكاح الكتابيات‬
‫َألمةٌ ُّمْؤ ِمنَةٌ‪َ 3‬خ ْي ٌر ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة َول َْو َأ ْع َجبَْت ُك ْم َوالَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬والَ تَنك ُحواْ ال ُْم ْش ِر َكات َحتَّى ُيْؤ م َّن َو َ‬
‫ِ‬
‫التصرف في مال اليتيم‬
‫ك يَ ْدعُو َن‬ ‫ين َحتَّى ُيْؤ ِمنُواْ َول ََع ْب ٌد ُّمْؤ ِم ٌن َخ ْي ٌر ِّمن ُّم ْش ِر ٍك َول َْو َأ ْع َجبَ ُك ْم ُْأولَـِئ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫تُنك ُحواْ ال ُْمش ِرك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح لَّ ُه ْم َخ ْي ٌر َوِإ ْن تُ َخالطُ ُ‬
‫وه ْم فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم َواللّهُ َي ْعلَ ُم‬ ‫ك َع ِن الْيَتَ َامى قُ ْل ِإ ْ‬
‫صالَ ٌ‬ ‫‪َ ‬ويَ ْسَألُونَ َ‬
‫ْجن َِّة َوال َْمغْ ِف َر ِة‪ 3‬بِِإ ْذنِِه َو ُيَبيِّ ُن آيَاتِِه لِلن ِ‬
‫َّاس ل ََعلَّ ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن‪‬البقرة‬ ‫ِإلَى النَّا ِر َواللّهُ يَ ْدعُ َو ِإلَى ال َ‬ ‫ِ‬ ‫الْم ْف ِس َد ِمن الْم ِ‬
‫يم{‪}220‬‬ ‫صل ِح َول َْو َشاء اللّهُ أل ْعنَتَ ُك ْم ِإ َّن اللّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪221‬‬ ‫روى أبو داود و النسائي عن ابن عباس قال ‪" :‬ملا أنزل اهلل تعاىل ‪ :‬وال تقربوا مال اليتيم إال‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫باليت هي أحسن‪ [ ‬األنعام ‪ ] 152 :‬و ‪‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما‪ [ ‬النساء ‪10 :‬‬
‫احلكم األول‪ :‬حكم نكاح الكتابيات‪:‬‬ ‫] انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه فيحبس له حىت يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم‬
‫دلت اآلية على حرمة نكاح الوثنيات واملشركات‪.‬‬ ‫فذكروا ذلك لرسول اهلل ‪ ‬فأنزل اهلل تعاىل ‪ :‬ويسألونك عن اليتامى قل إصالح هلم خري‪‬‬
‫أما الكتابيات فقوالن‪:‬‬ ‫فخلطوا طعامهم? بطعامه وشراهبم بشرابه" ‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬عدم جواز نكاح الكتابيات‪ ،‬وحيكى عن ابن عمر‪.‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫ودليله هذه اآلية واليت فيها النهي عن نكاح املشركات‪ ،‬وكان يقول‪" :‬ال أعلم شركا أعظم‬ ‫دلت هذه اآلية على جواز التصرف يف أموال اليتامى على وجه اإلصالح‪ ،‬فيجوز لويل اليتيم‬
‫من أن تقول ‪ :‬رهبا عيسى" وذهب إىل هذا القول الزيدية من الشيعة وجعلوا هذه اآلية ناسخة‬ ‫أن يبيع ماله وأن يشرتي له‪ ،‬وأن يقسم له وأن يدفع ماال له ملن يعمل فيه قراضا ومضاربة وأن‬
‫آلية املائدة‪.‬‬ ‫يعمل فيه الويل نفسه قراضا‪ ،‬وأن خيلط ماله مباله إذا كان ذلك صالحا‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز نكاح الكتابيات‪ ،‬وبه قال اجلمهور‪.‬‬ ‫وإذا كانت اآلية قد دلت على جواز خلط مال اليتيم مباله يف مقدار ما يظن أن اليتيم يأكله‬
‫ِ‬ ‫واستدلوا بقوله تعاىل‪ :‬وطَعام الَّ ِذين ُأوتُواْ الْ ِكتَ ِ‬
‫ات‬ ‫اب حلٌّ لَّ ُك ْم َوطَ َع ُام ُك ْم ح ُّل هَّلُ ْم َوالْ ُم ْح َ‬
‫صنَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫على ما روي عن ابن عباس فقد دلت على جواز املناهدة اليت يفعلها بعض الناس يف األسفار‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات والْمحصن ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ُه َّن حُمْصن َ‬
‫ُأج َ‬ ‫وه َّن ُ‬
‫اب من َقْبل ُك ْم ذَا آَتْيتُ ُم ُ‬ ‫ين ُأوتُواْ الْكتَ َ‬
‫ات م َن الذ َ‬‫م َن الْ ُمْؤ منَ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫فيخرج كل واحد منهم شيئا معلوما فيخلطونه مث ينفقونه وقد خيتلف أكل الناس‪.2‬‬
‫َأخ َد ٍان‪ ‬املائدة‪.5‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ني َوالَ ُمتَّخذي ْ‬
‫َغْيَر ُم َسافح َ‬
‫املناقشـة والرتجيح‪:‬‬
‫رد اجلمهور على قول ابن عباس مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬السايس ‪1/239‬‬
‫‪ 2‬السايس ‪1/241‬‬
‫‪34‬‬
‫قال العلماء‪ :‬وهذه الكراهة إذا كانت الكتابية ذمية أما إذا كانت حربية فالكراهة اشد‬ ‫‪ -1‬أن املشركات ال يتناول الكتابيات لقوله تعاىل‪ :‬ما يود الذين كفروا من أهل‬
‫وعللوا الكراهة هذه خبشية رق ولدها إذا سبيت حامال وألن يف اإلقامة بدار احلرب تكثري‬ ‫الكتاب وال املشركني‪ ‬فقد عطف املشركني على أهل الكتاب والعطف يقتضي املغايرة‪.‬‬
‫لسوادهم‪ 1‬وتعريض الولد على التخلق بأخالق أهل الكفر‪ 2‬وهلذا كله كانت كراهة نكاح‬ ‫‪ -2‬ما قالوه من النسخ ليس بصحيح ألن البقرة من أول ما نزل باملدينة واملائدة من‬
‫احلربية شديدة بل قال ابن تيمية‪":‬والذي يفهم من كالم أمحد هو حترمي الزواج باحلربيات"‪.3‬‬ ‫آخر ما نزل‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬نكاح اجملوسية‪:‬‬ ‫وعليه فالراجح قول اجلمهور ‪ ،‬ولكن يف النفس شيء من قوهلم بأن الكتابيات ال تدخل يف‬
‫اختلف العلماء يف نكاح اجملوسية على قولني‪-:‬‬ ‫عموم املشركات‪ ،‬والذي يظهر هو الدخول‪ ،‬وأن لفظة املشركات تعم كل مشركة‪ ،‬كما قال‬
‫القول األول‪ :‬عدم جواز نكاحها وهو مذهب اجلمهور مبا فيهم األئمة األربعة‪.‬‬ ‫اجلمهور يف لفظ املشركني اآليت الحقا إذ نصوا على عمومه للكتابيني فكان األصل أن يقال‬
‫واستدلوا مبا يلي‪-:‬‬ ‫ذلك هنا‪ ،‬وقوهلم بأن القرآن قد غاير بني املشركني والكتابيني فيقال هذا ليس من باب عطف‬
‫قوله تعاىل‪(:‬وال تنكحوا املشركات)واجملوسية مشركة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬ ‫الشيء على غريه بل هو من عطف اخلاص على العام‪ ،‬ومما يؤيد هذا كله أن القرآن قد نص‬
‫ص ِم الْ َك َوافِ ِر)(املمتحنة‪ :‬من اآلية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعاىل‪َ ) (:‬وال مُتْس ُكوا بِع َ‬ ‫‪.2‬‬ ‫يح ابْ َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫على شرك اليهود والنصارى فقال‪ :‬اخَّتَ ُذواْ ْ‬
‫َأحبَ َار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم َْأربَاباً ِّمن ُدون اللّه َوالْ َمس َ‬
‫‪)10‬واجملوسية كافرة‪,‬فرخص من ذلك يف أهل الكتاب فمن عداهم يبقى على‬ ‫احداً الَّ ِإلَـهَ ِإالَّ ُه َو ُسْب َحانَهُ َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن ‪ ‬التوبة‪31‬‬ ‫مرمَي وما ُِأمرواْ ِإالَّ لِيعب ُدواْ ِإلَـهاً و ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َْ َ َ َ ُ‬
‫العموم? كما أنه مل يثبت أن للمجوس? كتابا‪.‬‬ ‫وعليه فاآلية تدل على حرمة نكاح املشركات مجيعا‪ ،‬مث خص منهن الكتابيات بآية املائدة‬
‫روي عنه صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪":‬سنوا باجملوس سنة أهل الكتاب‬ ‫‪.3‬‬ ‫فيقضي اخلاص على العام‪ ،‬وهبذا يعلم أيضا أال نسخ يف اآلية كما ذهب إليه البعض‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫غري ناكحي نسائهم وال آكلي ذبائحهم"‬ ‫ومع القول باجلواز لآلية غال أن العلماء قالوا بكراهة نكاح الكتابية ملا يلي‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز نكاح اجملوسية وهذا مروي عن علي وهو مذهب أيب ثور وابن‬ ‫"أن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب «طلقوهن فطلقوهن‬ ‫‪.1‬‬
‫حزم قال يف احمللى‪":‬وجائز للمسلم? نكاح الكتابية وهي‪ :‬اليهودية والنصرانية واجملوسية‬ ‫إال حذيفة فقال له عمر‪ :‬طلقها‪ .‬قال‪ :‬تشهد أهنا حرام؟ قال هي حرة طلقها‪ .‬قال‬
‫بالزواج‪"5‬‬ ‫تشهد أهنا حرام؟ قال هي حرة قال‪ :‬قد علمت أهنا حرة ولكنها يل حالل‪ .‬فلما‬
‫وقد استدل هلذا القول مبا يلي‪-:‬‬ ‫كان بعد طلقها‪ ،‬فقيل له أال طلقتها حني أمرك عمر؟ قال كرهت أن يرى الناس‬
‫أين ركبت أمراً ال ينبغي يل»‪.‬‬
‫‪ 1‬انظر حتفة احملتاج مع حواشي الشرواين وابن قاسم ‪.7/322‬‬ ‫وألنه رمبا مال إليها قلبه ففتنته‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 2‬انظر فتح القدير البن اهلمام ‪.3/135‬‬ ‫ورمبا كان بينهما ولد فيميل إليها‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪ 3‬الفتاوى الكربى ‪5/455‬‬ ‫وألن الكتابية تتغذى باخلمر واخلنزير ويتغذى الولد يف بطنها منه‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الموطأ‪ 278‬لكنه ضعيف انظر التلخيص ‪3/172‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬احمللى ‪.9/445‬‬
‫‪35‬‬
‫أما إقرارهم باجلزية فألنا غلبنا حكم التحرمي لدمائهم فيجب أن يغلب‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪ -1‬ما أخرجه مالك يف املوطأ أن عمر بن اخلطاب ذكر اجملوس فقال‪:‬ما‬
‫حكم التحرمي يف ذبائحهم ونسائهم‪.3‬‬ ‫أدري كيف أصنع يف أمرهم‪،‬فقال عبدالرمحن بن عوف ‪:‬أشهد لسمعت? رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم يقول ‪":‬سنوا هبم سنة أهل الكتاب"‪.1‬‬
‫‪ -2‬ملا روي أن حذيفة تزوج جموسية‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪:‬حرمة نكاح املشركني‪:‬‬ ‫‪ -3‬ألهنم يقرون باجلزية فأشبهو اليهود والنصارى‪.‬‬
‫دلت هذه اآلية على حرمة نكاح املسلمة للمشرك? سواء كان كتابيا أم غريه‪ ،‬ويتبني مما سبق‬ ‫املناقشة والرتجيح‪-:‬‬
‫أن كلمة (املشركني) تستغرق كل مشرك ويدخل يف عمومها الكتايب بنص القرآن على شركه‬ ‫عندما يتفحص الباحث القول الثاين جيده ضعيفا ملا يلي‪-:‬‬
‫ووصفه بذلك‪.‬‬ ‫أن قوله صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ":‬سنوا هبم سنة أهل الكتاب"فيه‬ ‫‪-1‬‬
‫وسياق اآلية يدل على هذا املعىن‪ ،‬فقوله تعاىل (حىت يؤمنوا) غاية لصحة النكاح وهو اإلميان‪،‬‬ ‫دليل على أنه ال كتاب هلم وإمنا أراد النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم حقن دمائهم‬
‫ومعلوم أن اإلميان يف الشرع يراد به األعمال الباطنة وهي أركان اإلميان‪ ،‬واألعمال الظاهرة‬ ‫فيجب أن يغلب حكم التحرمي لنسائهم وذبائحهم‪.‬‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫وهي أركان اإلسالم‪ ،‬ألن اإلميان يف القرآن إذا أطلق ومل يقرتن باإلسالم يشمل املعنيني (أعمال‬ ‫{و َه َذا كتَ ٌ‬‫"اجملوس ليسوا من أهل الكتاب‪ .‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪َ :‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الظاهر والباطن) فشرطت اآلية إميان املشرك فهل الكتايب مؤمن هبذا املعىن؟ اللهم ال‪.‬‬ ‫ني ِم ْن َقْبلِنا}‬
‫الكتاب على طَاِئَفت ِ‬
‫ُ‬ ‫َأْنَزلْنَاه ُمبَ َار ٌك} إىل قوله‪َ{ :‬أ ْن َي ُقولُوا إمّن ا ُأنْ ِز َل‬
‫كما وصف العبد بانه مؤمن أي توفرت فيه أركان اإلميان واإلسالم‪ ،‬فهل الكتايب مؤمن هبذا‬ ‫معناه واهلل أعلم أي أنزلت عليكم لئال تقولوا إمّن ا أنزل الكتاب على طائفتني من‬
‫املعىن؟ اللهم ال‪.‬‬ ‫قبلنا‪.‬‬
‫ولو كان اجملوس من أهل الكتاب لكان أهل الكتاب ثالث طوائف‬ ‫‪-3‬‬
‫ولكون العبد مؤمنا فإنه يدعو زوجته إىل اجلنة خبالف املشرك الذي يدعو إىل النار ( ُْأولَـِئ َ‬
‫ك‬
‫‪2‬‬
‫يَ ْدعُو َن ِإىَل النَّا ِر َواللّهُ يَ ْدعُ َو ِإىَل اجْلَن َِّة َوالْ َم ْغ ِفَر ِة? بِِإ ْذنِِه) فهل الكتايب يدعو إىل اجلنة؟ اللهم ال‪.‬‬ ‫فيؤدي إىل اخللف يف خربه عز وجل‪ ،‬وذلك حمال"‬
‫فأنت ترى أن اآلية ظاهرة الداللة يف حرمة نكاح املسلمة للكتايب وعلى هذا أمجع املسلمون‪?،‬‬ ‫مل يثبت أن حذيفة تزوج جموسية فقد ضعف أمحد هذه الرواية وقال‬ ‫‪-4‬‬
‫ومما علل به هذا احلكم‪ ،‬أن للزوج سلطة والية على الزوجة فرمبا أجربها على ترك دينها ومحلها‬ ‫ابن سريين‪:‬كانت امرأة حذيفة نصرانبة‪.‬‬
‫على أن تكفر باإلسالم وقد وقع من هذا وقائع‪ ،‬ومن مقاصد اإلسالم حفظ الدين‪ ،‬وحرمة هذا‬ ‫لو ثبت ذلك عن حذيف فال يصح االحتجاج به ملعارضته للكتاب‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫النكاح تندرج ضمن مفردات حفظ هذا املقصد‪?.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬ال نكاح إال بويل‪:‬‬
‫‪ 1‬املوطأ‪ 2/186‬بشرح الزرقاين‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر مغين ابن قدامة ‪.9/545‬‬ ‫‪ 2‬البدائع ‪2/552‬‬
‫‪36‬‬
‫استنبط مجهور أهل العلم من قوله تعاىل‪ :‬وال تُنكحوا املشركني‪ ‬اشرتاط الويل يف زواج‬
‫املرأة‪ ،‬ألن النهي توجه هنا إىل األولياء ولو جاز للمرأة تزويج نفسها لقال‪( :‬وال تنكحن) كما‬
‫خاطب الرجال فدل هذا على شرطية الويل‪.‬‬
‫معاين الكلمات‪:‬‬
‫‪ -1‬احليض‪:‬‬
‫يض َحْيضاً وحَمِ يضاً‪ ،‬وال َـم ِحيض يكون امساً ويكون مصدراً‬ ‫ِ‬
‫حاضت املرَأة تَـح ُ‬
‫يقال‪َ :‬‬ ‫اعتزال النساء في المحيض‬
‫يض َحْيضاً وحَمَاضاً وحَمِ يضاً‪،‬واحلَْيضات مجاعة‪ ،‬واحليضة‬ ‫ِ‬
‫‪ ...‬يقال‪ :‬حاضت املرَأة حَت ُ‬ ‫وه َّن‬
‫يض َوالَ َت ْق َربُ ُ‬‫ِّساء فِي ال َْم ِح ِ‬ ‫يض قُ ْل ُه َو َأذًى فَا ْعتَ ِزلُواْ الن َ‬ ‫ك َع ِن ال َْم ِح ِ‬ ‫‪َ ‬ويَ ْسَألُونَ َ‬
‫ض‪ ،‬وقـيل‪ :‬احلِيضةُ الدم نفسه(‪. )3‬‬ ‫ِ‬
‫االسم‪ ،‬بالكسر‪ ،‬واجلمع احليَ ُ‬
‫وأصل الكلمة من السيالن واالنفجار‪ ،‬يقال‪ :‬حاض السيل وفاض‪ ،‬وحاضت الشجرة أي سالت‬
‫ب‬‫ين َويُ ِح ُّ‬‫َّواب َ‬ ‫وه َّن ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث ََأم َر ُك ُم اللّهُ ِإ َّن اللّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ب الت َّ ِ‬ ‫َّى يَط ُْه ْر َن فَِإ ذَا تَطَه َّْر َن فَْأتُ ُ‬
‫َحت َ‬
‫رطوبتها‪ ،‬ومنه احليض أي احلوض‪ ،‬ألن املاء حييض إليه أي يسيل(‪.)4‬‬ ‫ين {‪}222‬‬ ‫ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬
‫قال ابن عرفة ‪:‬احمليض واحليض‪ :‬اجتماع الدم إىل ذلك املوضع‪ ،‬وبه مسي احلوض الجتماع املاء‬ ‫سبب النزول‪:‬‬
‫فيه‪ ،‬يقال‪ :‬حاضت املرأة وحتيضت (‪.)5‬‬ ‫ثبت يف صحيح مسلم? "عن أنس ‪ ‬أن اليهود كانوا إذا حاضت املرأة فيهم مل يؤاكلوها ومل‬
‫وقد عرفه الفقهاء بأنه‪" :‬دم جبلة خيرج من أقصى رحم املرأة يف أوقات خمصوصة"(‪.)6‬‬ ‫جيامعوهن يف البيوت‪ ،‬فسأل أصحاب النيب‪ ‬النيب‪ ‬فأنزل اهلل تعاىل ‪‬ويسألونك عن احمليض قل هو‬
‫قال املاوردي‪ :‬أما احمليض يف قول اهلل تعاىل‪ :‬ويسألونك عن احمليض‪ ‬فهو دم احليض بإمجاع‬ ‫أذى فاعتزلوا النساء يف احمليض‪.‬‬
‫العلماء‪ . .‬وأما احمليض يف قوله تعاىل‪ :‬فاعتزلوا النساء يف احمليض‪ ‬فقيل‪ :‬إنه دم احليض وقيل زمانه‬ ‫فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬اصنعوا كل شيء إال النكاح‪ ،‬فبلغ ذلك اليهود‪،‬‬
‫وقيل مكانه وهو الفرج"(‪.)7‬‬ ‫فقالوا‪ :‬ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إال خالفنا فيه‪ ،‬فجاء أسيد بن حضري وعباد بن‬
‫بشر‪ ،‬فقاال‪ :‬يا رسول اهلل! إن اليهود تقول كذا وكذا فال جنامعهن؟!‬
‫‪ )?(3‬لسان العرب (‪ )7/142‬والقاموس احمليط (‪ )826‬م حيض‪.‬‬ ‫فتغري وجه رسول اهلل‪ ‬حىت ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لنب إىل النيب‬
‫‪ )?(4‬ينظر روح املعاين أليب الفضل حممود اآللوسي (‪ )1/124‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ ،‬بريوت لبنان ‪ ،‬ط‪،4‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأرسل يف آثارمها فسقامها‪ ،‬فعرفا أن مل جيد عليهما"(‪.)1‬‬
‫‪1405‬هـ‪1985،‬م‪ .‬وغاية البيان شرح زبد ابن رسالن حملمد بن أمحد الرملي (‪ )98‬ختريج وتعليق وضبط‪ :‬خالد عبد‬ ‫ومن هنا يظهر أن دين اهلل وسط بني غلوين فقد " كانت اليهود واجملوس جتتنب احلائض‪،‬‬
‫الفتاح شبل ‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية ‪ ،‬ط‪1411 ، 1‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬ ‫وكانت النصارى جيامعون احليض؛ فأمر اهلل بالقصد? بني هذين"(‪.)2‬‬
‫‪ )?(5‬لسان العرب (‪ )7/142‬م حيض‪ ،‬و اجلامع ألحكام القرآن (‪)3/81‬‬
‫‪ )?(6‬غاية البيان شرح زبد ابن رسالن حملمد بن أمحد الرملي (‪ )98‬وروح املعاين(‪.)1/124‬‬ ‫‪ )?(1‬أخرجه مسلم (‪)1/246‬‬
‫‪ )?(7‬اجملموع (‪)2/290‬‬ ‫‪ )?(2‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)3/81‬‬
‫‪37‬‬
‫وحجته ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -2‬األذى‪:‬‬
‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل ‪ { :‬فاعتزلوا النساء يف احمليض } واحمليض اسم ملكان احليض‬ ‫قال املفسرون‪":‬املقصود باألذى يف قوله تعاىل ‪‬قل هو أذى‪ ‬أنه شئ تتأذى به املرأة وغريها أي‬
‫كاملقيل واملبيت فتخصيصه موضع الدم باالعتزال دليل على اباحته فيما عداه‪.‬‬ ‫برائحة دم احليض‪ ،‬واألذى كناية عن القذر على اجلملة"(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬اصنعوا كل شيء غري النكاح" رواه مسلم?‬ ‫وقالوا‪ :‬مسي احليض أذى لقبح لونه‪ ،‬و ننت رحيه‪ ،‬وقذره وجناسته وأضراره‪ ،‬وهو جامع ملعان شىت‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫من معاين األذى(‪.)2‬‬
‫القول الثالث هو الذي يظهر رجحانه وبه قال حممد بن احلسن من احلنفية ورجحه الطحاوي‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫وهو اختيار أصبغ من املالكية وأحد القولني أو الوجهني للشافعية واختاره بن املنذر وقال‬ ‫احلكم األول‪ :‬ما جيب اعتزاله من احلائض‪:‬‬
‫النووي هو األرجح دليال حلديث أنس يف مسلم اصنعوا كل شيء إال اجلماع‪. 5‬‬ ‫اختلف أهل العلم يف هذه املسألة على أقوال‪:‬‬
‫وجياب عن أدلة القول الثاين باآليت‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬مجيع بدن املرأة‪ ،‬وهو مروي عن ابن عباس‪.‬‬
‫‪ -1‬حيمل حديث عائشة وشبهه على االستحباب مجعا بني األدلة‪.6‬‬ ‫وحجته أن اهلل أمر باعتزال النساء ومل خيصص من ذلك شيئا دون شيء فوجب اعتزال مجيع‬
‫‪ -2‬ليس يف حديث عائشة وشبهة ما يقتضي منع ما حتت اإلزار ألنه فعل جمرد‪ ،‬قاله‬ ‫بدن املراة لعموم اآلية‪.‬‬
‫ابن دقيق العيد‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ما بني السرة والركبة‪ ،‬وهو مذهب أيب حنيفة ومالك والشافعي‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث عائشة دليل على حل ما فوق اإلزار ال على حترمي غريه وقد يرتك النيب‬ ‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بعض املباح تقديرا كرتكه أكل الضب واألرنب‪.7‬‬ ‫‪ -1‬عن عائشة قالت ‪" :‬كان رسول اهلل‪ ‬يأمرين فأتزر فيباشرين وأنا حائض" رواه‬
‫أما قول ابن عباس فقال فيه القرطيب‪ ":‬وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء وإن كان‬ ‫البخاري‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫عموم اآلية يقتضيه فالسنة الثابتة خبالفه"‬ ‫‪ -2‬عن عمر قال ‪ :‬سألت رسول اهلل ‪ ‬عما حيل للرجل من امرأته وهي حائض فقال‬
‫بقي أن أشري إىل أنه ال ينبغي للزوج أن يعتزل فراش زوجته احلائض‪ ،‬ألن ذلك تشبه باليهود‪،‬‬ ‫‪ :‬فوق اإلزار‪.3‬‬
‫وقد هنينا عن التشبه هبم ‪ ،‬وروي أن ابن عباس رضي اهلل عنهما فعل ذلك‪ ،‬فبلغ ميمونة رضي‬ ‫القول الثالث‪ :‬موضع األذى وهو الفرج فقط‪ ،‬وهو مذهب كثري من السلف والثوري وأمحد‬
‫وإسحاق‪.4‬‬

‫‪ 5‬انظر املرجع السابق‪ ،‬وشرح النووي على مسلم ‪3/205‬‬ ‫‪)?(1‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 6‬الفتح ‪ 1/404‬وشرح النووي على مسلم ‪3/205‬‬ ‫‪ )?(2‬ينظر جامع البيان (‪ )2/381‬واجملموع (‪)2/290‬‬
‫‪ 7‬املغين ‪1/384‬‬ ‫‪ 3‬أخرجه أبو داود‪ 1/104‬وضعفه األلباين‪.‬‬
‫‪ )?(8‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)3/86‬‬ ‫‪ 4‬الفتح‪1/404‬‬
‫‪38‬‬
‫القول الثاين‪ :‬الطهر الذي حيل به مجاع احلائض الذي يذهب عنها الدم هو تطهرها باملاء‬ ‫اهلل عنها‪ ،‬فأنكرت عليه‪ ،‬وقالت‪ :‬أترغب عن سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم «كان‬
‫كطهر اجلنب وال جيزيء من ذلك تيمم وال غريه وبه قال مالك و الشافعي‪.‬‬ ‫يضاجعنا يف فراش واحد يف حالة احليض»(‪.)1‬‬
‫واحتجوا بقوله { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهلل } فشرط يف إباحته شيئني‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬حكم إتيان احلائض‪:‬‬
‫أحدمها انقطاع الدم واآلخر االغتسال ألن قوله ( فإذا تطهرن ) ال حيتمل غري االغتسال‪.‬‬ ‫قوله تعاىل‪ :‬فاعتزلوا النساء يف احمليض‪(‬البقرة‪" )222 :‬تنصيص على حرمة الغشيان يف أول‬
‫القول الثالث‪ :‬انقطاع الدم حيلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ‪ ،‬قاله جماهد و عكرمة و طاوس‪.‬‬ ‫احليض وآخره"(‪)2‬قال العلماء‪":‬يكفر مستحله‪ ،‬ويفسق مباشره"(‪.)3‬‬
‫القول الرابع‪ :‬ذهب األوزاعي إىل أهنا إن انقطع دمها وغسلت فرجها باملاء جاز وطؤها ‪،‬‬ ‫قال يف اإلقناع‪":‬وطؤها يف الفرج كبرية من العامد العامل بالتحرمي املختار‪ ،‬يكفر مستحله ‪...‬‬
‫وبه قال أبو حممد بن حزم‪.‬‬ ‫جتاوز عن أميت اخلطَأ والنسيان وما استكرهوا‬ ‫خبالف الناسي واجلاهل واملكره‪ ،‬خلرب‪« :‬إن اهلل َ‬
‫واحتجوا بقوله تعاىل { وال تقربوهن حىت يطهرن } وحىت غاية تقتضي أن يكون حكم ما‬ ‫عليه»(‪.)5( ")4‬‬
‫بعدها خبالفها فذلك عموم يف إباحة وطئها بانقطاع الدم‪.6‬‬ ‫َّ ِ‬
‫واألمر باالعتزال أقوى من النهي عن الفعل وهذا كقول اهلل تعاىل يف شأن اخلمر‪:‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ين‬
‫سبب اخلالف‪:‬‬ ‫اجتَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو َن‪‬‬ ‫ِ‬ ‫اَأْلزالم ِرج ِ‬
‫س م ْن َع َم ِل الشَّْيطَان فَ ْ‬
‫اب َو ْ ُ ْ ٌ‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫َآمنُوا ِإمَّنَا اخْلَ ْم ُر َوالْ َمْيس ُر َواَأْلنْ َ‬
‫قال ابن رشد مبينا سبب اخلالف‪ " :‬وسبب اختالفهم االحتمال الذي يف قوله تعاىل { فإذا‬ ‫(املائدة‪.)90:‬‬
‫تطهرن فاتوهن من حيث أمركم اهلل } هل املراد به الطهر الذي هو انقطاع دم احليض أم الطهر‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬مىت حيل قربان املرأة؟‬
‫باملاء ؟ مث إن كان الطهر باملاء فهل املراد به طهر مجيع اجلسد أم طهر الفرج ؟ فإن الطهر يف‬ ‫دل قوله تعاىل‪( :‬وال تقربوهن حىت يطهرن) على رمحة قربان الرجل زوجته يف حالة احليض‬
‫كالم العرب وعرف الشرع اسم مشرتك يقال على هذه الثالثة املعاين وقد رجح اجلمهور‬ ‫حتة يطهرن ولكن الفقهاء اختلفوا يف املراد بالطهر على أقوال‪:‬‬
‫مذهبهم بأن صيغة التفعل إمنا تنطلق على ما يكون من فعل املكلفني ال على ما يكون من فعل‬ ‫القول األول‪ :‬املراد به انقطاع الدم‪ ،‬ف إن انقطع الدم بعد مضي عشرة أيام جاز له أن‬
‫غريهم فيكون قوله تعاىل { فإذا تطهرن } أظهر يف معىن الغسل باملاء منه يف الطهر الذي هو‬ ‫يطأها قبل الغسل وإن كان إنقطاعه قبل العشرة مل جيز حىت تغتسل أو يدخل عليها وقت‬
‫انقطاع الدم واألظهر جيب املصري إليه حىت يدل الدليل على خالفه ورجح أو حنيفة مذهبه بأن‬ ‫الصالة‪.‬‬
‫لفظ يفعلن يف قوله تعاىل { حىت يطهرن } هو أظهر يف الطهر الذي هو انقطاع دم احليض منه‬
‫يف التطهر باملاء"‪.7‬‬ ‫‪ )?(1‬املبسوط(‪)10/146‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ )?(2‬املبسوط (‪)3/147‬‬
‫‪ )?(3‬املصدر السابق (‪ ،)10/146‬وينظر (‪ )3/147‬منه‪ ،‬واملهذب (‪)1/44‬‬
‫األقرب ما قاله اجلمهور ‪:‬‬
‫‪ )?(4‬أخرجه أبو القاسم سليمان بن أمحد الطرباين يف األوسط (‪ )2/331‬حتقيق ‪ :‬طارق بن عوض اهلل وعبد احملسن‬
‫‪ 6‬النيل‪1/351‬‬ ‫احلسيين‪ ،‬دار احلرمني القاهرة ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7‬بداية اجملتهد‪1/88‬‬ ‫‪ )?(5‬اإلقناع (‪)1/24‬‬
‫‪39‬‬
‫يريد من أي الوجوه لك‪،‬ولذلك جييب اجمليب فيه بأن يقول ‪ :‬من كذا وكذا‪ ،‬كما قال تعاىل خمرباً‬ ‫‪ -1‬لداللة التطهر املقتضي للتفعل? وهو كسب العبد على االغتسال‪.‬‬
‫ت ُه َو ِم ْن ِعْن ِد اللَّ ِه‪(‬آل عمران‪ :‬من اآلية‬ ‫عن زكريا يف مسألته مرمي ‪ ‬قَ َال يا مرمَيُ َأىَّن لَ ِ‬
‫ك َه َذا قَالَ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫‪ -2‬ألن اهلل تعاىل قد علل ذلك بقوله (إن اهلل حيب التوابني وحيب املتطهرين) وظاهر‬
‫‪.)37‬‬ ‫اللفظ يدل على أن الرماد به الطهارة احلسية وهي االغتسال باملاء‪.1‬‬
‫وهي مقاربة (أين) و(كيف) يف املعىن‪ ،‬ولذلك تداخلت معانيها فأشكلت (أىن) على سامعها‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬هل جيب إتيان احلائض عقب التطهر؟‬
‫ومتأوهلا حىت تأوهلا بعضهم مبعىن (أين)‪ ،‬وبعضهم مبعىن (كيف)‪ ،‬وآخرون مبعىن (مىت)وهي خمالفة‬ ‫أخذ ابن حزم من األمر يف اآلية (فإذا تطهرن فأتوهن‪ )..‬وجوب إتيان احلائض عقب طهرها‪.‬‬
‫لجميع ذلك يف معناها‪ ،‬وهن هلا خمالفات‪ ،‬وذلك أن (أين) إمنا هي حرف استفهام عن األماكن‬ ‫وذهب اجلماهري من أهل العلم إىل عدم وجوب إتيان احلائض عقب التطهر‪ ،‬ألن األمر هنا‬
‫واحملال‪ ،‬وإمنا يستدل على افرتاق معاين هذه احلروف بافرتاق األجوبة عنها‪.‬‬ ‫بعد احلظر وفيه خالف بني العلماء الكثريون على أنه يفيد اإلباحة والصحيح أنه يعيد احلكم إىل‬
‫أال ترى أن سائالً لو سأل آخر فقال ‪ :‬أين مالك ؟‬ ‫ما قبل احلظر‪.‬‬
‫لقال ‪ :‬مبكان كذا‪ ،‬ولو قال له‪ :‬أين أخوك ؟ لكان اجلواب أن يقول‪ :‬ببلدة كذا أو مبوضع كذا‪.‬‬ ‫نساؤكم حرث لكم‬
‫فيجيبه باخلرب عن حمل ما سأله عن حمله‪ ،‬فيعلم أن (أين) مسألة عن احملل‪.‬‬ ‫ِّمواْ َألن ُف ِس ُك ْم َو َّات ُقواْ اللّهَ َوا ْعلَ ُمواْ‬ ‫ِ‬ ‫‪‬نِ َسآُؤ ُك ْم َح ْر ٌ‬
‫ث لَّ ُك ْم فَْأتُواْ َح ْرثَ ُك ْم َأنَّى شْئتُ ْم َوقَد ُ‬
‫ولو قال قائل آلخر‪ :‬كيف أنت ؟ لقال ‪ :‬صاحل‪ ،‬أو خبري‪ ،‬أو يف عافية‪ ،‬وأخربه عن حاله اليت هو‬ ‫ِِ‬
‫ين‪ ‬البقرة‪223‬‬ ‫َأنَّ ُكم ُّمالَقُوهُ َوبَ ِّش ِر ال ُْمْؤ من َ‬
‫فيها‪.‬‬ ‫(احلرث) ورد يف اللغة على عدة معاين منها‪ :‬الزرع(‪ ،)2‬وهو على حذف مضاف أي موضع‬
‫فيعلم حينئذ أن (كيف) مسألة عن حال املسؤول‪.‬‬ ‫حرثكم‪ ،‬أو احلرث مبعىن احملرتث واملزدرع(‪. )3‬‬
‫ولو قال له ‪ :‬أىن حييي اهلل هذا امليت ؟ لكان اجلواب أن يقال ‪ :‬من وجه كذا ووجه كذا‪،‬‬ ‫وإمنا كانت النساء حمرتثاً ومزدرعاً ألهنن مكان الولد‪،‬واملعىن ‪:‬نساؤكم مزدرع لكم‪ ،‬تثمر لكم‬
‫فيصف قوالً نظري ما وصف اهلل تعاىل ذكره للذي قال‪:‬أىن حيىي هذه اهلل بعد موهتا فعالً‪،‬حني بعثه من‬ ‫األوالد‪ ،‬فأتوا هذا املزدرع (‪.)4‬‬
‫بعد مماته (‪.)5‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -2‬عن ابن عباس‪‬عن النبـي ‪ ‬قال‪":‬ال ينظر اهلل إىل رجل جامع امرأة يف دبرها"(‪.)6‬‬ ‫لقد نص العلماء على حرمة إتيان الزوج زوجته من الدبر وكانت أدلتهم كما يلي‪:‬‬
‫‪ -3‬عن ابن مسعود ‪‬عن النبـي ‪‬قال‪":‬حماش النساء حرام عليكم"(‪.)7‬‬ ‫‪ -1‬قوله ‪‬أىن شئتم‪‬أي‪ :‬من أي وجه شئتم‪،‬وذلك أن (أىن) يف كالم العرب كلمة تدل إذا‬
‫ابتدىء هبا يف الكالم على املسألة عن الوجوه واملذاهب‪ ،‬فإذا قال قائل لرجل‪ :‬أىن لك هذا املال؟‬

‫‪ )?(5‬جامع البيان (‪ )2/397‬وما بعدها ‪ ،‬وينظر احمللى (‪)10/69‬‬ ‫‪ 1‬روائع البيان ‪.1/302‬‬
‫‪ )?(6‬صحيح ابن حبان ( ‪ )9/517‬وحنوه الرتمذي (‪ )3/468‬وحسنه‪.‬‬ ‫‪ )?(2‬ينظر القاموس احمليط (‪ )214‬م حرث‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1407 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ )?(7‬أخرجه الطحاوي يف شرح معاين اآلثار (‪ )3/46‬والدارمي يف سننه (‪ ، )1/276‬والبيهقي يف الكربى ‪،7/199‬‬ ‫‪ )?(3‬ينظر الطربي (‪)2/392‬‬
‫وأبو القاسم سليمان الطرباين يف األوسط (‪)7/357‬‬ ‫‪ )?(4‬ينظر الكشاف عن حقائق التنزيل جلاراهلل حممود الزخمشري(‪ )1/134‬واألساس لسعيد حوى (‪)1/518‬‬
‫‪40‬‬
‫معني منها‪،‬فلم يكن محل قوله (أىن شئتم) على التخيري يف األمكنة‪ ،‬فيكون حمموالً على التخيري يف‬ ‫‪ -4‬عن أيب هريرة ‪‬عن النبـي صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪" :‬من أتى حائضاً‪ ،‬أو امرأة يف‬
‫الكيفيات"(‪.)8( )7‬‬ ‫دبرها‪ ،‬أو كاهناً فصدقه مبا يقول؛ فقد كفر مبا أنزل على حممد"(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬عن أيب هريرة ‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ " :‬م ْلعُو ٌن َم ْن أتى امرأةً يف دبْ ِرها" (‪.)2‬‬
‫ونزيد على هذا ونقول‪ :‬إن قضاء الشهوة من املقاصد األساسية لإلنسان من النكاح‪ ،‬بيد أن‬ ‫أحول فأنزل‬ ‫ولدها َ‬ ‫الرجل امرأته من وراِئها جاءَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫جامع‬
‫‪ -6‬عن جابر ‪ ‬قال‪":‬قالت اليهود‪ :‬إذا َ‬
‫حفظ النسل من املقاصد الشرعية الضرورية الكلية‪ ،‬وقضاء الشهوة هو من الوجهة املقاصدية مسألة‬ ‫ِ‬
‫ٱعلَ ُمۤواْ َأنَّ ُكم‬ ‫ث لَّ ُك ْم فَْأتُواْ َح ْرثَ ُك ْم َأىَّنٰ شْئتُ ْم َوقَد ُ‬
‫ِّمواْ ألنفسكم َو َّٱت ُقواْ ٱللَّهَ َو ْ‬ ‫اهلل تعاىل‪ :‬نساؤكم َح ْر ٌ‬
‫حتسينية أو حاجية أومكملة ملقصد? حفظ النسل‪ ،‬وهبذا يتضح هنا الفرق بني مقاصد الشارع‬ ‫ني‪.)3(‬‬‫ُّملَـٰ ُقوهُ َوبَ ِّش ِر ٱلْ ُمْؤ ِمنِ َ‬
‫ومقاصد املكلف ‪.‬‬ ‫‪ -7‬عن عمرو بن العاص ‪‬عن النيب ‪‬أنه قال‪":‬هي اللوطية الصغرى"يعين اتيان النساء يف‬
‫وهنا قاعدة مقاصدية مهمة تفيدنا يف هذا املوضوع‪،‬وهي أنه إذا تعارض املقصدان‬ ‫أدبارهن(‪.)4‬‬
‫قدم قصد الشارع‪،‬وهنا تعارض قصد الرجل يف إتيان الدبر لقضاء شهوته املريضة مع‬ ‫‪ -8‬عن خزمية بن ثابت أن رسول اهلل‪ ‬قال‪" :‬إن اهلل ال يستحيي من احلق‪ ،‬ال تأتوا النساء يف‬
‫قصد الشرع الذي طلب? النسل‪-‬واإلتيان من الدبر يعارض هذا املقصد‪-‬واحلفاظ عليه‪،‬‬ ‫أعجازهن"(‪.)5‬‬
‫وجعل قضاء الشهوة احلالل وسيلة لذلك فيقدم قصد الشرع ‪،‬ألن الشارع هو احلاكم‪،‬‬ ‫واألعجاز"مجع عجز بفتح اجليم على املشهور مؤخر الشيء واملراد الدبر"(‪.)6‬‬
‫وألن الشريعة جاءت لتخرج اإلنسان من داعية هواه كما قال اإلمام الشاطيب رمحه اهلل‬ ‫‪" -9‬من املعلوم? أن املرأة جبميع أجزائها ليست حمالً للحراثة‪ ،‬بل حمل احلراثة هو املوضع املعني‬
‫يف املوافقات(‪.)9‬‬ ‫منها‪ ،‬فلما محل مواضع احلراثة على ذوات النساء احتجنا إىل تقدير مضاف آخر يف املبتدأ‪،‬والتقدير‪:‬‬
‫ونقطة مهمة أخرى وهي أن للمرأة حقاً يف قضاء شهوهتا‪ ،‬ال جيوز للرجل حبال من األحوال‬ ‫أبضاع نسائكم حرث لكم‪ ،‬وال شك أن موضع حراثة الولد ليس أماكن متعددة بل هو موضع‬
‫إغفاله‪،‬ويف إتيان املرأة من دبرها قضاء على هذه الشهوة‪ ،‬وإفساد للعشرة? الزوجية‪.‬‬

‫النهي عن كثرة الحلف وجعلها مانعة‪ 3‬من الخير‬


‫صلِ ُحواْ َب ْي َن الن ِ‬
‫َّاس َواللّهُ َس ِم ٌ‬
‫يع‬ ‫ضةً‪َ 3‬أِّليْ َمانِ ُك ْم َأن َتَب ُّرواْ َوَتَّت ُقواْ َوتُ ْ‬
‫‪َ ‬والَ تَ ْج َعلُواْ اللّهَ عُ ْر َ‬
‫‪ )?(1‬أخرجة الرتمذي (‪ )1/243‬وصححه? األلباين‬
‫يم{‪}224‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬ ‫‪ )?(2‬أخرجه أبو داود ( ‪ )2/249‬وصححه? األلباين يف صحيح أيب داود (‪.)2/406‬‬
‫معىن اآلية‪:‬‬ ‫‪ )?(3‬تقدم خترجيه‪.‬‬
‫‪ )?(4‬أخرجه أمحد (‪ )2/182،210‬قال احلافظ عبد العظيم املنذري ‪ :‬ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬الرتغيب (‪)3/198‬‬
‫‪ )?(7‬حاشية شيخ زاده على البيضاوي (‪ )2/536‬بتصرف وحذف يسريين‪.‬‬ ‫حتقيق‪ :‬إبراهيم مشس الدين ‪ ،‬دار الكتب العلمية? بريوت‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )?(8‬للمزيد? حول هذا املوضوع ينظر حمرمات العالقة الزوجية يف القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪ )?(5‬أخرجه الدارمي (‪)1/277‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي(‪ )3/463‬وصححه? ابن حبان (‪)1/169‬‬
‫‪ )?(9‬ينظر املوافقات (‪ )2/177‬حققه ‪ :‬خالد شبل‪،‬مؤسسة? الرسالة‪1420‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬ ‫‪ )?(6‬حتفة األحوذي (‪)4/275‬‬
‫‪41‬‬
‫القول الثاين‪ .:‬هو قول الرجل ال واهلل وبلى واهلل يف حديثه وكالمه غري معتقد لليمني وال‬ ‫يف معىن اآلية ثالثة أقوال‪:‬‬
‫مريد هلا‪ ،‬وهذا قول الشافعي ‪.‬‬ ‫‪ -1‬ال حتلفوا باهلل أن ال تربوا وال تتقوا وال تصلحوا بني الناس‪ ،‬هذا قول ابن عباس ‪.‬‬
‫وحجته حديث عائشة أن رسول اهلل ‪‬قال‪" :‬اللغو يف اليمني هو كالم الرجل يف بيته ال واهلل‬ ‫‪ -2‬ال حتلفوا باهلل كاذبني لتتقوا املخلوقني وتربوهم وتصلحوا بينهم بالكذب روى‬
‫وبلى واهلل"‪.3‬‬ ‫هذا املعىن عطية عن ابن عباس‬
‫القول الثالث‪ :‬هو أن حيلف الرجل على الشيء ال يظن إال أنه إياه فإذا ليس هو ما ظنه وإىل‬ ‫‪ -3‬ال تكثروا احللف باهلل و إن كنتم بارين مصلحني فإن كثرة احللف باهلل ضرب‬
‫هذا ذهب أبو حنيفة ومالك‪.‬‬ ‫من اجلرأة عليه هذا قول ابن زيد‪ ،1‬وعلى هذا يكون (أن تربوا علة للنهي) إي إرادة أن‬
‫وعلل هذا القول مبا يلي‪:‬‬ ‫تربوا ألن احلالف جمرتئ على اهلل غري معظم له‪.‬‬
‫‪ -1‬أهنا ميني غري منعقدة فلم جتب فيها كفارة كيمني الغموس ‪.‬‬ ‫واألقرب إىل سياق اآلية هو املعىن األول والثالث‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -2‬أنه غري مقصود? للمخالفة? فأشبه ما لو حنث ناسيا‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أن اللغو يشمل املعنيني السابقني‪ ،‬وهو مذهب احلنابلة‪.5‬‬ ‫دلت هذه اآلية على حرمة جعل اليمني مانعة من فعل اخلري‪ ،‬فإذا سئل أحدكم عن أمر فيه بر‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫وخري وإصالح قال‪ :‬قد حلفت باهلل أال أفعله‪.‬‬
‫القول الثالث هو القول الراجح وهو اختيار الطربي واهلل أعلم‪.‬‬ ‫كما هنت اآلية عن كثرة احللف حبيث يبتذل امسه سبحانه‪ ،‬وقد ذم اهلل املكثرين للحلف? فقال‬
‫أما حديث اإلغالق فقد فسره علماء الغريب باإلكراه وهو قول ابن قتيبة واخلطايب وابن‬ ‫‪ { :‬وال تطع كل حالف مهني }‪.‬‬
‫السيد وغريهم‪ ،‬وقيل اجلنون واستبعده املطرزي‪ ،‬وقيل الغضب? وقع يف سنن أيب داود يف رواية‬
‫بن األعرايب وكذا فسره أمحد ورده بن السيد فقال لو كان كذلك مل يقع على أحد طالق ألن‬ ‫لغو اليمين‬
‫َكن يَؤ ِ‬
‫اخ ُذ ُكم بِ َما َك َسبَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحدا ال يطلق حىت يغضب‪.6‬‬ ‫ور‬
‫ت ُقلُوبُ ُك ْم َواللّهُ غَ ُف ٌ‬ ‫‪‬الَّ ُيَؤ اخ ُذ ُك ُم اللّهُ بِاللَّ ْغ ِو ف َي َأيْ َمان ُك ْم َول ُ‬
‫يم{‪}225‬‬ ‫ِ‬
‫اإليالء‬ ‫َحل ٌ‬
‫يم{‪}226‬‬ ‫‪‬لِّلَّ ِذين يْؤ لُو َن ِمن نِّسآِئِهم َتربُّص َأربع ِة َأ ْشه ٍر فَِإ ْن فَآُؤ وا فَِإ َّن اللّه غَ ُف ِ‬ ‫اختلف العلماء يف املراد بلغو اليمني على أقوال كثرية أشهرها ما يلي‪:‬‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ ْ َ ُ ََْ ُ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫َّ‬ ‫ِإ‬ ‫القول األول‪ :‬هو اليمني يف حال الغضب? والضجر من غري عقد وال عزم‪ ،‬ويروى عن علي‬
‫يم{‪}227‬‬ ‫يع َعل ٌ‬‫َو ْن َع َز ُمواْ‪ 3‬الطالَ َق فَ َّن اللّهَ َسم ٌ‬
‫وابن عباس وطاووس ‪.‬‬
‫‪ 3‬البخاري ‪4/1686‬‬ ‫واستدل هلم حبديث عائشة‪" :‬ال طالق وال عتاق يف إغالق"‪.2‬‬
‫‪ 4‬املغين ‪11/167‬‬
‫‪ 5‬املرجع السابق ‪11/180‬‬ ‫زاد املسري‪1/235‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 6‬التلخيص? احلبري‪3/210‬‬ ‫ابن ماجه ‪ 1/660‬وصححه احلاكم على شرط مسلم وخالفه الذهيب واحلافظ وحسنه األلباين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -3‬أهنا مدة ضربت له تأجيال فلم يستحق املطالبة فيها كسائر اآلجال‪.1‬‬ ‫معاين املفردات‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫اإليالء لغة احللف‪ ،‬وشرعا‪:‬أن حيلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر‪.‬‬
‫الراجح قول اجلمهور لقربه من داللة اآلية‪.‬‬ ‫الرتبص‪ :‬النظر أو التوقف‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬صفة ميني اإليالء‪:‬‬ ‫فاءوا ‪ :‬رجعوا‪.‬‬
‫اختلف الفقهاء يف اشرتاط أن تكون اليمني لإلضرار أوال على قولني‪:‬‬ ‫ويف هذه اآلية أبطل اهلل سبحانه ما كانوا عليه من الضرار‪ ،‬فقد كان الرجل يويل من امرأته‬
‫القول األول‪ :‬ال يشرتط يف اإليالء الغضب وال قصد اإلضرار روي ذلك عن ابن مسعود? وبه‬ ‫السنة والسنتني وأكثر وال تطلق عليه‪ ،‬فأبطل اهلل ذلك وأنظر املويل أربعة أشهر فإما أن يفيء أو‬
‫قال الثوري و الشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫يطلق‪.‬‬
‫وعللوا قوهلم باآليت‪:‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم اآلية حلالة الغضب? واإلضرار وغريمها‪.‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬مدة اإليالء‪:‬‬
‫‪ -2‬أن الزوج منع نفسه من مجاع زوجته بيمينه فكان موليا كحال الغضب ‪.‬‬ ‫اتفق الفقهاء على أن من حلف أال ميس زوجته أكثر من أربعة أشهر كان موليا‪ ،‬واختلفوا‬
‫‪ -3‬حكم اإليالء يثبت حلق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد اإلضرار أو مل يقصد‬ ‫فيمن حلف أال ميسها أربعة أشهر ‪:‬‬
‫كاستيفاء ديوهنا وإتالف ماهلا‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬يثبت له حكم الإيالء‪ ،‬فإذا مضت? أربعة أشهر قبل أن يفيء بانت بتطليقة‪ ،‬وبه‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يكون إيالء إال إذا حلف عليها يف حال غضب على وجه اإلضرار‪ ،‬وبه قال‬ ‫قال أبو حنيفة وأصحابه ‪.‬‬
‫مالك‪.‬‬ ‫وحجة أيب حنيفة أن اهلل تعاىل حدد املدة للفيء? بأربعة أشهر فإذا مل يرجع عن ميينه يف هذه‬
‫وحجته ما روي عن علي أنه سئل عن رجل حلف أال يطأ امرأته حىت تفطم ولدها ومل يرد‬ ‫املدة فكأنه أراد طالقها وعزم عليه‪ ،‬والعزمية أمر قليب‪ ،‬فاملراد من قوله تعاىل (عزموا الطالق)‬
‫اإلضرار هبا وإمنا قصد مصلحة? الولد فقال له‪ :‬إمنا أردت اخلري وإمنا اإليالء يف الغضب‪.‬‬ ‫عقدوا عليه قلوهبم‪ ،‬ومل تشرتط اآلية أن يطلق بالفعل‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫القول الثاين‪:‬ال تطلق مبضي املدة وإمنا يؤمر الزوج بالفيئة _أي الرجوع عن ميينه‪ -‬أو‬
‫ما قاله اجلمهور هو الرجح لقوة ما استدلوا به‪.‬‬ ‫بالطالق فإذا امتنع الزوج منهما طلقها احلاكم عليه‪ ،‬وبه قال اجلمهور‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬اليمني يف اإليالء‪:‬‬ ‫وحجة اجلمهور ما يلي‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف ضرورة اليمني لكي يكون الزوج موليا على قولني‪:‬‬ ‫‪ -1‬هذه اآلية وظاهرها أن الفيئة بعد أربعة أشهر لذكره الفيئة بعدها بالفاء املقتضية‬
‫القول األول‪ :‬ال يكون الزوج موليا إال باليمني‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي وامحد‪.‬‬ ‫للتعقيب? ‪.‬‬
‫واحتجوا بقوله تعاىل‪( :‬يؤلون)? واليت تعين اليمني‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال تعاىل ‪ { :‬وإن عزموا الطالق فإن اهلل مسيع عليم } ولو وقع مبضي املدة مل‬
‫‪ 1‬املغين ‪8/529‬‬ ‫حيتج إىل عزم عليه‬
‫‪43‬‬
‫عدة المطلقة‬ ‫القول الثاين‪ :‬إذا امتنع الرجل عن زوجته بقصد اإلضرار من غري عذر ومل حيلف كان حكمه‬
‫ص َن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالَثَةَ ُق ُر َو ٍء َوالَ يَ ِح ُّل ل َُه َّن َأن يَكْتُ ْم َن َما َخلَ َق اللّهُ فِي‬ ‫‪َ ‬وال ُْمطَلَّ َق ُ‬
‫ات َيَت َربَّ ْ‬ ‫حكم املويل ألن اإليالء مل يرد لعينه وإمنا أريد ملعىن سوء العشرة والضرر وهذا حاصل إذا‬
‫ِّه َّن فِي َذلِ َ‬
‫اآلخ ِر وبعولَته َّن َأح ُّق بِرد ِ‬ ‫َأرح ِام ِه َّن ِإن ُك َّن يْؤ ِم َّن بِالل ِّه والْيوِم ِ‬
‫ك ِإ ْن ََأر ُ‬
‫ادواْ‬ ‫َ ُُ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ضارهن دون ميني‪.‬‬
‫وف ولِ ِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ِإ ْ‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫لر َجال َعلَْي ِه َّن َد َر َجةٌ َواللّهُ َع ِز ٌيز َح ُك ٌ‬
‫يم{‬ ‫صالَحاً َول َُه َّن مثْ ُل الذي َعلَْي ِه َّن بال َْم ْع ُر َ‬
‫‪}228‬‬ ‫الراجح قول اجلمهور لتأيده بلفظ اآلية‪ ،‬وإن كان قول مالك صحيحا من حيث املعىن إال أنه‬
‫بينت هذه اآلية عدة املطلقة غري املدخول هبا وغري احلامل‪ ،‬ليستدل هبا على براءة الرحم‪.‬‬ ‫يقال إن اإليالء الوارد يف الشرع والذي بني القرآن حكمه له صفة خاصة من أركاهنا اليمني‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫وما ذكره املالكية له باب آخر هو الضرر فيمكن للزوجة أن ترفع أمرها للقاضي مطالبة برفع‬
‫احلكم األول‪ :‬املراد بالقروء‪:‬‬ ‫الضرر‪.‬‬
‫يطلق القرء لغة على العادة املستمرة‪ ،‬فيطلق على احليض والطهر‪ ،‬ولكن الفقهاء اختلفوا يف‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬املراد بالفيء‪:‬‬
‫تعيني املراد منهما هنا على قولني‪:‬‬ ‫اختلف العلماء يف املراد بالفيء هنا على أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬املراد به الطهر وبه قال مالك والشافعي وراوية عن أمحد‪.‬‬ ‫القول األول‪:‬اجلماع ليس غري‪ ،‬فإذا مل يغشها وانقضت? املدة بانت منه‪ ،‬وبه قال الشعيب‪.‬‬
‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬اجلماع‪ ،‬إال إذا كان معذورا كان يكون مريضا أو مسافرا فيكفي املراجعة‬
‫‪ -1‬إثبات التاء يف العدد (ثالثة) وهو يدل على أن املعدود مذكر وأن املراد به الطهر‪.‬‬ ‫بالساو القلب‪ ،‬وهذا مذهب مجهور الفقهاء‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل‪ { :‬فطلقوهن لعدهتن } أي يف عدهتن كقوله تعاىل ‪ { :‬ونضع املوازين‬ ‫القول الثالث‪ :‬املراجعة باللسان? على كل حال‪ ،‬فيكفي أن يقول‪ :‬قد فئت‪ ،‬وحيكى عن‬
‫القسط ليوم القيامة } أي يف يوم القيامة وإمنا أمر بالطالق يف الطهر ال يف احليض‪.‬‬ ‫النخعي‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬املراد باألقراء احليض‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة ورواية عن أمحد‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫واحتجوا مبا يلي‪:‬‬ ‫قول اجلمهور هو الراجح‪.‬‬
‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل ‪ { :‬والالئي يئسن من احمليض من نسائكم إن ارتبتم فعدهتن ثالثة‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬هل توجب الفيئة الكفارة؟‬
‫أشهر والالئي مل حيضن } فنقلهن عند عدم احليض إىل االعتداد باألشهر فدل ذلك على‬ ‫الفيئة توجب الكفارة عند أهل العلم ‪ ،‬والغفران خيتص بالذنب ال بالكفارة بدليل حديث"إذا‬
‫أن األصل احليض‪.‬‬ ‫حلفت على ميني فرأيت غريها خريا منها فأت الذي هو خري وكفر عن ميينك"‪.1‬‬
‫‪ -2‬أن املعهود يف لسان الشرع استعمال القرء مبعىن احليض [ قال النيب صلى اهلل عليه‬ ‫وقال احلسن والنخعي ال جتب الكفارة وهو القدمي من قول الشافعي‪.2‬‬
‫وسلم ‪ :‬تدع الصالة أيام أقرائها ] رواه أبو داود [ وقال لفاطمة? بنت أيب حببيش فإذا أتى‬ ‫‪ 1‬البخاري‪6/2613‬‬
‫‪ 2‬املوزعي ‪1/428‬‬
‫‪44‬‬
‫وقوله تعاىل‪( :‬إن كن يؤمن باهلل واليوم اآلخر خرج خمرج الوعيد هلن والتوكيد) وهو كما‬ ‫قرؤك ‪ ] ...‬رواه النسائي ومل يعهد يف لسانه استعماله مبعىن الطهر يف موضع فوجب أن‬
‫تقول للرجل إن كنت مؤمنا فال تظلم‪.5‬‬ ‫حيمل كالمه على املعهود يف لسانه‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬الرجعة‪:‬‬ ‫‪ -3‬أن العدة استرباء فكانت باحليض كاسترباء األمة وذلك ألن االسترباء ملعرفة براءة‬
‫قوله ‪ { :‬وبعولتهن أحق بردهن يف ذلك إن أرادوا إصالحا } أي وزوجها الذي طلقها أحق‬ ‫الرحم من احلمل والذي يدل على احليض فوجب أن يكون االسترباء به‪.1‬‬
‫بردها ما دامت يف عدهتا إذا كان مراده بردها اإلصالح واخلري‪ ،‬وهذا يف الرجعيات فأما‬ ‫فائدة اخلالف‪:‬‬
‫املطلقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه اآلية مطلقة? بائن وإمنا كان ذلك ملا حصروا يف‬ ‫فائدة اخلالف أنه إذا طلقها? يف طهر خرجت من عدهتا عند األولني مبجيء احليضة الثالثة‪،‬‬
‫الطلقات الثالث‪ ،‬فأما حال نزول هذه اآلية فكان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها? مائة مرة‬ ‫ألنه حيسب هلا الطهر الذي طلقت? فيه وال خترج من عدهتا إال بانقضاء احليضة الثانية عند‬
‫فلما قصروا يف اآلية اليت بعدها على ثالث تطليقات صار للناس مطلقة بائن وغري بائن‪.6‬‬ ‫اآلخرين‪.2‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬املعاشرة باملعروف‪:‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬حرمة كتمان ما يف األرحام‪:‬‬
‫يف قوله تعاىل‪( :‬وهلن مثل الذي عليهن باملعروف) تأسيس لقاعدة أسرية مهمة بني الزوجني‪،‬‬ ‫قوله تعاىل‪( :‬وال حيل هلن أن يكتمن ما خلق اهلل يف أرحامهن) فيه ثالثة أقوال‪:‬‬
‫وهي قاعدة التعامل باملعروف والعشرة احلسنة‪ ،‬وكان االعتناء بذكر ما للنساء من احلقوق على‬ ‫‪ -1‬احلمل قاله عمر و ابن عباس ‪.‬‬
‫الرجال وتشبيهه مبا للرجال على النساء بسبب عدم االعتناء هبا والتهاون يف أداء حقوقها‪.‬‬ ‫‪ -2‬احليض قاله عكرمة والنخعي ‪.‬‬
‫عدد التطليقات‪ ،‬ومشروعية الخلع‬ ‫‪ -3‬احلمل واحليض قاله ابن عمر وابن زيد‪.3‬‬
‫ان َوالَ يَ ِح ُّل لَ ُك ْم َأن تَْأ ُخ ُذواْ ِم َّما‬
‫وف َأو تَس ِريح بِِإ حس ٍ‬
‫ْ ْ ٌ َْ‬
‫اك بِمعر ٍ‬ ‫ِ ِإ‬
‫‪‬الطالَ ُق َم َّرتَان فَ ْم َس ٌ َ ْ ُ‬
‫َّ‬ ‫قال ابن العريب‪":‬والثالث هو الصحيح‪ ،‬ألن اهلل جعلها أمينة على رمحها فقوهلا فيه مقبول إذ‬
‫ود الل ِّه فَِإ ْن ِخ ْفتُم َأالَّ ي ِقيما ح ُد َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اح‬
‫ود اللّه فَالَ ُجنَ َ‬ ‫ْ ُ َ ُ‬ ‫يما ُح ُد َ‬ ‫وه َّن َش ْيئاً ِإالَّ َأن يَ َخافَا َأالَّ يُق َ‬
‫آَت ْيتُ ُم ُ‬ ‫ال سبيل إىل علمه إال خبربها‪ ،‬وال خالف بني األمة أن العمل على قوهلا يف دعوى الشغل للرحم‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ود الل ِّه فَ ُْأولَـِئ َ‬ ‫ود الل ِّه فَالَ َت ْعتَ ُد َ‬
‫وها َو َمن َيَت َع َّد ُح ُد َ‬ ‫ْك ُح ُد ُ‬ ‫ت بِ ِه تِل َ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْي ِه َما ف َ‬
‫يما ا ْفتَ َد ْ‬ ‫أو الرباءة ما مل يظهر كذهبا"‪.4‬‬
‫الظَّالِ ُمو َن‪‬البقرة‪229‬‬ ‫وقد حرم اهلل كتمان املرأة ما يف رمحها لتعلق ذلك حبق الرجعة واختالط األنساب‪.‬‬
‫معىن اآلية‪:‬‬
‫املراد بالطالق املذكور هو الرجعي بدليل ما تقدم يف اآلية األوىل ‪ :‬أي الطالق الذي تثبت‬
‫فيه الرجعة لألزواج هو مرتان ‪ :‬أي الطلقة األوىل والثانية إذ ال رجعة بعد الثالثة وإمنا قال‬
‫‪ 1‬انظر املغين ‪9/81‬‬
‫‪ 2‬السايس ‪1/257‬‬
‫‪ 5‬زاد املسري ‪1/260‬‬ ‫‪ 3‬زاد املسري ‪1/260‬‬
‫‪ 6‬ابن كثري‪1/363‬‬ ‫‪1/254 4‬‬
‫‪45‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬الطالق الثالث بلفظ واحد‪:‬‬ ‫سبحانه ‪ { :‬مرتان } ومل يقل طلقتان? إشارة إىل أنه ينبغي أن يكون الطالق مرة بعد مرة ال‬
‫اختلف أهل العلم يف إرسال الثالث دفعة واحدة هل يقع ثالثا أو واحدة فقط‪.‬‬ ‫طلقتان دفعة واحدة هكذا قال مجاعة من املفسرين ‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬يقع ثالثا‪ ،‬وبه قال األئمة األربعة‪.‬‬ ‫وملا مل يكن بعد الطلقة الثانية إال أحد أمرين إما إيقاع الثالثة اليت هبا تبني الزوجة أو اإلمساك‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫هلا واستدامة نكاحها وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه ‪ { :‬فإمساك مبعروف أو تسريح‬
‫‪ -1‬أن للزوج على زوجته ثالث تطليقات فإما أن جيمعها أو يفرقها واإلسالم قد‬ ‫بإحسان } أي فإمساك بعد الرجعة ملن طلقها زوجها طلقتني مبعروف ‪ :‬أي مبا هو معروف عند‬
‫أرشده إىل ما هو األفضل واألصلح‪ ،‬فإذا جاوز هذا إىل ما فيه تضييق عليه أخذ جبريرة‬ ‫الناس من حسن العشرة { أو تسريح بإحسان } أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار هلا‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫وقيل املراد ‪ { :‬فإمساك مبعروف } أي برجعة بعد الطلقة الثانية { أو تسريح بإحسان } أي‬
‫‪ -2‬اإلمجاع حيث قضى به عمر فأقره مجيع الصحابة ومل ينكر عليه أحد منهم‪.‬‬ ‫برتك الرجعة بعد الثانية حىت تنقضي عدهتا واألول أظهر‪.1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يقع واحدة‪ ،‬وبه قال بعض أهل الظاهر وابن تيمية وتلميذه ابن القيم‪.‬‬ ‫بيان االحكام‪:‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬حكم الطالق‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبت يف مسلم? عن بن عباس قال‪ :‬كان الطالق على عهد رسول اهلل ‪ ‬وأيب بكر‬ ‫الطالق على مخسة أضرب‪:‬‬
‫وسنتني من خالفة عمر طالق الثالث واحدة فقال عمر بن اخلطاب‪ :‬إن الناس قد‬ ‫‪ -1‬واجب ‪ :‬وهو طالق املويل بعد الرتبص إذا أىب الفيئه وطالق احلكمني يف الشقاق‬
‫استعجلوا يف أمر كانت هلم فيه أناة فلو امضيناه عليهم‪ ،‬فأمضاه عليهم‪.‬‬ ‫إذا رأيا ذلك ‪.‬‬
‫‪ -2‬فرق اهلل الطالق بقوله‪( :‬الطالق مرتان) أي مرة بعد مرة وما كان مرة بعد مرة‬ ‫‪ -2‬مكروه ‪ :‬وهو الطالق من غري حاجة إليه وألمحد رواية أنه حمرم ألنه ضرر بنفسه‬
‫الميلك الكلف إيقاعه دفعة واحدة مثل اللعان ال بد من التفريق فيه ولو قال‪ :‬أشهد باهلل‬ ‫وزوجته وإعدام للمصلحة احلاصلة هلما من غري حاجة إليه فكان حراما كإتالف املال‬
‫أربع شهادات إين ملن الصادقني كان مرة واحدة‪ ،‬كما أن الشارع طلب? أن يسبح العبد‬ ‫ولقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ [ :‬ال ضرر وال ضرار ] وهو قول وجيه‪.‬‬
‫ريه وحيمده ويكربه ثالثا وثالثني وال يكفيه أن يقول سبحان اهلل ثالثا وثالثني‪ ،‬فكذلك‬ ‫‪ -3‬مباح وهو عند احلاجة إليه لسوء خلق املرأة وسوء عشرهتا والتضرر هبا من غري‬
‫هنا‪.‬‬ ‫حصول الغرض هبا ‪.‬‬
‫‪ -4‬مندوب إليه وهو عند تفريط املرأة يف حقوق اهلل الواجبة عليها مثل الصالة‬
‫وحنوها وال ميكنه إجبارها عليها أو تكون له امرأة غري عفيفة ‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ -5‬حمظور ‪ :‬وهو الطالق يف احليض أو يف طهر جامعها فيه‪.2‬‬

‫‪ 1‬فتح القدير ‪1/362‬‬


‫‪ 2‬انظر املغين ‪8/235‬‬
‫‪46‬‬
‫واحتجوا بقوله تعاىل ‪ { :‬وال حيل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إال أن خيافا أن ال يقيما‬ ‫هذه املسألة تعد من عويصات املسائل وبسببها قاسى بعض العلماء السجن والتعزير‪ ،‬والذي‬
‫حدود اهلل } قالوا ‪ :‬فلم يشرع اخللع إال يف هذه احلالة فال جيوز يف غريها إال بدليل واألصل عدمه‬ ‫جيعلها كذلك كون اجلمهور الساحق من أئمة املسلمني على القول بنفوذ الثالث بلفظ واحد‪،‬‬
‫ممن ذهب إىل هذا ابن عباس وطاوس وإبراهيم وعطاء واحلسن واجلمهور حىت قال مالك واألوزاعي‬ ‫بل ادعوا عليه اإلمجاع كما سبق‪.‬‬
‫‪ :‬لو أخذ منها شيئا وهو مضار هلا وجب رده إليها وكان الطالق رجعيا قال مالك ‪ :‬وهو األمر‬ ‫ولكن بعد النظر يتبني رجحان القول الثاين ملا يأيت‪:‬‬
‫الذي أدركت الناس عليه ‪.‬‬ ‫‪ -1‬الستناده إىل احلديث الثابت يف مسلم? ‪.‬‬
‫وذهب الشافعي رمحه اهلل إىل أنه جيوز اخللع يف حال الشقاق وعند االتفاق بطريق األوىل‬ ‫‪ -2‬ألن يف هذا القول حفظا لكيان األسرة واليت هي نواة اجملتمع من التشرد‬
‫واألحرى وهذا قول مجيع أصحابه قاطبة ‪.‬‬ ‫والضياع‪.‬‬
‫وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد الرب يف كتاب االستذكار له عن بكر بن عبد اهلل املزين أنه ذهب‬ ‫‪ -3‬العلة اليت من أجلها أمضى عمر الثالث على أصحاهبا غري موجودة إذ كان‬
‫إىل أن اخللع منسوخ بقوله ‪ { :‬وآتيتم إحداهن قنطارا فال تأخذوا منه شيئا } ورواه ابن جرير عنه ‪.‬‬ ‫الغرض الردع والزجر عن هذا الطالق الذي عده بعض األئمة بدعيا وعلى هذا القصد‬
‫قال ابن كثري‪ :‬وهذا قول ضعيف ومأخذ مردود على قائله‪.1‬‬ ‫انعقد إمجاع الصحابة إذا لسم بانعقاده واآلن مل يعد هلذا الغرض أثر وال للعلة وجود‪ ،‬بل‬
‫احلكم الرابع‪ :‬أخذ الزوج زيادة على ما أعطى الزوجة‪:‬‬ ‫أدى إىل نتائج عكسية إذ حلت رابطة زجيات كثرية وشردت أسر وكثر التحليل‪ ،‬وعليه‬
‫اختلف األئمة رمحهم اهلل يف أنه هل جيوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها على قولني‪:‬‬ ‫يعود احلكم إيل سابق عهده من كون الثالث قبل الرجعة واحدة‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬ال جيوز‪ ،‬وهو قول الشعيب واحلسن البصري‪.‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬اخللع‪:‬‬
‫وحجتهم أن اآلية بصدد األخذ مما أعطى الرجال النساء فال جتوز الزيادة‪.‬‬ ‫دل قوله تعاىل ‪ { :‬وال حيل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } على حرمة مضايقة الزوجات‬
‫القول الثاين‪ :‬إن كان اإلضرار من قبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها وال جيوز الزيادة عليه فإن‬ ‫ليفتدين أنفسهن مبا أعطاهن األزواج من املهر أو ببعضه‪.‬‬
‫ازداد جاز يف القضاء وإن كان اإلضرار من جهته مل جيز أن يأخذ منها شيئا فإن أخذ جاز يف القضاء‬ ‫وأما إذا تشاقق الزوجان ومل تقم املرأة حبقوق الرجل وأبغضته ومل تقدر على معاشرته فلها أن‬
‫وبه قال احلنفية‪.‬‬ ‫تفتدي منه مبا أعطاها وال حرج عليها يف بذهلا له وال حرج عليه يف قبول ذلك منها وهلذا قال تعاىل‬
‫القول الثالث‪ :‬اجلواز‪ ،‬وهو مذهب اجلمور‪.‬‬ ‫‪ { :‬وال حيل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إال أن خيافا أن ال يقيما حدود اهلل فإن خفتم أن ال‬
‫وحجتهم عموم قوله تعاىل ‪ { :‬فال جناح عليهما فيما افتدت به} والذي يتناول القليل والكثري‪.‬‬ ‫يقيما حدود اهلل فال جناح عليهما فيما افتدت به } واملراد بعدم إقامة حدود اهلل ما شرعه اهلل من‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫حقوق وواجبات بني الزوجني‪.‬‬
‫ما قاله اجلمهور هو الراجح ولكن مع الكراهة‪.‬‬ ‫وقد قال طائفة كثرية من السلف وأئمة اخللف ‪ :‬إنه ال جيوز اخللع إال أن يكون الشقاق والنشوز‬
‫من جانب املرأة فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية ‪.‬‬
‫‪ 1‬تفسري ابن كثري‪1/365‬‬
‫‪47‬‬
‫احمللل بكسر الالم هو الذي يتزوج املطلقة ثالثا بقصد أن حيلها للزوج األول‪ ،‬وقد اختلف العلماء‬ ‫المطلقة ثالثا وكيف تحل للزوج األول‬
‫{فَِإ ن طَلَّ َقها فَالَ تَ ِح ُّل لَهُ ِمن ب ْع ُد حت ِ‬
‫يف هذا النكاح على أقوال‪:‬‬ ‫َّى تَنك َح َز ْوجاً غَْي َرهُ فَِإ ن طَلَّ َق َها فَالَ ُجنَ َ‬
‫اح َعلَْي ِه َما َأن‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول األول‪ :‬بطالن النكاح‪ ،‬وال حتل به للزوج األول‪ ،‬وال حتل حىت ينكحها الثاين نكاح رغبة‬ ‫ود اللّه ُيَبِّي ُن َها ل َق ْوم َي ْعلَ ُمو َ‪3‬ن }البقرة‪230‬‬ ‫ْك ُح ُد ُ‬‫ود اللّه َوتل َ‬ ‫اج َعا ِإن ظَنَّا َأن يُق َ‬
‫يما ُح ُد َ‬ ‫َيَت َر َ‬
‫يقصد به ما يقصد من كل نكاح من الدوام والبقاء‪ ،‬وبه قال مالك وأمحد‪.‬‬ ‫معىن اآلية‪:‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطالق مرتني فإهنا حترم عليه { حىت‬
‫‪ -1‬عن ابن مسعود? قال " لعن رسول اهلل ‪‬احمللل واحمللل له "الرتمذي وصححه‪.‬‬ ‫تنكح زوجا غريه } أي حىت يطأها زوج آخر يف نكاح صحيح فلو وطئها واطئ يف غري نكاح ولو‬
‫‪ -2‬عن عقبة بن عامر قال " قال رسول اهلل ‪‬أال أخربكم بالتيس املستعار قالوا بلى يا‬ ‫يف ملك اليمني مل حتل لألول ألنه ليس بزوج‪ ،‬وهكذا لو تزوجت ولكن مل يدخل هبا الزوج مل حتل‬
‫رسول اهلل قال هو احمللل لعن اهلل احمللل واحمللل له"‪. 5‬‬ ‫لألول‪.1‬‬
‫‪ -3‬عن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال ‪ :‬جاء رجل إىل ابن عمر فسأله عن رجل طلق‬ ‫فإن طلقها يعين الثاين فال جناح عليهما يعين املرأة والزوج األول إن ظنا أن يقيما حدود اهلل قال‬
‫امرأته ثالثا فتزوجها أخ له من غري مؤامرة منه ليحلها ألخيه هل حتل لألول ؟ فقال ‪ :‬ال‬ ‫طاووس ما فرض اهلل على كل واحد منهما من حسن العشرة والصحبة‪.2‬‬
‫إال نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول اهلل ‪.6‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -4‬درءا ملفاسد التحليل الكثرية واليت عقد ابن القيم يف إعالم املوقعني فصوال يف‬ ‫احلكم األول‪ :‬ضرورة دخول الزوج الثاين‪:‬‬
‫بياهنا‪.‬‬ ‫ذكرنا أن العلماء نصوا على ضرورة وطء الزوج الثاين لكي حتل لألول‪ ،‬وقد اشتهر بني كثري من‬
‫القول الثاين‪ :‬صحة النكاح‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬ ‫الفقهاء عن سعيد بن املسيب رمحه اهلل أنه يقول ‪ :‬حيصل املقصود من حتليلها لألول مبجرد العقد على‬
‫القول الثالث‪ :‬ال بأس أن يتزوجها ليحلها إذا مل يعلم الزوجان وهو مأجور وبه قال ربيعة بن‬ ‫الثاين قال ابن كثري‪" :‬ويف صحته عنه نظر"‪ ،3‬ولو صح فهو مردود مبا ثبت يف السنة عن عائشة‪ :‬أن‬
‫سعيد سامل و القاسم‪.‬‬ ‫رجال طلق امرأته ثالثا فتزوجت فطلق فسئل النيب صلى اهلل عليه وسلم أحتل لألول ؟ قال‪" :‬ال حىت‬
‫واستدلوا بأن النكاح صحيح‪ ،‬تكامل فيه شروطه وأركانه‪ ،‬كما أن الشارع حملال فهو مكروه‬ ‫يذوق عسيلتها كما ذاق األول"‪.4‬‬
‫وليس بباطل‪.‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬نكاح احمللل‪:‬‬

‫إمساك الزوجة ضرارا‬ ‫‪ 1‬السابق‬


‫‪ 2‬زاد املسري‪1/266‬‬
‫ابن ماجه ‪ ،1/623‬وصححه? احلاكم ووافقه الذهيب وحسنه األلباين‬ ‫‪5‬‬
‫‪1/373 3‬‬
‫احلاكم ‪ 2/217‬وقال على شرط الشيخني ووافقه الذهيب‬ ‫‪6‬‬
‫‪ 4‬البخاري‪5/2014‬‬
‫‪48‬‬
‫وف َأو س ِّرحوه َّن بِمعر ٍ‬
‫وف َوالَ‬ ‫‪‬وِإذَا طَلَّ ْقتم النَّساء َفبلَغْن َأجلَه َّن فََأم ِس ُكوه َّن بِمعر ٍ‬ ‫وف َأو س ِّرحوه َّن بِمعر ٍ‬
‫وف َوالَ‬ ‫‪‬وِإذَا طَلَّ ْقتم النَّساء َفبلَغْن َأجلَه َّن فََأم ِس ُكوه َّن بِمعر ٍ‬
‫ْ َ ُ ُ َ ُْ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ُُ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ ُ َ ُْ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ُُ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تُ ْم ِس ُك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ك َف َق ْد ظَلَ َم َن ْف َسهُ َوالَ َتتَّخ ُذ َواْ آيَات اللّه ُه ُزواً‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن ض َراراً لَت ْعتَ ُدواْ َو َمن َي ْف َع ْ‪3‬ل ذَل َ‬ ‫ِ‬
‫ك َف َق ْد ظَلَ َم َن ْف َسهُ َوالَ َتتَّخ ُذ َواْ آيَات اللّه ُه ُزواً‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن ض َراراً لَت ْعتَ ُدواْ َو َمن َي ْف َع ْ‪3‬ل ذَل َ‬ ‫تُ ْم ِس ُك ُ‬
‫ْم ِة يَِعظُ ُكم بِ ِه َو َّات ُقواْ اللّهَ‬ ‫ْكتَ ِ ِ‬
‫اب َوالْحك َ‬
‫ت الل ِّه َعلَي ُكم وما َأنز َل َعلَي ُكم ِّمن ال ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ ََ َ‬ ‫َواذْ ُك ُرواْ نِ ْع َم َ‬ ‫ْم ِة يَِعظُ ُكم بِ ِه َو َّات ُقواْ اللّهَ‬ ‫ْكتَ ِ ِ‬
‫اب َوالْحك َ‬
‫ت الل ِّه َعلَي ُكم وما َأنز َل َعلَي ُكم ِّمن ال ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ ََ َ‬ ‫َواذْ ُك ُرواْ نِ ْع َم َ‬
‫يم ‪‬البقرة‪231‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫وا ْعلَمواْ َّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫وا ْعلَمواْ َّ ِ‬
‫َأن اللّهَ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫يم ‪ ‬البقرة‪231‬‬ ‫َأن اللّهَ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫العضل يف اللغة يعين احلبس واملنع ظلماً يقال‪" :‬عضل املرأة عن الزوج حبسها‪ ،‬وعضل الرجل أميه‬ ‫هذا أمر من اهلل عز وجل للرجال إذا طلق أحدهم املرأة طالقا له عليها فيه رجعة أن حيسن يف‬
‫عضال وعضلها منعها الزوج ظلماً"(‪.)3‬‬ ‫ً‬ ‫يعضلها ويعضلها‬ ‫أمرها إذا انقضت عدهتا ومل يبق منها إال مقدار ما ميكنه فيه رجعتها فإما أن ميسكها أي يرجتعها إىل‬
‫وسبب نزوهلا أن معقل بن يسار رضي اهلل عنه قال‪":‬كنت زوجت أختاً يل من رجل‪ ،‬فطلقها‪،‬‬ ‫عصمة نكاحه مبعروف وهو أن يشهد على رجعتها وينوي عشرهتا باملعروف أو يسرحها أي يرتكها‬
‫حىت إذا انقضت? عدهتا جاء خيطبها‪ ،‬فقلت? له‪ :‬زوجتك وأفرشتك وأكرمتك‪ ،‬فطلقتها مث جئت‬ ‫حىت تنقضي عدهتا باليت هي أحسن من غري شقاق وال خماصمة وال تقابح قال اهلل تعاىل ‪ { :‬وال‬
‫ختطبها ! ال واهلل‪ ،‬ال تعود إليها أبداً‪ ،‬قال‪ :‬وكان رجالً ال بأس به‪ ،‬وكانت املرأة تريد أن ترجع إليه‪،‬‬ ‫متسكوهن ضرارا لتعتدوا } قال ابن عباس وغري واحد ‪ :‬كان الرجل يطلق املرأة فإذا قاربت انقضاء‬
‫فأنزل اهلل عز وجل هذه اآلية‪ ،‬فقلت? اآلن أفعل يارسول اهلل‪ ،‬فزوجتها إياه"(‪.)4‬‬ ‫العدة راجعها ضرارا لئال تذهب إىل غريه مث يطلقها فتعتد فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول‬
‫وقد اختلف املفسرون? يف هذا اخلطاب‪‬فال تعضلوهن‪ ‬على ثالثة أقوال‪-:‬‬ ‫عليها العدة فنهاهم اهلل عن ذلك وتوعدهم عليه فقال ‪ { :‬ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } أي‬
‫األول‪ :‬أنه خطاب لألزواج‪" ،‬ويكون معىن العضل منهم أن مينعوهن من أن يتزوجن من‬ ‫مبخالفته أمر اهلل تعاىل‪.1‬‬
‫أردن من األزواج بعد انقضاء عدهتن؛ حلمية اجلاهلية كما يقع كثرياً من السالطني وغريهم‪ ،‬غرية‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وال تتخذوا آيات اهلل هزوا } فيه قوالن‪:‬‬
‫على من كن حتتهم من النساء أن يصرن حتت غريهم"(‪" )5‬وقد يكون ذلك بأن يدس إىل من خيطبهن‬ ‫أحدمها‪ :‬أنه الرجل يطلق أو يراجع أو يعتق ويقول كنت العبا‪ ،‬روي عن عمر ‪.‬‬
‫ما خييفه أو ينسب إليهن ما ينفر الرجل من الرغبة فيهن"‪.‬‬ ‫والثاين أنه املضار بزوجته يف تطويل عدهتا باملراجعة والطالق قاله مسروق و مقاتل‪.2‬‬
‫بيد أن هذا القول سيقع يف إشكال وهو أن قوله تعاىل‪( :‬أزواجهن) يعين من قد تزوجوا هبن‪،‬‬ ‫وكالمها ال جيوز‪.‬‬
‫وهذا القول جيعل من مل يتزوج باملرأة قط هو املمنوع وللجواب على هذا اإلشكال محلوا األزواج‬
‫كثريا ما تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه(‪.)6‬‬ ‫على من يردن أن يتزوجنه‪ ،‬وقالوا بأن العرب ً‬
‫النهي عن العضل‬
‫‪ )?(3‬لسان العرب (‪)11/451‬‬
‫‪ )?(4‬صحيح البخاري رقم (‪ )4837‬وأسباب النزول للواحدي (‪)67‬‬
‫‪ )?(5‬فتح القدير (‪ )1/279‬بتصرف يسري‪ ،‬وينظر روح املعاين (‪)2/144‬‬ ‫ابن كثري ‪1/378‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )?(6‬انظر روح املعاين (‪)2/144‬‬ ‫زاد املسري‪1/267‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪49‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه خطاب لألولياء يف عضلهن أن يرجعن إىل أزواجهن الذين كانوا أزواجا هلن‬
‫أزواجا باعتبار ما كان "ويكون معىن إسناد الطالق إليهم أهنم سبب له لكوهنم املزوجني‬‫ً‬ ‫و مسوا‬
‫(‪)1‬‬
‫للنساء املطلقات من األزواج املطلقني هلن" ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬جلميع الناس‪ ،‬فيتناول عضل األزواج واألولياء مجيعاً(‪ )2‬قال أبو السعود‪" :‬وإما‬
‫للناس كافة فإن إسناد ما فعله واحد منهم إىل اجلميع شائع مستفيض‪ ،‬واملعىن‪ :‬إذا وجد فيكم طالق‬
‫فال يقع فيما بينكم عضل سواء كان ذلك من قبل األولياء أو من جهة األزواج‪ ،‬وفيه هتويل ألمر‬
‫العضل وحتذير منه وإيذان بان وقوع ذلك بني ظهرانيهم وهم ساكتون عنه مبنزلة صدوره عن الكل‬
‫يف استتباع الالئمة وسرابة الغائلة "(‪.)3‬‬
‫ولكن الذي يظهر رجحانه هو القول الثاين‪ ،‬ألن عليه مجهور املفسرين(‪ )4‬ولتأيده بسبب النزول‪،‬‬
‫واهلل اعلم‪.‬‬

‫‪ )?(1‬فتح القدير (‪ )1/279‬وينظر زاد املسري (‪ )1/269‬وروح املعاين (‪)2/144‬‬


‫‪ )?(2‬اختار الزخمشري هذا القول (الكشاف ‪ )1/140‬وينظر روح املعاين (‪)2/144‬‬
‫‪ )?(3‬تفسري أيب السعود (‪)1/229‬‬
‫‪ )?(4‬ينظر املصادر السابقة‪ ،‬واليت قبلها‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫أحكام الرضاع‬
‫احلكم األول‪ :‬هل جيب على األم إرضاع ولدها؟‬ ‫اعةَ‪ 3‬وعلَى الْمول ِ‬
‫ُود لَهُ‬ ‫َْ‬ ‫ضَ َ‬ ‫اد َأن يُتِ َّم َّ‬
‫الر َ‬ ‫ض ْع َن َْأوالَ َد ُه َّن َح ْول َْي ِن َك ِاملَْي ِن لِ َم ْن ََأر َ‬
‫ات ير ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬وال َْوال َد ُ ُ ْ‬
‫القول األول‪ :‬جيب على األم إرضاع ولدها يف حال الزوجية‪ ،‬واستثنوا الشريفة بالعرف‪ ،‬وأما‬ ‫آر والِ َدةٌ بِول ِ‬
‫َد َها َوالَ َم ْولُو ٌ‪3‬د لَّهُ‬ ‫س ِإالَّ ُو ْس َع َها الَ تُ َ‬ ‫وف الَ تُ َكلَّ ُ‬ ‫ِر ْز ُقه َّن وكِسو ُته َّن بِالْمعر ِ‬
‫َ‬ ‫ض َّ َ‬ ‫ف َن ْف ٌ‬ ‫ُ َ ْ َ ُ َ ُْ‬
‫املطلقة طالق بينونة فال رضاع عليها والرضاع على الزوج إال أن تشاء هي إرضاعه فهي أحق وهلا‬ ‫اح َعلَْي ِه َما َوِإ ْن‬ ‫اض ِّم ْن ُه َما َوتَ َش ُاو ٍر فَالَ ُجنَ َ‬
‫صاالً َعن َت َر ٍ‬ ‫ك فَِإ ْن َأر َ ِ‬
‫ادا ف َ‬ ‫َ‬ ‫ث ِمثْ ُل ذَلِ َ‬‫َد ِه و َعلَى الْوا ِر ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ب َول َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أجرة املثل‪ ،‬وهذا مذهب مالك‪.‬‬ ‫اح َعلَْي ُك ْم ِإذَا َسلَّ ْمتُم َّما آَت ْيتُم بِال َْم ْع ُروف َو َّات ُقواْ اللّهَ‬ ‫ََأردتُّ ْم َأن تَ ْسَت ْرضعُواْ‪َْ 3‬أوالَ َد ُك ْم فَالَ ُجنَ َ‬
‫وحجته ظاهر قوله تعاىل‪( :‬والوالدات يرضعن أوالدهن) وهذا خرب يراد به أمر‪ ،‬أي‪ :‬لريضعن‬ ‫ص ٌير{‪}233‬‬ ‫َأن اللّهَ بِما َت ْعملُو َن ب ِ‬ ‫َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬
‫َ َ َ‬
‫أوالدهن‪.‬‬ ‫يف املراد بالوالدات هنا أقوال‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال جيب على الوالدة إرضاع ولدها بل يندب هلا ذلك‪ ،‬إال إذا تعينت مرضعا بأن‬ ‫القول األول‪ :‬أنه خاص باملطلقات قاله سعيد بن جبري و جماهد‪.‬‬
‫كان ال يقبل غري ثديها‪ ،‬أو كان الوالد عاجزا عن استئجار مرضعة‪ ،‬أو قدر ولكنه مل جيد مرضعة‪،‬‬ ‫واستدلوا ‪:‬‬
‫وهذا مذهب اجلمهور‪.‬‬ ‫‪ -1‬بأن اآليات السابقة كانت يف أ حكام املطلقات وهذه وردت عقيبها تتمة هلا‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله تعاىل‪( :‬وإن تعاسرمت فسرتضع له أخرى) ولو كان اإلرضاع واجبا لكلفها? الشرع‬ ‫‪ -2‬بأن اهلل أوجب على الوالد رزقهن? وكسوهتن ولو كن أزواجا ملا كان هناك‬
‫به‪ ،‬وإمنا ندب هلا اإلرضاع ألن لنب األم أصلح للطفل? وشفقة األم عليه أكثر‪.‬‬ ‫حاجة هلذا اإلجياب‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬مدة الرضاع املوجب للتحرمي‪:‬‬ ‫‪ -3‬تعليل احلكم بالنهي عن املضارة بالولد يدل على أن املراد بالوالدات املطلقات‬
‫القول األول‪ :‬تحرمي الرضاع أن يكون يف احلولني وهذا قول الشافعي وأمحد وأكثر أهل العلم‪.‬‬ ‫ألن اليت يف عصمة الزوجية ال تضار ولدها‪.‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬خاص بالوالدات الزوجات يف حال بقاء النكاح وهو اختيار الواحدي‪.‬‬
‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل ‪ { :‬والوالدات يرضعن أوالدهن حولني كاملني ملن أراد أن يتم‬ ‫ودليلهم? أن املطلقة ال تستحق الكسوة وإمنا تستحق األجرة فلما قال تعاىل‪( :‬رزقهن وكسوهتن)‬
‫الرضاعة } فجعل متام الرضاعة حولني فيدل على أنه ال حكم هلا بعدمها ‪.‬‬ ‫دل على أن املراد هبن األمهات الزوجات‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن عائشة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فتغري‬ ‫القول الثالث‪ :‬املراد بالوالدات العموم? أي مجيع الوالدات سواء كن مزوجات أو مطلقات عمال‬
‫وجه النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول اهلل إنه أخي من الرضاعة فقال رسول‬ ‫بظاهر اللفظ فهو عام وال دليل على ختصيصه‪.1‬‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬انظرن من إخوانكن فإمنا الرضاعة من اجملاعة ] متفق عليه‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫‪ -3‬وعن أم سلمة قالت ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ال حيرم من الرضاع‬ ‫القول الثالث هو الراجح‪.‬‬
‫إال ما فتق األمعاء وكان قبل الفطام ] أخرجه الرتمذي‬
‫القول الثاين‪ :‬حيرم الرضاع يف ثالثني شهرا وبه قال أبو حنيفة ‪.‬‬ ‫روائع البيان ‪1/352‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -2‬وقال بعضهم? هو وارث املولود على اإلطالق من الرجال والنساء روي عن‬ ‫واستدل بقوله سبحانه ‪ { :‬ومحله وفصاله ثالثون شهرا } ومل يرد باحلمل محل األحشاء ألنه‬
‫أمحد بن حنبل‬ ‫يكون سنتني فعلم أنه أراد احلمل يف الفصال‪.‬‬
‫‪ -3‬هو من كان ذا رحم حمرم من ورثة املولود روي عن أيب حنيفة وايب يوسف‬ ‫القول الثالث‪ :‬ما كان بعد احلولني من رضاع بشهر أو شهرين أو ثالثة فهو من احلولني وحيكى‬
‫وحممد‪.‬‬ ‫عن مالك‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن املراد بالوارث هاهنا وارث الوالد روي عن احلسن والسدي ‪.‬‬ ‫القول الرابع‪ :‬قال زفر مدة الرضاع ثالث سنني‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن املراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة اآلخر روي عن سفيان ‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه أريد بالوارث الصيب نفسه والنفقة عليه فان مل ميلك شيئا فعلي عصبته‪.4‬‬ ‫الراجح قول اجلمهور لداللة اآلية (حولني كاملني) ‪.‬‬
‫ويف قوله تعاىل‪( :‬مثل ذلك) ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬تقدير نفقة املرضع‪:‬‬
‫أنه اإلشارة إىل أجرة الرضاع والنفقة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫دل قوله تعاىل‪ ( :‬وعلى املولود له رزقهن وكسوهتن باملعروف) على وجوب النفقة للمرضع على‬
‫أن اإلشارة بذلك إىل النهي عن الضرار ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫الزوج‪ ،‬والرزق هنا هو الطعام الكايف‪،1‬واملراد بالكسوة ‪ :‬ما يتعارفون به أيضا‪ 2‬وقوله ‪ ( :‬باملعروف )‬
‫أنه إشارة إىل مجيع ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫أي باملتعارف يف عرف الشرع من غري تفريط وال إفراط مث بني تعاىل أن اإلنفاق على قدر غىن الزوج‬
‫ويشهد هلذا أنه معطوف? على ما قبله وقد ثبت أن على املولود له النفقة والكسوة و أن ال‬ ‫ومنصبها بقوله تعاىل ‪ { :‬ال تكلف نفس إال وسعها }‪.‬‬
‫يضار فيجب أن يكون قوله مثل ذلك مشريا إىل مجيع ما على املولود له‪.5‬‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬نفقة الولد على الوالد‬
‫أحكام أخرى‪:‬‬ ‫أخذ الفقهاء من هذه اآلية (وعلى املولود له رزقهن) وجوب نفقة الولد على الوالد‪ ،‬ألن اهلل‬
‫هذا وقد اشتملت اآلية على أحكام أخرى وهي‪:‬‬ ‫أوجب نفقة املطلقة على الوالد يف زمن الرضاع ألجل الولد فتجب نفقته على أبيه ما دام صغريا مل‬
‫‪ -1‬يف قوله تعاىل‪( :‬وعلى املولود له) دليل على نسب األوالد لآلباء وهلذا وجب‬ ‫يبلغ سن التكليف‪.3‬‬
‫عليهم اإلنفاق‪.‬‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬وعلى الوارث مثل ذلك‬
‫‪ -2‬أن األب واألم إذا أرادا فطام الطفل قبل احلولني عن تراض وتشاور بينهما يف‬ ‫يف املراد بالوارث أربعة أقوال‪:‬‬
‫هذا األمر فجائز هلما ذلك ما مل يكن فيه إضرار بالطفل‪.‬‬ ‫أحدها‪ :‬أنه وارث املولود وهو قوال عطاء وغريه‪ ،‬واختلف أرباب هذا القول على أقوال‪:‬‬
‫‪ -3‬يف اآلية إشارة إىل استحباب أن تسري شؤون األسرة بالتشاور والرتاضي بني‬ ‫‪ -1‬فقال بعضهم? هو وارث املولود من عصبته كائنا من كان وهذا مروي عن عمر ‪.‬‬
‫الزوجني‪.‬‬
‫‪ 1‬القرطيب‪2/152‬‬
‫‪ 4‬زاد املسري‪1/270‬‬ ‫‪ 2‬فتح القدير ‪1/371‬‬
‫‪ 5‬املرجع السابق‬ ‫‪ 3‬روائع البيان ‪ 1/355‬والقرطيب ‪2/152‬‬
‫‪52‬‬
‫برهة من اإلسالم إذا تويف الرجل وخلف امرأته حامال أوصى هلا زوجها بنفقة سنة وبالسكىن ما‬ ‫‪ -4‬جيوز اختاذ الظئر –املرضع‪ -‬إذا اتفق األب واألم على ذلك دل عليه قوله تعاىل‬
‫مل خترج فتتزوج مث نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر وباملرياث ‪.‬‬ ‫(وإن أردمت أن تسرتضعوا أوالدكم فال جناح عليكم)‪.‬‬
‫وقال قوم ليس يف هذا نسخ وإمنا هو نقصان من احلول كصالة املسافر ملا نقصت من األربع‬ ‫‪ -5‬قوله تعاىل‪( :‬إذا سلمتم ما آتيتم باملعروف) ليس شرطا جلواز االسرتضاع وإمنا‬
‫إىل االثنتني مل يكن هذا نسخا ‪.‬‬ ‫هو ندب إىل األوىل‪ ،‬لتكون املرضع طيبة النفس راضية‪ ،‬فيعود ذلك على الصيب بالنفع‪.1‬‬
‫قال القرطيب‪ :‬وهذا غلط بني؛ ألنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا مل خترج فإن خرجت مل‬
‫متنع مث أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا وهذا هو النسخ وليست صالة املسافر من‬ ‫عدة الوفاة‬
‫ص َن بَِأن ُف ِس ِه َّن َْأر َب َعةَ َأ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً فَِإ ذَا َبلَغْ َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫هذا يف شيء‪ ،‬وقد قالت عائشة رضي اهلل عنها ‪ :‬فرضت الصالة ركعتني ركعتني فزيد يف صالة‬ ‫ين ُيَت َو َّف ْو َن من ُك ْم َويَ َذ ُرو َن َأ ْز َواجاً َيَت َربَّ ْ‬
‫‪َ ‬والذ َ‬
‫وف َواللّهُ بِ َما َت ْع َملُو َ‪3‬ن َخبِ ٌير{‪}234‬‬ ‫َأجلَه َّن فَالَ جنَاح َعلَي ُكم فِيما َفعلْن فِي َأن ُف ِس ِه َّن بِالْمعر ِ‬
‫احلضر وأقرت صالة السفر حباله‪.2‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫احلكم الثاين‪ :‬اإلحداد‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف الذي يرتبص عنه هذه املدة فقال يرتبصن عن النكاح والطيب والزينة‬
‫احلكم االول‪ :‬مدة عدة الوفاة‪:‬‬
‫والنقلة من املسكن‪.‬‬
‫ال ختلو املتوفاة عنها زوجها من أن تكون حائال أو حامال‪ ،‬ويف هذه اآلية بيان لعدة احلائل‬
‫وقال آخرون‪ :‬إمنا عدة املتوىف عنها زوجها أن ترتبص بنفسها عن األزواج خاصة فأما عن‬
‫وهي أربعة أشهر وعشر ليال‪ ،‬وأما احلامل فعدهتا وضع محلها لقوله? تعاىل (وأوالت األمحال‬
‫الطيب والزينة والنقلة من املنزل فلم تنه عن ذلك‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ويؤيد قول اجلمهور حديث‬
‫أجلهن أن يضعن محلهن) فهذه اآلية قد خصصت عموم (والذين يتوفون‪ )...‬هذا ما قاله‬
‫حفصة ابنة عمر زوج النيب ‪‬عن النيب ‪‬أنه قال ‪" :‬ال حيل المرأة تؤمن باهلل واليوم االخر أن حتد‬
‫اجلمهور‪.‬‬
‫فوق ثالث إال على زوج فإهنا حتد عليه أربعة أشهر وعشرا"‪.3‬‬
‫ولكن ذهب علي وابن عباس إىل أن احلامل تعتد بأبعد األجلني‪ ،‬فتكون هبذا قد عملت‬
‫واإلحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ولبس ما يدعوها إىل األزواج من ثياب وحلي‬
‫باآليتني واجلمع أول من الرتجيح‪.‬‬
‫وغري ذلك وهو واجب يف عدة الوفاة قوال واحدا‪ ،‬وال جيب يف عدة الرجعية قوال واحدا‪،‬‬
‫قال القرطيب‪ :‬وهذا نظر حسن لوال ما يعكر عليه من [ حديث سبيعة األسلمية وأهنا نفست‬
‫واستحبه الشافعية‪ ،‬وهل جيب يف عدة البائن فيه قوالن للشافعي? اجلديد عدمه‪ ،‬وجيب اإلحداد‬
‫بعد وفاة زوجها بليال وأهنا ذكرت ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأمرها أن تتزوج ]‬
‫على مجيع الزوجات املتوىف عنهن أزواجهن سواء يف ذلك الصغرية والآيسة واحلرة واألمة‬
‫واحلديث يف البخاري ومسلم‪.‬‬
‫واملسلمة والكافرة لعموم? اآلية‪ ،‬وأما احلامل فتحد مدة بقاء محلها‪.4‬‬
‫وأكثر العلماء على أن هذه اآلية ناسخة لقوله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون?‬
‫‪ 2‬اجلامع ألحكام القرآن ‪3/165‬‬ ‫أزواجا وصية ألزواجهم متاعا إىل احلول غري إخراج } [ البقرة ‪ ] 240 :‬ألن الناس أقاموا‬
‫‪ 3‬أخرجه مسلم ‪2/1123‬‬
‫‪ 4‬انظر تفسري القرآن العظيم‪ ،1/382‬ومغين احملتاج‪ ،3/393‬واملغين‪9/167‬‬ ‫السايس ‪1/277‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪53‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫خطبة المرأة‬
‫احلكم األول‪ :‬حكم خطبة النساء‪:‬‬ ‫ِّساء َْأو َأ ْكنَنتُ ْم فِي َأن ُف ِس ُك ْم َعلِ َم‬ ‫‪َ ‬والَ جنَاح َعلَي ُكم فِيما َع َّر ْ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ضتُم به م ْن خطْبَة الن َ‬ ‫ُ َ ْ ْ َ‬
‫النساء يف حكم اخلطبة على ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫وه َّن ِس ّراً ِإالَّ َأن َت ُقولُواْ َق ْوالً َّم ْع ُروفاً َوالَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللّهُ َأنَّ ُك ْم َستَ ْذ ُك ُرو َن ُه َّن َولَـكن الَّ ُت َواع ُد ُ‬
‫‪ -1‬جتوز خطبتها تعريضا وتصرحيا وهي اليت ليست يف عصمة أحد من األزواج‬ ‫َأن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما فِي َأن ُف ِس ُك ْم‬
‫َأجلَهُ َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َت ْع ِز ُمواْ عُ ْق َدةَ النِّ َك ِ‬
‫اب َ‬‫َّى َي ْبلُ َغ الْكتَ ُ‬
‫اح َحت َ‬
‫وليست يف العدة ألنه ملا جاز نكاحها جازت خطبتها‪.‬‬ ‫َأن اللّه غَ ُف ِ‬
‫يم{‪}235‬‬ ‫ور َحل ٌ‬ ‫اح َذ ُروهُ َوا ْعلَ ُمواْ َّ َ ٌ‬ ‫فَ ْ‬
‫‪ -2‬جتوز خطبتها ال تصرحيا وال تعريضا وهي اليت يف عصمة الزوجية فإن خطبتها‬
‫معىن اآلية‪:‬‬
‫وهي يف عصمة آخر إفساد للعالقة الزوجية وهو حرام وكذلك املطلقة رجعيا فإهنا يف‬
‫هذا خطاب ملن أراد الزواج بمعتدة‪ ،‬والتعريض اإلمياء والتلويح من غري كشف فهو إشارة بالكالم‬
‫حكم املنكوحة‪.‬‬
‫إلىك أن يقول إين أريد أن أتزوج أو أن يقول إنك جلميلة و إنك حلسنة وإنك إلىل خري‬
‫‪ -3‬جتوز خطبتها تعريضا ال تصرحيا وهي املعتدة يف الوفاة وهي اليت أشارت إليها‬
‫قوله تعاىل أو أكننتم يف أنفسكم أي أضمرمت‬
‫اآلية (وال جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) ومثلها املعتدة البائن املطلقة ثالثا‬
‫علم اهلل أنكم ستذكروهنن أي باخلطبة وال تصربون عنهن فأباح لكم التعريض‬
‫فيجوز التعريض هلا دون التصريح‪.2‬‬
‫ولكن ال تواعدوهن سرا يف املراد بالسر أقوال‪:‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬النكاح يف العدة‪:‬‬
‫‪ -1‬النكاح فاملعىن ال تواعدوهن بالتزويج وهن يف العدة تصرحيا إال أن تقولوا قوال‬
‫حرم اهلل تعاىل عقد النكاح يف العدة بقوله تعاىل ‪ { :‬وال تعزموا عقدة النكاح حىت يبلغ‬
‫معروفا ال تذكرون فيه رفثا وال نكاحا ‪.‬‬
‫الكتاب أجله } وهذا من احملكم اجملمع على تأويله أن بلوغ أجله انقضاء العدة‪ ،‬واتفق العلماء‬
‫‪ -2‬أن يقول هلا إين لك حمب وعاهديين أن ال تتزوجي غريي‬
‫على فساد العقد على املعتدة ووجوب فسخه ‪ ،‬واختلفوا يف تأبيد التحرمي بعد الفسخ على‬
‫‪ -3‬أن املراد بالسر الزىن‬
‫قولني‪:‬‬
‫‪ -4‬أن املعىن ال تنكحوهن يف عدهتن سرا فاذا حلت أظهرمت ذلك ‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬يتأبد التحرمي‪ ،‬فال حيل للزوج نكاحها أبدا وهو قول مالك‪.‬‬
‫ويف القول املعروف قوالن‪:‬‬
‫ودليله قضاء عمر بذلك‪ ،‬وألنه استعجل الشيء قبل أوانه فعوقب حبرمانه‪.‬‬
‫‪ -1‬التعريض هلا ‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يفسخ النكاح فإذا خرجت من العدة كان العاقد خاطبا من اخلطاب ومل يتأبد‬
‫‪ -2‬أنه إعالم وليها برغبته فيها ‪.‬‬
‫التحرمي‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫قوله تعاىل و التعزموا عقدة النكاح قال الزجاج معناه ال تعزموا على عقدة النكاح‬
‫حىت يبلغ الكتاب أجله أي انقضاء العدة‪.1‬‬

‫‪ 2‬روائع البيان ‪1/377‬‬ ‫‪ 1‬انظر زاد املسري‪1/275‬‬


‫‪54‬‬
‫وحكي القرطيب عن محاد بن سليمان أن هلا نصف صداق أمثاهلا واجلمهور على خالفه وأن‬ ‫وعللوا قوهلم بأن األصل أهنا ال حترم إال بدليل من كتاب أو سنة أو إمجاع وليس يف املسألة‬
‫ليس هلا إال املتعة مث اختلفوا يف وجوهبا كما سيأيت‬ ‫شيء من هذا‪ ،‬وإذا كان الزنا وهو أعظم من النكاح يف العدة ال حيرمها عليه حترميا مؤبدا‬
‫وهذا احلكم دلنا على أن الشريعة قد اعتربت النكاح عقدا الزما بالقول واعتربت املهر الذي‬ ‫فالوطء بشبهة أحرى بعدم التحرمي وأجابوا عما نقل عن عمر بأنه قد رجع عنه‪.‬‬
‫هو من متماته غري الزم مبجرد صيغة النكاح بل يلزم بواحد من أمرين إما بصيغة ختصه وهي‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫تعيني مقداره بالقول وهي املعرب عنها يف الفقه بنكاح التسمية‪ ،‬وإما بالفعل? وهو الشروع يف‬ ‫قول اجلمهور هو الراجح‪.‬‬
‫اجتناء املنفعة املقصودة? ابتداء من النكاح وهي املسيس فاملهر إذن من توابع العقود اليت ال تثبت‬ ‫حكم المطلقة قبل الدخول‬
‫مبجرد ثبوت متبوعها بل حتتاج إىل موجب آخر كاحلوز يف عقود التربعات‪.1‬‬ ‫وه َّن‬ ‫ضواْ ل َُه َّن فَ ِري َ‬
‫ضةً َو َمتِّعُ ُ‬ ‫وه ُّن َْأو َت ْف ِر ُ‬
‫س ُ‬‫َم تَ َم ُّ‬
‫ِّساء َما ل ْ‬ ‫ِإ َّ‬ ‫‪‬الَّ ُجنَ َ‬
‫اح َعلَْي ُك ْم ن طَل ْقتُ ُم الن َ‬
‫احلكم الثالث‪ :‬حكم املتعة‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين {‪}236‬‬ ‫َعلَى ال ُْموس ِع قَ َد ُرهُ َو َعلَى ال ُْم ْقت ِر قَ ْد ُرهُ َمتَاعاً بال َْم ْع ُروف َح ّقاً َعلَى ال ُْم ْحسن َ‬
‫اختلف يف املتعة املطلوبة للمطلقة? قبل املسيس وقبل الفرض أواجبة هي أم غري واجبة؟‬ ‫ال ختلو املطلقة قبل املسيس من حالتني‪ :‬إما أال يكون قد فرض هلا مهر‪ ،‬أو يكون قد فرض‪،‬‬
‫القول األول‪ :‬الوجوب‪ ،‬وهو قول احلنفية والشافعية واحلنابلة‪.‬‬ ‫وهذه اآلية بيان للحالة األوىل‪ ،‬وأما احلالة الثانية فتبينها اآلية الالحقة‪.‬‬
‫وحجتهم قوله تعاىل‪( :‬ومتعوهن) وقوله‪( :‬حقا على احملسنني)‪.‬‬ ‫معاين اآلية‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬مستحبة وهو قول مالك‪.‬‬ ‫‪ -‬ال يعرف إطالق اجلناح على غري معىن اإلمث ولذلك محله مجهور املفسرين هنا على نفي‬
‫وحجته قوله تعاىل‪( :‬حقا على احملسنني) ولو كانت واجبة لكانت حقا على اخللق أمجعني‪.‬‬ ‫اإلمث يف الطالق‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ -‬املراد باملس النكاح وبالفريضة الصداق‬
‫الراجح الوجوب لألمر هبا (ومتعوهن) وكأن اهلل جعل هلا املتعة يف مقابل ما جعل للمسمى?‬ ‫‪ -‬ومتعوهن أي أعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم على قدر أحوالكم يف الغىن والفقر‬
‫هلا من نصف الصداق‪ ،‬لئال يكون عقد نكاحها خليا عن عوض املهر‪ ،‬وجربا خلاطر املرأة‬ ‫واملتاع اسم ملا ينتفع به فذلك ‪ -‬معىن قوله تعاىل (على املوسع قدره وعلى املقرت قدره)‬
‫املنكسر بالطالق‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫وأما قوله‪( :‬حقا على احملسنني) فليبني أن مقتضى اإلحسان ذلك‪.2‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬عدم تسمية املهر‪:‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬مقدار املتعة‪:‬‬ ‫دلت اآلية على جواز عقد النكاح بغري تسمية مهر‪ ،‬وهو املسمى بنكاح التفويض ويوضحه‬
‫يف مقدار املتعة أقوال‪:‬‬ ‫احلكم التايل‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬أقلها درع ومخار وملحفة? وال تزاد على نصف املهر وبه قال أبو حنيفة‪.‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬هل للمطلقة قبل الدخول مهر‪:‬‬
‫‪ 1‬التحرير والتنوير‪1/676‬‬
‫أفادت اآلية حكما مبنطوقها ‪ :‬وهو أن املطلقة قبل البناء إذا مل يسم هلا مهر ال تستحق شيئا‬
‫‪ 2‬السايس ‪1/283‬‬ ‫من املال وهذا جممع عليه فيما حكاه ابن العريب ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫نصف الصداق ملا حلق الزوجة من دحض العقد ووصم احلل احلاصل للزوج بالعقد وقابل‬ ‫القول الثاين‪ :‬درع ومخار بقدر ما جتزئ فيه الصالة‪ ،‬وهو رواية عن أمحد‪.‬‬
‫املسيس باملهر الواجب‪.1‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬يستحب أن ال تنقص املتعة " عن ثالثني درمها " أو ما قيمته ذلك‪ ،‬وهذا أدىن‬
‫احلكم الثاين‪ :‬عفو الزوجة عن الصداق‪:‬‬ ‫املستحب وأعاله خادم وأوسطه ثوب‪ ،‬ويسن أن ال تبلغ نصف مهر املثل‪ ،‬فإن بلغته أو جاوزته‬
‫إذا عفت املرأة عن صداقها الذي هلا على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه وهي جائزة‬ ‫جاز إلطالق اآلية وهذا مذهب الشافعية‪.‬‬
‫األمر يف ماهلا جاز ذلك وصح بال خالف لقول اهلل تعاىل ‪ { :‬إال أن يعفون } يعين الزوجات‪.2‬‬ ‫القول الرابع‪ :‬ليس للمتعة حد معروف يف قليلها وال كثريها‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬املراد مبن بيده عقدة النكاح‪:‬‬ ‫القول اخلامس‪ :‬هي بقدر يسار الزوج وإعساره (على املوسع قدره وعلى املقرت قدره) وهي‬
‫اختلف العلماء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬ ‫مقدرة باجتهاد احلاكم‪ ،‬وهي رواية عن أمحد‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬الويل‪ ،‬فيكون املعىن أو يسقط الويل نصف املهر إن مل تكن الزوجات مالكات‬ ‫لمن ينصف المهر؟‬
‫أنفسهن‪ ،‬وذلك األب يف ابنته البكر أو السيد يف أمته‪ ،‬فيجوز لألب العفو عن نصف صداق ابنته‬ ‫ضتُ ْم َإالَّ َأن‬‫ف َما َف َر ْ‬ ‫ص ُ‬‫ضةً فَنِ ْ‬
‫ضتُ ْم ل َُه َّن فَ ِري َ‬
‫وه َّن َوقَ ْد َف َر ْ‬
‫س ُ‬‫وه َّن ِمن َق ْب ِل َأن تَ َم ُّ‬
‫‪َ ‬وِإن طَلَّ ْقتُ ُم ُ‬
‫اح وَأن َتع ُفواْ َأقْر ِ‬ ‫ِ‬
‫البكر إذا طلقت بلغت احمليض أم مل تبلغه‪ ،‬وهذا قول مالك والشافعي يف القدمي‪.‬‬ ‫ض َل َب ْينَ ُك ْم‬
‫نس ُواْ الْ َف ْ‬
‫ب ل َّلت ْق َوى َوالَ تَ َ‬‫َ ُ‬ ‫َي ْع ُفو َ‪3‬ن َْأو َي ْع ُف َو الَّ ِذي بِيَ ِده عُ ْق َدةُ النِّ َك ِ َ ْ‬
‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬ ‫ص ٌير{‪}237‬‬ ‫ِإ َّن اللّهَ بِما َت ْعملُو َن ب ِ‬
‫َ َ َ‬
‫‪ -1‬أن الويل بعد الطالق هو الذي بيده عقدة النكاح لكوهنا قد خرجت عن يد‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫الزوج‬ ‫احلكم األول‪ :‬أنواع املطلقات‪:‬‬
‫‪ -2‬أن اهلل تعاىل ذكر عفو النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده‬ ‫وضحت اآليات السابقة أنواع املطلقات وأهنن أربع ‪:‬‬
‫‪ -1‬مطلقة مدخول هبا مفروض هلا وقد ذكر اهلل حكمها قبل هذه اآلية وأنه ال يسرتد‬
‫عقدة النكاح عنه ليكون املعفو عنه يف املوضعني واحدا ‪.‬‬
‫منها شيء من املهر وأن عدهتا ثالثة قروء ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن اهلل تعاىل بدأ خبطاب األزواج على املواجهة بقوله ‪ :‬وإن طلقتموهن من‬
‫‪ -2‬مطلقة غري مفروض هلا وال مدخول هبا وهي املذكورة يف اآلية السابقة يف شأهنا‬
‫قبل أن متسوهن‪ - ‬مث قال‪ :‬أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح‪ ‬وهذا خطاب غري‬
‫وأهنا ال مهر هلا بل أمر الرب تعاىل بإمتاعها وبني يف سورة ( األحزاب ) أن غري املدخول‬
‫حاضر‪.‬‬
‫هبا إذا طلقت? فال عدة عليها ‪.‬‬
‫ولقدمي الشافعي شروط وهي‪:‬‬ ‫‪ -3‬مطلقة مفروض هلا غري مدخول هبا ذكرتها هذه اآلية ‪.‬‬
‫‪ .1‬أن يكون الويل أبا أو جدا ملكان شفقتهما‪ ،‬واقتصر أمحد على األب‪.‬‬ ‫‪ -4‬مطلقة مدخول هبا غري مفروض هلا ذكرها اهلل يف قوله ‪ { :‬فما استمتعتم به منهن‬
‫اجلامع ألحكام القرآن ‪3/158‬‬ ‫‪1‬‬ ‫فآتوهن أجورهن } [ النساء ‪ ] 24 :‬فذكر تعاىل يف هذه اآلية واليت قبلها مطلقة? قبل‬
‫املغين ‪8/70‬‬ ‫‪2‬‬ ‫املسيس وقبل الفرض ومطلقة? قبل املسيس وبعد الفرض فجعل لألوىل املتعة وجعل للثانية‬
‫‪56‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬عفو من بيده عقدة النكاح‪:‬‬ ‫أن يكون قبل الدخول ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بعد ذكر اخلالف يف املراد مبن بيده عقدة النكاح فإن قلنا إنه الزوج فال إشكال‪ ،‬وإذا قلنا‬ ‫أن تكون بكرا صغرية عاقلة ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫بأنه الويل فهنا يتوجه إشكال هو‪ :‬هل حيق للويل أن يتصرف يف مال صغريته أو يتيمته؟‬ ‫أن يكون بعد الطالق ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الصحيح أنه ليس للويل التنازل عن حقوق موليته بتاتا إذ إن املهر حق خالص للزوجة وهي‬ ‫أن يكون الصداق دينا يف ذمة الزوج مل يقبض‬ ‫‪.5‬‬
‫ال ختلو من حالتني‪ :‬إما أن تكون بالغة راشدة فليس ألحد غريها التصرف يف ماهلا والعفو عنه‬ ‫القول الثاين‪ :‬الزوج‪ ،‬فيكون املعىن إال أن يعفو املطلقات أو يعفو الزوج عن نصف الصداق‬
‫ولو كان أباها‪ ،‬كما يعلم هذا من الشرع عموما وهلذا قال اهلل لألزواج ‪َ  :‬والَ حَيِ ُّل لَ ُك ْم َأن‬ ‫فيجعل املهر كله هلا‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة والشافعي يف اجلديد وهو املعتمد عند أصحابه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مِم‬
‫ت بِهِ‪ ‬وقال سبحانه يف شأن املهر‪  :‬فَِإن طنْب َ‬ ‫تَْأ ُخ ُذواْ َّا آَتْيتُ ُم ُ‬
‫وه َّن َشْيئاً ‪‬إىل أن قال‪:‬ا ْفتَ َد ْ‬ ‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬
‫لَ ُك ْم َعن َش ْي ٍء ِّمْنهُ َن ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َّم ِريئاً‪‬النساء‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬أن اخلطاب يف أول اآلية لألزواج فلو أراد الزوج لقال‪ :‬أو يعفو ‪ ،‬وال موجب‬
‫أما إذا كانت الزوجة قاصرا فال جيوز كذلك عفو الويل إذ حرم عليه الشرع األكل من ماهلا‬ ‫ملخالفة مقتضى الظاهر‪.‬‬
‫ف َو َمن َكا َن فَِقرياً َفْليَْأ ُك ْل‬
‫إال إذا كان فقريا فيأكل باملعروف ‪َ ‬و َمن َكا َن َغنِيّاً َفْليَ ْسَت ْع ِف ْ?‬ ‫‪ -2‬أن (يعفون) مبعىن يسقطن‪ ،‬و(يعفو الثانية مبعىن يسقط أيضا وال يكون كذلك إال‬
‫وف‪ ‬أي بقدر حاجته‪.‬‬ ‫بِالْمعر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫إذا كان الذي بيده عقدة النكاح هو الويل أما إذا كان هو الزوج فيكون مبعىن يعطي‪ ،‬وهذا‬
‫وألجل هذا كله ذهب بعض القهاء إىل القول بأن من بيده عقدة النكاح هو الزوج‪ ،‬وميكن‬ ‫هو الراجح‪.‬‬
‫أن يقال بأنا وإن قلنا بأن املراد به هو الويل فيجوز له العف ولكن يتحمل هو تبعات هذا العفو‬ ‫‪ -3‬أن اهلل تعاىل قال ‪ :‬وأن تعفوا أقرب للتقوى‪ ‬والعفو الذي هو أقرب إىل‬
‫أي يتحمل نصف املهر يؤديه للزوجة‪.‬‬
‫التقوى هو عفو الزوج عن حقه أما عفو الويل عن مال املرأة فليس هو أقرب إىل‬
‫أما القائلون بأنه الويل فصرح بعضهم كعيسى بن دينار بأهنا ال ترجع بشيء منه على أبيها‪،‬‬
‫التقوى‪.‬‬
‫وبعضهم مل ينقل عنه شيء‪.‬‬
‫‪ -4‬أن املهر مال للزوجة فال ميلك الويل هبته وإسقاطه كغريه من أمواهلا‬
‫احلكم اخلامس‪ :‬تقرر املهر باخللوة‪:‬‬ ‫وحقوقها وكسائر األولياء‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف املسيس املراد باآلية على أقوال‪:‬‬ ‫‪ -5‬لإلمجاع على أن الويل لو أبرأ الزوج من املهر قبل الطالق مل جيز فكذلك‬
‫القول األول‪ :‬يتقرر املهر باخللوة الصحيحة‪ ،‬وطئ أو مل يطأ وحدها أن ال يكون هناك مانع‬ ‫بعده ‪.‬‬
‫مينعه من وطئها طبعا وال شرعا حىت إذا كان أحدمها مريضا مرضا مينع اجلماع أو صائما يف‬ ‫‪ -6‬أمجعوا على أن الويل ال ميلك أن يهب شيئا من ماهلا واملهر ماهلا‬
‫‪ -7‬أمجعوا على أن من األولياء من ال جيوز عفوهم وهو بنو العم وبنو اإلخوة‬
‫فكذلك األب‬
‫‪57‬‬
‫واختلف العلماء يف تعيني الصالة الوسطى على عدة أقوال الصحيح منها أهنا صالة العصر ملا صح‬ ‫رمضان أو حمرما أو كانت هي حائضا ال تصح اخللوة لقيام املانع طبعا أو شرعا‪ ،1‬وهذا مذهب‬
‫يف مسلم? عن علي قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪‬يوم األحزاب شغلونا عن الصالة الوسطى صالة العصر مأل‬ ‫احلنفية واحلنابلة‪.‬‬
‫اهلل بيوهتم وقبورهم نارا مث صالها بني العشاءين بني املغرب والعشاء‪.2‬‬ ‫وحجتهم إمجاع الصحابة رضي اهلل عنهم فقد روى اإلمام أمحد و غريه بإسناده عن زرارة‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫بن أوىف قال قضى اخللفاء الراشدون املهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سرتا فقد وجب املهر‬
‫دل قوله تعاىل‪( :‬فَإ ْن ِخ ْفتُ ْم فَ ِر َجاالً َْأو ُر ْكبَاناً) على جواز الصالة حال القتال راجال أو راكبا زال‬ ‫ووجبت العدة‪ ،‬ومل خيالفهم أحد يف عصرهم فكان إمجاعا‬
‫تبطل بالقتال‪ ،‬ويسقط استقبال القبلة وهذا مذهب اجلمهور‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يستقر املهر إال بالوطء‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إىل أن الصالة تبطل بالقتال‪ ،‬وما قاله اجلمهور هو الراجح لآلية‪ ،‬وملا صح يف‬ ‫وحجته‪:‬‬
‫مسلم? عن ابن عمر‪ " :‬فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجاال وقياما على أقدامهم أو ركبانا‬ ‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل ‪ { :‬وإن طلقتموهن? من قبل أن متسوهن وقد فرضتم هلن فريضة‬
‫مستقبلي? القبلة أو غري مستقبليها"‪.‬‬ ‫فنصف ما فرضتم } وهذا قد طلقها? قبل أن ميسها ‪.‬‬
‫متعة المطلقات‪3‬‬ ‫‪ -2‬قال تعاىل ‪ { :‬وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إىل بعض } واإلفضاء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين{‪}241‬‬ ‫ْمطَلَّ َقات َمتَاعٌ بال َْم ْع ُروف َح ّقاً َعلَى ال ُْمتَّق َ‬
‫‪َ ‬ولل ُ‬ ‫اجلماع وألهنا مطلقة مل متس أشبهت من مل خيل به‪.‬‬
‫اختلف العلماء املوجبون للمتعة ألي املطلقات جتب املتعة على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬واجبة لكل مطلقة وهو قول الشافعي‪.‬‬ ‫القول الثاين هو الراجح‪ ،‬لداللة القرآن عليه‪ ،‬واخللوة ليس فيها مس‪.‬‬
‫واحتج مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم تعاىل ‪ :‬وللمطلقات متاع باملعروف حقا على املتقني‪. ‬‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل لنبيه عليه السالم ‪ { :‬قل ألزواجك } ‪ -‬إىل قوله ‪ { -‬فتعالني‬
‫أمتعكن وأسرحكن }‬ ‫المحافظة على الصالة في األمن وغيره‬
‫القول الثاين‪ :‬جتب لكل مطلقة إال املطلقة اليت فرض هلا صداقا ومل ميسها فإنه جيب هلا نصف ما‬ ‫ين{‪ }238‬فَإ ْن ِخ ْفتُ ْم فَ ِر َجاالً‬ ‫والصالَ ِة الْو ْسطَى وقُ ِ ِ ِِ‬
‫ومواْ للّه قَانت َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ات َّ‬ ‫الصلَو ِ‬
‫‪َ ‬حافظُواْ َعلَى َّ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫فرض روي عن ابن عمر والقاسم ابن حممد وشريح‬ ‫َْأو ُر ْكبَاناً فَِإ َذا َأمنتُ ْم فَا ْذ ُك ُرواْ اللّهَ َك َما َعلَّ َم ُكم َّما ل ْ‬
‫َم تَ ُكونُواْ َت ْعلَ ُمو َن{‪.}239‬‬
‫القول الثالث‪ :‬جتب للمطلقة? قبل الدخول إذا مل يسم هلا مهرا فان دخل هبا فال متعة وهلا مهر املثل‬ ‫هذا خطاب جلمع األمة واآلية أمر باحملافظة على إقامة الصلوات يف أوقاهتا جبميع شروطها‬
‫روي عن األوزاعي والثوري وأيب حنيفة و أمحد بن حنبل‪.‬‬ ‫واحملافظة هي املداومة على الشيء واملواظبة عليه‪.‬‬

‫‪ 2‬مسلم ‪1/463‬‬ ‫‪ 1‬املبسوط‪4/81‬‬


‫‪58‬‬
‫‪ -1‬ربا القرض‪ :‬وهو الذي كان معروفا يف اجلاهلية‪ ،‬وهو أن يقرضه قدرا معينا من‬ ‫واستدلوا بقوله تعاىل ‪  :‬ال جناح عليكم إن طلقتم? النساء ما مل متسوهن أو تفرضوا هلن فريضة‬
‫املال إىل زمن حمدود كشهر أو سنة مثال مع االشرتاط الزيادة فيه نظري امتداد األجل‪ ،‬وهو‬ ‫ومتعوهن‪ ‬مث قال ‪ :‬وإن طلقتموهن? من قبل أن متسوهن وقد فرضتم هلن فريضة فنصف ما فرضتم‪‬‬
‫املمارس اآلن يف البنوك الربوية‪.‬‬ ‫فخص األوىل باملتعة والثانية بنصف املفروض مع تقسيمه النساء قسمني وإثباته لكل قسم حكما‬
‫‪ -2‬ربا الفضل‪ :‬كبيع الدينار بدينارين والدرهم بدرمهني‪.‬‬ ‫فيدل ذلك على اختصاص كل قسم حبكمه وهذا خيص ما ذكروه وحيتمل أن حيمل األمر باملتاع يف‬
‫‪ -3‬ربا النسيئة كبيع دينار ناجز بدينار غائب‪،‬‬ ‫غري املفوضة على االستحباب لداللة اآليتني اللتني ذكرنامها على نفي وجوهبا مجعا بني داللة اآليات‬
‫وأدخل بعضهم? ربا اجلاهلية يف ربا الفضل‪ ،‬وأدخله آخرون يف ربا النساء‪ ،‬وجعلوا القسمة‬ ‫واملعىن فإنه عوض واجب يف عقد فإذا مسي فيه عوض صحيح مل جيب غريه كسائر عقود املعاوضة‪.1‬‬
‫ثنائية‪.‬‬ ‫القول الرابع‪ :‬مستحبة وال جتب على احد سواء مسي للمرأة أو مل يسم دخل هبا أو مل يدخل وهو‬
‫وحترمي هذه األصناف متفق عليه بني أهل العلم إال ما كان من خالف ابن عباس يف ربا الفضل إذ‬ ‫قول مالك والليث‪.‬‬
‫كان جييزه بناء على حديث أسامة "إمنا الربا يف النسيئة" مث رجع عن هذا القول ملا مسع حديث عبادة‬ ‫واستدلوا بقوله تعاىل‪( :‬حقا على احملسنني) (حقا على املتقني) أي على املتفضلني املتجملني وما‬
‫بن الصامت أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ ( :‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة? والرب بالرب والشعري بالشعري‬ ‫كان من باب اإلمجال واإلحسان والتقوى فليس بواجب‪.‬‬
‫والتمر بالتمر وامللح بامللح مثال مبثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف‬
‫شئتم إذا كان يدا بيد ) رواه مسلم‪.‬‬
‫فنص‪ ‬على ستة أعيان فحرم فيها النساء حترميا مطلقا‪ ،‬وحرم فيها التفاضل إذا اتفق‬
‫اجلنسان‪.‬‬
‫أما حديث أسامة فمحمول على اختالف اجلنس‪ ،‬فإن النسيئة حينئذ حترم ويباح التفاضل‬ ‫الرب ــا‬
‫كبيع احلنطة بالشعري‪.‬‬ ‫س َذلِ َ‬
‫ك بِ ََّأن ُه ْم‬ ‫الش ْيطَا ُن ِم َن ال َْم ِّ‬
‫وم الَّ ِذي َيتَ َخبَّطُهُ َّ‬
‫ومو َ‪3‬ن ِإالَّ َك َما َي ُق ُ‬ ‫ين يَْأ ُكلُو َن ِّ‬
‫الربَا الَ َي ُق ُ‬
‫َّ ِ‬
‫‪‬الذ َ‬
‫ِ‬ ‫قَالُواْ ِإنَّ َما الَْب ْي ُع ِمثْ ُل ِّ‬
‫وقد اتفق أهل العلم على العمل حبديث عبادة إال ما ذهب إليه مالك من أن الرب والشعري‬ ‫انت َه َى َفلَهُ َما‬ ‫الربَا فَ َمن َجاءهُ َم ْوعظَةٌ ِّمن َّربِِّه فَ َ‬
‫َأح َّل اللّهُ الَْب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬‫الربَا َو َ‬
‫جنس واحد فال جيوز فيهما التفاضل واحتج بعمل أهل املدينة‪.‬‬ ‫اب النَّا ِر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َن{‪ }275‬يَ ْم َح ُق اللّهُ ال ِّْربَا‬ ‫َأص َح ُ‬‫ك ْ‬ ‫ف َو َْأم ُرهُ ِإلَى الل ِّه َو َم ْن َع َ‬
‫اد فَ ُْأولَـِئ َ‬ ‫َسلَ َ‬
‫ثانيا‪ :‬علة الربا‪:‬‬ ‫ب ُك َّل َك َّفا ٍر َأثِ ٍيم{‪}276‬‬ ‫ات َواللّهُ الَ يُ ِح ُّ‬ ‫الص َدقَ ِ‬ ‫َو ُي ْربِي َّ‬
‫اختلف العلماء يف قياس غري األصناف الستة عليها‪ ،‬فذهب الظاهرية إىل أهنا ليست معللة?‬ ‫أوال‪ :‬معنى الربا وأنواعه‪:‬‬
‫وقصروا احلرمة عليها فقط‪.‬‬ ‫الربا يف اللغة هو الزيادة ويف الشرع يقع على أنواع هي‪:‬‬
‫وذهب اجلمهور من أهل العلم إىل إحلاق غريها هبا ولكنهم اختلفوا يف العلة‪ ،‬واملسألة طويلة‬
‫الذي وسنختصر اخلالف فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬املغين‪8/47‬‬
‫‪59‬‬
‫التفاضل ك ? ? ??أن يص? ? ? ??رف ‪10‬لاير س? ? ??عودي بعش? ? ??رين ميين‪ ،‬إذ إن كل عملة تعترب جنسا‬ ‫‪ -1‬احلنفية واحلنابلة‪ :‬أن علة الربا الكيل والوزن? مع احتاد اجلنس‪.‬‬
‫خمتلفة‪.‬‬ ‫‪ -2‬املالكية‪ :‬علة التفاضل يف الذهب والفضة احتاد اجلنس والثمنية‪ ،‬ويف غريمها احتاد‬
‫‪ -3‬احلل??ول‪ :‬فال جيوز أن يش??رتط أح??دمها أو مها مجيعا ت??أخري التق??ابض‪،‬‬ ‫اجلنس والطعام املقتاد املدخر غالب العيش‪ ،‬ويف النساء الطعم‪.‬‬
‫سواء احتدا جنسا أو اختلفا‪ ،‬ألن قبض البدلني مستحق قبل االفرتاق‪.‬‬ ‫‪ -3‬الشافعية‪ :‬يف النقدين احتاد اجلنس والثمنية‪ ،‬ويف غريمها احتاد اجلنس والطعم‪.‬‬
‫وهناك أقوال أخرى ولكل دليله وملريد املزيد مراجعة كتب الفقه‪.‬‬
‫ودليل ما سبق ما رواه أبو سعيد اخلدري أن رس??ول اهلل ص??لى اهلل عليه وس??لم ق??ال‪:‬‬
‫ربوية العمالت الورقية‪:‬‬
‫"لا تبيعوا الذهب بالذهب إال مثال مبثل وال تشفوا بعض??ها على بعض‪ 2‬وال ت??بيعوا منها‬
‫ذهب املالكية والش ??افعية إىل أن علة الثمنية يف ال ??ذهب والفضة قاص ??رة وغري متعدية‬
‫غائبا بناجز"‪.3‬‬
‫أي ال جيوز التعليل هبا يف غري ما ورد وهو ال ? ??ذهب والفضة لكوهنما مثني ? ??ان باخللق ? ? ??ة‪?،‬‬
‫ثالثا‪ :‬حتويل النقود‪:‬‬ ‫وحيكى عن مالك أنه علل بالثمنية املطلقة أي ميكن التعليل هبذه العلة وي? ??دخل الربا يف‬
‫من اخلدمات املص??رفية حتويل النق??ود مقابل مبلغ من النق??ود يأخ??ذه البنك عن عملية‬ ‫كل ما اعترب مثنا لألش ??ياء وقيما للمتلف ??ات‪ ،‬وال ??ذي ق ??رره اجملمع الفقهي الت ??ابع للم ??ؤمتر‬
‫التحويل في ??دفع البنك ش ??يكا مقابل اس ??تالم النق ??ود ليقبض ص ??احب الش ??يك النق ??ود يف‬ ‫اإلس?المي‪ :‬أن العملة الورقية اعتبارية فيها ص??فة الثمينة كاملة‪ ،‬وهلا األحك??ام الش??رعية‬
‫البلد اآلخر أو من بنك آخ ? ? ? ??ر‪ ،‬فيقيد ه ? ? ??ذا البنك املبلغ يف س ? ? ??جالته‪ ،‬فهل ختل ه ? ? ? ??ذه‬ ‫املق ??ررة لل ??ذهب والفضة من حيث أحك ??ام الربا والزك ??اة والس ??لم وس ??ائر أحكامهما‪،1‬‬
‫املعاملة يف الربا؟‬ ‫وه? ??ذا هو الص? ??حيح‪ ،‬وعليه نق ??ول ختضع العملة الورقية ألحك? ??ام الص? ??رف‪ ،‬واملقص? ??ود‬
‫قرر اجملمع الفقهي التابع للمؤمتر قيام الشيك مقام القبض يف صرف النقود بالتحويل يف املصارف‪،‬‬ ‫بالص ? ? ??رف? هو بيع العمالت بعض ? ? ??ها ببعض‪ ،‬وللص ? ? ??رف ض ? ? ??وابط جيب مراعاهتا ويف‬
‫وقرر االكتفاء بالقيد يف دفاتر املصرف عن القبض ملن يريد استبدال عملة أخرى مودعة يف‬ ‫خمالفتها الوقوع يف الربا‪ ،‬وهذه الضوابط وهي‪:‬‬
‫املصرف‪.4‬‬ ‫‪ -1‬التقابض‪ :‬إي قبض البدلني (الثمن واملثمن) قبل االفرتاق باألبدان بأن‬
‫ين{‪ }2783‬فَِإ ن‬ ‫ِِ‬ ‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َوذَ ُرواْ َما بَِق َي ِم َن ِّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الربَا ِإن ُكنتُم ُّمْؤ من َ‬ ‫ين َ‬
‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬ ‫يقوم أحدمها من جملسه أو أن خيرج من الغرفة واملسألة عرفية‪.‬‬
‫وس َْأم َوالِ ُك ْم الَ تَظْلِ ُمو َن‬ ‫ِ ِ ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َّ‬
‫ل ْم َت ْف َعلُواْ فَْأ َذنُواْ ب َح ْرب ِّم َن اللّه َو َر ُسوله َو ن ُت ْبتُ ْم َفلَ ُك ْم ُرُؤ ُ‬ ‫‪ -2‬التماث ??ل‪ :‬أي ال جيوز أن يزيد أح ??دمها عن اآلخر عند احتاد اجلنس‬
‫ص َّدقُواْ َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم ِإن‬ ‫والَ تُظْلَمو َن{‪ }279‬وِإن َكا َن ذُو عُسر ٍة َفنَ ِظرةٌ ِإلَى مي ٍ‬
‫س َرة َوَأن تَ َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فيح ? ??رم مبادلة ‪ 10‬لاير ميين بعش ? ??رين ري ? ??اال مينيا أيض ? ??ا‪ ،‬أما إذا اختلف اجلنس فيج? ? ??وز‬
‫أي ال تفضلوا والشف الزيادة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم ‪3/1208‬‬ ‫‪3‬‬

‫جملة اجملمع ع ‪8/72‬‬ ‫‪4‬‬


‫القرار التاسع‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪60‬‬
‫إخراج الفائدة وعدم االنتفاع هبا‪ ،‬فإن خشي أو ظن من نفسه استعماله واالنتفاع به حرم عليه‬ ‫ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن{‪َ }280‬و َّات ُقواْ َي ْوماً ُت ْر َجعُو َن فِ ِيه ِإلَى الل ِّه ثُ َّم ُت َوفَّى ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س َّما‬
‫األخذ‪.‬‬ ‫ت َو ُه ْم الَ يُظْلَ ُمو َن{‪}281‬‬
‫سبَ ْ‬
‫َك َ‬
‫املراد بالربا هنا هو ربا اجلاهلية‪ ،‬وقال ‪ ‬يف حجة الوداع ‪":‬أال أن كل ربا من ربا اجلاهلية‬
‫موضوع لكم رؤوس أموالكم ال تظلمون? وال تظلمون"‪.1‬‬
‫فردهم تعاىل مع التوبة إىل رؤوس? أمواهلم وقال هلم ‪ :‬ال تظلمون? يف أخذ الربا وال تظلمون يف أن‬
‫يتمسك بشيء من رؤوس أموالكم فتذهب أموالكم‪.2‬‬
‫فإن كانت باقية بعينها أخذوها‪ ،‬وإن كانت تالفة أخذوا من الغرمي عوضها إن كان موسرا وإن‬
‫كان ذو عسرة وجب إنظاره إىل ميسرة وحرم مطالبته ومالزمته والصدقة أفضل من الصرب‪.3‬‬
‫ويف العصر احلاضر تقوم البنوك إعطاء فوائد ربوية عن املال املودع لديها فهل جيوز أخذه؟‬
‫دل قوله تعاىل‪ :‬فلكم رؤوس? أموالكم‪ ‬على حرمة أخذ الزيادة (الربا) وأن ليس له إال ماله‪،‬‬
‫ولكن ذهب بعض املعاصرين إىل جواز أخذ الزيادة من البنوك الربوية وتفريقها يف سبل اخلري يف غري‬
‫املساجد وحنوها‪ ،‬معلال قوله بأن يف ترك املال هلذه البنوك إعانة هلا على االستمرار بل وعلى زيادة‬
‫االستثمار فهو ربح جماين قدمه هلا املودع التقي!!‬
‫ورد على هذا القول آخرون وشنعوا عليه حبجة خمالفته للنص القرآين اآلمر بأخذ رأس املال دون‬
‫زيادة‪.‬‬
‫والذي يرتجح أنه إذا حصل املودع على الفائدة الربوية دون طلب أو غفلة منة منذ البداية حيث‬
‫مل يذكر يف أوراق املعاملة عدم رغبته يف الفائدة‪ ،‬جيوز له أخذها ولكن جيب عليه إنفاقها على الفقراء‬
‫واملساكني ودور األيتام‪ ،‬واملصابني بالكوارث وحنوهم‪ ،‬وال جيوز أن يبين هبا مسجدا أو يطبع‬
‫مصحفا‪ ،‬وحنوها‪ ،‬أو ينوي هبا الزكاة‪ ،‬بل إخراج الفائدة هو للتخلص من املال احلرام‪ ،‬فال يعين أنه‬
‫مأجور هبذه اإلنفاق‪ ،‬ولكي ال يساهم يف مناء األموال الربوية‪ ،‬هذا ملن يعلم من نفسه قدرته على‬
‫‪ 1‬أبو داود‪2/264‬‬
‫‪ 2‬القرطيب ‪3/240‬‬
‫‪ 3‬تيسري البيان للموزعي ‪1/506‬‬
‫‪61‬‬
‫أمر اهلل بكتابة الدين فاختلف العلماء يف وجوبه وندبه على قولني‪:‬‬ ‫آيـة الـدَّين‬
‫ب بِال َْع ْد ِل‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫القول األول ‪ :‬الوجوب‪ ،‬فيجب على من له أو عليه الدين أن يكتبه إذا وجد كاتبا وأن‬ ‫َأج ٍل ُّم َس ًّمى فَا ْكتُبُوهُ َولْيَكْتُب َّب ْينَ ُك ْم َكات ٌ‬ ‫آمنُواْ ِإذَا تَ َدايَنتُم بِ َديْ ٍن ِإلَى َ‬‫ين َ‬ ‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يشهد وبه قال الظاهرية‪.‬‬ ‫ب َولْيُ ْمل ِل الَّذي َعلَْيه ال َ‬
‫ْح ُّق َولْيَت َِّق اللّهَ َربَّهُ َوالَ‬ ‫ب َك َما َعلَّ َمهُ اللّهُ َفلْيَكْتُ ْ‬ ‫ب َأ ْن يَكْتُ َ‬‫ْأب َكات ٌ‬ ‫َوالَ يَ َ‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫يع َأن يُ ِم َّل ُه َو َفلْيُ ْملِ ْل‬ ‫ِ‬ ‫يب َخس ِم ْنهُ َشيئاً فَإن َكا َن الَّ ِذي َعلَي ِه الْح ُّق س ِفيهاً َأو َ ِ‬
‫ضعيفاً َْأو الَ يَ ْستَط ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل‪( :‬وال يأب كاتب أن يكتب كما علمه اهلل فليكتب)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْش ِه ُدواْ َش ِهي َديْ ِن من ِّر َجال ُك ْم فَ ن ل ْم يَ ُكونَا َر ُجلَْي ِن َف َر ُج ٌل َو ْام َرَأتَان م َّمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوليُّهُ بال َْع ْدل َو ْ‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل‪( :‬فليس عليكم جناح أال تكتبوها) فلما رخص يف ترك الكتابة عند‬ ‫الش َه َداء ِإ َذا َما ُدعُواْ‬ ‫ْأب ُّ‬ ‫اه َما اُأل ْخ َرى َوالَ يَ َ‬ ‫اه َما َفتُ َذ ِّك َر ِإ ْح َد ُ‬
‫ض َّل ْإ ْح َد ُ‬ ‫ض ْو َن ِم َن ُّ‬
‫الش َه َداء َأن تَ ِ‬ ‫َت ْر َ‬
‫حضور التجارة برفع اجلناح دل على أن األمر على احلتم‪.‬‬ ‫اد ِة َوَأ ْدنَى َأالَّ‬ ‫ْوم لِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫والَ تَسَأمواْ َأن تَكْتبوه ص ِغيراً َأو َكبِيراً ِإلَى َأجلِ ِه ذَلِ ُكم َأقْس ُ ِ‬
‫لش َه َ‬ ‫ط عن َد اللّه َوَأق ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ ُ َ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫القول الثاين‪ :‬الكتابة واإلشهاد بالدين غري منسوخ‪ ،‬وبه قال اجلمهور‪.‬‬ ‫وها َوَأ ْش ِه ُد ْواْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫اح َأالَّ تَكْتُبُ َ‬
‫س َعلَْي ُك ْم ُجنَ ٌ‬ ‫َت ْرتَابُواْ الَّ َأن تَ ُكو َن ت َج َارةً َحاض َرةً تُد ُيرو َن َها َب ْينَ ُك ْم َفلَْي َ‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫ض َّ ِ‬
‫سو ٌق بِ ُك ْم َو َّات ُقواْ اللّهَ َو ُي َعلِّ ُم ُك ُم اللّهُ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ب َوالَ َش ِهي ٌد َو ن َت ْف َعلُواْ‪ 3‬فَ نَّهُ فُ ُ‬ ‫آر َكات ٌ‬ ‫ِإ َذا َتبَ َاي ْعتُ ْم َوالَ يُ َ‬
‫َّه َاد ِة َو َْأدىَن َأالَّ َت ْرتَابُوا) وهذا إرشاد‬ ‫ط ِع َند اللّ ِه وَأقْ ِ‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل‪( :‬ذَلِ ُك ْم َأقْ َس ُ‬
‫وم للش َ‬ ‫َ ُ‬ ‫يم{‪}282‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َواللّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫إىل دفع التظامل وحفظ املال‪ ،‬وعدم الريبة يف حفظه بالشهادة وتقومي الشهادة على وجهها‪.‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫ض ُكم َب ْعضاً َفْلُيَؤ ِّد الَّ ِذي اْؤ مُتِ َن ََأما َنتَهُ)‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬قوله تعاىل‪( :‬فَِإ ْن َأم َن َب ْع ُ‬ ‫اشتملت هذه اآلية على مجلة وفرية من األحكام وهي كالتايل‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬الدين إىل أجل‪:‬‬
‫ما ذهب إليه اجلمهور هو الراجح ويدل له ما صح يف السنة عن عمارة بن خزمية أن عمه‬ ‫أحل اهلل سبحانه املداينة إىل أجل مسمى‪ ،‬فيدخل يف ذلك بيع السلعة املعينة بثمن إىل أجل‬
‫حدثه وهو من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أن النيب ‪‬ابتاع فرسا من أعرايب واستتبعه‬ ‫مسمى وبيع السلعة يف الذمة إىل أجل مسمى وهو السلم‪.1‬‬
‫ليقبض مثن فرسه فأسرع النيب ‪‬وأبطأ األعرايب وطفق الرجال يتعرضون لألعرايب فيسومونه‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬األجل‬
‫بالفرس وهم ال يشعرون أن النيب ‪‬ابتاعه حىت زاد بعضهم? يف السوم على ما ابتاعه به منه فنادى‬ ‫يف اآلية تنبيه على أنه ال جيوز املداينة إال إىل أجل مسمى‪ ،‬فأما األجل اجملهول فال يكتب‬
‫األعرايب النيب ‪‬فقال‪ :‬إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإال بعته فقام النيب ‪‬حني مسع نداءه فقال‬ ‫لعدم صحته ملا فيه من الغرر‪ ،‬وعلى هذا اتفق أهل العلم وإمنا اختلفوا يف التوقيت باألوقات‬
‫أليس قد ابتعته منك قال ال واهلل ما بعتكه فقال النيب ‪:‬قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنيب‬ ‫املعلومة? الوقت اجملهولة املقدار كاحلصاد واملوسم‪ ،‬فمنعه أبو حنيفة والشافعي وأجازه مالك‬
‫‪‬وباألعرايب ومها يرتاجعان‪ ،‬وطفق األعرايب يقول‪ :‬هلم شاهدا يشهد أين قد بعتكه قال خزمية بن‬ ‫ورأى غرره يسريا كنقصان? الشهور‪.‬‬
‫ثابت‪ :‬أنا أشهد أنك قد بعته قال‪ :‬فأقبل النيب ‪‬على خزمية فقال‪ :‬بم تشهد؟ قال‪ :‬بتصديقك يا‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬كتابة الدين واإلشهاد عليه‪:‬‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قال فجعل رسول اهلل ‪‬شهادة خزمية شهادة رجلني‪.2‬‬
‫‪ 2‬أبو داود ‪ ،3/208‬والنسائي‪ ،7/301‬وصححه األلباين‬ ‫‪ 1‬املوزعي ‪1/507‬‬
‫‪62‬‬
‫احلكم السابع‪ :‬حكم االستشهاد‪:‬‬ ‫فلو كان اإلشهاد واجبا ملا بايع رسول اهلل‪ ‬من غري شهود‪.‬‬
‫ان مِم َّن‬
‫قال تعاىل‪( :‬واستَ ْش ِه ُدواْ َش ِه َيدي ِن من ِّرجالِ ُكم فَِإن مَّل ي ُكونَا رجلَ ِ َفرجل وامرَأتَ ِ‬
‫ْ َ َ ُ نْي َ ُ ٌ َ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫احلكم الرابع‪:‬الكتابة‪:‬‬
‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اُألخَرى) اشتملت هذه اجلملة على مجلة‬ ‫ُّه َداء َأن تَض َّل ْإ ْح َدامُهَا َفتُ َذ ِّكَر ْح َدامُهَا ْ‬
‫ض ْو َن م َن الش َ‬
‫َت ْر َ‬ ‫ذكر اهلل سبحانه األمر بالكتابة وهنى الكاتب عن االمتناع من أن يكتب كما علمه اهلل فقال‬
‫ب َك َما َعلَّ َمهُ اللّهُ) وال حيفى أن القيام‬ ‫ِ‬ ‫(ولْيكْتُب َّبينَ ُكم َكاتِ ِ ِ‬
‫أحكام‪:‬‬ ‫ب َأ ْن يَكْتُ َ‬ ‫ب بالْ َع ْدل َوالَ يَْأ َ‬
‫ب َكات ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ‬
‫احلكم الثامن‪ :‬شهادة الكافر‪:‬‬ ‫بالكتابة للصكوك? وحفظ احلقوق فرض على الكفاية كالقيام بالشهادة قد جعلها اهلل سبحانه‬
‫ختصيص الشهادة برجالنا يقتضي أنه ال جيوز شهادة غري رجالنا‪ ،‬وقد اتفق أهل العلم على أن‬ ‫قرينة للشهادة وإن كانت الشهادة آكد بدليل شرطيتها يف النكاح‪ ،‬وبأنه جيب على احلاكم‬
‫شهادة الكافر غري جائزة يف الديون واملعامالت‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف جواز شهادة أهل الذمة على‬ ‫اإلشهاد مبا تقرر عنده من احلق ويف وجوب الكتابة خالف واألصح عند الشافعية واجلمهور‬
‫مثلهم فأجازها احلنفية‪ 5‬خالفا للجمهور‪.‬‬ ‫الندب‪.1‬‬
‫احلكم التاسع‪ :‬شهادة الصبيان‪:‬‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬العدل يف الكتابة‪ :‬أوجب اهلل سبحانه على الكاتب العدل فيما يكتب وبني‬
‫ختصيص الشهادة بالرجال يقتضي أن الصبيان ال جتوز شهادهتم وعلى هذا اتفق أهل العلم إال‬ ‫اهلل سبحانه طريق العدل فأمر الرشيد الكامل أن ميلي بنفسه وليتق اهلل وال يبخس منه شيئا وأمر‬
‫يف شهادة بعضهم? على بعض يف القتال واجلراح فخالف‪:‬‬ ‫الويل أن ميلي عن املوىل عليه إذا كان سفيها أو مبذرا مفسدا للمال أو ضعيفا غبيا أمحق أو ال‬
‫القول األول‪ :‬جتوز شهادة الصبيان مامل يتفرقوا أو خيتلفوا وبه قال مالك‪.‬‬ ‫يستطيع اإلمالء جلنون أو صغر أو عي فأقام القيم عليهم مقامهم?‪.2‬‬
‫واستدل بعمل أهل املدينة فقال‪ " :‬هو األمر عندنا اجملتمع عليه"‪.6‬‬
‫قال ابن رشد‪" :‬ليست يف احلقيقة شهادة عند مالك وإمنا هي قرينة حال ولذلك اشرتط فيها‬ ‫احلكم السادس‪ :‬احلجر على السفيه‪:‬‬
‫أن ال يتفرقوا لئال جيبنوا"‪.7‬‬ ‫هذا اخلطاب ظاهر يف أن السفيه الذي ال يصلح املال يكون أمره إىل وليه وأنه يرد عليه‬
‫وقد ذكر املالكية تسعة شروط يف قبول شهادة الصبيان وهي‪ -1 :‬أن يكونوا ممن يعقل‬ ‫احلجر بعد البلوغ إما ابتداء أو دواما مع حجر الصبا وهبذا قال مالك والشافعي‪.‬‬
‫الشهادة ‪ -2‬وأن يكونوا أحرارا ‪ -3‬ذكورا ‪ -4‬حمكوما هلم باإلسالم ‪ -5‬وأن يكون املشهود‬ ‫وذهب أبو حنيفة إىل أنه ال يبتدأ عليه بعد البلوغ رشيدا وإن بذر واستدلوا حبديث حبان بن‬
‫‪3‬‬
‫به جرحا أو قتال ‪ -6‬وأن يكون ذلك بينهم خاصة ال لكبري على صغري وال لصغري على كبري‬ ‫منقذ فقد كان خيدع يف البيع والشراء فقال له رسول اهلل‪" :‬قل ال خالبة وأنت باخليار ثالثا"‬
‫ومل مينعه من التصرف‪ ،‬وسيأيت الكالم على هذه املسألة يف أوائل سورة النساء‪.4‬‬

‫‪ 1‬املوزعي ‪1/511‬‬
‫‪ 5‬املبسوط‪6/148‬‬ ‫‪ 2‬املوزعي ‪1/511‬‬
‫‪ 6‬القرطيب ‪1/355‬‬ ‫‪ 3‬أخرجه البخاري ‪ 2/745‬ومسلم ‪3/1165‬‬
‫‪ 7‬بداية اجملتهد‪1/1273‬‬ ‫‪ 4‬املوزعي ‪1/511‬‬
‫‪63‬‬
‫قال ابن املنذر‪ :‬واتفقوا مجيعا على قبول شهادهتن مفردات فيما ال يطلع عليه الرجال‬ ‫‪ -7‬وأن يكونوا اثنني فأكثر ‪ -8‬وأن يكون ذلك قبل تفرقهم وحتبيهم ‪ -9‬وأن تكون شهادهتم‬
‫كاحليض والوالدة واالستهالل وعيوب النساء‪ ،5‬ولكنهم اختلفوا يف العدد املقبول‪:‬‬ ‫متفقة غري خمتلفة‪.1‬‬
‫فعند اجلمهور ال بد من أربع‪.‬‬ ‫‪-7‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬عدم قبوهلا وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫وعن مالك وبن أيب ليلى يكفي شهادة اثنتني ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬ ‫واستدلوا بقوله تعاىل‪( :‬من رجالكم) وقوله‪( :‬ممن ترضون) وقوله‪( :‬ذوي عدل منكم) وهذه‬
‫وعن الشعيب والثوري جتوز شهادهتا وحدها يف ذلك وهو قول‬ ‫‪-9‬‬ ‫الصفات ليست يف الصيب‪.2‬‬
‫احلنفية‪.6‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬قبوهلا مطلقا‪ ،‬وحيكى عن إياس بن معاوية‪.3‬‬
‫كما اختلفوا يف بعض الصور اليت يذهب البعض إىل أهنا مما يطلع عليها الرجال‬ ‫احلكم العاشر‪ :‬شهادة الفاسق‪:‬‬
‫كالرضاع حيث ذهب أبو حنيفة على أنه جيوز أن يطلع عليه حمارم املرأة من الرجال فال‬ ‫ختصيص الشهادة باملرضي من الشهداء يقتضي أنه ال جيوز غريه‪ ،‬وقد أمجع أهل العلم على‬
‫يثبت بالنساء منفردات كالنكاح‪ ،‬كما روي عنه أن شهادهتن منفردات ال تقبل يف‬ ‫قبول شهادة العدل هلذه اآلية ولقوله تعاىل‪( :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم) وعلى رد شهادة‬
‫استهالل املولود عند الوالدة حبجة أنه يكون بعد الوالدة وخالفه يف ذلك صاحباه وأكثر‬ ‫الفاسق لقوله? تعاىل‪( :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق فتبينوا) وإمنا اختلفوا يف تفصيل العدالة‬
‫أهل العلم‪ ،‬ألنه يكون حال الوالدة ويتعذر حضور الرجل فأشبه الوالدة نفسها‪.‬‬ ‫فذهب اجلمهور إىل أهنا امتثال أوامر اهلل واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫قال أبو عبيد أما اتفاقهم على جواز شهادهتن يف األموال فلآلية املذكورة وأما اتفاقهم على‬ ‫وذهب أبو حنيفة إىل أهنا ظاهر اإلسالم ما مل يعلم جرحه أو فسقه‪ ،‬وهو حمجوج هبذه اآلية‬
‫منعها يف احلدود والقصاص فلقوله تعاىل‪( :‬فان مل يأتوا بأربعة شهداء)‬ ‫ألن اهلل سبحانه شرط يف الشهيدين أن يكونا ممن نرضامها والرضا صفة زائدة عليهما‪.4‬‬
‫وأما اختالفهم يف النكاح وحنوه فمن أحلقها باألموال فذلك ملا فيها من املهور والنفقات وحنو‬ ‫احلكم احلادي عشر‪ :‬شهادة النساء مع الرجال‪:‬‬
‫ذلك ومن أحلقها باحلدود فألهنا تكون استحالال للفروج? وحترميها هبا‪.7‬‬ ‫شهادة النساء مع الرجال جتوز عند احلنفية يف األموال والطالق والنكاح والرجعة والعتق‬
‫احلكم الثاين عشر‪ :‬اليمني مع الشاهد‪:‬‬ ‫وكل شيء إال احلدود والقصاص‪.‬‬
‫تدل اآلية على أن الشهادة نوعان‪ :‬شهادة رجلني‪ ،‬وشهادة رجل وامرأتني وهذه الداللة‬ ‫وعند املالكية جتوز يف األموال وتوابعها خاصة وال تقبل يف أحكام األبدان مثل احلدود‬
‫تقتضي حصر احلجة يف ذلك‪ ،‬وأن اليمني مع الرجل الواحد ال يقوم هبا احلق‪ ،‬واملسألة فيها‬ ‫والقصاص والنكاح والطالق والرجعة والعتق‪.‬‬
‫قوالن‪:‬‬ ‫وقال الشافعي ال جتوز شهادة النساء مع الرجال يف غري األموال‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬ال جيوز القضاء بالشاهد واليمني‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪.‬‬
‫‪ 1‬التلقني ‪538‬‬
‫‪ 5‬الفتح ‪5/266‬‬ ‫‪ 2‬انظر القرطيب ‪ ،1/355‬واملوزعي‪1/512‬‬
‫‪ 6‬السابق ‪5/266‬‬ ‫‪ 3‬اجلصاص ‪2/225‬‬
‫‪ 7‬السابق ‪5/266‬‬ ‫‪ 4‬املوزعي‪1/512‬‬
‫‪64‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال تقبل شهادة الوالد لولده‪ ،‬وتقبل شهادة العدو على عدوه‪ ،‬وحيكى عن أيب‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫حنيفة‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن الشهادة قسمان كما ذكرها اهلل يف هذه اآلية ومل يذكر الشاهد واليمني‪ ،‬فال‬
‫وعلل هذا القول بأن العداوة ال متنع الشهادة ألهنا ال ختل بالعدالة كالصداقة‪.‬‬ ‫جيوز القضاء بالشاهد واليمني ألنه حينئذ يكون قسما ثالثا للشهادة مع أن اهلل مل يذكر هلا‬
‫القول الثالث‪ :‬ال تقبل شهادة العدل يف احلاالت السابقة‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫إال قسمني‪.‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -2‬حديث "شاهداك أو ميينه" وال جيوز عليه‪ ‬أال يستويف أقسام احلجة للمدعي ألنه‬
‫‪ -1‬ما روته عائشة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ال جتوز شهادة خائن‬ ‫وقت البيان‪.‬‬
‫وال خائنة وال ذي غمر على أخيه وال ظنني يف قرابة وال والء"‪ 1‬و الظنني املتهم واألب‬ ‫القول الثاين‪ :‬جيوز القضاء بالشاهد واليمني‪ ،‬وبه قال اجلمهور‪.‬‬
‫يتهم لولده‪ ،‬ألن ماله كماله‪ ،‬واحلديث أخص من اآليات فتخص به‪.‬‬ ‫واستدلوا حبديث ابن عباس يف مسلم أن رسول اهلل‪ ‬قضى باليمني مع الشاهد‪.‬‬
‫‪ -2‬أن بني الوالد وولده بعضية فكأنه يشهد لنفسه وهلذا قال عليه السالم ‪" :‬فاطمة‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫بضعة مين يريبين ما راهبا" ‪.‬‬ ‫قول اجلمهور هو الراجح لداللة السنة‪ ،‬وأما عدم ذكر ذلك يف القرآن فال يعين عدم‬
‫‪2‬‬
‫‪ -3‬أن الوالد متهم يف الشهادة لولده? كتهمة العدو يف الشهادة على عدوه ‪.‬‬ ‫مشروعيته بل للسنة التشريع كالقرآن‪ ،‬وقد أيت األحناف من قاعدهتم اليت خالفهم فيها مجاهري‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫أهل العلم بأن الزيادة على النص نسخ‪ ،‬وملا رأوا أن يف احلديث زيادة على النص القرآين ردوه‬
‫احلق عدم قبول شهادة األب البنه والعكس‪ ،‬وعدم قبول شهادة "العدو على عدوه لقيام‬ ‫لكونه من وجهة نظرهم ناسخ لنص القرآن‪ ،‬ومع رد اجلمهور هلذه القاعدة فقد جاروا األحناف‬
‫الدليل على ذلك واألدلة ال تعارض مبحض اآلراء وليس للقائل بالقبول دليل مقبول"‪.3‬‬ ‫هنا وقالوا بأن الشاهد واليمني ليس قسما ثالثا للشهادة إمنا هو باعتبار أن القضاء باليمني‬
‫وإسقاط الشاهد ترجيح جلانب املدعي‪ ،‬كما ردوا على قول احلنفية من عدم ذكر هذا يف القرآن‬
‫إضافة إىل الرد السابق من كون السنة تستقل بالتشريع أن القضاء عند احلنفية جيوز بالنكول وهو‬
‫احلكم الرابع عشر‪( :‬وال يأب الشهداء إذا ما دعوا)‪:‬‬
‫قسم ثالث ليس له يف القرآن ذكر‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف املراد هبذه اجلملة على أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬ال يأب الشهداء عن حتمل الشهادة إذا حتملوا‪ ،‬ومسوا شهداء هنا جمازا باعتبار ما‬ ‫احلكم الثالث عشر‪ :‬شهادة العدل مع قيام التهمة‪:‬‬
‫سيؤولون? إليه‪.‬‬ ‫تعميم اخلطاب يقتضي قبول شهادة العدل مع قيام التهمة كشهادة الوالد لولده والعدو على‬
‫عدوه واملسألة خالفية‪:‬‬
‫‪ 1‬رواه أمحد وأبو داود وحسنه األلباين‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬تقبل شهادة العدل يف احلاالت السابقة وهو قول داود‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر املغين ‪12/65‬‬
‫واستدلوا بعموم? اآليات‪ ،‬وألنه تقبل شهادته يف غري هذا فتقبل شهادته فيه كاألجنيب‬
‫‪ 3‬نيل األوطار‪9/154‬‬
‫‪65‬‬
‫احلكم السادس عشر‪ :‬مضارة الكاتب والشهيد‪:‬‬ ‫الثاين‪ :‬إىل إقامتها وأدائها عند احلكام بعد أن تقدمت شهادهتم هبا‪ ،‬والتسمية بشهداء هنا‬
‫قوله تعاىل‪( :‬وال يضار كاتب وال شهيد) يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو للمفعول‪:‬‬ ‫حقيقية‪.‬‬
‫فعلى األول معناه ‪ :‬ال يضارر كاتب وال شهيد من طلب? ذلك منهما إما بعدم اإلجابة أو‬ ‫الثالث‪ :‬إىل حتملها و إىل أدائها‪.‬‬
‫بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان? يف كتابه ويدل على هذا قراءة عمر بن اخلطاب وابن‬ ‫رجح البعض كابن العريب محلها على املعىن األول لكون حالة األداء مبينة يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫عباس وابن أيب إسحاق وال يضارر ‪-‬بكسر الراء األوىل‪.-‬‬ ‫(ومن يكتمها فإنه آمث قلبه)‪.1‬‬
‫وعلى الثاين ال يضارر كاتب وال شهيد بأن يدعيا إىل ذلك ومها مشغوالن مبهم هلما ويضيق‬ ‫ورجح آخرون كاآللوسي محلها على املعىن الثاين لعدم إحتياجه إىل إرتكاب اجملاز‪.2‬‬
‫عليهما يف اإلجابة ويؤذيا إن حصل منهما الرتاخي أو يطلب منهما احلضور من مكان بعيد‬ ‫وحيتمل أن يراد املعنيان بناء على قاعدة عموم اجملاز فيحمل اللفظ على حقيقته وجمازه‪.‬‬
‫ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود? وال يضارر ‪-‬بفتح الراء األوىل‪ -‬وصيغة املفاعلة تدل على‬ ‫واختلفوا يف اقتضاء هذا النهي على أقوال‪:‬‬
‫اعتبار األمرين مجيعا‪.6‬‬ ‫‪ -1‬أن فعل ذلك ندب‪.‬‬
‫مث قال سبحانه‪ { :‬وإن تفعلوا } يعين املضارة { فإنه فسوق بكم } أي معصية?‪ ،‬فالكاتب‬ ‫‪ -2‬فرض كفاية‪.‬‬
‫والشاهد يعصيان بالزيادة أو النقصان وذلك من الكذب املؤذي يف األموال واألبدان وفيه إبطال‬ ‫‪ -3‬فرض عني‪.‬‬
‫احلق وكذلك إذايتهما إذا كانا مشغولني معصية? وخروج عن الصواب من حيث املخالفة ألمر‬ ‫قال الشوكاين‪" :‬وظاهر هذا النهي أن االمتناع من أداء الشهادة حرام"‪ 3‬والصحيح التفصيل‬
‫اهلل‪.7‬‬ ‫فيقال بأنه "إذا دعي ألدائها فعليه اإلجابة إذا تعينت وإال فهو فرض كفاية"‪.4‬‬

‫الرهن‬ ‫احلكم اخلامس عشر‪ :‬كتابة البيع الناجز‪:‬‬


‫ض ُكم َب ْعضاً َفل ُْيَؤ ِّد‬ ‫ضةٌ‪ 3‬فَِإ ْن َِأم َن َب ْع ُ‬‫َم تَ ِج ُدواْ َكاتِباً فَ ِر َها ٌن َّم ْقبُو َ‬
‫‪َ ‬وِإن ُكنتُ ْم َعلَى َس َف ٍر َول ْ‬ ‫دل قوله تعاىل ‪ { :‬إال أن تكون جتارة حاضرة تديروهنا بينكم فليس عليكم جناح أن ال‬
‫اد َة َو َمن يَكْتُ ْم َها فَِإ نَّهُ آثِ ٌم َقلْبُهُ َواللّهُ بِ َما‬ ‫الَّ ِذي اْؤ تُ ِم َن ََأما َنتَهُ َولْيَت َِّق اللّهَ َربَّهُ َوالَ تَكْتُ ُمواْ َّ‬
‫الش َه َ‬ ‫تكتبوها } أنه إذا كان البيع باحلاضر يدا بيد فال بأس بعدم الكتابة لبعده حينئذ عن التنازع‪،‬‬
‫يم ‪‬البقرة‪283‬‬ ‫ِ‬ ‫"واحلرج هنا ليس اإلمث إمنا هو الضرر الطارئ برتك اإلشهاد من التنازع‪.5‬‬
‫َت ْع َملُو َ‪3‬ن َعل ٌ‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫‪ 1‬ابن العريب ‪1/338‬‬
‫احلكم األول‪ :‬مشروعية الرهن ولزومه‪:‬‬ ‫‪ 2‬روح املعاين ‪3/60‬‬
‫‪ 3‬فتح القدير‪1/452‬‬
‫‪ 6‬فتح القدير‪ ،1/452‬والقرطيب ‪1/3/372‬‬ ‫‪ 4‬تفسري ابن كثري‪1/446‬‬
‫‪ 7‬القرطيب ‪1/372‬‬ ‫‪ 5‬ابن العريب ‪1/342‬‬
‫‪66‬‬
‫عن القبض ثانيا والرهن يراد للوثيقة? ليتمكن من بيعه واستيفاء دينه من مثنه فإذا مل يكن يف يده‬ ‫يف هذه اآلية دليل على مشروعية الرهن يف السفر‪ ،‬وعلى اشرتاط قبضه (فرهان مقبوضة)‬
‫مل يتمكن من بيعه ومل حتصل وثيقة"‪.2‬‬ ‫وهذا مما ال خالف فيه لكنهم اختلفوا يف وجه االشرتاط على قولني‪:‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬اشرتاط السفر وعدم الكاتب‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أن القبض شرط يف لزوم الرهن وصحته‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫ذهب أهل الظاهر إىل اشرتاط السفر وعدم الكاتب لصحة الرهن‪ ،‬فال جيوز الرهن عندهم‬ ‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬
‫عند وجود الكاتب وال جيوز يف احلضر‪.‬‬ ‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل ‪ { :‬فرهان مقبوضة } وصفها بكوهنا مقبوضة ‪.‬‬
‫وخالفهم? اجلمهور وقالوا بأن ذكر هذه اخلصال الكتابة واإلشهاد والرهن على سبيل‬ ‫‪ -2‬أنه عقد إرفاق يفتقر إىل القبول فافتقر إىل القبض كالقرض‪.‬‬
‫اإلرشاد واحلزم ال على سبيل العزم‪ ،3‬السيما يف ذلك الوقت لكثرة الغزو ويدخل يف ذلك باملعىن‬ ‫القول الثاين‪ :‬أن الرهن صحيح الزم ولكنه ال يتم إال بالقبض فيجرب السلطان الراهن على‬
‫كل عذر فرب وقت يتعذر فيه الكاتب يف احلضر كأوقات أشغال الناس وبالليل وأيضا فاخلوف‬ ‫اإلقباض عند االمتناع‪.‬‬
‫على خراب ذمة الغرمي عذر يوجب طلب الرهن‪.4‬‬ ‫وعمدة مالك قياس الرهن على سائر العقود الالزمة بالقول‪.‬‬
‫واستدلوا مبا يف الصحيحني وغريمها عن عائشة ‪:‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم اشرتى من يهودي‬ ‫والفرق بني القولني "أن من قال شرط صحة قال ‪ :‬ما مل يقع القبض مل يلزم الرهن الراهن‬
‫طعاما إىل أجل ورهنه درعا له من حديد‪.‬‬ ‫ومن قال شرط متام قال ‪ :‬يلزم بالعقد? وجيرب الراهن على اإلقباض إال أن يرتاخى املرهتن عن‬
‫املطالبة حىت يفلس الراهن أو ميرض أو ميوت"‪.1‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬استدامة قبض الرهن‪:‬‬
‫سورة آل عمران‬ ‫اختلف الفقهاء يف اشرتاط استدامة القبض على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ال يشرتط استدامة القبض وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫النهي عن مواالة الكافرين‬
‫َّخ ِذ الْمْؤ ِمنو َن الْ َكافِ ِر ِ ِ‬ ‫وعلل قوله بأنه عقد يعترب القبض يف ابتدائه فلم يشرتط استدامته كاهلبة‬
‫س ِم َن الل ِّه فِي‬
‫ك َفلَْي َ‬‫ين َو َمن َي ْف َع ْ‪3‬ل ذَلِ َ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين َْأوليَاء من ُد ْون ال ُْمْؤ من َ‬
‫َ‬ ‫‪‬الَّ َيت ِ ُ ُ‬
‫َشي ٍء ِإالَّ َأن َتَّت ُقواْ ِم ْن ُهم ُت َقا ًة ويح ِّذر ُكم اللّهُ َن ْفسهُ وِإلَى الل ِّه الْم ِ‬ ‫القول الثاين‪. :‬يشرتط استدامة القبض فمىت خرج الرهن إىل يد الراهن بعارية أو غريها خرج‬
‫ص ُير{‪}28‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََُ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الرهن عن اللزوم‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة ومالك وأمحد‪.‬‬
‫معىن اآلية‪:‬‬
‫واستدلوا بقول اهلل تعاىل ‪ { :‬فرهان مقبوضة } وقالوا‪" :‬بأهنا إحدى حاليت الرهن فكان‬
‫القبض فيها شرطا كاالبتداء ويفارق اهلبة ألن القبض يف ابتدائها يثبت امللك فإذا ثبت استغىن‬

‫‪ 2‬املغين ‪4/401‬‬
‫‪ 3‬املوزعي ‪1/519‬‬
‫‪ 4‬القرطيب ‪3/386‬‬ ‫‪ 1‬بداية اجملتهد ‪1/1082‬‬
‫‪67‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن باإلميان وال يقتل وال يأيت مأمثا‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫ال تتخذوا أيها املؤمنون الكفار ظهرا وأنصارا توالوهنم على دينهم وتظاهروهنم على املسلمني من‬
‫إن املؤمن إذا كان قائما بني الكفار فله أن يداريهم باللسان? إذا كان خائفا على نفسه وقلبه‬ ‫دون املؤمنني وتدلوهنم على عوراهتم فإنه من يفعل ذلك فقد برئ من اهلل وبرئ اهلل منه بارتداده عن‬
‫‪3‬‬
‫مطمئن باإلميان‪ ،‬قال العلماء‪ :‬والتقية ال حتل إال مع خوف القتل أو القطع أو اإليذاء العظيم ‪.‬‬ ‫دينه ودخوله يف الكفر ‪‬إال أن تتقوا منهم تقاة‪ ‬أي‪ :‬إال أن تكونوا يف سلطاهنم فتخافوهم على‬
‫قال اجلصاص‪" :‬وقد اقتضت اآلية جواز إظهار الكفر عند التقية وهو نظري قوله تعاىل‪( :‬من‬ ‫أنفسكم فتظهروا هلم الوالية بألسنتكم وتضمروا هلم العداوة وال تشايعوهم على ما هم عليه من‬
‫كفر باهلل من بعد إميانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإلميان) وإعطاء التقية يف مثل ذلك إمنا هو‬ ‫الكفر وال تعينوهم على مسلم? بفعل‪.1‬‬
‫رخصة من اهلل تعاىل وليس بواجب بل ترك التقية أفضل‪ ،‬قال أصحابنا فيمن أكره على الكفر‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫فلم يفعل حىت قتل‪ :‬إنه أفضل ممن أظهر‪ ،‬وقد أخذ املشركون خبيب بن عدي فلم يعط التقية‬ ‫احلكم األول‪ :‬حكم االستعانة بالكفار? يف احلرب‪:‬‬
‫حىت قتل فكان عند املسلمني أفضل من عمار بن ياسر حني أعطى التقية وأظهر الكفر فسأل‬ ‫يف هذه املسألة قوالن‪:‬‬
‫النيب ‪‬عن ذلك فقال‪ :‬كيف وجدت قلبك قال مطمئنا باإلميان فقال ‪ -‬وإن عادوا فعد وكان‬ ‫القول األول‪ :‬ال جيوز االستعانة بالكفار? يف احلرب‪ ،‬وهو مذهب املالكية‪.‬‬
‫ذلك على وجه الرتخيص"‪.4‬‬ ‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ظاهر اآلية ‪.‬‬
‫‪ -2‬عن عائشة رضي اهلل عنها أن رجال من املشركني حلق بالنيب ‪‬معه فقال له ‪:‬ارجع‬
‫فإنا ال نستعني مبشرك‪.2‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جيوز االستعانة بالكفار يف احلرب بشرطني‪ :‬احلاجة إليهم والوثوق من جهتهم‪،‬‬
‫فريضة الحج‬ ‫وهو قول اجلمهور‪.‬‬
‫ين{‪ }96‬فِ ِيه آيَ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ض َع لِلن ِ ِ ِ‬ ‫توِ‬ ‫ٍ‬
‫ات‬
‫ات َبيِّـنَ ٌ‬ ‫َّاس لَلَّذي ببَ َّكةَ ُمبَ َاركاً َو ُه ًدى لِّل َْعالَم َ‬ ‫‪ِ‬إ َّن ََّأو َل َب ْي ُ‬ ‫واستدلوا بفعل النيب‪ ‬فقد استعان بيهود قينقاع وقسم هلم‪ ،‬واستعان بصفوان بن أمية يف‬
‫اع ِإل َْي ِه َسبِيالً َو َمن‬ ‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ‬ ‫آمناً َولِل ِّه َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬ ‫َّم َقام ِإبر ِاهيم ومن َد َخلَه َكا َن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َْ َ َ َ‬ ‫هوازن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين{‪}97‬‬ ‫َك َف َر فَِإ َّن اهلل غَن ٌّي َع ِن ال َْعالَم َ‬ ‫الحكم الثاني‪ :‬التقية‪:‬‬
‫احلكم األول‪ :‬وجوب احلج‪:‬‬ ‫دلت هذه اآلية على جواز التقية ولكن ما هي التقية؟‬

‫‪ 3‬القرطيب ‪4/60‬‬
‫‪ ،2/290 4‬وملعرفة الفرق بني ما قاله علماء اإلسالم يف شأن التقاة هنا وما يقوله الرافضة يراجع كتاب أصول الشيعة‬ ‫‪ 1‬الطربي‪3/227‬‬
‫للقفاري‪.‬‬ ‫‪ 2‬مسلم ‪3/1449‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ -1‬أن قوله‪( :‬ومن دخله كان آمنا) كان يف اجلاهلية لو أن إنسانا ارتكب جريرة مث‬ ‫أوجب اهلل سبحانه حج البيت وهو ركن من أركان اإلسالم فمن جحد وجوبه فهو كافر‬
‫جلأ إىل احلرم مل يتعرض له حىت خيرج من احلرم‪.‬‬ ‫لقوله تعاىل‪( :‬ومن كفر فإن اهلل غين عن العاملني) ويؤخذ من هذا أن كل من جحد حكما‬
‫‪ -2‬فسر بعض العلماء األمن باألمن يف اآلخرة ملن دخل احلرم معظما له مؤديا‬ ‫معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر‪ ،‬وأما من ترك احلج هتاونا أو خبال أو تسويفا فهو عاص‬
‫النسك ال جمرما فارا من وجه العدالة‪.‬‬ ‫بفعله وليس بكافر بإمجاع املسلمني‪.1‬‬
‫‪ -3‬لو أخذنا بالقول األول ألصبح احلرم مركزا الجتماع اجلناة واجملرمني والختل‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬حكم اجلاين يف احلرم‪:‬‬
‫األمن‪ ،‬ألن القاتل يقتل مث يفر من وطنه ويأيت احلرم ألنه يعلم أنه حيميه وبذلك تنتشر‬ ‫اتفق الفقهاء على أن من جىن يف احلرم فإنه يقتص منه سواء كانت اجلناية يف النفس أم يف‬
‫اجلرائم وتكثر املفاسد‪.2‬‬ ‫األطراف وعللوا ذلك بأن اجلاين انتهك حرمة احلرم فلم يعد يعصمه احلرم من القصاص‪ ،‬ألنه‬
‫احلكم الثاين‪ :‬شرط االستطاعة‪:‬‬ ‫هو الذي أحدث فيه فيقتص منه‪.‬‬
‫بينت هذه اآلية شرط االستطاعة لوجوب احلج‪ ،‬وهي ملك الزاد والراحلة‪ ،‬ونفقة األهل فرتة‬ ‫واختلفوا فيمن جىن يف غري احلرم مث جلأ إىل احلرم هل يقتص منه يف احلرم؟ على قولني‪:‬‬
‫غيابه‪ ،‬وأمن الطريق‪ ،‬واحملرم للمرأة‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬ال يقتص منه يف احلرم وهو قول احلنفية واحلنابلة‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله تعاىل(ومن دخله كان آمنا) وقالوا بأنه خرب يقصد به األمر فيكون املعىن من‬
‫دخله فأمنوه‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يقتص منه‪ ،‬وبه قال املالكية والشافعية‪.‬‬
‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما صح يف البخاري ومسلم ‪" :‬إن احلرم ال يعيذ عاصيا وال فارا بدم وال فارا‬
‫خبربة"‪.‬‬
‫‪ -2‬عموم األمر جبلد الزاين وقطع السارق واستيفاء القصاص من غري ختصيص مبكان‬
‫دون مكان‪.‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬
‫ما قاله املالكية والشافعية هو الراجح لقوة تعليلهم‪ ،‬ولضعف ما قاله احلنفية‪:‬‬

‫‪ 1‬املوزعي ‪ ،1/522‬وللمزيد? حول مسألة التكفري وضوابطه يراجع كتاب ضوابط التكفري‪ ،‬وكتاب مسألة التكفري‬
‫‪ 2‬روائع البيان ‪1/412‬‬ ‫عند ابن تيمية‪ ?،‬وكتاب التكفري‪ :‬حكمه وضوابطه والغلو فيه‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‬‫ِّساء َم ْثنَى َوثُالَ َ‬
‫اب لَ ُكم ِّم َن الن َ‬‫‪‬وَِإ ْن خ ْفتُ ْم َأالَّ ُت ْقسطُواْ في الْيَتَ َامى فَانك ُحواْ َما طَ َ‬ ‫سورة النساء‬
‫ك َأ ْدنَى َأالَّ َتعُولُواْ{‪}3‬‬ ‫ت َأيْ َمانُ ُك ْم ذَلِ َ‬ ‫ورباع فَِإ ْن ِخ ْفتم َأالَّ َتع ِدلُواْ َفو ِ‬
‫اح َدةً َْأو َما َملَ َك ْ‬ ‫مال اليتيم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َُ َ‬
‫ِ‬ ‫يث بِالطَّيِّ ِ‬
‫‪َ ‬وآتُواْ الْيَتَ َامى َْأم َوال َُه ْم َوالَ َتتَبَ َّدلُواْ الْ َخبِ َ‬
‫قوله تعاىل ‪‬وإن خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى‪ ‬اختلفوا يف تنزيلها وتأويلها على أقوال‪:‬‬ ‫ب َوالَ تَْأ ُكلُواْ َْأم َوال َُه ْم ِإلَى َْأم َوال ُك ْم ِإنَّهُ‬
‫‪ -1‬أن القوم كانوا يتزوجون عددا كثريا من النساء يف اجلاهلية وال يتحرجون من‬ ‫َكا َن ُحوباً َكبِيراً{‪}2‬‬
‫ترك العدل بينهن وكانوا يتحرجون يف شأن اليتامى فقيل هلم هبذه اآلية احذروا من ترك‬
‫العدل بني النساء كما حتذرون من تركه يف اليتامى‪.‬‬ ‫ملا علم اهلل جل جالله ضعف اليتامى وعجزهم عن دفع بأس الظاملني هلم هنى العباد عن أخذ‬
‫ِإ َّ ِ‬
‫‪ -2‬أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى فلما كثر النساء مالوا‬ ‫أمواهلم وتوعد على ذلك مبا مل يتوعد على غريه فجعل آكلها إمنا يأكل نارا فقال‪َّ  :‬ن الذ َ‬
‫ين‬
‫صلَ ْو َن َسعِرياً{‪ }10‬ومسى أموال‬ ‫هِنِ‬
‫على أموال اليتامى فقصروا على األربع حفظا ألموال اليتامى‪.‬‬ ‫يَْأ ُكلُو َن َْأم َو َال الْيَتَ َامى ظُْلماً ِإمَّنَا يَْأ ُكلُو َن يِف بُطُو ْم نَاراً َو َسيَ ْ‬
‫‪ -3‬أهنم حترجوا من نكاح اليتامى كما حترجوا من أمواهلم فرخص اهلل هلم هبذه اآلية‬ ‫اليتامى خبيثة لينفر القلوب عن تناوهلا استقذارا هلا من خبثها‪.1‬‬
‫وقصرهم على عدد ميكن العدل فيه فكأنه قال وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن ال تعدلوا‬ ‫ودل قوله تعاىل‪َ  :‬وآتُواْ الْيَتَ َامى َْأم َواهَلُ ْم‪ ‬على وجوب دفع املال لليتيم‪ ،‬وقد اتفق أهل العلم‬
‫فيهن فانكحوهن وال تزيدوا على أربع لتعدلوا فان خفتم أن ال تعدلوا فيهن فواحدة‪.‬‬ ‫على أن اليتيم ال يعطى ماله قبل البلوغ وإيناس الرشد لقوله تعاىل يف اآليات التالية‪َ  :‬و ْابَتلُواْ‬
‫‪ -4‬يف البخاري‪ :‬كان عروة بن الزبري حيدث‪ :‬أنه سأل عائشة رضي اهلل عنها ‪‬وإن‬ ‫اح فَِإ ْن آنَ ْستُم ِّمْن ُه ْم ُر ْشداً فَ ْاد َفعُواْ ِإلَْي ِه ْم َْأم َواهَلُ ْم‪ ‬واحلكمة أن الصغري‬ ‫ِإ‬
‫الْيَتَ َامى َحىَّتَ َذا َبلَغُواْ النِّ َك َ‬
‫خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء‪ ‬قالت‪ :‬هي اليتيمة يف‬ ‫ال حيسن التصرف يف ماله ورمبا صرفه يف غري وجوه النفع وللعلماء? يف تفسري هذه اآلية وجهان‪:‬‬
‫حجر وليها فريغب يف مجاهلا وماهلا ويريد أن يتزوجها بأدىن من سنة نسائها فنهوا عن‬ ‫األول‪ :‬أن يكون املراد باليتامى البالغني الذين بلغوا سن الرشد‪ ،‬ومسوا يتامى باعتبار ما كانوا‬
‫نكاحهن إال أن يقسطوا هلن يف إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن من النساء‪.‬‬ ‫عليه أي الذين كانوا يتامى‪.‬‬
‫قالت عائشة مث استفىت الناس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد فأنزل اهلل عز وجل‬ ‫الثاين‪ :‬املراد باليتامى الصغار الذين هم دون سن البلوغ واملراد باإليتاء اإلنفاق عليهم بالطعام‬
‫‪‬ويستفتونك يف النساء قل اهلل يفتيكم فيهن‪ ‬قالت‪ :‬فبني اهلل يف هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات‬ ‫والكسوة‪.2‬‬
‫مجال ومال ورغبوا يف نكاحها ومل يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق فإذا كانت مرغوبة عنها يف‬
‫قلة املال واجلمال تركوها والتمسوا غريها من النساء قال فكما يرتكوهنا حني يرغبون عنها‬
‫فليس هلم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إال أن يقسطوا هلا األوىف من الصداق ويعطوها حقها‪.3‬‬ ‫تعدد الزوجات‬

‫‪ 1‬املوزعي ‪1/531‬‬
‫البخاري‪3/1016‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪ 2‬روائع البيان ‪1/425‬‬
‫‪70‬‬
‫‪ -1‬قوله ‪" :‬تستأمر اليتيمة يف نفسها وإن سكتت فهو إذهنا وإن أبت فال جواز‬ ‫فيكون معىن اآلية على هذا القول‪ :‬و إن خفتم يا أولياء اليتامى أن ال تعدلوا يف صدقات‬
‫عليها"‪.3‬‬ ‫اليتامى إذا نكحتموهن فانكحوا سواهن من الغرائب اللوايت أحل اهلل لكم‪.‬‬
‫‪ -2‬عن ابن عمر " أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع ذلك‬ ‫واملقصود النهي عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل إال أنه أوثر التعبري عنه باألمر‬
‫إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬أهنا يتيمة وال تنكح إال بإذهنا"‪.4‬‬ ‫بنكاح األجنبيات كراهة النهي الصريح عن نكاح اليتيمات‪.1‬‬
‫‪ -3‬أن غري األب –واجلد على مذهب الشافعي‪ -‬قاصر الشفقة فال يلي نكاح‬ ‫وعائشة مل تسند هذا إىل رسول اهلل‪ ‬ولكن سياق كالمها يؤذن بأنه عن توقيف ولذلك‬
‫الصغرية كاألجنيب‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري يف باب تفسري سورة النساء بسياق األحاديث املرفوعة اعتدادا بأهنا ما قالت‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫ذلك إال عن معاينة حال النزول وأفهام املسلمني اليت أقرها الرسول عليه السالم ال سيما وقد‬
‫قول اجلمهور هو الراجح لقوة أدلتهم‪ ،‬كما أن باب اجلواز لو فتح فسيكون منفذا لفساد‬ ‫قالت ‪ :‬مث إن الناس استفتوا رسول اهلل وعليه فيكون إجياز لفظ اآلية اعتدادا مبا فهمه الناس مما‬
‫كثري‪.‬‬ ‫يعلمون من أحواهلم وتكون قد مجعت إىل حكم حفظ حقوق اليتامى يف أمواهلم املوروثة حفظ‬
‫أما اآلية فمحمولة على البالغة بدليل قول اهلل تعاىل ‪ :‬تؤتوهنن ما كتب هلن‪ ‬وإمنا يدفع إىل‬ ‫حقوقهم يف األموال اليت يستحقها البنات اليتامى من مهور أمثاهلن‪.2‬‬
‫الكبرية‪.5‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬حكم النكاح‪:‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬من جيوز له تزويج الصغرية‬
‫أخذ الظاهرية من هذه اآلية وجوب النكاح بناء على ظاهر األمر الذي يفيد الوجوب يف‬ ‫يف هذه املسالة أقوال‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪ :‬فانكحوا‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬لغري األب تزويج الصغرية وهلا اخليار إذا بلغت وبه قال أبو حنيفة‪.‬‬
‫وذهب اجلمهور إىل أن هذا األمر لإلباحة مثل األمر يف قوله تعاىل‪ :‬وكلوا واشربوا‪،‬‬ ‫وحجته أن اهلل تعاىل قال ‪ :‬وإن خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من‬
‫صرِب ُواْ‬ ‫ِ ِ‬
‫والذي صرفه عن الوجوب قوله تعاىل‪َ  :‬و َمن مَّلْ يَ ْستَط ْع من ُك ْم طَْوالً‪ ‬إىل قوله‪َ  :‬وَأن تَ ْ‬ ‫النساء‪ ‬ومفهومه أنه إذا مل خيف فله تزويج اليتيمة واليتيم من مل يبلغ لقول النيب صلى اهلل عليه‬
‫َخْيٌر لَّ ُك ْم‪.‬‬ ‫وسلم ‪" :‬ال يتم بعد احتالم" وهذا بناء على تأويل عائشة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ليس لغري األب إجبار كبرية وال تزويج صغرية جدا كان أو غريه وهبذا قال‬
‫مالك وأمحد‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬ليس لغري األب واجلد إجبار كبرية وال تزويج صغرية‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه أبو داود‪ 1/637‬و النسائي ‪ ،6/87‬وقال اهليثمي‪ :4/514‬رجاله رجال الصحيح‪ ،‬وصححه? األلباين يف‬
‫وحجة القولني ما يلي‪:‬‬
‫صحيح أيب داود ‪2/394‬‬
‫‪ 4‬أخرجه أمحد وقال اهليثمي ‪ :4/514‬رجاله ثقات وحسنه األلباين يف اإلرواء‪6/233‬‬ ‫‪ 1‬السايس ‪1/359‬‬
‫‪ 5‬املغين ‪7/379‬‬ ‫‪ 2‬التحرير والتوير ‪1/886‬‬
‫‪71‬‬
‫كان هذا هو نقد الشوكاين الستدالل البعض باآلية على حرمة الزيادة على أربع بيد أن‬ ‫قال الرازي‪" :‬فحكم تعاىل بأن ترك النكاح يف هذه الصورة خري من فعله فدل ذلك على أنه‬
‫انتقاد الشوكاين ال يسلم من النقاش إذ اآلية"تدل كلها على معىن تكرير اسم العدد لقصد?‬ ‫ليس مبندوب فضال عن أنه واجب"‪.6‬‬
‫اع‪(‬فاطر‪ :‬من اآلية‪ )1‬أي لطائفة جناحان‬ ‫َأجنِ َح ٍة َم ْثىَن َوثُ َ‬
‫الث َو ُربَ َ‬ ‫التوزيع كقوله تعاىل‪ُ :‬أويِل ْ‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬حكم الزواج بأكثر من واحدة‪:‬‬
‫ولطائفة ثالثة ولطائفة أربعة والتوزيع هنا باعتبار اختالف املخاطبني يف السعة والطول ‪...‬‬ ‫يف هذه اآلية داللة على جواز تعدد الزوجات إىل أربع‪ ،‬وعليه أمجع أهل العلم‪ ،‬كما أمجعت‬
‫كقولك جلماعة‪:‬اقتسموا هذا املال درمهني درمهني وثالثة ثالثة وأربعة أربعة على حسب أكربكم‬ ‫األمة على حرمة نكاح أكثر من أربع‪ 2‬ولكن الفقهاء اختلفوا من أين يستنبط هذا احلكم هل من‬
‫سناً"‪.4‬‬ ‫القرآن والسنة واإلمجاع أو من السنة واإلمجاع فقط ‪.‬‬
‫ولكن وإن سلم أن اآلية تدل على جواز نكاح أربع فقط إال أن االستدالل هبا على حترمي‬ ‫ذهب اجلمهور إىل استنباطه من القرآن والسنة واإلمجاع ‪-:‬‬
‫الزيادة بعيد‪ ،‬ألهنا ال تدل مبنطوقها على ذلك احلكم ألن جمرد االقتصار على أربع ليس كافيا يف‬ ‫الث َو ُربَاع)‬ ‫‪ -1‬أما القرآن فمن هذه اآلية ‪‬فَانْ ِكحوا ما طَاب لَ ُكم ِمن الن ِ‬
‫ِّساء َم ْثىَن َوثُ َ‬
‫ُ َ َ ْ َ َ‬
‫االستدالل على الزيادة ‪.‬‬ ‫(النساء‪ :‬من اآلية‪ )3‬وبينوا ذلك بأنه خطاب جلميع األمة‪ ،‬وأن كل ناكح له أن خيتار ما أراد‬
‫وهلذا جاء دليل السنة فقد ورد فيها عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن غيالن بن سلمة الثقفي‬ ‫من هذا العدد كما يقال للجماعة اقتسموا هذا املال وهو ألف درهم ‪...‬درمهني درمهني وثالثة‬
‫أسلم وله عشر نسوة يف اجلاهلية فأسلمن معه فأمره النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أن يتخري‬ ‫وثالثة وأربعة أربعة‪ ،‬وقد انتقد الشوكاين هذا التوجيه وقال‪":‬وهذا مسلم? إذا كان املقسوم? قد‬
‫أربعا منهن‪.5‬‬ ‫ذكرت مجلته أو عني مكانه أما لو كان مطلقا كما يقال‪:‬اقتسموا الدراهم ويراد به ما كسبوه‬
‫ولصحة وصراحة احلديث أمجع العلماء على حرمة نكاح مازاد على األربع‪.‬‬ ‫فليس املعىن هكذا واآلية من الباب اآلخر ال من الباب األول على أن من قال لقوم? يقتسمون‬
‫وهنا شذوذان‪:‬‬ ‫ماال معينا كثريا ‪:‬اقتسموه مثىن وثالث ورباع فقسموا بعضه بينهم درمهني درمهني وبعضه ثالثة‬
‫الشذوذ األول‪ :‬ذهب البعض إىل جواز نكاح تسع باعتبار أن الواو جامعة وجعل مثىن مثل‬ ‫ثالثة وبعضه أربعة أربعة كان هذا هو املعىن العريب ومعلوم أنه إذا قال القائل ‪:‬جائين القوم مثىن‬
‫‪6‬‬
‫اثنني وهكذا ثالث ورباع فيكون العدد تسعة فكأنه قال‪ :‬انكحوا جمموع هذا العدد املذكور‬ ‫وهم ألف كان املعىن أهنم جاؤوه اثنني اثنني ‪ ...‬واخلطاب للجميع مبنزلة اخلطاب لكل فرد فرد‬
‫ونسبه بان العريب إىل قوم من اجلهال ومل يعينهم ونسبه القرطيب إىل الرافضة وبعض أهل الظاهر‪،‬‬ ‫الث‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪ (:‬اقتلوا املشركني) فقوله ‪ :‬فَانْ ِكحوا ما طَاب لَ ُكم ِمن الن ِ‬
‫ِّساء َم ْثىَن َوثُ َ‬
‫ُ َ َ ْ َ َ‬
‫وقال الفخر الرازي ‪:‬هم قوم سدى وهلذا مل يذكر الكثري من العلماء خمالفا أصالً ‪.7‬‬ ‫اع‪‬معناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتني اثنتني وثالثا ثالثا وأربعا أربعا‬ ‫َو ُربَ َ‬
‫هذا ما تقتضيه لغة العرب فاآلية تدل على خالف ما استدلوا به عليه ‪ ...‬فاألوىل أن يستدل‬
‫على حترمي الزيادة على األربع بالسنة ال بالقرآن"‪.3‬‬
‫‪ 4‬التحرير والتنوير ‪.225/ 3‬‬
‫‪ 5‬أخرجه الرتمذي ‪،3/435‬وصححه ابن حبان ‪9/554‬‬ ‫‪ 6‬مفاتيح الغيب ‪9/172‬‬
‫‪ 6‬انظر فتح القدير ‪ 1/483‬والقرطيب ‪.3/17‬‬ ‫‪ 2‬انظر تفسري القرطيب ‪.3/17‬‬
‫‪ 7‬انظر التحرير والتنوير ‪.3/225‬‬ ‫‪ 3‬فتح القدير ‪.1/483‬‬
‫‪72‬‬
‫الشذوذ الثاين‪ :‬قول بعض املعاصرين بأن تعدد الزوجات مشروط بالعدل? ‪ ‬فَِإ ْن ِخ ْفتُ ْم َأالَّ‬ ‫وقد وصف القرطيب هذا القول باجلهالة‪ 1‬وقال الشوكاين فيه‪":‬إنه جهل باملعىن العريب"‪2‬وهو‬
‫اح َدةً‪ ‬وبأن القرآن قد نص على عدم استطاعة العدل ‪‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بني‬ ‫َتع ِدلُواْ َفو ِ‬ ‫كذلك ملا يلي‪-:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫النساء ولو حرصتم‪ ‬وعليه فيحرم على الزوج أن يعدد وهذا الشذوذ ليس من فقيه مسلم بل‬ ‫‪ -1‬أن العرب ال تدع لفظة قريبة خمتصرة لتعرب عنها بألفاظ مطولة دون داع‪ ،‬فلم‬
‫هو من بعض املتشبهني باآلخر واملتأثرين به‪ ،‬ومبا أهنم ال يستطيعون رد هذا احلكم علنا راحوا‬ ‫يعرف عن العرب أهنا إذا أرادت مثال تسعة تقول اثنان وثالثة وأربعة بل تستقبح من يقول‬
‫يبحثون عن تأويالت تضفي على قوهلم شيئا من الشرعية‪ ،‬وزيادة يف التهويل حيتجون ببعض‬ ‫هذا وال يقول تسعة‪ ،‬فالواو هنا بدل أي انكحوا ثالثا بدال من مثىن ورباع بدال من ثالث‬
‫احلكايات لتعددات فاشلة وجيعلون منها أمثلة ألضرار التعدد!!!‬ ‫‪.‬‬
‫وهذا القول مردود ملا يلي‪:‬‬ ‫‪ -2‬أن ‪:‬مثىن وثالث ورباع ‪ ...‬إىل عشار كما هو مذهب الكوفيني وخالفهم‬
‫‪ -1‬أن ربطهم بني اآليتني غري صحيح ويستغلون? جهل الناس بالقرآن فال‬ ‫البصريون فقالوا إىل أربع وقال آخرون منهم إىل ستة إال أهنم متفقون عل أن صيغتا (فُعال‬
‫صتُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومفعل)? يف أمساء األعداد معدولة عن واحد واثنني وثالثة إىل عشرة لزيادة معىن فالعرب‬ ‫ُ‬
‫ِّساء َولَ ْو َحَر ْ‬
‫يذكرون بقية اآلية وهي ‪َ ‬ولَن تَ ْستَطيعُواْ َأن َت ْعدلُواْ َبنْي َ الن َ‬
‫فَالَ مَتِيلُواْ ُك َّل الْ َمْي ِل‪ ‬ويتناسى هؤالء أن النيب‪ ‬كان يعدل القسمة بني نسائه‬ ‫تقول ‪:‬جاء القوم مثىن أي اثنني اثنني فعدلوا عن لفظ ‪:‬اثنني اثنني وحنوه فقالوا ‪:‬مثىن‪،‬‬
‫مث يقول‪( :‬اللهم هذا قسمي فيما أملك فال تؤاخذين فيما متلك وال أملك)‪،‬‬ ‫ثالث‪،‬رباع وهكذا‪.‬‬
‫وكان معروفا ميله إىل السيدة عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫وقد ذهب آخرون من أهل الظاهر إىل إباحة اجلمع بني مثاين عشرة من النساء متسكا منهم‬
‫بأن العدل يف تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع? فجعلوا مثىن مبعىن اثنني اثنني وهكذا ثالث‬
‫‪ -2‬انعقد اإلمجاع من لدن الصحابة إىل يوم الناس هذا على إباحة التعدد‬
‫و رباع‪ ،3‬والعجيب الغريب جعل الشوكاين هلذا القول وجها‪.4‬‬
‫بناء على نص القرآن والسنة‪ ،‬وكفى هبما دليالن فهل هؤالء اعلم بالشرع من‬
‫والصواب خطأ هذا القول قال القرطيب فيه‪":‬وهذا كله جهل باللسان والسنة وخمالفة إلمجاع‬
‫الصحابة وأئمة املسلمني‪?.‬‬
‫األمة"‪،5‬أما بالنسبة لقوهلم? مثىن تدل على اثنني اثنني أي أربعة فقط فليس كذلك بل تدل على‬
‫‪ -3‬االحتجاج ببعض حوادث التعدد الفاشلة غري سديد وخيالف املنطق‬ ‫اثنني اثنني مطلقا ولو إىل ألف ال إىل أربعة فقط ومن هنا قال القرطيب ‪":‬إنه جهل باللسان"‪.‬‬
‫ألننا سنقول وبنفس هذا املنطق ال جيوز الزواج ألن كثريا من حاالته اليوم‬
‫تؤول إىل الفشل بل لقد ارتفعت نسبة الطالق يف بعض دول العرب إىل أكثر‬
‫من ‪ %55‬فهل يعين هذا حرمة الزواج؟ فالصواب أن يقال بأن احلل هو زيادة‬ ‫‪ 1‬انظر تفسري القرطيب ‪.3/17‬‬
‫التوعية الدينية وتعريف الزوج حبقوق الزوجات وواجبه جتاههن ونفس الكالم‬ ‫‪ 2‬انظر فتح القدير ‪.1/483‬‬
‫يقال للزوجات‪ ،‬أما التحرمي فال جيرؤ أحد عليه‪.‬‬ ‫‪ 3‬انظر تفسري القرطيب ‪ 3/17‬فتح القدير ‪.1/483‬‬
‫‪ 4‬انظر فتح القدير ‪.1/483‬‬
‫‪ 5‬تفسري القرطيب ‪.3/17‬‬
‫‪73‬‬
‫مث هذه احلادثة بالنسبة للزوجة األوىل تدخل يف دائرة االبتالء واالختبار اليت تقوم عليها الدنيا‬ ‫‪ -4‬الغريب أنه بدال من أن يكون هذا التشريع شيئا يفاخر به املسلم ألن‬
‫برمتها‪ ،‬واالبتالءات ختتلف باختالف الناس واألجناس‪ ،‬وهلل أن يبتلي عباده مبا أراد وكيف أراد‪.‬‬ ‫فيه حال ملشاكل اجتماعية عديدة لعل من أمهها مشكلة? العنوسة واليت وصلت‬
‫الثالثة‪ :‬أن التعدد حكم شرعي ال جيوز ألحد أن ينكره كما ال جيوز ألحد أن يلتف عليه‪،‬‬ ‫إىل نسب هائلة كالثالثينات واألربعينات يف املائة‪ ،‬وبلغ عدد العوانس املاليني‬
‫والنفس قد تكره أحيانا بعض التكاليف قال تعاىل يف شأن القتال‪ :‬كتب عليكم القتال وهو كره‬ ‫ففي اجلزائر وحدها يفوق عدد العوانس الـ ‪ 11‬مليونا‪ ،‬ويف مصر العشرة‬
‫لكم‪ ‬ولكن ال يتم اإلميان إال بالتسليم ‪‬فَالَ وربِّك الَ ي ِمنو َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ‬ ‫ماليني‪ ،‬والسؤال أين يذهنب هؤالء؟ أليس من حقهن أيضا الزواج واألمومة؟‬
‫يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ الَ‬ ‫وك ف َ‬ ‫َ َ َ ُْؤ ُ َ َ َ ُ‬
‫ت َويُ َسلِّ ُمواْ تَ ْسلِيماً‪‬النساء‪َ 65‬و َما َكا َن لِ ُمْؤ ِم ٍن َواَل ُمْؤ ِمنَ ٍة ِإذَا‬ ‫ِ‬ ‫أم هي حكر على الزوجات الغاضبات؟‬
‫ضْي َ‬ ‫جَيِ ُدواْ يِف َأن ُفس ِه ْم َحَرجاً مِّمَّا قَ َ‬
‫ضاَل الً‬‫ض َّل َ‬ ‫ضى اللَّهُ َو َر ُسولُهُ َْأمراً َأن يَ ُكو َن هَلُ ُم اخْلَِيَرةُ ِم ْن َْأم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ‬
‫ص اللَّهَ َو َر ُسولَهُ? َف َق ْد َ‬ ‫قَ َ‬ ‫أليس يف التعدد حال ولو جزئيا هلذه املشكلة اليت قد تودي باجملتمع ويفشوا فيه اجلرائم‬
‫ُّمبِيناً‪ ‬األحزاب‪.36‬‬ ‫واملوبقات‪ ،‬أم أن هذه اجلرائم شؤون شخصية ومباحة‪ ،‬والتعدد مذمة وقبح‪.‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬االقتصار على واحدة عند خوف العدل‪:‬‬ ‫لقد راع بعض النساء هذه األعداد الضخمة من العوانس فقامت بتأسيس مجعيات تدعو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للتعدد وتشجع عليه لضرورته? امللحة للمجتمع‪.‬‬
‫ك َْأدىَن َأالَّ‬ ‫دل قوله تعاىل‪  :‬فَِإ ْن خ ْفتُ ْم َأالَّ َت ْعدلُواْ َف َواح َدةً َْأو َما َملَ َك ْ‬
‫ت َأمْيَانُ ُك ْم ذَل َ‬
‫َتعُولُواْ‪ ‬على أن من علم من نفسه أو خشي عدم عدله بني زوجاته يف النفقة والقسم‬ ‫وبقي أن أشري إىل نقاط‪:‬‬
‫االقتصار على واحدة أو على ملك اليمني وأنه أوىل وأفضل ألنه أقرب إىل عدم اجلور‪.‬‬ ‫األوىل‪ :‬ليس إباحة التعدد مقصورا على حاالت مرض الزوجة األوىل أو كرب سنها أو حنو هذا‬
‫وجوب إيتاء الصداق‬ ‫الكالم الذي يذكره البعض لسبب أو آلخر‪ ،‬بل التعدد مباح مطلقا حىت وإن كانت األوىل سليمة‬
‫ص ُدقَاتِِه َّن نِ ْحلَةً فَِإ ن ِط ْب َن لَ ُك ْم َعن َش ْي ٍء ِّم ْنهُ َن ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َّم ِريئا(‪)ً4‬‬
‫َّساء َ‬
‫‪َ ‬وآتُواْ الن َ‬ ‫معافاة ال عيب فيها‪ ،‬ألن الشرع مل يقيد هبذه القيود‪ ،‬فال نقيده حنن‪ ،‬مث هل كانت زوجات‬
‫اختلف يف توجه اخلطاب على قولني‪:‬‬ ‫الصحابة والتابعني ومن بعدهم من ذوات األعذار!!!‬
‫‪ -1‬األزواج ‪ :‬أمرهم اهلل تعاىل بأن يتربعوا بإعطاء املهور حنلة منهم ألزواجهم ‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن احلديث عن الزوجات احلزينات وما جتره الزجية الثانية من كمد وضيق وغضب‬
‫‪ -2‬األولياء‪ :‬فقد كان الويل يأخذ مهر املرأة وال يعطيها شيئا فنهوا عن ذلك وأمروا‬ ‫لألوىل كل هذا وغريه يقال بغرض تشويه هذا احلكم وهو زعم مبطن بأنه تشريع جائر‪ ،‬وهذا فيه‬
‫أن يدفعوا ذلك إليهن ‪.‬‬ ‫ما فيه‪ ،‬ومع هذا نقول ملاذا ال تنظرون إىل الطرف اآلخر من النساء يا من يطالب حبقوق النساء‪ ،‬ما‬
‫حال العوانس واألرامل وغريهن؟ ألسن أهال ألن تنظرن إىل حاهلن أيضا؟ أم أن املسألة هنا تتعلق‬
‫بتشريع إسالمي؟‬

‫‪74‬‬
‫‪ -5‬تدل اآلية بعمومها على أن هبة املرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة‬ ‫قال القرطيب‪" :‬واألول أظهر فإن الضمائر واحدة وهي جبملتها لألزواج فهم املراد ألنه قال ‪:‬‬
‫وبه قال مجهور الفقهاء ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للويل مع‬ ‫‪‬وإن خفتم أن ال تقسطوا يف اليتامى‪ ‬إىل قوله ‪ :‬وآتوا النساء صدقاهتن حنلة‪ ‬وذلك يوجب‬
‫أن امللك هلا‪.‬‬ ‫تناسق الضمائر وأن يكون األول فيها هو اآلخر"‪.1‬‬
‫‪ -6‬اتفق العلماء على أن املرأة املالكة ألمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ‬ ‫والنحلة هي العطية‪ ،‬فالصداق عطية من اهلل تعاىل للمرأة وقيل ‪ :‬حنلة أي عن طيب نفس من‬
‫ذلك عليها وال رجوع هلا فيه إال أن شرحيا رأى الرجوع هلا فيه واحتج بقوله ‪ { :‬فإن طنب‬ ‫األزواج من غري تنازع وقال قتادة ‪ :‬معىن حنلة فريضة واجبة‪ ،‬وال تعرض بني األقوال فالنحلة‬
‫لكم عن شيء منه نفسا } وإذا كانت طالبة له مل تطب به نفسا قال ابن العريب ‪ :‬وهذا‬ ‫عطية من اهلل فرضها على الزوج يعطوها لزوجاهتم من غري تنازع‪.‬‬
‫باطل ألهنا قد طابت وقد أكل فال كالم هلا إذ ليس املراد صورة األكل وإمنا هو كناية عن‬ ‫مث أباح اهلل لألزواج ما طابت به نفوسهن أي عن رضا كامل ال يشوبه سخط وهذا هو سر‬
‫اإلحالل واالستحالل وهذا بني‪.6‬‬ ‫التعبري بالطيبة‪ ،‬دون اهلبة أو اإلعطاء‪ ،‬ألن الزوج قد ميارس ضغوطا متنوعة كي جيعل الزوجة‬
‫الحجر على السفيه‬ ‫توافق على إعطائه املال فتعطيه حمرجة أو لرتتاح من ضغوطه‪ ،‬أو سوء خلقه ومعاشرته‪.‬‬
‫وه ْم َوقُولُواْ‬ ‫الس َفهاء َأموالَ ُكم الَّتِي جعل اللّهُ لَ ُكم قِياماً وار ُزقُ ُ ِ‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫س ُ‬‫وه ْم ف َيها َوا ْك ُ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫ََ َ‬ ‫‪َ ‬والَ تُْؤ تُواْ ُّ َ ْ َ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ل َُه ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً{‪}5‬‬ ‫‪ -1‬هذه اآلية تدل على وجوب الصداق للمرأة وهو جممع عليه وال خالف فيه ‪.‬‬
‫معاين الكلمات‪:‬‬ ‫‪ -2‬أن الصداق ليس يف مقابلة االنتفاع بالبضع ألن اهلل تعاىل جعل منافع النكاح من‬
‫‪ -‬السفهاء‪ :‬أصل السفة اخلفة واحلركة‪ ،‬واملراد هنا الذي ال حيسن التصرف يف ماله‬ ‫قضاء الشهوة والتوالد مشرتكة بني الزوجني‪ ،‬مث أمر الزوج بأن يؤيت الزوجة املهر فكان‬
‫أو يبذره يف غري الطرق املشروعة‪.‬‬ ‫ذلك عطية من اهلل ابتداء‪.3‬‬
‫‪ -‬قياما‪ :‬مصدر? قام ‪ ،‬أي تقوم مبعاشكم‪.‬‬ ‫‪ -3‬جيوز للزوجة أن تعطي زوجها مهرها أو جزءا منه سواء أكان مقبوضا معينا أم‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫كان يف الذمة فشمل ذلك اهلبة واإلبراء‪.4‬‬
‫احلكم األول‪ :‬ما املراد بالسفهاء يف هذه اآلية؟‬ ‫‪ -4‬حيل للزوج أخذ ما وهبت زوجته بالشرط السابق وهو أن يكون عن طيبة من‬
‫يف املراد بالسفهاء مخسة أقوال‬ ‫نفسها وليس عليه بعد ذلك تبعه يف الدنيا أو اآلخرة‪.5‬‬
‫‪ -1‬أهنم النساء قاله ابن عمر‬
‫‪ -2‬النساء والصبيان‬ ‫‪ 1‬اجلامع ألحكام القرآن ‪5/25‬‬
‫‪ 2‬السابق‬
‫‪ -3‬األوالد الصغار‬
‫‪ 3‬السايس ‪1/366‬‬
‫‪ 4‬السابق‪.‬‬
‫اجلامع ألحكام القرآن ‪5/25‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪ 5‬السابق‬
‫‪75‬‬
‫يرجع نفعه إليك وقيل ‪ :‬معناه وعدوهم وعدا حسنا أي إن رشدمت دفعنا إليكم أموالكم ويقول األب‬ ‫‪ -4‬اليتامى‬
‫البنه ‪ :‬مايل إليك مصريه وأنت إن شاء اهلل صاحبه إذا ملكت رشدك وعرفت تصرفك‪.3‬‬ ‫‪ -5‬القول على إطالقه واملراد به كل سفيه يستحق احلجر عليه‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ " :‬والصواب من القول يف تأويل ذلك عندنا أن اهلل جل ثناؤه عم بقوله ‪ { :‬وال‬
‫اح فَِإ ْن آنَ ْستُم ِّم ْن ُه ْم ُر ْشداً فَا ْد َفعُواْ ِإل َْي ِه ْم َْأم َوال َُه ْم َوالَ‬
‫َّى ِإذَا َبلَغُواْ النِّ َك َ‬
‫‪َ ‬و ْابَتلُواْ الْيَتَ َامى َحت َ‬ ‫تؤتوا السفهاء أموالكم } فلم خيصص سفيها دون سفيه فغري جائز ألحد أن يؤيت سفيها ماله صبيا‬
‫ف ومن َكا َن فَِقيراً َفلْيْأ ُكل بِالْمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‬ ‫َ ْ َ ُْ‬ ‫وها ِإ ْس َرافاً َوبِ َداراً َأن يَكَْب ُرواْ َو َمن َكا َن غَنيّاً َفلْيَ ْسَت ْعف ْ‪َ َ 3‬‬ ‫تَْأ ُكلُ َ‬ ‫صغريا كان أو رجال كبريا كان أو أنثى‬
‫فَِإ ذَا َد َف ْعتُ ْم ِإل َْي ِه ْم َْأم َوال َُه ْم فََأ ْش ِه ُدواْ َعلَْي ِه ْم َو َك َفى بِالل ِّه َح ِسيباً{‪}6‬‬ ‫والسفيه الذي ال جيوز لوليه أن يؤتيه ماله هو املستحق احلجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء‬
‫معاني الكلمات‪:‬‬ ‫تدبريه"‪.1‬‬
‫(وابتلوا) اختربوا‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬وجوب احملافظة على املال‪:‬‬
‫(اليتامى) قبل البلوغ يف دينهم وتصرفهم يف أحواهلم‬ ‫يف هذه اآلية داللة على النهي عن تضييع املال ووجوب حفظه وتدبريه وحسن القيام عليه حيث‬
‫(بلغوا النكاح) أي صاروا أهالً له ‪.‬‬ ‫قد جعله تعاىل سببا يف إصالح املعاش وانتظام االمور وكان السلف يقولون‪ ?:‬املال سالح املؤمن‪.2‬‬
‫(آنستم) أبصرمت ‪.‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬احلجر على السفيه‪:‬‬
‫(ر ْشداً) صالحاً‬ ‫ُ‬ ‫استدل الفقهاء هبذه اآلية على وجوب احلجر على السفيه ألن اهلل هنانا عن تسليم السفهاء أمواهلم‬
‫(إسرافا) بغري حق حال‬ ‫حىت نأنس منهم الرشد ويبلغوا سن اإلحتالم كما يف اآلية التالية‪.‬‬
‫(وبداراً) أي مبادرين إىل إنفاقها خمافة أن يكربوا وينتزعوا املال‬ ‫وأسباب احلجر هي‪ :‬الصغر‪ ،‬واجلنون والسفه واإلفالس‪ ،‬وكلها مبينة يف الكتب الفقهية‪.‬‬
‫(أن يكربوا) رشداء‬ ‫وه ْم َوقُولُواْ هَلُ ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً‪:‬‬ ‫احلكم الرابع‪  :‬وارزقُ ِ‬
‫وه ْم ف َيها َوا ْك ُس ُ‬
‫َ ُْ ُ‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫احلكم هنا يعود إىل املراد بالسفهاء سابقا وعلى ترجيح الطربي بأن املراد به العموم فنقول جتب‬
‫الحكم األول‪ :‬متى يسلم لليتيم ماله؟‬ ‫النفقة على الزوج لزوجته‪ ،‬وعلى ويل مال اليتيم على اليتيم وعلى األب البنه وعلى أولياء احملجور‬
‫ملا أمر اهلل بإيتاء اليتامى أمواهلم بقوله‪ :‬وآتوا اليتامى أمواهلم‪ ‬شرع يف تعيني وقت تسليمهم?‬ ‫حملجورهم‪.‬‬
‫أمواهلم وبيان شرط ذلك الدفع‪ ،‬فأمر األولياء باختبار اليتامى يف عقوهلم وأحواهلم حىت إذا علموا‬ ‫أما قوله تعاىل ‪َ  :‬وقُولُواْ هَلُ ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً ‪ ‬أراد تليني اخلطاب والوعد اجلميل واختلف يف القول‬
‫منهم بعد البلوغ أن هلم فهما وعقال وقدرة يف معرفة املصاحل واملفاسد دفعوا إليهم أمواهلم‪.‬‬ ‫املعروف فقيل ‪ :‬معناه ادعوا هلم ‪ :‬بارك اهلل فيكم وحاطكم وصنع لكم وأنا ناظر لك وهذا االحتياط‬

‫‪3/586‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 3‬القرطيب ‪5/30‬‬ ‫السايس ‪1/367‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪76‬‬
‫ويشرتط تكرر االختبار مرتني أو أكثر حبيث يغلب على الظن رشده فال يكفي مرة ألنه قد‬ ‫واتفق أبو حنيفة والشافعي على أن هذا االختبار يكون قبل البلوغ وتشهد هلم الغاية‪ ،‬وحيكى عن‬
‫يصيب فيها اتفاقا ووقته‪.5‬‬ ‫مالك أنه بعد البلوغ‪.1‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء على أن الصغري ال يدفع إليه ماله حىت يبلغ سن االحتالم ويؤنس منه الرشد فإن‬ ‫والبلوغ يكون بأحد مخسة أشياء‪ :‬ثالثة يشرتك فيها الرجال والنساء‪ :‬االحتالم‪ ،‬واستكمال مخس‬
‫وجد أحدمها دون اآلخر مل جيز تسليم املال هلذه اآلية‪ ،‬وأليب حنيفة خالف سيأيت‪.‬‬ ‫عشرة سنة‪ ،‬واإلنبات‪ ،‬وشيئان خيتصان بالنساء‪ :‬احليض‪ ،‬واحلمل‪.‬‬
‫بيد أن الشافعي جيعل الرشد صالح الدين واملال وأبو حنيفة خيصه بصالح املال فقط‪ ،‬وبكال‬ ‫وعموم اللفظ يتناول ذكور اليتامى وإناثهم‪ ،‬وال خالف بني أهل العلم يف أن األمر فيهم واحد‬
‫القولني قال ناس من املفسرين‪ ،‬وسبب اخلالف يرجع إىل معىن الرشد‪.‬‬ ‫لكن مالك خالف يف سن رشد املرأة فقال ال بد من دخول زوجها عليها ومضي مدة من الزمان‬
‫الحكم الثاني‪ :‬الحجر على الكبير‪:‬‬ ‫متارس فيها األحوال‪ ،‬واختلف املالكية يف هذا التحديد‪ :‬عام –عامان‪ -‬سبعة أعوام‪ ،‬قال ابن العريب‪:‬‬
‫ذهب مجهور أهل العلم إىل أن الكبري حيجر عليه كما حيجر على الصغري إذا كان سفيها‪.‬‬ ‫وليس يف حتديد املدة دليل‪.2‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إىل أن من بلغ مخسا وعشرين سنة سلم له ماله سواء كان رشيدا أو غري رشيد‪.‬‬ ‫وحجة مالك أن إيناس الرشد ال يتصور من املرأة إال بعد اختبار الرجال‪ ،‬وأما أقاويل أصحابه‬
‫والراجح قول اجلمهور ألن املدار على السفه ال على السن‪ ،‬وما حيكى من أن أبا حنيفة قال بأنه‬ ‫فضعيفة خمالفة للنص والقياس أما خمالفتها النص فإهنم مل يشرتطوا الرشد وأما خمالفتها للقياس فألن‬
‫يصري يف هذه السن جدا وهو يستحي أن حيجر على جد حجة غري سديدة ألنه ال عالقة باجلدودة مبا‬ ‫الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه املدة احملدودة‪.3‬‬
‫حنن فيه‪.‬‬ ‫أما كيفية االختبار فيكون بتفويض التصرفات اليت يتصرف فيها أمثال اليتيم فإن كان من أوالد‬
‫مث إن الصيب إمنا منع منه ماله لفقدان? العقل اهلادي إىل حفظ املال وكيفية االنتفاع به فإذا كان‬ ‫التجار فوض إليه البيع والشراء فإذا تكررت منه فلم يغنب ومل يضيع ما يف يده فهو رشيد وإن كان‬
‫هذا املعىن قائما بالشيخ والشاب كانا يف حكم الصيب فوجب أن مينع دفع املال إليهما ما مل يؤنس‬ ‫من أوالد الدهاقني والكرباء الذين يصان أمثاهلم عن األسواق دفعت إليه نفقة مدة لينفقها يف مصاحله‬
‫منهما الرشد‪.6‬‬ ‫فإن كان قيما بذلك يصرفها يف مواقعها ويستويف على وكيله ويستقصى عليه فهو رشيد واملرأة‬
‫وهلذا قال القرطيب بأن هذا التعليل يدل على ضعف هذا القول‪.7‬‬ ‫يفوض إىل ربة البيت من استئجار الغزاالت وتوكيلها يف شراء وأشباه ذلك فإن وجدت ضابطة ملا يف‬
‫الحكم الثالث‪ :‬هل يباح للوصي أن يأكل من مال اليتيم؟‬ ‫يديها مستوفية من وكيلها فهي رشيده‪.4‬‬
‫ف ومن َكا َن فَِقرياً َفْليْأ ُكل بِالْمعر ِ‬
‫وف‪ ‬تقسيم األوصياء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ُْ‬ ‫يف قوله تعاىل‪َ  :‬و َمن َكا َن َغنيّاً َفْليَ ْسَت ْعف ْ? َ َ‬
‫إىل صنفني‪:‬‬
‫‪ -1‬غين‪ :‬أمره اهلل باالستعفاف‪.‬‬
‫‪ 1‬السايس ‪1/369‬‬
‫‪ 5‬مغين احملتاج ‪2/165‬‬ ‫‪ 2‬ابن العريب ‪419 /1‬‬
‫‪ 6‬السابق‬ ‫‪ 3‬بداية اجملتهد ‪1/1090‬‬
‫‪5/35 7‬‬ ‫‪ 4‬املغين‪4/566‬‬
‫‪77‬‬
‫وحجتهم اآلية الكرمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬فقري‪ :‬جيوز له األكل من مال اليتيم باملعروف‬
‫املناقشة والرتجيح‪:‬‬ ‫ولكن وقع بني أهل العلم خالف يف داللة هذه اآلية نذكرها يف األحكام الالحقة‪.‬‬
‫ما قاله اجلمهور هو الراجح بنص القرآن‪ ،‬وادعاء النسخ بعيد لعدم التعارض بني اآليتني "وهو‬ ‫الحكم الرابع‪ :‬استعفاف الغني‪:‬‬
‫ختصيص لعموم? النهي عن أكل أموال اليتامى يف اآليتني السابقتني للرتخيص يف ضرب من ضروب‬ ‫العفة ‪ :‬االمتناع عما ال حيل‪ ،‬وقد اختلف أهل العلم يف داللة أمر الغين باالستعفاف على قولني‪:‬‬
‫الكل وهو أن يأكل الوصي الفقري من مال حمجوره باملعروف‪ ،‬وهو راجع إىل إنفاق بعض مال اليتيم‬ ‫القول األول‪ :‬الوجوب‪ :‬فال جيوز للغين أن يأخذ من مال اليتيم بأي حال من األحوال‪.‬‬
‫يف مصلحته?‪ ،‬ألنه إذا مل يعط الفقري باملعروف أهلاه التدبري لقوته عن تدبري مال حمجوره"‪.4‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬الندب‪ :‬أي األفضل له أال يأخذ‪ ،‬فإذا ما أخذ جيوز له ويكون أجرة يف مقابل العمل‪،‬‬
‫الحكم السادس‪ :‬معنى األكل بالمعروف‪:‬‬ ‫أي إذا أراد أن يأخذ أجر مثله جاز له إذا كان له عمل وخدمة أما إذا كان عمله جمرد التفقد لليتيم‬
‫في األكل باملعروف أربعة أقوال‪:‬‬ ‫واإلشراف عليه فال أجر له‪.1‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه األخذ على وجه القرض وهذا مروي عن عمر وابن عباس‪.‬‬ ‫الحكم الخامس‪ :‬هل يجوز للفقير األكل من مال اليتيم؟‬
‫والثاين‪ :‬األكل مبقدار احلاجة من غري إسراف وهذا مروي عن ابن عباس والنخعي‬ ‫يف هذه املسألة قوالن‪:‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه األخذ بقدر أجرة املثل وهو مذهب مالك‪.5‬‬ ‫القول األول‪ :‬ال جيوز له األكل مطلقا‪ ،‬واستثىن أبو حنيفة وصاحباه من املنع حالة السفر فقالوا‪:‬‬
‫والرابع‪ :‬له أقل األمرين من أجرته أو قدر كفايته‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي‪ 6‬وأمحد‪.7‬‬ ‫ال يأخذ إال إذا سافر من أجل اليتيم يأخذ قوته يف السفر‪.‬‬
‫وعلل بأن الوصي يستحقه بالعمل? واحلاجة مجيعا فلم جيز أن يأخذ إال ما وجدا فيه‪.‬‬ ‫وافرتق هؤالء يف تأويل هذه اآلية إىل أقوال‪:‬‬
‫الحكم السابع ‪ :‬هل على الفقير اآلكل الضمان إذا أيسر؟‬ ‫األول‪ :‬إن له أن يأخذ من مال اليتيم قرضا بقدر ما حيتاج إليه مث إذا أيسر قضاه وهذا قول ابن‬
‫ذكرنا أن للفقري الذي ال جيد ما يكفيه وتشغله رعاية مال اليتيم عن حتصيل الكفاية أن يأخذ‬ ‫جبري وجماهد‪.‬‬
‫قدر كفايته باملعروف من غري إسراف‪ ،‬ولكن هل عليه الضمان إذا أيسر أقوال‪:‬‬ ‫الثاين‪ :‬ذهبت إىل أن ذلك حق اليتيم ينفق عليه من ماله حبسب حاله‪ ،‬وهو بعيد ال ينتظم مع‬
‫القول األول‪ :‬أنه ال ضمان عليه وهو قول الشعيب والنخعي‪.‬‬ ‫قوله‪ :‬ومن كان غنيا فليستعفف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الثالث‪ :‬ادعى نسخ هذه اآلية بقوله تعاىل بعدها‪ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما‪ ‬وهذا‬
‫مروي عن ابن عباس قال ابن اجلوزي‪" :‬وال يصح"‪.3‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جيوز للفقري األكل باملعروف من مال اليتيم وهذا قول اجلمهور‪.‬‬
‫‪ 4‬التحرير والتنوير‪1/897‬‬
‫‪ 5‬السابق‪.‬‬ ‫‪ 1‬التحرير والتنوير‪1/898‬‬
‫‪ 6‬مغين احملتاج ‪2/173‬‬ ‫‪ 2‬السايس ‪1/374‬‬
‫‪ 7‬املغين ‪4/319‬‬ ‫‪ 3‬زاد املسري ‪2/17‬‬
‫‪78‬‬
‫إال ببينة عند مالك‪ 5‬والشافعي‪ 6‬هلذه اآلية‪ ،‬ولأن الذي زعم أنه دفعه إليه غري الذي ائتمنه كالوكيل‬ ‫وعلل قوهلم بأن اهلل تعاىل أمر باألكل من غري ذكر عوض‪ ،‬بل هو عوض عن عمله فلم يلزمه بدله‬
‫بدفع املال إىل غريه ال يصدق إال ببينة‪.‬‬ ‫كاألجري واملضارب‪.1‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وحممد وزفر واحلسن بن زياد يف الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه‬ ‫القول الثاين‪ :‬إذا أيسر وجب عليه القضاء روي عن عمر وغريه‪.‬‬
‫قد دفع املال إليه أنه يصدق‪ ،‬وكذلك لو قال أنفقت عليه يف صغره صدق يف نفقة مثله وكذلك لو‬ ‫وعلل هذا القول بأنه استباحه باحلاجة من مال غريه فلزمه قضاؤه كاملضطر إىل طعام غيره‪.2‬‬
‫قال هلك املال‪ ،7‬وعلله اجلصاص بأنه بمنزلة الودائع واملضاربات وما جرى جمراها من األمانات‬ ‫القول الثالث‪ :‬وهو لإلمام أمحد وهو التفريق بني األب وغريه‪ ،‬فإن كان أبا مل يلزمه عوضه رواية‬
‫فوجب أن يكون مصدقا على الرد كما يصدق على رد الوديعة‪.8‬‬ ‫واحدة‪ ،‬ألن لألب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع احلاجة وعدمها‪ ،‬وإن كان غري األب روايتان‪.3‬‬
‫صيب ِّم َّما َتر َك الْوالِ َد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫لر َج ِ‬
‫ان َواَألق َْربُو َن‬ ‫َ َ‬ ‫ال نَصيِ ٌ‬
‫ب ِّم َّما َت َر َك ال َْوال َدان َواَألق َْربُو َن َوللن َ‬
‫ِّساء نَ ٌ‬ ‫‪‬لِّ ِّ‬ ‫الحكم الثامن‪ :‬اإلشهاد على تسليم المال لليتيم‪:‬‬
‫صيباً َّم ْف ُروضاً‪ ‬النساء‪7‬‬‫ِم َّما قَ َّل ِم ْنهُ َأو َك ُثر نَ ِ‬ ‫قوله تعاىل ‪ :‬فإذا دفعتم إليهم أمواهلم فأشهدوا عليهم‪ ‬أي ‪ :‬إذا حصل مقتضى الدفع فدفعتم‬
‫ْ َ‬
‫هذا شروع يف بيان أحكام املواريث اليت تضمنتها اآليات التالية هلذه اآلية بعد بيان أموال اليتامى‬ ‫إليهم أمواهلم فأشهدوا عليهم أهنم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم وتأمنوا عاقبة الدعاوى‬
‫املنتقلة إليهم باإلرث‪.‬‬ ‫الصادرة منهم‪.‬‬
‫وسبب نزول هذه اآلية أن أوس بن ثابت األنصاري تويف وترك ثالث بنات وامرأة‪ ،‬فقام رجالن‬ ‫وقيل ‪ :‬إن اإلشهاد املشروع هو ما أنفقه عليهم األولياء قبل رشدهم ‪.‬‬
‫من بين عمه يقال هلما قتادة وعرفطة فأخذا ماله ومل يعطيا امرأته وال بناته شيئا‪ ،‬فجاءت امرأته إىل‬ ‫وقيل هو على رد ما استقرضه إىل أمواهلم ‪.‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت له ذلك وشكت الفقر فنزلت هذه اآلية قاله ابن عباس‪.‬‬ ‫وظاهر النظم القرآين مشروعية اإلشهاد على ما دفع إليهم من أمواهلم وهو يعم اإلنفاق قبل الرشد‬
‫وقال قتادة وابن جبري أن اجلاهليني ما كانوا يورثون النساء واألطفال ويقولون? ‪ :‬إمنا يرث من‬ ‫والدفع للجميع إليهم بعد الرشد‪.4‬‬
‫حيارب ويذب عن احلوزة وللرد عليهم نزلت هذه اآلية‪.‬‬ ‫واألمر هنا حيتمل الوجوب وحيتمل الندب وبكل قالت طائفة من العلماء مل يسم أصحاهبا ‪ :‬فإن‬
‫قال ابن عاشور‪ :‬ومناسبة تعقيب اآلي السابقة هبذه اآلية أهنم كانوا قد اعتادوا إيثار األقوياء‬ ‫لوحظ ما فيه من االحتياط حلق الوصي كان اإلشهاد مندوبا‪ ،‬ألنه حقه فله أن ال بفعله ‪.‬‬
‫واألشداء باألموال وحرمان الضعفاء وإبقاءهم عالة على أشدائهم حىت يكونوا يف مقاهتم فكان‬ ‫وإن لوحظ ما فيه من حتقيق مقصد? الشريعة من رفع التهارج وقطع اخلصومات كان اإلشهاد‬
‫األولياء مينعون عن حماجريهم أمواهلم وكان أكرب العائلة حيرم إخوته من املرياث معه فكانوا لضعفهم‬ ‫واجبا نظري ما تقدم يف قوله تعاىل ‪ ‬إذا تداينتم بدين إىل أجل مسمى فاكتبوه ‪ ‬وللشريعة? اهتمام‬
‫بتوثيق احلقوق‪ ،‬ألن ذلك أقوم لنظام املعامالت‪ ،‬وأيا ما كان فقد جعل الوصي غري مصدق يف الدفع‬

‫‪ 5‬التحرير والتنوير‪1/898‬‬ ‫‪ 1‬السابق‬


‫‪ 6‬مغين احملتاج‪1/432‬‬ ‫‪ 2‬السابق‬
‫‪ 7‬اجلصاص‪2/364‬‬ ‫‪ 3‬السابق‬
‫‪2/365 8‬‬ ‫‪ 4‬فتح القدير‪1/641‬‬
‫‪79‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف كون هذه اآلية منسوخة أو حمكمة‪ ،‬فذهب مجهور املفسرين إىل أهنا‬ ‫يصربون على احلرمان ويقنعون بالعيش يف ظالل أقارهبم‪ ،‬ألهنم إن نازعوهم طردوهم وحرموهم‬
‫حمكمة وذهب ابن املسيب والضحاك إىل أهنا منسوخة بآية املواريث‪ ،‬وقيل آية املواريث والوصية‪،‬‬ ‫فصاروا عالة على الناس‪.‬‬
‫وقيل نسختها الزكاة‪ ،5‬ومآل هذا الأقوال إىل موافقة قول اجلمهور أهل العلم‪.6‬‬ ‫وأخص الناس بذلك النساء فإهنن جيدن ضعفا من أنفسهن وخيشني عار الضيعة ويتقني احنراف‬
‫مث اختلف اجلمهور يف األمر هنا هل هو للوجوب أو للندب‪:‬‬ ‫األزواج فيتخذن رضا أولياءهن عدة هلن من حوادث الدهر‪ ،‬فلذا أمرهم اهلل أن يؤتوا اليتامى أمواهلم‬
‫القول األول‪ :‬الوجوب‪ ،‬فيجب الصلة مبا طابت به أنفس الورثة عند القسمة وبه قال احلسن‬ ‫وعقبه بأمرهم بأن جيعلوا للرجال والنساء نصيبا مما ترك الوالدان واألقربون‪ ،‬فإيتاء مال اليتيم حتقيق‬
‫والزهري‪.‬‬ ‫إليصال نصيبه مما ترك له الوالدان واألقربون وتوريث القرابة إثبات لنصيبهم مما ترك الوالدان‬
‫القول الثاين‪ :‬الندب‪ ،‬وبه قال اجلمهور‪.‬‬ ‫واألقربون وذكر النساء هنا متهيدا لشرع املرياث‪.1‬‬
‫وعللوه بأنه لو كان فرضا لكان استحقاقا يف الرتكة‪ ،‬ومشاركة يف املرياث ألحد اجلهتني معلوم?‬ ‫وظاهر اآلية يشهد للحنفية القائلني بتوريث ذوي األرحام ألن العمات و اخلاالت وأوالد البنات‬
‫ولآلخر جمهول‪ ،‬وذلك مناقض للحكمة وسبب للتنازع والتقاطع‪.7‬‬ ‫ب مِّمَّا َتَر َك الْ َوالِ َد ِان َواَأل ْقَربُو َن‪ ...‬فثبت‬ ‫ِ ِ‬
‫من األقربني فوجب دخوهلم حتت قوله تعاىل‪ :‬لِّ ِّلر َجال نَصي ٌ‬
‫ويدل على صحة قول اجلمهور إمجاع األمة على أهنم إذا مل حيضروا القسمة ال يرزقون شيئا كما‬ ‫كوهنم مستحقني ألصل النصيب هبذه اآلية‪ ،‬وأما املقدار فمستفاد من دالئل أخر كما هو احلال يف‬
‫اقتضاه اخلطاب يف اآلية‪ ،‬ولو كان واجبا لوجب هلم وإن مل حيضروا كسائر الفرائض الواجبات‪.‬‬ ‫غريهم‪.2‬‬
‫وألنه لو كان واجبا لكان مقدرا حمدودا كسائر الفرائض الواجبات فدلنا ذلك على أنه على‬
‫وهم ِّم ْنهُ َوقُولُواْ ل َُه ْم َق ْوالً‬ ‫ِ‬ ‫‪‬وِإ َذا ح َ ِ‬
‫الندب‪.8‬‬ ‫ين فَ ْار ُزقُ ُ‬
‫ض َر الْق ْس َمةَ ُْأولُواْ الْ ُق ْربَى َوالْيَتَ َامى َوال َْم َساك ُ‬ ‫َ َ‬
‫أما القول املعروف فهو‪ :‬أال يتبع العطية باملن واألذى بالقول وبأن يعتذر ملن ال يعطيه شيئا‪.9‬‬ ‫َّم ْع ُروفاً ‪‬‬
‫‪3‬‬
‫هذا وقد ذهبت فرقة إىل أن املخاطب واملراد يف اآلية احملتضرون الذين يقسمون? أمواهلم بالوصية ال‬ ‫املراد بالقرابة هنا غري الوارثني وكذا اليتامى واملساكني واملعىن ‪ :‬أنه إذا حضر هؤالء الفقراء من‬
‫الورثة وروي عن ابن عباس و سعيد بن املسيب‪ ،‬فإذا أراد املريض أن يفرق ماله بالوصايا وحضره‬ ‫القرابة الذين ال يرثون واليتامى واملساكني قسمة مال جزيل فإن أنفسهم تتوق إىل شيء منه إذا رأوا‬
‫من ال يرث ينبغي له أال حيرمه‪.10‬‬ ‫هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم يائسون ال شيء يعطونه‪ ،‬فأمر اهلل تعاىل وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ‬
‫هلم شيء من الوسط يكون برا هبم وصدقة عليهم وإحسانا إليهم وجربا لكسرهم‪.4‬‬
‫‪ 5‬القرطيب ‪ ،5/48‬واملوزعي ‪1/548‬‬
‫‪ 6‬التحرير والتنوير‪1/900‬‬
‫‪ 7‬القرطيب‪5/48‬‬ ‫‪ 1‬التحرير والتنوير‪1/898‬‬
‫‪ 8‬املوزعي ‪1/549‬‬ ‫‪ 2‬السايس ‪ 1/377‬وانظر اجلصاص‪2/366‬‬
‫‪ 9‬السايس ‪1/379‬‬ ‫‪ 3‬فتح القدير‪1/645‬‬
‫‪ 10‬القرطيب ‪5/48‬‬ ‫‪ 4‬خمتصر ابن كثري‪1/271‬‬
‫‪80‬‬
‫ِ ِ‬
‫وقد نسخ حكم هذه اآلية بآية النور فجعل حكم الزانيني البكرين جلد مائة‪.‬‬ ‫استَ ْش ِه ُدواْ َعلَْي ِه َّن َْأربَعةً ِّمن ُك ْم فَِإ ن َش ِه ُدواْ فَ َْأم ِس ُك ُ‬
‫وه َّن‬ ‫ين الْ َفاح َشةَ من نِّ َسآِئ ُك ْم فَ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ‬والالَّتي يَْأت َ‬
‫ت َْأو يَ ْج َع َل اللّهُ ل َُه َّن َسبِيالً ‪ ‬النساء‪15‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وذهب أبو مسلم? إىل أنه ال نسخ ‪-‬بناء على مذهبه املعروف‪ -‬حلكم اآليتني بل اآلية اليت قبل هذه‬ ‫َّى َيَت َوفَّ ُ‬
‫اه َّن ال َْم ْو ُ‬ ‫في ال ُْبيُوت َحت َ‬
‫يف السحاقات وهن النساء الاليت يستمتع بعضهن ببعض وحدهن احلبس ‪.‬‬ ‫معنى اآلية‪:‬‬
‫وهذه اآلية يف الالئطني وحدمها اإليذاء‪ ،‬وأما حكم الزناة فبني يف سورة النور ‪.‬‬ ‫والنساء الاليت يزنني من نسائكم فأشهدوا على زناهن أربعة من رجالكم‪ ،‬فإن شهدوا بذلك‬
‫وزيف هذا القول ملا يلي‪:‬‬ ‫فاحبسوهن يف البيوت حىت يتوفاهن ملك املوت أو جيعل اهلل هلن خمرجا مما أتني به‪.‬‬
‫‪ -1‬بأنه مل يقل به أحد ‪.‬‬ ‫وقد كان ذلك أول األمر مث جعل اهلل هلن سبيال‪ ،‬ويف هذا إشارة إىل أن إمساكهن يف البيوت زجر‬
‫‪ -2‬انه ال أمكان له يف األوىل ويأباه األمر باستشهاد األربعة فإنه غري معهود يف‬ ‫مؤقت سيعقبه حكم آخر‪ ،‬وهو اجللد والرجم وثبت يف مسلم من حديث عبادة أن رسول اهلل‪ ‬قال‬
‫‪2‬‬
‫الشرع فيما عدا الزنا‬ ‫‪" :‬خذوا عين قد جعل اهلل هلن سبيال البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام"‪.‬‬
‫‪ -3‬بأن الصحابة رضي اهلل تعاىل عنهم اختلفوا يف حكم اللوطي ومل يتمسك أحد‬
‫منهم هبذه اآلية‪ ،‬وعدم متسكهم هبا مع شدة احتياجهم إىل نص يدل على احلكم دليل على‬ ‫ضواْ َع ْن ُه َما ِإ َّن اللّهَ َكا َن َت َّواباً َّر ِحيماً{‬ ‫وه َما فَِإ ن تَابَا َو ْ‬
‫َأصلَ َحا فََأ ْع ِر ُ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬واللَّ َذا َن يَْأتِيَانَِها من ُك ْم فَآذُ ُ‬
‫أن اآلية ليست يف ذلك‬ ‫‪}16‬‬
‫‪ -4‬جعل احلبس يف البيت عقوبة السحاق مما ال معىن له‪ ،‬ألنه مما ال يتوقف على‬ ‫اختلف يف املراد باللذين يأتيان الفاحشة على أقوال‪:‬‬
‫اخلروج كالزنا فلو كان املراد السحاقات لكانت العقوبة هلن عدم اختالط بعضهن ببعض‬ ‫‪ -1‬الرجل واملرأة البكران‪.‬‬
‫ال احلبس واملنع من اخلروج فحيث جعل هو عقوبة دل ذلك على أن املراد بالاليت يأتني‬ ‫‪ -2‬الرجالن الزانيان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الفاحشة الزانيات‬ ‫‪ -3‬الرجل واملرأة ال فرق بني بكر وثيب‪.‬‬
‫هذا وقد اختلف املفسرون? يف تفسري األذى على أقوال‪:‬‬ ‫واملختار أهنما الرجل واملرأة البكران‪ ،‬أما أنه مل يرد الرجلني فألنه قال‪ :‬واللذان والعرب تعرب يف‬
‫‪ -1‬التوبيخ والتعيري‬ ‫مثل هذا إما باملفرد وإما باجلمع و تعرب بالتثنية إال إذا كان الفعل ال يكون إال من إثنني كالزىن‬
‫‪ -2‬السب واجلفاء من دون تعيري ‪.‬‬ ‫وأرادت أن تبني حكم الفاعل واملفعول‪.‬‬
‫‪ -3‬النيل باللسان والضرب بالنعال‪.4‬‬ ‫وأما أهنما بكران دون الثيبني فألن اهلل ذكر حكمني‪ :‬أحدمها‪ :‬احلبس يف البيوت والثاين اإليذاء وال‬
‫توبة الزاين هل تسقط احلد؟‬ ‫شك أن من حكم عليه باألول خالف من حكم عليه بالثاين‪ ،‬والشرع خيفف يف البكر ويشدد يف‬
‫الثيب ولذلك ملا نسخ هذا احلكم جعل للثيب الرجم وللبكر اجللد فجعلنا احلكم الشديد وهو احلبس‬
‫أبو السعود‪2/155‬‬ ‫‪2‬‬
‫على الثيب واحلكم األخف وهو اإليذاء على البكر‪.1‬‬
‫‪ 3‬روح املعاين ‪4/236‬‬
‫‪ 4‬فتح القدير ‪1/659‬‬ ‫‪ 1‬السايس ‪1/401‬‬
‫‪81‬‬
‫وقد اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام مهمة ‪.‬‬ ‫اختلف الفقهاء فيما لو تاب الزاين قبل أن يقام عليه احلد هل يسقط بسبب هذه التوبة؟ قوالن‪:‬‬
‫الحكم األول‪ :‬وراثة النساء كرها‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬يسقط احلد‪ ،‬وهو أحد قويل الشافعي ورواية عن أمحد‪.1‬‬
‫لما هنى اهلل سبحانه فيما تقدم عن عادات أهل اجلاهلية يف أمر اليتامى واألموال عقبه بالنهي عن‬ ‫وحجته هذه اآلية يف قوله تعاىل‪ :‬فإن تابا فأعرضوا عنهما‪ ‬فاهلل أمرنا باإلعراض عنهما إذا تابا‪،‬‬
‫اإلستنان بنوع من سننهم يف النساء أنفسهن أو أمواهلن‪ 4‬فقد كان الرجل يف اجلاهلية ميوت فريث ابنه‬ ‫ولو كان واجبا مل يسقط‪ ،‬وملا أمرنا باإلعراض‪.‬‬
‫امرأة أبيه كما يرث أمه ال تستطيع أن متتنع فإن أحب أن يتخذها اختذها كما كان أبوه يتخذها وإن‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يسقط احلد بالتوبة‪ ،‬وهو قول الثالثة والشافعي يف اجلديد‪.‬‬
‫كره فارقها وإن كان صغريا حبست عليه حىت يكرب فإن شاء أصاهبا وإن شاء فارقها أو زوجها من‬ ‫وحجتهم قوله تعاىل‪ :‬الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما‪.‬‬
‫أحب وأخذ مهرها فكانوا يرثوهنا كما يرثون املال‪ ،‬فأنزل اهلل هذه اآلية فبني بذلك أهنا ليست متعا‬ ‫ولكن أجيب بأنه ال يدل على املدعى ألنه مطلق وهذا مقيد بالتوبة واملقيد قاض على املطلق‪.‬‬
‫يورث‪.‬‬ ‫ولكن ال تكفي التوبة فقط بل ال بد أن يضم إليها اإلصالح أي يف العمل‪ ،‬وملا أطلق سبحانه‬
‫واملعىن على هذا‪ :‬لا حيل لكم أن ترثوا آباءكم وأقاربكم نكاح نسائهم وهن لذلك كارهات‪.‬‬ ‫اإلصالح يف األزمان ومل يقيده فوجد أن الشرع قد قدر حوال يف فراق األمر املألوف امتحانا‬
‫فرتك ذكر اآلباء واألقارب والنكاح ووجه الكالم إىل النهي عن وراثة النساء اكتفاء مبعرفة‬ ‫لإلنسان فغرب البكر إذا زىن عاما فاستدل بذلك على أن من ادعى نفي نفسه عن مألوفها وشهوهتا‬
‫املخاطبني مبعىن الكالم إذ كان مفهوما? معناه عندهم‪.‬‬ ‫فال بد من امتحانه بعام‪.2‬‬
‫واخرج ابن جرير عن الزهري أنه هذه اآلية نزلت يف ناس من األنصار كانوا إذا مات الرجل‬ ‫قال املوزعي‪" :‬وظاهر اطالق اآلية أن التوبة تسقط احلد سواء تاب قبل الوصول إىل القاضي أو‬
‫منهم فأملك الناس بامرأته وليه فيمسكها حىت متوت فريثها‪.5‬‬ ‫بعده‪ ،‬وفيه خالف واتباع الظاهر أوىل وأليق بباب احلدود"‪.3‬‬
‫والظاهر األول ألن مآل الثاين بيان أهنم ليسوا من ورثتها وذلك معلوم? من آيات املرياث فإهنا‬ ‫من مظاهر إكرام المرأة‬
‫بينت من ترث خبالف محله على املعىن األول فإنه يؤدي معىن جديدا‪.6‬‬ ‫ض َما‬ ‫وه َّن لِتَ ْذ َهبُواْ بَِب ْع ِ‬
‫ضلُ ُ‬‫ِّساء َك ْرهاً َوالَ َت ْع ُ‬ ‫ِ‬
‫آمنُواْ الَ يَح ُّل لَ ُك ْم َأن تَ ِرثُواْ الن َ‬‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫‪ ‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫آَتيتموه َّن ِإالَّ َأن يْأتِين بَِف ِ‬
‫اح َش ٍة ُّمبِّينَ ٍة و َع ِ‬
‫الحكم الثاني‪ :‬حرمة‪ 3‬عضل المرأة‪:‬‬ ‫وه َّن َف َع َسى َأن تَك َْر ُهواْ‬ ‫وه َّن بِال َْم ْع ُروف فَِإ ن َك ِر ْهتُ ُم ُ‬
‫اش ُر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ ُ ُ‬
‫العضل لغة هو املنع‪ ،‬وقد اختلف العلماء فيمن خوطب بقوله ‪‬وال تعضلوهن‪ ‬على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫َش ْيئاً َويَ ْج َع َل اللّهُ فِ ِيه َخ ْيراً َكثِيراً‪ ‬النساء‪19‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه خطاب لألزواج‪ ،‬مث يف العضل الذي هنى عنه ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫كانت املرأة قبل اإلسالم مهضومة? احلق يعتدى عليها بأنواع من االعتداء فرفعها اهلل من تلك اهلوة‬
‫‪ -1‬أن الرجل كان يكره صحبة امرأته وهلا عليه مهر فيحبسها ويضرهبا لتفتدي قاله‬ ‫اليت كانت فيها وقرر هلا حقوقها وهنى عن االعتداء عليها فكان ذلك من أنعم الشريعة اإلسالمية‬
‫ابن عباس‪.‬‬ ‫على املرأة‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ 4‬روح املعاين‪4/241‬‬
‫‪ 5‬الطربي‪3/646‬‬ ‫‪ 1‬انظر المهذب ‪ 3/366‬والمغني‪10/311‬‬
‫‪ 2‬تيسير البيان ‪1/579‬‬
‫‪ 6‬السايس ‪1/407‬‬ ‫‪ 3‬تيسير البيان ‪1/579‬‬
‫‪82‬‬
‫وه َّن‬ ‫ِ‬
‫لقد وضع اخلالق سبحانه قاعدة عظيمة يف التعامل بني الزوجني‪ ،‬وهي يف قوله تعاىل‪َ  :‬و َعاش ُر ُ‬ ‫‪ -2‬أن الرجل كان ينكح املرأة الشريفة فلعلها ال توافقه فيفارقها على أن ال تتزوج‬
‫وه َّن َف َع َسى َأ ْن تَكَْر ُهوا َشْيئاً َوجَيْ َع َل اللَّهُ فِ ِيه خَرْي اً َكثِرياً‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪)19‬‬ ‫ِ‬
‫بِالْ َم ْع ُروف فَِإ ْن َك ِر ْهتُ ُم ُ‬ ‫إال بإذنه ويشهد على ذلك فإذا خطبت فأرضته أذن هلا وإال عضلها قاله ابن زيد‬
‫وللمفسرين? يف معىن املعاشرة أقوال أمجلها فيما يلي‪-:‬‬ ‫‪ -3‬أهنم كانوا بعد الطالق يعضلون? كما كانت اجلاهلية تفعل أي أن الرجل كان‬
‫القول األول‪ :‬طيبوا أقوالكم هلن‪ ،‬وحسنوا أفعالكم‪ ،‬وهيئاتكم حبسب قدرتكم كما حتبون ذلك‬ ‫يطلق املرأة مث يراجعها مث يطلقها كذلك أبدا إىل غري غاية يقصد إضرارها حىت نزلت‬
‫منهن‪ ،‬فافعلوا أنتم هبن مثله(‪.)4‬‬ ‫الطالق مرتان البقرة ‪229‬فنهوا عن ذلك روي عن ابن زيد أيضا‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬النصفة يف املبيت‪ ،‬والنفقة‪ ،‬واإلمجال يف القول(‪.)5‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أنه خطاب لألولياء مث يف ما هنوا عنه قوالن‪:‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن يوفيها حقها من املهر‪ ،‬والنفقة‪ ،‬والقسم‪ ،‬وترك أذاها بالكالم الغليظ واإلعراض‬ ‫‪ -1‬أن الرجل كان يف اجلاهلية إذا كانت له قرابة قريبة ألقى عليها ثوبه فلم تتزوج‬
‫عنها‪ ،‬وامليل إىل غريها‪ ،‬وترك العبوس والقطوب يف وجهها بغري ذنب‪ ،‬وما جرى جمرى ذلك(‪.)6‬‬ ‫أبدا غريه إال بإذنه قاله ابن عباس‬
‫أي‪" :‬وعليكم أن حتسنوا معاشرة نسائكم فتخالطوهن مبا تألفه طباعهن‪ ،‬وال يستنكره الشرع وال‬ ‫‪ -2‬أن اليتيمة كانت تكون عند الرجل فيحبسها حىت متوت أو تتزوج بابنه قاله‬
‫العرف‪ ،‬وال تضيقوا عليهن يف النفقة‪ ،‬وال تؤذوهن بقول وال فعل‪ ،‬وال تقابلوهن بعبوس الوجه وال‬ ‫جماهد أن األولياء كانوا مينعون النساء من التزويج لريثوهن روي عن جماهد أيضا‬
‫تقطيب اجلبني"(‪.)7‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬انه خطاب لورثة أزواج النساء الذين قيل هلم ‪‬ال حيل لكم أن ترثوا النساء كرها‪‬‬
‫واملعاشرة باملعروف واجبة بنص اآلية؛ إذ األمر يقتضي الوجوب‪ ،‬وقد دلت السنة على ذلك‬ ‫كان الرجل يرث امرأة قريبة فيعضلها? حىت متوت أو ترد عليه صداقها‪ ،‬وعلى هذا يكون الكالم‬
‫أيضاً‪ ،‬فقد صح عنه صلى اهلل عليه وآله وسلم أنه قال‪":‬استوصوا بالنساء خرياً"(‪.)9()8‬‬ ‫متصال باألول وعلى األقوال اليت قبله يكون ذكر العضل منفصال عن قوله أن ترثوا النساء‪.1‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬اخللع بأكثر من املهر‪:‬‬ ‫والفاحشة قيل هي الزنا وقيل النشوز واألوىل أن تعم كل ذلك‪.2‬‬
‫أخذ الشعيب وغريه من قوله تعاىل‪ :‬لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن‪ ‬عدم جواز االفتداء إال ببعض‬ ‫قال بعضهم? كانت املرأة إذا أصابت فاحشة أخذ زوجها ماساق إليها وأخرجها فنسخ ذلك باحلد‬
‫املهر‪.‬‬ ‫قال ابن جرير وهذا القول ليس بصحيح ألن احلد حق اهلل واالفتداء حق للزوج وليس أحدمها مبطال‬
‫لآلخر والصحيح أهنا إذا أتت بأي فاحشة كانت من زىن الفرج أو بذاءة اللسان جاز له أن يعضلها‬
‫حىت تفتدي‪.3‬‬
‫‪ )?(4‬ينظر تفسري ابن كثري (‪)1/466‬‬ ‫الحكم الثالث‪ :‬وجوب معاشرة الزوجة بالمعروف‪:‬‬
‫‪ )?(5‬ينظر الكشاف (‪)1/140‬‬
‫‪ )?(6‬ينظر أحكام القرآن للجصاص (‪ )2/109‬وتفسري البيضاوي (‪ )3/285‬والظالل (‪.)1/606‬‬
‫‪ )?(7‬تفسري املراغي ألمحد? مصطفى املراغي (‪ )4/213‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬وينظر املفصل (‪)7/235‬‬ ‫‪ 1‬زاد املسري ‪2/40‬‬
‫‪ )?(8‬أخرجه مسلم (‪ )10/58‬مع شرح النووي‪.‬‬ ‫‪ 2‬السايس ‪1/407‬‬
‫‪ )?(9‬انظر حمرمات العالقة الزوجية يف القرآن الكرمي ‪119‬‬ ‫‪ 3‬زاد املسري ‪2/41‬‬
‫‪83‬‬
‫يأتني بالفاحشة املبينة وإذا مل خيافا أال يقيما حدود اهلل فإطالق هذه اآلية مقيد باليت قبلها‬ ‫ت بِِه‬ ‫ِ ِ‬
‫يما ا ْفتَ َد ْ‬
‫اح َعلَْيه َما ف َ‬
‫وذهب اجلمهور? إىل جواز أخذ مال أزيد مما آتاها لقوله تعاىل‪ :‬فَالَ ُجنَ َ‬
‫وبآية البقرة‪.3‬‬ ‫‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬املغاالة يف املهور‪:‬‬ ‫وأجابوا عن التقييد بالبعضية? هنا بأنه جري على الغالب يف الوجود فإن املرأة ال ختتلع إال بدون ما‬
‫يف قوله تعاىل ‪ :‬وآتيتم إحداهن قنطارا‪ ‬اآلية دليل على جواز املغاالة يف املهور ألن اهلل تعاىل ال‬ ‫تأخذ غالبا‪ ،‬قال املوزعي‪" :‬وهو خالف الظاهر ولكنا عدلنا إليه للدليل? الذي قدمناه يف سورة‬
‫ميثل إال مبباح‪ ،‬وهنا حتكى قصة وهي أن عمر خطب فقال ‪:‬أال ال تغالوا يف صدقات النساء فإهنا لو‬ ‫البقرة"‪.1‬‬
‫كانت مكرمة يف الدنيا أو تقوى عند اهلل لكان أوالكم هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ما أصدق‬
‫ِ‬
‫قط امرأة من نسائه وال بناته فوق اثنيت عشرة أوقية فقامت إليه امرأة فقالت ‪ :‬يا عمر يعطينا اهلل‬ ‫اه َّن قِنطَاراً فَالَ تَْأ ُخ ُذواْ م ْنهُ َش ْيئاً َأتَْأ ُخ ُذونَهُ‬ ‫استِْب َد َ‬
‫ال َز ْو ٍج َّم َكا َن َز ْو ٍج َوآَت ْيتُ ْم ِإ ْح َد ُ‬ ‫‪َ ‬وِإ ْن ََأردتُّ ُم ْ‬
‫وحترمنا ! أليس اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪ :‬وآتيتم إحداهن قنطارا فال تأخذوا منه شيئا‪ ‬فقال عمر‬ ‫ض َوَأ َخ ْذ َن ِمن ُكم ِّميثَاقاً‬ ‫ض ُك ْم ِإلَى َب ْع ٍ‬
‫ضى َب ْع ُ‬ ‫ف تَْأ ُخ ُذونَهُ َوقَ ْد َأفْ َ‬ ‫ُب ْهتَاناً َوِإثْماً ُّمبِيناً{‪َ }20‬و َك ْي َ‬
‫‪ :‬أصابت امرأة وأخطأ عمر‪ ،4‬وقد وقع اإلمجاع على أن املهر ألحد ألكثره حبيث تضري الزيادة على‬ ‫غَلِيظاً{‪}21‬‬
‫ذلك احلد باطلة لآلية‪ ،‬وال تعارض بني هذه اآلية واألحاديث احلاثة على عدم املغاالة يف املهور ألن‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫اآلية هنا تفيد اجلواز أما األفضل واألوىل فهو ما دلت عليه السنة من التيسري يف املهر‪.‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬أخذ الزوج مهر زوجته‪:‬‬
‫احلكم الثالث‪:‬اخللوة الصحيحة هل تقرر املهر؟‬ ‫كان من ظلم الرجال للنساء أن الرجل إذا أراد طالق امرأته اسرتد ما دفعه من مهر ورمبا توسل‬
‫اختلف الفقهاء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬ ‫إىل ذلك برميها بالفاحشة أو هتديدها بذلك فنهى اهلل عن ذلك يف هاتني اآليتني وجعله هبتانا وإمثا‬
‫القول األول‪ :‬يستقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وإن مل يطأ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأمحد‪.‬‬ ‫مبينا وأنكر عليهم أخذه ووخبهم على ذلك بعد أن أفضوا إليهن وأخذن منهم ميثاقا غليضا‪ ،2‬وهو ما‬
‫وحجتهم‪:‬‬ ‫أمر اهلل به من إمساكهن مبعروف أو تسرحيهن بإحسان‪.‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل‪ :‬وقد أفضى بعضكم إىل بعض‪ ‬ونقلوا عن الفراء أنه قال ‪ :‬اإلفضاء‬ ‫وخالصة ما ورد يف شأن أخذ الزوج من املهر يتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫اخللوة دخل هبا أو مل يدخل‪ ،‬قال ابن قدامة‪ :‬فإن اإلفضاء مأخوذ من الفضاء وهو اخلايل‬ ‫‪ -1‬إذا أتني بالفاحشة حيل للزوج أخذ املال‪.‬‬
‫فكأنه قال وقد خال بعضكم? إىل بعض‪.‬‬ ‫‪ -2‬إذا مل يأتني بفاحشة فيحل إذا خافا أال يقيما حدود اهلل كما يف آية سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ -2‬إمجاع الصحابة رضي اهلل عنهم فقد قضى هبا اخللفاء األربعة ومل يعلم هلم خمالف‪.‬‬ ‫‪ -3‬مل يأتني بفاحشة ومل خيافا أال يقيما حدود اهلل فال حيل لألزواج األخذ كما بينه‬
‫القول الثاين‪ :‬لا يستقر إال بالوطء‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬ ‫اهلل يف هذه اآلية‪ ،‬فحرمه حترميا مطلقا وقد علمنا أن اهلل سبحانه إمنا أراد حترمي ذلك إذا مل‬

‫‪ 3‬انظر املوزعي ‪1/583‬‬


‫‪ 4‬أخرجه البيهقي ( ‪ ) 233 / 7‬وقال ‪ " :‬هذا منقطع " ‪ .‬قال يف اإلرواء‪ :6/348‬ومع انقطاعه ضعيف من أجل‬ ‫‪ 1‬تيسري البيان ‪1/584‬‬
‫جمالد وهو ابن سعيد ليس بالقوي‪.‬‬ ‫‪ 2‬السايس ‪1/409‬‬
‫‪84‬‬
‫األم‪ :‬وهو اسم لكل أنثى هلا عليك والدة فيدخل يف ذلك األم وأمهاهتا‬ ‫‪-1‬‬ ‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬
‫وجداهتا وأم األب وجداته وإن علون ‪.‬‬ ‫‪ -1‬قول اهلل تعاىل ‪ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن متسوهن وقد فرضتم هلن فريضة‬
‫البنت‪ :‬وهو اسم لكل أنثى لك عليها والدة وإن شئت قلت ‪ :‬كل‬ ‫‪-2‬‬ ‫فنصف ما فرضتم‪ ‬وهذا قد طلقها قبل أن ميسها ‪.‬‬
‫أنثى يرجع نسبها إليك بالوالدة بدرجة أو درجات فيدخل يف ذلك بنت الصلب‬ ‫‪ -2‬قوله تعاىل ‪ :‬وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إىل بعض‪ ‬واإلفضاء اجلماع‬
‫وبناهتا وبنات األبناء وإن نزلن‬ ‫‪ -3‬أهنا مطلقة مل متس أشبهت من مل خيل هبا‪.1‬‬
‫األخت‪ :‬اسم لكل أنثى جاورتك يف أصليك أو يف أحدمها ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫العمة‪ :‬اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك يف أصليه أو يف أحدمها‬ ‫‪-4‬‬ ‫حرمة‪ 3‬نكاح زوجة األب‬
‫ف ِإنَّه َكا َن فَ ِ‬
‫اح َشةً َو َم ْقتاً َو َساء َسبِيالً{‬ ‫ِ‬
‫وإن شئت قلت ‪ :‬كل ذكر رجع نسبه إليك فأخته عمتك وقد تكون العمة من جهة‬ ‫ِّساء ِإالَّ َما قَ ْد َسلَ َ ُ‬
‫‪َ ‬والَ تَنك ُحواْ َما نَ َك َح آبَاُؤ ُكم ِّم َن الن َ‬
‫األم وهي أخت أب أمك‪.‬‬ ‫‪}22‬‬
‫اخلالة‪ :‬اسم لكل أنثى شاركت أمك يف أصليها أو يف أحدمها وإن‬ ‫‪-5‬‬ ‫دلت هذه اآلية على أنه حترم على الرجل امرأة أبيه قريباً أو بعيداً وارثاً أو غري وارث من نسب‬
‫شئت قلت ‪ :‬كل أنثى رجع نسبها إليك بالوالدة فأختها خالتك وقد تكون اخلالة من‬ ‫أو رضاع‪ ،‬والنكاح يراد به هنا العقد‪" ،‬وسواء كان األب دخل هبا أو ال‪ ،‬ألن اسم النكاح يقع على‬
‫جهة األب وهي أخت أم أبيك ‪.‬‬ ‫العقد والوطء فتحرم بكل واحد منهما"‪.2‬‬
‫بنت األخ اسم لكل أنثى ألخيك عليها والدة بواسطة أو مباشرة ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫وسبب نزول اآلية ما جاء عن "ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال‪ :‬إن بعض العرب كان يف‬
‫بنت األخت‪ :‬اسم لكل أنثى ألختك عليها والدة بواسطة أو مباشرة ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬ ‫اجلاهلية يستحل الرجل نكاح امرأة أبيه فإذا مات أبوه ورث نكاحها عنه فأنزل اهلل تعاىل قوله {وال‬
‫هؤالء هن احملرمات من النسب تأبيدا بالنص واإلمجاع ‪،‬وقد ضبط بعض العلماء هذه احملرمات‪-:‬‬ ‫تنكحوا ما نكح آباؤكم} وقوله تعاىل {إال ما قد سلف} معناه أن ما قد سلف يف اجلاهلية فإنكم ال‬
‫ا‪ -‬فقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪":‬وأما احملرمات بالنسب فالضابط فيه أن مجيع أقارب الرجل من‬ ‫تؤاخذون بذلك إذا خليتم سبيلهن بعد العلم باحلرمة وقيل غري ذلك‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫النسب حرام عليه إال بنات أعمامه وأخواله وعماته وخاالته "‬ ‫المحرمات‪ 3‬من النساء بسبب النسب‬
‫ب‪ -‬وقال أبو إسحاق اإلسفراييين حيث قال‪":‬حترم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول‬ ‫ات اُأل ْخ ِ‬
‫ت‬ ‫اَألخ َو َبنَ ُ‬
‫ات ِ‬ ‫َأخ َواتُ ُك ْم َو َع َّماتُ ُك ْم َو َخاالَتُ ُك ْم َو َبنَ ُ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم َُّأم َهاتُ ُك ْم َو َبنَاتُ ُك ْم َو َ‬
‫‪ُ ‬ح ِّر َم ْ‬
‫أصوله وأول فصل من كل أصل بعد األصل األول ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فاألصول األمهات والفصول البنات وفصول أول األصول األخوات وبنات األخ وبنات األخت‬ ‫نصت هذه اآلية على احملرمات من النسب وهن‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫وأول فصل من كل أصل بعد األصل األول العمات واخلاالت‬

‫‪ 3‬جمموع الفتاوى ‪32/62‬‬ ‫املغين‪ ،8/62‬وروح املعاين ‪4/244‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 4‬انظر شرح زبد ابن رسالن للرملي‪ ،‬ومغين احملتاج‪.3/232‬‬ ‫البدائع‬ ‫‪2‬‬

‫‪85‬‬
‫ومن هذا ميكن أن نلخص أقسام احملرمات من النسب يف أربع طبقات ‪-:‬‬ ‫ج‪ -‬وقال أبو منصور البغدادي حيث قال‪":‬حترم نساء القرابة إال من دخلت يف اسم ولد العمومة?‬
‫‪ .1‬األصول مهما علوا فيحرم عليه التزوج من أمه وجداته من جهة أبيه‬ ‫أو ولد اخلؤولة "‪.1‬‬
‫أو من جهة أمه مهما علون‬ ‫وهذا الضبط أرجح ‪-:‬‬
‫‪ .2‬الفروع مهما نزلوا فيحرم عليه التزوج ببناته وبنات أوالده ذكورهم‬ ‫‪ .1‬ألنه أكثر إجيازا‪.‬‬
‫وإناثهم مهما نزلوا‬ ‫‪ .2‬أن ضبط الشيخ أيب إسحق ال ينص على اإلناث‪ ،‬ألن لفظ األصول‬
‫‪ .3‬فروع أبويه مهما نزلوا فيحرم عليه التزوج بأخته وببنات أخته‬ ‫والفصول? يتناول الذكور واإلناث ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وأخواته وببنات أوالد إخوته وأخواته‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن األليق بالضابط أن بكون أقصر من املضبوط‬
‫‪ .4‬الفروع املباشرة ألجداده فيحرم عليه التزوج بعمته وخالته وعمة أبيه‬ ‫ك الاَّل يِت‬‫اج َ‬
‫ك َْأز َو َ‬ ‫‪" .4‬جمليئه على منط قوله تعاىل ‪‬يَا َأيُّ َها النَّيِب ُّ ِإنَّا ْ‬
‫َأحلَْلنَا لَ َ‬
‫ك وبنَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آتيت ُأجوره َّن وما ملَ َكت ِين مِم‬
‫وعمة جده ألبيه أو أمه‪ ،‬وعمة أمه‪ ،‬وعمة جدته ألبيه أو أمه أما الفروع غري‬ ‫ات‬ ‫ك َو َبنَات َع ِّم َ َ َ‬ ‫ك َّا َأفَاءَ اللَّهُ َعلَْي َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ُ َ َ َ ْ مَي ُ َ‬
‫ك وبنَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫املباشرة لألجداد فيحل الزواج هبم ولذلك يباح التزواج بني أوالد األعمام‬ ‫ك‪(‬األحزاب‪ :‬من اآلية‪ )50‬فدل على أن‬ ‫ات َخاالتِ َ‬ ‫ك َو َبنَات َخال َ َ َ‬‫َع َّماتِ َ‬
‫والعمات وأوالد األخوال و اخلاالت‪.5‬‬ ‫ما عداهن من األقارب ممنوع"‪.3‬‬
‫وقد عربوا عن أصول الرجل بأنه من ينسب الرجل إليه بالبنوة وعن فصوله بأنه من ينسب‬
‫نكاح البنت من الزنا‪:‬‬ ‫إيل الرجل باألبوة وأن فصول أول أصوله مبعىن األخوات وأوالدهن وبنات األخوة‬
‫وقد اختلف يف البنت من الزنا أهي داخلة يف قوله‪ :‬وبناتكم‪ ‬قوالن‪:‬‬ ‫طبقات القرابة‪-:‬‬
‫القول األول‪:‬عدم حرمة نكاح البنت من السفاح مطلقا وهو مذهب الشافعي‬ ‫ويف اآلية اليت ذكر فيها التحرمي من جهة النسب جند أن اهلل تعاىل وضع هذا التحرمي على ترتيب‬
‫وعندهم وجه باحلرمة إذا حتقق أهنا من ماء زناه ويضربون مثال للتحقق? بأن خيربه بذلك نيب‬ ‫عجيب فحرم أوال" أصول اإلنسان عليه وفصوله? وفصول أصوله األوىل بال هناية وحرم فصول فصوله‬
‫‪6‬‬
‫كعيسى إذا كان يف زمنه‬ ‫بال هناية وحرم فصول كل أصل ليس قبله أصل إىل غري هناية وهو أوالد األخوة واألخوات وحرم‬
‫هذا وعمم الشافعية احلكم يف صور كثرية فقد جاء يف حاشية البيجوري ما لفظه‪":‬ومثل املخلوقة‬ ‫أول فصل من كل أصل قبله أصل آخر بينه وبني الناكح وهو أوالد اجلد وأبو اجلد فإن التحرمي‬
‫‪7‬‬
‫من ماء زناه املخلوقة من ماء استمنائه بغري يد حليلته ومثلها أيضا املرتضعة بلنب الزنا"‬ ‫‪4‬‬
‫مقصور? وابنة اخلال على أول فصل فابنة العم وابنة العمة وابنة اخلال حالل"‬
‫وتتلخص أدلة الشافعية فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ 1‬انظر املصدرين السابقني‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر يف ظالل القرآن ‪1/608‬‬ ‫‪ 2‬انظر املصدرين السابقني‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر مصدر سابق‬ ‫‪ 3‬مغين احملتاج ‪.3/232‬‬
‫‪2/161 7‬‬ ‫‪ 4‬أحكام القرآن للكيا اهلراسي ‪1/192‬‬
‫‪86‬‬
‫مما يدل على حرمة البنت من الزنا حرمت البنت من‬ ‫‪.5‬‬ ‫‪ .1‬أن الشرع قطع النسب بينها وبينه ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الرضاعة بل حترمي بنت الزنا أوىل‬ ‫‪ .2‬قاعدة احلرام الحيرم احلالل‪.‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪-:‬‬ ‫‪ .3‬ال حرمة ملاء الزنا بدليل انتفاء سائر األحكام عنها‪.‬‬
‫مما سبق يتبني رجحان مذهب اجلمهور وهو حرمة نكاح البنت من الزنا‬ ‫‪ .4‬يف القول باحلرمة تبعيض لألحكام إذ كيف يقال حترم عليه ألهنا بنته‬
‫وجياب على أدلة قول الشافعية يف جتويزهم ذلك مبا أجاب به اجلمهور‪-:‬‬ ‫ويقال ال تنتسب إليه والترث منه فهذا تبعيض غري مقبول ألنه إما أن جيعل هلا‬
‫‪ .1‬أن الشرع إمنا قطع النسب بينها وبينه ملا يف‬ ‫أحكام البنت كلها أو ينفيها كلها‪.‬‬
‫اإلضافة إليه من إشاعة الفاحشة وهذا ال ينفي النسبة احلقيقة‪،‬‬ ‫ولكن مع قول الشافعية باحلل إال أهنم كرهوه واختلفوا يف توجيه هذه الكراهة فقيل‬
‫ألن احلقائق المرد هلا‪.‬‬ ‫خروجا من اخلالف وهذا ما اختاره السبكي وذكره الرملي يف شرحه على املنهاج مقتصرا‬
‫‪ .2‬أما علة انتفاء سائر األحكام عنها فيقال فيه مثل ما‬ ‫عليه فقال‪":‬نعم يكره له نكاحها خروجا من اخلالف"‪.‬‬
‫سبق‪.‬‬ ‫وقيل الحتمال كوهنا منه فإن تيقن أهنا منه حرمت وهو اختيار مجاعة من الشافعية منهم‬
‫‪. 1‬‬
‫‪ .3‬قوهلم إن يف ذلك تبعيض لألحكام جياب بأنه‬ ‫الروياين‬
‫المانع منه حيث بعض الشارع ويقال أيضا إن النسبة‬ ‫القول الثاين‪:‬حرمة نكاح البنت من السفاح وهو مذهب اجلمهور‪.‬‬
‫احلقيقية ثابتة إال أن الشرع اعترب يف اإلرث ثبوت النسب‬ ‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬
‫شرعا جلريان اإلرث والنفقة فمن ادعى ذلك يف النكاح فعليه‬ ‫أهنا خملوقة من مائه فكانت بنته حقيقة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪4‬‬
‫الدليل كماأن ختلف بعض األحكام ال ينفي كوهنا بنته‬ ‫قوله تعاىل‪(:‬حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم)وهي بنته‬ ‫‪.2‬‬
‫وهذه احلقيقة ال ختتلف باحلل واحلرمة‪.‬‬
‫المحرمات‪ 3‬من النكاح بسبب الرضاع‬ ‫أهنا بضعة منه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫اع ِة‪‬‬
‫ضَ‬ ‫الر َ‬
‫َأخ َواتُ ُكم ِّم َن َّ‬ ‫‪َ ‬و َُّأم َهاتُ ُك ُم الالَّتِي َْأر َ‬
‫ض ْعنَ ُك ْم َو َ‬ ‫مل يعرف عن أحد من الصحابة أنه أباح أن ينكح‬ ‫‪.4‬‬
‫‪2‬‬
‫بعد أن ذكر اهلل احملرمات بسبب النسب أعقبه بذكر احملرمات بسبب الرضاع‪ ،‬ومل يذكر‬ ‫الرجل بنته من الزنا‬
‫يف القرآن من احملرم بالرضاع إال األم واألخت‪ ،‬فاألم أصل واألخت فرع فنبه تعاىل بذلك‬
‫على مجيع األصول والفروع‪.‬‬
‫‪ 3‬تفسري املنار ‪4/318‬‬ ‫‪ 1‬انظر مغين احملتاج ‪3/233‬‬
‫‪ 4‬مغين ابن قدامة‪9/530‬‬ ‫‪ 2‬تفسري املنار ‪4/318‬‬
‫‪87‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول حبديث سامل والذي رواه مسلم أن أم سلمة قالت ألم املؤمنني عائشة‬ ‫تعريف الرضاع‪-:‬‬
‫رضي اهلل عنها ‪:‬إنه يدخل علي الغالم األيفع الذي ما أحب أن يدخل علي ‪.‬‬ ‫الرضاع لغة‪:‬مص الثدي ونقول الرضاع والرضاعة بفتح الراء وكسرها‪.1‬‬
‫فقالت عائشة ‪:‬أمالك يف رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أسوة حسنة‬ ‫واصطالحا‪ :‬وصول لنب امرأة أو ما حصل منه الغذاء يف جوف طفل‬
‫وقالت‪:‬إن امرأة أيب حذيفة قالت‪:‬يارسول اهلل إن ساملا يدخل علي وهو رجل ويف نفس أيب‬ ‫يف احلولني‪. 2‬‬
‫حذيفة منه شيء فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪:‬أرضعيه حىت يدخل عليك‬ ‫والرضاع ينشر احلرمة كما ينشره النسب كما نصت عليه اآلية الكرمية إذ" مسى املرضعة‬
‫فهذا احلديث قد عارضه حديث عائشة السابق أهنا قالت‪:‬دخل علي رسول اهلل وعندي رجل قاعد‬ ‫ٌأما للرضيع وبنتها أختا له فأعلمنا بذلك أن جهة الرضاعة كجهة النسب تأيت فيها األنواع‬
‫فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب يف وجهه فقلت? يارسول اهلل ‪:‬إنه أخي من الرضاعة قال‪:‬انظرن‬ ‫اليت جاءت يف النسب كلها"‪3‬لكن هذا "فيما يتعلق بتحرمي النكاح وتوابعه وانتشار احلرمة‬
‫إخوتكن من الرضاعة فإمنا الرضاعة من اجملاعة "‬ ‫بني الرضيع وأوالد املرضعة وتنزيلهم منزلة األقارب يف جواز النظر واخللوة واملسافرة ولكن‬
‫قال ابن رشد فمن ذهب إىل ترجيح هذا احلديث قال‪:‬الحيرم اللنب الذي ال يقوم للرضيع مقام‬ ‫ال يرتتب عليه باقي أحكام األمومة من التوارث‪ ،‬ووجوب اإلنفاق‪ ،‬والعتق بامللك‬
‫الغذاء ‪...‬ومن رجح حديث سامل وعلل حديث عائشة بأهنا مل تعمل به قال ‪:‬حيرم رضاع الكبري "‪.6‬‬ ‫والشهادة والعقل‪ ،‬وإسقاط القصاص"‪4‬ألن النسب أقوى من الرضاع‪ ،‬فال يقاس عليه يف‬
‫مناقشته‪-:‬‬ ‫مجيع أحكامه وإمنا يشه به فيما نص عليه فيه ‪5‬كما أن هناك صورا من الرضاع حيل النكاح‬
‫ناقش اجلمهور هذا القول وحاولوا دفعه وكان هلم يف ذلك مسالك كمايلي‪-:‬‬ ‫فيها دون النسب‪.‬‬
‫املسلك األول‪:‬القول بأن هذا خاص بسامل وهذا مسلك اإلمام الشافعي فقد قال يف األم‪":‬هذا‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫واهلل أعلم يف سامل موىل أيب حذيفة خاصة"‪7‬ودلل على قوله هذا بقول أم سلمة‪:‬وكان ذلك يف‬ ‫احلكم األول‪ :‬رضاع الكبري ‪-:‬‬
‫سامل خاصة" وقال‪":‬وإين قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم أن رضاع سامل خاص مث‬ ‫اختلف أهل العلم يف رضاع الكبري هل حيرم أوال قوالن‪-:‬‬
‫قوى قوله بنقل أقوال عن الصحابة كقول عمر ‪":‬إمنا الرضاع رضاع الصغري "وعن ابن عمر أنه‬ ‫األول‪ :‬أن رضاع الكبري الحيرم وإىل هذا ذهب اجلماهري من أهل العلم ‪.‬‬
‫كان يقول ‪":‬ال رضع إال ملن أرضع يف الصغر"‪.8‬‬ ‫الثاين‪ :‬أنه حيرم وذهب إىل هذا مجاعة من الفقهاء وقد عزا ابن رشد احلفيد هذا املذهب‬
‫املسلك الثاين‪:‬القول جبواز ذلك مث نسخ مبا جاء من أحاديث من أن الرضاع ال حيرم إال يف‬ ‫إىل داود وأهل الظاهر‬
‫الصغر كحديث‪ ":‬ال رضاع بعد الفصال"‪9‬وغريه مما سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ 1‬القاموس احمليط‬
‫‪ 6‬بداية اجملتهد ‪3/67‬‬ ‫‪ 2‬أسهل املدارك ‪2/48‬‬
‫‪ 7‬األم ‪5/28‬‬ ‫‪ 3‬تفسري املنار ‪4/382‬‬
‫‪ 8‬انظر األم ‪.5/28‬‬ ‫‪ 4‬فتح الباري ‪177 /9‬‬
‫‪ 9‬اخرجه البيهقي من حديث علي‪.‬‬ ‫‪ 5‬انظر املغين ‪11/309‬‬
‫‪88‬‬
‫‪ .2‬أما القائلون باخلصوصية لسامل دون من عداه وهذا مسلك أم سلمة‬ ‫فهذا احلديث وغريه وكذا اآلثار اليت وردت عن الصحابة تفيد اتفاقهم على النسخ‪ ،1‬وهذا‬
‫وهذا أقوى مما قبله بيد أن ختصيص حال سامل وأمثاله أوىل من ختصيص‬ ‫مسلك احلنفية وملا ورد على مسلكهم قول أزواج النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم بالتخصيص‬
‫شخص بعينه وأقرب إىل العمل جبميع األحاديث من اجلانبني وقواعد الشرع‬ ‫وجهوه بقوهلم‪":‬لعل سببه ما تضمنه مما خياف أصول الشرع حيث يستلزم مس عورهتا بشفتيه‬
‫تشهد له‪.6‬‬ ‫فحكمن بأن ذلك خصوصية"‪.2‬‬
‫الرتجيح‪-:‬‬ ‫املسلك الثالث‪:‬وهو تضعيف احلديث فقد أعله صاحب اجلوهر النقي باالضطراب سندا ومتنا‪،‬‬
‫من خالل عرض األقوال الثالثة وحججها ومنا قشتها يتبني رجحان القول الثالث واهلل أعلم علما‬ ‫وقال يف هذا الشأن ‪":‬مث إنه حديث مضطرب اإلسناد واملنت‪ ،‬فقد ورد أنه عليه الصالة والسالم‬
‫أنه اجلاري على القواعد األصولية مع مالحظة أن الشريعة حاكمة لكل زمان ومكان فهي مستمرة‬ ‫قال هلا ‪:‬أرضعيه عشر رضعات مث ليدخل عليك"‪.3‬‬
‫إىل قيام الساعة وهلذا نقول بتخصيص احلال ال بتخصيص الشخص أي ال حيرم رضاع الكبري كما‬ ‫القول الثالث‪ :‬وهو مذهب شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشوكاين أن رضاع‬
‫هو نص األدلة العامة وخنصص من حاالت أفرادها ما كان مثل حالة سامل وحنن هذا نكون‪-:‬‬ ‫الكبري حيرم يف احلاالت اليت تشبه حالة سامل موىل أيب حذيفة وذلك للحاجة قال ابن‬
‫‪ .1‬قد أعملنا القواعد األصولية من التوفيق واجلمع بني األدلة قدر‬ ‫تيمية‪":‬ورضاع الكبري تنتشر به احلرمة من حيث الدخول واخللوة إذا كان قد ترىب يف البيت حبيث‬
‫اإلمكان وهو هنا التخصيص من العموم? فيعمل باخلاص فيما تناوله والعام يف‬ ‫ال حيتشموا منه للحاجة لقصة سامل موىل أيب حذيفة"‪4‬قال الفقيه الشوكاين ‪":‬وهو الراجح‬
‫الباقي‪.‬‬ ‫عندي"‪.5‬‬
‫‪ .2‬عملنا حبديث سامل ومل هنمله وإعمال الدليل أوىل من إمهاله‪.‬‬ ‫هذا وقد ناقش ابن القيم يف الزاد قول احملرمني مطلقا ورد على مسلكي النسخ والتخصيص‬
‫وهبذا يظهر رجحان هذا القول عن غريه حيث إن القول األول أمهل حديث‬ ‫السابقني يف دفع احلديث مبا ملخصه‪-:‬‬
‫سامل وإن قال بأنه خاص به فهو إمهال له من جهة كونه غري معمول? به بعد سامل‬ ‫‪ .1‬أن القائلني بالنسخ مل يأتوا حبجة سوى الدعوى فإهنم ال ميكنهم‬
‫كما أننا حناول االبتعاد قدر اإلمكان من اللجوء إىل القول بالنسخ أو التخصيص‬ ‫إثبات التاريخ املعلوم األخر بينه وبني تلك األحاديث ولو قلب أصحاب هذا‬
‫باألفراد إذ فيهما نوع حتجيم للشرع‪ ،‬وأما القول الثاين فقد أمهل األحاديث وداللة‬ ‫القول عليهم الدعوى وادعوا نسخ تلك األحاديث حبديث سهلة لكانت نظري‬
‫اآليات يف أن رضاع الكبري ال حيرم فاألولون ردوا دليال خاصا واآلخرون ردوا أدلة‬ ‫دعواهم ‪.‬‬
‫عامة‪.‬‬
‫‪ .3‬أن فيه رفعا للمشقة وقد اتفقوا على أن املشقة جتلب التيسري وأن‬ ‫‪ 1‬انظر فتح القدير البن اهلمام ‪.3/310‬‬
‫‪ 2‬مصدر سابق ‪.3/310‬‬
‫احلرج مرفوع وإذا كنا نستدل هبذه القواعد يف حاالت لرمبا تكون أهون من‬
‫‪ 3‬اجلوهر النقي للمارديين ومعه السنن الكربى ‪.7/456‬‬
‫هذه ومل يرد عليها دليل خبصوصها خيرجها من حكمها العام بيد أن الفقهاء‬
‫‪ 4‬اإلختيارات الفقهية‬
‫‪ 6‬انظر زاد املعاد ‪4/182:180‬‬ ‫‪ 5‬نيل األوطار ‪.6/752‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ .2‬أن اسم الرضاع يف الشرع واللغة يتناول القليل والكثري وذلك يقتضي‬ ‫أعملوا فيها هذه القاعدة فهنا أوىل إعماال للدليل مع القاعدة إذ كيف يرتىب‬
‫صريورة املرضع أما للراضع جملرد وجود الرضاعة‪. 3‬‬ ‫الطفل على امرأة حيسبها أمه لسنوات طوال مث ما إن يطر شاربه أو يكاد حىت‬
‫‪ .3‬ما ورد عن السلف مؤيدا هلذا القول حنو ماروي عن ابن عمر ‪":‬إن‬ ‫حتتجب عنه ولرمبا طرد من البيت الذي عاش طفولته? فيه وفارق األسرة الىت‬
‫القليل حيرم"‪ 4‬وجاء عن علي وابن مسعود كما يف التمهيد أهنما قاال ‪:‬حيرم قليله‬ ‫قضى معها صغره مث بني ليلة وضحاها جيد نفسه غريبا وحيدا طريدا ال أسرة‬
‫وكثريه‪.‬‬ ‫حتتويه وال بيت يؤويه مث هو ال يزال قليل املعرفة باحلياة وتقلباهتا مما جيعله‬
‫‪ .4‬اعتصاما باإلحتياط كما هي قاعدة املالكية يف مسائل التحرمي‪.5‬‬ ‫عرضة لتجار اجلرمية وهلذا إذا كان قول اجلمهور وجيها يف السابق فقول شيخ‬
‫‪ .5‬اإلمجاع فقد نقلوا عن الليث قوله‪":‬اجتمع املسلمون? على أن قليل‬ ‫اإلسالم هو الوجيه يف هذا العصر إذ به حيمى أطفال وتلتئم أسر وحنمي‬
‫الرضاع وكثريه حيرم يف املهد ما يفطر الصائم"‪.6‬‬ ‫اجملتمع‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن الرضاع احملرم مخس رضعات فصاعدا وهذا مذهب الشافعي وأمحد يف ظاهر‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬املقدار احملرم من اللنب‪-:‬‬
‫مذهبه وابن حزم‪.‬‬ ‫اختلف الفقهاء يف املقدار احملرم من اللنب على أقوال‪-:‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول مبا يلي‪-:‬‬ ‫القول األول‪:‬ال حيد مبقدار معني روي هذا املذهب عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس‬
‫‪ .1‬حديث سهلة يف سامل يف املوطأ أنه قال هلا النيب صلى اهلل عليه وآله‬ ‫وابن عمر واحلسن حكي و عن الثوري واألوزاعي والليث وهو مذهب احلنفية واملالكية جاء يف‬
‫‪1‬‬
‫وسلم ‪":‬أرضعيه مخس رضعات فيحرم بلبنها"‬ ‫اهلداية ‪":‬قليل الرضاع وكثريه سواء إذا حصل يف مدة الرضاع تعلق به التحرمي"‬
‫‪ .2‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪":‬كان فيما أنزل اهلل يف القرآن عشر‬ ‫ويف مدونة الفقه املالكي‪":‬لنب املرضع حيرم إذا وصل إىل اجلوف قليال كان أو كثريا ولو كان‬
‫رضعات معلومات حيرمن فنسخن خبمس معلومات فتويف رسول اهلل وهن فيما‬ ‫مبقدار ما يفطر الصائم "‪.2‬‬
‫يقرأ من القرآن" رواه مسلم‬ ‫إذا مذهب من سبق أن اللنب إذا وصل إىل اجلوف ولو كان متناهيا يف القلة حبيث يفطر‬
‫وردوا على أصحاب القول األول بأن‪-:‬‬ ‫الصائم فإنه حيرم وتثبت له مجيع أحكام الرضاع ‪.‬‬
‫‪ .1‬اآلية اليت استدلوا هبا قد فسرهتا السنة وبينت الرضاعة احملرمة‪ ،‬والسنة‬ ‫واستدل أصحاب هذا القول مبا يلي‪-:‬‬
‫تثبت األحكام كآية السرقة‬ ‫اع ِة‪ ‬قالوا‬
‫ضَ‬ ‫َأخ َواتُ ُك ْم ِم َن َّ‬
‫الر َ‬ ‫‪ .1‬قوله تعاىل‪َ  :‬و َُّأم َهاتُ ُك ُم الاَّل يِت َْأر َ‬
‫ض ْعنَ ُك ْم َو َ‬
‫هذه اآلية عامة يف قليل الرضاع وكثريه‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر األنكحة الفاسدة ‪،1/150‬ومدونة الفقه املالكي ‪3/145‬‬
‫‪ 4‬انظر فتح القدير البن اهلمام ‪.3/306‬‬
‫‪ 5‬انظر مدونة الفقه املالكي ‪.3/146‬‬ ‫‪ 1‬اهلداية مع فتح القدير ‪3/305‬‬
‫‪ 6‬انظر أحكام القرآن للجصاص ‪.2/156‬‬ ‫‪3/145 2‬‬
‫‪90‬‬
‫من خالل عرض أدلة كل قول ومناقشتها تبني رجحان قول القائلني بأن اخلمس الرضعات‬ ‫‪ .2‬دليل القول األول عام ودليل هذا القول خاص واخلاص مقدم? على‬
‫فصاعدا حيرمن لقوة حججهم وبه جنمع بني األدلة ‪.‬‬ ‫العام ‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬لنب الزنا‪-:‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬أنه الحيرم إال ثالث رضعات فصاعدا‪ ،‬أما الرضعة والرضعتان فال حترمان‪،‬وهذا‬
‫واملراد هنا أن املرأة إذا ولدت ابنا من زنا مث أرضعت آخر فهل يصبح الرضيع اآلخر ابنا للزاين‬ ‫مذهب زيد بن ثابت وأبو ثور وابن املنذر وأبو عبيد وداود وأمحد يف رواية‪.1‬‬
‫حبيث لو كانت أنثى حترم عليه أم ال‬ ‫استدل هلذا القول مبا يلي‪-:‬‬
‫اختلف الفقهاء هنا على قولني مشهورين مها‪-:‬‬ ‫‪ -1‬عن أم الفضل أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال ‪":‬الحترم الرضعة‬
‫القول األول ‪:‬أنه ال صلة بينهما وعليه فإن هذا الرضيع الحيرم على األب لو كان أنثى وإمنا‬ ‫والرضعتان أو املصة واملصتان " رواه مسلم‪.‬‬
‫تكون صلة الرضيع مبن أرضعته فقط وهذا مذهب الشافعي ومالك يف رواية عنه وذهب إليه‬ ‫‪ -2‬عن عبداهلل بن الزبري أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪":‬ال حترم من‬
‫بعض احلنابلة‪.5‬‬ ‫الرضاعة املصة واملصتان"‬
‫أما دليل هذا القول فقد استند اإلمام الشافعي لقضاء رسول اهلل صلى اهلل عله وآله وسلم بابن‬ ‫مناقشته‪-:‬‬
‫أمة زمعة لزمعة وأمر سودة أن حتتجب منه ملا رأى منه من شبهه بعتبة فلم يرها‪ ،‬قال الشافعي ‪:‬‬ ‫وهذا القول وإن استند يف استدالله إىل السنة إال أن أدلته ال تفي مبدعاه ذلك أن هذه األحاديث‬
‫وقد قضى أنه أخوها حىت لقيت اهلل عز وجل‪ ،‬ألن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخا هلا وكذلك‬ ‫تدل مبفهومها على أن الثالث من الرضعات أو املصات أو اإلمالجات تقتضي التحرمي فهي إذن ال‬
‫ترك رؤية املولود من نكاح أخته مباح وإمنا منعين من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا‪.6‬‬ ‫تدل مبنطوفها على أن ما زاد على الثالث حيرم‪ ،‬وهذا بعكس حديث عائشة يف الرضعات اخلمس‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه حيرم وهذا مذهب األئمة الثالثة‪.‬‬ ‫فهو يدل على"أن ما دوهنا ال يقتضي التحرمي فيتعارض املفهومان ويرجع إىل الرتجيح"‪2‬ومعلوم? أصوليا‬
‫الرتجيح‪-:‬‬ ‫أن املنطوق مقدم? على املفهوم حني التعارض وبناء عليه ف"إن اآلية فرهتا السنة وبينت الرضاعة‬
‫يالحظ تشابه هذه املسألة مع مسألة نكاح البنت من الزنا إال أن بعض احلنابلة وافق‬ ‫احملرمة"‪3‬وصريح منطوق حديث عاءشة خيص مفهوم ما رووه واستدلوا به فنجمع األخبار وحنملها‬
‫الشافعي هنا وخالفه هناك وفرق بينهما بأن البنت هناك من نطفته حقيقة خبالف هذه‪ 7‬والذي‬ ‫على الصريح الذي رويناه‪.4‬‬
‫أراه ـواهلل أعلم ـ رجحان مذهب اجلمهور هنا كما يف مثيلتها والفرق الذي أبداه بعض احلنابلة‬ ‫الرتجيح‪-:‬‬
‫ليس بذي طائل‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر املغين البن قدامة ‪ 11/310‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ 5‬انظر الكايف ‪،5/61‬واملغين ‪.11/321‬‬ ‫‪ 2‬نيل األوطار ‪.6/749‬‬
‫‪ 6‬انظر األم ‪.6/30‬‬ ‫‪ 3‬مغين ابن قدامة ‪.11/312‬‬
‫‪ 7‬انظر مغين ابن قدامة ‪.11/322‬‬ ‫‪ 4‬انظر شرح اخلرشي ‪.5/180‬‬
‫‪91‬‬
‫هذا وقد روى عن بعض الصحابة خالف ذلك فروي"أن عليا رضي اهلل عنه قال يف رجل طلق‬ ‫المحرمات بسبب المصاهرة‬
‫امرأته قبل الدخول هبا ‪:‬فله أن يتزوج أمها وإن تزوج أمها مث طلقها? قبل الدخول يتزوج بنتها جتريان‬ ‫ات نِ َسآِئ ُك ْم َو َربَاِئبُ ُك ُم الالَّتِي فِي ُح ُجو ِر ُكم ِّمن نِّ َسآِئ ُك ُم الالَّتِي َد َخلْتُم بِ ِه َّن فَِإ ن لَّ ْم‬
‫‪َ ‬و َُّأم َه ُ‬
‫‪4‬‬
‫جمرى واحدا"‪"3‬بيد أن هذه الرواية يرويها خالس عن علي وأهل النقل يضعفون? حديثه عن علي"‬ ‫َأصالَبِ ُك ْم َوَأن تَ ْج َمعُواْ َب ْي َن‬ ‫تَ ُكونُواْ َد َخلْتم بِ ِه َّن فَالَ جناح علَي ُكم وحالَِئل َأبناِئ ُكم الَّ ِذ ِ‬
‫ين م ْن ْ‬ ‫َُ َ َ ْ ْ َ َ ُ َْ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫وخالس هذا هو خالس بن عمرو اهلجري البصري قال أمحد ‪":‬ثقة ثقة وروايته عن علي كتاب‬ ‫ف ِإ َّن اللّهَ َكا َن غَ ُفوراً َّر ِحيماً{‪}23‬‬ ‫اُأل ْخَت ْي ِن َإالَّ َما قَ ْد َسلَ َ‬
‫وكان حيي القطان يتوقى حديثه عن علي خاصة وقال أبو داود‪":‬ثقة مل يسمع من علي "‪.5‬‬ ‫"املصاهرة كالنسب يف ثبوت احلرمة املؤبدة هبا بطريق اإلكرام فإن اهلل تعاىل مجع بينهما فقال‪:‬‬
‫إذن حديث خالس عن علي ضعيف وإن كان ثقة يف نفسه ويف روايته عن غري على رضي اهلل عنه‬ ‫‪.‬‬
‫‪‬وهو الذي خلق من املاء بشراً فجعله نسباً وصهراً‪‬‬
‫وكم من راو ثقة يف بعض شيوخه ضعيف يف آخرين هذا وقد روى له البخاري مقرونا بغريه‪،6‬وبناء‬ ‫وقد نص اآلية على أربع من النساء بسب املصاهرة سنذكرهن ونفصل كل واحدة على حدة فيما‬
‫على ما سبق فإن هذه الرواية ال تصح‪.‬‬ ‫يلي‪-:‬‬
‫ويروى عن جابر بن عبداهلل مثل ذلك وهو قول جماهد وابن الزبري وعن ابن عباس روايتان األوىل‬ ‫أوال ‪ :‬أم الزوجة ودليل حترميها قول اهلل تعاىل‪:‬وأمهات نسائكم‪.‬‬
‫أن أم املرأة ال حترم إال بالدخول واألخرى‪:‬أهنا حترم بنفس العقد وقال عمر وعبداهلل بن مسعود‬ ‫ويدخل يف األمهات أم املرأة اليت يتزوجها الرجل وجداهتا‪.‬‬
‫وعطاء واحلسن ‪:‬حترم بالعقد دخل هبا أم مل يدخل‪.‬‬ ‫وال يشرتط يف حترمي أم املرأة دخوله هبا ألن القرآن مل يشرتط الدخول هنا كما اشرتطه يف بنتها‬
‫واستدل هلذا القول بقوله تعاىل‪(:‬الاليت دخلتم هبن) وجعله عائدا إىل املذكور سابقا أي إىل‬ ‫وهي مبجرد العقد تكون من نسائه وهبذا قال مجهور الصحابة ومن بعدهم من علماء امللة ومنهم أئمة‬
‫‪7‬‬
‫الربائب واألمهات املذكورات سابقا يف اآلية‬ ‫الفقه األربعة‪.1‬‬
‫وهناك قول ثالث لزيد حكاه ابن قدامة يف املغين أهنا حترم بالدخول أو باملوت وعلل قوله بأنه‬ ‫استدل هلذا القول مبا يلي‪-:‬‬
‫يقوم مقام الدخول‬ ‫‪ .1‬عموم قوله تعاىل ‪":‬وأمهات نسائكم"واملعقود عليها من نسائه فتدخل أمها يف‬
‫الرتجيح‪-:‬‬ ‫عموم اآلية قال ابن عباس‪":‬أهبموا ما أهبم القرآن "يعين عمموا حكمها يف كل حال وال‬
‫يتبني مما سقناه سابقا قوة ورجحان مذهب اجلمهور كما أن هذا النقول عن الصحابة السابق‬ ‫تفصلوا بني املدخول هبا وبني غريها"‪.‬‬
‫ذكرهم جاءت من طرق ضعيفة كما قال ابن رشد‪.‬‬ ‫‪ .2‬مارواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫قال‪":‬من تزوج امرأة فطلقها قبل أن دخل هبا فال بأس أن يتزوج ربيبته وال حيل له أن‬
‫‪ 3‬أحكام القرآن للجصاص ‪.2/160‬‬
‫يتزوج أمها"‪.2‬‬
‫‪ 4‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 5‬ميزان اإلعتدال ‪.2/448‬‬
‫‪ 6‬انظر املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ 1‬انظر تفسري املنار ‪ 4/390‬واملغين ‪.9/515‬‬
‫‪ 7‬انظر بداية اجملتهد ‪.3/62‬‬ ‫‪ 2‬أخرجه الرتمذي‪3/425‬وقال الرتمذي ‪:‬ال يصح‪،‬وأخرجه البيهقي‪7/40‬‬
‫‪92‬‬
‫وأما الشرط الثاين فمتفق عليه‪ ،‬إال أهنم اختلفوا يف الدخول فقال الشافعي إنه اجلماع‪.‬‬ ‫ثانيا ‪:‬بنت الزوجة‪-:‬‬
‫وقال مالك وأبو جنيفة هو التمتع من اللمس والقبلة‪.‬‬ ‫وهي الربيبة يف قوله تعاىل‪(:‬وربائبكم الاليت يف حجوركم)وهي مجع ربيبة فعيلة مبعىن مفعولة? أي‬
‫وقال عطاء هو النظر إليها بشهوة‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬ ‫مربوبة من قوهلم رهبا يرهبا إذا ويل أمرها مسيت ربيبة‪ ،‬ألن زوج أمها يربيه كما يريب ولده يف غالب‬
‫قد يقال‪ :‬لِـم اعتربوا الدخول يف حترمي األصول واعتربوا يف حترمي البنت الدخول؟‬ ‫األمر مث اتسع فيه ومسيت بذلك وإن مل يرهبا وتشمل بنت الزوجة‪ :‬كل بنت للزوجة من نسب أو‬
‫واجلواب ‪:‬أن الرجل يبتلى عادة مبكاملة أمها عقب العقد لرتتيب أموره‪ ،‬فحرمت بالعقد ليسهل‬ ‫رضاع قريبة أو بعيدة وارثة أو غري وارثة‪،‬ويدخل يف الربيبة بنت الربيب كما قال املاوردي يف تفسريه‬
‫ذلك خبالف بنتها‪.‬‬ ‫وقال اخلطيب الشربيين‪:‬هي مسألة نفيسة يكثر السؤال عنها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حالئل األبناء يعين أزواجهم ومسيت امرأة الرجل حليلة ألهنا حمل إزار زوجها وهي حمللة‬ ‫ومقتضى? ظاهر التالوة أن الربيبة ال حترم على زوج أمها إال بشرطني‪:‬‬
‫له‪،‬فيحرم على الرجل أزواج أبنائه وأبناء بناته من نسب أو رضاع قريباً كان أو بعيداً مبجرد العقد‬ ‫‪ -1‬كوهنا يف حجره‪.‬‬
‫{و َحالِئ ُل َْأبنَاِئ ُك ْم} (النساء‪ )23 :‬قال ابن قدامة‪ ":‬وال نعلم يف هذا خالفاً"‪.‬‬
‫لقوله? تعاىل‪َ :‬‬ ‫أن يكون دخل بأمها‪.‬‬
‫وقد كانت اجلاهلية حترم زوجة االبن بالتبين على من تبناه فأحلها اإلسالم‪.‬‬ ‫أما األول‪ :‬فالربيبة حترم سواء رباها زوج األم أم مل يرهبا وهذا هو مذهب اجلماهري من أهل العلم‬
‫أما زوجة االبن من الرضاع فقد حرمت حبديث "حيرم من الرضاعة ما حيرم من النسب"‬ ‫بل حكى ابن املنذر اإلمجاع على هذا القول‪،‬ونسبه ابن قدامة إىل عامة الفقهاء‪ ،‬وقال ابن املنذر‪:‬‬
‫رابعا‪ :‬اجلمع بني األختني‪ :‬وهو حترمي مؤقت‪ ،‬فيحرم للرجل أن جيمع يف عصمة الزوجية بني‬ ‫والتحرمي املطلق عن قيد الرتبية(احلجر)هو مذهب األئمة األربعة‪.‬‬
‫األختني‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال حترم إال من رباها الزوج نسب هذا القول لـ‪ :‬عمر وعلي رضي اهلل عنهما وهو‬
‫وأمجع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طالقا ميلك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها أو‬ ‫مذهب داود‪.‬‬
‫أربعا سواها حىت تنقضي عدة املطلقة‪.‬‬ ‫استدل هلذا املذهب مبا يلي‪-:‬‬
‫واختلفوا إذا طلقها طالقا ال ميلك رجعتها ‪:‬‬ ‫{و َربَاِئبُ ُك ْم الالَّيِت يف ُح ُجو ِر ُك ْم} (النساء‪.)23 :‬‬
‫‪ .1‬التقييد باحلجور يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫القول األول‪ :‬ليس له أن ينكح أختها وال رابعة حىت تنقضي عدة اليت طلق وهو مذهب أمحد‬ ‫‪ .2‬أن الرتبية ال تأثري هلا يف التحرمي كسائر احملرمات‪.‬‬
‫وأصحاب الرأي ‪.‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪-:‬‬
‫وحجتهم أن األوىل حمبوسة عليه بالعدة? والثانية حمبوسة عليه أيضا بالزوجية‪.‬‬ ‫‪ .1‬ضعف اجلصاص يف تفسريه الروايات السابقة عن الصحابة املوافقة ملذهب داود‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬له أن ينكح أختها وأربعا سواها وبه قال مالك والشافعي‪.‬‬ ‫خرج خمرج الغالب فال مفهوم له‪،‬فاآلية مل خترج خمرج‬ ‫‪ .2‬ذكر احلجور يف اآلية ّ‬
‫وحجتهم أن اهلل حرم اجلمع يف الزوجية وال زوجية للبائن‪ ،‬وهذا هو الراجح‪.‬‬ ‫الشرط‪ ،‬وإمنا وصفها بذلك تعريفاً هلا بغالب حاهلا‪ ،‬وما خرج خمرج الغالب ال يصح‬
‫التمسك مبفهومه كما هو معلوم? من علم األصول‪.‬‬
‫وهبذا يتبني رجحان مذهب اجلمهور واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫النساء حرام أيضا عليكم إال ما ملكت? أميانكم منهن بنكاح وصداق وسنة وشهود من‬ ‫تحريم ذوات األزواج‬
‫ت َأيمانُ ُكم كِتاب الل ِّه علَي ُكم و ِ‬
‫ُأح َّل لَ ُكم َّما َو َراء ذَلِ ُك ْم‬ ‫‪‬والْمحصن ُ ِ‬
‫واحدة إىل أربع‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬أحل اهلل لك أربعا يف أول السورة وحرم نكاح كل حمصنة‬ ‫َْ َْ‬ ‫ِّساء ِإالَّ َما َملَ َك ْ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ات م َن الن َ‬ ‫َ ُ ْ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْمَت ْعتُم بِه م ْن ُه َّن فَآتُ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪3‬‬
‫بعد األربع إال ما ملكت? ميينك"‬ ‫ضةً َوالَ‬ ‫ور ُه َّن فَ ِري َ‬
‫ُأج َ‬
‫وه َّن ُ‬ ‫ين فَ َما ْ‬ ‫ين غَْي َر ُم َسافح َ‬ ‫َأن َت ْبَتغُواْ ب َْأم َوال ُكم ُّم ْحصن َ‬
‫‪ -3‬نساء أهل الكتاب‪. 4‬‬ ‫ض ِة ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلِيماً َح ِكيماً{‪}24‬‬ ‫اض ْيتُم بِ ِه ِمن َب ْع ِد الْ َف ِري َ‬
‫يما َت َر َ‬ ‫ِ‬
‫اح َعلَْي ُك ْم ف َ‬
‫ُجنَ َ‬
‫‪ -4‬أهنن احلرائر‪ ،5‬وقوله ‪‬إال ما ملكت أميانكم‪ ‬إال ما ملكتموهن بعقد زواج‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫صحيح‪ ،‬وهذا ليس بظاهر أن قوله تعاىل‪ :‬والني هم لفروجهم حافظون إال على أزواجهم‬ ‫احلكم األول‪ :‬حترمي نكاح ذوات األزواج‪:‬‬
‫أو ما ملكت? أمياهنم‪ ‬فجعل ما ملكت? أمياهنم مقابال لألزواج والقرآن يفسر بعضه بعضا‪.6‬‬ ‫مما يشرتط لصحة النكاح أن تكون الزوجة خلية من الزوج وإال فال يصح الزواج‪ ،‬ألن املرأة‬
‫‪ -5‬هن ذوات األزواج غري أن الذي حرم اهلل منهن يف هذه اآلية الزنا هبن وأباحهن‬ ‫حينئذ يف ذمة رجل آخر واملرأة ال تكون لرجلني يف آن واحد‪ ،‬فالتلفظ باإلنكاح والقبول مع حضور‬
‫بقوله‪(:‬إال ما ملكت أميانكم)أي بالنكاح أو بامللك‪،‬وهذا القول نقل عن جماهد وأنه قال يف‬ ‫ِّس ِاء ِإاَّل َما‬ ‫الشهود يف حكم ال شيء واحلالة هذه‪ ،‬والدليل على ذلك هذه اآلية ‪‬والْمحصنَ ِ‬
‫ات م َن الن َ‬
‫َ ُْ َ ُ‬
‫قوله تعاىل واحملصنات قال هنى عن الزنا أن تنكح املرأة زوجني‪.7‬‬ ‫ت َأمْيَانُ ُك ْم‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪ ")24‬أي وحرم عليكم من األجنبيات احملصنات وهن املزوجات إال‬ ‫َملَ َك ْ‬
‫‪ -6‬املقصود باحملصنات هن العفائف وذوات األزواج وحرام كل من الصنفني إال‬ ‫ما ملكت أميانكم‪.1‬‬
‫بنكاح أو ملك ميني‪،‬وممن قال هذا ابن شهاب الزهري فقد سئل عن قوله تعاىل‪:‬‬ ‫وهذا الشطر من اآلية يف سياق عد احملرم نكاحهن‪ ،‬واحملصنات عام يدخل فيه كل حمصنة لكن‬
‫( واحملصنات‪...‬اآلية) قال‪":‬نرى أنه حرم يف هذه اآلية احملصنات من النساء ذوات األزواج‬ ‫جاء االستثناء فأخرج ما ملكت اليمني وهن النساء املسبيات‪ ،‬وقد استشكل هذا االستثناء فإن ذوات‬
‫أن ينكحهن مع أزواجهن واملمحصنات العفائف‪ ،‬وال حيللن إال بنكاح أو ملك ميني‬ ‫األزواج إذا كن من إمائه فهن حمرمات على مالكيهن وألجل هذا اختلف يف تأويل اآلية على أقوال‬
‫واإلحصان إحصانان ‪:‬إحصان تزويج وإحصان عفاف يف احلرائر واململوكات كل ذلك‬ ‫وهي‪-:‬‬
‫حرم اهلل إال بنكاح أو ملك ميني"‪.8‬‬ ‫‪ -1‬املراد باحملصنات هنا املسبيات ذوات األزواج خاصة أي هن حمرمات عليكم إال‬
‫ما ملكت? أميانكم بالسيب من أرض احلرب فإن تلك حالل للذي تقع يف سهمه وإن كان‬
‫هلا زوج أي أن السباء يقطع العصمة‪2‬كما هو مذهب الشافعي‪.‬‬
‫‪ 3‬تفسري الطربي ‪.4/3‬‬ ‫‪ -2‬أن املقصود باحملصنات هنا العفائف من املسلمني وأهل الكتاب‪ ،‬قال ابن‬
‫‪ 4‬ونقل هذا القول عن أيب جملز انظر تفسري الطربي ‪.4/7‬‬
‫عباس‪":‬العفيفة العاقلة من مسلم? أو من أهل الكتاب قالوا‪ :‬وتأويل اآلية والعفائف من‬
‫‪ 5‬انظر املصدر السابق ‪.4/8‬‬
‫‪ 6‬السايس ‪1/428‬‬ ‫‪ 1‬أخرجه مسلم ‪.2/1079‬‬
‫‪ 7‬السابق‬ ‫‪ 2‬نقل هذا القول عن ابن عباس وأبوسعيد اخلدري وأبو قالبة ومكحول والزهري انظر تفسري الطربي ‪،4/3‬و فتح‬
‫‪ 8‬السابق‬ ‫القدير‪.1/516‬‬
‫‪94‬‬
‫َأخ َد ٍان‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫‪ -1‬مبعىن العفة كما يف قوله سبحانه ‪:‬حُمْ ٍ‬
‫صنَات َغْيَر ُم َساف َحات َوال ُمتَّخ َذات ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ -7‬قال آخرون ‪:‬نزلت هذه اآلية يف نساء كن يهاجرن إىل الرسول صلى اهلل عليه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َفْر َج َها َفَن َف ْخنَا ف َيها م ْن ُروحنَا‬ ‫صنَ ْ‬ ‫‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪ )25‬ويف قوله تعاىل‪َ  :‬والَّيِت ْ‬
‫َأح َ‬ ‫وآله وسلم وهلن أزواج قيتزوجن بعض املسلمني مث يقدم أزواجهن مهاجرين فنهى‬
‫ني‪( ‬األنبياء‪)91:‬أي أعفته‪.‬‬ ‫اها َو ْابَن َها آيَةً لِْل َعالَ ِم َ‬
‫َو َج َع ْلنَ َ‬ ‫املسلمون? عن نكاحهن وممن نقل عنه هذا أبو سعيد اخلدري ‪،‬فقد نقل عنه قوله‪":‬كان‬
‫ات‪(‬النور‪ :‬من اآلية‪)4‬‬ ‫‪ -2‬مبعىن احلرية كما يف قوله تعاىل ‪ :‬والَّ ِذين يرمو َن الْمحصنَ ِ‬ ‫النساء يأتيننا مث يهاجر أزواجهن فمنعناهن يعين بقوله‪(:‬واملمحصنات‪،1)...‬وهذا ال يتفق‬
‫َ َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أي احلرائر ألنه لو قذف غري احلرة مل جيلد مثانني‪ ،‬وكذا قوله تعاىل‪َ :‬و َم ْن مَلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم‬ ‫مع ما صح سابقا عنه من أن سببب نزول اآلية سبايا أوطاس مع أنه من املمكن أن تكون‬
‫ات فَ ِمن ما ملَ َكت َأمْيَانُ ُكم ِمن َفَتياتِ ُكم الْم ِمنَ ِ‬
‫ات‬ ‫ات الْم ِمنَ ِ‬‫طَوالً َأ ْن يْن ِكح الْمحصنَ ِ‬ ‫نزلت اآلية مرتني واهلل أعلم‪.‬‬
‫ْ ْ َ ُ ُ ْؤ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ُ ْؤ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫ْ‬
‫‪2‬‬
‫‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪.)25‬‬ ‫هذا وقد ذكر ابن عباس ومجاعة أنه كان ملتبسا عليهم تأويل ذلك ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫‪ -3‬مبعىن اإلسالم كما يف قوله تعاىل‪:‬فَِإ َذا ِ‬
‫ف َما‬ ‫ص ُ‬ ‫ُأحص َّن فَِإ ْن َأَتنْي َ بَِفاح َشة َف َعلَْي ِه َّن ن ْ‬
‫ْ‬ ‫بعد سرد تلك األقوال يف تفسري (واحملصنات‪...‬اآلية) لرمبا نتساءل عن سبب هذا االختالف‬
‫‪4‬‬
‫اب‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪ )25‬قيل يف تفسريها‪:‬إذا اسلمن بيد أنه "ال‬ ‫ات ِمن الْع َذ ِ‬ ‫علَى الْمحصنَ ِ‬ ‫واجلواب أن السبب يرجع إىل أمرين ‪:‬األول لغوي والثاين االستعمال القرآين وهو يرجع إىل األول‪،‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫يليق هبذا املقام غري معىن التزويج ألنه عطف احملصنات على احملرمات فال بد أن يكون‬ ‫ألن القرآن عريب‪.‬‬
‫اإلحصان سببا للحرمة? ومعلوم? أن احلرية والعفاف واإلسالم التأثري هلا يف احلرمة خبالف‬ ‫أوال‪:‬السبب اللغوي‪-:‬‬
‫التزوج فإن املرأة املزوجة حمرمة على الغري"‪.5‬‬ ‫أن أصل اإلحصان لغة املنع فيقال‪:‬حصن‪-‬بضم الصاد‪-‬املكان حيصن حصانة فهو حصني ومنه‬
‫‪ -4‬مبعىن التزوج كما يف هذه اآلية اليت حنن بصدد الكالم عنها‪.‬‬ ‫احلصن ويقال حصنت القرية إذا بنيت حوهلا وحتصن العدو ومسي احلصان حصانا ألنه مينع صاحبه‬
‫وهلذين السببني اختلف املفسرون? يف تفسري(احملصنات)‪.‬‬ ‫اهلالك‪.‬‬
‫ولكن الذي يرتجح يف معىن اآلية هو"وحرمت عليكم احملصنات من النساء أي املزوجات أعم‬ ‫ومبا أن (حصن)يدل على املنع فإن املرأة تكون حمصنة باإلسالم والعفاف واحلرية والتزويج وهلذا‬
‫من أن يكون مسلمات أو كافرات إال ما ملكت أميانكم منهن إما بسيب فإهنا حتل ولو كانت‬ ‫يقال ‪ :‬امرأة حصن ‪-‬بفتح احلاء‪ -‬للعفيفة? واملتزوجة أيضا‪.3‬‬
‫ذات زوج‪ ،‬أو بشراء فإهنا حتل ولو كانت مزوجة وينفسخ الذي كان عليها خبروجها عن ملك‬ ‫ثانيا السبب القرآين‪-:‬‬
‫سيدها الذي زوجها"‪.6‬‬ ‫فنحن إذا تتبعنا استخدام هذه الكلمة يف القرآن وجدناها أتت على أربعة معاين وهي كالتايل‪-:‬‬
‫وقد رجح هذا ملا يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬ملوافقته ظاهر اآلية‪.‬‬

‫‪ 4‬حاشية مال زادة على البيضاوي ‪.2/296‬‬ ‫‪ 1‬انظر املصدر السابق ‪.4/8‬‬
‫‪ 5‬انظر املصدر السابق ‪.2/296‬‬ ‫‪ 2‬السابق‬
‫‪ 6‬فتح القدير ‪.1/523‬‬ ‫‪ 3‬انظر لسان العرب م حصن‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫أمر اهلل بإيتاء األزواج مهورهن وأجاز احلط بعد االتفاق برضا الزوجني وعلى ذلك تكون اآلية‬ ‫‪ -2‬ملوافقته سبب النزول وهلذا قال يف التمهيد‪ ":‬ويف حديث أيب سعيد اخلدري هذا‬
‫نزلت يف النكاح املتعارف‪.‬‬ ‫دليل واضح على ذلك وفيه تفسري االية وهو أوىل ما قيل يف تفسريها"‪.1‬‬
‫وقيل نزلت يف املتعة‪ ،‬وهي أن يستأجر الرجل املرأة مبال معلوم? إىل أجل معني‪ ،‬وكان الرجل ينكح‬ ‫‪ -3‬ألنه قول كثري من املفسرين‪.‬‬
‫امرأة وقتا معلوما ليلة أو ليلتني أو أسبوعا بثبوت أو غري ثبوت‪ ،‬ويقضي منها وطرا ويرتكها‪.‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم‪:‬‬
‫وانقسم هؤالء فريقني‪ :‬فاجلمهور? قالوا بنسخها‪ ،‬وحكي عن ابن عباس أنا حمكمة وأن املتعة باقية‬ ‫اسم اإلشارة يرجع إىل احملرمات املذكورة قبل وفيه داللة على أنه حيل هلم نكاح ما سوى‬
‫لكنها خاصة باملضطر وحكي عنه الرجوع عن هذا القول‪.‬‬ ‫املذكورات وهذا عام خمصوص مبا صح عن النيب ‪‬من حترمي اجلمع بني املرأة وعمتها‪ ،‬وبني املرأة‬
‫والصواب أن هذه اآلية ال عالقة هلا باملتعة ال من قريب وال من بعيد وإمنا هي يف سياق الكالم‬ ‫وخالتها‪.2‬‬
‫على أحكام الزوجات كما بينا سابقا‪ ،‬وورد كلمة ‪‬استمتعتم‪ ‬و ‪‬أجورهن‪ ‬ال يعين املتعة‪ ،‬ألن‬ ‫وذهب بعضهم? إىل أن اجلمع بني املرأة وعمتها أو خالتها فهم حترميه من قوله تعاىل‪ :‬وأن جتمعوا‬
‫االستمتاع هنا املراد به التلذذ واألجور هي املهور‪ ،‬ومسي املهر أجرا ألنه أجر االستمتاع فيكون املعىن‬ ‫بني األختني‪ ‬بطريق القياس‪ ،‬ألن العلة يف حترمي اجلمع هي القرابة القريبة‪ ،‬فكل من بينهما قرابة قريبة‬
‫فما انتفعتم وتلذذمت باجلماع من النساء بالنكاح الصحيح ‪‬فآتوهن أجورهن‪ ‬أي مهورهن‪.‬‬ ‫حرم اجلمع بينهما فجاز أن يقال‪ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم‪ ‬أي من ذكرن أي إما بطريق النص أو‬
‫والصواب أيضا هو قول أئمة املسلمني من لدن الصحابة إىل اآلن بأن نكاح املتعة كان جائزا يف‬ ‫بطريق القياس‪ ،3‬واستبعده الشوكاين‪.4‬‬
‫صدر اإلسالم مث نسخ فهي حرام إىل يوم القيامة وأدلتهم ما يلي‪:‬‬ ‫ومن عجائب زماننا ذهاب بعض املوسومني باملفكرين –وما أكثرهم يف هذا العصر‪ -‬إىل جواز‬
‫عن علي رضي اهلل عنه " أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم هنى‬ ‫‪-1‬‬ ‫اجلمع بني املرأة وعمتها أو خالتها مستدال هبذه اآلية ‪‬وأحل لكم ما وراء ذلكم‪ ‬وعندما ووجه‬
‫عن نكاح املتعة وعن حلوم احلمر األهل زمن خيرب " ويف رواية " هنى عن متعة النساء‬ ‫بالسنة رفضها مجلة وتفصيال وطعن فيها‪ ،‬وهذا خيشى عليه الكفر‪.5‬‬
‫ِِ‬
‫يوم خيرب وعن حلوم احلمر األنسية "متفق عليهما‪.‬‬ ‫اح‬ ‫ور ُه َّن فَ ِر َ‬
‫يضةً َوالَ ُجنَ َ‬ ‫ُأج َ‬ ‫استَ ْمَت ْعتُم بِه مْن ُه َّن فَآتُ ُ‬
‫وه َّن ُ‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬معىن قوله تعاىل‪  :‬فَ َما ْ‬
‫عن سلمة بن األكوع قال‪ " :‬رخص لنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫‪-2‬‬ ‫يض ِة ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلِيماً َح ِكيماً‪‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫اضْيتُم بِه من َب ْعد الْ َف ِر َ‬
‫يما َتَر َ‬
‫ِ‬
‫َعلَْي ُك ْم ف َ‬
‫وسلم يف متعة النساء عام أوطاس ثالثة أيام مث هنى عنها "‪.‬‬
‫عن سربة اجلهين " أنه غزا مع النيب ‪‬فتح مكة قال‪ :‬فأقمنا هبا مخسة‬ ‫‪-3‬‬
‫عشر فأذن لنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم يف متعة النساء " وذكر احلديث‬ ‫‪.3/144 1‬‬
‫إىل أن قال " فلم أخرج حىت حرمها رسول اهلل ‪ "‬ويف رواية " أنه كان مع النيب‬ ‫‪ 2‬فتح القدير‪1/675‬‬
‫‪ 3‬السايس ‪1/429‬‬
‫‪‬فقال يا أيها الناس أين كنت أذنت لكم يف االستمتاع من النساء وإن اهلل قد حرم‬
‫‪ 4‬فتح القدير‪1/675‬‬
‫ذلك إىل يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله وال تأخذوا مما آتيتموهن‬
‫‪ 5‬بل نص ابن حزم يف الفصل على ردة منكر سنة اآلحاد ‪ ،‬ونص السيوطي يف ظالل اجلنة على ردة منكر السنة‬
‫شيئا"رواهن أمحد ومسلم?‪ ،‬ويف لفظ عن سربة قال‪ " :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫مطلقا‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫عليه جاز صداقا كمنافع الدار‪ ،‬أما تعليم القرآن فاختلفت الرواية عن أمحد يف جعله صداقا فقال‬ ‫وآله وسلم باملتعة عام الفتح حني دخلنا مكة مث مل خنرج منها حىت هنانا عنها "رواه‬
‫يف موضع ‪ :‬أكرهه وقال يف موضع‪ :‬ال بأس‪.4‬‬ ‫مسلم ‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يصح أن يكون املهر منفعة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ ،‬إال أنه قال ‪ :‬إذا تزوج على‬ ‫قال الشوكاين‪" :‬وعلى كل حال فنحن متعبدون مبا بلغنا عن الشارع‪ ،‬وقد صح لنا عنه‬
‫ذلك فالنكاح جاز وهو يف حكم من مل يسم هلا وهلا مهر مثلها إن دخل هبا وإن مل يدخل هبا‬ ‫التحرمي املؤبد وخمالفة طائفة من الصحابة له غري قادحة يف حجيته وال قائمة لنا باملعذرة عن‬
‫فلها املتعة‪.‬‬ ‫العمل به كيف واجلمهور من الصحابة قد حفظوا التحرمي وعملوا به ورووه لنا حىت قال ابن‬
‫وحجته‪:‬‬ ‫عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح " إن رسول اهلل ‪‬أذن لنا يف املتعة ثالثا مث حرمها‬
‫‪ -1‬أن منافع احلر ال تكون صداقا ألهنا ليست ماال وإمنا قال اهلل تعاىل ‪ :‬أن تبتغوا‬ ‫واهلل ال أعلم أحد متتع وهو حمصن إال رمجته باحلجارة " وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النيب‬
‫بأموالكم‪‬‬ ‫صلى اهلل عليه وآله وسلم " هدم املتعة الطالق العدة واملرياث " أخرجه الدارقطين وحسنه‬
‫‪ -2‬تحقيق املال ما تتعلق به األطماع ويعد لالنتفاع ومنفعة الرقبة يف اإلجارة ومنفعة‬ ‫احلافظ"‪.1‬‬
‫التعليم للعلم? كله ليس مبال‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬مالية املهر‪:‬‬
‫‪ -3‬اإلجارة خمالفة للقياس? فال يقاس عليها‪.‬‬ ‫يف قوله تعلى ‪ :‬بأموالكم‪ ‬أباح اهلل الفروج باألموال ومل يفصل فوجب إذا حصل بغري املال‬
‫‪5‬‬
‫‪ -4‬احلديث يف حد اآلحاد و ال يرتك نص الكتاب خبرب الواحد‬ ‫أال تقع اإلباحة به ألهنا على الشرط املأذون فيه كما لو عقد على مخر أو خنزير أو ما ال يصح‬
‫القول الثالث‪ :‬الكراهة ‪ ،‬ولذلك رأى فسخه قبل الدخول وبه قال مالك‪.‬‬ ‫متلكه‪ ،‬فهذه ال تعد امواال‪.2‬‬
‫وإمنا كره ذلك مالك ألنه يستحب أن يكون الصداق معجال واإلجارة واحلج يف معىن‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬هل يكون املهر منفعة؟‬
‫املؤجل‪.6‬‬ ‫قد يقول قائل تقييد االبتغاء باألموال يقتضي أنه ال جيوز بغري األموال واملسألة فيها خالف‪:‬‬
‫وسبب اختالفهم سببان ‪ :‬أحدمها هل شرع من قبلنا الزم لنا حىت يدل الدليل على ارتفاعه‬ ‫القول األول‪ :‬يصح أن يكون املهر منفعة‪ ،‬وهو قول الشافعي وأمحد‪.‬‬
‫أم األمر بالعكس ؟ فمن قال هو الزم أجازه لقوله تعاىل { إين أريد أن أنكحك إحدى ابنيت‬ ‫ودليله حديث سهل بن سعد‪" :‬قد زوجناكها مبا معك من القرآن"‪ 3‬والباء للعوض‪?.‬‬
‫هاتني على أن تأجرين مثاين حجج } اآلية ومن قال ليس بالزم قال ‪ :‬ال جيوز النكاح باإلجارة‬ ‫فإن أصدقها تعليم صناعة صح‪ ،‬ألنه منفعة معلومة معلومة جيوز بذل العوض عنها فجاز‬
‫‪.‬‬ ‫جعلها صداقا كخياطة ثوهبا‪ ،‬وإن أصدقها تعليمها شعرا مباحا معينا أو فقها أو أخذ األجرة‬

‫‪ 4‬املغين‪8/7‬‬ ‫‪ 1‬نيل األوطار‪6/194‬‬


‫‪ 5‬البدائع‪2/564‬‬ ‫‪ 2‬القرطيب‪5/115‬‬
‫‪ 6‬القرطيب‪5/115‬‬ ‫‪ 3‬البخاري‪ 2/811‬ومسلم ‪2/1040‬‬
‫‪97‬‬
‫دل قوله تعاىل ‪ :‬وال جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة‪ ‬على جواز الزيادة‬ ‫والسبب الثاين هل جيوز أن يقاس النكاح يف ذلك على اإلجارة ؟ وذلك أن اإلجارة هي‬
‫والنقصان يف املهر‪ ،‬وأن ذلك سائغ عند الرتاضي بعد استقرار الفريضة‪ ،‬واملراد إبراء املرأة عن‬ ‫مستثناة من بيوع الغرر اجملهول‪.1‬‬
‫املهر أو توفية الرجل كل املهر إن طلق قبل الدخول ‪.‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫وقال القائلون بأن اآلية يف املتعة هذا إشارة إىل ما تراضيا عليه من زيادة يف مدة املتعة يف أول‬ ‫القول األول هو الراجح فيجوز أن تكون املنفعة مهرا سواء قام هبا الزوج كأن خيدمها سنة‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإنه كان يتزوج الرجل املرة شهرا على دينار مثال فإذا انقضى اشهر فرمبا كان يقول ‪:‬‬ ‫يف عمل هلا‪ ،‬أو على أن يعلمها القرآن‪ ،‬أو العلم الشرعي أو أن يهبها منفعة دار لفرتة من الزمن‬
‫‪2‬‬
‫زيديين يف األجل أزدك يف املهر‪ ،‬فبني أن ذلك كان جائزا عند الرتاضي‪.‬‬ ‫معلومة? كسنة‪ ،‬وجيب عليه اإليفاء يف تلك احلاالت كلها‪ ،‬والدليل على ذلك احلديث السابق‪،‬‬
‫متى يجوز أن ينكح الحر األمة‬ ‫وألن املنفعة مال يف حقيقة األمر بدليل أهنا متقومة? يبذل يف مقابلها الذهب والفضة‪ ،‬كما أن‬
‫ات فَ ِمن ِّما َملَ َك ْ‬ ‫ات الْمْؤ ِمنَ ِ‬
‫نكح الْم ْحصنَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َأيْ َمانُ ُكم ِّمن‬ ‫ُ‬ ‫‪َ ‬و َمن لَّ ْم يَ ْستَط ْع من ُك ْم طَ ْوالً َأن يَ َ ُ َ‬ ‫الواقع يثبت مالية املنفعة بل قد تكون أغلى من كثري من األعيان‪ ،‬والقول بأن اإلجارة خمالفة‬
‫ِ‬
‫وه َّن بِِإ ْذ ِن َْأهل ِه َّن َوآتُ ُ‬ ‫ض فَ ِ‬ ‫يمانِ ُك ْم َب ْع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن‬ ‫انك ُح ُ‬ ‫ض ُكم ِّمن َب ْع ٍ‬ ‫َفَتيَات ُك ُم ال ُْمْؤ منَات َواللّهُ َأ ْعلَ ُم بِإ َ‬ ‫للقياس ال يسلم بل القياس يقتضي مالية املنفعة وهي عقد مستقل بذاته ال تستثىن من غريها كما‬
‫ُأح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّخ َذ ِ‬‫ات والَ مت ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫وف م ْح ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص َّن فَِإ ْن َأَت ْي َن‬ ‫ات َأ ْخ َدان فَِإ ذَا ْ‬ ‫صنَات غَْي َر ُم َساف َح َ ُ‬ ‫ور ُه َّن بِال َْم ْع ُر ُ َ‬ ‫ُأج َ‬
‫ُ‬ ‫هو الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬بل هذه املسألة ليست من باب القياس إمنا النظر فيها من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ل َم ْن َخ ِش َي ال َْعنَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت م ْن ُك ْم َوَأن‬ ‫اب َذل َ‬ ‫ف ما َعلَى الْم ْحصنَ ِ‬
‫ات م َن ال َْع َذ ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ص ُ َ‬ ‫بَِفاح َش ٍة َف َعلَْي ِه َّن نِ ْ‬ ‫جهة حتقق الوصف يف املهر من كونه ماال فإذا ما ثبت ذلك عقال وشرعا وعمال فال جمال‬
‫يم{‪.}25‬‬ ‫تَصبِرواْ َخير لَّ ُكم واللّه غَ ُف ِ‬ ‫للحديث عن القياس واستثناءاته‪.‬‬
‫ور َّرح ٌ‬‫ْ ُ ٌْ ْ َ ُ ٌ‬
‫اشتملت هذه اآلية على مجلة أحكام هي‪:‬‬ ‫كما أن سياق احلديث يشهد بأن ذلك ألجل النكاح‪ ،‬وال يلتفت لقول من قال‪ :‬إن ذلك‬
‫‪ -1‬جواز أن ينكح احلر األمة بشروط‪ :‬أن ال يوجد معه من املال ما ينكح به احلرة‪،‬‬ ‫كان إكراما للرجل مبا حفظه من القرآن أي ملا حفظه فتكون الباء مبعىن الالم‪.‬‬
‫وان خيشى العنت‪ ،‬وأن تكون األمة مؤمنة ال كافرة‪.‬‬ ‫أما القول بأن احلديث آحاد فال يرتك نص الكتاب له فقول ال يصح البتة ألمرين‪:‬‬
‫‪ -2‬يف قوله تعاىل‪ :‬فانكحوهن بإذن أهلهن‪ ‬دليل على أن نكاح األمة بغري إذن‬ ‫األول‪ :‬أن السنة تشرع كالقرآن متاما ‪‬وما ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي يوحى‪ ‬وحنن‬
‫سيدها ال جيوز‪.‬‬ ‫خماطبون مبا ثبت من قوله‪ ‬ومأمورون? بالطاعة واالنقياد ‪‬وأطيعوا اهلل والرسول‪.‬‬
‫‪ -3‬جيب إيتاء األمة مهرها باملعروف وهو مهر املثل أو إيصال املهر إليها على العادة‬ ‫الثاين‪ :‬ال تعارض بني القرآن واحلديث‪ ،‬فالقرآن يشرتط كون املهر ماال واحلديث بنّي أن‬
‫عند املطالبة من غري مطل وال تأخري‪ ،‬ويكون مهرها هلا عند مالك وقال اجلمهور بل‬ ‫املنفعة من املال‪ ،‬فهو من باب ذكر بعض أفراد العام‪ ،‬ومن املعلوم? أال تعارض بني العام واخلاص‪،‬‬
‫للسيد‪ ?،‬ألن البضع مملوك له‪.‬‬ ‫واملشكلة أن يفهم من النص شيء مث يراد من السنة أن جتاري هذا الفهم وهذا غري سديد‪.‬‬
‫‪ -4‬دلت اآلية على منع نكاح األمة الزانية‪.‬‬ ‫احلكم السادس‪ :‬الزيادة والنقصان يف املهر‪:‬‬

‫‪ 2‬القرطيب‪5/115‬‬ ‫‪ 1‬بداية اجملتهد ‪1/688‬‬


‫‪98‬‬
‫التربعات كلها أكل أموال عن طيب نفس واملعاوضات غري التجارات كذلك ألن أخذ كال‬ ‫‪ -5‬إذا أحصن بالتزوج فحدهن نصف حد احلرائر‪ ،‬وهو مخسون مطلقا ألن الرجم ال‬
‫املتعاوضني عوضا عما بذله لآلخر مساويا لقيمته يف نظره يطيب نفسه ‪ .‬وأما التجارة فألجل ما فيها‬ ‫يتنصف‪.‬‬
‫من أخذ املتصدي للتاجر ماال زائدا على قيمة ما بذله للمشرتي قد تشبه أكل املال بالباطل‪.3‬‬ ‫‪ -6‬الصرب عن نكاح اإلماء خري من نكاحهن ملا فيه من تعريض الولد للرق‪.‬‬
‫وقد دل ظاهر قوله تعاىل‪ :‬إال أن تكون جتارة ع تراض منكم‪ ‬على إباحة مجيع أنواع التجارات‬
‫إال أن اهلل تعاىل قد خص منها أشياء بنص الكتاب وأشياء بسنة الرسول ‪ ‬فاخلمر وامليتة والدم وحلم‬ ‫حرمة أكل المال بالباطل‬
‫‪‬يا َُّأيها الَّ ِذين آمنُواْ الَ تَْأ ُكلُواْ َأموالَ ُكم بينَ ُكم بِالْب ِ‬
‫اط ِل ِإالَّ َأن تَ ُكو َن تِ َج َارةً َعن َت َر ٍ‬
‫اض ِّمن ُك ْم ‪‬‬
‫اخلنزير وسائر احملرمات يف الكتاب ال جيوز بيعها‪ ،‬ألن إطالق لفظ التحرمي يقتضي سائر وجوه‬ ‫ْ َ ْ َْ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫االنتفاع وقال النيب‪" :‬لعن اهلل اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أمثاهنا" وقال يف اخلمر‪:‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫"إن الذي حرمها حرم بيعها وأكل مثنها ولعن بائعها ومشرتيها"‪ ،‬وهنى رسول اهلل ‪ ‬عن البيع الغرر‪،‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬أكل املال بالباطل‪:‬‬
‫وبيع العبد اآلبق‪ ،‬وبيع مامل يقبض‪ ،‬وبيع ما ليس عند اإلنسان وحنوها من البياعات اجملهولة واملعقود‬ ‫ينهى اهلل كل أحد من املؤمنني عن أكل مال غريه بالباطل وعن أكل مال نفسه بالباطل‪ ،‬ألن قوله‬
‫على غرر مجيع ذلك خمصوص من ظاهر قوله تعاىل ‪‬إال أن تكون جتارة عن تراض منكم‪.4‬‬ ‫تعاىل‪ :‬بأموالكم‪ ‬يقع على مال نفسه ومال غريه‪ ،‬وأكل مال نفسه بالباطل إنفاقه يف املعاصي‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬الرتاضي وصيغة العقد‪:‬‬ ‫وأكل مال غريه بالباطل فيه وجهان‪:‬‬
‫اشرتطت اآلية كون البيع عن تراضي قال الشافعية‪ :‬وملا كان الرضا أمرا يتعلق بالباطن ال يطلع‬ ‫‪ -1‬أن يأكل بالربا والقمار والبخس والظلم‪ ،‬قاله السدي‪.‬‬
‫عليه أحد يف الظاهر إال ببيان اللسان اشرتطنا النطق واكتفينا به دليال على الرضا صرحيا كان النطق‬ ‫‪ -2‬أن يأكل بغري عوض‪ ،‬قاله احلسن‪.‬‬
‫أو كناية‪.‬‬ ‫والصواب أنه هني عام عن أخذ املال من غري الطرق الشرعية فيتضمن أكل أبدال العقود الفاسدة‬
‫وخالفهم? اجلمهور فلم يشرتطوا وجود الصيغة يف العقد واكتفوا بداللة الفعل كاألخذ وحنوه‪،‬‬ ‫كبيع ما ال ميلك‪ ،‬وبيع ما ال قيمة له إما لفساده كبيض وبطيخ فاسدين‪ ،‬أو لعدم ماليته واالنتفاع به‬
‫مقتضى? هذا جواز بيع املعاطاة إذا دلت القرائن وشواهد األحوال على الرضا وهذا هو الراجح‪،‬‬ ‫كالذباب‪ ،‬وكذلك أجرة النائحة وغريها‪ ،1‬والربا والرشا واالنتهاب وغريها مما حرمه اهلل‪ ،‬ولو مساه‬
‫واختاره مجاعة من الشافعية‪.‬‬ ‫البعض بغري امسه‪.‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬خيار اجمللس‪:‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬أكل املال بالتجارة وغريها من السبل احلالل‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف ثبوت خيار اجمللس على قولني‪:‬‬ ‫التجارة يف اللغة عبارة عن املعارضة واالستثناء يف اآلية منقطع ‪ :‬أي لكن جتارة عن تراض منكم‬
‫القول األول‪ :‬يلزم العقد باإلجياب والقبول وال خيار هلما‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة ومالك‪.‬‬ ‫جائزة بينكم أو لكن كون جتارة عن تراض منكم حالال لكم‪ ،‬وإمنا نص اهلل سبحانه على التجارة‬
‫دون سائر أنواع املعاوضات لكوهنا أكثرها وأغلبها‪،2‬أو لأهنا أشد أنواع أكل األموال شبها بالباطل إذ‬

‫‪ 3‬التحرير والتنوير‪1/935‬‬ ‫‪ 1‬السايس ‪1/442‬‬


‫‪ 4‬اجلصاص‪3/131‬‬ ‫‪ 2‬فتح القدير‪1/688‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ -3‬لا يصح قياس البيع على النكاح ألن النكاح ال يقع غالبا إال بعد روية ونظر‬ ‫وحجتهم‪ :‬أنه روي عن عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬البيع صفقة أو خيار‪ ،‬وألنه عقد معاوضة فلزم‬
‫ومتكث فال حيتاج إىل اخليار بعده وألن يف ثبوت اخليار فيه مضرة ملا يلزم من رد املرأة بعد‬ ‫مبجرده كالنكاح واخللع‪.‬‬
‫ابتذاهلا بالعقد وذهاب حرمتها بالرد وإحلاقها بالسلع املبيعة فلم يثبت فيه خيار لذلك وهلذا‬ ‫وذكر بعضهم أن ظاهر اآلية يشهد هلذا القول ألن اآلية تقتضي حل التصرف يف املبيع بوقوع‬
‫مل يثبت فيه خيار الشرط وال خيار الرؤية‪.4‬‬ ‫البيع عن تراض ساء تفرق املتبايعان أم ال‪ ،‬فإن الذي يسمى جتارة يف عقد البيع إمنا هو اإلجياب‬
‫‪ -4‬أن خيار اجمللس من الرتاضي بداللة السنة إذ "بنّي النيب‪ ‬مدة تندفع هبا معرة‬ ‫والقبول‪ ،‬وليس التفرق واالجتماع من التجارة يف شيء‪.1‬‬
‫الندامة واخلداع ويستدرك هبا الغنب والظالمة ليتحقق هبذه املدة الرضا الباطين"‪.5‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أن البيع يقع جائزا ولكل من املتبايعني اخليار يف فسخ البيع ماداما جمتمعني مل يتفرقا‬
‫‪ -5‬محل األحناف التفرق يف احلديث على التفرق باألقوال ال األبدان غري صحيح إذ‬ ‫بأبداهنما‪ ،‬وهو قول الشافعي وأمحد‪.‬‬
‫ليس بني املتبايعني تفرق بلفظ وال اعتقاد إمنا بينهما اتفاق على الثمن واملبيع بعد‬ ‫وحجتهم‪ :‬ما روى ابن عمر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إذا تبايع الرجالن‬
‫االختالف‪ ،‬كما أن هذا يبطل فائدة احلديث إذ قد علم أهنما باخليار قبل العقد يف إنشائه‬ ‫فكل واحد منهما باخليار ما مل يتفرقا وكانا مجيعا أو خيري أحدمها اآلخر فإن خري أحدمها اآلخر فتبايعا‬
‫وإمتامه أو تركه‪.6‬‬ ‫على ذلك فقد وجب البيع وإن مل يتفرقا بعد أن تبايعا ومل يرتك أحدمها البيع فقد وجب البيع" متفق‬
‫عليه‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬البيعان باخليار ما مل يتفرقا"‪.‬‬
‫حرمة‪ 3‬قتل النفس‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫‪َ ‬والَ َت ْق ُتلُواْ َأن ُف َس ُك ْم ِإ َّن اللّهَ َكا َن بِ ُك ْم َر ِحيماً{‪}29‬‬
‫القول الثاين هو الراجح‪ ،‬لصحة دليله‪ ،‬وما قاله األولون فمناقشون مبا يلي‪:‬‬
‫حرم اهلل هنا قتل النفس سواء أريد بالنفس املفهوم? اخلاص أو العام‪.‬‬
‫‪ -1‬أن السنة الثابتة ال تقابل بالقياسات وحنوها‪ ،‬وهلذا عاب كثري من أهل العلم على‬
‫احلكم األول‪ :‬االنتحار‪:‬‬
‫مالك خمالفته للحديث? مع روايته له وثبوته عنده‪.2‬‬
‫هنى اهلل عز وجل املسلمني عن قتل أنفسهم فال جيوز للمسلم? االنتحار بأي وسيلة كالسكني‬
‫‪ -2‬قول عمر ‪ :‬البيع صفقة أو خيار معناه أن البيع ينقسم إىل بيع شرط فيه اخليار‬
‫والسم وغريمها‪ ،‬واالنتحار من أكرب الكبائر بعد الشرك‪ ،‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى‬
‫وبيع مل يشرتط فيه مساه صفقة لقصر? مدة اخليار فيه‪ ،‬ولو أراد ما قالوه مل جيز أن يعارض به‬
‫اهلل عليه وسلم قال‪" :‬من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يف نار جهنم يرتدى فيه خالدا خملدا فيها‬
‫قول النيب صلى اهلل عليه وسلم فال حجة يف قول أحد مع قول رسول اهلل‪.3‬‬

‫‪ 4‬السابق‬ ‫‪ 1‬السايس ‪1/443‬‬


‫‪ 5‬املوزعي ‪1/611‬‬ ‫‪ 2‬املغين‪4/7‬‬
‫‪ 6‬املغين‪4/7‬‬ ‫‪ 3‬السابق‬
‫‪100‬‬
‫القول األول‪ :‬حرمة العمليات االستشهادية وحجته هذه اآلية الناهية عن قتل النفس‪ ،‬وما العمل‬ ‫أبدا ومن حتسى مسا فقتل نفسه فسمه يف يده يتحساه يف نار جهنم خالدا خملدا فيها أبدا ومن قتل‬
‫االستشهادي إال قتل للنفس‪.‬‬ ‫نفسه حبديدة فحديدته يف يده جيأ هبا يف بطنه يف نار جهنم خالدا خملدا فيها أبدا"‪.1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز هذه العمليات‪ ،‬واحتجوا باآليات الدالة على شراء اهلل من املؤمنني أنفسهم‪:‬‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬اإلضراب عن الطعام حىت املوت‪:‬‬
‫َأن هَلُ ُم اجْلَنَّةَ يُ َقاتِلُو َن يف َسبِ ِيل اللَّ ِه َفَي ْقُتلُو َن َويُ ْقَتلُو َن)‬
‫ني َأْن ُف َس ُه ْم َو َْأم َواهَلُ ْم بِ َّ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( إ َّن اللَّه ا ْشَتَرى م َن الْ ُمْؤ من َ‬ ‫حيصل أحيانا أن بعض السجناء يضربون عن الطعام والشراب حىت املوت احتجاجا على على‬
‫[التوبة ‪ ، ] 111 :‬كما احتج بعضهم بقصة الغالم املؤمن‪ ،‬وبفعل بعض السلف وتغريرهم بأنفسهم‬ ‫التعذيب أو أوضاع سجنه السيئة والقاسية‪ ،‬وفاعل ذلك يدخل يف عموم هذه اآلية فهو بال شك قاتل‬
‫واقتحامهم حصون األعداء‪.‬‬ ‫لنفسه إذا مات بسبب اإلضراب‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬التوقف‪.‬‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬ترك تناول الدواء أو اإلضراب عنه‪:‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫من ترك الدواء أو أضرب عنه أو ترك التداوي أصال حىت مات هل يعد منتحرا؟‬
‫ال ميكن أن ينكر أحد أن األصل حرمة االنتحار‪ ،‬كما ال جيادل أحد يف مشروعية اجلهاد بل‬ ‫أما الدواء فلو كان غالب ظنه شفاءه لو تناوله فيجب عليه تناوله ولو تركه عامدا عاملا خمتارا‬
‫ووجوبه عينيا يف الدفع‪ ،‬واحلقيقة أن العمليات االستشهادية بني هذين األمرين فمن ناحية هي قتل‬ ‫فهو قاتل لنفسه‪ ،‬أما إذا مل يغلب على ظنه شفاءه فرتكه حىت مات فال يعد قاتال لنفسه‪ ،‬إال أنه لن‬
‫نفس يقينا فيقرهبا هذا من طرف األول‪ ،‬ومن ناحية أن اجلهاد مبناه على التغرير بالنفس فتقرتب منه‬ ‫يسلم من اإلمث ألنه ألقى بنفسه يف التهلكة‪.‬‬
‫هذه العمليات‪ ،‬وبسبب هذا الرتدد وقع اخلالف والتوقف‪.‬‬ ‫أما ترك التداوي ففي وجوب التداوي وعدمه خالف بني أهل العلم‪.‬‬
‫ولكن لدينا معيار مهم للغاية ميكن من خالله احلكم يف هذه املسألة وهي املعيار املقاصدي‬ ‫احلكم الثامن‪ :‬االنتحار كتما ألسرار الدولة‪:‬‬
‫واملصلحي‪ ،‬ومن املقاصد الشرعية حفظ الدين والنفس واجملتمع من غزو األجنيب‪ ،‬وهلذا شرع اجلهاد‬ ‫جرت عادة اجليوش يف معظم دول العامل إعطاء قادة اجليش ومن حيملون أسرار الدولة حبوبا سامة‬
‫وجعله عينيا‪ ،‬بل نص الفقهاء على ضرورة اجلهاد بأي وسيلة متاحة ولو باحلجارة‪ ،‬ويف سبيل حفظ‬ ‫سريعة املفعول يتناولوهنا إذا ما تعرضوا لألسر‪ ،‬وخشوا أن ميارس ضدهم وسائل تعذيب الستخراج‬
‫الدين والنفس الكلي (اجملتمع) أمر الشرع ببذل النفس‪ ،‬والعمليات االستشهادية ال خترج عن هذا‬ ‫ما حبوزهتم من أسرار ختص الدولة وجتهيزاهتا‪ ،‬ورمبا كانت أسرارا خطرية للغاية إذا ما عرفها العدو‬
‫اإلطار‪ ،‬كما أهنا دفع أشد الضررين بأدنامها وهذا مما يتفق عليه العقالء بله العلماء‪.‬‬ ‫أصاب األمة يف مقتل‪ ،‬فهل جيوز للمسلم? أن ينتحر يف مثل هذه احلالة؟‬
‫كما أن هناك مسألة أخرى وهي ضعف جانب املسلمني عدة وعتادا مما اضطرهم ملثل هذه‬ ‫ما تدل عليه هذه اآلية هو عموم حرمة قتل النفس وتدخل فيها هذه احلالة‪ ،‬ولكن ذهب بعض‬
‫العمليات‪ ،‬فلو قلنا حبرمتها لكان معىن هذا القضاء على أخر وسيلة مؤثرة يف الغازي‪ ،‬ويكفي أثر هذه‬ ‫العلماء املعاصرين إىل جوازه يف مثل هذه الظروف ملا فيه من دفع ضرر أكرب بضرر أقل‪.‬‬
‫العمليات باديا على األعداء لكي حيكم جبوازها‪.‬‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬العمليات االستشهادية‪:‬‬
‫اختلف املعاصرون يف حكم العمليات االستشهادية على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫‪ 1‬البخاري‪ 5/2179‬ومسلم ‪1/103‬‬


‫‪101‬‬
‫تسمية معصية اهلل تعاىل صغرية نظرا إىل عظمة اهلل تعاىل وشدة عقابه وإجالال له عز وجل عن تسمية‬ ‫أما تشبيهها باالنتحار ففيه بعد أل ّن الانتحار ال يفعله إال شخص غضبان على ربه غري راض‬
‫معصيته صغرية ألهنا إىل باهر عظمته تعاىل كبرية وأي كبرية‪ ،‬ومل ينظر اجلمهور إىل ذلك ألنه معلوم‬ ‫بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬أما هذا فطال لرضوان اهلل تائقة نفسه للجنة‪ ،‬حسن النية يف ربه‪ ،‬بل هو مليب لنداء‬
‫بل قسموها إىل قسمني كما يقتضيه صرائح اآليات واألخبار ال سيما هذه اآلية‪.4‬‬ ‫اجلهاد يف سبيله‪ ،‬فأين هذا من ذاك‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف الكبائر هل تعرف باحلد أو ال تعرف إال بالعدد‪ ،‬فقال اجلمهور‪ :‬إهنا تعرف‬ ‫هذا وقد نص الفقهاء على جواز مهامجة العدو مع غلبة الظن باستشهاده‪ ،‬إال أن بعضهم اشرتط‬
‫باحلد‪ ،‬مث اختلفوا يف ذلك على أقوال‪-:‬‬ ‫تأثريه يف العدو‪ ،‬ومل يشرتطه آخرون منهم القرطيب حيث قال‪" :‬و الصحيح عندي جواز االقتحام‬
‫‪ .1‬املعاصي املوجبة للحد‪.‬‬ ‫على العساكر ملن ال طاقة له هبم ‪ ,‬أل ّن فيه أربعة وجوه ‪:‬األول‪ :‬طلب الشهادة‪ ،‬الثاين‪ :‬وجود النكاية‬
‫‪ .2‬ما يلحق صاحبها وعيد شديد‪.‬‬ ‫الثالث ‪ :‬جترئة املسلمني عليهم‪ ،‬الرابع ‪ :‬ضعف نفوسهم لريوا أ ّن هذا صنع واحد فما ظنك‬
‫‪ .3‬ما يشعر بقلة اكرتاث مرتكبها بالدين‪.‬‬ ‫باجلمع"‪.1‬‬
‫‪ .4‬ما نص الكتاب أو وجب يف حقه حد‪.‬‬ ‫اجتناب الكبائر‬
‫الكَبر ‪.‬‬
‫‪ .5‬ما ورد الوعيد عليه مع احلد أو لفظ يفيد ِ‬ ‫‪ِ‬إن تَ ْجتَنِبُواْ َكبَآِئَر َما ُت ْن َه ْو َن َع ْنهُ نُ َك ِّف ْر َعن ُك ْم َسيَِّئاتِ ُك ْم َونُ ْد ِخ ْل ُكم ُّم ْد َخالً َك ِريماً{‪}31‬‬
‫وقال مجاعة إهنا ال تعرف إال بالعدد‪ ،‬مث اختلفوا هل تنحصر يف عدد معني أم ال على‬ ‫هذه اآلية أصل يف العدالة والفسق عند أهل العلم‪،‬فمن? اجتنب الكبائر فهو عدل ومن ارتكبها فهو‬
‫أقوال‪ :‬سبع‪ ،‬تسع‪ ،‬عشر‪ ،‬اثنتا عشرة‪ ،‬أربع عشرة‪ ،‬ست وثالثون‪ ،‬واىل السبعني أهناها‬ ‫فاسق‪.‬‬
‫احلافظ الذهيب يف جزء صنفه يف ذلك‪ ،‬وقد مجع ابن حجر اهليتمي فيها مصنفا حافلاً مساه‬ ‫وقسم اهلل سبحانه املنهيات على كبائر وغريها‪ ،‬وبظاهر التقسيم على كبائر وصغائر قال‬
‫الزواجر‪ ،‬وذكر فيه حنو أربعمائة معصية‪ ،‬وباجلملة فال دليل يدل على احنصارها يف عدد‬ ‫اجلمهور‪.2‬‬
‫معني‪ ،‬ومن املنصوص عليه‪ :‬القتل‪ ،‬والزنا‪ ،‬واللواطة وشرب اخلمر‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والغصب‪،‬‬ ‫وأنكر مجاعة من األئمة أن يف الذنوب صغرية وقالوا ‪ :‬بل سائر املعاصي كبائر منهم األستاذ أبو‬
‫والقذف‪ ،‬والنميمة‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬واليمني الفاجرة‪ ،‬وقطيعة الرحم‪ ،‬والعقوق‪ ،‬والفرار من‬ ‫إسحق اإلسفراييين والقاضي أبو بكر الباقالين وإمام احلرمني يف اإلرشاد وابن القشريي يف املرشد بل‬
‫الزحف‪ ،‬وأخذ مال اليتيم‪ ،‬وخيانة الكيل والوزن?‪ ،‬والكذب على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫حكاه ابن فورك عن األشاعرة واختاره يف تفسريه فقال ‪ :‬معاصي اهلل تعاىل كلها عندنا كبائر وإمنا‬
‫وآله وسلم‪ ،‬وتقدمي الصالة وتأخريها‪ ،‬وضرب املسلم‪ ،‬وسب الصحابة‪ ،‬وكتمان الشهادة‪،‬‬ ‫يقال لبعضها ‪ :‬صغرية وكبرية باإلضافة وأول اآلية مبا ينبو عنه ظاهرها‪.3‬‬
‫والرشوة‪ ،‬والدياثة ومنع الزكاة‪ ،‬واليأس من الرمحة‪ ،‬وأمن املكر‪ ،‬وأكل حلم اخلنزير‪ ،‬وامليتة‪،‬‬ ‫و ال خالف بني الفريقني يف املعىن‪ ،‬وإمنا اخلالف يف التسمية واإلطالق إلمجاع الكل على أن‬
‫وفطر رمضان?‪ ،‬والربا‪ ،‬والسحر‪ ،‬وامتناع الزوجة من زوجها بال سبب(‪.)5‬‬ ‫املعاصي منها ما يقدح يف العدالة ومنها ما ال يقدح فيها‪ ،‬وإمنا األولون فروا من التسمية فكرهوا‬

‫‪2/364 1‬‬
‫‪ 4‬روح املعاين ‪5/18‬‬ ‫‪ 2‬انظر املوزعي ‪1/613‬‬
‫‪ )?(5‬انظر إرشاد الفحول ‪99‬‬ ‫‪ 3‬روح املعاين ‪5/18‬‬
‫‪102‬‬
‫وه َّن فَِإ ْن َأطَ ْعنَ ُك ْم فَالَ َت ْبغُواْ َعلَْي ِه َّن َسبِيالً ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلِيّاً‬
‫ض ِربُ ُ‬ ‫ضِ‬
‫اج ِع َوا ْ‬ ‫وه َّن فِي ال َْم َ‬
‫َو ْاه ُج ُر ُ‬ ‫والتعريف الذي اختاره ورجحه بعض العلماء وجيمع كل ما سبق‪ ،‬هو التعريف املروي عن‬
‫َكبِيراً{‪}34‬‬ ‫ابن عباس أن الكبائر هي ‪" :‬كل ذنب ختمه اهلل بنار أو غضب أو لعنه أو عذاب"(‪ ،)1‬ومبعناه ما‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫روي عن اإلمام أمحد أهنا ما يوجب حداً يف الدنيا ووعيداً يف اآلخرة‪.‬‬
‫احلكم األول‪:‬القوامة‪:‬‬ ‫ويدخل يف الكبائر –كذلك‪ -‬كل ذنب توعد صاحبه بأنه ال يدخل اجلنة وال يشم رائحة‬
‫(‪) 5‬‬
‫"‪‬قوام‪ ‬فعال للمبالغة من القيام على الشئ فيه‪ ،‬وحفظه باإلجتهاد" ‪.‬‬ ‫اجلنة‪ ،‬وقيل فيه من فعله فليس منا‪ ،‬وأن صاحبه آمث‪ ،‬فهذه كلها من الكبائر ومن أمثلته‪ :‬قوله‪:‬‬
‫وقوامية الرجل على املرأة هي‪:‬أن يقوم بتدبريها وتأديبها‪،‬وتويل أمرها وإصالح حاهلا آمراً‬ ‫(ال يدخل اجلنة قاطع) (‪. )2‬‬
‫ناهياً هلا‪ ،‬كما يقوم الوالة على الرعايا‪ ،‬وإمساكها يف بيتها ومنعها من الربوز(‪،)6‬ومبا أن املراد‬ ‫وقال شيخ اإلسالم البارزي? ‪ :‬التحقيق أن الكبرية كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن‬
‫بالقيام هنا هو الرئاسة‪ ،‬فليس معناها التصرف باملرؤوس بإرادته واختياره‪ ،‬وليس معناها‪-‬أيضاً‪-‬‬ ‫بنص كتاب أو سنة أو علم أن مفسدته? كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن أو أكثر من‬
‫أن يكون املرؤوس مقهوراً مسلوب اإلرادة ال يعمل عمالً إال ما يوجهه إليه رئيسه‪ ،‬فإن كون‬ ‫مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه يف دينه إشعار أصغر الكبائر املنصوص عليها بذلك‪.3‬‬
‫الشخص قيماً على آخر هو عبارة عن إرشاده واملراقبة عليه يف تنفيذ ما يرشده إليه‪،‬أي مالحظته‬ ‫أما اإلصرار على الصغرية فهل حيوهلا إىل كبرية؟ يقول اإلمام الشوكاين‪ " :‬وقد قيل إن‬
‫يف أعماله وتربيته(‪. )7‬‬ ‫اإلصرار على الصغرية حكمه حكم مرتكب الكبرية‪ ،‬وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به‪،‬‬
‫هذا وقد بني القرآن سبب القوامية هذه وأنه سببان مها ‪-:‬‬ ‫وإمنا هي مقالة لبعض الصوفية‪ ،‬فإنه قال ال صغرية مع إصرار‪ ،‬وقد روى بعض من ال يعرف علم‬
‫السبب األول ‪ :‬فطري ‪ ،‬فاهلل عز وجل"فضل الرجال على النساء يف أصل اخللقة وأعطاهم من‬ ‫الرواية هذا اللفظ وجعله حديثاً‪ ،‬وال يصح ذلك بل احلق أن اإلصرار حكمه حكم ما أصر‬
‫احلول والقوة مامل يعطهن‪،‬فكان من أجل ذلك التفاوت يف التكاليف واألحكام الشرعية ويف احلقوق‬ ‫عليه‪ ،‬فاإلصرار على الصغرية صغرية‪ ،‬واإلصرار على الكبرية كبرية"(‪ )4‬وهذا هو الصواب‪،‬‬
‫والواجبات مرتتباً على هذا التفاوت يف فطرهتم وأصل خلقتهم وجبلتهم واستعدادهم"(‪ )8‬فالرجال‬ ‫ويضاف عليه بأن الصغائر تكفر دائماً بالوضوء والصالة وأفعال اخلري كما جاءت هبذا‬
‫هلم فضيلة يف زيادة العقل والتدبري فجعل اهلل هلم حق القيام عليهن لذلك‪ ،‬كما أن للرجال زيادة قوة‬ ‫األحاديث‪.‬‬
‫يف النفس والطبع ما ليس للنساء؛ ألن طبع الرجال غلب عليه احلرارة واليبوسة فيكون فيه قوة وشدة‬ ‫قوامة الرجل‬
‫ض َوبِ َما َأن َف ُقواْ ِم ْن َْأم َوالِ ِه ْم‬
‫ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬‫َّل اللّهُ َب ْع َ‬ ‫ال َق َّو ُامو َن َعلَى الن ِ‬
‫ِّساء ب َما فَض َ‬ ‫َ‬ ‫الر َج ُ‬
‫‪ِّ ‬‬
‫وز ُه َّن فَ ِعظُ ُ‬
‫وه َّن‬ ‫ش َ‬ ‫ظ اللّهُ َوالالَّتِي تَ َخافُو َن نُ ُ‬ ‫ب بِ َما َح ِف َ‬ ‫ات َحافِظَ ٌ‬
‫ات لِّ ْلغَْي ِ‬ ‫الصالِ َح ُ‬
‫ات قَانِتَ ٌ‬ ‫فَ َّ‬
‫‪ )?(5‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/169‬‬
‫‪ )?(6‬ينظر اجلامع ألحكام القرآن (‪ )5/169‬وأحكام القرآن أليب بكر ابن العريب (‪ )1/530‬والكشاف للزخمشري (‬ ‫‪ )?(1‬جمموع الفتاوى ‪11/652‬‬
‫‪. )1/265‬‬ ‫‪ )?(2‬البخاري ‪ 5/2231‬ومسلم ‪4/1981‬‬
‫‪ )?(7‬ينظر تفسري املنار (‪)5/56‬‬ ‫‪ 3‬روح املعاين ‪5/17‬‬
‫‪ )?(8‬املفصل (‪)7/277‬‬ ‫‪ )?(4‬إرشاد الفحول ‪99‬‬
‫‪103‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬تأديب املرأة الناشز‪.‬‬ ‫وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والربودة‪ ،‬فيكون فيه معىن اللني والضعف؛فجعل? هلم حق القيام‬
‫ويف هذا احلكم فروع‪:‬‬ ‫عليهن بذلك(‪.)1‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حكم تأديب الناشز ووسائله‪:‬‬ ‫السبب الثاين ‪ :‬كسيب‪ ،‬وهو مبا أنفقه وينفقه الرجل على امرأته من مهر ونفقة وتكاليف أخرى‬
‫دلت هذه اآلية على جواز تأديب املرأة الناشز يف قوله تعاىل ‪َ :‬والاليِت خَتَافُو َن‬ ‫ألزمه الشرع هبا(‪ ، )2‬فعن ابن عباس‪ ‬قال‪ :‬فضله عليها بنفقته وسعيه(‪ ، )3‬وفسر سفيان‪‬ومبا أنفقوا‬
‫وه َّن فَِإ ْن َأطَ ْعنَ ُك ْ?م فَال َتْبغُوا َعلَْي ِه َّن‬ ‫نُشوزه َّن فَعِظُوه َّن واهجروه َّن يِف الْم ِ‬
‫اض ِربُ ُ‬
‫ضاج ِع َو ْ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ ُُ ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫من أمواهلم‪ ‬مبا ساقوا من املهر (‪.)4‬‬
‫َسبِيالً ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلِيّاً َكبِرياً‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪ )34‬والنشوز هو‪ :‬معصيتها لزوجها‬ ‫ويلخص الطربي معىن اآلية فيقول ‪ ":‬فتأويل الكالم إذاً أن الرجال قوامون على نسائهم بتفضيل‬
‫فيما له عليها مما أوجبه له النكاح(‪.)9‬‬ ‫اهلل إياهم عليهن‪ ،‬وبإنفاقهم عليهن من أمواهلم"(‪.)5‬‬
‫فللزوج حق تأديب زوجته إذا قصرت يف أداء احلق عليها‪ ،‬أو إذا قصرت يف أداء حقوقه اليت‬ ‫احلكم الثاين‪ :‬وجوب طاعة املرأة زوجها‪.‬‬
‫أوجبها الشرع عليها وحق اهلل عليها‪ ،‬هو فعل ما أمرها به وترك ما هناها عنه(‪. )10‬‬ ‫إن القوامية للرجل ال تستقيم كاملة مامل تكن املرأة مطيعة لزوجها بل إن الطاعة من لوازم‬
‫وقد ذكرت اآلية وسائل التأديب الشرعي وهي ‪- :‬‬ ‫القوامية‪،‬قال القرطيب عند تفسري هذه اآلية ‪ ":‬وأن عليها طاعته وقبول أمره ما مل تكن معصية"(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬اهلجر يف املضاجع‪.‬‬ ‫‪ -1‬الوعظ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ :‬فالصاحلات قانتات حافظات للغيب?‪ ‬خرب"مقصوده? األمر بطاعة الزوج‪ ،‬والقيام‬
‫‪ -3‬الضرب‪.‬‬ ‫حبقه يف ماله ويف نفسها يف حال غيبة الزوج"(‪.)7‬‬
‫أوالً ‪ :‬الوعظ ‪-:‬‬ ‫و دلت السنة –أيضاً‪ -‬على ما دل عليه القرآن هنا‪ ،‬فعن أيب هريرة‪ ‬قال‪:‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫قال ابن عباس ‪":‬فعظوهن‪ ‬يعين‪:‬عظوهن بكتاب اهلل‪ ،‬أمره اهلل إذا نشزت أن يعظها ويذكرها‬ ‫عليه وسلم‪":‬خري النساء اليت إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرهتا أطاعتك‪ ،‬وإذا غبت عنها حفظتك‬
‫اهلل ويعظم حقه عليها"(‪.)11‬‬ ‫يف نفسها ومالك‪ ،‬قال‪ :‬وتال هذه اآلية‪‬الرجال قوامون على النساء‪ ‬إىل آخر اآلية"(‪.)8‬‬
‫وقال القرطيب‪":‬فعظوهن‪ ‬أي‪ :‬بكتاب اهلل‪ ،‬وذكروهن ما أوجب اهلل عليهن من حسن الصحبة‪،‬‬
‫‪ )?(1‬ينظر اجلامع ألحكام القرآن (‪ ، )5/169‬املنار (‪)5/56‬‬
‫ومجيل العشرة للزوج‪ ،‬واالعرتاف بالدرجة اليت له عليها"(‪.)12‬‬ ‫‪)?(2‬ينظر تفسري ابن كثري (‪ )1/492‬واملنار (‪ )5/56‬واملفصل (‪)7/277‬‬
‫‪)?(3‬جامع البيان (‪)5/59‬‬
‫‪ )?(4‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪ )?(5‬املصدر السابق‬
‫‪ )?(9‬املغين (‪)8/189‬‬ ‫‪ )?(6‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/169‬‬
‫‪ )?(10‬املفصل (‪)7/309‬‬ ‫‪ )?(7‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/169‬‬
‫‪)?(11‬جامع البيان (‪)5/62‬‬ ‫‪ )?(8‬مسند الطيالسي (‪ )1/306‬والفردوس مبأثور اخلطاب أليب شجاع الديلمي (‪ )2/181‬حتقيق ‪:‬السعيد بسيوين‪،‬‬
‫‪)?(12‬اجلامع ألحكام القرآن (‪ )5/171‬وينظر املغين (‪)7/242‬‬ ‫دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪،‬ط‪1986 ،1‬م‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫والذي يظهر أن املراد اهلجر يف املضجع نفسه‪ ،‬وهو الفراش أي هجرها يف النوم بأن يوليها‬ ‫وجيب أن يكون الوعظ باليت هي أحسن‪ ،‬هيناً لينا خالياً من التعنيف والشدة‪ ،‬وأن يشعر زوجته‬
‫ظهره‪،‬وال جيامعها‪،‬وال يكلمها إال بقدر قليل جداً حىت ال يضطر إىل كالمها بعد ثالثة أيام‪ ،‬ألنه ال‬ ‫أنه يريد اخلري هلا‪ ،‬ويقيها الضرر بسبب تقصريها فيما أوجبه اهلل عليها(‪. )13‬‬
‫جيوز هجر كالمها أكثر من ذلك(‪،)7‬كما جاء يف السنة عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال‬ ‫ثانيا اهلجر يف املضاجع ‪-:‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪ ":‬ال حيل ملسلم أن يهجر أخاه فوق ثالث"(‪.)8‬‬ ‫وه َّن يِف‬
‫إن مل ينفع الوعظ حتول الزوج إىل الوسيلة الثانية‪ ،‬وهي اهلجر يف املضاجع ‪َ ‬و ْاه ُج ُر ُ‬
‫ثالثا الضرب ‪-:‬‬ ‫الْمض ِ‬
‫اج ِع‪ ‬وللمفسرين? أقوال يف املراد باهلجر وهي‪-:‬‬ ‫َ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫الضرب هو الوسيلة الثالثة إذا مل ينفع مع الزوجة وعظها وهجرها يف املضجع قال تعاىل‪:‬‬ ‫‪ .1‬هو أن يضاجعها ويوليها ظهره‪ ،‬وال جيامعها‪،‬روي هذا عن ابن عباس وغريه ‪.‬‬
‫‪‬واضربوهن‪ ‬والضرب يف هذه اآلية هو الضرب غري املربح وهو الذي الجيرح‪ ،‬وال يكسر عظماً‪،‬‬ ‫‪ .2‬القبيح من الكالم‪ ،‬أي‪:‬غلظوا عليهن يف القول‪ ،‬وضاجعوهن للجماع وغريه قال معناه‬
‫وال يشني جارحة‪ ،‬كاللكزة وحنوها‪،‬فإن املقصود منه الصالح(‪. )9‬‬ ‫سفيان‪ ،‬وروى عن ابن عباس‪.‬‬
‫وهذا كما ثبت يف صحيح مسلم عن جابر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال يف حجة‬ ‫‪ .3‬شدوهن وثاقاً يف بيوهتن من قوهلم‪:‬هجر البعري‪،‬أي ربطه باهلجار‪،‬وهو حبل يشد به‬
‫الوداع‪":‬واتقوا اهلل يف النساء؛ فإهنن عندكم عوان ولكم عليهن أن ال يوطئن فراشكم أحداً‬ ‫البعري‪،‬وهو اختيار الطربي(‪،)3‬وقدح يف سائر األقوال ونظر القرطيب يف كالمه(‪ ،)4‬ورد عليه القاضي‬
‫تكرهونه‪ ،‬فإن فعلن فاضربوهن غري مربح"‪.‬‬ ‫أبو بكر بن العريب يف أحكامه‪ ،‬وقال‪ :‬ياهلا من هفوة من عامل بالقرآن والسنة(‪.)5‬‬
‫قال النووي‪":‬وأما الضرب املربح فهو‪:‬الضرب الشديد الشاق‪ ،‬ومعناه‪ :‬اضربوهن ضرباً ليس‬ ‫‪ .4‬أن ال جيامعها ويضاجعها على فراشها‪ ،‬ويوليها ظهره‪ ،‬وال يكلمها مع ذلك وال حيدثها‪،‬‬
‫بشديد وال شاق‪ ،‬والربح املشقة"(‪.)10‬‬ ‫روي هذا عن السدي ‪.‬‬
‫وضبطه بعضهم? بأنه "ما يعظم أمله بأن خيشى منه مبيح تيمم"(‪. )11‬‬ ‫‪ .5‬اهجروا حجرهن‪.‬‬
‫(‪) 6‬‬
‫إذن املقصود من الضرب هنا هو الضرب غري املربح ‪ ،‬ومثل له بعض العلماء بالضرب بالسواك أو‬ ‫‪ .6‬ترك الدخول عليهن واإلقامة عندهن ‪.‬‬
‫القصبة الصغرية واملنديل امللفوف وحنوها(‪.)12‬‬
‫‪)?(13‬ينظر املفصل (‪)7/313‬‬
‫‪ )?(7‬ينظر مفاتيح الغيب(‪)10/93‬‬ ‫‪)?(2‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/171‬‬
‫‪ )?(8‬البخاري (‪ )5/2253‬ومسلم (‪ )4/1993‬وينظر املنار (‪ )5/60‬واملفصل (‪)7/315‬‬ ‫‪)?(3‬ينظر جامع البيان (‪)5/63‬‬
‫‪ )?(9‬ينظر اجلامع ألحكام القرآن (‪ )5/172‬وابن كثري (‪)1/493‬‬ ‫‪)?(4‬ينظر اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/171‬‬
‫‪ )?(10‬املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج ‪ ،‬ليحي النووي (‪ )8/184‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪)?(5‬أحكام القرآن أليب بكر ابن العريب(‪ )1/532‬مراجعة وتعليق‪ :‬حممد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1392‬هـ‪.‬‬ ‫لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪ )?(11‬حواشي البجريمي على اإلقناع (‪)3/599‬‬ ‫‪ )?(6‬ينظر اجلامع ألحكام القرآن (‪ )5/171‬والطربي (‪ )5/66‬واملنار (‪ )5/60‬وابن كثري(?‪ )1/493‬وعون املعبود (‬
‫‪ )?(12‬ينظر املصدر السابق‪ ،‬وتفسري املنار (‪)5/60‬‬ ‫‪)6/129‬‬
‫‪105‬‬
‫وللحافظ هنا كالم مجيل إذ يقول‪" :‬ويف قوله أن يضرب خياركم داللة على أن ضرهبن مباح يف‬ ‫فعن عطاء قال‪" :‬قلت البن عباس ما املربح؟ قال بالسواك وحنوه"(‪،)1‬وروي حنو هذا عن ابن عمر‬
‫اجلملة‪ ،‬وحمل ذلك أن يضرهبا تأديباً إذا رأى منها ما يكره فيما جيب عليها فيه طاعته‪ ،‬فإن اكتفى‬ ‫رضي اهلل عنهما(‪.)2‬‬
‫بالتهديد وحنوه كان أفضل‪ ،‬ومهما أمكن الوصول إىل الغرض باإليهام ال يعدل إىل الفعل؛ ملا يف‬ ‫ونقل الرازي عن بعضهم قوله‪":‬ينبغي أن يكون الضرب مبنديل ملفوف? بيده وال يضرهبا بالسياط‬
‫وقوع ذلك من النفرة املضادة حلسن املعاشرة املطلوبة يف الزوجية إال إذا كان يف أمر يتعلق مبعصية‬ ‫وال بالعصا " ‪.‬‬
‫اهلل"(‪.)8‬‬ ‫قال الرازي‪":‬وباجلملة? فالتخفيف مراعى يف هذا الباب على أبلغ الوجوه"(‪ ،)3‬ويظهر هبذا أن‬
‫وقال املناوي يف فيض القدير‪ ":‬أما األخيار فريون الالئق سلوك سبيل العفو واحللم والصرب عليهن‪،‬‬ ‫املقصود األول بالعقاب هو العقاب املعنوي ال احلسي‪،‬وإال ما الذي يفعله سواك أومنديل‪.‬‬
‫ومالينتهن باليت هي أحسن‪ ،‬واستجالب خواطرهن باإلحسان بقدر اإلمكان"(‪.)9‬‬ ‫لكن إذا خرج الضرب عن حده التأدييب‪ ،‬أو"أدى إىل اهلالك وجب الضمان"(‪.)4‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬ترتيب الوسائل‪-:‬‬ ‫هذا وقد ذهب بعض الفقهاء إىل أن الضرب ال يكون إال إذا تكرر النشوز وهو ما رجحه مجهور‬
‫هذه الوسائل الثالث السابقة مرتبة ترتيباً تصاعدياً فالذي"يدل عليه نص اآلية أنه تعاىل ابتدأ‬ ‫العراقيني من الشافعية وتبعهم الرافعي‪ ،‬والذي صححه النووي جواز الضرب وإن مل يتكرر النشوز‬
‫بالوعظ‪ ،‬مث ترقى منه إىل اهلجران يف املضاجع‪ ،‬مث ترقى منه إىل الضرب‪ ،‬وذلك تنبيه جيري جمرى‬ ‫لظاهر اآلية(‪.)5‬‬
‫التصريح يف أنه مهما حصل الغرض بالطريق األخص وجب االكتفاء به‪ ،‬ومل جيز اإلقدام على‬ ‫والضرب وإن كان مباحاً إال أن تركه أفضل‪ ،‬كما قال الشافعي(‪.)6‬‬
‫(‪)10‬‬
‫الطريق األشق"‬ ‫وجاء يف السنة عن أم كلثوم بنت أيب بكر قالت‪":‬مث كان الرجال هنوا عن ضرب النساء‪،‬مث‬
‫لكن قال الشوكاين‪":‬وظاهر النظم القرآين أنه جيوز للزوج أن يفعل مجيع هذه األمور عند خمافة‬ ‫شكوهن إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فخلى بينهم وبني ضرهبن‪.‬‬
‫النشوز"(‪.)11‬‬ ‫مث قلت‪ :‬لقد طاف الليلة بآل حممد صلى اهلل عليه وسلم سبعون امرأة كلهن قد ضربت قال‬
‫ويبدو أن الشوكاين فهم هذا من حرف العطف(و) الذي يدل على مطلق اجلمع كما هو مذهب‬ ‫القاسم‪ :‬مث قيل‪:‬هلم بعد ولن يضرب خياركم"(‪.)7‬‬
‫مجاهري النحاة‪ ،‬وال يدل على الرتتيب كما ذهب إليه قلة من النحاة(‪ )12‬وعزي إىل الشافعي‪ ،‬والذي‬

‫‪)?(1‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/173‬‬


‫‪)?(8‬فتح الباري (‪)9/304‬‬ ‫‪ )?(2‬ينظر اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/173‬‬
‫‪)?(9‬فيض القدير (‪)1/534‬‬ ‫‪ )?(3‬مفاتيح الغيب (‪)10/93‬‬
‫‪ )?(10‬مفاتيح الغيب (‪)10/93‬‬ ‫‪)?(4‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/172‬‬
‫‪ )?(11‬فتح القدير (‪)1/532‬‬ ‫‪ )?(5‬اإلقناع للشربيين (‪)3/599‬‬
‫‪ )?(12‬ينظر مغين اللبيب البن هشام األنصاري (‪ )2/408‬حتقيق‪ :‬حممد عبد احلميد‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪)?(6‬ينظر مفاتيح الغيب للفخر الرازي (‪ )10/90‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪1990-‬م‪.‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬ ‫‪)?(7‬أخرجه البيهقي يف السنن الكربى (‪ )7/304‬واحلاكم (‪ )2/208‬ومصنف ابن أيب شيبة (‪)5/223‬‬
‫‪106‬‬
‫أما القول بأن فيه إهداراً آلدميتها‪ ،‬فنقول هل يف عقاب املخطيء إهدار آلدميته‪ ،‬إن املسالة‬ ‫يظهر‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن ترتيب هذه الوسائل يالحظ من قوهتا حبيث ترى الثانية أوى من األوىل‪،‬‬
‫واضحة وضوح الشمس يف رابعة النهار‪.‬‬ ‫والثالثة أقوى من الثانية وحرف العطف(و) هنا ال يضاد هذا كما أنه ال يؤيد ما قاله الشوكاين‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم هنا أن النساء خيتلفن نفسياً من حيث تقبل التأديب بالضرب‪ ،‬فهناك من ال‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬التأديب والبغي‪-:‬‬
‫ييفيدها ذلك بل قد يزيدها عتواً‪ ،‬وذكرت أنه ال جيوز استعمال الضرب مع هذه‪.‬‬ ‫مما يعنينا هنا سؤال مهم وهو‪ :‬أن وسائل التأديب هذه هل تتناىف مع البغي؟‬
‫ومنهن من ال ينفع معها إال هذه الوسيلة‪ ،‬بل من النساء من ال حتس برجولة الرجل وتسلم له‬ ‫واجلواب عليه‪ :‬أن اإلسالم جاء ليصلح اجملتمع برمته ويصلح نواته وجعل لذلك سبالً وطرقاً عدة‬
‫(‪) 2‬‬
‫زمامها وتنقاد له إال إذا قهرها عضلياً‬ ‫إذ إنه يريد الصالح لإلسرة واجملتمع ‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫يقول ابن العريب‪ ":‬ومن النساء بل من الرجال من ال يقيمه إال األدب " وهذا أمر ال ينكره‬ ‫وكان من تلك الوسائل الضرب ومعلوم أن الضرب عقاب تعزيري وال يكون العقاب إال على‬
‫العامي بله من يدعي التطور والثقافة‪.‬‬ ‫خطأ‪ ،‬وهذا خبالف البغي‪ ،‬الذي يعين جماوزة احلد فبني العقاب وجماوزة احلد بون شاسع ‪.‬‬
‫يل ِم ْن َح ِكي ٍم‬ ‫ِ‬
‫الرحيم‪(‬فصلت‪)2:‬و‪َ‬تْنز ٌ‬
‫إن هذا احلكم جاء يف القرآن الذي هو‪َ‬تْن ِزيل ِم َن الرَّمْح َ ِن َّ ِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫لقد شرع العقاب لكي يستقيم حال املعاقب‪ ،‬ويقر خبطئه‪ ،‬ويرتكه فهو إذن يف صاحل املعاقب‪.‬‬
‫يد‪(‬فصلت‪ :‬من اآلية‪ )42‬فالذي قرر هذا احلكم هو من يعلم دخائل النفوس ودغائلها‪ ،‬ويعلم ما‬ ‫مَحِ ٍ‬ ‫وهنى اهلل عن البغي‪ ،‬الذي هو حمض ظلم على اآلخر دون موجب‪.‬‬
‫يصلحها وما يفسدها وكل قول بعد قوله مردود‪.‬‬ ‫ومن هنا يتبني أن الضرب جيب أال جياوز حدوده التعزيريه املنصوص عليها‪ ،‬وبينها العلماء ذلك‬
‫ومع هذا ميكن أن نقول‪ :‬يجوز لوالة األمور إذا علموا أن األزواج ال حيسنون وضع العقوبات‬ ‫أن الغرض األول واألخري هو اإلصالح ال جمرد العقاب‪ ،‬وهلذا ال بد أن يغلب على الزوج أن‬
‫الشرعية مواضعها وال الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة ويعلنوا‬ ‫الضرب سيؤدي إىل نتيجة مرضية أما إذا غلب على ظنه العكس فال جيوز له ذلك ٍ‬
‫حينئذ ‪.‬‬
‫هلم أن من ضرب امرأته عوقب كيال يتفاقم أمر اإلضرار بني األزواج ال سيما عند ضعف الوازع‪.4‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬شبهة وردها‪-:‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬البغي على الزوجة‪:‬‬ ‫هذا احلكم الذي جاء به القرآن حاول بعض املتأثرين بالغرب أن ينتقدوه ويردوه أو يوءولوه‬
‫هنى اهلل عز وجل يف هذه اآلية األزواج عن البغي على زوجاهتم‪ ،‬قال تعاىل ‪ :‬فَِإ ْن َأطَ ْعنَ ُك ْ?م فَال‬ ‫حبجة مصادمته للتطور‪ ?،‬وأن فيه إهداراً آلدمية املرأة‪.‬‬
‫َتْبغُوا َعلَْي ِه َّن َسبِيالً ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلِيّاً َكبِرياً‪(‬النساء‪ :‬من اآلية‪.)34‬‬ ‫واجلواب على هذه الرتهة ليس باألمر العسري ذلك "أن مشروعية ضرب النساء ليس باألمر‬
‫وقد اختلف املفسرون? يف تفسري البغي على أقوال متقاربة هي ‪-:‬‬ ‫املستنكر يف العقل أو يف الفطرة‪ ،‬فيحتاج إىل التأويل‪ ،‬فهو أمر حيتاج غليه يف حال فساد البيئة‪ ،‬وغلبة‬
‫األخالق الفاسدة‪ ،‬وإمنا يباح إذا رأى الرجل أن رجوع املرأة عن نشوزها يتوقف عليه‪ ،‬وإذا‬
‫صلحت البيئة وصار النساء يفعلن بالنصيحة ويستجنب للوعظ‪ ،‬أو يزجرن باهلجر‪ ،‬فيجب االستغناء‬
‫عن الضرب"(‪.)1‬‬
‫‪ )?(2‬ينظر يف ظالل القرآن الكرمي لسيد قطب(‪ )2/654‬دار الشروق‪ ،‬ط‪1410 ،16‬هـ‪1990-‬م‪.‬‬
‫‪ )?(3‬أحكام القرآن البن العريب (‪)1/536‬‬
‫‪ 4‬التحرير والتنوير ‪1/945‬‬ ‫‪ )?(1‬تفسرياملنار (‪)5/61‬‬
‫‪107‬‬
‫وقيل املقصود منه حث األزواج وبعثهم على قبول توبة النساء واملعىن أنه تعاىل مع علوه وبريائه‬ ‫‪ .1‬إذا أطاعت املرأة زوجها يف مجيع ما يريده منها مما أباحه اهلل له منها فال سبيل له عليها بعد‬
‫ال يؤاخذ العاصي إذا تاب بل يغفر له فإذا تابت املرأة عن نشوزها فأنتم أوىل بأن تقبلوا توبتها‬ ‫ذلك‪ ،‬وليس له ضرهبا وال هجراهنا(‪.)5‬‬
‫وتركوا معاقبتها‪.9‬‬ ‫قال القرطيب ‪ ":‬أي ال جتنوا عليهن بقول أو فعل‪ ،‬وهذا هنى عن ظلمهن"(‪.)2‬‬
‫قال البيضاوي‪" :‬التوبيخ واإليذاء واملعىن فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن‬
‫معالجة‪ 3‬الشقاق بين الزوجين‬ ‫كأن مل يكن فإن التائب من الذنب كمن ال ذنب له"(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ‬وِإ ْن خ ْفتُ ْم ش َقا َق َب ْينِ ِه َما فَ ْاب َعثُواْ َح َكماً ِّم ْن َْأهله َو َح َكماً ِّم ْن َْأهل َها ِإن يُ ِري َدا ِإ ْ‬
‫صالَحاً ُي َوفِّ ِق‬ ‫‪ .2‬ال تكلفوهن احلب لكم فإنه ليس إليهن(‪ ،)4‬قال سفيان ‪":‬إذا فعلت? ذلك ال يكلفها أن حتبه‬
‫اللّهُ َب ْيَن ُه َما ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلِيماً َخبِيراً{‪}35‬‬ ‫ألن قلبها ليس يف يديها"(‪.)5‬‬
‫املراد باخلوف هنا العلم‪ ،‬والشقاق هو اخلالف والعداوة‪ ،‬فكأن كل واحد من الزوجني يأخذ‬ ‫‪ .3‬فال تطلبوا طريقاً إىل أذاهن ومكروههن‪ ،‬وال تلتمسوا سبيالً إىل ما ال حيل لكم من أبداهنن‬
‫شقا غري شق صاحبه أي ناحية غري ناحية صاحبه‪.‬‬ ‫وأمواهلن بالعلل‪ ،‬وذلك أن يقول أحدكم إلحداهن‪-‬وهي له مطيعة‪:-‬إنك لست حتبيين‪ ،‬وأنت يل‬
‫بيان األحكام‪:‬‬ ‫مبغضة؛ فيضرهبا على ذلك‪ ،‬أو يؤذيها فقال اهلل تعاىل للرجال‪:‬فإن أطعنكم‪ ‬أي‪:‬على بغضهن‬
‫احلكم األول‪ :‬ملن اخلطاب؟‬ ‫لكم؛ فال جتنوا عليهن وال تكلفوهن حمبتكم‪ ،‬فإن ذلك ليس بأيديهن‪ ،‬فتضربوهن أو تؤذوهن‬
‫ذهب اجلمهور إىل أن املخاطب هنا هم احلكام‪ ،‬ألنه سبحانه ملا ذكر نشوز املرأة وأن للزوج أن‬ ‫عليه(‪.)6‬‬
‫يعظها ويهجرها يف املضجع ويضرهبا بني أنه مل يبق بعد الضرب إال احملاكمة‪.10‬‬ ‫وختم سبحانه اآلية بقوله‪:‬إن اهلل كان علياً كبريا‪ " ‬هتديداً للرجال إذا بغوا على النساء بغري‬
‫ففي اآلية أمر للحكام? عند العلم بالشقاق بينهما وأشكال الظامل منهما بأن يبعثوا حكما من أهله‬ ‫سبب‪ ،‬فإن اهلل العلي الكبري وليهن‪ ،‬وهو منتقم ممن ظلمهن? وبغى عليهن"(‪ )7‬وفيها "إشارة إىل‬
‫‪11‬‬
‫وحكما من أهلها ليطلعا على باطن أحواهلما وحقيقة أمرمها فيحكما بينهما‬ ‫األزواج خبفض اجلناح ولني اجلانب"(‪.)8‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬اشرتاط كون احلكمني من أهل الزوجني‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف هذه املسألة على قولني ‪:‬‬
‫‪ )?(5‬تفسري ابن كثري (‪)1/493‬‬
‫‪ )?(2‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/173‬‬
‫‪ )?(3‬تفسري البيضاوي (‪)2/185‬‬
‫‪ )?(4‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/173‬‬
‫‪ )?(5‬جامع البيان (‪)5/70‬‬
‫‪ 9‬السايس ‪1/460‬‬ ‫‪ )?(6‬املصدر السابق‬
‫‪ 10‬السايس ‪1/461‬‬ ‫‪ )?(7‬تفسري ابن كثري (‪)1/493‬‬
‫‪ 11‬املوزعي ‪1/621‬‬ ‫‪ )?(8‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/173‬‬
‫‪108‬‬
‫القول األول‪ :‬هلما أن يلزما الزوجني دون إذهنما ما يريان فيه املصلحة مثل أن يطلق الرجل أو‬ ‫القول األول‪ :‬اشرتاط كون احلكمني من أهل الزوج والزوجة‪ ،‬ويكونان من أهل العدالة وحسن‬
‫تفتدي املرأة بشيء من ماهلا فهما عندهم حاكم موليان من قبل اإلمام‪ ،‬وبه قال مالك‪.‬‬ ‫النظر والبصر بالفقه فإن مل يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فريسل من غريمها عدلني عاملني‪ 1‬وهذا‬
‫القول الثاين‪ :‬أن املقصود من بعث الحكمني اإلصالح بني الزوجني وتعيني وسائل الزجر للظامل‬ ‫مذهب املالكية‪.‬‬
‫منهما كقطع النفقة عن املرأة مدة حىت يصلح حاهلا وليس للحكمني أن يفرقا إال برضا الزوجني فهما‬ ‫وحجتهم التقييد الوارد يف اآلية‪ ،‬وأهنما أقعد بأحوال الزوجني‪.‬‬
‫عندهم وكيالن للزوجني‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪ ،‬وللشافعي قوالن كاملذهبني‪.3‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يشرتط ذلك‪ ،‬ومحلوا التقييد يف اآلية على االستحباب‪ ،‬وانه إذا بعث القاضي‬
‫وليس يف اآلية ما يرجح أحد الرأيني على اآلخر بل فيها ما يشهد لكل من الرأيني‪:‬‬ ‫حكمني من األجانب جاز‪ ،‬وقالوا إمنا خص األهل ألهنم أطلب للصالح وأعرف بباطن احلال‬
‫فالشهادة للرأي األول أن اهلل تعاىل مسى كال منهما حكما واحلكم هو احلاكم وإذا جعلهما اهلل‬ ‫وتسكن إليهم النفس فيطلعون? على ما يف ضمري كل من حب وبغض وإرادة وصحبة أو فرقة‪ ،‬وهذا‬
‫حاكمني فقد مكنهما من احلكم‪.‬‬ ‫قول اجلمهور‪.‬‬
‫والشهادة للرأي الثاين أنه تعاىل مل يضف إليهما إال اإلصالح وهذا يقتضي أ يكون ما وراء‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬بعث احلكمني‪:‬‬
‫اإلصالح غري مفوض إليهما‪.‬‬ ‫اآلية دالة على وجوب بعث احلكمني عند نزاع الزوجني النزاع املستمر املعرب عنه بالشقاق‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫وظاهرها أن الباعث هو احلاكم وويل األمر ال الزوجان ألن فعل ( ابعثوا ) مؤذن بتوجيههما إىل‬
‫الذي يظهر أن القول الثاين هو الراجح ملا يلي‪:‬‬ ‫الزوجني فلو كانا معينني من الزوجني ملا كان لفعل البعث معىن‪. 2‬‬
‫‪ -1‬أنه ال خالف أن الزوج لو أقر قبل التحكيم باإلساءة إليها مل جيربها احلاكم على‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬بعث احلكمني يف غري ديار اإلسالم‪:‬‬
‫الطالق‪ ،‬وأن الزوجة لو أقرت كذلك قبل التحكيم باإلساءة إليها مل جيربها احلاكم على‬ ‫قلنا بأن من يأمر ببعث احلكمني هو ويل األمر‪ ،‬وهذا ظاهر يف ديار اإلسالم ولكن املشكلة تقع يف‬
‫االفتداء‪ ،‬فإذا كان ذلك حكمهما قبل بعث احلكمني فكذلك يكون احلكم بعد بعثهما‪.‬‬ ‫غري ديار اإلسالم‪ ،‬والذي يتجه هنا أن يعمل املسلمون على إنشاء هيئة تعمل على إدارة شؤوهنم‬
‫‪ -2‬ال جيوز إيقاع الطالق من غري رضا الزوج وتوكيله وال إخراج عن ملكها من‬ ‫يرجعون إليها يف قضاياهم ومشكالهتم‪ ،‬وقراراهتا ملزمة‪ ،‬كما تكون معرتفا هبا رمسيا‪ ،‬وحينئذ يصح‬
‫غري رضاها‪.4‬‬ ‫أن يكون اخلطاب موجها إليها‪.‬‬
‫واألوفق جعل الضمري األول يف قوله تعاىل‪ :‬إن يريدا إصالحا‪ ‬للحكمني لأهنما املسوق هلما‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬ما يليه احلكمان‪:‬‬
‫الكالم‪ ،‬والثاين ‪‬يوفق اهلل بينهما‪ ‬للزوجني‪ ،‬أي إن يقصد احلكمان إصالح ذات البني بنية صحيحة‬ ‫اختلف العلماء فيما يليه احلكمان‪ :‬أيليان اجلمع والتفريق دون إذن الزوجني لكوهنما منصوبان من‬
‫جهة احلاكم فيحكمان وإن مل يرض الزوجان‪ ،‬أم ليس هلما تنفيذ أمر يلزم الزوجني دون إذن منهما‬
‫ألهنما وكيالن من جهتهما؟ قوالن‪:‬‬

‫‪ 3‬انظر أحكام القرآن للشافعي ‪ ،212‬واملهذب‪2/486‬‬ ‫‪ 1‬القرطيب ‪5/167‬‬


‫‪ 4‬السايس ‪1/462‬‬ ‫‪ 2‬التحرير والتنوير‪1/945‬‬
‫‪109‬‬
‫وعلى القول الثاين تكون اآلية نصا يف احلرمة إال يف حالة العبور فيجوز له دون أن ميكث‪.‬‬ ‫مع إخالص النصيحة لوجه اهلل تعاىل‪ ،‬إن يقصدا ذلك يوفق اهلل بني الزوجني باأللفة واحملبة ويلقي يف‬
‫هذا ورخصت? طائفة يف دخول اجلنب واملسجد واحتج بعضهم بقول النيب ‪"‬املؤمن ليس بنجس"‬ ‫نفسيهما املوافقة وحسن العشرة‪.1‬‬
‫قال ابن املنذر ‪ :‬وبه نقول‪.‬‬ ‫وهذه اآلية أصل يف جواز التحكيم يف سائر احلقوق ومسألة التحكيم مذكورة يف الفقه‪.‬‬
‫وذهب أمحد إىل أن اللبث يف املسجد للجنب جائز إذا توضأ‪.‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬األسباب املبيحة للتيمم‪:‬‬
‫الصالَ َة َوَأنتُ ْم ُس َك َارى َحتَّى َت ْعلَ ُمواْ َما َت ُقولُو َن َوالَ ُجنُباً ِإالَّ‬
‫آمنُواْ الَ َت ْق َربُواْ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ذكرت اآلية بعض أسباب التيمم وهي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ين َ‬ ‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َأح ٌد ِّمن ُكم ِّمن الْغَآِئ ِط َْأو‬‫ضى‪َْ 3‬أو َعلَى َس َف ٍر َْأو َجاء َ‬ ‫َّى َتغْتَ ِسلُواْ َوِإن ُكنتُم َّم ْر َ‬
‫يل َحت َ‬‫َعابِ ِري َسبِ ٍ‬
‫‪ -1‬املرض‪ :‬فاملريض الذي خيشى على نفسه الضرر يباح له التيمم‪ ،‬ألنه يف حكم‬
‫الَمستم النِّساء َفلَم تَ ِج ُدواْ ماء َفتي َّممواْ ص ِعيداً طَيِّباً فَامسحواْ بِوج ِ‬
‫وه ُك ْم َوَأيْ ِدي ُك ْم ِإ َّن اللّهَ َكا َن‬
‫العادم للماء‪.‬‬ ‫َُْ ُُ‬ ‫َ ََ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُْ ُ َ‬
‫َع ُف ّواً غَ ُفوراً{‪}43‬‬
‫‪ -2‬السفر‪ :‬يباح التيمم يف السفر إذا انعدم املاء‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -3‬اجمليء من الغائط‪ :‬هو كناية عن احلدث‪.‬‬
‫احلكم األول‪ :‬ال تقربوا الصالة وأنت سكارى‪:‬‬
‫‪ -4‬مالمسة النساء‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف املراد بالصالة هنا على قولني‪:‬‬
‫بقي أنه ما الفائدة من ذكر السفر واملرض يف مجلة االسباب ما دام املسافر واملريض واملقيم‬
‫القول األول‪ :‬حقيقة الصالة‪ ،‬وهذا قول أيب حنيفة‪.‬‬
‫والصحيح كلهم على السواء ال يباح هلم التيمم إال عند فقد املاء؟‬
‫واستدل بقوله تعاىل‪ :‬حىت تعلموا ما تقولون‪ ‬فإنه يدل على أن املراد ال تقربوا نفس الصالة‪ ،‬إذ‬
‫أجاب املفسرون بأن املسافر ملا كان غالب حال عدم وجود املاء جاء ذكره كأنه فاقد املاء‪ ،‬وأما‬
‫املسجد ليس فيه قول مشروع مينع منه السكر‪.‬‬
‫املريض فاللفظ يشعر بأن املرض له دخل يف السببية‪.2‬‬
‫القول الثاين‪ :‬مواضع الصالة وهي املساجد‪ ،‬وأن الكالم على حذف مضاف وهو قول الشافعي‪.‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬أو المستم النساء‪:‬‬
‫ودليله أنا لو محلناه على الصالة مل يصح االستثناء يف قوله‪ :‬إال عابري سبيل‪‬وإذا قلنا إن املراد به‬
‫اختلف املفسرون? يف املراد باملالمسة هنا على قولني‪ :‬اجلس باليد وبه قال الشافعي‪ ،‬وقال أبو حنيفة‬
‫املسجد صح االستثناء‪.‬‬
‫هو‪ :‬اجلماع‪.‬‬
‫وفسر احلنفية ‪‬عابر السبيل‪ ‬بأن املراد به املسافر الذي ال جيد املاء فإنه يتيمم ويصلي‪.‬‬
‫وعليه اختلف الفقهاء يف كون ملس الرجل املرأة والعكس ناقض للوضوء أو ال أقوال‪:‬‬
‫ومثرة اخلالف بني القولني تظهر يف حكم دخول املسجد للجنب‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬التقاء البشرة بني اجلنسني ناقض للوضوء‪ ،‬وهو قول الشافعي‪.‬‬
‫فعلى القول األول ال يكون يف اآلية نص على احلرمة وإمنا ثبت احلرمة بالسنة املطهرة كحديث‪:‬‬
‫وحجته أن اللمس حقيقة يف مالقاة البشرتني جماز يف اجلماع واألصل محل الكالم على احلقيقة‪.‬‬
‫"فإين ال أحل املسجد جلنب وال حائض"‪.‬‬

‫‪ 2‬السايس ‪1/470‬‬ ‫‪ 1‬السابق‪ ،‬والتحرير والتنوير‪.1/946‬‬


‫‪110‬‬
‫‪ -4‬أن اجملاز إذا كثر استعماله كان أدل على اجملاز منه على احلقيقة كاحلال يف اسم‬ ‫القول الثاين‪ :‬التقاء بشريت اجلنسني غري ناقض للوضوء‪ ،‬إال أن يطأها دون الفرج فينتشر وهو قول‬
‫الغائط الذي هو أدل على احلدث الذي هو فيه جماز منه على املطمئن من األرض الذي هو‬ ‫أيب حنيفة‪.‬‬
‫فيه حقيقة‪.4‬‬ ‫‪1‬‬
‫وحجته‪ :‬ما صح عن عائشة أن النيب‪ ‬قبل امرأة من نسائه وخرج إىل الصالة ومل يتوضأ ‪.‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬معىن الصعيد الطيب‪:‬‬ ‫ومحل اللمس على اجلماع بدليل أن املس أريد به اجلماع فكذلك اللمس‪ ،‬وألنه ذكره بلفظ‬
‫اختلف أهل اللغة يف املراد بالصعيد? على أقوال‪:‬‬ ‫املفاعلة واملفاعلة ال تكون من أقل من اثنني‪.‬‬
‫‪ -1‬الرتاب‪.‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬ينقض اللمس بشهوة ولو من وراء حائل ال مينع اللذة‪ ،‬وإن كان بغري شهوة فال‬
‫‪ -2‬وجه األرض ترابا كان أم غريه‪.‬‬ ‫ينقض وهذا مذهب مالك‪.‬‬
‫‪ -3‬األرض امللساء اليت ال نبات فيها وال غراس‪.‬‬ ‫القول الرابع‪ :‬مس النساء لشهوة ينقض الوضوء وال ينقضه لغري شهوة‪ ،‬وهو مذهب احلنابلة‪.‬‬
‫وبناء على هذا االختالف اللغوي اختلف أهل العلم فيما جيزئ التيمم به‪:‬‬ ‫وعللوا قوهلم بأن اللمس ليس حيدث يف نفسه وإمنا نقض ألنه يفضي إىل خروج املذي أو املين‬
‫القول األول‪ :‬جزئ بوجه األرض كله ترابا كان أو رمال أو حجارة ‪ ،‬وبه قال احلنفية‪.‬‬ ‫فاعتربت احلالة اليت تفضي إىل احلدث فيها وهي حالة الشهوة‪.‬‬
‫وحجتهم ظاهر اآلية وأن الصعيد هو كل ما صعد على وجه األرض‪ ،‬ومحلوا قوله ‪‬طيبا‪ ‬على‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫الطاهر الذي ليس بنجس‪.‬‬ ‫القول بأن املراد باللمس هنا اجلماع هو الراجح ملا يلي‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال جيزئ التيمم إال بالرتاب فقط وبه قال الشافعي وأمحد‪.‬‬ ‫‪ -1‬ملا ثبت من تقبيل رسول اهلل‪ ‬لنسائه‪ ،‬دون إعادة الوضوء ففيه رد على من جعل‬
‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬ ‫اللمس ناقضا‪ ،‬وعلى من اشرتط اللذة إذ ليس فيه تفصيل‪ ،‬بل يف خمتصر خليل‪" :‬وقبلة بفم"‬
‫‪ -1‬أن اهلل أوجب كون الصعيد طيبا واألرض الطيبة هي اليت تنبت بدليل قوله تعاىل‪:‬‬ ‫أي أن القبلة ناقضة للوضوء سواء وجد اللذة أم ال وهذا احلديث ناقض هلذا القول‪.‬‬
‫‪‬والبلد الطيب خيرج نباته بإذن ربه‪ ‬فوجب يف اليت ال تنبت أال تكون طيبة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن اللمس وإن كانت داللته على املعنيني بالسواء أو قريبا من السواء إال أنه أظهر‬
‫‪ -2‬أن اآلية ‪-‬هنا‪ -‬مطلقة ومقيدة? يف سورة املائدة بكلمة ‪‬منه‪ ‬يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫يف اجلماع وإن كان جمازا‪ ،‬ألن اهلل تبارك وتعاىل قد كىن باملباشرة واملس عن اجلماع ومها‬
‫‪‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‪ ‬وكلمة منه تفيد التبعيض‪ ،‬وذلك يقتضي أن يصري‬ ‫يف معىن اللمس‪.2‬‬
‫على الوجه واأليدي شيء من الصعيد وال يكون ذلك إال يف الرتاب‪ 5‬فوجب أال يصح‬ ‫‪ -3‬أنه قد تعورف عند إضافة املس على النساء معىن اجلماع حىت كاد يكون ظاهرا‬
‫التيمم إال بالرتاب‪.‬‬ ‫فيه‪.3‬‬

‫‪ 1‬صحيح ابن ماجه ‪1/82‬‬


‫‪ 4‬بداية اجملتهد‪1/45‬‬ ‫‪ 2‬بداية اجملتهد ‪1/45‬‬
‫‪ 5‬املوزعي ‪ ،1/638‬وانظر الكشاف ‪1/256‬‬ ‫‪ 3‬اجلصاص‪4/5‬‬
‫‪111‬‬
‫يكفيك أن تقول بيديك هكذا مث ضرب بيديه األرض ضربة واحدة مث مسح الشمال على اليمني‬ ‫‪ -3‬روى حذيفة بن اليمان رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال ‪" :‬فضلنا على الناس‬
‫وظاهر كفيه ووجهه" متفق عليه‪.‬‬ ‫بثالث جعلت لنا األرض مسجدا وجعل تراهبا لنا طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫املالئكة"‪.1‬‬
‫القول الثالث هو الراجح ملا يلي‪:‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬
‫‪ -1‬أن األحاديث اليت فيها حكاية الضربتني كلها معلولة كما قال احلافظ يف‬ ‫القول الثاين هو الراجح لقوة أدلتهم خاصة حديث حذيفة‪.‬‬
‫التلخيص‪.‬‬ ‫احلكم اخلامس‪ :‬كيفية التيمم‪:‬‬
‫‪ -2‬عمال مبا صح من السنة وهو حديث عمار يف مسح الوجه والكفني وكونه‬ ‫يف قوله تعاىل‪ :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم‪ ‬بيان لكيفية التيمم وقد اختلف فيها فقهاء‬
‫بضربة واحدة‪.‬‬ ‫األمصار‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬التيمم ضربتان ضربة للوجه ميسحه هبا وضربة لليدين ميسحهما هبا إىل املرفقني‪،‬‬
‫وهذا مذهب احلنفية والشافعية‪.‬‬
‫طاعة ولي األمر‬
‫وحجتهم ما يلي‪:‬‬
‫اَألم ِر ِمن ُك ْم فَِإ ن َتنَ َاز ْعتُ ْم فِي َش ْي ٍء‬ ‫الرس َ ِ‬
‫ول َو ُْأولي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُواْ َأطيعُواْ اللّهَ َوَأطيعُواْ َّ ُ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬ ‫‪ .1‬عن بن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬يف التيمم ضربتني ضربة للوجه‬
‫َأح َس ُن تَْأ ِويالً‪‬النساء‬ ‫ول ِإن ُكنتم تُْؤ ِمنو َن بِالل ِّه والْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر َذلِ َ‬ ‫َف ُردُّوهُ ِإلَى الل ِّه َو َّ‬
‫الر ُس ِ‬
‫ك َخ ْي ٌر َو ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫وضربة لليدين إىل املرفقني‪2‬وهلم أحاديث أخر‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ .2‬وكون التيمم بدال عن الوضوء فيأخذ البدل حكم املبدل‪.‬‬
‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ .3‬جاءت اآلية يف اليدين مطلقا بينما جاءت آية الوضوء مقيدة باملرفقني فحمل‬
‫احلكم األول‪ :‬حجية السنة‪:‬‬
‫املطلق على املقيد‬
‫دل قوله تعاىل‪ :‬وأطيعوا الرسول‪ ‬على حجية السنة ووجوب اتباعها‪ ،‬مبا يف ذلك خرب الواحد‬
‫القول الثاين‪ :‬التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إىل الكوعني ويندب إىل املرفق وبه قال‬
‫ألن النص مل يفرق بني آحاد ومتواتر‪ ،‬ومن املعلوم? أن معظم السنة آحاد وال يشكل املتواتر إال النزر‬
‫املالكية‪.‬‬
‫اليسري‪ ،‬فرد السنة مجلة أو اآلحاد هو رد للشرع والدين برمته‪ ،‬وهلذا جاء األمر اإلهلي بطاعته وكرر‬
‫القول الثالث‪ :‬التيمم ضربة واحدة للوجه والكفني وبه قال أمحد‪.‬‬
‫لفظ الطاعة مع رسوله‪.‬‬
‫وحجته حديث عمار قال ‪" :‬بعثين النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حاجة فأجنبت فلم أجد املاء‬
‫احلكم الثاين‪ :‬معىن أويل األمر وطاعتهم‪:‬‬
‫فتمرغت يف الصعيد كما مترغ الدابة مث أتيت النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ‪ :‬إمنا‬
‫أمر اهلل سبحانه وتعاىل عباده بطاعته وطاعة رسوله‪ ‬وأويل األمر واختلف يف املراد هبم على قولني‬
‫‪ 1‬مسلم ‪1/371‬‬
‫مشهورين‪?:‬‬
‫‪ 2‬الدارقطين‪1/181‬‬
‫‪112‬‬
‫مث هل العربة باملباح واملندوب املأمور به باعتقاد اآلمر فإذا أمر مبباح عنده سنة عند املأمور جيب‬ ‫‪ -1‬األمراء وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫امتثاله ظاهرا فقط أو املأمور فيجب باطنا أيضا وبالعكس فينعكس ذلك؟ كل حمتمل وظاهر إطالقهم‬ ‫‪ -2‬العلماء وبه قال مالك‪ ،‬استدالال بقوله تعاىل‪ :‬ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل‬
‫يف مسألة أمر اإلمام الناس بالصوم لالستسقاء الثاين ألهنم مل يفصلوا بني كون الصوم املأمور به هناك‬ ‫األمر منهم لعلمه? الذين يستنبطونه منهم‪.‬‬
‫مندوبا عند اآلمر أوال‪.3‬‬ ‫وأي األمرين كان فهو واجب إمجاعا‪ ،‬ومحله الكثري ‪-‬وليس ببعيد‪ -‬على ما يعم اجلميع لتناول‬
‫احلكم الرابع‪ :‬تضمن اآلية لألدلة الشرعية‪:‬‬ ‫االسم هلم ألن لألمراء تدبري أمر اجليش والقتال وللعلماء حفظ الشريعة وما جيوز وما ال جيوز‪ ،‬ولكن‬
‫استدل باآلية من أنكر القياس وذلك ألن اهلل تعاىل أوجب الرد إىل الكتاب والسنة دون القياس‬ ‫استشكل إرادة العلماء لقوله? تعاىل ‪ :‬فإن تنازعتم يف شئ‪ ‬فإن اخلطاب فيه عام للمؤمنني مطلقا‬
‫واحلق أن اآلية دليل على إثبات القياس بل هي متضمنة جلميع األدلة الشرعية فإن املراد بإطاعة اهلل‬ ‫والشيء خاص بأمر الدين بدليل ما بعده‪ ،‬واملعىن فإن تنازعتم أيها املؤمنون? أنتم وألوا األمر منكم يف‬
‫العمل بالكتاب وبإطاعة الرسول العمل بالسنة وبالرد إليهما القياس أن رد املختلف فيه الغري املعلوم?‬ ‫أمر من أمور الدين فردوه أي فراجعوا فيه إىل اهلل أي إىل كتابه والرسول أي إىل سنته‪ ،‬وال شك أن‬
‫من النص إىل املنصوص عليه إمنا يكون بالتمثيل والبناء عليه وليس القياس شيئا وراء ذلك وقد علم‬ ‫هذا إمنا يالئم محل أويل األمر على األمراء دون العلماء ألن للناس والعامة منازعة األمراء يف بعض‬
‫من قوله سبحانه ‪ :‬إن تنازعتم أنه عند عدم النزاع يعمل مبا اتفق عليه وهو اإلمجاع‪.4‬‬ ‫األمور وليس هلم منازعة العلماء إذ املراد هبم اجملتهدون والناس ممن سواهم ال ينازعوهنم يف‬
‫أحكامهم‪.1‬‬
‫وطاعة أويل األمر تكون فيما يأمرون به وينهون عنه ما مل تكن معصية فال طاعة ملخلوق يف‬
‫معصية اهلل كما ثبت ذلك عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.2‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬طاعة ويل األمر هل تشمل املباح؟‬
‫يف هذه املسألة خالف‪:‬‬
‫قيل‪ :‬إنه ال جيب طاعتهم فيه‪ ،‬ألنه ال جيوز ألحد أن حيرم ما حلله اهلل تعاىل وال أن حيلل ما حرمه‬
‫اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬جتب أيضا كما نص عليه احلصكفي وغريه وقال بعض حمققي الشافعية ‪ :‬جيب طاعة اإلمام‬
‫يف أمره وهنيه ما مل يأمر مبحرم ‪.‬‬
‫وقال بعضهم? ‪ :‬الذي يظهر أن ما أمر به مما ليس فيه مصلحة عامة ال جيب امتثاله إال ظاهرا فقط‬
‫خبالف ما فيه ذلك فإنه جيب باطنا أيضا وكذا يقال يف املباح الذي فيه ضرر للمأمور به ‪.‬‬

‫‪ 3‬روح املعاين‪5/66‬‬ ‫‪ 1‬روح املعاين ‪5/66‬‬


‫‪ 4‬روح املعاين ‪5/67‬‬ ‫‪ 2‬فتح القدير‪1/726‬‬
‫‪113‬‬
‫الثاين‪ :‬عيين‪ ،‬قاله أبو يوسف‪.‬‬ ‫وجوب تحرير األسرى‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ض َع ِفين ِمن ِّ ِ‬ ‫‪ ‬وما لَ ُكم الَ ُت َقاتِلُو َن فِي سبِ ِ ِ‬
‫والراجح قول اجلمهور ملا صح يف أيب داود عن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول‬ ‫ِّساء َوالْ ِولْ َدان الذ َ‬
‫ين‬ ‫الر َجال َوالن َ‬ ‫يل اللّه َوال ُْم ْستَ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫ِ‬
‫اج َعل لَّنَا من لَّ ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َعل لَّنَا من لَّ ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪" :‬جيزىء عن اجلماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم وجيزىء عن اجللوس أن يرد أحدهم"‪.2‬‬ ‫نك‬ ‫نك َوليّاً َو ْ‬ ‫َي ُقولُو َن َر َّبنَا َأ ْخ ِر ْجنَا م ْن َهـذه الْ َق ْريَة الظَّال ِم َْأهلُ َها َو ْ‬
‫احلكم الثاين‪ :‬صفة التحية‪:‬‬ ‫صيراً‪ ‬النساء‪75‬‬ ‫نَ ِ‬
‫أطلق اهلل سبحانه التحية هنا وقيدها يف موضع آخر فقال سبحانه‪ِَ :‬إ َذا َد َخ ْلتُم بُيُوتاً فَ َسلِّ ُموا َعلَى‬ ‫أوجب اهلل سبحانه يف هذه اآلية القتال الستنقاذ األسرى من يد العدو مع ما يف القتال من تلف‬
‫ند اللَّ ِه ُمبَ َار َكةً طَيِّبَةً‪ ‬فخرج من اإلطالق حتية العرب كقوهلم أطال اهلل بقاءك‬ ‫َأن ُف ِس ُكم حَتِ يَّةً ِّمن ِع ِ‬ ‫النفس فكان بذل املال يف فدائهم أوجب لكونه دون النفس وأهو منها‪ ،‬وقد قال مالك‪ :‬على الناس‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫وأسعد مساءك‪ ،‬وما أشبه ذلك فإنه ال جتب إجابته‪ ،‬بل قال بعض العلماء ال يستحق جوابا ‪.‬‬ ‫أن يفدوا األسارى جبميع أمواهلم ولذلك قالوا‪ :‬عليهم أن يواسوهم فإن املواساة دون املفاداة‪.1‬‬
‫احلكم الثالث‪ :‬صفة احمليي‪:‬‬ ‫رد التحية‬
‫أطلق اهلل سبحانه صفة احمليي وأوجب الرد عليه سواء كان صغريا أو كبريا ذكرا أو أنثى مسلما أو‬ ‫ُّوها ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِسيباً‪ ‬النساء‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫‪َ ‬وِإذَا ُحِّي ْيتُم بِتَحيَّة فَ َحيُّواْ بِ ْ‬
‫َأح َس َن م ْن َها َْأو ُرد َ‬
‫كافرا‪.‬‬ ‫‪86‬‬
‫أوال‪ :‬الصيب‪ :‬جيب الرد على سالمه إال ما نقل عن بعض الشافعية من ختريج وجه ضعيف أن ال‬ ‫أمر اهلل يف هذه اآلية برد التحية‪ ،‬ولكنهم اختلفوا يف معناها على أقوال‪:‬‬
‫جيب‪.‬‬ ‫‪ -1‬تشميت العاطس والرد على املشمت‪ ،‬وهو حمكي عن مالك‪.‬‬
‫وأما تسليم الكبري على الصغري فروى أشعث عن احلسن أنه كان ال يرى التسليم على الصبيان قال‬ ‫‪ -2‬اهلدية‪ ،‬وهو حمكي عن احلنفية‪ ،‬لقوله? تعاىل‪ :‬أو ردوها‪ ‬استدالال بأن السالم ال‬
‫‪ :‬ألن الرد فرض والصيب ال يلزمه الرد فال ينبغي أن يسلم عليهم وروي عن ابن سريين أنه كان يسلم‬ ‫ميكن رده خبالف اهلدية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫على الصبيان ولكن ال يسمعهم وقال أكثر العلماء ‪ :‬التسليم عليهم أفضل من تركه‬ ‫‪ -3‬السالم وبه قال اجلمهور‪ ،‬وهو الراجح‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬املرأة‪ :‬وهلا حاالت‪:‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا كان السالم من نسوة لنسوة وجب الرد‪.‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬حكم رد السالم‪:‬‬
‫‪ -2‬إن كان من امرأة لرجل فال خيلو األمر من حالتني‪:‬‬ ‫نقل القرطيب وغريه اإلمجاع على وجوب رد السالم لآلية‪ ،‬وملا ثبت يف السنة من كونه حقا من‬
‫فإن كانت زوجته أو حمرما له أو عجوز غري مشتهاة وجب الرد‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫حقوق املسلم‪.‬‬
‫ولكنهم اختلفوا يف صفة الوجوب على قولني‪:‬‬
‫األول‪ :‬كفائي وذهب إليه احلمهور‪.‬‬
‫‪ 2‬أبو داود‪ 2/775‬وصححه? األلباين‪.‬‬
‫‪ 3‬املوزعي ‪1/642‬‬
‫‪ 4‬القرطيب‪5/283‬‬ ‫ابن العريب ‪ ،1/583‬واملوزعي ‪1/640‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪114‬‬
‫رد األحسن أن يزيد فيقول ‪ :‬عليك السالم ورمحة اهلل ملن قال ‪ :‬سالم عليك فإن قال ‪ :‬سالم‬ ‫وإن كانت شابة فسالم أحدمها على اآلخر مكروه وال يستحق املسلم‬ ‫‪-‬‬
‫عليك ورمحة اهلل زدت يف ردك ‪ :‬وبركاته وهذا هو النهاية فال مزيد‪.‬‬ ‫منهما جوابا‪ ،‬بل اجلواب منها حرام ومنه مكروه‪ ،‬وسيأيت مزيد تفصيل يف سورة‬
‫والرد باملثل أن تقول ملن قال السالم عليك ‪ :‬عليك السالم إال أنه ينبغي أن يكون السالم كله‬ ‫النور بإذن اهلل‪.‬‬
‫بلفظ اجلماعة وإن كان املسلم عليه واحدا‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الكافر‪:‬‬
‫والسنة يف السالم واجلواب اجلهر وال تكفي اإلشارة باإلصبع والكف عند الشافعي وعند املالكية‬ ‫إذا سلم الكافر السالم الشرعي ففي وجوب الرد عليه وعدمه خالف‪:‬‬
‫تكفي إذا كان على بعد‪.3‬‬ ‫القول األول‪ :‬لا بأس بالرد عليه جمازاة له و لكن ال يزيد على قوله ‪ :‬و عليك ملا روي عن رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه و سلم أنه قال ‪ [ :‬إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإمنا يقول السام عليكم‬
‫فقولوا و عليكم ] وبه قال احلنفية‪.1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يندب الرد وبه قال املالكية‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬جيب الرد‪ ،‬ويقول‪ :‬وعليك فقط خلرب الصحيحني "إذا سلم عليكم أهل الكتاب‬
‫فقولوا وعليكم"‪.‬‬
‫وروى البخاري خرب إذا سلم عليكم اليهود فإمنا يقول أحدهم السام عليك فقولوا وعليك وبه‬
‫قال الشافعية ‪2‬واحلنابلة‪.‬‬

‫الرتجيح‪:‬‬
‫أن الذمي إذا سلم السالم املذكور عن يهود املدينة من قوهلم‪ :‬السام عليك‪ ،‬فيباح الرد ب‪:‬‬
‫وعليك واألمر الوارد يف احلديث للتعليم‪ ،‬ولتفطني الصحابة‪ ،‬وألن قوهلم ليس حتية حىت جيب الرد‬
‫عليها‪ ،‬وأما إذا سلم السالم الشرعي فيجب الرد لعموم اآلية‪.‬‬
‫احلكم الرابع‪ :‬صفة رد السالم‪:‬‬

‫‪ 1‬البدائع‪4/306‬‬
‫‪ 3‬القرطيب ‪5/283‬‬ ‫‪ 2‬مغين احملتاج‪4/211‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ -3‬شبه العمد ما تعمد ضربه بغري سالح من حجر أو عصا‪.‬‬ ‫عقوبة‪ 3‬القتل الخطأ‬
‫احلكم الثاين‪ :‬كفارة القتل اخلطأ‪:‬‬ ‫‪َ ‬و َما َكا َن لِ ُمْؤ ِم ٍن َأن َي ْقتُ َل ُمْؤ ِمناً ِإالَّ َخطَئاً َو َمن َقتَ َل ُمْؤ ِمناً َخطَئاً َفتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَ ٍ‪3‬ة َو ِديَةٌ‬
‫أوجب اهلل سبحانه يف القتل اخلطأ أمرين‪ :‬عتق رقبة مؤمنة‪ ،‬ودية مسلمة إىل أهله إال أن يتصدقوا‬ ‫ص َّدقُواْ فَِإ ن َكا َن ِمن َق ْوٍم َع ُد ٍّو لَّ ُك ْم َو ُه َو ْمْؤ ِم ٌن َفتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَ ٍة َوِإن‬ ‫ُّم َسلَّ َمةٌ‪ِ 3‬إلَى َْأهلِ ِه ِإالَّ َأن يَ َّ‬
‫هبا فال جتب‪.‬‬ ‫َكا َن ِمن َق ْوٍم َب ْينَ ُك ْم َو َب ْيَن ُه ْم ِّميثَا ٌق فَ ِديَةٌ ُّم َسلَّ َمةٌ ِإلَى َْأهلِ ِه َوتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَةً‪ 3‬فَ َمن لَّ ْم يَ ِج ْد‬
‫والدية تتحملها العاقلة كما دلت عليه السنة‪ ،‬ولكن الفقهاء اختلفوا يف حتديد العاقلة‪:‬‬ ‫ام َش ْه َريْ ِن ُمتَتَابِ َع ْي ِن َت ْوبَةً ِّم َن الل ِّه َو َكا َن اللّهُ َعلِيماً َح ِكيماً{‪}92‬‬ ‫فَصيَ ُ‬
‫ِ‬
‫فقال أبو حنيفة هم أهل ديوانه ‪.‬‬ ‫هذه الآية من أمهات األحكام ومعناها‪ :‬ما ينبغي ملؤمن أن يقتل مؤمنا إال خطأ فقوله‪ :‬وما كان‪‬‬
‫وقال اجلمهور هم قرابته من جهة أبيه وهم عصبته‪ ،‬وحجتهم أنه تعاقل الناس يف زمن النيب‪ ‬ويف‬ ‫ليس على النفي وإمنا هو على التحرمي والنهي‪ ،‬ولو كانت على النفي ملا وجد مؤمن قتل مؤمنا قط‬
‫زمن أيب بكر‪ ،‬ومل يكن هناك ديوان‪ ،‬وإمنا كان الديوان يف زمن عمر‪.‬‬ ‫ألن ما نفاه اهلل جيوز وجوده‪.1‬‬
‫وحتميل العاقلة الدية من باب املعاونة‪ ،‬وقد كان حتمل العاقلة الدية معروفا عند العرب ‪-‬بل ال زال‬
‫يف اليمن إىل اليوم‪ -‬وكانوا يعدونه من مكارم? األخالق فجاء اإلسالم وأقرهم على ذلك‪.‬‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫بقي أن أشري إىل أن األصم واخلوارج منعوا حتمل العاقلة الدية متمسكني باآلية‪ ،‬وال دليل هلم مع‬ ‫احلكم األول‪ :‬أنواع القتل‪:‬‬
‫قياس النص واإلمجاع واحلكمة يف ذلك أن دية املسلم كثرية ال يطيقها القاتل وحده إال نادرا‪ ،‬وال‬ ‫أوجب اهلل القصاص يف القتل يف آية البقرة ‪‬كتب عليكم القصاص يف القتلى‪ ‬وأوجب الدية‬
‫ميكن إهدار دم املقتول عند فقر القاتل فكانت على عاقلته حفظ الدماء‪.3‬‬ ‫والكفارة يف القتل اخلطأ يف اآلية اليت معنا فيعلم أن الذي وجب فيه القصاص هو القتل العمد ال‬
‫احلكم الثالث‪:‬مقدار? دية اخلطأ‪:‬‬ ‫اخلطأ‪ 2‬وقد رأى مالك يف بعض الروايات عنه أن القتل إما عمد وإما خطأ وال ثالث هلما‪ ،‬ألنه إما‬
‫أمجع أهل العلم على أن على أهل اإلبل مائة من اإلبل واجلمهور أهنا خممسة كما يف أثر ابن‬ ‫يقصد القتل فيكون عمدا أو ال يقصده فيكون خطأ‪.‬‬
‫مسعود? أنه قال ‪:‬‬ ‫أما سائر فقهاء األمصار فقد أثبتوا واسطة بني العمد واخلطأ وهو شبه العمد‪ ،‬وبياهنا كما‬
‫"دية اخلطأ مخسة أمخاس ‪ :‬عشرون حقه‪ ،‬وعشرون جذعة‪ ،‬وعشرون بنات خماض‪ ،‬وعشرون‬ ‫يلي‪:‬‬
‫بنات لبون‪ ،‬وعشرون بين لبون ذكور" قال الدارقطين ‪ :‬هذا إسناد حسن‪.‬‬ ‫‪ -1‬العمد‪ :‬أن يقصد قتله مبا يفضي إىل املوت غالبا كسيف‪.‬‬
‫واختلفوا فيما جيب على غري أهل اإلبل على أقوال‪:‬‬ ‫‪ -2‬اخلطأ وهو ضربان‪ :‬أحدمها‪ :‬أن يقصد رمي مشرك أو طائر فيصيب مسلما‪،‬‬
‫‪ .1‬قال مالك والشافعي يف القدمي‪ :‬على أهل الذهب ألف دينار ‪ ،‬وأما أهل الورق‬ ‫والثاين أن يظنه مشركا ألنه يف حيز أهل الشرك أو عليه لباسهم‪ ،‬فاألول خطأ يف الفعل‬
‫فاثنا عشر ألف درهم‪ ،‬وحجتهم ما جاء عن عمر أنه قوم الدية على أهل القرى فجعلها‬ ‫والثاين خطأ يف القصد‬
‫على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثين عشر ألف درهم‬
‫‪ 1‬القرطيب‪5/297‬‬
‫‪ 3‬املوزعي ‪1/656‬‬ ‫‪ 2‬السايس ‪1/492‬‬
‫‪116‬‬
‫وحجته أن ذلك أقل ما يف قيل يف ذلك والذمة برئة إال بيقني أو حجة‪.4‬‬ ‫‪ .2‬وقال الشافعي يف اجلديد‪ :‬ال تؤخذ من أهل الذهب وال من أهل الفضة إال قيمة‬
‫احلكم اخلامس‪ :‬عموم اجملين عليهم‪:‬‬ ‫اإلبل بالغة ما بلغت‪.‬‬
‫علق اهلل سبحانه هذه األحكام بقتل املؤمن وأطلقه فوقع على الذكر واألنثى والصغري والكبري‬ ‫‪ .3‬وقال أبو حنيفة وأصحابه و الثوري ‪ :‬الدية من الورق عشرة آالف درهم رواه‬
‫واحلر والعبد واحلكم كذلك بإمجاع املسلمني إال يف العبد‪ ،‬فقالت طائفة من الكوفيني جتب فيه الدية‬ ‫الشعيب عن عبيدة عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار‪ ،‬وعلى أهل الورق‬
‫لظاهر اآلية‪ ،‬وال تبلغ دية احلر‪ ،‬وقال الشافعي ومالك‪ :‬جتب فيه القيمة بالغة ما بلغت قياسا على‬ ‫عشرة آالف درهم‪ ،‬وعلى أهل البقرة مائيت بقرة‪ ،‬وعلى أهل الشاء ألف شاة‪ ،‬وعلى أهل‬
‫سائر األموال‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬جتب يف القيمة وال يزاد هبا على دية احلر‪.‬‬ ‫اإلبل مائة من اإلبل‪ ،‬وعلى أهل احللل مائيت حلة‬
‫احلكم السادس‪ :‬املؤمن الذي أهله كفار‪:‬‬ ‫ودية اخلطأ خمففة من ثالثة أوجه ‪ :‬كوهنا خممسة‪ ،‬وكوهنا على العاقلة‪ ،‬وكوهنا مؤجلة يف ثالث‬
‫هذه مسألة املؤمن الذي يقتله املسلمون? يف بالد الكفار الذين كان منهم مث أسلم ومل يهاجر وهم‬ ‫سنني‪.‬‬
‫يظنون أنه مل يسلم وأنه باق على دين قومه فهل فيه دية مع الكفارة‪:‬‬
‫القول األول‪:‬جتب الدية دون الكفارة‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة واحلنابلة‪.‬‬ ‫احلكم الرابع‪ :‬دية الذمي‪:‬‬
‫وحجتهم قول اهلل تعاىل ‪ :‬فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة‪ ‬ومل يذكر‬ ‫اختلف العلماء من هذا الباب يف تفصيل دية الذمي على أقوال‪:‬‬
‫دية وتركه ذكرها يف القسم مع ذكرها يف الذي قبله وبعده ظاهر يف أهنا غري واجبة‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬هي على النصف من دية املسلم ودية اجملوسي مثامنائة درهم ودية نسائهم على‬
‫القول الثاين‪ :‬جتب الدية والكفارة وهو قول مالك و الشافعي‪ ،‬وهي عند الشافعي لبيت املال‪.‬‬ ‫النصف من ذلك‪ ،‬وهو قول مالك وأمحد‪.1‬‬
‫وحجتهم ‪:‬‬ ‫ودليله ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪:‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم جعل دية‬
‫‪ -1‬عموم قول اهلل تعاىل ‪ :‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إىل‬ ‫اليهودي والنصراين على النصف من دية املسلم‪.2‬‬
‫أهله‪. ‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬مثل دية املسلم‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪.‬‬
‫‪ -2‬قال عليه السالم ‪ [ :‬أال أن يف قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا مائة من‬ ‫ودليله قوله تعاىل ‪ :‬فدية‪ ‬وذلك يقتضي الدية كاملة كدية املسلم‪.3‬‬
‫اإلبل ] ‪.‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬دية اليهودي والنصراين ثلث دية املسلم ودية اجملوسي ثلثا عشر دية املسلم‪ ،‬وهو‬
‫‪ -3‬أنه قتل مسلما خطأ فوجبت ديته كما لو كان يف دار اإلسالم‬ ‫قول الشافعي وروي هذا القول عن عمر وعثمان‬
‫واختلفوا يف وجه سقوط الدية على قولني‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أولياء القتيل كفار ال حق هلم يف الدية ‪.‬‬
‫‪ 1‬املغين‪9/528‬‬
‫‪ 2‬سنن الرتمذي‪ 4/25‬وحسنه‪ ،‬كما حسنه األلباين يف اإلرواء ‪7/307‬‬
‫كفاية األخيار‪602‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪ 3‬البدائع‪6/304‬‬
‫‪117‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ما تعمد ضربه بسالح أو ما أجري جمرى السالح كاحملدد من اخلشب وليطة‬ ‫‪ -2‬أن هذا الذي آمن ومل يهاجر حرمته قليلة لقول اهلل تعاىل‪ :‬والذين آمنوا ومل‬
‫القصب? واملروة احملددة والنار‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪.‬‬ ‫يهاجروا ما لكم من واليتهم من شيء‪‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إنه كل قتل من قاتل قاصد للفعل? حبديدة أو حبجر أو بعصى أو بغري ذلك‪ ،‬وقيده‬ ‫احلكم السابع ‪:‬قتل املعاهد خطأ‪:‬‬
‫بعض أهل العلم بأن يكون مبا يقتل مثله يف العادة‪ ،‬وهذا مذهب اجلمهور‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ :‬وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق‪ ‬هذا يف الذمي واملعاهد يقتل خطأ فتجب‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫الدية والكفارة قاله ابن عباس و الشعيب و النخعي و الشافعي واختاره الطربي قال ‪" :‬إال أن اهلل‬
‫الراجح ما ذهب إليه اجلمهور ألن املقصود بالقصاص صيانة الدماء من اإلهدار والقتل باملثقل‬ ‫سبحانه وتعاىل أهبمه ومل يقل‪ :‬وهو مؤمن كما قال يف القتيل من املؤمنني ومن أهل احلرب‪ ،‬وإطالقه‬
‫كالقتل باحملدد يف إتالف النفوس فلو مل جيب به القصاص كان ذلك ذريعة إىل إزهاق األرواح‬ ‫ما قيد قبل يدل على أنه خالفه"‪.1‬‬
‫واألدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص كتابا وسنة وردت مطلقة? غري مقيدة مبحدد أو غريه‪.2‬‬
‫احلكم الثاين‪ :‬القتل باإليدز‪:‬‬
‫يعترب مرض اإليدز مرضا قاتال ال شفاء منه إال أن يشاء اهلل سبحانه‪ ،‬وهلذا جتهز الدول مصحات‬
‫خاصة ملرضى هذا املرض يقضي فيه بقية حياته متنقال بني العلل واألمراض بعد أن يرتكه األقربون له‪.‬‬
‫وهنا نقول ماذا لو اختذ هذا املرض وسيلة للقضاء على اآلخرين وإهناء حياهتم كما حدث يف كثري‬
‫من احلاالت واليت اشتهر بعضها دوليا حيث قامت بعض املمرضات بتلقيح العشرات من األطفال‬
‫بلقاح موبوء هبذا املرض فأصيبوا مجيعا وكان املوت مصريهم‪.‬‬
‫هل يعترب فاعل هذه اجلرمية قاتال للنفس‪ ،‬أم يقتصر األمر على اخلناجر واألسلحة النارية وحنوها؟‬ ‫القتل العمد‬
‫ب اللّهُ َعلَْي ِه َول ََعنَهُ َو َ‬
‫َأع َّد لَهُ َع َذاباً‬ ‫ِ‬ ‫‪‬ومن ي ْقتُل مْؤ ِمناً ُّمَتع ِّمداً فَجزآُؤ هُ جهن ِ ِ‬
‫من املعلوم أن الوسائل مما تتغري بتغري الزمان واملكان واألحوال واألشخاص بل واملستوى الثقايف‬ ‫َّم َخالداً ف َيها َوغَض َ‬
‫ََ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ْ ُ‬
‫واالجتماعي‪ ،‬والضابط هو أهنا وسيلة تقتل غالبا‪ ،‬كم ذكر أهل العلم‪ ،‬وال شك أن اإليدز يقتل‬ ‫َعظيماً{‪}93‬‬ ‫ِ‬
‫غالبا‪ ،‬بيد أن املوت قد يتأخر لسنوات‪ ،‬والذي يظهر واهلل أعلم أن مرتكب هذه اجلرمية حيبس حىت‬ ‫بيان األحكام‪:‬‬
‫يظهر أمران‪:‬‬ ‫احلكم األول‪ :‬ماهو القتل العمد‪:‬‬
‫‪ -1‬شفاء اجملين عليه‪ ،‬وحينئذ تسقط عنه هتمة القتل العمد ويستحق العقوبة التعزيرية‪ ،‬وال خيلو‬ ‫اختلف العلماء يف معىن العمد على أقوال‪:‬‬
‫معها من اإلمث‪،‬فهو مدان ديانة وقضاء‪.‬‬ ‫القول األول‪ :‬هو القتل حبديدة كالسيف واخلنجر وسنان الرمح وحنو ذلك من احملدد أو مبا يعلم‬
‫أن فيه املوت من ثقال احلجارة وحنوها‪ ،‬وهو قول النخعي‪.‬‬
‫‪ 2‬النيل‪7/99‬‬ ‫القرطيب‪5/297‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪118‬‬
‫القول األول‪ :‬ذكر الشافعية واحلنابلة إىل أنه لو قال اجملين عليه للجاين اقتلين ففعل فال شيء عليه‪،‬‬ ‫‪ -2‬موت اجملين عليه بسبب املرض وتداعيات الكثرية‪ ،‬واليت يعرب عنها الفقهاء باملوت سراية‪ ،‬ويف‬
‫قال النووي يف املنهاج‪":‬لو قال‪ :‬اقتلين ففعل فهدر" أي لو قال اجملين عليه للجاين اقتلين فقتله فال‬ ‫هذه احلالة تثبت على اجلاين جرمية القتل العمد وإمثه فيقام عليه حد القتل قصاصا جزاء ما اقرتفت‬
‫قصاص ويف وجوب الدية قوالن املعتمد ال جتب ورأوا يف اإلذن شبهة دارئة للحد‪ ،‬وأوجبوا عليه‬ ‫يداه لعموم قوله تعاىل‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا‪.‬‬
‫الكفارة فقط حلق اهلل تعاىل ألن اإلذن ال يؤثر فيه‪.1‬‬ ‫وحنن لو قلنا بغري هذا لفتحنا الباب واسعا ملرتكيب اجلرائم وألصبح القتل هبذه الطريقة أسهل بكثري‬
‫القول الثاين‪ :‬ذهب األحناف إىل وجوب الدية فقط‪ ،2‬لنفس الدليل السابق‪.‬‬ ‫من الوسائل التقليدية األخرى‪.‬‬
‫وسبب اخلالف يف الدية مبين على أن الدية ثبتت مليت ابتداء يف آخر جزء من حياته مث يتلقاها‬ ‫احلكم الثالث‪ :‬القتل الرحيم‪:‬‬
‫الوارث أو على أن الدية ثبتت للوارث ابتداء عقب هالك املقتول ؟ إن قلنا باألول مل جتب الدية يف‬ ‫قد يعاين البعض من مراض ميؤوس من شفائه وتشتد وطأته على املريض مما جيعل املريض يفضل‬
‫حال السراية‪ ،‬ألنه أذن فيما يملك وإال وجبت‪.3‬‬ ‫املوت على احلياة فيرتجى األطباء بأن ينهوا حياته رمحة له من آالمه املربحة –عافانا اهلل‪ -‬وهلذا مسي‬
‫‪5‬‬
‫القول الثالث‪ :‬عليه القصاص‪ ،‬وهو قول املالكية وزفر من احلنفية‪ 4‬وبعض احلنابلة‬ ‫القتل الرحيم‪.‬‬
‫وميكن أن يستدل هلم بأن اإلنسان ال ميلك حياته وال جسمه‪ ،‬وعليه ال جيوز أن يأذن لغريه إهناء‬ ‫وللقتل? الرحيم صور‪:‬‬
‫حياته‪.‬‬ ‫‪ -1‬إعطاء املريض جرعة كبرية من دواء قوي خمفف لألمل حبيث تقضي هذه اجلرعة‬
‫القول الرابع‪ :‬للمالكية وهلم تفصيل فيه‬ ‫عليه‬
‫الرتجيح‪:‬‬ ‫‪ -2‬أن يكون املريض غري قادر على التنفس إال بواسطة املنفاس فإذا فصل عنه هذا‬
‫يبدو أن قول احلنفيه هو الراجح واهلل أعلم‪ ،‬ألن مبىن احلدود على درء الشبهات فإذا ما وجدت‬ ‫اجلهاز توقف تنفسه ومات‪.‬‬
‫شبهة وهي هنا اإلذن درأت احلد ولكن جتب الدية ألهنا حق الورثة‪ ،‬والكفارة ألهنا حق اهلل‪ ،‬وتكون‬ ‫‪ -3‬أن يكون عالج املريض سببا يف استمرار حياته دون شفائه فإذا أوقف عنه‬
‫هذه الصورة? مستثناة أو غري داخلة يف عموم اآلية‪.‬‬ ‫العالج مات‪.‬‬
‫ومذهب مالك مبين فيما يبدو على سد الذرائع إذ خيشى أن يرتكب أحدهم هذه اجلرمية ويقول‬ ‫هذه املسائل تعترب من عويصات املسائل واليت دار حوهلا جدل كبري ليس على املستوى الشرعي‬
‫أذن يل اجملين عليه‪ ،‬وهذا قد يفتح باب فساد كبري‪ ،‬وهلذا كان قول املالكية أوفق باألصل التشريعي‬ ‫بل والقانوين الدويل‪ ،‬وكانت دول أوروبا حترم وجترم هذا القتل بيد أن كثرة املطالبات والضغوط‬
‫املتكررة من مجاعات مؤيدة هلذه اجلرمية حمتجة بكونه حقا إنسانيا ال دخل ألحد فيه رضخت بعض‬
‫‪ 1‬انظر مغين احملتاج ‪ ،4/48‬ودليل الطالب‪2/215‬‬ ‫الدول وأباحته‪.‬‬
‫‪ 2‬اللباب ‪ ،4/5‬والبدائع‪6/174‬‬
‫أما من وجهة النظر الشرعية فقد ذكر الفقهاء صورة قريبة من هذه وهي ما لو قال شخص ألخر‬
‫‪ 3‬الفقه على املذاهب األربعة‪5/130‬‬
‫اقتلين فقتله هل يقاص به أم ال خالف‪:‬‬
‫‪ 4‬البدائع ‪6/174‬‬
‫‪ 5‬اإلنصاف‪9/454‬‬
‫‪119‬‬
‫الكبري سد الذرائع‪ ،‬وقول غريهم أوفق بالنص اجلزئي وهو درء احلدود بالشبهات‪ ،‬والنص اجلزئي‬
‫يقدم على الكلي يف الغالب‪ ،‬واملسألة اجتهادية‪ ،‬وهلذا فهي حتتاج إىل مزيد من الدراسة وخاصة يف‬
‫تداعياهتا‪ ،‬ومآالهتا‪ ،‬لكوهنا تتعلق بالدماء وهي مما يتحرز فيها أشد التحرز‪.‬‬
‫بناء على اخلالف السابق نقول يف مسألة القتل الرحيم‪:‬‬
‫لو أخذنا بقول املالكية نقول إن الطبيب الذي يرتكب صورة من الصور املاضية عامدا عاملا خمتارا‬
‫يكون قد ارتكب جرمية القتل الذي يعاقب عليها الشرع بالقصاص‪ ،‬وال يشفع له إذن اجملين عليه‬
‫"لأن الدماء ال تستباح باالستباحة والبذل"‪ 1‬وال يشفع له شدة أمل املريض أو مشاعر الشفقة والرمحة‬
‫اليت محلته على هذا اجلرم‪ ،‬ألنه داخل يف عموم اآلية‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا‪.‬‬
‫ولو أخذنا بقول اجلمهور مل نوجب عليه شيء إال الكفارة كما هو مذهب الشافعية‪ ،‬أو الدية‬
‫كما هو مذهب باألحناف‪.‬‬
‫ولكن ال ننسى أنه إذا أخذنا هبذا القول فال يكفي قول الطبيب فال يصدق الطبيب بأنه مأذون له‪،‬‬
‫بل البد من وجود بينة وهذا معلوم‪?.‬‬
‫مت القسم األول‬
‫واحلمد هلل أوال وآخرا‪.‬‬

‫‪ 1‬املغين ‪9/439‬‬
‫‪120‬‬

You might also like