Professional Documents
Culture Documents
غداً تشرق الشمس
غداً تشرق الشمس
غدا شرق س
عاتشة ابو عمر
1
اعتادت المدينة أن ترفع عنها سدول الليل وتبدأ نشاطها مبكرا بعد ساعات الفجر األولى ..
تتلون السماء بألوان الشروق الصافية ،أحمر ..أصفر ..بنفسجي ..برتقالي ..كهرماني..
لوحة فنية متكاملة تزين تلك القبة الزرقاء .
إن مشيت في الشوارع يمكنك أن ترى حركة خفيفة بطيئة تسري في األحياء ..
بائع يفتح دكانه هنا ..
عجوز يمشي إلى عمله هناك ..
سيارة أو سيارتين ،ودراجة نارية ..
صوت فيروز من أحد الشرفات ينبعث..
قليل من الحياة هنا وقليل منها هناك ،على األقل إلى الحد الذي يحول دون أن تصبح مدينة
أشباح ..
الخريف بدأ ولكن المدارس لم تفتح بعد ،وقد ال تفتح هذا الشهر ،وربما حتى القادم أو الذي
بعده
أو ربما في موعد ما..
حين تكف الطائرات عن زيارة المدينة ربما!
نعم! فأنت في ساحة حرب يا صديقي
مدينتك في ساحة حرب ..وأنت جندي على خط جبهة مهما كنت ومهما كانت وظيفتك في
الحياة ،أنت هدف شرعي يمكن أن تلقى حتفك في أي لحظة ..وال تسأل عن السبب!
مت فحسب !! مت بهدوء دون أن تزعج العالم بموتك ..
ثم من أنت حتى يلتفت لك الكون ؟!
العالم مشغول بطباعة منشورات تتحدث عن اإلنسانية ضد رجل قام بقتل كلب !
وآخر دهس قطة ! وثالث قام بقطع شجرة وهدد أمن النظام البيئي العالمي !!
حتى اإلنسانية ذاتها مشغولة عنك فمت بهدوء أرجوك..
1
وإياك أن تطمع أن يسلط الضوء عليك ..يموت الكثيرون في كل يوم مثلك !
واحد زيادة لن يضر ،ولن ينقص من وزن كتلة األرض شيئا .
ثم إن الحياة _ التي تعد أنت أثمن منها_ لم تعطك حظك منها ،أتطمع بالموت؟!!
يا لك من أبله!!
أنا آسف حقا ..ال أقصد أن أدوس على جراحك ،ولكنك ولدت هنا وكبرت هنا وتعرف ما
أعني وتعلم ما الحياة والموت بالنسبة لنا ..
نحن الذين يقترب الموت منا كل يوم عشرات المرات..
يرمقنا من بعيد أحيانا ،وقد يزور بعضنا عن قرب أحيانا أخرى ..
ربما فاجأك في السوق مثل بصاروخ يسقط على بعد مئتي متر منك ..
وربما غمزك بقذيفة تفجر البيت الذي يجاورك ،فقط ليضع في حسبانك أن" :ال تنسني فأنا هنا
دوما ..من أجلك أو من أجل غيرك ،المهم أنني هنا "
15/9/2015
#أنس_الشامي
نسخ ...لصق
نشر ......
منشور آخر على فيس بوك ،ربما يحدث فرقا أو يؤدي إلى تغيير ما ...ربما
2
_ أنث ..أنث!!!
_ ......
_ ما هو هذا الذي يلمع هناك؟
_ هناك؟؟ إنها نجمة ..نجمة صغيرة مثلك
_ هل يمكنني التقاطها ؟
_ لم تريدينها ؟
_ الغرفة مظلمة ..لربما استطعنا الرؤية جيدا في الليل بوجود النجمة ..أال تظن ذلك؟
_ ....بالتأكيد
_ هل تموت النجمة ؟
_ عمرها طويل جدا يا شمس
_ هل ستموت بعد زمن بعيد ؟
_ اطمئني ..ستكون موجودة دائما هنا
_ ماذا أفعل إذا ماتت ؟؟
_ سآتيك بأخرى ال تقلقي
_ ليتني نجمة..
_ أنت أجمل منها !
_ أتخيل الجلوس في السماء العالية هناك ..على إحدى تلك الغيوم ،الرؤية من هناك جميلة
أليس كذلك ؟
_ ال أعلم ..عندما أجرب سأخبرك بذلك ..ههههه
_ خذني معك بابا
_ سنذهب سويا يا شمس ..
_ وسنحضر نجمة لماما أيضا
_ موافق ..أال تذهبين للنوم اآلن
_ أخبرتني جدتي أنني أصعد للسماء عندما أموت ..حقا !
3
_ ستعيشين طويل يا شمسي ..أعدك بهذا
_ وعندما أموت سأصعد ؟
_ ..............نعم
_ سأصبح نجمة أليس كذلك ؟
_ أال تحسين بالنعاس شمس ؟
_ سأصبح نجمة ؟
_ ستكونين نجمة جميلة جدا يا عزيزتي
_ سأصبح نجمة ..وسأنظر إلى األرض من األعلى وسأضيئ الطريق لمن ال يملكون النور
في بيوتهم ..أليس كذلك؟
_ لنعقد اتفاقا ومن ثم نذهب للنوم ..ما رأيك شمس؟
_ اتفاق ماذا ؟
_ سأسمح لك أن تصبحي نجمة ..لكن قبل ذلك ..ستعدينني أن تكبري وتصبحي فتاة قوية
جدا وسعيدة و أن تحققي كل أحلمك ..ما رأيك ؟
_ اتفقنا ..
_ إذن ..الى النوم اآلن
_ أال يمكننا أن نختار اآلن أين سأجلس عندما أصبح نجمة ؟
_ تأخر الوقت يا شمسي ..ستغضب أمك مني ومنك ولن تسمح لنا بالسهر غدا !
_ حسنا ..سنختاره غدا
تصبح على خير أنث !
_ تصبحين عليك يا جميلتي !!
4
طبقا للمنطق ..ال يستطيع الضعيف أن يسيطر على القوي ..وال أن يلزمه باتباعه واالنصياع
له وتنفيذ رغباته ..
لكن "شمس الصغيرة" قلبت كل موازين المنطق التي أؤمن بها تماما !
كانت يديها الصغيرتان تمسكان بزمام حياتي كلها ،تقودني أنا شاءت وكيفما أرادت
عيونها البنية الصغيرة وشعرها الكستنائي الداكن بخصلته الملتفة بأنوثة طاغية ملكا علي لب
عقلي وأسرى روحي بجمالهما..
لطالما أخبرتني "رهف" وبكل غرور أن شمس تشبهها أكثر مني ..لكنني كنت أرد عليها
بحنكة الزوج اللماح :هو المنى يا عزيزتي ..إحداكما تذكرني باألخرى ..وال أحب إلي
منها إال أمها والعكس صحيح أيضا.
لم نكن العائلة المثالية ..ولكن كنا العائلة السعيدة التي تعيش بهدوء ورضا طالما كان ذلك
باإلمكان.
لم تكن تلك رفاهية متاحة في بلد يعيش حالة حرب مجهولة النهاية ،لكننا حاولنا فعل ما
بوسعنا ..كنت و"رهف" وال زلنا متفقين على ذلك ،نواسي بعضنا ومن حولنا بكل ما أوتينا
من أمل في حياة أفضل .
كان القصف يشتد يوما بعد يوم و ال وجود ألخبار سارة تلوح في المستقبل القريب ..لكن
وفي حال كنت زوجا وأبا سيتوجب عليك أن تكون البطل الذي ال يقهر ..والسند الذي ال يميل
ورهف كانت لي خير شريك في ذلك ،لكن شمس -وبسنوات عمرها األربع القصيرة -لم تكن
تعرف كيف تدعمني بأكثر من ابتسامتها الشقية المرحة كلما عدت من العمل .
وبالنسبة لي كان ذلك كافيا تماما ..يكفيني أن تضمني دون أن تكترث لثيابي المتسخة أو
لوجهي األغبر ..كانت تمسح بيدها الصغيرة ما علق من التراب على جفوني ثم تقبلني بدفء
وتسألني سؤالها المعتاد :كم طفل أنقذت اليوم ؟
كانت هذه شيفرة بيننا اتفقنا عليها منذ أصبحت تستطيع الكلم وشرحت لها عن طبيعة عملي،
كانت سعيدة بكونها "ابنة البطل الخارق" الذي يخرج الحياة من قلب الموت ويعيد لألطفال
بسمتهم ..حتى غدت هذه مهمتي الثانية التي اشتهرت بها ..البطل الخارق في نظر شمس
وكل رفاقها في الحي ..كانوا يستقبلونني ببسمات خلبة وعيون بريئة تنسيني كل تعبي ..
5
ثم استمع بكل شغف ألحاديثهم عما فعلو خلل يومهم وعما أخبرتهم شمس من حكايات ..
كانت األصغر سنا لكنها كانت تكبرهم بأشياء أهم من عدد السنوات الفعلي ..كانت كلماتها
وتصرفاتها تشعرني أنها في السادسة وتصيبني بالدهشة أحيانا ..كانت تفهم ما نمر به
وتحاول بكل ما تملك من خبرة عمرها القصير أن تخفف عني وعن والدتها .
كان سكان الحي -وكعادة الجميع في أوقات الغارات الجوية – يجتمعون في بيت واحد
نعتقد أنه األكثر أمانا تبعا لموقعه الذي يبعده -ولو وهما -عن أهداف القنابل والصواريخ
التي كانت تنهال من كل األطراف ،كانت شمس تهدأ األطفال الذين يشرعون بالبكاء ما إن
يقترب صوت هدير الطائرة من سماء حيينا .
كان عملي كمسعف في الدفاع المدني يفرض علي التغيب في أوقات كهذه عن عائلتي و
لم يكن لدي ما أوصي به رهف إال شمس ولم أوص شمس يوما إال أن تعتني برهف ..
لم أكن أرى أي اختلف بينهما وكنت واثقا أنني أستطيع أن أثق بشمس كثقتي برهف.
6
2
كيف فيك تلقي سعادة وأنت عايش وسط كل هاد البؤس اللي بخليك ما تفكر إال بشي واحد
بس ،أنو إيمتى رح موت ! ويا ترى لما موت رح كون جثة كاملة أو مقطعة !! ويا ترى رح
القي قبر يحتويني وال رح كون ضمن مقبرة جماعية للموتى المجهولين!!
معك حق تتفاجئ صديقي ..معك كامل الحق ..أنا متلك ..آخر شي كنت فكر فيه هو الموت
بس هأل صار شغلي الشاغل اني فكر بطريقة موت كريم بما أنو صار"العيش الكريم" هو
السهل الممتنع !
........
فعل مهزلة !! اللي عم يصير مهزلة حرفيا ..مين المسؤول طيب ؟
مين اللي بإيدو التغيير وواقف عم يشوف وساكت؟؟
أنا بس ما عم استوعب كيف عم يغمض عيونو وهو عارف ومتأكد انو في ناس غيرو بمكان
ما بهاد العالم عم تموت بنفس اللحظة!!
متخيل معي؟؟
أنا متلك بنفس الحيرة واالستغراب..
أو باألحرى اشمئزاز!
وقرف من كل شي ..من كل شي عم يصير ومن كل شي رح يصير..
إييييه
هللا يفرجها أحسن شي
20 \9\ 2015
#أنس-الشامي
نسخ ...لصق
7
كل األخبار كانت تنذر ببدأ حملة شرسة على البلدة ..وال مكان نذهب إليه حتى الملجئ
ضاقت بساكنيها ..وأصبح ما تحت األرض خير من فوقها والموت السريع أفضل من حياة
تشرب فيها الموت على جرعات كل يوم !
بالنسبة لي كمسعف وبعد عدة سنوات دامية من الثورة ..كنت وال زلت على تماس مباشر مع
كل مظاهر العنف والدم منذ انطلق أولى الحملت المسلحة ضد المدنيين العزل ..
أحاول التوصيف بأقل قدر ممكن من األذى لكن ..
أن ترى اإلنسانية أمامك منتهكة عارية مسلوبة القوة واإلرادة في الدفاع عن نفسها لهو أمر
شاق متعذر ..
أول ما عليك التفكير فيه لحظة سماع اإلنذار هو وضع كل االحتماالت السيئة في حسبانك
و أن تجهز نفسك لرؤية ما ال يمكن لعقل بشري تصوره ،خصوصا عندما تتذكر أن من فعل
ذلك هو بشري مثلك ..أو ربما!
لحظات ....
وتمتلئ سيارات اإلسعاف بالجثث ..الحية والميتة على السواء
تدوي أصوات السيارات في سماء المكان لتزاحم الدخان المنبعث من الحرائق الناتجة عن
القصف والغبار المثار بتأثير ما بعد االنفجار ..
يهرع الجميع للمساعدة في رفع ما أمكن من البناء المتهالك إلخراج من دفن حيا ومسابقة
الموت في الوصول إليهم أوال
...
ال ننجح دائما ..الموت أيضا سريع سرعة الصاروخ ،ال يحدث جلبة كبيرة لحظة وصوله
ال تعرفه إال بعد أن يغادر ،تلحظ أنه كان هنا وترى آثار قدميه الدامية تتبعه األرواح التي
التقطها لحظة نزوله ..
عدة سنوات وأنا على تماس مباشر مع الموت بشكل شبه يومي ،لم أعتده ..لم أستطع ذلك
لم يصبح شيئا عاديا بالنسبة لي ولم أكن ألنظر له على أنه روتين يحدث كل يوم كما تشرق
الشمس وتغرب!
8
كنت أشتم رائحته الثقيلة كلما وصلت مكان الحدث ..هل سبق لك أن وصفت طعم ولون
رائحة ما؟!
أستطيع أن أصف لك رائحة الموت على أنها مرة سوداء!
ال تسألني كيف؟!
هكذا كنت أتخيلها دوما..
يعبق بها المكان لعدة أيام بعد القصف ..تمأل البيت الذي لطالما مألته ضحكات سكانه و
أصواتهم وضجة اجتماعاتهم المرحة
هنا شال ممزق يفترش األرض ،ماتت الجدة التي كانت تضعه على كتفها
هنا حذاء جلدي أسود ضاع زوجه ،مات األب الذي كان يرتديه عند خروجه للعمل
هنا ملعقة و صحن فارغ إال من بعض قطرات الدم التي جفت على أطرافه! ماتت األم
التي كانت تسكب فيه طعام عائلتها
وهنا ...كرة و دمية بفستان أصفر اللون و شريطة حمراء علقت بها بضع شعيرات
بنية اللون !! ماتت الفتاة التي كانت تملكهم ،لن تربط شعرها بتلك الشريطة فقد احترقت
خصلت شعرها الجميل! ..و لن تلعب بالكرة أو الدمية فقد بترت قدمها ويديها !
ضمها قبر...
صغير بقدر عمرها ،كبير بقدر حقدها وغضبها على البشرية
كنت أسمع عن الحضارة كثيرا في المدرسة وأن البشرية قد أحرزت شوطا كبيرا في التقدم
والتطور!!
أليس من المضحك أن هذه "الحضارة" عجزت عن حفظ روح هذه الطفلة؟!
وأن كل مظاهر التغني بحقوق اإلنسان وحمايتها لم تستطع أن تؤمن لهذه البريئة ميتة إنسانية
فضل عن حياة تبدو كذلك؟!!
أي عار ستوصم به؟؟ وكيف ستدافع عن نفسها حين تواجه نظرة تلك الطفلة التي تشع غضبا
وحقدا وسخطا على الحضارة منذ وجدت وحتى القيامة ؟؟؟
9
3
زمان كان في عنا ختيار يمشي بالحارة يبيع فول مسلوق أو معروك أوغزل البنات
أو قطع كاتو صغار ..كان يجي بعد العصر وكنت استنى وقت يمر تحت شباكنا بفارغ
الصبر وحاول انو ما تعصب أمي مني حتى تخليني انزل اشتري..
كنت اعرف أنو بعد كل هاالنتظار في شي حلو رح يصير واللي هو االكلة الطيبة اللي
رح آكلها ...
اليوم كنت عم فكر ..أطفال الحرب شو بيستنوا؟؟
شو الشي الحلو اللي ناطرينو لحتى يصبروا كرمالو؟؟
أنا كنت أعرف توقيت عمو البياع وقت يمر من جنب بيتي ،بس األطفال هون بتعرف
وقت الغارة وحافظين إيمت بتمر الطيارة لحتى يعرفوا إيمت الزم ينزلو
عالملجأ يتخبوا!!
مفارقة صعبة يا صديقي صح ؟!!
والمقارنة متعذرة لألسف ..وما فيك تشرح الفكرة هي لطفل بيعرف شو يعني طيران
حربي وصاروخ وقذيفة وملجأ!!
.......
حلمي بس يجي اليوم اللي ما يفكر فيه هاد الطفل إال باللعبة الجديدة اللي رح يشتريها
أو شو األكلة الطيبة اللي رح ياكلها بعد ما يخلص واجبات المدرسة ..
23\9\2015
#أنس-الشامي
نسخ ....لصق
10
4
استيقظت صباح ذلك اليوم مريضا ،أعاني آالم شديدة في رأسي وبالكاد أستطيع
تحريكه ..طلبت مني رهف البقاء في المنزل ألرتاح ،لكنني رفضت وارتديت
ثيابي وهيأت نفسي للخروج..
استيقظت شمس قبل ذهابي بدقائق كعادتها ،وودعتني كعادتها ،ضمتني بيديها
الصغيرتين ،طبعت قبلة على خدي ،ألقت على سمعي كلماتها التي أصبحت جزءا ال
يتجزأ من وداعنا الصباحي" :أنت بطل ..أنقذ الكثير من األطفال اليوم!! وأحضر لي
اللعبة التي أخبرتك عنها وال تتأخر ،سأساعد ماما في الطبخ اليوم ،سأطعمك أنا اليوم"
لم أنتبه لكل ما قالته تماما ،كان الصداع يصم أذني عن التركيز على ما تقوله..
أجبتها على عجلة وخرجت..
وصلت مكان العمل وقد بدا علي التعب واإلعياء ،طلبت من زميلي أن ينوب عني ريثما
أرتاح قليل ..تناولت حبتين من عقار مسكن وأخلدت للنوم..
ال أستطيع تذكر كم نمت من الوقت ،خمس عشرة دقيقة ربما أو نصف ساعة
لم أكن أرى أحلما عندما كنت أنام متعبا ،كل ما أتذكره كان سوادا ،سوادا النهائيا
لم ينهه إال صوت انفجار قطع علي نومي الهش بشكل مخيف..
تله صوت انفجار آخر..
ثم ثالث ورابع..
إنها غارة!!
اآلن!! في الصباح؟!!
ليس هذا وقت الغارات عادة ،توقيت جديد هو إذن ..خطة ناجحة تماما إلحراز أكبر
عدد من الضحايا في لحظات كان العزل األبرياء يأخذون فيها قسطا من األمان!!
دوت صفارات اإلنذار وسمعت أصوات دواليب سيارات اإلسعاف تشق إسفلت الطريق
حين انطلقت ..هرعت للخارج ألرى ما الذي يجري ..أخبرني زميلي أن غارة جوية
انتهت للتو ،سألته عن مكان القصف فأخبرني أنه ليس بعيدا من هنا وأن النجدة قد
11
سارعت للمكان للمساعدة ..سألته عما إذا كانوا بحاجة مساعدة فأنا مستعد للذهاب
فأخبرني أن أعود للداخل وأحصل على قسط من الراحة وأن األمر تحت السيطرة
وما من داع لذهابي..
لم أكن أنوي الدخول لكن الصداع كان قويا ولم ينفع معه المسكن الذي تناولته..
اغمضت عيني لكنني لم أنم ..وبالصدفة كانت قبضة التواصل اللسلكي الخاصة
بصديقي على المنضدة بجوار السرير حيث أستلقي ..سمعت ما دار من الحديث
بين أفرد طاقمنا ولم أفهم ما الذي كان يجري:
"حول ..حول ..هناك إصابات يا علي ،طلبنا تعزيزات من مقر الدفاع في الحي المجاور
وهي في طريقها إلينا ،ال توقظ أنس وال تخبره بشيء ..انتهى"
ساورني المزيد من الشك ولم أتمالك نفسي فنهضت وذهبت ألعرف ما الذي كان يحدث
دهش "علي" عند ما رآني وكأنه لم يتوقع أن يراني أمامه في تلك اللحظة ،سألته :
_ ما الذي حدث ؟
_ ال شيء ..
_ أخبرني هل حصل مكروه ؟
_ ال ال لم يحصل شيء
_ أنت تخفي أمرا ما ...
_ ........................
12
5
من أصعب المواقف التي قد تمر على من يعمل في المجال اإلنساني عموما هو عندما
يتوجب عليك أن تخبر العائلة أن فردا من أفرادها قد فارق الحياة ..وتشرح لهم أسباب
الوفاة وكيف أنك فعلت ما بوسعك لتنقذه لكن الموت كان أسرع وصوال ..لك أن تتخيل
التفاصيل المؤلمة التي ترسم المشهد بكل نواحيه...
أتذكر مرة حين أخبرت عجوزا وزوجه عن وفاة ولديهما ،لم يكن لديهما أبناء غيره
جمدت ملمح العجوز ولم يظهر عليه أي رد فعل ،جلست زوجه على الكرسي وبدأت
بالبكاء ..لكنه بقي صامتا ..لم أعرف ما الذي دار في باله لحظتها ولم أكن ألتمنى أن
أكون مكانه أبدا ..أن أعلم أن ولدي فارق الحياة ولم يعد موجودا وأنا الذي كنت أراه
الحياة نفسها ..يعجز لساني عن الوصف وتقف مفردات اللغة خجل من التعبير عن
مشهد كهذا ....
13
وصلت المستشفى هائما على وجهي ال أدري أي جهة أسلك ،هذا المكان الذي دخلته
آالف المرات وأنا أنقل المصابين ،اليوم أدخله للبحث عن عائلتي بعد ما استهدفتهم
الغارة الصباحية التي أتت في موعد غير متوقع لتفتك بهم بغير ما شفقة أو رحمة !!
نسيت آالم رأسي ونسيت كل شيء ،نسيت اسمي ومن أكون ،نسيت أنني المسعف
الشجاع الذي لطالما واجه الموت وكان أقوى منه وأنقذ األرواح البريئة ،نسيت أنني
بطل ابنتي الذي ال يقهر ..ابنتي الذي ال أعلم حتى اآلن أي شيء عن حالتها ..
دخلت قسم اإلسعاف ،رآني صديقي وأدار وجهه عني فورا ،هرعت إليه مسرعا :
_أين هم ؟
لم يستطع أن يواجه خوفي وغضبي فأجابني مرتعدا:
_ زوجتك في قسم العمليات ،يحاول األطباء إيقاف النزيف
_ ما الذي جرى ؟
_تعرضت لضربة مباشرة على رأسها
_ وشمس ..أين هي ؟
نظر إلي وقد ثبت عينيه ولم يحركهما
_ أخبرني أين هي ؟
_ أهدأ قليل
_أخبرني أين هي؟
_ مازال البحث جاريا ..لم نجدها بعد
حاول أن تهدأ قليل ،فرق اإلنقاذ ما زالت في المكان ترفع األنقاض وتخلي
المصابين ..استهدفت الغارة أربعة منازل والدمار كبير ..قد يأخذ األمر وقتا
لكن ال تجزع ..تعلم جيدا كيف تجري األمور .
صوت ما داخل عقلي تحدث ":ال ..ال أعرف ،كل ما أعرفه أن ابنتي في مكان ما تحت
ذلك الدمار وال أعرف ما إذا كانت حية أو ".......
14
لم أعِ أي كلمة مما قاله صديقي ..توقفت أذني عن السماع منذ قال أن شمس مازالت
مفقودة !
ال أعرف كيف وصلت للخارج وركبت السيارة واتجهت إلى حيث منزلي ،أو باألحرى
إلى حيث كان ..
وصلت هناك ..كانت فرق اإلنقاذ ترفع األحجار الكبيرة وتحاول إزالة الجدران التي
سويت باألرض بعد القصف
سيارات اإلسعاف تنقل الناجين ،أو هذا ما ظننته
كانت جثثا هامدة ال حياة فيها ..لم ينج منهم أحد ..هذا ما علمته الحقا
بيتي كان المكان األقل ضررا بين كل البيوت التي استهدفت ،عملية بحث صغيرة
داخله تخبرك أن أصحابه لم يكونوا بداخله لحظة االستهداف ..ال وجود آلثار دماء
وال وجود ألي أشلء حتى ..خرجت مسرعا إلى البيوت المجاورة ..ربما كان بيتي
هو الهدف األول مما جعل رهف تهرب مع شمس لبيت أحد الجيران وتم استهدافهم
هناك .
سألت العاملين هناك عما إذا كانوا قد أخرجوا أي ناجين من بيتي فأخبروني أنهم لم
يجدو أحدا هناك ..وكل من تم إسعافهم كانوا في البيوت المجاورة ..وأخبرني أن
سيارة إسعاف انطلقت للتو متجهة للمستشفى لنقل بعض المصابين .
عدت للمشفى مسرعا ..أبحث بين المصابين وأقلب نظري في الوجوه لعلي أجد شمسي
لكن ال جدوى ،ليست بينهم ..أين اختفت ؟
توجهت لقسم العمليات ألسأل عما إذا كان هناك أحد قد رآها وألطمئن على رهف التي
ما زالت تحت أثر التخدير..
أخبرني الطبيب أن الخطر قد زال تقريبا لكن على رهف البقاء تحت المراقبة المركزة
لتفادي أي حدث طارئ ..وال آثار حتى اآلن لوجود شمس!!
ماذا أفعل؟؟ إلى أين أذهب ؟؟ ولمن أبوح ؟؟
ال رهف هنا ألخبرها عن اختفاء شمس ،وال شمس هنا ألخبرها عما حل برهف!!
يا إلهي ما أضعفني ! يا إلهي ما أضعفنا نحن البشر!!!
15
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ليل حينما كنت أذرع ممر المستشفى جيئة وذهابا
وأنا أنتظر خبرا واحدا يخفف عني ما أمر به ..استيقاظ رهف أو إيجاد شمس ؟؟
ال شيء؟!!
.........
جلست على األرض فقدماي لم تعودا قويتين اليوم ..لست البطل بعد اآلن
لن أعود بطل إال برجوع شمس ..وإال فمن سيحكي لألطفال عني ؟
من سيراني األقوى واألفضل ؟؟ من غيرك يا شمس ؟؟!
.........
استمر البحث طوال ساعات الليل وصوال لساعات الفجر األولى وال نتائج ..
تم إحصاء أعداد المصابين ومقارنتها مع عدد سكان البيوت المستهدفة
تم العثور على الجميع عدا ثلثة فتيات إحداهن شمس .
أين أنت يا ترى؟؟ بعيدة أنت عن حضني يا صغيرتي ..هل تشعرين بالبرد؟
بالجوع ؟ بالخوف؟ باأللم ؟ ليتني أهتدي لك يا عزيزتي فأنسيك كل ما أفزعك ...
لم أعتد أن تكوني بعيدة عني هكذا ..اشتقت لك كثيرا يا حلوتي ..أشعر وكأنه مضى
زمن طويل منذ رأيتك آخر مرة .
........
كنت غارقا في صمت قاتل واألفكار تكاد تفجر رأسي كمدا وهما ،وإذ بأحد زملئي
يناديني ويخبرني أن أحد ما في قسم المرضى يطلب رؤيتي ..سألته إذا ما كانت
زوجتي قد أفاقت فأخبرني أن من طلبني شخص آخر وأنه أحد الناجين من الغارة
فكرت في نفسي ":لربما أحد جيراني إذن !!" .
دخلت الغرفة ونظرت للسرير وإذا به "أيمن" ..أيمن هو من سكان الحي ،شاب في
العشرين من عمره يسكن البيت الذي يلي بيتي تماما ،كنا أخوة وأصدقاء أكثر من كوننا
جيرانا ..كانت إصابته متوسطة لكنه كان واعيا لما حوله ،اقتربت منه فنظر إلي و
عرفني فورا وطلب مني أن أدنو قريبا منه فجلست بقربه وسألته عن حاله لكنه فاجأني:
" شمس !! هل وجدتم شمس؟"
16
أخبرته عما حل بشمس ورهف ف سكت قليل ثم هلت دمعتان كبيرتان من عينيه ثم قال
:
" لقد رأيتها ،رأيت شمس وأمها تقطعان الشارع وهما تحاوالن االبتعاد عن منزلكم بعد
أن قصفته الطائرة ..كانت تمسك يد أمها وتحاوالن الوصول إلى بيتنا للختباء لكن
كان الصاروخ التالي من نصيب بيتنا ونزل بالقرب منهما !!! سألت عنك ألنني كنت
أرجو أن تحمل لي خبرا عنها!...
لم يكن لدي جواب ولم أستطع الشرح فحالتي ال تسمح أبدا فلذت بالصمت وتظاهرت
بالهدوء ...
بعد قليل طلب مني الحضور إلى قسم العناية ،أخبروني أن رهف قد استفاقت وأنها
تطلب رؤيتي ...وصلت غرفتها ورأيتها ،ضعيفة ..واهنة القوى ..انطفئ النور الذي
كان ينبعث من عينيها ..خابت الشمس في محياها مع غياب بسمتها
اقتربت منها ،امسكت يدها ونظرت في محياها
لم اتمالك نفسي وبكيت ..بكيت كل ما جرى ..بكيت كل ما حملت في قلبي من حزن
وكمد وهم وخوف ..هي عادتي التي لم تتبدل منذ عرفت رهف وأحببتها ..
يظهر الطفل الذي يعيش بداخلي أمامها بكل ضعفه ..يبكي أمامها ويبثها خبايا روحه
المهترئة...
لم أخبرها عن سبب بكائي ولم أخبرها أن شمس مفقودة حتى اآلن .
لم تستطع أن تتكلم كثيرا ،سألتني عن شمس فأخبرتها أن تطمأن وأن كل شيء سيكون
على ما يرام ..طلبت منها فقط أن تتعافى وأن تعود إلي سالمة .
17
في تلك األثناء وفيما كنت أجلس على أحد مقاعد االنتظار دوى صوت سيارة اإلسعاف
القادمة من بعيد ومأل فضاء المكان ..مع أنني لم أعلم من أي جهة كانت قادمة لكنني
كنت األسرع وصوال لها ..فتحت الباب الخلفي ..نزل أحد المسعفين منها وهو
يحتضن طفلة صغيرة مضرجة بالدماء ودخل مسرعا فلحقت به فورا!!
أتراها شمس؟
أتراها هي ؟
أرجوك يا صغيرة كوني شمس ؟
كوني شمسي فالكون ظلم من دونك ...
دخلت الغرفة واقتربت منها ..كانت ملمحها شبه مخفية بسبب الجرح العميق الذي
شق جبهتها الناعمة ونزف دما كثيرا ..
لكن ..
توقفت فورا وتراجعت للوراء خطوتين ..
أكره قول هذا وأكره التفكير بهذه الفكرة و لكن ..
ليست شمس
ليست هي ..
سألت المسعف الذي أحضرها عما جرى ..فقال أنها كانت تحت األنقاض لعدة ساعات
ونجحت فرق اإلنقاذ بالوصول إليها بعد عملية طويلة من الحفر والبحث تحت المنازل
المدمرة بعد الغارة الجوية
سألته بحذر :ألم تجدوا غيرها ؟
_ال يا صديقي ..لم تتوقف عمليات البحث منذ تعرض المكان للقصف وحتى اآلن ..
مازال البحث جاريا لكنني كنت هناك طوال الوقت وال أظن أنهم سيجدون أحدا .
....
لم يكن المسعف يعرف أنني أنتظر خبر إيجاد ابنتي تحت تلك األنقاض ..لم أصدقه
بكل األحوال ..شمس مازالت مفقودة وسوف نجدها وستعود لي ...
طال غيابك يا شمس ....
18
خرجت هائما ُ على وجهي ..ال ألوي على جهة وال أبغي طريقا فكل الطرق ما عادت
تعنيني وجهتها ،وكل الجهات أصبحت جهة واحدة بالنسبة لي ..أريد الشمس فقط
فقد طال مكوثي في الظلم ..
مشيت طوال تلك الليلة ..وصلت مكان بيتي ..اقتربت منه ودخلته ،مشيت بين أحجاره
المحطمة واستطعت تمييز بعض أركانه ،مشيت مستعينا بضوء مصباح يدوي وكان
ضوء القمر يضيء المكان بعض الشيء أيضا .
مضت أكثر من ثمانية عشر ساعة على الحادثة ..يكاد الفجر يطلع والمكان هادئ جدا
كان من المفترض أن أكون في المنزل اآلن كالمعتاد ورهف تحضر طعام العشاء
وعدتني شمس أن تطعمني اليوم من صنع يديها ..آه يا حلوتي !!
كنت سعيدة أكثر مني مع أنك ستتعبين في تحضير الطعام لي بيديك الصغيرة
يقتلني الحزن يا صغيرتي ،لم أودعك صباحا كما يجب ..لم أشبع من ضمة لك على
صدري يا جميلتي ..لم أشبع حواسي من رائحتك ،من النظر في عينيك البنية
من شعرك الكستنائي الناعم ..من كلماتك القليلة وتأتأتك البريئة وأنت تحدثينني عن
يومك ! لم يسألني أحد اليوم عن األطفال الذين أنقذتهم ..من سيسألني وأنت غائبة ؟
من سيهتم وأنت مفقودة يا ابنة قلبي ؟ أردت إنقاذك صدقيني لكنني كنت عاجزا ..
لو كان بإمكاني وضع روحي بين يديك لما ترددت لحظة يا شمسي الصغيرة ولكنه
القدر الذي ال مفر منه ..لكنني ال أستطيع المضي هكذا ..ال أستطيع
لم يكن أنس يوما دون شمس فكيف يكون اليوم؟!
لم أكن "بابا البطل" قبل شمس فكيف أكونه بعدك ؟!
كيف تذهبين هكذا؟ كيف تخلين بالوعد الذي بيننا يا بنتي ؟!
سمحت لك أن تصبحي نجمة مضيئة كما تريدين ولكن بعد أن تكبري وتصبحي فتاة
قوية وجميلة وذكية ..لقد وعدتني وأنا وثقت بك ..أعلم أنه ليس ذنبك يا حلوتي لكنني
أتألم و أمك اآلن في وضع حرج وال أحد هنا أحدثه عنك إال أنت !
سامحيني ألنني بقيت حيا َ ..كان من المفترض أن أموت وأنا أحاول إنقاذك لكنني كنت
بعيدا عن الخطر وكنت أنت وحدك بجسدك الغض في مواجهته ..سامحيني أرجوك
19
صوت ما !!!
صوت بعيد وضعيف جدا شق قوقعة الهدوء المقيت التي كنت فيها ..لم أكن أحلم
لم أكن أتخيل ..هنالك صوت ما أنا متأكد .
اقتربت من المكان الذي تم قصفه صباحا ..هنا سقط بناء مؤلف من ثلث طوابق
كانت تسكن عائلة واحدة في الدور األرضي منه ،أب وأم وطفلتين ..توفي الوالدان
وإحدى الفتيات وبقيت األخرى مفقودة ولم يعثروا عليها ..
أنصت جيدا ألسمع بوضوح أكثر ..هناك صوت أنا أسمعه جيدا ..لم أكن أهذي!!
اتصلت بفرقة الدفاع وأخبرتهم عما سمعت وطلبت منهم الحضور فورا .
خلل دقائق كانت سيارة وثلثة رجال في المكان ..أحضر أحدهم آلة وبدأ بالحفر في
المكان الذي أخبرته عنه ..لم يعد الصوت واضحا كما كان لكنني واصلت المحاولة
وفجأة !!!!
إنها يد !
يد صغيرة!!
أمسكتها فتحركت!!
صرخت عاليا بل وعي :
"إنه حي ! ..مازال حيا "!!!
تابعنا الحفر حتى تمكنا من إخراجه ..إنها فتاة !
شمس؟ هل هي شمس؟
فكرت بيني وبين نفسي للحظات سريعة
ال
ليست هي
لم تكن شمس
حملتها بين يدي وضممتها وبكيت كثيرا وجلست في سيارة اإلسعاف وحضنتها طوال
الطريق إلى المستشفى ..لم تتوقف دموعي طوال الوقت .
20
وصلنا المستشفى ..وقفت مع الطبيب الذي أشرف على إسعافها ..بعض الكسور و
الرضوض في جسمها لكن ال شيء يدعو للقلق ..كانت واحدة من الحاالت المعجزة
التي مرت علي كثيرا خلل عملي ..أن تستطيع الحياة النجاة بنفسها من فكي الموت
لهو أمر يصعب تخيله ..سبحان المحي الذي حفظها وحفظ عليها روحها
كانت تبكي بشدة ..تتألم ..وربما جائعة ..وربما أيضا تريد عائلتها ..عائلتها التي
أصبحت اآلن مجرد ذكرى أليمة لن تستطيع بسنوات عمرها القصيرة أن تستوعبها .
سألني الطبيب عن عائلتها فأخبرته أنهم توفوا جميعا ثم سألته عن حالتها الصحية
فأخبرني أنها ستبقى هنا الستكمال العلج وربما ترسل بعد ذلك لدار الرعاية للعناية
بها .
قدم لها المسكن اللزم فغرقت في نوم عميق وهدأت وانتظمت دقات قلبها وأنفاسها ..
تركتها وخرجت قاصدا القسم الذي توجد فيه رهف ..دخلت وإذا بها مستيقظة ..
دنوت منها و جلست بقربها
ابتسمت فابتسمت لي :
_ كيف حالك اآلن رهف ؟
_........
_ما بك؟ تتألمين؟
_ شمس لن تعود
_ ماذا تقصدين؟
_أصبحت نجمة!..
_رهف ما الذي تقولينه ؟!
_ أصبحت نجمة يا أنس ..ماتت ..ماتت شمس
غرقت رهف في بكاء صامت طويل ..بينما أحسست أنني فقدت قدرتي على الكلم
نسيت الحروف وتاه عقلي عن صياغة جملة تعبر عما أحسه ..
نظرت إليها :
_ ما الذي قلته اآلن يا رهف ؟
21
_ ......
_ لماذا تقولين هذا ؟
_ رأيتها ..رأيتها بعيني هاتين يا أنس ،ماتت شمس يا أنس ولن تعود أبدا َ
...............
خرجت من الغرفة وتركت رهف غارقة في دموعها ..
ماتت شمس! كيف؟ كيف أصدق؟ كيف استوعب ذلك ..
فتحت هاتفي على الملف الذي يحوي صور شمس ..كانت ال تزال تبتسم
كانت التزال هناك سعيدة ..تبتسم ..تضحك ..تغني ..تركض
كانت مشرقة تضيء حياتي
كيف يعقل أن تغيب اآلن وأنا الذي لم أر شبابها بعد ؟!!
.............
في الغرفة المجاورة استيقظت الفتاة التي أخرجتها من تحت أنقاض بيتها
بدأت بالبكاء ..ألما ..خوفا ..حرقة
اقتربت منها وحملتها وضممتها إلي :
_ال عليك يا صغيرتي ..ال تخافي ..ال شيء يدعو للقلق
نظرت لعينيها الصغيرتين ..أحسست بدفئها كما كنت أحس عندما كنت أنظر
في عيون شمس ..
سرحت في خيالي قليل وأنا أحتضنها ...
عاودت النظر إليها مجددا ..ضممتها إلي طويل
صوت ما نبع من داخلي وكان قويا وواضحا :
" ومن يدري ؟! ربما تشرق الشمس من جديد !"
ربما كنتي أنت شمسي القادمة يا حلوة ..ربما
22
النهاية
23