Professional Documents
Culture Documents
للدوامة القادمة ،لقد وص َل ّ ت الخامسة والنصف مسا ًءا ،يجب أن أستعدَّ الساعةُ َ
قار َب ْ
ت أعل ُم ما الذي يعني ِه كال ُم ُمدَ ِ ّخنيه: الحشيش ُّ
قط لكنني ِب ُّ َ ِروة ،لم أُدَ ِ ّخن
"الالوضوح" إلى الذّ َ
عيناي ما زا َل بدون ِوج َهة! كيف يُعقَل َ ُ
األزرق تحت ُ
الطريق المرآة:
نظر إلى ِ"ترفَ ْعت ."!1أ َ ُ
ط على سريرييوم واحد؟ أعود شريدًا إلى غرفتي ألتساق َ
يتقدم المر ُء كل هذه السنين في ٍ
َ أن
ت مسموع كي ال أ ُ َج ّن .هل سينتهي كل شيءٍ في
قطعةً قطعة ،صرتُ أتحدث مع نفسي بصو ٍ
النوم
َ ُّ
التمزق؟ أم سيأتي يو ٌم آخر ينتهي بحال ٍة من "الرفع"؟ أعل ُم أن الصباح؟ هل سيلت ِئ ُم كل هذا
أغادر فيه
ُ صباح
ٍ سيخو ُنني مع الجميع كعاد ِته ،لكنني سأنتظره حتى ينتهي ألغفو في انتظار َ
هذه المدينة.
عملتُ بنصيحة أ ّمي" :عندما تأتي المرة القادمة اجلب فقط األشياء التي تحتاجها في حقيب ِة ٍ
ظهر
سط
خفيفة" .ألتقي ب" َمجيد" قرب بوابة المحطة" ،مجيد الكورتيي" أربعيني أسمر البشرة متو ّ
الطول ويميل إلى ال َبدانة بعض الشيء ،ال تكاد قُبعتة السوداء من نوع " "Lacosteتفارق
شخص طيّب و "يتعامل" كما نقول بلهجتنا ،ال يمكنك القدوم إلى هذه المدينة
ٌ رأسه! "مجيد"
دون أخذ رقم هاتفه لت ُبرم َج معه رحالتك في الحافالت ،لقد أخبرني المرة الماضية أنه سيذهب
1ارتفعتُ عن األرض.
إلى بلغاريا هو وأبناؤه ،لكن يبدو أن حنينه إلى المحطة قد غلب رغبته في العيش الرغيد ..ربما
يكون "مجيد" قد ف َّك َر في الذهاب إلى بلغاريا بمحض تسلية نفسه أو الحيلولة دون انكساره أمام
الحواس أو باألحرى :ال َيق َبلُه،
ّ شه .دما ُ
غنا ال يكفيه ما يفد إليه من الواقع ال ُم ّر الذي يبدو أنه يعي ُ
ألننا لو تأملنا لوهل ٍة الحقيقةَ على ما هي عليه لوجدنا أنها ال تُحتمل!
جئتُ قبل موعد الحافلة كأنني َم ِلكُ الوقت .اشتريتُ التذكرة وصعدتُ الحافلة مثل شجرة .في
األيام الخالية ،كنتُ كثير الحركة ،ال تمر دقيقة ّإال وتحركتُ فيها أو َّ
حركتُ جز ًءا من جسدي،
لكن اآلن صرتُ أسهو للحظات! أحاول معرفة من أنا وإلى أين تتجه بي هذه الحافلة؟ هل أنا
وشخص ما ال أدري ما دوره
ٌ شخص آلي ولم أكتشف األمر بعد؟ .يبدأ السائق و"الكريسور"
سهو
س َيقودون طائرة في مهمة مستحيلة! ٌ في الحافلة باإلستعداد وقفل األبواب لإلنطالق كأنهم َ
تظهر بعد كل انكسار! رغم
ُ لذيذٌ يستبدُّ بي كلما حدقتُ وراء النافذة ،يبدو أن طريقةً للنجاة
مستمرة ،أفكر لو
ّ مستمر في النجاة ،النجاة عملية
ٌّ مرض فقدان المعنى الذي أصا َبني ّإال أنني
أنني عشت حياة ً عادية كل ما فيها كان "عاديًّا" فقط ،دون اغ ِترا ٍ
ب في الوطن ،دون انكسارا ٍ
ت
ودون خَيبات ،هل كنتُ سأصل لهذه المرحلة؟ هل كنت ألفكر بكتابة هذه الكلمات ألحافظ على
"نجاتي"؟ ربما كنتُ اآلن مستلق ًيا على سريري ،وزني يقارب المئة كيلو ،أتصفح "فيسبوك"
أو "تيكتوك" ،أو ربما كنت ال أزال نائ ًما اآلن.
ال أحد يأبه بحديث السائق و"ال َكريسور" ِأل َ ْن ال يست ِبدّ بهم النعاس وسط طري ٍ
ق تمتدُّ إلى ما
وراء األفق" :ياودّي العواشر 2معا الناس الزينين ماشي معا هاد الكمامر" .ماذا لو ارتفع مؤشر
َ ُ
جنب الطريق ويبدأ بتصفية الخواطر ،وان ِتزاعِ
َ السائق ليتوقف
َ البؤس إلى الدرجة الحرجة!
الس َّماعات من اآلذان واإلشارة لألشياء البسيطة كتساقط حبات المطر على الزجاج ،والغيوم
باركة.
2أيا ٌم ُم َ
الرمادية وهي تحط كقُبّع ٍة على رؤوس الجبال ،وانكسار موجات الرمال على شاطئ الطريق،
والصوت الخافت لألمداح ال ُمنب ِعث من الراديو..
ألول مرة أرتبكُ فيما يتعلق بالمدينة حيت أنا! هل الشخص اآللي يرتبك أي ً
ضا؟ هل حقا أنا في
"وجدة"3؟ مهالً َ
علَي النظر والتأكد :إنني في المحطة الطرقية ،ما زالت عبارة
" "Khoustoùùمكتوبة على جدار المحطة بالبخاخ ،يبدو أنهم لم يقوموا بتحديث المحطة كما
في المدن الداخلية ..لماذا لم أختفي في الطريق؟ فقط هكذا أختفي؟ مللتُ الوصو َل والمغادرة..
ُ
تبحث عن قو ِتها بأي قطا؟ يبدو أن القطط ال تنتحر ،هي اآلن في الشوارع، ماذا لو صرتُ ًّ
ب
مكان رط ٍٍ َ
تبحث عن طا أُخرى ،ثم عليها أندمي قط ً
طريقة ممكنة ،ولو أدى بها األمر أن ت ُ َ
شاردٌ على غفل ٍة لكنها في رمش ِة ٍ
عين تستعد وهادئ كي تحظى بقسطٍ من النوم .قد يو ِقظها كلبٌ ِ
لإلنقضاض على هذا الكلب التعيس وال تحسب حسابًا لتَ َعبها من النوم ..رغم كل هذا ،لم أسمع
انتحرت !
َ من قب ُل بأن قطةً ما
يبدو أن التفكير في القطط ليست طريقة ناجحة من أجل التحول إليهم! احتماالت غريبةٌ يفتحها
تفكيرنا رغم أنها نادرة الحدوث ،ال بأس إن كانت تُنجينا من واقعنا ال ُم ّر الذي نعي ُ
شهُ .ج ُّل ُ
األشخاص الذين نراهم على متن القطار أو الحافالت أو جالسين وحدهم يتأملون البحر ،نجدهم
مستغرقين في التفكير محاولين الهرب بكل الطرق الممكنة من هذا الواقع الذي يزداد ضبابيةً
يو ًما بعد يوم .ال ِزلتُ أذ ُك ُر صديقي "عثمان" من أيام الجامعة ،لم ي ُكن صديقي هذا ِمثل
اآلخرين ،لقد كان موضوع حديثه هو التفكير .كنتُ -قبل"عثمان" -مجرد مراه ٍ
ق اجتاز
البكالوريا ليكمل دراسته في الجامعة ،لم أكن أعي أهمية الجلوس والتفكير بعمق والتأمل كما
سور يطل على الطريق
ٍ كان يفعل صديقي ..كنا في بعض األحيان نذهب مسا ًءا ونجلس على
ال رئيسية التي تؤدي للجامعة ،كان صديقي "عثمان" يتحدث حول المدينة الفاضلة
يفكر في هذه المدينة؟ يمكننا أن نخلُ َ
ص إلى أشيا َء َ ل"أفالطون" " :كيف استطاع أفالطون أن
سنا من جديد.".. خارقة للعادة فقط في مكاننا ونحن نف ّكر ..يمكن للتفكير أن يؤ ِ ّ
س َ
لم يُخطئ صديقي "جواد" عندما أخبرني أن "السعيدية "9تغدو مهجورة ً في فص ِل الشتاء .يبدو
البحر هادئًا ،أحب المدن الخالية ،أحب اإلنفرادَ وحيدًا مع البحر ،ال أصدق أنه بكل هدوءه هذا
ُ
يستطيع تح ُّم َل كل هرج فصل الصيف واألجسادَ التي تندفع إليه لي َل نهار .يذ ِ ّك ُرني البحر هذه
مؤخرا على مشاهدتها كلما
ً الخراز "10الشيّقة ،التي واضبتُ
ّ األيام بإحدى حلقات "عبد القادر
غرفَتي ،كانت تدور أحداثها حول ،ال يمكن أن نقول جريمة
ب النو ُم على الهروب من ُ
ض َ
وا َ
شخص
ٍ جرم هُنا ليس إنسانا ،بل المشتبه به الرئيس كان :البحر! يحكي "الخراز" عن
ألن ال ُم ِ
ما كان زميلَه في العمل يُدعى "السي علي" ،وجدوه واألمواج تتكسر على ُجثَّته قرب شاطئ
كيلومترا! الشيء الغامض أنهم لم يعثروا على أثر لكدما ٍ
ت ً َيبعُد عن منزله حوالي ثمانية عشر
آثارا في دَمه على مادةٍ قد تتسبب في قتله أو تجعلهم يتأكدون أنه ماتَ
آثارا على اإلعتداء أو ً
أو ً
منتحرا ،باإلضافة إلى أن الجثة لم تكن منفوخةً ،يعني هذا أنه لم ي ُمت غرقًا ..من قتل "السي
ً
علي"؟ أيمتلك البحر أيا ٍد خفيَّة يفتك بها بعيدًا عن األعيُن؟ ال أحد يستطيع أن ّ
يفك ألغاز البحر،
فرط في الشساعة..
ق ،أو ُم ِ
ال يجب أن ن ِثقَ في شيءٍ عمي ٍ
11أغنية مغربية شعبية تدور معاني كلماتها حول محاولة الهجرة سعيًا إلى العيش الكريم.
كبيرا ،ما يهم هو أنني سأحققه يو ًما ما.
ً 12ليس ذنبي إن كان ال ُحلم