Professional Documents
Culture Documents
ar - 5شرح القواعد الأربع336
ar - 5شرح القواعد الأربع336
مفرغ]@
[شريط ّ
.تفريغ األشرطة ال يعني االستغناء عنها
الحمد هلل ،وصلى اهلل وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فهذا شرح للقواعد األربع التي ألفها شيخ اإلسالم المجدد :محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه اهلل ـ ،ألنني لم َأر من
شرحها ،فأحببت أن أشرحها حسب وسعي وطاقتي.
واهلل يعفو عما قصرت فيه.
[ الشرح ]
هذه (( القواعد األربع )) التي ألّفها شي ُخ اإلسالم محمد بن عبد ّ
الوهاب ـ رحمه اهلل ـ.
وهي رسالة مستقلّة ،ولكنها تُطبَع مع (( ثالثة األصول )) من أجل الحاجة إليها لتكون في َ
متناول أيدي طلبة العلم.
مسائل كثيرة ـ أو فروعٌ كثيرة ـ.
ُ يتفرع عنه
و ( القواعد ) جمع قاعدة ،والقاعدة هي :األصل الذي ّ
ومضمون هذه القواعد األربع التي ذكرها الشيخ ـ رحمه اهلل ـ :معرفة التوحيد ومعرفة الشرك.
سهل عليك بعد ذلك معرفة التوحيد الذي بعث اهلل به رسله وأنزل به كتبه فإذا عرفت هذه القواعد وفهمتها ُ
مهم ًّ
جدا ،وهو ألزم عليك من أمر ّومعرفة الشرك الذي ح ّذر اهلل منه وبيّن خطره وضرره في الدنيا واآلخرة .وهذا ٌ
األولي واألساس ،أل ّن الصالة والزكاة
معرفة أحكام الصالة والزكاة والعبادات وسائر األمور الدينيّة ،ألن هذا هو األمر ّ
عز وجل ـ.
بن على أصل العقيدة الصحيحة ،وهي التوحيد الخالص هلل ـ ّ تصح إذا لم تُ َ
والحج وغيرها من العبادات ال ّ
وقد ق ّدم ـ رحمه اهلل ـ لهذه القواعد األربع بمقدِّمة عظيمة فيها الدعاء لطلبة العلم ،والتنبيه على ما سيقوله ،حيث
مباركـًا أينما كنت ،وأن
رب العرش الكريم أن يتوالّك في الدنيا واآلخرة ،وأن يجعلك َ قال (( :أسأل اهلل العظيم ّ
ممن إذا ُأعطي شكر ،وإذا ابتُلي صبر ،وإذا أذنب استغفر ،فإ ّن هذه الثالث هي عنوان السعادة )). يجعلك ّ
لكل ِ
طالب علم يتعلّم عقيدته يريد بذلك الحق ،ويريد بذلك هذه مق ّدمة عظيمة ،فيها دعاءٌ من الشيخ ـ رحمه اهلل ـ ّ
تجنُّب الضالل والشرك ،فإنه َح ِر ٌّ
ي بأن يتواله اهلل في الدنيا واآلخرة.
وإذا توالّه اهلل في الدنيا واآلخرة فإنه ال سبيل إلى المكاره أن تصل إليه ،ال في دينه وال في دنياه ،قال ـ تعالى ـ:
ولي الذين آمنوا يُخرجهم من الظّلمات إلى النور والذين كفروا أولياءهم الطاغوت } ،فإذا توالّك اهلل أخرجك من { اهلل ّ
الظّلمات ـ ظلمات الشرك والكفر ُّ
والشكوك واإللحاد ـ إلى نور اإليمان والعـلم النافع والعمل الصالح { ،ذلك بأ ّن اهلل
مولى الذين آمنوا وأ ّن الكافرين ال مولى لهم } .
3
فإذا توالّك اهلل برعايته وبتوفيقه وهدايته في الدنيا وفي اآلخرة ،فإنّك تسعد سعادة ال شقاء بعدها أب ًدا ،في الدنيا
يتوالّك بالهداية والتوفيق والسير على المنهج السليم ،وفي اآلخرة يتوالّك بأن يُدخلك جنّته خال ًدا مخلَّ ًدا فيها ال خوف
وال مرض وال شقاء وال كبَر وال مكا ِره ،هذه َوالية اهلل لعبده المؤمن في الدنيا واآلخرة.
مباركـًا أينما كنت )) إذا جعلك اهلل مباركـًا أينما كنت فهذا هو غاية المطالب ،يجعل اهلل البركة يجعلك َ
قال (( :وأن
في عمرك ،ويجعل البركة في رزقك ،ويجعل البركة في علمك ،ويجعل البركة في عملك ،ويجعل البركة في
ليست دائمـًا هكذا ،اهلل يدا ِولها بين العباد ،الصحابة أفضل األمة ماذا جرى عليهم من االبتالء واالمتحان ؟ ،قال
تعالى { :وتلك األيّام نداولُها بين الناس } ،فل ُْي َوطِّ ِن العب ُد نفسه أنه إذا ابتُلي فإ ّن هذا ليس خاصـًّا به ،فهذا سبق ألولياء
اهلل ،فيوطِّن نفسه ويصبِر وينتظر الفرج من اهلل ـ تعالى ـ ،والعاقِبة للمتّقين .
قال (( :وإذا أذنب استغفر )) أما الذي إذا أذنب ال يستغفر ويستزيد من الذنوب فهذا شقي ـ والعياذ باهلل ـ ،لكن
العبد المؤمن كلّما صدر منه
ذنب بادر بالتوبة { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اهلل فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إالّ
والجهالة ليس معناها عدم العلم ،ألن
اهلل } { ،إنما التوبة على اهلل للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب }َ ،
الحلْم .فكل من عصى اهلل فهو جاهل بمعنى ناقص ِ
الحلْم وناقص العقليّة يؤاخذ ،لكن الجهالة هنا هي ض ّد ِ
الجاهل ال َ
ّ َْ
4
وناقص اإلنسانيّة ،وقد يكون عالمـًا لكنه جاهل من ناحية أخرى من ناحية أنه ليس عنده ِحلم وال ثبات في األمور { ،ثم
يتوبون من قريب } يعني :كلّما أذنبوا استغفروا ،ما هناك أحد معصوم من الذنوب ،ولكن الحمد هلل أ ّن اهلل فتح باب
بادر بالتوبة ،لكن إذا لم يتب ولم يستغفر فهذه عالمةُ الشقاء .وقد يقنط من رحمة التوبة ،فعلى العبد إذا أذنب أن ي ِ
ُ
اهلل ويأتيه الشيطان ويقول له :ليس لك توبة .
هذه األمور الثالث :إذا ُأعطي شكر ،وإذا ْابتُلي صبر ،وإذا أذنب استغفر هي عنوان السعادةَ ،من ُوفِّق لها نال
شقي . ِ
السعادة ،ومن ُحرم منها ـ أو من بعضها ـ فإنّه ّ
اعلم أرشدك هللا لطاعته :أن الحنيفيّة ملّة إبراهيم:ـ أن تعبد هللا مخلصـًا له الدين كما
ونِ﴾[الذاريات.]56:ْج َّن واِإْل نس ِإاَّل لِي ْعب ُد ِ
قال تعالى ﴿وما َخلَ ْق ُ ِ
ت ال َ َ َ ُ ََ
[ الشرح ]
5
(( اعلم أرشدك اهلل )) .هذا دعاء من الشيخ ـ رحمه اهلل ـ ،وهكذا ينبغي للمعلم أن يدعو للمتعلم.
[ الشرح ]
الجن واإلنس إال ليعبدون } عرفت أن اهلل خلقك لعبادته )) يعني :إذا عرفت من هذه اآلية { وما خلقت ّ َ (( فإذا
داخل في هذه اآلية ،وعرفت أن اهلل ما خلقك عبثـًا ،أو خلقك لتأكل وتشرب فقط ،تعيش في هذه ٌ وأنت من اإلنس،
الدنيا وتَ ْس َر ْح وتَ ْم َر ْح ،لم يخلقك لهذا ،خلقك اهلل لعبادته ،وإنما س ّخر لك هذه الموجودات من أجل أن تستعين بها
تتوصل إلى عبادة اهلل إال بهذه األشياء ،س ّخرها اهلل لكعلى عبادته ،ألنّك ال تستطيع أن تعيش إال بهذه األشياء ،وال ّ
وتفجر تأكل وتشرب ما اشتهيت ،هذا شأن البهائم، وتفسق ُ ألجل أ ْن تعبده ،ليس من أجل أن تفرح بها وتسرح وتَ ْم َر ْح ُ
لغاية عظيمة وحكمة عظيمة وهي العبادة ،قال ـ تعالى ـ { وما خلقت الجن أما اآلدميون فاهلل ـ جل وعال ـ خلقهم ٍ
ّ ّ ّ
واإلنس إال ليعبدون .ما ُأريد منهم من رزق } اهلل ما خلقك لتكتسب له ،أن تحترف وتجمع له ماالً ،كما يفعل بنو
غني عن العالَمين ،ولهذا قال { : غني عن هذا ،واهلل ّ آدم بعضهم لبعض يجعلون عُ ّماالً يجمعون لهم المكاسب ،ال ،اهلل ّ
جل وعال ـ ِ ِ
غني عن الطعام ،وغني ـ ّ طعمّ ، جل وعال ـ يُطعم وال يُ َ
ما ُأريد منهم من زرق وما ُأريد أن يُطعمون } اهلل ـ ّ
نقصت ملك اهلل ،ولكن أنت الذي بحاجة إليه ،أنت الذي بحاجة َ بذاته ،وليس هو في حاجة إلى عبادتك ،لو كفرت ما
إلى العبادة ،فمن رحمته :أنه أمرك بعبادته من أجل مصلحتك ،ألنّك إذا عبدتّه فإنه ـ سبحانه وتعالى ـ يُك ِر ُمك بالجزاء
سبب إلكرام اهلل لك في الدنيا واآلخرة ،فمن الذي يستفيد من العبادة ؟ ،المستفيد من العبادة هو والثواب ،فالعبادة ٌ
غني عن خلقه . ِ
جل وعال ـ فإنّه ّ
العابد نفسه ،أما اهلل ـ ّ
قال (( :فإذا عرفت أنّ هللا خلقكـ لعبادته فاعلم:ـ أنّ العبادة ال تس ّمى عبادة إال مع التوحيد ،كما أنّ
7
الصالةـ ال تس ّمى صالة إلى مع الطهارة)).
[ الشرح ]
إذا عرفت أن اهلل خلقك لعبادته فإن العبادة ال تكون صحيحة يرضاها اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ إال إذا توفّر فيها
ط من الشرطين بطلت : اختل شر ٌ
شرطان ،إذا ّ
بطلت ،مثْل الطهارة إذا خالطهاْ األول :أ ْن تكون خالِصة لوجه اهلل ،ليس فيها شرك .فإ ْن خالطها ٌ
شرك الشرط ّ
األول .
حدث بطلت ،كذلك إذا عبدت اهلل ثم أشركت به بطلت عبادتك .هذا الشرط ّ
الشرط الثاني :المتابعة للرسول ،فأي عبادة لم ِ
يأت بها الرسول فإنّها باطلة ومرفوضة ،ألنّها بدعة و ُخرافة، ّ َ
أمرنا فهو َر ّد )) ،وفي رواية َ (( :م ْن أح َدث في أمرنا هذا ما ليس منه ِ ((
ولهذا يقول َ : م ْن عمل عمالً ليس عليه ُ
ِ ِ
الرسول ،ال باستحسانات الناس ونيّاتاهم ومقاصدهم ما دام فهو َر ّد )) ،فال ب ّد أ ْن تكون العبادة موافقة ل َما جاء به ّ
تقرب بها إلى اهلل ـتضره ألنها معصية ،وإ ْن زعم أنه ّ يدل عليها دليل من الشرع فهي بدعة وال تنفع صاحبها بل ّ أنها لم ّ
عز وجل ـ . ّ
للرسول حتى تكون عبادةً صحيحة نافعة لصاحبها، فال بد في العبادة من هذين الشرطين :اإلخالص ،والمتابعة ّ
بطلت ،وإذا صارت مبتَ َدعة ليس عليها دليل فهي باطلة أيضـًا ،بدون هذين الشرطين ال فائدة من
ْ شرك
فإ ْن دخلها ٌ
العبادة ،ألنّها على غير ما شرع اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ،واهلل ال يقبل إال ما َشرع في كتابه أو على لسان رسوله .
فال هناك أحد من الخلق يجب اتّباعه إالّ الرسول ،أما ما عدا الرسول فإنه ُي ْتبَع ويُطاع إذا اتّبع الرسول ،أما إذا
الرسول فال طاعة ،يقول اهلل ـ تعالى ـ { :أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولى األمر منكم } ،وأولوا خالف ّ
وجبت طاعتهم واتّباعهم ،أما إذا خالفوا أمر اهلل فإنها ال تجوز طاعتهم
ْ األمر هم :األمراء والعلماء ،فإذا أطاعوا اهلل
ويتّبَع
وال اتّباعُهم فيما خالفوا فيه ،ألنّه ليس هناك أح ٌد يُطاع استقالالً من الخلق إال رسول اهلل ،وما عداه فإنّه يُطاع ُ
الرسول واّتبَع الرسول ،هذه هي العبادة الصحيحة . إذا أطاع ّ
8
قال الشيخ :
((فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من
الخالدين في النار عرفتَ أنّ أه ّم ما عليك :معرفة ذلك ،لع ّل هللا أن يخلّصك من هذه
شبَكة ،وهي الشرك باهلل الذي قال هللا فيهِ﴿ :إ َّن اللَّهَ اَل َيغْ ِف ُر َأ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َو َيغْ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َ
ك ال َّ
لِ َم ْن يَ َشاءُ﴾[النساء ,]116:وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها هللا تعالى في كتابه.)).
*******************************************************
[ الشرح ]
عرفت التوحيد وهو :إفراد اهلل بالعبادة ،يجب أن تعرف ما هو الشرك ،أل ّن الذي ال يعرف الشيء َ أي :ما دام أنك
يقع فيه ،فال ب ّد أنك تعرف أنواع الشرك من أجل أن تتجنّبها ،أل ّن اهلل ح ّذر من الشرك وقال { :إن اهلل ال يغفر أن
خطره ،وهو أنه يَ ْح ِر ُم من الجنّة { إنه من يُشرك باهلل
يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ،فهذا الشرك الذي هذا ُ
حرم اهلل عليه الجنّة } ،ويَ ْح ِر ُم من المغفرة { إن اهلل ال يغفر أن يُشرك به } .
فقد ّ
أي خطر ،أل ّن الشرك ضلّت فيه أفهام وعُقول .لنعرف ما هو
خطر عظيم ،يجب عليك أن تعرفه قبل ّ
إ ًذا :هذا ٌ
9
يحرم الشرك
ويبينُه ،وما َأمر بشيء إال ويُبيّنه للناس ،فهو لن ِّ
الشرك من الكتاب والسنة ،اهلل ما ح ّذر من شيء إال ِّ
مجمالً ،بل بيّنه في القرآن العظيم وبيّنه الرسول في السنّة ،بيانـًا شافيـًا ،فإذا أردنا أن نعرف ما هو الشرك
ويتركه َ
نرجع إلى الكتاب والسنة حتى نعرف الشرك ،وال نرجع إلى قول فالن .وهذا سيأتي .
[ الشرح ]
10
التوحيد هو اإلقرار بأن اهلل هو
الخالق الرازق المحيي المميت ،فيقولون ( :واحد في ذاته ال قسيم له،
أي كتاب من واحد في صفاته ال شبيه له ،واح ٌد في أفعاله ال شريك له ) وهذا هو توحيد الربوبيّة ،ارجعوا إلى ّ
كتب علماء الكالم تجدوهم ال يخرجون عن توحيد الربوبيّة ،وهذا ليس هو التوحيد الذي بعث اهلل به الرسل ،واإلقرار
أقر به المشركون وصناديد ال َك َفرة ،ولم يُخرجهم من الكفر ،ولم يُدخلهم في
بهذا وحده ال ينفع صاحبه ،أل ّن هذا ّ
ط عظيم ،فمن اعتقد هذا االعتقاد ما زاد على اعتقاد أبي جهل وأبي لهب ،فالذي عليه اآلن بعض اإلسالم ،فهذا غل ٌ
مسمى التوحيد .
ط عظيم في ّ يتطرقون إلى توحيد األلوهيّة ،وهذا غل ٌ
المث ّقفين هو تقرير توحيد الربوبية فقط ،وال ّ
وأما الشرك فيقولون ( :هو أن تعتقد أ ّن أح ًدا يخلُق مع اهلل أو يرزق مع اهلل ) ،نقول :هذا ما قاله أبو جهل وأبو
مقرون بأن اهلل هو الخالق الرازق المحيي المميت .
ويرزق مع اهلل ،بل هم ّ لهب ،ما قالوا أن أح ًدا يخلُق مع اهلل ُ
الموحدين ،أما الك ّفار والمشركون فما تنفعهم شفاعة الشافعين { ما للظالمين من حميم وال شفي ٍع يُطاع } .
ّ عُصاة
عز وجل ـ ،بل طلبوها لمنفهؤالء سمعوا بالشفاعة وال عرفوا معناها ،وراحوا يطلبونها من هؤالء بدون إذن اهلل ـ ّ
هو مش ِر ٌك باهلل ال تنفعه شفاعة الشافعين ،فهؤالء يجهلون معنى الشفاعة الح ّقة والشفاعة الباطلة .
12
ولهذا قال الشيخ ـ رحمه اهلل ـ :
ض ُّر ُه ْم َواَل َيْن َفعُ ُه ْم َو َي ُقولُو َن َهُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤ نَا ِعْن َد اللَّ ِه﴾[يونس،]18: ودليلـ الشفاعةـ قوله تعالى﴿ :وي ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ
ون اللَّ ِه َما اَل يَ ُ ْ ََ ُ
والشفاعة شفاعتان:ـ شفاعةـ منفيّة وشفاعةـ مثبَتة:
فالشفاعةـ المنفيّة ما كانت تٌطلبـ من غير هللا فيما ال يقدر عليه إالّ هللا ،والدليل :قوله تعالىـ ﴿يَا
َأنف ُقوا ِم َّما َر َزقْنَا ُك ْم ِم ْن َق ْب ِل َأ ْن يَْأتِ َي َي ْو ٌم اَل َب ْي ٌع فِ ِيه َواَل ُخلَّةٌ َواَل َش َف َاعةٌ َوالْ َكافِ ُرو َن ُه ْم الظَّالِ ُمو َن﴾[البقرة.]254:
َُّأيها الَّ ِذين آمنُوا ِ
َ َ َ
رضي
َ والشفاعةـ المثبَتة هي :التي تُطلبـ من هللا ،والشّافع ُم ْك َر ٌم بالشفاعة ،والمشفوعـ له :من
هللا قوله وعملَـه بعد اإلذن كما قال تعالىـ ﴿ َم ْن ذَا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِعْن َدهُ ِإاَّل بِِإ ْذنِِه﴾[البقرة.]255:
ُ
الشرح :
الشفاعة لها شروط ولها قُيود ،ليست مطلَقة .
جل وعال ـ ،وهي الشفاعة بغير إذنه ـ سبحانه وتعالى ـ ،فال يشفع أحد عند اهلل فالشفاعة شفاعتان :شفاعة نفاها اهلل ـ ّ
يخر ساج ًدا بين يدي ربّهإالّ بإذنه ،وأفضل الخلق وخاتم النبيّين محمد إذا أراد أن يشفع ألهل الموقف يوم القيامة ّ
ويدعوه ويحم ُده ويُثني عليه ،وال يزال ساج ًدا حتى يُقال له (( :ارفع رأسك ،وقل تُ ْس َم ْع ،واشفع تُ َش َّف ْع )) ،فال يشفع
إال بعد اإلذن .
والشفاعة المثبتة هي التي تكون ألهل التوحيد ،فالمشرك ال تنفعه شفاعة ،والذي يقدِّم القرابين للقبور والنذور
13
للقبور هذا مشرك ال تنفعه الشفاعة .
وخالصة القول :أن الشفاعة المنفية هي التي تطلب بغير إذن اهلل ،أو تطلب لمشرك .
والشفاعة المثبتة هي التي تكون بعد إذن اهلل ،وألهل التوحيد .
قال:
ِّين ُكلُّهُ لِلَّ ِه﴾[األنفال.)).]39: ِ (( والدليل قوله تعالىَ ﴿ :وقَاتِلُ ُ
وه ْم َحتَّى اَل تَ ُكو َن ف ْتنَةٌ َويَ ُكو َن الد ُ
[ الشرح ]
عام
أي :الدليل على قتال المشركين من غير نفريق بينهم حسب معبوداتهم؛ قوله تعالى { :وقاتلوهم } ،وهذا ّ
عام،
يوجد شرك ،وهذا ّ لكل المشركين ،لم يستثني أح ًدا ،ثم قال { :حتى ال تكون فتنة } والفتنة :الشرك ،أي :ال َ
سواء الشرك في األولياء والصالحين ،أو باألحجار ،أو باألشجار ،أو بالشمس ،أو بالقمر . أي شركً ، َّ
{ ويكون الدين كلّه هلل } :تكون العبادة كلها هلل ،ليس فيها َش ِر َكةٌ ألحد كائنـًا َم ْن كان ،فال فرق بين الشرك
باألولياء والصالحين أو باألحجار أو باألشجار أو بالشياطين أو غيرهم .
15
قال:
(( ودليل الشمس والقمر قوله تعالىَ ﴿ :وم ْن آيَاتِه اللَّْي ُل َوالن َ
س َواَل لِ ْل َق َم ِر﴾[فصلت: س َوالْ َق َم ُر اَل تَ ْس ُج ُدوا لِ َّ
لش ْم ِ ار َو َّ ِ ِ
الش ْم ُ َّه ُ
.)).]37
[ الشرح ]
يسجد للشمس والقمر ،ولهذا نهى الرسول عن الصالة عند طلوع الشمس وعند غروبها دل على أ ّن هناك َمن ُ
ّ
نصلي في هذين الوقتين
َ يسجد للشمس عند طلوعها ويسجد لها عند غروبها ،فنهينا أ ْن ًّ
سدا للذريعة ،أل ّن هناك َمن ُ
وإ ْن كانت الصالة هلل ،لكن لَ ّما كان في الصالة في هذا الوقت مشابهة لفعل المشركين ُمنِ َع من ذلك ًّ
سدا للذريعة التي
تُفضي إلى الشرك ،والرسول جاء بالنهي عن الشرك وس ّد ذرائعه المفضية إليه .
16
قال:
((ودليل المالئكة قوله تعالى:ـ ﴿ َواَل يَ ُْأم َر ُك ْم َأ ْن َتت َِّخ ُذوا ال َْماَل ِئ َكةَ َوالنَّبِيِّ َين َْأربَابًا﴾[آل عمران.)) .]80:
[ الشرح ]
دل على أ ّن هناك َم ْن َعبد المالئكة والنبيّين ،وأن ذلك شرك .
ّ
وعبّاد القبور اليوم يقولون :الذي يعبد المالئكة والنبيّين والصالحين ليس بكافر .
17
قال:
َّاس اتَّ ِخ ُذونِي َو ُِّأمي ْت لِلن ِ يسى ابْ َن َم ْريَ َم َأ َ
َأنت ُقل َ (( ودليل األنبياء قوله تعالى﴿ :وِإ ْذ قَ َ َّ ِ
ال اللهُ يَا ع َ َ
نت ُقلْتُهُ َف َق ْد َعلِ ْمتَهُ َت ْعلَ ُم
س لِي بِ َح ٍّق ِإ ْن ُك ُ ك َما يَ ُكو ُن لِي َأ ْن َأقُ َ ون اللَّ ِه قَ َِإلَ َه ْي ِن ِمن ُد ِ
ول َما لَْي َ ال ُس ْب َحانَ َ ْ
وب﴾[المائدة.)) .]116: ت َعاَّل ُم الْغُيُ ِ
ك َأنْ َ َما فِي َن ْف ِسي َواَل َأ ْعلَ ُم َما فِي َن ْف ِس َ
ك ِإنَّ َ
[ الشرح ]
هذا فيه دليل على أن عبادة األنبياء شرك مثل عبادة األصنام .
ففيه ردٌّ على من ّ
فرق في ذلك من عبّاد القبور
يسوى عندهم بين َمن عبد األصنام وبين َمن
فهذا فيه ر ّد على هؤالء الذين يقولون :إن الشرك عبادة األصنام ،وال َّ
مقصور على عبادة األصنام فقط ،وهذا
ٌ عبد وليـّا أو رجالً صالحـًا ،وينكرون التسوية بين هؤالء ،ويزعمون أ ّن الشرك
من المغالَطة الواضحة من ناحيتين :
جل وعال ـ في القرآن أنكر على الجميع ،وأمر بقتال الجميع .
الناحية األولى :أ ّن اهلل ـ ّ
يفرق بين عابِ ِد ٍ
صنم وعابِد ملَك أو رجل صالح الناحية الثانية :أ ّن النبي لم ِّ
18
قال:
ِ (( ودليل الصالحين قوله تعالىُ﴿ :أولَِئ َ َّ ِ
ين يَ ْدعُو َن َي ْبَتغُو َن ِإلَى َربِّ ِه ْم ال َْوسيلَةَ َُّأي ُه ْم َأق َْر ُ
ب ك الذ َ ْ
َو َي ْر ُجو َن َر ْح َمتَهُ َويَ َخافُو َن َع َذابَهُ﴾ ...اآلية[اإلسراء.))57:
[ الشرح ]
(( ودليل الصالحين )) يعني :ودليل أ ّن هناك َمن عبد الصالحين من البشر :قوله ـ تعالى ـ { :أولئك الذين يدعون
زيرا ،فأخبر ـ سبحانه ـ أ ّن
وأمه وعُ ً
يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيُّهم أقرب } قيل :نزلت هذه اآلية فيمن يعبد المسيح ّ
يتقربون إلى اهلل ويرجون رحمته ويخافون عذابه ،فهم عبا ٌد محتاجون إلى زيرا كلهم عبا ٌد هللّ ،
المسيح وأمه مريم ،وعُ ً
ويتوسلون إليه بالطّاعة { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } يعني :ال ُقرب منه ـ سبحانه ـ بطاعته
ّ اهلل مفتقرون إليه يدعونه
بشر محتاجون فقراء ،يدعون اهلل ،ويرجون رحمته ،ويخافون عذابه، فدل على أنهم ال يصلُحون للعبادة ألنّهم ٌ وعبادتهّ ،
عز وجل ـ .
ومن كان كذلك ال يصلُح أن يُعبد مع اهلل ـ ّ َ
والقول الثاني :أنها نزلت في ٍ
ُأناس من المشركين كانوا يعبدون ن َف ًرا من الجن ،فأسلم الجن ولم يعلم هؤالء الذين
يتقربون إلى اهلل بالطاعة والضَّراعة ويرجون رحمته ويخافون عذابه ،فهم عبا ٌد محتاجون
يعبدونهم بإسالمهم ،وصاروا ّ
فقراء ال يصلُحون للعبادة .
سواء كانوا من األنبياء والصدِّيقين ،أو
تدل على أنه ال يجوز عبادة الصالحينً ، وأيـًّا كان المراد باآلية الكريمة فإنّها ّ
جل وعال ـ .
من األولياء والصالحين ،فال تجوز عبادتهم ،أل ّن ال ُكل عبا ٌد هلل فقراء إليه ،فكيف يُعبدون مع اهلل ـ ّ
يوصل إلى رضى اهلل
يوصل إلى المقصود .فالذي ِّ والوسيلة معناها :الطاعة وال ُقرب ،فهي في اللغة :الشيء الذي ِّ
وجنّته هو الوسيلة إلى اهلل ،هذه هي الوسيلة المشروعة في قوله تعالى { :وابتغوا إليه الوسيلة } .
المخرفون فيقولون :الوسيلة :أ ْن تجعل بينك وبين اهلل واسطة من األولياء والصالحين واألموات،
ِّ المحرفون
ِّ أما
تجعلهم واسطة بينك وبين اهلل
قال :
(( ودليل األحجار واألشجار قوله تعالى:ـ ﴿َأ َف َر َْأيتُ ْم الاَّل َت َوالْعَُّزى()َ 19و َمنَا َة الثَّالِثَةَ اُأْل ْخ َرى﴾[النجم.)).]20-19:
[ الشرح ]
في هذه اآلية دليل أ ّن هناك َمن يعبد األحجار واألشجار من المشركين .
فقوله { :أفرأيتهم } هذا استفهام إنكار ،أي :أخبروني ،من باب استفهام اإلنكار والتوبيخ .
بيت مبني ،وعليه ستائر،
صنم في الطائف ،وهو عبارة عن صخرة منقوشة ،عليها ٌ اسم ٍ{ الالت } ـ بتخفيف التاء ـ ُ :
عز وجل ـ ،وهي لثقيف وما واالهم من
يضاهي الكعبة ،وحوله ساحة ،وعنده َس َدنَة ،كانوا يعبدونها من دون اهلل ـ ّ
القبائلِ ،
يفاخرون بها .
السويق رجل صالح كان يلُ ُّ
ت َّ ت ) ،وهو ٌ : ت َيلُ ُّ َّ
الالت } ـ بتشديد التاء ـ اسم فاعل من ( لَ َّ وقُرئ { :أفرأيتم
عز وجل ـ ،هذاوأرخوا عليه الستائر ،فصاروا يعبدونه من دون اهلل ـ ّ فلما مات بنوا على قبره بيتـًاْ ،
للح ّجاجّ ،
ويُطعمه ُ
هو الالّت .
السلَم في وادي نخلة بين م ّكة والطائفَ ،ح ْولَها بناء وستائر ،وعندها َس َدنة ،وفيها
والعزى } :شجرات من َّ
{ ّ
الجهال أ ّن هذا الذي يكلّمهم هو نفس هذه الشجرات أو هذا البيت الذي بنوه مع أ ّن ويظن ّ
شياطين يكلّمون الناسّ ،
الذي تكلِّمهم هي الشياطين لتضلّهم عن سبيل اهلل ،وكان هذا الصنم لقريش وأهل م ّكة َ
ومن حولهم .
وكانت ل ُخزاعة واألوس
ْ { ومناة } :صخرة كبيرة في مكان يقع قريبـًا من جبل قُديد ،بين م ّكة والمدينة،
والخزرج ،وكانوا يح ِرمون من عندها بالحج ،ويعبدونها من دون اهلل .
ْ
فهذه األصنام الثالثة هي أكبر أصنام العرب .
20
ومناة } هل أغنتكم شيئـًا ؟ ،هل نفعتكم ؟ ،هل نصرتكم ؟ ،هل كانت
والعزى َ
قال اهلل ـ تعالى ـ { :أفرأيتم الالّت ّ
تخلق وترزق وتحيي
وتميت ؟ ،ماذا وجدتّم فيها ؟ ،هذا من باب اإلنكار وتنبيه العقول إلى أ ْن ترجع إلى رشدها ،فهذه إنما هي صخرات
وشجرات ليس فيها نفع وال ضر ،مخلوقة .
حرب إلى ( الالّت )المشرفة أرسل المغير بن ُشعبة وأبا سفيان بن ْ
ّ ولَ ّما جاء اهلل باإلسالم وفتح رسول اهلل م ّكة
العزى فهدمها وقطع األشجار وقتل الجنيّة التي
في الطائف فهدماها بأمر رسول اهلل ،وأرسل خالد بن الوليد إلى ّ
علي بن أبي طالب إلى ( َمناة ) فهدمها ِ
كانت فيها تخاطب الناس وتضلّهم ومحاها عن آخرها ـ والحمد هلل ـ ،وأرسل ّ
ومحاها ،وما أنقذت نفسها ،فكيف تُنقذ أهلها وعُبّادها { أفرأيتم الالت والعُ ّزى ومناة الثالثة األخرى } أين ذهبت ؟،
الموحدين ؟ .
ّ منعت نفسها من جنود اهلل وجيوشهل نفعتكم ؟ ،هل ْ
فهذا فيه دليل على أ ّن هناك َمن يعبد األشجار واألحجار ،بل إ ّن هذه األصنام الثالثة كانت هي أكبر أصنامهم ومع
الوجود ،وما دفعت عنها وال نفعت أهلها فقد غزاهم رسول اهلل وقاتلهم ولم تمنعهم أصنامهم، هذا محاها اهلل من ُ
استدل له الشيخ ـ رحمه اهلل ـ أ ّن هناك َمن يعبد األحجار واألشجار.
ّ فهذا فيه ما
يا سبحان اهلل ! بشر عقالء يعبدون األشجار واألحجار الجامدة التي ليس فيها عقول وليس فيها حركة وال حياة،
كبيرا.
علوا ًعما يقولون ًّ
أين عقول البشر ؟ ،تعالى اهلل ّ
قال:
(( وحديث أبي واق ٍد الليثي قال :خرجنا مع النبي إلىـ ُحنين ونحنُ حدثاء عه ٍـد بكفر ،وللمشركين
سدرة يعكفونـ عندها وينوطونـ بها أسلحتهم يقال لها :ذات أنواط ،فمررنا بسدرة فقلنا :يا رسول
هللا إجعل لناـ ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ...الحديث.)).
21
[ الشرح ]
عن أبي واقد الليثي ـ رضي اهلل عنه ـ وكان ممن أسلم عام الفتح على المشهور سنة ٍ
ثمان من الهجرة ـ يقال لها ّ
بعض
للتبرك بها ،فقال ُذات تعاليق ،يعلِّقون بها أسلحتهم ّ
ذات أنواط ) ،واألنواط جمع نوط وهو :التعليق ،أي ُ : ( ُ
ولم يعرفوا التوحيد تمامـًا .
الصحابة الذين أسلموا قريبـًا ْ
تعجب ذات أنواط ) ،وهذه بليّة التقليد والتشبُّه ،وهي من أعظم الباليا ،فعند ذلك ّ ذات أنواط كما لهم ُ ( اجعل لنا َ
النبي وقال (( :اهلل أكبر! ،اهلل أكبر! ،اهلل أكبر! )) ،وكان إذا أعجبه شيء أو استنكر شيئـًا فإنّه يكبِّر أو يقول :
(( سبحان اهلل )) ِّ
ويكرر ذلك .
السنَن )) أي :الطُُرق التي يسلُكها الناس ويقتدي بعضهم ببعض ،فالسبب الذي حملكم على هذا هو اتّباع (( إنها ُّ
األولين والتشبُّه بالمشركين .
سنن ّ
(( قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كمـا قـالت بنوا إسـرائيل لموسى { :اجعل لنا إلهـًا كما لهم آلهة قال إنكم ٌ
قوم
مروا علىعدوهم فيه وهم ينظرونّ ، لما تجاوز البحر ببني إسرائيل وأغرق اهلل ّ تجهلون } )) .موسى ـ عليه السالم ّ
أصنام لهم من المشركين ،فقال هؤالء لموسى ـ عليه السالم ـ { :اجعل لنا إلهـًا كما لهم آلهةً قال ُأناس يع ُكفون على ٍ ٍ
وباطل ما كانوا يعملون } ألنّه
ٌ قوم تجهلون } أنكر عليهم وقال { :إ ّن هؤالء ُمتََّب ٌر ما هم فيه } يعني :باطل{ ، إنكم ٌ
ضلكم على العالَمين } أنكر عليهم ـ عليه الصالة والسالم ـ كما أ ّن نبيّنا محم ًدا أغير اهلل أبغيكم إلهـًا وهو ف ّ
شرك { ،قال َ
أنكر على هؤالء ،ولكن هؤالء وهؤالء لم يشركوا ،فبنوا إسرائيل لَ ّما قالوا هذه المقالة لم يُشركوا ألنّهم لم
ولكن اهلل حماهم ،لَ ّما نهاهم نبيّهم انتهوا ،وقالوا هذه
يفعلوا ،وكذلك هؤالء الصحابة لو اتّخذوا ذات أنواط ألشركوا ّ
عز وجل ـ . ِ
فلما علموا أنها شرك انتهوا ولم ين ّفذوا ،ولو ن ّفذوا ألشركوا باهلل ـ ّ
تعمدّ ،
المقالة عن جهل ،ما قالوها عن ُّ
شاهد من اآلية :أ ّن هناك َمن يعبد األشجار ،أل ّن هؤالء المشركين اتّخذوا ذات أنواط ،وحاول هؤالء الصحابة
فال ّ
الذين لم يتم ّكن العلم من قلوبهم حاولوا أن يتشبّهوا بهم لوال أ ّن اهلل حماهم برسوله .
تقربـًا إليها .فالعُكوف
يتبرك باألشجار ويع ُكف عندها ،والعكوف معناه :البقاء عندها م ّدة ُّ
الشاهد :أ ّن هناك َمن ّ
هو :البقاء في المكان .
فدل هذا على مسائل عظيمة :
ّ
ي أ ْن يقع في الشرك وهو ال يدري ،ومن يجهل التوحيد َح ِر ٌّ
ُ المسألة األولى :خطر الجهل بالتوحيد ،فإ ْن َم ْن كان
يضاده من الشرك حتى يكون اإلنسان على بصيرة لئال يُؤتى من جهله ،ال سيّما إذا هنا يجب تعلُّم التوحيد ،وتعلُّم ما ّ
خطر الجهل ،ال سيّما في أمور العقيدةرأى من يفعل ذلك فيحسبُه حقـًّا بسبب جهله ،ففيه ُ :
بقوم فهو منهم ))،ثانيـا :في الحديث خطر التشبُّه بالمشركين ،وأنه قد يؤدِّي إلى الشرك ،قال (( : من تشبه ٍ
ّ ّ ُ ً
22
فال يجوز التشبُّه بالمشركين .
شرك وإ ْن ُس ِّمي بغير اسمه ،ألنه طلب البركة من غير اهلل من
التبرك باألحجار واألشجار واألبنية ٌ
المسألة الثالثة :أ ّن ُّ
سموه بغير اسم الشرك . األحجار واألشجار وال ُقبور واألضرحة ،وهذا شرك وإ ْن ّ
قال:
القاعدةـ الرابعة :أنّ مشركي زماننا أغلظ شركـًا من األ ّولين،ـ ألنّ األ ّولينـ يُشركون في الرخاء
ويُخلصونـ في الشدّة،ـ ومشركوا زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدّة.ـ والدليلـ قوله تعالى﴿ :فَِإ ذَا
ِّين َفلَ َّما نَ َّج ُاه ْم ِإلَى الَْب ِّر ِإذَا ُه ْم يُ ْش ِر ُكو َن﴾[العنكبوت.]65: ِِ ِ ِ ِ
َركبُوا في الْ ُفلْك َد َع ْوا اللَّهَ ُم ْخلص َ
ين لَهُ الد َ
[ الشرح ]
األولين الذين بُعث إليهم رسول اهلل .
أعظم شركـًا من ّ
القاعدة الرابعة ـ وهي األخيرة ـ :أ ّن مشركي زماننا ُ
جل وعال ـ أخبر أن المشركين األولين يُخلصون هلل إذا اشت ّد بهم األمر ،فال والسبب في ذلك واضح :أ ّن اهلل ـ ّ
الضر في البحر مسكم ّ عز وجل ـ لعلمهم أنّه ال يُنقذ من الشدائد إالّ اهلل كما قال ـ تعالى ـ { :وإذا ّ
يدعون غير اهلل ـ ّ
ـورا } ،وفي اآلية األخرى { :وإذا غَ ِشَي ُه ْم
البر أعرضـتم وكـان اإلنسـان كـف ً
نجاكم إلى ّ فلما ّ
ضل َمن تدعون إالّ إياه ّ
ّ
نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } ،وفي دعوا اهلل مخلصين له الدين } يعني :مخلصين له الدعاء { ،فلما ّ موج كالظُّلَل ُ
ٌ
فاألولون يُشركون في الرخاء ،يدعون األصنام واألحجار نجاهم إلى البر إذا هم يُشركون }ّ ، اآلية األخرى { :فلما ّ
حجرا وال أي مخلوق، شجرا وال ً
واألشجار .أما إذا وقعوا في ش ّدة وأشرفوا على الهالك فإنهم ال يدعون صنمـًا وال ً
غيره في ِّ
جل وعال ـ فكيف يُدعى ُ وإنما يدعون اهلل وحده ـ سبحانه وتعالى ـ ،فإذا كان ال يخلص من الشدائد إالّ اهلل ـ ّ
الرخاء .
دائم في
األمة المحمديّة فإ ّن شركهم ٌ أما مشركوا هذا الزمان يعني :المتأ ّخرين الذين حدث فيهم الشرك من هذه ّ
الرخاء والش ّدة ،ال يُخلصون هلل وال في حالة الش ّدة ،بل كلما اشت ّد بهم األمر اشت ّد شركهم ونداؤهم للحسن والحسين
والرفاعي وغير ذلك ،هذا شيء معروف ،ويُذكر عنهم العجائب في البحار ،أنهم إذا اشت ّد بهم األمروعبد القادر ِّ
23
صاروا يهتفون بأسماء األولياء
عز وجل ـ ،أل ّن دعاة الباطل والضالل يقولون لهم :نحن ننقذكم من والصالحين ويستغيثون بهم من دون اهلل ـ ّ
ونحن ننقذكم .كما يُروى هذا عن مشايخ الطُّرق الصوفية ،واقرءوا ـ إ ْن ُ البِحار ،فإذا أصابكم شيء اهتفوا بأسمائنا
يسميه كرامات األولياء ،وأنهم ينقذون من البحار ،وأنه مما ّ تقشعر منه الجلود ّ
ّ شئتم ـ (( طبقات الشعراني )) ففيها ما
يم ّد يده إلى البحر ويحمل المر َكب كله ويُخرجه إلى البر وال َتَتنَ َّدى أكمامه ،إلى غير ذلك من ُت َّر َهاتهم و ُخرافاتهم،
األولين .
فشركهم دائم في الرخاء والش ّدة ،فهم أغلظ من المشركين ّ
وأيضـًا ـ كما قال الشيخ في (( كشف الشبهات )) ـ :من وجه آخر ـ :أ ّن ّ
األولين يعبدون ُأناسـًا صالحين من
يسمونهم األقطاب
المالئكة واألنبياء واألولياء ،أما هؤالء فيعبدون ُأناسـًا من أفجر الناس ،وهم يعترفون بذلك ،فالذين ّ
يتنزهون عن الزنا واللواط والفاحشة ،ألنهم بزعمهم ليس عليهم تكاليف،
واألغواث ال يصلّون ،وال يصومون ،وال ّ
فليس عليهم حرام وال حالل ،إنما هذا للعوام فقط .وهم يعترفون أ ّن سادتهم ال يصلّون وال يصومون ،وأنهم ال
والرفاعي،
يتورعون عن فاحشة ،ومع هذا يعبدونهم ،بل يعبدون ُأناسـًا من أفجر الناس :كالحالّج ،وابن عربيّ ، ّ
والبدوي وغيرهم .
األولين يُخلصون في
األولين ،أل ّن ّ
ظ شركـًا من ّ وقد ساق الشيخ الدليل على أ ّن المشركين المتأ ّخرين أعظم وأغل ُ
الش ّدة ويُشركون في الرخاء ،فاستدل بقوله تعالى { :فإذا ركِبوا في ال ُفلْك دعوا اهلل مخلصين له الدين } .
وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد ،وآله وصحبه أجمعين .
24