You are on page 1of 10

‫األثر المشهور عن اإلمام مالك‬

‫رحمه هللا‬
‫في صفة االستواء‬
‫دراسة تحليلية‬
‫بقلم‬
‫عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫إنَّ الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيّئات‬
‫ل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬ ‫أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مض ّ‬
‫ن محمداً عبده ورسوله‪.‬‬ ‫شريك له‪ ،‬وأشهد أ ّ‬
‫مونَ }‪.‬‬ ‫سلِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن إال َّ وأن ُتم ُ‬ ‫موتُ َّ‬ ‫ه وال تَ ُ‬ ‫ق تُقَاتِ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م ُنوا اتَّقُوا هللا َ‬ ‫ِين آ َ‬ ‫{يَأيُّ َها الذ َ‬
‫ث‬‫جها وبَ َّ‬ ‫م ْنها َز ْو َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ح َد ٍة و َ‬ ‫ْس وا ِ‬ ‫قكُم مِن نَف ٍ‬ ‫خل َ َ‬ ‫كم ال َّذي َ‬ ‫الناس اتّقُوا ربَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫{يأيّها‬
‫هللا كان عَ لَ ْيك ْ‬
‫ُم‬ ‫َ‬ ‫نَّ‬ ‫ِإ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫حا‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َأل‬‫وا‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ُونَ‬ ‫ل‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َس‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِي‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫هللا‬
‫َ‬ ‫ُوا‬ ‫ق‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ء‬‫ً‬ ‫ِسا‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ِير‬ ‫ث‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م ْن ُهما ِرجاال ً‬ ‫ِ‬
‫َرقِيباً}‪.‬‬
‫كم ويَ ْغ ِف ْر لَ ْ‬
‫كم‬ ‫ُم َأعْ مالَ ْ‬ ‫صلِحْ لَك ْ‬ ‫سدِيداً ُي ْ‬ ‫ق ْوال ً َ‬ ‫هللا وقُولُوا َ‬ ‫َ‬ ‫م ُنوا اتَّقُوا‬ ‫ِين َءا َ‬ ‫{يََأيُّ َها الَّذ َ‬
‫ف ْوزاً عَ ظِيماً}‪.‬‬ ‫فا َز َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫سولَ ُ‬ ‫هللا و َر ُ‬ ‫َ‬ ‫طع ِ‬ ‫من ُي ِ‬ ‫ُم و َ‬ ‫ذُنوبَك ْ‬
‫أما بعد‪ ،‬فال ريب في عِظم فضل وكبر شرف العلم بأسماء هللا وصفاته الواردة في كتابه‬
‫وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم وفهمها فهماً صحيحاً سليماً بعيداً عن تحريفات المحرّفين‬
‫ل معلوم وأعظمه‬ ‫ج َّ‬ ‫ع لشرف معلومه‪ K،‬وما من ريب أنَّ أ َ‬ ‫وتأويالت الجاهلين؛‪ K‬إذ إنَّ شرف العلم تاب ٌ‬
‫الحق المبين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الملك‬ ‫واألرضين‪،‬‬ ‫السموات‬ ‫وم‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫وق‬ ‫العالمين‪،‬‬ ‫وأكبره هو هللا الذي ال إله إال ّ هو رب‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫{‬ ‫كماله‬ ‫في‬ ‫وتشبيه‬ ‫تمثيل‬ ‫ل‬
‫ِّ‬ ‫ك‬ ‫وعن‬ ‫ونقص‪،‬‬ ‫عيب‬ ‫ل‬
‫الموصوف بالكمال كل ّه‪ ،‬المن َّزه عن ِ ّ‬
‫ك‬
‫ُم َأ ْز َواجًا‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َأ‬ ‫ِن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬
‫َ ْ ِ َ َ‬ ‫ج‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َّ َ َ‬ ‫الس‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ه ُأن ُ‬
‫ِيب‬ ‫ت َوِإلَ ْي ِ‬ ‫ك ْل ُ‬ ‫و َّ‬ ‫ه تَ َ‬‫هللا َربِ ّي عَ لَ ْي ِ‬ ‫ُ‬
‫ِيع البَصِي ُر}‪.1‬‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫و‬ ‫هُ‬
‫َ ْ ٌ َ َ‬ ‫و‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ث‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س‬
‫ْ َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ُؤ‬ ‫ر‬
‫َ َ‬‫ْ‬
‫ذ‬ ‫ي‬ ‫ًا‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫م َأ ْ َ‬
‫و‬ ‫ز‬ ‫ِن اَأل ْنعَا ِ‬ ‫َوم َ‬
‫ل العلوم وأفضلُها وأشرفُها‪،‬‬ ‫ج ُّ‬ ‫وال ريب أنَّ العلم باهلل تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله أ َ‬
‫ونسبة ذلك إلى سائر العلوم كنسبة معلومه إلى سائر المعلومات‪ ،‬والعلم به – سبحانه ‪ -‬هو‬
‫ل علم‪ ،‬وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته‪ ،‬والجهل به مستلزم‬ ‫أصل ك ِ ّ‬
‫للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به‪ ،‬فالعلم به – سبحانه ‪ -‬عنوان سعادة العبد في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬والجهل به أصل شقاوته في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن عرف هللا عرف ما سواه‪ ،‬ومن‬
‫م‬ ‫نساهُ ْ‬ ‫فَأ َ‬ ‫هللا َ‬‫َ‬ ‫َسوا‬ ‫ِين ن ُ‬ ‫جهل ربّه فهو لما سواه أجهل‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ { :‬وال َ تَكُونُوا كالَّذ َ‬
‫نسي ربَّه أنساه ذاتَه‬ ‫َ‬ ‫م}‪ ،2‬وقد دل ّت هذه اآلية على معنى شريف عظيم‪ ،‬وهو أنَّ من‬ ‫ُس ُه ْ‬ ‫َأنف َ‬
‫ونفسه فلم يعرف حقيقته وال مصالحه‪ ،‬بل نسي ما به صالحه وفالحه في معاشه ومعاده فصار‬ ‫َ‬
‫معطَّال ً مهمال ً‪.3‬‬
‫ل مسلم‪ ،‬وقد‬ ‫ولهذا فإنَّ العناية بفهم هذا العلم وضبطه وعدم الغلط فيه أمر متأكّد على ك ِ ّ‬
‫مة المسلمين‪ ،‬الصحابة ومن تبعهم بإحسان على نهجٍ واح ٍد في هذا العلم وعلى طريقة‬ ‫كان أئ ّ‬
‫واحدة‪ ،‬ليس بينهم في ذلك نزاع وال خالف‪" ،‬بل كلُّهم [بحمد هللا] على إثبات ما نطق به الكتاب‬
‫والسنة كلم ًة واحد ًة من أوّلهم إلى آخرهم‪ ،‬لم يسوموها تأويالً‪ ،‬ولم يحرّفوها عن موضعها تبديالً‪،‬‬
‫أحد‬
‫ٌ‬ ‫ولم ُيبدوا لشيء منها إبطاالً‪ ،‬وال ضربوا لها أمثاالً‪ ،‬ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها‪ ،‬ولم يقل‬
‫منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها‪ ،‬بل تل ّقوها بالقبول والتسليم‪ ،‬وقابلوها‬
‫باإليمان والتعظيم‪ ،‬وجعلوا األمر فيها كل َّها أمراً واحداً‪ ،‬وأج َر ْوها على سنن واحد‪ ،‬ولم يفعلوا كما‬
‫فعل أهل األهواء والبدع حيث جعلوا القرآن عِضين‪ ،‬وأقرّوا ببعضها وأنكروا بعضَها من غير فُرقان‬
‫مبين"‪.4‬‬
‫ب عنها توحيدا‪ ،‬وجعلوا إثباتها‬ ‫ً‬ ‫بل زاد المعط ِّلة على ذلك فجعلوا جحد الصفات وتعطيل الر ّ‬
‫موا‬ ‫موا الباطل باسم الحق ترغيباً فيه‪ ،‬وزخرفاً ينفقونه به‪ ،‬وس ّ‬ ‫هلل تشبيهاً وتجسيماً وتركيباً‪ ،‬فس ّ‬
‫الحق باسم الباطل تنفيراً عنه‪ ،‬والناس أكثرهم مع ظاهر السكّة‪ ،‬ليس لهم نقد الن ّقاد ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫َّ‬
‫وال يأمن جانب الغلط في هذا الباب الخطير من ال يتعرّف على نهج السلف ويسلك‬
‫طريقتهم‪ ،‬فهي طريقة سالمة مأمونة مشتملة على العلم والحكمة‪ ،‬وكالمهم في التوحيد وغيره‬
‫ظ ّمون النصوص‪ ،‬ويعرفون لها حرمتها‪ ،‬ويقفون عندها‪ ،‬وال‬ ‫كثير البركة‪ ،6‬فهم ال يتكل ّفون‪ K،‬بل يع ِ‬ ‫ُ‬ ‫قليل‬
‫ٌ‬

‫‪1‬‬
‫سورة الشورى‪ K،‬اآليتان‪.)10،11( :‬‬

‫‪ 2‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية‪.)19( :‬‬

‫‪ 3‬انظر‪ :‬مفتاح دار السعادة البن القيّم (ص‪.)86:‬‬

‫‪ 4‬إعالم الموقعين (‪.)1/49‬‬

‫‪ 5‬انظر‪ :‬مدارج السالكين البن القيم (‪.)1/26،27‬‬


‫ج ٍد أو غير ذلك‪.‬‬ ‫يتجاوزونها برأي أو عقل أو َو ْ‬
‫ل زمان بقايا منهم‬ ‫ِّ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫هللا‬ ‫بحمد‬ ‫يزال‬ ‫وال‬ ‫األثبات‪،‬‬ ‫والشهود‬ ‫العدول‬ ‫األئمة‬
‫ُ‬ ‫بحق‬
‫ٍّ‬ ‫فهم‬
‫ل إلى الهدى‪ ،‬ويصبرون منهم على األذى‪ُ ،‬يحيون بكتاب هللا الموتى‪ ،‬ويبصِّرون بنور‬ ‫"يدعون من ض َّ‬
‫ه قد هدوه‪ ،‬فما أحسن أثرهم‬ ‫ل تائ ٍ‬ ‫ل العمى‪ ،‬فكم من قتيل إلبليس قد أحيوه‪ ،‬وكم من ضا ٍ ّ‬ ‫هللا أه َ‬
‫على الناس وأقبح أثر الناس عليهم‪ ،‬ينفون عن عباد هللا تحريف الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل‬
‫الجاهلين‪ ،‬الذين عقدوا ألوية البدعة‪ ،‬وأطلقوا عِقال الفتنة‪ ،‬فهم مختلفون في الكتاب‪ ،‬مخالفون‬
‫للكتاب‪ ،‬مجمعون على مفارقة الكتاب‪ ،‬يقولون على هللا‪ ،‬وفي هللا‪ ،‬وفي كتاب هللا بغير علم‪،‬‬
‫هال الناس بما يشبّهون عليهم‪ ،‬فنعوذ باهلل من فتن‬ ‫يتكل ّمون بالمتشابه من الكالم‪ ،‬ويخدعون ج ّ‬
‫المضل ّين"‪.7‬‬
‫ولهذا فإنَّ دراسة آثار هؤالء وأقوالهم المنقولة عنهم في نصر السنة وتقرير التوحيد والردّ‬
‫الحق والباطل‪ K،‬والسنة والبدعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫د من أنفع ما يكون لطالب العلم‪ ،‬للتمييز بين‬ ‫على أهل األهواء ُيع ّ‬
‫والهدى والضالل؛ ألنَّ هؤالء األئمة قد مضوا في معتقدهم على ما كان عليه رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم وصحابته من بعده‪ ،‬فهم بنبيّهم محمد صلى هللا عليه وسلم مقتدون‪ ،‬وعلى منهاجه‬
‫سالكون‪ K،‬ولطريقته مقتفون‪ ،‬وعن األهواء والبدع المضل ّة معرضون‪ ،‬وعلى الصراط المستقيم‬
‫طالعت‬
‫َ‬ ‫الالحق بالسابق ؛ ولهذا "لو‬‫ُ‬ ‫جة البيضاء سائرون‪ ،‬يوصي بذلك أولُهم آخ َرهم‪ ،‬ويقتدي‬ ‫والمح ّ‬
‫جميع كتبهم المصنّفة من أوّلهم إلى آخرهم‪ ،‬قديمهم وحديثهم ‪ -‬مع اختالف بلدانهم وزمانهم‪،‬‬
‫ل واحد منهم قطراً من األقطار ‪ -‬وجدتَهم في بيان االعتقاد‬ ‫وتباعد ما بينهم في الديار‪ ،‬وسكون ك ّ‬
‫ط واحد‪ ،‬يجرون فيه على طريقة واحدة‪ ،‬ال يحيدون عنها‪ ،‬وال يميلون فيها‪،‬‬ ‫على وتيرة واحدة ونم ٍ‬
‫ل‪ ،‬بل لو‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫وإن‬ ‫ما‬ ‫شيء‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ق‬ ‫ّ‬ ‫تفر‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬‫ً‬ ‫ا‬ ‫اختالف‬ ‫بينهم‬ ‫ترى‬ ‫ال‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫ونقلهم‬ ‫قولهم في ذلك واحد‪،‬‬
‫ع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنّه جاء من قلب واحد‪ ،‬وجرى‬ ‫جمعت جمي َ‬
‫َ‬
‫‪8‬‬
‫لسان واحد" ‪ ،‬والسبب في ذلك هو لزوم الجميع سنة النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫عدهم عن األهواء والبدع‪ ،‬فهم كما قال األوزاعي ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬ندور مع السنة حيث دارت"‪،9‬‬ ‫وب ُ‬
‫ُ‬
‫فهذا شأنهم وديدنُهم‪ ،‬يدورون مع السنة حيث دارت نفياً أو إثباتاً‪ ،‬فال يثبتون إال َّ ما ثبت في الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وال ينفون إال َّ ما نفي في الكتاب والسنة‪ ،‬ال يتجاوزون القرآن والحديث‪.‬‬
‫وهؤالء األئمة لم يك ّفوا عن الخوض‪ K‬فيما خاض فيه من سواهم لعجز منهم عن ذلك أو‬
‫لضعف وعدم قدرة بل األمر كما قال عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رحمه هللا ‪..." :-‬فإنَّ السابقين عن علم‬
‫وقفوا‪ K،‬وببصر نافذ ك ّفوا‪ ،‬وكانوا هم أقوى على البحث ولم يبحثوا"‪ .10‬ومن كان على نهج هؤالء فهو‬
‫في طريق آمنة وسبيل سالمة‪ ،‬قال محمد بن سيرين ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬كانوا يقولون‪ :‬إذا كان الرجل‬
‫على األثر فهو على الطريق"‪.11‬‬
‫دم دراسة ألحد اآلث‪KK‬ار‬ ‫ولما كان األمر بهذه المثابة وعلى هذا القدر من األهمية أحببت أن أق ّ‬
‫المرويّة عن السلف الصالح ‪ -‬رحمهم هللا ‪ -‬في تقرير التوحيد وردّ البدع واأله‪KK‬واء؛ ليك‪KK‬ون ‪ -‬إن ش‪KK‬اء‬
‫ني ب‪KK‬ذلك من‬ ‫هللا ‪ -‬أنموذجاً للتدليل على عِظم فائدة العناية بآثار السلف وعظم م‪KK‬ا يحص‪KK‬له من ُع‪َ K‬‬
‫فوائد وثمار ومنافع‪.‬‬
‫ولهذا نشطت في إعداد هذه الدراسة لألثر المشهور عن اإلمام مالك ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬عند ما‬
‫وى} كيف استوى؟‪ ،‬فتأث ّر مالك –‬ ‫اس َت َ‬ ‫ع ْرشِ ْ‬ ‫ن عَ لَى ال َ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬
‫جاءه رجل وقال له‪ :‬يا أبا عبد هللا {ال َّر ْ‬
‫رحمه هللا ‪ -‬من هذه المسألة الشنيعة وعاله الرحضاء [أي ال َع َرق]‪ ،‬وقال في إجابته لهذا السائل‪:‬‬
‫"االستواء غير مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول‪ ،‬واإليمان به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة"‪ ،‬وأمر بالسائل‬
‫جليل الفائدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عظيم النفع‬
‫ُ‬ ‫أن ُيخرج من مجلسه‪ ،‬وهو أثر‬
‫جعت لتقديم هذه الدراسة لهذا األثر خاصة في‬ ‫م الدوافع التي ش ّ‬ ‫دِد أه ّ‬ ‫ويمكن أن أح ّ‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬أنَّ هذا األثر قد تل ّقاه الناس بالقبول‪ ،‬فليس في أهل السنة والجماعة من ينكره‪ ،‬كما‬
‫‪12‬‬
‫مو به واستجودوه‬ ‫يذكر ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه هللا ‪ ، -‬بل إنَّ أهل العلم قد ائت ّ‬
‫واستحسنوه‪.13‬‬

‫انظر‪ :‬مدارج السالكين (‪ ،)1/139‬وشرح العقيدة الطحاوية (ص‪.)19‬‬ ‫‪6‬‬


‫دمة كتاب الردّ على الزنادقة والجهمية لإلمام أحمد بن حنبل‪.‬‬‫‪ 7‬مقتبس من مق ّ‬
‫‪ 8‬الحجة للتيمي (‪ ،)2/224،225‬وهو من كالم أبي المظفر السمعاني‪.‬‬

‫‪ 9‬رواه الاللكائي في شرح االعتقاد (‪.)1/64‬‬

‫‪ 10‬رواه ابن بط ّة في اإلبانة (‪.)1/321‬‬

‫‪ 11‬رواه ابن بطة في اإلبانة (‪.)1/357‬‬

‫‪ 12‬مجموع الفتاوى (‪.)13/309‬‬

‫‪ 13‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)5/520‬‬


‫ده استيعاباً ؛ َألنَّ فيه نبذ التكييف‬ ‫ثانياً‪ :‬أنَّه من أنبل جواب وقع في هذه المسألة وأش ّ‬
‫وإثبات االستواء المعلوم في اللغة على وجه يليق باهلل عز وجل‪.14‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أنَّ قوله هذا ليس خاصّاً بصفة االستواء‪ ،‬بل ه‪KK‬و بمثاب‪KK‬ة القاع‪KK‬دة ال‪KK‬تي يمكن أن تُق‪KK‬ال‬
‫في جميع الصفات‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬محاولة أهل البدع في القديم والحديث تبديل معناه وتحريف مراده بطرق متكل ّفة‬
‫وسبل مختلفة‪.‬‬
‫هال المعاصرين التشكيك في ثبوته والطعن في أسانيده‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ج‬ ‫أحد‬ ‫محاولة‬ ‫خامساً‪:‬‬
‫متهم‬ ‫ّ‬ ‫أئ‬ ‫بمذهب‬ ‫العناية‬ ‫إلى‬ ‫َّقوا‬
‫ف‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫الفروع‬ ‫في‬ ‫األئمة‬ ‫أتباع‬ ‫بعض‬ ‫أنَّ‬ ‫إلى‬ ‫التنبيه‬ ‫‪:‬‬‫سادساً‬
‫في األصول‪ ،‬ولهذا ترى في بعض من يتعصّبون إلى مذهب اإلمام مالك ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في الفروع‬
‫من يخالفه في أصول الدين‪ ،‬ويفارقه في أساس المعتقد بسبب غلبة األهواء وانتشار البدع‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من األسباب‪ ،‬وقد جعلت هذه الدراسة بعنوان‪:‬‬
‫األثر المشهور عن اإلمام مالك ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في صفة االستواء‬
‫دراسة تحليلية‬
‫أما الهدف من هذه الدراسة فهي إعطاء هذا األثر مكانته الالئقة به واستخراج الدروس‬
‫والقواعد العلمية المستفادة منه‪ ،‬والردّ على تحريفات المناوئين‪ ،‬وتشكيكات المحرّفين‪.‬‬
‫وقسمته إلى تمهيد وأربعة فصول وخاتمة على النحو التالي‪:‬‬
‫التمهيد‪ ،‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ترجمة موجزة لإلمام مالك بن أنس ‪ -‬رحمه هللا ‪.-‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬في ذِكر معتقد أهل السنة والجماعة في صفة االستواء بإيجاز‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬في بيان أهمية القواعد وعِظم نفعها في معرفة صفات الباري‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬في تخريج هذا األثر‪ ،‬وبيان ثبوته‪ K،‬وذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة‬
‫وأقوال السلف الصالح‪ ،‬وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تخريج األثر‪ ،‬وبيان ثبوته عن اإلمام مالك‬
‫‪ -‬رحمه هللا ‪.-‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ذكر الشواهد عليه من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ما جاء عن السلف الصالح‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬ذكر نظائر هذا األثر م ّ‬
‫المبحث الرابع‪ :‬ذكر كالم أهل العلم في التنويه‪ K‬بهذا األثر‪ ،‬وتأكيدهم على أهميّته‪ ،‬وجعله‬
‫قاعدة من قواعد توحيد األسماء والصفات‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬في ذكر معنى هذا األثر‪ ،‬وبيان مدلوله وما ُيستفاد منه من ضوابط في‬
‫توحيد األسماء والصفات‪ ،‬وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬في معنى قوله‪" :‬االستواء غير مجهول" والضوابط المستفادة منه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬في معنى قوله‪" K:‬الكيف غير معقول" والضوابط المستفادة منه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬في معنى قوله‪" K:‬اإليمان به واجب" والضوابط المستفادة منه‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬في معنى قوله‪" K:‬السؤال عنه بدعة" والضوابط المستفادة منه‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬في إبطال تحريفات أهل البدع لهذا األثر‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬في ذكر فوائد عامة مأخوذة من هذا األثر‪ ،‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ذكر ما في قولهم‪" :‬حتى عاله الرّحضاء" من فائدة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ذكر ما في قوله‪" :‬ما أراك إال َّ مبتدعاً" من فائدة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ذكر ما في قوله‪" :‬أخرجوه عنِّي" من فائدة‪.‬‬
‫م نتائجه‪.‬‬‫الخاتمة‪ :‬وفيها خالصة البحث وأه ّ‬
‫هذا وإني أسأل هللا الكريم أن يتقبّل مني هذا العمل بقبول حسن‪ ،‬وأن يجعله لوجهه‬
‫مالك ولجميع أئمة المسلمين‪ ،‬وللمسلمين‬ ‫ٍ‬ ‫ي ولإلمام‬‫خالصاً‪ ،‬وللحق موافقاً‪ ،‬وأن يغفر لي ولوالد ّ‬
‫والمسلمات‪ ،‬والمؤمنين والمؤمنات األحياء منهم واألموات‪ ،‬إنَّه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫م‪K‬ة بين يدي‪K‬ه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المه‬ ‫األم‪K‬ور‬ ‫بعض‬ ‫ب‪K‬ذكر‬ ‫‪K‬د‬‫ه‬‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ُأ‬ ‫أن‬ ‫الموض‪K‬وع‬ ‫في‬ ‫الشروع‬ ‫قبل‬ ‫الحسن‬ ‫من‬ ‫لعل‬
‫وذلك من خالل المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ترجمة موجزة لإلمام مالك بن أنس ‪ -‬رحمه هللا ‪.15-‬‬
‫أوالً‪ :‬نسبه‪:‬‬
‫جة األمة‪ ،‬إمام دار الهجرة‪ ،‬أبو عبد هللا مالك بن أنس بن مالك بن أبي‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫اإلسالم‪،‬‬ ‫هو شيخ‬
‫خثيل بن َعمرو بن الحارث‪ ،‬وهو ذو أصبح بن عوف بن‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫غيمان‬ ‫بن‬ ‫الحارث‬ ‫بن‬ ‫عامر بن َعمرو‬
‫داد بن زرعة‪ K،‬وهو حِمير األصغر‪ ،‬الحِميري ثم األصبحي المدني‪ ،‬حليف بني‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫بن‬ ‫مالك بن زيد‬
‫تَيم من قريش‪ ،‬فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد هللا أح ِد العشرة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)5/520‬‬

‫‪ 15‬وهي مل ّ‬
‫خصة من سير أعالم النبالء للذهبي (‪ 8/48‬وما بعدها)‪ ،‬وللوقوف على مص‪KK‬ادر ترجم‪KK‬ة اإلم‪KK‬ام‬
‫دمة‪.‬‬
‫مالك انظر هامش السير‪ ،‬الصفحة المتق ّ‬
‫وأمُّه هي عالية بنت شريك األزدية‪.‬‬
‫سهيل نافع‪ ،‬وُأويس‪ ،‬والربيع‪ ،‬والنضر‪ ،‬أوالد أبي عامر‪.‬‬ ‫وأعمامه هم‪ :‬أبو ُ‬
‫ثانياً‪ :‬مولده‪:‬‬
‫قال الذهبي ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬مولد مالك على األصح في سنة ثالث وتسعين‪ ،‬عام موتِ‬
‫مل"‪.‬‬ ‫صون ورفاهية وتج ّ‬ ‫أنس خادم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ونشأ في َ‬
‫ثالثاً‪ :‬نشأته وطلبه للعلم‪:‬‬
‫ه‪KK‬ل للفتي‪KK‬ا‪ ،‬وجلس لإلف‪KK‬ادة ول‪KK‬ه إح‪KK‬دى‬ ‫ّ‬ ‫وتأ‬ ‫‪K‬نة‪،‬‬ ‫‪K‬‬ ‫س‬ ‫‪K‬رة‬
‫‪K‬‬ ‫عش‬ ‫‪K‬ع‬‫‪K‬‬‫بض‬ ‫ابن‬ ‫م وه‪KK‬و‬ ‫‪K‬ك العل َ‬ ‫طلب مال‪ٌ K‬‬
‫ي شابٌّ طريٌّ‪ ،‬وقص َده طلب‪KK‬ة العلم من اآلف‪KK‬اق في آخ‪KK‬ر‬ ‫دث عنه جماعة وهو ح ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫وح‬ ‫وعشرون سنة‪،‬‬
‫دولة أبي جعفر المنصور وما بعد ذلك‪ ،‬وازدحموا عليه في خالفة الرشيد‪ ،‬إلى أن مات‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬شيوخه‪:‬‬
‫ث ُبعيد موت القاسم وسالم‪ ،‬فأخذ عن ن‪KK‬افع‪،‬‬ ‫م وهو ح َد ٌ‬ ‫َ‬ ‫العل‬ ‫‪-‬‬ ‫هللا‬ ‫رحمه‬ ‫‪-‬‬ ‫مالك‬ ‫طلب اإلمام‬
‫وسعيد المقبري‪ ،‬وعامر بن عبد هللا ابن الزبير‪ ،‬وابن المنكدر‪ ،‬والزهري‪ ،‬وعبد هللا بن دينار‪ ،‬وخلق‪.‬‬
‫ل‬
‫وقد أحصى الذهبي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬شيوخه الذين روى عنهم في الموطأ وذكر إلى جنب ك ِ ّ‬
‫واحد منهم عدد ما روى عنه اإلمام مالك ورتّبهم على حروف المعجم‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬تالميذه‪:‬‬
‫أفردت أسماء الرواة عنه في جزء كبير ُيقارب عددهم‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬ ‫"وقد‬ ‫‪:-‬‬ ‫هللا‬ ‫رحمه‬ ‫قال الذهبي ‪-‬‬
‫سهيل‪ ،‬ويحيى بن أبي كثير‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أبو‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ع‬ ‫شيوخه‪:‬‬ ‫من‬ ‫عنه‬ ‫ث‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫أعيانهم‪،‬‬ ‫فلنذكر‬ ‫ألفاً وأربع مائة‪،‬‬
‫والزهري‪ ،‬ويحيى بن سعيد‪ ،‬ويزيد بن الهاد‪ ،‬وزيد بن أبي ُأنيسة‪ ،‬وعمر بن محمد بن زيد‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬ومن أقرانه‪ :‬معمر‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬وأبو حنيفة‪ K،‬وعمرو بن الحارث‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وشعبة‪،‬‬
‫والثوري‪ K،"...‬وذكر آخرين‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬مؤلفاته‪:‬‬
‫من مؤلفاته ‪ -‬رحمه هللا ‪:-‬‬
‫‪ -1‬الموطأ‪.‬‬
‫‪ -2‬رسالة في القدر كتبها إلى ابن وهب‪.‬‬
‫‪ -3‬مؤلف في النجوم ومنازل القمر‪.‬‬
‫‪ -4‬رسالة في األقضية‪.‬‬
‫‪ -5‬رسالة إلى أبي غسان بن مطرّف‪.‬‬
‫‪ -6‬جزء في التفسير‪.‬‬
‫كثير‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فشيء‬
‫ٌ‬ ‫وأما ما نقله عنه كبار أصحابه من المسائل والفتاوى والفوائد‬
‫سابعاً‪ :‬ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫ِلم يدور على ثالثة‪ :‬مالك‪ ،‬والليث‪ ،‬وابن عيينة"‪.‬‬ ‫‪ -1‬قال الشافعي‪" :‬الع ُ‬
‫‪ -2‬وروي عن األوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكاً يقول‪:‬‬
‫"عالم العلماء‪ ،‬ومفتي الحرمين"‪.‬‬
‫ة ماضية منك يا مالك"‪.‬‬ ‫‪ -3‬وعن بقيّة أنَّه قال‪" :‬ما بقي على وجه األرض أعلم بسنّ ٍ‬
‫م من أبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وابن أبي ليلى"‪.‬‬ ‫‪ -4‬وقال أبو يوسف‪" :‬ما رأيت أعل َ‬
‫حكم‪،‬‬ ‫دمه على األوزاعي‪ ،‬والثوري‪ K،‬والليث‪ ،‬وحماد‪ ،‬وال َ‬ ‫‪ -5‬وذكر أحمد بن حنبل مالكاً فق ّ‬
‫في العلم‪ ،‬وقال‪" :‬هو إمام في الحديث‪ ،‬وفي الفقه"‪.‬‬
‫‪ -6‬وقال القط ّان‪" :‬هو إمام ُيقتدى به"‪.‬‬
‫حجج هللا على خلقه"‪.‬‬ ‫"مالك من ُ‬‫ٌ‬ ‫‪ -7‬وقال ابن معين‪:‬‬
‫بمالك"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أردت هللا والدا َر اآلخرة فعليك‬ ‫َ‬ ‫‪ -8‬وقال أسد بن الفرات‪" :‬إذا‬
‫ثامناً‪ :‬أقواله في السنة‪:‬‬
‫"سن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫َّ‬ ‫سمعت مالكاً يقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -1‬قال مطرّف بن عبد هللا‪:‬‬
‫واستكمال بطاعة هللا‪ ،‬وقوّ ٌة على دين هللا‪ ،‬ليس‬ ‫ٌ‬ ‫األخذ بها اتّباع لكتاب هللا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سنناً‪،‬‬ ‫ووالة األمر بعده ُ‬ ‫ُ‬
‫ظر في شيء خالفها‪ ،‬من اهتدى بها فهو مهت ٍد‪ ،‬ومن استنصر بها‬ ‫ّ ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وال‬ ‫ُها‪،‬‬ ‫ل‬‫تبدي‬ ‫ألحد تغييرها‪ ،‬وال‬
‫فهو منصور‪ ،‬ومن تركها اتّبع غير سبيل المؤمنين‪ ،‬ووال ّه هللا ما تول ّى‪ ،‬وأصاله جهنّم وساءت‬
‫مصيراً"‪.‬‬
‫‪ -2‬وروى إسحاق بن عيسى عن مالك ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أنَّه قال‪:‬‬
‫أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ُ‬ ‫رجل‬
‫ٌ‬ ‫"أكل ّما جاءنا‬
‫لجدلِه"‪.‬‬
‫ي يقول‪" :‬كان مالك إذا جاءه بعض أهل األهواء قال‪ :‬أ َما‬ ‫َّ‬ ‫الشافع‬ ‫سمعت‬ ‫ثور‪:‬‬ ‫أبو‬ ‫وقال‬ ‫‪-‬‬‫‪3‬‬
‫ك فخاصمه"‪.‬‬ ‫ك مثل َ‬ ‫إني على بيّنة من ديني‪ ،‬وأ َّما أنت فشاكٌّ‪ ،‬اذهب إلى شا ٍ ّ‬
‫‪ -4‬وقال يحيى بن خلف الطَرسوسي‪" :‬كنت عند مالك فدخل عليه رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد‬
‫هللا ما تقول فيمن يقول‪ :‬القرآن مخلوق؟ فقال مالك‪ :‬زنديق‪ ،‬اقتلوه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد هللا‪ ،‬إنّما‬
‫أحكي كالماً سمعته‪ K،‬قال‪ :‬إنّما سمعته منك‪ ،‬وعظَّم هذا القول"‪.‬‬
‫‪ -5‬وروى ابن وهب عن مالك ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أنّه قال‪" :‬الناس ينظرون إلى هللا عز وجل يوم‬
‫القيامة بأعينهم"‪.‬‬
‫رجل ُيقال له‪ :‬أبو الجويرية‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َه‬ ‫ق‬‫فلح‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يوم‬ ‫مالك‬
‫ٌ‬ ‫"انصرف‬ ‫‪:‬‬ ‫معن‬
‫ٌ‬ ‫قال‬ ‫عياض‪:‬‬ ‫القاضي‬ ‫‪ -6‬وقال‬
‫هم باإلرجاء‪ ،‬فقال‪ :‬اسمع مني‪ ،‬قال‪ :‬احذر أن أشهد عليك‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما أريد إال َّ الحق‪ ،‬فإن كان‬ ‫متّ ٌ‬
‫بعتك‪ ،‬قال‪ :‬فإن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ك‪،‬‬ ‫غلبت‬
‫ُ‬ ‫فإن‬ ‫قال‪:‬‬ ‫اتبعني‪،‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫غلبتني‪،‬‬ ‫فإن‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ّم‪،‬‬ ‫ل‬ ‫فتك‬ ‫أو‬ ‫به‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫صوابا‬
‫جاء رجل فكل ّمنا‪ ،‬فغلبنا؟ قال‪ :‬اتّبعناه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يا هذا‪ ،‬إنَّ هللا بعث محمداً صلى هللا عليه‬
‫وسلم بدين واحد‪ ،‬وأراك تتن ّقل"‪K.‬‬
‫دِين ينشئ المراء‪ ،‬ويذهب بنور العلم من القلب‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫"الجدال‬
‫ُ‬ ‫‪ -7‬وعن مالك قال‪:‬‬
‫ويقسي‪ ،‬ويورث الضِّغن"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تاسعاً‪ :‬وفاته‪:‬‬
‫قال القعنبي‪" :‬سمعتهم يقولون‪ُ :‬عمر مالك تسع وثمانون سنة‪ ،‬مات سنة تسع وسبعين‬
‫ومائة"‪.‬‬
‫فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مالك‪،‬‬ ‫"مرض‬ ‫ويس‪:‬‬ ‫ُأ‬ ‫أبي‬ ‫بن‬ ‫إسماعيل‬ ‫وقال‬
‫ْد}‪ ،16‬وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع األول سنة‬ ‫ل َومِن بَع ُ‬ ‫ق ْب ُ‬ ‫م ُر مِن َ‬ ‫هد‪ ،‬ثم قال‪{ :‬هللِ اَأل ْ‬ ‫تش ّ‬
‫تسع وسبعين ومائة‪ ،‬فصل َّى عليه األمير عبد هللا بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد‬
‫ويعرف بأ ّمِه"‪ ،‬رواها محمد بن سعد‬ ‫هللا بن عباس الهاشمي‪َ ،‬ولَد زينب بنت سليمان العباسية‪ُ ،‬‬
‫"وسألت مصعباً‪ ،‬فقال‪ :‬بل مات في صفر‪ ،‬فأخبرني معن بن عيسى بمثل ذلك"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عنه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وقال أبو مصعب الزهري‪" :‬مات لعشر مضت من ربيع األول سنة تسع"‪.‬‬
‫وقال محمد بن سحنون‪" :‬مات في حادي عشر ربيع األول"‪.‬‬
‫وقال ابن وهب‪" :‬مات لثالث عشرة خلت من ربيع األول"‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬الصحيح وفاته في ربيع األول يوم األحد لتمام اثنين وعشرين يوماً من‬
‫مرضه"‪.‬‬
‫قال الذهبي‪" :‬تواترت وفا ُته في سنة تسع‪ ،‬فال اعتبار لقول من غلِط وجعلها في سنة‬
‫ومطرّف فيما حكي عنه‪ ،‬فقاال‪ :‬سنة ثمانين ومائة"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ثمان وسبعين‪ ،‬وال اعتبار بقول حبيب كاتبه‪،‬‬
‫"رأيت مالكاً بعد موته‪ ،‬وعليه طويلة وثياب‬ ‫ُ‬ ‫ونقل عن القاضي عياض أنَّ أسد بن الفرات قال‪:‬‬
‫مت؟ قال‪ :‬بلى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫خضر وهو على ناقة‪ ،‬يطير بين السماء واألرض‪ K،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد هللا‪ ،‬أليس قد‬
‫ي‬ ‫وتمن عل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِمت على ربي وكل ّمني كفاحاً‪ ،‬وقال‪ :‬سلني أعطِك‪،‬‬ ‫ِرت؟‪ ،‬فقال‪ :‬قد ُ‬ ‫مص َ‬ ‫فقلت‪ :‬فإال َ‬
‫ُأرضِك"‪.‬‬
‫فرحمه هللا‪ ،‬وغفر له‪ ،‬وأسكنه الفردوس األعلى من الجنّة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬في ذكر معتقد أهل السنة والجماعة في صفة االستواء بإيجاز‬
‫ل النقل‬ ‫ة من صفات الكمال الثابتة لذي العظمة والجالل – سبحانه ‪ ،-‬وقد د ّ‬ ‫االستواء صف ٌ‬
‫على هذه الصفة حيث أثبتها الربٌّ – سبحانه ‪ -‬لنفسه في كتابه‪ ،‬وأثبتها له رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم في سنّته‪ ،‬وأجمع على ثبوتها المسلمون‪.‬‬
‫وقد وردت هذه الصفة في القرآن الكريم في مواطن عديدة‪ ،‬وكان ورودها فيه على نوعين‪:‬‬
‫داة بـ(إلى)‪.‬‬ ‫داة بـ(على)‪ ،‬وتارة مع ّ‬ ‫تارة مع ّ‬
‫داة بـ(على) فقد ورد في القرآن الكريم في سبعة‬ ‫‪ -1‬أ ّما النوع األول‪ :‬وهو مجيئها مع ّ‬
‫د ح بها الرب – سبحانه ‪ ،-‬وجعلها من صفات كماله وجالله‪ ،‬وقرنها بما يبهر العقول‬ ‫مواضع‪ ،‬حيث تم ّ‬
‫من صفات الجالل والكمال‪ ،‬مما يدل على ثبوت هذه الصفة العظيمة هلل ثبوت غيرها من الصفات‪.‬‬
‫قال الشيخ العال ّمة محمد األمين الشنقيطي ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬اعلم‪KK‬وا أنَّ ه‪KK‬ذه الص‪KK‬فة ال‪KK‬تي‬
‫دح به‪KK‬ا ربُّ الس‪KK‬موات واألرض‪ ،‬والقرين‪KK‬ة على أنّه‪KK‬ا ص‪KK‬فة كم‪KK‬ال‬ ‫صفة كمال وجالل تم ّ‬ ‫ُ‬ ‫هي االستواء‬
‫وجالل أنَّ هللا ما ذكرها في موضع من كتابه إال َّ مصحوبة بما يبهر العقول من صفات جالل‪KK‬ه وكمال‪KK‬ه‬
‫التي هي منها‪ ،‬وسنضرب مثال ً بذكر اآليات‪:‬‬
‫فأوّل سورة ذكر هللا فيها صفة االستواء حسب ترتيب المصحف سورة األعراف قال‪ِ{ :‬إنَّ‬
‫ش ُي ْغشِي‬ ‫ع ْر ِ‬ ‫وى عَ لَى ا ْل َ‬ ‫اس َت َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ثُ َّ‬ ‫ة َأيَّا ٍ‬ ‫س َّت ِ‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫واتِ َواَأل ْر َ‬ ‫م َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ق‬ ‫خل َ َ‬ ‫هللا الَّذِي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُم‬ ‫َربَّك ُ‬
‫م ُر‬ ‫ق َواَأل ْ‬ ‫خ ْل ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫م ِر ِه ال َ لَ ُ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫خ َراتٍ بِ ْ‬ ‫س َّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُّجو َ‬ ‫م َر َوالن ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫الش ْ‬ ‫َّ‬ ‫حثِيثاً َو‬ ‫ه َ‬ ‫طل ُُب ُ‬ ‫ل ال َّن َها َر يَ ْ‬ ‫ال َّي َ‬
‫ِين}‪ ،17‬فهل ألحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجالل‬ ‫هللا َربُّ العَالَم َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫تَبَا َر‬
‫والكمال‪.‬‬
‫ض‬ ‫واتِ َواَأل ْر َ‬ ‫م َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ق‬ ‫خل َ َ‬ ‫هللا الَّذِي َ‬ ‫ُ‬ ‫الموضع الثاني في سورة يونس قال‪ِ{ :‬إنَّ َربَّك ُ‬
‫ُم‬
‫ُم‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ذ‬ ‫ِإ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫ٍ ِإ‬ ‫ع‬ ‫ِي‬
‫ف‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م َر‬ ‫ش ُي َدبِ ّ ُر اَأل ْ‬ ‫ع ْر ِ‬ ‫وى عَ لَى ا ْل َ‬ ‫اس َت َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ثُ َّ‬ ‫ة َأيَّا ٍ‬ ‫س َّت ِ‬ ‫فِي ِ‬
‫م‬‫ق ثُ َّ‬ ‫خ ْل َ‬ ‫َّه يَ ْبدَُؤا ال َ‬ ‫حقا ّ ِإن ُ‬ ‫ً‬ ‫جمِيعاً َوعْ َد هللاِ َ‬ ‫ُم َ‬ ‫عك ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ُرونَ ِإلَ ْي ِ‬ ‫فال َ تَ َذ َّ‬ ‫َأ‬
‫فاعْ ُب ُدو ُه َ‬ ‫ُم َ‬ ‫هللا َربُّك ْ‬ ‫ُ‬
‫ِيم‬
‫حم ٍ‬ ‫ِن َ‬ ‫اب م ْ‬ ‫ش َر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ف ُروا لَ ُه ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ِين َ‬ ‫ط َوالَّذ َ‬ ‫ِس ِ‬ ‫حاتِ بِا ْلق ْ‬ ‫صالِ َ‬ ‫ملُوا ال َّ‬ ‫م ُنوا َوعَ ِ‬ ‫ِين آ َ‬ ‫ي الَّذ َ‬ ‫ج ِز َ‬ ‫ِيد ُه لِيَ ْ‬ ‫ُيع ُ‬
‫ل‬ ‫م َنا ِز َ‬ ‫د َر ُه َ‬ ‫ق َّ‬ ‫م َر نُوراً َو َ‬ ‫ق َ‬ ‫ضيَا ًء َوال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫الش ْ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬
‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و الَّذِي َ‬ ‫ك ُف ُرونَ هُ َ‬ ‫ما كَانُوا يَ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫اب َألِي ٌ‬ ‫َوعَ َذ ٌ‬
‫مونَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ٍ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫اآل‬ ‫ِل‬
‫ّ ُ‬ ‫ص‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ي‬
‫ِّ ُ‬‫ق‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬
‫ِإ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫هللا‬
‫ُ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫اب‬‫َ‬ ‫ِس‬‫َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ِين‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫عَ‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫لِ َت ْعلَ ُ‬
‫م يَ َّت ُقونَ }‪.18‬‬ ‫ْ ٍ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫آل‬ ‫ض‬
‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫هللا‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫َّ ِ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ ِ‬ ‫َّي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِالفِ‬ ‫ت‬ ‫اخ‬
‫ْ‬ ‫ِي‬ ‫ِإنَّ ف‬

‫‪16‬‬
‫سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.)4( :‬‬

‫‪ 17‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.)54( :‬‬

‫‪ 18‬سورة يونس‪ K،‬اآليات‪.)6 3( :‬‬


‫ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الكمال والجالل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فهل ألحد أن‬
‫واتِ بِغ َْي ِر‬ ‫م َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ع‬‫ف َ‬ ‫{هللا الَّذِي َر َ‬ ‫ُ‬ ‫وعال‪:‬‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ج‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫الرعد‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫الثالث‬ ‫الموضع‬
‫مى‬ ‫س َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫َأل‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ٌّ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫و‬‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫الش‬ ‫َّ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬‫َّ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫ى‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫اس‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫د تَ َر ْونَ َها ثُ‬ ‫م ٍ‬ ‫عَ َ‬
‫ل فِي َها‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ض َو َ‬ ‫د اَأل ْر َ‬ ‫م َّ‬ ‫و الَّذِي َ‬ ‫ُم تُوقِ ُنونَ َوهُ َ‬ ‫ُم بِلِقَآ ِء َربِ ّك ْ‬ ‫علَّك ْ‬ ‫ِل اآليَاتِ لَ َ‬ ‫فص ّ ُ‬ ‫م َر ُي َ‬ ‫ُي َدبِ ّ ُر اَأل ْ‬
‫ك‬
‫ذلِ َ‬ ‫ل ال َّن َها َر ِإنَّ فِي َ‬ ‫ن ُي ْغشِي ال َّْي َ‬ ‫ن ا ْث َن ْي ِ‬ ‫ج ْي ِ‬ ‫ل فِي َها َز ْو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫م َراتِ َ‬ ‫ل ال َّث َ‬ ‫ك ِّ‬ ‫ِي َوَأ ْن َهاراً َومِن ُ‬ ‫َر َواس َ‬
‫وانٌ‬ ‫ص ْن َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِي‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عْ‬ ‫َأ‬ ‫ِن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ات‬
‫ٌ‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫ج‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫او‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ونَ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َّ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ٍ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫ق‬‫آليَاتٍ لِ َ‬
‫ك آليَاتٍ‬ ‫ذلِ َ‬ ‫ُل ِإنَّ فِي َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ُأل‬ ‫ا‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ْض‬
‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِل‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫د‬‫ٍ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َى‬ ‫ق‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ان‬ ‫ٍ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ص‬ ‫غ ْي ُر ِ‬ ‫َو َ‬
‫مآ ٍء‬ ‫سقِى بِ َ‬ ‫ان تُ ْ‬ ‫و ٍ‬ ‫ص ْن َ‬ ‫غ ْي ُر ِ‬ ‫وانٌ َو َ‬ ‫ص ْن َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِي‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫{‬ ‫األخرى‪:‬‬ ‫القراءة‬ ‫وفي‬ ‫‪،‬‬ ‫‪19‬‬
‫}‬ ‫ُونَ‬ ‫ل‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ق ٍ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫لِ َ‬
‫م يَ ْع ِقلُونَ }‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫آل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫نَّ‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ُل‬ ‫ك‬ ‫ُأل‬ ‫ا‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ْض‬
‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫د‬‫ٍ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫َوا‬
‫فهل ألحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجالل والكمال‪.‬‬
‫من‬ ‫شقَى ِإال َّ ت َْذكِ َر ًة لِ َ‬ ‫ك ال ُقرآنَ لِ َت ْ‬ ‫ما َأن َز ْل َنا عَ لَ ْي َ‬ ‫ه َ‬ ‫الموضع الرابع في سورة طه‪{ :‬طَ َ‬
‫ما‬ ‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ى‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ْ ِ ْ َ َ‬ ‫اس‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫ن‬‫َّ ْ َ ُ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬‫الس َ َ‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ض َو‬ ‫ق اَأل ْر َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َّ‬ ‫شى تَ ْن ِزيال ً ِ‬ ‫يَخْ َ‬
‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫ِإ ُ َ‬ ‫َّه‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْلِ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫ْ َ ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫َج‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ ِإ‬‫و‬ ‫ى‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ث‬
‫َّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ْ َ‬ ‫َح‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ْ ِ َ َ ََْ ُ َ َ َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َّ َ َ‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫فِي‬
‫س َنى}‪.20‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫الح‬ ‫ء‬
‫ْ َ ُ‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫هُ‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫ُ ِإ ِإ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫هللا‬ ‫َى‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ّ َّ َ ْ‬ ‫َأ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫الس‬
‫ِ‬
‫فهل ألحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجالل والكمال‪.‬‬
‫وت‬ ‫م ُ‬ ‫ي الَّذِي ال َ يَ ُ‬ ‫ح ِّ‬ ‫َّل عَ لَى ال َ‬ ‫وك ْ‬ ‫الموضع الخامس في سورة الفرقان في قوله‪َ { :‬وتَ َ‬
‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫َّ َ َ ِ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫ق‬ ‫خل َ َ‬ ‫خ ِبيراً الَّذِي َ‬ ‫عبَا ِد ِه َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه بِذُ ُنو ِ‬ ‫كفَى بِ ِ‬ ‫د ِه َو َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫س ِب ّحْ بِ َ‬ ‫َو َ‬
‫خ ِبيراً}‪.21‬‬ ‫ْ ْ ِ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫َأ‬ ‫اس‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ْ ِ َّ ْ َ ُ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫ى‬ ‫و‬‫ْ َ َ‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ث‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ا‬
‫ِ َّ ِ َّ ٍ‬‫ي‬ ‫َأ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ِي‬ ‫ف‬
‫فهل ألحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الكمال والجالل‪.‬‬
‫حقُّ‬ ‫و ال َ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫م يَقولُونَ ا ْف َت َرا ُه بَ ْ‬ ‫الموضع السادس في سورة السجدة في قوله تعالى‪َ{ :‬أ ْ‬
‫واتِ‬ ‫م َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ق‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫هللا الذِي َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ونَ‬ ‫م يَ ْه َت ُد‬ ‫عل َُّه ْ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ق ْبلِ َ‬ ‫م مِن نَذِي ٍر مِن َ‬ ‫ما َأتَاهُ ْ‬ ‫ق ْوماً َ‬ ‫ذ َر َ‬ ‫ك لِ ُتن ِ‬ ‫مِن َّربِ ّ َ‬
‫ِي َوال َ‬ ‫ه مِن َول ّ ٍ‬ ‫ُم مِن ُدونِ ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ع ْرشِ َ‬ ‫وى عَ لى ال َ‬ ‫َ‬ ‫اس َت َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ثُ َّ‬ ‫ة يَّا ٍ‬ ‫َأ‬ ‫س َّت ِ‬ ‫ما فِي ِ‬ ‫ما بَ ْي َن ُه َ‬ ‫ض َو َ‬ ‫َواَأل ْر َ‬
‫م كَانَ‬ ‫ه فِي يَ ْو ٍ‬ ‫ج ِإل ْي ِ‬ ‫َ‬ ‫م يَ ْع ُر ُ‬ ‫مآ ِء ِإلى ا ْرضِ ثُ َّ‬ ‫َأل‬ ‫َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ِن‬ ‫م َر م َ‬ ‫َأل‬
‫ُي َدبِ ّ ُر ا ْ‬ ‫ونَ‬ ‫ك ُر‬ ‫َ‬
‫شفِيعٍ فال َ تَ َتذ َّ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ك َّ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ِيم الَّذِي َأ ْ‬ ‫ع ِزي ُز ال َّرح ُ‬ ‫د ِة ال َ‬ ‫الش َها َ‬ ‫َّ‬ ‫ب َو‬ ‫ِم الغ َْي ِ‬ ‫ك عَ ال ُ‬ ‫ذلِ َ‬ ‫عدُّونَ َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫ة ِ‬ ‫س َن ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫م ْقدَا ُر ُه َأ ْل َ‬ ‫ِ‬
‫َه‬ ‫خلَق ُ‬ ‫ي ٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫وا ُه‬ ‫س َّ‬ ‫م َ‬ ‫ين ثُ َّ‬ ‫ه ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫مآ ٍء َ‬ ‫ة مِن َ‬ ‫سالَلَ ٍ‬ ‫ه مِن ُ‬ ‫َسلَ ُ‬ ‫لن ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ِين ثُ َّ‬ ‫نسانِ مِن ط ٍ‬ ‫ق اِإل َ‬ ‫خ ْل َ‬ ‫َوبَ َدَأ َ‬
‫ك ُرونَ } ‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫َش ُ‬ ‫ما ت ْ‬ ‫ً‬
‫صا َر َوا فِئ َدة قلِيال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َأل‬ ‫ع َوا ْب َ‬ ‫َأل‬ ‫م َ‬ ‫الس ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْم‬‫ل لك ُ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه مِن ُرو ِ‬ ‫خ فِي ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َونَ َ‬
‫فهل ألحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الجالل والكمال‪.‬‬
‫ِن‬
‫ه ُر َوالبَاط ُ‬ ‫خ ُر َوالظَّا ِ‬ ‫ل َواآل ِ‬ ‫و ُ‬ ‫و اَأل َّ‬ ‫الموضع السابع في سورة الحديد في قوله تعالى‪{ :‬هُ َ‬
‫وى عَ لَى‬ ‫اس َت َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ثُ َّ‬ ‫ة يَّا ٍ‬ ‫َأ‬ ‫س َّت ِ‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫واتِ َواَأل ْر َ‬ ‫م َ‬ ‫الس َ‬ ‫ق‬ ‫خل َ َ‬ ‫و الَّذِي َ‬ ‫م هُ َ‬ ‫ي ٍء عَ لِي ٌ‬
‫َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ِّ‬ ‫و بِ ُ‬ ‫َوهُ َ‬
‫و‬‫ج فِي َها َوهُ َ‬ ‫ما يَ ْع ُر ُ‬ ‫مآ ِء َو َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫ِن‬
‫لم َ‬ ‫ما يَن ِز ُ‬ ‫م ْن َها َو َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ما يَخْ ُر ُ‬ ‫ِج فِي اَأل ْرضِ َو َ‬ ‫ما يَل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ع ْرشِ يَ ْعلَ ُ‬ ‫ال َ‬
‫ملُونَ بَصِي ٌر}‪.2423‬‬ ‫ما تَ ْع َ‬ ‫هللا بِ َ‬ ‫م َو ُ‬ ‫ما كُن ُت ْ‬ ‫ُم َأ ْي َن َ‬ ‫عك ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫داة بـ(إلى) فقد ورد في القرآن في موطنين‪:‬‬ ‫أما النوع الثاني‪ :‬وهو مجيئها مع ّ‬
‫جمِيعاً ثُ َّ‬
‫م‬ ‫ما فِي اَأل ْرضِ َ‬ ‫ُم َ‬ ‫ق لَك ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫و الَّذِي َ‬ ‫األول في سورة البقرة‪ ،‬قال هللا تعالى‪{ :‬هُ َ‬
‫م}‪.25‬‬ ‫ي ٍء عَ لِي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ِّ‬ ‫و بِ ُ‬ ‫واتٍ َوهُ َ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ع َ‬ ‫س ْب َ‬ ‫اهُن َ‬ ‫َّ‬ ‫و‬
‫س َّ‬ ‫ف َ‬ ‫مآ ِء َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫وى ِإلَى‬ ‫اس َت َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫فقَا َ‬ ‫خانٌ َ‬ ‫ِي ُد َ‬ ‫مآ ِء َوه َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫وى ِإلَى‬ ‫اس َت َ‬ ‫م ْ‬ ‫الثاني‪ :‬في سورة ُفصّلت‪ ،‬قال هللا تعالى‪{ :‬ثُ َّ‬
‫ِين}‪.26‬‬ ‫قالَ َتا َأت َْي َنا طَآِئع َ‬ ‫ك ْرهاً َ‬ ‫لَ َها َولَِأل ْرضِ اْئتِيَا طَ ْوعاً َأ ْو َ‬
‫واالستواء معناه معلوم في لغة العرب‪ ،‬ال يجهله أحد منهم‪ ،‬وهللا قد خاطب عباده في‬
‫ي مبين‪ ،‬واالستواء معناه في اللغة العلوّ واالرتفاع‪.27‬‬ ‫القرآن الكريم بكالم عرب ّ ٍ‬
‫ولهذا فإنَّ مذهب السلف في االستواء هو إثباته هلل عز وجل كما أثبته لنفسه‪ K،‬وكما أثبته‬
‫له رسوله صلى هللا عليه وسلم من غير تحريف وال تعطيل‪ K،‬ومن غير تكييف وال تمثيل‪ ،‬بل يؤمنون‬
‫بأنَّ هللا مستو على عرشه استواء يليق بجالله وكماله‪ ،‬وال يشبه استواء أحد من خلقه ‪ -‬تعالى‬
‫هللا عن ذلك ‪ ،-‬ومعنى االستواء عندهم العلوّ واالرتفاع‪ ،‬وال خالف بينهم في ذلك‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬وكالم السلف واألئمة ومن نقل مذهبهم في‬
‫هذا األصل كثير يوجد في كتب التفسير واألصول‪.‬‬
‫المفسرين يقولون‪K:‬‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫واحد‬ ‫غير‬ ‫سمعت‬ ‫عمر‪:‬‬ ‫دثنا بشر بن‬ ‫قال إسحاق بن راهويه‪ K:‬ح ّ‬
‫وى}‪ :‬أي ارتفع"‪.28‬‬ ‫اس َت َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ع ْر ِ‬ ‫ن عَ لَى ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫"{ال َّر ْ‬
‫وقال البخاري في صحيحه‪ :‬قال أبو العالية‪" :‬استوى إلى السماء‪ :‬ارتفع"‪ ،‬قال‪ :‬وقال‬

‫‪19‬‬
‫سورة الرعد‪ ،‬اآليات‪.)4 2( :‬‬

‫‪ 20‬سورة طه‪ K،‬اآليات‪.)7 1( :‬‬

‫‪ 21‬سورة الفرقان‪ ،‬اآليات‪.)58،59( :‬‬

‫‪ 22‬سورة السجدة‪ ،‬اآليات‪.)9 3( :‬‬

‫‪ 23‬سورة الحديد‪ ،‬اآليات‪.)3،4( :‬‬


‫مجاهد‪" :‬استوى‪ :‬عال على العرش"‪.29‬‬
‫وقال الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره المشهور‪" :‬وقال ابن عباس وأكثر مفسري‬
‫السلف‪ :‬استوى إلى السماء‪ :‬ارتفع إلى السماء‪ ،‬وكذلك قال الخليل بن أحمد"‪.30‬‬
‫وروى البيهقي في كتاب الصفات قال‪ :‬قال الفرّاء‪" :‬ثم استوى‪ ،‬أي صعد‪ ،‬قاله ابن عباس‪،‬‬
‫وهو كقولك للرجل‪ :‬كان قاعداً فاستوى قائماً"‪.31‬‬
‫وروى الشافعي في مسنده عن أنس رضي هللا عنه أنَّ النبي صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫عن يوم الجمعة‪" :‬وهو اليوم الذي استوى فيه ربّكم على العرش"‪.32‬‬
‫والتفاسير المأثورة عن النبي صلى هللا عليه وسلم والصحابة والتابعين مثل تفسير محمد‬
‫بدحيم‪ ،‬وتفسير عبدالرحمن بن أبي‬ ‫بن جرير الطبري‪ ،‬وتفسير عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف ُ‬
‫حاتم‪ ،‬وتفسير أبي بكر بن المنذر‪ ،‬وتفسير أبي بكر عبد العزيز‪ ،‬وتفسير أبي الشيخ األصبهاني‪،‬‬
‫وتفسير أبي بكر بن مردويه‪ ،‬وما قبل هؤالء من التفاسير مثل تفسير أحمد بن حنبل وإسحاق بن‬
‫سنيد‪ ،‬وتفسير‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وبقي بن مخلد وغيرهم‪ ،‬ومن قبلهم مثل تفسير عبد بن حميد‪ ،‬وتفسير ُ‬
‫عبد الرزاق‪ ،‬ووكيع بن الجراح فيها من هذا الباب الموافق لقول المثبتين ما ال يكاد ُيحصى‪ ،‬وكذلك‬
‫الكتب المصنّفة في السنة التي فيها آثار النبي صلى هللا عليه وسلم والصحابة والتابعين"‪.33‬‬
‫وجاء عن الخليل بن أحمد قال‪" :‬أتيت أبا ربيعة األعرابي وكان من أعلم من رأيت وكان‬
‫على سطح فلما رأيناه أشرنا إليه بالسالم‪ ،‬فقال‪ :‬استووا‪ ،‬فلم ندر ما قال‪ ،‬فقال لنا شيخ عنده‪:‬‬
‫ِي‬
‫مآ ِء َوه َ‬
‫الس َ‬
‫َّ‬ ‫وى ِإلَى‬
‫اس َت َ‬
‫م ْ‬
‫يقول لكم‪ :‬ارتفعوا‪ K،‬قال الخليل‪ :‬هذا من قوله تعالى‪{ :‬ثُ َّ‬
‫خانٌ }"‪ ،34‬أي‪ :‬ارتفع وعال‪.35‬‬
‫ُد َ‬

‫منهج ودراسات آليات األسماء والصفات (ص‪.)17 15:‬‬ ‫‪24‬‬


‫‪ 25‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.)29( :‬‬

‫‪ 26‬سورة فصّلت‪ ،‬اآلية‪.)11( :‬‬

‫وى}‬
‫اس•• َت َ‬
‫د ُه َو ْ‬ ‫غ َأ ُ‬
‫ش َّ‬ ‫دى بـ(إلى) أو (على)‪ ،‬أما إذا كان مطلقاً كقوله‪ K‬تعالى‪{ :‬ول َّ‬
‫ما بَلَ َ‬ ‫‪ 27‬هذا إذا كان مع ًّ‬
‫م‪ ،‬وأ َّما إذا كان مقروناً بواو (مع) التي تع‪KK‬دي الفع‪KK‬ل إلى المفع‪KK‬ول مع‪KK‬ه نح‪KK‬و‪" :‬اس‪KK‬توى‬
‫كمل وت َّ‬
‫فإنَّ معناه‪ُ :‬‬
‫الماء والخشبة" فإنَّ معناه ساواها‪ ،‬انظر‪ :‬مختصر الصواعق (ص‪.)320:‬‬
‫أورده ال‪KK‬ذهبي في العل‪KK‬و‪ K،‬وق‪KK‬ال األلب‪KK‬اني ‪ -‬حفظ‪KK‬ه هللا ‪( -‬ص‪ 160K:‬مختص‪KK‬ره)‪":‬وه‪KK‬ذا إس‪KK‬ناد ص‪KK‬حيح‬ ‫‪28‬‬
‫مسلسل بالثقات الحفاظ‪."...‬‬
‫‪29‬‬
‫صحيح البخاري (‪ 13/403‬الفتح)‪.‬‬

‫‪ 30‬تفسير البغوي (‪.)1/59‬‬

‫‪ 31‬األسماء والصفات (‪.)2/310‬‬

‫‪ )30‬ثم ق‪K‬ال‪:‬‬ ‫‪ 32‬مسند الشافعي (ص‪ ،)71 70:‬ورواه الذهبي في العلو من طريق الشافعي (ص‪29:‬‬
‫"إبراهيم وموسى ضعفاء‪ ،‬أخرجه اإلمام محمد بن إدريس في مسنده‪ ،‬وقد أخرجه ال‪KK‬دارقطني من طري‪KK‬ق‬
‫حمزة بن واصل المنقري‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬ومن طري‪KK‬ق عنبس‪K‬ة ال‪K‬رازي‪ ،‬عن أبي اليقظ‪K‬ان عثم‪K‬ان بن‬
‫ُعمير‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن ابن محمد بن شعيب بن سابور‪ ،‬عن عمر مولى عفرة‪ ،‬عن أنس‪.‬‬
‫العسال في كتاب المعرفة له عن رجال‪ ،‬عن جرير ابن عبد الحميد‪ ،‬عن ليث بن‬ ‫ّ‬ ‫وأخرجه القاضي أبو أحمد‬
‫أبي سليم‪ ،‬عن عثمان بن أبي حميد وهو أب‪KK‬و اليقظ‪KK‬ان عن أنس‪ ،‬ورواه من طري‪KK‬ق س‪KK‬الم بن س‪KK‬ليمان‪،‬‬
‫عن شعبة وإسرائيل وورقاء‪ ،‬عن ليث أيضاً‪.‬‬
‫وساقه الدارقطني من رواي‪K‬ة ش‪K‬جاع بن الولي‪K‬د‪ ،‬عن زي‪K‬ادة بن خيثم‪K‬ة‪ ،‬عن عثم‪K‬ان ابن أبي س‪K‬ليمان‪ ،‬عن‬
‫دث به الولي‪KK‬د ابن مس‪KK‬لم‪ ،‬عن عب‪KK‬د ال‪KK‬رحمن بن ث‪KK‬ابت بن ثوب‪KK‬ان‪،‬‬‫أنس‪ ،‬والظاهر أنَّ عثمان أبو اليقظان‪ K،‬وح ّ‬
‫عن سالم بن عبد هللا‪ ،‬عن أنس ابن مالك‪ ،‬وهذه طرق يعضد بعضها بعضاً‪ ،‬رزقنا هللا وإيّاكم ل ّ‬
‫ذ َة النظ‪KK‬ر إلى‬
‫وجهه الكريم"‪.‬‬
‫‪ 33‬درء تعارض العقل والنقل (‪ ،)22 2/20‬وانظر أيضا‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ 5/518‬وما بعدها)‪.‬‬
‫ً‬

‫‪34‬‬
‫سورة فصّلت‪ ،‬اآلية‪.)11( :‬‬

‫مختصره)‪.‬‬ ‫‪ 35‬أورده الذهبي في العلو (ص‪171:‬‬


‫ي بـ"إلى" أو بـ"على" فمعناه العلو واالرتفاع‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن‬ ‫د َ‬ ‫واالستواء سواء ُع ّ‬
‫مآ ِء‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫وى ِإلَى‬ ‫اس َت َ‬
‫م ْ‬ ‫م َد‪ ،‬ذكره في قوله‪{ :‬ثُ َّ‬ ‫تيمية – رحمه هللا ‪" :-‬ومن قال‪ :‬استوى بمعنى َع َ‬
‫خانٌ }؛ ألنَّه ُع دي بحرف الغاية‪ ،‬كما يقال‪ :‬عمدت إلى كذا‪ ،‬وقصدت إلى كذا‪ ،‬وال يقال‪:‬‬ ‫ِي ُد َ‬‫َوه َ‬
‫عمدت على كذا وال قصدت عليه‪ ،‬مع أنَّ ما ُذكر في تلك اآلية ال ُيعرف في اللغة أيضاً‪ ،‬وال هو قول‬
‫دمناه عن بعضهم‬ ‫المفسِرون من السلف قولهم بخالف ذلك ‪ -‬كما ق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي السلف ؛ بل‬ ‫أحد من مفسر ّ‬
‫–"‪ ،36‬وقد حكى ابن القيم ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬إجماع السلف على ذلك‪.37‬‬
‫خص معتقد أهل السنة والجماعة في هذه الصفة‪ K،‬ومن أراد االط ّالع على كالم‬ ‫فهذا مل َّ‬
‫فردت في ذلك وهي كثيرة جدا ًّ‪ ،‬وكما قال‬ ‫ِ‬ ‫ُأ‬ ‫التي‬ ‫الكتب‬ ‫فليطالع‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ع‬‫موس‬
‫ّ‬ ‫الصفة‬ ‫هذه‬ ‫أهل العلم في‬
‫جلِهم من التأليف‪،‬‬ ‫السفاريني ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬وقد أكثر العلماء من التصنيف‪ ،‬وأجلبوا بخيلهم و َر ِ‬
‫في ثبوت العلوّ واالستواء ونبّهوا على ذلك باآليات والحديث وما حوى‪ ،‬فمنهم الراوي األخبا َر‬
‫المختصِر‬ ‫سهب‪ ،‬ومنهم ُ‬ ‫ِ‬ ‫المطَ ِوّل ُ‬
‫الم‬ ‫ظ مفي ٍد‪ ،‬ومنهم ُ‬ ‫ل لف ٍ‬ ‫باألسانيد‪ ،‬ومنهم الحاذفُ لها وأتى بك ِ ّ‬
‫ذِب‪ ،‬فمن ذلك (مسألة العلوّ) لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬و(العلوّ) لإلمام الموفق‬ ‫والمتوسِط والمه ّ‬
‫ّ‬
‫صاحب التصانيف السنيّة‪ K،‬و(الجيوش اإلسالميّة) لإلمام المحقق ابن ق ِي ّم الجوزية‪ ،‬و(كتاب العرش)‬
‫دهم إال ّ ب ُك ْلفة‪ ،‬وهللا تعالى‬ ‫للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب األنفاس العليّة‪ K،‬وما ال ُأحصي ع ّ‬
‫الموفِّق"‪.38‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬في بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها في معرفة صفات الباري‬
‫ال ريب أنَّ معرف َة القواعد واألصول والضوابط الكليّة الجامعة ُيع ُّد من أعظم العلوم وأجلِّها‬
‫نفعاً وأكثرها فائد ًة‪ ،‬ذلك أنَّ "األصول والقواعد للعلوم بمنزلة األساس للبنيان واألصول لألشجار ال‬
‫ثبات لها إال ّ بها‪ ،‬واألصول تبنى عليها الفروع‪ ،‬والفروع تثبت وتتقوّى باألصول‪ ،‬وبالقواعد واألصول‬
‫يثبت العلم ويقوى وينمي نما ًء مطَّرداً‪ ،‬وبها ُتعرف مآخذ األصول‪ ،‬وبها يحصل الفرقان بين المسائل‬
‫جم ُعها"‪ 39‬إلى غير ذلك‬ ‫التي تشتبه كثيراً‪ ،‬كما أنَّها تجمع النظائر واألشباه التي من جمال العلم َ‬
‫من الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة التي ال تحصى‪.‬‬
‫بل إنَّ "من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجاللها‪ :‬أنَّ أحكا َمها األصوليَّة والفروعية‬
‫فروعها‬
‫َ‬ ‫تفرّقَها وتَنشر‬
‫جمع ُم ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقواعد تَضبِطُ أحكا َمها وتَ‬ ‫ُ‬ ‫أصول‬
‫ٌ‬ ‫والعبادات والمعامالت وأمورها كل ّها لها‬
‫وتَردُّها إلى أصولها"‪.40‬‬
‫‪41‬‬
‫أحكامها منها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي ينطبق على جزئيّاتٍ كثير ٍة تُفهم‬ ‫أمر كل ّ ٌّ‬ ‫والقاعدة‪ :‬هي ٌ‬
‫بكثير من المسائل ال‪KK‬تي هي بمثاب‪KK‬ة الف‪KK‬رع‬ ‫ٍ‬ ‫األصل أمكن اإللمام‬ ‫ُ‬ ‫ضبطت القاعد ُة وفُهم‬ ‫فإذا ُ‬
‫‪K‬هيل لفهم العلم وحفظ‪KK‬ه‬ ‫ٌ‬ ‫لهذه القاعدة‪ ،‬وُأمن الخلطُ بين المسائل التي قد تشتبه‪ ،‬وكان فيه‪KK‬ا تس‪K‬‬
‫وإنصاف‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وعدل‬
‫ٍ‬ ‫متين‬
‫ٍ‬ ‫علم‬
‫ٍ‬ ‫وضبطه‪ K،‬وبها يكون الكالم مبنيا ًّ على‬
‫ة‬
‫أصول كلي ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ولذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬ال ُب َّد أنْ يكون مع اإلنسان‬
‫وجهل‬
‫ٍ‬ ‫م يعرف الجزئيّات كيف وقعت‪ ،‬وإال ّ فيبقى في كذبٍ‬ ‫وعدل‪ ،‬ث ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بعلم‬
‫ٍ‬ ‫تُر ُّد إليها الجزئيّات؛ ليتكل ّم‬
‫عظيم"‪.42‬‬
‫ٌ‬ ‫فساد‬
‫ٌ‬ ‫ُلم في الكليّات فيتول ّد‬ ‫وجهل وظ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫في الجزئيّات‪،‬‬
‫جمعها في الفنون المختلفة‪ K،‬فال تكاد تجد‬ ‫ألجل هذا ُعني أهل العلم كثيراً بوضع القواعد و َ‬
‫مه‪،‬‬ ‫فرّقَه‪ ،‬وتُزيل مش َتب َهه‪ ،‬وتُنير معال َ‬ ‫قواعد كثير ٌة وضوابطُ عديد ٌة تَجمع ُم َت ِ‬ ‫ُ‬ ‫فنا ً ّ من الفنون‪ K‬إال ّ وله‬
‫مه وحِفظَه‪ K‬وضبطَه ‪" ،‬ويحصل بها من النفع والفائدة على اختصارها ما ال يحصل في‬ ‫‪43‬‬
‫يسِر فه َ‬ ‫وتُ ّ‬
‫الكالم الطويل"‪.44‬‬
‫ولهذا فإنَّه يترتَّب على العناية بالقواعد المأثورة واألصول الكليّة المنقولة عن السلف الصالح‬
‫وضع النقاط على‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬رحمهم هللا ‪ -‬من الفوائد والمنافع ما ال يعلمه إال ّ هللا؛ ألنَّ فيها كما يقال‬
‫خ ْلط‪ K،‬إلى غير ذلك من‬ ‫ن من ال َ‬ ‫ة لل ّْبس‪ ،‬وَأ ْم ٌ‬ ‫ح للمسائل‪ ،‬وإزال ٌ‬ ‫ة لُألمور‪ ،‬وتوضي ٌ‬ ‫الحروف‪ ،‬وفيها تجلي ٌ‬
‫الفوائد‪.‬‬
‫‪36‬‬ ‫مجموع الفتاوى (‪.)5/521‬‬

‫‪ 37‬مختصر الصواعق (ص‪.)320:‬‬

‫‪ 38‬لوامع األنوار البهيّة (‪.)1/195،196‬‬

‫‪ 39‬طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط واألصول للشيخ عب‪KK‬د ال‪KK‬رحمن بن س‪KK‬عدي‬
‫(ص‪.)4:‬‬
‫‪40‬‬
‫الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص‪.)243:‬‬

‫‪ 41‬انظر‪ :‬شرح الكوكب المنيّر للفتوحي (ص‪.)6:‬‬

‫‪ 42‬الفتاوى (‪.)19/203‬‬

‫‪ 43‬انظر‪ :‬مقدمة الرسالة التي بعنوان‪( K:‬فائدة جليلة في قواع‪KK‬د األس‪KK‬ماء الحس‪KK‬نى) المس‪KK‬تل ّة من ب‪K‬دائع‬
‫الفوائد البن الق ِي ّم‪ ،‬بتحقيقي‪.‬‬
‫‪ 44‬تفسير ابن سعدي (‪.)5/3‬‬
‫الفوائد‪.‬‬

You might also like