Professional Documents
Culture Documents
اﻟﻔوج01 :
�حث �ﻌنوان
2023/2022
اﻟمﻘدﻤﺔ:
رﺴﺎﻟﺔ اﺒن ﺸﻬید ﺤوت اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻵراء اﻟنﻘد�ﺔ ﻤن ﺴرﻗﺎت ﺸﻌر�ﺔ ﻤﻌﺎرﻀﺎت ،اﻟﻠﻔظ واﻟمﻌنﻰ
اﻟب�ﺎن ،اﻟسجﻊ ،ﺒنﺎء اﻟﻘصیدة ،اﻹﻟﻬﺎم اﻟشﻌري ،وﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﺨرى ،وﻨحن ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد
ﺘطرﻗنﺎ إﻟﻰ ﺠزء ﻤنﻬﺎ ،و �مكن اﻟﻘول أن اﺒن ﺸﻬید ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟم�ﺎدئ اﻟنﻘد�ﺔ ،اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻤوﺠدة ﻤنذ
اﻟﻘدم ،و داﻓﻊ ﻋنﻬﺎ ،و �ﺎن أوﻟﻰ ﺘﻠك اﻟم�ﺎدئ ﻤسﺄﻟﺔ اﻟسرﻗﺎت اﻟشﻌر�ﺔ ،ﺤیث �ﺎﻨت ﺘﻌیب ﻤن
اﻟشﺎﻋر وﺘنزل �منزﻟتﻪ ﻟكن اﺒن ﺸﻬید داﻓﻊ ﻋنﻬﺎ ،و اﺸترط ﺸروطﺎً ﻤﻌینﺔ ﻟمسﺄﻟﺔ اﻟسرﻗﺔ أو اﻷﺨذ
2
-1اﻹﺒداع واﻹﻟﻬﺎم.
ﻟﻌﻞ اﻟﻘض�ﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟتﻲ ﺘواﺠﻬنﺎ ﻓﻲ رﺴﺎﻟﺔ اﺒن ﺸﻬید ُﻤتض ﱠمنﺔ ﻓﻲ ﻋنواﻨﻬﺎ )اﻟتوا�ﻊ واﻟزوا�ﻊ( ،وﺘدور ﺤول
ﺠمﻊ زو�ﻌﺔ ،وﻫﻲ )اﺴم ﺸ�طﺎن ﻤﺎرد أو رﺌ�س ﻤن رؤﺴﺎء اﻟجن( ،ور�مﺎ �ﺎن اﺨت�ﺎر اﺒن ﺸﻬید ﻟﻬذا اﻟﻌنوان �شﻲ
إن ﻓكرة ﺸ�ﺎطین اﻟشﻌر وﻋﻼﻗﺔ اﻟشﻌراء �ﺎﻟجن ﻗد�مﺔ ،وﻗد اﺴتﻔﺎض اﻟحدﯿث ﻓیﻬﺎ ﻓﻲ اﻟثﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌر��ﺔ ،ﻓﻬﻲ
ﺸخص�ﺔ اﻟﻔنﺎن ،وﻤﺎ ﯿتمتﻊ �ﻪ ﻤن ﻗدرة ﺨﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺒداعُ ،ﺨّیﻞ إﻟیﻬم أﻨﻬﺎ ﻻ �مكن أن ﺘكون ﻤن ﺼنﻊ اﻟ�شر،
اﻷﻤر اﻟذي ّأدى إﻟﻰ اﻓتراض وﺠود ﻗوى روﺤ�ﺔ ﻏر��ﺔ ﺘوﺤﻲ إﻟیﻬم .وﻟذﻟك ،ارﺘ�طت ﻋمﻠ�ﺔ اﻹﺒداع ﻋند اﻟشﺎﻋر
أن ﻓﻲ �ﻠمﺔ اﻟجنون ﻨﻔسﻬﺎ ،إن �ﺎﻨت ﺘﻌنﻲ اﻟمﻼﺌكﺔ واﻟش�ﺎطین ،ﻤﺎ �شیر إﻟﻰ
�ﺎﻟجنون ،وﻟﻌﻞ ذﻟك ﯿرﺘد إﻟﻰ ّ
وﻗد ﺸﺎﻋت ﻓكرة اﻹﻟﻬﺎم اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟتﻔسیر اﻟخراﻓﻲ اﻟذي �جﻌﻞ ﻟكﻞ ﺸﺎﻋر ﺸ�طﺎﻨﺎً ﯿوﺤﻲ -إﻟ�ﻪ ﺒین
اﻟﻌرب ﻤنذ اﻟﻘدم ،وﻗد ﺴﺎﻋد ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟشﻌراء أﻨﻔسﻬم ،ﺤین أﻛدوا ﻫذا اﻟزﻋم �ﺄﺸﻌﺎرﻫم - ،و�ﺎﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أﺴمﺎء
اﻟخراف�ﺔ ،اﻷﻤر اﻟذي ﯿؤدي إﻟﻰ ﺴﻘوط ﻓكرة ﺸ�ﺎطین اﻟشﻌراء ﻤن اﻋت�ﺎرات اﻟنﻘﺎد ﻓﻲ ﺘﻔسیر اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻹﻟﻬﺎم
أن ﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ظﻠت ﻤثﺎر ﺠدل اﻟنﻘﺎد ﻓﻲ ﻤختﻠﻒ اﻟﻌصور اﻷدﺒ�ﺔ وﻋند أﺼحﺎب
وﻗدرة اﻟشﺎﻋر ﻋﻠﻰ اﻹﺒداع .ﻏیر ّ
ﻤش�ﻊ �ﺎﻟﻘداﺴﺔ،
اﻟنظر�ﺎت اﻟمختﻠﻔﺔ ،ﻤثﻞ ﻨظر�ﺔ اﻹﻨتﺎج اﻷدﺒﻲ اﻟحدﯿثﺔ ،اﻟتﻲ رﻓض أﺼحﺎﺒﻬﺎ ﻤﻔﻬوم اﻟخﻠق ﻷﻨﻪ ْ
.
ﯿرد اﻹﻨشﺎء اﻷدﺒﻲ إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﻐیب و�جﻌﻠﻪ وﺤ�ﺎً ﯿنزل ﻋﻠﻰ �ﻌض اﻷﺼف�ﺎء ﻤن ﺒنﻲ اﻟ�شر.
ّ
3
و�مﺎ ﯿبدو ﺠﻠ�ﺎً ،ﻓﺈن اﺨت�ﺎر اﺒن ﺸﻬید ﻫذا اﻟﻌنوان ﻟرﺴﺎﻟتﻪ �ﺄﺘﻲ اﻨسجﺎﻤﺎً ﻤﻊ اﻹطﺎر اﻟﻔنﻲ اﻟذي اﺨتﺎرﻩ ﻟﻬﺎ،
وﻫو ﻫذﻩ اﻟرﺤﻠﺔ اﻟخ�ﺎﻟ�ﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟجن ،ﻟ�كون ﻓﻲ ذﻟك ﻨوع ﻤن اﻹﺜﺎرة واﻟتشو�ق� ،حﺎول �ﻪ أن ُ�حرز ﻗصب
اﻟسبق ﺒﻬذا اﻷﺴﻠوب اﻟجدﯿد اﻟذي ﻗد �كون اﺴتوﺤﺎﻩ ﻤن ﻗصﺔ اﻹﺴراء واﻟمﻌراج .واﻋتمد ﻓكرة ﺸ�ﺎطین اﻟشﻌراء،
رغ�ﺔ ﻤنﻪ ﻓﻲ إﺒراز ﻗدرﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﺒداع ،وﻹﻀﻔﺎء ﻫﺎﻟﺔ ﻤن اﻟتﻌظ�م ﻋﻠﻰ ﻨﻔسﻪ ،ﯿدﻓﻌﻪ إﻋجﺎب ﻏیر ﻤحدود ﺒنﻔسﻪ
و�ﻔنﻪ ﺤیث اﻟتﻘﻰ �ش�ﺎطین ﺼﻔوة ﺸﻌراء و�تّﺎب اﻟﻌر��ﺔ وﺘﻔ ّوق ﻋﻠیﻬم .وﻟﻌﻞ ف�مﺎ أﺠراﻩ اﺒن ﺸﻬید ﻋﻠﻰ ﻟسﺎن ﺼﺎﺤ�ﻪ
ّ
اﻟنْﻔس.(...
اﻟنَﻔس ﻟﻬذﻩ ّ
أن ﻟﻪ ﺘﺎ�ﻌﺔ ﺘنجدﻩ وزا�ﻌﺔ ﺘؤ�دﻩ ،ﻟ�س ﻫذا ﻓﻲ ﻗدرة اﻹﻨس وﻻ ﻫذا ّ
ّ
وﻟﻌﻞ ﻗض�ﺔ اﻟب�ﺎن و��ف ﯿتﺄﺘﻰ ﻟﻺﻨسﺎن ،ﻫﻞ ﻫو ﻤكتسب أم ﻤوه�ﺔ ﻤن ﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ� ،ﺎﻨت ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟتﻲ
ﻛﺎن ﻻﺒن ﺸﻬید ﺴﻬم ﻓیﻬﺎ ﻓﻲ رﺴﺎﻟتﻪ؛ ﻓﻬو ﯿرى أن اﻟب�ﺎن ﻤوه�ﺔ ﻤن ﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ،وﻻ ُ�كتسب اﻛتسﺎ�ﺎً ﻋن طر�ق
اﻟدرس واﻟمذاﻛرة ،أو ﻋن طر�ق اﻟمﻌﻠمین أو اﻟمؤدﺒین ،ﺤیث ﯿرى أن ﻻ دﺨﻞ ﻟﻬم ف�ﻪ� ،ﻘول) :ﻗﻠت :ﻟ�س ﻫو ﻤن
ﺸﺄﻨﻬم ،إﻨمﺎ ﻫو ﻤن ﺘﻌﻠ�م ﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ .ﺤیث ﻗﺎل) :ﻟرﺤمن ﻋّﻠم اﻟﻘرآن ،ﺨﻠق اﻹﻨسﺎن ﻋّﻠمﻪ اﻟب�ﺎن((.
ﻓﺎﻟب�ﺎن ﻋند اﺒن ﺸﻬید ﻤوه�ﺔ ﻤن ﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ واﻷدب �صدر ﻋنﻪ ،وﻫو ط�ﻊ ﻓﻲ اﻟنﻔس ﻻ �كتسب اﻛتسﺎ�ﺎً،
وﺤد ذﻟك ﻋندﻩ اﻟط�ﻊ .وﻻ ق�مﺔ ﻟﻠﻌمﻞ اﻹﺒداﻋﻲ ﺒدوﻨﻪ� ،ﻘول
أن اﻟب�ﺎن ﻗد �ﻌﻠم ﻤﻊ ﺼﻌو�ﺔ ذﻟكّ ،
و�ن زﻋم –أﺤ�ﺎﻨﺎ– ّ
ﺘكسر .ﻫیﻬﺎت ،ﺤت �كون اﻟمسك ﻤن ِ
أﻨﻔﺎﺴك، ٍ
أرض ﱠ ﻓﻲ ﺤوارﻩ ﻤﻊ ﺼﺎﺤب أﺒﻲ اﻟﻘﺎﺴم) :ﻟ�س ﻤن ﺸﻌر ﯿ َـﻔ ﱠسر وﻻ
ُ ّ
ﻓتحسنﻪ(.
ّ اﻟوﻀ�ﻊ ﻓترﻓﻌﻪ ،واﻟرف�ﻊ ﻓتضﻌﻪ ،واﻟﻘب�ﺢ
وﻟم �خرج اﺒن ﺸﻬید ﻋن ﻤﻔﻬوم اﻟموه�ﺔ ﻋند ﻤن ﺴ�ﻘﻪ ﻤن اﻟنﻘﺎد� ،شكﻞ ﻋﺎم ،و�ﺎن ﻤدر�ﺎً ﻟطب�ﻌتﻬﺎ وﻷﻫمیتﻬﺎ
ﻓﻲ اﻟﻌمﻞ اﻹﺒداﻋﻲ؛ ﻓﻘد أﺠمﻊ اﻟنﻘﺎد ،ﻗد�مﺎً وﺤدﯿثﺎً ،ﻋﻠﻰ ﻀرورة ﺘواﻓر اﻟموه�ﺔ واﻟط�ﻊ ﻓﻲ اﻟﻌمﻞ اﻹﺒداﻋﻲ ،ور�زوا
اﻟﻘول دون ﻤﻌﺎﻨﺎة .ﻏیر أﻨﻬم أدر�وا أن اﻟط�ﻊ وﺤدﻩ ﻻ �كﻔﻲ ﻟخﻠق اﻟﻔنﺎن أو اﻷدﯿب .ﻟذﻟك أروا أﻨﻪ ﻻ ّﺒد ﻤن اﻟتﻔﺎﻋﻞ
4
و�د اﻟرو�ﺔ ،وﻫم ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن إﻗرارﻫم ﻫذا
ﺒین اﻟطب�ﻌﺔ واﻟصنﺎﻋﺔ اﻟﻔن�ﺔ -اﻟ�ﻌیدة ﻋن اﻟتكﻠﻒ -و�ین ﻋﻔو اﻟبدﯿﻬﺔ ّ
اﻟرﻏم ﻤن ذﻟك� ،ﺎن ﻻ ﯿرى اﻻﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ اﻟموه�ﺔ ﺤسب ،إﻨمﺎ ﯿرى -إﻟﻰ ذﻟك -ﻀرورة ﺼﻘﻠﻬﺎ �ﺎﻻطﻼع ﻋﻠﻰ
اﻟثﻘﺎﻓﺎت اﻟمتنوﻋﺔ ،واﻟدرس �حﻔظ اﻟﻐر�ب و�ﺠﺎدة اﻟنحو .وﻫو ﻤﺎ �سم�ﻪ اﻟنﻘد اﻟمﻌﺎﺼر �ﺄﺴس اﻟﻌمﻞ اﻷدﺒﻲ،ﯿتضﺢ
ذﻟك ﻓﻲ ﺤوارﻩ ﻤﻊ اﻷوزة اﻷدﯿ�ﺔ ،ﺤیث �ﻘول ﻋﻠﻰ ﻟسﺎﻨﻬﺎ) :وأﻨﺎ إﻨمﺎ أردت ﺒذﻟك إﺤسﺎن اﻟنحو واﻟﻐر�ب اﻟﻠذﯿن ﻫمﺎ
وﻟﻌﻞ ﺤوار اﺒن ﺸﻬید ﻤﻊ ﺘﺎ�ﻊ أﺒﻲ اﻟﻘﺎﺴم اﻹﻓﻠیﻠﻲ ﺨیر ﻤﺎ ﯿوﻀﺢ رأ�ﻪ ﻓﻲ ﻗض�ﺔ اﻟموه�ﺔ واﻟمؤدﺒین �،ﻘول:
ﻟدور اﻟموه�ﺔ واﻟتﻌﻠم ﻓﻲ اﻹﺒداع اﻟﻔنﻲ ،إذ إن اﻟخصوﻤﺔ ﺒینﻪ و�ینﻬم ﺘدور ﻓﻲ دﻋﺎواﻫم �ﺄﻨﻬم �ستط�ﻌون ﺘﻌﻠ�م اﻟب�ﺎن،
ﻓﺄﺤب أن ﯿبین ﻟﻬم �ﻌد ﻤﺎ ﺒین اﻟموه�ﺔ واﻻﻛتسﺎب ،وأن اﻟمﻌﻠمین ﻗد وﻗﻔت ﺒﻬم ﺼنﻌتﻬم اﻟتﻲ ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟحﻔظ
ﱠ
واﻟﻠﻐﺔ دون اﻹﺒداع ،ﻓﻲ ﻤرﺘ�ﺔ وﺴطﻰ دون اﻹﺤسﺎن ودون اﻹﺴﺎءة ،وﻤﺎ ذاك إﻻ ﻷﻨﻬم �ﻔتﻘدون اﻟموه�ﺔ اﻟﻔطر�ﺔ
ﻓﻲ أدﺒﻬم وﻨﻘدﻫم ،وأﻀﺎف اﻟﻘول �ﺄﻨﻬم ﻻ �حسنون اﻟكتﺎ�ﺔ واﻟشﻌر ﻟضﻌﻒ روﺤﺎﻨ�ﺎﺘﻬم وﺴوء ﻓﻬمﻬم وﻏﻼظﺔ
ﺸر اﻟكتﺎب ﻋندﻩ ﻤن �مرون ﻋﻠﻰ اﻟﻘراء ﻓﻼ �كون ﻟﻬم ﻗﺎدح وﻻ ﻤﺎدح وﻻ ﻋدو وﻻ ﺼدﯿق.
أﻛ�ﺎدﻫم ،وﻟذﻟك ،ﻓﺈن ّ
وﻟﻌﻞ اﻋتداد اﺒن ﺸﻬید �شخصیتﻪ و�ذ�ﺎﺌﻪ وﻋﻠو ﻤنزﻟتﻪ ﻫو ﺴبب ﻫذﻩ اﻟخصوﻤﺔ وﻫذا اﻟموﻗﻒ ﻤن اﻟمﻌﻠمین،
ﺒذﻟك ﻤوﻫبتﻪ وﺠر�ﺎن ط�ﻌﻪ .و�ؤ�د إﺤسﺎن ع�ﺎس ذﻟك �ﻘوﻟﻪ) :و�ﺎن إﻋجﺎ�ﻪ ﺒذاﺘﻪ ﻗد وﻀﻌﻪ ﻤوﻀﻊ ﻤن ﯿنظر إﻟﻰ
اﻟﻠﻐو�ین ﻤن ﻋﻞ(.
5
و�مكن ّرد ﻫذﻩ اﻟخصوﻤﺔ وﻫذا اﻟتحﺎﻤﻞ إﻟﻰ إ�مﺎن اﺒن ﺸﻬید �ﺄن اﻹﺒداع اﻟﻔنﻲ ﻓطرة ﻤن ﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ،وأن
وﺤﻔظ اﻟﻐر�ب.
اﻟتزود �ﺎﻟثﻘﺎﻓﺔ
و�ؤ�د اﺒن ﺸﻬید أن اﻷدﯿب ﻤﻬمﺎ ﺒﻠﻐت ﻋندﻩ ﻗوة اﻟموه�ﺔ اﻟﻔن�ﺔ ،ﻻ �مكن ﻟﻪ أن �ستﻐنﻲ ﻋن ّ
ﺤت �صﻘﻞ ﻤوﻫبتﻪ اﻟتﻲ ﻫﻲ ﻤن ﺸروط اﻹﺒداع اﻟﻔنﻲ ،و�تضﺢ ذﻟك ﻤن ﺨﻼل ﻤنﺎﻗشتﻪ ﻷﻨﻒ
اﻷدﺒ�ﺔ واﻟﻠﻐو�ﺔّ ،
ﺸﻬید ﻓﻲ اﻟط�ﻊ واﻟموه�ﺔ اﻟمؤ�دة �ﺎﻟثﻘﺎﻓﺔ اﻟﻠﻐو�ﺔ واﻟنحو�ﺔ واﻷدﺒ�ﺔ ،ﻟ�ست ﺠدﯿدة ﻋﻠینﺎ ،ﻟكن ﺘﻔسیر اﻟط�ﻊ �ﺄﻨﻪ ﻏﻠ�ﺔ
اﻟنﻔس ﻋﻠﻰ اﻟجسم ﻟم ﯿرد ﻋند اﻟمشﺎرﻗﺔ ،و�رد إﺤسﺎن ع�ﺎس ذﻟك إﻟﻰ أﻨﻪ ر�مﺎ �ﺎن ﻤن أﺜر اﺒن ﺤزم ﺼد�ﻘﻪ.
-2اﻟنظم واﻟنثر:
ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟتﻲ أﺜﺎرﻫﺎ اﺒن ﺸﻬید ﻓﻲ رﺴﺎﻟتﻪ ،ﻗض�ﺔ اﻟنظم واﻟنثر .وﻫﻲ ﻗض�ﺔ ﺘجر�د�ﺔ ،أﺜﺎرت �ثی اًر ﻤن
اﻟجدل ﺒین اﻟنﻘﺎد ﻓﻲ اﻟﻘرﻨین اﻟثﺎﻟث واﻟرا�ﻊ اﻟﻬجر�ین ،وﻫﻲ ﻤشكﻠﺔ ﻨ�ﻌت ﻤن ﻓكرة اﻟصدق واﻟكذب ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻟﻔﻠسﻔﻲ
اﻟذي �ﻘول �صدق اﻟخطﺎ�ﺔ و�ذب اﻟشﻌر ،وﻤن ﻫذا اﻟمنطﻠق ،ذﻫب �ﻞ ﻓر�ق �حتﺞ ﻟرأ�ﻪ ﻓﻲ أﯿﻬمﺎ أﻓضﻞ اﻟشﻌر
أم اﻟنثر ﺤیث ﯿؤ�د ﻤﻌظم اﻟ�ﺎﺤثین اﻟمﻌﺎﺼر�ن أن اﻟتصور اﻟﻌر�ﻲ اﻟﻘد�م ﻟﻸدب ﻗﺎم ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟتصن�ف اﻟثنﺎﺌﻲ.
ﻟﻘد ذﻫب اﻟمرزوﻗﻲ إﻟﻰ أن اﻟنثر أﻓضﻞ ﻤن اﻟشﻌر ،ﻤستدﻻً ﻋﻠﻰ ذﻟك �ﻌدة أﻤور ،ﻟﻌﻞ أوﺠﻬﻬﺎ أن إﻋجﺎز
�سبب اﺨتﻼف اﻟمبنیین -ﻤبنﻰ اﻟشﻌر وﻤبنﻰ اﻟنثر� ،ﺎن ﻤن اﻟصﻌب ﻋﻠﻰ اﻟمرء أن �جمﻊ و�حسن ﺒینﻬمﺎ �ﺎﻟتسﺎوي،
ورد ﺤجﺞ اﻟمرزوﻗﻲ ﻤبینﺎً أن ﻤجﻲء اﻟﻘرآن اﻟكر�م ﻤنثو اًر أظﻬر
ﻓضﻞ اﺒن رﺸیق اﻟشﻌر ﻋﻠﻰ اﻟنثرّ ،
ﺒینمﺎ ّ
ﻓﻲ اﻹﻋجﺎز ﻟﻘوم ﺸﻌراء ،وأﻋجز اﻟخط�ﺎء وﻟ�س �خط�ﺔ ،واﻟمترﺴﻠین وﻟ�س ﺒترﺴﻞ ،وأن اﻟﻌرب ﺤین ﺤﺎروا ﻓﻲ أﻤرﻩ
6
اﻟحدة اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمشرق؛ ﻟذﻟك ،ﺠﺎء
ﻏیر أن ﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ﻟم ﺘتخذ ﻓﻲ اﻷﻨدﻟس اﻷ�ﻌﺎد ﻨﻔسﻬﺎ ،و ّ
�حث اﺒن ﺸﻬید ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ﻟ�س ﻤن �ﺎب اﻟمﻔﺎﻀﻠﺔ ﺒین اﻷﺠنﺎس ،ﺒﻞ ﻤن �ﺎب إﺒراز ﺘﻔوﻗﻪ وﻓضﻠﻪ ﻋﻠﻰ
ﺨصوﻤﻪ� ،صﻔتﻪ ﺠﺎﻤﻌﺎً ﻤحسنﺎً ﻟﻠﻔنین ﻤﻌﺎً .إذ �ﺎن اﻫتمﺎﻤﻪ �ﺎﻟشﻌر ﻻ �ﻘﻞ ﻋن اﻫتمﺎﻤﻪ �ﺎﻟنثر ،ﯿتضﺢ ذﻟك ﻓﻲ
ﻗوﻟﻪ):ﺘذاﻛرت ﯿوﻤﺎً ﻤﻊ زﻫیر ﺒن ﻨمیر أﺨ�ﺎر اﻟخط�ﺎء واﻟشﻌراء ...ﻓﻘﺎل ﻟﻲ :ﺤﻠﻠت أرض اﻟجن أ�ﺎ ﻋﺎﻤر ف�من ﺘر�د
أن ﺘبدأ؟ ﻓﻘﻠت :اﻟخط�ﺎء أوﻟﻰ �ﺎﻟتﻘد�م ،ﻟكنﻲ إﻟﻰ اﻟشﻌراء أﺸوق( .و�بدو أن ﺘﻘد�م اﺒن ﺸﻬید ﻟﻠخط�ﺎء �ﺎن ﻤن �ﺎب
ﺘمكنﻪ �ﺎﻟنثر و�ﺠﺎدﺘﻪ ﻟﻪ و�ﺒداﻋﻪ ف�ﻪ أﻛثر ﻤن ﺘمكنﻪ �ﺎﻟشﻌر ﻓﺎﻟخط�ﺎء ﻋندﻩ أوﻟﻰ �ﺎﻟتﻘد�م ،وﻫم ﻋندﻩ ﻓرﺴﺎن اﻟكﻼم،
ﻟذﻟك ﻨجدﻩ ﯿنتزع إﺠﺎزة اﻟشﺎﻋر�ﺔ ﻤن اﻟشﻌراء ،ﻟیثبت ﺘﻔوﻗﻪ ،ﻓﻲ ﺤین ﻨجد اﻟكتﺎب �ﻌترﻓون ﻟﻪ �ﺎﻟﻔضﻞ ﻓﻲ اﻟخطﺎ�ﺔ
ﻤس�ﻘﺎً.
ﺨمـر اﻟصـ�ﺎ ﻤزﺠـ ْت �صـﻔو ﺨمـورﻩ ...إﻟﻰ آﺨر اﻷﺒ�ﺎت. أدرت ﺒـدﯿرﻩ رب ﺤـ ٍ
ﺎن ﻗـد ُ وﻟـ ﱠ
وﻫو ﻋندﻤﺎ �حوز ﻋﻠﻰ إﻋجﺎب اﻟنﻘﺎد �ﺎﻟشﻬﺎدة ﻟﻪ �ﺎﻟتﻔوق ﻓﻲ اﻟشﻌر ﻗدر ﺘﻔوﻗﻪ ﻓﻲ اﻟنثر ،ﯿت�ﻪ ﻋج�ﺎً ﺒنﻔسﻪ
وﻻ �ﻌود �كترث �ﺄﯿﻬمﺎ �ﻘ ﱠدم ،ﻓﻲ اﻟشﻌر أو ﻓﻲ اﻟخطﺎ�ﺔ ،ﻓنجدﻩ �ﻘول ﻋﻠﻰ ﻟسﺎن ﻋت�ﺔ ﺒن أرﻗم وأﺒﻲ ُﻫب ْﯿرة ﺼﺎﺤب
:اﻹﻨصﺎف أوﻟﻰ ،واﻟصدع �ﺎﻟحق أﺤجﻰ ،وﻻ ّﺒد ﻤن ﻗضﺎء .ﻓﻘﺎﻻ :اذﻫب ﻓﺈﻨك ﺸﺎﻋر ﺨطیب(.
اﻟحروف واﻟكﻠمﺎت ﻤن ﻗرا�ﺔ ،وﻗدرة اﻷدﯿب ﻋﻠﻰ ﺘر�یب ﺼور اﻟكﻼم ،ووﻀﻊ اﻟﻐر�ب ﻓﻲ ﻤوﻀﻌﻪ اﻟﻼﺌق �ﻪ� .ﻘول:
7
)إن ﻟﻠحروف أﻨسﺎ�ﺎ وﻗر ٍ
ا�ﺎت ﺘبدو ﻓﻲ اﻟكﻠمﺎت ،ﻓﺈذا ﺠﺎور اﻟنسیب اﻟنسیب ،وﻤﺎزج اﻟﻘر�ب اﻟﻘر�ب ،طﺎﺒت اﻷﻟﻔﺔ ّ
وﺤسنت اﻟصح�ﺔ ،و�ذا رﱡ�بت ﺼور اﻟكﻼم ﻤن ﺘﻠك ،ﺤسنت اﻟمنﺎظر وطﺎﺒت اﻟمخﺎﺒر ...وﻟﻠﻌذو�ﺔ إذا طﻠبت
ست ﻗواﻨین ﻤن اﻟكﻼم ،ﻤن طﻠب ﺒﻬﺎ أدرك وﻤن ﻨكب ﻋنﻬﺎ ﻗصر ...و�مﺎ ﺘختﺎر ﻤﻠ�ﺢ اﻟﻠﻔظ واﻟﻔصﺎﺤﺔ إذا ِ
اﻟتم ْ
ورﺸیق اﻟكﻼم ،ﻓكذﻟك �جب أن ﺘختﺎر ﻤﻠ�ﺢ اﻟنحو وﻓص�ﺢ اﻟﻐر�ب ،وﺘﻬرب ﻋن ﻗب�حﻪ(.
أن )إﺼﺎ�ﺔ اﻟب�ﺎن ﻻ �ﻘوم ﺒﻬﺎ ﺤﻔظ �ثیر اﻟﻐر�ب واﺴت�ﻔﺎء ﻤسﺎﺌﻞ اﻟنحو،
و�ین ّ
واﻟثﻌﻠب ،ﻓﺎﺴتحسنوا ﻤنﻪ ذﻟكّ 75.
اﻹﺸﺎرة اﻟسر�ﻌﺔ أو اﻟمﻼﺤظﺔ اﻟ�سیرة ،وذﻟك ﻻ ﯿؤﺼﻞ ﻟﻘﺎﻋدة ﻨﻘد�ﺔ أو ﺠمﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ ﺘﻔكیرﻩ اﻟنﻘدي ،وﻗد �ﻌود ذﻟك
أن ﻨﻘدﻩ ﻟم �كن ﺤصیﻠﺔ ﺘﺄﻤﻞ طو�ﻞ ودﻗیق ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمسﺎﺌﻞ ،ور�مﺎ اﻨصرف ﻫمﻪ إﻟﻰ اﻟﻬدف اﻟذي ﻤن أﺠﻠﻪ
إﻟﻰ ّ
-3اﻟﻘد�م واﻟمحدث:
ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟنﻘد�ﺔ اﻟتﻲ ﺸﻐﻠت ﺤی اًز ﻤن ﺴﺎﺤﺔ اﻟنﻘد اﻷدﺒﻲ اﻟﻌر�ﻲ اﻟﻘد�م ﻗض�ﺔ اﻟﻘد�م واﻟمحدث ،و ُ�ﻌد
اﻟصراع اﻟذي دار ﺤوﻟﻬﺎ ﺴب�ﺎً ﻤن أﺴ�ﺎب ﺨصب ﻫذا اﻟنﻘد وﺤیو�تﻪ .و�ﺎن اﺴتﻌمﺎل اﻟنﺎﻗد اﻟﻘد�م ﻟمصطﻠﺢ )اﻟمحدث(
�حد اﻟسﺎﺒق اﻟﻘد�م، ﻗد اﻗترن �ﺎﻟزﻤن ،أي أن اﻟمحدث ﻫو )اﻟمﻌﺎﺼر)( ،ﺜم إن ّ
ﺤد اﻟتوﻟید واﻹﺤداث �ﺎن ﻤتﻌﻠﻘﺎً ّ
ﻓﻠ�س اﻟمحدث أو اﻟموﻟد ﻤجرد ظﺎﻫرة زﻤن�ﺔ ،و�ﻨمﺎ ﻫو ﻤﺎ وﻗﻌت اﻟز�ﺎدة واﻹﻀﺎﻓﺔ ف�ﻪ 73.ﻓﻘد �ﺎن ﻤصطﻠﺢ
)اﻟمحدث( ﻤوﻀﻊ ﻨظر ﻋند اﻟنﻘﺎد اﻟﻌرب اﻟﻘداﻤﻰ ،وﻫو ﻤصطﻠﺢ ﻨسبﻲ ،إذ إن �ﻞ ﻗد�م ﻤن اﻟشﻌراء ﻫو ﻤحدث
ﻓﻲ ﻋصرﻩ ،وﻟكﻞ ﻋصر ﺤداﺜتﻪ ،و�ﻞ ﺤداﺜﺔ ﺼﺎﺌرة إﻟﻰ ﻨﻬﺎﯿتﻬﺎ ﻟتص�ﺢ ﻗد�مﺎً.
ﻤن ﺸﻌر اﻷواﺌﻞ ﻨموذﺠﺎً وﻤق�ﺎﺴﺎً ﻟﻠجودة اﻟﻔن�ﺔ ،ورأى أﻨﻪ اﻷﺼﻞ وﻤﺎ ﺠﺎء �ﻌدﻩ ﻓرﻋﺎً ﻋﻠ�ﻪ� ،مﺎ ﻨرى ﻓﻲ ﻗول اﺒن
8
رﺸیق) :و�ﻨمﺎ ﻤثﻞ اﻟﻘدﻤﺎء واﻟمحدﺜین �مثﻞ رﺠﻠین :اﺒتدأ ﻫذا ﺒنﺎء ﻓﺄﺤكمﻪ وأﺘﻘنﻪ ،ﺜم أﺘﻰ اﻵﺨر ﻓنﻘشﻪ وز�نﻪ،
واﻟكﻠﻔﺔ ظﺎﻫرة ﻋﻠﻰ ﻫذا ،و�ن ﺤسن ،واﻟﻘدرة ظﺎﻫرة ﻋﻠﻰ ذﻟك ،و�ن ﺨشن(،وﻤنﻬم ﻤن اﺘّخذ ﻤوﻗﻔﺎً ﺘوف�ق�ﺎً ﺒین اﻟﻘد�م
جﻞ اﻟمتﻘدم
ﻛذﻟك ،ﻨظر اﺒن ﻗتی�ﺔ �ﻌین اﻟﻌدل إﻟﻰ اﻟﻔر�ﻘین ف�مﺎ اﺨتﺎرﻩ ﻤن ﺸﻌر �ﻞ ﺸﺎﻋر ﻓﻲ ط�ﻘﺎﺘﻪ .ﻓﻠم ُ� ّ
ﺒﻞ ﺠﻌﻞ ذﻟك ﻤشتر�ﺎ ﻤﻘسوﻤﺎ ﺒین ع�ﺎدﻩ ﻓﻲ �ﻞ دﻫر ،وﺠﻌﻠكﻞ ﻗد�م ﺤدﯿثﺎ ﻓﻲ ﻋصرﻩ و�ﻞ ﺸرف ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ
أوﻟﻪ(.
و�بدو أن اﺒن ﺸﻬید �ﺎن ﻤن أﺼحﺎب اﻟنظرة اﻟتوف�ق�ﺔ ﺒین اﻟﻘد�م واﻟمحدث ﻤن اﻟشﻌر ،وﻫﻲ ﻨزﻋﺔ ﻏﻠبت
ﻋﻠﻰ اﻟنﻘد ﻓﻲ اﻷﻨدﻟس ،ﺤیث �ﺎن ﺘﻌﺎ�ش اﻟﻘد�م واﻟمحدث ﺴمﺔ ﻤن ﺴمﺎت اﻟشﻌر اﻷﻨدﻟسﻲ .ﻓﻠم ﯿتﻌصب اﺒن
ﺸﻬید ﻟﻘد�م ﻤن �ﺎب اﻟمحﺎﻓظﺔ ،وﻻ ﻟمحدث ﻤن �ﺎب اﻟمﻌﺎﺼرة ،ﺒﻞ �ﺎن �ﻌج�ﻪ ﺠمﺎل اﻟﻌمﻞ اﻷدﺒﻲ اﻟﻔنﻲ وﺘﺄﺜیرﻩ
ﻓﻲ اﻟنﻔس دون اﻟنظر إﻟﻰ ِﻗدﻤﻪ أو ﺤداﺜتﻪ ،و�تضﺢ ذﻟك ﻓﻲ ﻤحﺎورﺘﻪ ﻟﻌتی�ﺔ ﺒن ﻨوﻓﻞ ﺘﺎ�ﻊ اﻟشﺎﻋر اﻟﻘد�م اﻤرئ
ٍ
ﻤﻐﺎن ﻤن ﻓﻬممت �ﺎﻟح�صﺔ ﺜم اﺸت ﱠد ْت ﻗوى ﻨﻔسﻲ وأﻨشدتْ :
ﺸجت ُﻪ ﻛﺎن أﻗصرا ...ﺤت أﻛمﻠﻬﺎ ﺜم ﻗﺎل ﻟﻲِ :
أﻨشد؛
ُ ّ
إن ﺘﻘد�م اﺒن ﺸﻬید ﻟتﺎ�ﻊ اﻤرئ اﻟق�س دﻟیﻞ ﻋﻠﻰ إﻋجﺎ�ﻪ �شﻌر اﻟشﺎﻋر وﺘﻘد�مﻪ ﻟﻪ ،و�بدو أن ﻫذا اﻹﻋجﺎب
رب ،وﻻ �خﻔﻰ ﻓﻲ ﻫذا ﻤﺎ أراد اﺒن ﺸﻬید اﻟتﻌبیر ﻋنﻪ ،و�ذﻟك ﺠرى ﻤﻊ ﺘﺎ�ﻊ طرﻓﺔ .
9
ﻋبر اﺒن ﺸﻬید ﻓﻲ ﻤحﺎورﺘﻪ ﻤﻊ ﻋتﺎب ﺒن ﺠبنﺎء ﺘﺎ�ﻊ أﺒﻲ ﺘمﺎم ﻋن إﻋجﺎ�ﻪ و�ﺠﻼﻟﻪ ﻟﻪ ،وﻫو
و�ﻟﻰ ذﻟك ،ﻓﻘد ّ
ﺸﺎﻋر ﻤحدث ،ﺤیث �ﻘول) :ﻓﻘﻠت :وﻤﺎ اﻟذي أﺴكنك ﻗﻌر ﻫذﻩ اﻟﻌین �ﺎ ﻋتﺎب؟ ﻗﺎل :ﺤ�ﺎﺌﻲ ﻤن اﻟتحسن �ﺎﺴم
ِّ
اﻟشﻌر وأﻨﺎ ﻻ أﺤسنﻪ ،ﻓصحت :و�ﻠﻲ ﻤنﻪ؛ �ﻼم ﻤحدث ورب اﻟكع�ﺔ! واﺴتنشدﻨﻲ ﻓﻠم أﻨشدﻩ إﺠﻼﻻً ﻟﻪ .ﺜم أﻨشدﺘﻪ:
و�تضﺢ ﻤن ذﻟك أن اﺒن ﺸﻬید ﻟم ﯿتخذ ﻤن اﻟﻘد�م أو اﻟمحدث ﻤق�ﺎﺴﺎً ﻟﻠشﻌر ،ﺒﻞ �ﺎن ﻤق�ﺎﺴﻪ ﺠمﺎل اﻟشﻌر
وﻋذو�تﻪ ،وﻟم �كن إﻋجﺎ�ﻪ �ﺄﺒﻲ ﻨواس �ﻘﻞ ﻋن إﻋجﺎ�ﻪ �طرﻓﺔ ،وﻻ �ﻘﻞ إﻛ�ﺎرﻩ ﻟﻠمتنبﻲ ﻋن إﻛ�ﺎرﻩ ﻻﻤرئ اﻟق�س،
اﻷﻤر اﻟذي ﯿؤ�دﻩ ﻋدم اﻗتصﺎرﻩ ﻓﻲ رﺤﻠتﻪ ﻋﻠﻰ ﻤﻘﺎﺒﻠﺔ ﺘﺎ�ﻊ وﺸ�ﺎطین �تّﺎب وﺸﻌراء ﻋصر دون آﺨر ،ﻷﻨﻪ �مﺎ
ﻗﺎل ﺨر�وش) :ﻓﻬو �ستجیب ﻟﻠجمﺎل اﻟﻔنﻲ اﻟصﺎدر ﻋن ط�ﻊ روﺤﺎﻨﻲ ﺼﺎف ،وﻟكنﻪ ﻻ �ﻘﻠﻞ ﻤن ق�مﺔ اﻟمﻌنﻰ أو
و�تضﺢ ﻤن ذﻟك أ�ضﺎ ،ﻗبول اﺒن ﺸﻬید ﻓكرة اﺨتﻼف اﻟذوق واﻷﺴﻠوب �ﺎﺨتﻼف اﻟﻌصور واﻷﻤم� ،ﻘول :
أن ﻟكﻞ ﻤﻘﺎم ﻤﻘﺎﻻ ،ﻓكذﻟك ﻟكﻞ ﻋصر ﺒ�ﺎن وﻟكﻞ دﻫر �ﻼم ،وﻟكﻞ طﺎﺌﻔﺔ ﻤن اﻷﻤم اﻟمتﻌﺎق�ﺔ ﻨوع ﻤن
)و�مﺎ ّ
اﻟﻌﺎدة(.
-4اﻟسـرﻗﺎت:
ُﺸﻐﻞ اﻟنﻘد اﻟﻌر�ﻲ اﻟﻘد�م ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟرا�ﻊ ﺒﻬذﻩ اﻟﻘض�ﺔ �شكﻞ ﺨﺎص أﻛثر ﻤن ﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟنﻘد�ﺔ
،و�تجﻠﻰ ذﻟك ف�مﺎ دار ﺤول أﺒﻲ ﺘمﺎم واﻟ�حتري واﻟمتنبﻲ .ﻓﻘد أﻟﻔت �تب �ثیرة ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ،ﺘكشﻒ ﻋن ﺴرﻗﺎت
اﻟشﻌراء ،وﺘتحدث ﻋن ﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة وﻤﺎ ﯿتصﻞ ﺒﻬﺎ ﻤن أﻤور-وﻓق ﻤﺎ ﯿرى أﺼحﺎﺒﻬﺎ -ﻤثﻞ ﺘحدﯿد أﺒواب اﻟسرﻗﺔ،
أﺨذ،
ﻏﺎﻟب اﻷﺤ�ﺎن .وﺘﻌددت اﻟمصطﻠحﺎت اﻟخﺎﺼﺔ ﺒﻬذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻋند �ﻌض اﻟنﻘﺎد ﺴرﻗﺔ ،وﻫﻲ ﻋند آﺨر�ن ْ
10
ﺘصدوا ﻟﻬﺎ ،ﺒینمﺎ ﻟم �ﻌرﻫﺎ آﺨرون اﻫتمﺎﻤﺎً ﻹ�مﺎﻨﻬم
وﻗد اﺴتنﻔذت ﻫذﻩ اﻟمشكﻠﺔ �ثی اًر ﻤن ﺠﻬد اﻟنﻘﺎد اﻟذﯿن ّ
�ﺄن اﻟسرﻗﺔ ﻗد أﺼ�حت ﻗﺎﻋدة ﻋﺎﻤﺔ ﻓﻲ اﻟح�ﺎة اﻟشﻌر�ﺔ،وﻟم ﺘﻌد أﻤ اًر أﺴﺎﺴ�ﺎً ﻓﻲ اﻟنﻘد اﻷدﺒﻲ.
ّ
وﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟنﻘد�ﺔ اﻟتﻲ أﺜﺎرﻫﺎ اﺒن ﺸﻬید ﻓﻲ رﺴﺎﻟتﻪ ،وﺤﺎول أن �ﻌرض آراءﻩ ﻓیﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻟسﺎن
ﺸ�ﺦ ﻤن اﻟجن �ﻌﻠم اﺒنﻪ ﺼنﺎﻋﺔ اﻟشﻌر� ،ﻘول :إذا اﻋتمدت ﻤﻌنﻰ ﻗد ﺴ�ﻘك إﻟ�ﻪ ﻏیرك وأﺤسن ﺘر�ی�ﻪ ،وأر ّق
ﺤﺎﺸیتﻪ ،ﻓﺎﻀرب ﻋنﻪ ﺠمﻠﺔ ،و�ن ﻟم �كن ّﺒد ﻓﻔﻲ ﻏیر اﻟﻌروض اﻟتﻲ ﺘﻘدم إﻟیﻬﺎ ذﻟك اﻟمحسن ،ﻟتنشط طب�ﻌتك
وﺘﻘوى ﻤنتك.
ﻓكﺎن اﺒن ﺸﻬید ﯿؤﻤن أن اﻟشﻌر إﺒداع واﺨتراع� ،مﺎ ﻫو ﻋند اﻟجﺎﺤظ واﻟجرﺠﺎﻨﻲ واﺒن ط�ﺎط�ﺎ وﻏیرﻫم ﻤمن
ﻛﺎن ﯿؤﻤن �ﺄن اﻟشﻌر طر�ﻘﺔ ﻓﻲ اﻹﺒداع ﺘحﻔﻞ �ﺎﻟﻔن واﻟجمﺎل ،و�ﻠﻔت اﺒن ﺸﻬید �حس ﻨﻘدي إﻟﻰ أن ﻫنﺎك ﻤﻌﺎﻨﻲ
ﻤسبوﻗﺔ ﻗد ُﺸﻬد ﻟﻬﺎ �ﺎﻟﻔضﻞ ،ﻓﺈذا اﻀطر اﻟشﺎﻋر ﻟﻬﺎ ﻓﻠ�ﺄﺨذ وﻟیتﻔوق ﻋﻠیﻬﺎ ﻓﻲ ﻏیر ﻋروﻀﻬﺎ و�ﻻ ﻓﻼ ،و�ﻌﻠﻞ
و�خﺎﻟﻒ اﻟ�ستﺎﻨﻲ اﺒن رﺸد ﻓﻲ ﻤسﺄﻟﺔ اﻟﻌروض ،ف�ﻘول :وﻟسنﺎ ﻋﻠﻰ رأي أﺒﻲ ﻋﺎﻤر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ،
ﻓﺎﻟسرﻗﺎت اﻟشﻌر�ﺔ ﻻ �خﻔیﻬﺎ اﺨتﻼف اﻟﻌروض ،وﻻ �شﻔﻊ ﺸﻲء ﻟمستحﻠﻬﺎ إﻻ إذا وﻟد ﻤنﻬﺎ ﺼو ار أو ﻤﻌﺎﻨﻲ ﺠدﯿدة
و�تضﺢ ﻤن ذﻟك ،اﻷﺴس اﻟتﻲ ارﺘضﺎﻫﺎ اﺒن ﺸﻬید ﻓﻲ اﻷﺨذ ،ﻓﻬو ﻋندﻩ درﺠﺎت ،ﻓﻬنﺎك ﻤن اﻟشﻌراء
�ﻘصر ﻓﻬو �سﻲء .ﻓﻘد ﺠﻌﻞ اﻹﺒداع واﻟتﻔوق ﻋﻠﻰ اﻟمﻌﺎﻨﻲ اﻟمسبوﻗﺔ �ﺎﻟز�ﺎدة
ﻤن �ﺄﺨذ و�ز�د ﻓﻬو ﻤحسن ،وﻤنﻬم ﻤن ّ
اﺼطكت
ّ اﻟمﻘصر ،وﻓضﻞ اﻟسﺎﺒق اﻟمبرز ،إذا
ّ ﯿتبین ﺘﻘصیر
وﺤسن اﻟتر�یب ﻤق�ﺎﺴﺎً ﻟﻸﺨذ اﻟحسن� ،ﻘول :و�ﻨمﺎ ّ
ﺘوﺠ ْد ﻓسح ُﺔ ﻟﻔكرة ،وﻻ أﻤكنت ﻨظرة ﻟرو�ﺔ .ي ؤ�د ذﻟك ﻤﺎ ﺠﺎء ﻓﻲ ﱡ
اﻟر�ب وازدﺤمت اﻟحﻠق ،واﺴتﻌجﻞ اﻟمﻘﺎل وﻟم َ
11
ﻓﻘﻠت :ﺠد أرﻀنﺎ ،أﻋزك ﷲ� ،سحﺎ�ك ،وأﻤطرﻨﺎ �ﻌیون آدا�ك .ﻗﺎل :ﺴﻞ ﻋمﺎ ﺸئت .ﻗﻠت :أي ﻤﻌنﻰ ﺴ�ﻘك
إﻟﻰ اﻹﺤسﺎن ف�ﻪ ﻏیرك ،ﻓوﺠدﺘﻪ ﺤین رﻤتﻪ ﺼع�ﺎً ﻋﻠ�ك ،إﻻ أﻨك ﻨﻔذت ف�ﻪ؟ ﻗﺎل :ﻤﻌنﻰ ﻗول اﻟكندي:
ﺴمـو ﺤبـﺎب اﻟمـﺎء ﺤـﺎﻻً ﻋﻠـﻰ ﺤـﺎل ﺴمـوت إﻟیﻬـﺎ �ﻌـدﻤﺎ ﻨـﺎم أﻫﻠﻬـﺎ
ﻗﻠت :أﻋزك ﷲ ،ﻫو ﻤن اﻟﻌﻘم ،أﻻ ﺘرى ﻋمر ﺒن أﺒﻲ ر��ﻌﺔ وﻫو ﻤن أط�ﻊ اﻟنﺎس ،ﺤین رام ّ
اﻟدﻨو ﻤنﻪ واﻹﻟمﺎم
أزور ﻗﺎل :ﺼدق ت ،إﻨﻪ أﺴﺎء ﻗسمﺔ اﻟبیت، ِ ِ وﻨّﻔضـت ﻋـنﻲ اﻟنـوم أﻗبﻠ ِ
ـت ﻤشـ� َﺔ اﻟ ـ ُﺤبـﺎب ُور�ـنﻲ ﺨ َ�ﻔـﺔ اﻟﻘـوم ُ
ُ ُ
و�برز اﺒن ﺸﻬید ﺘﻔوﻗﻪ ﻓﻲ ﺤسن اﻷﺨذ واﻹﺒداع ،ﻓﻲ ﻤحﺎﻛﺎﺘﻪ ﻟمﻌنﻰ ﺒیت اﻟمتنبﻲ ،ﺤیث �ﻘول:
آﺨر اﻟبیت. ّو رﻓیـ ق درى واﻟـتمس ....إﻟﻰ دﻨـوت إﻟیـﻪ ﻋﻠـﻰ �ﻌـدﻩ دﻨـ
و�رى اﺒن ﺸﻬید أن اﻷﺨذ -إن �ﺎن ﻻ ﺒد ﻤنﻪ� -كون �مجﺎراة اﻟﻔحول َ
وﻤ ْن أﺠﺎد ﻤن اﻟسﺎ�ﻘین .وﻟﻌﻞ ذﻟك
�ﻌود إﻟﻰ ﻤﺎ ﻋرف ﻋنﻪ ﻤن وﻟﻊ �مجﺎراة اﻟﻔحول وﻤﻌﺎرﻀﺎﺘﻬم ،ﻤؤ�داً ﺒذﻟك أﺴسﻪ ﻓﻲ اﻷﺨذ ،ﻷﻨﻪ ﯿداﻓﻊ ﻋن ﺠزء
ﻤﻬم ﻤن طر�ﻘتﻪ ،وﻤوﻟﻊ �مسﺎﺤﺎت اﻟﻔﺢ ول واﻟجري ﻋﻠﻰ ﺤﻠبتﻬم واﻷﺨذ ﻋندﻩ أﻤر ﻤسﻠم �ﻪ ﻤندوب ﻟﻪ91.
ﻨتبین ﺠودة اﻟمﻌنﻰ اﻟمحدث وﺠود ﻤﻌنﻰ ﺴﺎﺒق ﻋﻠ�ﻪ ،و�ﻻ ﻓك�ف ﺘكون اﻟمﻘﺎرﻨﺔ و��ﺎن
�شترط اﺒن ﺸﻬید ،ﻟكﻲ ّ
وﺼﻒ �ﻌرف
ٌ إﻟﻰ ﺼﻔتﻪ ،وﻻ ُﺴﻠط اﻟكﻼم ﻋﻠﻰ ﻨ ْـﻌتﻪ ،اﻛتﻔﻰ �ﻘﻠیﻞ اﻹﺤسﺎن ،واﺠتزى ﺒ�سیر اﻟب�ﺎن ،ﻷﻨﻪ ﻟم ّ
ﯿتﻘد ْم
ﺒوﺼﻔﻪ ،وﻻ ﺠرى ﻤسﺎق �ضﺎف إﻟﻰ ﻤسﺎﻗﻪ.وذﻫب ﻓﻲ ﻤﻘﺎم آﺨر إﻟﻰ أن اﻟمﻌنﻰ اﻟبد�ﻊ ﻻ �ضر ﺼﺎﺤ�ﻪ أن ﯿتتﻠمذ
اﻟشﺎﻋر ف�ﻪ ﻋﻠﻰ ﻤن ﺴ�ﻘﻪ ﻤن اﻟشﻌراء ،و�ن اﻟحسن واﻟبراﻋﺔ ﻻ ﺘتواﻓر ﻓﻲ اﻟمﻌنﻰ إﻻ إذا �ﺎن ﻤسبوﻗﺎً �ﻐیرﻩ �ﻲ
ﺘتضﺢ ف�ﻪ اﻟمﻘﺎ�سﺔ واﻟممﺎﯿزة .و�رى اﺒن ﺸﻬید أن اﻟضرورة ﻗد ﺘكون ﺴب�ﺎً ﻟﻸﺨذ ،ﺤین �ضطر اﻟشﺎﻋر إﻟﻰ ﻤﻌﺎﻟجﺔ
�ﻌض اﻟمﻌﺎﻨﻲ اﻟتﻲ ﺴ�ﻘﻪ إﻟیﻬﺎ ﻏیرﻩ ،و�ﻻ اﺘﻬم �صدق ﺸﺎﻋر�تﻪ .ﯿتضﺢ ذﻟك ﻓﻲ ﺤدﯿثﻪ ﻤﻊ ﺼﺎﺤب اﻟمتنبﻲ
ُﻤبرراﺘﻬمﺔ اﻟتنﺎول� ،ﻘوﻟﻪ :ﻓﻘﺎل :إﻨﻪ ﯿتنﺎول ،ﻗﻠت ﻟﻠضرورة اﻟداﻓﻌﺔ و�ﻻ ﻓﺎﻟﻘر�حﺔ ﻏیر ﺼﺎدﻋﺔ واﻟشﻔرة ﻏیر ﻗﺎطﻌﺔ.
12
وﻫكذا ﺤﺎول اﺒن ﺸﻬید أن �ضﻊ أﺴسﺎً ﻤﻘبوﻟﺔ ﻟﻸﺨذ ،ﻟم ﺘخرج ﻓﻲ ﻤﻌظمﻬﺎ ﻋمﺎ �ﺎن ﯿدور ﻓﻲ اﻟسﺎﺤﺔ اﻟنﻘد�ﺔ
ﻤن آراء.
-5اﻟسـجﻊ:
ﻛﺎن ﻟطغ�ﺎن اﻟسجﻊ ﻋﻠﻰ أﺴﺎﻟیب اﻟكتﺎ�ﺔ اﻟﻔن�ﺔ ،ﻓﻲ ﻋصر اﺒن ﺸﻬید ،أﺜر ﻓﻲ ﺘوﺠ�ﻪ اﻟنﻘد اﻷدﺒﻲ اﻟﻌر�ﻲ
اﻟﻘد�م ﺤیث ﺸكﻞ ظﺎﻫرة أﺴﻠو��ﺔ �ﺎن ﻟﻠنﻘﺎد ﻓیﻬﺎ ﻨظر ،ﻓمﺎ ﺼدر ﻤنﻪ ﻋن ط�ﻊ �جري ﻓﻲ اﻟﻌمﻞ اﻷدﺒﻲ ﻤجرى
وﻗد �ﺎن ﻻﺒن ﺸﻬید آراؤﻩ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘض�ﺔ ،ﺤرص ﻋﻠﻰ أن ﯿنطق ﺘوا�ﻊ اﻟكتﺎب ﺒﻬﺎ ،ﻤن ذﻟك ﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺼﺎﺤب
اﻟجﺎﺤظ ﻋت�ﺔ ﺒن أرﻗم وﺼﺎﺤب ﻋبد اﻟحمید أﺒو ﻫبیرة ،ﺤین ﻗ أر ﻋﻠیﻬمﺎ رﺴﺎﻟﺔ اﻟحﻠواء ﻓﺎﺴتحسنﺎﻫﺎ وﻗﺎﻻ :إن ﻟسجﻌك
ﻤوﻀﻌﺎً ﻤن اﻟﻘﻠب وﻤكﺎﻨﺎً ﻤن اﻟنﻔس ،وﻗد أﻋرﺘﻪ ﻤن ط�ﻌك ،وﺤﻼوة ﻟﻔظك وﻤﻼﺤﺔ ﺴوﻗك ﻤﺎ أزال أﻓنﻪ ورﻓﻊ
ﻏینﻪ ....ﻓكﺎن �حبذ اﻟسجﻊ اﻟجﺎري ﻋﻠﻰ اﻟط�ﻊ ،و�رﻓض اﻟسجﻊ اﻟمتكﻠﻒ ،اﻟذي �ﺎن ﯿراﻩ ﻓﻲ أﻫﻞ ﻋصرﻩ� .مﺎ
ْ
و�ﻌدﻩ ﻋی�ﺎً ﯿنﺎل ﻤن ق�مﺔ اﻟﻌمﻞ .ﻓﻘد ﺸﻬد ﻟﻪ ﺘﺎ�ﻊ اﻟجﺎﺤظ ﻋت�ﺔ ﺒن أرﻗم �ﺎﻟتمكن واﻟتﻘدم ﻓﻲ
ﯿرﻓض اﻹﻛثﺎر ﻤنﻪ ّ
اﻟشﻌر واﻟنثر ،وﻟكنﻪ أﺨذ ﻋﻠ�ﻪ ا ﻹﻛثﺎر ﻤن اﻟسجﻊ ف�مﺎ �كت�ﻪ ،ﺤیث ﻗﺎل :إﻨك ﻟخطیب ،وﺤﺎﺌك ﻟﻠكﻼم ﻤجید ،ﻟوﻻ
وﻗد داﻓﻊ اﺒن ﺸﻬید ﻋن ﻨﻔسﻪ ﻤتﻌﻠﻼ �ﺎﻟذوق اﻟﻌﺎم اﻟذي �ﺎن ﺴﺎﺌداً ﻓﻲ ﻋصرﻩ ،وأﻨﻪ �جﺎر�ﻬم و�خﺎطبﻬم �مﺎ
�شﻬدون ﻟﻪ ف�ﻪ �ﺎﻟتﻘدم ،وأﻨﻪ ﻟ�س ﺠﺎﻫﻼً �ﺄﻤر اﻟسجﻊ� ،ﻘول :ﻟ�س ﻫذا أﻋزك ﷲ ﻤنﻲ ﺠﻬﻼً �ﺄﻤر اﻟسجﻊ ،وﻤﺎ ﻓﻲ
وﻟكنﻲ ﻋدﻤت ﺒبﻠدي ﻓرﺴﺎن اﻟكﻼم ودﻫیت �غ�ﺎوة أﻫﻞ اﻟزﻤﺎن ...ﻗﺎل :ﻓك�ف �ﻼﻤﻬم
اﻟممﺎﺜﻠﺔ واﻟمﻘﺎﺒﻠﺔ ﻤن ﻓضﻞّ ،
ﺒینﻬم؟ ﻗﻠت :ﻟ�س ﻟسیبو�ﻪ ف�ﻪ ﻋمﻞ ،وﻻ ﻟﻠﻔراﻫیدي إﻟ�ﻪ طر�ق ،وﻻ ﻟﻠب�ﺎن ﻋﻠ�ﻪ ﺴمﺔ .إﻨمﺎ ﻫﻲ ﻟكنﺔ أﻋجم�ﺔ ﯿؤدون
ﺒﻬﺎ اﻟمﻌﺎﻨﻲ ﺘﺄد�ﺔ اﻟمجوس واﻟن�ط ،ﻓصﺎح :إﻨﺎ � ،ذﻫبت اﻟﻌرب و�ﻼﻤﻬﺎ! ارﻤﻬم �ﺎ ﻫذا �سجﻊ اﻟكﻬﺎن .ﻓﻌسﻰ أن
و�طیر ﻟك ذ� ار ﻓیﻬم.
ّ ﯿنﻔﻌك ﻋندﻫم،
13
اﻟخﺎﺘمﺔ:
إن اﻟنﺎظر ﻓﻲ رﺴﺎﻟﺔ اﺒن ﺸﻬید "اﻟتوا�ﻊ واﻟزوا�ﻊ" ﯿﻠحظ أﻨﻪ ﻟم ﯿترك ﻗض�ﺔ ﻤن ﻗضﺎ�ﺎ اﻟنﻘد اﻷدﺒﻲ اﻟﻌر�ﻲ ﻓﻲ
ﻋصرﻩ ،إﻻ و�ﺎن ﻟﻪ رأي ﻓیﻬﺎ ،وﻟم ﯿترك ﺸﺎﻋ اًر �بی اًر أو �ﺎﺘ�ﺎً ﻤجیداً إﻻ وﻨﺎزﻟﻪ وﺘﻔوق ﻋﻠ�ﻪ ،ﻓﻌمﻞ ﻋﻠﻰ إﻨطﺎق
وأﻤﺎ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟتﻲ ﻋرض ﻟﻬﺎ ﻫذا اﻟ�حث ،ﻓﻬﻲ ﻤن أﺒرز اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟتﻲ أﺜﺎرﻫﺎ اﺒن ﺸﻬید ﻓﻲ رﺴﺎﻟﺔ اﻟتوا�ﻊ
واﻟزوا�ﻊ ،وﻫﻲ ﻋینﻬﺎ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻤدار ﺠدل ﻓﻲ اﻟمشرق اﻟﻌر�ﻲ .ﻋﺎﻟجﻬﺎ اﺒن ﺸﻬید �ﺄﺴﻠوب ﺤكﺎﺌﻲ ﻤشوق،
ﻤحدﺜﺎً �سوق اﻟخبر واﻟنﺎدرة ،و�ﻌتمد اﻟتحﻠیﻼت اﻟنﻔس�ﺔ .واﺘكﺄ ﻓیﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻤرﺠع�ﺔ ﺘﺎر�خ�ﺔ وأﺨرى
ﻓنجدﻩ ﻓﻲ اﻟرﺴﺎﻟﺔ ّ
دﯿن�ﺔ وﺜﻘﺎف�ﺔ ،وﻟﻌﻞ أﺒرزﻫﺎ ﻫذﻩ اﻟرﺤﻠﺔ اﻟخ�ﺎﻟ�ﺔ اﻟمستوﺤﺎة ﻤن ﻗصﺔ اﻹﺴراء واﻟمﻌراج ،و�ذﻟك اﺴتحضﺎر ﻋﺎﻟم اﻟجن
وﺘشخ�صﻪ ،اﻟذي ﻗﺎﺒﻞ ف�ﻪ ﺘوا�ﻊ اﻟشﻌراء واﻟكتﺎب ،ﻓكﺎن اﻟحدﯿث ﻋﻠﻰ أﻟسنتﻬم.
14
اﻟمراﺠﻊ:
-1اﺒن ﻤنظور ،ﻤحمد ﺒن ﻤكرم ﺒن ﻋﻠﻲ ،ﻟسﺎن اﻟﻌرب ،دار ﺼﺎدر� ،ﺎب اﻟﻌین ﻓصﻞ اﻟتﺎء.
-2ع�ﺎس ،إﺤسﺎن ،ﺘﺎر�ﺦ اﻷدب اﻷﻨدﻟسﻲ :ﻋصر ﺴ�ﺎدة ﻗرط�ﺔ ،ص .142
-3اﺒن �سﺎم اﻟشنتر�نﻲ ،أﺒو اﻟحسن ﻋﻠﻲ ،اﻟذﺨیرة ﻓﻲ ﻤحﺎﺴن أﻫﻞ اﻟجز�رة ،ص 192
-4اﻷﻨدﻟسﻲ ،ﻋبد اﻟمﻠك ﺒن أﺤمد ﺒن ﻋبد اﻟمﻠك اﺒن ﺸﻬید ،رﺴﺎﻟﺔ اﻟتوا�ﻊ واﻟزوا�ﻊ ،ص 88
-5ع�ﺎس ،إﺤسﺎن ،ﺘﺎر�ﺦ اﻷدب اﻷﻨدﻟسﻲ :ﻋصر ﺴ�ﺎدة ﻗرط�ﺔ ،ص 138
-6ﻋﻠ�ﺎن ،ﻤصطﻔﻰ ،ﺘ�ﺎرات اﻟنﻘد اﻷدﺒﻲ ﻓﻲ اﻷﻨدﻟس ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟخﺎﻤس اﻟﻬجري ،ص 579
-8ع�ﺎس ،إﺤسﺎن ،ﺘﺎر�ﺦ اﻟنﻘد اﻷدﺒﻲ ﻋند اﻟﻌرب ،ص 279؛ وع�ﺎس ،إﺤسﺎن ،ﺘﺎر�ﺦ اﻷدب اﻷﻨدﻟسﻲ :ﻋصر
ﺴ�ﺎدة ﻗرط�ﺔ ،ص143
15