You are on page 1of 111

‫قصص النساء‬

‫في القرآن الكريم‬


‫دروس وعبر)‬
‫ٌ‬ ‫(أحكا ٌم وفوائد‪،‬‬
‫حتذير النسوان من األخطاء الشائعة يف شهر رمضان‬
‫‪2‬‬

‫الطبعة األوىل‬

‫(‪ 1444‬ـــ ‪) 2022‬‬


‫قصص النساء‬
‫في القرآن الكريم‬
‫دروس وعبر)‬
‫ٌ‬ ‫(أحكا ٌم وفوائد‪،‬‬

‫كتبه‬
‫حتذير النسوان من األخطاء الشائعة يف شهر رمضان‬
‫‪4‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪5‬‬

‫املقدمة‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه وبعد‪:‬‬

‫فإن قصص القرآن أصدق القصص لقوله تعالى‪{ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬


‫ّ‬

‫ﭤ} [سورة النساء‪ ،]78 :‬وهي أحسن القصص لقوله تعالى‪{ :‬ﮰ ﮱ ﯓ‬

‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡ} [سورة يوسف‪ .]3 :‬وهي أنفع القصص لقوله تعالى‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ} [سورة يوسف‪.]111 :‬‬
‫والقصص هلا فوائد كثرية ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ تثبيت قلوب المؤمنين وتقوية ثقتهم باهلل ‪ ،‬وزيادة إيماهنم ويقينهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تحذير الكافرين والعصاة والمجرمين والغافلين أن يصيبهم مثل ما‬

‫أصاب الذين من قبلهم‪ ،‬فإن سنة اهلل جارية قال اهلل {ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ}‬

‫[سورة املرسالت‪ .]17 :‬وقال تعالى {ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫ﮔ ﮕ} [سورة الذاريات‪.]95 :‬‬


‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪6‬‬
‫‪ 3‬ـ أخذ العظة والعربة منها لمن تدبرها وتأملها وعرف معناها{ﯫ ﯬ‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ} فإن السعيد من ا ّتعظ بغيره‪.‬‬


‫‪ 4‬ـ أن القصص تستمتع هبا النفوس وتستشنفها األسماع وتطرب لها‬
‫القلوب‪ ،‬فالقصة المحكمة الدقيقة تطرق المسامع بشغف‪ ،‬وتنفذ إلى النفس‬
‫البشرية بسهولة ويسر‪ ،‬فيكون تأثيرها عليها أقوى وتكون أطول أمد ًا يف الذاكرة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وألن يف القصص بيانًا ألحكام شرعية كثيرة تؤخذ منها‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ وفيها الحث على األعمال الصالحة والرتغيب فيها‪ ،‬بذكر ثمراهتا‬
‫العاجلة واآلجلة‪ ،‬والتنفير من األعمال السيةة‪ ،‬وبيان سوء عاقبتها يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫والقصص يف القرآن أنواع كثيرة فمنها قصص األنبياء والمرسلين ومنها قصص‬
‫األولياء والصالحين‪ ،‬ومنها قصص األمم المكذبين‪ ،‬ومنها قصص الرجال‬
‫ومنها قصص النساء‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وقد و ّفقني ربي وألهمني إلى جمع أشهر‬
‫وشاورت‬
‫ُ‬ ‫فاستخرت موالي سبحانه‬
‫ُ‬ ‫قصص النساء التي تحدث عنها القرآن(‪،)1‬‬
‫وقويت عزيمتي‪ ،‬فجمعت أشهر قصص النساء‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫فاطمأن قلبي‬ ‫بعض إخواين‪،‬‬
‫الواردة يف القرآن الكريم‪ ،‬على النحو اآليت‪:‬‬

‫(‪ )1‬وأما قصص النساء الواردة يف السنة النبوية فقد أفردهتا برسالة مستقلة‪ ،‬جمعت فيها‬
‫أشهر القصص وأهمها مع بيان غريب األلفاظ الواردة فيها ثم أردفت كل قصة بذكر‬
‫األحكام والفوائد المستنبطة منها والدروس والعرب المأخوذة منها‪ ،‬والحمد هلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪7‬‬
‫ذكرت اآليات التي تحدثت عن القصة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أوالً‪:‬‬
‫واعتمدت على كتاب‬
‫ُ‬ ‫ذكرت تفسير الغريب لمفردات تلك اآليات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ثاني ًا‪:‬‬
‫(السراج يف بيان غريب القرآن ) للدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري‪،‬‬
‫حفظه اهلل‪ ،‬لكونه شامالً سهل العبارة‪.‬‬
‫عرضت القصة على سبيل الشرح والتفسير والرتتيب والتنسيق بين‬
‫ُ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ثم‬
‫واعتمدت يف ذلك‪ ،‬على كتاب (المختصر يف تفسير القرآن الكريم)‬
‫ُ‬ ‫أحداثها‪،‬‬
‫الذي قام عليه نخبة من العلماء وذلك لوضوح عبارته وصحتها‪ ،‬وسهولتها‬
‫وسالمة معانيها‪ ،‬وقرب مبانيها‪.‬‬
‫ذكرت بعد ذلك أهم األحكام والفوائد والدروس والعرب المستنبطة‬
‫ُ‬ ‫رابع ًا‪ :‬ثم‬
‫من تلك القصة وهذا هو المقصود من جمع هذه الرسالة‪ ،‬والذي دفعني إلى‬
‫ذلك ما لمسته أثناء تدريسي للنساء من مسيس الحاجة إلى رسالة مختصرة يف‬
‫عليهن‪ ،‬أرجو أن يجدن فيها‬
‫ّ‬ ‫هذا الموضوع يسهل تدريسها للنساء وقراءهتا‬
‫يت هذه الرسالة‬
‫سم ُ‬
‫بغيته ّن وأن تنال رضاه ّن‪ ،‬نسأل اهلل القبول والرضى‪ ،‬وقد ّ‬
‫(قصص النساء يف القرآن الكريم ـ أحكام وفوائد‪ ،‬دروس وعرب) قصدت بذلك‬
‫النصح والنفع لبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا المسلمات‪ ،‬واهلل من وراء القصد وهو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫كتبه‪ :‬أبو سليمان عبد الرحمن بن علي بن أحمد السمحي‬
‫دار الحديث بمعرب – ذمار – اليمن‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪8‬‬

‫‪ 1‬ـ قصة ِّأمنا حواء عليها السالم‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬

‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ} [سورة األعراف‪.]27-11 :‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪1‬‬
‫تفسري الغريب‪:‬‬
‫وري} ما ُستِر‪ ،‬و ُأ ْخ ِفي‪.‬‬ ‫(‪{ ... )22‬ما ُو ِ‬

‫(‪{ ... )22‬س ْوءاتِ ِهما} ع ْوراتِ ِهما‪.‬‬


‫(‪{ ... )21‬وقاسم ُهما} أ ْقسم وحلف ل ُهما‪.‬‬
‫(‪{ ... )22‬فدال ُهما} فجرأ ُهما‪ ،‬وغر ُهما‪.‬‬
‫(‪{ ... )22‬وط ِفقا} شرعا‪ ،‬وأخذا‪.‬‬
‫ان} ي ْل ِزق ِ‬
‫ان‪.‬‬ ‫(‪{ ... )22‬ي ْخ ِصف ِ‬

‫اس الض ُرور ِة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫(‪ُ { ... )26‬يو ِاري س ْوءات ُك ْم} ي ْست ُُر ع ْورات ُك ْم‪ ،‬و ُهو لب ُ‬
‫الزين ِة‪.‬‬
‫يشا} لِباس ِّ‬ ‫(‪{ ... )26‬و ِر ً‬
‫(‪{ ... )27‬ي ْفتِنن ُك ُم} ُي ِضلن ُك ْم‪ ،‬وي ْخدعن ُك ْم‪.‬‬

‫رشح القصة‪:‬‬
‫خلق اهلل أبانا آدم عليه السالم‪ ،‬ثم خلق من ضلعه أ ّمنا حواء عليها السالم‪،‬‬
‫وزجه إياها‪ ،‬فتناسلت منهما البشرية‪ ،‬وأدخلها اهلل مع زوجها الجنة‪ ،‬وقال اهلل‬
‫ّ‬
‫آلدم عليه السالم‪ :‬يا آدم‪ ،‬اسكن أنت وزوجتك حواء الجنة‪ ،‬ف ُكال مما فيها من‬
‫الطيبات ما شةتما‪ ،‬وال تأكال من هذه الشجرة ـ شجر ًة عينها اهلل لهما ـ فإ ّنكما إن‬
‫أكلتما منها بعد هنيي لكما كنتما من المتجاوزين لحدود اهلل‪.‬‬
‫فألقى إبليس لهما كال ًما خف ًّيا؛ ل ُي ْظ ِهر لهما ما ُستِر عنهما من عوراهتما‪،‬‬
‫وقال لهما‪ :‬ما هناكما اهلل عن األكل من هذه الشجرة ّإال كراهة أن تكونا ملكين‪،‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪12‬‬
‫ّ‬
‫وإال كراهة أن تكونا من الخالدين يف الجنة‪ ،‬وحلف لهما باهلل‪ :‬إين لكما لمن‬
‫أشرت عليكما به‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الناصحين فيما‬
‫فحطهما من المنزلة التي كانا فيها بخداع منه وغرور‪ ،‬فلما أكال من الشجرة‬
‫التي ن ُِهيا عن األكل منها ظهرت لهما عوراهتما مكشوفة‪ ،‬فأخذا ُي ْل ِزقان عليهما‬
‫قائال‪ :‬ألم أهنكما عن األكل‬
‫من ورق الجنة؛ ليسرتا عوراهتما‪ ،‬وناداهما رهبما ً‬
‫محذرا لكما‪ :‬إن الشيطان عدو لكما ب ِّين العداوة؟!‬
‫ً‬ ‫من هذه الشجرة‪ ،‬وأقل لكما‬
‫فقال آدم وحواء‪ :‬يا ربنا‪ ،‬ظلمنا أنفسنا بارتكاب ما هنيتنا عنه من األكل من‬
‫الشجرة‪ ،‬وإن لم تغفر لنا ذنوبنا وترحمنا برحمتك‪ ،‬لنكونن من الخاسرين‬
‫بإضاعتنا حظنا يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فتاب اهلل عليهما‪ ،‬وقبل توبتهما‪.‬‬
‫ثم قال اهلل آلم وحواء وإبليس بعد الوقوع يف المعصية‪ :‬اهبطوا من الجنة‬
‫عدوا لبعض‪ ،‬ولكم يف األرض مكان استقرار‬
‫إلى األرض‪ ،‬وسيكون بعضكم ًّ‬
‫إلى وقت معلوم‪ ،‬وتمت ٌُّع بما فيها إلى أجل مسمى‪.‬‬
‫وقال اهلل مخاط ًبا آدم وحواء وذريتهما‪ :‬يف هذه األرض ت ْحي ْون مدة ما قدّ ر‬
‫اهلل لكم من آجال‪ ،‬وفيها تموتون و ُتدفنون‪ ،‬ومن قبوركم تخرجون للبعث‪.‬‬
‫لباسا ضرور ًّيا لسرت عوراتكم‪ ،‬وجعلنا‬
‫ثم قال يا بني آدم‪ ،‬قد جعلنا لكم ً‬
‫لباسا كمال ًّيا تتجملون به يف الناس‪ ،‬ولباس التقوى ‪-‬التي هي امتثال ما أمر‬
‫لكم ً‬
‫اهلل به واجتناب ما هنى عنه‪ -‬خير من هذا اللباس الحسي‪ ،‬ذلك المذكور من‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪11‬‬
‫اللباس من آيات اهلل الدالة على قدرته‪ ،‬لعلكم تتذكرون نعمه عليكم‬
‫فتشكروهنا‪.‬‬
‫وقال سبحانه‪ :‬يا بني آدم‪ ،‬ال ي ُغرنكم الشيطان بتزيين المعصية برتك اللباس‬
‫الحسي لسرت العورة أو ترك لباس التقوى‪ ،‬فقد خدع أبويكم بتزيين األكل من‬
‫الشجرة حتى كان مآل ذلك أن أخرجهما من الجنة‪ ،‬وبدت لهما عوراهتما‪ ،‬إن‬
‫الشيطان وذريته يرونكم ويشاهدونكم وأنتم ال تروهنم وال تشاهدوهنم‪،‬‬
‫فيلزمكم الحذر منه ومن ذريته‪ ،‬إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين ال يؤمنون باهلل‪،‬‬
‫وأما المؤمنون الذين يعملون الصالحات فال سبيل لهم عليهم‪.‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬والدروس والعرب‪:‬‬


‫‪ ‬يف هذه القصة بيان نعمة الزوجة وحاجة المخلوق البشري إليها‪ ،‬ليسكن إليها‬
‫ويستأنس هبا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرأة يقال لها زوج وهو األفصح ولم يرد يف القرآن غيره ويقال لها‬
‫زوجة أيضًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها إثبات القول والكالم صف ًة هلل ‪‬؛ وأ ّنه يك ّلم من شاء ومتى شاء‬
‫بصوت مسموع‪ ،‬وحروف مر ّتبة‪ ،‬خالفًا لمن أنكر ذلك من أهل البدع‪ ،‬أو جعل‬
‫كالمه نفسانيًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان فضل اهلل ومنّته على األبوين بإسكاهنما الجنة وهي جنة الخلد التي يف‬
‫السماء‪ ،‬التي أعدها اهلل للمؤمنين‪ ،‬على الصحيح وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪12‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن النكاح سن ٌة قديمة منذ خلق اهلل آدم‪ ،‬وبقيت يف بنيه األنبياء والرسل‪،‬‬
‫ومن دوهنم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن ّثمار الجنة ليس لها وقت محدود؛ بل هي موجودة يف كل وقت؛ ال‬
‫تنقطع‪ ،‬وال تنتهي‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل تعالى قد يبتلي العبد ويمتحنه‪ ،‬فينهاه عن شيء قد تعلقت به نفسه‬
‫ليعلم ثباته على طاعة ر ِّبه وصربه عن معصيته‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اهلل قد ينهى عن قربان الشيء والمراد النهي عن فعله؛ للمبالغة يف‬
‫التحذير منه‪ ،‬وسد ًا للذريعة‪ ،‬فالنهي عن قرب الشيء أبلغ من النهي عنه‪ ،‬ألنه‬
‫يقتضي البعد عن موارد الشبهات‪ ،‬وتعاطي األسباب التي تفضي إليه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن معصية اهلل تعالى ظلم للنفس‪ ،‬وعدوان عليها؛ فآكل الحرام ظالم‬

‫لنفسه‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ}‬


‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الشيطان قد يأيت اإلنسان‪ ،‬فيص ِّغر المعصية يف عينه؛ ثم إن كانت كبيرة‬
‫فيسهل عليه اإلقدام عليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولم يتمكن من تصغيرها؛ منّاه أنه سيتوب منها‪،‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان خطورة المعصية وأهنا سبب لعقوبات اهلل العاجلة‪ ،‬وسبب يف تحويل‬
‫النعمة إلى نقمة‪ ،‬وسبب للشقاء والحرمان‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها التحذير من التساهل بالمعصية ولو كانت صغيرة فهذه لقمة واحدة أكلها‬
‫األبوان كانت سبب خروجهما من الجنة فكيف بما هو أعظم من ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪13‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى الحرص على أكل الحالل والبعد عن أكل الحرام فإن أكل‬
‫الحرام له عواقب وخيمة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن المعصية سبب لهتك السرت الذي بين العبد وربه فالمعصية تبدي‬
‫السوأة الباطنة والظاهرة‪.‬‬
‫حرم اهلل وتأخذ على يديه إذا أراد‬ ‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن المرأة تعين زوجها على البعد عما ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وال تعين الشيطان على زوجها بالموافقة له على الوقوع يف اإلثم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرأة الصالحة تعين زوجها على المبادرة إلى التوبة النصوح‪.‬‬
‫أن الرجل هو المسؤول عن الكسب والمعاش‪ّ ،‬‬
‫وأن المرأة تكون يف بيتها‪،‬‬ ‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫وخص آدم بالعناء والنصب‬
‫ّ‬ ‫ولذلك قرن اهلل بين آدم وحواء يف الخروج من الجنة‬
‫يف الدنيا‪.‬‬
‫فسهلت عليه المعصية‬
‫‪ ‬وفيها بيان ضعف المرأة وقلة عزمها‪ ،‬فقد أكلت قبل آدم ّ‬
‫لحديث « لوال حواء لم تخن أنثى زوجها »‬
‫‪ ‬وفيها تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أ ّمهم من إغرائها‬
‫ألبيهم باألكل من الشجرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الحرص سبب للوقوع يف اإلثم‪ ،‬فإن حرص األبوين حملهما على‬
‫األكل من الشجرة ولوال رحمة اهلل ولطفه هبما لهلكا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الوسوسة من أعظم وسائل الكيد والمكر التي يسلكها الشيطان إلغواء‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪14‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن من يدعو إلى الضاللة والغواية من الرجال أو النساء فهو من جنود‬
‫إبليس‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الحاسد يحمله حسده على السعي يف إبعاد المحسود عن النعمة‪،‬‬
‫وإزالتها عنه‪ ،‬والسعي يف إيقاع المحسود يف ما يضره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الحاسد قد يأيت يف صورة الناصح المحب المشفق‪ ،‬لكنه ُيظهر خالف‬
‫ما ُيبطن‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الحاسد كلما أوقد نار الحسد لمن يحسده فاح هبا ريح طيب المحسود‬
‫واحرتق الحاسد بنار حسده كما هو الشأن يف حسد إبليس آلدم ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنّه ليس كل من ا ّدعى أنه ناصح وصادق يف كالمه ُيقبل النصح منه‪ ،‬حتى‬
‫ُينظر إلى ما يدعو إليه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الحذر من خداع إبليس وجنوده بإظهار النصح وإبطان الغش والخديعة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن من أساليب الشيطان وجنوده يف إغواء بني آدم اإلغراء بالملك والمال‬
‫والجاه والسلطان‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الجنة يف مكان عال؛ ألن الهبوط يكون من أعلى إلى أسفل‪.‬‬

‫‪ ‬وفيها أ ّنه ال يمكن العيش لبني آدم؛ إال يف األرض لقوله تعالى‪ {:‬ﳅ ﳆ‬

‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ} [سورة البقرة‪.]63:‬وبنا ًء على ذلك ّ‬


‫فإن محاولة‬
‫من يريد العيش يف غير األرض إما يف بعض الكواكب‪ ،‬أو يف بعض المراكب‬
‫محاولة فاشلة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪15‬‬
‫‪ ‬وفيها أدب من آداب الدعاء وهو االعرتاف بالذنب واالفتقار إلى اهلل ‪‬‬
‫وذلك من أسباب قبول الدعاء والتوبة‪.‬‬

‫‪ ‬ويف قوله تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} األدب مع اهلل يف الدعاء حيث نسب األبوان‬


‫المعصية إلى أنفسهما‪ ،‬ولم يحتجا بالقدر على المعصية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها من ُة اهلل ‪ ‬على عباده بالتوفيق لهم للتوبة؛ ثم بقبول التوبة منهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اإلنسان إذا صدق يف تفويض األمر إلى اهلل‪ ،‬وصدق يف توبته ورجوعه‬
‫إلى اهلل فإن اهلل تعالى يتوب عليه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أ ّنه ال ُيتعبد هلل إال بما شرع يف كتابه أو على لسان رسوله ﷺ؛ لقوله تعالى‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [سورة البقرة‪.]63:‬‬
‫أن بني آدم ُجبلوا و ُفطروا على حب السرت‪ ،‬وعدم التكشف والتعري‪،‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫فالتعري فطرة حيوانية هبيمية‪ ،‬واعتباره جما ً‬
‫ال وحضارة ورقيًا انتكاس يف‬
‫الفطرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن نعمة اللباس والثياب واالستمتاع بالزينة والجمال‪ ،‬واتقاء الحر والربد‬
‫من ّ‬
‫أجل النعم على البشرية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها التحذير لبني آدم من فتنة الشيطان‪ ،‬سواء فتنة الشهوات أو الشبهات‪،‬‬
‫السيما وهو يرانا ونحن ال نراه‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪16‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن من أشبه آدم باالعرتاف وسؤال المغفرة والندم واإلقالع ‪ -‬إذا صدر‬
‫منه الذنب ‪ -‬اجتباه ربه وهداه‪ ،‬ومن ْ‬
‫أشبه إبليس ‪ -‬إذا صدر منه الذنب‬
‫باإلصرار والعناد ‪ -‬فإنه ال يزداد من اهلل إال ُب ْعدً ا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن من تاب وأناب من الذنب فقد أشبه أباه آدم‪ ،‬ومن يشابه أبه فما ظلم‪،‬‬
‫أصر على العصيان واحتج بالقدر فقد أشبه إبليس‪ ،‬وبةس الشبه‪.‬‬
‫ومن ّ‬
‫‪ ‬ويف هذه اآليات دليل على حرص الشيطان على كشف عورة اإلنسان لما يرتتب‬
‫على ذلك من الفسق والفجور‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الذين يدعون الناس إلى نزع اللباس الظاهري؛ لتنكشف العورات‪،‬‬
‫ويهونون على الناس فعل المنكرات هم من إخوان الشيطان وجنوده‪ ،‬وهم كثير‬
‫ال كثرهم اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عداوة الشيطان لإلنسان ووجوب معرفة ذلك التقاء وسوسته‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها وجوب التوبة النصوح من الذنب وذلك باالعرتاف به وتركه والندم على‬
‫فعله‪ ،‬والعزم على عدم العودة إليه‪.‬‬
‫أن التائب قد يرجع بعد توبته إلى حال أحسن مما كان عليه ُ‬
‫قبل‪.‬‬ ‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬الوسوسة هي الصوت الخفي‪ ،‬ووسوسة الشيطان البن آدم إلقاء معان‬
‫فاسدة ضارة يف صدره مز ّينة ليعتقدها أو يقول هبا أو يعمل هبا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن سالح إبليس األقوى الذي يحارب به ابن آدم هو الوسوسة والتزيين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن النهي يقتضي التحريم إال أن توجد قرينة تصرفه إلى الكراهة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪17‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على وجوب سرت العورة للرجال والنساء‪ ،‬فإن لم يجد إال حشيشًا‬
‫أو ورقًا يربطه عليه فإنه يلزمه التسرت به‪.‬‬

‫‪ ‬فائدة‪ :‬قول آدم وحواء‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ} هي الكلمة التي ألقاها اهلل تعالى‬
‫إلى آدم فتلقاها عنه فتاب اهلل عليه هبا‪.‬‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬لو كان يف تعيين األماكن التي هبط فيها آدم وحواء وإبليس فائدة تعود‬
‫على المك ّلفين يف دينهم أو دنياهم لذكرها اهلل تعالى‪ ،‬فال داعي للخوض فيها‪.‬‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬لم يع ّين اهلل هذه الشجرة التي هنى األبوين عن األكل منها وما دام ّ‬
‫أن اهلل‬
‫تعالى لم يع ّين نوعها فال ينبغي السؤال عنها‪ ،‬والتنقير عنها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اللباس الحقيقي هو لباس التقوى‪ ،‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫إذا املرء مل يلبس ثياب ًا من التقى‪ ...‬تقلب عريان ًا وإن كان كاسيا‬
‫‪ ...‬وال خري فيمن كان هلل عاصيا‬ ‫وخري لباس املرء طاعة ربه‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اللباس نوعان‪ :‬ظاهري يسرت العورة‪ ،‬وباطني وهو التقوى وهو‬
‫األصل واألنفع‪ ،‬ألن من رزقه اهلل لباس التقوى فإهنا ستمنعه من التعري‪،‬‬
‫ومن ُنزع من قلبه لباس التقوى انكشفت عورته الحسية والمعنوية‪ ،‬وكان‬
‫كله سوءات‪ ،‬ولو لبس أجمل المالبس‪ ،‬وإذا كان متقيًا هلل وليس عليه إال‬
‫خرقة تواري سوءته لكان يف غاية من السرت والجمال والكمال‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان لسنّة اهلل الجارية وهي أن ما مِن أ ّمة تتربج نساؤها ويكشفن محاسنهن‬
‫ويبدين عوراهتن إ ّ‬
‫ال أسرع اهلل إليها بزوال الملك وذهاب السلطان‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪18‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان قدرة الشيطان على فتنة بني آدم بوسائله الخفية‪ ،‬فنحتاج إلى اليقظة‬
‫وشدة الحذر حتى ال يأخذنا على غرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن مدة هذه الحياة الدنيا مؤقته عارضة ليست مسكنًا حقيقيًا وإنما‬
‫هي معرب ُيتزود منها لدار القرار فال ُتعمر لالستقرار‪ ،‬ول ُيزهد فيها وال ُيغ ّ‬
‫رت هبا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اإلنسان مجبول على الخطأ والنسيان فهو مخلوق ضعيف‪ ،‬وهذا هو‬
‫السبب يف استجابة األبوين إلبليس يف األكل من الشجرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه ال يجوز لإلنسان إذا وقع يف الخطيةة أن يقنط من رحمة اهلل به ومغفرته‬
‫له‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اتباع الهدى يفضي بالعبد إلى أن ال يخاف وال يحزن ال يف الدنيا وال يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬وإثبات الخوف والحزن والقلق والضيق لكل من لم يتبع هدى اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن الصغائر قد ُيعاقب عليها اإلنسان إن لم ُتغفر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن من يدعو إلى الضاللة والباطل فإنه ُيلبِس الباطل لباس الحق‬
‫و ُيلبِس البدعة لباس السنة ل ُيقبل باطله ويغرت الناس بدعوته‪ ،‬ولو عرف الناس‬
‫حقيقة ما يدعو إليه لنفروا عنه‪.‬‬
‫وحرمه عليه‪ ،‬وأنه لم ينهه عن شيء إال‬
‫‪ ‬وفيها بيان رحمة اهلل بعبده فيما منعه منه ّ‬
‫لما فيه من الضرر عليه‪.‬‬
‫والمحرم قليل بالنسبة إلى المباح‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وفيها دليل على أن األصل يف األشياء اإلباحة‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪11‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اإلخراج لألبوين من الجنة كان هو العقاب العاجل على تلك‬
‫المعصية‪ ،‬أما العقاب يف اآلخرة فقد عفا اهلل عنهما بالتوبة التي أذهبت أثره‬

‫وقبلها اهلل منهما‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن أخطر سالح استخدمه الشيطان إلغواء األبوين وتغريرهما هو الحلف‬
‫المؤ ّكد باهلل‪ ،‬فانخدعا بذلك‪ ،‬وقد ُيخدع المؤمن باهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن اهلل هو الذي س ّلط الشيطان على الكافرين والمنافقين‬
‫والعصاة والمجرمين‪ ،‬حتى أضلهم وأغواهم‪ ،‬زياد ًة يف عقوبتهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن المعاصي سبب للتدلي والسقوط من المنازل العالية‪ ،‬فمن خالف أمر‬
‫عزه وإن كان يف غاية المكنة وهناية القوة‪.‬‬
‫اهلل ُهدم ّ‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن الجنة موجودة قبل خلق اهلل آلدم ‪ ،‬وهو الحق‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن الدار األولى والمسكن األصل والمنزل الحقيقي األول للمؤمنين‬
‫الطائعين هو الجنة ولكن سباهم إبليس عنها وأخرجهم منها فهل ترى سيحرص‬
‫العبد على العودة إلى تلك الدار باتباعه أمر ربه وترك ما هناه عنه؟‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن العيش يف الجنة هنيء وفيه من صنوف الثمار والنعيم ما ال عين رأت‬
‫وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪ ،‬فليشمر العبد إليها‪ ،‬وليجعلها نصب‬
‫عينيه حتى يأتيه الموت‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪22‬‬
‫‪ ‬ويف هذه القصة دليل على قاعدة (كل ممنوع مرغوب) فحرص النفس على ما‬
‫ُمنعت منه‪ ،‬يزيد على قدر قوة المنع‪ ،‬ويف األمثال‪ :‬المرء حريص على ما ُمنع‪،‬‬
‫وتواق إلى ما لم ينل‪ ،‬ويقال‪ :‬لو ُأمر الناس بالجوع لصربوا‪ ،‬ولو ُنهوا عن‬
‫ّ‬
‫تفتيت البعر لرغبوا فيه‪ ،‬وقالوا ما ُنهينا عنه إال لشيء‪ ،‬ولو قعد اإلنسان يف بيته‬
‫شهر ًا لم يصعب عليه‪ ،‬ولو قيل له‪ :‬ال تخرج من بيتك يومًا طال عليه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن ترك المأمور أشد من فعل المحظور‪ ،‬فذنب آدم كان بفعل المحظور‪،‬‬
‫فاجتباه ربه فتاب عليه وهدى‪ ،‬وذنب إبليس كان برتك المأمور فكان عاقبته ما‬
‫ذكر اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن منّة اهلل ‪ ‬على أبينا‪ ،‬هي منّة علينا ألن المنّة الواصلة إلى اآلباء‬
‫تلحق األبناء‪.‬‬
‫ِ‬
‫الموسوس ال يشرتط أن يكون مخفيًا بل قد يشاهد‪،‬‬ ‫‪ ‬ويف القصة دليل على أن‬
‫فظاهر السياق أن الحوار بين آدم وإبليس كان مواجه ًة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن نداء اهلل لألبوين لم يكن إال بعد أن ظهر لهما مفاسد عصياهنما ليكون‬
‫للتوبيخ و ْق ٌع يف نفوسهما فيعلما أن الخير يف طاعة اهلل وأن الضرر يف عصيانه‪.‬‬

‫أن عدم اإليمان هو الموجب لعقد الوالية بين اإلنسان والشيطان {ﮣ‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ} [سورة األعراف‪ ،]72 :‬أما المؤمنون‬


‫فإهنم وإن نجح الشيطان فيهم يف بعض الشيء فال يزالون أولياء الرحمن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪21‬‬

‫‪ 2‬ـ قصة امرأة عمران أم مريم عليها السالم‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل ‪{ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ} [سورة آل عمران‪.]37-33 :‬‬

‫تفسري الغريب‪:‬‬
‫(‪{ ... )35‬نذ ْر ُت لك} جع ْل ُت لك‪.‬‬
‫س‪.‬‬‫ت الم ْق ِد ِ‬‫خدْ م ِة بي ِ‬
‫ْ‬
‫(‪{ ... )35‬محررا} خالِصا لِ ِ‬
‫ً‬ ‫ُ ً‬
‫الم ْبع ِد مِن ر ْحم ِة اهللِ‪.‬‬
‫يم} الم ْر ُجو ِم ُ‬ ‫(‪{ ... )36‬الر ِج ِ‬

‫يذها} ُأ ْح ِصنُها‪.‬‬ ‫(‪ُ { ... )36‬أ ِع ُ‬


‫العباد ِة‪.‬‬
‫(‪{ ... )37‬ا ْل ِمحراب} مكان ِ‬
‫ْ‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪22‬‬
‫رشح القصة‪:‬‬
‫إن اهلل عز وجل يخلق ما يشاء ويختار‪ ،‬وممن اختارهم اهلل عز وجل آدم ‪-‬‬
‫نوحا فجعله أول رسول إلى أهل‬
‫‪ - ‬فأسجد له مالئكته‪ ،‬واختار ً‬
‫األرض‪ ،‬واختار آل إبراهيم فجعل النبوة باقية يف ذريته‪ ،‬واختار آل عمران؛‬
‫وفضلهم على أهل زماهنم‪.‬‬
‫اختار كل هؤالء ّ‬
‫الم ّتبِعون لطريقتهم هم ذرية‬
‫وهؤالء المذكورون من األنبياء وذرياهتم ُ‬
‫بعضها متسلسل من بعض يف توحيد اهلل وعمل الصالحات‪ ،‬يتوارثون من‬
‫بعضهم المكارم والفضائل‪.‬‬
‫وكان من هذا البيت المبارك والذر ّية الصالحة‪ ،‬امرأة عمران والدة مريم‬
‫عليها السالم‪ ،‬وقد ذكر اهلل يف هذه اآليات طرفًا من قصتها‪ ،‬وذلك أهنا لقوة‬
‫إيماهنا وحبها لموالها‪ ،‬نذرت هلل عز وجل بأعز ما تملك‪ ،‬وهو جنينها الذي يف‬
‫بطنها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رب إين أوجبت على نفسي أن أجعل ما يف بطني من حمل‬
‫خالصا لوجهك‪ ،‬محر ًرا من كل شيء ليخدمك ويخدم بيتك‪ ،‬فتقبل مني ذلك‪،‬‬
‫ً‬
‫إنك أنت السميع لدعائي‪ ،‬العليم بن ِّيتي‪.‬‬
‫تم حم ُلها وضعت ما يف بطنها‪ ،‬فإذا هو أنثى‪ ،‬فقالت معتذرة إلى رهبا‬
‫فلما ّ‬
‫ّ‬
‫رب إين ولدهتا أنثى‪ ،‬واهلل أعلم بما‬
‫ذكرا‪ :‬يا ّ‬
‫وقد كانت ترجو أن يكون الحمل ً‬
‫ولدت‪ ،‬وليس الذكر الذي كانت ترجوه كاألنثى التي ُو ِهبت لها يف القوة‬
‫ِ‬
‫والخ ْلقة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪23‬‬
‫ثم ذكر اهلل عز وجل أنّها سمتها مريم‪ ،‬ومعناها العابدة‪ ،‬من باب التفاؤل‬
‫الحسن‪ ،‬أن يكون فعلها مطابقًا السمها‪ ،‬وإهنا حصنتها باهلل هي وذريتها من‬
‫الشيطان الرجيم المطرود من رحمة اهلل‪.‬‬
‫فم ّن اهلل على امرأة عمران‪ ،‬فتقبل نذرها بقبول حسن‪ ،‬واستجاب دعاءها‪،‬‬
‫وأنشأها نشأ ًة حسنة‪ ،‬وعطف عليها قلوب الصالحين من عباده‪ ،‬وجعل كفالتها‬
‫إلى زكريا عليه السالم‪.‬‬
‫وكان زكريا كلما دخل عليها مكان العبادة وجد عندها رز ًقا طي ًبا ميس ًرا‪،‬‬
‫فقال مخاط ًبا إياها‪ :‬يا مريم‪ ،‬من أين لك هذا الرزق؟ قالت مجيبة إياه‪ :‬هذا‬
‫الرزق من عند اهلل‪ ،‬إن اهلل يرزق من يشاء رز ًقا واس ًعا بغير حساب‪.‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬والدروس والعرب‪:‬‬


‫‪ ‬يف هذه القصة الدعاء واللجوء إلى اهلل بطلب الولد الصالح‪ ،‬ال مجرد الولد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ر ٌد على دعاة مساواة المرأة بالرجل‪ ،‬فالرجل يفضل المرأة يف القوة‬
‫والجلد وتحمل المشاق وغير ذلك‪ ،‬فال يستوي الذكور واإلناث يف الطبيعة وال‬
‫يف األخالق وال يف المعاملة وال يف بعض األحكام‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن لألم والية على ولدها يف تربيته وتأديبه وتعليمه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان لفضيلة القيام على المساجد واالعتناء هبا من قبل الرجال والنساء‪.‬‬
‫‪ ‬ويف قولها (وضعتها) إشارة إلى عظيم ما تعانيه األم من الحمل‪ ،‬وبه يستدل‬
‫على عظيم حق األم‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪24‬‬
‫‪ ‬ويف قوله تعالى‪ {:‬ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ } بيان إلحاطة علم اهلل وأنه ال يخفى‬
‫عليه شيء‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على جواز التسمية يوم الوالدة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها حسن االختيار ألسماء األبناء والبنات من قبل اآلباء واألمهات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن األم لها أن تسمي ولدها إذا لم يكره األب ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬أكثري من دعاء اهلل ‪ ‬مخلص ًة له يف الدعاء ألن الدعاء عبادة‪.‬‬
‫عملك الصالح كما دعت امرأة عمران " فتق ّبل مني "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬ادعي اهلل أن يتقبل ِ‬
‫منك‬
‫‪ ‬وفيها شرعية تعويذ األوالد عند والدهتم‪ ،‬ويف بقية مراحل أعمارهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن القلوب بيد اهلل يعطفها على من يشاء من عباده ويقذف المحبة‬
‫والرحمة فيها لمن يشاء من عباده‪ ،‬فـ (من أح ّبه اهلل أح ّبه الناس)‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن صالح األصل سبب لصالح الفرع فصالح اآلباء واألمهات‬
‫سبب لصالح األبناء والبنات‪.‬‬
‫ِ‬
‫بناتك‬ ‫‪ ‬أختي المسلمة تذكري قصة هذه المرأة الطاهرة التقية وقومي برتبية‬
‫ِ‬
‫وأوالدك على الطهر والتقى كما فعلت امرأة عمران‪.‬‬
‫يسهل اهلل له من يقوم عليه برتبيته وكفالته خاص ًة إذا كان والداه‬
‫‪ ‬وفيها أن اليتيم ّ‬
‫صالحين‪.‬‬

‫‪ ‬وفيها مثال واقعي لبيان قوله تعالى‪ { :‬ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ }‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪25‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن األرزاق بيد اهلل ‪ ‬يقسمها بين عباده كيف يشاء بمقتضى عدله‬
‫وفضله‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية ال ُق ْرعة عند االختالف فيما ال ب ِّينة عليه وال قرينة تشير إليه‪ ،‬كما‬
‫حصل عند االختالف على كفالة مريم عليها السالم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها اكتساب الطفل من الفضائل والخصال الحميدة ممن يربيه فقد استفادت‬
‫مريم من تربية زكريا ‪ ‬لها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن صالح األبناء والبنات من اهلل وليس لآلباء واألمهات إال بذل‬
‫األسباب كالدعاء ونحوه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها استجابة اهلل تعالى لدعاء أوليائه كما استجاب ألم مريم ورزقها الولد‬
‫وأعاذ ابنتها من الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز النذر هلل تعالى وهو التزام المؤمن الطاعة تقربًا إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان فضل الذكر على األنثى يف باب النهوض باألعمال والواجبات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز التحسر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله‪.‬‬
‫تم لمريم يف محراهبا من مجيء الرزق الكثير‬
‫‪ ‬وفيها ثبوت كرامات األولياء كما ّ‬
‫إليها‪ ،‬وأنطق لها عيسى ساعة وضعه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن أعظم الشكر هلل على الرزق معرفة العبد بأنه من عند اهلل ‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪26‬‬
‫أن مثل هذه القصص ال يتأتى أل ّمي أن يقصها‬‫تقرير لنبوة محمد ﷺ‪ ،‬إذ ّ‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬وفيها‬
‫ال يوحى إليه‪ ،‬ولهذا ختمها بقوله تعالى‪{ :‬ذلِك مِن أنْب ِ‬
‫اء‬ ‫إال أن يكون رسو ً‬
‫ْ‬
‫ُوح ِ‬
‫يه إليك}‪.‬‬ ‫بن ِ‬
‫ا ْلغ ْي ِ‬

‫‪ ‬ويف القصة مقدمات ومبشرات بنبوة عيسى ‪ ،‬إذ ولدت أمه من أم عاقر‬
‫كبيرة يف السن‪ ،‬على خالف المعهود‪ ،‬و ُقبلت مريم يف خدمة بيت المقدس وهي‬
‫ال من عند اهلل‪.‬‬‫أنثى‪ ،‬لتكون سيرهتا الطاهرة عنوانًا على كون ولدها رسو ً‬
‫ِ‬
‫عندك من الرزق فقولي هو من عند اهلل إن اهلل يرزق من‬ ‫عما‬ ‫ِ‬
‫شخص ّ‬ ‫ٌ‬ ‫سألك‬ ‫‪ ‬إذا‬
‫يشاء بغير حساب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن من كان كافالً ليتيم ونحوه فليقم عليه خير قيام بالرتبية والتعليم‬
‫والدعاء وكل ما يصلح حاله‪.‬‬
‫شك فيه فاسأليه من أين جاء به لِتح ُّق ِق ِح ِّله من‬ ‫ِ‬
‫ولدك بشيء ُي ُّ‬ ‫‪ ‬وفيها أنّه إذا جاء‬
‫حرمته‪.‬‬
‫أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات ما عدا الجدّ ة‪ّ ،‬‬
‫فإن «الخالة‬ ‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫بمنزلة األم»‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪27‬‬

‫‪ 3‬ـ قصة مريم عليها السالم‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪{ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬

‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﭑﭒﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ‬
‫[سورة آل عمران‪.]28-22 :‬‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬

‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪28‬‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ} [سورة مريم‪.]33-16 :‬‬

‫تفسري الغريب‪:‬‬
‫اومِي على الطاع ِة‪.‬‬ ‫(‪{ ... )43‬ا ْقنُتِي} د ِ‬

‫(‪ُ { ... )44‬ي ْل ُقون أ ْقالم ُه ْم} ي ْطر ُحون ِسهام ُه ْم لِ ِال ْقتِراعِ‪.‬‬
‫(‪{ ... )16‬انتبذ ْت} ا ْعتزل ْت وا ْبتعد ْت‪.‬‬
‫(‪ُ { ... )17‬روحنا} ِج ْب ِريل ‪ -‬عليه السالم ‪.-‬‬
‫(‪{ ... )17‬س ِو ًّيا} تام الخ ْل ِق‪.‬‬
‫اه ًرا مِن ُّ‬
‫الذن ِ‬
‫ُوب ُمباركًا‪.‬‬ ‫(‪{ ... )11‬ز ِكيا} ط ِ‬
‫ًّ‬
‫(‪{ ... )22‬ب ِغ ًّيا} زانِيةً‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬فأجاءها} فأ ْلجأها ط ْل ُق الح ْملِ‪.‬‬
‫اض} الح ْم ُل‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬ا ْلمخ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪21‬‬
‫(‪{ ... )24‬س ِر ًّيا} جدْ ول ماء‪.‬‬
‫(‪{ ... )25‬جنِ ًّيا} غ ًّضا ُجنِي مِ ْن ساعتِ ِه‪.‬‬
‫(‪{ ... )26‬وق ِّري ع ْينًا} وطِيبِي ن ْف ًسا‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪{ ... )27‬ف ِر ًّيا} أ ْم ًرا عظ ً‬
‫يما ُم ْفت ًرى‪.‬‬
‫(‪{ ... )28‬ب ِغ ًّيا} زانِيةً‪.‬‬
‫(‪ُ { ... )31‬مباركًا} عظِيم الخ ْي ِر والن ْفعِ‪.‬‬

‫رشح القصة‪:‬‬
‫قص اهلل عز وجل لنا يف كتابه الكريم قصة مريم عليها السالم من حين‬
‫والدهتا‪ ،‬كما تقدم بيان ذلك يف قصة أمها‪ ،‬فعاشت مريم وترعرعت يف رعاية اهلل‬
‫منذ ولدت‪ ،‬وأنشأها اهلل سبحانه وتعالى نشأ ًة صالحة يف خلقها ُ‬
‫وخلقها‪ ،‬ويسر‬
‫لها أسباب القبول‪ ،‬وقرهنا بالصالحين‪ ،‬فجعلها يف كفالة نبيه زكريا عليه السالم‪،‬‬
‫واستمرت كذلك حتى بلغت‪ ،‬مالزم ًة لمحراهبا‪ ،‬مقبل ًة على عبادة رهبا متفرغة‬
‫لذلك‪ ،‬فكانت من أولياء اهلل الصالحين‪ ،‬ونالت بذلك الكرامات اإللهية‪ ،‬من‬
‫الرزق العجيب الذي يأتيها صباح مساء‪ ،‬وكذلك مخاطبة المالئكة لها ومناداهتا‬
‫ِ‬
‫اختارك لما تتصفين به من صفات حميدة‪،‬‬ ‫باسمها‪ ،‬فأخربوها بقولهم‪ّ :‬‬
‫إن اهلل‬
‫وطهرك من النقائص‪ ،‬واختارك على نساء العالمين يف زمانك‪.‬‬
‫ثم أمرهتا المالئكة بكثرة العبادة والخشوع هلل جل جالله‪ ،‬لتزداد من اهلل‬
‫قربًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا مريم‪ ،‬أطيلي القيام يف الصالة‪ ،‬واسجدي ِ‬
‫لربك‪ ،‬واركعي له مع‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪32‬‬
‫الراكعين من عباده الصالحين‪ ،‬وذلك لتتهيأ للمحنة العظيمة‪ ،‬وهي ما بشرهتا به‬
‫المالئكة من أهنا ستلد ولد ًا من غير أب‪ ،‬وأن هذا الولد سيكون له ٌ‬
‫شأن عظيم‪،‬‬
‫تعجبت من ذلك ألهنا لم تتزوج النقطاعها لعبادة اهلل وانشغالها بذلك‪،‬‬
‫ولذلك ّ‬
‫ثم ذكر اهلل ما جرى لها حين انفردت بنفسها شرقي المسجد األقصى‪،‬‬
‫ساترا يسرتها حتى ال يروهنا حال عبادهتا لرهبا‪،‬‬
‫فاتخذت لنفسها من دون قومها ً‬
‫فأرسل اهلل إليها جربيل ‪ ،‬فتم ّثل لها يف صورة إنسان س ِو ّي الخلقة‪،‬‬
‫فخافت أنه يريدها بسوء‪ ،‬فلما رأته يف صورة إنسان س ِو ّي الخ ْلق يتّجه إليها‬
‫قالت‪ :‬إين أستجير بالرحمن منك أن ينالني منك سوء إن كنت تق ًّيا تخاف اهلل‪.‬‬
‫بشرا‪ ،‬إنما أنا رسول من ربك أرسلني إليك‬
‫فقال لها جربيل ‪ :‬أنا لست ً‬
‫طاهرا‪ ،‬اسمه عيسى ابن مريم يكون خ ْل ُقه من غير أب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ألهب لك ولدً ا ط ّي ًبا‬
‫وإنما بكلمة من اهلل بأن يقول له‪" :‬كن"‪ ،‬فيكون ولدً ا بإذن اهلل‪ ،‬له مكانة عظيمة‬
‫يف الدنيا ويف اآلخرة‪ ،‬ويكلم الناس وهو طفل صغير قبل أوان الكالم‪ ،‬ويكلمهم‬
‫وهو كبير قد كملت قو ُته ورجولته‪ ،‬يخاطبهم بما فيه صالح أمر دينهم ودنياهم‪،‬‬
‫وهو من الصالحين يف أقوالهم وأعمالهم‪.‬‬
‫فقالت مريم عليها السالم مستغرب ًة أن يكون لها ولد من غير زوج‪ :‬كيف يكون‬
‫لي ولد لم يقربني بشر ال يف حالل وال يف حرام ولست بزانية ؟! فقال لها جربيل‬
‫عليه السالم‪ :‬مِ ُثل ما خلق اهلل لك ولدً ا من غير أب‪ ،‬يخلق ما يشاء مما يخالف‬
‫أمرا قال له‪" :‬كن" فيكون‪ ،‬فال يعجزه شيء‪.‬‬
‫المألوف والعادة‪ ،‬فإذا أراد ً‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪31‬‬
‫ِ‬
‫يمسسك زوج وال غيره ولم‬ ‫ذكرت مِ ْن أ ّن ِك لم‬
‫ِ‬ ‫وقال لها أيضًا‪ :‬األمر كما‬
‫تكوين زاني ًة‪ ،‬لكن ِ‬
‫ربك سبحانه قال‪ :‬خ ْل ُق ولد من غير أب ٌ‬
‫سهل علي‪ ،‬وليكون‬
‫لك عالمة للناس على قدرة اهلل‪ ،‬ورحمة منا ِ‬
‫لك ولمن آمن به‪،‬‬ ‫الولد الموهوب ِ‬
‫ِ‬
‫ولدك هذا قضا ًء من اهلل مقدّ ًرا‪ ،‬مكتو ًبا يف اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫وكان خ ْلق‬
‫فنفخ جربيل عليه السالم يف درعها نفخةً‪ ،‬سلكت يف فرجها‪ ،‬فحملت بعيسى‬
‫فتنحت به إلى مكان بعيد عن الناس‪ ،‬خشية أن يتكلموا فيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عليه السالم‪،‬‬
‫فضرهبا المخاض‪ ،‬وألجأها إلى ساق نخلة‪ ،‬قالت مريم عليها السالم‪ :‬يا ليتني‬
‫مت قبل هذا اليوم‪ ،‬وكنت شي ًةا ال ُي ْذكر‪ ،‬ولم ُأخلق‪ ،‬حتى ال ُيظن بي سوء‪.‬‬
‫ّ‬
‫فناداها عيسى من تحت قدميها‪ ،‬وقيل جربيل عليه السالم فقال لها‪ :‬ال‬
‫تحتك جدول ماء تشربين منه‪ ،‬وأمسكي بجذع النخلة‬‫ِ‬ ‫تحزين‪ ،‬قد جعل ِ‬
‫ربك‬
‫وهزيه تساقط عليك رط ًبا طر ًّيا ُجني من ساعته‪ ،‬فكلي من الرطب‪ ،‬واشربي من‬
‫ِ‬
‫فسألك عن‬ ‫ِ‬
‫رأيت من الناس أحدً ا‬ ‫نفسا بمولودك وال تحزين‪ ،‬فإن‬
‫الماء‪ ،‬وطيبي ً‬
‫خرب المولود فقولي له‪ :‬إين أوجبت على نفسي لربي صمتًا عن الكالم‪ ،‬فلن‬
‫أكلم اليوم أحدً ا من الناس‪.‬‬
‫فجاءت مريم بابنها إلى قومها تحمله‪ ،‬قال لها قومها مستنكرين‪ :‬يا مريم‪،‬‬
‫عظيما مفرتى‪ ،‬حيث جةت بولد من غير أب‪ ،‬يا شبيهة هارون يف‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫لقد جةت ً‬
‫العبادة ـ وهو رجل صالح ـ ما كان أبوك زان ًيا‪ ،‬وال كانت أمك زانية‪ ،‬فأنت من‬
‫بيت طاهر معروف بالصالح‪ ،‬فكيف تأتين بولد من غير أب؟!‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪32‬‬
‫فأشارت إلى ابنها عيسى ‪ ‬وهو يف المهد‪ ،‬فقال لها قومها متعجبين‪:‬‬
‫كيف نك ّلم صب ًّيا وهو يف المهد؟!‬
‫فقال عيسى ‪ :‬إين عبد اهلل‪ ،‬أعطاين اإلنجيل‪ ،‬وجعلني نب ًّيا من‬
‫أنبيائه‪ ،‬وجعلني كثير النفع للعباد أينما كنت‪ ،‬وأمرين بأداء الصالة وإعطاء الزكاة‬
‫طيلة حيايت‪ ،‬وجعلني ًّبرا بأمي‪ ،‬ولم يجعلني متكربًا عن طاعة ربي‪ ،‬وال عاص ًيا‬
‫علي يوم ميالدي ويوم مويت ويوم بعثي ح ًّيا‬
‫له‪ ،‬واألمان من الشيطان وأعوانه ّ‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فلم يتخ ّب ْطني الشيطان يف هذه المواقف الثالثة الموحشة‪.‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪:‬‬


‫‪ ‬يف هذه القصة ّ‬
‫أن اهلل يصطفي ويختار من خلقه من يشاء من الذكور واإلناث‪،‬‬
‫فيحوطهم بمزيد من العناية والتوفيق‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن االصطفاء واالختيار قد يكون بالنبوة وهي أعلى درجات االصطفاء‬
‫وقد يكون بما هو دون ذلك كاصطفاء اهلل آلل عمران‪.‬‬
‫‪ ‬فيها بيان عناية اهلل تعالى بأوليائه‪ ،‬فإنه سبحانه يجنبهم السوء‪ ،‬ويستجيب‬
‫دعاءهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن من المكارم والفضائل ما يتوارثه األبناء عن آبائهم جيالً بعد جيل‪،‬‬
‫من الخصال الحميدة‪ ،‬واألخالق الكريمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ف ْضل مريم ‪ -‬عليها السالم ‪ -‬حيث اختارها اهلل على نساء العالمين‪،‬‬
‫وطهرها من النقائص‪ ،‬وجعلها مباركة‪ ،‬ومن أعظم فضائلها‪ ،‬أن اهلل أمر نبيه ﷺ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪33‬‬
‫أن يذكر قصتها ألمته تعظيمًا لشأهنا‪ ،‬فذكرت يف الكتاب العظيم‪ ،‬بأحسن‬
‫الذكر‪ ،‬وأفضل الثناء‪ ،‬جزاء لعملها الفاضل‪ ،‬وسعيها الكامل‪.‬‬
‫‪ ‬ومن فضائلها‪ :‬أن اهلل سماها يف القرآن يف قصة واحدة يف سبعة مواضع‪،‬‬
‫وخاطبها كما يخاطب األنبياء‪ ،‬فقال‪{ :‬يا م ْري ُم}‪ .‬وقال لها بواسطة جربيل‪:‬‬

‫{ﮦ ﮧ ﮨ}‪ ،‬أي‪ :‬اختار ِك {ﮩ} أي من مسيس الرجال‬


‫والفواحش‪ ،‬وليست نب ّي ًة على الصحيح‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أنه كلما عظمت نعمة اهلل على العبد ع ُظم ما يجب عليه من‬
‫شكره عليها بالقنوت والركوع والسجود وسائر العبادات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلكثار من العبادة وطول القنوت بين يدي اهلل سبب لرفعة درجة العبد‬
‫وعلو منزلته عند ربه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان علو منزلة بر الوالدين ومكانتهما عند اهلل‪ّ ،‬‬
‫وأن ذلك وصية اهلل إلى‬
‫خلقه‪ ،‬فاهلل قرن شكرهما بشكره وقرن اإلحسان إليهما بتوحيده‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة للمرأة المسلمة إلى السعي يف التكامل يف الخير والصالح‪،‬‬
‫فبإمكانك أن تكوين أفضل امرأة يف القرية أو يف الحي (الحارة) أو يف القبيلة أو يف‬
‫ِ‬
‫نفسك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سعيت يف تزكية‬ ‫األسرة أو يف البيت‪ ،‬وذلك إذا‬
‫ٌ‬
‫وبيان لفضيلة العفة والحياء والطهر‪.‬‬ ‫‪ ‬ويف القصة ٌ‬
‫مثال‬
‫‪ ‬وفيها أن المالئكة أعطاهم اهلل القدرة على التشكل بصور البشر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية التعوذ باهلل من كل ما ُيخاف منه من إنسان أو جان أو غيرهما‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪34‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن التقوى مانعة لصاحبها من فعل األذى بالناس أو إدخال‬
‫الضرر عليهم‪ ،‬وإنما يؤذي الناس من زالت تقواه وضعف إيمانه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه ال مانع أن تتخذ المرأة لها مكانًا يف بيتها تتعبد فيه هلل ‪ ‬بعيد ًا عن‬
‫أهل البيت واألوالد والضوضاء‪ ،‬حتى يتفرغ قلبها لمناجاة رهبا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن اهلل إذا قضى قضا ًء فإنه ال ُير ُّد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية العمل باألسباب التي يقدر عليها اإلنسان‪ ،‬ولذلك أمر اهلل مريم‬
‫تحرك النخلة من جذعها ليتساقط عليها الرطب الجني‪.‬‬
‫عليها السالم أن ّ‬
‫‪ ‬وفيها بيان حاجة المرأة إلى من يعينها حين والدهتا‪ ،‬فإن لم يحضرها أحد‬
‫فلتستعن باهلل فإنه خير معين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه ال مانع من شرب الماء للمرأة النفساء بعد والدهتا مباشرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها آية لعيسى ‪ ‬وهي نطقه يف المهد وإخباره بما أواله اهلل من‬
‫الكماالت‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن الخلوة رياضة للنفس وسمو بالروح وشحذ للهمة وصفاء‬
‫للقلب والذهن وزيادة قرب من المولى ‪.‬‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬سمى اهلل جربيل روحًا ألنه الذي يجيء بالروح وهو الوحي وهو أمينه‪،‬‬
‫فبالوحي حياة الدين كما يحيا الجسد بالروح وكما تحيا األرض بالماء‪.‬‬
‫‪ ‬ويف استعاذة مريم باهلل تعالى ما ُّ‬
‫يدل على كمال إيماهنا‪ ،‬وورعها وتمام عفتها‬
‫وشدة حيائها وحسن أدهبا وسرعة بديهتها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪35‬‬
‫‪ ‬ويف استعاذهتا باهلل تعالى متوسل ًة إليه باسمه الرحمن توج ٌه إليه سبحانه أن يرحم‬
‫ضعفها ويصرف عنها السوء‪ ،‬فقد ش ِملها تعالى برحمته يف سائر أحوالها‪ ،‬وهي‬
‫اآلن أحوج شيء إليها‪.‬‬
‫‪ ‬ويف االستعاذة باسم اهلل الرحمن أيضا استثارة واستنهاض لبواعث الرحمة‬
‫رحيما فسوف يرحم ضعفها‬
‫ً‬ ‫والتقوى يف قلب ذلك الشخص‪ ،‬فهو إن كان‬
‫يمسها بسوء‪.‬‬
‫ووحدتها‪ ،‬وإن كان تق ًيا فسوف ينصرف عنها وال ّ‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن قدرة اهلل مطلقة وإرادته نافذة‪ ،‬ال يحدُّ ها حدود وال تقيدها قيود‪،‬‬
‫ومن خلق آدم من غير أم وال أب وخلق حواء من آدم قادر على خلق عيسى من‬
‫أم دون أب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ٌ‬
‫دليل على جواز تمني الموت عند اشتداد الفتن والمحن‪ ،‬وخوف المؤمن‬
‫على نفسه من الفتنة يف دينه فإهنا عرفت أهنا ستبتلى وتمتحن هبذا المولود‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان وتوضيح لشدة الحال التي كانت عليها مريم عليها السالم يف تلك‬
‫اللحظات العصيبة‪ ،‬فهي تعاين من آالم المخاض والوحدة والوحشة والرتقب‬
‫لما ينتظرها من قومها حين يجدون معها هذا الولد‪ ،‬ويف غمرة هذه اآلالم‬
‫تغمرها رحم ُة اهلل تعالى فيتحول العسر إلى يسر والضيق إلى‬
‫ُ‬ ‫الحسية والنفسية‬
‫سعة والحزن والقلق إلى فرح واستبشار وطمأنينة‪ ،‬ويولد عيسى ‪-  -‬‬
‫ِ‬
‫الكرامات‪ ،‬وينطقه المولى ‪.‬‬ ‫يف جو من‬
‫‪ ‬فائدة‪ُ :‬أمرت مريم عليها السالم باالمتناع عن الكالم ألمرين‪:‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪36‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن كالم عيسى ‪ -  -‬وهو يف المهد أقوى وأبلغ يف إزالة التهمة‬
‫عنها‪ ،‬ويف هذا أن تفويض األمر إلى األفضل أولى‪.‬‬
‫ثانيهام‪ :‬أن السكوت عن جدال السفهاء أصون ِ‬
‫للع ْر ِ‬
‫ض وأنسب لحيائها‪.‬‬
‫‪ ‬ويف هذا تنزي ٌه هلل تعالى عن الصاحبة والولد‪ ،‬ور ٌّد على النصارى الذين زعموا‬
‫أنه إله وابن إله‪ ،‬تعالى اهلل عما يقولون علوا كبيرا‪ّ .‬‬
‫فإن مروره هبذه األطوار‪،‬‬
‫وتقلبه يف هذه األدوار ميالد ثم ممات ثم بعث دليل على حدوثه وبشريته‪،‬‬
‫الحق ال يفتقر لغيره‪ ،‬وال يحتاج إلى من‬
‫ّ‬ ‫فاإلله ال يتغير وال يتحول‪ ،‬واإلله‬
‫سواه‪.‬‬
‫‪ ‬ويف أكل مريم عليها السالم من الرطب إشارة إلى ما أثبته الطب من أهمية‬
‫الرطب للمرأة النفساء‪ ،‬ولو كان هناك شي ٌء أحسن للنفساء من الرطب ألطعمه‬
‫اهلل مريم وقت نفاسها‪.‬‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬ال يجوز نذر الصمت يف شرعنا للنهي الوارد عنه ولما فيه من التضييق‬
‫وتعذيب النفس‪ ،‬وقد كان يف شرع من قبلنا قربة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلشارة ال تسمى كالمًا فمن حلف أ ّ‬
‫ال يكلم فالنًا من الناس ثم أشار‬
‫له فإنه ال يحنث‪.‬‬
‫‪ ‬ويف قوله تعالى عن عيسى (ول ْم ي ْجع ْلنِي جب ًارا ش ِق ًّيا)‪ :‬أبلغ رد على ما ارتكبه‬
‫النصارى يف حمالهتم الصليبية من فظائع وجرائم باسم المسيح ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪37‬‬
‫‪ ‬دلت اآليات على أن مريم كانت كثيرة العبادة والخشوع والركوع والسجود‬
‫والدأب يف العمل‪ ،‬مما هيأها لمحنة لها ورفعة يف الدارين‪.‬‬
‫ُوح ِ‬
‫يه إِل ْيك) على نبوة محمد ﷺ حيث‬ ‫بن ِ‬ ‫دل قوله تعالى (ذلِك مِن أن ِ‬
‫ْباء ا ْلغ ْي ِ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫ْ‬
‫أخربه اهلل عن قصة زكريا ومريم‪ ،‬ولم يكن قرأ الكتب‪ ،‬وأخرب الناس عن ذلك‪،‬‬
‫وصدّ قه أهل الكتاب بذلك‪.‬‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬لم يذكر اهلل يف القرآن امرأة باسمها إال (مريم) ل ُينسب إليها عيسى‬
‫‪ ‬لعدم وجود أب له‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ّ‬
‫أن ألم المخاض ووجع الطلق أمر ال بد منه عند الوالدة‪ ،‬فتحتاج‬
‫المرأة حينةذ إلى عون ورعاية‪ ،‬ولم تجد السيدة مريم معينا لها غير جذع‬
‫النخلة‪ ،‬فاستندت إليه وتعلقت به من وجع الطلق‪.‬‬
‫‪ ‬لقد اقرتنت والدة السيدة مريم بأنواع من األلطاف اإللهية‪ ،‬فقد ناداها جربيل‬
‫‪ ‬بأن اهلل قد جعل من تحتها هنر ًا صغير ًا لتشرب منه‪ ،‬وأسقط لها رطب‬
‫وأقر عينها‪ ،‬فأزال عن قلبها الكآبة والحزن‪ ،‬وأمرها‬
‫النخلة‪ ،‬وطيب اهلل نفسها ّ‬
‫باإلمساك عن كالم البشر حتى ال تتعب نفسها بالحوار والنقاش ور ّد التّهم‪،‬‬
‫وأحالت األمر على ابنها الذي أنطقه اهلل يف المهد مدافعًا عنها‪ ،‬ليرتفع عنها‬
‫خجلها‪ ،‬وتتبين اآلية‪ ،‬فيظهر عذرها‪ ،‬فسبحان اللطيف الخبير‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪38‬‬
‫‪ ‬استدل العلماء هبذه اآلية على أن الرزق‪ ،‬وإن كان محتومًا‪ ،‬فإن اهلل تعالى ربطه‬
‫بالسعي يف األرض والعمل باألسباب‪ ،‬ولذلك أمر مريم هبز النخلة‪ ،‬والعمل‬
‫باألسباب ال ينايف التوكل‪ ،‬فإن التوكل على اهلل يكون مع اتخاذ األسباب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن التفرغ واالنقطاع للعلم والعبادة سبب للرزق الحالل الطيب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه على قدر األزمات يأيت الفرج فقد نزل بمريم عليها السالم من الكرب‬
‫ما ال يعلمه إال اهلل من عدة أوجه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أنه خاطبها الملك على ضعفها وصغر سنها ووحدهتا يف الفالة وهذا أمر‬
‫ال يتخيل ما يكون فيه إال من وقع عليه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أنه كان أول خطاب خوطبت به من ِقبل الملك‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أنه أخربها بأهنا تلد من غير زوج وهذا مما يعظم سماعه على مثلها‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬طريان المخاض عليها وآالمه التي توازي آالم الموت ال سيما أول‬
‫مخاض‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬وهو أشد عليها من كل ما وقع وهو ما يصمها الناس به من المالمة‬
‫واألذية وهي بريةة‪.‬‬

‫فهذه كروب لو س ِّلط أحدها على جبل لتصدع ويكفيك قولها عند ذلك {ﯩ ﯪ‬

‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ} فأي مقام فوق مقام من ابتلي بمثل هذه‬


‫المعضالت دفعة واحدة فصرب وشكر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪31‬‬
‫‪ ‬استدل بعض دعاة االختالط هبذه القصة على جواز اختالط المرأة بالرجال‬
‫األجانب والجواب من وجوه ومنها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬لقاء مريم ‪ -‬عليها السالم ‪ -‬مع قومها كان لقا ًء ً‬


‫عابرا لغرض البيان ورفع‬
‫الل ْبس لكي ال تضع نفسها موضع التهمة وسوء الظن‪ ،‬وليتمكن عيسى‬
‫متكررا ومقصو ًدا‬
‫ً‬ ‫‪ ‬من إبالغهم الرسالة‪ ،‬ولم يكن لقاؤها إياهم‬
‫ومباشرا كل يوم كما يحسبه دعاة االختالط‪.‬‬
‫ً‬
‫ثاني ًا‪ :‬مريم ‪ -‬عليها السالم ‪ -‬حين جاءها المخاض انتبذت به مكانًا ِ‬
‫قص ًّيا بعيدً ا‬
‫عن األنظار؛ فلماذا أغفل دعاة االختالط هذا؟!!‬
‫ثالث ًا‪ :‬لو سلمنا ً‬
‫جدال بصحة استداللهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا‪ ،‬فال يستدل‬
‫به ألنه قد جاء يف شرعنا ما ينسخه‪.‬‬
‫ِ‬
‫رأيت ما ظاهره الفساد من شخص صالح؛ فال تتعجلي بالحكم‬ ‫‪ ‬وفيها ِ‬
‫أنك إذا‬
‫عليه‪ ،‬بل تريثي‪ ،‬فلعل وراء ذلك األمر ما هو خاف عليك‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن الناس إذا وجدوا الخطأ من الرجل الصالح أو المرأة الصالحة‬
‫ع ّظموه‪ ،‬وع ّيروه وشنعوا عليه بما لم يكن لو كان الخطأ من غيره‪ ،‬فكوين أيتها‬
‫الصالحة على حذر من الوقوع يف األخطاء‪.‬‬
‫شعار األنبياء‬ ‫‪ ‬تمسكي بالصالة والزكاة ما دام ِ‬
‫فيك نف ٌس يرتدد؛ فإن ذلك‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫والصالحين‪.‬‬
‫جبار شقي‪ ،‬وأن البار بوالديه متواضع تقي‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العاق لوالديه ٌ‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪42‬‬
‫أن بِر الوالدين من شعار األنبياء والصالحين من قبل؛ فتمسك بربهما‪.‬‬
‫‪ ‬وقيها ّ‬
‫‪ ‬ويف القصة ر ٌد على اليهود يف إلصاقهم التهم بالطاهرة العفيفة مريم عليها السالم‬
‫‪ ‬ويف القصة تذكير للمعتدي باهلل ‪ ،‬وهذا هو المشروع يف الدفع أن يكون‬
‫باألسهل فاألسهل‪.‬‬
‫‪ ‬ال تستغيثي يف وقت الملمات والضائقات بأحد سوى اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬قول عيسى ‪( ‬إين عبد اهلل) ألقاه اهلل على لسانه أو ً‬
‫ال ألنه سبحانه قد علم‬
‫أن هناك من سيقول إن عيسى ابن اهلل‪ ،‬أو أنه اهلل‪ ،‬كأنه يقول لهم ليس يفّ صفة‬
‫أستحق هبا أن أكون إلهًا مع اهلل‪.‬‬
‫كنت) فيها الدعوة إلى أن يكون اإلنسان ن ّفاعًا‬
‫‪ ‬قوله (وجعلني مباركًا أينما ُ‬
‫للناس حيثما كان بقدر استطاعته‪ ،‬وأعظم النفع نشر العلم بين الناس‪.‬‬
‫‪ ‬قوله (وبر ًا بوالديت) خصه اهلل برب أمه ألن الرب كان يف بني إسرائيل ضعيفًا‬
‫وخاصة ّبر الوالدة فإهنا ُتستضعف لحناهنا وعطفها وشفقتها التي تحمل األوالد‬
‫على التساهل بحقها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها إشارة إلى أن الوالدة والموت والبعث أعظم المواطن التي يحتاج‬
‫اإلنسان فيها إلى رحمة اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها السكوت عن السفيه وعدم مجاراته والرد عليه بالمثل (إين نذرت‬
‫للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا)‬
‫‪ ‬وفيها أن المؤمن والمؤمنة الربيةين ال يضرهما قذف القاذفين وافرتاء المفرتين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪41‬‬

‫‪ 2‬ـ قصة امرأة عزيز مرص‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل ‪{ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬

‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪42‬‬
‫ﰊﰋﰌﰍﰎﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ} [سورة يوسف‪.]39-21 :‬‬

‫وقال تعالى‪{ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ} [سورة يوسف‪.]93-95 :‬‬

‫تفسري الغريب‪:‬‬
‫(‪{ ... )21‬م ْثوا ُه} مقام ُه‪.‬‬
‫(‪{ ... )22‬أ ُشد ُه} ُمنْتهى ُقوتِ ِه فِي شبابِ ِه‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬وراود ْت ُه} دع ْت ُه إِلى ن ْف ِسها بِ ِر ْفق ولِين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪43‬‬
‫(‪{ ... )23‬ه ْيت لك} ه ُلم إِلي‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬معاذ اهللِ} أ ْعت ِص ُم بِاهللِ‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬ر ِّبي} س ِّي ِدي‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬م ْثواي} من ِْزلِي و ُمقامِي‪.‬‬
‫احش ِة‪.‬‬
‫(‪{ ... )24‬هم ْت بِ ِه} مال ْت ن ْفسها لِ ِفع ِل الف ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫(‪{ ... )24‬وهم بِها} خطر بِق ْلبِ ِه إِجابتُها‪.‬‬
‫(‪ُ { ... )24‬ب ْرهان ر ِّب ِه} آي ًة مِن اهللِ زجر ْت ُه ع ْن ذلِك الخاطِ ِر‪.‬‬
‫اختص ُه ْم‬‫(‪{ ... )24‬ا ْل ُم ْخل ِصين} ال ِذين أ ْخل ُصوا فِي ِعباد ِة اهللِ؛ فأ ْخلص ُه ْم‪ ،‬و ْ‬
‫بِر ْحمتِ ِه‪.‬‬
‫الخ ُروج و ِهي ت ْمن ُع ُه‪.‬‬
‫اب ُي ِريدُ ُ‬‫استبقا ا ْلباب} أ ْسرعا إِلى الب ِ‬ ‫(‪{ ... )25‬و ُ‬
‫(‪{ ... )25‬وقد ْت} شق ْت‪.‬‬
‫(‪{ ... )25‬وأ ْلفيا} وجدا‪.‬‬
‫(‪{ ... )25‬س ِّيدها} ز ْوجها‪.‬‬
‫(‪ُ { ... )26‬قد مِن ُق ُبل} ُشق مِن األمامِ‪.‬‬
‫اآلث ِمين‪.‬‬
‫(‪{ ... )21‬ا ْلخاطِ ِةين} ِ‬

‫(‪{ ... )32‬شغفها ُح ًّبا} بلغ ُح ُّبها ل ُه شغاف ق ْلبِها و ُهو ِغال ُف ُه‪.‬‬
‫(‪{ ... )31‬وأ ْعتد ْت} هيأ ْت‪.‬‬
‫(‪ُ { ... )31‬متك ًأ} ما يتكِ ْةن عل ْي ِه مِن الوس ِائ ِد‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪44‬‬
‫(‪{ ... )31‬وقط ْعن} جر ْحن‪.‬‬
‫يها لِله‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫(‪{ ... )31‬حاش ل ّله} تن ِْز ً‬
‫اغ ِرين} األ ِذال ِء‪.‬‬ ‫(‪{ ... )32‬الص ِ‬

‫ب إِل ْي ِهن} أمِ ْل إِل ْي ِهن‪.‬‬


‫(‪{ ... )33‬أ ْص ُ‬
‫(‪{ ... )51‬خ ْط ُب ُكن} شا ُن ُكن‪.‬‬
‫يها هللِ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫(‪{ ... )51‬حاش ل ّله} تن ِْز ً‬
‫(‪{ ... )51‬ح ْصحص ا ْلح ُّق} ظهر ب ْعد خفائِ ِه‪.‬‬
‫(‪{ ... )53‬ألمار ٌة بِالس ِ‬
‫وء}كثِير ُة األم ِر بِالمع ِ‬
‫اصي‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬

‫رشح القصة‪:‬‬
‫لما ُوجد يوسف عليه السالم يف البةر وهو طفل‪ُ ،‬عرض للبيع من قبل الذي‬
‫ّ‬
‫وجده أو من قبل إخوته‪ ،‬على أنه عبد الذين رموه يف البةر‪ ، ،‬فاشرتاه عزيز مصر‪،‬‬
‫وقال المرأته‪ :‬أحسني إليه وأكرميه يف مقامه معنا؛ لعله ينفعنا يف القيام ببعض ما‬
‫نحتاج إليه‪ ،‬أو نُص ِّيره ولدً ا بالتبنِّي‪.‬‬
‫فقال اهلل عز وجل كما أنجينا يوسف من القتل‪ ،‬وأخرجناه من البةر‪،‬‬
‫وعطفنا عليه قلب العزيز؛ فسنم ّكن له يف مصر‪ ،‬ولنعلمه تأويل الرؤيا‪ ،‬واهلل‬
‫غالب على أمره‪ ،‬فأمره نافذ‪ ،‬فال ُم ِ‬
‫كره له سبحانه‪ ،‬ولكن غالب الناس ‪-‬وهم‬
‫الكفار‪ -‬ال يعلمون ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪45‬‬
‫وعلما‪ ،‬ومثل هذا الجزاء‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫ولما بلغ يوسف سن اشتداد البدن أعطيناه ً‬
‫الذي جزيناه به نجزي المحسنين يف عبادهتم هلل‪.‬‬
‫وبينما يوسف عليه السالم ذات يوم يف بيت العزيز إذ طلبت امرأة العزيز‬
‫برفق وإعمال حيلة منه فعل الفاحشة‪ ،‬وغ ّلقت األبواب إمعانًا يف الخلوة‪،‬‬
‫إلي‪ ،‬فقال يوسف‪ :‬أعتصم باهلل مما دعوتِني إليه‪ ،‬إن‬ ‫ُ‬
‫وقالت له‪ :‬هلم وتعال ّ‬
‫ظالما‪ ،‬إنه ال يفوز‬
‫ً‬ ‫إلي يف مقامي عنده فلن أخونه‪ ،‬فإن خنته كنت‬
‫س ّيدي أحسن ّ‬
‫الظالمون‪.‬‬
‫ولقد رغبت نفسها يف فعل الفاحشة‪ ،‬وخطر على نفسه هو ذلك‪ ،‬لوال أنه‬
‫رأى من آيات اهلل ما يكفه عن ذلك ويبعده‪ ،‬وقد أريناه ذلك لنكشف عنه السوء‪،‬‬
‫ونبعده عن الزنى والخيانة‪ ،‬إن يوسف من عبادنا المختارين للرسالة والنبوة‪.‬‬
‫وتسابقا إلى الباب‪ :‬يوسف لينجو بنفسه‪ ،‬وهي لتمنعه من الخروج‪،‬‬
‫فأمسكت بقميصه لتمنعه من الخروج‪ ،‬فش ّقته من خلفه‪ ،‬ووجدا زوجها عند‬
‫الباب‪ ،‬قالت امرأة العزيز للعزيز محتالة‪ :‬ليس عقاب من قصد بزوجتك ‪-‬يا‬
‫عزيز‪ -‬فعل الفاحشة إال السجن‪ ،‬أو أن ُي ّ‬
‫عذب عذا ًبا موج ًعا‪.‬‬
‫فقال يوسف ‪ :‬هي التي طلبت مني الفاحشة‪ ،‬ولم ُأ ِر ْدها منها‪،‬‬
‫فجعل اهلل من أهلها من يتكلم‪ ،‬فشهد بقوله‪ :‬إن كان قميص يوسف ُشق من‬
‫أمامه فذلك قرينة على صدقها؛ ألهنا كانت تمنعه من نفسها‪ ،‬فهو كاذب‪ ،‬وإن‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪46‬‬
‫كان قميصه ُشق من خلفه فذلك قرينة على صدقه؛ لكوهنا كانت ُت ِ‬
‫راوده وهو‬
‫هارب عنها‪ ،‬فهي كاذبة‪.‬‬
‫فلما شاهد العزيز أن قميص يوسف ‪ُ ‬شق من خلفه تحقق من‬
‫صدق يوسف‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا القذف الذي قذ ْفتِه به من جملة م ْك ِركُن ‪-‬معشر‬
‫النساء‪ -‬إن م ْكركُن مكر قوي‪ ،‬وقال ليوسف‪ :‬يا يوسف‪ِ ،‬‬
‫اضر ْب عن هذا األمر‬
‫إنك ِ‬
‫كنت من اآلثمين‬ ‫صفحا‪ ،‬وال تذكره ألحد‪ ،‬واطلبي أنت المغفرة إلثمك‪ِ ،‬‬
‫ً‬
‫بسبب مراودة يوسف عن نفسه‪.‬‬
‫وانتشر خربها يف المدينة‪ ،‬وقالت طائفة من النساء على سبيل اإلنكار‪:‬‬
‫زوجة العزيز تدعو عبدها إلى نفسها‪ ،‬قد وصل حبه شغاف قلبها (أي‪ :‬غالفه)‪،‬‬
‫إنا لنراها بسبب مراودهتا له وحبها إياه ‪-‬عبدها‪ -‬يف ضالل واضح‪.‬‬
‫فلما سمعت امرأة العزيز إنكارهن عليها واغتياهبن إياها بعثت إليهن‬
‫محال فيه فراش ووسائد‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫تدعوهن ليرين يوسف فيعذرهنا‪ ،‬وهيأت لهن‬
‫وأعطت كل واحدة من المدعوات سكينًا تقطع به الطعام‪ ،‬وقالت ليوسف‬
‫‪ :‬اخرج عليهن‪ ،‬فلما نظرن إليه أعظمنه‪ ،‬واندهشن لحسنه‪ ،‬وانبهرن‬
‫بجماله‪ ،‬وجرحن أيديهن من شدة االنبهار به بالسكاكين المعدّ ة لقطع الطعام‪،‬‬
‫بشرا‪ ،‬فما هو فيه من الجمال لم ُي ْعهد يف البشر‪ ،‬ليس إال‬
‫وقلن‪ :‬ليس هذا الغالم ً‬
‫مل ًكا ً‬
‫كريما من المالئكة الكرام‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪47‬‬
‫فقالت امرأة العزيز للنسوة لما رأت ما أصاهبن‪ :‬هذا هو الفتى الذي‬
‫عير ُتنني بسبب حبه‪ ،‬ولقد طلبته‪ ،‬واحت ْل ُت إلغوائه‪ ،‬فامتنع‪ ،‬ولةن لم يفعل ما‬
‫مستقبال ليدخل ّن السجن‪ ،‬وليكونن من األذ ّالء‪.‬‬
‫ً‬ ‫أطلب منه‬
‫فقال يوسف ‪ ‬داع ًيا ربه‪ :‬يا رب‪ ،‬السجن الذي هددتني به أحب‬
‫مكرهن أمِل‬
‫ُ‬ ‫إلي مما يدعونني إليه من فعل الفاحشة‪ ،‬وإ ْن لم تكشف عني‬
‫إليه ّن‪ ،‬وأكن من الجاهلين إن مِ ْل ُت إليه ّن‪ ،‬وطاوعته ّن فيما يردن مني‪ ،‬فأجاب‬
‫اهلل دعوته‪ ،‬وكشف عنه مكر امرأة العزيز ومكر نسوة المدينة‪ ،‬إنه ‪‬‬
‫السميع لدعاء يوسف‪ ،‬ولدعاء كل داع‪ ،‬العليم بحاله وحال غيره‪.‬‬
‫ثم كان من رأي العزيز وقومه لما شاهدوا األدلة على براءته أن يسجنوه ‪-‬‬
‫حتى ال تنكشف الفضيحة‪ -‬إلى مدة غير معلومة‪ ،‬فبقي يف السجن بضع سنين‪.‬‬
‫وبعد سنوات عدة رأى الملك رؤيا‪ ،‬فع ّبها يوسف عليه السالم‪ ،‬فبلغ الملِك‬
‫ما أعطى اهلل يوسف من القدرة على تعبير الرؤيا‪ ،‬فقال ألعوانه‪ :‬أخرجوه من‬
‫ُ‬
‫رسول الملك إلى يوسف قال له‪ :‬ارجع إلى‬ ‫السجن‪ ،‬وأ ُتوين به‪ ،‬فلما جاء‬
‫جرحن أيديهن‪ ،‬حتى تظهر براءته‬
‫سيدك الملك فاسأله عن قصة النسوة الاليت ّ‬
‫المراودة عليم‪ ،‬ال يخفى‬
‫قبل الخروج من السجن‪ ،‬إن ربي بما صنعن بي من ُ‬
‫عليه شيء من ذلك‪.‬‬
‫فرجع الرسول إلى الملك‪ ،‬فأخربه بما قاله يوسف‪ ،‬فقال الملك مخاط ًبا‬
‫النسوة‪ :‬ما شأنكن حين طلبتن يوسف بحيلة؛ ليعمل الفاحشة معكن؟ فأقررن‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪48‬‬
‫برباءة يوسف عليه السالم‪ ،‬فخافت امرأة العزيز أن يشهدن عليها إن هي‬
‫أنكرت‪ ،‬فقالت ُم ِقرة بما صنعت‪ :‬اآلن يظهر الحق‪ ،‬أنا حاولت إغواءه ولم‬
‫يحاول إغوائي‪ ،‬وإنه لمن الصادقين فيما ادعاه من براءته مما رميته به‪ ،‬وإنما‬
‫اعرتفت بذلك ليعلم زوجي حين أقررت‪ ،‬أين لم أخنه بفعل الفاحشة‪ ،‬وإنما‬
‫ُ‬
‫الذي كان مجرد المراودة فقط‪ ،‬وقد تبين لي مما حصل أن اهلل ال يوفق من‬
‫يكذب ويمكر‪ ،‬وما أنزه نفسي عن إرادة السوء‪ ،‬وما أردت بذلك تزكية نفسي؛‬
‫ألن شأن النفس البشرية كثرة األمر بالسوء لميلها إلى ما تشتهيه وصعوبة كفها‬
‫عنه‪ ،‬إال ما رحمه اهلل من النفوس‪ ،‬فعصمها من األمر بالسوء‪ ،‬إن ربي غفور لمن‬
‫تاب من عباده‪ ،‬رحيم هبم‪.‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪:‬‬


‫هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته‪ ،‬وصربه عليها أعظم‬
‫أجر ًا‪ ،‬ألنه صرب اختياري مع وجود الدواعي الكثيرة‪ ،‬لوقوع الفعل‪ ،‬وأما محنته‬
‫بإخوته‪ ،‬فصربه صرب اضطراري‪ ،‬وقد اشتملت هذه القصة على فوائد كثيرة‪،‬‬
‫ِ‬
‫والحكم ما يزيد‬ ‫حتى قال ابن القيم ‪" :$‬ويف هذه القصة من العرب والفوائد‬
‫على األلف فائدة‪ ،‬لعلنا إن وفق اهلل أن نفردها يف مصنف مستقل"‪.‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬

‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﯳﯴ}‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪41‬‬
‫‪ ‬فيها أن اإلكرام سبب للنفع يف المستقبل وما يظنه البعض أن ابنه لن يربه إال إذا‬
‫أهانه وقسا عليه يف صغره فهو ظن خاطئ‪ ،‬فإن من أساليب الرتبية الناجحة‬
‫إكرام األوالد الذكور واإلناث‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تدبير اهلل ليوسف ‪ ‬ولطفه به أن قذف يف قلب عزيز مصر معاين‬
‫األبوة بعد أن حجب الشيطان عن إخوته معاين األخوة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مِنة اهلل على يوسف أن جعله يرتبى يف بيت عز وليس أن يكون ذليال ً‬
‫مهانًا‪.‬‬
‫تفرس يف من سيكون لهم مستقبل وشأن‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ال ّ‬
‫‪ ‬وفيها إكرام الضيف ولو كان صغير ًا‪.‬‬
‫‪ ‬يظهر من اآليات أن عزيز مصر لم يكن له أبناء وقد ذكر بعضهم أنه كان عقيمًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من وجد ولد ًا لقطة فليكرمه ويحسن إليه ليكون له بمنزلة الولد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلحسان إلى الطفل يؤثر فيه وال ينساه إذا كرب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن مسؤولية األم يف تربية الطفل يف صغره أعظم من مسؤولية األب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها وصية األب لألم برتبية األوالد واالهتمام هبم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن التمكين والرفعة من اهلل يهبها لمن يشاء‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن معرفة تأويل الرؤيا يف األصل موهبة من اهلل وقد تدرك بالتعلم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان فضل علم تأويل الرؤيا فإهنا جزء من النبوة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن اهلل إذا أراد شيةًا فال راد لفضله وال معقب لحكمه‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪52‬‬
‫وقوله تعاىل‪{ :‬ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ}‬
‫‪ ‬فيها أن األنبياء ال يتم علمهم وفهمهم ونبوهتم إال يف سن األربعين فكيف‬
‫بغيرهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الكثير من العطايا والهبات اإللهية والمراتب العلية ال تأيت إال بعد‬
‫تمحيص وابتالء مع الصرب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن النبوة اصطفاء واجتباء من اهلل ‪ ‬وهذا مجمع عليه خالفًا‬
‫للفالسفة فإهنا عندهم اكتساب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الشاب والشابة إذا نشةا على الخير آتاهما اهلل من العلم والحكمة مالم‬
‫يؤت غيرهما‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن مواهب العلم والحكمة عطاء رباين ومواهب إلهية يم ُّن اهلل هبا على من‬
‫يشاء من عباده‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل يجزي المحسنين بالجزاء العاجل واآلجل‪.‬‬

‫وقوله تعاىل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ}‬
‫‪ ‬فيها بيان أسلوب القرآن يف أدب الخطاب فالقرآن يعرب عما يستقبح ذكره‬
‫بالكنايات وهكذا ينبغي للمسلم والمسلمة أن يكونا عند الخطاب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطورة الخلوة بالمرأة األجنبية فهذه الخلوة المحرمة تؤدي إلى مصائب‬
‫عظيمة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪51‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الرجل ال يركن على المرأة مهما كان خيرها ودينها وعقلها‪ ،‬فبعضهم‬
‫يرمي المرأة يف أوساط الذئاب ويقول الشرف بالرأس وبعضهم يذهب يغرتب‬
‫ويرتك زوجته سنوات ويقول أنا معي رجل يف البيت‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان خطورة تز ّين المرأة لغير زوجها‪.‬‬
‫‪ ‬قوله‪( :‬قال معاذ اهلل) مباشرة بدون تفكير وال فاصل زمني وهكذا فليكن‬
‫المؤمن والمؤمنة صارمًا عندما تراوده الشهوات المحرمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مقابلة الوفاء بالوفاء ور ّد الجميل ألهله‪ ،‬وبعض الناس تحسن إليه فتأيت‬
‫الخيانة من قِبله وهذا يدل على لؤم وخسة ودناءة‪ .‬فإن مجازاة المحسن‬
‫باإلساءة ظلم‪.‬‬
‫المحرم وبيان أنه ذريعة إلى الوقوع يف الزنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وفيها الحذر من العشق‬
‫‪ ‬وفيها أن العشق قد يكون من المرأة للرجل كما يكون من الرجل للمرأة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطورة فتنة النساء‪ ،‬وأهنا أعظم ما ينبغي الحذر منه من الشهوات‪ ،‬والبعد‬
‫عن أسبابه من خلوة ونظرة محرمة وتربّج ونحوه‪ .‬ولذلك فإ ّن أعداء اإلسالم‬
‫عرفوا هذه الحقيقة فسعوا بكل ما أوتوا إلى إفساد المرأة المسلمة ألهنم يعرفون‬
‫أنه إذا فسدت المرأة فسد المجتمع وإذا صلحت صلح المجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن بعض الناس يظن أنه إذا أعطاك شيةًا من دنياه أنه يجب عليك أن‬
‫تعطيه شيةًا من دينك‪ ،‬وهذا غير صحيح ومن قبِل هذه المعاوضة فهو خاسر‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪52‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الشيطان ينشط يف األبواب المغلقة والستور المرخاة وأماكن‬
‫الخلوات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن مراودة المرأة للرجل أشد فتن ًة من مراودة الرجل لها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن مراودة المرأة للرجل تكون بالقول الصريح وتكون بالتلميح وتكون‬
‫بالفعل كالتهيؤ والتزين والتربج والسفور والتمايل ونحو ذلك من وسائل‬
‫اإلغراء والفتنة‪ ،‬فقد تكون المرأة مراودة للرجال بأفعالها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عظيم كيد المرأة بيوسف ‪ ‬فإهنا استعانت عليه إليقاعه يف‬
‫الحرام بأمور كثيرة ولك ّن اهلل عصمه‪ ،‬وقد ذكر ابن القيم ‪ ‬يف كتابه‬
‫الجواب الكايف ثالثة عشر وجهًا من دواعي الوقوع يف الفاحشة‪ ،‬فكان الداعي‬
‫هاهنا يف غاية القوة‪ ،‬وذلك من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ما ركبه اهلل سبحانه يف طبع الرجل من ميله إلى المرأة‪ ،‬كما يميل‬
‫العطشان إلى الماء‪ ،‬والجائع إلى الطعام‪ ،‬حتى إن كثيرا من الناس يصرب عن‬
‫الطعام والشراب وال يصرب عن النساء ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يوسف عليه السالم كان شابًا‪ ،‬وشهوة الشباب وحدته أقوى‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه كان عزبًا‪ ،‬ليس له زوجة وال سرية تكسر شدة الشهوة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه كان يف بالد غربة‪ ،‬يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما ال يتأتى له يف‬
‫وطنه وبين أهله ومعارفه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪53‬‬
‫اخلامس‪ :‬أن المرأة كانت ذات منصب وجمال‪ ،‬بحيث إن كل واحد من هذين‬
‫األمرين يدعو إلى مواقعتها‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أهنا غير ممتنعة وال آبية‪ ،‬فإن كثيرا من الناس يزيل رغبته يف المرأة‬
‫إباؤها وامتناعها‪ ،‬لما يجد يف نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أهنا طلبت وأرادت وبذلت الجهد‪ ،‬فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها‪،‬‬
‫بل كانت هي الراغبة الذليلة‪ ،‬وهو العزيز المرغوب إليه‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أنه يف دارها‪ ،‬وتحت سلطاهنا وقهرها‪ ،‬بحيث يخشى إن لم يطاوعها من‬
‫أذاها له‪ ،‬فاجتمع داعي الرغبة والرهبة‪.‬‬
‫تنم عليه هي وال أحد من جهتها‪ ،‬فإهنا هي الطالبة‬
‫التاسع‪ :‬أنه ال يخشى أن ّ‬
‫الراغبة‪ ،‬وقد غلقت األبواب وغيبت الرقباء‪.‬‬
‫العارش‪ :‬أنه كان يف الظاهر مملوكًا لها يف الدار‪ ،‬بحيث يدخل ويخرج ويحضر‬
‫معها وال ُينكر عليه‪ ،‬وكان األنس سابقًا على الطلب وهو من أقوى الدواعي‪،‬‬
‫كما قيل المرأة شريفة من أشراف العرب‪ :‬ما حملك على الزنى؟ قالت‪ :‬قرب‬
‫الوساد‪ ،‬وطول السواد‪ ،‬تعني قرب وساد الرجل من وساديت‪ ،‬وطول السواد‬
‫بيننا‪.‬‬
‫احلادي عرش‪ :‬أهنا استعانت عليه بأئمة المكر واالحتيال‪ ،‬فأرته إياه ّن‪ ،‬وشكت‬
‫حالها إليهن؛ لتستعين هبن عليه‪ ،‬واستعان هو باهلل عليهن‪ ،‬فقال‪{ :‬وإال تصرف‬
‫عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين}‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪54‬‬
‫الثاين عرش‪ :‬أهنا توعدته بالسجن والصغار‪ ،‬وهذا نوع إكراه‪ ،‬إذ هو هتديد من‬
‫يغلب على الظن وقوع م ا هدد به‪ ،‬فيجتمع داعي الشهوة‪ ،‬وداعي السالمة من‬
‫ضيق السجن والصغار‪.‬‬
‫الثالث عرش‪ :‬أن الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما‪ ،‬ويبعد كال‬
‫منهما عن صاحبه‪ ،‬بل كان غاية ما قابلها به أن قال ليوسف‪{ :‬أعرض عن هذا}‬
‫وللمرأة‪{ :‬واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطةين} وشدة الغيرة للرجل من‬
‫أقوى الموانع‪ ،‬وهنا لم يظهر منه غيرة‪.‬‬
‫ومع هذه الدواعي كلها آثر مرضاة اهلل وخوفه‪ ،‬وحمله حبه هلل على أن اختار‬
‫السجن على الزنى‪{ :‬قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه}‪.‬‬
‫وعلم أنه ال يطيق صرف ذلك عن نفسه‪ ،‬وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف‬
‫عنه كيدهن؛ صبا إليهن بطبعه‪ ،‬وكان من الجاهلين‪ ،‬وهذا من كمال معرفته بربه‬
‫وبنفسه"‪)1( .‬‬

‫‪ ‬وفيها قبح خيانة المحسن يف أهله وماله‪ ،‬األمر الذي ذكره يوسف من جملة‬
‫أسباب رفض الفاحشة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دفاع يوسف عن نفسه‪ ،‬فاستعاذ باهلل واستجار به مما دعته إليه‪ ،‬وتذ ّكر‬
‫فضل سيده عليه إذ آواه وأحسن مثواه ومقامه وتعهده بالرعاية والحفظ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أهمية النظر إلى المستقبل والعواقب‪ ،‬ال إلى اللذة الحاضرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجواب الكايف ( ص‪ 221‬ـ ‪) 212‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪55‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الظالمين الخائنين الذين يقابلون اإلحسان باإلساءة ال يفلحون‪.‬‬
‫أن يوسف ‪ ‬امتنع عن فعل الفاحشة لثالثة أسباب‪:‬‬ ‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫األول‪ :‬حق اهلل تعالى {معاذ اهللِ}‬
‫الثاين‪ :‬حق الخلق {إِن ُه ر ّبى أ ْحسن م ْثواى}‬
‫الثالث‪ :‬حق النفس {إِن ُه ال ُي ْفلِ ُح الظالِ ُمون}‬
‫‪ ‬وفيها أن الخلوة والجمال والعزوبية والمنصب من أكثر الدواعي للفتنة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن االختالط والخلوة من أسباب سهولة المراودة يف العصور القديمة‬
‫فكيف بالعصور الحاضرة الحمقاء‪ ،‬ومع توفر وسائل اإلغراء والفتنة‪ .‬وقد‬
‫أثبت الك ّتاب األوربيون‪ :‬أن سبب سقوط أكثر النساء عندهم هو اختالط المرأة‬
‫بالرجل يف البيوت والمعامل والمخازن واألسواق وغيرها‪ ،‬ولذلك جاءت‬
‫الشريعة المحمدية بالحجاب الشرعي‪ ،‬وتحريم االختالط‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الواجب على من ُدعي إلى المعصية أن يستعيذ باهلل من ذلك‪ ،‬فإن اهلل‬
‫خير معاذ‪ ،‬وال يركن على صالحه وتقواه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الزنا بالمتزوجة ظلم للزوج فاإلثم فيه أعظم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن عاقبة مراودة الشابات للشباب إنما هي الخزي والعار وسوء‬
‫السمعة‪ ،‬وربما حصل ماال تحمد عقباه‪ ،‬فمن لنا بمثل يوسف ‪‬؟‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪56‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه عندما يتعرض المؤمن لوساوس شيطانية عليه أن يذكر اهلل قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬ويتعوذ به‪ ،‬ويلتجأ إليه‪ ،‬وال ينساق وراء وسوسة الشيطان بأي حال من‬
‫األحوال‪ ،‬مهما زين له الشيطان سوء عمله‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن ابتذال المرأة وعرضها نفسها يورثها المهانة والذلة والصغار‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطر االختالط على الحياة األخالقية‪ ،‬وخاصة إذا كان متكرر ًا ولوقت‬
‫طويل‪ ،‬وممن هو يف البيت‪ ،‬ولذلك قال النبي ﷺ (الحمو الموت!)‬
‫‪ ‬وفيها أن من ُدعي إلى معصية يف مكان خال فليحدّ ث نفسه أن المكان وإن خال‬
‫من الرقباء؟ فإ ّن هناك رقيبًا ال يغيب‪ ،‬وهو اهلل ‪- -‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإليمان عز وكرامة والمعصية ذل ومهانة‪.‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬

‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ}‬
‫‪ ‬فيها أن الرجل الصالح والمرأة الصالحة ال يغرتا بصالحهما فلوال توفيق اهلل‬
‫هم به‪.‬‬
‫وحفظه ليوسف ‪ ‬لوقع فيما ّ‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل تعالى ُي ِعين أولياءه يف اللحظات العصيبة بأمور تثبتهم على الطاعة‬
‫وتصرف عنهم المعصية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عصمة األنبياء وحفظ اهلل لهم من الوقوع يف السوء والفحشاء‪.‬‬
‫همه يوسف‬
‫بالهم الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬قوله (وهم هبا) ألهل العلم كالم طويل يف المراد‬
‫‪ ،‬والذي عليه المحققون أن المراد هبمه ‪ ‬الميول الطبيعي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪57‬‬
‫الجبلي والخاطر البشري الذي ال معصية فيه وال يؤاخذ عليه العبد وال يتعلق به‬
‫تكليف‪ ،‬وليس يف ذلك نقص وال قدح يف يوسف ‪ ‬بل هو كمال ومدح‪،‬‬
‫حيث امتنع ‪ ‬عن المعصية مع وجود الداعي إلى فعلها وهو الميل‬
‫والغريزة البشرية‪.‬‬
‫هم يوسف ‪ ‬وبين ّهم امرأة العزيز ومن‬
‫‪ ‬هناك فوارق كبيرة وكثيرة بين ّ‬
‫ذلك أن هم يوسف مجرد خاطر لم يستقر ولم يعزم على تنفيذه‪ ،‬وهم المرأة‬
‫مصمم مصحوب بإرادة الفعل وبذل األسباب الموصلة إليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هم‬
‫ٌّ‬
‫‪ ‬دلت األدلة من القرآن والسنة على أن المكلف ال يؤاخذ بمجرد الخواطر القلبية‬
‫هم به خوفًا من اهلل ُأجر على ذلك‪.‬‬
‫والهم بل إنه إذا ترك ذلك الذي ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ‬هناك فرق بين من يخطر على قلبه فعل المعصية‪ ،‬وبين من يعزم على فعلها‬
‫ويسعى يف بذل األسباب الموصلة إليها ولكنه عجز عن فعلها فإن هذا األخير‬
‫معفو عنه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يؤاخذ على ذلك‪ ،‬بينما األول‬
‫‪ ‬وفيها أن من توفيق اهلل للعبد أن يجعل له من الموانع والصوارف واألسباب التي‬
‫تصرفه عن الوقوع يف المعصية عند إرادهتا وسهولة الوصول إليها‪.‬‬
‫ِ‬
‫نفسك على فعل المعصية تذ ّكري الرباهين التي تحول‬ ‫ِ‬
‫تراودك‬ ‫‪ ‬وفيها أنه عندما‬
‫بينك وبين الوقوع يف المعصية كمراقبة اهلل وخشيته والخوف والحياء منه‪،‬‬
‫والفضيحة يف الدنيا واآلخرة ونحو ذلك‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪58‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلخالص هلل ‪ ‬من أعظم األسباب الواقية للعبد من الوقوع يف‬
‫يهون على العبد الوقوع يف معصية الخلوات‪.‬‬
‫معصية اهلل‪ ،‬والرياء دا ٌء عضال ِّ‬
‫‪ ‬وفيها دليل لقاعدة‪ :‬احفظ اهلل يحفظك‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن تقوى اهلل وخشيته ومراقبته هي الحاجز المنيع الذي يقي اإلنسان بإذن‬
‫اهلل من كيد الشيطان ومكره وتزيينه‪.‬‬
‫فهم الخطرات ال يؤاخذ به‪،‬‬
‫وهم إصرار؟ ُّ‬
‫ُّ‬ ‫هم خطرات‪،‬‬
‫الهم همان‪ُّ :‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ ‬فائدة‪:‬‬
‫وهم اإلصرار يؤاخذ به‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ}‬
‫‪ ‬فيها وجوب دفع الفاحشة والهروب والفرار من مكان الفتنة وعدم البقاء فيه‪،‬‬
‫للتخلص من المعصية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه ال يكفي كراهية المعصية بل ال بد من الهروب عنها وعن مكاهنا وعن‬
‫أهلها ومن يزينها ويدعو إليها‪ .‬وهذا الهروب هو هروب األبطال‪ ،‬أما األنذال‬
‫فإهنم يثبتون يف مواقع الريب ويفرون من مواقع النزال والثبات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الفرج قد يأيت من حيث يظن اإلنسان أن فيه الهالك‪.‬‬
‫حصنه جيد ًا‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل قد يفضح العبد العاصي يف المكان الذي يظن أنه قد ّ‬
‫نسأل اهلل السرت‪ .‬وقد تكون الفضيحة سريعة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عظيم مكر النساء وكيدهن يف قلب الحقائق يف لحظات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪51‬‬
‫‪ ‬وفيها عدم التعاطف مع أول من يشكو إليك ويبكي بين يدي شكواه فقد تكون‬
‫شكواه ضربة استباقية كما قيل " ضربني وبكى وسبقني ُ‬
‫بالشكى"‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن السجن هو الخيار الوحيد يف أذهان الظلمة على مر التاريخ‪.‬‬
‫قديم عند الظلمة‪.‬‬
‫منهج ٌ‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬وفيها أن افتعال األسباب وتلفيق التهم لس ْج ِن األبرياء‬
‫‪ ‬وفيها اإليجاز يف الحديث عن السوء والشر وعدم التفصيل يف أمور الشر‬
‫يفصل بل قال (هي راودتني عن نفسي) وكفى‪.‬‬
‫فيوسف لم ّ‬
‫‪ ‬وفيها بيان عظيم كيد المرأة‪ ،‬فإن الذي يتأمل كيف حاكت هذه المرأة المؤامرة‬
‫وغ ّلقت األبواب وقالت‪ " :‬هيت لك" واستعانت بالنسوة‪ ،‬فالمرأة إذا أرادت‬
‫أن تكيد كادت‪ ،‬وهذا شيء خلقه اهلل فيها واستعظمه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرأة إذا لم تنل مآرهبا وتحقق غايتها من الرجل كادت له‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه من كان غريمه القاضي فلمن يشتكي؟‪ ،‬فامرأة العزيز تحولت من‬
‫متظ ّلم إلى قاض‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن الحق والباطل دائمًا يف صراع وسباق مستمر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان منزلة الزوج من المرأة وأنه سيدها يأمرها فتطيعه‪ ،‬وليس معنى ذلك‬
‫أنه يعاملها معاملة األمة‪ ،‬قال اهلل (وله ّن مثل الذي عليه ّن بالمعروف) فالحياة‬
‫الزوجية شركة بين عاقلين متزنين ملتزمين بأحكام الدين‪ ،‬ومدير هذه المؤسسة‬
‫الرجل‪ ،‬والمنفذ الفعلي الزوجة‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪62‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من أراد السوء والفحشاء ولم يقع فيه فعليه جزاء أو عقاب أو سجن‪،‬‬
‫أو غير ذلك من أنواع التعزير بحسب ما يراه الحاكم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن امرأة العزيز لم تكن صادقة يف حبها ليوسف ‪ ،‬ألن من‬
‫شأن المحب إيثار المحبوب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الكيد والمكر من صفات الضعفاء‪ ،‬فالمرأة أضعف من الرجل ولذلك‬
‫فإهنا تلجأ للتسلح بالتدابير الخفية من كيد ومكر ونحوهما‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه يجب على من يقضي بين خصمين أن يتأنى يف إصدار حكمه‪ ،‬وال‬
‫يقضي إال بعد أن يستقصي الحقائق‪ ،‬ويستمع إلى كافة األطراف‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أهمية الرتبية الصالحة يف الصغر فقد كانت نشأة يوسف يف بيت النبوة نشأة‬
‫صالحة‪ ،‬تربى فيها على األخالق الكريمة‪ ،‬والخصال الحميدة‪ ،‬فشب على‬
‫تلك األوصاف الكاملة التي ورثها من آبائه وأجداده األنبياء‪ ،‬وقد أفاده ذلك يف‬
‫مختلف األحداث الكربى التي مر هبا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن مطاوعة الرجل لزوجته يف كل شيء ولو كان مخالفًا للشرع يجعل‬
‫زمام أمره بيدها‪ ،‬تقوده إلى المتالف والمهالك‪.‬‬

‫قوله تعاىل‪ { :‬ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ}‬
‫‪ ‬فيها أن شهادة القريب على قريبه مقبولة بل هي أقوى من شهادة غيره‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪61‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية العمل بالقرائن‪ ،‬والمراد هنا أنه إذا كان قميصه ممزقًا من الخلف‬
‫فمعناه أهنا هي التي تطارده وهو يهرب‪ ،‬وإذا كان قميصه ممزقًا من األمام فهو‬
‫الذي يهجم عليها وهي تدافع عن نفسها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل إذا أراد شيةًا حرك أسبابه فهو الذي جاء بالعزيز يف الوقت الذي ال‬
‫يأيت فيه عاد ًة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل إذا أراد إظهار صدق شخص وبراءته وكذب آخر وإدانته جعل لكل‬
‫من ذلك عالمات وأمارات ُيستدل هبا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن حبل الكذب قصير فسرعان ما ينكشف مهما حاول صاحبه إتقانه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على شدة المالحقة والمتابعة والمراودة من قبل المرأة‪ ،‬ودليل على‬
‫شدة االمتناع والهروب من جهة يوسف ‪.‬‬
‫‪ ‬ذكر فخر الدين الرازي عالمات كثيرة دالة على أن يوسف ‪ ‬هو الصادق‬
‫وهي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يوسف ‪ ‬كان يف اعتبارهم عبد ًا‪ ،‬والعبد ال يتسلط على مواله‬
‫إلى هذا الحد‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬شوهد يوسف يعدو عدو ًا شديد ًا ليخرج‪ ،‬وطالب المرأة ال يفعل ذلك‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ز ّينت المرأة نفسها على أكمل الوجوه‪ ،‬خالفًا لما كان عليه حال يوسف‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬لم تكن سيرة يوسف يف المدة الطويلة دالة على حالة تناسب‪ ،‬هذا الفعل‬
‫المنكر‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪62‬‬
‫خامس ًا‪ :‬لم تصرح المرأة بنسبته إلى الفاحشة‪ ،‬بل أجملت كالمها‪ ،‬وأما يوسف‬
‫فصرح باألمر‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬أن زوج المرأة كان عاجز ًا‪ ،‬فطلب الشهوة منها أولى‪)1(.‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ}‬
‫فيها بيان عظيم كيد المرأة إذا لم تخف اهلل ولم تراقبه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ِ‬
‫أسباب ظهور براءهتم‬ ‫وفيها بيان عون اهلل ألوليائه وتأييده لهم‪ ،‬ومن ذلك تيسير‬ ‫‪‬‬

‫مما ُافرتي عليهم ُ‬


‫ورموا به‪.‬‬
‫(إنك ِ‬
‫كنت من الخاطةين) ولم يقل (المخطةين) ألن الخاطئ من يقع يف‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬قوله‬
‫الذنب متعمد ًا والمخطئ من يقع يف الذنب بدون تعمد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن هم الملوك والمرتفين الذين نزعت من قلوهبم الغيرة المحافظة على‬
‫السمعة والظاهر وكفى‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل تعالى جعل للحق والصدق عالمات وأمارات تدل عليه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن شهادة العدل قد توجد عند بعض الكفار‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطورة الدياثة وإقرار المنكر يف األهل‪ ،‬وعدم الغيرة عليهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها وجوب االستغفار من الذنب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها استحباب السرت على المسيء وكراهية إشاعة الذنوب بين الناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬مفاتيح الغيب = التفسير الكبير (‪)445 / 18‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪63‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المعصية ُتعرف يف وجه العاصي وكالمه فما ّ‬
‫أسر أحدٌ سريرة إال ألبسه‬
‫اهلل رداءها‪ ،‬وأظهرها اهلل على صفحات وجهه وفلتات لسانه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ضعف النساء أمام الرجال وعدم قدرهتن على التحمل كالرجال‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن أكثر الفساد األخالقي يقع يف مثل هذه األوساط الراقية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطورة تساهل الزوج يف حفظ زوجته ورعايتها وكفايتها‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪{ :‬ﯹ ﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃﰄ ﰅﰆ‬

‫ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ}‬
‫‪ ‬فيها عظيم سرت اهلل لنا فلوال سرته سبحانه لصرنا حديث المجالس‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها سرعة سريان الشائعات بين النساء‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن كل سر جاوز االثنين شاع‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العشق المحرم من الضالل الواضح‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شدة مكر النساء بعضهن ببعض‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العشق يلحق الضرر بصاحبه‪ ،‬ألنه يستولي على القلب ويوهن البدن‬
‫ويجلب الوسواس والهم والخوف الدائمين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن عالمات العشق المفرط تظهر على وجه صاحبها وإن أخفاه‪.‬‬
‫مجالسهن إال من ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وفيها أن الغيبة هي فاكهة النساء يف‬
‫‪ ‬وفيها أن النسوة إنما قلن هذا من باب الشماتة هبا والتعيير لها ال من باب‬
‫النصيحة لها واإلنكار عليها‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪64‬‬
‫‪ ‬قال ابن القيم ‪ :‬وهذا الكالم متضمن لوجوه من المكر‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قوله ّن‪" :‬امرأة العزيز تراود فتاها" ولم يسموها باسمها بل ذكروها‬
‫بالوصف الذي ينادي عليها بقبيح فعلها بكوهنا ذات بعل فصدور الفاحشة منها‬
‫أقبح من صدورها ممن ال زوج لها‪.‬‬
‫الثاين‪ّ :‬‬
‫أن زوجها عزيز مصر ورئيسها وكبيرها وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها‪.‬‬
‫الثالث‪ّ :‬‬
‫أن الذي تراوده مملوك ال حر وذلك أبلغ يف القبح‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه فتاها الذي هو يف بيتها وتحت كنفها فحكمه حكم أهل البيت بخالف‬
‫من طلب ذلك من األجنبي البعيد‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬أهنا هي المراودة الطالبة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أهنا قد بلغ هبا عشقها له كل مبلغ حتى وصل حبها له إلى شغاف‬
‫قلبها‪.‬‬
‫السابع‪ّ :‬‬
‫أن يف ضمن هذا أنه أعف منها وأبر وأوىف حيث كانت هي المراودة‬
‫الطالبة وهو الممتنع عفافًا وكرمًا وحيا ًء وهذا غاية الذم لها‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أهن ّن أتين بفعل المراودة بصيغة المستقبل الدالة على االستمرار‬
‫ال واستقبا ً‬
‫ال وأن هذا شأهنا ولم يقلن راودت فتاها‪.‬‬ ‫والوقوع حا ً‬
‫التاسع‪ :‬قوله ّن إ ّنا لنراها يف ضالل مبين أي إ ّنا لنستقبح منها ذلك غاية‬
‫االستقباح فنسبن االستقباح إليهن ومن شأهنن مساعدة بعضهن بعضًا على‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪65‬‬
‫الهوى فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليالً على أنه من أقبح األمور وأنه‬
‫مما ال ينبغي أن تساعد عليه وال يحسن معاونتها عليه‪.‬‬
‫العارش‪ :‬أهن ّن جمعن لها يف هذا الكالم واللوم بين العشق المفرط والطلب‬
‫المفرط فلم تقتصد يف حبها وال يف طلبها أما العشق فقولهن قد شغفها حبا أي‬
‫وصل حبه إلى شغاف قلبها‪ ،‬وأما الطلب المفرط فقولهن تراود فتاها والمراودة‬
‫الطلب مرة بعد مرة فنسبوها إلى شدة العشق وشدة الحرص على الفاحشة"(‪.)1‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭩ ﭪﭫﭬ ﭭ‬


‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}‬
‫‪ ‬فيها بيان عظيم جمال وحسن يوسف ‪ ‬الذي أخذ باأللباب حتى شبهنه‬
‫بالمالئكة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن يوسف ‪ ‬جمع بين جمال الظاهر وجمال الباطن وهكذا سائر‬
‫األنبياء والرسل جمع اهلل لهم بين جمال الظاهر والباطن إعانة لهم على قبول‬
‫دعوهتم واجتماع الناس عليهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن جمال الظاهر وحده ال يكفي بل قد يكون فتن ًة لصاحبه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها عظمة كيد النساء ولزوم الحذر منه‪ ،‬واالستعاذة باهلل منه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من ُشغل قلبه بشيء لم يجد األلم ولم يشعر به إذا ُأصيب بشيء‪.‬‬

‫(‪ )1‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (‪)115 / 2‬‬


‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪66‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المسيء دائمًا يرتقب كالم الناس ويفتح أذنه كما قيل‪ :‬أذن السارق‬
‫تطن‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان مكر النساء بعضه ّن ببعض‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ما كانت عليه امرأة العزيز من الدهاء والمكر والتخطيط الدقيق حتى‬
‫تصل إلى مطلبها‪.‬‬
‫‪ ‬و فيها أن العاصي يتعب حتى يصل إلى مقصوده ليغضب ربه‪ ،‬وأن الطائع يتعب‬
‫من أجل أن يرضي ربه ويصل إلى مطلوبه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن رؤية الشيء أبلغ من السماع به فليس الخرب كالمعاينة فالنسوة‬
‫سمعن بجمال يوسف لكن لما رأينه تأثرن بجماله حتى فقدن الشعور‪.‬‬
‫‪ ‬قوله (وقطعن أيديهن) قيل برتهنا وهذا بعيد وقيل جرحنها وهو الظاهر ويف هذا‬
‫دليل على أن المشاعر إذا جاشت تخدر الجسم فال يبقى له إحساس‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الحذر من إظهار الشماتة بالناس (ال تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه اهلل‬
‫ويبتليك)‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطورة إشاعة الفاحشة بين الناس مما يجرء أهل المعاصي على‬
‫المجاهرة بالمعصية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المالئكة يمتازون بجمال الخلقة وأن هذا أمر مستقر عند الناس‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان للمفاسد العاجلة واآلجلة لعشق الصور‪ ،‬وأن العاشق قد يتصرف‬
‫تصرف الصبيان والمجانين بدون شعور‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪67‬‬
‫‪ ‬وفيها خطورة نظر المرأة إلى الرجل األجنبي‪ ،‬فإن تلك النظرة قد تمرض‬
‫القلب‪ ،‬ويعقبها آفات وحسرات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عدم صرب النساء على حفظ األسرار‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرأة قد ال تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان مكر نساء مصر ليرين يوسف ‪.‬‬
‫‪ ‬احذري من المجالس التي تحاك فيها المؤامرات وتدبر فيها المكائد‪.‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ‬

‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ}‬
‫‪ ‬فيها أنه ال يلوم العصاة بعضهم بعضًا على فعل المعصية وإنما على عدم التفنن‬
‫واإلتقان يف فعلها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من راودته المعاصي فليستعصم باهلل فإن من اعتصم باهلل عصمه اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن العفة وخاصة عندما تعرض الفتنة اصطفاء وحفظ وعصمة‬
‫من اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن المرتفين من أهل الفسق والفجور ين ِّفذون شهواهتم بالقوة‬
‫واألوامر والتهديد إذا عجزوا عن تنفيذها بالرتغيب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن السجن قد يكون انتصار ًا للمظلوم وسببًا لبيان براءته وظهور قدره‬
‫ومكانته فال يحزن المظلوم كثير ًا إذا ُسجن فقد يكون ذلك خير ًا له‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان لما جرت به عادة بعض العشاق أن يبوح بسره لبعض خلصائه‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪68‬‬
‫‪ ‬وفيها أن بعض الظلمة والفجرة قد يظن أن سجنك وتعذيبك صغار لك وإهانة‪،‬‬
‫والحقيقة أنه رفعة وكرامة يف الدنيا واآلخرة وأن الصغار على من طغى وبغى‪.‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬

‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ‬

‫ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬

‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ}‬
‫فيها مؤاثرة ما عند اهلل على ما تحبه النفوس‪ ،‬فيوسف ‪ ‬آثر السجن على‬ ‫‪‬‬

‫معصية اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الثبات على الحق وعدم التنازل عن شيء منه بسبب هتديد أو وعيد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المسلم والمسلمة قد يتنازل الواحد منهما عن شيء من حقه الشخصي‬
‫ليسلم له دينه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من ُأكره على فعل محرم فأخذ بالعزيمة وصرب فله ذلك ومن أخذ‬
‫بالرخصة فال لوم عليه ولو ُأكره على الكفر‪ ،‬إال من أكره على قتل غيره أو الزنا‬
‫فال يفعل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن عذاب الدنيا أهون من عذاب اآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلنسان ال يبالي بكالم الناس إذا رموه بشيء هو منه بريء وليكن عنده‬
‫يقين أن اهلل سيربؤه يومًا ما ويظهر براءته للناس‪.‬‬
‫‪ ‬وقوله (مما يدعونني إليه) دليل على أن المراودة حصلت من جميع النسوة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪61‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعاء بالثبات على الدين عند الفتن ألن القلب إذا زاغ ولم يثبت مال إلى‬
‫المعاصي والشهوات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن اهلل وحده هو الذي يصرف عنّا الفتن ال بحولنا وال بقوتنا وال‬
‫بذكائنا وال بعلمنا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن اإلنسان ضعيف بدون توفيق من اهلل وإعانة له فمن ُعرضت عليه فتنة‬
‫فليلجأ إلى اهلل بالدعاء أن ُيخ ِّلصه منها وأن يصرفه عنها‪.‬‬
‫‪ ‬اجتمع ليوسف ‪ ‬أنواع الصرب الثالثة وهي‪:‬‬
‫أ ـ الصرب على طاعة اهلل‪.‬‬
‫ب ـ الصرب عن معصية اهلل‪.‬‬
‫ج ـ الصرب على أقدار اهلل المؤلمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان استجابة اهلل ألوليائه والدعاة المخلصين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تقديم الخوف من الخالق على الخوف من المخلوق‪.‬‬
‫أن من ترك شيةًا هلل عوضه اهلل خير ًا منه يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ّ‬
‫‪ ‬وفيها بيان ّ‬
‫أن تقديم اللذة الحاضرة الزائلة على اللذة الباقية الدائمة يوم القيامة‬
‫من أعظم الجهل والسفه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن قوة اإليمان‪ ،‬وصالبة المعتقد سبيل لتخطي الصعاب‪ ،‬والرتفع عن‬
‫الدنايا‪ ،‬وذلك هو الذي جعل ليوسف نفسًا كريمة‪ ،‬وروحًا طاهرة‪ ،‬وعزيم ًة‬
‫صماء ال تلين أمام الشهوات والمغريات‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪72‬‬
‫‪ ‬وفيها االعتصام باهلل عند الشدة‪ ،‬واللجوء إليه عند الضيق‪ ،‬وعدم المباالة‬
‫بالتهديد والوعيد من قبل الظلمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الجهل باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وأسمائه وصفاته وشرعه ودينه هو سبب كل‬
‫جريمة ومعصية‪ ،‬فكل عاص جاهل إما باهلل وإما بشرعه ودينه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على قبح الجهل والذم لصاحبه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن إصرار النفس على حب االنتقام حتى بعد رؤية اآليات والشواهد‬
‫الدالة على براءة المتهم ظلم‪.‬‬
‫محرق وباطنها ِ‬
‫مشرق‪.‬‬ ‫أن دخول السجن قد يكون بداية أحداثًا ظاهرها ِ‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ}‬
‫‪ ‬فيها بيان المكانة والمنزلة التي نالها يوسف ‪ ‬عند ملك مصر‪.‬‬
‫‪ ‬فيها كمال أدب يوسف حيث أشار لحدث النسوة ولم يشر إلى حدث امرأة‬
‫العزيز‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها كمال علم يوسف ‪ ‬يف حسن تعبير الرؤى‪.‬‬
‫تقصي الحقائق‬
‫ظلما‪ ،‬وطلب ّ‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية تربئة النفس مما نُسب إليها ً‬
‫إلثبات الحق‪ ،‬وتربئة النفس من التهم الكاذبة‬
‫‪ ‬وفيها بيان لعظيم صرب يوسف ‪ ‬وعقله ورأيه التام حيث امتنع عن‬
‫المبادرة إلى الخروج‪ ،‬حتى تتبين براءته التامة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪71‬‬

‫قوله تعاىل‪{ :‬ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ‬

‫ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬
‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‬

‫ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ‬

‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ}‬
‫‪ ‬فيها فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من أعداء المؤمن نفسه التي بين جنبيه؛ لذا وجب عليه مراقبتها وتقويم‬
‫اعوجاجها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الصرب مفتاح الفر ِج‪ ،‬وأن من يتق اهلل يجعل له مخرجًا ويجعل له من‬
‫أمره يسر ًا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويكذب نفسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ساحتك‬ ‫ِ‬
‫يتهمك بسوء فيربأ‬ ‫‪ ‬وفيها أن اهلل قد يسخر من‬
‫‪ ‬وفيها خطر الخيانة الزوجية وأهنا من أعظم الخيانات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أنواع النفوس‪ ،‬وطريق تزكيتها‪ ،‬فالنفوس يف القرآن الكريم ثالث‪:‬‬
‫أ ـ األمارة بالسوء‪ :‬وهي التي تأمر صاحبها بما هتواه من الشهوات المحرمة‬
‫واتباع الباطل‪.‬‬
‫ب ـ اللوامة‪ :‬وهي التي تلوم صاحبها على ما فات من الخير أو حصل من الشر‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪72‬‬
‫ج ـ املطمئنة‪ :‬وهي التي سكنت إلى رهبا وطاعته وأمره وذكره‪ ،‬ولم تسكن إلى‬
‫سواه‪ .‬واألصل يف النفوس البشرية أهنا أمارة بالسوء‪ ،‬إال من ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن كل خائن‪ ،‬ال بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه‪ ،‬وال بد أن يتبين‬
‫أمره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها سعة رحمة اهلل وأنه غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي‪ ،‬إذا تاب‬
‫وأناب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن االعرتاف بالذنب والرجوع الى الحق خير من التمادي يف الباطل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الفضائح ال تخفيها جدران وال تردها ستور بل ستظهر ولو بعد حين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العفة واألمانة واالستقامة مصدر الخير كله‪ ،‬للرجال والنساء‪ ،‬وأن‬
‫التمسك بالدين والفضيلة مصدر االحرتام وحسن السمعة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أ ّن الحق وإن استرت زمنًا ال بدّ من أن يظهر ولو بعد حين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪73‬‬

‫‪ 9‬ـ قصة أم موسى عليها السالم‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬

‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ‬
‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫[سورة‬ ‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ}‬
‫القصص‪.]12-8 :‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪74‬‬
‫الغريب‪:‬‬
‫(‪{ )7‬ا ْلي ِّم} الن ْه ِر‪ ،‬و ُهو ن ْه ُر النِّيلِ‪.‬‬
‫(‪{ )8‬خاطِةِين} آثِ ِمين‪.‬‬
‫(‪ُ { )1‬قر ُت ع ْين ِّلي} م ْصد ُر ُس ُرور لِي‪.‬‬
‫ار ًغا} خالِ ًيا مِ ْن ك ُِّل ش ْيء إِال هم ُموسى ‪ -‬عليه السالم ‪.-‬‬ ‫(‪{ )12‬ف ِ‬

‫(‪{ )12‬ل ُت ْب ِدي بِ ِه} فتُص ِّر ُح بِأن ُه ا ْبنُها‪.‬‬


‫يه} تتب ِعي أثر ُه‪.‬‬ ‫(‪ُ { )11‬قص ِ‬
‫ِّ‬
‫(‪{ )11‬عن ُجنُب} ع ْن ُب ْعد‪.‬‬
‫اع ِه‪.‬‬
‫(‪{ )12‬ي ْك ُف ُلونه ل ُكم} ي ُقومون بِتربِيتِ ِه وإِرض ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫(‪{ )14‬بلغ أ ُشد ُه} ق ِوي بد ُن ُه‪.‬‬
‫استوى} تكامل ع ْق ُل ُه‪.‬‬
‫(‪{ )14‬و ْ‬

‫رشح القصة‪:‬‬
‫لما أراد اهلل عز وجل إنقاذ بني إسرائيل من بطش فرعون وقومه‪ ،‬جعل‬
‫ّ‬
‫لذلك أسبابًا ومقدمات‪ ،‬وكان‪ ،‬أولها أن أوحى إلى أم موسى ‪ ‬وحي‬
‫إلهام‪ ،‬أن أرضعيه حتى إذا خ ِش ِ‬
‫يت عليه من فرعون وقومه أن يقتلوه فضعيه يف‬
‫صندوق‪ ،‬وارميه يف هنر النيل‪ ،‬وال تخايف عليه من الغرق وال من فرعون‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪75‬‬
‫تحزين بسبب فراقه‪ ،‬إنا مرجعوه إليك ح ًّيا‪ ،‬ومص ّيروه من رسل اهلل الذين يبعثهم‬
‫إلى خلقه‪.‬‬
‫فامتثلت أم موسى ما ألهمها اهلل عز وجل من وضعه يف صندوق‪ ،‬ورميه يف‬
‫النهر‪ ،‬فعثر عليه آل فرعون فأخذوه‪ ،‬ليتحقق ما أراداه اهلل من أن موسى عليه‬
‫عدوا لفرعون يزيل اهلل ملكه على يده‪ ،‬جال ًبا لحزهنم‪ ،‬ألن‬
‫السالم سيكون ًّ‬
‫فرعون ووزيره هامان وأعواهنما كانوا آثمين بسبب كفرهم وطغياهنم‪،‬‬
‫وإفسادهم يف األرض‪.‬‬
‫ولما أراد فرعون قتله قالت له امرأته‪ :‬هذا الولد مصدر سرور لي ولك‪ ،‬ال‬
‫تقتلوه لعله ينفعنا بالخدمة‪ ،‬أو نتخذه ولدً ا بالتبني‪ ،‬وهم ال يعلمون ما سيؤول‬
‫إليه ملكهم على يده‪.‬‬
‫وأصبح قلب أم موسى ‪ ‬خال ًيا من أي أمر من أمور الدنيا إال من أمر‬
‫موسى فلم تعد تصرب‪ ،‬حتى قاربت أن ُتظهر أنه ولدها من شدة التعلق به‪ ،‬لوال‬
‫ّ‬
‫أن اهلل ربط على قلبها بتثبيته‪ ،‬وتصبيرها لتكون من المؤمنين المتوكلين على‬
‫رهبم الصابرين على ما يقضي به‪.‬‬
‫وقالت أم موسى ‪ ‬ألخته بعد إلقائها له يف النهر‪ :‬اتبعي أثره لتعريف‬
‫ما ُيفعل به‪ ،‬فأبصرت به عن ُبعد حتى ال ُيكشف أمرها‪ ،‬وفرعون وقومه ال‬
‫يشعرون أهنا أخته وأهنا تتفقد خربه‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪76‬‬
‫وامتنع موسى بتدبير من اهلل عز وجل عن الرضاع من النساء‪ ،‬فلما رأت‬
‫أخته حرصهم على إرضاعه قالت لهم‪ :‬هل أرشدكم إلى أهل بيت يقومون‬
‫بإرضاعه ورعايته‪ ،‬وهم له ناصحون؟‬
‫تقر عينها برؤيته عن‬
‫فوافقوا على ذلك فر ّد اهلل موسى إلى أمه رجاء أن ّ‬
‫قرب‪ ،‬وال تحزن بسبب فراقه‪ ،‬ولتعلم أن وعد اهلل بإرجاعه إليها حق ال مرية‬
‫فيه‪ ،‬ولكن أكثرهم ال يعلمون هبذا الوعد‪ ،‬وال أحد يعلم أهنا هي أمه‪.‬‬
‫وعلما يف دين‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫ولما بلغ سن اشتداد البدن‪ ،‬واستحكم يف قوته ‪-‬أعطيناه ً‬
‫بني إسرائيل قبل نبوته‪ ،‬وكما جزينا موسى على طاعته نجزي المحسنين يف كل‬
‫زمان ومكان‪.‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪:‬‬


‫والحق أهنا من مبهمات القرآن‬
‫ُّ‬ ‫‪ ‬فائدة‪ :‬اختُلف يف اسم أم موسى عليها السالم‪،‬‬
‫التي ليس يف معرفتها كبير فائدة‪.‬‬
‫‪ ‬فائدة‪ :‬جمعت هذه اآلية أمرين وهنيين وخربين ووعدين وهذا من بالغة القرآن‬
‫وفصاحته‪.‬‬
‫‪ ‬فيها تدبير اهلل لعباده الصالحين بما يسلمهم من مكر أعدائهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن تدبير الظالم يؤول إلى تدميره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان قوة عاطفة األمهات تجاه أبنائهن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪77‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان قوة إيمان أم موسى حيث امتثلت ألمر رهبا بإلقاء ولدها يف اليم‬
‫وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة تجاه أمر اهلل ورسوله‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز استخدام الحيلة المشروعة للتخلص من ظلم الظالم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شدة حزن األم وفر ُقها عند مفارقة ولدها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن وحي اإللهام ليس خاصًا باألنبياء والرسل بل قد يكون لمن هو دوهنم‬
‫كأم موسى‪.‬‬
‫‪ ‬من حفظ اهلل ألوليائه ورعايته لهم أن يلهمهم اإليمان وما ينفعهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها إظهار عظيم قدرة اهلل وتدبيره وعلمه وحكمته حيث جعل فرعون هو‬
‫الذي يتولى تربية موسى باختياره ويف بيته‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها لطف اهلل بأم موسى عليها السالم حيث حفظ لها ولدها وبشرها برده إليها‬
‫وحرم عليه المراضع ليرجع إليها وتأخذ أجر ًا على إرضاعه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن ألطاف اهلل بأوليائه فوق ما تتصوره العقول‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل إذا أراد شيةًا هيأ أسبابه وأتى به بالتدرج لحكم بالغة وإال فإنه إذا‬
‫أراد شيةًا أن يقول له كن فيكون‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من أعظم نعم اهلل على العبد تثبيت قلبه عند المقلقات والمخاوف‬
‫المفزعات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أهمية وفائدة الرضاعة الطبيعية للطفل‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪78‬‬
‫‪ ‬وفيها أن األمن والخوف بيد اهلل تعالى‪ ،‬فإذا شاء اهلل ‪ ‬أن يجعل‬
‫الخوف أمنًا كإلقاء أم موسى لطفلها يف اليم‪ ،‬وإن شاء جعل األمن خوفًا كما‬
‫حصل لفرعون إذ قتل مةات األطفال ليأمن‪ .‬ولك ّن اهلل جعل من أمنه خوفًا‪،‬‬
‫فأدخل اهلل موسى ‪ ‬إلى قصر من حرص أن ال يدخله‪ ،‬وقتل من قتل من‬
‫أجل ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على أن األمر كله بيد اهلل يرفع أقوامًا ويضع آخرين‪ ،‬يعز من يشاء‬
‫ويذل من يشاء‪.‬‬
‫حذر من قدر"‬
‫‪ ‬وفيها دليل على قاعدة " ال يغني ٌ‬
‫‪ ‬وفيها أن وجود الصالحين يف المجتمعات الفاسدة يخفف من أذى المفسدين‬
‫كما هو الشأن يف امرأة فرعون‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الفرج بعد الشدة قد يكون سريعًا‪ ،‬وقد يكون بعد حين‪ .‬وكل ذلك‬
‫بمشيةة اهلل وحكمته فمن أمثلة الفرج السريع ر ّد موسى وهو رضيع إلى أمه بعد‬
‫أن ألقته يف اليم ومن الفرج بعد أمد إرجاع سيدنا يوسف ‪ ‬لوالده‬
‫يعقوب ‪ ‬بعد عشرات السنين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على نفي األلوهية عن فرعون‪ ،‬ونفي علمه بالغيب‪ ،‬إذ لو كان إلهًا‬
‫كما يدعي ألمكنه أن يتعرف على هوية الطفل‪ ،‬فأراد اهلل ‪ ‬أن يظهر كذب‬
‫فرعون بادعائه األلوهية من خالل واقع ملموس وتجربه حية‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪71‬‬
‫‪ ‬وفيها تذكير المؤمنين يف كل زمان بأن النصر الذي وعدهم إياه حاصل ال‬
‫مفر لهم منه‪.‬‬
‫محالة‪ ،‬وفيه إنذار للظالمين وألعداء اإلسالم بأن وعيد اهلل لهم ال ّ‬
‫‪ ‬وفيها أن العبد ولو عرف أن القضاء والقدر ووعد اهلل نافذ البد منه فإنه ال يهمل‬
‫فعل األسباب التي ُأمِر هبا‪ ،‬وال يكون ذلك منافيًا لإليمان بخرب اهلل؛ فإن اهلل قد‬
‫وعد أم موسى أن يرده عليها‪ ،‬ومع ذلك اجتهدت يف رده‪ ،‬وأرسلت أخته لتقصه‬
‫وتطلبه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العبد إذا أصابته مصيبة فصرب وثبت ازداد بذلك إيمانه‪ ،‬واستمرار‬
‫الجزع دليل على ضعف اإليمان‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عظيم محبة األم لولدها وتعلق قلبها به‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المنح تأيت مع المحن‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها النهي عن الهم والحزن المفرط الذي يلحق الضرر بصاحبه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة لآلباء واألمهات إلى اإلكثار من الدعاء بصالح الذرية وأن‬
‫يجعلهم اهلل قرة عين لهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعاء بثبات القلب والربط عليه يف السراء والضراء وخاصة عند المحن‬
‫واالبتالءات‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عظمة األم وعظيم حناهنا وشفقتها وعطفها على أوالدها وخاص ًة يف‬
‫حال صغرهم فال ينبغي لألبناء نسيان هذا الجميل إذا كربوا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز أخذ األجرة على الكفالة للطفل ورضاعته كما فعلت أم موسى‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪82‬‬
‫‪ ‬وفيها أن القلوب بيد اهلل يفتحها لمن يشاء ويغرس فيها محبة من يشاء وبغض‬
‫من يشاء فهو الذي غرس محبة موسى يف قلب امرأة فرعون‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شدة حاجة الرجل والمرأة إلى الولد فإن فرعون وامرأته لم يكن لهما ولد‬
‫ففرحوا بموسى ليكون لهما بمثابة الولد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلنسان قد يحرص على الشيء ويحبه ويرى أن فيه سعادته والحقيقة‬
‫شر له ونكال عليه‪.‬‬
‫أنه ٌ‬
‫‪ ‬وفيها بيان شدة عاطفة األم ولهفها على ولدها إذا غاب عنها‪ ،‬فإهنا تنسى كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ما كانت عليه أخت موسى من الذكاء والفطنة والحزم والحذر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيه أن الظلم وأهله قد يزيله اهلل بما لم يكن يف حسبان الظلمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العاقبة للمتقين وإن كانوا قلة وأذلة وضعفاء‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلنسان قد يكره شيةًا ما ويجعل اهلل فيه خير ًا كثير ًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن األرزاق بيد اهلل وأنه قد يرزق المتقين من حيث لم يحتسبوا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل قد يخذل الكافرين فيعملون أعما ً‬
‫ال يظنون أن فيها نفعهم والحقيقة‬
‫أهنا سبب دمارهم وهالكهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ما كانت عليه امرأة فرعون من شدة الفراسة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل إذا أراد شيةًا أمضاه ال راد ألمره وال معقب لحكمه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪81‬‬
‫‪ ‬وفيها أن كل من أراد أن يقف أمام إرادة اهلل فإنه عاجز وضعيف وفاشل مهما‬
‫خطط ود ّبر واستعمل األساليب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها حفظ اهلل ألوليائه ورعايته لهم ودفاعه عنهم مهما مكر الماكرون وتآمر‬
‫المتآمرون‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل يعوض أولياءه ما فقدوه من الناس فها هو موسى ‪ ‬يفقد‬
‫حضن أمه الحنون فعوضه اهلل بالمحبة التي ألقاها عليه يف قلوب الخلق بما يف‬
‫ذلك قلب فرعون وزوجه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الخوف الطبيعي كخوف أم موسى على ولدها ال ينايف اإليمان‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها حاجة الطفل إلى لبن األم الحنون ومشاعرها الجياشة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من أعظم صفات المربي الناجح أن يكون ناصحًا ال فاضحًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان حسن تدبير اهلل تعالى يف منع موسى من سائر المرضعات حتى يرده‬
‫إلى أمه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تقرير ّ‬
‫أن وعد اهلل حق‪ ،‬وأنه تعالى ال يخلف الميعاد‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان إنعام اهلل على موسى بالحكمة والعلم قبل النبوة والرسالة‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪82‬‬

‫‪ 6‬ـ قصة بلقيس ملكة سبأ‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬

‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﭑﭒﭓ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪83‬‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ‬
‫ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ} [سورة النمل‪.]22-25 :‬‬

‫تفسري الغريب‪:‬‬
‫اهرة‪.‬‬‫(‪{ ... )21‬بِس ْلطان مبِين} حجة ظ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫(‪{ ... )22‬فمكث غ ْير ب ِعيد} ب ِقي زمنًا غ ْير ط ِويل‪.‬‬
‫(‪{ ... )22‬سبإ} م ِدينة بِاليم ِن‪.‬‬
‫(‪{ ... )22‬بِنبإ} خبر خطِير‪.‬‬
‫(‪{ ... )23‬ع ْر ٌش} س ِر ٌير‪.‬‬
‫ان ذلِك لِةال ي ْس ُجدُ وا‪.‬‬
‫(‪{ ... )25‬أال ي ْس ُجدُ وا} زين ل ُه ُم الش ْيط ُ‬
‫بء} الم ْخ ُبوء الم ْستُور ع ِن األ ْع ُي ِن‪.‬‬
‫(‪{ ... )25‬ا ْلخ ْ‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪84‬‬
‫(‪{ ... )28‬تول عن ُْه ْم} تنح عن ُْه ْم ق ِري ًبا مِن ُْه ْم‪.‬‬

‫(‪{ ... )28‬فان ُظ ْر} تأم ْل‪ ،‬و ْ‬


‫اسم ْع‪.‬‬
‫(‪{ ... )28‬ماذا ي ْر ِج ُعون} ما يترد ُد ب ْين ُه ْم مِن الكالمِ‪.‬‬
‫اف الن ِ‬
‫اس‪.‬‬ ‫(‪{ ... )21‬المألُ} أ ْشر ُ‬
‫يم} جلِ ُيل القدْ ِر‪.‬‬
‫(‪{ ... )21‬ك ِر ٌ‬
‫(‪{ ... )31‬ت ْع ُلوا علي} تتكب ُروا علي‪.‬‬
‫(‪{ ... )32‬أ ْفتُونِي} أ ِش ُيروا علي‪.‬‬
‫اصل ًة فِ ِ‬
‫يه‪.‬‬ ‫(‪{ ... )32‬قاطِع ًة أمرا} ق ِ‬
‫اضي ًة ح ْكما وف ِ‬
‫ُ ً‬ ‫ًْ‬
‫ون} ت ْح ُض ُرونِي‪.‬‬
‫(‪{ ... )32‬ت ْشهدُ ِ‬

‫(‪ُ { ... )33‬أ ْو ُلوا} أ ْصح ُ‬


‫اب‪.‬‬
‫(‪{ ... )35‬فناظِر ٌة} ُمنْتظِرةٌ‪.‬‬
‫(‪{ ... )37‬ال قِبل لهم بِها} ال طاقة لهم بِمقاوم ِة الجن ِ‬
‫ُود‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫اغ ُرون} ُمها ُنون‪.‬‬ ‫(‪{ ... )37‬ص ِ‬

‫ْس‪.‬‬‫اإلن ِ‬ ‫(‪{ ... )38‬المألُ} م ْن سخر ُهم اهلل له مِن ِ‬


‫الج ِّن و ِ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫ار ٌد ق ِو ٌّي ش ِديدٌ ‪.‬‬
‫ريت} م ِ‬ ‫(‪ِ { ... )31‬ع ْف ٌ‬
‫(‪{ ... )31‬مقامِك} م ْجلِ ِسك‪.‬‬
‫اد أ ْجفانِك إِذا نظ ْرت إِلى ش ْيء‪.‬‬ ‫(‪{ ... )42‬يرتد إِليك طر ُفك} قبل ارتِد ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اض ًرا لد ْي ِه ثابِتًا ِعنْد ُه‪.‬‬
‫(‪{ ... )42‬مست ِقرا ِعنده} ح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ ًّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪85‬‬
‫(‪{ ... )41‬ن ِّك ُروا} غ ِّي ُروا‪.‬‬
‫(‪{ ... )44‬الص ْرح} الق ْصر‪ ،‬وكان ص ْحنُ ُه مِ ْن ُزجاج ت ْحت ُه ما ٌء‪.‬‬
‫(‪{ ... )44‬ح ِسب ْت ُه ُلج ًة} ظن ْت ُه ما ًء غ ِز ًيرا‪.‬‬
‫(‪ُّ { ... )44‬ممر ٌد} ُممل ٌس ُمس ًّوى‪.‬‬
‫(‪ِّ { ... )44‬من قو ِارير} مِ ْن ُزجاج صاف‪.‬‬

‫رشح القصة‪:‬‬
‫يخرب تعالى عن عبده ونبيه سليمان بن داود عليهما الصالة والسالم أنه‬
‫ركب يومًا يف جيشه جميعه من الجن واإلنس والطير‪ ،‬فالجن واإلنس يسيرون‬
‫معه والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره‪ ،‬وبينما سليمان النبي‬
‫يتفقد الطير لم ير الهدهد‪ ،‬فقال‪ :‬ما لي ال أرى الهدهد؟ أمنعني من رؤيته مانع‪،‬‬
‫لما تبين له غيابه‪ :‬ألعذبنّه عذا ًبا شديدً ا‪ ،‬أو ألذبحنّه‬
‫أم كان من الغائبين؟ ثم قال ّ‬
‫عقا ًبا له على غيابه‪ ،‬أو ليأتيني بحجة واضحة تب ّين عذره يف الغياب‪.‬‬
‫فمكث الهدهد يف غيابه زمنًا غير بعيد‪ ،‬فلما جاء قال لسليمان ‪:‬‬
‫ا ّطلعت على ما لم ت ّطلع عليه‪ ،‬وجةتك من أهل سبأ بخرب صادق ال شك فيه‪،‬‬
‫وجدت امرأ ًة تحكمهم‪ ،‬و ُأعطِيت هذه‬
‫ُ‬ ‫فقال سليمان وما هو؟ فقال الهدهد‪ ،‬إين‬
‫المرأة من كل شيء من أسباب القوة والملك‪ ،‬ولها سرير عظيم تدير مِن عليه‬
‫شؤون قومها‪ ،‬ووجدت هذه المرأة وقومها يسجدون للشمس من دون اهلل‬
‫‪ ،‬وحسن لهم الشيطان ما هم عليه من أعمال الشرك والمعاصي‪،‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪86‬‬
‫فصرفهم عن طريق الحق‪ ،‬فهم ال يهتدون إليه‪ ،‬وحسن لهم الشيطان أعمال‬
‫الشرك والمعاصي؛ لةال يسجدوا هلل وحده الذي ُي ْخ ِرج ما سرته يف السماء من‬
‫المطر‪ ،‬ويف األرض من النبات‪ ،‬ويعلم ما تخفونه من األعمال وما تظهرونه‪ ،‬ال‬
‫يخفى عليه من ذلك شيء‪ ،‬اهلل ال معبود بحق غيره‪ ،‬رب العرش العظيم‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ ‬للهدهد‪ :‬سننظر أصدقت فيما تدعيه‪ ،‬أم كنت من‬
‫الكاذبين‪ ،‬فكتب سليمان كتا ًبا‪ ،‬وسلمه للهدهد‪ ،‬وقال له‪ :‬اذهب بكتابي هذا‬
‫وتنح عنهم جان ًبا بحيث تسمع ما يرددون‬
‫ّ‬ ‫فارمه إلى أهل سبأ وس ّلمهم إياه‪،‬‬
‫بشأنه‪ ،‬فأخذ الهدهد الكتاب وأوصله‪ ،‬فاستلمت الملكة الكتاب‪ ،‬وقالت‪ :‬يا‬
‫أيها األشراف إين ألقي إلي كتاب كريم جليل‪ ،‬ومضمون هذا الكتاب المرسل‬
‫من سليمان المفتتح بـ "بسم اهلل الرحمن الرحيم"‪ :‬أال تتكربوا‪ ،‬وأتوين منقادين‬
‫مستسلمين لما أدعوكم إليه من توحيد اهلل وترك ما أنتم عليه من الشرك به‪،‬‬
‫حيث عبدتم الشمس معه‪.‬‬
‫ثم قالت الملكة‪ :‬يا أيها األشراف والسادة‪ ،‬ب ِّينوا لي وجه الصواب يف‬
‫أمرا حتى تحضروين‪ ،‬وتظهروا رأيكم فيه‪ ،‬فقال لها‬
‫أمري‪ ،‬ما كنت قاضية ً‬
‫األشراف من قومها‪ :‬نحن أصحاب قوة عظيمة‪ ،‬وأصحاب بأس قوي يف‬
‫الحرب‪ ،‬والرأي ما ترينه فانظري ماذا تأمريننا به فنحن قادرون على تنفيذه‪.‬‬
‫فقالت الملكة‪ :‬إن الملوك إذا دخلوا قرية من القرى أفسدوها بما يقومون به‬
‫من القتل والس ْلب والن ْهب‪ ،‬وصيروا سادهتا وأشرافها أذالء بعد ما كانوا فيه من‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪87‬‬
‫دائما إذا تغلبوا على أهل قرية؛ ليزرعوا‬
‫العزة والمنعة‪ ،‬وكذلك يفعل الملوك ً‬
‫الهيبة والرعب يف النفوس‪ ،‬وإين مرسلة إلى صاحب الكتاب وقومه هدية‪ ،‬وأنظر‬
‫ماذا تأيت به الرسل بعد إرسال هذه الهدية‪ ،‬وأرادت بذلك اختبار سليمان النبي‬
‫عليه السالم‪ ،‬فإن كان نبيًا لم يرض ّإال أن تتبعه‪ ،‬وإن صاحب ُملك قبل الهدية‪،‬‬
‫وتركها وشأهنا‪.‬‬
‫فلما جاء رسولها ومن معه من أعوانه يحملون الهدية إلى سليمان أنكر‬
‫قائال‪ :‬أتمدونني باألموال لتثنوين عنكم‪ ،‬فما‬
‫عليهم سليمان إرسال الهدية ً‬
‫أعطاين اهلل من النبوة والملك والمال خير مما أعطاكم‪ ،‬بل أنتم الذين تفرحون‬
‫بما ُي ْهدى إليكم من حطام الدنيا‪.‬‬
‫ثم قال سليمان ‪ ‬لرسولها‪ :‬ارجع إليهم بما جةت من هدية‪،‬‬
‫فلنأتينّها وقومها بجنود ال طاقة لهم بمواجهتهم‪ ،‬ولنخرجنّهم من سبأ وهم أذلة‬
‫مهانون بعد ما كانوا فيه من العزة إن لم يأتوين منقادين‪.‬‬
‫فرجع الرسول إليها وأخربها بما قاله سليمان عليه السالم‪ ،‬علمت أنه نبي‬
‫وأنه ال طاقة لها بقتاله‪ ،‬فعزمت على المسير إليه‪.‬‬
‫ثم قال سليمان ‪ ‬مخاط ًبا أعيان أهل ملكه‪ :‬يا أيها المأل‪ ،‬أيكم‬
‫قائال‪ :‬أنا‬
‫يأتيني بسرير ملكها قبل أن يأتوين منقادين؟ فأجابه مار ٌد من الجن ً‬
‫آتيك بسريرها قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذي أنت فيه‪ ،‬وإين لقوي على‬
‫حمله أمين على ما فيه‪ ،‬فلن أنقص منه شي ًةا‪ ،‬وقال رجل صالح عالم عند‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪88‬‬
‫سليمان‪ ،‬عنده علم من الكتاب‪ ،‬ومن ضمنه اسم اهلل األعظم الذي إذا دعي به‬
‫أجاب‪ :‬أنا آتيك بسريرها قبل أن ترمش عينك؛ بأن أدعو اهلل فيأيت به‪ ،‬فدعا‬
‫مستقرا عنده قال‪ :‬هذا من‬
‫ًّ‬ ‫فاستجاب اهلل له دعاءه فلما رأى سليمان سريرها‬
‫فضل ربي سبحانه؛ ليختربين أأشكر نعمه أم أكفرها؟ ومن شكر اهلل فإنما ن ْفع‬
‫شكره عائد إليه‪ ،‬فاهلل غني ال يزيده شكر العباد‪ ،‬ومن جحد نعم اهلل فلم يشكره‬
‫له فإن ربي غني عن شكره كريم‪ ،‬ومن كرمه إفضاله على من يجحدها‪.‬‬
‫ثم قال سليمان ‪ :‬غ ِّيروا لها سرير ملكها عن هيةته التي كان عليها‬
‫بإخفاء بعض معالمه ننظر‪ :‬هل هتتدي إلى معرفة أنه سريرها‪ ،‬أم تكون من‬
‫الذين ال يهتدون إلى معرفة أشيائهم؟‬
‫اختبارا لها‪ :‬أهذا مثل عرشك؟‬
‫ً‬ ‫فلما جاءت ملكة سبأ إلى سليمان قيل لها‬
‫فأجابت‪ :‬كأنه هو‪ ،‬وهذا دليل على رجحان عقلها‪ ،‬لكن صرفها عن توحيد اهلل‬
‫ما كانت تعبد من دون اهلل ا ّت ً‬
‫باعا لقومها‪ ،‬وتقليدً ا لهم‪ ،‬إهنا كانت من قوم كافرين‬
‫باهلل‪ ،‬فكانت كافرة مثلهم‪.‬‬
‫الممرد‪ ،‬فلما رأته ظنته‬
‫ّ‬ ‫ثم قيل لها‪ :‬ادخلي الصرح وهو مصنوع من الزجاج‬
‫ما ًء فكشفت عن ساقيها لتخوضه‪ ،‬قال سليمان ‪ :‬إنه صرح ُمملس من‬
‫زجاج‪ ،‬ودعاها إلى اإلسالم‪ ،‬فأجابته إلى ما دعاها إليه قائلة‪ :‬رب إين ظلمت‬
‫نفسي بعبادة غيرك معك‪ ،‬وانقدت مع سليمان هلل رب المخلوقات جميعها‪،‬‬
‫فرحمها اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪81‬‬
‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪:‬‬
‫‪ ‬فيها سياسة الرعية بإيقاع العقاب والتعزير على من يستحقه‪ ،‬وقبول عذر‬
‫أصحاب األعذار‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية استعراض الجيوش وتفقد أحوال الرعية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه قد يوجد من العلم عند األصاغر ما ال يوجد عند األكابر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن إنكار الهدهد على قوم سبأ ما هم عليه من الشرك والكفر دليل على أن‬
‫اإليمان فطري عند الخالئق‪.‬‬
‫هم الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك فال يكن الهدهد أعظم هم ًة منا يف‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان األهبة والعظمة التي كانت عليها ملكة سبأ وقومها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الشيطان له سالحان وطريقان يف إغواء اإلنسان األول التزيين للباطل‬
‫والرتويج له والثاين الصد والتنفير عن الحق والتشويه له وألهله‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن إبليس هو داعية الشرك والكفر وله جنود من شياطين الجن‬
‫واإلنس‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الحضارة والتقدم يف الماديات ال تغني عن أصحاهبا شيةًا فها هم قوم‬
‫سبأ مع ما كانوا عليه ومع ذلك جهلوا رهبم الذي خلقهم وعبدوا غيره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الشيطان يزين الباطل حتى يقبل ولو كان يف أبشع وأقبح صورة‬
‫كالشرك والكفر فما بالك بما هو دونه من البدع والمعاصي‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪12‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اهلل هو المستحق للسجود وحده وال يجوز السجود لغيره سوا ٌء سجود‬
‫عبادة أو سجود تحية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيه شرعية سجود التالوة عند المرور بآيات السجود وهي يف أربعة عشر‬
‫موضعًا من القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها التحقيق مع المتهم والتثبت من حججه‪.‬‬
‫ّ‬
‫األخبار وعدم التعجل يف إصدار األحكام لقول‬ ‫‪ ‬وفيها وجوب الت ّثبت من‬
‫سليمان (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين)‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية الكشف عن أخبار األعداء‪ ،‬وجواز التجسس عليهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن إظهار عزة المؤمن أمام أهل الباطل أمر مطلوب‪.‬‬
‫تحصن المؤمن من التأثر بحطام الدنيا الفانية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن عزة اإليمان ّ‬
‫‪ ‬وفيها أن الفرح بالماديات والركون إليها وحب الدنيا وتعلق القلوب هبا صفة‬
‫من صفات الكفار‪.‬‬
‫خص اهلل هبا سليمان النبي ‪ ‬وهي فهم كالم‬
‫‪ ‬وفيها بيان المعجزة التي ّ‬
‫الطيور والحيوانات وفهمها لكالمه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تعظيم ملكة سبأ لكتاب سليمان ‪ ‬ووصفه بأنه كريم وهذا يدل‬
‫على رجاحة عقلها وحسن أدهبا ونباهة ذهنها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها يقظة شعور المؤمن تجاه نعم اهلل‪ ،‬وعدم الغفلة عن شكر اهلل عليها‬
‫‪ ‬وفيها اختبار ذكاء الخصم من أجل التعامل معه بما يناسبه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪11‬‬
‫‪ ‬وفيها تحقيق قول الرسول ‪ " ‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" إذ‬
‫لم يلبثوا أن غلب عليهم سليمان ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن هناك من كانوا يعبدون الشمس إذ أن سجودهم لها عبادة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان أن األحق بالعبادة هو اهلل الذي ال إله إال هو رب العرش العظيم‪ ،‬وأن‬
‫الخلق فطروا على أنه ال يستحق العبادة أحد غيره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية كتابة بسم اهلل الرحمن الرحيم يف أوائل الرسائل والكتب‬
‫المهمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها استحباب كتابة اسم المرسل يف أول الكتاب بعد البسملة (من فالن بن‬
‫فالن إلى فالن بن فالن السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪)....‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية إرسال الكتب إلى الكفار وتبليغهم الدعوة ودعوهتم إلى‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية التشاور مع أهل الحل والعقد وعدم االنفراد بالرأي‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية إبداء الرأي بصدق ونزاهة ثم ترك األمر ألهله‪ ،‬وعدم إلزام‬
‫اآلخرين بقبوله‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن دخول العدو المحارب الغالب البالد عنوة ذو خطورة فلذا يتالىف األمر‬
‫بالمصالحة له‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن القوة وحدها ال تكفي بل تحتاج إلى حنكة القائد وحكمته وحدته‬
‫وبعد نظره‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪12‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من االختبارات الناجحة اختبار األشخاص بالمال‪ ،‬فكم يفتن به من‬
‫أناس نسأل اهلل الثبات‪.‬‬
‫‪ ‬ال تتنازل عن شيء من أمور دينك من أجل الحصول على شيء من حطام الدنيا‬
‫الفانية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن شراء الذمم باألموال التي يسلها الكفار والمنافقون من المنظمات‬
‫وغيرها ليست وليدة اليوم بل هي طريقة قديمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها العواقب الحميدة للتأين وعدم االستعجال يف اتخاذ القرارات وهذا يظهر‬
‫يف تصرف سليمان مع الهدهد وتصرف ملكة سبأ مع كتاب سليمان‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ُبعد النظر والنظر يف العواقب‪ ،‬فإن النظر يف العواقب تلقيح العقول‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها عدم الحكم على األمور بظواهرها‪ ،‬وإنما يكون الحكم عليها بعواقبها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تأثير الهدية على المهدى إليه ووقعها يف قلبه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز قبول الهدية من الكفار إذا لم يكن فيها تنازل عن شيء من الحق أو‬
‫سكوت على منكر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان حسن سياسة الملكة بلقيس وفطنتها وذكائها ولذا ورثت عرش أبيها‪،‬‬
‫وأسلمت مع سليمان ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ّ‬
‫أن أهل اآلخرة ال يفرحون بالدنيا‪ ،‬وأهل الدنيا ال يفرحون باآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان عزة المؤمن وقوة نفسه وعلو همته وثبات قلبه أمام المغريات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪13‬‬
‫‪ ‬وفيها أن استعمال أسلوب اإلرهاب والتخويف مع القدرة على إنفاذه مع العدو‬
‫أليق‪ ،‬فقد يتحقق به االنتصار بدون خسائر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان الذلة والصغار التي جعلها اهلل يف قلوب األعداء عندما يكون‬
‫المؤمنون أقوياء وأعزاء بدينهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تقرير أن سليمان كان يستخدم الجن وأهنم يخدمونه يف أصعب األمور‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان سعة الملك الذي أعطاه اهلل سليمان النبي ‪ ،‬فإنه ملك‬
‫األرض كلها وكان كل من فيها من اإلنس والجن والحيوانات والحشرات‬
‫تحت سلطانه‪ ،‬تتنافس يف طاعته وتنفيذ أمره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها استجابة اهلل تعالى لسليمان فأحضر له العرش من مسافة شهرين أي من‬
‫اليمن إلى الشام قبل ارتداد طرف الناظر إذا فتح عينه ينظر‪.‬‬

‫‪ ‬وفيها وجوب رد الفضل إلى أهله فسليمان قال {ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ}‬


‫‪ ‬وفيها جواز اختبار األفراد إذا أريد إسناد أمر لهم لمعرفة قدرهتم العقلية‬
‫والبدنية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها حرمة كشف المرأة ساقيها حتى لو كانت كافرة فكيف هبا إذا كانت‬
‫مسلمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها فضيلة االقتداء بالصالحين كما اقتدت بلقيس بسليمان يف قولها‬

‫{ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ } ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الشيطان يصد العبد عن طاعة اهلل تعالى‪ ،‬ويزين له القبيح‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪14‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية تبادل الهدايا لتأليف القلوب وتوادها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه ال يجوز قبول الهدية إذا كان الغرض منها االنتصار لباطل أو السكوت‬
‫عن حق فإن هذه رشوة محرمة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر االستطاعة فال يكن‬
‫الهدهد أغير منّا على دين اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تأييد اهلل ‪ ‬ألنبيائه ورسله باآليات والمعجزات‪ ،‬والرباهين‬
‫الواضحات الدالة على صدق ما جاءوا به‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها خطر تقديم الدنيا على الدين كما هو الشأن يف حال أكثر الملوك‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أنه قد يظفر اإلنسان بعلمه وحكمته ما ال يظفر بقوته‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلنسان إذا أنعم اهلل عليه بنعمة دينية أو دنيوية فإنه يرد الفضل إلى اهلل‬
‫ويشكره عليها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من شكر اهلل فإنما ينفع نفسه ألن الشكر يحفظ النعم الموجودة‬
‫وي ِ‬
‫كسب النعم المفقودة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن أجل نعمة هي نعمة الدين أما الدنيا فإهنا زائلة فال ُيلتفت إليها وال‬
‫ُيركن عليها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها دليل على إثبات كرامات األولياء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪15‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الغنى والكرم إذا اجتمعا فقد كمل الموصوف هبما ولذلك وصف ربنا‬
‫هبما نفسه وقرن بينهما‪ ،‬وهكذا المخلوق من اجتمع فيه هذان الوصفان كان‬
‫كامالً بخالف إذا وجد أحدهما دون اآلخر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن اإلسالم ليس استسالمًا ألحد من الخلق وإنما هو استسالم هلل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪16‬‬

‫‪8‬ـ قصة ابنتي صاحب مدين مع موسى عليه السالم‬

‫اآليات‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭ} [سورة القصص‪.]25-22 :‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪17‬‬
‫تفسري الغريب‪:‬‬
‫(‪{ ... )22‬تِ ْلقاء مدْ ين} ِجهتها‪.‬‬
‫(‪{ ... )22‬سواء السبِي ِل} الط ِريق األ ْحسن إِلى مدْ ين‪.‬‬
‫ان غنمهما ع ِن الم ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫ان} تحبِس ِ‬ ‫(‪{ ... )23‬ت ُذود ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫(‪{ ... )23‬ما خ ْط ُب ُكما} ما شا ُن ُكما؟‬
‫(‪{ ... )23‬يص ِدر الرعاء} ينْص ِرف الرعا ُة بِأ ْغنامِ ِهم ع ِن الم ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫(‪{ ... )23‬ش ْي ٌخ كبِ ٌير} ر ُج ٌل ُم ِس ٌّن ول ْيس ُهو ُشعي ًبا‪ِ ،‬خال ًفا لِلم ْش ُه ِ‬
‫ور‪.‬‬
‫اشيتِي‪.‬‬ ‫(‪{ ... )27‬تاجرنِي} ت ُكون أ ِجيرا لِي فِي ر ْع ِي م ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫(‪ِ { ... )27‬حجج} ِسنِين‪.‬‬
‫(‪ْ { ... )28‬األجلي ِن} المدتي ِن‪ ،‬الثم ِ‬
‫ان أ ِو الع ْش ِر‪.‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫المد ِة‪.‬‬
‫ب بِ ِزيادة يفِ ُ‬
‫(‪{ ... )28‬فال ُعدْ وان علي} فال ُأطال ُ‬
‫(‪{ ... )28‬وكِ ٌيل} حافِ ٌظ ُيراقِ ُبنا‪.‬‬
‫(‪{ ... )21‬آنس} أ ْبصر‪.‬‬
‫(‪{ ... )21‬ج ْذوة} ُش ْعلة مِن الن ِ‬
‫ار‪.‬‬
‫(‪{ ... )21‬ت ْصط ُلون} ت ْستدْ فِ ُةون‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪18‬‬
‫رشح القصة‪:‬‬
‫كرب موسى وبلغ أشده وهو يف بيت فرعون‪ ،‬وبينما هو ذات يوم يمشي‪ ،‬إذ‬
‫وجد رجالً من اتباع فرعون وهو يتضارب مع رجل من بني إسرائيل‪ ،‬فاستغاث‬
‫به الرجل الضعيف اإلسرائيلي‪ ،‬فتدخل موسى فوكز الرجل الظالم بيده فقتله‪.‬‬
‫وكان موسى رجالً قويًا‪ ،‬ولم يكن يقصد قتل ذلك الظالم‪ ،‬وإنما أراد إزاحته‬
‫فقط‪ ،‬لكن ضربته هذه قتلته‪ .‬ففوجئ موسى به وقد مات وقال لنفسه‪( :‬هذا مِ ْن‬
‫عم ِل الشيط ِ‬
‫ان إِن ُه عدُ ٌّو ُّم ِض ٌّل ُّمبِي ٌن)‪ .‬ودعا موسى ربه‪( :‬قال ر ِّب إِنِّي ظل ْم ُت‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم)‪.‬‬ ‫ن ْفسي فا ْغف ْر لي)‪ .‬فغفر اهلل تعالى له‪( ،‬إِن ُه ُهو ا ْلغ ُف ُ‬
‫ور الرح ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب)‪ .‬كان هذا حال موسى‪ ،‬فهو‬ ‫ثم أصبح موسى (في ا ْلمدينة خائ ًفا يترق ُ‬
‫خائف‪ ،‬يتوقع الشر يف كل خطوة‪ ،‬وهو مرتقب‪ ،‬فجاءه رجل مصري مؤمن من‬
‫أقصى المدينة مسرعًا‪ ،‬ونصحه بالخروج من مصر‪ ،‬ألهنم يتآمرون على قتله‪،‬‬
‫فخرج موسى من مدينة مصر من فوره‪ ،‬على وجهه‪ ،‬ال يهتدي إلى طريق وال‬
‫مقبال بوجهه جهة‬
‫يعرفه‪ ،‬قائال‪{ :‬رب نجني من القوم الظالمين}‪ ،‬ولما سار ً‬
‫مدْ ين قال‪ :‬عسى ربي أن يرشدين إلى خير طريق‪ ،‬فال ّ‬
‫أضل عنها‪.‬‬
‫ولما وصل ماء مدْ ين الذي يستقون منه وجد جماعة من الناس يسقون‬
‫مواشيهم‪ ،‬ووجد من دوهنم امرأتين تحبسان أغنامهما عن الماء حتى يسقي‬
‫الناس‪ ،‬قال لهما موسى ‪ :‬ما شأنكما ال تسقيان مع الناس؟ قالتا له‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪11‬‬
‫حذرا من مخالطتهم‪ ،‬وأبونا‬
‫ً‬ ‫عادتنا أن نتأنى فال نسقي حتى ينصرف الرعاة؛‬
‫شيخ كبير السن‪ ،‬ال يستطيع أن يسقي‪ ،‬فاضطررنا لسقي غنمنا‪.‬‬
‫فرحمهما موسى عليه السالم‪ ،‬فسقى لهما أغنامهما‪ ،‬ثم انصرف إلى الظل‬
‫إلي من أي‬
‫فاسرتاح فيه‪ ،‬ودعا ربه بالتعريض بحاجته‪ ،‬فقال‪ :‬رب إين لما أنزلت ّ‬
‫محتاج‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫خير‬
‫فلما ذهبتا أخربتا أباهما به‪ ،‬فأرسل إحداهما إليه تدعوه‪ ،‬فجاءته تمشي يف‬
‫حياء‪ ،‬وقالت‪ :‬إن أبي يدعوك أن تأتيه من أجل أن يجزيك أجرك على سقيك‬
‫لنا‪ ،‬فلما جاء موسى أباهما‪ ،‬وأخربه بأخباره‪ ،‬قال له ُمط ْم ِةنًا إياه‪ :‬ال تخف‬
‫نجوت من القوم الظالمين فرعون وملةه‪ ،‬فإهنم ال سلطان لهم على مدْ ين‪ ،‬فال‬
‫يستطيعون أن يصلوا إليك بأذى‪.‬‬
‫فقالت إحدى ابنتيه‪ :‬يا أبت استأجره ليرعى غنمنا‪ ،‬فهو جدير بأن تستأجره؛‬
‫لجمعه بين القوة واألمانة‪ ،‬فبالقوة يؤدي ما ُك ّلف به‪ ،‬وباألمانة يحفظ ما ائ ُتمن‬
‫عليه‪ ،‬فقال أبوهما مخاط ًبا موسى ‪ :‬إين ُأريد أن أزوجك إحدى ابنتي‬
‫هاتين‪ ،‬على أن يكون مهرها أن ترعى غنمنا ثماين سنين‪ ،‬فإن أكملت المدة‬
‫تفضل منك ال يلزمك؛ ألن التعاقد إنما هو على ثمان سنين‪،‬‬
‫عشر سنين فهذا ّ‬
‫فما فوقها تطوع‪ ،‬وما ُأريد أن ألزمك بما فيه مشقة عليك‪ ،‬ستجدين ‪-‬إن شاء‬
‫اهلل‪ -‬من الصالحين الذين ُيوفون بالعقود‪ ،‬وال ينقضون العهود‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪122‬‬
‫فقبل موسى ذلك وقال‪ :‬ذلك الذي بيني وبينك على ما تعاقدنا عليه‪ ،‬فأي‬
‫علي‪،‬‬
‫يت بما ّ‬ ‫عملت لك‪ :‬ثمانِي سنوات‪ ،‬أو عشر سنوات‪ ،‬أكون قد و ّف ُ‬ ‫ُ‬ ‫األمدين‬
‫فال تطالبني بزيادة‪ ،‬واهلل وكيل على ما تعاقدنا عليه‪ ،‬رقيب عليه‪.‬‬
‫فلما أكمل موسى أوىف األجلين عشر سنين‪ ،‬وسار بأهله من مدْ ين إلى مصر‬
‫نارا‪ ،‬لعلي آتيكم‬
‫نارا‪ ،‬قال ألهله‪ :‬اثبتوا‪ ،‬إين أبصرت ً‬
‫أبصر من جانب الطور ً‬
‫نارا؛ لعلكم تستدفةون من الربد‪.‬‬
‫منها بخرب‪ ،‬أو آتيكم بشعلة من النار توقدون هبا ً‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪:‬‬


‫‪ ‬فيها استجابة اهلل دعاء أوليائه وتفريجه لكرهبم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها وجوب حسن الظن باهلل تعالى وقوة الرجاء فيه ‪ ‬والتوكل عليه‪.‬‬
‫‪ ‬فيها جواز خروج المرأة يف حوائجها بالضوابط الشرعية‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز مكالمة المرأة للرجل األجنبي بقدر الحاجة‪ ،‬إذا دعت الحاجة إلى‬
‫ذلك و ُأمنت الفتنة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها إشارة إلى نعمة وجود األخ إذ لو كان معهما أخ لقام عليهما بما يحتاجان‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز مساعدة الرجل للمرأة األجنبية عند الحاجة إذا ُأمنت الفتنة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى بر المرأة بأبويها والقيام بخدمتها خاص ًة عند الكِبر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز خروج المرأة لرعي األغنام إذا ُأمنت الفتنة والطريق والوجهة التي‬
‫ترعى فيها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪121‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان فضل الحياء والعفة‪ ،‬وأن ذلك من دأب الصالحات‪ ،‬فحياء المرأة‬
‫المسلمة سبب كرامتها وعلو شأهنا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مباعدة النساء عن االختالط بالرجال األجانب ومزاحمتهم‪ ،‬وأن ذلك من‬
‫سنن األنبياء والصالحين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى التعاون واإلحسان إلى الناس بما يقدر عليه وأن ذلك من‬
‫أخالق األنبياء‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى اإلحسان والتعاون مع من عرفت ومن لم تعرف‪ ،‬خاصة‬
‫التعاون مع العاجز رجالً كان أو امرأة كبير ًا كان أو صغير ًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها استحباب سؤال الضعيف عن حاجته لتقديم المساعدة له واإلحسان إليه‪،‬‬
‫وأن ذلك من شيم الكرام‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها داللة على أنه سقى لهما يف حر من الشمس‪ ،‬وعلى كمال قوة موسى‬
‫‪ ،‬وعلى أنه رغم نعومة عيشه يف بالط فرعون كان مخشوشنًا جلد ًا‬
‫صابر ًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان مروءة موسى ‪ ‬وتواضعه ورحمته وشفقته وإحسانه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن سرت المرأة وجهها عن األجانب سنة المؤمنات من عهد قديم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها اإلخالص هلل يف نفع الناس والتعاون معهم وطلب األجر والمكافأة منه‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى التعفف وعدم سؤال الناس وطلب الحاجات من اهلل‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪122‬‬
‫‪ ‬وفيها أن العبد إذا عمل العمل هلل خالصا‪ ،‬ثم حصل له مكافأة عليه بغير قصده‬
‫فإنه ال يالم على ذلك‪ ،‬وال يخل بإخالصه وأجره‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها المسارعة إلى بذل المعروف ولو كان اإلنسان متعبًا‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن من صفات المؤمنين الكرام تقديم حاجة الناس على حاجتهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرأة تلزم بيتها وال تخرج إال لضرورة أو حاجة معتربة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية التوسل إلى اهلل بضعفه وفقره وعجزه لما يف ذلك من إظهار‬
‫التضرع والمسكنة‪ ،‬واالفتقار إلى اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها صرب المرأة المسلمة على تحمل مشاق الحياة ومتاعبها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان ضعف المرأة وأهنا ال تستطيع أن تقوم بما يقوم به الرجل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الر ّد على دعاة المساواة بين الرجل والمرأة وتكليف المرأة ببعض‬
‫األعمال الخاصة بالرجال‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الرد على دعاة االختالط يف الدراسة والعمل وغيرهما‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن االختالط بين الجنسين يذهب الحياء من المرأة والرجل ويكسبهما‬
‫القحة وقلة األدب‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬وفيها أن حياء المرأة وعفتها وبرها بوالديها ثمرة من ثمار الرتبية الحسنة‬
‫‪ ‬وفيها شرعية مكافأة المحسن بما ُيقدر عليه وأن ذلك من دأب الصالحين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها برهان ساطع على أن الفرج يأيت بعد الشدة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪123‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان كرم صاحب مدين ومروءته وشهامته يف تطمين موسى وإكرامه‬
‫وإيوائه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها ُبعد المرأة العفيفة عن مواطن الريبة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان حسن أدب البنت الصالحة مع أبيها يف مخاطبته (يا ِ‬
‫أبت)‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها بيان رجحان ورزانة عقل ابنة صاحب مدين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها مشاركة المرأة بالرأي‪ ،‬واعتماد رأيها إن كان صوا ًبا أمر محمود‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها عرض االبن والبنت رأيهما على أبيهما‪ ،‬وقبول األب له إن كان فيه‬
‫مصلحة‪ .‬وذلك ال ينايف األدب مع األب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن القوة واألمانة صفتا المسؤول الناجح‪ ،‬وهبما يتم العمل على أحسن‬
‫وجه‪ ،‬فال ُيستأجر يف عمل إال من جمع بين الوصفين‪ ،‬ألن ذهاب الوصفين أو‬
‫أحدهما يؤدي إلى خلل يف العمل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها قلة وجود الصالحين والكرام يف ذلك الوقت‪ ،‬ولذلك لم يسق للمرأتين‬
‫أحد من الناس حتى جاء موسى ‪ ‬فسقى لهما‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تأمين الخائف المظلوم مما يخاف منه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز الخوف الطبيعي وأن اإلنسان ال يالم عليه‪.‬‬
‫‪ ‬دل قوله‪( :‬نج ْوت مِن ا ْلق ْو ِم الظالِ ِمين) على أن سلطان الحكام كان محصور ًا يف‬
‫إقليم معين‪ ،‬فكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن الذي يرعى األغنام هم الرجال ال النساء إال عند الحاجة‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪124‬‬
‫‪ ‬وفيها مشروعية اإلجارة على عمل معلوم‪ ،‬وقد أجمع العلماء على جواز‬
‫استةجار الراعي شهور ًا معلومة‪ ،‬بأجرة معلومة‪ ،‬لرعاية غنم معدودة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية عرض الرجل موليته على الرجل الكريم الصالح إذا لم يرتتب‬
‫على ذلك مفسدة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى تزويج الرجل الصالح ولو كان غريبًا أو فقير ًا‪ ،‬وربما جعل‬
‫اهلل يف زواجه من الخيرات والربكات ما لم يكن يف الحسبان‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها جواز أن يكون المهر منفعة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها الدعوة إلى الوفاء بالعقود والعهود والمواثيق والشروط وأحق الشروط‬
‫التي يجب الوفاء هبا ما تعلق بالزواج فالوفاء هبا شأن المؤمنين‪.‬‬

‫‪ ‬وفيها مشروعية إشهاد اهلل تعالى على العقود بمثل {ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}‪.‬‬

‫‪ ‬وفيها جواز عقد المعامالت من إجارة وغيرها بغير إشهاد لقوله‪{ :‬ﰃ ﰄ ﰅ‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ} وال شك أن اإلشهاد أضبط وأبعد عن النزاع‪.‬‬


‫‪ ‬وفيها فضيلة موسى ‪ ‬بإيجار نفسه على شبع بطنه وإحصان فرجه‪.‬‬
‫‪ ‬استدل بعض العلماء هبذه اآليات على صحة استةجار األجير بطعامه وكسوته‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها اإلحسان إلى العامل وعدم التثقيل عليه وتكليفه ما ال يطيق‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن األنبياء أوىف الناس بالعقود والعهود والوعود فموسى قضى أوىف‬
‫األجلين وأتمها وهي العشر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪125‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية السفر باألهل ولو ليالً إذا ُأمن عليها‪ ،‬وأنه قد يعرتيهما يف سفرهما‬
‫من المتاعب والمشاق‪ ،‬والمطلوب الصرب على ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن القوامة تكون للرجل ال للمرأة‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن مصير البنت االنفصال عن أهلها بل قد تفارق وطنها‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرأة تبع لزوجها تسكن حيث يسكن زوجها‪ ،‬فال داعي الشرتاط‬
‫السكنى يف مكان مع ّين‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها طاعة المرأة لزوجها إذا طلب منها االنتقال إلى مكان آخر‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها شرعية اتخاذ األسباب‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أن المرء ال يعد بشيء ال يملكه كي ال يقع يف خلف الوعد (لعلي آتيكم‬
‫منها بقبس)‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أ ّن صنائع المعروف تقي مصارع السوء‪ ،‬فموسى ‪ ‬صنع معروفًا‬
‫فكافأه اهلل وزوجه بمن صنع لها المعروف‪ ،‬وآواه اهلل يف مكان آمن‪.‬‬
‫عوضه اهلل خير ًا منه‪ ،‬فموسى ترك وطنه وترك طلب‬
‫‪ ‬وفيها أن من ترك شيةًا هلل ّ‬
‫أجرة السقي فعوضه اهلل خير ًا من ذلك‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪126‬‬

‫اخلامتة‬
‫ويف الختام أحمد ربي اهلل العلي القدير‪ ،‬الذي يسر لي وأعانني على إتمام ما‬
‫أردت جمعه وتسطيره يف هذه الرسالة التي أرجو ذخرها وبركتها يوم الدين‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأرجو أن ينفع اهلل هبا كاتبها وقارئها‪ ،‬ومن أعان على نشرها‪ ،‬وليس لي فيها‬
‫ال وآخر ًا ثم لمن‬
‫سوى التجميع والتلفيق والتنسيق بين فوائدها‪ ،‬والفضل هلل أو ً‬
‫سبق من أهل العلم والتحقيق‪ ،‬يف استنباط فوائد وأحكام هذه القصص‬
‫واستخراج الدروس والعرب منها‪.‬‬
‫وهم بسبق حازوا التفضيال ‪ ...‬مستوجبون ثنائي الجـمـيـال‬
‫ْ‬
‫فـاهلل يقضي هبـبـات وافـرة ‪ ...‬لي ولهم يف درجات اآلخـرة‬
‫سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إليك‪.‬‬
‫كتبه راجي عفو ربه المن ِ‬
‫ّان‬ ‫ِّ‬
‫أبو سليمان عبد الرحمن بن علي بن أحمد السمحي‬
‫سامحه اهلل‬
‫يف الثالث والعشرين من صفر لعام ألف وأربعمائة وأربعة وأربعين‬
‫من الهجرة النبوية على صاحبها الصالة والسالم‪ / 23 .‬صفر ‪.1444 /‬‬
‫دار الحديث بـ مدينة معرب ـ ذمار ـ اليمن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪127‬‬

‫أهم املراجع‬
‫‪ ‬إتحاف اإللف بذكر الفوائد األلف والنيف من سورة يوسف‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن‬
‫موسى نصر ‪ -‬سليم بن عيد الهاللي‪.‬‬
‫‪ ‬أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر الجزائري‪.‬‬
‫‪ ‬تفسير القرآن العظيم‪ .‬المؤلف‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير‪.‬‬
‫‪ ‬تفسير القرآن الكريم‪ .‬المؤلف‪ :‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬مكتب الدراسات والبحوث‬
‫العربية واإلسالمية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان‪.‬‬
‫‪ ‬التفسير المحرر للقرآن الكريم‪ ،‬إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية‪،‬‬
‫إشراف علوي بن عبد القادر السقاف‪.‬‬
‫‪ ‬التفسير المنير يف العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬المؤلف‪ :‬وهبة بن مصطفى‬
‫الزحيلي‪.‬‬
‫‪ ‬التفسير الموضوعي لسورة مريم‪ ،‬المؤلف‪ :‬أحمد بن محمد الشرقاوي‪.‬‬
‫‪ ‬تيسير اللطيف المنان يف خالصة تفسير القرآن‪ ،‬لإلمام السعدي ‪.$‬‬
‫‪ ‬سورة القصص دراسة تحليلية‪ ،‬المؤلف‪ :‬الدكتور محمد مطني‪.‬‬
‫‪ ‬سورة يوسف فرائد وفوائد‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن خالد الخضير‪.‬‬
‫‪ ‬القرآن تدبر وعمل‪ ،‬إعداد شركة متخصصة يف المناهج‪.‬‬
‫‪ ‬قصص النساء يف القرآن الكريم‪ ،‬تأليف محمد بن ناصر الحم ِّيد‪.‬‬
‫‪ ‬القصص يف القرآن الكريم‪ ،‬المؤلف‪ :‬إسالم محمود دربالة‪.‬‬
‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪128‬‬
‫‪ ‬القيم الخلقية المستنبطة من قصص النساء يف القرآن الكريم‪ ،‬إعداد كوثر بنت‬
‫محمد الشريف‪.‬‬
‫‪ ‬مائة فائدة من قصة يوسف‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد صالح المنجد‪.‬‬
‫‪ ‬المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬المؤلف‪ :‬ابن عطية األندلسي‪.‬‬
‫‪ ‬المختصر يف تفسير القرآن الكريم‪ ،‬تصنيف‪ :‬جماعة من علماء التفسير‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬مركز تفسير للدراسات القرآنية‪.‬‬
‫‪ ‬نساء خالدات يف القرآن والسنة‪ ،‬المؤلف‪ :‬سيد مبارك‪.‬‬
‫‪ ‬يوسفيات‪ ،‬تأليف علي جابر الفيفي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪121‬‬

‫فهرس املحتويات‬

‫املقدمة ‪9.................................. ................................‬‬


‫‪ 1‬ـ قصة ِّأمنا حواء عليها السالم ‪7.........................................‬‬
‫اآليات‪8................................................................:‬‬

‫تفسير الغريب‪1 .........................................................:‬‬

‫شرح القصة‪1 ...........................................................:‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬والدروس والعرب‪11 ................................. :‬‬

‫‪ 2‬ـ قصة امرأة عمران أم مريم عليها السالم ‪21 .............................‬‬


‫اآليات‪21 ...............................................................:‬‬

‫تفسير الغريب‪21 ........................................................:‬‬

‫شرح القصة‪22 ..........................................................:‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬والدروس والعرب‪23.................................:‬‬

‫‪ 3‬ـ قصة مريم عليها السالم ‪28 ........... ................................‬‬


‫اآليات‪27...............................................................:‬‬

‫تفسير الغريب‪28 .......................................................:‬‬

‫شرح القصة‪21 ..........................................................:‬‬


‫قصص النساء يف القرآن الكريم‬
‫‪112‬‬
‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪32.................................. :‬‬

‫‪ 2‬ـ قصة امرأة عزيز مرص ‪21 .............. ................................‬‬


‫اآليات‪41 ...............................................................:‬‬

‫تفسير الغريب‪42 ........................................................:‬‬

‫شرح القصة‪44..........................................................:‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪48 ................................. :‬‬

‫‪ 9‬ـ قصة أم موسى عليها السالم ‪83 .......................................‬‬


‫اآليات‪73 ..............................................................:‬‬

‫الغريب‪74 ............................................................. :‬‬

‫شرح القصة‪74 .........................................................:‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪76 ................................. :‬‬

‫‪ 6‬ـ قصة بلقيس ملكة سبأ ‪72 ............. ................................‬‬


‫اآليات‪82 ..............................................................:‬‬

‫تفسير الغريب‪83 .......................................................:‬‬

‫شرح القصة‪85..........................................................:‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪81 ................................. :‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم وفوائد‪ ،‬دروس وعرب‬
‫‪111‬‬
‫‪8‬ـ قصة ابنتي صاحب مدين مع موسى عليه السالم ‪56 ....................‬‬
‫اآليات‪16 ..............................................................:‬‬

‫تفسير الغريب‪17 .......................................................:‬‬

‫شرح القصة‪18 .........................................................:‬‬

‫األحكام والفوائد‪ ،‬الدروس والعرب‪122 .................................. :‬‬

‫اخلامتة ‪156 .............................. ................................‬‬

You might also like