You are on page 1of 4

‫مقدمة‪:‬‬

‫ويحتل موضوع تأديب الموظفين أهمية بالغة في الوقت الراهن ‪ ،‬وعلى ذلك أنه ال يمكن أن تعمل الدولة على‬
‫تحقيق سياستها وأهدافها ‪ ،‬إال عبر جهاز إداري على قدر عال من الكفاءة اإلدارية واألخالقية‪ .‬ويعتبر التأديب في‬
‫المجال اإلداري وسيلة لضمان احترام قواعد النظام الوظيفي وتحقيق السير المنتظم والفعال للمرافق العمومية ‪،‬‬
‫فهو بذلك إجراء تنظيمي خاص بالوحدات اإلدارية ‪ ،‬ناشئ ومرتب على رابطة التوظيف القائمة بين الموظف‬
‫والجهات اإلدارية المنتمي إليها ‪ ،‬وبهذا نستنتج بأن التأديب يرتبط ارتباطا مباشرا بوجود عالقة وظيفية بين‬
‫الموظف والمرفق العمومي ‪ .‬وعليه ‪ ،‬يعد التأديب "إجراءا قانونيا لضمان التزام الموظف بواجباته الوظيفية ‪،‬‬
‫وتوقيع العقوبات التأديبية عليه في حاالت إخالله بهذه الواجبات ‪ ،‬وتقدير مظاهر هذا اإلخالل هو من صميم‬
‫اختصاص السلطة اإلدارية والعقوبة التأديبية إذا ما وقعت على الموظف تحدث آثارا تشتد أو تخف حدتها وفقا‬
‫لشدة هذه العقوبة ‪ ،‬والتي قد تأثر في حياة الموظف األسرية ومساره المهني أو الوظيفي ‪ ،‬وفي هذه الحالة خول‬
‫المشرع المغربي ‪ ،‬كباقي التشريعات التأديبية المعاصرة ‪ ،‬ضمانات تأديبية من خاللها تحقيق العدالة وتوفير األمن‬
‫في إجراءات الضمانات التأديبية‪ ..‬فاذا كانت سلطة التأديب ضرورية لسيادة النظام داخل مرافق الدولة ‪،‬‬

‫مفهوم الضمانات التأديبية ‪:‬‬


‫الضمانات التأديبية للموظف ذلك أن الوظيفة العمومية هي خدمة وطنية شريفة تناط بالقائم عليها مجموعة من‬
‫الواجبات يتحملها كمقابل للحقوق المعترف له بها‪ ،‬الجتناب كل ما من شأنه أن يجعلهم مدخل العقوبات‪ .‬هذا وإن‬
‫قوانين الوظيفة العمومية تقرر بعض المقتضيات المحددة لواجبات الموظفين والمستخدمين‪.‬‬
‫وتلك الضمانات التي أقّرتها القوانين ما هي إال وسيلة لحماية حقوق الموظف العام أثناء التحقيق معه‪ ،‬وتوفير‬
‫محاكمة عادلة له‪ ،‬ولتحقيق العدالة التأديبية ومن ثم عدالة العقوبة التي سوف يتم إيقاعها على هذا الموظف بعد‬
‫اكتمال إجراءات التحقيق واالستجواب والمحاكمة‪ ،‬وفي حالة إهمال هذه الضمانات أو عدم احترامها فإن القرار‬
‫التأديبّي في هذه الحالة سوف يكون مشوًبا بالعيب‪ ،‬ومن ثّم أجاز القانون الطعن به وأبطاله ‪.‬‬

‫ماهي القرارات التأديبية المدرسية؟‬


‫التأديب المدرسي آلية تربوية وقانونية شرعية‪ ،‬غايتها تكريس “أخالقيات المدرسة”‪ ،‬ونبذ السلوكات الالمدنية‪،‬‬
‫والممارسات المشينة التي يمكن أن تصدر عن المتعلمين داخل المؤسسة التعليمية‪ ،‬وتؤثر سلبا على وضعيتها‬
‫االعتبارية والرمزية في محيطها؛ وتحول دون تحقيق وظائفها في تأمين ظروف جيدة للتعلم‪ ،‬وممارسة أنشطة‬
‫الحياة المدرسية داخل الفصول الدراسية‪ ،‬وفضاءات المؤسسة التعليمية؛ وكذا‪“ ،‬التنشئة االجتماعية على قيم‬
‫المواطنة واالنفتاح والتواصل والسلوك المدني”‪ ،‬و “تحقيق االندماج الثقافي للمتعلم‪ ،‬وتيسير اندماجه وتفاعله‬
‫اإليجابي مع محيطه”‪ ،‬كما نصت على ذلك المادة الخامسة من القانون اإلطار‪.‬‬
‫إن التأديب بهذا المعنى واحد من المداخل التربوية األساس إلرساء مبادئ احترام قيم المؤسسة‪ ،‬ورعاية حرمتها‪،‬‬
‫وااللتزام بالقواعد الضابطة لعالقات المتعلمين بالمؤسسة‪ ،‬وممتلكاتها‪ ،‬وتجهيزاتها؛ والتوقير واالحترام الواجبين‬
‫للفاعلين التربويين واإلداريين بها‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬على أساس تعاقد ُم صّرح‪ ،‬و ُم لتَزم به مسبقا‪ ،‬يوجب مساءلة‬
‫ومحاسبة الُمِخ ّل بمقتضياته‪.‬‬
‫غير أن جل الفاعلين التربويين ال ينظرون‪ ،‬اآلن‪ ،‬بعين الرضا إلى أهمية التأديب في إحداث األثر اإليجابي‬
‫المنشود على العالقات التربوية داخل المؤسسة التعليمية‪ ،‬بسبب ما أقرته المذكرة الوزارية رقم ‪ 867‬ـ ‪ 14‬بتاريخ‬
‫‪ 17‬أكتوبر ‪“ 2014‬بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس األقسام”‪ ،‬من “عقوبات بديلة للتوقيف‬
‫المؤقت” في تدبير مخالفات المتعلمين لمقتضيات األنظمة الداخلية بمؤسساتهم‪ .‬وهو ما يدعو إلى إثارة الموضوع‬
‫من جديد‪ ،‬قصد تجنيب المؤسسات التعليمية‪ ،‬والفاعلين التربويين إقرار “تصرفات إدارية بديلة” قد يشوبها‬
‫“تجاوز في استعمال السلطة”‪ ،‬أو الخروج عن النصوص والمرجعيات الكبرى المنظمة للحق في التمدرس‪،‬‬
‫وإعمال مبادئ “سيادة القانون‪ ،‬والمساواة أمامه‪ ،‬وضرورة االمتثال له” المنصوص عليها دستوريا‪ ،‬من جهة؛‬
‫وإرساء واجب احترام المؤسسة بكل مكوناتها‪ ،‬وتحصين قراراتها التربوية واإلدارية ومصداقيتها‪ ،‬من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫مصدر القرارالتأديبي المدرسي ‪:‬‬
‫خص المشرع “المجلس التأديبي” ـ منذ خمسين سنة ونيف ـ بسلطة إصدار القرار التأديبي ‪ ،‬من خالل إسناد‬
‫مجموعة من المهام إلى المجلس الداخلي سابقا‪ ،‬من بينها” وضع النظام الداخلي للمؤسسة‪ ،‬واالجتماع “في شكل‬
‫هيئة تأديبية” طبقا للفصل الثالث عشر من المرسوم رقم ‪ 2.72.113‬بتاريخ ‪ 11‬فبراير ‪ ،1972‬بمثابة النظام‬
‫األساسي بمؤسسات التعليم الثانوي”؛ وهو األمر الذي أثبته ـ بشكل واضح ـ القرار الوزيري رقم ‪ 72.142‬بتاريخ‬
‫‪ 21‬فبراير ‪ ،1972‬المتعلق “بتعيين ممثلي رجال التعليم وموظفي الحراسة في حظيرة المجالس الداخلية‬
‫لمؤسسات التعليم الثانوي‪ ،‬وبكيفيات تسيير هذه المجالس”‪ ،‬من خالل إقرار “مشاركة المجلس الداخلي في‬
‫المحافظة على النظام في شكل مجلس تأديبي”‪ ،‬عبر ثالث اجتماعات دورية خالل السنة‪ ،‬مخصصة لالطالع على‬
‫“الحالة األدبية للمؤسسة”؛ مع إمكانية استدعائه من لدن رئيس المؤسسة “إلبداء رأيه في مسألة تأديبية خاصة”‬
‫والتنصيص على عدم جواز “طرد تلميذ بصفة نهائية”‪ ،‬من لدن مدير المؤسسة‪ ،‬دون موافقة المجلس الداخلي‪،‬‬
‫طبقا للفصل العاشر من القرار المذكور‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مذكرة وزارية سابقة في الموضوع‪ ،‬تحمل رقم ‪ 19‬بتاريخ ‪ 4‬يناير ‪ ،1969‬دعت إلى عدم‬
‫تسجيل قرارات “المجلس التأديبي” على الوثائق المدرسية (الملفات‪ ،‬والسجالت‪ ،‬والشهادات المدرسية) إال في‬
‫حالة “الطرد النهائي” للتلميذ من مؤسسته‪ ،‬وتدوين عبارة “يطرد من المؤسسة ألسباب تأديبية”‪ .‬وقد نحت المذكرة‬
‫الوزارية رقم ‪ 166‬بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ 1983‬في موضوع “النظام الداخلي للمؤسسات اإلعدادية والثانوية”‬
‫بتأكيدها ـ في باب “المكافآت والتأديب” على تعريض التلميذ “لإلجراءات المنصوص عليها” من لدن المجلس‬
‫التأديبي تحت مسمى” مجلس االنضباط” الذي ظل متداوال في األوساط التربوية واإلدارية ردحا غير يسير من‬
‫الزمن‪.‬‬
‫غير أن المذكرة المشار إليها آنفا‪ ،‬أقرت بعض المخالفات‪ ،‬واإلجراءات التأديبية المقابلة لها‪ ،‬والشروع في تنفيذها‬
‫من لدن اإلدارة التربوية‪ ،‬ب”شكل انفرادي” فور ضبطها‪ ،‬دون الرجوع إلى “المجلس الداخلي” الذي يجتمع في‬
‫شكل “هيئة تأديبية”؛ ويتعلق األمر بمغادرة التلميذ القسم الداخلي دون إذن اإلدارة‪ ،‬فيفصل عن الداخلية مدة ثالثة‬
‫أيام دراسية ‪ ،‬وُيْبعُد عنها ـ في حالة العود ـ ثمانية أيام دراسية‪ ،‬قبل فصله نهائيا في المرة الثالثة‪.‬‬
‫وينطبق هذا التدرج الذي يأخذ فيه رئيس المؤسسة “بعين االعتبار ظروف التلميذ العائلية”‪ ،‬على التالميذ الذكور‬
‫دون اإلناث الالئي يتعرضن للفصل النهائي عن الداخلية بمجرد ما يغادرن الداخلية دون إذن اإلدارة‪ .‬ومعلوم أن‬
‫إجراءات من هذا النوع والحجم‪ ،‬ال تؤدي إلى الحرمان من خدمات الداخلية فحسب‪ ،‬بل إلى اإلقصاء المؤقت‪ ،‬أو‬
‫النهائي من الدراسة أيضا‪ ،‬بسبب ظروف األسر المغربية‪ ،‬وصعوبة إنفاقها على تمدرس أبنائها خارج القسم‬
‫الداخلي‪ ،‬يومئذ؛ وبعد المؤسسة اإلعدادية‪ ،‬والثانوية عن ُس ْك نياِت التالميذ المعنيين بالقرار‪ ،‬بوصفهم موجهين من‬
‫مدارس قروية‪ ،‬إلى مؤسسات ثانوية بالمجالين الحضري‪ ،‬أو شبه الحضري‪.‬‬
‫وال شك في أن “النظام الداخلي” المشار إلى تاريخه سابقا أصبح متجاوزا بفعل تراكم المكتسبات الحقوقية‬
‫العالمية‪ ،‬والمحلية‪ ،‬لفائدة الطفولة المغربية‪ ،‬وإصدار وزارة التربية الوطنية ثالثة أنظمة داخلية‪ ،‬على التوالي‪،‬‬
‫خالل سنوات ‪ ،2003‬و‪ ،2008‬و‪ ،2020‬تخلو من العقوبات سالفة الذكر؛ أو من خالل الدعوة إلى استبدال عقوبة‬
‫“التوقيف المؤقت” بالعقوبات البديلة المنصوص عليها في المذكرة الوزارية رقم ‪ 867‬ـ ‪ 14‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر‬
‫‪″2014‬غير الُم ْستحبة” من لدن الفاعلين التربويين واإلداريين بالمؤسسات التعليمية؛ وكذا التنصيص على‬
‫اختصاص “مجلس القسم” وحده (المادة ‪ 29‬من المرسوم رقم ‪ 1.2.376‬الصادر بتاريخ ‪ 17‬يوليوز ‪ 2002‬بشأن‬
‫النظام األساسي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي) باقتراح العقوبات التأديبية في حق التالميذ غير المنضبطين‬
‫وفق النظام الداخلي للمؤسسة”؛ في الوقت الذي خص فيه مجلس التدبير باقتراح “النظام الداخلي للمؤسسة في‬
‫إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬وعرضه على مصادقة مجلس األكاديمية الجهوية‬
‫للتربية والتكوين المعنية” طبقا للمادة الثامنة عشر من المرسوم نفسه‪.‬‬
‫ولعل التركيز على صيغة “اقتراح العقوبات التأديبية” السابقة‪ ،‬أو “صالحية اقتراح العقوبات التأديبية” حسب‬
‫منطوق المذكرة الوزارية رقم ‪ 867‬ـ ‪ 14‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪“ 2014‬بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف‬
‫مجالس األقسام “‪ ،‬دون بيان الجهة اإلدارية التي يمكنها إصدار قرار نهائي في المخالفة المعروضة‪ ،‬أو التصديق‬
‫على مقترحات مجلس القسم التأديبية‪ ،‬على غرار المجالس التأديبية للموظفين‪ ،‬ال يمنح مجالس األقسام الصفة‬
‫التقريرية النهائية بصفة مطلقة‪ ،‬ويتيح ـ في الوقت نفسه ـ إمكان توجيه “رسائل التظلم‪ ،‬والطعون القانونية”‪ ،‬في‬
‫المقترحات الصادرة في حق التالميذ المخالفين‪ ،‬إلى الجهات اإلدارية‪ ،‬والقضائية المختصة؛ وهو أمر مشروع في‬
‫سياق إرساء “سيادة القانون”‪ ،‬وتعليل القرارات السلبية‪.‬‬
‫‪ :‬أصناف العقوبات التأديبية المدرسية‬
‫أقر المشرع ـ منذ إرساء آلية التأديب المدرسي ـ ثالثة أصناف من القرارات التأديبية يمكن توظيف أحدها في‬
‫تهذيب سلوك اليافعين غير المنضبطين لألنظمة الداخلية بمؤسساتهم‪ ،‬حسب جسامة األفعال المنسوبة إلى كل واحد‬
‫منهم على حدة؛ وهي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ التوقيف النهائي عن الدراسة‪ ،‬أو “الطرد النهائي من المؤسسة”‪ ،‬و الطرد النهائي من القسم الداخلي كما كان‬
‫يسمى في المراجع التي أشرنا إليها سابقا؛ وأحالت عليه المذكرة الوزارية رقم ‪ 867‬ـ ‪ 14‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر‬
‫‪“ 2014‬بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس األقسام “في الفقرة الثانية منها‪ ،‬دون أن تنص ـ‬
‫تصريحا أو تلميحا ـ على إلغائها‪ ،‬أو نسخ أصولها؛ كما يعتقد عدد كبير من الفاعلين التربويين‪ .‬وقد لجأت إليه في‬
‫السنوات األخيرة إحدى المؤسسات الثانوية التأهيلية تحت مسمى “الفصل عن الدراسة”‪ ،‬في نازلة اعتداء “مقرون‬
‫بالضرب والجرح” حسب بالغ اصدرته المديرية اإلقليمية التي وقع االعتداء على أستاذ عامل بإحدى المؤسسات‬
‫التابعة لها‪ ،‬بتاريخ ‪ 7‬نونبر ‪.2017‬‬
‫‪ 2‬ـ التوقيف المؤقت عن الدراسة‪ :‬يقصد بالعبارة حرمان المتعلم وإقصاؤه مؤقتا من الخدمات التربوية والتكوينية‪،‬‬
‫وخدمات اإليواء واإلطعام‪ ،‬التي تقدمها المؤسسة بالقسمين الخارجي أو الداخلي‪ ،‬خالل فترة محددة ال تقل عن‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬وال تتجاوز شهرا واحدا‪ ،‬حسب جسامة المخالفة المرتكبة من لدنه‪ .‬ويمكن لإلدارة التربوية أن تتخذ هذا‬
‫القرار بشكل “انفرادي”‪ ،‬و داخل “المجلس التأديبي”‪ ،‬أيضا‪ ،‬بناء على تراتبية المخالفات المثبتة‪ ،‬والعقوبات التي‬
‫تقابلها‪ .‬فالتدبير اليومي للتغيبات الفردية ‪ ،‬مثال‪ ،‬ال يتطلب عقد اجتماع “المجلس التأديبي” بشكل يومي؛ بينما‬
‫تستدعي معالجة التصرفات‪ ،‬والسلوكات المشينة تدخل المجلس المذكور في اقتراح مدة التوقيف المؤقت التي‬
‫يراها مناسبة لألفعال الصادرة عن المتعلمين (التالميذ)‪ 3 .‬ـ العقوبات البديلة للتوقيف المؤقت‪ :‬ويمكن وصفها‬
‫ب”الجيل الثاني” من العقوبات‪ ،‬التي تم الشروع في تنفيذها ابتداء من سنة ‪ ،2014‬والتي أجملتها المذكرة‬
‫الوزارية رقم ‪ 867‬ـ ‪ 14‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪“ 2014‬بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس األقسام”‬
‫في‪“ :‬تنظيف ساحة ومرافق المؤسسة‪ ،‬وإنجاز أشغال البستنة‪ ،‬والقيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية كالتنظيف‬
‫وترتيب الكتب والمراجع‪ ،‬والمساعدة في األشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية‪،‬‬
‫والمساعدة في تحضير األنشطة الرياضية” واعتبرتها قرارات تأديبية‪ ،‬و”خدمات ذات نفع عام للمؤسسة” في اآلن‬
‫نفسه؛ داعية إلى “حفظ كرامة المتعلم‪ ،‬وسالمته الجسدية‪ ،‬ومالءمة العقوبات لسن المتعلم” أثناء تنفيذ العقوبة‬
‫المقترحة‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن إمكان اعتبار العقوبة التأديبية “خدمة ذات نفع عام”‪ ،‬والتسليم بذلك‪ ،‬وصعوبة مالءمتها‬
‫لمعايير السالمة الجسدية والنفسية للمتعلم أثناء القيام بها‪ ،‬وبعده؛ ومدى قابليتها للتنفيذ؛ فإن عددا من الفاعلين‬
‫التربويين واإلداريين يعتبرون “الجيل الثاني” من العقوبات عديم األثر على الحد من السلوكات الالمدنية‬
‫للمتعلمين‪ ،‬مستدلين على ذلك بحاالت االعتداء‪ ،‬والعنف اللذين تعرض لهما عدد من المدرسين واإلداريين خالل‬
‫الفترة األخيرة‪ .‬وجدير بالذكر أن “عقوبات التنبيه‪ ،‬واإلنذار‪ ،‬والتوبيخ” التي يتم توثيقها في بيانات النتائج الدراسية‬
‫للمتعلمين ليست تأديبية‪ ،‬الرتباطها بمدى تملك المهارات والمعارف‪ ،‬والكفايات الالزمة لالنتقال إلى مستوى‬
‫دراسي أعلى؛ باستثناء التنبيه الذي يمكن إصداره في وضعيتي التأديب‪ ،‬وتقويم المردودية التربوية معا‪ ،‬كما‬
‫نصت على ذلك األنظمة الداخلية السابقة للمؤسسات الثانوية في باب “المكافآت والتأديب”‪ ،‬والتي لم يأت على‬
‫ذكرها “مشروع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي‪ ،‬المتضمن لميثاق التالميذ”‪ ،‬المرفق‬
‫بالمراسلة الوزارية رقم ‪ 20‬ـ ‪ ،0346‬بتاريخ ‪ 5‬يونيو ‪ .2020‬يضاف إلى ذلك أن “تغيير المؤسسة” الذي تلجأ إليه‬
‫بعض المؤسسات الثانوية‪ ،‬ويقبل به بعض اآلباء؛ مع إثباته في وثيقة رسمية (السجل العام‪ ،‬أو شهادة المغادرة‬
‫مثال) ال أثر له في النصوص التنظيمية السابقة؛ ومن ثم يمكن اعتباره “تصحيفا” لقرار الطرد النهائي المصحوب‬
‫بإمكان قبول مدير مؤسسة ثانية إعادة تسجيل التلميذ المطرود ألسباب تأديبية بها‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك سابقا‪،‬‬
‫بإحالل “تغيير المؤسسة” محل قرار “الطرد النهائي”‪.‬‬
‫القواعد الضابطة للقرار المدرسي التأديبي ‪:‬‬

‫ما من شك في أن إعداد قائمة ب”الممنوع‪ ،‬والمرفوض” من التصرفات‪ ،‬واألفعال ـ بشكل سابق عن هذه‬
‫التصرفات واألفعال ـ وتدقيق ما يناسبهما من عقوبات؛ والتصديق عليها من لدن السلطة التربوية المختصة؛‬
‫والتعاقد بشأنها بين مكونات المدرسة جميعها‪ ،‬باعتبارها وثيقة مرجعية مشتركة بين كافة المتدخلين؛ إجراءات‬
‫أولى من شأنها تيسير اقتراح‪ ،‬واستصدار قرار تأديبي سليم من المنظورين التربوي والقانوني‪ ،‬غايته تكريس‬
‫“أخالقيات المدرسة”‪ ،‬وحماية وضعيتها االعتبارية والرمزية داخل محيطها؛ والمساواة في العقاب بين المتعلمين‪،‬‬
‫وحمايتهم ‪ ،‬أيضا‪ ،‬من الشطط في استعمال السلطة‪ ،‬واحتمال عدم اإلنصاف‪.‬‬
‫وما من شك‪ ،‬أيضا‪ ،‬في أن “مجلس القسم المنعقد ألسباب تأديبية” هو الجهاز الوحيد الذي أوكل إليه المشرع مهمة‬
‫التأديب المدرسي؛ ولم يشترط تفويض قراراته إلى المجالس األخرى‪ ،‬أو التصديق عليها من لدن مجلس التدبير‪،‬‬
‫كما هو الشأن بالنسبة إلى المجالس التربوية والتعليمية‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 18‬من المرسوم ‪ 2.02.376‬بتاريخ ‪17‬‬
‫يوليوز ‪ ،2002‬التي أكدت ـ في الوقت نفسه ـ إطالع مجلس التدبير “على قرارات المجالس األخرى‪ ،‬ونتائج‬
‫أعمالها‪ ،‬واستغالل معطياتها للرفع من مستوى التدبير التربوي و اإلداري والمالي للمؤسسة”‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن مجلس القسم يتكون ـ وجوبا ـ من اإلدارة التربوية‪ ،‬وجميع مدرسي القسم الواحد‪ ،‬والمستشار في‬
‫التوجيه التربوي‪ ،‬وممثل جمعية اآلباء؛ يضاف إليهم ” ممثل عن تالميذ القسم المعنى يختار من بين زمالئه” في‬
‫حالة اجتماعه كهيئة تأديبية‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 30‬من المرسوم سالف الذكر‪.‬‬
‫ومن المعلوم أيضا‪ ،‬أن اإلدارة التربوية تقوم بمجموعة من اإلجراءات التحضيرية لعقد مجلس القسم المجتمع‬
‫ألسباب تأديبية‪ ،‬يمكن اعتبارها شروطا الزمة لتحقق شرعية القرار التأديبي؛ من بينها إعداد تقرير عن الوقائع‬
‫المادية الملموسة موضوع التأديب‪ ،‬وظروفها‪ ،‬ومكانها‪ ،‬واألسباب المؤدية إلى حدوثها‪ ،‬ومطابقتها للمخالفات‬
‫المنصوص عليها في النظام الداخلي للمؤسسة؛ وكذا استدعاء المتعلم‪ ،‬وولي أمره كتابة‪ ،‬واالستماع إلى روايته‬
‫عن األفعال المنسوبة إليه‪ ،‬وتمكينه من الوسائل القانونية للدفاع عن نفسه؛ خاصة أنه ال يوجد مانع قانوني‪ ،‬أو‬
‫تربوي من االستماع إليه‪ ،‬واستفساره عن المنسوب إليه ـ بحضور ولي أمره ـ من لدن أعضاء مجلس القسم‪ ،‬الذين‬
‫يقوم السواد األعظم منهم بتدريسه‪ ،‬ورعايته طيلة أيام األسبوع التربوي‪.‬‬
‫َل‬‫ّث‬
‫ومن ثّم َة‪ ،‬فإن اإلخالل بإحدى القواعد السابقة‪ ،‬وعلى رأسها مبدأ “ال عقوبة إال بنص”‪ ،‬أو إقصاء فئة ُم م ة بقوة‬
‫القانون؛ أو اقتراح العقوبة التأديبية من جهة أخرى غير مجلس القسم؛ و عدم مراعاة مقتضيات النصوص‬
‫المؤسسة إللزامية التعليم‪ ،‬وانعدام تعليل القرارات السلبية الذي يعني قيام اإلدارة ” باإلفصاح كتابة في صلب هذه‬
‫القرارات عن األسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها” (المادة األولى من القانون رقم ‪ 03.01‬بشأن إلزام‬
‫اإلدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية)‪ ،‬يجعل القرار “َم عيبا من‬
‫حيث الشكل”‪ ،‬ويمكن أن يؤدي إلى بطالن أثَر ْيِه التربوي واإلداري‪.‬‬
‫من المؤكد‪ ،‬إذن‪ ،‬أن الغاية من “التأديب المدرسي” تتحقق باحترام القواعد‪ ،‬والضمانات القانونية المؤطرة للعالقة‬
‫التربوية بين مختلف المتدخلين؛ لكن المؤكد أيضا‪ ،‬أن تبني الخيار التربوي في معالجة الوقائع الحادثة‪ ،‬والوقاية‬
‫من المحتمل منها‪ ،‬ذو تأثير هام على تعديل سلوك اليافعين‪ ،‬وتيسير اندماجهم في الوسط المدرسي‪.‬‬

You might also like