Professional Documents
Culture Documents
Document
Document
ويحتل موضوع تأديب الموظفين أهمية بالغة في الوقت الراهن ،وعلى ذلك أنه ال يمكن أن تعمل الدولة على
تحقيق سياستها وأهدافها ،إال عبر جهاز إداري على قدر عال من الكفاءة اإلدارية واألخالقية .ويعتبر التأديب في
المجال اإلداري وسيلة لضمان احترام قواعد النظام الوظيفي وتحقيق السير المنتظم والفعال للمرافق العمومية ،
فهو بذلك إجراء تنظيمي خاص بالوحدات اإلدارية ،ناشئ ومرتب على رابطة التوظيف القائمة بين الموظف
والجهات اإلدارية المنتمي إليها ،وبهذا نستنتج بأن التأديب يرتبط ارتباطا مباشرا بوجود عالقة وظيفية بين
الموظف والمرفق العمومي .وعليه ،يعد التأديب "إجراءا قانونيا لضمان التزام الموظف بواجباته الوظيفية ،
وتوقيع العقوبات التأديبية عليه في حاالت إخالله بهذه الواجبات ،وتقدير مظاهر هذا اإلخالل هو من صميم
اختصاص السلطة اإلدارية والعقوبة التأديبية إذا ما وقعت على الموظف تحدث آثارا تشتد أو تخف حدتها وفقا
لشدة هذه العقوبة ،والتي قد تأثر في حياة الموظف األسرية ومساره المهني أو الوظيفي ،وفي هذه الحالة خول
المشرع المغربي ،كباقي التشريعات التأديبية المعاصرة ،ضمانات تأديبية من خاللها تحقيق العدالة وتوفير األمن
في إجراءات الضمانات التأديبية ..فاذا كانت سلطة التأديب ضرورية لسيادة النظام داخل مرافق الدولة ،
1ـ التوقيف النهائي عن الدراسة ،أو “الطرد النهائي من المؤسسة” ،و الطرد النهائي من القسم الداخلي كما كان
يسمى في المراجع التي أشرنا إليها سابقا؛ وأحالت عليه المذكرة الوزارية رقم 867ـ 14بتاريخ 17أكتوبر
“ 2014بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس األقسام “في الفقرة الثانية منها ،دون أن تنص ـ
تصريحا أو تلميحا ـ على إلغائها ،أو نسخ أصولها؛ كما يعتقد عدد كبير من الفاعلين التربويين .وقد لجأت إليه في
السنوات األخيرة إحدى المؤسسات الثانوية التأهيلية تحت مسمى “الفصل عن الدراسة” ،في نازلة اعتداء “مقرون
بالضرب والجرح” حسب بالغ اصدرته المديرية اإلقليمية التي وقع االعتداء على أستاذ عامل بإحدى المؤسسات
التابعة لها ،بتاريخ 7نونبر .2017
2ـ التوقيف المؤقت عن الدراسة :يقصد بالعبارة حرمان المتعلم وإقصاؤه مؤقتا من الخدمات التربوية والتكوينية،
وخدمات اإليواء واإلطعام ،التي تقدمها المؤسسة بالقسمين الخارجي أو الداخلي ،خالل فترة محددة ال تقل عن
ثالثة أيام ،وال تتجاوز شهرا واحدا ،حسب جسامة المخالفة المرتكبة من لدنه .ويمكن لإلدارة التربوية أن تتخذ هذا
القرار بشكل “انفرادي” ،و داخل “المجلس التأديبي” ،أيضا ،بناء على تراتبية المخالفات المثبتة ،والعقوبات التي
تقابلها .فالتدبير اليومي للتغيبات الفردية ،مثال ،ال يتطلب عقد اجتماع “المجلس التأديبي” بشكل يومي؛ بينما
تستدعي معالجة التصرفات ،والسلوكات المشينة تدخل المجلس المذكور في اقتراح مدة التوقيف المؤقت التي
يراها مناسبة لألفعال الصادرة عن المتعلمين (التالميذ) 3 .ـ العقوبات البديلة للتوقيف المؤقت :ويمكن وصفها
ب”الجيل الثاني” من العقوبات ،التي تم الشروع في تنفيذها ابتداء من سنة ،2014والتي أجملتها المذكرة
الوزارية رقم 867ـ 14بتاريخ 17أكتوبر “ 2014بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس األقسام”
في“ :تنظيف ساحة ومرافق المؤسسة ،وإنجاز أشغال البستنة ،والقيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية كالتنظيف
وترتيب الكتب والمراجع ،والمساعدة في األشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية،
والمساعدة في تحضير األنشطة الرياضية” واعتبرتها قرارات تأديبية ،و”خدمات ذات نفع عام للمؤسسة” في اآلن
نفسه؛ داعية إلى “حفظ كرامة المتعلم ،وسالمته الجسدية ،ومالءمة العقوبات لسن المتعلم” أثناء تنفيذ العقوبة
المقترحة.
وبصرف النظر عن إمكان اعتبار العقوبة التأديبية “خدمة ذات نفع عام” ،والتسليم بذلك ،وصعوبة مالءمتها
لمعايير السالمة الجسدية والنفسية للمتعلم أثناء القيام بها ،وبعده؛ ومدى قابليتها للتنفيذ؛ فإن عددا من الفاعلين
التربويين واإلداريين يعتبرون “الجيل الثاني” من العقوبات عديم األثر على الحد من السلوكات الالمدنية
للمتعلمين ،مستدلين على ذلك بحاالت االعتداء ،والعنف اللذين تعرض لهما عدد من المدرسين واإلداريين خالل
الفترة األخيرة .وجدير بالذكر أن “عقوبات التنبيه ،واإلنذار ،والتوبيخ” التي يتم توثيقها في بيانات النتائج الدراسية
للمتعلمين ليست تأديبية ،الرتباطها بمدى تملك المهارات والمعارف ،والكفايات الالزمة لالنتقال إلى مستوى
دراسي أعلى؛ باستثناء التنبيه الذي يمكن إصداره في وضعيتي التأديب ،وتقويم المردودية التربوية معا ،كما
نصت على ذلك األنظمة الداخلية السابقة للمؤسسات الثانوية في باب “المكافآت والتأديب” ،والتي لم يأت على
ذكرها “مشروع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي ،المتضمن لميثاق التالميذ” ،المرفق
بالمراسلة الوزارية رقم 20ـ ،0346بتاريخ 5يونيو .2020يضاف إلى ذلك أن “تغيير المؤسسة” الذي تلجأ إليه
بعض المؤسسات الثانوية ،ويقبل به بعض اآلباء؛ مع إثباته في وثيقة رسمية (السجل العام ،أو شهادة المغادرة
مثال) ال أثر له في النصوص التنظيمية السابقة؛ ومن ثم يمكن اعتباره “تصحيفا” لقرار الطرد النهائي المصحوب
بإمكان قبول مدير مؤسسة ثانية إعادة تسجيل التلميذ المطرود ألسباب تأديبية بها ،كما أشرنا إلى ذلك سابقا،
بإحالل “تغيير المؤسسة” محل قرار “الطرد النهائي”.
القواعد الضابطة للقرار المدرسي التأديبي :
ما من شك في أن إعداد قائمة ب”الممنوع ،والمرفوض” من التصرفات ،واألفعال ـ بشكل سابق عن هذه
التصرفات واألفعال ـ وتدقيق ما يناسبهما من عقوبات؛ والتصديق عليها من لدن السلطة التربوية المختصة؛
والتعاقد بشأنها بين مكونات المدرسة جميعها ،باعتبارها وثيقة مرجعية مشتركة بين كافة المتدخلين؛ إجراءات
أولى من شأنها تيسير اقتراح ،واستصدار قرار تأديبي سليم من المنظورين التربوي والقانوني ،غايته تكريس
“أخالقيات المدرسة” ،وحماية وضعيتها االعتبارية والرمزية داخل محيطها؛ والمساواة في العقاب بين المتعلمين،
وحمايتهم ،أيضا ،من الشطط في استعمال السلطة ،واحتمال عدم اإلنصاف.
وما من شك ،أيضا ،في أن “مجلس القسم المنعقد ألسباب تأديبية” هو الجهاز الوحيد الذي أوكل إليه المشرع مهمة
التأديب المدرسي؛ ولم يشترط تفويض قراراته إلى المجالس األخرى ،أو التصديق عليها من لدن مجلس التدبير،
كما هو الشأن بالنسبة إلى المجالس التربوية والتعليمية ،طبقا للمادة 18من المرسوم 2.02.376بتاريخ 17
يوليوز ،2002التي أكدت ـ في الوقت نفسه ـ إطالع مجلس التدبير “على قرارات المجالس األخرى ،ونتائج
أعمالها ،واستغالل معطياتها للرفع من مستوى التدبير التربوي و اإلداري والمالي للمؤسسة”.
ومن المعلوم أن مجلس القسم يتكون ـ وجوبا ـ من اإلدارة التربوية ،وجميع مدرسي القسم الواحد ،والمستشار في
التوجيه التربوي ،وممثل جمعية اآلباء؛ يضاف إليهم ” ممثل عن تالميذ القسم المعنى يختار من بين زمالئه” في
حالة اجتماعه كهيئة تأديبية ،طبقا للمادة 30من المرسوم سالف الذكر.
ومن المعلوم أيضا ،أن اإلدارة التربوية تقوم بمجموعة من اإلجراءات التحضيرية لعقد مجلس القسم المجتمع
ألسباب تأديبية ،يمكن اعتبارها شروطا الزمة لتحقق شرعية القرار التأديبي؛ من بينها إعداد تقرير عن الوقائع
المادية الملموسة موضوع التأديب ،وظروفها ،ومكانها ،واألسباب المؤدية إلى حدوثها ،ومطابقتها للمخالفات
المنصوص عليها في النظام الداخلي للمؤسسة؛ وكذا استدعاء المتعلم ،وولي أمره كتابة ،واالستماع إلى روايته
عن األفعال المنسوبة إليه ،وتمكينه من الوسائل القانونية للدفاع عن نفسه؛ خاصة أنه ال يوجد مانع قانوني ،أو
تربوي من االستماع إليه ،واستفساره عن المنسوب إليه ـ بحضور ولي أمره ـ من لدن أعضاء مجلس القسم ،الذين
يقوم السواد األعظم منهم بتدريسه ،ورعايته طيلة أيام األسبوع التربوي.
َلّث
ومن ثّم َة ،فإن اإلخالل بإحدى القواعد السابقة ،وعلى رأسها مبدأ “ال عقوبة إال بنص” ،أو إقصاء فئة ُم م ة بقوة
القانون؛ أو اقتراح العقوبة التأديبية من جهة أخرى غير مجلس القسم؛ و عدم مراعاة مقتضيات النصوص
المؤسسة إللزامية التعليم ،وانعدام تعليل القرارات السلبية الذي يعني قيام اإلدارة ” باإلفصاح كتابة في صلب هذه
القرارات عن األسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها” (المادة األولى من القانون رقم 03.01بشأن إلزام
اإلدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية) ،يجعل القرار “َم عيبا من
حيث الشكل” ،ويمكن أن يؤدي إلى بطالن أثَر ْيِه التربوي واإلداري.
من المؤكد ،إذن ،أن الغاية من “التأديب المدرسي” تتحقق باحترام القواعد ،والضمانات القانونية المؤطرة للعالقة
التربوية بين مختلف المتدخلين؛ لكن المؤكد أيضا ،أن تبني الخيار التربوي في معالجة الوقائع الحادثة ،والوقاية
من المحتمل منها ،ذو تأثير هام على تعديل سلوك اليافعين ،وتيسير اندماجهم في الوسط المدرسي.