You are on page 1of 6

‫األستاذة‪ :‬مهيدي سوماية‬

‫المحور الثالث‪ :‬اإلجراءات التأديبية الخاصة بالموظف العمومي‬


‫المطلب األول ‪:‬السلطة المختصة بتوقيع الجزاء‬
‫لقد سبق الحدیث عن األخطاء الوظیفیة التي قد یرتكبها الموظف‪ ،‬والجزاءات المترتبة‬
‫عن هذه األخطاء‪ ،‬وهنا یثور التساؤل حول السلطة التي لها الحق في توقیع الجزاء على‬
‫الموظف المخطئ‪.‬‬
‫الفرع األول ‪:‬مدلول السلطة التأديبية‬
‫أوال ‪:‬تعريف السلطة التأديبية ‪:‬یقصد بالسلطة التأدیبیة تلك الجهة التي عینها المشرع‬
‫لتطبیق العقوبات التأدیبیة المنصوص علیها في التشریع المتعلق بالوظیفة العامة‪ ،‬بحیث أنه‬
‫ال یجوز ألیة جهة أخرى ممارسة هذا االختصاص إال بتفویض من تلك الجهة وطبقا‬
‫للضوابط والشروط القانونیة للتفویض ‪.‬‬
‫إذن السلطة التأدیبیة‪ ،‬هي الجهة أو الهیئة التي خولها القانون صالحیة توقیع العقوبة‬
‫التأدیبیة على الموظفین الذین یرتكبون األخطاء المهنیة وذلك بهدف تحقیق النظام داخل‬
‫المرافق العامة وكفالة حسن سیرها بانتظام واضطراد ‪.‬‬
‫والسلطة التأدیبیة‪ ،‬أو الجهة التي تملك حق التأدیب ال تسیر على نفس المنوال فهي تختلف‬
‫باختالف األنظمة القانونیة‪ ،‬فبعض األنظمة تعهد بهذه السلطة إلى جهة اإلدارة كالرئیس‬
‫اإلداري‪ ،‬ومنها ما تعهد به إلى جهة القضاء‪ ،‬ومنها ما تعهد بها إلى نظام مختلط بین‬
‫النظامین السابقین‪ ،‬وهو ما یعرف بالنظام شبه القضائي‪.‬‬
‫بالنسبة للمشرع الجزائري في هذا المجال فقد منح للهیئة المستخدمة أو ممثلها المرخص‬
‫له قانونا‪ ،‬حق تسلیط الجزاء التأدیبي على الموظف المذنب‪ ،‬إال أنه لم یترك ممارسة هذا‬
‫الحق للسلطة الرئاسیة وحدها وإنما جعل هیئة أخرى تشاركها في ممارسته‪ ،‬وذلك حسب‬
‫أهمیة العقوبة التي تنوي اإلدارة تسلیطها على الموظف‪ ،‬فیكون المشرع الجزائري إذن قد‬
‫أخذ بالنظام الرئاسي وادخل علیه بعض التعدیالت إیمانا منه بضرورة حمایة المرفق من‬
‫جهة وضرورة توفیر ضمانات فعالة للموظف من جهة أخرى ‪.‬‬
‫األستاذة‪ :‬مهيدي سوماية‬

‫ثانيا ‪:‬وظائف السلطة التأديبية ‪:‬تقوم السلطة التأدیبیة بدورین رئیسین ‪:‬‬
‫یتمثل الدور األول في تحدید الجریمة التأدیبیة من حیث اعتبار أو عدم اعتبار األفعال‬
‫والتصرفات المرتكبة من قبل الموظف العام خطأ تأدیبیا یعاقب علیه القانون‪ ،‬تبعا لما‬
‫ینطوي علیه هذا التصرف من اعتداء أو عدم اعتداء على النظام المقرر في نطاق جماعة‬
‫بذاتها‪.‬‬
‫أما الدور الثاني فیتمثل في اختیار العقوبة المناسبة من بین العقوبات التي حددها المشرع‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬سلطة التأديب في ظل األمر ‪03/06‬‬
‫لم یأخذ المشرع الجزائري في إطار التأدیب بالنظام اإلداري وال بالنظام القضائي‪،‬‬
‫وإنما انتهج ما یعرف بالنظام شبه القضائي سواء في األمر‪ 133/66‬أو المرسوم رقم ‪/85‬‬
‫‪ 59‬و حتى األمر األخیر ‪ 03/06‬ساري المفعول مع إدخال بعض التعدیالت البسیطة في‬
‫هذا المجال ‪.‬‬
‫ویتجلى هذا النظام بتخویل سلطة توقیع بعض العقوبات التأدیبیة إلى السلطة اإلداریة‬
‫الرئاسیة‪ ،‬وإحالة البعض األخر إلى المجالس التأدیبیة‪ ،‬وهذا ما یعتبر أول خصوصیات‬
‫النظام شبه القضائي للتأدیب بشأن رسم العالقة بین الرئیس اإلداري والمجالس التأدیبیة‪،‬‬
‫بمناسبة ممارسة حق التأدیب ‪.‬‬
‫فیكون بذلك المشرع الجزائري قد أناط اإلختصاص في إصدار القرار التأدیبي‬
‫المتضمن العقوبات التأدیبیة لجهتین هما ‪ :‬السلطة الرئاسیة ومجالس التأدیب‪.‬‬
‫أوال ‪:‬السلطة الرئاسية (الرئيس اإلداري)‪ :‬إن سلطة التأدیب في الوظیفة العمومیة هي جزء‬
‫من السلطة الرئاسیة ومظهر من مظاهرها‪ ،‬كما أن اختصاص الرؤساء اإلداریین بسلطة‬
‫التأدیب في الوظیفة العامة هو إختصاص أصیل یمارسه الرؤساء على أشخاص مرؤوسیهم‬
‫داخل اإلدارة إذا اقتضى األمر‪ ،‬من أجل ضمان حسن سیر المرافق العامة بانتظام‬
‫واضطراد‪ ،‬وهذا عمال بمبدأ تالزم المسؤولیة والسلطة‪ ،‬الذي یقرر أنه ال مسؤولیة بدون‬
‫سلطة وال سلطة بدون مسؤولیة ‪.‬‬
‫األستاذة‪ :‬مهيدي سوماية‬

‫فاإلجراءات التأدیبیة تنطلق من الرئیس اإلداري الذي یعتبر محركها‪ ،‬وإن كان ال ینفرد‬
‫إال بتوقیع العقوبات التي هي لیست على درجة من الشدة وهو ما سیتم بیانه كاآلتي‪:‬‬
‫‪ :/1‬اتخاذ اإلجراء التأديبي من قبل سلطة التعيين ‪:‬لقد خص المشرع الجزائري السلطة‬
‫التي لها صالحیة التعیین بتحریك دوالیب إتخاذ اإلجراءات التأدیبیة ‪.‬‬
‫وهذا یعني أن سلطة التأدیب في نظام تأدیب الوظیف العمومي الجزائري هي من اختصاص‬
‫السلطة الرئاسیة التي لها حق التعیین‪.‬‬
‫وحسب المادة ‪ 95‬من األمر ‪ 03/06‬المتضمن القانون األساسي العام للوظیفة العمومیة‬
‫فإنه ‪»:‬تعود صالحیة تعیین الموظف إلى السلطة المخولة بمقتضى القوانین والتنظیمات‬
‫المعمول بها«‬
‫وإذا كانت السلطة المختصة بإتخاذ العقوبات التأدیبیة هي السلطة التي لها حق التعیین‪ ،‬فإنه‬
‫ال مانع من تفویض سلطة التعیین وما یترتب عنه من تفویض سلطة التأدیب‪.‬‬
‫‪ :/2‬نطاق اختصاص الرئيس اإلداري ‪:‬لقد أطلق المشرع الجزائري ید السلطة الرئاسیة‬
‫اإلداریة في توقیع العقوبات التأدیبیة ‪ ،‬غیر أنه میز حسب األمر ‪ 03/06‬بین عقوبات‬
‫الدرجة األولى والثانیة من جهة وعقوبات الدرجة الثالثة والرابعة من جهة أخرى‪.‬‬
‫أ – عقوبات الدرجة األولى والثانية ‪:‬حسب المادة ‪ 165‬من األمر ‪ 03/06‬فإنه تتخذ‬
‫السلطة التي لها صالحیة التعیین بقرار مبرر‪ ،‬العقوبات التأدیبیة من الدرجة األولى والثانیة‬
‫بعد حصولها على توضیحات كتابیة من المعني‪ ،‬فهنا المشرع لم یلزم السلطة الرئاسیة‬
‫اإلداریة باستشارة أي هیئة‪ ،‬وربما یرجع ذلك لقلة أهمیة وبساطة هذه العقوبات ‪.‬‬
‫ب – عقوبات الدرجة الثالثة والرابعة ‪:‬أما بالنسبة لهاته العقوبات فتتخذها السلطة المكلفة‬
‫بالتعیین بقرار مبرر‪ ،‬بعد اخذ الرأي الملزم للجنة اإلداریة المتساویة األعضاء المنعقدة‬
‫كمجلس تأدیبي‪ ،‬والتي یجب أن تبت في القضیة المطروحة علیها في أجل ال یتجاوز خمسة‬
‫وأربعین یوما ) ‪ ( 45‬من تاریخ إخطارها ‪.‬‬
‫وهنا قد وفر المشرع للموظف المعني بعقوبات الدرجة الثالثة والرابعة ضمانة القرار‬
‫الجماعي فكأننا أمام محكمة تأدیبیة ذات تشكیلة جماعیة ‪.‬‬
‫األستاذة‪ :‬مهيدي سوماية‬

‫وقد رتب األمر ‪ 03/06‬بموجب المادة ‪ 166‬منه أثرا أو جزاءا سلبیا في حال عدم‬
‫مراعاة أجل إحالة الملف التأدیبي على اللجنة اإلداریة المتساویة األعضاء وهو خمسة و‬
‫أربعین یوما ) ‪ ( 45‬متمثل في سقوط الخطأ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬مجالس التأديب ‪:‬لقد أنشأ المشرع الجزائري إلى جانب السلطة الرئاسیة التأدیبیة‬
‫هیئات على مستوى كل سلك إداري تشاركها في اتخاذ القرارات التأدیبیة‪ ،‬إذا ما تعلق األمر‬
‫بعقوبات على درجة من الشدة وقد أطلق علیها األمر رقم ‪ 03/06‬تسمیة" اللجنة اإلداریة‬
‫المتساویة األعضاء"‪ ،‬وهذه اللجان أو المجالس عبارة عن تشكیلة متساویة األعضاء من‬
‫ممثلین عن اإلدارة وممثلین عن الموظفین یرأسها أحد اإلداریین‪.‬‬
‫وقد صدر بشأنها المرسوم ‪ 11/84‬الذي یحدد كیفیات تعیین ممثلین عن الموظفین في‬
‫اللجان المتساویة األعضاء‪.‬‬
‫كما أصدرت المدیریة العامة للوظیفة العمومیة نصوص تفسیریة متعلقة باللجان اإلداریة‬
‫المتساویة األعضاء ‪.‬‬
‫وقد اعتبر الدكتور محمد أنس قاسم أنه بوجود اللجان المتساویة األعضاء أخذ المشرع‬
‫الجزائري بمبدأ دیمقراطیة اإلدارة وحق الموظفین في المشاركة في تنظیم أمورهم وما‬
‫یصدر بشأنهم من قرارات عن طریق هذه اللجان ‪.‬‬
‫وإذا كان المشرع قد جسد منطق الضمان عند إنشائه اللجان اإلداریة المتساویة‬
‫األعضاء إلى جانب الرئیس اإلداري اللذان یجتمعان كمجلس تأدیبي‪ ،‬حیث ال یسع الرئیس‬
‫اإلداري اإلنفراد بتوقیع العقوبات التي هي على درجة من الخطورة‪ ،‬لیصبح من الضروري‬
‫د راسة هذا األخیر – المجلس التأدیبي – على مستویین‪ ،‬اإلطار العضوي الذي رصده له‬
‫المشرع واإلطار الوظیفي كإختصاص محدد على سبیل الحصر كما یلي‪:‬‬
‫‪ /1‬اإلطار العضوي ‪:‬وفي إنتظار صدور النصوص التنظیمیة المحددة إلختصاصات هذه‬
‫اللجنة وتشكیلها وتنظیمها وسیرها ونظامها الداخلي والنموذجي وكیفیة سیر االنتخابات كما‬
‫نصت على ذلك المادة ‪ 73‬من األمر ‪ 03/06‬یبقى العمل ساریا بالنصوص التنظیمیة‬
‫السابقة‪ ،‬خاصة المرسوم ‪ 10/84‬و ‪ 11/84‬والتعلیمات الصادرة عن المدیریة العامة‬
‫للوظیفة العمومیة‪.‬‬
‫األستاذة‪ :‬مهيدي سوماية‬

‫فطبقا للمادة ‪ 5‬من المرسوم ‪ 10/84‬فإن عهدة أعضاء اللجنة المتساویة األعضاء هي‬
‫ثالث ) ‪ ( 03‬سنوات قابلة للتجدید‪ ،‬ویمكن تقصیر مدة العضویة أو تطویلها في فائدة‬
‫المصلحة‪ ،‬بقرار من الوالي بعد موافقة المدیریة العامة للوظیفة العمومیة‪.‬‬
‫حیث تتكون هذه اللجان على مستوى اإلدارة المركزیة والوالیات والمنشآت العامة‪،‬‬
‫بالتساوي من عدد من الموظفین یمثل العمال‪ ،‬وعدد آخر یمثل اإلدارة ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لرئاسة هذه اللجان فقد أنیط بها حسب ما نصت علیه المادة ‪ 63‬من‬
‫األمر‪ 03/06‬والمادة ‪ 11‬من المرسوم ‪ 10/84‬إلى السلطة التي وضعت على مستواها‪.‬‬
‫وهذا ما یجعلنا نتساءل عن قیمة هذه اللجان والفائدة من إنشائها مادام أن الرئیس ینتمي‬
‫إلى اإلدارة‪ ،‬وفي حالة تساوي األصوات یرجح صوته وهذا ما یجعل صوت الرئیس یخدم‬
‫دائما مصالح اإلدارة على حساب مصالح الموظف ‪.‬‬
‫‪ /2‬اإلطار الوظيفي ‪:‬نصت المادة ‪ 09‬من المرسوم رقم ‪ 10/84‬على أنه یمكن الرجوع‬
‫إلى اللجان المتساویة األعضاء في جمیع المسائل ذات الطابع الفردي‪ ،‬وحسب المادة ‪64‬‬
‫من األمر ‪03/06‬‬
‫‪»:‬تستشار اللجان اإلداریة المتساویة األعضاء في المسائل الفردیة التي تخص الحیاة‬
‫المهنیة للموظفین‪ ،‬وتجتمع زیادة على ذلك كلجنة ترسیم وكمجلس تأدیبي«‬
‫كما أن المشرع في األمر ‪ 03/06‬قد نص على إلزامیة األخذ برأي اللجنة اإلداریة‬
‫المتساویة األعضاء المجتمعة كمجلس تأدیبي‪ ،‬وذلك بقوله »تتخذ السلطة التي لها صالحیات‬
‫التعیین بقرار مبرر العقوبات التأدیبیة من الدرجة األولى والثانیة بعد حصولها على‬
‫توضیحات كتابیة من المعني‪ ،‬وتتخذ السلطة التي لها صالحیات التعیین العقوبات التأدیبیة‬
‫من الدرجة الثالثة والرابعة بقرار مبرر‪ ،‬بعد أخذ الرأي الملزم من اللجنة اإلداریة المتساویة‬
‫األعضاء المختصة‪ ،‬المجتمعة كمجلس تأدیبي "‬
‫فحسبه یصدر القرار التأدیبي المتضمن تأدیب الموظف العام‪:‬‬
‫أ – من السلطة اإلداریة الرئاسیة التأدیبیة من دون استشارة أو أخذ رأي اللجنة اإلداریة‬
‫المتساویة األعضاء في عقوبات الدرجة األولى والثانیة‪.‬‬
‫األستاذة‪ :‬مهيدي سوماية‬

‫ب – من السلطة اإلداریة الرئاسیة التأدیبیة بعد أخذ الرأي الملزم للجنة اإلداریة المتساویة‬
‫األعضاء في عقوبات الدرجة الثالثة والرابعة‪.‬‬
‫وانطالقا من أن رأي اللجنة اإلداریة المتساویة األعضاء ملزم لإلدارة ویجب إتباعه فیما‬
‫یتعلق بالعقوبات من الدرجة الثالثة والرابعة‪ ،‬فهذا یعكس إلزامیة إشراك ممثلي الموظفین‬
‫في إتخاذ القرار المناسب الذي ال تنفرد به اإلدارة‪ ،‬ویكون قرار اللجنة مبر را حتى ال تثار‬
‫حوله الشكوك ‪.‬‬

You might also like