You are on page 1of 15

‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫العالقة بين القانون والالئحة‬


‫محمد فقيهي‬
‫أستاذ القانون العام‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – فاس‬

‫يهدف التشريع‪ ،‬في بعده الوظيفي‪ ،‬إلى إقرار النصوص القانونية‪ ،‬أي األحكام العامة والمجردة التي تهدف‬
‫إلى تنظيم سلوك وعالقات األفراد داخل المجتمع‪ .‬وقد فوض المجتمع هذه الوظيفة السامية إلى ممثليه في‬
‫الهيئة التشريعية‪ .‬فالقانون بهذا المعنى هو التعبير عن إرادة الشعب‪ ،‬وفقا لألفكار الديمقراطية والليبرالية‬
‫الحديثة‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬وبما أن إرادة الشعب هي أسمى إرادة نافذة‪ ،‬فإن الهيئة التشريعية تختص‬
‫بالصالحيات العليا داخل المجتمع‪ ،‬ولها على مستوى المبدأ‪ ،‬أن تضمن األحكام المصادرة عنها ما تشاء‪،‬‬
‫باستثناء بعض المجاالت المحددة التي يتولى الدستور إقرارها‪ ،‬بذلك إخراجها من مجال التشريع‪ .‬وكمثال‬
‫على هذا الدستور المغربي‪ :‬منع نظام الحزب الوحيد (الفصل ‪ ،)7‬إقرار مبدأ عدم رجعية القانون (الفصل‬
‫‪ ،)6‬ضمان حرية التنقل وحرية االستقرار بجميع أنحاء المملكة (الفصل ‪ )24‬وحرية الرأي وحرية التعبير‬
‫(الفصل ‪ )25‬وحرية االجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي (الفصل ‪ ... )29‬لكن هذه المجاالت تبقى‬
‫محدودة كما ذكر‪ .‬واألصل أن اختصاص البرلمان‪ ،‬كهيئة تشريعية‪ ،‬واسع ويطال مبدئيا كل مجاالت الحياة‬
‫داخل المجتمع‪.‬‬
‫لكن وضع النصوص القانونية في طور التنفيذ يبقى‪ ،‬في معظمه‪ ،‬رهينا بوجود نصوص تنظيمية تصدرها‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬لتحدد بواسطتها شروط وتقنيات التنفيذ‪ .‬وفي نفس السياق‪ ،‬ومع تطور مهام السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬أصبحت النصوص التنظيمية (الالئحية)ضرورية أيضا لمواجهة متطلبات تنظيم دواليب‬
‫المؤسسات الرسمية‪ ،‬وإلقرار بعض األحكام التي أسندت للسلطة التنفيذية نظرا لظروفها المتغيرة أو‬
‫لشروطها التقنية المعقدة‪.‬‬
‫وإذا كان التقليد الدستوري يفرض أن للقانون المكانة األسمى كمصدر للقاعدة القانونية‪ ،‬وأن الالئحة مقيدة‬
‫بمقتضيات التشريع العادي ودورها ينحصر في تطبيق هذه المقتضيات دون تجاوزها أو مخالفتها‪ ،‬فإن‬
‫التطور الدستوري قد وضع حدا لسمو سلطة التشريع العادي‪ .‬وأصبح للهيئة التشريعية مجال محدد وللهيئة‬
‫التنفيذية مجال أكثر شموال‪ .‬بل وحتى ممارسة الفعل التشريعي لم تعد حكرا على الهيئة التمثيلية –‬
‫البرلمان– فأصبح للحكومة دور فعال في مجال المسطرة التشريعية وكذلك في إقرار القانون‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الصالحية التشريعية والصالحية الالئحية‬


‫‪La compétence législative et la compétence réglementaire.‬‬
‫على شاكلة الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1958‬عملت الدساتير المغربية ابتداء من سنة ‪ 1962‬على وضع حد‬
‫لمبدأ سمو سلطة القانون‪ .‬فأصبح البرلمان بذلك مقيدا باختصاص نوعي يحدده الدستور‪ .‬بينما غدت‬

‫‪1‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫السلطة التنفيذية تتمتع بسلطة تنظيمية مستقلة وغير خاضعة لمقتضيات التشريع العادي‪ .1‬لكن الفصل بين‬
‫القانون والالئحة ال يعني الفصل بين األجهزة التي مهمتها إقرار القانون‪ .‬فالمهام تتداخل وتختلط على هذا‬
‫المستوى‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬السلطة المكلفة بإقرار القانون‪.‬‬


‫في بداية العشرينات‪ ،‬عرف الكاتب الفرنسي ‪ Carré de Malberg‬التشريع العادي‪la loi est " :‬‬
‫‪."l’acte voté dans les mêmes termes par les deux chambres du parlement‬‬
‫لكن‪ ،‬وبقراءة‪ ،‬ولو سطحية‪ ،‬للدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1958‬ومن بعده الدستور المغربي لسنة ‪- 1996‬‬
‫كمرجع –يتبين أن وضع القانون قد تغير‪ .‬فلم يعد مجال إقرار القانون حكرا على الهيئة التشريعية‪ .‬على‬
‫اعتبار أن الدستور يسند االختصاص لهيئات أخرى‪ .‬وحتى عندما يبقى القانون من فعل البرلمان فقد تكون‬
‫مسطرة التصويت غير ضرورية في الحالة التي يطرحها الفصل ‪ 75‬من الدستور‪ ،‬على سبيل المثال‪.‬‬
‫البرلمان‪ :‬السلطة التشريعية العادية‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫لقد نص الفصل ‪ 1-70‬من دستور ‪ 2011‬على أن البرلمان يمارس السلطة التشريعية‪ .‬وهو بذلك يطرح‬
‫تعريفا متكامال للقانون‪ :‬فهو يحدد المعيار العضوي‪ ،‬أي أن القانون يصدر عن هيئة وحيدة وهي البرلمان‬
‫بغرفتيه‪ .‬ويحدد في نفس الوقت المعيار الشكلي‪ ،‬بمعنى أن األحكام التي أقرها البرلمان هي وحدها التي‬
‫تكتسب صفة القانون‪.‬‬
‫لكن الدستور يتضمن أحكام أخرى تجعل هذا التعريف غير مطلق‪ ،‬بل قاعدة عامة تحتمل االستثناءات‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن االستثناءات تعتبر معطيات لها من األهمية ما يجعل دارس القانون الدستوري‬
‫المغربي يعتبرها قواعد عامة وقائمة بذاتها أيضا‪:‬‬

‫المعطى األول – قانون اإلذن ‪:la loi d’habilitation‬‬ ‫–‬


‫تنص المادة ‪ 3-70‬من الدستور على أن القانون يأذن للحكومة بأن تتخذ في ظرف من الزمن محدود‪،‬‬
‫ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها‪ ،‬وهي المراسيم التي يجري العمل بها‬
‫بمجرد نشرها"‪.‬‬
‫فالمالحظ إذن أن الدستور أقر صراحة بأن كل تصرف صادر عن السلطة التنفيذية‪ ،‬على أساس تفويض‬
‫إرادي من البرلمان بواسطة قانون اإلذن‪ ،‬يكتسي صبغة تشريعية‪.‬‬
‫لكن تجدر اإلشارة إلى أن هذا التفويض اإلرادي ال يعفي المرسوم من رقابة البرلمان‪ .‬فتبقى هذه الرقابة‬
‫قائمة وضرورية‪ ،‬إذ يجب عرض المراسيم المعنية على البرلمان بقصد المصادقة عند انتهاء األجل الذي‬
‫حدده قانون اإلذن إلصدارها (الفصل ‪ .)3-70‬ويحدد الدستور حالة واحدة يصبح قانون اإلذن بموجبها ال‬
‫غيا‪ ،‬وهي حالة حل مجلسي البرلمان أو أحدهما (الفصل ‪.)3-70‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مسطرة التفويض التي نصت عليها الفقرة الثالثة من الفصل ‪70‬من الدستور‬
‫استعملت مرات متعددة من طرف الحكومة‪ .‬ونذكر على سبيل المثال‪ ،‬القانون الذي يرخص بتفويت‬
‫المؤسسات العمومية إلى القطاع الخاص‪ ،‬الذي تم التصويت عليه في نهاية سنة ‪ .1989‬فهذا القانون‬
‫"بعدما قرر تحويل عدد من الشركات والمؤسسات الفندقية من القطاع العام إلى القطاع الخاص‪ ،‬فوض‬

‫‪ 1‬محمد أشركي‪" ،‬المجال التنظيمي المستقل‪ :‬شيء من الحقيقة وشيء من الوهم"‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬يناير‪-‬مارس ‪،1998‬‬
‫ص‪.17.‬‬

‫‪2‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫الحكومة‪ ،‬ولمدة ستة أشهر تبتدئ من صدوره في الجريدة الرسمية‪ ،‬صالحية اتخاد تدابير تشريعية في‬
‫صورة مراسيم‪ ...‬تدخل بدون مراء في اختصاص البرلمان‪.‬‬

‫المعطى الثاني – المراسيم التشريعية –‪Les décrets lois‬‬ ‫–‬


‫تختلف تقنية المراسيم التشريعية عن تقنية قانون اإلذن في كونها صالحية تلقائية وبقوة القانون للسلطة‬
‫التنفيذية‪ .‬فهي ال تحتاج إلذن مسبق من البرلمان‪ .‬وقد نص الفصل ‪ 81‬من الدستور‪" :‬يمكن للحكومة أن‬
‫تصدر خالل الفترة الفاصلة بين الدورات‪ ،‬وباتفاق مع اللجان التي يعنيها األمر في كال المجلسين‪ ،‬مراسيم‬
‫قوان ين‪ ."...‬فالسلطة التنفيذية هي التي تختص بالفعل التشريعي حسب هذه المسطرة‪ .‬وتقوم بهذا الفعل دون‬
‫إذن مسبق كما ذكر‪.‬‬
‫لكن رقابة الهيئة التشريعية ليست معطلة تماما‪ ،‬بل تتم بواسطة مراقبة اللجان البرلمانية لعمل الحكومة في‬
‫هذا الشأن‪ .‬على اعتبار أنه وبمجرد إيداع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب‪ ،‬تناقشه‬
‫بالتتابع اللجان المعنية في كال المجلسين بغية التوصل داخل أجل ستة أيام‪ ،‬إلى قرار مشترك بينهما في‬
‫شأنه‪ .‬وال يمكن للحكومة‪ ،‬حسب المادة ‪2-81‬من الدستور‪ ،‬أن تصدر المرسوم التشريعي إال بموافقة اللجنة‬
‫المعنية بمجلس النواب‪.‬‬
‫يظهر جليا إذن أن صالحية الحكومة في شأن المراسيم التشريعية محدودة إذا ما مارست اللجان البرلمانية‬
‫دورها في مجال مراقبة أعمال السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫وتلجأ الحكومة إلى تقنية المراسيم التشريعية لمواجهة الحاالت الخاصة التي يصعب فيها على البرلمان‬
‫ممارسة مهمته التشريعي ة نظرا لطابعها التقني أو لطابعها ذي البعد السياسي الذي يصعب معه إيجاد‬
‫أرضية موحدة بين مكونات الحكومة والبرلمان (قانون األكرية لسنة ‪ 1980‬مثال‪.)2‬‬

‫المعطى الثالث – االستفتاء التشريعي‪ (:‬نصت عليه المادة ‪ 69‬من دستور ‪ ،1996‬إال أن‬ ‫–‬
‫دستور ‪ 2011‬لم يتطرق إلى هذه الحالة)‬
‫يصدر القانون في حالة االستفتاء عن الشعب مباشرة‪ .‬وهذه حالة استثنائية بطبيعتها‪ ،‬إذ تعتبر نهاية‬
‫المطاف لفرضية اختالف حاد بين الهيئة البرلمانية والملك بشأن نص قانوني معين‪ .‬فعندما يعترض الملك‬
‫على مشروع أو اقتراح قانون معين‪ ،‬ويطلب من غرفتي البرلمان قراءة جديدة للنص المذكور (الفصل‬
‫‪69‬من دستور سنة ‪ ،)1996‬وعندما يتم إقرار أو رفض نص المشروع أو االقتراح في كل من المجلسين‬
‫بعد قراءة جديدة بأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس‪ ،‬فإن النص المختلف بشأنه يصبح‬
‫قانونا عاديا‪ ،‬أو يرفض نهائيا‪ .‬أما عندما يقر أو يرفض بأغلبية أقل من الثلثين فإن للملك حق في استفتاء‬
‫الشعب‪ .‬بمقتضى ظهير شريف في شأن هذا المشروع أو االقتراح (الفصل ‪ 69‬من دستور‪.)1996‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى كون هذا المركب القانوني الخاص باالستفتاء التشريعي يستلزم وجود أغلبية قوية‬
‫ومتجانسة على مستوى مجلسي البرلمان في ظروف خالف سياسي حاد بين الهيأتين التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫وهذا ما جعل مسطرة االستشارة الشعبية إلقرار القانون لم تعتمد قط في الممارسة الدستورية المغربية‬
‫حتى اآلن‪ .‬وكنتيجة لذلك تم إسقاط هذا المقتضى من دستور ‪ 2011‬بالنسبة للمشاريع والمقترحات‬
‫المتعلقة بالقوانين العادية‪.‬‬
‫المعطى الرابع – ممارسة السلطة التشريعية من طرف الملك‪:‬‬ ‫–‬
‫حيث يتولى العاهل ممارسة السلطة التشريعية في ظرف خاص‪ ،‬وهي حالة الفراغ على مستوى الهيئة‬
‫التشريعية‪ .‬وهذه الفرضية واردة في حالة واحدة في دستور ‪ 2011‬أال وهي‬

‫‪2‬محمد جالل السعيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.126,‬‬

‫‪3‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫حالة االستثناء ‪:l’état d’exception‬‬


‫إذ ينص الفصل ‪ 59‬من الدستور الجديد على أنه "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من‬
‫األحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية‪ ،‬أمكن للملك أن يعلن حالة االستثناء بظهير بعد‬
‫استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة‬
‫الدستورية وتوجيه خطاب إلى األمة‪ .‬ويخول الملك بذلك صالحية اتخاذ اإلجراءات التي يفرضها‬
‫الدفاع عن الوحدة الترابية‪ ،‬ويقتضيها الرجوع‪ ،‬في أقرب اآلجال‪ ،‬إلى السير العادي للمؤسسات‬
‫الدستورية "‬
‫ورغم أن هذه المادة تنص أيضا على أنه "ال يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات االستثنائية"‪ ،‬فإن‬
‫الهيئة التشريعية تعتبر في ظل هذا الفصل مجردة من سلطتها في مجال التشريع‪ .‬وهذه السلطة‪ ،‬على‬
‫شاكلة السلطة التنظيمية‪ ،‬تمارس من طرف الملك‪ ،‬وذلك لمدة غير محددة إلى حين رجوع المؤسسات‬
‫الدستورية إلى سيرها العادي كما يقتضي النص الدستوري‪.‬‬
‫المعطى الخامس – طلب الحكومة لتصويت منح الثقة من طرف البرلمان‪:‬‬ ‫–‬
‫تعبر هذه الحالة عن صعوبة في العالقة بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية‪ .‬فعندما يصعب على الحكومة‬
‫الحصول على تجاوب بناء من الهيئة التشريعية‪ ،‬يمكن لرئيس الحكومة" أن يربط لدى مجلس النواب‬
‫مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصو يت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة‬
‫أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه" (الفصل ‪103‬من الدستور)‪.‬‬
‫كما تنص نفس المادة أيضا على أنه ال يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض نص إال باألغلبية المطلقة‬
‫لألعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب‪ .‬ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية‪.‬‬

‫ب‪ -‬السلطة التي استندت لها ممارسة الالئحة‪.‬‬


‫تصدر اللوائح عن السلطة التنفيذية المركزية وعن السلطات التابعة لها‪ .‬وتتخذ اللوائح أشكاال مختلفة‬
‫باختالف أهميتها‪:‬‬
‫الظهير الملكي (كتصرف تنظيمي)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مرسوم رئيس الحكومة أو المرسوم الحكومي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫القرارات الوزارية ‪ :arrêtés ministériels‬وهي قرارات إدارية صادرة عن الوزراء‪ .‬لكن وما‬ ‫‪-‬‬
‫دام هذا النوع من اللوائح يقتصر‪ ،‬في الغالب‪ ،‬على تنفيذ قرارات السلطات التنظيمية العليا (رئيس الدولة‬
‫ورئيس الحكومة)‪ ،‬فإنها ال تشكل مصدرا مباشرا للقاعدة القانونية‪ ،‬وبالتالي ال تلعب دورا مهما في تحديد‬
‫مجال القانون ومجال الالئحة‪ .‬ومادام األمر كذلك فإننا لن نتناولها بالتفصيل‪.‬‬
‫الظهير الملكي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صالحيات الملك في الميدان التنظيمي محدودة جدا بمقتضى الدستور‪ .‬فهو ال يمارس السلطة الالئحة‬
‫بطريقة شاملة إال في الظروف االستثنائية التي ينص عليها الفصل ‪ 59‬من الدستور‪ .‬لكن في الحالة‬
‫العادية‪ ،‬تسند أهلية ممارسة الالئحة لرئيس الحكومة كما سنرى الحقا‪.‬‬
‫لكن تبقى للملك بعض الصالحيات التي يخولها له الدستور صراحة والتي يمارسها بمقتضى ظهائر‬
‫(الفصل ‪ 42‬من الدستور)‪ .‬وهذه الصالحيات الالئحة تتعلق بالمواد التي يمارس فيها الملك السلطات العليا‪:‬‬
‫القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية (الفصل ‪ ،)53‬الشؤون الدينية (الفصل ‪ 41‬من الدستور) ‪ ...‬وهكذا‬
‫نالحظ أن وزارة الشؤون الدينية واألوقاف تخضع في تنظيمها لظهير شريف وليس لمرسوم حكومي كما‬
‫هو الشأن لباقي الوزارات‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫المرسوم الحكومي‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ينص الفصل ‪ 90‬من الدستور على أنه‪" :‬يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية"‪ .‬ويمارس رئيس‬
‫الحكومة هذه الصالحية على مستوى االختصاصات التي سوف نفصلها الحقا عند دراستنا لمجال الالئحة‪،‬‬
‫بواسطة مراسيم حكومية‪ .‬ويجب كذلك أن تحمل هذه المراسيم التنظيمية التوقيع بالعطف ‪la‬‬
‫‪ contreseing‬من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها (الفصل ‪ 2-90‬من الدستور)‪.‬‬
‫ولرئيس الحكومة إمكانية تفويض بعض سلطه إلى الوزراء (الفصل ‪ .)1-90‬وهذه اإلمكانية‪ ،‬التي كانت‬
‫موضع نقاش فيما مضى‪ ،‬تجعل الوزراء أيضا ضمن المؤسسات التي تختص بالتشريع الفرعي وبالتالي‬
‫تتدخل في تحديد العالقة بين الالئحة والقانون‪ .‬لكن يبقى هذا الحق محدودا ويمارس تحت المسؤولية‬
‫الفعلية لرئيس الحكومة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجال القانون ومجال الالئحة‪.‬‬


‫يقصد بتحديد مجال القانون ومجال الالئحة حصر االختصاصات التي أسندها الدستور إلى الهيئة‬
‫التشريعية من جهة وإلى الهيئة التنفيذية من جهة أخرى‪ .‬وقد جاء الدستور الفرنسي‪ ،‬وعلى شاكلته‬
‫الدساتير المغربية‪ ،‬بمفهوم جديد في شأن هذا التحديد؛ فوضع حدا لمبدأ سمو سلطة القانون كما ذكرنا‬
‫سابقا‪ ،‬وأصبح المجال الالئحي هو القاعدة‪ ،‬ومجال القانون محددا نوعيا‪.‬أي أن الهيئة التشريعية لم تعد‬
‫تتوفر إال على اختصاص نوعي‪.une compétence liée ou d’attribution :‬‬
‫مجال القانون‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫لقد نص الفصل ‪ 71‬من الدستور في فقرته األولى على أنه " يختص القانون‪ ،‬باإلضافة إلى المواد‬
‫المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور‪ ،‬بالتشريع في الميادين التالية‪."... :‬‬
‫يتبين أن هذا الفصل قام بتحديد مجال القانون(‪ ،)1‬ويتضمن اإلحالة على فصول أخرى من الدستور تحدد‬
‫بدورها ميادين أخرى للتشريع(‪.)2‬‬

‫مجال القانون حسب الفصل ‪ 71‬من الدستور‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫إن الميادين التي يختص القانون بالتشريع فيها كما حددها الفصل ‪ 71‬من الدستور تتجلى فيما يلي‪:‬‬
‫الحقوق والحريات األساسية المنصوص عليها في التصدير وفي فصول أخرى من‬ ‫‪-‬‬
‫الدستور؛‬
‫نظام األسرة والحالة المدنية؛‬ ‫‪-‬‬
‫مبادئ وقواعد المنظومة الصحية؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام الوسائط السمعية البصرية والصحافة بمختلف أشكالها؛‬ ‫‪-‬‬
‫العفو العام؛‬ ‫‪-‬‬
‫الجنسية ووضعية األجانب؛‬ ‫‪-‬‬
‫تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها؛‬ ‫‪-‬‬
‫التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم؛‬ ‫‪-‬‬
‫المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام السجون؛‬ ‫‪-‬‬
‫النظام األساسي العام للوظيفة العمومية؛‬ ‫‪-‬‬
‫الضمانات األساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين؛‬ ‫‪-‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫نظام مصالح وقوات حفظ األمن؛‬ ‫‪-‬‬


‫نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية؛‬ ‫‪-‬‬
‫النظام االنتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر االنتخابية؛‬ ‫‪-‬‬
‫النظام الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها؛‬ ‫‪-‬‬
‫النظام القانوني إلصدار العملة ونظام البنك المركزي؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام الجمارك؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام االلتزامات المدنية والتجارية وقانون الشركات والتعاونيات؛‬ ‫‪-‬‬
‫الحقوق العينية وأنظمة الملكية العقارية العمومية والخاصة والجماعية؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام النقل؛‬ ‫‪-‬‬
‫عالقات الشغل والضمان االجتماعي وحوادث الشغل واألمراض المهنية؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام األبناك وشركات التأمين والتعاضديات؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت؛‬ ‫‪-‬‬
‫التعمير وإعادة التراب؛‬ ‫‪-‬‬
‫القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة؛‬ ‫‪-‬‬
‫نظام المياه والغابات والصيد؛‬ ‫‪-‬‬
‫تحديث التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني؛‬ ‫‪-‬‬
‫احداث المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام؛‬ ‫‪-‬‬
‫تأميم المنشآت ونظام الخوصصة؛‬ ‫‪-‬‬
‫للبرلمان‪ ،‬باإلضافة إلى الميادين المشار إليها في الفقرة السابقة‪ ،‬صالحية التصويت‪ ،‬على‬ ‫‪-‬‬
‫قوانين تضع إطارا لألهداف األساسية لنشاط الدولة في الميادين االقتصادية واالجتماعية والبيئية‬
‫والثقافية‪.‬‬

‫مجال القانون كما تحدده فصول أخرى من الدستور‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫_قانون المالية‪ :‬إن أهم تصرف تشريعي يمكن اإلشارة إليه في هذا السياق هو قانون المالية ‪la loi de‬‬
‫‪ finances‬فقد نص الفصل ‪ 75‬من الدستور على أنه‪" :‬يصدر قانون المالية الذي يودع باألسبقية لدى‬
‫مجلس النواب للتصويت من قبل البرلمان وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي"‪.‬‬
‫ويعتبر قانونا للمالية في نظر القانون التنظيمي للمالية ‪ :la loi organique de finances‬الميزانية‬
‫السنوية‪ ،‬قوانين المالية التعديلية ‪ les lois de finances rectificatives‬وقانون التسوية ‪la loi de‬‬
‫‪.règlement‬‬

‫_القوانين التنظيمية‪ :‬لقد تم التنصيص عليها في الفصل ‪ 85‬من الدستور وخصصت لها مسطرة أكثر‬
‫تعقيدا من مسطرة إقرار القانون العادي‪ .‬وهذا التعقيد راجع إلى وظيفة القانون التنظيمي التي هي عادة‬
‫وظيفة تكميلية اتجاه الدستور‪ .‬فباإلضافة إلى المسطرة المتبعة من أجل إقرار القانون العادي‪ ،‬تنص‬
‫الفقرة الخامسة من الفصل المذكور على "أن المجلس (مجلس النواب أو مجلس المستشارين) الذي يعرض‬
‫عليه مشروع أو اقتراح قانون تنظيمي ال يمكن أن يتداول فيه أو يصوت عليه إال بعد مرور عشرة أيام‬
‫على تاريخ إيداعه لديه"‪ .‬وال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إال بعد إحالتها إلى المحكمة‬
‫الدستورية‪ ،‬التي عليها أن تبت في مسألة مطابقتها للدستور (الفصل ‪3-85‬من الدستور)‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫_ المعاهدات‪ :‬يخص الدستور الهيئة التشريعية أيضا بإقرار المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم‬
‫مالية الدولة قبل المصادقة عليها من طرف الملك‪ .‬وهذا يعني أن "البرلمان له كامل الصالحية في الميدان‬
‫المالي والميزانية‪ ،‬ومن ثم كان منطقيا أن يمارس موافقته على المعاهدات الدولية ذات االنعكاسات‬
‫‪3‬‬
‫المالية"‪.‬‬

‫مجال الالئحة‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫لقد أجمع فقهاء القانون الدستوري على أن الهيئة التشريعية حسب الفصل ‪ 71‬من الدستور أصبحت ذات‬
‫اختصاص نوعي محدد‪ .‬بينما السلطة التنظيمية تمتاز باختصاص معياري شامل‪ .‬والفصل ‪ 72‬من‬
‫الدستور يدعم هذه الفرضية‪ ،‬إذ ينص بوضوح ال يترك مجال لالختالف على أنه‪ " :‬يختص المجال‬
‫التنظيمي بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون"‪.‬‬
‫لقد أسند الدستور المغربي الصالحية التنظيمية لرئيس الحكومة‪ ،‬إذ ينص الفصل ‪ 90‬منه على أنه‪:‬‬
‫"يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية"‪ .‬لكن النقاش حول طبيعة ومدى مجال الالئحة لم ينته عند‬
‫الحدود الفاصلة التي وضعها الدستور بين مجال القانون ومجال الالئحة(‪ .)1‬فالنقاش الفقهي والقانوني‬
‫احتدم حول هذا التقسيم المبدئي ليعطيه أبعادا تخرج بكثير عما وضعه الدستور صراحة(‪.)2‬‬
‫طبيعة ومدى المجال الالئحي كما نص عليها الدستور‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إن التقسيم الذي وضعه الدستور‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬لم يوضح معالم االختصاص الالئحي وال حدوده‪ .‬لكن القراءة‬
‫ال نصية للدستور تجعلنا نعتقد أن مجال الالئحة يجد حدوده عند القائمة التي وضعها المشرع األساسي‬
‫الختصاص القانون‪ ،‬وكذلك عند قائمة االختصاصات التي خولها الدستور صراحة للملك كما ذكرنا سابقا‪.‬‬
‫وهذا يعني مبدئيا أن كل ما يخرج عن إطار هذه المجاالت المحددة هو من اختصاص السلطة التنظيمية‪.‬‬
‫ويمارس رئيس الحكومة سلطته هذه‪ ،‬وكما نص على ذلك الدستور‪ ،‬على مستويين اثنين‪:‬‬
‫اللوائح التنفيذية ‪:les règlements d’exécution‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهي اللوائح التي توضع ألجل تنفيذ مقتضيات القواعد التشريعية (القانون)‪ .‬وفي هذا المجال ينص الفصل‬
‫‪ 89‬من الدستور‪" :‬تعمل الحكومة‪ ،‬تحت سلطة رئيسها‪ ،‬على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ‬
‫القوانين‪ ." ......‬ومن المؤكد أن هذا اللوائح ملزمة بمطابقة األحكام القانونية‪ ،‬بحيث أنها سنت أصال‬
‫لوضعها في حيز التنفيذ؛ وال يمكنها بأي حال من األحوال تناول هذه األحكام بالتعديل‪ ،‬وذلك تحت مراقبة‬
‫‪4‬‬
‫القضاء اإلداري وكذلك القضاء العادي‪.‬‬
‫اللوائح المستقلة ‪:les règlement autonomes‬‬ ‫‪-‬‬
‫لقد عمل الدستور‪ ،‬كما رأينا سابقا‪ ،‬على إعطاء السلطة التشريعية اختصاصا نوعيا محددا‪ .‬بينما أولى‬
‫السلطة التنفيذية اختصاصا شامال‪ .‬وبهذا أصبح المجال الالئحي المستقل يستمد قوته من الدستور مباشرة‪،‬‬
‫فاتخذت األعمال الالئحة نفس الصفة القانونية كالقواعد التشريعية‪ .‬بل أضحت هذه األعمال هي القاعدة‬
‫واألحكا م التشريعية هي االستثناء‪ ،‬على المستوى النظري على األقل‪ .‬وهذا ما يعطي للمجال الالئحي بعدا‬
‫جديدا ال تحده سوى الصالحيات التي أسندها الدستور للمشرع العادي وللسلطة التنفيذية العليا (الملك)‪.‬‬
‫وسوف تعمل المحكمة الدستورية في المستقبل على إضفاء صورة أكثر وضوحا على تقسيم‬
‫االختصاصات بين المجال الالئحي والمجال التشريعي‪ ،‬على شاكلة اجتهاد القضاء الدستوري الفرنسي‪،‬‬
‫الذي عمل على إعادة النظر في تقسيم االختصاصات الذي جاء به دستور الجمهورية الخامسة(‪،)1958‬‬
‫والذي جعل الفقه يدخل في نقاش ال يزال محتدما‪.‬‬
‫الجدل القضائي والفقهي حول مجالي القانون والالئحة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪3‬محمد جالل السعيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.128-127.‬‬


‫‪4‬انظر ص‪.96.‬‬

‫‪7‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫تعتبر مسألة الفصل بين المجال القانون ومجال الالئحة محدودة عند العبارة الشكلية التي وضعها الدستور‪.‬‬
‫فأغلب قرارات المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا) في هذا المجال ال تصب في جوهر مشكل‬
‫تحديد مجال القانون والالئحة‪ ،‬بل تبت في قضايا ثانوية ال تثير عادة أي جدل فقهي‪.‬‬
‫وكمثال على اجتهادات المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا) في هذا المجال نسوق القرار التالي‪،‬‬
‫الذي يقيم نوعا من التوازن الصارم بين مجال القانون ومجال الالئحة‪ ،‬ويضع أساس قطيعة نوعية مع‬
‫اجتهادات القضاء الدستوري كما وصفناها سابقا‪:‬‬

‫‪...‬فيما يتعلق بالشكل واإلجراءات المتبعة إلقرار القانون التنظيمي‪:‬‬


‫حيث يتبين من األوراق المدرجة في الملف أن مشروع القانون التنظيمي المعروض على نظر المجلس‬
‫الدستوري تم إيداعه من طرف السيد الوزير األول أوال بمكتب مجلس النواب في ‪ 8‬يونيو ‪ 1998‬وأن هذا‬
‫المجلس بدأ المداولة فيه يوم ‪ 27‬يوليوز ‪ 1998‬وصوت عليه إثر ذلك في نفس اليوم؛‬
‫وحيث إن القانون التنظيمي المذكور جاء بالشكل المنصوص عليه في الفقرة األولى من الفصل ‪ 50‬من‬
‫الدستور وتم عرض مشروعه للمداولة والتصويت بمراعاة المهلة المقررة في الفقرة الخامسة من الفصل‬
‫‪ 58‬منه؛‬
‫فيما يتعلق بالموضوع‪:‬‬
‫وعن المادة ‪.5‬‬
‫حيث إن هذه المادة تنص على أن "كل حكم وارد في قانون أو نظام يقضى بإحداث تكاليف جديدة أو‬
‫تترتب عليه تخفيضات في المداخيل من شأنها اإلخالل بالتوازن المالي لقانون المالية الجاري به العمل ال‬
‫يمكن أن يدخل حيز التنفيذ من الناحية المالية إال بعد أن ينص قانون للمالية على تقييم هذه التكاليف الجديدة‬
‫أو التخفيضات في المداخيل وعلى اإلذن فيها‪.‬‬
‫وحيث إنه إذا كان من المسلم به أن المصلحة العامة تقضي بالحفاظ على التوازن المالي الذي أقره قانون‬
‫المالية فإن أنسب طريقة لتحقيق ذلك هي أن تتجنب الحكومة تقديم مشاريع قوانين أو تعديالت تفضي إلى‬
‫اإلخالل به وأن تدفع‪ ،‬استنادا إلى الفصل ‪ 51‬من الدستور‪ ،‬بعدم قبول أي اقتراح قانون أو تعديل من نفس‬
‫القبيل يقدمه أعضاء البرلمان؛‬
‫وحيث إنه على العكس من ذلك‪ ،‬إن ما نصت عليه المادة ‪ 5‬المتحدث عنها لتجنب اإلخالل بالتوازن المالي‬
‫للميزانية يفضي إلى تعطيل نص قانوني أقره البرلمان وصدر األمر الملكي بتنفيذه ونشره في الجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬األمر الذي يعد مخالفة ألحكام الفصل ‪ 4‬من الدستور فيما تضمنه من أن القانون هو أسمى تعبير‬
‫عن إدارة األمة وأن على الجميع االمتثال له‪.‬‬
‫وعن المادة ‪.10‬‬
‫حيث إن هذه المادة تنص‪ ،‬من جهة‪ ،‬على أنه تعتبر مرافق للدولة مسيرة بصورة مستقلة مرافق الدولة غير‬
‫المتمتعة بالشخصية المعنوية التي تغطي بموارد خاصة بعض نفقاتها غير المقتطعة من االعتمادات المقيدة‬
‫في الميزانية العامة‪ ،‬وتقرر‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬أن تلك المرافق تتوفر على ميزانيات مستقلة؛‬
‫وحيث إنه يستخلص من هذه األحكام أن األمر يتعلق بحالة من االستثناء من قاعدة عمومية الميزانية وعدم‬
‫تخصيص مداخيل معينة لوجه من وجوه اإلنفاق‪ ،‬وهو ما يستوجب أن تدرج ميزانية مرافق الدولة المسيرة‬
‫بصورة مستقلة في قانون المالية على غرار ما هو مقرر في شأن الحسابات الخصوصية للخزينة وفيما‬
‫يرجع إلى الميزانيات الملحقة إلى أن يتم حذفها؛‬
‫وحيث إن المادة ‪ 10‬المتحدث عنها عندما نصت على إحداث ميزانية مستقلة للمرافق المذكورة موضع‬
‫خارج قانون المالية تكون قد أخرجت أحد مكونات هذا القانون من اختصاص البرلمان وأخلت – نتيجة‬
‫ذلك – بما تنص عليه الفقرة األولى من الفصل ‪ 50‬من الدستور‪.‬‬
‫لهذه األسباب‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫ المعروض على نظر المجلس‬7.98 ‫ من القانون التنظيمي رقم‬10‫ و‬5 ‫ يصرح بأن أحكام المادة‬:‫أوال‬
‫ منه غير‬43 ‫الدستوري وعبارة "إذ يؤذن للحكومة في ذلك بموجب قانون المالية للسنة" الواردة في المادة‬
‫مطابقة للدستور؛‬
‫ المصرح بعدم مطابقتها للدستور يمكن‬43 ‫ والعبارة الواردة في المادة‬10‫ و‬5 ‫ يصرح بأن المادتين‬:‫ثانيا‬
‫ ويجوز بالتالي إصدار هذا القانون بعد‬،‫ لقانون المالية‬7.98 ‫فصلها عن باقي أحكام القانون التنظيمي رقم‬
‫أن يحذف منه ما تم التصريح بعدم مطابقه للدستور؛‬
.‫ يأمر بتبليغ قراره هذا إلى السيد الوزير األول وبنشره في الجريدة الرسمية‬:‫رابعا‬
5
.")1998 ‫ أكتوبر‬24( 1419 ‫ رجب‬3 ‫وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم السبت‬
‫ حيث أن بعض الفقهاء اعتبروا أن ما ورد في شأن‬،‫لكن الحالة تختلف في القانون الدستوري الفرنسي‬
:‫ يشكل ثورة‬1958‫تحديد مجال القانون وإعطاء الالئحة صالحية عامة كما ينص على ذلك دستور‬
"De même que le domaine de la loi est devenu exceptionnel، ce qui était le
principe est devenu l’exception et ne s’étend plus au-dessus de cet immense
cimetière de lois – mortes en tant que lois – que représentent les matières
réglementaires. Dans ces matières, le titulaire du pouvoir réglementaire général
édicte des règlements qui par rapport aux lois, sont à un double titre,
autonomes : d’abord qu’ils ne sont pris en vertu d’aucune loi, ensuite qu’ils sont
affranchis de toute obligation de conformité ou de comptabilité avec quelque
norme législative que ce soit." 6
‫لكن ما جد بخصوص االجتهاد القضائي للمجلس الدستوري الفرنسي جعل تيارا فقهيا آخر يعتبر أن هذه‬
.‫ فعاد مجال الصالحية التشريعية واكتسح المجال المعياري‬.‫الثورة لم تتم‬
"Il n’est plus affirmé que les règlements autonomes ne sont pas limités par la loi
au motif qu’il n’existe pas de loi dans le domaine réglementaire. Les règlements
autonomes ne sont affranchis du respect des lois que dans la mesure où ils n’en
rencontrent pas. La place des règlements autonomes est oindre que ce qui avait
été initialement prévus… Il semble que l’on ne puisse reconnaitre comme
réglementaires beaucoup d’autres grandes matières telles que l’organisation de
l’administration d’Etat, la procédure administrative en matière non contentieuse
et en matière juridictionnelle, la procédure civile et la matière des contraventions
de police7."
‫ فإن المجال الالئحي قد فقد‬،‫ الذي يحظى بإجماع الفقه في القانون الدستوري الفرنسي‬،‫حسب هذا الرأي‬
domaine ‫ بل لم يعد له مجال خاص‬،)‫شيئا فشيئا جزء ا ال يستهان به من شقه المستقل (اللوائح المستقلة‬
‫ مستقل عن القانون إال على مستوى بعض المسائل التي كانت أصال تدخل ضمن المجال‬réservé
‫ وتنظيم المصالح اإلدارية للدولة‬Les contraventions ‫ كالمخالفات‬،1958 ‫الالئحي قبل‬

.‫ لقانون المالية‬98.7 ‫ المتعلق بمراقبة دستورية القانون التنظيمي رقم‬1998 ‫ أكتوبر‬24 ‫ بتاريخ‬250.98 ‫قرار المجلس الدستوري رقم‬5
.181.‫ ص‬،1999 ،24 ‫ رقم‬،‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‬
6
R.CHAPUS, « Droit administratif général », Montchrestien, collection « Précis Domat », T.1, 3e édition, Paris,
1987, p.119.
7
Louis FAVOREUX, « les règlements autonomes n’existent pas », Revue Française de Droit Administratif, 1987,
p.873.

9
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫‪ .L’organisation des services de l’Etat‬أما فيما تبقى‪ ،‬فتدخل السلطة التنظيمية مشروط بأحكام‬
‫القانون‪ ،‬أي أن الالئحة في مجملها ليست مستقلة عن القانون‪ ،‬بل خاضعة له‪ ،‬وقواعدها صادرة عن أحكام‬
‫القاعدة التشريعية؛ وأن مجال القانون ليس محدودا نوعيا‪ ،‬بل بإمكانه اكتساح مجال الالئحة في مجمل‬
‫المواد‪ ،‬ومن ضمنها تلك التي لم يسندها الدستور للقانون‪ ،‬والتي هي‪ ،‬حسب القراءة النصية للدستور‪ ،‬من‬
‫صميم الصالحية الالئحية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القوة القانونية لمبدأ توزيع االختصاصات بين القانون والالئحة‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن توزيع االختصاصات بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية كما ورد في نص الدستور‪ ،‬قد‬
‫يؤدي إلى ظهور حاالت خالف بينهما بشأن المدى والطبيعة القانونية لصالحيات كل هيئة على حدي‪.‬‬
‫فالسلطة التشريعية قد تضع اقتراحات قانون أو تعديالت تتجاوز الصالحية التشريعية‪ .‬والسلطة التنظيمية‬
‫من شأنها إقرار مشاريع حكومية ال تتطابق‪ ،‬أو تخل بقواعد اختصاصها‪.‬‬
‫وللبت في هذا النوع من التنازع‪ ،‬وضع الدستور المغربي‪ ،‬على شاكلة الدستور الفرنسي لسنة ‪،1958‬‬
‫قواعد مسطرية جعلت من بين أهدافها ترشيد العمل البرلماني‪ ،‬وذلك بتمكين الحكومة من الدفاع على‬
‫المجال الالئحي‪ .‬وهذا أيضا هو الهدف المبدئي من إرساء قواعد القضاء الدستوري‪ ،‬إذ تندرج مراقبة‬
‫دستورية القوانين التشريعية ضمن أهم اختصاصات المحكمة الدستورية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مراقبة دستورية القوانين‪.‬‬
‫من شأن البرلمان أن يقر أحكام قد تمس بمبدأ تدرج القواعد القانونية‪ ،‬بمعنى أنها تخالف الدستور أو‬
‫المبادئ المترتبة عنه؛ كأن تضع الهيئة التشريعية أحكاما تحد من حرية اإلضراب مثال‪ ،‬بينما ينص‬
‫الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن‪" :‬حق اإلضراب مضمون‪ ."...‬وهذه الفرضية ليست‬
‫مستبعدة‪ .‬فقد وضعت السلطة التشريعية عدة قوانين تمس بمبدأ أساسي من المبادئ الدستورية الذي ينص‬
‫على أنه "‪ ...‬ليس للقوانين أثر رجعي"‪ .‬وهذه المسألة أثارت نقاشا محتدما عندما أقدم البرلمان – في‬
‫واليته الثانية (‪ – )1983-1977‬على خلق ضريبة جديدة على الدخل والمسماة بالضريبة التكميلية على‬
‫الدخل اإلجمالي‪ ،‬وذلك دون مراعاة الفصل ‪ 50‬من دستور ‪ ،1972‬الذي ينص على أن "المقترحات‬
‫والتعديالت التي يتقدم بها أعضاء مجلس النواب ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى‬
‫تخفيض المو ارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود"‪ .‬كما أن الوالية‬
‫الثالثة (‪ ) 1992-1984‬عرفت نقاشا مماثال بصدد اإلصالح القاضي بتمديد مدة والية أعضاء البرلمان من‬
‫‪8‬‬
‫أربعة إلى ستة سنوات‪.‬‬
‫وهذا التجاوز قد يمتد إلى مجال اختصاص السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫إذ فللحفاظ على التوازن بين مجال اختصاص المؤسستين التشريعية والتنفيذية‪ .‬وللحد من تطاول المشرع‬
‫على المجال الالئحي‪ ،‬تم وضع أسس مراقبة قضائية هدفها البت في مدى مراعاة الهيئة التشريعية للنص‬
‫الدستوري‪ .‬وقد أسند الدستور المغربي هذه المهمة للمحكمة الدستورية‪ .‬وعمل المشرع األساسي أيضا‬
‫على دعم فعالية هذه الهيئة القضائية بأن وسع اختصاصاتها عما كانت عليه في الوقت الذي كانت فيه هذه‬
‫المهمة من والية الغرفة الدستورية للمجلس األعلى‪ .‬وعمل أيضا على تطوير مسطرة إحالة النصوص‬
‫موضوع المراقبة على المحكمة الدستورية‪.‬‬
‫الهيئة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫‪8‬راجع‪ :‬محمد جالل السعيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.149.‬‬

‫‪10‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫يكرس قانون المسطرة المدنية المغربي (‪ 8‬ستنبر ‪ )1978‬مبدأ عدم أهلية المحاكم العادية للنظر فيما من‬
‫شأنه إثارة مطابقة القوانين ألحكام الدستور‪ .‬إذ ينص الفصل ‪ 3-25‬من هذا القانون أنه يمنع على المحاكم‬
‫أن تبت في دستورية القوانين‪.‬‬
‫قبل دستور ‪ ،1992‬كانت مسألة النظر في دستورية القوانين من اختصاص الغرفة الدستورية للمجلس‬
‫األعلى‪ .‬لكن ممارسة هذه الهيئة القضائية لهذه الصالحية بقيت محدودة‪ ،‬بل ومقصورة على حاالت‬
‫‪9‬‬
‫ثالث‪:‬‬
‫المصادقة على القوانين التنظيمية وعلى النظام الداخلي لمجلس النواب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الدور االستشاري المنصوص عليه في الفصل ‪ 47‬من الدستور بشأن الطابع التشريعي أو‬ ‫‪-‬‬
‫التنظيمي لبعض النصوص‪.‬‬
‫دراسة طلبات عدم القبول المنصوص عليها في الفصل ‪ 52‬من الدستور‪ .‬والمالحظ أن صالحية‬ ‫‪-‬‬
‫مراقبة دستورية القوانين‪ ،‬وبالتالي تحديد مجال اختصاص كل من القانون والالئحة‪ ،‬ال تظهر في أعمال‬
‫الغرفة الدستورية إال كممارسة ثانوية وبطريقة كانت تتصف بالشدة تجاه الهيئة التشريعية‪.‬‬
‫ولت فادي هذا القصور‪ ،‬وإلعطاء مراقبة دستورية القوانين نفسا جديدا من شأنه أن يضع النظام الدستوري‬
‫المغربي في مصاف األنظمة المتكاملة‪ ،‬أسند الدستور المراجع‪ ،‬لسنة ‪ 1992‬ومن بعده دستور ‪،1996‬‬
‫هذه الصالحية للمجلس الدستوري‪.‬‬
‫تعريف المحكمة الدستورية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أحدثت المحكمة الدستورية بموجب الفصل ‪ 129‬من الدستور‪ .‬وقد نصت الفقرة األولى من الفصل ‪131‬‬
‫من الدستور بأنه يحدد قانون تنظيمي قواعد تنظيم المحكمة الدستورية وسيرها واإلجراءات المتبعة‬
‫أمامها‪ ،‬ووضعية أعضائها‪ .‬وهو القانون التنظيمي ‪.066.13‬‬
‫تتألف المحكمة الدستورية‪ ،‬حسب الفصل ‪ 130‬من الدستور والمادة األولى من القانون التنظيمي المتعلق‬
‫بها‪ ،‬من اثني عشر عضوا يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد‪:‬‬
‫ستة أعضاء يعينهم الملك لمدة تسع سنوات من بينهم عضو يقترحه رئيس المجلس العلمي األعلى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ستة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب‪ ،‬والنصف اآلخر من قبل مجلس المستشارين‬ ‫‪-‬‬
‫من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس‪ ،‬وذلك باالقتراع السري وبأغلبية ثلثي األعضاء الذين‬
‫يتألف منهم كل مجلس‪.‬‬

‫ويتم تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية كل ثالثة سنوات‪ .‬أما رئيسها‪ ،‬فيعينه الملك من‬
‫بين األعضاء الذين تتألف منهم‪.‬‬
‫لقد نصت الفقرة األخيرة من نفس الفصل على أنه يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات‬
‫المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون‪ ،‬وعلى كفاءة قضائية او فقهية أو إدارية‪ ،‬والذين مارسوا‬
‫مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة‪ ،‬والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة‪.‬‬
‫صالحيات المحكمة الدستورية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫يسند النص الدستوري لهذه المؤسسة صالحيات متعددة من أهمها مراقبة ‪-‬دستورية القوانين‪ .‬إال أنها ال‬
‫تحظى باختصاص شامل في مجال مراقبة دستورية القوانين‪ .‬فسلطتها محددة من طرف الدستور والقوانين‬
‫التنظيمية‪.‬‬

‫‪9‬راجع‪ :‬محمد جالل السعيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.151.‬‬

‫‪11‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫ويمكننا التمييز بين االختصاصات القضائية واالختصاصات االستشارية للمحكمة الدستورية‪.‬‬


‫‪-‬االختصاصات القضائية‪ :‬تنقسم االختصاصات التي تمارسها المحكمة الدستورية في مجال القضاء‬
‫الدستوري إلى نوعين‪ :‬مراقبة دستورية القانون والبت في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات‬
‫االستفتاء (الفصل ‪ 1-132‬من الدستور) والبت في حالة دفع الحكومة بعدم قبول كل مقترح أو تعديل يدخل‬
‫في مجال القانون (الفصل ‪ 79‬من الدستور)‪ .‬سنقتصر على التطرق فقط لمراقبة دستورية القوانين‪.‬‬
‫يميز النص الدستوري‪ ،‬على مستوى مراقبة دستورية القوانين‪ ،‬بين نوعين من المراقبة التي تختص بهما‬
‫المحكمة الدستورية‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬مراقبة إلزامية ‪ ،contrôle obligatoire‬يقرها الفصل ‪ 2-132‬من الدستور‪" :‬تحال إلى‬ ‫‪-‬‬
‫المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬والنظام الداخلي لكل من مجلس النواب‬
‫ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها إلى المجلس الدستوري لتبت في مطابقتها للدستور"‪ .‬وهذه‬
‫النصوص‪ ،‬موضوع المراقبة اإللزامية للمجلس الدستوري ال يمكن إصدارها ودخولها حيز التنفيذ إال بعد‬
‫البت في مسألة عدم مخالفتها للدستور‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬مراقبة غير إلزامية ‪ ،contrôle facultatif‬تمارس المحكمة الدستورية مراقبة غير‬ ‫‪-‬‬
‫إلزامية على النصوص القانونية العادية‪ ،‬وذلك قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ .‬وليس للمحكمة الدستورية أن‬
‫تتناول تلقائيا نصا قانونيا معينا للبت في مسألة مطابقته للدستور‪ .‬فهذه النصوص يجب أن تحال عليها من‬
‫أجل مراقبة مطابقتها للدستور‪.‬‬
‫وسواء في حالة المراقبة اإللزامية أو المراقبة االختيارية‪ ،‬فعلى المحكمة الدستورية أن تبت في مسألة‬
‫مطابقة النصوص المعنيةداخل أجل شهر من تاريخ اإلحالة‪ .‬وقد تخفض هذه المدة في حالة االستعجال‬
‫إلى ثمانية أيام‪ ،‬بطلب من الحكومة‪.‬‬
‫وإذا كان قرار المحكمة الدستورية أن نصا معينا يخالف الدستور كليا أو جزئيا‪ ،‬فال يجوز إصدار هذا‬
‫النص أو جزئه المعني باإللغاء وال تطبيقه‪ ،‬وذلك بقوة الدستور‪ .‬فهذا النص أو الجزء من النص يعد الغيا‪.‬‬
‫وعندما يتعلق األمر بجزء من نص قانوني‪ ،‬ويمكن فصل هذا الجزء عن النص دون اإلخالل ببنيته الكلية‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫يصبح ممكنا إصدار األحكام التي أعلنت مطابقتها للدستور‪.‬‬
‫االختصاصات االستشارية‪ :‬يحدد الدستور المهام االستشارية للمجلس الدستوري على مستويين‬ ‫‪-‬‬
‫اثنين‪:‬‬
‫أوال – قبل إعالن حالة االستثناء (الفصل ‪ 59‬من الدستور) وكذلك في حالة عزم الملك حل‬ ‫‪-‬‬
‫مجلسي البرلمان أو أحدهما (الفصل ‪ 96‬من الدستور)‪ .‬وهذه المسطرة ال تعدو كونها شكلية وذات طابع‬
‫إخباري محض‪ .‬ورأي المحكمة الدستورية ليست له حجية أو أي أثر قانوني يذكر‪.‬‬
‫ثانيا – عند عزم الحكومة تغيير نصوص تشريعية من حيث الشكل بمرسوم أي بقرار الئحي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فينص الفصل ‪ 73‬من الدستور على ضرورة الركون إلى المحكمة الدستورية للموافقة على ذلك‪ ،‬أي إقرار‬
‫كونها تدخل في مجال القانون أو في مجال الالئحة‪ ،‬وقرار المحكمة الدستورية له أثر ملزم تجاه الحكومة‪.‬‬
‫مسطرة إحالة النصوص القانونية إلى المحكمة الدستورية‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫_اإلحالة القبلية‪:‬‬
‫كما ذكرنا سابقا‪ ،‬فمراقبة المحكمة الدستورية لمطابقة النصوص القانونية ألحكام الدستور ليست مراقبة‬
‫تلقائية‪ .‬وإنما ينبغي إحالة هذه النصوص‪ ،‬قبل إصدار األمر بتنفيذها بواسطة أطراف مؤسساتية يحددها‬
‫الفصل ‪ 3-132‬من الدستور‪:‬‬
‫الملك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪10‬راجع النقطة الثالثة من قرار المجلس الدستوري رقم ‪ 250.98‬المذكور سابقا‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫رئيس الحكومة‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫رئيس مجلس النواب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫رئيس مجلس المستشارين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫خمس أعضاء مجلس النواب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ونالحظ أن دستور ‪ 2011‬قد عمل على توسيع إمكانية إحالة النصوص القانونية على المحكمة الدستورية‬
‫بتخفيضه النصاب القانوني المطلوب بالنسبة ألعضاء مجلس النواب‪ .‬ومن شأن هذا التعديل أن يعطي‬
‫منحى جديدا لمسطرة مراقبة دستورية القوانين في المغرب‪ .‬فإذا كانت األقلية البرلمانية (المعارضة)‬
‫مهمشة تماما في النظام السابق‪ ،‬وليست لها إمكانية النظر في قرارات األغلبية‪ ،‬فاألمر يختلف في ظل‬
‫الفصل ‪ ،132‬إذ أصبحت هذه األقلية (في حدود خمس أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من أعضاء‬
‫مجلس المستشارين) لها أهلية إحالة النصوص القانونية التي أقرتها األغلبية على المحكمة الدستورية‪ ،‬التي‬
‫ترى المعارضة أنها ليست مطابقة جزئيا أو كليا ألحكام الدستور‪ .‬ومن شأن هذه المسطرة إذن إرغام‬
‫األغلبية البرلمانية على مراعاة تصور األقلية البرلمانية المعارضة‪ ،‬وبالتالي إرساء أسس التوازن في أخذ‬
‫القرار بين مكونات السلطة التشريعية‪.‬‬
‫ولكي نلمس أهمية هذا التعديل ومدى إمكانية تأثيره على النظام الدستوري المغربي مستقبال‪ ،‬نرجع إلى‬
‫األثر الذي خلفه نفس التعديل في القانون الدستوري الفرنسي منذ سنة ‪:1974‬‬
‫‪"La révision de la constitution du 29 octobre 1974، permettant à 60 députés ou‬‬
‫‪60 sénateurs de saisir le conseil constitutionnel a eu une portée considérable،‬‬
‫‪qu’il était facile de prévoir dès l’origine، mais que l’on s’était généralement plus‬‬
‫‪à minimiser.‬‬
‫‪En dix ans, il y a eu 438 saisines, soit treize fous plus qu’au cours des treize‬‬
‫‪premières années, et le rythme des saisines est passé de moins d’une par an à 13.‬‬
‫‪Si l’on met à part deux saisines du Premier ministre, deux saisines du président‬‬
‫‪du Senat, les 132 autres des parlementaires. Avant mai 1981, les saisines‬‬
‫‪émanent généralement de l’opposition. Mais la minorité de la majorité saisit‬‬
‫‪quand-même le conseil constitutionnel à trois reprises. Après mai 1981,‬‬
‫"‪l’opposition est à l’origine de la totalité des saisines11.‬‬
‫_اإلحالة البعدية‪:‬‬
‫يعتبر الدفع بعدم دستورية القانون‪ ،‬كآلية جديدة لحماية الحقوق والحريات األساسية من أهم مستجدات‬
‫دستور ‪ 2011‬في هذا المجال‪ ،‬إذ نص في فصله ‪ 133‬على أنه " تختص المحكمة الدستورية بالنظر في‬
‫كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون‪ ،‬أثير أثناء النظر في قضية‪ ،‬وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون‪،‬‬
‫الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور"‪.‬‬
‫وقد نص نفس الفصل في فقرته الثانية على أنه "يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا‬
‫القانون"‪ .‬وتجدر اإلشارة بأن القانون التنظيمي ‪ 86-15‬المتعلق بهذا الخصوص لم يدخل حيز التنفيذ بعد‬
‫ومادام األمر كذلك فإننا ارتأينا عدم التطرق إلى مقتضياته‪.‬‬

‫مراقبة دستورية القوانين‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫‪11‬‬
‫‪L.FAVOREU, Ph. LOIC, « Le conseil constitutionnel », Q.S.J, P.U.F, 1985, p.76.‬‬

‫‪13‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫ينص الدستور صراحة على أن القوانين التنظيمية تحال على المحكمة الدستورية "قبل إصدار األمر‬
‫بتنفيذها" ليبت في مطابقتها للدستور (الفصل ‪-132‬ف‪ .)2‬وهذا يعني بوضوح أنه إذا صدر األمر بتنفيذ‬
‫هذه القوانين بظهير شريف‪ ،‬أصبح غير قابل للمراقبة من طرف المحكمة الدستورية‪.‬‬
‫أما بخصوص القوانين العادية‪ ،‬فيمكن للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل ال يدخل في مجال‬
‫القانون وكل خالف في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الدستورية‪.‬‬
‫مراقبة االقتراح التشريعي في إطار الفصل ‪ 79‬من الدستور‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تعد مراقبة االقتراح التشريعي (اقتراحات القوانين أو التعديالت) إحدى دعائم النظام الدستوري التي تعمل‬
‫على إحكام توزيع االختصاصات بين مجال القانون ومجال الالئحة‪.‬‬
‫وهذه المراقبة تمكن الحكومة‪ ،‬في حالة عدم تطابق وجهات النظر بين رئيسها ورئيس إحدى غرفتي‬
‫البرلمان‪ ،‬من شل فاعلية أي اقتراح قانون أو تعديل يفترض في كونه يخرق مجال االختصاص الالئحي‪.‬‬
‫والمسطرة المتعارف عليها في هذا األمر هي الدفع بعدم القبول ‪ ،l’opposition d’irrecevabilité‬كما‬
‫نص عليها الفصل ‪ 79‬من الدستور‪ .‬وإذا استشرى الخالف بين رئيس الحكومة ورئيس أحد المجلسين‪،‬‬
‫يحال البت في طبيعة المادة موضوع االختالف على المحكمة الدستورية للفصل في هذا الخالف‪ ،‬فيحدد‬
‫المجال الذي تدخل فيه تلك المادة‪ :‬مجال الالئحة أو مجال القانون‪ .‬قرار المحكمة الدستورية في هذا الشأن‬
‫يلزم الطرفين‪ ،‬أي الحكومة والبرلمان‪.‬‬
‫من أهم أهداف هذه المراقبة‪ ،‬السهر على تحديد اختصاصات البرلمان في المجال الذي يحدده الدستور‪.‬‬
‫فالقوانين التنظيمية بطبيعتها مكملة للدستور‪ ،‬والبرلمان بإمكانه بواسطة هذا النوع من النصوص‬
‫التشريعية‪ ،‬في غياب مطابقتها للدستور‪ ،‬أن يوسع مجال اختصاصه ويقوي من سلطته تجاه الحكومة‪.‬‬
‫ولهذا السبب أقر الدستور مراقبة إلزامية للقوانين التنظيمية وكذلك للنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان‪.‬‬
‫لكن النص الدستوري استثنى الطابع اإللزامي لهذه المراقبة بالنسبة للقوانين العادية لسبب بسيط‪ ،‬لكن ذا‬
‫أهمية ال يمكن إخفاء طابعها السياسي‪ .‬فالمراقبة اإللزامية والمنهجية ألعمال البرلمان من شأنها أن تؤدي‬
‫إلى وضع أسس ما يسمى بحكومة القضاة ‪ ،le gouvernement des juges‬وبالتالي يشل الديناميكية‬
‫السياسية التي تكفل تطوير النظام السياسي وتقدم المجتمع‪.‬‬
‫إال أن دستور‪ 2011‬نص على إمكانية الدفع بعدم دستورية قانون‪ ،‬أثير أثناء النظر في قضية‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها‬
‫الدستور (الفصل ‪ .)133‬مراقبة النص التشريعي الذي أقره البرلمان‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المراقبة القضائية للمجال الالئحي‪.‬‬


‫إذ كانت المحكمة الدستورية تمارس مهمة مراقبة دستورية القانون‪ ،‬فاألمر يختلف بالنسبة لمراقبة مطابقة‬
‫النصوص التنظيمية ألحكام الدستور‪ .‬فالبت في مشروعية األحكام التنظيمية يرجع أساسا إلى القضاء‬
‫اإلداري(أ)‪ ،‬وكذلك وبصورة استثنائية إلى القضاء العادي فيما يخص المحاكم الزجرية(ب)‪.‬‬

‫دعوى اإللغاء أمام المحاكم اإلدارية‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬


‫تعتبر دعوى اإللغاء دعوى قضائية ترمي إلى المطالبة بإلغاء أو إعدام قرار إداري لكونه معيبا أو مشوبا‬
‫بعيب من عيوب عدم المشروعية"‪ .‬والعيب الذي يهمنا هنا هو عدم مطابقة التصرف اإلداري الالئحي‬
‫للدستور‪ ،‬أي خرقه لمجال اختصاص الهيئة التشريعية‪ .‬ودعوى اإللغاء طريق مباشر لمراقبة شرعية‬
‫األعمال الالئحة‪ .‬فيحق لكل فرد رفع دعوى أمام القضاء اإلداري لكي يسائل ويقاضي اإلدارة بخصوص‬
‫بعض تصرفاتها التي أدت إلى إلحاق ضرر به‪ ،‬وذلك بقصد إلغاء هذه التصرفات‪ .‬وإذا تأتى له إقناع‬
‫القاضي بوجاهة دعواه‪ ،‬قضى هذا األخير بإلغاء القرار أو الالئحة موضوع الطعن‪ .‬ومن أهم نتائج دعوى‬
‫اإللغاء أن اإللغاء الذي تقرره المحكمة يعتبر ذا أثر مطلق تجرد الالئحة الملغاة بمقتضاه من كل أثر‬

‫‪14‬‬
‫محمد فقيهي‬ ‫العالقة بين القانون والالئحة‬

‫قانوني‪ .‬لكن ما يجب اإلشارة إليه أن القاضي يقتصر في حكمه على إلغاء القرار أو الالئحة المطعون فيها‬
‫عند التحقق من عدم مشروعيتها "فال يطال الحكم التعويض عن األضرار‪ ،‬بل وال يأمر بإرجاع األمور‬
‫‪12‬‬
‫إلى وضعها قبل صدور القرار الملغى"‪.‬‬

‫الدفع بعدم المشروعية أمام القضاء العادي ‪:l’exception d’illégalité‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫إذا كانت المنازعات الخاصة بمشروعية األعمال الالئحية من اختصاص القضاء اإلداري عادة‪ ،‬فإن‬
‫القضاء العادي قد يصبح مؤهال في بعض الحاالت للنظر في مشروعية تلك األعمال‪ ،‬وخاصة القضاء‬
‫الزجري‪ .‬حيث أن المادة ‪ 44‬من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية ينص‪" :‬إذا كان الحكم في قضية‬
‫معروضة على محكمة عادية غير زجرية يتوقف على تقدير شرعية قرار إداري‪ ،‬وكان النزاع في شرعية‬
‫القرار جديا‪ ،‬يجب على المحكمة المثار ذلك أمامها أن تؤجل الحكم في القضية وتحيل تقدير شرعية القرار‬
‫اإلداري محل النزاع إلى المحكمة اإلدارية أو إلى المجلس األعلى حسب اختصاص كل من هاتين الجهتين‬
‫القضائيتين"‪ .‬وتضيف نفس المادة‪" :‬للجهات القضائية الزجرية كامل الوالية لتقدير شرعية أي قرار‬
‫إداري وقع للتمسك به أمامها باعتباره أساسا للمتابعة أو باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع"‪ .‬يفهم من هذا‬
‫الفصل أن مراقبة مطابقة األعمال الالئحية للدستور يمكن أن تمارس عادة من طرف المحاكم اإلدارية‬
‫واستثناء من طرف القضاء العادي‪ ،‬الزجري دون غيره‪.‬‬
‫ويمكن للقضاء العادي إذن أن ينظر فيما إذا كان القرار الالئحي المطعون في طبيعة قد شكل مسا بمجال‬
‫االختصاص التشريعي‪ ،‬كأن يكون مثال قد وضع عقوبة لتطبق على جريمة ما‪ ،‬بينما ينص الدستور‪ ،‬كما‬
‫رأينا سابقا‪ ،‬أن تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها يعد اختصاصا تشريعيا محضا‪ .‬وتدخل السلطة‬
‫التنفيذية في هذا المجال يعد مسا بقاعدة من قواعد الدستور‪.‬‬
‫ومن نتائج الدفع بعدم المشروعية استعباد تطبيق الالئحة في النازلة فقط وليس إلغاؤها كما هو األمر في‬
‫شأن اإللغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة‪ .‬فالالئحة موضوع الدفع تبقى سارية المفعول وأثرها‬
‫القانوني ال يسقط إال في النازلة التي أثير فيها الدفع بعدم المشروعية‪.‬‬

‫‪ 12‬ادريس القاسمي‪ ،‬خالد المير‪" ،‬المحاكم اإلدارية"‪ ،‬سلسلة التكوين اإلداري‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،1995 ،‬ص‪.18.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like