Professional Documents
Culture Documents
يهدف التشريع ،في بعده الوظيفي ،إلى إقرار النصوص القانونية ،أي األحكام العامة والمجردة التي تهدف
إلى تنظيم سلوك وعالقات األفراد داخل المجتمع .وقد فوض المجتمع هذه الوظيفة السامية إلى ممثليه في
الهيئة التشريعية .فالقانون بهذا المعنى هو التعبير عن إرادة الشعب ،وفقا لألفكار الديمقراطية والليبرالية
الحديثة .على هذا األساس ،وبما أن إرادة الشعب هي أسمى إرادة نافذة ،فإن الهيئة التشريعية تختص
بالصالحيات العليا داخل المجتمع ،ولها على مستوى المبدأ ،أن تضمن األحكام المصادرة عنها ما تشاء،
باستثناء بعض المجاالت المحددة التي يتولى الدستور إقرارها ،بذلك إخراجها من مجال التشريع .وكمثال
على هذا الدستور المغربي :منع نظام الحزب الوحيد (الفصل ،)7إقرار مبدأ عدم رجعية القانون (الفصل
،)6ضمان حرية التنقل وحرية االستقرار بجميع أنحاء المملكة (الفصل )24وحرية الرأي وحرية التعبير
(الفصل )25وحرية االجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي (الفصل ... )29لكن هذه المجاالت تبقى
محدودة كما ذكر .واألصل أن اختصاص البرلمان ،كهيئة تشريعية ،واسع ويطال مبدئيا كل مجاالت الحياة
داخل المجتمع.
لكن وضع النصوص القانونية في طور التنفيذ يبقى ،في معظمه ،رهينا بوجود نصوص تنظيمية تصدرها
السلطة التنفيذية ،لتحدد بواسطتها شروط وتقنيات التنفيذ .وفي نفس السياق ،ومع تطور مهام السلطة
التنفيذية ،أصبحت النصوص التنظيمية (الالئحية)ضرورية أيضا لمواجهة متطلبات تنظيم دواليب
المؤسسات الرسمية ،وإلقرار بعض األحكام التي أسندت للسلطة التنفيذية نظرا لظروفها المتغيرة أو
لشروطها التقنية المعقدة.
وإذا كان التقليد الدستوري يفرض أن للقانون المكانة األسمى كمصدر للقاعدة القانونية ،وأن الالئحة مقيدة
بمقتضيات التشريع العادي ودورها ينحصر في تطبيق هذه المقتضيات دون تجاوزها أو مخالفتها ،فإن
التطور الدستوري قد وضع حدا لسمو سلطة التشريع العادي .وأصبح للهيئة التشريعية مجال محدد وللهيئة
التنفيذية مجال أكثر شموال .بل وحتى ممارسة الفعل التشريعي لم تعد حكرا على الهيئة التمثيلية –
البرلمان– فأصبح للحكومة دور فعال في مجال المسطرة التشريعية وكذلك في إقرار القانون.
1
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
السلطة التنفيذية تتمتع بسلطة تنظيمية مستقلة وغير خاضعة لمقتضيات التشريع العادي .1لكن الفصل بين
القانون والالئحة ال يعني الفصل بين األجهزة التي مهمتها إقرار القانون .فالمهام تتداخل وتختلط على هذا
المستوى.
1محمد أشركي" ،المجال التنظيمي المستقل :شيء من الحقيقة وشيء من الوهم" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،يناير-مارس ،1998
ص.17.
2
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
الحكومة ،ولمدة ستة أشهر تبتدئ من صدوره في الجريدة الرسمية ،صالحية اتخاد تدابير تشريعية في
صورة مراسيم ...تدخل بدون مراء في اختصاص البرلمان.
المعطى الثالث – االستفتاء التشريعي (:نصت عليه المادة 69من دستور ،1996إال أن –
دستور 2011لم يتطرق إلى هذه الحالة)
يصدر القانون في حالة االستفتاء عن الشعب مباشرة .وهذه حالة استثنائية بطبيعتها ،إذ تعتبر نهاية
المطاف لفرضية اختالف حاد بين الهيئة البرلمانية والملك بشأن نص قانوني معين .فعندما يعترض الملك
على مشروع أو اقتراح قانون معين ،ويطلب من غرفتي البرلمان قراءة جديدة للنص المذكور (الفصل
69من دستور سنة ،)1996وعندما يتم إقرار أو رفض نص المشروع أو االقتراح في كل من المجلسين
بعد قراءة جديدة بأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس ،فإن النص المختلف بشأنه يصبح
قانونا عاديا ،أو يرفض نهائيا .أما عندما يقر أو يرفض بأغلبية أقل من الثلثين فإن للملك حق في استفتاء
الشعب .بمقتضى ظهير شريف في شأن هذا المشروع أو االقتراح (الفصل 69من دستور.)1996
وتجدر اإلشارة إلى كون هذا المركب القانوني الخاص باالستفتاء التشريعي يستلزم وجود أغلبية قوية
ومتجانسة على مستوى مجلسي البرلمان في ظروف خالف سياسي حاد بين الهيأتين التشريعية والتنفيذية.
وهذا ما جعل مسطرة االستشارة الشعبية إلقرار القانون لم تعتمد قط في الممارسة الدستورية المغربية
حتى اآلن .وكنتيجة لذلك تم إسقاط هذا المقتضى من دستور 2011بالنسبة للمشاريع والمقترحات
المتعلقة بالقوانين العادية.
المعطى الرابع – ممارسة السلطة التشريعية من طرف الملك: –
حيث يتولى العاهل ممارسة السلطة التشريعية في ظرف خاص ،وهي حالة الفراغ على مستوى الهيئة
التشريعية .وهذه الفرضية واردة في حالة واحدة في دستور 2011أال وهي
3
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
4
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
لقد نص الفصل 71من الدستور في فقرته األولى على أنه " يختص القانون ،باإلضافة إلى المواد
المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور ،بالتشريع في الميادين التالية."... :
يتبين أن هذا الفصل قام بتحديد مجال القانون( ،)1ويتضمن اإلحالة على فصول أخرى من الدستور تحدد
بدورها ميادين أخرى للتشريع(.)2
_قانون المالية :إن أهم تصرف تشريعي يمكن اإلشارة إليه في هذا السياق هو قانون المالية la loi de
financesفقد نص الفصل 75من الدستور على أنه" :يصدر قانون المالية الذي يودع باألسبقية لدى
مجلس النواب للتصويت من قبل البرلمان وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي".
ويعتبر قانونا للمالية في نظر القانون التنظيمي للمالية :la loi organique de financesالميزانية
السنوية ،قوانين المالية التعديلية les lois de finances rectificativesوقانون التسوية la loi de
.règlement
_القوانين التنظيمية :لقد تم التنصيص عليها في الفصل 85من الدستور وخصصت لها مسطرة أكثر
تعقيدا من مسطرة إقرار القانون العادي .وهذا التعقيد راجع إلى وظيفة القانون التنظيمي التي هي عادة
وظيفة تكميلية اتجاه الدستور .فباإلضافة إلى المسطرة المتبعة من أجل إقرار القانون العادي ،تنص
الفقرة الخامسة من الفصل المذكور على "أن المجلس (مجلس النواب أو مجلس المستشارين) الذي يعرض
عليه مشروع أو اقتراح قانون تنظيمي ال يمكن أن يتداول فيه أو يصوت عليه إال بعد مرور عشرة أيام
على تاريخ إيداعه لديه" .وال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إال بعد إحالتها إلى المحكمة
الدستورية ،التي عليها أن تبت في مسألة مطابقتها للدستور (الفصل 3-85من الدستور).
6
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
_ المعاهدات :يخص الدستور الهيئة التشريعية أيضا بإقرار المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم
مالية الدولة قبل المصادقة عليها من طرف الملك .وهذا يعني أن "البرلمان له كامل الصالحية في الميدان
المالي والميزانية ،ومن ثم كان منطقيا أن يمارس موافقته على المعاهدات الدولية ذات االنعكاسات
3
المالية".
لقد أجمع فقهاء القانون الدستوري على أن الهيئة التشريعية حسب الفصل 71من الدستور أصبحت ذات
اختصاص نوعي محدد .بينما السلطة التنظيمية تمتاز باختصاص معياري شامل .والفصل 72من
الدستور يدعم هذه الفرضية ،إذ ينص بوضوح ال يترك مجال لالختالف على أنه " :يختص المجال
التنظيمي بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون".
لقد أسند الدستور المغربي الصالحية التنظيمية لرئيس الحكومة ،إذ ينص الفصل 90منه على أنه:
"يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية" .لكن النقاش حول طبيعة ومدى مجال الالئحة لم ينته عند
الحدود الفاصلة التي وضعها الدستور بين مجال القانون ومجال الالئحة( .)1فالنقاش الفقهي والقانوني
احتدم حول هذا التقسيم المبدئي ليعطيه أبعادا تخرج بكثير عما وضعه الدستور صراحة(.)2
طبيعة ومدى المجال الالئحي كما نص عليها الدستور. -1
إن التقسيم الذي وضعه الدستور ،كما رأينا ،لم يوضح معالم االختصاص الالئحي وال حدوده .لكن القراءة
ال نصية للدستور تجعلنا نعتقد أن مجال الالئحة يجد حدوده عند القائمة التي وضعها المشرع األساسي
الختصاص القانون ،وكذلك عند قائمة االختصاصات التي خولها الدستور صراحة للملك كما ذكرنا سابقا.
وهذا يعني مبدئيا أن كل ما يخرج عن إطار هذه المجاالت المحددة هو من اختصاص السلطة التنظيمية.
ويمارس رئيس الحكومة سلطته هذه ،وكما نص على ذلك الدستور ،على مستويين اثنين:
اللوائح التنفيذية :les règlements d’exécution -
وهي اللوائح التي توضع ألجل تنفيذ مقتضيات القواعد التشريعية (القانون) .وفي هذا المجال ينص الفصل
89من الدستور" :تعمل الحكومة ،تحت سلطة رئيسها ،على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ
القوانين ." ......ومن المؤكد أن هذا اللوائح ملزمة بمطابقة األحكام القانونية ،بحيث أنها سنت أصال
لوضعها في حيز التنفيذ؛ وال يمكنها بأي حال من األحوال تناول هذه األحكام بالتعديل ،وذلك تحت مراقبة
4
القضاء اإلداري وكذلك القضاء العادي.
اللوائح المستقلة :les règlement autonomes -
لقد عمل الدستور ،كما رأينا سابقا ،على إعطاء السلطة التشريعية اختصاصا نوعيا محددا .بينما أولى
السلطة التنفيذية اختصاصا شامال .وبهذا أصبح المجال الالئحي المستقل يستمد قوته من الدستور مباشرة،
فاتخذت األعمال الالئحة نفس الصفة القانونية كالقواعد التشريعية .بل أضحت هذه األعمال هي القاعدة
واألحكا م التشريعية هي االستثناء ،على المستوى النظري على األقل .وهذا ما يعطي للمجال الالئحي بعدا
جديدا ال تحده سوى الصالحيات التي أسندها الدستور للمشرع العادي وللسلطة التنفيذية العليا (الملك).
وسوف تعمل المحكمة الدستورية في المستقبل على إضفاء صورة أكثر وضوحا على تقسيم
االختصاصات بين المجال الالئحي والمجال التشريعي ،على شاكلة اجتهاد القضاء الدستوري الفرنسي،
الذي عمل على إعادة النظر في تقسيم االختصاصات الذي جاء به دستور الجمهورية الخامسة(،)1958
والذي جعل الفقه يدخل في نقاش ال يزال محتدما.
الجدل القضائي والفقهي حول مجالي القانون والالئحة. -2
7
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
تعتبر مسألة الفصل بين المجال القانون ومجال الالئحة محدودة عند العبارة الشكلية التي وضعها الدستور.
فأغلب قرارات المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا) في هذا المجال ال تصب في جوهر مشكل
تحديد مجال القانون والالئحة ،بل تبت في قضايا ثانوية ال تثير عادة أي جدل فقهي.
وكمثال على اجتهادات المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا) في هذا المجال نسوق القرار التالي،
الذي يقيم نوعا من التوازن الصارم بين مجال القانون ومجال الالئحة ،ويضع أساس قطيعة نوعية مع
اجتهادات القضاء الدستوري كما وصفناها سابقا:
8
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
المعروض على نظر المجلس7.98 من القانون التنظيمي رقم10 و5 يصرح بأن أحكام المادة:أوال
منه غير43 الدستوري وعبارة "إذ يؤذن للحكومة في ذلك بموجب قانون المالية للسنة" الواردة في المادة
مطابقة للدستور؛
المصرح بعدم مطابقتها للدستور يمكن43 والعبارة الواردة في المادة10 و5 يصرح بأن المادتين:ثانيا
ويجوز بالتالي إصدار هذا القانون بعد، لقانون المالية7.98 فصلها عن باقي أحكام القانون التنظيمي رقم
أن يحذف منه ما تم التصريح بعدم مطابقه للدستور؛
. يأمر بتبليغ قراره هذا إلى السيد الوزير األول وبنشره في الجريدة الرسمية:رابعا
5
.")1998 أكتوبر24( 1419 رجب3 وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم السبت
حيث أن بعض الفقهاء اعتبروا أن ما ورد في شأن،لكن الحالة تختلف في القانون الدستوري الفرنسي
: يشكل ثورة1958تحديد مجال القانون وإعطاء الالئحة صالحية عامة كما ينص على ذلك دستور
"De même que le domaine de la loi est devenu exceptionnel، ce qui était le
principe est devenu l’exception et ne s’étend plus au-dessus de cet immense
cimetière de lois – mortes en tant que lois – que représentent les matières
réglementaires. Dans ces matières, le titulaire du pouvoir réglementaire général
édicte des règlements qui par rapport aux lois, sont à un double titre,
autonomes : d’abord qu’ils ne sont pris en vertu d’aucune loi, ensuite qu’ils sont
affranchis de toute obligation de conformité ou de comptabilité avec quelque
norme législative que ce soit." 6
لكن ما جد بخصوص االجتهاد القضائي للمجلس الدستوري الفرنسي جعل تيارا فقهيا آخر يعتبر أن هذه
. فعاد مجال الصالحية التشريعية واكتسح المجال المعياري.الثورة لم تتم
"Il n’est plus affirmé que les règlements autonomes ne sont pas limités par la loi
au motif qu’il n’existe pas de loi dans le domaine réglementaire. Les règlements
autonomes ne sont affranchis du respect des lois que dans la mesure où ils n’en
rencontrent pas. La place des règlements autonomes est oindre que ce qui avait
été initialement prévus… Il semble que l’on ne puisse reconnaitre comme
réglementaires beaucoup d’autres grandes matières telles que l’organisation de
l’administration d’Etat, la procédure administrative en matière non contentieuse
et en matière juridictionnelle, la procédure civile et la matière des contraventions
de police7."
فإن المجال الالئحي قد فقد، الذي يحظى بإجماع الفقه في القانون الدستوري الفرنسي،حسب هذا الرأي
domaine بل لم يعد له مجال خاص،)شيئا فشيئا جزء ا ال يستهان به من شقه المستقل (اللوائح المستقلة
مستقل عن القانون إال على مستوى بعض المسائل التي كانت أصال تدخل ضمن المجالréservé
وتنظيم المصالح اإلدارية للدولةLes contraventions كالمخالفات،1958 الالئحي قبل
. لقانون المالية98.7 المتعلق بمراقبة دستورية القانون التنظيمي رقم1998 أكتوبر24 بتاريخ250.98 قرار المجلس الدستوري رقم5
.181. ص،1999 ،24 رقم،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية
6
R.CHAPUS, « Droit administratif général », Montchrestien, collection « Précis Domat », T.1, 3e édition, Paris,
1987, p.119.
7
Louis FAVOREUX, « les règlements autonomes n’existent pas », Revue Française de Droit Administratif, 1987,
p.873.
9
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
.L’organisation des services de l’Etatأما فيما تبقى ،فتدخل السلطة التنظيمية مشروط بأحكام
القانون ،أي أن الالئحة في مجملها ليست مستقلة عن القانون ،بل خاضعة له ،وقواعدها صادرة عن أحكام
القاعدة التشريعية؛ وأن مجال القانون ليس محدودا نوعيا ،بل بإمكانه اكتساح مجال الالئحة في مجمل
المواد ،ومن ضمنها تلك التي لم يسندها الدستور للقانون ،والتي هي ،حسب القراءة النصية للدستور ،من
صميم الصالحية الالئحية.
المبحث الثاني :القوة القانونية لمبدأ توزيع االختصاصات بين القانون والالئحة:
مما ال شك فيه أن توزيع االختصاصات بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية كما ورد في نص الدستور ،قد
يؤدي إلى ظهور حاالت خالف بينهما بشأن المدى والطبيعة القانونية لصالحيات كل هيئة على حدي.
فالسلطة التشريعية قد تضع اقتراحات قانون أو تعديالت تتجاوز الصالحية التشريعية .والسلطة التنظيمية
من شأنها إقرار مشاريع حكومية ال تتطابق ،أو تخل بقواعد اختصاصها.
وللبت في هذا النوع من التنازع ،وضع الدستور المغربي ،على شاكلة الدستور الفرنسي لسنة ،1958
قواعد مسطرية جعلت من بين أهدافها ترشيد العمل البرلماني ،وذلك بتمكين الحكومة من الدفاع على
المجال الالئحي .وهذا أيضا هو الهدف المبدئي من إرساء قواعد القضاء الدستوري ،إذ تندرج مراقبة
دستورية القوانين التشريعية ضمن أهم اختصاصات المحكمة الدستورية.
المطلب األول :مراقبة دستورية القوانين.
من شأن البرلمان أن يقر أحكام قد تمس بمبدأ تدرج القواعد القانونية ،بمعنى أنها تخالف الدستور أو
المبادئ المترتبة عنه؛ كأن تضع الهيئة التشريعية أحكاما تحد من حرية اإلضراب مثال ،بينما ينص
الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن" :حق اإلضراب مضمون ."...وهذه الفرضية ليست
مستبعدة .فقد وضعت السلطة التشريعية عدة قوانين تمس بمبدأ أساسي من المبادئ الدستورية الذي ينص
على أنه " ...ليس للقوانين أثر رجعي" .وهذه المسألة أثارت نقاشا محتدما عندما أقدم البرلمان – في
واليته الثانية ( – )1983-1977على خلق ضريبة جديدة على الدخل والمسماة بالضريبة التكميلية على
الدخل اإلجمالي ،وذلك دون مراعاة الفصل 50من دستور ،1972الذي ينص على أن "المقترحات
والتعديالت التي يتقدم بها أعضاء مجلس النواب ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى
تخفيض المو ارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود" .كما أن الوالية
الثالثة ( ) 1992-1984عرفت نقاشا مماثال بصدد اإلصالح القاضي بتمديد مدة والية أعضاء البرلمان من
8
أربعة إلى ستة سنوات.
وهذا التجاوز قد يمتد إلى مجال اختصاص السلطة التنفيذية.
إذ فللحفاظ على التوازن بين مجال اختصاص المؤسستين التشريعية والتنفيذية .وللحد من تطاول المشرع
على المجال الالئحي ،تم وضع أسس مراقبة قضائية هدفها البت في مدى مراعاة الهيئة التشريعية للنص
الدستوري .وقد أسند الدستور المغربي هذه المهمة للمحكمة الدستورية .وعمل المشرع األساسي أيضا
على دعم فعالية هذه الهيئة القضائية بأن وسع اختصاصاتها عما كانت عليه في الوقت الذي كانت فيه هذه
المهمة من والية الغرفة الدستورية للمجلس األعلى .وعمل أيضا على تطوير مسطرة إحالة النصوص
موضوع المراقبة على المحكمة الدستورية.
الهيئة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين. أ-
10
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
يكرس قانون المسطرة المدنية المغربي ( 8ستنبر )1978مبدأ عدم أهلية المحاكم العادية للنظر فيما من
شأنه إثارة مطابقة القوانين ألحكام الدستور .إذ ينص الفصل 3-25من هذا القانون أنه يمنع على المحاكم
أن تبت في دستورية القوانين.
قبل دستور ،1992كانت مسألة النظر في دستورية القوانين من اختصاص الغرفة الدستورية للمجلس
األعلى .لكن ممارسة هذه الهيئة القضائية لهذه الصالحية بقيت محدودة ،بل ومقصورة على حاالت
9
ثالث:
المصادقة على القوانين التنظيمية وعلى النظام الداخلي لمجلس النواب. -
الدور االستشاري المنصوص عليه في الفصل 47من الدستور بشأن الطابع التشريعي أو -
التنظيمي لبعض النصوص.
دراسة طلبات عدم القبول المنصوص عليها في الفصل 52من الدستور .والمالحظ أن صالحية -
مراقبة دستورية القوانين ،وبالتالي تحديد مجال اختصاص كل من القانون والالئحة ،ال تظهر في أعمال
الغرفة الدستورية إال كممارسة ثانوية وبطريقة كانت تتصف بالشدة تجاه الهيئة التشريعية.
ولت فادي هذا القصور ،وإلعطاء مراقبة دستورية القوانين نفسا جديدا من شأنه أن يضع النظام الدستوري
المغربي في مصاف األنظمة المتكاملة ،أسند الدستور المراجع ،لسنة 1992ومن بعده دستور ،1996
هذه الصالحية للمجلس الدستوري.
تعريف المحكمة الدستورية: -1
أحدثت المحكمة الدستورية بموجب الفصل 129من الدستور .وقد نصت الفقرة األولى من الفصل 131
من الدستور بأنه يحدد قانون تنظيمي قواعد تنظيم المحكمة الدستورية وسيرها واإلجراءات المتبعة
أمامها ،ووضعية أعضائها .وهو القانون التنظيمي .066.13
تتألف المحكمة الدستورية ،حسب الفصل 130من الدستور والمادة األولى من القانون التنظيمي المتعلق
بها ،من اثني عشر عضوا يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد:
ستة أعضاء يعينهم الملك لمدة تسع سنوات من بينهم عضو يقترحه رئيس المجلس العلمي األعلى. -
ستة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب ،والنصف اآلخر من قبل مجلس المستشارين -
من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس ،وذلك باالقتراع السري وبأغلبية ثلثي األعضاء الذين
يتألف منهم كل مجلس.
ويتم تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية كل ثالثة سنوات .أما رئيسها ،فيعينه الملك من
بين األعضاء الذين تتألف منهم.
لقد نصت الفقرة األخيرة من نفس الفصل على أنه يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات
المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون ،وعلى كفاءة قضائية او فقهية أو إدارية ،والذين مارسوا
مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة ،والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة.
صالحيات المحكمة الدستورية: -2
يسند النص الدستوري لهذه المؤسسة صالحيات متعددة من أهمها مراقبة -دستورية القوانين .إال أنها ال
تحظى باختصاص شامل في مجال مراقبة دستورية القوانين .فسلطتها محددة من طرف الدستور والقوانين
التنظيمية.
11
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
12
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
ونالحظ أن دستور 2011قد عمل على توسيع إمكانية إحالة النصوص القانونية على المحكمة الدستورية
بتخفيضه النصاب القانوني المطلوب بالنسبة ألعضاء مجلس النواب .ومن شأن هذا التعديل أن يعطي
منحى جديدا لمسطرة مراقبة دستورية القوانين في المغرب .فإذا كانت األقلية البرلمانية (المعارضة)
مهمشة تماما في النظام السابق ،وليست لها إمكانية النظر في قرارات األغلبية ،فاألمر يختلف في ظل
الفصل ،132إذ أصبحت هذه األقلية (في حدود خمس أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من أعضاء
مجلس المستشارين) لها أهلية إحالة النصوص القانونية التي أقرتها األغلبية على المحكمة الدستورية ،التي
ترى المعارضة أنها ليست مطابقة جزئيا أو كليا ألحكام الدستور .ومن شأن هذه المسطرة إذن إرغام
األغلبية البرلمانية على مراعاة تصور األقلية البرلمانية المعارضة ،وبالتالي إرساء أسس التوازن في أخذ
القرار بين مكونات السلطة التشريعية.
ولكي نلمس أهمية هذا التعديل ومدى إمكانية تأثيره على النظام الدستوري المغربي مستقبال ،نرجع إلى
األثر الذي خلفه نفس التعديل في القانون الدستوري الفرنسي منذ سنة :1974
"La révision de la constitution du 29 octobre 1974، permettant à 60 députés ou
60 sénateurs de saisir le conseil constitutionnel a eu une portée considérable،
qu’il était facile de prévoir dès l’origine، mais que l’on s’était généralement plus
à minimiser.
En dix ans, il y a eu 438 saisines, soit treize fous plus qu’au cours des treize
premières années, et le rythme des saisines est passé de moins d’une par an à 13.
Si l’on met à part deux saisines du Premier ministre, deux saisines du président
du Senat, les 132 autres des parlementaires. Avant mai 1981, les saisines
émanent généralement de l’opposition. Mais la minorité de la majorité saisit
quand-même le conseil constitutionnel à trois reprises. Après mai 1981,
"l’opposition est à l’origine de la totalité des saisines11.
_اإلحالة البعدية:
يعتبر الدفع بعدم دستورية القانون ،كآلية جديدة لحماية الحقوق والحريات األساسية من أهم مستجدات
دستور 2011في هذا المجال ،إذ نص في فصله 133على أنه " تختص المحكمة الدستورية بالنظر في
كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون ،أثير أثناء النظر في قضية ،وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون،
الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور".
وقد نص نفس الفصل في فقرته الثانية على أنه "يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا
القانون" .وتجدر اإلشارة بأن القانون التنظيمي 86-15المتعلق بهذا الخصوص لم يدخل حيز التنفيذ بعد
ومادام األمر كذلك فإننا ارتأينا عدم التطرق إلى مقتضياته.
11
L.FAVOREU, Ph. LOIC, « Le conseil constitutionnel », Q.S.J, P.U.F, 1985, p.76.
13
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
ينص الدستور صراحة على أن القوانين التنظيمية تحال على المحكمة الدستورية "قبل إصدار األمر
بتنفيذها" ليبت في مطابقتها للدستور (الفصل -132ف .)2وهذا يعني بوضوح أنه إذا صدر األمر بتنفيذ
هذه القوانين بظهير شريف ،أصبح غير قابل للمراقبة من طرف المحكمة الدستورية.
أما بخصوص القوانين العادية ،فيمكن للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل ال يدخل في مجال
القانون وكل خالف في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الدستورية.
مراقبة االقتراح التشريعي في إطار الفصل 79من الدستور. -1
تعد مراقبة االقتراح التشريعي (اقتراحات القوانين أو التعديالت) إحدى دعائم النظام الدستوري التي تعمل
على إحكام توزيع االختصاصات بين مجال القانون ومجال الالئحة.
وهذه المراقبة تمكن الحكومة ،في حالة عدم تطابق وجهات النظر بين رئيسها ورئيس إحدى غرفتي
البرلمان ،من شل فاعلية أي اقتراح قانون أو تعديل يفترض في كونه يخرق مجال االختصاص الالئحي.
والمسطرة المتعارف عليها في هذا األمر هي الدفع بعدم القبول ،l’opposition d’irrecevabilitéكما
نص عليها الفصل 79من الدستور .وإذا استشرى الخالف بين رئيس الحكومة ورئيس أحد المجلسين،
يحال البت في طبيعة المادة موضوع االختالف على المحكمة الدستورية للفصل في هذا الخالف ،فيحدد
المجال الذي تدخل فيه تلك المادة :مجال الالئحة أو مجال القانون .قرار المحكمة الدستورية في هذا الشأن
يلزم الطرفين ،أي الحكومة والبرلمان.
من أهم أهداف هذه المراقبة ،السهر على تحديد اختصاصات البرلمان في المجال الذي يحدده الدستور.
فالقوانين التنظيمية بطبيعتها مكملة للدستور ،والبرلمان بإمكانه بواسطة هذا النوع من النصوص
التشريعية ،في غياب مطابقتها للدستور ،أن يوسع مجال اختصاصه ويقوي من سلطته تجاه الحكومة.
ولهذا السبب أقر الدستور مراقبة إلزامية للقوانين التنظيمية وكذلك للنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.
لكن النص الدستوري استثنى الطابع اإللزامي لهذه المراقبة بالنسبة للقوانين العادية لسبب بسيط ،لكن ذا
أهمية ال يمكن إخفاء طابعها السياسي .فالمراقبة اإللزامية والمنهجية ألعمال البرلمان من شأنها أن تؤدي
إلى وضع أسس ما يسمى بحكومة القضاة ،le gouvernement des jugesوبالتالي يشل الديناميكية
السياسية التي تكفل تطوير النظام السياسي وتقدم المجتمع.
إال أن دستور 2011نص على إمكانية الدفع بعدم دستورية قانون ،أثير أثناء النظر في قضية، -2
وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها
الدستور (الفصل .)133مراقبة النص التشريعي الذي أقره البرلمان.
14
محمد فقيهي العالقة بين القانون والالئحة
قانوني .لكن ما يجب اإلشارة إليه أن القاضي يقتصر في حكمه على إلغاء القرار أو الالئحة المطعون فيها
عند التحقق من عدم مشروعيتها "فال يطال الحكم التعويض عن األضرار ،بل وال يأمر بإرجاع األمور
12
إلى وضعها قبل صدور القرار الملغى".
12ادريس القاسمي ،خالد المير" ،المحاكم اإلدارية" ،سلسلة التكوين اإلداري ،مطبعة النجاح الجديدة ،1995 ،ص.18.
15