You are on page 1of 6

‫‪ -2‬محاولة محمد علي تكوين دولة حديثة ومستقلة بمصر وظروف فشلها‪.

‬‬

‫‪:1-3‬التعريف بمحمد علي باشا‪:‬‬

‫ولد محمد علي بقولة وهي بلدة صغيرة بمقدونيا تابعة اليوم لليونان عام ‪ "،1769‬كان اسم َ والد محمد علي إبراهيم أغا‪ ،‬وأما‬
‫اسم والدته فهو زينب خاتون‪ .‬وأما إبراهيم أغا‪ ،‬والده‪ ،‬رئيس خفر الطرق في بلده‪ ،‬فإن هم المعيشة كان يكده ‪ ....‬وذلك ألن مربوط‬
‫وظيفته ك ان ضئيال ً ‪ ،‬ال يقوم أود عائلته‪ ،‬حتى لو قبضه كامال‪ ،‬فكيف به وهو لم يكن يتقاضاه إال ناقصا‪ ،‬أو ال يتقاضاه البتة؟! (شأن‬
‫موظفي الدولة العثمانية في ذلك العهد‪ ،‬وحتى أواخر القرن الماضي‪ ،‬بل حتى أواخر حكم عبد الحميد) ‪.‬حصر والده كل حنانه‬
‫واهتمامه فيه بعد فقده ألوال ده‪ ،‬وحاطه بعناية خاصة‪ ،‬تجلت في المظهر الذي تتجلى فيه العناية عند الوالدين الجهالء؛ أي إنه تركه‬
‫يشب وشأنه‪ ،‬دون أن يعلمه — على أن العلم لم يكن في ذلك العهد مرغوبًا فيه إال قليال‪ ،‬ال سيما في الشرق‪ ،‬حيث لم يكن من علم‬
‫سوى ما كان الدين أساسه‪ ،‬أو ما اصطبغ منه بصبغة الدين ودون أن يفكر في تهذيب ميوله‪ ،‬وتوجيهها نحو غرض معلوم في الحياة‪،‬‬
‫يكون للفتى في البلوغ إليه أمان من الحاجة والفقر‪ ،‬فأخذت الجرية‪ ،‬لذلك‪ ،‬تتحدث في شأن الصبي‪ ،‬وتندب حظه‪ ،‬وتتداول قوال كهذا‪:‬‬
‫«ماذا عسى أن يكون نصيب هذا الغالم التعس من الحياة‪ ،‬إذا أفقده الدهر والديه فجأة‪ ،‬وهو ال يملك شروى نقير‪ ،‬وال علم عنده‪ ،‬وال‬
‫صنعة لديه؟"‬

‫فبلغ الحديث مسامع محمد علي‪ ،‬وكانت أمه مجتهدة في جعل فؤاده حادا وروحه كريمة‪ ،‬فأثر فيه تأثيرا عميقًا‪ ،‬وقد قال‬
‫محمد علي فيما بعد‪ « :‬إني‪ ،‬مذ سمعت ذلك القول‪ ،‬عزمت عزما أكيدا على تغيري ما بي‪ ،‬وترويض نفسي على امتالك زمام‬
‫أهوائي‪ ،‬فقد حدث لي‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬أني استمررت‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬على الجري يومين كاملين ال أتناول من الطعام إال القليل‪ ،‬وال أنام ِإال‬
‫اليسير؛ ألقوي عضالتي‪ ،‬وأتمرن على خشونة المعيشة‪ .‬ولم يعد يهدأ لي بال حتى فقت جميع أقراني في جميع التمارين الرياضية‪.‬‬
‫وإني ألذكر سباقًا بالمجداف قمنا به في بحر عجاج متالطم األمواج‪ ،‬كان الغرض منه البلوغ بالقوارب إلى جزيرة قريبة من‬
‫الشاطئ‪ ،‬فإن أقراني ما لبثوا أن كلُّوا‪ ،‬وخارت عزائمهم‪ ،‬وأما أنا‪ ،‬فإني بالرغم من تسلخ جلد راحتي‪ ،‬وقد كان ال يزال ناعما‪ ،‬ما‬
‫‪1‬‬
‫فتئت أجدف‪ ،‬مقاوما األمواج والريح‪ ،‬حتى أدركت الجزيرة‪ ،‬وهي اليوم ملكي!» — وهي جزيرة طشيوز‪.‬‬

‫على أن الموت حصد حياة أم محمد علي‪ ،‬والشاب في أول يفاعته‪،‬ثم أبيه في مرحلة الحقة فتواله جده أوال ثم عمه ‪،‬وبعد‬
‫وفاته تواله حاكم قولة وكان صديقا ألسرته‪ ،‬فضمه إلى بيته‪ ،‬وآواه تحت سقفه‪ ،‬ورباه مع ابنه‪".‬‬

‫لما بلغ سن نضوج الشباب أقدم على أعمال فروسية عجيبة‪ ،‬كتطهير البالد من اللصوص ‪ ،‬ومن الحيوانات الكاسرة التي كانت‬
‫تفتك في الشتاء باألهالي؛ ما لفت إليه أنظار السلطان العثماني وحمله على تقليده إمارة أالي من الجند‪" ،‬ما أتى به محمد علي من‬
‫الغرائب في ميدان مطاردة اللصوص وعصاباتها العجب العجاب‪ ،‬فكبرت منزلته وعلت درجته في عيني الخليفة وطارت شهرته في‬
‫العالم وبات مجرد النطق باسمه يلقي الرعب في قلوب قطاع الطرق‪ ،‬فرأى أمير المؤمنين أن يعهد إليه بأسطيل مطاردة قرصان‬

‫‪ - 1‬إلياس األيوبي‪ :‬محمد علي سريته وأعماله وآثاره‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪،2012،‬ص‪(12-10‬بتصرف)‪.‬‬
‫البحار‪ ،‬وقطع داب رهم كما قطع دابر لصوص بالجبال والبطاح‪ ،‬فتعقب محمد علي أولئك القرصان‪ ،‬وما انفك يوقع بهم ويدمر مراكبهم‬
‫ويهلك جموعهم حتى استأصل شأفتهم ونظف منهم بحر مرمرة وبحر األرخبيل‪ ،‬فقرت به عينا السلطان وأدناه من نفسه‪ ،‬وأراد أن‬
‫‪2‬‬
‫يقلده وظيفة سامية في بالطه‪ ،‬ولكن محمدا فضل العودة إلى بلده واإلقامة في مكان مسقط رأسه‪ ،‬بني صحبه وخالنه"‬

‫لذلك كبرت منزلته في عيني حاكم قولة‪ ،‬فرفعه إلى درجة بلوك باشي‪ ،‬وزوجه من قريبة له ذات ثروة ‪ ،‬كانت مطلقة‪ ،‬ليصبح‬
‫من تجار التبغ الكبار‪.‬‬

‫‪-2-3‬ظروف ظهور محمد علي في مصر‪:‬‬

‫اتفق المؤرخون أن ه"حين جاء محمد علي إلى القاهرة من قولة‪،‬كان ضابطا في الفرقة التي أرسلها سلطان تركيا في سنة‬
‫‪ 1799‬م لتقضي على حملة بونابارت ‪....‬وقد هزم األلبانيون ( الفرقة العسكرية) نابوليون من غير مشقة‪ ،‬ومع ذلك كانت هذه‬
‫الهزيمة التي أتاحت لمحمد علي الفرصة ‪،‬فتسلم قيادة الفرقة‪،‬ووجد نفسه حين جالء الفرنسيين عن مصر بعد ذلك بعامين على رأس‬
‫جيش صغير في منصب يتيح له الحكم والنفوذ‪.‬فانتهز هذه الفرصة واستغلها لفائدته واتبع بذكائه ودهائه جميع الوسائل التي أظهرت‬
‫موهبته السياسية ومقدرته العسكرية‪،‬وما إن وافت سنة‪ 1805‬حتى أصبح صاحب السيادة العسكرية على مصر واعترف له السلطان‬
‫العثماني بلقي والي عليها"‪.3‬‬

‫اضطر السلطان سليم الثالث على االعتراف بمحمد علي واليا على مصر‪ ،‬إذ كان السلطان في ذلك الوقت منهمكا في شؤون‬
‫أخرى خارج مصر‪،‬فلقد اندلعت انتفاضة بشبه جزيرة البلقان‪،‬ولم تكن األوضاع مستقرة باليونان وبلغاريا وعندما قام السلطان‬
‫بمحاولة عزل محمد علي‪ ،‬اصطدم مجددا بمقاومة سكان القاهرة‪.‬‬

‫كما استطاع محمد علي بدعم أهالي القاهرة التغلب على محمد األلفي صنيعة اإلنجليز سنة ‪،1806‬كما سحق اإلنجليز في الرشيد‬
‫‪4‬‬
‫سنة ‪1807‬م‪.‬وبعد ذلك دخل محمد علي اإلسكندرية‪،‬فزادت شعبيته بين الجماهير على نطاق واسع‪.‬‬

‫تقلد محمد علي باشا الحكم بإرادة زعماء الشعب ونزوال على رأيهم في ‪ 13‬مايو‪...1805‬فالزعامة الشعبية هي التي أبلغته سلطة‬
‫الحكم‪ ،‬وقد ظلت هذه الزعامة في المي دان‪ ،‬وبقيت قائمة عاملة في السنوات األولى من حكم محمد علي‪ ،‬فكان لها أثر فعال في تثبيت‬
‫‪5‬‬
‫دعائم حكمه وتذليل العقبات التي وضعها في طريقه رجال األستانة من جهة واإلنجليز وصنائعهم المماليك من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ 3-‬محاولة محمد علي إقامة دولة حديثة ومستقلة بمصر‪:‬‬

‫بمجرد استقرار محمد علي على كرسي الوالية بإرادة زعماء الشعب حتى شرع في تحديث مصر فاتخذ عدة تدابير شملت مجاالت‬
‫متعددة يمكن إجمالها في مايلي‪:‬‬

‫التدابير المتخذة‪:‬‬ ‫مجاالت التحديث‪:‬‬

‫تأسيس مدارس حربية حديثة لتكوين أطر مصرية‬ ‫‪-‬‬ ‫المجال العسكري‪:‬‬
‫أنشاء مصانع لألسلحة والمدافع والذخيرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫االهتمام باألسطول الحربي وصناعة السفن لمواجهة الخطر األجنبي‬ ‫‪-‬‬
‫انتداب أوربيين لتدريب الجيش وتنظيمه وفقا للنمط الفرنسي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إرسال بعثات مصرية إلى أوربا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تكوين جيش نظامي على النمط األوربي لتحقيق إستقالل مصر وأهداف محمد علي‬ ‫‪-‬‬

‫‪- 2‬نفسه‪:‬ص‪.15‬‬
‫‪ -3‬جورج أنطونيوس‪ :‬يقظة العرب‪ :‬تاريخ حركة العرب القومية‪ ،‬ترجمة ناصر الدين األسد وإحسان عباس‪:‬دار العلم للماليين‪،‬طبعة‬
‫‪1982،7‬ص‪.81‬‬
‫‪ - 4‬لوتسكي ‪:‬تاريخ األقطار العربية الحديث‪ ،‬دار الفرابي‪،1985،‬ص ‪61‬‬
‫‪ - 5‬عبد الرحمان الرافعي‪،‬عصر محمد علي‪،‬دار المعارف القاهرة‪،1982،‬ص‪.27‬‬
‫التوسعية‪.‬‬

‫المجال السياسي‪:‬‬
‫‪ -‬القضاء على األطماع األوروبية بمصر‪.‬‬
‫‪ -‬القضاء على سلطة المماليك بمصر‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء نظام االلتزام‪.‬‬
‫‪ -‬إنشاء دواوين الحكومة ومجلس المشورة ‪.‬‬

‫المجال اإلداري‪:‬‬
‫قسم مصر إلى تسع واليات وعين عليها والة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أنشأ األقاليم والمراكز‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أنشأ الوزارات والدواوين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جزأ اإلدارة حسب القطاعات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جلب الخبراء من فرنسا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المجال اإلقتصادي‪:‬‬
‫بناء الطرق‬ ‫‪-‬‬
‫مد خطوط السكة الحديدية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫بناء الوحدات الصناعية واالستهالكية والتجهيزية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إصالح زراعي بالتوجه نحو الزراعات التسويقية كالقطن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نظام ضريبي صارم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬‬
‫بناء المدارس‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫المجال االجتماعي‪:‬‬
‫بناء المستشفيات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إرسال البعثات الطالبية إلى أوربا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جلب األطر المكونة من فرنسا‬ ‫‪-‬‬

‫عموما‪ "،‬أخذت الدولة في عهد محمد علي‪...‬بزمام االقتصاد‪،‬فاعتمدت من أجل ذلك نظام االحتكار في جميع القطاعات‬
‫االقتصادية‪.‬فكانت الدولة تراقب األراضي الشاسعة والصناعات الكبرى وتحتكر المواد األولية والتجارة الخارجية وكامل تجارة‬
‫القطن‪ ،‬فهي بمثابة الفالح والصن اعي والتاجر‪.‬وقد اعتمد محمد علي باشا إلنجاز البنية األساسية الضرورية للنهوض باالقتصاد على‬
‫نظام السخرة الذي مكنه من اليد العاملة مجانيا‪،‬وكذلك على الضرائب والتالعب بقيمة العملة والمرابيح التي تدرها على الدولة‬
‫صادرات القطن لتمويل المشاريع االقتصادية الكبرى‪...‬و مهما يكن من أمر فإن هذه السياسة التي تقوم على نظام االحتكار تستوجب‬
‫جهازا إداريا قادرا على ذلك‪.‬ومن ذلك قام محمد علي باشا بإرساء جهاز للدولة عصري وقوي يمكنه من مراقبة شؤون البالد في‬
‫‪6‬‬
‫جميع المجاالت‪".‬‬

‫أصبحت مصر تعتبر شكليا إحدى الواليات التابعة لإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬بينما محمد علي باشا واليا خاضعا للسلطان والباب‬
‫العالي‪ ،‬وقد احتفظ محمد علي بقناع الوالء‪ ،‬وفي الواقع أصبحت مصر دولة مستقلة ذات حكومة وجيش وقوانين ونظام ضرائب‬
‫خاص بها‪.‬وكان محمد علي يدفع جزية سنوية إلى السلطان بلغت حوالي ‪ %3‬من مجموع نفقات ميزانية الدولة‪ ،‬و كان اسم السلطان‬
‫‪7‬‬
‫يذكر في خطبة الجمعة‪.‬‬

‫‪:4-3‬توسعات محمد علي و إجهاض حلم الدولة الحديثة‪:‬‬

‫‪ - 6‬علي المحجوبي‪ :‬ما يجب أن تعرفه عن النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر‪:‬لماذا فشلت بمصر وتونس ونجحت باليابان؟‪ ،‬تونسدار‬
‫سراس‪،1999،‬ص‪.23-22‬‬
‫‪ - 7‬لوتسكي مرجع سابق‪ ،‬ص‪82‬‬
‫الحمالت العسكرية المصرية ما بين ‪:1840-1815‬‬

‫و لما زالت الصعاب من سبيل محمد علي‪ ،‬وضع نصب عينيه العمل على إنشاء دولة على ضفاف النيل ‪.‬و أدرك أنه لن ينال‬
‫الغرض المقصود إال إذا جمع على والئه عواطف العالم اإلسالمي حوله فهب إلى قتال الوهابين‪ ،‬ثم إلى نجدة الدولة العثمانية‬
‫والمساعدة على إخماد ثورة اليونان مقابل الحصول على جزيرة قبرص وكريت سنة ‪،1822‬وبإيعاز من مترنيخ تنازل له عن والية‬
‫مورا‪ ،‬وعهد إليه بقمع الثورة اليونانية‪،‬فوافق على ذلك تدفعه مصالحه الشخصية ‪،‬فهو كان يريد إظهار قوة مصر الحربية ‪،‬وأن‬
‫تضطلع بدور الدولة العظيمة في المشرق العربي ; فهو كان يريد بكل بساطة تسخير موارد الجزر والمالحة اليونانية في خدمة‬
‫إمبراطوريته الناشئة‪،‬وأخيرا كان يحلم بسيادة مطلقة على شرق البحر األبيض المتوسط وتحويله إلى بحيرة مصرية‪ ،‬وهو ما‬
‫يتعارض مع المصالح السياسية لكل من بريطانيا وفرنسا‪.‬‬

‫جهز محمد علي جيشا وأسطوال كبيرين بزعامة إبراهيم باشا وغادرت الحملة مصر في يناير ‪،1824‬وقبل نهاية ‪1825‬‬
‫سيطروا على مورا بأكملها ‪.‬وفي ‪ 1826‬شن المصري ون واألتراك حملة ضد الثوار اليونانيين وسط اليونان‪ ،‬وفي ‪ 5‬يونيو ‪1827‬‬
‫استطاعوا أن يسيطروا على أثينا بمفردهم‪،‬وظهر عندئذ كأن األمر استتب لمحمد علي لولى تدخل انجلترا وبروسيا والنمسا‪ ،‬وكانت‬
‫فرنسا وانجلترا قد طلبت من الدولة العثمانية في ‪ 4‬أبريل‪ 1826‬إعطاء اليونان استقاللها الذاتي ويتضمن ذلك حرية التجارة وحرية‬
‫العقيدة واالستقالل اإلداري مع بقائها ضمن ممتلكات اإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬

‫رفض السلطان محمود الثاني كل هذه المطالب ‪ ،‬وبعد احتالل أثينا انضمت فرنسا النجلترا وروسيا في مؤتمر ‪6‬يونيو‬
‫‪،1827‬تقرر فيه فصل اليونا ن عن تركيا‪ .‬ونص االتفاق على أن يوافق الباب العالي خالل شهر على هذه االتفاقية‪ ،‬وإال سيجبر‬
‫بالقوة‪.‬ورفض الباب العالي مرة أخرى فترتب عن ذلك دخول األساطيل االنجليزية والفرنسية والروسية إلى خليج نافارين في‪29‬‬
‫أكتوبر ‪ 1827‬وبدأت معركة بحرية انتهت بإبادة األسطولين ا لتركي والمصري إبادة كاملة‪،‬و تلى ذلك ظهور أسطول إنجليزي أمام‬
‫شاطئ اإلسكندرية‪،‬وتوغل الجيش الروسي بأراضي السلطان حتى وصل أدرنة‪،‬ونزلت كتائب فرنسية بمورا ‪ ،‬مما اضطر محمد علي‬
‫إلى جالء قواته عن اليونان‪،‬واضطر السلطان أن يمنح اليونان استقاللها الذاتي سنة في شتنبر ‪ ،1829‬لتحصل على االستقالل التام‬
‫سنة ‪.1831‬‬

‫أبدى محمد علي كثيرا من الحكمة في مواجهة الكارثة التي أصابت قواته في اليونان‪،‬فهو انسحب دون موافقة السلطان استجابة‬
‫لمطالب فرنسا وانجلترا وروسيا‪ ،‬بل أعاد األسرى اليونانيون الذين نقلهم إلى مصر إلى بالدهم ‪ ،‬ولم يساعد السلطان في حربه مع‬
‫روسيا‪،‬وأجلى القوات المصرية عن مورا في شتنبر ‪، 1828‬كما رفض دفع التعويضات التي فرضت على تركيا بمقتضى صلح شتنبر‬
‫‪، 1828‬ولم يكتف بالرفض بل أنه أخبر السلطان أنه دفع في اليونان ما يكفي وأن جزيرة كريت التي حصل عليها ال تكفي لتقديم‬
‫التعويضات و أن على السلطان أن يتنازل له عن فلسطين وسوريا مكافأة على خدماته التي قدمها للباب العالي‪ ،‬كل هذا أدى إلى ازدياد‬
‫التوتر مع األستانة مما أدى إلى انفجار الحرب بينهما والتي مرت بمرحلتين أو ما يعرف بحرب الشام األولى وحرب الشام الثانية‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪:‬حرب الشام األولى‪ :‬قاد إبراهيم باشا حملة عسكرية على الشام في أكتوبر‪،1831‬و تذرع محمد علي‬ ‫‪-‬‬
‫برفض والي عكة آنذاك إعادة الفالحين المصريين الذين التجئوا إلى سوريا‪،‬وال تهمنا هنا األسباب الشكلية للنزاع بل‬
‫األسباب الحقيقية وهي اقتصادية و إستراتيجية; فالمالحظ أن هناك نوع من التكامل االقتصادي مابين مصر والشام‪،‬‬
‫وظهر هذا بوضوح خالل القرن ‪ 18‬عشر‪،‬فمصر كانت تزود سوريا بالرز والسكر والقمح والسمسم والملح والسمك المملح‬
‫وماء الورد وأنواع مختلفة من األقمشة الصوفية والقطنية‪ ،‬بينما سوريا كانت تصدر الدخان الصابون والفواكه المجففة‬
‫والنبيذ والشمع وجلود الماعز والخيل والقطن وغيرها‪.‬‬
‫وهكذا في ظل تطور مصر االقتصادي ‪،‬كانت وحدة مصر وسوريا ضرورية خاصة وأن سوريا كانت مصدر بعض‬
‫المواد الضرورية كالخشب والفحم لتطوير بناء السفن‪،‬ثم اليد العاملة خاصة بعد خسائره البشرية في حملة الحجاز و مورا‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬ومن خالل مشاريعه االقتصادية يتضح رغبته األساسية في تحقيق االستقالل االقتصادي لمصر وتجاوز‬
‫الدول األوروبية التي كانت تمنع عنها المواد األولية كالخشب لبناء السفن‪،‬أما السبب اإلستراتيجي ال يقل عن السبب‬
‫االقتصادي; فسوريا ضرورية للدفاع عن مصر فالتاريخ أثبت أنها ذرعها الواقي‪،‬وهي إن اخترقت كان تهديد ألمنها‪.‬‬
‫نجح محمد علي في هزم العثمانيون في كل المعارك وأصبح على مشارف األناضول ووصلوا إلى بورصة في دجنبر‬
‫‪ ، 1832‬وأصبحوا على مشارف إستانبول لولى تدخل كل من روسيا وانجلترا ثم فرنسا‪ ،‬حيث أجبرت محمد علي على‬
‫توقيع الصلح في ‪ 4‬مايو ‪ ،1834‬وبفضل هذا الصلح انسحب محمد علي من شبه جزيرة األناضول لكن السلطان العثماني‬
‫ثبت حقوقه في مصر وشبه الجزيرة العربية والسودان وكريت وعينه حاكما على سوريا وفلسطين‪.‬‬
‫أظهرت هذه الحرب المصرية العثمانية مدى قوة مصر تحت قيادة محمد علي ودور التدخل األجنبي في الحد من‬
‫طموحاته التوسعية خاصة في الم ناطق التي كانت تعتبرها انجلترا مناطق نفوذها التجاري‪ ،‬مما جعلها تدفع السلطان‬
‫العثماني لمهاجمة محمد علي وهي المعروفة بحرب الشام الثانية‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬حرب الشام الثانية‪ :‬وفي يونيو ‪1839‬جرى اصطدام بين الجيشين المصري والعثماني على الحدود‬ ‫‪-‬‬
‫وتمت هزيمة القوات التركية بسرعة كبيرة‪،‬وفي هذه األثناء توفي السلطان محمود الثاني سنة ‪ 1839‬وتولي الحكم عبد‬
‫المجيد(‪ ،) 1839-1861‬وبعد ذلك انضم األسطول برمته إلى جانب محمد علي‪ ،‬وهكذا وخالل ثالثة أسابيع فقدت‬
‫اإلمبراطورية العثمانية سلطانها وجيشها وأسطولها وأصبحت عاصمتها في متناول المصريين كما حدث سنة ‪،1832‬إال أن‬
‫محمد علي لم يفكر في القيام بحملة على إستانبول تفاديا الستفزاز الدول األوروبية‪ ،‬وفضل التفاهم مع الباب العالي لكن‬
‫الدول األوروبية(انجلترا ‪،‬النمسا‪ ،‬روسيا‪،‬وبروسيا) طلبت من السلطان عدم اتخاذ أي قرار في ‪ 27‬يونيو ‪ 1832‬بدون‬
‫مساعدتها وأن تنتظر التقرير الدولي المشترك بشأنها ‪،‬ولقد انضمت فرنسا إلى هذا التقرير الجماعي حتى ال تفقد مصالحها‬
‫‪8‬‬
‫بالمنطقة ‪،‬وجرت خالل سنة كاملة مفاوضات حول العالقة بين مصر وتركيا‪.‬‬

‫لقد قضت معاهدة لندن (‪15‬يوليوز‪)1840‬بضرورة المضي قدما باتجاه تدمير مشروع محمد علي بشروط تثبيت تبعيته‬
‫لإلمبراطورية العثمانية والتخلي عن كل مكتسباته‪،‬على أن تترك له والية مصر وراثية ‪،‬ووالية عكا مدى حياته‪،‬وطلبت أن يتخلى‬
‫عن كل ما عدا ذلك‪ ،‬وإذا رفض االنصياع لذلك خالل عشرة أيام نحاصر واليته في مصر‪ ،‬وإذا رفض خالل العشرة األيام التالية‬
‫يعزل م ن والية مصر بجهود الحلفاء‪،‬وبهذا كمنت هذه اإلتقافية مدخل إعالن الحرب عليه من كل الجهات‪ ،‬فحاصرت األساطيل‬
‫اإلنجليزية والنمساوية والعثمانية السواحل واستولت على أغلب مدنه‪ ،‬كما عملت كافة القوى على إشعال الجبهة الداخلية ضد إبراهيم‬
‫باشا‪ ،‬فأصابت منه ما لم تصب الجيو ش األوروبية‪،‬واستكمل هذا الحصار حلقاته األخيرة عبر وصول األسطول البريطاني‬
‫لإلسكندرية منذرا محمد علي بمواجهة عسكرية في عقر داره‪.‬وأمام هذه التحوالت اضطر محمد علي إلى االستسالم فانسحب من بالد‬
‫الشام في دجنبر ‪، 1840‬بجيش قوامه ستين ألف جندي وصل منهم إلى مصر دون النصف‪.‬وفي عام ‪،1841‬صدر مرسوم سلطاني‬
‫قضى بتولية محمد علي على مصر والسودان و أجبره على التخلي عن باقي الواليات لصالح السلطة المركزية(فلسطين ‪،‬سوريا‬
‫‪،‬كريت شبه الجزيرة العربية)‪ ،‬وحدد جيشه في في ‪ 18000‬بعد أن كان نصف مليون‪ ،‬وحرم من تعيين الجنراالت في جيشه‪ ،‬ومن‬
‫حق ب ناء السفن‪,،‬أعاد األسطول العربي لدولة العثمانية‪ ،‬واعترف أنه تابع للسلطان العثماني‪،‬وتعهد بدفع جزية كبيرة للدولة‬
‫العثمانية‪. 9‬لتنتهي بذلك محاولة محمد علي إنشاء دولة حديثة مستقلةـ وتنجح إنجلترا في إضعاف القوة الوحيدة القادرة على وقف‬
‫مشاريعها التوسعية بالمشرق العربي‪.‬‬

‫‪ - 8‬الرافعي عبد الرحمان‪،‬عصر محمد علي مصدر سابق‪ ،‬ص‪.285‬‬


‫‪9‬‬

You might also like