Professional Documents
Culture Documents
ولد محمد علي بقولة وهي بلدة صغيرة بمقدونيا تابعة اليوم لليونان عام "،1769كان اسم َ والد محمد علي إبراهيم أغا ،وأما
اسم والدته فهو زينب خاتون .وأما إبراهيم أغا ،والده ،رئيس خفر الطرق في بلده ،فإن هم المعيشة كان يكده ....وذلك ألن مربوط
وظيفته ك ان ضئيال ً ،ال يقوم أود عائلته ،حتى لو قبضه كامال ،فكيف به وهو لم يكن يتقاضاه إال ناقصا ،أو ال يتقاضاه البتة؟! (شأن
موظفي الدولة العثمانية في ذلك العهد ،وحتى أواخر القرن الماضي ،بل حتى أواخر حكم عبد الحميد) .حصر والده كل حنانه
واهتمامه فيه بعد فقده ألوال ده ،وحاطه بعناية خاصة ،تجلت في المظهر الذي تتجلى فيه العناية عند الوالدين الجهالء؛ أي إنه تركه
يشب وشأنه ،دون أن يعلمه — على أن العلم لم يكن في ذلك العهد مرغوبًا فيه إال قليال ،ال سيما في الشرق ،حيث لم يكن من علم
سوى ما كان الدين أساسه ،أو ما اصطبغ منه بصبغة الدين ودون أن يفكر في تهذيب ميوله ،وتوجيهها نحو غرض معلوم في الحياة،
يكون للفتى في البلوغ إليه أمان من الحاجة والفقر ،فأخذت الجرية ،لذلك ،تتحدث في شأن الصبي ،وتندب حظه ،وتتداول قوال كهذا:
«ماذا عسى أن يكون نصيب هذا الغالم التعس من الحياة ،إذا أفقده الدهر والديه فجأة ،وهو ال يملك شروى نقير ،وال علم عنده ،وال
صنعة لديه؟"
فبلغ الحديث مسامع محمد علي ،وكانت أمه مجتهدة في جعل فؤاده حادا وروحه كريمة ،فأثر فيه تأثيرا عميقًا ،وقد قال
محمد علي فيما بعد « :إني ،مذ سمعت ذلك القول ،عزمت عزما أكيدا على تغيري ما بي ،وترويض نفسي على امتالك زمام
أهوائي ،فقد حدث لي ،بعد ذلك ،أني استمررت ،أحيانًا ،على الجري يومين كاملين ال أتناول من الطعام إال القليل ،وال أنام ِإال
اليسير؛ ألقوي عضالتي ،وأتمرن على خشونة المعيشة .ولم يعد يهدأ لي بال حتى فقت جميع أقراني في جميع التمارين الرياضية.
وإني ألذكر سباقًا بالمجداف قمنا به في بحر عجاج متالطم األمواج ،كان الغرض منه البلوغ بالقوارب إلى جزيرة قريبة من
الشاطئ ،فإن أقراني ما لبثوا أن كلُّوا ،وخارت عزائمهم ،وأما أنا ،فإني بالرغم من تسلخ جلد راحتي ،وقد كان ال يزال ناعما ،ما
1
فتئت أجدف ،مقاوما األمواج والريح ،حتى أدركت الجزيرة ،وهي اليوم ملكي!» — وهي جزيرة طشيوز.
على أن الموت حصد حياة أم محمد علي ،والشاب في أول يفاعته،ثم أبيه في مرحلة الحقة فتواله جده أوال ثم عمه ،وبعد
وفاته تواله حاكم قولة وكان صديقا ألسرته ،فضمه إلى بيته ،وآواه تحت سقفه ،ورباه مع ابنه".
لما بلغ سن نضوج الشباب أقدم على أعمال فروسية عجيبة ،كتطهير البالد من اللصوص ،ومن الحيوانات الكاسرة التي كانت
تفتك في الشتاء باألهالي؛ ما لفت إليه أنظار السلطان العثماني وحمله على تقليده إمارة أالي من الجند" ،ما أتى به محمد علي من
الغرائب في ميدان مطاردة اللصوص وعصاباتها العجب العجاب ،فكبرت منزلته وعلت درجته في عيني الخليفة وطارت شهرته في
العالم وبات مجرد النطق باسمه يلقي الرعب في قلوب قطاع الطرق ،فرأى أمير المؤمنين أن يعهد إليه بأسطيل مطاردة قرصان
- 1إلياس األيوبي :محمد علي سريته وأعماله وآثاره ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،القاهرة،2012،ص(12-10بتصرف).
البحار ،وقطع داب رهم كما قطع دابر لصوص بالجبال والبطاح ،فتعقب محمد علي أولئك القرصان ،وما انفك يوقع بهم ويدمر مراكبهم
ويهلك جموعهم حتى استأصل شأفتهم ونظف منهم بحر مرمرة وبحر األرخبيل ،فقرت به عينا السلطان وأدناه من نفسه ،وأراد أن
2
يقلده وظيفة سامية في بالطه ،ولكن محمدا فضل العودة إلى بلده واإلقامة في مكان مسقط رأسه ،بني صحبه وخالنه"
لذلك كبرت منزلته في عيني حاكم قولة ،فرفعه إلى درجة بلوك باشي ،وزوجه من قريبة له ذات ثروة ،كانت مطلقة ،ليصبح
من تجار التبغ الكبار.
اتفق المؤرخون أن ه"حين جاء محمد علي إلى القاهرة من قولة،كان ضابطا في الفرقة التي أرسلها سلطان تركيا في سنة
1799م لتقضي على حملة بونابارت ....وقد هزم األلبانيون ( الفرقة العسكرية) نابوليون من غير مشقة ،ومع ذلك كانت هذه
الهزيمة التي أتاحت لمحمد علي الفرصة ،فتسلم قيادة الفرقة،ووجد نفسه حين جالء الفرنسيين عن مصر بعد ذلك بعامين على رأس
جيش صغير في منصب يتيح له الحكم والنفوذ.فانتهز هذه الفرصة واستغلها لفائدته واتبع بذكائه ودهائه جميع الوسائل التي أظهرت
موهبته السياسية ومقدرته العسكرية،وما إن وافت سنة 1805حتى أصبح صاحب السيادة العسكرية على مصر واعترف له السلطان
العثماني بلقي والي عليها".3
اضطر السلطان سليم الثالث على االعتراف بمحمد علي واليا على مصر ،إذ كان السلطان في ذلك الوقت منهمكا في شؤون
أخرى خارج مصر،فلقد اندلعت انتفاضة بشبه جزيرة البلقان،ولم تكن األوضاع مستقرة باليونان وبلغاريا وعندما قام السلطان
بمحاولة عزل محمد علي ،اصطدم مجددا بمقاومة سكان القاهرة.
كما استطاع محمد علي بدعم أهالي القاهرة التغلب على محمد األلفي صنيعة اإلنجليز سنة ،1806كما سحق اإلنجليز في الرشيد
4
سنة 1807م.وبعد ذلك دخل محمد علي اإلسكندرية،فزادت شعبيته بين الجماهير على نطاق واسع.
تقلد محمد علي باشا الحكم بإرادة زعماء الشعب ونزوال على رأيهم في 13مايو...1805فالزعامة الشعبية هي التي أبلغته سلطة
الحكم ،وقد ظلت هذه الزعامة في المي دان ،وبقيت قائمة عاملة في السنوات األولى من حكم محمد علي ،فكان لها أثر فعال في تثبيت
5
دعائم حكمه وتذليل العقبات التي وضعها في طريقه رجال األستانة من جهة واإلنجليز وصنائعهم المماليك من جهة أخرى.
بمجرد استقرار محمد علي على كرسي الوالية بإرادة زعماء الشعب حتى شرع في تحديث مصر فاتخذ عدة تدابير شملت مجاالت
متعددة يمكن إجمالها في مايلي:
تأسيس مدارس حربية حديثة لتكوين أطر مصرية - المجال العسكري:
أنشاء مصانع لألسلحة والمدافع والذخيرة. -
االهتمام باألسطول الحربي وصناعة السفن لمواجهة الخطر األجنبي -
انتداب أوربيين لتدريب الجيش وتنظيمه وفقا للنمط الفرنسي. -
إرسال بعثات مصرية إلى أوربا. -
تكوين جيش نظامي على النمط األوربي لتحقيق إستقالل مصر وأهداف محمد علي -
- 2نفسه:ص.15
-3جورج أنطونيوس :يقظة العرب :تاريخ حركة العرب القومية ،ترجمة ناصر الدين األسد وإحسان عباس:دار العلم للماليين،طبعة
1982،7ص.81
- 4لوتسكي :تاريخ األقطار العربية الحديث ،دار الفرابي،1985،ص 61
- 5عبد الرحمان الرافعي،عصر محمد علي،دار المعارف القاهرة،1982،ص.27
التوسعية.
المجال السياسي:
-القضاء على األطماع األوروبية بمصر.
-القضاء على سلطة المماليك بمصر.
-إلغاء نظام االلتزام.
-إنشاء دواوين الحكومة ومجلس المشورة .
المجال اإلداري:
قسم مصر إلى تسع واليات وعين عليها والة. -
أنشأ األقاليم والمراكز. -
أنشأ الوزارات والدواوين. -
جزأ اإلدارة حسب القطاعات. -
جلب الخبراء من فرنسا. -
المجال اإلقتصادي:
بناء الطرق -
مد خطوط السكة الحديدية. -
بناء الوحدات الصناعية واالستهالكية والتجهيزية. -
إصالح زراعي بالتوجه نحو الزراعات التسويقية كالقطن. -
نظام ضريبي صارم. -
-
بناء المدارس. - المجال االجتماعي:
بناء المستشفيات. -
إرسال البعثات الطالبية إلى أوربا. -
جلب األطر المكونة من فرنسا -
عموما "،أخذت الدولة في عهد محمد علي...بزمام االقتصاد،فاعتمدت من أجل ذلك نظام االحتكار في جميع القطاعات
االقتصادية.فكانت الدولة تراقب األراضي الشاسعة والصناعات الكبرى وتحتكر المواد األولية والتجارة الخارجية وكامل تجارة
القطن ،فهي بمثابة الفالح والصن اعي والتاجر.وقد اعتمد محمد علي باشا إلنجاز البنية األساسية الضرورية للنهوض باالقتصاد على
نظام السخرة الذي مكنه من اليد العاملة مجانيا،وكذلك على الضرائب والتالعب بقيمة العملة والمرابيح التي تدرها على الدولة
صادرات القطن لتمويل المشاريع االقتصادية الكبرى...و مهما يكن من أمر فإن هذه السياسة التي تقوم على نظام االحتكار تستوجب
جهازا إداريا قادرا على ذلك.ومن ذلك قام محمد علي باشا بإرساء جهاز للدولة عصري وقوي يمكنه من مراقبة شؤون البالد في
6
جميع المجاالت".
أصبحت مصر تعتبر شكليا إحدى الواليات التابعة لإلمبراطورية العثمانية ،بينما محمد علي باشا واليا خاضعا للسلطان والباب
العالي ،وقد احتفظ محمد علي بقناع الوالء ،وفي الواقع أصبحت مصر دولة مستقلة ذات حكومة وجيش وقوانين ونظام ضرائب
خاص بها.وكان محمد علي يدفع جزية سنوية إلى السلطان بلغت حوالي %3من مجموع نفقات ميزانية الدولة ،و كان اسم السلطان
7
يذكر في خطبة الجمعة.
- 6علي المحجوبي :ما يجب أن تعرفه عن النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر:لماذا فشلت بمصر وتونس ونجحت باليابان؟ ،تونسدار
سراس،1999،ص.23-22
- 7لوتسكي مرجع سابق ،ص82
الحمالت العسكرية المصرية ما بين :1840-1815
و لما زالت الصعاب من سبيل محمد علي ،وضع نصب عينيه العمل على إنشاء دولة على ضفاف النيل .و أدرك أنه لن ينال
الغرض المقصود إال إذا جمع على والئه عواطف العالم اإلسالمي حوله فهب إلى قتال الوهابين ،ثم إلى نجدة الدولة العثمانية
والمساعدة على إخماد ثورة اليونان مقابل الحصول على جزيرة قبرص وكريت سنة ،1822وبإيعاز من مترنيخ تنازل له عن والية
مورا ،وعهد إليه بقمع الثورة اليونانية،فوافق على ذلك تدفعه مصالحه الشخصية ،فهو كان يريد إظهار قوة مصر الحربية ،وأن
تضطلع بدور الدولة العظيمة في المشرق العربي ; فهو كان يريد بكل بساطة تسخير موارد الجزر والمالحة اليونانية في خدمة
إمبراطوريته الناشئة،وأخيرا كان يحلم بسيادة مطلقة على شرق البحر األبيض المتوسط وتحويله إلى بحيرة مصرية ،وهو ما
يتعارض مع المصالح السياسية لكل من بريطانيا وفرنسا.
جهز محمد علي جيشا وأسطوال كبيرين بزعامة إبراهيم باشا وغادرت الحملة مصر في يناير ،1824وقبل نهاية 1825
سيطروا على مورا بأكملها .وفي 1826شن المصري ون واألتراك حملة ضد الثوار اليونانيين وسط اليونان ،وفي 5يونيو 1827
استطاعوا أن يسيطروا على أثينا بمفردهم،وظهر عندئذ كأن األمر استتب لمحمد علي لولى تدخل انجلترا وبروسيا والنمسا ،وكانت
فرنسا وانجلترا قد طلبت من الدولة العثمانية في 4أبريل 1826إعطاء اليونان استقاللها الذاتي ويتضمن ذلك حرية التجارة وحرية
العقيدة واالستقالل اإلداري مع بقائها ضمن ممتلكات اإلمبراطورية العثمانية.
رفض السلطان محمود الثاني كل هذه المطالب ،وبعد احتالل أثينا انضمت فرنسا النجلترا وروسيا في مؤتمر 6يونيو
،1827تقرر فيه فصل اليونا ن عن تركيا .ونص االتفاق على أن يوافق الباب العالي خالل شهر على هذه االتفاقية ،وإال سيجبر
بالقوة.ورفض الباب العالي مرة أخرى فترتب عن ذلك دخول األساطيل االنجليزية والفرنسية والروسية إلى خليج نافارين في29
أكتوبر 1827وبدأت معركة بحرية انتهت بإبادة األسطولين ا لتركي والمصري إبادة كاملة،و تلى ذلك ظهور أسطول إنجليزي أمام
شاطئ اإلسكندرية،وتوغل الجيش الروسي بأراضي السلطان حتى وصل أدرنة،ونزلت كتائب فرنسية بمورا ،مما اضطر محمد علي
إلى جالء قواته عن اليونان،واضطر السلطان أن يمنح اليونان استقاللها الذاتي سنة في شتنبر ،1829لتحصل على االستقالل التام
سنة .1831
أبدى محمد علي كثيرا من الحكمة في مواجهة الكارثة التي أصابت قواته في اليونان،فهو انسحب دون موافقة السلطان استجابة
لمطالب فرنسا وانجلترا وروسيا ،بل أعاد األسرى اليونانيون الذين نقلهم إلى مصر إلى بالدهم ،ولم يساعد السلطان في حربه مع
روسيا،وأجلى القوات المصرية عن مورا في شتنبر ، 1828كما رفض دفع التعويضات التي فرضت على تركيا بمقتضى صلح شتنبر
، 1828ولم يكتف بالرفض بل أنه أخبر السلطان أنه دفع في اليونان ما يكفي وأن جزيرة كريت التي حصل عليها ال تكفي لتقديم
التعويضات و أن على السلطان أن يتنازل له عن فلسطين وسوريا مكافأة على خدماته التي قدمها للباب العالي ،كل هذا أدى إلى ازدياد
التوتر مع األستانة مما أدى إلى انفجار الحرب بينهما والتي مرت بمرحلتين أو ما يعرف بحرب الشام األولى وحرب الشام الثانية:
المرحلة األولى:حرب الشام األولى :قاد إبراهيم باشا حملة عسكرية على الشام في أكتوبر،1831و تذرع محمد علي -
برفض والي عكة آنذاك إعادة الفالحين المصريين الذين التجئوا إلى سوريا،وال تهمنا هنا األسباب الشكلية للنزاع بل
األسباب الحقيقية وهي اقتصادية و إستراتيجية; فالمالحظ أن هناك نوع من التكامل االقتصادي مابين مصر والشام،
وظهر هذا بوضوح خالل القرن 18عشر،فمصر كانت تزود سوريا بالرز والسكر والقمح والسمسم والملح والسمك المملح
وماء الورد وأنواع مختلفة من األقمشة الصوفية والقطنية ،بينما سوريا كانت تصدر الدخان الصابون والفواكه المجففة
والنبيذ والشمع وجلود الماعز والخيل والقطن وغيرها.
وهكذا في ظل تطور مصر االقتصادي ،كانت وحدة مصر وسوريا ضرورية خاصة وأن سوريا كانت مصدر بعض
المواد الضرورية كالخشب والفحم لتطوير بناء السفن،ثم اليد العاملة خاصة بعد خسائره البشرية في حملة الحجاز و مورا
بصفة خاصة ،ومن خالل مشاريعه االقتصادية يتضح رغبته األساسية في تحقيق االستقالل االقتصادي لمصر وتجاوز
الدول األوروبية التي كانت تمنع عنها المواد األولية كالخشب لبناء السفن،أما السبب اإلستراتيجي ال يقل عن السبب
االقتصادي; فسوريا ضرورية للدفاع عن مصر فالتاريخ أثبت أنها ذرعها الواقي،وهي إن اخترقت كان تهديد ألمنها.
نجح محمد علي في هزم العثمانيون في كل المعارك وأصبح على مشارف األناضول ووصلوا إلى بورصة في دجنبر
، 1832وأصبحوا على مشارف إستانبول لولى تدخل كل من روسيا وانجلترا ثم فرنسا ،حيث أجبرت محمد علي على
توقيع الصلح في 4مايو ،1834وبفضل هذا الصلح انسحب محمد علي من شبه جزيرة األناضول لكن السلطان العثماني
ثبت حقوقه في مصر وشبه الجزيرة العربية والسودان وكريت وعينه حاكما على سوريا وفلسطين.
أظهرت هذه الحرب المصرية العثمانية مدى قوة مصر تحت قيادة محمد علي ودور التدخل األجنبي في الحد من
طموحاته التوسعية خاصة في الم ناطق التي كانت تعتبرها انجلترا مناطق نفوذها التجاري ،مما جعلها تدفع السلطان
العثماني لمهاجمة محمد علي وهي المعروفة بحرب الشام الثانية.
المرحلة الثانية :حرب الشام الثانية :وفي يونيو 1839جرى اصطدام بين الجيشين المصري والعثماني على الحدود -
وتمت هزيمة القوات التركية بسرعة كبيرة،وفي هذه األثناء توفي السلطان محمود الثاني سنة 1839وتولي الحكم عبد
المجيد( ،) 1839-1861وبعد ذلك انضم األسطول برمته إلى جانب محمد علي ،وهكذا وخالل ثالثة أسابيع فقدت
اإلمبراطورية العثمانية سلطانها وجيشها وأسطولها وأصبحت عاصمتها في متناول المصريين كما حدث سنة ،1832إال أن
محمد علي لم يفكر في القيام بحملة على إستانبول تفاديا الستفزاز الدول األوروبية ،وفضل التفاهم مع الباب العالي لكن
الدول األوروبية(انجلترا ،النمسا ،روسيا،وبروسيا) طلبت من السلطان عدم اتخاذ أي قرار في 27يونيو 1832بدون
مساعدتها وأن تنتظر التقرير الدولي المشترك بشأنها ،ولقد انضمت فرنسا إلى هذا التقرير الجماعي حتى ال تفقد مصالحها
8
بالمنطقة ،وجرت خالل سنة كاملة مفاوضات حول العالقة بين مصر وتركيا.
لقد قضت معاهدة لندن (15يوليوز)1840بضرورة المضي قدما باتجاه تدمير مشروع محمد علي بشروط تثبيت تبعيته
لإلمبراطورية العثمانية والتخلي عن كل مكتسباته،على أن تترك له والية مصر وراثية ،ووالية عكا مدى حياته،وطلبت أن يتخلى
عن كل ما عدا ذلك ،وإذا رفض االنصياع لذلك خالل عشرة أيام نحاصر واليته في مصر ،وإذا رفض خالل العشرة األيام التالية
يعزل م ن والية مصر بجهود الحلفاء،وبهذا كمنت هذه اإلتقافية مدخل إعالن الحرب عليه من كل الجهات ،فحاصرت األساطيل
اإلنجليزية والنمساوية والعثمانية السواحل واستولت على أغلب مدنه ،كما عملت كافة القوى على إشعال الجبهة الداخلية ضد إبراهيم
باشا ،فأصابت منه ما لم تصب الجيو ش األوروبية،واستكمل هذا الحصار حلقاته األخيرة عبر وصول األسطول البريطاني
لإلسكندرية منذرا محمد علي بمواجهة عسكرية في عقر داره.وأمام هذه التحوالت اضطر محمد علي إلى االستسالم فانسحب من بالد
الشام في دجنبر ، 1840بجيش قوامه ستين ألف جندي وصل منهم إلى مصر دون النصف.وفي عام ،1841صدر مرسوم سلطاني
قضى بتولية محمد علي على مصر والسودان و أجبره على التخلي عن باقي الواليات لصالح السلطة المركزية(فلسطين ،سوريا
،كريت شبه الجزيرة العربية) ،وحدد جيشه في في 18000بعد أن كان نصف مليون ،وحرم من تعيين الجنراالت في جيشه ،ومن
حق ب ناء السفن,،أعاد األسطول العربي لدولة العثمانية ،واعترف أنه تابع للسلطان العثماني،وتعهد بدفع جزية كبيرة للدولة
العثمانية. 9لتنتهي بذلك محاولة محمد علي إنشاء دولة حديثة مستقلةـ وتنجح إنجلترا في إضعاف القوة الوحيدة القادرة على وقف
مشاريعها التوسعية بالمشرق العربي.