Professional Documents
Culture Documents
تعرضنا من قبل في محاضرة سابقة لمسألة قواعد اإلسناد ،من حيث تعريفها ،وخصائصها ،وتفسيرها ،
وبقي أن نتعرض في هذه المحاضرة للنقاط التالية وما يليها إلى ما يلي :
-1مدى التزام القاضي بتطبيق قواعد اإلسناد في قانونه .
-2المقصود بالقانون األجنبي و
،والحكم عند تعذر إثباته. -
في هذه المحاضرة نتناول دراسة النقطة األولي ،وهي مدى التزام القاضي الوطني بتطبيق قواعد اإلسناد
الواردة في قانونه ،على أن نتمم دراسة النقاط األخرى في المحاضرة الموالية:
ال :مدى التزام القاضي الوطين بتطبيق قواعد اإلسناد يف قانونه: أو ً
ذكرنا في المحاضرة الثالثة ،بأن قواعد اإلسناد هي عبارة عن قاعدة قانونية يضعها المشرع بهدف
توجيه القاضي إلى القانون الواجب التطبيق في القضايا المعروضة عليه والمشتملة على عنصر أجنبي ،فهي تعتبر
كمنهج وضعه المشرع لحل تنازع القوانين .
والخصوم عادة هم الذين يطلبون من القاضي إعمال قواعد اإلسناد الواردة في قانونه ،ليهتدي للقانون
الواجب التطبيق على الدعوى المرفوعة إليه .غير أن أطراف الدعوى قد ال يطلبون ذلك إما لجهلهم بقواعد اإلسناد،
أو ألن تطبيقها يضر بمصالحهم( . )1ومهما كانت األسباب ،فإننا نطرح التساؤل التالي :ما مدى التزام القاضي
بتطبيق قواعد اإلسناد في قانونه ،وما موقف المشرع الجزائري من المسألة ؟.
إجابة على هذا السؤال في شقيه نقول :أثارت مسألة تحديد األساس القانوني لتطبيق القانون األجنبي أمام
القاضي الوطني جدال في الفقه والقانون المقارن يمكن إجماله في النظريات التالية :النظرية األنجلو -أمريكية وتقوم
على فكرة الحقوق المكتسبة كأساس لتطبيق القانون األجنبي ،والنظرية اإليطالية المعروفة بفكرة االستقبال ،كما
القضاء الفرنسي سلك مسلكا تميز بمرحلتين :في األولى اعتبر القانون األجنبي كواقعة ،وفي الثانية اعتبر القانون
األجنبي كقانون .
أما المشرع الجزائري فقد أخذ بالتمييز بين القانون األجنبي المتعلق باألحوال الشخصية واعتبره كقانون ،
وباقي القوانين األخرى اعتبرها كواقعة .سوف نتعرض لكل هذا فيما يلي :
1
محاضرات القانون الدولي الخاص /السنة الثالثة /شعبة :الشريعة والقانون /أستاذ المادة :األستاذ الدكتور أحمد عمراني السنة الجامعية 2020-2019
فقاعدة اإلسناد التي تشير إلى تطبيق القانون األجنبي تهدف إلى االعتراف بالحق الذي نشأ وفق هذا القانون؛
إذ أن القانون األجنبي ال يخرج عن كونه عنصرا من عناصر هذا الحق الذي نشأ في الخارج أو الواقعة المكسبة
للحق ،وكل من يريد التمسك بنشأة هذا الحق في الخارج يقع عليه عبء اإلثبات ،كما أن عليه أن يثبت القانون
األجنبي الذي يعتبر سببا في اكتساب هذا الحق ومتى تمكن الخصم من إثبات حقه وفقا للقانون األجنبي فما على
القاضي إال االعتراف بهذا الحق الذي نشأ وتم اكتسابه وفقا لقانون أجنبي(. )1
نقد هذه النظرية :نشير إلى أن هذه النظرية كانت محل انتقاد ،وأهم ما وجه إليها من انتقاد أنه ليست كل
القضايا المطروحة على القاضي متعلقة بحقوق مكتسبة بل هناك من النزاعات تتعلق بإنشاء حقوق مثل النزاع
المتعلق بالطالق.
2
تتلخص هذه الفكرة أنه عندما تشير قاعدة اإلسناد اإليطالية باختصاص القانون األجنبي ،فإنها تدمجه في
النظام القانوني اإليطالي الذي يستقبله.
نقد هذه النظرية :تعرضت فكرة االستقبال بدورها النتقاد غالبية الفقه ،لكون أن هذه الفكرة تقوم على نوع
من االحتيال والمجاز والخيال إذ تقوم على تصور إمكان احتواء قانون القاضي لكافة قوانين دول العالم ،زيادة على
ذلك فإنه من غير المقبول القول بإمكان احتواء قانون القاضي لقاعدة أجنبية ،إذا كانت تتعارض مع النظام العام في
قانون القاضي .
للقضاء الفرنسي ،موقفين بهذا الخصوص:
الموقف األول :اعتبر فيه القضاء الفرنسي أن قواعد التنازع الفرنسية ال تتعلق بالنظام العام ،حين تشير إلى تطبيق
قانون أجنبي ،بمعنى انه على الخصوم التمسك بتطبيقها ،وهذا في قرار لمحكمة النقض الفرنسية سنة ،1959فيما يعرف
بقضية بيسبال . Bisbal
وتتلخص قضية بيسبال ، Bisbalفي أن الزوجين بيسبال ،من جنسية إسبانية ،حصال على حكم من القضاء
اإلسباني بالتفريق الجسماني ،ثم انتقال إلى فرنسا وأقاما بها .بعدها رفعا دعوى طالق محكمة االستئناف بنيم ، Nîmes
بفرنسا ،الت ي أصدرت حكما بطالقهما .ثم أن الزوجة ،لما رأت أنه الطالق يفوت عليها الكثير من الحقوق ،طعنت في
الحكم أمام محكمة النقض الفرنسية ،التي رفضت الطعن على أساس أنها لم تطلب أمام محكمة االستئناف الفرنسية تطبيق
القانون اإلسباني الذي يمنع الطالق ،وأن القاضي الفرنسي غير ملزم بتطبيقه إال إذا طلبه الخصوم .
- 1سامية راشد ،قاعدة اإلسناد أمام القضاء ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية،القاهرة،1989،ص .37
2
محاضرات القانون الدولي الخاص /السنة الثالثة /شعبة :الشريعة والقانون /أستاذ المادة :األستاذ الدكتور أحمد عمراني السنة الجامعية 2020-2019
فقد جاء قرار محكمة النقض الفرنسية بخصوص هذه القضية كما يلي " :إن قواعد اإلسناد الفرنسية ال
تتعلق بالنظام العام على األقل حين تشير باختصاص القانون األجنبي ،بمعنى أنه على الخصوم التمسك بتطبيق هذا
القانون ،وعلى ذلك فال ينعى على قضاة الموضوع عدم تطبيقهم للقانون األجنبي من تلقاء أنفسهم " .ففي هذا القرار
عامل القضاء الفرنسي القانون األجنبي كواقعة وليس كقانون .
وعليه ففي قرار بيسبال ،تختلف إلزامية القاضي الفرنسي باألخذ بقاعدة اإلسناد باختالف النتائج التي تؤدي
إليها هذه األخيرة:
أ) -إذا كانت قاعدة اإلسناد تؤدي إلى تطبيق القانون الفرنسي :فان القاضي الفرنسي مجبر على األخذ بقاعدة اإلسناد
الوطنية.
ب) -إذا أدت قاعدة اإلسناد إلى تطبيق قانون أجنبي :فالقاضي غير ملزم بتطبيقها ،إال إذا تمسك بها األطراف.
الموقف الثاني :وفي قرار آخر لمحكمة النقض الفرنسية جاء فيه أنه " يسوغ لقاضي الموضوع أن يتولى بحث
القانون األجنبي ويحدد مضمونه ولو لم يطلب الخصوم تطبيقه " وهذا في قرار لها سنة .1960بمعني أن القاضي غير ملزم
وإنما يمكنه أن يقوم بذلك ،وله حق االختيار بتطبيق القانون األجنبي من عدم تطبيقه .)1(.
*نقد :هذا الموقف لمحكمة النقض الفرنسية تعرض النتقادات منها :أن من شأن اعطاء االختيار للقاضي في
تطبيق القانون األجنبي قد يؤدى إلى اختالف األحكام من قاض آلخر .فلو أخذنا كمثل قضية بيسبال ،فالقاضي الذي ال
يشجع الطالق يأخذ بقاعدة إسنا د التي تشير إلى تطبيق القانون األجنبي الذي ال يرفض الطالق ،أما إذا كان القاضي ممن
يشجع على الطالق فإنه ال يطبق قاعدة اإلسناد التي تشير إلى تطبيق القانون األجنبي الذي يرفض الطالق.
موقف املشرع اجلزائري من تطبيق قواعد اإلسناد اليت تشري إىل تطبيق القانون األجنيب:
ميز المشرع الجزائري بين القانون األجنبي المتعلق باألحوال الشخصية ،وغيره من القوانين التي تتعلق
بباقي المسائل األخرى ،التي اعتبرها كواقعة.
2
وهذا الموقف نستخلصه من أحكام المادة 358فقرة 6من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية( ) ،المحددة
ألوجه الطعن بالنقض وقد جاء فيها :
" ال يبنى الطعن بالنقض إال على وجه واحد أو أكثر من األوجه اآلتية...:الفقرة " 6مخالفة القانون
األجنبي المتعلق بقانون األسرة".
من نص هذه المادة ،يتضح أن المشرع الجزائري يميز بين القانون األجنبي المتعلق باألحوال الشخصية ،
والذي يكو ن وجها من أوجه الطعن بالنقض ،باعتبارها مسألة قانون ،أي تتعلق بالنظام العام ،والقوانين األجنبية
األخرى التي يعتبرها كواقعة غير قابلة للطعن بالنقض عندما ال يطبقها القاضي الوطني .
- 1أـنظر :أعراب بلقاسم ،المرجع السابق ،ص 123و ، 124و أيضا ً ،عليوش قربوع كمال ،القانون الدولي الخاص ،الجزء األول ،الطبعة الثالثة ،دار هومة ، 2011 ،ص
120وما بعدها .
- 2الصادر بالقانون رقم ، 09-08مؤرخ في 25فبراير ( 2008الجريدة الرسمية )2008/20
3
محاضرات القانون الدولي الخاص /السنة الثالثة /شعبة :الشريعة والقانون /أستاذ المادة :األستاذ الدكتور أحمد عمراني السنة الجامعية 2020-2019
أما بالنسبة للمشرع الجزائري – وكما ذكرنا ذلك من قبل – فإنه يميز بين القانون األجنبي المتعلق باألحوال
الشخصية ،الذي يعتبره كقانون ،أي تتعلق بالنظام العام ،والقوانين األجنبية األخرى التي يعتبرها كواقعة .
لهذا يرى البعض ،أن هذا التمييز بين القانون المتعلق باألحوال الشخصية والقوانين األخرى ،قد يضع القاضي
أمام منازعات يصعب حلها ،وسيكون حكمه محل نقض على أساس أنه مزج بين ما يعتبر كقانون وما يعتبر كواقعة
،لهذا من المستحسن أن يلغى هذا التمييز ،لكي يطبق قاضى الموضوع كل القوانين األجنبية على قدم المساواة ،
ويبقى بالتالي تفسير هذه القوانين خاضع لرقابة قضاء المحكمة العليا(.)3
في المحاضرة الموالية نتعرض ،إنشاء هللا ،إلى المقصود بالقانون األجنبي وإثباته ونطاق تطبيقه والحكم عند
تعذر إثباته.
- 1التي تعني كما ذكرنا في محاضرة سابقة ،أن قواعد اإلسناد تجعل االختصاص إما للقانون الوطني ،أو للقانون األجنبي ،وهذا حسب نوع المسألة القانونية.
- 2أحمد عبد الكريم سالمة ،مبادئ القانون الدولي الخاص اإلسالمي المقارن ،دار النهضة العربية،1989،ص . 115
- 3أنظر -عليوش قربوع كمال ،المرجع السابق ،ص 148
4