You are on page 1of 12

‫تعريف الحكم القضائي الدولي‬

‫تعريف الحكم القضائي الدولي فقها‪ :‬لم يتفق الفقه الدولي على تعريف واحد للحكم‬
‫القضائي بل عرفه تعريفات عدة‪ ،‬ومن هذه التعريفات ‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف الفقيه ادوارد هامبرو ‪ -‬على أنه " القرار الذي يصدره جهاز قضائي باملعنى‬
‫‪1‬‬
‫الصحيح ومؤسس بوساطة دولتين نهائها أو أكثر من أجل حل املنازعات بينهم و انهائها‬
‫‪ -‬ويعرفه األستاذ جمعة صالح حسين بأنه "القرار النهائي امللزم الصادر عن جهة لها‬
‫‪2‬‬
‫والية القضاء على وفق أحكام القانون الدولي ومتضمنا حسما لنزاع قانوني دولي‬
‫ما األستاذ حسين حنفي عمر فيعرف الحكم القضائي بأنه "قرار يشكل قاعدة قانونية‬
‫فردية صادرة عن جهاز قضائي دولي مختص ومتمتع بأهلية قانونية محددة بموجب الوثيقة‬
‫القانونية التي أنشأته ويفصل في املنازعات التي تنشب بين أشخاص القانون الدولي بقرارات‬
‫‪3‬‬
‫ملزمة ونهائية ترتب حقوقا والتزامات متبادلة فيما بينهم‬
‫من خالل هذه التعاريف يمكن القول أن حكم محكمة العدل الدولية هو القرار النهائي‬
‫الصادر عن املحكمة بخصوص الدعوى املعروضة عليها التي تفصل في منازعة بين الدول‬
‫على أساس تطبيق قواعد القانون الدولي‪.‬‬

‫‪ -1‬حسين حنفي إبراهيم ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬


‫‪ - 2‬محمد الغنيمي‪ ،‬األحكام العامة في قانون األمم" التنظيم الدولي"‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة ‪ ، 1974‬ص‬
‫‪709‬‬
‫‪ - 3‬جمعة صالح حسين‪ ،‬القضاء الدولي وتأثير السيادة الوطنية في تنفيذ األحكام الدولية‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫القاهرة ‪ ، 2007‬ص ‪157‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬حجية أحكام محكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬أحكام املحكمة ومبدأ حجية األمر املقضي به‪.‬‬
‫احكام محكمة العدل الدولية‬
‫هي عب ـ ـ ــارة عن عمل ق ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ــوني ص ـ ـ ـ ــادر عن جانب واحد ‪ ، 3‬أصدره جهـ ـ ــاز قضائي له‬
‫سلطة إصدار األحكام القضائية‪ ،‬وله سلطة الفصل في املنازعات الدولية التي تنشأ بين‬
‫أشخ ـ ـ ـ ـ ــاص الق ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــون الدولي ويترتب حقـ ـ ـ ــوقا والتزام ـ ـ ــات في مواجهة أطراف النزاع ‪.‬‬
‫وفي نفس الصدد نجد أن هذه األحك ـ ــام تؤثر في مراكز أطراف النزاع وترتب‬
‫حقـ ـ ـ ــوق ـ ــا والتزامـ ـ ـ ــات على عاتقهم وتتمتع بصفة االلتزام ‪ ،‬فال يج ـ ـ ـ ــوز إنكـ ـ ـ ــاره أو التراخي في‬
‫تنفي ـ ــذه أو االدع ـ ــاء بأنه غير ملزم‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن الحكم الدولي يصدر نهـ ـ ــائيا ‪،‬فال‬
‫يجوز الطعن عليه بإحدى الطرق الطعن الع ـ ـ ـ ــادية أو غير العـ ـ ـ ـ ـ ــادية وهذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يسمى بمبدأ‬
‫حجية الحكم املقضي به‪.‬‬

‫مبدأ حجية الحكم املقضي به‪.‬‬


‫هو مبدأ معترف به في األنظـ ـ ـ ــمة القـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــونية الداخلية‪ ،‬فيرى الدكت ـ ــور عبد الحميد‬
‫الشواربي ‪ ، 4‬أن حجية األمر املقضي به إنم ـ ـ ـ ـ ــا يقصد به ـ ـ ـ ـ ــا أن األحكام التي يصدره ـ ـ ـ ــا‬
‫القضاء تكون حجة فيمـ ـ ـ ـ ــا فصلت فيه وال يجوز للخص ـ ـ ــوم طرح املر على القض ـ ـ ـ ـ ــاء من‬
‫جديد‪ ،‬بينم ـ ــا لهم حق اللجوء الى طرق الطعن التي قررها القانون سواء كانت عادية أو غير‬
‫عادية‪.‬‬
‫‪ - 4‬د عبد الحميد الشواربي " حجية األحكام املدنية والجنائية في ضوء الفقه والقضاء "‪ 1987‬ص‬
‫ويفرق الدكتور وجدي راغب ‪ 5‬بين األحكام الحائزة على قوة الشيء املقضي به وهي صفة‬
‫يكتسبها الحكم بمجرد صدوره مع جواز الطعن في هذا الحكم بالطرق العادية وغير‬
‫العادية‪،‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬وجدي راغب ‪ :‬مبادئ القضاء املدني ‪ 1987‬دار الفكر العربي ص‬
‫وبين قوة األمر املقضي به وهي صفة يكتسبها الحكم النهائي فقط أي غير قابل للطعن‬
‫فيه ال بالطرق العادية وال غير العادية‪ ،‬معنى ذلك أن الحكم بمجرد صدوره فإنه يكتسب‬
‫حجية األمر املقضي به‪ ،‬فإذا أصبح الحكم نهائيا أضيف إليه خاصية أخرى وهو يكتسب‬
‫قوة األمر املقضي به‬

‫مبدأ حجية الحكم املقضي به‬


‫وعلى النطاق الدولي ‪ ،‬حيث أن الحكم الدولي بمجرد صدوره يعتبر حكما نهائيا حيث أنه ال‬
‫يقبل الطعن بالطرق العادية وكذلك ال يعرف الطعن بطريق النقض وإن كان يعرف الطعن‬
‫عن طريق التماس إعادة النظر فإنه يصدر حائزا على قوة الشيء املقي به ‪.‬‬
‫وبالتالي فإن التفرقة التي يقيمها فقهاء القانون الداخلي بين حجية األمر املقضي به وقوة‬
‫األمر املقضي به في رأينا غير قائمة في القانون الدولي‪.‬‬
‫والحجية كاصطالح دولي تعرف بانها قرينة قانونية تثبت بموجبها الوقائع وبها يتم االعتراف‬
‫بالحق بمقتضى حكم ال يمكن املعارضة فيه من جديد ‪ 6‬وهي قاعدة عرفية استقر العمل بها‬
‫في قضاء التحكيم الدولي وتم تقنينها من خالل املعاهدات الدولية مثل ‪:‬‬
‫‪ -‬املادة ‪ 84‬من اتفاقية الهاي سنة ‪ 1907‬املتعلقة بتسوية املنازعات الدولية بالوسائل‬
‫السليمة‪،‬‬
‫‪ -‬واملادة ‪ 59‬من النظام األساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي‪،‬‬
‫‪ -‬واملادة ‪ 60‬من النظام األساسي ملحكمة العدل الدولية‪.‬‬
‫وقد أكدت املمارسة القضائية الدولية على هذا املبدأ ‪ ،‬فنجد املحكمة الدائمة للعدل الدولي‬
‫في أمرها الصادر في ‪ 6‬سبتمبر ‪ 1930‬تقرر من املتعارض مع القوة اإللزامية املنصوص عليها‬
‫بواسطة املادة ‪ 59‬من النظام األساسي للمحكمة أن يتم تعليق قوة الحكم على موافقة أحد‬
‫األطراف‪ ،‬ألن ذلك يجعل الحكم بال فائدة ويجرده من حجيته" كذلك في حكمها الصادر في‬
‫‪ 7‬يونيو ‪ 1936‬أكدت املحكمة "إن شرط التصديق املسبق على حكمها يكون متعارض مع‬
‫املادتين ‪ 60 .59‬من النظام األساسي اللتان تنصان على أن أحكام املحكمة تكون ملزمة‬
‫ونهائية‪ "....‬ويرتب مبدأ حجية األمر املقضي به يعد عنوان الحقيقة وملزما ألطراف الدعوى‬
‫بالخضوع أحكامه وتنفيذ مضمونه‪،‬‬
‫وثانيهما أنه يمنع أطراف الدعوى من إثارة موضوع الحكم من جديد أمام أية جهة قضائية‬
‫ولية عن طريق رفع دعوى جديدة بين نفس األطراف وعلى نفس املحمل ولذات السبب‪.‬‬
‫نطاق الحجية‬
‫طاملا إن الحكم الدولي بمجرد صدوره هذه الحجية فهل تمتد تلك الحجية الى الغير أم‬
‫أنها تقتصر على أطراف الدعوى؟ وعلى ذلك يمكن لنا أن نعرض لنطاق الحجية في نقطتين‪،‬‬
‫أوملا "قاعدة نسبية حجية األمر املقضي به"‪ "،‬وثانيهما حجية الحكم في مواجهة الدول الغير‬
‫كاألتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬حجية الحكم في مواجهة أطراف الدعوى " نسبية حجية األمر املقضي به"‬
‫للحكم الدولي أثرة امللزم في مواجهة أطراف النزاع‪ ،‬فهم املخاطبون املباشرون‬
‫بالحكم‪ ،‬وليس هناك إختالف حول هذا األثر املترتب على الحكم وهو ما يسمى باألثر‬
‫النسبي لحكم الدولي أو " نسبية حجية األمر املقضي به فالحكم ال يملك أثرا مطلقا في‬
‫مواجهة الكافة‪ ،‬فهو ال يكون ملزما إال بين أطراف النزاع فقط وفي حدود الدعوى الصادر‬
‫بشأنها (‪)7‬‬
‫‪ -7‬راجع الراي االستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في ‪ 13‬يوليو ‪ 1954‬بخصوص أثر أحكام‬
‫التعويض الصادرة عن املحكمة االدارية التابعة لألمم املتحدة‬
‫وبالنسبة لجميع الدول األخرى فإن هذا الحكم في األصل ال يحمل أي قيمة وال حتى‬
‫وجود(‪ ،)8‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 59‬من النظام األساسي ملحكمة العدل الدولية والتي‬
‫تنص على "ال يكون للحكم قوة إلزام إال بالنسبة ملن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي‬
‫فصل فيه "‪ ،‬ولقد استقر الفقه على أن الحكم يتمتع بحجية األمر املقضي به في مواجهة‬
‫الدولة املحكوم عليها بكامل سيادتها وكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية(‪)9‬‬
‫‪ -9‬األستاذ الدكتور ‪ :‬ابرهيم العناني ‪ ،‬القانون الدولي العام ‪ ،1990‬ص ‪ 383‬وما بعدها‬
‫وقد أكد القضاء الدولي مبدأ " نسبة حجية األمر املقضي به‪ ،‬فمحكمة التحكيم في النزاع‬
‫االنجليزي الفنزويلي في قضية " ‪ "la juyane‬قد أكدت في حكمها الصادر في ‪ 3‬أكتوبر ‪1899‬‬
‫أن خط تعيين الحدود املحدد حاليا بواسطة املحكمة ال يمس املشاكل الحالية واملستقبلية‬
‫التي يمكن أن تثار مستقبال بين بريطانيا والبرازيل أو بين البرازيل و فنزويال (‪ ، )12‬وذلك‬
‫تكون املحكمة قد أكدت أن الحكم ال يملك أي أثر في مواجهة دولة من الغير‪.‬‬
‫‪ -12‬د حسن حنفي إبراهيم ‪ -‬املرجع السابق ص ‪.134‬‬

‫البرازيل وهي ) كذلك في قضية ‪" Des hrase societe et michel . c. greece‬قضت محكمة‬
‫التحكيم الفرنسية السويسرية في حكمها الصادر في ‪ 24‬يوليو ‪ 1956‬أن األحكام الصادرة‬
‫بواسطة املحكمة الدائمة للعدل ‪ 8‬أكتوبر ‪ 1937‬في نفس الوقت ولكن بين أطراف مختلفين‬
‫هم فرنسا‬
‫الدولي في ‪ 27‬مارس ‪ 1934‬و واليونان ال تملك حجية املر املقضي به في مواجهة أطراف‬
‫التحكيم الحالية فرنسا وسويسرا‬
‫ثانيا‪ :‬حجية الحكم في مواجهة الدول الغير‬
‫وفقا لقاعدة " نسبة حجية األمر املقضي به فإنه ال يمتد األثر امللزم لألحكام القضائية‬
‫الدولية الى الغير أطراف النزاع‪ ،‬أي أن الدول الغير هي ومؤسساتها من حيث األصل غير‬
‫معنية بالحكم الدولي وذلك فقا للمادة ‪ 59‬من النظام األساسي ملحكمة العدل الدولية‪.‬‬
‫ولكن ملا كانت مصالح الدولة في الوقت الحاضر متشابكة ومتداخلة فإن قاعدة نسبية‬
‫حجية األمر املقضي به كان لزاما عليها أن تتراجع لتفسح مجاال إلمكانية االحتجاج بالحكم‬
‫الدولي حتى فيما بين الدول التي ليست أطراف في الدعوى‪ ،‬وقد أيد الكثير من الفقه مبدأ‬
‫نسبة حجية األمر املقضي به"‪ .‬أمام القوة املقنعة الكبيرة للحكم الدولي التي تجعله يخرق‬
‫املجال الوطني للدول غير األطراف فيرى أن هذا التأكيد حول قصر مفهوم حجية األمر‬
‫املقضي به بين أطراف النزاع مع أن األحكام الدولية ليس لها أثر قانوني في حاالت خاصة أو‬
‫ال تمارس على األقل بدون سلطة الزامية قانونية أي تأثير على أداء األطراف األخرى‪ ،‬ففي‬
‫حاالت معينة قد أثر هذه األحكام لطرف ثالث وقد يكون في مواجهة الكافة‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ الحجية‬
‫لك ال يعني‬
‫أستقر الفقه الدولي على وجود عدة استثناءات عن قاعدة نسبية حجية األمر املقضي به‬
‫يمتد أثر الحكم الدولي فيها الى غير أطراف الدعوى(‪ )15‬ونورد من هذه االستثناءات مايلي ‪:‬‬
‫اوال ‪ -‬الحكم الذي يخلق مراكز قانونية موضوعية‬
‫فإذا أنشأ الحكم الدولي أو خلق مركزا موضوعيا مجردا كالحكم الصادر في منازعة من‬
‫منازعات الحدود‪ ،‬فإنه ال يلزم فقط أطراف الدعوى وإنما يكون ملزما للجماعة ادولية‬
‫بأكملها باحترام ما قرره الحكم‪ ،‬فعندما قررت محكمة العدل الدولية أن كل من‬
‫‪ Minquiers, the ecrehos‬تعتبر أن إنجليزيتين وقبلت فرنسا‪ ،‬فإن جميع الدول العالم‬
‫ومحاكمها عليهم احترام هذا القرار وااللتزام به ‪ .‬واستقبال ما ينتج عنه من نتائج قانونية(‬
‫‪ ،)16‬كذلك فإن املحكمة عندما تحدد الحدود البرية والبحرية بين دولتين فإنها بذلك تضع‬
‫تحديدا لحدود هاتين الدولتين مع الدول املجاورة لها وهذا التحديد يكون ملزما بال شك‬
‫لهذه الدول املجاورة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬األحكام الصادرة بتحديد الحدود واألقاليم بين الدول‬


‫فبعد الحرب العاملية الثانية انتشرت حركات من االستعمار وحصل لكثير من الدول على‬
‫استقر لها‪ ،‬وكإحدى النتائج السيئة التي خلفها االستعمار ذلك التغيير والتبديل الذي أدخله‬
‫على أقاليم تلك الدول التي ما أن حصلت على استقاللها سارعت الى رفع دعاوي دولية ضد‬
‫جيرانها حول حدود أقاليمها‪ ،‬فإذا املحكمة الدولية يعد تداول جلساتها وعرض الوثائق‬
‫املعنية عليها بوضع أو تعديل للحدود البرية أو البحرية بين دولتين فهل هذا الحكم ال يعد‬
‫ملزما سوى في مواجهة أطراف النزاع فقط؟ لم يقل أحد بهذا الرأي‪ ،‬فاملنطق السليم‬
‫يقتضي أن هذا التحديد سوف يكون ملزما في موجهة الكافة سواء كانوا أطرفا في النزاع أم‬
‫ال‪ ،‬فال يتصور مثال أن حكم التحكيم الصادر بين مصر وإسرائيل حول " طابا" في سبتمبر‬
‫نهائيا من طابا ال يكون ملزما سوى في مواجهة كل مصر وإسرائيل فقط‪ ،‬وإنما هو ملزم في‬
‫مواجهة الكافة‪ ،‬وال يجوز االحتجاج بنسبة حجية األمر املقضي به في شأنه‪.‬‬

‫ثالثا‪ - .‬التدخل في الدعوى‬


‫نظرا لتقارب الدول و تداخل مصالحها فقد سمح القانون الدولي لكل دولة لها مصلحة أت‬
‫تدخل في أي دعوى دولية يترتب على الحكم فيها املساس باملصالح الخاصة بها‪ ،‬وهذا ما‬
‫نصت عليه املادتين ‪63‬و‪ 62‬من النظام األساسي ملحكمة العدل الدولية(‪ )17‬فالتدخل في‬
‫الدعوى الدولية يمكن تعريفه بأنه طلب دولة من الغير أن تصبح طرفا في خصومة قائمة‬
‫بهدف حماية حقوقها ومصالحها املرتبطة بموضوع النزاع ويترتب علي تدخلها أن يتمتع‬
‫الحكم بقوة إلزامية في مواجهتها‪ .‬وقد ميز النظام األساسي ملحكم العدل الدولية بين نوعين‬
‫من التدخل (‪ ،)18‬أولهما ما يسميه البعض‬
‫" التدخل التقريري" هو ما نصت عليه املادة ‪ 62‬والثاني وهو التدخل بوصفه حقا وفق‬
‫املادة ‪ )19(63‬فاألول يهتم بأي وضع ترى فيه إحدى الدول أن مصالحها سوف تتأثر بأي‬
‫قرار يصدر في قضية مرفوعة أمام القضاء الدولي‪ .‬فلهذه الدولة الحق أن تطلب التدخل في‬
‫الدعوى لحماية مصالحها‪ ،‬وللمحكمة وفق تقديرها أن تقبل التدخل أو ترفضه‪.‬‬

‫وفي حالة قبول املحكمة لهذا التدخل فإن الحكم الصادر في الدعوى على الفعالية وحجية‬
‫األمر املقضي به في مواجهة هذه الدولة ومحاكمها تماما كما لو كانت طرفا من أطراف‬
‫النزاع(‪.)20‬‬
‫‪ - 20‬املادة ‪ 62‬من النظام األساسي ملحكمة العدل الدولية‬
‫أما النوع الثاني فيهتم بذلك الخالف الي قد ينشأ حول تفسير اتفاقية متعددة األطراف ثار‬
‫نزاع على تفسيرها بين طرفين من أطرافها‪ ،‬وهما خول املادة‪ 63‬أي طرف آخر من أطراف‬
‫االتفاقية أن يتدخل من خالل دعوة املحكمة بالتدخل (‪ ، )21‬فقد أوجبت املادة على مسجل‬
‫املحكمة أن يخطر باقي أطراف االتفاقية ولكل منهم‬
‫الحق في التدخل لحماية مصالحه وتجنب مخاطر أي تفسير غير مرغوب فيه دون االستماع‬
‫إليها‪ .‬وهنا عندما يصدر الحكم بالطبع يكون ملزم لكل من تدخل في الدعوى ولو كان من‬
‫غير أطرف النزاع (‪ )22‬ومن أولي القضايا التي أثير موضوع التدخل قضية" ويمبلدون" عام‬
‫‪ 1922‬بين اململكة املتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان من ناحية وأملانيا من ناحية أخرى‪،‬‬
‫عندما طالبت بولندا بالتدخل في )‪،‬وهناك أمثلة أخرى مثل قضية هايا دي التور عام ‪1951‬‬
‫بين كولومبيا وبيرو حيث أعلنت كوبا التدخل(‪،)24‬وقضية اإلفريز القاري بين ليبيا وتونس‬
‫عام ‪1978‬عندما طالبت مالطة بالتدخل(‪ .)25‬وقضية اإلفريز القاري بين ليبيا ومالطة‬
‫عندما طالبت مالطة بالتدخل (‪ ، )26‬وقضية األنشطة و العسكرية وشبه العسكرية بين‬
‫نيكاراجوا والواليات املتحدة حيث طالبت السلفادور بالتدخل (‪.)27‬‬
‫‪ - 22‬د عبد الغاني محمود التدخل في الدعوى أمام املحكمة العدل الدولية " الطبعة األولى ‪ 1988‬ص ‪ 8‬دار‬
‫النهضة العربية‬
‫الد‪.‬‬
‫عوى‬
‫(‪)23‬‬
‫وقد اختلفت اآلراء حول ضرورة موافقة أطراف النزاع على التدخل‪ ،‬وقد كان ذلك بصدد‬
‫قضية اإلفريز القاري بين ليبيا ومالطة (‪ ،)28‬فهناك من يرى ضرورة موافقة أطراف النزاع‬
‫على التدخل باعتبار أن الخصومة ملك للخصوم ويجب احترام إرادتهم التي لم تنصرف منذ‬
‫البداية الى دخول طرف أخر في النزاع وأن العكس سيؤدي الى هجر الخصومة للمحكمة (‬
‫‪ )29‬في حين يرى آخرون أن التدخل في الدعوى هو إجراء عارض شأنه شأن اإلجراءات‬
‫العارضة التي تفض على الخصوم وال يؤخذ رأيهم فيها (‪. )30‬‬
‫ونحن نرى أن استلزام موافقة الخصوم على التدخل الطرف األخر في الدعوى هو أمر غير‬
‫منطقي‪ ،‬فالتدخل عندما تم تقريره مثال في املادتين ‪ 62،63‬من النظام األساسي ملحكمة‬
‫العدل الدولية لم يكن الهدف‬
‫منه املحافظة على مصالح الخصوم لكي يؤخذ رأيهم فيه وإنما الحفاظ على مصالح الطرف‬
‫املتدخل‪ .‬ولذا فقد أعطت املادة السلطة التقديرية للمحكمة لتقدير ما إذا كان هناك‬
‫مصلحة مشروعة للطرف من عدمه‪ ،‬فاألساس القانوني للتدخل ليس إرادة الخصوم وإنما‬
‫وجود مصلحة مشروعة تقرها املحكمة‪ ،‬والدليل على ذلك أن املادة ‪ 63‬افترضت وجود‬
‫مصلحة قانونية في حالة تفسير اتفاقية متعددة األطراف‪ ،‬ولذلك فقد أوجبت على مسجل‬
‫املحكمة أن يخطر كل األطراف بالتدخل ليصدر الحكم في مواجهتهم‪ .‬وبالنسبة للتحكيم‬
‫الدولي فإن القاعدة أيضا نسبية حجية األمر املقضي به(‪ ،)31‬ولكن إذا ما تأثرت مصالح‬
‫دولة ثالثة من الحكم فلها أن تتدخل في الدعوى بعد موافقة األطراف لو لم تنص مشارطة‬
‫التحكيم على هذا الحق ‪ ،‬فإذا وجد هذا النص أمكن لها التدخل دون موافقة األطراف‪.‬‬
‫هي‬
‫ولقد سمحت املادة ‪ 84‬من اتفاقية الهاي ‪ 1907‬للدول األطراف في جماعية والذين‬
‫ليسوا أطرافا في دعوى التحكيم إمكانية ممارسة هذا الحق فإذا ما صدر حكم التحكيم‬
‫فإنه يعتبر وملزما في مواجهة الدول املتدخلة‪ .‬رابعا ‪ -‬الحكم الصادر بتفسير اتفاقية‬
‫متعددة األطراف‪:‬‬
‫إن أحد إراض نظام املعاهدة املتعددة األطراف هو الحفاظ على التطبيق والتفسير املوحد‬
‫لنصوص هذه املعاهدة‪ ،‬ولعلى من الصعب في حالة وجود نزاع حول تفسير نص اتفاقية‬
‫على باقي األطراف تجاهل حكم محكمة بالتفسير‪ ،‬وتعد املعاهدات املؤسسة ملنظمات دولية‬
‫أمثلة واضحة على الحاجة للتفسير املوحد‪ .‬وخاصة املعاهدات املؤسسة لإلتحاد األوروبي‬
‫وما جاء باملادة ‪ 177‬من اتفاقية روما بصدد التفسير لقوانين االتحاد األوروبي(‪.)32‬‬
‫يجب‬
‫ومن األمثلة على أهمية األحكام الخاصة بالتفسير أحكام املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان‬
‫التابعة لالتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان‪ ،‬فاألحكام هذه املحكمة الخاصة بتفسير‬
‫االتفاقية تتمتع بأهمية قصوى أمام محاكم الدول األطراف االتفاقية سواء كانوا أطرافا في‬
‫النزاع أم ال‪ .‬فلقد أوضحت املحكمة االتحادية السويسرية في قضية متعلقة بفترة البقاء في‬
‫الحبس االنفرادي أنه مراعاة الضمانات التي فرضتها االتفاقية وكذلك التفسيرات التي‬
‫تصدرها املحكمة التابعة لالتفاقية(‪ )33‬ومن األمثلة األخرى التي توضح احترام املحاكم‬
‫الوطنية لتفسيرات املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان قضية ‪ Engel‬لسنة ‪ 1976‬والتي ادعى‬
‫فيها عدد من الجنود ضد هولندا مطالبين بتطبيق الضمانات التي نصت عليها املادة‬
‫السادسة الفقرة األولى من االتفاقية والخاصة " بضمانات املحاكمة الجنائية" على التدابير‬
‫التأديبية العسكرية(‪.)34‬‬
‫وقد قررت املحكمة ستراتسبورج أنه على الرغم أن التدابير التأديبية العسكرية ليس لها أي‬
‫طابع جنائي إال أن الضمانات التي تقدمها املادة السادسة الفقرة األولى بشأن الفصل في أي‬
‫تهمة جنائية تعتبر قابلة للتطبيق هنا إذا كانت العقوبة لها نفس الشدة التي تفرضها األحكام‬
‫الجنائية‪.‬‬
‫وقد أخذ بهذا التفسير املجلس االتحادي السويسري في رسالته الى البرملان السويسري‬
‫وطالب بتعديل قانون العقوبات العسكري وفق هذا الحكم (‪.)35‬‬
‫ففي هذه األمثلة ورغم أن املحاكم الداخلية للدول األخرى األطراف في االتفاقية األوروبية‬
‫ال تكون ملزمة بتفسير محكمة ستراتسبورح إال أنهم يحترمون هذا التفسير على أساس أنه‬
‫املعنى الرسمي لالتفاقية(‪ .)36‬وفي رأينا أنه بالنسبة لتفسير االتفاقية املتعددة األطراف‬
‫واملقام بصدده دعوى أمام محكمة دولية يجب أن نفرق بين أمرين‪:‬‬
‫لكل‬
‫أولهما‪ :‬حالة ما إذا كان هناك نص في االتفاقية أو في دستور املحكمة أو في مشارطة‬
‫التحكيم يسمح طرف بحق التدخل في الدعوى التفسير من أجل إبداء رأيه في التفسير مثل‬
‫املادة ‪ 63‬من النظام األساسي ملحكمة العدل الدولية‪ ،‬وهنا نكون أمام أمرين أولهما أنه‬
‫بالنسبة للطرف الذي يستعمل حقه‪.‬‬
‫إذا كان القضاء الدولي كجهة مخولة بأداء وظيفة متمثلة ببيان وإصدار األحكام‪ ،‬من خالل‬
‫الفصل في النزاعات الدولية‪ ،‬فإن القول بنفاذ ما يصدر من أحكام ومراعاة احترامها يعتبر‬
‫الصورة األوضح إلنفاذ هذه األحكام‪.‬‬

‫‪.‬ويكون نفوذ أحكام القضاء الدولي بالتسليم لها وترك املنازعة فيها بعد صدورها وحملها‬
‫على الصحة‪ ،‬واالمتناع عن املساس بها تمهيدا لتحقيقها بتنفيذ ما فصلت فيه‪.‬‬

‫بل أن قيمة الحكم القضائي الدولي الذي يعتبر نتيجة اللجوء لوسائل التسوية القضائية و‬
‫جهد القاضي الدولي‪ ،‬هذا القاضي الذي يعتبر الركيزة األساسية لعمل أي من الهيئات‬
‫القضائية الدولية وذلك نتيجة بحثه لوقائع النزاع املعروض عليه‪ ،‬وما يحيط هذا األمر من‬
‫تساؤالت قانونية وواقعية تعترض عمل القاضي الدولي هذا العمل الذي يجب على أطراف‬
‫النزاع إحاطته باالحترام الالزم والكامل‪ ،‬بل وان ازله وتطبيقه عمليا‪ ،‬وعدم املنازعة فيه‬
‫مستقبال‬

‫‪ .‬من هنا يتحدد موضوع البحث وهو "حجية أحكام املحاكم الدولية" وذلك باعتباره عمال‬
‫في أحد أهم الخصائص التي من املفترض ملزمتها للحكم القضائي الدولي و التي تعكس‬
‫وتجسد احترام أحكام القضاء الدولي بالخصوص ونفاذ أحكام القانون الدولي العام‬
‫بالعموم‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال باالمتثال الكامل للحكم القضائي الدولي‪.‬‬

‫وذا كانت املقاصد واألهداف املنوطة بالقضاء الدولي سلطة ووظيفة تتجاوز هدف اإللزام‬
‫باألحكام ولو كانت أهمها‪ ،‬وتزيد عنه بقصد تحقيق العدالة وحفظ الحقوق وحفظ النظام‬
‫في إطار املجتمع الدولي‪ ،‬فإن الحكم القضائي الدولي في استقراره و امتناعه عن املساس به‬
‫تتجاذبه مصلحة نفاذ األحكام و استقرارها وحفظ هيبة القضاء الدولي من جهة‪ ،‬ومصلحة‬
‫تحقيق العدالة وحفظ الحقوق من جهة أخري ‪ .‬لهذا فإن موضوع البحث يتحدد أيضا في‬
‫تقصي مدى حيازة الحكم القضائي الدولي للحجية في إطار النظام القضائي الدولي ببيان‬
‫شروط قيامها وحدود إعمالها‪ ،‬وما يرد عليها من استثناء و قيد‪ ،‬مع بيان آثار إعمالها‪.‬‬
‫إن الهدف من دراسة موضوع حجية أحكام املحاكم الدولية يظهر من خالل املعالم التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬البحث عن الطرق الكفيلة واملمكنة االستمرار املحاكم الدولية من خالل تواجد‬
‫الوظيفة القضائية الدولية وعدم زوال النظام القضائي الدولي‬

‫‪ - 2‬معرفة وبيان ورسم إطار ملسألة حجية الحكم القضائي الدولي على غرار ما يكتسبه‬
‫موضوع الحجية في إطار القانون الدولي العام بصفة عامة‪.‬‬

You might also like