Professional Documents
Culture Documents
أبريل 2020
1
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الفهرس
التشريع المائي في فترة الحماية الفرنسية 3 .........................................
محمدعلوي طاهيري
تطورحق الملكية في المغرب 31 .......................................................
محمد اهتوت
التطورالتاريخي لقوانين االسرة بالمغرب 54 ........................................
كريم متقي
الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بالمغرب :اقتباس تشريعي معيب وزيادة
فائدة منها في الوقت الحالي 71 ........................................................
العربي البوبكري
جدلية الدين والسياسة بالواليات المتحدة األمريكية 95 ............................
د .رجاءالصالحي
تعليق على حكم محكمة تمييز دبي في الطعن رقم 2017/01الصادر في
" 2017/05/22الذي قضى بنزع االختصاص من محكمة خاصة ومنحه
لمحكمة نظامية" 132 ......................................................……….
د .مصطفى محمد الحسبان
د .مالك أحمد الذياب
الشرعية الجنائية وامتدادها إلى مرحلة التنفيذ160 ................................
الدكتورحباني عبدالرزاق
يونسالصالحي
سلطة مجلس األمن الدولي في اإلحالة على المدعي العامل للمحكمة الجنائية
الدولية 173 ...............................................................................
جمال كدوري
ظهيرالوضعية المدنية للفرنسيين واألجانب بالمغرب :مبررات التعديل
ومنهجية اإلصالح216 ..................................................................
ذ :عبدالقادرقرموش
الدخول اإللكتروني غيرالمصرح به في التشريع الفلسطيني والمغربي249….
عبدالرحمن طميزه
البنوك التشاركية وعالقتها بالبنك المركزي 287 ...................................
عبدالرحمن طميزه
2
المجلة المغربية لتاريخ القانون
دكتور في الحقوق
إن الفهم الجيد للظاهرة القانونية ال يمكن أن يتم دون البحث في األسباب
التي أدت إلى نشوئها وتطورها أو جمودها وزوالها ،فالظاهرة القانونية هي نتاج تراكمات
وثمرة تطور المجتمع ،وقد تحكمت في نشأتها عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية،
فالقانون وليد وصناعة الف كر البشري وظروف التاريخ ،ونظرا ألهمية التاريخ في الدراسات
القانونية نشأ وبرز بشكل الفت تخصص هام وهو تاريخ القانون و األنظمة القانونية.
أنساق قانونية هي العرف الذي نشأ عن عادات مائية قديمة وثابتة ترجع إلى ما
قبل اإلسالم ،والنسق الثاني هي أحكام الفقه المالكي التي كرست نظما مائية تستمد
التي صدرت في فترة الحماية الفرنسية بالمغرب ،2وأصبح التشريع المائي يعرف
1
-Sonnier André , « Contribution a l’étude du régime juridique des eaux au
Maroc suivant le droit Musulman et les coutumes indigènes » , Revue de
Géographie Marocaine, n° 15, 1931 .
-2أمحد إد الفقيه " :القانون املغريب بني اثلوث العرف و الشرعو التشريع " ،جملة املرافعة ،هيئة احملامني أبكادير،
العدد األول ،السنة األوىل ،يونيو .1992
Tazi Sadeq houria , Du droit de l’eau au Droit a l’eau au Maroc et ailleurs ,
édition Eddif , 2007 p 37
3
المجلة المغربية لتاريخ القانون
نتيجة ذلك ازدواجية وتعقيدا في نظامه القانوني انعكست بالسلب على األمن
القانوني المائي بسبب تزاحم وتصارع ثالثة أنساق قانونية بمرجعيات مختلفة.3
المغرب إلى حين سنة 1995بحيث صدر ظهير 16غشت 1995بتنفيذ القانون
استخالصه في هذا الجانب أن كال القانونين 95/10و 15/36ما هما إال امتدادا
وتطويرا لظهير 1925الذي كرسته الحماية الفرنسية والذي وضع أسس النظام
واستيعاب مضامينها ال يمكن أن يتم دون دراسة وفهم القوانين التي صدرت في
فترة الحماية الفرنسية والتي تعتبر الق وانين المؤسسة للنظام القانوني للماء
بالمغرب.
وبطبيعة الحال فإن القوانين التي كرستها الحماية كان لها خلفيات
إلى السيطرة على موارده االقتصادية ،انطالقا من اقتناعها بأن تثبيت مطامع
3
-Ameur Mbarek : le statut juridique de l’eau et l’irrigation au Maroc ,
Mémoirepour le Diplome d’Etudes Supérieures , Faculté des sciences
juridiques économiques et sociales, Université Mohamed V, Rabat.
-4ظهري شريف رقم 113.16.1بتاريخ 10غشت 2016بتنفيذ القانون رقم 15.36املتعلق ابملاء اجلريدة
الرمسية عدد 6494بتاريخ 25غشت 2016صفحة .6305
-5أمحد إد الفقيه " نظام املياه واحلقوق املرتبطة هبا يف القانون املغريب شرعا وعرفا وتشريعا " مطبعة النجاح اجلديدة
الدار البيضاء الطبعة األوىل 2002صفحة . 244
4
المجلة المغربية لتاريخ القانون
االستع مار يقتضي االستحواذ على مصادر الثروة ،وبدأ المستعمر الفرنسي في
السيطرة على األراضي الفالحية دون الثروة المائية لن يكون له أهمية من الناحية
االقتصادية.
الحماية في هذا الباب منشور 1نونبر 1912الذي حدد العقارات التي ال يمكن
وقد تال ذلك تبني نظام الشهر العقاري بظهير 12غشت 1913الموافق
الواردة عليها بطريقة سهلة ،ألنه يكفي أن يتقدم بمطلب تحفيظ عقار ليصبح ذلك
-6قسمت معاهدة احلماية املغرب إىل منطقة وسطى حتت سلطة فرنسا و منطقة جنوبية ومشالية حتت سلطة إسبانيا
ومنطقة طنجة الدولية وسنقتصر على منطقة النفوذ الفرنسي لكون القوانني اليت طبقت يف هذه املنطقة هي اليت
امتدت يف التطبيق إىل ابقي مناطق املغرب بعد حصول املغرب على االستقالل.
5
المجلة المغربية لتاريخ القانون
العقار في اسمه ويصبح في مركز قانوني قوي ،ويبقى على كل متعرض على
هذا المطلب عبء اإلثبات ،كما أن إجراءات إشهار مطلب التحفيظ لم تكن تتم
بصورة سليمة مما كان يفوت على المالكين المغاربة حقوقهم ،وحتى في حالة
علمهم بمطلب التحفيظ فلم يكونوا على دراية باإلجراءات المسطرية ،كما أن
إثبات حقوق المياه يقتضي اإلدالء بحجج تامة الشروط و األركان ،في حين أن
الفالحين المغاربة لم يكونوا مهتمين بتوثيق الحقوق بإعداد الرسوم والوثائق لذلك،
الفالحية لألهالي المغاربة وتحويلها إلى مزارع فالحية لألجانب وكذلك عن
ومن بين الوسائل القانونية التي استعملتها إدارة الحماية لالستيالء على
1331على إحداث محاكم فرنسية للبت في النزاعات التي يكون أحد أطرافها
أجنبيا ،وعهد إلى هذه المحاكم تطبيق قواعد القانون الوضعي واستبعاد تطبيق
النزاعات العقارية بين األجانب والمغاربة ومن بينها الحقوق المائية ،إقصاء الفقه
6
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الثروة المائية وحرمان المغاربة من حقوق مياههم الخاصة اعتماد مبدأ الملكية
لكن اعتماد هذا المبدأ القانوني الخطير من حيث آثاره االجتماعية والقانونية
المعمرين و األجانب عبر السيطرة على األراضي الفالحية الخصبة المسقية ،
ولم يكن لالستعمار الفرنسي تحقيق هذه األهداف إال عبر وضع إطار قانوني
يؤمن الغطاء لالستيال ء على األراضي الفالحية و الثروة المائية الالزمة لسقي
العمومية للمياه بهدف السيطرة على الثروة المائية وحرمان المغاربة من حقوق
مياههم ،إال أن إدارة الحماية لم تتبن هذا المبدأ إال بعد عدة مراحل اضطرت معه
في األخير األخذ بخصوصية المجتمع المغربي عبر تبني استثناء على هذا المبدأ،
ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى محطتين أساسيتين وهي :مرحلة صدور ظهير
(المبحث الثاني).
7
المجلة المغربية لتاريخ القانون
.1919
لقد عمل مشرع الحماية في هذه المرحلة ،وهي الفترة الممتدة من إقرار
المغربي ،و نوعية الملكية والنظام القانوني السائدين ،و ذلك ليتأتى له اختيار
المستعمرة ،كما طرحت أفكار تدعو إلى تبني نظام حرية الملكية الخاصة
للمياه ،كما طرح تبني نظام الملكية العامة للمياه بشكل مطلق دون مراعاة حقوق
المالك الخواص.7
فالتوجه األول والذي كان يدافع على حرية الملكية الخاصة للمياه و
حرية االستعمال و االنتفاع كان متأثرا بما كان سائدا في فرنسا من مبادئ الثورة
الفرنسية خاصة قدسية حق الملكية الخاصة ،كما اعتبر أن تكريس هذا المبدأ في
7
-Sonnier André « le régime juridique des eaux au Maroc » librairie de recueil
Sirey Paris 1933 p 3.
8
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المغرب من شأنه أن يسهل األمور على االستعمار وال يثير غضب األهالي
كبرى ،وهي ثروة مرتبطة بالمنفعة العامة ،وال يمكن تركها لالستعمال الفردي
للمالك الخواص ،الشيء الذي قد يثير الفوضى والنزاعات الفردية ،ودافع هذا
التوجه على ضرورة أن تعتبر الدولة الثروة المائية ملكا عاما بشكل مطلق دون
أي استثناء ،وأن تعود للدولة اختصاصات حماية الثروة المائية وتسييرها
وتدبيرها ،و قد تبنى هذا التوجه بينيه Penet9في مشروع القانون الذي أعده في
وأمام هذين التوجهين ،ظهر توجه آخر طالب بتبني حل وسط يوافق
بين التوجهين األولين ،فمن جهة اعتبر هذا التوجه ضرورة إيجاد تمييز بين
نوعين من المياه ،فمن جهة هناك المياه المهمة ذات االستعمال المشترك
والجماعي مثل الوديان ،العيون الكبرى واألنهار ،فهذه المياه يجب أن تدخل في
إطار الملكية العمومية على أن تعود للدولة مهمة الحراسة والحماية والتدبير
والتسيير ،ومن جهة أخرى هناك مياه قليلة األهمية ،كمياه العيون
ذات استعمال جماعي أو مشترك ،فهذه المياه يمكن أن تكون محل ملكية خاصة.
8
-Sonnier.(A).op.cit. p 3.
9
-Sonnier.(A). op.cit. p 4.
9
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وقد بقي التردد يراود مشرع الحماية في تبني موقف صريح وواضح
10
في شأن حقوق المياه ،وإبان هذه المرحلة صدر منشور في فاتح نونبر 1912
حدد األ شياء التي ال يمكن استمالكها أو تفويتها ،ومن ضمن هذه األشياء موارد
الماء العمومية ،11وذلك دون تحديد ماهية المياه العمومية ،أو تعداد المياه التي
تعتبر عمومية ،بل اكتفى بتحديد بعض األشياء التي تدخل ضمن الملك العمومي،
والتي اليجوز االنفراد بتملكها أو تفويتها أو حجزها ألنها تدخل ضمن االستعمال
وهذا المنشور كان مجرد موقف إداري مؤشر للتصور الذي ستتبناه
إدارة الحماية الحقا ،وكان بهدف وضع حد لمختلف المنازعات العقارية وخاصة
بعض التصرفات التي كان موضوعها أموال المخزن على الرغم من عدم قابليتها
للتفويت ،كما كان يعتبر إجراء وقائيا من إدارة الحماية حتى ال يتم استغالل الفراغ
القانوني ،والقيام بتفويت هذه األشياء ،أو إعداد رسوم ملكية عليها ،وحتى تتمكن
إدارة الحماية من إبطال أي تصرف قانوني يرمي إلى إنشاء حقوق على هذه
الذي كان ال يزال ينتاب مشرع الحماية في إيجاد الصيغة النهائية لإلطار القانوني
10منشور الصدر األعظم املتعلق بوضع ضابط لبيع األمالك واملوجهة يف فاتح نونرب 1912إىل العمال و القواد و
القضاة .اجلريدة الرمسية عدد 1بتاريخ فاتح فرباير 1913ص 3 :و4و.5
-11ميز منشور 1912بني نوعني من األموال ،أموال ال تفوت إال بعد ترخيص من املخزن و أموال غري قابلة
للتفويت .وتتعلق الطائفة الثانية من األموال مبايلي - :الطرق و املسالك واألزقة -شواطئ البحر -املوانئ -السباخ
و املستنقعات و األهنار و الوداين و العيون -البناايت العمومية -االستحكامات و أسوار املدن مع ارتفاقاهتا و
ملحقاهتا.
10
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لحقوق المياه ،لكنه لم يكن إال استمرارا للنظام القانوني ألموال المخزن قبل فترة
الحماية.12
لتنظيم حقوق المياه في كل مستعمراته في الجزائر وتونس ،و قد تبنى مبدأ الملكية
وفي المغرب كان المشرع عازما على وضع إطار قانوني متميز
تبنى مشرع الحماية مبدأ الملكية العمومية للمياه في ظهير 1يوليوز 1914الذي
جاء في الفصل األول منه " :تدخل في حيز األمالك العمومية األمالك اآلتية:
د) جميع المياه السطحية و الباطنية و مجاري المياه وجميع العيون أيا
كانت طبيعتها".
أن هذا المبدأ ظل نسبيا وليس مطلقا ،ذلك أن اعتماد مبدأ الملكية العمومية لكل
12
-Sonnier (A).op.cit. p. 3.
-13راجع موقف بينييه لدىسونيي مرجع سابق ص .4
11
المجلة المغربية لتاريخ القانون
غضب المغاربة أصحاب حقوق المياه الخاصة ،ذلك أن حقوق المياه تمثل الوسيلة
األساسية لسقي األراضي الفالحية وضمان إنتاجها وشرب السكان والماشية ،وأن
المساس بهذه الحقوق قد يؤثر على مصالح المستعمر والمعمرين ،لهذا تبنى
مشرع الحماية التو جه الثالث الذي دعا إلى اتخاذ موقف الموازنة والوسط بين
االتجاه الذي دعا إلى تبني مبدأ الملكية العمومية المطلق و االتجاه الذي دعا إلى
حرية ملكية المياه وحرية االنتفاع بها ،باعتماد مبدأ الملكية العمومية على المياه
المهمة وذات النفع العام واالستعمال الجماعي مع ترك المجال للملكية الخاصة
للمياه ذات النفع الخاص واالستعمال الفردي ،ففي الفصل الثاني من ظهير 1914
حافظ مشرع الحماية على الحقوق المكتسبة من حق الملكية وحق االنتفاع وحق
االستعمال لحقوق المياه جاء في الفصل الثاني من ظهير " : 1914تبقى سارية
المفعول حقوق الملكية واالنتفاع واالستعمال التي اكتسبت على الملك العام للدولة
ويكون على المالك الخواص إثبات حقوق المياه بحجج مقبولة قانونا،
وفي حالة رفض اإلدارة االعتراف بهذه الحقوق يحق لمدعي حق الماء اللجوء
إلى المحاكم المختصة وهي المحاكم العصرية14قصد اإلشهاد على ثبوت حق
الماء واستحقاقه سواء كان حق ملكية الماء أو حق االنتفاع بالماء ،وعند الحكم
باستحقاق حق الماء يعتبر هذا الحكم بمثابة اعتراف بحق الماء ،ألن الدعوى
-14جاء يف الفصل الثامن من ظهري " 1914\7\1إن النزاع الواقع على ملك عمومي حتكم به احملاكم العصرية".
12
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تكون موجهة ضد إدارة المياه وهي وزارة األشغال العمومية التي تكون طرفا
في الدعوى.15
البت في دعاوي استحقاق حقوق المياه في مواجهة إدارة الحماية كان الهدف منه
حرمان المالك المغاربة من حقوقهم لكون المحاكم العصرية غالبا ما تميل إلى
وفي حالة فشل إدارة الحماية في استصدار حكم لصالحها يقضي بشمل
حق الماء ضمن الملكية العمومية ،يحق إلدارة الحماية نزع ملكية هذا الحق من
كما جاء ظهير 1يونيو 1914بتحديد األشياء التي تعتبر ملكا عموميا،
وقد اختار مشرع الحماية عبارة جد هامة ،حتى تشمل الملكية العمومية جل أنواع
المياه ،وحتى تدخل المياه أيا كانت طبيعتها ضمن الملكية العمومية جاء في الفصل
األول من ظهير " : 1914تصنف ضمن الملك العام _ :مجاري المياه أيا كانت
ومن خالل هذه الصياغة يتضح التصور العام إلدارة الحماية ،وذلك
بوضع نصوص قانونية تخول لها إدماج جميع مجاري المياه ضمن الملكية
-15ينص الفصل السادس من ظهري " : 1914\7\1يدير األمالك العمومية املدير العام لألشغال العمومية
مبقتضى تفويض مستمر"...
-16جاء يف الفقرة الثانية من الفصل الثاين من ظهري ":1914\7\1وال ميكن أن تنزع احلقوق املذكورة من
أرابهبا إال ابلبيع اجلربي بشرط أن يثبتوا هذه احلقوق أمام احلكومة أو احملاكم اليت هلا النظر"...
13
المجلة المغربية لتاريخ القانون
العمومية ،حتى يتسنى لها السيطرة عليها و تدبيرها لصالح إدارة الحماية و خدمة
مصالح المعمرين.
ولم يكتف مشرع الحماية بهذا الحد ،بل أضاف أنواعا أخرى من المياه
لكن تبني مبدأ الملكية العمومية للمياه من طرف مشرع الحماية بالشكل
الذي جاء به ظهير 1914لم يكن قرارا نهائيا بل كان قرارا انتقاليا وتجريبيا
قواعد حمائية للمياه من التلوث ،وكان إصدار ظهير 1916لتجاوز هذا النقص.
في هذا الظهير عمل مشرع الحماية على منع بعض التصرفات التي من
شأنها تلويث المياه العمومية خاصة التي تتزود منها المدن كتحريم غسل الثياب و
اللحوم و الجلود والحيوانات و تحريم االستحمام بها ،كما منع مشرع الحماية
استغالل المياه العمومية بدون ترخيص مسبق من اإلدارة وذلك لحماية المياه العامة
من مخاطر التلوث واالستعمال العشوائي ،كما أقر مشرع الحماية مجموعة من
14
المجلة المغربية لتاريخ القانون
خرجت عن إطار تدبير وتسيير إدارة الحماية ،ولذلك عمد مشرع الحماية إلى
مشرع الحماية صراحة وبكل وضوح مبدأ الملكية العمومية النسبي للمياه وذلك
فبعد صدور ظهير 1914وجدت إدارة الحماية نفسها أمام واقع خروج
بعض أنواع المياه من إطار سيطرتها وحرمت من تدبير هذه المياه لعدم
15
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وخاصة الفقرات الرابعة والخامسة والسادسة منه لينص في الفقرة الرابعة من
الفصل األول على أنه يدخل ضمن الملك العمومي كل المياه سواء كانت جوفية
وأدخلت نفس الفقرة كافة األراضي التي تعتبر وعاء للمياه وإن كانت
غير مغطاة بالمياه بشكل دائم .ومن خالل هذه الفقرة يتضح أن مشرع الحماية لم
يكتف بإدخال المياه ضمن الملكية العمومية بل تعدى ذلك إلى ضم األراضي التي
توجد عليها هذه المياه ضمن الملك العام حتى ولو كانت هذه األراضي غير مغطاة
بالمياه بشكل دائم كما هو الشأن بالنسبة للبحيرات التي تنشأ في فصل الشتاء بفعل
المياه ضمن الملكية العمومية وبذلك يكون قد أكمل صياغة األرضية المالئمة و
اإلطار القانوني المناسب إلدارة الحماية للسيطرة على الثروة المائية مع اإلبقاء
على الحقوق المكتسبة واستثناء مياه األمطار التي تمت حيازتها بتجميعها في
خزانات مائية.
الحماية مياه الشرب التي تتغذى بها المدن و قنوات المياه و جميع التجهيزات
المرتبطة بها ضمن الملك العام البلدي مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة للغير
16
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وجدت إدارة الحماية نفسها أمام إشكاليات قانونية تتعلق بحدود األمالك
العمومية على ضفاف مجاري المياه ومداها والطرق الموصلة إليها ولم تجد في
ظهير 1يونيو 1914و كذلك في ظهير 8نونبر 1919أي حلول قانونية لها
(المطلب األول) وتنظيم المياه المعدنية في ظهير 1951بعد أن ظلت بدون إطار
قانوني .
عمد مشرع الحماية إلى إيجاد إطار قانوني يعالج به بعض اإلشكاليات
القانونية التي أثيرت بعد ظهير 1يونيو 1914و ظهير 8نونبر 1919بخصوص
المياه وتفادي إشكالية تواجد مياه عمومية فوق أراض مملوكة ملكية خاصة مما
العمومية ضمن الملكية العمومية أيا كانت طبيعة مجاري المياه مستمرة أو
متقطعة ،كما أدخل ظهير 1925ضفاف األنهار وموضع مجاري المياه التي
وإنما أتى بتنظيم متميز يحدد طريقة استعمال واستغالل المياه العمومية وذلك عن
-20ظهير 1غشت 1925المعتبر بمثابة ضابط المياه المنشور في الجريدة الرسمية عدد:
670بتاريخ 25اكتوبر .1925
17
المجلة المغربية لتاريخ القانون
طريق إما عقد امتياز أو حق الترخيص يمنح من طرف اإلدارة المكلفة بالمياه
استعمال المياه العمومية وذلك بتحديد مسطرة الحصول على االمتياز باستعمال
الماء العمومي وشروط عقد االمتياز وطرق إنهائه كما حدد شروط الحصول على
تسمية ظهير " 1925ضابط المياه « ( .)le régime des eauxو يعتبر ظهير
1925أول ظهير شبه متكامل أعد من طرف مشرع الحماية لتنظيم حقوق المياه،
لكونه جاء بقواعد تشمل تنظيم جميع أنواع المياه التي تعتبر مياها عمومية ،كما
حدد مجاري المياه التي تدخل في الملك العمومي وحدودها ونطاقها كما تناول
أو إثبات حقوق مياه مكتسبة ،و ضبط و تهيئة و توزيع المياه العامة أو وضع
آالت على مجاري المياه ،وأخد الماء منها أو إحداث معامل عليها.
-21جاء في الفصل 26من ظهير " 1925ستصدر قرارات من .وزيرنا األعظم بتعيين ما يأتي_ :أوال الصورة
و النوع الذين يباشر بموجبها إجراء األبحاث المأمور بها بالفصول السابقة "
-22قرار وزيري مؤرخ في 25\8\1الجريدة الرسمية عدد 670:المعتبر النص التنظيمي لظهير .1925
18
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وأهم آلية قانونية جاء بها هذا القرار هو إلزامية إجراء بحث بقرار من
المدير العام إلدارة األشغال العمومية ،وتكليف لجنة خاصة للقيام باألعمال األولية
من معاينة األماكن و ت سجيل المالحظات وتلقي التصريحات وإعداد تقرير مفصل
يوجه إلى مدير األشغال العمومية ،ويصدر هذا األخير قرارا نهائيا بالمصادقة
على أعمال اللجنة بعد بيان رأي نائب إدارة المراقبة المحلية ونشر هذا القرار في
الجريدة الرسمية.
على المياه العامة كحق الترخيص و االمتياز ،وتخويل إمكانية تسجيل هذه الحقوق
بالرسوم العقارية.
جاء ظهير 1932بتعديل للفصول 10و 13و 15و 19من ظهير 1
بتغيير أو تتميم قرار االعتراف بحقوق المياه المكتسبة الذي يبدأ من تاريخ نشر
القرار بالجريدة الرسمية ،وتعديل الفصل 13مرتين وذلك بتحديد أجل أقصى
لمدة استعمال المياه العامة في عشرين سنة ،وإعطاء اإلدارة صالحية تغيير
19
المجلة المغربية لتاريخ القانون
األضرار المباشرة.
باستعمال الماء العمومي لمنفعة عقار معين دون غيره ،وارتباط الرخصة بهذا
العقار ،حتى إذا تم تفويت العقار انتقلت الرخصة إلى المالك الجديد بعد التصريح
باالنتقال إلى مدير األشغال العمومية ومنع التخلي عن الرخصة دون التخلي عن
أما الفصل 15فتم تعديله بتحديد المدة القصوى لمدة االمتياز في 75
وأعطى لإلدارة حق إسقاط االمتياز عند استعمال المياه العامة خارج المنطقة
المعنية أو عند استعمالها لغير السقي .كما هم التعديل إقرار قاعدة التخصيص أي
تخصيص االمتياز باستعمال الماء العام للعقارات التي تسقى بها وليس للمالك،
وإذا انتقلت ملكية العقار إلى غير انتقل إليه حق االمتياز باستعمال الماء العام.
وقرار الترخيص باستعمال الماء العام ،وعقد االمتياز باستعمال المياه العامة
1913المنظم للتحفيظ العقاري ،و شكل هذا التعديل أهمية خاصة أوال باعتباره
20
المجلة المغربية لتاريخ القانون
حقوق المياه المكتسبة حقوقا عينية عقارية ،وثانيا بتخويله صالحية تسجيلها
1غشت :1925
العمومية بأداء تعريفة معينة تقاس في حدود الحد األدنى ،وتحدد حسب قرار
مشترك بين مدير األشغال العمومية و مدير الفالحة و التجارة و الغابات ،بعد
استشارة مجلس مصلحة المياه والغابات ،و يستثنى من التعريفة األراضي التي
تسقى بواسطة وسائل الضخ أو وسائل أخرى غير معدة من طرف الدولة.
مسقية ،و النزاعات التي تنتج عن تطبيق الفصل 13وتتشكل هذهاللجنة من :
✓ القائد
✓ مفتش الفالحة
-24خص ظهير التحفيظ العقاري أي ظهير 12غشت 1913الحقوق العينية بحق التقييد في الرسم العقاري.
21
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والتجارة والغابات ،ويتابع استخالص الحد األدنى للتعريفة حتى في حالة عدم
استغالل األرض من طرف المالك األصلي وفق الشروط المحددة في الفصل .13
بفرضه عقوبات مالية على مستعملي المياه العامة وذلك في حالة السقي في األوقات
غير المرخص بها أو تجاوز الزمن المحدد للسقي أو عدد األمتار المكعبة
المخصصة ،وتتمثل العقوبة المالية في أداء ضعف التعريفة المحددة ،وفي حالة
العود تضاعف التعريفة ثالث مرات ،وفي حالة عود جديد يمنع مستعمل الماء من
حصته السنوية من الماء مع إلزامه بأداء التعريفة ،وال تحول هذه العقوبات المالية
دون تطبيق القواعد الجنائية في الموضوع والتي تعود إلى اختصاص شرطة المياه.
- 1صدورظهير 9أكتوبر1933
الفصل 33وذلك بمنعه التعدي على حدود الملك العمومي بتعداده للتصرفات التي
22
المجلة المغربية لتاريخ القانون
هذه المقتضيات وهي الغرامة من فرنك إلى 15فرنك أو السجن لمدة يوم واحد
إلى 5أيام أو هما معا ،و بغرامة تتراوح ما بين 16فرنك إلى 500فرنك أو
السجن من 6أيام إلى 3أشهر أو بالعقوبتين معا في حالة مخالفة الفقرة 6و 7من
الفصل .21
الخاص بالترخيص باستعمال مياه واد بهت و واد سبو ،26من الفصول 6و12و
13من ظهير 1غشت ، 1925وذلك بإلغائه في الفصل األول منه مسطرة البحث
عند استصدار قرار الترخيص باستعمال مياه واد بهت و اآلتية من سد القنصرة
إذا كان صبيب المياه ال يتعدى 4متر مكعب في الثانية ،وكذلك الشأن بالنسبة لواد
وفي الفصل الثاني ألزم كمقتضى جديد أنه يكون المنتفع من حق
الترخيص باستعمال مياه واد بهت عضوا في جمعية فالحية متميزة تختص
بصيانة شبكة الري ،وفي نفس اإلطار أعفى ظهير 271935/7/13من سلوك
مسطرة البحث عند استصدار قرار باستعمال المياه الصادرة من سد واد مالح و
23
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أم الربيع ،شريطة أن ال يتعدى صبيب المياه السنوي 5مليون متر مكعب بالنسبة
لسد واد مالح و 15متر مكعب في الثانية بالنسبة لمياه واد أم الربيع.
المدير العام لألشغال العمومية صالحية إنهاء كل استعمال غير قانوني للماء
العام ،وكذلك صالحية إنقاص صبيب المياه التي تفوق الحد المقررلها قانونا ،و
العمومية اتخادها في حالة الجفاف أو نقص المياه عمال بالفصل 17من ظهير
.1925
وفي حالة إنذار مستعمل المياه بتنفيد قرار مدير األشغال العمومية الذي
يمكن تقصيره في حالة االستعجال إلى 24ساعة وعدم امتثاله له ،يحق لمدير
األشغال العمومية القيام باإلجراءات المناسبة بنفسه تحت نفقة مستعمل الماء.
وبالسجن من 6أيام إلى 3أشهر مع جعل العقوبة تضم الغرامة و السجن معا
دون تطبيق إحداهما في حالة مخالفة الفقرة 6و 7من الفصل 6من نفس الظهير.
24
المجلة المغربية لتاريخ القانون
281345صدر الظهير الخاص بزجر سرقة المياه والذي عاقب كل شخص قام
بفعل تحويل مياه السقي بالسجن من شهر واحد إلى سنة سجنا وغرامة مالية ما
وأمام تميز هذا الفعل الجرمي الرتباطه بمادة حيوية كالماء عاقبت
الفقرة 2من الفصل 1الشريك والمساهم في تنفيد الفعل الجرمي بنفس عقوبة
الفاعل األصلي.
ضابط المياه طرق استعمال واستغالل وبيع المياه المعدنية الطبيعية ومياه العيون
ومياه المائدة والمياه المعدنية المستوردة ،وأمام هذا الفراغ التشريعي تدخل مشرع
الظهير هو إعطاؤه تعريفا للمياه المعدنية الطبيعية وذلك بتعريفها على أنها ":
25
المجلة المغربية لتاريخ القانون
مياه العيون واآلبار التي بالنظر إلى طبيعتها الخاصة وحرارتها ومركباتها
كما منع ظهير 1951في الفصل الثاني منه جمع المياه المعدنية
شروط تجميع المياه المعدنية وجلبها ووضعها في قنينات ،هادفا من ذلك ضمان
المستهلك حتى يصل الماء المعدني إلى المستهلك قي ظروف صحية مناسبة.
المرسوم الوزاري32بمثابة النص التنظيمي الذي حدد طريقة استغالل وبيع المياه
المعدنية الطبيعية ومياه العيون ومياه المائدة وكذلك بيع المياه المعدنية المستوردة،
التي صدرا فيها وبالنظر إلى الضوابط القانونية التي جاءا بـها وأحاطت بها عملية
استغالل وبيع المياه المعدنية الطبيعية ذلك أنها شملت عملية االستغالل بمراقبة
شاملة وصارمة ،وبشروط تقنية دقيقة في جميع المراحل من وقت جلب الماء
26
المجلة المغربية لتاريخ القانون
خاتمة:
وقد انتظر المشرع المغربي ما يفوق نصف قرن ليقوم بتعديل القوانين
المنظمة لحقوق المياه الصادرة في فترة الحماية وذلك بموجب ظهير 10
\331995الذي حل محل ظهير فاتح ماي 1925الذي يعتبر ضابطا للمياه ،
واستطاعت الحماية بناء نظام إداري وأجهزة إدارية حديثة لتدبير الملك العام
المائي بعد تكريسها لمبدأ الملكية العمومية للمياه ،كما استثنت حقوق المياه
االستقالل استفاد بشكل كبير من هذه المنظومة القانونية المتطورة والحديثة كما
استفاد من بناء أجهزة إدارية ونظام إداري لتدبير المياه وتحويله من هدف خدمة
مصالح اإلدارة االستعمارية إلى خدمة المصلحة العامة عبر تكريس ملكية الدولة
للماء العمومي.35
ولم تحد التشريعات المائية المتبناة بعد االستقالل سواء قانون 59/10
و 15/39عن المبادئ والفلسفة التي كرستها تشريعات الحماية الشيء الذي يمكن
معه القول أنها تشكل امتدادا لها وإن بأهداف مختلفة لكن المشرع المغربي مدعو
-33ظهير شريف رقم 1-95-154صادر في 18من ربيع األول 1416أغسطس 1995بتنفيذ القانون رقم
-10-95المتعلق بالماء ج.ر عدد 432بتاريخ .1995/9/20
-34أحمد إد الفقيه مرجع سابق صفحة . 243
-35عالل المنوار :إدا رة المياه بالمغرب ،رسالة دبلوم السلك العالي بالمدرسة الوطنية لإلدارة العمومية بالرباط،
1985/1984صفحة .15 :
27
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لتجاوز ازدواجية التشريع المائي وتعدد األنساق القانونية لتفادي تعقيد المنظومة
28
المجلة المغربية لتاريخ القانون
: الئحة المراجع
1982.
Maroc،Ed.sirey،Paris ،1933.
15، 1931 .
29
المجلة المغربية لتاريخ القانون
-أحمد إد الفقيه " نظام المياه والحقوق المرتبطة بها في القانون المغربي
شرعا وعرفا وتشريعا " مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة
األولى 2002
.1998
-عالل المنوار :إدارة المياه بالمغرب ،رسالة دبلوم السلك العالي بالمدرسة
" ،مجلة المرافعة ،هيئة المحامين بأكادير ،العدد األول ،السنة األولى،
يونيو .1992
30
المجلة المغربية لتاريخ القانون
منذ أن خلق هللا اإلنسان على وجه األرض وهو يسعى إلى التملك ،36فهو
غريزة بشرية يسعى لها كل إنسان وبشتى الطرق والوسائل ،سواء كان غازيا،
غاصبا ،حائزا أو شاريا ،ولعل نشوب الحروب العالمية الكبرى 37كان سببها
سعي بعض الدول إلى تملك أراضي وخيرات دول أخرى.
ولقد كانت الملكية أول األمر ملكية مشاعة ،38حيث كان كل شيء مباحا
للجميع وينَا ُل بوضع اليد ،39فلم يَكُنً مسموح أن يقول البدائي هذه أرضي وحدي
والحق لآلخرين فيها.
-36أبو محمد عبد هللا بن عبد هللا بن سلمون ،العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود واألحكام
.
بهامش تبصرة ابن فرحون ،مكتبة الكليات األزهرية ،الطبعة األولى 1406ه1986/م ،الجزء األول ،ص 161
-37الحرب العالمية األولى هي حرب عالمية نشبت بين القوى األوروبية في 28يوليو 1914وانتهت في 11
نوفمبر ،1918كانت تسمى بالحرب العالمية والحرب العُظمى حتى تغيير التسمية بسبب وقوع الحرب
العالمية الثانية ،بينما سُميت في الواليات المتحدة بالحرب األوروبية ،تقدر خسائر الحرب العالمية
األولى بأكثر من 9ماليين مقاتل لقي حتفه ،وتفاقم معدل اإلصابات بسبب التطور التقني والصناعي أنذاك،
وتعد أحد أعنف صراعات التاريخ ،وتسببت في التمهيد لتغييرات سياسية كبيرة تضمنت ثورات في العديد
من الدول.
أما الحرب العالمية الثانية فهي حرب دولية بدأت في األول من سبتمبر من عام 1939في أوروبا ،وانتهت
في الثاني من سبتمبر عام ،1945شاركت فيها الغالبية العظمى من دول العالم ،منها الدول العظمى في حلفين
عسكريين متنازعين هما :قوات الحلفاء ،ودول المحور ،كما أنها الحرب األوسع في التاريخ ،وشارك فيها
بصورة مباشرة أكثر من 100مليون شخص من أكثر من 30ب لدًا ،وقد وضعت الدول الرئيسية كافة قدراتها
العسكرية واالقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي ،وتميزت بعدد كبير من القتلى
المدنيين ،القصف االستراتيجي الذي أو دى بحياة حوالي مليون شخص ،ومنه القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا
على هيروشيما وناغ زاكي ،أدت الحرب إلى وقوع ما بين 50و 85مليون قتيل حسب التقديرات ،لذلك تعد
الحرب العالمية الثانية أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية.
-38الشيوع حالة قانونية تنشأ عن تعدد أصحاب الحق العيني ،وهو ال يقتصر على حق الملكية ،بل يص ّح أن
يتحقق ب النسبة الى الحقوق العينية األخرى ،كحق االنتفاع وحق االرتفاق وغيرها.
-39يقصد بوضع اليد الحيازة والتي عرفها المشرع المغربي في المادة 239من مدونة الحقوق العينية المغربية
بكونها" :السيطرة الفعلية على الشيء بنية التملك".
31
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ظهور الحاجة إلى التعاون لزراعة األرض ،بدأت أول بوادر الملكية
الجماعية ،40حيث كان أفراد القبيلة الذين يعتمدون على الرعي والصيد
أصبح يعرف باألسرة األبوية ،41وترسخ سلطة األب على أفراد أسرته،
انتقلت الملكية من جماعية إلى ملكية أسرية أو عائلية ،والتي تقضي بأن
العائلة هي التي تملك األرض وأدوات الفالحة ،ثم انتهى التطور إلى
اإلنسان.
وإذا كان هذا التطور على مستوى من له الحق في الملكية ،فإن هاته األخيرة
عرفت تطورا آخر من حيث مداها وما تخوله من سلطة لصاحبها ،43حيث انتقلت
من الحق المطلق في عهد الرومان إلى الحق المقدس في عهد الثورة الفرنسية،44
فنصت المادة 87من دستور 1791م لفرنساالذي يعتبر إعالن حقوق اإلنسان
والمواطن الناتج عن هذه الثورة سنة 1789م هو أساسه الموضوعي ،على أن:
" حق الملكية مقدس ال يجوز انتهاك حرمته " ،ومنه تسرب إلى المادة 544من
-40يقصد بالملكية الجماعية العقارات المحتفظ بها من طرف الجماعة ،وتنسحب الى األصول والممتلكات التي
تنتمي إلى هيئة جماعية من الناس الذين يعملون على استخدامها.
-41يشكل النظام األبوي "البطريركي" بنية اجتماعية وسيكولوجية متميزة تطبع العائلة والقبيلة والسلطة
والمجتمع في العالم العربي ،وتك ون عالقة هرمية تراتبية تقوم على التسلط والخضوع (الالعقالني) الذي
32
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يتعارض مع قيم المجتمع المدني واحترام حقوق االنسان ،وقد نتج عن شروط وظروف تاريخية واجتماعية
وثقافية وعبر سلسلة من المراحل التاريخية والتشكيالت االجتماعية واالقتصادية المترابطة فيما بينها حيث
ت رتبط كل مرحلة منها بمرحلة انتقالية تسبقها حتى تصل الى مرحلة النظام "األبوي الحديث".
-42وهي نوع من أنواع الملكية تفيد سلطة الفرد في التصرف واالستعمال واالستغالل لألرض التي يملكها
دون تدخل من طرف أي كان.
-43عيسى عبده أحمد إسماعيل يحيى ،الملكية في اإلسالم ،دار المعارف ،القاهرة ،ص .132
-44
الثورة الفرنسية française Révolutionهي فترة مؤثرة من االضطرابات االجتماعية والسياسية
في فرنسا عرفت عدة مراحل استمرت من 1789حتى ،1799وكانت لها تأثيرات عميقة على أوروبا
والعالم الغربي عموما ،انتهت بسيطرة البورجوازية خالل التحالف مع نابليون وانتهت بتصدير األزمة من
خالل االستعمار بالتوسع الالحق لإلمبراطورية الفرنسية ،انتهت بسيطرة البورجوازية التي كانت متحالفة
مع طبقة الع مال مع احقاق مجموعة من الحقوق والحريات للطبقة العاملة والمتوسطة للشعب الفرنسي.
أسقطت الملكية وأسست الجمهورية وشهدت فترات عنيفة مناالضطراب السياسي ،وتوجت أخيرا في
دكتاتورية نابليون الذي جاء سريعا بكثير من مبادئها إلى أوروبا الغربية وخارجها .استوحت الثورة الفرنسية
أفكارا ليبرالية وراديكالية ،غيرت بشكل عميق مسار التاريخ الحديث ،وأطلقت االنحدار العالمي المطلق
واستبدالها بالجمهوريات ،.أطلقت الثورة== من خالل حروب الثورة الفرنسية صراعات عالمية مسلحة
امتدت من البحر الكاريبي إلى الشرق األوسط ،.والمؤرخين على نطاق واسع يعتبرون الثورة الفرنسية
واحدة من أهم األحداث في تاريخ البشرية.
33
المجلة المغربية لتاريخ القانون
غير أن هذه النزعة الفردية المطلقة أصبحت تصطدم مع مطلع القرن 19بظهور
وعموما فقد حاولت معظم التشريعات الوضعية الحديثة الجمع بين النزعة الفردية
عصرنا الحالي ،وإذا كان الرأسماليون 48يفتخرون بكون الثورة الفرنسية هي من
االجتماعية ،فإنه يمكن القول بأن الشريعة اإلسالمية الغراء كانت سباقة منذ قرون
إال أن اختالف ديانات البلدان وأنظمتها السياسية وثقافاتها بصفة عامة أدى إلى
اختالف نظرة كل منها لمفهوم الملكية ،ما دفعنا إلى طرح إشكال محوري حول
ولإلجابة على هذا اإلشكال سأعتمد خطة التقسيم الثنائي في محاولة لرصد مختلف
الجوانب المتعلقة بالموضوع ،وعليه سأتطرق في الفرع األول الى الحديث عن
ماهية الملكية ،وذلك على أساس أن أتناول في الفرع الثاني الملكية في الثقافة
المغربية.
34
المجلة المغربية لتاريخ القانون
-45
هي مصطلح يشير إلى مجموعة من األفكار في التنظيم السياسي والمجتمعي مبنية على الملكية
المشتركة لوسائل اإلنتاج ف ي االقتصاد والتي تؤدي بحسب منظريها إلنهاء الطبقية االجتماعية ولتغيّر مجتمعي
يؤدي النتفاء الحاجة للمال ،ومنظومة الدولة وفي العلوم السياسية واالجتماعية هي أيدلوجية اجتماعية اقتصادية
سياسية وحركة هدفها االساسي تأسيس مجتمع شيوعي بنظام اجتماعي اقتصادي مبني على الملكية المشتركة
لوسائل االنتاج في ظل غياب الطبقات المجتمعية والمال ومنظومة الدولة.
-46ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27من شعبان 1432الموافق ل 29يوليوز 2011بتنفيذ نص
الدستور.
وتنص المادة 35من الدستور المغربي على ما يلي" :يضمن القانون حق الملكية ،ويمكن الحد من نطاقها
وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية االقتصادية واالجتماعية للبالد ،وال يمكن نزع
الملكية إال في الحاالت ووفق اإلجراءات التي ينص عليها القانون".
-47وهي الملكية الفردية.
-48الرأسمالية ،وتعرف أيضا ً باسم الثمول ،هي نظام اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة لوسائل االنتاج وخلق
السلع والخدمات من أجل الربح ،وتشمل الخصائص الرئيسية للرأسمالية الملكية الخاصة وتراكم رأس المال
والعمل المأجور والسوق التنافسية.
.
-49نسبة الى المفكر كارل ماركس
-50الثورة الروسية هو مصطلح يعبر عن سلسلة من االضطرابات الشعبية حدثت في روسيا عام ،1917
والتي كان لها الدور األبرز في تغيير مجرى التاريخ ،وقد قامت بها أساسًا الجماهير الروسية الجائعة ،منهية
بذلك الحكم القيصري ،ومقيمة مكانه حكومة مؤقتة ،أفضت إلى إنشاء االتحاد السوفياتي –والذي انهار سنة
1991بفعل ما يسمى البروسترايكا أثناء حكم غورباتشوف -اندلعت الثورة األولى في فبراير 1917أما الثورة
الثانية التي اندلعت في أكتوبر ،أزال إثرها البالشفة الحكومة المؤقتة واستبدلوها بحكومة اشتراكية تال ذلك
الفصل األخير من الثورة وهو الحرب األهلية الروسية.
-51اإلمام أبو عبد هللا محمد األنصاري المشهور بالرصاع التونسي (894ه) ،الهداية الكافية الشافية لبيان
حقائق اإلمام ابن عرفة الوافية (شرح ابن عرفة) ،المكتبة العلمية ،الطبعة األولى 1350ه ،ص 411
35
المجلة المغربية لتاريخ القانون
في إطار ماهية الملكية سأبحث في مفهومها وخصائصها (الفقرة األولى) ،ثم
(الفقرة الثالثة).
الملك لغة :هو احتواء الشيء والقدرة على االستبداد والتصرف فيه ،52ومن ملك
والملكية في اللغة :هي الملك (بكسر الميم وتسكين الالم) أو التمليك ويقال :بيدي
والملك اصطالحاً :عرفه الفقهاء بتعريفات كثيرة متقاربة في مرماها وإن اختلفت
وعرفه القرافي من المالكية بأ نه " تمكن اإلنسان شرعا بنفسه أو بنيابة عنه من
وعرفه ابن تيمية في مجموع الفتاوى بأنه " القدرة على التصرف في الرقبة
الوصف.
36
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الملك ،57وهي:
أجل الحصول على منافعه المشروعة كل نوع بحسبه " وهذا التصرف واالنتفاع
مالزم لثبوت الملك في الشريعة وال ينفك عنه إال لمانع ".
-الخاصية الثانية :ملكية العين تكون شاملة للرقبة والمنفعة معاً ،فملكية
العين ليست مقصورة لذاتها وإنما لمنافعها وتثبت هذه الملكية باألسباب المنشئة
-الخاصية الثالثة :ملكية العين مؤبدة وملكية المنافع مؤقتة ،فإذا ثبت
الملك الشرعي للعين فإنه يثبت مؤبدا ً ما لم يطرأ عليه انتقال عن طريق أسباب
النقل الشرعي كالبيع ،أما ملك المنافع فاألصل فيه التوقيت كما في اإلعارة
واإلجارة ،وقد اختلف الفقهاء في إسقاط ملكية العين باإلسقاط أو اإلعراض وذهب
-52الجندل حمد العبد الرحمن ،نظرية التملك في اإلسالم ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ص .13
-53المعجم الوسيط ،الجزء الثاني ،باب الميم ،مادة ملك ،ص .921
-54البعلي عبد الحميد محمود ،الملكية وضوابطها في اإلسالم ،مكتبة وهبة ،القاهرة ،ص .25
-55أبو زهرة محمد ،الملكية ونظرية العقد في الشريعة اإلسالمية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،ص .65
-56المصلح عبد هللا ،الملكية الخاصة في الشريعة اإلسالمية ،االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية ،ص .29
-57يراجع للمزيد من التفاصيل:
-عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،أسباب كسب الملكية ،الجزء التاسع ،منشأة المعارف
االسكندرية ،طبعة 2001م.
37
المجلة المغربية لتاريخ القانون
التي شرعها لتوزيع ثروة األمة ومال الجماعة ،والقواعد الحكمية التي
سنها لتحقيق التوازن بين حرية الفرد و مصلحة المجتمع ،58ففي هذا
المجال أغلب الفقهاء أكدوا على أن الشريعة اإلسالمية كفلت للفرد ملكية
المال والثروات التي صنفت ضمن خانة وسائل اإلنتاج وبتبنيها لهذا الحق
وكفالته إياه ،يمكن الجزم بكون الشريعة اإلسالمية جاءت لحماية الملكية
من كل عدوان وترام ،حيث تروم قواعد العدالة إلى منح كل ذي حق حقه
ومن هنا يتبين لنا بأن الشريعة اإلسالمية تلبي الفطرة وتستجيب
لغريزة حب التملك لدى اإلنسان وفي ذلك خير للفرد وصالحه ألنها
تحفزه على م ضاعفة الجهد وتدفعه إلى اإلخالص في العمل وتحثه بذلك
على بذل الطاقة لتنمية الموارد وزيادة اإلنتاج وفي هذا نفع للمجتمع وخير
له.
-58عبد السالم التونجي ،مؤسسة المسؤولية في الشريعة اإلسالمية ،منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية
العالمية ،الطبعة األولى 1423ه1994/م ،ص .203
-59سورة آل عمران ،اآلية .195
38
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والشريعة اإلسالمية بإقرارها لحق الملكية كحق من الحقوق فهي لم تميز شخص
عن آخر بل جعلت الكل سواسية فقد راعت ظروف العاجزين والشيوخ والنساء واألطفال
وذلك من خالل حصولهم على نصيب من ثروة المجتمع .مصداقا لقوله تعالى" :آمنوا باهلل
ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرا كبيرا".60
ومن هنا يتضح لنا بأن اإلسالم أقام نظام الملكية على دعامتين أساسيتين العدل
وكما قلنا بأن الشريعة كفلت جميع أصناف الملكية ومنها الملكية الفكرية كذلك
فالشريعة كانت هي السباقة إلى التطرق لحق الملكية الفكرية إال أنه
بتقاعس العلماء المسلمين نظرا للركوض الذي عرفته الحضارة اإلسالمية في
ومن ذلك تم وضع اتفاقيات في القرن الثامن عشر تؤكد الحماية اإلقليمية
والدولية لهذا الحق ،وهذا األمر أدى إلى قصور في الدراسات الفقهية في البلدان
العربية حيث أراح العلماء المسلمين أنفسهم من عناء البحث والتنقيب بالتوجه
39
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والوضعية ،لكن مسألة التملك عرفت اختالفا بحسب المذاهب الوضعية ،ونقصد
إن مفهوم الرأسمالية مأخوذ من رأس المال ،ويقصد بها منح األفراد كامل
الحرية في جمع المال وأيضا في إنفاقه ،وال شيء يقيدهم في ذلك ،فالرأسمالي ال
يهمه إال أن تزيد ثروته عن طريق الزيادة فيما يملكه من أموال ،وال يهمه المجتمع
في شيء ،فهدفه الوحيد هو أن يزيد قيمة ما في يده إلى أضعاف مضاعفة،62
وغالبية الدول إذ لم نقل كلها أصبحت تعتمد المذهب الرأسمالي اللبرالي ،الذي
يؤمن بحرية الفرد ،ونقصد الحرية بمختلف أشكالها ومن أبرزها حرية التملك،
وبل األكثر من ذلك فهي تحاول أن توفر الظروف المالئمة عن طريق وضع
قوانين تشجع األفراد على العمل بكل أريحية ودون قيود ،فنجدها تنص على ما
63
يسمى بحرية األسعار والمنافسة ،وتحرير األسواق ،والحرية االقتصادية
وغيرها من المصطلحات.
-62إبراهيم عبد اللطيف إبراهيم العبيدي ،الملكيات الثالث-دراسة عن الملكية العامة والملكية الخاصة وملكية
الدول في النظام االقتصادي اإلسالمي ،-دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل الخيري ،دبي ،الطبعة األولى
1430ه2009/م ،ص .13
-63محمد بلتاجي ،الملكية الفردية في النظام االقتصادي اإلسالمي ،دار السالم ،القاهرة ،الطبعة األولى 1430ه/
2009م ،ص .41
40
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وهناك من ذهب إلى أكثر من ذلك ،وقال بأن الرأسمالي ال يهمه أن يموت
أعتقد أن هذا التعبير فيه شيء من المبالغة فالرأسمالية لها جوانب إيجابية بحيث
أنها تشجع األفراد على العمل والعطاء واالجتهاد وعدم االتكال على الدولة في
كل شيء بحيث يصبحون كاآلالت يشتغلون وفق برنامج محدد ،ففي ظل
الرأسمالية كلما عمل الفرد أكثر نمت ثروته ،لكن يجب أن تتوفر الظروف
المالئمة من مساواة وعدالة بين األفراد واحترام للقانون ،وهو ما نجده غائبا في
كثير من األحيان بحيث نجد أن بعض األفراد يتمتعون بامتيازات عكس البقية.
االستغالل؛
وقد يظهر منذ الوهلة األولى أن هذه األسس مفيدة وناجعة وتساهم في
تحقيق التنمية االقتصادية ،لكن في حقيقة األمر فإن المذهب الرأسمالي قد أظهر
العديد من المساوئ:66
41
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أوال :سوء التوزيع للثروة والدخل بين الناس ،بحيث نجد أن األموال
ترتكز في يد فئة معينة من الناس والفئة العريضة ال تستطيع التغلب حتى على
على عكس الم ذهب الليبرالي الذي يؤمن بحرية الفرد و وحقه في تملك
األموال بمختلف أشكالها ،نجد المذهب االشتراكي وهو مناقض تماما للمذهب
الرأسمالي ،فهو ال يؤمن بالحرية الفردية في التملك ،فالدولة فقط لها الحق في
التملك ،أما األفراد فهم خلقوا من أجل العمل ،وهو ما من شأنه أن يضعف من
همم العمال وال يشجعهم على العمل والزيادة في اإلنتاج ،فالفرد عندما يشعر بأن
حريته في التملك مقيدة ومسلوبة منه ،فال شك أنه لن يجتهد في العطاء واإلبداع
بل سيتكل على الدولة ،فاالشتراكية في أساسها وبدايتها قامت على أساس أن
الملكية لكل وسائل اإلنتاج للدولة وحدها ،ونادت بإلغاء الملكية الفردية ومصادرة
لكن هذه المبادئ الصلبة أدت إلى فتور في عزيمة العمال ولم يعد لهم
الحافز الكافي ليشجعهم على الزيادة في اإلنتاج ،فأدركت الدول هذه المسألة
وأدركت معها بأنها على وشك انهيار اقتصادي ،فاضطرت إلى التخفيف من حدة
42
المجلة المغربية لتاريخ القانون
العامة ،لكن هذه التدابير لم تكن كافية مما عجل بانهيار التصور االشتراكي 67في
ونحن بصدد دراسة الملكية في ثقافتنا المغربية وجب علينا دراستها على
ضوء القانون المغربي (الفقرة األولى) ،وإبراز مظاهر ارتباط الملكية باألمن
المجتمعي لألفراد (الفقرة الثانية) ،وارتباط قيمة الفرد بالملكية (الفقرة الثالثة).
األرض مهد اإلنسان و منتهاه ،لتتكون لديه غريزة حب األرض والتمسك بها
بمورد الرزق والمعاش وكسب الثراء والغنى والجاه ومكانا لالستقرار والتجمع
البشري ،إضافة إلى أسباب نفسية و ثقافية و تاريخية ،وهو ما حاولت معه كثير
الدستورية والقانونية ،نظرا لما يمثله من أهمية في حياة األفراد والدولة ودوره
-67االشتراكية هي نظام اقتصادي يمتاز بالملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج واإلدارة التعاونية لالقتصاد ،فهي
فلسفة سياسية تدافع عن هذا النظام االقتصادي الملكية االجتماعية تعود ألي شخص ما أو مجموعة مما يلي:
شركات تعاونية أو ملكية شائعة أو ملكية عامة مباشرة أو دولة المؤسسات المستقلة .االقتصاديات االشتراكية
تعتمد على اإلنتاج من أجل االستخدام والتخصيص المباشر لمدخالت االقتصاد إلشباع المتطلبات االقتصادية
والحاجات البشرية (قيمة االستخدام) ،والمحاسبة تعتمد على كميات طبيعية من الموارد ،كمية طبيعية أو قياس
مباشر لوقت العمل.
-68مصداقا لقوله تعالى" :هو أنشأكم من األرض واستعمركم فيها" ،سورة هود ،اآلية .61
-69يراجع في هذا الصدد:
-عبد المنعم الغريسي ،إثبات ملكية العقار غير المحفظ على ضوء مدونة الحقوق العينية ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص ،ماستر األسرة والتوثيق ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة
سيدي محمد بن عبد هللا فاس ،السنة الجامعية .2014-2013
43
المجلة المغربية لتاريخ القانون
جهد اإلنسان وثمرة عمله وسعيه لكسب الرزق و تكوين الثروات ،وقد حظي
باالهتمام وأحيط بالرعاية إلى حد أن درجة االهتمام تفاوتت تبعا لالتجاه الفكري
والديني السائد في هذه الدول أو تلك ،فبعض الدول بالغت في نظرتها إليه إلى حد
اعتباره في فترة من الزمن حقا مقدسا ال يجوز المساس به ،ثم تغيرت هذه النظرة
ودقيقة،70وتضع األسس والضوابط التي تؤمنه ،لكن بعد أن توسع دور الدولة
وتوسعت وظائفها وازدياد دواعي تغليب المنفعة العامة على المنفعة الخاصة،
اقتضت على سبيل االستثناء المساس المباشر بحق الملكية الخاصة ،وهو ما نص
عليه اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر سنة 1948على أن" :لكل شخص
حق التملك بمفرده أو باالشتراك مع غيره وال يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا".
وسار المشرع المغربي على نفس المنحى منذ أول دستور سنة 1962
إلى غاية آخر دستور سنة 2011بحيث نص في الفصل 35منه " :يضمن القانون
حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون ،إذا اقتضت ذلك
ويتبين من خالل هذا الفصل أعاله ،أن المشرع المغربي أحاط الملكية
بحماية قانونية وارتقى بها إلى مستوى التنصيص على ضمانها دستوريا،
وحرص على أدائها وظيفتها االجتماعية ،كما أكد على أنها ال تنتزع إال للمنفعة
-70فؤاد الصامت ،القواعد الموضوعية لألمن العقاري –دراسة مقارنة بين أحكام الفقه المالكي والقانون
الوضعي ،-منشورات مجلة الجواهر والدرر ،طبعة ،2016ص .14
44
المجلة المغربية لتاريخ القانون
العامة ومقابل تعويض عادل ،71لذلك أحاط القانون عملية نزع الملكية للمصلحة
خالل المواد من 14إلى 36من مدونة الحقوق العينية بحيث نصت المادة :14
" يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعمال واستغالل والتصرف
للعقارات المبنية 73الذي جاء لتنظيم نوع خاص من الملكية تتشارك فيه الملكية
ومن خالل ما سبق يظهر على أن المشرع المغربي سار في مسار باقي
الملكية وحمايتها من التعسف ،وهذا يدل على األهمية البالغة التي يحظى بها حق
-71القانون رقم 7- 81المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة وباالحتالل الموقت الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1.81.254بتاريخ 11رجب 6( 1402ماي )1982وكذا المرسوم رقم
2.82.382المؤرخ في 2رجب 16( 1403ابريل )1983الصادر بشأن تطبيق القانون المذكور
والمنشوران بالجريدة الرسمية عدد 3685بتاريخ 3رمضان 15( 1403يونيو .)1983
-72محمد محبوبي :أساسيات في نظام التحفيظ العقاري والحقوق العينية العقارية وفق المستجدات التشريعية
للقانون 14-07والقانون رقم .39-08
-73القانون رقم 18.00المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ،كما تم تعديله ،بالقانون رقم 106.12
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.49بتاريخ 19من رجب 27(1437أبريل )2016؛ الجريدة
الرسمية عدد 6465من 9شعبان 16( 1437ماي ،)2016ص ،3781والقانون 58.11المتعلق
بمحكمة النقض ،المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.233الصادر في 2ربيع األول 27(1377
سبتمبر )1957بشأن المجلس األعلى ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170بتاريخ 27من ذي
القعدة 25(1432أكتوبر )2011؛ الجريدة الرسمية عدد 5989مكرر بتاريخ 28ذو القعدة 26( 1432
أكتوبر )2011ص .5228
45
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تطبيقها بتبرير وجود دولة الحق والقانون ،بل إن األمر يتعدى ذلك ويتطلب
لألفراد ،حيث يعتبر هذا األخير أحد الوظائف األساسية للدولة وله دور فعال في
حماية الحقوق واستقرار الملكية ،و التحفيز على االستثمارات من أجل تحقيق
وقد عرف الفقيه مأمون الكزبري حق الملكية بصفة عامة بأنها " :حق
عيني على شيء معين يخول صاحبه دون غيره بصورة مطلقة ،استعمال هذا
الشيء واستغالله والتصرف فيه وذلك في حدود القانون والنظام دون تعسف"،
في عقد مقومات رفاهية اإلنسان وسعادته ،فال يتحقق لإلنسان طيب الحياة في
-74يقصد باألمن القضائي تلك الثقة التي يضعها المواطن في المؤسسة القضائية واالطمئنان الى ما يصدر
عنها من أحكام وقرارات وأوامر لحماية حقوق األفراد والجماعات ،وذلك يبقى رهين بتوفر مجموعة من
المبادئ األساسية التي أضحت مبادئ عالمية بدء باستقالل القضاء ومرورا بسهولة الولوج اليه وانتهاء
بجودة وفعالية األحكام الصادرة عنه ال سيما على مستوى تنفيذها ،حيث ال جدوى من حكم ال نفاذ له.
-يراجع في هذا الصدد:
-يونس العياشي ،األمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،مطبعة دار السالم،
الطبعة األولى ،2012ص .48
-75ظهير شريف رقم 111.178صادر بتاريخ 25من ذي الحجة 1432الموافق ل 22نونبر ،2011بتنفيذ
القانون رقم 39-08المتعلق بمدونة الحقوق العينية ،والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 27من ذي الحجة
1432الموافق ل 24نونبر .2001
-76يونس العياشي ،مرجع سابق ،ص .50
46
المجلة المغربية لتاريخ القانون
غيبة أي منهما ،ومما يثير االهتمام حرص القرآن الكريم على إبراز وتوضيح
أهمية األمن المجتمعي كغاية في أكثر من آية ،وعلى سبيل المثال اآليات الكريمة
التالية:
77
"فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"
78
"رب اجعل هذا بلدا ً آمن ٍا وأرزق أهله من الثمرات"
"وضرب هللا مثالً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا ً من كل
79
مكان فكفرت بأنعم هللا فأذاقها هللا لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"
ولتوضيح الدور الذي تلعبه الملكية في توفير األمن للفرد داخل المجتمع
يمكن القول إن المجتمعات كلها أو معظمها تسعى اليوم لتحقيق التنمية االقتصادية
ولألمن دور مهم ورئيسي في الحفاظ على الملكية ،81بحيث يمكن القول
إنه في غياب األمن يتعذر الحفاظ على الملكية عند من يريد تحقيقها ،وتفقد أهم
أهدافها من توفير رفاهية اإلنسان حيث يعد األمن ركنا من أركان هذه الرفاهية.
47
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يعيش اإلنسان الفرد في حياته وهو يسعى سعيا ً حثيثا لكي يمتلك األشياء
التي تجعله يشعر بقيمته ،ويؤكد من خاللها ذاته ،ويصبح اإلحساس بالتملك من
األساليب المقبولة بين اإلنسان واآلخر طالما يراعي كل منهم الحقوق والواجبات
تعليمه وظيفته ومقدراتها المالية ،ويعطي لنفسه قيمة ثقافية وحضارية واجتماعية،
ويقدر سعي اإلنسان الفرد إلى مصادر المعرفة والتعليم بقدر ما يسطع في سماء
العالقات اإلنسانية ،فهو يأخذ المعلومات ويوظفها بما يحقق له هذا التملك
المنشود ،إلى جانب أنه يريد في كل لحظة أن يعلن عن قدراته من خالل هذا الكم
األسلوب ،83وهكذا يكون سعي اإلنسان الفرد فهو ال يريد -إذا كان يحترم ذاته -
أن يتصرف إال في حدود ما يملك وما يمتلك من معطيات سواء ما تسعفه به
ذاكرته ،أو من خالل ما يجود به عليه تعليمه ،فنجده يغذي هذه األمور بقراءات
-يونس العياشي ،األمن القانوين والقضائي وأثرمها يف التنمية االقتصادية واالجتماعية ،مطبعة دار السالم ،الطبعة
األوىل ،2012ص 5وما بعدها.
-82أمحد عبد احلميد عشوش ،مرجع سابق ،ص .261
-83نايف حواتمة ،الحقوق االقتصادية واالجتماعية بالمغرب" ،نوافذ" مجلة ثقافية فصلية ،العدد ،36-35يناير
.2008
48
المجلة المغربية لتاريخ القانون
واسعة ،ويسعى وراء كل جديد من المعارف حتى يبدو وكأنه حريص على أن
يكون مالكا لكل ما هو جديد عارفا بكل ما يجعله يحظى بالمكانة واإلعجاب.84
حتى يتمكن من خالل السلطة هذه أن يدعم كيانه ويؤكد ذاته ،ولكنه قد يصطدم
بتدرج السلطة ،85فهو إذا كان حريصا على أن يشبع في نفسه هذا الميل إلى التحكم
في اآلخر ،فإنه قد نسي أن هذا الميل موفور بنفس القدر بالنسبة لآلخر وهنا
تصط دم السلطة ،ويحدث ما يمكن أن يسمى بالصراع النفسي ،والسؤال اآلن هو
متى تتحول هذه الملكية إلي تصرفات تؤدي بصاحبها إلي العدوان علي اآلخر أو
إلى أن يتصف بالتطرف في حبه لمصلحته فتظهر هذه النرجسية المسرفة في
أوال :عندما يتحول السلوك الذي يتركز حول الملكية والربح السريع إلى
سلوك يصيغ اتجاهات الفرد ويدفعه إلى أن يعمي عن رؤية حقيقة اآلخر في
السلطة (بأي شكل من األشكال) ويشعر من خاللها بأنه يمتلك األمر وله حق
السيطرة ،وله كل المقدرات فينسى تحت وطأة هذا الشعور الضاغط كل معاني
49
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ثالثا :عندما ينسى اإلنسان في زحمة نشوته أنه ال يفكر إال في ذاته فقط
وحرصه على أن يكون هو المفضل دائما وصاحب الرأي السديد غالبا وهو أيضا
صاحب الكلمة التي ال يجوز إغفالها ،أو عدم االعتراف بسالمتها وصرفها
ومنطقيتها حتى وإن كان االعتراف ال يعبر إال عن النفاق أو المسايرة المعبرة
على اآلخر فيعبر عن هذا االعتداء بشعوره الضاغط وحقه غير اإلنساني ،فهو
يريد لنفسه فقط وال يريد لغيره ،ويحب لنفسه وال يحب لغيره ،وتلك عالمات
،االضطراب النفسي الذي يعبر عن شخصية غير سوية ال تقوى على فعل الخير
والواقع ،أن اإلنسان في سعيه في الحياة ال ينكر عليه أنه يريد ويتمنى
ويتطلع ويخطط ،ألن الوجود اإلنساني يتطلب من اإلنسان الفرد أن يملك أشياء
تساعده وتعمل على الحفاظ علي ه ،فنراه يستخدم األدوات ويعتني بها ،فهو يسعى
للحصول على الغذاء والكساء ويقتني السلع الضرورية التي يسد بها رمق
الحاجات العضوية وهو مدفوع بدوافع ضرورية منطقية تجعله يملك ويتملك،
ولكن اإلنسان الفرد في سعيه هذا ال ينبغي عليه أن يعتمد على الدوافع الضاغطة
التي ت جعله ينسى في زحمة ولعه بامتالك األشياء حقوق اآلخرين ومصالحهم،
فإذا كان يريد اإلشباع فعليه أن يتذكر أن الذي يأكل وحده دائما البد أن يشعر
بالظمأ.88
50
المجلة المغربية لتاريخ القانون
خاتمة
إن حق الملكية يعد من أبرز الحقوق أهمية في الحياة اإلنسانية ،لذلك
حاولت تناوله من زوايا مختلفة تشمل ملكية العقارات واألموال بصفة عامة ،كما
تناولت الملكية في ظل شريعتنا الغراء والتي جاءت بتنظيم راق بشأن مختلف
للملكية ومسألة التملك ،فإذا كان المذهب الرأسمالي يؤمن بحرية األفراد ويعطيهم
الحق في التملك رغم ما ينشأ عن ذلك من خلق للتناقضات وتفاوت طبقي بين
فئات المجتمع ،نجد في االتجاه اآلخر مذهبا مناقضا لما جاء به الرأسماليون
ونقصد هنا المذهب االشتراكي والذي يقوم على أساس الملكية العامة لوسائل
لكن بالعودة لمجتمعنا المغربي يتضح منذ الوهلة األولى ألي باحث أو
مالحظ اجتماعي ،أن الملكية تكتسي مكانة بارزة في حياة األفراد بل األكثر من
ذلك هي طموح ومبتغى ألي فرد ،وذلك في نظرنا المتواضع راجع لمجموعة
من األسباب ولعل أبرزها ارتباط التملك برغبة األفراد في ضمان أمن مجتمعي،
تعترضه مستقبال ،وإال سيجد نفسه وحيدا في مواجهة صعوبات الحياة ،وإن لم
فمثال نجد األفراد في الدول الغربية ال يعطون لمسألة التملك أهمية كبرى
فهم ال يعملون على جمع األموال واكتنازها فذاك آخر همهم ،بل يستهلكونها
51
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يلجؤون إلى مؤسسات الدولة وأكيد سيجدون السند والمعونة في مختلف مراحل
حياتهم ،ألن دولهم توفر لهم سبل العيش الكريم والحماية الضرورية ،أما البلدان
العربية والنامية بصفة عامة فإن الفرد إن لم يجد مكانا للعيش فيه سيكون مصيره
ال محالة التشرد والفقر ،وهو ما يجعل األفراد في هذه البلدان يحبون التملك بل
األكثر من ذلك قد يقدسونه في بعض األحيان ،ألنه بمثابة السند الذي يوفر الحماية
52
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لرعاية وتربية األجيال ،وغرس القيم واألخالق ،فالعناية باألسرة واالهتمام بها،
وعالوة على ذلك فاألسرة أساس قوي لتماسك بناء المجتمع ،وإقامة صرح
اإلنسانية ،والزواج عمادها وبه تنشأ وفي ظله تقوم بأدوارها في الحياة ،واألسرة
في الشريعة اإلسالمية مؤسسة تنبني فيها العالقات على االحترام والمودة
والرحمة.
ومن هذا المنطلق ،فقد حافظت جل الدول اإلسالمية على قوانينها األسرية
المستمدة من الفقه اإلسالمي ،والمغرب حافظ بدوره على هذه الهوية ،وعلى مر
للمسلمين ،والقوانين العبرية على المغاربة اليهود ،ومع مطلع االستقالل أصبحت
ما حدث سنة ، 1957ولكن التطور والتحول الذي شهده المجتمع المغربي كان
سببا من بين أسباب أخرى أدت إلى تعديل مدونة األحوال الشخصية.
53
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إن بنية األسرة في تغيير مستمر فقد كانت عبر التاريخ تجسد
الشروط الداخلية للمجتمع ،وتعبر عنها وبهذا الواقع كانت تقوم وظائفيا
الشريعة اإلسالمية على جميع القضايا التي تعرض عليه ،سواء تعلقت
بالمناكحات الذي يشمل أحكام األسرة ،من زواج ،وطالق ،وإرث ،أو
العبادات التي تضم أعمال التقرب إلى هللا ،أو بالمعامالت التي تنظم
إن تحول المحطات التاريخية لقوانين األسرة في المغرب ،ما هو إال انعكاس
للتحوالت المهمة التي أصابت مختلف مجاالت الحياة ومظاهرها التي انعكست
نتائجها على مؤسساته االجتماعية ،وهذا ما يقتضي تركيز االهتمام على المهد
الذي انطلقت منه مؤسسة األسرة ،ومتابعة مسيرتها على مر الزمن وتحديد
الظروف التي أملت هذا االنتقال في كل مرحلة من مراحل التطور ما دام أن
األسرة وحدة اجتماعية ال يمكن عزلها عن المجتمع ،وال يمكن دراستها بصورة
مستقلة بل يجب أن تدرس من خالل مرحلة التطور التي يمر بها المجتمع،
54
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وللوقوف على المحطات الرئيسية التي مرت منها قوانين األسرة بالمغرب،
سنتطرق لإلطار القانوني الذي نظم العالقات األسرية عبر التاريخ ،انطالقا من
مرحلة ما قبل مدونة األسرة في (المبحث األول) ،ووصوال إلى إصدار مدونة
األسرة الحالية في (المبحث الثاني) ،محاولين رصد المراحل التي مرت منها هذه
-89الفقه هو جمموعة األحكام ،الشرعية املكتسبة من أدلتها التفصيلية ،واليت تتعلق أبفعال املكلف ،والفقيه هو
العامل هبذه اإلحكام ،واملتخصص فيها وقد قسم العلماء الفقه إىل أربعة أقسام
-قسم العبادات ويقصد به األحكام اليت نتقرب هبا إىل هللا
-قسم املعامالت ويراد به األحكام اليت تنظم معامالت أفراد اجملتمع يف حياته االقتصادية
-قسم املناكحات وهو يضم األحكام اليت تنظم أحوال اإلنسان يف أسرته من زواج وطالق وارث وغري ذلك
-قسم العقوابت ويضم األحكام املتعلقة ابلعقوابت اليت تفرض على األفعال اليت يرتكبها الفرد ضد اجملتمع من قتل
او سرقة
-90زهري حطب تطور بىن االسرة العربية واجلدور التارخيية واالجتماعية لقضاايها املعاصرة ؟ ،معهد االمناء العريب
الطبعة الثالثة 1983بريوت الصفحة &91
55
المجلة المغربية لتاريخ القانون
مدونة األسرة الحالية ،سنميز بين أربعة مراحل ،من خالل عرض
مكتوبة تنظم العالقات األسرية ،بل كانت الشريعة اإلسالمية على مذهب
التي تحكم القضايا التي ال يوجد لها في القرآن أو السنة نص يطبق عليها.
وقد اختار المغاربة المذهب المالكي مذهبا رسميا للبالد ،وبذلك تميزت هذه الفترة
بكثرة مؤلفات الفقه اإلسالمي خاصة فقه النوازل ،كاألحكام من النصرة البن
فرحون ،والتحفة البن عاصم ،شكلت مراجع هامة للقضاة يرجعون لها في حل
النزاعات المعروضة عليهم في هذه الفترة ،أما بالنسبة لليهود المغاربة فقد كانت
56
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والعقارية واألسرية ،ومن جهة أخرى المحاكم العبرية التي كانت تبت في قضايا
وعلى العموم فهذه الفترة تميزت بكون بنية األسرة المغربية ظلت
الزواج العائلي ،كل هذه العوامل جعلت األسرة مستقرة من حيث البنية واإلطار
مؤسس املذهب املالكي هو مالك بن انس بن مالك ايب عامر االصبحي ولد سنة 93هجرية ومن اشهر كتب املذهب املالكي املوطأ الذي الفه االمام مالك وهو
-91
مؤلف جيمع بني الفقه واحلديث.
57
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وهي المرحلة التي فرض فيها على المغرب الحماية الفرنسية واالسبانية ،حيث
ظلت تطبق الشريعة اإلسالمية على المذهب المالكي على المغاربة المسلمين،
ويتقاضون بشأنها لدى القضاء الشرعي ،حيث تم االحتفاظ بهذا النوع من المحاكم
مع إعادة تنظيمها( ، )94حيث تم تقليص اختصاص القاضي الشرعي من اختصاص
عام ،يشمل البت في كل أنواع القض ايا ،إلى تحديده في القضايا المتعلقة باألحوال
الشخصية والميراث بين الرعايا المغاربة المسلمين ،والعقار غير المحفظ شرط
عدم وجود متقاض أجنبي في النزاع ،وبقي الوضع على ذلك إلى أن تم إنشاء
مجلس االستئناف الشرعي الذي أصبحت تستأنف أمامه أحكام المحاكم الشرعية
االبتدائية.
وكان يطبق قانون األحوال الشخصية العبري على اليهود المغاربة ،ويتقاضون
بشأنها لدى المحاكم العبرية ،التي تم االحتفاظ بها أيضا مع إعادة تنظيمها ،حيث
أصبحت هذه المحاكم تقسم إلى محاكم عبرية ابتدائية ومحاكم عبرية عليا ،والى
جانب ذلك تم إحداث مجالس األحبار المفوضين في المدن التي ال توجد بها دائرة
من الدوائر اإلدارية(.)95
أما الفرنسيون واألجانب فقد كانوا في هذا الصدد يخضعون لقوانينهم الوطنية
لألحوال الشخصية ،تطبيقا للمقتضيات المضمنة في ظهير 12غشت1913
المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين واألجانب بالمغرب ،وكانوا يتقاضون بشان
ذلك لدى القضاء الفرنسي بالمغرب ،وبالموازاة مع ذلك فقد شهدت مناطق الشمال
التي كانت خاضعة السبانيا تطبيق القانون المدني االسباني ،وفي مدينة طنجة
أسست محاكم مختلطة تعمل وفق قانون مدني اقتبس من القوانين المدنية لكل من
فرنسا واسبانيا(.)96
58
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المرحلة التي تلت حصول المغرب على استقالله ،المغرب المستقل عاش
في هذه الفترة فترة مخاض ناضل فيها لبناء المؤسسات ،كما أن األسرة كمؤسسة
اجتماعية عرفت تحوال من األسرة الممتدة إلى األسرة النووية وما صاحب ذلك
من االختيار الحر للرجال لزوجاتهم دون تدخل أسرهم باسم مقتضيات تقليدية
كالقرابة بل تقوم على االختيار الحر الذي توجهه الخصائص والميول الذاتية،
وتمدرس الفتاة وخروجها للعمل ،حيث أضحت الضرورة ملحة إلصدار قانون
موحد لألحوال الشخصية خاصة بعدما خلف االستعمار شتات وتضارب ،وكذلك
جمع أحكام الفقه اإلسالمي في مدونة واحدة ،وبذلك تم وضع قانون األسرة تحت
عنوان قانون األحوال الشخصية ،كأول قانون ينظم العالقات األسرية بالمغرب،
وقد صدر بتاريخ 19غشت 1957ظهير يقضي بتكوين لجنة( )97لوضع مدونة
الفقه اإلسالمي ،مما يعني أن النية كانت متجهة إلى تدوين جميع أحكام الفقه
اإلسالمي ،لكن لم يصدر إال قانون األحوال الشخصية( ،)98وبخصوص مصطلح
األحوال الشخصية فهو مصطلح حديث دخيل على الدول اإلسالمية لم يعرفه الفقه
اإلسالمي ،وسبب دخوله للدول اإلسالمية هو االستعمار األوربي ،في الوقت
الذي كانت العالقات األسرية في الفقه اإلسالمي تدخل في فقه المناكحات.
وإذا كان المغرب قد اصدر قانون األحوال الشخصية سنة 1957فقد
سبقته بعض الدول اإلسالمية لذلك حيث صدر قانون األحوال الشخصية المصري
سنة ، 1929وقانون األحوال الشخصية السوري سنة 1953ومجلة األحكام
الشخصية التونسية سنة .1956
-97عدد أعضاء اللجنة وهم السادة :حممد بن العريب العلوي ،املختار السوسي ،عالل الفاسي ،حممد داود ،امحد
البدراوي ،عبد الرمحان الشفشاوين ،املهدي العلوي ،عبد الواحد العلوي ،احلسن بن البشري ،ومحاد العراقي.واضيف
اليهم وزير العدل بصفته الرئيس الفعلي للجنة ،أما الظهري فاسند رائستها لويل العهد موالي احلسن .
-98أستاذان حممد ابن معجوز ،أحكام األسرة يف الشريعة اإلسالمية وفق مدونة األحوال الشخصية ،اجلزء األول
لطبعة 1994الصفحة 14
59
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وبذلك صدر أول قانون ينظم العالقات األسرية بالمغرب سنة 1957
بمقتضى الظهائر اآلتية:
ظهير 22نونبر 1957يتضمن كتابين األول بالزواج والثاني
بانحالل ميثاقه
وكما تم اإلشارة إلى ذلك سابقا فقد كانت مدونة األحوال الشخصية
المذاهب األخرى ،كما أن هذه المدونة لم تتضمن جميع األحكام التي تطبق في
قضايا األحوال الشخصية ،وإنما اهتمت بالمسائل الجوهرية ،أما ما عدا ذلك فقد
تركت الفصل فيها للقاضي الذي يتعين عليه أن يبحث عن الحكم الذي يطبقه عليه
من بين ما جرى به العمل ،أو الراجح ،أو المشهور من مذهب اإلمام مالك(.)99
بالخطبة ،الوالية ،مانع الرضاع ،األعمال اإلدارية التي تسبق الزواج ،دار الثقة،
التنزيل ،النفقة ،الوصية الواجبة ،ولم يتم انجاز هذا التعديل ولم يعلن عن
مصيره(.)100
60
المجلة المغربية لتاريخ القانون
سنة(.)103
الشخصية ،في ظل التحول الذي شهدته األسرة المغربية بفعل التحول الذي شهده
وأصبحت تساهم ماديا في تسيير األسرة ،وكذلك في ظل توقيع المغرب على عدد
من االتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية حقوق الطفل لسنة ،1989واتفاقية القضاء
على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979سيداو ،حيث لم يعد المجتمع
الجديد يتقبل بعض مقتضيات قانون األحوال الشخصية خاصة المتعلقة بالطالق
الغيابي ،وتعدد الزوجات ،وقد قابل هذه المطالبة بالتغيير معارضة قوية( ،)104مما
جعل جاللة الملك الراحل الحسن الثاني يعلن بان الوقت حان لتغيير بعض
مقتضيات المدونة ،ولهذا الغرض تم تشكيل لجنة( )105اسند لها مهمة تعديل مدونة
61
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الراغبين في الزواج
ورغم أهمية هذه التعديالت التي ألغت الطالق الغيابي ،وقننت تعدد
الزوجات ،حيث أصبح إلزاميا إخبار الزوجة األولى برغبة زوجها في التعدد،
الرباوي.اضافة اىل السيد وزير العدل ووزير االوقاف والشؤون اإلسالمية وامحد بنسودة من الديوان امللكي فيما
أسندت رائستها اىل السيد عبد اهلادي بوطالب.
-106تقدمت مجعيات نسائية بطلبات التعديل للراحل احلسن الثاين ابلقصر امللكي ابلرابط
62
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وكذلك ادن القاضي ،سرعان ما بدأت األصوات تتعالى بضرورة إدخال تعديالت
مع مطلع التسعينيات بدأت المطالب تتقوى من اجل تعديل مدونة األحوال
الشخصية ،بكيفية جذرية ،وفي هذه المرحلة أيضا كان لتحول بنية األسر المغربية
من خالل انفتاحها على العالم الخارجي وكذا للظروف االقتصادية والثقافية دورا
هاما ،مما أدى إلى تأخر سن الزواج بالنسبة للفتى والفتاة ،وكذا ضبط النسل
ومعدل الوالدات ،وتقهقر تعدد الزوجات ،وارتفاع ظاهرة الزواج المختلط ،وعلى
اثر التصريح الحكومي لسنة ،1998تم الوعد بإصالح تدريجي لمدونة األحوال
الشخصية ،في إطار احترام قيم الدين اإلسالمي الحنيف ،وفي هذا الصدد تم وضع
مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية من انجاز كتابة الدولة المكلفة بالرعاية
االجتماعية واألسرة ،مما ترتب على ذلك مؤيدون ومعارضون عبروا عن
رفضهم للخطة.
تشكيل لجنة استشارية ملكية إلصالح مدونة األحوال الشخصية بتاريخ 5مارس
،)107( 2001وفي 27ابريل من نفس السنة أعلن جاللة الملك عن أعضاء هذه
-107تكونت اللجنة من السادة :ابراهيم بن الصديق ،مصطفى بن محزة ،اشبيهنا محداين ماء العينني ،امحد
اخلمليشي ،حممد االزرق ،احلسن العبادي ،حممد التاويل ،حممد ابن معجوز ،حممد الدردايب ،عبد العلي العبودي،
حممد االجراوي،،حممد الصقلي،زهور احلر ،رمحة بورقية ،نزهة جسوس.حترتءاسة السيد ادريس الضحاك الذي عوض
يف هناية 2002ابلسيد حممد بوستة.
63
المجلة المغربية لتاريخ القانون
نسوة ،األولى مستشارة بمحكمة النقض ،والثانية أستاذة جامعية ،والثالثة طبيبة،
وأسندت رئاسة اللجنة للسيد ادريس الضحاك الذي عوض قبل انتهاء المهمة
المقتضيات التي كان يتم عرضها على الديوان الملكي للحسم فيها.
ومن هذا المنطلق قامت اللجنة بإجراء مراجعة جوهرية لمدونة األحوال
الشخصية ،كما حرص جاللة الملك على تزويد هذه اللجنة باستمرار بإرشاداته
اإلسالم السمحة ،داعيا إلى إعمال االجتهاد في استنباط األحكام ،مع االستهداء
إلى ما تقتضيه روح العصر والتطور ،والتزام المملكة بحقوق اإلنسان كما هو
وخالل مباشرة عملها استمعت اللجنة إلى أكثر من سبعين جمعية وهيأة،
من مختلف المجاالت الفكرية ،وتلقت منها ستة وستون مذكرة ،تعبر فيها كل
واحدة منها عن رؤيتها ومقترحاتها إزاء التعديل المنتظر( ،)109وبدورها اللجنة لم
ونقابات ،وذلك نظرا للقناعة التي تولدت لدى الجميع بأن مدونة األحوال
-108حممد الفقري مدونة األسرة والعمل القضائي املغريب منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون والعمل
القضائي املغربيني ص 83
-109امحد اخلمليشي مرجع سابق
-110القانون رقم 70.03مبثابة مدونة األسرة ،الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم 1.04.22املؤرخ يف 12
.
من ذي احلجة 1424املوافق 03فرباير 2004
64
المجلة المغربية لتاريخ القانون
نظرا لالنفتاح الكبير الذي وقع والذي ال مفر منه ،على مجتمعات أخرى ذات
حمولة حضارية وثقافية مغايرة ،وكذا الندماج المغرب رسميا وبشكل متسارع
في المجتمع الدولي نتيجة التزامه بالعديد من المواثيق الدولية ذات الصلة باألسرة.
وقد صادف هذا إرادة قوية من صاحب الجاللة بضرورة التغيير ،وبأن
الديمقراطية التي نشهدها في المشهد السياسي الوطني يلزم أن تعرفها أول خلية
()111
في المجتمع ،مع قناعة الجميع بدون استثناء بلزوم عدم مصادرة الهوية
القانون وترشيد الواقع وخاصة آلية االجتهاد ،وقد تم كذلك بمراعاة العديد من
االتفاقيات الدولية إما بشكل صريح ،ونعني بها تلك المتعلقة بحقوق الطفل وإما
باستحضار روح البعض األخر وكنهه ونعني بها تلك المتعلقة بالمرأة وحقوقها
إن قانون األسرة الحالي ،يهدف إلى الحفاظ على قدسية الزواج ومن
خالله استقرار األسرة ،وحماية حقوق األطفال ،كما أولى المشرع المغربي عناية
إلبرام عقود الزواج ،من خالل تنظيمه لكل ما يتعلق بالزواج والطالق والوالدة
وأثارها ،وأعطى عناية لتوثيق عقد الزواج وأحاطه بكثير من الضمانات ،ونظم
الزواج ،وقد أصبح قانون األسرة يحمل اسم مدونة األسرة ،والذي يعتبر أرحب
65
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وأوسع وأشمل مما كان عليه في ظل مدونة األحوال الشخصية السابقة لكونها تهم
تفعيله يظل رهين بوجود قضاء اسري فاعل ونزيه ،وقد عمل المشرع من خالل
مدونة األسرة ،على منح النيابة العامة صالحية المحافظة على كيان األسرة وجمع
شملها والتدخل في الوقت المناسب للحفاظ على حقوق أفرادها ،وهذا ما نصت
عليه المادة الثالثة من المدونة ،على أن النيابة العامة تعتبر طرفا أصليا في جميع
القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه لمدونة ،مما يجعل دورها حاضرا في جميع
الوالدين تجاه أبنائهم ،باتخاذ جميع التدابير الممكنة للنمو الطبيعي لألطفال
وبالحفاظ على سال متهم الجسدية والنفسية والتوجيه الديني والتربية على السلوك
القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل ،كما أن الطفل المصاب
ولتيسير تطبيق مدونة األسرة تم إحداث أقسام قضاء األسرة ،التي تنظر
-112القضاء األسري :الواقع واألفاق عشر سنوات من تطبيق مدونة األسرة ،دراسة حتليلية إحصائية -2004
،2013ماي 2004
66
المجلة المغربية لتاريخ القانون
واألحكام القانونية ،التي تنظم شؤون األسرة من الخطبة ،الزواج ،الطالق ،الوفاة
وعالوة على ذلك فقد تناول الدستور المغربي لسنة ، 2011العديد من
المقتضيات الجديدة والتي تتميز في غالبيتها بحمولة حقوقية كبيرة ،وقد طال
االهتمام كذلك األسرة ،والتي شكل النص عليها في صلبه سابقة في تاريخ الدساتير
المغربية ،وهكذا فقد افرد لها الفصل 32الذي جاء فيه ( األسرة القائمة على
عالقة الزواج الشرعي هي الخلية األساسية للمجتمع ،تعمل الدولة على ضمان
-113القانون رقم 70- 03الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم 1-04-22بتاريخ 12من ذي احلجة 1424
املوافق ل 3فرباير .2004
-114يف شتنرب 2003قدمت اللجنة مشروع مدونة األسرة ،وبعد املراجعة النهائية للمشروع قدمه جاللة امللك
إىل الربملان للتصويت عليه يف خطاب افتتاح السنة التشريعية.
67
المجلة المغربية لتاريخ القانون
عن وضعيتهم العائلية ،التعليم األساسي حق للطفل وواجب على األسرة والدولة،
ومن هذا المنطلق فقد عمل الدستور على تحديد مفهوم األسرة الجديرة
باالهتمام ،وهي المبنية على الزواج الصحيح محافظا بذلك على قدسية األسرة،
الحنيف ،وكذا المادة األولى من مدونة األسرة ،وقد حمل الدستور الدولة مهمة
توفير الحماية الالزمة لألسرة ،بما يحفظ تماسكها ووحدتها ،من كل الهجمات
التي قد تقوض بنيانها ،ووعيا منه بالتحوالت العميقة التي طرأت والزالت تطرأ
عليها.
وقد كرس الدستور كذلك حماية حقوق األطفال دون تمييز بين وضعيتهم
العائلية ،سواء كانوا شرعيين أو طبعيين ،باعتبارهم طرفا ضعيفا ،وذلك على قدم
المساواة بين جميع األطفال حتى ال يبقوا عرضة للشارع وبدون رعاية وال ذنب
لهم ،وبالرجوع إلى مدونة األسرة نجدها تنص في المادة 142على انه " تتحقق
البنوة بتنسل الولد من أبويه ،وهي شرعية وغير شرعية" وهكذا قسمت المدونة
البنوة إلى نوعين ،شرعية وهي التي تسري عليها جميع آثار البنوة الشرعية،
وبنوة طبيعية وهي كالشرعية بالنسبة لالم ألنه ولدها في جميع األحوال ،وبالنسبة
لألب فالمدونة لم ترتب عليها أي اثر ،لكن يمكن للطفل الطبيعي االستفادة من
68
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وتم تكريس حماية األطفال الطبيعيين دستوريا ،ومهما يكن فان مجرد التنصيص
على المساواة بين جميع األطفال في حقهم في الحماية بمقتضى أسمى وثيقة
قانونية في البالد يعتبر خطوة مهة وبداية االهتمام الحقيقي بهذه الفئة.
69
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يعتبر قاضي التحقيق في التشريع المغربي ضابطا ساميا للشرطة القضائية إلى جانب كل
من الوكيل العام و وكيل الملك ونوابهما ،وتعني هذه الصفة تسيير أعمال جهاز الشرطة القضائية
والقيام بكافة المهام التي تقتضيها مرحلة البحث التمهيدي التي يتم فيها التحري عن الجرائم و
البحث عن مرتكبيها من أجل تقديمهم إلى المحاكمة ،فالحديث عن الصفة الضبطية هو حديث
عن مرحلة البحث التمهيدي التي تختلف عن مرحلتي التحقيق اإلعدادي و المحاكمة.
وإذا كان اتصاف الوكيل العام ووكيل الملك ونوابهما بالصفة الضبطية مقبوال بحكم
رئاستهما لجهازالشرطة القضائية وإشرافهما على أعماله ،فان األمر يبدو مستغربا بالنسبة لقاضي
التحقيق لتنافي هذه الصفة مع فلسفة التحقيق ومع المركزالقانوني للقائم بهذه الوظيفة ،استنادا إلى
أن المفترض فيه أن يكون حكما ال خصما ألي طرف في الدعوى العمومية ،لذلك يطرح تساؤل
كبير حول السر في إقحام هذا األخير في مرحلة البحث التمهيدي وحول النتائج المرجوة من ذلك
؟
70
المجلة المغربية لتاريخ القانون
التحقيق اإلعدادي في قانون المسطرة الجنائية المغربي الحالي ،ال يفيد في إيجاد
أجوبة مقنعة لهذا التوجه التشريعي ،بل إنه قد يزيد من حيرة الباحث عندما يقف
على جملة من التناقضات التي تعتري بعض مواده بسبب هذه الصفة .
لكن الرجوع إلى الوراء و البحث في السياق التاريخي والتشريعي لنشأة هذه
الصفة ( مطلب أول ) يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن األمر في المغرب – كما في
دول أخرى -118ال يعدو أن يكون سوى اقتباسا تشريعيا غير موفق ،بحكم أنه لم
يراعي سياقات وظروف نشأتها في التشريع الذي أنتجها وال التحوالت التي
طرأت عليها مع مرور الوقت ،وبالتالي فإنه ثمة مبررات ودواع موضوعية
أضحت تفرض نفسها على المشرع المغربي في اتجاه التخلي عن هذه الصفة في
الوقت الحالي( مطلب ثان) تصحيحا للوضع وتداركا ألخطاء الماضي .
-118اجلزائر مثال
71
المجلة المغربية لتاريخ القانون
خاصة بعد الثورة الفرنسية و تحديدا بصدور مدونة التحقيق الجنائي سنة
المغربي منذ بداياته ،فان فهم السياق الذي اتصف فيه قاضي التحقيق
بالمغرب بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية يحتم معرفة الوضع الذي كان
عليه األمر في التشريع الفرنسي و كيف تطور( فقرة أولى) ثم بعد ذلك دراسة
الفرنسية ،ألن قانون اإلجراءات الجنائية وأيضا مؤسسة قاضي التحقيق -بالشكل
الذي تعرف به تقريبا في الوقت الحالي -ظهرتا في هذا العهد ،وفي هذا الصدد ال
بد من التمييز بين مرحلتين أساسيتين كان لهما أثر بالغ على موضوع دراستنا :
72
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إن هذه المرحلة تؤسس لظهور مؤسسة قاضي التحقيق في فرنسا كطرف
جديد في الدعوى الجنائية عوض مؤسسة المالزم الجنائي ( lieutenant
) criminelالمعمول بها في النظام التنقيبي السابق على الثورة ،ومؤسسة رئيس
هيئة المحلفين() directeur de juryالذي أقامته هذه األخيرة بديال له.119
في هذه المرحلة كان قاضي التحقيق يجمع بين صفتي محقق و قاض ،إال
أن صفته الثانية كانت شبه محدودة ،بالرغم من سعي المدونة إلى الفصل بين
وظيفتي المتابعة والتحقيق ،حيث كان تابعا للوكيل اإلمبراطوري و خاضعا
لمراقبته وإشرافه وحتى تنقيطه .ولقيامه بمهامه كمحقق في ظل الوضعية
ا لمذكورة ،منحت لقاضي التحقيق صفة ضابط سامي للشرطة القضائية ،فكانت
هذه الصفة تخوله القيام باألعمال التي يتطلبها الكشف عن الجرائم المرتكبة ،إال
أنه لم يكن يتمتع بصفة قاض مستقل بالنسبة لهذه األعمال ، 121كما لم يكن بوسعه
119
-Pierre Chambon, le juged’instruction: théorie et pratique de la procédure
ème
,3 édition, DALLOZ, 1985, p 3.
120
- « Le juge d instruction ne pourrait donc se refuser à exécuter les ordres
qui lui seraient transmis par le procureur général, ni se dispenser de lui donner
avis des crimes et délitsdont – il ferait personnellement la recherche et la
poursuite , dans le cas de flagrant délit, sans manquer au devoir que la loi lui
impose ».
Joseph – François- Claude Carrot, de l’instruction criminelle, Tome premier,
Nève, librairie de la cour de cassation, 1812, p 168.
121
- «Non détenteur du statut de magistrat, le juge d’instruction est institué en
tant qu’officier supérieur de police judiciaire, sous la surveillance, quant a ses
fonctions de police judiciaire, du procureur impérial ».
73
المجلة المغربية لتاريخ القانون
القيام بها إال بتوجيه من الوكيل اإلمبراطوري باعتباره رئيسا لجهاز النيابة
العامة ،122ماعدا في حالة التلبس التي كان بإمكانه أن يمارس مهامه في ظلها
دون تلقي أمر أو توجيه من هذا األخير بشرط إخباره.
إن اتصاف قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية بفرنسا
خالل هذا العهد يفسر بتبعيته لجهاز النيابة العامة واعتباره مجرد موظف رهن
إشارة هذا الجهاز فيما يتعلق بأعمال البحث و التحريات ،ال سيما وأن المرحلة
تميزت بالتداخل بين مرحلتي البحث و التحقيق .ونتيجة لهذه الوضعية شكل
قاضي التحقيق مكونا من مكونات جهاز الشرطة القضائية الذي كان يرأسه
الوكيل اإلمبراطوري -وكيل الجمهورية بعد العهد النابوليوني -كما أنه لم يكن
يتمتع بصفة قاض مستقل بالنسبة لهذه المهام مع أنه كان يعين لممارستها من بين
قضاة الحكم.
هذه الوضعية أفرزت ردود أفعال ونقاشات فقهية قوية بفرنسا ،تأسست
على فكرة عدم االنسجام مع األهداف والغايات التي انشئت من أجلها مؤسسة
قاضي التحقيق ،أال وهي الحد من هيمنة الوكيل اإلمبراطوري الذي وصفه
بعضهم بكونه طاغية يرعب المجتمع 123و السعي إلى تحقيق فصل حقيقي بين
الوظائف القضائية خاصة بين وظيفتي المتابعة و التحقيق ،لذلك تعرضت المدونة
لمجموعة من التعديالت التي لم تكن في مجملها مجدية في هذه المسألة ،وظل
74
المجلة المغربية لتاريخ القانون
قاضي التحقيق خاضعا لسلطة النيابة العامة و ممارسا لبعض مهامها إلى أن
ألغيت مدونة التحقيق الجنائي في بداية عهد الجمهورية الخامسة.
تؤرخ هذه المرحلة لعهد سياسي جديد تميز بإصالحات مهمة في مختلف
المجاالت بفرنسا ،يتعلق األمر بعهد الجمهورية الخامسة .وفيما يتعلق
بموضوعنا فإن الحدث البارز الذي ميز بداية هذا العهد هو دخول قانون المسطرة
الجنائية الذي حل محل مدونة التحقيق الجنائية حيز التنفيذ سنة .1241959وقد
شكل تعزيز وتدعيم مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة و التحقيق و تقوية مركز
مؤسسة التحقيق كجهاز مستقل عن النيابة العامة جانبا من اإلصالحات المهمة
التي أتى بها هذا القانون ،تجسد ذلك من خالل ما يلي:
-أوال :لم يعد قاضي التحقيق ضابطا ساميا للشرطة القضائية ،حيث تخلى
القانون الجديد عن الصفة الضبطية التي كانت مخولة له في العهد السابق ،و
توخى المشرع الفرنسي من هذا اإلجراء تخليص قاضي التحقيق من رقابة
وإشراف الوكيل العام و إنهاء عالقته -جزئيا -بمرحلة البحث التمهيدي .
-124هذا القانون تضمن كمرحلة أوىل الباب التمهيدي و الكتاب األول من قانون اإلجراءات اجلنائية
الفرنسي اجلديد الذي أجل تطبيقه إىل 1يناير 1959بعد املصادقة على دستور اجلمهورية الفرنسية سنة 1958
وإمتام األشغال املرتبطة إبعداد األجزاء املتبقية منه.
للمزيد من التفاصيل يراجع :
Pierre Bouzat et Jean Pinatel, procédure pénale : Régime des mineurs.
Domaine des lois pénales dans le temps et dans l’espace, tome 2 ,2ème édition,
librairie DALLOZ, 1970, p 904.
75
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إال أن حضور قاضي التحقيق في مرحلة البحث التمهيدي لم ينته بشكل تام بالرغم
مما تحقق ،حيث أبقى المشرع الفرنسي -في مرحلة أولى من التعديالت التي
طالت قانون المسطرة الجنائية -على إمكانية حضور قاضي التحقيق إلى مسرح
الشرطة القضائية ،بمعنى أن األمر يتعلق بحالة التلبس فقط ،إذ جاء في المادة
72أن حضور قاضي التحقيق إلى مكان ارتكاب الجريمة يرفع يد ضباط الشرطة
القضائية وحتى قاضي النيابة العامة لفائدة قاضي التحقيق الذي يقوم بتسيير أعمال
البحث التمهيدي التلبسي ،وبعد إنهائه لمهامه يرسل وثائق البحث الذي قام به إلى
ويبدو أن إبقاء المشرع الفرنسي في هذه المرحلة على هذه الصورة من
المراحل السابقة التي لم يستطع القانون الجديد القطع معها بشكل نهائي ،لذلك
لم يستسغ الفقه الفرنسي هذا الوضع وانتقده بشدة ،األمر الذي دفع المشرع إلى
التدخل مرة أخرى سنة 1999لتدارك هذه الثغرة وتصحيح الوضع بإلغائه
تسريع وتيرة المرور إلى مرحلة التحقيق وليس للقيام بأعمال البحث التمهيدي
76
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الفقرة األولى من المادة 72زيادة على تخويل مهمة تعيينه و إعفائه من مهامه
لرئيس المحكمة -انتهى التداخل بين مرحلتي المتابعة و التحقيق في فرنسا ،و
تحرر قاضي التحقيق من سلطة النيابة العامة ،فأصبح طرفا محايدا في الدعوى
الجنائية يختص فقط بالتحقيق اإلعدادي في القضايا التي تعرض عليه ،و شكلت
هذه اإلصالحات تتويجا لمسلسل الفصل – على األقل وظيفيا -بين سلطتي
المتابعة والتحقيق الذي بدأه المشرع الفرنسي منذ زمن طويل ،هذا المسلسل الذي
مازال متعثرا في التشريع المغربي بالرغم من اعتماده على نظيره الفرنسي في
مبقتضى هذه املادة أصبح إبمكان وكيل اجلمهورية الذي حيضر معه قاضي التحقيق يف نفس اآلإنىل مسرح اجلرمية ،
أن يلتمس من هذا األخري فتح حتقيق يف القضية ،ولو أدى ذلك إىل خرق مقتضيات املادة 83اليت تقضي أبنه
يف حالة تواجد عدة قضاة للتحقيق يف نفس احملكمة ،فإن رئيس هذه احملكمة -أو القاضي الذي يعوضه يف حالة
الضرورة – هو من يتوىل توزيع القضااي عليهم.
املادة 83تنص ابحلرف على ما يلي :
« Lorsqu’ ‘il existe dans un tribunal plusieursjugesd’instruction, le président
du tribunal ou en cas d’empêchement, le magistrat qui le remplace désigne,
pour chaque information, le juge qui sera chargé.
Il peut établir, à cette fin, un tableau de roulement. Les désignations prévues
auprés ent article sont des mesures d’administration judiciaires non
susceptibles de recours ».
77
المجلة المغربية لتاريخ القانون
سامي للشرطة القضائية بالمغرب ،ال بد من مراجعة نشأة وتطور قانون المسطرة
الجنائية في هذا البلد ،وهنا ال بد من الوقوف عند محطتين أساسيتين كانتا فارقتين
78
المجلة المغربية لتاريخ القانون
معموال به في القانون الفرنسي القديم وبين بعض التعديالت التي أقرها القانون
الجديد.
-131نصت املادة 19من ظهري 1959على ما يلي " :تشمل الشرطة القضائية ،زايدة على وكيل الدولة ونوابه
وعلى قاضي التحقيق الذين هم ضباط سامون للشرطة القضائية ،على من أييت ذكرهم:
أوال :ضباط الشرطة القضائية
اثنيا :أعوان الشرطة القضائية
اثلثا :املوظفون واألعوان الذين ينيط هبم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ".
-132نصت املادة 77من هذا الظهري على أنه ":إذا حضر قاضي التحقيق يف عني املكان فإن وكيل الدولة وضباط
ال شرطة القضائية يتخلون له عن النازلة مبوجب القانون ويقوم إذ ذاك جبميع أعمال ضباط الشرطة القضائية املنصوص
عليها يف هذا الباب.
وله أن أيمر أاي من ضباط الشرطة القضائية مبتابعة العمليات.
ومبجرد انتهاء تلك العمليات يرسل قاضي التحقيق إىل وكيل مجيع واثئق التحقيق ليقرر فيها ما يقتضيه الالزم.
وإذا حل ابملكان وكيل الدولة وقاضي التحقيق يف آن واحد فيجوز لوكيل الدولة أن يلتمس مباشرة حتقيق قانوين
يكلف إبجرائه قاضي التحقيق احلاضر ولو أدى ذلك إىل خرق مقتضيات الفصل 91اآليت بعده ".
79
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الضبطية لقاضي التحقيق بفرنسا ،و الغريب في األمر أنه تزامن مع حلول قانون
المسطرة الجنائية الفرنسي محل مدونة التحقيق الجنائية !!!
وعالقة بموضوع بحثنا يظهر جليا أن قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01
النافذ إلى وقتنا الحاضر لم يعرف تغيرا يذكر ،حيث حافظ على الصفة الضبطية
لقاضي التحقيق وأبقى على مقتضيات المادة 13577من ظهير 1959كما هي مع
تعديالت طفيفة على مستوى الصياغة.
80
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ونستطيع القول بأن القانون رقم 22-01شكل تراجعا عما كان عليه
النيابة العامة ،وذلك من خالل المادة 90التي تنص على أنه " :إذا تعدد قضاة
على حدة " .فهذه الصالحية التي كانت ممنوحة ألقدم قاض من قضاة التحقيق في
ظل ظهير 10فبراير 1959تحولت إلى النيابة العامة ،وال شك أن في ذلك تدخال
من طرف النيابة العامة في أعمال التحقيق من شأنه أن تؤثر على فعالية ونجاعة
هذه األعمال ،ثم إن هذا الوضع يذكرنا بالوضع الذي عاشته مؤسسة التحقيق
بفرنسا خالل العهد النابوليوني المتسم بهيمنة النيابة العامة -الوكيل اإلمبراطوري
والالفت للنظر أيضا أن القانون رقم 22-01صدر بعد الفترة التي تخلص فيها
بحذفه للفقرة األولى من المادة 72من قانون المسطرة الجنائية لديه التي كانت
تتيح لقاضي التحقيق الفرنسي القيام بأعمال البحث التمهيدي باعتباره ضابطا
ساميا للشرطة القضائية ،وذلك بمقتضى التعديل الصادر سنة 1999كما سبق
فبالرغم من صدوره بعد سنة 1999بعشر سنوات تقريبا – وهي مدة كافية
الكتشاف ثغرات أي قانون – فإن القانون رقم 22-01أصر على اإلبقاء على
81
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والمالحظ أن هذا التوجه أصبح مبدأ ثابتا ال محيد عنه بالنسبة للمشرع المغربي،
ألن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الصادرة سنة ،2014والتي سعت
وزارة العدل والحريات ألن تكون بديال مقبوال للقانون رقم ،22 .01أبقت بدورها
على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وحافظت أيضا على التصور العام
– 22ال بل إنها زادت في توضيحه عندما استبدلت كلمة التحقيق بكلمة البحث،136
لترفع أي لبس وتؤكد على أن قاضي التحقيق يمارس مهامه في نطاق هذه المادة
إن هذا اإلصرار من طرف المشرع المغربي يجعلنا نطرح أكثر من عالمة
-136الفقرة الثالثة من املادة 75من القانون 22.01النافذ حاليا تستعمل كلمة التحقيق و تنص على ما يلي :
" يرسل قاضي التحقيق إىل الوكيل العام للملك أو وكيل امللك مبجرد انتهاء تلك العمليات مجيع واثئق التحقيق
ليقرر بشأهنا ما يقتضيه األمر "
و املسودة استبدلت كلمة التحقيق بكلمة البحث و جاءت على الشكل التايل" :يرسل قاضي التحقيق إىل الوكيل
العام للملك أو وكيل امللك مبجرد انتهاء تلك العمليات واثئق البحث ليقرر بشأهنا ما يقتضيه األمر ".
82
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بالمغرب
بالمغرب يرجع باألساس إلى االقتباس – غير الموفق و غير المواكب -من طرف
المشرع المغربي عن نظيره الفرنسي .و هذا الوضع أفرز إشكاالت و تناقضات
على مستوى نصوص قانون المسطرة الجنائية )فقرة أولى( ،فضال عن أنه يؤثر
على مبدأ الفصل بين الوظائف القضائية )فقرة ثانية( ،لذلك فإن التخلي عن هذه
إن الطريقة التي تمت بها عملية اقتباس الصفة الضبطية الممنوحة لقاضي
التحقيق من المشرع الفرنسي دون مراعاة لظروف نشأتها وال مواكبة لسياقات
تحوالتها على مستوى هذا التشريع ،أفرزت اختالالت كبيرة على مستوى قانون
المسطرة الجنائية المغربي ،بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول بأن األمر يرقى
إلى مستوى تناقضات يستعصي على أي باحث منصف وموضعي إيجاد تبريرات
منطقية لها.
83
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الشك أن المادة 13717من هذا القانون تضع الجهاز بكامله تحت سلطة
الوكيل العام ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف التي ينتمي لدائرة نفوذها،
إال أن المادة 13819جعلت كال من قاضي التحقيق والوكيل العام للملك في مرتبة
واحدة باعتبارهما معا ضابطين ساميين للشرطة القضائية.
إنه ال يوجد تفسير مقنع لهذا الوضع إذا تم االقتصار فقط على نصوص
قانون المسطرة الجنائية ،لكن البحث في تاريخ مدونة التحقيق الجنائي الفرنسية
قد يفيدنا في تلمس بعض حقائق هذا الوضع المختل بالمغرب.
--137تنص املادة 17على ما يلي " :توضع الشرطة القضائية يف دائرة نفوذ كل حمكمة استئناف حتت سلطة
الوكيل العام و مراقبة الغرفة اجلنحية مبحكمة االستئناف املشار اليها يف الفرع اخلامس من هذا الباب ".
-138تنص املادة 19على ما يلي " :تضم الشرطة القضائية ابإلضافة إىل الوكيل العام للملك ووكيل امللك و
نواهبما و قاضي التحقيق ،بوصفهم ضباط سامون للشرطة القضائية :
أوال :ضباط الشرطة القضائية .
اثنيا :ضباط الشرطة القضائية املكلفون ابألحداث .
اثلثا :أعوان الشرطة القضائية .
رابعا :املوظفون و األعوان الذين ينيط هبم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ".
-139عبد السالم بنحدو ،الوجيز يف شرح املسطرة اجلنائية (مع آخر التعديالت ، )2003مطبعة اسبارطيل،
طبنجة ، 2014 ،ص.77
84
المجلة المغربية لتاريخ القانون
قانون لتعديل مدونة التحقيق الجنائية يروم توزيعا جديدا لمهام التحقيق الجنائيبين
وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق ،بحيث يتولى األول مهام البحث عن األدلة
التحقيق ،مع االرتقاء به إلى مرتبة مساوية لمرتبة وكيل الجمهورية ،إال أن هذا
وبمقارنة هذا التأصيل بما قاله الدكتور محمد عياط ،بأن واضعي
في الفترة الممتدة بين سنتي 1934و 1957يجعلنا نرجح إمكانية اقتباس المشرع
المغربي هذه الوضعية من المشاريع المذكورة .وإذا صح هذا الترجيح فلن يسعنا
إال التأسف على وضع إعداد مشاريع القوانين بالمغرب ألن المشروع لم يقبل في
فرنسا وألن فرنسا تخلت على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بشكل رسمي سنة
.1959
من جانب آخر ،فإن الفقرة الثانية من المادة 14116تدفعنا إلى التساؤل
عن الجهة التي أوكل لها المشرع حقيقة تسيير أعمال البحث في حالة التلبس ،ألن
مقتضيات هذه الفقرة تتناقض مع ما تشير إليه المادة 75عند حضور قاضي
التحقيق إلى مسرح الجريمة ،حيث يتخلى له بقوة القانون كل من وكيل الملك
والوكيل العام للملك ،وأيضا ضابط الشرطة القضائية الذي حضر إلى عين المكان
.
85
المجلة المغربية لتاريخ القانون
140
-Voir : Jean Pradel, procédure pénale ,opcit , p 24.
جتدر ا إلشارة أيضا إىل أن هذا املشروع شكل تراجعا كبريا عن مبدأ الفصل بني وظيفيت املتابعة والتحقيق اليت أنتجها
مدونة التحقيق اجلنائية لسنة 1808و كان هذا من بني أسباب رفضه.
للمزيد من التفاصيل خبصوص هذا املشروع يراجع:
Pierre Bouzat et Jean Pinatel, traité de droit pénal et de criminologie, t 2, opcit,
p 903.
-141تنص املادة 16على ما يلي :
" ميارس مهام الشرطة القضائية القضاة و الضباط و املوظفون و األعوان املبينون يف هذا القسم.
يسري وكيل امللك أعمال الشرطة القضائية يف دائرة نفوذه " .
86
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إذا كان مفهوما و مقبوال أن يتخلى وكيل الملك للوكيل العام باعتبار
الطرفان معا لقاضي التحقيق ،فكأن المادة 75تجعله رئيسا لهما ،وهو
ق.م.ج.
87
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وفئة لم تعلق عليه .144غير أن الفئة المنتقدة تبدو أكثر عددا من الفئات األخرى،
مما يدل على أن الوضع غير سليم و غير مقنع نظريا.
لكن السؤال الذي لم يجد له الفقه المنتقد جوابا مقنعا هو :ما هي األسباب
التي دفعت هذا األخير إلى تبني هذا التوجه؟
يتمتع جتاههم بشيء من ا الستقالل" .حممد عياط ،دراسة يف املسطرة اجلنائية املغربية ،اجلزء الثاين ،م س ،ص:،
.18
ويالحظ أن الدكتور حممد عياط برر استحسانه هذا ابالستقالل عن النيابة العامة ،وال نريد أن نقول الدكتور حممد
عياط ما مل يقله ،لكننا نرى أن استعماله لعبارة بشيء من االستقالل اعرتاف ضمين بعدم استقالل==قاضي
التحقيق عن النيابة العامة ،كما أن فيه إشارة إىل أتثر املشرع املغريب ابلتوجيه القدمي للمشرع الفرنسي خبصوص هذه
املسألة.
. -144كان الدكتور أمحد اخلمليشي من الذين مل يعلقوا على هذه املسألة ،مكتفيا بعرض املقتضيات القانونية
املرتبطة هبا ،و هبذا مل نتمكن من معرفة رأيه خبصوصها .لكن الظاهر أنه بعدم تعليقه مل ير يف ذلك إشكاال ،ألنه
لو كان يعارضها لتطرق اليها بتفصيل .
انظر بشأن هذا :أمحد اخلمليشي - :شرح قانون املسطرة اجلنائية ،اجلزء األول ،الطبعة الثالثة ،ص .264
-شرح قانون املسطرة اجلنائية ،اجلزء الثاين ،الطبعة الثالثة ،ص .11
-145أورد الدكتور حممد أحداف ما يلي يف كتابه" :وقد جاء يف العرض التمهيدي ملسطرة 10فرباير 1959
خالل تعرضها لذكر االعتبارات املربرة هلذا االختيار :وهي على أية حال ظروف استثنائية ،لسعة تراب اململكة وقلة
األطر" .حممد أحداف ،شرح قانون املسطرة اجلنائية اجلديد ،م س ،ص .326
88
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المغرب على مستوى المو ارد البشرية في مجال القضاء التي تضطلع بأعمال
البحث التمهيدي ،فهذا النقص الذي برر به واضعو ظهير 1959اإلبقاء على هذه
الصفة في العرض التمهيدي لم يعد قائما.146
89
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ألن عكس ذلك يدفعنا إلى طرح تساؤل ال جواب عنه في قانون المسطرة الجنائية
يرتبط بإخبار هذا األخير بالجريمة المتلبس بها ،فبما أن القانون لم يلزم عضو
النيابة العامة وال ضابط الشرطة القضائية بإخبار قاضي التحقيق بهذا األمر ،فإن
الفرضية الوحيدة المتبقية هي الحضور التلقائي لهذا األخير ،وهو افتراض يتقلص
مداه ويستبعد تحققه إال في وقائع نادرة خاضعة لمحض الصدفة ،وهو افتراض
قليل األهمية.
149
-Voir : Olivier Trilles , essai sur le devenir de l’instruction préparatoire ,
thèse de doctorat , université des sciences sociales de Toulouse 1 , faculté de
droit ,juin 2005 , p 16 .
90
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ويعد هذا المبدأ -بالنسبة للتشريعات التي تأخذ بنظام التحقيق اإلعدادي -
المحاكمة العادلة التي يهدف نظام العدالة الجناية في تجلياته الحديثة إلى صيانتها
تحقيقا لإلنصاف بين أطراف الخصومة الجنائية ،ال سيما الطرف الضعيف فيها
النيابة العامة -وأن يخول التحقيق لجهاز قضائي مستقل عن سلطة المتابعة ،ألن
األصل في التحقيق استنادا إلى الخلفيات التاريخية والنظرية التي كانت وراء
إنشاءه ووفقا للوضع النهائي الذي استقر عليه في التشريعات الحديثة التي تأخذه
به ،أن يكون قاضي التحقيق حكما غير منحاز ألي طرف من أطراف الدعوى
إن تمتيع قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية في التشريع
المغربي ،زيادة على االختالالت التشريعية التي يثيرها ،هو أمر يمس بمبدأ
،ثم إن هذه الصفة تخول لقاضي التحقيق أن يقوم تلقائيا بجميع أعمال الشرطة
القضائية في حالة التلبس ،والحال أنها أعمال تنتمي إلى مرحلة البحث التمهيدي
150
-«En séparant les fonction son protègemieux les libertés individuelles car
des magistrats différents vont pouvoir se contrôler, les excès de l’un étant
compensés par la prudence de l’autre le risque de partialité constituait une
crainte évidente du législateur ». Jean Pradel, procédure pénale, opcit,
p 21.
Voir aussi : Pierre Chambon, le juged’instruction : théorie et pratique
de la procédure, opcit , p 65 et s .
91
المجلة المغربية لتاريخ القانون
فهذه الصفة تقحمه في مرحلة إجرائية ال عالقة له بها ،إقحاما يخل بمبدأي الحياد
واالستقالل الذين يؤطران مؤسسة التحقيق بصفة عامة .ولقد علمنا من خالل
التأصيل لهذه المسألة في التشريع الفرنسي كيف أن هذا األخير فطن لعيوب هذا
الوضع المزدوج لقاضي التحقيق كقاض مستقل وكمحقق خاضع في نفس اآلن
إلشراف النيابة العامة ،فعمل على تصحيحه من خالل مسلسل طويل من
من زاوية أخرى ،إن االرتقاء بالقضاء المغربي إلى مستوى سلطة مستقلة عن
والنظام األساسي للقضاة ،يحتم القطع مع واقع االرتباك والتناقض الذي يطبع
النص الحالي لقانون المسطرة الجنائية ،باالتجاه نحو فصل حقيقي للوظائف
الضبطية لقاضي التحقيق وعدم حشر هذا الخير في أعمال البحث التمهيدي
التلبسي ،وما يستتبع ذلك من حذف للفقرات األولى والثانية والثالثة من المادة 75
واإلبقاء فقط على الفقرة األخيرة منها لضرورات الفعالية والسرعة في االنتقال
إلى مرحلة التحقيق اإلعدادي اعتمادا على تقدير الوكيل العام أو وكيل الملك ،من
شأن هذا اإللغاء المذكور أن يشكل مدخال ال مفر منه ،ومطلبا مشروعا وموضعيا
92
المجلة المغربية لتاريخ القانون
خاتمة
حاولنا ،ونحن بصدد البحث في الكتابات التي تطرقت لمؤسسة التحقيق و في
أسباب النزول الخاصة بقانون المسطرة الجنائية المغربي عبر أبرز محطاته ،
أن نجد أجوبة مقنعة لدواعي إصرار المشرع المغربي على تمتيع قاضي التحقيق
بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية فلم نفلح في المهمة ،فتأكد لنا من خالل
التأصيل التشريعي المنجز في هذا البحث أن األمر ال يعدو أن يكون سوى اقتباسا
تشريعيا غير موفق و غير مواكب ال يحقق أية فائدة تذكر في الوقت الحالي ،هذا
فضال عن االختالالت والتناقضات القانونية التي يثيرها.
وإذا كان التشريع الفرنسي الذي أوجد هذه الصفة قد تخلى عنها منذ زمن
بعيد إيمانا منه بمساسها بأهم خاصية ينبغي أن يتسم بها قاضي التحقيق وهي
الحياد و االستقالل عن أطراف الخصومة الجنائية ،فإن سؤاال مهما يفرض نفسه
علينا في نهاية هذا البحث هو :هل المشرع المغربي أفضل حاال و أبعد نظرا
من نظيره الفرنسي حتى يتمسك بها و يصر على ذلك؟
93
المجلة المغربية لتاريخ القانون
اإلعدادي هو نقاش طبيعي بالنظر إلى كون هذا البلد مهد هذه المؤسسة،
وبالنظر أيضا إلى التطور الذي حققته هذه األخيرة والذي جعل منها
مؤسسة مثيرة للجدل تارة بسبب الخوف الذي تشكله لدى البعض من
سلطاتها وتارة بسبب طول اإلجراءات الذي قد تتسبب فيه .ولكي يكون
نفس النقاش سليما في بلدنا وجب في البداية تخليص هذه المؤسسة من
الشوائب التي تؤثر على وظيفتها الحقيقية ،ومن ذلك فك ارتباطها بمرحلة
البحث التمهيدي بإلغاء الصفة الضبطية التي يتمتع بها قاضي التحقيق وتبعا
لذلك االرتقاء بها إلى مستوى مؤسسة قضائية مستقلة تشريعا وممارسة
94
المجلة المغربية لتاريخ القانون
السوفياتي ودخول النظام الدولي لمرحلة األحادية القطبية التي أصبحت معه
الدولي ،أصبح المكون الديني في السياسة الخارجية األمريكية يأخذ أبعادا واسعة
ومؤثرة ليس فقط على الصعيد الداخلي األمريكي بل على الصعيد العالمي أيضا.
فمع النظريات التي أعقبت الحرب الباردة ،برزت بشكل كبير الحجج
الدينية التي تبنت العامل الحضاري والديني في تحليل العالقات الدولية ،وإن كان
موضوع التداخل بين الدين والسياسة في العالقات الدولية ليس بالشيء المستجد.
فبمراجعة تاريخ العالقات الدولية ،يالحظ بشكل بارز وواضح ارتباط الدين
بالسياسية .مثال ذلك ارتباط سياسة الدول الخارجية االستعمارية بالكنيسة طيلة
95
المجلة المغربية لتاريخ القانون
كما هو األمر بالنسبة للحركة االستعمارية ،يتجلى ذلك على مستوى حماية
بعدا أكثر حضورا وقوة لدى أصحاب القرار في تحديد وصياغة العالقات
والعال قات الدولية ،هذا في الوقت الذي كان مستبعدا تماما أن تقترن بداية
الدينية التي يعود تاريخها إلى آالف السنين ،كما كان من المستعبد أن يتم
96
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لعل هذا التحول والمفترق أبرز عدة تساؤالت :لماذا أصبح للدين دورا
بارزا في العالقات الدولية والسياسة الخارجية األمريكية؟ أال يعد هذا خرقا
واضحا للدستور األمريكي الذي ينص على فصل الدين عن السياسة؟ ما هي
إن جدلية الدين والسياسة بالواليات المتحدة األمريكية كانت دائما موضوعا
مثيرا للجدل منذ نشأة الدولة ،فالحياة السياسية تأثرت بالعامل الديني في العديد
من الجوانب من بينها سيطرة القيم البروتستانتية ،وتشكل المجتمع من عدد من
األقليات الدينية والعرقية .وكان لهذين الجانبين العديد من اآلثار على الحياة
السياسية .فمن جهة كان لغلبة القيم البروتستانتية آثارها على مالمح االتجاهات
الرئاسية في وعي الناخب األمريكي ،ومن جهة أخرى كان لتعدد األديان في
الواليات المتحدة وتعدد جماعات الضغط الدينية أن أثرت بفاعلية وقوة على عملية
إن محاولة دراسة حدود العالقة بين الدين والسياسة في الواليات المتحدة
97
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الهنود الحمر السكان األصليون للقارة األمريكية ،حيث عاشوا هناك منذ
سنة 8000قبل الميالد ،إال أن تاريخهم الطويل عادة ما يتم تجاوزه في
و يرجع ظهور الدين في الواليات المتحدة األمريكية إلى البدايات األولى لتأسيس
إليها رغبة منهم في تأسيس دولة جديدة تقوم على أسس وثوابت دينية تتوافق مع
ما أدى إلى ظهور اعتراضات واحتجاجات شكلت النواة األولى لظهور
البروتستانتية ،التي جاءت كحركة إصالحية دينية مهمتها مناهضة الفساد الذي
لحق الديانة الكاثوليكية .وقد أفرزت البروتستانتية ظهور جماعة البيورتانز الذين
وأرض الميعاد ،وعودة المسيح ليحكم العالم من القدس ألف سنة بعد معركة
البروتستانتية(.)154
98
المجلة المغربية لتاريخ القانون
99
المجلة المغربية لتاريخ القانون
على الطقوس الكاثوليكية باإلضافة إلى دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كالم
هللا.
وقد مثلت البيوريتانية أشد أشكال البروتستانتية تطرفا ،لذلك غالت في
إجالل الكتاب المقدس مع إعطاء األولوية للعهد القديم .وقد وجد البيورتانز في
العهد القديم "المثال السماوي للحكومة الوطنية والداللة الواضحة على القوانين
التي يجب على البشر إتباعها "...بل كان هناك من البيورتانز من طالب الحكومة
( )155رضا هالل "املسيح اليهودي وهناية العامل :املسيحية السياسية واألصولية يف أمريكا" مكتبة الشروق ،القاهرة،
.
الطبعة الثانية ،2001ص 63
100
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بعضهم كان يعتبر اليهودية اللغة الوحيدة للصالة وتالوة الكتاب المقدس(.)156
ونتيجة الطغيان والقمع الديني في إنجلترا ،فر البيورتانز المضطهدون دينيا نحو
أمريكا ،وسموا هجرتهم هذه حجا وأطلقوا على أنفسهم اسم الحجاج ،ولذلك فهم
يعرفون في التاريخ األمريكي أيضا بالحجاج ،ونزلت أول مجموعة منهم في
الهندو -أمريكية المحلية .وطوال عقود ظلت السفن المحملة بالبيوريتانز تبحر من
أوروبا الشرقية إلى المناطق الشمالية من العالم الجديد ،والذي أصبح يعرف
بإنجلترا الجديدة أو نيو انجالند ،مما أوجد تعدادا سكانيا كبيرا من البيوريتاتز في
يتح دثون العبرية بسهولة ،وكان أول كتاب ينشر في العالم الجديد يهودي اإلسم،
اللغة العبرية فيها إجبارية .بل إن عنوان أول أطروحة أكاديمية فيها كانت تحت
.
( )156رضا هالل ،مرجع سابق ،ص 65
()157
Camille Froidevaux-Metterie "Politique et Religion Aux Etats-Unis" La
Découverte, Collection Repères, France, 2009,P 9-10.
( )158عادل املعلم ،مرجع سابق ،ص .34
101
المجلة المغربية لتاريخ القانون
( )159يوسف احلسن "جذور االحنياز :دراسة يف أتثري األصولية املسيحية يف السياسة األمريكية جتاه القضية
الفلسطينية" سلسلة حماضرات اإلمارات ،58مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلسرتاتيجية ،2003
.
اإلمارات العربية املتحدة ،ص 31-30
102
المجلة المغربية لتاريخ القانون
غرار الخروج الجماعي المذكور في العهد القديم والذي هرب فيه اليهود
من مصر ورحلوا إلى أرض جديدة وعدهم الرب بها ،نظر البيوريتانز
ألنفسهم على أنهم الشعب المختار الجديد ونظروا إلى العالم الجديد على
أنه إسرائيل الجديدة ،أما العالم القديم بالنسبة لهم فكان هو مصر التي فروا
منها ،لقد عقدوا عهدا مع الرب" :إذا أمن الرب ذهابهم إلى العالم الجديد
كانوا يريدون إستمرار جهودهم في هذا االتجاه .وقد أدت جهود الحفاظ
يكونوا يؤمنون بالتسامح الديني بل على العكس رفضوا تلك الفكرة تماما.
فهم لم يهاجروا للعالم الجديد لممارسة التسامح الديني ولكن لممارسة آرائهم
واللجوء إلى إبادة قبائل بأكملها حين قاومت التوسع اإلستيطاني األبيض
الذي لم يتوقف(.)162
103
المجلة المغربية لتاريخ القانون
( )160مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت"الدين والسياسة يف الوالايت املتحدة" ترمجة عصام فايز وآخرون ،مكتبة
الشروق الدولية ،القاهرة ،الطبعة الثالثة ويناير .2006ص ،.66ص .42انظر ايضا :
Camille Froidevaux-Metterie "Politique et Religion Aux Etats-Unis" Opcit, P
10
()161مايكل كوربتوجوليا ميتشل كوربت ،مرجع سابق ،ص.45-44
( )162حممد عارف زكاء هللا "الدين والسياسة يف أمريكا :صعود املسيحيني اإلجنيليني وأثرهم" ترمجة أمل عيتاين،
مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات ،بريوت ،الطبعة األوىل ،،2007ص .35انظر أيضا :
Camille Froidevaux-Metterie "Politique et Religion Aux Etats-Unis" Op cit,
P 10.
104
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الطوائف البروتستانتية األخرى إلى أمريكا ،لم تتم في البداية إال على يد
وأسس مستعمرة تتمتع بالحرية الدينية( .)163ومما شجع هؤالء على الهجرة
الدينية.
البروتستانتية كأغلبية دينية إلى اآلن) باإلضافة إلى الكاثوليك واليهود ،فإنه
الفئة الغالبة المسيطرة سياسيا ،وبالتالي توقف دورهم السياسي عند هذا
الحد ،حيث بدأ تآكل البيوريتانية المحضة يخبو بحلول القرن الثامن عشر.
105
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ففكرة المهمة الدينية ألمريكا والمدينة الفاضلة أو المدينة على التل استمرت
في التفكير األمريكي ،فقد شبه جون وينثروب -أول حكام مستعمرة خليج
ماساتشوستس -المستعمرة بمدينة فوق التل (أي المدينة الفاضلة) تتجه إليها
أنظار العالم .واعتبر البيوريتانز أنفسهم مثاال يحتذي به العالم ،واستمر هذا
أنحاء العالم(.)164
تعتبر نفسها مكلفة بمهمة ربانية يجب تنفيذها على مملكة هللا في األرض.
هذه المهمة الدينية اتخذت أيضا شكال علمانيا مدنيا من خالل مقولة
()165
بمعنى أن مصير أمريكا الذي قدره الرب هو "المصير المبين"
تحضير العالم ،إلى آخر المقوالت مثل مبدأ "اإلمبريالية التقدمية" أي
استعمار شعوب أخرى لنقل التقدم إليها ونشر المسيحية البروتستانتية ،أو
(كارتر وكلينتون)(.)166
106
المجلة المغربية لتاريخ القانون
107
المجلة المغربية لتاريخ القانون
للواليات المتحدة ،ففكرة العهد قد سبقت وربما أثرت على آراء جون لوك الخاصة
بالعقد اإلجتماعي في إعالن االستقالل ،حيث أنها ترجع إلى البيوريتانز الذين
أرسوا أسس التفكير في وجود عهد بين األفراد والحكومة ليكون أساس
المجتمع(.)167
للتفكير بأن التمسك باإللتزامات التي تتعلق بالرب وأعضاء المجتمع ،تقابله فوائد
تعود على الجميع داخل المجتمع ،لقد حول العقد اإلجتماعي "العهد الالهوتي
البيوريتاني" من عهد بين الرب والناس إلى عهد بين األفراد والحكومة(.)168
(السمو) من جهة ،والنقص (منذ الخطيئة األولى) له تأثير في مبدأ الفصل بين
السلطات وفكرة الضبط والتوازن بين الكونجرس والرئاسة حتى ال يفسد النظام
السياسي ،فالسلوك اإلنساني عرضة للفساد ،والسلطة المطلقة تفسده فسادا مطلقا،
ومن ثم البد وأن تضبط وتوازن كل سلطة السلطة األخرى ،وقد وجدت هذه
هكذا وبالرغم من تراجع الدور السياسي للبيوريتانز ،إال أنه يتبين بأن
مظاهر الفكر البيوريتاني مثل فكرة العهد الالهوتي ورؤية الطبيعة البشرية
والمهمة الدينية والمدينة الفاضلة طبعت الثقافة السياسة األمريكية على مدى
التاريخ.
108
المجلة المغربية لتاريخ القانون
هذا التأييد للحريات الدينية نلمسه أيضا لدى المؤسسين األوائل ،حيث كان
لكل من "توماس جيفرسون " و" جيمس ماديسون " اعتقادا مشتركا ً وقناعة كبيرة
بأن الحرية الدينية أمر نافع للدين نفسه ،وهذا ما يكشف عنه "جيفرسون" في
تشريع فيرجينيا لتأسيس الحرية الدينية لسنة " :1786حيث أن اإلله القدير خلق
الفكر حرا ،وحيث أن جميع محاوالت التأثير عليه بالعقوبات الزمنية أو بأعبائها،
ال تؤدي إ ال إلى توليد عادات الخبث والحقارة...وأن ربط الحقوق والمزايا باعتناق
رؤى دينية معينة يفسد الدين كله ألنها تعتبر رشوة الناس العتناق تلك اآلراء...أي
109
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أنهم بتمسكهم بهذه اآلراء الدينية يحصلون على مزايا وحقوق مدنية
معينة...وعندما تحاول الحكومة التدخل في وجهات النظر الدينية ،يعتبر هذا
تدميرا كامال للحرية الدينية"(.)171
ومن المهم هنا مالحظة أنه يمكن للناس استخدام أحدهما فقط ،أي القسم أو
اليمين ،فكلمة القسم لها مدلول ديني أما اليمين فليس لها نفس المدلول ،وتستمر
المادة السادسة " :ال يطلب أبدا اختبار ديني كمؤهل لتولي أي وظيفة أو منصب
عام في الواليات المتحدة"(.)173
)(171
Thomas Jefferson "The Virginia Act For Establishing Religious Freedom
1786" University of Virginia Library, Charlottesville, Virginia, United
States.available on:
http://religiousfreedom.lib.virginia.edu/sacred/vaact.html
see also :Camille Froidevaux-Metterie "Politique et Religion Aux Etats-
Unis" Op cit, P 23.
()172مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت ،مرجع سابق ،ص .90
( )173مرجع سابق ،ص .91
110
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ما كان يسمى "ميثاق الحقوق"( ، )174وهذا ما دفع الكونجرس الجديد برئاسة
"جيمس ماديسون" إلى إجراء أول تعديل للدستور في 1791وذلك باقتراح 15
تعديال تم الموافقة على 10منها فقط ،وتلك التعديالت كانت هي ما عرف ب
"ميثاق الحقوق "( .)175وكان أهم ما تضمنته تلك التعديالت هو التعديل األول
الخاص بالحريات الدينية الذي يحظر على الكونجرس سن أي قوانين إلضفاء
الرسمية على أي دين ،أو تحريم الممارسة الحرة للدين " :ال يصدر الكونغرس
أي قانون خاص بإقامة دين من األديان أو يمنع حرية ممارسته أو يحد من حرية
الكالم أو الصحافة ،أو من حق الناس في االجتماع سلميا وفي مطالبة الحكومة
بإنصافهم من اإلجحاف(.)176
هذا التعديل األول كان هو أول إجراء سياسي قانوني مقيد لحدود سلطة
الحكومة القومية في التدخل في الشؤون الدينية ،وقد تجلت أهم الخلفيات التي
دفعت المؤسسين األوائل إلى اعتماد الفصل بين الدين والسياسة في االعتبارات
التالية:
- 1كان المؤسسون األوائل على وعي تام بالتعددية الدينية الكبيرة في
الواليات المتحدة ،وربما لم تكن هناك دولة في العالم آنذاك فيها هذا الكم من
التنوع الديني.
-2أن المؤسسين كانوا أيضا على إدراك تام باالضطهاد الديني في
المستعمرات وفي العالم بصفة عامة فقد عرفوا كيف عاملت الكنائس الرسمية
)(174
"About America: The Constitution of The United States of America with
explanatory notes" from The World Book Encyclopedia © 2004. US
Department of State Publication, P 13.
)(175
J.W. Peltason "The Bill of Rights: US Constitution Would Not Been
Ratified Without The Bill Of Rights" US Department of State
Publication, The World Book Encyclopaedia, April 2008.
()176يرجى اإلطالع على وثيقة احلقوق األمريكية على موقع مكتبة الكونغرس األمريكي على الشبكة العنكبوتية.
111
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المنشقين .ولهذا تجنبوا تأسيس قاعدة تمكن جماعة دينية من مضايقة جماعة
أخرى(.)177
-3كان أي تأييد لدين معين في الدستور سيترتب عليه آثار سلبية على الدين.
بينما إذا انفصل الدين عن الدولة فإن الدين سيوفر للحكومة التأييد الالزم ،بغض
النظر عن اآلراء الدينية عقالنية كانت أم تقليدية(.)178
ويضاف عامل آخر إلى ذلك ،فعلى اعتبار أن أكثر الحاضرين في المؤتمر
مهتمون بالناحية االقتصادية للبالد وحاجاتهم للتعامل مع الدول األخرى كان من
الطبيعي ألعضاء الوفود تفادي مسألة الدين في الدستور(.)179
انطالقا من هذه االعتبارات فإن مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة في أمريكا لم
يكن مرجعه أبدا معاداة للدين أوالكنيسة ،فالمؤسسين األوائل لم يكونوا ضد الدين
بأ ي شكل من األشكال بل كانوا مقتنعين بوجوب أن يكون الدين أمرا خصوصيا
على وجه التحديد وخارج نطاق الحكومة تماما .وعلى الرغم من إيمانهم بأن
الثقافة الدينية تدعم الحكومة الجمهورية ،فقد آمن المؤسسون األوائل ومعهم
آخرين آنذاك بأن الدين لن يكسب شيئا بل سيخسر الكثير إذا أرتبط بالحكومة
رسميا ،وبالمثل تخسر الحكومة إذا ارتبطت رسميا بالدين(.)180
هكذا تم إقرار الفصل بين الدين والدولة في الواليات المتحدة وأصبحت عبارة
توماس جيفرسون "وجوب وجود حائط فاصل بين الكنيسة والدولة " معروفة
()177مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت ،مرجع سابق ،ص .92انظر ايضا:
Isabelle Richet "La Religion Aux États-Unis" PUF, Edition Que Sais-je,
France, Octobre 2001, P 104-105.
( )178مرجع سابق ،ص .92وايضا Isabelle Richet "La Religion Aux États-Unis" :
Op cit,P 105.
( )179مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت ،مرجع سابق ،ص .93
( )180مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت ،مرجع سابق ،ص .171
112
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إلى حد كبير وكثيرا ما يستشهد بها على أنها تحتوي معنى التعديل األول بالرغم
أن الدستور األمريكي ال يحتوي على عبارة "الفصل بين الدين والدولة".
فالدستور يعتبر وثيقة علمانية تبدأ بعبارة " نحن شعب الواليات المتحدة"...
كما أنه ال يتضمن أية ذكر لكلمة الرب أوالمسيحية ( ،)181أما كلمة الدين في
الدستور فقد استخدمت للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس
عقائدهم .وبإدراج حرية الدين في الدستور ،جعل المؤسسون األوائل البت في
األمور الدينية على المستوى القومي ليس عن طريق تصويت األغلبية وإنما عن
طريق المحاكم.
وهذا ما جعل أغلب الدعاوي القضائية المتعلقة بالحرية الدينية التي نظرتها
المحكمة العليا تتعلق كلها بالتعديل األول الخاص بالحريات الدينية(.)182
( )181انظر نسخة من الدستور األمريكي متاح على موقع مكتبة الكوجنرس األمريكي
@http://memory.loc.gov/cgibin/query/r?ammem/bdsbib:@field(NUMBER+
od1(bdsdcc+c0801
انظر أيضا Guy Haarscher "La laïcité " PUF, Collection Que sais-je ?, 3e édition, :
2004, France, P 102.
( )182مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت,مرجع سابق ،ص .171
113
المجلة المغربية لتاريخ القانون
في دار القضاء في كنتاكي كان محاولة ترويج للدين ومن ثم يجب نقله من هذا
المكان .ورغم أن عددا من القضايا قد حددت معايير تراعى عند تقييم انتهاك
محتمل لعالقة الدين بالدولة فليس هناك خط واحد يمكن أتباعه ،وعموما ترى
المحكمة عدم دستورية أي قوانين قد تفرض معتقدا دينيا معينا على المواطنين
يمكن أن تؤول على أنها موافقة حكومية لدين معين(.)183
كما أن حكم المحكمة العليا الذي نص على أن " كل عالقة بين الدولة وهذه
الكنيسة أو تلك مهما صغرت ،أو كل دعم وإن توزع بين مختلف المسميات هو
()184
الحقيقي الذي خروج عن الدستور" ،هذا الحكم وضع " الجدار الفاصل"
طالب به الرئيس جيفرسون.
إذ أن مجرد وجود عقيدة دينية مهما كثر أتباعها ال يتعارض ولن يتعارض
مع مبادئ حرية االعتقاد ،ولن يكون لالضطهاد الديني وجود إذا انعدمت العالقة
بين الدولة وهذه الكنيسة أو تلك مهما صغرت.
لذا يتم عادة اعتبار أن الواليات المتحدة األمريكية دولة علمانية والمجتمع
متدين .فبينما كان تراجع الكنائس في أوروبا بما فيها المملكة المتحدة هو الظاهرة
شبه العامة ،ازدهر الدين في الواليات المتحدة األمريكية .وقد وجد السياسي
والمؤرخ الفرنسي اليكس دوتوكفيل في الثالثينات من القرن العشرين تفسيرا لهذه
الظاهرة بأن الكنائس األمريكية لم ترتبط أبدا بالسلطة ولم تشارك فيما اقترفته
السلطة الزمنية ،بعكس الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا قبل الثورة الفرنسية .لذا
( )183راي ميارسكوف ،العالقة بني الدولة والدين يف أمريكا ،تقرير واشنطن ،العدد 5 ،107مايو.2007
متاحعلىاملوقع :
=راي20%ميارسكوفhttp://www.taqrir.org/showarticlehl.cfm?id=651&hlstring
) (184عن اجلدارالفاصل انظر:
Denis Lacorne "Les Etats-Unis" Fayard Et Le Centre D'études et De
Recherches Internationales (CERI), Paris/France, 2006. P 310.
114
المجلة المغربية لتاريخ القانون
كان الفصل حسب دو توكفيل أحد األسباب الرئيسية لبقاء الكنائس وحيوية
األحاسيس الدينية(.)185
على خالف كل المجتمعات العلمانية الغربية ،يشكل الدين قيمة أساسية في
حياة األمريكيين ومظهرا مميزا للمجتمع األمريكي على مدار التاريخ .واستنادا
على قول دوتوكفيل " :فإنه ليس هناك دولة في العالم يمارس فيها الدين المسيحي
تأثيرا أو نفوذا على أغلب الناس أكثر من أمريكا".
وتشير نتائج استطالعات الرأي التي أجراها منتدى (بيو) لشؤون الدين
والحياة في 2008أن %92من األمريكيين يؤمنون باهلل وأن %75منهم يصلون
على األقل مرة باألسبوع و %74يؤمنون بالحياة اآلخرة(.)187
)(185فاروق القاضي" العلمانية هي احلل" دار العني للنشر -مصر -يناير .2011
")(186
"Among Wealthy Nations ،U.S. Stands Alone in its Embrace of Religion
Pew Global Attitudes Project, a project of the Pew Research Center.
December 19,2002.وWashington, USA
" )(187
Religious Beliefs and Practices: Diverse &Politically Relevant" US
Religious landscape survey.The Pew Forum on Religion&Public Life
Pew Research Center, June 2008.
)(188
David Morris "Belief and Blame: Six in 10 Take Bible Stories Literally,
But Most Don't Blame Jews for Jesus's Death" ABC News PrimeTime
Poll, California, Feb. 6-10, 2004. available on :
http://abcnews.go.com/images/pdf/947a1ViewsoftheBible.pdf
115
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بالكتاب المقدس مثل قصة الخلق وطوفان نوح وشق موسى البحر بعصاه
ومعجزات السيد المسيح وغيرها.
()189حيىي عبد املبدي " دور الدين يف حياة الفرد واجملتمع األمريكي" تقرير واشنطن ،العدد 5 ،107مايو.2007
)(190
Bellah N Robert, Terrenoire Gwen "La Religion civile en Amérique-Civil
Religion in America" Archives Des Sciences Sociales Des Religions,
116
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ومن هنا فإنه ال يوجد اتفاق بين الباحثين أو المهتمين بدراسة التقسيمات
الدينية في الواليات المتحدة حول أعداد المنتمين لهذه التقسيمات وتوزيعهم
الديموغرافي ،ومرجع هذا الخالف أن معظم -إن لم يكن كل -اإلحصاءات
األمريكية ال تعتمد على االنتماءات الدينية والمذهبية.
ورغم ذلك فإن هناك اتفاق على أن المسيحية تمثل ديانة األغلبية في
()192
فإن التوزيع أمريكا ،حيث أنه طبقا لموقع المخابرات األمريكية ()CIA
الديموغرافي لألديان داخل أمريكا في سنة 2007كان بالترتيب التالي
%51.3 -بروتستانت
%23.9 -كاثوليك
117
المجلة المغربية لتاريخ القانون
%1.7 -مورمون
-اليهودية %1.7
-البوذية %0.7
-اإلسالم %0.6
)(193
Denis Lacorne "Les Etats-Unis" Op cit, P 295.
118
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يعتبر االبتهال والتضرع إلى هللا أمر معتاد في الحياة العامة بالواليات المتحدة
األمريكية ،هذه العادة األمريكية تضفي على الدين ظهورا ليس معتادا في أوروبا،
وهذه ظاهرة مجردة رمزية تماما شائعة بين كل الديانات خاصة التوحيدية ،مما
يجعل الالدينيين والملحدين في وضع غير مريح نسبيا .صحيح أنه مسموح في
الواليات المتحدة األمريكية أن تكون ال دينيا أو ملحدا ،فالتعديل األول المتعلق
بحرية الرأي متسامح جدا بهذا الخصوص ،إال أنه رغم ذلك من الصعب اجتماعيا
في هذا البلد أن ال يكون لك دين ،فالدين ظاهرة عادية جدا لدرجة تجعل من
الالأدري أو الملحد شخص شاذ(.)194
119
المجلة المغربية لتاريخ القانون
" الدين المدني"( ، )195أي الدين الذي يعبر عنه في الحياة العامة من خالل
الجلسات الحكومية بالصالة ،أو إدراج عبارة "حتى يساعدني هللا" في
الجيش والكونجرس ،كما يظهر في األغاني مثل " أمريكا الجميلة " " ،فليبارك
)(195
Bellah Robert N, Terrenoire Gwen "La Religion Civile En Amérique-
Civil Religion in America" Archives Des Sciences Sociales Des
Religions, N.35, Janvier-Juin 1973, P 7-22. Accessible sur Persée,
http://www.persee.fr.
عن العالقة بني املواطنة والدين انظر الكتاب التايل:
Antoine Agnes "L’impensé De La Démocratie Tocqueville, La Citoyenneté
Et La Religion" Fayard, France 2003.
وأيضا كتاب دينيس الكورن :
Denis Lacorne "Les Etats-Unis" Fayard Et Le Centre D'études et De
Recherches Internationales (CERI), Paris/France, 2006. P 210-217.
.
)(196مايكل كوربت وجوليا ميتسل كوربت ،مرجع سابق ،ص31
انظر أيضا =:
=
Sevinien De Rivet "Fondamentalisme, Christianisme, Amérique, Les
Ameriques Et Nous" Outre Terre, Revue Européenne De Géopolitique,
France, N°5, Août 2003.P 7-8.
120
المجلة المغربية لتاريخ القانون
مما يعني أن الثقافة العامة للواليات المتحدة األمريكية ترتكز على " الدين
المدني" أكثر من إرتكازها على الكنائس المسيحية ،فمن المؤكد أيضا أن الدين
المدني في أمريكا يعتمد إعتمادا شديدا على الصور والرموز المسيحية ،لكن يمكن
أن يشمل بكل سهولة إشارات إلى اليهودية واإلسالم والتقاليد التراثية الدينية
األخرى .والمثال المعبر على ذلك " قداس العبادة" الذي أقامته الكاتدرائية الوطنية
في واشنطن بتاريخ 16سبتمبر ،2001الذي صمم ليكون الرد األمريكي الرسمي
على هجمات سبتمبر اإلرهابية على البرجين التوأمين في نيويورك ومبنى
البنتاغ ون ،وشارك في اللقاء ممثلون عن مختلف الديانات ،وتحدث الرئيس من
فوق المنبر ،وأنشد الحضور " ترتيلة معركة الجمهورية" ،ولم يغب أي من
مكونات الطقوس الدينية.
وقد إنتقد العديد وجود عبارة " - In God we trust-نحن نثق في
الرب " على العمالت األمريكية وعبارة "إننا أمة واحدة في ظل الرب" One
-Nation Under God -في قسم الوالء للواليات المتحدة باعتبارها إنتهاكا
للفصل الدستوري بين الكنيسة والدولة ،وبقاء مثل هذه العبارات يعني بصورة أو
أخرى أن الدين ليس منفصال أبدا عن السياسة في أمريكا(.)198
)(197جيكوموللر -فاهرهنولتز " الصراع على هللا يف أمريكا :مسيحي أورويب يعاين الدين املدين" نقله للعريب/
معني إمام ،الناشر العبيكان للنشر ،اململكة العربية السعودية ،الطبعة العربية األوىل ،2010ص .50،50
( )198مرجع سابق ،ص .31
121
المجلة المغربية لتاريخ القانون
العامة األمريكية من خالل الخطب الرئاسية وما شابه ذلك من أقوال أكدت
النظرة الرسمية لألمة نفسها ،فقد انعكس وجود البعد الديني في إعالن
والعشرون من نوفمبر عيدا قوميا "عيد الشكر " ،والذي كان أول عيد شكر
بعد صدور الدستور( . )199والجدير بالذكر بأن عيد الشكر يعود إلى أول
إحتفال للحجاج الذين قدموا الشكر هلل على نجاتهم من أخطار البرية،
وأصبح عيد الشكر التعبير الرامز عن أمة تدرك الدعوة اإللهية الموجهة
بالموازاة مع عيد الشكر ،نجد أيضا أن عيد الشهداء يعد تعبيرا واضحا
لدين أمريكا المدني ،الذي يستحضر فيه الدور المسيحاني لألمة األمريكية.
وإن كان واضحا أن لعيد الشهداء طبيعة مختلفة ،إذ إستمد إلهامه جزئيا من
رعاية هللا -تعد نفسها أداة لتضحية ربانية من أجل األمم األخرى على
أفضل سيأتي(.)201
)(199
Bellah N Robert&Terrenoire Gwen "La Religion Civile En
Amérique-Civil Religion in America" Archives Des Sciences
122
المجلة المغربية لتاريخ القانون
123
المجلة المغربية لتاريخ القانون
باإلضافة إلى هذين العيد الوطنيين ،هناك عيد آخر يستحق الذكر ،وهو
إحياء ذكرى مارتن لوثر كينغ ،والذي أقره الكونغرس وجعله الرئيس ريغان عيدا
عام ،1986فقد أصبح إحياء هذه الذكرى -والذي سبقه كفاح من أجل اعتبارها
عيدا وطنيا -تعبيرا رمزيا عن نضال أمريكا المستمر في سبيل الحريات المدنية
لكل مواطن(.)202
باإلضافة إلى ذلك ،يظهر الدين المدني أيضا في إعالن جورج بوش األب
يوم الثالث من فبراير 1991عيدا قوميا للصالة -وكان ذلك خالل حرب الخليج-
،وابتهل الرئيس كلينتون إلى الرب مرارا في خطبه ليسبغ نعمته على أمريكا.
وجاءت فترة حكم جورج بوش اإلبن لتتميز بالعودة للحديث عن الدين الذي شكلت
إحترام الدين في الحياة العامة ،في الوقت الذي كانوا فيه علمانيين في السياسة
والحكم .حيث لم يمنع دعم الرؤساء األمريكيين للفصل بين الدين والدولة بأن
يبدي معظمهم ميوال دينية ،فقد دعا الرئيس "وودرو ويلسون" في عيد الشكر سنة
1917كل األمريكيين إلى الصالة في أماكن العبادة وفي منازلهم وتقديم الشكر
هلل ،واعتبر الرئيس ايزنهاور أن الرب هو الذي وهب الصيغة األمريكية للحكومة
وأن اإليمان الديني هو اإلعتبار األول واألساس ألن يكون المرء أمريكيا.
124
المجلة المغربية لتاريخ القانون
فحقيقة األمر فإن عبارة" فليبارك هللا أمريكا" ليست سوى عملة سياسية
الديني في الواليات المتحدة األمريكية بنفوذ كاف لصياغة اللغة السياسية ،في
حين ال يمكن الفوز بأي إنتخابات في أوروبا عبر اللعب على المشاعر الدينية
للموطنين .ويبدوا واضحا أن مثل هذه الجماعات الدينية في أوروبا صغيرة الحجم
بحيث ال تتطلب إهتماما خاصا من قبل السياسيين .وعلى وجه العموم ،يعبر هذا
اإلبتعاد عن التدين وإظهار الورع والتقوى عن القلق المنتشر على نطاق واسع
وإ ذا كانت بعض الدراسات اعتبرت أن التحرك بين النطاق الديني السياسي
هو ضرورة اقتضتها طبيعة الدولة التي يعيش بها شعب متدين ويحكمها دستور
علماني ،فإن المالحظ أن الواليات المتحدة بالرغم من التعددية الدينية داخلها فإنها
لم تشهد تمثيال لهذه التعددية على الصعيد الرئاسي ،فمنذ نشأتها وعلى مدار
تاريخها لم يحكمها إال رؤساء بروتستانت ،أما الحالة اإلستثنائية الوحيدة التي
شهدها تاريخها كانت هي رئاسة جون كينيدي الكاثوليكي والذي اغتيل قبل إكتمال
واليته.
125
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أهم األسباب التي تفسر هذه السيطرة البروتستانتية على الصعيد الرئاسي
ترجع إلى التركيبة الدينية ألمريكا ،حيث أن أغلبية الشعب كما سبق وأن
بروتستانتي .ويرجع سبب ذلك إلى وجود تراث عقائدي مشترك بين
(التوراة).
126
المجلة المغربية لتاريخ القانون
باإلضا فة إلى ذلك العداء التاريخي بين اليهود والكاثوليك ،لذلك لم يكن من
إيمانيا يشيرون فيه إلى إيمانهم التوراتي حتى ولوكان انتمائهم كاثوليكي.
في أكثر من مناسبة أن أصوله يهودية معلال أن أجداده تحولوا إلى المذهب
أوروبا.
وإذا كان الميل نحو مرشحين ورؤساء بروتستانت كما رأينا يرجع إلى سيطرة
البروتستانتية داخل التركيبة الدينية ألمريكا ،فإن أسباب هذه السيطرة ترجع إلى
األخرى الليبرالية وانخفاض معدل المواليد داخل الجماعات الدينية ذات التوجهات
الليبرالية( . )205وهو ما أدى إلى تراجع كبير في حجم أتباع الكنائس األساسية ذات
التوجهات الليبرالية ،إذ ال توجد مؤشرات تؤكد أن هذا الخلل جاء نتيجة تحول
127
المجلة المغربية لتاريخ القانون
128
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أن الدين يلعب دوره في خلق حالة االستقطاب من خالل عوامل أخرى
()207
Seminar"American Politics and The Religious Divide" The Brookings
Institution,Washington,US, December 2006.
http://www.brookings.edu/~/media/Files/events/2006/0926politics/2006
0926.pdf
129
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الدين والسياسة مسألة لم تحسم بشكل نهائي ،فالدين والسياسة شكال دائما
خليطا تفاعليا عبر التاريخ منذ الفترة اإلستعمارية وحتى الوقت الحاضر.
فحتى مسألة الفصل القانوني بينهما كان هدفه تحديد العالقة بينهما لحماية
130
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وتعود جذور هذا التداخل كما رأينا إلى بداية تشكل األمة األمريكية ،إذ أن
الواليات المتحدة األمريكية أسست على قاعدة دينية متينة وذلك بسبب العناصر
كنيسة رسمية للدولة وال تسمح بتمويل المؤسسات الدينية ،كما أن أي مواطن
أمريكي يملك نفس الحقوق اإلجتماعية والسياسية أيا كان دينه أو إنتمائه الديني
وال يتم التمييز على أساس الدين ،لكن أهم ميزة تمييزها أن أفرادها متدينون،
وكل الديانات السماوية وغيرها موجودة داخلها وتتم ممارسة كل الطقوس الدينية
في مظاهر الحياة اإلجتماعية ،مما يعني أنه بخالف التجارب األوروبية فإن
الفصل بين الدين والدولة لم يترتب عنه يوما الفصل بين الدين والمجتمع ،أو
131
المجلة المغربية لتاريخ القانون
132
المجلة المغربية لتاريخ القانون
133
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المراجع األجنبية:ثانيا
الكتب والدراسات األكاديمية والمقاالت-1
134
المجلة المغربية لتاريخ القانون
135
المجلة المغربية لتاريخ القانون
▪ http://www.brookings.edu/~/media/Files/events/2006/
0926politics/20060926.pdf
▪ Sevinien De Rivet
"Fondamentalisme،Christianisme،Amérique، Les
Ameriques Et Nous" Outre –Terre،RevueEuropéenne
De Géopolitique، France، N°5،Août 2003.
▪ Thomas Jefferson "The Virginia Act For Establishing
Religious Freedom 1786"
University of Virginia Library،Charlottesville، Virgin
ia،United States. available on:
▪ http://religiousfreedom.lib.virginia.edu/sacred/vaact.ht
ml
136
المجلة المغربية لتاريخ القانون
137
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تعليق على حكم محكمة تمييز دبي في الطعن رقم 2017/01الصادر في
" 2017/05/22الذي قضى بنزع االختصاص من محكمة خاصة ومنحه
لمحكمة نظامية"
Comment on Dubai Court of Cassation ruling in appeal
No. 01/2017 of 22/05/2017 "Which ruled on removing
jurisdiction from an Private Court and granting it to a
"Regular Court
د .مصطفى محمد الحسبان
أستاذ مساعد /جامعة الغرير اإلمارات العربية المتحدة
د .مالك أحمد الذياب
أستاذ مساعد /جامعة الغرير اإلمارات العربية المتحدة
Dr. Mustafa Mohammad Al Husban
Assistant Professor/ Al Ghurair University/ United Arab
Emirates
m.alhusban@agu.ac.ae
Dr. Malk Ahmad Alzeab
Assistant Professor/ Al Ghurair University/ United Arab
Emirates malk.alzeab@agu.ac.ae
ملخص:
يتناول هذا التعليق بالدراسة والتحليل الحكم الذي أصدرته ،محكمة تمييز
(نقض) دبي في الطعن رقم 2017/01الصادر في ،2017/05/22والذي قضى
بنزع االختصاص من محاكم خاصة وهي محاكم مركز دبي المالي العالمي
ومنحه للمحاكم النظامية ،ومحاكم مركز دبي المالي العالمي كانت عبارة عن
مراكز تحكيمية تحولت الى محاكم خاصة تتبع النظام القضائي العام بموجب
تعديالت على قانون تأسيسها ،ويكتسب التعليق على الحكم أهميته من كون هذا
األخير يتضمن إخالالً جسيما ً بعدة مبادئ قانونية من بينها المساس باإلختصاص
138
المجلة المغربية لتاريخ القانون
139
المجلة المغربية لتاريخ القانون
Abstract:
This commentary examines and analyzes the judgment issued by
the Dubai Court of Cassation in the appeal No. 01/2017 of
22/05/2017، which ruled on removing jurisdiction from Private
courts، the Dubai International Financial Centre (DIFC) Courts
and granting it to the regular courts. The DIFC courts are private
courts that follow the common judicial system. This commentary
on the ruling is important because the latter includes a serious
breach of several legal principles، including prejudice to the
jurisdiction in the settlement of civil and commercial disputes as
an alternative means of regular judiciary، either towards the will
of the parties to resort to it or towards the legislative
administration to alleviate the pressure on the Statutory courts.
It is also a significant retreat from the legislation issued recently
in the direction of resorting to special arbitral tribunals ، which
lately granted wider powers within Law No. (7) Of 2011 amending
some provisions of Law No. (9) of 2004 as related to the Dubai
International Financial Center and the Emirate of Dubai Law No.
12 of 2004 (as amended by Law No. 16 of 2011 - Judicial Authority
Law)، which explicitly provided for the exclusive jurisdiction of
the DIFC Courts to recognize and enforce arbitral awards،
especially in the event of a conflict of jurisdiction in addition to
the infringement on the judicial distribution of jurisdiction
between local courts and lack of consideration، which requires
legal jurisprudence to stop at this provision and explain its effects
and implications.
Key words: Legal Jurisdiction، Arbitration، General judicial
System.
140
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المقدمة:
يعتبر التعليق على األحكام القضائية التي تصدر عن محاكم التمييز (النقض) رديفا ً
للمبادئ القانونية ،إذ يعتبر الطعن على الحكم القضائي في حد ذاته تعليقا ً على الحكم ألنه
يعيد مناقشة الحكم مرة أخرى ،وبالتالي فإن التعليق على الحكم القضائي يجعل له شكالً
يوضح معالمه من الناحية القانونية ،ألن المشرع وضع نظرية قانونية تشبه المبدأ مفادها
احتمال وقوع القاضي الذي نظر الدعوى في الخطأ ،أو لتأكيد وجهة نظره ،بمعنى أن
الشكوك المثارة حول صحة حكم القاضي وحول مدى مطابقته للقوانين محتملة قانوناً،
(الحو.)2018 ،
وتكتسب األحكام الصادرة عن محكمة تمييز دبي أهمية مضاعفة بالنظر لطبيعتها
وإختصاصها الحصري في الرقابة على األحكام فضالً عن فض التنازع على
اإلختصاص القضائي ،والذي يمنحها مرجعية قانونية طالما إلتزمت النصوص القانوني
الذي تحكم من خاللها ،وبعكس ذلك فإنه يترتب على أحكامها نتائج مباشرة وغير مباشرة
والتي تتعدى في بعض االحيان األشخاص واألطراف ذات الصلة لتشمل آليات عمل
المحاكم النظامية والخاصة ،باإلضافة الى الضمانات التي قدمتها القوانين التي أنشئت
من خاللها ،بسبب كون أحكامها غير قابلة للطعن من جديد بوصفها المحكمة العليا في
السلم الهرمي لدرجات التقاضي ،ولذلك يتوقف المتابعون من أهل اإلختصاص وغيرهم
عند هذا النوع من األحكام بالدراسة والتحليل أحياناً ،واإلنتقاد والتصحيح أحيانا ً أخرى
مما يسهم في تطوير إجراءات التقاضي في دولة اإلمارات العربية المتحدة.
وتعد مسألة تنفيذ األحكام التحكيمية األجنبية من المسائل القانونية المهمة ،وقد
شرع اإلماراتي شروطا ً عدة لتنفيذ تلك األحكام؛ لعل أولها شرط االختصاص
وضع ال ُم ِّ
القضائي "أي أن تكون المحكمة األجنبية التي أصدرت الحكم مختصة" ومن ثم تحديد
المحكمة المختصة محليا ً للتصديق على حكم التحكيم األجنبي ،سواء في حالة اإلتفاق
بين الخصوم أو حالة عدم إتفاقهم.
141
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لقد جاء حكم محكمة تمييز دبي في الطعن رقم 2017/01معيبا ً بشكل كبير حيث
نزع اإلختصاص من محاكم مركز دبي المالي العالمي ومنحه للمحاكم النظامية ،مما
يؤدي الى وقوع إضطراب في أحكام القضاء ،ويعتبر الحكم الصادر محل إنتقاد وغير
موفق ألسباب موضوعية جوهرية ،فهو يتناقض مع التوزيع القانوني لإلختصاصات
بين المحاكم ،كما أنه يتعدى على إستقاللية المحاكم التي أسست بموجب قانون وحددت
إختصاصاتها بشكل صريح في القانون رقم ( )7لسنة 2011بتعديل بعض أحكام القانون
رقم ( )9لسنة 2004بشأن مركز دبي المالي العالمي وينال من العديد من المواد القانونية
التي سيرد ذكرها الحقاً ،والتي نظمت اإلختصاصات واإلجراءات القضائية لمحكمة
المركز وللمحاكم النظامية ،وقد إستند هذا الحكم الى مفهوم خاطئ لإلختصاص القضائي
لمحاكم مركز دبي المالي العالمي بصورة مرسلة وإفتراضية ليست موجودة ال واقعا ً
وال قانونا ً بل تتناقض مع المفهوم المستقر بأحكام متواترة لمحكمة تمييز دبي ذاتها ،مما
يجعله معيبا ً بعيوب جوهرية ال تضمن إستمراره كمبدأ قانوني صادر عن محكمة
النقض.
142
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تمهيد:
يود الباحث أن يبين بداية ماهية المحاكم الخاصة ،هي محاكم تؤسس بموجب
قانون يستثني بعض األفراد والهيآت من اللجوء الى المحاكم النظامية ويحصر
اإلختصاص لفض بعض أنواع المنازعات لها ،ومن األمثلة عليها محاكم الجمارك
ومحاكم البلديات ،والمحاكم موضوع بحثنا واحدة من المحاكم الخاصة وهي محاكم
مركز دبي المالي العالمي ،هي عبارة عن هيئة قضائية مسؤولة عن حل كافة النزاعات
المدنية والتجارية بشكل مستقل وغير منحاز ضمن قواعد المركز وفقا ً للنظام التشريعي
المبني على المبادئ القانونية العامة ،وهي األولى من نوعها في منطقتنا لحل المنازعات
التجارية والمالية من خالل القانون العام الناطق باللغة اإلنجليزية ،ومن أهدافها أيضا ً
القانونية التي أرستها أحكام محاكم المركز منذ عام ،2008وتمثل هذه المحاكم إنجازا ً
مهما ً في مسيرة تطوير فض نزاعات التحكيم التجارية في المنطقة ال سيما التي تتكون
حيث يختلف التحكيم في محاكم مركز دبي المالي العالمي عن القضاء النظامي
في كون اللجوء إليه يقتضي وجود إتفاق بين الخصوم أو نص خاص في القانون ،بينما
اللجوء الى القضاء النظامي فهو حق عام يستعمله الخصم تلقائيا ً دون الحاجة الى أية
حيث يعتبر قرار المحكم ملزما ً للطرفين دون الحاجة الى أي إجراء (شفيق،
وتطوره وزيادة اإلقبال عليه كنظام قانوني لحل المنازعات ،وهو ما شجع على إنشاء
143
المجلة المغربية لتاريخ القانون
محاكم خاصة في مركز دبي المالي العالمي ،تصدر فيه القرارات واألحكام التي تكتسب
الحجية الكاملة ومن ثم يمكن إنفاذها داخل الدولة وخارجها ،فضالً عن تنفيذ أحكام
األحكام األجنبية في المواد من 235إلى 238من قانون اإلجراءات المدنية رقم 11
لسنة 1992وتعديالته ،وقد أوردت الفقرة الثانية من المادة 235شروط تنفيذ األحكام
صادرا عن هيئة
ً المشرع اإلماراتي لتنفيذ الحكم األجنبي ،أن يكون
ِّ يشترط
مختصة ،وأن المحاكم األجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقًا إذ نص في الفقرة (أ) :
" ...وأن المحاكم األجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقا ً لقواعد االختصاص القضائي
األجنبية التحقق من " ...أن المحاكم األجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقًا لقواعد
االختصاص القضائي الدولي الم قررة في قانونها" وعاد ذات النص في الفقرة (ب)
واشترط التحقق من أن الحكم أو األمر صادر من محكمة مختصة وفقًا لقانون البلد الذي
صدر فيه".
النص في الفقرة (ب) يعني أيضا ً اشتراط أن يراقب القاضي اإلماراتي عملية
االختصاص الداخلي للمحكمة التي أصدرت الحكم ،وعليه ،يجب أن يتأكد القاضي من
144
المجلة المغربية لتاريخ القانون
القاضي اإلماراتي بعد أن ينتهي من المرحلة األولى ويتأكد من أن الحكم قد صدر عن
محكمة أجنبية مختصة من الوجهة الدولية ،أن ينتقل إلى المرحلة الثانية ليتأكد من أن
الحكم األجنبي قد صدر عن محكمة مختصة داخليًّا من الوجهتين المحلية (عكاشة عبد
العال ،دراسات في القانون الدولي الخاص في دولة اإلمارات العربية المتحدة ،ص)9 :
والنوعية وهذا الذي أخذت به محكمة تمييز دبي ،حيث أوجبت "أن تكون المحكمة
األجنبية التي أصدرت الحكم الم طلوب تنفيذه مختصة بنظر المنازعة التي فصلت فيها
وفقًا لقواعد االختصاص القضائي الدولي المنصوص عليها في قانونها ،وأن تكون
مختصة -أيضًا -وفقًا ألحكام القانون الداخلي المعمول به في تلك الدولة األجنبية ،بحيث
يلتزم القاضي قبل إصدار األمر بالتنفيذ ،أن يتحقق من أن المحكمة األجنبية قد فصلت
في المنازعة في حدود اختصاصها المقرر وفقًا لقواعد االختصاص الوارد في القانون
المحلي الذي تخضع له المنازعة في الدولة األجنبية ،فإذا تخلف أي من هذه الشروط،
فال يجوز للقاضي الوطني إصدار أمره بتنفيذ هذا الحكم األجنبي ولو توافرت باقي
الشروط األخرى" (تمييز دبي ،الطعن رقم 114 ،لسنة ،1993بتاريخ .)1993/09/26
المقضي ،ومقتضى حيازة الحكم لتلك القوة ،هو تطهيره من العيوب العالقة به ،ومنها
عيوب االختصاص النوعي والمحلي ،فال محل لتعييب الحكم بها ،واالمتناع عن تنفيذه،
إال في حالة العيوب التي تنحدر بالحكم لدرجة االنعدام كما سلفت اإلشارة (أحمد محمد،
.)2018
145
المجلة المغربية لتاريخ القانون
على أحكام التحكيم األجنبية وتنفيذها في ضوء التشريعات النافذة من خالل التعليق على
وال يمكننا في هذا البحث غض الطرف عن األخطاء التي شابت القضية محل
التعليق ،سواء مرحلة غرفة المشورة ،أو بالنسبة إلجراءات المحكمة ذاتها ،رغم أن
القضية كانت تتطلب المزيد من الوقت وإتاحة المجال لمحكمة مركز دبي المالي العالمي
إلبداء رأيها وإعداد مذكراتها حيث تعتبر من أصحاب الشأن في الدعوى التي تمس
إختصاصها.
وفي معرض هذا التعليق ،نعرض أوالً لوقائع الحكم ،ثم نقدم مالحظاتنا عليه،
أوالً :الوقائع:
تتحصل الوقائع في أ ن الطاعنة قدمت هذا الطلب طالبة من الهيئة القضائية أن
تفصل في مدى اختصاص محاكم مركز دبي المالي لعالمي بالفصل في الدعوى رقم
لندن ،وبيانا ً لدعواها قالت ان المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 2015/800أمام
المحكمة اإلبتدائية بمحاكم مركز دبي المالي العالمي ضدها والتي أصدرت حكمها
بالتصديق على حكم التحكيم الصادر من محكمين في لندن ،وقالت الطاعنة إن محكمة
مركز دبي المالي العالمي ليست مختصة بنظر هذا الحكم التحكيمي ،وقدمت مذكرة
بينت فيها أنها أقامت الدعوى رقم 2015/95أمام مركز تسوية امنازعات الودية بمحاكم
دبي.
146
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وهذا المركز أنشأ بموجب القانون رقم 2009/16وتنص المادة ( )2منه على أن
يلحق المركز بالمحاكم ،وتنص المادة ( )5منه على أن يقوم المركز بنظر المنازعات
التي تعرض عليه تحت إشراف القاضي المختص .كما تنص المادة ( )12منه على أن
إتفاقية الصلح التي يتوصل إليها المركز بين أطراف النزاع يعتمدها القاضي وتكون لها
قوة السند التنفيذي ،مما مؤداه أن المركز جزء ال يتجزأ من محاكم دبي وال ينفصل عنها،
وأودع محامي المطعون ضدها مذكرة بدفاعها طلبت فيها رفض الطعن.
نشأت هذه الدعوى نتيجة لحكم التحكيم الصادر في لندن بتاريخ 14مارس
،2014حيث تم إجراء التحكيم في لندن وفقا ً إلتفاقية التحكيم بين الطرفين والتي تنص
على أن يكون مقره لندن ،وكذلك القانون المطبق هو القانون اإلنجليزي ،وكان النزاع
يتعلق بعقد بناء سفن مؤرخ 18إبريل 2011بخصوص بناء السفينة إكس التي قامت
بذلك شركة البناء لصالح شركة المالحة بصفتها المالك ،ولكن تم إنهاء العقد من قبل
شركة البناء ،حيث حيث كانت هناك ثالثة قضايا تحكيمية تخص سفن منفصلة يتم بناؤها
النزاع يتعلق بعقد بناء سفينة – ناقلة نفط – فيما بين الشركة صانعة السفينة
المطعون ضدها والطاعنة ،هذا وقد أصدرت هيئة التحكيم حكما ً لصالح المدعية
المطعون ضدها ،ومن خالل ما سلف ذكره من وقائع يتبين للمحكمة أن هناك نزاعا ً حو
اإلختصاص بين المحكمتين أي بين محاكم دبي النظامية ومحكمة مركز دبي المالي
وتسبيبا ً لحكمها قالت محكمة تمييز دبي "أن هذا التنازع وكما جرى به قضاء
محكمة التمييز ال يحل إال باإلباحة لكال المحكمتين بنظر الدعوى المعروضة عليهما في
147
المجلة المغربية لتاريخ القانون
آن واحد ،وطبقا ً للمادة ( )4من المرسوم رقم 2016/19ومن أجل حسن سير العدالة
وتفاديا ً لصدور أحكام متعارضة فإنه يتعين أن تقضي ببطالن هذا الحكم األجنبي أو
كما أضافت محكمة تمييز دبي تسبيبا ً لحكمها أنه "طبقا ً للقواعد العامة المضمنة
في قوانين اإلجراءات المدنية وبما أن محاكم دبي النظامية هي صاحبة الوالية العامة
وأردفت محكمة تمييز دبي قائلةً "من نافلة القول أنه ليس هناك وجه شبه بين هذه
الدعوى والدعاوى التي تطبق فيها المحاكم نصوص إتفاقية نيويورك لسنة 1958ذلك
"يقبل الطعن وصدر الحكم وفقا ً لذلك ،لهذه األسباب حكمت الهيئة القضائية:
ثالثاً :تلزم الم طعون ضدها بالمصروفات ومبلغ الفي درهم مقابل أتعاب
المحاماة".
وأرفقت محكمة تمييز دبي للحكم محل التعليق الوقائع كما استعرضها قضاة
محاكم مركز دبي المالي العالمي الذين عارضوا الحكم على التسلسل اآلتي:
بدأت إجراءات اإلنفاذ في مركز دبي المالي العالمي بتاريخ 19نوفمبر 2015
بموجب المادة ( )42من قانون التحكيم في مركز دبي المالي العالمي ،وبناءا ً على ذلك،
أصدر مركز دبي المالي العالمي بتاريخ 16ديسمبر 2015أمرا ً باإلعتراف بالحكم
148
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وإنفاذه بمبلغ 14.5مليون دوالر أمريكي والفوائد المطالب بها ،وفي الجلسة التي تم
فيها النطق بالحكم ووفقا ً للممارسات المعتادة إلنفاذ قرارات التحكيم األجنبية ،لم تكن
شركة المالحة حاضرة ،إال أنه تم إخطارها باألمر المؤرخ 16ديسمبر وبأنه سيكون
أمامها مهلة ( )14يوما ً للتقدم بطلب إللغاء األمر في حالة عدم رضاها عنه
لم تقدم شركة المالحة أي طلب لإلعتراض على األمر أو إللغاء الحكم ،على
الرغم من أنه أتيحت لها الفرصة الكاملة للقيام بذلك ،ونتيجةً لذلك لم يكن هناك أي طعن
أو إعتراض على اإلختصاص القضائي بمحاكم مركز دبي المالي العالمي أو بشأن طلب
وفي وقت الحق قدمت شركة المالحة طلبا ً الى محاكم مركز دبي المالي العالمي،
ليس بشأن إلغاء أمر اإلنفاذ ،ولكن فقط إليقاف أو تأجيل تنفيذ حكم التحكيم ،وكانت
أسباب هذا الطلب تستند الى أن شركة المالحة بتاريخ 8ديسمبر 2015قد طلبت من
هيئة التحكيم اإلستماع الى المطالبة التي ترغب فيها ركة المالحة ضد شركة البناء،
حيث كانت شركة المالحة تدعي بأنه بموجب عقد بناء السفن وبعد أن أنهت شركة البناء
العقد ،كان ينبغي أن يتم بيع السفينة غير المكتملة وإستخدام عائدات البيع لتقليل المبالغ
وبناءا ً على ذلك طلبت شركة المالحة أن تقوم هيئة التحكيم ذاتها بالبت في مسألة
جديدة فيما يتعلق بمطالباتها المتعلقة بحساب األموال التي ينبغي الحصول عليها من قيمة
ويتضح من الطلب أنه يتعلق بوقف اإلجراءات أو تأجيلها ،ولم تطعن شركة
المالحة بإختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي في نظر الدعوى ،والواقع أن
149
المجلة المغربية لتاريخ القانون
شركة المالحة قد أقرت راحةً من خالل الطلب مقدم إليقاف أو تأجيل اإلجراءات بأن
محاكم مركز دبي المالي العالمي لديها اإلختصاص القضائي في نظر الدعوى ،وأنها
تطلب من محاكم مركز دبي المالي العالمي ممارسة واليتها القضائية لصالح شركة
المالحة.
جديدة وإن كانت تتعلق بنفس عقد بناء السفن محل النزاع ،حيث صدر حكم التحكيم
دوالر أمريكي وهو حكم التحكيم النهائي وأعلنت المحكم صراحةً باآلتي" :نعلن هنا بأن
هذا الحكم نهائي بالنسبة لجميع المسائل المحددة المتعلقة بعقد بناء السفن ،وأن المحكمة
المصدرة للحكم المقصو هنا المحكمة التحكيمية التي أصدرت حكم التحكيم -تحتفظ
بحقها في إصدار أي حكم أو أحكام جديدة أخرى بشأن جميع النزاعات المعلقة والناشئة
وبناءا ً على ذلك فإن هذا القرار قابل لإلنفاذ بشكل كامل من حيث األوامر الواردة
في حكم التحكيم هذا ،بصرف النظر عن أي مطالبات أخرى قد تكون لشركة المالحة
ضد شركة البناء والتي من الممكن أن تبقى قائمة حتى يتم عرضها على التحكيم والفصل
فيها.
رفضت محاكم مركز دبي المالي العالمي هذا الطلب بوقف أو تأجيل إجراءات
إنفاذ الحكم المؤرخ 18مايو 2016وقد قبل القاضي الدفوع التالية التي قدمتها شركة
البناء:
150
المجلة المغربية لتاريخ القانون
(أ) كان طلب اإلعتراف بحكم التحكيم الصادر في لندن وإنفاذه قد تم على النحو
الواجب عمالً بقانون التحكيم في مركز دبي المالي العالمي والذي يستند الى أحكام وبنود
إتفاقية نيويورك.
(ب) األسباب التي قدمتها شركة المالحة بشأن إلغاء الحكم كانت خارج األسباب
(ج) إن السبب الوحيد لتبرير طلب التأجيل هو أن هناك طلب معلق أمام المحكمة
التحكيمية التي نظرت القضية بدايةً بشأن إلغاء حكم التحكيم ،وكان هذا الطلب قد قدم
(د) إن المطالبة المتداخلة (في شكل المطالبة بشأن الحسابات) ليست سببا ً إليقاف
أو تأجيل إجراءات إنفاذ حكم التحكيم النهائي ،ويتبين مما تم بحثه سابقا ً أن قرار المحكمة
الصادر بتاريخ 14مارس 2014أنه حكم تحكيم نهائي فيما يتعلق بالمسائل التي قررها
حكم التحكيم هذا بما في ذلك الدين البالغ 14.5مليون دوالر أمريكي.
باإلضافة الى أن هناك شرط واضح في عقد بناء السفن (المادة رقم /11أ) أعطت
السلطة التقديرية الكاملة لشركة البناء ما إذا كان ينبغي إكمال السفينة من عدمه في حالة
وإثناء ذلك وبتاريخ 4فبراير ،2015أي بعد سنة واحدة من صدور حكم التحكيم
في لندن ،قدمت شركة المالحة طلبا ً أمام مركز التسوية الودية للمنازعات التابع لمحاكم
دبي بتعيين خبير محكم أمام محاكم دبي بغرض البت في القضايا (من بين أمور أخرى)
151
المجلة المغربية لتاريخ القانون
التي سبق وأن فصل بشأنها في التحكيم وطلبت أن يتم تحديد العالقة بين الطرفين،
ولم تتم أية إجراءات في عام ،2015في طلبها أمام الهيئة القضائية ،وإدعت بأنه
ال يمكن إبالغ شركة البناء بهذه الدعوى ألن شركة البناء ليس لديها عنوان داخل دولة
اإلمارات ال عربية المتحدة ،ومع ذلك كانت قد حضرت شركة البناء الى دولة اإلمارات
العربية المتحدة في الربع األخير من عام 2015عندما تقدمت بطلب أمام محاكم مركز
دبي المالي العالمي لإلعتراف وإنفاذ حكم التحكيم ،ولديها محامي داخل دولة اإلمارات
العربييةالمتحدة يمكنه قبول اإلعالن .وفي الواقع ،وحتى قبل بدء إجراءات محاكم مركز
دبي المالي العالمي كان بإمكان شركة المالحة أن تخاطب من خالل محاميها الى محامي
شركة البناء في لندن وإبالغه بشأن بدء إجراءات محاكم دبي والتوصل إلتفاق بشأن
المضي قدما ً في هذه اإلجراءات دون اإلضطرار الى الذهاب من خالل القنوات
قدمت شركة المالحة هذا الطلب الى الهيئة القضائية بتاريخ 17يناير ،2017
وكان أساس الطلب ليس أن هناك تنازع في اإلختصاص القضائي ناشئ عن إجراءات
دبي ولكن أن محاكم مركز دبي المالي العالمي ليس لديها اإلختصاص القضائي في
اإلعتراف وإنفاذ حكم التحكيم ،ولم تتخذ هذا الموقف أبدا ً شركة المالحة من قبل أمام
محاكم مركز دبي المالي العالمي ،ووفقا ً لما ذكر سابقاً ،قبلت شركة المالحة
(أ) عدم الطعن في إختصاصها عندما قدمت شركة البناء (جينهاي) بطلب
152
المجلة المغربية لتاريخ القانون
(ب) عدم الطعن في أمر اإلعتراف واإلنفاذ الصادر من محاكم مركز دبي المالي
(ج) مطالبة مركز دبي المالي العالمي بممارسة إختصاصها في وقف اإلجراءات
أو تأجيلها.
وهذا يشبه الى حد كبير قضية مجموعة استثمارية ضد بنك (النقض رقم ()4
لسنة )2016حيث رفضت الهيئة القضائية طلب نقل الدعوى من محاكم مركز دبي
المالي العالمي الى محاكم دبي على أساس أن مقدم الطلب قد سبق أن أعطى صراحة
اإلختصاص القضائي لمحاكم مركز دبي المالي العالمي ،وفي الدعوى محل الحكم قبل
مقدم الطلب صراحةً اإلختصاص القضائي لمحاكم مركز دبي المالي العالمي من خالل
اإلجراءات التي قام بها واإلجراءات التي لم يقم بها وفق ما سلف بحثه ،وال يمكن سماعه
أمام محمكة تمييز دبي بعد ذلك القبول الصريح بأنه ال يقبل باإلختصاص القضائي.
153
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إن هذا الحكم يثير العديد من المسائل المهمة التي تتعلق بضرورة حفظ توزيع
الجهات البديلة لحل النزاعات القضائية وعدم اإلخالل بمشروعية التحكيم وإتفاق
األطراف في اللجوء إليه ،وعدم اإلعتداء على إختصاصه ،ممثالً بمراكز التحكيم
المؤسسة بموجب قوانين ومنها وأقواها وأحدثها في دولة اإلمارات العربية المتحدة
محاكم مركز دبي المالي العالمي ،بإعتبارها ركنا ً جوهريا ً في القضاء البديل والمرادف
لل قضاء النظامي وفق مبدأ إرادة األطراف ،وهو ما يستوجب التوقف عند هذه
المالحظات وتوضيحها وبيان آثارها وتداعياتها وذلك وفقا ً لما سيأتي بيانه.
تنقسم المالحظات التي نوردها في إطار تعليقنا على هذا الحكم وما يرتبط بها من
المسألة األولى:
يستند القرار الى "المبادئ العامة للقانون التي تشمل على القوانين اإلجرائية
وحيث أن محاكم دبي لديها اإلختصاص القضائي العام عندها قطعا ً المختصة في نظر
هذه الدعوى وهذا يعني أنه كلما كان هناك نزاع بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي
المالي العالمي ،يجب ان تعطي محاكم مركز دبي المالي العالمي األولوية لمحاكم دبي،
كقاعدة عامة يجوز جلب االختصاص للمحاكم الوطنية باتفاق األطراف ،وقد
أصبح الفقه الغالب يجيز أيضًا أخذ االختصاص من المحكمة الوطنية ومنحه لمحكمة
154
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وذلك تطبيقا ً لفكرة التخلي عن اإلختصاص حيث أجازت محكمة تمييز دبي فكرة
التخلي عن االختصاص القضائي – قبل أن تتراجع عن ذلك الحقا ً -وقضت بذلك في
النظامي وما تتطلبه من إ ضاعة كل أثر التفاق الخصوم على الخضوع لوالية قضاء
خاص ،ال تمنع القاضي انظامي من التخلي عن اختصاصه بنظر الدعوى إذا دعت إلى
ذلك موجبات المالءمة التي تمليها بعض االعتبارات -ومنها إعمال فكرة تنفيذ األحكام
التي يصدرها القضاء النظامي ،وهي الفكرة التي تجد أساسها في إمكان تنفيذ الحكم
الصادر من القاضي النظامي خارج حدود إختصاصه من عدمه ،بحيث إذا لم يثبت له
توافر اعتبارات المالءمة ،فإنه ال يجوز التخلي عن اختصاصه وإعمال اتفاق الخصوم
النظامية لصالح المحاكم الخاصة ،تطبيقً للنظرية العامة للتخلي ،وتقوم فيه الفكرة على
كون المحكمة الوطنية مختصة ،ولكنها تتخلى عن اختصاصها لصالح المحكمة األجنبية
للمحاكم الخاصة.
حيث نصت المادة (/5أ )1/من قانون إمارة دبي رقم ( )12لسنة ( 2004بصيغته
المعدلة بالقانون رقم 16لسنة – 2011قانون الهيئة القضائية) بوضوح على أنه في
155
المجلة المغربية لتاريخ القانون
حالة إختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي يكون لها اإلختصاص الحصري ،وهذا
يعني أنه عندما يكون هناك نزاع أو تضارب لإلختصاص القضائي ،فإن محاكم مركز
وتنص المادة (/5أ/ 1/ه) من نفس القانون على أن "أية مطالبة أو دعوى تختص
بنظرها المحاكم وفقا ً لقوانين مركز دبي المالي العالمي" هي مسألة تدخل في نطاق
اإلختصاص الحصري لمحاكم مركز دبي المالي العالمي ،كما تنص المادة ( )1/42من
قانون التحكيم لمركز دبي المالي العالمي لعام 2008وهو قانون يأتي في سياق المادة
(/ 5أ/ه) ،وبالتالي فإن لمحاكم مركز دبي المالي العالمي اإلختصاص الحصري لنظر
هذه الدعوى.
المسألة الثانية:
يفيد تسبيب الحكم محل التعليق بأن "هذه الدعوى ال تشبه الحاالت التي تطبق فيها
المحاكم أحكام إتفاقية نيويورك لعام 1958ألن هاتين المحكمتين تقعان في إمارة واحدة،
وهذا التسبيب غير صحيح وفق القانون الدولي ،حيث يمكن إنفاذ إتفاقية نيويورك
في أجزاء مختلفة من الدول ،وعلى سبيل المثال ،في واليات مختلفة من الواليات المتحدة
. 1986)،Genevro،(McLaughlin
وعالوة على ذلك ،وبموجب المادة 42من قانون التحكيم الصادر عن مركز دبي
المالي العالمي لعام ، 2008تمنح محاكم مركز دبي المالي العالمي السلطة الصريحة
(والواجبة) إلنفاذ أحكام الت حكيم "بصرف النظر عن الدولة أو اإلختصاص القضائي
156
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الذي صدرت عنه" ،وفي حالة منعت محاكم مركز دبي المالي العالمي من تنفيذ حكم
التحكيم األجنبي ،فإن هذا من شأنه أن يضع دولة اإلمارات العربية المتحدة في موضع
مخالفة إللتزاماتها بموجب المادة الثالثة من إتفاقية نيويورك ،والتي تطلب من جميع
حيث أن المادة 2( 8و )7من قانون دبي رقم ( )9لسنة ( 2004بصيغته المعدلة
بالقانون رقم ( )7لسنة )2011تنص على أن "محاكم المركز (محاكم مركز دبي المالي
العالمي) لديها اإلختصاص القضائي الحصري في تفسير قوانين المركز (بما في ذلك
قانون التحكيم المعمول به في مركز دبي المالي العالمي لعام )2008ولوائح المركز".
المسألة الثالثة:
تم تعريف قوانين المركز في المادة ( )2من قانون إمارة دبي رقم ( )12لسنة
2004بأنها "أية قوانين تصدر من قبل الحاكم فيما يتعلق بالمركز" ،مما يعني أن محاكم
مركز دبي المالي العالمي لديها أيضا ً اإلختصاص القضائي الحصري في تفسير قوانين
وتنص المادة ( )4من المرسوم رقم )019لعام 2016على أنه إذا كان هناك
تضاربا ً في ا إلختصاص بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي البند رقم
(" :)3فإن الهيئة القضائية تفصل في الطلبات المقدمة وفقا ً لما هو منصوص عليه في
البند األول من هذا القرار وفقا ً للقوانين السارية والتشريعات المعمول بها بشأن
اإلختصاص القضائي المنطبقة في هذا الشأن" ،وهذا يعني أن جميع القضايا بشأن
157
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تتنازع اإلختصاص يجب أن تسوى وفقا ً للمبادئ العامة للقانون وإنما القوانين المحددة
المذكورة أعاله.
وبناءا ً على ما سبق ،فإن جميع هذه القوانين تؤدي الى نتيجة واحدة :أن محاكم
مركز دبي المالي العالمي هي المحكمة الوحيدة التي لها اإلختصاص القضائي الحصري
للنظر في قضية اإلنفاذ ،وعلى مركز التسوية أن يرفض الدعوى رقم 2015/95
لألسباب التي تم بحثها في هذا التعليق على الحكم .
المسألة الرابعة:
أثناء سير قضايا التحكيم ،حيث نشأت هذه الدعوى نتيجة لحكم التحكيم الصادر في لندن
بتاريخ 14مارس ،2014حيث تم إجراء التحكيم في لندن وفقا ً إلتفاقية التحكيم بين
الطرفين والتي تنص على أن يكون مقره لندن ،وكذلك القانون المطبق هو القانون
اإلنجليزي ،وكان النزاع يتعلق بعقد بناء سفن مؤرخ 18إبريل 2011بخصوص بناء
السفينة إكس التي قامت بذلك شركة البناء لصالح شركة المالحة بصفتها المالك ،ولكن
تم إنهاء العقد من قبل شركة البناء ،حيث حيث كانت هناك ثالثة قضايا تحكيمية تخص
سفن منفصلة يتم بناؤها وهذه الدعوى تتعلق فقط بالسفينة إكس.
ثم أصدرت المحكمة قرارا ً لصالح شركة البناء بمبلغ 14.55مليون دوالر
أمريكي باإلضافة الى الفائدة بنسبة %6سنوياً ،وهي الدفعة الثانية من ثمن بناء السفينة
التي لم تدفعها شركة المالحة الى شركة البناء ،وبعد عدم الوفاء بالدفعة ،قامت شركة
158
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وأخيرا ً قدمت شركة المالحة طلبا ً الى المحكمة اإلنجليزية (بصفتها المحكمة التي
نظرت الدعوى بدايةً) إللغاء حكم التحكيم في أكتوبر 2015ولكن تم رفض هذا الطلب
ألن المحكمة رأت بأن أسباب الطلب "ال يمكن تقديرها" وهكذا أصبح حكم التحكيم بات
وبالنظر الى الدفوع التي دفعت بها شركة المالحة بأن هناك تضاربا ً في
اإلختصاص القضائي والتي أثارتها أمام الهيئة القضائية بسبب الدعوى رقم 2015/95
أمام مركز التسوية الودية للمنازعات ،المطالبة بالتعويض الودي بإستعراضنا للمسائل
التي ترغب شركة المالحة في الرجوع إليها في مركز التسوية ،سوف يتبين أن جميع
المسائل التي ترغب شركة المالحة في أن يقوم المركز بالتحقيق فيها كانت قد أحيلت
بالفعل الى التحكيم المشار اليه سابقاً ،وعليه فإن هذا الطلب ينتهك مبدئين من المبادئ
(أ) وافقت األطراف طوعا ً على إحالة النزاع الى التحكيم ،وال سيما التحكيم
الدولي ،فإن المحاكم (وأي شخص مرتبط بالمحكمة) لن تمارس إختصاصها على ذلك
النزاع ،ولكنها ستتركها لهيئة التحكيم المختارة لحل ذلك النزاع وهذا جزء من القانون
المحلي (قوانين إمارة دبي) باإلضافة الى انه منصوص عليه صراحةً في المادة ()3/2
من إتفاقية نيويورك التي إنضمت إليها دولة اإلمارات العربية المتحدة ،وتنص هذه المادة
على ما يلي" :إن المحكمة (وتشمل كذلك مركز التسوية) للدولة المتعاقدة (بما فيها دولة
اإلمارات العربية المتحدة) عند إتخاذ إجراء بشأن مسألة كان الطرفان قد أبرما إتفاقا
بشأنها بالمعنى المقصود في هذه المادة (أي بمعنى إتفاق التحكيم) بناءا ً على طلب أحد
159
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الطرفين ،يحيل األطراف الى التحكيم ،ما لم يتبين بأن اإلتفاق المذكور باطل أو غير
قابل للتنفيذ.
وبالتالي ليس ألي محكمة (مثل مركز التسوية ،الملحق بمحاكم دبي بموجب نص
المادة ( )3من قانون دبي رقم )2016/16أي إختصاص قضائي لنظر مسألة متفق
عليها للتحكيم.
(ب) المسائل التي طلبتها شركة المالحة من مركز التسوية لحلها قد تم البت فيها
بالفعل من قبل هيئة التحكيم في لندن من خالل إجراءات التحكيم المشار إليها سابقاً،
وبالتالي فهي مسائل سبق نظرها والبت فيها من قبل المحكمة المختصة أو هيئة التحكيم
المسألة الخامسة:
أسست محكمة تمييز دبي حكمها على أنه ليس هناك وجه شبه بين هذه الدعوى
والدعاوى التي تطبق فيها المحاكم نصوص إتفاقية نيويورك لسنة 1958ذلك أن
160
المجلة المغربية لتاريخ القانون
حيث تنص المادة 3من اتفاقية نيويورك كما هو النص في اتفاقية جنيف من قبل،
بقولها" :تعترف كل الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم ،وتأمر بتنفيذه طبقا ً لقواعد
المرافعات المتبعة في االقليم المطلوب إليه التنفيذ ،وطبقا ً للشروط المنصوص عليها".
وهكذا تكون اتفاقية نيويورك أحالت تنفيذ الحكم التحكيمي إلى قواعد المرافعات
في بلد التنفيذ ،ولكنها أضافت إلى اتفاقية جنيف تكملة أساسية توفر الحكم التحكيمي
الدولي فرصا ً أفضل ،إذ نصت" :وال تفرض لالعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي
تطبق عليها أحكام االتفاقية الحالية شروط أكثر شدة وال رسوم قضائية أكثر ارتفاعا ً
بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض لالعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين"
(األحدب.)2001 ،
وإن كانت اتفاقية نيويورك أقرت بتنفيذ األحكام التحكيمية وفقا ً لقواعد المرافعات
المتبعة في االقليم المطلوب التنفيذ فيه ،إال أنها حالت هذا النص دون التفريق بين األحكام
التحكيمية األجنبية واألحكام التحكيمية الداخلية ،وتشديد تنفيذ األولى في قواعد
المرافعات ،حيث يصبح درب تنفيذ األحكام الداخلية يسيراً ،فيما يصبح تنفيذ األحكام
التحكيمية الدولية عسيراً .مع هذا النص أصبح ما يطبق على األحكام التحكيمية الداخلية،
هو نفسه ا لذي يطبق على أحكام التحكيم األجنبية من قواعد للتنفيذ .أي ان اتفاقية نيويورك
حققت مساواة األحكام التحكيمية الداخلية باألحكام التحكيمية األجنبية.
الخاتمة:
حقيقة التقاضي تعتبر أن خالصة عمل محكمة النقض ،والتي يمكن وصفها
بـاالجتهاد ،ليست مستقرة ،بل متغيرة ،فكم من واقعة قانونية واحدة صدر لها اجتهادات
161
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إن مبدأ توزيع اإلختصاص القضائي الى جانب الكثير من القواعد القانونية الثابتة،
ترسم حدودا ً تفصل بين القضاء النظامي والقضاء الخاص ،متمثالً بالوسائل البديلة لفض
النزاع مثل التحكيم ،بحيث أنها تقف دون تدخل أي نظام قضائي في أعمال النظام اآلخر،
ومن ثم فإن الحفاظ على إحترام القواعد القانونية هو مسؤولية مشتركة وال تقتصر على
نظام قضائي دون آخر ،ذلك أن تجاوز على إختصاص أي سلطة قضائية لألخرى يقضي
عل ى أحد الضمانات المؤثرة في جانب األخذ بفكرة إرادة األطراف في إختيار وسيلة
بديلة لحل النزاع غير القضاء النظامي ،ومنع السلطة القضائية األعلى – القضاء
النظامي -في االفالت من دورها في مراقبة التزاماتها وفي مقدمتها مبدأ توزيع
اإلختصاص القضائي كما نص عليه في قانون السلطة القضائية في إمارة دبي ،وهو ما
يجعل ما جاء في الحكم محل التعليق معيبا ً بالتعدي على الكثير من القواعد القانونية،
وفي مقدمتها قاعدة توزيع اإلختصاص القضائي ،وذلك حينما نظرت محكمة تمييز دبي
الطعن المقدم لها وحكمت بأن محاكم دبي هي المختصة بنظر هذه الدعوى وأن تكف
وقد انتهينا في هذا التعليق الى أن الحكم جاء مشوبا ً بعيب شكلي وموضوعي
ومتعديا ً على المبادئ القانونية ،إلنه يهدم مبدأ المشروعية القانونية ،ويتعدى على
الطبيعة القانونية للمحكمة الخاصة وأهميتها وسبب وجودها ،في مسار مخالف لكل
نصوص وقواعد اإلختصاص القضائي ،بل حتى إلحكام محكمة تمييز دبي نفسها ،فض ً
ال
عن أنه تجاهل إعمال مبدأ إرادة الخصوم في االتفاق على وسيلة بديلة لحل النزاع غير
القضاء النظامي في الطعن المقدم وفقا ً للمستقر فقها ً وقضاءا ً وتضمن تزيدا ً في غير
محله ،وفي ضل ذلك فإن الحكم يعتبر معيبا ً وتراجعا ً عن التوجه القضائي في العالم وفي
162
المجلة المغربية لتاريخ القانون
163
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المصادر والمراجع:
.2019/07/08
األجنبية :دراسة نقدية في القانون اإلماراتي ،مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية،
-3الحو ،صبري 18( .يوليو )2018التعليق على القرارات القضائية ينصب على
عمل القاضي وليس على شخصه ،مجلة مغرب القانون ،متاح على الموقع اإللكتروني:
-4تركي ،علي .)2011( .تنفيذ األحكام واألوامر والسندات األجنبية ،ضمن الفعاليات
-5حسن موسى ،طالب .)1997( .الموجز في قانون التجارة الدولية ،عمان :دار الثقافة
للنشر والتوزيع.
-6شفيق ،محسن .)1997( .التحكيم التجاري الدولي ،القاهرة :دار النهضة العربية.
-7عبد العال ،عكاشة .)1996( .دراسات في القانون الدولي الخاص :في دولة اإلمارات
164
المجلة المغربية لتاريخ القانون
165
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ال جدال اليوم في كون مبدأ الشرعية الجنائية يشكل حجر الزاوية في القانون
الجنائي والضمان األساسي لحماية حريات األفراد ضد التحكم وهو بالشك يتسع الحتواء
مرحلة التجريم والعقاب فحسب ،بل يجب أن يسري بالتأكيد حتى على المرحلة اإلجرائية
أي البد من أن يرافق المحكوم عليه في حياته داخل السجن وبذلك يتحدد نطاق الشرعية
باحتواء كافة مراحل العملية الجنائية التي ينبغي أن تحاط كل حلقة منها بسياج من
الضمانات تجعل الفرد في مأمن من التعسف وال يبقى المبدأ منحصر فقط في التجريم
فإذا كانت شرعية التنفيذ العقابي هي جزء من الشرعية الجنائية وتجد أساسها في
حماية حقوق اإلنسان من حيث الجوهر ،بحيث تعبر عن مدى التوازن بين حقوق
المحكوم عليه وحقوق المجتمع ،وتدخل بذلك في إطار التوازن بين سالمة الدولة وأمن
المواطن (المطلب األول) أما من حيث األساس الشكلي والعملي فهي ترتكز إلى المبادئ
وعليه يمكن القول أن أسس شرعية العقاب تنحصر في أساس جوهري وأساس
شكلي وعملي.
166
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الشرعية التي ترتكز في جوهرها على فكرة احترام حقوق اإلنسان ،التي ترسخت لدى
الدول الديمقراطية بعد مرحلة صراع وكفاح بين الحرية من جهة والسلطة من جهة
أخرى ،فبعد أن كانت الحرية مجرد فكرة خيالية تستند إلى التفكير المثالي ،انتقلت إلى
مجال الحماية الدستورية والقانونية ،وأصبحت ذات قيمة محددة يتمتع بها األفراد في
فاألصل في اإلنسان الحرية وبالتالي ال يجوز تقيد هذه الحرية إال في نطاق من
الشرعية التي تضع الحدود التي ينبغي على الدولة أن تلتزمها في المساس بكافة
الحريات.
ومن ثم وجدت فكرة حقوق اإلنسان الذي يسمو على إرادة المشرع الوطني ،إذ
تصطدم حريته في التشريع بهذا القانون الذي يجب على الدولة التقيد به للسمو بمستواها
فشرعية التنفيذ إذن تجد أساسها الجوهري في فكرة حقوق اإلنسان هذه الفكرة
التي كرستها المنظومة الدولية ،إذ اعتبر اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان والمواثيق
167
المجلة المغربية لتاريخ القانون
النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء واتفاقية مناهضة التعذيب فقد شكلت كل هذه المواثيق
إطارا للمرجعية الحقوقية والتي ال يسوغ ألي قانون جنائي أن يحيد عنها.
الدولية التي صادق عليها المغرب والتي يعتبر ملزما بها بمقتضى الدستور الذي جاء
في تصديره وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطبع به على الصعيد
الدولي ،فإن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية تتعهد بالتزام
ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق اإلنسان كما
هي متعارف عليها عالميا ،كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السالم
واالمن في العالم.
جعل االتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور
وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية
وفميا يتعلق بالمادة الجنائية وبصفة خاصة ما بعد المحاكمة أي مرحلة التنفيذ
توجد في هذا الشأن مجموعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الهادفة إلى حماية
ويتساءل الفقه عن مدى اعتبارها مدونة دولية لمعاملة المسجونين ،ويقر بأن نص هذه
209سيتم التطرق إىل هذه القواعد الدولية يف الفصل الثاين من هذا الباب.
168
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المجموعة لم تتم ترجمته إلى كل اللغات مما يحول دون وصوله إلى كل من هو في
باإلضافة إلى ذلك هناك مجموعة من المبادئ لحماية كل األشخاص المعتقلين أو
المسجونين تم عرضها على أنظار الجمعية العامة لألمم المتحدة في دورتها المنعقدة سنة
.2101981
هذه الوثائق تشكل ما يمسى بالشرعية الدولية لحقوق اإلنسان وهكذا أبرمت بعد
ذلك مجموعة من االتفاقيات التي تعنى بحقوق اإلنسان جل هذه المواثيق ال تخلو من
االهتمام بوضعية السجين كإنسان ،إذ يجب أن يحتفظ ببعض الحقوق المالزمة لشخصيته
وعلى الخصوص عدم اخضاعه للتعذيب أو المعاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة لذا
210املقصود ابملواثيق الدولية النصوص والقواعد العرفية الدولية للمتعلقة مبعاملة األشخاص احملرومني من احلرية وهي:
املادة 10من العهد الدويل املتعلق ابحلقوق املدنية والسياسية الذي كما هو معلوم صادق عليه املغرب سنة -
1779ونشر يف اجلريدة الرمسية عدد 3525بتاريخ .1981-05-21
جمموعة القواعد الدولية الدنيا ملعاملة السجناء اليت اعتمدها مؤمتر االمم املتحدة سنة 1955وصادق عليها -
اجمللس االقتصادي واالجتماعي يف اتريخ 31يوليوز .1957
جمموعة املادة من أجل محاية كل األشخاص اخلاضعني ألي شكل من أشكال االعتقال و السجن اليت اعتمدهتا -
االمم املتحدة سنة 1988قرار رقم .43/173
املادة االساسية املتعلقة مبعاملة السجناء اليت اعتمدهتا اجلمعية العامة االمم املتحدة سنة 1970قرار .45/111 -
ويعترب التوقيع على املواثيق الدولية والتصديق على العهدين الدوليني املتعلقني ابحلقوق املدنية والسياسية -
واالقتصادية والثقافية مؤشرات أخرى تفيد أن دولة القانون وحقوق اإلنسان تشكالن ثوابت احلياة الدستورية
والقانونية يف بلدان.
169
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وهذا التوجه هو الذي تبلور في بلدنا في العقد االخير من األلفية المنصرمة على
يد المغفور له الحسن الثاني الذي أسس مجلس استشاري لحقوق اإلنسان هذا المجلس
فهذا االهتمام بحقوق اإلنسان يأتي من النظرة التي تحكم العالقات القانونية القائمة
كما اعتبرتها المحكمة األمريكية فوق كل اعتبار إذ ال يجوز مخالفتها بأي قانون.
فإذا كان كل من القانون الجنائي والمسطرة الجنائية بصفة عامة يكرسان حماية
فعالة لحريات المواطنين بحفظ العديد من الحقوق سواء في مرحلة المتابعة والتحقيق أو
لقد اهتم المشرع المغرب بتنظيم مرحلة التنفيذ سواء من خالل ظهيري 1915و
1930تاله بقانون جديد للسجون ،هذا القانون يمكن القول أنه شكل طفرة نوعية في
مجال احترام وصيانة حقوق اإلنسان السجين ،ليس فقط مقارنة مع المقتضيات واألنظمة
القانونية المقارنة بل مالءمة لحد ما للقواعد الدولية المتعلقة بحقوق السجناء ،والجدير
باإلشارة إلى ان هذا القانون هو من بين القوانين القليلة التي تمت المصادقة عليها
واعتبارات أساسية.
إذا كانت المادة الجنائية أكثر لصوقا وارتباطا بمجال حقوق اإلنسان إذ يعكس
التريع الجنائي بمعناه الشامل ،مدى تثبت الدولة بهذه الحقوق فإن اللجوء إلى القانون
الجنائي يأتي من أجل الحد من الجرائم وهذا اللجوء إلى هذا القانون ينبغي أن يكون
170
المجلة المغربية لتاريخ القانون
استنادا ألنه قانون ينطوي على تقييد الحريات فهو يستدعي أكثر من ضمانة وهو تلميح
إذ تحرص جل الدساتير على حماية حقوق اإلنسان كيفما كان انتماؤه أو جنسه
وهذا ما أكده صاحب الجاللة الملك محمد السادس في خطابه السامي يوم الجمعة 17
يونيو 2011حيث تطرق إلى دسترة حقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا بكل
آليات حمايتها وضمان ممارستها وهو ما يجعل الدستور المغربي دستورا لحقوق
اإلنسان وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة ويكرس لكافة حقوق اإلنسان بما فيها قرينة
البراءة وضمان شروط المحاكمة العادلة وتجريم التعذيب واإلختفاء القسري واالعتقال
التعسفي.
بحيث تمت دسترة المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب وهو ما أكده الباب
الثاني المعنون بالحريات والحقوق األساسية حيث نص الفصل 23من هذا الدستور على
ما يلي:
-ال يجوز إلقاء القبض مع أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إال في
-يجب اخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله
211
Daniel Mayer l’appert du droit constitutionnel au droit pénal en France Ré
sccrime droit pénal comparé 1988-3, P : 440
- Eric David et Anne Weyemberghcode de droit international pénal Edition
Bruylaut 3 édition 2014, P : 500
171
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وينص دستور سوريا الصادر لسنة 2012في الفقرة الثانية والثالثة من الفصل
: 52
-ال يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل
ذلك.
-كل شخص يقبض عليه يجب أن يبلغ أسباب توقيفه وحقوقه وال يجوز
المختصة.
أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته وال يجوز تعذيبه وال ترهيبه
وال إكرامه وال إيذاءه بدنيا أو معنويا وال يكون حجزه أو حبسه إال في أماكن مخصصة
لذلك الئقة إنسانية وصحيا ،أو تلتزم الدولة بتوفير وسائل اإلتاحة لألشخاص من ذوي
اإلعاقة .
172
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وافتراض وجود قوانين منظمة للسجون تهدف لإلصالح والتأهيل وهذا ما أكدته المادة
56من الدستور المصري بحيث تنص على أن السجن دار إصالح وتأهيل.
كما ينص الدستور األلماني لسنة ( 1949ألمانية الفدرالية) على مبدأ أكرمة
اإلنسان في فلصه األول وينص فلصه العشرون على مبدأ دولة القانون وهو ما كرسته
إلى الحياة الطبيعية داخل المجتمع وبالتالي يجب أن يتمتع بالحق في إعادة التأهيل مما
ويعترف الدستور اإلسباني الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1978بدور العقوبة
ويقضي الدستور الفرنسي لسنة 1958في مادته 66بأن السلطة القضائية هي
راعية الحرية الفردية والواقع أن النزاعات التي تحصل في إطار تنفيذ العقوبة داخل
السجون في فرنسا الزالت تتأرجح بين القضاء العادي والقضاء اإلداري كما قد ترفض
وقد جعل المشرع الجزائري من هدف التنفيذ إصالح وإعادة تربية المحكوم عليه
وفقا للمادة األولى من قانون تنظيم السجون وإعادة التربية " إن تنفيذ االحكام الجزائرية
وسيلة للدفاع اإلجتماعي...وإن إصالح المحكوم عليه وإعادة تربيته إذ يكونان القصد
213امحد فتحي سرور :الشرعية الدستورية وحقوق اإلنسان يف اإلجراءات اجلنائية دار النهضة العربية القاهرة ،طبعة ،1995
ص147 :
173
المجلة المغربية لتاريخ القانون
هكذا إذن ،فإن ضرورة تأطير الدستور للمادة الجنائية يأتي من كونه أصبح أساس
لكل القوانين وال يقتصر فقط على توزيع االختصاصات بين مختلف المؤسسات بل هناك
من الدول الغربية من اعتمدوا إلى القانون الدستوري الجنائي وقانون جنائي دستوري.
وإذا كان األساس الجوهري والشكلي للشرعية العقابية ال يمكن الحديث عنهما
لوال التصور الجديد ألعراض العقاب الذي أصبح له وظيفة إصالحية أكثر منها ردعية
أو زجرية.
وقد تكرست قمة اإلهتمام بالتنفيذ بوجود علم يحمل اسم المؤسسة السجنية وهو
علم السجون pénitentiaux scienceوالمدرسة السجنية ،هذا العلم الذي عمل على
ترسيخ النظرة الحديثة للمعاملة العقابية حيث اعتبر التأهيل هو الهدف من العقوبة وأكثر
من ذلك تم االعتراف للمحكوم عليه بعدة حقوق وهو ما اكدته مجموعة من التشريعيات:
"ينظم هذا القانون ظروف اإلقامة بالسجن بما يكفل حرمة السجين الجسدية و المعنوية
في حين تطرق المشرع القطري في قانون تنظيم المؤسسات العقابية واإلصالحية
في المادة الثالثة من هذا القانون تهدف المؤسسة إلى إصالح وتقويم وتأهيل المحبوسين
من خالل استخدام كافة الوسائل والمؤثرات التربوية والتعليمية والطبية والتدريب
المهني والخدمة االجتماعية واألنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية لخلق الرغبة لدى
أما القانون النموذجي العربي الموحد لتنظيم السجون والذي اعتمده مجلس وزراء
174
المجلة المغربية لتاريخ القانون
في المادة الثانية على أنه تهدف السجون إلى إصالح والتأهيل وذلك تحت اإلشراف
القضائي إلعادته تكوين االشخاص المدانين تربويا وثقافيا ومهنيا بما يكفل عدم عودتهم
كما اتجه المشرع الفرنسي في المادة 728من قانون المسطرة الجنائية إلى النص
على نفس الفكرة بكون التنفيذ يجب أ ن يسعى إلى تهيئة إصالح المحكوم عليه وإعادة
توافقه االجتماعي.
ويقر بعض الفقه باعتبار أهداف التنفيذ ضابطا أو معيارا لتوجيه نشاط السلطة
هذا التوجه يلتقي مع ما توصلت إليه الندوة الفرنسية األلمانية حول تنفيذ العقوبة
السالبة للحرية وحقوق الفرد حيث جاء في إحدى توصياتها "...مما يؤمل معه أن يتضمن
ويمكن اعتبار الفقرة األخيرة من المادة الثامنة من القانون المتعلق بتنظيم تسير
المؤسسات السجنية في المغ رب إشارة إلى الهدف من التنفيذ حيث جاء فيها "...تتوفر
هذه المؤسسات على تنظيم إداري ونظام أمني داخلي يهدفان إلى تأمين وتطوير سبل
من كل ما تقدم يتضح أن مبدأ الشرعية الجنائية يشكل حجر الزاوية في القانون
الجنائي والضمان األساسي لحماية حريات األفراد ضد التحكم وهو بال شك يتسع ال
إلحتواء مرحلة التجريم والعقاب فحسب كما اكدت على ذلك أستاذتنا لطيفة المهداني بل
يجب أن يسري بالتأكيد حتى على المرحلة اإلجرائية أي البد من أن يرافق المحكوم
175
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وبذلك يتحد نطاق الشرعية باحتواء كافة مراحل العملية الجنائية التي تشكل سلسة
متماسكة تنهار العدالة الجنائية بانهيار إحدى حلقاتها إذ ينبغي أن تحاط كل حلقة بسياج
من الضمانات تجعل الفرد في مأمن من التعسف وال يبقى المبدأ منحصرا فقط في
وإذا كان الباحثون قد انكبوا على دراسة هذا المبدأ وأولوه عناية فائقة إال أنها
بقيت قاصرة على الجانب الموضوعي وبقيت مرحلة التنفيذ بعيدة عن انشغاالت الفقه
وهمومه وهي أصعب وأدق مرحلة ألن فكرة حقوق اإلنسان لم تعد قاصرة على مجرد
النطق بالحكم بل تجاوزته لتشمل السجناء وتدافع عنما تبقى لهم من حقوق داخل
المؤسسات السجنية ،وبالتالي فإن هذا المرحلة تستحق العناية وإعادة النظر في ثقافة
التنفيذ التي بقيت منفصلة عن إطارها العام ومتأرجحة بين وظيفة الردع واإلصالح مما
لقد أدى االهتمام بالحقوق الشخصية للمحكوم عليه إلى اعتبارها ذات صلة وثيقة
بشرعية التنفيذ ومن تم ينبغي للسلطات القضائية التدخل في ما يثور بشأنها من منازعات
فقد اجمعت النصوص التشريعية على عدم جواز تنفيذ العقوبة الجزائية إال في
إطار من الشرعية إستنادا إلى قانونية العقوبة فكما أن السلطة التشريعية هي التي تتولى
تحديد العقوبات لألفعال التي يجرمها القانون وكما أن السلطة القضائية ال تملك تقويم
عقوبة جزائية بدون نص قانوني استنادا إلى قاعدة ال جرمية وال عقوبة إال بنص قانوني.
176
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وكذلك السلطة التي تتولى تنفيذ األحكام الجزائية ال تملك تنفيذ ،العقوبة المحكوم
بها إال في نطاق القانون وعلى هذا االساس ال يمكن للسلطة المختصة أن تعمد إلى تنفيذ
العقوبة إال ذا كان الحكم الصادر فيها قد اكتسب حجيته ومبدأ الشرعية هذا ما ألح عليه
وأكده المؤتمر الدولي الرابع للقانون الجزائي المنعقد في باريس عام 1935حيث أوصى
بما يلي:
" إن مبدأ الشرعية الذي ينبغي أن يكون أساسا من أسس قانون التنفيذ العقابي
كما هو قاعدة من قواعد القانون الجزائي العام وأحد ضمانات الحرية يتطلب تدخل
الشرعية العقابية وهي شرعية التنفيذ التي سماها مارك أنسل بالشرعية المجددة
التي يجب أن يقوم عليها قانون تنفيذ الجزاءات الجنائية الذي ينبغي أن يكون مستقال
فمبدأ الشرعية لم يعد مقتصرا على المرحلة السابقة على الحكم والنطق 214
برأي الفقه
به فقط ،بل امتد إلى مرحلة التنفيذ ليلعب فيها دورا حاسما وهذا بالطبع يقتضي فرض
وقد ذهب الفقه إلى وضع مقتضى عام جديد لمبدأ الشرعية أنه ال جريمة وال
عقوبة إال بناء على قانون وال يجوز عقاب شخص إال على االفعال الالحقة للقانون الذي
ينص عليها وال بعقوبة أشد من تلك التي كانت مقرة وقت ارتكابها وال يجوز توقيع
214وهو التوجه الذي سارت فيه أغل ب الدول العربية حبيث جند قانون السجون مستقل من اقنون املسطرة القضائية وعلى
عكس بعض الدول األوربية اليت تنظم اجراءات التنفيذ داخل قانون املسطرة اجلنائية.
177
المجلة المغربية لتاريخ القانون
عقوبة أو النطق بها من هيئة غير مخولة في ذلك قانونا أو تنفيذها بأسلوب مخالف لما
نص على الجريمة والعقوبة وتنفيذ هذه األخيرة طبقا للقانون وهو تصور لن يبقى معه
178
المجلة المغربية لتاريخ القانون
فاس
مقدمة:
تعددت الكتابات األكاديمية حول موضوع المحكمة الجنائية الدولية منذ تبني
نظامها األساسي عام ، )216(1998إال أن المالحظة األهم تتجلى في كون أغلب هذه
الكتابات لم تتناول بشكل تفصيلي عالقة مجلس األمن بالمحكمة الجنائية الدولية ،على
الرغم من كونها أهم المسائل التي شغلت عددا كبيرا من فقهاء القانون الدولي ،والمهتمين
بموضوع العدالة الجنائية الدولية ،منذ بدء مرحلة التفاوض على نظام روما األساسي،
ومن الالفت لالنتباه ،أن إقرار نظام روما األساسي ،لم يفلح في وضع حد للنقاش
والجدل الدائر حول طبيعة العالقة بين مجلس األمن والمحكمة الجنائية الدولية ،وبشكل
أدق نطاق سلطة مجلس األمن في اإلحالة ،ولم يتوقف األمر عند طرح هذا الموضوع
-216النظام األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية ،اعتمد يف روما بتاريخ 17يوليوز ،1998ودخل حيز النفاذ يف الفاتح
من يوليوز .2002
-217حممد سامح عمرو ،عالقة جملس األمن ابحملكمة اجلنائية الدولية :دراسة أتصيلية وحتليلية للممارسات العملية ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة األوىل ،2008 ،ص.8.
179
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لمناقشته من الناحية النظرية فحسب ،وإنما أضحى يطر ح نفسه بين الحين واآلخر كلما
اتخذ مجلس األمن قرارا بإحالة "حالة ما" إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وتجدر اإلشارة إلى أن أهمية العالقة بين مجلس األمن والمحكمة الجنائية الدولية،
تجد جذورها في فكرتين رئيسيتين ،باعتبار أن هذا الموضوع أصبح من بين المعايير
األساسية لكشف صدقية االلتزام بالقوانين واإلعالنات الدولية والمواثيق العالمية ،السيما
بعد أن مر على دخول نظام روما األساسي حيز الوجود الفعلي مدة كافية لتقييم مساهمة
المحكمة الجنائية الدولية في مكافحة اإلفالت من العقاب ،الذي طالما اعتبر السمة البارزة
في العقود الماضية على الساحة الدولية ،ثم إن عالقة مجلس األمن بالمحكمة ما هي إال
تطبيق لسلطة مجلس األمن كما هي محددة في ميثاق األمم المتحدة ،وبخاصة الفصل
السابع الذي يمنحه سلطات سياسية مهمة في سبيل تحقيق السلم واألمن الدوليين.
وفي هذا السياق ،نشير إلى أن مجلس األمن في إطار عالقته بالمحكمة الجنائية
الدولية تحكمه دعامة أساسية ،تهم سلطة مجلس األمن في إحالة "حالة" إلى المدعي
العام للمحكمة الجنائية الدولية ،بموجب المادة (/13ب) من نظام روما األساسي ،وعليه؛
تبرز إشكالية رئيسية متعلقة بنطاق سلطة مجلس األمن في اإلحالة ،وما مدى مساهمته
وهكذا ،يتجه موضوع الدراسة باألساس إلى تحديد نطاق سلطة مجلس األمن في
إحالة "حالة" على أنظار المدعي العام ،إضافة إلى شروط ممارسة هذا الحق ،واآلثار
المترتبة عنه (المحور األول) ،كما تستدعي معالجة وقائع عملية بخصوص عالقة
مجلس األمن بالمحكمة الجنائية الدولية ،من خالل دراسة قرارات اإلحالة الصادرة عن
180
المجلة المغربية لتاريخ القانون
()219
القاضيان بإحالة ملفي مجلس األمن ،خصوصا القراران ( )218()1593و()1970
دارفور والجماهيرية العربية الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية ،عبر البحث في خلفيات
نصت المادة ( )13من نظام روما األساسي ،على الحاالت التي يمكن للمحكمة
أن تمارس اختصاصها بشأن الجرائم المنصوص عليها في المادة ( )5من ذات
النظام( ، )220ومن بين الحاالت التي ينعقد للمحكمة االختصاص بشأنها ،ما جاء في الفقرة
(ب) من المادة ( )13من إمكانية نظر المحكمة للدعاوى الجنائية التي تحال إلى المدعي
العام من مجلس األمن – متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة -متى
كانت هذه الحالة تتعلق بجريمة أو أكثر من الجرائم المشار إليها بالمادة (.)5
وتطبيقا لذلك ،جاءت الفقرة األولى من المادة ( )17من االتفاق المبرم بين
المحكمة الجنائية الدولية واألمم المتحدة ،لتنص صراحة على أنه" :عندما يقرر مجلس
األمن ،متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة ،أن يحيل إلى المدعي
العام للمحكمة الجنائية الدولية ،عمال بالفقرة (ب) من المادة ( )13من النظام األساسي،
"حالة" ارتكبت فيها ،على ما يبدو ،جريمة أو أكثر من الجرائم المشار إليها في المادة
-218قرار جملس األمن رقم ، 1593الذي اختذه يف جلسته رقم 5168بتاريخ 31مارس ،2005رقم الوثيقة
) ،S/RES/1593(2005منشورات األمم املتحدة ،جملس األمن ،متوفر على الرابط:
)https://undocs.org/ar/S/RES/1593(2005
-219قرار جملس األمن رقم ،1970الذي اختذه يف جلسته رقم 6491بتاريخ 26فرباير ،2011رقم الوثيقة
) ،)S/RES/1970(2011منشورات األمم املتحدة ،جملس األمن ،متوفر على الرابط:
)https://undocs.org/ar/S/RES/1970(2011
-220يقتصر اختصاص احملكمة مبوجب املادة اخلامسة من النظام األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية ،على اجلرائم التالية:
(أ) جرمية اإلابدة اجلماعية (ب) اجلرائم ضد اإلنسانية (ج) جرائم احلرب (د) جرمية العدوان.
181
المجلة المغربية لتاريخ القانون
( ) 5من النظام األساسي ،فإن األمين العام لألمم المتحدة يحيل على الفور قرار مجلس
األمن إلى المدعي العام ،مشفوعا بالمستندات والمواد األخرى التي تكون وثيقة الصلة
بقرار المجلس"(.)221
وعليه ،سنحاول توضيح نطاق سلطة مجلس األمن في إحالة "حالة" إلى المدعي
العام للمحكمة الجنائية الدولية (الفقرة األولى) ،باإلضافة إلى شروط اإلحالة وآثارها
(الفقرة الثانية).
إن سلطة مجلس األمن في اإلحالة ليست مطلقة ،فال يجوز للمجلس اللجوء إلى
هذه اإلمكانية إزاء أي جريمة ،وأيا كان مكان ارتكابها ،وإنما تجد هذه السلطة حدود
لها ،سواء من حيث الجرائم المرتكبة أو من حيث زمان ارتكابها .ومن ناحية أخرى،
يثور التساؤل عما إذا كانت سلطة مجلس األمن في اإلحالة قاصرة على الدول األطراف
في النظام األساسي ،أم أنها تمتد إلى الدول غير األطراف؟.
ومعلوم أن أحكام اإلحالة قد حددها النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية على
أسس أربع ،وهي :نوع الجريمة (أوال) ،وزمان ارتكابها (ثانيا) ،ومكانها (ثالثا)،
-221املادة ( )17من االتفاق اخلاص ابلعالقة بني األمم املتحدة واحملكمة اجلنائية الدولية لسنة ،2004متوفر على الرابط:
-https://treaties.un.org/doc/Publication/UNTS/Volume%202283/II-1272.pdf
182
المجلة المغربية لتاريخ القانون
جاء النص على الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ،في الباب الثاني من
النظام األساسي ،تحت عنوان »:االختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق« ،
وقد اقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة ،والتي تكون موضع اهتمام
()222
وعليه؛ فإن اختصاص المحكمة يشمل أربع فئات من المجتمع الدولي بأسره،
183
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تبنى النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،المبدأ العام المعمول به في جميع
األنظمة القانونية الجنائية في العالم ،الذي يقضي بعدم جواز تطبيق القانون الجنائي بأثر
رجعي ،ومقتضى ذلك؛ أن نصوص النظام األساسي تسري بأثر فوري أو مباشر ،وال
تطبق إال على الوقائع التي تقع منذ تاريخ نفاذه ،وال تسري أحكامه على الوقائع التي
وقد تم تأكيد هذا الحكم بنص المادة ( )24من النظام األساسي ،ولكن هذه المرة
بصيغة أخرى ،ففي الوقت الذي أكدت فيه الفقرة الثانية من المادة ( )12عدم سريان
أحكام النظام األساسي في مواجهة الدول إال فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء
نفاذ النظام األساسي ،أشارت الفقرة األولى من المادة ( )24إلى عدم مساءلة الشخص
جنائيا بموجب هذا النظام األساسي عن سلوك ارتكب قبل بدء نفاذ هذا النظام ،كما تبنت
المادة المذكورة في فقرتها الثانية مبدأ القانون األصلح للمتهم ،ويكون القانون أصلح
العمل ،بتخطيط أو إعداد أو بدء أو تنفيذ عمل عدواين يشكل ،حبكم طابعه وخطورته ونطاقه ،انتهاكا واضحا مليثاق األمم
املتحدة".
-227تنص املادة ( )126من نظام روما األساسي:
-يبدأ نفاذ هذا النظام األساسي يف اليوم األول من الشهر الذي يعقب اليوم الستني من اتريخ إيداع الصك الستني للتصديق
أو القبول أو املوافقة أو االنضمام لدى األمني العام لألمم املتحدة.
-ابلنسبة لكل دولة تصدق على النظام األساسي أو تقبله أو توافق عليه أو تنظم إليه بعد إيداع الصك الستني للتصديق أو
القبول أو املوافقة أو االنضمام ،يبدأ نفاذ النظام األساسي يف اليوم األول من الشهر الذي يعقب اليوم الستني من اتريخ إيداع
تلك الدولة صك تصديقها أو قبوهلا أو موافقتها أو انضمامها.
184
المجلة المغربية لتاريخ القانون
للمتهم؛ إذا كان ال يعاقب على فعل كان يعد جريمة في ظل القانون القديم ،أو كان يخفف
من العقوبة قياسا بالقانون القديم الذي ارتكبت في ظله الجريمة(. )228
ومن الم مكن توسيع نطاق االختصاص الزماني للمحكمة ،وذلك في حالتين:
األولى :تهم قيام دولة غير طرف بإصدار إعالن بقبول والية المحكمة ،وهذا ما
تقضي به المادة ( )3/12من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية( ،)229حيث يمتد
اختصاص المحكمة ليشمل المدة التي تسبق هذا القبول ،ومن ثم يتسع ليشمل الجرائم
التي ارتكبت بعد نفاذ النظام األساسي كلها ،أي منذ الفاتح من يوليوز ،2002وليس من
الثانية :تتمثل فيإحاالت مجلس األمن عمال بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة ()13
م ن نظام المحكمة ،فمن شأن قيام المحكمة بإحالة حالة ما أن يوسع نطاق االختصاص
الزماني للمحكمة ،بأن يرجعه إلى تاريخ دخول نظام المحكمة حيز النفاذ ،وليس من
تاريخ اإلحالة.
ويرى بعض الفقه ،أن المحكمة الجنائية الدولية يحق لها أن تتخذ قرارا بعدم قبول
الدعوى كلما تبين لها أن موضوع اإلحالة يخرج عن نطاق اختصاصها ،خاصة من
-228لؤي حممد حسني النايف" ،العالقة التكاملية بني احملكمة اجلنائية الدولة والقضاء الوطين" ،جملة العلوم االقتصادية
والقانونية ،جامعة دمشق ،اجمللد ،27العدد ،2011 ،3ص.5.
-229تنص الفقرة الثالثة من املادة ( ) 12من نظام روما األساسي ،على ما يلي" :إذا كان قبول دولة غري طرف يف هذا
النظام األساسي الزما مبوجب الفقرة الثانية ،جاز لتلك الدولة ،مبوجب إعالن يودع لدى مسجل احملكمة ،أن تقبل ممارسة
احملكمة اختصاصها فيما يتعلق ابجلرمية قيد البحث ،وتتعاون الدولة القابلة مع احملكمة دون أتخري أو استثناء وفقا للباب
التاسع".
-230تنص الفقرة الثانية من املادة ( )11من نظام روما األساسي ،على ما يلي" :إذا أصبحت دولة من الدول طرفا يف هذا
النظام األساسي بع د بدء نفاذه ،ال جيوز للمحكمة أن متارس اختصاصها إال فيما يتعلق ابجلرائم اليت ترتكب بعد بدء نفاذ
هذا النظام ابلنسبة لتلك الدولة ،ما مل تكن الدولة قد أصدرت إعالان مبوجب الفقرة الثالثة من املادة (.")12
185
المجلة المغربية لتاريخ القانون
حيث الموضوع والزمان والمكان واألشخاص ،ولو كان مجلس األمن هو جهة اإلحالة،
وعليه؛ إذا أحال مجلس األمن إلى المدعي العام "حالة" تتعلق بجريمة من جرائم الحرب
ارتكبت قبل دخول النظام األساسي ،فإن للمحكمة الحق في عدم قبول الدعوى لخروج
()231
الموضوع عن نطاق اختصاصها الزماني.
وعلى النقيض من ذلك ،يرى بعض الفقه جواز أن يسند االختصاص إلى المحكمة
بنظر الجرائم التي ارتكبت قبل بدء نفاذ نظام روما ،بمقتضى قرار يصدر عن مجلس
األمن عمال بالفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة أو تنشأ محكمة خاصة مؤقتة بقرار
()232
من مجلس األمن ،مثل محكمة يوغوسالفيا السابقة ومحكمة رواندا.
وباستقراء التطبيق العملي ،نجد أن قرار مجلس األمن رقم ( )1593لسنة 2005
بشأن دارفور ،قد قرر صراحة – في البند األول -منه إحالة الوضع القائم في دارفور
منذ فاتح يوليوز 2002إلى المحكمة الجنائية الدولية ،ويعني ذلك؛ أن مجلس األمن قد
قصر اإلحالة على الوقائع الالحقة على تاريخ بدء نفاذ النظام األساسي للمحكمة الجنائية
()233
الدولية.
يكاد يجمع الفقه على أن مجلس األمن يتمتع بسلطة اإلحالة ،أيا كان مكان ارتكاب
الجريمة أو جنسية الجناة فيها؛ أي سواء كانت الجريمة قد ارتكبت في إقليم دولة طرف
-231أمحد عبد الظاهر ،دور جملس األمن يف النظام اجلنائي الدويل ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،الطبعة األوىل،2013 ،
ص.192.
-232علي عبد القادر القهوجي ،القانون الدويل اجلنائي :أهم اجلرائم الدولية واحملاكم اجلنائية الدولية ،منشورات احلليب
احلقوقية ،بريوت ،الطبعة األوىل ،2001 ،ص.330.
-233أمحد عبد الظاهر" ،سلطة جملس األمن يف اإلحالة إىل احملكمة اجلنائية الدولية" ،جملة السياسة الدولية ،العدد ،176
أبريل ،2009ص.5.
186
المجلة المغربية لتاريخ القانون
في النظام األساسي أو من أحد مواطني هذه الدولة ،أو كانت قد ارتكبت في إقليم دولة
غير طرف ،وفي هذه الحالة؛ يمتد االختصاص المكاني للمحكمة الجنائية الدولية إلى
أقاليم الدول غير األطراف في النظام األساسي ،بغض النظر عن قبول تلك الدول
الختصاص المحكمة.
وهكذا ،عند إحالة مجلس األمن لقضية أو حالة معينة على المدعي العام للمحكمة
الجنائية الدولية ،متصرفا بموجب الفصل السابع ،فإن المحكمة ال تتقيد بالشروط
المذكورة في المادة ( )2/12من النظام األساسي ،وهي :أن يكون ارتكاب الجريمة قيد
البحث قد تم بمعرفة احد مواطني دولة طرف أو على إقليم تلك الدولة .وهذا ما يمكن
استنتاجه بمفهوم المخالفة من المادة ( )2/12نفسها التي تقضي بأنه" :في حالة الفقرة
(أ) (اإلحالة من طرف دولة) أو (ج) (المدعي العام من تلقاء نفسه) من المادة (،)13
يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية طرفا
في هذا النظام األساسي ،أو قبلت باختصاص المحكمة" ،ويعني هذا؛ أنه في حالة الفقرة
(ب) (اإلحالة من مجلس األمن) من المادة ( ،)13ال تتقيد المحكمة بهذه الشروط ،أي
بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية المتهم ،وإال لنصت المادة ()2/12
وقد تأكد ذلك من خالل التطبيق العملي ،حيث قام مجلس األمن الدولي بإحالة
قضية دارفور ،على الرغم من أن السودان ليس طرفا في النظام األساسي للمحكمة
-234ثقل سعد العجمي"،جملس األمن وعالقته ابلنظام األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية (دراسة حتليلية لقرارات جملس
األمن 1422 :و ،")1497 ،1487جملة احلقوق ،جامعة الكويت ،اجمللد ،29العدد ،4دجنرب ،2005ص.25.
187
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الجنائية الدولية( ،)235وتأكد ذلك أيضا في قرار مجلس األمن رقم ( )1970لسنة 2011
بشأن الحالة الليبية ،والذي قرر -البند الرابع منه -إحالة الوضع في الجماهيرية العربية
الليبية منذ 15فبراير 2011إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية(. )236
أيا كانت درجة مساهمتهم في الجريمة ،وأيا كانت مناصبهم الوطنية التي يشغلونها وقت
وتكريسا لسريان مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية في القانون الدولي ،عمد نظام
روما في المادة ( )27إلى تدوين مبدأ عدم االعتداد بالصفة الرسمية( ،)238بغية اإلعفاء
من المسؤولية الجنائية الفردية ،سواء كان المسؤول رئيسا لدولة أو حكومة أو عضوا
-235أمحد عبد الظاهر" ،سلطة جملس األمن يف اإلحالة إىل احملكمة اجلنائية الدولية" ،مرجع سابق ،ص.10.
-236قرار جملس األمن رقم ،1970مرجع سابق.
-237علي مجيل حرب ،نظام اجلزاء الدويل :العقوابت الدولية ضد الدول واألفراد ،منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت ،الطبعة
األوىل ،2010 ،ص.465.
-238جتدر اإلشارة إىل أن املادة ( )27من النظام األساسي ،كانت مثار جدل فقهي كبري ،ذلك أن هذه األخرية تقرر عدم
االعرتاف ابحلصانة املقررة لرؤساء الدول مبقتضى النصوص الدستورية لكل دولة ،مما دفع ابلقضاء الدستوري يف بعض الدول
إىل تقرير تعارض هذه املادة مع قوانينها الوطنية مبناسبة النظر فيها .للمزيد من التفاصيل ،أنظر :عبد احلق بن ميمونة،
"االختصاص التكميلي للمحكمة اجلنائية الدولية وعالقته ابختصاص احملاكم الوطنية" ،جملة املستقبل العريب ،العدد ،363
السنة ،32ماي ،2009ص.59.
188
المجلة المغربية لتاريخ القانون
في حكومة أو برلمان ،وال تحول الحصانة الوطنية التي يتمتع بها هؤالء األشخاص دون
هذا المبدأ هو الجديد الذي جاء به النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،ذلك
أن الفرد لم يكن سابقا وبموجب أحكام ال قانون الدولي التقليدي ،موضوعا للقانون الدولي،
فلم يهتم ذلك القانون بنشاطاته وال بتنظيمها ،وبالتالي لم تكن له حقوق أو التزامات دولية.
إذ لم يتم إيالء الفرد أهمية في القانون الدولي ،وباعتباره شخصا من أشخاصه ،إال بعد
الحرب العالميتين ،حيث أشارت محكمة " نورمبرغ " في أحد أحكامها إلى ما يلي" :إن
الجرائم ضد القانون الدولي ترتكب من قبل األفراد ،وليس من قبل كائنات مجردة ،لذلك؛
فإن الوسيلة الوحيدة لتطبيق قواعد القانون الدولي تكون بمعاقبة أولئك األفراد مرتكبي
الجرائم"( . )240ولذلك جاء النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية متضمنا للمبدأ في
()241
المادتين ( )1و(.)1/25
189
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بالرغم من أن نظام روما األساسي منح مجلس األمن الحق في إحالة "حالة ما"
إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ،فإن هذا الحق ليس مطلقا ،وإنما ينبغي أن
تتوفر فيه مجموعة من الشروط (أوال) ،حتى تكون اآلثار المترتبة عنه صحيحة (ثانيا).
أن تكون اإلحالة صادرة عن مجلس األمن بموجب الفصل السابع. أ-
لتكون اإلحالة صحيحة ،ينبغي على مجلس األمن أن يكون مستندا في ذلك إلى
الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة ،وهو الفصل الذي يتعلق باإلجراءات التي تتخذ
في حاالت تهديد السلم واألمن الدوليين ،أو اإلخالل بهما ،أو وقوع عمل من أعمال
العدوان( .)242ويتم ذلك من خالل المادة ( )39من ميثاق األمم المتحدة ،التي تعطي
مجلس األمن سلطة تحديد وقوع أي تهديد أو خرق للسلم واألمن الدوليين أو أعمال
عدوان ،ثم بعد ذلك يقرر المجلس اإلجراءات التي يجب اللجوء إليها ،والتي قد تصل
190
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إذ يتمتع مجلس األمن باختصاصات واسعة ،تخوله إصدار قرارات ملزمة بهدف
تحقيق السلم واألمن الدوليين ،أو إعادته إلى نصابه .ومن هنا تكمن أهمية أحكام الفصل
السابع ،وتبرز مظاهر تلك األهمية إذا أدركنا أن مبدأ عدم اختصاص األمم المتحدة
بالتدخل في الشؤون الداخلية المعتبرة من صميم السلطان الداخلي لدولة ما (م )7/2ليس
من شأنه أن يدخل في تطبيق تدابير القمع المنصوص عليها في الفصل السابع .بمعنى
أنه إذا كان المجلس بصدد اتخاذ إجراء من إجراءات القمع لحفظ السلم واألمن الدوليين
أو إعادته إلى نصابه ،فإنه ال يجوز الدفع بدخول المسألة في صميم االختصاص الداخلي
للدولة.
كما يتمتع مجلس األمن بسلطة تقديرية مطلقة في تقرير ما إذا كان ما وقع من
أعمال يمثل تهديدا للسلم أو إخالال به أو يعد عمال من أعمال العدوان ( المادة ،)39وله
أن يضع ما يشاء من المعايير لتحديد أحوال تدخله .ولذلك يتواتر العمل على النظر في
كل حالة على حدة ،ولم يضع مجلس األمن ضوابط معينة بشأن تكييف ما يعرض عليه
من وقائع ،فإذا ما قرر أن هناك تهديدا للسلم أو إخالال به أو عدوانا ،كان له أن يصدر
ما يراه مالئما من توصيات وإجراءات قمعية ،وال تملك الدولة عندئذ حق الطعن على
قراره(.)244
على أنه" :إذا رأى جملس األمن أن التدابري املنصوص عليها يف املادة ( )41ال تفي ابلغرض أو ثبت أهنا مل تف به ،جاز له
أن يتخذ بطريق القوات اجلوية والبحرية والربية من األعمال ما يلزم حلفظ السلم واألمن الدويل أو إعادته إىل نصابه .وجيوز أن
تتناول هذه األعمال املظاهرات واحلصر والعمليات األخرى بطريق القوات اجلوية أو البحرية أو الربية التابعة ألعضاء األمم
املتحدة".
-244أمحد عبد هللا أبو العال ،تطور دور جملس األمن يف حف ظ السلم واألمن الدوليني ،دار اجلامعة اجلديدة ،اإلسكندرية،
الطبعة األوىل ،2008 ،ص.43-42.
191
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وبالتالي ،ف إن النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يمنح للمجلس اختصاصا
جديدا ما دام أنه موجود سياسيا ضمن نصوص الميثاق وطبقا للفصل السابع ،وعن
طريق اتخاذه أي من اإلجراءات الالزمة من أجل السلم ،وضمن هذا اإلطار يكون
المجلس قد حدد الحاالت ال ُمحالة إلى المدعي العام ،وهي األكثر تماشيا مع الميثاق من
أن تصدر اإلحالة بقرار من مجلس األمن وفقا لميثاق األمم المتحدة. ب-
إذا كانت المادة (/ 13ب) من النظام األساسي لم تنص على هذا الشرط صراحة،
فإنه يمكن استنتاجه من القول بضرورة صدور قرار اإلحالة من مجلس األمن ،بمقتضى
الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة .وذلك يعني؛ أن قرار اإلحالة يجب أن يتم وفقا
لإلجراءات التي ينص عليها ميثاق األمم المتحدة ،وإال عد قرار اإلحالة غير مشروع،
ومن ذلك مثال؛ ما تنص عليه المادة ( )3/28من ميثاق األمم المتحدة من أنه " :تصدر
()246
بموافقة تسعة من أعضائه قرارات مجلس األمن في المسائل كافة (الموضوعية)
-245بن عامر تونسي ،العالقة بني احملكمة اجلنائية الدولية وجملس األمن ،جملة القانون وعلم السياسة ،العدد الرابع ،املؤسسة
اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بريوت ،2006 ،ص.204.
-246أقامت املادة ( ) 27من ميثاق األمم املتحدة تفرقة بني طائفتني من املسائل اليت تطرح على جملس األمن :املسائل
اإلجرائية أو الشكلية ،واملسائل املوضوعية ،والتمييز بينهما ليس جمرد مسألة نظرية ،وإمنا هو متييز له أمهيته القانونية ،فطائفة
املسائل الشكلية تتطلب إلصدار القرار بشأهنا تصويت تسعة أعضاء لصاحلها –على األقل -أاي كانوا ،بينما فصيلة املسائل
املوضوعية تتطلب إلصدار القرارات املتعلقة هبا ،أن يصوت لصاحلها تسعة أعضاء على األقل من بينهم الدول دائمة العضوية.
راجع أمحد عبد هللا أبو العال ،مرجع سابق ،ص.28.
-247ثقل سعد العجمي ،مرجع سابق ،ص.22.
192
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ليتمكن مجلس األمن من القيام بسلطته في إحالة "حالة" على المدعي العام ،البد
أن يبدو لمجلس األمن وقوع جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المادة
ويالحظ أن لفظ "يبدو" المشار إليه في النص ،بمعنى الشبهات والقرائن التي تدل
على وقوع الجريمة .ووفق هذا التفسير ،فإن على مجلس األمن التحقق في الحيثية التي
قد تشكل جريمة أو أكثر تدخل في اختصاص المحكمة ،وذلك بموجب المادة ( )39من
ميثاق األمم المتحدة والتي تقتضي اللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق ،حيث يعمد
مجلس األمن بتكييف الحالة فيما إذا كانت تشكل تهديدا للسلم واألمن الدوليين أو عمال
أثارت سلطة مجلس األمن في اإلحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية كثيرا من
النقاش في اللجنة التحضيرية أثناء مؤتمر روما ،والسيما بالنسبة لموضوع اآلثار
المترتبة على سلطة مجلس األمن في اإلحالة ،ويمكن إجمال التساؤالت المتعلقة بآثار
اإلحالة فيما يلي :أثر اإلحالة على سلطة المدعي العام في تقدير جدية التحقيق (أ) ،وأثر
اإلحالة على مبدأ التكامل (ب) ،ومدى تحمل األمم المتحدة لنفقات المحاكمة (ج).
-248عبد اهلادي بوعزة ،جملس األمن واحملكمة اجلنائية الدولية يف عامل متغري ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،الطبعة األوىل،
،2012ص.79.
193
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أثر اإلحالة على سلطة المدعي العام في تقدير جدية التحقيق. أ-
إن اإلحالة من مجلس األمن ،تحمل ذات القيمة القانونية لإلحالة من جانب الدول
األطراف ،إذ أنها ال تعني إلزام المدعي العام بمباشرة إجراءات المحاكمة ،ولكن تلفت
انتباهه فقط إلى وقائع قد تستلزم إجراء تحقيق ،وما يقدمه ذلك التحقيق من أدلة كافية هو
ما يشكل أساسا معقوال للمحاكمة( ،)249إذ لدى البث في هذا األمر ،يجب أن ينظر المدعي
االختصاص :أي أن ينظر فيما إذا كانت المعلومات المتاحة ،توفر أساسا •
معقوال لالعتقاد بأن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو يجري ارتكابها.
مقبولة ،مما يتطلب النظر في جسامة األمر ،وفيما إذا كانت هناك إجراءات حقيقية تتخذ
مصالح العدالة :أي أن ينظر -مع مراعاة خطورة الجريمة ،ومصالح •
المجني عليهم – فيما إذا كانت هناك أسباب جوهرية تدعو لالعتقاد بأن إجراء تحقيق
يستنتج من هذا ،أن للمدعي العام سلطة تقدير البدء في اإلجراءات من عدمه،
وبعبارة أخرى ،فإن اإلحالة من مجلس األمن ال تلزم المدعي العام بمباشرة التحقيق ،بل
-249عمر حممود املخزومي ،القانون الدويل اإلنساين يف ضوء احملكمة اجلنائية الدولية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان،
الطبعة األوىل ،2009 ،ص.360.
-250للمزيد من التفاصيل حول املوضوع ،املرجو اإلطالع على قرار املدعي العام للمحكمة اجلنائية الدولية ،القاضي بفتح
حتقيق يف دارفور ،الهاي 6 ،يونيو ،2005متوفر على الرابط اإللكرتوين التايل:
-https://www.icc-cpi.int/NR/rdonlyres/85FEBD1A-29F8-4EC4-9566-
48EDF55CC587/277106/06705_Darfur_Ar1.pdf.
194
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يجوز له أال يباشر التحقيقات إذا اقتنع بأن اإلحالة استندت إلى معلومات غير صحيحة،
أو أدلة تافهة ،أو كانت مبنية على أهواء سياسية أو افتراضات غير واقعية( ،)251وهو
()252
ما أقرته الفقرة األولى من المادة (.)53
جدوى الشروع في التحقيق والعدول عنه ،فال يمكن لمجلس األمن أو الدائرة التمهيدية،
إلزام المدعي العام العدول عن قرار البدء في التحقيق .اذ منحت الفقرة نفسها ،الدائرة
التمهيدية ومجلس األمن ،طلب مراجعة قرار العدول الصادر من المدعي العام ،وال
يغير طلب المراجعة من سلطة المدعي العام في تقرير البدء في جدوى التحقيق من
عدمه ،طالما لم تكن هناك أدلة كافية ،وأسس واقعية لقرار اإلحالة ،وطالما لم يقدم طلب
-251أمحد عبد الظاهر" ،سلطة جملس األمن يف اإلحالة إىل احملكمة اجلنائية الدولية" ،مرجع سابق ،ص.14.
-252تنص الفقرة األوىل من املادة ( )53على ما يلي" :يشرع املدعي العام يف التحقيق ،بعد تقييم املعلومات املتاحة له ،ما
مل يقرر وجود أساس معقول ملباشرة إجراء مبوجب هذا النظام األساسي .ولدى اختاذ قرار الشروع يف التحقيق ،ينظر املدعي
العام يف:
(أ) -ما إذا كانت املعلومات املتاحة للمدعي العام توفر أساسا معقوال لالعتقاد أبن جرمية تدخل يف اختصاص احملكمة قد
ارتكبت أو جيري ارتكاهبا؛
(ب) -ما إذا كانت القضية مقبولة أو ميكن أن تكون مقبولة مبوجب املادة ()17؛
(ج) -ما إذا كان يرى ،أخذا يف اعتباره خطورة اجلرمية ومصاحل اجملين عليهم ،أن هناك مع ذلك أسبااب جوهرية تدعو لالعتقاد
أبن إجراء حتقيق لن خيدم مصاحل العدالة؛
فإذا قرر املدعي العام عدم وجود أساس معقول ملباشرة إجراء ،وأن قراره يستند فحسب إىل الفقرة الفرعية (ج) أعاله ،كان
عليه أن يبلغ دائرة ما قبل احملاكمة بذلك.
-253أمحد سنداينة بودراعة ،صالحيات املدعي العام يف احملكمة اجلنائية الدولية والقيود الواردة عليها ،دار الفكر اجلامعي،
اإلسكندرية ،الطبعة األوىل ،2011 ،ص.81.
195
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يمتد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل الدول األعضاء ،ويتم ممارسة
اختصاص المحكمة بالتكامل مع اختصاص نظم القضاء الوطني للدول األعضاء .حيث
أن الجرائم الدولية المنصوص عليها في نظام روما ،والتي ينعقد اختصاص المحكمة
الجنائية الدولية في محاكمة مرتكبيها ،قد ت شكل في الوقت ذاته ،جرائم تنص عليها
القوانين الوطنية للدول األطراف في النظام األساسي .لذا؛ من المتوقع أن يحدث تنازع
االختصاص بين المحكمة الجنائية الدولية وبين الدول المذكورة ،سواء أكان هذا التنازع
ايجابيا؛ بأن تعتبر دولة أو أكثر من الدول األطراف وكذلك المحكمة الجنائية الدولية
نفسها مختصة لمحاكمة المتهم ،أو سلبيا؛ بأن تعتبر الجهات المذكورة نفسها غير مختصة
بالمحاكمة(.)255
-254دارت مناقشات عديدة بشأن املصطلح األكثر صوااب ملبدأ التكامل ( ،)Complementarityالذي يصف
العالقة بني اختصاص احملكمة اجلنائية الدولية واختصاص القضاء الوطين للدول األطراف يف حكم اجلرائم املنصوص عليها يف
نظام روما األساسي .إذ يرى البعض أن ( )Complementarityتعين (التكاملي) ،أي أن اختصاص احملكمة اجلنائية
الدولية يتكامل مع اختصاص القضاء الوطين للدول األطراف يف نظام روما األساسي .يف حني يرى البعض اآلخر أن
اختصاص هذه احملكمة ما هو إال اختصاص احتياطي لسلطات القضاء الوطين ،الذي إذا مل ينهض يف حكم إحدى اجلرائم
املنصوص عليها يف نظام روما األساسي ،هنض اختصاص احملكمة اجلنائية الدولية احتياطيا لسد فراغ سلطات القضاء الوطين.
هذا ،ويرى آخرون ،أبن املصطلح األكثر دقة هو (االختصاص التكميلي) للمحكمة اجلنائية الدولية كونه يكمل
اختصاص القضاء الوطين ،فيما إذا مل يكن قد انعقد اختصاصه ،والعكس ليس صحيحا ،أن القضاء الوطين ال يكمل
اختصاص القضاء اجلنائي للمحكمة اجلنائية الدولية.
ومهما يكن من أمر دقة مفهوم املصطلحات املقدمة للتعبري عن هذا املبدأ ،فإنه يقصد مببدأ التكامل :تكامل اختصاص
احملكمة اجلنائية الدولية مع اختصاص القضاء الوطين للدول األطراف يف نظام روما من أجل حكم اجلرائم املنصوص عليها يف
هذا النظام .للمزيد من التفاصيل حول املوضوع ،راجع :خليل حممود ضاري ،احملكمة اجلنائية الدولية :هيمنة القانون أم قانون
اهليمنة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،الطبعة األوىل ،2008 ،ص.151-150.
-255مجال احلطايب" ،نظرة يف اختصاص احملكمة اجلنائية الدولية يف ضوء نظام روما األساسي" ،جملة كلية احلقوق ،جامعة
النهرين ،العدد ،2005 ،14ص.285.
196
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ولهذا ،أبدت أحكام النظام األساسي حرصا ظاهرا على تفادي هذا التنازع بإيجاد
حل جذري له ،وهو النص على مبدأ التكامل ،إذ أكدت الفقرة العاشرة من الديباجة أن
المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام ستكون مكملة للواليات القضائية
الجنائية الوطنية .ومن ثم ،جاءت المادة األولى من النظام األساسي لتدعم ما جاء في
ديباجتها ،بنصها على أن" :تنشأ بهذا محكمة جنائية دولية ،وتكون المحكمة هيئة دائمة،
لها السلطة لممارسة اختصاصها إزاء أشد الجرائم خطورة موضع االهتمام الدولي،
وذلك على النحو المشار إليه في هذا النظام األساسي ،وتكون المحكمة مكملة للواليات
القضائية الجنائية الوطنية ،ويخضع اختصاص المحكمة وأسلوب عملها لهذا النظام
األساسي"(.)256
يستخلص من النص الساب ق ،أن االختصاص بالمعاقبة على أشد الجرائم خطورة
بنا ًء على ما سبق ،يثور التساؤل عما إذا كان يترتب على اإلحالة من مجلس األمن
إلى المدعي العام عدم استطاعة المحاكم الوطنية بعد ذلك ممارسة واليتها القضائية في
ش أن الجريمة محل اإلحالة ،أم أن مبدأ التكامل يبقى واجب التطبيق على الرغم من لجوء
()258
مجلس األمن إلى استعمال سلطته في اإلحالة؟.
197
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وفي اإلجابة على هذا التساؤل ،يرى بعض الفقه؛( )259أن اإلحالة من مجلس األمن
إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من شأنها أن تعطل أي مبادرة تقوم بها
المحاكم الوطنية في ممارسة اختصاصها بشأن الحالة موضوع اإلحالة .وبعبارة أخرى،
فإن مجلس األمن يبقى صاحب القرار النهائي من حيث طلبه اإلحالة ،وذلك حقه في
اللجوء إلى إلزام الدول األعضاء في النظام األساسي للمحكمة ،و الدول غير األعضاء
بعدم مباشرة اختصاصها الجنائي اتجاه بعض القضايا لصالح المحكمة الجنائية الدولية،
أو أي جهة قضائية ،وذلك استنادا إلى مواد الفصل السابع من الميثاق ،الذي يصبح هو
وقد يذهب الوضع أبعد من ذلك ،حيث انه من الناحية القانونية والعملية ليس من
ح ق المحكمة الجنائية الدولية أن ترفض طلب المجلس ،إذا تأكد لديها أن الدولة قامت
فعال بكل إجراءات التحقيق والبحث والمحاكمة .إذ ليس للمحكمة أن تصرح عمليا بعدم
قبول الحالة ،إذا رأى مجلس األمن أن الدولة المعنية غير قادرة ،وبذلك يكون لمجلس
األمن أن يلزم المحكمة با لنظر في الحالة ،حتى وإن سبق للدولة الفصل في القضية
ومحاكمة مرتكبي السلوك اإلجرامي بحكم اختصاصها الوطني .ففي هذه الحاالت ،تكون
-259حممود شريف بسيوين ،احملكمة اجلنائية الدولية :مدخل لدراسة أحكام وآليات اإلنفاذ الوطين للنظام األساسي ،دار
الشروق ،القاهرة ،الطبعة األوىل ،2004 ،ص.166.
-260بن عامر تونسي ،مرجع سابق ،ص.236.
-261ثقل سعد العجمي ،مرجع سابق ،ص.32-31.
198
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أن المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية مستقلة؛ كما تم التنصيص على -
ذلك في ديباجة النظام األساسي )262(،وهذه االستقاللية تقتضي أن يكون للمحكمة القول
الفصل في قبول اإلحالة أو رفضها ،بنا ًء على األحكام المنصوص عليها في نظامها
أن مجلس األمن يستمد صالحياته في اإلحالة من النظام األساسي ،وليس من -
ميثاق األمم المتحدة ،لذلك؛ فإن النظام األساسي هو الذي يبين مدى هذه الصالحية
وحدودها وليس العكس .والقول بخالف ذلك ،يعني أن لمجلس األمن أن يعدل النظام
األساسي للمحكمة ،عن طريق مثل هذه القرارات ،وهذا مخالف لما تنص عليه اتفاقية
إذا كانت اإلحالة صادرة عن مجلس األمن ،فإن التساؤل يثور حول من يتحمل
نفقات التحقيق والمحاكمة ،وما إذا كانت هيئة األمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية.
يرى جانب من الفقه ( ، )264أن المحكمة الجنائية الدولية ليست تابعة لألمم المتحدة
بعكس المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ،لهذا من الطبيعي أن ال تتحمل األمم المتحدة أي
-262تنص الفقرة التاسعة من ديباجة النظام األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية على ما يلي" :إن الدول األطراف قد
عقدت العزم ،من أجل بلوغ هذه الغاايت ،ولصاحل األجيال احلالية واملقبلة ،على إنشاء حمكمة جنائية دولية دائمة مستقلة
ذات عالقة مبنظومة األمم املتحدة ،وذات اختصاص على اجلرائم األشد خطورة اليت تثري قلق اجملتمع الدويل أبسره".
-263تنص املادة ( )39من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة 1969على أنه" :جيوز أن تعدل املعاهدة ابتفاق
أطرافها."...
-264حممد سامح عمرو ،مرجع سابق ،ص.59.
199
المجلة المغربية لتاريخ القانون
نفقات بهذا الشأن .في حين يرى البعض اآلخر( ،)265أن اإلجابة ال تخرج عن االحتماالت
الثالث التالية:
يتصرف في هذه الحالة بموجب الفصل السابع من الميثاق ،وألن اإلحالة إلى المدعي
العام للمحكمة تندرج ضمن التدابير غير العسكرية التي يتخذها مجلس األمن للمحافظة
لهذا الرأي أن األمر يتعلق بجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة ،وال يهم نوع الجهة
التي قامت باإلحالة ،فيستوي أن تكون دولة طرف أو مجلس األمن أو أن المدعي العام
للمحكمة قد باشر التحقيق من تلقاء نفسه ،فال يجوز التفرقة بين ما إذا كانت اإلحالة قد
صدرت عن مجلس األمن أو عن دولة طرف ،والقول بتحمل األمم المتحدة نفقات
✓ التفرقة بين ما إذا كانت الحالة موضوع اإلحالة تتعلق بدولة طرف ووقعت
في تاريخ الحق على نفاذ النظام األساسي للمحكمة ،وبين ما إذا كانت الحالة تتعلق بدولة
غير طرف دون أن تكون هذه الدولة قد قبلت اختصاص المحكمة بنظرها ،ففي الفرض
الثاني ،يترتب على اإلحالة الصادرة عن مجلس األمن مد اختصاص المحكمة إلى وقائع
ال يجوز للمحكمة نظرها إال بناء على هذه اإلحالة ،ولذلك؛ يغدو من السائغ عقال ومنطقا
القول بتحمل هيئة األمم المتحدة نفقات المحاكمة ،أما في الفرض األول ،فإن المحكمة
-265أمحد عبد الظاهر" ،سلطة جملس األمن يف اإلحالة إىل احملكمة اجلنائية الدولية" ،مرجع سابق ،ص.16.
200
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ويعارض بعض الفقه( ،)266الحكم الخاص بعدم تحمل األمم المتحدة أي نفقات
متكبدة فيما يتصل باإلحالة ،مستندين في ذلك إلى أن هذا الحكم يخالف ما تم التفاهم عليه
بين الدول المشاركة في األعمال التحضيرية التي أسفرت عن تبني نظام روما األساسي؛
إذ كان هناك اتفاق عام على أنه إذا ما أحال مجلس األمن أي حالة من الحاالت ،يكون
على األمم المتحدة أن تتحمل النفقات المرتبطة بذلك ،ويخالف أيضا المبدأ المتفق عليه
الخاص بالتفاوض بحسن نية ،والذي يعتمد على االلتزام بالتفاوض طبقا لما هو وارد
باالتفاق المبرم بين األمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية .كما أن التوسع في استخدام
مجلس األمن ل سلطته في اإلحالة ،يؤدي إلى تحمل الدول األطراف في نظام روما
األساسي أعباء مالية كبيرة ،ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبا على العالقة بين مجلس األمن
إن محاولة فهم العالقة بين مجلس األمن والمحكمة الجنائية الدولية ،وخاصة
سلطة اإلحالة المحددة بموجب الفقرة الثانية من المادة ( )13من نظام روما األساسي،
ال يتوقف عند حدود اإلطار النظري الذي يحكمها من نصوص قانونية وآراء فقهية،
وإنما ينبغي أن يمتد لدراسة الواقع العملي حتى يتسنى الخروج باستنتاجات علمية تؤكد
أهمية وجدوى المحكمة الجنائية الدولية من عدمها في مكافحة اإلفالت من العقاب ،وكذا
أهمية سلطة مجلس األمن في ممارسة صالحياته ،سواء تلك المتعلقة بمباشرة اإلحالة
أو تلك المحددة في ميثاق األمم المتحدة في سبيل تحقيق األمن والسلم الدوليين.
201
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وعلى هذا األ ساس ،سنعمل على دراسة تطبيقات سلطة مجلس األمن في اإلحالة،
بناء على نص المادة (/13ب) من نظام روما األساسي ،وهو ما حدث في حالة دارفور،
العملية ،فإنه البد من اإلشارة إلى أهم اإلشكاليات المترتبة عن قراري مجلس األمن
-األولى :همت إحالة الوضع القائم في دارفور ،منذ الفاتح من يوليوز 2002
-الثانية :شملت إحالة الوضع القائم في الجماهيرية العربية الليبية ،منذ 15فبراير
يمثل قرار مجلس األمن الدولي 1593السابقة األولى من نوعها التي يستخدم
فيها المجلس صالحياته المخولة له بموجب المادة (/13ب)) من نظام روما بإحالة
"حالة" إلى المحكمة الجنائية الدولية ،على إثر الجرائم الخطيرة التي شهدها إقليم
دارفور بين األطراف المتنازعة ،فما هي خلفيات اعتماد القرار 1593وما مضمونه
؟.
202
المجلة المغربية لتاريخ القانون
"الحالة" المتعلقة بدارفور ،منذ الفاتح من يوليوز 2002على المدعي العام للمحكمة
الجنائية الدو لية ،باعتبارها ال تزال تشكل تهديدا للسلم واألمن الدوليين.
إن هذه الخطوة ،هي نتاج عدة قرارات سابقة صدرت عن المجلس في عام
بتحديد هوية األشخاص المسؤولين عن تلك االنتهاكات ،بمن فيهم "أفراد قوة الدفاع
الشعبي وميليشيات الجنجويد" وتقديمهم للمحاكمة ،فقد طلب مجلس األمن من األمين
العام "أن يقوم على وجه السر عة بإنشاء لجنة تحقيق دولية ،تضطلع فورا بالتحقيق في
التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان،
التي ترتكبهما جميع األطراف في دارفور ،وتحديد هوية مرتكبي تلك االنتهاكات لكفالة
"أنطونيو كاسيسيه" أستاذ القانون الدولي ،وأول رئيس للمحكمة الجنائية الدولية
أوصت فيه بإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية ،عمال بأحكام المادة
-267قرار جملس األمن ( )1547الذي اختذه يف اجللسة رقم ،4988بتاريخ 11يونيو .2004
-268قرار جملس األمن ( )1556الذي اختذه يف اجللسة رقم ،5015بتاريخ 30يوليوز .2004
-269الفقرة الثانية عشر من القرار (.)1564
203
المجلة المغربية لتاريخ القانون
(/ 13ب) من نظامها األساسي ،ألن نظام العدالة في السودان أثبت عدم قدرته على
للسلم واألمن الدوليين ،كما تضمنت ديباجته اإلشارة إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية في
دارفور الذي استند إلى توصياتها بشأن إحالة النزاع إلى المحكمة.
ولعل من الغرابة أال نجد في ديباجة القرار ،أية إشارة إلى الفقرة (/13ب) من
النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية )272(،وإنما تمت اإلشارة فقط في الفقرة الثانية
من الديباجة إلى المادة ( )16التي تقضي بأنه" :ال يجوز للمحكمة الجنائية الدولية البدء
أو المضي في تحقيق أو مقاضاة لمدة اثني عشرا شهرا بعد أن يتقدم مجلس األمن بطلب
بهذا المعنى" ،عالوة على ذلك ،تضمنت الديباجة اإلشارة إلى المادة ( )2/98من نظام
أما فيما يتعلق بالقرارات التنفيذية ،فقد نصت الفقرة األولى ،بإحالة الوضع القائم
في دارفور منذ فاتح يوليوز 2002إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية .كما
نصت الفقرة الثانية بوجوب تعاون حكومة السودان ،وجميع أطراف الصراع األخرى
-270حممد حممود الزيدي" ،احملكمة اجلنائية الدولية وأزمة دارفور ...رؤية قانونية" ،جملة السياسة الدولية ،العدد ،173
أكتوبر ،2008ص.32.
-271أيد مشروع القرار كل من روسيا؛ األرجنتني؛ البنني؛ تنزانيا؛ الدامنارك؛ فرنسا؛ رومانيا؛ الفلبني؛ اململكة املتحدة؛ الياابن؛
اليوانن ،وامتنعت عن التصويت كل من اجلزائر ،الصني ،الربازيل ،والوالايت املتحدة األمريكية.
272
- Raffaele Cadin, « le cas du Darfour et les Relations entre la Cour Pénale
Internationale et le Conseil de Sécurité », disponible à:
http://w3.uniroma1.it/...Le%20cas%20du%20Darfour%20-%20Cadin.pdf.
204
المجلة المغربية لتاريخ القانون
في دارفور تعاونا كامال مع المحكمة والمدعي العام ،وأن تقدم إليها كل ما يلزم من
مساعدات .إال أن هذه الفقرة عادت لتنطوي الحقا على تناقض فاضح ،حيث تضمنت
العبارة التالية" :وإذ يدرك أن الدول غير األطراف في نظام روما األساسي ال يقع عليها
السودانية كدولة غير طرف التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ،في حين يدرك أن
الدول غير األطراف بموجب نظام روما غير ملزمة بموجب نظام المحكمة.
العاملين في قوات حفظ السالم في دارفور ،حيث يظل هؤالء خاضعين الختصاص
القضاء الوطني في بالدهم ،مما يترتب عليه اعتبار اإلحالة الموجهة من قبل مجلس
األمن ،لم تعد بشأن "حالة" كما تتطلب ذلك المادة (/ 13ب) ،بل أصبحت إحالة قضية
إلى المحكمة ،أي أن المحكمة لن يكون لها اختصاص ،فيما يتعلق بهؤالء األشخاص
الذين تم استثناؤهم ،حتى ولو نسبت لهم جرائم تدخل في اختصاص المحكمة ،وهو ما
إضافة إلى ذلك ،تضمنت الفقرة السابعة من القرار ،اإلشارة إلى أنه" :ال يجوز
أن تتحمل األمم المتحدة ،أية نفقات متكبدة فيما يتصل باإلحالة ،بما فيها النفقات المتعلقة
بالتحقيقات أو المالحظات القضائية ،وأن تتحمل تلك التكاليف الدول األطراف في نظام
روما األ ساسي ،والدول التي ترغب في اإلسهام فيها طواعية" ،األمر الذي يتعارض
الجنائية الدولية.
205
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إن القراءة األولية للقرار ( ،) 1593تقود إلى العديد من التساؤالت بشأن التناقض
الشديد الذي انطوت عليه أحكامه ،والسيما ما يتعلق بإغفاله اإلشارة إلى المادة (/13ب)،
()273
واالستعانة عن ذلك باإلشارة إلى المادة (.)16
وأيا كان موقفنا من هذا القرار ،فإن المحكمة الجنائية الدولية عملت على اغتنام
هذه الفرصة ،التي مكنها منها مجلس األمن الدولي للشروع في إجراءاتها ،فيما يتعلق
بالحالة في دارفور.
بإحالة الوضع في الجماهيرية العربية الليبية على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية،
المجاورتين ،دعا الليبيون إلى مظاهرات مماثلة في 17فبراير 2011ضد العقيد معمر
()274
ورغم سلمية االحتجاجات والتظاهرات في القذافي وحكمه الذي دام 42عاما،
البداية ،والمطالبة بإصالحات عاجلة ،إال أن عنف النظام والبيئة اإلقليمية السائدة
206
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وفي محاولة إلخماد تلك االحتجاجات ،أوقفت الحكومة الليبية في النصف األول
إخماد االضطراب ،ساهم اعتقال ناشطين بارزين (فتحي تربل -فرج الشرابي) في اللجنة
، 2011وعلى الرغم من إطالق سراحهما بسرعة ،إال أن ذلك لم يفلح في تهدئة الغضب
العام .ففي 16فبراير اشتدت االحتجاجات وانتشرت في المدن الليبية ،حيث ردت عليها
قوات نظام امعمر القذافي بقوة مفرطة وقاتلة في بعض األحيان ،نتيجة إطالق الذخيرة
الحية على المتظاهرين العزل دون سابق إنذار ،إذ قتل بعض المحتجين في بنغازي
في طرابلس ،كما سجل سقوط عدد من الضحايا في طبرق ومصراتة والزاوية.
وفي أواخر فبراير ،2011بدأ الشعب بحمل السالح – الذي جرى االستيالء عليه
من مخازن حكومية -وراح يصطدم مع قوات األمن ،كما حصل بعضهم على أسلحة
من عناصر مشتقة من قوات األمن .وقد أنحى امعمر القذافي في 22فبراير من نفس
السنة في أول خطاب له في التلفزيون الوطني الليبي منذ بداية االحتجاجات ،بالئمة
المشكلة في ليبيا على أجانب ،وقال إن البالد بحاجة ألن تطهر من المحتجين ،الذين
دعاهم بـ"الجرذان".
بعد ذلك ،تطور نزاع مسلح بين قوات القذافي والقوات المناهضة له ،التي غدت
مسلحة ومنظمة ،ساعدها في ذلك معرفة المنشقين وخبرتهم ،األمر الذي أدى إلى سقوط
معظم شرق ليبيا في أيدي قوات "الثوار" ،وفي 26فبراير ،2011واستجابة للعنف
المتصاعد والتقارير التي تشير إلى انتهاكات خطيرة لحقوق اإلنسان ،أصدر مجلس
207
المجلة المغربية لتاريخ القانون
األمن الدولي القرار ( )1970الذي يقضي بفرض حظر على بيع األسلحة إلى ليبيا،
()275
وإحالة الوضع هناك إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
()276
ب -مضمون القرار.1970
أعرب القرار في ديباجته ،عن القلق البالغ إزاء الوضع في الجماهيرية العربية
الليبية ،كما شجب االنتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق اإلنسان ،بما في ذلك قمع
المتظاهرين المسالمين وقتل المدنيين .كما رحب أيضا ،بقرار مجلس حقوق اإلنسان
المؤرخ في 25فبراير ، 2011بما في ذلك قراره إيفاد لجنة دولية مستقلة على وجع
االستعجال للتحقيق في جميع انتهاكات القانون الدولي لحقوق اإلنسان المزعوم ارتكابها
في الجماهيرية العربية الليبية ،وذلك للوقوف على حقائق وظروف وقوع تلك االنتهاكات
إال أن المالحظ على القرار خلوه من أي إشارة إلى المادة (/13ب) من نظام
روما ،وإنما أشار فقط إلى المادة ( )16منه ،على غرار قراره السابق فيما يخص الحالة
يطالب بوقف العنف فورا ،ويدعو إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بتلبية تلك ✓
-275التقرير الكامل للجنة الدولية لتقصي مجيع انتهاكات القانون الدويل املزعومة يف ليبيا ،مرجع سابق ،ص.30.
-276قرار جملس األمن ( ،)1970مرجع سابق.
-277قرار جملس األمن ( ،)1970نفس املرجع السابق ،ص.1.
208
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يهيب بالسلطات الليبية التحلي بأقصى درجات ضبط النفس ،واحترام ✓
حق وق اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني ،وضمان سالمة جميع الرعايا األجانب
وأموالهم ،إضافة إلى ضمان مرور اإلمدادات اإلنسانية والطبية ،كما طلب إلى جميع
الدول األعضاء التعاون قدر اإلمكان في إجالء الرعايا األجانب الراغبين في مغادرة
األراضي الليبية؛
إحالة الوضع القائم في الجماهيرية العربية الليبية منذ 15فبراير 2011 ✓
يقرر أن تتعاون السلطات الليبية تعاونا كامال مع المحكمة ومع المدعي ✓
العام ،وتقدم لهما ما يلزمهما من مساعدة عمال بمقتضيات هذا القرار ،وإذ يسلم بأن
الدول غير األطراف في نظام روما األساسي ال يقع عليها أي التزام بموجب هذا النظام،
يحث جميع الدول والمنظمات الدولية المهتمة باألمر على التعاون التام مع المحكمة
والمدعي العام؛
يقرر أن الرعايا ،أو المسؤولين الحاليين أو السابقين ،أو األفراد القادمين ✓
من دولة خارج الجماهيرية العربية الليبية وليست طرفا في نظام روما ،يخضعون
للوالية الحصرية لتلك الدولة في جميع ما يزعم وقوعه من تصرفات أو أعمال تقصير
ناجمة عن العمليات التي ينشئها أو يأذن بها مجلس األمن الدولي في الجماهيرية العربية
الليبية أو تكون متصلة بها ،ما لم تتنازل الدولة صراحة عن تلك الوالية القضائية
الحصرية؛
يدعو المدعي العام إلى إفادة المجلس باإلجراءات المتخذة عمال بهذا القرار ✓
209
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يسلم بأن األمم المتحدة لن تتحمل أي نفقات تنجم عن إجراء اإلحالة ،بما ✓
في ذلك ما يتصل بها من نفقات تتعلق بالتحقيقات أو المالحقات القضائية ،وأن تتحمل
تلك التكاليف أطراف نظام روما األساسي والدول التي ترغب في اإلسهام فيها طواعية؛
االلتزام باالستعراض :يؤكد المجلس أنه سيواصل استعراض األعمال التي ✓
تقوم بها السلطات الليبية ،وأنه سيظل على استعداد الستعراض مدى مالئمة التدابير
الواردة في هذا القرار ،بما في ذلك تعزيز تلك التدابير أو تعديلها أو تعليقها أو رفعها.
210
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أثار قرار مجلس األمن الدولي ( )1593القاضي بإحالة ملف دارفور ،والقرار
( ) 1970القاضي بإحالة ملف الجماهيرية العربية الليبية على المدعي العام للمحكمة
الجنائية الدولية ،إشكاالت عدة شملت أساسا والية المحكمة الجنائية الدولية على الدول
أوال :والية المحكمة على أقاليم الدول غير األطراف وتنازع االختصاص
أ -والية المحكمة الجنائية الدولية على أقاليم الدول غير األطراف.
خلفت مسألة والية المحكمة الجنائية الدولية على أقاليم الدول غير األطراف،
القانونية الدولية وتفسيراتها في قراءة خاصة ،يمكن إجمال أهم مالمحها ومضامينها في
ما يلي:
()279 ()278
من ميثاق األمم المتحدة تقضيان و()103 أن المادتين ()25 -
بوجوب تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس األمن ،وأن قرار هذا األخير باإلحالة سوف
يكون له السمو على أحكام النظام األساسي للمحكمة ،وعليه؛ يكون قرار المجلس الصادر
بموجب الفصل السابع من الميثاق باإلحالة سالبا لالختصاص القضائي الوطني بالنسبة
-278تنص املادة ( ) 25من ميثاق األمم املتحدة على ما يلي" :يتعهد أعضاء األمم املتحدة بقبول قرارات جملس األمن
وتنفيذها وفق هذا امليثاق".
-279تنص املادة ( ) 103من ميثاق األمم املتحدة على ما يلي " :إذا تعارضت االلتزامات اليت يرتبط هبا أعضاء األمم
املتحدة وفقا ألحكام هذا املي ثاق مع أي التزام دويل آخر يرتبطون به ،فالعربة ابلتزاماهتم املرتتبة على هذا امليثاق".
211
المجلة المغربية لتاريخ القانون
للدول المعنية ،ويحد من مبدأ التكاملية بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم
الوطنية(. )280
رغم أن وضوح نص المادة (/13ب) من نظام روما ،يمتنع معه اللجوء -
إلى التفسير ،فإن فهم هذه الفقرة وفقا لسياق االتفاقية والغاية منها ،ووفقا لتاريخ
المحاكمات الجنائية الدولية قبلها ،يقتضي بسريانها على الدول التي لم تصادق على
وآية ذلك ،ما أوردته الدائرة التمهيدية األولى في قضيتي "أحمد هارون" و"علي
كشيب" من أن السودان ،بالنظر إلى المعيارين اإلقليمي والشخصي ليست دولة طرفا
في النظام األساسي ،بيد أنه عمال بالفقرة (ب) من المادة ( )13من النظام األساسي ال
تطبق الفقرة الثانية من المادة ( ،) 12إذا كان مجلس األمن هو الذي أحال "الحالة" على
المحكمة الجنائية الدولية ،بمقتضى الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة .وعليه ،يجوز
للمحكمة أن تمارس اختصاصها في الجرائم التي ارتكبت على إقليم دولة ليست طرفا
في النظام األساسي( ، )281وأبسط ما يشترط في هذه الحالة ،أن تشكل الوقائع المحالة
تهديدا للسلم واألمن الدوليين ،وفقا لمنطوق الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة،
باعتبار الدول األعضاء في األمم المتحدة ملزمة باحترام قرارات مجلس األمن وتنفيذها
212
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ويخلص أنصار هذا الرأي ،إلى أن قراءة المادة (/13ب) في ضوء الفقرة الثانية
من المادة ( )12من النظام األساسي( ، )282تكفل لمجلس األمن الحق بإحالة الدعوى إلى
المحكمة ،ولو انصرفت الحالة إلى جريمة دولية ،لم تقبل جميع الدول المعنية بها ،ومن
ثم ترتب ذلك إعفاء إحاالت مجلس األمن من مقتضيات "قاعدة الرضائية" ،التي تشترط
موافقة مجمل الدول المعنية ،إلثارة الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية(.)283
وإذا كانت الحجة الرئيسية لمؤيدي قراري المحكمة الجنائية الدولية ،بشأن الوضع
في إقليمي دارفور وليبيا ،هي استناد اإلحالة إلى قراري مجلس األمن رقم ()1593
و( ،) 1970فإن الحجة الرئيسية لمعارضي القرارين ،قامت باألساس على أن نظام روما
هو عبارة عن معاهدة دولية ،وبالتالي فإنه يخضع التفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة
نسبة أثر المعاهدات الوارد في المادة ( )34من اتفاقية فيينا لقانون -
المعاهدات( ، )284فال يسري نظام روما بأي شكل من األشكال ،إال على الدول التي
انضمت إليه ،ويطبق هذا النص بشكل أشد صرامة ما دامت العضوية تعني اختصاص
213
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المحكمة ،وما دام اختصاص المحكمة ال يعتمد على قبول مستقل للعضوية عن هذا
ما دام نظام المحكمة معاهدة دولية ،فإن النزاع حول ما جاء في هذا النظام -
في التفسير والتطبيق بين المحكمة ودولة طرف ،أو بين المحكمة ودولة غير طرف
يخضع الختصاص محكمة العدل الدولية ،التي عينتها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
للفصل في مثل هذه المنازعات ،وذلك إما بحكم قضائي أو رأي استشاري إذا توفرت
شروطهما ،وقد أشار نظام المحكمة في المادة ( )119إلى طرق تسوية المنازعات
لو كان اشتراط نصاب معين من الدول المصدقة سببه أن معاهدة المحكمة -
الجنائية الدولية تسري على غير الدول المصدقة عليها ،لما نصت المادة ( )11في فقرتها
الثانية على بدء سريان نظام المحكمة على الدول التي تنظم إليه بعد نفاذه على الجرائم
الواقعة بعد تاريخ هذا االنضمام ،وبدء نفاذ نظام المحكمة بالنسبة إلى الدول المنضمة.
إذ يؤكد ذلك النص حق الدول األعضاء في االنسحاب من االتفاقية (المادة ،)127بل
وانسحاب الواليات المتحدة األمريكية وإسرائيل من المعاهدة بعد التوقيع عليها لئال
-285عبد هللا األشعل ،السودان واحملكمة اجلنائية الدولية ،دار الكتاب القانوين ،اإلسكندرية ،الطبعة األوىل،2009 ،
ص.67.
-286تنص املادة ( )119على ما يلي:
(أ) -يسوى أي نزاع يتعلق ابلوظائف القضائية للمحكمة بقرار للمحكمة.
(ب) -حيال إىل مجعية الدول األطراف أي نزاع آخر بني دولتني أو أكثر من الدول األطراف بشأن تفسري أو تطبيق هذا
النظام األساسي ال يسوى عن طريق املفاوضات يف غضون ثالثة أشهر من بدايته ،وجيوز للجمعية أن تسعى هي ذاهتا لتسوية
النزاع أو أن تتخذ توصيات بشأن أية وسائل أخرى لتسوية النزاع ،مبا يف ذلك إحالته إىل حمكمة العدل الدولية وفقا للنظام
األساسي لتلك احملكمة.
214
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تنطبق عليهما أحكام نظامهما ،فلو أن االتفاقية ستطبق على الدول األعضاء وغير
()287
األعضاء ،لما كان لالنسحاب أي قيمة أو معنى.
تضمن النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،وفقا لمبدأ التكامل ،عددا من
الضمانات التي تحفظ للقضاء الجنائي الوطني صالحيته ،في نظر الجرائم التي تقع
ضمن اختصاصه من خالل ما نصت عليه المواد ( )17و( )18و( ،)19لكن نظام روما
بخالف المادة ( ،) 18التي ال توحي بإمكانية انطباق مبدأ التكامل في حالة اإلحالة
من م جلس األمن ،وهو أمر ال يجب التسليم به ،نجد المادتين ( )19و( )53من نظام
المحكمة تنطبقان على إحاالت مجلس األمن ،فوفقا للمادة (/2/19ب) يمنح النظام
األساسي الحق ألي دولة لها اختصاص النظر في الدعوى لكونها تحقق أو تباشر
المقاضاة في الدعوى ،أو الدولة التي يطلب قبولها باالختصاص عمال بالمادة ()12
المدعي العام بالنظر هل القضية مقبولة أو يمكن أن تكون مقبولة بموجب المادة ()17
بما في ذلك القضايا ال منظورة بموجب اإلحالة من مجلس األمن .ولما كان مبدأ التكامل
يعد من المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها نظام المحكمة ،فإنه يجب احترام أولوية
215
المجلة المغربية لتاريخ القانون
اإلجراءات القضائية الوطنية حتى في ظل اإلحالة من قبل مجلس األمن ،وهذا ما لم تتم
وبنا ًء على ما سبق ،يمكننا أن نقر بأن إحالة "حالة ما" إلى المحكمة من قبل
مجلس األمن ال يحول دون إمكانية تطبيق مبدأ التكامل ،مما يعني أنه بوسع الحكومة
الدعوى(.)289
وبالنظر إلى أحكام الفقرة (أ) من المادة ( ،)1/17التي تفترض وجود حالة من
التزامن من انعقاد االختصاص وفي ممارسته أيضا ،ومن ثم؛ فإن تقدير قبول الدعوى
أمام المحكمة سوف يظهر أشبه بعملية الفصل في حالة تنازع االختصاص القضائي،
وباعتبار أن مسألة الفصل في هذه المسائل في إطار األنظمة الوطنية غالبا ما تقوم به
سلطة قضائية عليا تتولى تعيين المرجع المختص ،فإننا نجد انه في حالة المحكمة الجنائية
الدولية فاألمر موكول للمحكمة نفسها مما يجعلها خصما وحكما في آن واحد.
ويبدو هذا األمر جليا في حالة دارفور ،إذ نجد أن هناك جهتين تتنازعان
االختصاص في نظر االنتهاكات التي وقعت في إقليم دارفور ،هما القضاء الجنائي
216
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أن مجلس األمن بموجب القرار ( )1593مكن المحكمة من ممارسة اختصاصها حيال
جرائم تخضع لالختصاص األصيل للقضاء السوداني ،استنادا إلى مبدأي اإلقليمية
والشخصية اإليجابية ،مما يدفعنا إلى القول :أن تصرف مجلس األمن بإحالة الوضع في
دارفور إلى المحكمة قد فرض حالة من التنازع اإليجابي لالختصاص بين القضاء
الوطني السوداني والمحكمة الجنائية الدولية( .)291ونفس األمر حدث في قضية "سيف
اإلسالم القذافي" ،مما دفع الدائرة التمهيدية األولى في المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ
31ماي 2013إلى إصدار قرار يقضي برفض الطعن الذي قدمته ليبيا بموجب المادة
لما كانت المحاكمات الدولية وما يرتبط بها من تحقيقات شديدة التكاليف ،حرص
قرار مجلس األمن ( )1593في فقرته السابعة )292(،على التشديد على عدم تحمل األمم
المتحدة النفقات المالية المتعلقة بالمحاكمات وإجراءات التقاضي والتحري ،وأن تتحمل
املنظمة من قبل املنظمة السودانية ملناهضة التعذيب والفيدرالية الدولية حلقوق اإلنسان حول موضوع احملكمة اجلنائية الدولية
والسودان :الوصول للعدالة وحقوق اجملين عليهم ،بتاريخ 2و 3أكتوبر ،2005مركز اخلرطوم حلقوق اإلنسان والتنمية البيئية،
عدد ،2/441مارس ،2006ص .13.متوفر على الرابط التايل:
- http://www.iccnow.org/documents/Fidh_SudanICCReport_Mar06_ar.pdf
-291لؤي حممد حسني انيف ،مرجع سابق ،ص.546.
-292تنص الفقرة السابعة من القرار ( ) 1593على أن جملس األمن" :يسلم أبنه ال جيوز أن تتحمل األمم املتحدة أية
نفقات متكبدة فيما يتصل ابإلحالة مبا فيها النفقات املتعلقة ابلتحقيقات أو املالحقات القضائية فيما يتصل بتلك اإلحالة،
وأن تتحمل تلك التكاليف األطراف يف نظام روما األساسي والدول اليت ترغب يف اإلسهام فيها طواعية".
217
المجلة المغربية لتاريخ القانون
هذه النفقات الدول األعضاء في معاهدة روما ،والدول األخرى التي تريد التطوع
()293
بإسهامات مالية.
إذ تم إدراج هذه الفقرة بطلب من الواليات المتحدة األمريكية ،التي اشترطت أنها
لن تتحمل المصاريف المتعلقة بالتحقيقات واإلجراءات القانونية ،وإال فإنها ستصوت
ضد القرار(.)294
كما نصت الفقرة (ب) من المادة ( )115من نظام روما األساسي ،على أن تغطى
نفقات المحكمة من األموال المقدمة من األمم المتحدة ،رهنا بموافقة الجمعية العامة،
ولعله مما ال يحتاج إلى عناء كبير لإلثبات ،الزعم بأن الفقرة السابعة من قرار
ب -الحصانة.
إن اإلشكال المالزم لحالتي دارفور وليبيا ال يكمن في عدم وجود آلية إلزامية من
طرف المحكمة ،لكنه يكمن في قانونية وشرعية قراري مجلس األمن ()1593
و( ) 1970بإحالة ملفي السودان وليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية .فرغم مسؤولية
218
المجلة المغربية لتاريخ القانون
مجلس األمن في حفظ السلم واألمن الدوليين ،فإن بعض عناصر المعالجة السياسية
لآلليات القانونية – تحت الفقرة السادسة من القرار -توضح بجالء عدالة المنتصر.
إذ أن الفقرة السادسة من القرارين( ،)296تهدف إلى تحييد والية المحكمة الجنائية
الدولية على مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان ال تكون طرفا في
نظام روما األساسي ،أو مسؤوليها أو أفرادها الحاليين أو السابقين( .)297فهذه الفقرة من
ملحوظا وسابقة لضمان عدم مثول رعاياها أمام المحكمة الجنائية الدولية ( ،)298ولقطع
الطريق عن محاوالت تسييس المتابعات ضد المسؤولين العسكريين األمريكيين ،مما
يعني حصانة لكل المواطنين األمريكيين والتي كانت متوقعة ،وبالتالي كان هامش
الحصانة الممنوح مفاجئا بما أنه لم يقتصر على العسكريين فقط ،بل امتد كذلك إلى كل
المواطنين األمريكيين(.)299
-296تنص الفقرة السادسة من القرار ( ) 1593على ما يلي" :يقر إخضاع مواطين أي دولة من الدول املسامهة من خارج
السودان ال تكون طرفا يف نظام روما األساسي ،أو مسؤوليها أو أفرادها احلاليني أو السابقني ،للوالية احلصرية لتلك الدولة
املسامهة عن كل ما يدعى عن ارتكابه أو االمتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات اليت أنشأها أو أذن هبا اجمللس أو
االحتاد األفريقي ،أو فيما يتصل هبذه العمليات ،ما مل تتنازل تلك الدولة املسامهة عن هذه الوالية احلصرية تنازال واضحا".
297
-Jimenez Ezequiel, « Seeking Global Reform : The United Nations Security
Council, The International Criminal Court, and Emerging Nations», Macalester
International, Vol.30, 2012, p. 92.
-298كما أن الفقرة الرابعة من القرار ،تتضمن إشارة رمزية إىل اتفاقيات احلصانة اليت مت التفاوض عليها بني الوالايت املتحدة
األمريكية حسب املادة ( )2/98من نظام روما ،فهذه األخرية تشري إىل اتفاقيات احلصانة الثنائية اليت أبرمت بني الوالايت
املتحدة وعدد من الدول ،واليت تضمن للمسؤولني العسكريني األمريكيني عدم تسليمهم إىل احملكمة اجلنائية الدولية بدون
موافقة الوالايت املتحدة ،فاملادة ( ) 98تعرتف أبن بعض الدول هلا اتفاقيات قائمة سابقا تلزمهم تسليم املوظفني املرتكبني
جلرمية ما إىل الدولة اليت ينتمون إليها ،ذلك أن واضعي املادة ( )2/98قد سعوا إىل معاجلة أي مفارقات ميكن أن تظهر
مستقبال كنتيجة لالتفاقيات املربمة من قبل ،ولتسهيل التعاون مع احملكمة اجلنائية الدولية .للمزيد من التفاصيل ،راجع:
Corrina Heyder, Op.Cit, p.9.
299
- Corrina Heyder, Op.Cit, p.8.
219
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وقد نجحت الواليات المتحدة األمريكية في تمرير النص ذاته ،في قرار سابق
متعلق بليبيريا ،إذ من المعلوم أنه يكفي النعقاد اختصاص المحكمة أن تكون الجريمة قد
وقعت على إقليم دولة طرف أو بواسطة رعايا دولة طرف ،وهذا يعني أن المحكمة
تستطيع ممارسة واليتها على أحد رعايا دولة غير طرف إذا ارتكبت الجريمة على إقليم
دولة طرف .وبذلك ،فإن إخضاع مواطني الدول المساهمة للوالية الحصرية لدولتهم ال
يعد فقط قيدا على تطبيق الدول لمبدأي االختصاص اإلقليمي والعالمي ،بل أيضا على
ممارسة المحكمة للوالية المقررة لها بمقتضى المادة ( )2/12من النظام األساسي ،كما
يعد محاولة للتعديل في نص االتفاقية متعديا الختصاص المجلس .وال يقدح من ذلك ما
يقرره نص المادة ( )103من الميثاق ،إذ هي ال تنشئ التزاما إال على الدول األعضاء،
والمحكمة الجنائية الدولية ليست بدولة طرف في الميثاق ،فضال على أن المادة ( )2من
االتفاق ية المنظمة للعالقة بين األمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ،تنص على أن
األولى تدرك استقاللية المحكمة ككيان قضائي دائم ،وأن كل منهما يحترم وضعية
واختصاص اآلخر ،ومن ثم يكون المجلس – كإحدى هيئات األمم المتحدة -ملتزما
بذلك(.)300
كما أن الفقرة السادسة من القرار تتناقض بشكل صريح مع ميثاق األمم المتحدة
ومع نظام روما ،فتعارضه مع الميثاق؛ سببه أن مجلس األمن في هذه األحوال قد ابتدع
لنفسه سلطات ليست واردة في الميثاق ،يطلق عليها تجاوز االختصاص ،أما عن المجلس
فقد تجاوز أو انتهك نظام روما ،فذلك واضح من أن سلطة المجلس المبتدعة وفقا للميثاق
تصبح بدعة أخرى بالنسبة لنظام روما ،حيث ال يملك المجلس إزاء المحكمة إال ما قرره
نظام المحكمة نفسه للمجلس أن يصادر على سلطة المحكمة في أن تقرر نطاق
220
المجلة المغربية لتاريخ القانون
اختصاصها الشخصي .كما أن قرار مجلس األمن ( )1593وإن كان منسجما مع قراريه
القانون ،فهو تمييز وإن بررته أوضاع القوة في المجتمع الدولي ،فال يجد له تبريرا في
جاء نظام روما األساسي ليؤكد بوضوح أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة
مستقلة ،لكنه تضمن عدد من األحكام التي ثار حولها الجدل ،والمرتبطة بطبيعة العالقة
بين مجلس األمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية ،والتي تتأسس – حسب فقهاء القانون
الدولي -على وحدة الهدف الذي يسعى كالهما لتحقيقه ،والمتمثل في حفظ السلم واألمن
ومع ذلك ،فقد أثار الوضع الخاص بسلطة مجلس األمن في اإلحالة بموجب المادة
(/ 13ب) من النظام األساسي الكثير من اإلشكاليات ،حيث أثبتت الممارسة العملية أن
العالقة بينهما يشوبها خطر التسييس ،والسيما في ضوء اختالف طبيعة الجهازين،
فالمحكمة الجنائية الدولية؛ جهاز قضائي دولي مستقل ،في حين يعتبر مجلس األمن أحد
األجهزة الرئيسية لألمم المتحدة ذات الطبيعة السياسية ،والموكول له مهمة السهر على
221
المجلة المغربية لتاريخ القانون
مقدمة:
مما ال شك فيه أن لظهير الوضعية المدنية لألجانب إيجابياته ،لكن المجال هنا
أعتقد أنه ليس الستعراض تلك الحسنات ،فالغاية من هذا النقاش الفكري الهادف هو
السعي إلى تحقيق األفضل لهذا القانون ،وهو ما يعني التركيز على ما ينبغي تقييمه
ولذلك حسبنا في هذا المقام أن نقتصر في دراستنا هذه على الحالة الشخصية
لألجانب بالمغرب وذلك من باب خدمة المنهج ،ألبادر إلى القول بأن القصد منه هو
البحث أو التساؤل عن مبررات ودواعي تعديل هذا الظهير ،أو بعبارة أخرى هل هنالك
من مبررات موضوعية للمطالبة بهذا التع ديل؟ وإذا كان الجواب باإليجاب فإن السؤال
الثاني الذي يطرح :هو كيف يمكننا تصور هذا التعديل من أجل مراجعة ناجعة لهذا
القانون؟
وإذا كانت العديد من القوانين الوطنية ذات الطبيعة الموضوعية وكذا الشكلية
عرفت تعديالت جذرية منذ فجر االستقالل ،فإن ظهير الوضعية المدنية لألجانب ظل
غائبا أو مغيبا عن كل هذه التطورات والتغييرات التشريعية رغم مرور أزيد من قرن
من الزمن عن صدوره ،ولعله كان من المفروض أن يتم إصالح هذا القانون أو على
األقل تدارك ما تعمد مشرع الحماية تجاهله ،إال أن ال شيء من ذلك وقع ،ونعتقد أن هذا
222
المجلة المغربية لتاريخ القانون
األمر راجع إلى عوامل عديدة ومتعددة لعل من أهمها النظرة الكالسيكية التي أعطيت
لهذا القانون "كقانون يكرس ويحمي مبدأ االحترام المطلق للقانون الشخصي األجنبي"
كحق من حقوق الشخصية .وإذا كان هذا التصور الكالسيكي لم يعد يصمد على الرد
لكون جل قواعد اإلسناد المقارنة عرفت تعديالت في ضوابط إسنادها مثل ضابط
الموطن أو اإلقامة أو غيرهما وذلك بما يالئم مصالح الدول وسياساتها تجاه ظاهرة
الهجرة واللجوء ،فإن تعديل ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب أصبح حاجة
ضرورية أكثر من أي وقت مضى لظروف تعتبر من وجهة النظر الموضوعية مبررات
مقبولة لتعديله.
وإذا كان أيضا هذا الظهير قد واجهته ومنذ صدوره العديد من المشاكل وال تزال،
فإن هذه المشاكل هي التي تمثل من وجهة نظر موضوعية مبررات لنقده .وعليه ،فإن
تبرير الحاجة إلى هذا النقد يستلزم منا الوقوف بالبحث والتحليل على هذه المبررات
الموضوعية وتحديد طبيعتها ومدى تأثيرها على استعجال تعديل هذا القانون ،حتى إذا
ما استقام هذا التحليل تطرقنا بعد ذلك إلى سؤال المنهجية أي السؤال الذي يتعلق بمنهجية
التعديل ،هل إن ظهير الوضعية المدنية لألجانب يحتاج فقط إلى ترميم جزئي أم إن
األمر بات يفرض إصالحا شامال حتى تتحقق مراجعة ناجعة لهذا القانون.
وعليه ،فإن المحاور العامة لهذه المداخلة ستتمحور في مبحثين على الشكل اآلتي:
المبحث األول :ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب :بحث في مبررات
التعديل
المبحث الثاني :تعديل ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب :قراءة
ميتودولوجية في منهجية اإلصالح
223
المجلة المغربية لتاريخ القانون
التعديل
يمكن إجمال أهم المشاكل التي تواجه تطبيق ظهير الوضعية المدنية لألجانب
بالمغرب ،والتي تمثل أهم األسباب الموضوعية وراء المطالبة بتعديله ،في الثغرات
والنقائص التي يتسم بها هذا القانون إزاء واقع الروابط والمعامالت الدولية الخاصة
بسبب قصور بعض أحكامه (المطلب األول) ،والجمود الذي يطال قواعده ،مما يفرض
المطلب األول :الثغرات والنقائص التي يتسم بها ظهير الوضعية المدنية لألجانب،
مبررات موضوعية لتعديله
إن النص التشريعي ينظم المجتمع ويضع الحلول لمشاكله وفقا للواقع والتصور
السائدين وقت صدوره ،لكن هذا الواقع في تطور مستمر ،وتبعا لذلك يتغير تصور
ومما ال جدال فيه أن صياغة النص التشريعي كلما كانت دقيقة في التعبير وأكثر
تفصيال لألحكام ،كلما ضاقت عن استيعاب وقائع الحياة القائمة والمستجدة ،فال مندوحة
والحالة هذه من نقد التشريع ،والمطالبة المستمرة بتغييره وتعديله حتى يالئم تطبيقه
واألكيد هو أن هذا التعديل والتغيير أو ما يمكن أن نسميه في هذه الحالة بالنقد ال
يكون مشروعا لذاته وإنما يستمد شرعيته من ظهور هذا االعوجاج .وليس المقصود
224
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بهذا االعوجاج الثغرات والنقائص التي تطال األحكام التفصيلية ،أو المبادئ العامة التي
يقوم عليها هذا القانون على الرغم من عموميتها فحسب ،وإنما تلك التي تطال أيضا
ومن األحكام التفصيلية الواردة في ظهير الوضعية المدنية لألجانب والتي طالها
االعوجاج والقصور وصار من الالزم تعديلها نجد على سبيل المثال ما نص عليه الفصل
الخاصة التي يتمتعون بها بفرنسا طبقا للقانون الفرنسي ،ثم الفصل الثاني الذي نص
على أن األجانب يتمتعون بمنطقة الحماية الفرنسية بالمغرب بنفس الحقوق الخاصة التي
يتمتع بها الفرنسيون بدون أي شرط وال قيد باستثناء الحقوق الناتجة عن قوانينهم
الوطنية ،ثم كذلك ما نص عليه الفصل الخامس من الظهير من أنه إذا لم تكن لألجنبي
فمثل هذه المقتضيات القانونية تجاوزها الزمن ،ولم يعد ال للفرنسيين وال لألجانب
بالمغرب نفس الحقوق التي يتمتعون بها في وطنهم وال نفس الواجبات التي يفرضها
عليهم قانونهم الوطني ،فبعد استقالل المغرب وصدور قانون الجنسية أصبح التمييز
واجب وواضح ومن متعلقات النظام العام المغربي بين الوطني واألجنبي .فجل أحكام
الدستور وخاصة الباب الثالث منه المتعلق بالحريات والحقوق األساسية ال يخاطب بها
األجانب ا لمقيمين بالمغرب فلم يعد لهم الحق في التمتع بالحقوق أو التحمل بالواجبات
إال وفق ما يقره القانون الوطني المغربي أو تطبيقا التفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة
- 302راجع على سبيل املثال الفصول 37 ،30 ،27 ،14 ،7 ،6:و 38من الدستور املغريب.
225
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بالمثل( . )303وال يتمتع القانون الفرنسي وال غيره بأية ميزة خاصة في المغرب ،فهو بات
قانونا أجنبيا يطبق في الحدود التي تعينها قاعدة اإلسناد المغربية ككل قانون أجنبي آخر
أما المبادئ العامة التي يقوم عليها هذا القانون والتي تالحقها سهام النقد
ويستوجبها التعديل التشريعي فهي التي يعبر بها المشرع عن نظرية فلسفية معينة ،دون
التي تمثل وتشكل مبادئ عامة بالمعنى الحقيقي للعبارة ،فمثال إذا رجعنا إلى ظهير
الوضعية المدنية لألجانب نجده ينص على مبدأ قانون اإلرادة في العقود الدولية (الفصل
13من ظ.و.م ).على غرار ما كرسته مختلف القوانين المقارنة( ،)304و االتفاقيات الدولية
الخاصة( . )305نفس األمر ينطبق على مبدأ قانون الدولة التي وقع فوق إقليمها الفعل غير
من ظهير الوضعية المدنية) ،فمثل هذه المبادئ وغيرها كثير لم ينتقدها أحد وال طالب
بتغييرها ،وإنما اقتصر التحليل الفقهي لها على مناقشة مفاهيمها التي قد تتغير بتغير
بالمقابل المبادئ العامة األخرى التي عبرت عن نظرية فلسفية معينة ،كمبدأ
القانون الوطني الشخصي التي ترجم بها مشرع الظهير فلسفته االستعمارية ( ،)306فإنها
مبادئ القت وال تزال تتعرض لثورة من النقد خاصة مع تغير الظروف السياسية
226
المجلة المغربية لتاريخ القانون
واالجتماعية والفكرية منذ بداية االستقالل لما مثلته من عوائق حقيقية في وجه مالءمة
التشريع للواقع ،وكان من نتائج ذلك تخلف االجتهاد القضائي في كثير من المجاالت
المهمة كالتكييف والنظام العام ...األمر الذي أدى إلى بروز فكرة الموطن ،وتدخلها
بشكل قوي في ميدان تنازع القوانين المتعلقة بالحالة الشخصية إلى جانب ما تضطلع به
من أدوار مهمة في مجاالت مختلفة تندرج في نطاق القانون الدولي الخاص .ففكرة
الموطن أصبحت المعيار الوحيد المعول عليه إذا لم يكن لألجنبي جنسية دولة معينة طبقا
لالتجاه السائد في التشريع والفقه والقضاء ،أو إذا كان الشخص من الالجئين ،هذا
باإلضافة إلى أن فكرة الموطن باتت تشكل عامال أساسيا في حل تنازع القوانين كما هو
الشأن بالنسبة للتعديالت التي أدخلها المشرع الفرنسي على قانونه المدني حيث كرست
المادة 310من هذا اإلصالح ضوابط جديدة لإلسناد في مادة الطالق ،وأخضعت الفقرة
الثالثة منها طالق األجانب للقانون الفرنسي( ،)307أو عامال مساعدا إلى جانب ضابط
()309
الجنسية كما هو األمر بالنسبة لكل من التشريع األلماني( ،)308واإليطالي
والهولندي( )310واإلسباني(.)311
227
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الوطنية( )312أو مسألة التكييف ،أو تنازع القوانين في الزمان أو رقابة المحكمة العليا في
تطبيق القانون األجنبي المختص أو استبعاد القانون األجنبي الواجب التطبيق لتعارضه
مع النظام العام أو نتيجة تحايل أو غش على القانون للتخلص من أحكامه فيمكننا القول
بأن مثل هذه األحكام الفنية التي يتطلبها المنهج التنازعي والتي حظيت بتنظيم تشريعي
في الكثير من األنظمة المقارنة لم يكن لها نفس الحظ في ظهير الوضعية المدنية لألجانب
بالمغرب فكانت النتيجة هو أن يقود هذا الفراغ التشريعي الذي طبع هذا القانون إلى
إعداد نظرية خاصة للتكييف واإلحالة ووضعية القانون األجنبي أمام القضاء الوطني
والدفع بالنظام العام على نحو يخالف ما هو معمول به في القانون الدولي الخاص
المقارن .وإذا كانت االجتهادات القضائية الوطنية الصادرة بعد االستقالل قد حاولت
اح تضان بعض المفاهيم السائدة في األنظمة المقارنة كتحديد العالقة محل النزاع وفقا
لقانون القاضي وإعمال النظام العام المغربي بشأن العالقات الدولية الخاصة العائلية،
- 312لقد خصص املشرع املغريب مؤخرا أحكاما تشريعية صرحية لنظرية املصلحة الوطنية ورد النص عليها يف املادتني 15
و 16من القانون رقم 15.95املتعلق مبدونة التجارة الصادر املر بتنفيذه مبقتضى الظهري الشريف الصادر يف فاتح غشت
.1996وهكذا ،نصت املادة 15على أنه ":يعترب األجنيب كامل األهلية ملزاولة التجارة يف املغرب ببلوغه عشرين سنة
كاملة ولو كان قانون جنسيته يفرض سنا أعلى مما هو منصوص عليه يف القانون املغريب .ونصت املادة 16على أنه :ال
جيوز لأل جنيب غري البالغ سن الرشد املنصوص عليه يف القانون املغريب أن يتجر إال إبذن من رئيس احملكمة اليت ينوي ممارسة
التجارة بدائرهتا حىت ولو كان قانون جنسيته يقضي أبنه راشد ،وبعد تقييد هذا اإلذن يف السجل التجاري.يفصل يف طلب
اإلذن فورا".
228
المجلة المغربية لتاريخ القانون
فإن ذلك ولألسف لم يكن كافيا لبناء نظرية عامة وشاملة لتنازع القوانين من شأنها ضمان
المطلب الثاني :جمود بعض قواعد ظهير الوضعية المدنية لألجانب ،وصعوبة
مالءمتها مع الوقائع التي تعالجها ،يفرض الحاجة التشريعية إلى نقدها وإعادة
تنظيمها
عندما يصدر تشريع معين لتنظيم مجتمع ما ،فالمفروض أنه يشكل التعبير عن
اإلرادة الحرة والحقيقية لهذا المجتمع ،فهو يجسد عالقاته وتقاليده ،والواقع الذي يعيشه،
ولذلك سرعان ما يصبح هذا التشريع عرضة للنقد بمجرد ما تتغير تلك الظروف
االجتماعية واالقتصادية ،...وتغدو للمجتمع الجديد قيم وتقاليد أخرى تختلف عن تلك
التي كانت قائمة وقت صدوره ،وهذا ما ينطبق بشكل واضح على ظهير الوضعية المدنية
لألجانب الذي صدر لتجسيد واقع المجتمع المغربي الخاضع لسلطات الحماية ،وتثبيت
إن ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب إذا كان قد وضع لتنظيم المجتمع
في فترة صدوره ،وشكل تعبيرا على إرادة هذا المجتمع وليس عن إرادته من حيث إنه
كان موجها لحماية حقوق الفرنسيين واألجانب المقيمين بالمغرب ،وال سيما ضمان
االحترام المطلق لقانونهم الوطني في مادة األحوال الشخصية ،فإن مرور قرن من الزمن
عن هذا الصدور قد غير كليا من تلك الظروف السياسية واالجتماعية واالقتصادية...
للمغرب ،وغدت للمجتمع قيم وتقاليد أخرى تختلف عن تلك التي كانت قائمة وقت
- 313مجيلة أوحيدة :آليات تنازع القوانني يف القانون الدويل اخلاص املغريب ،الطبعة ،2007 ،1مكتبة املعارف اجلديدة،
الرابط ،ص .27
229
المجلة المغربية لتاريخ القانون
صدوره بشكل يجعلنا نقول بأن الحياة الواقعية حاليا أصبحت مختلفة أو منفصلة عن
النظام القانوني والسياسي الذي صدر فيه ظهير الوضعية المدنية لألجانب في الكثير من
جوانبه .وتبعا لذلك نجد أحكامه التطبيقية تختلف كل االختالف عن األحكام العامة
المنظمة فيه ،فالحياة الواقعية رتبت وال تزال ترتب العديد من الوقائع التي قلما نجدها
مطابقة للنموذج المحدد في النص التشريعي ،حيث تأتي كل واقعة متسمة بخصوصية
في عناصرها ،األمر الذي يطرح معه مشكل التكييف الذي يشكل أهم مجال الختالف
الفقه والقضاء ،وتستأثر بالقسط األكبر من مجهود القاضي ،وعمله الفكري في تطبيق
القانون.
وإذا كانت قواعد اإلسناد مثال في األنظمة المقارنة قضائيا وتشريعيا قد ارتقت
تبعا لتطور المجتمعات واستطاعت مواكبة مستجدات الحياة على سبيل المثال المجلة
التونسية للقانون الدولي الخاص ،فإن األمر على خالف ذلك بالنسبة لظهير الوضعية
المدنية لألجانب بالمغرب الذي ظل حبيس المواضيع التي ازدادت معه منذ سنة ،1913
فحدثت في الحياة مسائل أساسية وال نجد لها فيه وجود ،وهذا أمر راجع إلى ما يطبع
هذا القانون من جمود نتيجة تخلف تنظيماته وصياغته التشريعية .ورغم تضمن ظهير
الوضعية المدنية لألجانب العديد من األحكام العامة لنماذج السلوك التي قننت أحكامها،
إال أن ه مع ذلك تبقى تلك النماذج متصفة بالعمومية واالختزال بل وبالجمود ،وهو ما
جعل الكثير من مبادئه وقواعده غير مالئمة للواقع االجتماعي والقانوني الذي يشهده
المغرب ،ويظهر ذلك جليا بشكل واضح وأساسي في مجال الروابط المدنية واألسرية.
فالعالقات الدولية الخاصة لم تعد مقتصرة على صورها التقليدية ،بل إلى جانب عالقات
األفراد الشخصية والمالية ،أصبحت الدولة تتدخل في العالقات الدولية الخاصة في أغلب
230
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ميادينها ،فقد خرجت الدولة عن دورها التقليدي وصارت تتدخل في الحياة الدولية
الخاصة بمظهر الشخص العادي بائعة ومشترية ،مقرضة أو مقترضة ،ناقلة ،مقاولة،
مفوضة ،مستثمرة...كل ذلك يبرز أهمية تنازع القوانين لفض النزاعات التي تثور
بمناسبة العقود التي تبرمها الدولة في عالقاتها مع األفراد أو الشركات عبر الوطنية،
وبالتالي ارتباط هذه القواعد بوجود الدولة ذاتها ومدى تأثيرها في الحياة الدولية
الخاصة( ، )314بل إن هذه القواعد باتت أهميتها بارزة ببالدنا بالنظر إلى التغيرات التي
شهدتها ،حيث فتحت باب المنافسة واالستثمار وأبرمت عالقات اقتصادية مع عدد من
الدول فضال عن النظام االقتصادي المغربي الجديد الذي أفضى إلى دخول عدد كبير
من األجانب لالستثمار واالشتغال بالمغرب ،فبات المغرب عوض مصدرا للهجرة أو
معبرا لها نحو ضفة الشمال مستقبال لها من كل االتجاهات" الجنوب ،الشرق ،الشمال"
وعلى الرغم من التغييرات السياسية المهمة التي عرفها المغرب ،إال أن القضاء
المغر بي لم يتحرر بصورة مطلقة من المفاهيم السائدة في عهد الحماية التي لم يكن لها
ففي مجال الروابط األسرية كانت القوانين الشخصية األجنبية تتمتع إبان الحماية
بحصانة شبه تامة ،فاالحترام التام للقانون الوطني الشخصي الذي كان مقررا بموجب
"النظام الدولي" للمغرب المحمي وبمقتضى االلتزام الذي تحملت به الدولة الحامية تجاه
الدول األجنبية ،ساهم في تكريس توجهاته التي كانت تعطي دونية للقانون المغربي عن
األجنبي وأنكرت عليه كل خصوصياته ،وهذا يعد من األسباب التي اعتمد عليها الفقه
- 314راجع أمحد زوكاغي :حالة وأهلية األجانب ابملغرب ،جملة القضاء املدين ،العدد الثالث ،2011 ،ص .24
231
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والقضاء ال سائدين أنداك لتبرير عدم األخذ باالتجاه الراجح في القانون الدولي الخاص
المقارن والذي يقضي بإخضاع التكييف مثال لقانون القاضي .ولم يكن لهذا التقديس
المفرط للقانون األجنبي إال أن يقود إلى إعداد نظرية خاصة للتكييف واإلحالة ووضعية
القانون األجنبي أمام القضاء الوطني والدفع بالنظام العام على نحو يخالف ما هو معمول
أصبح معها ظهير الوضعية المدنية لألجانب التي يقوم عليه القانون الدولي الخاص
وخاصة في باب تنازع القو انين قاصرا عن توفير حماية متكافئة لألشخاص بين الدول
في مختلف مراحل نزاعاتهم ،فمرور زمن ليس بالقصير على تشريع ظهير الوضعية
المدنية لألجانب ،جعل عدد من األحكام التي كرسها في تنظيمه مجرد قواعد جوفاء ال
تقوى على التطبيق أمام ضوابط اإلسناد الجديدة التي تضعها دول االستقبال في الضفة
األخرى ،هذا األمر يبرر بشكل واضح وموضوعي عجز فكرة القانون الوطني
الشخصي عن احترام الحقوق الخاصة لألفراد دوليا أو تحقيق مبدأ التعامل بالمثل بين
الدول في القانون الدولي الخاص ،كمبدأ متعارف عليه في عالقاتها العامة قبل الخاصة.
إن قصور النظرية الكالسيكية للقانون الوطني عن تحقيق الشرعية القانونية في
مجال تنازع القوانين ،وعجزها عن مالحقة التطورات االجتماعية الهائلة التي يعرفها
واقع ووقائع الحياة في شتى ميادينها وطنيا ودوليا ،يدفعنا إلى القول بضرورة التفكير
في نقد هذه القاعدة بصفة خاصة وظهير الوضعية المدنية لألجانب بصفة عامة ،وذلك
ليس باالكتفاء بترقيع وترميم بعض قواعده العامة ،ولكن بموجب منهج يقول على تعديل
232
المجلة المغربية لتاريخ القانون
شامل لظهير الوضعية المدنية لألجانب بالشكل الذي يضمن تحقيق التوازن بين إرادات
لكل هذه االعتبارات السابقة وغيرها ،فإن واقع القانون الدولي الخاص المغربي
كما هو مكرس في ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب وما يتسم به من ثغرات
وجمود يفرض الحاجة إلى نقد تشريعي من جهة حتى يجاري واقع الحياة الذي عرف
أنماط جديدة من المشاكل والتي تحتاج إلى تنظيم تشريعي ،ومن جهة أخرى حتى يالئم
حجم التطورات التي يعرفها القانون الدولي الخاص المقارن ،وذلك تفاديا للنقائص
والثغرات التي على األقل تعودنا عليه في سياساتنا التشريعية ،والتي تؤدي إلى انعدام
ومن البديهي أننا لن ننتظر رجوع الحياة إلى الوراء حتى نالئم هذا الواقع مع
نصوص ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب ،وإنما الحل المنطقي هو تعديل هذا
القانون بما يالئم المستجدات ويساير التطورات ويصحح تلك الثغرات والنقائص بشكل
علمي ومنهجي ،دون أن يترك األمر للحلول القضائية التي يستوحيها القاضي بصورة
233
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إذا كان ظهير الوضعية المدنية لألجانب يتضمن بعض الثغرات ،فهذا أمر طبيعي
مرتبط بطبيعته الوضعية وبظروف وضعه ،بل إن هذه الثغرات هي التي تمتع الفكر
القانوني بحرية ال نقد ،والنقد ليس مشروعا لذاته ،وإنما يستمد مشروعيته من ظهور هذه
وال أقصد من نقد هذا التشريع نقضه وهدمه واستبعاد كل ما ضمن فيه من مبادئ
وقواعد توصف بالمنطقية والعالمية ألنه يكاد ال يخلو أي قانون دولي خاص مقارن من
النص علي ها على اختالف مرجعياته وفلسفاته لما تتميز به من منطق وعدل ،أو كما
يقول األصوليون "أنها معقولة المعنى" ،وهذه نصيبها وفير في ظهير الوضعية المدنية
لألجانب بالمغرب ،ألن الذي يريد هدم كل شيء لمحاولة إعادة البناء من أساسه ال يفرغ
من عملية الهدم حتى تضعف قواه وتتالشى ،فال هو بنى وال ترك البناء القديم ولو على
عالته كما يقول األستاذ أحمد الخمليشي( ،)315وإنما قصدي أن نواصل البناء الصحيح،
وظهير الوضعية المدنية لألجانب إذا كانت به بعض الثغرات أو الهفوات كما
وقفنا على ذلك من قبل نتيجة طول مدة صدوره التي تجاوزت القرن من الزمن ،فإن فيه
- 315أمحد اخلمليشي :منهج الفكر القانوين يف الفقه اإلسالمي ،اجمللة املغربية للقانون والسياسة واالقتصاد ،العدد ،16
دجنرب ،1984ص .35
234
المجلة المغربية لتاريخ القانون
كذلك مبادئ وأفكار وقواعد ال تزال تصلح للتطبيق ،ومواصلة البناء التشريعي عليها،
وعليه ،فإن تعديل ظهير الوضعية المدنية لألجانب نعتقد أنه يحتاج إلى منهج قائم
على نقد تشريعي عقالني وعلمي (المطلب األول) ،كما يحتاج إلى منهجية تعتمد إصالحا
ال إصالحا جزئيا أو تجزيئي ،وفق معايير التكامل واالنسجام ،وفي إطار شامال
المطلب األول :تعديل ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب يحتاج إلى منهج
إن المقصود بعقلنة النقد التشريعي ،علمنته (بكسر العين) ،أي أن يكون ملء
ثغرات التشريع ومالءمته مع وقائع الحياة وتطوير نصوصه خاضعا لقواعد مستنبطة
بالمقاييس العلمية من حيث صياغته التشريعية ومن حيث موضوعاته ومضامينه ،بمعنى
أن النقد التشريعي ينبغي أن يشتمل على قواعد علمية في بنائه من جهة ،وأن ترتبط هذه
القواعد بآثاره ا ونتائجها في الحياة الواقعية من جهة ثانية ،أي أن النقد التشريعي ينبغي
أن يتحقق من منظور واقعي قابل للتطبيق ،ويتفادى األفكار المثالية والتصورات النظرية
وهاتان الميزتان هما الل تان تطبع أي نقد تشريعي يتصف بالعلمية والمنهجية.
إن اعتماد ظهير الوضعية المدنية لألجانب على مصادر مختلفة من حيث القواعد
العامة وفلسفة التشريع ،وهما الفقه والقانون الدولي الخاص المقارن ،ولم يكن اعتماده
عليهما مصحوبا بتحوير في نظريات المصدر األول وال بتطوير قواعد المصدر الثاني،
235
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وإذا كان ما يجمع ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالقانون الدولي الخاص
المقارن بصفة عامة وبالقانون الفرنسي بصفة خاصة من عوامل التقارب ال يمكن
جحدها أو التقليل من أهميتها في أي محاولة نقد تشريعة ،فإنه بالمقابل ال يمكن إهمال
عوامل التباعد بين القانونين ،فاختالف واقع المجتمعين المغربي والفرنسي ،ليس في
العقيدة فحسب ولكن كذلك في التصورات الفكرية واإليديولوجية (أوال) ،وانعكاس ذلك
على كثير من مجاالت التنظيم المدنية (ثانيا) ،يفرض علينا في أي محاولة نقدية لهذا
إن عقلنة التقليد التشريعي تفرض علينا اعتماد أفكار ونظريات تراعي الواقع
االجتماعي المغربي وتحافظ على تراثه ،وإذا كان التقليد التشريعي ضرورة البد منه
فينبغي أن ال يكون بشكل متحجر ،وإنما بشكل مرن يستطيع أن يستوعب واقع الحياة
وإذا كان مفهوم عقلنة النقد التشريعي في التصورات والنظريات يفرض عدم
تخلف التشريع عن الواقع ،وهذا ما نعيشه حاليا بالنسبة لظهير الوضعية المدنية لألجانب
في عدد غير قليل من المبادئ والقواعد واألحكام ،فإنه بالمقابل ال ينبغي أن يتجاوز
الواقع إلى حد الخيال ،عن طريق التفنن في صياغة مبادئ وتصورات يصعب تطبيقها
على أرض الواقع .كما هو حال التنظيم المتعلق ببعض وضعيات المرأة والطفل اآلن
الذي وصل إلى حد ما يسمى "بالترف الحقوقي" ،وإنما القصد من العقلنة هو عدم إهمال
236
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الواقع المعايش بكل مقوماته وظروفه ،وعدم المبالغة في التجرد والنظريات البعيدة عن
التطبيق.
ونعتقد أن هذه المحاولة سجلت سبقا تاريخيا عقب استقالل المغرب بمقتضى
ظهير 28يناير 1958الذي قضى بإحداث لجنة "ألجل مراجعة التشريع الجاري به
العمل...مراجعة تامة وشاملة" ،إال أن هذه اللجنة التي عين أعضاؤها وطريق عملها،
لم تنجز شيئا من مهمتها ،وانحلت تلقائيا وتالشت ،ثم تلت هذه المحاولة محاوالت أخرى
سنوات 1965 ،1962و 1981كانت خاصة بمشاريع تعديل ظهير الوضعية المدنية
لألجانب بالمغرب ،إال أنها هي األخرى لم يكتب لها النجاح .وإذا كان لهذا التالشي
ظروفه السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة والتي تالشت بدورها ،إضافة إلى
تشعب وضخامة العمل المطلوب إنجازه ،فإن هذا العمل ال يزال يطرح معه في الوقت
الحاضر كثير من الصعوبات المرتبطة بقلة الدراسات العلمية التي حاولت التأسيس لهذه
النظريات ،وأخرى راجعة إلى غياب اإلرادة الحقيقية من ذوي االختصاص ،ومع ذلك
فإن الحاجة تدعو إلى التفكير في صياغة األنظمة التفصيلية لقانون دولي خاص مغربي
عن طريق استخراج النظريات والمبادئ الفقهية بصرف النظر عما قد يوجد منها أو ال
يوجد في القوانين المقارنة ،ليجد فيها المواطن المغربي وغير المغربي ضالته بعد أن
وجد نفسه طيلة فترة غير قصيرة ،أمام قوانين نقلت إليه من بيئة غير بيئته ،ولم يجد بعد
وفي األخير فإن تحقق الصفة العلمية في هذا النقد التشريعي تقليدا تشريعيا كان
أو نقال فقهيا أو قضائيا ،يتعين أن يكون حرا في اختيار الحلول واالقتراحات التي يراها
مالئمة لتنظيم المجتمع وتطل عاته ،األمر الذي يسمح له بنقد نصوص التشريع واقتراح
237
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إلغائها ،وتعويضها بما يتالءم وواقع الحياة االجتماعية المتجددة بكل تجرد وموضوعية
وعلمية.
إذا كانت الصفة الوطنية للفكر القانوني أمرا جوهريا ال غنى عنه في أي نقد
تشريعي ،فإن ذلك ال يعني االنغالق وإهمال ما وصلت إليه مدارس الفكر القانوني
المقارن من دقة في التشريع لكثير من مجاالت التنظيم المدني ،وإذا كان المشرع
المغربي ومنذ قرن من الزمن أو ما يزيد وهو ينظم جل شؤونه بقوانين منقولة أو مقتبسة
من الفكر والتشريع القانونيين المقارنين وخاصة الفرنسي ،وهذا الواقع أثر في ترسيخ
كثير من األوضاع القانونية ،وفي تشكيل عدد غير قليل من التصورات المدنية ،إلى
درجة من المتعذر محو كل ذلك من أي عملية نقد تشريعية ،فإنه بالمقابل واستنادا لعوامل
التباعد بين كل من المجتمعين المغربي والفرنسي ،فإن أي تقليد للقانون الفرنسي يفرض
بالضرورة على المشرع المغربي مراعاة الواقع االجتماعي المغربي بكل خصوصياته،
فمثال إذا أخذنا تنظيم األسرة ال يمكن أن نحدو حذو القانون الفرنسي في تنظيمه لها ألنه
هو نفسه خرج عن تراثه الذي طالما اعتز به وحرص عليه لفترة غير يسيرة من الزمن،
إن اعتماد ظهير الوضعية المدنية لألجانب على مصادر مختلفة من حيث القواعد
العامة وفلسفة التشريع وجموده عندها ،دون تطوير وال تحوير في قواعده ونظرياته
كان سببا في أن أصبحت كثير من نصوصه تخالف الواقع والتشريع المقارن ،فكانت
النتيجة هي وجود قواعد إسناد ال تستجيب بسهولة لطبيعة العالقات والوقائع الدولية
238
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الخاصة التي تعالجها بسبب اختالف الظروف والبيئة التي نشأت فيها عن تلك التي
أصبحت تطبق عليه اآلن .وإذا كان الفقه والقضاء المغربيين قد عمال عن طريق التفسير
والتأويل على تطوير وتطويع مدلول العديد من النصوص والقواعد الستخالص الحلول
للمشاكل القانونية المطروحة ،فإن ذلك لم يكن سهال ومقبوال في الغالب األعم بالنسبة
لتشريع جل أحكامه وقواعده مستعارة ومستوردة ،ولذلك فإن هذا الفقه والقضاء كانت
تجرفهما دوامة التقليد قلما ينجحان في تأصيل قواعد ونظريات تخالف تلك التي يطبق
فيها التشريع األصلي المستعار منه والمستورد .ومن األمثلة على ذلك استمرار تكريس
التكييف وفقا لقانون النزاع عوض قانون القاضي ،ومن القرارات الصادرة عن القضاء
المغربي في هذا االتجاه قرار المجلس األعلى الصادر بتاريخ 23فبراير 1977الذي
نقض قرار محكمة االستئناف بالرباط التي حكمت بصحة الوصية التي أبرمها إنجليزي
مقيم بالمغرب طبقا للشكل المحلي المنصوص عليه في المادة 10من ظ.و.م ،معلال
موقفه بأن قانون الموصي إذا كان يفرض شكال جوهريا لصحة الوصية ،فإن قاعدة
اإلسناد الواردة في الفصل 18من ظهير الوضعية المدنية لألجانب هي الواجبة التطبيق،
أيضا استمرار القضاء المغربي في األخذ بنظرية فقهاء عهد الحماية الذين أيدوا فكرة
ربط العيوب المتعلقة بركن الرضى باألهلية وإخضاع العقد تبعا لذلك للقانون الوطني
للشخص رغم أن قانون االلتزامات والعقود قد ميز بشكل واضح بين األهلية وعيوب
- 316قرار اجمللس األعلى ،عدد ،139بتاريخ ،1977/2/ 23أشارت إليه مجيلة أوحيدة ،مرجع سابق ،ص -107
.108
239
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الحماية وال يزال تسيطر عليه بصمات شخصية القوانين الموروثة عن نظام االمتيازات
التي كان يدافع عنها فقهاء عهد الحماية ولقيت تأييدا كبيرا من القضاء ال سيما وأن وجود
القضاة الفرنسيين في المحاكم إلى غاية 1965قد سهل وشجع على استمرار القضاء في
وحتى ال يحمل قولنا على غير محمله ويظن منه أنه جحود أو إنكار ألهمية الفقه
الفرنسية كانت وال تزال تعتبر النموذج األمثل في تطعيم الثقافة القانونية المغربية
الحديثة ،فإننا نقصد أن العيب ال يكمن في النقل من هذا أو التقليد من ذاك ،وإنما العيب
في إساءة توظيف منهج النقل والتقليد التي يضعف فيه إن لم نقل ينعدم العمل الفكري
ولهذا ،فإننا نعتقد أن عقلنة وعلمنة النقد التشريعي لظهير الوضعية المدنية
لألجانب ال تتحقق إال بعقلنة التقليد التشريعي لهذا القانون من مصادره األساسية المتمثلة
ومن ناحية ثانية ال تكتمل عقلنة التقليد التشريعي بمعزل عن عقلنة التفسير
التشريعي( ،)319وفي هذا اإلطار يمكن تفسير نصوص ظهير الوضعية المدنية لألجانب
- 317قرار اجمللس األعلى الصادر بتاريخ 20يناير .1982ورد نص هذا القرار والتعليق عليه من طرف حممد الوكيلي،
جملة القضاء والقانون ،عدد ،1986 ،135-135ص .147 -137
- 318مجيلة أوحيدة :مرجع سابق ،ص.109
- 319ظل االجتاه العام يف حتليل نصوص الظهري يردد ما جاء عن الفقه الفرنسي يف تعليقه على أحكام هذا القانون وميتد
ذلك أحياان إىل توظيف نفس األمثلة اليت يوردها ذلك الفقه حىت ولو كانت غري صحيحة ابلنسبة للقانون املغريب.
240
المجلة المغربية لتاريخ القانون
واالجتهاد الفرنسيين ،فقد كانت محاكم الحماية تخرج عن المألوف في القانون الدولي
الخاص المقارن حماية لمصالح الجاليات األجنبية بالمغرب وحرصا على عدم إخضاعها
للقانون المحلي المستمد من الشريعة اإلسالمية ،كما كان معظم فقهاء عهد الحماية
خاص وطني ،ولم يتعد هؤالء تفسير وتبرير النصوص القانونية التي وضعتها الحماية
األجنبية حفظا لمصالح الجاليات األجنبية ،ولم يهتم أحد منهم بصياغة نظريات يرتكز
إن هذه الميادين وغيرها كثير يختلف التصور الفقهي الذي يؤطر الخصوصيات
الوطنية فيها عن التصور القانوني الذي يطبع التشريعات المقارنة بصفة عامة والغربية
بصفة خاصة ،ولذلك يتعين إعادة تنظيمها انطالقا من المنظور الوطني الذي تشكل
الشريعة اإلسالمية فيه أهم روافده ،وفي إطار ثوابت المبادئ التي أقرها بشأنها والتي
ال تتعارض مع المبادئ العامة للقانون المعمول بها في المغرب وخاصة مبدأ العدل
والمساواة.
إ ن هذا االختالف يفرض صياغة القواعد المنظمة لهذه المبادئ والقواعد واألحكام
بمنظور وطني يقيم توازنا مفيدا بين حقوق الفرد وحرياته وبين حقوق المجتمع ،كما
يفرض التركيز على مقاصد الشريعة ومبادئها التي تشكل المرجع حتى في تفسير
241
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المطلب الثاني :تعديل ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب يحتاج إلى
منهجية تعتمد إصالحا شامال من داخل بنيته ،ال إصالحا جزئيا أو تجزيئي من خارج
إذا سلمنا بأن ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب هو قانون وجب إعادة
النظر فيه لمسايرته التحوالت المدنية الجارية حسب ما يجمع عليه النقاش القانوني حاليا،
ألنه أصبح متخلفا عن مسايرة التطورات المجتمعية في ميادين الروابط الدولية العائلية
وغير العائلية ،فالسؤال الذي يطرح نفسه هو أي منهجية يجب اتباعها إلعادة تنظيم هذا
القانون؟ هل نعيد بناءه بأسس ومبادئ ونظريات جديدة وفق إصالح شامل أم ندخل عليه
إن الطريقة المعتمدة غالبا في أي تعديل أو إصالح يطال القواعد القانونية المكونة
ألي تشريع ،تكون إما بإلغاء بعض هذه القواعد إلغاء كليا أو جزئيا ،أو بإضافة فقرات
ومن وجهة نظرنا المتواضعة فإننا نعتقد أنه إذا كان إدخال المشرع المغربي
لبعض التعديالت الجزئية لظهير الوضعية المدنية لألجانب من خارج بنيته القانونية فيما
يتعلق بالروابط األسرية الدولية لها ما يبررها تشريعيا ،واستطاعت نسبيا أن تسد حاجة
الدولية الخاصة ال يتحقق إال بتعديله تعديال كامال في كل جوانب قصوره أو نقصانه.
242
المجلة المغربية لتاريخ القانون
-1التعديالت الجزئية المدخلة على القوانين الوطنية :بوادر لتأسيس منهج جديد
في مجا ل تنازع القوانين ،أفقدت ظهير الوضعية المدنية لألجانب وحدته وانسجامه في
بعد حصول المغرب على استقالله حدثت تغييرات على القواعد والحلول التي
كانت سائدة خالل فترة الحماية في ميدان تنازع القوانين ال سيما بالنسبة لألحوال
الشخصية ،ذل ك أن المشرع والقضاء المغربيين قاما بتدخالت عديدة عبرا من خاللها
عن التوجهات الجديدة للقانون الدولي الخاص المغربي وعن أهدافه الحالية وإن كانت
فقد أصدر المشرع المغربي في وقت سابق ظهير 24أبريل 1959الذي أسند
اختصاص البت فيقضايا األحوال الشخصية إلى المحاكم الشرعية بالنسبة لألجانب
المسلمين ،كما أن التأويل الواسع الذي أعطاه القضاة لهذا الظهير( )321ترتب عليه تمديد
على األجانب المسلمين ،باعتبار أن القاضي الشرعي كان يأخذ بالمبدأ القائل بأن القاضي
المسلم ال يطبق إال الشريعة اإلسالمية ،فبمقتضى هذا الظهير أصبح كل أجنبي مسلم
مقيم بالمغرب خاضعا في أحواله الشخصية ألحكام المدونة بغض النظر عن مقتضيات
قانونه الوطني ولو كان ينتمي إلى قانون مدني علماني( ،)322فقد ساهم القضاء المغربي
من خالل موقفه األخير من تقرير قاعدة فورية التطبيق اكتسبت صفتها تلك انطالقا من
243
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ضابط ديني( .)323وإن كانت هذه التعديالت التي كرسها ظهير 24أبريل 1959جزئية
تهم فئة من األجانب وهم المسلمون ،إال أنها أسست لمفاهيم جديدة تعد بمثابة تعديال
للفصل 3من ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين واألجانب ،كما تعد أيضا تعديال للفصل
18من نفس الظهير الذي يخضع للقانون الوطني كال من الوصية واإلرث .وفي سنة
1960أصدر المشرع المغربي ظهير 4مارس حول الزواج المختلط بين المغاربة
واألجانب ،ليضع حدا لالنتهاكات التي كانت تحدث في عهد الحماية بشأن الزيجات
وبعد مرور أزيد من نصف قرن على هذا الموقف وإن اختلف التبرير الذي كان
يعتمد عليه وقتئذ ،فإن مدونة األسرة لسنة 2004أردفت تأكيد هذا الموقف القضائي
بنص قانوني صريح نصت عليه مادتها الثانية حيث قررت أن أحكام هذه المدونة تسري
علـى جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخـرى؛ والعالقات التي يكون فيها أحد
الطرفين مغربيا؛ ثم أيضا العالقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم.
وبالنسبة لالجئين بمن فيهم عديمو الجنسية فقد نصت كذلك نفس المادة على أن
أحكام المدونة تسري عليهم أيضا طبقا التفاقية جنيف المؤرخة ب 28يوليوز لسنة
1951المتعلقة بوضعية الالجئين( .)325وتعتبر هذه الفقرة من المادة 2من المدونة قلبا
323- jean Deprez: droit international privé et conflits de civilisations, RCADI. 1988,
p 132
- 324قرار حمكمة االستئناف ابلرابط ،بتاريخ 23نونرب ،1971 ،J.D.I ،1969ص .159
- 325صادق املغرب على هذه االتفاقية مبقتضى ظهريي 8غشت ،1955و 26غشت .1957
244
المجلة المغربية لتاريخ القانون
صريحا إن لم نقل انقالبا على ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب وخاصة المادة
ولم يقتصر هذا االنقالب على ظهير الوضعية المدنية على مستوى قواعد
الموضوع للقانون األجنبي فحسب ،بل أيضا على مستوى اإلجراءات المتبعة بشأنها
الوالية العامة في االختصاص ال فرق في ذلك بين مغربي وأجنبي ،وال بين قضايا
األسرة وغيرها من القضايا األخرى ،كما أن قانون المسطرة المدنية الجديد أورد تعديال
آخر على كيفية حل تنازع القوانين في ميدان األحوال الشخصية ويتعلق بحذف الرقابة
التي كان المجلس األعلى يمارسها على قضاة الموضوع في تأويل وتطبيق القوانين
الشخصية األجنبية(.)326
كل هذه التعديالت الجزئية المدخلة على القوانين الوطنية من خارج بنية ظهير
الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب نعتبرها بوادر لتأسيس منهج جديد في مجال تنازع
القوانين ،أفقدت ظهير الوضعية المدنية لألجانب وحدته وانسجامه في جوانب عدة من
التنظيم القانوني.
التقليدية إن لم نقل انقالبا صريحا على منهج تنازع القوانين ،تجعل القاعدة القانونية
ترتب ازدواجية في األحكام القانونية الموكول إلى القاضي تطبيقها ،وتأثير ذلك على
-326للتوضيح أكثر أنظر :األستاذ املسعودي العياشي :طالق األجانب يف القانون الدويل اخلاص تعليق على قرار اجمللس
األعلى ،بتاريخ 8أبريل ،1983جملة القانون واالقتصاد عدد 2سنة ،1986ص .112-99
245
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تنص المادة /128فق 2من مدونة األسرة على أن األحكام الصادرة عن المحاكم
األجنبية بالطالق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن
محكمة مختصة وأسست على أسباب ال تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة إلنهاء العالقة
الزوجية ،وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين،
بعد استيفاء اإلجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية طبقا ألحكام المواد 430
وال شك أن إيراد المشرع المغربي لمسألة تنفيذ األحكام األجنبية في مدونة األسرة
الجديدة قد جاء في سياق االهتمام بأوضاع الجالية المغربية المقيمة بالخارج واستحضار
المشاكل التي كانت تطرحها مدونة األحوال الشخصية الملغاة .فجاء هذا التدخل
التشريعي لمعالجة أصل تلك المشاكل وتهييئ الحلول القانونية المناسبة لتوحيد المراكز
القانونية لدى التشريع الوطني والتشريع األجنبي ،وبذلك فالمشرع المغربي بتطرقه
صراحة إلى جواز تنفيذ األحكام األجنبية في مدونة األسرة يكون قد خلق موقفا واضحا
سيساعد على رسم عمل موحد في شأن استقبال األحكام األجنبية الصادرة بإنهاء العالقة
- 327ميكن أيضا تلمس تلك التعديالت اجلزئية املدخلة على مدونة األسرة يف املادتني 14و 15املتعلقتني بتسهيل زواج
املغاربة املقيمني ابخلارج .فقد مسحت املادة 14للمغاربة املقيمني ابخلارج إببرام عقودهم وفق اإلجراءات اإلدارية احمللية لبلد
إقامت هم بشرط توفر اإلجياب والقبول واألهلية وهو اعرتاف من املشرع املغريب ابلزواج املدين الذي كان خمالفا للنظام العام يف
إطار مدونة األحوال الشخصية .أما املادة 15فقد نصت على اإلجراءات الالحقة إلبرام عقد الزواج أمام ضابط احلالة
املدنية هذه اإلجراءات املتمثلة إبيد اع نسخة من عقد الزواج داخل ثالثة أشهر من إبرامه لدى املصاحل القنصلية املغربية .أما
ابلنسبة للمادة 16فقد سامهت يف إعطاء فرصة للمغاربة الذين أبرموا عقود زواج ال حترتم شروط الزواج املقررة مبقتضى مدونة
األسرة حيث أصبح إبمكاهنم رفع دعوى ثبوت الزوجية لتصحيح زواجهم وإثباته حىت يكون منتجا آلاثره داخل املغرب.
246
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وهكذا في إطار المادة 128من المدونة لم يعد إلزاميا تطبيق القانون المغربي من
طرف القضاء األجنبي ،بل يجوز له تطبيق القانون األجنبي بشرط أن تكون هذه األحكام
األجنبية مؤسسة على أسباب ال تتنافى مع التي قررتها المدونة أي ال تتعارض مع النظام
العام المغربي.
وعليه ،فإذا تضمن الحكم األجنبي بيانات حول اإلشهاد على الطالق ،وعلى
استدعاء الزوجين لإلصالح بينهما ،ومستحقات الزوجة واألطفال ،وتبين أن الزوج هو
الذي سعى إلى طلب التطليق وقد استجيب لطلبه من طرف المحكمة األجنبية وليس في
ذلك ما يخالف النظام العام المغربي ،فإن القرار القاضي بتذييل الحكم األجنبي بالصيغة
إن المادة 128من المدونة لطفت ولينت من قاعدة اإلسناد المغربية التي تلزم
المغاربة بالخضوع للقانون الوطني ،وذلك بإيجاد حلول عملية لألحكام األجنبية التي
تعترضها عدة مشاكل تنتج عنها أوضاع اجتماعية سلبية .ومن مظاهر هذه المشاكل؛
التنازع االيجابي بين القانون الوطني والقانون األجنبي .فعلى سبيل المثال الشخص الذي
يحمل جنسية مغربية وإسبانية ويرفع دعوى إنهاء العالقة الزوجية أمام القضاء اإلسباني
يطبق عليه القانون اإلسباني رغم أن قاعدة اإلسناد المغربية تقضي بتطبيق القانون
- 328قررا اجمللس األعلى عدد ،188صادر بتاريخ ،2005/3/30ملف شرعي رقم ،2004/1/2/622جملة قضاء
اجمللس األعلى ،عدد ،63اإلصدار الرقمي دجنرب ،2006ص .70
-ويف قرار آخر جاء فيه أن ":طلب تذييل احلكم األجنيب القاضي ابنفصام العالقة الزوجية ليس به ما خيالف النظام العام
املغريب ،مادام أن الزوج قد وافق على التخلي عن بيت الزوجية حسبما يستفاد من احلكم املذكور والذي حكم ابلطالق
للشقاق لتعذر احلياة الزوجية بني الطرفني".
– قرار اجمللس األعلى ،عدد ،133صادر بتاريخ ،2005/06/15ملف رقم ،04/668النشرة اإلخبارية للمجلس
األعلى ،عدد ،2006/16ص.17
247
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الوطني ،لكن القانون اإلسباني ينص على أن الجنسية اإلسبانية تفضل على الجنسية
األجنبية .ومادام الوضع القانوني واالتجاه القضائي قبل المادة 128من المدونة كان
يرفض تذييل الحكم األجنبي الذي خرق قاعدة اإلسناد المغربية في مادة األحوال
الشخصية فإن الحكم األجنبي الصادر عن المحاكم اإلسبانية لن ينفذ بالمغرب حتى وإن
لكن وبعد صدور المادة 128من المدونة فإن القضاء المغربي لم يعد يراقب مدى
تطبيق القاضي األجنبي للقانون المغربي في دعاوى إنهاء العالقة الزوجية وإنما يراقب
مضمون الحكم األجنبي سواء طبق القانون األجنبي أو القانون الوطني ومدى مساسه
بالنظام العام .وهذا يشكل في نظرنا قلبا صريحا لقواعد اإلسناد التقليدية إن لم نقل انقالبا
أيضا نشير إلى أن المادة 128من مدونة األسرة حصرت مجال تنفيذ األحكام
الحصر في اعتقادنا سيؤدي إلى استبعاد تذييل الحكم األجنبي الصادر في غير هذه
القضايا في إطار المادة المذكورة .وعليه ،فالحكم الصادر في دعوى الزوجية أو دعوى
248
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إثبات النسب أو نفيه أو في دعاوى النفقة أو الحضانة يكون ملزما بالخضوع لقواعد
اإلسناد المغربية التي تحدد القانون الواجب التطبيق على هذه القضايا قبل طلب تذييله
بالصيغة التنفيذية ،وهذا ما يجعل القاعدة القانونية ترتب ازدواجية في األحكام القانونية
ومن أمثلتها البارزة نجد شرط عدم المساس بالنظام العام الذي يطرح إشكاال عمليا
فيما يخص تطبيق المادة 128من المدونة حيث يكون الحكم األجنبي في شقه المتعلق
بإنهاء العالقة الزوجية ال يخالف النظام العام الوطني ،بينما في شقه المتعلق بوجوب
اقتسام األموال بين الزوجين مثال مخالف للنظام العام .ليطرح السؤال :هل يجوز تذييل
الحكم األجنبي المذكور بالصيغة التنفيذية تذييال جزئيا؟( )330فضال عن ذلك فإنه قد يثور
مشكل عملي آخر يتعلق بالطبيعة القانونية ألثر الحكم الصادر بتذييل الحكم األجنبي
()331
بالصيغة التنفيذية ،هل هو أثر رجعي أم فوري؟
- 330نعتقد أن التنفيذ اجلزئي للحكم األجنيب ال يتعارض فقط مع صراحة الفصل 430من قانون املسطرة املدنية الذي
حتيل عليه املادة 128من املدونة ،والذي على حد اعتقادان يوجب على احملكمة أن تتحقق من عدم مساس أي حمتوى من
حمتوايت احلكم األجنيب ابلنظام العام الوطين وأن مساس شق معني من احلكم األجنيب ابلنظام العام كاف لرفض تذييل احلكم
األجنيب ابلصيغة التنفيذية كليا ،وإمنا قد يرتب إشكاالت عملية؛ فتذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية يعين قانوان وعمليا
وضع الصيغة التنفيذية على أصل احلكم األجنيب وليس على احلكم الصا در ابلتذييل ،وإذا كانت القواعد العامة ال تسمح
بتذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية تذييال جزئيا أو يف شق منه دون الشق اآلخر فكيف ميكن وضع الصيغة التنفيذية
بصفة جزئية على احلكم األجنيب من الناحية العملية؟
- 331خبصوص التساؤل املتعلق أبثر احلكم الصادر بتذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية ،هل هو أثر رجعي أم فوري؟
ميكن القول أبنه ال يوجد نص قانوين يشري إىل أثر احلكم الصادر بتذييل احلكم األجنيب يف إطار املادة 128من مدونة
األسرة من حيث الزمان.
وعلى خالف بعض الفقه املغريب الذي يرى أن احلكم الصادر بتذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية له قوة إثباتية
وحجية األمر املقضي به ويعترب مبينا للحق ومنشئا له(إبراهيم حبماين ،تنفيذ األحكام األجنبية يف املغرب ،جملة القضاء والقانون،
عدد ،148السنة ،31مطبعة األمنية ،الرابط ،ص ،)77نرى أن احلكم الصادر ابلتذييل ال ينشئ حقا وإمنا يكشف عن
حقوق مضمنة يف احلكم األجنيب قبل تنفيذه ،فاحلكم ابلتذييل ال ينهي العالقة الزوجية بني الطرفني وإمنا يصادق على إهناء
249
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تلك العالقة املضمن يف احلكم األجنيب لتنفيذه ابملغرب ،وهذا يعين أن احلكم الصادر ابلتذييل له أثر رجعي وهو ما يتوافق
مع املبتغى التشريع ي من سن قواعد استثنائية لتذييل األحكام األجنبية ابلصيغة التنفيذية ،ويف هذا اإلطار فقد صدر قرار عن
اجمللس األعلى جاء فيه ..." :حيث صح ما ورد ابلسبب ذلك أن األحكام حجة فيما فصلت فيه ،وأن احلكم األجنيب حىت
قبل صريورته واجب التنفيذ يكون حجة على الوقائع اليت يثبتها حسب املنصوص عليه يف الفصل 418من ق.ل.ع.
واحملكمة ملا اعتربت العالقة الزوجية بني الطرفني ال تزال قائمة رغم صدور حكم ابلطالق بينهما وتراضيهما عليه حسب احلكم
الصادر عن حمكمة أمسرتدام هبولندا بتاريخ 2003/10/15الذي يعترب حجة على الوقائع اليت أثبتها تكون قد أقامت
قضاءها – القاضي بتأييد احلكم املستأنف مع تعديله وذلك برفع نفقة الزوجة احملكوم هبا – على غري أساس ومل تعلله تعليال
سليما مما يعرض قرارها للنقض(قرار اجمللس األعلى عدد ،20صادر بتاريخ ،2007/01/10ملف شرعي رقم
،2005/1/2/133قرار غري منشور).
إن اعتبار أ ثر احلكم الصادر بتذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية فوراي من شأنه أن ينتج مشاكل من الناحية
الواقعية ،فعلى سبيل املثال إذا حصلت الزوجة على طالقها بدولة أجنبية وتقدمت بطلب تذييل احلكم األجنيب ابلصيغة
التنفيذية أمام احملاكم املغربية وبني اتريخ صدور احلكم األجنيب واتريخ صدور احلكم التذييلي ابلصيغة التنفيذية تزوجت زواجا
مدنيا وفق مقتضيات املادة 14من املدونة ،ففي هذه احلالة إذا كان احلكم الصادر إبهناء العالقة الزوجية يسري من اتريخ
صدور احلكم ابلتذييل فإن هذا الزواج املربم من طرف الزوجة يعترب ابطال تصرح به احملكمة مبجرد االطالع عليه أو بناء على
طلب املعين ابألمر لزواجها مع مانع مؤقت ،أما إذا كان أثر احلكم الصادر ابلتذييل رجعيا فإن الزواج املدين املربم بعد صدور
احلكم األجنيب إبهناء العالقة الزوجية هو زواج صحيح مادامت العالقة الزوجية قد انتهت ومل تعد الزوجة تعترب متزوجة يف نظر
احلكم الصادر بتذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية.
وجتدر اإلشارة إىل أن املادة 128من املدونة ال ختص إهناء العالقة الزوجية يف حد ذاته وإمنا مراقبة القضاء ملدى
توفر شروط تذييل احلكم األجنيب إبهناء العالقة الزوجية ابلصيغة التنفيذية ،مبعىن أن دعوى تذييل احلكم األجنيب ابلصيغة
التنفيذية هي دعوى مستقلة عن الدعوى األصلية موضوع احلكم األجنيب املراد تذييله.
لكن أال يعد هذا خلطا بني الدعوى األصلية املرفوعة أمام القضاء األجنيب وبني دعوى تذييل احلكم األجنيب ابلصيغة
التنفيذية؟=
=إن اختصاص القاضي املغريب يف نظران ال يتعدى تذييل أو عدم تذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية ،فمحكمة
التذييل ال تبحث يف إهناء العالقة الزوجية بل يف مدى إمكانية تنفيذ احلكم األجنيب القاضي إبهناء العالقة الزوجية .ويف حالة
رفض تذييل احلكم األجنيب ابلصيغة التنفيذية فإن ذلك ال مينع من االحتجاج ابلوقائع اليت يثبتها إذ ينص الفصل 418من
قانون االلتزامات والعقود على أن األحكام األجنبية هي مبثابة الورقة الرمسية أي ميكنها حىت قبل تذييلها ابلصيغة التنفيذية أن
تكون حجة على الوقائع اليت تثبتها،ويف هذا السياق ميكن للزوجني املغربيني اإلدالء ابحلكم األجنيب إلثبات حالتهم العائلية
وإثبات حضور األطراف أمام القضاء األجنيب وإبداء دفوعاهتم ومجيع الوقائع املضمنة يف احلكم ابعتباره ورقة رمسية ،لكن هذه
القوة الثبوتية للحكم األجنيب تنتهي حيث تبدأ القوة التنفيذية له؛ فإذا تقدم أحد الزوجني ابحلكم األجنيب قصد احلصول على
عقد الزواج ابملغرب فال يعتد به ألنه بطلبه هذا يسعى إىل تنفيذ احلكم األجنيب ابملغرب وليس فقط إثبات حالته العائلية
حسب احلكم املذكور .فالزوج يكون ملزما بطلب اإلذن ابلتعدد أو إجراء الطالق ،أما الزوجة فتكون ملزمة بتذييل احلكم
250
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إن هذه االزدواجية في التشريع من شأنها أن تربك العمل القضائي ،كما أربكته
من قبل بل وأضعفت روح االجتهاد لديه ،وساعدت في ظهور العديد من األحكام
والقرارات القضائية المتناقضة ،وهذا ما يؤثر على وضوح القاعدة القانونية وبالتالي
على األمن القانوني والقضائي للمتقاضي والقاضي في مجال المعامالت الدولية الخاصة
بنية ظهير الوضعية المدنية لألجانب أفقدته القدرة على الحفاظ على تناسق األبعاد
من مظاهر النقص الذي تعودنا عليه في سياستنا التشريعية انعدام النظرة الشمولية
التي تخلق االنسجام والتكامل بين القواعد القانونية المكونة لنظام قانوني متجانس.
وينط بق هذا الوضع بشكل واضح على ظهير الوضعية المدنية لألجانب في عالقاته
فإذا كانت األهلية على سبيل المثال تخضع من حيث األساس للقانون الوطني
للمعني ،وقواعد اإلجراءات المسطرية تخضع لقانون القاضي ،والحقوق العينية تخضع
لقانون موقع المال ،فإن الصعوبة تكمن في التمييز بين كل هذه الجوانب من التنظيم الذي
يخضع في آخر المطاف للكيفية التي يتم بها التكييف ،ولذلك يلعب قانون القاضي دورا
األجنيب أو طلب التطليق اب ملغرب قبل إبرامها الزواج اجلديد ألن اعتماد احلكم األجنيب يكون معناه نقله من القوة الثبوتية إىل
قوته التنفيذية.
251
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وعليه ،فتضمن قانون المسطرة المدنية كقانون إجراءات لعدة مقتضيات هي من
صميم األهلية كالنيابة القانونية وبيع منقوالت القاصر والبيع القضائي لعقار القاصر،
يجعل الرأي الراجح في الفقه والقضاء يعتبر هذه المقتضيات من القواعد الجوهرية التي
()332
التي تخضع من حيث المبدأ للقانون الوطني تدخل ضمن حالة األشخاص
للمعني( ، )333األمر الذي يخلق نوعا من عدم االنسجام بين القواعد التي تحكم هذه القضايا
إن هذا التشتت وعدم االنسجام بارز في عدد غير قليل من مجاالت التنظيم الذي
يحكم العالقات الخاصة الدولية والذي يبرز في عالقة ظهير الوضعية المدنية لألجانب
بقوانين األسرة اإلجرائية والموضوعية ،األمر الذي يفقد هذه القواعد انسجامها
وتناسقها ،مما قد يرتب اضطرابا قانونيا أو تحكما قضائيا ،باإلضافة إلى ما تطرحه
مسألة التكييف واإلحالة أو النزاع بين هذه القواعد من صعوبات ومشاكل تتعدى
المتقاضي إلى ال قاضي ،وهو ما يؤثر سلبيا على األمن القانوني الذي ينبغي أن توفره
قواعد هذه القوانين ،لذلك فإن النقد التشريعي يفرض إعادة تنظيمها بشكل يحقق
-4القواعد الموضوعية الدولية :حيل لحلول عجز وقصور منهج تنازع القوانين
- 332أستاذان انصر متيوي مشكوري :مبادئ يف القانون الدويل اخلاص ،مكتبة املعارف اجلامعية ،1998 ،ص.67
- 333إذا كان مبدأ القانون الوطين للمعين يفرض من حيث املبدأ عدم تطبيق هذه املقتضيات على األجانب ،فإنه يف
حالة عدم تضمن القانون األجنيب املختص احلماية الكافية للقاصر وألمواله ،فإنه يستبعد قانونه الوطين ويطبق القانون املغريب
ابعتباره من النظام العام يتضمن احلد األدىن من احلقوق الواجب توافرها للقاصر ،كما تطبق قواعد املسطرة املدنية ابعتبارها
قواعد إجرائية ختضع لقانون القاضي.
252
المجلة المغربية لتاريخ القانون
على غرار العديد من الدول المقارنة ضوابط ومعايير ساهمت في الواقع في خرق
القاعدة التقليدية التي تخضع األحوال الشخصية للقانون الوطني (المادة 3من ظ.و.م)
والتضييق بالتالي من نطاق تطبيق القوانين األجنبية ،وفي هذا الشأن أبرم عدة اتفاقيات
ثنائية مع دول أوروبية كرست ضابط الموطن أو اإلقامة في تحديد القانون الواجب
تأخذ بضا بط الموطن في مادة الزواج والحضانة والنفقة والطالق ،وأيضا االتفاقية
المغربية اإلسبانية بشأن االعتراف وتنفيذ األحكام القضائية في مواد الحضانة وحق
الزيارة واسترجاع األطفال( ،)334لكن المشكل الذي يطرح بصدد هذه االتفاقيات الثنائية
هي األخرى هو أن جلها لم يعد لها معنى بعدما انصهرت أوربا في اتحاد واحد وأصبح
النظام العام السائد هو النظام العام األوربي ،وليس النظام العام الوطني الخاص بكل
عن التعديالت الجزئية المدخلة على ظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب من خارج
بنيته أنها قاصرة عن توفير القوة والجودة لهذا القانون لفقده أو فقدانه معايير ذلك
القانونية ،وذلك بما يضمن تحقيق األمن القانوني والقضائي لكل من المتقاضي والقاضي
على حد سواء ،لذلك نعتقد أن تعديل هذا القانون ينبغي أن يتم برؤية ومنهجية شمولية
وموحدة ومنسجمة تطال مختلف المجاالت التي ينظمها أو يرتبط بها وبنفس المقاييس
-334صادق املغرب عليها ونشرها بج.ر بتاريخ 17يونيو ،1999عدد ،4700ص .357
253
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والتصورات .أما اعتماده على هذه المنهجية الجديدة المتمثلة في إدخال تعديالت جزئية
على قوانين مرتبطة به وذات صلة بمجاالت التنظيم الواسعة التي ينظمها فال نعتبرها
سوى محاولة جديدة من المشرع للهروب من طرح مشروع اإلصالح الشامل لهذا
القانون على غرار ما فعل في مناسبات سابقة رغم توفر إرادة سبق لها أن طالبت بهذا
اإلصالح ،والنتيجة هو وجودنا أمام قانون هش قتلته كثرة التعديالت الجزئية من خارج
بنيته.
خاتمة:
ال يغيب عن البال ما لظهير الوضعية المدنية لألجانب بالمغرب من أهمية بالغة
في نطاق المعامالت الدولية الخاصة ،العتبار هذا القانون تنظيما مفصال لقسط وافر من
هذه العالقات الدولية الخاصة.
وإذا دل التعديل على ضرورة نهج مراجعة شاملة لظهير الوضعية المدنية
لألجانب ،فإن اإلصالح الشامل أو إعادة النظر الكلي في هذا القانون الذي نقصده ليس
معناه هدم كل النظريات والمبادئ أو كل القواعد واألحكام التي يتكون منها ،ألن من
شأن ذلك أن يؤثر على جاذبية القواني ن األخرى التي تدور في فلكه وترتبط به ،األمر
الذي يستدعي بالضرورة تعديل آخر لكافة القوانين الوطنية المرتبطة به أو التي تحيل
عليه وهذا أمر يصعب إنجازه.
كما أن هدم نظريات صمدت لسنين ،يجعل األمر صعبا على خلق البديل ،خاصة
وأن ظهير الوضعية المدنية لألجانب يتصف بالعالمية في بعض مبادئه وأحكامه.
وإنما ما نقصده بهذا اإلصالح الشامل هو تعديل النظريات والمبادئ والقواعد
واألحكام التي ثبت عجزها وقصورها عن مواكبة مستجدات الحياة ،فقد وردت في
القانون مسائل مجملة تحتاج إلى تفصيل وال يجدي فيها الترقيع ،كما لم يشمل مواضيع
أخر ى هامة ،وما نص عليه من مواضيع أخرى أهمل فيها األحكام الخاصة .ومن المؤكد
254
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أن استكمال النظريات والمبادئ واألحكام التي ترتب على قصورها في كثير من األحيان
اضطراب قانوني وتحكم واختالف قضائي ،ال يعني قطع الصلة بنظريات ظهير
الوضعية المدنية لألجانب التي صمدت لسنين وعقود ،وإنما يعني تطوير هذه النظريات
حتى تالئم في مبادئها وقواعدها وقائع الحياة المستجدة في جميع ميادينها التشريعية.
255
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المقدمة:
إن التطور الهائل الذي شهده كل من مجال تقنية المعلومات ومجال االتصاالت
واالندماج المذهل الذي حدث بينهما فيما بعد ،كان المحور األساسي الذي قامت عليه
تقنية المعلومات ،إذ أصبحت جميع القطاعات المختلفة تهتم في أداء عملها بشكل أساسي
على استخدام األنظمة المعلوماتية لما تتميز به من السر عة والدقة في تجميع المعلومات
وتخزينها ومعالجتها ،ومن ثم نقلها وتبادلها بين األفراد والشركات والمؤسسات المختلفة
داخل الدولة الواحدة أو بين عدة دول ،وفي مرحلة الحقة من مسار عصر تقنية
المعلومات إلى فكرة الربط بين أجهزة اإلعالم اآللي ووسائل االتصال األمر الذي أثمر
على ظهور شبكات المعلومات ،ولكن على الرغم من المزايا الهائلة التي تحققت بفضل
تقنية المعلومات على جميع األصعدة وفي شتى ميادين الحياة المعاصرة ،فإن هذه الثورة
استخدام األنظمة المعلوماتية واستغاللها على نحو غير مشروع وبطرق من شأنها أن
تلحق الضرر باألفراد والجماعات ،وما تتبعه من اعتداءات على المعلومات المخزنة
وتبرز أهمية البحث في محاولة التركيز على ظاهرة مستحدثة وهي ظاهرة
الجرائم اإللكترونية وخاصة جريمة االختراق اإللكتروني منها التي لم تنل حظها من
256
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الموضوع ،كما تبرز أهمية الموضوع باعتبار جريمة الدخول غير المشروع تفتح الباب
وتتمثل اإلشكالية الرئيسية للبحث ،في كيفية معالجة المشرع الفلسطيني والمغربي
منهجية الدراسة:
اعتمدنا في دراسة موضع البحث على المنهج الوصفي التحليلي ،وذلك بإستقراء
النصوص القانونية وتحليلها ،وأيضا اإلطالع على الدراسات السابقة التي لها صلة
خطة البحث:
257
المجلة المغربية لتاريخ القانون
كبير في الوقت الحاضر نظرا للتطور التكنولوجي الحديث الذي سهل ارتكاب مثل هذه
الجرائم ،يقتضي البحث في أحكام جريمة الدخول غير المصرح به إلى نظام الحاسب
اآللي استعراض ماهية هذه الجريمة في بعض التعريفات المختلفة لهذه الجريمة
وصورها وأركانها في (المطلب األول) ،ومن ثم آليات الدخول غير المشروع ودوافع
ويقصد بالدخول إلى النظام بشكل عام جميع األفعال التي تسمح بالولوج إلى نظام
المعلومات والسيطرة على المعطيات التي يتكون منها ،وال يقصد بالدخول هنا الدخول
بالمعنى المادي ،أي الدخول إلى منزل أو مكان ما ،إنما يجب أن ينظر إليه كظاهرة
معنوية تشبه الدخول إلى ملكة التفكير لدى اإلنسان ،أي الدخول إلى العمليات الذهنية
التي يقوم بها نظام المعالجة اآللية ،فلم يحدد المشرع الفلسطيني أو المغربي الطريقة
التي يتم بها الدخول ،وعليه فتقع الجريمة بأية وسيلة أو طريقة كانت سواء أكان التعدي
والدخول هنا يتحقق من خالل إجراء االتصال بالنظام بأي طريقة كانت سواء
باستعمال كلمة السر الحقيقية أو عن طريق استخدام برامج مثل طروادة أو شيفرة
خاصة ،فتتم هذه الجريمة من قبل أي شخص غير مخول له بالدخول الى الموقع
اإللكتروني أو نظام المعلومات أيا كانت صفته ،ولإللمام بجريمة الدخول غير المصرح
258
المجلة المغربية لتاريخ القانون
به ،ال بد من ال تعرف على صور الجريمة بدايتا من خالل الفقرة األولى ،ومن ثم تحديد
يقصد بالدخول إلى النظام بشكل عام جميع األفعال التي تسمح بالولوج إلى نظام
المعلومات واإلحاطة والسيطرة على المعطيات التي يتكون منها ،فيستوي الدخول غير
المشروع العتباره جريمة بأي وسيلة وأي طريقة كانت ،لهذا سنتطرق إلى تعريف
عرفه المشرع الفلسطيني في المادة األولى من القرار بقانون رقم 10لسنة 2018
بشأن الجرائم اإللكترونية بأنه" :االختراق :هو الدخول غير المصرح به أو غير
كما عُرف االختراق في القانون العربي النموذجي الموحد بشأن جرائم إساءة
استخدام تقنية المعلومات بأنه" الدخول غير المصرح به أو غير المشروع لنظام
المعالجة اآللية للبيانات ،وذلك عن طريق انتهاك اإلجراءات األمنية" ،كما عرف بأنه:
"عبارة عن فعل دخول غير مصرح به إلى جهاز الحاسب اآللي وشبكته اإللكترونية،
ويتم هذا االختراق باستخدام برامج متطورة يستخدمها أشخاص لديهم الخبرة والقدرة
259
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والدخول غير المشروع يشمل كل استعمال للحاسب اآللي دون رضاء صاحب
الحق ،أيا كانت صورة ذلك االستعمال ،كما لو تمكن الفاعل من تشغيله مباشرة أو عن
بعد ،ويطلق عليه أيضا مفهوم االختراق اإللكتروني ،كما أن هذا الدخول يترتب عليه
الوصول إلى بيانات سرية ووثائق خاصة ،األمر الذي يهدد الحياة الخاصة
والخصوصية.
وباإلطالع على التعريفات السابقة يمكن القول بأنه :الدخول غير المصرح به إلى
موقع إلكتروني أو نظام معلومات ،بطرق احتيالية من قبل أشخاص ذو مهارات وكفاءات
ذهنية.
تتم جريمة الدخول غير المشروع للحاسب اآللي بعدة صور ،وقد حددها المشرع
بشأن الجرائم اإللكترونية بأنها":كل من دخل عمدا وبدون وجه حق بأية وسيلة موقعا
الكترونيا أو نظام أو شبكة الكترونية أو وسيلة تكنولوجيا معلومات أو جزء منها أو
تجاوز الدخول المصرح به أو استمر في التواجد بعد علمه بذلك ،"...،أما المشرع
المغربي فقد نص على عدة صور من خالل المادة 3/607من القانون الجنائي ،حيث
جاء في حيثياتها ... ":كل من دخل إلى مجموع أو بعض نظام للمعالجة اآللية للمعطيات
عن طريق االحتيال ... ،كل من بقي في نظام للمعالجة اآللية للمعطيات أو بقي في جزء
منه ،"...وعليه فجريمة الدخول غير المشروع لها ثالثة صور وهي كالتالي:
260
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ويعني ذلك الدخول إلى الموقع اإللكتروني التابع للغير بدون تصريح ،فيتمثل
الدخول غي ر المصرح به عندما يقوم المخترق بالدخول إلى النظام المعلوماتي دون
موافقة المسؤول عن النظام أو مالكه ،ويرتبط هذا المفهوم أساسا بمعرفة من له الحق
في الدخول إلى النظام المعلوماتي ومن ليس له هذا الحق ،ومناط عدم المشروعية يكمن
وتتمثل هذه الصورة إذا كان الفاعل لديه تصريح ،أي اإلذن بالدخول إلى النظام
إال أنه تجاوز الصالحية الممنوحة له ،كأن يسمح له باستخدام نظام المعلومات أو الشبكة
كذلك أثار مفهوم عدم التصريح بالدخول إلى أنظمة الحاسبات اآللية تساؤال آخر
يتعلق بالحالة التي يكون عليها الدخول إلى النظام مصرحا به ،إال أنه يستخدم لغرض
آخر غير الغرض األصلي المصرح به الدخول ألجله ،كأن يكون صرح له بالوصول
لقسم معين من المعلومات في الشبكة الداخلية ،ولكنه خالف ذلك ودخل قصدا لقسم آخر
أو دخل إلى معلومات سرية ال يتوجب اإلطالع عليها من تلك الشبكة ،كنظام الموظفين
أو بريدهم ،فعندما يتعارض غرض الدخول إلى النظام مع الغرض األصلي أصبح غير
الفقرة الثانية :أركان جريمة الدخول غير المشروع إلى نظام الحاسب اآللي
261
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تقوم جريمة الدخول غير المشروع كسائر الجرائم األخرى على ركنين ،األول
يتمثل بالركن المادي وهو نشاط أو سلوك إجرامي يتحقق بالدخول غير المشروع إلى
نظام الحاسب اآللي ،والركن المعنوي الذي يتمثل بتحقيق القصد الجنائي والمجتمع من
العلم واإلرادة.7
ال يجوز كقاعدة عامة المعاقبة بدون القيام به ،ويقصد بالركن المادي للجريمة سلوك
إجرامي يتمثل بارتكاب فعل حرمه القانون ،والركن المادي هنا يكون نشاط واحد وهو
النشاط المتمثل في الدخول غير المشروع إلى موقع الكتروني ،ويمكن التفريق ما إذا
كان الدخول مجرد بحيث يتحقق الركن المادي هنا بمجرد الدخول إلى النظام المعلوماتي
حتى وإن لم ي ترتب على فعل الدخول نتيجة إجرامية ،ويكفي لوقوع النشاط المعاقب
عليه أن يقوم المتهم بالدخول إلى نظام المعلومات بطريقة غير مشروعه حتى ولو كان
الدخول عن بعد إلى النظام ،طالما أن الدخول بدون وجه حق ،فيكون الركن المادي
أما الركن المادي لجريمة الدخول غير المشروع عن قصد إلى النظام المعلوماتي
بهدف تحقيق نتيجة جرمية وتسمى هذه الجرائم بجرائم الضرر فيكون الركن المادي
فيها كما نص المشرع الفلسطيني في مادته الرابعة من القرار بقانون بشأن الجرائم
اإللكترونية الفقرة الثالثة منه على ":إذا ترتب على الدخول إلغاء بيانات أو معلومات
262
المجلة المغربية لتاريخ القانون
إلكترونية مخزنة ،"...فيكفي لتحقق جريمة الدخول غير المشروع عن قصد أن يكون
هناك عالقة سببية ما بين الدخول غير المشروع وبين النتيجة الجرمية التي تحققت،
وهي إلغاء أو حذف أو تعديل البيانات أو المعلومات أو التعدي على النظام المعلوماتي
أما المشرع المغربي فقد نص في المادة 5/607من القانون الجنائي على ":كل
من عرقل عمدا سير نظام للمعالجة اآللية للمعطيات ،"...والمادة 3/607نصت في
•أن يتم الدخول بقصد االعتداء على بيانات أو معلومات غير متاحة للجمهور.
•أن يتم الدخول باستخدام تقنية المعلومات ،فإن تم دون ذلك يكون أمام جريمة
تقليدية.
ثانيا:الركن المعنوي
يعتبر الركن المعنوي في سائر الجرائم التقليدية واإللكترونية واحد ،حيث يكون
الركن المعنوي ألي جريمة مكونا من العلم واإلرادة حتى تكون الجريمة تامة ومعاقب
عليها ،حيث أن القانون الجنائي ال يكتفي لقيام الجريمة واستحقاق العقاب عليها مجرد
قيامها أو تحقق الركن المادي وحده ،بل ال بد من تحقق الركن المعنوي لقيام الجريمة،
263
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وباستقراء النصوص السابقة نجد -كل من دخل عمدا -أن هذه الجريمة من
الجرائم العمدية ،وبالتالي فإنه يلزم توافر القصد الجنائي والذي يجمع ما بين العلم
واإلرادة ،وعليه يجب أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع التي يترتب توافرها لقيام
الجريمة ،فإذا كان جاهال بالوقائع المادية للجريمة أو وقع غلط في عنصر من عناصرها
الواقعية أو الجوهرية فان ذلك يمنع من توافر القصد الجرمي لديه ،وبالتالي ال يسأل.
وهنا يجب التفريق بين جريمة الدخول المجرد غير المشروع (بصورتها
البسيطة) وجريمة الدخول عن قصد غير المشروع بهدف تحقيق نتيجة جرمية ،ففي
الحالة ا ألولى يتوفر الركن المعنوي لهذه الجريمة بمجرد الدخول إلى النظام المعلوماتي،
سواء أكان فضول أو إثبات القدرة على تحديد النظام المعلوماتي أي بمجرد توافر القصد
العام تقوم الجريمة ،وال أهمية بعد ذلك لباعث الجاني من الدخول إلى النظام المعلوماتي،
أما في الحالة الثانية فيكون الركن المعنوي لها يتطلب إلى جانب القصد العام قصدا
خاصا ،يتمثل بنية اإلضرار بالغير ،كاإلتالف أو التغير أو التعديل أو التعطيل للبيانات
أو المعلومات على النظام المعلوماتي كما في نص المادة 6من قرار بقانون بشأن الجرائم
اإللكترونية.
264
المجلة المغربية لتاريخ القانون
حيث أن مجرمي اإلنترنت يسعون من خالل ارتكابهم للجريمة ،باإلضافة إلى تحقيق
الكسب المادي تحقيق أغراض معنوية مثل االنتقام أو التعلم ،كما أنها تتمتع بخصائص
تميزها عن الجريمة العادية والتي جعلتها صعبة اإلثبات لما يتمتع مرتكبها بالذكاء عند
ارتكابه مثل هذه الجرائم ،حيث سيتم التطرق إلى دوافع ارتكاب هذه الجريمة في (الفقرة
يعد الدافع أحد الركائز األساسية في جميع الجرائم ،وبالنسبة لجرائم الحاسب اآللي
واإلنترنت فقد تختلف في وضعها العام عن أسباب أي جريمة أخرى تقليدية ،ويمكن
إذ يحدث أن يستهدف مرتكبو هذا النوع من الجرائم تحقيق ربح مادي ،خصوصا
أن النفع المادي العائد عن مثل هذه الجرائم يعد مغريا ،فعند الدخول غير المشروع إلى
بيانات شخصية فإنه يستخدم هذه البيانات في عملية االبتزاز من أجل تحصيل المال ،أو
عند اختراق موقع شرك ة ما والتي تعد الهدف الرئيسي للمخترقين لتحصيل الربح ،فإن
هذه الشركات تدفع مبالغ ضخمة للمخترق إلخماد الموضوع وذلك حتى ال تتزعزع ثقة
عمالئها بها.
265
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ب – دوافع شخصية.
• إثبات الذات :هناك بعض الجرائم اإللكترونية التي يرتكبها شباب صغار السن
المعلوماتية دون أي نوايا آثمة ،وغالبا ما تتوقف هذه الفئة عن مثل هذه
السلوكيات في سن العشرين.
• االنتقام :تعد من أخطر الدوافع التي يمكن التي يمكن أن تنفع شخص يمتلك
معلومات كبيرة عن المؤسسة أو الشركة التي يعمل بها تجعله يقدم على ارتكاب
هذه الجريمة فقد يكون الضغط النفسي الناجم عن ضغط العمل والمشكالت
المالية وغيرها من األمور الكثيرة قوة محركة تدفع العامل ارتكاب الجرائم
نظرا الرتباط جريمة الدخول غير المشروع بجهاز الحاسب اآللي وشبكة
اإلنترنت بصفة عامة ،وسائل التواصل االجتماعي بصفة خاصة ،فقد أضفي عليها ذلك
إن االنتشار الواسع لشبكة االنترنت أعطاها المجال الواسع لربط أعداد هائلة من
والمكان ،وعليه فيكون المجرم من بلد ما والمجني عليه من بلد أخر ،وهنا تظهر الحاجة
266
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لوجود قانون دولي وداخلي لمكا فحة مثل هذا النوع من الجرائم وضبطها وهذا ما
تكمن صعوبة إثبات مثل هذه الجرائم أنها ال تترك آثارا مادية ظاهرة ألنها
جرائم مرئية مما يشكل صعوبة في ضبطها ،والوسيلة المستخدمة الرتكاب مثل هذه
الجر ائم هي نبضة إلكترونية ينتهي دورها خالل أقل من ثانية واحدة ،وكأن الجاني يقوم
بتدمير الدليل بمجرد استعماله ودون إحداث أي ضجة ،مما يجعل مسرح الجريمة خالي
من أي آثار.
ج-جرائم ناعمة
والسرقة ،إال أ ن الجرائم المتصلة بالحاسب اآللي تمتاز بأنها جرائم ناعمة ال تتطلب عنفا
تعد هذه الجرائم صورة من صور العولمة ،فمن حيث المكان يمكن ارتكابها عن
بعد وقد يتعدد هذا المكان بين أكثر من دولة ،ومن الناحية الزمنية تختلف المواقيت بين
الدول األمر الذي يثير التساؤل حول تحديد القانون الواجب التطبيق.
األمر الذي دفع بالمجتمع الدولي إلى البحث عن آليات جديدةتتالءموطبيعتها ،وتطوير
الوسائل التقليدية بما يكفل تضامن جهود الدول ،وأجهزتها القائمة بمهمة مكافحة الجرائم
267
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المعلوماتية،لهذا سيتم التطرق فيهذا المبحث إلى مكافحة جريمة الدخول غير المصرح
به على المستوى الدولي والوطنيفي المطلب األول،واآلثار اإلجرائية الناتجة عن هذه
المطلب األول :مكافحة جريمة الدخول غير المصرح به على المستوى الدولي
والوطني
يشكل القانون حاجة ماسة باستمرار لتنظيم حياة المجتمعات وتنظيم العالقة بين
وفي ظل التطورات الهائلة والمتسارعة التي تشهدها الحياة المعاصرة والتي تخلق
أوضاعا ً ومشكالت من نمط جديد ،فإن التشريع يحتاج دوما ً لمواكبة تلك التطورات،
سيما االلكترونية منها من أجل؛ إرساء حماية فعالة لمصالح المجتمع وأفراده ،غير أن
تلك الحماية يجب أن تعزز الحقوق والحريات العامة ال أن تنتقص منها ،فاحترامها يعتبر
أداة قياس موضوعية الحترام الدولة لكرامة الفرد وحقه األصيل في الخصوصية.
فروع القانون ،بعد نقلها من واقعها إلى واقع جديد يختلف في طبيعته وآلية تواصل
أطرافه في ما بينهم ،ومع تطور السلوك الفردي الذي يثير التساؤل األهم والمتمثل في
مدى اهتمام السياسة الحالية بهذا التطور ،وما هي حدود االستجابة له من جانب
المشرع ،ومن هنا جاءت الحاجة إلى المواجهة التشريعية للتطور التكنولوجي ،لهذا
الجريمة(الفقرة األولى).
268
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الفقرة األولى :مكافحة جريمة الدخول غير المصرح به على المستوى الدولي.
والثنائية والدولية لمواجهة الجرائم العابرة للحدود والتي غالبا ما تكون الجرائم
اإللكترونية من ضمنها ،ومع تطور فلسطين القانوني من سلطة حكم ذاتي وحتى
االعتراف بها كدولة غير عضو في األمم المتحدة ،قامت بالتوقيع على اتفاقيات إقليمية
ودولية تحتوي نصوصا تتعلق بالجرائم اإللكترونية بشكل مباشر ،أو تلك التي تعالج
لمكافحة الجرائم العابرة للحدود ،وبقيت مجموعة أخرى من هذه االتفاقيات اإلقليمية
وخصوصا العربية لم يتم التوقيع عليها حتى اآلن ،ومن أهم االتفاقيات اإلقليمية التي
تهدف هذه االتفاقية إلى تعزيز التعاون وتدعيمه بين الدول العربية في مجال
مكافحة جرائم تقنية المعلومات ،لدرء أخطار هذه الجرائم حفاظا على أمن الدول العربية
ومصالحها وسالمة مجتمعاتها وأفرادها ونصت حسب المادة السادسة على ما يدخل في
العقوبة في حاالت األذية التي يسببها الدخول أو حصل المخترق على معلومات
حكومية سرية.
269
المجلة المغربية لتاريخ القانون
• إساءة استخدام وسائل تقنية المعلومات وفقا للتفاصيل التي أوردتها هذه المادة.
الطبيعية والمعنوية على أنه "تلتزم كل دولة طرف مع مراعاة قانونها الداخلي ،بترتيب
المسؤولية الجزائية لألشخاص االعتبارية عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها باسمها أو
لصالحها دون اإلخالل بفرض العقوبة على الشخص الذي يرتكب الجريمة شخصيا"،
وأكدت على تشديد العقوبات على الجرائم التقليدية المرتكبة بواسطة تقنية المعلومات".
أدى التطور التكنولوجي الهائل حول العالم إلى ازدياد نسبه الجرائم العابرة للحدود
ومن ضمنها جريمة الدخول غير المصرح به ،األمر الذي دفع دول العالم ككل إلى
التعاون فيما بينها وعقد االتفاقيات الدولية للحد من هذه الجرائم أو للتخفيف من آثارها،
ومن أهمها:
270
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تهدف هذه االتفاقية إلى تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية
ومكافحتها بمزيد من الفعالية ،بما فيها جريمة الدخول غير المصرح به ،وذلك كما جاء
إن التنظيم القانوني لهذه االتفاقية يتكون من مقدمة أربعة فصول ،فالفصل األول
عنوان المبادئ العامة ،والفصل الرابع الذي جاء لذكر اآلثار القانونية لالتفاقية الدولية.
كبتها أو إخمادها ،كما وذكرت الدخول المتعمد في المادة الخامسة ،وذكرت أيضا إساءة
اإلجرائية بقصد التثبت من وقوع الجريمة وجمع أدلتها ،ومن ضمنها األثر السلبي الناتج
عن جريمة الدخول غير المصرح به إلى بيانات ومعطيات غير مخول له بالدخول
واإلطالع عليه ،كما وتطرقت هذه االتفاقية إلى انتهاك الملكية الفكرية الناتجة عن جريمة
271
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تم تأسيس اإلنتربول كمنظمة شرطية في العالم لعام 1923م ،ليقوم بتقديم
نشاط اإلنتربول على ستة مجاالت هي الفساد والمخدرات وغسيل األموال المرتبط
كل ألمساع اإلسرائيلية بمنع فلسطين من االنضمام إلى اإلنتربول ،وتبرز أهمية هذا
اإلسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني وبما فيها جرائم االختراق اإللكتروني المرتكب من
فيمكن القول أن االتفاقيات الثنائية بين الدول تساعد أكثر في التعاون األمني في
الجرائم التي ال يستطيع اإلنتربول مالحقتها القتصاره على الجرائم الجنائية الدولية.
الفقرة الثانية :مكافحة جريمة الدخول غير المصرح به على المستوى الوطني
أصدر المشرع الفلسطيني والمغربي بعض القوانين الخاصة التي أشار من خاللها
إلى بعض الجرائم المعلوماتية ضمن نصوص بسيطة يمكن تسميتها بالنصوص الخجولة
والمتناثرة هنا وهناك ،وهذه النصوص لطالما تعطش اليها العاملون في النيابة العامة
لعلها تخفف من الضغوط المجتمعية والرسمية التي تطالبهم بمالحقة هذه الجرائم،
272
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لإلضرار بهم ،وقد حاول هذا القانون أن يغطي هذا الجانب فعال من خالل العديد من
ا لنصوص التي حمت الخصوصية ،ولكنه بالمقابل وضع العديد من النصوص األخرى
التي تقيد حرية التعبير والحقوق بما فيها حرية الوصول للمعلومات بشكل غير مشروع
تحت ذرائع حماية األمن القومي والمجتمع ومعتقداته بما يخالف التزامات فلسطين على
المستوى الدولي.
ومن خالل هذا القانون فقد نظمت جريمة الدخول غير المصرح به ضمن هذه
النصوص ،وتبين ذلك بشكل واضح وصريح في نص المادة الرابعة من هذا القانون
والتي تم التطرق إليها وتحليله سابقا ،فقد عاقبت على ارتكاب هذه الجريمة بالحبس أو
بالعملة المتداولة قانونا ،كما وعاقبت على من يلغي بيانات أو معلومات إلكترونية مخزنة
في النظام المعلوماتي بالحبس مدة ال تقل عن سنة ،أو بغرامة ال تقل عن 1000دينار
وال تزيد عن 3000دينار أردني ،كما وشددت هذه العقوبة في حال كان االعتداء على
بيانات حكومية بحيث تصل عقوبتها إلى األشغال الشاقة المؤقتة مدة ال تزيد عن 5
وتضمن هذا القانون العديد من انتهاكات حقوق اإلنسان سيما الحق في حرية
التعبير واألمن الشخصي والخصوصية ،كما وجاء هذا القانون مخالفا للمبادئ الدولية
باألمن القومي المصاحبة لها وأهمها اإلعالن المشترك الخاص بجريمة التعبير
273
المجلة المغربية لتاريخ القانون
والوصول للمعلومات لسنة ، 1996وقرار الجمعية العامة بإنشاء ثقافة عالمية لألمن
اإللكتروني لسنة.2003
ثانيا :قانون رقم 03-07المتعلق بجرائم المس بنظم المعالجة اآللية للمعطيات
المغربي
تمم المشرع المغربي في السنوات الماضية مجموعة القانون الجنائي بموجب عدة
تعديالت ،ومنها القانون رقم 03-07المتعلق بالمس بنظم المعالجة اآللية للمعطيات
والتي نصت عليها وعلى عقوبتها تسعة فصول جنائية جديدة هي الفصول من 3-607
إلى ، 11-607عقوبات تتراوح ما بين شهر وخمس سنوات حبسا على كل من يمس
نظم المعلومات.
وتناول في الفصول األولى موضوع الدخول غير المصر به ،حيث جاء في
حيثيات المادة 3-607أنه ":يعاقب بالحبس من شهر إلى ثالثة أشهر وبالغرامة من
2000إلى 10000درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من دخل إلى مجموع أو
ويعاقب بنفس العقوبة من بقي في نظم للمعالجة اآللية للمعطيات أو في جزء منه،
المشرع المغربي جاء بعقوبات صارمة لكل من يدخل إلى نظام الكتروني عن
274
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بالرغم من المزايا الهائلة التي تحققت وتتحقق كل يوم بفضل تقنية المعلومات في
شتى ميادين الحياة المعاصرة ،إال أن هذه الثورة التكنولوجية المتنامية قد صاحبتها العديد
من االنعكاسات السلبية والخطيرة من جراء استخدام هذه التقنية واالنحراف عن
األغراض المتوخاه منها ،والتي أدت إلى تفشي ظاهرة الجرائم المعلوماتية ،وقد ازدادت
هذه المخاطر تفاقما في ظل البيئة االفتراضية ،ما أقر نوعا جديدا لم يكن معروفا من
قبل ممثال بالجرائم العابرة للحدود ،والتي لم تعد آثارها محصورة في النطاق اإلقليمي
للدولة ،األمر الذي بات يثير بعضا من التحديات القانونية والعملية أمام األجهزة المعنية
لمكافحة هذه الجريمة ،وبالذات فيما يخص إثبات هذه الجرائم ،وآلية مباشرة إجراءات
لهذا سن تطرق في هذه المطلب إلى االختصاص القضائي لجريمة الدخول غير
القضائي ،ذلك أن السلوك أو النشاط اإلجرامي منها ال تعترف بالحدود ،إذ أن الطبيعة
التقنية لنظم المعلوماتية المرتبطة بشبكات االتصال العالمية يمكن أن تؤدي إلى أن يصبح
إقليم أكثر من دولة مسرحا لجريمة واحدة ،األمر الذي قد ينجم عنه تنازع في
االختصاص بين الدول ،حيث اختالف التشريعات والنظم القانونية ،وعليه يعرف
275
المجلة المغربية لتاريخ القانون
االختصاص القضائي بأنه" :السلطة السيادية للدولة التي تمكنها من تطبيق قوانينها
مستقر ومعروف أال وهو مبدأ اإلقليمية والذي يعنى به خضوع الجرائم التي تقع في
إقليم دولة معينة لقانونها الجنائي النافذ ،بحيث تكون محاكمها الوطنية النظامية هي
صاحبة الوالية بنظر الدعاوي الناشئة عنها وذلك كما جاء في نص المادة الثالثة من
اإللكترونية -2 ،..تتولى المحاكم النظامية والنيابة العامة وفقا الختصاصاتهما النظر في
دعاوى الجرائم اإللكترونية" ،وال تخضع بذلك لسلطة القانون األجنبي ،ألن القانون
الجنائي للدولة ال يمتد سريانه إلى خارج حدودها المعترف بها في القانون الدولي إال في
حاالت استثنائية اقتضتها حماية المصالح الجوهرية للدولة ،أو متطلبات التعاون الدولي
وهذا ما أكدت عليه المادة الثانية من القرار بقانون بشأن الجرائم اإللكترونية في
فقراتها األولى والثانية" -1تطبق أحكام هذا القرار بقانون على أي من الجرائم
المنصوص عليها فيه ،إذ ارتكب كليا أو جزئيا داخل فلسطين أو خارجها ،أو امتد أثرها
داخل فلسطين ،سواء أكان أصليا أم شريكا أم متدخال ،على أن تكون الجرائم معاقبا
عليها خارج فلسطين مع مراعاة المبادئ العامة الواردة في قانون العقوبات النافذ-2 .
يجوز مالحقة كل من يرتكب خارج فلسطين إحدى الجرائم المنصوص عليها بهذا القرار
بقانون في إحدى الحاالت اآلتية :أ .إذا ارتكب من مواطن فلسطيني .ب .إذا ارتكب ضد
أطراف أو مصالح فلسطينية .ج .إذا ارتكب ضد أطراف أو مصالح أجنبية من قبل
276
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أجنبي أو شخص عديم الجنسية يوجد محل إقامته المعتاد داخل فلسطين أو من قبل أجنبي
أو شخص عديم الجنسية وجد في األراضي الفلسطينية ،ولم تتوافر في شأنه شروط
التسليم القانونية".
أما المشرع المغربي ،فقد نص في الفصل 10من القانون الجنائي على أنه":
يسري ا لتشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب
وعديمي الجنسية ،مع مراعاة االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون
الدولي".
فاألصل أن عناصر الركن المادي للجريمة تكتمل في مكان واحد أي داخل نطاق
إقليم الدولة ،فيقع السلوك ال جرمي وتترتب عليه آثاره في نفس اإلقليم وعليه يتحدد
القانون الواجب التطبيق وبالتالي المحكمة المختصة ،فهنا ينعقد االختصاص وطنيا وال
يثار أي إشكال ،بيد أن بعض الجرائم المعلوماتية التي ترتكب يمتد أثرها خارج حدود
الدولة ،بحيث يقع السلوك الجرمي في دولة وتتحقق نتيجتها الضارة في نطاق إقليم دولة
أخرى ،فهنا تثار مشكلة انعقاد االختصاص في جرائم المعلوماتية ،فالشبكة العنكبوتية
بطبيعتها ال تحدها حدود وال تستأثر بها دولة بعينها ،وعليه فال تخضع لرقابة أو سيطرة
جهة معينة ،وهذا يستتبع ولو نظريا عدم إمكان خضوعها لسلطان قانون جنائي معين.
وعمال بمبدأ اإلقليمية فإن كل دولة تمارس سيادتها على إقليمها بتطبيق قوانينها
داخل حدودها ،بصرف النظر عن جنسية مرتكب الجريمة ،وتطبيقا للقواعد التي تحكم
االختصاص المكاني فإن جرائم المعلوماتية العابرة للحدود تخضع في كثير من األحيان
ألكثر من قانون ،فإذا وقع السلوك الجرمي في نطاق بلد معين واآلثار الضارة تحققت
في نطاق بلد آخر ،فإن قانون كال البلدين يكون واجب التطبيق على الواقعة ،كما وقد
277
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ينعقد االختصاص لدولة ثالثة متى كانت الجريمة ماسة بمصالحها الجوهرية وذلك وفقا
لمبدأ العينية.
فهذه الجرائم بطبيعتها غير قابلة في كثير من األحيان للخضوع للقواعد التي تحكم
مسألة االختصاص المكاني وبالتالي فإنها قد تتطلب تجاوز المعايير التقليدية للتغلب على
مشكلة االختصاص ،والعمل على تبني حلول أكثر مرونة تأخذ في الحسبان النطاق
الجغرافي لهذه الجرائم وسهولة ارتكابها وآلية اقترافها والتخلص من آثارها وغيرها من
األمور التقنية ،بحيث يكون من المالئم أن ينعقد االختصاص لقانون البلد التي أضرت
به الجريمة أو من المتوقع أن تشكل خطورة على مصالحها الحيوية ،ولو كان وقوعها
خارج نطاق إقليمها ،فهذا بدوره يؤدي إلى تطبيق أو تبني مبدأ االختصاص العالمي أو
الشامل بهذا الخصوص وذلك لتجنب الكثير من المشاكل الناجمة عن مكان وقوع
ويتبين مما سبق ضرورة تبني مبدأ االختصاص العالمي ،وذلك كون الجرائم
المعلوماتية تتشابه في وسائلها وأركانها عند معظم التشريعات الدولية واإلقليمية ،وأن
مجال ارتكاب مثل هذه الجرائم هو العالم االفتراضي وليس محصورا في بقعة جغرافية
معينة.
تعد مرحلة التحقيق االبتدائي أو ما يطلق عليها جمع االستدالالت مرحلة هامة في
اإلجراءات التي سيقوم بها المحقق وتؤدي إلى اكتشاف الجريمة ومعرفة مرتكبيها
278
المجلة المغربية لتاريخ القانون
لتقديمهم إلى المحاكمة وقد تكون هذه اإلجراءات عملية كالتفتيش ،أو فنية كالبصمات،
أو برمجية كتحديد كيفية الدخول الى المعطيات المخزنة في النظام المعلوماتي.
وهذا ما أكد عليه المشرع الفلسطيني في قرار بقانون رقم 10لسنة 2018بشأن
هذه الجريمة ومعرفة أطراف الجريمة ( الجاني والمجني عليه) ،ومعرفة الوسائل التي
استعملت في ارتكابها ،ويكون ذلك في الجريمة المعلوماتية وفقا لمنهج تحقيقي يختلف
عن التحقيق منه في الجرائم التقليدية األخرى وهذا ما نصت عليه المادة 19من قانون
اإلجراءات الجزائية.
وباستقراء نص المادة 33و 34من القرار بقانون بشأن الجرائم اإللكترونية نجد
أن أهم ما جاء في هاتين المادتين هو الضبط والتفتيش ،فيكون لموظفي الضابطة العدلية
بعد الحصول على إذن التفتيش من وكيل النيابة أو من المحكمة المختصة الدخول إلى
أي مكان تشير الدالئل إلى استخدامه ألي من الوسائل الرتكاب هذه الجريمة ،كما ويجوز
له تفتيش األجهزة واألدوات والبرامج واألنظمة والوسائل التي تشير الدالئل في
استخدامها الرتكاب هذه الجريمة ،وفي جميع األحول على الموظف الذي قام بالتفتيش
أن ينظم محضرا بذلك وتقديمه إلى النيابة العامة ،كما وقد اشترطت في التفتيش أن يكون
اإلذن بالتفتيش مسببا ،وعليه يجوز لموظفي الضابطة العدلية ضبط األجهزة والتحفظ
على كامل نظام المعلومات أو جزء منه أو وسيلة من وسائل تكنولوجيا المعلومات والتي
من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة وتحرر قدر اإلمكان قائمة بالمضبوطات المتحفظ
عليها بحضور المتهم أو بحضور من وجد عنده المضبوط المتحفظ عليه ويحرر تقرير
279
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بذلك وللمحكمة المختصة الحكم بمصادرة األجهزة والمعلومات وتوقيف أو تعطيل عمل
عليها في هذا القرار بقانون ،وبذلك يكون المشرع حل إشكالية كبيرة تتعلق بضبط
المكونات المعنوية.
فقد يلجأ بعض المجرمين إلى تخزين البيانات أو المعلومات المتعلقة بالجريمة
حول حرية تدفق الملومات ،فمالحقة هؤالء المجرمين يتم من خالل إتباع الخطوات
التالية :
اوال :المعاينة
تعد المعاينة من إجراءات التحقيق االبتدائي ،فيكون للمحقق اللجوء إليها متى
دعته الضرورة لذلك ،وتظهر أهمية المعاينة في الجرائم التقليدية التي تخلف ورائها
أضرارا ماديا ويهدف القائم بهذه المعاينة التحفظ على تلك اآلثار لفحصها وبيان مدى
صحتها في اإلثبات ،إال أن األمر يختلف في الجرائم المعلوماتية ،والتي يندر أن تخلف
ورائها أثارا مادية ،وقد تطول الفترة الزمنية بين وقوع هذه الجريمة واكتشافها مما
280
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ثانيا :التفتيش
يعد التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق بحيث ال يتم إال بعد الحصول على إذن
من النيابة العامة ،والذي يهدف إلى البحث عن دالئل تتعلق بالجريمة وضبطها وكل ما
يفيد بصفة عامة في كشف الحقيقة سواء أكان ذلك يتعلق باألشخاص أو باألماكن وذلك
ما أكدت عليه الفقرة األولى من المادة .1" :33للنيابة العامة الحصول على األجهزة أو
والتحفظ" ،فالتفتيش أو البحث في الشبكات اإللكترونية يتم باستخدام وسائل تقنية للبحث
فاألصل أن يصدر إذن التفتيش مكتوبا إال أن هذا الشرط يحمل في طياته بعض
المخاطر ،وذلك في حالة ما إذا كان البحث عن أدلة الجريمة يستدعي أن يتم التفتيش في
مكان آخر أو في نظام معلوماتي آخر غير الذي صدر بشأنه اإلذن المكتوب ،فتتمثل
المخاطر بإمكانية محو أو إتالف البيانات المطلوبة أو نقلها أو تعديليها خالل الفترة التي
يراد الحصول على إذن مكتوب بشأنها ،ولتفادي هذه المخاطر يجب أن يكون اإلذن
بالتفتيش يشمل أي نظام معلوماتي آخر وفي أي مكان يتواجد فيه المعلومات أو البيانات
المطلوبة.
األمر في التفتيش من قاضي التحقيق تحققا للسرعة المطلوبة ،كما وينتج عن امتداد
اإلذن بالتفتيش إلى خارج اإلقليم الجغرافي للدولة والتي صدر من جهاتها المختصة ذلك
اإلذن ،ودخوله في المجال الجغرافي لدولة أخرى حيث ينتهك سيادة هذه الدولة ،لذلك
فان التفتيش اإللكتروني العابر للحدود ال يجوز في غياب اتفاقية دولية بين الدولتين تجيز
281
المجلة المغربية لتاريخ القانون
هذا االمتداد أو على األقل الحصول على إذن الدولة األخرى ،وهنا تتأكد أهمية التعاون
ثالثا :الضبط
تعد الغاية من التفتيش ضبط شيء يتعلق بالجريمة ويفيد في التحقيق الجاري
بشأنها ،سواء أكان هذا الشيء أدوات استعملت في ارتكاب الجريمة أو شيئا نتج عنها
هي عبارة عن ذبذبات إلكترونية ،أو موجات كهرومغناطيسية تقبل التسجيل والحفظ
والتخزين على وسائط مادية باإلمكان نقلها وبثها واستقبالها وإعادة إنتاجها ،فال يمكن
وخشية من محو أو إتالف أو ضياع األدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق
التفتيش فقد أجازت المادة 33من القرار بقانون بشان الجرائم اإللكترونية الحق في
ضبط األدلة اإللكترونية والتحفظ على البيانات الجريمة وكذلك األدوات التي استخدمت
ومما تقدم يتضح أن التحري والبحث والتحقيق وجمع األدلة في مجال الجرائم
اإللكترونية يكتنفه الغموض ويحيط به العديد من الصعوبات ،إال أنه ال مناط من مواصلة
البحث والتحقيق وجمع األدلة مع التطوير المستمر لوسائل البحث واألجهزة الشرطية
282
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تمثل قواعد اإلثبات أهمية خاصة إذا أن الحق موضوع التقاضي يتجرد من كل
قيمه إذا لم يقم الدليل على الواقعة التي يستند إليها ،كما أن اإلثبات الجنائي هو أحد
الموضوعات الهامة الذي قد تأثر بدوره بالتطور الهائل الذي لحق باألدلة الجنائية بسبب
تطور طرق ارتك اب الجريمة ،األمر الذي يتعين معه تغيير النظرة إلى طرق اإلثبات
فاإلثبات قانونا ":هو إقامة الدليل لدى القضاء على حقيقة واقعة ذات أهمية
قانونية ،ونسبتها إلى المتهم بالطرق التي حددها القانون في حين يعرف اإلثبات في
المواد الجنائية كل ما يؤدي إلى إظهار الحقيقة التي تتجلي في وقوع الجريمة بوجه عام
فتحتاج الجريمة المعلوماتية في إثباتها إلى أدلة تقنية ناتجة عن الوسائل التقنية
التي ارتكبت بواسطتها أو من خاللها فهي بذلك بحاجة إلى ما يعرف بالدليل الرقمي
كوسيلة إلثبات ارتكاب الجريمة المعلوماتية والتعدي على البيانات والمعلومات سواء
وترتكز عملية اإلثبات الجنائي للجرائم المعلوماتية على الدليل الجنائي الرقمي،
والذي يعتمد بشكل أساسي على عنوان IPالخاص بالمستخدم ،ذلك أنه الوسيلة األساسية
إلثبات هذا النوع من الجرائم ،لذا سنتطرق لمفهوم الدليل الرقمي أوال ،وميزات هذا
الدليل في اإلثبات الجنائي ثانيا ،وحجية هذا الدليل في اإلثبات الجنائي ثالثا.
283
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يعرف بأنه ":الدليل المأخوذ من أجهزة الحاسب اآللي ويكون في شكل نبضات
خاصة ،ويتم تقديمها في شكل دليل يمكن اعتباره أمام القضاء ،فهو الذي يؤدي بقاضي
أ -طريقة نسخ الدليل الرقمي من أجهزة الكمبيوتر تقلل أو تعدم مخاطر إتالف الدليل األصلي.
ت -يمكن تحديد ما إذا تم العبث بالدليل الرقمي ،وذلك إلمكانية مقارنته باألصل.
ث -نشاط الجاني لمحو الدليل يسجل كدليل عليه أيضا ،واستخدامه كدليل إدانة ضده.
خ -يمكن من خالل الدليل الرقمي رصد معلومات عن الجاني وتحليلها في ذات الوقت.
إن الهدف الذي تسعى إليه كافة التشريعات اإلجرائية هو أن يصيب القاضي
الحقيقة في حكمه ،سواء بالبراءة أو باإلدانة ،والحقيقة ال يمكن الوصول إليها إال باليقين،
ومنه تكمن أهمية يقينية األدلة الرقمية في اإلثبات الجنائي في الدعوى العمومية ،حيث
أن هذا الدليل يعتمد على بروتوكول IPوالمكون من أربع أجزاء ،فيشير الجزء األول
من اليسار إلى المنطقة الجغرافية ،والجزء الثاني لمزود الخدمة ،والثالث لمجوعة
الحاسبات اآللية المترابطة ،وأما الجزء الرابع يحدد الحاسب اآللي الذي تم االتصال به.
284
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وباستقراء نص المادة 37من القرار بقانون أنه ":يعتبر الدليل الناتج بأي وسيلة
من نفس القا نون على ":تعتبر األدلة المتحصلة عليها بمعرفة الجهة المختصة أو جهات
التحقيق من دول أخرى ،من أدلة اإلثبات ،طالما أن الحصول عليها قد تم وفق اإلجراءات
المشرع الفلسطيني هنا أكد على إمكانية ضبط األدلة الرقمية ،وأعتبرها دليل
إثبات ،واشترط في الدليل أن يكون الحصول عليه تم وفق اإلجراءات القانونية ،ساء
كان الدليل متحصل عليه من السلطات المختصة في فلسطين ،أم نتيجة التعاون الدولي
أما المشرع الغربي لم ينص صراحة على ضبط المكونات المعنوية واألدلة
الرقمية ،حيث جاء في حيثيات الفصل 11-607من القانون الجنائي ،على أنه ":يمكن
للمحكمة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية أن تحكم بمصادرة األدوات التي استعملت
في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ."..ورغم ذلك فإن الواقع العملي
في المغرب يثبت أهمية الدليل الرقمي ،حيث تم إنشاء المختبر الجهوي لتحليل اآلثار
وعليه يأخذ الدليل الرقمي حجية قاطعة في اإلثبات أمام القضاء لما يتمتع به من
خصائص تؤكد يقينية وقوته في اإلثبات ،إال أن هناك بعض البرامج التي تأثر على
الدليل الرقمي ،مثل برنامج المتصفح نوت( )VPN-TORحيث ال يأخذ شكل الحلقات
285
المجلة المغربية لتاريخ القانون
التي تمر في أكثر من دولة ،وبالتالي يصعب في هذه الحالة تحديد عنوان المجرم
المعلوماتي.
الخاتمة
من خالل هذا البحث فقد تعرفنا على جريمة الدخول غير المصرح بها إلى النظام
المعلوماتي وفقا للقرار بقانون رقم 10لسنة 2018م وقانون 03-07المتمم للقانون
الجنائي والمتعلق بالمس بمعالجة النظم المعلوماتية ،وتناولنا األحكام الشاملة لهذه
الجريمة وماهيتها وآليات ارتكابها ،وكذلك التنظيم التشريعي لهذه الجريمة والعقوبات
المقررة عليها وكذلك موقف االتفاقيات اإلقليمية والدولية من هذه الجرائم ،وأيضا
ومن الواضح أن كال المشرعين قد أخفقا بمعالجة الجرائم اإللكترونية إلى المدى
الذي يحد فيه من ارتكاب مثل هذه الجرائم ،كما أنهما لم يفصال نصوص جريمة الدخول
غير ا لمصرح به وبيان العقوبات الواردة عليها إلى الحد الذي يمكن من فهمها وإمكانية
تطبيقها أمام المحاكم ،فإلى جانب النصوص اإليجابية والتي ال يمكن إنكارها من هذا
القوانين ،إال أنه تضمن نصوصا ً خطيرة من شـأنها انتهاك وتقييد غير مبرر لطائفة من
حقوق المواطنين وحرياتهم األساسية وخصوصياتهم ،ال سيما حقهم في حرية الرأي
286
المجلة المغربية لتاريخ القانون
التوصيات
•إعادة النظر بالقوانين المنظمة للجرائم اإللكترونية ،بطريقة التي تناسب المعايير
الدولية.
• تمكين الضابطة العدلية والنيابة العامة باألدوات والوسائل التقنية الحديثة ،والتي
• يجب العمل من خالل برنامج محدد على تنمية قدرات الجهاز القضائي حول
•توعية المجتمع واألفراد عن الجرائم االلكترونية والعقوبات التي تترتب على من
287
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المصادر
القوانين.
اإلتفاقيات الدولية.
288
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المراجع.
الكتب.
•الجنبيهى ،منير ،ممدوح ،جرائم اإلنترنت والحاسب األلي ووسائل مكافحتها ،دار
االسكندرية.2010- 2009،
االسكندرية.2009 ،
•الحيط ،عادل عزام سقف ،جرائم الذم والقدح والتحقير المرتكبة عبر الوسائط
موقع إلكتروني أو نظام معلومات وفق التشريع (دراسة مقارنة)" ،كلية الدراسات
•رستم ،هشام محمد فريد ،الجوانب اإلجرائية للجرائم المعلوماتية ،مكتبة اآلالت
الحديثة،أسيوط.1994،
•رصاح ،فتيحة" ،الحماية الجنائية للمعلومات على شبكة اإلنترنت" ،جامعة أبو بكر
•السعيد ،كامل ،شرح األحكام العامة في قانون العقوبات األردني والقانون المقارن،
289
المجلة المغربية لتاريخ القانون
•شكري ،عادل يوسف ،الجريمة المعلوماتية وأزمة الشرعية الجزائية ،مجلة مركز
• الشاللدة محمد ،الربعي ،عبد الفتاح" ،الجرائم اإللكترونية في دول فلسطين المحتلة
في ضوء التشريعات الوطنية والدولية" ،بدون دار نشر ،جرش .2015 ،
•الصغير ،جميل عبد الباقي ،الجوانب اإلجرائية للجرائم المتعلقة باإلنترنت ،دار
النهضة العربية،القاهرة.2001،
•طاهر ،داود حسن ،أمن شبكة المعلومات،مكتبة الملك الفهد الوطنية.2004 ،
•عبد المطلب ،ممدوح عبد الحميد ،البحث والتحقيق الجنائي الرقمي في جرائم
• عباوي ،نجاة " ،اإلشكاالت القانونية في تجريم اإلعتداء على أنظمة المعلومات"،
الجزائر.2017،
•قورة ،نائلة عادل محمد فريد،جرائم الحاسب اآللي دراسة نظرية تطبيقية ،دون دار
نشر،بيروت.2005 ،
• المناصير ،حسن فضل خليف ،ربيع،عماد محمد" ،جريمة الدخول غير المشروع
290
المجلة المغربية لتاريخ القانون
عبر الوطنية" ،ورقة عمل قدمت في المؤتمر المغاربي االول حول المعلوماتية
•ارحومة ،موسى مسعود" ،تحديد النطاق المكاني لجرائم تلويث البيئة البحرية
والقانون الواجب التطبيق" ،ورقة مقدمة إلى المؤتمر العلمي الخامس لكلية الشريعة
للنشر،عمان.2000،
المقاالت والمجالت.
• المركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان ،مراجعة لقانون الجرائم اإللكترونية الفلسطينية
في ضوء المعايير الدولية لحرية التعبير19 ،سبتمبر ،pchrgaza.org،2017
تاريخ الزيارة10 :مارس .2017
•المرعي،اسراء جبريل" ،الجريمة اإللكترونيةاألهداف-األسباب-طرق المعالجة"،
9أغسطس العربي، الديمقراطي المركز
13 ،http://democraticac.de/?p=35426،2016يونيو.2018
• المجالي،نظام توفيق،شرح قانون العقوبات القسم العام ،دار العلم والثقافة،
عمان.2005،
• خليل ،نائلة "،إنضمام فلسطين الى اإلنتربول ..ماذا بعد؟" ،العربي
الجديد30،سبتمبر2 ،www.alaraby.co.uk،2017ابريل.2018
291
المجلة المغربية لتاريخ القانون
292
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يمارس البنك المركزي وظيفة الرقابة على أنشطة البنوك خاصة التجارية منها
مستخدما في ذلك بعض الوسائل الكمية كتحديد نسبة االحتياط القانوني أو تحديد سعر
إعادة الخصم أو غيرها من الوسائل ،وهي نفس الوسائل التي يستخدمها مع البنوك
التشاركية.
وم ن هذه األساليب ما يعرف بنسبة االحتياط القانوني ،التي فرضت أساسا لحماية
أموال المودعين في حالة تعرض البنك لصعوبات مالية ،وطبيعة عمل البنوك التشاركية
تقوم على تلقي الودائع االستثمارية على أساس المضاربة في اغلب األحيان ،أي أن
المودعين يمثلون رب المال والبنك التشاركي يعتبر مضاربا ،وبتالي يشترك الطرفين
بالربح والخسارة ،ومن أحكام المضاربة أن المضارب في حالة الخسارة ال يضمن رأس
المال إال إذا كان مهمال ،فكيف تفرض إذا نسبة االحتياط القانوني على ودائع االستثمار
ونفس األمر متعلق بنسبة السيولة التي تهدف إلى مواجهة طلبات الدفع المباشر
التي قد يتعرض لها البنك في األزمات ،وأيضا عدم السماح للبنوك بتملك األصول الثابتة
والمنقولة باستثناء ما يحتاج إليه من عقار ومنقول مخصص إلدارة أعمال البنك ،وهذا
وتكمن أ همية البحث في هذا الموضوع أهمية علمية وأكاديمية بالغة ،وذلك ألن
البنك المركزي والرقابة المصرفية ينظمان الجهاز المصرفي في كل دولة ،كما أن البنك
293
المجلة المغربية لتاريخ القانون
المركزي يعتبر السلطة التي ترسم السياسة النقدية التي هي جزء من السياسة االقتصادية
للبلد ،كما أنه يتناول مشكلة الرق ابة على البنوك التشاركية لحداثتها في المغرب وطبيعة
عملها المتميزة ،والتي تعتبر إشكاال فنية من جهة وقانونيا من جهة أخرى،
هذا كليه يدفعنا للتساؤل عن كيفية تعامل البنك المركزي التقليدي مع البنوك
التشاركية بقوانين تراعي عمل هذا األخير؟ ،وهل هذه األساليب واألدوات المتبعة
تتالءم إجماال مع طبيعة عمل البنك التشاركي خاصة فيما يتعلق بتحديد نسب االحتياط
القانوني؟
294
المجلة المغربية لتاريخ القانون
يعرف البنك المركزي بأنه مؤسسة مركزية نقدية تقوم بوظيفة بنك البنوك ،ووكيل
مالي للحكومة ومسئول عن إدارة النظام النقدي في الدولة ،وباختصار يأتي البنك
المركزي على رأس المؤسسات المصرفية ،في البالد ،وعالوة على ذلك –ما عدا بعض
االستثناءات -يجب أن ال يقوم البنك المركزي بتلك األعمال التي تقوم بها البنوك التجارية
335
في تعامالتها مع األفراد.
ويعرف أيضا بأنه :البنك المسئول عن إصدار العمالت النقدية الخاصة بالدولة
التي يتبع لها ،ويتابع الحركات المالية المتعلقة بالبنوك التجارية المحلية ،والدولية التي
تحمل ترخيصا ً للعمل على أرض الدولة .فما هو البنك المركزي المغربي(الفقرة
يطلع بنك المغرب عالوة على امتياز إصدار األوراق البنكية والقطع النقدية
واإلشراف على القطاع البنكي ،بمهمة تحديد وتطبيق السياسة النقدية بهدف الحفاظ على
ويسهر بنك المغرب أيضا على حسن سير وسالمة أنظمة وسائل األداء ،كما
يتولى تحديد قيمة الدرهم مقابل العمالت األجنبية في إطار نظام الصرف وسعر تعادل
335ضياء جميدي املوسوي ،االقتصاد النقدي ،دار الفكر ،اجلزائر 1993ص 244نقال عن(سليمان انصر ،عالقة البنوك
االسالمية ابلبنوك املركزية ،حبث لنيل درجة الدكتوراه يف العلوم االقتصادية 2005ص 53
295
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وبالموازاة مع هذه المهام األساسية ،يقوم البنك بدور المستشار المالي للحكومة
336
ووكيل الخزينة بخصوص جميع عملياتها البنكية سواء في المغرب او خارجها.
ويظهر من خالل الباب المنظم لمهام البنك ،أن المشرع منح بنك المغرب أدوات
للتدخل في القطاع المالي والمؤسساتي المكونة له ،ومن ابرز هذه األدوات الغير مباشرة
للتحكم في السوق النقدية ،االحتياطي المفروض قانونا على مؤسسات االئتمان تكوينه
لدى بنك المغرب كضمان للمتعاملين معها ،ويحدد مقدار هذا االحتياط من طرف بنك
المغرب ،فمن جهة ،إذا اتخذ البنك قرار الرفع من مقداره ،فمن شأن ذلك تقليص السيولة
الموجودة لدى مؤسسات االئتمان ،وبالتالي تقليص عمليات التمويل واإلقراض ،وعلى
العكس من ذلك ،إذا اتخذ قرار التخفيض ،فأن من شأن ذلك أن يضخ سيولة إضافية في
السوق النقدية وما يترتب عن ذلك من أثار .ومن جهة أخرى ،فأن تكوين االحتياطات
اإلجبارية لديه ،يقوي قدراته كبنك مركزي لالستجابة في حاالت الطلب المرتفع على
الودائع وتزويد السوق بالسيولة الالزمة ،هذا باإلضافة إلى غير ذلك من الوسائل الغير
مباشرة .بيد أن لبنك المغرب أيضا للتدخل المباشر في السوق النقدية والمالية ومكوناتها،
االئتمان على شراء السندات ،وغيرها من وسائل التأثير على االئتمان التي تستهدف
337
باألساس التحكم في حجم وسائل األداء والدفع ،إما بتقليص حجم السيولة أو ضخها.
كما يعتبر بنك المغرب من المؤسسات األكثر فعالية في القطاع البنك ،وذلك من
خالل الرقابة التي يمارسها على مؤسسات االئتمان ،وأيضا من خالل المكانة التي
296
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وضعه فيها المشرع مقارنة بغيره من المؤسسات .ولكي يتمكن هذا البنك من فرض
الرقابة على مؤسسات االئتمان ،فأنه يعمل على تحديد السياسة النقدية ويتولى
ويتحقق كذلك من حس ن سير النظام البنكي ويسهر على تطبيق األحكام 338
مراقبتها.
التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنشاط ومراقبة مؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في
حكمها.339
تبدأ العالقة بين البنك المركزي واإلسالمي(التشاركي) منذ منح الترخيص له
بممارسة أعماله ،وتمتد طيلة حياة البنك ويمكن تشكيل العالقة بعدة أشكال:340
*عالقة أصلية متكاملة :ظهرت هذه الصورة في البلدان التي حولت مصارفها
الى النظام االقتصادي اإلسالمي بما في ذلك البنك المركزي ذاته ،كما في باكستان،
وإيران،والسودان.
*عالقة خاصة :تشكلت هذه العالقة في البلدان التي أصدرت لمثل هذه
المصارف قانونا خاصا بها يحدد عالقتها بالبنك المركزي ،ويراعي في ذلك مساعدة
المصرف على تحقيق أهدافه وتجنبه الوقوع في الربا المحرم شرعا ،ومن تلك الدول،
*عالقة استثنائية :نشأت هذه العالقة في البلدان التي أنشأت مصارف إسالمية
بقوانين استثنائية بجانب البنوك التقليدية ،وظلت القوانين السابقة هي التي تحكم العالقة
297
المجلة المغربية لتاريخ القانون
بين المصارف اإلسالمية والبنوك المركزية ،وهي قوانين تقوم على أساس النظام
المصرفي العالمي ،وقد بذلت البنوك اإلسالمية جهودا جبارة في الحصول على
استثناءات للتخلص من الفوائد الربوية التي تفرضها البنوك المركزية على البنوك في
وإذا كان المصرف اإلسالمي يعمل في بلد يطبق الشريعة في ظل نظامه النقدي
والمصرفي والذي يقوم على أساس اجتناب الفائدة ،فان عالقته بالبنك المركزي تتحدد
341
فيما يلي:
إلشرافه وتفتيشه ،كما يتقيد بالتعليمات الخاصة في مجال االستثمار ،خاصة إذا وضع
البنك المركزي خطة استثمارية مبنية على مقاصد الشريعة اإلسالمية والتي تراعي
ب -يمكن للبنك المركزي أضافه لدوره الرقابي أن يقوم بوظيفة مصرف
المصارف ،فتضع فيه المصارف اإلسالمية ودائع او نسبة من ودائعها على سبيل
فتتجسد في حاجة البنك اإلسالمي للسيولة ،فانه ال يجد ملجأ إال في البنك المركزي يسانده
في األزمات ،وكل ذلك بالتزامه بالتعليمات الصادرة له من البنك المركزي والتزامه
(341اورده حممود عبد الكرمي ارشي) شبري حممد عثمان ،املعامالت املالية املعاصرة،ص322
298
المجلة المغربية لتاريخ القانون
باللوائح المتعلقة باالحتياطي وسقوف االئتمان وهوامش الربح وغيرها ،وتتحدد العالقة
من خالل:342
العمالت األجنبية وسحبها .ويقوم المصرف المركزي بإعطاء المصارف على إيداعاتها
فوائد ربوية ،لكن المصرف اإلسالمي ال يأخذها ،باعتباره ربا محرما ،وهي ليست قليلة
ويدلك على ذلك ان ودائع البنك اإلسالمي األردني مثال في البنك المركزي من العمالت
األجنبية قد بلغت 2.5مليون دوالر سنة 1989وقد بذل البنك جهودا كبيرة لتخفيض
النقدية ،فالبنوك التجارية تقرض من البنك المركزي ،ألنه يقدمها إما عن طريق خصم
الكمبياالت ،او عن طريق االقتراض بفائدة ،وال يستطيع المصرف اإلسالمي االستفادة
بفوائد ،والبنك اإلسالمي ال يتعامل بهذه السندات ألنها قروض بفائدة ربوية ،والبنوك
اإلسالمية تطرح البديل الشرعي عن طريق سندات إسالمية مشروعة سلم ،استصناع،
توريد ،وغيرها.
-4يحدد البنك المركزي سقفا إلجمال االئتمان(القرض) الذي يمنحه أي بنك في
342حممود عبد الكرمي ارشيد ،املدخل الشامل اىل معامالت وعمليات املصارف االسالمية ،الطبعة االوىل ،دار النفائس للنشر
والتوزيع 2015،صر 395
299
المجلة المغربية لتاريخ القانون
-5يحدد البنك المركزي نسبة رأس المال إلى الودائع ،وهذه النسبة وحسب
مقررات بازل تبلغ %8وذلك لتحقيق درجة من األمان للمودعين ،ويطبق البنك
كما رأينا أن البنك المركزي يمارس الرقابة على البنوك التقليدية من خالل
مجموعة من الوسائل واآلليات ،مما دفعنا بالتساؤل إلى مدى تجاوب هذه الرقابة على
لذا سنحاول التطرق إلى الرقابة المصرفية (الفقرة األولى) التي يمارسها البنك
المركزي ،ومن ثم الرقابة الشرعية (الفقرة الثانية) التي يعهد بها إلى هيئة ذات طابع
إسالمي.
المستخدمة تحديد نسب االحتياط النقدي ،ونسبة السيولة النقدية ،وتحديد أسعار الخصم.
واالستجابة الفورية لطلبات المودعين حفاظا على ثقتهم ،أما في النظم المصرفية الحديثة
في الدول المتقدمة فلم يعد هذا هو الهدف األساسي من هذه السياسة ،لوجود أسواق مالية
متسعة ومتقدمة تضمن هذه السيولة ،وكذا وجود نظام التأمين على الودائع ،لذلك أضحى
300
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الهدف األساسي لهذه السياسة هو استخدامها كأداة للتأثير على المتغيرات النقدية المختلفة
لذلك تلزم سياسة البنوك المركزية في الدول المختلفة البنوك التابعة لها ضرورة
االحتفاظ لديها بنسبة معينة من قيمة إجمالي الودائع لدى بنك كرصيد نقدي في حساب
وذلك ال يتناسب مع طبيعة عمل البنوك اإلسالمية ،ألنه يؤدي إلى تعطيل جزء
تلزم البنوك المركزية البنوك األخرى بضرورة االحتفاظ ببعض األصول التي
تتميز بسيولتها المرتفعة حتى يسهل تحويلها إلى نقود بيسر وسرعة ،وإذا زادت حركة
المستويات من قبل المودعين عن المعدل المتوقع ،وفي العادة يتدخل البنك المركزي
لتحديد األصول التي تدخل في حساب هذه النسبة ،وتختلف هذه النسبة من دولة إلى
أخرى ومن وقت إلى أخر وتتراوح في الغالب من %25إلى %30من مجموع
االلتزامات قصيرة األجل للبنك ،والهدف هو مواجهة طلبات الدفع المفاجئة التي قد
وال ضير في استمرار تطبيق معيار نسبة السيولة ،ولكن احتسابها يجب ان يتكيف
مع طبيعة عمل البنوك اإلسالمية ،الن عددا من مكونات السيولة ال يتفق مع النظام
المحاسبي للبنوك اإلسالمية ،ويقترح على البنك المركزي أن يقبل من البنوك اإلسالمية
301
المجلة المغربية لتاريخ القانون
وديعة في شكل مضاربات تظهر في ميزانية البنك المركزي على اعتبار أنها أصول
345
شبه سائلة.
يعرف سعر إعادة الخصم بأنه عبارة عن سعر الفائدة الذي يتقاضاه البنك
المركزي من البنوك التجارية عند قيامه بإعادة خصم ما تقدم له من سندات ،كما يمثل
أيضا سعر الفائدة الذي يتقاضاه البنك المركزي على القروض التي يقدمها للبنوك
346
التجارية.
وهذه اآللية ال يمكن تطبيقها على البنوك اإلسالمية (التشاركية) ،إذ أنها ال تتعامل
باالقتراض الربوي وال تقوم بخصم األوراق التجارية ،فال بد إذا من البحث عن بديل
بحيث يحافظ على تحقيق أهداف البنك المركزي في التأثير على حجم ونوعية االئتمان،
وفي هذا الصدد اقترح مجلس الفكر اإلسالمي بباكستان ،تغيير أسلوب نسبة
المشاركة في الربح ،ويتضمن هذا التعيين الحدين األقصى واألدنى لنسبة المشاركة في
على السداد مستقبال ،واقترح البعض إنشاء صندوق تعاوني مشترك يديره البنك
345حممد امحد صقر وبثينة،تكييف الدور الرقايب للبنوك املركزية للتعامل مع البنوك اإلسالمية ،دراسات ،العلوم اإلدارية،
اجمللد،40العدد-2،2013ص 518
346مروان عطوان ،اسعار صرف العمالت ،ازمات الع مالت يف العالقة النقدية الدولية ،دار اهلدى ،عني مليلة ،اجلزائر،
1992ص 43
302
المجلة المغربية لتاريخ القانون
تعد الرقابة الشرعية الداخلية في البنوك اإلسالمية من أهم وابرز أدوات اإلدارة
الذاتية ،للحكم على مدى سالمة النظام وكفالة أداء العاملين والتزاماتهم بالسياسات البنكية
وبما أن البنوك اإلسالمية تقوم على أساس الشريعة اإلسالمية ومقاصدها ،فال بد
من إيجاد هيئة من العلماء تمارس الرقابة الشرعية ،تعمل على دراسة نظام هذه البنوك،
حيث تعمل على دراسة جميع العقود التي يبرمها البنك ،وتتأكد من مطابقتها للشريعة
اإلسالمية ،كما تجيب عن األسئلة المطروحة واالستفسارات التي توجه إليها من طرف
اإلدارة والزبناء.
وضرورتها الحيوية لهذه البنوك ،غير أنها لم تتفق على تسمية موحدة لجهاز الرقابة،
نظرا الختالف وزنها ومكانتها القانونية في المؤسسة البنكية .ولعل من بين أكثر
و في ما يتعلق بالتشريع المغربي ،فقد خول هذه الوظيفة للمجلس العلمي األعلى
و الذي سمي بموجب هذا القانون بهيئة المطا بقة حيث يسهر على حسن سير النظام
303
المجلة المغربية لتاريخ القانون
البنكي للبنوك التشاركية (اإلسالمية) ،و مدى مطابقة عملياتها ألحكام الشريعة
اإلسالمية ،و ذلك عن طريق إعداد تقارير من طرف هذه البنوك تسمى القوائم التركيبية
كما تم سنة 2015إح داث هيئة أخرى منبثقة عن المجلس العلمي األعلى تسمى
349
اللجنة الشرعية للمالية التشاركية .تتلخص مهامها في:
إبداء الرأي بشأن مطابقة المنتوجات المالية التشاركية التي تقدمها مؤسسات
-1إبداء الرأي بشأن مطابقة مضمون المناشير التي يصدرها والي بنك المغرب
-2إبداء الرأي بصفة خاصة بشأن مطابقة عمليات االئتمان التكافلي التي تقوم
بها مقاوالت التامين وإعادة التأمين ،في إطار المالية التشاركية ،ألحكام الشريعة
-3إبداء الرأي بشأن مطابقة عمليات إصدار شهادات الصكوك طبقا للتشريع
الجاري به العمل مع أحكام الشريعة اإلسالمية ومقاصدها كيفما كانت الجهة المصدرة
لها.
304
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الخاتمة:
إن العالقة بين البنوك التشاركية والبنوك المركزية تعتبر من أعقد القضايا منذ
بدء حركة البنوك التشاركية ،وتعود أسباب التعقيد إلى تعدد جوانبها ،فالرقابة على
البنوك الشتاركية تضم نوعين ،وهما الرقابة المصرفية والرقابة الشرعية ،على العكس
من البنوك التقليدية التي تقتصر على الرقابة المصرفية ،لذا ال بد من وجود عالقة متميزة
حيث يفرض على البنك المركزي في أي دولة أن يتعامل بطريقة خاصة ومتميزة
أيضا مع هذه البنوك دون أن يعني ذلك خروجها عن دائرة الرقابة ،بل المطلوب هو
اإلسالمية.
-1إنشاء صندوق يديره البنك المركزي يشترك أصحاب رؤوس األموال والبنك
في تمويله.
305
المجلة المغربية لتاريخ القانون
قائمة المراجع:
-1سليمان ناصر ،عالقة البنوك االسالمية بالبنوك المركزية ،بحث لنيل درجة الدكتوراه
-4شحاده موسى عبد العزيز ،بحث عالقة البنوك اإلسالمية مع البنوك المركزية ،مقدمة
-5محمود عبد الكريم ارشيد ،المدخل الشامل إلى معامالت وعمليات المصارف
-6محمد احمد صقر وبثينة ،تكييف الدور الرقابي للبنوك المركزية للتعامل مع البنوك
-7عطوان ،أسعار صرف العمالت ،أزمات العمالت في العالقة النقدية الدولية ،دار
306
المجلة المغربية لتاريخ القانون
كلمة رثاء
307
المجلة المغربية لتاريخ القانون
كم هي قاسية لحظات الوداع و الفراق ،التي تسجل و تختزن في القلب و الذاكرة ،و
كم نشعر بالحزن و فداحة الخسارة و الفجيعة و نحن نودع واحدة من جيل االستاذات
الفاضالت المؤمنات بالرسالة التعليمية العظيمة ...الناكرات للذات
االستاذة المتواضة نجية بنيوسف ،التي فارقت الحياة بعد مسيرة عطاء علمية جديرة
باالحترام و التقدير ،تاركة خلفها سيرة عطرة و ذكرى طيبة ،و روحا نقية و ميراثا
من القيم النبيلة.
308
المجلة المغربية لتاريخ القانون
فهرس مفصل
الفهرس 2.....................................................................................
التشريع املائي يف فرتة احلماية الفرنسية -حممد علوي طاهريي3......................................
املبحث األول :مرحلة صدور ظهري 8.....................................................1914
املطلب األول :مرحلة ما قبل ظهري 8......................................................1914
املطلب الثاين:مرحلة ما بعد صدور ظهري 11.............................................. 1914
املطلب الثالث :مرحلة ظهري 26ماي1916وظهري 8نونرب14............................1919
أوال :مرحلة ظهري 26ماي 14.........................................................1916
اثنيا :مرحلة صدور ظهري 8نونرب 15...................................................:1919
املبحث الثاين :مرحلة صدور ظهري 1925وظهري 17.....................................:1951
املطلب األول :مرحلة صدور ظهري 1غشت 17............................................1925
أوال :مرحلة صدورظهري 19......................................................1932\7\2
اثنيا :صدور ظهري 4مارس 21..........................................................1952
1ـ ابلنسبة لتعديل للفصل 21 ………..……..…….…………………….: 13
2ـ ابلنسبة لتعديل الفصل 22 …….……….…………………………….: 20
اثلثا :التعديالت الواردة على ظهري1925بظهري 9أكتوبر 1933وظهري 28سبتمرب 1933و 25
يوليوز 22............................................................................. 1939
- 1صدورظهري 9أكتوبر 22...........................................................1933
-2صدور ظهري 28سبتمرب 23........................................................1933
-3صدور ظهري 25يوليوز24..........................................................1939
-تعديل الفصل 24.......................................................................:20
-تعديل الفصل 25.......................................................................:21
املطلب الثاين :مرحلة صدور ظهري 20مارس 26..........................................1951
خامتة27......................................................................................
الئحة املراجع29...............................................................................
تطور حق امللكية يف املغرب -حممد اهتوت31...................................................
309
المجلة المغربية لتاريخ القانون
الصفة الضبطية لقاضي التحقيق ابملغرب :اقتباس تشريعي معيب وزايدة -العريب البوبكري
71...........................................................................................
املطلب األول :السياق التارخيي لظهور الصفة الضبطية لقاضي التحقيق73...........................
الفقرة األوىل :الوضع يف التشريع الفرنسي73......................................................
310
المجلة المغربية لتاريخ القانون
املقدمة135...................................................................................
متهيد137....................................................................................
أوالً :الوقائع140..............................................................................
املسألة األوىل144.............................................................................
املسألة الثانية150.............................................................................
311
المجلة المغربية لتاريخ القانون
املسألة الثالثة151..............................................................................
املسألة الرابعة152.............................................................................
املسألة اخلامسة154...........................................................................
اخلامتة155....................................................................................
املصادر واملراجع159...........................................................................
سلطة جملس األمن الدويل يف اإلحالة على املدعي العام للمحكمة اجلنائية الدولية -مجال
كدوري173..................................................................................
مقدمة173...................................................................................
األوىل179....................................................................................
الثانية179....................................................................................
312
المجلة المغربية لتاريخ القانون
أن تكون اإلحالة صادرة عن جملس األمن مبوجب الفصل السابع184...................... ت-
األمم مليثاق وفقا األمن جملس من بقرار اإلحالة تصدر أن ث-
املتحدة186...................................................................................
أن يبدو جمللس األمن ارتكاب جرمية أو أكثر187........................................ ح-
اثنيا :آاثر اإلحالة 187........................................................................
ت -أثر اإلحالة على سلطة املدعي العام يف تقدير جدية التحقيق188..........................
االختصاص188...............................................................................
اختبار املقبولية188............................................................................
مصاحل العدالة188.............................................................................
ب -أثر اإلحالة على مبدأ التكامل…190.................................................….
ج -عدم حتمل األمم املتحدة نفقات احملاكمة193................................................
احملور الثاين :الواقع العملي لسلطة جملس األمن يف اإلحالة 195....................................
الفقرة األوىل :ممارسة جملس األمن الدويل لسلطة اإلحالة 196......................................
أوال :إحالة الوضع القائم يف دارفور 196.........................................................
أ -خلفيات اعتماد القرار 197..........................................................1593
ب -مضمون القرار 198...............................................................1593
اثنيا :إحالة الوضع يف اجلماهريية العربية الليبية200...............................................
أ -خلفيات اعتماد القرار 201.........................................................1970
ب -مضمون القرار202...............................................................1970
الفقرة الثانية :اإلشكاليات املرتتبة على قراري اإلحالة205..........................................
أوال :والية احملكمة على أقاليم الدول غري األطراف وتنازع االختصاص205..........................
والية احملكمة اجلنائية الدولية على أقاليم الدول غري األطراف205......................... ب-
تنازع االختصاص بني القضاء الدويل والقضاء الوطين209................................ ت-
اثنيا :متويل اإلحالة واحلصانة 211............................................................,.
أ -متويل اإلحالة211..........................................................................
313
المجلة المغربية لتاريخ القانون
ابحلصانة212.................................................................................
خامتة215....................................................................................
ظهري الوضعية املدنية للفرنسيني واألجانب ابملغرب :مربرات التعديل ومنهجية اإلصالح -عبد القادر
قرموش…216............………………………………………………...
املبحث األول :ظهري الوضعية املدنية لألجانب ابملغرب :حبث يف مربرات التعديل218.................
املطلب األول :الثغرات والنقائص اليت يتسم هبا ظهري الوضعية املدنية لألجانب ،مربرات موضوعية
لتعديله…………………………………………………………218....
املطلب الثاين :مجود بعض قواعد ظهري الوضعية املدنية لألجانب ،وصعوبة مالءمتها مع الوقائع اليت تعاجلها،
يفرض احلاجة التشريعية إىل نقدها وإعادة تنظيمها223....................................
املبحث الثاين :تعديل ظهري الوضعية املدنية لألجانب ابملغرب :قراءة ميتودولوجية يف منهجية
اإلصالح228.................................................................................
املطلب األول :تعديل ظهري الوضعية املدنية لألجانب ابملغرب حيتاج إىل منهج قائم على نقد تشريعي عقالين
وعلمي229............................................................................
أوال :عقلنة التقليد التشريعي يف التصورات الفكرية واإليديولوجية230................................
اثنيا :عقلنة التقليد التشريعي يف جماالت التنظيم املدنية232........................................
املطلب الثاين :تعديل ظهري الوضعية املدنية لألجانب ابملغرب حيتاج إىل منهجية تعتمد إصالحا شامال من
داخل بنيته ،ال إصالحا جزئيا أو جتزيئي من خارج بنيته ،وذلك وفق معايري األمن القانوين
والقضائي236.................................................................................
-1التعديالت اجلزئية املدخلة على القوانني الوطنية237..........................................:
-2التعديالت اجلزئية الواردة يف مدونة األسرة239..............................................:
-3التعديالت اجلزئية املدخلة على القانون الدويل اخلاص املغريب245...…………………...
-4القواعد املوضوعية الدولية………………………247…………………….
خامتة248....................................................................................
الدخول االلكرتوين غري املصرح به يف التشريع الفلسطيين و املغريب -عبد الرمحن طميزه
249.........................................................................,...............
املبحث األول :اإلطار العام جلرمية الدخول غري املصرح به252......................................
املطلب األول :ماهية جرمية الدخول غري املصرح به252............................................
الفقرة األوىل :ماهية جرمية الدخول غري املصرح به253.............................................
314
المجلة المغربية لتاريخ القانون
315
المجلة المغربية لتاريخ القانون
316