Professional Documents
Culture Documents
1
مقدمة :
إن تحقيق التقدم االقتصادي يرتبط ارتباطا وتيقا بحسن سير المرافق والمؤسسات
بمختلف انواعها في ظل نظام قانوني وتنظيمي محكم ،وذلك نكتسي وظيفة مراقبة بالغة
خاصة بالتوثيق في مختلف الدول أهمية بالغة خاصة في المساعدة بشكل أساسي على تنظيم
المعامالت المدنية والتجارية ،كما أنها من بين المرافق المساهمة في الحفاظ على استقرار
المعامالت لما لها من دور في ضمان الثقة بين مختلف المتعاقدين ،والتوثيق لغة مصدر
وثق بمعنى أحكام األمر ،ومن هنا يقال جمل وثيق وناقة موثقة الخلق أي محاكمته ،وأما في
االصطالح فهو مجموعة من اإلجرااات القانونية التي يقدرها الموثق بناا على طلب
المتعاقدين لكي يكتسي العقد فيما بينهم صفة الرسمية.1
إن التوثيق العصري فهو فن ينظم سير كل معاملة يبين عناصر كل اتفاق ويرشد إلى
القواعد المكملة التي تصمن استمرار أثر مفعولها ،وتقطع النزاع بين األ طراف ،فهو من
أهم العلوم التي تدور عليها عجلة الحياة في حماية الحقوق الشخصية واكتساب الحقوق
العينية المختلفة.2
وقد اسند المشرع بصفة اصلية ممارسة هذه المهنة للموثق ،الذي يمكن تعريفه بأنه
ضابط رسمي يعمل ف ي إطار حر ،مفوض من الدولة لتلقي العقود التي يستلزم القانون
األطراف أن تضفي عليها الصفة الرسمية التي تتمتع بها أحكام السلطة العمومية ،وإعطائها
تاريخا ثابتا واالحتفاظ بأصولها ،وتسليم النظائر التنفيذية والنسخ الرسمية والعادية منها.3
هذا وعرفت مؤسسة التوثيق العصري في المغرب تطورا مهما ،بحيث لم يكن لها
وجود قبل عهد الحماية ،غير أنه وبعد هذا التاريخ ( بعد الحماية الفرنسي هذه المؤسسة
- 1غزالن اطويلع :المسؤولية المدنية والجنائية للموثق العصري ،رسالة الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،سنة ،2017- 2016ص 1
- 2حيشي أحيدة :حقوق وواجبات الموثق في التشريع المغربي ،مقال منشور بمجلة منازعات األعمال اإللكترونية ،ص 3
- 3حيشي أحيدة :حقوق وواجبات الموثق في التشريع المغربي ،مقال منشور بمجلة منازعات األعمال اإللكترونية ،ص 3
2
داخل التراب المغربي بداية عبر التنصيص على ضرورة إنشاا كتابة خاص في كل
محكمة يعهد إليها القيام بمهام الموثق.4
بعد ذلك توالت مجموعة من المناشير الوزارية التي كانت تجسد حقيقة واحدة هي
سعي المستعمر انداك إلى ترسيخ التوثيق الفرنسي بالمغرب بهدف االستالا على أراضي
المغاربة بطريقة مباشرة.5
وهكذا تعددت محاوالت إصالح مهنة التوثيق ،إلى صدور القانون رقم 609.32المنظم
لمهنة التوثيق .تم المرسوم رقم 125.12.2الصادر في 25من ربيع الثاني 1434الوافق
ل 8مارس ،2013المتعلق بتطبيق قانون .709.32
ول ما كان الموثق العصري يضطلع بمهام قانونية ،فقد خصه المشرع المغربي بمكانة
مميزة من حيث نظامه القانوني ووضع على عاتقه جملة من االلتزامات تستوجب من
يمارس مهنة التوثيق أن يتقيد في سلوكه بمبادئ األمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما
تقضيه األخالق الحميدة ،وأي تقصير أو إخالل أو مخالفة إلحداها ،يرتب قيام مسؤوليته
المدنية.
فالمسؤولية المدنية ،التي تجد سندها في قانون االلتزامات والعقود والقانون المنظم
لمهنة التوثيق والتي تنص على مقتضيات ملزمة للموثق أتناا ممارسة لمهنته ،تهدف إلى
3
حماية مصالح ألفراد عند إلحاق الضرر بهم ،لذلك كان الجزاا فيها مقصور على التعويض
المادي أو المعنوي الذي يؤديه المسؤول (الموثق) للضحية.
وهكذا يمكن القول على غرار بعض الفقه 8بأن المسؤولية المدنية هي ذلك االلتزام الذي
يقع على اإلنسان بتعويض الضرر الذي لحق األخرين بفله أو بفعل األشخاص أو األشياا
9
التي يسأل عنها وهي التي يعبر عنها بالضمان في الفقه اإلسالمي هي القائم على كتاب هللا
وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم .وبالتالي فإن المسؤولية المدنية تترتب على فعل يلحق
ضررا بحقوق األغيار كما أنها تنقسم إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية.
أهمية التوثيق تبرز من خالل كونه يعبر بصفة عامة عن نتاج المجتمع وتطور
المعامالت السائدة فيه ،وكذلك من خالل ثقة الزبناا في الفئات المخول لها ممارسة هذه
المهنة والتي تتجاوز المعقول وما هو منطقي ،لذلك فإن مسؤوليتهم تحتاج للدراسة
والوقوف على حدودها.
وهكذا فأهمية تخصيص موضوع البحت لمسؤولية الموثق العصري المدنية يمكن
تقسيمها إلى أهمية عملية وعملية.
تتجلى أهمية المسؤولية المدنية للموثق العصري في كونها مقتضى القوانين الخاصة
بمهنة التوثيق من جهة ،وبالقوانين العامة (قانون االلتزامات والعقود المغربي) من جهة
- 8حسن علي الدنون :المبسوط في المسؤولية - 1الضرر ،ساعدت كلية صدام هذا الكتاب ،بدون تاريخ ،ص .12
- 9قال تعالى " :فمن اعتدى عليكم فاعندوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ،سورة البقرة ،اآلية .194
4
ثانية ،لذلك فهي تحتاج لدراسة أكاديمية كثيرة تؤطر حدود هذه المسؤولية وتستشف الثغرات
التي يمكن أن تح ول دون تفعيل النصوص القانونية وتقترح النصوص التي يجب إعادة
صياغتها ،أو إضافتها في النظام القانوني لهذه المسؤولية.
باإلضافة إلى ذلك فإن هذا اإلطار القانوني كموضوع للدراسة لم يتم استهالكه من
طرف الباحثين.
تتجلى بوضوح من خالل كون الموثقون يعتبرون فئة ضرورية في المجتمع وذلك
ال رتباطهم بحياة المواطنين الخاصة منها والعامة ،فحد منا في ضرورة اللجوا إليهم لتوثيق
معامالتنا المدنية منها والتجارية ،وبتالي فإن االطالع على مسؤوليتهم أمر ضروري
باإلضافة إلى كون من يرغب في امتهان هذه المهنة يجب عليه أن يكون ملما بما هو ملقى
على عاتقه من جهة وما يترتب عن خرق هذه االلتزامات من مسؤولية من جهة ثانية،
نهيك على كون دراسة المسؤولية المدنية لهذه الفئة من شأنه وضع تصور شامل حول
مسؤوليتهم ،ومنه وضع نظام قانوني خاص يجمع شتات النصوص القانونية المنظمة لهذه
المسؤولية.
في دراستي لهذا الموضوع المسؤولية المدنية للموثق العصري ،أحاول قدر اإلمكان
تطبيق المنهجية المعتدة في إعداد البحوث القا نونية ،وذلك باالستعانة بعدة مناهج منها
المنهجين التحليلي والمقارن ،تارة لتحليل المواد والنصوص القانونية ،وأحيانا أخرى
لمقارنة مقتضيات هذه المواد بين القانون 32- 09وظهير 4ماي 1925الملغى وتشريعات
مقارنة أخرى ،وذلك لمحاولة اإلجابة على األسئلة المطروحة واإلشكاليات الرئيسية لبحثي
المتمثلة في:
5
فعال من تحقيق األمن التعاقدي وإدخال الطمأنينة واألمن في نفوس المتعاملين مع مؤسسة
التوثيق العصري وضمان حقوقهم ؟
هل يحق للموثق تعديل أحكام هذه المسؤولية؟ وهل بإمكانهم التأمين منها؟
ولمحاولة الوقوف على هذه اإلشكاالت ارتأيت أن أقسم الموضوع إلى فصلين ،وذلك
على الشكل التالي:
6
الفصل األول :أحكام عامة للمسؤولية المدنية للموثق العصري
إن الحديث عن المسؤولية المدنية للموثق العصري يقتضي منا تحديد مفهومها
بوجه عام مع محاولة تحديد أساسها وطبيعتها بوجه خاص.
تتمثل المسؤولية المدنية للموثق بمعناها العام في االلتزام الذي بفرضه القانون على
المخطئ نحو من أصاب الضرر ،ويستوي أن يكون الضرر الذي لحق الغير ناتجا عن خطأ
ارتكبه المتسبب فيه شخصيا أو نتج عن الخطأ الذي ارتكبه األشخاص اللذين يسأل عنهم
مدنيا.10
وقد اختلف الفقه بصدد تقسيم المسؤولية المدنية إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية
تقصيرية ،والواقع أن كال من المسؤوليتين تعتبران جزاا عن االخالل بالتزام سابق.
وقد أثار هذا التميز بين المسؤولية العقدية والتقصيرية مسألة تحديد أساس وطبيعة
المسؤولية المدنية للموثق العصري.
وعليه سنعمل من خالل هذا الفصل على تحديد أساس المسؤولية المدنية للموثق
العصري (المبحث األول) على تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري وشروط
قيامها (المبحث الثاني)
بطبيعة الحال ال يمكن أن نقر بمسؤولة الموثق سواا الشخصية أو الناتجة عن فعل
التابعين له دون أن نستند على أساس قانوني يثبت ويؤطر لوجود هذه المسؤولية .و من ثم
تعددت النصوص التي تشرع لمسؤولية الموثق.
- 10مختار بن أحمد العطار ":الوسيط في القانون المدني مصادر االلتزام" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاا ،الطبعة
األولى ،2002 ،ص 275
7
وعليه سوف نتناول في هذا المبحث األساس الفقهي لمسؤولية الموثق العصري
(المطلب األول) ثم سنتناول األساس القنوني لمسؤولة الموثق العصري (المطلب الثاني)
يمكن تقسيم هذه الفقرة إلى المفهوم اللغوي( أوال ) والمفهوم االصطالحي (ثانيا)
ضمان المال في اللغة أي الت زام ،ويقال " ضمنة المال ،وضمنة المال ضمانا فأنا
ضامنا وضمين ،وضمنته أي التزمته ،فيقال :ضمنته المال -بتشديد -التزمت به " 11فكلمة
الضمان في لغة العرب تطلق ويراد بيها عدت معاني منها الكفالة وااللتزام والغرامة.12
يقصد بضمان في اصطالح الفقهاا بتعويض الغير عما أصابه من ضرر ويقصد به
أيضا معنا الكفالة.
وعرف بعض المالكية الضمان بقولهم ":الضمان شغل ذمة أخرى بالحق وهو يشمل
ضمان المال وضمان الوجه وضمان الطلب ".13
- 11وهبة الزحيلي " :نظرية الضمن واحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه اإلسالمي –دراسة مقارنة "-دار الفكر
دمشق ،سنة ه 1982- 1402م ،ص 14
- 12ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منضور ":لسان العرب" المجلد الثالث عشر ،دار الفكر لطباعة والنشر
والتوزيع ،الطبعة 1414 ، 3ه1994 /م ،ص.257
- 13ابو البركات أحمد الدردير ":الشرح الكبير مطبوع بحاشبة الدسوقي" لشمس الدين محد عرفة الدسوقي ،دار الفكر
الجزا الثالث ،ص 330- 329
8
معند الشافعية فقد عرف اإلمام الغزالي بقوله " :الضمان هو وجود رد الشيئ أو أداا
بدله بالمثل أو بالقيمة".14
وعرف بعض الحنابلة بقولهم الضمان ":ضم ذمة الضمان إلى دمة المضمون عنه في
التزام الحق".15
وعرف اإلمام الشوكاني من الحنفية بقوله" :عبارة عن غرامة التالف" .16وهو الضمان
بمعنى التعويض.
بخالف الفقهاا الحنفية الذي يستعملون مل رادفا للتعويض عن الضرر الذي أصاب
الغير ،وهو مرادف لما يصطلح عليه بالمسؤولية المدنية في التقنين المغربي.
ويجد الضمان مشروعيته في عدد من اآليات القرآنية منها قول هللا هللا سبحانه وتعالى:
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم " 17ويقول اين كثير في تفسير هذه
اآلية " :يأمر هللا تعالى بالعدل في القصاص والمثلة في استيفاا الحق".18
ويقول عز وجل كذلك ":وجزاا سيئة سيئة مثلها" ،19وقوله أيضا ":وإن عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ".20
فهذه اآليات الكريمة تقرر مبدأ التضمين جبرا للضرر وقمعا للعدوان و زجرا
للمعتدين.21
- 14عبد الحميد أخريف :نظرية الضمان محاولة تأصيل المسؤولية المدنية في الفقه االسالمي" ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون الخاص ،نوقشت بكلية الحقوق فاس ،1994- 1993ص .19
- 15وهبة الزحيلي ،م .س ،ص 15
- 16محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الشوكاني ":نبيل األوطار شرح منتقي األخبار من أحداث سيد األخبار" سنة
1994م ،الجزا السادس ،ص .40
- 17سورة البقرة :اآلية 194
- 18ابن كثير أبو الفداا الحافظ " :تفسير القرآن الكريم" الجزا األول ،دار الفكر للطبع والنشر ،1992ص .227
- 19سورة الشورى :اآلية .40
- 20سورة النحل :اآلية .126
9
أما دليل مشروعية الضمان من السنة النبوية ،فعديدة هي األحداث الدالة عل ى وجوب
الضمان منها:
ما رواه أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ،أهدت بعض أزواج النبي صلى هللا عليه
وسلم إليه طعاما في قطعة ،فضربت عائشة القصعة بيدها ،فألقت ما فيها ،فقال النبي:
" طعام بطعام وإناا بإناا " .22وكذلك ما خرجه اإلمام مالك بسنده أن رسول هللا صلم قال
" :ال ضرر و ال ضرار " .23وما دامت األحاديث النبوية قد وردت عامة في باب الضمان،
فإن العدل الكتب أو الكاتب بالعدل يضمن انطالقا من أن العقد الذي يربطه بزبونه عقد
إجارة.24
كما ذكر من ق بل فالمسؤولية المدنية للموثق العصري تخضع للقواعد العامة مع
احترام القانون المنظم لمهنة التوثيق العصري 32.09فهي تتحقق بثالتة أركان اساسية :
التعدي أو الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخالل بالتزام قانوني ،أما الخطأ في
المسؤولية العقدية هو اإلخالل بالتزام عقدي والموثق يعد مرتكبا لخطأ مهني إذا لم يراعي
أتناا أدائه لمهامه لإلجرااات الضرورية لتفادي مخالفة النصوص القانونية والتنظيمية
والقواعد المهنية المنظمة لعمل الموثقين العصريين.
- 23اإلمام مالك بن أنس :الموطأ ،الطبعة األولى ، 1989دار الرشاد الحديثة ،ص .489 :
- 24نائلة حديدو :المسؤولية التأديبية والمدنية للعدول في التشريع المغربي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
الفانون المدني ،نوقشت بكلية الحقوق بمراكش ،2000 - 1999ص .78
10
والمشرع المغربي لم يحصر االخطاا التي تعتبر مهنية في القانون رقم 23- 09انما
جاا بصياغة عامة تدخل فضمنها كل االخطاا التي تمس االلتزامات الملقاة على عاتقه.25
وعموما فهو عدم جواز الفعل ،فال يكون لفعل حق في إجراا الفعل الذي حصل منه
الضرر ،وتقدير ذلك ال يتم دائما في ضوا الشرع أو العقد ،وإنما في ضوا ما جرى به
العرف والعادة .ثم إن التعدي باعتباره واقعة مادية ال يشترط فيه تعمد الفعل والضرر ،أو
تعمد الفعل وحده دون الضرر إيجاب الضمان ،إذا الحكم بالضمان من قبيل خطاب الوضع
الذي يترتب عليه سببه ،أو هو ارتكاب فعل لم يأذن به الشارع لكونه على خالف الواجب أو
لحرمته لما لصاحبه من إهمال وتقصير في النظر المأمور به شرعا.26
ولهذا فإن سبب الحكم بالضمان هو وقوع حادثة مادية اعتبرها الشارع من قبيل
العدوان الموجب للضمان دون نظر إلى قصد الفاعل أو نيته أو الباعث على ارتكاب هذا
الفعل ،هدا ويختلف التعدي الموجب للضمان عن التعدي الموجب للعقوبة.27
ثانيا :الضرر
يراد بالضرر األ ذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه ومصلحة مشروعة له،
سواا كانت هذه المصالح مادية أو معنوية ،ويعتبر الضرر شرط لقام المسؤولية الموثق
المدنية عقدية كانت أو تقصيرية ،إذا ال يكفي لقيام مسؤولية الموثق المدنية بثبوت خطئه،
بل يجب أن ينجم عن هدا الخطأ ضرر يصيب الزبون أو في حق من حقوقه أو مصلحة
مشروعة و إال انتقلت مصلحة المتضرر في ممارسة دعوى المسؤولية ،والضرر كما هو
معلوم نوعان ضرر معنوي وضرر مادي.28
وبالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة الموثق تتمثل في إضفاا الرسمية على العقود
وبالتالي قد يمس المعامالت العقارية وال تجارية والمالية لألفراد ،الشيا الذي يفيد أن
11
المتضرر الذي يمكن أن يتسبب فيه خطأ الموثق هو ضرر مادي وبالتالي يكون من
المستبعد حصول ضرر معنوي في مجال التوثيق.29
_ أنه يمكن التحرز عنه ،فكل األضرار التي تكون في الوسع تجنبها واالحتراز عنها،
تكون مضمونة على المتسبب فيها ،وهو ما يفيد القاعدة الفقهية " ،ما ال يمكن االحتراز عنه
ال ضمان فيه". 32
وبالتالي فنظرية الضمان مؤسسة متطورة في الفقه اإلسالمي ،حيث جاا في هذا
األخير بمصطلح الضمان وليس بمصطلح المسؤولية ،وجعل من الضرر مناط الضمان ،و
هذا استنادا لقوله صلم" :ال ضرر و الضرار".
فالفقه اإلسالمي ركز فقط على الضرر مما يتفوق على القانون الوضعي الذي جعل من
الخطأ مناط المسؤولية.
فنظرية الضمان في الفقه اإلسالم ي ترد بمعنى التزام التعويض ،وهو مرادف لما
يصطلح عليه بالمسؤولية المدنية عند الفقه القانوني ،حيث أن كالهما يهدف إلى جبر
الضرر الطي أصحاب الغير بتعويض مالي ال يوسم بالعقوبة الزجرية كما هو الحال في
33
المسؤولية الجنائية.
12
إن العالقة السببية كركن ثالث لقام المسؤولية المدنية هي الرابطة التي تجمع بين الخطأ
الذي ارتكبه الموثق والضرر الناتج عنه بمعنى أن يكون خطأ الموثق هو الذي سبب
الضرر للزبون المضرور ،وبالتالي فإن مسؤولية الموثق مقرونة بصدور خطأ عنه،
وحدوث ضرر كأن يكون الضرر ناشئا بشكل مباشر عن الخطأ ففي الحالة التي يكون فيها
الخطأ قد أضر بالغير الذي ليس طرف في العقد فالضرر يكون ناتجا مباشرة عن خطأ
ويخضع للقواعد العامة طبقا لمقتضيات المادة 26من القانون .3409.32
سأطرق في هذا المطلب إلى أساس مسؤولية الموثق العصري عن الفعل الشخصي
(الفقر األولى) و عن أساس مسؤولية عن فعل الغير (الفقرة الثانية).
إن تحديد األساس القانوني للمسؤولية الموثق يكتسي أهمية كبرى في دراسة هدا
الموضوع ،فإذا كانت النصوص المنظمة لمهنة التوثيق ،ومهنة خطة العدالة لم تشر لم تشر
لموضوع المسؤولية المدنية للموثق عن الضرر الذي يتسبب فيه شخصيا للزبناا اللدين
تربطهم بالموثق عالقة تعاقدية ،واألغيار الذين تضرروا من جراا أعمال الموثق العتبارهم
أجانب عن العملية التوثيقية ،مما يستوجب علينا الرجوع إلى النصوص العامة التي تنظم
هذا النوع من المسؤولية في قانون االلتزامات والعقود المغربي باعتباره القانون العام
النعدام النص في القانون الخاص.
13
لقد سبقت اإلشارة إلى أن التزام الموثق تجاه الزبون هو التزام عقدي يؤدي
اإل خالل به إلى ترتيب مسؤولية الموثق العصري العقدية ،أما التزامه تجاه األغيار يؤدي
إلى ترتيب المسؤولية التقصيرية التي تجسد أساسها اإلخالل بالواجبات القانونية.35
وإذا كنا قد كفينا العقد بين الموثق بتحقيق نتيجة أو ما يعبر عنه البعض بالتزام محددا
و معين وهي تلقي إشهاد معين أو تحرير عقد بطريقة سليمة قانونا تجعل المستفيد منه قادرا
على حفض حقوقه و االحتجاج به في مواجهة كافة خصومه .36فإذا لم تتحقق النتيجة
المقصودة من العقد ،فإن المدين -الموثق -ال يعتبر قد وفي بالتزامه ،والمضرور ال يكلف
بأكثر من إثبات مصدر االلتزام و هو العقد ،وحينما يحل الخطأ محل عدم تحقيق النتيجة
باعتبار أن تحقيق النتيجة باعتبار أن عدم تحقيق النتيجة هو ذات الخطأ التعاقدي.37
إال جانب من الفقه القانوني و على رأسهم الفقيه محمد خيري أن عالقة الموثق
كمحور للعقد بزبونه يجب أن تبتعد تماما عن العقد و أن تخضع لقواعد المسؤولية
التقصيرية المبنية على إخالل الموثق بواجب قانوني حيث تتم مسائلته وفق مقتضيات
الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود المغربي.38
إذا فمسؤولية الموثق تجد أساسها في المجال التقصيري في الفصل 77من قانون
االلتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر اإلطار العام الذي ينظم هذا النوع من المسؤولية
الذي جاا فيه " :كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح له به
القانون ،فأحدث ضررا ماديا كان أو معنوي للغير ،ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ،إذا
أث بت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر ،وكل شرط مخالف لذلك يكون
عديم اآلثر ".39
14
ويقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية إخالل الشخص التزام قانوني مع إدراك بهذا
اإلخالل .وعرف الفصل 78من قانون االلتزامات والعقود المغربي بأنه " :ترك ما كان
يجب فعله ،أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه ،وذ لك من غير قصد إلحداث الضرر "
وبالتالي يمكن لكل شخص من الغير أن يقاضي الموثق عل ى أساس مبادئ المسؤولية
التقصيرية ( الفصلين 77و ،) 78ويقصد بالغير هنا شخص أجنبي عن العملية التوثيقية و
الذي ضرر من جرائها ،والخطأ في المسؤولية التقصيرية يتعين على المتضرر إثباته ،إذا
ال تقوم مسؤولية الموثق العصري تقوم على أساس خطأ واجب اإلثبات ،الذي يقع على
عاتق المتضرر.40
إن مسؤولية الموثق ال تنتج عن فعله الشخصي فقط ،وإنما تمتد كذلك إلى فعل
معاونيه ،وذلك طبقا للمادة 85من قانون االلتزامات والعقود المغربي ،التي تنص على أن
الشخص ال يكون مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب ،لكن يكون كذلك مسؤوال
عن الضرر الذي يحدثه األشخاص اللذين في عهدته ،وهو ما يعرف بمسؤولية المتبوع عن
فعل التابع أي أن المتبوع –الموثق -يسأل عن الضرر الذي يحدثه تابعه في أداا الوظيفة
التي كلف بها فيتحمل المسؤولية عن أعمال النائب أو الكاتب األول ،وهذا ما أكدته المادة
26من القانون 32.09المنظم لمهنة التوتيق التي جاا فيها " :يتحمل الموثق مسؤولية
األضرار المترتبة عن أخطائه المهنية وأخطاا المهنين المتصرفين لديه وأجرائه ،وفق
قواعد المسؤولية المدنية".
وتتميز مسؤولية المتبوع عن التابع من حيث أنها مقررة بقرينة قانونية قاطعة ال تقبل
إثبات العكس .فمسؤولية الموثق عن خطأ نائبه أو المتمرنين لديه بصفة قطعية ال تقبل
إثبات العكس ،إذا صدر عن التابع الخطأ في حالة تأدية وضيفته أو بسببها.41
15
ولقيام مسؤولية المتبوع لبد من ارتكاب التابع عمال غير مشروع أو اقتراف خطأ سبب
ضرار للغير ،والمالحظ في هذا الخصوص أن المشرع المغربي نص في قانون االلتزامات
وعقود المغربي أنه يسأل عن الخطأ الذي يرتكبه التابع حالة تأدية وضيفته تحت مراقبة
الموثق وال يكفي أن تكون بمناسبتها.
أما القانون المقارن وخصوصا القانون المصري فقد جاا بنص عام إذ نص في الفصل
174من القانون المدني المصري" :يكون المتبوع مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه تابعه
بعمل غير مشروع متى كان واقعا منه في حالة تأديت وضيفته أو بسببها".
كما أن الموثق الجزائري يتحمل ب مسؤولية األشخاص الذين يوظفهم لتسيير مكتب
التوثيق .فقد نصت المادة 16من القانون 02.06المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق الجزائري":
يمكن للموثق أن يوظف تحث مسؤولية األشخاص اللذين يراهم ضروريين لسير المكتب
وعموما ما يمكن القول بأن أساس مسؤولية الموثق عن فعل الغير هي مسؤولية تقصيرية
استث نائية ،تهدف إلى حماية مصلحة المتضرر في الحصول على التعويض وال يمنع ذلك
من مسائلة التابع إذا تبث خطأه وال يحول دون رجوع المتبوع عليه فيما دفعه .42
إن المشرع ميز بين مسؤولية الموثق العقدية والتقصيرية ،وهو ما عبر عنه
بالمسؤولية تجاه أطراف العقد ،بين مسؤولية الموثق المدنية والتقصيرية وهي مسؤولية تجاه
الغير ،ولما كانت هاتان المسؤوليتان تتحدان في المبدأ القا ضي بالتزام كل من ارتكب خطأ
يسبب للغير ضررا بالت عويض وتقومان على نفس األركان .
وعلى ضوا هذه القرأة سنحاول مقاربة هذا المبحث من خالل الطبيعة القانونية
لمسؤولية الموثق العصري ( المطلب االول) وعلى أن أقارب شروط قيام هذه المسؤولية
(المطلب الثاني)
- 42غزالن اطويلع :م س ،ص .17
16
المطلب األول :الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري
سأتحدث في هذا المطلب عن طبيعة العالقة بين الموثق والزبون ( الفقرة األولى) ثم
بعد ذلك سأنتقل لتحدث عن مسؤولية الموثق تجاه الزبون ( الفقرة الثانية).
بالرجوع إلى النصوص المنظمة لمهنة التوثيق نجدها لم تحدد طبيعة المسؤولية
المدنية للموثق ،مما يستوجب علينا الرجوع إلى قانون االلتزامات والعقود المغربي ،الذي
نظم هذا النوع من المسؤولية .فالعالقة الثي تربط الموثق بالزبون قد تأخد شكل عقد إجارة
الصنعة أو عقد الوكالة أو عقد المقاولة.
لقد دهب المشرع المغربي إلى اعتبار مهنة التوثيق مهنة حرة وهذا ما نصت عليه
المادة 1من القانون 32.09المنظم للمهنة والتي جاا فيها ":أما التوتيق مهنة حرى تمارس
وفق الشروط وحسب االختصاصات المقررة في القانون المذكور في النصوص الخاصة "،
فالموثق إذن يمارس مهامه بصفة مستقلة في إطار مهنة حرة خول له القانون الصالحيات
االزمة لتلقي العقود ،واضافة الصفة الرسمية عليها بعد استكمال الشكليات المتطلبة قانونا
وفق مقتضيات هذا القانون وبناا عليه فالموثق اعتباره ممارسا لمهنة حرة يمكن تكيف
العالقة التي تربط الموثق العصري بالزبون على أساس إجارة خدمات أو صنعة ،فهو
وعد بإسداا خدمة مقابل أجر وبالتالي يخضع في عالقته بالزبون لمقتضيات الفصل 724
من قلع ،حيث أن المشرع اعتبر بمثابة إجارة الصنعة العقد الذي يلتزم بمقتضاه األشخاص
الذي يباشرون المهن والفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم ،وكذلك الشأن لألساتذة
وأرباب العلوم والفنون.43
17
ثانيا :عقد الوكالة
إن وكالة الموثق تخول األخير تمثيل الزبون أمام اإلدارات العمومية و الخاصة و
القيام بإجراااتها.
فقد عرف قانون االلتزامات والعقود المغربي في الفصل 879بأنها " :عقد بمقتضاه
يكلف شخص شخصا آخر بإجراا عمل مشروع لحسابه ،ويسوغ إعطاا الوكالة أيضا
لمصلحة الموكل و الوكيل ،أو لمصلحة الموكل والغير ،بل لمصلحة الغير وحده" .
وإذا حاولنا تنزيل مقتضيات هذا الفصل عل ى العالقة بين الموثق والزبون نالحظ عدم
انسجام أحكام عقد الوكالة مع الدور الخطير الذي يطلع به الموثق في المجتمع وعدم
انطباق أحكامه على جميع التزامات الموثق ،كما أن المادة 47من قانون 32.09المنظم
لمهنة التوثيق ،خولت للموثق تمثيل الزبون أمام إدارة التسجيل والتحفيظ العقاري وقيامه
بإجراااتها دون لزوم توكيل كتابي ،إذا نعتبر نيابته قانونية وجوبية.
إال أنه تجدر اإلشارة أنه في الجانب العلمي درج الموثقون على تضمين عقودهم ببند
يتضمن تفويضا لهم والذي غالبا ما يكون على الشكل التالي " :يفوض الطرفان األستاذ
الموثق ...الموقع أسفله السلطات الكاملة لتنفيذ العقد وأداا كافة الرسوم و المستحقات و
الضرائب و طلب جميع الوثائق والرخص اإلدارية".
لقد دهب بعض الفقه القانوني أن ارتباط الموثق بزبونه يشكل عقد مقاولة رافضين
بهذه الطريقة رابطة التبعية بين الموثق و معتبرين أن العقد يتناسب أكثر مع وضعية الموثق
مع زبونه.44
44
-عبد المجيد بوكبير " :التوثيق العصري المغربي" ،مكتبة دار السالم ،الطبعة الثانية ،2010ص .215
18
إذ يبذل األول للثاني جهدا محدد يتمثل في تحرير عقد فاعل و تقديم كافة التوضيحات
و النصائح مقابل أتعاب تحدد باالستناد إلى الم همة المنجزة بدون أي رابطة تبعية بين
الطرفين ،و يعرف عقد المقاولة بأنه عقد يقصد به أن يقوم به أن يقوم شخ بعمل معين معين
لحساب شخص أخر في مقابل أخر دون أن يخضع إلشرافه أو إدارته.45
وفي هذا الخصوص يطرح ال تساؤل إلى أي مدى ينطبق عقد المقاولة على أعمال
الموثق؟
تتلخص مهام الموثق في تحرير العقود وإضفاا الرسمية و إسداا النصح لألطراف و
بتقديم االستشارة بغية حماية حقوق األطراف ،و لما كان لمثل األعمال المادية هي باسم
الموثق شخصيا ،لذلك اعتبر العقد المبرم بين الطرفين هي من قبيل عقد المقاولة شريطة
أن ال يخضع الموثق في أداا هذه األعمال لرقابة وتوجيه الزبون ،وهذا ما ذهب إليه األستاذ
وافق عبد الغني.46
فقد ذهبت المحكمة إلى اعتبار أن العالقة التعاقدية ثابتة بين الطرف المدعي الممتل في
الزبون ،وطرف المدعي عليه والممثل في الموثق ،مما تترتب عليه مسؤولية الموثق
العقدية ،إال أن جانب من الفقه القانوني و على رأسهم الفقيه محمد خيري و الذي يرفض
رفضا قاطعا وضع العالقة بين الموثق والزبون في حقل التعاقدي معززا بذلك ما ذهب إليه
الفقيه دوما.47
وهذا االتجاه الفقهي دهب إلى تطبيق العالقة التي تربط الموثق بالزبون تقوم على
أساس المسؤولية التقصيرية المبنية على إخالل الموثق بواجب قانوني ،وليس على اإلخالل
19
بالتزام تعاقدي ويعللون ذلك بكون الموثق تكزن تقصيرية عندما يصدر عنه خطأ
تقصيري.48
و في األخير نقول بأن الرأي الفقهي القائل با لمسؤولية الموثق التقصيرية رأي فيه
مجافات للعدالة ،وذلك ألن هذه في أصلها تقوم على خطأ ثابت يجب على المتضرر إثباته
في جانب الموثق ،وهو أمر يعجز عنه المتضرر في الغالب عن إثباته خاصة أن الموثقون
يعمدون في تحرير عقودهم باللغة الفرنسية ،مما ي صعب على الزبون تبيان خطأ الموثق
ويتحمل الضرر عن رفع دعوى المسؤولية ضد هذا األخير المقصر ألنه على بينة من مدى
صعوبة المجابهة مع موثق متمرس وذا دراية قانونية.49
لقد ألزم المشرع المغربي الموثق عدم إفشاا أسرار المتعاقدين (أوال) ،وااللتزام بالتأكد
من الوضعية القانونية للعقار وحقيقة المالكين له (ثانيا).
يعتبر الموثق من األمناا على األسرار ،لذلك ألزم القانون 32.09المنظم لمهنة
التوثيق بعدم إفشاا السر المهني الذي يصل علمه أثناا ممارسة مهامه.
فقد أوجب القان ون المحافظ على أسرار المتعاقدين واحترام كل الواجبات التي تتطلبها
مهنة التوثيق ،فأقدس واجب يتحمل الموثق العصري اتجاه زبنائه المحافظ على السر
المهني الذي يعتبر من مقومات المهنة .إذ يمنع عليه أن يفشي أي سر من االسرار المهنية
أو ا ألسرار الشخصية التي اطلع عليها بحكم المهنة ،وبناا عليه فقيام الموثق بإفشاا السر
المهني يشكل إخالل بالتزام عقديـ ،فمن ضمن االلتزامات القانونية التي يفرضها عليه
القانون المحافظة على أسرار المتعاقدين ،إال أن هذا االلتزام قد يتحول من التزام عقدي إلى
تقصيري عند عدم وجود أي عقد يربط الموثق مع الزبون ،ما دام انتهى بالتنفيذ ،حيث يمتد
20
السر المهني إلى ما بعد انتهاا نشاطه المهني إذا يبقى لصيقا به وال يتملص منه بانتهاا
العالقة التعاقدية ،فهو مدين بعدم إفشاا لسر زبونه.50
فبمجرد إثبات وقوع الخطأ والضرر الذي لحق الم تضرر والعالقة السببية بينهما يستحق
المتضرر التعويض عن األضرار المادية والمعنوية التي سببها له فعل اإلفشاا طبقا لقواعد
المسؤولية التقصيرية.
واستثنى المشرع من قاعدة االلتزام بالسر المهني بعض الحاالت التي أوجب فيها على
األمين إفشاا السر المهني .وهذه بعض الحاالت التي أوجب فيها على األمين إفشاا السر
المهني
_ أسباب جوازية:
الحالة التي يكون فيها إفشاا السر المهني مصلحة لصاحبه مع رضى هذا األخير بإفشائه
مثال
_ أسباب قانونية:
حتى ال يستعمل السر المهني كدريعة للتستر على جرائم ضد األشخاص أو الدولة أو يدفع
به إلخفاا حقائق أو وقائع مضرة بالخزينة العامة فقد أوجب على األمين إفشاا السر المهني
في حاالت معينة وهي:
- 50عبد هللا درميش " :اخالقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم " ،مقال منشور بمجلة رحاب المحاكم ،العدد الثالث،
دجنبر ،2009ص .22
21
_ حالة التبليغ عن الجريمة كحضور شخص إلى الموثق ليستشيره عن طريقة التزوير
عقد دون التعرض لمتابعة جنائية ،وجب على الموثق أن يمنع عن إرشادهو أن يحاول
منعه ولو بإفشاا سره.
_ حق االطالع إلدارة الضرائب ،فقد رخص المشرع الجنائي لوظفي الضرائب االطالع
على أص ول عقود وسجالت الموثق بصفتهم مكل فون بتحصيل الضرائب المستحقة للدولة،
بغرض معرفة أعمال الموثق ومح اسبته بهدف تحديد الضرائب المترتبة عليه ومقارنة
تصريحاته باألرقام المدونة لديه على السجالت ومدى مطابقتها.51
_ األوامر القضائي ة كحالة أداا الشهادة لألشخاص ملزمين بعدم إفشاا السر المهني،
فالموثق الذي استدته المحكمة لإلدالا بشهادته يكون ملزما لتلبية الدعوى ،وال تقبل التنازع
بالسر المهني تحت طائلة التعرض لمقتضيات المادة 125من قانون المسطرة الجنائية التي
تعاقب على االمتناع عن أداا الشهادة.
حق المراقبة لل وكيل العام للملك وممثل الوزارة المكلف بالمالية :يمكن للوكيل العام
للملك لدى محكمة االستئناف أو من بنوب عنه أن يقوم بمراقبة أي مكتب للتوثيق بكيفية
مفاجئة ولو أن يختار من يساعده في ذلك وللوكيل العام وممثلي وزارة المالية حق البحث
والتفتيش و االطالع الواسع على أصول العقود والسجالت والسندات والقيم والمباغ النقدية
والحسابات البنكية.52
إن الموثق في إطار المعامالت العقارية التي يجريها يكون ملزما بالتأكد والتحري
عن الوضعية القانونية للعقار ،وهذا االلتزام يستمد أساسه من المادة 37من القانون
32.09المنظم لمهنة التوثيق التي ألزمت الموثق بنصح الزبون والسعي إلرشاده وذلك
بتبصيرهم بالوضعية القانونية للعقار محا المعاملة.
22
وهذا االلتزام يسري على العقارات المحفظة كما على العقارات غير المحفظة.
إذا تعلق األمر بعقار محفظ فيجب على الموثق اللجوا إلى المحافظ على األمالك
العقارية ،قصد الحصول على معلومات شخصية عن المالك والمعلومات المتعلقة
بالمل ك المراد تفويته ،وذلك باستخراج شهادة عقارية من المحافظة التي يوجد العقار
بدائرة نفودها ،الموثق على دراية تامة بوضعية العقار المراد تفويته.
ويبقى الموثق مسؤوال وملزم بهذا اإلجراا حتى لو ضمن العقد شرطا يعفيه من
المسؤولية أو وضعه في محرر مستقل ،ذلك أن القضاا ال يعتد به ألنه يعتبر من
االلتزامات القانونية ،ويبقى الموثق مسؤوال عن عدم تأكد من الوضعية القانونية
العقار.53
على الرغم ان العقارات غير المحفظة ليسلها رسم عقاري يمكن االطالع على
وضعيته ،فإن المادة 4من القانون رقم 39.08المتعلق بمدونة الحقوق العينية نصت
على أنه:
" يجب أن تحرر -تحت طائلة البطالن -جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو
بإنشاا الحقوق العينية األخرى أو نقلها أو تعديلها او إسقاطها بموجب محرر رسمي أو
بمحرر ُابت التاريخ منجز من لدن محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض مالم ينص
القانون على خالف ذلك".
وبناا عليه فإن المادة 4من الحقوق العينية منحت االختصاص للموثق بتوثيق جميع
العقود المتعلقة بالعقارات المحفظة أو غير المحفظة ،وذلك بغية توثيق هذه العقود على
- 53الحسيني عبد المطلب " :المسؤولية المهنية للموثق العصري" ،رسالة انيل دبلوم الماستر في القانون الخاص الذي
نوقشت بكلية الحقو ق مراكش ،سنة ،2010/2011ص 26
23
أساس سليم ومتين يحد من النزاعات ويخفف العبا عن المحاكم خصوصا إذا علمنا أن
جل أراضي المغرب غير محفظة.54
سنحاول البحث في هذه الفقرة في شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق العصري
من خالل التطرق إلى شرط الخطأ لقيام تلك المسؤولية ،باإلضافة إلى شرطي الضرر
والعالقة السببية.
لقيام المسؤولية المدنية للموثق العصري البد من شرط الخطأ ،فقد عرفه الفقيه
الفرنسي بالنيول بانه " :اإلخالل بالتزام سابق"
أما المشرع المغربي فقد عرف الخطأ في الفصل 78من قلع المغربي بأنه:
ط ترك ما كان يجب فعله ،أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه وذلك من غير
قصد إلحداث الضرر" .فالخطأ عموما يتحلل إلى عنصرين ،أولهما مادي أو
موضوعي وهو اإلخالل ،بواجب قانوني ،وثانيهما معنوي وهو اإلدراك
واالنحراف".55
- 54محمد الربيعي " :األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات اصدار دارسة على ضوا التوثيق العدلي والتوتيق
العصري" ،المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،الطبعة األولى ،أكتوبر ،2008ص .82
- 55الطيب الفصايلي ،م س ،ص 222
24
ومن التطبيقات الواقعة على الخطأ العقدي عدم إساا النصح ،بحيث يعتبر
االلتزام بإسداا النصح وإرشاد الزبون من بين االلتزامات األدبية التي تحولت مع
مرور الوقت إلى واجبات قانونية ،والموثق مطالب بإسداا النصح للزبون ولو لم
يطلبه هذا األخير ،كلما تبين له أنه في حاجة إلى ذلك ،حيث إن مهام الموثق ال
تنحصر في تحرير العقود وإضفاا صفة الرسمية عليها بل تجاوز ذلك إلى تقديم
النصح واإلرشاد للمتعاقدين اثناا العملية التعاقدية.56
فقد اختلف الفقه القانوني حول أساس هذا االلتزام بين من اعتبره واجبا أدبيا
يجد أساه في طبيعة مهنة التوثيق نفسها ،في حين دهب بعض الفقه القانوني إلى أن
أساس هذا اال لتزام هو وجود عقد ضمني بين الزبون والموثق يلزم بمقتضاه هذا
األخير بأن يقدم إليه النصائح الضرورية مقابل أتعاب معقولة.57
فالمشرع المغربي في قانون 32.09المنظم لمهنة التوثيق ألم الموثق بتقديم
النصح لألطراف المتعاقدين دون إلزام هؤالا بطلب النصح وهذا ما نصت عليه
المادة 37من نفس القانون " :يجب على الموثق إسداا النصح لألطراف كما يجب
عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم أن يوضح لهم االبعاد
واآلثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها" .وقد تابعة محكمة االستئناف
بمراكش بمتابعة الموثق بعدم تقديم ال نصح واإلرشاد لألطراف ،ومخالفة القواعد
المسطرة في ظهير التوثيق وخرق المواجبات العموميات والثقة إلى يتعين عليه
بعثها في النفوس وبالتالي فالموثق بعد قيامه بالتزامه قد مس بالثقة
المفروضة.58
25
المهني -والضرر والعالقة السببية بينهما ،يستحق المتضرر التعويض عن االضرار
المادية والمعنوية التي سببها له فعل اإلفشاا ،و ال يمكن نفيه بإثبات أن العناية لعدم
اإلفشاا وإن أمكنه نفي مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي وذلك كسرقة مستندات
تحتوي على أسرار والمتعاقدين د اخل مكتبة حديث نصت المادة 28من
القانون 32.09على أن " :يسأل الموثق مدنيا إذا قضت المحكمة ببطالن عقد
أنجزه بسبب خطئه المهني ونتج عنه نتج تعنت تهذا البطالن ضررا ألتحد
األطراف " فمن خالل مقتضيات هذه المادة يستطيع المتضرر الرجوع على
المخطئ بالتعويض طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية ،فمناط هذه المسؤولية تكون
تقصيرية ألن العقد كان باطال أو قابال لإلبطال أو أبطل فعال.59
كما أن خطأ الموثق يكون تقصيريا في الحالة التي يترتب فيها الخطأ ضد
أشخاص ال تربطهم به أية عالقة تعاقدية ،سواا كان الخطأ الصادر عن الفعل
الشخصي أو نجم عن خطأ أحد أجرائه ،ويقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية
إخالل الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا اإلخالل.60
26
وبالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة الموثق في إضفاا الرسمية على العقود
وبالتالي قد يمس المعامالت العقارية والتجارية والمالية لألفراد ،الشيا الذي يفيد
أن الضرر ال ذي يمكن أن يتسبب فيه خطأ الموثق هو ضرر مادي وبالتالي يكون
من المستبعد حصول ضرر معنوي في مجال التوثيق.63
إن العالقة السببية كركن ثالث لقيام المسؤولية المدنية للموثق هي الرابط
التي تجمع بين الخطأ الذي ارتكبه الموثق والضرر الناتج عنه بمعنى أن يكون خطأ
الموتق هو الذي سبب الضرر للزبون المضرور ،وبالتالي فإن مسؤولية الموثق
مقرونة بصدور خطأ عنه ،وحدوث ضرر كأن يكون الضرر ناشئا بشكل مباشر
عن الخطأ ،ففي الحالة التي يكون فيها الخطأ قد أضر بالغير الذي ليس طرفا في
العقد فالضرر يكون ناتجا مباشرا عن الخطأ ،ويخضع للقواعد العامة طبقا
لمقتضيات المادة 26من القانون رقم ( 64 32.09مسؤولية تقصيرية) أما في
الحالة التي يكون فيها الخطأ قد أضر بالمتعاقد ،فإن الضرر هنا ناتجا عن الخطأ
65
من نفس القانون مع التأكيد مباشرة بل ناتجا عن بطالن العقد طبقا لمادة 28
66
من نفس القانون المذكور المتعلق بحالة على االستثناا الوارد في المادة 29
امتناع الموثق عن القيام بواجبه بدون سبب مشروع.67
27
الفصل الثاني :آثار مسؤولية الموثق العصري المدنية
إذا توافرت شروط وأركان المسؤولية المدنية للموثق العصري كما أسلفنا
الذكر والتي تمتل في الخطأ والضرر والعالقة السببية بين الخطأ والضرر فيترتب
عن ذلل التزام الموثق بتعويض المتضرر عما لحقه من ضرر و في حالة االمتناع
عن أداا التعويض يكون الحق للمتضرر في رفع دعوى المسؤولية المدنية في
مواجهة الموثق أمام المحكمة المختصة قصد الحصول على حكم نهائي يقضي
بتعويض هذا األخير ،ألجل ذلك سوف نتناول في (المبحث األول) دعوى
المسؤولية المدنية للموثق العصري ثم مدى استحقاق المتضرر للتعويض ( المبحث
الثاني).
28
المطلب األول :إجراءات رفع دعوى المسؤولية
األصل أن النزاعات المدنية بصفة عامة ومن ضمنها دعوى ترفع للمحكمة
المدنية وفق قواعد المسطرة المدنية والقوانين الخاصة عند االقتضاا.
وبناا على ذلك فإن المتضرر من أخطاا الموثق له الحق إقامة دعوى
المسؤولية المدنية في مواجهة الموثق ،هذه الدعوى تخضع في مجملها إلى القواعد
العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية .فالمدعي في دعوى المسؤولية هو
الزبون المتضرر بما قام به الموثق ،ومن ثم يكون هو صاحب المصلحة والصفة
في رفع دعوى المسؤولية ضد الموثق ،و بالتالي يمكن القول أن الحق في االدعاا
بالتعويض هو حق ثابت للمتضرر شخصيا ،أما غير المتضرر فليس له الحق في
رفع الدعوى ،لكن هذا الحق ال يثبت للمتضرر وحده بل يثبت كذلك لنائبه ،حيث
يمكنه المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق من هو في عهدته نيابة عنه إذا
كان المتضرر فاقدا األهلية أو ناقصها ،وتقام الدعوى في هذه الحالة من قبل نائبه
الشرعي ،أي من قبل الولي أو الوصي أو المقدم حسب األحوال طبقا لقانون
المسطرة المدنية ومدونة األسرة.68
وفي حالة وفاة المتضرر األصلي آلت الدعوى إلى الورثة للمطالبة
بالتعويض الذي لحق المتضرر األصلي من أخطاا الموثق ،أما المدعى عليه يمثل
في الموثق وهو المسؤول عن الضرر الذي لحق المتضرر من جراا الخطأ الصادر
منه ،وتوجه هذه الدعوى ضد الموثق عن العمل الشخصي ،وضد أعمال المتمرنين
و المستخدمين لديهم طبقا للقوانين الخاصة لمهنة الموثق كما أسلفنا الذكر ،وكذلك
طبقا للقواعد العامة في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،وتنبني هذه المسؤولية
على فكرة خطأ مفترض في جانب المتبرع وهو خطأ في اختيار التابع والخطأ في
اختيار التابع وخطأ في الرقابة والتوجيه طبقا لفصل 85من قانون االلتزامات
والعقود. 69
29
وإذا تعلق األمر بالمسألة االثبات في دعوى المسؤولية ،فالمبدأ أن المدعي هو
الذي يقيم الدليل على وجود الضرر ثم قيام الرابطة السببية بين الخطأ والضرر ،أن
يقيم هذا الدليل بجميع طرق اإلثبات المكرسة في قانون االلتزامات والعقود
المغربي.
فعلى المتضرر ان يثبت الخطأ و الضرر و العالقة السببية بين الخطأ و الضرر
لكن اليس في هذا بعض الحيف وعدم العدالة ضد المضرور الذي غالبا لن يجد ما يثبت
خطا الموثق هذا االخير الذي يعرف خبايا التوثيق و الدعاوى العقارية بعكس االول الذي
غالبا ما يكون اميا في هذه االمور.72
وتجدر اإلشارة إلى أن الطرف الذي يتحمل عبا اإلثبات يختلف بحسب إذا ما كانت
طبيعة المسؤولية عقدية أو تقصيرية ،يتعلق األمر بالتزام عقدي مثال بقيام الموثق بتقديم
النصح واالرشاد للزبناا أثناا العملية التوثيقية ،يتحمل الموثق إثبات أنه قام بتنفيد التزامه
العقدي.
وهكذا المسؤولية التقصيرية الناتجة عن إخالل بالتزام قانوني ،فبا االثبات في
هذه الحالة يقع على عاتق الزبون ،بأن الموثق قد خالف االلتزامات الملقاة على عاتقه أو
ارتكاب خطأ تقصيري كإفشاا السر المهني ،73وعليه يكلف الزبون المتضرر بإثبات
المخالفة في حق الموثق .وكذلك إثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر الناتج عن
30
االخالل بالسر المهني ،ويجوز له إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات المقررة في قانون
االلتزامات والعقود.
وتقام دعوى المسؤولية المدنية ضد الوثق لدى المحكمة االبتدائية ،ويقع الحكم آنذاك
إما ابتدا ئيا قابال لالستئناف وفق قانون المسطرة المدنية باعتبار القانون اإلجرائي المعتمد
عليه في التقاضي أمام محاكم المملكة المغربية.
فالمتضرر من اعمال الموثق يمكن له يطالب بالتعويض أمام المحكمة الجنائية في
إطار ما يصطلح عليه بالدعوى المدنية التابعة إذا كان الخطأ الذي تسبب فيه الموثق يشكل
جريمة كالتزوير وإفشاا السر المهني للزبون وذلك طبقا للفصل 9من قانون المسطرة
المدنية الذي يقضي بأن الدعوى المدنية يمكن أن تقام ضد مرتكبي الجريمة أمام المحكمة
الجنائية هذا فيما يتعلق باالختصاص المحلي فيجب رفع الدعوى أمام محكمة عمل الموثق
تبعا للجهة التي تمارس الرقابة على الموث ق .74فإذا كان الخطأ عقديا كان االختصاص
لمحكمة محل التعاقد أو تنفيد العقد ،أما إذا كان الخطأ تقصيري كما هو الحال بالنسبة للغير
الذي ال تربطه أي عالقة تعاقدية مع الموثق المتابع فيتم االحتكام إلى الفصل 28من قانون
المسطرة المدنية ،فالمحكمة التي وقع بدائرتها الفعل الصادر من المتسبب للضرر الذي
ينظر في المتابعة.75
لذلك ألزم المشرع الموثق احترام االختصاص المكاني وإال اعتبر مرتكبا لمخالفة
مهنية .وفي نظرنا أن المشرع المغربي كان صائبا حيث ألم الموثق بالتقيد باختصاصه
المكاني واعتبر هذا من القواعد الجوهرية الي يتعين احترامها وذلك لتفادي المنافسة التي
قد تتسرب إلى قطاع التوثيق و التي قد تؤثر سلبا على قيمة العقد الرسمي و مكانته لدى
المتعاملين ،ويكون بذلك معرضا للمسائلة القانونية والتأديبية طبقا لفقرة الثانية من المادة 49
من القانون 32.09المنظم لمهنة التوثيق.76
31
المطلب الثاني :وسائل دفع المسؤولية
كما سبقت اإلشارة يشترط لقيام المسؤولية المدنية للموثق سواا العقدية أو
التقصيرية إثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر ،غير ان هذه المسؤولية ال تكون
مطلقة ،إذا يمكن للموثق دفعها في حالة ما إذا انعدمت العالقة السببية بين الخطأ المدعى
عليه و الضرر الالحق بالمدعي وفي هذه الحالة ما إذا انعدمت العالقة السببية بين الخطأ
والضرر و في هذه الحالة ال يطالب المتضرر بتعويض عن الضرر الذي لحقه ،او بصف
عامة إذا لم يتوفر هناك ركن من أركان المسؤولية المدنية .و عليه المدعي عليه يتحمل من
المسؤولية إذا أثبت وجود القوة القاهرة أو الحادث الفجائي ،أو في حالة خطأ المتضرر.
حيث تعتبر القوة القاهرة والحادث الفجائي من أهم حاالت السبب األجنبي التي تمكن الموتق
من دفع المسؤولية المدنية عن طريق دفع العالقة السببية بين الخطأ والضرر.77
وخالفا لما كان يراه بعض أنصار الفقه التقليدي م ن أن القوة القاهرة تختلف عن
الحادث الفجائي من كون األولى كانت مستحيلة الدفع استحالة مطلقة ،والثانية ما غير ممكن
توقعه بصف نسبية.78
ولقد عرف المشرع المغربي القوة القاهرة أثناا عرضه ألسباب عدم تنفيد االلتزامات
العقدية ،وذلك في الفصل 269من قانون االلتزامات والعقود الذي ينص على أن ":القوة
القاهرة هي كل أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتوقعه ،كالظواهر الطبيعية والفيضانات
والجفاف والعواصف ...وال يعتبر من قبيل القوة القاهرة األمر الذي كان من الممكن دفعه ،
مالم يقدم المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه عن نفسه".
قد تحول القوة القاهرة أو الحادث الفجائي دون تنفيد الموثق التزامه بتحرير عقد
معين ،وعدم القيام بتسجيله لذى مصلحة التسجيل و التمبر داخل األجل القانوني ،وتنتفي
تبعا لذلك مسؤولية الموثق عن الضرر الذي لحق المتضرر بصريح الفصل 269من قلع .
32
كما يمكن للموثق أن ينفي العالقة السببية عن طريق السبب األجنبي ،فيثبت أن قوة
قاهرة أو حدث مفاجئ أو خطأ الغير هو الذي كان وراا إفشاا السر المهني لزبون مثال.
وقد يكون من اثر القوة القاهرة أو الحدث الفجائي ال اإلعفاا من تنفيد االلتزام بل
وقف تنفيذ ه حثى يزول الحادث فيبقى االلتزام موقوفا على أن يعود واجب التنفيذ بعد زوال
الحادث .79
كما يعد خطأ المتضرر -الزبون -إلى جانب كل من القوة القاهرة والحدث الفجائي من
بين األسباب التي من خاللها يمكن للمدعى عليه دفع المسؤولية ،حيث تنفي مسؤولية
الموثق إذا ك ان الضرر الذي لحق المتضرر ناتجا عن هذا األخير ،هنا مسؤولية الموثق
غير قائمة.
فإدا كان خطأ الزبون أو احد من الغير هو السبب الوحيد لوقوع الضرر ،فإن
مسؤولية الموثق تنعدم وال يمكن مسائلته في هذا اإلطار ألنه ليس ملزم بضمان تقصير
لألفراد في استعمال حقهم ا لمتمثل في اطالع الموثق على كافة المعلومات اللزمة إلبرام
اتفاقية فاعلة . 80وتبعا لذلك تنتفي مسؤولية الموثق ألن الضرر الذي لحق الزبون ناتج عن
الخطأ الشخصي لهذا األخير ،كما أن اعترافه بكونه تلقى نصائح من الموثق ينفي
مسؤوليته.
كما أن مسؤولية الموثق تنعدم إذا تقاعس الزبون في إحضار المستندات التي يتوقف
عليه تحرير عقد معين ،الشيا الذي دفع الموثق عدم تحرير العقد في الوقت النهائي .ففي
هذه الحالة ال مجال لمسائلة الموثق من جراا هذا األخير ،وطبيعة الحال يقع على عاتقه
عبا إثبات خطأ المتضرر وأنه قام بالواجبات ال قانونية المفروضة عليه وخصوصا واجب
إسداا النصح واإلرشاد للزبناا لدرا المسؤولية عن الموثق.81
33
وعلى ذلك ففي حالة مساهمة خطأ المدعي والمدعى عليه تتوزع المسؤولية بينهما،
وهو ما يشكل إعفاا جزئي للموثق .وقد يكون إعفاا الموثق كليا عندما يكون الضرر ناتج
عن خطأ الزبون نفسه ،كما في حالو ما ذا سارع المشتري إلى تسليم التمن إلى البائع وتوقيع
العقد بدعوى أنه قام بالتحريات بنفسه ،فيكون خطأ الغير سبب إلعفاا الموثق من
المسؤولية المدنية ،ويقصد بالغير كل األشخاص الجانب عن العقد.
وفي حالة توفر شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق ،يمكن للمتضرر المطالبة
بالتعويض عن الضرر الذي لحقه ،وذلك طبقا لقواعد المسؤولية المدنية المكرسة في قانون
االلتزامات والعقود .82
يكون التعويض بمثابة األثر المباشر من رفع الدعوى المدنية ،و أن عليه
يمكنه الرجوع على اآلخرين الذين يكونون مسؤول ين معه بواسطة دعوى الرجوع
و يعت بر التأمين من المسؤوليات المدنية من أنواع التأمين على األضرار الذي يتميز
بطابعه التعويضي .معليه سنحول مقاربة في هذا المبحث من خالل التعويض
ودعوى الرجوع ( المطلب األول) ثم التأمين كآلية للتخفيف من التخفيف من
مسؤولية الموثق العصري (المطلب الثاني) .
إذا توفرت شروط المسؤولية المدنية للموثق التي عرضناها سابقا ،وهي
الخطأ و الضرر والعالقة السببية ،وترتب على ذلك أن يلتزم المسؤول بدفع هذا
التعويض رضاا ،فسبيل المضرور إذا تعدر االتفاق علي التعويض أن يرفع
الدعوى قضاا طالبا الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه و تسمى الدعوى
هنا الدعوى المسؤولية أو دعوى التعويض.
- 82مأمون الكزبري :م س ،ص .467
34
إذا ثبتت مسؤولية الموثق عن الضرر يكون ملزما بأداا التعويض لفائدة
بأن المحكمة ثبت في دعوى التعويض وفقا للقواعد العامة ولها المتضرر ،مع العلم
التعويض المستحق حسب الظروف الخاصة بكل حالة السلطة التقديرية في تقدير
ذلك لرقابة محكمة النقض إال من حيث وجسامة الضرر الحاصل وإال تخضع في
تضمن هذا التعويض هي العناصر التي اعتمدتها في تكييف الضرر .والجهة التي
.صندوق التأمين وصندوق الضمان للموثقين.83
وبموجب المادة 94من القانون 32- 09احدث صندوق لتأمين وضمان
صندوق الضمان للموثقين هو الحلول محل الموثقين في أداا المبالغ الموثقين وهدف
األطراف المتضررة .ومن الطبيعي أن المقصود بذلك هو المحكوم بها عليهم لفائدة
.قام به الموثقون في النطاق المهني الضرر الحاصل االغيار من كل عمل.
والحلول في اإلداا ليس مطبقا وآليا ،بل يكون في حالة عجز الموثق عن
عدم كفاية المبالغ التي يجب أن يؤديها الجانب المؤمن للموثق ،األداا ،أو في حالة
لسقف المبالغ التي يمكن أن تحل فيها شركة وال سيما عندما يكون هناك تحديد
.انعدام التأمين التأمين محل المؤمنين لديها في األداا .84
وبالرجوع إلى قانون 09.32يتبين أن المشرع لم يتحدث عن التعويض من
استحقاقه وانقضائه ما عدا ما نص عليه بمناسبة الحديث عن صندوق حيث شروط
المادة 94من القانون المذكور ،وفي نفس اإلطار الضمان وفقا لما نصت عليه
مسؤوليته المدنية ومسؤولية ألزمت المادة 26من نفس القانون بالتامين على
التابعين له ،وقد تبنى المشرع إجبارية التامين حماية لحقوق الزبناا
في حالة ثبوت المسؤولية المدنية للموثق ومن هم في عهدته وزيادة في الضمان
بصندوق الموثقين الذي كان منظما في إطار الفصل 39من ظهير احتفظ المشرع
أفرد له القسم السادس من القانون ، 09.32والذي 04ماي 1925الملغى حيث
األطراف المتضررة في حالة عجز تمثل في دورة أداا المبالغ المحكوم بها لفائدة
35
تؤديها شركة التأمين الموثق عن األداا ،أو في حالة عدم كفاية المبالغ التي يجب أن
محل الموثق ،لكن مع العلم أن هذا الصندوق يؤدي التعويض في حدود المبالغ
المتوفرة لديه حسب ما أشارت إليه المادة 96من القانون أعاله.85
ويتمثل الجزاا عن المسؤولية المدنية الذي يحكم به القاضي جبرا للضرر الذي لحق
المتضرر ،فقوعد التعرض في دعوى مسؤولية الموثق ال تختلف عن القواعد العامة في
دعوى المسؤولية وهي كوسيلة لجبر الضرر ،القاضي وهو في سبيل تقدير التعويض قد
يحكم على جميع المسؤولين تضامن ا وقد يحكم به على أحدهم مما يخول له حق الرجوع
على اآلخرين في حدود القدر الذي أداه .فإذا وقع عمل مشروع تسبب في الضرر ،كان
للمتضرر الحق في الحصول على التعويض عما لحقه من ضرر ،وباعتبار أن الموثق
مسؤول عن اإلخالل بااللتزامات القانونية تجاه الزبون فإن الجزاا الذي يترتب عليه هو
التعويض ،الذي يجب أن يمنحه الموثق للمتضرر ويخضع هذا التعويض للقواعد العامة
الواجبة التطبيق في قانون االلتزامات والعقود.
وهكذا فقد جاات المادة 98من قانون االلتزامات والعقود تقضي بتعريف الضرر
الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعال و المصروفات
الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي أضر به،
وكذلك ما فاته من كسب كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه يجب على
المحكمة عند تقديرها لألضرار أن تأخذ بعين االعتبار جسامة الخطأ وما إذا كان
الضرر الذي أصاب المتضرر قد نجم نتيجة خطأ عادي أو نتيجة تدليس ,وعليه
يمكن للزبون لمتضرر متى صدر عن عن الموثق تدليس أو خطأ جسيم أن يطالب
بالتعويض حسب الكيفية المعمول بها في المجال التقصيري ،إذ يكون في الحالة
أشمل من التعويض المقدر حسب الطريقة المعمول بها في الميدان العقاري.
36
فالموثق يشمل إلى جانب التعويض النقدي الذي يقدر بقيمة الضرر الناشئ عن
الخطأ سواا كان ماديا أو معنويا والمصاريف التي تحملها المدعي والرسوم
القضائية وأتعاب المحامي.
وتقدير التعويض يستقل به قضاة الموضوع ،فلهم سلطة تقديرية مطلقة في
تعيين مبلغ التعرض الواجب منحه للمتضرر ،أن يكونوا ملزمين بيان األساس
المعتمد إلجراا هذا التقدير أو ما دام تقدير التعويض يعود لقضاة الموضوع ،فإنه
يخرج عن رقابة المجلس األعلى.86
وعليه يمكن القول أن التعويض يكون متحققا عند التأخر في تنفيد الموثق لبعض
االلتزامات القانونية الملقاة على عاتقه ،مثال إذا التزم هذا األخير بالقيام بإجرااات
التسجيل و التمبر وتأخر عن ذلك فإنه يتحمل الغرامات التي يمكن أن يتحملها
الزبون ،فالموثق يحل محل الزبون ،وقد أشارت المادة 137من مدونة التسجيل
والتمبر أنه " :يجب على الموثقين أن يضمنوا العقود والبينات و التصرفات
التقديرية الالزمة لتصفية واجبات التسجيل" ،فمن خالل مقتضيات هذه المادة يلزم
الموثق بواجب تسجيل العقود التي يقوم بتحريرها و أن يؤدي رسوم التسجيل
والتمبر داخل األجل القانوني 30يوما من تاريخ إنشاا العقد تحت طائلة توقيع
غرامات على كل تأخير عن التسجيل.
وكذلك إذا تم تفويت فرصة للزبون فهي تعتبر ضرارا يستوجب التعويض
عنه طبقا لقواعد المسؤولية المدنية .وللمحكمة سلطة تقديرية في تقدير التعويض
سواا كان تعويضا عينيا وتعويض بمقابل.
فالتعويض العيني يحكم به الحالة التي يمكن فيها إرجاع الحالة إلى ما كانت
عليها قبل حدوث الضرر الذي ناله قصد التخفيف من وقع الضرر عليه 87وهو
الذي يقع المطالبة به في أغلب األحوال.
وينشأ الحق في التعويض من وقت وقوع الضرر ،ذلك أن العمل غير
المشروع هو مصدر الحق في التعويض ،فإن تحقيق الضرر من وقت صدور هذا
- 86مأمون الكزبري :م س ،ص .468
- 87إدريس العلوي العبدالوي :م س ،ص .193
37
العمل وجب الحق في التعويض ،أما إذا حصل ال ضرر بعد مضي زمن على
اقتراف العمل الخاطئ ،فإن الحق ال يوجد إال من وقت تحقيق الضرر ألن هذا
الوقت هو الذي تكتمل فيه أركان المسؤولية.
ويتعين تقدير التعويض يوم صدور الحكم ذلك أن النتائج التي تترتب عن
العمل غير المشروع قد تشتد أو تخف تبعا للظروف .88ويتعين على الموثق دفع
التعويضات المحكوم بها دون تأخير .أما إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين،
كان كل منهم مسؤوال بالتضامن عن النتائج وهذا ما يؤكد إمكانية الموثق على وجه
التضامن و الذي يجد أساسه في الفصلين 99و 100من قانون االلتزامات والعقود
حيث تثبت المسؤولية التضامنية في حالة تعدد المسؤولين عن الضرر وتعذر
تحديد النسبة التي ساهموا في الضرر.
ويحق لكل واحد أدى جميع التعويض للمتضرر ،على أن يطالب غيره من
المسؤولين بإرجاع م ا دفعه عنهم ،وك يفما كان نوع الرجوع سواا تم من قبل الموثق
على المتمرنين أو على أحد األغيار فإن أساس هذا الرجوع يجد سنده في الفصل
178من قانون االلتزامات والعقود الذي جعل العالقات بين المدينين المتضامنين
تنظم بمقتضى قواعد أحكام الوكالة و الكفالة.
كما يحق لألطراف في دعوى المسؤولية االتفاق على تعديل أحكامها ضمن
الحدود التي يسمح القانون القيام بذلك ،إال أنه ينبغي أن نميز بين المسؤوليتين
العقدية والتقصيرية .فالمسؤولية العقدية يمكن االتفاق على تعديل أحكامها إما من
حيث مدى الدعوى و إما فيما من حيث تشديده أو تخفيفه أو اإلعفاا منه ،ففي
حالة التشديد تقع الزيادة في مدى االلتزام بالتعويض بحيث تجعله شامال ل أصناف
الضرر ال يتناولها في األصل ،من ذلك مثال رضى شخص بأن يتحمل التعويض
عن الضرر الحاصل للمتضرر حتى لو يث بت في جانبه أي خطأ او كما اتفق المدين
مع دائنه على أن يل تزم بالتعويض عن كل األضرار الحاصلة له من جراا عدو
الوفاا بااللتزام أو التأخير في الوفاا حتى ما كان منها غير مباشر أو حتى لو لم
38
يكن ذلك معزوا إليه بأن كان رجعا إلى سبب أجنبي ال يدله فيه كالقوة القاهرة الو
الحادث الفجائي ،89أما التخفيف فيراد به تخفيف التعويض عن المدين فال يلتزم
سوى بتعويض جزئي عند إخالله بالتزامات عقدية في مواجهة دائنه المتضرر من
أخطاا الموثق.
أما المسؤولية التقصيرية فهي تنشأ عندما ال تر الموثق بالزبون أية عالقة
تعاقدية أي أن يكون أجنبي عن العملية التوثيقية كما أسلفنا الذكر ،فهي بهذا
ليست كأحكام المسؤولية العقدية ،بحيث ال يجوز االتفاق على اعفاا من المسؤولية
التقصيرية أو التخفيف منها قبل حدوث الضرر سواا من حيث مدة التعويض ،فهي
ممنوعة و تعتبر عديمة األثر سراا كانت هذه االتفاقات تتعلق بالمسؤولية الناجمة
عن الجرائم وأشباه الجرائم حسب ما ورد عليه النص صراحة في الفصلين 77و
78من قانون االلتزامات والعقود.
وأخيرا فإن جزاا إخالل الموثق بالتزامه وثبوت مسؤوليته هو التعويض هذا
األخير يقدر حسب الضرر وأهميته وكذاك جسامته ،ويتعين على الموثق دفع مبلغ
التعويض كامال غير أنه في حالة إعسار ،فإن صندوق الضمان إما أن يساهم أو
يتحمل المبلغ كامال غير حالة عدم كفاية المبلغ المؤدى من قبل شركة التأمين.
89
-عالل حمداش :م س ،ص 235
39
سواا كانت المسؤولية عقدية أم تقصيرية ،90حيث يجوز للموثق أن يؤمن على
مسؤوليته المترتبة عن أخطااه التي تصيب األطراف أو الغير بضرر ،سواا كان
الخطأ عقديا أو تقصيريا.
ونظرا لجسامة اال لتزامات التي تقع على عاتق الموثق اتجاه األطراف المتعاقدة
،و األخطاا المهنية التي قد يرتكبها أثناا مزاولة مهامه ،دفع المشرع المغربي
المبادرة إلى التنصيص على التأمين في إطار المسؤولية المهنية للموثق مما يشكل
حماية للموثق.
إن من بين أهم ما نص عليه القانون 32.09المنظم لمهنة التوثيق ،إجباري
تأمين الموثق عن مسؤوليته المدنية ،حيث أن القانون الجديد ألزم الموثق بإبرام عقد
التأمين قبل مبا شرته لعمله أي بعد أدائه اليمين القانوني ،ولعل النص على إجبارية
التأمين سينعكس إيجابيا على مهنة التوثيق عموما ،وسيخفف من معاناة المتضررين
من أخطاا الموثقين على وجه الخصوص.
وجدير باإلشارة أن أخالل صندوق التأمين للموثقين محله في األداا متوقف
على عسر الموثق ،فقد جاا القانون 32.09المنظم لمهنة التوثيق ليحدث هيأة
خاصة يعهد إليها بأداا المبلغ المحكوم بها لألطراف المتعاقدة في حالة عسر
الموثق ،وقد سمح القانون الجديد للموثق بالتأمين عن مسؤوليته تابعه الذي يساعده
في مختلف إجرااات التوثيق ،وعلى هذا األساس يمكن للمتضرر الرجوع إما على
التابع أو المتبوع أو عليهما معا ،وما على الموثق إال إثبات الفصل 88من قانون
االلتزامات والعقود ليتحلل من المسؤولية.
وهكذا جاا القسم السادس من الباب الثاني ليكد أن الصندوق المحدث بموجب
الفصل 39من ظهير 4ماي ، 1925يحصل من اآلن فصاعدا اسم " صندوق
الضمان" ويهدف إلى ضمان أداا المبالغ المحكوم بها لفائدة األطراف المتضررة
- 90محمد أوغريس " :التأمين من األضرار في التشريع المغربي" ،مطبعة دار قرطبة ،الطبعة األولى ،سنة ،1993
ص .10
40
في حالة عسر الموثق أو عند انعدام التأمين ،وهذا ما نصت عليه المادة 94من
القانون ، 32.09وعليه فدعوى اإلحالل رهينة بتوفر شرطين اثنينهما:
ارتكاب الموثق لخطأ مهني أثناا مزاولة مهامه ،باإلضافة إلى عسر الموثق
وعدم قدرته على أداا المبالغ المحكوم بها ،حيث تقام الدعاوى بشأن التعويضات
ضد صندوق التأمينات في شخص الوزير المكلف بالمالية ،وال تؤدى التعويضات
المحكوم بها إال في حدود المبالغ المتوفرة لدى صندوق الضمان يوم صدور الحكم.
غير أن إذا صدرت عدة أحكام في اليوم الواحد وتجاوز عدد المبالغ المحكوم بها
ما هو متوفر لدى الصندوق تم األداا للدائنين حسب نسبة دين كل واحد منهم.
وجاات المادة 95من القانون 32.09تتحدث عن تقادم دعوى الضمان ،حيث
نصت أن دعاوى الضمان تتقادم بمرور خمس سنو ات على يوم التصريح بثبوت
مسؤولية الموثق أو نائبه بحكم نهائي.
إن الدعوى مسؤولية الموثق المدنية ليست مؤبدة بل لها اجل يجب على
الزبون المتضرر أال يفوته تحت طائلة ضياع حقوقه تجاه الموثق المخل بالتزاماته
المحددة في القانون.91
ففي حالة مسؤولية الموثق تجاه احد االطراف فان التقادم يخضع لمقتضيات
الفصل 387من ق ل ع.
أما اذا كانت دعوى مسؤولية الموثق المدنية تجاه الغير الذي ليس طرفا في
يخضع لمقتضيات الفصل 106من ق .ل .ع الذي ينص على '' إن العقد فان التقادم
جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ دعوى التعويض من جراا
المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه .من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق
وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر"
أما فيما يخص دعوى الضمان التي ترفع ضد صندوق ضمان الموثقين فهي
تتقادم بمرور خمس سنوات.92
41
والمالحظ أن الصندوق الموكول إليه ضمان وحرية الضحايا كان دائما و فارغا ،
ومازال ضحايا أخطاا الموثقين بعيدين من الحصول على تعويض ،إذا أن سحب الموثق
وحرمانه من مزاولته مهامه ال يضر وال ينفع المضرور المطالب لحق المدني ،وما يجب
التأكيد عليه أن شركات التأمين ال تقبل التأمين عن األخطاا العمدية التي تسبب بها الموثق
للزبون كالغش والتدليس ألن ذلك مخالف للنظام العام ،أما بالنسبة لألخطاا الجسمية غير
العمدية فإنه يمكن تأمين مسؤولية الموثق التي تترتب عليها نتيجة الضرر الذي لحق
الزبون ،هذا من شأنه حماية حقوق الزبناا من حقوق من األخطاا المهنية التي يرتكبها
الموثق أثناا مزاولة مهامه.93
خاتمة:
تبين لنا من موضوع المسؤولية المدنية للموثق العصري أنه على درجة بالغة من
األهمية التي تنبثق من صعوبة حماية مؤسسة التوثيق وحماية المتعاقدين وذلك بسبب
االعتقاد السائد في المجتمع بعصمة الموثق عن ارتكاب الخطأ ،وكذا ضعف المراقبة
القانونية للمهنة ،مما قد يساهم في إبعاد المسؤولية عن الموثق.
فالمشرع المغربي وإن سعى إلى تقرير مسؤولية الموثقين المدنية عن أخطائهم في
مجموعة من القوانين ،إال أن أحكام هذه المسؤولية كما هي مسطرة في التشريع المغربي
غير منتظمة بالشكل الذي يجعلها فعالة في حماية أطراف العالقة ومعهم األغيار ،مما
يقتضي التفاتة حقيقية من المشرع في اتجاه إعادة ضبطها.
- 92تنص المادة 95من القانون ": 32.09تتقادم دعاوى الضمان بمرور خمس سنوات ععلى يوم بثبوت مسؤولية
الموثق أو نائبه بحكم نهائي".
- 93أغراس البشير :م س ،ص 207
42
والحديث عن المسؤولية المدنية للموثق هو جزا من الحديث عن هذه المسؤولية لجميع
المهنين األطباا والمحامين والمفوضين القضائيين ،ولجميع الموظفين فال يمكن تصور
وجود التزامات دون مسؤولية ،إال أنه يمكن دائما الحد من حجم هذه المسؤولية وأثارها
ومن عدد الملفات الرائجة بشأنها ،عن طريق االلتزامات بالمقتضيات القانونية واحترام
أخ القيات المهنة ،والمناقشة الجماعية للمشكل اليومي لتوحيد الرأي بشأنها وإشراك جميع
المتدخلين في هذا الموضوع كسلطة المتابعة ولجنة المحاكمة وممثلي الهيئة الوطنية
للموثقين والمجلس الجهوي ،وكذا ممثلي مختلف المؤسسات التي لها عالقة دائمة بعمل
الموثق كالمحافظة العقا رية وإدارة الضرائب وصندوق اإليداع والتدبير.
وقد خلصنا من خالل هذا البحث بمجموعة من االقتراحات نجملها فيما يلي:
تكريس المراقبة الشديدة على الودائع وحسابات الموثقين وجعل هذه المراقبة ثالثية
األضالع بين النيابة العامة ووزارة المالية والهيئة الوطنية مع تفعيل مسطرة المتابعة
تحصين مهنة التوثيق عن طريق تكريس مجموعة من الضمانات ألجل زرع الثقة في
نفوس المتعاملين وتشجيعهم على االستثمار.
43
الئحة المراجع المعتمدة
-1الكتب
_ إبن الكث ير الحافظ أبو الفداا " :تفسير القرآن الكريم " الجزا األول دار الفكر
للطبعة والنشر .1992
_إدريس العلوي العبد الوي " :شرح القانون المدني" ،النظرية العامة لاللتزام،
الجزا الثاني ،الطبعة األولى سنة .2001
_ عادل جبري محمد حبيب " :المفهوم القانوني لرابطة السببية وانعكاسته في
توزيع عبا المسؤولية المدنية ،دراسة مقارنة بأحكام الفقه اإلسالمي" دار الفكر
الجامعي االسكندرية سنة .2005
_ محمد الربيعي " :األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم،
دراسة على ضوا ا لتوثيق العدلي والتوثيق العصري" المطبعة والوراقة الوطنية
بمراكش ،الطبعة األولى ،أكتوبر .2008
_ مأمون الكزبري " :نظرية االلتزامات في ضوا قانون االلتزامات والعقود
المغربي" ،الجزا األول ،مصادر االلتزامات :الطبعة الثانية سنة ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاا،
_ عبد الرزاق السنهوري " :الوسيط في شرح القانون المدني" ،الجزا األول،
المجلد الثاني ،سنة ،1964مطبعة دار النهضة العربية ،القاهرة.
-2األطروحات والرسائل:
44
_ محمد الربيعي :المعامالت العقارية بين ظاهرة انتشار المحررات العرفية
وضمانات الوثيقة الرسمية ،أطروحة لنيل الدكتوراه الدولية في القانون الخاص،
كلية العلوم القانونية واالقيصادية واالجتماعية ،جامعة الحسن الثاني ،الدار
البيضاا ،السنة .2000-1999
_ سيدي محمد كمال مشيشي " :االلتزامات المهنية للموثق العصري والمسؤولية
الناتجة في حالة اإلخالل بها" رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص نوقشت
بكلية الحقوق بمراكش سنة .2012-2011
_ عبد الحميد أخريف " :نظرية الضمان محاولة في تأصيل المسؤولية المدنية
في الفقه اإلسالمي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
الخاص ،نوقشت بكلية الحقوق سنة .1994- 1993
_ نائلة حدي دو " :المسؤولية التأديبية والمدنية للعدول في التشريع المغربي"
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،نوقشت بكلية
الحقوق بمراكش ،سنة .2000-1999
_ محمد الكمال " :المسؤولية المدنية للموثق في التقنين المغربي" رسالة انيل
دبلوم الماستر في الشرعة ،بكلية الشريعة بفاس ،سنة 1430ه2009/م.
_غزالن اطويلع " :المسؤولية المدنية والجنائية للموثق العصري" رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،سنة .2015- 2016
-3المقاالت والندوات
_ محمد الربيعي :حماية السر المهني في مجال التوثيق ،مجلة االشعاع الصادرة
عن هيئة المحامين بالقنيطرة ،عدد .2008-33
_ محمد الربيعي :التزام الموثق بإرشاد الزبون ونصحه ،مقال منشور بمجلة
أمالك ،العدد الثاني ،السنة .2007
_ محمد لشكر :تقرير لجنة العدل والتشريع والحقوق اإلنسان حول مشروع
قانون 32.09يتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
45
الفهرس
46
_ أسباب قانونية21 .............................................................................................. :
ثانيا :مسؤولية الموثق عن عدم التأكد من الوضعية القانونية للعقار 22 ...................................
بالنسبة للعقارات المحفظة23 ................................................................................... :
بالنسبة للعقارات غير المحفظة 23 ..............................................................................
المطلب الثاني :شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق العصري 24 ........................................
الفقرة األولى :شرط الخطأ 24 ..................................................................................
شرط الخطأ العقدي 24 ............................................................................................
شرط الخطأ التقصيري 25 ........................................................................................
الفقرة الثانية :شرط الضرر 26 ..................................................................................
الفقرة الثالثة :شرط العالقة السببية 27 ..........................................................................
الفصل الثاني :آثار مسؤولية الموثق العصري المدنية 28 ..........................................................
المبحث األول :دعوى المسؤولية المدنية للموثق العصري 28 .................................................
المطلب األول :إجرااات رفع دعوى المسؤولية 29 ..........................................................
المطلب الثاني :وسائل دفع المسؤولية 32 .......................................................................
المبحث الثاني :مدى استحقاق المتضرر التعويض 34 ..........................................................
المطلب األول :التعويض ودعوى الرجوع 34 ...............................................................
المطلب الثاني :التأمين كآلية للتخفيف من مسؤولية الموثق العصري 39 ..................................
خاتمة42 ................................................................................................................. :
الئحة المراجع المعتمدة 44 .............................................................................................
الفهرس 46 ................................................................................................................
47