You are on page 1of 47

‫بحث لنيل شهادة اإلجازة في القانون الخاص تحت عنوان‪:‬‬

‫تحت اشراف الدكتور‪:‬‬ ‫من إعداد الطالب‬


‫عبد الرزاق قهواشي‬ ‫محمد جواد‬

‫السنة الجامعية ‪2021/2020‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫إن تحقيق التقدم االقتصادي يرتبط ارتباطا وتيقا بحسن سير المرافق والمؤسسات‬
‫بمختلف انواعها في ظل نظام قانوني وتنظيمي محكم‪ ،‬وذلك نكتسي وظيفة مراقبة بالغة‬
‫خاصة بالتوثيق في مختلف الدول أهمية بالغة خاصة في المساعدة بشكل أساسي على تنظيم‬
‫المعامالت المدنية والتجارية‪ ،‬كما أنها من بين المرافق المساهمة في الحفاظ على استقرار‬
‫المعامالت لما لها من دور في ضمان الثقة بين مختلف المتعاقدين‪ ،‬والتوثيق لغة مصدر‬
‫وثق بمعنى أحكام األمر‪ ،‬ومن هنا يقال جمل وثيق وناقة موثقة الخلق أي محاكمته‪ ،‬وأما في‬
‫االصطالح فهو مجموعة من اإلجرااات القانونية التي يقدرها الموثق بناا على طلب‬
‫المتعاقدين لكي يكتسي العقد فيما بينهم صفة الرسمية‪.1‬‬

‫إن التوثيق العصري فهو فن ينظم سير كل معاملة يبين عناصر كل اتفاق ويرشد إلى‬
‫القواعد المكملة التي تصمن استمرار أثر مفعولها‪ ،‬وتقطع النزاع بين األ طراف ‪ ،‬فهو من‬
‫أهم العلوم التي تدور عليها عجلة الحياة في حماية الحقوق الشخصية واكتساب الحقوق‬
‫العينية المختلفة‪.2‬‬

‫وقد اسند المشرع بصفة اصلية ممارسة هذه المهنة للموثق‪ ،‬الذي يمكن تعريفه بأنه‬
‫ضابط رسمي يعمل ف ي إطار حر ‪ ،‬مفوض من الدولة لتلقي العقود التي يستلزم القانون‬
‫األطراف أن تضفي عليها الصفة الرسمية التي تتمتع بها أحكام السلطة العمومية‪ ،‬وإعطائها‬
‫تاريخا ثابتا واالحتفاظ بأصولها‪ ،‬وتسليم النظائر التنفيذية والنسخ الرسمية والعادية منها‪.3‬‬

‫هذا وعرفت مؤسسة التوثيق العصري في المغرب تطورا مهما ‪ ،‬بحيث لم يكن لها‬
‫وجود قبل عهد الحماية‪ ،‬غير أنه وبعد هذا التاريخ ( بعد الحماية الفرنسي هذه المؤسسة‬

‫‪ - 1‬غزالن اطويلع‪ :‬المسؤولية المدنية والجنائية للموثق العصري‪ ،‬رسالة الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية طنجة ‪ ،‬سنة ‪ ،2017- 2016‬ص ‪1‬‬
‫‪ - 2‬حيشي أحيدة‪ :‬حقوق وواجبات الموثق في التشريع المغربي‪ ،‬مقال منشور بمجلة منازعات األعمال اإللكترونية‪ ،‬ص ‪3‬‬
‫‪ - 3‬حيشي أحيدة‪ :‬حقوق وواجبات الموثق في التشريع المغربي‪ ،‬مقال منشور بمجلة منازعات األعمال اإللكترونية‪ ،‬ص ‪3‬‬

‫‪2‬‬
‫داخل التراب المغربي بداية عبر التنصيص على ضرورة إنشاا كتابة خاص في كل‬
‫محكمة يعهد إليها القيام بمهام الموثق‪.4‬‬

‫بعد ذلك توالت مجموعة من المناشير الوزارية التي كانت تجسد حقيقة واحدة هي‬
‫سعي المستعمر انداك إلى ترسيخ التوثيق الفرنسي بالمغرب بهدف االستالا على أراضي‬
‫المغاربة بطريقة مباشرة‪.5‬‬

‫ويعتبر ظهير ‪ 4‬ماي ‪ 1925‬المقتبس من قانون التوثيق الفرنسي ‪ 15‬فانتوز السنة‬


‫الحادية عشر الصادر بتاريخ ‪ 16‬ماي ‪ 1803‬االنطالق للتوثيق العصري بالمغرب‪ .‬غير أنه‬
‫وبسبب اإلشكاالت التي أثارها هذا القانون‪ ،‬نتيجة اختالف البنية القانونية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية الفرنسية عن مثيلتها المغربية‪ ،‬كان البد من إصالح منظومة التوثيق العصري‬
‫في بالدنا لتتالام والخصوصية المغربية في هذا المجال‪.‬‬

‫وهكذا تعددت محاوالت إصالح مهنة التوثيق‪ ،‬إلى صدور القانون رقم ‪ 609.32‬المنظم‬
‫لمهنة التوثيق‪ .‬تم المرسوم رقم ‪ 125.12.2‬الصادر في ‪ 25‬من ربيع الثاني ‪ 1434‬الوافق‬
‫ل‪ 8‬مارس ‪ ،2013‬المتعلق بتطبيق قانون ‪.709.32‬‬
‫ول ما كان الموثق العصري يضطلع بمهام قانونية‪ ،‬فقد خصه المشرع المغربي بمكانة‬
‫مميزة من حيث نظامه القانوني ووضع على عاتقه جملة من االلتزامات تستوجب من‬
‫يمارس مهنة التوثيق أن يتقيد في سلوكه بمبادئ األمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما‬
‫تقضيه األخالق الحميدة‪ ،‬وأي تقصير أو إخالل أو مخالفة إلحداها‪ ،‬يرتب قيام مسؤوليته‬
‫المدنية‪.‬‬

‫فالمسؤولية المدنية‪ ،‬التي تجد سندها في قانون االلتزامات والعقود والقانون المنظم‬
‫لمهنة التوثيق والتي تنص على مقتضيات ملزمة للموثق أتناا ممارسة لمهنته ‪ ،‬تهدف إلى‬

‫‪ - 4‬أغراس البشير ‪ :‬التوثيق العصري وفق ‪ ،09.32‬السنة ‪ ، 2019/2018‬ص ‪1‬‬


‫‪ - 5‬أغراس البشير‪ :‬التوثيق العصري وفق ‪ ،09.32‬ص ‪4‬‬
‫‪ - 6‬ظهير شريف رقم ‪ 179.11.1‬صادر في ‪ 25‬ذي الحجة ‪ 1432‬الموافق ‪ 22‬نوفمبر ‪ ،2011‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد‪ 5989‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬ذو القعدة ‪26( 1432‬أكتوبر ‪ )2011‬ص ‪5228‬‬
‫‪ - 7‬المرسوم رقم ‪ 125.12.2‬الصادر في ‪ 25‬من ربيع الثاني ‪ 1434‬الموافق ل ‪ 8‬مارس ‪ ،2013‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 6143‬الصادر بتاريخ ‪ 4‬جمادى االخرة ‪( 1434‬ص ‪.3174‬‬

‫‪3‬‬
‫حماية مصالح ألفراد عند إلحاق الضرر بهم‪ ،‬لذلك كان الجزاا فيها مقصور على التعويض‬
‫المادي أو المعنوي الذي يؤديه المسؤول (الموثق) للضحية‪.‬‬

‫وهكذا يمكن القول على غرار بعض الفقه‪ 8‬بأن المسؤولية المدنية هي ذلك االلتزام الذي‬
‫يقع على اإلنسان بتعويض الضرر الذي لحق األخرين بفله أو بفعل األشخاص أو األشياا‬
‫‪9‬‬
‫التي يسأل عنها وهي التي يعبر عنها بالضمان في الفقه اإلسالمي هي القائم على كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وبالتالي فإن المسؤولية المدنية تترتب على فعل يلحق‬
‫ضررا بحقوق األغيار كما أنها تنقسم إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية‪.‬‬

‫أهمية الموضوع ‪:‬‬

‫أهمية التوثيق تبرز من خالل كونه يعبر بصفة عامة عن نتاج المجتمع وتطور‬
‫المعامالت السائدة فيه‪ ،‬وكذلك من خالل ثقة الزبناا في الفئات المخول لها ممارسة هذه‬
‫المهنة والتي تتجاوز المعقول وما هو منطقي‪ ،‬لذلك فإن مسؤوليتهم تحتاج للدراسة‬
‫والوقوف على حدودها‪.‬‬

‫وهكذا فأهمية تخصيص موضوع البحت لمسؤولية الموثق العصري المدنية يمكن‬
‫تقسيمها إلى أهمية عملية وعملية‪.‬‬

‫أهمية الموضوع العلمية‪:‬‬

‫تتجلى أهمية المسؤولية المدنية للموثق العصري في كونها مقتضى القوانين الخاصة‬
‫بمهنة التوثيق من جهة‪ ،‬وبالقوانين العامة (قانون االلتزامات والعقود المغربي) من جهة‬

‫‪ - 8‬حسن علي الدنون ‪ :‬المبسوط في المسؤولية ‪- 1‬الضرر ‪ ،‬ساعدت كلية صدام هذا الكتاب‪ ،‬بدون تاريخ ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 9‬قال تعالى‪ " :‬فمن اعتدى عليكم فاعندوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "‪ ،‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.194‬‬

‫‪4‬‬
‫ثانية‪ ،‬لذلك فهي تحتاج لدراسة أكاديمية كثيرة تؤطر حدود هذه المسؤولية وتستشف الثغرات‬
‫التي يمكن أن تح ول دون تفعيل النصوص القانونية وتقترح النصوص التي يجب إعادة‬
‫صياغتها‪ ،‬أو إضافتها في النظام القانوني لهذه المسؤولية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإن هذا اإلطار القانوني كموضوع للدراسة لم يتم استهالكه من‬
‫طرف الباحثين‪.‬‬

‫أهمية الموضوع العملية‪:‬‬

‫تتجلى بوضوح من خالل كون الموثقون يعتبرون فئة ضرورية في المجتمع وذلك‬
‫ال رتباطهم بحياة المواطنين الخاصة منها والعامة‪ ،‬فحد منا في ضرورة اللجوا إليهم لتوثيق‬
‫معامالتنا المدنية منها والتجارية‪ ،‬وبتالي فإن االطالع على مسؤوليتهم أمر ضروري‬
‫باإلضافة إلى كون من يرغب في امتهان هذه المهنة يجب عليه أن يكون ملما بما هو ملقى‬
‫على عاتقه من جهة وما يترتب عن خرق هذه االلتزامات من مسؤولية من جهة ثانية‪،‬‬
‫نهيك على كون دراسة المسؤولية المدنية لهذه الفئة من شأنه وضع تصور شامل حول‬
‫مسؤوليتهم‪ ،‬ومنه وضع نظام قانوني خاص يجمع شتات النصوص القانونية المنظمة لهذه‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫المنهج المعتمد واإلشكالية وخطة البحث‪:‬‬

‫في دراستي لهذا الموضوع المسؤولية المدنية للموثق العصري‪ ،‬أحاول قدر اإلمكان‬
‫تطبيق المنهجية المعتدة في إعداد البحوث القا نونية‪ ،‬وذلك باالستعانة بعدة مناهج منها‬
‫المنهجين التحليلي والمقارن‪ ،‬تارة لتحليل المواد والنصوص القانونية‪ ،‬وأحيانا أخرى‬
‫لمقارنة مقتضيات هذه المواد بين القانون ‪ 32- 09‬وظهير ‪ 4‬ماي ‪ 1925‬الملغى وتشريعات‬
‫مقارنة أخرى‪ ،‬وذلك لمحاولة اإلجابة على األسئلة المطروحة واإلشكاليات الرئيسية لبحثي‬
‫المتمثلة في‪:‬‬

‫إلى أي حد توفق المشرع المغربي في إقرار المسؤولية المدنية للموثق العصري‬


‫ووضع أسس متينة لحماية مهنة التوثيق من خالل مستجدات القانون ‪ ،32- 309‬وهل تمكن‬

‫‪5‬‬
‫فعال من تحقيق األمن التعاقدي وإدخال الطمأنينة واألمن في نفوس المتعاملين مع مؤسسة‬
‫التوثيق العصري وضمان حقوقهم ؟‬

‫ويتفرع عن هذا اإلشكال الجوهري بعض األسئلة الفرعية‪:‬‬

‫ماهي األسس الذي تقوم عليه مسؤولية الموثق العصري المدنية؟‬

‫ماهي مجاالت وآليات تطبيقها وتفعيلها؟‬

‫هل يحق للموثق تعديل أحكام هذه المسؤولية؟ وهل بإمكانهم التأمين منها؟‬

‫ولمحاولة الوقوف على هذه اإلشكاالت ارتأيت أن أقسم الموضوع إلى فصلين‪ ،‬وذلك‬
‫على الشكل التالي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أحكام عامة للمسؤولية المدنية لموثق العصري‬

‫الفصل الثاني‪ :‬آثار مسؤولية الموثق العصري المدنية‬

‫‪6‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أحكام عامة للمسؤولية المدنية للموثق العصري‬

‫إن الحديث عن المسؤولية المدنية للموثق العصري يقتضي منا تحديد مفهومها‬
‫بوجه عام مع محاولة تحديد أساسها وطبيعتها بوجه خاص‪.‬‬

‫تتمثل المسؤولية المدنية للموثق بمعناها العام في االلتزام الذي بفرضه القانون على‬
‫المخطئ نحو من أصاب الضرر‪ ،‬ويستوي أن يكون الضرر الذي لحق الغير ناتجا عن خطأ‬
‫ارتكبه المتسبب فيه شخصيا أو نتج عن الخطأ الذي ارتكبه األشخاص اللذين يسأل عنهم‬
‫مدنيا‪.10‬‬

‫وقد اختلف الفقه بصدد تقسيم المسؤولية المدنية إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية‬
‫تقصيرية‪ ،‬والواقع أن كال من المسؤوليتين تعتبران جزاا عن االخالل بالتزام سابق‪.‬‬

‫وقد أثار هذا التميز بين المسؤولية العقدية والتقصيرية مسألة تحديد أساس وطبيعة‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري‪.‬‬

‫وعليه سنعمل من خالل هذا الفصل على تحديد أساس المسؤولية المدنية للموثق‬
‫العصري (المبحث األول) على تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري وشروط‬
‫قيامها (المبحث الثاني)‬

‫المبحث األول‪ :‬أساس المسؤولية المدنية للموثق العصري‬

‫بطبيعة الحال ال يمكن أن نقر بمسؤولة الموثق سواا الشخصية أو الناتجة عن فعل‬
‫التابعين له دون أن نستند على أساس قانوني يثبت ويؤطر لوجود هذه المسؤولية‪ .‬و من ثم‬
‫تعددت النصوص التي تشرع لمسؤولية الموثق‪.‬‬

‫‪ - 10‬مختار بن أحمد العطار‪ ":‬الوسيط في القانون المدني مصادر االلتزام"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاا‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2002 ،‬ص ‪275‬‬

‫‪7‬‬
‫وعليه سوف نتناول في هذا المبحث األساس الفقهي لمسؤولية الموثق العصري‬
‫(المطلب األول) ثم سنتناول األساس القنوني لمسؤولة الموثق العصري (المطلب الثاني)‬

‫الطلب األول لمسؤولية للموثق العصري‪ :‬األساس الفقهي‬

‫سنتحدث في هذا المطلب عن مفهوم نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي (الفقرة‬


‫األولى) وعن أركان الضمان ( الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي‬

‫يمكن تقسيم هذه الفقرة إلى المفهوم اللغوي( أوال ) والمفهوم االصطالحي (ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬المفهوم اللغوي‬

‫ضمان المال في اللغة أي الت زام ‪،‬ويقال " ضمنة المال‪ ،‬وضمنة المال ضمانا فأنا‬
‫ضامنا وضمين‪ ،‬وضمنته أي التزمته‪ ،‬فيقال‪ :‬ضمنته المال ‪ -‬بتشديد‪ -‬التزمت به "‪ 11‬فكلمة‬
‫الضمان في لغة العرب تطلق ويراد بيها عدت معاني منها الكفالة وااللتزام والغرامة‪.12‬‬

‫ثانيا‪ :‬المفهوم االصطالحي‬

‫يقصد بضمان في اصطالح الفقهاا بتعويض الغير عما أصابه من ضرر ويقصد به‬
‫أيضا معنا الكفالة‪.‬‬

‫وعرف بعض المالكية الضمان بقولهم‪ ":‬الضمان شغل ذمة أخرى بالحق وهو يشمل‬
‫ضمان المال وضمان الوجه وضمان الطلب "‪.13‬‬

‫‪ - 11‬وهبة الزحيلي‪ " :‬نظرية الضمن واحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه اإلسالمي –دراسة مقارنة ‪ "-‬دار الفكر‬
‫دمشق‪ ،‬سنة ه ‪ 1982- 1402‬م ‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪ - 12‬ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منضور‪ ":‬لسان العرب" المجلد الثالث عشر ‪ ،‬دار الفكر لطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪1414 ، 3‬ه‪1994 /‬م ‪ ،‬ص‪.257‬‬
‫‪ - 13‬ابو البركات أحمد الدردير ‪ ":‬الشرح الكبير مطبوع بحاشبة الدسوقي" لشمس الدين محد عرفة الدسوقي‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجزا الثالث‪ ،‬ص ‪330- 329‬‬

‫‪8‬‬
‫معند الشافعية فقد عرف اإلمام الغزالي بقوله‪ " :‬الضمان هو وجود رد الشيئ أو أداا‬
‫بدله بالمثل أو بالقيمة"‪.14‬‬

‫وعرف بعض الحنابلة بقولهم الضمان‪ ":‬ضم ذمة الضمان إلى دمة المضمون عنه في‬
‫التزام الحق"‪.15‬‬

‫وعرف اإلمام الشوكاني من الحنفية بقوله‪" :‬عبارة عن غرامة التالف"‪ .16‬وهو الضمان‬
‫بمعنى التعويض‪.‬‬

‫والمالحظ من التعاريف السابقة أن فقهاا المالكية والشافعية والحنبلية يستعملون في‬


‫كتبهم الفقهية مصطلح الضمان بمعني الكفالة‪.‬‬

‫بخالف الفقهاا الحنفية الذي يستعملون مل رادفا للتعويض عن الضرر الذي أصاب‬
‫الغير‪ ،‬وهو مرادف لما يصطلح عليه بالمسؤولية المدنية في التقنين المغربي‪.‬‬

‫ويجد الضمان مشروعيته في عدد من اآليات القرآنية منها قول هللا هللا سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم "‪ 17‬ويقول اين كثير في تفسير هذه‬
‫اآلية‪ " :‬يأمر هللا تعالى بالعدل في القصاص والمثلة في استيفاا الحق"‪.18‬‬

‫ويقول عز وجل كذلك‪ ":‬وجزاا سيئة سيئة مثلها"‪ ،19‬وقوله أيضا‪ ":‬وإن عاقبتم فعاقبوا‬
‫بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "‪.20‬‬

‫فهذه اآليات الكريمة تقرر مبدأ التضمين جبرا للضرر وقمعا للعدوان و زجرا‬
‫للمعتدين‪.21‬‬

‫‪ - 14‬عبد الحميد أخريف‪ :‬نظرية الضمان محاولة تأصيل المسؤولية المدنية في الفقه االسالمي"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا في القانون الخاص ‪ ،‬نوقشت بكلية الحقوق فاس ‪ ،1994- 1993‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 15‬وهبة الزحيلي‪ ،‬م ‪ .‬س ‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ - 16‬محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الشوكاني‪ ":‬نبيل األوطار شرح منتقي األخبار من أحداث سيد األخبار" سنة‬
‫‪1994‬م‪ ،‬الجزا السادس‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ - 17‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪194‬‬
‫‪ - 18‬ابن كثير أبو الفداا الحافظ ‪ " :‬تفسير القرآن الكريم" الجزا األول‪ ،‬دار الفكر للطبع والنشر ‪ ،1992‬ص ‪.227‬‬
‫‪ - 19‬سورة الشورى‪ :‬اآلية ‪.40‬‬
‫‪ - 20‬سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪.126‬‬

‫‪9‬‬
‫أما دليل مشروعية الضمان من السنة النبوية‪ ،‬فعديدة هي األحداث الدالة عل ى وجوب‬
‫الضمان منها‪:‬‬

‫ما رواه أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ‪ ،‬أهدت بعض أزواج النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم إليه طعاما في قطعة‪ ،‬فضربت عائشة القصعة بيدها‪ ،‬فألقت ما فيها‪ ،‬فقال النبي‪:‬‬

‫" طعام بطعام وإناا بإناا "‪ .22‬وكذلك ما خرجه اإلمام مالك بسنده أن رسول هللا صلم قال‬
‫‪" :‬ال ضرر و ال ضرار "‪ .23‬وما دامت األحاديث النبوية قد وردت عامة في باب الضمان‪،‬‬
‫فإن العدل الكتب أو الكاتب بالعدل يضمن انطالقا من أن العقد الذي يربطه بزبونه عقد‬
‫إجارة‪.24‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أركان الضمان‬

‫كما ذكر من ق بل فالمسؤولية المدنية للموثق العصري تخضع للقواعد العامة مع‬
‫احترام القانون المنظم لمهنة التوثيق العصري ‪ 32.09‬فهي تتحقق بثالتة أركان اساسية ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ركن التعدي‬

‫التعدي أو الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخالل بالتزام قانوني‪ ،‬أما الخطأ في‬
‫المسؤولية العقدية هو اإلخالل بالتزام عقدي والموثق يعد مرتكبا لخطأ مهني إذا لم يراعي‬
‫أتناا أدائه لمهامه لإلجرااات الضرورية لتفادي مخالفة النصوص القانونية والتنظيمية‬
‫والقواعد المهنية المنظمة لعمل الموثقين العصريين‪.‬‬

‫‪ - 2121‬وهبة الزحيلي‪ :‬م س ‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫‪ - 22‬أبو عيسى محمد السلمي الزمدي ‪ " :‬الجامع الصحيح وهو سنن الترميدي " كتاب األحكام باب ما جاا فيمن كسر له‬
‫الشيئ رقم الحديث ‪ 1359‬ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي الناشر المكتبة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.489‬‬

‫‪ - 23‬اإلمام مالك بن أنس ‪ :‬الموطأ ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1989‬دار الرشاد الحديثة‪ ،‬ص ‪.489 :‬‬
‫‪ - 24‬نائلة حديدو‪ :‬المسؤولية التأديبية والمدنية للعدول في التشريع المغربي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في‬
‫الفانون المدني‪ ،‬نوقشت بكلية الحقوق بمراكش ‪ ،2000 - 1999‬ص ‪.78‬‬

‫‪10‬‬
‫والمشرع المغربي لم يحصر االخطاا التي تعتبر مهنية في القانون رقم ‪ 23- 09‬انما‬
‫جاا بصياغة عامة تدخل فضمنها كل االخطاا التي تمس االلتزامات الملقاة على عاتقه‪.25‬‬

‫وعموما فهو عدم جواز الفعل ‪ ،‬فال يكون لفعل حق في إجراا الفعل الذي حصل منه‬
‫الضرر‪ ،‬وتقدير ذلك ال يتم دائما في ضوا الشرع أو العقد‪ ،‬وإنما في ضوا ما جرى به‬

‫العرف والعادة‪ .‬ثم إن التعدي باعتباره واقعة مادية ال يشترط فيه تعمد الفعل والضرر‪ ،‬أو‬
‫تعمد الفعل وحده دون الضرر إيجاب الضمان‪ ،‬إذا الحكم بالضمان من قبيل خطاب الوضع‬
‫الذي يترتب عليه سببه‪ ،‬أو هو ارتكاب فعل لم يأذن به الشارع لكونه على خالف الواجب أو‬
‫لحرمته لما لصاحبه من إهمال وتقصير في النظر المأمور به شرعا‪.26‬‬

‫ولهذا فإن سبب الحكم بالضمان هو وقوع حادثة مادية اعتبرها الشارع من قبيل‬
‫العدوان الموجب للضمان دون نظر إلى قصد الفاعل أو نيته أو الباعث على ارتكاب هذا‬
‫الفعل‪ ،‬هدا ويختلف التعدي الموجب للضمان عن التعدي الموجب للعقوبة‪.27‬‬

‫ثانيا‪ :‬الضرر‬

‫يراد بالضرر األ ذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه ومصلحة مشروعة له‪،‬‬
‫سواا كانت هذه المصالح مادية أو معنوية‪ ،‬ويعتبر الضرر شرط لقام المسؤولية الموثق‬
‫المدنية عقدية كانت أو تقصيرية‪ ،‬إذا ال يكفي لقيام مسؤولية الموثق المدنية بثبوت خطئه‪،‬‬
‫بل يجب أن ينجم عن هدا الخطأ ضرر يصيب الزبون أو في حق من حقوقه أو مصلحة‬
‫مشروعة و إال انتقلت مصلحة المتضرر في ممارسة دعوى المسؤولية‪ ،‬والضرر كما هو‬
‫معلوم نوعان ضرر معنوي وضرر مادي‪.28‬‬

‫وبالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة الموثق تتمثل في إضفاا الرسمية على العقود‬
‫وبالتالي قد يمس المعامالت العقارية وال تجارية والمالية لألفراد‪ ،‬الشيا الذي يفيد أن‬

‫‪ - 25‬أغراس البشير‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪200‬‬


‫‪- 26‬عبد الحميد أخريف‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 27‬غزالن اطويلع ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 28‬مأمون الكزبري ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.396‬‬

‫‪11‬‬
‫المتضرر الذي يمكن أن يتسبب فيه خطأ الموثق هو ضرر مادي وبالتالي يكون من‬
‫المستبعد حصول ضرر معنوي في مجال التوثيق‪.29‬‬

‫ولكن يترتب آثار الضرر في إجاب التعويض ال بد من توفر الشروط اآلتية‪:‬‬


‫‪30‬‬
‫_ أن يكون الضرر محققا أي يتعين أن ينون واقعا بالفعل أو سيقع حتما‪.‬‬

‫_ أن يكون الضرر مباشرا بمعنى أن يكون ما أصاب الغير من خسائر هو نتيجة‬


‫طبيعية للفعل الصادر عن المسؤول ‪ ،‬ونجد أن المشرع المغربي يأخذ بنظرية السبب‬
‫المباشر للتعويض عن الضرر الذي لحق المتضرر‪.31‬‬

‫_ أنه يمكن التحرز عنه‪ ،‬فكل األضرار التي تكون في الوسع تجنبها واالحتراز عنها‪،‬‬
‫تكون مضمونة على المتسبب فيها‪ ،‬وهو ما يفيد القاعدة الفقهية‪ " ،‬ما ال يمكن االحتراز عنه‬
‫ال ضمان فيه"‪. 32‬‬

‫وبالتالي فنظرية الضمان مؤسسة متطورة في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬حيث جاا في هذا‬
‫األخير بمصطلح الضمان وليس بمصطلح المسؤولية‪ ،‬وجعل من الضرر مناط الضمان‪ ،‬و‬
‫هذا استنادا لقوله صلم‪" :‬ال ضرر و الضرار"‪.‬‬

‫فالفقه اإلسالمي ركز فقط على الضرر مما يتفوق على القانون الوضعي الذي جعل من‬
‫الخطأ مناط المسؤولية‪.‬‬

‫فنظرية الضمان في الفقه اإلسالم ي ترد بمعنى التزام التعويض‪ ،‬وهو مرادف لما‬
‫يصطلح عليه بالمسؤولية المدنية عند الفقه القانوني‪ ،‬حيث أن كالهما يهدف إلى جبر‬
‫الضرر الطي أصحاب الغير بتعويض مالي ال يوسم بالعقوبة الزجرية كما هو الحال في‬
‫‪33‬‬
‫المسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫‪ - 29‬أغراس البشير‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪201‬‬


‫‪ - 30‬عبد الحميد أ خريف ‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪.177‬‬
‫‪ - 31‬غزالن اطويلع ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 32‬عبد الحميد أخريف ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪- 33‬غزالن اطويلع‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪12‬‬
‫إن العالقة السببية كركن ثالث لقام المسؤولية المدنية هي الرابطة التي تجمع بين الخطأ‬
‫الذي ارتكبه الموثق والضرر الناتج عنه بمعنى أن يكون خطأ الموثق هو الذي سبب‬
‫الضرر للزبون المضرور‪ ،‬وبالتالي فإن مسؤولية الموثق مقرونة بصدور خطأ عنه‪،‬‬
‫وحدوث ضرر كأن يكون الضرر ناشئا بشكل مباشر عن الخطأ ففي الحالة التي يكون فيها‬
‫الخطأ قد أضر بالغير الذي ليس طرف في العقد فالضرر يكون ناتجا مباشرة عن خطأ‬
‫ويخضع للقواعد العامة طبقا لمقتضيات المادة ‪ 26‬من القانون ‪.3409.32‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني لمسؤولية الموثق العصري‬

‫سأطرق في هذا المطلب إلى أساس مسؤولية الموثق العصري عن الفعل الشخصي‬
‫(الفقر األولى) و عن أساس مسؤولية عن فعل الغير (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس مسؤولية الموثق العصري عن الفعل الشخصي‬

‫إن تحديد األساس القانوني للمسؤولية الموثق يكتسي أهمية كبرى في دراسة هدا‬
‫الموضوع‪ ،‬فإذا كانت النصوص المنظمة لمهنة التوثيق‪ ،‬ومهنة خطة العدالة لم تشر لم تشر‬
‫لموضوع المسؤولية المدنية للموثق عن الضرر الذي يتسبب فيه شخصيا للزبناا اللدين‬
‫تربطهم بالموثق عالقة تعاقدية‪ ،‬واألغيار الذين تضرروا من جراا أعمال الموثق العتبارهم‬
‫أجانب عن العملية التوثيقية‪ ،‬مما يستوجب علينا الرجوع إلى النصوص العامة التي تنظم‬
‫هذا النوع من المسؤولية في قانون االلتزامات والعقود المغربي باعتباره القانون العام‬
‫النعدام النص في القانون الخاص‪.‬‬

‫‪ - 34‬اغراس البشير ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.201‬‬

‫‪13‬‬
‫لقد سبقت اإلشارة إلى أن التزام الموثق تجاه الزبون هو التزام عقدي يؤدي‬
‫اإل خالل به إلى ترتيب مسؤولية الموثق العصري العقدية‪ ،‬أما التزامه تجاه األغيار يؤدي‬
‫إلى ترتيب المسؤولية التقصيرية التي تجسد أساسها اإلخالل بالواجبات القانونية‪.35‬‬

‫وإذا كنا قد كفينا العقد بين الموثق بتحقيق نتيجة أو ما يعبر عنه البعض بالتزام محددا‬
‫و معين وهي تلقي إشهاد معين أو تحرير عقد بطريقة سليمة قانونا تجعل المستفيد منه قادرا‬
‫على حفض حقوقه و االحتجاج به في مواجهة كافة خصومه‪ .36‬فإذا لم تتحقق النتيجة‬
‫المقصودة من العقد‪ ،‬فإن المدين ‪-‬الموثق ‪ -‬ال يعتبر قد وفي بالتزامه‪ ،‬والمضرور ال يكلف‬
‫بأكثر من إثبات مصدر االلتزام و هو العقد‪ ،‬وحينما يحل الخطأ محل عدم تحقيق النتيجة‬
‫باعتبار أن تحقيق النتيجة باعتبار أن عدم تحقيق النتيجة هو ذات الخطأ التعاقدي‪.37‬‬

‫إال جانب من الفقه القانوني و على رأسهم الفقيه محمد خيري أن عالقة الموثق‬
‫كمحور للعقد بزبونه يجب أن تبتعد تماما عن العقد و أن تخضع لقواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية المبنية على إخالل الموثق بواجب قانوني حيث تتم مسائلته وفق مقتضيات‬
‫الفصل ‪77‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.38‬‬

‫إذا فمسؤولية الموثق تجد أساسها في المجال التقصيري في الفصل ‪ 77‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر اإلطار العام الذي ينظم هذا النوع من المسؤولية‬
‫الذي جاا فيه‪ " :‬كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار‪ ،‬ومن غير أن يسمح له به‬
‫القانون‪ ،‬فأحدث ضررا ماديا كان أو معنوي للغير‪ ،‬ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر‪ ،‬إذا‬
‫أث بت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر‪ ،‬وكل شرط مخالف لذلك يكون‬
‫عديم اآلثر "‪.39‬‬

‫‪ - 35‬غزالن اطويلع ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫‪ - 36‬نائلة حديدو‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ - 37‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬الوسيط غي ش رح القانون المدني الجديد" ‪ ،‬الجزا األول‪ ،‬طبعة القاهرة‪ ،‬ص ‪.660‬‬
‫‪ 38‬ندوة توثيق التصرفات العقارية مداخلة محمد خيري تحث عنوان‪ ":‬مهنة تحرير العقود بين التنظيم و اإلطالق"‬
‫منشورة بسلسلة الندوات و األيام الدراسية‪ ،‬العدد ‪ 23‬منشورات كلية الحقوق جامعة القياض عياض مراكش‪ ،‬سنة ‪،2005‬‬
‫ص ‪.91‬‬
‫‪ 39‬غزالن اطويلع ‪ :‬م س ‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪14‬‬
‫ويقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية إخالل الشخص التزام قانوني مع إدراك بهذا‬
‫اإلخالل ‪ .‬وعرف الفصل ‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي بأنه ‪ " :‬ترك ما كان‬
‫يجب فعله ‪ ،‬أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه‪ ،‬وذ لك من غير قصد إلحداث الضرر "‬
‫وبالتالي يمكن لكل شخص من الغير أن يقاضي الموثق عل ى أساس مبادئ المسؤولية‬
‫التقصيرية ( الفصلين ‪77‬و ‪ ،) 78‬ويقصد بالغير هنا شخص أجنبي عن العملية التوثيقية و‬
‫الذي ضرر من جرائها ‪ ،‬والخطأ في المسؤولية التقصيرية يتعين على المتضرر إثباته‪ ،‬إذا‬
‫ال تقوم مسؤولية الموثق العصري تقوم على أساس خطأ واجب اإلثبات‪ ،‬الذي يقع على‬
‫عاتق المتضرر‪.40‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أساس مسؤولية الموثق العصري عن فعل الغير‪.‬‬

‫إن مسؤولية الموثق ال تنتج عن فعله الشخصي فقط‪ ،‬وإنما تمتد كذلك إلى فعل‬
‫معاونيه ‪ ،‬وذلك طبقا للمادة ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬التي تنص على أن‬
‫الشخص ال يكون مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب ‪ ،‬لكن يكون كذلك مسؤوال‬
‫عن الضرر الذي يحدثه األشخاص اللذين في عهدته‪ ،‬وهو ما يعرف بمسؤولية المتبوع عن‬
‫فعل التابع أي أن المتبوع –الموثق‪ -‬يسأل عن الضرر الذي يحدثه تابعه في أداا الوظيفة‬
‫التي كلف بها فيتحمل المسؤولية عن أعمال النائب أو الكاتب األول‪ ،‬وهذا ما أكدته المادة‬
‫‪ 26‬من القانون ‪ 32.09‬المنظم لمهنة التوتيق التي جاا فيها‪ " :‬يتحمل الموثق مسؤولية‬
‫األضرار المترتبة عن أخطائه المهنية وأخطاا المهنين المتصرفين لديه وأجرائه ‪ ،‬وفق‬
‫قواعد المسؤولية المدنية"‪.‬‬

‫وتتميز مسؤولية المتبوع عن التابع من حيث أنها مقررة بقرينة قانونية قاطعة ال تقبل‬
‫إثبات العكس ‪ .‬فمسؤولية الموثق عن خطأ نائبه أو المتمرنين لديه بصفة قطعية ال تقبل‬
‫إثبات العكس‪ ،‬إذا صدر عن التابع الخطأ في حالة تأدية وضيفته أو بسببها‪.41‬‬

‫‪ 40‬مأمون الكزبري ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.374‬‬


‫‪ - 41‬مأمون الكزبري‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.452‬‬

‫‪15‬‬
‫ولقيام مسؤولية المتبوع لبد من ارتكاب التابع عمال غير مشروع أو اقتراف خطأ سبب‬
‫ضرار للغير‪ ،‬والمالحظ في هذا الخصوص أن المشرع المغربي نص في قانون االلتزامات‬
‫وعقود المغربي أنه يسأل عن الخطأ الذي يرتكبه التابع حالة تأدية وضيفته تحت مراقبة‬
‫الموثق وال يكفي أن تكون بمناسبتها‪.‬‬

‫أما القانون المقارن وخصوصا القانون المصري فقد جاا بنص عام إذ نص في الفصل‬
‫‪ 174‬من القانون المدني المصري‪" :‬يكون المتبوع مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه تابعه‬
‫بعمل غير مشروع متى كان واقعا منه في حالة تأديت وضيفته أو بسببها"‪.‬‬

‫كما أن الموثق الجزائري يتحمل ب مسؤولية األشخاص الذين يوظفهم لتسيير مكتب‬
‫التوثيق ‪ .‬فقد نصت المادة ‪ 16‬من القانون ‪ 02.06‬المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق الجزائري‪":‬‬
‫يمكن للموثق أن يوظف تحث مسؤولية األشخاص اللذين يراهم ضروريين لسير المكتب‬
‫وعموما ما يمكن القول بأن أساس مسؤولية الموثق عن فعل الغير هي مسؤولية تقصيرية‬
‫استث نائية ‪ ،‬تهدف إلى حماية مصلحة المتضرر في الحصول على التعويض وال يمنع ذلك‬
‫من مسائلة التابع إذا تبث خطأه وال يحول دون رجوع المتبوع عليه فيما دفعه ‪.42‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري وشروط قيامها‬

‫إن المشرع ميز بين مسؤولية الموثق العقدية والتقصيرية‪ ،‬وهو ما عبر عنه‬
‫بالمسؤولية تجاه أطراف العقد‪ ،‬بين مسؤولية الموثق المدنية والتقصيرية وهي مسؤولية تجاه‬
‫الغير‪ ،‬ولما كانت هاتان المسؤوليتان تتحدان في المبدأ القا ضي بالتزام كل من ارتكب خطأ‬
‫يسبب للغير ضررا بالت عويض وتقومان على نفس األركان ‪.‬‬

‫وعلى ضوا هذه القرأة سنحاول مقاربة هذا المبحث من خالل الطبيعة القانونية‬
‫لمسؤولية الموثق العصري ( المطلب االول) وعلى أن أقارب شروط قيام هذه المسؤولية‬
‫(المطلب الثاني)‬
‫‪ - 42‬غزالن اطويلع ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪16‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري‬

‫سأتحدث في هذا المطلب عن طبيعة العالقة بين الموثق والزبون ( الفقرة األولى) ثم‬
‫بعد ذلك سأنتقل لتحدث عن مسؤولية الموثق تجاه الزبون ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األلى‪ :‬طبيعة العالقة بين الموثق والزبون‬

‫بالرجوع إلى النصوص المنظمة لمهنة التوثيق نجدها لم تحدد طبيعة المسؤولية‬
‫المدنية للموثق‪ ،‬مما يستوجب علينا الرجوع إلى قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الذي‬
‫نظم هذا النوع من المسؤولية‪ .‬فالعالقة الثي تربط الموثق بالزبون قد تأخد شكل عقد إجارة‬
‫الصنعة أو عقد الوكالة أو عقد المقاولة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عقد إجارة الصنعة‬

‫لقد دهب المشرع المغربي إلى اعتبار مهنة التوثيق مهنة حرة وهذا ما نصت عليه‬
‫المادة ‪ 1‬من القانون ‪ 32.09‬المنظم للمهنة والتي جاا فيها ‪ ":‬أما التوتيق مهنة حرى تمارس‬
‫وفق الشروط وحسب االختصاصات المقررة في القانون المذكور في النصوص الخاصة "‪،‬‬
‫فالموثق إذن يمارس مهامه بصفة مستقلة في إطار مهنة حرة خول له القانون الصالحيات‬
‫االزمة لتلقي العقود‪ ،‬واضافة الصفة الرسمية عليها بعد استكمال الشكليات المتطلبة قانونا‬
‫وفق مقتضيات هذا القانون وبناا عليه فالموثق اعتباره ممارسا لمهنة حرة يمكن تكيف‬
‫العالقة التي تربط الموثق العصري بالزبون على أساس إجارة خدمات أو صنعة‪ ،‬فهو‬
‫وعد بإسداا خدمة مقابل أجر وبالتالي يخضع في عالقته بالزبون لمقتضيات الفصل ‪724‬‬
‫من قلع ‪ ،‬حيث أن المشرع اعتبر بمثابة إجارة الصنعة العقد الذي يلتزم بمقتضاه األشخاص‬
‫الذي يباشرون المهن والفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم‪ ،‬وكذلك الشأن لألساتذة‬
‫وأرباب العلوم والفنون‪.43‬‬

‫‪ - 43‬غزالن اطويلع‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪18‬‬

‫‪17‬‬
‫ثانيا‪ :‬عقد الوكالة‬

‫إن وكالة الموثق تخول األخير تمثيل الزبون أمام اإلدارات العمومية و الخاصة و‬
‫القيام بإجراااتها‪.‬‬

‫فقد عرف قانون االلتزامات والعقود المغربي في الفصل ‪ 879‬بأنها‪ " :‬عقد بمقتضاه‬
‫يكلف شخص شخصا آخر بإجراا عمل مشروع لحسابه‪ ،‬ويسوغ إعطاا الوكالة أيضا‬
‫لمصلحة الموكل و الوكيل ‪ ،‬أو لمصلحة الموكل والغير‪ ،‬بل لمصلحة الغير وحده" ‪.‬‬

‫وإذا حاولنا تنزيل مقتضيات هذا الفصل عل ى العالقة بين الموثق والزبون نالحظ عدم‬
‫انسجام أحكام عقد الوكالة مع الدور الخطير الذي يطلع به الموثق في المجتمع وعدم‬
‫انطباق أحكامه على جميع التزامات الموثق ‪ ،‬كما أن المادة ‪ 47‬من قانون ‪ 32.09‬المنظم‬
‫لمهنة التوثيق‪ ،‬خولت للموثق تمثيل الزبون أمام إدارة التسجيل والتحفيظ العقاري وقيامه‬
‫بإجراااتها دون لزوم توكيل كتابي‪ ،‬إذا نعتبر نيابته قانونية وجوبية‪.‬‬

‫إال أنه تجدر اإلشارة أنه في الجانب العلمي درج الموثقون على تضمين عقودهم ببند‬
‫يتضمن تفويضا لهم والذي غالبا ما يكون على الشكل التالي‪ " :‬يفوض الطرفان األستاذ‬
‫الموثق ‪ ...‬الموقع أسفله السلطات الكاملة لتنفيذ العقد وأداا كافة الرسوم و المستحقات و‬
‫الضرائب و طلب جميع الوثائق والرخص اإلدارية"‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عقد المقاولة‬

‫لقد دهب بعض الفقه القانوني أن ارتباط الموثق بزبونه يشكل عقد مقاولة رافضين‬
‫بهذه الطريقة رابطة التبعية بين الموثق و معتبرين أن العقد يتناسب أكثر مع وضعية الموثق‬
‫مع زبونه‪.44‬‬

‫‪44‬‬
‫‪-‬عبد المجيد بوكبير ‪ " :‬التوثيق العصري المغربي" ‪ ،‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2010‬ص ‪.215‬‬

‫‪18‬‬
‫إذ يبذل األول للثاني جهدا محدد يتمثل في تحرير عقد فاعل و تقديم كافة التوضيحات‬
‫و النصائح مقابل أتعاب تحدد باالستناد إلى الم همة المنجزة بدون أي رابطة تبعية بين‬
‫الطرفين‪ ،‬و يعرف عقد المقاولة بأنه عقد يقصد به أن يقوم به أن يقوم شخ بعمل معين معين‬
‫لحساب شخص أخر في مقابل أخر دون أن يخضع إلشرافه أو إدارته‪.45‬‬

‫وفي هذا الخصوص يطرح ال تساؤل إلى أي مدى ينطبق عقد المقاولة على أعمال‬
‫الموثق؟‬

‫تتلخص مهام الموثق في تحرير العقود وإضفاا الرسمية و إسداا النصح لألطراف و‬
‫بتقديم االستشارة بغية حماية حقوق األطراف‪ ،‬و لما كان لمثل األعمال المادية هي باسم‬
‫الموثق شخصيا‪ ،‬لذلك اعتبر العقد المبرم بين الطرفين هي من قبيل عقد المقاولة شريطة‬
‫أن ال يخضع الموثق في أداا هذه األعمال لرقابة وتوجيه الزبون‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه األستاذ‬
‫وافق عبد الغني‪.46‬‬

‫فقد ذهبت المحكمة إلى اعتبار أن العالقة التعاقدية ثابتة بين الطرف المدعي الممتل في‬
‫الزبون‪ ،‬وطرف المدعي عليه والممثل في الموثق ‪ ،‬مما تترتب عليه مسؤولية الموثق‬
‫العقدية‪ ،‬إال أن جانب من الفقه القانوني و على رأسهم الفقيه محمد خيري و الذي يرفض‬
‫رفضا قاطعا وضع العالقة بين الموثق والزبون في حقل التعاقدي معززا بذلك ما ذهب إليه‬
‫الفقيه دوما‪.47‬‬

‫وهذا االتجاه الفقهي دهب إلى تطبيق العالقة التي تربط الموثق بالزبون تقوم على‬
‫أساس المسؤولية التقصيرية المبنية على إخالل الموثق بواجب قانوني‪ ،‬وليس على اإلخالل‬

‫‪ - 45‬غزالن اطويلع‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫‪ - 46‬اليوم الدراسي المشترك بين الجهوي للودادية الحسنية للقضاا و الغرفة الوطنية للتةثيق لجهة مراكش تانسيفت‬
‫الحوز‪ ،‬منتدى البحث القانوني المنظم يوم ‪ 20‬ماي ‪ 2006‬بقصر المؤتمرات‪ ،‬التوثيق العصري في خدمة التنمية البشرية‬
‫" ‪ ،‬مداخلة وافق عبدي الفني‪ ،‬ص ‪207 :‬‬
‫‪ - 47‬نائلة حديدو ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪82‬‬

‫‪19‬‬
‫بالتزام تعاقدي ويعللون ذلك بكون الموثق تكزن تقصيرية عندما يصدر عنه خطأ‬
‫تقصيري‪.48‬‬

‫و في األخير نقول بأن الرأي الفقهي القائل با لمسؤولية الموثق التقصيرية رأي فيه‬
‫مجافات للعدالة ‪ ،‬وذلك ألن هذه في أصلها تقوم على خطأ ثابت يجب على المتضرر إثباته‬
‫في جانب الموثق ‪ ،‬وهو أمر يعجز عنه المتضرر في الغالب عن إثباته خاصة أن الموثقون‬
‫يعمدون في تحرير عقودهم باللغة الفرنسية‪ ،‬مما ي صعب على الزبون تبيان خطأ الموثق‬
‫ويتحمل الضرر عن رفع دعوى المسؤولية ضد هذا األخير المقصر ألنه على بينة من مدى‬
‫صعوبة المجابهة مع موثق متمرس وذا دراية قانونية‪.49‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مسؤولية الموثق اتجاه الزبناء‬

‫لقد ألزم المشرع المغربي الموثق عدم إفشاا أسرار المتعاقدين (أوال) ‪ ،‬وااللتزام بالتأكد‬
‫من الوضعية القانونية للعقار وحقيقة المالكين له (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مسؤولية الموثق عن إفشاء السر المهني‬

‫يعتبر الموثق من األمناا على األسرار‪ ،‬لذلك ألزم القانون ‪ 32.09‬المنظم لمهنة‬
‫التوثيق بعدم إفشاا السر المهني الذي يصل علمه أثناا ممارسة مهامه‪.‬‬

‫فقد أوجب القان ون المحافظ على أسرار المتعاقدين واحترام كل الواجبات التي تتطلبها‬
‫مهنة التوثيق‪ ،‬فأقدس واجب يتحمل الموثق العصري اتجاه زبنائه المحافظ على السر‬
‫المهني الذي يعتبر من مقومات المهنة‪ .‬إذ يمنع عليه أن يفشي أي سر من االسرار المهنية‬
‫أو ا ألسرار الشخصية التي اطلع عليها بحكم المهنة‪ ،‬وبناا عليه فقيام الموثق بإفشاا السر‬
‫المهني يشكل إخالل بالتزام عقديـ‪ ،‬فمن ضمن االلتزامات القانونية التي يفرضها عليه‬
‫القانون المحافظة على أسرار المتعاقدين‪ ،‬إال أن هذا االلتزام قد يتحول من التزام عقدي إلى‬
‫تقصيري عند عدم وجود أي عقد يربط الموثق مع الزبون ‪ ،‬ما دام انتهى بالتنفيذ‪ ،‬حيث يمتد‬

‫‪ - 48‬عبد المجيد بوكبير ‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪.214‬‬


‫‪ - 49‬غزالن اطويلع ‪ ،‬م س ‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫‪20‬‬
‫السر المهني إلى ما بعد انتهاا نشاطه المهني إذا يبقى لصيقا به وال يتملص منه بانتهاا‬
‫العالقة التعاقدية‪ ،‬فهو مدين بعدم إفشاا لسر زبونه‪.50‬‬

‫فبمجرد إثبات وقوع الخطأ والضرر الذي لحق الم تضرر والعالقة السببية بينهما يستحق‬
‫المتضرر التعويض عن األضرار المادية والمعنوية التي سببها له فعل اإلفشاا طبقا لقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫وقد نص صراحة المشرع في المادة ‪ 24‬من القانون ‪ 32.09‬المتعلق بتنظيم مهنة‬


‫التوثيق على واجب عدم إفشاا السر المهني بالنسبة للموثق و أجرائه والمتمرنين لديه مالم‬
‫ينص القانون على خالف ذلك‪.‬‬

‫واستثنى المشرع من قاعدة االلتزام بالسر المهني بعض الحاالت التي أوجب فيها على‬
‫األمين إفشاا السر المهني‪ .‬وهذه بعض الحاالت التي أوجب فيها على األمين إفشاا السر‬
‫المهني‬

‫_ أسباب جوازية‪:‬‬

‫الحالة التي يكون فيها إفشاا السر المهني مصلحة لصاحبه مع رضى هذا األخير بإفشائه‬
‫مثال‬

‫_ أسباب قانونية‪:‬‬

‫حتى ال يستعمل السر المهني كدريعة للتستر على جرائم ضد األشخاص أو الدولة أو يدفع‬
‫به إلخفاا حقائق أو وقائع مضرة بالخزينة العامة فقد أوجب على األمين إفشاا السر المهني‬
‫في حاالت معينة وهي‪:‬‬

‫‪ - 50‬عبد هللا درميش‪ " :‬اخالقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم " ‪ ،‬مقال منشور بمجلة رحاب المحاكم‪ ،‬العدد الثالث‪،‬‬
‫دجنبر ‪ ،2009‬ص ‪.22‬‬

‫‪21‬‬
‫_ حالة التبليغ عن الجريمة كحضور شخص إلى الموثق ليستشيره عن طريقة التزوير‬
‫عقد دون التعرض لمتابعة جنائية‪ ،‬وجب على الموثق أن يمنع عن إرشادهو أن يحاول‬
‫منعه ولو بإفشاا سره‪.‬‬

‫_ حق االطالع إلدارة الضرائب‪ ،‬فقد رخص المشرع الجنائي لوظفي الضرائب االطالع‬
‫على أص ول عقود وسجالت الموثق بصفتهم مكل فون بتحصيل الضرائب المستحقة للدولة‪،‬‬
‫بغرض معرفة أعمال الموثق ومح اسبته بهدف تحديد الضرائب المترتبة عليه ومقارنة‬
‫تصريحاته باألرقام المدونة لديه على السجالت ومدى مطابقتها‪.51‬‬

‫_ األوامر القضائي ة كحالة أداا الشهادة لألشخاص ملزمين بعدم إفشاا السر المهني‪،‬‬
‫فالموثق الذي استدته المحكمة لإلدالا بشهادته يكون ملزما لتلبية الدعوى‪ ،‬وال تقبل التنازع‬
‫بالسر المهني تحت طائلة التعرض لمقتضيات المادة ‪ 125‬من قانون المسطرة الجنائية التي‬
‫تعاقب على االمتناع عن أداا الشهادة‪.‬‬

‫حق المراقبة لل وكيل العام للملك وممثل الوزارة المكلف بالمالية‪ :‬يمكن للوكيل العام‬
‫للملك لدى محكمة االستئناف أو من بنوب عنه أن يقوم بمراقبة أي مكتب للتوثيق بكيفية‬
‫مفاجئة ولو أن يختار من يساعده في ذلك وللوكيل العام وممثلي وزارة المالية حق البحث‬
‫والتفتيش و االطالع الواسع على أصول العقود والسجالت والسندات والقيم والمباغ النقدية‬
‫والحسابات البنكية‪.52‬‬

‫ثانيا‪ :‬مسؤولية الموثق عن عدم التأكد من الوضعية القانونية للعقار‬

‫إن الموثق في إطار المعامالت العقارية التي يجريها يكون ملزما بالتأكد والتحري‬
‫عن الوضعية القانونية للعقار ‪ ،‬وهذا االلتزام يستمد أساسه من المادة ‪ 37‬من القانون‬
‫‪ 32.09‬المنظم لمهنة التوثيق التي ألزمت الموثق بنصح الزبون والسعي إلرشاده وذلك‬
‫بتبصيرهم بالوضعية القانونية للعقار محا المعاملة‪.‬‬

‫‪ - 51‬غزالن اطويلع ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ - 52‬سيدي محمد كمال مشيشي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪22‬‬
‫وهذا االلتزام يسري على العقارات المحفظة كما على العقارات غير المحفظة‪.‬‬

‫بالنسبة للعقارات المحفظة‪:‬‬

‫إذا تعلق األمر بعقار محفظ فيجب على الموثق اللجوا إلى المحافظ على األمالك‬
‫العقارية ‪ ،‬قصد الحصول على معلومات شخصية عن المالك والمعلومات المتعلقة‬
‫بالمل ك المراد تفويته ‪ ،‬وذلك باستخراج شهادة عقارية من المحافظة التي يوجد العقار‬
‫بدائرة نفودها‪ ،‬الموثق على دراية تامة بوضعية العقار المراد تفويته‪.‬‬
‫ويبقى الموثق مسؤوال وملزم بهذا اإلجراا حتى لو ضمن العقد شرطا يعفيه من‬
‫المسؤولية أو وضعه في محرر مستقل‪ ،‬ذلك أن القضاا ال يعتد به ألنه يعتبر من‬
‫االلتزامات القانونية‪ ،‬ويبقى الموثق مسؤوال عن عدم تأكد من الوضعية القانونية‬
‫العقار‪.53‬‬

‫بالنسبة للعقارات غير المحفظة‬

‫على الرغم ان العقارات غير المحفظة ليسلها رسم عقاري يمكن االطالع على‬
‫وضعيته ‪ ،‬فإن المادة ‪ 4‬من القانون رقم ‪ 39.08‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية نصت‬
‫على أنه‪:‬‬
‫" يجب أن تحرر ‪ -‬تحت طائلة البطالن ‪ -‬جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو‬
‫بإنشاا الحقوق العينية األخرى أو نقلها أو تعديلها او إسقاطها بموجب محرر رسمي أو‬
‫بمحرر ُابت التاريخ منجز من لدن محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض مالم ينص‬
‫القانون على خالف ذلك"‪.‬‬
‫وبناا عليه فإن المادة ‪ 4‬من الحقوق العينية منحت االختصاص للموثق بتوثيق جميع‬
‫العقود المتعلقة بالعقارات المحفظة أو غير المحفظة‪ ،‬وذلك بغية توثيق هذه العقود على‬

‫‪ - 53‬الحسيني عبد المطلب‪ " :‬المسؤولية المهنية للموثق العصري"‪ ،‬رسالة انيل دبلوم الماستر في القانون الخاص الذي‬
‫نوقشت بكلية الحقو ق مراكش ‪ ،‬سنة ‪ ،2010/2011‬ص ‪26‬‬

‫‪23‬‬
‫أساس سليم ومتين يحد من النزاعات ويخفف العبا عن المحاكم خصوصا إذا علمنا أن‬
‫جل أراضي المغرب غير محفظة‪.54‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق العصري‬

‫سنحاول البحث في هذه الفقرة في شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق العصري‬
‫من خالل التطرق إلى شرط الخطأ لقيام تلك المسؤولية‪ ،‬باإلضافة إلى شرطي الضرر‬
‫والعالقة السببية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شرط الخطأ‬

‫المشرع المغربي لم يحصر االخطاا التي تعتبر مهنية في القانون ‪ 32.09‬انما‬


‫جاا بصياغة عامة تدخل فضمنها كل االخطاا التي تمس االلتزامات في القانون‬
‫‪ 32.09‬انما جاا بصياغة عامة تدخل فضمنها كل االخطاا التي تمس االلتزامات‬
‫الملقاة على عانقه‪.‬‬

‫‪ - 1‬شرط الخطأ العقدي‬

‫لقيام المسؤولية المدنية للموثق العصري البد من شرط الخطأ‪ ،‬فقد عرفه الفقيه‬
‫الفرنسي بالنيول بانه‪ " :‬اإلخالل بالتزام سابق"‬
‫أما المشرع المغربي فقد عرف الخطأ في الفصل ‪ 78‬من قلع المغربي بأنه‪:‬‬
‫ط ترك ما كان يجب فعله‪ ،‬أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه وذلك من غير‬
‫قصد إلحداث الضرر"‪ .‬فالخطأ عموما يتحلل إلى عنصرين‪ ،‬أولهما مادي أو‬
‫موضوعي وهو اإلخالل‪ ،‬بواجب قانوني‪ ،‬وثانيهما معنوي وهو اإلدراك‬
‫واالنحراف"‪.55‬‬

‫‪ - 54‬محمد الربيعي ‪ " :‬األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات اصدار دارسة على ضوا التوثيق العدلي والتوتيق‬
‫العصري"‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2008‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 55‬الطيب الفصايلي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪222‬‬

‫‪24‬‬
‫ومن التطبيقات الواقعة على الخطأ العقدي عدم إساا النصح‪ ،‬بحيث يعتبر‬
‫االلتزام بإسداا النصح وإرشاد الزبون من بين االلتزامات األدبية التي تحولت مع‬
‫مرور الوقت إلى واجبات قانونية‪ ،‬والموثق مطالب بإسداا النصح للزبون ولو لم‬
‫يطلبه هذا األخير‪ ،‬كلما تبين له أنه في حاجة إلى ذلك‪ ،‬حيث إن مهام الموثق ال‬
‫تنحصر في تحرير العقود وإضفاا صفة الرسمية عليها بل تجاوز ذلك إلى تقديم‬
‫النصح واإلرشاد للمتعاقدين اثناا العملية التعاقدية‪.56‬‬
‫فقد اختلف الفقه القانوني حول أساس هذا االلتزام بين من اعتبره واجبا أدبيا‬
‫يجد أساه في طبيعة مهنة التوثيق نفسها‪ ،‬في حين دهب بعض الفقه القانوني إلى أن‬
‫أساس هذا اال لتزام هو وجود عقد ضمني بين الزبون والموثق يلزم بمقتضاه هذا‬
‫األخير بأن يقدم إليه النصائح الضرورية مقابل أتعاب معقولة‪.57‬‬
‫فالمشرع المغربي في قانون ‪ 32.09‬المنظم لمهنة التوثيق ألم الموثق بتقديم‬
‫النصح لألطراف المتعاقدين دون إلزام هؤالا بطلب النصح وهذا ما نصت عليه‬
‫المادة ‪ 37‬من نفس القانون‪ " :‬يجب على الموثق إسداا النصح لألطراف كما يجب‬
‫عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم أن يوضح لهم االبعاد‬
‫واآلثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها" ‪.‬وقد تابعة محكمة االستئناف‬
‫بمراكش بمتابعة الموثق بعدم تقديم ال نصح واإلرشاد لألطراف ‪،‬ومخالفة القواعد‬
‫المسطرة في ظهير التوثيق وخرق المواجبات العموميات والثقة إلى يتعين عليه‬
‫بعثها في النفوس وبالتالي فالموثق بعد قيامه بالتزامه قد مس بالثقة‬
‫المفروضة‪.58‬‬

‫‪ - 2‬شرط الخطأ التقصيري‬

‫يقوم أساس المسؤولية التقصيرية للموثق على مقتضيات الفصلين ‪77‬و‪78‬‬


‫من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬فبمجرد إثبات وقوع الخطأ هو ‪ -‬إفشاا السر‬

‫‪ - 56‬غزالن اطويلع‪ ، :‬م س ‪ ،‬ص ‪30‬‬


‫‪ - 57‬محمد الربيعي‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪- 58‬قرار صادر عن محكمة االستئناف بمراكش‪ ،‬تحت رقم‪ 6‬يتاريخ ‪ 23‬مارس‪ ،2011‬في الملف رقم‪10/1127/2564‬‬

‫‪25‬‬
‫المهني ‪ -‬والضرر والعالقة السببية بينهما‪ ،‬يستحق المتضرر التعويض عن االضرار‬
‫المادية والمعنوية التي سببها له فعل اإلفشاا‪ ،‬و ال يمكن نفيه بإثبات أن العناية لعدم‬
‫اإلفشاا وإن أمكنه نفي مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي وذلك كسرقة مستندات‬
‫تحتوي على أسرار والمتعاقدين د اخل مكتبة حديث نصت المادة ‪ 28‬من‬
‫القانون‪ 32.09‬على أن‪ " :‬يسأل الموثق مدنيا إذا قضت المحكمة ببطالن عقد‬
‫أنجزه بسبب خطئه المهني ونتج عنه نتج تعنت تهذا البطالن ضررا ألتحد‬
‫األطراف " فمن خالل مقتضيات هذه المادة يستطيع المتضرر الرجوع على‬
‫المخطئ بالتعويض طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فمناط هذه المسؤولية تكون‬
‫تقصيرية ألن العقد كان باطال أو قابال لإلبطال أو أبطل فعال‪.59‬‬
‫كما أن خطأ الموثق يكون تقصيريا في الحالة التي يترتب فيها الخطأ ضد‬
‫أشخاص ال تربطهم به أية عالقة تعاقدية‪ ،‬سواا كان الخطأ الصادر عن الفعل‬
‫الشخصي أو نجم عن خطأ أحد أجرائه‪ ،‬ويقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية‬
‫إخالل الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا اإلخالل‪.60‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شرط الضرر‬

‫يراد بالضرر األذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه ومصلحة‬


‫مشروعة كانت هذه المصلحة مادية أو كانت معنوية‪ ،61‬ويعتبر الضرر شرط لقيام‬
‫المسؤولية المدنية بثبوت خطئه‪ ،‬بل يجب أن ينجم عن هذا الخطأ ضرار يصيب‬
‫الزبون أو الغير في حق من حقوقه أو مصلحة مشروعة وإال انتقلت مصلحة‬
‫المتضرر في ممارسة دعوى المسؤولية ‪ ،‬والضرر كما هو معلوم نوعان ضرر‬
‫معنوي وضرر مادي‪.62‬‬

‫‪ - 59‬غزالن اطويلع‪ ، :‬م س ‪ ،‬ص ‪.33‬‬


‫‪ - 60‬مأمون الكزبري ‪ ، :‬م س ‪،‬ص‪.376‬‬
‫‪ - 61‬مأمون الكزبري ‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.396‬‬
‫‪ - 62‬فالضرر المادي هو الذي يصيب اإلنسان في ذمته المالية أو في جسمه وهو إما ضرر مالي أو جسماني أما الضرر‬
‫المعنوي هو الذي يصيب اإلنسان في ناحية غير مالية‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وبالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة الموثق في إضفاا الرسمية على العقود‬
‫وبالتالي قد يمس المعامالت العقارية والتجارية والمالية لألفراد‪ ،‬الشيا الذي يفيد‬
‫أن الضرر ال ذي يمكن أن يتسبب فيه خطأ الموثق هو ضرر مادي وبالتالي يكون‬
‫من المستبعد حصول ضرر معنوي في مجال التوثيق‪.63‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬شرط العالقة السببية‬

‫إن العالقة السببية كركن ثالث لقيام المسؤولية المدنية للموثق هي الرابط‬
‫التي تجمع بين الخطأ الذي ارتكبه الموثق والضرر الناتج عنه بمعنى أن يكون خطأ‬
‫الموتق هو الذي سبب الضرر للزبون المضرور‪ ،‬وبالتالي فإن مسؤولية الموثق‬
‫مقرونة بصدور خطأ عنه‪ ،‬وحدوث ضرر كأن يكون الضرر ناشئا بشكل مباشر‬
‫عن الخطأ‪ ،‬ففي الحالة التي يكون فيها الخطأ قد أضر بالغير الذي ليس طرفا في‬
‫العقد فالضرر يكون ناتجا مباشرا عن الخطأ‪ ،‬ويخضع للقواعد العامة طبقا‬
‫لمقتضيات المادة ‪ 26‬من القانون رقم ‪ ( 64 32.09‬مسؤولية تقصيرية) أما في‬
‫الحالة التي يكون فيها الخطأ قد أضر بالمتعاقد‪ ،‬فإن الضرر هنا ناتجا عن الخطأ‬
‫‪65‬‬
‫من نفس القانون مع التأكيد‬ ‫مباشرة بل ناتجا عن بطالن العقد طبقا لمادة ‪28‬‬
‫‪66‬‬
‫من نفس القانون المذكور المتعلق بحالة‬ ‫على االستثناا الوارد في المادة ‪29‬‬
‫امتناع الموثق عن القيام بواجبه بدون سبب مشروع‪.67‬‬

‫‪ - 63‬أغراس البشير‪ ، :‬م س ‪ ،‬ص ‪.201‬‬


‫‪ - 64‬وقد جاا في الفقرة األولى من هذه المادة‪ " :‬يتحمل الموثق مسؤولية األضرار المترتبة عن أخطائه المهنية واألخطاا‬
‫المهنية للمتمرنين لديه وفقا لقواعد المسؤولية المدنية‪.‬‬
‫‪ - 65‬التي تنص على أنه ‪ " :‬يسأل الموثق مدنيا إذا قدت المحكمة ببطالن عقد أنجزه الموثق بسبب خطئه المهني وينتج‬
‫عن هذا البطالن ضرر ألحد األطراف" ‪.‬‬
‫‪ - 66‬الذي نص ‪ " :‬إذا امتنع الموثق عن القيام بواجبه بدون سبب مشروع تحمل مسؤولية الضرر المترتب عن هذا‬
‫االمتناع"‪.‬‬
‫‪ - 67‬أغراس لبشير‪ :‬م س ‪ ،‬ص‪.202‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬آثار مسؤولية الموثق العصري المدنية‬

‫إذا توافرت شروط وأركان المسؤولية المدنية للموثق العصري كما أسلفنا‬
‫الذكر والتي تمتل في الخطأ والضرر والعالقة السببية بين الخطأ والضرر فيترتب‬
‫عن ذلل التزام الموثق بتعويض المتضرر عما لحقه من ضرر و في حالة االمتناع‬
‫عن أداا التعويض يكون الحق للمتضرر في رفع دعوى المسؤولية المدنية في‬
‫مواجهة الموثق أمام المحكمة المختصة قصد الحصول على حكم نهائي يقضي‬
‫بتعويض هذا األخير‪ ،‬ألجل ذلك سوف نتناول في (المبحث األول) دعوى‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري ثم مدى استحقاق المتضرر للتعويض ( المبحث‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬دعوى للموثق العصري المسؤولية المدنية‬

‫إن المتضرر من خطأ الموثق له الحق في رفع دعوى المسؤولية في مواجهة‬


‫الموثق عن الضرر الذي أصابه من جراا ذلك وفق القواعد العامة الواردة في‬
‫قانون المسطرة المدنية و علي ه سأتعرض في هذا المبحث إلى إجراا رفع دعوى‬
‫المسؤولية ( المطلب األول) ‪ ،‬ثم عن وسائل دفع المسؤولية عن الموثق ( المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إجراءات رفع دعوى المسؤولية‬

‫األصل أن النزاعات المدنية بصفة عامة ومن ضمنها دعوى ترفع للمحكمة‬
‫المدنية وفق قواعد المسطرة المدنية والقوانين الخاصة عند االقتضاا‪.‬‬
‫وبناا على ذلك فإن المتضرر من أخطاا الموثق له الحق إقامة دعوى‬
‫المسؤولية المدنية في مواجهة الموثق‪ ،‬هذه الدعوى تخضع في مجملها إلى القواعد‬
‫العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية‪ .‬فالمدعي في دعوى المسؤولية هو‬
‫الزبون المتضرر بما قام به الموثق‪ ،‬ومن ثم يكون هو صاحب المصلحة والصفة‬
‫في رفع دعوى المسؤولية ضد الموثق‪ ،‬و بالتالي يمكن القول أن الحق في االدعاا‬
‫بالتعويض هو حق ثابت للمتضرر شخصيا‪ ،‬أما غير المتضرر فليس له الحق في‬
‫رفع الدعوى‪ ،‬لكن هذا الحق ال يثبت للمتضرر وحده بل يثبت كذلك لنائبه ‪ ،‬حيث‬
‫يمكنه المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق من هو في عهدته نيابة عنه إذا‬
‫كان المتضرر فاقدا األهلية أو ناقصها‪ ،‬وتقام الدعوى في هذه الحالة من قبل نائبه‬
‫الشرعي‪ ،‬أي من قبل الولي أو الوصي أو المقدم حسب األحوال طبقا لقانون‬
‫المسطرة المدنية ومدونة األسرة‪.68‬‬
‫وفي حالة وفاة المتضرر األصلي آلت الدعوى إلى الورثة للمطالبة‬
‫بالتعويض الذي لحق المتضرر األصلي من أخطاا الموثق‪ ،‬أما المدعى عليه يمثل‬
‫في الموثق وهو المسؤول عن الضرر الذي لحق المتضرر من جراا الخطأ الصادر‬
‫منه‪ ،‬وتوجه هذه الدعوى ضد الموثق عن العمل الشخصي‪ ،‬وضد أعمال المتمرنين‬
‫و المستخدمين لديهم طبقا للقوانين الخاصة لمهنة الموثق كما أسلفنا الذكر‪ ،‬وكذلك‬
‫طبقا للقواعد العامة في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬وتنبني هذه المسؤولية‬
‫على فكرة خطأ مفترض في جانب المتبرع وهو خطأ في اختيار التابع والخطأ في‬
‫اختيار التابع وخطأ في الرقابة والتوجيه طبقا لفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪. 69‬‬

‫‪ - 68‬عالل حمداش‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.220‬‬


‫‪ - 69‬غزالن اطويلع‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪39‬‬

‫‪29‬‬
‫وإذا تعلق األمر بالمسألة االثبات في دعوى المسؤولية‪ ،‬فالمبدأ أن المدعي هو‬
‫الذي يقيم الدليل على وجود الضرر ثم قيام الرابطة السببية بين الخطأ والضرر‪ ،‬أن‬
‫يقيم هذا الدليل بجميع طرق اإلثبات المكرسة في قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي‪.‬‬

‫بالرجوع الى القواعد العامة و تحديدا الفصول‪ 70 399‬و ‪ 71400‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬


‫يظهر لنا ان القواعد العامة تضع عبا االثبات على المدعي أي الزبون المتضرر ‪.‬‬

‫فعلى المتضرر ان يثبت الخطأ و الضرر و العالقة السببية بين الخطأ و الضرر‬
‫لكن اليس في هذا بعض الحيف وعدم العدالة ضد المضرور الذي غالبا لن يجد ما يثبت‬
‫خطا الموثق هذا االخير الذي يعرف خبايا التوثيق و الدعاوى العقارية بعكس االول الذي‬
‫غالبا ما يكون اميا في هذه االمور‪.72‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الطرف الذي يتحمل عبا اإلثبات يختلف بحسب إذا ما كانت‬
‫طبيعة المسؤولية عقدية أو تقصيرية‪ ،‬يتعلق األمر بالتزام عقدي مثال بقيام الموثق بتقديم‬
‫النصح واالرشاد للزبناا أثناا العملية التوثيقية ‪ ،‬يتحمل الموثق إثبات أنه قام بتنفيد التزامه‬
‫العقدي‪.‬‬

‫وهكذا المسؤولية التقصيرية الناتجة عن إخالل بالتزام قانوني ‪ ،‬فبا االثبات في‬
‫هذه الحالة يقع على عاتق الزبون‪ ،‬بأن الموثق قد خالف االلتزامات الملقاة على عاتقه أو‬
‫ارتكاب خطأ تقصيري كإفشاا السر المهني‪ ،73‬وعليه يكلف الزبون المتضرر بإثبات‬
‫المخالفة في حق الموثق‪ .‬وكذلك إثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر الناتج عن‬

‫‪ - 70‬الفصل ‪ " 399‬إثبات االلتزام على عدمه"‬


‫‪ - 71‬الفصل ‪ ": 400‬ال يلزم‪ ،‬اإلثبات االلتزامات‪ ،‬أي شكل خاص‪ ،‬إال في األحوال التي يقرر القانون فيها شكال معينا‪.‬‬
‫إذا قرر القانون شكال معينا‪ ،‬لم يسغ إجراا إثبات االلتزام أو التصرف بشكل آخر يخالفه‪ ،‬إال في االحوال التي يستثنيها‬
‫القانون‪.‬‬
‫إذا قرر القانون أن يكون العقد مكت وبا اعتبر نفس الشكل مطلوبا في كل التعديالت التي يراد إدخالها على هذا العقد"‬
‫‪ - 72‬أغراس البشير‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ - 73‬نور الدين بزدي‪ " :‬المسؤولية المدنية والتأديبية للعدول والموثق على ضوا التشريع المغربي" ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المعمقة في القانون الخ اص‪ ،‬نوقشت بكلية الحقوق بمكناس ‪ ،‬سنة ‪ ،2010/2009‬ص ‪.97‬‬

‫‪30‬‬
‫االخالل بالسر المهني‪ ،‬ويجوز له إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات المقررة في قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وتقام دعوى المسؤولية المدنية ضد الوثق لدى المحكمة االبتدائية‪ ،‬ويقع الحكم آنذاك‬
‫إما ابتدا ئيا قابال لالستئناف وفق قانون المسطرة المدنية باعتبار القانون اإلجرائي المعتمد‬
‫عليه في التقاضي أمام محاكم المملكة المغربية‪.‬‬

‫فالمتضرر من اعمال الموثق يمكن له يطالب بالتعويض أمام المحكمة الجنائية في‬
‫إطار ما يصطلح عليه بالدعوى المدنية التابعة إذا كان الخطأ الذي تسبب فيه الموثق يشكل‬
‫جريمة كالتزوير وإفشاا السر المهني للزبون وذلك طبقا للفصل ‪ 9‬من قانون المسطرة‬
‫المدنية الذي يقضي بأن الدعوى المدنية يمكن أن تقام ضد مرتكبي الجريمة أمام المحكمة‬
‫الجنائية هذا فيما يتعلق باالختصاص المحلي فيجب رفع الدعوى أمام محكمة عمل الموثق‬
‫تبعا للجهة التي تمارس الرقابة على الموث ق‪ .74‬فإذا كان الخطأ عقديا كان االختصاص‬
‫لمحكمة محل التعاقد أو تنفيد العقد‪ ،‬أما إذا كان الخطأ تقصيري كما هو الحال بالنسبة للغير‬
‫الذي ال تربطه أي عالقة تعاقدية مع الموثق المتابع فيتم االحتكام إلى الفصل ‪ 28‬من قانون‬
‫المسطرة المدنية‪ ،‬فالمحكمة التي وقع بدائرتها الفعل الصادر من المتسبب للضرر الذي‬
‫ينظر في المتابعة‪.75‬‬

‫لذلك ألزم المشرع الموثق احترام االختصاص المكاني وإال اعتبر مرتكبا لمخالفة‬
‫مهنية ‪ .‬وفي نظرنا أن المشرع المغربي كان صائبا حيث ألم الموثق بالتقيد باختصاصه‬
‫المكاني واعتبر هذا من القواعد الجوهرية الي يتعين احترامها وذلك لتفادي المنافسة التي‬
‫قد تتسرب إلى قطاع التوثيق و التي قد تؤثر سلبا على قيمة العقد الرسمي و مكانته لدى‬
‫المتعاملين‪ ،‬ويكون بذلك معرضا للمسائلة القانونية والتأديبية طبقا لفقرة الثانية من المادة ‪49‬‬
‫من القانون ‪ 32.09‬المنظم لمهنة التوثيق‪.76‬‬

‫‪ - 74‬نور الدين بزدي‪ ، :‬م س‪ ،‬ص ‪.101‬‬


‫‪ - 75‬عالل حمداش‪ :‬م س ‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫‪ - 76‬غزالن اطويلع‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪31‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل دفع المسؤولية‬

‫كما سبقت اإلشارة يشترط لقيام المسؤولية المدنية للموثق سواا العقدية أو‬
‫التقصيرية إثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪ ،‬غير ان هذه المسؤولية ال تكون‬
‫مطلقة ‪ ،‬إذا يمكن للموثق دفعها في حالة ما إذا انعدمت العالقة السببية بين الخطأ المدعى‬
‫عليه و الضرر الالحق بالمدعي وفي هذه الحالة ما إذا انعدمت العالقة السببية بين الخطأ‬
‫والضرر و في هذه الحالة ال يطالب المتضرر بتعويض عن الضرر الذي لحقه ‪ ،‬او بصف‬
‫عامة إذا لم يتوفر هناك ركن من أركان المسؤولية المدنية‪ .‬و عليه المدعي عليه يتحمل من‬
‫المسؤولية إذا أثبت وجود القوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪ ،‬أو في حالة خطأ المتضرر‪.‬‬
‫حيث تعتبر القوة القاهرة والحادث الفجائي من أهم حاالت السبب األجنبي التي تمكن الموتق‬
‫من دفع المسؤولية المدنية عن طريق دفع العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪.77‬‬

‫وخالفا لما كان يراه بعض أنصار الفقه التقليدي م ن أن القوة القاهرة تختلف عن‬
‫الحادث الفجائي من كون األولى كانت مستحيلة الدفع استحالة مطلقة‪ ،‬والثانية ما غير ممكن‬
‫توقعه بصف نسبية‪.78‬‬

‫ولقد عرف المشرع المغربي القوة القاهرة أثناا عرضه ألسباب عدم تنفيد االلتزامات‬
‫العقدية‪ ،‬وذلك في الفصل ‪ 269‬من قانون االلتزامات والعقود الذي ينص على أن ‪ ":‬القوة‬
‫القاهرة هي كل أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتوقعه‪ ،‬كالظواهر الطبيعية والفيضانات‬
‫والجفاف والعواصف‪ ...‬وال يعتبر من قبيل القوة القاهرة األمر الذي كان من الممكن دفعه ‪،‬‬
‫مالم يقدم المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه عن نفسه"‪.‬‬

‫قد تحول القوة القاهرة أو الحادث الفجائي دون تنفيد الموثق التزامه بتحرير عقد‬
‫معين‪ ،‬وعدم القيام بتسجيله لذى مصلحة التسجيل و التمبر داخل األجل القانوني ‪ ،‬وتنتفي‬
‫تبعا لذلك مسؤولية الموثق عن الضرر الذي لحق المتضرر بصريح الفصل ‪ 269‬من قلع ‪.‬‬

‫‪ - 77‬غزالن اطويلع‪ ، :‬م س ‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫‪ - 78‬عبد القادر العرعاري‪" :‬مصدر االلتزامات‪ ،‬الكتاب الثاني" المسؤولية المدنية" ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،2011‬توزيع دار‬
‫األمان‪ ،‬الرباط ص ‪.119‬‬

‫‪32‬‬
‫كما يمكن للموثق أن ينفي العالقة السببية عن طريق السبب األجنبي‪ ،‬فيثبت أن قوة‬
‫قاهرة أو حدث مفاجئ أو خطأ الغير هو الذي كان وراا إفشاا السر المهني لزبون مثال‪.‬‬

‫وقد يكون من اثر القوة القاهرة أو الحدث الفجائي ال اإلعفاا من تنفيد االلتزام بل‬
‫وقف تنفيذ ه حثى يزول الحادث فيبقى االلتزام موقوفا على أن يعود واجب التنفيذ بعد زوال‬
‫الحادث ‪.79‬‬

‫كما يعد خطأ المتضرر ‪-‬الزبون ‪ -‬إلى جانب كل من القوة القاهرة والحدث الفجائي من‬
‫بين األسباب التي من خاللها يمكن للمدعى عليه دفع المسؤولية ‪ ،‬حيث تنفي مسؤولية‬
‫الموثق إذا ك ان الضرر الذي لحق المتضرر ناتجا عن هذا األخير‪ ،‬هنا مسؤولية الموثق‬
‫غير قائمة‪.‬‬

‫فإدا كان خطأ الزبون أو احد من الغير هو السبب الوحيد لوقوع الضرر ‪ ،‬فإن‬
‫مسؤولية الموثق تنعدم وال يمكن مسائلته في هذا اإلطار ألنه ليس ملزم بضمان تقصير‬
‫لألفراد في استعمال حقهم ا لمتمثل في اطالع الموثق على كافة المعلومات اللزمة إلبرام‬
‫اتفاقية فاعلة‪ . 80‬وتبعا لذلك تنتفي مسؤولية الموثق ألن الضرر الذي لحق الزبون ناتج عن‬
‫الخطأ الشخصي لهذا األخير‪ ،‬كما أن اعترافه بكونه تلقى نصائح من الموثق ينفي‬
‫مسؤوليته‪.‬‬

‫كما أن مسؤولية الموثق تنعدم إذا تقاعس الزبون في إحضار المستندات التي يتوقف‬
‫عليه تحرير عقد معين‪ ،‬الشيا الذي دفع الموثق عدم تحرير العقد في الوقت النهائي‪ .‬ففي‬
‫هذه الحالة ال مجال لمسائلة الموثق من جراا هذا األخير‪ ،‬وطبيعة الحال يقع على عاتقه‬
‫عبا إثبات خطأ المتضرر وأنه قام بالواجبات ال قانونية المفروضة عليه وخصوصا واجب‬
‫إسداا النصح واإلرشاد للزبناا لدرا المسؤولية عن الموثق‪.81‬‬

‫‪ - 79‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬م س ‪ ،‬ص ‪880‬‬


‫‪ - 80‬الحسني عبد المطلب‪ ، ،‬م س ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ - 81‬عبد الرزاق السنوهري‪ :‬م س‪ ،‬ص‪.881‬‬

‫‪33‬‬
‫وعلى ذلك ففي حالة مساهمة خطأ المدعي والمدعى عليه تتوزع المسؤولية بينهما‪،‬‬
‫وهو ما يشكل إعفاا جزئي للموثق‪ .‬وقد يكون إعفاا الموثق كليا عندما يكون الضرر ناتج‬
‫عن خطأ الزبون نفسه‪ ،‬كما في حالو ما ذا سارع المشتري إلى تسليم التمن إلى البائع وتوقيع‬
‫العقد بدعوى أنه قام بالتحريات بنفسه ‪ ،‬فيكون خطأ الغير سبب إلعفاا الموثق من‬
‫المسؤولية المدنية ‪ ،‬ويقصد بالغير كل األشخاص الجانب عن العقد‪.‬‬

‫وفي حالة توفر شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق ‪ ،‬يمكن للمتضرر المطالبة‬
‫بالتعويض عن الضرر الذي لحقه‪ ،‬وذلك طبقا لقواعد المسؤولية المدنية المكرسة في قانون‬
‫االلتزامات والعقود ‪.82‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مدى استحقاق المتضرر التعويض‬

‫يكون التعويض بمثابة األثر المباشر من رفع الدعوى المدنية‪ ،‬و أن عليه‬
‫يمكنه الرجوع على اآلخرين الذين يكونون مسؤول ين معه بواسطة دعوى الرجوع‬
‫و يعت بر التأمين من المسؤوليات المدنية من أنواع التأمين على األضرار الذي يتميز‬
‫بطابعه التعويضي ‪ .‬معليه سنحول مقاربة في هذا المبحث من خالل التعويض‬
‫ودعوى الرجوع ( المطلب األول) ثم التأمين كآلية للتخفيف من التخفيف من‬
‫مسؤولية الموثق العصري (المطلب الثاني) ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعويض ودعوى الرجوع‬

‫إذا توفرت شروط المسؤولية المدنية للموثق التي عرضناها سابقا‪ ،‬وهي‬
‫الخطأ و الضرر والعالقة السببية‪ ،‬وترتب على ذلك أن يلتزم المسؤول بدفع هذا‬
‫التعويض رضاا‪ ،‬فسبيل المضرور إذا تعدر االتفاق علي التعويض أن يرفع‬
‫الدعوى قضاا طالبا الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه و تسمى الدعوى‬
‫هنا الدعوى المسؤولية أو دعوى التعويض‪.‬‬
‫‪ - 82‬مأمون الكزبري‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.467‬‬

‫‪34‬‬
‫إذا ثبتت مسؤولية الموثق عن الضرر يكون ملزما بأداا التعويض لفائدة‬
‫بأن المحكمة ثبت في دعوى التعويض وفقا للقواعد العامة ولها المتضرر‪ ،‬مع العلم‬
‫التعويض المستحق حسب الظروف الخاصة بكل حالة السلطة التقديرية في تقدير‬
‫ذلك لرقابة محكمة النقض إال من حيث وجسامة الضرر الحاصل وإال تخضع في‬
‫تضمن هذا التعويض هي العناصر التي اعتمدتها في تكييف الضرر‪ .‬والجهة التي‬
‫‪.‬صندوق التأمين وصندوق الضمان للموثقين‪.83‬‬
‫وبموجب المادة ‪ 94‬من القانون ‪ 32- 09‬احدث صندوق لتأمين وضمان‬
‫صندوق الضمان للموثقين هو الحلول محل الموثقين في أداا المبالغ الموثقين وهدف‬
‫األطراف المتضررة‪ .‬ومن الطبيعي أن المقصود بذلك هو المحكوم بها عليهم لفائدة‬
‫‪.‬قام به الموثقون في النطاق المهني الضرر الحاصل االغيار من كل عمل‪.‬‬
‫والحلول في اإلداا ليس مطبقا وآليا‪ ،‬بل يكون في حالة عجز الموثق عن‬
‫عدم كفاية المبالغ التي يجب أن يؤديها الجانب المؤمن للموثق‪ ،‬األداا‪ ،‬أو في حالة‬
‫لسقف المبالغ التي يمكن أن تحل فيها شركة وال سيما عندما يكون هناك تحديد‬
‫‪.‬انعدام التأمين التأمين محل المؤمنين لديها في األداا ‪.84‬‬
‫وبالرجوع إلى قانون ‪ 09.32‬يتبين أن المشرع لم يتحدث عن التعويض من‬
‫استحقاقه وانقضائه ما عدا ما نص عليه بمناسبة الحديث عن صندوق حيث شروط‬
‫المادة ‪ 94‬من القانون المذكور‪ ،‬وفي نفس اإلطار الضمان وفقا لما نصت عليه‬
‫مسؤوليته المدنية ومسؤولية ألزمت المادة ‪ 26‬من نفس القانون بالتامين على‬
‫التابعين له‪ ،‬وقد تبنى المشرع إجبارية التامين حماية لحقوق الزبناا‬
‫في حالة ثبوت المسؤولية المدنية للموثق ومن هم في عهدته وزيادة في الضمان‬
‫بصندوق الموثقين الذي كان منظما في إطار الفصل ‪ 39‬من ظهير احتفظ المشرع‬
‫أفرد له القسم السادس من القانون ‪، 09.32‬والذي ‪ 04‬ماي ‪ 1925‬الملغى حيث‬
‫األطراف المتضررة في حالة عجز تمثل في دورة أداا المبالغ المحكوم بها لفائدة‬

‫‪ - 83‬أغراس البشير‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.204‬‬


‫‪ - 84‬غزالن أطويلع‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪44‬‬

‫‪35‬‬
‫تؤديها شركة التأمين الموثق عن األداا‪ ،‬أو في حالة عدم كفاية المبالغ التي يجب أن‬
‫محل الموثق‪ ،‬لكن مع العلم أن هذا الصندوق يؤدي التعويض في حدود المبالغ‬
‫المتوفرة لديه حسب ما أشارت إليه المادة ‪ 96‬من القانون أعاله‪.85‬‬

‫ويتمثل الجزاا عن المسؤولية المدنية الذي يحكم به القاضي جبرا للضرر الذي لحق‬
‫المتضرر‪ ،‬فقوعد التعرض في دعوى مسؤولية الموثق ال تختلف عن القواعد العامة في‬
‫دعوى المسؤولية وهي كوسيلة لجبر الضرر‪ ،‬القاضي وهو في سبيل تقدير التعويض قد‬
‫يحكم على جميع المسؤولين تضامن ا وقد يحكم به على أحدهم مما يخول له حق الرجوع‬
‫على اآلخرين في حدود القدر الذي أداه‪ .‬فإذا وقع عمل مشروع تسبب في الضرر‪ ،‬كان‬
‫للمتضرر الحق في الحصول على التعويض عما لحقه من ضرر‪ ،‬وباعتبار أن الموثق‬
‫مسؤول عن اإلخالل بااللتزامات القانونية تجاه الزبون فإن الجزاا الذي يترتب عليه هو‬
‫التعويض‪ ،‬الذي يجب أن يمنحه الموثق للمتضرر ويخضع هذا التعويض للقواعد العامة‬
‫الواجبة التطبيق في قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وهكذا فقد جاات المادة ‪ 98‬من قانون االلتزامات والعقود تقضي بتعريف الضرر‬
‫الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعال و المصروفات‬
‫الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي أضر به‪،‬‬
‫وكذلك ما فاته من كسب كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه يجب على‬
‫المحكمة عند تقديرها لألضرار أن تأخذ بعين االعتبار جسامة الخطأ وما إذا كان‬
‫الضرر الذي أصاب المتضرر قد نجم نتيجة خطأ عادي أو نتيجة تدليس‪ ,‬وعليه‬
‫يمكن للزبون لمتضرر متى صدر عن عن الموثق تدليس أو خطأ جسيم أن يطالب‬
‫بالتعويض حسب الكيفية المعمول بها في المجال التقصيري‪ ،‬إذ يكون في الحالة‬
‫أشمل من التعويض المقدر حسب الطريقة المعمول بها في الميدان العقاري‪.‬‬

‫‪ - 85‬أغراس البشير‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪206‬‬

‫‪36‬‬
‫فالموثق يشمل إلى جانب التعويض النقدي الذي يقدر بقيمة الضرر الناشئ عن‬
‫الخطأ سواا كان ماديا أو معنويا والمصاريف التي تحملها المدعي والرسوم‬
‫القضائية وأتعاب المحامي‪.‬‬
‫وتقدير التعويض يستقل به قضاة الموضوع‪ ،‬فلهم سلطة تقديرية مطلقة في‬
‫تعيين مبلغ التعرض الواجب منحه للمتضرر ‪ ،‬أن يكونوا ملزمين بيان األساس‬
‫المعتمد إلجراا هذا التقدير أو ما دام تقدير التعويض يعود لقضاة الموضوع ‪ ،‬فإنه‬
‫يخرج عن رقابة المجلس األعلى‪.86‬‬
‫وعليه يمكن القول أن التعويض يكون متحققا عند التأخر في تنفيد الموثق لبعض‬
‫االلتزامات القانونية الملقاة على عاتقه ‪ ،‬مثال إذا التزم هذا األخير بالقيام بإجرااات‬
‫التسجيل و التمبر وتأخر عن ذلك فإنه يتحمل الغرامات التي يمكن أن يتحملها‬
‫الزبون‪ ،‬فالموثق يحل محل الزبون‪ ،‬وقد أشارت المادة ‪ 137‬من مدونة التسجيل‬
‫والتمبر أنه ‪ " :‬يجب على الموثقين أن يضمنوا العقود والبينات و التصرفات‬
‫التقديرية الالزمة لتصفية واجبات التسجيل" ‪،‬فمن خالل مقتضيات هذه المادة يلزم‬
‫الموثق بواجب تسجيل العقود التي يقوم بتحريرها و أن يؤدي رسوم التسجيل‬
‫والتمبر داخل األجل القانوني ‪ 30‬يوما من تاريخ إنشاا العقد تحت طائلة توقيع‬
‫غرامات على كل تأخير عن التسجيل‪.‬‬
‫وكذلك إذا تم تفويت فرصة للزبون فهي تعتبر ضرارا يستوجب التعويض‬
‫عنه طبقا لقواعد المسؤولية المدنية ‪ .‬وللمحكمة سلطة تقديرية في تقدير التعويض‬
‫سواا كان تعويضا عينيا وتعويض بمقابل‪.‬‬
‫فالتعويض العيني يحكم به الحالة التي يمكن فيها إرجاع الحالة إلى ما كانت‬
‫عليها قبل حدوث الضرر الذي ناله قصد التخفيف من وقع الضرر عليه‪ 87‬وهو‬
‫الذي يقع المطالبة به في أغلب األحوال‪.‬‬
‫وينشأ الحق في التعويض من وقت وقوع الضرر ‪ ،‬ذلك أن العمل غير‬
‫المشروع هو مصدر الحق في التعويض‪ ،‬فإن تحقيق الضرر من وقت صدور هذا‬
‫‪ - 86‬مأمون الكزبري‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.468‬‬
‫‪ - 87‬إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.193‬‬

‫‪37‬‬
‫العمل وجب الحق في التعويض‪ ،‬أما إذا حصل ال ضرر بعد مضي زمن على‬
‫اقتراف العمل الخاطئ‪ ،‬فإن الحق ال يوجد إال من وقت تحقيق الضرر ألن هذا‬
‫الوقت هو الذي تكتمل فيه أركان المسؤولية‪.‬‬
‫ويتعين تقدير التعويض يوم صدور الحكم ذلك أن النتائج التي تترتب عن‬
‫العمل غير المشروع قد تشتد أو تخف تبعا للظروف‪ .88‬ويتعين على الموثق دفع‬
‫التعويضات المحكوم بها دون تأخير‪ .‬أما إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين‪،‬‬
‫كان كل منهم مسؤوال بالتضامن عن النتائج وهذا ما يؤكد إمكانية الموثق على وجه‬
‫التضامن و الذي يجد أساسه في الفصلين ‪ 99‬و‪ 100‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫حيث تثبت المسؤولية التضامنية في حالة تعدد المسؤولين عن الضرر وتعذر‬
‫تحديد النسبة التي ساهموا في الضرر‪.‬‬
‫ويحق لكل واحد أدى جميع التعويض للمتضرر‪ ،‬على أن يطالب غيره من‬
‫المسؤولين بإرجاع م ا دفعه عنهم‪ ،‬وك يفما كان نوع الرجوع سواا تم من قبل الموثق‬
‫على المتمرنين أو على أحد األغيار فإن أساس هذا الرجوع يجد سنده في الفصل‬
‫‪ 178‬من قانون االلتزامات والعقود الذي جعل العالقات بين المدينين المتضامنين‬
‫تنظم بمقتضى قواعد أحكام الوكالة و الكفالة‪.‬‬
‫كما يحق لألطراف في دعوى المسؤولية االتفاق على تعديل أحكامها ضمن‬
‫الحدود التي يسمح القانون القيام بذلك‪ ،‬إال أنه ينبغي أن نميز بين المسؤوليتين‬
‫العقدية والتقصيرية ‪.‬فالمسؤولية العقدية يمكن االتفاق على تعديل أحكامها إما من‬
‫حيث مدى الدعوى و إما فيما من حيث تشديده أو تخفيفه أو اإلعفاا منه ‪ ،‬ففي‬
‫حالة التشديد تقع الزيادة في مدى االلتزام بالتعويض بحيث تجعله شامال ل أصناف‬
‫الضرر ال يتناولها في األصل‪ ،‬من ذلك مثال رضى شخص بأن يتحمل التعويض‬
‫عن الضرر الحاصل للمتضرر حتى لو يث بت في جانبه أي خطأ او كما اتفق المدين‬
‫مع دائنه على أن يل تزم بالتعويض عن كل األضرار الحاصلة له من جراا عدو‬
‫الوفاا بااللتزام أو التأخير في الوفاا حتى ما كان منها غير مباشر أو حتى لو لم‬

‫‪ - 88‬إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪.192‬‬

‫‪38‬‬
‫يكن ذلك معزوا إليه بأن كان رجعا إلى سبب أجنبي ال يدله فيه كالقوة القاهرة الو‬
‫الحادث الفجائي ‪ ،89‬أما التخفيف فيراد به تخفيف التعويض عن المدين فال يلتزم‬
‫سوى بتعويض جزئي عند إخالله بالتزامات عقدية في مواجهة دائنه المتضرر من‬
‫أخطاا الموثق‪.‬‬
‫أما المسؤولية التقصيرية فهي تنشأ عندما ال تر الموثق بالزبون أية عالقة‬
‫تعاقدية أي أن يكون أجنبي عن العملية التوثيقية كما أسلفنا الذكر ‪ ،‬فهي بهذا‬
‫ليست كأحكام المسؤولية العقدية‪ ،‬بحيث ال يجوز االتفاق على اعفاا من المسؤولية‬
‫التقصيرية أو التخفيف منها قبل حدوث الضرر سواا من حيث مدة التعويض‪ ،‬فهي‬
‫ممنوعة و تعتبر عديمة األثر سراا كانت هذه االتفاقات تتعلق بالمسؤولية الناجمة‬
‫عن الجرائم وأشباه الجرائم حسب ما ورد عليه النص صراحة في الفصلين ‪77‬و‬
‫‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫وأخيرا فإن جزاا إخالل الموثق بالتزامه وثبوت مسؤوليته هو التعويض هذا‬
‫األخير يقدر حسب الضرر وأهميته وكذاك جسامته‪ ،‬ويتعين على الموثق دفع مبلغ‬
‫التعويض كامال غير أنه في حالة إعسار‪ ،‬فإن صندوق الضمان إما أن يساهم أو‬
‫يتحمل المبلغ كامال غير حالة عدم كفاية المبلغ المؤدى من قبل شركة التأمين‪.‬‬

‫المطل ب الثاني‪ :‬التأمين كآلية للتخفيف من مسؤولية الموثق العصري‬

‫التأمين من المسؤولية هو عقد يؤمن بواسطة المؤمن له ضد رجوع الغير‬


‫عليه بسبب تحقيق مسؤوليته والمطالبة بالتعويض عن الضرر الفعلي الحاصل له‬

‫‪89‬‬
‫‪ -‬عالل حمداش‪ :‬م س ‪ ،‬ص ‪235‬‬

‫‪39‬‬
‫سواا كانت المسؤولية عقدية أم تقصيرية‪ ،90‬حيث يجوز للموثق أن يؤمن على‬
‫مسؤوليته المترتبة عن أخطااه التي تصيب األطراف أو الغير بضرر‪ ،‬سواا كان‬
‫الخطأ عقديا أو تقصيريا‪.‬‬
‫ونظرا لجسامة اال لتزامات التي تقع على عاتق الموثق اتجاه األطراف المتعاقدة‬
‫‪،‬و األخطاا المهنية التي قد يرتكبها أثناا مزاولة مهامه‪ ،‬دفع المشرع المغربي‬
‫المبادرة إلى التنصيص على التأمين في إطار المسؤولية المهنية للموثق مما يشكل‬
‫حماية للموثق‪.‬‬
‫إن من بين أهم ما نص عليه القانون ‪ 32.09‬المنظم لمهنة التوثيق‪ ،‬إجباري‬
‫تأمين الموثق عن مسؤوليته المدنية‪ ،‬حيث أن القانون الجديد ألزم الموثق بإبرام عقد‬
‫التأمين قبل مبا شرته لعمله أي بعد أدائه اليمين القانوني‪ ،‬ولعل النص على إجبارية‬
‫التأمين سينعكس إيجابيا على مهنة التوثيق عموما‪ ،‬وسيخفف من معاناة المتضررين‬
‫من أخطاا الموثقين على وجه الخصوص‪.‬‬
‫وجدير باإلشارة أن أخالل صندوق التأمين للموثقين محله في األداا متوقف‬
‫على عسر الموثق‪ ،‬فقد جاا القانون ‪ 32.09‬المنظم لمهنة التوثيق ليحدث هيأة‬
‫خاصة يعهد إليها بأداا المبلغ المحكوم بها لألطراف المتعاقدة في حالة عسر‬
‫الموثق‪ ،‬وقد سمح القانون الجديد للموثق بالتأمين عن مسؤوليته تابعه الذي يساعده‬
‫في مختلف إجرااات التوثيق‪ ،‬وعلى هذا األساس يمكن للمتضرر الرجوع إما على‬
‫التابع أو المتبوع أو عليهما معا‪ ،‬وما على الموثق إال إثبات الفصل ‪ 88‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود ليتحلل من المسؤولية‪.‬‬
‫وهكذا جاا القسم السادس من الباب الثاني ليكد أن الصندوق المحدث بموجب‬
‫الفصل ‪ 39‬من ظهير ‪ 4‬ماي ‪ ، 1925‬يحصل من اآلن فصاعدا اسم " صندوق‬
‫الضمان" ويهدف إلى ضمان أداا المبالغ المحكوم بها لفائدة األطراف المتضررة‬

‫‪ - 90‬محمد أوغريس‪ " :‬التأمين من األضرار في التشريع المغربي" ‪ ،‬مطبعة دار قرطبة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪،1993‬‬
‫ص ‪.10‬‬

‫‪40‬‬
‫في حالة عسر الموثق أو عند انعدام التأمين‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 94‬من‬
‫القانون ‪ ، 32.09‬وعليه فدعوى اإلحالل رهينة بتوفر شرطين اثنينهما‪:‬‬
‫ارتكاب الموثق لخطأ مهني أثناا مزاولة مهامه‪ ،‬باإلضافة إلى عسر الموثق‬
‫وعدم قدرته على أداا المبالغ المحكوم بها‪ ،‬حيث تقام الدعاوى بشأن التعويضات‬
‫ضد صندوق التأمينات في شخص الوزير المكلف بالمالية‪ ،‬وال تؤدى التعويضات‬
‫المحكوم بها إال في حدود المبالغ المتوفرة لدى صندوق الضمان يوم صدور الحكم‪.‬‬
‫غير أن إذا صدرت عدة أحكام في اليوم الواحد وتجاوز عدد المبالغ المحكوم بها‬
‫ما هو متوفر لدى الصندوق تم األداا للدائنين حسب نسبة دين كل واحد منهم‪.‬‬
‫وجاات المادة ‪ 95‬من القانون ‪ 32.09‬تتحدث عن تقادم دعوى الضمان ‪ ،‬حيث‬
‫نصت أن دعاوى الضمان تتقادم بمرور خمس سنو ات على يوم التصريح بثبوت‬
‫مسؤولية الموثق أو نائبه بحكم نهائي‪.‬‬
‫إن الدعوى مسؤولية الموثق المدنية ليست مؤبدة بل لها اجل يجب على‬
‫الزبون المتضرر أال يفوته تحت طائلة ضياع حقوقه تجاه الموثق المخل بالتزاماته‬
‫المحددة في القانون‪.91‬‬
‫ففي حالة مسؤولية الموثق تجاه احد االطراف فان التقادم يخضع لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 387‬من ق ل ع‪.‬‬
‫أما اذا كانت دعوى مسؤولية الموثق المدنية تجاه الغير الذي ليس طرفا في‬
‫يخضع لمقتضيات الفصل ‪ 106‬من ق ‪.‬ل‪ .‬ع الذي ينص على '' إن العقد فان التقادم‬
‫جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ دعوى التعويض من جراا‬
‫المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه‪ .‬من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق‬
‫وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر"‬
‫أما فيما يخص دعوى الضمان التي ترفع ضد صندوق ضمان الموثقين فهي‬
‫تتقادم بمرور خمس سنوات‪.92‬‬

‫‪ - 91‬أغراس البشير‪ ،:‬م س ‪،‬ص ‪.203‬‬

‫‪41‬‬
‫والمالحظ أن الصندوق الموكول إليه ضمان وحرية الضحايا كان دائما و فارغا ‪،‬‬
‫ومازال ضحايا أخطاا الموثقين بعيدين من الحصول على تعويض‪ ،‬إذا أن سحب الموثق‬
‫وحرمانه من مزاولته مهامه ال يضر وال ينفع المضرور المطالب لحق المدني‪ ،‬وما يجب‬
‫التأكيد عليه أن شركات التأمين ال تقبل التأمين عن األخطاا العمدية التي تسبب بها الموثق‬
‫للزبون كالغش والتدليس ألن ذلك مخالف للنظام العام‪ ،‬أما بالنسبة لألخطاا الجسمية غير‬
‫العمدية فإنه يمكن تأمين مسؤولية الموثق التي تترتب عليها نتيجة الضرر الذي لحق‬
‫الزبون‪ ،‬هذا من شأنه حماية حقوق الزبناا من حقوق من األخطاا المهنية التي يرتكبها‬
‫الموثق أثناا مزاولة مهامه‪.93‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫تبين لنا من موضوع المسؤولية المدنية للموثق العصري أنه على درجة بالغة من‬
‫األهمية التي تنبثق من صعوبة حماية مؤسسة التوثيق وحماية المتعاقدين وذلك بسبب‬
‫االعتقاد السائد في المجتمع بعصمة الموثق عن ارتكاب الخطأ‪ ،‬وكذا ضعف المراقبة‬
‫القانونية للمهنة‪ ،‬مما قد يساهم في إبعاد المسؤولية عن الموثق‪.‬‬

‫فالمشرع المغربي وإن سعى إلى تقرير مسؤولية الموثقين المدنية عن أخطائهم في‬
‫مجموعة من القوانين‪ ،‬إال أن أحكام هذه المسؤولية كما هي مسطرة في التشريع المغربي‬
‫غير منتظمة بالشكل الذي يجعلها فعالة في حماية أطراف العالقة ومعهم األغيار‪ ،‬مما‬
‫يقتضي التفاتة حقيقية من المشرع في اتجاه إعادة ضبطها‪.‬‬

‫‪ - 92‬تنص المادة ‪ 95‬من القانون ‪ ": 32.09‬تتقادم دعاوى الضمان بمرور خمس سنوات ععلى يوم بثبوت مسؤولية‬
‫الموثق أو نائبه بحكم نهائي‪".‬‬
‫‪ - 93‬أغراس البشير‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪207‬‬

‫‪42‬‬
‫والحديث عن المسؤولية المدنية للموثق هو جزا من الحديث عن هذه المسؤولية لجميع‬
‫المهنين األطباا والمحامين والمفوضين القضائيين‪ ،‬ولجميع الموظفين فال يمكن تصور‬
‫وجود التزامات دون مسؤولية ‪ ،‬إال أنه يمكن دائما الحد من حجم هذه المسؤولية وأثارها‬
‫ومن عدد الملفات الرائجة بشأنها ‪ ،‬عن طريق االلتزامات بالمقتضيات القانونية واحترام‬
‫أخ القيات المهنة‪ ،‬والمناقشة الجماعية للمشكل اليومي لتوحيد الرأي بشأنها وإشراك جميع‬
‫المتدخلين في هذا الموضوع كسلطة المتابعة ولجنة المحاكمة وممثلي الهيئة الوطنية‬
‫للموثقين والمجلس الجهوي‪ ،‬وكذا ممثلي مختلف المؤسسات التي لها عالقة دائمة بعمل‬
‫الموثق كالمحافظة العقا رية وإدارة الضرائب وصندوق اإليداع والتدبير‪.‬‬

‫وقد خلصنا من خالل هذا البحث بمجموعة من االقتراحات نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫وضع مدونة لقيام مهنة التوثيق وإشاعتها بين المتمرنين والموثقين‬

‫تكريس المراقبة الشديدة على الودائع وحسابات الموثقين وجعل هذه المراقبة ثالثية‬
‫األضالع بين النيابة العامة ووزارة المالية والهيئة الوطنية مع تفعيل مسطرة المتابعة‬

‫تحصين مهنة التوثيق عن طريق تكريس مجموعة من الضمانات ألجل زرع الثقة في‬
‫نفوس المتعاملين وتشجيعهم على االستثمار‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الئحة المراجع المعتمدة‬
‫‪ -1‬الكتب‬
‫_ إبن الكث ير الحافظ أبو الفداا‪ " :‬تفسير القرآن الكريم " الجزا األول دار الفكر‬
‫للطبعة والنشر ‪.1992‬‬
‫_إدريس العلوي العبد الوي‪ " :‬شرح القانون المدني"‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪،‬‬
‫الجزا الثاني‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪.2001‬‬
‫_ عادل جبري محمد حبيب‪ " :‬المفهوم القانوني لرابطة السببية وانعكاسته في‬
‫توزيع عبا المسؤولية المدنية‪ ،‬دراسة مقارنة بأحكام الفقه اإلسالمي" دار الفكر‬
‫الجامعي االسكندرية سنة ‪.2005‬‬
‫_ محمد الربيعي‪ " :‬األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم‪،‬‬
‫دراسة على ضوا ا لتوثيق العدلي والتوثيق العصري" المطبعة والوراقة الوطنية‬
‫بمراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر ‪.2008‬‬
‫_ مأمون الكزبري‪ " :‬نظرية االلتزامات في ضوا قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي" ‪ ،‬الجزا األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ :‬الطبعة الثانية سنة‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاا‪،‬‬
‫_ عبد الرزاق السنهوري‪ " :‬الوسيط في شرح القانون المدني" ‪ ،‬الجزا األول‪،‬‬
‫المجلد الثاني‪ ،‬سنة ‪ ،1964‬مطبعة دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -2‬األطروحات والرسائل‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫_ محمد الربيعي ‪ :‬المعامالت العقارية بين ظاهرة انتشار المحررات العرفية‬
‫وضمانات الوثيقة الرسمية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه الدولية في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقيصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬الدار‬
‫البيضاا‪ ،‬السنة ‪.2000-1999‬‬
‫_ سيدي محمد كمال مشيشي‪ " :‬االلتزامات المهنية للموثق العصري والمسؤولية‬
‫الناتجة في حالة اإلخالل بها" رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص نوقشت‬
‫بكلية الحقوق بمراكش سنة ‪.2012-2011‬‬
‫_ عبد الحميد أخريف‪ " :‬نظرية الضمان محاولة في تأصيل المسؤولية المدنية‬
‫في الفقه اإلسالمي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬نوقشت بكلية الحقوق سنة ‪.1994- 1993‬‬
‫_ نائلة حدي دو‪ " :‬المسؤولية التأديبية والمدنية للعدول في التشريع المغربي"‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬نوقشت بكلية‬
‫الحقوق بمراكش ‪ ،‬سنة ‪.2000-1999‬‬
‫_ محمد الكمال‪ " :‬المسؤولية المدنية للموثق في التقنين المغربي" رسالة انيل‬
‫دبلوم الماستر في الشرعة‪ ،‬بكلية الشريعة بفاس‪ ،‬سنة ‪1430‬ه‪2009/‬م‪.‬‬
‫_غزالن اطويلع‪ " :‬المسؤولية المدنية والجنائية للموثق العصري" رسالة لنيل‬
‫دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ ،‬سنة ‪.2015- 2016‬‬
‫‪ -3‬المقاالت والندوات‬
‫_ محمد الربيعي‪ :‬حماية السر المهني في مجال التوثيق‪ ،‬مجلة االشعاع الصادرة‬
‫عن هيئة المحامين بالقنيطرة‪ ،‬عدد ‪.2008-33‬‬
‫_ محمد الربيعي‪ :‬التزام الموثق بإرشاد الزبون ونصحه‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬
‫أمالك‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة ‪.2007‬‬
‫_ محمد لشكر ‪ :‬تقرير لجنة العدل والتشريع والحقوق اإلنسان حول مشروع‬
‫قانون ‪ 32.09‬يتعلق بتنظيم مهنة التوثيق‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الفهرس‬

‫مقدمة ‪2 ................................................................................................................. :‬‬


‫الفصل األول‪ :‬أحكام عامة للمسؤولية المدنية للموثق العصري ‪7 .................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أساس المسؤولية المدنية للموثق العصري ‪7 ....................................................‬‬
‫الطلب األول‪ :‬األساس الفقهي لمسؤولية للموثق العصري ‪8 ................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي ‪8 ...................................................‬‬
‫أوال‪ :‬المفهوم اللغوي ‪8 ............................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬المفهوم االصطالحي ‪8 .....................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أركان الضمان ‪10 .................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬ركن التعدي ‪10 ..............................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الضرر ‪11 ....................................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني لمسؤولية الموثق العصري ‪13 ............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أساس مسؤولية الموثق العصري عن الفعل الشخصي ‪13 .................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أساس مسؤولية الموثق العصري عن فعل الغير ‪15 .........................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري وشروط قيامها ‪16 ...........................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق العصري ‪17 ............................................‬‬
‫الفقرة األلى‪ :‬طبيعة العالقة بين الموثق والزبون ‪17 .........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬عقد إجارة الصنعة ‪17 ......................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬عقد الوكالة ‪18 ...............................................................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬عقد المقاولة ‪18 ..............................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مسؤولية الموثق اتجاه الزبناا ‪20 ...............................................................‬‬
‫أوال‪ :‬مسؤولية الموثق عن إفشاا السر المهني ‪20 .............................................................‬‬
‫_ أسباب جوازية‪21 ............................................................................................. :‬‬

‫‪46‬‬
‫_ أسباب قانونية‪21 .............................................................................................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬مسؤولية الموثق عن عدم التأكد من الوضعية القانونية للعقار ‪22 ...................................‬‬
‫بالنسبة للعقارات المحفظة‪23 ................................................................................... :‬‬
‫بالنسبة للعقارات غير المحفظة ‪23 ..............................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط قيام المسؤولية المدنية للموثق العصري ‪24 ........................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬شرط الخطأ ‪24 ..................................................................................‬‬
‫شرط الخطأ العقدي ‪24 ............................................................................................‬‬
‫شرط الخطأ التقصيري ‪25 ........................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬شرط الضرر ‪26 ..................................................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬شرط العالقة السببية ‪27 ..........................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬آثار مسؤولية الموثق العصري المدنية ‪28 ..........................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬دعوى المسؤولية المدنية للموثق العصري ‪28 .................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إجرااات رفع دعوى المسؤولية ‪29 ..........................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل دفع المسؤولية ‪32 .......................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مدى استحقاق المتضرر التعويض ‪34 ..........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التعويض ودعوى الرجوع ‪34 ...............................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التأمين كآلية للتخفيف من مسؤولية الموثق العصري ‪39 ..................................‬‬
‫خاتمة‪42 ................................................................................................................. :‬‬
‫الئحة المراجع المعتمدة ‪44 .............................................................................................‬‬
‫الفهرس ‪46 ................................................................................................................‬‬

‫‪47‬‬

You might also like