Professional Documents
Culture Documents
الئحة المختصرات:
ق ل ع :قانون االلتزامات والعقود.
ق م م :قانون المسطرة المدنية.
م س :مرجع سابق.
ص :الصفحة.
ط :الطبعة.
2
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
مقدمة:
إن توثيق المعامالت والعقود بين الناس منبع الستقرارها وشعور المتعاملين في
إطارها باألمن واالطمئنان وضمان حقوقهم ،فالتوثيق من أهم عناصر بناء المجتمعات إذ
يشكل العمود الفقري للحركة االقتصادية والتجارية والصناعية باعتبارها من بين أهم اآلليات
القانونية لتنظيم المعامالت والعالقات االقتصادية بين أفراد المجتمع ومؤسساته ،لذلك اهتمت
القوانين والتشريعات الوضعية وقبلها الشريعة اإلسالمية بضبط عنصر التوثيق الذي مر
بمجموعة من المحطات كانت لكل محطة خصوصياتها سواء بتضييق أو توسيع دائرة
التعامل بهذا العنصر.
ونظرا للحركية والتطور الذي يعرفه المغرب في مختلف الميادين فإن مهنة التوثيق ال
تخرج عن هذا اإلطار إذ يعتبر قانون 132.09بادرة حسنة من المشرع المغربي للزيادة من
شدة ودقة تنظيم هذا المرفق والذي كان منظما سابقا بموجب ظهير 4ماي ،21925هذا
األخير الذي استوحى جل أحكامه من القانون الفرنسي 25فانتوز.3
أضف إلى ذلك مجموعة من المقتضيات المؤطرة لمؤسسة التوثيق والمنظمة في مواد
قانونية أخرى لعل أبرزها قانون االلتزامات والعقود ،ولما كان الموثق يضطلع بمهام
قانونية ،فقد خصه المشرع المغربي بمكانة متميزة من حيث نظامه القانوني ووضع على
عاتقه جملة من االلتزامات تستوجب في من يمارس مهنة التوثيق أن يتقيد في سلوكه بمبادئ
األمانة والنزاهة والشرف وما تقتضيه األخالق الحميدة لممارسة هذه المهنة والتحلي بروح
الكفاءة العلمية والعملية حتى ال يتم هدم مبدأ استقرار المعامالت.
وإخالل الموثق بالتزاماته وخرق مقتضيات قوانينه المهنية قد يعرضه إلى المساءلة
التأديبية والجنائية . 4باإلضافة إلى المسؤولية المدنية وهي ما تهمنا معالجتها في هذا
الموضوع .األمر الذي يستدعي دراسة عميقة من أجل وضع تصور شبه شامل حولها.
الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة ونطاق المسؤولية المدنية للموثق.
- 1الظهير الشريف رقم 1.11.170الصادر بتاريخ 27ذي القعدة 25( 1432أكتوبر ،)2011الجريدة الرسمية عدد ،5998
بتاريخ 27ذو الحجة ،1432ص .5611
- 2ظهير شريف بتاريخ 10شوال 4( 1343ماي )1925المتعلق بتنظيم التوثيق العصري منشور بالجريدة الرسمية عدد 661
بتاريخ 23يونيو .1925
- 3قانون 25فانتوز الصادر بتاريخ 16مارس 1803الذي يعتبر القانون األساسي لنظام التوثيق الفرنسي وأعقب ذلك صدور
ج ملة من القوانين التعديلية تهدف إلى جعل هذا النظام يساير ما يطرأ على المجتمع الفرنسي من تطور وتغير ،وفي سنة 1912
أنشئت نقابة الموثقين بفرنسا وتم كذلك تأسيس جمعية الموثقين الفرنسيين التي أصبحت بتاريخ 1941تشكل المجلس األعلى
للتوثيق.
- 4ومن صور المسؤولية التأديبية نجد (مخالفة النصوص القانونية المنظمة لمهنة التوثيق اإلخالل بالواجبات المهنية ،ارتكاب
أعمال تمس باالستقامة ،ارتكاب أعمال تمس باألخالق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة) أما صور المسؤولية الجنائية للموثق نذكر
منها (خيانة األمانة التزوير ،النصب واالحتيال).
3
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
4
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
5
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
نصت المادة األولى من القانون رقم 32.09أن "التوثيق مهنة حرة تمارس وفق
الشروط وحسب االختصاصات المقررة في القانون المذكور وفي النصوص الخاصة".
وبناء عليه فإن مهنة التوثيق تمارس وفق القانون المتعلق بها ،ووفق القوانين األخرى
التي تنظم بعض العقود الخاصة ،وتحدد شروط وكيفيات تلقيها وإتمام اإلجراءات بشأنها،
بحيث يتعين على الموثق أن يكون على علم كامل بها تحت تحميله المسؤولية في حالة
مخالفتها والتي ال يعذر بجهله بها.5
وثبوت إخالل الموثق بأحد االلتزامات الملقاة على عاتقه ،يفتح الباب أمام المضرور
للمطالبة بالتعويض عن األضرار التي لحقته جراء خطأ الموثق أو أحد ممن هو مسؤول
عنهم عن طريق إقامة دعوى المسؤولية في مواجهته.
ويرتبط قيام المسؤولية المدنية بصفة عامة ،والمسؤولية المدنية للموثق بصفة خاصة
بتحقق ثالث شروط أساسية ال غنى عنها وهي :الخطأ ،الضرر والعالقة السببية.
ومنه سنحاول بداية الوقوف على تحديد طبيعة مسؤولية الموثق المدنية وبعض
التزاماته (المبحث األول) ثم أساس قيام مسؤولية الموثق وأركانها (المبحث الثاني).
المبحث األول :التزامات الموثق المهنية وطبيعة مسؤوليته.
المبحث الثاني :أساس قيام مسؤولية الموثق وأركانها.
- 5العلمي الحراق ،الوثيق في شرح قانون التوثيق ،طبعة نونبر ،2014ص .8
6
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
7
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
8
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
الجديد رقم 32.09اندثر طابع الموظف العمومي للموثق ،وأصبح هذا األخير يمارس مهامه
في إطار مهنة حرة ،والمعلوم أن أغلب المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة تكون
مسؤولية المهني فيها قائمة على أساس عقدي .حيث أن دعاوى المسؤولية المدنية التي ترفع
ضد ممارسي هاته المهن تعتمد كأصل عام قواعد المسؤولية العقدية بالنظر لوجود عالقة
تعاقدية بين المهني والزبون.
كما يرى أنصار هذا االتجاه أن إقدام الزبون على مكتب الموثق إلبرام عقد كيفما كان
نوعه فإنه يتطلب إيجابا وقبوال ،فالموثق عندما يفتح مكتبه للتوثيق فإن ذلك يعتبر إيجابا أو
دعوى للجمهور أو لمن يريد إضفاء الصبغة الرسمية على عقد من العقود ،وأن لجوء
أطراف العقد إلى الموثق على هذا األساس هو بمثابة قبول إليجاب وبهذا ينعقد العقد.7
غير أنه إذا كان أنصار هذا االتجاه قد اتفقوا على الطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق،
إال أنهم اختلفوا في تكييف العقد الذي تقوم عليه هذه المسؤولية ،بحيث أن هناك من قام
بتكييفه على أساس:
عقد وكالة :8على اعتبار أن هذا العقد يخول للموثق تمثيل زبونه أمام اإلدارة
العمومية أو غيرها ،إال أن هذا القول مردود فيه على أساس طبيعة عقد الوكالة
تتنافى مع طبيعة الخدمة التي يقدمها الموثق للزبون ،فالوكالة قائمة على أساس
النيابة والموثق في الحقيقة ال يعتبر نائبا للزبون ،فهو يقوم بالعمل المناط به
بمقتضى القانون 9وليس بوصفه نائب لزبونه.
كما أن مقتضيات الوكالة الواردة في ق.ل.ع تتعارض مع مقتضيات المادة ( )2من
قانون 32.09التي تنص على ما يلي" :يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ األمانة
والتجرد "...فالمشرع بمقتضى هذه المادة فرض على الموثق التحلي والتقيد بمبدأ التجرد
الذي يفرض عليه عدم االنحياز ألحد األطراف.
بعبارة أخرى يجب على الموثق الموازنة بين مصالح الطرفين ،وهذا المبدأ يتعارض
مع المقتضيات المنظمة لعقد الوكالة.
- 7المهدي بودي ،المسؤولية المدنية للموثق على ضوء قانون رقم ،32.09مقال منشور بمجلة القانون واألعمال ،العدد 9شتنبر
،2016ص ( 55-54بتصرف).
- 8ينص الفصل 879ق.ل.ع "الوكالة عقد بمقتض اه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه ،ويسوغ إعطاء
الوكالة أيضا لمصلحة الموكل والوكيل أو لمصلحة الموكل والغير بل ولمصلحة الغير وحده".
- 9محمد بولغماز ،المسؤولية المدنية للموثق العصري في القانون المغربي ،دراسة مقارنة ،لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص
ماستر قانون األعمال ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة الجامعية - 2013
،2014ص 35و.36
9
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
باإلضافة إلى ما سبق واستنادا على القواعد العامة للوكالة يلتزم الموكل بما قام به
ال وكيل ،ويكون الموكل مسؤوال عن تصرف الوكيل في حدود الوكالة ولو كان األمر كذلك
بالنسبة للموثق ما كان هذا األخير مسؤوال عن أخطائه.
عقد مقاولة( :إجارة الصنعة) ،10يرى البعض أن ارتباط الموثق بزبونه يشكل
عقد مقاولة ،ويرجع ذلك إلى أن هذا العقد يتناسب أكثر مع وظيفة الموثق
والزبون ،إذ يبذل األول للثاني عمال محددا يتمثل في تحرير صحيح وتقديم كافة
النصائح والتوضيحات مقابل أتعاب تحدد باالستناد إلى المهمة المنجزة بدون أي
رابطة تبعية بين الطرفين ،11كما أنهم يستندون في رأيهم هذا على مقتضيات
الفصل 724من ق.ل.ع الذي أعطى إشارة واضحة على أن العقد الذي يلتزم
بمقتضاه األشخاص الذين يباشرون الفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم ،يعتبر
بمثابة إجارة على الصنعة.
إال أن هذا الرأي هو اآلخر يبقى مردود بحيث ال يمكن إخضاع العالقة بين الموثق
والزبون للمقتضيات القانونية المتعلقة بعقد إجارة الصنعة وذلك لألسباب التالية:
-بالرجوع للفصل 12723من ق.ل.ع نجده يقرر قاعدة جوهرية مفادها أن عقد إجارة
الخدمة ينشئ بالتزام أحد األطراف بأداء هذه الخدمة مقابل أجر يلتزم الطرف اآلخر بدفعه له
بمعنى أن التزام مقدم الخدمة إنما ينشئ بناء على تكليف طالبها ،لكن التزام الموثق بتوثيق
العقد وإضفاء الصبغة الرسمية عليه ليست كذلك وإنما ينشأ بناء على تكليف من المشرع،
باإلضافة إلى ذلك وطبقا للفصل 745من ق.ل.ع فإن عقد إجارة الصنعة ينقضي بموت
مؤجر الصنعة ،لكن بالنسبة لعملية التوثيق فإن الزبون الذي يكون قد أمضى على العقد
وحصل وتوفي فإن إجراءات التعاقد ال تتوقف وإنما تستمر باسم الورثة.
من خالل دراستنا لبعض هذه التكييفات يتبين أن عقد الموثق ال يعد عقد وكالة وال
عقد مقاولة وال عقد إجارة الصنعة بل هو عقد غير مسمى ذو طبيعة خاصة ،قائم بذاته ،له
قواعده وأحكامه الخاصة يختلف بها عن القواعد واألحكام التي تحكم العقود األخرى
والتقارب بين هذا العقد والعقود السالفة الذكر يجعلها تنطبق على عقد الموثق ألنه ذو طبيعة
منفردة.
- 10ينص الفصل 723من ق.ل.ع "إجارة الخدمة أو العمل ،عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم آلخر خدماته الشخصية ألجل
محدد أو من أجل أداء عمل معين في نظير أجل يلتزم هذا األخير بدفعه له."...
- 11أنظر بهذا الخصوص أستاذنا عبد المجيد بوكير "التوثيق العصري المغربي" ،مكتبة دار السالم ،الطبعة الثانية ،2010ص
.215
- 12ينص الفصل 724من ق.ل.ع "يعتبر القانون بمثابة إجارة الصنعة ،العقد الذي يلتزم بمقتضاه األشخاص الذين يباشرون المهن
والفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم."...
10
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
- 13بلحو نسيم ،المسؤولية القانونية للموثق ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم تخصص قانون جنائي ،ص .184
- 14محمد بولغماز ،م.س ،ص .48
- 15أنظر بهذا الخصوص الفصلين 77و 78من ق.ل.ع.
11
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
وهذا هو رأي الدكتور محمد خيري 16وهو بصدد الحديث عن مسؤولية محرري
العقود بقوله " ...أما عن طبيعة المسؤولية فتنبني في أغلب الحاالت على المسؤولية
التقصيرية حيث يتم االستناد إلى أسس هذه المسؤولية جزاء عن اإلخالل بواجب عام يفرضه
القانون وهو االنحراف عن قواعد السلوك المهني في تحرير العقود".
وفي ظل التضارب الفقهي في تحديد طبيعة المسؤولية المدنية للموثق نجد أن القضاء
بدوره هو اآلخر تارة يكيفها على أساس المسؤولية التقصيرية ،وتارة على أساس أنها
مسؤولية عقدية .حيث ورد في إحدى القرارات الصادرة عن محكمة النقض ،17الذي جاء في
تعليله على أساس المقتضيات القانونية المتعلقة بالمسؤولية التقصيرية طبقا لمقتضيات
الفصول 98 – 78من ق.ل.ع.
في حين كيفت المحكمة االبتدائية للدار البيضاء العالقة بين الموثق والزبون على
أساس أنها عالقة تعاقدية إذ جاء في حيثيات إحدى األحكام الصادرة عنها 18ما يلي " ...حيث
أن الطابع الحر لمهنة التوثيق يحدد طبيعة المسؤولية الناتجة عن الخطأ المهني الموثق في
عالقته بزبائنه و التي هي مسؤولية عقدية ،خاصة وان المدعية شركة العمران أبرمت اتفاقا
مع المدعي عليه بصفته موثق سهر على إجراءات تحرير وتسجيل العقود".
من كل هذا نستنتج أن لكل فريق جزء من الصواب ،فمن قال بأنها مسؤولية تقصيرية
له أدلة وحجج استند إليها ،ومن قال بأنها عقدية أبرز حججه وبراهينه على ذلك ،ولكن األهم
أن تهيئ حقوق الزبناء ويسود االستقرار بغض النظر عن تكييف المسؤولية هل هي عقدية أو
تقصيرية.
إال أننا نرجح الرأي القائل بأن مسؤولية الموثق تقصيرية على اعتبار أن القانون
المنظم لمهنة التوثيق يعد المصدر األساسي اللتزام الموثق بتحرير العقود وفق شكليات
- 16محمد خيري ،مهنة تحرير العقود بين التنظيم واإلطالق ،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون اقتصاد التنمية ،العدد ،25سنة
،1991ص .91
- 17قرار صادر عن محكمة النقض رقم ،21.63ملف مدني عدد 2007-3-1-657الصادر في تاريخ 2008.04.06والذي جاء في
إحدى حيثياته بأن الموثقة تلقت من شخصين إنشاء شركة بينهما من أجل إنشاء تجزئة عقارية ومهمة الموثق تحرير عقد القسمة
للقطعة األرضية المراد تجزئها وتحرير عقود البيع وهذا ما تم فعال إال أن الموثقة أخلت بالتزام إيداع عقد القسمة لدى كل من إدارة
الضرائب والمحافظة على األمالك العقارية ،مما ترتب عن التأخير في اإليداع ذعائر مالية ،اضطر ألدائها لكل من اإلدارتين المدعي
المذكورتين بلغت قيمة مجموعها مبلغ 88645.95درهم .وقضت المحكمة االبتدائية على المدعى عليها بأداء مبلغ ذعائر التأخير
ورفض باقي الطلبان بالتعويض عن الضرر الذي الحق المدعي واستأنف الطرفان الحكم وقضت محكمة االستئناف بتأييد الحكم
المستأنف ورفض طلبات التعويض التي تقدم بها المدعي بناءا على ظهير التوثيق العصري ومدونة التسجيل وتم طعن في قرار
محكمة االس تئناف بالنقض من طرف المدعي ،وقضت محكمة النقض بنقص وإبطال القرار المطعون فيه بخصوص التعويض وإحالة
القضية على نفس المحكمة للبث فيها بهيئة أخرى طبقا للقانون وتحميل المطلوبة المصاريف ،أورده محمد بولغماز ،م.س ،ص
. 52-53
- 18حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،ملف رقم 08-21-586الصادر بتاريخ 2008.05.26أورده محمد بولغماز،
م.س ،ص .51
12
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
محددة مسبقا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن الموثق ال يعتبر طرفا في العقد ألنه هو الذي
يوثق العقد بين طرفيه.
إضافة إلى ذلك فإن مهنة التوثيق العصري أصبحت بمقتضى قانون 32.09مهنة
حرة ،ومن ثم فإن الممارس المهني الحر والمستقل ال يلزم إال بمساطر القانون وأن العالقة
التي تربطه بالزبناء ما هي إال تطبيق لمقتضيات قانونية ال دخل لألطراف في تحديدها
وبالتالي فإن مسؤوليته تكون ذات طبيعة تقصيرية.
- 19تنص المادة 37على ما يلي" :يتحقق الموثق تحت مسؤوليته من هوية األطراف وصفتهم وأهليتهم للتصرف ومطابقة الوثائق
المدلى بها إليه للقانون"...
13
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
نفسه ،أو بالنيابة عنه بمقتضى عقد وكالة تام الحجية إذا كان راشدا مع التأكد من حدود
صالحيتها ،أو بمقتضى النيابة الشرعية إذا تعلق األمر بفاقد األهلية أو ناقصها ،بمعنى أن
يكون وليا أو وصيا أو مقدما بحسب األحوال ،مع ما يستلزم الموقف من أذون قضائية طبقا
لمدونة األسرة.20
وفيما يخص أهلية المتعاقدين للتصرف فيجب إمعان النظر في سنهم الذي يتعين أن
يكون 18سنة شمسية كاملة فأكثر ،مع تدقيق النظر في ظاهر حالهم وحركاتهم ،خوفا من أن
يكون أحدهم سفيها أو معتوها أو محجر عليه ،أو أن يكون العقد يشوبه عيب من عيوب
الرضا كاإلكراه والتدليس والغلط والغش أو أي عيب من شأنه التأثير في صحة العقد ففي كل
هذه األحوال يتعين على الموثق أال يوثق العقد المطلوب توثيقه.21
ب .االلتزام بالتحقق من محل العقد:
إضافة إلى تحقق الموثق من هوية األطراف وصفتهم وأهليتهم يقع عليه عالوة على
ذلك التثبت من الوضعية القانونية لمحل العقد .فإذا تعلق األمر بعقار محفظ فيجب عليه التأكد
من أن هذا العقار غير مثقل بأي رهن أو تكاليف كالرهن لفائدة مؤسسة بنكية أو رهن لفائدة
الدولة ،وكذا التأكد من عدم وجود تقييد احتياطي أو حجز على العقار يجعله غير قابل
للتفويت.22
فإذا تبين للموثق بعد رجوعه إلى الرسم العقاري أن وضعية العقار غير سليمة يطلع
األطراف بذلك ويبين ل لمشتري اآلثار التي قد تترتب عن شراء هذا العقار ،ويدعوا الطرف
المفوت إلى تسوية وضعية العقار وذلك بإحضار وثيقة تدعى رفع اليد.23
كما يعلم األطراف بمدى التزاماتهم وما لكل منهم من حقوق ويشرح لهم جميع اآلثار
وااللتزامات التي سيخضعون لها ،ويبين لهم أخيرا االحتياطات والوسائل التي يتطلبها أو
يمنحها لهم القانون لضمان تنفيذ إرادتهم.
فالموثق ملزم بتقديم خدماته لكل من طلبها منه ولو عن طريق االستشارة في حدود ما
يسمح به القانون واألنظمة الجاري بها العمل ،فطلب المشورة يعد خطوة تمهيدية بالنسبة
للمتعاقدين حتى تكتمل لهم الرؤية بشأن تصرفاتهم المستقبلية ،فقد ال تكون لدى األطراف أو
أحدهم صورة وا ضحة عن طبيعة العقد المراد إبرامه وعن األحكام الذي تنظمه ،وهنا يكون
- 20العلمي الحراق ،الوثيق في شرح قانون التوثيق ،طبعة نونبر ،2014ص .97
- 21نفس المرجع المعتمد ،ص .98
- 22محمد الربيعي ،األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم ،دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العصري،
مطبعة الورقة الوطنية ،مراكش الطبعة األولى ،أكتوبر ،2008ص .78
- 23محمد بولغماز ،المسؤولية المدنية الموثق العصري في القانون المغربي ،رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص ،ماستر
التوثيق والعقار ،جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش ،ص .154
14
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
من واجب الموثق في مثل هذه الحاالت مد يد العون عن طريق اإلرشادات والتوجيهات التي
يستفسر بشأنها األطراف.
وعليه فال يحق للموثق أن يحجم أو يمتنع عن تقديم خدماته االستشارية والنصائحية
لألطراف ال ذين يطلبونها ،إال إذا كانت الطلبات مخالفة للقانون الجاري به العمل ،وأن ال
يقتصر في أداء عمله حتى ولو كانت في شكل نصائح.
والقضاء المغربي أكد بدوره على هذه النقطة حينما عرضت عليه قضية تتعلق
بتفويت أسهم إحدى الشركات المجهولة اإلسم والواقع أن هذه األسهم كانت قيد الرهن لدى
إحدى البنوك ،لكن الموثقة المشرفة على عملية التوثيق لم تطلع األطراف على وجود هذا
الرهن على األسهم المبيعة وقضى المجلس األعلى في القرار بمسؤولية الموثقة لتقصيرها
في واجب النصح واإلرشاد بالشكل المطلوب قانونا.24
وهذا ما أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها" ،25أن عدم تأكد الموثقة من وضعية
العقار إزاء المحافظة العقارية ،وعدم إخبار األطراف بوضعيته الحقيقية يعتبر تقصيرا منها
بالقيام بما كان عليها فعله."...
أما إذا تعلق األمر بعقار غير محفظ فعلى الموثق أن يذكر في الرسم موقع العقار
ونوعه ومساحته ومرافقه ومشتمالته وحدوده وأن يذكر أصل ملكيته.26
- 24جاء في حيثيات هذ ا القرار ما يلي ..." :فإن المشتكى بها تكون قد أخلت بااللتزام المفروض عليها بنص الفصل األول من ظهير
4ماي ، 1925ما لم تخبر أطراف العقد بالرهن على األسهم المبيعة ولم تبصرهم بمدى نتائج التعاقد بالشكل الذي عليه األسهم."...
قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقص حاليا) عدد 587بتاريخ 23فبراير 2001ملف مدني عدد .2002/01/2482
- 25قرار عدد 280صادر بتاريخ 19فبراير ،2015ملف إداري عدد 2013/1/208/14أورده عمر موسوي" ،توثيق التصرفات
العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية والقوانين ذات الصلة – بين مبدأ الخبرة ووجوب الرسمية –" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر،
ماستر المعامالت العقارية ،جامعة محمد بن عبد هللا ،الكلية متعددة التخصصات تازة ،سنة ،2017-2016ص .23
- 26نور الدين بزدي" ،المسؤولية المدنية والتأديبية للعدول والموثقين على ضوء التشريع المغربي" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
المعمقة في القانون الخاص ،جامعة المولى إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية ،مكناس ،سنة ،2009-2010
ص .40
15
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
فالمالحظ إذن أن التزام الموثق بنصح األطراف إنما هو التزام ببذل العناية حسب ما
جاء في المادة 37من قانون التوثيق ،32.09إال أن هذا االلتزام ال يرمي إلى تحقيق غاية
معينة بل هو التزام ببذل الجهد للوصول إلى غرض سواء تحقق هذا الغرض أم لم يتحقق
بإعطاء الصبغة الرسمية للعقود ،فهو إذن التزام بعمل ولكن عمل ال يضمن نتيجة إنما المهم
فيه أن يبذل الموثق لتنفيذه مقدارا معينا من العناية المطلوبة منه .فمتى بذل الموثق هذه العناية
يكون قد نفد التزامه حتى ولو لم يتحقق االلتزام ببذل عناية.
ب .التوقيع وإضفاء الصبغة الرسمية:
يعد واجب التوقيع وإضفاء الرسمية للعقود من أهم واجبات الموثق على اإلطالق،
فهو االمتياز الوحيد الذي يغرس في نفوس األطراف الطمأنينة والثقة على ما أقدموا عليه من
تصرفات ،باعتباره شخصا مكلفا بتحرير عقود رسمية تامة صحيحة في شكلها ومضمونها،
فهو ملزم بتحقيق غاية وهي الرسمية والصحة والتمام وهذا يفرض عليه أخذ الحيطة والحذر
في كل الظروف والمالبسات المحيطة بموضوع العقد .28والتأكد من أن كل األطراف مستعد
لتنفيذ التزامه.
حتى يكون العقد التوثيقي صحيحا ومرتبا آلثاره القانونية ،يجب أن يكون مختصا
بتحريره من الناحية الشخصية ومن الناحية اإلقليمية والموضوعية ،وأن يحرر خالل مدة تقلد
مهامه دون أن تكون له صلة أو قرابة تربطه مع ذوي الشأن في التعاقد .كما يكون العقد
باطال إذا أنجز خالفا ألحكام المواد 30و 31و 32و 37و 39و 40من قانون التوثيق رقم
(.)32.09
- 27تنص الفقرة الثانية من المادة " ،37يجب على الموثق إسداء النصح لألطراف ،كما يجب عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص
موضوع عقودهم ،وأن ي وضح لهم األبعاد واآلثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها".
- 28العلمي الحراق ،الوثيق في شرح قانون التوثيق ،ص .99
- 29قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 1464الصادر بتاريخ 8ماي 2003من الملف المدني عدد . 2002.7.2347
أوردته زبيدة مهداوي "حماية المتعاملين مع الموثق من خالل القانون "32.09رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص
ماستر األسرة والتوثيق ،جامعة محمد بن عبد هللا ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ظهر المهراز ،فاس ،ص .41
16
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ويتضح من القرار أعاله أن عدم إمضاء العقد من طرف الموثقة هو إخالل بأهم
التزام ملقى على عاتقها ،لذلك ألزم المشرع المغربي من خالل مقتضيات المادة 44من
القانون 32.09الموثق بتوقيع العقد فور توقيع األطراف.
إذن فتوقيع الموثق يعد ضرورة حتمية إلضفاء الصبغة الرسمية على العقد بحيث قبل
هذا التوقيع ال يكتسب العقد أي صبغة رسمية وإنما يتحول العقد إلى مجرد محرر عرفي.30
وفي حالة ما إذا تعذر على الموثق التوقيع لسبب من األسباب إلى أن توفي فقد نصت
المادة 45بأنه يمكن لرئيس المحكمة االبتدائية التي كان الموثق يزاول مهامه بدائرة نفوذها
أن يأمر بناء على طلب المتعاقدين بتذييل العقد بتوقيع موثق آخر بحضورهم وموافقتهم على
مضمونه بعد تالوته عليهم من جديد من طرف هذا الموثق.
17
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
على الموثق التكتم على األسرار التي يتوصل إليها بحكم وظيفته وتلك التي أطلعه عليها
األطراف ،ومنه تستبعد من نطاق السرية األحاديث المبدئية التي تثار بين المهني أو الموظف
وصاحب السر دون أن يقصد هذا األخير اعتبارها سرا.33
ويمكن القول بأن وا جب المحافظة على السر المهني هو واجب فضفاض ويمكن أن
يندرج تحته مجموعة من الواجبات أهمها الحفاظ على أسرار المتعاقدين وأسرار كل
األطراف التي تتعامل مع الموثق بما فيها المؤسسات العمومية وأسرار المهنة بصفة عامة،
وهذا الواجب ال يخص الموثق فقط بل يتعداه إلى المتمرنين لديه وأجرائه ومستخدميه.34
وبناء عليه فقيام الموثق بإفشاء السر المهني يشكل إخالل بالتزام قانوني يكون الموثق
مسؤوال عنه جنائيا 35ومدنيا ،وهذا األخير قد يترتب عن إخالل بالتزام عقدي كما أنه قد
يتحول إلى التزام تقصيري عند عدم وجود أي عقد يربط الموثق مع الزبون مادام قد انتهى
بالتنفيذ ،حيث يمتد السر المهني إلى ما بعد انتهاء نشاطه المهني ،إذ يبقى لصيقا به وال
يتملص منه ،ويبقى مدينا بعدم إفشائه ألنه يتعلق بالنظام العام وهو مقوم من مقومات العدالة
أو العدالة الرسمية التي ال تتحقق إال بإشاعة الثقة.36
وكما سلف الذكر فإن الموثق يقع عليه االلتزام بحفظ األسرار المهنية وأسرار زبنائه
بحكم الضرورة إال أنه توجد حاالت معينة يعفى فيها الموثق من هذا االلتزام ومن هذه
األسباب:
األسباب الجوازية :هي التي يكون فيها لصاحب الحق حق إفشائه دون أن يكون
ملزما بذلك ألن إفشائه مقر للمصلحة الخاصة لصاحب السر وفي إحالة رضا هذا
األخير فإفشائه.
األسباب القانونية :حتى ال يستعمل السر المهني كذريعة للتستر على جرائم ضد
األشخاص أو الدولة أو يدفع به إلخفاء حقائق أو وقائع مضرة بالخزينة العامة ،فقد
أوجب المشرع على األمين إفشاء السر المهني في حاالت معينة هي:
حالة االلتزام بالتبليغ عن الجريمة كحضور شخص إلى الموثق ليستشيره عن
طريقة لتزوير عقد دون التعرض للمتابعة الجنائية ،وجب على الموثق في هذه
الحالة االمتناع عن إرشاده وأن يحاول منعه ولو بإفشاء هذا السر.
- 33يوسف أقصبي "المسؤولية القانونية للموثق" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في الدراسة الميتودولوجية المطبقة على ق.م ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،فاس ،ص .127
- 34العلمي الحراق ،الوثيق في شرح قانون التوثيق ،طبعة نونبر ،2014ص .65-64
- 35الفصل 446ينص " ...كل شخص يعتبر من األمناء على األسرار ،بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا
أودع لديه ،وذلك في غير األحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر
وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم".
- 36عبد هللا درميش "أخالقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم" مقال منشور بمجلة رحاب المحاكم العدد ،3دجنبر ،2009ص .22
18
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ما تضمنه الفصل 378من القانون الجنائي حيث ألزم هذا الفصل كل من يتوفر
على دليل لبراءة متهم محبوس احتياطيا أو مقدم للمحاكم من أجل جناية أو
جنحة أن يدلي فورا بشهادته عند السلطات القضائية أو الشرطة تحت طائلة
العقوبات المقررة في نفس الفصل ،فإذا كان بحوزته الموثق مثل هذا الدليل
عليه إلدالء بشهادته وأال يتكتم عليه بدعوى المحافظة على أسرار المهنة،
وذلك سواء أمام هيئة المحكمة أو أثناء مرحلة البحث التمهيدي أو اإلعدادي
وهو ما أكدته المادة 37334من ق.م.م.
حالة الدفاع عن النفس أمام القضاء ،فقد تنشب بعض الخالفات بين الموثق
وزبونه ،يرفع على أثرها هذا األخير دعوى عليه ،قد تكون مدنية أو جنائية،
ولكي يرد الموثق إدعاء زبونه يكون من حقه إفشاء المعلومات والوقائع التي
تثبت براءته أو تخلي ذمته ولو كانت مودعة لديه كأسرار مهنية.
أثناء عملية المراقبة الدورية التي تخضع لها مكاتب التوثيق من طرف
السلطات المختصة ،فالموثق عند إدالئه ببعض المعلومات والوقائع في هذه
الحالة ال يعتبر مخال بواجب السر المهني.
- 37تنص المادة 334من ق.م.م "يتخذ المستشار المقرر اإلجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم ويأمر بتقديم المستندات التي يرى
ضرورتها للتحقيق في الدعوى ،ويمكن له بناء على طلب األطراف أو حتى تلقائيا ،بعد سماع األطراف أو استدعائهم للحضور بصفة
قانونية ،األمر بأي إجراء للتحقيق من بحث وخبرة وحضور شخصي دون المساس بما يمكن لمحكمة االستئناف أن تأمر به بعد ذلك
من إجراءات في جلسة علنية أو في غرفة المشورة."...
- 38تنص المادة 50على أنه "يجب على الموثق أن يحفظ تحت مسؤوليته أصول العقود والوثائق الملحقة بها وصور الوثائق التي
تثبت هوية األطراف".
19
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
52من قانون ،32.09حيث منعت على الموثق تسليم أصول العقد المحفوظ لديه إال
بمقتضى مقرر قضائي ،ولهذا فإذا صدر حكم يقضي بإحضار أصل من األصول ،فإن
الموثق ملزم بأن يحرر نسخة منه يضع عليها توقيعه ،ثم يشار فيها إلى مطابقتها ألصلها من
طرف رئيس المحكمة االبتدائية التي يمارس الموثق مهنته بدائرة نفوذها ،وتحل هذه النسخة
محل األصل إلى حين رده إلى مكتب الموثق.
باإلضافة إلى ضرورة المحافظة على أصول العقود فإن الموثق ملزم أيضا بحفظ كل
الوثائق التي قدمها األطراف من أجل توثيق العقد وهو ما نصت عليه المادة ،50وبناء على
ذلك فالموثق يعتبر مسؤوال عن ضياع أو تلف أصول العقود والوثائق المرفقة بها ،وإذا
تسبب هذا الضياع في ضرر للغير أمكن لهذا األخير المطالبة بالتعويض وما تجدر اإلشارة
إليه أن التزام الموثق بحفظ األصول هو التزام بتحقيق نتيجة يؤدي إلى قيام مسؤولية الموثق
بمجرد الضياع دون حاجة إلثبات خطأ هذا الموثق من طرف المتضرر.
ب .تسليم النظائر:
يجد هذا االلتزام أساسه في المادة 55من قانون 32.09التي تنص على أنه "يجب
على الموثق أن يسلم نسخة لكل واحد من األطراف ،وال يحق للغير اإلطالع على أصول
العقود وملحقاتها أو تسلم نسختها ونظائرها باستثناء ورثته ووكالء األطراف المتعاقدة.
بالتالي فالمشرع جعل مسألة تسليم النسخ مسألة إلزامية تقع على عاتق الموثق وهي األخرى
من االلتزامات التي يلتزم بمقتضاها بتحقيق نتيجة إذ يضمن الموثق لألطراف تمكينهم من
تسلم النسخ واستعمالها فيما يسمح به القانون لقوتها الحجية والثبوتية ،39وإن كان األصل أن
النسخ ال يمكن تسلمها إال من طرف المتعاقدين وفي بعض األحيان ورثتهم ووكالئهم وهو ما
نصت عليه المادة 4025من نفس القانون فهناك استثناء يتعلق بما أوردته المادة 55في
فقرتها الثانية بحيث نصت على أنه ال يمكن للغير تسلم هذه النظائر إال بمقتضى مقرر
قضائي وكل ذلك حفاظا على حقوق المتعاقدين ومصالحهم.
- 39الفصل 440من قانون االلتزامات والعقود ينص "النسخ المأخوذة عن أصول الوثائق الرسمية والوثائق العرفية لها نفس قوة
اإلثبات ألصولها."...
- 40تنص المادة 25على أنه" :يمنع على الموثق تسليم مستندات أو ملخص منها لغير من له الحق فيها طبقا للقانون".
20
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
هل هي مسؤولية قائمة على أساس خطأ واجب اإلثبات ويطلق عليها المسؤولية الشخصية،
أم أن مسؤولية الموثق مسؤولية قائمة على أساس خطأ مفترض من جانبه وهو ما يسمى
بالمسؤولية الموضوعية.
إذا كانت مسؤولية الموثق المدنية تقتضي ضرورة تحديد األساس عن الفعل الشخصي
وعن الغير ،فإنه من الالزم كذلك تحديد األركان العامة – الخطأ والضرر والعالقة السببية –
لمسؤولية الموثق والتي ال يمكن ألي باحث في المسؤولية المدنية بصفة عامة االستغناء عنها
نظرا لكونها العمود الفقري للمسؤولية المدنية.
وسنحاول الحديث في هذا الصدد عن األساس القانوني لهذه المسؤولية (المطلب
األول) ،ثم ننتقل للحديث عن أركان قيام المسؤولية المدنية للموثق (المطلب الثاني).
- 41محمد بولغماز ،المسؤولية المدنية للموثق العصري في القانون المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،ماستر
ال توثيق والعقار ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش ،ص .73-72
21
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
التوثيق ،32.09أن هذه المسؤولية مسؤولية موضوعية في جميع الحاالت ،وذلك راجع
باألساس إ لى كون جل االلتزامات الملقاة على كاهل الموثق التزامات بتحقيق نتيجة الشيء
الذي يترتب عليه افتراض مسؤولية الموثق عند عدم تحقق النتيجة ،42في حين يرى البعض
اآلخر أن مسؤولية الموثق مسؤولية قائمة على أساس خطأ واجب اإلثبات ،رغم أن كون
التزامات الموثق التزامات بتحقيق نتيجة ،ألن عدم تحقق النتيجة يعتبر بحد ذاته خطأ من
جانب الموثق ،يكون على المضرور في جميع الحاالت إثبات عدم تحققها للقول بمسؤولية
الموثق.
وإذا كان ظاهر الرأيين يوحي باختالفهما فإن مضمونهما يؤدي إلى نفس االتجاه مع
اختالف بسيط نتج عنه اختالف في تحديد األساس ،فكالهما يلزم المضرور بإثبات عدم
تحقق النتيجة ،لكنهم اختلفوا في تكييف هذا اإلثبات ،فاإلتجاه األول الذي يعتبر مسؤولية
الموثق مفترضة في جميع الحاالت ،ال يضفي وصف الخطأ على عدم تحقق النتيجة ،الشيء
الذي جعلهم يقولون بكون مسؤولية الموثق موضوعية في جميع الحاالت ،ويكون فيها
المضرور معفي من إثبات الخطأ ،بل ويكتفي فقط في حال حصول الضرر بإثبات عدم تحقق
النتيجة للقول بخطأ الموثق المفترض .أما االتجاه الثاني الذي يرى أن مسؤولية الموثق قائمة
على خطأ واجب اإلثبات ال يختلفون عن االتجاه األول في ضرورة إثبات المضرور بعدم
تحقق النتيجة ،إال أنهم يعتبرون هذا اإلثبات بحد ذاته خطأ من جانب الموثق ،الشيء الذي
يجعلهم يقولون بكون مسؤولية الموثق قائمة على خطأ واجب اإلثبات.
وفي الحقيقة أن الرأي القائل بمسؤولية الموثق عن أفعاله الشخصية مسؤولية قائمة
على خطأ واجب اإلثبات حري بالتأييد ،ألن القول بأن التزام الموثق بتحقيق نتيجة يعفي
المضرور من إثبات الخطأ قول مردود فيه مادام أن هذا األخير ملزم بإثبات عدم تحقق
النتيجة وإثبات الضرر والعالقة السببية.
وهو ما يستفاد بصورة ضمنية من مقتضيات قانون التوثيق الجديد ،حيث نجد أن
المشرع لم ينص في أي نص خاص على إعفاء المضرور من إثبات الخطأ في مسؤولية
الموثق عن أفعاله الشخصية ،بل اكتفى في مضمون النصوص المتعلقة بمسؤولية الموثق في
هذا اإلطار باإلحالة على قواعد المسؤولية الواردة في قانون االلتزامات والعقود.
- 42سلمى شادلي ،المسؤولية المدنية للموثق والعدل ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،ماستر األسرة والتوثيق،
جامعة سيدي محمد بن عبد هللا ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،ظهر المهراز ،فاس ،2013-2012ص .15
22
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
الشيء الذي يقتضي منا البحث عن األساس القانوني لمسؤولية الموثق عن فعل الغير
(أوال) ثم شروط قيام هذه المسؤولية (ثانيا).
- 43جاء في الفقرة األولى من الفصل 26من القانون 32.09ما يلي" :يتحمل الموثق مسؤولية األضرار المترتبة عن أخطاءه
المهنية واألخطاء المهنية للمتمرنين لديه وأجرائه وفق قواعد المسؤولية المدنية".
- 44عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزامات ،الكتاب الثاني المسؤولية المدنية ،الطبعة الثالثة ،2011ص .129
23
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ولكي تتحقق مسؤولية المتبوع عن تابعه فإنه يتعين توفر مجموعة من الشروط
الالزمة لقيام هاته المسؤولية.
- 45تنص الفقرة الثالثة من الفصل 85من ق.ل.ع "المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم ،يسألون عن الضرر الذي
يحدثه خدامهم ومأمورهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيه".
24
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
25
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
لذلك يمكن القول أن الموثق يعد مرتكبا لخطأ مهني إذا لم يراعي أثناء أداء مهامه
السلوك المعتاد في ممارسته لهذه المهنة الذي توجبه أخالقيتها وطبيعتها والقانون المنظم لها.
ومما تجدر اإلشار ة إليه أيضا أن المشرع المغربي لم يقم بحصر األخطاء المهنية التي
قد يرتكبها الموثق وإنما لجأ على غرار باقي التشريعات المقارنة إلى وضع صياغة عامة
يدخل ضمنها كل إخالل للموثق بااللتزامات الملقاة عليه من شأنه أن يثير مسؤوليته المدنية
وهو ما نصت عليه المادة 4826من القانون رقم .32.09
- 48نصت المادة 26من قانون 32.09على أنه "يتحمل الموثق مسؤولية األضرار المترتبة عن أخطائه المهنية."...
- 49عبد الرزاق السنهوري م.س ،ص .896
26
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
27
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
المواد 30و 31و 32و 37و 39و 40و 12من قانون ،32.09وإخالل الموثق بهذه
االلتزامات يترتب عليه القابلية لإلبطال ،بحيث أنه ال يمكن للمحكمة أن تقضي بالبطالن
استنادا على طلب على األطراف.
الحالة الثانية :الحالة التي لم يراعي فيها أحكام المادتين 38و ،46يمكن أثاره
البطالن في هذه الحالة قبل أي دفاع في جوهر القضية من طرف أي معنى ،غير أنه قد
يتحقق خطأ الموثق وال يؤدي ذلك إلى بطالن العقد كأن يلتزم بحفظ أصول العقود وتسليم
النسخ ،ففي حالة اإلخالل بهذا االلتزام تقوم مسؤولية الموثق دون تقرير البطالن ،وهو نفس
األمر في حالة إفشاء السر المهني في غير الحاالت التي يعفى منها ،فهنا بمجرد إفشاء السر
المهني يعد خطأ يترتب عليه قيام المسؤولية في مواجهة الزبون ويبقى للطرف المضرور
إثبات الضرر ذلك بإثبات وجود رابطة عقدية بينه وبين الموثق للحصول على التعويض.
أوال :الضرر
يعتبر الضرر في المسؤولية المدنية للموثق شأنه شأن الضرر في النظرية العامة
للمسؤولية المدنية ،فهو ركن أساسي لقيام المسؤولية وترتيب التعويض وقيام ضرر من دون
خطأ غير كاف للقول بقيام المسؤولية المدنية للموثق ،بل يشترط أن يكون خطأ الموثق قد
ترتب عنه وقوع ضرر أصاب المضرور سواء كان زبونا أو أحد من األغيار ألن الهدف من
تقرير مسؤولية الموثق المدنية عن أفعاله وأخطائه هو إصالح األضرار التي تترتب عنها.
يعرف الضرر لدى الفقه عادة بأنه األذى الذي يصيب المضرور في جسمه أو ماله أو
شرفه أو عواطفه.50
في حين عرفه المشرع المغربي في الفصل 264بأنه ما يلحق الدائن من خسارة وما
فاته من كسب . 51وعرفه المشرع كذلك في إطار الجرائم وأشباه الجرائم بكونه الخسارة التي
لحقت المدين فعال والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها إلصالح
28
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
نتائج الفعل الذي ارتكبه إضرار به وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا
الفعل.52
غير أن هذا التعريف الذي وضعه المشرع المغربي بالرغم من أهميته إال أنه يعد
ناقصا في مجمله لكونه ال يشير إلى األضرار المعنوية وكذا األضرار الجسدية لذلك يمكن
تداركه بالرجوع إلى جملة النصوص التشريعية األخرى التي تكمل هذا النقص من ذلك مثال
تسوية المشرع في الفصل 77من نفس القانون بين الضرر المادي والمعنوي واعتبارهما
موجبين للتعويض.53
وهكذا فإن الضرر الذي يكون سبب في المطالبة بالتعويض يمكن أن يكون ضرر
مادي يتمثل في إخالل الموثق بمصلحة ذات قيمة مالية للمضرور ،وضرر معنوي يصيب
الشخص في شعوره ويسبب له ألما في نفسه الذي يكون تعويضه مقصور على المضرور
نفسه.
وبالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة التوثيق تتمثل في إضفاء الرسمية على العقود
وبالتالي قد يمس المعامالت العقارية والتجارية والمالية لألفراد ،الشيء الذي يفيد أن الضرر
الذي يمكن أن يتسبب به خطأ الموثق هو ضرر مادي وبالتالي يكون من المستبعد حصول
ضرر معنوي في مجال التوثيق.
وعليه سواء كان الضرر مادي أو معنوي – تقصيريا كان أم عقدي – فإنه ال يكون
قابل للتعويض إال إذا توفرت فيه شروط معينة وقد حددها الفقه في:
أ .يجب أن يكون مباشرا :فالضرر الذي يؤخذ بعين االعتبار عند تقرير التعويض هو
الذي يتولد بصورة مباشرة عن الفعل الضار ويترتب على ما سبق أن الضرر إذا لم تكن له
أي عالقة مباشرة بالخطأ المرتكب من طرف الموثق فإنه ال يستوجب التعويض ،وقد أشار
المشرع المغربي إلى عنصر المباشرة في الفصل 77من ق.ل.ع بالصيغة التالية " ...إذا
ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر".
ب .أن يكون الضرر محققا :ومقتضى هذا الشرط أن الضرر يجب أن يكون قد وقع
فعال وهو ما سمي بالضرر الحال ،ومحقق الوقوع بمعنى الضرر المستقبلي الذي تراخت
أسباب وقوعه إلى المستقبل ،أما الضرر االحتمالي فال يصح التعويض عنه وإنما يجب
االنتظار إلى غاية وقوعه ،وهذا ما أقره المشرع المغربي في الفصل 98من ق.ل.ع غير أن
تفويت الفرصة تعتبر من قبيل الضرر المحقق ويفتح بالتالي الباب أمام المطالبة بالتعويض.
29
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ج .أن يكون الضرر متوقعا :فيشترط كذلك أن يكون الضرر متوقعا وقت إبرام العقد
إذا تعلق األمر بضرر ناشئ عن اإلخالل بااللتزام التعاقدي أما في إطار المسؤولية
التقصيرية فيشمل منها التعويض جميع أنواع الضرر المتوقع منها وغير المتوقع .وبالمقابل
يرى بعض الفقه أنه بالنسبة للمهني ولو في إطار المسؤولية العقدية يجب أن يشمل التعويض
عن األخطاء المرتكبة كالتعويض عن الضرر الذي تسبب فيه الموثق ناتج عن خطأ تدليسي
أو خطأ عمدي حيث يكون الموثق ملزم بالتعويض عن األضرار المتوقعة وغير المتوقعة
رغم كون مسؤولية الموثق مسؤولية عقدية.54
د .أن يكون الضرر شخصي :سواء كان الضرر مادي أو معنوي فإنه يتعين فيه أن
يكون شخصيا وهذا يعني أن المطالبة بالتعويض حق المضرور المباشر وحده الرتباط ذلك
بمصلحته ،إذ كما هو معلوم فإن المصلحة هي مناط الدعوى وإذا كانت القاعدة العامة هي
اقتصار التعويض على الشخص المضرور بكيفية مباشرة إال أنه ليس هناك ما يمنع من تمديد
نطاق التعويض يشمل أشخاص آخرين يرتبطون بالمصاب المباشر بمقتضى عالقات قانونية
كالقرابة والمصاهرة. 55...
ولهذا يقع عبء اإلثبات على الدائن مدعي المسؤولية ،56بحيث يجب عليه أن يثبت ما
أصابه من ضرر ،فضال عن إثبات ذلك الرابط أو الصلة بين خطأ الموثق والضرر الذي
أصابه ،وهذا ما سنحاول التطرق إليه في النقطة التالية.
30
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
فبوقوفنا على مقتضيات الفصلين 77و 78من ق.ل.ع يتضح أن المشرع المغربي
أخذ بنظرية السبب المنتج بمعنى أن يكون الخطأ هو السبب المباشر في حدوث الضرر على
غرار الفصل 264من نفس القانون المذكور الذي أقر أيضا بضرورة االعتداء بالسبب
المباشر للضرر.
وتجدر اإلشارة إلى أن عبء إثبات العالقة السببية كقاعدة عامة يقع على عاتق
الطرف المتضرر (الزبون) ويقع على المدين (الموثق) عبء نفي هذه السببية إذا ادعى عدم
قيامها وذلك كأن يكون الضرر وقع بسبب المتعاقد نفسه أو حصل بسبب قوة قاهرة أو بسبب
حدث فجائي فتنعدم مسؤوليته.57
عموما يمكن القول بأن الضرر الالحق بالزبون مرتبط بشكل مباشر بكل إخالل
صادر عن الموثق وهكذا ففي حالة ثبوت اشتراك المتضرر مع الموثق في الخطأ تتوزع
المسؤولية بينهما وهو ما يشكل إعفاء جزئيا للموثق من المسؤولية ،كما يكون إعفاء الموثق
كليا عندما يكون الضرر ناتج عن خطأ الزبون نفسه.
وله كذلك إثبات أن خطئه الشخصي لم يكن الوحيد كمصدر للضرر وهو ما سمي
بحالة تزاحم األخطاء نتيجة مساهمة خطأ العميل أو الغير مع خطأ الموثق ففي هذه الحالة
فإن المضرور يستطيع مقاضاتهما على سبيل التضامن طبقا للمادة 99من ق.ل.ع.58
31
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
32
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
يحق للمضرور من خطأ الموثق جراء إخالل هذا األخير بإحدى التزاماته المهنية ،أن
يقيم دعوى المسؤولية في مواجهة الموثق ،وتخضع هذه الدعوى في مجملها إلى القواعد
العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية .وهذا بطبيعة الحال بتوفر األركان الالزمة لقيام
المسؤولية المدنية من خطأ وضرر وعالقة سببية بينهما.
وبالتالي يصبح المضرور محق في المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر وذلك
بأي وسيلة من الوسائل القانونية.
وإذا ما تبث ت المسؤولية في حق الطرف المتسبب في الضرر يكون ملزم بدفع
تعويض للطرف المضرور لجبر ضرره.
ولضمان استفاء المضرور حقه في التعويض قام المشرع بفرض وإجبارية التأمين
على المسؤولية من طرف الموثق ،هذا إضافة إلى خلق صندوق الضمان الجماعي الذي
يمكن من خالله تغطية النقص في التعويض الذي يمكن الحصول عليه من قبل مؤسسة
التأمين أو الحصول على التعويض في حالة عسر الموثق أو عدم إبرامه التأمين اإلجباري.
وتجدر اإلشارة إلى أن أهمية التطرق إلى دعوى المسؤولية المدنية للموثق تكمن في
تسليط الضوء على اإلجراءات والمساطر الواجب إتباعها من قبل المضرور حتى يتسنى له
اقتضاء حقه خصوصا أن هذا األخير قد يفوت على نفسه فرصة الحصول على التعويض ال
لشيء إال لعيب شكلي أو مسطري كان بإمكانه تجاوزه لو أحسن استعمال القواعد اإلجرائية
المنظمة للدعوى ولإلحاطة بموضوع إجراءات دعوى المسؤولية المدنية وآثارها ،سنحاول
تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث األول :دعوى المسؤولية المدنية.
المبحث الثاني :وسائل دفع المسؤولية والتعويض عنها.
33
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
(المطلب األول) المحكمة المختصة للبث في دعوى المسؤولية المدنية للموثق ،ثم أطراف
الدعوى وأجل تقادمها في (المطلب الثاني).
34
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
وبين أن يقيمها أمام المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الذي تسبب في الضرر وذلك وفقا
ألحكام الفصل 28من قانون المسطرة المدنية.59
وإذا كان المشرع من خالل الفصل 27من القانون السابق نص على قاعدة عامة
بخصوص االختصاص المحلي ،فإنه قد أورد عليه استثناءات بمقتضى الفصل 28من نفس
القانون ،ومن بين هذه االستثناءات ما نصت عليه الفقرة السادسة منه أن دعوى التعويض
تقام أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر أو محكمة موطن المدعى عليه،
باختيار المدعى ،لكن عندما يشكل فعل الموثق جريمة وخطأ مدني في آن واحد ،فإن
المحكمة المختصة مكانيا ال تقتصر فقط على محكمة الموطن األصلي أو المختار للموثق،
حيث يمكن إقامتها أمام المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الجرمي والمسبب للضرر،
وكذلك أمام المحكمة التي تم إلقاء القبض فيها على الموثق المتهم وذلك إذا ما اختار المدعي
أو المطالب بالحق المدني إقامة دعوى مدنية تابعة.60
35
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
عن غيابها عدم قبول الدعوى شكال .وسنقتصر في هذا المطلب على تحديد أطراف الدعوى
(الفقرة األولى) وأجل تقادمها (الفقرة الثانية).
- 61تنص المادة 230من مدونة األسرة على أنه "يقصد بالنائب الشرعي في هذا الكتاب:
.1الولي وهو األب واألم والقاضي.
.2الوصي وهو وصي األب أو وصي األم.
.3المقدم وهو الذي يعينه القاضي.
- 62محمد زواكي" ،المسؤولية المدنية للموثق العصري" رسالة لنيل دبلوم الماستر ،شعبة القانون الخاص ،ماستر قانون العقود
والعقار ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ،سنة ،2011 -2010ص .84
36
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
وتجدر اإلشارة أنه في الحالة التي يتم فيها تعيين موثق مكان موثق آخر طبقا للمادتين
6317و 6418من قانون 32.09فإنه في حالة ارتكاب هذا الموثق المعين لخطأ مهني فإنه
يسأل عنه مسؤولية شخصية ،وال يمكن رفع الدعوى في مواجهة الموثق صاحب المكتب.65
ولما كان الموثق ملزما بالتأمين عن المسؤولية وذلك من خالل المادة 26من قانون
،32.09فإنه يحق للموثق إدخال مؤسسة التأمين في الدعوى باعتبارها ضامنة له ،كما يمكن
إدخال صندوق الضمان ألداء تعويضات في حالة عسر الموثق عن أدائها.
- 63ينص الفصل 17من قانون ، 32.09الذي جاء فيه " ...إذا كان الموثق مضطر للتغيب ألكثر من خمسة عشر يوما ،عين
للرئيس األول لمحكمة االستئناف المعين بدائرة نفوذها بناءا على ملتمسه موثقا آخر للنيابة عنه".
- 64تنص المادة 18من قانون 32.09على أنه "يمكن للموثق إذا انتابه عارض أو مريض حال دون ممارسته مهنة أن يلتمس من
الرئيس األول لمحكمة االستئناف المعين بدائرة نفوذها ،اعتباره في حالة انقطاع مؤقت عن ممارسة المهنة ،ويعين الرئيس األول –
في حالة الموافقة موثقا آخر للنيابة عن الموثق المعني باألمر بعد أخذ رأي للوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة ورئيس المجلس
الوطني".
- 65محمد زواكي ،م.س ،ص .85
- 66تنص المادة 387من ق.ل.ع ،على ما يلي "كل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بخمس عشر سنة فيما عدا االستثناءات
الواردة فيما بعد واالستثناءات التي يقضي بها القانون في حاالت خاصة".
- 67تنص المادة 106من ق.ل.ع على ما يلي "إن دعوى التعويض من إجراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات
تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر من الضرر ومن هو مسؤول عنه ،وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين
سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر.
37
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
38
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
المضرور ،وعليه سنحاول تعريف القوة القاهرة والحدث الفجائي (أوال) مع اإلشارة إلى
شروطها (ثانيا).
وقد عرف المشرع المغربي القوة القاهرة في الفصل 269من قانون االلتزامات
والعقود حيث نص أن "القوة القاهرة هي كل أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتوقعه كالظواهر
الطبيعية (الفيضانات ،الجفاف ،العواصف ،الحرائق ،والجراد) وغازات العدو وفعل السلطة
ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال."...
ويترتب عن إثبات القوة القاهرة والحادث الفجائي إعفاء المدين من المسؤولية إال أنه
قد يترتب عن هذا الحدث اإلعفاء من تنفيذ االلتزام ،بل وقف التنفيذ حتى يزول الحادث،
فيبقى االلتزام موقوفا على أن يعود التنفيذ بعد زوال القوة القاهرة والحادث الفجائي.70
وإذا كان الفصل 269من ق.ل.ع قد وضع تعريفا للقوة القاهرة والحادث الفجائي،
وأورد بعض الحاالت على سبيل المثال التي يمكن اعتبارها قوة قاهرة .كفعل السلطة فإن هذه
الحالة يمكن تصورها كسبب قاهر يمكن للموثق االستناد إليه لنفي أو دفع المسؤولية ،ويعد
امتناع اإلدارة كمصلحة المحافظة العقارية أو مصلحة التسجيل عن القيام بإجراء معين دون
سبب معقول إلتمام عملية تنفيذ العقد الذي تلقاه الموثق من األسباب القاهرة التي يمكن لهذا
األخير دفع مسؤوليته بها ،إذا ما أثبت فعال هذا االمتناع الغير المبرر.71
- 68مأمون الكزبري" ،نظرية اال لتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي" ،الجزء األول مصادر االلتزامات ،الطبعة
الثانية ،ص .412
- 69ينص الفصل 95من ق.ل.ع على أنه "ال مجال للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي أو إذا كان الضرر قد نتج عن حدث
فجائي أو قوة قاهرة لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعي عليه."...
- 70عبد الرزاق السنهوري ،م.س ،ص .880
- 71محمد بولغماز ،م.س ،ص .181
39
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
- 72المختار بن أحمد العطار "النظرية العامة لاللتزامات في ضوء القانون المغربي" ،الطبعة األولى ،2011ص .422
- 73عبد القادر العرعاري" ،المسؤولية المدنية" ،دراسة مقارنة على ضوء النصوص التشريعية الجديدة الطبعة الرابعة .2015
- 74المختار بن أحمد العطار "النظرية ال عامة لاللتزامات في ضوء القانون المغربي" ،الطبعة األولى ،2011ص .423
40
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
- 75محمد الربيعي "األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم" الطبعة الثانية ،2015ص .57
- 76محمد الربيعي ،م.س ،ص .55
41
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ومن هنا قد يكون خطأ الزبون في اإلدالء بالمعلومات التي يرغب في إيصالها للموثق سببا
في إعفاء هذا األخير من المسؤولية الملقاة على عاتقه.
42
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
باإلضافة إلى خلق صندوق الضمان الجماعي الذي يمكن من خالله تغطية النقص في
التعويض الذي يمكن الحصول عليه من مؤسسة التأمين أو الحصول على التعويض في حالة
عسر الموثق وعدم إبرام التأمين من طرف هذا األخير.
ولتوضيح اآلثار المترتبة عن تحقق المسؤولية المدنية للموثق سنحاول التطرق إلى
التعويض وتقديره (الفقرة األولى) على أن نتطرق إلى أهم الضمانات التي خولها المشرع
المغربي للمتضرر للحصول على التعويض (الفقرة الثانية).
43
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
44
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ب .التعويض العيني:
يقصد بالتعويض العيني أو التنفيذ العيني الوفاء بااللتزام عينا ويقع هذا النوع من
التعويض كثيرا في االلتزامات التعاقدية ونادرا ما يترتب عن المسؤولية التقصيرية .81ويعد
التعويض العيني أفضل طرق التعويض إذ يؤدي إلى إصالح الضرر إصالحا تاما ،وذلك
بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه وإجبار الموثق المخل بالتزامه بإتمام تنفيذ العقد وإنجازه على
خير ما يرام واستكمال جميع اإلجراءات المتفق عليها والمنصوص عليها قانونا ،ومن بين
الحاالت التي يمكن أن نتصور فيها التعويض العيني في إطار المسؤولية المدنية للموثق،
الحالة التي يتأخر فيها الموثق في القيام ببعض اإلجراءات القانونية الالزمة إلتمام إجراءات
التعاقد في آجالها القانونية ،بحيث يصبح المعني باألمر ملزما بأداء مبالغ إضافية ،عبارة عن
غرامة تأخير تنفيذ هذه االلتزامات ،ففي هذه الحالة إذا كان الموثق هو المتسبب في إحداث
هذه الزيادات فيتعين عليه أداء هذه الغرامات لفائدة المصالح المعنية ،وعليه فإن هذا
التعويض يكون عبارة عن تعويض عيني مادام الموثق قام بإزالة الضرر ،وذلك بالقضاء
على سببه وهو أداء الغرامات اإلضافية.
45
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
حتى يمكن ل لمجلس األعلى بسط رقابته على حقيقة الضرر الذي لحق المتضرر ومدى
مالئمة التعويض المقدر واعتباره حكما غير معلل.82"...
يتمتع قضاة الموضوع بحرية واسعة في تقدير التعويض إذ يحددون مبلغه بالقدر الذي
يتناسب مع الضرر الواقع وال رقابة عليه من طرف محكمة النقض ،إذ أن تقدير التعويض
يعتبر من األمور الواقعية التي يستقل بها قضاة الموضوع ،ويقدر التعويض في المسؤولية
العقدية طبقا ألحكام الفصل 264من ق.ل.ع ،وفي المسؤولية التقصيرية على أساس
مقتضيات الفصل 98من نفس القانون.
ويكون لدرجة الخطأ تأثيرا كبيرا في تقدير التعويض حسب ما إذا كان الخطأ يسيرا أو
جسيما.
ومما تجدر اإلشارة إليه أن تأثير درجة الخطأ على تقدير التعويض ليست قاعدة
مطلقة ،فإذا كان مبلغ التعويض في أغلب الحاالت يتأثر بدرجة الخطأ المرتكب من قبل
الموثق فإن ذلك ال يمنع من وجود حاالت يقدر فيها القاضي على أساس حجم األضرار
الواقعة فعال إذا كان خطأ الموثق جسيما.83
عموما يظل أمر تقدير التعويض خاضع في نهاية المطاف للسلطة التقديرية لمحاكم
الموضوع التي تبقى لها الحرية الكاملة في تقدير التعويض عن األضرار التي يتسبب فيها
الموثق.
الفقرة الثانية :الضمانات التي خولها المشرع المغربي للمتضرر للحصول على
التعويض
تعد إجبارية التأمين وصندوق ضمان الموثقين من أهم وسائل الضمان والمؤسسات
التي وضعها المشرع المغربي من أجل تأمين حصول المضرور من الخطأ المهني للموثق
في حقه في التعويض عما لحقه من أضرار.
- 82قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) ،الغرفة المدنية ،القسم الثالث رقم القرار ،2749ملف عدد 97390
بتاريخ نونبر ،1985منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى العدد ،39الصفحة .85.84
- 83محمد بولغماز ،م.س ،ص .191-190
46
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
ويعتبر التأمين على المسؤولية المهنية للموثق من بين أهم المستجدات التي جاء بها
قانون 32.09حين أصبح التأمين على المسؤولية بمقتضى المادة 26التي جاء فيها ما يلي
" ...يلزم كل موثق بالتأمين على هذه المسؤولية."...
ويالحظ من المادة أعاله ،أنها جعلت من واجب التأمين على المسؤولية من أهم
الواجبات المفروضة على الموثق وذلك ضمانا لحقوق المتعاقدين والمتعاملين معه في إطار
مهامه التوثيقية ،بحيث أن كل موثق يتعين عليه إبرام عقد التأمين قبل الشروع في ممارسة
مهامه ،أي بمجرد أدائه اليمين القانونية ووضع توقيعه بكتابة الضبط لدى محكمة االستئناف
المعين بدائرة نفوذها ، 84كما نصت على أن الموثق ملزم باإلدالء كل سنة بها يفيد استمرار
اكتتابه في عقد التأمين وذلك تحت طائلة المتابعة التأديبية.85
وظاهر المادة يقتضي أن واجب التأمين شأن يتعلق بالموثق شخصيا وال يتعلق بالهيئة
التي ينتمي إليها ،ألن المادة 26المذكورة صريحة في تحميل الموثق وحده مسؤولية ذلك،
كما أن المادة 99صريحة في أن الهيئة الوطنية للموثقين هي من تقوم بتدبير ومراقبة
االلتزام بالتأمين المفروض على الموثقين.
وإذا كان المشرع المغربي قد فرض بمقتضى هذا القانون الجديد على الموثق إجبارية
التأمين على مسؤوليته المهنية ،فإنه لم يحدد نطاق األخطاء المشمولة بهذا الضمان ،مما
يطرح التساؤل حول ما إذا كانت جميع األخطاء الصادرة عن الموثق يشملها الضمان؟
بالرجوع إلى المادة 17من القانون 17.99المتعلق بمدونة التأمينات نجدها تنص في فقرتها
الثالثة على أنه "غير أن المؤمن ال يتحمل رغم أي اتفاق مخالف الخسائر واألضرار الناتجة
عن خطأ متعمد أو تدليس المؤمن له".
ويتضح من المادة أعاله أن التأمين يكون شامال لكل األخطاء الصادرة عن الموثق
باستثناء األخطاء العمدية وتدليس الموثق.
وفي إطار تفعيل مقتضيات المادة 26المتعلقة بالتأمين على المسؤولية صدر مؤخرا
المرسوم رقم 2.13.32بتاريخ جمادى األولى 25( 1434مارس )2013المتعلق بالحد
األدنى للتأمين المطبق على الموثقين ونص على أن الحد األدنى للتأمين خمسة ماليين درهم
( 5000.000درهم) وعلى أنه يمكن مراجعة هذا التحديد على رأس كل سنتين بموجب قرار
مشترك لوزير االقتصاد والمالية ووزير العدل والحريات ،بعد استشارة المجلس الوطني
47
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
للموثقين والجامعة االستشارية للتأمينات المحدثة بموجب المادة 285من قانون رقم 17.99
المتعلق بمدونة التأمينات.
ويتولى تسير هذا الصندوق مجلس اإلدارة تحت إشراف صندوق اإليداع والتدبير،
يتألف هذا المجلس من عضوين يمثلون اإلدارة ،يتم تعيينهم بنص تنظيمي ،ومن رئيس
المجلس الوطني لهيئة الموثقين ورئيسي مجلسين جهويين يتم تعيينهم من طرف رئيس
المجلس الوطني من ممثل عن صندوق اإليداع والتدبير ،ويتم انتخاب رئيس المجلس من بين
أحد أعضائه.
إن الهدف المتوخى من إحداث صندوق الضمان هو أداء المبالغ المحكوم بها لألفراد
المتضررين ،وذلك في الحالة التي يكون فيها الموثق أو نائبه في حالة عسر 87أو في حالة
كون التعويض أكثر من حجم الضرر الذي أصاب المضرور ،أما بخصوص دعوى الضمان
- 86تنص الفقرة الخامسة من المادة 94على ما يلي ..." :يهدف الصندوق إلى ضمان أداء المبالغ المحكوم بها لفائدة األطراف
المتضررة في حالة عسر الموثق أو نائبه وعدم كفاية المبلغ المؤدى من طرف شركة التأمين للتعويض عن الضرر أو عند انعدام
التأمين."...
- 87وتماشيا مع هذا الوضع تماما سبق لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها تحت رقم 1.3626بتاريخ 2006/10/16م
منشور بمجلة الملف ،العدد 10شهر أبريل ،2007ص 190وما بعدها ،أن اعتبرت أن األصل في مسؤولية الموثقين أنها شخصية
يلتزم الموثقون بموجبها بأداء الت عويض جبرا للضرر الذي ألحقوه بالغير والناتج عن أخطائهم المهنية ،على أنه يجوز بصفة
احتياطية إخالل صندوق التأمين والخازن العام للمملكة محل الموثق بشرطين هما:
.1ارتكاب الموثق خطأ مهني.
.2عسر هذا األخير وعدم قدرته على األداء ومما جاء في حيثيات القرار.
" ...وحيث تكون دعوى اإلحالل دعوى احتياطية رهينة بتوفر عنصرين اثنين هما * :ارتكاب الموثق خطأ مهني * .عسر هذا
األخير وعدم قدرته على األداء."...
48
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
فإنها تتقادم في مواجهة الصندوق بمرور 5سنوات 88من تاريخ ثبوت مسؤولية الموثق أو
نائبه ،وتقدم هذه الدعوى في شخص رئيس المجلس اإلداري الذي يتولى تسيير الصندوق.89
وما يعاب على المقتضيات الجديدة المنظمة لصندوق ضمان الموثقين ،هو ربطها
لتحريك الدعوى في مواجهة الصندوق بإثبات عسر الموثق أو نائبه ،األمر الذي يبقى من
الناحية العملية صعب وعائق أمام الطرف المتضرر مما يجعل من تحريك هذه الدعوى
يتطلب مصاريف باإلضافة إلى أنه يتم بشكل بطيء.
- 88تنص المادة 95من قانون 32.09على ما يلي" :تتقادم دعاوى الضمان بمرور 5سنوات على يوم التصريح بثبوت مسؤولية
الموثق أو نائبه بحكم نهائي".
- 89جاء في الفقرة األولى من المادة 96من قانون 32.09ما يلي "تقادم الدعاوى ضد صندوق ضمان الموثقين في شخص رئيس
مجلسه اإلداري."...
49
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
خاتمة
إن المشرع المغربي لم يخص المسؤولية المدنية للموثق بأحكام خاصة ،وهو ما
يصعب معه استنباط أحكامها ،خاصة أمام سكوت النصوص المنضمة لمهنة التوثيق في
إطار القانون الجديد ،32.09عن تحديد طبيعة المسؤولية المدنية للموثق ،وهو ما جعلها
محل تضارب فقهي وقضائي ،بين من يراها ذات طبيعة عقدية ومن يراها ذات طبيعة
تقصيرية ،وهذا راجع باألساس إلى االختالف الذي يطبع عالقة الموثق بالزبون ،وبغض
النظر عن انقسام المسؤولية في ظل القواعد العامة ،لذلك اتجه غالبية الفقه إلى اعتبار
مسؤولية الموثق المدنية قد تكون عقدية وذلك في عالقة الموثق بالزبون ،وتقصيرية اتجاه
الغير في حالة إتيان غش أو خطأ جسيم .وعليه فإن كل خطأ صادر من الموثق قد يؤدي إلى
قيام مسؤوليته متى تسبب ذلك في ضرر للمتعاملين معه أو للغير.
وتعد دعوى المسؤولية المدنية للموثق إحدى الوسائل الناجعة للمطالبة بجبر الضرر
الذي لحق المضرور ،وإن كان في السابق دورها الحمائي محدودا بالنظر لتعقد مساطرها
وصعوبة إثباتها إال أن المشرع قد أحسن صنعا بجعل التأمين على المسؤولية المدنية للموثقين
أمرا إلزاميا ،األمر الذي من شأنه تعزيز ضمانات المتضررين في الحصول على التعويض
والحد من مماطلة الموثقين في أداء التعويضات.
ونود أن نشير عموما إلى أن المشرع المغربي سعى إلى تقرير مسؤولية الموثقين عن
أخطائهم ،بمقتضى القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق وباقي القوانين األخرى ،إال أن هذه
األحكام تبقى فقط حبر على ورق ،نظرا لعدم تفعيلها في جل الحاالت وما يؤكد هذا الموقف
ندرة االجتهاد والعمل القضائي المتعلق بمسؤولية الموثق المدنية.
ونعتقد أن عدم تفعيل مقتضيات المسؤولية المدنية للموثقين راجع باألساس إلى عدم
الوعي بأهمية هذه المسؤولية من قبل المتعاملين مع الموثقين بالمغرب ،وهذا ما نلمسه في
مجموعة من القرارات الصادرة عن المحاكم المغربية المتعلقة بالمسؤولية التأديبية ،حيث
تكون شروط المسؤولية المدنية قائمة بالموازاة مع شروط قيام المسؤولية التأديبية للموثق
حيث يفضل المضرور من خطأ وفعل الموثق تحريك مسؤوليته التأديبية على المسؤولية
المدنية ،ربما هذا السبب هو الذي جعل مسؤولية الموثقين غير مفعلة على أرض الواقع ،وال
يمكن تحميل القضاء المغربي هذا النقض الذي يعتري مسؤولية الموثق المدنية مادام أن هذه
األحكام ال تجد من يحركها أمامه للفصل فيها.
50
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
عبد القادر العرعاري" ،المسؤولية المدنية" ،دراسة مقارنة على ضوء النصوص
التشريعية الجديدة الطبعة الرابعة .2015
عبد القادر العرعاري" ،مصادر االلتزامات" ،الكتاب الثاني ،المسؤولية المدنية،
الطبعة الثالثة .2011
عبد المجيد بوكير" ،التوثيق العصري المغربي" ،الطبعة الثانية .2010
العلمي الحراق" ،الوثيق في شرح قانون التوثيق" ،طبعة نونبر .2014
مأمون الكزبري" ،نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي"،
الجزء األول مصادر االلتزامات ،الطبعة الثانية .1972
محمد الربيعي" ،األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم" ،دراسة
على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العصري ،مطبعة الورقة الوطنية ،مراكش
الطبعة األولى ،أكتوبر .2008
المختار بن أحمد العطار "النظرية العامة لاللتزامات في ضوء القانون المغربي"،
الطبعة األولى .2011
51
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
الرسائل واألطروحات:
زبيدة مهداوي "حماية المتعاملين مع الموثق من خالل القانون "32.09رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر األسرة والتوثيق ،جامعة محمد بن عبد هللا،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ظهر المهراز ،فاس.
سلمى شادلي" ،المسؤولية المدنية للموثق والعدل" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون ال خاص ،ماستر األسرة والتوثيق ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،ظهر المهراز ،فاس .2013-2012
عمر موسوي" ،توثيق التصرفات العقارية في ضوء الحقوق العينية والقوانين ذات
الصلة – بين مبدأ الخبرة ووجوب الرسمية –" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر ،ماستر
المعامالت العقارية ،جامعة محمد بن عبد هللا ،الكلية متعددة التخصصات تازة ،سنة
.2016-2017
محمد بولغماز" ،المسؤولية المدنية للموثق العصري في القانون المغربي" ،دراسة
مقارنة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،ماستر قانون األعمال ،جامعة
القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة
الجامعية .2014-2013
محمد زواكي" ،المسؤولية المدنية للموثق العصري" رسالة لنيل دبلوم الماستر ،شعبة
القانون الخاص ،ماستر قانون العقود والعقار ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ،سنة .2011 -2010
نور الدين بزدي" ،المسؤولية المدنية والتأديبية للعدول والموثقين على ضوء التشريع
المغربي" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،جامعة المولى
إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية ،مكناس ،سنة 2009-
.2010
يوسف أقصبي" ،المسؤولية القانونية للموثق" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في الدراسة
الميتودولوجية المطبقة على ق.م ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
فاس.
بلحو نسيم" ،المسؤولية القانونية للموثق" ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم
في الحقوق تخصص قانون جنائي ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية قسم الحقوق.2015-2014 ،
مقاالت ومجالت:
52
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
عبد هللا درميش "أخالقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم" مقال منشور بمجلة رحاب
المحاكم العدد ،3دجنبر .2009
محمد خيري" ،مهنة تحرير العقود بين التنظيم واإلطالق" ،مقال منشور بالمجلة
المغربية لقانون اقتصاد التنمية ،العدد ،25سنة .1991
المهدي بودي" ،المسؤولية المدنية للموثق على ضوء قانون رقم ،"32.09مقال
منشور بمجلة القانون واألعمال ،العدد 9شتنبر .2016
محمد الربيعي "حماية السر المهني في مجال التوثيق" مجلة اإلشعاع ،العدد 33
يونيو .2008
النصوص القانونية:
القانون 32.09المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
قانون االلتزامات والعقود.
قانون المسطرة المدنية.
فانون األسرة.
الفهرس
مقدمة3 .................................................................................................... :
الفصل األول :األحكام العامة للمسؤولية المدنية للموثق 5 ..........................................
المبحث األول :طبيعة المسؤولية المدنية للموثق العصري والتزاماته المهنية 7 .................
المطلب األول :طبيعة المسؤولية المدنية للموثق 8 ...................................................
الفقرة األولى :الطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق 8 ...................................................
الفقرة الثانية :الطبيعة التقصيرية لمسؤولية الموثق 11 ..............................................
المطلب الثاني :التزامات الموثق المهنية13 ......................................................... .
الفقرة األولى :التزامات الموثق أثناء توثيق العقد13 ............................................... .
أوال :االلتزام بالتحقق من هوية األطراف ومحل العقد 13 ..........................................
أ .التحقق من هوية األطراف 13 ......................................................................
ب .االلتزام بالتحقق من محل العقد14 .............................................................. :
ثانيا :االلتزام بالنصح وإضفاء الصيغة الرسمية 15 .................................................
53
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
54
المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون 32.09
55