You are on page 1of 55

‫شعبة ‪ :‬القانون واالقتصاد‬

‫مسلك‪ :‬القانون الخاص‬

‫تحت إشراف ‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫يسرى بويمعاردن‬
‫د‪ .‬يوسف التبر‬
‫إحسان بيدمرن‬

‫السنة الجامعية ‪2019 - 2018 :‬م ‪1440 - 1439 /‬هـ‬


‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الئحة المختصرات‪:‬‬
‫ق ل ع ‪ :‬قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫ق م م ‪ :‬قانون المسطرة المدنية‪.‬‬
‫م س ‪ :‬مرجع سابق‪.‬‬
‫ص ‪ :‬الصفحة‪.‬‬
‫ط ‪ :‬الطبعة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن توثيق المعامالت والعقود بين الناس منبع الستقرارها وشعور المتعاملين في‬
‫إطارها باألمن واالطمئنان وضمان حقوقهم‪ ،‬فالتوثيق من أهم عناصر بناء المجتمعات إذ‬
‫يشكل العمود الفقري للحركة االقتصادية والتجارية والصناعية باعتبارها من بين أهم اآلليات‬
‫القانونية لتنظيم المعامالت والعالقات االقتصادية بين أفراد المجتمع ومؤسساته‪ ،‬لذلك اهتمت‬
‫القوانين والتشريعات الوضعية وقبلها الشريعة اإلسالمية بضبط عنصر التوثيق الذي مر‬
‫بمجموعة من المحطات كانت لكل محطة خصوصياتها سواء بتضييق أو توسيع دائرة‬
‫التعامل بهذا العنصر‪.‬‬
‫ونظرا للحركية والتطور الذي يعرفه المغرب في مختلف الميادين فإن مهنة التوثيق ال‬
‫تخرج عن هذا اإلطار إذ يعتبر قانون ‪ 132.09‬بادرة حسنة من المشرع المغربي للزيادة من‬
‫شدة ودقة تنظيم هذا المرفق والذي كان منظما سابقا بموجب ظهير ‪ 4‬ماي ‪ ،21925‬هذا‬
‫األخير الذي استوحى جل أحكامه من القانون الفرنسي ‪ 25‬فانتوز‪.3‬‬
‫أضف إلى ذلك مجموعة من المقتضيات المؤطرة لمؤسسة التوثيق والمنظمة في مواد‬
‫قانونية أخرى لعل أبرزها قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ولما كان الموثق يضطلع بمهام‬
‫قانونية‪ ،‬فقد خصه المشرع المغربي بمكانة متميزة من حيث نظامه القانوني ووضع على‬
‫عاتقه جملة من االلتزامات تستوجب في من يمارس مهنة التوثيق أن يتقيد في سلوكه بمبادئ‬
‫األمانة والنزاهة والشرف وما تقتضيه األخالق الحميدة لممارسة هذه المهنة والتحلي بروح‬
‫الكفاءة العلمية والعملية حتى ال يتم هدم مبدأ استقرار المعامالت‪.‬‬
‫وإخالل الموثق بالتزاماته وخرق مقتضيات قوانينه المهنية قد يعرضه إلى المساءلة‬
‫التأديبية والجنائية‪ . 4‬باإلضافة إلى المسؤولية المدنية وهي ما تهمنا معالجتها في هذا‬
‫الموضوع‪ .‬األمر الذي يستدعي دراسة عميقة من أجل وضع تصور شبه شامل حولها‪.‬‬
‫الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة ونطاق المسؤولية المدنية للموثق‪.‬‬

‫‪ - 1‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.170‬الصادر بتاريخ ‪ 27‬ذي القعدة ‪ 25( 1432‬أكتوبر ‪ ،)2011‬الجريدة الرسمية عدد ‪،5998‬‬
‫بتاريخ ‪ 27‬ذو الحجة ‪ ،1432‬ص ‪.5611‬‬
‫‪ - 2‬ظهير شريف بتاريخ ‪ 10‬شوال ‪ 4( 1343‬ماي ‪ )1925‬المتعلق بتنظيم التوثيق العصري منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪661‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪.1925‬‬
‫‪ - 3‬قانون ‪ 25‬فانتوز الصادر بتاريخ ‪ 16‬مارس ‪ 1803‬الذي يعتبر القانون األساسي لنظام التوثيق الفرنسي وأعقب ذلك صدور‬
‫ج ملة من القوانين التعديلية تهدف إلى جعل هذا النظام يساير ما يطرأ على المجتمع الفرنسي من تطور وتغير‪ ،‬وفي سنة ‪1912‬‬
‫أنشئت نقابة الموثقين بفرنسا وتم كذلك تأسيس جمعية الموثقين الفرنسيين التي أصبحت بتاريخ ‪ 1941‬تشكل المجلس األعلى‬
‫للتوثيق‪.‬‬
‫‪ - 4‬ومن صور المسؤولية التأديبية نجد (مخالفة النصوص القانونية المنظمة لمهنة التوثيق اإلخالل بالواجبات المهنية‪ ،‬ارتكاب‬
‫أعمال تمس باالستقامة‪ ،‬ارتكاب أعمال تمس باألخالق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة) أما صور المسؤولية الجنائية للموثق نذكر‬
‫منها (خيانة األمانة التزوير‪ ،‬النصب واالحتيال)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫وهو اإلشكال الذي تتفرع عنه التساؤالت اآلتية‪:‬‬


‫‪ ‬ما هي طبيعة المسؤولية المدنية للموثق؟ وبعض التزاماته المهنية؟‬
‫‪ ‬وما هو األساس القانوني المعتمد لمساءلة الموثق عن أخطائه المهنية؟‬
‫‪ ‬وما هي اآلثار التي تترتب عن قيام مسؤولية الموثق ووسائل دفعها؟‬
‫وعليه ارتأينا تقسيم هذا البحث إلى فصلين‪:‬‬
‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬األحكام العامة للمسؤولية المدنية للموثق‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬آثار قيام المسؤولية المدنية للموثق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الفصل األول‪ :‬األحكام العامة للمسؤولية المدنية للموثق‬

‫‪5‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫نصت المادة األولى من القانون رقم ‪ 32.09‬أن "التوثيق مهنة حرة تمارس وفق‬
‫الشروط وحسب االختصاصات المقررة في القانون المذكور وفي النصوص الخاصة"‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن مهنة التوثيق تمارس وفق القانون المتعلق بها‪ ،‬ووفق القوانين األخرى‬
‫التي تنظم بعض العقود الخاصة‪ ،‬وتحدد شروط وكيفيات تلقيها وإتمام اإلجراءات بشأنها‪،‬‬
‫بحيث يتعين على الموثق أن يكون على علم كامل بها تحت تحميله المسؤولية في حالة‬
‫مخالفتها والتي ال يعذر بجهله بها‪.5‬‬
‫وثبوت إخالل الموثق بأحد االلتزامات الملقاة على عاتقه‪ ،‬يفتح الباب أمام المضرور‬
‫للمطالبة بالتعويض عن األضرار التي لحقته جراء خطأ الموثق أو أحد ممن هو مسؤول‬
‫عنهم عن طريق إقامة دعوى المسؤولية في مواجهته‪.‬‬
‫ويرتبط قيام المسؤولية المدنية بصفة عامة‪ ،‬والمسؤولية المدنية للموثق بصفة خاصة‬
‫بتحقق ثالث شروط أساسية ال غنى عنها وهي‪ :‬الخطأ‪ ،‬الضرر والعالقة السببية‪.‬‬
‫ومنه سنحاول بداية الوقوف على تحديد طبيعة مسؤولية الموثق المدنية وبعض‬
‫التزاماته (المبحث األول) ثم أساس قيام مسؤولية الموثق وأركانها (المبحث الثاني)‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬التزامات الموثق المهنية وطبيعة مسؤوليته‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬أساس قيام مسؤولية الموثق وأركانها‪.‬‬

‫‪ - 5‬العلمي الحراق‪ ،‬الوثيق في شرح قانون التوثيق‪ ،‬طبعة نونبر ‪ ،2014‬ص ‪.8‬‬

‫‪6‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫المبحث األول‪ :‬طبيعة المسؤولية المدنية‬


‫للموثق العصري والتزاماته المهنية‬
‫تفرض علينا الطبيعة الخاصة للخدمة التي يقدمها الموثقين العصرين‪ ،‬والمشاكل‬
‫المثارة بخصوص مسؤوليتهم أن نتطرق في هذا المبحث إلى تحديد طبيعة مسؤولية الموثق‬
‫المدنية األمر الذي يستدعي اإلحاطة بموضوع التزامات الموثق المهنية التي ستمكننا من‬
‫الوقوف على أهم األخطاء التي يمكن أن يرتكبها في حق المتعاملين معه على اعتبار أن‬
‫عملية التوثيق تضطلع بدور مهم في صيانة وحفظ حقوق المتعاقدين‪ ،‬سواء فيما يتعلق‬
‫بضمان سالمة المعاملة المراد التعاقد من أجلها من جهة‪ ،‬أو من خالل ضمان استقرار‬
‫المعامالت الرسمية من جهة أخرى‪.‬‬
‫وهو ما يفتح الباب أمام المضرور للمطالبة بالتعويض عن مجموع األضرار التي‬
‫لحقته من جراء إخالل الموثق بإحدى االلتزامات الملقاة على كاهله سواء أثناء تحرير العقد‬
‫أو بعده عن طريق إقامة دعوى المسؤولية المدنية في مواجهته‪.‬‬
‫لهذا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين‪:‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬طبيعة المسؤولية المدنية للموثق‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬التزامات الموثق المهنية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫المطلب األول‪ :‬طبيعة المسؤولية المدنية للموثق‬


‫تثير مسألة تكييف المسؤولية المدنية لفئة المهنيين عامة وللموثق خاصة عدة تساؤالت‬
‫ونقاشات‪ ،‬فيما قيل بهذا الصدد‪ ،‬كثير من يعتبرها عقدية ومن يعتبرها تقصيرية‪ ،‬وهذا‬
‫اإلشكال مرده إلى ثنائية المسؤولية في القانون المدني بين عقدية وتقصيرية‪ .‬والواقع أن كال‬
‫المسؤوليتين تعتبران جزاء عن اإلخالل بالتزام سابق غير أن المسؤولية التقصيرية جزاء‬
‫عام يرتبه القانون على من أخطأ وسبب بخطئه ضررا للغير‪ ،6‬فهي إذن األصل العام الذي‬
‫يجب تطبيقه كلما ارتكب شخص ما خطأ ونتج عنه ضررا للغير‪ ،‬أما المسؤولية العقدية فهي‬
‫استثناء ال يسري إال إذا كان يربط بين الدائن والمدين عقد وأخل هذا األخير بالزاماته‪.‬‬
‫وبالتالي باعتبار الموثق العصري يمارسة مهنة حرة قد يقع أثناء تأديته لمهامه في‬
‫بعض األخطاء التي قد تسبب ضررا لعمالئه فهنا يثور اإلشكال الذي يتعلق بمعالجة مسألة‬
‫المسؤولية التوثيقية في نسقها المدني هل هي مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية؟ وعلى‬
‫هذا األساس سوف نتطرق في هذا المطلب إلى تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق‬
‫سواء في جانبها العقدي (الفقرة األولى) أو في جانبها التقصيري (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق‬


‫تعرف المسؤولية العقدية‪ ،‬عادة بأنها جزاء إلخالل بالتزام عقدي وتثار عند عدم‬
‫إمكانية التنفيذ العيني‪ ،‬أو عند عدم عرض المدين الوفاء عينا إذا طالب الدائن بالتعويض‪.‬‬
‫ويشترط لقيام المسؤولية العقدية للموثق ضرورة توفر بعض الشروط الخاصة إلى‬
‫جانب الشروط العامة لقيام المسؤولية المدنية‪ .‬والتي هي ضرورة وجود عقد بين الطرفين‬
‫أحدهما مرتكب الفعل الضار واآلخر المضرور وأن يكون هذا العقد صحيحا ويكون‬
‫المضرور طرفا فيه‪.‬‬
‫وارتباطا بهذا يتجه بعض الفقه والقضاء المغربي والفرنسي إلى اعتبار أن المسؤولية‬
‫المدنية للموثق عن أخطائه المهنية مسؤولية عقدية أساسها اإلخالل بالتزام تعاقدي وهو ما‬
‫أثار جداال واسعا خاصة وأن المشرع المغربي لم يحدد صراحة طبيعة تلك المسؤولية‪.‬‬
‫ويرى االتجاه القائل بالطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق المدنية أن االتفاق الذي يربط‬
‫الموثق بزبونه عبارة عن عقد حقيقي صحيح ولعل ما يبرر صحة موقفهم التعديل الجديد‬
‫الذي طال صفة الموثق المغربي حيث أصبح مهني حر على خالف ظهير ‪ 04‬ماي ‪1925‬‬
‫الذي كان ينص في مادته األولى على اعتبار الموثق موظفا عموميا حيث كان لهذه الصفة‬
‫أثار مهمة في الوقوف وراء تجاهل المسؤولية العقدية للموثق‪ ،‬لكن حاليا وبعد صدور القانون‬
‫‪ - 6‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬دار النشر منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫طبعة ‪ ،2000‬ص ‪.847‬‬

‫‪8‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الجديد رقم ‪ 32.09‬اندثر طابع الموظف العمومي للموثق‪ ،‬وأصبح هذا األخير يمارس مهامه‬
‫في إطار مهنة حرة‪ ،‬والمعلوم أن أغلب المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة تكون‬
‫مسؤولية المهني فيها قائمة على أساس عقدي‪ .‬حيث أن دعاوى المسؤولية المدنية التي ترفع‬
‫ضد ممارسي هاته المهن تعتمد كأصل عام قواعد المسؤولية العقدية بالنظر لوجود عالقة‬
‫تعاقدية بين المهني والزبون‪.‬‬
‫كما يرى أنصار هذا االتجاه أن إقدام الزبون على مكتب الموثق إلبرام عقد كيفما كان‬
‫نوعه فإنه يتطلب إيجابا وقبوال‪ ،‬فالموثق عندما يفتح مكتبه للتوثيق فإن ذلك يعتبر إيجابا أو‬
‫دعوى للجمهور أو لمن يريد إضفاء الصبغة الرسمية على عقد من العقود‪ ،‬وأن لجوء‬
‫أطراف العقد إلى الموثق على هذا األساس هو بمثابة قبول إليجاب وبهذا ينعقد العقد‪.7‬‬
‫غير أنه إذا كان أنصار هذا االتجاه قد اتفقوا على الطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق‪،‬‬
‫إال أنهم اختلفوا في تكييف العقد الذي تقوم عليه هذه المسؤولية‪ ،‬بحيث أن هناك من قام‬
‫بتكييفه على أساس‪:‬‬
‫‪ ‬عقد وكالة‪ :8‬على اعتبار أن هذا العقد يخول للموثق تمثيل زبونه أمام اإلدارة‬
‫العمومية أو غيرها‪ ،‬إال أن هذا القول مردود فيه على أساس طبيعة عقد الوكالة‬
‫تتنافى مع طبيعة الخدمة التي يقدمها الموثق للزبون‪ ،‬فالوكالة قائمة على أساس‬
‫النيابة والموثق في الحقيقة ال يعتبر نائبا للزبون‪ ،‬فهو يقوم بالعمل المناط به‬
‫بمقتضى القانون‪ 9‬وليس بوصفه نائب لزبونه‪.‬‬
‫كما أن مقتضيات الوكالة الواردة في ق‪.‬ل‪.‬ع تتعارض مع مقتضيات المادة (‪ )2‬من‬
‫قانون ‪ 32.09‬التي تنص على ما يلي‪" :‬يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ األمانة‬
‫والتجرد‪ "...‬فالمشرع بمقتضى هذه المادة فرض على الموثق التحلي والتقيد بمبدأ التجرد‬
‫الذي يفرض عليه عدم االنحياز ألحد األطراف‪.‬‬
‫بعبارة أخرى يجب على الموثق الموازنة بين مصالح الطرفين‪ ،‬وهذا المبدأ يتعارض‬
‫مع المقتضيات المنظمة لعقد الوكالة‪.‬‬

‫‪ - 7‬المهدي بودي‪ ،‬المسؤولية المدنية للموثق على ضوء قانون رقم ‪ ،32.09‬مقال منشور بمجلة القانون واألعمال‪ ،‬العدد ‪ 9‬شتنبر‬
‫‪ ،2016‬ص ‪( 55-54‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ - 8‬ينص الفصل ‪ 879‬ق‪.‬ل‪.‬ع "الوكالة عقد بمقتض اه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه‪ ،‬ويسوغ إعطاء‬
‫الوكالة أيضا لمصلحة الموكل والوكيل أو لمصلحة الموكل والغير بل ولمصلحة الغير وحده"‪.‬‬
‫‪ - 9‬محمد بولغماز‪ ،‬المسؤولية المدنية للموثق العصري في القانون المغربي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‬
‫ماستر قانون األعمال‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪- 2013‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪ 35‬و‪.36‬‬

‫‪9‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫باإلضافة إلى ما سبق واستنادا على القواعد العامة للوكالة يلتزم الموكل بما قام به‬
‫ال وكيل‪ ،‬ويكون الموكل مسؤوال عن تصرف الوكيل في حدود الوكالة ولو كان األمر كذلك‬
‫بالنسبة للموثق ما كان هذا األخير مسؤوال عن أخطائه‪.‬‬
‫‪ ‬عقد مقاولة‪( :‬إجارة الصنعة)‪ ،10‬يرى البعض أن ارتباط الموثق بزبونه يشكل‬
‫عقد مقاولة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى أن هذا العقد يتناسب أكثر مع وظيفة الموثق‬
‫والزبون‪ ،‬إذ يبذل األول للثاني عمال محددا يتمثل في تحرير صحيح وتقديم كافة‬
‫النصائح والتوضيحات مقابل أتعاب تحدد باالستناد إلى المهمة المنجزة بدون أي‬
‫رابطة تبعية بين الطرفين‪ ،11‬كما أنهم يستندون في رأيهم هذا على مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 724‬من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي أعطى إشارة واضحة على أن العقد الذي يلتزم‬
‫بمقتضاه األشخاص الذين يباشرون الفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم‪ ،‬يعتبر‬
‫بمثابة إجارة على الصنعة‪.‬‬
‫إال أن هذا الرأي هو اآلخر يبقى مردود بحيث ال يمكن إخضاع العالقة بين الموثق‬
‫والزبون للمقتضيات القانونية المتعلقة بعقد إجارة الصنعة وذلك لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬بالرجوع للفصل ‪ 12723‬من ق‪.‬ل‪.‬ع نجده يقرر قاعدة جوهرية مفادها أن عقد إجارة‬
‫الخدمة ينشئ بالتزام أحد األطراف بأداء هذه الخدمة مقابل أجر يلتزم الطرف اآلخر بدفعه له‬
‫بمعنى أن التزام مقدم الخدمة إنما ينشئ بناء على تكليف طالبها‪ ،‬لكن التزام الموثق بتوثيق‬
‫العقد وإضفاء الصبغة الرسمية عليه ليست كذلك وإنما ينشأ بناء على تكليف من المشرع‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك وطبقا للفصل ‪ 745‬من ق‪.‬ل‪.‬ع فإن عقد إجارة الصنعة ينقضي بموت‬
‫مؤجر الصنعة‪ ،‬لكن بالنسبة لعملية التوثيق فإن الزبون الذي يكون قد أمضى على العقد‬
‫وحصل وتوفي فإن إجراءات التعاقد ال تتوقف وإنما تستمر باسم الورثة‪.‬‬
‫من خالل دراستنا لبعض هذه التكييفات يتبين أن عقد الموثق ال يعد عقد وكالة وال‬
‫عقد مقاولة وال عقد إجارة الصنعة بل هو عقد غير مسمى ذو طبيعة خاصة‪ ،‬قائم بذاته‪ ،‬له‬
‫قواعده وأحكامه الخاصة يختلف بها عن القواعد واألحكام التي تحكم العقود األخرى‬
‫والتقارب بين هذا العقد والعقود السالفة الذكر يجعلها تنطبق على عقد الموثق ألنه ذو طبيعة‬
‫منفردة‪.‬‬

‫‪ - 10‬ينص الفصل ‪ 723‬من ق‪.‬ل‪.‬ع "إجارة الخدمة أو العمل‪ ،‬عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم آلخر خدماته الشخصية ألجل‬
‫محدد أو من أجل أداء عمل معين في نظير أجل يلتزم هذا األخير بدفعه له‪."...‬‬
‫‪ - 11‬أنظر بهذا الخصوص أستاذنا عبد المجيد بوكير "التوثيق العصري المغربي"‪ ،‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2010‬ص‬
‫‪.215‬‬
‫‪ - 12‬ينص الفصل ‪ 724‬من ق‪.‬ل‪.‬ع "يعتبر القانون بمثابة إجارة الصنعة‪ ،‬العقد الذي يلتزم بمقتضاه األشخاص الذين يباشرون المهن‬
‫والفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم‪."...‬‬

‫‪10‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الطبيعة التقصيرية لمسؤولية الموثق‬


‫إن الذين يرفضون اعتبار التزامات الموثق العصري عقدية‪ ،‬وأن اإلخالل بها تنشأ‬
‫عنه مسؤوليته التعاقدية‪ ،‬معتبرين في هذا االتجاه أن أساس تلك المسؤولية هو خطأ تقصيري‬
‫يتمثل في اإلخالل بواجب قانوني‪ ،‬بحيث أن الموثق عندما يرتكب خطأ أو فعل يترتب عنه‬
‫ضررا لزبونه فإن دعوى المسؤولية التي يمكن أن يقيمها هذا األخير جبرا لألضرار التي‬
‫لحقت به هي دعوى المسؤولية التقصيرية وال مجال للحديث هنا عن إمكانية قيام المسؤولية‬
‫العقدية للموثق حسب رأي هذا االتجاه‪.‬‬
‫ويستندون في ذلك لتبرير موقفهم أن مصدر تحديد معظم االلتزامات المهنية للموثق‬
‫هو القانون وليس العقد التوثيقي الذي يربطه بالزبون إال في حدود ما اشتمل عليه من‬
‫التزامات ملقاة على عاتق الموثق وهي مقارنة بااللتزامات القانونية ال تشكل إال نسبة قليلة‬
‫فالقانون وحده هو من يرسم ويحدد للموثق تقنيات وفنيات كل عقد من الناحية الموضوعية‬
‫واإلجرائية والتي يتعين عليه عدم اإلخالل بها وإال كان نتيجة إخالله بالتزامه التي مردها‬
‫القانون قيام المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫كما أنكر أصحاب هذا االتجاه وجود عالقة عقدية بين الموثق وعمالئه على أساس أن‬
‫األعمال األدبية والفنية والعلمية ال يمكن أن تكون محال للتعاقد الملزم من الناحية المدنية‪ ،‬فال‬
‫يجوز القول بتماثل العلم والصناعة‪.13‬‬
‫ويستبعد أيضا هذا الرأي إمكانية قيام عالقة تعاقدية بين الموثق والزبون الفتقادها إلى‬
‫أحد أهم المبادئ األساسية التي يقوم عليها العقد والمتمثل في مبدأ الحرية العقدية‪ ،‬حيث أن‬
‫الموثق ال يكون حرا في إبرام االتفاق مادام ملزم بتقديم خدماته إلى كل من طلب منه ذلك‪،‬‬
‫وهو الشيء الذي قد يعرضه للمساءلة وهو ما يجعل إرادة الموثق مقيدة في هذا اإلطار‪ .‬فهو‬
‫ملزم بالقيام بواجبه تجاه أي شخص يطلب منه ذلك‪.14‬‬
‫كما تكمن أهمية المسؤولية التقصيرية بالمقارنة مع المسؤولية العقدية في كون األولى‬
‫تخول المضرور تعويضا كامال سواء كان الضرر متوقعا أو غير متوقع‪ ،‬كما أن شرط‬
‫اإلعفاء أو التخفيف من المسؤولية ال يعتد به نطاق المسؤولية التقصيرية وكل شرط مخالف‬
‫يعتبر كأنه لم يكن ألن المسؤولية التقصيرية من النظام العام‪.15‬‬

‫‪ - 13‬بلحو نسيم‪ ،‬المسؤولية القانونية للموثق‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم تخصص قانون جنائي‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪ - 14‬محمد بولغماز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ - 15‬أنظر بهذا الخصوص الفصلين ‪ 77‬و‪ 78‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫وهذا هو رأي الدكتور محمد خيري‪ 16‬وهو بصدد الحديث عن مسؤولية محرري‬
‫العقود بقوله "‪ ...‬أما عن طبيعة المسؤولية فتنبني في أغلب الحاالت على المسؤولية‬
‫التقصيرية حيث يتم االستناد إلى أسس هذه المسؤولية جزاء عن اإلخالل بواجب عام يفرضه‬
‫القانون وهو االنحراف عن قواعد السلوك المهني في تحرير العقود"‪.‬‬
‫وفي ظل التضارب الفقهي في تحديد طبيعة المسؤولية المدنية للموثق نجد أن القضاء‬
‫بدوره هو اآلخر تارة يكيفها على أساس المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وتارة على أساس أنها‬
‫مسؤولية عقدية‪ .‬حيث ورد في إحدى القرارات الصادرة عن محكمة النقض‪ ،17‬الذي جاء في‬
‫تعليله على أساس المقتضيات القانونية المتعلقة بالمسؤولية التقصيرية طبقا لمقتضيات‬
‫الفصول ‪ 98 – 78‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬

‫في حين كيفت المحكمة االبتدائية للدار البيضاء العالقة بين الموثق والزبون على‬
‫أساس أنها عالقة تعاقدية إذ جاء في حيثيات إحدى األحكام الصادرة عنها‪ 18‬ما يلي "‪ ...‬حيث‬
‫أن الطابع الحر لمهنة التوثيق يحدد طبيعة المسؤولية الناتجة عن الخطأ المهني الموثق في‬
‫عالقته بزبائنه و التي هي مسؤولية عقدية‪ ،‬خاصة وان المدعية شركة العمران أبرمت اتفاقا‬
‫مع المدعي عليه بصفته موثق سهر على إجراءات تحرير وتسجيل العقود"‪.‬‬
‫من كل هذا نستنتج أن لكل فريق جزء من الصواب‪ ،‬فمن قال بأنها مسؤولية تقصيرية‬
‫له أدلة وحجج استند إليها‪ ،‬ومن قال بأنها عقدية أبرز حججه وبراهينه على ذلك‪ ،‬ولكن األهم‬
‫أن تهيئ حقوق الزبناء ويسود االستقرار بغض النظر عن تكييف المسؤولية هل هي عقدية أو‬
‫تقصيرية‪.‬‬
‫إال أننا نرجح الرأي القائل بأن مسؤولية الموثق تقصيرية على اعتبار أن القانون‬
‫المنظم لمهنة التوثيق يعد المصدر األساسي اللتزام الموثق بتحرير العقود وفق شكليات‬

‫‪ - 16‬محمد خيري‪ ،‬مهنة تحرير العقود بين التنظيم واإلطالق‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون اقتصاد التنمية‪ ،‬العدد ‪ ،25‬سنة‬
‫‪ ،1991‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 17‬قرار صادر عن محكمة النقض رقم ‪ ،21.63‬ملف مدني عدد ‪ 2007-3-1-657‬الصادر في تاريخ ‪ 2008.04.06‬والذي جاء في‬
‫إحدى حيثياته بأن الموثقة تلقت من شخصين إنشاء شركة بينهما من أجل إنشاء تجزئة عقارية ومهمة الموثق تحرير عقد القسمة‬
‫للقطعة األرضية المراد تجزئها وتحرير عقود البيع وهذا ما تم فعال إال أن الموثقة أخلت بالتزام إيداع عقد القسمة لدى كل من إدارة‬
‫الضرائب والمحافظة على األمالك العقارية‪ ،‬مما ترتب عن التأخير في اإليداع ذعائر مالية‪ ،‬اضطر ألدائها لكل من اإلدارتين المدعي‬
‫المذكورتين بلغت قيمة مجموعها مبلغ ‪ 88645.95‬درهم‪ .‬وقضت المحكمة االبتدائية على المدعى عليها بأداء مبلغ ذعائر التأخير‬
‫ورفض باقي الطلبان بالتعويض عن الضرر الذي الحق المدعي واستأنف الطرفان الحكم وقضت محكمة االستئناف بتأييد الحكم‬
‫المستأنف ورفض طلبات التعويض التي تقدم بها المدعي بناءا على ظهير التوثيق العصري ومدونة التسجيل وتم طعن في قرار‬
‫محكمة االس تئناف بالنقض من طرف المدعي‪ ،‬وقضت محكمة النقض بنقص وإبطال القرار المطعون فيه بخصوص التعويض وإحالة‬
‫القضية على نفس المحكمة للبث فيها بهيئة أخرى طبقا للقانون وتحميل المطلوبة المصاريف‪ ،‬أورده محمد بولغماز ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‬
‫‪. 52-53‬‬
‫‪ - 18‬حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬ملف رقم ‪ 08-21-586‬الصادر بتاريخ ‪ 2008.05.26‬أورده محمد بولغماز‪،‬‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪12‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫محددة مسبقا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن الموثق ال يعتبر طرفا في العقد ألنه هو الذي‬
‫يوثق العقد بين طرفيه‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك فإن مهنة التوثيق العصري أصبحت بمقتضى قانون ‪ 32.09‬مهنة‬
‫حرة‪ ،‬ومن ثم فإن الممارس المهني الحر والمستقل ال يلزم إال بمساطر القانون وأن العالقة‬
‫التي تربطه بالزبناء ما هي إال تطبيق لمقتضيات قانونية ال دخل لألطراف في تحديدها‬
‫وبالتالي فإن مسؤوليته تكون ذات طبيعة تقصيرية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التزامات الموثق المهنية‪.‬‬


‫إن الهدف الذي يتوخاه المتعاقد من خالل اللجوء إلى الموثق‪ ،‬هو ضمان سالمة‬
‫المعاملة المراد التعاقد من أجلها بفعل الصبغة الرسمية التي يضفيها على تعاقدتهم‪ ،‬وتوفيرها‬
‫عدالة وقائية للعقد التوثيقي‪ ،‬ولتحقيق هذا يلتزم الموثق أثناء القيام بعمله بمجموعة من‬
‫االلتزامات سواء تلك التي تنشأ أثناء توثيق العقد (الفقرة األولى)‪ ،‬أو تلك االلتزامات التي‬
‫تنشأ بعد توثيق العقد (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التزامات الموثق أثناء توثيق العقد‪.‬‬


‫سنحاول من خالل هذه الفقرة التطرق إلى التزام الموثق بالتحقق من هوية األطراف‬
‫ومحل العقد (أوال) على أن نتطرق إلى التزام الموثق بالنصح وإضفاء الصيغة الرسمية‬
‫(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االلتزام بالتحقق من هوية األطراف ومحل العقد‬


‫أ ‪ .‬التحقق من هوية األطراف‬
‫يعد هذا االلتزام من بين أهم االلتزامات الملقاة على عاتق الموثق العصري أثناء‬
‫شروعه في تحرير العقد‪ ،‬فقد أوجب قانون التوثيق رقم ‪ 32.09‬في المادة ‪ 1937‬منه على‬
‫ضرورة تحقق الموثق تحت مسؤوليته الشخصية من هوية األطراف قبل أن يتلقى أي عقد أو‬
‫تصرف من المتعاقدين‪ ،‬وذلك بواسطة الوثائق الرسمية واإلدارية المفيدة في إثبات الهوية‬
‫كالبطاقة الوطنية‪ ،‬رخصة السياقة وجواز السفر‪ ...‬للتحقق من أسمائهم ولقبهم ومواطنهم‬
‫وجنسيتهم والمهن التي يشتغلونها‪ ،‬وكذا التحقق من مدى مطابقة تلك الوثائق للقانون وذلك‬
‫بالتحقق من مدى صالحيتها وعدم تزويرها تجنبا للتالعب والتزوير‪.‬‬
‫كما يجب عليه التأكد من الصفة بواسطة السند الكتابي الصحيح الذي يثبت كون‬
‫المعني باألمر له الحق في إبرام العقد أو التصرف‪ ،‬وذلك إما باألصالة إذا تعلق األمر به‬

‫‪ - 19‬تنص المادة ‪ 37‬على ما يلي‪" :‬يتحقق الموثق تحت مسؤوليته من هوية األطراف وصفتهم وأهليتهم للتصرف ومطابقة الوثائق‬
‫المدلى بها إليه للقانون‪"...‬‬

‫‪13‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫نفسه‪ ،‬أو بالنيابة عنه بمقتضى عقد وكالة تام الحجية إذا كان راشدا مع التأكد من حدود‬
‫صالحيتها‪ ،‬أو بمقتضى النيابة الشرعية إذا تعلق األمر بفاقد األهلية أو ناقصها‪ ،‬بمعنى أن‬
‫يكون وليا أو وصيا أو مقدما بحسب األحوال‪ ،‬مع ما يستلزم الموقف من أذون قضائية طبقا‬
‫لمدونة األسرة‪.20‬‬
‫وفيما يخص أهلية المتعاقدين للتصرف فيجب إمعان النظر في سنهم الذي يتعين أن‬
‫يكون ‪ 18‬سنة شمسية كاملة فأكثر‪ ،‬مع تدقيق النظر في ظاهر حالهم وحركاتهم‪ ،‬خوفا من أن‬
‫يكون أحدهم سفيها أو معتوها أو محجر عليه‪ ،‬أو أن يكون العقد يشوبه عيب من عيوب‬
‫الرضا كاإلكراه والتدليس والغلط والغش أو أي عيب من شأنه التأثير في صحة العقد ففي كل‬
‫هذه األحوال يتعين على الموثق أال يوثق العقد المطلوب توثيقه‪.21‬‬
‫ب ‪ .‬االلتزام بالتحقق من محل العقد‪:‬‬
‫إضافة إلى تحقق الموثق من هوية األطراف وصفتهم وأهليتهم يقع عليه عالوة على‬
‫ذلك التثبت من الوضعية القانونية لمحل العقد‪ .‬فإذا تعلق األمر بعقار محفظ فيجب عليه التأكد‬
‫من أن هذا العقار غير مثقل بأي رهن أو تكاليف كالرهن لفائدة مؤسسة بنكية أو رهن لفائدة‬
‫الدولة‪ ،‬وكذا التأكد من عدم وجود تقييد احتياطي أو حجز على العقار يجعله غير قابل‬
‫للتفويت‪.22‬‬
‫فإذا تبين للموثق بعد رجوعه إلى الرسم العقاري أن وضعية العقار غير سليمة يطلع‬
‫األطراف بذلك ويبين ل لمشتري اآلثار التي قد تترتب عن شراء هذا العقار‪ ،‬ويدعوا الطرف‬
‫المفوت إلى تسوية وضعية العقار وذلك بإحضار وثيقة تدعى رفع اليد‪.23‬‬
‫كما يعلم األطراف بمدى التزاماتهم وما لكل منهم من حقوق ويشرح لهم جميع اآلثار‬
‫وااللتزامات التي سيخضعون لها‪ ،‬ويبين لهم أخيرا االحتياطات والوسائل التي يتطلبها أو‬
‫يمنحها لهم القانون لضمان تنفيذ إرادتهم‪.‬‬
‫فالموثق ملزم بتقديم خدماته لكل من طلبها منه ولو عن طريق االستشارة في حدود ما‬
‫يسمح به القانون واألنظمة الجاري بها العمل‪ ،‬فطلب المشورة يعد خطوة تمهيدية بالنسبة‬
‫للمتعاقدين حتى تكتمل لهم الرؤية بشأن تصرفاتهم المستقبلية‪ ،‬فقد ال تكون لدى األطراف أو‬
‫أحدهم صورة وا ضحة عن طبيعة العقد المراد إبرامه وعن األحكام الذي تنظمه‪ ،‬وهنا يكون‬

‫‪ - 20‬العلمي الحراق‪ ،‬الوثيق في شرح قانون التوثيق‪ ،‬طبعة نونبر ‪ ،2014‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 21‬نفس المرجع المعتمد‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ - 22‬محمد الربيعي‪ ،‬األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم‪ ،‬دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العصري‪،‬‬
‫مطبعة الورقة الوطنية‪ ،‬مراكش الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2008‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 23‬محمد بولغماز‪ ،‬المسؤولية المدنية الموثق العصري في القانون المغربي‪ ،‬رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص‪ ،‬ماستر‬
‫التوثيق والعقار‪ ،‬جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش‪ ،‬ص ‪.154‬‬

‫‪14‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫من واجب الموثق في مثل هذه الحاالت مد يد العون عن طريق اإلرشادات والتوجيهات التي‬
‫يستفسر بشأنها األطراف‪.‬‬
‫وعليه فال يحق للموثق أن يحجم أو يمتنع عن تقديم خدماته االستشارية والنصائحية‬
‫لألطراف ال ذين يطلبونها‪ ،‬إال إذا كانت الطلبات مخالفة للقانون الجاري به العمل‪ ،‬وأن ال‬
‫يقتصر في أداء عمله حتى ولو كانت في شكل نصائح‪.‬‬
‫والقضاء المغربي أكد بدوره على هذه النقطة حينما عرضت عليه قضية تتعلق‬
‫بتفويت أسهم إحدى الشركات المجهولة اإلسم والواقع أن هذه األسهم كانت قيد الرهن لدى‬
‫إحدى البنوك‪ ،‬لكن الموثقة المشرفة على عملية التوثيق لم تطلع األطراف على وجود هذا‬
‫الرهن على األسهم المبيعة وقضى المجلس األعلى في القرار بمسؤولية الموثقة لتقصيرها‬
‫في واجب النصح واإلرشاد بالشكل المطلوب قانونا‪.24‬‬
‫وهذا ما أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها‪" ،25‬أن عدم تأكد الموثقة من وضعية‬
‫العقار إزاء المحافظة العقارية‪ ،‬وعدم إخبار األطراف بوضعيته الحقيقية يعتبر تقصيرا منها‬
‫بالقيام بما كان عليها فعله‪."...‬‬
‫أما إذا تعلق األمر بعقار غير محفظ فعلى الموثق أن يذكر في الرسم موقع العقار‬
‫ونوعه ومساحته ومرافقه ومشتمالته وحدوده وأن يذكر أصل ملكيته‪.26‬‬

‫ثانيا‪ :‬االلتزام بالنصح وإضفاء الصيغة الرسمية‬


‫أ ‪ .‬االلتزام بالنصح واإلرشاد‪:‬‬
‫يعتبر التزام الموثق بالنصح في الوقت الراهن أحد أهم االلتزامات التي تؤرق كاهل‬
‫الموثق باعتباره واجبا قانونيا عاما‪ ،‬يتعين عليه القيام به دائما وأبدا تحت طائلة المسؤولية‪،‬‬
‫فال يسوغ له التملص منه بأي وجه من الوجوه أو االتفاق على مخالفته‪.‬‬
‫فمن خالل مقتضيات الفقرة الثانية من المادة ‪ 2737‬من القانون رقم ‪ ،32.09‬فإن‬
‫المشرع المغربي قد ألزم الموثق بنصح وإرشاد طرفي العقد بما يتماشى ومصلحتهما قصد‬
‫تطابق إرادتهم واتفاقاتهم ألجل تمكينهم من اتخاذ القرارات بصفة سليمة‪.‬‬

‫‪ - 24‬جاء في حيثيات هذ ا القرار ما يلي‪ ..." :‬فإن المشتكى بها تكون قد أخلت بااللتزام المفروض عليها بنص الفصل األول من ظهير‬
‫‪ 4‬ماي ‪ ، 1925‬ما لم تخبر أطراف العقد بالرهن على األسهم المبيعة ولم تبصرهم بمدى نتائج التعاقد بالشكل الذي عليه األسهم‪."...‬‬
‫قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقص حاليا) عدد ‪ 587‬بتاريخ ‪ 23‬فبراير ‪ 2001‬ملف مدني عدد ‪.2002/01/2482‬‬
‫‪ - 25‬قرار عدد ‪ 280‬صادر بتاريخ ‪ 19‬فبراير ‪ ،2015‬ملف إداري عدد ‪ 2013/1/208/14‬أورده عمر موسوي‪" ،‬توثيق التصرفات‬
‫العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية والقوانين ذات الصلة – بين مبدأ الخبرة ووجوب الرسمية –"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‪،‬‬
‫ماستر المعامالت العقارية‪ ،‬جامعة محمد بن عبد هللا‪ ،‬الكلية متعددة التخصصات تازة‪ ،‬سنة ‪ ،2017-2016‬ص ‪.23‬‬
‫‪ - 26‬نور الدين بزدي‪" ،‬المسؤولية المدنية والتأديبية للعدول والموثقين على ضوء التشريع المغربي"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬
‫المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة المولى إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مكناس‪ ،‬سنة ‪،2009-2010‬‬
‫ص ‪.40‬‬

‫‪15‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫فالمالحظ إذن أن التزام الموثق بنصح األطراف إنما هو التزام ببذل العناية حسب ما‬
‫جاء في المادة ‪ 37‬من قانون التوثيق ‪ ،32.09‬إال أن هذا االلتزام ال يرمي إلى تحقيق غاية‬
‫معينة بل هو التزام ببذل الجهد للوصول إلى غرض سواء تحقق هذا الغرض أم لم يتحقق‬
‫بإعطاء الصبغة الرسمية للعقود‪ ،‬فهو إذن التزام بعمل ولكن عمل ال يضمن نتيجة إنما المهم‬
‫فيه أن يبذل الموثق لتنفيذه مقدارا معينا من العناية المطلوبة منه‪ .‬فمتى بذل الموثق هذه العناية‬
‫يكون قد نفد التزامه حتى ولو لم يتحقق االلتزام ببذل عناية‪.‬‬
‫ب ‪ .‬التوقيع وإضفاء الصبغة الرسمية‪:‬‬
‫يعد واجب التوقيع وإضفاء الرسمية للعقود من أهم واجبات الموثق على اإلطالق‪،‬‬
‫فهو االمتياز الوحيد الذي يغرس في نفوس األطراف الطمأنينة والثقة على ما أقدموا عليه من‬
‫تصرفات‪ ،‬باعتباره شخصا مكلفا بتحرير عقود رسمية تامة صحيحة في شكلها ومضمونها‪،‬‬
‫فهو ملزم بتحقيق غاية وهي الرسمية والصحة والتمام وهذا يفرض عليه أخذ الحيطة والحذر‬
‫في كل الظروف والمالبسات المحيطة بموضوع العقد‪ .28‬والتأكد من أن كل األطراف مستعد‬
‫لتنفيذ التزامه‪.‬‬
‫حتى يكون العقد التوثيقي صحيحا ومرتبا آلثاره القانونية‪ ،‬يجب أن يكون مختصا‬
‫بتحريره من الناحية الشخصية ومن الناحية اإلقليمية والموضوعية‪ ،‬وأن يحرر خالل مدة تقلد‬
‫مهامه دون أن تكون له صلة أو قرابة تربطه مع ذوي الشأن في التعاقد‪ .‬كما يكون العقد‬
‫باطال إذا أنجز خالفا ألحكام المواد ‪ 30‬و‪ 31‬و‪ 32‬و‪ 37‬و‪ 39‬و‪ 40‬من قانون التوثيق رقم‬
‫(‪.)32.09‬‬

‫فبعد التحقق من أن العقد تم بطريقة قانونية واستوفى كل البيانات الشكلية للعقد‬


‫التوثيقي يوقع الموثق واألطراف والشهود والمترجم عند االقتضاء (المادة ‪ )38‬إلضفاء‬
‫الرسمية وإعطائه القوة القانونية في اإلثبات تجاه األطراف واألغيار‪.‬‬
‫وفي حالة ما إذا قام الموثق بتحرير عقد دون تذييله بتوقيعه فإنه يتحمل مسؤوليته‬
‫المدنية جراء إخالله بالتزام مهني‪ ،‬وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارها‪ ،‬الذي يقضي‬
‫بتأييد حكم محكمة االستئناف بإبعاد الموثقة لمدة شهرين وتحميلها الصائر من أجل متابعتها‬
‫بمخالفتين عدم الحرص على توقيع العقدين وعدم تقييدها بدفتر الفهرسة‪.29‬‬

‫‪ - 27‬تنص الفقرة الثانية من المادة ‪" ،37‬يجب على الموثق إسداء النصح لألطراف‪ ،‬كما يجب عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص‬
‫موضوع عقودهم‪ ،‬وأن ي وضح لهم األبعاد واآلثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها"‪.‬‬
‫‪ - 28‬العلمي الحراق‪ ،‬الوثيق في شرح قانون التوثيق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 29‬قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 1464‬الصادر بتاريخ ‪ 8‬ماي ‪ 2003‬من الملف المدني عدد ‪. 2002.7.2347‬‬
‫أوردته زبيدة مهداوي "حماية المتعاملين مع الموثق من خالل القانون ‪ "32.09‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‬
‫ماستر األسرة والتوثيق‪ ،‬جامعة محمد بن عبد هللا‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ظهر المهراز‪ ،‬فاس‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪16‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ويتضح من القرار أعاله أن عدم إمضاء العقد من طرف الموثقة هو إخالل بأهم‬
‫التزام ملقى على عاتقها‪ ،‬لذلك ألزم المشرع المغربي من خالل مقتضيات المادة ‪ 44‬من‬
‫القانون ‪ 32.09‬الموثق بتوقيع العقد فور توقيع األطراف‪.‬‬
‫إذن فتوقيع الموثق يعد ضرورة حتمية إلضفاء الصبغة الرسمية على العقد بحيث قبل‬
‫هذا التوقيع ال يكتسب العقد أي صبغة رسمية وإنما يتحول العقد إلى مجرد محرر عرفي‪.30‬‬
‫وفي حالة ما إذا تعذر على الموثق التوقيع لسبب من األسباب إلى أن توفي فقد نصت‬
‫المادة ‪ 45‬بأنه يمكن لرئيس المحكمة االبتدائية التي كان الموثق يزاول مهامه بدائرة نفوذها‬
‫أن يأمر بناء على طلب المتعاقدين بتذييل العقد بتوقيع موثق آخر بحضورهم وموافقتهم على‬
‫مضمونه بعد تالوته عليهم من جديد من طرف هذا الموثق‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التزامات الموثق بعد تحرير العقد‬


‫إن االلتزامات التي تقع على عاتق الموثقين العصريين‪ ،‬والتي تلي مباشرة توقيعهم‬
‫على عقودهم الرسمية تكتسي أهمية كبيرة‪ ،‬بحيث أن جل االلتزامات السابقة ما هي إال‬
‫انعكاس لطبيعة مهنة التوثيق‪ .‬وهو ما جاء به قانون التوثيق العصري الجديد ‪ 09.32‬بحيث‬
‫ألقي على كاهل الموثق العديد من االلتزامات التي تتبع تحرير العقود وأولها خاصية تميز‬
‫ممارسي مهنة التوثيق وتجعلهم يطلعون على قضايا الناس وأحوالهم شأنهم في ذلك شأن‬
‫العديد من المهنيين وبالتالي التزامهم بعدم إفشاء أسرار األفراد والتي يتوصلون إليها بمناسبة‬
‫ممارسة مهامهم‪ ،‬ثم هناك التزام آخر وهو المحافظة على أصول العقود وتسليم النسخ‬
‫والنظائر‪ ،‬العتبار أن الموثق ملزم ببعث الثقة والطمأنينة في نفوس األطراف عن طريق‬
‫االحتفاظ بأصل الوثيقة أو المحرر وتيسير حصولهم على النسخ والنظائر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التزام الموثق العصري بكتمان السر المهني‬


‫إن الموثق العصري بصفته ناصحا األطراف ملزم بالحفاظ على سرية ما يبوحون به‬
‫له من معلومات أثناء تعاقداتهم‪ ،‬ويجد هذا االلتزام أساسه في المادة ‪ 3124‬من قانون ‪32.09‬‬
‫فضال عن صيغة اليمين القانونية المضمنة في نص المادة ‪ 13‬من نفس القانون التي ألزمت‬
‫الموثق بالحفاظ على السر المهني‪.‬‬
‫ويعرف بعض الفقه السر المهني بأنه كل ما يتوصل إليه المؤتمن من أسرار سواء‬
‫كان ذلك بواسطة صاحب السر أو من خالل مزاولة المؤتمن لنشاطه المهني‪ ،32‬بالتالي يجب‬

‫‪ - 30‬راجع الفصل ‪ 423‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬


‫‪ - 31‬تنص المادة ‪" 24‬يلزم ال موثق بالمحافظة على السر المهني‪ ،‬ما عدا إذا نص القانون على خالف ذلك ويقع نفس االلتزام على‬
‫المتمرنين لديه وأجرائه"‪.‬‬
‫‪ - 32‬محمد الربيعي "حماية السر المهني في مجال التوثيق" مجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد ‪ 33‬يونيو ‪ ،2008‬ص ‪.14‬‬

‫‪17‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫على الموثق التكتم على األسرار التي يتوصل إليها بحكم وظيفته وتلك التي أطلعه عليها‬
‫األطراف‪ ،‬ومنه تستبعد من نطاق السرية األحاديث المبدئية التي تثار بين المهني أو الموظف‬
‫وصاحب السر دون أن يقصد هذا األخير اعتبارها سرا‪.33‬‬
‫ويمكن القول بأن وا جب المحافظة على السر المهني هو واجب فضفاض ويمكن أن‬
‫يندرج تحته مجموعة من الواجبات أهمها الحفاظ على أسرار المتعاقدين وأسرار كل‬
‫األطراف التي تتعامل مع الموثق بما فيها المؤسسات العمومية وأسرار المهنة بصفة عامة‪،‬‬
‫وهذا الواجب ال يخص الموثق فقط بل يتعداه إلى المتمرنين لديه وأجرائه ومستخدميه‪.34‬‬
‫وبناء عليه فقيام الموثق بإفشاء السر المهني يشكل إخالل بالتزام قانوني يكون الموثق‬
‫مسؤوال عنه جنائيا‪ 35‬ومدنيا‪ ،‬وهذا األخير قد يترتب عن إخالل بالتزام عقدي كما أنه قد‬
‫يتحول إلى التزام تقصيري عند عدم وجود أي عقد يربط الموثق مع الزبون مادام قد انتهى‬
‫بالتنفيذ‪ ،‬حيث يمتد السر المهني إلى ما بعد انتهاء نشاطه المهني‪ ،‬إذ يبقى لصيقا به وال‬
‫يتملص منه‪ ،‬ويبقى مدينا بعدم إفشائه ألنه يتعلق بالنظام العام وهو مقوم من مقومات العدالة‬
‫أو العدالة الرسمية التي ال تتحقق إال بإشاعة الثقة‪.36‬‬
‫وكما سلف الذكر فإن الموثق يقع عليه االلتزام بحفظ األسرار المهنية وأسرار زبنائه‬
‫بحكم الضرورة إال أنه توجد حاالت معينة يعفى فيها الموثق من هذا االلتزام ومن هذه‬
‫األسباب‪:‬‬
‫‪ ‬األسباب الجوازية‪ :‬هي التي يكون فيها لصاحب الحق حق إفشائه دون أن يكون‬
‫ملزما بذلك ألن إفشائه مقر للمصلحة الخاصة لصاحب السر وفي إحالة رضا هذا‬
‫األخير فإفشائه‪.‬‬
‫‪ ‬األسباب القانونية‪ :‬حتى ال يستعمل السر المهني كذريعة للتستر على جرائم ضد‬
‫األشخاص أو الدولة أو يدفع به إلخفاء حقائق أو وقائع مضرة بالخزينة العامة‪ ،‬فقد‬
‫أوجب المشرع على األمين إفشاء السر المهني في حاالت معينة هي‪:‬‬
‫‪ ‬حالة االلتزام بالتبليغ عن الجريمة كحضور شخص إلى الموثق ليستشيره عن‬
‫طريقة لتزوير عقد دون التعرض للمتابعة الجنائية‪ ،‬وجب على الموثق في هذه‬
‫الحالة االمتناع عن إرشاده وأن يحاول منعه ولو بإفشاء هذا السر‪.‬‬

‫‪ - 33‬يوسف أقصبي "المسؤولية القانونية للموثق"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في الدراسة الميتودولوجية المطبقة على ق‪.‬م‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فاس‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪ - 34‬العلمي الحراق‪ ،‬الوثيق في شرح قانون التوثيق‪ ،‬طبعة نونبر ‪ ،2014‬ص ‪.65-64‬‬
‫‪ - 35‬الفصل ‪ 446‬ينص "‪ ...‬كل شخص يعتبر من األمناء على األسرار‪ ،‬بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا‬
‫أودع لديه‪ ،‬وذلك في غير األحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر‬
‫وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم"‪.‬‬
‫‪ - 36‬عبد هللا درميش "أخالقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم" مقال منشور بمجلة رحاب المحاكم العدد ‪ ،3‬دجنبر ‪ ،2009‬ص ‪.22‬‬

‫‪18‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫‪ ‬ما تضمنه الفصل ‪ 378‬من القانون الجنائي حيث ألزم هذا الفصل كل من يتوفر‬
‫على دليل لبراءة متهم محبوس احتياطيا أو مقدم للمحاكم من أجل جناية أو‬
‫جنحة أن يدلي فورا بشهادته عند السلطات القضائية أو الشرطة تحت طائلة‬
‫العقوبات المقررة في نفس الفصل‪ ،‬فإذا كان بحوزته الموثق مثل هذا الدليل‬
‫عليه إلدالء بشهادته وأال يتكتم عليه بدعوى المحافظة على أسرار المهنة‪،‬‬
‫وذلك سواء أمام هيئة المحكمة أو أثناء مرحلة البحث التمهيدي أو اإلعدادي‬
‫وهو ما أكدته المادة ‪ 37334‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫‪ ‬حالة الدفاع عن النفس أمام القضاء‪ ،‬فقد تنشب بعض الخالفات بين الموثق‬
‫وزبونه‪ ،‬يرفع على أثرها هذا األخير دعوى عليه‪ ،‬قد تكون مدنية أو جنائية‪،‬‬
‫ولكي يرد الموثق إدعاء زبونه يكون من حقه إفشاء المعلومات والوقائع التي‬
‫تثبت براءته أو تخلي ذمته ولو كانت مودعة لديه كأسرار مهنية‪.‬‬
‫‪ ‬أثناء عملية المراقبة الدورية التي تخضع لها مكاتب التوثيق من طرف‬
‫السلطات المختصة‪ ،‬فالموثق عند إدالئه ببعض المعلومات والوقائع في هذه‬
‫الحالة ال يعتبر مخال بواجب السر المهني‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التزام الموثق العصري بحفظ النسخ وتسليم النظائر‬


‫يعتبر االلتزام بحفظ أصول المحررات الرسمية من أهم االلتزامات الملقاة على عاتق‬
‫الموثق بعد قيامه بكل اإلجراءات الالزمة التي تجعل العقد صحيحا وتاما‪ ،‬بحيث أوجب عليه‬
‫تضمين هذه العقود بسجالته (أ) ليسهل على من يهمه األمر الرجوع إليها وأخذ نسخ منها‬
‫(ب)‪.‬‬
‫أ ‪ .‬حفظ األصول‪:‬‬
‫يجد هذا االلتزام أساسه في المادة ‪ 3850‬من قانون ‪ ،32.09‬والتي أناطت بالموثق‬
‫حفظ العقود والمحررات‪ ،‬حتى ال تتعرض للتلف باعتبارها وسيلة وحجة قاطعة بخصوص‬
‫الوقائع المتضمنة بها سواء بين أطراف العقد أو في مواجهة الغير‪ ،‬لذلك أوجب على الموثق‬
‫حفظ أصول هاته العقود طوال المدة التي يمارس فيها نشاطه‪ ،‬غير أنه لما كانت الضرورة‬
‫تتطلب أحيانا نقل أحد األصول لإلدالء بها أمام المحكمة‪ ،‬فقد وضع المشرع المغربي لهذه‬
‫الحالة إجراءات ينبغي تطبيقها للحفاظ على األصول من الضياع وهذا ما نصت عليه المادة‬

‫‪ - 37‬تنص المادة ‪ 334‬من ق‪.‬م‪.‬م "يتخذ المستشار المقرر اإلجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم ويأمر بتقديم المستندات التي يرى‬
‫ضرورتها للتحقيق في الدعوى‪ ،‬ويمكن له بناء على طلب األطراف أو حتى تلقائيا‪ ،‬بعد سماع األطراف أو استدعائهم للحضور بصفة‬
‫قانونية‪ ،‬األمر بأي إجراء للتحقيق من بحث وخبرة وحضور شخصي دون المساس بما يمكن لمحكمة االستئناف أن تأمر به بعد ذلك‬
‫من إجراءات في جلسة علنية أو في غرفة المشورة‪."...‬‬
‫‪ - 38‬تنص المادة ‪ 50‬على أنه "يجب على الموثق أن يحفظ تحت مسؤوليته أصول العقود والوثائق الملحقة بها وصور الوثائق التي‬
‫تثبت هوية األطراف"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫‪ 52‬من قانون ‪ ،32.09‬حيث منعت على الموثق تسليم أصول العقد المحفوظ لديه إال‬
‫بمقتضى مقرر قضائي‪ ،‬ولهذا فإذا صدر حكم يقضي بإحضار أصل من األصول‪ ،‬فإن‬
‫الموثق ملزم بأن يحرر نسخة منه يضع عليها توقيعه‪ ،‬ثم يشار فيها إلى مطابقتها ألصلها من‬
‫طرف رئيس المحكمة االبتدائية التي يمارس الموثق مهنته بدائرة نفوذها‪ ،‬وتحل هذه النسخة‬
‫محل األصل إلى حين رده إلى مكتب الموثق‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ضرورة المحافظة على أصول العقود فإن الموثق ملزم أيضا بحفظ كل‬
‫الوثائق التي قدمها األطراف من أجل توثيق العقد وهو ما نصت عليه المادة ‪ ،50‬وبناء على‬
‫ذلك فالموثق يعتبر مسؤوال عن ضياع أو تلف أصول العقود والوثائق المرفقة بها‪ ،‬وإذا‬
‫تسبب هذا الضياع في ضرر للغير أمكن لهذا األخير المطالبة بالتعويض وما تجدر اإلشارة‬
‫إليه أن التزام الموثق بحفظ األصول هو التزام بتحقيق نتيجة يؤدي إلى قيام مسؤولية الموثق‬
‫بمجرد الضياع دون حاجة إلثبات خطأ هذا الموثق من طرف المتضرر‪.‬‬
‫ب ‪ .‬تسليم النظائر‪:‬‬
‫يجد هذا االلتزام أساسه في المادة ‪ 55‬من قانون ‪ 32.09‬التي تنص على أنه "يجب‬
‫على الموثق أن يسلم نسخة لكل واحد من األطراف‪ ،‬وال يحق للغير اإلطالع على أصول‬
‫العقود وملحقاتها أو تسلم نسختها ونظائرها باستثناء ورثته ووكالء األطراف المتعاقدة‪.‬‬
‫بالتالي فالمشرع جعل مسألة تسليم النسخ مسألة إلزامية تقع على عاتق الموثق وهي األخرى‬
‫من االلتزامات التي يلتزم بمقتضاها بتحقيق نتيجة إذ يضمن الموثق لألطراف تمكينهم من‬
‫تسلم النسخ واستعمالها فيما يسمح به القانون لقوتها الحجية والثبوتية‪ ،39‬وإن كان األصل أن‬
‫النسخ ال يمكن تسلمها إال من طرف المتعاقدين وفي بعض األحيان ورثتهم ووكالئهم وهو ما‬
‫نصت عليه المادة ‪ 4025‬من نفس القانون فهناك استثناء يتعلق بما أوردته المادة ‪ 55‬في‬
‫فقرتها الثانية بحيث نصت على أنه ال يمكن للغير تسلم هذه النظائر إال بمقتضى مقرر‬
‫قضائي وكل ذلك حفاظا على حقوق المتعاقدين ومصالحهم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أساس قيام المسؤولية‬


‫المدنية للموثق وأركانها‬
‫يكتسي موضوع تحديد األساس القانوني للمسؤولية المدنية للموثق أهمية كبرى في‬
‫دراسة موضوع مسؤولية هذا األخير‪ ،‬إذ تعتبر بمثابة تأصيل قانوني يمكننا من إيجاد نظام‬
‫متكامل لهذه المسؤولية‪ ،‬كما أن أهمية تحديد األساس القانوني تتجلى في إثبات المسؤولية‪،‬‬

‫‪ - 39‬الفصل ‪ 440‬من قانون االلتزامات والعقود ينص "النسخ المأخوذة عن أصول الوثائق الرسمية والوثائق العرفية لها نفس قوة‬
‫اإلثبات ألصولها‪."...‬‬
‫‪ - 40‬تنص المادة ‪ 25‬على أنه‪" :‬يمنع على الموثق تسليم مستندات أو ملخص منها لغير من له الحق فيها طبقا للقانون"‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫هل هي مسؤولية قائمة على أساس خطأ واجب اإلثبات ويطلق عليها المسؤولية الشخصية‪،‬‬
‫أم أن مسؤولية الموثق مسؤولية قائمة على أساس خطأ مفترض من جانبه وهو ما يسمى‬
‫بالمسؤولية الموضوعية‪.‬‬
‫إذا كانت مسؤولية الموثق المدنية تقتضي ضرورة تحديد األساس عن الفعل الشخصي‬
‫وعن الغير‪ ،‬فإنه من الالزم كذلك تحديد األركان العامة – الخطأ والضرر والعالقة السببية –‬
‫لمسؤولية الموثق والتي ال يمكن ألي باحث في المسؤولية المدنية بصفة عامة االستغناء عنها‬
‫نظرا لكونها العمود الفقري للمسؤولية المدنية‪.‬‬
‫وسنحاول الحديث في هذا الصدد عن األساس القانوني لهذه المسؤولية (المطلب‬
‫األول)‪ ،‬ثم ننتقل للحديث عن أركان قيام المسؤولية المدنية للموثق (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أساس قيام المسؤولية المدنية للموثق‬


‫إن اإلحاطة بموضوع المسؤولية المدنية للموثق يقتضي بالضرورة تحديد األساس‬
‫الذي تنبني عليه هذه المسؤولية‪ ،‬ويكتسي تحديد هذا األساس أهمية كبيرة إذ يعتبر بمثابة‬
‫تأصيل قانوني يمكننا من إيجاد نظام متكامل للمسؤولية المدنية للموثق‪ ،‬إضافة إلى دوره في‬
‫إثبات هذه المسؤولية كما سنرى‪.‬‬
‫ويعرف األساس القانوني للمسؤولية المدنية بكونه ذلك السبب الذي من أجله وضع‬
‫المشرع عبء تعويض الضرر على عاتق شخص معين‪ ،‬وبالتالي تحديد الجهة التي تتحمل‬
‫عبء إثبات الخطأ‪ .41‬وال تخلو مسؤولية الموثق من حيث األساس من أمرين‪ ،‬فإما أن تكون‬
‫مسؤولية شخصية قائمة على أساس خطأ واجب لإلثبات من جانب المضرور‪ ،‬أو مسؤولية‬
‫موضوعية قائمة على أساس الخطأ المفترض‪.‬‬
‫ونظرا للطبيعة المتشعبة لمسؤولية الموثق التي تجعله مسؤوال عن أخطائه وأخطاء‬
‫الغير خصوصا المتمرنين وأجرائه‪ ،‬فإنه سيكون من األهمية بمكان البحث في مسؤولية‬
‫الموثق عن فعل الغير لتحديد مدى كونه مسؤوال مسؤولية موضوعية عن أخطاء من هم في‬
‫عهدته‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية المدنية للموثق عن فعله الشخصي‬


‫يقصد بالمسؤولية الشخصية‪ ،‬المسؤولية القائمة على خطأ واجب اإلثبات من جانب‬
‫المضرور‪ ،‬وفي هذا اإلطار يرى جانب من الفقه وفي ظل سكوت المشرع عن تحديد‬
‫األساس القانوني الذي تبنى عليه المسؤولية المدنية للموثق في القانون الجديد المنظم لمهنة‬

‫‪ - 41‬محمد بولغماز‪ ،‬المسؤولية المدنية للموثق العصري في القانون المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬ماستر‬
‫ال توثيق والعقار‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش‪ ،‬ص ‪.73-72‬‬

‫‪21‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫التوثيق ‪ ،32.09‬أن هذه المسؤولية مسؤولية موضوعية في جميع الحاالت‪ ،‬وذلك راجع‬
‫باألساس إ لى كون جل االلتزامات الملقاة على كاهل الموثق التزامات بتحقيق نتيجة الشيء‬
‫الذي يترتب عليه افتراض مسؤولية الموثق عند عدم تحقق النتيجة‪ ،42‬في حين يرى البعض‬
‫اآلخر أن مسؤولية الموثق مسؤولية قائمة على أساس خطأ واجب اإلثبات‪ ،‬رغم أن كون‬
‫التزامات الموثق التزامات بتحقيق نتيجة‪ ،‬ألن عدم تحقق النتيجة يعتبر بحد ذاته خطأ من‬
‫جانب الموثق‪ ،‬يكون على المضرور في جميع الحاالت إثبات عدم تحققها للقول بمسؤولية‬
‫الموثق‪.‬‬
‫وإذا كان ظاهر الرأيين يوحي باختالفهما فإن مضمونهما يؤدي إلى نفس االتجاه مع‬
‫اختالف بسيط نتج عنه اختالف في تحديد األساس‪ ،‬فكالهما يلزم المضرور بإثبات عدم‬
‫تحقق النتيجة‪ ،‬لكنهم اختلفوا في تكييف هذا اإلثبات‪ ،‬فاإلتجاه األول الذي يعتبر مسؤولية‬
‫الموثق مفترضة في جميع الحاالت‪ ،‬ال يضفي وصف الخطأ على عدم تحقق النتيجة‪ ،‬الشيء‬
‫الذي جعلهم يقولون بكون مسؤولية الموثق موضوعية في جميع الحاالت‪ ،‬ويكون فيها‬
‫المضرور معفي من إثبات الخطأ‪ ،‬بل ويكتفي فقط في حال حصول الضرر بإثبات عدم تحقق‬
‫النتيجة للقول بخطأ الموثق المفترض‪ .‬أما االتجاه الثاني الذي يرى أن مسؤولية الموثق قائمة‬
‫على خطأ واجب اإلثبات ال يختلفون عن االتجاه األول في ضرورة إثبات المضرور بعدم‬
‫تحقق النتيجة‪ ،‬إال أنهم يعتبرون هذا اإلثبات بحد ذاته خطأ من جانب الموثق‪ ،‬الشيء الذي‬
‫يجعلهم يقولون بكون مسؤولية الموثق قائمة على خطأ واجب اإلثبات‪.‬‬
‫وفي الحقيقة أن الرأي القائل بمسؤولية الموثق عن أفعاله الشخصية مسؤولية قائمة‬
‫على خطأ واجب اإلثبات حري بالتأييد‪ ،‬ألن القول بأن التزام الموثق بتحقيق نتيجة يعفي‬
‫المضرور من إثبات الخطأ قول مردود فيه مادام أن هذا األخير ملزم بإثبات عدم تحقق‬
‫النتيجة وإثبات الضرر والعالقة السببية‪.‬‬
‫وهو ما يستفاد بصورة ضمنية من مقتضيات قانون التوثيق الجديد‪ ،‬حيث نجد أن‬
‫المشرع لم ينص في أي نص خاص على إعفاء المضرور من إثبات الخطأ في مسؤولية‬
‫الموثق عن أفعاله الشخصية‪ ،‬بل اكتفى في مضمون النصوص المتعلقة بمسؤولية الموثق في‬
‫هذا اإلطار باإلحالة على قواعد المسؤولية الواردة في قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية المدنية للموثق عن فعل الغير‬


‫إن المسؤولية المدنية للموثق ال تترتب فقط عما يصدر عنه بصفة شخصية من أفعال‬
‫عمدية أو بإهمال‪ ،‬بل قد تمتد لتشمل أخطاء المتمرنين والمستخدمين لديه‪.‬‬

‫‪ - 42‬سلمى شادلي‪ ،‬المسؤولية المدنية للموثق والعدل‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬ماستر األسرة والتوثيق‪،‬‬
‫جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ظهر المهراز‪ ،‬فاس ‪ ،2013-2012‬ص ‪.15‬‬

‫‪22‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الشيء الذي يقتضي منا البحث عن األساس القانوني لمسؤولية الموثق عن فعل الغير‬
‫(أوال) ثم شروط قيام هذه المسؤولية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األساس القانوني لمسؤولية الموثق المدنية‬


‫األصل أن الموثق يكون مسؤوال عن األفعال واألخطاء التي يرتكبها المتمرنين لديه‬
‫في إطار مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع‪ ،‬فالموثق هنا متبوع والمتمرن تابع‪ ،‬وتقوم هذه‬
‫المسؤولية على أساس الخطأ المفترض من جانبه المتمثل في اإلهمال والرعونة في المراقبة‬
‫والتوجيه‪.‬‬
‫وهذا ما يستفاد من مقتضيات الفقرة األولى من الفصل ‪ 4326‬من القانون ‪ 32.09‬الذي‬
‫اكتفى باإلحالة على القواعد العامة بخصوص المسؤولية المدنية عن فعل الغير‪ ،‬وقد نظم‬
‫المشرع هذه األخيرة في الفصل ‪ 85‬من ق‪.‬ل‪.‬ع والذي جاء فيه "ال يكون الشخص مسؤوال‬
‫عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب‪ ،‬لكن يكون مسؤوال أيضا عن الضرر الذي يحدثه‬
‫األشخاص الذين في عهدته‪ ...‬المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم‪ ،‬يسألون‬
‫عن الضرر الذي يحدثه خدامهم ومأمورهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها‪."...‬‬
‫يتضح من المادة أعاله أن الموثق مسؤوال عن األفعال واألخطاء الصادرة عن تابعيه‬
‫الذين يستعين بهم في تنفيذ التزامه‪ ،‬ولما كان المهنيون من موثقين ومحامين وأطباء‬
‫ومهندسين يستعينون بمجهود غيرهم في نشاطهم المهني‪ ،‬فكما الطبيب يستعين بمجهود‬
‫طبيب آخر وبممرضين آخرين فإن الموثق هو اآلخر بالنظر إلى تشعب أعماله وتعدادها‬
‫نجده كثيرا ما يستعين بمجهود من يساعده على القيام بمهامه على أحسن وجه‪ ،‬ويلجأ في‬
‫الغالب األعم إلى إبرام عقد شغل مع أجراء أو استقطاب بعض المتمرنين إلى مكتبه لتدريبهم‬
‫على أصول المهنة‪ ،‬وفي نفس الوقت مساعدته في القيام باإلجراءات التي تتطلبها الخدمات‬
‫التي يقدمها الموثق لزبنائه‪ ،‬فمتى حصل أن ارتكب أحد من هؤالء األتباع أو المساعدين‬
‫أخطاء قد يترتب عنها أضرار لهؤالء الزبناء فالموثق يتحمل عنهم المسؤولية طبقا لمسؤولية‬
‫المتبوع عن خطأ تابعه القائمة على الخطأ المفترض من جانبه المتمثل في اإلهمال والتقصير‬
‫في اإلشراف والرقابة واإلدارة كما سبق الذكر‪.‬‬
‫ويعتبر الموثق مسؤوال حتى لو أنه لم يرتكب خطأ من جانبه نتج عنه ضرر‬
‫ل لمضرور‪ ،‬فهي مسؤولية مفترضة تترتب بقوة القانون دون الحاجة إلى إثبات خطأ المتبوع‪،‬‬
‫أي أنه ال يستطيع نفي المسؤولية عنه إال بإثبات السبب األجنبي‪ ،44‬أو بنفي مسؤولية التابع‪.‬‬

‫‪ - 43‬جاء في الفقرة األولى من الفصل ‪ 26‬من القانون ‪ 32.09‬ما يلي‪" :‬يتحمل الموثق مسؤولية األضرار المترتبة عن أخطاءه‬
‫المهنية واألخطاء المهنية للمتمرنين لديه وأجرائه وفق قواعد المسؤولية المدنية"‪.‬‬
‫‪ - 44‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب الثاني المسؤولية المدنية‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،2011‬ص ‪.129‬‬

‫‪23‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ولكي تتحقق مسؤولية المتبوع عن تابعه فإنه يتعين توفر مجموعة من الشروط‬
‫الالزمة لقيام هاته المسؤولية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشروط الالزمة لقيام مسؤولية المتبوع‬


‫بالرجوع إلى القواعد العامة المتعلقة بالمسؤولية المدنية‪ ،‬نجدها تحدد نطاق األخطاء‬
‫المرتكبة من طرف التابعين التي يتحمل المتبوع المسؤولية عنها‪ .‬حيث أنه بالرجوع للفقرة‬
‫الثالثة من الفصل ‪ 4585‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يتبين أنه لقيام مسؤولية المتبوع (الموثق) عن أفعال‬
‫تابعيه (األجراء والمتمرنين) البد من تحقق الشروط التالية‪:‬‬
‫أ ‪ .‬قيام عالقة تبعية تجمع بين التابع والمتبوع‪ ،‬إذ يجب أن يكون المتمرنين واألجراء‬
‫في حالة تبعية للموثق العصري بما تقتضيه من سلطة التوجيه واإلشراف والرقابة عليهم‪،‬‬
‫وله السلطة الفعلية في إصدار األوامر وتوجيه التعليمات للتابع بشأن طريقة أداء المهام‬
‫المسندة إليهم ومراقبة تنفيذها‪.‬‬
‫ب ‪ .‬لقيام مسؤولية المتبوع البد من ارتكاب التابع عمال غير مشروع أو اقتراف خطأ‬
‫سبب ضرر للغير‪.‬‬
‫ج ‪ .‬صدور خطأ التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها‪ ،‬فالموثق ال يسأل عن أفعال تابعيه‬
‫إال إذا كانت تدخل في حدود وظيفته‪ ،‬بحيث لوال الوظيفة لما استطاع التابع ارتكاب الخطأ‬
‫ومن ثم ال يسأل عن األفعال الضارة التي تصدر من المتمرن واألجير والتي ال تدخل ضمن‬
‫اختصاصه‪.‬‬
‫نخلص مما سبق بأن الموثق يسأل عن أخطائه المدنية سواء كانت عمدية أم غير‬
‫عمدية‪ ،‬وسواء كانت شخصية أم صادرة عن فعل التابعين أثناء أداء الوظيفة أو بمناسبتها‪،‬‬
‫فهي مسؤولية طبيعية وعادية خاضعة ألحكام القانون المدني‪ .‬فمتى تحقق الضرر الناتج عن‬
‫الخطأ مباشرة يكفل للمتضرر اقتضاء حقه في التعويض‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أركان قيام المسؤولية المدنية للموثق‬


‫من المعلوم أن المشرع المغربي لم يخصص قيام المسؤولية المدنية للموثق بأي‬
‫شروط خاصة‪ ،‬بالتالي فهي ال تخرج عن القواعد العامة المنظمة للمسؤولية المدنية بشكل‬
‫عام وهي الواجبة التطبيق في حالة الخطأ المهني للموثق العصري‪ ،‬وتقوم على أركان ثالثة‬
‫هي الخطأ‪ ،‬الضرر والعالقة السببية‪.‬‬

‫‪ - 45‬تنص الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 85‬من ق‪.‬ل‪.‬ع "المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم‪ ،‬يسألون عن الضرر الذي‬
‫يحدثه خدامهم ومأمورهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيه"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫وباعتبار المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية تقومان على نفس األركان‪،‬‬


‫سنحاول في شروط قيام المسؤولية المدنية الموثق دون تمييز بين المسؤوليتين من خالل‬
‫التطرق للخطأ (الفقرة األولى) والضرر والعالقة السببية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الخطأ‬


‫يعتبر الخطأ أحد أهم أركان المسؤولية المدنية عموما وأساسا لقيامها‪ ،‬لذلك سنحاول‬
‫في هذا اإلطار التطرق إلى ماهية الخطأ (أوال) ثم بعض صور الخطأ في نطاق المسؤولية‬
‫المدنية للموثق (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ماهية الخطأ‬


‫اختلفت التعاري ف الفقهية للخطأ‪ ،‬حيث أن البعض منها كان يكون تكرار لبعضها ويعد‬
‫الفقيه‪ 46‬بالنيول أول من حاول إعطاء تعريف للخطأ‪ ،‬عندما قال أن الخطأ "خرق أو إخالل‬
‫بالتزام قانوني سابق" ولقي هذا التعريف انتقادا شديدا من الفقه المعارض لكونه غير سليم من‬
‫الناحية القانونية‪ ،‬نظرا لصعوبة تحديد االلتزامات الواجب احترامها‪ ،‬كما أن األمر ال يتعلق‬
‫بالتزام قانوني بالمعنى الدقيق للكلمة وإنما ال يعدو أن يكون سوى انحراف عن السلوكيات‬
‫العادية‪ ،‬وهو ما دفع الفقه إلى محاولة إيجاد تعريف دقيق يسد النقص الذي اعترى الفقيه‬
‫بالنيول‪ ،‬فاألخوين هنري ومازو عرفوا الخطأ بأنه انحراف عن سلوك الرجل العادي الذي‬
‫يمثل في نظرهما رب األسرة العاقل‪.47‬‬
‫وخالفا للقاعدة التي تقضي بأن التعاريف من اختصاص الفقه والقضاء عمد المشرع‬
‫المغربي إلى تعريف الخطأ في المادة ‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود بقوله "‪ ...‬الخطأ هو‬
‫ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه وذلك من غير قصد إلحداث‬
‫الضرر"‪.‬‬
‫ويتبين من هذه التعاريف أن الخطأ في المسؤولية المدنية يتكون من عنصرين‬
‫أساسيين‪ ،‬العنصر المادي المتمثل في التعدي والعنصر المعنوي المتمثل في إدراك مرتكب‬
‫التعدي لنتائج أفعاله‪.‬‬
‫بالرجوع إلى القانون المنظم لمهنة التوثيق‪ ،‬نجده لم يعرف الخطأ الموثق ألنه في‬
‫األصل لم ينظم حتى المسؤولية المدنية لهذا األخير‪ ،‬بل واكتفى باإلحالة على القواعد العامة‬
‫للمسؤولية كما هي واردة في قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫‪ - 46‬أورده‪ :‬عبد الرزاق السنهوري م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.894‬‬


‫‪ - 47‬عبد الرزاق السنهوري م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.894‬‬

‫‪25‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫لذلك يمكن القول أن الموثق يعد مرتكبا لخطأ مهني إذا لم يراعي أثناء أداء مهامه‬
‫السلوك المعتاد في ممارسته لهذه المهنة الذي توجبه أخالقيتها وطبيعتها والقانون المنظم لها‪.‬‬
‫ومما تجدر اإلشار ة إليه أيضا أن المشرع المغربي لم يقم بحصر األخطاء المهنية التي‬
‫قد يرتكبها الموثق وإنما لجأ على غرار باقي التشريعات المقارنة إلى وضع صياغة عامة‬
‫يدخل ضمنها كل إخالل للموثق بااللتزامات الملقاة عليه من شأنه أن يثير مسؤوليته المدنية‬
‫وهو ما نصت عليه المادة ‪ 4826‬من القانون رقم ‪.32.09‬‬

‫ثانيا‪ :‬صور الخطأ‬


‫قد يتخذ الخطأ في نطاق مسؤولية الموثق‪ ،‬صور متعددة كأن يكون خطأ ماديا أو‬
‫معنويا‪ ،‬أو خطأ يسيرا أو خطأ جسيما‪ ،‬كما يمكن أن يكون خطأ عقديا أو خطأ تقصيريا‪،‬‬
‫ويمكن تصنيف الخطأ كذلك إلى خطأ عمدي وخطأ غير عمدي‪.‬‬
‫وسنقتصر هنا على تحديد الخطأ الجسيم والخطأ اليسير (أ) تم الخطأ العمدي والغير‬
‫العمدي (ب) نظرا ألهميته في نطاق مسؤولية الموثق‪.‬‬
‫‪ . 1‬الخطأ الجسيم والخطأ اليسير‬
‫يعرف الخطأ الجسيم من قبل الفقه بأنه الخطأ الذي ال يرتكبه قليل الذكاء والفطنة‬
‫والعناية‪ ،‬والخطأ اليسير هو الخطأ الذي يقترفه الشخص المعتاد في حرصه وعنايته ويقصد‬
‫به االنحراف عما كان سيسلكه الشخص العادي في ذات الظروف‪.49‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن الفقه اختلف بخصوص وضع ضابط على أساسه يمكن‬
‫تحديد ما إذا كان الخطأ جسيما أو يسيرا‪.‬‬
‫وتكمن أهمية التمييز بين الخطأ الجسيم واليسير في نطاق مسؤولية الموثق المدنية في‬
‫إمكانية تحمل طرف معين المسؤولية دون اآلخر خصوصا عندما يكون الخطأ مشتركا بين‬
‫عدة أشخاص‪ ،‬وهذه اإلمكانية متاحة كثيرا في إطار مسؤولية الموثق الذي غالبا ما تكون‬
‫أخطائه مشتركة مع أطراف أخرى كالسماسرة والمنعشين العقارين واألبناك وأطراف‬
‫أ خرى‪ ،‬ومنه تحديد الخطأ الجسيم قد يساعد الموثق في دفع المسؤولية أو على األقل التخفيف‬
‫منها‪.‬‬

‫‪ - 48‬نصت المادة ‪ 26‬من قانون ‪ 32.09‬على أنه "يتحمل الموثق مسؤولية األضرار المترتبة عن أخطائه المهنية‪."...‬‬
‫‪ - 49‬عبد الرزاق السنهوري م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.896‬‬

‫‪26‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫‪ . 2‬الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي‪:‬‬


‫يتحقق الخطأ العمدي عندما تكون إرادة مرتكب الفعل الضار قد اتجهت نحو اإلخالل‬
‫بالتزام قانوني أو عقدي من أجل اإلضرار بالمضرور‪ ،‬ويتضح من خالل هذا أنه البد أن‬
‫يكون هناك قصد اإلخالل بااللتزام حتى يتحقق الوصف العمدي على الخطأ‪.‬‬
‫أما الخطأ الغير العمدي فهو يتحقق عندما تكون إرادة مرتكب الفعل الضار متجهة‬
‫نحو اإلخالل بااللتزام معين دون أن تكون لديه نية إلحاق الضرر بالغير‪.‬‬
‫تكمن أهمية التميز بين أوصاف ودرجات الخطأ في نطاق مسؤولية الموثق المدنية في‬
‫مجموعة من الجوانب أهمها‪:‬‬
‫‪ ‬من حيث تقدير التعويض‪ :‬فإذا كان مثال الموثق قد تعمد إلحاق الضرر بالغير يكون‬
‫تقدير التعويض مرتفع بالمقارنة مع تقدير التعويض المتعلق بخطأ الموثق الغير‬
‫العمدي‪ .‬كما أن تحديد درجة الخطأ يكون له دور مهم في تحميل طرف معين‬
‫المسؤولية دون اآلخر خصوصا عندما يكون الخطأ مشتركا بين عدة أطراف‪.‬‬
‫‪ ‬من حيث التأمين من المسؤولية‪ :‬تكمن أهمية التمييز بين أوصاف ودرجات الخطأ في‬
‫نطاق المسؤولية المدنية للموثق كذلك في مدى شمول الضمان المترتب عن عقد‬
‫التأمين على المسؤولية من األخطاء التي يرتكبها الموثق‪ ،‬فإذا كان الخطأ المقترف‬
‫من جانبه خطأ عمدي‪ ،‬أو تدليسي سقط الضمان المترتب عن عقد التأمين‪.‬‬
‫وأخطاء الموثقين في هذا اإلطار هي األخطاء المهنية التي قد تؤدي إلى بطالن العقد‬
‫المنتج للضرر‪ ،‬وفق مقتضيات المادة ‪ 28‬التي تنص على أنه "يسأل الموثق مدنيا إذا قضت‬
‫المحكمة ببطالن عقد أنجزه بسبب خطئه المهني ونتج عن هذا البطالن ضرر ألحد‬
‫األطراف"‪ .‬وقد حدد المشرع هذه األخطاء في المادة ‪ 49‬من قانون ‪ 32.09‬التي جاء فيها‬
‫"يكون باطال كل عقد تم تلقيه وفقا للشكل الرسمي وأنجز خالقا ألحكام المواد ‪ 30‬و‪ 31‬و‪32‬‬
‫و‪ 37‬و‪ 39‬و‪ 40‬من هذا القانون‪ ...‬وتسري نفس المقتضيات إذا تلقى الموثق عقدا خارج‬
‫مكتبه خالفا لمقتضيات المادة ‪ 12‬أو تلقاه وهو موقوف أو معزول"‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة النقص الوارد على العقد والعائد للبيانات‬
‫الموضوعية‪ ،‬فال يسأل الموثق إال في حالة عدم التزامه بواجب النصح واإلرشاد‪ .‬وباستقرائنا‬
‫للمادتين ‪ 38‬و‪ 46‬من القانون المنظم لمهنة التوثيق العصري ‪ 32.09‬يتبين أن المشرع ميز‬
‫بين حالتين في إطار البطالن المتعلق بالعقود المحررة من طرف الموثقين‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬حالة األخطاء المرتبة للبطالن والتي ال يمكن للمحكمة أن تصرح به‬
‫إال بناء على طلب كل ذي مصلحة أو النيابة العامة وهي الحاالت المنصوص عليها في‬

‫‪27‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫المواد ‪ 30‬و‪ 31‬و‪ 32‬و‪ 37‬و‪ 39‬و‪ 40‬و‪ 12‬من قانون ‪ ،32.09‬وإخالل الموثق بهذه‬
‫االلتزامات يترتب عليه القابلية لإلبطال‪ ،‬بحيث أنه ال يمكن للمحكمة أن تقضي بالبطالن‬
‫استنادا على طلب على األطراف‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬الحالة التي لم يراعي فيها أحكام المادتين ‪ 38‬و‪ ،46‬يمكن أثاره‬
‫البطالن في هذه الحالة قبل أي دفاع في جوهر القضية من طرف أي معنى‪ ،‬غير أنه قد‬
‫يتحقق خطأ الموثق وال يؤدي ذلك إلى بطالن العقد كأن يلتزم بحفظ أصول العقود وتسليم‬
‫النسخ‪ ،‬ففي حالة اإلخالل بهذا االلتزام تقوم مسؤولية الموثق دون تقرير البطالن‪ ،‬وهو نفس‬
‫األمر في حالة إفشاء السر المهني في غير الحاالت التي يعفى منها‪ ،‬فهنا بمجرد إفشاء السر‬
‫المهني يعد خطأ يترتب عليه قيام المسؤولية في مواجهة الزبون ويبقى للطرف المضرور‬
‫إثبات الضرر ذلك بإثبات وجود رابطة عقدية بينه وبين الموثق للحصول على التعويض‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الضرر والعالقة السببية‬


‫يعتبر الضرر شرطا الزما وضروريا لقيام المسؤولية المدنية للموثق‪ ،‬فال يكفي أن‬
‫يصدر عن الموثق خطأ مهني للقول بمسؤوليته‪ ،‬وإنما يجب أن ينتج عن هذا الخطأ ضرر‬
‫يصيب الزبون أو الغير (أوال) وأن تكون هناك عالقة سببية تربط بين الخطأ المرتكب‬
‫والضرر (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الضرر‬
‫يعتبر الضرر في المسؤولية المدنية للموثق شأنه شأن الضرر في النظرية العامة‬
‫للمسؤولية المدنية‪ ،‬فهو ركن أساسي لقيام المسؤولية وترتيب التعويض وقيام ضرر من دون‬
‫خطأ غير كاف للقول بقيام المسؤولية المدنية للموثق‪ ،‬بل يشترط أن يكون خطأ الموثق قد‬
‫ترتب عنه وقوع ضرر أصاب المضرور سواء كان زبونا أو أحد من األغيار ألن الهدف من‬
‫تقرير مسؤولية الموثق المدنية عن أفعاله وأخطائه هو إصالح األضرار التي تترتب عنها‪.‬‬
‫يعرف الضرر لدى الفقه عادة بأنه األذى الذي يصيب المضرور في جسمه أو ماله أو‬
‫شرفه أو عواطفه‪.50‬‬
‫في حين عرفه المشرع المغربي في الفصل ‪ 264‬بأنه ما يلحق الدائن من خسارة وما‬
‫فاته من كسب‪ . 51‬وعرفه المشرع كذلك في إطار الجرائم وأشباه الجرائم بكونه الخسارة التي‬
‫لحقت المدين فعال والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها إلصالح‬

‫‪ - 50‬عبد الرزاق السنهوري م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.690‬‬


‫‪ - 51‬الفقرة األولى من الفصل ‪ 264‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫نتائج الفعل الذي ارتكبه إضرار به وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا‬
‫الفعل‪.52‬‬
‫غير أن هذا التعريف الذي وضعه المشرع المغربي بالرغم من أهميته إال أنه يعد‬
‫ناقصا في مجمله لكونه ال يشير إلى األضرار المعنوية وكذا األضرار الجسدية لذلك يمكن‬
‫تداركه بالرجوع إلى جملة النصوص التشريعية األخرى التي تكمل هذا النقص من ذلك مثال‬
‫تسوية المشرع في الفصل ‪ 77‬من نفس القانون بين الضرر المادي والمعنوي واعتبارهما‬
‫موجبين للتعويض‪.53‬‬
‫وهكذا فإن الضرر الذي يكون سبب في المطالبة بالتعويض يمكن أن يكون ضرر‬
‫مادي يتمثل في إخالل الموثق بمصلحة ذات قيمة مالية للمضرور‪ ،‬وضرر معنوي يصيب‬
‫الشخص في شعوره ويسبب له ألما في نفسه الذي يكون تعويضه مقصور على المضرور‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وبالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة التوثيق تتمثل في إضفاء الرسمية على العقود‬
‫وبالتالي قد يمس المعامالت العقارية والتجارية والمالية لألفراد‪ ،‬الشيء الذي يفيد أن الضرر‬
‫الذي يمكن أن يتسبب به خطأ الموثق هو ضرر مادي وبالتالي يكون من المستبعد حصول‬
‫ضرر معنوي في مجال التوثيق‪.‬‬
‫وعليه سواء كان الضرر مادي أو معنوي – تقصيريا كان أم عقدي – فإنه ال يكون‬
‫قابل للتعويض إال إذا توفرت فيه شروط معينة وقد حددها الفقه في‪:‬‬
‫أ ‪ .‬يجب أن يكون مباشرا‪ :‬فالضرر الذي يؤخذ بعين االعتبار عند تقرير التعويض هو‬
‫الذي يتولد بصورة مباشرة عن الفعل الضار ويترتب على ما سبق أن الضرر إذا لم تكن له‬
‫أي عالقة مباشرة بالخطأ المرتكب من طرف الموثق فإنه ال يستوجب التعويض‪ ،‬وقد أشار‬
‫المشرع المغربي إلى عنصر المباشرة في الفصل ‪ 77‬من ق‪.‬ل‪.‬ع بالصيغة التالية "‪ ...‬إذا‬
‫ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر"‪.‬‬
‫ب ‪ .‬أن يكون الضرر محققا‪ :‬ومقتضى هذا الشرط أن الضرر يجب أن يكون قد وقع‬
‫فعال وهو ما سمي بالضرر الحال‪ ،‬ومحقق الوقوع بمعنى الضرر المستقبلي الذي تراخت‬
‫أسباب وقوعه إلى المستقبل‪ ،‬أما الضرر االحتمالي فال يصح التعويض عنه وإنما يجب‬
‫االنتظار إلى غاية وقوعه‪ ،‬وهذا ما أقره المشرع المغربي في الفصل ‪ 98‬من ق‪.‬ل‪.‬ع غير أن‬
‫تفويت الفرصة تعتبر من قبيل الضرر المحقق ويفتح بالتالي الباب أمام المطالبة بالتعويض‪.‬‬

‫‪ - 52‬الفقرة األولى من الفصل ‪ 98‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬


‫‪ - 53‬عبد الرزاق السنهوري م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.98‬‬

‫‪29‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ج ‪ .‬أن يكون الضرر متوقعا‪ :‬فيشترط كذلك أن يكون الضرر متوقعا وقت إبرام العقد‬
‫إذا تعلق األمر بضرر ناشئ عن اإلخالل بااللتزام التعاقدي أما في إطار المسؤولية‬
‫التقصيرية فيشمل منها التعويض جميع أنواع الضرر المتوقع منها وغير المتوقع‪ .‬وبالمقابل‬
‫يرى بعض الفقه أنه بالنسبة للمهني ولو في إطار المسؤولية العقدية يجب أن يشمل التعويض‬
‫عن األخطاء المرتكبة كالتعويض عن الضرر الذي تسبب فيه الموثق ناتج عن خطأ تدليسي‬
‫أو خطأ عمدي حيث يكون الموثق ملزم بالتعويض عن األضرار المتوقعة وغير المتوقعة‬
‫رغم كون مسؤولية الموثق مسؤولية عقدية‪.54‬‬
‫د ‪ .‬أن يكون الضرر شخصي‪ :‬سواء كان الضرر مادي أو معنوي فإنه يتعين فيه أن‬
‫يكون شخصيا وهذا يعني أن المطالبة بالتعويض حق المضرور المباشر وحده الرتباط ذلك‬
‫بمصلحته‪ ،‬إذ كما هو معلوم فإن المصلحة هي مناط الدعوى وإذا كانت القاعدة العامة هي‬
‫اقتصار التعويض على الشخص المضرور بكيفية مباشرة إال أنه ليس هناك ما يمنع من تمديد‬
‫نطاق التعويض يشمل أشخاص آخرين يرتبطون بالمصاب المباشر بمقتضى عالقات قانونية‬
‫كالقرابة والمصاهرة‪. 55...‬‬
‫ولهذا يقع عبء اإلثبات على الدائن مدعي المسؤولية‪ ،56‬بحيث يجب عليه أن يثبت ما‬
‫أصابه من ضرر‪ ،‬فضال عن إثبات ذلك الرابط أو الصلة بين خطأ الموثق والضرر الذي‬
‫أصابه‪ ،‬وهذا ما سنحاول التطرق إليه في النقطة التالية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العالقة السببية‬


‫تعتبر العالقة السببية الركن الثالث لقيام مسؤولية الموثق بحيث يشترط في الضرر‬
‫المطلوب التعويض عنه أن يكون نتيجة مباشرة لخطأ المدعي عليه المعنى أن يكون خطأ‬
‫الموثق هو الذي سبب الضرر للزبون المضرور وبالتالي فإن مسؤولية الموثق مقرونة‬
‫بصدور خطأ عنه وحدوث ضرر نشأ بشكل مباشر عن هذا الخطأ‪.‬‬
‫ويعد موضوع العالقة السببية من المواضيع المعقدة ذلك أن الضرر الواحد قد ينشأ‬
‫عنه عدة أسباب ساهمت من قريب أو من بعيد في حصوله‪ ،‬ويكون فعل المدعي عليه واحد‬
‫من هذه األسباب وهذا ما يسمى بتعدد األسباب‪ ،‬وقد يحصل أن يترتب عن الخطأ الواحد عدة‬
‫أضرار متتالية‪ ،‬ويكون التساؤل حينئذ هل يسأل الموثق المرتكب للخطأ عن جميع األضرار‬
‫أو يسأل فقط عن األضرار التي تعتبر نتيجة مباشرة لخطئه‪ ،‬ويطلق على هذه الحالة وحدة‬
‫السبب وتعدد األضرار ثم نظرية تعادل األسباب التي تأخذ كل األسباب بعين االعتبار‪.‬‬

‫‪ - 54‬محمد بولغماز‪ ،‬المسؤولية المدنية للموثق‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.98‬‬


‫‪ - 55‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب الثاني المسؤولية المدنية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ - 56‬يوسف أقصبي‪" ،‬المسؤولية القانونية للموثق"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر قانون االلتزام التعاقدي والعقار‪ ،‬جامعة محمد بن‬
‫عبد هللا‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ظهر المهراز‪ ،‬فاس‪ ،‬سنة ‪ ،2011-2010‬ص ‪.142‬‬

‫‪30‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫فبوقوفنا على مقتضيات الفصلين ‪ 77‬و‪ 78‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يتضح أن المشرع المغربي‬
‫أخذ بنظرية السبب المنتج بمعنى أن يكون الخطأ هو السبب المباشر في حدوث الضرر على‬
‫غرار الفصل ‪ 264‬من نفس القانون المذكور الذي أقر أيضا بضرورة االعتداء بالسبب‬
‫المباشر للضرر‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن عبء إثبات العالقة السببية كقاعدة عامة يقع على عاتق‬
‫الطرف المتضرر (الزبون) ويقع على المدين (الموثق) عبء نفي هذه السببية إذا ادعى عدم‬
‫قيامها وذلك كأن يكون الضرر وقع بسبب المتعاقد نفسه أو حصل بسبب قوة قاهرة أو بسبب‬
‫حدث فجائي فتنعدم مسؤوليته‪.57‬‬
‫عموما يمكن القول بأن الضرر الالحق بالزبون مرتبط بشكل مباشر بكل إخالل‬
‫صادر عن الموثق وهكذا ففي حالة ثبوت اشتراك المتضرر مع الموثق في الخطأ تتوزع‬
‫المسؤولية بينهما وهو ما يشكل إعفاء جزئيا للموثق من المسؤولية‪ ،‬كما يكون إعفاء الموثق‬
‫كليا عندما يكون الضرر ناتج عن خطأ الزبون نفسه‪.‬‬
‫وله كذلك إثبات أن خطئه الشخصي لم يكن الوحيد كمصدر للضرر وهو ما سمي‬
‫بحالة تزاحم األخطاء نتيجة مساهمة خطأ العميل أو الغير مع خطأ الموثق ففي هذه الحالة‬
‫فإن المضرور يستطيع مقاضاتهما على سبيل التضامن طبقا للمادة ‪ 99‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.58‬‬

‫‪ - 57‬العلمي الحراق‪ ،‬الوثيق في شرح قانون التوثيق‪ ،‬ص ‪.68‬‬


‫‪ - 58‬تنص المادة ‪ 99‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على ما يلي‪" :‬إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين‪ ،‬كان كل منهم مسؤوال‬
‫بالتضامن عن النتائج‪ ،‬دون تميز من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعال أصليا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬آثار قيام المسؤولية المدنية للموثق‬

‫‪32‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫يحق للمضرور من خطأ الموثق جراء إخالل هذا األخير بإحدى التزاماته المهنية‪ ،‬أن‬
‫يقيم دعوى المسؤولية في مواجهة الموثق‪ ،‬وتخضع هذه الدعوى في مجملها إلى القواعد‬
‫العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية‪ .‬وهذا بطبيعة الحال بتوفر األركان الالزمة لقيام‬
‫المسؤولية المدنية من خطأ وضرر وعالقة سببية بينهما‪.‬‬
‫وبالتالي يصبح المضرور محق في المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر وذلك‬
‫بأي وسيلة من الوسائل القانونية‪.‬‬
‫وإذا ما تبث ت المسؤولية في حق الطرف المتسبب في الضرر يكون ملزم بدفع‬
‫تعويض للطرف المضرور لجبر ضرره‪.‬‬
‫ولضمان استفاء المضرور حقه في التعويض قام المشرع بفرض وإجبارية التأمين‬
‫على المسؤولية من طرف الموثق‪ ،‬هذا إضافة إلى خلق صندوق الضمان الجماعي الذي‬
‫يمكن من خالله تغطية النقص في التعويض الذي يمكن الحصول عليه من قبل مؤسسة‬
‫التأمين أو الحصول على التعويض في حالة عسر الموثق أو عدم إبرامه التأمين اإلجباري‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن أهمية التطرق إلى دعوى المسؤولية المدنية للموثق تكمن في‬
‫تسليط الضوء على اإلجراءات والمساطر الواجب إتباعها من قبل المضرور حتى يتسنى له‬
‫اقتضاء حقه خصوصا أن هذا األخير قد يفوت على نفسه فرصة الحصول على التعويض ال‬
‫لشيء إال لعيب شكلي أو مسطري كان بإمكانه تجاوزه لو أحسن استعمال القواعد اإلجرائية‬
‫المنظمة للدعوى ولإلحاطة بموضوع إجراءات دعوى المسؤولية المدنية وآثارها‪ ،‬سنحاول‬
‫تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين‪:‬‬
‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬دعوى المسؤولية المدنية‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬وسائل دفع المسؤولية والتعويض عنها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬دعوى المسؤولية المدنية‬


‫تعد دعوى المسؤولية من أهم اآلليات القانونية التي أوجدها المشرع للمطالبة‬
‫بالتعويض عن األضرار الناتجة عن األخطاء المهنية‪ ،‬وهذه الدعوى تخضع في مجملها‬
‫للقواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية بوجه عام‪ ،‬وأحكام القانون المنظم لمهنة‬
‫التوثيق بشكل خاص‪ ،‬فإذا توفرت شروط وأركان هذه المسؤولية التي تتمثل في الخطأ‬
‫والضرر والعالقة السببية بين الخطأ والضرر كما أسلفنا الذكر يترتب عن ذلك التزام الموثق‬
‫تعويض المتضرر عما لحقه من ضرر‪ ،‬وفي حالة االمتناع عن أداء التعويض يكون الحق‬
‫للمتضرر في رفع دعوى المسؤولية المدنية في مواجهة الموثق أمام المحكمة المختصة قصد‬
‫الحصول على حكم نهائي يقضي بتعويض هذا األخير‪ ،‬وألجل ذلك سوف نتناول في‬

‫‪33‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫(المطلب األول) المحكمة المختصة للبث في دعوى المسؤولية المدنية للموثق‪ ،‬ثم أطراف‬
‫الدعوى وأجل تقادمها في (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬االختصاص النوعي والمحلي‬


‫يعرف االختصاص بأنه سلطة المحكمة للبث في قضية معينة‪ ،‬وتحديد اختصاص‬
‫محكمة معينة يكون بتمييز القضايا التي لها سلطة النظر فيها وفقا للقواعد التي ينص عليها‬
‫القانون‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن المشرع لم ينص على مقتضيات خاصة‬
‫باالختصاص في القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق رقم ‪ ،32.09‬بل وأخضعها للقواعد‬
‫العامة‪ ،‬بالتالي تكون مقتضيات قانون المسطرة المدنية هي الواجبة التطبيق‪ ،‬واالختصاص‬
‫إما أن يكون نوعيا (الفقرة األولى) أو محليا (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االختصاص النوعي‬


‫انسجاما مع مقتضيات الفصل ‪ 18‬من قانون المسطرة المدنية ينعقد اختصاص النظر‬
‫في دعوى المسؤولية المدنية للموثقين كمبدأ عام للمحاكم االبتدائية‪ ،‬لكن استثناء قد تكون‬
‫المحكمة المختصة هي المحكمة الزجرية‪ ،‬وذلك عندما يشكل الفعل الذي ارتكبه الموثق‪،‬‬
‫جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي وخطأ مدني في آن واحد‪ ،‬الشيء الذي يتيح إمكانية إقامة‬
‫دعوى مدنية تابعة أمام القضاء الزجري‪ ،‬إذا ما توفرت شروط إقامتها‪ ،‬وإذا كان األصل أن‬
‫القضاء الزجري يمنع عليه البث في الدعاوى والقضايا المدنية‪ ،‬فإنه استثناء يمكنه البث في‬
‫الدعاوى المدنية التابعة إذا توفرت شروط إقامتها‪ ،‬واختار المتضرر إقامة دعوى مدنية تبعية‬
‫ال مستقلة‪.‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة إليه أنه في حالة ما إذا اختار المتضرر إقامة دعوى مدنية مستقلة‬
‫أمام القضاء المدني‪ ،‬فإن الموثق يكون في هذه الحالة متابع أمام جهتين قضائيتين‪ ،‬جهة مدنية‬
‫من طرف المضرور وجهة زجرية من طرف النيابة العامة‪.‬‬
‫إال أنه عمال بقاعدة القانون الجنائي يعقل المدني‪ ،‬يكون على المحكمة المدنية‬
‫المختصة للنظر في الدعاوى المدنية المستقلة إيقاف البث إلى حين صدور حكم اكتسب قوة‬
‫الشيء المقضي به من طرف المحكمة الجنائية‪ ،‬يفصل في الدعوى العمومية بشكل قاطع‬
‫ونهائي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يحق للمتضرر من حيث االختصاص المحلي للمحاكم‬
‫االبتدائية الخيار ب ين أن يقيم دعواه أمام المحكمة التي يقطن ضمن دائرتها المدعى عليه‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫وبين أن يقيمها أمام المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الذي تسبب في الضرر وذلك وفقا‬
‫ألحكام الفصل ‪ 28‬من قانون المسطرة المدنية‪.59‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االختصاص المحلي‬


‫وضع المشرع المغربي صيانة عامة بخصوص االختصاص المحلي للمحاكم في‬
‫الفصل ‪ 27‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬مفادها أن االختصاص المكاني ينعقد لمحكمة‬
‫الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه‪ ،‬وبتطبيق ذلك على دعوى المسؤولية المدنية‬
‫للموثق فإن المتضرر لكي تكون دعواه مقبولة قانونيا‪ ،‬يجب عليه رفعها أمام المحكمة التي‬
‫يوجد بدائرتها محل سكنى الموثق ومكتبه‪ ،‬فإذا لم يكن محل سكناه بدائرتها‪ ،‬فإنه ينعقد‬
‫االختصاص للمحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها مركز أعماله ومصالحه طبقا للفصل‬
‫‪ 519‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫وإذا كان المشرع من خالل الفصل ‪ 27‬من القانون السابق نص على قاعدة عامة‬
‫بخصوص االختصاص المحلي‪ ،‬فإنه قد أورد عليه استثناءات بمقتضى الفصل ‪ 28‬من نفس‬
‫القانون‪ ،‬ومن بين هذه االستثناءات ما نصت عليه الفقرة السادسة منه أن دعوى التعويض‬
‫تقام أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر أو محكمة موطن المدعى عليه‪،‬‬
‫باختيار المدعى‪ ،‬لكن عندما يشكل فعل الموثق جريمة وخطأ مدني في آن واحد‪ ،‬فإن‬
‫المحكمة المختصة مكانيا ال تقتصر فقط على محكمة الموطن األصلي أو المختار للموثق‪،‬‬
‫حيث يمكن إقامتها أمام المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الجرمي والمسبب للضرر‪،‬‬
‫وكذلك أمام المحكمة التي تم إلقاء القبض فيها على الموثق المتهم وذلك إذا ما اختار المدعي‬
‫أو المطالب بالحق المدني إقامة دعوى مدنية تابعة‪.60‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أطراف الدعوى والتقادم‬


‫يقع على عاتق الموثق االلتزام بأداء وظيفته وبصفة خاصة واجب التوثيق وإضفاء‬
‫الرسمية بحيث تترتب مسؤوليته إذا قصر في شيء من هذا‪.‬‬
‫وال يمكن الحديث والكالم عن القواعد التي تحكم دعوى مسؤولية الموثق المدنية إال‬
‫إذا حددنا طرفين اثنين طرف مدعي وطرف مدعى عليه‪ ،‬وحتى يتسنى قبول دعوى‬
‫المضرور المدنية في مواجهة الموثق من الالزم أن يرفع دعواه داخل األجل القانوني وأمام‬
‫الجهة المختصة في ذلك مع استفاء مقال الدعوى مجموعة من الشروط الشكلية التي يترتب‬

‫‪ - 59‬للتوسع أكثر أنظر الفصل ‪ 28‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬


‫‪ - 60‬المادة ‪ 259‬من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه‪" :‬يرجع االختصاص مع مراعاة القسمين األول والثاني من الكتاب‬
‫السابع من هذا القانون إلى المحكمة التي وقع في دائرتها نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة‪ ،‬وإما محل إقامة المتهم أو محل إقامة‬
‫أحد المساهمين أو المشاركين معه في الجريمة وإما محل إلقاء القبض عليه ولو كان القبض مترتب عن سبب آخر"‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫عن غيابها عدم قبول الدعوى شكال‪ .‬وسنقتصر في هذا المطلب على تحديد أطراف الدعوى‬
‫(الفقرة األولى) وأجل تقادمها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أطراف الدعوى‬


‫أوال‪ :‬المدعي‬
‫يعتبر المدعي في دعوى المسؤولية هو المضرور‪ ،‬وهو الذي يطالب بالتعويض‪ ،‬أما‬
‫غير المتضرر فليس له حق رفع الدعوى‪ ،‬لكن هذا الحق ال يثبت للمتضرر وحده بل يثبت‬
‫أيضا لكل نائب أو خلف له‪ ،‬ونائب المتضرر يجب أخذه بالمفهوم الواسع‪ ،61‬فهو إما الولي أو‬
‫الوصي أو المقدم إذا كان المتضرر شخصا قاصرا أو الوكيل إذا حاصال على توكيل إلبرام‬
‫أي تصرف واستنجد بخدمات الموثق‪ ،‬وإذا توفي المتضرر األصلي آلت الدعوى إلى الورثة‬
‫للمطالبة بالتعويض‪ ،‬وإذا كان المتضرر فاقدا لألهلية أو ناقصها تقام الدعوى في هذه الحالة‬
‫من قبل نائبه الشرعي طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية ومدونة األسرة‪.‬‬
‫والمضرور من األخطاء المهنية للموثق غالبا ما يكون الزبون هو المدعي‪ ،‬لكن ليس‬
‫هناك ما يمنع أن يكون المدعي شخصا من الغير الذي قد يصاب بضرر من جراء العقد‬
‫الرسمي الذي قام الموثق بتحريره‪ ،‬بحيث أن الموثق عند توثيق عقد يتعلق بعقار محفظ مثال‪،‬‬
‫دون التأكد من مساحته وحدوده الحقيقية وإدراج مختلف الحقوق العينية المتعلقة به بالعقد‪،‬‬
‫يتعرض للمساءلة من طرف المالكين المجاورين في حالة تضررهم من ذلك‪.62‬‬
‫عموما يجب على الطرف المتضرر حتى يكون مدعي أن يثبت ثالثة شروط أساسية‬
‫تتمثل في الصفة واألهلية والمصلحة طبقا لمقتضيات المادة األولى من ق‪.‬م‪.‬م التي جاء فيها‬
‫ما يلي‪" :‬ال يصح التقاضي إال ممن له الصفة واألهلية والمصلحة إلثبات حقوقه‪."...‬‬

‫ثانيا‪ :‬المدعى عليه‬


‫يعتبر الموثق العصري هو الجهة المدعى عليها في دعوى المسؤولية‪ ،‬طالما أن‬
‫الخطأ المسبب بضرر قد صدر منه‪ ،‬أو من أحد تابيعه وكان مسؤوال عنه‪.‬‬

‫‪ - 61‬تنص المادة ‪ 230‬من مدونة األسرة على أنه "يقصد بالنائب الشرعي في هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪ .1‬الولي وهو األب واألم والقاضي‪.‬‬
‫‪ .2‬الوصي وهو وصي األب أو وصي األم‪.‬‬
‫‪ .3‬المقدم وهو الذي يعينه القاضي‪.‬‬
‫‪ - 62‬محمد زواكي‪" ،‬المسؤولية المدنية للموثق العصري" رسالة لنيل دبلوم الماستر‪ ،‬شعبة القانون الخاص‪ ،‬ماستر قانون العقود‬
‫والعقار‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬سنة ‪ ،2011 -2010‬ص ‪.84‬‬

‫‪36‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫وتجدر اإلشارة أنه في الحالة التي يتم فيها تعيين موثق مكان موثق آخر طبقا للمادتين‬
‫‪ 6317‬و‪ 6418‬من قانون ‪ 32.09‬فإنه في حالة ارتكاب هذا الموثق المعين لخطأ مهني فإنه‬
‫يسأل عنه مسؤولية شخصية‪ ،‬وال يمكن رفع الدعوى في مواجهة الموثق صاحب المكتب‪.65‬‬
‫ولما كان الموثق ملزما بالتأمين عن المسؤولية وذلك من خالل المادة ‪ 26‬من قانون‬
‫‪ ،32.09‬فإنه يحق للموثق إدخال مؤسسة التأمين في الدعوى باعتبارها ضامنة له‪ ،‬كما يمكن‬
‫إدخال صندوق الضمان ألداء تعويضات في حالة عسر الموثق عن أدائها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقادم دعوى المسؤولية المدنية‬


‫التقادم هو مضي مدة محددة قانونا بمرورها ال تسمع دعوى المطالبة بحق من‬
‫الحقوق‪ ،‬فإذا مرت المدة المحددة ولم ترفع الدعوى خاللها سقط حق المدعي في إقامتها‪.‬‬
‫وتختلف مدة التقادم في نطاق مسؤولية الموثق المدنية حسب ما إذا كان األمر يتعلق‬
‫بالمسؤولية العقدية أو التقصيرية‪.‬‬
‫‪ -‬بحي ث أن مدة التقادم في المسؤولية العقدية تتحدد بمقتضى المادة ‪ 387‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،66‬وعليه ففي حالة ارتكاب الموثق لخطأ ما تتقادم المتابعة بمرور مدة خمسة عشر‬
‫سنة‪.‬‬
‫‪ -‬أما إذا كان األمر يتعلق بتقادم المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فالفصل ‪ 106‬من ق‪.‬ل‪.‬ع نص‬
‫على أن الدعاوى الناشئة عن الجريمة أو شبه الجريمة تتقادم عند تحقق أحد األجلين‬
‫التاليين‪:67‬‬
‫‪ ‬إذا مضت خمس سنوات تبتدأ من الوقت الذي يبلغ فيه إلى علم المتضرر الضرر وكذا‬
‫الشخص الذي يتحمل عبء المسؤولية عنه‪.‬‬
‫‪ ‬إذا مضت عشرون سنة تبتدئ من الوقت الذي يحدث فيه الضرر مهما كانت األحوال‬
‫وليس من تاريخ وقوع الحادث‪.‬‬

‫‪ - 63‬ينص الفصل ‪ 17‬من قانون ‪ ، 32.09‬الذي جاء فيه "‪ ...‬إذا كان الموثق مضطر للتغيب ألكثر من خمسة عشر يوما‪ ،‬عين‬
‫للرئيس األول لمحكمة االستئناف المعين بدائرة نفوذها بناءا على ملتمسه موثقا آخر للنيابة عنه"‪.‬‬
‫‪ - 64‬تنص المادة ‪ 18‬من قانون ‪ 32.09‬على أنه "يمكن للموثق إذا انتابه عارض أو مريض حال دون ممارسته مهنة أن يلتمس من‬
‫الرئيس األول لمحكمة االستئناف المعين بدائرة نفوذها‪ ،‬اعتباره في حالة انقطاع مؤقت عن ممارسة المهنة‪ ،‬ويعين الرئيس األول –‬
‫في حالة الموافقة موثقا آخر للنيابة عن الموثق المعني باألمر بعد أخذ رأي للوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة ورئيس المجلس‬
‫الوطني"‪.‬‬
‫‪ - 65‬محمد زواكي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 66‬تنص المادة ‪ 387‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬على ما يلي "كل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بخمس عشر سنة فيما عدا االستثناءات‬
‫الواردة فيما بعد واالستثناءات التي يقضي بها القانون في حاالت خاصة"‪.‬‬
‫‪ - 67‬تنص المادة ‪ 106‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على ما يلي "إن دعوى التعويض من إجراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات‬
‫تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر من الضرر ومن هو مسؤول عنه‪ ،‬وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين‬
‫سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫المسؤولية‬ ‫دفع‬ ‫وسائل‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬


‫والتعويض عنها‬
‫يعد موضوع المسؤولية المدنية من أهم موضوعات القانون المدني‪ ،‬فمن خالله يمكن‬
‫تحديد المسؤول عن األضرار التي تلحق األفراد فال يمكن جبر الضرر دون تحديد المسؤول‬
‫وال يمكن اقتضاء التعويض دون أن يكون هناك شخص يتحمل تبعة سلوكه الخاطئ‪ ،‬غير أنه‬
‫يمكن دفع المسؤولية عموما عن طريق مجموعة من الوسائل المنصوص عليها في القواعد‬
‫العامة‪ ،‬خاصة وأن المشرع لم يخص المسؤولية المدنية للموثق بأي مقتضيات خاصة‪.‬‬
‫لكن في حال تحقق أركان مسؤولية الموثق الثالثة‪ ،‬الخطأ والضرر والعالقة السببية‪،‬‬
‫ألزم الموثق بتعويض المضرور عن األضرار التي لحقت به لرد االعتبار له عن األذى الذي‬
‫لحقه من جراء فعل الموثق‪ ،‬وقد يحصل أن يكون هذا األخير هو من يلتزم بالتعويض‬
‫شخصيا أو مؤسسة التأمين التي يمكن أن تحل محل الموثق إذا كان قد أبرم عقد تأمين على‬
‫مسؤوليته‪.‬‬
‫ول ضمان استفاء المضرور حقه في التعويض قام المشرع المغربي بفرض وإجبارية‬
‫التأمين على المسؤولية من طرف الموثق‪ ،‬إضافة إلى خلق صندوق الضمان الذي يمكن من‬
‫خالله تغطية النقص في التعويض الذي يمكن الحصول عليه من مؤسسة التأمين أو الحصول‬
‫على التعويض في حالة عسر الموثق وعدم إبرام التأمين من طرف هذا األخير‪.‬‬
‫ولتوضيح اآلثار المترتبة عن تحقق المسؤولية المدنية للموثق سنحاول التطرق أوال‬
‫إلى وسائل دفع المسؤولية (المطلب األول) ثم التطرق إلى التعويض باعتباره الغاية والهدف‬
‫من بين قواعد المسؤولية المدنية وكذا أهم الضمانات التي تكفل للمضرور حصوله على حقه‬
‫في التعويض (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬وسائل دفع المسؤولية‬


‫مما ال شك فيه أن مسؤولية الموثق قائمة‪ ،‬إذا ارتكب خطأ بمناسبة مزاولته لمهامه‬
‫ونتج عن هذا الخطأ ضررا للغير فهو ملزم بالتعويض طبقا للقواعد العامة‪ ،‬دون أن ننسى‬
‫العقوبات التأديبية أو الجزاء الجنائي إذا تطلب األمر ذلك‪ ،‬غير أن هذه المسؤولية ال تكون‬
‫مطلقة إذ يمكن للموثق دفعها إذا أثبت عدة حاالت‪ ،‬ومن بين هذه الحاالت نجد القوة القاهرة‬
‫والحادث الفجائي (الفقرة األولى) وكذلك حالة خطأ الزبون وفعل الغير (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القوة القاهرة والحادث الفجائي‬


‫تعد القوة القاهرة والحادث الفجائي من احد أهم حاالت السبب األجنبي التي تؤدي إلى‬
‫انتف اء العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪ ،‬وبالتالي إعفاء الموثق من المسؤولية في مواجهة‬

‫‪38‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫المضرور‪ ،‬وعليه سنحاول تعريف القوة القاهرة والحدث الفجائي (أوال) مع اإلشارة إلى‬
‫شروطها (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف القوة القاهرة والحادث الفجائي‬


‫يفرق بعض الفقهاء بين القوة القاهرة والحادث الفجائي فيقولون أن القوة القاهرة‬
‫والحادث الفجائي لئن كان يتفقان من حيث أن كل منهما حادث البد لإلنسان فيه يستحيل دفعه‬
‫وال يمكن توقعه إال أنهما يختلفان من حيث أن القوة القاهرة حادث يأتي من الخارج وال‬
‫يتصل بنشاط المدين كعاصفة أو زلزال أو فيضان أو حالة الحرب أو ثورة في حين أن‬
‫الحادث الفجائي يأتي من الداخل فيكون متصال بنشاط معين بحيث ينجم عن الشيء الذي‬
‫تتحقق به المسؤولية كانفجار آلة أو احتراق مادة أو انزالق سيارة‪ ،‬وهم يضفون أن القوة‬
‫القاهرة وحدها تحول دون قيام المسؤولية‪ ،‬أما الحادث الفجائي فال يمنع من تحقيقها‪.68‬‬
‫أما المشرع المغربي لم يفرق بين القوة القاهرة والحادث الفجائي واعتبرهما على حد‬
‫سواء من حيث عدم ترتب المسؤولية كما جاء في الفصل ‪ 95‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.69‬‬

‫وقد عرف المشرع المغربي القوة القاهرة في الفصل ‪ 269‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود حيث نص أن "القوة القاهرة هي كل أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتوقعه كالظواهر‬
‫الطبيعية (الفيضانات‪ ،‬الجفاف‪ ،‬العواصف‪ ،‬الحرائق‪ ،‬والجراد) وغازات العدو وفعل السلطة‬
‫ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال‪."...‬‬
‫ويترتب عن إثبات القوة القاهرة والحادث الفجائي إعفاء المدين من المسؤولية إال أنه‬
‫قد يترتب عن هذا الحدث اإلعفاء من تنفيذ االلتزام‪ ،‬بل وقف التنفيذ حتى يزول الحادث‪،‬‬
‫فيبقى االلتزام موقوفا على أن يعود التنفيذ بعد زوال القوة القاهرة والحادث الفجائي‪.70‬‬
‫وإذا كان الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع قد وضع تعريفا للقوة القاهرة والحادث الفجائي‪،‬‬
‫وأورد بعض الحاالت على سبيل المثال التي يمكن اعتبارها قوة قاهرة‪ .‬كفعل السلطة فإن هذه‬
‫الحالة يمكن تصورها كسبب قاهر يمكن للموثق االستناد إليه لنفي أو دفع المسؤولية‪ ،‬ويعد‬
‫امتناع اإلدارة كمصلحة المحافظة العقارية أو مصلحة التسجيل عن القيام بإجراء معين دون‬
‫سبب معقول إلتمام عملية تنفيذ العقد الذي تلقاه الموثق من األسباب القاهرة التي يمكن لهذا‬
‫األخير دفع مسؤوليته بها‪ ،‬إذا ما أثبت فعال هذا االمتناع الغير المبرر‪.71‬‬

‫‪ - 68‬مأمون الكزبري‪" ،‬نظرية اال لتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي"‪ ،‬الجزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬ص ‪.412‬‬
‫‪ - 69‬ينص الفصل ‪ 95‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أنه "ال مجال للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي أو إذا كان الضرر قد نتج عن حدث‬
‫فجائي أو قوة قاهرة لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعي عليه‪."...‬‬
‫‪ - 70‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.880‬‬
‫‪ - 71‬محمد بولغماز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.181‬‬

‫‪39‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط القوة القاهرة‬


‫‪ . 1‬عدم إمكانية التوقع‬
‫يتعين أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي غير ممكن التوقع‪ ،‬فإذا أمكن توقع‬
‫الحادث حتى ولو استحال دفعه لم يشكل حادث فجائي أو قوة قاهرة‪ ،‬ويجب أن يكون الحادث‬
‫غير مستطاع التوقع ال من جانب المدعى عليه وحده‪ ،‬بل ومن جانب أشد الناس حرصا‬
‫ويقظة‪ ،‬كما يتعين أن يكون عدم اإلمكان مطلق ال نسبيا‪ ،‬وذلك وقت وقوع الحادث‪.72‬‬
‫‪ . 2‬استحالة دفع الضرر الناشئ عن القوة القاهرة‬
‫ال يكون الفعل من قبيل القوة القاهرة‪ ،‬إال إذا تعذرت مقاومته بأن دخل في عدد‬
‫المستحيالت التي يستعصي معها دفع الضرر الناشئ عنها‪ ،‬وال يقتصر هذا الشرط على القوة‬
‫القاهرة التي تفوق طاقة الجميع كالزالزل والبراكين وإنما يتعين توفره في الحادث الفجائي‬
‫أيضا‪ ،‬متى كانت االستحالة شبه عامة ‪ ،‬أما إذا كانت االستحالة شخصية فال يعتد بها لكسب‬
‫اإلعفاء من المسؤولية‪ ،‬ولمعرفة ما إذا كان في وسع الشخص المسؤول دفع هذا الضرر أم ال‬
‫فإنه يتعين االحتكام إلى المعيار الموضوعي المجرد الذي يجعل من الشخص العادي مقياسا‬
‫لما إذا كان الفعل قاهرا له أو غير قاهر‪ ،‬وللمحكمة في إطار سلطتها التقديرية أن تقرر‬
‫اإلعفاء من المسؤولية إذا لم يكن في مقدور الرجل العادي مقاومة الفعل الذي واجه الشخص‬
‫المعني باألمر أثناء حصول الضرر‪.73‬‬
‫‪ .3‬أال يكون هناك خطأ من جانب المدعى عليه‬
‫يجب أال يكون هناك خطأ يع زى إلى المدعى عليه أدى إلى قيام الحادث‪ ،‬ذلك أن‬
‫وجود هذا األخير يزيل عن الحادث وصف الحدث الفجائي أو القوة القاهرة‪.74‬‬
‫فإذا توفرت شروط القوة القاهرة المشار إليها أعاله‪ ،‬وكانت هي السبب الوحيد في‬
‫وقوع الضرر‪ ،‬انتفت العالقة السببية وانعدمت مسؤولية الموثق‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك بالنسبة لحفظ أصول العقود كما جاء في المادة ‪ 50‬من قانون‬
‫التوثيق ‪ 32.09‬التي ألقت على عاتق الموثق حفظ أصول العقود‪ ،‬ففي حالة تعرض مكتب‬
‫الموثق إلى خراب كلي بسبب فيضانات أو حريق وأثبت الموثق هذه القوة القاهرة التي عجز‬
‫عن دفعها عنه فإنه يعفى من هذه المسؤولية‪.‬‬

‫‪ - 72‬المختار بن أحمد العطار "النظرية العامة لاللتزامات في ضوء القانون المغربي"‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2011‬ص ‪.422‬‬
‫‪ - 73‬عبد القادر العرعاري‪" ،‬المسؤولية المدنية"‪ ،‬دراسة مقارنة على ضوء النصوص التشريعية الجديدة الطبعة الرابعة ‪.2015‬‬
‫‪ - 74‬المختار بن أحمد العطار "النظرية ال عامة لاللتزامات في ضوء القانون المغربي"‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2011‬ص ‪.423‬‬

‫‪40‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خطأ المضرور وفعل الغير‬


‫أوال‪ :‬خطأ المضرور‬
‫يعتبر خطأ المضرور من بين أسباب إعفاء الموثق من المسؤولية‪ ،‬كالحالة التي يثبت‬
‫فيها الموثق أن الضرر الحاصل للزبون إنما يرجع لخطئه هو وال دخل للموثق فيه‪ ،‬كالحالة‬
‫التي يقدم فيها الزبون على شراء عقار خاضع لتقييد احتياطي رغم النصائح المقدمة إليه من‬
‫طرف الموثق‪ ،‬وحدث أن استحق هذا العقار بعد شرائه من قبل الزبون للغير‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫ال يمكن القول بتحميل المسؤولية للموثق عن النتائج المترتبة بفعل الخطأ العائد للزبون الناتج‬
‫عن تجاهله التنبيه المقدم له من قبل الموثق‪.‬‬
‫وكذلك الشأن عندما ال يترك األطراف للموثق الوقت الكافي للقيام بالبحث والتحري‬
‫عن وضعية العقار‪ ،‬كما أنه ال مجال لمساءلة الموثق إذا أعفاه المشتري من المطالبة بشهادة‬
‫التعمير وطلب منه اإلسراع في تحرير عقد الشراء رغم كون الموثق قد حذره بأن العقار هو‬
‫محل نزع للملكية‪.75‬‬
‫والموثق ال يكون مسؤوال عندما يقوم المشتري بتقديم الثمن خارج مكتبه‪ ،‬إذا تبين فيما‬
‫بعد أن عقار البيع مرهون‪ ،‬ألن المشتري عليه أن يتحمل تبعات تصرفه وعدم استشارته‬
‫للموثق‪.76‬‬
‫وفي حالة ما إذا اعترف الزبون بكونه تلقى اإلرشاد والنصائح الضرورية والتي‬
‫تحيطه بالعملية التعاقدية‪ ،‬فهنا الخطأ غير موجود ومن ثم فال مسؤولية حيث ال خطأ سابق‬
‫عنها‪ ،‬ألن دفع المسؤولية ال يمكن الحديث عنه إال بعد تحققها‪ ،‬كما أنه يتعين عليه لدفع‬
‫مسؤوليته أن يحتفظ أو يدلي بكل ما يفيد أن الزبون على علم تام‪ ،‬وأنه تم تحذيره بكل شيء‬
‫بخصوص شروط العقد ونتائجه واألخطار المترتبة عن الشروط المضمنة فيه‪ ،‬ورغم ذلك‬
‫قرر األطراف إعطاء رضائهم التام والتوقيع على العقد‪ ،‬ومثال ذلك الحالة التي يقوم فيها‬
‫الموثق بتنبيه الزبون إلى خطورة أداء الثمن كامال ومباشرة دون المرور عبر محاسبة‬
‫الموثق وذلك قبل التأكد من الوضعية القانونية للعقار وقد جرت العادة أن يضمن الموثق في‬
‫العقد بند ينص فيه على أنه أعلم المشتري ونبهه لخطورة أداء الثمن كامال قبل التأكد من‬
‫وضعية العقار‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فالموثق يتعين عليه إثبات أنه قام بواجباته القانونية وخصوصا‬
‫واجب النصح وضمان حجية العقد‪.‬‬
‫فالزبون حينما يلجأ إلى مكتب الموثق ويرغب في تحرير عقد من العقود يجب عليه‬
‫أن يدلي للموثق بكافة الوثائق والمعلومات الضرورية لتكوين عقد تام يلبي جميع احتياجاته‪،‬‬

‫‪ - 75‬محمد الربيعي "األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم" الطبعة الثانية ‪ ،2015‬ص ‪.57‬‬
‫‪ - 76‬محمد الربيعي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫‪41‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ومن هنا قد يكون خطأ الزبون في اإلدالء بالمعلومات التي يرغب في إيصالها للموثق سببا‬
‫في إعفاء هذا األخير من المسؤولية الملقاة على عاتقه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خطأ الغير‬


‫باإلضافة إلى الحالة السابقة فإن الخطأ المنسوب إلى الغير قد يؤدي بدوره إلى إعفاء‬
‫الموثق من المسؤو لية‪ ،‬ومفهوم الغير هنا يقتصر على األشخاص األجانب عن العقد‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك هي الحالة التي تمنح فيها اإلدارة وثيقة إدارية معيبة غير مطابقة للحقيقة‬
‫فيقوم الموثق بتحرير العقد بناءا عليها ويظهر أنه ال يمكن االحتجاج بالعقد نظرا للخطأ‬
‫الراجع للوثيقة اإلدارية‪ ،77‬بحيث قد يحصل أن يكون العقار محل التفويت مثقل برهون أو‬
‫حجز يجعله غير قابل للتفويت ومع ذلك تكون الشهادة المسلمة من طرف مصالح المحافظة‬
‫العقارية ال تتضمن ما يفيد وجود هذه التحمالت التي تثقل العقار بسبب عيب في الشهادة‬
‫راجع إلى خطأ هذه المصلحة‪ .‬ومن بين األمثلة كذلك هي الحالة التي نصت عليها المادة‬
‫‪ 7838‬من قانون ‪ ،32.09‬التي تشير إلى الحالة التي ال يعرف أحد األطراف اللغة التي حرر‬
‫بها العقد أو كون الموثق ال يعرف لغة أحد المتعاقدين ويستعين في هذه الحالة بترجمان‬
‫مقبول لدى المحاكم وإذا تعذر وجود ترجمان يستعان بشخص يراه الموثق أهال للقيام بهذه‬
‫المهمة شريطة قبو له من طرف المعني بالترجمة فيقوم هذا المترجم بإفشاء السر الذي راج‬
‫أثناء تحرير العقد فأضر بأحد المتعاقدين هنا تنتفي مسؤولية الموثق إذا ما أثبت أن السبب‬
‫المباشر في إفشاء السر هو الشخص الذي عينه للترجمة‪.‬‬
‫عموما إن مسؤولية الموثق هي مسؤولية مشددة لكنها ليست مطلقة‪ ،‬حيث يمكنه‬
‫التحلل من المسؤولية الملقاة على عاتقه في حالة ما إذا أثبت وسائل دفعها التي تمت اإلشارة‬
‫إليها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التعويض عن المسؤولية المدنية وأهم ضماناتها‬


‫يترتب عن تحقق أركان مسؤولية الموثق الثالثة‪ :‬الخطأ الضرر والعالقة السببية‪،‬‬
‫إلزام الموثق بتعويض المضرور عن األضرار الالحقة به‪ ،‬وذلك بغية رد االعتبار‬
‫للمضرور الذي لحقه األذى بفعل الموثق‪ ،‬أو أحد المتمرنين والمستخدمين لديه‪ ،‬وقد يحصل‬
‫أن يكون الموثق هو من يلتزم بالتعويض شخصيا‪ ،‬أو مؤسسة التأمين التي يمكن أن تحل‬
‫محله‪ ،‬إذا كان قد أبرم عقد تأمين على مسؤوليته‪ ،‬ولضمان استفاء المضرور حقه في‬
‫التعويض قام المشرع المغربي بفرض وإجبارية التأمين على المسؤولية من قبل الموثق‪،‬‬

‫‪ - 77‬محمد بولغماز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.182‬‬


‫‪ - 78‬تنص المادة ‪ 38‬من قانون ‪" 32.09‬ي ستعين الموثق بترجمان مقبول لدى المحاكم عند وجود صعوبة في التلقي وفي حالة تعذر‬
‫وجود ترجمان يمكن االستعانة بكل شخص يراه الموثق أهال للقيام بهذه المهمة شريطة قبوله من طرف المعني بالترجمة‪ ،‬يشترط‬
‫في الترجمان أو الشخص المستعان به أن ال يكون شاهدا أو له مصلحة في العقد"‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫باإلضافة إلى خلق صندوق الضمان الجماعي الذي يمكن من خالله تغطية النقص في‬
‫التعويض الذي يمكن الحصول عليه من مؤسسة التأمين أو الحصول على التعويض في حالة‬
‫عسر الموثق وعدم إبرام التأمين من طرف هذا األخير‪.‬‬
‫ولتوضيح اآلثار المترتبة عن تحقق المسؤولية المدنية للموثق سنحاول التطرق إلى‬
‫التعويض وتقديره (الفقرة األولى) على أن نتطرق إلى أهم الضمانات التي خولها المشرع‬
‫المغربي للمتضرر للحصول على التعويض (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع التعويض وتقديره‬


‫إن األخطاء المرتكبة من طرف الموثقين على العموم تعود باألساس إما لعدم تنفيذ‬
‫االلتزامات الملقاة على عاتقهم أو للتأخر في تنفيذها‪ ،‬وفي كلتا الحالتين تكون األضرار‬
‫المترتبة عن ذلك موجبة التعويض‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أنواع التعويض‬


‫ل م يعرف المشرع المغربي التعويض‪ ،‬لكن بالرجوع إلى اآلراء الفقهية نجدها تصب‬
‫في اتجاه واحد وهي اعتبار التعويض جزاء األخطاء التي يرتكبها المتسبب في الفعل الضار‬
‫ووسيلة لجبر األضرار الناجمة عن خطأ المسؤول‪ ،79‬ويجد التعويض أساسه في مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 77‬و‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬
‫ويمكن التمييز في التعويض في إطار مسؤولية الموثق المدنية بين التعويض النقدي‬
‫والتعويض العيني‪:‬‬
‫أ ‪ .‬التعويض النقدي‪:‬‬
‫يقصد بالتعويض النقدي دفع مبلغ معين من المال‪ ،‬وهذا النوع من التعويض يغلب‬
‫الحكم به في دعوى المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وفي جميع األحوال التي يتعذر فيها التعويض‬
‫العيني يحكم القاضي بهذا التعويض‪.80‬‬
‫ويعتبر التعويض النقدي هو األصل‪ ،‬كما أن المبدأ يقضي كذلك أن يكون عبارة عن‬
‫مبلغ معين من المال يعطى دفعة واحدة‪ ،‬لكن ليس ثمة ما يمنع القاضي من الحكم تبعا‬
‫للظروف بتعويض مسقط أو بإيراد مرتب مدى الحياة‪ ،‬والغالب في مسؤولية الموثق كون‬
‫التعويض النقدي عبارة عن مبلغ معين من المال يحدده القاضي بناء على قناعته ويعطى إما‬
‫دفعة واحدة أو بشكل مقسط‪.‬‬

‫‪ - 79‬محمد بولغماز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.187‬‬


‫‪ - 80‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.967‬‬

‫‪43‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫‪44‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ب ‪ .‬التعويض العيني‪:‬‬
‫يقصد بالتعويض العيني أو التنفيذ العيني الوفاء بااللتزام عينا ويقع هذا النوع من‬
‫التعويض كثيرا في االلتزامات التعاقدية ونادرا ما يترتب عن المسؤولية التقصيرية‪ .81‬ويعد‬
‫التعويض العيني أفضل طرق التعويض إذ يؤدي إلى إصالح الضرر إصالحا تاما‪ ،‬وذلك‬
‫بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه وإجبار الموثق المخل بالتزامه بإتمام تنفيذ العقد وإنجازه على‬
‫خير ما يرام واستكمال جميع اإلجراءات المتفق عليها والمنصوص عليها قانونا‪ ،‬ومن بين‬
‫الحاالت التي يمكن أن نتصور فيها التعويض العيني في إطار المسؤولية المدنية للموثق‪،‬‬
‫الحالة التي يتأخر فيها الموثق في القيام ببعض اإلجراءات القانونية الالزمة إلتمام إجراءات‬
‫التعاقد في آجالها القانونية‪ ،‬بحيث يصبح المعني باألمر ملزما بأداء مبالغ إضافية‪ ،‬عبارة عن‬
‫غرامة تأخير تنفيذ هذه االلتزامات‪ ،‬ففي هذه الحالة إذا كان الموثق هو المتسبب في إحداث‬
‫هذه الزيادات فيتعين عليه أداء هذه الغرامات لفائدة المصالح المعنية‪ ،‬وعليه فإن هذا‬
‫التعويض يكون عبارة عن تعويض عيني مادام الموثق قام بإزالة الضرر‪ ،‬وذلك بالقضاء‬
‫على سببه وهو أداء الغرامات اإلضافية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقدير التعويض‬


‫إن تقدير التعويض يخضع في صورته العادية إما إلرادة األطراف أو للسلطة‬
‫التقديرية للقضاء تبعا لظروف وملبسات كل قضية‪ ،‬ومن أهم المعايير المعتمدة في تقدير‬
‫التعويض حجم الخسائر التي لحقت المتضرر‪ ،‬أو ما فاته من كسب وذلك حسب منطوق‬
‫الفصل ‪ 264‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬الذي ينص على أنه "الضرر ما لحق الدائن من‬
‫خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بااللتزام‪ ،‬وتقدير‬
‫الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة التي يجب عليها أن تقدر التعويضات‬
‫بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه‪.‬‬
‫يجوز للمتعاق دين أن يتفقا على التعويض عن األضرار التي قد تلحق الدائن من جراء‬
‫عدم الوفاء بااللتزام األصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه"‪.‬‬
‫وهذا ما أكده المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في إحدى القرارات الصادرة عنه‬
‫الذي جاء في إحدى حيثياته "‪ ...‬حيث إن عناصر تقدير التعويض هي ما لحق المتضرر من‬
‫خسارة أو ما فاته من كسب والمحكمة عندما تقدر التعويض للمتضرر عليها أن تبرز كل أو‬
‫بعض هذه العناصر التي اعتمدت عليها في هذا التقدير أو ما رافقها من ظروف وملبسات‬

‫‪ - 81‬أنظر المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.966‬‬

‫‪45‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫حتى يمكن ل لمجلس األعلى بسط رقابته على حقيقة الضرر الذي لحق المتضرر ومدى‬
‫مالئمة التعويض المقدر واعتباره حكما غير معلل‪.82"...‬‬
‫يتمتع قضاة الموضوع بحرية واسعة في تقدير التعويض إذ يحددون مبلغه بالقدر الذي‬
‫يتناسب مع الضرر الواقع وال رقابة عليه من طرف محكمة النقض‪ ،‬إذ أن تقدير التعويض‬
‫يعتبر من األمور الواقعية التي يستقل بها قضاة الموضوع‪ ،‬ويقدر التعويض في المسؤولية‬
‫العقدية طبقا ألحكام الفصل ‪ 264‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬وفي المسؤولية التقصيرية على أساس‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 98‬من نفس القانون‪.‬‬
‫ويكون لدرجة الخطأ تأثيرا كبيرا في تقدير التعويض حسب ما إذا كان الخطأ يسيرا أو‬
‫جسيما‪.‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن تأثير درجة الخطأ على تقدير التعويض ليست قاعدة‬
‫مطلقة‪ ،‬فإذا كان مبلغ التعويض في أغلب الحاالت يتأثر بدرجة الخطأ المرتكب من قبل‬
‫الموثق فإن ذلك ال يمنع من وجود حاالت يقدر فيها القاضي على أساس حجم األضرار‬
‫الواقعة فعال إذا كان خطأ الموثق جسيما‪.83‬‬
‫عموما يظل أمر تقدير التعويض خاضع في نهاية المطاف للسلطة التقديرية لمحاكم‬
‫الموضوع التي تبقى لها الحرية الكاملة في تقدير التعويض عن األضرار التي يتسبب فيها‬
‫الموثق‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الضمانات التي خولها المشرع المغربي للمتضرر للحصول على‬
‫التعويض‬
‫تعد إجبارية التأمين وصندوق ضمان الموثقين من أهم وسائل الضمان والمؤسسات‬
‫التي وضعها المشرع المغربي من أجل تأمين حصول المضرور من الخطأ المهني للموثق‬
‫في حقه في التعويض عما لحقه من أضرار‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التأمين اإلجباري للموثق‬


‫تزداد أهمية الدور الذي تلعبها المهن الحرة عموما‪ ،‬ومهنة التوثيق خصوصا وهو ما‬
‫تزداد معه خطورة النتائج التي تترتب عن الممارسة وبقدر هاته الخطورة تتسع أهمية التأمين‬
‫وحماية المتعاملين مع الموثق‪.‬‬

‫‪ - 82‬قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا)‪ ،‬الغرفة المدنية‪ ،‬القسم الثالث رقم القرار ‪ ،2749‬ملف عدد ‪97390‬‬
‫بتاريخ نونبر ‪ ،1985‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى العدد ‪ ،39‬الصفحة ‪.85.84‬‬
‫‪ - 83‬محمد بولغماز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.191-190‬‬

‫‪46‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫ويعتبر التأمين على المسؤولية المهنية للموثق من بين أهم المستجدات التي جاء بها‬
‫قانون ‪ 32.09‬حين أصبح التأمين على المسؤولية بمقتضى المادة ‪ 26‬التي جاء فيها ما يلي‬
‫"‪ ...‬يلزم كل موثق بالتأمين على هذه المسؤولية‪."...‬‬
‫ويالحظ من المادة أعاله‪ ،‬أنها جعلت من واجب التأمين على المسؤولية من أهم‬
‫الواجبات المفروضة على الموثق وذلك ضمانا لحقوق المتعاقدين والمتعاملين معه في إطار‬
‫مهامه التوثيقية‪ ،‬بحيث أن كل موثق يتعين عليه إبرام عقد التأمين قبل الشروع في ممارسة‬
‫مهامه‪ ،‬أي بمجرد أدائه اليمين القانونية ووضع توقيعه بكتابة الضبط لدى محكمة االستئناف‬
‫المعين بدائرة نفوذها‪ ، 84‬كما نصت على أن الموثق ملزم باإلدالء كل سنة بها يفيد استمرار‬
‫اكتتابه في عقد التأمين وذلك تحت طائلة المتابعة التأديبية‪.85‬‬
‫وظاهر المادة يقتضي أن واجب التأمين شأن يتعلق بالموثق شخصيا وال يتعلق بالهيئة‬
‫التي ينتمي إليها‪ ،‬ألن المادة ‪ 26‬المذكورة صريحة في تحميل الموثق وحده مسؤولية ذلك‪،‬‬
‫كما أن المادة ‪ 99‬صريحة في أن الهيئة الوطنية للموثقين هي من تقوم بتدبير ومراقبة‬
‫االلتزام بالتأمين المفروض على الموثقين‪.‬‬
‫وإذا كان المشرع المغربي قد فرض بمقتضى هذا القانون الجديد على الموثق إجبارية‬
‫التأمين على مسؤوليته المهنية‪ ،‬فإنه لم يحدد نطاق األخطاء المشمولة بهذا الضمان‪ ،‬مما‬
‫يطرح التساؤل حول ما إذا كانت جميع األخطاء الصادرة عن الموثق يشملها الضمان؟‬
‫بالرجوع إلى المادة ‪ 17‬من القانون ‪ 17.99‬المتعلق بمدونة التأمينات نجدها تنص في فقرتها‬
‫الثالثة على أنه "غير أن المؤمن ال يتحمل رغم أي اتفاق مخالف الخسائر واألضرار الناتجة‬
‫عن خطأ متعمد أو تدليس المؤمن له"‪.‬‬
‫ويتضح من المادة أعاله أن التأمين يكون شامال لكل األخطاء الصادرة عن الموثق‬
‫باستثناء األخطاء العمدية وتدليس الموثق‪.‬‬
‫وفي إطار تفعيل مقتضيات المادة ‪ 26‬المتعلقة بالتأمين على المسؤولية صدر مؤخرا‬
‫المرسوم رقم ‪ 2.13.32‬بتاريخ جمادى األولى ‪ 25( 1434‬مارس ‪ )2013‬المتعلق بالحد‬
‫األدنى للتأمين المطبق على الموثقين ونص على أن الحد األدنى للتأمين خمسة ماليين درهم‬
‫(‪ 5000.000‬درهم) وعلى أنه يمكن مراجعة هذا التحديد على رأس كل سنتين بموجب قرار‬
‫مشترك لوزير االقتصاد والمالية ووزير العدل والحريات‪ ،‬بعد استشارة المجلس الوطني‬

‫‪ - 84‬العلمي الحراق‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.68‬‬


‫‪ - 85‬جاء في الفقرة ما قبل األخيرة من المادة ‪ 26‬من قانون ‪" 32.09‬يبرم الموثق عقد التأمين قبل الشروع في ممارسة مهامه‪،‬‬
‫ويلزم باإلدالء بما يفيد استمرار اككتابه تحت طائلة المتابعة التأديبية"‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫للموثقين والجامعة االستشارية للتأمينات المحدثة بموجب المادة ‪ 285‬من قانون رقم ‪17.99‬‬
‫المتعلق بمدونة التأمينات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صندوق الضمان‬


‫يرتكن هذا النوع من الضمان على فكرة التضامن بين الموثقين‪ ،‬إذ هم الذين يتلون‬
‫تمويل هذا الجهاز المكلف بالتعويض‪.‬‬
‫أسس صندوق الضمان بالمغرب بمقتضى المادة ‪ 39‬من ظهير ‪ 4‬ماي ‪ 1925‬الذي‬
‫كان ينظم مهنة التوثيق إلى أن جاء القانون الجديد ‪ 32.09‬الذي نسخ الظهير السابق‪ ،‬وهذا‬
‫القانون حاول أن يجتنب النقص الذي كان يعتري مقتضيات الظهير بخصوص تنظيم‬
‫صندوق ضمان الموثقين محاوال جعل هذه المؤسسة أكثر فعالية في نطاق ضمان مسؤولية‬
‫الموثق دون أي عراقيل‪ ،‬حيث أنه بالرجوع إلى المادة ‪ 8694‬من قانون ‪ 32.09‬نجدها تحدد‬
‫نطاق الضمان بشكل واضح‪ ،‬وتوسع من نطاق المصادر التمويلية للصندوق وأصبحت‬
‫تتشكل موارد الصندوق من الفوائد المتأتية من الحسابات الخاصة والمفتوحة من قبل الموثقين‬
‫بصندوق اإليداع والتدبير‪ ،‬وكذا المساهمات المدفوعة من قبل كل موثق عن كل عقد تسلمه‬
‫ويحدد مبلغها من قبل المجلس الوطني لهيئة الموثقين‪ ،‬وتصادق عليه اللجنة المشار إليها في‬
‫المادة ‪ 11‬من القانون ‪.32.09‬‬

‫ويتولى تسير هذا الصندوق مجلس اإلدارة تحت إشراف صندوق اإليداع والتدبير‪،‬‬
‫يتألف هذا المجلس من عضوين يمثلون اإلدارة‪ ،‬يتم تعيينهم بنص تنظيمي‪ ،‬ومن رئيس‬
‫المجلس الوطني لهيئة الموثقين ورئيسي مجلسين جهويين يتم تعيينهم من طرف رئيس‬
‫المجلس الوطني من ممثل عن صندوق اإليداع والتدبير‪ ،‬ويتم انتخاب رئيس المجلس من بين‬
‫أحد أعضائه‪.‬‬
‫إن الهدف المتوخى من إحداث صندوق الضمان هو أداء المبالغ المحكوم بها لألفراد‬
‫المتضررين‪ ،‬وذلك في الحالة التي يكون فيها الموثق أو نائبه في حالة عسر‪ 87‬أو في حالة‬
‫كون التعويض أكثر من حجم الضرر الذي أصاب المضرور‪ ،‬أما بخصوص دعوى الضمان‬

‫‪ - 86‬تنص الفقرة الخامسة من المادة ‪ 94‬على ما يلي‪ ..." :‬يهدف الصندوق إلى ضمان أداء المبالغ المحكوم بها لفائدة األطراف‬
‫المتضررة في حالة عسر الموثق أو نائبه وعدم كفاية المبلغ المؤدى من طرف شركة التأمين للتعويض عن الضرر أو عند انعدام‬
‫التأمين‪."...‬‬
‫‪ - 87‬وتماشيا مع هذا الوضع تماما سبق لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها تحت رقم ‪ 1.3626‬بتاريخ ‪2006/10/16‬م‬
‫منشور بمجلة الملف ‪ ،‬العدد ‪ 10‬شهر أبريل ‪ ،2007‬ص ‪ 190‬وما بعدها‪ ،‬أن اعتبرت أن األصل في مسؤولية الموثقين أنها شخصية‬
‫يلتزم الموثقون بموجبها بأداء الت عويض جبرا للضرر الذي ألحقوه بالغير والناتج عن أخطائهم المهنية‪ ،‬على أنه يجوز بصفة‬
‫احتياطية إخالل صندوق التأمين والخازن العام للمملكة محل الموثق بشرطين هما‪:‬‬
‫‪ .1‬ارتكاب الموثق خطأ مهني‪.‬‬
‫‪ .2‬عسر هذا األخير وعدم قدرته على األداء ومما جاء في حيثيات القرار‪.‬‬
‫"‪ ...‬وحيث تكون دعوى اإلحالل دعوى احتياطية رهينة بتوفر عنصرين اثنين هما‪ * :‬ارتكاب الموثق خطأ مهني‪ * .‬عسر هذا‬
‫األخير وعدم قدرته على األداء‪."...‬‬

‫‪48‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫فإنها تتقادم في مواجهة الصندوق بمرور ‪ 5‬سنوات‪ 88‬من تاريخ ثبوت مسؤولية الموثق أو‬
‫نائبه‪ ،‬وتقدم هذه الدعوى في شخص رئيس المجلس اإلداري الذي يتولى تسيير الصندوق‪.89‬‬
‫وما يعاب على المقتضيات الجديدة المنظمة لصندوق ضمان الموثقين‪ ،‬هو ربطها‬
‫لتحريك الدعوى في مواجهة الصندوق بإثبات عسر الموثق أو نائبه‪ ،‬األمر الذي يبقى من‬
‫الناحية العملية صعب وعائق أمام الطرف المتضرر مما يجعل من تحريك هذه الدعوى‬
‫يتطلب مصاريف باإلضافة إلى أنه يتم بشكل بطيء‪.‬‬

‫‪ - 88‬تنص المادة ‪ 95‬من قانون ‪ 32.09‬على ما يلي‪" :‬تتقادم دعاوى الضمان بمرور ‪ 5‬سنوات على يوم التصريح بثبوت مسؤولية‬
‫الموثق أو نائبه بحكم نهائي"‪.‬‬
‫‪ - 89‬جاء في الفقرة األولى من المادة ‪ 96‬من قانون ‪ 32.09‬ما يلي "تقادم الدعاوى ضد صندوق ضمان الموثقين في شخص رئيس‬
‫مجلسه اإلداري‪."...‬‬

‫‪49‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫خاتمة‬
‫إن المشرع المغربي لم يخص المسؤولية المدنية للموثق بأحكام خاصة‪ ،‬وهو ما‬
‫يصعب معه استنباط أحكامها‪ ،‬خاصة أمام سكوت النصوص المنضمة لمهنة التوثيق في‬
‫إطار القانون الجديد ‪ ،32.09‬عن تحديد طبيعة المسؤولية المدنية للموثق‪ ،‬وهو ما جعلها‬
‫محل تضارب فقهي وقضائي‪ ،‬بين من يراها ذات طبيعة عقدية ومن يراها ذات طبيعة‬
‫تقصيرية‪ ،‬وهذا راجع باألساس إلى االختالف الذي يطبع عالقة الموثق بالزبون‪ ،‬وبغض‬
‫النظر عن انقسام المسؤولية في ظل القواعد العامة‪ ،‬لذلك اتجه غالبية الفقه إلى اعتبار‬
‫مسؤولية الموثق المدنية قد تكون عقدية وذلك في عالقة الموثق بالزبون‪ ،‬وتقصيرية اتجاه‬
‫الغير في حالة إتيان غش أو خطأ جسيم‪ .‬وعليه فإن كل خطأ صادر من الموثق قد يؤدي إلى‬
‫قيام مسؤوليته متى تسبب ذلك في ضرر للمتعاملين معه أو للغير‪.‬‬
‫وتعد دعوى المسؤولية المدنية للموثق إحدى الوسائل الناجعة للمطالبة بجبر الضرر‬
‫الذي لحق المضرور‪ ،‬وإن كان في السابق دورها الحمائي محدودا بالنظر لتعقد مساطرها‬
‫وصعوبة إثباتها إال أن المشرع قد أحسن صنعا بجعل التأمين على المسؤولية المدنية للموثقين‬
‫أمرا إلزاميا‪ ،‬األمر الذي من شأنه تعزيز ضمانات المتضررين في الحصول على التعويض‬
‫والحد من مماطلة الموثقين في أداء التعويضات‪.‬‬
‫ونود أن نشير عموما إلى أن المشرع المغربي سعى إلى تقرير مسؤولية الموثقين عن‬
‫أخطائهم‪ ،‬بمقتضى القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق وباقي القوانين األخرى‪ ،‬إال أن هذه‬
‫األحكام تبقى فقط حبر على ورق‪ ،‬نظرا لعدم تفعيلها في جل الحاالت وما يؤكد هذا الموقف‬
‫ندرة االجتهاد والعمل القضائي المتعلق بمسؤولية الموثق المدنية‪.‬‬
‫ونعتقد أن عدم تفعيل مقتضيات المسؤولية المدنية للموثقين راجع باألساس إلى عدم‬
‫الوعي بأهمية هذه المسؤولية من قبل المتعاملين مع الموثقين بالمغرب‪ ،‬وهذا ما نلمسه في‬
‫مجموعة من القرارات الصادرة عن المحاكم المغربية المتعلقة بالمسؤولية التأديبية‪ ،‬حيث‬
‫تكون شروط المسؤولية المدنية قائمة بالموازاة مع شروط قيام المسؤولية التأديبية للموثق‬
‫حيث يفضل المضرور من خطأ وفعل الموثق تحريك مسؤوليته التأديبية على المسؤولية‬
‫المدنية‪ ،‬ربما هذا السبب هو الذي جعل مسؤولية الموثقين غير مفعلة على أرض الواقع‪ ،‬وال‬
‫يمكن تحميل القضاء المغربي هذا النقض الذي يعتري مسؤولية الموثق المدنية مادام أن هذه‬
‫األحكام ال تجد من يحركها أمامه للفصل فيها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الئحة المراجع المعتمدة‬


‫الــــــــكـــتـــــب‪:‬‬
‫‪ ‬عبد الرزاق السنهوري‪" ،‬الوسيط في شرح القانون المدني"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزام مطبعة الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ، ،‬الطبعة الثالثة سنة ‪.2000‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪" ،‬المسؤولية المدنية"‪ ،‬دراسة مقارنة على ضوء النصوص‬ ‫‪‬‬
‫التشريعية الجديدة الطبعة الرابعة ‪.2015‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪" ،‬مصادر االلتزامات"‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬المسؤولية المدنية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪.2011‬‬
‫عبد المجيد بوكير‪" ،‬التوثيق العصري المغربي"‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2010‬‬ ‫‪‬‬
‫العلمي الحراق‪" ،‬الوثيق في شرح قانون التوثيق"‪ ،‬طبعة نونبر ‪.2014‬‬ ‫‪‬‬
‫مأمون الكزبري‪" ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الجزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1972‬‬
‫محمد الربيعي‪" ،‬األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم"‪ ،‬دراسة‬ ‫‪‬‬
‫على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العصري‪ ،‬مطبعة الورقة الوطنية‪ ،‬مراكش‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر ‪.2008‬‬
‫المختار بن أحمد العطار "النظرية العامة لاللتزامات في ضوء القانون المغربي"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2011‬‬

‫‪51‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الرسائل واألطروحات‪:‬‬
‫زبيدة مهداوي "حماية المتعاملين مع الموثق من خالل القانون ‪ "32.09‬رسالة لنيل‬ ‫‪‬‬
‫دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر األسرة والتوثيق‪ ،‬جامعة محمد بن عبد هللا‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ظهر المهراز‪ ،‬فاس‪.‬‬
‫سلمى شادلي‪" ،‬المسؤولية المدنية للموثق والعدل"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬ ‫‪‬‬
‫القانون ال خاص‪ ،‬ماستر األسرة والتوثيق‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ظهر المهراز‪ ،‬فاس ‪.2013-2012‬‬
‫عمر موسوي‪" ،‬توثيق التصرفات العقارية في ضوء الحقوق العينية والقوانين ذات‬ ‫‪‬‬
‫الصلة – بين مبدأ الخبرة ووجوب الرسمية –"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‪ ،‬ماستر‬
‫المعامالت العقارية‪ ،‬جامعة محمد بن عبد هللا‪ ،‬الكلية متعددة التخصصات تازة‪ ،‬سنة‬
‫‪.2016-2017‬‬
‫محمد بولغماز‪" ،‬المسؤولية المدنية للموثق العصري في القانون المغربي"‪ ،‬دراسة‬ ‫‪‬‬
‫مقارنة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬ماستر قانون األعمال‪ ،‬جامعة‬
‫القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2014-2013‬‬
‫محمد زواكي‪" ،‬المسؤولية المدنية للموثق العصري" رسالة لنيل دبلوم الماستر‪ ،‬شعبة‬ ‫‪‬‬
‫القانون الخاص‪ ،‬ماستر قانون العقود والعقار‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬سنة ‪.2011 -2010‬‬
‫نور الدين بزدي‪" ،‬المسؤولية المدنية والتأديبية للعدول والموثقين على ضوء التشريع‬ ‫‪‬‬
‫المغربي"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة المولى‬
‫إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مكناس‪ ،‬سنة ‪2009-‬‬
‫‪.2010‬‬
‫يوسف أقصبي‪" ،‬المسؤولية القانونية للموثق"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في الدراسة‬ ‫‪‬‬
‫الميتودولوجية المطبقة على ق‪.‬م‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫فاس‪.‬‬
‫بلحو نسيم‪" ،‬المسؤولية القانونية للموثق"‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم‬ ‫‪‬‬
‫في الحقوق تخصص قانون جنائي‪ ،‬جامعة محمد خيضر بسكرة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية قسم الحقوق‪.2015-2014 ،‬‬

‫مقاالت ومجالت‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫عبد هللا درميش "أخالقيات مهنة التوثيق وسلطة التنظيم" مقال منشور بمجلة رحاب‬ ‫‪‬‬
‫المحاكم العدد ‪ ،3‬دجنبر ‪.2009‬‬
‫محمد خيري‪" ،‬مهنة تحرير العقود بين التنظيم واإلطالق"‪ ،‬مقال منشور بالمجلة‬ ‫‪‬‬
‫المغربية لقانون اقتصاد التنمية‪ ،‬العدد ‪ ،25‬سنة ‪.1991‬‬
‫المهدي بودي‪" ،‬المسؤولية المدنية للموثق على ضوء قانون رقم ‪ ،"32.09‬مقال‬ ‫‪‬‬
‫منشور بمجلة القانون واألعمال‪ ،‬العدد ‪ 9‬شتنبر ‪.2016‬‬
‫محمد الربيعي "حماية السر المهني في مجال التوثيق" مجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد ‪33‬‬ ‫‪‬‬
‫يونيو ‪.2008‬‬

‫النصوص القانونية‪:‬‬
‫القانون ‪ 32.09‬المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قانون المسطرة المدنية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فانون األسرة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفهرس‬
‫مقدمة‪3 .................................................................................................... :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األحكام العامة للمسؤولية المدنية للموثق ‪5 ..........................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬طبيعة المسؤولية المدنية للموثق العصري والتزاماته المهنية ‪7 .................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬طبيعة المسؤولية المدنية للموثق ‪8 ...................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق ‪8 ...................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الطبيعة التقصيرية لمسؤولية الموثق ‪11 ..............................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التزامات الموثق المهنية‪13 ......................................................... .‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التزامات الموثق أثناء توثيق العقد‪13 ............................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬االلتزام بالتحقق من هوية األطراف ومحل العقد ‪13 ..........................................‬‬
‫أ ‪ .‬التحقق من هوية األطراف ‪13 ......................................................................‬‬
‫ب ‪ .‬االلتزام بالتحقق من محل العقد‪14 .............................................................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬االلتزام بالنصح وإضفاء الصيغة الرسمية ‪15 .................................................‬‬

‫‪53‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫أ ‪ .‬االلتزام بالنصح واإلرشاد‪15 ...................................................................... :‬‬


‫ب ‪ .‬التوقيع وإضفاء الصبغة الرسمية‪16 ............................................................ :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التزامات الموثق بعد تحرير العقد ‪17 .................................................‬‬
‫أوال‪ :‬التزام الموثق العصري بكتمان السر المهني ‪17 ...............................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬التزام الموثق العصري بحفظ النسخ وتسليم النظائر ‪19 .....................................‬‬
‫أ ‪ .‬حفظ األصول‪19 .................................................................................... :‬‬
‫ب ‪ .‬تسليم النظائر‪20 ................................................................................... :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أساس قيام المسؤولية المدنية للموثق وأركانها ‪20 ................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أساس قيام المسؤولية المدنية للموثق ‪21 ............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية المدنية للموثق عن الفعل الشخصي ‪21 .................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية المدنية للموثق عن فعل الغير ‪22 .........................................‬‬
‫أوال‪ :‬األساس القانوني لمسؤولية الموثق المدنية ‪23 .................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشروط الالزمة لقيام مسؤولية المتبوع ‪24 ....................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أركان قيام المسؤولية المدنية للموثق ‪24 ...........................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الخطأ ‪25 .................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية الخطأ ‪25 .....................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬صور الخطأ ‪26 ....................................................................................‬‬
‫‪ . 1‬الخطأ الجسيم والخطأ اليسير ‪26 ..................................................................‬‬
‫‪ . 2‬الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي‪27 .......................................................... :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الضرر والعالقة السببية ‪28 ..........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬الضرر ‪28 ..........................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬العالقة السببية ‪30 ..................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬آثار قيام المسؤولية المدنية للموثق ‪32 ...............................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬دعوى المسؤولية المدنية ‪33 ..........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االختصاص النوعي والمحلي ‪34 ....................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االختصاص النوعي ‪34 ................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االختصاص المحلي ‪35 .................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أطراف الدعوى والتقادم ‪35 ..........................................................‬‬

‫‪54‬‬
‫المسؤولية المدنية للموثق العصري في ضوء قانون ‪32.09‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أطراف الدعوى ‪36 .....................................................................‬‬


‫أوال‪ :‬المدعي ‪36 ..........................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬المدعى عليه ‪36 ....................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تقادم دعوى المسؤولية المدنية ‪37 .....................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬وسائل دفع المسؤولية والتعويض عنها ‪38 .........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬وسائل دفع المسؤولية ‪38 .............................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬القوة القاهرة والحادث الفجائي ‪38 ....................................................‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف القوة القاهرة والحادث الفجائي ‪39 .....................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬شروط القوة القاهرة ‪40 ...........................................................................‬‬
‫‪ . 1‬عدم إمكانية التوقع ‪40 ...............................................................................‬‬
‫‪ . 2‬استحالة دفع الضرر الناشئ عن القوة القاهرة ‪40 ..............................................‬‬
‫‪ .3‬أال يكون هناك خطأ من جانب المدعى عليه ‪40 .................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬خطأ المضرور وفعل الخير ‪41 ........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬خطأ المضرور ‪41 .................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬خطأ الغير ‪42 .......................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التعويض عن المسؤولية المدنية وأهم ضماناتها ‪42 ..............................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع التعويض وتقديره ‪43 ............................................................‬‬
‫أوال‪ :‬أنواع التعويض ‪43 .................................................................................‬‬
‫أ ‪ .‬التعويض النقدي‪43 ................................................................................. :‬‬
‫ب ‪ .‬التعويض العيني‪45 ............................................................................... :‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقدير التعويض ‪45 .................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الضمانات التي خولها المشرع المغربي للمتضرر للحصول على التعويض ‪46‬‬
‫أوال‪ :‬التأمين اإلجباري للموثق ‪46 ......................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬صندوق الضمان ‪48 ...............................................................................‬‬
‫خاتمة ‪50 ...................................................................................................‬‬
‫الئحة المراجع المعتمدة ‪51 ..............................................................................‬‬

‫‪55‬‬

You might also like