Professional Documents
Culture Documents
الشوادفي
الشوادفي
مقدمة من
تحت إشراف
2010
277
تمهيد وتقسيم:
لقد ظلت الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية غير كاملة لعدم دراسة المجني عليه ،وهو
يمثل العنصر الثالث في هذه الظاهرة بجانب المجرم والجريمة ،إلى أن ظهر في عام 1948فرع
جديد يهتم أساسًا بالدراسة العلمية للمجني عليه سمي »بعلم المجني عليه« (.)Victimologie
ويعرف علم "المجني عليه" :بأنه ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس المجني عليه المباشر
من الجريمة دراسة علمية بهدف تحديد مجموعة من الخصائص العضوية والنفسية واالجتماعية
المتعلقة به ،ويهتم من ناحية أخرى بتحديد العالقات المتبادلة بين الجاني والمجني عليه ،وكذلك
بيان الدور الذي قام به المجني عليه في خلق فكرة الجريمة أو التشجيع عليها وتسهيل ارتكابها،
وأثر هذا الدور بالنسبة لتحديد مسئولية الجاني وحدود الجزاء الذي سيوقع عليه.
وتسهم دراسة علم المجني عليه في تحقيق العدالة الجنائية؛ حيث إن فهم سلوك الجاني
ودوافعه للجريمة ،وتحديد درجة خطورته اإلجرامية لن يأت إال بمعرفة عالقته بالمجني
عليه،وبيان دور المجني عليه في خلق فكرة الجريمة ،أو تسهيلها ،وتحديد درجة الخطورة
اإلجرامية للجاني يساعد بدوره على اختيار نوع المعاملة العقابية المناسبة لحالته.
من ناحية أخرى تبدو أهمية هذه الدراسة في مجال الوقاية من الجريمة؛ وذلك ألن فهم
سلوك المجني عليه بعمق يدفعنا إلى اتخاذ أساليب وقائية أكثر فعالية بالنسبة للجاني ،وأيضًا
بالنسبة للمجني عليه ،وذلك باتخاذ التدابير واإلصالحات التي تمنع من وقوع األفراد ضحية
للجريمة ،أو من العودة مرة أخرى للسقوط ضحية لنفس الجريمة ،أو لغيرها بكافة الوسائل،
وعلى مختلف المستويات لحماية المجني عليه ،والدفاع عن حقوقه ،وتعويضه عن األضرار
الناجمة عن الجريمة ،وهذه الفائدة األخيرة التي تعود على المجني عليه تعد حاليًا من النتائج
المباشرة لظهور علم "المجني عليه" ،وتمثل التطور الحالي ألبحاثه حيث إنتقل هذا العلم في
السنوات األخيرة من العلم الذي يهتم أساسًا ببيان دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية إلى
العلم الذي يهتم بالدفاع عن حقوق المجني عليه ،والعمل على تعويضه عن األضرار الناجمة عن
الجريمة سواء من األفراد أو من الدولة.
وما يعنينا اآلن بالدراسة في موضوع المجني عليه هو »دور المجني عليه في الظاهرة
اإلجرامية« ؛حيث أثبتت الدراسات أن الموقف الذي يتخذه المجني عليه حيال الجاني في الكثير
من الجرائم يعد بمثابة العامل المثير أو الدافع إلى وقوع هذه الجرائم باعتبار أن سلوك المجني
277
عليه في أحوال غير يسيرة يثير الميول اإلجرامية لدى الجاني؛ فيقدم على ارتكاب الجريمة،
ويظهر هذا واضحًا في كثير من الجرائم التي ترتكب ضد الموظفين العموميين ،كجرائم السب
واإلهانة والتعدي ،وكذلك في بعض جرائم هتك العرض في الحاالت التي ال يتقيد فيها المجني
عليه بالقيم الخلقية والمعنوية ،مما يحرك في المجرم غرائزه المختلفة ويدفعه إلى ارتكاب
الجريمة.
وباستقراء نصوص التشريعات المقارنة نجد أنها أفردت إلى المجني عليه عددًا من
النصوص ،جعلت فيها لشخصيته أو لدوره في وقوع الجريمة أثرًا واضحًا في تحديد مسئولية
الجاني ،وكذلك في تقدير العقوبة الموقعة عليه.
وبإلقاء الضوء على هذه النصوص يتضح مدى مساهمة المجني عليه في وقوع الجريمة
أو مشاركته فيها وخلق فكرتها لدى الجاني ،كذلك تبين النصوص الواردة في التشريعات المقارنة
مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تقدير العقوبة ،وتحديد مسئولية الجاني.
وأخيرًا تبين النصوص بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه ،والتي تجعله عرضة
للوقوع ضحية للجريمة.
وبإلقاء الضوء أيضًا على التشريع المصري يثضح تضمن نصوص عديدة تجلى فيها دور
المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية ،وذلك من خالل إلقاء الضوء على دور المجني عليه في
وقوع الجريمة ،كما هو واضح في االستفزاز والدفاع الشرعي ورضاء المجني عليه.
وأيضًا لم يغفل المشرع المصري الحماية الجنائية للمجني عليه من خالل النصوص
الواردة في قانون العقوبات ،والتي تبين أن بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه تؤثر في تحديد
مسئولية الجاني ،وعلى اختيار نوع الجزاء الموقع عليها.
وأخذ التشريع المصري بدور محدود للمجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية ،كذلك كما
هو منصوص عليه في قانون اإلجراءات الجنائية في جرائم الشكوى واالدعاء المباشر.
وبناء على ما تقدم سيتم تناول كل ما سبق تفصيًال من خالل تقسيم دور المجني عليه في
الظاهرة اإلجرامية ،وأثره في مسئولية الجاني إلى ثالثة أبواب..
277
الباب األول
والتشريعات المقارنة والتشريع المصري تضمنا النصوص العديدة التي تبين دور المجني
عليه في وقوع الجريمة ،وذلك من خالل خلق فكرتها لدى الجاني أو تسهيل ارتكابها أو التشجيع
على ارتكابها أو الرضاء بها ،وسيتم توضيح ذلك تفصيًال فيما بعد من خالل ثالثة فصول،
يتضمن الفصل األول :دور المجني عليه في حالة االستفزاز ،والفصل الثاني :دور المجني عليه
في حالة الدفاع الشرعي ،والفصل الثالث :رضاء المجني في وقوع الجريمة ،من منظور بيان
مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في وقوع الجريمة ،وأثره في تحديد مسئولية الجاني ،وفيما
يلي تفصيل ذلك:
277
الفصل األول
وقد أثبتت أبحاث علم "المجني عليه" أن وقوع بعض الجرائم يرجع إلى الموقف المثير أو
المستفز من جانب المجني عليه ،والمتمثل في األقوال واألفعال غير المشروعة التي يوجهها
المجني عليه إلى الجان ،والتي من شأنها أن تثير الغضب والميول اإلجرامية في نفس الجاني،
وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة ضد المتسبب في هذا االستفزاز ،وهو المجني عليه ،فالمجني عليه
المستفز بإثارته للجان ،يعلم جيدًا أن فعله قد يترتب عليه رد فعل مستفز أو عنيف من الشخص
الذي استفزه ،وبالتالي فقد قبل مقدمًا الخطر الناتج عن إقدام الجاني على ارتكاب الجريمة ضده.
وهنا يتضح جليًا دور ذلك المجني عليه المستفز في وقوع الجريمة ،واعتباره مجني عليه
مذنبًا.
وباستقرار التشريعات المقارنة والتشريع المصري ظهر تضمنهما بعض النصوص التي
تبرز دور المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل عذر االستفزاز.
وإ ن كان دور هذه التشريعات محدودا في ذلك مقارنة بالدور الذي يشير إليه فقهاء علم
المجني عليه ،وقد يرجع السبب في ذلك إلى صعوبة التعرف على حقيقة الموقف السابق للمجني
عليه المستفز قبل وقوع الجريمة.
المبحث األول
ومن ثم سيتم توضيح موقف التشريعات المقارنة أوًال ،ثم األساس القانوني لعذر
االستفزاز ثانيًا.
القسم األول :من هذه التشريعات يعتبر االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا يؤدى توافره إلى تخفيف
العقوبة الموقعة على الجان أيًا كانت الجريمة التي يتوافر فيها هذا العذر ،أي اعتبرت هذه
التشريعات االستفزاز عذرًا عامًا يدور وجودًا وعدمًا مع توافر حالة االستفزاز ،ومن هذه
()1
التشريعات قانون العقوبات اإليطالي والسويدي
ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة 38منه على
االستفزاز كعذر عام ،وكذلك قانون العقوبات اللبناني الذي نص أيضًا في المادة 562منه على
االستفزاز كعذر عام يخفف العقاب ،وذكر تطبيقًا خاصًا لذلك في حالة ضبط الزوج أو أحد
األصول أو الفروع أو األخت في حالة التلبس بالزنا ،أو في حالة مريبة مع آخر ،فأقدم على قتل
()2
أحدهما ،فإنه يعفي القاتل من العقاب كلية ....الخ
أما القسم الثاني من التشريعات :فإنها أخذت بعذر االستفزاز كعذر خاص تم النص عليه على
سبيل الحصر بنصوص محددة ،ومحكمة ال يجوز القياس عليها أو التوسع فيها؛ باعتبار
االستفزاز عذر قانوني مخفف للعقوبة.
(?)
أ.د /فهد صالح مطر :المرجع السابق0 147، 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 292 ، 2
277
ومن تلك التشريعات المقارنة التي أخذت باالستفزاز في حاالت معينة على سبيل الحصر
التشريع الفرنسي الذي نص على االستفزاز كظرف مخفف للعقوبة في جرائم محددة على سبيل
الحصر ،وهي جرائم :القتل والضرب والجرح والسب العلني وغير العلني.
ومن الشريعات العربية التشريع الكويتي حيث تضمن النص على االستفزاز كعذر مخفف
خاص في جريمتى مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا ،والسب غير العلني ،وذلك في المادتين
كذلك التشريع المصري الذي نص في المادتين 237عقوبات ،والمادة 378/9 ()1
212 ،153
عقوبات ،وهما حالة مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا ،وحالة السب غير العلني.
مما سبق يتضح من موقف التشريعات المقارنة سواء التي أخذت باالستفزاز كعذر عام
مخفف للعقوبة ،أو التي أخذت باالستفزاز كعذر خاص أوردته في نصوص على سبيل الحصر
كعذر مخفف للعقوبة.
فإنه يتضح مدى الدور الذي يلعبه المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل استفزازه
للجاني ،وتأثير ذلك على تحديد مسئولية الجاني من خالل تخفيف العقوبة بسبب ما ارتكبه المجني
عليه من أفعال غير مشروعة ،أو غير محقة بمعنى أوسع أدت إلى إثارة الجاني وارتكابه
للجريمة ،مما يدعو إلى القول :إن تلك األفعال التي يرتكبها المجني عليه المستفز تجاه الجاني
يكون لها بالغ األثر في تخفيف العقوبة حتى في ظل التشريعات التي اعتبرت عذر االستفزاز
عذرًا خاصًا مخففا للعقوبة ،وأوردته على سبيل الحصر ،وذلك من خالل تفريد تلك التشريعات
للعقوبات ،وإ عطاء القاضي الجنائي بعض السلطات التقديرية في تخفيض العقوبة ،فتكون بصدد
عذر قضائي مخفف.
فبرر بعض الفقهاء تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني نتيجة ارتكابه للجريمة؛ بأنه نوع
من المقاصة بين األخطاء ،والخطأ الصادر من المجني عليه المستفز ينقص من الجريمة التي
ارتكبها الجاني كرد فعل لخطأ الجاني.
(?)
أ.د /فهد صالح مطر :النظرية العامة للمجنى عليه ،المرجع السابق.143 ، 1
277
واستند القائلون لهذا االتجاه وهم أقلية من الفقهاء إلى فكرة المقاصة بين الديون في القانون
المدني ،وهذا االتجاه اتجاه راجح ألنه ال يجوز في مجال القانون الجنائي أن يقتص الشخص من
()2
غير الجان أو ينصب نفسه قاضيا ليقيم العدالة بنفسه
واالتجاه الغالب والراجح في بيان أساس تخفيف العقوبة على الجان في حالة االستفزاز
هو االستناد على حالة الغصب الشديد التي تنتاب الجاني عند قيام المجني عليه بارتكاب األفعال
أو األعمال أو األقوال غير المحقة تجاه الجاني ،فتثير الجاني ،وتدفعه للجريمة ،وبالتالي يكون
الشخص المرتكب للجريمة تحت تأثير االستفزاز غير متمتع بإرادة كاملة تمنعه من ارتكاب
الجريمة ،لذلك اعتبرت التشريعات التي أخذت بعذر االستفزاز كعذر مخفف عام أن الشخص
الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير االستفزاز هو مجرم أقل خطورة ممن أقدم على الجريمة هادئ
األعصاب ومتمتع بكامل إرادته ،وهذا االتجاه هو ما أخذت به كثير من التشريعات والقضاء.
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 294 ، 2
277
المبحث الثاني
الشرط األول :صدور فعل غير محق من المجني عليه على الجاني:
يجب أن يصدر عن المجني عليه سلوك إيجابي سواء اتخذ شكل القول أو الفعل ،فال
تتوافر حالة االستفزاز بشأن المتهم الذي ارتكب جريمته تحت تأثير االنفعال المتولد عن شائعة
()1
وصلت إلى مسامعه عن المجني عليه الذي لم يصدر عنه أي تصرف خاطئ
كذلك ال تقوم حالة االستفزاز إذا كان المتهم هو البادئ باالستفزاز ،ويجب من ناحية
أخرى أن يكون سلوك المجني عليه غير مشروع ،ويرى الفقهاء أن عدم المشروعية هنا ال
تستلزم أن يكون فعل المجني عليه جريمة ،بينما تقتضى ذلك النصوص الفرنسية المتعلقة
باالستفزاز المادتين 326 ،321من قانون العقوبات ،ففعل االستفزاز وفقًا لها يجب أن يكون من
بين األفعال اآلتية :الضرب والتعدى الشديد على األشخاص أو االعتداء على العرض أو التسلق
والكسر.
فإذا انتفت عن فعل المجني عليه صفة الال مشروعية فال يحتج المتهم بأنه كان في حالة
استفزاز ،كأن يتوافر سبب إباحة للمجني عليه كالفعل المباح أو تنفيذ القانون أو أوامر
()2
السلطة ..........الخ
الشرط الثاني :وجوب ارتكاب الجاني المستفز الجريمة وهو في حالة االنفعال
الشديد:
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة -المرجع السابق -ص.296 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة -المرجع السابق -ص.297 2
277
ويقترن هذا الشرط بضرورة المعاصرة بين االستفزاز والجريمة لمرتكبها ،وهذا الشرط
مبناه األساس الذي يقوم عليه عذر االستفزاز :وهو حالة االنفعال الشديد الناتج عن استفزاز
المجني عليه الذي يضيق من حرية اختيار الجان ،مما يبرر تخفيف مسئوليته ،ويجب أال يفهم
المعاصرة بين االستفزاز والجريمة بأنه وقوع الجريمة عقب صدور االستفزاز مباشرة بحيث ال
يفصل بينهما أي فاصل زمني ،ولكن وقوعها في وقت قريب جدًا من االستفزاز يبرر تخفيف
مسئولية الجاني طالما أن حالة االنفعال الشديد الناتجة عن الغضب ظلت مستمرة معه حتى لحظة
الجريمة ،ويبنى على ما تقدم أن مرور فترة زمنية كافية لزوال حالة الغضب والثورة ،وقيام
الجان بالرد بعد هدوء أعصابه واستعادته لنفسه يمنع من قيام عذر االستفزاز ألن القانون ،ال
يعذر الجان الذي يمارس هذا النوع من االنتقام الهادئ والمتروى.
واألمر في نهاية المطاف متروك لقاضى الموضوع الذي يتمتع بسلطة تقديرية كبيرة في
القول بتوافر هذا الشرط من عدمه.
وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن »البحث في تأثير الغضب الشديد ال
يتعلق بمعنى الزمن ،بل العبرة في ذلك بما يستمر في ذلك الحين من تأثير الغضب وتوتر
األعصاب وتجدد االنفعال ،وهذه الحالة من األمور الموضوعية التي يجب أن تدرس بعناية في
كل قضية على حدة ،وتوزن بمقدارها مع النظر إلى حالة المجرم وبيئته وثقافته وتأثير الفعل في
()1
نفسه
(?) الحكم الصادر فى 13من تشرين الثاني سنة 1971أشار إليه أ.د /محمود نجيب حسن :شرح 1
المبحث الثالث
وأورد نصين تطبيقيين لهذا العذر ،األول ورد بالمادة 237عقوبات ،وهي حالة مفاجأة
زوج لزوجته حال تلبسها بالزنا ،وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها.
والثاني ورد بنص المادة 378/9من قانون العقوبات المصري ،وهي حالة السب غير
العلني نتيجة االستفزاز.
وتبرز هذه الحالة مدى تأثير االستفزاز الصادر من المجني عليه على الجاني ،وخلق حالة
الثورة الناتجة عن الغضب الشديدة حال مشاهدته زوجته متلبسة بالزنا مع آخر ،فيندفع إلى
ارتكاب جريمة القتل تحت تأثير االستفزاز الشديد ،فحالة االستفزاز التي تعرض لها الجاني عذرًا
مخففًا للعقوبة ،يجعلها الحبس بدًال من العقوبات المقررة في حالة القتل العمد والمعاقب عليها في
المادتين 234و 236عقوبات حيث تنص المادة 234عقوبات »من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق
إصرار وال ترصد يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة« ومع ذلك يحكم على فاعل هذه
الجناية باإلعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ،وأما إذا كان القصد منها التأهب
لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو
التخلص من العقوبة فيحكم باإلعدام أو األشغال الشاقة المؤبدة.
وتكون العقوبة اإلعدام إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 234تنفيذًا
لغرض إرهابي.
277
ونص المادة 236عقوبات »كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا أو أعطاه مواد ضارة،
ولم يقصد من ذلك قتًال ،ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب باألشغال الشاقة أو السجن من ثالث
سنوات إلى سبع.
وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد؛ فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
وتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها
في المادة 236تنفيذًا لغرض إرهابي ،فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة
األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
وترجع الحكمة من تخفيف العقاب على المتهم »الزوج« المرتكب لجريمة قتل زوجته
ومن يزنى بها إلى حالة الثورة النفسية التي يوجد فيها نتيجة االستفزاز المتمثل في خيانة الزوجة
له ،مما أفقده قدرًا من حرية االختيار؛ فاندفع إلى الثأر لشرفه من الزوجة الخائنة ،ومن شريكها
فقام بقتلهما ،وذلك لما في العالقة الخاصة التي تربط الزوج بزوجته.
فلذلك اقتصر ذلك التخفيف الوارد بالمادة 237عقوبات على الجاني الزوج فقط ال غير،
ولبيان شروط تطبيق نص المادة 237عقوبات يمكن افتراض توافر الشروط العامة ،ثم توافر
الشروط الخاصة ،وهي طبقًا للمادة سالفة الذكر ثالثة شروط متمثلة في صفة الجاني :األول أن
يكون زوجًا للمجني عليها ،والثاني أن يفاجئ زوجته في حالة تلبس ،والثالث أن يقتلها في الحال
هي ومن يزنى بها.
ويجب أن تكون الزوجية صحيحة فعًال أو حكمًا أي أن يكون أحد طرفي الجريمة مرتبطًا
بعقد زواج صحيح معترف به مستوف الشرائط النعقاده وصحته.
كما ال يشترط لقيام صفة الزوجية أن يكون الزوج قد دخل بزوجته ،بل تتوافر عالقة
الزوجية قانونًا متى تم العقد صحيحًا ،ويعتبر الزواج قائمًا في حالة الطالق الرجعى إذا زنت
277
المرأة في فترة العدة ،إذ أن الطالق الرجعى وفقًا ألحكام الشرعية اإلسالمية ال ينهي صلة
الزوجية.
وما دام العقد صحيحًا فال عبرة بكون الفعل قد ارتكب قبل الدخول بالزوجة ،أو بعد ذلك،
وبالتالي ال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة سالفة الذكر الخطيب الذي تقبل خطيبته حينما
()1
يفاجئها متلبسة بالزنا لعدم توافر صفة الزوج له
وذلك النتهاء صلة الزوجية فإذا زنت المرأة بعد طالق بائن أيًا كان نوعه فال سبيل للزوج
عليها ولو حصل الزنا خالل أيام العدة.
وال يسقط حق الزوج في اإلفادة من العذر المخفف ،ولو سبق زناه ،والمسألة مختلف
عليها في الفقه ،وعله ما نراه أن حرمان الزوج هذه الميزة إسقاط لحقه ،واإلسقاط ال يفترض وال
يعمل فيه بالقياس ،ولو شاء المشرع إسقاط حق الزوج من االستفادة من العذر المخفف لسبق زناه
لقيد مطلق نصه ،وقرر صراحة حرمانه من هذه الميزة كما نص على حرمانه من تقديم الشكوى
()2
ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق زناه
وألن الجنحة ال تقع إال من الزوج دون سواه؛ فإنه إذا كان معه فاعل آخر يؤاخذ هذا
الفاعل عن جناية قتل عمد عادية ،بينما يسأل الزوج عن الجنحة ،ويعاقب هذا الفاعل اآلخر
بعقوبة الجناية من باب أولى حين يرتكب القتل وحده دون الزوج ،أما إذا كان مع الزوج مساهم
ساعده في القتل دون أن يأت معه فإن هذا المساهم يعد شريكًا في جنحة ال جناية؛ ألنه يستمد
إجرامه من فعل الفاعل ،وهو هنا جنحة ،ولكن يتغير الحكم حين يكون الشريك في القتل هو
الزوج ،بينما يكون الفاعل شخصًا آخر فعندئذ يعتبر الفاعل مرتكبًا لجناية قتل عمد ،ويعد الزوج
شريكًا له في هذه الجناية ،دون أن يستفيد بتوقيع عقوبة الجنحة إذ يستمد إجرامه من الفعل
األصلي ،وهو في ذلك الفرض جناية.
مما سبق يتضح أن نص المادة 237من قانون العقوبات قصر تحقيق العقوبة على الزوج
الفقه ()3
فقط دون إعطاء هذا الحق للزوجة أو األخ أو االبن أو األب ،وهذه سياسة انتقضها
الجنائي إذ أن حكمة التخفيف ترجع أساسًا إلى حالة االستفزاز الناشئة عن التلبس بالزنا ،فلما
التفرقة إذا؟ وإ عطاء هذا الحق إلى الزوج دون الزوجة؟ فالزوجة تثور لكرامتها وتستفزها الخيانة
الزوجية كالرجل تمامًا ،بل أكثر منه ،فقد ترتكب جريمة قتل زوجها تحت تأثير االستفزاز إذا ما
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة ،المرجع السابق.262 ، 1
أ.د /عوض محمد :جرائم األشخاص واألموال0 114 -1985 ، (?) 2
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 262 ، 3
277
فاجأته هو وعشيقته على فراش الزوجية ،فال تستفيد من العذر المخفف ،كذلك التفرقة بين الزوج
وبين أقارب الزوجة كأصولها أو إخوتها الذين يثأرون لشرفهم ويندفعون للثأر منها بقتلها.
والغريب في هذا الشأن أن مشروع قانون العقوبات المصري القديم سنة 1966نص في
المادة 394/2عقوبات على أنه »يسرى هذا الحكم على من فاجأ إحدى أصول أو فروع أو
أخواته متلبسًا بجريمة الزنا« وأخذ بذلك بعض التشريعات العربية ،كالتشريع اللبناني الذي أعطى
هذا الحق للزوجة وألصولها ولفروعها ،ولكن بصدد المادة 237عقوبات ال يمكن القياس أو
التوسع فيما ورد بالنص ،ويبقى العذر القانوني مقصورا على الزوج فقط ال غير في حالة مفاجئته
لزوجته ومن معها متلبسة بالزنا ،أما بخصوص باقي األفراد كالزوجة واألصول والفروع فهذا
أمر متروك للقضاء في تخفيف العقاب عليها ،مراعيًا القاضي كذلك ظروف ومالبسات ارتكاب
()1
تلك الجريمة ،وذلك من خالل ما أعطاه المشرع لقاضى الجنائي في المادة ( )17عقوبات
وهنا يكون عذر قضائي ،وليس عذرا قانونيا.
(?) نص المادة 17من قانون العقوبات » يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة 1
المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه اآلتى:
عقوبة اإلعدام بعقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. -
عقوبة األشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن. -
األشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذى ال يجوز أن ينقص عن ستة شهور. -
عقوبة السجن بعقوبة السجن الحبس التى ال يجوز أن تنقص عن ثالثة شهور. -
277
األذهان ،فالتلبس لغة واصطالحًا ليس جوهره الدليل القاطع ،وإ نما جوهره المعاصرة أو التقارب
الزمني الشديد بين وقوع األمر واكتشافه.
واشترط المشرع في صورة التلبس عنصر المفاجأة ،وعبر عن هذا بقوله »من فاجأ
زوجته حال تلبسها بالزنا« وهذا ما يستدعى التساؤل عما إذا كانت المفاجأة توجب مشاهدة
الواقعة بغير توقع سابق؟ أم الممكن أن تحصل المفاجأة رغم هذا التوقع ،بمعنى هل ينطبق النص
بالنسبة إلى الزوج الذي يجد نفسه دون مقدمات سابقة إزاء حالة تلبس بالزنا من زوجته؟ وكذلك
في حالة من تشكك في أخالق زوجته فأخذ يتحين الفرص لمراقبتهما ثم تيقن من مشاهدة الواقعة
أمامه (0)1
قيل بأن النص ينطبق في الصورتين؛ ألن هذا أمر ظاهر في الحالة األولى ،وعنصر
المفاجأة متوافر في الحالة الثانية بمشاهدة الواقعة التي كان مشكوكًا في إمكان حدوثها ،وفي ذلك
طرحت أمام محكمة النقض قضية نسب فيها للمتهم أنه أحس بوجود صلة غير شريفة بين
المقتول وزوجته؛ فأراد أن يقف على جلية األمر بعد أن سأل زوجته في هذا الشأن وأنكرت؛
فتظاهر أنه ذاهب إلى السوق وكمن لها في المنزل حتى إذا ما حضر المقتول واختلى بالزوجة
وأخذ يراودها ويداعبها إلى أن اعتاللها فعًال؛ برز لها من مكمنه وانهال على المقتول طعنًا
بالسكين حتى قتله ،أما الزوجة فقد ولت هاربة واختفت في منزل الجار ،فبعد أن بينت المحكمة
آراء الشراح على الوجه المتقدم قالت إن الفعل المسند إلى المتهم ينطبق على الحالة الثانية السابق
()2
ذكرها وعاملته طبقًا للمادة 237عقوبات
وهذه الصورة تختلف عن صورة أخرى يتأكد فيها الجاني من وقوع الجريمة ،ولكنه
يتحين الفرص لضبط المرأة واالعتداء عليها ،وفي هذه الصورة ينتفي سبب العذر ،بمعنى أنه إذا
كان الزوج متيقنًا من خيانة زوجته فكان مدفوعًا بالرغبة في االنتقام منها ،ولكنه يريد قتلها في
ظروف تثبت فيها خيانتها فاحتال حتى ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها ،فهو ال يستفيد من سبب
()3
التخفيف إذ لم يفاجأ بالزنا فما كان يعتقده هو ما تحقق
والخالصة في أن يفاجئ الزوج بحالة التلبس والمفاجأة تكون للزوج نفسه ،إذ بغير ذلك ال
تتحقق حكمة التخفيف ،والسؤال الذي يطرح نفسه هو إمكانية استفادة الزوج من العذر إذا توافر
لديه سبق اإلصرار والترصد.
(?) أ.د /حسن المرصفاوى :قانون العقوبات الخاص0 208 ،1978 ، 1
(?) محكمة النقض -جلسة 3نوفمبر -1925محاماة 6ق رقم -296المجموعة الرسمية -س 2
-28عدد .7
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :شرح قانون العقوبات القسم الخاص0397 ،1987 ، 3
277
اإلجابة السريعة تقول :إن سبق اإلصرار يتنافى مع االستفزاز الناتج عن المفاجأة،
والمؤدى الرتكاب القتل في الحال ،ولكن اإلجابة الدقيقة والصحيحة أن سبق اإلصرار والترصد
ال يمنع من قيام العذر ،وعنصر المفاجأة المؤدى إلى حالة الثورة والغضب التي تدفع الجاني
»الزوج« إلى قتل الزوجة هي ومن معها حال تلبسها بالزنا ،وذلك إذا ما ارتبط اإلصرار بالشك،
أما إذا ما كان الزوج على يقين من سوء سلوك المرأة فإن ذلك الترصد واإلصرار ينفي المفاجأة،
فال يتحقق بشأنه العذر المخفف ،فإذا أقدم الزوج على قتل زوجته عن سبق إصرار وترصد
()1
فيطبق عليه عقوبة القتل العمد مع سبق اإلصرار والترصد
ولما كان ما دون الوطء من الفاحشة ال يعذرنا ،فإن التلبس به ال يكفي النطباق حكم المادة
237فال يعذر الزوج إذا ثارت ثائرته لمرأي هذه األفعال فقتل زوجته وشريكها ،على أن ذلك ال
يمنع بطبيعة الحال من تطبيق المادة 17عقوبات إذا اقتنع القاضي بدواعي تطبيقها ،ومن قبيل
أعمال الفحش التي ال تعد وطئًا العناق والتقبيل والمساحقة والمضاجعة التي ال ينضو العاشقان
فيها ما عليهما من ثياب ،وأخيرًا فإنه يالحظ افتراض رضاء الزوجة بفعل الزنا فإن أكرهت على
تحمل الوطء كان الفعل اغتصابًا في القانون ال زنى ،وال عذر للزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي
ضحية اغتصاب من جانب الغير فيقتلها ،وهو يعلم أنها معلولة على أمرها فإن قتلها عوقب طبقًا
()2
للقواعد العامة
وال يتطلب النص أن يكون تلبس الزوجة بالزنا حاصًال في منزل الزوجية ،فينطبق
النص ،ولو كان الزوج قد ضبطها كذلك خارج بيتها.
(?) أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق.265 ، 1
محكمة النقض 1530لسنة 42ق جلسة 3/11/1925حيث قررت فى القضية سالفة الذكر إن
الزوج الذى يقتل زوجته هى ومن يزنى بها بعد ترصد لهما ال يعد معذورًا فى حالة حصول
الترصد ،بعد تيقن الزوج بخيانة زوجته تيقنًا ال ريبة فيه ،ومن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو
التشفى ،وإ نما يعد الزوج معذورًا إذا قتلهما ،وكان االختفاء نتيجة لشكه ورغبة منه للوقوف إلى
الحقيقة ،ألن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو االنفعال المفاجئ ...الخ.
أ.د /عوض محمد :المرجع السابق0 120 ، (?) 2
277
من الحكمة بتخفيف العقاب ،ومن صريح نص المادة »وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها«
فالحكمة من التخفيف هي حالة الغضب الوقتي الناتج عن اإلهانة المعاصرة للمفاجأة ،فإذا انقضى
زمن كافي لزوال أثر الغضب سقط العذر وعوقب الزوج طبقًا لألحكام العامة في قانون
العقوبات ،وأمر تقدير الزمن الكافي لعودة الزوج إلى حالته النفسية الطبيعية أمر نسبى يختلف من
()1
شخص آلخر ،ولذلك يترك أمر تقديره إلى قاضى الموضوع
وال يعنى ذلك أن يقتلها وشريكها لحظة مشاهدتهما في حالة التلبس؛ فقد يقتضى الموقف
أن يسرع وهو في حالة الثورة النفسية إلى مكان مجاور بحثًا عن سالح لتنفيذ جريمته ،فال يمنع
مرور المدى الزمني القصير من توافر العذر ،ما دام الزوج قد ارتكبه وهو ال يزال واقعًا تحت
تأثير الثورة النفسية الفجائية التي تضعف إرادته وقدرته على التفكير والتروى.
و ال يعتبر القانون المصري الغضب عذرًا مخففًا إال في حالة خاصة ،وهي حالة الزوج
()2
الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها هي ومن يزنى بها
وقد قضى أيضًا بعدم توافر العذر المخفف في حق زوج أقدم على قتل زوجته بعد أن
الحظ أنها تسلك مسلكًا غير شريف ،وإ نها تغادر المسكن دون علمه ،وتعود إليه في ساعات
متأخرة من الليل ،وقد انتشر نبأ تلك العالقات وسط جيرانه في المسكن ،وكان يسمع منهم من
()3
حين آلخر كلمات عن زوجته تثير شعوره ،وتجرح كرامته
فإذا ما توافرت الشروط سالفة البيان والمنصوص عليها في المادة / 237عقوبات ،
باإلضافة إلى الشروط العامة لجريمة القتل العمدي ،فإن العقوبة تكون الحبس ،ويترتب على ذلك
أن الجريمة هنا تعد جنحة ألن العقوبة منصوص عليها قانونًا ،وبالتالي يتغير وصف الجريمة من
جناية إلى جنحة ،ويترتب على ذلك آثار قانونية هامة هي:
( )1ال عقاب على الشروع فيها ألنها جنحة ،وال عقاب على الشروع في الجنح إال بنص طبقًا
()4
للمادة / 47عقوبات
(?) نقض رقم 1502لسنة 13ق -جلسة -25/10/1943مجموعة أحكام نقض. 2
(?) نقض 15أكتوبر سنة -1984مجموعة أحكام محكمة النقض -س -35رقم -146ص 3
.670
(?) تنص المادة / 47عقوبات على أن »تعين قانونًا الجنح التى يعاقب على الشروع فيها ،وكذلك 4
( )4إذا ساهم مع الزوج شريك بالتفويض أو المساعدة فال يستفيد من التخفيف ،إال إذا كان يعلم
()1
بأسباب االستفزاز ،وذلك طبقًا للمادة 41عقوبات
( )5إذا كان الزوج شريكًا للفاعل األصلي في تلك الجريمة ،فال يستفيد من العذر المخفف تطبيقًا
للقواعد العامة في المساهمة التبعية ،حيث إن الشريك يستعير إجرامه من الفاعل األصلي،
وبالتالي يعاقب كشريك في جناية قتل عمد.
( )6إذا تعدد الفاعلون في ارتكاب هذه الجريمة المنصوص عليها بالمادة /237ع ،وكان من
ضمنهم الزوج فال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة إال الزوج ،وذلك طبقًا للمادة / 39
عقوبات.
(?) تنص المادة 41على أن »من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها إال ما استثنى قانونًا بنص خاص 1
ومع هذا-:
أوًال :ال تأثير على الشريك من األحوال الخاصة بالفاعل التى تقتضى تغيير وصف الجريمة إذا كان
الشريك غير عام بتلك األحوال.
ثانيًا :إذا تغير وصف الجريمة نظرًا إلى قصد الفاعل فيها أو كيفية علمه بها يعاقب الشريك بالعقوبة التى
يستحقها ،لو كان قصد الفاعل من الجريمة أو علمه بها كقصد الشريك منها أو علمه بها.
277
وبالتالي يستخلص من النص سالف الذكر أن المشرع اعتبر ابتداء المتهم للمجني عليه
بالسب ركنًا في جريمة السب غير العلني.
فإذا وجد االستفزاز فال قيام لجريمة السب غير العلني لعدم توافر أحد أركانه.
ولذلك إذا كان مرتكب السب شخصًا آخر خالف من وجه إليه االستفزاز ،كصديق أو
قريب له فإنه ال ينفي وقوع الجريمة ،فإباحة السب المرتكب نتيجة االستفزاز سابق من المجني
عليه أن يكون سب الجاني موجه إلى ذات المجني عليه المستفز ،مما يدعو إلى بيان الشروط
الواجب توافرها في حالة االستفزاز التي تمنع وقوع العقاب على الجاني المستفز ،والحكمة من
عدم العقاب.
والظاهر من عبارة النص أن المشرع يشترط للعقاب على جريمة السب غير العلني أن
يكون مرتكب السب »الجاني« قد ابتدأ المجني عليه بالسب ،مما يؤكد أن العقاب هنا مشروط بأن
الجاني مرتكب السب هو الذي وجه السب مباشرة للمجني عليه ،وبالتالي في حالة ما إذا كان
سب الجاني جاء ردًا على سب المجني عليه إليه تنتفي الحكمة من التجريم ،وتصبح في مجال
االستفزاز المبرر لسب الجاني ،ولذلك يشترط لعدم عقاب الجاني مرتكب السب غير العلني
المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر شرطان هما:
277
أو شخص المجني عليه الذي وجه السب للجاني ،فال يكون في مجال حالة االستفزاز التي
()2
تم توقيع العقوبة على الجاني ،ويعاقب الجاني طبقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات
حيث يرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أنه يجب لتوافر جريمة السب غير العلني
توافر عنصر سلبي قوامه انتفاء االستفزاز ،فهذا الركن الخاص يميز السب غير العلني من السب
العلني ،ومفهوم هذا الركن أن السب غير العلني يفترض أن المتهم قد بدأ باالعتداء ،ولم يكن
السب الذي صدر عنه رد فعل لسب وجهه إليه المجني عليه ،فتجريم السب غير العلني يفترض
وقوعه ابتداءً ،وتلقائيًا دون استفزاز من المجني عليه.
ويشترط إلنتاج هذا االستفزاز أثره في نفي جريمة السب غير العلني :أن يقع من المجني
عليه.
فال يحول دون توافر السب غير العلني أن يصدر عن المتهم أثر سب وجهه إليه قريب،
أو صديق المجني عليه ،وعلى ذلك فانتفاء السب غير العلني لتوافر عنصر االستفزاز يعنى أن
المتهم كان ضحية لجريمة سب من جانب المجني عليه؛ مما دفعه تحت ثورة عصبية إلى مبادلته
ذات السلوك.
ومن هنا يشترط إلنتاج االستفزاز أثره ليس فقط وحده المتهم والمجني عليه في واقعتي
السب ،وإ نما أيضًا ارتكاب السب غير العلني عقب استفزاز ،أي عقب صدور السب من المجني
عليه للمتهم بحيث ال يمر بينها فاصل زمني يتمكن خالله مرتكب السب غير العلني من استعادة
()3
هدوئه
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 301 ، (?) 1
(?) أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على 3
أما إذا مر وقت زمني كافٍ إلعادة الجاني الموجه إليه السب للمجني عليه لهدوئه وإ رادته
الحرة غير المتأثرة باستفزاز المجني عليه ،فإنه ال يستفاد من إباحة الفعل ،ويخضع للعقاب طبقًا
للمادة 378/9عقوبات.
وإ ن تجاوز السب يعاقب طبقًا للقواعد العامة التي تنظم الفعل المرتكب منها ،دون أن
يستفاد من حالة االستفزاز ،وتقدير قيام المعاصرة من عدمه أمر نسبى يختلف من شخص آلخر،
ومن ظروف ألخرى يخضع تقديرها لقاضى الموضوع.
و الحكمة من عدم العقاب على جريمة السب غير العلني عند توافر حالة االستفزاز
للجاني ترجع إلى قلة أهمية تلك الجريمة في ذاتها ،حيث عندما توجه إلى أحد األفراد جريمة
السب تفقد صفتها غير المشروعة حينما يكون الدافع إليها االستفزاز الصادر من المجني عليه.
* تعقــيب:
أخذ المشرع المصري بعذر االستفزاز في نطاق ضيق مقارنة بما وصلت إليه أبحاث علم
"المجني عليه" من نتائج حول دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية ،خاصة ما تعلق منها
باالستفزاز ،وأثره في وقوع الجرائم ،وعدم مسايرته لما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال
علم "المجني عليه" والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه في االعتبار عند تقدير عقوبة الجاني،
لما في دور المجني عليه من أثر بالغ في وقوع الجريمة من خالل مساهمته في ارتكابها ،أو
تخلف فكرتها لدى الجاني ،مما يدفعه إلى ارتكاب جريمته ،وذلك في حالة االستفزاز ،لذلك يأمل
الباحثون في علم "المجني عليه" أن ينص المشرع على اعتبار االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا ،يؤدى
توافره إلى تخفيف العقوبة أيًا كانت الجريمة التي يتعلق بها هذا العذر ،وليس االكتفاء بما هو
منصوص عليه في المادة 237عقوبات ،وفي نطاق ضيق مقصور على الزوج الجاني فقط ،
وفي حدود جريمة القتل لزوجته التي فوجئ بها متلبسة بالزنا.
وفي النهاية يتضح مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني من
خالل مساهمته في الجريمة التي ارتكبها الجاني ،فكانت المساهمة عذرًا للجاني يخفف عقوبته
ويغير مسئوليته.
277
المبحث الرابع
ويمكن القول :إن للمجني عليه دور بارز وفعال في وقوع الجريمة ،وذلك من خالل حالة
االستفزاز ،وإن لهذا الدور أثر ال يمكن تجاهله في تحديد مسئولية الجاني سواء من خالل وضع
النصوص التشريعية ،أو من خالل السلطة القضائية عند بحثها لظروف ومالبسات الجريمة
المنظورة أمامها ،لتطبيق العقوبة المناسبة المالئمة لخطأ الجاني المستفز.
بمعنى أن حالة االستفزاز لها أثر من ناحية المسئولية الجنائية للجاني ،والمسئولية المدنية،
فإن أغفل المشرع األخذ بها في بعض النصوص القانونية ،واعتبرها محددة على سبيل الحصر،
باعتبارها عذر قانوني خاص يخفف العقوبة ،فإن القاضي ال يمكن أن يتجاهل أثناء تطبيقه
للعقوبة على الجاني الذي تعرض لحالة االستفزاز من المجني عليه فدفعته الرتكاب الجريمة
وبالتالي حالة االستفزاز التي يقوم بها المجني عليه تجاه ()1
ضده اعتبارها عذرا قضائيا مخففا
الجاني لها أثر قانوني واضح في تخفيف العقاب على الجاني ،سواء أخذت التشريعات الجنائية
بالنص عليها ،أو بعدم النص عليها ،وذلك متماشيًا مع ما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال
علم "المجني عليه" ،والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه باالعتبار عند تقدير عقوبة الجاني.
وأيضًا يكون لها أثر فعال من ناحية المسئولية المدنية القائمة على الخطأ ،والعذر والعالقة
السببية بينهما ،وذلك من خالل تخفيض التعويض المدني المترتب على مسئولية الجاني المستفز،
وإ نقاص مبلغ التعويض يكون متناسبًا مع قدر مساهمة المجني عليه في خلق فكرة الجريمة ،ودفع
الجاني إليها.
(?) حيث قضت محكمة النقض فى أحكام عديدة باعتبار االستفزاز عذر قضائى مخفف من هذه األحكام 1
»لما كانت حاالت اإلثارة أو االستفزاز أو الغضب ال تنفى نية القتل كما أنه ال تناقض بين قيام هذه النية لدى
الجانى ،وبين كونه قد ارتكب فعله تحت تأثير أى من هذه الحاالت ،وإ ن أعدت أعذار قضائية مخففة يرجع
األمر فى تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير مغصب عليها من محكمة النقض ،نقض .25/5/1973
277
الفصل الثاني
فالدفاع الشرعي :هو استعمال القوة الالزمة لرد اعتداء غير مشروع يقع على النفس أو
المال ،سواء كان االعتداء يهدد المدافع ذاته أم غيره ،وهو حق تخوله المبادئ القانونية العامة
للمدافع الستعمال القوة الالزمة لبدء اعتداء غير مشروع يوشك أن يقع ،أو للحيلولة دون
استمراره ،والحكمة من إباحته هي الموازنة بين المصالح في المجتمع ،وترجيح مصلحة على
أخرى كمصلحة المعتدى عليه هي األجدر بالحماية.
أما مصلحة المعتدى فلم تعد جديرة بالحماية لبدئه بالعدوان على المصالح التي يحميها
القانون ،وليس في مثل الدفاع أي اعتداء مع مصلحة المجتمع.
وعلى ذلك فالدفاع الشرعي سبب عام من أسباب اإلباحة ،يبرر استعمال القوة الالزمة
والكافية لدفع خطر حال ،وغير مشروع يهدد باالعتداء حقًا يحميه القانون.
وبإلقاء الضوء على الدفاع الشرعي من منظور دراسة دور المجني عليه في الظاهرة
اإلجرامية ،وأثره في مسئولية الجاني يتضح أن إباحة حق الدفاع جاءت نتيجة ارتكاب المجني
عليه ألعمال االعتداء ،ففقد الحماية الجنائية وحقوقه المدنية.
وفي هذا الفصل سيتم دراسة دور ضحية أفعال الدفاع الشرعي في إلحاق األذى بنفسه،
ودور صاحب الحق المهدد باالعتداء ،من خالل أربعة مباحث كالتالي:
المبحث الرابع :األثر القانوني المترتب على توافر حالة الدفاع الشرعي
277
المبحث األول
وبالتالي تنعدم إرادته وحرية اختياره األمر الذي يؤدى إلى انتفاء مسئوليته الجنائية.
واستند أصحاب هذه النظرية أيضًا في مجال وضع تبرير إلباحة أفعال الدفاع إلى
مشروعية الباعث ،والهدف من ارتكاب فعل الدفاع ،وهو حماية حق ذاتي أو حق للغير.
ولكنه يؤخذ على تلك النظرية ذات األساس المعنوي إلباحة أفعال الدفاع أن النظام
القانوني الجنائي ال يعتد بالبواعث ،كما أن المشرع يتطلب شروط أخرى إلباحة فعل الدفاع،
باإلضافة إلى أن المدافع قد يرد االعتداء في هدوء تام دون أن يفقد ضغط النفس أو التحكم
اإلرادي.
وهذا ما دعا بعض الفقهاء إلى تبرير إباحة أفعال الدفاع إلى أساس موضوعي؛ متمثًال في
تنازع المصالح ،بمعنى إذا تعارضت مصلحتان فإن القانون يضحى بالمصلحة األقل أهمية
محافظًا على المصلحة األكثر أهمية.
فيرى أصحاب هذا الرأي أن مصلحة المدافع تعلو على مصلحة المعتدى ،مما يصيب
المعتدى من ضرر بسبب أعمال الدفاع ،إنما يحدث درءًا العتدائه.
وبالتالي فإن كل فعل يلزم لرد االعتداء يصبح مشروعًا ،وما يتعدى مقتضيات الدفاع
فيظل غير مشروع.
في حين يرى األستاذ الدكتور يسرى أنور أن أساس اإلباحة في الدفاع الشرعي هو انعدام
الضرر بالفعل ،وبالتالي تخلفت المصلحة االجتماعية في التجريم والعقاب ،ولذلك فإن الدولة تبيح
أ.د /محمد سيد عبد التواب :في الدفاع الشرعي في الفقه اإلسالمي -دراسة مقارنة ،رسالة
دكتوراه ( غير منشورة) ،كلية الحقوق :جامعة القاهرة.،
277
أفعال المعتدى عليه ألنه ال يحقق ضررًا اجتماعيا ،بل يؤكد سلطة القانون بمنع اعتداء غير
مشروع.
ويترتب على ذلك أن سلوك المدافع ال يكون جريمة أصًال ،بل يصدر مشروعًا ،فال
()1
جريمة في األمر
فالدفاع الشرعي له طبيعة موضوعية مادية أو عينية ،إذ يزيل صفة عدم المشروعية
الجنائية عن الواقعة بنص المشرع ،وهو ينشأ حينما توافرت شروطه دون اعتداد أو إشارة إلى
شخص المدافع ،الذي ال يتسم دوره بأهمية خاصة إال في األحوال االستثنائية.
وهذا ما يميز الدفاع الشرعي عن موانع المسئولية الجنائية ،حيث إن األخيرة من طبيعة
شخصية ،وبالتالي ال تؤثر في عدم مشروعية الفعل.
أما االتجاه السائد في الفقه المصري فهو الذي يرجح أساس إباحة أفعال الدفاع إلى فكرة
الموازنة بين المصالح المتعارضة ،وترجيح حقها بالرعاية تحقيقًا للصالح العام ،وهو هدف لكل
()2
نظام قانوني
ويرى بعضهم أن أساس الدفاع الشرعي يرتكز على اختيار المشرع لمصلحة معينة من
بين المصالح المتنازع عليها ،لكي يضفي عليها اهتمامه ،وهي مصلحة المعتدى عليه إذ يراها
()3
أجدر بالرعاية من مصلحة المعتدى
وبناء على ما تقدم فإن أغلب التشريعات تعتبر الدفاع الشرعي سببًا لإلباحة يبيح لجوء
ً
المدافع الواقع عليه االعتداء اللجوء إلى أي وسيلة الزمة ومناسبة لرد االعتداء.
وبالرغم من أن المشرع المصري أورد النصوص الخاصة بالدفاع الشرعي سببًا عامًا
لإلباحة ذات طبيعة موضوعية.
أ.د /يسرى أنور :شرح قانون العقوبات ،النظرية العام0 408 ،1990 ، (?) 1
أ.د /عبد التواب معوض :درس في قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 252 ، (?) 2
(?)
أ.د /أحمد فتحى سرور :أصول قانون العقوبات ،دار النهضة العربية.206 ، 3
277
المبحث الثاني
وأضاف في المواد الالحقة لها الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي ،وهي شروط
متعلقة بفعل االعتداء ،وأخرى بفعل الدفاع ،وذلك على النحو التالي:
وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة الالزمة لرد أي فعل يعتبر جريمة من
الجرائم المنصوص عليها في األبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب،
وفي الفقرة 4من المادة 279كما تنص المادة 247عقوبات على أنه »وليس لهذا الحق وجود
277
متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة العمومية ،والمستفاد
من ذلك أن شروط االعتداء هي:
لكي يكون هناك حق دفاع يجب أن يكون هناك اعتداء ،أو خطر اعتداء بفعل يعد جريمة،
فإذا كان االعتداء ال يعد جريمة فال يقوم حق الدفاع.
وبناء على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي معاقب عليه ،إال إذا كان
من يزاول حقه في الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي ،فإن فعله يعتبر اعتداء ،مما يعد جريمة
طبقًا للمادة 251عقوبات ،وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده ،واالعتداء يعد جريمة ،ولو كان الفاعل
غير معاقب لعارض من عوارض األهلية الجنائية ،أو النتفاء اإلسناد المعنوي العمدي للغلط في
الوقائع ،ألن موانع المسئولية ال تمحو صفة الجريمة عن الفعل ،وإ ن كانت تمنع المسئولية عنه،
فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون أو صاحب العاهة العقلية والسكران ومن هو واقع في
()1
الغلط
كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من األعذار القانونية ،أو سبب من أسباب
()2
انعدام المسئولية
واشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد انتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع ،فال
يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون ،أو يأمر به ،فالدفاع ال يجوز إال ضد خطر يهدد
()3
بارتكاب جريمة
(?) أ.د /محمد محيى الدين عوض :القانون الجنائي مبادئه األساسية ونظرياته العامة -دراسة 1
(?)
أ.د /مأمون سالمة :في قانون العقوبات ،القسم العام.1979،210 ، 3
277
ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي ال يجوز ضد من يرتكب فعًال مباحًا قانونًا في حالة
دفاع عن النفس أو المال ،كذلك ال يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب استعماًال لحق من الحقوق،
أو أداء الواجب أو تنفيذ األمر المشروع ،أما التجاوز في استعمال الحق أو الغلط في اإلباحة ،فإنه
ال ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة ،وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده،
ويجوز الدفاع الشرعي ضده ،ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في اإلباحة يعفي صاحبه من
()1
المسئولية كلية أو ال يعفيه
(?)
أ.د /مأمون سالمة :المرجع السابق.210، 1
(?)
أ.د /مأمون سالمة :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 210 ، 2
277
ويرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أن هذا االتجاه غير دقيق؛ ألن أسباب اإلباحة
ذات طبيعة موضوعية يتعين أن تتوافر كافة شروطها فعًال.
ولما كان وجود اعتداء أحد شروط الدفاع؛ فال يكفي مجرد توهم وجوده ،ولو كان ذلك
مبنيًا على أسباب معقولة ،والصحيح أن االعتقاد بوجود خطر وهمي ليس إال تطبيقًا لنظرية الغلط
في اإلباحة.
والغلط في تقدير الوقائع التي يقوم عليها الدفاع الشرعي ينفي ألسباب معقولة يقع فيها
الشخص المعتاد إذا وجد في الظروف التي وجد فيها المدافع ،فال يسأل أيضًا عن جريمة غير
()1
عمدية ألنه ال يمكن نسبة الخطأ إليه
وينتهي الحق في الدفاع بزوال االعتداء أو الخطر فعًال ،ألن الغرض من الدفاع هو منع
التعدي ،وليس القصاص أو االنتقاد.
فإذا ثبت أن المتهم ارتكب جريمته بعد زوال الخطر وانقطاع االعتداء ،فال يكون في حالة
دفاع شرعي.
الشرط الثاني :أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال:
أغلب التشريعات تبيح الدفاع ضد خطر أي جريمة ،مثل كل من :التشريع اإليطالي
والليبي والسوري والكويتي ....الخ.
و اشترط القانون المصري أن يكون الخطر مهددًا لجريمة تقع على النفس ،غير أنه قصر
الدفاع عن المال في جرائم معينة ،وردت على سبيل الحصر.
والمقصود بجرائم االعتداء على النفس جرائم االعتداء على النفس التي تقع على
األشخاص ،وهي في القانون متنوعة ،فقد تنال باالعتداء الحق في الحياة (القتل) أو سالمة الجسم
(الجرح والضرب وإ عطاء المواد الضارة) ،أو الحق في الحرية (الخطف وحبس األشخاص)،
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق ،دروس في قانون 1
وهذه الجرائم تبيح جميعًا حق الدفاع الشرعي ،ال محال للتفرقة بينها بحسب نوعها أو
جسامتها ،فالضرب البسيط ،واألفعال المنافية للحياة كل ذلك يبرر استخدام حق الدفاع الشرعي
بشرط مراعاة (التناسب) بين جسامة االعتداء (أو خطر االعتداء بتعبير أدق) وبين الدفاع وأال
()1
يتجاوز المدافع حدود الحق في الدفاع
ثانيًا :جرائم الباب الثامن :وهي جرائم السرقة ،واغتصاب األموال الواردة في المادة 311إلى
، 327وبعضها جرائم اعتداء على المال والنفس معًا ،كالسرقة باإلكراه (المادة ،)314
وكاغتصاب السندات ،والتوقيعات بالقوة أو التهديد (المادة .)325
ثالثًا :جرائم الباب الثالث عشر :وهي جرائم التخريب واإلتالف ،سواء أوقعت على الجماد
(المواد 354و 358و 359و 361و 361مكرر) أم على الحيوان المادتان ( 355و
.)357
رابعًا :جرائم الباب الرابع عشر :وهي جرائم انتهاك حرمة ملك الغير الواردة في المواد من
369إلى .375
خامسًا :الفقرة الرابعة من المادة :279وهي الواردة في المخالفات ،وهي خاصة بتجريم كل من
دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول ،أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو
داوبه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب ،أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها
بغير حق.
ويالحظ أن المادة 246/2من قانون العقوبات قد أوردت هذه الجرائم على سبيل
الحصر ،فال يقاس عليها جرائم أخرى ،هذا ولو أنه يندر في العمل أن تثار صور للدفاع الشرعي
(?)
أ.د /عبد التواب معوض ::قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 262 ، 1
(?)
أ.د /يسرى أنور :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.485 ، 2
277
عن المال خارج نطاقها فإذا أثيرت وجب القول بعدم جواز استعمال القوة المادية لدفعها ،ومن
()1
باب أولى إذا كان النزاع مدنيًا بحتًا ال يخضع لوصف جنائي معين
واالعتداء بناء على ما تقدم يكون حاًال أو على وشك الحلول إذا كانت الجريمة في مجرد
سريانها ،أو كانت عند البدء في تنفيذها ،أو كانت في المرحلة التحضيرية السابقة مباشرة على
()2
ارتكابها ،والعبرة في تقدير ذلك هي بما يراه المدافع في الظروف التي كان فيها
وإ عماًال لنص المادة 245عقوبات يستوي أن يكون الدفاع الشرعي عن النفس أو المال
أو عن نفس الغير أو ماله.
كما أنه جدير بالذكر أنه يجوز الدفاع الشرعي ،ولو كان حلول الخطر غير المشروع جاء
نتيجة استفزاز من المعتدى عليه ،ذلك أن االستفزاز ال ينفي عن الخطر الصفة غير المشروعة،
وال دخل له في توافر صفة الخطر المتطلبة ،وهي كونه حاًال ،كل ذلك ما لم يكن االستفزاز قد
()3
قصد به دفع المستفز إلى االعتداء ،وخلق حالة دفاع شرعي للمستفز
أ.د /رؤف عبيد :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 552 ، (?) 1
(?)
أ.د /محمد محيى الدين عوض :المرجع السابق.522 ، 2
(?)
أ.د /مأمون سالمة :المرجع السابق.216 ، 3
277
اإلجراء قبل إيقاع الضرر ،فالشخص الذي يشاهد لصًا يحاول اجتياز سور منزل غير مكلف
بالتوجه إلى نقطة البوليس ،وإ نما له أن يدفع السرقة ألن االلتجاء إلى البوليس في هذه الحالة ال
يسعف في درء الجريمة ،ولكن عليه أن يستعين برجل البوليس إذا كان على مقربة منه.
وقد قضت محكمة النقض أيضًا بأنه إذا كان التصوير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه
وأسس عليه قضاء ينبئ في ظاهره بأنه كان في مقدور المتهم وقد عاد إلى قريته ليحمل سالحه
أن يحتمي برجال السلطة العامة.
لذلك كان يتعين على المحكمة أن تستحلى هذا األمر ،وتستظهره بأدلة سائغة للوقوف على
ما إذا كانت القوة التي استخدمها المتهم في دفع العدوان هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ تلك الغاية ،أو
أنه كان في وسعه أن يتجنب استخدامها باستعمال وسائل أخرى ،كااللتجاء إلى رجال السلطة
لالحتماء بهم ،أما ولم يعرض الحكم لهذا البيان فإنه يكون قاصرًا قصورًا بعينه ويستوجب نقضه
()1
ولقد ثار الجدل حول ما إذا كان الهرب يمكن أن يعتبر طريقًا آخر لتفادى استعمال الحق
في الدفاع الشرعي ،بحيث ينتفي هذا الحق إذا كان في وسع الجاني الهرب من خطر االعتداء،
والرأي المتفق عليه هو أن الهرب فعل يشين اإلنسان ويهبط بكرامته.
(?) نقض 26يناير -1959مجموعة أحكام النقض -السنة العاشرة -رقم -29صفحة .83 1
أشار إليه أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق،
.263
277
وبالتالي فإنه ليس على اإلنسان المهدد في نفسه أو ماله أن يهرب ليتفادى العدوان ،حتى
ولو كان ذلك مستطاعًا ،لكن من المتفق عليه من ناحية أخرى أنه إذا كان الجاني مجنونًا فإن
الهرب منه وفي مواجهته ال يعتبر جبنًا ال يوصم فاعله بالعار.
يثار بحث ما إذا الهرب ممكنًا أم غير ممكن بحسب ظروف الحال ،وفقًا لتصرف اإلنسان
العاقل من أوسط الناس لو وجد في نفس الظروف.
ويالحظ أنه ال مجال إلباحة فعل الدفاع إال إذا وجه إلى مصدر الخطر ،لكي يكفل
التخلص منه ،أما إذا ترك المعتدى مصدرًا لخطر يهدده ووجه فعله إلى شخص أو شيء ال يصدر
الخطر عنه فعًال محل الحتجاجه بالدفاع الشرعي ألن الفعل غير ذي جدوى في التخلص من
الخطر؛ فهو غير الزم لذلك فمن يهاجمه شخص ال يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره ،ومن
يهاجمه كلب ال يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه ،ومن تدخل في أرضه مواشي
()1
الغير ودوابه ال يجوز أن يتركها ويوجه فعله إلى حائزها
ولكن ال يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل االعتداء،
ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل هذه الظروف التي كان فيها المدافع ،وبالنسبة لسنة وقوته
()2
وحالته النفسية ،وعلى ذلك فهي متناسبة ،ومرجع تقدير ذلك كله إلى محكمة الموضوع
وفي ذلك قيل بأن التناسب ال يعنى التطابق بين االعتداء والقوة ،وإ نما المقصود أن يكون
هناك تناسبًا بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه ،وبين الوسيلة التي استعملها بالفعل،
فيوجد تناسب إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظروف استعمالها أنسب الوسائل لرد
االعتداء ،أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المهدد باالعتداء.
فالضرر الذي ينتج عن استعمال هذه الوسيلة هو القدر المناسب لرد االعتداء ،وتقدير
التناسب على هذا النحو نسبى يتعلق بظروف كل واقعة ،فقد تعد الوسيلة مناسبة في بعض
الظروف دون بعضها اآلخر.
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى:القسم العام ،المرجع السابق.216 ، 1
(?)
أ.د /محمد محيى الدين عوض :المرجع السابق.533 ، 2
277
المبحث الثالث
-3أال يكون هناك خوف من أن يترتب على عمل مأمور الضبط موت أو جروح بالغة.
وبالتالي إذا تخلف شرط من هذه الشروط الثالثة السابقة بأن يكون مأمور الضبط سيئ
النية ،أو أن يكون العمل ال يدخل في اختصاصه ،أو خيف أن يترتب عليه موت أو جروح بالغة،
وكان لهذا الخوف سبب معقول جاز الدفاع الشرعي ضد مأمور الضبط.
وبناء عليه فإن القيد سالف الذكر مشروط بتوافر الشروط الثالثة الخاصة؛ ألن تخلف
إحداها مع توافر الشروط العامة للدفاع الشرعي ينفي القيد ونكون بصدد دفاع شرعي.
و تقدير تلك الشروط أمر متعلق بظروف كل حالة على حدة ،ويخضع تقديره لمحكمة
()1
الموضوع
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.278 ، 1
277
نظرًا لجسامة القتل العمد رأي المشرع أن يقيد االلتجاء إليه بناء على توافر حالة الدفاع
الشرعي ،إال في أحوال معينة حددها على سبيل الحصر في المادتين 249و 250عقوبات.
حيث إن األولى حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن النفس.
والثانية حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن المال ،فليس للمهدد باالعتداء أن
يلجأ إلى القتل في غير هذه األحوال ،ولو كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لرد االعتداء في الظروف
التي وقع فيها ،ومما ينبغي مالحظته أن توافر حالة من هذه األحوال ليس إال قرينة نسبية أو
بسيطة على تناسب االعتداء مع القتل ،فال يسلب المحاكم سلطة تقدير التناسب على الوجه السابق
بيانه ،بمعنى أنه إذا كان دفع الخطر مستطاعًا بوسيلة دون القتل فعلى المهدد باالعتداء أن يلجأ
()1
إلى هذه الوسيلة ،وإ ال كان متجاوزًا حدود الدفاع
أوًال :فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
وهو ما يتحقق في جرائم القتل أو اإليذاء الشديد ،الذي يمكن أن ينتج عنه الموت أو عاهة
مستديمة ،أو عجز خطير ،وظروف الحال هي التي تحدد ما إذا كان للتخوف سبب معقول من
عدمه ،فإذا لم يكن هناك سبب معقول ووصل دفاع الشخص إلى القتل كان متجاوزًا ،وبالتالي أتى
فعًال غير مشروع يحق للغير الدفاع الشخصي ضده.
ثانيًا :إتيان امرأة كرهًا أو هتك عرض إنسان بالقوة ،وهذه الفقرة تعنى جريمة دفاع أنثى بغير
رضاها ( 267عقوبات) وجريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد ( 268عقوبات).
ثالثًا :اختطاف إنسان وهذا يعنى الجرائم المنصوص عليها بالمواد 283و 284و 290عقوبات.
(?)
أ.د /محمود مصطفى :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.248 ، 1
277
-1فعل من األفعال المبينة في الكتاب الثالث من قانون العقوبات ،ويعنى الشارع بذلك الحريق
العمد.
-2سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات ،وهي الجرائم المنصوص عليها بالمواد 313و
316مكرر من قانون العقوبات.
-4فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو الجراح البالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة.
والمقصود بهذا الغرض حالة تهديد المال بفعل يهدد بالخطر حياة صاحبه أو حياة
اآلخرين ،مثل ذلك أن يحاول شخص إتالف آلة فيهدد ذلك بانفجارها ،والقضاء على حياة
العاملين أو إصابتهم بجراح بالغة بـ(العاهة المستديمة أو العجز أو المرض الخطير)0
وواضح من هذه الفقرة األخيرة أن الخطر هنا يهدد المال بصورة مباشرة ،كما أنه يهدد
النفس بصورة غير مباشرة ،وقد كان من الممكن االستغناء عنها بما نصت عليه الفقرة األولى من
المادة 249عقوبات الخاصة بإباحة القتل العمد دفاعًا عن النفس طالما أن الخطر يهدد في النهاية
نفس اإلنسان.
277
المبحث الرابع
-1من الناحية اإلجرامية :يترتب على حالة الدفاع الشرعي أن تصدر جهة التحقيق أمرًا بأن ال
وجه إلقامة الدعوى ،إذا ما ثبت توافر حالة الدفاع الشرعي طبقًا لما هو منصوص عليه في مواد
القانون.
-2من الناحية الموضوعية :عندما تحيل جهة التحقيق الدعوى إلى المحكمة قبل أن تثبت توافر
حالة الدفاع الشرعي ،وتم إثبات توافر حالة الدفاع الشرعي للمدافع أمام محكمة الموضوع ،فهنا
تقضى محكمة الموضوع بالبراءة ،إذا ما أثبتت أن المدافع كان بصدد حالة دفاع شرعي ،وأن
أفعاله كانت في الحدود التي رسمها القانون.
ويترتب على ذلك أيضًا استفادة كل من ساهم في الدفاع ،سواء كان فاعًال أو شريكًا،
وترفع عنه المسئولية الجنائية ،ويتساوى مع المدافع ،وذلك باعتبار أن الدفاع الشرعي سبب إباحة
()1
عام ذات طبيعة موضوعية
-3من ناحية المسئولية المدنية :من اآلثار القانونية المترتبة على توافر حق الدفاع الشرعي
انعدام المسئولية المدنية ،حيث إنه ليس من حق من وقع عليه أفعال الدفاع المشروعة التي تبيح
حق الدفاع الشرعي أن يطالب فاعلها بالتعويض المدني.
فالنعقاد المسئولية المدنية يجب توافر خطأ وضرر ،وعالقة سببية تربط الضرر بالخطأ.
وبتطبيق ذلك على حالة الدفاع الشرعي نجد أن األفعال التي ارتكبها المدافع وإ ن وصلت
إلى حد القتل فهي مباحة ومشروعة ما دامت في الحدود التي رسمها القانون لحالة الدفاع
الشرعي.
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.286 ، 1
277
مما سبق يتضح انعدام المسئولية الجنائية والمدنية؛ إلباحة أفعال الدفاع إذا ما تمت طبقًا
للقانون.
أما إذا تجاوز المدافع حدود أفعال الدفاع الشرعي بحسن نية يسأل جنائيًا ومدنيًا ،وذلك
طبقًا لما ورد في المادة 251من قانون العقوبات ،والتي تنص على أنه »ال يعفي من العقاب كلية
من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه ،دون أن يكون قاصدا إحداث
ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع ،مع ذلك يجوز للقاضي في الجناية أن يعده معذورًا ،إذ لذلك
محًال ،وأن يحكم عليه بالحبس بدًال من العقوبة في القانون«.
افترض المشرع أن يكون المدافع في حالة دفاع شرعي صحيحة وسليمة ،ولكن المدافع قد
يتجاوز حدود الدفاع التي رسمها القانون في المواد السابقة ،وهذا التجاوز مشروط بحسن نية
المدافع.
بمعنى أن المدافع كان يعتقد أنه يباشر حقه في دفع االعتداء بالقدر الالزم ،والضروري
ولكنه في الحقيقة تخطى حد التناسب واللزوم ،وبالتالي تخطى اإلباحة وأصبح فعله غير مشروع
يعاقب عليه القانون وإ ن اعتبره معذورًا.
ويترتب على ذلك انعقاد المسئولية الجنائية والمدنية طبقًا لنص المادة 251عقوبات.
والمسئولية المدنية طبقًا للمادة 163من القانون المدني المصري التي تنص على أن »كل
خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ،وهذا يعنى أن أي خطأ مهما قلت جسامته
يترتب عليه المسئولية المدنية«.
* تعقيب:
نطاق الدفاع الشرعي أوسع من نطاق االستفزاز سواء من حيث األشخاص ،أو من حيث
األفعال ،وذلك يتضح مما يلي:
277
المستفيد من عذر االستفزاز هو الجاني المستفز فقط دون الشريك الغير عالم بحالة
االستفزاز ،بينما في الدفاع الشرعي يستفيد جميع المساهمين في الدفاع سواء علموا أم لم يعلموا
بتوافر الدفاع الشرعي.
ينحصر االستفزاز في نطاق ضيق يتمثل في الجرائم المحددة على سبيل الحصر.
أما الدفاع الشرعي فينطبق على كل الجرائم الواقعة على نفس المدافع أو ماله أو على
نفس غيره أو ماله ،وذلك وفقًا للشروط والقيود المبينة قانونًا.
الفصل الثالث
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن اآلن :ما إذا كان لرضا المجني عليه دور في وقوع
الجريمة من عدمه؟ وأيضًا مدى تأثير رضا المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني؟
فالقاعدة العامة عدم تأثير رضا المجني عليه على أركان الجريمة ،وبالتالي ال أثر له على
مسئولية الجاني ،ألن أهم غرض للتجريم والعقاب هو حماية مصالح المجتمع ،لأن سياسة الدولة
في التجريم والعقاب تقوم أساسًا على اعتبارات المصلحة العامة.
ولكن األخذ بهذه القاعدة على إطالقها من شأنه أن يهدر حرية الفرد في التصرف في
حقوقه التي تقبل بطبيعتها التنازل عنها للغير ،وال ينتج عن هذا التصرف أو التنازل ضرر
لمصلحة المجتمع لذلك قسم الفقهاء الجرائم إلى ثالثة أقسام:
فالجرائم التي تمس حقوق خالصة للمجتمع مثل الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي
والخارجي ،والجرائم المضرة بالمصلحة العامة ،والسالمة العامة ،واآلداب العامة ،والنظام العام
والثقة العامة .......الخ.
فهذه الجرائم ال تأثير لرضا المجني عليه على اإلطالق في هذه الجرائم فليس للرضا
()2
تأثير على أركان الجريمة أو على عقوبتها بل قد يكون الرضا جريمة في ذاته
أما بشأن الجرائم التي تمس حقوق مشتركة بين الفرد والمجتمع ،والجرائم التي تمس
حقوق خاصة للفرد وتقبل التصرف فيها ،والتنازل عنها دون ضرر جسيم للمجتمع ،فهذه تعرض
لها الفقه والقضاء والتشريعات المختلفة من خالل تأثير الرضا على بعض الجرائم من خالل
تأثيره على أركان الجريمة ،وذلك عندما تكون الجريمة تمس حقًا للمجني عليه يجوز التصرف
فيه ،أو التنازل عنه دون أن يضر مصلحة المجتمع ضرر جسيم.
المبحث الثالث :الحاالت التي يعتد فيها القانون برضا المجني عليه
المبحث الرابع :اآلثار القانونية لرضا المجني عليه في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة
(?) حيث إن هذا التقسيم مستمد من تقسيم فقهاء الشريعة اإلسالمية للحقوق إلى حقوق خالصة هلل 1
باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب اإلسقاط عن
ذلك حقيقة تعاقب بعقوبة الحبس«.
277
المبحث األول
ولكن لهذه القاعدة العامة استثناءات يعتد فيها القانون أحيانًا برضاء المجني عليه ،ويرتب
عليه آثار قانونية هامة ،وذلك في الحاالت التي تقع فيها الجريمة على حق خاص بالمجني عليه
يبيح له القانون حق التصرف فيه ،أو التنازل عنه ،مما يثيرالتساؤل عن الطبيعة القانونية لرضا
المجني عليه في األحوال التي يؤثر فيها رضاء المجني عليه على أركان الجريمة ،ويغير في
مسئولية الجاني.
فاتجه بعضهم إلى تحديد الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه على أساس فكرة استعمال
الحق مقررًا ،بأن الرضا متى وجد فهو يمثل استعماًال للحق حيث إن كل اعتداء على الحق
برضاء من صاحبه يعتبر مباشرة للحق.
فصاحب الحق يستعمله بنفسه أو يأذن للغير باستعماله متى كان التصرف في الحق جائزا،
()1
واألضرار الناتجة عن التصرف في الحق أضرار شخصية
فالرضا استعمال للحق يستمد قوته من سلطان اإلرادة؛ على أساس أن كل فعل لم يخطره
القانون يباح.
على ذلك يرى أنصار هذا االتجاه أن الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه تمثل مباشرة
()2
للحق أو استعمال للحق
أما االتجاه الثاني المؤسس للطبيعة القانونية للرضا يرى أن الرضا يمثل تصرف قانوني،
يتضمن وعدًا يمنح الموجه إليه سلطة التصرف دون أن ينشأ على عاتق صاحب الحق أي التزام،
(?) أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :رضاء المجني عليه وآثاره القانونية ،رسالة دكتوراه (غير 1
وهذا االتجاه هو األرجح في بيان الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه ،باعتبار أن
رضاء المجني عليه تصرفًا إراديًا يرتب عليه المشرع آثاره من حيث اإلباحة أو غيرها.
( أ ) حقوق خالصة هلل –تعالى -ويقع باطًال كل تصرف فيها وال أثر للرضا في شأنها.
(ب) وحقوق مشتركة بين العبد وربه وهذه تأخذ حكم األولى ،إذا كان يغلب فيها حق اهلل–
تعالى -على حق العبد.
(ج) حقوق خالصة للعبد ،ويجوز التصرف فيها ،والتنازل عنها إذا ما أجازت الشريعة
اإلسالمية ذلك.
واالتجاه الراجح في الفقه الوصفي ،والفقه اإلسالمي لطبيعة الرضا القانونية؛ هو الذي
يرى أن الرضا تصرف قانوني من جانب المجني عليه وحده صاحب الحق والصفة في الرضا.
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق. ، 1
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق.80، 2
277
المبحث الثاني
الشرط األول :أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية:
يجب أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية ،فلكي يكون الرضا صحيحًا
ومنتجًا آلثاره القانونية يتعين توافر عدة شروط في الشخص الذي يصدر عنه الرضا أهمها :أن
يكون هذا الشخص مميزًا ومدركًا ( ،)1والتمييز هو توافر الملكة الذهنية والنفسية لدى الشخص
بالقدر الذي يمكنه من فهم طبيعة الفعل الذي يقع مساسًا بحقه مع معرفة ما يرتبه الفعل من نتائج
وآثار ،وأن يكون مدركًا لطبيعة ما يفعله.
وبالتالي إذا لم تكن إرادة الشخص مميزة ومدركة ،فال صحة للرضا الصادر عنه فال
عبرة برضا المجنون أو السكران أو النائم ،كذلك يجب أن يكون الشخص حر االختيار بحيث ال
تخضع إرادته إلكراه أو خوف تعدم لديه حرية االختيار.
وحرية االختيار أمر نسبى دائمًا يختلف حسب الشخص وحسب طبيعة كل حالة على
حدة.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم العام0 291 ، 1
وقد جرت غالبية التشريعات على عدم تحديد سن الرضا في قاعدة عامة ،ومن بينها
التشريع المصري ،واكتفت على النص بالسن في كل حالة رأتها مقتضية لتحديد السن ،كالجرائم
،كما في المواد ()2
ذات الطبيعة الخاصة مثل جرائم االعتداء على العرض ،وجرائم الخطف
267و 269و 289من قانون العقوبات.
لتوافر صحة الرضا طبقًا لهذا الشرط سالف الذكر أن يكون الرضا صادرًا عن شخص
مميزًا ،أو مدركًا حر االختيار بالغ للسن الذي أوجبه القانون لالعتداد بصحة رضاءه.
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :قانون العقوبات،القسم العام0 263 ، 1
(?) تقضى غالبية التشريعات الجنائية باعتبار سن التمييز هو السابعة من العمر ،من ثم فمن هو أقل 2
من ذلك يكون فاقدا للتمييز ،وقد أشارت إلى ذلك المادة 45من القانون المدنى المصري ،إذ اعتبرت
أن من لم يبلغ سن السابعة من عمره يكون فاقدًا للتمييز معدومًا لألهلية.
277
الشرط الثاني :أن يكون الرضا صادر في الوقت الذي يعتد به القانون:
فباإلضافة إلى الشرط السابق يشترك أيضًا لصحة الرضا أن يكون صادرًا في الوقت
الذي يعتد به القانون ،والرضا إما أن يكون سابقًا للفعل ،أو معاصرًا له ،أو الحقًا على إتمام
الجريمة.
والرضا السابق ذلك الرضا الذي يصدر قبل لحظة البدء في تنفيذ الفعل.
وذهب الفقه األجنبي والمصري إلى ضرورة صدور الرضا قبل وقوع الفعل ،أي توافره
قبل لحظة وقوع الواقعة المادية لالعتداء على الحق واشترطوا ضرورة استمراره حتى لحظة
()1
وقوع الفعل
وبالتالي إذا صدر الرضا سابقًا على ارتكاب الفعل فعاصره في جميع مراحله ثم استمر
حتى إتمامه ،وتحقق نتائجه يعد رضاًء نموذجيًا ،وبالتالي ينتج أثره القانوني.
والرضا المعاصر للفعل هو الرضا الذي يصدر منذ لحظة البدء في تنفيذ الفعل
ويستمر حتى إتمامه.
(?) أ.د /السعيد مصطفى السعيد :األحكام العامة فى قانون العقوبات0 242 ، 1
وهذا الرضا المعاصر يجمع عليه الفقه والقضاء ،سواء ممن يشترط منه في الرضا أن
يكون سابقًا للفعل ثم يستمر حتى إتمامه ،أو من يشترط صدوره معاصرًا للفعل دون ضرورة
كونه سابقًا
()1
أما بشأن الرضا الالحق على الجريمة ،فينعقد اإلجماع فقهيًا وقضائيًا على أن ال تأثير
للرضا الالحق على إتمام الجريمة ،على أي ركن فيها وال على اإلجراءات الواجبة حيالها.
إال في حاالت استثنائية محددة على سبيل الحصر ،وهي الحاالت التي ال يمكن تحريك
الدعوى الجنائية ومباشرتها إال بناء على شكوى.
ومثال ذلك في التشريع المصري ما نص عليه المشرع في المادة 3في قانون اإلجراءات
الجنائية.
وتطبيقًا لذلك الرضاء على بينة في حاالت العالج وجميع األعمال الطبية لدرجة أن بعض
الفقهاء يشترط أن يكون الرضا في ممارسة األعمال الطبية رضاًء مكتوبًا ،أو أمام شهود عدول
إذا ما كانت حالة المريض تسمح بذلك ،ويجب أن يوضح له العالج والجراحة تفصيًال. ()2
وبالتالي ال يؤخذ بالرضا الصوري الذي ال تتوافر فيه مقومات الرضا الحقيقي.
»ويشترط في الرضا الذي ينفي االختالس أن يكون رضاًء حقيقيًا مقصودًا به التخلي عن
()1
الحيازة .........الخ«
يجب أيضًا مراعاة سالمة الشكل في الرضا ،قد يصدر رضا صحيحًا بالقول أو بالكتابة
أو اإلشارة ،وقد يصدر ضمنيًا ،يمكن استنتاجه من الظروف والمالبسات ،ولكنه إذا اشترط
القانون صدوره في شكل معين ،بأن يكون صريحًا وجادًا ،وأن يكون مكتوبًا ،فيجب أن يصدر
الرضا بالشكل الذي تطلبه القانون ،وإ ال تخلف شرط من شروط صحة الرضا ،وبالتالي يكون
فعل االعتداء غير مشروع لعدم صحة الرضا.
فالرضا المتعارض مع النظام العام أو اآلداب العامة يكون في ذاته تصرفًا غير مشروع.
ومن أمثال الرضا المخالف للنظام العام اتفاق شخص مع آخر على أن يقطع طرف من
أطرافه بغية التهرب من التجنيد.
ومن أمثال الرضا المخالف لآلداب العامة رضاء األشخاص البالغين باالتصال الجنسي
فيما بينهم ،أو رضاء األنثى التي تقبل بعالنية المساس بعوراتها ،فال أثر لهذا الرضا في نفي
()2
الصفة غير المشروعة بالفعل ،وذلك لمخالفته لآلداب العامة ،وبالتالي يرتب مسئوليته الجنائية
مما سبق يتضح أن الرضا الصحيح الذي ينتج أثره على الركنين (الشرعي أو المادي)
للجريمة أن يكون صادرًا عن شخص مميزًا ومدركاً ،حر االختيار ،بالغ للسن الذي يعتد فيها
القانون برضائه ،وأن يصدر رضائه صحيحًا سليمًا عن بينة ،وأال يكون مخالفًا للنظام العام
واآلداب العامة ،وأال يشوبه غش أو غلط أو تدليس ،وأال يكون تحت إكراه أو قوة قاهرة أو سكر
أو تخدير أو مرض أو نوم أي خاليًا من كل عيوب الرضا.
(?)
نقض 2مارس -1975مجموعة أحكام س -26رقم -44ص.201 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق.315 ، 2
277
المبحث الثالث
وهذه االستثناءات التي اعتد فيها القانون برضاء المجني عليه هي:
انقسم الفقه في بيان مدى اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة من عدمه؟
إلى أن اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة؛ مبررين ()1
فاتجه بعض الفقهاء
ذلك بأن الجريمة اعتداء على حرية الفرد ،وبالتالي يكون رضاه مزيًال عن الفعل صفته غير
المشروعة.
وعلى ذلك فإن الشخص يملك حرية التصرف في حياته وصحته وسالمة جسمه ،وبالتالي
له أن يتنازل عن استعماله إلى غيره.
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق389 ، 1
277
وقد انتهي أنصار هذا االتجاه إلى وضع قاعدة عامة مؤداها أن الرضا يمنع دائمًا من
العقاب على كل أفعال االعتداء التي تقع على جميع الحقوق.
ويؤخذ على هذا الرأي أنه يعلى إرادة الفرد على إرادة المجتمع ،وينفي كل نصيب
للمجتمع في حقوق األفراد بل يهدد حقوق األفراد أنفسهم.
إلى أن الرضا بمفرده ليس سببًا لإلباحة ،حيث إن هذا االتجاه ()1
واتجه بعضهم اآلخر
يرفض أن يكون الرضا وحده سببًا لإلباحة ،ويعتبرون أن الرضا عنصر من عناصر اإلباحة؛
ألن أسباب اإلباحة قد حصرها القانون ،وليس من بينها رضاء المجني عليه.
حيث ال ينتج على المساس بها أضرار جسيمة بمصلحة المجتمع ،فإذا ما تنازل عنها
صاحبها أو تصرف فيها كان له أثر في إباحة الفعل.
ويعتبر هذا االتجاه هو الذي يتفق مع الطبيعة القانونية لكل من الرضا وأسباب اإلباحة.
وهو االتجاه الذي أخذ به القضاء إذ اعتبر رضا المجني عليه ال يعد سببًا لإلباحة ،ولكنه
عنصرًا من عناصر اإلباحة كما في حاالت مباشرة األعمال الطبية ،ومزاولة األلعاب الرياضية،
فال يكفي رضا المريض أو الالعب إلباحة األعمال الطبية أو الرياضية ،بل البد من توافر
الشروط التي تطلبها القانون إلباحة هذه األعمال :كالترخيص بمزاولة المهنة أو اللعبة وبعرض
النفع العام والخاص.
أغلب التشريعات ،ومن بينها التشريع الفرنسي والمصري لم تتضمن نص يقتضى اعتبار
الرضاء سببًا لإلباحة ،وفضلت النص على الحاالت التي يعتد فيها بالرضا كسبب لإلباحة.
في حين أن بعض التشريعات اعتبرت أن الرضا سبب عام لإلباحة ،وإ ن قيدت ذلك
ببعض القيود ،ومن أمثلة هذه التشريعات التشريع الهندي حيث نصت عليه المادة 91من قانون
العقوبات الهندي ،وكذلك التشريع السوداني حيث نصت عليه المادة 51من قانون العقوبات
السوداني ،وكذلك التشريع اإليطالي حيث نصت المادة 50من قانون العقوبات اإليطالي على »ال
عقاب على من يعتدي على حق الغير ،ويجعله في خطر إذا حصل ذلك برضاء صاحب الحق،
وكان من الجائز له التصرف في الحق«.
()1
ويالحظ أن كلمة ال عقاب توحي بأن الرضا سبب في اإلعفاء من العقاب
وإ ن قصد به الشارع اعتبار الرضا سببًا لإلباحة في حدود الحقوق التي يجوز لصاحبها
أن يتصرف فيها.
لم ينص المشرع المصري على اعتبار رضاء المجني عليه سببا لإلباحة ،وترك ذلك للفقه
والقضاء ،ولكنه تعرض لرضاء المجني عليه في بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون
العقوبات القسم الخاص بجرائم االعتداء على العرض ،وجريمة اختطاف السندات ( )2بالقوة أو
التهديد ،ويساير المشرع في ذلك النهج معظم التشريعات ذات المصدر الالتيني المستمدة بوجه
خاص من القانون الفرنسي.
لبيان عما إذا كان لرضاء المجني عليه دور في إباحة الفعل المجرم من عدمه ،يجب أوًال
معرفة طبيعة الحق محل االعتداء.
فإذا كان من الحقوق التي تمس المصلحة العامة للمجتمع ،فهنا ال يكون لرضاء المجني
عليه ثمة تأثير عليها.
(?) أشار إليها أ.د /عبد التواب معوض :القسم العام ،المرجع السابق.293 ، 1
(?) أنظر مواد 267/2و 268/1و 325من قانون العقوبات المصرى .وكذلك المواد /106ع 2
(جريمة الرشوة)و /130ع (اإلكراه وسوء معاملة الناس)و /280ع و /290ع (القبض وحبس
الناسو خطف النساء) -ج/311ع (السرقة) و /369ع (انتهاك حرمة ملك الغير).
277
أما إذا كان الحق الذي تمسه الجريمة حق خاص للمجني عليه ،يجوز التصرف فيه أو
التنازل عنه ،هنا يكون محًال لرضاء المجني عليه في إباحة الفعل المجرم.
يرى غالبية الفقهاء أنه لتحديد المعيار الواجب إتباعه في تحديد الجرائم التي يكون لرضا
المجني عليه أثر في إباحتها ،يكون بفحص الحق الذي تمسه الجريمة ،وتحديد طبيعته في األحكام
التي يخضع لها ،بمعنى أن يتم التعرض لكل مصلحة على حدة لمعرفة ما إذا كان القانون يرخص
لصاحبها التصرف فيها ،وتقبل بطبيعتها التنازل للغير أم أنه ال يجيز له ذلك؟ فمتى كان لصاحب
()1
الحق أن يتصرف فيه فإن له أن يسمح باالعتداء عليه
فالرضا يكون سببًا لإلباحة في الحقوق التي يغلب فيها نصيب الفرد كالحقوق المالية.
أغلب التطبيقات على اعتبار رضا المجني عليه سببا لإلباحة تكون في مجال جرائم
األموال ،فهي بطبيعتها قابلة للتصرف ،ويغلب فيها مصلحة الفرد وينعدم الضرر الجسيم
للمجتمع.
ومثال لهذه الجرائم انتهاك حرمة ملك الغير والهدم واإلتالف .....الخ من الجرائم التي
يعتد برضا المجني عليه كسبب لإلباحة جريمة السرقة؛ حيث تنص المادة 311من قانون
العقوبات المصري على أنه »كل من اختلس منقوًال مملوكًا لغيره فهو سارق«.
ويرى بعض الفقهاء أن انعدام الرضا يعتبر عنصرًا في الركن المادي المكون لجريمة
السرقة.
ومن ثم فإن رضاء المجني عليه يعتبر نفي للركن المادي المكون للجريمة ،وبالتالي يكون
الرضا سببًا لإلباحة من خالل نفي الركن المادي لجريمة السرقة.
فكلما كان للمجني عليه حق التصرف في الحق الذي تمسه الجريمة ،أو التنازل عنه دون
أن يترتب على ذلك ضرر جسيم للمجتمع ،وأن يكون التصرف أو التنازل في الحق في حدود
القانون ،فإن رضا المجني عليه ينتج أثره في إباحة الفعل غير المشروع.
(?) أ.د /محمود نجيب حسنى :شرح قانون العقوبات ،القسم العام259 ، 1
لرضا المجني عليه دوره كسبب لإلباحة في نطاق الحقوق الجائز التصرف فيها كالحقوق
المالية ،وذلك النعدام الضرر االجتماعي حيث يغلب في تلك الحقوق المصلحة الخاصة على
المصلحة العامة ،أما بعض الحقوق التي ال يجوز التصرف فيها كالحقوق التي تمس الجريمة فيها
مصلحة مشتركة للمجني عليه والمجتمع ،ومع ذلك قد يبيح القانون التصرف فيها بشرط رضاء
()1
المجني عليه ،فالقانون في هذه الحالة يجعل من رضا المجني عليه شرطًا الزمًا إلباحته
-2يتعين أن يجيز القانون المساس بتلك المصلحة ،ويحدد لذلك شروطًا معينة.
ومن تطبيقات الرضا كشرط من شروط اإلباحة مباشرة األعمال الطبية ومزاولة
الرياضة ،وفيما يلي توضيح ذلك:
األصل أن رضا المجني عليه ال يبيح وحده المساس بسالمة جسم اإلنسان ،أو حياته ألن
في ذلك اعتداء على حقوق غير قابلة للتنازل عنها ،ويشكل االعتداء عليها مساسًا بالنظام العام.
غير أن استثناء من ذلك يكون رضا المريض في التدخل العالجي شرطا الزما إلباحة
عمل الطبيبـ ولكن ذلك مشروط بعدة شروط ،وهي:
وبالتالي يكون رضاء المجني عليه ليس سببًا إلباحة األعمال الطبية ،ولكنه شرط فيها،
ألن ترخيص القانون هو الذي يبيح الفعل شريطة أن يتم العالج برضاء صحيح ممن يمس الفعل
جسمه أو رضاء من يمثله قانونًا
()2
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق295 ، 1
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :القسم العام184 ، 2
277
ولكي ينتج رضاء المجني عليه أثره القانوني يجب أن تتوافر شروط صحة الرضا السابق
بيانها في المبحث السابق.
وكذلك أن يتوافر شروط الترخيص القانوني حيث تجيز مهنة الطب لمن رخص القانون
لهم بمزاولتها أن يتعرضوا ألجسام المرضى وأعراضهم الرتكاب أفعال المساس بالجسم أو
()1
إعطاء المواد الضارة ،وغير ذلك بقصد العالج ،والتخلص من المرض أو الشفاء منه
مما تقدم يتضح أن رضاء المجني عليه على مباشرة األعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب
على جسمه ،والتي قد تمثل جروحًا ،أو إعطاء لمواد ضارة ،ال يغير من صفة تلك األعمال غير
المشروعة والمجرمة قانونًا ،إال إذا توافرت باقي الشروط التي نص عليها القانون ،أو تطلبها
إلباحة هذه األعمال ،فرضاء المريض هنا »المجني عليه« شرط إلباحة األعمال الطبية ،إذا ما
توافرت باقي الشروط كالترخيص للطبيب لمزاولة المهنة ،وأن يكون التدخل بتلك األعمال الطبية
بقصد العالج وشفاء المريض ،فإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط التي أوجبها القانون نكون
بصدد عمل غير مشروع مجرم قانونًا ال أثر للرضاء في إباحته لما في ذلك من مساس بعصمة
()2
الجسد
بعد توضيح دور رضاء المجني عليه المريض كشرط إلباحة مباشرة األعمال الطبية
على جسمه بقصد العالج ،وفي الحدود التي نظمها القانون ،السؤال الذي يطرح نفسه اآلن؛ ما
أثر رضاء المريض في حالة نقل أعضاء جسده ومدى مشروعية ذلك؟
ولبيان األثر القانوني للرضاء على عمليات نقل وزرع األعضاء البشرية سوف تتعرض
الدراسة لبيان موقف الفقه الجنائي من هذا الموضوع ثم موقف الفقه اإلسالمي..
( أ ) موقف الفقه الجنائى من دور رضاء المجني عليه على عمليات نقل وزرع األعضاء
()3
البشرية:
* تعقيب:
لتوضيح ما إذا كان للرضاء أثر في إباحة عمليات نقل األعضاء البشرية أو زرعها يجب
أوًال الموازنة بين الضرر الواقع على مصلحة المجتمع من جراء ذلك ،وبين الضرر الذي يعود
على الفرد الواهب للعضو البشرى ،مع وضع مدى النفع الذي يعود على الموهوب إليه في
االعتبار ،وبحث كل حالة على حدة.
فإذا كانت عملية نقل األعضاء أو زرعها تغلب فيها المصلحة الخاصة على المصلحة
العامة ،وينعدم الضرر االجتماعي الجسيم ،وكذلك الضرر الخاص الجسيم الذي ينتج عن تلك
األعمال ،بحيث تكون النتيجة النهائية في صالح الشخص الواهب والشخص الموهوب إليه مع
عدم مخالفة ذلك للنظام العام واآلداب العامة ،بمعنى أن يكون التصرف في العضو الموهوب
يحقق حماية لمصلحة المجتمع من خالل عدم حدوث ضرر للشخص الواهب ،يغلب على النفع
الذي يعود على الشخص الموهوب إليه ،بحيث تكون النتيجة النهائية بعد عملية نقل األعضاء أو
زرعها وجود شخصين أصحاء :الواهب والموهوب إليه ،حتى يمكن تبرير شرعية نقل
األعضاء ،ومن ثم يرى الباحث أنه يجب النظر إلى تلك األمور قبل بيان ما إذا للرضا أثر في
إباحة نقل وزرع األعضاء البشرية من عدمه؟
فإذا ما توافرت الحماية لمصلحة المجتمع وتوافرت السالمة الصحية لجسم كال
الشخصين ،وتوافرت شروط صحة الرضا ،والشروط المنظمة لممارسة األعمال الطبية ،يمكن
القول بأن الرضا هنا يكون له أثر في إباحة تلك األعمال.
-1رضا اإلنسان الواهب للعضو رضاًء صحيحًا غير مشوبًا بثمة عيب من عيوب
الرضا ،بحيث يكون مدركًا ومميزًا ،وعلى بينة كاملة بالنتائج المترتبة على ذلك الفعل ،وأن تتجه
إرادته إلى إحداثه دون إكراه أو غش أو تدليس.
-2أن يكون الدافع الحقيقي للرضا بوهب عضو من أعضائه هو دافع اإليثار والتبرع
المحض دون مقابل ،تحقيقًا لقول رسول اهلل » :خير الناس أنفعهم للناس«.
-3أن يكون نقل العضو أو بتره بناًء على دراسة علمية صحيحة ،ويقوم بها متخصصون
ماهرون مرخص لهم بمباشرة تلك األعمال ،بحيث ال ينتج عن ذلك أضرار بصحة الواهب يتعذر
تداركها.
-4أن يكون نقل العضو نافعًا للشخص الموهوب إليه ،وسببًا حقيقيًا في شفائه ،وعودته
إنسانًا سليمًا وصحيحًا.
يحدث أثناء ممارسة بعض األلعاب الرياضية عنف قد يؤدى إلى إصابة الالعب ،وربما
()1
قد يؤدى إلى إحداث عاهة ،أو وفاة ،وذلك مثل المالكمة والمصارعة والكاراتيه ..الخ
والسؤال الذي يطرح نفسه :هل ممارسة تلك األلعاب العنيفة ،والتي ينتج عنها إلحاق
األذى بالجسم ،وتعريض سالمة الشخص وحياته للخطر مشروعة أم غير مشروعة؟ وإ ذا ما
كانت غير مشروعة فهل لرضا الالعب أثر في إباحتها من عدمه؟
ينعقد اإلجماع فقهًا وقضاءً على إباحة ممارسة األلعاب الرياضية المشروعة،ولكن ذلك
مشروط بتوافر شرطين جوهريين هما:
-1رضا الالعب.
-2ترخيص القانون.
( )1فبالنسبة لرضا الالعب :يجب أن يتوافر الرضا الصحيح لالعب في الموافقة
الصريحة أو الضمنية والصادرة عن بينة ،من خالل علمه بالنتائج المباشرة وغير المباشرة
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام218 ، 1
المترتبة على ممارسة هذه اللعبة عن إدراك وتمييز ،وبالتالي إذا ما كان رضاء الالعب رضاًء
صحيحًا غير معيبًا ينتج أثره كشرط في إباحة ممارسة األعمال الرياضية.
( )2أما بالنسبة لترخيص القانون :فيجب مراعاة القواعد المنظمة لممارسة األلعاب
الرياضية ،وعدم مخالفتها ،وأن تتم ممارسة هذه األلعاب وفقًا للنظم واللوائح والمواعيد واألماكن
التي حددها ونظمها القانون ،دون التجاوز في ذلك أو الخروج عن اإلطار المنظم له.
فإذا ما خالف الالعب تلك القواعد المنظمة لممارسة تلك اللعبة يخرج من إطار الحماية
القانونية ،ويدخل في إطار التجريم والعقاب على الفعل غير المشروع الذي ارتكبه ،ويسأل عن
جريمته ما دام الفعل الذي ارتكبه مجرم قانونًا
()1
ومن ثم يتضح أن رضاء الالعب »المجني عليه« بممارسة األلعاب الرياضية ضده يكون
شرطًا إلباحتها؛ إذا ما توافر ترخيص القانون بممارسة تلك اللعبة ،بمعنى أن لرضاء الالعب أثر
في إباحة ممارسة األلعاب الرياضية إذا ما توافرت باقي الشروط المنظمة ،لذلك والتي تطلبها
القانون بجانب رضاء الالعب ،ومن التشريعات التي نصت على إباحة ممارسة األعمال
الرياضية قانون الجزاء الكويتي الذي نص في المادة 31على أنه »ال جريمة إذا وقع الفعل أثناء
مباراة رياضية من شخص مشترك فيها ،بشرط أن يلتزم من قواعد الحذر واالحتياط ما تقضى به
األصول المراعاة في هذه المباراة« فرغم أن اإلباحة مستمدة من القانون يبقى للرضا دور في
ممارسة األلعاب الرياضية :يتمثل في موافقة الالعب على االشتراك في المباراة ،وبذلك يعد
()2
الرضاء شرطًا في إباحة الرياضة
يرجع أساس إباحة األلعاب الرياضية في القوانين التي خلت من النص على هذه اإلباحة
إلى أن مباشرة األلعاب الرياضية تعد استعماًال للحق الذي تقرره القواعد القانونية للنشاط
الرياضي في الدولة ()3؛ إذ أن مصدر اإلباحة ليس قانون العقوبات فحسب بل هي منتشرة في
جميع القوانين ،فاإلباحة هنا ليست إال تطبيقًا من تطبيقات المادة ( 60ع م) والتي تنص على أنه
»ال تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عمًال بحق مقرر بمقتضى
()4
الشريعة« ،وبذلك تختلف اإلباحة عن التجريم الذي ينحصر مصدره في قانون العقوبات
(?)
محمود نجيب حسنى :القسم العام ،المرجع السابق.191، أ.د / 1
(?)
فهد فالح مطر :المرجع السابق .131، أ.د / 2
(?)
مأمون سالمة :القسم العام ،المرجع السابق.203، أ.د / 3
(?)
أحمد فتحى سرور :الوسيط في قانون العقوبات ،القسم العام.207 ، أ.د / 4
277
يحدد الشارع عناصر الركن المادي لبعض الجرائم ،ويجعل من بين تلك العناصر انعدام
رضا المجني عليه ،وبالتالي يترتب على رضا المجني عليه في تلك الجرائم عدم قيام الجريمة،
وغالبًا تكون تمس هذه الجرائم المصالح التي يجوز للشخص التصرف فيها ،ويرى المشرع أن
()1
المصلحة العامة ال تستوجب توقيع العقاب على الجاني عندما يرضى صاحبها باالعتداء عليها
وقد ينص القانون على اشتراط عدم الرضا بصيغ مختلفة من حيث اللفظ ككلمة بغير
رضاها ،كما ورد في المادة 267عقوبات ،وكلمة بدون الرضا كما ورد في المادة 106
عقوبات ،وكلمة القوة أو بالتهديد كما ورد في المادة 268عقوبات ......الخ.
ولكن كل هذه األلفاظ تعطى معنى واحدا ،وهو وقوع الفعل رغم إرادة
المجني عليه.
فمثًال المادة 267من قانون العقوبات ،والتي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها
يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة« ،اعتبرت انعدام الرضا عنصرًا من عناصر الركن
المادي للجريمة ،فانعدام الرضا بكافة صوره سواء كان عن إرادة رفض صريحة أو ضمنية أو
عن إرادة قسرها العنف المادي ،أو اإلكراه المعنوي ،أو شابهها عيب من العيوب التي تتعلق
باألنثى مصدره الرضا يعد عنصرًا أساسيًا من بين العناصر التي يقوم عليها الركن المادي لهذه
الجريمة ،وبانتفاء الركن المادي للجريمة ال يكون هناك محل للبحث عن الركن الشرعي أو
()2
المعنوي
مما سبق يتضح أنه على الرغم من حماية القانون لمصلحة المجتمع والفرد؛ إال أنه يرى
في بعض الجرائم أن الفرد أقدر من المجتمع على صونها ،نظرًا لما قد تحيط به من ظروف،
فربما يكون العقاب فيها أسوأ تأثيرًا من عدم العقاب ،ولذلك اشترط للعقاب انعدام الرضا باعتباره
عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة.
أما إذا توافر الرضا فإنه يعدم الركن المادي ،لهذه الجرائم لعدم مطابقتها للنص سالف
الذكر ،وإ ن كانت تأخذ وصفًا آخر يخضع للتجريم ،والعقاب للنموذج القانوني الجديد أو الوصف
القانوني الجديد.
وهنا يكون لدور رضا المجني عليه أثر في تغيير وصف الجريمة ،فيحولها من جريمة
إلى فعل آخر بوصف آخر قد ،يكون مجرم وقد ال يكون مجرم.
(?) أ.د /محمود نجيب حسنى :القسم العام ،المرجع السابق.260 ، 1
(?) أ.د /محمود مصطفى :القسم الخاص ،المرجع السابق303 ، 2
أ.د /أحمد فتحى سرور :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،المرجع السابق.306،
277
المبحث الرابع
اآلثار القانونية للرضا في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة.
كما أن لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة ،أيضًا له أثر على غير أركان
الجريمة ،وذلك لما في رضا المجني عليه من أثر على تخفيف العقاب في حدود السلطة التقديرية
للقاضي ،بل إن بعض التشريعات نصت على تخفيف العقاب عند ارتكاب الفعل برضاء المجني
عليه ،مثال المشرع الليبي ،ومن أبرز التطبيقات على دور رضاء المجني عليه في تخفيف
العقوبة جريمة القتل بناء على طلب المجني علي ،وجريمة اإلجهاض بناء على رضا الحامل.
كما أن لرضا المجني عليه أيضًا دور في تغيير وصف الجريمة ،وتغيير العقوبة.
بناءً على ما تقدم ستتعرض الدراسة لدور رضا المجني عليه في تخفيف العقاب ،ثم بعد
ذلك تتعرض لدور رضا المجني عليه في تغيير وصف الجريمة وتغيير عقوبتها ،وذلك على
النحو التالي:
وانطالقًا من ذلك المنطلق فال يجوز للمجتمع مهما علت إرادته على إرادة الفرد أن يهدر
تمامًا دور اإلرادة الفردية في التصرف في الحقوق المشتركة التي ليس من حقه التصرف فيها أو
التنازل عنها ،وهذا ما نقصده في بيان دور رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة إذا ما توافر
الرضاء الصحيح في التصرف في حق مشترك بينه ،وبين المجتمع ال يجوز له التصرف فيه.
ومثال ذلك جريمة القتل بناء على طلب المجني عليه ،وكذلك جريمة اإلجهاض بناء على
طلب الحامل ،وفي هاتين الجريمتين ال يكون لرضاء المجني عليه ثمة أثر على أركان الجريمة،
وذلك ألنهما يمسان حق يغلب فيه مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد ،وليس من حق الفرد
277
التصرف أو التنازل في ذلك الحق المشترك مع المجتمع فيه ،وهنا يتجلى بحث دور رضاء
المجني عليه في تخفيف العقاب في حدود سلطة القاضي التقديرية ،وفيما يلي تفصيل ذلك:
()1
-1القتل بناء على طلب المجني عليه:
قد يدفع اليأس الفرد أحيانًا إلى الخالص من حياته؛ فيتوسل إلى قريب أو صديق أو طبيب
ليقتله بدافع الشفقة أو الرحمة ،بسبب إلحاح وطلب المجني عليه ذلك ،وبالتالي نكون بصدد
الجريمة المسماة بجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه ،أو القتل بدافع الشفقة والرحمة ،وذلك
بحجة أن الدافع عليها إنهاء آالم المجني عليه.
والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن :هل طلب المجني عليه من الجاني إزهاق روحه يخضع
لحقه في التصرف ،وبالتالي يكون فعل الجاني مباحًا أم أنه ليس من حق المجني عليه التصرف
في حياته ،أو التنازل عنها ،وهنا يكون الجاني بصدد جريمة قتل عمدية ،وإ ن كانت بدافع
الشفقة؟ وهل يكون للرضاء في تلك الحالة أثر على تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني؟ وذلك
بالنظر لشرف الباعث لدى الجاني على القتل ،فيعد مجرم أقل خطورة من غيره الذي ال يتوافر له
رضاء المجني عليه.
أما بشأن أثر رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة على الجاني فقد انقسمت التشريعات
الوضعية الحديثة إلى قسمين:
القسم األول :تضمن التشريعات التي لم تضع قواعدا خاصة مميزة لجريمة القتل بناء
على طلب المجني عليه ،تاركة للفقه والقضاء مراعاة ظروف كل حالة على حدة ،بحيث
أخضعت هذه الجريمة للقواعد العامة التي تطبق على جريمة القتل العمد ،والتي ال تعتد بالباعث
الدافع إلى ارتكاب الجريمة ،وال تعتبره عنصرًا من عناصر القصد الجنائي ،ولكن ذلك ال يمنع
من استعمال القاضي لسلطته التقديرية ،وتطبيق بالنصوص الخاصة بالظروف المخصصة ومن
()3
هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي
(?) أنظر المادة 17من قانون العقوبات المصرى المتعلقة بالظروف المخففة. 3
277
القسم الثاني :ويتضمن بعض التشريعات التي تقرر قواعد خاصة لجريمة القتل بناء
على طلب المجني تخفف العقاب على الجاني إذا ما ارتكب جريمة القتل بناء على طلب المجني
القانون اإليطالي حيث أشارت المادة ()4
عليه ،وبرضاء صحيح صادر منه ،ومن هذه التشريعات
589من قانون العقوبات اإليطالي إلى أن كل من سبب الموت إلنسان برضاه يعاقب بالسجن من
ست سنوات إلى خمسة عشر عاما.
وكذلك قانون العقوبات األلماني نص في المادة 216منه "يعاقب بالحبس من ثالث إلى
خمس سنوات من يقترف القتل بناء على طلب صحيح جاء من مجني عليه حرًا واعيًا وال يعاقب
على الشروع في الجريمة".
وكذلك تخول المادة 235من قانون العقوبات النرويجي "للقاضي سلطة تخفيف العقوبة
دون الحد األدنى المقرر قانونًا لجريمة القتل العمد ،وذلك في حالة ارتكاب القتل بناء على طلب
المجني عليه".
ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة 249/5على أنه ال
يعتبر القتل ذو النية الموثمة قتًال عمدًا إذا كان الشخص الذي سبب موته قد عرض نفسه للموت
برضائه ،وكانت سنه تزيد عن الثامنة عشر.
كذلك نص على هذه الجريمة( القتل بناء على طلب المجني عليه) قانون العقوبات
السوري المادة 538منه ،وكذلك قانون العقوبات اللبناني في المادة 552منه.
مما تقدم يتضح أن التشريعات سالفة الذكر ،والتي نصت على جريمة القتل بناء على طلب
المجني عليه قد وضعت شروط خاصة يجب توافرها في الرضا الصادر من المجني عليه ،وهي
شروط صحة الرضا الخالي من العيوب كأن يكون المجني عليه شخصًا كامل األهلية حر اإلرادة
مميزًا ومدركًا للنتائج المترتبة عن ذلك الفعل ،وأن يكون الرضاء صادر منه وحده ،وأن يكون
خاليًا من اإلكراه والغلط والغش والتدليس.
وإ ذا ما توافر الرضا الصحيح من المجني عليه كان له أثره في تخفيف العقاب على
الجاني.
ويتضح من العرض السابق لجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه أثر رضاء المجني
عليه في تخفيف العقوبة ،سواء بالنص عليها ،أو سواء بإعمال الظروف القضائية المخففة ،مما
يقود إلى التفرقة بين القتل بناء على طلب المجني عليه ،وبين االنتحار حيث يتماثالن كليهما في
إزهاق روح إنسان حي ،ولكنهما يختلفان في أن األول يقع على إنسان آخر ،أما الثاني فيقع على
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق580 ، 4
277
ذات المجني عليه »اإلنسان نفسه« ،وبعض التشريعات ال تعاقب على االنتحار لعدم وجود محل
إليقاع العقاب عليه ،وكذلك ال تعاقب على الشروع فيه ،أو االشتراك فيه ،وذلك ألنه طبقًا للقواعد
العامة يستمد الشريك إجرامه من الفاعل األصلي ،ويقتضى وقوع الفعل األصلي المعاقب عليه،
()1
ومن هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي
وهذا على خالف بعض التشريعات التي تعاقب على الشروع في االنتحار ،ومنها قانون
العقوبات السوداني والقطري.
وبعضها اآلخر يعاقب على التحريض أو المساعدة أو االتفاق على االنتحار ،ومنها
()2
القانون الكويتي حيث ينص على ذلك في المادة 158منه
أما إذا توافر رضاء األنثى الحامل ،وتم وقوع اإلجهاض حماية لحياتها أو حياة الجنين،
()3
وتوافرت شروط حالة الضرورة ال يعاقب القانون على الفعل
ولذلك ستتعرض الدراسة لحاالت اإلجهاض التي يتوافر فيها رضاء األنثى الحامل دون
توافر حالة الضرورة التي تستوجب اإلجهاض ،وهنا تبرز القيمة القانونية للرضا في جريمة
اإلجهاض ،وفي ذلك اتجهت التشريعات عدة اتجاهات منها ما يلي:
االتجاه األول:
(?) اإلجهاض الذى تقتضيه الظروف الصحية للحامل هو ما يطلق عليه اإلجهاض العالجي ،ويعتبر 3
من األعمال المباحة للطبيب استنادًا على الترخيص المقرر له بمزاولة المهنة ،وتأسيسًا على المادة
60من قانون العقوبات المصرى ،ويشترط إلباحته صدور رضاء من الحامل بإجهاضها وفقًا لما
تمليه الشروط المتطلبة إلباحة األعمال الطبية
أ.د /عمر السعيد رمضان :شرح قانون العقوبات ،القسم الخاص.331 ،
277
ويمثل قلة من التشريعات التي تجعل رضا الحامل بإجهاضها ال يخلع على الفعل طابع
المشروعية ،إال أنه يبيح اإلجهاض في حاالت خاصة محددة على سبيل الحصر ،ومن هذه
التشريعات التشريع اليوغسالفي الذي أباح اإلجهاض بناء على طلب المرأة في حاالت محددة
بشرط أن تكون مدة الحمل قد تجاوزت ثالثة أشهر ،وكذلك القانون الفرنسي والفنلندي والروسي
()1
االتجاه الثاني:
هو مذهب الغالبية العظمى من التشريعات ،والتي تقرر أنه ال أثر للرضا على أركان
جريمة اإلجهاض ،حيث إن الجريمة تقع على حق الجنين في حياته المستقبلة ،وليس على حق
األنثى الحامل في اإلنجاب فقط ،وللمجتمع نصيب غالب في الحقين ،فإذا تنازلت األنثى الحامل
عن حقها في اإلنجاب ال يكفي ذلك إلباحة اإلجهاض ،وبالتالي تعاقب تلك التشريعات كًال من
األنثى والفاعل الذي أجهضها إذا تم برضاها.
ومن أمثلة هذه التشريعات القانون المصري الذي يعاقب على جريمة اإلجهاض بالمادة
261عقوبات التي تنص على »كل من أسقط عمدًا امرأة حبلة بإعطائها أدوية أو باستعمال
وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدالتها عليها سواء كان برضائها أم ال يعاقب بالحبس«.
كذلك نص المادة 262عقوبات تنص على »المرأة التي رضيت بتعاطي األدوية مع
علمها بها ،أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها ،أو مكنت غيرها من استعمال تلك
الوسائل لها ،وتسبب اإلسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السالف ذكرها«.
وبإلقاء الضوء على النصين سالفي الذكر يتضح أن رضا الحامل باإلجهاض ال يبيح هذا
الفعل المجرم ،وإ ن كان ينفي عنها صفة المجني عليها ،وتقتصر تلك الصفة على الجنين وتصبح
فاعلة في ارتكاب تلك الجريمة طبقًا للنموذج القانوني سالف الذكر ،مما سبق يتضح أثر رضاء
المجني عليه في وقوع الجريمة ،وتحديد مسئولية الجاني فيها.
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق.596 ، 1
277
القانوني الجديد الذي توافر فيه الرضا ،وهنا يتضح جليًا دور الرضا الصحيح الخالي من العيوب
القانونية للرضا الصادر من المجني عليه في تغيير وصف الجريمة (0)1
ومن التطبيقات العملية على ذلك المادة 267من قانون العقوبات من التشريع المصري
التي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«.
وبالتالي إذا ما توافر الرضا المتوافر فيه شروط صحة الرضا التي تطلبها القانون من
المجني عليها في تلك الجريمة يتغير وصف الجريمة من جريمة اغتصاب المعاقب عليها بنص
المادة سالفة الذكر ،إلى جريمة أخرى ذات وصف قانوني آخر ،فإن كانت تلك المجني عليها
متزوجة يكون الوصف الجديد جريمة زنا المنصوص عليها في المادة 274عقوبات التي تنص
على »المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة ال تزيد على سنتين لكن لزوجها
أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضاه بمعاشرتها له كما كان«.
وهنا يتضح دور الرضا الصادر من المجني عليها في تغيير وصف الجريمة ،وتغييره من
جناية اغتصاب في حالة انعدام رضاها ،إلى جريمة زنا إذا كانت متزوجة في حالة رضاها
رضاًء صحيحًا متضمنًا الشروط التي أوجبها القانون لصحة الرضا.
أما إذا كانت غير متزوجة فإنها تخضع لوصف آخر طبقًا للتكييف الذي يصبغه القانون
عليها ،كاالعتياد على ممارسة الدعارة إذا كان هناك اعتياد على موافقتها برضاها طبقًا لتوافر
الشروط التي أوجبها القانون في تجريم هذا الفعل.
وكذلك األمر المادة 268عقوبات التي تشترط انعدام الرضا إذا ما كان هناك رضاء
صحيح من المجني عليه بغير وصف الجريمة من خضوعها لنص المادة /268ع إلى خضوعها،
()2
إلى تكييف آخر طبقًا لنص المادة 278عقوبات ،وهي جريمة الفعل الفاضح العلني ....وهكذا
تمهيد وتقسيم:
(?) أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق.603 ، 1
(?) تنص المادة / 268عقوبات على أن »كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى 2
ويعرف علم "المجني عليه" :بأنه ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس المجني عليه المباشر
من الجريمة دراسة علمية بهدف تحديد مجموعة من الخصائص العضوية والنفسية واالجتماعية
المتعلقة به ،ويهتم من ناحية أخرى بتحديد العالقات المتبادلة بين الجاني والمجني عليه ،وكذلك
بيان الدور الذي قام به المجني عليه في خلق فكرة الجريمة أو التشجيع عليها وتسهيل ارتكابها،
وأثر هذا الدور بالنسبة لتحديد مسئولية الجاني وحدود الجزاء الذي سيوقع عليه.
وتسهم دراسة علم المجني عليه في تحقيق العدالة الجنائية؛ حيث إن فهم سلوك الجاني
ودوافعه للجريمة ،وتحديد درجة خطورته اإلجرامية لن يأت إال بمعرفة عالقته بالمجني
عليه،وبيان دور المجني عليه في خلق فكرة الجريمة ،أو تسهيلها ،وتحديد درجة الخطورة
اإلجرامية للجاني يساعد بدوره على اختيار نوع المعاملة العقابية المناسبة لحالته.
من ناحية أخرى تبدو أهمية هذه الدراسة في مجال الوقاية من الجريمة؛ وذلك ألن فهم
سلوك المجني عليه بعمق يدفعنا إلى اتخاذ أساليب وقائية أكثر فعالية بالنسبة للجاني ،وأيضًا
بالنسبة للمجني عليه ،وذلك باتخاذ التدابير واإلصالحات التي تمنع من وقوع األفراد ضحية
للجريمة ،أو من العودة مرة أخرى للسقوط ضحية لنفس الجريمة ،أو لغيرها بكافة الوسائل،
وعلى مختلف المستويات لحماية المجني عليه ،والدفاع عن حقوقه ،وتعويضه عن األضرار
الناجمة عن الجريمة ،وهذه الفائدة األخيرة التي تعود على المجني عليه تعد حاليًا من النتائج
المباشرة لظهور علم "المجني عليه" ،وتمثل التطور الحالي ألبحاثه حيث إنتقل هذا العلم في
السنوات األخيرة من العلم الذي يهتم أساسًا ببيان دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية إلى
العلم الذي يهتم بالدفاع عن حقوق المجني عليه ،والعمل على تعويضه عن األضرار الناجمة عن
الجريمة سواء من األفراد أو من الدولة.
وما يعنينا اآلن بالدراسة في موضوع المجني عليه هو »دور المجني عليه في الظاهرة
اإلجرامية« ؛حيث أثبتت الدراسات أن الموقف الذي يتخذه المجني عليه حيال الجاني في الكثير
من الجرائم يعد بمثابة العامل المثير أو الدافع إلى وقوع هذه الجرائم باعتبار أن سلوك المجني
عليه في أحوال غير يسيرة يثير الميول اإلجرامية لدى الجاني؛ فيقدم على ارتكاب الجريمة،
ويظهر هذا واضحًا في كثير من الجرائم التي ترتكب ضد الموظفين العموميين ،كجرائم السب
واإلهانة والتعدي ،وكذلك في بعض جرائم هتك العرض في الحاالت التي ال يتقيد فيها المجني
277
عليه بالقيم الخلقية والمعنوية ،مما يحرك في المجرم غرائزه المختلفة ويدفعه إلى ارتكاب
الجريمة.
وباستقراء نصوص التشريعات المقارنة نجد أنها أفردت إلى المجني عليه عددًا من
النصوص ،جعلت فيها لشخصيته أو لدوره في وقوع الجريمة أثرًا واضحًا في تحديد مسئولية
الجاني ،وكذلك في تقدير العقوبة الموقعة عليه.
وبإلقاء الضوء على هذه النصوص يتضح مدى مساهمة المجني عليه في وقوع الجريمة
أو مشاركته فيها وخلق فكرتها لدى الجاني ،كذلك تبين النصوص الواردة في التشريعات المقارنة
مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تقدير العقوبة ،وتحديد مسئولية الجاني.
وأخيرًا تبين النصوص بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه ،والتي تجعله عرضة
للوقوع ضحية للجريمة.
وبإلقاء الضوء أيضًا على التشريع المصري يثضح تضمن نصوص عديدة تجلى فيها دور
المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية ،وذلك من خالل إلقاء الضوء على دور المجني عليه في
وقوع الجريمة ،كما هو واضح في االستفزاز والدفاع الشرعي ورضاء المجني عليه.
وأيضًا لم يغفل المشرع المصري الحماية الجنائية للمجني عليه من خالل النصوص
الواردة في قانون العقوبات ،والتي تبين أن بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه تؤثر في تحديد
مسئولية الجاني ،وعلى اختيار نوع الجزاء الموقع عليها.
وأخذ التشريع المصري بدور محدود للمجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية ،كذلك كما
هو منصوص عليه في قانون اإلجراءات الجنائية في جرائم الشكوى واالدعاء المباشر.
وبناء على ما تقدم سيتم تناول كل ما سبق تفصيًال من خالل تقسيم دور المجني عليه في
الظاهرة اإلجرامية ،وأثره في مسئولية الجاني إلى ثالثة أبواب..
277
الباب األول
والتشريعات المقارنة والتشريع المصري تضمنا النصوص العديدة التي تبين دور المجني
عليه في وقوع الجريمة ،وذلك من خالل خلق فكرتها لدى الجاني أو تسهيل ارتكابها أو التشجيع
على ارتكابها أو الرضاء بها ،وسيتم توضيح ذلك تفصيًال فيما بعد من خالل ثالثة فصول،
يتضمن الفصل األول :دور المجني عليه في حالة االستفزاز ،والفصل الثاني :دور المجني عليه
في حالة الدفاع الشرعي ،والفصل الثالث :رضاء المجني في وقوع الجريمة ،من منظور بيان
مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في وقوع الجريمة ،وأثره في تحديد مسئولية الجاني ،وفيما
يلي تفصيل ذلك:
277
الفصل األول
وقد أثبتت أبحاث علم "المجني عليه" أن وقوع بعض الجرائم يرجع إلى الموقف المثير أو
المستفز من جانب المجني عليه ،والمتمثل في األقوال واألفعال غير المشروعة التي يوجهها
المجني عليه إلى الجان ،والتي من شأنها أن تثير الغضب والميول اإلجرامية في نفس الجاني،
وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة ضد المتسبب في هذا االستفزاز ،وهو المجني عليه ،فالمجني عليه
المستفز بإثارته للجان ،يعلم جيدًا أن فعله قد يترتب عليه رد فعل مستفز أو عنيف من الشخص
الذي استفزه ،وبالتالي فقد قبل مقدمًا الخطر الناتج عن إقدام الجاني على ارتكاب الجريمة ضده.
وهنا يتضح جليًا دور ذلك المجني عليه المستفز في وقوع الجريمة ،واعتباره مجني عليه
مذنبًا.
وباستقرار التشريعات المقارنة والتشريع المصري ظهر تضمنهما بعض النصوص التي
تبرز دور المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل عذر االستفزاز.
وإ ن كان دور هذه التشريعات محدودا في ذلك مقارنة بالدور الذي يشير إليه فقهاء علم
المجني عليه ،وقد يرجع السبب في ذلك إلى صعوبة التعرف على حقيقة الموقف السابق للمجني
عليه المستفز قبل وقوع الجريمة.
المبحث األول
ومن ثم سيتم توضيح موقف التشريعات المقارنة أوًال ،ثم األساس القانوني لعذر
االستفزاز ثانيًا.
القسم األول :من هذه التشريعات يعتبر االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا يؤدى توافره إلى تخفيف
العقوبة الموقعة على الجان أيًا كانت الجريمة التي يتوافر فيها هذا العذر ،أي اعتبرت هذه
التشريعات االستفزاز عذرًا عامًا يدور وجودًا وعدمًا مع توافر حالة االستفزاز ،ومن هذه
()1
التشريعات قانون العقوبات اإليطالي والسويدي
ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة 38منه على
االستفزاز كعذر عام ،وكذلك قانون العقوبات اللبناني الذي نص أيضًا في المادة 562منه على
االستفزاز كعذر عام يخفف العقاب ،وذكر تطبيقًا خاصًا لذلك في حالة ضبط الزوج أو أحد
األصول أو الفروع أو األخت في حالة التلبس بالزنا ،أو في حالة مريبة مع آخر ،فأقدم على قتل
()2
أحدهما ،فإنه يعفي القاتل من العقاب كلية ....الخ
أما القسم الثاني من التشريعات :فإنها أخذت بعذر االستفزاز كعذر خاص تم النص عليه على
سبيل الحصر بنصوص محددة ،ومحكمة ال يجوز القياس عليها أو التوسع فيها؛ باعتبار
االستفزاز عذر قانوني مخفف للعقوبة.
(?)
أ.د /فهد صالح مطر :المرجع السابق0 147، 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 292 ، 2
277
ومن تلك التشريعات المقارنة التي أخذت باالستفزاز في حاالت معينة على سبيل الحصر
التشريع الفرنسي الذي نص على االستفزاز كظرف مخفف للعقوبة في جرائم محددة على سبيل
الحصر ،وهي جرائم :القتل والضرب والجرح والسب العلني وغير العلني.
ومن الشريعات العربية التشريع الكويتي حيث تضمن النص على االستفزاز كعذر مخفف
خاص في جريمتى مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا ،والسب غير العلني ،وذلك في المادتين
كذلك التشريع المصري الذي نص في المادتين 237عقوبات ،والمادة 378/9 ()1
212 ،153
عقوبات ،وهما حالة مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا ،وحالة السب غير العلني.
مما سبق يتضح من موقف التشريعات المقارنة سواء التي أخذت باالستفزاز كعذر عام
مخفف للعقوبة ،أو التي أخذت باالستفزاز كعذر خاص أوردته في نصوص على سبيل الحصر
كعذر مخفف للعقوبة.
فإنه يتضح مدى الدور الذي يلعبه المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل استفزازه
للجاني ،وتأثير ذلك على تحديد مسئولية الجاني من خالل تخفيف العقوبة بسبب ما ارتكبه المجني
عليه من أفعال غير مشروعة ،أو غير محقة بمعنى أوسع أدت إلى إثارة الجاني وارتكابه
للجريمة ،مما يدعو إلى القول :إن تلك األفعال التي يرتكبها المجني عليه المستفز تجاه الجاني
يكون لها بالغ األثر في تخفيف العقوبة حتى في ظل التشريعات التي اعتبرت عذر االستفزاز
عذرًا خاصًا مخففا للعقوبة ،وأوردته على سبيل الحصر ،وذلك من خالل تفريد تلك التشريعات
للعقوبات ،وإ عطاء القاضي الجنائي بعض السلطات التقديرية في تخفيض العقوبة ،فتكون بصدد
عذر قضائي مخفف.
فبرر بعض الفقهاء تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني نتيجة ارتكابه للجريمة؛ بأنه نوع
من المقاصة بين األخطاء ،والخطأ الصادر من المجني عليه المستفز ينقص من الجريمة التي
ارتكبها الجاني كرد فعل لخطأ الجاني.
(?)
أ.د /فهد صالح مطر :النظرية العامة للمجنى عليه ،المرجع السابق.143 ، 1
277
واستند القائلون لهذا االتجاه وهم أقلية من الفقهاء إلى فكرة المقاصة بين الديون في القانون
المدني ،وهذا االتجاه اتجاه راجح ألنه ال يجوز في مجال القانون الجنائي أن يقتص الشخص من
()2
غير الجان أو ينصب نفسه قاضيا ليقيم العدالة بنفسه
واالتجاه الغالب والراجح في بيان أساس تخفيف العقوبة على الجان في حالة االستفزاز
هو االستناد على حالة الغصب الشديد التي تنتاب الجاني عند قيام المجني عليه بارتكاب األفعال
أو األعمال أو األقوال غير المحقة تجاه الجاني ،فتثير الجاني ،وتدفعه للجريمة ،وبالتالي يكون
الشخص المرتكب للجريمة تحت تأثير االستفزاز غير متمتع بإرادة كاملة تمنعه من ارتكاب
الجريمة ،لذلك اعتبرت التشريعات التي أخذت بعذر االستفزاز كعذر مخفف عام أن الشخص
الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير االستفزاز هو مجرم أقل خطورة ممن أقدم على الجريمة هادئ
األعصاب ومتمتع بكامل إرادته ،وهذا االتجاه هو ما أخذت به كثير من التشريعات والقضاء.
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 294 ، 2
277
المبحث الثاني
الشرط األول :صدور فعل غير محق من المجني عليه على الجاني:
يجب أن يصدر عن المجني عليه سلوك إيجابي سواء اتخذ شكل القول أو الفعل ،فال
تتوافر حالة االستفزاز بشأن المتهم الذي ارتكب جريمته تحت تأثير االنفعال المتولد عن شائعة
()1
وصلت إلى مسامعه عن المجني عليه الذي لم يصدر عنه أي تصرف خاطئ
كذلك ال تقوم حالة االستفزاز إذا كان المتهم هو البادئ باالستفزاز ،ويجب من ناحية
أخرى أن يكون سلوك المجني عليه غير مشروع ،ويرى الفقهاء أن عدم المشروعية هنا ال
تستلزم أن يكون فعل المجني عليه جريمة ،بينما تقتضى ذلك النصوص الفرنسية المتعلقة
باالستفزاز المادتين 326 ،321من قانون العقوبات ،ففعل االستفزاز وفقًا لها يجب أن يكون من
بين األفعال اآلتية :الضرب والتعدى الشديد على األشخاص أو االعتداء على العرض أو التسلق
والكسر.
فإذا انتفت عن فعل المجني عليه صفة الال مشروعية فال يحتج المتهم بأنه كان في حالة
استفزاز ،كأن يتوافر سبب إباحة للمجني عليه كالفعل المباح أو تنفيذ القانون أو أوامر
()2
السلطة ..........الخ
الشرط الثاني :وجوب ارتكاب الجاني المستفز الجريمة وهو في حالة االنفعال
الشديد:
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة -المرجع السابق -ص.296 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة -المرجع السابق -ص.297 2
277
ويقترن هذا الشرط بضرورة المعاصرة بين االستفزاز والجريمة لمرتكبها ،وهذا الشرط
مبناه األساس الذي يقوم عليه عذر االستفزاز :وهو حالة االنفعال الشديد الناتج عن استفزاز
المجني عليه الذي يضيق من حرية اختيار الجان ،مما يبرر تخفيف مسئوليته ،ويجب أال يفهم
المعاصرة بين االستفزاز والجريمة بأنه وقوع الجريمة عقب صدور االستفزاز مباشرة بحيث ال
يفصل بينهما أي فاصل زمني ،ولكن وقوعها في وقت قريب جدًا من االستفزاز يبرر تخفيف
مسئولية الجاني طالما أن حالة االنفعال الشديد الناتجة عن الغضب ظلت مستمرة معه حتى لحظة
الجريمة ،ويبنى على ما تقدم أن مرور فترة زمنية كافية لزوال حالة الغضب والثورة ،وقيام
الجان بالرد بعد هدوء أعصابه واستعادته لنفسه يمنع من قيام عذر االستفزاز ألن القانون ،ال
يعذر الجان الذي يمارس هذا النوع من االنتقام الهادئ والمتروى.
واألمر في نهاية المطاف متروك لقاضى الموضوع الذي يتمتع بسلطة تقديرية كبيرة في
القول بتوافر هذا الشرط من عدمه.
وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن »البحث في تأثير الغضب الشديد ال
يتعلق بمعنى الزمن ،بل العبرة في ذلك بما يستمر في ذلك الحين من تأثير الغضب وتوتر
األعصاب وتجدد االنفعال ،وهذه الحالة من األمور الموضوعية التي يجب أن تدرس بعناية في
كل قضية على حدة ،وتوزن بمقدارها مع النظر إلى حالة المجرم وبيئته وثقافته وتأثير الفعل في
()1
نفسه
(?) الحكم الصادر فى 13من تشرين الثاني سنة 1971أشار إليه أ.د /محمود نجيب حسن :شرح 1
المبحث الثالث
وأورد نصين تطبيقيين لهذا العذر ،األول ورد بالمادة 237عقوبات ،وهي حالة مفاجأة
زوج لزوجته حال تلبسها بالزنا ،وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها.
والثاني ورد بنص المادة 378/9من قانون العقوبات المصري ،وهي حالة السب غير
العلني نتيجة االستفزاز.
وتبرز هذه الحالة مدى تأثير االستفزاز الصادر من المجني عليه على الجاني ،وخلق حالة
الثورة الناتجة عن الغضب الشديدة حال مشاهدته زوجته متلبسة بالزنا مع آخر ،فيندفع إلى
ارتكاب جريمة القتل تحت تأثير االستفزاز الشديد ،فحالة االستفزاز التي تعرض لها الجاني عذرًا
مخففًا للعقوبة ،يجعلها الحبس بدًال من العقوبات المقررة في حالة القتل العمد والمعاقب عليها في
المادتين 234و 236عقوبات حيث تنص المادة 234عقوبات »من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق
إصرار وال ترصد يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة« ومع ذلك يحكم على فاعل هذه
الجناية باإلعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ،وأما إذا كان القصد منها التأهب
لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو
التخلص من العقوبة فيحكم باإلعدام أو األشغال الشاقة المؤبدة.
وتكون العقوبة اإلعدام إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 234تنفيذًا
لغرض إرهابي.
277
ونص المادة 236عقوبات »كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا أو أعطاه مواد ضارة،
ولم يقصد من ذلك قتًال ،ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب باألشغال الشاقة أو السجن من ثالث
سنوات إلى سبع.
وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد؛ فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
وتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها
في المادة 236تنفيذًا لغرض إرهابي ،فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة
األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
وترجع الحكمة من تخفيف العقاب على المتهم »الزوج« المرتكب لجريمة قتل زوجته
ومن يزنى بها إلى حالة الثورة النفسية التي يوجد فيها نتيجة االستفزاز المتمثل في خيانة الزوجة
له ،مما أفقده قدرًا من حرية االختيار؛ فاندفع إلى الثأر لشرفه من الزوجة الخائنة ،ومن شريكها
فقام بقتلهما ،وذلك لما في العالقة الخاصة التي تربط الزوج بزوجته.
فلذلك اقتصر ذلك التخفيف الوارد بالمادة 237عقوبات على الجاني الزوج فقط ال غير،
ولبيان شروط تطبيق نص المادة 237عقوبات يمكن افتراض توافر الشروط العامة ،ثم توافر
الشروط الخاصة ،وهي طبقًا للمادة سالفة الذكر ثالثة شروط متمثلة في صفة الجاني :األول أن
يكون زوجًا للمجني عليها ،والثاني أن يفاجئ زوجته في حالة تلبس ،والثالث أن يقتلها في الحال
هي ومن يزنى بها.
ويجب أن تكون الزوجية صحيحة فعًال أو حكمًا أي أن يكون أحد طرفي الجريمة مرتبطًا
بعقد زواج صحيح معترف به مستوف الشرائط النعقاده وصحته.
كما ال يشترط لقيام صفة الزوجية أن يكون الزوج قد دخل بزوجته ،بل تتوافر عالقة
الزوجية قانونًا متى تم العقد صحيحًا ،ويعتبر الزواج قائمًا في حالة الطالق الرجعى إذا زنت
277
المرأة في فترة العدة ،إذ أن الطالق الرجعى وفقًا ألحكام الشرعية اإلسالمية ال ينهي صلة
الزوجية.
وما دام العقد صحيحًا فال عبرة بكون الفعل قد ارتكب قبل الدخول بالزوجة ،أو بعد ذلك،
وبالتالي ال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة سالفة الذكر الخطيب الذي تقبل خطيبته حينما
()1
يفاجئها متلبسة بالزنا لعدم توافر صفة الزوج له
وذلك النتهاء صلة الزوجية فإذا زنت المرأة بعد طالق بائن أيًا كان نوعه فال سبيل للزوج
عليها ولو حصل الزنا خالل أيام العدة.
وال يسقط حق الزوج في اإلفادة من العذر المخفف ،ولو سبق زناه ،والمسألة مختلف
عليها في الفقه ،وعله ما نراه أن حرمان الزوج هذه الميزة إسقاط لحقه ،واإلسقاط ال يفترض وال
يعمل فيه بالقياس ،ولو شاء المشرع إسقاط حق الزوج من االستفادة من العذر المخفف لسبق زناه
لقيد مطلق نصه ،وقرر صراحة حرمانه من هذه الميزة كما نص على حرمانه من تقديم الشكوى
()2
ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق زناه
وألن الجنحة ال تقع إال من الزوج دون سواه؛ فإنه إذا كان معه فاعل آخر يؤاخذ هذا
الفاعل عن جناية قتل عمد عادية ،بينما يسأل الزوج عن الجنحة ،ويعاقب هذا الفاعل اآلخر
بعقوبة الجناية من باب أولى حين يرتكب القتل وحده دون الزوج ،أما إذا كان مع الزوج مساهم
ساعده في القتل دون أن يأت معه فإن هذا المساهم يعد شريكًا في جنحة ال جناية؛ ألنه يستمد
إجرامه من فعل الفاعل ،وهو هنا جنحة ،ولكن يتغير الحكم حين يكون الشريك في القتل هو
الزوج ،بينما يكون الفاعل شخصًا آخر فعندئذ يعتبر الفاعل مرتكبًا لجناية قتل عمد ،ويعد الزوج
شريكًا له في هذه الجناية ،دون أن يستفيد بتوقيع عقوبة الجنحة إذ يستمد إجرامه من الفعل
األصلي ،وهو في ذلك الفرض جناية.
مما سبق يتضح أن نص المادة 237من قانون العقوبات قصر تحقيق العقوبة على الزوج
الفقه ()3
فقط دون إعطاء هذا الحق للزوجة أو األخ أو االبن أو األب ،وهذه سياسة انتقضها
الجنائي إذ أن حكمة التخفيف ترجع أساسًا إلى حالة االستفزاز الناشئة عن التلبس بالزنا ،فلما
التفرقة إذا؟ وإ عطاء هذا الحق إلى الزوج دون الزوجة؟ فالزوجة تثور لكرامتها وتستفزها الخيانة
الزوجية كالرجل تمامًا ،بل أكثر منه ،فقد ترتكب جريمة قتل زوجها تحت تأثير االستفزاز إذا ما
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة ،المرجع السابق.262 ، 1
أ.د /عوض محمد :جرائم األشخاص واألموال0 114 -1985 ، (?) 2
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 262 ، 3
277
فاجأته هو وعشيقته على فراش الزوجية ،فال تستفيد من العذر المخفف ،كذلك التفرقة بين الزوج
وبين أقارب الزوجة كأصولها أو إخوتها الذين يثأرون لشرفهم ويندفعون للثأر منها بقتلها.
والغريب في هذا الشأن أن مشروع قانون العقوبات المصري القديم سنة 1966نص في
المادة 394/2عقوبات على أنه »يسرى هذا الحكم على من فاجأ إحدى أصول أو فروع أو
أخواته متلبسًا بجريمة الزنا« وأخذ بذلك بعض التشريعات العربية ،كالتشريع اللبناني الذي أعطى
هذا الحق للزوجة وألصولها ولفروعها ،ولكن بصدد المادة 237عقوبات ال يمكن القياس أو
التوسع فيما ورد بالنص ،ويبقى العذر القانوني مقصورا على الزوج فقط ال غير في حالة مفاجئته
لزوجته ومن معها متلبسة بالزنا ،أما بخصوص باقي األفراد كالزوجة واألصول والفروع فهذا
أمر متروك للقضاء في تخفيف العقاب عليها ،مراعيًا القاضي كذلك ظروف ومالبسات ارتكاب
()1
تلك الجريمة ،وذلك من خالل ما أعطاه المشرع لقاضى الجنائي في المادة ( )17عقوبات
وهنا يكون عذر قضائي ،وليس عذرا قانونيا.
(?) نص المادة 17من قانون العقوبات » يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة 1
المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه اآلتى:
عقوبة اإلعدام بعقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. -
عقوبة األشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن. -
األشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذى ال يجوز أن ينقص عن ستة شهور. -
عقوبة السجن بعقوبة السجن الحبس التى ال يجوز أن تنقص عن ثالثة شهور. -
277
األذهان ،فالتلبس لغة واصطالحًا ليس جوهره الدليل القاطع ،وإ نما جوهره المعاصرة أو التقارب
الزمني الشديد بين وقوع األمر واكتشافه.
واشترط المشرع في صورة التلبس عنصر المفاجأة ،وعبر عن هذا بقوله »من فاجأ
زوجته حال تلبسها بالزنا« وهذا ما يستدعى التساؤل عما إذا كانت المفاجأة توجب مشاهدة
الواقعة بغير توقع سابق؟ أم الممكن أن تحصل المفاجأة رغم هذا التوقع ،بمعنى هل ينطبق النص
بالنسبة إلى الزوج الذي يجد نفسه دون مقدمات سابقة إزاء حالة تلبس بالزنا من زوجته؟ وكذلك
في حالة من تشكك في أخالق زوجته فأخذ يتحين الفرص لمراقبتهما ثم تيقن من مشاهدة الواقعة
أمامه (0)1
قيل بأن النص ينطبق في الصورتين؛ ألن هذا أمر ظاهر في الحالة األولى ،وعنصر
المفاجأة متوافر في الحالة الثانية بمشاهدة الواقعة التي كان مشكوكًا في إمكان حدوثها ،وفي ذلك
طرحت أمام محكمة النقض قضية نسب فيها للمتهم أنه أحس بوجود صلة غير شريفة بين
المقتول وزوجته؛ فأراد أن يقف على جلية األمر بعد أن سأل زوجته في هذا الشأن وأنكرت؛
فتظاهر أنه ذاهب إلى السوق وكمن لها في المنزل حتى إذا ما حضر المقتول واختلى بالزوجة
وأخذ يراودها ويداعبها إلى أن اعتاللها فعًال؛ برز لها من مكمنه وانهال على المقتول طعنًا
بالسكين حتى قتله ،أما الزوجة فقد ولت هاربة واختفت في منزل الجار ،فبعد أن بينت المحكمة
آراء الشراح على الوجه المتقدم قالت إن الفعل المسند إلى المتهم ينطبق على الحالة الثانية السابق
()2
ذكرها وعاملته طبقًا للمادة 237عقوبات
وهذه الصورة تختلف عن صورة أخرى يتأكد فيها الجاني من وقوع الجريمة ،ولكنه
يتحين الفرص لضبط المرأة واالعتداء عليها ،وفي هذه الصورة ينتفي سبب العذر ،بمعنى أنه إذا
كان الزوج متيقنًا من خيانة زوجته فكان مدفوعًا بالرغبة في االنتقام منها ،ولكنه يريد قتلها في
ظروف تثبت فيها خيانتها فاحتال حتى ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها ،فهو ال يستفيد من سبب
()3
التخفيف إذ لم يفاجأ بالزنا فما كان يعتقده هو ما تحقق
والخالصة في أن يفاجئ الزوج بحالة التلبس والمفاجأة تكون للزوج نفسه ،إذ بغير ذلك ال
تتحقق حكمة التخفيف ،والسؤال الذي يطرح نفسه هو إمكانية استفادة الزوج من العذر إذا توافر
لديه سبق اإلصرار والترصد.
(?) أ.د /حسن المرصفاوى :قانون العقوبات الخاص0 208 ،1978 ، 1
(?) محكمة النقض -جلسة 3نوفمبر -1925محاماة 6ق رقم -296المجموعة الرسمية -س 2
-28عدد .7
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :شرح قانون العقوبات القسم الخاص0397 ،1987 ، 3
277
اإلجابة السريعة تقول :إن سبق اإلصرار يتنافى مع االستفزاز الناتج عن المفاجأة،
والمؤدى الرتكاب القتل في الحال ،ولكن اإلجابة الدقيقة والصحيحة أن سبق اإلصرار والترصد
ال يمنع من قيام العذر ،وعنصر المفاجأة المؤدى إلى حالة الثورة والغضب التي تدفع الجاني
»الزوج« إلى قتل الزوجة هي ومن معها حال تلبسها بالزنا ،وذلك إذا ما ارتبط اإلصرار بالشك،
أما إذا ما كان الزوج على يقين من سوء سلوك المرأة فإن ذلك الترصد واإلصرار ينفي المفاجأة،
فال يتحقق بشأنه العذر المخفف ،فإذا أقدم الزوج على قتل زوجته عن سبق إصرار وترصد
()1
فيطبق عليه عقوبة القتل العمد مع سبق اإلصرار والترصد
ولما كان ما دون الوطء من الفاحشة ال يعذرنا ،فإن التلبس به ال يكفي النطباق حكم المادة
237فال يعذر الزوج إذا ثارت ثائرته لمرأي هذه األفعال فقتل زوجته وشريكها ،على أن ذلك ال
يمنع بطبيعة الحال من تطبيق المادة 17عقوبات إذا اقتنع القاضي بدواعي تطبيقها ،ومن قبيل
أعمال الفحش التي ال تعد وطئًا العناق والتقبيل والمساحقة والمضاجعة التي ال ينضو العاشقان
فيها ما عليهما من ثياب ،وأخيرًا فإنه يالحظ افتراض رضاء الزوجة بفعل الزنا فإن أكرهت على
تحمل الوطء كان الفعل اغتصابًا في القانون ال زنى ،وال عذر للزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي
ضحية اغتصاب من جانب الغير فيقتلها ،وهو يعلم أنها معلولة على أمرها فإن قتلها عوقب طبقًا
()2
للقواعد العامة
وال يتطلب النص أن يكون تلبس الزوجة بالزنا حاصًال في منزل الزوجية ،فينطبق
النص ،ولو كان الزوج قد ضبطها كذلك خارج بيتها.
(?) أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق.265 ، 1
محكمة النقض 1530لسنة 42ق جلسة 3/11/1925حيث قررت فى القضية سالفة الذكر إن
الزوج الذى يقتل زوجته هى ومن يزنى بها بعد ترصد لهما ال يعد معذورًا فى حالة حصول
الترصد ،بعد تيقن الزوج بخيانة زوجته تيقنًا ال ريبة فيه ،ومن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو
التشفى ،وإ نما يعد الزوج معذورًا إذا قتلهما ،وكان االختفاء نتيجة لشكه ورغبة منه للوقوف إلى
الحقيقة ،ألن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو االنفعال المفاجئ ...الخ.
أ.د /عوض محمد :المرجع السابق0 120 ، (?) 2
277
من الحكمة بتخفيف العقاب ،ومن صريح نص المادة »وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها«
فالحكمة من التخفيف هي حالة الغضب الوقتي الناتج عن اإلهانة المعاصرة للمفاجأة ،فإذا انقضى
زمن كافي لزوال أثر الغضب سقط العذر وعوقب الزوج طبقًا لألحكام العامة في قانون
العقوبات ،وأمر تقدير الزمن الكافي لعودة الزوج إلى حالته النفسية الطبيعية أمر نسبى يختلف من
()1
شخص آلخر ،ولذلك يترك أمر تقديره إلى قاضى الموضوع
وال يعنى ذلك أن يقتلها وشريكها لحظة مشاهدتهما في حالة التلبس؛ فقد يقتضى الموقف
أن يسرع وهو في حالة الثورة النفسية إلى مكان مجاور بحثًا عن سالح لتنفيذ جريمته ،فال يمنع
مرور المدى الزمني القصير من توافر العذر ،ما دام الزوج قد ارتكبه وهو ال يزال واقعًا تحت
تأثير الثورة النفسية الفجائية التي تضعف إرادته وقدرته على التفكير والتروى.
و ال يعتبر القانون المصري الغضب عذرًا مخففًا إال في حالة خاصة ،وهي حالة الزوج
()2
الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها هي ومن يزنى بها
وقد قضى أيضًا بعدم توافر العذر المخفف في حق زوج أقدم على قتل زوجته بعد أن
الحظ أنها تسلك مسلكًا غير شريف ،وإ نها تغادر المسكن دون علمه ،وتعود إليه في ساعات
متأخرة من الليل ،وقد انتشر نبأ تلك العالقات وسط جيرانه في المسكن ،وكان يسمع منهم من
()3
حين آلخر كلمات عن زوجته تثير شعوره ،وتجرح كرامته
فإذا ما توافرت الشروط سالفة البيان والمنصوص عليها في المادة / 237عقوبات ،
باإلضافة إلى الشروط العامة لجريمة القتل العمدي ،فإن العقوبة تكون الحبس ،ويترتب على ذلك
أن الجريمة هنا تعد جنحة ألن العقوبة منصوص عليها قانونًا ،وبالتالي يتغير وصف الجريمة من
جناية إلى جنحة ،ويترتب على ذلك آثار قانونية هامة هي:
( )1ال عقاب على الشروع فيها ألنها جنحة ،وال عقاب على الشروع في الجنح إال بنص طبقًا
()4
للمادة / 47عقوبات
(?) نقض رقم 1502لسنة 13ق -جلسة -25/10/1943مجموعة أحكام نقض. 2
(?) نقض 15أكتوبر سنة -1984مجموعة أحكام محكمة النقض -س -35رقم -146ص 3
.670
(?) تنص المادة / 47عقوبات على أن »تعين قانونًا الجنح التى يعاقب على الشروع فيها ،وكذلك 4
( )4إذا ساهم مع الزوج شريك بالتفويض أو المساعدة فال يستفيد من التخفيف ،إال إذا كان يعلم
()1
بأسباب االستفزاز ،وذلك طبقًا للمادة 41عقوبات
( )5إذا كان الزوج شريكًا للفاعل األصلي في تلك الجريمة ،فال يستفيد من العذر المخفف تطبيقًا
للقواعد العامة في المساهمة التبعية ،حيث إن الشريك يستعير إجرامه من الفاعل األصلي،
وبالتالي يعاقب كشريك في جناية قتل عمد.
( )6إذا تعدد الفاعلون في ارتكاب هذه الجريمة المنصوص عليها بالمادة /237ع ،وكان من
ضمنهم الزوج فال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة إال الزوج ،وذلك طبقًا للمادة / 39
عقوبات.
(?) تنص المادة 41على أن »من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها إال ما استثنى قانونًا بنص خاص 1
ومع هذا-:
أوًال :ال تأثير على الشريك من األحوال الخاصة بالفاعل التى تقتضى تغيير وصف الجريمة إذا كان
الشريك غير عام بتلك األحوال.
ثانيًا :إذا تغير وصف الجريمة نظرًا إلى قصد الفاعل فيها أو كيفية علمه بها يعاقب الشريك بالعقوبة التى
يستحقها ،لو كان قصد الفاعل من الجريمة أو علمه بها كقصد الشريك منها أو علمه بها.
277
وبالتالي يستخلص من النص سالف الذكر أن المشرع اعتبر ابتداء المتهم للمجني عليه
بالسب ركنًا في جريمة السب غير العلني.
فإذا وجد االستفزاز فال قيام لجريمة السب غير العلني لعدم توافر أحد أركانه.
ولذلك إذا كان مرتكب السب شخصًا آخر خالف من وجه إليه االستفزاز ،كصديق أو
قريب له فإنه ال ينفي وقوع الجريمة ،فإباحة السب المرتكب نتيجة االستفزاز سابق من المجني
عليه أن يكون سب الجاني موجه إلى ذات المجني عليه المستفز ،مما يدعو إلى بيان الشروط
الواجب توافرها في حالة االستفزاز التي تمنع وقوع العقاب على الجاني المستفز ،والحكمة من
عدم العقاب.
والظاهر من عبارة النص أن المشرع يشترط للعقاب على جريمة السب غير العلني أن
يكون مرتكب السب »الجاني« قد ابتدأ المجني عليه بالسب ،مما يؤكد أن العقاب هنا مشروط بأن
الجاني مرتكب السب هو الذي وجه السب مباشرة للمجني عليه ،وبالتالي في حالة ما إذا كان
سب الجاني جاء ردًا على سب المجني عليه إليه تنتفي الحكمة من التجريم ،وتصبح في مجال
االستفزاز المبرر لسب الجاني ،ولذلك يشترط لعدم عقاب الجاني مرتكب السب غير العلني
المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر شرطان هما:
277
أو شخص المجني عليه الذي وجه السب للجاني ،فال يكون في مجال حالة االستفزاز التي
()2
تم توقيع العقوبة على الجاني ،ويعاقب الجاني طبقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات
حيث يرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أنه يجب لتوافر جريمة السب غير العلني
توافر عنصر سلبي قوامه انتفاء االستفزاز ،فهذا الركن الخاص يميز السب غير العلني من السب
العلني ،ومفهوم هذا الركن أن السب غير العلني يفترض أن المتهم قد بدأ باالعتداء ،ولم يكن
السب الذي صدر عنه رد فعل لسب وجهه إليه المجني عليه ،فتجريم السب غير العلني يفترض
وقوعه ابتداءً ،وتلقائيًا دون استفزاز من المجني عليه.
ويشترط إلنتاج هذا االستفزاز أثره في نفي جريمة السب غير العلني :أن يقع من المجني
عليه.
فال يحول دون توافر السب غير العلني أن يصدر عن المتهم أثر سب وجهه إليه قريب،
أو صديق المجني عليه ،وعلى ذلك فانتفاء السب غير العلني لتوافر عنصر االستفزاز يعنى أن
المتهم كان ضحية لجريمة سب من جانب المجني عليه؛ مما دفعه تحت ثورة عصبية إلى مبادلته
ذات السلوك.
ومن هنا يشترط إلنتاج االستفزاز أثره ليس فقط وحده المتهم والمجني عليه في واقعتي
السب ،وإ نما أيضًا ارتكاب السب غير العلني عقب استفزاز ،أي عقب صدور السب من المجني
عليه للمتهم بحيث ال يمر بينها فاصل زمني يتمكن خالله مرتكب السب غير العلني من استعادة
()3
هدوئه
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق0 301 ، (?) 1
(?) أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على 3
أما إذا مر وقت زمني كافٍ إلعادة الجاني الموجه إليه السب للمجني عليه لهدوئه وإ رادته
الحرة غير المتأثرة باستفزاز المجني عليه ،فإنه ال يستفاد من إباحة الفعل ،ويخضع للعقاب طبقًا
للمادة 378/9عقوبات.
وإ ن تجاوز السب يعاقب طبقًا للقواعد العامة التي تنظم الفعل المرتكب منها ،دون أن
يستفاد من حالة االستفزاز ،وتقدير قيام المعاصرة من عدمه أمر نسبى يختلف من شخص آلخر،
ومن ظروف ألخرى يخضع تقديرها لقاضى الموضوع.
و الحكمة من عدم العقاب على جريمة السب غير العلني عند توافر حالة االستفزاز
للجاني ترجع إلى قلة أهمية تلك الجريمة في ذاتها ،حيث عندما توجه إلى أحد األفراد جريمة
السب تفقد صفتها غير المشروعة حينما يكون الدافع إليها االستفزاز الصادر من المجني عليه.
* تعقــيب:
أخذ المشرع المصري بعذر االستفزاز في نطاق ضيق مقارنة بما وصلت إليه أبحاث علم
"المجني عليه" من نتائج حول دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية ،خاصة ما تعلق منها
باالستفزاز ،وأثره في وقوع الجرائم ،وعدم مسايرته لما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال
علم "المجني عليه" والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه في االعتبار عند تقدير عقوبة الجاني،
لما في دور المجني عليه من أثر بالغ في وقوع الجريمة من خالل مساهمته في ارتكابها ،أو
تخلف فكرتها لدى الجاني ،مما يدفعه إلى ارتكاب جريمته ،وذلك في حالة االستفزاز ،لذلك يأمل
الباحثون في علم "المجني عليه" أن ينص المشرع على اعتبار االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا ،يؤدى
توافره إلى تخفيف العقوبة أيًا كانت الجريمة التي يتعلق بها هذا العذر ،وليس االكتفاء بما هو
منصوص عليه في المادة 237عقوبات ،وفي نطاق ضيق مقصور على الزوج الجاني فقط ،
وفي حدود جريمة القتل لزوجته التي فوجئ بها متلبسة بالزنا.
وفي النهاية يتضح مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني من
خالل مساهمته في الجريمة التي ارتكبها الجاني ،فكانت المساهمة عذرًا للجاني يخفف عقوبته
ويغير مسئوليته.
277
المبحث الرابع
ويمكن القول :إن للمجني عليه دور بارز وفعال في وقوع الجريمة ،وذلك من خالل حالة
االستفزاز ،وإن لهذا الدور أثر ال يمكن تجاهله في تحديد مسئولية الجاني سواء من خالل وضع
النصوص التشريعية ،أو من خالل السلطة القضائية عند بحثها لظروف ومالبسات الجريمة
المنظورة أمامها ،لتطبيق العقوبة المناسبة المالئمة لخطأ الجاني المستفز.
بمعنى أن حالة االستفزاز لها أثر من ناحية المسئولية الجنائية للجاني ،والمسئولية المدنية،
فإن أغفل المشرع األخذ بها في بعض النصوص القانونية ،واعتبرها محددة على سبيل الحصر،
باعتبارها عذر قانوني خاص يخفف العقوبة ،فإن القاضي ال يمكن أن يتجاهل أثناء تطبيقه
للعقوبة على الجاني الذي تعرض لحالة االستفزاز من المجني عليه فدفعته الرتكاب الجريمة
وبالتالي حالة االستفزاز التي يقوم بها المجني عليه تجاه ()1
ضده اعتبارها عذرا قضائيا مخففا
الجاني لها أثر قانوني واضح في تخفيف العقاب على الجاني ،سواء أخذت التشريعات الجنائية
بالنص عليها ،أو بعدم النص عليها ،وذلك متماشيًا مع ما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال
علم "المجني عليه" ،والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه باالعتبار عند تقدير عقوبة الجاني.
وأيضًا يكون لها أثر فعال من ناحية المسئولية المدنية القائمة على الخطأ ،والعذر والعالقة
السببية بينهما ،وذلك من خالل تخفيض التعويض المدني المترتب على مسئولية الجاني المستفز،
وإ نقاص مبلغ التعويض يكون متناسبًا مع قدر مساهمة المجني عليه في خلق فكرة الجريمة ،ودفع
الجاني إليها.
(?) حيث قضت محكمة النقض فى أحكام عديدة باعتبار االستفزاز عذر قضائى مخفف من هذه األحكام 1
»لما كانت حاالت اإلثارة أو االستفزاز أو الغضب ال تنفى نية القتل كما أنه ال تناقض بين قيام هذه النية لدى
الجانى ،وبين كونه قد ارتكب فعله تحت تأثير أى من هذه الحاالت ،وإ ن أعدت أعذار قضائية مخففة يرجع
األمر فى تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير مغصب عليها من محكمة النقض ،نقض .25/5/1973
277
الفصل الثاني
فالدفاع الشرعي :هو استعمال القوة الالزمة لرد اعتداء غير مشروع يقع على النفس أو
المال ،سواء كان االعتداء يهدد المدافع ذاته أم غيره ،وهو حق تخوله المبادئ القانونية العامة
للمدافع الستعمال القوة الالزمة لبدء اعتداء غير مشروع يوشك أن يقع ،أو للحيلولة دون
استمراره ،والحكمة من إباحته هي الموازنة بين المصالح في المجتمع ،وترجيح مصلحة على
أخرى كمصلحة المعتدى عليه هي األجدر بالحماية.
أما مصلحة المعتدى فلم تعد جديرة بالحماية لبدئه بالعدوان على المصالح التي يحميها
القانون ،وليس في مثل الدفاع أي اعتداء مع مصلحة المجتمع.
وعلى ذلك فالدفاع الشرعي سبب عام من أسباب اإلباحة ،يبرر استعمال القوة الالزمة
والكافية لدفع خطر حال ،وغير مشروع يهدد باالعتداء حقًا يحميه القانون.
وبإلقاء الضوء على الدفاع الشرعي من منظور دراسة دور المجني عليه في الظاهرة
اإلجرامية ،وأثره في مسئولية الجاني يتضح أن إباحة حق الدفاع جاءت نتيجة ارتكاب المجني
عليه ألعمال االعتداء ،ففقد الحماية الجنائية وحقوقه المدنية.
وفي هذا الفصل سيتم دراسة دور ضحية أفعال الدفاع الشرعي في إلحاق األذى بنفسه،
ودور صاحب الحق المهدد باالعتداء ،من خالل أربعة مباحث كالتالي:
المبحث الرابع :األثر القانوني المترتب على توافر حالة الدفاع الشرعي
277
المبحث األول
وبالتالي تنعدم إرادته وحرية اختياره األمر الذي يؤدى إلى انتفاء مسئوليته الجنائية.
واستند أصحاب هذه النظرية أيضًا في مجال وضع تبرير إلباحة أفعال الدفاع إلى
مشروعية الباعث ،والهدف من ارتكاب فعل الدفاع ،وهو حماية حق ذاتي أو حق للغير.
ولكنه يؤخذ على تلك النظرية ذات األساس المعنوي إلباحة أفعال الدفاع أن النظام
القانوني الجنائي ال يعتد بالبواعث ،كما أن المشرع يتطلب شروط أخرى إلباحة فعل الدفاع،
باإلضافة إلى أن المدافع قد يرد االعتداء في هدوء تام دون أن يفقد ضغط النفس أو التحكم
اإلرادي.
وهذا ما دعا بعض الفقهاء إلى تبرير إباحة أفعال الدفاع إلى أساس موضوعي؛ متمثًال في
تنازع المصالح ،بمعنى إذا تعارضت مصلحتان فإن القانون يضحى بالمصلحة األقل أهمية
محافظًا على المصلحة األكثر أهمية.
فيرى أصحاب هذا الرأي أن مصلحة المدافع تعلو على مصلحة المعتدى ،مما يصيب
المعتدى من ضرر بسبب أعمال الدفاع ،إنما يحدث درءًا العتدائه.
وبالتالي فإن كل فعل يلزم لرد االعتداء يصبح مشروعًا ،وما يتعدى مقتضيات الدفاع
فيظل غير مشروع.
في حين يرى األستاذ الدكتور يسرى أنور أن أساس اإلباحة في الدفاع الشرعي هو انعدام
الضرر بالفعل ،وبالتالي تخلفت المصلحة االجتماعية في التجريم والعقاب ،ولذلك فإن الدولة تبيح
أ.د /محمد سيد عبد التواب :في الدفاع الشرعي في الفقه اإلسالمي -دراسة مقارنة ،رسالة
دكتوراه ( غير منشورة) ،كلية الحقوق :جامعة القاهرة.،
277
أفعال المعتدى عليه ألنه ال يحقق ضررًا اجتماعيا ،بل يؤكد سلطة القانون بمنع اعتداء غير
مشروع.
ويترتب على ذلك أن سلوك المدافع ال يكون جريمة أصًال ،بل يصدر مشروعًا ،فال
()1
جريمة في األمر
فالدفاع الشرعي له طبيعة موضوعية مادية أو عينية ،إذ يزيل صفة عدم المشروعية
الجنائية عن الواقعة بنص المشرع ،وهو ينشأ حينما توافرت شروطه دون اعتداد أو إشارة إلى
شخص المدافع ،الذي ال يتسم دوره بأهمية خاصة إال في األحوال االستثنائية.
وهذا ما يميز الدفاع الشرعي عن موانع المسئولية الجنائية ،حيث إن األخيرة من طبيعة
شخصية ،وبالتالي ال تؤثر في عدم مشروعية الفعل.
أما االتجاه السائد في الفقه المصري فهو الذي يرجح أساس إباحة أفعال الدفاع إلى فكرة
الموازنة بين المصالح المتعارضة ،وترجيح حقها بالرعاية تحقيقًا للصالح العام ،وهو هدف لكل
()2
نظام قانوني
ويرى بعضهم أن أساس الدفاع الشرعي يرتكز على اختيار المشرع لمصلحة معينة من
بين المصالح المتنازع عليها ،لكي يضفي عليها اهتمامه ،وهي مصلحة المعتدى عليه إذ يراها
()3
أجدر بالرعاية من مصلحة المعتدى
وبناء على ما تقدم فإن أغلب التشريعات تعتبر الدفاع الشرعي سببًا لإلباحة يبيح لجوء
ً
المدافع الواقع عليه االعتداء اللجوء إلى أي وسيلة الزمة ومناسبة لرد االعتداء.
وبالرغم من أن المشرع المصري أورد النصوص الخاصة بالدفاع الشرعي سببًا عامًا
لإلباحة ذات طبيعة موضوعية.
أ.د /يسرى أنور :شرح قانون العقوبات ،النظرية العام0 408 ،1990 ، (?) 1
أ.د /عبد التواب معوض :درس في قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 252 ، (?) 2
(?)
أ.د /أحمد فتحى سرور :أصول قانون العقوبات ،دار النهضة العربية.206 ، 3
277
المبحث الثاني
وأضاف في المواد الالحقة لها الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي ،وهي شروط
متعلقة بفعل االعتداء ،وأخرى بفعل الدفاع ،وذلك على النحو التالي:
وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة الالزمة لرد أي فعل يعتبر جريمة من
الجرائم المنصوص عليها في األبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب،
وفي الفقرة 4من المادة 279كما تنص المادة 247عقوبات على أنه »وليس لهذا الحق وجود
277
متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة العمومية ،والمستفاد
من ذلك أن شروط االعتداء هي:
لكي يكون هناك حق دفاع يجب أن يكون هناك اعتداء ،أو خطر اعتداء بفعل يعد جريمة،
فإذا كان االعتداء ال يعد جريمة فال يقوم حق الدفاع.
وبناء على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي معاقب عليه ،إال إذا كان
من يزاول حقه في الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي ،فإن فعله يعتبر اعتداء ،مما يعد جريمة
طبقًا للمادة 251عقوبات ،وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده ،واالعتداء يعد جريمة ،ولو كان الفاعل
غير معاقب لعارض من عوارض األهلية الجنائية ،أو النتفاء اإلسناد المعنوي العمدي للغلط في
الوقائع ،ألن موانع المسئولية ال تمحو صفة الجريمة عن الفعل ،وإ ن كانت تمنع المسئولية عنه،
فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون أو صاحب العاهة العقلية والسكران ومن هو واقع في
()1
الغلط
كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من األعذار القانونية ،أو سبب من أسباب
()2
انعدام المسئولية
واشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد انتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع ،فال
يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون ،أو يأمر به ،فالدفاع ال يجوز إال ضد خطر يهدد
()3
بارتكاب جريمة
(?) أ.د /محمد محيى الدين عوض :القانون الجنائي مبادئه األساسية ونظرياته العامة -دراسة 1
(?)
أ.د /مأمون سالمة :في قانون العقوبات ،القسم العام.1979،210 ، 3
277
ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي ال يجوز ضد من يرتكب فعًال مباحًا قانونًا في حالة
دفاع عن النفس أو المال ،كذلك ال يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب استعماًال لحق من الحقوق،
أو أداء الواجب أو تنفيذ األمر المشروع ،أما التجاوز في استعمال الحق أو الغلط في اإلباحة ،فإنه
ال ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة ،وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده،
ويجوز الدفاع الشرعي ضده ،ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في اإلباحة يعفي صاحبه من
()1
المسئولية كلية أو ال يعفيه
(?)
أ.د /مأمون سالمة :المرجع السابق.210، 1
(?)
أ.د /مأمون سالمة :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 210 ، 2
277
ويرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أن هذا االتجاه غير دقيق؛ ألن أسباب اإلباحة
ذات طبيعة موضوعية يتعين أن تتوافر كافة شروطها فعًال.
ولما كان وجود اعتداء أحد شروط الدفاع؛ فال يكفي مجرد توهم وجوده ،ولو كان ذلك
مبنيًا على أسباب معقولة ،والصحيح أن االعتقاد بوجود خطر وهمي ليس إال تطبيقًا لنظرية الغلط
في اإلباحة.
والغلط في تقدير الوقائع التي يقوم عليها الدفاع الشرعي ينفي ألسباب معقولة يقع فيها
الشخص المعتاد إذا وجد في الظروف التي وجد فيها المدافع ،فال يسأل أيضًا عن جريمة غير
()1
عمدية ألنه ال يمكن نسبة الخطأ إليه
وينتهي الحق في الدفاع بزوال االعتداء أو الخطر فعًال ،ألن الغرض من الدفاع هو منع
التعدي ،وليس القصاص أو االنتقاد.
فإذا ثبت أن المتهم ارتكب جريمته بعد زوال الخطر وانقطاع االعتداء ،فال يكون في حالة
دفاع شرعي.
الشرط الثاني :أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال:
أغلب التشريعات تبيح الدفاع ضد خطر أي جريمة ،مثل كل من :التشريع اإليطالي
والليبي والسوري والكويتي ....الخ.
و اشترط القانون المصري أن يكون الخطر مهددًا لجريمة تقع على النفس ،غير أنه قصر
الدفاع عن المال في جرائم معينة ،وردت على سبيل الحصر.
والمقصود بجرائم االعتداء على النفس جرائم االعتداء على النفس التي تقع على
األشخاص ،وهي في القانون متنوعة ،فقد تنال باالعتداء الحق في الحياة (القتل) أو سالمة الجسم
(الجرح والضرب وإ عطاء المواد الضارة) ،أو الحق في الحرية (الخطف وحبس األشخاص)،
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق ،دروس في قانون 1
وهذه الجرائم تبيح جميعًا حق الدفاع الشرعي ،ال محال للتفرقة بينها بحسب نوعها أو
جسامتها ،فالضرب البسيط ،واألفعال المنافية للحياة كل ذلك يبرر استخدام حق الدفاع الشرعي
بشرط مراعاة (التناسب) بين جسامة االعتداء (أو خطر االعتداء بتعبير أدق) وبين الدفاع وأال
()1
يتجاوز المدافع حدود الحق في الدفاع
ثانيًا :جرائم الباب الثامن :وهي جرائم السرقة ،واغتصاب األموال الواردة في المادة 311إلى
، 327وبعضها جرائم اعتداء على المال والنفس معًا ،كالسرقة باإلكراه (المادة ،)314
وكاغتصاب السندات ،والتوقيعات بالقوة أو التهديد (المادة .)325
ثالثًا :جرائم الباب الثالث عشر :وهي جرائم التخريب واإلتالف ،سواء أوقعت على الجماد
(المواد 354و 358و 359و 361و 361مكرر) أم على الحيوان المادتان ( 355و
.)357
رابعًا :جرائم الباب الرابع عشر :وهي جرائم انتهاك حرمة ملك الغير الواردة في المواد من
369إلى .375
خامسًا :الفقرة الرابعة من المادة :279وهي الواردة في المخالفات ،وهي خاصة بتجريم كل من
دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول ،أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو
داوبه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب ،أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها
بغير حق.
ويالحظ أن المادة 246/2من قانون العقوبات قد أوردت هذه الجرائم على سبيل
الحصر ،فال يقاس عليها جرائم أخرى ،هذا ولو أنه يندر في العمل أن تثار صور للدفاع الشرعي
(?)
أ.د /عبد التواب معوض ::قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 262 ، 1
(?)
أ.د /يسرى أنور :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.485 ، 2
277
عن المال خارج نطاقها فإذا أثيرت وجب القول بعدم جواز استعمال القوة المادية لدفعها ،ومن
()1
باب أولى إذا كان النزاع مدنيًا بحتًا ال يخضع لوصف جنائي معين
واالعتداء بناء على ما تقدم يكون حاًال أو على وشك الحلول إذا كانت الجريمة في مجرد
سريانها ،أو كانت عند البدء في تنفيذها ،أو كانت في المرحلة التحضيرية السابقة مباشرة على
()2
ارتكابها ،والعبرة في تقدير ذلك هي بما يراه المدافع في الظروف التي كان فيها
وإ عماًال لنص المادة 245عقوبات يستوي أن يكون الدفاع الشرعي عن النفس أو المال
أو عن نفس الغير أو ماله.
كما أنه جدير بالذكر أنه يجوز الدفاع الشرعي ،ولو كان حلول الخطر غير المشروع جاء
نتيجة استفزاز من المعتدى عليه ،ذلك أن االستفزاز ال ينفي عن الخطر الصفة غير المشروعة،
وال دخل له في توافر صفة الخطر المتطلبة ،وهي كونه حاًال ،كل ذلك ما لم يكن االستفزاز قد
()3
قصد به دفع المستفز إلى االعتداء ،وخلق حالة دفاع شرعي للمستفز
أ.د /رؤف عبيد :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق0 552 ، (?) 1
(?)
أ.د /محمد محيى الدين عوض :المرجع السابق.522 ، 2
(?)
أ.د /مأمون سالمة :المرجع السابق.216 ، 3
277
اإلجراء قبل إيقاع الضرر ،فالشخص الذي يشاهد لصًا يحاول اجتياز سور منزل غير مكلف
بالتوجه إلى نقطة البوليس ،وإ نما له أن يدفع السرقة ألن االلتجاء إلى البوليس في هذه الحالة ال
يسعف في درء الجريمة ،ولكن عليه أن يستعين برجل البوليس إذا كان على مقربة منه.
وقد قضت محكمة النقض أيضًا بأنه إذا كان التصوير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه
وأسس عليه قضاء ينبئ في ظاهره بأنه كان في مقدور المتهم وقد عاد إلى قريته ليحمل سالحه
أن يحتمي برجال السلطة العامة.
لذلك كان يتعين على المحكمة أن تستحلى هذا األمر ،وتستظهره بأدلة سائغة للوقوف على
ما إذا كانت القوة التي استخدمها المتهم في دفع العدوان هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ تلك الغاية ،أو
أنه كان في وسعه أن يتجنب استخدامها باستعمال وسائل أخرى ،كااللتجاء إلى رجال السلطة
لالحتماء بهم ،أما ولم يعرض الحكم لهذا البيان فإنه يكون قاصرًا قصورًا بعينه ويستوجب نقضه
()1
ولقد ثار الجدل حول ما إذا كان الهرب يمكن أن يعتبر طريقًا آخر لتفادى استعمال الحق
في الدفاع الشرعي ،بحيث ينتفي هذا الحق إذا كان في وسع الجاني الهرب من خطر االعتداء،
والرأي المتفق عليه هو أن الهرب فعل يشين اإلنسان ويهبط بكرامته.
(?) نقض 26يناير -1959مجموعة أحكام النقض -السنة العاشرة -رقم -29صفحة .83 1
أشار إليه أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق،
.263
277
وبالتالي فإنه ليس على اإلنسان المهدد في نفسه أو ماله أن يهرب ليتفادى العدوان ،حتى
ولو كان ذلك مستطاعًا ،لكن من المتفق عليه من ناحية أخرى أنه إذا كان الجاني مجنونًا فإن
الهرب منه وفي مواجهته ال يعتبر جبنًا ال يوصم فاعله بالعار.
يثار بحث ما إذا الهرب ممكنًا أم غير ممكن بحسب ظروف الحال ،وفقًا لتصرف اإلنسان
العاقل من أوسط الناس لو وجد في نفس الظروف.
ويالحظ أنه ال مجال إلباحة فعل الدفاع إال إذا وجه إلى مصدر الخطر ،لكي يكفل
التخلص منه ،أما إذا ترك المعتدى مصدرًا لخطر يهدده ووجه فعله إلى شخص أو شيء ال يصدر
الخطر عنه فعًال محل الحتجاجه بالدفاع الشرعي ألن الفعل غير ذي جدوى في التخلص من
الخطر؛ فهو غير الزم لذلك فمن يهاجمه شخص ال يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره ،ومن
يهاجمه كلب ال يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه ،ومن تدخل في أرضه مواشي
()1
الغير ودوابه ال يجوز أن يتركها ويوجه فعله إلى حائزها
ولكن ال يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل االعتداء،
ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل هذه الظروف التي كان فيها المدافع ،وبالنسبة لسنة وقوته
()2
وحالته النفسية ،وعلى ذلك فهي متناسبة ،ومرجع تقدير ذلك كله إلى محكمة الموضوع
وفي ذلك قيل بأن التناسب ال يعنى التطابق بين االعتداء والقوة ،وإ نما المقصود أن يكون
هناك تناسبًا بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه ،وبين الوسيلة التي استعملها بالفعل،
فيوجد تناسب إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظروف استعمالها أنسب الوسائل لرد
االعتداء ،أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المهدد باالعتداء.
فالضرر الذي ينتج عن استعمال هذه الوسيلة هو القدر المناسب لرد االعتداء ،وتقدير
التناسب على هذا النحو نسبى يتعلق بظروف كل واقعة ،فقد تعد الوسيلة مناسبة في بعض
الظروف دون بعضها اآلخر.
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى:القسم العام ،المرجع السابق.216 ، 1
(?)
أ.د /محمد محيى الدين عوض :المرجع السابق.533 ، 2
277
المبحث الثالث
-3أال يكون هناك خوف من أن يترتب على عمل مأمور الضبط موت أو جروح بالغة.
وبالتالي إذا تخلف شرط من هذه الشروط الثالثة السابقة بأن يكون مأمور الضبط سيئ
النية ،أو أن يكون العمل ال يدخل في اختصاصه ،أو خيف أن يترتب عليه موت أو جروح بالغة،
وكان لهذا الخوف سبب معقول جاز الدفاع الشرعي ضد مأمور الضبط.
وبناء عليه فإن القيد سالف الذكر مشروط بتوافر الشروط الثالثة الخاصة؛ ألن تخلف
إحداها مع توافر الشروط العامة للدفاع الشرعي ينفي القيد ونكون بصدد دفاع شرعي.
و تقدير تلك الشروط أمر متعلق بظروف كل حالة على حدة ،ويخضع تقديره لمحكمة
()1
الموضوع
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.278 ، 1
277
نظرًا لجسامة القتل العمد رأي المشرع أن يقيد االلتجاء إليه بناء على توافر حالة الدفاع
الشرعي ،إال في أحوال معينة حددها على سبيل الحصر في المادتين 249و 250عقوبات.
حيث إن األولى حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن النفس.
والثانية حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن المال ،فليس للمهدد باالعتداء أن
يلجأ إلى القتل في غير هذه األحوال ،ولو كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لرد االعتداء في الظروف
التي وقع فيها ،ومما ينبغي مالحظته أن توافر حالة من هذه األحوال ليس إال قرينة نسبية أو
بسيطة على تناسب االعتداء مع القتل ،فال يسلب المحاكم سلطة تقدير التناسب على الوجه السابق
بيانه ،بمعنى أنه إذا كان دفع الخطر مستطاعًا بوسيلة دون القتل فعلى المهدد باالعتداء أن يلجأ
()1
إلى هذه الوسيلة ،وإ ال كان متجاوزًا حدود الدفاع
أوًال :فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
وهو ما يتحقق في جرائم القتل أو اإليذاء الشديد ،الذي يمكن أن ينتج عنه الموت أو عاهة
مستديمة ،أو عجز خطير ،وظروف الحال هي التي تحدد ما إذا كان للتخوف سبب معقول من
عدمه ،فإذا لم يكن هناك سبب معقول ووصل دفاع الشخص إلى القتل كان متجاوزًا ،وبالتالي أتى
فعًال غير مشروع يحق للغير الدفاع الشخصي ضده.
ثانيًا :إتيان امرأة كرهًا أو هتك عرض إنسان بالقوة ،وهذه الفقرة تعنى جريمة دفاع أنثى بغير
رضاها ( 267عقوبات) وجريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد ( 268عقوبات).
ثالثًا :اختطاف إنسان وهذا يعنى الجرائم المنصوص عليها بالمواد 283و 284و 290عقوبات.
(?)
أ.د /محمود مصطفى :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.248 ، 1
277
-1فعل من األفعال المبينة في الكتاب الثالث من قانون العقوبات ،ويعنى الشارع بذلك الحريق
العمد.
-2سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات ،وهي الجرائم المنصوص عليها بالمواد 313و
316مكرر من قانون العقوبات.
-4فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو الجراح البالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة.
والمقصود بهذا الغرض حالة تهديد المال بفعل يهدد بالخطر حياة صاحبه أو حياة
اآلخرين ،مثل ذلك أن يحاول شخص إتالف آلة فيهدد ذلك بانفجارها ،والقضاء على حياة
العاملين أو إصابتهم بجراح بالغة بـ(العاهة المستديمة أو العجز أو المرض الخطير)0
وواضح من هذه الفقرة األخيرة أن الخطر هنا يهدد المال بصورة مباشرة ،كما أنه يهدد
النفس بصورة غير مباشرة ،وقد كان من الممكن االستغناء عنها بما نصت عليه الفقرة األولى من
المادة 249عقوبات الخاصة بإباحة القتل العمد دفاعًا عن النفس طالما أن الخطر يهدد في النهاية
نفس اإلنسان.
277
المبحث الرابع
-1من الناحية اإلجرامية :يترتب على حالة الدفاع الشرعي أن تصدر جهة التحقيق أمرًا بأن ال
وجه إلقامة الدعوى ،إذا ما ثبت توافر حالة الدفاع الشرعي طبقًا لما هو منصوص عليه في مواد
القانون.
-2من الناحية الموضوعية :عندما تحيل جهة التحقيق الدعوى إلى المحكمة قبل أن تثبت توافر
حالة الدفاع الشرعي ،وتم إثبات توافر حالة الدفاع الشرعي للمدافع أمام محكمة الموضوع ،فهنا
تقضى محكمة الموضوع بالبراءة ،إذا ما أثبتت أن المدافع كان بصدد حالة دفاع شرعي ،وأن
أفعاله كانت في الحدود التي رسمها القانون.
ويترتب على ذلك أيضًا استفادة كل من ساهم في الدفاع ،سواء كان فاعًال أو شريكًا،
وترفع عنه المسئولية الجنائية ،ويتساوى مع المدافع ،وذلك باعتبار أن الدفاع الشرعي سبب إباحة
()1
عام ذات طبيعة موضوعية
-3من ناحية المسئولية المدنية :من اآلثار القانونية المترتبة على توافر حق الدفاع الشرعي
انعدام المسئولية المدنية ،حيث إنه ليس من حق من وقع عليه أفعال الدفاع المشروعة التي تبيح
حق الدفاع الشرعي أن يطالب فاعلها بالتعويض المدني.
فالنعقاد المسئولية المدنية يجب توافر خطأ وضرر ،وعالقة سببية تربط الضرر بالخطأ.
وبتطبيق ذلك على حالة الدفاع الشرعي نجد أن األفعال التي ارتكبها المدافع وإ ن وصلت
إلى حد القتل فهي مباحة ومشروعة ما دامت في الحدود التي رسمها القانون لحالة الدفاع
الشرعي.
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق.286 ، 1
277
مما سبق يتضح انعدام المسئولية الجنائية والمدنية؛ إلباحة أفعال الدفاع إذا ما تمت طبقًا
للقانون.
أما إذا تجاوز المدافع حدود أفعال الدفاع الشرعي بحسن نية يسأل جنائيًا ومدنيًا ،وذلك
طبقًا لما ورد في المادة 251من قانون العقوبات ،والتي تنص على أنه »ال يعفي من العقاب كلية
من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه ،دون أن يكون قاصدا إحداث
ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع ،مع ذلك يجوز للقاضي في الجناية أن يعده معذورًا ،إذ لذلك
محًال ،وأن يحكم عليه بالحبس بدًال من العقوبة في القانون«.
افترض المشرع أن يكون المدافع في حالة دفاع شرعي صحيحة وسليمة ،ولكن المدافع قد
يتجاوز حدود الدفاع التي رسمها القانون في المواد السابقة ،وهذا التجاوز مشروط بحسن نية
المدافع.
بمعنى أن المدافع كان يعتقد أنه يباشر حقه في دفع االعتداء بالقدر الالزم ،والضروري
ولكنه في الحقيقة تخطى حد التناسب واللزوم ،وبالتالي تخطى اإلباحة وأصبح فعله غير مشروع
يعاقب عليه القانون وإ ن اعتبره معذورًا.
ويترتب على ذلك انعقاد المسئولية الجنائية والمدنية طبقًا لنص المادة 251عقوبات.
والمسئولية المدنية طبقًا للمادة 163من القانون المدني المصري التي تنص على أن »كل
خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ،وهذا يعنى أن أي خطأ مهما قلت جسامته
يترتب عليه المسئولية المدنية«.
* تعقيب:
نطاق الدفاع الشرعي أوسع من نطاق االستفزاز سواء من حيث األشخاص ،أو من حيث
األفعال ،وذلك يتضح مما يلي:
277
المستفيد من عذر االستفزاز هو الجاني المستفز فقط دون الشريك الغير عالم بحالة
االستفزاز ،بينما في الدفاع الشرعي يستفيد جميع المساهمين في الدفاع سواء علموا أم لم يعلموا
بتوافر الدفاع الشرعي.
ينحصر االستفزاز في نطاق ضيق يتمثل في الجرائم المحددة على سبيل الحصر.
أما الدفاع الشرعي فينطبق على كل الجرائم الواقعة على نفس المدافع أو ماله أو على
نفس غيره أو ماله ،وذلك وفقًا للشروط والقيود المبينة قانونًا.
الفصل الثالث
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن اآلن :ما إذا كان لرضا المجني عليه دور في وقوع
الجريمة من عدمه؟ وأيضًا مدى تأثير رضا المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني؟
فالقاعدة العامة عدم تأثير رضا المجني عليه على أركان الجريمة ،وبالتالي ال أثر له على
مسئولية الجاني ،ألن أهم غرض للتجريم والعقاب هو حماية مصالح المجتمع ،لأن سياسة الدولة
في التجريم والعقاب تقوم أساسًا على اعتبارات المصلحة العامة.
ولكن األخذ بهذه القاعدة على إطالقها من شأنه أن يهدر حرية الفرد في التصرف في
حقوقه التي تقبل بطبيعتها التنازل عنها للغير ،وال ينتج عن هذا التصرف أو التنازل ضرر
لمصلحة المجتمع لذلك قسم الفقهاء الجرائم إلى ثالثة أقسام:
فالجرائم التي تمس حقوق خالصة للمجتمع مثل الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي
والخارجي ،والجرائم المضرة بالمصلحة العامة ،والسالمة العامة ،واآلداب العامة ،والنظام العام
والثقة العامة .......الخ.
فهذه الجرائم ال تأثير لرضا المجني عليه على اإلطالق في هذه الجرائم فليس للرضا
()2
تأثير على أركان الجريمة أو على عقوبتها بل قد يكون الرضا جريمة في ذاته
أما بشأن الجرائم التي تمس حقوق مشتركة بين الفرد والمجتمع ،والجرائم التي تمس
حقوق خاصة للفرد وتقبل التصرف فيها ،والتنازل عنها دون ضرر جسيم للمجتمع ،فهذه تعرض
لها الفقه والقضاء والتشريعات المختلفة من خالل تأثير الرضا على بعض الجرائم من خالل
تأثيره على أركان الجريمة ،وذلك عندما تكون الجريمة تمس حقًا للمجني عليه يجوز التصرف
فيه ،أو التنازل عنه دون أن يضر مصلحة المجتمع ضرر جسيم.
المبحث الثالث :الحاالت التي يعتد فيها القانون برضا المجني عليه
المبحث الرابع :اآلثار القانونية لرضا المجني عليه في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة
(?) حيث إن هذا التقسيم مستمد من تقسيم فقهاء الشريعة اإلسالمية للحقوق إلى حقوق خالصة هلل 1
باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب اإلسقاط عن
ذلك حقيقة تعاقب بعقوبة الحبس«.
277
المبحث األول
ولكن لهذه القاعدة العامة استثناءات يعتد فيها القانون أحيانًا برضاء المجني عليه ،ويرتب
عليه آثار قانونية هامة ،وذلك في الحاالت التي تقع فيها الجريمة على حق خاص بالمجني عليه
يبيح له القانون حق التصرف فيه ،أو التنازل عنه ،مما يثيرالتساؤل عن الطبيعة القانونية لرضا
المجني عليه في األحوال التي يؤثر فيها رضاء المجني عليه على أركان الجريمة ،ويغير في
مسئولية الجاني.
فاتجه بعضهم إلى تحديد الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه على أساس فكرة استعمال
الحق مقررًا ،بأن الرضا متى وجد فهو يمثل استعماًال للحق حيث إن كل اعتداء على الحق
برضاء من صاحبه يعتبر مباشرة للحق.
فصاحب الحق يستعمله بنفسه أو يأذن للغير باستعماله متى كان التصرف في الحق جائزا،
()1
واألضرار الناتجة عن التصرف في الحق أضرار شخصية
فالرضا استعمال للحق يستمد قوته من سلطان اإلرادة؛ على أساس أن كل فعل لم يخطره
القانون يباح.
على ذلك يرى أنصار هذا االتجاه أن الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه تمثل مباشرة
()2
للحق أو استعمال للحق
أما االتجاه الثاني المؤسس للطبيعة القانونية للرضا يرى أن الرضا يمثل تصرف قانوني،
يتضمن وعدًا يمنح الموجه إليه سلطة التصرف دون أن ينشأ على عاتق صاحب الحق أي التزام،
(?) أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :رضاء المجني عليه وآثاره القانونية ،رسالة دكتوراه (غير 1
وهذا االتجاه هو األرجح في بيان الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه ،باعتبار أن
رضاء المجني عليه تصرفًا إراديًا يرتب عليه المشرع آثاره من حيث اإلباحة أو غيرها.
( أ ) حقوق خالصة هلل –تعالى -ويقع باطًال كل تصرف فيها وال أثر للرضا في شأنها.
(ب) وحقوق مشتركة بين العبد وربه وهذه تأخذ حكم األولى ،إذا كان يغلب فيها حق اهلل–
تعالى -على حق العبد.
(ج) حقوق خالصة للعبد ،ويجوز التصرف فيها ،والتنازل عنها إذا ما أجازت الشريعة
اإلسالمية ذلك.
واالتجاه الراجح في الفقه الوصفي ،والفقه اإلسالمي لطبيعة الرضا القانونية؛ هو الذي
يرى أن الرضا تصرف قانوني من جانب المجني عليه وحده صاحب الحق والصفة في الرضا.
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق. ، 1
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق.80، 2
277
المبحث الثاني
الشرط األول :أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية:
يجب أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية ،فلكي يكون الرضا صحيحًا
ومنتجًا آلثاره القانونية يتعين توافر عدة شروط في الشخص الذي يصدر عنه الرضا أهمها :أن
يكون هذا الشخص مميزًا ومدركًا ( ،)1والتمييز هو توافر الملكة الذهنية والنفسية لدى الشخص
بالقدر الذي يمكنه من فهم طبيعة الفعل الذي يقع مساسًا بحقه مع معرفة ما يرتبه الفعل من نتائج
وآثار ،وأن يكون مدركًا لطبيعة ما يفعله.
وبالتالي إذا لم تكن إرادة الشخص مميزة ومدركة ،فال صحة للرضا الصادر عنه فال
عبرة برضا المجنون أو السكران أو النائم ،كذلك يجب أن يكون الشخص حر االختيار بحيث ال
تخضع إرادته إلكراه أو خوف تعدم لديه حرية االختيار.
وحرية االختيار أمر نسبى دائمًا يختلف حسب الشخص وحسب طبيعة كل حالة على
حدة.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :دروس في قانون العقوبات ،القسم العام0 291 ، 1
وقد جرت غالبية التشريعات على عدم تحديد سن الرضا في قاعدة عامة ،ومن بينها
التشريع المصري ،واكتفت على النص بالسن في كل حالة رأتها مقتضية لتحديد السن ،كالجرائم
،كما في المواد ()2
ذات الطبيعة الخاصة مثل جرائم االعتداء على العرض ،وجرائم الخطف
267و 269و 289من قانون العقوبات.
لتوافر صحة الرضا طبقًا لهذا الشرط سالف الذكر أن يكون الرضا صادرًا عن شخص
مميزًا ،أو مدركًا حر االختيار بالغ للسن الذي أوجبه القانون لالعتداد بصحة رضاءه.
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :قانون العقوبات،القسم العام0 263 ، 1
(?) تقضى غالبية التشريعات الجنائية باعتبار سن التمييز هو السابعة من العمر ،من ثم فمن هو أقل 2
من ذلك يكون فاقدا للتمييز ،وقد أشارت إلى ذلك المادة 45من القانون المدنى المصري ،إذ اعتبرت
أن من لم يبلغ سن السابعة من عمره يكون فاقدًا للتمييز معدومًا لألهلية.
277
الشرط الثاني :أن يكون الرضا صادر في الوقت الذي يعتد به القانون:
فباإلضافة إلى الشرط السابق يشترك أيضًا لصحة الرضا أن يكون صادرًا في الوقت
الذي يعتد به القانون ،والرضا إما أن يكون سابقًا للفعل ،أو معاصرًا له ،أو الحقًا على إتمام
الجريمة.
والرضا السابق ذلك الرضا الذي يصدر قبل لحظة البدء في تنفيذ الفعل.
وذهب الفقه األجنبي والمصري إلى ضرورة صدور الرضا قبل وقوع الفعل ،أي توافره
قبل لحظة وقوع الواقعة المادية لالعتداء على الحق واشترطوا ضرورة استمراره حتى لحظة
()1
وقوع الفعل
وبالتالي إذا صدر الرضا سابقًا على ارتكاب الفعل فعاصره في جميع مراحله ثم استمر
حتى إتمامه ،وتحقق نتائجه يعد رضاًء نموذجيًا ،وبالتالي ينتج أثره القانوني.
والرضا المعاصر للفعل هو الرضا الذي يصدر منذ لحظة البدء في تنفيذ الفعل
ويستمر حتى إتمامه.
(?) أ.د /السعيد مصطفى السعيد :األحكام العامة فى قانون العقوبات0 242 ، 1
وهذا الرضا المعاصر يجمع عليه الفقه والقضاء ،سواء ممن يشترط منه في الرضا أن
يكون سابقًا للفعل ثم يستمر حتى إتمامه ،أو من يشترط صدوره معاصرًا للفعل دون ضرورة
كونه سابقًا
()1
أما بشأن الرضا الالحق على الجريمة ،فينعقد اإلجماع فقهيًا وقضائيًا على أن ال تأثير
للرضا الالحق على إتمام الجريمة ،على أي ركن فيها وال على اإلجراءات الواجبة حيالها.
إال في حاالت استثنائية محددة على سبيل الحصر ،وهي الحاالت التي ال يمكن تحريك
الدعوى الجنائية ومباشرتها إال بناء على شكوى.
ومثال ذلك في التشريع المصري ما نص عليه المشرع في المادة 3في قانون اإلجراءات
الجنائية.
وتطبيقًا لذلك الرضاء على بينة في حاالت العالج وجميع األعمال الطبية لدرجة أن بعض
الفقهاء يشترط أن يكون الرضا في ممارسة األعمال الطبية رضاًء مكتوبًا ،أو أمام شهود عدول
إذا ما كانت حالة المريض تسمح بذلك ،ويجب أن يوضح له العالج والجراحة تفصيًال. ()2
وبالتالي ال يؤخذ بالرضا الصوري الذي ال تتوافر فيه مقومات الرضا الحقيقي.
»ويشترط في الرضا الذي ينفي االختالس أن يكون رضاًء حقيقيًا مقصودًا به التخلي عن
()1
الحيازة .........الخ«
يجب أيضًا مراعاة سالمة الشكل في الرضا ،قد يصدر رضا صحيحًا بالقول أو بالكتابة
أو اإلشارة ،وقد يصدر ضمنيًا ،يمكن استنتاجه من الظروف والمالبسات ،ولكنه إذا اشترط
القانون صدوره في شكل معين ،بأن يكون صريحًا وجادًا ،وأن يكون مكتوبًا ،فيجب أن يصدر
الرضا بالشكل الذي تطلبه القانون ،وإ ال تخلف شرط من شروط صحة الرضا ،وبالتالي يكون
فعل االعتداء غير مشروع لعدم صحة الرضا.
فالرضا المتعارض مع النظام العام أو اآلداب العامة يكون في ذاته تصرفًا غير مشروع.
ومن أمثال الرضا المخالف للنظام العام اتفاق شخص مع آخر على أن يقطع طرف من
أطرافه بغية التهرب من التجنيد.
ومن أمثال الرضا المخالف لآلداب العامة رضاء األشخاص البالغين باالتصال الجنسي
فيما بينهم ،أو رضاء األنثى التي تقبل بعالنية المساس بعوراتها ،فال أثر لهذا الرضا في نفي
()2
الصفة غير المشروعة بالفعل ،وذلك لمخالفته لآلداب العامة ،وبالتالي يرتب مسئوليته الجنائية
مما سبق يتضح أن الرضا الصحيح الذي ينتج أثره على الركنين (الشرعي أو المادي)
للجريمة أن يكون صادرًا عن شخص مميزًا ومدركاً ،حر االختيار ،بالغ للسن الذي يعتد فيها
القانون برضائه ،وأن يصدر رضائه صحيحًا سليمًا عن بينة ،وأال يكون مخالفًا للنظام العام
واآلداب العامة ،وأال يشوبه غش أو غلط أو تدليس ،وأال يكون تحت إكراه أو قوة قاهرة أو سكر
أو تخدير أو مرض أو نوم أي خاليًا من كل عيوب الرضا.
(?)
نقض 2مارس -1975مجموعة أحكام س -26رقم -44ص.201 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق.315 ، 2
277
المبحث الثالث
وهذه االستثناءات التي اعتد فيها القانون برضاء المجني عليه هي:
انقسم الفقه في بيان مدى اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة من عدمه؟
إلى أن اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة؛ مبررين ()1
فاتجه بعض الفقهاء
ذلك بأن الجريمة اعتداء على حرية الفرد ،وبالتالي يكون رضاه مزيًال عن الفعل صفته غير
المشروعة.
وعلى ذلك فإن الشخص يملك حرية التصرف في حياته وصحته وسالمة جسمه ،وبالتالي
له أن يتنازل عن استعماله إلى غيره.
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق389 ، 1
277
وقد انتهي أنصار هذا االتجاه إلى وضع قاعدة عامة مؤداها أن الرضا يمنع دائمًا من
العقاب على كل أفعال االعتداء التي تقع على جميع الحقوق.
ويؤخذ على هذا الرأي أنه يعلى إرادة الفرد على إرادة المجتمع ،وينفي كل نصيب
للمجتمع في حقوق األفراد بل يهدد حقوق األفراد أنفسهم.
إلى أن الرضا بمفرده ليس سببًا لإلباحة ،حيث إن هذا االتجاه ()1
واتجه بعضهم اآلخر
يرفض أن يكون الرضا وحده سببًا لإلباحة ،ويعتبرون أن الرضا عنصر من عناصر اإلباحة؛
ألن أسباب اإلباحة قد حصرها القانون ،وليس من بينها رضاء المجني عليه.
حيث ال ينتج على المساس بها أضرار جسيمة بمصلحة المجتمع ،فإذا ما تنازل عنها
صاحبها أو تصرف فيها كان له أثر في إباحة الفعل.
ويعتبر هذا االتجاه هو الذي يتفق مع الطبيعة القانونية لكل من الرضا وأسباب اإلباحة.
وهو االتجاه الذي أخذ به القضاء إذ اعتبر رضا المجني عليه ال يعد سببًا لإلباحة ،ولكنه
عنصرًا من عناصر اإلباحة كما في حاالت مباشرة األعمال الطبية ،ومزاولة األلعاب الرياضية،
فال يكفي رضا المريض أو الالعب إلباحة األعمال الطبية أو الرياضية ،بل البد من توافر
الشروط التي تطلبها القانون إلباحة هذه األعمال :كالترخيص بمزاولة المهنة أو اللعبة وبعرض
النفع العام والخاص.
أغلب التشريعات ،ومن بينها التشريع الفرنسي والمصري لم تتضمن نص يقتضى اعتبار
الرضاء سببًا لإلباحة ،وفضلت النص على الحاالت التي يعتد فيها بالرضا كسبب لإلباحة.
في حين أن بعض التشريعات اعتبرت أن الرضا سبب عام لإلباحة ،وإ ن قيدت ذلك
ببعض القيود ،ومن أمثلة هذه التشريعات التشريع الهندي حيث نصت عليه المادة 91من قانون
العقوبات الهندي ،وكذلك التشريع السوداني حيث نصت عليه المادة 51من قانون العقوبات
السوداني ،وكذلك التشريع اإليطالي حيث نصت المادة 50من قانون العقوبات اإليطالي على »ال
عقاب على من يعتدي على حق الغير ،ويجعله في خطر إذا حصل ذلك برضاء صاحب الحق،
وكان من الجائز له التصرف في الحق«.
()1
ويالحظ أن كلمة ال عقاب توحي بأن الرضا سبب في اإلعفاء من العقاب
وإ ن قصد به الشارع اعتبار الرضا سببًا لإلباحة في حدود الحقوق التي يجوز لصاحبها
أن يتصرف فيها.
لم ينص المشرع المصري على اعتبار رضاء المجني عليه سببا لإلباحة ،وترك ذلك للفقه
والقضاء ،ولكنه تعرض لرضاء المجني عليه في بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون
العقوبات القسم الخاص بجرائم االعتداء على العرض ،وجريمة اختطاف السندات ( )2بالقوة أو
التهديد ،ويساير المشرع في ذلك النهج معظم التشريعات ذات المصدر الالتيني المستمدة بوجه
خاص من القانون الفرنسي.
لبيان عما إذا كان لرضاء المجني عليه دور في إباحة الفعل المجرم من عدمه ،يجب أوًال
معرفة طبيعة الحق محل االعتداء.
فإذا كان من الحقوق التي تمس المصلحة العامة للمجتمع ،فهنا ال يكون لرضاء المجني
عليه ثمة تأثير عليها.
(?) أشار إليها أ.د /عبد التواب معوض :القسم العام ،المرجع السابق.293 ، 1
(?) أنظر مواد 267/2و 268/1و 325من قانون العقوبات المصرى .وكذلك المواد /106ع 2
(جريمة الرشوة)و /130ع (اإلكراه وسوء معاملة الناس)و /280ع و /290ع (القبض وحبس
الناسو خطف النساء) -ج/311ع (السرقة) و /369ع (انتهاك حرمة ملك الغير).
277
أما إذا كان الحق الذي تمسه الجريمة حق خاص للمجني عليه ،يجوز التصرف فيه أو
التنازل عنه ،هنا يكون محًال لرضاء المجني عليه في إباحة الفعل المجرم.
يرى غالبية الفقهاء أنه لتحديد المعيار الواجب إتباعه في تحديد الجرائم التي يكون لرضا
المجني عليه أثر في إباحتها ،يكون بفحص الحق الذي تمسه الجريمة ،وتحديد طبيعته في األحكام
التي يخضع لها ،بمعنى أن يتم التعرض لكل مصلحة على حدة لمعرفة ما إذا كان القانون يرخص
لصاحبها التصرف فيها ،وتقبل بطبيعتها التنازل للغير أم أنه ال يجيز له ذلك؟ فمتى كان لصاحب
()1
الحق أن يتصرف فيه فإن له أن يسمح باالعتداء عليه
فالرضا يكون سببًا لإلباحة في الحقوق التي يغلب فيها نصيب الفرد كالحقوق المالية.
أغلب التطبيقات على اعتبار رضا المجني عليه سببا لإلباحة تكون في مجال جرائم
األموال ،فهي بطبيعتها قابلة للتصرف ،ويغلب فيها مصلحة الفرد وينعدم الضرر الجسيم
للمجتمع.
ومثال لهذه الجرائم انتهاك حرمة ملك الغير والهدم واإلتالف .....الخ من الجرائم التي
يعتد برضا المجني عليه كسبب لإلباحة جريمة السرقة؛ حيث تنص المادة 311من قانون
العقوبات المصري على أنه »كل من اختلس منقوًال مملوكًا لغيره فهو سارق«.
ويرى بعض الفقهاء أن انعدام الرضا يعتبر عنصرًا في الركن المادي المكون لجريمة
السرقة.
ومن ثم فإن رضاء المجني عليه يعتبر نفي للركن المادي المكون للجريمة ،وبالتالي يكون
الرضا سببًا لإلباحة من خالل نفي الركن المادي لجريمة السرقة.
فكلما كان للمجني عليه حق التصرف في الحق الذي تمسه الجريمة ،أو التنازل عنه دون
أن يترتب على ذلك ضرر جسيم للمجتمع ،وأن يكون التصرف أو التنازل في الحق في حدود
القانون ،فإن رضا المجني عليه ينتج أثره في إباحة الفعل غير المشروع.
(?) أ.د /محمود نجيب حسنى :شرح قانون العقوبات ،القسم العام259 ، 1
لرضا المجني عليه دوره كسبب لإلباحة في نطاق الحقوق الجائز التصرف فيها كالحقوق
المالية ،وذلك النعدام الضرر االجتماعي حيث يغلب في تلك الحقوق المصلحة الخاصة على
المصلحة العامة ،أما بعض الحقوق التي ال يجوز التصرف فيها كالحقوق التي تمس الجريمة فيها
مصلحة مشتركة للمجني عليه والمجتمع ،ومع ذلك قد يبيح القانون التصرف فيها بشرط رضاء
()1
المجني عليه ،فالقانون في هذه الحالة يجعل من رضا المجني عليه شرطًا الزمًا إلباحته
-2يتعين أن يجيز القانون المساس بتلك المصلحة ،ويحدد لذلك شروطًا معينة.
ومن تطبيقات الرضا كشرط من شروط اإلباحة مباشرة األعمال الطبية ومزاولة
الرياضة ،وفيما يلي توضيح ذلك:
األصل أن رضا المجني عليه ال يبيح وحده المساس بسالمة جسم اإلنسان ،أو حياته ألن
في ذلك اعتداء على حقوق غير قابلة للتنازل عنها ،ويشكل االعتداء عليها مساسًا بالنظام العام.
غير أن استثناء من ذلك يكون رضا المريض في التدخل العالجي شرطا الزما إلباحة
عمل الطبيبـ ولكن ذلك مشروط بعدة شروط ،وهي:
وبالتالي يكون رضاء المجني عليه ليس سببًا إلباحة األعمال الطبية ،ولكنه شرط فيها،
ألن ترخيص القانون هو الذي يبيح الفعل شريطة أن يتم العالج برضاء صحيح ممن يمس الفعل
جسمه أو رضاء من يمثله قانونًا
()2
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق295 ، 1
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :القسم العام184 ، 2
277
ولكي ينتج رضاء المجني عليه أثره القانوني يجب أن تتوافر شروط صحة الرضا السابق
بيانها في المبحث السابق.
وكذلك أن يتوافر شروط الترخيص القانوني حيث تجيز مهنة الطب لمن رخص القانون
لهم بمزاولتها أن يتعرضوا ألجسام المرضى وأعراضهم الرتكاب أفعال المساس بالجسم أو
()1
إعطاء المواد الضارة ،وغير ذلك بقصد العالج ،والتخلص من المرض أو الشفاء منه
مما تقدم يتضح أن رضاء المجني عليه على مباشرة األعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب
على جسمه ،والتي قد تمثل جروحًا ،أو إعطاء لمواد ضارة ،ال يغير من صفة تلك األعمال غير
المشروعة والمجرمة قانونًا ،إال إذا توافرت باقي الشروط التي نص عليها القانون ،أو تطلبها
إلباحة هذه األعمال ،فرضاء المريض هنا »المجني عليه« شرط إلباحة األعمال الطبية ،إذا ما
توافرت باقي الشروط كالترخيص للطبيب لمزاولة المهنة ،وأن يكون التدخل بتلك األعمال الطبية
بقصد العالج وشفاء المريض ،فإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط التي أوجبها القانون نكون
بصدد عمل غير مشروع مجرم قانونًا ال أثر للرضاء في إباحته لما في ذلك من مساس بعصمة
()2
الجسد
بعد توضيح دور رضاء المجني عليه المريض كشرط إلباحة مباشرة األعمال الطبية
على جسمه بقصد العالج ،وفي الحدود التي نظمها القانون ،السؤال الذي يطرح نفسه اآلن؛ ما
أثر رضاء المريض في حالة نقل أعضاء جسده ومدى مشروعية ذلك؟
ولبيان األثر القانوني للرضاء على عمليات نقل وزرع األعضاء البشرية سوف تتعرض
الدراسة لبيان موقف الفقه الجنائي من هذا الموضوع ثم موقف الفقه اإلسالمي..
( أ ) موقف الفقه الجنائى من دور رضاء المجني عليه على عمليات نقل وزرع األعضاء
()3
البشرية:
* تعقيب:
لتوضيح ما إذا كان للرضاء أثر في إباحة عمليات نقل األعضاء البشرية أو زرعها يجب
أوًال الموازنة بين الضرر الواقع على مصلحة المجتمع من جراء ذلك ،وبين الضرر الذي يعود
على الفرد الواهب للعضو البشرى ،مع وضع مدى النفع الذي يعود على الموهوب إليه في
االعتبار ،وبحث كل حالة على حدة.
فإذا كانت عملية نقل األعضاء أو زرعها تغلب فيها المصلحة الخاصة على المصلحة
العامة ،وينعدم الضرر االجتماعي الجسيم ،وكذلك الضرر الخاص الجسيم الذي ينتج عن تلك
األعمال ،بحيث تكون النتيجة النهائية في صالح الشخص الواهب والشخص الموهوب إليه مع
عدم مخالفة ذلك للنظام العام واآلداب العامة ،بمعنى أن يكون التصرف في العضو الموهوب
يحقق حماية لمصلحة المجتمع من خالل عدم حدوث ضرر للشخص الواهب ،يغلب على النفع
الذي يعود على الشخص الموهوب إليه ،بحيث تكون النتيجة النهائية بعد عملية نقل األعضاء أو
زرعها وجود شخصين أصحاء :الواهب والموهوب إليه ،حتى يمكن تبرير شرعية نقل
األعضاء ،ومن ثم يرى الباحث أنه يجب النظر إلى تلك األمور قبل بيان ما إذا للرضا أثر في
إباحة نقل وزرع األعضاء البشرية من عدمه؟
فإذا ما توافرت الحماية لمصلحة المجتمع وتوافرت السالمة الصحية لجسم كال
الشخصين ،وتوافرت شروط صحة الرضا ،والشروط المنظمة لممارسة األعمال الطبية ،يمكن
القول بأن الرضا هنا يكون له أثر في إباحة تلك األعمال.
-1رضا اإلنسان الواهب للعضو رضاًء صحيحًا غير مشوبًا بثمة عيب من عيوب
الرضا ،بحيث يكون مدركًا ومميزًا ،وعلى بينة كاملة بالنتائج المترتبة على ذلك الفعل ،وأن تتجه
إرادته إلى إحداثه دون إكراه أو غش أو تدليس.
-2أن يكون الدافع الحقيقي للرضا بوهب عضو من أعضائه هو دافع اإليثار والتبرع
المحض دون مقابل ،تحقيقًا لقول رسول اهلل » :خير الناس أنفعهم للناس«.
-3أن يكون نقل العضو أو بتره بناًء على دراسة علمية صحيحة ،ويقوم بها متخصصون
ماهرون مرخص لهم بمباشرة تلك األعمال ،بحيث ال ينتج عن ذلك أضرار بصحة الواهب يتعذر
تداركها.
-4أن يكون نقل العضو نافعًا للشخص الموهوب إليه ،وسببًا حقيقيًا في شفائه ،وعودته
إنسانًا سليمًا وصحيحًا.
يحدث أثناء ممارسة بعض األلعاب الرياضية عنف قد يؤدى إلى إصابة الالعب ،وربما
()1
قد يؤدى إلى إحداث عاهة ،أو وفاة ،وذلك مثل المالكمة والمصارعة والكاراتيه ..الخ
والسؤال الذي يطرح نفسه :هل ممارسة تلك األلعاب العنيفة ،والتي ينتج عنها إلحاق
األذى بالجسم ،وتعريض سالمة الشخص وحياته للخطر مشروعة أم غير مشروعة؟ وإ ذا ما
كانت غير مشروعة فهل لرضا الالعب أثر في إباحتها من عدمه؟
ينعقد اإلجماع فقهًا وقضاءً على إباحة ممارسة األلعاب الرياضية المشروعة،ولكن ذلك
مشروط بتوافر شرطين جوهريين هما:
-1رضا الالعب.
-2ترخيص القانون.
( )1فبالنسبة لرضا الالعب :يجب أن يتوافر الرضا الصحيح لالعب في الموافقة
الصريحة أو الضمنية والصادرة عن بينة ،من خالل علمه بالنتائج المباشرة وغير المباشرة
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام218 ، 1
المترتبة على ممارسة هذه اللعبة عن إدراك وتمييز ،وبالتالي إذا ما كان رضاء الالعب رضاًء
صحيحًا غير معيبًا ينتج أثره كشرط في إباحة ممارسة األعمال الرياضية.
( )2أما بالنسبة لترخيص القانون :فيجب مراعاة القواعد المنظمة لممارسة األلعاب
الرياضية ،وعدم مخالفتها ،وأن تتم ممارسة هذه األلعاب وفقًا للنظم واللوائح والمواعيد واألماكن
التي حددها ونظمها القانون ،دون التجاوز في ذلك أو الخروج عن اإلطار المنظم له.
فإذا ما خالف الالعب تلك القواعد المنظمة لممارسة تلك اللعبة يخرج من إطار الحماية
القانونية ،ويدخل في إطار التجريم والعقاب على الفعل غير المشروع الذي ارتكبه ،ويسأل عن
جريمته ما دام الفعل الذي ارتكبه مجرم قانونًا
()1
ومن ثم يتضح أن رضاء الالعب »المجني عليه« بممارسة األلعاب الرياضية ضده يكون
شرطًا إلباحتها؛ إذا ما توافر ترخيص القانون بممارسة تلك اللعبة ،بمعنى أن لرضاء الالعب أثر
في إباحة ممارسة األلعاب الرياضية إذا ما توافرت باقي الشروط المنظمة ،لذلك والتي تطلبها
القانون بجانب رضاء الالعب ،ومن التشريعات التي نصت على إباحة ممارسة األعمال
الرياضية قانون الجزاء الكويتي الذي نص في المادة 31على أنه »ال جريمة إذا وقع الفعل أثناء
مباراة رياضية من شخص مشترك فيها ،بشرط أن يلتزم من قواعد الحذر واالحتياط ما تقضى به
األصول المراعاة في هذه المباراة« فرغم أن اإلباحة مستمدة من القانون يبقى للرضا دور في
ممارسة األلعاب الرياضية :يتمثل في موافقة الالعب على االشتراك في المباراة ،وبذلك يعد
()2
الرضاء شرطًا في إباحة الرياضة
يرجع أساس إباحة األلعاب الرياضية في القوانين التي خلت من النص على هذه اإلباحة
إلى أن مباشرة األلعاب الرياضية تعد استعماًال للحق الذي تقرره القواعد القانونية للنشاط
الرياضي في الدولة ()3؛ إذ أن مصدر اإلباحة ليس قانون العقوبات فحسب بل هي منتشرة في
جميع القوانين ،فاإلباحة هنا ليست إال تطبيقًا من تطبيقات المادة ( 60ع م) والتي تنص على أنه
»ال تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عمًال بحق مقرر بمقتضى
()4
الشريعة« ،وبذلك تختلف اإلباحة عن التجريم الذي ينحصر مصدره في قانون العقوبات
(?)
محمود نجيب حسنى :القسم العام ،المرجع السابق.191، أ.د / 1
(?)
فهد فالح مطر :المرجع السابق .131، أ.د / 2
(?)
مأمون سالمة :القسم العام ،المرجع السابق.203، أ.د / 3
(?)
أحمد فتحى سرور :الوسيط في قانون العقوبات ،القسم العام.207 ، أ.د / 4
277
يحدد الشارع عناصر الركن المادي لبعض الجرائم ،ويجعل من بين تلك العناصر انعدام
رضا المجني عليه ،وبالتالي يترتب على رضا المجني عليه في تلك الجرائم عدم قيام الجريمة،
وغالبًا تكون تمس هذه الجرائم المصالح التي يجوز للشخص التصرف فيها ،ويرى المشرع أن
()1
المصلحة العامة ال تستوجب توقيع العقاب على الجاني عندما يرضى صاحبها باالعتداء عليها
وقد ينص القانون على اشتراط عدم الرضا بصيغ مختلفة من حيث اللفظ ككلمة بغير
رضاها ،كما ورد في المادة 267عقوبات ،وكلمة بدون الرضا كما ورد في المادة 106
عقوبات ،وكلمة القوة أو بالتهديد كما ورد في المادة 268عقوبات ......الخ.
ولكن كل هذه األلفاظ تعطى معنى واحدا ،وهو وقوع الفعل رغم إرادة
المجني عليه.
فمثًال المادة 267من قانون العقوبات ،والتي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها
يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة« ،اعتبرت انعدام الرضا عنصرًا من عناصر الركن
المادي للجريمة ،فانعدام الرضا بكافة صوره سواء كان عن إرادة رفض صريحة أو ضمنية أو
عن إرادة قسرها العنف المادي ،أو اإلكراه المعنوي ،أو شابهها عيب من العيوب التي تتعلق
باألنثى مصدره الرضا يعد عنصرًا أساسيًا من بين العناصر التي يقوم عليها الركن المادي لهذه
الجريمة ،وبانتفاء الركن المادي للجريمة ال يكون هناك محل للبحث عن الركن الشرعي أو
()2
المعنوي
مما سبق يتضح أنه على الرغم من حماية القانون لمصلحة المجتمع والفرد؛ إال أنه يرى
في بعض الجرائم أن الفرد أقدر من المجتمع على صونها ،نظرًا لما قد تحيط به من ظروف،
فربما يكون العقاب فيها أسوأ تأثيرًا من عدم العقاب ،ولذلك اشترط للعقاب انعدام الرضا باعتباره
عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة.
أما إذا توافر الرضا فإنه يعدم الركن المادي ،لهذه الجرائم لعدم مطابقتها للنص سالف
الذكر ،وإ ن كانت تأخذ وصفًا آخر يخضع للتجريم ،والعقاب للنموذج القانوني الجديد أو الوصف
القانوني الجديد.
وهنا يكون لدور رضا المجني عليه أثر في تغيير وصف الجريمة ،فيحولها من جريمة
إلى فعل آخر بوصف آخر قد ،يكون مجرم وقد ال يكون مجرم.
(?) أ.د /محمود نجيب حسنى :القسم العام ،المرجع السابق.260 ، 1
(?) أ.د /محمود مصطفى :القسم الخاص ،المرجع السابق303 ، 2
أ.د /أحمد فتحى سرور :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،المرجع السابق.306،
277
المبحث الرابع
اآلثار القانونية للرضا في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة.
كما أن لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة ،أيضًا له أثر على غير أركان
الجريمة ،وذلك لما في رضا المجني عليه من أثر على تخفيف العقاب في حدود السلطة التقديرية
للقاضي ،بل إن بعض التشريعات نصت على تخفيف العقاب عند ارتكاب الفعل برضاء المجني
عليه ،مثال المشرع الليبي ،ومن أبرز التطبيقات على دور رضاء المجني عليه في تخفيف
العقوبة جريمة القتل بناء على طلب المجني علي ،وجريمة اإلجهاض بناء على رضا الحامل.
كما أن لرضا المجني عليه أيضًا دور في تغيير وصف الجريمة ،وتغيير العقوبة.
بناءً على ما تقدم ستتعرض الدراسة لدور رضا المجني عليه في تخفيف العقاب ،ثم بعد
ذلك تتعرض لدور رضا المجني عليه في تغيير وصف الجريمة وتغيير عقوبتها ،وذلك على
النحو التالي:
وانطالقًا من ذلك المنطلق فال يجوز للمجتمع مهما علت إرادته على إرادة الفرد أن يهدر
تمامًا دور اإلرادة الفردية في التصرف في الحقوق المشتركة التي ليس من حقه التصرف فيها أو
التنازل عنها ،وهذا ما نقصده في بيان دور رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة إذا ما توافر
الرضاء الصحيح في التصرف في حق مشترك بينه ،وبين المجتمع ال يجوز له التصرف فيه.
ومثال ذلك جريمة القتل بناء على طلب المجني عليه ،وكذلك جريمة اإلجهاض بناء على
طلب الحامل ،وفي هاتين الجريمتين ال يكون لرضاء المجني عليه ثمة أثر على أركان الجريمة،
وذلك ألنهما يمسان حق يغلب فيه مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد ،وليس من حق الفرد
277
التصرف أو التنازل في ذلك الحق المشترك مع المجتمع فيه ،وهنا يتجلى بحث دور رضاء
المجني عليه في تخفيف العقاب في حدود سلطة القاضي التقديرية ،وفيما يلي تفصيل ذلك:
()1
-1القتل بناء على طلب المجني عليه:
قد يدفع اليأس الفرد أحيانًا إلى الخالص من حياته؛ فيتوسل إلى قريب أو صديق أو طبيب
ليقتله بدافع الشفقة أو الرحمة ،بسبب إلحاح وطلب المجني عليه ذلك ،وبالتالي نكون بصدد
الجريمة المسماة بجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه ،أو القتل بدافع الشفقة والرحمة ،وذلك
بحجة أن الدافع عليها إنهاء آالم المجني عليه.
والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن :هل طلب المجني عليه من الجاني إزهاق روحه يخضع
لحقه في التصرف ،وبالتالي يكون فعل الجاني مباحًا أم أنه ليس من حق المجني عليه التصرف
في حياته ،أو التنازل عنها ،وهنا يكون الجاني بصدد جريمة قتل عمدية ،وإ ن كانت بدافع
الشفقة؟ وهل يكون للرضاء في تلك الحالة أثر على تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني؟ وذلك
بالنظر لشرف الباعث لدى الجاني على القتل ،فيعد مجرم أقل خطورة من غيره الذي ال يتوافر له
رضاء المجني عليه.
أما بشأن أثر رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة على الجاني فقد انقسمت التشريعات
الوضعية الحديثة إلى قسمين:
القسم األول :تضمن التشريعات التي لم تضع قواعدا خاصة مميزة لجريمة القتل بناء
على طلب المجني عليه ،تاركة للفقه والقضاء مراعاة ظروف كل حالة على حدة ،بحيث
أخضعت هذه الجريمة للقواعد العامة التي تطبق على جريمة القتل العمد ،والتي ال تعتد بالباعث
الدافع إلى ارتكاب الجريمة ،وال تعتبره عنصرًا من عناصر القصد الجنائي ،ولكن ذلك ال يمنع
من استعمال القاضي لسلطته التقديرية ،وتطبيق بالنصوص الخاصة بالظروف المخصصة ومن
()3
هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي
(?) أنظر المادة 17من قانون العقوبات المصرى المتعلقة بالظروف المخففة. 3
277
القسم الثاني :ويتضمن بعض التشريعات التي تقرر قواعد خاصة لجريمة القتل بناء
على طلب المجني تخفف العقاب على الجاني إذا ما ارتكب جريمة القتل بناء على طلب المجني
القانون اإليطالي حيث أشارت المادة ()4
عليه ،وبرضاء صحيح صادر منه ،ومن هذه التشريعات
589من قانون العقوبات اإليطالي إلى أن كل من سبب الموت إلنسان برضاه يعاقب بالسجن من
ست سنوات إلى خمسة عشر عاما.
وكذلك قانون العقوبات األلماني نص في المادة 216منه "يعاقب بالحبس من ثالث إلى
خمس سنوات من يقترف القتل بناء على طلب صحيح جاء من مجني عليه حرًا واعيًا وال يعاقب
على الشروع في الجريمة".
وكذلك تخول المادة 235من قانون العقوبات النرويجي "للقاضي سلطة تخفيف العقوبة
دون الحد األدنى المقرر قانونًا لجريمة القتل العمد ،وذلك في حالة ارتكاب القتل بناء على طلب
المجني عليه".
ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة 249/5على أنه ال
يعتبر القتل ذو النية الموثمة قتًال عمدًا إذا كان الشخص الذي سبب موته قد عرض نفسه للموت
برضائه ،وكانت سنه تزيد عن الثامنة عشر.
كذلك نص على هذه الجريمة( القتل بناء على طلب المجني عليه) قانون العقوبات
السوري المادة 538منه ،وكذلك قانون العقوبات اللبناني في المادة 552منه.
مما تقدم يتضح أن التشريعات سالفة الذكر ،والتي نصت على جريمة القتل بناء على طلب
المجني عليه قد وضعت شروط خاصة يجب توافرها في الرضا الصادر من المجني عليه ،وهي
شروط صحة الرضا الخالي من العيوب كأن يكون المجني عليه شخصًا كامل األهلية حر اإلرادة
مميزًا ومدركًا للنتائج المترتبة عن ذلك الفعل ،وأن يكون الرضاء صادر منه وحده ،وأن يكون
خاليًا من اإلكراه والغلط والغش والتدليس.
وإ ذا ما توافر الرضا الصحيح من المجني عليه كان له أثره في تخفيف العقاب على
الجاني.
ويتضح من العرض السابق لجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه أثر رضاء المجني
عليه في تخفيف العقوبة ،سواء بالنص عليها ،أو سواء بإعمال الظروف القضائية المخففة ،مما
يقود إلى التفرقة بين القتل بناء على طلب المجني عليه ،وبين االنتحار حيث يتماثالن كليهما في
إزهاق روح إنسان حي ،ولكنهما يختلفان في أن األول يقع على إنسان آخر ،أما الثاني فيقع على
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق580 ، 4
277
ذات المجني عليه »اإلنسان نفسه« ،وبعض التشريعات ال تعاقب على االنتحار لعدم وجود محل
إليقاع العقاب عليه ،وكذلك ال تعاقب على الشروع فيه ،أو االشتراك فيه ،وذلك ألنه طبقًا للقواعد
العامة يستمد الشريك إجرامه من الفاعل األصلي ،ويقتضى وقوع الفعل األصلي المعاقب عليه،
()1
ومن هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي
وهذا على خالف بعض التشريعات التي تعاقب على الشروع في االنتحار ،ومنها قانون
العقوبات السوداني والقطري.
وبعضها اآلخر يعاقب على التحريض أو المساعدة أو االتفاق على االنتحار ،ومنها
()2
القانون الكويتي حيث ينص على ذلك في المادة 158منه
أما إذا توافر رضاء األنثى الحامل ،وتم وقوع اإلجهاض حماية لحياتها أو حياة الجنين،
()3
وتوافرت شروط حالة الضرورة ال يعاقب القانون على الفعل
ولذلك ستتعرض الدراسة لحاالت اإلجهاض التي يتوافر فيها رضاء األنثى الحامل دون
توافر حالة الضرورة التي تستوجب اإلجهاض ،وهنا تبرز القيمة القانونية للرضا في جريمة
اإلجهاض ،وفي ذلك اتجهت التشريعات عدة اتجاهات منها ما يلي:
االتجاه األول:
(?) اإلجهاض الذى تقتضيه الظروف الصحية للحامل هو ما يطلق عليه اإلجهاض العالجي ،ويعتبر 3
من األعمال المباحة للطبيب استنادًا على الترخيص المقرر له بمزاولة المهنة ،وتأسيسًا على المادة
60من قانون العقوبات المصرى ،ويشترط إلباحته صدور رضاء من الحامل بإجهاضها وفقًا لما
تمليه الشروط المتطلبة إلباحة األعمال الطبية
أ.د /عمر السعيد رمضان :شرح قانون العقوبات ،القسم الخاص.331 ،
277
ويمثل قلة من التشريعات التي تجعل رضا الحامل بإجهاضها ال يخلع على الفعل طابع
المشروعية ،إال أنه يبيح اإلجهاض في حاالت خاصة محددة على سبيل الحصر ،ومن هذه
التشريعات التشريع اليوغسالفي الذي أباح اإلجهاض بناء على طلب المرأة في حاالت محددة
بشرط أن تكون مدة الحمل قد تجاوزت ثالثة أشهر ،وكذلك القانون الفرنسي والفنلندي والروسي
()1
االتجاه الثاني:
هو مذهب الغالبية العظمى من التشريعات ،والتي تقرر أنه ال أثر للرضا على أركان
جريمة اإلجهاض ،حيث إن الجريمة تقع على حق الجنين في حياته المستقبلة ،وليس على حق
األنثى الحامل في اإلنجاب فقط ،وللمجتمع نصيب غالب في الحقين ،فإذا تنازلت األنثى الحامل
عن حقها في اإلنجاب ال يكفي ذلك إلباحة اإلجهاض ،وبالتالي تعاقب تلك التشريعات كًال من
األنثى والفاعل الذي أجهضها إذا تم برضاها.
ومن أمثلة هذه التشريعات القانون المصري الذي يعاقب على جريمة اإلجهاض بالمادة
261عقوبات التي تنص على »كل من أسقط عمدًا امرأة حبلة بإعطائها أدوية أو باستعمال
وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدالتها عليها سواء كان برضائها أم ال يعاقب بالحبس«.
كذلك نص المادة 262عقوبات تنص على »المرأة التي رضيت بتعاطي األدوية مع
علمها بها ،أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها ،أو مكنت غيرها من استعمال تلك
الوسائل لها ،وتسبب اإلسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السالف ذكرها«.
وبإلقاء الضوء على النصين سالفي الذكر يتضح أن رضا الحامل باإلجهاض ال يبيح هذا
الفعل المجرم ،وإ ن كان ينفي عنها صفة المجني عليها ،وتقتصر تلك الصفة على الجنين وتصبح
فاعلة في ارتكاب تلك الجريمة طبقًا للنموذج القانوني سالف الذكر ،مما سبق يتضح أثر رضاء
المجني عليه في وقوع الجريمة ،وتحديد مسئولية الجاني فيها.
(?)
أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق.596 ، 1
277
القانوني الجديد الذي توافر فيه الرضا ،وهنا يتضح جليًا دور الرضا الصحيح الخالي من العيوب
القانونية للرضا الصادر من المجني عليه في تغيير وصف الجريمة (0)1
ومن التطبيقات العملية على ذلك المادة 267من قانون العقوبات من التشريع المصري
التي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«.
وبالتالي إذا ما توافر الرضا المتوافر فيه شروط صحة الرضا التي تطلبها القانون من
المجني عليها في تلك الجريمة يتغير وصف الجريمة من جريمة اغتصاب المعاقب عليها بنص
المادة سالفة الذكر ،إلى جريمة أخرى ذات وصف قانوني آخر ،فإن كانت تلك المجني عليها
متزوجة يكون الوصف الجديد جريمة زنا المنصوص عليها في المادة 274عقوبات التي تنص
على »المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة ال تزيد على سنتين لكن لزوجها
أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضاه بمعاشرتها له كما كان«.
وهنا يتضح دور الرضا الصادر من المجني عليها في تغيير وصف الجريمة ،وتغييره من
جناية اغتصاب في حالة انعدام رضاها ،إلى جريمة زنا إذا كانت متزوجة في حالة رضاها
رضاًء صحيحًا متضمنًا الشروط التي أوجبها القانون لصحة الرضا.
أما إذا كانت غير متزوجة فإنها تخضع لوصف آخر طبقًا للتكييف الذي يصبغه القانون
عليها ،كاالعتياد على ممارسة الدعارة إذا كان هناك اعتياد على موافقتها برضاها طبقًا لتوافر
الشروط التي أوجبها القانون في تجريم هذا الفعل.
وكذلك األمر المادة 268عقوبات التي تشترط انعدام الرضا إذا ما كان هناك رضاء
صحيح من المجني عليه بغير وصف الجريمة من خضوعها لنص المادة /268ع إلى خضوعها،
()2
إلى تكييف آخر طبقًا لنص المادة 278عقوبات ،وهي جريمة الفعل الفاضح العلني ....وهكذا
* الباب الثاني *
(?) أ.د /حسنى محمد السيد الجدع :المرجع السابق.603 ، 1
(?) تنص المادة / 268عقوبات على أن »كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى 2
وللمجني عليه دور في تقدير العقوبة وتحديد مسئولية الجاني ،وذلك منذ القدم حيث كانت
العقوبة تختلف من حيث النوع والجسامة بحسب صفة المجني عليه ،ومكانته االجتماعية.
وحديثًا للمجني عليه دور في تقدير العقوبة ،وتحديد مسئولية الجاني ،وباستقراء نصوص
التشريعات المقارنة ،والتشريع المصري يتضح أن هذه التشريعات جعلت من شخصية المجني
عليه ،والصفات الخاصة بها أثر واضح في تحديد مسئولية الجاني ،وقدر العقوبة الموقعة عليه.
لذلك سوف تتناول الدراسة في هذا الباب دور الصفات الخاصة بالمجني عليه كصفة
صغر السن والجنس .....الخ في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه.
وكذلك العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في تحديد مسئولية الجاني
وتقدير العقوبة.وذلك طبقًا للتقسيم التالي:
الفصل األول :توافر صفة خاصة في المجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني
الفصل الثاني :وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني
277
الفصل األول
توافر صفة خاصة في المجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني
تمهيد وتقسيم:
تهدف السياسة الجنائية الحديثة دائمًا إلى توفير أكبر قدر من الحماية الجنائية لبعض
األفراد الذين يكونون عرضة للوقوع ضحية للجريمة ،نتيجة توافر صفة خاصة بهم تجعلهم غير
قادرين على حماية أنفسهم ،وعرضة أكثر من غيرهم لخطر الجريمة.
لذلك وفرت التشريعات الجنائية لهؤالء األفراد حماية جنائية خاصة ،وذلك من خالل
وضع النصوص القانونية المالئمة والمناسبة لكل صفة من هذه الصفات.
ومن هذه الصفات ما يرجع إلى سن المجني عليه ،ومنها ما يرجع إلى جنس المجني
عليه ،وكذلك حالته الصحية أو مهنته.
وسوف تتناول الدراسة كل صفة من هذه الصفات في مبحث مستقل ،وذلك طبقًا للتقسيم
التالي:
* المبحث األول *
وهذه الحماية الجنائية تجد أساسها في ضعف صغير السن ،وعدم قدرته على الدفاع عن
نفسه ،مما يجعله عرضة للوقوع ضحية للجريمة ،وكذلك قلة خبرته وإ دراكه في كيفية التعامل مع
أصحاب الميول اإلجرامية مما يجعله فريسة لهم.
لذلك جعلت التشريعات الجنائية من صفة صغر السن ظرفًا مشددًا للعقاب ،وبالتالي يكون
لصغر سن المجني عليه أثره في تقدير العقوبة الموقعة على الجاني.
ولذلك سوف تتناول الدراسة الحماية الجنائية لصغار السن في ثالثة مطالب على النحو
التالى:
المطلب األول
وعلى خالف ذلك المشرع المصري لم ينص استقالًال على جريمة قتل الطفل حديث
الوالدة ،وأخضعها للتجريم والعقاب الوارد بالقواعد العامة لجريمة القتل العمد ،رغم أنه نص
على جريمة اإلجهاض ،وقتل الجنين وهو في بطن أمه ،وذلك في المواد من 260إلى 264من
()3
قانون العقوبات المصري.
(?) أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق.60 ، 1
(?) الحماية الجنائية للجنين مكفولة حتى ولو كان اإلجهاض برضاء الحامل نفسها ،حيث تنص 3
المادة 262عقوبات على أن »المرأة التي رضيت بتعاطي األدوية مع علمها بها ،أو رضيت
باستعمال الوسائل السالف ذكرها ،أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها ،وتسبب اإلسقاط
عن ذلك تعاقب بالحبس«.
277
ويحمى القانون الطفل حديث العهد بالوالدة بغض النظر عن حالته الصحية ،فالطفل
المصاب بمرض خطير أو الطفل المشوه يتمتع بالحماية الجنائية المكفولة للطفل السليم ،إذ أن
المولود يعد إنسانًا مشموًال بالحماية القانونية.
وال عبرة بعد ذلك بما إذا كان المولود يستطيع الحياة أم أنه لن يعيش إال فترة قليلة بسبب
ظروفه الصحية ،حيث إن التعجيل بموته في هذه الحالة يعد جريمة يعاقب فاعلها بالعقوبة
()1
المقررة لجرائم القتل.
وعلى خالف ما نهجه المشرع المصري في عدم النص على تجريم قتل الطفل حديث
الوالدة بنص خاص ،فقد نص على جريمة خطف الطفل حديث الوالدة في المادة 283من قانون
العقوبات ،التي تنص على »كل من خطف طفًال حديث العهد بالوالدة أو أخفاه أو أبدله بآخر أو
عزاه زورًا إلى غير والدته يعاقب بالحبس ،فإن لم يثبت أن الطفل ولد حيًا تكون العقوبة الحبس
مدة ال تزيد على سنة ،أما إذا ثبت أنه لم يولد حيًا فتكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد على شهرين«
()2
وبإلقاء الضوء على هذا النص التشريعي يتضح أن المشرع يعاقب على خطف الطفل
حديث الوالدة سواء ولد حيًا أو ميتًا ،وهنا تتجلى العلة من الحماية الواردة على شخص الطفل،
وليس على روح الطفل ،فلم يشترط للعقاب أن يولد الطفل حيًا ،وإ ن اختلف قدر العقوبة حيث إن
المشرع خفف العقوبة في حالة ثبوت إنه لم يولد حيا ،وذلك كما هو ثابت من النص سالف الذكر.
()3
و نص أيضًا التشريع الكويتي في المادة 183من قانون الجزاء الكويتي على جريمة
خطف الطفل حديث الوالدة »كل من خطف طفًال حديث العهد بالوالدة ،أو أخفاه أو أبدل به غيره
أو عزاه زورًا إلى غير والده أو والدته يعاقب بالحبس مدة ال تتجاوز عشر سنوات«.
و بمقارنة النص الوارد بقانون الجزاء الكويتي في المادة سالفة الذكر بالنص الوارد
بقانون العقوبات المصري بالمادة 283عقوبات يتضح أن قانون الجزاء الكويتي يوفر حماية
(?) ألغيت عقوبة الغرامة من فقرتى المادة 283عقوبات بالقانون رقم 29لسنة ، 1982حيث 2
كانت العقوبة الغرامة فقط قبل ذلك التعديل مسايرًا المشرع في ذلك السياسة الجنائية الحديثة في
كفالة حماية الطفل.
(?) يعاقب قانون العقوبات الفرنسي على هذه الجريمة بالحبس من خمس سنوات ،إلى عشر سنوات 3
في حين أن قانون العقوبات المصري يعاقب عليها بعقوبة الجنحة ،وهي الحبس الذي
()2
أقصاه ثالث سنوات.
نجد أيضًا كما كفلت التشريعات الجنائية حماية الطفل حديث الوالدة كفلت أيضًا الطفل
غير حديث الوالدة من خالل تجريم خطف الطفل وتشديد العقاب على مرتكب هذه الجريمة ومن
هذه التشريعات التشريع المصري الذي اعتبر جرائم الخطف الواقعة على األطفال جناية سواء تم
الخطف باإلكراه والتحايل أو تم دون ذلك وذلك طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة 288
عقوبات حيث نصت على »كل من خطف بالتحايل أو اإلكراه طفًال ذكرًا لم يبلغ سنه ستة عشر
سنة كاملة بنفسه أو بواسطة غيره يعاقب باألشغال الشاقة المؤقتة«.
والمادة 289عقوبات حيث نصت على »كل من خطف من غير تحايل وال إكراه طفًال لم
يبلغ سنه ست عشر سنة كاملة نفسه أو بواسطة غيره يعاقب بالحبس من ثالث سنين إلى عشر
فإذا كان المخطوف أنثى فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة«.
ومع ذلك يحكم على فاعل جناية خطف األنثى باألشغال الشاقة المؤبدة إذا اقترفت بها
جريمة مواقعة المخطوفة.
وبإلقاء الضوء على المادتين السابقتين نجد أن المشرع المصري قد تشدد في العقاب على
خطف الطفل واعتبره جناية في كل األحوال سواء تم الخطف باإلكراه أو التحايل أو بدون ذلك
وهذا يبرز دور صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني ،وتغيير العقوبة الموقعة عليه
»الجاني« ،حيث جعل المشرع من عدم بلوغ المجني عليه ست عشرة سنة كاملة ظرفًا مشددًا
()3
للعقوبة ،وعلة التشديد في كون صغر سن المجني عليه يسهل للجاني ارتكاب جريمته ،إما عن
طريق التغرير به أو بس الرعب في نفسه.
(?) تنص المادة 18عقوبات »العقوبات المصري« على أنه عقوبة الحبس هي وضع المحكوم 2
عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه وال يجوز أن تنقص هذه المدة
عن أربع وعشرين ساعة وال تزيد على ثالثة سنين إال في األحوال الخصوصية ..الخ.
(?)
أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .177، 3
277
وال يلزم ألخذ الجاني بالظرف المشدد أن يثبت علمه بحقيقة سن المجني عليه ،فهذا العلم
مفترض في جانبه ال يندفع عنه بدعوى الجهل به ،أو بأن مظهر المجني عليه ونصيبه من النمو
الجسدي كان سببًا وراء خطأه في تقدير السن ،أو بأى سبب آخر اللهم إال حالة أن يثبت الجاني أن
جهله بحقيقة سن المجني عليه مرجعه إلى ظروف قهرية واستثنائية حالت بينه وبين الوقوف على
()1
حقيقة األمر.
حيث قضت محكمة النقض في أحد أحكامها عن احتساب عمر المجني عليه في هتك
العرض لعدم نص القانون عن كيفية األخذ بسن المجني عليه ،هل يحسب بالتقويم الميالدي أم
بالتقويم الهجري ،فقد قررت إنه »يجب األخذ بالتقويم الهجري الذي يتفق مع صالح المتهم ،أخذًا
بالقاعدة العامة في تفسير القانون الجنائي ،والتي تقضى بأنه إذا جاء النص العقابي ناقصًا أو
()2
غامضًا فينبغي أن يفسر بتوسع لصالح المتهم ،وبتصنيف ضد مصلحته«
لم يكتف المشرع المصري بكفالة حق الطفل في الحياة ،وفي سالمة الجسم وحمايته جنائيًا
من الخطف ،بل كفل له الحماية الجنائية من مجرد تهديده ،وتعريض حياته للخطر.
ومن الحاالت النادرة التي ينص فيها القانون على تجريم األفعال بطريق الترك أو
التي نص عليها المشرع المصري المادة 286من قانون العقوبات ،والتي نصت ()3
االمتناع
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص ، 1
(?) لم يأخذ قانون العقوبات المصري بالقصد االحتمالي إال في حاالت نادرة جدًا ،ومحصورة في 3
أضيق نطاق ،كمسئولية الشريك عن الجرائم التي يكون وقوعها نتيجة محتملة ألفعال التحريض ،أو
االتفاق أو المساعدة التي حصلت ،ولو كانت غير التي تعمد الشريك ارتكابها ،كما هو منصوص
277
على »إذا نشأ عن تعريض الطفل للخطر وتركه في المحال الخالي ،كالمبين بالمادة السابقة
انفصال عضو من أعضائه ،أو فقد منفعته ،فيعاقب الفاعل بالعقوبة المقررة للجرح عمدًا ،فإن
تسبب عن ذلك موت الطفل يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا«.
وبمقتضى هذا النص يعتبر الجاني مسئوًال عن نتائج التعريض والترك؛ إذا ترك الطفل
في محل خالي من اآلدميين.
و أخذ المشرع في هذه المادة بالقصد االحتمالي ،فالشخص الذي يعرض طفًال للخطر
ويتركه في محل خالي من اآلدميين ،ال يقصد قتل ،وال إحداث جرح أو عاهة مستديمة به ،ولكنه
يعلم طبيعة فعله الجنائي ،وقد توقع أو كان في استطاعته أن يتوقع النتائج التي يحتمل أن تترتب
عليه بالنسبة لحياة الطفل.
فإذا أقدم رغم ذلك على ارتكاب هذا الفعل فيعتبر أنه قبل نتائجه االحتمالية ،ويسأل عن
()1
هذه النتائج ،وإ ن لم يتعمد إحداثها مباشرة.
فالقصد الجنائي االحتمالي يفترض توقع المتهم احتمال أن يؤدى سلوكه إلى تحقق نتيجة
إجرامية ثانوية باإلضافة إلى الغرض األصلي الذي أتى سلوكه من أجل تحقيقه؛ فيقدم على فعله،
()2
فالبد من أن تحقق هذه النتيجة اإلجرامية الثانوية حدوثها.
والعلة من التشديد هي صفة صغر سن المجني عليه ،وبالتالي تبرز صفة المجني عليه في
تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه.
عليه في المادة 43عقوبات ،وأيضًا المسئولية العمدية عن الوفاة في حاالت الضرب أو الجرح
المفضي إلى الموت.
(?) المستشار /مصطفي هرجه :التعليق على قانون العقوبات ،المجلد الثاني .395، 1
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص 2
المطلب الثاني
حيث نصت المادة 268/1عقوبات على أن »كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو
بالتهديد ،أو شرع في ذلك يعاقب باألشغال الشاقة من ثالث سنين إلى سبع ،وإ ذا كان عمر من
وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة ......يجوز إبالغ مدة العقوبة إلى
أقصى الحد المقرر األشغال الشاقة المؤقتة«.
وبإلقاء الضوء على النص السابق يتضح أن المشرع قد ساوى في العقوبة بين ارتكاب
الجريمة كاملة ،وبين مجرد الشروع فيها ،قاصدًا من ذلك إحكام الحماية الجنائية لعرض
الصغير ،ولذلك شدد العقاب على مجرد البدء في االعتداء عليه ،وذلك خروجًا عن القاعدة العامة
في التجريم ،وبالتالي يتضح جليًا دور صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني وتقدير
العقوبة ،وكذلك لصفة المجني عليه (صغر السن) أثرها البالغ في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير
العقوبة في نص المادة 269عقوبات ،والتي نصت على »كل من هتك عرض صبى أو صبية لم
يبلغ سن كًال منهما ثمان عشر سنة كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس ،وإ ذا كان سنه لم يبلغ
سبع سنين كاملة .........تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة«.
وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضح أن صغر السن غير من وصف الجريمة من جنحة
إلى جناية ،حيث إن المشرع قد جعل من جريمة هتك العرض بغير قوة أو تهديد بحسب األصل
جنحة ،فإذا كان سن المجني عليه أقل من سبع سنوات تغير الوصف من جنحة عقوبتها الحبس
إلى جناية يعاقب عليها باألشغال الشاقة المؤقتة.
277
وكما سبق فإن الحكمة من التشديد ترجع لوجود صفة للمجني عليه ،وهي صغر سنه
والعلة من وراء جعل المشرع ظرف صغر سن المجني عليه دون السابعة صورة مشددة لجريمة
هتك العرض بغير قوة أو تهديد هي أن الصغير غير المميز ال يعتد القانون برضاه بتاتًا حيث
()1
تنعدم لديه اإلرادة والتمييز.
ومن التشريعات العربية التي جعلت من سن المجني عليه ظرفًا مشددًا للعقاب التشريع
الكويتي حيث نص قانون الجزاء الكويتي في المادة 191على »عقاب كل من هتك عرض إنسان
باإلكراه ،أو بالتهديد أو بالحيلة بالحبس مدة ال تتجاوز خمس عشرة سنة ،وترفع العقوبة إلى
الحبس المؤبد إذا كان الجاني من أصول المجني عليه ،أو من المتولين تربيته أو رعايته ،أو ممن
لهم سلطة عليه أو كان خادمًا عنده ،أو عند من تقدم ذكرهم ،ويحكم بالعقوبات السابقة إذا كان
المجني عليه معدوم اإلرادة لصغر أو لجنون أو لعته أو كان غير مدرك طبيعة الفعل أو معتقد
شرعيته ،ولو ارتكب الفعل بغير إكراه أو تهديد أو حيلة«.
ويتضح من ذلك أن القانون يشدد العقاب في هذه الحالة حيث يعاقب بالعقوبة المقررة
لجريمة هتك باإلكراه أو بالتهديد حتى ولو ارتكب الفعل غير مقترنًا بالقوة أو بالتهديد ،بسبب
()2
تعلق صفة من الصفات السابقة بالمجني عليه ،ومنها صفة صغر السن.
وبذلك يعتبر سن المجني عليه من أهم األركان التي تقوم عليها جريمة هتك العرض في
قانون الجزاء الكويتي ،حيث يشدد العقوبة ،ويرفعها من الحبس الذي ال تتجاوز مدته خمس
عشرة سنة إلى الحبس المؤبد ،لو ارتكب الفعل على صغير السن (المجني عليه) دون إكراه أو
()3
تهديد أو حيلة.
مما سبق يتضح دور صفة المجني عليه ،والمتمثلة في صغر السن في تحديد مسئولية
الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص ، 1
(?)
أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .186، 3
277
المطلب الثالث
فالمشرع قصد بالمادة 338عقوبات حماية القصر من طمع كل من تحدثه نفسه بأن
يستغل شهواتهم ،وهوى أنفسهم وينتهز فرصة ضعفهم وعدم خبرتهم فيحصل منهم على كتابات
أو سندات ضارة بمصالحهم من قبيل ما هو منصوص عليه في تلك المادة ،وبمقتضى عموم
النص يجب أن يدخل في متناول هذه الحماية كل قاصر لم يبلغ الحادية والعشرين أو بلغها ومدت
عليه الوصاية ،فال يخرج عن متناولها القاصر الذي يستلم أمواله بعد بلوغه الثامنة عشرة سنة
ليقوم بإدارتها ،فإنه ليس له أن يباشر إال أعمال اإلدارة الواردة على سبيل الحصر في المادة 29
من قانون المجالس الحسبية ،على أن يقدم عنها حسابًا للمجلس الحسبي ،وإ ذا كان االقتراض غير
وارد ضمن ما أجيز لهذا القاصر مباشرته بل محظورًا عليه كما هو محظور على الوصي
بمقتضى نصوص القانون المذكور فإن المادة 337عقوبات تكون منطبقة على من يستغل
(?) نص قانون العقوبات الفرنسي على جريمة انتهاز احتياج أو ضعف أو هوى نفس القاصر في 1
المادة 406عقوبات ،وشدد العقوبة ،حيث وضع حد أدنى للحبس حيث ال يقل عن شهرين ،وجعل
الغرامة وجوبية بحيث ال تقل عن 3600فرانك ،وأضاف عقوبة تكميلية جوازية هي الحرمان من
الحقوق المدنية والسياسية لمدة ال تزيد عن عشر سنوات ،أشار إليها:
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .91:92،
277
ضعفه ،ويحصل منه على سند دين ،وال يغير من وجه الجريمة أن يتفق على وضع تاريخ الحق
للتصرف ،بحيث يقع في سن البلوغ ،وإ ثبات التاريخ الحقيقي يكون بكافة طرق اإلثبات ،ونص
المادة 338عقوبات المذكورة ال يحمى سوى القصر دون غيرهم من العاجزين ،كالمحجور
()1
عليهم لسفه أو عته أو جنون.
وبإلقاء الضوء على النص سالف الذكر يتضح أن المشرع كفل به حماية صغير السن من
استغالل المرابين له ،وانتهاز عدم خبرته فيجبرونه على التصرف تصرفات ضارة بحقوقه
المالية.
وبالتالي جعل المشرع من صفة المجني عليه المتمثلة في كونه قاصرًا ركنًا مفترضًا في
هذه الجريمة ،وذلك بهدف حمايته جنائيًا ،وتوقيع العقاب على من يستغل صغر سنه ،أو هوى
نفسه ويضر بحقوقه المالية ،ويحسب للمشرع في كفالته للصغير في حماية حقوقه المالية بنص
المادة السابقة أنه امتدت حمايته للصغير حتى بلوغه سن إحدى وعشرين سنة ،ويعد هذا النص
من النصوص النادرة التي تكفل حماية الصغير جنائيًا حتى هذا السن حيث كما سبق توضيحه من
أن الحماية الجنائية لصغير السن في حقه في الحياة ،وفي سالمة جسمه ،وأمنه وعرضه ،وتمتد
الحماية حتى سن ست عشرة سنة أو ثمان عشرة سنة.
و تظل أيضًا الحماية الجنائية للقاصر وفقًا للنص سالف الذكر قائمة حتى ولو سلمت
للقاصر أمواله بعد بلوغ ثمان عشرة سنة ،ليقوم بإدارتها ألنه ليس له أن يباشر كل أعمال اإلدارة
فقط ،وليس منها االقتراض لذلك يطبق العقاب على كل من يستغل صنفه ،ويحصل منه على سند
()2
بدين.
وشدد أن المشرع العقاب إذا كان الجاني مأمورًا بالوالية أو الوصايا على الشخص
القاصر ،فجعل العقوبة السجن من ثالث سنوات إلى سبع أي عقوبة الجناية ،وبالتالي غير وصف
الجريمة من جنحة إلى جناية ،وذلك كما هو ظاهر من نص المادة 338عقوبات والمقصود
بالمأمور بالوالية ،أو الوصايا على الشخص المعذور هنا هو الشخص الذي يوضع القاصر تحت
()3
مالحظته كالمربى ومن في حكمه.
(?) نقض جلسة 19/10/1942القواعد القانون جـ 693، 5أشار إليه المستشار /مصطفي هرجه: 1
(?) أ.د /أحمد محمد إبراهيم :قانون العقوبات ،الطبعة الثالثة .504، 3
أشار إليه المستشار /مصطفي هرجه :تعليق على قانون العقوبات ،المجلد الثاني .939،
277
مما سبق يتضح الحماية الجنائية لصغير السن في حقوقه المالية من جريمة انتهاز احتياج
أو ضعف أو هوى نفس القاصر.
* تعقيب:
بعد توضيح أوجه الحماية الجنائية التي كفلتها التشريعات الجنائية المختلفة لصغار السن،
وبيان موقف المشرع المصري من الحماية الجنائية لصغير السن ،حيث تضمن النصوص العديدة
التي شددت العقاب في الجرائم التي تمس حياة الصغير ،أو تعرض حياته للخطر ،فجعلت من سن
المجني عليه ظرفًا مشددًا في بعض الحاالت يغير من وصف الجريمة من جنحة إلى جناية،
وبالتالي يغير في العقوبة الموقعة على الجاني.
كذلك تم توضيح الحماية الجنائية للقاصر من استغالل حقوقه المالية حيث نص عليها
المشرع بنص خاص في المادة 338عقوبات التي جعلت من صفة المجني عليه ركنًا مفترضًا
لقيام الجريمة ،باإلضافة إلى ركنها المادي والمعنوي ،وذلك لتوفير أكبر حماية لمال القاصر.
أخيرًا يتطلع الباحث إلى المزيد من الحماية الجنائية لصغار السن ،ويأمل في أن تتضمن
التشريعات الجنائية الحديثة تشديدًا للعقاب في جرائم خطف الطفل حديث الوالدة ،وجرائم سوء
معاملة األطفال ،وحرمانهم من ضرورات المعيشة ،وجريمة تعريضهم للخطر.
وذلك اتساقًا مع السياسة الجنائية الحديثة التي تدعو إلى مزيد من الحماية الجنائية للطفل،
والتي تجد أساسها في ضعفه ،وعدم قدرته على مقاومة الجريمة ،ومنع الجاني من ارتكابها.
277
* المبحث الثاني *
صــفة الجنـس.
كما كفلت التشريعات الجنائية الحماية الجنائية لصغار السن مراعية في ذلك لما في
صغر السن من صفة تجعل صاحبها أكثر عرضة من غيره للوقوع ضحية للجريمة ،ضمنت
التشريعات النصوص الجنائية العديدة ،والتي تشدد العقاب على الجناة الذين يرتكبون جرائمهم
ضد هؤالء الصغار مستغلين صفة صغر السن.
أيضًا تضمنت التشريعات الجنائية النصوص القانونية لحماية النساء؛ باعتبارهن أكثر
عرضة للوقوع ضحية للجريمة من الرجال ،وذلك لتوافر صفة األنوثة ،فنجد جانبًا من هذه
الحماية تأخذ بصفة األنوثة كركن مفترض في الجريمة ،وجانب آخر يأخذ بصفة األنوثة كظرف
مشدد للعقاب.
المطلب األول
وبإلقاء الضوء على نص المادة 279عقوبات يتضح أنها تضمنت توقيع عقوبة الفعل
الفاضح العلني المنصوص عليها في المادة 278عقوبات على كل من ارتكب مع امرأة أمرًا
مخًال بالحياء ،ولو في غير عالنية ،ويهدف المشرع من ذلك حماية الحياء الخاص لألنثى التي
يقع الفعل في حضورها ،سواء انصب عليها فعل الجاني ،بأن أوقع الفعل عليها كما لو مس
شعرها أو المس جسدها من فوق المالبس ،أم أوقعه على نفسه في حضورها ،أو على مرأى
منها ،أو على نحو يمكنها معه إدراك مغزى الفعل الجارح لشعورها وحيائها »كأن يستمن الجاني
()1
على مرأى من أنثى أو يكشف لها عن عورته«
والركن المفترض في هذه الجريمة هو أن يقع الفعل على أنثى ،واألنثى هنا لفظ عام ،فال
يشترط القانون أن تكون جميلة ،أو غير جميلة ،متزوجة أم غير متزوجة،حسنة األخالق أم سيئة
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص 1
ويترتب على أن صفة األنوثة ركن مفترض في هذه الجريمة؛ أن تدرك المرأة طبيعة
الفعل ومدلوله ،حتى تتحقق حكمة التجريم المتمثلة في حماية شعورها وصيانة كرامتها ،حتى
يمكن القول بأن الجاني قد أخل بحيائها ،لذلك إذا وقع الفعل على صغيرة غير مميزة ،أو على
()2
مجنونة ال تدرك مدلول الفعل المكون للجريمة؛ فال جريمة وال عقاب.
كذلك جعل المشرع من انعدام الرضا ركنًا في جريمة الفعل الفاضح غير العلني ،وذلك
بناًء على الحكمة من التجريم حيث إنه ال تقوم هذه الجريمة إال في حالة انعدام رضا المجني عليها
بالفعل المخل بالحياء وهو ما أوضحته محكمة النقض بقولها »يشترط لتوافر جريمة الفعل
الفاضح غير العلني المنصوص عليها في المادة 279عقوبات ،التي تتم بغير رضاء المجني
عليها حماية لشعورها ،وصيانة لكرامتها ،مما قد يقع على جسمها أو بحضورها من أمور مخلة
()3
بالحياء على الرغم منها«
مما تقدم يتضح دور صفة األنوثة كركن مفترض في جريمة الفعل الفاضح غير العلني.
(?) أ.د /محمد زكى أبو عامر :الحماية الجنائية للعرض في التشريع المعاصر .41، 1985 ، 1
(?) أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .98، 2
.834، 187
أشار إليه المستشار مصطفي هرجه :تعليق على قانون العقوبات ،المرجع السابق .375،
وكذلك أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق ،99،وأيضًا أ.د
/فهد فالح مطر :المرجع السابق .321،
277
ويسرى حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء األنثى قد وقع عن
طريق التليفون.
فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة من نفس نوع الجريمة المنصوص عليها في الفقرتين
السابقتين مرة أخرى في خالل سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة األولى تكون العقوبة
الحبس ،وغرامة ال تقل عن خمسمائة جنيه ،وال تزيد عن ثالثة آالف جنيه أو بإحدى هاتين
()1
العقوبتين.
وبإلقاء الضوء على المادة سالفة الذكر يتضح أنها تفترض لتوقيع العقاب تعرض رجل
المرأة في طريق عام ،أو مكان متروك ،بحيث يكون الرجل أقحم نفسه على مسار األنثى
وتعرض لها بالقول أو الفعل بطريقة أو بألفاظ تخدش حيائها لدرجة أن المشرع امتد الحماية
الجنائية لألنثى ،وجرم بنص تلك المادة كل ما يخدش حياء األنثى إذا وقع عن طريق التليفون،
وتقرير ما إذا كانت العبارات تخدش الحياء من عدمه هي من األمور الموضوعية التي يستقل بها
قاضي الموضوع مستهديًا في ذلك بالقواعد العامة المنظمة ألخالق المجتمع ،حيث إنها عملية
نسبية تختلف من مكان آلخر ،ومن زمان آلخر ،ومن بيئة ألخرى كل ذلك أمر متروك تقديره
لقاضي الموضوع.
مما سبق يتضح أن المشرع جعل من صفة األنوثة ركن مفترض لقيام هذه الجريمة ،وهذه
حماية جنائية خاصة لألنثى في ذاتها حفاظًا على أخالقها ،وصونًا لحيائها الذي يختلف عن حياء
الرجل ،يستوي في ذلك أن تكون األنثى متزوجة أو غير متزوجة ،صغيرة أو كبيرة ،فإذا ما
صدر من أي شخص قول أو فعل يخدش حيائها »حياء المرأة بصفة عامة« يخضع ذلك الشخص
للتجريم المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر ويوقع عليه عقوبتها.
نجد أيضًا أن قبول المرأة لأللفاظ التي تخدش حيائها ال يسقط المسئولية الجنائية عن
()2
الفاعل وال يعفيه من العقاب.
(?) هذه المادة مضافة بالقانون رقم 617لسنة 1953الصادر في 12ديسمبر ( 1953الوقائع 1
المصرية في 12ديسمبر سنة ، 1953العدد 99مكرر) ثم استبدلت الفقرة األولى منها بالقانون
رقم 169لسنة ( 1981الجريدة الرسمية في 4نوفمبر سنة ، 1981العدد 44مكرر) .حيث
رفعت عقوبة الحبس إلى شهر في الفقرة األولى ،ثم عدلت المادة بعقوبتها بموجب القانون رقم 93
لسنة ،1995وأضيف بين الفقرتين فقرة جديدة وهي الخاصة بخدش حياء األنثى عن
طريق التليفون.
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق .102، 2
277
أيضًا اشترط القانون في التعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها أن يقع الفعل أو القول
في طريق عام أو مكان متروك ،وبالتالي فالعالنية تعد شرطًا أساسيًا للعقاب في هذه الجريمة،
ويتحدد مفهوم العالنية ونطاقها وفقًا للمصلحة التي أراد القانون حمايتها بالتجريم ،وهي المحافظة
على األخالق والشعور العام بالحياء.
يبدو الفرق بين جريمة الفعل الفاضح ،وجريمة التعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها
المنصوص عليها في المادة 306مكرر (أ) واضحًا جليًا من عدة وجوه:
* أولهــا :أن الجريمة األولى ال تقع إال بفعل ،بينما جريمة التعرض ألنثى تقع بالقول أو الفعل.
* ثانيها :أن الفعل في الجريمة األولى البد أن يقع على جسم إنسان سواء في ذلك الجاني نفسه
أو المجني عليه.
بينما يكفي أن يستبين من القول أو الفعل في الجريمة الثانية أنه يخدش حياء األنثى ،ولو
وقع فعل التعرض لها بعيدًا عنها دون أن يقع على جسمها.
* ثالثها :أن الفعل الفاضح إذا وقع على مجني عليه؛ فإنه كما يقع على ذكر يقع على أنثى بينما
فعل التعرض المنصوص عليه في المادة 306مكرر (أ) البد أن يقع على أنثى.
* رابعها :أن الفعل الفاضح كما يلزم أن يتوافر معه ركن العالنية طبقًا لنص المادة 278
عقوبات يمكن أال يتوافر معه هذا الركن طبقًا لنص المادة 279عقوبات ،بينما التعرض ألنثى
على وجه يخدش حيائها يجب للعقاب عليه أن يقع في طريق عام أو مكان مطروق.
أما إذا صدر عن الجاني أقواًال ال تخدش حياء المجني عليها ،كما ارتكب أفعالا تمس
حيائها ،وكان ذلك في مكان عام ،فإنه ينطبق عليه جريمتا الفعل الفاضح العلني ،والتعرض ألنثى
على وجه يخدش حيائها ،ويحكم عليه بالعقوبة األشد طبقًا للمادة 32/2عقوبات لما بين
،وقضى تطبيقًا لذلك بأن »مالحقة الطاعن للمجني عليها على سلم ()1
الجريمتين من ارتباط
المنزل ،وما صاحب ذلك من أقوال وأفعال تخدش حيائها تتوافر به جريمتا الفعل الفاضح العلني،
والتعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها ،وقيام االرتباط بين هاتين الجريمتين يوجب تطبيق
(?) أ.د /نجاتى سند :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص ،المرجع 1
السابق .320،
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص ،
المرجع السابق .188،
277
المادة 32/2من قانون العقوبات ،والحكم بالعقوبة المقررة ألشدهما ،وهي عقوبة الجريمة األولى
()1
مخالفة الحكم ،هذا النظر خطأ في تطبيق القانون.
(?) نقض 8فبراير سنة ، 1970أحكام النقض س 21الطعن رقم 1782لسنة 29ق .238، 1
أشار إليه أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على
األشخاص ،المرجع السابق .188،
277
المطلب الثاني
بإلقاء الضوء على نص المادة 289من قانون العقوبات المصري ،يشدد العقوبة في
جريمة الخطف من غير تحايل وال إكراه ،إذا كان المخطوف أنثى لتصل إلى األشغال الشاقة
المؤقتة ،في حين أن عقوبة هذه الجريمة هي السجن من ثالث سنين إلى عشر ،إذا كان المجني
عليه ذكر لم يبلغ سنه ست عشرة سنة كاملة.
ويهدف المشرع من تشديد العقوبة بناء على جنس المجني عليه إلى توفير الحماية الالزمة
لألنثى ،كونها أكثر تعرضا للوقوع ضحية للجريمة ،ألنها تعد هدفًا سهًال في نظر الجاني ،األمر
الذي يدفعه إلى تنفيذ غرضه اإلجرامي ،فاألنوثة نوع من الضعف يستدعى تدخل المشرع
()1
لغرض الحماية الكافية له ،وهو ما فعله المشرع في المادة 289عقوبات.
وبالتالي تتضح صفة األنوثة كظرف مشدد للعقوبة ،ويبرز دور صفة المجني عليه في
تحديد مسئولية الجاني وتقدير العقوبة الموقعة عليه.
* تعقيب:
بعد توضيح صفة األنوثة كركن مفترض في بعض الجرائم ،وكذلك صفة األنوثة كظرف
مشدد لبعض الجرائم ،يتضح جليًا مدى الدور الذي تقوم به صفة المجني عليه في تحديد مسئولية
الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه.
(?)
أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .227، 1
277
وذلك قد يكون من خالل تغيير وصف الجريمة ،وبالتالي تغيير العقوبة الموقعة على
الجاني ،وهذا هو المقصود من هذه الدراسة المعتمدة على إبراز دور المجني عليه في تحديد
مسئولية الجاني ،وتحديد نوع الجزاء الموقع عليه.
فصفة المجني عليه تنعكس على الحماية الجنائية للمجني عليه من خالل وضع النصوص
القانونية الواقية من الوقوع ضحية للجريمة ،باعتباره فريسة سهلة للجاني ،وكذلك وضع
النصوص القانونية التي تشدد العقاب على الجاني حتى تكون رادعة له وتمنعه من ارتكاب
الجرائم ضد المجني عليه ذات الصفات المؤثرة على قدرته في مقاومة الجريمة ومنعها وتجعله
عرضة للوقوع ضحية للجريمة أكثر من غيره.
ومن هنا كان دور السياسة الجنائية الحديثة التي جعلت من شخصية المجني عليه،
والصفات الخاصة بها أثرا واضحا في تحديد مسئولية الجاني ،وقدر العقوبة الموقعة عليه.
277
* المبحث الثالث *
لذلك تقوم السياسة الجنائية الحديثة في مختلف التشريعات على توفير حماية جنائية خاصة
لهؤالء األشخاص ،متمثلة في تقرير ظرف عام مشدد للعقوبة الموقعة على من يرتكب جريمة
ضد هؤالء األشخاص ( ،)1أو تشديد العقوبة في بعض الجرائم التي ترتكب ضد الشخص العاجز
سواء وقعت على نفسه أو عرضه أو ماله ،وترجع الحكمة في تلك الحماية الجنائية الخاصة
ألصحاب هذه الصفات لضعفهم ،وعدم قدرتهم على دفع الجريمة على الجاني أو منع وقوعها
عليهم.
باإلضافة إلى أن تشديد العقاب على الجاني الذي يرتكب جرائم ضد هؤالء لكونه استغل
ضعفهم وحالتهم الصحية العاجزة ،وارتكب جريمته بكل سهولة ويسر ،فكان مستحقا للعقوبة
المشددة ،سيتم توضيحها في ثالثة مطالب على النحو التالي:
(?) نصت المادة 18من قانون العقوبات األثيوبي على تقرير ظرف مشدد للعقوبة الموقعة على من 1
المطلب األول
لذلك وفر المشرع الحماية الجنائية الالزمة للعاجز في حماية حياته وسالمة جسمه،
وصور تلك الحماية عديدة منها :حماية مصاب الحرب ،وكذلك حماية الشخص المقدم على
االنتحار ،وحماية الشخص المعرض للخطر ،وأخيرًا حماية العاجز من تعرضه للخطر ،وفيما
يلي تفصيل ذلك:
وسوف يتم تناول كل منها على حدة ،وذلك لتوضيح أثر صفة المجني عليه المتمثلة في
حالته الصحية ،في تحديد مسئولية الجاني ،وتقديره للعقوبة الموقعة عليه.
يتطلب تطبيق المادة أن يرتكب فعل االعتداء على حياة الجريح أثناء قيام حالة الحرب،
وتورد المادة ظرفًا مشددًا للعقاب إذا وقعت جرائم القتل أو الجرح أو الضرب على جرحى
الحرب أثناء الحرب ،ولو كان المجني عليه من األعداء ،فيعاقب مرتكبها بنفس العقوبات المقررة
لما يرتكب من هذه الجرائم بسبق اإلصرار والترصد.
والحكمة من التشديد في العقوبة الموقعة على الجاني يرجع إلى حالة الضعف التي يمر
بها جريح الحرب أثناء فترة الحرب ،فال يقوى على الدفاع عن نفسه في حالة تعرضه
لالعتداءات الجنائية على حياته أو على سالمة جسمه ،كما أنه ال يشكل خطورة على المجتمع بل
صار ضحية سهلة في نظر الجاني لتنفيذ مشروعه اإلجرامي ضده ،ولهذه االعتبارات تدخل
المشرع بتشديد العقوبة على الجرائم الواقعة عليه أثناء فترة الحرب.
فغالبًا ما يتسم االعتداء على جريح الحرب بالوحشية والقسوة استصحابًا لروح القتال التي
()2
تسود األعمال الحربية قبل أن ينسحب منها الجريح.
فبالنسبة لتوافر صفة المجني عليه المتمثلة في كونه مصاب حرب؛ فهو كل من وقعت
عليه إصابة بسبب الحرب ،سواء تمثلت في جرح أو ضرب ونتجت عن بعض المواد الضارة،
ولكن يجب أن تكون اإلصابة من الجسامة بحيث يحدث عجزًا عن درجة معينة لدى المصاب
(?) أضيف نص المادة 251عقوبات بموجب القانون رقم 13الصادر بتاريخ 26مارس لسنة 1
يستوي في جريح الحرب أن يكون عسكريًا أو مدنيًا ،أصيب في غارة جوية أو لتواجده
قرب العمليات الحربية ،كما يستوي أن يكون وطنيًا أو أجنبيًا ،ولو كان من أبناء الدولة المعادية
()2
أو من أفراد قواتها العسكرية.
أما بالنسبة للشرط الثاني ،والمتعلق بزمن وقوع الجريمة ،فيجب وقوع الجريمة أثناء
فترة الحرب ،حيث ال يكفي لتوقيع العقوبة أن يكون المجني عليه جريح حرب بل يلزم أن يكون
وقوع الجريمة أثناء فترة الحرب.
وفترة الحرب هنا يتم تحديد بدايتها ونهايتها طبقًا لقواعد القانون الدولي ،ألن الحرب
المقصودة هي التي تتم بين دولة وأخرى ،أو عدة دول فيما بينها ،وبالتالي يخرج من نطاق
التحديد الخاضع للتجريم طبقًا للمادة سالفة الذكر الحوادث األخرى كالثورة أو العصيان المسلح أو
()3
التمرد.
والعبرة في توافر الظرف المشدد هي بوقوع االعتداء أثناء قيام الحرب ،ولو لم تتحقق
الوفاة إال بعد انتهائها.
وبناء على ما تقدم فإذا ما توافر الشرطان المتقدمان تشدد العقوبة بنفس الدرجة التي
يرتبها القانون على توافر ظرف سبق اإلصرار والترصد في جرائم القتل والجرح والضرب،
فإذا كانت الجريمة الواقعة على جريح الحرب هي القتل مثًال فإن عقوبتها تكون اإلعدام ،وذلك
طبقًا للمادة 230عقوبات »وإ ذا أفضى األذى إلى موت المجني عليه يعاقب الجاني طبقًا للمادة
()4
236عقوبات ....الخ«
(?) أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .122، 1
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص 2
السابق.393،
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .125، 4
277
لهذا ينسحب أثره على جميع المساهمين في الجريمة ،فاعلون كانوا وشركاء ،سواء علموا بهذا
()1
الظرف أو لم يعلموا.
وينتقد األستاذ الدكتور /محمد أبو العال عقيدة الحماية الجنائية التي وفرها المشرع
للمصاب بمقتضى المادة 251مكرر من قانون العقوبات بأنها ناقصة من ثالثة نواحي هي:
-1يجب أن يطبق الظرف المشدد على الجاني الذي تمثل اعتداءه على المصاب في شكل إعطائه
مادة ضارة.
-2يجب أن تمتد الحماية الجناية لتشمل المصاب نتيجة حرب أهلية ،وال تقتصر كما هو الحال
اآلن وفقًا لنص المادة 251مكرر على المصاب بسبب حرب دولية.
-3يجب أن تمتد الحماية المقررة بنص المادة 251مكرر إلى كل مصاب ،أي كان مصدر
إصابته طالما أن األذى الذي ألم به قد أصابه بضرر جعله عاجزًا كليًا أو جزئيًا عن الدفاع عن
نفسه ،مما يستلزم توفير الحماية المماثلة لتلك المقررة لمن أصيب أثناء الحرب وبسببها ،وهذا
()2
يقتضى وضع نص مستقل لمواجهة هذه الحالة.
وتعقيبًا على ما تقدم يتضح أن السياسة الجنائية الحديثة تتطلع دائمًا وباستمرار إلى مزيد
من الحماية الجنائية لكل ممن تتوافر فيه صفة تجعله عرضة للوقوع ضحية للجريمة أكثر من
غيره ،وتحث التشريعات المختلفة على وضع النصوص القانونية المناسبة ،والمالئمة لوقايتهم من
الوقوع ضحية للجريمة ،وكذلك وضع النصوص العقابية التي تشدد العقاب على الجناة الذين
يستغلون أصحاب هذه الصفات في ارتكاب الجرائم ضدهم.
(?)
أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .209، 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق . 125، 2
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .127، 3
277
ويبنى على ما تقدم أن االشتراك في االنتحار أيًا كانت طريقته ال يعاقب عليه القانون،
طالما أنه ال يعاقب على االنتحار أو على الشروع فيه من حيث المبدأ ،ومع ذلك تعاقب بعض
القوانين على مجرد المساهمة في االنتحار ،وتجعل هذه المساهمة »جريمة قائمة بذاتها«.
ومن القوانين التي نهجت هذا المنهج قانون الجزاء الكويتي رقم 14لسنة ، 1960حيث
ينص في المادة 158منه على أن »كل من حرض أو ساعد أو اتفق مع شخص على االنتحار
فانتحر يعاقب بالحبس مدة ال تتجاوز ثالث "يقصد المشرع ثالث سنوات" أو بغرامة ال تتجاوز
()1
ثالثة آالف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين«
وترجع الحكمة في تجريم التحريض أو المساعدة على االنتحار لطبيعة خاصة في
الشخص الذي يفكر في االنتحار؛ فهو عادة شخص قد يئس من حياته ألسباب منها :مثًال إصابته
بمرض عضال ،وفقده األمل في البرء منه أو وقوعه ضحية لبعض المشاكل التي ال يجد من
سبيل للهروب منها إال بوضع نهاية لحياته ،إذن من يفكر في االنتحار هو شخص واقع تحت تأثير
االختيار أمامه ،والواجب اإلنساني أن نساعده على الخروج من هذه المحنة ،وذلك بالتخفيف عنه
بأن يواسى نفسيًا أو يطلب له أية مساعدة طبية إن كان فيها جدوى ،فإذا اتخذ الشخص حياله
موقفًا عكسيًا؛ فشجعه أو ساعده على تنفيذ فكرة االنتحار ،فإنه يكون بفعله هذا قد تخلى عن واجب
إنساني ،وكشف عن خطورة إجرامية تستوجب العقاب.
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق .382،
(?) أشار إليه أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق .127، 1
277
على أنه »من تسبب خطأ في موت شخص آخر ،كان ذلك ناشئًا 238/2من قانون العقوبات
()1
عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح واألنظمة
يعاقب بالحبس مدة ال تقل عن ستة أشهر ،وبغرامة ال تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين
العقوبتين ،وتكون العقوبة الحبس مدة ال تقل عن سنة وال تزيد على خمس سنوات وغرامة ال تقل
عن مائة جنيه ،وال تتجاوز خمسمائة جنيه ،أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة
إخالل الجاني إخالًال جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته ،أو كان متعاطيًا
مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث ،أو تراخى وقت الحادث عن مساعدة
من وقعت عليه الجريمة ،أو عن طلب المساعدة مع تمكنه من ذلك،وتكون العقوبة الحبس مدة ال
تقل عن سنة ،وال تزيد على سبع سنوات إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثالثة أشخاص ،فإذا
توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة ال تقل عن
سنة وال تزيد على عشر سنين«.
كما نصت المادة 244/2من قانون العقوبات »من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه
بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات
واللوائح واألنظمة يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على سنة وبغرامة ال تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى
هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد على سنتين وغرامة ال تتجاوز ثالثمائة جنيه أو إحدى
هاتين العقوبتين إذا نشأ عن اإلصابة عاهة مستديمة ،أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخالل الجاني
إخالًال جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيًا مسكرًا أو
مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث ،أو تراخي وقت الحادث عن مساعدة من وقعت
عليه الجريمة أو طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ،وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة
إصابة أكثر من ثالثة أشخاص ،فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة
()2
تكون العقوبة الحبس مدة ال تقل عن سنة ،وال تزيد على خمس سنين«
(?) هذه المادة معدلة بالقانون رقم 120لسنة 1962حيث رفع الحد األدنى لعقوبة الحبس بجعله ال 1
يقل عن ستة أشهر بعد أن كان غير محدد بحد أدنى ( 24ساعة حتى ثالث سنوات) وأضاف
الظروف المشددة للعقوبة كما في الفقرة الثانية والثالثة.
(?) هذه المادة معدلة بالقانون رقم 120لسنة 1962الصادر في 19/2/1962حيث أضاف 2
التعديل الظروف المشددة ،ورفع العقوبة ،ثم عدلت عقوبة الغرامة بالقانون رقم 29لسنة 1982
من خمسين جنيهًا في الفقرة األولى إلى مائتى جنيه ،ومن مائتي جنيه في الفقرة الثانية إلى ثالثمائة
جنيه مصري.
277
والمشرع المصري في المادتين 238/2و 244/2من قانون العقوبات نص على ظرف
مشدد للعقاب إذا تراخى الجاني وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة ،أو عن طلب
المساعدة له ،وتم إضافة هذا الظرف المشدد بالقانون رقم 120لسنة 1962كرد فعل لكثرة
حوادث السيارات ،وامتناع بعض السائقين المتهمين في هذه الحوادث عن مساعدة أو طلب
()1
المساعدة للمجني عليه.
وبناًء على النصين سالفي الذكر اشترط المشرع لقيام جريمة االمتناع عن مساعدة شخص
في خطر توافر ثالثة عناصر:
المهم أن يكون هذا الشخص حيًا أو يعتقد أنه ما زال حيًا ،حيث تنعدم الحكمة من التجريم
()2
إذا كان ميتاً؛ فالميت ليس شخصًا وليس في خطر.
والخطر المقصود هو الخطر الجسيم والحال والمستمر ،والذي يقتضى التدخل الفوري
ممن وقع عليه التزام بالتدخل ،وتقدير ذلك الخطر أمر موضوعي يترك لقاضي الموضوع
تقديره؛ الختالفه في كل حالة على حدة ،مهم أن يكون مهدد للنفس وسالمة الجسم ،باإلضافة إلى
الشروط السابقة ،فإنه يشترط أيضًا لقيام هذه الجريمة أن يكون الشخص الممتنع عن تقديم
المساعدة قادرًا عليها ،وأال يخشى خطرًا من تقديمها ،فالقانون ال يلزم الشخص بالقيام في تقديم
المساعدة حتى ولو كان قادرًا عليها إذا كان في تقديمها خطر عليه ،ويرجع في تقدير ذلك أيضًا
()3
إلى محكمة الموضوع.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص 1
(?)
أ.د /فالح فهد مطر :المرجع السابق .200، 3
277
والعلة من تشديد العقوبة على أساس التراخي عن مساعدة المجني عليه ترجع لعدة أسباب
منها :أن الجاني إذا نكل عن تقديم المساعدة يكون قد ضاعف خطئه ،ذلك ألنه فضًال عن ارتكابه
فالتشديد في هذه الحالة يرجع إلى ازدواج الخطأ ()1
لجريمته نكل عن تدارك اآلثار المترتبة عليها
في مسلك الجاني ،باعتبار أن من يتسبب بخطئه في إصابة غيره يكون ملزمًا قانونيًا بتعويضه
عينًا إذا كان قادرًا على ذلك ،وقد يرجع تشديد العقوبة بناء على هذا الظرف إلى أن الموقف
السلبي من جانب الجاني من شأنه أن يسهم كعامل الحق في إحداث نتيجة أكبر مما لو تدخل
لمساعدة المجني عليه ،وهو ما يحدث في جرائم القتل الخطأ الناتجة عن حوادث السيارات،
وأخيرًا قد تكمن علة التشديد في هذه الحالة نتيجة الزدياد الحوادث ،وخاصة حوادث السيارات،
وما يترتب عليها من ازدياد في عدد الضحايا ،وهذا السبب األخير هو العلة التي استند عليها
المشرع في تشديد العقوبات في المواد (238و )244عند إدخاله التعديالت الجديدة عليها طبقًا
للقانون رقم 120لسنة .1962
ومما تقدم يتضح أنه إذا ما توافرت شروط المساعدة ،وصفة الجاني والمجني عليه،
وامتنع الجاني عن مساعدة المجني عليه مع إمكانية ذلك يكون خاضعًا للتجريم ،والعقاب الوارد
بنص المادتين 238/2و 244/2من قانون العقوبات المصري ،والظرف المشدد للعقاب؛ لذلك
يأمل الباحث من المشرع الجنائي أن ينص على جريمة االمتناع عن المساعدة كمبدأ عام في
القانون المصري ،ذلك مسايرة للمشرع الفرنسي حيث نص في المادة 63/2من قانون العقوبات
الفرنسي على تجريم االمتناع عن مساعدة شخص في خطر ،أو عن طلب المساعدة له كمبدأ عام
()2
يجرم كل حاالت االمتناع عن مساعدة الشخص الموجود في خطر.
ومن التشريعات العربية جريمة االمتناع عن مساعدة الشخص المهدد بالخطر التشريع
الكويتي حيث نصت المادة 144من قانون الجزاء الكويتي على أنه »يعاقب بالحبس مدة ال
تتجاوز ثالثة أشهر ،وبغرامة ال تتجاوز ثالثمائة روبية ،أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع
عمدًا عن تقديم المساعدة إلى شخص يهدد خطر جسيم في نفسه أو في حالة ،إذا كان هذا الخطر
ناشئًا عن كارثة عامة كغرق أو حريق أو فيضان أو زلزال ،وكان الممتنع عن تقديم المساعدة
قادرًا عليها ،وال يخشى خطرًا من تقديمها ،وكان االمتناع مخالفًا ألمر صادر وفقًا للقانون من
()3
موظف عام تدخل بناء على واجبات وظيفته للحيلولة دون تحقق هذا الخطر.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص 1
(?)
أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .199، 3
277
مما تقدم يتضح دور صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة وذلك
من خالل الحماية الجنائية التي تكفلها التشريعات الجنائية لصفة المجني عليه المؤثرة في وقوعه
ضحية للجريمة ،وما يترتب عليها من تشديد العقاب على الجاني الستغالله تلك الصفات في
ارتكاب الجريمة.
وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضح أن العقوبة وجوبية ،بمجرد تعريض الشخص
المجنون أو حديث السن للخطر ،وإ ذا حدثت ألي منهما إصابة فيسأل عنها الشخص الموكول له
رعايتهم على أساس اإلهمال ،بمعنى إمكانية توافر حالة تعدد الجرائم حسب األحوال.
ويسلك ذات النهج كل من القانون اإليطالي ،وقانون العقوبات الفرنسي ،فكالهما يجرم
،أما التشريعات التي تعاقب على التعريض ()1
ويوقع العقاب على مجرد تعريض العاجز للخطر
للخطر المقترن بحدوث ضرر ،وتشدد العقوبة إذا اقترن التعريض بحدوث ضرر :التشريع
الكويتي إذ نص في المادة 166من قانون الجزاء الكويتي على أن »كل شخص يلزمه القانون
برعاية شخص آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على ضرورات الحياة بسبب سنه أو مرضه أو
اختالل عقله أو تقييد حريته ،سواء نشأ االلتزام عن نص القانون مباشرة أو عن عقد أو عن فعل
مشروع أو غير مشروع ،فامتنع عمدًا عن القيام بالتزامه ،وأفضى ذلك إلى وفاة المجني عليه ،أو
إلى إصابته بأذى يعاقب حسب قصد الجاني ،وجسامة اإلصابات بالعقود المنصوص عليها في
المواد (149و 150و 152و 160و 162و )163فإن كان االمتناع عن إهمال ال عن قصد
()2
وقعت العقوبات المنصوص عليها في المادتين (154و .)164
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .145، 1
(?)
أشار إليه أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .196، 2
277
وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضح أن المشرع اشترط توافر صفة في المجني عليه هي
كونه عاجزًا على أن يحصل لنفسه على ضرورات الحياة بسبب سنه أو مرضه أو اختالل عقله
أو تقييد حريته.
قد أورد المشرع هذا النص تحت عنوان التعريف للخطر غير أنه لم يعاقب بمجرد
التعريض للخطر ،إنما استلزم للعقاب حدوث الضرر الفعلي ،وهو ما يستفاد من عبارة وأفضى
ذلك إلى وفاة المجني عليه أو إصابته بأذى.
وكل ما يتطلع إليه الباحث في عرض التشريعات السابقة هو بيان دور صفة المجني عليه
في تغيير العقوبة ،وتحديد مسئولية الجاني الذي يستغل صفة المجني عليه (كالعاجز) ،ويقوم
بارتكاب الجريمة ضده ،ويجعله فريسة سهلة ،وهذا ما يبرر دور التشريعات الجنائية الحديثة في
حماية المجني عليهم ،وتشديد العقاب على الجناة.
277
ومن التشريعات التي نصت على ذلك التشريع الكويتي ،وذلك حماية للمجني عليه
المصاب بمرض الجنون أو العته ،فنص المادة 178من قانون الجزاء الكويتي تنص على عقوبة
الحبس مدة ال تتجاوز سبع سنوات على كل من خطف شخصا من غير رضاه ،وتصبح العقوبة
الحبس مدة ال تتجاوز عشر سنوات إذا كان الخطف بالقوة أو التهديد أو الحيلة ،ويشدد المشرع
بهذه العقوبة لتصل إلى الحبس مدة ال تتجاوز خمس عشر سنة إذا كان المجني عليه معتوهًا أو
()1
مجنونًا.
كذلك المشرع في المادة 179من قانون الجزاء الكويتي شدد عقوبة الخطف حتى ولو تم
بغير تهديد أو حيلة لتصل إلى الحبس مدة ال تتجاوز عشر سنوات ،إذا كان المجني عليه مجنونًا
أو معتوهًا أو يقل سنه عن واحد وعشرين عاما كاملة ،وتكون العقوبة الحبس المؤبد إذا كان
الخطف بقصد قتل المجني عليه أو إلحاق األذى به ،أو مواقعته أو هتك عرضه أو حمله على
مزاولة البغاء ،أو ابتزاز شيء منه ،أو من غيره ،ولكن إذا كان من خطف المجني عليه هي أمه
()2
وأثبتت حسن نيتها ،وأنها تعتقد أن لها حق حضانة ولدها فال عقاب عليها.
وبإلقاء الضوء على هذين النصين يتضح أن المادة 178من قانون الجزاء الكويتي تقرر
لجريمة الخطف بالقوة أو بالتهديد أو بالحيلة عقوبة الحبس الذي ال يتجاوز عشر سنوات ،ثم تشدد
العقوبة فترفع الحد األقصى للحبس إلى خمس عشرة سنة إذا كان المجني عليه معتوهًا أو
مجنونًا.
أما المادة 176من قانون الجزاء الكويتي سالفة الذكر فتقرر عقوبة الحبس الذي ال
يتجاوز عشر سنوات لجريمة الخطف ،إذا كان المجني عليه معتوهًا أو مجنونًا متى تم الخطف
بغير قوة أو تهديد أو حيلة ،فإذا كان الخطف بقصد قتل المجني عليه ،أو إلحاق أذى به ،أو
مواقعته ،أو هتك عرضه أو حمله على مزاولة البغاء ،أو ابتزاز شيء منه أو من غيره كانت
()3
العقوبة الحبس المؤبد.
(?)
أشار إليه أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .212، 1
(?)
أشار إليه أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .212، 2
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .149، 3
277
موقف المشرع المصري من تشديد العقاب إذا كان المخطوف شخصًا عاجزًا:
يشدد المشرع المصري العقوبة على الخاطف إذا كان المجني عليه طفًال لم يبلغ ست
عشرة سنة ،أو كان أنثى ،وذلك كما هو مبين في نص المادتين 288و 289من قانون العقوبات
المصري.
وأن الحكمة من تشديد العقوبة تعود إلى توفير حماية جنائية خاصة للمجني عليهم صغار
السن بسبب ضعفهم ،وعدم قدرتهم على منع وقوع الجريمة ،باإلضافة إلى ضعف إرادتهم ،وقلة
خبرتهم في كيفية التعامل مع الجناة أصحاب الميول اإلجرامية الذين يستغلون تلك الصفة في تنفيذ
ميولهم اإلجرامية.
277
ورأينا أن صفة صغر السن كانت سببًا في تشديد العقاب ،وتحديد مسئولية الجاني.
ورغم ما سلكه المشرع الجنائي من توفير أكبر حماية جنائية لمن تتوافر فيهم صفة
الضعف إال أنه خال من النص على تشديد العقاب في حالة خطف العاجز ،رغم توافر ذات
الحكمة التي من أجلها شدد العقاب على الصغير ،لذلك تتطلع الدراسة إلى ضرورة نص المشرع
على تشديد العقاب في حالة خطف العاجز مسايرًا في ذلك ما نهجه من تشريعات سابقة ،وما
تهدف إليه السياسة الجنائية الحديثة.
277
المطلب الثاني
لذلك وضعت التشريعات الجنائية المختلفة الحماية الجنائية الخاصة للمجني عليهم
المتوافر بهم صفات الضعف وعدم القدرة على منع وقوع الجريمة ضدهم ،فشملت نصوصها
القانونية ظرفًا مشدد للعقاب.
ومن هذه التشريعات التي اعتبرت الحالة العقلية أو الصحية ظرفًا مشددا للعقاب :قانون
العقوبات اإليطالي والفرنسي.
()1
ومن التشريعات العربية قانون العقوبات الليبي واللبناني والكويتي.
ومنها على سبيل المثال نص قانون الجزاء الكويتي الذي قرر في المادة 187منه
»عقوبة الحبس المؤبد لمن واقع أنثى بغير إكراه أو تهديد أو حيلة وهو يعلم إنها مجنونة أو
()2
معتوهة أو دون الخامسة عشرة«
وبإلقاء الضوء على النص سالف الذكر يتضح أن المشرع قد شدد العقاب على الفاعل في
جريمة االغتصاب إذا كان المجني عليها مجنونة أو معتوهة ولو برضائها ،ولكنه قيد توقيع
العقوبة المشددة بعلم الفاعل بحالة الجنون أو العته وقت الفعل ،وبما إننا نعرض هذه النصوص
بهدف إيضاح ما لصفة المجني عليه ،والمتمثلة هنا في العجز »جنون أو عته« من أثر في تحديد
مسئولية الجاني وتقدير العقوبة المقررة عليه تكتفي الدراسة بالنص السابق الدال على أخذ
التشريعات بظرف مشدد للعقاب في حالة توافر صفة خاصة في المجني عليها تضعف من
قدرتها ،وتجعلها عرضة للوقوع ضحية للجريمة أكثر من غيرها.
والحكمة من تشديد العقاب على الجاني الذي ارتكب جريمته ضد شخص مصاب بعاهة
عقلية ،أو عجز جسماني ترجع في تأثير الحالة الصحية في إرادة المجني عليه.
(?)
أشار إليها أ.د /محمد أبو العال عقيدة :المرجع السابق .151، 1
(?)
أشار إليه أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .210، 2
277
فالجنون مثًال يعيب الرضا ،ولذلك كان من الواجب توفير الحماية الجنائية المطلوبة حتى
تقلل من فرص وقوع هؤالء األشخاص ضحايا لجرائم العرض؛ لما للرضا من دور كبير في
جرائم العرض.
وبإلقاء الضوء على موقف المشرع المصري من حمايته الجنائية للعاجز في مجال جرائم
العرض يتضح أن قانون العقوبات المصري لم يتضمن أي حماية جنائية خاصة في مجال جرائم
()1
العرض للمجني عليه المصاب بمرض عضوي أو نفسي.
على الرغم من اتحاد الحكمة في التجريم بين الحماية الجنائية للمجني عليه صغير السن
في جرائم العرض ،والحماية الجنائية للمجني عليه العاجز في جرائم العرض فكالهما غير
قادرين على منع الجريمة ،أو دفعها لضعف إرادتهما ،وقدرة الجاني على ارتكاب الجريمة
ضدهما في سهولة ويسر دون مقاومة منهما ،إال أن المشرع المصري نص على تشديد العقاب
في جرائم العرض التي تقع على صغير السن ،ووضع لحماية تلك الصفة نصوصًا خاصة في
المواد 267و 268و 269من قانون العقوبات ،إال أنه لم يتضمن ثمة نص يوفر حماية جنائية
خاصة للعاجز في جرائم العرض.
لذلك يأمل الباحث من المشرع المصري أن يضع نصًا خاصًا يكفل به الحماية الجنائية
للعاجز في جرائم العرض ،لتوافر الحكمة التشريعية من تشديد العقاب على الجناة الذين يرتكبون
جرائمهم ضد المجني عليهم العاجزين ،وغير القادرين على دفع الجريمة باعتبارهم أصحاب
صفة خاصة تستوجب حماية جنائية خاصة ،وال سيما أن الجنون والعته والمرض يعدمان
الرضا.
وقد تعرضت محكمة النقض المصرية لحالة المرض الذي يعدم القدرة على المقاومة،
فذهبت إلى أنه »متى كان المتهم قد باغت المجني عليها ،وهي مريضة مستلقية على فراشها
منتهزًا فرصة عجزها بسبب المرض عن المقاومة ،أو إتيان أي حركة فإن ذلك يكفي لتكوين
()2
جريمة الوقاع المنصوص عليها في الفقرة األولى من المادة .276
فالقانون ال يعتد برضاء المجني عليه غير المميز بسبب إصابته بالجنون أو العته؛ ألن
()3
إرادة غير المميز مجردة من القيمة القانونية.
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .153، 1
(?)
نقض 27يناير 1957مجموعة :أحكام النقض ،س ، 9رقم .102، 28 2
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،المرجع السابق 536، 3
.
277
وقد قضى تطبيقًا لذلك أن ركن القوة أو التهديد الذي يميز جناية هتك العرض المنصوص
عليها في المادة 268عقوبات عن الجنحة المنصوص عليها في القوة المادية فحسب ،بل يتحقق
كذلك بكافة صور انعدام الرضا لدى المجني عليه ،ومن بين هذه الصورة عاهة العقل التي تعدم
()1
الرضا الصحيح.
مما تقدم يتضح أثر الحالة الصحية للمجني عليه في مجال جرائم العرض من ناحية صحة
الرضا من عدمه؛ لكون القانون ال يعتد برضا المجني عليه غير المميز بسبب إصابته بالجنون أو
من العته ،وبالتالي يظل في صفة المجني عليه العاجز أثر في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير
العقوبة الموقعة عليه.
ولذلك يحاول الفقه والقضاء إبراز الحماية الجنائية للعاجز ،وذلك عن دراسة وتطبيق
نصوص االغتصاب وهتك العرض ،وعلى وجه الخصوص ركن انعدام الرضا في هاتين
()2
الجريمتين.
(?) نقض 21مايو ، 1978مجموعة أحكام النقض ،س 29رقم .524، 97 1
(?) أ.د /محمود نجيب حسنى :الحق في صيانة العرض في الشريعة اإلسالمية وقانون العقوبات 2
المطلب الثالث
ومن صور هذه الحماية الجنائية ما قرره المشرع في قانون العقوبات المصري من خالل
نصين المادة 317/9ع من قانون العقوبات ،والخاصة بالسرقة التي ترتكب أثناء الحرب على
الجرحى ،والمادة 339/1و 2من قانون العقوبات ،والتي تجرم وتشدد العقاب على اإلقراض
بالربا الفاحش إذا تم القرض نتيجة استغالل المقرض »كالمجني عليه الهوائي«.
أوًال :تشديد العقاب على السرقة إذا وقعت على مصاب الحرب:
لم تقتصر الحماية الجنائية للمجني عليه المصاب أثناء الحرب على بعض جرائم
األشخاص فحسب ،بل امتدت لتشمل بعض جرائم األموال ،ومنها جريمة السرقة المنصوص
عليها في المادة 317/9عقوبات ،والتي نصت على »يعاقب بالحبس مع الشغل ..........تاسعًا:
على السرقات التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحى حتى من األعداء«.
وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضج أن المشرع المصري شدد العقوبة الموقعة على
الجاني في جريمة السرقة إذا وقعت على الجرحى أثناء الحرب ،ولو كانوا من األعداء ،فتشديد
العقوبة يجد أساسه في ضعف المجني عليه وعجزه عن الدفاع عن ماله بنفسه أو تبليغ السلطات
المختصة عن الجريمة التي وقعت عليه ،والعلة في تشديد العقوبة الموقعة على الجاني ترجع إلى
خسة الجاني الذي استغل ضعف المجني عليه جريح وقام بارتكاب الجريمة ضده مستغًال هذه
()1
الظروف.
وبمطالعة المادة 317/9من قانون العقوبات المصري يتضح أنها تتضمن شرطين لتشديد
العقوبة الموقعة على الجاني هما-:
(?) أ.د /نجاتى سند :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األموال ، 1
.131 ، 2002/2003
277
-2وقوع الجريمة أثناء الحرب.
فنص المادة مقصورا في صفة المجني عليه على جريح الحرب فقط ،وهو كل من وقعت
()1
عليه إصابة أثناء الحرب سواء تمثلت في جرح أو ضرب .........الخ.
عقوبات قتلى الحرب حيث ال يجوز التوسع في تفسير نص المادة أو القياس عليها ،وإ ن
كان الباحث يأمل في تدخل المشرع ليسوى في الحماية الجنائية بين جرحى الحرب ،وقتلى
الحرب لتوافر ذات الحكمة من التجريم.
كذلك يأمل من المشرع المصري التوسع في نطاق الحماية أثناء الحرب حتى تمتد لتشمل
حماية جرحى الحرب األهلية ،لتوافر أيضًا ذات الحكمة من الحماية الجنائية.
وبناء على ما تقدم يتضح أن الحماية الجنائية للحقوق المالية للعاجز ،والمتمثلة في حماية
أموال مصاب الحرب من وقوع جريمة السرقة عليها ،وهنا يبرز دور صفة المجني عليه »جريح
الحرب« في تحديد مسئولية الجاني ،وتشديد العقوبة الموقعة عليه.
ثانيًا:تجريم اإلقراض بالربا الفاحش إذا تم استغالًال لضعف المجني عليه أو هواه:
كما وضع المشرع حماية جنائية خاصة للحقوق المالية لصغير السن ،وذلك بالنص عليها
في المادة 338من قانون العقوبات المصري ،وضع أيضًا حماية جنائية للحقوق المالية للمصاب
بضعف هوى أو نفس ،وذلك بالعقاب على مجرد إقراضه بالربا الفاحش دون استلزام االعتياد ما
دام القرض تم استغالًال لهذا الضعف أو هوى النفس ،وذلك بالنص عليها في المادة 339/1و 2
من قانون العقوبات ،والتي نصت على ما يلي:
»كل من انتهز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص ،وأقرضه نقودًا بأي طريقة كانت
بفائدة تزيد على الحد األقصى المقرر للفوائد الممكن االتفاق عليها قانونًا ،يعاقب بغرامة ال تزيد
عن مائتي جنيه ،فإذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة األولى في الخمس سنوات التالية
للحكم األول تكون العقوبة الحبس لمدة ال تتجاوز سنتين ،وغرامة ال تتجاوز الخمسمائة جنيه أو
إحدى هاتين العقوبتين فقط ،وكل من اعتاد على إقراض نقود بأي طريقة كانت بفائدة تزيد عن
الحد األقصى للفائدة الممكن االتفاق عليها قانونًا يعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة السابقة.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األموال ، 1
.73، 2001/2002
277
وبإلقاء الضوء على النص السابق يتضح أن المشرع جرم اإلقراض بالربا الفاحش إذا ما
تم اإلقراض استغالًال لضعف المجني عليه أو هوى نفسه ،وذلك كما هو في الفقرتين األولى
والثانية من المادة سالفة الذكر ،ثم جرم اإلقراض بالربا الفاحش في حالة االعتياد على اإلقراض.
ونظرًا ألن موضوع الدراسة متعلق ببيان دور توافر صفة خاصة في المجني عليه
وأثرها في تحديد مسئولية وتقدير العقوبة الموقعة عليه ،لذلك سوف تقتصر الدراسة على بيان
الحالة األولى من المادة سالفة الذكر ،وهي تجريم اإلقراض بالربا الفاحش إذا تم استغالًال لضعف
()1
المجني عليه أو هواه.
والحكمة من التجريم تتمثل في الحماية الجنائية للمقترضين الذي استغل فيهم المرابون
ضعف نفسهم وهواهم لتبديد ثرواتهم.
فإذا ما توافرت الشروط الثالثة سالفة الذكر ،والمتمثلة في أن يبرم الجاني مع المجني
عليه »ضعيف النفس والهوى« عقد قرض واحد »سواء كان مكتوبًا أو شفويًا« بفائدة تزيد عن
الحد األقصى المقرر للفوائد المتفق عليها قانونًا مستغًال في ذلك ضعف المجني عليه أو هوى
نفسه قاصدًا من ذلك استغالل المجني عليه القتضاء فائدة غير قانونية ،على الرغم من علمه وقت
التعاقد بظروف المجني عليه ،حيث تتجه إرادته إلى ارتكاب ذلك الفعل المجرم ،وبالتالي يكون
مستحقًا لتوقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة 339/1و 2عقوبات سالفة البيان.
ومن التشريعات العربية التي وضعت حماية خاصة لمال المجني عليه ضعيف النفس
والهوى التشريع الكويتي ،حيث نص في قانون الجزاء الكويتي بالمادة 230منه على »عقاب كل
()2
من استعمل حاجة شخص أو طيشه أو هواه وأقرضه بربا فاحش«
مما تقدم يتضح لنا دور صفة المجني عليه في حث التشريعات الجنائية المختلفة في وضع
الحماية الجنائية المناسبة لكل صفة من هذه الصفات التي تجعل المجني عليه عرضة للوقوع في
(?) المقصود بالضعف هو سوء التقدير ،وعدم وزن األمور على وجهها السليم ،وقد يرجع ذلك 1
لمرض عقلى أو نفسى أو عدم خبرة أو ضعف شخصية ،أما المقصود بهوى النفس هو الميل الشديد
ألمر من األمور ،والتعلق به والرغبة في الحصول عليه بتبديد المال الالزم لذلك.
(?)
أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .214، 2
277
الجريمة أكثر من غيره غير المتوافر فيه تلك الصفة ،األمر الذي ترتب عليه تلك النصوص
الجنائية العديدة التي تكفل حماية المجني عليه الضعيف ،وذلك بوضع العقوبات الرادعة للجناة
الذين يستغلون تلك الصفات في المجني عليه ،ويرتكبون الجرائم ضده.
277
* المبحث الرابع *
صفــة المهنـة.
تمهيد وتقسيم:
مهنة الفرد في بعض األحيان تكون سببًا مؤثرًا في وقوع صاحبها ضحية للجريمة؛ لما
تحمله هذه المهنة من مخاطر ،لذلك تصبغ التشريعات الجنائية حماية جنائية خاصة ألصحاب
المهن التي تؤثر في وقوع شاغليها ضحية للجريمة أكثر من غيرهم ،الذين ال يمتهنون بتلك
المهن ،ومن األمثلة على هذه المهن مهنة الموظف عمومًا ،وتأخذ الحماية الجنائية للموظف العام
غالبًا صورة تشديد العقوبة الموقعة على الجاني الذي يرتكب ضد الموظف جريمة معينة أثناء
()1
أدائه لوظيفته أو بسببها.
وترجع الحكمة من تشديد العقاب إلى رغبة المشرع في حماية الوظيفة العامة من خالل
الموظف نظرًا ألهميتها ،ولضمان استمرارها على الوجه األكمل.
وتهدف التشريعات المختلفة من وراء تقرير الحماية الجنائية للموظف العام إلى تحقيق
احترام الوظيفة العامة ،وضمان استمراريتها على الوجه المطلوب.
لذلك ال تسرى هذه الحماية إال إذا وقع االعتداء أثناء تأدية الوظيفة ،أو بسببها حيث إن
الحماية المقررة هنا ليست للشخص القائم على هذه الوظيفة ،وإ نما للوظيفة العامة نفسها.
فالمشرع هنا ال يقصد إنشاء امتياز شخصي لمصلحة بعض األفراد ،بقدر ما يحرص على
توفير الحماية الالزمة للوظيفة العامة من خالل تجريم االعتداء الذي يتعرض له الموظف العام
()2
أثناء تأديته لهذه الوظيفة أو بسببها.
ويتحقق االعتداء على الموظف العام أثناء تأدية وظيفته عندما يباشر أي عمل من أعمال
وظيفته ،طبقًا لما تأمر به القوانين أو اللوائح أو األوامر الصادرة من الرؤساء ،أما إذا كان
(?) نجد أن التشريعات الجنائية انقسمت من حيث حماية الموظف العام جنائيًا إلى قسمين األول: 1
ينص على حماية الموظف العام من خالل تشديد العقوبة كمبدأ عام ،حيث تشدد العقوبة على جميع
الجرائم التي تقع على الموظف العام ،ومن أمثلة هذه التشريعات قانون العقوبات اإليطالى والثاني:
فتشديد العقوبة يكون بالنص عليه في بعض الجرائم التي تقع على الموظف العام ،ومن هذه
التشريعات التشريع المصري.
(?)
أ.د /جندى عبدالملك :ج ، 2المرجع السابق .638، 2
277
االعتداء سابقًا على أداء الوظيفة العامة ،فإنه يخرج من نطاق الحماية الجنائية المقررة للموظف
()1
العام.
وال تقتصر الحماية الجنائية على االعتداء الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة فحسب ،بل إن
نطاقها يمتد لالعتداء الذي يقع بسبب أداء هذه الوظيفة حتى لو لم يكن الموظف العام وقتها
يمارس وظيفته؛ لذلك يعد الجاني مستحقًا العقاب إذا وجه اإلهانة للموظف بعد إحالته للمعاش،
متى كانت هذه اإلهانة تتعلق بالوظيفة التي سبق للمجني عليه أداؤها.
ويالحظ أن القانون يعاقب على االعتداء الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة بنفس العقوبة
المقررة لالعتداء الذي يقع بسبب أدائها ،ذلك أن المساس بكرامة الوظيفة العامة يتحقق بنفس
الدرجة سواء أكان االعتداء أثناء الوظيفة أم بسببها.
وهذا ما الحظه المشرع الفرنسي الذي مد نطاق الحماية ليشمل االعتداء الذي يقع بسبب
أداء الوظيفة بعد أن كان يقصر هذه الحماية على االعتداء الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة.
()2
وبناء على ما تقدم فسوف تتناول الدراسة الحماية الجنائية الموضوعية للموظف العام من
خالل إلقاء الضوء على جريمة إهانة الموظف العام والتعدي عليه أو مقاومته.
وأخيرًا جريمة إكراه الموظف العام لحملة على اإلخالل بأعمال وظيفته ،وقبل تناول كل
جريمة من تلك الجرائم على حدة سوف تعرض الدراسة بإيجاز بسيط إلى تعريف الموظف العام
في الفقه والقضاء؛ لخلو القانون الجنائي من تعريف للموظف العام ،لذلك حاول الفقه والقضاء
وضع تعريف للموظف العام.
فعرف الفقه الموظف العام بأنه :كل شخص يسهم في عمل دائم في خدمة مرفق عام
،بينما عرفت محكمة النقض المصرية الموظف العام ()3
تديره الدولة بطريق االستغالل المباشر
بأنه :هو من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام
()4
عن طريق شغله منصب يدخل في التنظيم اإلداري لذلك المرفق.
(?) أ.د /رمسيس بهنام :الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ،منشأة المعارف .315، 1986 ، 1
(?) عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص ، 3
أشار إليه أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على
األشخاص ،المرجع السابق .245،
277
ويمكن القول بأن مدلول الموظف العام في القانون الجنائي يتراوح بين السعة والضيق،
بحسب الحكمة التي يهدف إليها المشرع من وراء تجريم بعض أفعال المتعلقة بالوظيفة ،أو من
تقرير بعض صور الحماية الخاصة به.
المطلب الثالث :جريمة إكراه الموظف العام على اإلخالل بأعمال وظيفته0
وسوف تناول الدراسة كل مطلب من هذه المطالب في إيجاز بسيط يتضح من خالله دور
صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه.
277
المطلب األول
وسوف تناول الدراسة كل صورة من الصور المنصوص عليها في هذه المواد على حدة،
وبإيجاز بسيط جدًا ألن الحكمة من تناول هذا الموضوع تدور في فلك إبراز أثر صفة المجني
عليه في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه ،وذلك كله على النحو التالى:
كما تنص المادة 134من قانون العقوبات على أن »يحكم بالعقوبة المقررة بالفقرة األولى
من المادة السابقة إذا وجهت اإلهانة بواسطة التلغراف أو التليفون أو الكتابة أو الرسم«.
وبإلقاء الضوء على نص المادتين سالفتى الذكر يتضح أن العلة من التجريم تتمثل في
فرض االحترام الواجب للوظيفة العامة ،عن طريق تجريم السلوك الذي يمس القائم عليها ويتنافى
()1
مع هذا االحترام ،وال يشكل في نفس الوقت سبًا أو قذفًا للموظف العام.
فالنص على تجريم اإلهانة بهذه الصورة يعد بمثابة حماية جنائية واسعة وشاملة خاصة
للموظف العام ،حيث إنه إذا توافر في الواقعة سب أو قذف في حق الموظف فإن النصوص التي
()2
تعاقب على ذلك هي الواجبة التطبيق.
(?) أ.د /محمود نجيب حسنى :قانون العقوبات ،المرجع السابق .712، 1
(?) ال يشترط لتوافر جريمة اإلهانة المنصوص عليها في المادة 133عقوبات أن تكون األفعال 2
والعبارات المستعملة مشتملة على قذف أو إسناد أمر معين ،بل يكفي أن تحمل معنى اإلساءة أو
المساس بالشعور أو الفض من الكرامة ،وأنه يكفي لتوفر القصد الجنائى فيها تعمد توجيه ألفاظ
تحمل بذاتها معنى اإلهانة إلى الموظف سواء أثناء تأدية الوظيفة ،أو بسببها بغض النظر عن الباعث
على توجيهها( .الطعن رقم 1707لسنة 51ق ،جلسة .)20/10/1981
277
وبالتالي فإن التجريم الوارد للنص سالف الذكر يفرضه المشرع الحترام الوظيفة العامة،
وحينما ال تتضمن اإلهانة سبًا أو قذفًا .......الخ في حق الموظف العام.
ويشترط المشرع لتوقيع العقوبة على الجاني في تلك الجريمة توافر ركنيها (المادي
والمعنوي) مع توافر صفة خاصة ،وهي صفة الموظف العام أو من في حكمه.
والركن المادي المتمثل في النشاط اإلجرامي في هذه الجريمة ،هو إهانة الموظف العام أو
رجل الضبط أو المكلف بخدمة عمومية.
وتتحقق اإلهانة بثالث صور حددها النص على سبيل الحصر هي اإلشارة أو القول أو
التهديد ،وأن توجه هذه اإلهانة إلى الموظف العام في مواجهة ،أو عن طريق التلغراف أو
التليفون أو الكتابة أو الرسم ،وذلك طبقًا لما هو منصوص عليه 134من قانون العقوبات،
والمرجع في بيان عما إذا كانت اإلشارة أو القول أو التهديد يعد إهانة من عدمه أمرًا متروكا إلى
،ويشترط أيضًا المشرع أن تقع اإلهانة »باإلشارة أو القول أو التهديد« على ()1
قاضي الموضوع
الموظف العام ،أو أحد رجال الضبط ،أو أي إنسان مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة ،أو
بسبب تأديتها ،حيث إن جريمة إهانة الموظف العام جريمة عمدية يقوم الركن المعنوي فيها على
القصر الجنائي العام الذي يتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلهانة الموظف العام ومن في حكمه أثناء
تأدية وظيفته ،أو بسببها على الرغم من علمه بكافة الشروط التي تقوم عليها هذه الجريمة.
مما تقدم إذا ما توافرت أركان الجريمة الثالثة »اإلهانة المتمثلة في اإلشارة أو القول أو
التهديد« الموجهة إلى موظف عام ،أو من في حكمه أثناء تأديته للوظيفة ،أو بسببها ،وكان توجيه
اإلهانة عن عمد يعاقب ذلك الشخص بعقوبة الحبس مدة ال تزيد على ستة أشهر ،أو بغرامة ال
تتجاوز مائتي جنيه مصري.
هذه هي الصورة العامة إلهانة الموظف العام أثناء تأديته للوظيفة أو بسببها ،أما الصور
الخاصة إلهانة الموظف العام سوف تتناولها الدراسة تباعًا بعد ذلك.
(?) عرفت محكمة النقض المصرية اإلهانة بأنها :كل قول أو فعل يحكم العرف بأنه فيه ازدراء 1
تحرص التشريعات عادة على توفير حماية خاصة لرئيس الدولة من الجرائم الماسة
بحياته أو سالمته أو حريته أو سلطته باعتباره رمزًا للدولة.
وتتحقق هذه الجريمة بعدة طرق :كالقول أو الصياح علنيًا أو الفعل أو اإليماء ،وكذلك
بالكتابة أو الرسوم والصور والصورة الشمسية والرموز ،ويشترط في هذه الطرق أن تكون
علنية ،وذلك طبقًا لنص القانون وانصراف إرادة الجاني إلى اإلهانة مع علمه بالشروط التي تقوم
عليها هذه الجريمة والعقوبة الموقعة ،وهي الحبس مدة ال تزيد عن سنتين.
ومن التشريعات العربية التي تنص على تجريم إهانة رئيس الدولة بنص خاص التشريع
الكويتي حيث نص في المادة 25من القانون رقم 31لسنة 1970على أنه »يعاقب بالحبس مدة
ال تتجاوز خمس سنوات كل من طعن علنًا ،أو في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو
الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر في حقوق األمير
()1
وسلطته ،أو عاب في ذات األمير أو تطاول على مسند اإلمارة«
( )2إهانة مجلس األمة أو إحدى الهيئات النظامية أو المحاكم أو أي عضو فيها:
خص المشرع بعض المجالس والهيئات النظامية والمحاكم ،وكذلك األعضاء فيها
بالحماية الالزمة لقيام هذه األشخاص ،سواء المعنوية أو الطبيعية بالمهام المطلوبة منها .والهدف
من فرض هذه الحماية ينبع من حرص المشرع على إحاطة هذه الشخصيات باالحترام الالئق
بمكانتها من قبل الجمهور حتى تباشر أعمالها على النحو الذي يريده القانون ،فضًال عن أن
()2
احترام هذه المؤسسات يعد بمثابة احترام للدولة ،وهو واجب على الجميع.
(?)
أشار إليه أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .238، 1
(?)
أ.د /محمود نجيب حسنى :المرجع السابق .712، 2
277
ومن الجهات التي أحاطها المشرع بحماية خاصة ما ورد في المادة ( )184من قانون
العقوبات المصري التي تعاقب كل من أهان أو سب مجلس الشعب ،أو غيره من الهيئات النظامية
أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة.
وتقرر المادة ( )133/2من قانون العقوبات المصري على من أهان محكمة قضائية أو
إدارية أو مجلس أو أحد أعضائه ،وكان ذلك أثناء انعقاد الجلسة ،ومن الواضح أنه يلزم لقيام هذه
الجريمة توافر صفة خاصة في المجني عليه كونه محكمة قضائية أو إدارية أو مجلس أو أحد
أعضائه ،كما يشترط أن يكون وقوع هذه الجريمة في زمن معين هو وقت انعقاد جلسة المحكمة،
أو المجلس باإلضافة إلى باقي الشروط الالزمة لقيام هذه الجريمة.
ومن أحكام النقض الواردة في هذا الشأن »تتحقق جريمة المادة 133/2عقوبات متى
كانت األفعال ،أو العبارات تحمل معنى اإلساءة أو المساس بالشعور ،أو الفض من الكرامة ،ولو
لم تبلغ حد السب أو القذف تعمد توجيه ألفاظ تحمل بذاتها معنى اإلهانة كافية لتوافر القصد
()1
الجنائي في تلك الجريمة«
وكذلك قضت محكمة النقض »إذا كانت الواقعة الثابتة في الحكم هي أن المتهم عقب الحكم
في دعواه نطق قائًال "دا تحامل" موجهًا الخطاب إلى المحكمة في هيئتها ،وإلى شخص القاضي
الذي أصدر الحكم ،فهذه الواقعة تتوافر فيها جميع العناصر المكونة لجريمتي إهانة المحكمة،
()2
واإلخالل بمقام القاضي ....الخ «
و نص التشريع الكويتي في المادة 134من قانون الجزاء على عقوبة من أهان محكمة
قضائية أو إدارية أو مجلس أو أحد أعضائه ،وكان ذلك أثناء انعقاد الجلسة.
ومن الواضح أنه يشترط توافر صفة خاصة في المجني عليه ،وهي كونه محكمة قضائية
()3
أو إدارية أو مجلس أو أحد أعضائه ،كما يشترط وقوع الجريمة وقت انعقاد الجلسة.
المطلب الثاني
وقد شدد المشرع العقوبة إذا حصل مع التعدي أو العقوبة ضرب ،أو نشأ عنهما جرح
فنصت المادة 137من قانون العقوبات المصري »وإ ذا حصل مع المقاومة ضرب أو نشأ عنهما
جرح تكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد عن سنتين ،أو بغرامة ال تتجاوز مائتي جنيه ،فإذا حصل
الضرب أو الجرح باستعمال أي أسلحة أو عصا أو آالت أو أدوات أخرى ،أو بلغ الضرب أو
الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها في المادة 141عقوبات تكون العقوبة الحبس« ،وكذلك
نصت المادة 137مكرر يكون الحد األدنى للعقوبات في الجرائم المنصوص عليها في المواد
133و 136و 137خمسة عشر يوما بالنسبة إلى عقوبة الحبس ،وعشرة جنيهات بالنسبة لعقوبة
الغرامة إذا كان المجني عليه فيها موظفًا عموميًا ،أو مكلفًا بخدمات عامة بالسكك الحديدية ،أو
غيرها من وسائل النقل العام ،ووقع عليه االعتداء أثناء سيرها أو توقفها بالمحطات.
وبإلقاء الضوء على النصوص سالفة الذكر يتضح أن المشرع جرم وقوع االعتداء على
الموظف العام ،أو رجل الضبط ،أو اإلنسان المكلف بخدمة عامة ،وقد يتخذ هذا االعتداء شكل
()1
الهجوم فيسمى تعديًا ،أو يتخذ صورة الدفاع فيسمى مقاومة.
واشترط المشرع أن يكون وقوع التعدي أو المقاومة بالقوة ،أو العنف ضد الموظف العام
أثناء تأدية وظيفته ،أو بسبب تأديتها ،وذلك كما هو منصوص عليه في المواد سالفة الذكر.
ويقترن السلوك المادي في هذه الجريمة بالقوة أو العنف ،وهو ما يميزها عن جريمة
اإلهانة والقوة والعنف المقصودة والتي ال يشترط فيها أن يصل مباشرة لجسم الموظف ،وال
يشترط أن يبلغ حد الجرح ،أو الضرب بل يكفي مجرد التعدي أو اإليذاء الخفيف الذي لو وقع
(?)
أ.د فهد فالح مطر :المرجع السابق .239، 1
277
على األفراد العاديين ال يعاقب عليه ،فقصد المشرع أن يصل بالعقاب إلى أفعال القوة أو العنف
()1
التي ال تدخل في حكم اإلهانة ،وال في حكم الضرب أو الجرح.
والمقصود بالقوة أو العنف التي قد تأخذ صور عديدة مثل جذب الموظف ،أو دفعه بشدة
أو تمزيق مالبسه أو انتزاع عالماته ،أو التهديد باستخدام السالح كإطالق النار في الهواء حتى
()2
يتميز ذلك التهديد عن التهديد المقصود في المادة 133عقوبات.
وإ ذا ما توافر السلوك اإلجرامي وتوافر القصد الجنائي المتمثل في علم المتهم بصفة
المجني عليه »موظف عام أو من في حكمه« وقت ارتكاب السلوك اإلجرامي السابق بيانه يكون
خاضعًا للتجريم والعقاب الوارد في النصوص سالفة البيان.
وقد نص المشرع على ظرف مشدد في المادة 137مكرر عقوبات ترجع إلى صفة
المجني عليه في كونه أحد العاملين في إحدى وسائل النقل العام ،إذا وقع االعتداء عليه أثناء
سيرها ،أو توقفها بالمحطات ،فيكون الحد األدنى في العقوبة الموقعة على الجاني خمسة عشر
يومًا ،بالنسبة لعقوبة الحبس وعشر جنيهات بالنسبة لعقوبة الغرامة.
(?)
المستشار /جندى عبدالملك :الموسوعة الجنائية ،ج ، 2رقم .657، 99 1
(?)
أ.د /أحمد فتحى سرور :قانون العقوبات ،القسم الخاص .335، 2
277
المطلب الثالث
وبإلقاء الضوء على النص سالف الذكر يتضح أن جريمة إكراه الموظف العام لحمله على
اإلخالل بأعمال وظيفته تتميز عن باقي الجرائم الواقعة على الموظف العام في كونها تشكل جناية
ال جنحة ،كما في جريمتي اإلهانة والتعدي على الموظف العام ،كذلك تتميز عن باقي الجرائم
سالفة الذكر أنها تشترط توافر نية خاصة لدى الجاني ،تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف
المعتدى عليه على نتيجة معينة ،هي أن يؤدى عمًال من أعمال وظيفته ال يحل له أن يؤديه ،أو أن
يستجيب لرغبة المعتدى ،فيمتنع عن أداء عمل مكلف بأدائه ،ومن أحكام النقض على ذلك »لما
كان من المقرر أن الركن األدبي في الجناية المنصوص عليها في المادة 137مكرر (أ) من
قانون العقوبات ال يتحقق إال إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة ،باإلضافة إلى القصد الجنائي
العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة ،هي أن يؤدى عمًال
ال يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدى فيمتنع عن أداء عمل مكلف بأدائه ،وقد أطلق
المشرع حكم هذه المادة لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام
أو الشخص المكلف بالخدمة العامة متى كانت غايته من االعتداء أو التهديد حمل الموظف أو
المكلف بالخدمة العامة على قضاء أمر غير حق ،أو اجتناب أداء عمله المكلف به ،يستوي في
ذلك أن يقع االعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه ،أو في فترة
قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل ،ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد من
وقائع االعتداء الحاصلة من الطاعنين ما يكفي لتوافر الحكم المادي للجناية المذكورة قد استظهر
استظهارًا سليمًا من ظروف الواقعة أن نية الطاعنين مما وقع منهم من أفعال مادية قد انصرفت
إلى منع ضابط الشرطة المجني عليه من أداء عمل من أعمال وظيفته ،وتنفيذ أمر النيابة بتمكين
المدعين بالحقوق المدنية من الشقة المتنازع عليها ،فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصبت قيام
الركن األدبي للجناية التي دان الطاعنين بها ،ويضحى منع الطاعنين بعدم توافر أعمال العنف
277
المكونة للجريمة أو أنها حدثت بعد تمام تنفيذ قرار التمكين ال يعدو أن يكون جدًال موضوعيًا في
تقدير الدليل ،وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى ،واستنباط معتقدها ،وهو ما
()1
ال يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
* صورة خاصة لجريمة إكراه الموظف العام على اإلخالل بأعمال وظيفته:
والمتمثلة في إكراه رئيس الجمهورية أو عضو الوزارة أو عضو مجلس الشعب على
اإلخالل بأعمال وظيفته.
نص قانون العقوبات المصري على هذه الصورة الخاصة من جريمة إكراه الموظف العام
على اإلخالل بأعمال وظيفته.
حيث نصت المادة 99من قانون العقوبات على أن »يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو
المؤقتة كل من لجأ إلى العنف ،أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة لحمل رئيس
الجمهورية على أداء عمل من خصائصه قانونًا ،أو على االمتناع عنه ،وتكون العقوبة األشغال
الشاقة المؤقتة ،أو السجن إذا وقع الفعل على وزير أو على نائب أو على أحد أعضاء مجلس
()2
الشعب«
هذه المادة معدلة بالقانون رقم 112لسنة 1957بأن المادة 99تعاقب من يحاول بالقوة
أو التهديد باستعمالها إرغام رئيس الجمهورية ،أو أحد الوزراء أو أعضاء البرلمان على أداء
عمل من خصائصه ،أو على االمتناع عنه فقد عدلت صياغتها بما يالئم الوضع الدستوري
الراهن مع إضافة أية وسيلة أخرى غير مشروعة إلى الوسائل القسرية التي تستعمل في ارتكاب
الجريمة.
ويتطلب نموذج الجريمة صفة خاصة فيمن يوجه إليه السلوك المكون لها ،وهي صفة
رئيس الجمهورية أو الوزير أو نائب الوزير أو عضو مجلس الشعب؛ ذلك أنه إذا لم تتوافر هذه
الصفة الخاصة ،وإ نما توافرت صفة الموظف العام فحسب ،توافرت جريمة أخرى كجريمة
استعمال القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام ،أو شخص مكلف بخدمة عامة لحمله بغير حق
على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على االمتناع عنه (م )173مكرر (أ) ويجب لتوافر الجريمة
فوق انصراف إرادة الجاني إلى العنف أو التهديد أو استخدام وسيلة أخرى غير مشروعة أن
(?) الطعن رقم 2388لسنة 50ق ،جلسة ،17/11/1981وكذلك الطعن رقم 1315لسنة 47ق 1
،جلسة 27/2/1978أشار إليه المستشار /مصطفي هرجه :قانون العقوبات ،المجلد األول ،
.1077 ،1076
(?) يقابل هذه المادة في التشريع الكويتي المادة 24من القانون رقم 31لسنة 1970والتي تعاقب 2
وإ ذا وقعت الجريمة سالفة البيان والمنصوص عليها بالمادة 99عقوبات ضد رئيس
الجمهورية فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ،وإ ذا وقعت على أحد الوزراء أو
على نائب الوزير أو على عضو مجلس الشعب تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
مما سبق يتضح دور الصفة الخاصة في المجني عليه ،وأثرها في تحديد مسئولية الجاني،
وتقدير نوع العقوبة الموقعة عليه.
* تعقيب:
اتضح فيما تقدم مدى الدور الذي تقوم به الصفات الخاصة بالمجني علي ،والتي تجعله
عرضة للوقوع في الجريمة أكثر من غيره في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة
عليه ،وذلك من خالل وضع التشريعات الجنائية المختلفة لنصوص قانونية تكفل الحماية الجنائية
الخاصة لهؤالء المجني عليهم أصحاب هذه الصفات الخاصة ،والتي تجد أساسًا في أمرين:
أولهما :حماية المجني عليهم ووقايتهم من الوقوع في الجريمة ،وذلك بوضع األساليب المناسبة
والمالئمة لتوعية هؤالء المجني عليهم أصحاب الصفات الخاصة حتى ال يقعوا فريسة سهلة
للجريمة.
وثانيهما :تشديد العقوبة الموقعة على الجاني الذي يستغل المجني عليهم أصحاب هذه الصفات
الخاصة ،ويرتكب الجريمة ضدهم لكونهم فريسة سهلة ومناخ مناسب لوقوع الجريمة ،كما أن
السياسة الجنائية الحديثة ما زالت تدعو إلى المزيد من توفير أكبر قدر من الحماية الجنائية
الخاصة للمجني عليهم أصحاب الصفات المؤثرة في وقوعهم ضحية للجريمة أكثر من غيرهم.
(?)
أ.د /أحمد فتحي سرور :المرجع السابق .77، 1
277
* الفصل الثاني *
وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني.
تمهيد وتقسيم:
ترتب التشريعات الجنائية في بعض الحاالت على وجود عالقة خاصة بين الجاني
والمجني عليه بعض اآلثار القانونية في تحديد مسئولية الجاني ،وقد يترتب على وجود عالقة
خاصة بين الجاني والمجني عليه تشديد العقوبة الموقعة على الجاني ،وذلك كما في جرائم
العرض »االغتصاب ،وهتك العرض« وقد يترتب على وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني
عليه تخفيف العقاب ،وذلك كما في جريمة قتل الزوجة ومن معها في حالة تلبسها بالزنا ،وكذلك
ترتب العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في بعض األحيان اإلعفاء من العقاب ،وذلك كما
في جريمتي »إخفاء الجناة الهاربين من وجه القضاء أو إعانتهم على الفرار من وجه العدالة«.
وأخيرًا قد يترتب على وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه أثرها في إباحة
العقاب ،وسوف تتناول الدراسة في هذا الفصل أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في
تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة الموقعة عليه ،وذلك طبقًا للتقسيم التالي:
المبحث األول :العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في تشديد العقاب.
المبحث الثاني :العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في تخفيف العقاب.
المبحث الثالث :العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في اإلعفاء من العقاب.
المبحث الرابع :العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في إباحة العقاب.
277
المبحث األول
العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في تشديد العقاب .
ترتب بعض التشريعات على وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه في بعض
الجرائم أثر في تشديد العقوبة الموقعة على الجاني ،وتجد أساسها في التشديد من وجود العالقة
الخاصة التي تربط المجني عليه بالجاني.
ومن هذه التشريعات التشريع المصري حيث نص في نصوص عقابية عديدة على تشديد
العقوبة على الجاني الستغالله العالقة التي تربطه بالمجني عليه ،وقام بارتكاب الجريمة ضده.
لذلك سوف تتناول الدراسة بعض التطبيقات على ذلك من خالل إحدى جرائم األشخاص،
وإ حدى جرائم األموال.
أوًال :وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في تشديد العقاب في
مجال جرائم األشخاص:
تنص معظم التشريعات الجنائية المختلفة ،ومنها التشريع المصري على »تشديد العقوبة
الموقعة على الجاني نظرًا لوجود عالقة خاصة تربط المجني عليه بالجاني ،فيستغل الجاني تلك
()1
العالقة ويقوم بارتكاب جريمته«
وسوف تتناول الدراسة المادة 267/2من قانون العقوبات كإحدى التطبيقات على أثر
العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في تشديد العقوبة الموقعة على الجاني ،والتي نصت
على »من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«.
(?) تنص المواد 267/2و 268/2و 269من قانون العقوبات المصري على ظرف مشدد 1
وتوضيحًا لبيان دور العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في تشديد العقوبة على
الجاني سوف تتناول الدراسة في المادة سالفة الذكر العقوبة في صورتها البسيطة طبقًا للفقرة
األولى ،ثم العقوبة بعد توافر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في فقرتها الثانية ،وذلك
على النحو التالي:
فإن المشرع حدد األشخاص الذين ينطبق عليهم الظرف المشدد للعقاب وهم:
(?) حيث تنص المادة 17من قانون العقوبات على أنه »يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال 1
الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه اآلتى:
،عقوبة اإلعدام بعقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
،عقوبة األشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
،عقوبة األشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذي ال يجوز أن ينقص عن ستة شهور.
،عقوبة السجن بعقوبة الحبس الذي ال يجوز أن ينقص عن ثالثة شهور.
277
ويقصد بأصول المجني عليها كل من تناسلت منهم تناسًال حقيقيًا ،كاألب والجد الصحيح
وإ ن عال.
لذلك يخرج من التشديد األب أو الجد ،وإ ن عال بالتبني ألن الشريعة اإلسالمية ال تعترف
بنظام التبني ،فيجب أن تكون صلة البنوة شرعية ،فال ينطبق التشديد على األب غير الشرعي،
()1
وكذلك العم أو الخال.
ويقصد بهم جميع األشخاص الذين وكل إليهم أمر اإلشراف على المجني عليها وتهذيبها،
وقد يكون هذا بحكم القانون كالولي أو الوصي أو القيم أو المدرس في المدرسة ،أو قد يكون
مصدره التعاقد كالمدرس الخصوصي ،أو أن يكون ذلك بحكم الواقع كزوج األم وزوج األخت
،وقد قضى بأنه ال يشترط لتشديد العقاب في جريمة هتك العرض التي ()2
والعم واألخ األكبر
يكون فيها الجاني من المتولين تربية المجني عليه أن تكون التربية بإعطاء دروس عامة للمجني
عليه مع غيره من التالميذ ،أو أن يكون في مدرسة ،أو معهد تعليم ،بل يكفي أن تكون عن طريق
إلقاء دروس خاصة على المجني عليه ،ولو كان ذلك في مكان خاص ،ومهما يكن الوقت الذي قام
()3
فيه الجاني بالتربية قصيرًا.
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص 1
أشار إليه المستشار /مصطفى هرجة :المرجع السابق ،المجلد الثاني .331،
277
يراد بهم كل من له القدرة والسيطرة على تصرفات المجني عليها ،ويستوي أن تكون هذه
السلطة قانونية كسلطة رب العمل على عامالته ،وصاحب الحرفة على من تعملن عنده ،أو فعلية
()1
كسلطة أحد أقارب المجني عليها إذا لم يكن من المتولين تربيتها أو مالحظتها.
ومن المقرر أن توافر السلطة الفعلية للجاني على المجني عليها ،أو عدم توافرها مسألة
موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع فصًال نهائيًا ،وليس لمحكمة النقض بعد ذلك حق
مراقبتها في هذا الشأن.
يراد بالخادم الشخص الذي يعمل لدى المجني عليها مقابل أجر ،وهذا األجر يستوي أن
يكون نقديًا أو عينيًا ،وذلك مثل السائق الخاص ،والجنايني ،ويخرج من ذلك من يتطوع لخدمة
غيره بدون أجر ،أو يقوم بعمل غير مادي كالسكرتير الخاص ،أو المحاسب أو الطبيب الخاص
أو المحامى ،وال يشترط لتوافر الظرف المشدد أن يكون الجاني خادمًا عند المجني عليها فقط ،بل
يتوافر التشديد ،ولو كان الجاني يعمل عند أصولها أو أحد المتولين تربيتها ،أو مالحظتها أو من
له السلطة عليها ،فقد ساوى المشرع بين الحالتين في توافر العلة من التشديد.
()2
وقد قضى تطبيقًا لذلك بانطباق الظرف المشدد على خادم في مقهى إذا ارتكب الجريمة
المبينة بالمادة 267/2عقوبات إذ كانت المجني عليها في الوقت ذاته هي ابنة صاحب المقهى.
()3
وقضى أيضًا بأن الفراش بالمدرسة التي يتلقى فيها المجني عليه تعليمه يعتبر خادمًا
باألجرة لدى المتولين تربية المجني عليه ،ومالحظته وأعمال الظرف المشدد في حقه عمًال
()4
بالمادتين 267و 269عقوبات يكون صحيحًا في القانون.
فالعلة من تشديد العقوبة على هؤالء األشخاص سالفي الذكر ترجع إلى العالقة الخاصة
التي تربطهم بالمجني عليها ،سواء تمثلت في السلطة ،أو في التربية والتوجيه والمالحظة أو في
القيام بواجبات خدمتها تسهل لهم ارتكاب الجريمة ضدها نظرًا لقربهم منها ،ولما لهم من سلطة
(?) أ.د /محمد زكى أبو عامر ،المرجع السابق .162، 1
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،جرائم االعتداء على األشخاص ، 2
(?)
نقض ، 29/5/1972أحكام النقض ،س ، 23الطعن رقم 309لسنة 42ق .835، 4
277
عليها ،ومن ناحية أخرى أن هذه العالقة الخاصة تخلق نوعًا من األلفة بين المجني عليها ،وبينهم
تولد لديها ثقة فيهم تباعد بينها وبين فكرة اتخاذ واجبات الحيطة والحذر منهم.
وأخيرًا فإن الجاني قد أساء استعمال سلطته ،أو خان الثقة الموضوعة فيه ،وأخل بواجبه
في المحافظة على المجني عليها ،مما يكشف عن خطورته اإلجرامية التي تستوجب تشديد العقاب
عليه.
ومن التشريعات التي شددت العقوبة على الجاني إذا ما توفرت عالقة خاصة بالمجني
عليها التشريع الكويتي حيث تنص المادة 186عقوبات من قانون الجزاء الكويتي عقوبة اإلعدام
بدًال من عقوبة الحبس المؤبد إذا توفرت الشروط السابقة في الجاني.
كما تقرر المادة 187ذات العقوبة في حالة المواقعة بغير إكراه أو تهديد أو حيلة إذا
كانت المجني عليها مجنونة أو معتوهة أو دون الخامسة عشر أو معدومة اإلرادة ،ألي سبب
آخر ،وكان الجاني يتصف بذات الصفات المذكورة سابقًا ،واشترطت هذه المادة علم الجاني
()1
بظروف المجني عليها لتطبيق العقوبة ضده.
أما المادة 188/2من نفس القانون فقد جعلت العقوبة الحبس المؤبد بدًال من الحبس مدة
ال تتجاوز خمس عشرة سنة على من واقع أنثى بغير إكراه أو حيلة ،وكانت تبلغ الخامسة عشر
وال تبلغ الواحد والعشرين من عمرها ،وكان الجاني من أصول المجني عليها ،أو من المتولين
()2
تربيتها أو رعايتها ،أو ممن لهم سلطة عليها ،أو كان خادمًا عندها أو عند من تقدم ذكرهم.
وعلة التشديد التي يستند إليها التشريع الكويتي ترجع إلى إخالل الجاني بالثقة التي تعتمد
عليها المجني عليها ،وتجعلها ال تخشاه وال تأخذ الحذر منه.
فالجاني بارتكابه الجريمة ضدها يكون قد أخل بالواجبات التي تفرضها الرابطة الخاصة،
()3
وخان الثقة الموضوعة فيه بدًال من أن يوفر لها الحماية من غيره.
ومما تقدم يتضح أثر وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليها في تشديد العقاب
الموقع على الجاني ،وذلك كما في إحدى التطبيقات الواردة في المادة 267/2عقوبات ،وذلك في
مجال جرائم األشخاص.
ثانيًا :وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه ،وأثرها في تشديد العقاب في مجال
جرائم األموال:
(?)
أشار إليهما أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .265، 1
(?)
أشار إليهما أ.د /فهد فالح مطر :المرجع السابق .265، 2
(?)
أ.د /محمود مصطفى :المرجع السابق .309، 3
277
مما سبق يتضح أن العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه أثرها في تشديد العقاب
على الجاني في بعض جرائم األشخاص ،و في بعض جرائم األموال يكون للعالقة الخاصة التي
تربط الجاني بالمجني عليه أثرها في تشديد العقاب على الجاني ،ومن هذه التطبيقات في التشريع
المصري يشدد قانون العقوبات العقاب على الجاني في جرائم السرقة التي تقع من الخدم باألجرة
إضرارًا بمخدوميهم ،أو المستخدمين أو الصناع أو الصبيان أو من متعهدي نقل األشياء.
وذلك بنص المادة 317/7و 8من قانون العقوبات ،وكذلك تشديد العقاب في جريمة
انتهاز احتياج أو ضعف أو هوى نفس القاصر ،إذا كان الجاني مأمورًا بالوالية أو الوصايا عليه.
حيث تنص المادة 317/7و 8من قانون العقوبات على أنه »يعاقب بالحبس مع الشغل
...............سابعًا :على السرقات التي تحصل من الخدم باألجرة إضرارًا بمخدوميهم ،أو
من المستخدمين أو الصناع أو الصبيان في معامل أو حوانيت من استخدموهم ،أو في المحالت
التي يشتغلون فيها عادة.
ثامنًا :على السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل األشياء في العربات أو المراكب ،أو على
دواب الحمل أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء ،أو أحد أتباعهم إذا سلمت إليهم األشياء
المذكورة بصفاتهم السابقة.
وبإلقاء الضوء على النص السابق في المادة 317/7و 8من قانون العقوبات يتضح أن
المشرع شدد العقوبة على السرقات التي تحصل من الخدم باألجرة إضرارًا بمخدوميهم ،أو من
المستخدمين أو الصناع أو الصبيان في معامل أو حوانيت من استخدموهم أو في المحالت التي
يستغلون فيها ،وكذلك السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل األشياء في العربات ،أو
المراكب ،أو على دواب الحمل ،أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء ،أو أحد أتباعهم ،وسوف
تتناول الدراسة كل صنف من الجناة في النص سالف الذكر على حدة وذلك كما يلي:
(?)
حيث تنص المادة 338من قانون العقوبات على ظرف مشدد للعقوبة ،إذا كان الجاني مأمورًا 1
بالوالية أو بالوصاية على الشخص المعذور ،فخان األمانة واستغله وأضر بحقوقه المالية ،فشدد
المشرع العقوبة الموقعة عليه ،وتميز وصف الجريمة من جنحة إلى جناية عقوبتها السجن من ثالث
سنين إلى سبع.
277
أولى األشخاص الذين ينطبق عليهم الظرف المشدد للعقاب في المادة 317/7من قانون
العقوبات هم الخدم باألجرة ،ويقصد بالخادم هنا من يقوم بأداء بعض الشئون المنزلية للمجني
عليه لقاء أجر معلوم مثل السفرجي والطباخ والسائق ،ومربية األطفال ،أي كل من يقومون
بقضاء احتياجات المجني عليه ،واحتياجات أسرته نظير أجر معين ،ويشترط أن يكون الجاني
منقطع لخدمة المجني عليه ،فإذا كان يؤدى مجرد خدمة عرضية ،ولو كانت نظير أجر فال يعد
خادم ،ومن ثم ال يتوافر الظرف المشدد في حقه ،مثال :من يعهد إليه تنظيف المنزل كل فترة أو
تقليم الحديقة من حين إلى آخر.
يشترط أيضًا أن تقع السرقة على مال مملوك للمخدوم ،أو في حيازته أو في حيازة غيره،
ما دام أن السرقة وقعت على مال مملوك للمخدوم بقصد اإلضرار به.
()1
لذلك يخرج من نطاق التشديد إذا وقعت السرقة من الخادم على ضيف مخدومه.
وترجع الحكمة من تشديد العقوبة على الخادم الذي يقوم بسرقة مخدومه من طبيعة العالقة
التي تربطه به ،والتي تؤدى إلى منحه الثقة من مخدومه ،فال يفكر في اتخاذ االحتياطات الالزمة
لمنع السرقة ،وبالتالي فإذا ما أخل الخادم بهذه الصفة وخان األمانة المفترضة فيه ،وأقدم على
()2
السرقة حق تشديد العقاب عليه.
وتشديد العقوبة يتمثل في الحكم على الخادم بالحبس مع الشغل ،والذي قد يصل إلى ثالث
سنوات.
أما بدون الظرف المشدد فيكون الحبس مع الشغل مدة ال تتجاوز سنتين ،وذلك كما هو
منصوص عليه في المادة 318من قانون العقوبات ،والتي تنص على »يعاقب بالحبس مع الشغل
مدة ال تتجاوز سنتين على السرقات التي لم يتوافر فيها شيء من الظروف السابق ذكرها«.
(?) المستشار /السيد البغال :الظروف المشددة والمخففة ،القاهرة :دار الفكر العربي ، 1982 ، 1
.39
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .243، 2
277
الخدم باألجرة حيث يشترط لقيام الظرف المشدد أن تقع السرقة في المكان الذي يؤدى فيه هؤالء
أعمالهم ،سواء وقعت السرقة على مال رب العمل أو على مال غيره.
لذلك ال يكفي لقيام الظرف المشدد على المستخدمون والصناع والصبيان وقوع السرقة
على المجني عليه ،بل يلزم وقوعها في المكان الذي يؤدون فيه أعمالهم.
وبالتالي يخرج من نطاق التشديد الوارد بالمادة 317/7من قانون العقوبات وقوع السرقة
من أحد المستخدمين أو الصناع أو الصبيان على منزل المجني عليه »رب العمل« ولو ارتكبت
()1
السرقة على مال مملوك له.
والحكمة من تشديد العقاب ترجع إلى طبيعة العالقة بين رب العمل ،ومن يعمل لديه حيث
تقتضى منحه ثقة ووضع جانب من أمواله تحت يده تمكينًا له ألداء عمله؛ فإخالله بهذه الثقة
()2
يستوجب تشديد العقوبة الموقعة عليه.
واشترط المشرع لقيام التشديد طبقًا للمادة سالفة الذكر أن يكون السارق محترفًا بنقل
األشياء ،أو على األقل شخصًا مكلفًا بنقل الشيء المسروق ،أو تابعًا ألحدهما ،وأن تكون األشياء
المسروقة سلمت ألحد هؤالء األشخاص بصفته متعهد بالنقل وألجل النقل ،فإذا كانت األشياء قد
وضعت في مركبة المتهم بغير أن تسلم إليه ،بل بقيت في حيازة مالكها ثم سرقها المتهم فال
ينطبق النص الماثل على المتهم ،كذلك ال يطبق النص إذا كانت األشياء سلمت إلى متعهد النقل
دون قصد نقلها أو ألجل نقلها ،فالبد من توافر الشرطين معًا :أن يكون وقوع فعل االختالس من
قبل متعهد النقل ،أو أحد أتباعه المكلف بنقل األشياء بأجر ،وأن تكون المنقوالت قد سلمت لهما
(?)
أ.د /عبدالعظيم وزير :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،دار النهضة العربية .182، 1983 ، 1
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .246، 2
(?)
أ.د /أحمد فتحي سرور :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،المرجع السابق .852، 3
277
لنقلها ،أو من أجل نقلها ،فإذا ما انتفي أي من الشرطين فال قيام
للظرف المشدد.
وترجع الحكمة من تشديد العقوبة طبقًا للمادة 317/8من قانون العقوبات إلى توفير
الحماية للمجني عليه الذي تربطه بالجاني عالقة خاصة تتمثل في الثقة التي يعطيها المجني عليه
للجاني ،والتي سهلت له ارتكاب الجريمة من خالل إعطاءه المال لنقله أو من أجل نقله.
فإذا ما أخل بتلك الثقة ،وقام باختالس المال المسلم إليه من أجل نقله حق عليه العقاب
المشدد بالمادة 317/8من قانون العقوبات ،وهي الحبس مع الشغل.
277
* المبحث الثاني*
العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في تخفيف العقاب.
جعل المشرع من العالقة الخاصة التي تربط المجني عليه بالجاني أثر في تخفيف العقاب
في بعض الجرائم ،ومن هذه الجرائم التي نص عليها المشرع المصري جريمة قتل الزوجة
وشريكها في حالة التلبس بالزنا ،وذلك طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة 237من قانون
العقوبات ،والتي تنص على »من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا ،وقتلها في الحال هي ومن يزنى
بها يعاقب بالحبس بدًال من العقوبات المقررة في المادة 234و 236من قانون العقوبات«.
وتشير الدراسة إلى أنه قد سبق شرح هذه المادة كتطبيق لعذر االستفزاز في التشريع
؛ ولذلك سوف تلقى الضوء عليها في حدود إبراز مدى تأثير العالقة الخاصة بين ()1
المصري
الجاني »الزوج« والمجني عليه »الزوجة وشريكها« في تحديد مسئولية الجاني ،وتقدير العقوبة
الموقعة عليه.
حيث إن العالقة التي تربط الجاني بالمجني عليه في المادة سالفة الذكر كان لها بالغ األثر
في تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني ،وفي هذه الحالة كانت الحماية الجنائية من أجل الجاني
على خالف ما رأينا في العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في تشديد العقاب في
المبحث السابق ،كانت الحماية الجنائية من أجل المجني عليه.
والحكمة من التخفيف هنا تجد أساسها في الحالة النفسية التي يوجد فيها الجاني نتيجة
االستفزاز المتمثل في خيانة الزوجة له ،مما أفقده جانبًا من حرية االختيار لديه ،فيندفع إلى
()2
ارتكاب الجريمة.
وبالتالي يكون لتخفيف العقوبة ما يبرره ،فيعاقب بعقوبة الحبس ،ويغير وصف الجريمة
من جناية إلى جنحة ،حيث إن القواعد العامة المعمول بها في جريمة القتل طبقًا للمادة 234من
قانون العقوبات تنص على »من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق إصرار وال ترصد يعاقب باألشغال
الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«.
(?) أ.د /محمود مصطفى :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،المرجع السابق .235، 2
أ.د /محمود نجيب حسنى :قانون العقوبات ،القسم الخاص ،المرجع السابق .394،
أ.د /عوض محمد :المرجع السابق .112 ،
277
ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية باإلعدام ،إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية
أخرى.
وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة
مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة؛ فيحكم باإلعدام أو األشغال الشاقة
المؤبدة ،وتكون العقوبة اإلعدام إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 234عقوبات
تنفيذًا لغرض إرهابي.
والمادة 236من قانون العقوبات ،والتي تنص على »كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا
أو أعطاه مواد ضارة ،ولم يقصد من ذلك قتًال ،ولكنه أفضى إلى موت يعاقب باألشغال الشاقة أو
السجن ،من ثالث سنوات إلى سبع ،وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد ،فتكون العقوبة األشغال
الشاقة المؤقتة أو السجن.
وتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها
في المادة 236تنفيذًا لغرض إرهابي.
فإذا كانت مسبوقة بسبق إصرار أو ترصد تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو
المؤقتة.
مما تقدم يتضح أثر العالقة الخاصة التي تربط الجاني بالمجني عليه في تخفيف العقوبة
الموقعة عليه ،وذلك نظرًا لطبيعة تلك العالقة ،والمتمثلة في العالقة الزوجية القائمة بين الجاني
والمجني عليها ،والتي كان يجب على المجني عليها أن تحافظ على فراش الزوجية وعلى الثقة
التي منحها الزوج إليها ،فإن هي خانت ذلك وقام الجاني »الزوج« بقتلها هي ومن يزنى بها فحق
على المشرع أن يوليه حماية جنائية خاصة ،وذلك لتخفيف العقوبة الموقعة عليه ،وتغيير وصف
الجريمة من جناية إلى جنحة ،فبدًال من أن يعاقب بالمادة 234من قانون العقوبات ،أو بالمادة
236من قانون العقوبات سالفي الذكر يعاقب بالمادة 237من قانون العقوبات ،والتي تعاقبه
بعقوبة الحبس ،وذلك إذا توافرت الشروط التي تطلبها القانون لتطبيق تلك العقوبة.
277
* المبحث الثالث *
العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في اإلعفاء من العقاب.
تنص بعض التشريعات الجنائية على اإلعفاء من العقاب في بعض الجرائم ،نتيجة وجود
عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه ،إذا ما كان اإلعفاء مصلحة اجتماعية تغلب على مصلحة
المجتمع في العقاب ،ومن هذه الجرائم جريمة إخفاء الجناة الهاربين من وجه القضاء ،أو إعانتهم
على الفرار من وجه العدالة ،وكذلك في جريمة االمتناع عن التبليغ عن الجرائم ،وجريمة امتناع
عن أداء الشهادة.
وسوف تتناول الدراسة إحدى الجرائم التي تعد تطبيقًا لبيان أثر العالقة الخاصة بين
الجاني والمجني عليه في اإلعفاء من العقاب ،ومن هذه الجرائم جريمة إخفاء الجناة الهاربين من
وجه القضاء ،أو إعانتهم على الفرار من وجه العدالة حيث نصت المادة 144من قانون
العقوبات على »كل من أخفي بنفسه أو بواسطة غيره شخصًا فر بعد القبض عليه ،أو متهمًا
بجناية أو جنحة أو صادر في حقه أمر بالقبض عليه ،وكذا كل من أعانه بأي طريقة كانت على
الفرار من وجه القضاء مع علمه بذلك ،يعاقب طبقًا لألحكام اآلتية:
إذا كان من أخفي أو ساعد على اإلخفاء أو الفرار من وجه القضاء قد حكم عليه باإلعدام،
تكون العقوبة السجن من ثالث سنوات إلى سبع.
وإ ذا كان محكومًا عليه باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو كان متهمًا بجريمة عقوبتها
اإلعدام ،تكون العقوبة الحبس ،وأما في األحوال األخرى فتكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد على
سنتين.
وال تسرى هذه األحكام على زوج أو زوجته من أخفي أو ساعد على االختفاء أو الفرار
من وجه القضاء ،وال على أبويه أو أجداده أو أوالده أو أحفاده.
كما تنص المادة 145من قانون العقوبات على أنه »كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو
كان لديه ما يحمله على االعتقاد بوقعها ،وأعان الجاني بأية طريقة كانت على الفرار من وجه
القضاء ،إما بإيواء الجاني المذكور ،وإ ما بإخفاء أدلة الجريمة ،وإ ما بتقديم معلومات تتعلق
بالجريمة ،وهو يعلم بعدم صحتها ،أو كان لديه ما يحمله على االعتقاد بذلك يعاقب طبقًا لألحكام
اآلتية:
277
إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها باإلعدام تكون العقوبة بالحبس مدة ال تتجاوز
سنتين.
إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها باألشغال الشاقة ،أو السجن ،تكون العقوبة بالحبس
مدة ال تتجاوز سنة.
أما في األحوال األخرى فتكون العقوبة الحبس لمدة ال تتجاوز ستة شهور ،وعلى كل حال ال
يجوز أن تتعدى العقوبة الحد األقصى المقرر للجريمة نفسها.
وال تنطبق أحكام هذه المادة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني.
وبإلقاء الضوء على المادتين السابقتين يتضح أن المشرع يعفي من العقاب فيهما الزوج أو
الزوجة ،أو األصل أو الفرع إذا أخفوا أو ساعدوا الجاني على االختفاء أو الفرار من وجه
القضاء ،باختفاء أدلة الجريمة أو بتقديم معلومات كاذبة عنه.
وترجع الحكمة في ذلك إلى طبيعة العالقة الخاصة بين هؤالء األشخاص والجاني الفار
من وجه العدالة ،أو الهارب من وجه القضاء وزوجته وأبويه أو أجداده أو أوالده أو أحفاده.
()1
رأى المشرع أن المحافظة على طبيعة هذه العالقة تمثل مصلحة تعلو مصلحة المجتمع
في توقيع العقاب ،فغلب تلك المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ،وأعفي هؤالء األشخاص
والمنصوص عليهم في المادتين من العقاب ،أما غيرهم فيوقع عليهم العقوبة المنصوص عليها
بالعقوبات المحددة في المادتين 144و 145من قانون العقوبات.
مما تقدم يتضح أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في تقرير اإلعفاء من
العقاب تقديرًا لتحقيق مصلحة اجتماعية تعلو على مصلحة المجتمع في توقيع العقاب ،ولذات
الحكمة يكون اإلعفاء من العقاب المنصوص عليه من المشرع المصري في المادتين 84و 98
من قانون العقوبات في حالة امتناع الزوجة ،أو األصل أو الفرع عن التبليغ عن الجرائم.
(?)
أ.د /محمد أبو العال عقيدة :النظرية العامة للمجني عليه ،المرجع السابق .273، 1
277
* المبحث الرابع *
العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في اإلباحة.
للعالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه أثرها في إباحة بعض األقوال أو األفعال التي
تعد بحسب األصل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
ومن هذه الحاالت غير المشروعة قانونًا ،والعالقة التي تربط الجاني بالمجني عليها
تجعلها مباحة حق تأديب الزوجة والصغار.
فباستقراء نصوص قانون العقوبات يتضح أن أفعال الضرب البسيط يجرمها القانون طبقًا
لنص المادة ، 240من قانون العقوبات ،ولكنه يبيح هذه األفعال إذا كانت بقصد ممارسة حق
التأديب ،فرغم خضوع الفعل لنص التجريم ومطابقته للنموذج القانوني للجريمة ،ومساسه
بالمصلحة العامة التي يحميها القانون ،إال أن المشرع وجد في ظروف معينة وفي حاالت معينة
()1
أن إباحة ذلك الفعل أولى بالحماية من تجريمه.
وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف أسباب اإلباحة بأنها :ظروف تخلع عن الفعل صفة
()2
التجريم؛ لتحقيقه مصلحة أولى بالرعاية من تلك التي يمس بها.
ولذلك سوف تتناول الدراسة حق تأديب الزوجة ،وكذلك حق تأديب الصغار في حدود
بيان أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في إباحة بعض األفعال المجرمة قانونًا.
(?) يعد حق التأديب أحد تطبيقات استعمال الحق استنادًا لنص المادة 60من قانون العقوبات التي 1
تقضى بأنه »ال تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكبه بنية سليمة عمًال بحق مقرر
بمقتضى الشريعة اإلسالمية.
(?)
أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق .194، 2
(?)
سورة النساء ،اآلية .34 3
277
وكذلك عن النبي قال ":واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء
في الضلع أعاله فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا"[ رواه
البخاري]0
وحق تأديب الزوج زوجته تمليه أيضًا اعتبارات القوامة الذي خص بها اهلل -عز وجل-
الرجل على زوجته ،وذلك في قول اهلل -تعالى -في كتابه الكريم( :الِّر اُل َقَّو ا و َلى الِّن اِء
َس ُم َن َع َج
ِبَم ا َفَّض َل الَّلُه َبْعَض ُهْم َع َلى َبْع ٍض وِبَم ا َأنَفُقوا ِم ْن َأْم َو اِلِه ْم َفالَّصاِلَح اُت َقاِنَتاٌت َح اِفَظاٌت ِّلْلَغْي ِب ِبَم ا
ِج ِف ِع ِف َّل َّالِت
َح َظ ال ُه وال ي َتَخ اُفوَن ُنُش وَز ُهَّن َف ُظوُهَّن واْهُج ُر وُهَّن ي الَم َض ا ِع واْض ِر ُبوُهَّن َفإْن َأَطْع َنُك ْم
()1
َفال َتْبُغوا َع َلْي ِه َّن َس ِبيًال إَّن الَّلَه َك اَن َع ِليًا َك ِبيرًا (.))34
وبناء على ما تقدم يتضح أن حق تأديب الزوج زوجته يرتبط بتوافر الخوف من النشوز
»أي التكبر على الزوج وعدم طاعته«.
لذلك يجمع الفقهاء على تفسير النشوز المبرر للتأديب في إتيان معصية لم يرد في شأنها
حد مقرر ،ويفيد استعمال الحق تأديب الزوجة من حيث الوسيلة ،فالثابت من الوالية األولى سالفة
الذكر هو ضرورة التدرج في وسيلة التأديب من الوعظ والهجر في المضجع ،وأخيرًا في
()2
الضرب ،فإذا أصلحت الوسيلة األخف حظر اللجوء إلى الوسيلة األشد.
لذلك فإن حق التأديب ليس مقررًا للزوج بصفته الفردية بل لتحقيق مصلحة األسرة،
ومصلحة المجتمع ،وذلك بحمل الزوجة التي أتت بمعصية ليس فيها حد مقرر على السلوك القويم
()3
الذي يحدد المصلحة الخاصة لألسرة ،ومن ورائها المصلحة العامة للمجتمع.
لذلك يشترط إلباحة حق التأديب الواقع من الزوج على زوجته توافر الشروط اآلتية-:
(?) أ.د /عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق .216، 2
(?) أ.د /السعيد مصطفي السعيد »مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة اإلسالمية 3
والقانون المصري الحديث ،رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة .193، 1936 ،
277
وطبقًا للشروط سالفة الذكر يباح حق التأديب للزوج وحده ،فال يحق لغيره أن يمارسه،
وال يجوز للزوج أن يفوض شخص غيره في تأديب زوجته ،وأن يستخدم وسائل التأديب المحددة
شرعًا ،وهي الوعظ ثم الهجر في المضجع ،وأخيرًا الضرب غير المبرح ،فال يجوز اللجوء إلى
غيرها.
كما ال يجوز تخطى إحداها ،وأن يكون ذلك بحسن نية بمعنى أن يكون الدافع إلى التأديب
()1
هو تحقيق الغاية التي من أجلها شرع هذا الحق ،وليس االنتقام أو بدافع الكراهية.
وذلك عند وقوع الزوجة في معصية »النشوز« بمعنى أنها أساءت العشرة ،وتعالت على
زوجها ،وأتت بمعصية ليس فيها حد مقرر على السلوك القويم.
فإذا ما توافرت هذه الشروط كان تأديب الزوج لزوجته مباحًا ويخرج من نطاق التجريم.
أما إذا تجاوز الزوج تلك الشروط عوقب قانونًا طبقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات.
فيعد حق التأديب أحد الوسائل الالزمة للقيام بواجب الرقابة من قبل األب ،أو الوصي
وكل من ينتقل إليه واجب الرقابة على الصغير يقترن به الحق في التأديب.
وكذلك يعاقب القانون على كل من ترك أوالده حديثي السن ......الخ عرضة لألخطار
واإلصابات ،وذلك بنص المادة 378/8من قانون العقوبات ،كذلك يعاقب قانون األحداث رقم
31لسنة 1974في المادة 20منه »كل من أهمل مراقبة الحدث إذا ترتب على ذلك تعرضه
لالنحراف«.
وانطالقًا من ذلك المنطلق كان حق تأديب الصغار واجبًا على كل من له الرقابة عليهم،
ويجد سنده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي.
(?)
سورة التحريم .6 : 2
277
-1خروج الصغير عن مقتضيات السلوك القويم بصورة ال يقع فيها أقرانه أو تقصيره في أداء
واجباته.
-2أن يباشر حق التأديب ممن مقرر له هذا الحق كاألب أو األم أو رب العمل ،فحق التأديب إذن
()1
يخول لكل من يلتزم برقابة الصغير قانونًا أو اتفاقًا.
-3التزام حدود التأديب بحيث يسبق الضرب تعليم الصغير أسس السلوك القويم وواجباته الملزم
بأدائها ،ثم بعد ذلك يجب أن يكون الضرب بسيط غير مبرح ،وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض
المصرية بقولها »التأديب مباح شرعًا ال يجوز أن يتعدى الضرب البسيط الذي ال يحدث كسرًا أو
()2
جرحًا وال يترك أثرًا وال ينشأ عنه مرض.
وقضى أيضًا بإباحة فعل األب الذي وضع في رجلي ابنته قيدًا حديديًا عند غيابه عن
المنزل مالحظًا في ذلك أال يمنعها من الحركة داخل المنزل ،وأال يؤلم بدنها وذلك بقصد حملها
()3
على إطاعة أوامره التي ال ينبغي من ورائها إال تهذيب أخالقها وتقويم سلوكها.
بينما قضى بمعاقبة األب الذي تجاوز حدود التأديب المباح ،وكذلك بعقوبة الضرب العمد.
()4
وكذلك األب الذي ربط ابنته بحبل ربطًا محكمًا في غضيها أحدث عندها غنفريًا سببت
()5
وفاتها.
-4توافر حسن النية لدى متولي التأديب بحيث يكون الغرض منه هو تهذيب وإ صالح الصغير.
فإذا خرج من له حق التأديب عن الشروط سالفة الذكر يخضع للعقاب ،وفقًا للقواعد العامة
في قواعد العقاب.
(?) نجد أن حق التأديب غير معمول به في جميع درجات التعليم في مصر وذلك بالقوانين 1
والمواد اآلتية:
المادة 21من القانون رقم 210لسنة 1953الخاص بالتعليم االبتدائي ،و المادة 48من القانون
رقم 212لسنة 1953الخاص بالتعليم الثانوي ،و المادة 18من المرسوم بقانون سنة 1931بشأن
الالئحة الداخلية للمعاهد الدينية ،و المادة األولى من قرار وزير التعليم رقم 61
لسنة .1969
(?)
مجموعة القواعد القانونية ،ج ، 3رقم .190، 136 نقض 5/6/1933 2
(?)
عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق .218، أشار إليهما أ.د / 3
(?)
عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق .218، أشار إليهما أ.د / 4
(?)
عبد التواب معوض :قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق .218، أشار إليهما أ.د / 5