You are on page 1of 203

‫‪277‬‬

‫دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية‬


‫وأثره فى مسئولية الجانى‬
‫دراسة مقارنة‬

‫رسالة للحصول على درجة دكتور فى الحقوق‬

‫مقدمة من‬

‫الشوادفي عبد البديع أحمد عبد المجيد‬

‫تحت إشراف‬

‫األستاذ الدكتور ‪ /‬عبد التواب معوض الشوربجي‬


‫أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة الزقازيق‬

‫‪2010‬‬
‫‪277‬‬

‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫لقد ظلت الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية غير كاملة لعدم دراسة المجني عليه‪ ،‬وهو‬
‫يمثل العنصر الثالث في هذه الظاهرة بجانب المجرم والجريمة‪ ،‬إلى أن ظهر في عام ‪ 1948‬فرع‬
‫جديد يهتم أساسًا بالدراسة العلمية للمجني عليه سمي »بعلم المجني عليه« (‪.)Victimologie‬‬

‫ويعرف علم "المجني عليه"‪ :‬بأنه ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس المجني عليه المباشر‬
‫من الجريمة دراسة علمية بهدف تحديد مجموعة من الخصائص العضوية والنفسية واالجتماعية‬
‫المتعلقة به‪ ،‬ويهتم من ناحية أخرى بتحديد العالقات المتبادلة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وكذلك‬
‫بيان الدور الذي قام به المجني عليه في خلق فكرة الجريمة أو التشجيع عليها وتسهيل ارتكابها‪،‬‬
‫وأثر هذا الدور بالنسبة لتحديد مسئولية الجاني وحدود الجزاء الذي سيوقع عليه‪.‬‬

‫وتسهم دراسة علم المجني عليه في تحقيق العدالة الجنائية؛ حيث إن فهم سلوك الجاني‬
‫ودوافعه للجريمة‪ ،‬وتحديد درجة خطورته اإلجرامية لن يأت إال بمعرفة عالقته بالمجني‬
‫عليه‪،‬وبيان دور المجني عليه في خلق فكرة الجريمة‪ ،‬أو تسهيلها‪ ،‬وتحديد درجة الخطورة‬
‫اإلجرامية للجاني يساعد بدوره على اختيار نوع المعاملة العقابية المناسبة لحالته‪.‬‬

‫من ناحية أخرى تبدو أهمية هذه الدراسة في مجال الوقاية من الجريمة؛ وذلك ألن فهم‬
‫سلوك المجني عليه بعمق يدفعنا إلى اتخاذ أساليب وقائية أكثر فعالية بالنسبة للجاني‪ ،‬وأيضًا‬
‫بالنسبة للمجني عليه‪ ،‬وذلك باتخاذ التدابير واإلصالحات التي تمنع من وقوع األفراد ضحية‬
‫للجريمة‪ ،‬أو من العودة مرة أخرى للسقوط ضحية لنفس الجريمة‪ ،‬أو لغيرها بكافة الوسائل‪،‬‬
‫وعلى مختلف المستويات لحماية المجني عليه‪ ،‬والدفاع عن حقوقه‪ ،‬وتعويضه عن األضرار‬
‫الناجمة عن الجريمة‪ ،‬وهذه الفائدة األخيرة التي تعود على المجني عليه تعد حاليًا من النتائج‬
‫المباشرة لظهور علم "المجني عليه"‪ ،‬وتمثل التطور الحالي ألبحاثه حيث إنتقل هذا العلم في‬
‫السنوات األخيرة من العلم الذي يهتم أساسًا ببيان دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية إلى‬
‫العلم الذي يهتم بالدفاع عن حقوق المجني عليه‪ ،‬والعمل على تعويضه عن األضرار الناجمة عن‬
‫الجريمة سواء من األفراد أو من الدولة‪.‬‬

‫وما يعنينا اآلن بالدراسة في موضوع المجني عليه هو »دور المجني عليه في الظاهرة‬
‫اإلجرامية« ؛حيث أثبتت الدراسات أن الموقف الذي يتخذه المجني عليه حيال الجاني في الكثير‬
‫من الجرائم يعد بمثابة العامل المثير أو الدافع إلى وقوع هذه الجرائم باعتبار أن سلوك المجني‬
‫‪277‬‬
‫عليه في أحوال غير يسيرة يثير الميول اإلجرامية لدى الجاني؛ فيقدم على ارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫ويظهر هذا واضحًا في كثير من الجرائم التي ترتكب ضد الموظفين العموميين‪ ،‬كجرائم السب‬
‫واإلهانة والتعدي‪ ،‬وكذلك في بعض جرائم هتك العرض في الحاالت التي ال يتقيد فيها المجني‬
‫عليه بالقيم الخلقية والمعنوية ‪ ،‬مما يحرك في المجرم غرائزه المختلفة ويدفعه إلى ارتكاب‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫وباستقراء نصوص التشريعات المقارنة نجد أنها أفردت إلى المجني عليه عددًا من‬
‫النصوص‪ ،‬جعلت فيها لشخصيته أو لدوره في وقوع الجريمة أثرًا واضحًا في تحديد مسئولية‬
‫الجاني‪ ،‬وكذلك في تقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذه النصوص يتضح مدى مساهمة المجني عليه في وقوع الجريمة‬
‫أو مشاركته فيها وخلق فكرتها لدى الجاني‪ ،‬كذلك تبين النصوص الواردة في التشريعات المقارنة‬
‫مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تقدير العقوبة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني‪.‬‬

‫وأخيرًا تبين النصوص بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه‪ ،‬والتي تجعله عرضة‬
‫للوقوع ضحية للجريمة‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء أيضًا على التشريع المصري يثضح تضمن نصوص عديدة تجلى فيها دور‬
‫المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬وذلك من خالل إلقاء الضوء على دور المجني عليه في‬
‫وقوع الجريمة‪ ،‬كما هو واضح في االستفزاز والدفاع الشرعي ورضاء المجني عليه‪.‬‬

‫وأيضًا لم يغفل المشرع المصري الحماية الجنائية للمجني عليه من خالل النصوص‬
‫الواردة في قانون العقوبات‪ ،‬والتي تبين أن بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه تؤثر في تحديد‬
‫مسئولية الجاني‪ ،‬وعلى اختيار نوع الجزاء الموقع عليها‪.‬‬

‫وأخذ التشريع المصري بدور محدود للمجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية‪ ،‬كذلك كما‬
‫هو منصوص عليه في قانون اإلجراءات الجنائية في جرائم الشكوى واالدعاء المباشر‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم سيتم تناول كل ما سبق تفصيًال من خالل تقسيم دور المجني عليه في‬
‫الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬وأثره في مسئولية الجاني إلى ثالثة أبواب‪..‬‬
‫‪277‬‬

‫الباب األول‪ :‬دور المجني عليــه في وقــوع الجريمــة‬

‫الباب الثاني‪ :‬دور المجني عليــه في تقديــر العقوبــة‬

‫الباب الثالث‪ :‬دور المجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية‬


‫‪277‬‬

‫الباب األول‬

‫دور المجني عليه في وقوع الجريمة ‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫دور المجني عليه في وقوع الجريمة وأثر ذلك في تحديد مسئولية الجاني من أهم‬
‫الموضوعات التي اهتم بها الباحثون في علم "المجني عليه"‪ ،‬وذلك من خالل دراسة مساهمة‬
‫المجني عليه في خلق فكرة الجريمة أو التشجيع عليها‪ ،‬كما هو في االستفزاز حيث يقوم المجني‬
‫عليه باستفزاز الجاني فيدفعه الرتكاب الجريمة‪ ،‬وأيضًا قد يتسبب المجني عليه في وقوع الجريمة‬
‫من خالل ارتكابه ألحد األفعال غير المشروعة قانونًا‪ ،‬فيكون هو البادئ بالعدوان‪ ،‬وكما هو في‬
‫حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وأخيرًا قد يقبل المجني عليه وقوع الجريمة على شخصه أو على ماله‪،‬‬
‫وذلك كما هو في حالة دور رضاء المجني عليه في حدوث الجريمة ووقوعها عليه‪.‬‬

‫والتشريعات المقارنة والتشريع المصري تضمنا النصوص العديدة التي تبين دور المجني‬
‫عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل خلق فكرتها لدى الجاني أو تسهيل ارتكابها أو التشجيع‬
‫على ارتكابها أو الرضاء بها‪ ،‬وسيتم توضيح ذلك تفصيًال فيما بعد من خالل ثالثة فصول‪،‬‬
‫يتضمن الفصل األول‪ :‬دور المجني عليه في حالة االستفزاز‪ ،‬والفصل الثاني‪ :‬دور المجني عليه‬
‫في حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬والفصل الثالث‪ :‬رضاء المجني في وقوع الجريمة‪ ،‬من منظور بيان‬
‫مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وأثره في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وفيما‬
‫يلي تفصيل ذلك‪:‬‬
‫‪277‬‬

‫الفصل األول‬

‫االستفزاز الصادر مـن المجني عليه ‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫لبحث دور المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وأثر ذلك في مسئولية الجاني من خالل عذر‬
‫االستفزاز يتضح أن المجني عليه المستفز يلعب دورًا هامًا في حث الجاني على ارتكاب‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫وقد أثبتت أبحاث علم "المجني عليه" أن وقوع بعض الجرائم يرجع إلى الموقف المثير أو‬
‫المستفز من جانب المجني عليه‪ ،‬والمتمثل في األقوال واألفعال غير المشروعة التي يوجهها‬
‫المجني عليه إلى الجان‪ ،‬والتي من شأنها أن تثير الغضب والميول اإلجرامية في نفس الجاني‪،‬‬
‫وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة ضد المتسبب في هذا االستفزاز‪ ،‬وهو المجني عليه‪ ،‬فالمجني عليه‬
‫المستفز بإثارته للجان‪ ،‬يعلم جيدًا أن فعله قد يترتب عليه رد فعل مستفز أو عنيف من الشخص‬
‫الذي استفزه‪ ،‬وبالتالي فقد قبل مقدمًا الخطر الناتج عن إقدام الجاني على ارتكاب الجريمة ضده‪.‬‬

‫وهنا يتضح جليًا دور ذلك المجني عليه المستفز في وقوع الجريمة‪ ،‬واعتباره مجني عليه‬
‫مذنبًا‪.‬‬

‫وباستقرار التشريعات المقارنة والتشريع المصري ظهر تضمنهما بعض النصوص التي‬
‫تبرز دور المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل عذر االستفزاز‪.‬‬

‫وإ ن كان دور هذه التشريعات محدودا في ذلك مقارنة بالدور الذي يشير إليه فقهاء علم‬
‫المجني عليه‪ ،‬وقد يرجع السبب في ذلك إلى صعوبة التعرف على حقيقة الموقف السابق للمجني‬
‫عليه المستفز قبل وقوع الجريمة‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم قسم هذا الفصل إلى المباحث التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األسـاس القانوني لعـذر االستفـزاز‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الشروط الالزمة لقيام حالة االستفزاز‬
‫المبحث الثالث‪ :‬موقف المشرع المصري من عذر االستفزاز‬
‫المبحث الرابع‪ :‬األثر القانوني المترتب على عذر االستفزاز‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬

‫األساس القانوني لعذر االستفزاز ‪.‬‬


‫بيان النظام القانوني لعذر االستفزاز يتطلب معرفة موقف التشريعات المقارنة من عذر‬
‫االستفزاز‪ ،‬وفي ضوء ما تضمنته من نصوص قانونية خاصة باالستفزاز يمكن استخلاص‬
‫األساس القانوني لعذر االستفزاز‪ ،‬وذلك في إيجاز بسيط حيث إن الهدف من تلك الدراسة يدور‬
‫وجودًا وعدمًا مع إبراز دور المجني عليه‪ ،‬ومدى تأثيره في تحديد مسئولية الجاني في حالة‬
‫االستفزاز‪.‬‬

‫ومن ثم سيتم توضيح موقف التشريعات المقارنة أوًال‪ ،‬ثم األساس القانوني لعذر‬
‫االستفزاز ثانيًا‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬موقف التشريعات المقارنة من عذر االستفزاز‪:‬‬


‫بإلقاء الضوء على تشريعات الدول المختلفة إزاء حالة االستفزاز يمكن تقسيم التشريعات‬
‫من حيث األخذ بفكرة االستفزاز إلى قسمين‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬من هذه التشريعات يعتبر االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا يؤدى توافره إلى تخفيف‬
‫العقوبة الموقعة على الجان أيًا كانت الجريمة التي يتوافر فيها هذا العذر‪ ،‬أي اعتبرت هذه‬
‫التشريعات االستفزاز عذرًا عامًا يدور وجودًا وعدمًا مع توافر حالة االستفزاز‪ ،‬ومن هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫التشريعات قانون العقوبات اإليطالي والسويدي‬

‫ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة ‪ 38‬منه على‬
‫االستفزاز كعذر عام‪ ،‬وكذلك قانون العقوبات اللبناني الذي نص أيضًا في المادة ‪ 562‬منه على‬
‫االستفزاز كعذر عام يخفف العقاب‪ ،‬وذكر تطبيقًا خاصًا لذلك في حالة ضبط الزوج أو أحد‬
‫األصول أو الفروع أو األخت في حالة التلبس بالزنا‪ ،‬أو في حالة مريبة مع آخر‪ ،‬فأقدم على قتل‬
‫(‪)2‬‬
‫أحدهما‪ ،‬فإنه يعفي القاتل من العقاب كلية‪ ....‬الخ‬

‫أما القسم الثاني من التشريعات‪ :‬فإنها أخذت بعذر االستفزاز كعذر خاص تم النص عليه على‬
‫سبيل الحصر بنصوص محددة‪ ،‬ومحكمة ال يجوز القياس عليها أو التوسع فيها؛ باعتبار‬
‫االستفزاز عذر قانوني مخفف للعقوبة‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد صالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪0 147،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 292 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ومن تلك التشريعات المقارنة التي أخذت باالستفزاز في حاالت معينة على سبيل الحصر‬
‫التشريع الفرنسي الذي نص على االستفزاز كظرف مخفف للعقوبة في جرائم محددة على سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬وهي جرائم‪ :‬القتل والضرب والجرح والسب العلني وغير العلني‪.‬‬

‫ومن الشريعات العربية التشريع الكويتي حيث تضمن النص على االستفزاز كعذر مخفف‬
‫خاص في جريمتى مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا‪ ،‬والسب غير العلني‪ ،‬وذلك في المادتين‬
‫كذلك التشريع المصري الذي نص في المادتين ‪ 237‬عقوبات‪ ،‬والمادة ‪378/9‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪212 ،153‬‬
‫عقوبات‪ ،‬وهما حالة مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وحالة السب غير العلني‪.‬‬

‫مما سبق يتضح من موقف التشريعات المقارنة سواء التي أخذت باالستفزاز كعذر عام‬
‫مخفف للعقوبة‪ ،‬أو التي أخذت باالستفزاز كعذر خاص أوردته في نصوص على سبيل الحصر‬
‫كعذر مخفف للعقوبة‪.‬‬

‫فإنه يتضح مدى الدور الذي يلعبه المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل استفزازه‬
‫للجاني‪ ،‬وتأثير ذلك على تحديد مسئولية الجاني من خالل تخفيف العقوبة بسبب ما ارتكبه المجني‬
‫عليه من أفعال غير مشروعة‪ ،‬أو غير محقة بمعنى أوسع أدت إلى إثارة الجاني وارتكابه‬
‫للجريمة‪ ،‬مما يدعو إلى القول‪ :‬إن تلك األفعال التي يرتكبها المجني عليه المستفز تجاه الجاني‬
‫يكون لها بالغ األثر في تخفيف العقوبة حتى في ظل التشريعات التي اعتبرت عذر االستفزاز‬
‫عذرًا خاصًا مخففا للعقوبة‪ ،‬وأوردته على سبيل الحصر‪ ،‬وذلك من خالل تفريد تلك التشريعات‬
‫للعقوبات‪ ،‬وإ عطاء القاضي الجنائي بعض السلطات التقديرية في تخفيض العقوبة‪ ،‬فتكون بصدد‬
‫عذر قضائي مخفف‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬األساس القانونى لعذر االستفزاز‪:‬‬


‫لقد حاول الفقه أن يجد أساسًا لتخفيف مسئولية الجاني المرتكب للجريمة‪ ،‬كرد فعل لما‬
‫ارتكبه المجني عليه من أفعال غير محقة‪.‬‬

‫فبرر بعض الفقهاء تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني نتيجة ارتكابه للجريمة؛ بأنه نوع‬
‫من المقاصة بين األخطاء‪ ،‬والخطأ الصادر من المجني عليه المستفز ينقص من الجريمة التي‬
‫ارتكبها الجاني كرد فعل لخطأ الجاني‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد صالح مطر‪ :‬النظرية العامة للمجنى عليه‪ ،‬المرجع السابق‪.143 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫واستند القائلون لهذا االتجاه وهم أقلية من الفقهاء إلى فكرة المقاصة بين الديون في القانون‬
‫المدني‪ ،‬وهذا االتجاه اتجاه راجح ألنه ال يجوز في مجال القانون الجنائي أن يقتص الشخص من‬
‫(‪)2‬‬
‫غير الجان أو ينصب نفسه قاضيا ليقيم العدالة بنفسه‬

‫واالتجاه الغالب والراجح في بيان أساس تخفيف العقوبة على الجان في حالة االستفزاز‬
‫هو االستناد على حالة الغصب الشديد التي تنتاب الجاني عند قيام المجني عليه بارتكاب األفعال‬
‫أو األعمال أو األقوال غير المحقة تجاه الجاني‪ ،‬فتثير الجاني‪ ،‬وتدفعه للجريمة‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫الشخص المرتكب للجريمة تحت تأثير االستفزاز غير متمتع بإرادة كاملة تمنعه من ارتكاب‬
‫الجريمة‪ ،‬لذلك اعتبرت التشريعات التي أخذت بعذر االستفزاز كعذر مخفف عام أن الشخص‬
‫الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير االستفزاز هو مجرم أقل خطورة ممن أقدم على الجريمة هادئ‬
‫األعصاب ومتمتع بكامل إرادته‪ ،‬وهذا االتجاه هو ما أخذت به كثير من التشريعات والقضاء‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 294 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫الشروط الالزمة لقيام حالة االستفزاز ‪.‬‬


‫بعد عرض موقف التشريعات المقارنة من عذر االستفزاز كان لزاما على الدراسة إلقاء‬
‫الضوء على الشروط الالزم توافرها لقيام حالة االستفزاز بصفة عامة دون التعرض للشروط‬
‫الخاصة لكل تشريع‪ ،‬ويمكن حصر تلك الشروط في شرطين أساسيين هما‪ :‬األول صدور فعل‬
‫غير محق من المجني عليه‪ ،‬والثاني أن يرتكب الجاني جريمته وهو في حالة الغضب الشديد‬
‫وذلك كما يلي‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬صدور فعل غير محق من المجني عليه على الجاني‪:‬‬
‫يجب أن يصدر عن المجني عليه سلوك إيجابي سواء اتخذ شكل القول أو الفعل‪ ،‬فال‬
‫تتوافر حالة االستفزاز بشأن المتهم الذي ارتكب جريمته تحت تأثير االنفعال المتولد عن شائعة‬
‫(‪)1‬‬
‫وصلت إلى مسامعه عن المجني عليه الذي لم يصدر عنه أي تصرف خاطئ‬

‫كذلك ال تقوم حالة االستفزاز إذا كان المتهم هو البادئ باالستفزاز‪ ،‬ويجب من ناحية‬
‫أخرى أن يكون سلوك المجني عليه غير مشروع‪ ،‬ويرى الفقهاء أن عدم المشروعية هنا ال‬
‫تستلزم أن يكون فعل المجني عليه جريمة‪ ،‬بينما تقتضى ذلك النصوص الفرنسية المتعلقة‬
‫باالستفزاز المادتين ‪ 326 ،321‬من قانون العقوبات‪ ،‬ففعل االستفزاز وفقًا لها يجب أن يكون من‬
‫بين األفعال اآلتية‪ :‬الضرب والتعدى الشديد على األشخاص أو االعتداء على العرض أو التسلق‬
‫والكسر‪.‬‬

‫فإذا انتفت عن فعل المجني عليه صفة الال مشروعية فال يحتج المتهم بأنه كان في حالة‬
‫استفزاز‪ ،‬كأن يتوافر سبب إباحة للمجني عليه كالفعل المباح أو تنفيذ القانون أو أوامر‬
‫(‪)2‬‬
‫السلطة‪ ..........‬الخ‬

‫الشرط الثاني‪ :‬وجوب ارتكاب الجاني المستفز الجريمة وهو في حالة االنفعال‬
‫الشديد‪:‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.296‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.297‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ويقترن هذا الشرط بضرورة المعاصرة بين االستفزاز والجريمة لمرتكبها‪ ،‬وهذا الشرط‬
‫مبناه األساس الذي يقوم عليه عذر االستفزاز‪ :‬وهو حالة االنفعال الشديد الناتج عن استفزاز‬
‫المجني عليه الذي يضيق من حرية اختيار الجان‪ ،‬مما يبرر تخفيف مسئوليته‪ ،‬ويجب أال يفهم‬
‫المعاصرة بين االستفزاز والجريمة بأنه وقوع الجريمة عقب صدور االستفزاز مباشرة بحيث ال‬
‫يفصل بينهما أي فاصل زمني‪ ،‬ولكن وقوعها في وقت قريب جدًا من االستفزاز يبرر تخفيف‬
‫مسئولية الجاني طالما أن حالة االنفعال الشديد الناتجة عن الغضب ظلت مستمرة معه حتى لحظة‬
‫الجريمة‪ ،‬ويبنى على ما تقدم أن مرور فترة زمنية كافية لزوال حالة الغضب والثورة‪ ،‬وقيام‬
‫الجان بالرد بعد هدوء أعصابه واستعادته لنفسه يمنع من قيام عذر االستفزاز ألن القانون‪ ،‬ال‬
‫يعذر الجان الذي يمارس هذا النوع من االنتقام الهادئ والمتروى‪.‬‬

‫واألمر في نهاية المطاف متروك لقاضى الموضوع الذي يتمتع بسلطة تقديرية كبيرة في‬
‫القول بتوافر هذا الشرط من عدمه‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن »البحث في تأثير الغضب الشديد ال‬
‫يتعلق بمعنى الزمن‪ ،‬بل العبرة في ذلك بما يستمر في ذلك الحين من تأثير الغضب وتوتر‬
‫األعصاب وتجدد االنفعال‪ ،‬وهذه الحالة من األمور الموضوعية التي يجب أن تدرس بعناية في‬
‫كل قضية على حدة‪ ،‬وتوزن بمقدارها مع النظر إلى حالة المجرم وبيئته وثقافته وتأثير الفعل في‬
‫(‪)1‬‬
‫نفسه‬

‫(?) الحكم الصادر فى ‪ 13‬من تشرين الثاني سنة ‪ 1971‬أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسن‪ :‬شرح‬ ‫‪1‬‬

‫قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق ‪.789،‬‬


‫‪277‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫موقف المشرع المصري من عذر االستفزاز‪.‬‬


‫بإلقاء الضوء على موقف المشرع المصري من عذر االستفزاز يتضح أنه لم يأخذ‬
‫باالستفزاز كعذر قانوني عام في جرائم القتل أو الضرب أو الجرح‪ ،‬مثلما فعلت بعض‬
‫التشريعات‪ ،‬وإ نما أخذه كعذر قانوني خاص‪.‬‬

‫وأورد نصين تطبيقيين لهذا العذر‪ ،‬األول ورد بالمادة ‪ 237‬عقوبات‪ ،‬وهي حالة مفاجأة‬
‫زوج لزوجته حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها‪.‬‬

‫والثاني ورد بنص المادة ‪ 378/9‬من قانون العقوبات المصري‪ ،‬وهي حالة السب غير‬
‫العلني نتيجة االستفزاز‪.‬‬

‫وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬جريمة قتل الزوجة وشريكها في حالة التلبس بالزنا‪:‬‬


‫هذه الحالة التي نصت عليها المادة ‪ 237‬من قانون العقوبات »من فاجأ زوجته حال‬
‫تلبسها بالزنا‪ ،‬وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدًال من العقوبات المقررة‬
‫بالمادة ‪234‬و ‪ 236‬من قانون العقوبات المصري‪.‬‬

‫وتبرز هذه الحالة مدى تأثير االستفزاز الصادر من المجني عليه على الجاني‪ ،‬وخلق حالة‬
‫الثورة الناتجة عن الغضب الشديدة حال مشاهدته زوجته متلبسة بالزنا مع آخر‪ ،‬فيندفع إلى‬
‫ارتكاب جريمة القتل تحت تأثير االستفزاز الشديد‪ ،‬فحالة االستفزاز التي تعرض لها الجاني عذرًا‬
‫مخففًا للعقوبة‪ ،‬يجعلها الحبس بدًال من العقوبات المقررة في حالة القتل العمد والمعاقب عليها في‬
‫المادتين ‪234‬و ‪ 236‬عقوبات حيث تنص المادة ‪ 234‬عقوبات »من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق‬
‫إصرار وال ترصد يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة« ومع ذلك يحكم على فاعل هذه‬
‫الجناية باإلعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى‪ ،‬وأما إذا كان القصد منها التأهب‬
‫لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو‬
‫التخلص من العقوبة فيحكم باإلعدام أو األشغال الشاقة المؤبدة‪.‬‬

‫وتكون العقوبة اإلعدام إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة ‪ 234‬تنفيذًا‬
‫لغرض إرهابي‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫ونص المادة ‪ 236‬عقوبات »كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا أو أعطاه مواد ضارة‪،‬‬
‫ولم يقصد من ذلك قتًال‪ ،‬ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب باألشغال الشاقة أو السجن من ثالث‬
‫سنوات إلى سبع‪.‬‬

‫وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد؛ فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬

‫وتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 236‬تنفيذًا لغرض إرهابي‪ ،‬فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة‬
‫األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪.‬‬

‫وترجع الحكمة من تخفيف العقاب على المتهم »الزوج« المرتكب لجريمة قتل زوجته‬
‫ومن يزنى بها إلى حالة الثورة النفسية التي يوجد فيها نتيجة االستفزاز المتمثل في خيانة الزوجة‬
‫له‪ ،‬مما أفقده قدرًا من حرية االختيار؛ فاندفع إلى الثأر لشرفه من الزوجة الخائنة‪ ،‬ومن شريكها‬
‫فقام بقتلهما‪ ،‬وذلك لما في العالقة الخاصة التي تربط الزوج بزوجته‪.‬‬

‫فلذلك اقتصر ذلك التخفيف الوارد بالمادة ‪ 237‬عقوبات على الجاني الزوج فقط ال غير‪،‬‬
‫ولبيان شروط تطبيق نص المادة ‪ 237‬عقوبات يمكن افتراض توافر الشروط العامة‪ ،‬ثم توافر‬
‫الشروط الخاصة‪ ،‬وهي طبقًا للمادة سالفة الذكر ثالثة شروط متمثلة في صفة الجاني‪ :‬األول أن‬
‫يكون زوجًا للمجني عليها‪ ،‬والثاني أن يفاجئ زوجته في حالة تلبس‪ ،‬والثالث أن يقتلها في الحال‬
‫هي ومن يزنى بها‪.‬‬

‫(‪ )1‬صفـة الجاني والمجني عليـه‪:‬‬


‫يجب أن يكون الجاني زوجًا للمجني عليها‪ ،‬وتحدد صفة الزوجية طبقًا للقوانين الخاصة‬
‫باألحوال الشخصية‪ ،‬وعلى ذلك فإنه يشترط لقيام جريمة الزنا أن تكون الزوجية قائمة بين الزوج‬
‫وزوجته الزانية سواء كانت قائمة فعًال أم حكمًا‪ ،‬فقيد الزواج هو الذي يلزم المرأة باألمانة‬
‫واإلخالص لزوجها فال ترتكب المرأة جريمة الزنا إذا وقع منها الوطء قبل عقد الزواج‪ ،‬ولو‬
‫حصل أثناء الخطبة‪ ،‬وحملت منه المرأة ولم تضع إال بعد زواجها إذ أن حقوق الزوجية ال تكتسب‬
‫إال بعقد الزواج‪.‬‬

‫ويجب أن تكون الزوجية صحيحة فعًال أو حكمًا أي أن يكون أحد طرفي الجريمة مرتبطًا‬
‫بعقد زواج صحيح معترف به مستوف الشرائط النعقاده وصحته‪.‬‬

‫كما ال يشترط لقيام صفة الزوجية أن يكون الزوج قد دخل بزوجته‪ ،‬بل تتوافر عالقة‬
‫الزوجية قانونًا متى تم العقد صحيحًا‪ ،‬ويعتبر الزواج قائمًا في حالة الطالق الرجعى إذا زنت‬
‫‪277‬‬
‫المرأة في فترة العدة‪ ،‬إذ أن الطالق الرجعى وفقًا ألحكام الشرعية اإلسالمية ال ينهي صلة‬
‫الزوجية‪.‬‬

‫وما دام العقد صحيحًا فال عبرة بكون الفعل قد ارتكب قبل الدخول بالزوجة‪ ،‬أو بعد ذلك‪،‬‬
‫وبالتالي ال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة سالفة الذكر الخطيب الذي تقبل خطيبته حينما‬
‫(‪)1‬‬
‫يفاجئها متلبسة بالزنا لعدم توافر صفة الزوج له‬

‫وذلك النتهاء صلة الزوجية فإذا زنت المرأة بعد طالق بائن أيًا كان نوعه فال سبيل للزوج‬
‫عليها ولو حصل الزنا خالل أيام العدة‪.‬‬

‫وال يسقط حق الزوج في اإلفادة من العذر المخفف‪ ،‬ولو سبق زناه‪ ،‬والمسألة مختلف‬
‫عليها في الفقه‪ ،‬وعله ما نراه أن حرمان الزوج هذه الميزة إسقاط لحقه‪ ،‬واإلسقاط ال يفترض وال‬
‫يعمل فيه بالقياس‪ ،‬ولو شاء المشرع إسقاط حق الزوج من االستفادة من العذر المخفف لسبق زناه‬
‫لقيد مطلق نصه‪ ،‬وقرر صراحة حرمانه من هذه الميزة كما نص على حرمانه من تقديم الشكوى‬
‫(‪)2‬‬
‫ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق زناه‬

‫وألن الجنحة ال تقع إال من الزوج دون سواه؛ فإنه إذا كان معه فاعل آخر يؤاخذ هذا‬
‫الفاعل عن جناية قتل عمد عادية‪ ،‬بينما يسأل الزوج عن الجنحة‪ ،‬ويعاقب هذا الفاعل اآلخر‬
‫بعقوبة الجناية من باب أولى حين يرتكب القتل وحده دون الزوج‪ ،‬أما إذا كان مع الزوج مساهم‬
‫ساعده في القتل دون أن يأت معه فإن هذا المساهم يعد شريكًا في جنحة ال جناية؛ ألنه يستمد‬
‫إجرامه من فعل الفاعل‪ ،‬وهو هنا جنحة‪ ،‬ولكن يتغير الحكم حين يكون الشريك في القتل هو‬
‫الزوج‪ ،‬بينما يكون الفاعل شخصًا آخر فعندئذ يعتبر الفاعل مرتكبًا لجناية قتل عمد‪ ،‬ويعد الزوج‬
‫شريكًا له في هذه الجناية‪ ،‬دون أن يستفيد بتوقيع عقوبة الجنحة إذ يستمد إجرامه من الفعل‬
‫األصلي‪ ،‬وهو في ذلك الفرض جناية‪.‬‬

‫مما سبق يتضح أن نص المادة ‪ 237‬من قانون العقوبات قصر تحقيق العقوبة على الزوج‬
‫الفقه‬ ‫(‪)3‬‬
‫فقط دون إعطاء هذا الحق للزوجة أو األخ أو االبن أو األب‪ ،‬وهذه سياسة انتقضها‬
‫الجنائي إذ أن حكمة التخفيف ترجع أساسًا إلى حالة االستفزاز الناشئة عن التلبس بالزنا‪ ،‬فلما‬
‫التفرقة إذا؟ وإ عطاء هذا الحق إلى الزوج دون الزوجة؟ فالزوجة تثور لكرامتها وتستفزها الخيانة‬
‫الزوجية كالرجل تمامًا‪ ،‬بل أكثر منه‪ ،‬فقد ترتكب جريمة قتل زوجها تحت تأثير االستفزاز إذا ما‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ ،‬المرجع السابق‪.262 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عوض محمد‪ :‬جرائم األشخاص واألموال‪0 114 -1985 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 262 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫فاجأته هو وعشيقته على فراش الزوجية‪ ،‬فال تستفيد من العذر المخفف‪ ،‬كذلك التفرقة بين الزوج‬
‫وبين أقارب الزوجة كأصولها أو إخوتها الذين يثأرون لشرفهم ويندفعون للثأر منها بقتلها‪.‬‬

‫والغريب في هذا الشأن أن مشروع قانون العقوبات المصري القديم سنة ‪ 1966‬نص في‬
‫المادة ‪ 394/2‬عقوبات على أنه »يسرى هذا الحكم على من فاجأ إحدى أصول أو فروع أو‬
‫أخواته متلبسًا بجريمة الزنا« وأخذ بذلك بعض التشريعات العربية‪ ،‬كالتشريع اللبناني الذي أعطى‬
‫هذا الحق للزوجة وألصولها ولفروعها‪ ،‬ولكن بصدد المادة ‪ 237‬عقوبات ال يمكن القياس أو‬
‫التوسع فيما ورد بالنص‪ ،‬ويبقى العذر القانوني مقصورا على الزوج فقط ال غير في حالة مفاجئته‬
‫لزوجته ومن معها متلبسة بالزنا‪ ،‬أما بخصوص باقي األفراد كالزوجة واألصول والفروع فهذا‬
‫أمر متروك للقضاء في تخفيف العقاب عليها‪ ،‬مراعيًا القاضي كذلك ظروف ومالبسات ارتكاب‬
‫(‪)1‬‬
‫تلك الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل ما أعطاه المشرع لقاضى الجنائي في المادة (‪ )17‬عقوبات‬
‫وهنا يكون عذر قضائي‪ ،‬وليس عذرا قانونيا‪.‬‬

‫(‪ )2‬مفاجئة الزوجة متلبسة بالزنا‪:‬‬


‫تشترط المادة ‪ 237‬عقوبات باإلضافة إلى صفة الجاني والمجني عليه »الزوج والزوجة«‬
‫مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا‪ ،‬حيث إن الحكمة من تخفيف العقاب على الزوج حالة االستفزاز‬
‫التي تذهله‪ ،‬وتفقده السيطرة على نفسه‪ ،‬ويندفع إلى ارتكاب جريمته‪ ،‬فالمفاجأة هنا قاصرة على‬
‫الزوج دون الزوجة؛ ألن الزوجة دائمًا تفاجأ حين تضبط متلبسة بالزنا‪ ،‬أما الزوج فقد تكون‬
‫الواقعة مفاجئة له‪ ،‬وقد ال تكون‪ ،‬وهنا يتجلى نص المادة سالفة الذكر في قولها »من فاجأ زوجته‬
‫حال تلبسها بالزنا‪ ،‬فالتلبس في مفهوم المادة ‪ 237‬عقوبات يراد به ضبط الزنا وقت ارتكابه‪ ،‬أو‬
‫عقب ارتكابه ببرهة يسيرة‪ ،‬يصح اعتباره امتدادًا لزمنه‪ ،‬والدليل على ذلك أن المشرع يتحدث في‬
‫هذه المادة عن قتل الزوجة وشريكها‪ ،‬فهو يتصور النطباق الحكم أن يتكشف الزنا لحظة وقوعه‬
‫أو بعده ببرهة يسيرة‪ ،‬ال يتاح فيها للزانية وال للزاني مغادرة مسرح الخطيئة‪ ،‬وهذا يقطع بلزوم‬
‫التقارب الشديد بين زمن ارتكاب الزنا‪ ،‬وزمن اكتشافه‪ ،‬وهذا أكثر اتفاقًا مع مفهوم التلبس في‬

‫(?) نص المادة ‪ 17‬من قانون العقوبات » يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة‬ ‫‪1‬‬

‫المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه اآلتى‪:‬‬
‫عقوبة اإلعدام بعقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عقوبة األشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫األشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذى ال يجوز أن ينقص عن ستة شهور‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عقوبة السجن بعقوبة السجن الحبس التى ال يجوز أن تنقص عن ثالثة شهور‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪277‬‬
‫األذهان‪ ،‬فالتلبس لغة واصطالحًا ليس جوهره الدليل القاطع‪ ،‬وإ نما جوهره المعاصرة أو التقارب‬
‫الزمني الشديد بين وقوع األمر واكتشافه‪.‬‬

‫واشترط المشرع في صورة التلبس عنصر المفاجأة‪ ،‬وعبر عن هذا بقوله »من فاجأ‬
‫زوجته حال تلبسها بالزنا« وهذا ما يستدعى التساؤل عما إذا كانت المفاجأة توجب مشاهدة‬
‫الواقعة بغير توقع سابق؟ أم الممكن أن تحصل المفاجأة رغم هذا التوقع‪ ،‬بمعنى هل ينطبق النص‬
‫بالنسبة إلى الزوج الذي يجد نفسه دون مقدمات سابقة إزاء حالة تلبس بالزنا من زوجته؟ وكذلك‬
‫في حالة من تشكك في أخالق زوجته فأخذ يتحين الفرص لمراقبتهما ثم تيقن من مشاهدة الواقعة‬
‫أمامه (‪0)1‬‬

‫قيل بأن النص ينطبق في الصورتين؛ ألن هذا أمر ظاهر في الحالة األولى‪ ،‬وعنصر‬
‫المفاجأة متوافر في الحالة الثانية بمشاهدة الواقعة التي كان مشكوكًا في إمكان حدوثها‪ ،‬وفي ذلك‬
‫طرحت أمام محكمة النقض قضية نسب فيها للمتهم أنه أحس بوجود صلة غير شريفة بين‬
‫المقتول وزوجته؛ فأراد أن يقف على جلية األمر بعد أن سأل زوجته في هذا الشأن وأنكرت؛‬
‫فتظاهر أنه ذاهب إلى السوق وكمن لها في المنزل حتى إذا ما حضر المقتول واختلى بالزوجة‬
‫وأخذ يراودها ويداعبها إلى أن اعتاللها فعًال؛ برز لها من مكمنه وانهال على المقتول طعنًا‬
‫بالسكين حتى قتله‪ ،‬أما الزوجة فقد ولت هاربة واختفت في منزل الجار‪ ،‬فبعد أن بينت المحكمة‬
‫آراء الشراح على الوجه المتقدم قالت إن الفعل المسند إلى المتهم ينطبق على الحالة الثانية السابق‬
‫(‪)2‬‬
‫ذكرها وعاملته طبقًا للمادة ‪ 237‬عقوبات‬

‫وهذه الصورة تختلف عن صورة أخرى يتأكد فيها الجاني من وقوع الجريمة‪ ،‬ولكنه‬
‫يتحين الفرص لضبط المرأة واالعتداء عليها‪ ،‬وفي هذه الصورة ينتفي سبب العذر‪ ،‬بمعنى أنه إذا‬
‫كان الزوج متيقنًا من خيانة زوجته فكان مدفوعًا بالرغبة في االنتقام منها‪ ،‬ولكنه يريد قتلها في‬
‫ظروف تثبت فيها خيانتها فاحتال حتى ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها‪ ،‬فهو ال يستفيد من سبب‬
‫(‪)3‬‬
‫التخفيف إذ لم يفاجأ بالزنا فما كان يعتقده هو ما تحقق‬

‫والخالصة في أن يفاجئ الزوج بحالة التلبس والمفاجأة تكون للزوج نفسه‪ ،‬إذ بغير ذلك ال‬
‫تتحقق حكمة التخفيف‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه هو إمكانية استفادة الزوج من العذر إذا توافر‬
‫لديه سبق اإلصرار والترصد‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسن المرصفاوى‪ :‬قانون العقوبات الخاص‪0 208 ،1978 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) محكمة النقض‪ -‬جلسة ‪ 3‬نوفمبر ‪ -1925‬محاماة ‪6‬ق رقم ‪ -296‬المجموعة الرسمية‪ -‬س‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -28‬عدد ‪.7‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم الخاص‪0397 ،1987 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫اإلجابة السريعة تقول‪ :‬إن سبق اإلصرار يتنافى مع االستفزاز الناتج عن المفاجأة‪،‬‬
‫والمؤدى الرتكاب القتل في الحال‪ ،‬ولكن اإلجابة الدقيقة والصحيحة أن سبق اإلصرار والترصد‬
‫ال يمنع من قيام العذر‪ ،‬وعنصر المفاجأة المؤدى إلى حالة الثورة والغضب التي تدفع الجاني‬
‫»الزوج« إلى قتل الزوجة هي ومن معها حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وذلك إذا ما ارتبط اإلصرار بالشك‪،‬‬
‫أما إذا ما كان الزوج على يقين من سوء سلوك المرأة فإن ذلك الترصد واإلصرار ينفي المفاجأة‪،‬‬
‫فال يتحقق بشأنه العذر المخفف‪ ،‬فإذا أقدم الزوج على قتل زوجته عن سبق إصرار وترصد‬
‫(‪)1‬‬
‫فيطبق عليه عقوبة القتل العمد مع سبق اإلصرار والترصد‬

‫وهذا ما استقر عليه الفقه في مصر وفرنسا‪.‬‬

‫ولما كان ما دون الوطء من الفاحشة ال يعذرنا‪ ،‬فإن التلبس به ال يكفي النطباق حكم المادة‬
‫‪ 237‬فال يعذر الزوج إذا ثارت ثائرته لمرأي هذه األفعال فقتل زوجته وشريكها‪ ،‬على أن ذلك ال‬
‫يمنع بطبيعة الحال من تطبيق المادة ‪ 17‬عقوبات إذا اقتنع القاضي بدواعي تطبيقها‪ ،‬ومن قبيل‬
‫أعمال الفحش التي ال تعد وطئًا العناق والتقبيل والمساحقة والمضاجعة التي ال ينضو العاشقان‬
‫فيها ما عليهما من ثياب‪ ،‬وأخيرًا فإنه يالحظ افتراض رضاء الزوجة بفعل الزنا فإن أكرهت على‬
‫تحمل الوطء كان الفعل اغتصابًا في القانون ال زنى‪ ،‬وال عذر للزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي‬
‫ضحية اغتصاب من جانب الغير فيقتلها‪ ،‬وهو يعلم أنها معلولة على أمرها فإن قتلها عوقب طبقًا‬
‫(‪)2‬‬
‫للقواعد العامة‬

‫وال يتطلب النص أن يكون تلبس الزوجة بالزنا حاصًال في منزل الزوجية‪ ،‬فينطبق‬
‫النص‪ ،‬ولو كان الزوج قد ضبطها كذلك خارج بيتها‪.‬‬

‫(‪ )3‬وقــوع القتــل في الحــال‪:‬‬


‫ويشترط نص المادة ‪ 237‬عقوبات باإلضافة إلى صفة الجاني والمجني عليه‪ ،‬ومفاجأة‬
‫الزوجة متلبسة بالزنا أن يقع القتل عند حدوث المفاجأة بحالة التلبس‪ ،‬وهذا الشرط يستمد وجوده‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.265 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫محكمة النقض ‪ 1530‬لسنة ‪42‬ق جلسة ‪ 3/11/1925‬حيث قررت فى القضية سالفة الذكر إن‬
‫الزوج الذى يقتل زوجته هى ومن يزنى بها بعد ترصد لهما ال يعد معذورًا فى حالة حصول‬
‫الترصد‪ ،‬بعد تيقن الزوج بخيانة زوجته تيقنًا ال ريبة فيه‪ ،‬ومن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو‬
‫التشفى‪ ،‬وإ نما يعد الزوج معذورًا إذا قتلهما‪ ،‬وكان االختفاء نتيجة لشكه ورغبة منه للوقوف إلى‬
‫الحقيقة‪ ،‬ألن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو االنفعال المفاجئ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عوض محمد‪ :‬المرجع السابق‪0 120 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫من الحكمة بتخفيف العقاب‪ ،‬ومن صريح نص المادة »وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها«‬
‫فالحكمة من التخفيف هي حالة الغضب الوقتي الناتج عن اإلهانة المعاصرة للمفاجأة‪ ،‬فإذا انقضى‬
‫زمن كافي لزوال أثر الغضب سقط العذر وعوقب الزوج طبقًا لألحكام العامة في قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وأمر تقدير الزمن الكافي لعودة الزوج إلى حالته النفسية الطبيعية أمر نسبى يختلف من‬
‫(‪)1‬‬
‫شخص آلخر‪ ،‬ولذلك يترك أمر تقديره إلى قاضى الموضوع‬

‫وال يعنى ذلك أن يقتلها وشريكها لحظة مشاهدتهما في حالة التلبس؛ فقد يقتضى الموقف‬
‫أن يسرع وهو في حالة الثورة النفسية إلى مكان مجاور بحثًا عن سالح لتنفيذ جريمته‪ ،‬فال يمنع‬
‫مرور المدى الزمني القصير من توافر العذر‪ ،‬ما دام الزوج قد ارتكبه وهو ال يزال واقعًا تحت‬
‫تأثير الثورة النفسية الفجائية التي تضعف إرادته وقدرته على التفكير والتروى‪.‬‬

‫و ال يعتبر القانون المصري الغضب عذرًا مخففًا إال في حالة خاصة‪ ،‬وهي حالة الزوج‬
‫(‪)2‬‬
‫الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها هي ومن يزنى بها‬

‫وقد قضى أيضًا بعدم توافر العذر المخفف في حق زوج أقدم على قتل زوجته بعد أن‬
‫الحظ أنها تسلك مسلكًا غير شريف‪ ،‬وإ نها تغادر المسكن دون علمه‪ ،‬وتعود إليه في ساعات‬
‫متأخرة من الليل‪ ،‬وقد انتشر نبأ تلك العالقات وسط جيرانه في المسكن‪ ،‬وكان يسمع منهم من‬
‫(‪)3‬‬
‫حين آلخر كلمات عن زوجته تثير شعوره‪ ،‬وتجرح كرامته‬

‫فإذا ما توافرت الشروط سالفة البيان والمنصوص عليها في المادة ‪ / 237‬عقوبات ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الشروط العامة لجريمة القتل العمدي ‪ ،‬فإن العقوبة تكون الحبس‪ ،‬ويترتب على ذلك‬
‫أن الجريمة هنا تعد جنحة ألن العقوبة منصوص عليها قانونًا‪ ،‬وبالتالي يتغير وصف الجريمة من‬
‫جناية إلى جنحة‪ ،‬ويترتب على ذلك آثار قانونية هامة هي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ال عقاب على الشروع فيها ألنها جنحة‪ ،‬وال عقاب على الشروع في الجنح إال بنص طبقًا‬
‫(‪)4‬‬
‫للمادة ‪ / 47‬عقوبات‬

‫(‪ )2‬يطبق عليها أحكام الجنح فيما يتعلق بالتقادم والعود‪.‬‬

‫(?) المستشار ‪ /‬جندى عبدالملك‪ :‬الموسوعة الجنائية‪،‬جـ‪826 ،5‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نقض رقم ‪ 1502‬لسنة ‪13‬ق‪ -‬جلسة ‪ -25/10/1943‬مجموعة أحكام نقض‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نقض ‪ 15‬أكتوبر سنة ‪ -1984‬مجموعة أحكام محكمة النقض‪ -‬س‪ -35‬رقم ‪ -146‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.670‬‬
‫(?) تنص المادة ‪ / 47‬عقوبات على أن »تعين قانونًا الجنح التى يعاقب على الشروع فيها‪ ،‬وكذلك‬ ‫‪4‬‬

‫عقوبة هذا الشروع«‬


‫‪277‬‬
‫(‪ )3‬تكون المحكمة المختصة بنظر الموضوع هي محكمة الجنح‪.‬‬

‫(‪ )4‬إذا ساهم مع الزوج شريك بالتفويض أو المساعدة فال يستفيد من التخفيف‪ ،‬إال إذا كان يعلم‬
‫(‪)1‬‬
‫بأسباب االستفزاز‪ ،‬وذلك طبقًا للمادة ‪ 41‬عقوبات‬

‫(‪ )5‬إذا كان الزوج شريكًا للفاعل األصلي في تلك الجريمة‪ ،‬فال يستفيد من العذر المخفف تطبيقًا‬
‫للقواعد العامة في المساهمة التبعية‪ ،‬حيث إن الشريك يستعير إجرامه من الفاعل األصلي‪،‬‬
‫وبالتالي يعاقب كشريك في جناية قتل عمد‪.‬‬

‫(‪ )6‬إذا تعدد الفاعلون في ارتكاب هذه الجريمة المنصوص عليها بالمادة ‪/237‬ع‪ ،‬وكان من‬
‫ضمنهم الزوج فال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة إال الزوج‪ ،‬وذلك طبقًا للمادة ‪/ 39‬‬
‫عقوبات‪.‬‬

‫(?) تنص المادة ‪ 41‬على أن »من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها إال ما استثنى قانونًا بنص خاص‬ ‫‪1‬‬

‫ومع هذا‪-:‬‬
‫أوًال‪ :‬ال تأثير على الشريك من األحوال الخاصة بالفاعل التى تقتضى تغيير وصف الجريمة إذا كان‬
‫الشريك غير عام بتلك األحوال‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا تغير وصف الجريمة نظرًا إلى قصد الفاعل فيها أو كيفية علمه بها يعاقب الشريك بالعقوبة التى‬
‫يستحقها‪ ،‬لو كان قصد الفاعل من الجريمة أو علمه بها كقصد الشريك منها أو علمه بها‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫ثانيًا‪ :‬السب غير العلني نتيجة االستفزاز‪:‬‬


‫التطبيق الثاني لحالة االستفزاز في القانون المصري ورد في نص المادة ‪ 378/9‬عقوبات‬
‫وذلك »يعاقب بغرامة ال تجاوز خمسون جنيهًا كل من ارتكب فعًال من األفعال التالية‪:‬‬

‫* من ابتدأ إنسانًا بسب غير علني‪:‬‬


‫ولبيان تأثير حالة االستفزاز على جريمة السب غير العلني‪ ،‬اشترط المشرع للعقاب على‬
‫هذه الجريمة أن يكون مرتكب السب قد ابتدأ المجني عليه بالسب‪ ،‬أي أال يكون قد لجأ إلى السب‬
‫ردًا على سب موجه إليه‪ ،‬مما يعتبر معه االستفزاز عذرًا مبررًا لالستفزاز في هذه الحالة‪.‬‬

‫وبالتالي يستخلص من النص سالف الذكر أن المشرع اعتبر ابتداء المتهم للمجني عليه‬
‫بالسب ركنًا في جريمة السب غير العلني‪.‬‬

‫فإذا وجد االستفزاز فال قيام لجريمة السب غير العلني لعدم توافر أحد أركانه‪.‬‬

‫ولذلك إذا كان مرتكب السب شخصًا آخر خالف من وجه إليه االستفزاز‪ ،‬كصديق أو‬
‫قريب له فإنه ال ينفي وقوع الجريمة‪ ،‬فإباحة السب المرتكب نتيجة االستفزاز سابق من المجني‬
‫عليه أن يكون سب الجاني موجه إلى ذات المجني عليه المستفز‪ ،‬مما يدعو إلى بيان الشروط‬
‫الواجب توافرها في حالة االستفزاز التي تمنع وقوع العقاب على الجاني المستفز‪ ،‬والحكمة من‬
‫عدم العقاب‪.‬‬

‫الشروط الواجب توافرها في حالة السب غير العلى نتيجة االستفزاز‪:‬‬


‫بإلقاء الضوء على نص المادة ‪ 378/9‬عقوبات يتضح أنها نصت على »من ابتدأ إنسانًا‬
‫بسب غير علني«‪.‬‬

‫والظاهر من عبارة النص أن المشرع يشترط للعقاب على جريمة السب غير العلني أن‬
‫يكون مرتكب السب »الجاني« قد ابتدأ المجني عليه بالسب‪ ،‬مما يؤكد أن العقاب هنا مشروط بأن‬
‫الجاني مرتكب السب هو الذي وجه السب مباشرة للمجني عليه‪ ،‬وبالتالي في حالة ما إذا كان‬
‫سب الجاني جاء ردًا على سب المجني عليه إليه تنتفي الحكمة من التجريم ‪ ،‬وتصبح في مجال‬
‫االستفزاز المبرر لسب الجاني‪ ،‬ولذلك يشترط لعدم عقاب الجاني مرتكب السب غير العلني‬
‫المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر شرطان هما‪:‬‬
‫‪277‬‬

‫( أ ) أن يكون االستفزاز صادر من المجني عليه نفسه ومتخذًا صورة السب‬


‫وموجهًا لشخص الجاني‪:‬‬
‫ال يجوز للمتهم المرتكب للسب غير العلني االحتجاج باالستفزاز الصادر من شخص آخر‬
‫غير المجني عليه‪ ،‬ولو كان توأمه أو صديقه أو من أصوله أو من فروعه‪ ،‬فعدم العقاب مقرون‬
‫بصفة الجاني‪ ،‬والمجني عليه‪ ،‬وبموضوع السب‪ ،‬أما إذا تجاوز الفعل السب كالتعدي بالضرب أو‬
‫(‪)1‬‬
‫إحداث إصابة‬

‫أو شخص المجني عليه الذي وجه السب للجاني‪ ،‬فال يكون في مجال حالة االستفزاز التي‬
‫(‪)2‬‬
‫تم توقيع العقوبة على الجاني‪ ،‬ويعاقب الجاني طبقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات‬

‫حيث يرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أنه يجب لتوافر جريمة السب غير العلني‬
‫توافر عنصر سلبي قوامه انتفاء االستفزاز‪ ،‬فهذا الركن الخاص يميز السب غير العلني من السب‬
‫العلني‪ ،‬ومفهوم هذا الركن أن السب غير العلني يفترض أن المتهم قد بدأ باالعتداء‪ ،‬ولم يكن‬
‫السب الذي صدر عنه رد فعل لسب وجهه إليه المجني عليه‪ ،‬فتجريم السب غير العلني يفترض‬
‫وقوعه ابتداءً‪ ،‬وتلقائيًا دون استفزاز من المجني عليه‪.‬‬

‫ويشترط إلنتاج هذا االستفزاز أثره في نفي جريمة السب غير العلني‪ :‬أن يقع من المجني‬
‫عليه‪.‬‬

‫فال يحول دون توافر السب غير العلني أن يصدر عن المتهم أثر سب وجهه إليه قريب‪،‬‬
‫أو صديق المجني عليه‪ ،‬وعلى ذلك فانتفاء السب غير العلني لتوافر عنصر االستفزاز يعنى أن‬
‫المتهم كان ضحية لجريمة سب من جانب المجني عليه؛ مما دفعه تحت ثورة عصبية إلى مبادلته‬
‫ذات السلوك‪.‬‬

‫ومن هنا يشترط إلنتاج االستفزاز أثره ليس فقط وحده المتهم والمجني عليه في واقعتي‬
‫السب‪ ،‬وإ نما أيضًا ارتكاب السب غير العلني عقب استفزاز‪ ،‬أي عقب صدور السب من المجني‬
‫عليه للمتهم بحيث ال يمر بينها فاصل زمني يتمكن خالله مرتكب السب غير العلني من استعادة‬
‫(‪)3‬‬
‫هدوئه‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 301 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬المرجع السابق‪0 408 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬جرائم االعتداء على‬ ‫‪3‬‬

‫األشخاص‪ ،‬المرجع السابق‪.276 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫(ب) المعاصرة بين سب الجاني والسب الموجه إليه من المجني عليه‪:‬‬


‫اشترط المشرع في المادة السابقة إلباحة السب المرتكب نتيجة الستفزاز سابق من المجني‬
‫عليه يتطلب حصوله أثناء الفترة التي حدث فيها االستفزاز‪ ،‬وال يعنى ذلك أن يكون السب صادرًا‬
‫بعد االستفزاز مباشرة‪ ،‬وإ نما يجب حصوله في وقت ال زال فيه الجاني واقعًا تحت تأثير الثورة‬
‫(‪)1‬‬
‫النفسية الناجمة على االستفزاز‬

‫أما إذا مر وقت زمني كافٍ إلعادة الجاني الموجه إليه السب للمجني عليه لهدوئه وإ رادته‬
‫الحرة غير المتأثرة باستفزاز المجني عليه‪ ،‬فإنه ال يستفاد من إباحة الفعل‪ ،‬ويخضع للعقاب طبقًا‬
‫للمادة ‪ 378/9‬عقوبات‪.‬‬

‫وإ ن تجاوز السب يعاقب طبقًا للقواعد العامة التي تنظم الفعل المرتكب منها‪ ،‬دون أن‬
‫يستفاد من حالة االستفزاز‪ ،‬وتقدير قيام المعاصرة من عدمه أمر نسبى يختلف من شخص آلخر‪،‬‬
‫ومن ظروف ألخرى يخضع تقديرها لقاضى الموضوع‪.‬‬

‫و الحكمة من عدم العقاب على جريمة السب غير العلني عند توافر حالة االستفزاز‬
‫للجاني ترجع إلى قلة أهمية تلك الجريمة في ذاتها‪ ،‬حيث عندما توجه إلى أحد األفراد جريمة‬
‫السب تفقد صفتها غير المشروعة حينما يكون الدافع إليها االستفزاز الصادر من المجني عليه‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق‪.720 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬المرجع السابق‪.408 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫* تعقــيب‪:‬‬
‫أخذ المشرع المصري بعذر االستفزاز في نطاق ضيق مقارنة بما وصلت إليه أبحاث علم‬
‫"المجني عليه" من نتائج حول دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬خاصة ما تعلق منها‬
‫باالستفزاز‪ ،‬وأثره في وقوع الجرائم‪ ،‬وعدم مسايرته لما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال‬
‫علم "المجني عليه" والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه في االعتبار عند تقدير عقوبة الجاني‪،‬‬
‫لما في دور المجني عليه من أثر بالغ في وقوع الجريمة من خالل مساهمته في ارتكابها‪ ،‬أو‬
‫تخلف فكرتها لدى الجاني‪ ،‬مما يدفعه إلى ارتكاب جريمته‪ ،‬وذلك في حالة االستفزاز‪ ،‬لذلك يأمل‬
‫الباحثون في علم "المجني عليه" أن ينص المشرع على اعتبار االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا‪ ،‬يؤدى‬
‫توافره إلى تخفيف العقوبة أيًا كانت الجريمة التي يتعلق بها هذا العذر‪ ،‬وليس االكتفاء بما هو‬
‫منصوص عليه في المادة ‪ 237‬عقوبات‪ ،‬وفي نطاق ضيق مقصور على الزوج الجاني فقط ‪،‬‬
‫وفي حدود جريمة القتل لزوجته التي فوجئ بها متلبسة بالزنا‪.‬‬

‫ولكن ما يخفف من موقف المشرع المصري هو ما أعطاه للقاضي الجنائي من سلطة‬


‫تقديرية في أعمال الظروف القضائية المخففة طبقًا للمادة ‪ 17‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫وفي النهاية يتضح مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني من‬
‫خالل مساهمته في الجريمة التي ارتكبها الجاني‪ ،‬فكانت المساهمة عذرًا للجاني يخفف عقوبته‬
‫ويغير مسئوليته‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫األثر القانوني المترتب على عذر االستفزاز‪.‬‬


‫يتضح من موقف التشريعات المختلفة في النظر إلى حالة االستفزاز كعذرعام مخففًا‬
‫للعقاب‪ ،‬وكذلك النظر إليها كعذر قانوني خاصًا يحدد بنصوص قانونية على سبيل الحصر ال‬
‫يجوز القياس عليها‪ ،‬أو التوسع فيها‪ ،‬ومن هذه التشريعات التشريع المصري الذي كما اتضح في‬
‫التطبيقين المنصوص عليهما في المادتين ‪237‬و ‪ 378/9‬عقوبات األولى اعتبرت حالة‬
‫االستفزاز عذرًا مخففًا للعقاب‪ ،‬والثانية اعتبرت حالة االستفزاز مانعًا من العقاب‪ ،‬وذلك على‬
‫النحو الذي وضح سلفًا‪.‬‬

‫ويمكن القول‪ :‬إن للمجني عليه دور بارز وفعال في وقوع الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل حالة‬
‫االستفزاز‪ ،‬وإن لهذا الدور أثر ال يمكن تجاهله في تحديد مسئولية الجاني سواء من خالل وضع‬
‫النصوص التشريعية‪ ،‬أو من خالل السلطة القضائية عند بحثها لظروف ومالبسات الجريمة‬
‫المنظورة أمامها‪ ،‬لتطبيق العقوبة المناسبة المالئمة لخطأ الجاني المستفز‪.‬‬

‫بمعنى أن حالة االستفزاز لها أثر من ناحية المسئولية الجنائية للجاني‪ ،‬والمسئولية المدنية‪،‬‬
‫فإن أغفل المشرع األخذ بها في بعض النصوص القانونية‪ ،‬واعتبرها محددة على سبيل الحصر‪،‬‬
‫باعتبارها عذر قانوني خاص يخفف العقوبة‪ ،‬فإن القاضي ال يمكن أن يتجاهل أثناء تطبيقه‬
‫للعقوبة على الجاني الذي تعرض لحالة االستفزاز من المجني عليه فدفعته الرتكاب الجريمة‬
‫وبالتالي حالة االستفزاز التي يقوم بها المجني عليه تجاه‬ ‫(‪)1‬‬
‫ضده اعتبارها عذرا قضائيا مخففا‬
‫الجاني لها أثر قانوني واضح في تخفيف العقاب على الجاني‪ ،‬سواء أخذت التشريعات الجنائية‬
‫بالنص عليها‪ ،‬أو بعدم النص عليها‪ ،‬وذلك متماشيًا مع ما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال‬
‫علم "المجني عليه"‪ ،‬والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه باالعتبار عند تقدير عقوبة الجاني‪.‬‬

‫وأيضًا يكون لها أثر فعال من ناحية المسئولية المدنية القائمة على الخطأ‪ ،‬والعذر والعالقة‬
‫السببية بينهما‪ ،‬وذلك من خالل تخفيض التعويض المدني المترتب على مسئولية الجاني المستفز‪،‬‬
‫وإ نقاص مبلغ التعويض يكون متناسبًا مع قدر مساهمة المجني عليه في خلق فكرة الجريمة‪ ،‬ودفع‬
‫الجاني إليها‪.‬‬

‫(?) حيث قضت محكمة النقض فى أحكام عديدة باعتبار االستفزاز عذر قضائى مخفف من هذه األحكام‬ ‫‪1‬‬

‫»لما كانت حاالت اإلثارة أو االستفزاز أو الغضب ال تنفى نية القتل كما أنه ال تناقض بين قيام هذه النية لدى‬
‫الجانى‪ ،‬وبين كونه قد ارتكب فعله تحت تأثير أى من هذه الحاالت‪ ،‬وإ ن أعدت أعذار قضائية مخففة يرجع‬
‫األمر فى تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير مغصب عليها من محكمة النقض‪ ،‬نقض ‪.25/5/1973‬‬
‫‪277‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫دور المجني عليه في الدفاع الشرعي‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫لبيان مدى تأثير دور المجني عليه في الدفاع الشرعي ذلك الدور الذي يقوم به المجني‬
‫عليه البادئ باالعتداء في إلحاق األذى بنفسه من أفعال الدفاع التي أباحها القانون إعماًال لحق‬
‫الدفاع الشرعي سيتم بحث حالة الدفاع الشرعي من خالل التركيز على دور المجني عليه في‬
‫وقوع فعل االعتداء‪ ،‬دون الدخول في موضوع الدفاع الشرعي بشكل عام‪.‬‬

‫فالدفاع الشرعي‪ :‬هو استعمال القوة الالزمة لرد اعتداء غير مشروع يقع على النفس أو‬
‫المال‪ ،‬سواء كان االعتداء يهدد المدافع ذاته أم غيره‪ ،‬وهو حق تخوله المبادئ القانونية العامة‬
‫للمدافع الستعمال القوة الالزمة لبدء اعتداء غير مشروع يوشك أن يقع‪ ،‬أو للحيلولة دون‬
‫استمراره‪ ،‬والحكمة من إباحته هي الموازنة بين المصالح في المجتمع‪ ،‬وترجيح مصلحة على‬
‫أخرى كمصلحة المعتدى عليه هي األجدر بالحماية‪.‬‬

‫أما مصلحة المعتدى فلم تعد جديرة بالحماية لبدئه بالعدوان على المصالح التي يحميها‬
‫القانون‪ ،‬وليس في مثل الدفاع أي اعتداء مع مصلحة المجتمع‪.‬‬

‫وعلى ذلك فالدفاع الشرعي سبب عام من أسباب اإلباحة‪ ،‬يبرر استعمال القوة الالزمة‬
‫والكافية لدفع خطر حال‪ ،‬وغير مشروع يهدد باالعتداء حقًا يحميه القانون‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على الدفاع الشرعي من منظور دراسة دور المجني عليه في الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬وأثره في مسئولية الجاني يتضح أن إباحة حق الدفاع جاءت نتيجة ارتكاب المجني‬
‫عليه ألعمال االعتداء‪ ،‬ففقد الحماية الجنائية وحقوقه المدنية‪.‬‬

‫وفي هذا الفصل سيتم دراسة دور ضحية أفعال الدفاع الشرعي في إلحاق األذى بنفسه‪،‬‬
‫ودور صاحب الحق المهدد باالعتداء‪ ،‬من خالل أربعة مباحث كالتالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األساس القانوني للدفاع الشرعي‪0‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي‪0‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القيود الواردة على حق الدفاع الشرعي‪0‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬األثر القانوني المترتب على توافر حالة الدفاع الشرعي‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬

‫األساس القانوني للدفاع الشرعي ‪.‬‬


‫وبالتالي تعددت‬ ‫(‪)1‬‬
‫اختلفت اآلراء الفقهية في بيان األساس القانوني للدفاع الشرعي‬
‫النظريات في تبرير إباحة فعل االعتداء الواقع من المدافع‪ ،‬فمنها ما اعتبر أن األساس القانوني‬
‫للدفاع الشرعي يرجع إلى األساس المعنوي المتمثل في اإلكراه‪ ،‬واإلرغام النفسي الذي يسببه فعل‬
‫االعتداء‪ ،‬فمن يدافع عن نفسه دفاعًا شرعيًا يباشر فعله في حالة إكراه معنوي واضطراب نفسي‬
‫بسبب ما يتعرض له من اعتداء غير مبرر‪.‬‬

‫وبالتالي تنعدم إرادته وحرية اختياره األمر الذي يؤدى إلى انتفاء مسئوليته الجنائية‪.‬‬

‫واستند أصحاب هذه النظرية أيضًا في مجال وضع تبرير إلباحة أفعال الدفاع إلى‬
‫مشروعية الباعث‪ ،‬والهدف من ارتكاب فعل الدفاع‪ ،‬وهو حماية حق ذاتي أو حق للغير‪.‬‬

‫ولكنه يؤخذ على تلك النظرية ذات األساس المعنوي إلباحة أفعال الدفاع أن النظام‬
‫القانوني الجنائي ال يعتد بالبواعث‪ ،‬كما أن المشرع يتطلب شروط أخرى إلباحة فعل الدفاع‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أن المدافع قد يرد االعتداء في هدوء تام دون أن يفقد ضغط النفس أو التحكم‬
‫اإلرادي‪.‬‬

‫وهذا ما دعا بعض الفقهاء إلى تبرير إباحة أفعال الدفاع إلى أساس موضوعي؛ متمثًال في‬
‫تنازع المصالح‪ ،‬بمعنى إذا تعارضت مصلحتان فإن القانون يضحى بالمصلحة األقل أهمية‬
‫محافظًا على المصلحة األكثر أهمية‪.‬‬

‫فيرى أصحاب هذا الرأي أن مصلحة المدافع تعلو على مصلحة المعتدى‪ ،‬مما يصيب‬
‫المعتدى من ضرر بسبب أعمال الدفاع‪ ،‬إنما يحدث درءًا العتدائه‪.‬‬

‫وبالتالي فإن كل فعل يلزم لرد االعتداء يصبح مشروعًا‪ ،‬وما يتعدى مقتضيات الدفاع‬
‫فيظل غير مشروع‪.‬‬

‫في حين يرى األستاذ الدكتور يسرى أنور أن أساس اإلباحة في الدفاع الشرعي هو انعدام‬
‫الضرر بالفعل‪ ،‬وبالتالي تخلفت المصلحة االجتماعية في التجريم والعقاب‪ ،‬ولذلك فإن الدولة تبيح‬

‫(?) أنظر أساس الدفاع الشرعى فى الفقه الوضعى‪ -‬ص‪123‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد سيد عبد التواب‪ :‬في الدفاع الشرعي في الفقه اإلسالمي‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه ( غير منشورة) ‪،‬كلية الحقوق‪ :‬جامعة القاهرة‪.،‬‬
‫‪277‬‬
‫أفعال المعتدى عليه ألنه ال يحقق ضررًا اجتماعيا‪ ،‬بل يؤكد سلطة القانون بمنع اعتداء غير‬
‫مشروع‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أن سلوك المدافع ال يكون جريمة أصًال‪ ،‬بل يصدر مشروعًا‪ ،‬فال‬
‫(‪)1‬‬
‫جريمة في األمر‬

‫فالدفاع الشرعي له طبيعة موضوعية مادية أو عينية‪ ،‬إذ يزيل صفة عدم المشروعية‬
‫الجنائية عن الواقعة بنص المشرع‪ ،‬وهو ينشأ حينما توافرت شروطه دون اعتداد أو إشارة إلى‬
‫شخص المدافع‪ ،‬الذي ال يتسم دوره بأهمية خاصة إال في األحوال االستثنائية‪.‬‬

‫وهذا ما يميز الدفاع الشرعي عن موانع المسئولية الجنائية‪ ،‬حيث إن األخيرة من طبيعة‬
‫شخصية‪ ،‬وبالتالي ال تؤثر في عدم مشروعية الفعل‪.‬‬

‫أما االتجاه السائد في الفقه المصري فهو الذي يرجح أساس إباحة أفعال الدفاع إلى فكرة‬
‫الموازنة بين المصالح المتعارضة‪ ،‬وترجيح حقها بالرعاية تحقيقًا للصالح العام‪ ،‬وهو هدف لكل‬
‫(‪)2‬‬
‫نظام قانوني‬

‫ويرى بعضهم أن أساس الدفاع الشرعي يرتكز على اختيار المشرع لمصلحة معينة من‬
‫بين المصالح المتنازع عليها‪ ،‬لكي يضفي عليها اهتمامه‪ ،‬وهي مصلحة المعتدى عليه إذ يراها‬
‫(‪)3‬‬
‫أجدر بالرعاية من مصلحة المعتدى‬

‫وبناء على ما تقدم فإن أغلب التشريعات تعتبر الدفاع الشرعي سببًا لإلباحة يبيح لجوء‬
‫ً‬
‫المدافع الواقع عليه االعتداء اللجوء إلى أي وسيلة الزمة ومناسبة لرد االعتداء‪.‬‬

‫وبالرغم من أن المشرع المصري أورد النصوص الخاصة بالدفاع الشرعي سببًا عامًا‬
‫لإلباحة ذات طبيعة موضوعية‪.‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬يسرى أنور‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬النظرية العام‪0 408 ،1990 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬درس في قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 252 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬أصول قانون العقوبات‪ ،‬دار النهضة العربية‪.206 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي ‪.‬‬


‫قد أورد المشرع المصري النصوص الخاصة بحق الدفاع الشرعي في المواد من ‪:245‬‬
‫‪ 251‬من قانون العقوبات فبعد أن نصت المادة ‪ 245‬عقوبات على أنه »ال عقوبة مطلقًا على من‬
‫قتل غيره‪ ،‬أو أصابه بجراح‪ ،‬أو ضربه أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو‬
‫عن غيره ‪ ،‬وقد بينت في المواد اآلتية الظروف التي ينشأ عنها هذا الحق والقيود التي يرتبط‬
‫بها«‪.‬‬

‫وأضاف في المواد الالحقة لها الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وهي شروط‬
‫متعلقة بفعل االعتداء‪ ،‬وأخرى بفعل الدفاع‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬الشروط المتعلقة باالعتداء‪:‬‬


‫‪ -1‬وجود حظر بارتكاب جريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون الجريمة من الجرائم الواقعة على النفس أو من جرائم المال الواردة على سبيل‬
‫الحصر‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الحظر حاًال‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يستحيل دفعه بااللتجاء إلى السلطات العامة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬شــروط الدفـــاع‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يكون الزمًا لدفع االعتداء‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون متناسبًا مع االعتداء‪.‬‬

‫‪1‬ـ شـروط االعتــداء‪:‬‬


‫نصت المادة ‪ 246‬عقوبات على أن حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص‬
‫استعمال القوة الالزمة‪ ،‬إال في األحوال االستثنائية المبينة بعد استعمال القوة الالزمة لدفع كل فعل‬
‫يعتبر جريمة على النفس منصوص عليها في هذا القانون‪.‬‬

‫وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة الالزمة لرد أي فعل يعتبر جريمة من‬
‫الجرائم المنصوص عليها في األبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب‪،‬‬
‫وفي الفقرة ‪ 4‬من المادة ‪ 279‬كما تنص المادة ‪ 247‬عقوبات على أنه »وليس لهذا الحق وجود‬
‫‪277‬‬
‫متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة العمومية‪ ،‬والمستفاد‬
‫من ذلك أن شروط االعتداء هي‪:‬‬

‫‪ -1‬وجود خطر غير مشروع بارتكاب جريمة‪.‬‬


‫‪ -2‬أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون هذا الخطر حاًال‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يستحيل دفعه بااللتجاء إلى السلطات العامة‪.‬‬

‫وفيما يلى تفصيل لكل شرط‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬وجود خطر غير مشروع بارتكاب الجريمة‪:‬‬

‫لكي يكون هناك حق دفاع يجب أن يكون هناك اعتداء‪ ،‬أو خطر اعتداء بفعل يعد جريمة‪،‬‬
‫فإذا كان االعتداء ال يعد جريمة فال يقوم حق الدفاع‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي معاقب عليه‪ ،‬إال إذا كان‬
‫من يزاول حقه في الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي‪ ،‬فإن فعله يعتبر اعتداء‪ ،‬مما يعد جريمة‬
‫طبقًا للمادة ‪ 251‬عقوبات‪ ،‬وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده‪ ،‬واالعتداء يعد جريمة‪ ،‬ولو كان الفاعل‬
‫غير معاقب لعارض من عوارض األهلية الجنائية‪ ،‬أو النتفاء اإلسناد المعنوي العمدي للغلط في‬
‫الوقائع‪ ،‬ألن موانع المسئولية ال تمحو صفة الجريمة عن الفعل‪ ،‬وإ ن كانت تمنع المسئولية عنه‪،‬‬
‫فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون أو صاحب العاهة العقلية والسكران ومن هو واقع في‬
‫(‪)1‬‬
‫الغلط‬

‫كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من األعذار القانونية‪ ،‬أو سبب من أسباب‬
‫(‪)2‬‬
‫انعدام المسئولية‬

‫واشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد انتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع‪ ،‬فال‬
‫يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون‪ ،‬أو يأمر به‪ ،‬فالدفاع ال يجوز إال ضد خطر يهدد‬
‫(‪)3‬‬
‫بارتكاب جريمة‬

‫وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد محيى الدين عوض‪ :‬القانون الجنائي مبادئه األساسية ونظرياته العامة‪ -‬دراسة‬ ‫‪1‬‬

‫مقارنة‪.516 ،1981 ،‬‬


‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬المرجع السابق‪.258 : 257،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪.1979،210 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي ال يجوز ضد من يرتكب فعًال مباحًا قانونًا في حالة‬
‫دفاع عن النفس أو المال ‪ ،‬كذلك ال يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب استعماًال لحق من الحقوق‪،‬‬
‫أو أداء الواجب أو تنفيذ األمر المشروع‪ ،‬أما التجاوز في استعمال الحق أو الغلط في اإلباحة‪ ،‬فإنه‬
‫ال ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة‪ ،‬وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده‪،‬‬
‫ويجوز الدفاع الشرعي ضده‪ ،‬ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في اإلباحة يعفي صاحبه من‬
‫(‪)1‬‬
‫المسئولية كلية أو ال يعفيه‬

‫الخطر التصورى أو توهم العدوان‪:‬‬


‫السائد في الفقه والقضاء أن توهم العدوان كالعدوان الحقيقي‪ ،‬كالهما يبرر الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬ويبيح أفعاله‪ ،‬وذلك مشروط بأن يكون هذا االعتقاد والتصور مبنيًا على أسباب معقولة‪،‬‬
‫وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد صدر من المجني‬
‫عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي‪ ،‬وال يلزم‬
‫في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرًا حقيقيًا في ذاته‪ ،‬بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم‪،‬‬
‫وتصوره بشرط أن يكون االعتقاد أو التصور مبنيًا على أسباب مقبولة‪ ،‬إذ أن تقدير ظروف‬
‫الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي‬
‫يفاجأ بفعل االعتداء‪ ،‬فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور‬
‫والخروج من مأزق‪ ،‬مما ال يصلح محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر‬
‫(‪)2‬‬
‫عليه وقتئذ وهو محفوف بالمخاطر والمالبسات‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬المرجع السابق‪.210،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 210 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫ويرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أن هذا االتجاه غير دقيق؛ ألن أسباب اإلباحة‬
‫ذات طبيعة موضوعية يتعين أن تتوافر كافة شروطها فعًال‪.‬‬

‫ولما كان وجود اعتداء أحد شروط الدفاع؛ فال يكفي مجرد توهم وجوده‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫مبنيًا على أسباب معقولة‪ ،‬والصحيح أن االعتقاد بوجود خطر وهمي ليس إال تطبيقًا لنظرية الغلط‬
‫في اإلباحة‪.‬‬

‫والغلط في تقدير الوقائع التي يقوم عليها الدفاع الشرعي ينفي ألسباب معقولة يقع فيها‬
‫الشخص المعتاد إذا وجد في الظروف التي وجد فيها المدافع‪ ،‬فال يسأل أيضًا عن جريمة غير‬
‫(‪)1‬‬
‫عمدية ألنه ال يمكن نسبة الخطأ إليه‬

‫وينتهي الحق في الدفاع بزوال االعتداء أو الخطر فعًال‪ ،‬ألن الغرض من الدفاع هو منع‬
‫التعدي‪ ،‬وليس القصاص أو االنتقاد‪.‬‬

‫فإذا ثبت أن المتهم ارتكب جريمته بعد زوال الخطر وانقطاع االعتداء‪ ،‬فال يكون في حالة‬
‫دفاع شرعي‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال‪:‬‬
‫أغلب التشريعات تبيح الدفاع ضد خطر أي جريمة‪ ،‬مثل كل من‪ :‬التشريع اإليطالي‬
‫والليبي والسوري والكويتي‪ ....‬الخ‪.‬‬

‫و اشترط القانون المصري أن يكون الخطر مهددًا لجريمة تقع على النفس‪ ،‬غير أنه قصر‬
‫الدفاع عن المال في جرائم معينة‪ ،‬وردت على سبيل الحصر‪.‬‬

‫أ ‪ -‬جرائم االعتداء على النفس التي تبيح الدفاع الشرعي‪:‬‬


‫ونص عليها المشرع في المادة ‪ 246/1‬عقوبات‬

‫والمقصود بجرائم االعتداء على النفس جرائم االعتداء على النفس التي تقع على‬
‫األشخاص‪ ،‬وهي في القانون متنوعة‪ ،‬فقد تنال باالعتداء الحق في الحياة (القتل) أو سالمة الجسم‬
‫(الجرح والضرب وإ عطاء المواد الضارة)‪ ،‬أو الحق في الحرية (الخطف وحبس األشخاص)‪،‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬دروس في قانون‬ ‫‪1‬‬

‫العقوبات‪ ،‬القسم العام‪.261 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.242 ،‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.202،‬‬
‫‪277‬‬
‫وقد تمس الحق في صيانة العرض (الوقاع وهتك العرض والفعل الفاضح) أو الشرف واالعتبار‬
‫(جرائم القذف والسب وإ فشاء األسرار)‪.‬‬

‫وهذه الجرائم تبيح جميعًا حق الدفاع الشرعي‪ ،‬ال محال للتفرقة بينها بحسب نوعها أو‬
‫جسامتها‪ ،‬فالضرب البسيط‪ ،‬واألفعال المنافية للحياة كل ذلك يبرر استخدام حق الدفاع الشرعي‬
‫بشرط مراعاة (التناسب) بين جسامة االعتداء (أو خطر االعتداء بتعبير أدق) وبين الدفاع وأال‬
‫(‪)1‬‬
‫يتجاوز المدافع حدود الحق في الدفاع‬

‫ب‪ -‬جرائم المال التي تبيح الدفاع الشرعي‪:‬‬


‫وهذه الجرائم نصت عليها المادة ‪ 246/2‬عقوبات ومنها‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أوًال‪ :‬جرائم الباب الثاني‪ :‬وهي جرائم الحريق عمدًا الواردة في المواد من ‪ 252‬إلي ‪259‬‬

‫ثانيًا‪ :‬جرائم الباب الثامن‪ :‬وهي جرائم السرقة‪ ،‬واغتصاب األموال الواردة في المادة ‪ 311‬إلى‬
‫‪، 327‬وبعضها جرائم اعتداء على المال والنفس معًا‪ ،‬كالسرقة باإلكراه (المادة ‪،)314‬‬
‫وكاغتصاب السندات‪ ،‬والتوقيعات بالقوة أو التهديد (المادة ‪.)325‬‬

‫ثالثًا‪ :‬جرائم الباب الثالث عشر‪ :‬وهي جرائم التخريب واإلتالف‪ ،‬سواء أوقعت على الجماد‬
‫(المواد ‪ 354‬و ‪ 358‬و ‪ 359‬و ‪ 361‬و ‪ 361‬مكرر) أم على الحيوان المادتان (‪ 355‬و‬
‫‪.)357‬‬

‫رابعًا‪ :‬جرائم الباب الرابع عشر‪ :‬وهي جرائم انتهاك حرمة ملك الغير الواردة في المواد من‬
‫‪ 369‬إلى ‪.375‬‬

‫خامسًا‪ :‬الفقرة الرابعة من المادة ‪ :279‬وهي الواردة في المخالفات‪ ،‬وهي خاصة بتجريم كل من‬
‫دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول‪ ،‬أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو‬
‫داوبه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب‪ ،‬أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها‬
‫بغير حق‪.‬‬

‫ويالحظ أن المادة ‪ 246/2‬من قانون العقوبات قد أوردت هذه الجرائم على سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬فال يقاس عليها جرائم أخرى‪ ،‬هذا ولو أنه يندر في العمل أن تثار صور للدفاع الشرعي‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ ::‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 262 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬يسرى أنور‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.485 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫عن المال خارج نطاقها فإذا أثيرت وجب القول بعدم جواز استعمال القوة المادية لدفعها‪ ،‬ومن‬
‫(‪)1‬‬
‫باب أولى إذا كان النزاع مدنيًا بحتًا ال يخضع لوصف جنائي معين‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكـون هـذا الخطـر حاًال‪:‬‬


‫يجب لقيام الدفاع الشرعي أن يكون االعتداء حاًال أو على وشك الوقوع على نفس أو مال‬
‫الشخص‪ ،‬أو على نفس أو مال غيره‪ ،‬وبالتالي ال تستلزم قيام حالة الدفاع استمرار العدوان أو‬
‫وقوعه بالفعل‪ ،‬بل يكفي أن يكون قد صدر من المعتدى فعل يخشى منه المدافع وقوع جريمة من‬
‫الجرائم التي يجوز فيها الدفاع‪ ،‬فإذا كان االعتداء قد انتهي فال يكون هناك وجود لحق الدفاع‪،‬‬
‫وكذلك إذا كان االعتداء مستقبلا أو محتمًال‪ ،‬ولم يصبح بعد حاًال أو على وشك الوقوع‪ ،‬ويجب أال‬
‫يكون لدى المعتدى عليه نية االعتداء ابتداء قبل حصول االعتداء‪ ،‬أو لديه سبق إصرار عليه ألن‬
‫هذا ينفي الدفاع؛ ألنه من قبيل االنتقام ‪ ،‬فكل منهما حريص على النيل من صاحبه‪.‬‬

‫واالعتداء بناء على ما تقدم يكون حاًال أو على وشك الحلول إذا كانت الجريمة في مجرد‬
‫سريانها‪ ،‬أو كانت عند البدء في تنفيذها‪ ،‬أو كانت في المرحلة التحضيرية السابقة مباشرة على‬
‫(‪)2‬‬
‫ارتكابها‪ ،‬والعبرة في تقدير ذلك هي بما يراه المدافع في الظروف التي كان فيها‬

‫وإ عماًال لنص المادة ‪ 245‬عقوبات يستوي أن يكون الدفاع الشرعي عن النفس أو المال‬
‫أو عن نفس الغير أو ماله‪.‬‬

‫كما أنه جدير بالذكر أنه يجوز الدفاع الشرعي‪ ،‬ولو كان حلول الخطر غير المشروع جاء‬
‫نتيجة استفزاز من المعتدى عليه‪ ،‬ذلك أن االستفزاز ال ينفي عن الخطر الصفة غير المشروعة‪،‬‬
‫وال دخل له في توافر صفة الخطر المتطلبة‪ ،‬وهي كونه حاًال‪ ،‬كل ذلك ما لم يكن االستفزاز قد‬
‫(‪)3‬‬
‫قصد به دفع المستفز إلى االعتداء‪ ،‬وخلق حالة دفاع شرعي للمستفز‬

‫الشرط الرابع‪ :‬استحالة االلتجاء إلى السلطات العامة‪:‬‬


‫نصت المادة ‪ 247‬من قانون العقوبات على أنه »ليس لهذا الحق وجود‪ ،‬كان من الممكن‬
‫الركون في الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة العمومية‪ ،‬وهذا الشرط مستقل عن شرط‬
‫حلول الخطر فمن المتصور أن يكون الخطر حاًال‪ ،‬ومع ذلك يمكن تدارك الضرر باالحتماء‬
‫برجال السلطة العامة‪ ،‬إذا كانوا على مقربة من المهدد بالخطر‪ ،‬وعندئذ ال تكون حالة الدفاع‬
‫الشرعي قائمة‪ ،‬على أن ذلك يقتضى أن يكون لدى المهدد بالخطر من الوقت ما يكفي التخاذ ذلك‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬رؤف عبيد‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 552 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد محيى الدين عوض‪ :‬المرجع السابق‪.522 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬المرجع السابق‪.216 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫اإلجراء قبل إيقاع الضرر‪ ،‬فالشخص الذي يشاهد لصًا يحاول اجتياز سور منزل غير مكلف‬
‫بالتوجه إلى نقطة البوليس‪ ،‬وإ نما له أن يدفع السرقة ألن االلتجاء إلى البوليس في هذه الحالة ال‬
‫يسعف في درء الجريمة‪ ،‬ولكن عليه أن يستعين برجل البوليس إذا كان على مقربة منه‪.‬‬

‫وقد قضت محكمة النقض أيضًا بأنه إذا كان التصوير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه‬
‫وأسس عليه قضاء ينبئ في ظاهره بأنه كان في مقدور المتهم وقد عاد إلى قريته ليحمل سالحه‬
‫أن يحتمي برجال السلطة العامة‪.‬‬

‫لذلك كان يتعين على المحكمة أن تستحلى هذا األمر‪ ،‬وتستظهره بأدلة سائغة للوقوف على‬
‫ما إذا كانت القوة التي استخدمها المتهم في دفع العدوان هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ تلك الغاية‪ ،‬أو‬
‫أنه كان في وسعه أن يتجنب استخدامها باستعمال وسائل أخرى‪ ،‬كااللتجاء إلى رجال السلطة‬
‫لالحتماء بهم‪ ،‬أما ولم يعرض الحكم لهذا البيان فإنه يكون قاصرًا قصورًا بعينه ويستوجب نقضه‬
‫(‪)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬شروط الدفاع‬


‫يفترض الدفاع الشرعي إتيان المعتدى عليه فعًال يدرأ به عنه الخطر الذي يهدده‪ ،‬ويتوسع‬
‫القانون في تحديد أفعال الدفاع‪ ،‬ولكنه ال يطلق هذا التوسع بل يضع له الحدود التي تتمثل في‬
‫صورة شروط يتطلبها‪ ،‬ويتطلب القانون توافر شرطين في فعل الدفاع األول كونه الزمًا‪ ،‬والثاني‬
‫كونه متناسبًا مع جسامة الخطر‪.‬‬

‫الشرط األول‪ :‬لـزوم الدفـاع‪:‬‬


‫يتعين أن تكون القوة المادية الزمة لرد االعتداء‪ ،‬أو دفع الجريمة‪ ،‬وقد تحدثت المادة ‪246‬‬
‫عقوبات عن لزوم القوة لدفع العدوان‪ ،‬غير أنه إذا كان في استطاعة المدافع االلتجاء إلى السلطة‬
‫العامة لدرء خطر االعتداء عليه‪ ،‬فإن حقه في الدفاع ينتفي‪ ،‬وقد عبرت عن ذلك المادة ‪247‬‬
‫عقوبات‪.‬‬

‫ولقد ثار الجدل حول ما إذا كان الهرب يمكن أن يعتبر طريقًا آخر لتفادى استعمال الحق‬
‫في الدفاع الشرعي‪ ،‬بحيث ينتفي هذا الحق إذا كان في وسع الجاني الهرب من خطر االعتداء‪،‬‬
‫والرأي المتفق عليه هو أن الهرب فعل يشين اإلنسان ويهبط بكرامته‪.‬‬

‫(?) نقض ‪ 26‬يناير ‪ -1959‬مجموعة أحكام النقض‪ -‬السنة العاشرة‪ -‬رقم ‪ -29‬صفحة ‪.83‬‬ ‫‪1‬‬

‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪.263‬‬
‫‪277‬‬
‫وبالتالي فإنه ليس على اإلنسان المهدد في نفسه أو ماله أن يهرب ليتفادى العدوان‪ ،‬حتى‬
‫ولو كان ذلك مستطاعًا‪ ،‬لكن من المتفق عليه من ناحية أخرى أنه إذا كان الجاني مجنونًا فإن‬
‫الهرب منه وفي مواجهته ال يعتبر جبنًا ال يوصم فاعله بالعار‪.‬‬

‫يثار بحث ما إذا الهرب ممكنًا أم غير ممكن بحسب ظروف الحال‪ ،‬وفقًا لتصرف اإلنسان‬
‫العاقل من أوسط الناس لو وجد في نفس الظروف‪.‬‬

‫ويالحظ أنه ال مجال إلباحة فعل الدفاع إال إذا وجه إلى مصدر الخطر‪ ،‬لكي يكفل‬
‫التخلص منه‪ ،‬أما إذا ترك المعتدى مصدرًا لخطر يهدده ووجه فعله إلى شخص أو شيء ال يصدر‬
‫الخطر عنه فعًال محل الحتجاجه بالدفاع الشرعي ألن الفعل غير ذي جدوى في التخلص من‬
‫الخطر؛ فهو غير الزم لذلك فمن يهاجمه شخص ال يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره‪ ،‬ومن‬
‫يهاجمه كلب ال يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه‪ ،‬ومن تدخل في أرضه مواشي‬
‫(‪)1‬‬
‫الغير ودوابه ال يجوز أن يتركها ويوجه فعله إلى حائزها‬

‫الشرط الثاني‪ :‬تناسب الدفاع مع االعتداء‪:‬‬


‫إذا نشأ حق الدفاع الشرعي بأن كان هناك اعتداء حال‪ ،‬أو على وشك الحلول يهدد النفس‬
‫أو المال‪ ،‬وكان استعمال القوة المادية الزمًا أي هو الوسيلة الوحيدة لدرئه؛ فيجب على المدافع أن‬
‫يبذل قدرًا من القوة لرد االعتداء يكون متناسبًا مع االعتداء‪.‬‬

‫ولكن ال يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل االعتداء‪،‬‬
‫ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل هذه الظروف التي كان فيها المدافع‪ ،‬وبالنسبة لسنة وقوته‬
‫(‪)2‬‬
‫وحالته النفسية‪ ،‬وعلى ذلك فهي متناسبة‪ ،‬ومرجع تقدير ذلك كله إلى محكمة الموضوع‬

‫وفي ذلك قيل بأن التناسب ال يعنى التطابق بين االعتداء والقوة‪ ،‬وإ نما المقصود أن يكون‬
‫هناك تناسبًا بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه‪ ،‬وبين الوسيلة التي استعملها بالفعل‪،‬‬
‫فيوجد تناسب إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظروف استعمالها أنسب الوسائل لرد‬
‫االعتداء‪ ،‬أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المهدد باالعتداء‪.‬‬

‫فالضرر الذي ينتج عن استعمال هذه الوسيلة هو القدر المناسب لرد االعتداء‪ ،‬وتقدير‬
‫التناسب على هذا النحو نسبى يتعلق بظروف كل واقعة‪ ،‬فقد تعد الوسيلة مناسبة في بعض‬
‫الظروف دون بعضها اآلخر‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪:‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.216 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد محيى الدين عوض‪ :‬المرجع السابق‪.533 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫القيود الواردة على حق الدفاع الشرعي‪.‬‬


‫أورد المشرع قيدين على حق الدفاع الشرعي‪ ،‬فرغم توافر الشروط العامة لحالة الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬إال أنه ليس من حق الشخص اللجوء إلى حق الدفاع‪ ،‬وهاتان الحالتان نصت عليهما‬
‫المواد ‪248‬و ‪249‬و ‪ 250‬عقوبات‪ ،‬إذ اشترط المشرع لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر شروط‬
‫خاصة باإلضافة إلى الشروط العامة سالفة الذكر‪ .‬وهذان القيدان هما‪:‬‬

‫القيد األول‪ :‬حظــر مقاومــة مأمــور الضبــط‪:‬‬


‫حيث تنص المادة ‪ 248‬عقوبات على أنه »ال يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد‬
‫مأموري الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية‪ ،‬ولو تخطى هذا‬
‫المأمور حدود وظيفته إال إذا خيف أن ينشأ عن أفعاله موت أو جروح بالغة‪ ،‬وكان لهذا الخوف‬
‫سبب معقول‪ ،‬واشترط المشرع لحظر الدفاع الشرعي ثالثة شروط هي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون مأمور الضبط حسن النية‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون العمل داخًال في اختصاصه‪.‬‬

‫‪ -3‬أال يكون هناك خوف من أن يترتب على عمل مأمور الضبط موت أو جروح بالغة‪.‬‬

‫وبالتالي إذا تخلف شرط من هذه الشروط الثالثة السابقة بأن يكون مأمور الضبط سيئ‬
‫النية‪ ،‬أو أن يكون العمل ال يدخل في اختصاصه‪ ،‬أو خيف أن يترتب عليه موت أو جروح بالغة‪،‬‬
‫وكان لهذا الخوف سبب معقول جاز الدفاع الشرعي ضد مأمور الضبط‪.‬‬

‫وبناء عليه فإن القيد سالف الذكر مشروط بتوافر الشروط الثالثة الخاصة؛ ألن تخلف‬
‫إحداها مع توافر الشروط العامة للدفاع الشرعي ينفي القيد ونكون بصدد دفاع شرعي‪.‬‬

‫و تقدير تلك الشروط أمر متعلق بظروف كل حالة على حدة‪ ،‬ويخضع تقديره لمحكمة‬
‫(‪)1‬‬
‫الموضوع‬

‫القيد الثاني‪ :‬حظر القتل العمد في غير حاالت محددة‪:‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.278 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫نظرًا لجسامة القتل العمد رأي المشرع أن يقيد االلتجاء إليه بناء على توافر حالة الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬إال في أحوال معينة حددها على سبيل الحصر في المادتين ‪ 249‬و ‪ 250‬عقوبات‪.‬‬

‫حيث إن األولى حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن النفس‪.‬‬

‫والثانية حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن المال‪ ،‬فليس للمهدد باالعتداء أن‬
‫يلجأ إلى القتل في غير هذه األحوال‪ ،‬ولو كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لرد االعتداء في الظروف‬
‫التي وقع فيها‪ ،‬ومما ينبغي مالحظته أن توافر حالة من هذه األحوال ليس إال قرينة نسبية أو‬
‫بسيطة على تناسب االعتداء مع القتل‪ ،‬فال يسلب المحاكم سلطة تقدير التناسب على الوجه السابق‬
‫بيانه‪ ،‬بمعنى أنه إذا كان دفع الخطر مستطاعًا بوسيلة دون القتل فعلى المهدد باالعتداء أن يلجأ‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى هذه الوسيلة‪ ،‬وإ ال كان متجاوزًا حدود الدفاع‬

‫الحاالت التي يجوز فيها القتل دفاعًا عن النفس‪:‬‬


‫عمًال بنص المادة ‪ 249‬من قانون العقوبات فإن حق الدفاع الشرعي عن النفس ال يجوز‬
‫أن يبيح القتل العمد إال إذا كان مقصودًا به دفع أحد األمور اآلتية‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة‪.‬‬

‫وهو ما يتحقق في جرائم القتل أو اإليذاء الشديد‪ ،‬الذي يمكن أن ينتج عنه الموت أو عاهة‬
‫مستديمة‪ ،‬أو عجز خطير‪ ،‬وظروف الحال هي التي تحدد ما إذا كان للتخوف سبب معقول من‬
‫عدمه‪ ،‬فإذا لم يكن هناك سبب معقول ووصل دفاع الشخص إلى القتل كان متجاوزًا‪ ،‬وبالتالي أتى‬
‫فعًال غير مشروع يحق للغير الدفاع الشخصي ضده‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إتيان امرأة كرهًا أو هتك عرض إنسان بالقوة‪ ،‬وهذه الفقرة تعنى جريمة دفاع أنثى بغير‬
‫رضاها (‪ 267‬عقوبات) وجريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد (‪ 268‬عقوبات)‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اختطاف إنسان وهذا يعنى الجرائم المنصوص عليها بالمواد ‪283‬و ‪284‬و ‪ 290‬عقوبات‪.‬‬

‫الحاالت التي يجوز فيها القتل دفاعًا عن المال‪:‬‬


‫القتل دفاعًا عن المال نصت عليه المادة ‪ 251‬عقوبات‪ ،‬وقد ذكرت هذه المادة فروضًا‬
‫أربعة هي‪:‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.248 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ -1‬فعل من األفعال المبينة في الكتاب الثالث من قانون العقوبات‪ ،‬ويعنى الشارع بذلك الحريق‬
‫العمد‪.‬‬

‫‪ -2‬سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات‪ ،‬وهي الجرائم المنصوص عليها بالمواد ‪313‬و‬
‫‪ 316‬مكرر من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪ -3‬الدخول ليًال في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته‪.‬‬

‫ويشترط إلباحة القتل في هذا الفرض الشروط اآلتية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬دخول منزل مسكون أو أحد ملحقاته‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن يتم ذلك أثناء الليل‪.‬‬

‫ج‪ -‬أن يثبت جهل الحائز الغرض من الدخول‪.‬‬

‫‪ -4‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو الجراح البالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة‪.‬‬

‫والمقصود بهذا الغرض حالة تهديد المال بفعل يهدد بالخطر حياة صاحبه أو حياة‬
‫اآلخرين ‪ ،‬مثل ذلك أن يحاول شخص إتالف آلة فيهدد ذلك بانفجارها‪ ،‬والقضاء على حياة‬
‫العاملين أو إصابتهم بجراح بالغة بـ(العاهة المستديمة أو العجز أو المرض الخطير)‪0‬‬

‫وواضح من هذه الفقرة األخيرة أن الخطر هنا يهدد المال بصورة مباشرة‪ ،‬كما أنه يهدد‬
‫النفس بصورة غير مباشرة‪ ،‬وقد كان من الممكن االستغناء عنها بما نصت عليه الفقرة األولى من‬
‫المادة ‪ 249‬عقوبات الخاصة بإباحة القتل العمد دفاعًا عن النفس طالما أن الخطر يهدد في النهاية‬
‫نفس اإلنسان‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫األثر القانوني المترتب على توافر حالة الدفاع الشرعي‪.‬‬


‫يكون شخص المدافع الذي توافرت لديه الشروط في حالة دفاع شرعي تبيح له استعمال‬
‫القوة الالزمة لدفع خطر االعتداء‪ ،‬وبالتالي يزول عنه وصف الجريمة‪ ،‬ويصبح عمله مشروعًا‪،‬‬
‫وإ ن أدت أفعال الدفاع إلى قتل المعتدى في الحدود المبينة في القانون‪ ،‬وبالتالي إذا توافرت‬
‫الشروط المتطلبة في فعل االعتداء التزم المدافع الحدود المرسومة قانونًا لرد هذا االعتداء‪ ،‬فإن‬
‫فعله في هذه الحالة يعد مباحًا‪ ،‬ويترتب على ذلك اآلثار اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬من الناحية اإلجرامية‪ :‬يترتب على حالة الدفاع الشرعي أن تصدر جهة التحقيق أمرًا بأن ال‬
‫وجه إلقامة الدعوى‪ ،‬إذا ما ثبت توافر حالة الدفاع الشرعي طبقًا لما هو منصوص عليه في مواد‬
‫القانون‪.‬‬

‫‪ -2‬من الناحية الموضوعية‪ :‬عندما تحيل جهة التحقيق الدعوى إلى المحكمة قبل أن تثبت توافر‬
‫حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وتم إثبات توافر حالة الدفاع الشرعي للمدافع أمام محكمة الموضوع‪ ،‬فهنا‬
‫تقضى محكمة الموضوع بالبراءة‪ ،‬إذا ما أثبتت أن المدافع كان بصدد حالة دفاع شرعي‪ ،‬وأن‬
‫أفعاله كانت في الحدود التي رسمها القانون‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أيضًا استفادة كل من ساهم في الدفاع‪ ،‬سواء كان فاعًال أو شريكًا‪،‬‬
‫وترفع عنه المسئولية الجنائية‪ ،‬ويتساوى مع المدافع‪ ،‬وذلك باعتبار أن الدفاع الشرعي سبب إباحة‬
‫(‪)1‬‬
‫عام ذات طبيعة موضوعية‬

‫‪ -3‬من ناحية المسئولية المدنية‪ :‬من اآلثار القانونية المترتبة على توافر حق الدفاع الشرعي‬
‫انعدام المسئولية المدنية‪ ،‬حيث إنه ليس من حق من وقع عليه أفعال الدفاع المشروعة التي تبيح‬
‫حق الدفاع الشرعي أن يطالب فاعلها بالتعويض المدني‪.‬‬

‫فالنعقاد المسئولية المدنية يجب توافر خطأ وضرر‪ ،‬وعالقة سببية تربط الضرر بالخطأ‪.‬‬

‫وبتطبيق ذلك على حالة الدفاع الشرعي نجد أن األفعال التي ارتكبها المدافع وإ ن وصلت‬
‫إلى حد القتل فهي مباحة ومشروعة ما دامت في الحدود التي رسمها القانون لحالة الدفاع‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.286 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬

‫مما سبق يتضح انعدام المسئولية الجنائية والمدنية؛ إلباحة أفعال الدفاع إذا ما تمت طبقًا‬
‫للقانون‪.‬‬

‫أما إذا تجاوز المدافع حدود أفعال الدفاع الشرعي بحسن نية يسأل جنائيًا ومدنيًا‪ ،‬وذلك‬
‫طبقًا لما ورد في المادة ‪ 251‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تنص على أنه »ال يعفي من العقاب كلية‬
‫من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه‪ ،‬دون أن يكون قاصدا إحداث‬
‫ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع‪ ،‬مع ذلك يجوز للقاضي في الجناية أن يعده معذورًا‪ ،‬إذ لذلك‬
‫محًال‪ ،‬وأن يحكم عليه بالحبس بدًال من العقوبة في القانون«‪.‬‬

‫افترض المشرع أن يكون المدافع في حالة دفاع شرعي صحيحة وسليمة‪ ،‬ولكن المدافع قد‬
‫يتجاوز حدود الدفاع التي رسمها القانون في المواد السابقة‪ ،‬وهذا التجاوز مشروط بحسن نية‬
‫المدافع‪.‬‬

‫بمعنى أن المدافع كان يعتقد أنه يباشر حقه في دفع االعتداء بالقدر الالزم‪ ،‬والضروري‬
‫ولكنه في الحقيقة تخطى حد التناسب واللزوم‪ ،‬وبالتالي تخطى اإلباحة وأصبح فعله غير مشروع‬
‫يعاقب عليه القانون وإ ن اعتبره معذورًا‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك انعقاد المسئولية الجنائية والمدنية طبقًا لنص المادة ‪ 251‬عقوبات‪.‬‬

‫والمسئولية المدنية طبقًا للمادة ‪ 163‬من القانون المدني المصري التي تنص على أن »كل‬
‫خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض‪ ،‬وهذا يعنى أن أي خطأ مهما قلت جسامته‬
‫يترتب عليه المسئولية المدنية«‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫نطاق الدفاع الشرعي أوسع من نطاق االستفزاز سواء من حيث األشخاص‪ ،‬أو من حيث‬
‫األفعال‪ ،‬وذلك يتضح مما يلي‪:‬‬
‫‪277‬‬

‫فمن حيث نطاق األشخاص‪:‬‬

‫المستفيد من عذر االستفزاز هو الجاني المستفز فقط دون الشريك الغير عالم بحالة‬
‫االستفزاز‪ ،‬بينما في الدفاع الشرعي يستفيد جميع المساهمين في الدفاع سواء علموا أم لم يعلموا‬
‫بتوافر الدفاع الشرعي‪.‬‬

‫ومن حيث نطاق األفعال‪:‬‬

‫ينحصر االستفزاز في نطاق ضيق يتمثل في الجرائم المحددة على سبيل الحصر‪.‬‬

‫وبالتالي ال يجوز القياس عليها أو التوسع فيها لتقنينها بنص القانون‪.‬‬

‫أما الدفاع الشرعي فينطبق على كل الجرائم الواقعة على نفس المدافع أو ماله أو على‬
‫نفس غيره أو ماله‪ ،‬وذلك وفقًا للشروط والقيود المبينة قانونًا‪.‬‬

‫لكل من االستفزاز والدفاع الشرعي‪.‬‬


‫ويرجع االختالف السابق الختالف الطبيعة القانونية ٍ‬

‫حيث إن االستفزاز ذا طبيعة شخصية في حين أن الدفاع الشرعي ذا طبيعة موضوعية‪.‬‬


‫‪277‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫رضاء المجني عليه بوقوع الجريمة‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫بعد توضيح الدور الذي يقوم به المجني عليه في االستفزاز من خالل الموقف المثير أو‬
‫المستفز الذي يقوم به تجاه الجاني‪ ،‬مما يثير غضبه ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬ومدى تأثير‬
‫ذلك الدور في تغيير مسئولية الجاني‪ ،‬والدور األوسع نطاقًا للمجني عليه في وقوع الجريمة في‬
‫الدفاع الشرعي‪ ،‬وذلك من خالل قيام المجني عليه البادئ باالعتداء في إلحاق األذى بنفسه من‬
‫أفعال الدفاع التي أباحها القانون إعماًال لحق الدفاع الشرعي‪ ،‬وتأثير ذلك الدور اإليجابي للمجني‬
‫عليه في وقوع الجريمة في تغيير مسئولية الجاني ‪ ،‬وجعل أفعال الدفاع مباحة ما دامت في‬
‫الحدود التي أوجبها القانون‪.‬‬

‫والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن اآلن ‪:‬ما إذا كان لرضا المجني عليه دور في وقوع‬
‫الجريمة من عدمه؟ وأيضًا مدى تأثير رضا المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني؟‬

‫فالقاعدة العامة عدم تأثير رضا المجني عليه على أركان الجريمة‪ ،‬وبالتالي ال أثر له على‬
‫مسئولية الجاني‪ ،‬ألن أهم غرض للتجريم والعقاب هو حماية مصالح المجتمع‪ ،‬لأن سياسة الدولة‬
‫في التجريم والعقاب تقوم أساسًا على اعتبارات المصلحة العامة‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أن العقاب في المسائل الجنائية من حق المجتمع‪ ،‬وليس من حق‬


‫األفراد‪ ،‬فليس من حق المجني عليه االنتقام لنفسه‪ ،‬وكذلك ليس من حقه التنازل عن العقاب؛‬
‫فرضاؤه ليس له أثر في قيام الجريمة‪ ،‬أو التنازل عنها أو تغيير مسئولية الجاني‪.‬‬

‫ولكن األخذ بهذه القاعدة على إطالقها من شأنه أن يهدر حرية الفرد في التصرف في‬
‫حقوقه التي تقبل بطبيعتها التنازل عنها للغير‪ ،‬وال ينتج عن هذا التصرف أو التنازل ضرر‬
‫لمصلحة المجتمع لذلك قسم الفقهاء الجرائم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬جرائم تمس حقوق خالصة للمجتمع‪.‬‬


‫‪ -2‬جرائم تمس حقوق مشتركة بين الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ -3‬جرائم تمس حقوق خاصة للفرد تقبل التصرف فيها‪ ،‬والتنازل عنها دون ضرر جسيم‬
‫(‪)1‬‬
‫للمجتمع‬

‫فالجرائم التي تمس حقوق خالصة للمجتمع مثل الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬والجرائم المضرة بالمصلحة العامة‪ ،‬والسالمة العامة‪ ،‬واآلداب العامة‪ ،‬والنظام العام‬
‫والثقة العامة‪ .......‬الخ‪.‬‬

‫فهذه الجرائم ال تأثير لرضا المجني عليه على اإلطالق في هذه الجرائم فليس للرضا‬
‫(‪)2‬‬
‫تأثير على أركان الجريمة أو على عقوبتها بل قد يكون الرضا جريمة في ذاته‬

‫أما بشأن الجرائم التي تمس حقوق مشتركة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬والجرائم التي تمس‬
‫حقوق خاصة للفرد وتقبل التصرف فيها‪ ،‬والتنازل عنها دون ضرر جسيم للمجتمع‪ ،‬فهذه تعرض‬
‫لها الفقه والقضاء والتشريعات المختلفة من خالل تأثير الرضا على بعض الجرائم من خالل‬
‫تأثيره على أركان الجريمة‪ ،‬وذلك عندما تكون الجريمة تمس حقًا للمجني عليه يجوز التصرف‬
‫فيه‪ ،‬أو التنازل عنه دون أن يضر مصلحة المجتمع ضرر جسيم‪.‬‬

‫وبناًء عليه سيقسم هذا الفصل إلى أربعة مباحث‪..‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الطبيعة القــانونية للرضا‬

‫المبحث الثاني‪ :‬شروط صحة الرض ــا‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الحاالت التي يعتد فيها القانون برضا المجني عليه‬

‫المبحث الرابع‪ :‬اآلثار القانونية لرضا المجني عليه في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة‬

‫وسوف نتناول كل مبحث بالتفصيل‪:‬‬

‫(?) حيث إن هذا التقسيم مستمد من تقسيم فقهاء الشريعة اإلسالمية للحقوق إلى حقوق خالصة هلل‬ ‫‪1‬‬

‫تعالى‪ ،‬وحقوق مشتركة بين العبد وربه وحقوق خالصة للعبد‪.‬‬


‫(?) نص المادة ‪ 262‬عقوبات »المرأة التى رضيت بتعاطى األدوية مع علمها بها أو رضيت‬ ‫‪2‬‬

‫باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب اإلسقاط عن‬
‫ذلك حقيقة تعاقب بعقوبة الحبس«‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬

‫الطبيعة القانونية للرضا ‪.‬‬


‫األصل في رضا المجني عليه ال أثر له في قيام الجريمة‪ ،‬ومسئولية الفاعل عنه؛ فال يمحو‬
‫الجريمة‪ ،‬وال يسقط العقاب‪ ،‬سواء كان رضاء المجني عليه قبل ارتكاب الجريمة أو كان معاصرًا‬
‫الرتكابها‪.‬‬

‫ولكن لهذه القاعدة العامة استثناءات يعتد فيها القانون أحيانًا برضاء المجني عليه‪ ،‬ويرتب‬
‫عليه آثار قانونية هامة‪ ،‬وذلك في الحاالت التي تقع فيها الجريمة على حق خاص بالمجني عليه‬
‫يبيح له القانون حق التصرف فيه‪ ،‬أو التنازل عنه‪ ،‬مما يثيرالتساؤل عن الطبيعة القانونية لرضا‬
‫المجني عليه في األحوال التي يؤثر فيها رضاء المجني عليه على أركان الجريمة‪ ،‬ويغير في‬
‫مسئولية الجاني‪.‬‬

‫اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه‪:‬‬

‫فاتجه بعضهم إلى تحديد الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه على أساس فكرة استعمال‬
‫الحق مقررًا‪ ،‬بأن الرضا متى وجد فهو يمثل استعماًال للحق حيث إن كل اعتداء على الحق‬
‫برضاء من صاحبه يعتبر مباشرة للحق‪.‬‬

‫فصاحب الحق يستعمله بنفسه أو يأذن للغير باستعماله متى كان التصرف في الحق جائزا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واألضرار الناتجة عن التصرف في الحق أضرار شخصية‬

‫فالرضا استعمال للحق يستمد قوته من سلطان اإلرادة؛ على أساس أن كل فعل لم يخطره‬
‫القانون يباح‪.‬‬

‫على ذلك يرى أنصار هذا االتجاه أن الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه تمثل مباشرة‬
‫(‪)2‬‬
‫للحق أو استعمال للحق‬

‫أما االتجاه الثاني المؤسس للطبيعة القانونية للرضا يرى أن الرضا يمثل تصرف قانوني‪،‬‬
‫يتضمن وعدًا يمنح الموجه إليه سلطة التصرف دون أن ينشأ على عاتق صاحب الحق أي التزام‪،‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬رضاء المجني عليه وآثاره القانونية‪ ،‬رسالة دكتوراه (غير‬ ‫‪1‬‬

‫منشورة) ‪ ،‬كلية الحقوق‪ :‬جامعة القاهرة‪.78 ،1983 ،‬‬


‫(?) د ‪ /‬كمال عبدالرازق فالح‪ :‬رضاء المجنى عليه ودوره فى المسئولية الجنائية‪ ،‬رسالة دكتوراه‬ ‫‪2‬‬

‫(غير منشورة) ‪ ،‬كلية الحقوق‪ :‬جامعة القاهرة‪0 1993،50 ،‬‬


‫‪277‬‬
‫كما إنه ال ينتقل أي حق للوكيل إذا تعلق األمر بعقد الوكالة‪ ،‬فهو تصرف غير ملزم‪ ،‬أي قابل‬
‫للعدول عنه طالما أن الفعل المرخص به لم يقع بعد‪.‬‬

‫وهذا االتجاه هو األرجح في بيان الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه‪ ،‬باعتبار أن‬
‫رضاء المجني عليه تصرفًا إراديًا يرتب عليه المشرع آثاره من حيث اإلباحة أو غيرها‪.‬‬

‫فالطبيعة القانونية للرضا تتمثل في أن الرضا تصرف قانوني ذو طبيعة موضوعية‪،‬‬


‫باعتباره تعبير عن إرادة اتجهت إلى إحداث نتيجة قانونية معينة‪ ،‬وذلك متى كان القانون يعترف‬
‫(‪)1‬‬
‫بشرعية اآلثار المترتبة على صدور الرضا من المجني عليه‬

‫الذي وصف الرضا‬ ‫(‪)2‬‬


‫وهذا االتجاه الراجح مستمد من الرأي الراجح في الفقه اإلسالمي‬
‫بأنه تصرف قانوني من جانب صاحب الحق صاحب الصفة في الرضا‪ ،‬وأوجبوا في التصرف‬
‫أن يكون على مقتضى أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وقسموا الحقوق إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫( أ ) حقوق خالصة هلل –تعالى‪ -‬ويقع باطًال كل تصرف فيها وال أثر للرضا في شأنها‪.‬‬

‫(ب) وحقوق مشتركة بين العبد وربه وهذه تأخذ حكم األولى‪ ،‬إذا كان يغلب فيها حق اهلل–‬
‫تعالى‪ -‬على حق العبد‪.‬‬

‫(ج) حقوق خالصة للعبد‪ ،‬ويجوز التصرف فيها‪ ،‬والتنازل عنها إذا ما أجازت الشريعة‬
‫اإلسالمية ذلك‪.‬‬

‫واالتجاه الراجح في الفقه الوصفي‪ ،‬والفقه اإلسالمي لطبيعة الرضا القانونية؛ هو الذي‬
‫يرى أن الرضا تصرف قانوني من جانب المجني عليه وحده صاحب الحق والصفة في الرضا‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪. ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪.80،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫شروط صحة الرضا ‪.‬‬


‫لكى يعتد القانون بالرضا الصادر من المجني عليه‪ ،‬ويرتب عليه آثاره القانونية البد من‬
‫توافر الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الرضا صادرًا في الوقت الذي يعتد به القانون‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون الرضا جادًا وسليمًا شكليًا‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم مخالفة الرضا للنظام العام أو اآلداب العامة‪.‬‬

‫وسوف نتناول كل شرط بإيجاز بسيط‪..‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية‪:‬‬
‫يجب أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية‪ ،‬فلكي يكون الرضا صحيحًا‬
‫ومنتجًا آلثاره القانونية يتعين توافر عدة شروط في الشخص الذي يصدر عنه الرضا أهمها‪ :‬أن‬
‫يكون هذا الشخص مميزًا ومدركًا (‪ ،)1‬والتمييز هو توافر الملكة الذهنية والنفسية لدى الشخص‬
‫بالقدر الذي يمكنه من فهم طبيعة الفعل الذي يقع مساسًا بحقه مع معرفة ما يرتبه الفعل من نتائج‬
‫وآثار‪ ،‬وأن يكون مدركًا لطبيعة ما يفعله‪.‬‬

‫وبالتالي إذا لم تكن إرادة الشخص مميزة ومدركة‪ ،‬فال صحة للرضا الصادر عنه فال‬
‫عبرة برضا المجنون أو السكران أو النائم‪ ،‬كذلك يجب أن يكون الشخص حر االختيار بحيث ال‬
‫تخضع إرادته إلكراه أو خوف تعدم لديه حرية االختيار‪.‬‬

‫وحرية االختيار أمر نسبى دائمًا يختلف حسب الشخص وحسب طبيعة كل حالة على‬
‫حدة‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪0 291 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.313،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬يسرى أنور‪ :‬المرجع السابق‪.508 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫وباإلضافة إلى اإلدراك‪ ،‬والتمييز‪ ،‬وحرية االختيار أن يكون الشخص مبلغ سن الرضا‪،‬‬
‫فإذا حدد القانون سنًا معينًا لبلوغها ليأتي الرضا أثره‪ ،‬ويكون الشخص الصادر عنه الرضا‬
‫(‪)1‬‬
‫رضاءه صحيحًا؛ فيجب بلوغ هذا السن الذي أوجبه القانون‬

‫وقد جرت غالبية التشريعات على عدم تحديد سن الرضا في قاعدة عامة‪ ،‬ومن بينها‬
‫التشريع المصري‪ ،‬واكتفت على النص بالسن في كل حالة رأتها مقتضية لتحديد السن‪ ،‬كالجرائم‬
‫‪،‬كما في المواد‬ ‫(‪)2‬‬
‫ذات الطبيعة الخاصة مثل جرائم االعتداء على العرض‪ ،‬وجرائم الخطف‬
‫‪267‬و ‪269‬و ‪ 289‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫لتوافر صحة الرضا طبقًا لهذا الشرط سالف الذكر أن يكون الرضا صادرًا عن شخص‬
‫مميزًا‪ ،‬أو مدركًا حر االختيار بالغ للسن الذي أوجبه القانون لالعتداد بصحة رضاءه‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬قانون العقوبات‪،‬القسم العام‪0 263 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تقضى غالبية التشريعات الجنائية باعتبار سن التمييز هو السابعة من العمر‪ ،‬من ثم فمن هو أقل‬ ‫‪2‬‬

‫من ذلك يكون فاقدا للتمييز‪ ،‬وقد أشارت إلى ذلك المادة ‪ 45‬من القانون المدنى المصري‪ ،‬إذ اعتبرت‬
‫أن من لم يبلغ سن السابعة من عمره يكون فاقدًا للتمييز معدومًا لألهلية‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون الرضا صادر في الوقت الذي يعتد به القانون‪:‬‬
‫فباإلضافة إلى الشرط السابق يشترك أيضًا لصحة الرضا أن يكون صادرًا في الوقت‬
‫الذي يعتد به القانون‪ ،‬والرضا إما أن يكون سابقًا للفعل‪ ،‬أو معاصرًا له‪ ،‬أو الحقًا على إتمام‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫والرضا السابق ذلك الرضا الذي يصدر قبل لحظة البدء في تنفيذ الفعل‪.‬‬

‫وذهب الفقه األجنبي والمصري إلى ضرورة صدور الرضا قبل وقوع الفعل‪ ،‬أي توافره‬
‫قبل لحظة وقوع الواقعة المادية لالعتداء على الحق واشترطوا ضرورة استمراره حتى لحظة‬
‫(‪)1‬‬
‫وقوع الفعل‬

‫وبالتالي إذا صدر الرضا سابقًا على ارتكاب الفعل فعاصره في جميع مراحله ثم استمر‬
‫حتى إتمامه‪ ،‬وتحقق نتائجه يعد رضاًء نموذجيًا‪ ،‬وبالتالي ينتج أثره القانوني‪.‬‬

‫والرضا المعاصر للفعل هو الرضا الذي يصدر منذ لحظة البدء في تنفيذ الفعل‬ ‫‪‬‬
‫ويستمر حتى إتمامه‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬السعيد مصطفى السعيد‪ :‬األحكام العامة فى قانون العقوبات‪0 242 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬رؤف عبيد‪ :‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق‪0 315 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 240 ،‬‬
‫‪277‬‬

‫وهذا الرضا المعاصر يجمع عليه الفقه والقضاء‪ ،‬سواء ممن يشترط منه في الرضا أن‬
‫يكون سابقًا للفعل ثم يستمر حتى إتمامه‪ ،‬أو من يشترط صدوره معاصرًا للفعل دون ضرورة‬
‫كونه سابقًا‬
‫(‪)1‬‬

‫أما بشأن الرضا الالحق على الجريمة‪ ،‬فينعقد اإلجماع فقهيًا وقضائيًا على أن ال تأثير‬
‫للرضا الالحق على إتمام الجريمة‪ ،‬على أي ركن فيها وال على اإلجراءات الواجبة حيالها‪.‬‬

‫إال في حاالت استثنائية محددة على سبيل الحصر‪ ،‬وهي الحاالت التي ال يمكن تحريك‬
‫الدعوى الجنائية ومباشرتها إال بناء على شكوى‪.‬‬

‫ومثال ذلك في التشريع المصري ما نص عليه المشرع في المادة ‪ 3‬في قانون اإلجراءات‬
‫الجنائية‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون الرضا صادر عن بينة‪:‬‬


‫فالشرط على أن يكون الرضا صادر عن بينة شرط عام مطلوب في كل أنواع الرضا‪،‬‬
‫وهو رضا صريح أو ضمني يصدر عن صاحب الصفة في الرضا‪ ،‬بعد إحاطته علمًا بفحوى‬
‫االعتداء على الحق‪ ،‬وبالنتائج المحتملة لهذا االعتداء حتى يتمكن الشخص من إصدار رضائه‪،‬‬
‫بعد موازنة لألمور‪ ،‬وترجيح لما هو أبلغ صونًا لمصالحه‪.‬‬

‫وتطبيقًا لذلك الرضاء على بينة في حاالت العالج وجميع األعمال الطبية لدرجة أن بعض‬
‫الفقهاء يشترط أن يكون الرضا في ممارسة األعمال الطبية رضاًء مكتوبًا‪ ،‬أو أمام شهود عدول‬
‫إذا ما كانت حالة المريض تسمح بذلك ‪ ،‬ويجب أن يوضح له العالج والجراحة تفصيًال‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون الرضا جادًا وسليمًا شكليًا‪:‬‬


‫باإلضافة إلى الشروط السابقة يجب أن يكون الرضا حقيقيًا جديًا فيه توافق بين اإلرادتين‬
‫الباطنة والظاهرة لمن صدر عنه سواء كان صريحًا أو ضمنيًا فيجب لصحة الرضا أن يكون‬
‫موجهًا إلى ذات األفعال أو األعمال الماسة بالحق محل التصرف فيه‪.‬‬

‫وبالتالي ال يؤخذ بالرضا الصوري الذي ال تتوافر فيه مقومات الرضا الحقيقي‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.196،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق‪.262،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.318 ،‬‬
‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.286،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫وكذلك ال يؤخذ بالرضا الهازل الذي ال تتوافر فيه الجدية‪ ،‬وفي ذلك تقول محكمة النقض‬
‫المصرية‪..‬‬

‫»ويشترط في الرضا الذي ينفي االختالس أن يكون رضاًء حقيقيًا مقصودًا به التخلي عن‬
‫(‪)1‬‬
‫الحيازة‪ .........‬الخ«‬

‫يجب أيضًا مراعاة سالمة الشكل في الرضا‪ ،‬قد يصدر رضا صحيحًا بالقول أو بالكتابة‬
‫أو اإلشارة‪ ،‬وقد يصدر ضمنيًا‪ ،‬يمكن استنتاجه من الظروف والمالبسات‪ ،‬ولكنه إذا اشترط‬
‫القانون صدوره في شكل معين‪ ،‬بأن يكون صريحًا وجادًا‪ ،‬وأن يكون مكتوبًا‪ ،‬فيجب أن يصدر‬
‫الرضا بالشكل الذي تطلبه القانون‪ ،‬وإ ال تخلف شرط من شروط صحة الرضا‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫فعل االعتداء غير مشروع لعدم صحة الرضا‪.‬‬

‫الشرط الخامس‪ :‬عدم مخالفة الرضا للنظام العام أو اآلداب العامة‪:‬‬


‫الشرط األخير من شروط صحة الرضا‪ :‬أال يكون الرضا صادرًا في شأن حق يشكل‬
‫االعتداء عليه مخالفة للنظام العام أو اآلداب العامة‪.‬‬

‫فالرضا المتعارض مع النظام العام أو اآلداب العامة يكون في ذاته تصرفًا غير مشروع‪.‬‬

‫ومن أمثال الرضا المخالف للنظام العام اتفاق شخص مع آخر على أن يقطع طرف من‬
‫أطرافه بغية التهرب من التجنيد‪.‬‬

‫ومن أمثال الرضا المخالف لآلداب العامة رضاء األشخاص البالغين باالتصال الجنسي‬
‫فيما بينهم‪ ،‬أو رضاء األنثى التي تقبل بعالنية المساس بعوراتها‪ ،‬فال أثر لهذا الرضا في نفي‬
‫(‪)2‬‬
‫الصفة غير المشروعة بالفعل‪ ،‬وذلك لمخالفته لآلداب العامة‪ ،‬وبالتالي يرتب مسئوليته الجنائية‬

‫مما سبق يتضح أن الرضا الصحيح الذي ينتج أثره على الركنين (الشرعي أو المادي)‬
‫للجريمة أن يكون صادرًا عن شخص مميزًا ومدركاً‪ ،‬حر االختيار‪ ،‬بالغ للسن الذي يعتد فيها‬
‫القانون برضائه‪ ،‬وأن يصدر رضائه صحيحًا سليمًا عن بينة‪ ،‬وأال يكون مخالفًا للنظام العام‬
‫واآلداب العامة‪ ،‬وأال يشوبه غش أو غلط أو تدليس‪ ،‬وأال يكون تحت إكراه أو قوة قاهرة أو سكر‬
‫أو تخدير أو مرض أو نوم أي خاليًا من كل عيوب الرضا‪.‬‬

‫(?)‬
‫نقض ‪ 2‬مارس ‪ -1975‬مجموعة أحكام س‪ -26‬رقم ‪ -44‬ص‪.201‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.315 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫الحاالت التي يعتد فيها القانون برضاء المجني عليه‪.‬‬


‫ال تأثير لرضاء المجني عليه على أركان الجريمة أو مسئولية الجاني كقاعدة عامة أو‬
‫كأصل عام ‪ ،‬إال أن بعض التشريعات استثنت بعض الحاالت التي يكون للرضا الصادر من‬
‫المجني عليه إذا ما توافرت شروطه الصحيحة أثر على أركان الجريمة‪ ،‬سواء ركنها المادي أو‬
‫الشرعي ‪ ،‬وكذلك على مسئولية الفاعل‪.‬‬

‫وهذه االستثناءات التي اعتد فيها القانون برضاء المجني عليه هي‪:‬‬

‫‪ -1‬رضا المجني عليه كسبب لإلباحة‪.‬‬

‫‪ -2‬رضا المجني عليه كشرط لإلباحة‪.‬‬

‫‪ -3‬انعدام رضا المجني عليه كعنصر في الركن المادي للجريمة‪.‬‬

‫وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬رضــا المجني عليــه كســبب لإلباحــة‪:‬‬


‫تجعل بعض التشريعات رضاء المجني عليه سببًا لإلباحة‪ ،‬وذلك في الحاالت التي يملك‬
‫فيها المجني عليه حرية التصرف في الحق الذي تمسه الجريمة‪ ،‬أو التنازل عنه دون أن يترتب‬
‫على ذلك ضرر جسيم بمصلحة المجتمع‪ ،‬ولبيان مدى اعتبار الرضا سببًا لإلباحة سيتم توضيح‬
‫رأي الفقه والقضاء والتشريعات المختلفة‪ ،‬والتطبيقات التشريعية على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬رأي الفقه في رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‪:‬‬

‫انقسم الفقه في بيان مدى اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة من عدمه؟‬

‫إلى أن اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة؛ مبررين‬ ‫(‪)1‬‬
‫فاتجه بعض الفقهاء‬
‫ذلك بأن الجريمة اعتداء على حرية الفرد‪ ،‬وبالتالي يكون رضاه مزيًال عن الفعل صفته غير‬
‫المشروعة‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن الشخص يملك حرية التصرف في حياته وصحته وسالمة جسمه‪ ،‬وبالتالي‬
‫له أن يتنازل عن استعماله إلى غيره‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪389 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫وقد انتهي أنصار هذا االتجاه إلى وضع قاعدة عامة مؤداها أن الرضا يمنع دائمًا من‬
‫العقاب على كل أفعال االعتداء التي تقع على جميع الحقوق‪.‬‬

‫ويؤخذ على هذا الرأي أنه يعلى إرادة الفرد على إرادة المجتمع‪ ،‬وينفي كل نصيب‬
‫للمجتمع في حقوق األفراد بل يهدد حقوق األفراد أنفسهم‪.‬‬

‫إلى أن الرضا بمفرده ليس سببًا لإلباحة‪ ،‬حيث إن هذا االتجاه‬ ‫(‪)1‬‬
‫واتجه بعضهم اآلخر‬
‫يرفض أن يكون الرضا وحده سببًا لإلباحة‪ ،‬ويعتبرون أن الرضا عنصر من عناصر اإلباحة؛‬
‫ألن أسباب اإلباحة قد حصرها القانون‪ ،‬وليس من بينها رضاء المجني عليه‪.‬‬

‫الرضا سببًا لإلباحة في بعض الحاالت‪ ،‬فيرى أنصار هذا‬ ‫(‪)2‬‬


‫أما االتجاه السائد في الفقه‬
‫االتجاه أن للرضا أثره المبيح في حدود معينة‪ ،‬إذ األصل لديهم أن رضاء المجني عليه ليس سببًا‬
‫لإلباحة‪ ،‬إال على سبيل االستثناء‪ ،‬حيث يقتصر أثره كسبب لإلباحة على الحقوق الجاهزة‬
‫للتصرف فيها‪ ،‬والقابلة للتنازل عنها كالحقوق المالية الخاصة بالمجني عليه‪.‬‬

‫حيث ال ينتج على المساس بها أضرار جسيمة بمصلحة المجتمع‪ ،‬فإذا ما تنازل عنها‬
‫صاحبها أو تصرف فيها كان له أثر في إباحة الفعل‪.‬‬

‫ويعتبر هذا االتجاه هو الذي يتفق مع الطبيعة القانونية لكل من الرضا وأسباب اإلباحة‪.‬‬

‫وهو االتجاه الذي أخذ به القضاء إذ اعتبر رضا المجني عليه ال يعد سببًا لإلباحة‪ ،‬ولكنه‬
‫عنصرًا من عناصر اإلباحة كما في حاالت مباشرة األعمال الطبية‪ ،‬ومزاولة األلعاب الرياضية‪،‬‬
‫فال يكفي رضا المريض أو الالعب إلباحة األعمال الطبية أو الرياضية‪ ،‬بل البد من توافر‬
‫الشروط التي تطلبها القانون إلباحة هذه األعمال‪ :‬كالترخيص بمزاولة المهنة أو اللعبة وبعرض‬
‫النفع العام والخاص‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬رؤف عبيد‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪496،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪:‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪318 ،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق‪258 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪237 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫رأي التشريعات المختلفة في رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أغلب التشريعات‪ ،‬ومن بينها التشريع الفرنسي والمصري لم تتضمن نص يقتضى اعتبار‬
‫الرضاء سببًا لإلباحة‪ ،‬وفضلت النص على الحاالت التي يعتد فيها بالرضا كسبب لإلباحة‪.‬‬

‫في حين أن بعض التشريعات اعتبرت أن الرضا سبب عام لإلباحة‪ ،‬وإ ن قيدت ذلك‬
‫ببعض القيود‪ ،‬ومن أمثلة هذه التشريعات التشريع الهندي حيث نصت عليه المادة ‪ 91‬من قانون‬
‫العقوبات الهندي‪ ،‬وكذلك التشريع السوداني حيث نصت عليه المادة ‪ 51‬من قانون العقوبات‬
‫السوداني‪ ،‬وكذلك التشريع اإليطالي حيث نصت المادة ‪ 50‬من قانون العقوبات اإليطالي على »ال‬
‫عقاب على من يعتدي على حق الغير‪ ،‬ويجعله في خطر إذا حصل ذلك برضاء صاحب الحق‪،‬‬
‫وكان من الجائز له التصرف في الحق«‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويالحظ أن كلمة ال عقاب توحي بأن الرضا سبب في اإلعفاء من العقاب‬

‫وإ ن قصد به الشارع اعتبار الرضا سببًا لإلباحة في حدود الحقوق التي يجوز لصاحبها‬
‫أن يتصرف فيها‪.‬‬

‫موقف المشرع المصري من رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لم ينص المشرع المصري على اعتبار رضاء المجني عليه سببا لإلباحة‪ ،‬وترك ذلك للفقه‬
‫والقضاء‪ ،‬ولكنه تعرض لرضاء المجني عليه في بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون‬
‫العقوبات القسم الخاص بجرائم االعتداء على العرض‪ ،‬وجريمة اختطاف السندات (‪ )2‬بالقوة أو‬
‫التهديد‪ ،‬ويساير المشرع في ذلك النهج معظم التشريعات ذات المصدر الالتيني المستمدة بوجه‬
‫خاص من القانون الفرنسي‪.‬‬

‫المعيار المميز للجرائم التي يعد الرضا سببا إلباحتها‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لبيان عما إذا كان لرضاء المجني عليه دور في إباحة الفعل المجرم من عدمه‪ ،‬يجب أوًال‬
‫معرفة طبيعة الحق محل االعتداء‪.‬‬

‫فإذا كان من الحقوق التي تمس المصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬فهنا ال يكون لرضاء المجني‬
‫عليه ثمة تأثير عليها‪.‬‬

‫(?) أشار إليها أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.293 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أنظر مواد ‪267/2‬و ‪268/1‬و ‪ 325‬من قانون العقوبات المصرى‪ .‬وكذلك المواد ‪/106‬ع‬ ‫‪2‬‬

‫(جريمة الرشوة)و ‪/130‬ع (اإلكراه وسوء معاملة الناس)و ‪/280‬ع و ‪/290‬ع (القبض وحبس‬
‫الناسو خطف النساء)‪ -‬ج‪/311‬ع (السرقة) و ‪/369‬ع (انتهاك حرمة ملك الغير)‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫أما إذا كان الحق الذي تمسه الجريمة حق خاص للمجني عليه‪ ،‬يجوز التصرف فيه أو‬
‫التنازل عنه‪ ،‬هنا يكون محًال لرضاء المجني عليه في إباحة الفعل المجرم‪.‬‬

‫يرى غالبية الفقهاء أنه لتحديد المعيار الواجب إتباعه في تحديد الجرائم التي يكون لرضا‬
‫المجني عليه أثر في إباحتها‪ ،‬يكون بفحص الحق الذي تمسه الجريمة‪ ،‬وتحديد طبيعته في األحكام‬
‫التي يخضع لها‪ ،‬بمعنى أن يتم التعرض لكل مصلحة على حدة لمعرفة ما إذا كان القانون يرخص‬
‫لصاحبها التصرف فيها‪ ،‬وتقبل بطبيعتها التنازل للغير أم أنه ال يجيز له ذلك؟ فمتى كان لصاحب‬
‫(‪)1‬‬
‫الحق أن يتصرف فيه فإن له أن يسمح باالعتداء عليه‬

‫فالرضا يكون سببًا لإلباحة في الحقوق التي يغلب فيها نصيب الفرد كالحقوق المالية‪.‬‬

‫(‪ )6‬تطبيقات على اعتبار رضا المجني عليه سببا لإلباحة‪:‬‬

‫أغلب التطبيقات على اعتبار رضا المجني عليه سببا لإلباحة تكون في مجال جرائم‬
‫األموال‪ ،‬فهي بطبيعتها قابلة للتصرف‪ ،‬ويغلب فيها مصلحة الفرد وينعدم الضرر الجسيم‬
‫للمجتمع‪.‬‬

‫ومثال لهذه الجرائم انتهاك حرمة ملك الغير والهدم واإلتالف‪ .....‬الخ من الجرائم التي‬
‫يعتد برضا المجني عليه كسبب لإلباحة جريمة السرقة؛ حيث تنص المادة ‪ 311‬من قانون‬
‫العقوبات المصري على أنه »كل من اختلس منقوًال مملوكًا لغيره فهو سارق«‪.‬‬

‫ويرى بعض الفقهاء أن انعدام الرضا يعتبر عنصرًا في الركن المادي المكون لجريمة‬
‫السرقة‪.‬‬

‫ومن ثم فإن رضاء المجني عليه يعتبر نفي للركن المادي المكون للجريمة‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫الرضا سببًا لإلباحة من خالل نفي الركن المادي لجريمة السرقة‪.‬‬

‫فكلما كان للمجني عليه حق التصرف في الحق الذي تمسه الجريمة‪ ،‬أو التنازل عنه دون‬
‫أن يترتب على ذلك ضرر جسيم للمجتمع‪ ،‬وأن يكون التصرف أو التنازل في الحق في حدود‬
‫القانون‪ ،‬فإن رضا المجني عليه ينتج أثره في إباحة الفعل غير المشروع‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪259 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪237 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫ثانيًا‪ :‬رضــا المجني عليــه كشــرط لإلباحــة‪:‬‬

‫لرضا المجني عليه دوره كسبب لإلباحة في نطاق الحقوق الجائز التصرف فيها كالحقوق‬
‫المالية‪ ،‬وذلك النعدام الضرر االجتماعي حيث يغلب في تلك الحقوق المصلحة الخاصة على‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬أما بعض الحقوق التي ال يجوز التصرف فيها كالحقوق التي تمس الجريمة فيها‬
‫مصلحة مشتركة للمجني عليه والمجتمع‪ ،‬ومع ذلك قد يبيح القانون التصرف فيها بشرط رضاء‬
‫(‪)1‬‬
‫المجني عليه‪ ،‬فالقانون في هذه الحالة يجعل من رضا المجني عليه شرطًا الزمًا إلباحته‬

‫وبالتالي يكون الرضا شرطًا لإلباحة حين تتوافر الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يحدث مساس بمصلحة ال يجوز التصرف فيها بالنظر لطبيعتها‪.‬‬

‫‪ -2‬يتعين أن يجيز القانون المساس بتلك المصلحة‪ ،‬ويحدد لذلك شروطًا معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬يجب أن يكون الباعث بالمصلحة هو حمايتها‪.‬‬

‫ومن تطبيقات الرضا كشرط من شروط اإلباحة مباشرة األعمال الطبية ومزاولة‬
‫الرياضة‪ ،‬وفيما يلي توضيح ذلك‪:‬‬

‫مباشــرة األعمــال الطبيــة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫األصل أن رضا المجني عليه ال يبيح وحده المساس بسالمة جسم اإلنسان‪ ،‬أو حياته ألن‬
‫في ذلك اعتداء على حقوق غير قابلة للتنازل عنها‪ ،‬ويشكل االعتداء عليها مساسًا بالنظام العام‪.‬‬

‫غير أن استثناء من ذلك يكون رضا المريض في التدخل العالجي شرطا الزما إلباحة‬
‫عمل الطبيبـ ولكن ذلك مشروط بعدة شروط‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬رضاء المريض أو من يمثله قانونًا‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون التدخل الطبي بقصد الشفاء‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يتجرد العمل من الجهل والخطر واإلهمال‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون هناك ترخيص قانوني للطبيب لمزاولة مهنته‪.‬‬

‫وبالتالي يكون رضاء المجني عليه ليس سببًا إلباحة األعمال الطبية‪ ،‬ولكنه شرط فيها‪،‬‬
‫ألن ترخيص القانون هو الذي يبيح الفعل شريطة أن يتم العالج برضاء صحيح ممن يمس الفعل‬
‫جسمه أو رضاء من يمثله قانونًا‬
‫(‪)2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪295 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪184 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ولكي ينتج رضاء المجني عليه أثره القانوني يجب أن تتوافر شروط صحة الرضا السابق‬
‫بيانها في المبحث السابق‪.‬‬

‫وكذلك أن يتوافر شروط الترخيص القانوني حيث تجيز مهنة الطب لمن رخص القانون‬
‫لهم بمزاولتها أن يتعرضوا ألجسام المرضى وأعراضهم الرتكاب أفعال المساس بالجسم أو‬
‫(‪)1‬‬
‫إعطاء المواد الضارة‪ ،‬وغير ذلك بقصد العالج‪ ،‬والتخلص من المرض أو الشفاء منه‬

‫مما تقدم يتضح أن رضاء المجني عليه على مباشرة األعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب‬
‫على جسمه‪ ،‬والتي قد تمثل جروحًا‪ ،‬أو إعطاء لمواد ضارة‪ ،‬ال يغير من صفة تلك األعمال غير‬
‫المشروعة والمجرمة قانونًا‪ ،‬إال إذا توافرت باقي الشروط التي نص عليها القانون‪ ،‬أو تطلبها‬
‫إلباحة هذه األعمال‪ ،‬فرضاء المريض هنا »المجني عليه« شرط إلباحة األعمال الطبية‪ ،‬إذا ما‬
‫توافرت باقي الشروط كالترخيص للطبيب لمزاولة المهنة‪ ،‬وأن يكون التدخل بتلك األعمال الطبية‬
‫بقصد العالج وشفاء المريض‪ ،‬فإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط التي أوجبها القانون نكون‬
‫بصدد عمل غير مشروع مجرم قانونًا ال أثر للرضاء في إباحته لما في ذلك من مساس بعصمة‬
‫(‪)2‬‬
‫الجسد‬

‫أثر الرضاء على عمليات نقل األعضاء البشرية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بعد توضيح دور رضاء المجني عليه المريض كشرط إلباحة مباشرة األعمال الطبية‬
‫على جسمه بقصد العالج‪ ،‬وفي الحدود التي نظمها القانون ‪ ،‬السؤال الذي يطرح نفسه اآلن؛ ما‬
‫أثر رضاء المريض في حالة نقل أعضاء جسده ومدى مشروعية ذلك؟‬

‫ولبيان األثر القانوني للرضاء على عمليات نقل وزرع األعضاء البشرية سوف تتعرض‬
‫الدراسة لبيان موقف الفقه الجنائي من هذا الموضوع ثم موقف الفقه اإلسالمي‪..‬‬

‫( أ ) موقف الفقه الجنائى من دور رضاء المجني عليه على عمليات نقل وزرع األعضاء‬
‫(‪)3‬‬
‫البشرية‪:‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪568 ،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.178 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.309 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام ‪223 ،‬‬
‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.308 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد‪ :‬المرجع السابق‪.484 ،‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪277‬‬
‫االتجاه السائد والغالب في الفقه يرى أن رضاء المجني عليه ال يبيح المساس بسالمة جسم‬
‫اإلنسان أو حياته‪ ،‬ألن في ذلك اعتداء على حقوق غير قابلة للتنازل عنها‪ ،‬ويشكل االعتداء عليها‬
‫مساسًا بالمصلحة العامة‪ ،‬والنظام العام في المجتمع‪ ،‬وبالتالي فإن المصلحة العامة تغلب على‬
‫مصلحة المجني عليه الخاصة‪ ،‬وبالتالى فإنه ال أثر لرضاء المجني عليه في حالة بتر عضو من‬
‫أعضاء جسمه أو نقله للغير‪ ،‬وينتهي بهم الرأي إلى أن الوسيلة الوحيدة العتبار الرضاء شرط‬
‫إباحة نقل األعضاء أو زرعها هو التدخل التشريعي لتنظيم شرعية هذه األعمال‪ ،‬كما تدخل في‬
‫تنظيم رضاء المريض على مباشرة األعمال الطبية على جسده‪ ،‬وذلك من خالل اشتراط صدور‬
‫رضاء صحيح من الشخص الواهب‪ ،‬وأال يكون في نقل العضو ضرر جسيم له‪ ،‬وأال يكون مخالفًا‬
‫للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وأن يكون البتر أو النقل في األعضاء المزدوجة التي يمكن أن يعيش‬
‫الشخص بدون إحداهما مثل الكلى‪ ،‬وأن يكون نافعًا للشخص الموهوب إليه‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫لتوضيح ما إذا كان للرضاء أثر في إباحة عمليات نقل األعضاء البشرية أو زرعها يجب‬
‫أوًال الموازنة بين الضرر الواقع على مصلحة المجتمع من جراء ذلك‪ ،‬وبين الضرر الذي يعود‬
‫على الفرد الواهب للعضو البشرى‪ ،‬مع وضع مدى النفع الذي يعود على الموهوب إليه في‬
‫االعتبار‪ ،‬وبحث كل حالة على حدة‪.‬‬

‫فإذا كانت عملية نقل األعضاء أو زرعها تغلب فيها المصلحة الخاصة على المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬وينعدم الضرر االجتماعي الجسيم‪ ،‬وكذلك الضرر الخاص الجسيم الذي ينتج عن تلك‬
‫األعمال‪ ،‬بحيث تكون النتيجة النهائية في صالح الشخص الواهب والشخص الموهوب إليه مع‬
‫عدم مخالفة ذلك للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬بمعنى أن يكون التصرف في العضو الموهوب‬
‫يحقق حماية لمصلحة المجتمع من خالل عدم حدوث ضرر للشخص الواهب‪ ،‬يغلب على النفع‬
‫الذي يعود على الشخص الموهوب إليه‪ ،‬بحيث تكون النتيجة النهائية بعد عملية نقل األعضاء أو‬
‫زرعها وجود شخصين أصحاء‪ :‬الواهب والموهوب إليه‪ ،‬حتى يمكن تبرير شرعية نقل‬
‫األعضاء‪ ،‬ومن ثم يرى الباحث أنه يجب النظر إلى تلك األمور قبل بيان ما إذا للرضا أثر في‬
‫إباحة نقل وزرع األعضاء البشرية من عدمه؟‬

‫فإذا ما توافرت الحماية لمصلحة المجتمع وتوافرت السالمة الصحية لجسم كال‬
‫الشخصين‪ ،‬وتوافرت شروط صحة الرضا‪ ،‬والشروط المنظمة لممارسة األعمال الطبية‪ ،‬يمكن‬
‫القول بأن الرضا هنا يكون له أثر في إباحة تلك األعمال‪.‬‬

‫(ب) موقف الفقه اإلسالمي‪:‬‬


‫‪277‬‬
‫يذهب الفقه اإلسالمي إلى أن بتر عضو من أعضاء اإلنسان الحي‪ ،‬وزرعه في جسم‬
‫إنسان آخر مريض يصبح أمرًا مباحًا شرعًا إذا ما توافرت فيه الشروط التي أوجبها الشرع وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬رضا اإلنسان الواهب للعضو رضاًء صحيحًا غير مشوبًا بثمة عيب من عيوب‬
‫الرضا‪ ،‬بحيث يكون مدركًا ومميزًا‪ ،‬وعلى بينة كاملة بالنتائج المترتبة على ذلك الفعل‪ ،‬وأن تتجه‬
‫إرادته إلى إحداثه دون إكراه أو غش أو تدليس‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الدافع الحقيقي للرضا بوهب عضو من أعضائه هو دافع اإليثار والتبرع‬

‫‪‬‬
‫المحض دون مقابل‪ ،‬تحقيقًا لقول رسول اهلل ‪» :‬خير الناس أنفعهم للناس«‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون نقل العضو أو بتره بناًء على دراسة علمية صحيحة‪ ،‬ويقوم بها متخصصون‬
‫ماهرون مرخص لهم بمباشرة تلك األعمال‪ ،‬بحيث ال ينتج عن ذلك أضرار بصحة الواهب يتعذر‬
‫تداركها‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون نقل العضو نافعًا للشخص الموهوب إليه‪ ،‬وسببًا حقيقيًا في شفائه‪ ،‬وعودته‬
‫إنسانًا سليمًا وصحيحًا‪.‬‬

‫(ب) مزاولة األلعاب الرياضية‪:‬‬

‫يحدث أثناء ممارسة بعض األلعاب الرياضية عنف قد يؤدى إلى إصابة الالعب‪ ،‬وربما‬
‫(‪)1‬‬
‫قد يؤدى إلى إحداث عاهة‪ ،‬أو وفاة‪ ،‬وذلك مثل المالكمة والمصارعة والكاراتيه‪ ..‬الخ‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬هل ممارسة تلك األلعاب العنيفة‪ ،‬والتي ينتج عنها إلحاق‬
‫األذى بالجسم‪ ،‬وتعريض سالمة الشخص وحياته للخطر مشروعة أم غير مشروعة؟ وإ ذا ما‬
‫كانت غير مشروعة فهل لرضا الالعب أثر في إباحتها من عدمه؟‬

‫ينعقد اإلجماع فقهًا وقضاءً على إباحة ممارسة األلعاب الرياضية المشروعة‪،‬ولكن ذلك‬
‫مشروط بتوافر شرطين جوهريين هما‪:‬‬

‫‪ -1‬رضا الالعب‪.‬‬

‫‪ -2‬ترخيص القانون‪.‬‬

‫(‪ )1‬فبالنسبة لرضا الالعب‪ :‬يجب أن يتوافر الرضا الصحيح لالعب في الموافقة‬
‫الصريحة أو الضمنية والصادرة عن بينة‪ ،‬من خالل علمه بالنتائج المباشرة وغير المباشرة‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪218 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪495 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬كمال عبد الرازق فالح‪ :‬المرجع السابق‪342 ،‬‬
‫‪277‬‬

‫المترتبة على ممارسة هذه اللعبة عن إدراك وتمييز‪ ،‬وبالتالي إذا ما كان رضاء الالعب رضاًء‬
‫صحيحًا غير معيبًا ينتج أثره كشرط في إباحة ممارسة األعمال الرياضية‪.‬‬

‫(‪ )2‬أما بالنسبة لترخيص القانون‪ :‬فيجب مراعاة القواعد المنظمة لممارسة األلعاب‬
‫الرياضية‪ ،‬وعدم مخالفتها‪ ،‬وأن تتم ممارسة هذه األلعاب وفقًا للنظم واللوائح والمواعيد واألماكن‬
‫التي حددها ونظمها القانون‪ ،‬دون التجاوز في ذلك أو الخروج عن اإلطار المنظم له‪.‬‬

‫فإذا ما خالف الالعب تلك القواعد المنظمة لممارسة تلك اللعبة يخرج من إطار الحماية‬
‫القانونية‪ ،‬ويدخل في إطار التجريم والعقاب على الفعل غير المشروع الذي ارتكبه‪ ،‬ويسأل عن‬
‫جريمته ما دام الفعل الذي ارتكبه مجرم قانونًا‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن ثم يتضح أن رضاء الالعب »المجني عليه« بممارسة األلعاب الرياضية ضده يكون‬
‫شرطًا إلباحتها؛ إذا ما توافر ترخيص القانون بممارسة تلك اللعبة‪ ،‬بمعنى أن لرضاء الالعب أثر‬
‫في إباحة ممارسة األلعاب الرياضية إذا ما توافرت باقي الشروط المنظمة‪ ،‬لذلك والتي تطلبها‬
‫القانون بجانب رضاء الالعب‪ ،‬ومن التشريعات التي نصت على إباحة ممارسة األعمال‬
‫الرياضية قانون الجزاء الكويتي الذي نص في المادة ‪ 31‬على أنه »ال جريمة إذا وقع الفعل أثناء‬
‫مباراة رياضية من شخص مشترك فيها‪ ،‬بشرط أن يلتزم من قواعد الحذر واالحتياط ما تقضى به‬
‫األصول المراعاة في هذه المباراة« فرغم أن اإلباحة مستمدة من القانون يبقى للرضا دور في‬
‫ممارسة األلعاب الرياضية‪ :‬يتمثل في موافقة الالعب على االشتراك في المباراة‪ ،‬وبذلك يعد‬
‫(‪)2‬‬
‫الرضاء شرطًا في إباحة الرياضة‬

‫يرجع أساس إباحة األلعاب الرياضية في القوانين التي خلت من النص على هذه اإلباحة‬
‫إلى أن مباشرة األلعاب الرياضية تعد استعماًال للحق الذي تقرره القواعد القانونية للنشاط‬
‫الرياضي في الدولة (‪)3‬؛ إذ أن مصدر اإلباحة ليس قانون العقوبات فحسب بل هي منتشرة في‬
‫جميع القوانين‪ ،‬فاإلباحة هنا ليست إال تطبيقًا من تطبيقات المادة (‪ 60‬ع م) والتي تنص على أنه‬
‫»ال تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عمًال بحق مقرر بمقتضى‬
‫(‪)4‬‬
‫الشريعة«‪ ،‬وبذلك تختلف اإلباحة عن التجريم الذي ينحصر مصدره في قانون العقوبات‬

‫ثالثًا‪ :‬انعدام رضا المجني عليه كعنصر في الركن المادى للجريمة‪:‬‬

‫(?)‬
‫محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.191،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.131،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.203،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)‬
‫أحمد فتحى سرور‪ :‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪.207 ،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪277‬‬
‫يحدد الشارع عناصر الركن المادي لبعض الجرائم‪ ،‬ويجعل من بين تلك العناصر انعدام‬
‫رضا المجني عليه‪ ،‬وبالتالي يترتب على رضا المجني عليه في تلك الجرائم عدم قيام الجريمة‪،‬‬
‫وغالبًا تكون تمس هذه الجرائم المصالح التي يجوز للشخص التصرف فيها‪ ،‬ويرى المشرع أن‬
‫(‪)1‬‬
‫المصلحة العامة ال تستوجب توقيع العقاب على الجاني عندما يرضى صاحبها باالعتداء عليها‬

‫وقد ينص القانون على اشتراط عدم الرضا بصيغ مختلفة من حيث اللفظ ككلمة بغير‬
‫رضاها‪ ،‬كما ورد في المادة ‪ 267‬عقوبات‪ ،‬وكلمة بدون الرضا كما ورد في المادة ‪106‬‬
‫عقوبات‪ ،‬وكلمة القوة أو بالتهديد كما ورد في المادة ‪ 268‬عقوبات‪ ......‬الخ‪.‬‬

‫ولكن كل هذه األلفاظ تعطى معنى واحدا‪ ،‬وهو وقوع الفعل رغم إرادة‬
‫المجني عليه‪.‬‬

‫فمثًال المادة ‪ 267‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها‬
‫يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«‪ ،‬اعتبرت انعدام الرضا عنصرًا من عناصر الركن‬
‫المادي للجريمة‪ ،‬فانعدام الرضا بكافة صوره سواء كان عن إرادة رفض صريحة أو ضمنية أو‬
‫عن إرادة قسرها العنف المادي‪ ،‬أو اإلكراه المعنوي‪ ،‬أو شابهها عيب من العيوب التي تتعلق‬
‫باألنثى مصدره الرضا يعد عنصرًا أساسيًا من بين العناصر التي يقوم عليها الركن المادي لهذه‬
‫الجريمة‪ ،‬وبانتفاء الركن المادي للجريمة ال يكون هناك محل للبحث عن الركن الشرعي أو‬
‫(‪)2‬‬
‫المعنوي‬

‫مما سبق يتضح أنه على الرغم من حماية القانون لمصلحة المجتمع والفرد؛ إال أنه يرى‬
‫في بعض الجرائم أن الفرد أقدر من المجتمع على صونها‪ ،‬نظرًا لما قد تحيط به من ظروف‪،‬‬
‫فربما يكون العقاب فيها أسوأ تأثيرًا من عدم العقاب‪ ،‬ولذلك اشترط للعقاب انعدام الرضا باعتباره‬
‫عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة‪.‬‬

‫أما إذا توافر الرضا فإنه يعدم الركن المادي‪ ،‬لهذه الجرائم لعدم مطابقتها للنص سالف‬
‫الذكر‪ ،‬وإ ن كانت تأخذ وصفًا آخر يخضع للتجريم‪ ،‬والعقاب للنموذج القانوني الجديد أو الوصف‬
‫القانوني الجديد‪.‬‬

‫وهنا يكون لدور رضا المجني عليه أثر في تغيير وصف الجريمة‪ ،‬فيحولها من جريمة‬
‫إلى فعل آخر بوصف آخر قد‪ ،‬يكون مجرم وقد ال يكون مجرم‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.260 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق‪303 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق‪.306،‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫اآلثار القانونية للرضا في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة‪.‬‬
‫كما أن لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة ‪ ،‬أيضًا له أثر على غير أركان‬
‫الجريمة‪ ،‬وذلك لما في رضا المجني عليه من أثر على تخفيف العقاب في حدود السلطة التقديرية‬
‫للقاضي‪ ،‬بل إن بعض التشريعات نصت على تخفيف العقاب عند ارتكاب الفعل برضاء المجني‬
‫عليه‪ ،‬مثال المشرع الليبي‪ ،‬ومن أبرز التطبيقات على دور رضاء المجني عليه في تخفيف‬
‫العقوبة جريمة القتل بناء على طلب المجني علي‪ ،‬وجريمة اإلجهاض بناء على رضا الحامل‪.‬‬

‫كما أن لرضا المجني عليه أيضًا دور في تغيير وصف الجريمة ‪،‬وتغيير العقوبة‪.‬‬

‫بناءً على ما تقدم ستتعرض الدراسة لدور رضا المجني عليه في تخفيف العقاب‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك تتعرض لدور رضا المجني عليه في تغيير وصف الجريمة وتغيير عقوبتها‪ ،‬وذلك على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬دور رضا المجني عليه في تخفيف العقاب‪:‬‬


‫لم يكن هدف المشرع من العقاب هو االنتقام من الجاني رضاًء لغيظ المجني عليه؛ بل إن‬
‫الهدف األساسي هو حفظ النظام االجتماعي في حدود عدم االعتداء على حرية األفراد والمساس‬
‫بكرامتهم‪ ،‬ذلك ألن كل جريمة يكون فيها إخالل بمصلحة المجتمع‪ ،‬واعتداء على حرية األفراد‪،‬‬
‫لذلك يضع المشرع نصب عينيه دور اإلرادة الفردية في التصرف في الحقوق الخاصة بهم‪،‬‬
‫طالما يجوز التصرف فيها أو التنازل عنها دون أن يترتب على ذلك ضرر جسيم للمجتمع الممثل‬
‫للمصلحة العامة‪.‬‬

‫وانطالقًا من ذلك المنطلق فال يجوز للمجتمع مهما علت إرادته على إرادة الفرد أن يهدر‬
‫تمامًا دور اإلرادة الفردية في التصرف في الحقوق المشتركة التي ليس من حقه التصرف فيها أو‬
‫التنازل عنها‪ ،‬وهذا ما نقصده في بيان دور رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة إذا ما توافر‬
‫الرضاء الصحيح في التصرف في حق مشترك بينه‪ ،‬وبين المجتمع ال يجوز له التصرف فيه‪.‬‬

‫ومثال ذلك جريمة القتل بناء على طلب المجني عليه‪ ،‬وكذلك جريمة اإلجهاض بناء على‬
‫طلب الحامل‪ ،‬وفي هاتين الجريمتين ال يكون لرضاء المجني عليه ثمة أثر على أركان الجريمة‪،‬‬
‫وذلك ألنهما يمسان حق يغلب فيه مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد‪ ،‬وليس من حق الفرد‬
‫‪277‬‬
‫التصرف أو التنازل في ذلك الحق المشترك مع المجتمع فيه‪ ،‬وهنا يتجلى بحث دور رضاء‬
‫المجني عليه في تخفيف العقاب في حدود سلطة القاضي التقديرية‪ ،‬وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -1‬القتل بناء على طلب المجني عليه‪:‬‬

‫قد يدفع اليأس الفرد أحيانًا إلى الخالص من حياته؛ فيتوسل إلى قريب أو صديق أو طبيب‬
‫ليقتله بدافع الشفقة أو الرحمة‪ ،‬بسبب إلحاح وطلب المجني عليه ذلك‪ ،‬وبالتالي نكون بصدد‬
‫الجريمة المسماة بجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه‪ ،‬أو القتل بدافع الشفقة والرحمة‪ ،‬وذلك‬
‫بحجة أن الدافع عليها إنهاء آالم المجني عليه‪.‬‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن‪ :‬هل طلب المجني عليه من الجاني إزهاق روحه يخضع‬
‫لحقه في التصرف‪ ،‬وبالتالي يكون فعل الجاني مباحًا أم أنه ليس من حق المجني عليه التصرف‬
‫في حياته‪ ،‬أو التنازل عنها‪ ،‬وهنا يكون الجاني بصدد جريمة قتل عمدية ‪ ،‬وإ ن كانت بدافع‬
‫الشفقة؟ وهل يكون للرضاء في تلك الحالة أثر على تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني؟ وذلك‬
‫بالنظر لشرف الباعث لدى الجاني على القتل‪ ،‬فيعد مجرم أقل خطورة من غيره الذي ال يتوافر له‬
‫رضاء المجني عليه‪.‬‬

‫لإلجابة عن هذه التساؤالت ولبيان موقف التشريعات الوضعية المعاصرة من هذه‬


‫الجريمة بادئ ذي بدء نؤكد أن الفقه والقضاء والتشريعات الوضعية أجمعت على أن الرضاء‬
‫(‪)2‬‬
‫بالقتل ال يعد سببًا إلباحته‪ ،‬وال أثر له على ركني الجريمة (المادي‪ /‬والمعنوي)‬

‫أما بشأن أثر رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة على الجاني فقد انقسمت التشريعات‬
‫الوضعية الحديثة إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ ‬القسم األول‪ :‬تضمن التشريعات التي لم تضع قواعدا خاصة مميزة لجريمة القتل بناء‬
‫على طلب المجني عليه‪ ،‬تاركة للفقه والقضاء مراعاة ظروف كل حالة على حدة‪ ،‬بحيث‬
‫أخضعت هذه الجريمة للقواعد العامة التي تطبق على جريمة القتل العمد‪ ،‬والتي ال تعتد بالباعث‬
‫الدافع إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬وال تعتبره عنصرًا من عناصر القصد الجنائي‪ ،‬ولكن ذلك ال يمنع‬
‫من استعمال القاضي لسلطته التقديرية‪ ،‬وتطبيق بالنصوص الخاصة بالظروف المخصصة ومن‬
‫(‪)3‬‬
‫هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪135 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪575 ،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬كمال عبد الرازق فالح‪ :‬المرجع السابق‪.277 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أنظر المادة ‪ 17‬من قانون العقوبات المصرى المتعلقة بالظروف المخففة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ ‬القسم الثاني‪ :‬ويتضمن بعض التشريعات التي تقرر قواعد خاصة لجريمة القتل بناء‬
‫على طلب المجني تخفف العقاب على الجاني إذا ما ارتكب جريمة القتل بناء على طلب المجني‬
‫القانون اإليطالي حيث أشارت المادة‬ ‫(‪)4‬‬
‫عليه‪ ،‬وبرضاء صحيح صادر منه‪ ،‬ومن هذه التشريعات‬
‫‪ 589‬من قانون العقوبات اإليطالي إلى أن كل من سبب الموت إلنسان برضاه يعاقب بالسجن من‬
‫ست سنوات إلى خمسة عشر عاما‪.‬‬

‫وكذلك قانون العقوبات األلماني نص في المادة ‪ 216‬منه "يعاقب بالحبس من ثالث إلى‬
‫خمس سنوات من يقترف القتل بناء على طلب صحيح جاء من مجني عليه حرًا واعيًا وال يعاقب‬
‫على الشروع في الجريمة"‪.‬‬

‫وكذلك تخول المادة ‪ 235‬من قانون العقوبات النرويجي "للقاضي سلطة تخفيف العقوبة‬
‫دون الحد األدنى المقرر قانونًا لجريمة القتل العمد‪ ،‬وذلك في حالة ارتكاب القتل بناء على طلب‬
‫المجني عليه"‪.‬‬

‫ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة ‪ 249/5‬على أنه ال‬
‫يعتبر القتل ذو النية الموثمة قتًال عمدًا إذا كان الشخص الذي سبب موته قد عرض نفسه للموت‬
‫برضائه ‪ ،‬وكانت سنه تزيد عن الثامنة عشر‪.‬‬

‫كذلك نص على هذه الجريمة( القتل بناء على طلب المجني عليه) قانون العقوبات‬
‫السوري المادة ‪ 538‬منه‪ ،‬وكذلك قانون العقوبات اللبناني في المادة ‪ 552‬منه‪.‬‬

‫مما تقدم يتضح أن التشريعات سالفة الذكر‪ ،‬والتي نصت على جريمة القتل بناء على طلب‬
‫المجني عليه قد وضعت شروط خاصة يجب توافرها في الرضا الصادر من المجني عليه‪ ،‬وهي‬
‫شروط صحة الرضا الخالي من العيوب كأن يكون المجني عليه شخصًا كامل األهلية حر اإلرادة‬
‫مميزًا ومدركًا للنتائج المترتبة عن ذلك الفعل‪ ،‬وأن يكون الرضاء صادر منه وحده ‪،‬وأن يكون‬
‫خاليًا من اإلكراه والغلط والغش والتدليس‪.‬‬

‫وإ ذا ما توافر الرضا الصحيح من المجني عليه كان له أثره في تخفيف العقاب على‬
‫الجاني‪.‬‬

‫ويتضح من العرض السابق لجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه أثر رضاء المجني‬
‫عليه في تخفيف العقوبة‪ ،‬سواء بالنص عليها‪ ،‬أو سواء بإعمال الظروف القضائية المخففة‪ ،‬مما‬
‫يقود إلى التفرقة بين القتل بناء على طلب المجني عليه‪ ،‬وبين االنتحار حيث يتماثالن كليهما في‬
‫إزهاق روح إنسان حي‪ ،‬ولكنهما يختلفان في أن األول يقع على إنسان آخر‪ ،‬أما الثاني فيقع على‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪580 ،‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪277‬‬
‫ذات المجني عليه »اإلنسان نفسه«‪ ،‬وبعض التشريعات ال تعاقب على االنتحار لعدم وجود محل‬
‫إليقاع العقاب عليه‪ ،‬وكذلك ال تعاقب على الشروع فيه‪ ،‬أو االشتراك فيه‪ ،‬وذلك ألنه طبقًا للقواعد‬
‫العامة يستمد الشريك إجرامه من الفاعل األصلي‪ ،‬ويقتضى وقوع الفعل األصلي المعاقب عليه‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي‬

‫وهذا على خالف بعض التشريعات التي تعاقب على الشروع في االنتحار‪ ،‬ومنها قانون‬
‫العقوبات السوداني والقطري‪.‬‬

‫وبعضها اآلخر يعاقب على التحريض أو المساعدة أو االتفاق على االنتحار‪ ،‬ومنها‬
‫(‪)2‬‬
‫القانون الكويتي حيث ينص على ذلك في المادة ‪ 158‬منه‬

‫‪ -2‬جريمة اإلجهاض بناءً على طلب الحامل‪:‬‬


‫جريمة اإلجهاض التي تقع على األنثى الحامل قد يكون الدافع إلى ارتكابها أسباب‬
‫مشروعة كالمحافظة على حياة األنثى الحامل أو الخشية من تأثر الجنين بمرض وراثي‪ ،‬وقد‬
‫يكون الدافع على ارتكابها أسباب غير مشروعة كالخوف من العار أو الفضيحة في حاالت الحمل‬
‫سفاحًا‪ ،‬والقاعدة العامة في هذه الجريمة أن التشريعات مجمعة على العقاب على فعل اإلجهاض‬
‫إذا وقع على غير رضاء من األنثى الحامل‪ ،‬حتى ولو كان مرتكب الفعل هو والد الجنين‪.‬‬

‫أما إذا توافر رضاء األنثى الحامل‪ ،‬وتم وقوع اإلجهاض حماية لحياتها أو حياة الجنين‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وتوافرت شروط حالة الضرورة ال يعاقب القانون على الفعل‬

‫ولذلك ستتعرض الدراسة لحاالت اإلجهاض التي يتوافر فيها رضاء األنثى الحامل دون‬
‫توافر حالة الضرورة التي تستوجب اإلجهاض‪ ،‬وهنا تبرز القيمة القانونية للرضا في جريمة‬
‫اإلجهاض ‪ ،‬وفي ذلك اتجهت التشريعات عدة اتجاهات منها ما يلي‪:‬‬

‫االتجاه األول‪:‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪.140،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪.141،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) اإلجهاض الذى تقتضيه الظروف الصحية للحامل هو ما يطلق عليه اإلجهاض العالجي‪ ،‬ويعتبر‬ ‫‪3‬‬

‫من األعمال المباحة للطبيب استنادًا على الترخيص المقرر له بمزاولة المهنة‪ ،‬وتأسيسًا على المادة‬
‫‪ 60‬من قانون العقوبات المصرى‪ ،‬ويشترط إلباحته صدور رضاء من الحامل بإجهاضها وفقًا لما‬
‫تمليه الشروط المتطلبة إلباحة األعمال الطبية‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عمر السعيد رمضان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪.331 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫ويمثل قلة من التشريعات التي تجعل رضا الحامل بإجهاضها ال يخلع على الفعل طابع‬
‫المشروعية ‪ ،‬إال أنه يبيح اإلجهاض في حاالت خاصة محددة على سبيل الحصر‪ ،‬ومن هذه‬
‫التشريعات التشريع اليوغسالفي الذي أباح اإلجهاض بناء على طلب المرأة في حاالت محددة‬
‫بشرط أن تكون مدة الحمل قد تجاوزت ثالثة أشهر‪ ،‬وكذلك القانون الفرنسي والفنلندي والروسي‬
‫(‪)1‬‬

‫االتجاه الثاني‪:‬‬

‫هو مذهب الغالبية العظمى من التشريعات‪ ،‬والتي تقرر أنه ال أثر للرضا على أركان‬
‫جريمة اإلجهاض‪ ،‬حيث إن الجريمة تقع على حق الجنين في حياته المستقبلة‪ ،‬وليس على حق‬
‫األنثى الحامل في اإلنجاب فقط‪ ،‬وللمجتمع نصيب غالب في الحقين‪ ،‬فإذا تنازلت األنثى الحامل‬
‫عن حقها في اإلنجاب ال يكفي ذلك إلباحة اإلجهاض‪ ،‬وبالتالي تعاقب تلك التشريعات كًال من‬
‫األنثى والفاعل الذي أجهضها إذا تم برضاها‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذه التشريعات القانون المصري الذي يعاقب على جريمة اإلجهاض بالمادة‬
‫‪ 261‬عقوبات التي تنص على »كل من أسقط عمدًا امرأة حبلة بإعطائها أدوية أو باستعمال‬
‫وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدالتها عليها سواء كان برضائها أم ال يعاقب بالحبس«‪.‬‬

‫كذلك نص المادة ‪ 262‬عقوبات تنص على »المرأة التي رضيت بتعاطي األدوية مع‬
‫علمها بها ‪،‬أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها‪ ،‬أو مكنت غيرها من استعمال تلك‬
‫الوسائل لها‪ ،‬وتسبب اإلسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السالف ذكرها«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النصين سالفي الذكر يتضح أن رضا الحامل باإلجهاض ال يبيح هذا‬
‫الفعل المجرم‪ ،‬وإ ن كان ينفي عنها صفة المجني عليها‪ ،‬وتقتصر تلك الصفة على الجنين وتصبح‬
‫فاعلة في ارتكاب تلك الجريمة طبقًا للنموذج القانوني سالف الذكر‪ ،‬مما سبق يتضح أثر رضاء‬
‫المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني فيها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬دور رضا المجني عليه في تغيير وصف الجريمة‪:‬‬


‫مما سبق يتضح أنه لقيام الجريمة طبقًا للنموذج القانوني المنصوص عليه قانونًا يتطلب‬
‫انعدام الرضا كعنصر من عناصر الركن المادي‪ ،‬وبالتالي إذا ما توافر الرضا الصحيح في تلك‬
‫الجريمة تغير الوصف القانوني للجريمة‪ ،‬وأصبحنا بصدد وصفًا آخر أو تكييف آخر للنموذج‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪.596 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫القانوني الجديد الذي توافر فيه الرضا‪ ،‬وهنا يتضح جليًا دور الرضا الصحيح الخالي من العيوب‬
‫القانونية للرضا الصادر من المجني عليه في تغيير وصف الجريمة (‪0)1‬‬

‫ومن التطبيقات العملية على ذلك المادة ‪ 267‬من قانون العقوبات من التشريع المصري‬
‫التي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«‪.‬‬

‫وبالتالي إذا ما توافر الرضا المتوافر فيه شروط صحة الرضا التي تطلبها القانون من‬
‫المجني عليها في تلك الجريمة يتغير وصف الجريمة من جريمة اغتصاب المعاقب عليها بنص‬
‫المادة سالفة الذكر‪ ،‬إلى جريمة أخرى ذات وصف قانوني آخر‪ ،‬فإن كانت تلك المجني عليها‬
‫متزوجة يكون الوصف الجديد جريمة زنا المنصوص عليها في المادة ‪ 274‬عقوبات التي تنص‬
‫على »المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة ال تزيد على سنتين لكن لزوجها‬
‫أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضاه بمعاشرتها له كما كان«‪.‬‬

‫وهنا يتضح دور الرضا الصادر من المجني عليها في تغيير وصف الجريمة‪ ،‬وتغييره من‬
‫جناية اغتصاب في حالة انعدام رضاها‪ ،‬إلى جريمة زنا إذا كانت متزوجة في حالة رضاها‬
‫رضاًء صحيحًا متضمنًا الشروط التي أوجبها القانون لصحة الرضا‪.‬‬

‫أما إذا كانت غير متزوجة فإنها تخضع لوصف آخر طبقًا للتكييف الذي يصبغه القانون‬
‫عليها‪ ،‬كاالعتياد على ممارسة الدعارة إذا كان هناك اعتياد على موافقتها برضاها طبقًا لتوافر‬
‫الشروط التي أوجبها القانون في تجريم هذا الفعل‪.‬‬

‫وكذلك األمر المادة ‪ 268‬عقوبات التي تشترط انعدام الرضا إذا ما كان هناك رضاء‬
‫صحيح من المجني عليه بغير وصف الجريمة من خضوعها لنص المادة ‪/268‬ع إلى خضوعها‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إلى تكييف آخر طبقًا لنص المادة ‪ 278‬عقوبات‪ ،‬وهي جريمة الفعل الفاضح العلني‪ ....‬وهكذا‬

‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪.603 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تنص المادة ‪ / 268‬عقوبات على أن »كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى‬ ‫‪2‬‬

‫ذلك يعاقب باألشغال الشاقة من ثالثة سنين إلى سبع‪ ..........‬الخ‪.‬‬


‫أما نص المادة ‪ / 278‬عقوبات »كل من فعل عالنية فعًال فاضحًا مخًال بالحياء يعاقب بالحبس مدة ال‬
‫تزيد على سنة أو غرامة ال يتجاوز ثالثمائة جنيه مصرى‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫لقد ظلت الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية غير كاملة لعدم دراسة المجني عليه‪ ،‬وهو‬
‫يمثل العنصر الثالث في هذه الظاهرة بجانب المجرم والجريمة‪ ،‬إلى أن ظهر في عام ‪ 1948‬فرع‬
‫جديد يهتم أساسًا بالدراسة العلمية للمجني عليه سمي »بعلم المجني عليه« (‪.)Victimologie‬‬

‫ويعرف علم "المجني عليه"‪ :‬بأنه ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس المجني عليه المباشر‬
‫من الجريمة دراسة علمية بهدف تحديد مجموعة من الخصائص العضوية والنفسية واالجتماعية‬
‫المتعلقة به‪ ،‬ويهتم من ناحية أخرى بتحديد العالقات المتبادلة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وكذلك‬
‫بيان الدور الذي قام به المجني عليه في خلق فكرة الجريمة أو التشجيع عليها وتسهيل ارتكابها‪،‬‬
‫وأثر هذا الدور بالنسبة لتحديد مسئولية الجاني وحدود الجزاء الذي سيوقع عليه‪.‬‬

‫وتسهم دراسة علم المجني عليه في تحقيق العدالة الجنائية؛ حيث إن فهم سلوك الجاني‬
‫ودوافعه للجريمة‪ ،‬وتحديد درجة خطورته اإلجرامية لن يأت إال بمعرفة عالقته بالمجني‬
‫عليه‪،‬وبيان دور المجني عليه في خلق فكرة الجريمة‪ ،‬أو تسهيلها‪ ،‬وتحديد درجة الخطورة‬
‫اإلجرامية للجاني يساعد بدوره على اختيار نوع المعاملة العقابية المناسبة لحالته‪.‬‬

‫من ناحية أخرى تبدو أهمية هذه الدراسة في مجال الوقاية من الجريمة؛ وذلك ألن فهم‬
‫سلوك المجني عليه بعمق يدفعنا إلى اتخاذ أساليب وقائية أكثر فعالية بالنسبة للجاني‪ ،‬وأيضًا‬
‫بالنسبة للمجني عليه‪ ،‬وذلك باتخاذ التدابير واإلصالحات التي تمنع من وقوع األفراد ضحية‬
‫للجريمة‪ ،‬أو من العودة مرة أخرى للسقوط ضحية لنفس الجريمة‪ ،‬أو لغيرها بكافة الوسائل‪،‬‬
‫وعلى مختلف المستويات لحماية المجني عليه‪ ،‬والدفاع عن حقوقه‪ ،‬وتعويضه عن األضرار‬
‫الناجمة عن الجريمة‪ ،‬وهذه الفائدة األخيرة التي تعود على المجني عليه تعد حاليًا من النتائج‬
‫المباشرة لظهور علم "المجني عليه"‪ ،‬وتمثل التطور الحالي ألبحاثه حيث إنتقل هذا العلم في‬
‫السنوات األخيرة من العلم الذي يهتم أساسًا ببيان دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية إلى‬
‫العلم الذي يهتم بالدفاع عن حقوق المجني عليه‪ ،‬والعمل على تعويضه عن األضرار الناجمة عن‬
‫الجريمة سواء من األفراد أو من الدولة‪.‬‬

‫وما يعنينا اآلن بالدراسة في موضوع المجني عليه هو »دور المجني عليه في الظاهرة‬
‫اإلجرامية« ؛حيث أثبتت الدراسات أن الموقف الذي يتخذه المجني عليه حيال الجاني في الكثير‬
‫من الجرائم يعد بمثابة العامل المثير أو الدافع إلى وقوع هذه الجرائم باعتبار أن سلوك المجني‬
‫عليه في أحوال غير يسيرة يثير الميول اإلجرامية لدى الجاني؛ فيقدم على ارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫ويظهر هذا واضحًا في كثير من الجرائم التي ترتكب ضد الموظفين العموميين‪ ،‬كجرائم السب‬
‫واإلهانة والتعدي‪ ،‬وكذلك في بعض جرائم هتك العرض في الحاالت التي ال يتقيد فيها المجني‬
‫‪277‬‬
‫عليه بالقيم الخلقية والمعنوية ‪ ،‬مما يحرك في المجرم غرائزه المختلفة ويدفعه إلى ارتكاب‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫وباستقراء نصوص التشريعات المقارنة نجد أنها أفردت إلى المجني عليه عددًا من‬
‫النصوص‪ ،‬جعلت فيها لشخصيته أو لدوره في وقوع الجريمة أثرًا واضحًا في تحديد مسئولية‬
‫الجاني‪ ،‬وكذلك في تقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذه النصوص يتضح مدى مساهمة المجني عليه في وقوع الجريمة‬
‫أو مشاركته فيها وخلق فكرتها لدى الجاني‪ ،‬كذلك تبين النصوص الواردة في التشريعات المقارنة‬
‫مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تقدير العقوبة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني‪.‬‬

‫وأخيرًا تبين النصوص بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه‪ ،‬والتي تجعله عرضة‬
‫للوقوع ضحية للجريمة‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء أيضًا على التشريع المصري يثضح تضمن نصوص عديدة تجلى فيها دور‬
‫المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬وذلك من خالل إلقاء الضوء على دور المجني عليه في‬
‫وقوع الجريمة‪ ،‬كما هو واضح في االستفزاز والدفاع الشرعي ورضاء المجني عليه‪.‬‬

‫وأيضًا لم يغفل المشرع المصري الحماية الجنائية للمجني عليه من خالل النصوص‬
‫الواردة في قانون العقوبات‪ ،‬والتي تبين أن بعض الصفات الخاصة بالمجني عليه تؤثر في تحديد‬
‫مسئولية الجاني‪ ،‬وعلى اختيار نوع الجزاء الموقع عليها‪.‬‬

‫وأخذ التشريع المصري بدور محدود للمجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية‪ ،‬كذلك كما‬
‫هو منصوص عليه في قانون اإلجراءات الجنائية في جرائم الشكوى واالدعاء المباشر‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم سيتم تناول كل ما سبق تفصيًال من خالل تقسيم دور المجني عليه في‬
‫الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬وأثره في مسئولية الجاني إلى ثالثة أبواب‪..‬‬
‫‪277‬‬

‫الباب األول‪ :‬دور المجني عليــه في وقــوع الجريمــة‬

‫الباب الثاني‪ :‬دور المجني عليــه في تقديــر العقوبــة‬

‫الباب الثالث‪ :‬دور المجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية‬


‫‪277‬‬

‫الباب األول‬

‫دور المجني عليه في وقوع الجريمة ‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫دور المجني عليه في وقوع الجريمة وأثر ذلك في تحديد مسئولية الجاني من أهم‬
‫الموضوعات التي اهتم بها الباحثون في علم "المجني عليه"‪ ،‬وذلك من خالل دراسة مساهمة‬
‫المجني عليه في خلق فكرة الجريمة أو التشجيع عليها‪ ،‬كما هو في االستفزاز حيث يقوم المجني‬
‫عليه باستفزاز الجاني فيدفعه الرتكاب الجريمة‪ ،‬وأيضًا قد يتسبب المجني عليه في وقوع الجريمة‬
‫من خالل ارتكابه ألحد األفعال غير المشروعة قانونًا‪ ،‬فيكون هو البادئ بالعدوان‪ ،‬وكما هو في‬
‫حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وأخيرًا قد يقبل المجني عليه وقوع الجريمة على شخصه أو على ماله‪،‬‬
‫وذلك كما هو في حالة دور رضاء المجني عليه في حدوث الجريمة ووقوعها عليه‪.‬‬

‫والتشريعات المقارنة والتشريع المصري تضمنا النصوص العديدة التي تبين دور المجني‬
‫عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل خلق فكرتها لدى الجاني أو تسهيل ارتكابها أو التشجيع‬
‫على ارتكابها أو الرضاء بها‪ ،‬وسيتم توضيح ذلك تفصيًال فيما بعد من خالل ثالثة فصول‪،‬‬
‫يتضمن الفصل األول‪ :‬دور المجني عليه في حالة االستفزاز‪ ،‬والفصل الثاني‪ :‬دور المجني عليه‬
‫في حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬والفصل الثالث‪ :‬رضاء المجني في وقوع الجريمة‪ ،‬من منظور بيان‬
‫مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وأثره في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وفيما‬
‫يلي تفصيل ذلك‪:‬‬
‫‪277‬‬

‫الفصل األول‬

‫االستفزاز الصادر مـن المجني عليه ‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫لبحث دور المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وأثر ذلك في مسئولية الجاني من خالل عذر‬
‫االستفزاز يتضح أن المجني عليه المستفز يلعب دورًا هامًا في حث الجاني على ارتكاب‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫وقد أثبتت أبحاث علم "المجني عليه" أن وقوع بعض الجرائم يرجع إلى الموقف المثير أو‬
‫المستفز من جانب المجني عليه‪ ،‬والمتمثل في األقوال واألفعال غير المشروعة التي يوجهها‬
‫المجني عليه إلى الجان‪ ،‬والتي من شأنها أن تثير الغضب والميول اإلجرامية في نفس الجاني‪،‬‬
‫وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة ضد المتسبب في هذا االستفزاز‪ ،‬وهو المجني عليه‪ ،‬فالمجني عليه‬
‫المستفز بإثارته للجان‪ ،‬يعلم جيدًا أن فعله قد يترتب عليه رد فعل مستفز أو عنيف من الشخص‬
‫الذي استفزه‪ ،‬وبالتالي فقد قبل مقدمًا الخطر الناتج عن إقدام الجاني على ارتكاب الجريمة ضده‪.‬‬

‫وهنا يتضح جليًا دور ذلك المجني عليه المستفز في وقوع الجريمة‪ ،‬واعتباره مجني عليه‬
‫مذنبًا‪.‬‬

‫وباستقرار التشريعات المقارنة والتشريع المصري ظهر تضمنهما بعض النصوص التي‬
‫تبرز دور المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل عذر االستفزاز‪.‬‬

‫وإ ن كان دور هذه التشريعات محدودا في ذلك مقارنة بالدور الذي يشير إليه فقهاء علم‬
‫المجني عليه‪ ،‬وقد يرجع السبب في ذلك إلى صعوبة التعرف على حقيقة الموقف السابق للمجني‬
‫عليه المستفز قبل وقوع الجريمة‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم قسم هذا الفصل إلى المباحث التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األسـاس القانوني لعـذر االستفـزاز‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الشروط الالزمة لقيام حالة االستفزاز‬
‫المبحث الثالث‪ :‬موقف المشرع المصري من عذر االستفزاز‬
‫المبحث الرابع‪ :‬األثر القانوني المترتب على عذر االستفزاز‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬

‫األساس القانوني لعذر االستفزاز ‪.‬‬


‫بيان النظام القانوني لعذر االستفزاز يتطلب معرفة موقف التشريعات المقارنة من عذر‬
‫االستفزاز‪ ،‬وفي ضوء ما تضمنته من نصوص قانونية خاصة باالستفزاز يمكن استخلاص‬
‫األساس القانوني لعذر االستفزاز‪ ،‬وذلك في إيجاز بسيط حيث إن الهدف من تلك الدراسة يدور‬
‫وجودًا وعدمًا مع إبراز دور المجني عليه‪ ،‬ومدى تأثيره في تحديد مسئولية الجاني في حالة‬
‫االستفزاز‪.‬‬

‫ومن ثم سيتم توضيح موقف التشريعات المقارنة أوًال‪ ،‬ثم األساس القانوني لعذر‬
‫االستفزاز ثانيًا‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬موقف التشريعات المقارنة من عذر االستفزاز‪:‬‬


‫بإلقاء الضوء على تشريعات الدول المختلفة إزاء حالة االستفزاز يمكن تقسيم التشريعات‬
‫من حيث األخذ بفكرة االستفزاز إلى قسمين‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬من هذه التشريعات يعتبر االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا يؤدى توافره إلى تخفيف‬
‫العقوبة الموقعة على الجان أيًا كانت الجريمة التي يتوافر فيها هذا العذر‪ ،‬أي اعتبرت هذه‬
‫التشريعات االستفزاز عذرًا عامًا يدور وجودًا وعدمًا مع توافر حالة االستفزاز‪ ،‬ومن هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫التشريعات قانون العقوبات اإليطالي والسويدي‬

‫ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة ‪ 38‬منه على‬
‫االستفزاز كعذر عام‪ ،‬وكذلك قانون العقوبات اللبناني الذي نص أيضًا في المادة ‪ 562‬منه على‬
‫االستفزاز كعذر عام يخفف العقاب‪ ،‬وذكر تطبيقًا خاصًا لذلك في حالة ضبط الزوج أو أحد‬
‫األصول أو الفروع أو األخت في حالة التلبس بالزنا‪ ،‬أو في حالة مريبة مع آخر‪ ،‬فأقدم على قتل‬
‫(‪)2‬‬
‫أحدهما‪ ،‬فإنه يعفي القاتل من العقاب كلية‪ ....‬الخ‬

‫أما القسم الثاني من التشريعات‪ :‬فإنها أخذت بعذر االستفزاز كعذر خاص تم النص عليه على‬
‫سبيل الحصر بنصوص محددة‪ ،‬ومحكمة ال يجوز القياس عليها أو التوسع فيها؛ باعتبار‬
‫االستفزاز عذر قانوني مخفف للعقوبة‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد صالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪0 147،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 292 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ومن تلك التشريعات المقارنة التي أخذت باالستفزاز في حاالت معينة على سبيل الحصر‬
‫التشريع الفرنسي الذي نص على االستفزاز كظرف مخفف للعقوبة في جرائم محددة على سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬وهي جرائم‪ :‬القتل والضرب والجرح والسب العلني وغير العلني‪.‬‬

‫ومن الشريعات العربية التشريع الكويتي حيث تضمن النص على االستفزاز كعذر مخفف‬
‫خاص في جريمتى مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا‪ ،‬والسب غير العلني‪ ،‬وذلك في المادتين‬
‫كذلك التشريع المصري الذي نص في المادتين ‪ 237‬عقوبات‪ ،‬والمادة ‪378/9‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪212 ،153‬‬
‫عقوبات‪ ،‬وهما حالة مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وحالة السب غير العلني‪.‬‬

‫مما سبق يتضح من موقف التشريعات المقارنة سواء التي أخذت باالستفزاز كعذر عام‬
‫مخفف للعقوبة‪ ،‬أو التي أخذت باالستفزاز كعذر خاص أوردته في نصوص على سبيل الحصر‬
‫كعذر مخفف للعقوبة‪.‬‬

‫فإنه يتضح مدى الدور الذي يلعبه المجني عليه في وقوع الجريمة من خالل استفزازه‬
‫للجاني‪ ،‬وتأثير ذلك على تحديد مسئولية الجاني من خالل تخفيف العقوبة بسبب ما ارتكبه المجني‬
‫عليه من أفعال غير مشروعة‪ ،‬أو غير محقة بمعنى أوسع أدت إلى إثارة الجاني وارتكابه‬
‫للجريمة‪ ،‬مما يدعو إلى القول‪ :‬إن تلك األفعال التي يرتكبها المجني عليه المستفز تجاه الجاني‬
‫يكون لها بالغ األثر في تخفيف العقوبة حتى في ظل التشريعات التي اعتبرت عذر االستفزاز‬
‫عذرًا خاصًا مخففا للعقوبة‪ ،‬وأوردته على سبيل الحصر‪ ،‬وذلك من خالل تفريد تلك التشريعات‬
‫للعقوبات‪ ،‬وإ عطاء القاضي الجنائي بعض السلطات التقديرية في تخفيض العقوبة‪ ،‬فتكون بصدد‬
‫عذر قضائي مخفف‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬األساس القانونى لعذر االستفزاز‪:‬‬


‫لقد حاول الفقه أن يجد أساسًا لتخفيف مسئولية الجاني المرتكب للجريمة‪ ،‬كرد فعل لما‬
‫ارتكبه المجني عليه من أفعال غير محقة‪.‬‬

‫فبرر بعض الفقهاء تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني نتيجة ارتكابه للجريمة؛ بأنه نوع‬
‫من المقاصة بين األخطاء‪ ،‬والخطأ الصادر من المجني عليه المستفز ينقص من الجريمة التي‬
‫ارتكبها الجاني كرد فعل لخطأ الجاني‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد صالح مطر‪ :‬النظرية العامة للمجنى عليه‪ ،‬المرجع السابق‪.143 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫واستند القائلون لهذا االتجاه وهم أقلية من الفقهاء إلى فكرة المقاصة بين الديون في القانون‬
‫المدني‪ ،‬وهذا االتجاه اتجاه راجح ألنه ال يجوز في مجال القانون الجنائي أن يقتص الشخص من‬
‫(‪)2‬‬
‫غير الجان أو ينصب نفسه قاضيا ليقيم العدالة بنفسه‬

‫واالتجاه الغالب والراجح في بيان أساس تخفيف العقوبة على الجان في حالة االستفزاز‬
‫هو االستناد على حالة الغصب الشديد التي تنتاب الجاني عند قيام المجني عليه بارتكاب األفعال‬
‫أو األعمال أو األقوال غير المحقة تجاه الجاني‪ ،‬فتثير الجاني‪ ،‬وتدفعه للجريمة‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫الشخص المرتكب للجريمة تحت تأثير االستفزاز غير متمتع بإرادة كاملة تمنعه من ارتكاب‬
‫الجريمة‪ ،‬لذلك اعتبرت التشريعات التي أخذت بعذر االستفزاز كعذر مخفف عام أن الشخص‬
‫الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير االستفزاز هو مجرم أقل خطورة ممن أقدم على الجريمة هادئ‬
‫األعصاب ومتمتع بكامل إرادته‪ ،‬وهذا االتجاه هو ما أخذت به كثير من التشريعات والقضاء‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 294 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫الشروط الالزمة لقيام حالة االستفزاز ‪.‬‬


‫بعد عرض موقف التشريعات المقارنة من عذر االستفزاز كان لزاما على الدراسة إلقاء‬
‫الضوء على الشروط الالزم توافرها لقيام حالة االستفزاز بصفة عامة دون التعرض للشروط‬
‫الخاصة لكل تشريع‪ ،‬ويمكن حصر تلك الشروط في شرطين أساسيين هما‪ :‬األول صدور فعل‬
‫غير محق من المجني عليه‪ ،‬والثاني أن يرتكب الجاني جريمته وهو في حالة الغضب الشديد‬
‫وذلك كما يلي‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬صدور فعل غير محق من المجني عليه على الجاني‪:‬‬
‫يجب أن يصدر عن المجني عليه سلوك إيجابي سواء اتخذ شكل القول أو الفعل‪ ،‬فال‬
‫تتوافر حالة االستفزاز بشأن المتهم الذي ارتكب جريمته تحت تأثير االنفعال المتولد عن شائعة‬
‫(‪)1‬‬
‫وصلت إلى مسامعه عن المجني عليه الذي لم يصدر عنه أي تصرف خاطئ‬

‫كذلك ال تقوم حالة االستفزاز إذا كان المتهم هو البادئ باالستفزاز‪ ،‬ويجب من ناحية‬
‫أخرى أن يكون سلوك المجني عليه غير مشروع‪ ،‬ويرى الفقهاء أن عدم المشروعية هنا ال‬
‫تستلزم أن يكون فعل المجني عليه جريمة‪ ،‬بينما تقتضى ذلك النصوص الفرنسية المتعلقة‬
‫باالستفزاز المادتين ‪ 326 ،321‬من قانون العقوبات‪ ،‬ففعل االستفزاز وفقًا لها يجب أن يكون من‬
‫بين األفعال اآلتية‪ :‬الضرب والتعدى الشديد على األشخاص أو االعتداء على العرض أو التسلق‬
‫والكسر‪.‬‬

‫فإذا انتفت عن فعل المجني عليه صفة الال مشروعية فال يحتج المتهم بأنه كان في حالة‬
‫استفزاز‪ ،‬كأن يتوافر سبب إباحة للمجني عليه كالفعل المباح أو تنفيذ القانون أو أوامر‬
‫(‪)2‬‬
‫السلطة‪ ..........‬الخ‬

‫الشرط الثاني‪ :‬وجوب ارتكاب الجاني المستفز الجريمة وهو في حالة االنفعال‬
‫الشديد‪:‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.296‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.297‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ويقترن هذا الشرط بضرورة المعاصرة بين االستفزاز والجريمة لمرتكبها‪ ،‬وهذا الشرط‬
‫مبناه األساس الذي يقوم عليه عذر االستفزاز‪ :‬وهو حالة االنفعال الشديد الناتج عن استفزاز‬
‫المجني عليه الذي يضيق من حرية اختيار الجان‪ ،‬مما يبرر تخفيف مسئوليته‪ ،‬ويجب أال يفهم‬
‫المعاصرة بين االستفزاز والجريمة بأنه وقوع الجريمة عقب صدور االستفزاز مباشرة بحيث ال‬
‫يفصل بينهما أي فاصل زمني‪ ،‬ولكن وقوعها في وقت قريب جدًا من االستفزاز يبرر تخفيف‬
‫مسئولية الجاني طالما أن حالة االنفعال الشديد الناتجة عن الغضب ظلت مستمرة معه حتى لحظة‬
‫الجريمة‪ ،‬ويبنى على ما تقدم أن مرور فترة زمنية كافية لزوال حالة الغضب والثورة‪ ،‬وقيام‬
‫الجان بالرد بعد هدوء أعصابه واستعادته لنفسه يمنع من قيام عذر االستفزاز ألن القانون‪ ،‬ال‬
‫يعذر الجان الذي يمارس هذا النوع من االنتقام الهادئ والمتروى‪.‬‬

‫واألمر في نهاية المطاف متروك لقاضى الموضوع الذي يتمتع بسلطة تقديرية كبيرة في‬
‫القول بتوافر هذا الشرط من عدمه‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن »البحث في تأثير الغضب الشديد ال‬
‫يتعلق بمعنى الزمن‪ ،‬بل العبرة في ذلك بما يستمر في ذلك الحين من تأثير الغضب وتوتر‬
‫األعصاب وتجدد االنفعال‪ ،‬وهذه الحالة من األمور الموضوعية التي يجب أن تدرس بعناية في‬
‫كل قضية على حدة‪ ،‬وتوزن بمقدارها مع النظر إلى حالة المجرم وبيئته وثقافته وتأثير الفعل في‬
‫(‪)1‬‬
‫نفسه‬

‫(?) الحكم الصادر فى ‪ 13‬من تشرين الثاني سنة ‪ 1971‬أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسن‪ :‬شرح‬ ‫‪1‬‬

‫قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق ‪.789،‬‬


‫‪277‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫موقف المشرع المصري من عذر االستفزاز‪.‬‬


‫بإلقاء الضوء على موقف المشرع المصري من عذر االستفزاز يتضح أنه لم يأخذ‬
‫باالستفزاز كعذر قانوني عام في جرائم القتل أو الضرب أو الجرح‪ ،‬مثلما فعلت بعض‬
‫التشريعات‪ ،‬وإ نما أخذه كعذر قانوني خاص‪.‬‬

‫وأورد نصين تطبيقيين لهذا العذر‪ ،‬األول ورد بالمادة ‪ 237‬عقوبات‪ ،‬وهي حالة مفاجأة‬
‫زوج لزوجته حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها‪.‬‬

‫والثاني ورد بنص المادة ‪ 378/9‬من قانون العقوبات المصري‪ ،‬وهي حالة السب غير‬
‫العلني نتيجة االستفزاز‪.‬‬

‫وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬جريمة قتل الزوجة وشريكها في حالة التلبس بالزنا‪:‬‬


‫هذه الحالة التي نصت عليها المادة ‪ 237‬من قانون العقوبات »من فاجأ زوجته حال‬
‫تلبسها بالزنا‪ ،‬وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدًال من العقوبات المقررة‬
‫بالمادة ‪234‬و ‪ 236‬من قانون العقوبات المصري‪.‬‬

‫وتبرز هذه الحالة مدى تأثير االستفزاز الصادر من المجني عليه على الجاني‪ ،‬وخلق حالة‬
‫الثورة الناتجة عن الغضب الشديدة حال مشاهدته زوجته متلبسة بالزنا مع آخر‪ ،‬فيندفع إلى‬
‫ارتكاب جريمة القتل تحت تأثير االستفزاز الشديد‪ ،‬فحالة االستفزاز التي تعرض لها الجاني عذرًا‬
‫مخففًا للعقوبة‪ ،‬يجعلها الحبس بدًال من العقوبات المقررة في حالة القتل العمد والمعاقب عليها في‬
‫المادتين ‪234‬و ‪ 236‬عقوبات حيث تنص المادة ‪ 234‬عقوبات »من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق‬
‫إصرار وال ترصد يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة« ومع ذلك يحكم على فاعل هذه‬
‫الجناية باإلعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى‪ ،‬وأما إذا كان القصد منها التأهب‬
‫لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو‬
‫التخلص من العقوبة فيحكم باإلعدام أو األشغال الشاقة المؤبدة‪.‬‬

‫وتكون العقوبة اإلعدام إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة ‪ 234‬تنفيذًا‬
‫لغرض إرهابي‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫ونص المادة ‪ 236‬عقوبات »كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا أو أعطاه مواد ضارة‪،‬‬
‫ولم يقصد من ذلك قتًال‪ ،‬ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب باألشغال الشاقة أو السجن من ثالث‬
‫سنوات إلى سبع‪.‬‬

‫وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد؛ فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬

‫وتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 236‬تنفيذًا لغرض إرهابي‪ ،‬فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة‬
‫األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪.‬‬

‫وترجع الحكمة من تخفيف العقاب على المتهم »الزوج« المرتكب لجريمة قتل زوجته‬
‫ومن يزنى بها إلى حالة الثورة النفسية التي يوجد فيها نتيجة االستفزاز المتمثل في خيانة الزوجة‬
‫له‪ ،‬مما أفقده قدرًا من حرية االختيار؛ فاندفع إلى الثأر لشرفه من الزوجة الخائنة‪ ،‬ومن شريكها‬
‫فقام بقتلهما‪ ،‬وذلك لما في العالقة الخاصة التي تربط الزوج بزوجته‪.‬‬

‫فلذلك اقتصر ذلك التخفيف الوارد بالمادة ‪ 237‬عقوبات على الجاني الزوج فقط ال غير‪،‬‬
‫ولبيان شروط تطبيق نص المادة ‪ 237‬عقوبات يمكن افتراض توافر الشروط العامة‪ ،‬ثم توافر‬
‫الشروط الخاصة‪ ،‬وهي طبقًا للمادة سالفة الذكر ثالثة شروط متمثلة في صفة الجاني‪ :‬األول أن‬
‫يكون زوجًا للمجني عليها‪ ،‬والثاني أن يفاجئ زوجته في حالة تلبس‪ ،‬والثالث أن يقتلها في الحال‬
‫هي ومن يزنى بها‪.‬‬

‫(‪ )1‬صفـة الجاني والمجني عليـه‪:‬‬


‫يجب أن يكون الجاني زوجًا للمجني عليها‪ ،‬وتحدد صفة الزوجية طبقًا للقوانين الخاصة‬
‫باألحوال الشخصية‪ ،‬وعلى ذلك فإنه يشترط لقيام جريمة الزنا أن تكون الزوجية قائمة بين الزوج‬
‫وزوجته الزانية سواء كانت قائمة فعًال أم حكمًا‪ ،‬فقيد الزواج هو الذي يلزم المرأة باألمانة‬
‫واإلخالص لزوجها فال ترتكب المرأة جريمة الزنا إذا وقع منها الوطء قبل عقد الزواج‪ ،‬ولو‬
‫حصل أثناء الخطبة‪ ،‬وحملت منه المرأة ولم تضع إال بعد زواجها إذ أن حقوق الزوجية ال تكتسب‬
‫إال بعقد الزواج‪.‬‬

‫ويجب أن تكون الزوجية صحيحة فعًال أو حكمًا أي أن يكون أحد طرفي الجريمة مرتبطًا‬
‫بعقد زواج صحيح معترف به مستوف الشرائط النعقاده وصحته‪.‬‬

‫كما ال يشترط لقيام صفة الزوجية أن يكون الزوج قد دخل بزوجته‪ ،‬بل تتوافر عالقة‬
‫الزوجية قانونًا متى تم العقد صحيحًا‪ ،‬ويعتبر الزواج قائمًا في حالة الطالق الرجعى إذا زنت‬
‫‪277‬‬
‫المرأة في فترة العدة‪ ،‬إذ أن الطالق الرجعى وفقًا ألحكام الشرعية اإلسالمية ال ينهي صلة‬
‫الزوجية‪.‬‬

‫وما دام العقد صحيحًا فال عبرة بكون الفعل قد ارتكب قبل الدخول بالزوجة‪ ،‬أو بعد ذلك‪،‬‬
‫وبالتالي ال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة سالفة الذكر الخطيب الذي تقبل خطيبته حينما‬
‫(‪)1‬‬
‫يفاجئها متلبسة بالزنا لعدم توافر صفة الزوج له‬

‫وذلك النتهاء صلة الزوجية فإذا زنت المرأة بعد طالق بائن أيًا كان نوعه فال سبيل للزوج‬
‫عليها ولو حصل الزنا خالل أيام العدة‪.‬‬

‫وال يسقط حق الزوج في اإلفادة من العذر المخفف‪ ،‬ولو سبق زناه‪ ،‬والمسألة مختلف‬
‫عليها في الفقه‪ ،‬وعله ما نراه أن حرمان الزوج هذه الميزة إسقاط لحقه‪ ،‬واإلسقاط ال يفترض وال‬
‫يعمل فيه بالقياس‪ ،‬ولو شاء المشرع إسقاط حق الزوج من االستفادة من العذر المخفف لسبق زناه‬
‫لقيد مطلق نصه‪ ،‬وقرر صراحة حرمانه من هذه الميزة كما نص على حرمانه من تقديم الشكوى‬
‫(‪)2‬‬
‫ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق زناه‬

‫وألن الجنحة ال تقع إال من الزوج دون سواه؛ فإنه إذا كان معه فاعل آخر يؤاخذ هذا‬
‫الفاعل عن جناية قتل عمد عادية‪ ،‬بينما يسأل الزوج عن الجنحة‪ ،‬ويعاقب هذا الفاعل اآلخر‬
‫بعقوبة الجناية من باب أولى حين يرتكب القتل وحده دون الزوج‪ ،‬أما إذا كان مع الزوج مساهم‬
‫ساعده في القتل دون أن يأت معه فإن هذا المساهم يعد شريكًا في جنحة ال جناية؛ ألنه يستمد‬
‫إجرامه من فعل الفاعل‪ ،‬وهو هنا جنحة‪ ،‬ولكن يتغير الحكم حين يكون الشريك في القتل هو‬
‫الزوج‪ ،‬بينما يكون الفاعل شخصًا آخر فعندئذ يعتبر الفاعل مرتكبًا لجناية قتل عمد‪ ،‬ويعد الزوج‬
‫شريكًا له في هذه الجناية‪ ،‬دون أن يستفيد بتوقيع عقوبة الجنحة إذ يستمد إجرامه من الفعل‬
‫األصلي‪ ،‬وهو في ذلك الفرض جناية‪.‬‬

‫مما سبق يتضح أن نص المادة ‪ 237‬من قانون العقوبات قصر تحقيق العقوبة على الزوج‬
‫الفقه‬ ‫(‪)3‬‬
‫فقط دون إعطاء هذا الحق للزوجة أو األخ أو االبن أو األب‪ ،‬وهذه سياسة انتقضها‬
‫الجنائي إذ أن حكمة التخفيف ترجع أساسًا إلى حالة االستفزاز الناشئة عن التلبس بالزنا‪ ،‬فلما‬
‫التفرقة إذا؟ وإ عطاء هذا الحق إلى الزوج دون الزوجة؟ فالزوجة تثور لكرامتها وتستفزها الخيانة‬
‫الزوجية كالرجل تمامًا‪ ،‬بل أكثر منه‪ ،‬فقد ترتكب جريمة قتل زوجها تحت تأثير االستفزاز إذا ما‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ ،‬المرجع السابق‪.262 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عوض محمد‪ :‬جرائم األشخاص واألموال‪0 114 -1985 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 262 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫فاجأته هو وعشيقته على فراش الزوجية‪ ،‬فال تستفيد من العذر المخفف‪ ،‬كذلك التفرقة بين الزوج‬
‫وبين أقارب الزوجة كأصولها أو إخوتها الذين يثأرون لشرفهم ويندفعون للثأر منها بقتلها‪.‬‬

‫والغريب في هذا الشأن أن مشروع قانون العقوبات المصري القديم سنة ‪ 1966‬نص في‬
‫المادة ‪ 394/2‬عقوبات على أنه »يسرى هذا الحكم على من فاجأ إحدى أصول أو فروع أو‬
‫أخواته متلبسًا بجريمة الزنا« وأخذ بذلك بعض التشريعات العربية‪ ،‬كالتشريع اللبناني الذي أعطى‬
‫هذا الحق للزوجة وألصولها ولفروعها‪ ،‬ولكن بصدد المادة ‪ 237‬عقوبات ال يمكن القياس أو‬
‫التوسع فيما ورد بالنص‪ ،‬ويبقى العذر القانوني مقصورا على الزوج فقط ال غير في حالة مفاجئته‬
‫لزوجته ومن معها متلبسة بالزنا‪ ،‬أما بخصوص باقي األفراد كالزوجة واألصول والفروع فهذا‬
‫أمر متروك للقضاء في تخفيف العقاب عليها‪ ،‬مراعيًا القاضي كذلك ظروف ومالبسات ارتكاب‬
‫(‪)1‬‬
‫تلك الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل ما أعطاه المشرع لقاضى الجنائي في المادة (‪ )17‬عقوبات‬
‫وهنا يكون عذر قضائي‪ ،‬وليس عذرا قانونيا‪.‬‬

‫(‪ )2‬مفاجئة الزوجة متلبسة بالزنا‪:‬‬


‫تشترط المادة ‪ 237‬عقوبات باإلضافة إلى صفة الجاني والمجني عليه »الزوج والزوجة«‬
‫مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا‪ ،‬حيث إن الحكمة من تخفيف العقاب على الزوج حالة االستفزاز‬
‫التي تذهله‪ ،‬وتفقده السيطرة على نفسه‪ ،‬ويندفع إلى ارتكاب جريمته‪ ،‬فالمفاجأة هنا قاصرة على‬
‫الزوج دون الزوجة؛ ألن الزوجة دائمًا تفاجأ حين تضبط متلبسة بالزنا‪ ،‬أما الزوج فقد تكون‬
‫الواقعة مفاجئة له‪ ،‬وقد ال تكون‪ ،‬وهنا يتجلى نص المادة سالفة الذكر في قولها »من فاجأ زوجته‬
‫حال تلبسها بالزنا‪ ،‬فالتلبس في مفهوم المادة ‪ 237‬عقوبات يراد به ضبط الزنا وقت ارتكابه‪ ،‬أو‬
‫عقب ارتكابه ببرهة يسيرة‪ ،‬يصح اعتباره امتدادًا لزمنه‪ ،‬والدليل على ذلك أن المشرع يتحدث في‬
‫هذه المادة عن قتل الزوجة وشريكها‪ ،‬فهو يتصور النطباق الحكم أن يتكشف الزنا لحظة وقوعه‬
‫أو بعده ببرهة يسيرة‪ ،‬ال يتاح فيها للزانية وال للزاني مغادرة مسرح الخطيئة‪ ،‬وهذا يقطع بلزوم‬
‫التقارب الشديد بين زمن ارتكاب الزنا‪ ،‬وزمن اكتشافه‪ ،‬وهذا أكثر اتفاقًا مع مفهوم التلبس في‬

‫(?) نص المادة ‪ 17‬من قانون العقوبات » يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة‬ ‫‪1‬‬

‫المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه اآلتى‪:‬‬
‫عقوبة اإلعدام بعقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عقوبة األشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫األشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذى ال يجوز أن ينقص عن ستة شهور‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عقوبة السجن بعقوبة السجن الحبس التى ال يجوز أن تنقص عن ثالثة شهور‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪277‬‬
‫األذهان‪ ،‬فالتلبس لغة واصطالحًا ليس جوهره الدليل القاطع‪ ،‬وإ نما جوهره المعاصرة أو التقارب‬
‫الزمني الشديد بين وقوع األمر واكتشافه‪.‬‬

‫واشترط المشرع في صورة التلبس عنصر المفاجأة‪ ،‬وعبر عن هذا بقوله »من فاجأ‬
‫زوجته حال تلبسها بالزنا« وهذا ما يستدعى التساؤل عما إذا كانت المفاجأة توجب مشاهدة‬
‫الواقعة بغير توقع سابق؟ أم الممكن أن تحصل المفاجأة رغم هذا التوقع‪ ،‬بمعنى هل ينطبق النص‬
‫بالنسبة إلى الزوج الذي يجد نفسه دون مقدمات سابقة إزاء حالة تلبس بالزنا من زوجته؟ وكذلك‬
‫في حالة من تشكك في أخالق زوجته فأخذ يتحين الفرص لمراقبتهما ثم تيقن من مشاهدة الواقعة‬
‫أمامه (‪0)1‬‬

‫قيل بأن النص ينطبق في الصورتين؛ ألن هذا أمر ظاهر في الحالة األولى‪ ،‬وعنصر‬
‫المفاجأة متوافر في الحالة الثانية بمشاهدة الواقعة التي كان مشكوكًا في إمكان حدوثها‪ ،‬وفي ذلك‬
‫طرحت أمام محكمة النقض قضية نسب فيها للمتهم أنه أحس بوجود صلة غير شريفة بين‬
‫المقتول وزوجته؛ فأراد أن يقف على جلية األمر بعد أن سأل زوجته في هذا الشأن وأنكرت؛‬
‫فتظاهر أنه ذاهب إلى السوق وكمن لها في المنزل حتى إذا ما حضر المقتول واختلى بالزوجة‬
‫وأخذ يراودها ويداعبها إلى أن اعتاللها فعًال؛ برز لها من مكمنه وانهال على المقتول طعنًا‬
‫بالسكين حتى قتله‪ ،‬أما الزوجة فقد ولت هاربة واختفت في منزل الجار‪ ،‬فبعد أن بينت المحكمة‬
‫آراء الشراح على الوجه المتقدم قالت إن الفعل المسند إلى المتهم ينطبق على الحالة الثانية السابق‬
‫(‪)2‬‬
‫ذكرها وعاملته طبقًا للمادة ‪ 237‬عقوبات‬

‫وهذه الصورة تختلف عن صورة أخرى يتأكد فيها الجاني من وقوع الجريمة‪ ،‬ولكنه‬
‫يتحين الفرص لضبط المرأة واالعتداء عليها‪ ،‬وفي هذه الصورة ينتفي سبب العذر‪ ،‬بمعنى أنه إذا‬
‫كان الزوج متيقنًا من خيانة زوجته فكان مدفوعًا بالرغبة في االنتقام منها‪ ،‬ولكنه يريد قتلها في‬
‫ظروف تثبت فيها خيانتها فاحتال حتى ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها‪ ،‬فهو ال يستفيد من سبب‬
‫(‪)3‬‬
‫التخفيف إذ لم يفاجأ بالزنا فما كان يعتقده هو ما تحقق‬

‫والخالصة في أن يفاجئ الزوج بحالة التلبس والمفاجأة تكون للزوج نفسه‪ ،‬إذ بغير ذلك ال‬
‫تتحقق حكمة التخفيف‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه هو إمكانية استفادة الزوج من العذر إذا توافر‬
‫لديه سبق اإلصرار والترصد‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسن المرصفاوى‪ :‬قانون العقوبات الخاص‪0 208 ،1978 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) محكمة النقض‪ -‬جلسة ‪ 3‬نوفمبر ‪ -1925‬محاماة ‪6‬ق رقم ‪ -296‬المجموعة الرسمية‪ -‬س‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -28‬عدد ‪.7‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم الخاص‪0397 ،1987 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫اإلجابة السريعة تقول‪ :‬إن سبق اإلصرار يتنافى مع االستفزاز الناتج عن المفاجأة‪،‬‬
‫والمؤدى الرتكاب القتل في الحال‪ ،‬ولكن اإلجابة الدقيقة والصحيحة أن سبق اإلصرار والترصد‬
‫ال يمنع من قيام العذر‪ ،‬وعنصر المفاجأة المؤدى إلى حالة الثورة والغضب التي تدفع الجاني‬
‫»الزوج« إلى قتل الزوجة هي ومن معها حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وذلك إذا ما ارتبط اإلصرار بالشك‪،‬‬
‫أما إذا ما كان الزوج على يقين من سوء سلوك المرأة فإن ذلك الترصد واإلصرار ينفي المفاجأة‪،‬‬
‫فال يتحقق بشأنه العذر المخفف‪ ،‬فإذا أقدم الزوج على قتل زوجته عن سبق إصرار وترصد‬
‫(‪)1‬‬
‫فيطبق عليه عقوبة القتل العمد مع سبق اإلصرار والترصد‬

‫وهذا ما استقر عليه الفقه في مصر وفرنسا‪.‬‬

‫ولما كان ما دون الوطء من الفاحشة ال يعذرنا‪ ،‬فإن التلبس به ال يكفي النطباق حكم المادة‬
‫‪ 237‬فال يعذر الزوج إذا ثارت ثائرته لمرأي هذه األفعال فقتل زوجته وشريكها‪ ،‬على أن ذلك ال‬
‫يمنع بطبيعة الحال من تطبيق المادة ‪ 17‬عقوبات إذا اقتنع القاضي بدواعي تطبيقها‪ ،‬ومن قبيل‬
‫أعمال الفحش التي ال تعد وطئًا العناق والتقبيل والمساحقة والمضاجعة التي ال ينضو العاشقان‬
‫فيها ما عليهما من ثياب‪ ،‬وأخيرًا فإنه يالحظ افتراض رضاء الزوجة بفعل الزنا فإن أكرهت على‬
‫تحمل الوطء كان الفعل اغتصابًا في القانون ال زنى‪ ،‬وال عذر للزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي‬
‫ضحية اغتصاب من جانب الغير فيقتلها‪ ،‬وهو يعلم أنها معلولة على أمرها فإن قتلها عوقب طبقًا‬
‫(‪)2‬‬
‫للقواعد العامة‬

‫وال يتطلب النص أن يكون تلبس الزوجة بالزنا حاصًال في منزل الزوجية‪ ،‬فينطبق‬
‫النص‪ ،‬ولو كان الزوج قد ضبطها كذلك خارج بيتها‪.‬‬

‫(‪ )3‬وقــوع القتــل في الحــال‪:‬‬


‫ويشترط نص المادة ‪ 237‬عقوبات باإلضافة إلى صفة الجاني والمجني عليه‪ ،‬ومفاجأة‬
‫الزوجة متلبسة بالزنا أن يقع القتل عند حدوث المفاجأة بحالة التلبس‪ ،‬وهذا الشرط يستمد وجوده‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.265 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫محكمة النقض ‪ 1530‬لسنة ‪42‬ق جلسة ‪ 3/11/1925‬حيث قررت فى القضية سالفة الذكر إن‬
‫الزوج الذى يقتل زوجته هى ومن يزنى بها بعد ترصد لهما ال يعد معذورًا فى حالة حصول‬
‫الترصد‪ ،‬بعد تيقن الزوج بخيانة زوجته تيقنًا ال ريبة فيه‪ ،‬ومن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو‬
‫التشفى‪ ،‬وإ نما يعد الزوج معذورًا إذا قتلهما‪ ،‬وكان االختفاء نتيجة لشكه ورغبة منه للوقوف إلى‬
‫الحقيقة‪ ،‬ألن الدافع للقتل فى هذه الحالة هو االنفعال المفاجئ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عوض محمد‪ :‬المرجع السابق‪0 120 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫من الحكمة بتخفيف العقاب‪ ،‬ومن صريح نص المادة »وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها«‬
‫فالحكمة من التخفيف هي حالة الغضب الوقتي الناتج عن اإلهانة المعاصرة للمفاجأة‪ ،‬فإذا انقضى‬
‫زمن كافي لزوال أثر الغضب سقط العذر وعوقب الزوج طبقًا لألحكام العامة في قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وأمر تقدير الزمن الكافي لعودة الزوج إلى حالته النفسية الطبيعية أمر نسبى يختلف من‬
‫(‪)1‬‬
‫شخص آلخر‪ ،‬ولذلك يترك أمر تقديره إلى قاضى الموضوع‬

‫وال يعنى ذلك أن يقتلها وشريكها لحظة مشاهدتهما في حالة التلبس؛ فقد يقتضى الموقف‬
‫أن يسرع وهو في حالة الثورة النفسية إلى مكان مجاور بحثًا عن سالح لتنفيذ جريمته‪ ،‬فال يمنع‬
‫مرور المدى الزمني القصير من توافر العذر‪ ،‬ما دام الزوج قد ارتكبه وهو ال يزال واقعًا تحت‬
‫تأثير الثورة النفسية الفجائية التي تضعف إرادته وقدرته على التفكير والتروى‪.‬‬

‫و ال يعتبر القانون المصري الغضب عذرًا مخففًا إال في حالة خاصة‪ ،‬وهي حالة الزوج‬
‫(‪)2‬‬
‫الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها هي ومن يزنى بها‬

‫وقد قضى أيضًا بعدم توافر العذر المخفف في حق زوج أقدم على قتل زوجته بعد أن‬
‫الحظ أنها تسلك مسلكًا غير شريف‪ ،‬وإ نها تغادر المسكن دون علمه‪ ،‬وتعود إليه في ساعات‬
‫متأخرة من الليل‪ ،‬وقد انتشر نبأ تلك العالقات وسط جيرانه في المسكن‪ ،‬وكان يسمع منهم من‬
‫(‪)3‬‬
‫حين آلخر كلمات عن زوجته تثير شعوره‪ ،‬وتجرح كرامته‬

‫فإذا ما توافرت الشروط سالفة البيان والمنصوص عليها في المادة ‪ / 237‬عقوبات ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الشروط العامة لجريمة القتل العمدي ‪ ،‬فإن العقوبة تكون الحبس‪ ،‬ويترتب على ذلك‬
‫أن الجريمة هنا تعد جنحة ألن العقوبة منصوص عليها قانونًا‪ ،‬وبالتالي يتغير وصف الجريمة من‬
‫جناية إلى جنحة‪ ،‬ويترتب على ذلك آثار قانونية هامة هي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ال عقاب على الشروع فيها ألنها جنحة‪ ،‬وال عقاب على الشروع في الجنح إال بنص طبقًا‬
‫(‪)4‬‬
‫للمادة ‪ / 47‬عقوبات‬

‫(‪ )2‬يطبق عليها أحكام الجنح فيما يتعلق بالتقادم والعود‪.‬‬

‫(?) المستشار ‪ /‬جندى عبدالملك‪ :‬الموسوعة الجنائية‪،‬جـ‪826 ،5‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نقض رقم ‪ 1502‬لسنة ‪13‬ق‪ -‬جلسة ‪ -25/10/1943‬مجموعة أحكام نقض‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نقض ‪ 15‬أكتوبر سنة ‪ -1984‬مجموعة أحكام محكمة النقض‪ -‬س‪ -35‬رقم ‪ -146‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.670‬‬
‫(?) تنص المادة ‪ / 47‬عقوبات على أن »تعين قانونًا الجنح التى يعاقب على الشروع فيها‪ ،‬وكذلك‬ ‫‪4‬‬

‫عقوبة هذا الشروع«‬


‫‪277‬‬
‫(‪ )3‬تكون المحكمة المختصة بنظر الموضوع هي محكمة الجنح‪.‬‬

‫(‪ )4‬إذا ساهم مع الزوج شريك بالتفويض أو المساعدة فال يستفيد من التخفيف‪ ،‬إال إذا كان يعلم‬
‫(‪)1‬‬
‫بأسباب االستفزاز‪ ،‬وذلك طبقًا للمادة ‪ 41‬عقوبات‬

‫(‪ )5‬إذا كان الزوج شريكًا للفاعل األصلي في تلك الجريمة‪ ،‬فال يستفيد من العذر المخفف تطبيقًا‬
‫للقواعد العامة في المساهمة التبعية‪ ،‬حيث إن الشريك يستعير إجرامه من الفاعل األصلي‪،‬‬
‫وبالتالي يعاقب كشريك في جناية قتل عمد‪.‬‬

‫(‪ )6‬إذا تعدد الفاعلون في ارتكاب هذه الجريمة المنصوص عليها بالمادة ‪/237‬ع‪ ،‬وكان من‬
‫ضمنهم الزوج فال يستفيد من التخفيف الوارد بالمادة إال الزوج‪ ،‬وذلك طبقًا للمادة ‪/ 39‬‬
‫عقوبات‪.‬‬

‫(?) تنص المادة ‪ 41‬على أن »من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها إال ما استثنى قانونًا بنص خاص‬ ‫‪1‬‬

‫ومع هذا‪-:‬‬
‫أوًال‪ :‬ال تأثير على الشريك من األحوال الخاصة بالفاعل التى تقتضى تغيير وصف الجريمة إذا كان‬
‫الشريك غير عام بتلك األحوال‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا تغير وصف الجريمة نظرًا إلى قصد الفاعل فيها أو كيفية علمه بها يعاقب الشريك بالعقوبة التى‬
‫يستحقها‪ ،‬لو كان قصد الفاعل من الجريمة أو علمه بها كقصد الشريك منها أو علمه بها‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫ثانيًا‪ :‬السب غير العلني نتيجة االستفزاز‪:‬‬


‫التطبيق الثاني لحالة االستفزاز في القانون المصري ورد في نص المادة ‪ 378/9‬عقوبات‬
‫وذلك »يعاقب بغرامة ال تجاوز خمسون جنيهًا كل من ارتكب فعًال من األفعال التالية‪:‬‬

‫* من ابتدأ إنسانًا بسب غير علني‪:‬‬


‫ولبيان تأثير حالة االستفزاز على جريمة السب غير العلني‪ ،‬اشترط المشرع للعقاب على‬
‫هذه الجريمة أن يكون مرتكب السب قد ابتدأ المجني عليه بالسب‪ ،‬أي أال يكون قد لجأ إلى السب‬
‫ردًا على سب موجه إليه‪ ،‬مما يعتبر معه االستفزاز عذرًا مبررًا لالستفزاز في هذه الحالة‪.‬‬

‫وبالتالي يستخلص من النص سالف الذكر أن المشرع اعتبر ابتداء المتهم للمجني عليه‬
‫بالسب ركنًا في جريمة السب غير العلني‪.‬‬

‫فإذا وجد االستفزاز فال قيام لجريمة السب غير العلني لعدم توافر أحد أركانه‪.‬‬

‫ولذلك إذا كان مرتكب السب شخصًا آخر خالف من وجه إليه االستفزاز‪ ،‬كصديق أو‬
‫قريب له فإنه ال ينفي وقوع الجريمة‪ ،‬فإباحة السب المرتكب نتيجة االستفزاز سابق من المجني‬
‫عليه أن يكون سب الجاني موجه إلى ذات المجني عليه المستفز‪ ،‬مما يدعو إلى بيان الشروط‬
‫الواجب توافرها في حالة االستفزاز التي تمنع وقوع العقاب على الجاني المستفز‪ ،‬والحكمة من‬
‫عدم العقاب‪.‬‬

‫الشروط الواجب توافرها في حالة السب غير العلى نتيجة االستفزاز‪:‬‬


‫بإلقاء الضوء على نص المادة ‪ 378/9‬عقوبات يتضح أنها نصت على »من ابتدأ إنسانًا‬
‫بسب غير علني«‪.‬‬

‫والظاهر من عبارة النص أن المشرع يشترط للعقاب على جريمة السب غير العلني أن‬
‫يكون مرتكب السب »الجاني« قد ابتدأ المجني عليه بالسب‪ ،‬مما يؤكد أن العقاب هنا مشروط بأن‬
‫الجاني مرتكب السب هو الذي وجه السب مباشرة للمجني عليه‪ ،‬وبالتالي في حالة ما إذا كان‬
‫سب الجاني جاء ردًا على سب المجني عليه إليه تنتفي الحكمة من التجريم ‪ ،‬وتصبح في مجال‬
‫االستفزاز المبرر لسب الجاني‪ ،‬ولذلك يشترط لعدم عقاب الجاني مرتكب السب غير العلني‬
‫المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر شرطان هما‪:‬‬
‫‪277‬‬

‫( أ ) أن يكون االستفزاز صادر من المجني عليه نفسه ومتخذًا صورة السب‬


‫وموجهًا لشخص الجاني‪:‬‬
‫ال يجوز للمتهم المرتكب للسب غير العلني االحتجاج باالستفزاز الصادر من شخص آخر‬
‫غير المجني عليه‪ ،‬ولو كان توأمه أو صديقه أو من أصوله أو من فروعه‪ ،‬فعدم العقاب مقرون‬
‫بصفة الجاني‪ ،‬والمجني عليه‪ ،‬وبموضوع السب‪ ،‬أما إذا تجاوز الفعل السب كالتعدي بالضرب أو‬
‫(‪)1‬‬
‫إحداث إصابة‬

‫أو شخص المجني عليه الذي وجه السب للجاني‪ ،‬فال يكون في مجال حالة االستفزاز التي‬
‫(‪)2‬‬
‫تم توقيع العقوبة على الجاني‪ ،‬ويعاقب الجاني طبقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات‬

‫حيث يرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أنه يجب لتوافر جريمة السب غير العلني‬
‫توافر عنصر سلبي قوامه انتفاء االستفزاز‪ ،‬فهذا الركن الخاص يميز السب غير العلني من السب‬
‫العلني‪ ،‬ومفهوم هذا الركن أن السب غير العلني يفترض أن المتهم قد بدأ باالعتداء‪ ،‬ولم يكن‬
‫السب الذي صدر عنه رد فعل لسب وجهه إليه المجني عليه‪ ،‬فتجريم السب غير العلني يفترض‬
‫وقوعه ابتداءً‪ ،‬وتلقائيًا دون استفزاز من المجني عليه‪.‬‬

‫ويشترط إلنتاج هذا االستفزاز أثره في نفي جريمة السب غير العلني‪ :‬أن يقع من المجني‬
‫عليه‪.‬‬

‫فال يحول دون توافر السب غير العلني أن يصدر عن المتهم أثر سب وجهه إليه قريب‪،‬‬
‫أو صديق المجني عليه‪ ،‬وعلى ذلك فانتفاء السب غير العلني لتوافر عنصر االستفزاز يعنى أن‬
‫المتهم كان ضحية لجريمة سب من جانب المجني عليه؛ مما دفعه تحت ثورة عصبية إلى مبادلته‬
‫ذات السلوك‪.‬‬

‫ومن هنا يشترط إلنتاج االستفزاز أثره ليس فقط وحده المتهم والمجني عليه في واقعتي‬
‫السب‪ ،‬وإ نما أيضًا ارتكاب السب غير العلني عقب استفزاز‪ ،‬أي عقب صدور السب من المجني‬
‫عليه للمتهم بحيث ال يمر بينها فاصل زمني يتمكن خالله مرتكب السب غير العلني من استعادة‬
‫(‪)3‬‬
‫هدوئه‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪0 301 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬المرجع السابق‪0 408 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬جرائم االعتداء على‬ ‫‪3‬‬

‫األشخاص‪ ،‬المرجع السابق‪.276 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫(ب) المعاصرة بين سب الجاني والسب الموجه إليه من المجني عليه‪:‬‬


‫اشترط المشرع في المادة السابقة إلباحة السب المرتكب نتيجة الستفزاز سابق من المجني‬
‫عليه يتطلب حصوله أثناء الفترة التي حدث فيها االستفزاز‪ ،‬وال يعنى ذلك أن يكون السب صادرًا‬
‫بعد االستفزاز مباشرة‪ ،‬وإ نما يجب حصوله في وقت ال زال فيه الجاني واقعًا تحت تأثير الثورة‬
‫(‪)1‬‬
‫النفسية الناجمة على االستفزاز‬

‫أما إذا مر وقت زمني كافٍ إلعادة الجاني الموجه إليه السب للمجني عليه لهدوئه وإ رادته‬
‫الحرة غير المتأثرة باستفزاز المجني عليه‪ ،‬فإنه ال يستفاد من إباحة الفعل‪ ،‬ويخضع للعقاب طبقًا‬
‫للمادة ‪ 378/9‬عقوبات‪.‬‬

‫وإ ن تجاوز السب يعاقب طبقًا للقواعد العامة التي تنظم الفعل المرتكب منها‪ ،‬دون أن‬
‫يستفاد من حالة االستفزاز‪ ،‬وتقدير قيام المعاصرة من عدمه أمر نسبى يختلف من شخص آلخر‪،‬‬
‫ومن ظروف ألخرى يخضع تقديرها لقاضى الموضوع‪.‬‬

‫و الحكمة من عدم العقاب على جريمة السب غير العلني عند توافر حالة االستفزاز‬
‫للجاني ترجع إلى قلة أهمية تلك الجريمة في ذاتها‪ ،‬حيث عندما توجه إلى أحد األفراد جريمة‬
‫السب تفقد صفتها غير المشروعة حينما يكون الدافع إليها االستفزاز الصادر من المجني عليه‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق‪.720 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬المرجع السابق‪.408 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫* تعقــيب‪:‬‬
‫أخذ المشرع المصري بعذر االستفزاز في نطاق ضيق مقارنة بما وصلت إليه أبحاث علم‬
‫"المجني عليه" من نتائج حول دور المجني عليه في الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬خاصة ما تعلق منها‬
‫باالستفزاز‪ ،‬وأثره في وقوع الجرائم‪ ،‬وعدم مسايرته لما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال‬
‫علم "المجني عليه" والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه في االعتبار عند تقدير عقوبة الجاني‪،‬‬
‫لما في دور المجني عليه من أثر بالغ في وقوع الجريمة من خالل مساهمته في ارتكابها‪ ،‬أو‬
‫تخلف فكرتها لدى الجاني‪ ،‬مما يدفعه إلى ارتكاب جريمته‪ ،‬وذلك في حالة االستفزاز‪ ،‬لذلك يأمل‬
‫الباحثون في علم "المجني عليه" أن ينص المشرع على اعتبار االستفزاز عذرًا مخففًا عامًا‪ ،‬يؤدى‬
‫توافره إلى تخفيف العقوبة أيًا كانت الجريمة التي يتعلق بها هذا العذر‪ ،‬وليس االكتفاء بما هو‬
‫منصوص عليه في المادة ‪ 237‬عقوبات‪ ،‬وفي نطاق ضيق مقصور على الزوج الجاني فقط ‪،‬‬
‫وفي حدود جريمة القتل لزوجته التي فوجئ بها متلبسة بالزنا‪.‬‬

‫ولكن ما يخفف من موقف المشرع المصري هو ما أعطاه للقاضي الجنائي من سلطة‬


‫تقديرية في أعمال الظروف القضائية المخففة طبقًا للمادة ‪ 17‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫وفي النهاية يتضح مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني من‬
‫خالل مساهمته في الجريمة التي ارتكبها الجاني‪ ،‬فكانت المساهمة عذرًا للجاني يخفف عقوبته‬
‫ويغير مسئوليته‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫األثر القانوني المترتب على عذر االستفزاز‪.‬‬


‫يتضح من موقف التشريعات المختلفة في النظر إلى حالة االستفزاز كعذرعام مخففًا‬
‫للعقاب‪ ،‬وكذلك النظر إليها كعذر قانوني خاصًا يحدد بنصوص قانونية على سبيل الحصر ال‬
‫يجوز القياس عليها‪ ،‬أو التوسع فيها‪ ،‬ومن هذه التشريعات التشريع المصري الذي كما اتضح في‬
‫التطبيقين المنصوص عليهما في المادتين ‪237‬و ‪ 378/9‬عقوبات األولى اعتبرت حالة‬
‫االستفزاز عذرًا مخففًا للعقاب‪ ،‬والثانية اعتبرت حالة االستفزاز مانعًا من العقاب‪ ،‬وذلك على‬
‫النحو الذي وضح سلفًا‪.‬‬

‫ويمكن القول‪ :‬إن للمجني عليه دور بارز وفعال في وقوع الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل حالة‬
‫االستفزاز‪ ،‬وإن لهذا الدور أثر ال يمكن تجاهله في تحديد مسئولية الجاني سواء من خالل وضع‬
‫النصوص التشريعية‪ ،‬أو من خالل السلطة القضائية عند بحثها لظروف ومالبسات الجريمة‬
‫المنظورة أمامها‪ ،‬لتطبيق العقوبة المناسبة المالئمة لخطأ الجاني المستفز‪.‬‬

‫بمعنى أن حالة االستفزاز لها أثر من ناحية المسئولية الجنائية للجاني‪ ،‬والمسئولية المدنية‪،‬‬
‫فإن أغفل المشرع األخذ بها في بعض النصوص القانونية‪ ،‬واعتبرها محددة على سبيل الحصر‪،‬‬
‫باعتبارها عذر قانوني خاص يخفف العقوبة‪ ،‬فإن القاضي ال يمكن أن يتجاهل أثناء تطبيقه‬
‫للعقوبة على الجاني الذي تعرض لحالة االستفزاز من المجني عليه فدفعته الرتكاب الجريمة‬
‫وبالتالي حالة االستفزاز التي يقوم بها المجني عليه تجاه‬ ‫(‪)1‬‬
‫ضده اعتبارها عذرا قضائيا مخففا‬
‫الجاني لها أثر قانوني واضح في تخفيف العقاب على الجاني‪ ،‬سواء أخذت التشريعات الجنائية‬
‫بالنص عليها‪ ،‬أو بعدم النص عليها‪ ،‬وذلك متماشيًا مع ما تمليه السياسة الجنائية الحديثة في مجال‬
‫علم "المجني عليه"‪ ،‬والتي تدعو إلى أخذ سلوك المجني عليه باالعتبار عند تقدير عقوبة الجاني‪.‬‬

‫وأيضًا يكون لها أثر فعال من ناحية المسئولية المدنية القائمة على الخطأ‪ ،‬والعذر والعالقة‬
‫السببية بينهما‪ ،‬وذلك من خالل تخفيض التعويض المدني المترتب على مسئولية الجاني المستفز‪،‬‬
‫وإ نقاص مبلغ التعويض يكون متناسبًا مع قدر مساهمة المجني عليه في خلق فكرة الجريمة‪ ،‬ودفع‬
‫الجاني إليها‪.‬‬

‫(?) حيث قضت محكمة النقض فى أحكام عديدة باعتبار االستفزاز عذر قضائى مخفف من هذه األحكام‬ ‫‪1‬‬

‫»لما كانت حاالت اإلثارة أو االستفزاز أو الغضب ال تنفى نية القتل كما أنه ال تناقض بين قيام هذه النية لدى‬
‫الجانى‪ ،‬وبين كونه قد ارتكب فعله تحت تأثير أى من هذه الحاالت‪ ،‬وإ ن أعدت أعذار قضائية مخففة يرجع‬
‫األمر فى تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير مغصب عليها من محكمة النقض‪ ،‬نقض ‪.25/5/1973‬‬
‫‪277‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫دور المجني عليه في الدفاع الشرعي‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫لبيان مدى تأثير دور المجني عليه في الدفاع الشرعي ذلك الدور الذي يقوم به المجني‬
‫عليه البادئ باالعتداء في إلحاق األذى بنفسه من أفعال الدفاع التي أباحها القانون إعماًال لحق‬
‫الدفاع الشرعي سيتم بحث حالة الدفاع الشرعي من خالل التركيز على دور المجني عليه في‬
‫وقوع فعل االعتداء‪ ،‬دون الدخول في موضوع الدفاع الشرعي بشكل عام‪.‬‬

‫فالدفاع الشرعي‪ :‬هو استعمال القوة الالزمة لرد اعتداء غير مشروع يقع على النفس أو‬
‫المال‪ ،‬سواء كان االعتداء يهدد المدافع ذاته أم غيره‪ ،‬وهو حق تخوله المبادئ القانونية العامة‬
‫للمدافع الستعمال القوة الالزمة لبدء اعتداء غير مشروع يوشك أن يقع‪ ،‬أو للحيلولة دون‬
‫استمراره‪ ،‬والحكمة من إباحته هي الموازنة بين المصالح في المجتمع‪ ،‬وترجيح مصلحة على‬
‫أخرى كمصلحة المعتدى عليه هي األجدر بالحماية‪.‬‬

‫أما مصلحة المعتدى فلم تعد جديرة بالحماية لبدئه بالعدوان على المصالح التي يحميها‬
‫القانون‪ ،‬وليس في مثل الدفاع أي اعتداء مع مصلحة المجتمع‪.‬‬

‫وعلى ذلك فالدفاع الشرعي سبب عام من أسباب اإلباحة‪ ،‬يبرر استعمال القوة الالزمة‬
‫والكافية لدفع خطر حال‪ ،‬وغير مشروع يهدد باالعتداء حقًا يحميه القانون‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على الدفاع الشرعي من منظور دراسة دور المجني عليه في الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬وأثره في مسئولية الجاني يتضح أن إباحة حق الدفاع جاءت نتيجة ارتكاب المجني‬
‫عليه ألعمال االعتداء‪ ،‬ففقد الحماية الجنائية وحقوقه المدنية‪.‬‬

‫وفي هذا الفصل سيتم دراسة دور ضحية أفعال الدفاع الشرعي في إلحاق األذى بنفسه‪،‬‬
‫ودور صاحب الحق المهدد باالعتداء‪ ،‬من خالل أربعة مباحث كالتالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األساس القانوني للدفاع الشرعي‪0‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي‪0‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القيود الواردة على حق الدفاع الشرعي‪0‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬األثر القانوني المترتب على توافر حالة الدفاع الشرعي‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬

‫األساس القانوني للدفاع الشرعي ‪.‬‬


‫وبالتالي تعددت‬ ‫(‪)1‬‬
‫اختلفت اآلراء الفقهية في بيان األساس القانوني للدفاع الشرعي‬
‫النظريات في تبرير إباحة فعل االعتداء الواقع من المدافع‪ ،‬فمنها ما اعتبر أن األساس القانوني‬
‫للدفاع الشرعي يرجع إلى األساس المعنوي المتمثل في اإلكراه‪ ،‬واإلرغام النفسي الذي يسببه فعل‬
‫االعتداء‪ ،‬فمن يدافع عن نفسه دفاعًا شرعيًا يباشر فعله في حالة إكراه معنوي واضطراب نفسي‬
‫بسبب ما يتعرض له من اعتداء غير مبرر‪.‬‬

‫وبالتالي تنعدم إرادته وحرية اختياره األمر الذي يؤدى إلى انتفاء مسئوليته الجنائية‪.‬‬

‫واستند أصحاب هذه النظرية أيضًا في مجال وضع تبرير إلباحة أفعال الدفاع إلى‬
‫مشروعية الباعث‪ ،‬والهدف من ارتكاب فعل الدفاع‪ ،‬وهو حماية حق ذاتي أو حق للغير‪.‬‬

‫ولكنه يؤخذ على تلك النظرية ذات األساس المعنوي إلباحة أفعال الدفاع أن النظام‬
‫القانوني الجنائي ال يعتد بالبواعث‪ ،‬كما أن المشرع يتطلب شروط أخرى إلباحة فعل الدفاع‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أن المدافع قد يرد االعتداء في هدوء تام دون أن يفقد ضغط النفس أو التحكم‬
‫اإلرادي‪.‬‬

‫وهذا ما دعا بعض الفقهاء إلى تبرير إباحة أفعال الدفاع إلى أساس موضوعي؛ متمثًال في‬
‫تنازع المصالح‪ ،‬بمعنى إذا تعارضت مصلحتان فإن القانون يضحى بالمصلحة األقل أهمية‬
‫محافظًا على المصلحة األكثر أهمية‪.‬‬

‫فيرى أصحاب هذا الرأي أن مصلحة المدافع تعلو على مصلحة المعتدى‪ ،‬مما يصيب‬
‫المعتدى من ضرر بسبب أعمال الدفاع‪ ،‬إنما يحدث درءًا العتدائه‪.‬‬

‫وبالتالي فإن كل فعل يلزم لرد االعتداء يصبح مشروعًا‪ ،‬وما يتعدى مقتضيات الدفاع‬
‫فيظل غير مشروع‪.‬‬

‫في حين يرى األستاذ الدكتور يسرى أنور أن أساس اإلباحة في الدفاع الشرعي هو انعدام‬
‫الضرر بالفعل‪ ،‬وبالتالي تخلفت المصلحة االجتماعية في التجريم والعقاب‪ ،‬ولذلك فإن الدولة تبيح‬

‫(?) أنظر أساس الدفاع الشرعى فى الفقه الوضعى‪ -‬ص‪123‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد سيد عبد التواب‪ :‬في الدفاع الشرعي في الفقه اإلسالمي‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه ( غير منشورة) ‪،‬كلية الحقوق‪ :‬جامعة القاهرة‪.،‬‬
‫‪277‬‬
‫أفعال المعتدى عليه ألنه ال يحقق ضررًا اجتماعيا‪ ،‬بل يؤكد سلطة القانون بمنع اعتداء غير‬
‫مشروع‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أن سلوك المدافع ال يكون جريمة أصًال‪ ،‬بل يصدر مشروعًا‪ ،‬فال‬
‫(‪)1‬‬
‫جريمة في األمر‬

‫فالدفاع الشرعي له طبيعة موضوعية مادية أو عينية‪ ،‬إذ يزيل صفة عدم المشروعية‬
‫الجنائية عن الواقعة بنص المشرع‪ ،‬وهو ينشأ حينما توافرت شروطه دون اعتداد أو إشارة إلى‬
‫شخص المدافع‪ ،‬الذي ال يتسم دوره بأهمية خاصة إال في األحوال االستثنائية‪.‬‬

‫وهذا ما يميز الدفاع الشرعي عن موانع المسئولية الجنائية‪ ،‬حيث إن األخيرة من طبيعة‬
‫شخصية‪ ،‬وبالتالي ال تؤثر في عدم مشروعية الفعل‪.‬‬

‫أما االتجاه السائد في الفقه المصري فهو الذي يرجح أساس إباحة أفعال الدفاع إلى فكرة‬
‫الموازنة بين المصالح المتعارضة‪ ،‬وترجيح حقها بالرعاية تحقيقًا للصالح العام‪ ،‬وهو هدف لكل‬
‫(‪)2‬‬
‫نظام قانوني‬

‫ويرى بعضهم أن أساس الدفاع الشرعي يرتكز على اختيار المشرع لمصلحة معينة من‬
‫بين المصالح المتنازع عليها‪ ،‬لكي يضفي عليها اهتمامه‪ ،‬وهي مصلحة المعتدى عليه إذ يراها‬
‫(‪)3‬‬
‫أجدر بالرعاية من مصلحة المعتدى‬

‫وبناء على ما تقدم فإن أغلب التشريعات تعتبر الدفاع الشرعي سببًا لإلباحة يبيح لجوء‬
‫ً‬
‫المدافع الواقع عليه االعتداء اللجوء إلى أي وسيلة الزمة ومناسبة لرد االعتداء‪.‬‬

‫وبالرغم من أن المشرع المصري أورد النصوص الخاصة بالدفاع الشرعي سببًا عامًا‬
‫لإلباحة ذات طبيعة موضوعية‪.‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬يسرى أنور‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬النظرية العام‪0 408 ،1990 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬درس في قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 252 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬أصول قانون العقوبات‪ ،‬دار النهضة العربية‪.206 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي ‪.‬‬


‫قد أورد المشرع المصري النصوص الخاصة بحق الدفاع الشرعي في المواد من ‪:245‬‬
‫‪ 251‬من قانون العقوبات فبعد أن نصت المادة ‪ 245‬عقوبات على أنه »ال عقوبة مطلقًا على من‬
‫قتل غيره‪ ،‬أو أصابه بجراح‪ ،‬أو ضربه أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو‬
‫عن غيره ‪ ،‬وقد بينت في المواد اآلتية الظروف التي ينشأ عنها هذا الحق والقيود التي يرتبط‬
‫بها«‪.‬‬

‫وأضاف في المواد الالحقة لها الشروط الالزمة لتوافر حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وهي شروط‬
‫متعلقة بفعل االعتداء‪ ،‬وأخرى بفعل الدفاع‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬الشروط المتعلقة باالعتداء‪:‬‬


‫‪ -1‬وجود حظر بارتكاب جريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون الجريمة من الجرائم الواقعة على النفس أو من جرائم المال الواردة على سبيل‬
‫الحصر‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الحظر حاًال‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يستحيل دفعه بااللتجاء إلى السلطات العامة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬شــروط الدفـــاع‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يكون الزمًا لدفع االعتداء‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون متناسبًا مع االعتداء‪.‬‬

‫‪1‬ـ شـروط االعتــداء‪:‬‬


‫نصت المادة ‪ 246‬عقوبات على أن حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص‬
‫استعمال القوة الالزمة‪ ،‬إال في األحوال االستثنائية المبينة بعد استعمال القوة الالزمة لدفع كل فعل‬
‫يعتبر جريمة على النفس منصوص عليها في هذا القانون‪.‬‬

‫وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة الالزمة لرد أي فعل يعتبر جريمة من‬
‫الجرائم المنصوص عليها في األبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب‪،‬‬
‫وفي الفقرة ‪ 4‬من المادة ‪ 279‬كما تنص المادة ‪ 247‬عقوبات على أنه »وليس لهذا الحق وجود‬
‫‪277‬‬
‫متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة العمومية‪ ،‬والمستفاد‬
‫من ذلك أن شروط االعتداء هي‪:‬‬

‫‪ -1‬وجود خطر غير مشروع بارتكاب جريمة‪.‬‬


‫‪ -2‬أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون هذا الخطر حاًال‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يستحيل دفعه بااللتجاء إلى السلطات العامة‪.‬‬

‫وفيما يلى تفصيل لكل شرط‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬وجود خطر غير مشروع بارتكاب الجريمة‪:‬‬

‫لكي يكون هناك حق دفاع يجب أن يكون هناك اعتداء‪ ،‬أو خطر اعتداء بفعل يعد جريمة‪،‬‬
‫فإذا كان االعتداء ال يعد جريمة فال يقوم حق الدفاع‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي معاقب عليه‪ ،‬إال إذا كان‬
‫من يزاول حقه في الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي‪ ،‬فإن فعله يعتبر اعتداء‪ ،‬مما يعد جريمة‬
‫طبقًا للمادة ‪ 251‬عقوبات‪ ،‬وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده‪ ،‬واالعتداء يعد جريمة‪ ،‬ولو كان الفاعل‬
‫غير معاقب لعارض من عوارض األهلية الجنائية‪ ،‬أو النتفاء اإلسناد المعنوي العمدي للغلط في‬
‫الوقائع‪ ،‬ألن موانع المسئولية ال تمحو صفة الجريمة عن الفعل‪ ،‬وإ ن كانت تمنع المسئولية عنه‪،‬‬
‫فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون أو صاحب العاهة العقلية والسكران ومن هو واقع في‬
‫(‪)1‬‬
‫الغلط‬

‫كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من األعذار القانونية‪ ،‬أو سبب من أسباب‬
‫(‪)2‬‬
‫انعدام المسئولية‬

‫واشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد انتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع‪ ،‬فال‬
‫يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون‪ ،‬أو يأمر به‪ ،‬فالدفاع ال يجوز إال ضد خطر يهدد‬
‫(‪)3‬‬
‫بارتكاب جريمة‬

‫وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد محيى الدين عوض‪ :‬القانون الجنائي مبادئه األساسية ونظرياته العامة‪ -‬دراسة‬ ‫‪1‬‬

‫مقارنة‪.516 ،1981 ،‬‬


‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬المرجع السابق‪.258 : 257،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪.1979،210 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي ال يجوز ضد من يرتكب فعًال مباحًا قانونًا في حالة‬
‫دفاع عن النفس أو المال ‪ ،‬كذلك ال يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب استعماًال لحق من الحقوق‪،‬‬
‫أو أداء الواجب أو تنفيذ األمر المشروع‪ ،‬أما التجاوز في استعمال الحق أو الغلط في اإلباحة‪ ،‬فإنه‬
‫ال ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة‪ ،‬وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده‪،‬‬
‫ويجوز الدفاع الشرعي ضده‪ ،‬ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في اإلباحة يعفي صاحبه من‬
‫(‪)1‬‬
‫المسئولية كلية أو ال يعفيه‬

‫الخطر التصورى أو توهم العدوان‪:‬‬


‫السائد في الفقه والقضاء أن توهم العدوان كالعدوان الحقيقي‪ ،‬كالهما يبرر الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬ويبيح أفعاله‪ ،‬وذلك مشروط بأن يكون هذا االعتقاد والتصور مبنيًا على أسباب معقولة‪،‬‬
‫وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد صدر من المجني‬
‫عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي‪ ،‬وال يلزم‬
‫في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرًا حقيقيًا في ذاته‪ ،‬بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم‪،‬‬
‫وتصوره بشرط أن يكون االعتقاد أو التصور مبنيًا على أسباب مقبولة‪ ،‬إذ أن تقدير ظروف‬
‫الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي‬
‫يفاجأ بفعل االعتداء‪ ،‬فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور‬
‫والخروج من مأزق‪ ،‬مما ال يصلح محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر‬
‫(‪)2‬‬
‫عليه وقتئذ وهو محفوف بالمخاطر والمالبسات‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬المرجع السابق‪.210،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 210 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫ويرى األستاذ الدكتور عبد التواب معوض أن هذا االتجاه غير دقيق؛ ألن أسباب اإلباحة‬
‫ذات طبيعة موضوعية يتعين أن تتوافر كافة شروطها فعًال‪.‬‬

‫ولما كان وجود اعتداء أحد شروط الدفاع؛ فال يكفي مجرد توهم وجوده‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫مبنيًا على أسباب معقولة‪ ،‬والصحيح أن االعتقاد بوجود خطر وهمي ليس إال تطبيقًا لنظرية الغلط‬
‫في اإلباحة‪.‬‬

‫والغلط في تقدير الوقائع التي يقوم عليها الدفاع الشرعي ينفي ألسباب معقولة يقع فيها‬
‫الشخص المعتاد إذا وجد في الظروف التي وجد فيها المدافع‪ ،‬فال يسأل أيضًا عن جريمة غير‬
‫(‪)1‬‬
‫عمدية ألنه ال يمكن نسبة الخطأ إليه‬

‫وينتهي الحق في الدفاع بزوال االعتداء أو الخطر فعًال‪ ،‬ألن الغرض من الدفاع هو منع‬
‫التعدي‪ ،‬وليس القصاص أو االنتقاد‪.‬‬

‫فإذا ثبت أن المتهم ارتكب جريمته بعد زوال الخطر وانقطاع االعتداء‪ ،‬فال يكون في حالة‬
‫دفاع شرعي‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال‪:‬‬
‫أغلب التشريعات تبيح الدفاع ضد خطر أي جريمة‪ ،‬مثل كل من‪ :‬التشريع اإليطالي‬
‫والليبي والسوري والكويتي‪ ....‬الخ‪.‬‬

‫و اشترط القانون المصري أن يكون الخطر مهددًا لجريمة تقع على النفس‪ ،‬غير أنه قصر‬
‫الدفاع عن المال في جرائم معينة‪ ،‬وردت على سبيل الحصر‪.‬‬

‫أ ‪ -‬جرائم االعتداء على النفس التي تبيح الدفاع الشرعي‪:‬‬


‫ونص عليها المشرع في المادة ‪ 246/1‬عقوبات‬

‫والمقصود بجرائم االعتداء على النفس جرائم االعتداء على النفس التي تقع على‬
‫األشخاص‪ ،‬وهي في القانون متنوعة‪ ،‬فقد تنال باالعتداء الحق في الحياة (القتل) أو سالمة الجسم‬
‫(الجرح والضرب وإ عطاء المواد الضارة)‪ ،‬أو الحق في الحرية (الخطف وحبس األشخاص)‪،‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬دروس في قانون‬ ‫‪1‬‬

‫العقوبات‪ ،‬القسم العام‪.261 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.242 ،‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.202،‬‬
‫‪277‬‬
‫وقد تمس الحق في صيانة العرض (الوقاع وهتك العرض والفعل الفاضح) أو الشرف واالعتبار‬
‫(جرائم القذف والسب وإ فشاء األسرار)‪.‬‬

‫وهذه الجرائم تبيح جميعًا حق الدفاع الشرعي‪ ،‬ال محال للتفرقة بينها بحسب نوعها أو‬
‫جسامتها‪ ،‬فالضرب البسيط‪ ،‬واألفعال المنافية للحياة كل ذلك يبرر استخدام حق الدفاع الشرعي‬
‫بشرط مراعاة (التناسب) بين جسامة االعتداء (أو خطر االعتداء بتعبير أدق) وبين الدفاع وأال‬
‫(‪)1‬‬
‫يتجاوز المدافع حدود الحق في الدفاع‬

‫ب‪ -‬جرائم المال التي تبيح الدفاع الشرعي‪:‬‬


‫وهذه الجرائم نصت عليها المادة ‪ 246/2‬عقوبات ومنها‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أوًال‪ :‬جرائم الباب الثاني‪ :‬وهي جرائم الحريق عمدًا الواردة في المواد من ‪ 252‬إلي ‪259‬‬

‫ثانيًا‪ :‬جرائم الباب الثامن‪ :‬وهي جرائم السرقة‪ ،‬واغتصاب األموال الواردة في المادة ‪ 311‬إلى‬
‫‪، 327‬وبعضها جرائم اعتداء على المال والنفس معًا‪ ،‬كالسرقة باإلكراه (المادة ‪،)314‬‬
‫وكاغتصاب السندات‪ ،‬والتوقيعات بالقوة أو التهديد (المادة ‪.)325‬‬

‫ثالثًا‪ :‬جرائم الباب الثالث عشر‪ :‬وهي جرائم التخريب واإلتالف‪ ،‬سواء أوقعت على الجماد‬
‫(المواد ‪ 354‬و ‪ 358‬و ‪ 359‬و ‪ 361‬و ‪ 361‬مكرر) أم على الحيوان المادتان (‪ 355‬و‬
‫‪.)357‬‬

‫رابعًا‪ :‬جرائم الباب الرابع عشر‪ :‬وهي جرائم انتهاك حرمة ملك الغير الواردة في المواد من‬
‫‪ 369‬إلى ‪.375‬‬

‫خامسًا‪ :‬الفقرة الرابعة من المادة ‪ :279‬وهي الواردة في المخالفات‪ ،‬وهي خاصة بتجريم كل من‬
‫دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول‪ ،‬أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو‬
‫داوبه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب‪ ،‬أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها‬
‫بغير حق‪.‬‬

‫ويالحظ أن المادة ‪ 246/2‬من قانون العقوبات قد أوردت هذه الجرائم على سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬فال يقاس عليها جرائم أخرى‪ ،‬هذا ولو أنه يندر في العمل أن تثار صور للدفاع الشرعي‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ ::‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 262 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬يسرى أنور‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.485 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫عن المال خارج نطاقها فإذا أثيرت وجب القول بعدم جواز استعمال القوة المادية لدفعها‪ ،‬ومن‬
‫(‪)1‬‬
‫باب أولى إذا كان النزاع مدنيًا بحتًا ال يخضع لوصف جنائي معين‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكـون هـذا الخطـر حاًال‪:‬‬


‫يجب لقيام الدفاع الشرعي أن يكون االعتداء حاًال أو على وشك الوقوع على نفس أو مال‬
‫الشخص‪ ،‬أو على نفس أو مال غيره‪ ،‬وبالتالي ال تستلزم قيام حالة الدفاع استمرار العدوان أو‬
‫وقوعه بالفعل‪ ،‬بل يكفي أن يكون قد صدر من المعتدى فعل يخشى منه المدافع وقوع جريمة من‬
‫الجرائم التي يجوز فيها الدفاع‪ ،‬فإذا كان االعتداء قد انتهي فال يكون هناك وجود لحق الدفاع‪،‬‬
‫وكذلك إذا كان االعتداء مستقبلا أو محتمًال‪ ،‬ولم يصبح بعد حاًال أو على وشك الوقوع‪ ،‬ويجب أال‬
‫يكون لدى المعتدى عليه نية االعتداء ابتداء قبل حصول االعتداء‪ ،‬أو لديه سبق إصرار عليه ألن‬
‫هذا ينفي الدفاع؛ ألنه من قبيل االنتقام ‪ ،‬فكل منهما حريص على النيل من صاحبه‪.‬‬

‫واالعتداء بناء على ما تقدم يكون حاًال أو على وشك الحلول إذا كانت الجريمة في مجرد‬
‫سريانها‪ ،‬أو كانت عند البدء في تنفيذها‪ ،‬أو كانت في المرحلة التحضيرية السابقة مباشرة على‬
‫(‪)2‬‬
‫ارتكابها‪ ،‬والعبرة في تقدير ذلك هي بما يراه المدافع في الظروف التي كان فيها‬

‫وإ عماًال لنص المادة ‪ 245‬عقوبات يستوي أن يكون الدفاع الشرعي عن النفس أو المال‬
‫أو عن نفس الغير أو ماله‪.‬‬

‫كما أنه جدير بالذكر أنه يجوز الدفاع الشرعي‪ ،‬ولو كان حلول الخطر غير المشروع جاء‬
‫نتيجة استفزاز من المعتدى عليه‪ ،‬ذلك أن االستفزاز ال ينفي عن الخطر الصفة غير المشروعة‪،‬‬
‫وال دخل له في توافر صفة الخطر المتطلبة‪ ،‬وهي كونه حاًال‪ ،‬كل ذلك ما لم يكن االستفزاز قد‬
‫(‪)3‬‬
‫قصد به دفع المستفز إلى االعتداء‪ ،‬وخلق حالة دفاع شرعي للمستفز‬

‫الشرط الرابع‪ :‬استحالة االلتجاء إلى السلطات العامة‪:‬‬


‫نصت المادة ‪ 247‬من قانون العقوبات على أنه »ليس لهذا الحق وجود‪ ،‬كان من الممكن‬
‫الركون في الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة العمومية‪ ،‬وهذا الشرط مستقل عن شرط‬
‫حلول الخطر فمن المتصور أن يكون الخطر حاًال‪ ،‬ومع ذلك يمكن تدارك الضرر باالحتماء‬
‫برجال السلطة العامة‪ ،‬إذا كانوا على مقربة من المهدد بالخطر‪ ،‬وعندئذ ال تكون حالة الدفاع‬
‫الشرعي قائمة‪ ،‬على أن ذلك يقتضى أن يكون لدى المهدد بالخطر من الوقت ما يكفي التخاذ ذلك‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬رؤف عبيد‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 552 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد محيى الدين عوض‪ :‬المرجع السابق‪.522 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬المرجع السابق‪.216 ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫اإلجراء قبل إيقاع الضرر‪ ،‬فالشخص الذي يشاهد لصًا يحاول اجتياز سور منزل غير مكلف‬
‫بالتوجه إلى نقطة البوليس‪ ،‬وإ نما له أن يدفع السرقة ألن االلتجاء إلى البوليس في هذه الحالة ال‬
‫يسعف في درء الجريمة‪ ،‬ولكن عليه أن يستعين برجل البوليس إذا كان على مقربة منه‪.‬‬

‫وقد قضت محكمة النقض أيضًا بأنه إذا كان التصوير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه‬
‫وأسس عليه قضاء ينبئ في ظاهره بأنه كان في مقدور المتهم وقد عاد إلى قريته ليحمل سالحه‬
‫أن يحتمي برجال السلطة العامة‪.‬‬

‫لذلك كان يتعين على المحكمة أن تستحلى هذا األمر‪ ،‬وتستظهره بأدلة سائغة للوقوف على‬
‫ما إذا كانت القوة التي استخدمها المتهم في دفع العدوان هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ تلك الغاية‪ ،‬أو‬
‫أنه كان في وسعه أن يتجنب استخدامها باستعمال وسائل أخرى‪ ،‬كااللتجاء إلى رجال السلطة‬
‫لالحتماء بهم‪ ،‬أما ولم يعرض الحكم لهذا البيان فإنه يكون قاصرًا قصورًا بعينه ويستوجب نقضه‬
‫(‪)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬شروط الدفاع‬


‫يفترض الدفاع الشرعي إتيان المعتدى عليه فعًال يدرأ به عنه الخطر الذي يهدده‪ ،‬ويتوسع‬
‫القانون في تحديد أفعال الدفاع‪ ،‬ولكنه ال يطلق هذا التوسع بل يضع له الحدود التي تتمثل في‬
‫صورة شروط يتطلبها‪ ،‬ويتطلب القانون توافر شرطين في فعل الدفاع األول كونه الزمًا‪ ،‬والثاني‬
‫كونه متناسبًا مع جسامة الخطر‪.‬‬

‫الشرط األول‪ :‬لـزوم الدفـاع‪:‬‬


‫يتعين أن تكون القوة المادية الزمة لرد االعتداء‪ ،‬أو دفع الجريمة‪ ،‬وقد تحدثت المادة ‪246‬‬
‫عقوبات عن لزوم القوة لدفع العدوان‪ ،‬غير أنه إذا كان في استطاعة المدافع االلتجاء إلى السلطة‬
‫العامة لدرء خطر االعتداء عليه‪ ،‬فإن حقه في الدفاع ينتفي‪ ،‬وقد عبرت عن ذلك المادة ‪247‬‬
‫عقوبات‪.‬‬

‫ولقد ثار الجدل حول ما إذا كان الهرب يمكن أن يعتبر طريقًا آخر لتفادى استعمال الحق‬
‫في الدفاع الشرعي‪ ،‬بحيث ينتفي هذا الحق إذا كان في وسع الجاني الهرب من خطر االعتداء‪،‬‬
‫والرأي المتفق عليه هو أن الهرب فعل يشين اإلنسان ويهبط بكرامته‪.‬‬

‫(?) نقض ‪ 26‬يناير ‪ -1959‬مجموعة أحكام النقض‪ -‬السنة العاشرة‪ -‬رقم ‪ -29‬صفحة ‪.83‬‬ ‫‪1‬‬

‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪.263‬‬
‫‪277‬‬
‫وبالتالي فإنه ليس على اإلنسان المهدد في نفسه أو ماله أن يهرب ليتفادى العدوان‪ ،‬حتى‬
‫ولو كان ذلك مستطاعًا‪ ،‬لكن من المتفق عليه من ناحية أخرى أنه إذا كان الجاني مجنونًا فإن‬
‫الهرب منه وفي مواجهته ال يعتبر جبنًا ال يوصم فاعله بالعار‪.‬‬

‫يثار بحث ما إذا الهرب ممكنًا أم غير ممكن بحسب ظروف الحال‪ ،‬وفقًا لتصرف اإلنسان‬
‫العاقل من أوسط الناس لو وجد في نفس الظروف‪.‬‬

‫ويالحظ أنه ال مجال إلباحة فعل الدفاع إال إذا وجه إلى مصدر الخطر‪ ،‬لكي يكفل‬
‫التخلص منه‪ ،‬أما إذا ترك المعتدى مصدرًا لخطر يهدده ووجه فعله إلى شخص أو شيء ال يصدر‬
‫الخطر عنه فعًال محل الحتجاجه بالدفاع الشرعي ألن الفعل غير ذي جدوى في التخلص من‬
‫الخطر؛ فهو غير الزم لذلك فمن يهاجمه شخص ال يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره‪ ،‬ومن‬
‫يهاجمه كلب ال يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه‪ ،‬ومن تدخل في أرضه مواشي‬
‫(‪)1‬‬
‫الغير ودوابه ال يجوز أن يتركها ويوجه فعله إلى حائزها‬

‫الشرط الثاني‪ :‬تناسب الدفاع مع االعتداء‪:‬‬


‫إذا نشأ حق الدفاع الشرعي بأن كان هناك اعتداء حال‪ ،‬أو على وشك الحلول يهدد النفس‬
‫أو المال‪ ،‬وكان استعمال القوة المادية الزمًا أي هو الوسيلة الوحيدة لدرئه؛ فيجب على المدافع أن‬
‫يبذل قدرًا من القوة لرد االعتداء يكون متناسبًا مع االعتداء‪.‬‬

‫ولكن ال يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل االعتداء‪،‬‬
‫ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل هذه الظروف التي كان فيها المدافع‪ ،‬وبالنسبة لسنة وقوته‬
‫(‪)2‬‬
‫وحالته النفسية‪ ،‬وعلى ذلك فهي متناسبة‪ ،‬ومرجع تقدير ذلك كله إلى محكمة الموضوع‬

‫وفي ذلك قيل بأن التناسب ال يعنى التطابق بين االعتداء والقوة‪ ،‬وإ نما المقصود أن يكون‬
‫هناك تناسبًا بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه‪ ،‬وبين الوسيلة التي استعملها بالفعل‪،‬‬
‫فيوجد تناسب إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظروف استعمالها أنسب الوسائل لرد‬
‫االعتداء‪ ،‬أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المهدد باالعتداء‪.‬‬

‫فالضرر الذي ينتج عن استعمال هذه الوسيلة هو القدر المناسب لرد االعتداء‪ ،‬وتقدير‬
‫التناسب على هذا النحو نسبى يتعلق بظروف كل واقعة‪ ،‬فقد تعد الوسيلة مناسبة في بعض‬
‫الظروف دون بعضها اآلخر‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪:‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.216 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد محيى الدين عوض‪ :‬المرجع السابق‪.533 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫القيود الواردة على حق الدفاع الشرعي‪.‬‬


‫أورد المشرع قيدين على حق الدفاع الشرعي‪ ،‬فرغم توافر الشروط العامة لحالة الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬إال أنه ليس من حق الشخص اللجوء إلى حق الدفاع‪ ،‬وهاتان الحالتان نصت عليهما‬
‫المواد ‪248‬و ‪249‬و ‪ 250‬عقوبات‪ ،‬إذ اشترط المشرع لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر شروط‬
‫خاصة باإلضافة إلى الشروط العامة سالفة الذكر‪ .‬وهذان القيدان هما‪:‬‬

‫القيد األول‪ :‬حظــر مقاومــة مأمــور الضبــط‪:‬‬


‫حيث تنص المادة ‪ 248‬عقوبات على أنه »ال يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد‬
‫مأموري الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية‪ ،‬ولو تخطى هذا‬
‫المأمور حدود وظيفته إال إذا خيف أن ينشأ عن أفعاله موت أو جروح بالغة‪ ،‬وكان لهذا الخوف‬
‫سبب معقول‪ ،‬واشترط المشرع لحظر الدفاع الشرعي ثالثة شروط هي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون مأمور الضبط حسن النية‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون العمل داخًال في اختصاصه‪.‬‬

‫‪ -3‬أال يكون هناك خوف من أن يترتب على عمل مأمور الضبط موت أو جروح بالغة‪.‬‬

‫وبالتالي إذا تخلف شرط من هذه الشروط الثالثة السابقة بأن يكون مأمور الضبط سيئ‬
‫النية‪ ،‬أو أن يكون العمل ال يدخل في اختصاصه‪ ،‬أو خيف أن يترتب عليه موت أو جروح بالغة‪،‬‬
‫وكان لهذا الخوف سبب معقول جاز الدفاع الشرعي ضد مأمور الضبط‪.‬‬

‫وبناء عليه فإن القيد سالف الذكر مشروط بتوافر الشروط الثالثة الخاصة؛ ألن تخلف‬
‫إحداها مع توافر الشروط العامة للدفاع الشرعي ينفي القيد ونكون بصدد دفاع شرعي‪.‬‬

‫و تقدير تلك الشروط أمر متعلق بظروف كل حالة على حدة‪ ،‬ويخضع تقديره لمحكمة‬
‫(‪)1‬‬
‫الموضوع‬

‫القيد الثاني‪ :‬حظر القتل العمد في غير حاالت محددة‪:‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.278 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫نظرًا لجسامة القتل العمد رأي المشرع أن يقيد االلتجاء إليه بناء على توافر حالة الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬إال في أحوال معينة حددها على سبيل الحصر في المادتين ‪ 249‬و ‪ 250‬عقوبات‪.‬‬

‫حيث إن األولى حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن النفس‪.‬‬

‫والثانية حددت الحاالت التي يجوز فيها القتل للدفاع عن المال‪ ،‬فليس للمهدد باالعتداء أن‬
‫يلجأ إلى القتل في غير هذه األحوال‪ ،‬ولو كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لرد االعتداء في الظروف‬
‫التي وقع فيها‪ ،‬ومما ينبغي مالحظته أن توافر حالة من هذه األحوال ليس إال قرينة نسبية أو‬
‫بسيطة على تناسب االعتداء مع القتل‪ ،‬فال يسلب المحاكم سلطة تقدير التناسب على الوجه السابق‬
‫بيانه‪ ،‬بمعنى أنه إذا كان دفع الخطر مستطاعًا بوسيلة دون القتل فعلى المهدد باالعتداء أن يلجأ‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى هذه الوسيلة‪ ،‬وإ ال كان متجاوزًا حدود الدفاع‬

‫الحاالت التي يجوز فيها القتل دفاعًا عن النفس‪:‬‬


‫عمًال بنص المادة ‪ 249‬من قانون العقوبات فإن حق الدفاع الشرعي عن النفس ال يجوز‬
‫أن يبيح القتل العمد إال إذا كان مقصودًا به دفع أحد األمور اآلتية‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة‪.‬‬

‫وهو ما يتحقق في جرائم القتل أو اإليذاء الشديد‪ ،‬الذي يمكن أن ينتج عنه الموت أو عاهة‬
‫مستديمة‪ ،‬أو عجز خطير‪ ،‬وظروف الحال هي التي تحدد ما إذا كان للتخوف سبب معقول من‬
‫عدمه‪ ،‬فإذا لم يكن هناك سبب معقول ووصل دفاع الشخص إلى القتل كان متجاوزًا‪ ،‬وبالتالي أتى‬
‫فعًال غير مشروع يحق للغير الدفاع الشخصي ضده‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إتيان امرأة كرهًا أو هتك عرض إنسان بالقوة‪ ،‬وهذه الفقرة تعنى جريمة دفاع أنثى بغير‬
‫رضاها (‪ 267‬عقوبات) وجريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد (‪ 268‬عقوبات)‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اختطاف إنسان وهذا يعنى الجرائم المنصوص عليها بالمواد ‪283‬و ‪284‬و ‪ 290‬عقوبات‪.‬‬

‫الحاالت التي يجوز فيها القتل دفاعًا عن المال‪:‬‬


‫القتل دفاعًا عن المال نصت عليه المادة ‪ 251‬عقوبات‪ ،‬وقد ذكرت هذه المادة فروضًا‬
‫أربعة هي‪:‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.248 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ -1‬فعل من األفعال المبينة في الكتاب الثالث من قانون العقوبات‪ ،‬ويعنى الشارع بذلك الحريق‬
‫العمد‪.‬‬

‫‪ -2‬سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات‪ ،‬وهي الجرائم المنصوص عليها بالمواد ‪313‬و‬
‫‪ 316‬مكرر من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪ -3‬الدخول ليًال في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته‪.‬‬

‫ويشترط إلباحة القتل في هذا الفرض الشروط اآلتية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬دخول منزل مسكون أو أحد ملحقاته‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن يتم ذلك أثناء الليل‪.‬‬

‫ج‪ -‬أن يثبت جهل الحائز الغرض من الدخول‪.‬‬

‫‪ -4‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو الجراح البالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة‪.‬‬

‫والمقصود بهذا الغرض حالة تهديد المال بفعل يهدد بالخطر حياة صاحبه أو حياة‬
‫اآلخرين ‪ ،‬مثل ذلك أن يحاول شخص إتالف آلة فيهدد ذلك بانفجارها‪ ،‬والقضاء على حياة‬
‫العاملين أو إصابتهم بجراح بالغة بـ(العاهة المستديمة أو العجز أو المرض الخطير)‪0‬‬

‫وواضح من هذه الفقرة األخيرة أن الخطر هنا يهدد المال بصورة مباشرة‪ ،‬كما أنه يهدد‬
‫النفس بصورة غير مباشرة‪ ،‬وقد كان من الممكن االستغناء عنها بما نصت عليه الفقرة األولى من‬
‫المادة ‪ 249‬عقوبات الخاصة بإباحة القتل العمد دفاعًا عن النفس طالما أن الخطر يهدد في النهاية‬
‫نفس اإلنسان‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫األثر القانوني المترتب على توافر حالة الدفاع الشرعي‪.‬‬


‫يكون شخص المدافع الذي توافرت لديه الشروط في حالة دفاع شرعي تبيح له استعمال‬
‫القوة الالزمة لدفع خطر االعتداء‪ ،‬وبالتالي يزول عنه وصف الجريمة‪ ،‬ويصبح عمله مشروعًا‪،‬‬
‫وإ ن أدت أفعال الدفاع إلى قتل المعتدى في الحدود المبينة في القانون‪ ،‬وبالتالي إذا توافرت‬
‫الشروط المتطلبة في فعل االعتداء التزم المدافع الحدود المرسومة قانونًا لرد هذا االعتداء‪ ،‬فإن‬
‫فعله في هذه الحالة يعد مباحًا‪ ،‬ويترتب على ذلك اآلثار اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬من الناحية اإلجرامية‪ :‬يترتب على حالة الدفاع الشرعي أن تصدر جهة التحقيق أمرًا بأن ال‬
‫وجه إلقامة الدعوى‪ ،‬إذا ما ثبت توافر حالة الدفاع الشرعي طبقًا لما هو منصوص عليه في مواد‬
‫القانون‪.‬‬

‫‪ -2‬من الناحية الموضوعية‪ :‬عندما تحيل جهة التحقيق الدعوى إلى المحكمة قبل أن تثبت توافر‬
‫حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وتم إثبات توافر حالة الدفاع الشرعي للمدافع أمام محكمة الموضوع‪ ،‬فهنا‬
‫تقضى محكمة الموضوع بالبراءة‪ ،‬إذا ما أثبتت أن المدافع كان بصدد حالة دفاع شرعي‪ ،‬وأن‬
‫أفعاله كانت في الحدود التي رسمها القانون‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أيضًا استفادة كل من ساهم في الدفاع‪ ،‬سواء كان فاعًال أو شريكًا‪،‬‬
‫وترفع عنه المسئولية الجنائية‪ ،‬ويتساوى مع المدافع‪ ،‬وذلك باعتبار أن الدفاع الشرعي سبب إباحة‬
‫(‪)1‬‬
‫عام ذات طبيعة موضوعية‬

‫‪ -3‬من ناحية المسئولية المدنية‪ :‬من اآلثار القانونية المترتبة على توافر حق الدفاع الشرعي‬
‫انعدام المسئولية المدنية‪ ،‬حيث إنه ليس من حق من وقع عليه أفعال الدفاع المشروعة التي تبيح‬
‫حق الدفاع الشرعي أن يطالب فاعلها بالتعويض المدني‪.‬‬

‫فالنعقاد المسئولية المدنية يجب توافر خطأ وضرر‪ ،‬وعالقة سببية تربط الضرر بالخطأ‪.‬‬

‫وبتطبيق ذلك على حالة الدفاع الشرعي نجد أن األفعال التي ارتكبها المدافع وإ ن وصلت‬
‫إلى حد القتل فهي مباحة ومشروعة ما دامت في الحدود التي رسمها القانون لحالة الدفاع‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.286 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬

‫مما سبق يتضح انعدام المسئولية الجنائية والمدنية؛ إلباحة أفعال الدفاع إذا ما تمت طبقًا‬
‫للقانون‪.‬‬

‫أما إذا تجاوز المدافع حدود أفعال الدفاع الشرعي بحسن نية يسأل جنائيًا ومدنيًا‪ ،‬وذلك‬
‫طبقًا لما ورد في المادة ‪ 251‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تنص على أنه »ال يعفي من العقاب كلية‬
‫من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه‪ ،‬دون أن يكون قاصدا إحداث‬
‫ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع‪ ،‬مع ذلك يجوز للقاضي في الجناية أن يعده معذورًا‪ ،‬إذ لذلك‬
‫محًال‪ ،‬وأن يحكم عليه بالحبس بدًال من العقوبة في القانون«‪.‬‬

‫افترض المشرع أن يكون المدافع في حالة دفاع شرعي صحيحة وسليمة‪ ،‬ولكن المدافع قد‬
‫يتجاوز حدود الدفاع التي رسمها القانون في المواد السابقة‪ ،‬وهذا التجاوز مشروط بحسن نية‬
‫المدافع‪.‬‬

‫بمعنى أن المدافع كان يعتقد أنه يباشر حقه في دفع االعتداء بالقدر الالزم‪ ،‬والضروري‬
‫ولكنه في الحقيقة تخطى حد التناسب واللزوم‪ ،‬وبالتالي تخطى اإلباحة وأصبح فعله غير مشروع‬
‫يعاقب عليه القانون وإ ن اعتبره معذورًا‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك انعقاد المسئولية الجنائية والمدنية طبقًا لنص المادة ‪ 251‬عقوبات‪.‬‬

‫والمسئولية المدنية طبقًا للمادة ‪ 163‬من القانون المدني المصري التي تنص على أن »كل‬
‫خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض‪ ،‬وهذا يعنى أن أي خطأ مهما قلت جسامته‬
‫يترتب عليه المسئولية المدنية«‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫نطاق الدفاع الشرعي أوسع من نطاق االستفزاز سواء من حيث األشخاص‪ ،‬أو من حيث‬
‫األفعال‪ ،‬وذلك يتضح مما يلي‪:‬‬
‫‪277‬‬

‫فمن حيث نطاق األشخاص‪:‬‬

‫المستفيد من عذر االستفزاز هو الجاني المستفز فقط دون الشريك الغير عالم بحالة‬
‫االستفزاز‪ ،‬بينما في الدفاع الشرعي يستفيد جميع المساهمين في الدفاع سواء علموا أم لم يعلموا‬
‫بتوافر الدفاع الشرعي‪.‬‬

‫ومن حيث نطاق األفعال‪:‬‬

‫ينحصر االستفزاز في نطاق ضيق يتمثل في الجرائم المحددة على سبيل الحصر‪.‬‬

‫وبالتالي ال يجوز القياس عليها أو التوسع فيها لتقنينها بنص القانون‪.‬‬

‫أما الدفاع الشرعي فينطبق على كل الجرائم الواقعة على نفس المدافع أو ماله أو على‬
‫نفس غيره أو ماله‪ ،‬وذلك وفقًا للشروط والقيود المبينة قانونًا‪.‬‬

‫لكل من االستفزاز والدفاع الشرعي‪.‬‬


‫ويرجع االختالف السابق الختالف الطبيعة القانونية ٍ‬

‫حيث إن االستفزاز ذا طبيعة شخصية في حين أن الدفاع الشرعي ذا طبيعة موضوعية‪.‬‬


‫‪277‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫رضاء المجني عليه بوقوع الجريمة‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫بعد توضيح الدور الذي يقوم به المجني عليه في االستفزاز من خالل الموقف المثير أو‬
‫المستفز الذي يقوم به تجاه الجاني‪ ،‬مما يثير غضبه ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬ومدى تأثير‬
‫ذلك الدور في تغيير مسئولية الجاني‪ ،‬والدور األوسع نطاقًا للمجني عليه في وقوع الجريمة في‬
‫الدفاع الشرعي‪ ،‬وذلك من خالل قيام المجني عليه البادئ باالعتداء في إلحاق األذى بنفسه من‬
‫أفعال الدفاع التي أباحها القانون إعماًال لحق الدفاع الشرعي‪ ،‬وتأثير ذلك الدور اإليجابي للمجني‬
‫عليه في وقوع الجريمة في تغيير مسئولية الجاني ‪ ،‬وجعل أفعال الدفاع مباحة ما دامت في‬
‫الحدود التي أوجبها القانون‪.‬‬

‫والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن اآلن ‪:‬ما إذا كان لرضا المجني عليه دور في وقوع‬
‫الجريمة من عدمه؟ وأيضًا مدى تأثير رضا المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني؟‬

‫فالقاعدة العامة عدم تأثير رضا المجني عليه على أركان الجريمة‪ ،‬وبالتالي ال أثر له على‬
‫مسئولية الجاني‪ ،‬ألن أهم غرض للتجريم والعقاب هو حماية مصالح المجتمع‪ ،‬لأن سياسة الدولة‬
‫في التجريم والعقاب تقوم أساسًا على اعتبارات المصلحة العامة‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أن العقاب في المسائل الجنائية من حق المجتمع‪ ،‬وليس من حق‬


‫األفراد‪ ،‬فليس من حق المجني عليه االنتقام لنفسه‪ ،‬وكذلك ليس من حقه التنازل عن العقاب؛‬
‫فرضاؤه ليس له أثر في قيام الجريمة‪ ،‬أو التنازل عنها أو تغيير مسئولية الجاني‪.‬‬

‫ولكن األخذ بهذه القاعدة على إطالقها من شأنه أن يهدر حرية الفرد في التصرف في‬
‫حقوقه التي تقبل بطبيعتها التنازل عنها للغير‪ ،‬وال ينتج عن هذا التصرف أو التنازل ضرر‬
‫لمصلحة المجتمع لذلك قسم الفقهاء الجرائم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬جرائم تمس حقوق خالصة للمجتمع‪.‬‬


‫‪ -2‬جرائم تمس حقوق مشتركة بين الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ -3‬جرائم تمس حقوق خاصة للفرد تقبل التصرف فيها‪ ،‬والتنازل عنها دون ضرر جسيم‬
‫(‪)1‬‬
‫للمجتمع‬

‫فالجرائم التي تمس حقوق خالصة للمجتمع مثل الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬والجرائم المضرة بالمصلحة العامة‪ ،‬والسالمة العامة‪ ،‬واآلداب العامة‪ ،‬والنظام العام‬
‫والثقة العامة‪ .......‬الخ‪.‬‬

‫فهذه الجرائم ال تأثير لرضا المجني عليه على اإلطالق في هذه الجرائم فليس للرضا‬
‫(‪)2‬‬
‫تأثير على أركان الجريمة أو على عقوبتها بل قد يكون الرضا جريمة في ذاته‬

‫أما بشأن الجرائم التي تمس حقوق مشتركة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬والجرائم التي تمس‬
‫حقوق خاصة للفرد وتقبل التصرف فيها‪ ،‬والتنازل عنها دون ضرر جسيم للمجتمع‪ ،‬فهذه تعرض‬
‫لها الفقه والقضاء والتشريعات المختلفة من خالل تأثير الرضا على بعض الجرائم من خالل‬
‫تأثيره على أركان الجريمة‪ ،‬وذلك عندما تكون الجريمة تمس حقًا للمجني عليه يجوز التصرف‬
‫فيه‪ ،‬أو التنازل عنه دون أن يضر مصلحة المجتمع ضرر جسيم‪.‬‬

‫وبناًء عليه سيقسم هذا الفصل إلى أربعة مباحث‪..‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الطبيعة القــانونية للرضا‬

‫المبحث الثاني‪ :‬شروط صحة الرض ــا‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الحاالت التي يعتد فيها القانون برضا المجني عليه‬

‫المبحث الرابع‪ :‬اآلثار القانونية لرضا المجني عليه في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة‬

‫وسوف نتناول كل مبحث بالتفصيل‪:‬‬

‫(?) حيث إن هذا التقسيم مستمد من تقسيم فقهاء الشريعة اإلسالمية للحقوق إلى حقوق خالصة هلل‬ ‫‪1‬‬

‫تعالى‪ ،‬وحقوق مشتركة بين العبد وربه وحقوق خالصة للعبد‪.‬‬


‫(?) نص المادة ‪ 262‬عقوبات »المرأة التى رضيت بتعاطى األدوية مع علمها بها أو رضيت‬ ‫‪2‬‬

‫باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب اإلسقاط عن‬
‫ذلك حقيقة تعاقب بعقوبة الحبس«‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬

‫الطبيعة القانونية للرضا ‪.‬‬


‫األصل في رضا المجني عليه ال أثر له في قيام الجريمة‪ ،‬ومسئولية الفاعل عنه؛ فال يمحو‬
‫الجريمة‪ ،‬وال يسقط العقاب‪ ،‬سواء كان رضاء المجني عليه قبل ارتكاب الجريمة أو كان معاصرًا‬
‫الرتكابها‪.‬‬

‫ولكن لهذه القاعدة العامة استثناءات يعتد فيها القانون أحيانًا برضاء المجني عليه‪ ،‬ويرتب‬
‫عليه آثار قانونية هامة‪ ،‬وذلك في الحاالت التي تقع فيها الجريمة على حق خاص بالمجني عليه‬
‫يبيح له القانون حق التصرف فيه‪ ،‬أو التنازل عنه‪ ،‬مما يثيرالتساؤل عن الطبيعة القانونية لرضا‬
‫المجني عليه في األحوال التي يؤثر فيها رضاء المجني عليه على أركان الجريمة‪ ،‬ويغير في‬
‫مسئولية الجاني‪.‬‬

‫اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه‪:‬‬

‫فاتجه بعضهم إلى تحديد الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه على أساس فكرة استعمال‬
‫الحق مقررًا‪ ،‬بأن الرضا متى وجد فهو يمثل استعماًال للحق حيث إن كل اعتداء على الحق‬
‫برضاء من صاحبه يعتبر مباشرة للحق‪.‬‬

‫فصاحب الحق يستعمله بنفسه أو يأذن للغير باستعماله متى كان التصرف في الحق جائزا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واألضرار الناتجة عن التصرف في الحق أضرار شخصية‬

‫فالرضا استعمال للحق يستمد قوته من سلطان اإلرادة؛ على أساس أن كل فعل لم يخطره‬
‫القانون يباح‪.‬‬

‫على ذلك يرى أنصار هذا االتجاه أن الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه تمثل مباشرة‬
‫(‪)2‬‬
‫للحق أو استعمال للحق‬

‫أما االتجاه الثاني المؤسس للطبيعة القانونية للرضا يرى أن الرضا يمثل تصرف قانوني‪،‬‬
‫يتضمن وعدًا يمنح الموجه إليه سلطة التصرف دون أن ينشأ على عاتق صاحب الحق أي التزام‪،‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬رضاء المجني عليه وآثاره القانونية‪ ،‬رسالة دكتوراه (غير‬ ‫‪1‬‬

‫منشورة) ‪ ،‬كلية الحقوق‪ :‬جامعة القاهرة‪.78 ،1983 ،‬‬


‫(?) د ‪ /‬كمال عبدالرازق فالح‪ :‬رضاء المجنى عليه ودوره فى المسئولية الجنائية‪ ،‬رسالة دكتوراه‬ ‫‪2‬‬

‫(غير منشورة) ‪ ،‬كلية الحقوق‪ :‬جامعة القاهرة‪0 1993،50 ،‬‬


‫‪277‬‬
‫كما إنه ال ينتقل أي حق للوكيل إذا تعلق األمر بعقد الوكالة‪ ،‬فهو تصرف غير ملزم‪ ،‬أي قابل‬
‫للعدول عنه طالما أن الفعل المرخص به لم يقع بعد‪.‬‬

‫وهذا االتجاه هو األرجح في بيان الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه‪ ،‬باعتبار أن‬
‫رضاء المجني عليه تصرفًا إراديًا يرتب عليه المشرع آثاره من حيث اإلباحة أو غيرها‪.‬‬

‫فالطبيعة القانونية للرضا تتمثل في أن الرضا تصرف قانوني ذو طبيعة موضوعية‪،‬‬


‫باعتباره تعبير عن إرادة اتجهت إلى إحداث نتيجة قانونية معينة‪ ،‬وذلك متى كان القانون يعترف‬
‫(‪)1‬‬
‫بشرعية اآلثار المترتبة على صدور الرضا من المجني عليه‬

‫الذي وصف الرضا‬ ‫(‪)2‬‬


‫وهذا االتجاه الراجح مستمد من الرأي الراجح في الفقه اإلسالمي‬
‫بأنه تصرف قانوني من جانب صاحب الحق صاحب الصفة في الرضا‪ ،‬وأوجبوا في التصرف‬
‫أن يكون على مقتضى أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وقسموا الحقوق إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫( أ ) حقوق خالصة هلل –تعالى‪ -‬ويقع باطًال كل تصرف فيها وال أثر للرضا في شأنها‪.‬‬

‫(ب) وحقوق مشتركة بين العبد وربه وهذه تأخذ حكم األولى‪ ،‬إذا كان يغلب فيها حق اهلل–‬
‫تعالى‪ -‬على حق العبد‪.‬‬

‫(ج) حقوق خالصة للعبد‪ ،‬ويجوز التصرف فيها‪ ،‬والتنازل عنها إذا ما أجازت الشريعة‬
‫اإلسالمية ذلك‪.‬‬

‫واالتجاه الراجح في الفقه الوصفي‪ ،‬والفقه اإلسالمي لطبيعة الرضا القانونية؛ هو الذي‬
‫يرى أن الرضا تصرف قانوني من جانب المجني عليه وحده صاحب الحق والصفة في الرضا‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪. ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪.80،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫شروط صحة الرضا ‪.‬‬


‫لكى يعتد القانون بالرضا الصادر من المجني عليه‪ ،‬ويرتب عليه آثاره القانونية البد من‬
‫توافر الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الرضا صادرًا في الوقت الذي يعتد به القانون‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون الرضا جادًا وسليمًا شكليًا‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم مخالفة الرضا للنظام العام أو اآلداب العامة‪.‬‬

‫وسوف نتناول كل شرط بإيجاز بسيط‪..‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية‪:‬‬
‫يجب أن يكون الرضا تعبيرا عن إرادة ذات قيمة قانونية‪ ،‬فلكي يكون الرضا صحيحًا‬
‫ومنتجًا آلثاره القانونية يتعين توافر عدة شروط في الشخص الذي يصدر عنه الرضا أهمها‪ :‬أن‬
‫يكون هذا الشخص مميزًا ومدركًا (‪ ،)1‬والتمييز هو توافر الملكة الذهنية والنفسية لدى الشخص‬
‫بالقدر الذي يمكنه من فهم طبيعة الفعل الذي يقع مساسًا بحقه مع معرفة ما يرتبه الفعل من نتائج‬
‫وآثار‪ ،‬وأن يكون مدركًا لطبيعة ما يفعله‪.‬‬

‫وبالتالي إذا لم تكن إرادة الشخص مميزة ومدركة‪ ،‬فال صحة للرضا الصادر عنه فال‬
‫عبرة برضا المجنون أو السكران أو النائم‪ ،‬كذلك يجب أن يكون الشخص حر االختيار بحيث ال‬
‫تخضع إرادته إلكراه أو خوف تعدم لديه حرية االختيار‪.‬‬

‫وحرية االختيار أمر نسبى دائمًا يختلف حسب الشخص وحسب طبيعة كل حالة على‬
‫حدة‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬دروس في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪0 291 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.313،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬يسرى أنور‪ :‬المرجع السابق‪.508 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫وباإلضافة إلى اإلدراك‪ ،‬والتمييز‪ ،‬وحرية االختيار أن يكون الشخص مبلغ سن الرضا‪،‬‬
‫فإذا حدد القانون سنًا معينًا لبلوغها ليأتي الرضا أثره‪ ،‬ويكون الشخص الصادر عنه الرضا‬
‫(‪)1‬‬
‫رضاءه صحيحًا؛ فيجب بلوغ هذا السن الذي أوجبه القانون‬

‫وقد جرت غالبية التشريعات على عدم تحديد سن الرضا في قاعدة عامة‪ ،‬ومن بينها‬
‫التشريع المصري‪ ،‬واكتفت على النص بالسن في كل حالة رأتها مقتضية لتحديد السن‪ ،‬كالجرائم‬
‫‪،‬كما في المواد‬ ‫(‪)2‬‬
‫ذات الطبيعة الخاصة مثل جرائم االعتداء على العرض‪ ،‬وجرائم الخطف‬
‫‪267‬و ‪269‬و ‪ 289‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫لتوافر صحة الرضا طبقًا لهذا الشرط سالف الذكر أن يكون الرضا صادرًا عن شخص‬
‫مميزًا‪ ،‬أو مدركًا حر االختيار بالغ للسن الذي أوجبه القانون لالعتداد بصحة رضاءه‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬قانون العقوبات‪،‬القسم العام‪0 263 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تقضى غالبية التشريعات الجنائية باعتبار سن التمييز هو السابعة من العمر‪ ،‬من ثم فمن هو أقل‬ ‫‪2‬‬

‫من ذلك يكون فاقدا للتمييز‪ ،‬وقد أشارت إلى ذلك المادة ‪ 45‬من القانون المدنى المصري‪ ،‬إذ اعتبرت‬
‫أن من لم يبلغ سن السابعة من عمره يكون فاقدًا للتمييز معدومًا لألهلية‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون الرضا صادر في الوقت الذي يعتد به القانون‪:‬‬
‫فباإلضافة إلى الشرط السابق يشترك أيضًا لصحة الرضا أن يكون صادرًا في الوقت‬
‫الذي يعتد به القانون‪ ،‬والرضا إما أن يكون سابقًا للفعل‪ ،‬أو معاصرًا له‪ ،‬أو الحقًا على إتمام‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫والرضا السابق ذلك الرضا الذي يصدر قبل لحظة البدء في تنفيذ الفعل‪.‬‬

‫وذهب الفقه األجنبي والمصري إلى ضرورة صدور الرضا قبل وقوع الفعل‪ ،‬أي توافره‬
‫قبل لحظة وقوع الواقعة المادية لالعتداء على الحق واشترطوا ضرورة استمراره حتى لحظة‬
‫(‪)1‬‬
‫وقوع الفعل‬

‫وبالتالي إذا صدر الرضا سابقًا على ارتكاب الفعل فعاصره في جميع مراحله ثم استمر‬
‫حتى إتمامه‪ ،‬وتحقق نتائجه يعد رضاًء نموذجيًا‪ ،‬وبالتالي ينتج أثره القانوني‪.‬‬

‫والرضا المعاصر للفعل هو الرضا الذي يصدر منذ لحظة البدء في تنفيذ الفعل‬ ‫‪‬‬
‫ويستمر حتى إتمامه‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬السعيد مصطفى السعيد‪ :‬األحكام العامة فى قانون العقوبات‪0 242 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬رؤف عبيد‪ :‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق‪0 315 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪0 240 ،‬‬
‫‪277‬‬

‫وهذا الرضا المعاصر يجمع عليه الفقه والقضاء‪ ،‬سواء ممن يشترط منه في الرضا أن‬
‫يكون سابقًا للفعل ثم يستمر حتى إتمامه‪ ،‬أو من يشترط صدوره معاصرًا للفعل دون ضرورة‬
‫كونه سابقًا‬
‫(‪)1‬‬

‫أما بشأن الرضا الالحق على الجريمة‪ ،‬فينعقد اإلجماع فقهيًا وقضائيًا على أن ال تأثير‬
‫للرضا الالحق على إتمام الجريمة‪ ،‬على أي ركن فيها وال على اإلجراءات الواجبة حيالها‪.‬‬

‫إال في حاالت استثنائية محددة على سبيل الحصر‪ ،‬وهي الحاالت التي ال يمكن تحريك‬
‫الدعوى الجنائية ومباشرتها إال بناء على شكوى‪.‬‬

‫ومثال ذلك في التشريع المصري ما نص عليه المشرع في المادة ‪ 3‬في قانون اإلجراءات‬
‫الجنائية‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون الرضا صادر عن بينة‪:‬‬


‫فالشرط على أن يكون الرضا صادر عن بينة شرط عام مطلوب في كل أنواع الرضا‪،‬‬
‫وهو رضا صريح أو ضمني يصدر عن صاحب الصفة في الرضا‪ ،‬بعد إحاطته علمًا بفحوى‬
‫االعتداء على الحق‪ ،‬وبالنتائج المحتملة لهذا االعتداء حتى يتمكن الشخص من إصدار رضائه‪،‬‬
‫بعد موازنة لألمور‪ ،‬وترجيح لما هو أبلغ صونًا لمصالحه‪.‬‬

‫وتطبيقًا لذلك الرضاء على بينة في حاالت العالج وجميع األعمال الطبية لدرجة أن بعض‬
‫الفقهاء يشترط أن يكون الرضا في ممارسة األعمال الطبية رضاًء مكتوبًا‪ ،‬أو أمام شهود عدول‬
‫إذا ما كانت حالة المريض تسمح بذلك ‪ ،‬ويجب أن يوضح له العالج والجراحة تفصيًال‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون الرضا جادًا وسليمًا شكليًا‪:‬‬


‫باإلضافة إلى الشروط السابقة يجب أن يكون الرضا حقيقيًا جديًا فيه توافق بين اإلرادتين‬
‫الباطنة والظاهرة لمن صدر عنه سواء كان صريحًا أو ضمنيًا فيجب لصحة الرضا أن يكون‬
‫موجهًا إلى ذات األفعال أو األعمال الماسة بالحق محل التصرف فيه‪.‬‬

‫وبالتالي ال يؤخذ بالرضا الصوري الذي ال تتوافر فيه مقومات الرضا الحقيقي‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.196،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق‪.262،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.318 ،‬‬
‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.286،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫وكذلك ال يؤخذ بالرضا الهازل الذي ال تتوافر فيه الجدية‪ ،‬وفي ذلك تقول محكمة النقض‬
‫المصرية‪..‬‬

‫»ويشترط في الرضا الذي ينفي االختالس أن يكون رضاًء حقيقيًا مقصودًا به التخلي عن‬
‫(‪)1‬‬
‫الحيازة‪ .........‬الخ«‬

‫يجب أيضًا مراعاة سالمة الشكل في الرضا‪ ،‬قد يصدر رضا صحيحًا بالقول أو بالكتابة‬
‫أو اإلشارة‪ ،‬وقد يصدر ضمنيًا‪ ،‬يمكن استنتاجه من الظروف والمالبسات‪ ،‬ولكنه إذا اشترط‬
‫القانون صدوره في شكل معين‪ ،‬بأن يكون صريحًا وجادًا‪ ،‬وأن يكون مكتوبًا‪ ،‬فيجب أن يصدر‬
‫الرضا بالشكل الذي تطلبه القانون‪ ،‬وإ ال تخلف شرط من شروط صحة الرضا‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫فعل االعتداء غير مشروع لعدم صحة الرضا‪.‬‬

‫الشرط الخامس‪ :‬عدم مخالفة الرضا للنظام العام أو اآلداب العامة‪:‬‬


‫الشرط األخير من شروط صحة الرضا‪ :‬أال يكون الرضا صادرًا في شأن حق يشكل‬
‫االعتداء عليه مخالفة للنظام العام أو اآلداب العامة‪.‬‬

‫فالرضا المتعارض مع النظام العام أو اآلداب العامة يكون في ذاته تصرفًا غير مشروع‪.‬‬

‫ومن أمثال الرضا المخالف للنظام العام اتفاق شخص مع آخر على أن يقطع طرف من‬
‫أطرافه بغية التهرب من التجنيد‪.‬‬

‫ومن أمثال الرضا المخالف لآلداب العامة رضاء األشخاص البالغين باالتصال الجنسي‬
‫فيما بينهم‪ ،‬أو رضاء األنثى التي تقبل بعالنية المساس بعوراتها‪ ،‬فال أثر لهذا الرضا في نفي‬
‫(‪)2‬‬
‫الصفة غير المشروعة بالفعل‪ ،‬وذلك لمخالفته لآلداب العامة‪ ،‬وبالتالي يرتب مسئوليته الجنائية‬

‫مما سبق يتضح أن الرضا الصحيح الذي ينتج أثره على الركنين (الشرعي أو المادي)‬
‫للجريمة أن يكون صادرًا عن شخص مميزًا ومدركاً‪ ،‬حر االختيار‪ ،‬بالغ للسن الذي يعتد فيها‬
‫القانون برضائه‪ ،‬وأن يصدر رضائه صحيحًا سليمًا عن بينة‪ ،‬وأال يكون مخالفًا للنظام العام‬
‫واآلداب العامة‪ ،‬وأال يشوبه غش أو غلط أو تدليس‪ ،‬وأال يكون تحت إكراه أو قوة قاهرة أو سكر‬
‫أو تخدير أو مرض أو نوم أي خاليًا من كل عيوب الرضا‪.‬‬

‫(?)‬
‫نقض ‪ 2‬مارس ‪ -1975‬مجموعة أحكام س‪ -26‬رقم ‪ -44‬ص‪.201‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.315 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫الحاالت التي يعتد فيها القانون برضاء المجني عليه‪.‬‬


‫ال تأثير لرضاء المجني عليه على أركان الجريمة أو مسئولية الجاني كقاعدة عامة أو‬
‫كأصل عام ‪ ،‬إال أن بعض التشريعات استثنت بعض الحاالت التي يكون للرضا الصادر من‬
‫المجني عليه إذا ما توافرت شروطه الصحيحة أثر على أركان الجريمة‪ ،‬سواء ركنها المادي أو‬
‫الشرعي ‪ ،‬وكذلك على مسئولية الفاعل‪.‬‬

‫وهذه االستثناءات التي اعتد فيها القانون برضاء المجني عليه هي‪:‬‬

‫‪ -1‬رضا المجني عليه كسبب لإلباحة‪.‬‬

‫‪ -2‬رضا المجني عليه كشرط لإلباحة‪.‬‬

‫‪ -3‬انعدام رضا المجني عليه كعنصر في الركن المادي للجريمة‪.‬‬

‫وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬رضــا المجني عليــه كســبب لإلباحــة‪:‬‬


‫تجعل بعض التشريعات رضاء المجني عليه سببًا لإلباحة‪ ،‬وذلك في الحاالت التي يملك‬
‫فيها المجني عليه حرية التصرف في الحق الذي تمسه الجريمة‪ ،‬أو التنازل عنه دون أن يترتب‬
‫على ذلك ضرر جسيم بمصلحة المجتمع‪ ،‬ولبيان مدى اعتبار الرضا سببًا لإلباحة سيتم توضيح‬
‫رأي الفقه والقضاء والتشريعات المختلفة‪ ،‬والتطبيقات التشريعية على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬رأي الفقه في رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‪:‬‬

‫انقسم الفقه في بيان مدى اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة من عدمه؟‬

‫إلى أن اعتبار رضاء المجني عليه سببًا عامًا لإلباحة؛ مبررين‬ ‫(‪)1‬‬
‫فاتجه بعض الفقهاء‬
‫ذلك بأن الجريمة اعتداء على حرية الفرد‪ ،‬وبالتالي يكون رضاه مزيًال عن الفعل صفته غير‬
‫المشروعة‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن الشخص يملك حرية التصرف في حياته وصحته وسالمة جسمه‪ ،‬وبالتالي‬
‫له أن يتنازل عن استعماله إلى غيره‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪389 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫وقد انتهي أنصار هذا االتجاه إلى وضع قاعدة عامة مؤداها أن الرضا يمنع دائمًا من‬
‫العقاب على كل أفعال االعتداء التي تقع على جميع الحقوق‪.‬‬

‫ويؤخذ على هذا الرأي أنه يعلى إرادة الفرد على إرادة المجتمع‪ ،‬وينفي كل نصيب‬
‫للمجتمع في حقوق األفراد بل يهدد حقوق األفراد أنفسهم‪.‬‬

‫إلى أن الرضا بمفرده ليس سببًا لإلباحة‪ ،‬حيث إن هذا االتجاه‬ ‫(‪)1‬‬
‫واتجه بعضهم اآلخر‬
‫يرفض أن يكون الرضا وحده سببًا لإلباحة‪ ،‬ويعتبرون أن الرضا عنصر من عناصر اإلباحة؛‬
‫ألن أسباب اإلباحة قد حصرها القانون‪ ،‬وليس من بينها رضاء المجني عليه‪.‬‬

‫الرضا سببًا لإلباحة في بعض الحاالت‪ ،‬فيرى أنصار هذا‬ ‫(‪)2‬‬


‫أما االتجاه السائد في الفقه‬
‫االتجاه أن للرضا أثره المبيح في حدود معينة‪ ،‬إذ األصل لديهم أن رضاء المجني عليه ليس سببًا‬
‫لإلباحة‪ ،‬إال على سبيل االستثناء‪ ،‬حيث يقتصر أثره كسبب لإلباحة على الحقوق الجاهزة‬
‫للتصرف فيها‪ ،‬والقابلة للتنازل عنها كالحقوق المالية الخاصة بالمجني عليه‪.‬‬

‫حيث ال ينتج على المساس بها أضرار جسيمة بمصلحة المجتمع‪ ،‬فإذا ما تنازل عنها‬
‫صاحبها أو تصرف فيها كان له أثر في إباحة الفعل‪.‬‬

‫ويعتبر هذا االتجاه هو الذي يتفق مع الطبيعة القانونية لكل من الرضا وأسباب اإلباحة‪.‬‬

‫وهو االتجاه الذي أخذ به القضاء إذ اعتبر رضا المجني عليه ال يعد سببًا لإلباحة‪ ،‬ولكنه‬
‫عنصرًا من عناصر اإلباحة كما في حاالت مباشرة األعمال الطبية‪ ،‬ومزاولة األلعاب الرياضية‪،‬‬
‫فال يكفي رضا المريض أو الالعب إلباحة األعمال الطبية أو الرياضية‪ ،‬بل البد من توافر‬
‫الشروط التي تطلبها القانون إلباحة هذه األعمال‪ :‬كالترخيص بمزاولة المهنة أو اللعبة وبعرض‬
‫النفع العام والخاص‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬رؤف عبيد‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪496،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪:‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪318 ،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق‪258 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪237 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫رأي التشريعات المختلفة في رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أغلب التشريعات‪ ،‬ومن بينها التشريع الفرنسي والمصري لم تتضمن نص يقتضى اعتبار‬
‫الرضاء سببًا لإلباحة‪ ،‬وفضلت النص على الحاالت التي يعتد فيها بالرضا كسبب لإلباحة‪.‬‬

‫في حين أن بعض التشريعات اعتبرت أن الرضا سبب عام لإلباحة‪ ،‬وإ ن قيدت ذلك‬
‫ببعض القيود‪ ،‬ومن أمثلة هذه التشريعات التشريع الهندي حيث نصت عليه المادة ‪ 91‬من قانون‬
‫العقوبات الهندي‪ ،‬وكذلك التشريع السوداني حيث نصت عليه المادة ‪ 51‬من قانون العقوبات‬
‫السوداني‪ ،‬وكذلك التشريع اإليطالي حيث نصت المادة ‪ 50‬من قانون العقوبات اإليطالي على »ال‬
‫عقاب على من يعتدي على حق الغير‪ ،‬ويجعله في خطر إذا حصل ذلك برضاء صاحب الحق‪،‬‬
‫وكان من الجائز له التصرف في الحق«‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويالحظ أن كلمة ال عقاب توحي بأن الرضا سبب في اإلعفاء من العقاب‬

‫وإ ن قصد به الشارع اعتبار الرضا سببًا لإلباحة في حدود الحقوق التي يجوز لصاحبها‬
‫أن يتصرف فيها‪.‬‬

‫موقف المشرع المصري من رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لم ينص المشرع المصري على اعتبار رضاء المجني عليه سببا لإلباحة‪ ،‬وترك ذلك للفقه‬
‫والقضاء‪ ،‬ولكنه تعرض لرضاء المجني عليه في بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون‬
‫العقوبات القسم الخاص بجرائم االعتداء على العرض‪ ،‬وجريمة اختطاف السندات (‪ )2‬بالقوة أو‬
‫التهديد‪ ،‬ويساير المشرع في ذلك النهج معظم التشريعات ذات المصدر الالتيني المستمدة بوجه‬
‫خاص من القانون الفرنسي‪.‬‬

‫المعيار المميز للجرائم التي يعد الرضا سببا إلباحتها‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لبيان عما إذا كان لرضاء المجني عليه دور في إباحة الفعل المجرم من عدمه‪ ،‬يجب أوًال‬
‫معرفة طبيعة الحق محل االعتداء‪.‬‬

‫فإذا كان من الحقوق التي تمس المصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬فهنا ال يكون لرضاء المجني‬
‫عليه ثمة تأثير عليها‪.‬‬

‫(?) أشار إليها أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.293 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أنظر مواد ‪267/2‬و ‪268/1‬و ‪ 325‬من قانون العقوبات المصرى‪ .‬وكذلك المواد ‪/106‬ع‬ ‫‪2‬‬

‫(جريمة الرشوة)و ‪/130‬ع (اإلكراه وسوء معاملة الناس)و ‪/280‬ع و ‪/290‬ع (القبض وحبس‬
‫الناسو خطف النساء)‪ -‬ج‪/311‬ع (السرقة) و ‪/369‬ع (انتهاك حرمة ملك الغير)‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫أما إذا كان الحق الذي تمسه الجريمة حق خاص للمجني عليه‪ ،‬يجوز التصرف فيه أو‬
‫التنازل عنه‪ ،‬هنا يكون محًال لرضاء المجني عليه في إباحة الفعل المجرم‪.‬‬

‫يرى غالبية الفقهاء أنه لتحديد المعيار الواجب إتباعه في تحديد الجرائم التي يكون لرضا‬
‫المجني عليه أثر في إباحتها‪ ،‬يكون بفحص الحق الذي تمسه الجريمة‪ ،‬وتحديد طبيعته في األحكام‬
‫التي يخضع لها‪ ،‬بمعنى أن يتم التعرض لكل مصلحة على حدة لمعرفة ما إذا كان القانون يرخص‬
‫لصاحبها التصرف فيها‪ ،‬وتقبل بطبيعتها التنازل للغير أم أنه ال يجيز له ذلك؟ فمتى كان لصاحب‬
‫(‪)1‬‬
‫الحق أن يتصرف فيه فإن له أن يسمح باالعتداء عليه‬

‫فالرضا يكون سببًا لإلباحة في الحقوق التي يغلب فيها نصيب الفرد كالحقوق المالية‪.‬‬

‫(‪ )6‬تطبيقات على اعتبار رضا المجني عليه سببا لإلباحة‪:‬‬

‫أغلب التطبيقات على اعتبار رضا المجني عليه سببا لإلباحة تكون في مجال جرائم‬
‫األموال‪ ،‬فهي بطبيعتها قابلة للتصرف‪ ،‬ويغلب فيها مصلحة الفرد وينعدم الضرر الجسيم‬
‫للمجتمع‪.‬‬

‫ومثال لهذه الجرائم انتهاك حرمة ملك الغير والهدم واإلتالف‪ .....‬الخ من الجرائم التي‬
‫يعتد برضا المجني عليه كسبب لإلباحة جريمة السرقة؛ حيث تنص المادة ‪ 311‬من قانون‬
‫العقوبات المصري على أنه »كل من اختلس منقوًال مملوكًا لغيره فهو سارق«‪.‬‬

‫ويرى بعض الفقهاء أن انعدام الرضا يعتبر عنصرًا في الركن المادي المكون لجريمة‬
‫السرقة‪.‬‬

‫ومن ثم فإن رضاء المجني عليه يعتبر نفي للركن المادي المكون للجريمة‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫الرضا سببًا لإلباحة من خالل نفي الركن المادي لجريمة السرقة‪.‬‬

‫فكلما كان للمجني عليه حق التصرف في الحق الذي تمسه الجريمة‪ ،‬أو التنازل عنه دون‬
‫أن يترتب على ذلك ضرر جسيم للمجتمع‪ ،‬وأن يكون التصرف أو التنازل في الحق في حدود‬
‫القانون‪ ،‬فإن رضا المجني عليه ينتج أثره في إباحة الفعل غير المشروع‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪259 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪237 ،‬‬


‫‪277‬‬

‫ثانيًا‪ :‬رضــا المجني عليــه كشــرط لإلباحــة‪:‬‬

‫لرضا المجني عليه دوره كسبب لإلباحة في نطاق الحقوق الجائز التصرف فيها كالحقوق‬
‫المالية‪ ،‬وذلك النعدام الضرر االجتماعي حيث يغلب في تلك الحقوق المصلحة الخاصة على‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬أما بعض الحقوق التي ال يجوز التصرف فيها كالحقوق التي تمس الجريمة فيها‬
‫مصلحة مشتركة للمجني عليه والمجتمع‪ ،‬ومع ذلك قد يبيح القانون التصرف فيها بشرط رضاء‬
‫(‪)1‬‬
‫المجني عليه‪ ،‬فالقانون في هذه الحالة يجعل من رضا المجني عليه شرطًا الزمًا إلباحته‬

‫وبالتالي يكون الرضا شرطًا لإلباحة حين تتوافر الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يحدث مساس بمصلحة ال يجوز التصرف فيها بالنظر لطبيعتها‪.‬‬

‫‪ -2‬يتعين أن يجيز القانون المساس بتلك المصلحة‪ ،‬ويحدد لذلك شروطًا معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬يجب أن يكون الباعث بالمصلحة هو حمايتها‪.‬‬

‫ومن تطبيقات الرضا كشرط من شروط اإلباحة مباشرة األعمال الطبية ومزاولة‬
‫الرياضة‪ ،‬وفيما يلي توضيح ذلك‪:‬‬

‫مباشــرة األعمــال الطبيــة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫األصل أن رضا المجني عليه ال يبيح وحده المساس بسالمة جسم اإلنسان‪ ،‬أو حياته ألن‬
‫في ذلك اعتداء على حقوق غير قابلة للتنازل عنها‪ ،‬ويشكل االعتداء عليها مساسًا بالنظام العام‪.‬‬

‫غير أن استثناء من ذلك يكون رضا المريض في التدخل العالجي شرطا الزما إلباحة‬
‫عمل الطبيبـ ولكن ذلك مشروط بعدة شروط‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬رضاء المريض أو من يمثله قانونًا‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون التدخل الطبي بقصد الشفاء‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يتجرد العمل من الجهل والخطر واإلهمال‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون هناك ترخيص قانوني للطبيب لمزاولة مهنته‪.‬‬

‫وبالتالي يكون رضاء المجني عليه ليس سببًا إلباحة األعمال الطبية‪ ،‬ولكنه شرط فيها‪،‬‬
‫ألن ترخيص القانون هو الذي يبيح الفعل شريطة أن يتم العالج برضاء صحيح ممن يمس الفعل‬
‫جسمه أو رضاء من يمثله قانونًا‬
‫(‪)2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪295 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪184 ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ولكي ينتج رضاء المجني عليه أثره القانوني يجب أن تتوافر شروط صحة الرضا السابق‬
‫بيانها في المبحث السابق‪.‬‬

‫وكذلك أن يتوافر شروط الترخيص القانوني حيث تجيز مهنة الطب لمن رخص القانون‬
‫لهم بمزاولتها أن يتعرضوا ألجسام المرضى وأعراضهم الرتكاب أفعال المساس بالجسم أو‬
‫(‪)1‬‬
‫إعطاء المواد الضارة‪ ،‬وغير ذلك بقصد العالج‪ ،‬والتخلص من المرض أو الشفاء منه‬

‫مما تقدم يتضح أن رضاء المجني عليه على مباشرة األعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب‬
‫على جسمه‪ ،‬والتي قد تمثل جروحًا‪ ،‬أو إعطاء لمواد ضارة‪ ،‬ال يغير من صفة تلك األعمال غير‬
‫المشروعة والمجرمة قانونًا‪ ،‬إال إذا توافرت باقي الشروط التي نص عليها القانون‪ ،‬أو تطلبها‬
‫إلباحة هذه األعمال‪ ،‬فرضاء المريض هنا »المجني عليه« شرط إلباحة األعمال الطبية‪ ،‬إذا ما‬
‫توافرت باقي الشروط كالترخيص للطبيب لمزاولة المهنة‪ ،‬وأن يكون التدخل بتلك األعمال الطبية‬
‫بقصد العالج وشفاء المريض‪ ،‬فإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط التي أوجبها القانون نكون‬
‫بصدد عمل غير مشروع مجرم قانونًا ال أثر للرضاء في إباحته لما في ذلك من مساس بعصمة‬
‫(‪)2‬‬
‫الجسد‬

‫أثر الرضاء على عمليات نقل األعضاء البشرية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بعد توضيح دور رضاء المجني عليه المريض كشرط إلباحة مباشرة األعمال الطبية‬
‫على جسمه بقصد العالج‪ ،‬وفي الحدود التي نظمها القانون ‪ ،‬السؤال الذي يطرح نفسه اآلن؛ ما‬
‫أثر رضاء المريض في حالة نقل أعضاء جسده ومدى مشروعية ذلك؟‬

‫ولبيان األثر القانوني للرضاء على عمليات نقل وزرع األعضاء البشرية سوف تتعرض‬
‫الدراسة لبيان موقف الفقه الجنائي من هذا الموضوع ثم موقف الفقه اإلسالمي‪..‬‬

‫( أ ) موقف الفقه الجنائى من دور رضاء المجني عليه على عمليات نقل وزرع األعضاء‬
‫(‪)3‬‬
‫البشرية‪:‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪568 ،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.178 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.309 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام ‪223 ،‬‬
‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق‪.308 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد‪ :‬المرجع السابق‪.484 ،‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪277‬‬
‫االتجاه السائد والغالب في الفقه يرى أن رضاء المجني عليه ال يبيح المساس بسالمة جسم‬
‫اإلنسان أو حياته‪ ،‬ألن في ذلك اعتداء على حقوق غير قابلة للتنازل عنها‪ ،‬ويشكل االعتداء عليها‬
‫مساسًا بالمصلحة العامة‪ ،‬والنظام العام في المجتمع‪ ،‬وبالتالي فإن المصلحة العامة تغلب على‬
‫مصلحة المجني عليه الخاصة‪ ،‬وبالتالى فإنه ال أثر لرضاء المجني عليه في حالة بتر عضو من‬
‫أعضاء جسمه أو نقله للغير‪ ،‬وينتهي بهم الرأي إلى أن الوسيلة الوحيدة العتبار الرضاء شرط‬
‫إباحة نقل األعضاء أو زرعها هو التدخل التشريعي لتنظيم شرعية هذه األعمال‪ ،‬كما تدخل في‬
‫تنظيم رضاء المريض على مباشرة األعمال الطبية على جسده‪ ،‬وذلك من خالل اشتراط صدور‬
‫رضاء صحيح من الشخص الواهب‪ ،‬وأال يكون في نقل العضو ضرر جسيم له‪ ،‬وأال يكون مخالفًا‬
‫للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وأن يكون البتر أو النقل في األعضاء المزدوجة التي يمكن أن يعيش‬
‫الشخص بدون إحداهما مثل الكلى‪ ،‬وأن يكون نافعًا للشخص الموهوب إليه‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫لتوضيح ما إذا كان للرضاء أثر في إباحة عمليات نقل األعضاء البشرية أو زرعها يجب‬
‫أوًال الموازنة بين الضرر الواقع على مصلحة المجتمع من جراء ذلك‪ ،‬وبين الضرر الذي يعود‬
‫على الفرد الواهب للعضو البشرى‪ ،‬مع وضع مدى النفع الذي يعود على الموهوب إليه في‬
‫االعتبار‪ ،‬وبحث كل حالة على حدة‪.‬‬

‫فإذا كانت عملية نقل األعضاء أو زرعها تغلب فيها المصلحة الخاصة على المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬وينعدم الضرر االجتماعي الجسيم‪ ،‬وكذلك الضرر الخاص الجسيم الذي ينتج عن تلك‬
‫األعمال‪ ،‬بحيث تكون النتيجة النهائية في صالح الشخص الواهب والشخص الموهوب إليه مع‬
‫عدم مخالفة ذلك للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬بمعنى أن يكون التصرف في العضو الموهوب‬
‫يحقق حماية لمصلحة المجتمع من خالل عدم حدوث ضرر للشخص الواهب‪ ،‬يغلب على النفع‬
‫الذي يعود على الشخص الموهوب إليه‪ ،‬بحيث تكون النتيجة النهائية بعد عملية نقل األعضاء أو‬
‫زرعها وجود شخصين أصحاء‪ :‬الواهب والموهوب إليه‪ ،‬حتى يمكن تبرير شرعية نقل‬
‫األعضاء‪ ،‬ومن ثم يرى الباحث أنه يجب النظر إلى تلك األمور قبل بيان ما إذا للرضا أثر في‬
‫إباحة نقل وزرع األعضاء البشرية من عدمه؟‬

‫فإذا ما توافرت الحماية لمصلحة المجتمع وتوافرت السالمة الصحية لجسم كال‬
‫الشخصين‪ ،‬وتوافرت شروط صحة الرضا‪ ،‬والشروط المنظمة لممارسة األعمال الطبية‪ ،‬يمكن‬
‫القول بأن الرضا هنا يكون له أثر في إباحة تلك األعمال‪.‬‬

‫(ب) موقف الفقه اإلسالمي‪:‬‬


‫‪277‬‬
‫يذهب الفقه اإلسالمي إلى أن بتر عضو من أعضاء اإلنسان الحي‪ ،‬وزرعه في جسم‬
‫إنسان آخر مريض يصبح أمرًا مباحًا شرعًا إذا ما توافرت فيه الشروط التي أوجبها الشرع وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬رضا اإلنسان الواهب للعضو رضاًء صحيحًا غير مشوبًا بثمة عيب من عيوب‬
‫الرضا‪ ،‬بحيث يكون مدركًا ومميزًا‪ ،‬وعلى بينة كاملة بالنتائج المترتبة على ذلك الفعل‪ ،‬وأن تتجه‬
‫إرادته إلى إحداثه دون إكراه أو غش أو تدليس‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الدافع الحقيقي للرضا بوهب عضو من أعضائه هو دافع اإليثار والتبرع‬

‫‪‬‬
‫المحض دون مقابل‪ ،‬تحقيقًا لقول رسول اهلل ‪» :‬خير الناس أنفعهم للناس«‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون نقل العضو أو بتره بناًء على دراسة علمية صحيحة‪ ،‬ويقوم بها متخصصون‬
‫ماهرون مرخص لهم بمباشرة تلك األعمال‪ ،‬بحيث ال ينتج عن ذلك أضرار بصحة الواهب يتعذر‬
‫تداركها‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون نقل العضو نافعًا للشخص الموهوب إليه‪ ،‬وسببًا حقيقيًا في شفائه‪ ،‬وعودته‬
‫إنسانًا سليمًا وصحيحًا‪.‬‬

‫(ب) مزاولة األلعاب الرياضية‪:‬‬

‫يحدث أثناء ممارسة بعض األلعاب الرياضية عنف قد يؤدى إلى إصابة الالعب‪ ،‬وربما‬
‫(‪)1‬‬
‫قد يؤدى إلى إحداث عاهة‪ ،‬أو وفاة‪ ،‬وذلك مثل المالكمة والمصارعة والكاراتيه‪ ..‬الخ‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬هل ممارسة تلك األلعاب العنيفة‪ ،‬والتي ينتج عنها إلحاق‬
‫األذى بالجسم‪ ،‬وتعريض سالمة الشخص وحياته للخطر مشروعة أم غير مشروعة؟ وإ ذا ما‬
‫كانت غير مشروعة فهل لرضا الالعب أثر في إباحتها من عدمه؟‬

‫ينعقد اإلجماع فقهًا وقضاءً على إباحة ممارسة األلعاب الرياضية المشروعة‪،‬ولكن ذلك‬
‫مشروط بتوافر شرطين جوهريين هما‪:‬‬

‫‪ -1‬رضا الالعب‪.‬‬

‫‪ -2‬ترخيص القانون‪.‬‬

‫(‪ )1‬فبالنسبة لرضا الالعب‪ :‬يجب أن يتوافر الرضا الصحيح لالعب في الموافقة‬
‫الصريحة أو الضمنية والصادرة عن بينة‪ ،‬من خالل علمه بالنتائج المباشرة وغير المباشرة‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪218 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪495 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬كمال عبد الرازق فالح‪ :‬المرجع السابق‪342 ،‬‬
‫‪277‬‬

‫المترتبة على ممارسة هذه اللعبة عن إدراك وتمييز‪ ،‬وبالتالي إذا ما كان رضاء الالعب رضاًء‬
‫صحيحًا غير معيبًا ينتج أثره كشرط في إباحة ممارسة األعمال الرياضية‪.‬‬

‫(‪ )2‬أما بالنسبة لترخيص القانون‪ :‬فيجب مراعاة القواعد المنظمة لممارسة األلعاب‬
‫الرياضية‪ ،‬وعدم مخالفتها‪ ،‬وأن تتم ممارسة هذه األلعاب وفقًا للنظم واللوائح والمواعيد واألماكن‬
‫التي حددها ونظمها القانون‪ ،‬دون التجاوز في ذلك أو الخروج عن اإلطار المنظم له‪.‬‬

‫فإذا ما خالف الالعب تلك القواعد المنظمة لممارسة تلك اللعبة يخرج من إطار الحماية‬
‫القانونية‪ ،‬ويدخل في إطار التجريم والعقاب على الفعل غير المشروع الذي ارتكبه‪ ،‬ويسأل عن‬
‫جريمته ما دام الفعل الذي ارتكبه مجرم قانونًا‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن ثم يتضح أن رضاء الالعب »المجني عليه« بممارسة األلعاب الرياضية ضده يكون‬
‫شرطًا إلباحتها؛ إذا ما توافر ترخيص القانون بممارسة تلك اللعبة‪ ،‬بمعنى أن لرضاء الالعب أثر‬
‫في إباحة ممارسة األلعاب الرياضية إذا ما توافرت باقي الشروط المنظمة‪ ،‬لذلك والتي تطلبها‬
‫القانون بجانب رضاء الالعب‪ ،‬ومن التشريعات التي نصت على إباحة ممارسة األعمال‬
‫الرياضية قانون الجزاء الكويتي الذي نص في المادة ‪ 31‬على أنه »ال جريمة إذا وقع الفعل أثناء‬
‫مباراة رياضية من شخص مشترك فيها‪ ،‬بشرط أن يلتزم من قواعد الحذر واالحتياط ما تقضى به‬
‫األصول المراعاة في هذه المباراة« فرغم أن اإلباحة مستمدة من القانون يبقى للرضا دور في‬
‫ممارسة األلعاب الرياضية‪ :‬يتمثل في موافقة الالعب على االشتراك في المباراة‪ ،‬وبذلك يعد‬
‫(‪)2‬‬
‫الرضاء شرطًا في إباحة الرياضة‬

‫يرجع أساس إباحة األلعاب الرياضية في القوانين التي خلت من النص على هذه اإلباحة‬
‫إلى أن مباشرة األلعاب الرياضية تعد استعماًال للحق الذي تقرره القواعد القانونية للنشاط‬
‫الرياضي في الدولة (‪)3‬؛ إذ أن مصدر اإلباحة ليس قانون العقوبات فحسب بل هي منتشرة في‬
‫جميع القوانين‪ ،‬فاإلباحة هنا ليست إال تطبيقًا من تطبيقات المادة (‪ 60‬ع م) والتي تنص على أنه‬
‫»ال تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عمًال بحق مقرر بمقتضى‬
‫(‪)4‬‬
‫الشريعة«‪ ،‬وبذلك تختلف اإلباحة عن التجريم الذي ينحصر مصدره في قانون العقوبات‬

‫ثالثًا‪ :‬انعدام رضا المجني عليه كعنصر في الركن المادى للجريمة‪:‬‬

‫(?)‬
‫محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.191،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.131،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫مأمون سالمة‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.203،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)‬
‫أحمد فتحى سرور‪ :‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪.207 ،‬‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪277‬‬
‫يحدد الشارع عناصر الركن المادي لبعض الجرائم‪ ،‬ويجعل من بين تلك العناصر انعدام‬
‫رضا المجني عليه‪ ،‬وبالتالي يترتب على رضا المجني عليه في تلك الجرائم عدم قيام الجريمة‪،‬‬
‫وغالبًا تكون تمس هذه الجرائم المصالح التي يجوز للشخص التصرف فيها‪ ،‬ويرى المشرع أن‬
‫(‪)1‬‬
‫المصلحة العامة ال تستوجب توقيع العقاب على الجاني عندما يرضى صاحبها باالعتداء عليها‬

‫وقد ينص القانون على اشتراط عدم الرضا بصيغ مختلفة من حيث اللفظ ككلمة بغير‬
‫رضاها‪ ،‬كما ورد في المادة ‪ 267‬عقوبات‪ ،‬وكلمة بدون الرضا كما ورد في المادة ‪106‬‬
‫عقوبات‪ ،‬وكلمة القوة أو بالتهديد كما ورد في المادة ‪ 268‬عقوبات‪ ......‬الخ‪.‬‬

‫ولكن كل هذه األلفاظ تعطى معنى واحدا‪ ،‬وهو وقوع الفعل رغم إرادة‬
‫المجني عليه‪.‬‬

‫فمثًال المادة ‪ 267‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها‬
‫يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«‪ ،‬اعتبرت انعدام الرضا عنصرًا من عناصر الركن‬
‫المادي للجريمة‪ ،‬فانعدام الرضا بكافة صوره سواء كان عن إرادة رفض صريحة أو ضمنية أو‬
‫عن إرادة قسرها العنف المادي‪ ،‬أو اإلكراه المعنوي‪ ،‬أو شابهها عيب من العيوب التي تتعلق‬
‫باألنثى مصدره الرضا يعد عنصرًا أساسيًا من بين العناصر التي يقوم عليها الركن المادي لهذه‬
‫الجريمة‪ ،‬وبانتفاء الركن المادي للجريمة ال يكون هناك محل للبحث عن الركن الشرعي أو‬
‫(‪)2‬‬
‫المعنوي‬

‫مما سبق يتضح أنه على الرغم من حماية القانون لمصلحة المجتمع والفرد؛ إال أنه يرى‬
‫في بعض الجرائم أن الفرد أقدر من المجتمع على صونها‪ ،‬نظرًا لما قد تحيط به من ظروف‪،‬‬
‫فربما يكون العقاب فيها أسوأ تأثيرًا من عدم العقاب‪ ،‬ولذلك اشترط للعقاب انعدام الرضا باعتباره‬
‫عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة‪.‬‬

‫أما إذا توافر الرضا فإنه يعدم الركن المادي‪ ،‬لهذه الجرائم لعدم مطابقتها للنص سالف‬
‫الذكر‪ ،‬وإ ن كانت تأخذ وصفًا آخر يخضع للتجريم‪ ،‬والعقاب للنموذج القانوني الجديد أو الوصف‬
‫القانوني الجديد‪.‬‬

‫وهنا يكون لدور رضا المجني عليه أثر في تغيير وصف الجريمة‪ ،‬فيحولها من جريمة‬
‫إلى فعل آخر بوصف آخر قد‪ ،‬يكون مجرم وقد ال يكون مجرم‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪.260 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق‪303 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬المرجع السابق‪.306،‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫اآلثار القانونية للرضا في غير حاالت تأثيره على أركان الجريمة‪.‬‬
‫كما أن لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة ‪ ،‬أيضًا له أثر على غير أركان‬
‫الجريمة‪ ،‬وذلك لما في رضا المجني عليه من أثر على تخفيف العقاب في حدود السلطة التقديرية‬
‫للقاضي‪ ،‬بل إن بعض التشريعات نصت على تخفيف العقاب عند ارتكاب الفعل برضاء المجني‬
‫عليه‪ ،‬مثال المشرع الليبي‪ ،‬ومن أبرز التطبيقات على دور رضاء المجني عليه في تخفيف‬
‫العقوبة جريمة القتل بناء على طلب المجني علي‪ ،‬وجريمة اإلجهاض بناء على رضا الحامل‪.‬‬

‫كما أن لرضا المجني عليه أيضًا دور في تغيير وصف الجريمة ‪،‬وتغيير العقوبة‪.‬‬

‫بناءً على ما تقدم ستتعرض الدراسة لدور رضا المجني عليه في تخفيف العقاب‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك تتعرض لدور رضا المجني عليه في تغيير وصف الجريمة وتغيير عقوبتها‪ ،‬وذلك على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬دور رضا المجني عليه في تخفيف العقاب‪:‬‬


‫لم يكن هدف المشرع من العقاب هو االنتقام من الجاني رضاًء لغيظ المجني عليه؛ بل إن‬
‫الهدف األساسي هو حفظ النظام االجتماعي في حدود عدم االعتداء على حرية األفراد والمساس‬
‫بكرامتهم‪ ،‬ذلك ألن كل جريمة يكون فيها إخالل بمصلحة المجتمع‪ ،‬واعتداء على حرية األفراد‪،‬‬
‫لذلك يضع المشرع نصب عينيه دور اإلرادة الفردية في التصرف في الحقوق الخاصة بهم‪،‬‬
‫طالما يجوز التصرف فيها أو التنازل عنها دون أن يترتب على ذلك ضرر جسيم للمجتمع الممثل‬
‫للمصلحة العامة‪.‬‬

‫وانطالقًا من ذلك المنطلق فال يجوز للمجتمع مهما علت إرادته على إرادة الفرد أن يهدر‬
‫تمامًا دور اإلرادة الفردية في التصرف في الحقوق المشتركة التي ليس من حقه التصرف فيها أو‬
‫التنازل عنها‪ ،‬وهذا ما نقصده في بيان دور رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة إذا ما توافر‬
‫الرضاء الصحيح في التصرف في حق مشترك بينه‪ ،‬وبين المجتمع ال يجوز له التصرف فيه‪.‬‬

‫ومثال ذلك جريمة القتل بناء على طلب المجني عليه‪ ،‬وكذلك جريمة اإلجهاض بناء على‬
‫طلب الحامل‪ ،‬وفي هاتين الجريمتين ال يكون لرضاء المجني عليه ثمة أثر على أركان الجريمة‪،‬‬
‫وذلك ألنهما يمسان حق يغلب فيه مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد‪ ،‬وليس من حق الفرد‬
‫‪277‬‬
‫التصرف أو التنازل في ذلك الحق المشترك مع المجتمع فيه‪ ،‬وهنا يتجلى بحث دور رضاء‬
‫المجني عليه في تخفيف العقاب في حدود سلطة القاضي التقديرية‪ ،‬وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -1‬القتل بناء على طلب المجني عليه‪:‬‬

‫قد يدفع اليأس الفرد أحيانًا إلى الخالص من حياته؛ فيتوسل إلى قريب أو صديق أو طبيب‬
‫ليقتله بدافع الشفقة أو الرحمة‪ ،‬بسبب إلحاح وطلب المجني عليه ذلك‪ ،‬وبالتالي نكون بصدد‬
‫الجريمة المسماة بجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه‪ ،‬أو القتل بدافع الشفقة والرحمة‪ ،‬وذلك‬
‫بحجة أن الدافع عليها إنهاء آالم المجني عليه‪.‬‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن‪ :‬هل طلب المجني عليه من الجاني إزهاق روحه يخضع‬
‫لحقه في التصرف‪ ،‬وبالتالي يكون فعل الجاني مباحًا أم أنه ليس من حق المجني عليه التصرف‬
‫في حياته‪ ،‬أو التنازل عنها‪ ،‬وهنا يكون الجاني بصدد جريمة قتل عمدية ‪ ،‬وإ ن كانت بدافع‬
‫الشفقة؟ وهل يكون للرضاء في تلك الحالة أثر على تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني؟ وذلك‬
‫بالنظر لشرف الباعث لدى الجاني على القتل‪ ،‬فيعد مجرم أقل خطورة من غيره الذي ال يتوافر له‬
‫رضاء المجني عليه‪.‬‬

‫لإلجابة عن هذه التساؤالت ولبيان موقف التشريعات الوضعية المعاصرة من هذه‬


‫الجريمة بادئ ذي بدء نؤكد أن الفقه والقضاء والتشريعات الوضعية أجمعت على أن الرضاء‬
‫(‪)2‬‬
‫بالقتل ال يعد سببًا إلباحته‪ ،‬وال أثر له على ركني الجريمة (المادي‪ /‬والمعنوي)‬

‫أما بشأن أثر رضاء المجني عليه في تخفيف العقوبة على الجاني فقد انقسمت التشريعات‬
‫الوضعية الحديثة إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ ‬القسم األول‪ :‬تضمن التشريعات التي لم تضع قواعدا خاصة مميزة لجريمة القتل بناء‬
‫على طلب المجني عليه‪ ،‬تاركة للفقه والقضاء مراعاة ظروف كل حالة على حدة‪ ،‬بحيث‬
‫أخضعت هذه الجريمة للقواعد العامة التي تطبق على جريمة القتل العمد‪ ،‬والتي ال تعتد بالباعث‬
‫الدافع إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬وال تعتبره عنصرًا من عناصر القصد الجنائي‪ ،‬ولكن ذلك ال يمنع‬
‫من استعمال القاضي لسلطته التقديرية‪ ،‬وتطبيق بالنصوص الخاصة بالظروف المخصصة ومن‬
‫(‪)3‬‬
‫هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪135 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪575 ،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬كمال عبد الرازق فالح‪ :‬المرجع السابق‪.277 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أنظر المادة ‪ 17‬من قانون العقوبات المصرى المتعلقة بالظروف المخففة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ ‬القسم الثاني‪ :‬ويتضمن بعض التشريعات التي تقرر قواعد خاصة لجريمة القتل بناء‬
‫على طلب المجني تخفف العقاب على الجاني إذا ما ارتكب جريمة القتل بناء على طلب المجني‬
‫القانون اإليطالي حيث أشارت المادة‬ ‫(‪)4‬‬
‫عليه‪ ،‬وبرضاء صحيح صادر منه‪ ،‬ومن هذه التشريعات‬
‫‪ 589‬من قانون العقوبات اإليطالي إلى أن كل من سبب الموت إلنسان برضاه يعاقب بالسجن من‬
‫ست سنوات إلى خمسة عشر عاما‪.‬‬

‫وكذلك قانون العقوبات األلماني نص في المادة ‪ 216‬منه "يعاقب بالحبس من ثالث إلى‬
‫خمس سنوات من يقترف القتل بناء على طلب صحيح جاء من مجني عليه حرًا واعيًا وال يعاقب‬
‫على الشروع في الجريمة"‪.‬‬

‫وكذلك تخول المادة ‪ 235‬من قانون العقوبات النرويجي "للقاضي سلطة تخفيف العقوبة‬
‫دون الحد األدنى المقرر قانونًا لجريمة القتل العمد‪ ،‬وذلك في حالة ارتكاب القتل بناء على طلب‬
‫المجني عليه"‪.‬‬

‫ومن التشريعات العربية قانون العقوبات السوداني حيث تنص المادة ‪ 249/5‬على أنه ال‬
‫يعتبر القتل ذو النية الموثمة قتًال عمدًا إذا كان الشخص الذي سبب موته قد عرض نفسه للموت‬
‫برضائه ‪ ،‬وكانت سنه تزيد عن الثامنة عشر‪.‬‬

‫كذلك نص على هذه الجريمة( القتل بناء على طلب المجني عليه) قانون العقوبات‬
‫السوري المادة ‪ 538‬منه‪ ،‬وكذلك قانون العقوبات اللبناني في المادة ‪ 552‬منه‪.‬‬

‫مما تقدم يتضح أن التشريعات سالفة الذكر‪ ،‬والتي نصت على جريمة القتل بناء على طلب‬
‫المجني عليه قد وضعت شروط خاصة يجب توافرها في الرضا الصادر من المجني عليه‪ ،‬وهي‬
‫شروط صحة الرضا الخالي من العيوب كأن يكون المجني عليه شخصًا كامل األهلية حر اإلرادة‬
‫مميزًا ومدركًا للنتائج المترتبة عن ذلك الفعل‪ ،‬وأن يكون الرضاء صادر منه وحده ‪،‬وأن يكون‬
‫خاليًا من اإلكراه والغلط والغش والتدليس‪.‬‬

‫وإ ذا ما توافر الرضا الصحيح من المجني عليه كان له أثره في تخفيف العقاب على‬
‫الجاني‪.‬‬

‫ويتضح من العرض السابق لجريمة القتل بناء على طلب المجني عليه أثر رضاء المجني‬
‫عليه في تخفيف العقوبة‪ ،‬سواء بالنص عليها‪ ،‬أو سواء بإعمال الظروف القضائية المخففة‪ ،‬مما‬
‫يقود إلى التفرقة بين القتل بناء على طلب المجني عليه‪ ،‬وبين االنتحار حيث يتماثالن كليهما في‬
‫إزهاق روح إنسان حي‪ ،‬ولكنهما يختلفان في أن األول يقع على إنسان آخر‪ ،‬أما الثاني فيقع على‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪580 ،‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪277‬‬
‫ذات المجني عليه »اإلنسان نفسه«‪ ،‬وبعض التشريعات ال تعاقب على االنتحار لعدم وجود محل‬
‫إليقاع العقاب عليه‪ ،‬وكذلك ال تعاقب على الشروع فيه‪ ،‬أو االشتراك فيه‪ ،‬وذلك ألنه طبقًا للقواعد‬
‫العامة يستمد الشريك إجرامه من الفاعل األصلي‪ ،‬ويقتضى وقوع الفعل األصلي المعاقب عليه‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والكويتي‬

‫وهذا على خالف بعض التشريعات التي تعاقب على الشروع في االنتحار‪ ،‬ومنها قانون‬
‫العقوبات السوداني والقطري‪.‬‬

‫وبعضها اآلخر يعاقب على التحريض أو المساعدة أو االتفاق على االنتحار‪ ،‬ومنها‬
‫(‪)2‬‬
‫القانون الكويتي حيث ينص على ذلك في المادة ‪ 158‬منه‬

‫‪ -2‬جريمة اإلجهاض بناءً على طلب الحامل‪:‬‬


‫جريمة اإلجهاض التي تقع على األنثى الحامل قد يكون الدافع إلى ارتكابها أسباب‬
‫مشروعة كالمحافظة على حياة األنثى الحامل أو الخشية من تأثر الجنين بمرض وراثي‪ ،‬وقد‬
‫يكون الدافع على ارتكابها أسباب غير مشروعة كالخوف من العار أو الفضيحة في حاالت الحمل‬
‫سفاحًا‪ ،‬والقاعدة العامة في هذه الجريمة أن التشريعات مجمعة على العقاب على فعل اإلجهاض‬
‫إذا وقع على غير رضاء من األنثى الحامل‪ ،‬حتى ولو كان مرتكب الفعل هو والد الجنين‪.‬‬

‫أما إذا توافر رضاء األنثى الحامل‪ ،‬وتم وقوع اإلجهاض حماية لحياتها أو حياة الجنين‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وتوافرت شروط حالة الضرورة ال يعاقب القانون على الفعل‬

‫ولذلك ستتعرض الدراسة لحاالت اإلجهاض التي يتوافر فيها رضاء األنثى الحامل دون‬
‫توافر حالة الضرورة التي تستوجب اإلجهاض‪ ،‬وهنا تبرز القيمة القانونية للرضا في جريمة‬
‫اإلجهاض ‪ ،‬وفي ذلك اتجهت التشريعات عدة اتجاهات منها ما يلي‪:‬‬

‫االتجاه األول‪:‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪.140،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪.141،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) اإلجهاض الذى تقتضيه الظروف الصحية للحامل هو ما يطلق عليه اإلجهاض العالجي‪ ،‬ويعتبر‬ ‫‪3‬‬

‫من األعمال المباحة للطبيب استنادًا على الترخيص المقرر له بمزاولة المهنة‪ ،‬وتأسيسًا على المادة‬
‫‪ 60‬من قانون العقوبات المصرى‪ ،‬ويشترط إلباحته صدور رضاء من الحامل بإجهاضها وفقًا لما‬
‫تمليه الشروط المتطلبة إلباحة األعمال الطبية‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عمر السعيد رمضان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪.331 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫ويمثل قلة من التشريعات التي تجعل رضا الحامل بإجهاضها ال يخلع على الفعل طابع‬
‫المشروعية ‪ ،‬إال أنه يبيح اإلجهاض في حاالت خاصة محددة على سبيل الحصر‪ ،‬ومن هذه‬
‫التشريعات التشريع اليوغسالفي الذي أباح اإلجهاض بناء على طلب المرأة في حاالت محددة‬
‫بشرط أن تكون مدة الحمل قد تجاوزت ثالثة أشهر‪ ،‬وكذلك القانون الفرنسي والفنلندي والروسي‬
‫(‪)1‬‬

‫االتجاه الثاني‪:‬‬

‫هو مذهب الغالبية العظمى من التشريعات‪ ،‬والتي تقرر أنه ال أثر للرضا على أركان‬
‫جريمة اإلجهاض‪ ،‬حيث إن الجريمة تقع على حق الجنين في حياته المستقبلة‪ ،‬وليس على حق‬
‫األنثى الحامل في اإلنجاب فقط‪ ،‬وللمجتمع نصيب غالب في الحقين‪ ،‬فإذا تنازلت األنثى الحامل‬
‫عن حقها في اإلنجاب ال يكفي ذلك إلباحة اإلجهاض‪ ،‬وبالتالي تعاقب تلك التشريعات كًال من‬
‫األنثى والفاعل الذي أجهضها إذا تم برضاها‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذه التشريعات القانون المصري الذي يعاقب على جريمة اإلجهاض بالمادة‬
‫‪ 261‬عقوبات التي تنص على »كل من أسقط عمدًا امرأة حبلة بإعطائها أدوية أو باستعمال‬
‫وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدالتها عليها سواء كان برضائها أم ال يعاقب بالحبس«‪.‬‬

‫كذلك نص المادة ‪ 262‬عقوبات تنص على »المرأة التي رضيت بتعاطي األدوية مع‬
‫علمها بها ‪،‬أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها‪ ،‬أو مكنت غيرها من استعمال تلك‬
‫الوسائل لها‪ ،‬وتسبب اإلسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السالف ذكرها«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النصين سالفي الذكر يتضح أن رضا الحامل باإلجهاض ال يبيح هذا‬
‫الفعل المجرم‪ ،‬وإ ن كان ينفي عنها صفة المجني عليها‪ ،‬وتقتصر تلك الصفة على الجنين وتصبح‬
‫فاعلة في ارتكاب تلك الجريمة طبقًا للنموذج القانوني سالف الذكر‪ ،‬مما سبق يتضح أثر رضاء‬
‫المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني فيها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬دور رضا المجني عليه في تغيير وصف الجريمة‪:‬‬


‫مما سبق يتضح أنه لقيام الجريمة طبقًا للنموذج القانوني المنصوص عليه قانونًا يتطلب‬
‫انعدام الرضا كعنصر من عناصر الركن المادي‪ ،‬وبالتالي إذا ما توافر الرضا الصحيح في تلك‬
‫الجريمة تغير الوصف القانوني للجريمة‪ ،‬وأصبحنا بصدد وصفًا آخر أو تكييف آخر للنموذج‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪.596 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫القانوني الجديد الذي توافر فيه الرضا‪ ،‬وهنا يتضح جليًا دور الرضا الصحيح الخالي من العيوب‬
‫القانونية للرضا الصادر من المجني عليه في تغيير وصف الجريمة (‪0)1‬‬

‫ومن التطبيقات العملية على ذلك المادة ‪ 267‬من قانون العقوبات من التشريع المصري‬
‫التي تنص على »من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«‪.‬‬

‫وبالتالي إذا ما توافر الرضا المتوافر فيه شروط صحة الرضا التي تطلبها القانون من‬
‫المجني عليها في تلك الجريمة يتغير وصف الجريمة من جريمة اغتصاب المعاقب عليها بنص‬
‫المادة سالفة الذكر‪ ،‬إلى جريمة أخرى ذات وصف قانوني آخر‪ ،‬فإن كانت تلك المجني عليها‬
‫متزوجة يكون الوصف الجديد جريمة زنا المنصوص عليها في المادة ‪ 274‬عقوبات التي تنص‬
‫على »المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة ال تزيد على سنتين لكن لزوجها‬
‫أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضاه بمعاشرتها له كما كان«‪.‬‬

‫وهنا يتضح دور الرضا الصادر من المجني عليها في تغيير وصف الجريمة‪ ،‬وتغييره من‬
‫جناية اغتصاب في حالة انعدام رضاها‪ ،‬إلى جريمة زنا إذا كانت متزوجة في حالة رضاها‬
‫رضاًء صحيحًا متضمنًا الشروط التي أوجبها القانون لصحة الرضا‪.‬‬

‫أما إذا كانت غير متزوجة فإنها تخضع لوصف آخر طبقًا للتكييف الذي يصبغه القانون‬
‫عليها‪ ،‬كاالعتياد على ممارسة الدعارة إذا كان هناك اعتياد على موافقتها برضاها طبقًا لتوافر‬
‫الشروط التي أوجبها القانون في تجريم هذا الفعل‪.‬‬

‫وكذلك األمر المادة ‪ 268‬عقوبات التي تشترط انعدام الرضا إذا ما كان هناك رضاء‬
‫صحيح من المجني عليه بغير وصف الجريمة من خضوعها لنص المادة ‪/268‬ع إلى خضوعها‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إلى تكييف آخر طبقًا لنص المادة ‪ 278‬عقوبات‪ ،‬وهي جريمة الفعل الفاضح العلني‪ ....‬وهكذا‬

‫* الباب الثاني *‬

‫دور المجني عليــه في تقدير العقوبة‪.‬‬


‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد الجدع‪ :‬المرجع السابق‪.603 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تنص المادة ‪ / 268‬عقوبات على أن »كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى‬ ‫‪2‬‬

‫ذلك يعاقب باألشغال الشاقة من ثالثة سنين إلى سبع‪ ..........‬الخ‪.‬‬


‫أما نص المادة ‪ / 278‬عقوبات »كل من فعل عالنية فعًال فاضحًا مخًال بالحياء يعاقب بالحبس مدة ال‬
‫تزيد على سنة أو غرامة ال يتجاوز ثالثمائة جنيه مصرى‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫بعد توضيح مدى الدور الذي يقوم به المجني عليه في وقوع الجريمة‪ ،‬وأثر ذلك في‬
‫مسئولية الجاني‪ ،‬وذلك من خالل خلق فكرتها لدى الجاني بإثارة غضبه وميوله اإلجرامية ودفعه‬
‫إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل استفزازه‪ ،‬أو من خالل بدايته باالعتداء وإ لحاق األذى‬
‫بنفسه من أفعال الدفاع التي أباحها القانون إعماًال لحق الدفاع الشرعي‪ ،‬أو من خالل رضاه‬
‫بوقوع الجريمة عليه‪.‬‬

‫وللمجني عليه دور في تقدير العقوبة وتحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وذلك منذ القدم حيث كانت‬
‫العقوبة تختلف من حيث النوع والجسامة بحسب صفة المجني عليه‪ ،‬ومكانته االجتماعية‪.‬‬

‫وحديثًا للمجني عليه دور في تقدير العقوبة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وباستقراء نصوص‬
‫التشريعات المقارنة‪ ،‬والتشريع المصري يتضح أن هذه التشريعات جعلت من شخصية المجني‬
‫عليه‪ ،‬والصفات الخاصة بها أثر واضح في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وقدر العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫لذلك سوف تتناول الدراسة في هذا الباب دور الصفات الخاصة بالمجني عليه كصفة‬
‫صغر السن والجنس‪ .....‬الخ في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫وكذلك العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في تحديد مسئولية الجاني‬
‫وتقدير العقوبة‪.‬وذلك طبقًا للتقسيم التالي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬توافر صفة خاصة في المجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني‬

‫الفصل الثاني‪ :‬وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني‬
‫‪277‬‬

‫الفصل األول‬
‫توافر صفة خاصة في المجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني‬
‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫تهدف السياسة الجنائية الحديثة دائمًا إلى توفير أكبر قدر من الحماية الجنائية لبعض‬
‫األفراد الذين يكونون عرضة للوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬نتيجة توافر صفة خاصة بهم تجعلهم غير‬
‫قادرين على حماية أنفسهم‪ ،‬وعرضة أكثر من غيرهم لخطر الجريمة‪.‬‬

‫لذلك وفرت التشريعات الجنائية لهؤالء األفراد حماية جنائية خاصة‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫وضع النصوص القانونية المالئمة والمناسبة لكل صفة من هذه الصفات‪.‬‬

‫ومن هذه الصفات ما يرجع إلى سن المجني عليه‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى جنس المجني‬
‫عليه‪ ،‬وكذلك حالته الصحية أو مهنته‪.‬‬

‫وسوف تتناول الدراسة كل صفة من هذه الصفات في مبحث مستقل‪ ،‬وذلك طبقًا للتقسيم‬
‫التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬صف ــة صغــر الســن‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬صفـ ــة الجن ـ ــس‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬صفة الحالة الصحيـة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬صفـ ــة المهنـ ـ ــة‪.‬‬


‫‪277‬‬

‫* المبحث األول *‬

‫صفــــة صغــــر الســــن ‪.‬‬


‫اهتمت التشريعات الجنائية بطائفة صغار السن‪ ،‬ووضعت النصوص العديدة التي توفر‬
‫لهم حماية جنائية خاصة لكونهم أكثر عرضة من غيرهم للوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬فشددت العقاب‬
‫على الجناة الذين يستغلون تلك الصفة في ارتكاب الجرائم ضدهم‪ ،‬وذلك من خالل وضع‬
‫نصوص خاصة بحماية صغار السن في الحياة‪ ،‬وفي سالمة الجسم‪ ،‬وفي صيانة العرض‪ ،‬وكذلك‬
‫المحافظة على حقوقهم المالية‪.‬‬

‫وهذه الحماية الجنائية تجد أساسها في ضعف صغير السن‪ ،‬وعدم قدرته على الدفاع عن‬
‫نفسه‪ ،‬مما يجعله عرضة للوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬وكذلك قلة خبرته وإ دراكه في كيفية التعامل مع‬
‫أصحاب الميول اإلجرامية مما يجعله فريسة لهم‪.‬‬

‫لذلك جعلت التشريعات الجنائية من صفة صغر السن ظرفًا مشددًا للعقاب‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫لصغر سن المجني عليه أثره في تقدير العقوبة الموقعة على الجاني‪.‬‬

‫ولذلك سوف تتناول الدراسة الحماية الجنائية لصغار السن في ثالثة مطالب على النحو‬
‫التالى‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬الحماية الجنائية لحياة الطفل وسالمة جسمه وأمنه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحمـايـة الجنائيــة ألخــالق الطفــل وعرضــه‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الحمـايــة الجنائيــة للحقــوق الماليــة للصغــير‪.‬‬


‫‪277‬‬

‫المطلب األول‬

‫الحماية الجنائية لحياة الطفل وسالمة جسمه وأمنه‪.‬‬


‫كفلت التشريعات الجنائية الحديثة‪ ،‬ومنها التشريع المصري حق الطفل في الحياة‪ ،‬وفي‬
‫سالمة جسمه وأمنه‪ ،‬وذلك من خالل النصوص القانونية التي تجرم قتل الطفل حديث الوالدة‬
‫وخطفه‪ ،‬وتعريض حياته للخطر‪ ،‬وكذلك صيانة عرضه وأخالقه والمحافظة على أمواله‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل تشديد العقاب على مرتكبي الجرائم ضده مستغلين توافر تلك الصفة‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬تجريم قتل الطفل حديث الوالدة وخطفه‪:‬‬


‫أصبغت التشريعات الجنائية المختلفة الحماية الجنائية للطفل حديث الوالدة مراعية في‬
‫ذلك ضعفه‪ ،‬وعدم قدرته على منع وقوع الجريمة‪ ،‬فمنها ما نص على ذلك بنصوص خاصة‪،‬‬
‫ومنها ما ترك ذلك للقواعد الجنائية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن التشريعات التي نصت على تجريم قتل الطفل حديث الوالدة التشريع الفرنسي‬
‫والتشريع المغربي والتشريع الكويتي‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 159‬من قانون الجزاء الكويتي على‬
‫"أن كل امرأة تعمدت قتل وليدها فور والدته دفعًا للعار تعاقب بالحبس مدة ال تتجاوز خمس‬
‫(‪)2‬‬
‫سنوات وبغرامة ال تتجاوز خمسة آالف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين"‪.‬‬

‫وعلى خالف ذلك المشرع المصري لم ينص استقالًال على جريمة قتل الطفل حديث‬
‫الوالدة‪ ،‬وأخضعها للتجريم والعقاب الوارد بالقواعد العامة لجريمة القتل العمد‪ ،‬رغم أنه نص‬
‫على جريمة اإلجهاض‪ ،‬وقتل الجنين وهو في بطن أمه‪ ،‬وذلك في المواد من ‪ 260‬إلى ‪ 264‬من‬
‫(‪)3‬‬
‫قانون العقوبات المصري‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه‪ ،‬المرجع السابق‪.60 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق‪.171،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الحماية الجنائية للجنين مكفولة حتى ولو كان اإلجهاض برضاء الحامل نفسها‪ ،‬حيث تنص‬ ‫‪3‬‬

‫المادة ‪ 262‬عقوبات على أن »المرأة التي رضيت بتعاطي األدوية مع علمها بها‪ ،‬أو رضيت‬
‫باستعمال الوسائل السالف ذكرها‪ ،‬أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها‪ ،‬وتسبب اإلسقاط‬
‫عن ذلك تعاقب بالحبس«‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫ويحمى القانون الطفل حديث العهد بالوالدة بغض النظر عن حالته الصحية‪ ،‬فالطفل‬
‫المصاب بمرض خطير أو الطفل المشوه يتمتع بالحماية الجنائية المكفولة للطفل السليم‪ ،‬إذ أن‬
‫المولود يعد إنسانًا مشموًال بالحماية القانونية‪.‬‬

‫وال عبرة بعد ذلك بما إذا كان المولود يستطيع الحياة أم أنه لن يعيش إال فترة قليلة بسبب‬
‫ظروفه الصحية‪ ،‬حيث إن التعجيل بموته في هذه الحالة يعد جريمة يعاقب فاعلها بالعقوبة‬
‫(‪)1‬‬
‫المقررة لجرائم القتل‪.‬‬

‫وعلى خالف ما نهجه المشرع المصري في عدم النص على تجريم قتل الطفل حديث‬
‫الوالدة بنص خاص‪ ،‬فقد نص على جريمة خطف الطفل حديث الوالدة في المادة ‪ 283‬من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬التي تنص على »كل من خطف طفًال حديث العهد بالوالدة أو أخفاه أو أبدله بآخر أو‬
‫عزاه زورًا إلى غير والدته يعاقب بالحبس‪ ،‬فإن لم يثبت أن الطفل ولد حيًا تكون العقوبة الحبس‬
‫مدة ال تزيد على سنة‪ ،‬أما إذا ثبت أنه لم يولد حيًا فتكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد على شهرين«‬
‫(‪)2‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذا النص التشريعي يتضح أن المشرع يعاقب على خطف الطفل‬
‫حديث الوالدة سواء ولد حيًا أو ميتًا‪ ،‬وهنا تتجلى العلة من الحماية الواردة على شخص الطفل‪،‬‬
‫وليس على روح الطفل‪ ،‬فلم يشترط للعقاب أن يولد الطفل حيًا‪ ،‬وإ ن اختلف قدر العقوبة حيث إن‬
‫المشرع خفف العقوبة في حالة ثبوت إنه لم يولد حيا‪ ،‬وذلك كما هو ثابت من النص سالف الذكر‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫و نص أيضًا التشريع الكويتي في المادة ‪ 183‬من قانون الجزاء الكويتي على جريمة‬
‫خطف الطفل حديث الوالدة »كل من خطف طفًال حديث العهد بالوالدة‪ ،‬أو أخفاه أو أبدل به غيره‬
‫أو عزاه زورًا إلى غير والده أو والدته يعاقب بالحبس مدة ال تتجاوز عشر سنوات«‪.‬‬

‫و بمقارنة النص الوارد بقانون الجزاء الكويتي في المادة سالفة الذكر بالنص الوارد‬
‫بقانون العقوبات المصري بالمادة ‪ 283‬عقوبات يتضح أن قانون الجزاء الكويتي يوفر حماية‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪. 174،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ألغيت عقوبة الغرامة من فقرتى المادة ‪ 283‬عقوبات بالقانون رقم ‪ 29‬لسنة ‪ ، 1982‬حيث‬ ‫‪2‬‬

‫كانت العقوبة الغرامة فقط قبل ذلك التعديل مسايرًا المشرع في ذلك السياسة الجنائية الحديثة في‬
‫كفالة حماية الطفل‪.‬‬
‫(?) يعاقب قانون العقوبات الفرنسي على هذه الجريمة بالحبس من خمس سنوات‪ ،‬إلى عشر سنوات‬ ‫‪3‬‬

‫وبالتالى يعتبرها جناية‪ ،‬وليست جنحة‪.‬‬


‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة ‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.64،‬‬
‫‪277‬‬
‫أكثر للطفل حديث العهد بالوالدة ‪ ،‬وذلك حينما جعلها جناية عقوبتها الحبس مدة ال تتجاوز عشر‬
‫(‪)1‬‬
‫سنوات‪.‬‬

‫في حين أن قانون العقوبات المصري يعاقب عليها بعقوبة الجنحة‪ ،‬وهي الحبس الذي‬
‫(‪)2‬‬
‫أقصاه ثالث سنوات‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تجريم خطف الطفل غير حديث الوالدة‪:‬‬

‫نجد أيضًا كما كفلت التشريعات الجنائية حماية الطفل حديث الوالدة كفلت أيضًا الطفل‬
‫غير حديث الوالدة من خالل تجريم خطف الطفل وتشديد العقاب على مرتكب هذه الجريمة ومن‬
‫هذه التشريعات التشريع المصري الذي اعتبر جرائم الخطف الواقعة على األطفال جناية سواء تم‬
‫الخطف باإلكراه والتحايل أو تم دون ذلك وذلك طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة ‪288‬‬
‫عقوبات حيث نصت على »كل من خطف بالتحايل أو اإلكراه طفًال ذكرًا لم يبلغ سنه ستة عشر‬
‫سنة كاملة بنفسه أو بواسطة غيره يعاقب باألشغال الشاقة المؤقتة«‪.‬‬

‫والمادة ‪ 289‬عقوبات حيث نصت على »كل من خطف من غير تحايل وال إكراه طفًال لم‬
‫يبلغ سنه ست عشر سنة كاملة نفسه أو بواسطة غيره يعاقب بالحبس من ثالث سنين إلى عشر‬
‫فإذا كان المخطوف أنثى فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة«‪.‬‬

‫ومع ذلك يحكم على فاعل جناية خطف األنثى باألشغال الشاقة المؤبدة إذا اقترفت بها‬
‫جريمة مواقعة المخطوفة‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على المادتين السابقتين نجد أن المشرع المصري قد تشدد في العقاب على‬
‫خطف الطفل واعتبره جناية في كل األحوال سواء تم الخطف باإلكراه أو التحايل أو بدون ذلك‬
‫وهذا يبرز دور صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتغيير العقوبة الموقعة عليه‬
‫»الجاني« ‪ ،‬حيث جعل المشرع من عدم بلوغ المجني عليه ست عشرة سنة كاملة ظرفًا مشددًا‬
‫(‪)3‬‬

‫للعقوبة‪ ،‬وعلة التشديد في كون صغر سن المجني عليه يسهل للجاني ارتكاب جريمته‪ ،‬إما عن‬
‫طريق التغرير به أو بس الرعب في نفسه‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.176،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تنص المادة ‪ 18‬عقوبات »العقوبات المصري« على أنه عقوبة الحبس هي وضع المحكوم‬ ‫‪2‬‬

‫عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه وال يجوز أن تنقص هذه المدة‬
‫عن أربع وعشرين ساعة وال تزيد على ثالثة سنين إال في األحوال الخصوصية‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.177،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫وال يلزم ألخذ الجاني بالظرف المشدد أن يثبت علمه بحقيقة سن المجني عليه‪ ،‬فهذا العلم‬
‫مفترض في جانبه ال يندفع عنه بدعوى الجهل به‪ ،‬أو بأن مظهر المجني عليه ونصيبه من النمو‬
‫الجسدي كان سببًا وراء خطأه في تقدير السن‪ ،‬أو بأى سبب آخر اللهم إال حالة أن يثبت الجاني أن‬
‫جهله بحقيقة سن المجني عليه مرجعه إلى ظروف قهرية واستثنائية حالت بينه وبين الوقوف على‬
‫(‪)1‬‬
‫حقيقة األمر‪.‬‬

‫والعبرة في احتساب سن المجني عليه بالتقويم الهجري ال بالتقويم الميالدي‪.‬‬

‫حيث قضت محكمة النقض في أحد أحكامها عن احتساب عمر المجني عليه في هتك‬
‫العرض لعدم نص القانون عن كيفية األخذ بسن المجني عليه‪ ،‬هل يحسب بالتقويم الميالدي أم‬
‫بالتقويم الهجري‪ ،‬فقد قررت إنه »يجب األخذ بالتقويم الهجري الذي يتفق مع صالح المتهم‪ ،‬أخذًا‬
‫بالقاعدة العامة في تفسير القانون الجنائي‪ ،‬والتي تقضى بأنه إذا جاء النص العقابي ناقصًا أو‬
‫(‪)2‬‬
‫غامضًا فينبغي أن يفسر بتوسع لصالح المتهم‪ ،‬وبتصنيف ضد مصلحته«‬

‫ثالثًا‪ :‬تجريم تعويض الطفــل للخطــر‪:‬‬


‫تهتم التشريعات الجنائية المختلفة بتجريم تعريض الطفل إلى الخطر‪ ،‬وذلك بتركه في‬
‫مكان خالي من اآلدميين‪ ،‬ومن التشريعات التي نصت على تجريم ذلك قانون العقوبات المصري‪،‬‬
‫حيث نصت المادة ‪ 285‬عقوبات على »كل من عرض للخطر طفًال لم يبلغ سنه سبع سنين‬
‫كاملة‪ ،‬وتركه في محل خال من اآلدميين‪ ،‬أو حمل غيره على ذلك‪ ،‬يعاقب بالحبس مدة ال تزيد‬
‫على سنتين«‪.‬‬

‫لم يكتف المشرع المصري بكفالة حق الطفل في الحياة‪ ،‬وفي سالمة الجسم وحمايته جنائيًا‬
‫من الخطف‪ ،‬بل كفل له الحماية الجنائية من مجرد تهديده‪ ،‬وتعريض حياته للخطر‪.‬‬

‫ومن الحاالت النادرة التي ينص فيها القانون على تجريم األفعال بطريق الترك أو‬
‫التي نص عليها المشرع المصري المادة ‪ 286‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي نصت‬ ‫(‪)3‬‬
‫االمتناع‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض ‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق ‪. 173،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬نجاتى سند ‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪،‬‬
‫‪. 305، 2002/2003‬‬
‫(?) نقض ‪ 4‬ديسمبر ‪ ، 1967‬أحكام النقض س‪ ، 13‬الطعن رقم ‪ 1779‬لسنة ‪37‬ق ‪.1208،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) لم يأخذ قانون العقوبات المصري بالقصد االحتمالي إال في حاالت نادرة جدًا‪ ،‬ومحصورة في‬ ‫‪3‬‬

‫أضيق نطاق‪ ،‬كمسئولية الشريك عن الجرائم التي يكون وقوعها نتيجة محتملة ألفعال التحريض‪ ،‬أو‬
‫االتفاق أو المساعدة التي حصلت‪ ،‬ولو كانت غير التي تعمد الشريك ارتكابها‪ ،‬كما هو منصوص‬
‫‪277‬‬
‫على »إذا نشأ عن تعريض الطفل للخطر وتركه في المحال الخالي‪ ،‬كالمبين بالمادة السابقة‬
‫انفصال عضو من أعضائه ‪ ،‬أو فقد منفعته‪ ،‬فيعاقب الفاعل بالعقوبة المقررة للجرح عمدًا‪ ،‬فإن‬
‫تسبب عن ذلك موت الطفل يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا«‪.‬‬

‫وبمقتضى هذا النص يعتبر الجاني مسئوًال عن نتائج التعريض والترك؛ إذا ترك الطفل‬
‫في محل خالي من اآلدميين‪.‬‬

‫و أخذ المشرع في هذه المادة بالقصد االحتمالي‪ ،‬فالشخص الذي يعرض طفًال للخطر‬
‫ويتركه في محل خالي من اآلدميين‪ ،‬ال يقصد قتل‪ ،‬وال إحداث جرح أو عاهة مستديمة به‪ ،‬ولكنه‬
‫يعلم طبيعة فعله الجنائي‪ ،‬وقد توقع أو كان في استطاعته أن يتوقع النتائج التي يحتمل أن تترتب‬
‫عليه بالنسبة لحياة الطفل‪.‬‬

‫فإذا أقدم رغم ذلك على ارتكاب هذا الفعل فيعتبر أنه قبل نتائجه االحتمالية‪ ،‬ويسأل عن‬
‫(‪)1‬‬
‫هذه النتائج‪ ،‬وإ ن لم يتعمد إحداثها مباشرة‪.‬‬

‫فالقصد الجنائي االحتمالي يفترض توقع المتهم احتمال أن يؤدى سلوكه إلى تحقق نتيجة‬
‫إجرامية ثانوية باإلضافة إلى الغرض األصلي الذي أتى سلوكه من أجل تحقيقه؛ فيقدم على فعله‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فالبد من أن تحقق هذه النتيجة اإلجرامية الثانوية حدوثها‪.‬‬

‫والعلة من التشديد هي صفة صغر سن المجني عليه‪ ،‬وبالتالي تبرز صفة المجني عليه في‬
‫تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫عليه في المادة ‪ 43‬عقوبات ‪ ،‬وأيضًا المسئولية العمدية عن الوفاة في حاالت الضرب أو الجرح‬
‫المفضي إلى الموت‪.‬‬
‫(?) المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه ‪ :‬التعليق على قانون العقوبات ‪ ،‬المجلد الثاني ‪.395،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.100،‬‬


‫‪277‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫الحماية الجنائية ألخالق الطفل وعرضه‪.‬‬


‫كفلت التشريعات الجنائية المختلفة الحماية الجنائية لصغير السن في حياته‪ ،‬وسالمة‬
‫جسمه وأمنه‪ ،‬كما كفلت أيضًا حمايته جنائية ألخالقه وعرضه‪ ،‬وذلك العتبارات خاصة مرتبطة‬
‫بصغر السن منها‪ :‬ضعف القوة البدنية للصغير بصورة تجعله عاجزًا عن مقاومة أفعال الجاني‪،‬‬
‫وضعف إرادته بصورة تجعله غير قادر نفسيًا على المقاومة‪ ،‬باإلضافة إلى أن صغر السن يجعل‬
‫المجني عليه فريسة سهلة للجاني‪ ،‬وانطالقًا من ذلك المنطلق راعت التشريعات الجنائية صغر‬
‫سن المجني عليه‪ ،‬واعتبرته ظرفًا مشددًا للعقوبة في جرائم العرض‪ ،‬ونصت بنصوص محكمة‬
‫على تجريم كل ما يعرض صغير السن للفسق أو الفجور أو التعدي على عرضه‪ ،‬ومن‬
‫التشريعات التي نصت على هذه الجرائم التي تقع على عرض صغير السن التشريع المصري‪.‬‬

‫حيث نصت المادة ‪ 268/1‬عقوبات على أن »كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو‬
‫بالتهديد‪ ،‬أو شرع في ذلك يعاقب باألشغال الشاقة من ثالث سنين إلى سبع‪ ،‬وإ ذا كان عمر من‬
‫وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة‪ ......‬يجوز إبالغ مدة العقوبة إلى‬
‫أقصى الحد المقرر األشغال الشاقة المؤقتة«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النص السابق يتضح أن المشرع قد ساوى في العقوبة بين ارتكاب‬
‫الجريمة كاملة‪ ،‬وبين مجرد الشروع فيها‪ ،‬قاصدًا من ذلك إحكام الحماية الجنائية لعرض‬
‫الصغير‪ ،‬ولذلك شدد العقاب على مجرد البدء في االعتداء عليه‪ ،‬وذلك خروجًا عن القاعدة العامة‬
‫في التجريم‪ ،‬وبالتالي يتضح جليًا دور صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني وتقدير‬
‫العقوبة‪ ،‬وكذلك لصفة المجني عليه (صغر السن) أثرها البالغ في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير‬
‫العقوبة في نص المادة ‪ 269‬عقوبات‪ ،‬والتي نصت على »كل من هتك عرض صبى أو صبية لم‬
‫يبلغ سن كًال منهما ثمان عشر سنة كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس‪ ،‬وإ ذا كان سنه لم يبلغ‬
‫سبع سنين كاملة‪ .........‬تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضح أن صغر السن غير من وصف الجريمة من جنحة‬
‫إلى جناية‪ ،‬حيث إن المشرع قد جعل من جريمة هتك العرض بغير قوة أو تهديد بحسب األصل‬
‫جنحة‪ ،‬فإذا كان سن المجني عليه أقل من سبع سنوات تغير الوصف من جنحة عقوبتها الحبس‬
‫إلى جناية يعاقب عليها باألشغال الشاقة المؤقتة‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫وكما سبق فإن الحكمة من التشديد ترجع لوجود صفة للمجني عليه‪ ،‬وهي صغر سنه‬
‫والعلة من وراء جعل المشرع ظرف صغر سن المجني عليه دون السابعة صورة مشددة لجريمة‬
‫هتك العرض بغير قوة أو تهديد هي أن الصغير غير المميز ال يعتد القانون برضاه بتاتًا حيث‬
‫(‪)1‬‬
‫تنعدم لديه اإلرادة والتمييز‪.‬‬

‫ومن التشريعات العربية التي جعلت من سن المجني عليه ظرفًا مشددًا للعقاب التشريع‬
‫الكويتي حيث نص قانون الجزاء الكويتي في المادة ‪ 191‬على »عقاب كل من هتك عرض إنسان‬
‫باإلكراه‪ ،‬أو بالتهديد أو بالحيلة بالحبس مدة ال تتجاوز خمس عشرة سنة‪ ،‬وترفع العقوبة إلى‬
‫الحبس المؤبد إذا كان الجاني من أصول المجني عليه‪ ،‬أو من المتولين تربيته أو رعايته‪ ،‬أو ممن‬
‫لهم سلطة عليه أو كان خادمًا عنده‪ ،‬أو عند من تقدم ذكرهم‪ ،‬ويحكم بالعقوبات السابقة إذا كان‬
‫المجني عليه معدوم اإلرادة لصغر أو لجنون أو لعته أو كان غير مدرك طبيعة الفعل أو معتقد‬
‫شرعيته‪ ،‬ولو ارتكب الفعل بغير إكراه أو تهديد أو حيلة«‪.‬‬

‫ويتضح من ذلك أن القانون يشدد العقاب في هذه الحالة حيث يعاقب بالعقوبة المقررة‬
‫لجريمة هتك باإلكراه أو بالتهديد حتى ولو ارتكب الفعل غير مقترنًا بالقوة أو بالتهديد‪ ،‬بسبب‬
‫(‪)2‬‬
‫تعلق صفة من الصفات السابقة بالمجني عليه‪ ،‬ومنها صفة صغر السن‪.‬‬

‫وبذلك يعتبر سن المجني عليه من أهم األركان التي تقوم عليها جريمة هتك العرض في‬
‫قانون الجزاء الكويتي‪ ،‬حيث يشدد العقوبة‪ ،‬ويرفعها من الحبس الذي ال تتجاوز مدته خمس‬
‫عشرة سنة إلى الحبس المؤبد‪ ،‬لو ارتكب الفعل على صغير السن (المجني عليه) دون إكراه أو‬
‫(‪)3‬‬
‫تهديد أو حيلة‪.‬‬

‫مما سبق يتضح دور صفة المجني عليه‪ ،‬والمتمثلة في صغر السن في تحديد مسئولية‬
‫الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق ‪.181،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬نجاتى سند ‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪ ،‬المرجع‬
‫السابق ‪.313،‬‬
‫(?)‬
‫‪.‬‬ ‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪184،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.186،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫الحماية الجنائية للحقوق المالية للصغير‪.‬‬


‫لم تقف الحماية الجنائية بصغير السن عند حد حمايته الجنائية لسالمة حياته‪ ،‬وجسمه‬
‫وأمنه وعرضه بل إن التشريعات الجنائية كفلت أيضًا حماية ذمته المالية من استغالل غيره له‪،‬‬
‫والتشريع المصري حيث‬ ‫(‪)1‬‬
‫واإلضرار بحقوقه المالية‪ ،‬ومن هذه التشريعات التشريع الفرنسي‬
‫نصت المادة ‪ 338‬من قانون العقوبات المصري على أنه »كل من انتهز فرصة احتياج أو ضعف‬
‫أو هوى نفس شخص لم تبلغ سنه الحادية والعشرين سنة كاملة‪ ،‬أو حكم بامتداد الوصاية عليه من‬
‫لم تبلغ سنه الحادية والعشرين سنة كاملة‪ ،‬أو حكم بامتداد الوصاية عليه من الجهة ذات‬
‫االختصاص‪ ،‬وتحصل منه أضرارًا به على كتابة‪ ،‬أو ختم سندات تمسك أو مخالصة متعلقة‬
‫بإقراض أو اقتراض مبلغ من النقود‪ ،‬أو شيء من المنقوالت أو على تنازل عن أوراق تجارية‪،‬‬
‫أو غيرها من السندات الملزمة التمسكية‪ ،‬يعاقب أيًا كانت طريقة االحتيال التي استعملها بالحبس‬
‫مدة ال تزيد عن سنتين‪ ،‬ويجوز أن يزداد عليه غرامة ال تتجاوز مائة جنيه مصري‪ ،‬وإ ذا كان‬
‫الخائن مأمور بالوالية أو بالوصاية على الشخص المغدور‪ ،‬فتكون العقوبة السجن من ثالث سنين‬
‫إلى سبع«‪.‬‬

‫فالمشرع قصد بالمادة ‪ 338‬عقوبات حماية القصر من طمع كل من تحدثه نفسه بأن‬
‫يستغل شهواتهم‪ ،‬وهوى أنفسهم وينتهز فرصة ضعفهم وعدم خبرتهم فيحصل منهم على كتابات‬
‫أو سندات ضارة بمصالحهم من قبيل ما هو منصوص عليه في تلك المادة‪ ،‬وبمقتضى عموم‬
‫النص يجب أن يدخل في متناول هذه الحماية كل قاصر لم يبلغ الحادية والعشرين أو بلغها ومدت‬
‫عليه الوصاية‪ ،‬فال يخرج عن متناولها القاصر الذي يستلم أمواله بعد بلوغه الثامنة عشرة سنة‬
‫ليقوم بإدارتها‪ ،‬فإنه ليس له أن يباشر إال أعمال اإلدارة الواردة على سبيل الحصر في المادة ‪29‬‬
‫من قانون المجالس الحسبية‪ ،‬على أن يقدم عنها حسابًا للمجلس الحسبي‪ ،‬وإ ذا كان االقتراض غير‬
‫وارد ضمن ما أجيز لهذا القاصر مباشرته بل محظورًا عليه كما هو محظور على الوصي‬
‫بمقتضى نصوص القانون المذكور فإن المادة ‪ 337‬عقوبات تكون منطبقة على من يستغل‬

‫(?) نص قانون العقوبات الفرنسي على جريمة انتهاز احتياج أو ضعف أو هوى نفس القاصر في‬ ‫‪1‬‬

‫المادة ‪ 406‬عقوبات‪ ،‬وشدد العقوبة‪ ،‬حيث وضع حد أدنى للحبس حيث ال يقل عن شهرين‪ ،‬وجعل‬
‫الغرامة وجوبية بحيث ال تقل عن ‪ 3600‬فرانك‪ ،‬وأضاف عقوبة تكميلية جوازية هي الحرمان من‬
‫الحقوق المدنية والسياسية لمدة ال تزيد عن عشر سنوات ‪ ،‬أشار إليها‪:‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة ‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.91:92،‬‬
‫‪277‬‬
‫ضعفه‪ ،‬ويحصل منه على سند دين‪ ،‬وال يغير من وجه الجريمة أن يتفق على وضع تاريخ الحق‬
‫للتصرف‪ ،‬بحيث يقع في سن البلوغ‪ ،‬وإ ثبات التاريخ الحقيقي يكون بكافة طرق اإلثبات‪ ،‬ونص‬
‫المادة ‪ 338‬عقوبات المذكورة ال يحمى سوى القصر دون غيرهم من العاجزين‪ ،‬كالمحجور‬
‫(‪)1‬‬
‫عليهم لسفه أو عته أو جنون‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النص سالف الذكر يتضح أن المشرع كفل به حماية صغير السن من‬
‫استغالل المرابين له‪ ،‬وانتهاز عدم خبرته فيجبرونه على التصرف تصرفات ضارة بحقوقه‬
‫المالية‪.‬‬

‫وبالتالي جعل المشرع من صفة المجني عليه المتمثلة في كونه قاصرًا ركنًا مفترضًا في‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬وذلك بهدف حمايته جنائيًا‪ ،‬وتوقيع العقاب على من يستغل صغر سنه‪ ،‬أو هوى‬
‫نفسه ويضر بحقوقه المالية‪ ،‬ويحسب للمشرع في كفالته للصغير في حماية حقوقه المالية بنص‬
‫المادة السابقة أنه امتدت حمايته للصغير حتى بلوغه سن إحدى وعشرين سنة‪ ،‬ويعد هذا النص‬
‫من النصوص النادرة التي تكفل حماية الصغير جنائيًا حتى هذا السن حيث كما سبق توضيحه من‬
‫أن الحماية الجنائية لصغير السن في حقه في الحياة‪ ،‬وفي سالمة جسمه‪ ،‬وأمنه وعرضه‪ ،‬وتمتد‬
‫الحماية حتى سن ست عشرة سنة أو ثمان عشرة سنة‪.‬‬

‫و تظل أيضًا الحماية الجنائية للقاصر وفقًا للنص سالف الذكر قائمة حتى ولو سلمت‬
‫للقاصر أمواله بعد بلوغ ثمان عشرة سنة‪ ،‬ليقوم بإدارتها ألنه ليس له أن يباشر كل أعمال اإلدارة‬
‫فقط‪ ،‬وليس منها االقتراض لذلك يطبق العقاب على كل من يستغل صنفه‪ ،‬ويحصل منه على سند‬
‫(‪)2‬‬
‫بدين‪.‬‬

‫وشدد أن المشرع العقاب إذا كان الجاني مأمورًا بالوالية أو الوصايا على الشخص‬
‫القاصر‪ ،‬فجعل العقوبة السجن من ثالث سنوات إلى سبع أي عقوبة الجناية‪ ،‬وبالتالي غير وصف‬
‫الجريمة من جنحة إلى جناية‪ ،‬وذلك كما هو ظاهر من نص المادة ‪ 338‬عقوبات والمقصود‬
‫بالمأمور بالوالية‪ ،‬أو الوصايا على الشخص المعذور هنا هو الشخص الذي يوضع القاصر تحت‬
‫(‪)3‬‬
‫مالحظته كالمربى ومن في حكمه‪.‬‬

‫(?) نقض جلسة ‪ 19/10/1942‬القواعد القانون جـ‪ 693، 5‬أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫قانون العقوبات ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬المرجع السابق ‪.940،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.87،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬أحمد محمد إبراهيم‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.504،‬‬ ‫‪3‬‬

‫أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه ‪ :‬تعليق على قانون العقوبات ‪ ،‬المجلد الثاني ‪.939،‬‬
‫‪277‬‬
‫مما سبق يتضح الحماية الجنائية لصغير السن في حقوقه المالية من جريمة انتهاز احتياج‬
‫أو ضعف أو هوى نفس القاصر‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫بعد توضيح أوجه الحماية الجنائية التي كفلتها التشريعات الجنائية المختلفة لصغار السن‪،‬‬
‫وبيان موقف المشرع المصري من الحماية الجنائية لصغير السن‪ ،‬حيث تضمن النصوص العديدة‬
‫التي شددت العقاب في الجرائم التي تمس حياة الصغير‪ ،‬أو تعرض حياته للخطر‪ ،‬فجعلت من سن‬
‫المجني عليه ظرفًا مشددًا في بعض الحاالت يغير من وصف الجريمة من جنحة إلى جناية‪،‬‬
‫وبالتالي يغير في العقوبة الموقعة على الجاني‪.‬‬

‫كذلك تم توضيح الحماية الجنائية للقاصر من استغالل حقوقه المالية حيث نص عليها‬
‫المشرع بنص خاص في المادة ‪ 338‬عقوبات التي جعلت من صفة المجني عليه ركنًا مفترضًا‬
‫لقيام الجريمة‪ ،‬باإلضافة إلى ركنها المادي والمعنوي‪ ،‬وذلك لتوفير أكبر حماية لمال القاصر‪.‬‬

‫أخيرًا يتطلع الباحث إلى المزيد من الحماية الجنائية لصغار السن‪ ،‬ويأمل في أن تتضمن‬
‫التشريعات الجنائية الحديثة تشديدًا للعقاب في جرائم خطف الطفل حديث الوالدة‪ ،‬وجرائم سوء‬
‫معاملة األطفال‪ ،‬وحرمانهم من ضرورات المعيشة‪ ،‬وجريمة تعريضهم للخطر‪.‬‬

‫وذلك اتساقًا مع السياسة الجنائية الحديثة التي تدعو إلى مزيد من الحماية الجنائية للطفل‪،‬‬
‫والتي تجد أساسها في ضعفه‪ ،‬وعدم قدرته على مقاومة الجريمة‪ ،‬ومنع الجاني من ارتكابها‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫* المبحث الثاني *‬

‫صــفة الجنـس‪.‬‬
‫كما كفلت التشريعات الجنائية الحماية الجنائية لصغار السن مراعية في ذلك لما في‬
‫صغر السن من صفة تجعل صاحبها أكثر عرضة من غيره للوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬ضمنت‬
‫التشريعات النصوص الجنائية العديدة‪ ،‬والتي تشدد العقاب على الجناة الذين يرتكبون جرائمهم‬
‫ضد هؤالء الصغار مستغلين صفة صغر السن‪.‬‬

‫أيضًا تضمنت التشريعات الجنائية النصوص القانونية لحماية النساء؛ باعتبارهن أكثر‬
‫عرضة للوقوع ضحية للجريمة من الرجال‪ ،‬وذلك لتوافر صفة األنوثة‪ ،‬فنجد جانبًا من هذه‬
‫الحماية تأخذ بصفة األنوثة كركن مفترض في الجريمة‪ ،‬وجانب آخر يأخذ بصفة األنوثة كظرف‬
‫مشدد للعقاب‪.‬‬

‫ولذلك سوف تتناول الدراسة هذا المبحث في مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬صفة األنوثة كركن مفترض في الجريمة ‪0‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬صفة األنوثة كظــرف مشــدد للعقــاب ‪0‬‬


‫‪277‬‬

‫المطلب األول‬

‫صفة األنوثة كركن مفترض في الجريمة ‪.‬‬


‫اشترط المشرع المصري في بعض الجرائم لقيام أركانها أن تقع على أنثى‪ ،‬بمعنى أن‬
‫صفة األنوثة ركن مفترض في هذه الجريمة‪ ،‬بحيث لو وقعت ذات األفعال على ذكر فال تقوم‬
‫الجريمة‪ ،‬ومن هذه الجرائم جريمتي الفعل الفاضح الغير علني‪ ،‬والتعرض ألنثى على وجه‬
‫يخدش حياءها‪.‬‬

‫وسنتعرض لكل جريمة منهما على حدة‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬جريمة الفعل الفاضح غير العلني‪:‬‬


‫نص المشرع في المادة ‪ 278‬عقوبات على »كل من فعل عالنية فعًال فاضحًا مخًال‬
‫بالحياء يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على سنة‪ ،‬أو غرامة ال تتجاوز ثالثمائة جنيه«‪.‬‬

‫وأيضًا نص بالمادة ‪ 279‬عقوبات على »يعاقب بالعقوبة السابقة كل من ارتكب مع امرأة‬


‫أمرًا مخًال بالحياة‪ ،‬ولو في غير عالنية«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على نص المادة ‪ 279‬عقوبات يتضح أنها تضمنت توقيع عقوبة الفعل‬
‫الفاضح العلني المنصوص عليها في المادة ‪ 278‬عقوبات على كل من ارتكب مع امرأة أمرًا‬
‫مخًال بالحياء‪ ،‬ولو في غير عالنية‪ ،‬ويهدف المشرع من ذلك حماية الحياء الخاص لألنثى التي‬
‫يقع الفعل في حضورها‪ ،‬سواء انصب عليها فعل الجاني‪ ،‬بأن أوقع الفعل عليها كما لو مس‬
‫شعرها أو المس جسدها من فوق المالبس‪ ،‬أم أوقعه على نفسه في حضورها‪ ،‬أو على مرأى‬
‫منها‪ ،‬أو على نحو يمكنها معه إدراك مغزى الفعل الجارح لشعورها وحيائها »كأن يستمن الجاني‬
‫(‪)1‬‬
‫على مرأى من أنثى أو يكشف لها عن عورته«‬

‫والركن المفترض في هذه الجريمة هو أن يقع الفعل على أنثى‪ ،‬واألنثى هنا لفظ عام‪ ،‬فال‬
‫يشترط القانون أن تكون جميلة‪ ،‬أو غير جميلة‪ ،‬متزوجة أم غير متزوجة‪،‬حسنة األخالق أم سيئة‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.198،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬نجاتى سند ‪ ،‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪ ،‬المرجع‬
‫السابق ‪.330،‬‬
‫‪277‬‬
‫األخالق‪ ،‬وإ نما اشترط أن يقع الفعل في حضرة المرأة دون رضائها ‪ ،‬والرضا هنا مسألة‬
‫(‪)1‬‬
‫موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع النهائية‪.‬‬

‫ويترتب على أن صفة األنوثة ركن مفترض في هذه الجريمة؛ أن تدرك المرأة طبيعة‬
‫الفعل ومدلوله‪ ،‬حتى تتحقق حكمة التجريم المتمثلة في حماية شعورها وصيانة كرامتها‪ ،‬حتى‬
‫يمكن القول بأن الجاني قد أخل بحيائها‪ ،‬لذلك إذا وقع الفعل على صغيرة غير مميزة‪ ،‬أو على‬
‫(‪)2‬‬
‫مجنونة ال تدرك مدلول الفعل المكون للجريمة؛ فال جريمة وال عقاب‪.‬‬

‫كذلك جعل المشرع من انعدام الرضا ركنًا في جريمة الفعل الفاضح غير العلني‪ ،‬وذلك‬
‫بناًء على الحكمة من التجريم حيث إنه ال تقوم هذه الجريمة إال في حالة انعدام رضا المجني عليها‬
‫بالفعل المخل بالحياء وهو ما أوضحته محكمة النقض بقولها »يشترط لتوافر جريمة الفعل‬
‫الفاضح غير العلني المنصوص عليها في المادة ‪ 279‬عقوبات‪ ،‬التي تتم بغير رضاء المجني‬
‫عليها حماية لشعورها‪ ،‬وصيانة لكرامتها‪ ،‬مما قد يقع على جسمها أو بحضورها من أمور مخلة‬
‫(‪)3‬‬
‫بالحياء على الرغم منها«‬

‫مما تقدم يتضح دور صفة األنوثة كركن مفترض في جريمة الفعل الفاضح غير العلني‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬جريمة التعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها‪:‬‬


‫كما نص قانون العقوبات المصري على حماية أخالق المرأة والمحافظة على حيائها في‬
‫تجريمه للفعل الفاضح غير العلني‪ ،‬مد هذه الحماية الجنائية إلى المحافظة على أخالق المرأة‬
‫وحيائها من فساد أخالق غيرها في معاكستهن في الطرق واألمكنة العامة‪ ،‬فنص في المادة ‪306‬‬
‫مكرر (أ) على أن »يعاقب بالحبس مدة ال تتجاوز سنة‪ ،‬وبغرامة ال تقل عن مائتي جنيه‪ ،‬وال تزيد‬
‫على ألف جنيه‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها بالقول‬
‫أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد زكى أبو عامر ‪ :‬الحماية الجنائية للعرض في التشريع المعاصر ‪.41، 1985 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.98،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر ‪ :‬المرجع السابق ‪.220،‬‬


‫(?) طعن رقم ‪ 726‬لسنة ‪29‬ق ‪ ،‬جلسة ‪ ، 20/11/1959‬مجموعة أحكام النقض ‪ ،‬س‪ ، 10‬رقم‬ ‫‪3‬‬

‫‪.834، 187‬‬
‫أشار إليه المستشار مصطفي هرجه ‪:‬تعليق على قانون العقوبات ‪ ،‬المرجع السابق ‪.375،‬‬
‫وكذلك أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،99،‬وأيضًا أ‪.‬د‬
‫‪ /‬فهد فالح مطر ‪ :‬المرجع السابق ‪.321،‬‬
‫‪277‬‬
‫ويسرى حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء األنثى قد وقع عن‬
‫طريق التليفون‪.‬‬

‫فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة من نفس نوع الجريمة المنصوص عليها في الفقرتين‬
‫السابقتين مرة أخرى في خالل سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة األولى تكون العقوبة‬
‫الحبس‪ ،‬وغرامة ال تقل عن خمسمائة جنيه‪ ،‬وال تزيد عن ثالثة آالف جنيه أو بإحدى هاتين‬
‫(‪)1‬‬
‫العقوبتين‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على المادة سالفة الذكر يتضح أنها تفترض لتوقيع العقاب تعرض رجل‬
‫المرأة في طريق عام‪ ،‬أو مكان متروك‪ ،‬بحيث يكون الرجل أقحم نفسه على مسار األنثى‬
‫وتعرض لها بالقول أو الفعل بطريقة أو بألفاظ تخدش حيائها لدرجة أن المشرع امتد الحماية‬
‫الجنائية لألنثى‪ ،‬وجرم بنص تلك المادة كل ما يخدش حياء األنثى إذا وقع عن طريق التليفون‪،‬‬
‫وتقرير ما إذا كانت العبارات تخدش الحياء من عدمه هي من األمور الموضوعية التي يستقل بها‬
‫قاضي الموضوع مستهديًا في ذلك بالقواعد العامة المنظمة ألخالق المجتمع‪ ،‬حيث إنها عملية‬
‫نسبية تختلف من مكان آلخر ‪ ،‬ومن زمان آلخر‪ ،‬ومن بيئة ألخرى كل ذلك أمر متروك تقديره‬
‫لقاضي الموضوع‪.‬‬

‫مما سبق يتضح أن المشرع جعل من صفة األنوثة ركن مفترض لقيام هذه الجريمة‪ ،‬وهذه‬
‫حماية جنائية خاصة لألنثى في ذاتها حفاظًا على أخالقها‪ ،‬وصونًا لحيائها الذي يختلف عن حياء‬
‫الرجل‪ ،‬يستوي في ذلك أن تكون األنثى متزوجة أو غير متزوجة‪ ،‬صغيرة أو كبيرة‪ ،‬فإذا ما‬
‫صدر من أي شخص قول أو فعل يخدش حيائها »حياء المرأة بصفة عامة« يخضع ذلك الشخص‬
‫للتجريم المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر ويوقع عليه عقوبتها‪.‬‬

‫نجد أيضًا أن قبول المرأة لأللفاظ التي تخدش حيائها ال يسقط المسئولية الجنائية عن‬
‫(‪)2‬‬
‫الفاعل وال يعفيه من العقاب‪.‬‬

‫(?) هذه المادة مضافة بالقانون رقم ‪ 617‬لسنة ‪ 1953‬الصادر في ‪ 12‬ديسمبر ‪( 1953‬الوقائع‬ ‫‪1‬‬

‫المصرية في ‪ 12‬ديسمبر سنة ‪ ، 1953‬العدد ‪ 99‬مكرر) ثم استبدلت الفقرة األولى منها بالقانون‬
‫رقم ‪ 169‬لسنة ‪( 1981‬الجريدة الرسمية في ‪ 4‬نوفمبر سنة ‪ ، 1981‬العدد ‪ 44‬مكرر)‪ .‬حيث‬
‫رفعت عقوبة الحبس إلى شهر في الفقرة األولى‪ ،‬ثم عدلت المادة بعقوبتها بموجب القانون رقم ‪93‬‬
‫لسنة ‪ ،1995‬وأضيف بين الفقرتين فقرة جديدة وهي الخاصة بخدش حياء األنثى عن‬
‫طريق التليفون‪.‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق ‪.102،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫أيضًا اشترط القانون في التعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها أن يقع الفعل أو القول‬
‫في طريق عام أو مكان متروك‪ ،‬وبالتالي فالعالنية تعد شرطًا أساسيًا للعقاب في هذه الجريمة‪،‬‬
‫ويتحدد مفهوم العالنية ونطاقها وفقًا للمصلحة التي أراد القانون حمايتها بالتجريم‪ ،‬وهي المحافظة‬
‫على األخالق والشعور العام بالحياء‪.‬‬

‫‪ ‬الفرقة بين جريمة الفعل الفاضح‪ ،‬والتعرض ألنثى على وجه‬


‫يخدش حيائها‪.‬‬

‫يبدو الفرق بين جريمة الفعل الفاضح‪ ،‬وجريمة التعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 306‬مكرر (أ) واضحًا جليًا من عدة وجوه‪:‬‬

‫* أولهــا‪ :‬أن الجريمة األولى ال تقع إال بفعل‪ ،‬بينما جريمة التعرض ألنثى تقع بالقول أو الفعل‪.‬‬

‫* ثانيها‪ :‬أن الفعل في الجريمة األولى البد أن يقع على جسم إنسان سواء في ذلك الجاني نفسه‬
‫أو المجني عليه‪.‬‬

‫بينما يكفي أن يستبين من القول أو الفعل في الجريمة الثانية أنه يخدش حياء األنثى‪ ،‬ولو‬
‫وقع فعل التعرض لها بعيدًا عنها دون أن يقع على جسمها‪.‬‬

‫* ثالثها‪ :‬أن الفعل الفاضح إذا وقع على مجني عليه؛ فإنه كما يقع على ذكر يقع على أنثى بينما‬
‫فعل التعرض المنصوص عليه في المادة ‪ 306‬مكرر (أ) البد أن يقع على أنثى‪.‬‬

‫* رابعها‪ :‬أن الفعل الفاضح كما يلزم أن يتوافر معه ركن العالنية طبقًا لنص المادة ‪278‬‬
‫عقوبات يمكن أال يتوافر معه هذا الركن طبقًا لنص المادة ‪ 279‬عقوبات‪ ،‬بينما التعرض ألنثى‬
‫على وجه يخدش حيائها يجب للعقاب عليه أن يقع في طريق عام أو مكان مطروق‪.‬‬

‫أما إذا صدر عن الجاني أقواًال ال تخدش حياء المجني عليها‪ ،‬كما ارتكب أفعالا تمس‬
‫حيائها‪ ،‬وكان ذلك في مكان عام‪ ،‬فإنه ينطبق عليه جريمتا الفعل الفاضح العلني‪ ،‬والتعرض ألنثى‬
‫على وجه يخدش حيائها‪ ،‬ويحكم عليه بالعقوبة األشد طبقًا للمادة ‪ 32/2‬عقوبات لما بين‬
‫‪ ،‬وقضى تطبيقًا لذلك بأن »مالحقة الطاعن للمجني عليها على سلم‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجريمتين من ارتباط‬
‫المنزل‪ ،‬وما صاحب ذلك من أقوال وأفعال تخدش حيائها تتوافر به جريمتا الفعل الفاضح العلني‪،‬‬
‫والتعرض ألنثى على وجه يخدش حيائها‪ ،‬وقيام االرتباط بين هاتين الجريمتين يوجب تطبيق‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬نجاتى سند ‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪ ،‬المرجع‬ ‫‪1‬‬

‫السابق ‪.320،‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪،‬‬
‫المرجع السابق ‪.188،‬‬
‫‪277‬‬
‫المادة ‪ 32/2‬من قانون العقوبات‪ ،‬والحكم بالعقوبة المقررة ألشدهما‪ ،‬وهي عقوبة الجريمة األولى‬
‫(‪)1‬‬
‫مخالفة الحكم‪ ،‬هذا النظر خطأ في تطبيق القانون‪.‬‬

‫(?) نقض ‪ 8‬فبراير سنة ‪ ، 1970‬أحكام النقض س‪ 21‬الطعن رقم ‪ 1782‬لسنة ‪29‬ق ‪.238،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على‬
‫األشخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.188،‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫صفـة األنوثـة كظـرف مشـدد للعقـاب‪.‬‬


‫من أوجه الحماية الجنائية التي تكفل بها المشرع صفة األنوثة؛ فقد جعل من صفة األنوثة‬
‫ركنا مفترضا في بعض الجرائم‪ ،‬وجعل أيضًا من صفة األنوثة ظرفًا مشددًا في العقوبة الموقعة‬
‫على الفاعل في بعض الجرائم‪ ،‬ومن هذه الجرائم جريمة الخطف حيث تنص المادة ‪289‬‬
‫عقوبات على أن »كل من خطف من غير تحايل وال إكراه طفًال لم يبلغ سنه ست عشرة سنة‬
‫كاملة بنفسه‪ ،‬أو بواسطة غيره يعاقب بالسجن من ثالث سنين إلى عشر‪ ،‬فإذا كان المخطوف أنثى‬
‫تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة‪ ،‬ومع ذلك يحكم على فاعل جناية خطف األنثى باألشغال‬
‫الشاقة المؤبدة إذا اقترنت بها جريمة مواقعة المخطوفة«‪.‬‬

‫بإلقاء الضوء على نص المادة ‪ 289‬من قانون العقوبات المصري‪ ،‬يشدد العقوبة في‬
‫جريمة الخطف من غير تحايل وال إكراه‪ ،‬إذا كان المخطوف أنثى لتصل إلى األشغال الشاقة‬
‫المؤقتة‪ ،‬في حين أن عقوبة هذه الجريمة هي السجن من ثالث سنين إلى عشر‪ ،‬إذا كان المجني‬
‫عليه ذكر لم يبلغ سنه ست عشرة سنة كاملة‪.‬‬

‫ويهدف المشرع من تشديد العقوبة بناء على جنس المجني عليه إلى توفير الحماية الالزمة‬
‫لألنثى‪ ،‬كونها أكثر تعرضا للوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬ألنها تعد هدفًا سهًال في نظر الجاني‪ ،‬األمر‬
‫الذي يدفعه إلى تنفيذ غرضه اإلجرامي‪ ،‬فاألنوثة نوع من الضعف يستدعى تدخل المشرع‬
‫(‪)1‬‬
‫لغرض الحماية الكافية له‪ ،‬وهو ما فعله المشرع في المادة ‪ 289‬عقوبات‪.‬‬

‫وبالتالي تتضح صفة األنوثة كظرف مشدد للعقوبة‪ ،‬ويبرز دور صفة المجني عليه في‬
‫تحديد مسئولية الجاني وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫بعد توضيح صفة األنوثة كركن مفترض في بعض الجرائم‪ ،‬وكذلك صفة األنوثة كظرف‬
‫مشدد لبعض الجرائم‪ ،‬يتضح جليًا مدى الدور الذي تقوم به صفة المجني عليه في تحديد مسئولية‬
‫الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر ‪ :‬المرجع السابق ‪.227،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫وذلك قد يكون من خالل تغيير وصف الجريمة‪ ،‬وبالتالي تغيير العقوبة الموقعة على‬
‫الجاني‪ ،‬وهذا هو المقصود من هذه الدراسة المعتمدة على إبراز دور المجني عليه في تحديد‬
‫مسئولية الجاني‪ ،‬وتحديد نوع الجزاء الموقع عليه‪.‬‬

‫فصفة المجني عليه تنعكس على الحماية الجنائية للمجني عليه من خالل وضع النصوص‬
‫القانونية الواقية من الوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬باعتباره فريسة سهلة للجاني‪ ،‬وكذلك وضع‬
‫النصوص القانونية التي تشدد العقاب على الجاني حتى تكون رادعة له وتمنعه من ارتكاب‬
‫الجرائم ضد المجني عليه ذات الصفات المؤثرة على قدرته في مقاومة الجريمة ومنعها وتجعله‬
‫عرضة للوقوع ضحية للجريمة أكثر من غيره‪.‬‬

‫ومن هنا كان دور السياسة الجنائية الحديثة التي جعلت من شخصية المجني عليه‪،‬‬
‫والصفات الخاصة بها أثرا واضحا في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وقدر العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫* المبحث الثالث *‬

‫صفة األنوثة كظرف مشدد للعقـاب‪.‬‬


‫تضمنت التشريعات الجنائية العديد من صور الحماية الجنائية المقررة لألشخاص‬
‫الضعفاء الذين يرجع ضعفهم إلى الحالة الصحية‪ ،‬وذلك لكونهم عرضة للوقوع ضحية للجريمة‬
‫أكثر من غيرهم من األسوياء‪ ،‬وهذا الضعف الصحي قد يكون لسبب كبر السن‪ ،‬أو عاهة لدى‬
‫الشخص كالصمم والبكم أو العمى‪ ،‬أو بسبب اإلصابة بمرض عضوي أو عقلي أو نفسي‪ ،‬فتكون‬
‫تلك اإلصابات سببًا في وقوع الجرائم عليهم‪.‬‬

‫لذلك تقوم السياسة الجنائية الحديثة في مختلف التشريعات على توفير حماية جنائية خاصة‬
‫لهؤالء األشخاص‪ ،‬متمثلة في تقرير ظرف عام مشدد للعقوبة الموقعة على من يرتكب جريمة‬
‫ضد هؤالء األشخاص (‪ ،)1‬أو تشديد العقوبة في بعض الجرائم التي ترتكب ضد الشخص العاجز‬
‫سواء وقعت على نفسه أو عرضه أو ماله‪ ،‬وترجع الحكمة في تلك الحماية الجنائية الخاصة‬
‫ألصحاب هذه الصفات لضعفهم‪ ،‬وعدم قدرتهم على دفع الجريمة على الجاني أو منع وقوعها‬
‫عليهم‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن تشديد العقاب على الجاني الذي يرتكب جرائم ضد هؤالء لكونه استغل‬
‫ضعفهم وحالتهم الصحية العاجزة‪ ،‬وارتكب جريمته بكل سهولة ويسر‪ ،‬فكان مستحقا للعقوبة‬
‫المشددة‪ ،‬سيتم توضيحها في ثالثة مطالب على النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الحماية الجنائية للعاجز في حياته وسالمة جسمه وأمنه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية الجنائيـة للعاجــز في عرضــه‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الحماية الجنائية للعاجز في حقوقه المالية‪.‬‬

‫(?) نصت المادة ‪ 18‬من قانون العقوبات األثيوبي على تقرير ظرف مشدد للعقوبة الموقعة على من‬ ‫‪1‬‬

‫يرتكب جريمة ضد شخص مصاب بعجز أى كانت صورته‪.‬‬


‫أشار إلي ذلك أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.118،‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب األول‬

‫الحماية الجنائية للعاجز في حياته وسالمة جسمه وأمنه ‪.‬‬


‫وكما سبق توضيحه أن الغاية من تلك الدراسة هي إبراز دور صفة المجني عليه في‬
‫تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة‪ ،‬ومن ثم إبراز أثر صفة المجني عليه المتمثلة هنا في‬
‫حالته الصحية في تقدير العقوبة الموقعة على الجاني‪ ،‬الذي استغل تلك الصفة في ارتكاب‬
‫الجريمة ضد المجني عليه (العاجز)‪.‬‬

‫لذلك وفر المشرع الحماية الجنائية الالزمة للعاجز في حماية حياته وسالمة جسمه‪،‬‬
‫وصور تلك الحماية عديدة منها‪ :‬حماية مصاب الحرب‪ ،‬وكذلك حماية الشخص المقدم على‬
‫االنتحار‪ ،‬وحماية الشخص المعرض للخطر‪ ،‬وأخيرًا حماية العاجز من تعرضه للخطر‪ ،‬وفيما‬
‫يلي تفصيل ذلك‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬حماية العاجز في حياته وسالمة جسمه‪:‬‬


‫الروح هبة وهبها اهلل تعالى لعباده‪ ،‬ليس من حق إنسان االعتداء عليها أيا ما تكون‬
‫األسباب ‪ ،‬لسبب بسيط هو أن اإلنسان منذ بداية البشرية حتى اليوم لم يستطع نفخ الروح في أي‬
‫مخلوق ‪ ،‬لذلك ليس من حقه إزهاقها‪،‬فما لم يستطع اإلتيان به ليس من حقه إزهاقه‪ ،‬لذلك يعاقب‬
‫اهلل‪-‬تعالى‪ -‬من يقدم على االنتحار العتقاده أن باستطاعته إزهاق روحه‪،‬وكذلك جسد اإلنسان من‬
‫ِف‬ ‫ِن‬
‫صنع اهلل – تعالى‪ -‬وقد كرمه‪ ‬وَلَقْد َك َّر ْم َنا َب ي آَد َم وَح َم ْلَناُهْم ي الَبِّر واْلَبْح ِر وَر َز ْقَناُهم ِّم َن‬
‫الَّطِّيَباِت وَفَّض ْلَناُهْم َع َلى َك ِثيٍر ِّمَّم ْن َخ َلْقَنا َتْفِض يًال (‪1 )70‬فكيف يجرؤ اإلنسان على االعتداء‬
‫عليه؟ ومن ثم وضع المشرع من خالل نصوص عديدة حماية جنائية خاصة للعاجز‪ ،‬كحماية‬
‫مصاب الحرب‪ ،‬وحماية الشخص المقدم على االنتحار ‪ ،‬وحماية الشخص المعرض للخطر‪.‬‬

‫وسوف يتم تناول كل منها على حدة‪ ،‬وذلك لتوضيح أثر صفة المجني عليه المتمثلة في‬
‫حالته الصحية‪ ،‬في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقديره للعقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫‪ -‬اإلسراء‪0 70 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪277‬‬

‫(‪ )1‬حماية مصاب الحرب‪:‬‬


‫تنص المادة ‪ 251‬مكرر من قانون العقوبات المصري على ‪» :‬إذا ارتكبت الجرائم‬
‫المنصوص عليها في هذا الفصل (ما تعلق بجرائم القتل والجرح والضرب) أثناء الحرب على‬
‫الجرحى حتى من األعداء‪ ،‬فيعاقب مرتكبها نفس العقوبة المقررة لما يرتكب من هذه الجرائم‬
‫(‪)1‬‬
‫بسبق اإلصرار والترصد‪.‬‬

‫يتطلب تطبيق المادة أن يرتكب فعل االعتداء على حياة الجريح أثناء قيام حالة الحرب‪،‬‬
‫وتورد المادة ظرفًا مشددًا للعقاب إذا وقعت جرائم القتل أو الجرح أو الضرب على جرحى‬
‫الحرب أثناء الحرب‪ ،‬ولو كان المجني عليه من األعداء‪ ،‬فيعاقب مرتكبها بنفس العقوبات المقررة‬
‫لما يرتكب من هذه الجرائم بسبق اإلصرار والترصد‪.‬‬

‫والحكمة من التشديد في العقوبة الموقعة على الجاني يرجع إلى حالة الضعف التي يمر‬
‫بها جريح الحرب أثناء فترة الحرب‪ ،‬فال يقوى على الدفاع عن نفسه في حالة تعرضه‬
‫لالعتداءات الجنائية على حياته أو على سالمة جسمه‪ ،‬كما أنه ال يشكل خطورة على المجتمع بل‬
‫صار ضحية سهلة في نظر الجاني لتنفيذ مشروعه اإلجرامي ضده‪ ،‬ولهذه االعتبارات تدخل‬
‫المشرع بتشديد العقوبة على الجرائم الواقعة عليه أثناء فترة الحرب‪.‬‬

‫فغالبًا ما يتسم االعتداء على جريح الحرب بالوحشية والقسوة استصحابًا لروح القتال التي‬
‫(‪)2‬‬
‫تسود األعمال الحربية قبل أن ينسحب منها الجريح‪.‬‬

‫ويتطلب التشديد طبقًا للمادة ‪ 251‬مكرر من قانون العقوبات شرطين هما‪:‬‬

‫( أ ) صفة خاصة في المجني عليه‪ ،‬وهي كونه مصاب حرب‪.‬‬

‫(ب) وقوع الجريمة أثناء الحرب‪.‬‬

‫‪ ‬فبالنسبة لتوافر صفة المجني عليه المتمثلة في كونه مصاب حرب؛ فهو كل من وقعت‬
‫عليه إصابة بسبب الحرب‪ ،‬سواء تمثلت في جرح أو ضرب ونتجت عن بعض المواد الضارة‪،‬‬
‫ولكن يجب أن تكون اإلصابة من الجسامة بحيث يحدث عجزًا عن درجة معينة لدى المصاب‬

‫(?) أضيف نص المادة ‪ 251‬عقوبات بموجب القانون رقم ‪ 13‬الصادر بتاريخ ‪ 26‬مارس لسنة‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1940‬والمنشور بالوقائع المصرية ‪ 29/3/1940‬العدد ‪ ، 33‬وذلك تنفيذًا لمعاهدة جنيف الدولية‬


‫التي وضعت في سنة ‪ 1929‬وصدر بها مرسوم مؤرخ في ‪ ،13/8/1933‬وتنص هذه االتفاقية‬
‫على وجوب حسن رعاية أسرى الحرب وجرحاها‪.‬‬
‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.56،‬‬


‫‪277‬‬
‫تعجزه عن الدفاع عن نفسه‪ ،‬وتقدير مدى جسامة اإلصابة يترك لقاضي الموضوع يستخلصها من‬
‫(‪)1‬‬
‫الوقائع؛ لما يتحقق معه الحكمة من توفير الحماية الخاصة لمصابي الحرب‪.‬‬

‫يستوي في جريح الحرب أن يكون عسكريًا أو مدنيًا‪ ،‬أصيب في غارة جوية أو لتواجده‬
‫قرب العمليات الحربية‪ ،‬كما يستوي أن يكون وطنيًا أو أجنبيًا‪ ،‬ولو كان من أبناء الدولة المعادية‬
‫(‪)2‬‬
‫أو من أفراد قواتها العسكرية‪.‬‬

‫‪ ‬أما بالنسبة للشرط الثاني‪ ،‬والمتعلق بزمن وقوع الجريمة‪ ،‬فيجب وقوع الجريمة أثناء‬
‫فترة الحرب‪ ،‬حيث ال يكفي لتوقيع العقوبة أن يكون المجني عليه جريح حرب بل يلزم أن يكون‬
‫وقوع الجريمة أثناء فترة الحرب‪.‬‬

‫وفترة الحرب هنا يتم تحديد بدايتها ونهايتها طبقًا لقواعد القانون الدولي‪ ،‬ألن الحرب‬
‫المقصودة هي التي تتم بين دولة وأخرى‪ ،‬أو عدة دول فيما بينها‪ ،‬وبالتالي يخرج من نطاق‬
‫التحديد الخاضع للتجريم طبقًا للمادة سالفة الذكر الحوادث األخرى كالثورة أو العصيان المسلح أو‬
‫(‪)3‬‬
‫التمرد‪.‬‬

‫والعبرة في توافر الظرف المشدد هي بوقوع االعتداء أثناء قيام الحرب‪ ،‬ولو لم تتحقق‬
‫الوفاة إال بعد انتهائها‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم فإذا ما توافر الشرطان المتقدمان تشدد العقوبة بنفس الدرجة التي‬
‫يرتبها القانون على توافر ظرف سبق اإلصرار والترصد في جرائم القتل والجرح والضرب‪،‬‬
‫فإذا كانت الجريمة الواقعة على جريح الحرب هي القتل مثًال فإن عقوبتها تكون اإلعدام‪ ،‬وذلك‬
‫طبقًا للمادة ‪ 230‬عقوبات »وإ ذا أفضى األذى إلى موت المجني عليه يعاقب الجاني طبقًا للمادة‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 236‬عقوبات‪ ....‬الخ«‬

‫وظروف التشديد للجريمة المنصوص عليها في المادة ‪ 251‬مكرر من قانون العقوبات‬


‫ظرف عيني ال عالقة له بشخص الجاني إذ يقوم على صفة المجني عليه‪ ،‬وزمن وقوع الجريمة؛‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.122،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.57،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى ‪ :‬الموجز في شرح قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع‬ ‫‪3‬‬

‫السابق‪.393،‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.125،‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪277‬‬
‫لهذا ينسحب أثره على جميع المساهمين في الجريمة‪ ،‬فاعلون كانوا وشركاء‪ ،‬سواء علموا بهذا‬
‫(‪)1‬‬
‫الظرف أو لم يعلموا‪.‬‬

‫وينتقد األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة الحماية الجنائية التي وفرها المشرع‬
‫للمصاب بمقتضى المادة ‪ 251‬مكرر من قانون العقوبات بأنها ناقصة من ثالثة نواحي هي‪:‬‬

‫‪ -1‬يجب أن يطبق الظرف المشدد على الجاني الذي تمثل اعتداءه على المصاب في شكل إعطائه‬
‫مادة ضارة‪.‬‬

‫‪ -2‬يجب أن تمتد الحماية الجناية لتشمل المصاب نتيجة حرب أهلية‪ ،‬وال تقتصر كما هو الحال‬
‫اآلن وفقًا لنص المادة ‪ 251‬مكرر على المصاب بسبب حرب دولية‪.‬‬

‫‪ -3‬يجب أن تمتد الحماية المقررة بنص المادة ‪ 251‬مكرر إلى كل مصاب‪ ،‬أي كان مصدر‬
‫إصابته طالما أن األذى الذي ألم به قد أصابه بضرر جعله عاجزًا كليًا أو جزئيًا عن الدفاع عن‬
‫نفسه‪ ،‬مما يستلزم توفير الحماية المماثلة لتلك المقررة لمن أصيب أثناء الحرب وبسببها ‪ ،‬وهذا‬
‫(‪)2‬‬
‫يقتضى وضع نص مستقل لمواجهة هذه الحالة‪.‬‬

‫وتعقيبًا على ما تقدم يتضح أن السياسة الجنائية الحديثة تتطلع دائمًا وباستمرار إلى مزيد‬
‫من الحماية الجنائية لكل ممن تتوافر فيه صفة تجعله عرضة للوقوع ضحية للجريمة أكثر من‬
‫غيره‪ ،‬وتحث التشريعات المختلفة على وضع النصوص القانونية المناسبة‪ ،‬والمالئمة لوقايتهم من‬
‫الوقوع ضحية للجريمة‪ ،‬وكذلك وضع النصوص العقابية التي تشدد العقاب على الجناة الذين‬
‫يستغلون أصحاب هذه الصفات في ارتكاب الجرائم ضدهم‪.‬‬

‫(‪ )2‬حماية الشخص المقدم على االنتحار‪:‬‬


‫معظم القوانين الجنائية لمختلف الدول‪ ،‬وكذلك القانون المصري ال تعاقب أصًال على‬
‫االنتحار‪ ،‬ولم تنص على اعتبار االنتحار جريمة‪ ،‬وكذلك الشروع فيه‪ ،‬حيث إنه إعماًال للقواعد‬
‫العامة المساهمة للتبعية في النشاط اإلجرامي تقتضى أن يكون هناك فاعل أصلى للجريمة‪ ،‬وأن‬
‫يسهم الشريك معه في الفعل المكون لها باالتفاق أو التحريض أو المساعدة‪ ،‬وأن تقع الجريمة بناء‬
‫على هذه المساهمة؛ ألن الشريك يستمد إجرامه من إجرام الفاعل األصلي‪ ،‬وعدم مشروعية فعل‬
‫األخير هو الذي يسبغ على نشاط الشريك الذي ال يعد مؤثمًا بحسب األصل صفة عدم‬
‫(‪)3‬‬
‫المشروعية‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.209،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 125،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.127،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫ويبنى على ما تقدم أن االشتراك في االنتحار أيًا كانت طريقته ال يعاقب عليه القانون‪،‬‬
‫طالما أنه ال يعاقب على االنتحار أو على الشروع فيه من حيث المبدأ‪ ،‬ومع ذلك تعاقب بعض‬
‫القوانين على مجرد المساهمة في االنتحار‪ ،‬وتجعل هذه المساهمة »جريمة قائمة بذاتها«‪.‬‬

‫ومن القوانين التي نهجت هذا المنهج قانون الجزاء الكويتي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ ، 1960‬حيث‬
‫ينص في المادة ‪ 158‬منه على أن »كل من حرض أو ساعد أو اتفق مع شخص على االنتحار‬
‫فانتحر يعاقب بالحبس مدة ال تتجاوز ثالث "يقصد المشرع ثالث سنوات" أو بغرامة ال تتجاوز‬
‫(‪)1‬‬
‫ثالثة آالف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين«‬

‫وترجع الحكمة في تجريم التحريض أو المساعدة على االنتحار لطبيعة خاصة في‬
‫الشخص الذي يفكر في االنتحار؛ فهو عادة شخص قد يئس من حياته ألسباب منها‪ :‬مثًال إصابته‬
‫بمرض عضال‪ ،‬وفقده األمل في البرء منه أو وقوعه ضحية لبعض المشاكل التي ال يجد من‬
‫سبيل للهروب منها إال بوضع نهاية لحياته‪ ،‬إذن من يفكر في االنتحار هو شخص واقع تحت تأثير‬
‫االختيار أمامه‪ ،‬والواجب اإلنساني أن نساعده على الخروج من هذه المحنة‪ ،‬وذلك بالتخفيف عنه‬
‫بأن يواسى نفسيًا أو يطلب له أية مساعدة طبية إن كان فيها جدوى‪ ،‬فإذا اتخذ الشخص حياله‬
‫موقفًا عكسيًا؛ فشجعه أو ساعده على تنفيذ فكرة االنتحار‪ ،‬فإنه يكون بفعله هذا قد تخلى عن واجب‬
‫إنساني‪ ،‬وكشف عن خطورة إجرامية تستوجب العقاب‪.‬‬

‫(‪ )3‬حماية الشخص المعرض للخطر‪:‬‬


‫باإلضافة إلى الحماية الجنائية لمصاب الحرب‪ ،‬والشخص المقدم على االنتحار وضعت‬
‫التشريعات الجنائية حماية جنائية خاصة للشخص المعرض للخطر‪ ،‬وذلك للمحافظة على حياته‬
‫وسالمة جسمه‪ ،‬فوضع المشرع ظرفًا مشددًا للعقاب يوقع على الجاني في جريمة االمتناع عن‬
‫مساعدة شخص في خطر‪ ،‬وكذلك تعريض العاجز للخطر‪ ،‬وسوف تتعرض الدراسة لهاتين‬
‫الحالتين في إيجاز بسيط‪ ،‬الغرض منه توضيح ما لصفة المجني عليه من دور في تحديد مسئولية‬
‫الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪-:‬‬

‫( أ ) جريمة االمتناع على مساعدة شخص في خطر‪:‬‬

‫نجد أن المشرع المصري نص في المادتين ‪ 238/2‬و ‪ 244/2‬من قانون العقوبات‬


‫المصري على ظرف مشدد للعقاب لمن تراخى عن مساعدة شخص في خطر‪ ،‬فنصت المادة‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬المرجع السابق ‪.382،‬‬
‫(?) أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق ‪.127،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬

‫على أنه »من تسبب خطأ في موت شخص آخر‪ ،‬كان ذلك ناشئًا‬ ‫‪ 238/2‬من قانون العقوبات‬
‫(‪)1‬‬

‫عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح واألنظمة‬
‫يعاقب بالحبس مدة ال تقل عن ستة أشهر‪ ،‬وبغرامة ال تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين‬
‫العقوبتين‪ ،‬وتكون العقوبة الحبس مدة ال تقل عن سنة وال تزيد على خمس سنوات وغرامة ال تقل‬
‫عن مائة جنيه‪ ،‬وال تتجاوز خمسمائة جنيه‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة‬
‫إخالل الجاني إخالًال جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته‪ ،‬أو كان متعاطيًا‬
‫مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث‪ ،‬أو تراخى وقت الحادث عن مساعدة‬
‫من وقعت عليه الجريمة‪ ،‬أو عن طلب المساعدة مع تمكنه من ذلك‪،‬وتكون العقوبة الحبس مدة ال‬
‫تقل عن سنة‪ ،‬وال تزيد على سبع سنوات إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثالثة أشخاص‪ ،‬فإذا‬
‫توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة ال تقل عن‬
‫سنة وال تزيد على عشر سنين«‪.‬‬

‫كما نصت المادة ‪ 244/2‬من قانون العقوبات »من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه‬
‫بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات‬
‫واللوائح واألنظمة يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على سنة وبغرامة ال تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى‬
‫هاتين العقوبتين‪.‬‬

‫وتكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد على سنتين وغرامة ال تتجاوز ثالثمائة جنيه أو إحدى‬
‫هاتين العقوبتين إذا نشأ عن اإلصابة عاهة مستديمة‪ ،‬أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخالل الجاني‬
‫إخالًال جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيًا مسكرًا أو‬
‫مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث‪ ،‬أو تراخي وقت الحادث عن مساعدة من وقعت‬
‫عليه الجريمة أو طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك‪ ،‬وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة‬
‫إصابة أكثر من ثالثة أشخاص‪ ،‬فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة‬
‫(‪)2‬‬
‫تكون العقوبة الحبس مدة ال تقل عن سنة‪ ،‬وال تزيد على خمس سنين«‬

‫(?) هذه المادة معدلة بالقانون رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 1962‬حيث رفع الحد األدنى لعقوبة الحبس بجعله ال‬ ‫‪1‬‬

‫يقل عن ستة أشهر بعد أن كان غير محدد بحد أدنى (‪ 24‬ساعة حتى ثالث سنوات) وأضاف‬
‫الظروف المشددة للعقوبة كما في الفقرة الثانية والثالثة‪.‬‬
‫(?) هذه المادة معدلة بالقانون رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 1962‬الصادر في ‪ 19/2/1962‬حيث أضاف‬ ‫‪2‬‬

‫التعديل الظروف المشددة‪ ،‬ورفع العقوبة‪ ،‬ثم عدلت عقوبة الغرامة بالقانون رقم ‪ 29‬لسنة ‪1982‬‬
‫من خمسين جنيهًا في الفقرة األولى إلى مائتى جنيه‪ ،‬ومن مائتي جنيه في الفقرة الثانية إلى ثالثمائة‬
‫جنيه مصري‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫والمشرع المصري في المادتين ‪ 238/2‬و ‪ 244/2‬من قانون العقوبات نص على ظرف‬
‫مشدد للعقاب إذا تراخى الجاني وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة‪ ،‬أو عن طلب‬
‫المساعدة له‪ ،‬وتم إضافة هذا الظرف المشدد بالقانون رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 1962‬كرد فعل لكثرة‬
‫حوادث السيارات‪ ،‬وامتناع بعض السائقين المتهمين في هذه الحوادث عن مساعدة أو طلب‬
‫(‪)1‬‬
‫المساعدة للمجني عليه‪.‬‬

‫وبناًء على النصين سالفي الذكر اشترط المشرع لقيام جريمة االمتناع عن مساعدة شخص‬
‫في خطر توافر ثالثة عناصر‪:‬‬

‫* األول‪ :‬يرجع لصفة المجني عليه »شخص في خطر«‪.‬‬

‫* الثاني‪ :‬أن تكون المساعدة ممكنة‪.‬‬

‫* الثالث‪ :‬امتناع الشخص عن مساعدة المجني عليه الذي هو في خطر‪ ،‬ومساعدته‬


‫ممكنة‪.‬‬

‫والحكمة من تجريم المشرع االمتناع عن مساعدة شخص في خطر هي إلزام الناس‬


‫بالتدخل إلنقاذ كل شخص مهدد في حياته‪ ،‬أو سالمة جسمه بخطر ما‪ ،‬حيث يحمى المشرع‬
‫الشخص المهدد بالخطر أيًا كان جنسه ذكرًا أو أنثى‪ ،‬أو بغض النظر عن سنه إذا كان طفًال أو‬
‫شيخًا وأيًا ما كانت حالته الصحية سواء كان مريضًا أو سليمًا‪.‬‬

‫المهم أن يكون هذا الشخص حيًا أو يعتقد أنه ما زال حيًا‪ ،‬حيث تنعدم الحكمة من التجريم‬
‫(‪)2‬‬
‫إذا كان ميتاً؛ فالميت ليس شخصًا وليس في خطر‪.‬‬

‫والخطر المقصود هو الخطر الجسيم والحال والمستمر‪ ،‬والذي يقتضى التدخل الفوري‬
‫ممن وقع عليه التزام بالتدخل‪ ،‬وتقدير ذلك الخطر أمر موضوعي يترك لقاضي الموضوع‬
‫تقديره؛ الختالفه في كل حالة على حدة‪ ،‬مهم أن يكون مهدد للنفس وسالمة الجسم‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫الشروط السابقة‪ ،‬فإنه يشترط أيضًا لقيام هذه الجريمة أن يكون الشخص الممتنع عن تقديم‬
‫المساعدة قادرًا عليها‪ ،‬وأال يخشى خطرًا من تقديمها‪ ،‬فالقانون ال يلزم الشخص بالقيام في تقديم‬
‫المساعدة حتى ولو كان قادرًا عليها إذا كان في تقديمها خطر عليه‪ ،‬ويرجع في تقدير ذلك أيضًا‬
‫(‪)3‬‬
‫إلى محكمة الموضوع‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.78،‬‬


‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.336،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فالح فهد مطر ‪ :‬المرجع السابق ‪.200،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫والعلة من تشديد العقوبة على أساس التراخي عن مساعدة المجني عليه ترجع لعدة أسباب‬
‫منها‪ :‬أن الجاني إذا نكل عن تقديم المساعدة يكون قد ضاعف خطئه‪ ،‬ذلك ألنه فضًال عن ارتكابه‬
‫فالتشديد في هذه الحالة يرجع إلى ازدواج الخطأ‬ ‫(‪)1‬‬
‫لجريمته نكل عن تدارك اآلثار المترتبة عليها‬
‫في مسلك الجاني‪ ،‬باعتبار أن من يتسبب بخطئه في إصابة غيره يكون ملزمًا قانونيًا بتعويضه‬
‫عينًا إذا كان قادرًا على ذلك‪ ،‬وقد يرجع تشديد العقوبة بناء على هذا الظرف إلى أن الموقف‬
‫السلبي من جانب الجاني من شأنه أن يسهم كعامل الحق في إحداث نتيجة أكبر مما لو تدخل‬
‫لمساعدة المجني عليه‪ ،‬وهو ما يحدث في جرائم القتل الخطأ الناتجة عن حوادث السيارات‪،‬‬
‫وأخيرًا قد تكمن علة التشديد في هذه الحالة نتيجة الزدياد الحوادث‪ ،‬وخاصة حوادث السيارات‪،‬‬
‫وما يترتب عليها من ازدياد في عدد الضحايا‪ ،‬وهذا السبب األخير هو العلة التي استند عليها‬
‫المشرع في تشديد العقوبات في المواد (‪238‬و‪ )244‬عند إدخاله التعديالت الجديدة عليها طبقًا‬
‫للقانون رقم ‪ 120‬لسنة ‪.1962‬‬

‫ومما تقدم يتضح أنه إذا ما توافرت شروط المساعدة‪ ،‬وصفة الجاني والمجني عليه‪،‬‬
‫وامتنع الجاني عن مساعدة المجني عليه مع إمكانية ذلك يكون خاضعًا للتجريم‪ ،‬والعقاب الوارد‬
‫بنص المادتين ‪ 238/2‬و ‪ 244/2‬من قانون العقوبات المصري‪ ،‬والظرف المشدد للعقاب؛ لذلك‬
‫يأمل الباحث من المشرع الجنائي أن ينص على جريمة االمتناع عن المساعدة كمبدأ عام في‬
‫القانون المصري‪ ،‬ذلك مسايرة للمشرع الفرنسي حيث نص في المادة ‪ 63/2‬من قانون العقوبات‬
‫الفرنسي على تجريم االمتناع عن مساعدة شخص في خطر‪ ،‬أو عن طلب المساعدة له كمبدأ عام‬
‫(‪)2‬‬
‫يجرم كل حاالت االمتناع عن مساعدة الشخص الموجود في خطر‪.‬‬

‫ومن التشريعات العربية جريمة االمتناع عن مساعدة الشخص المهدد بالخطر التشريع‬
‫الكويتي حيث نصت المادة ‪ 144‬من قانون الجزاء الكويتي على أنه »يعاقب بالحبس مدة ال‬
‫تتجاوز ثالثة أشهر‪ ،‬وبغرامة ال تتجاوز ثالثمائة روبية‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع‬
‫عمدًا عن تقديم المساعدة إلى شخص يهدد خطر جسيم في نفسه أو في حالة‪ ،‬إذا كان هذا الخطر‬
‫ناشئًا عن كارثة عامة كغرق أو حريق أو فيضان أو زلزال‪ ،‬وكان الممتنع عن تقديم المساعدة‬
‫قادرًا عليها‪ ،‬وال يخشى خطرًا من تقديمها‪ ،‬وكان االمتناع مخالفًا ألمر صادر وفقًا للقانون من‬
‫(‪)3‬‬
‫موظف عام تدخل بناء على واجبات وظيفته للحيلولة دون تحقق هذا الخطر‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.81،‬‬


‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.130،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.199،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫مما تقدم يتضح دور صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة وذلك‬
‫من خالل الحماية الجنائية التي تكفلها التشريعات الجنائية لصفة المجني عليه المؤثرة في وقوعه‬
‫ضحية للجريمة‪ ،‬وما يترتب عليها من تشديد العقاب على الجاني الستغالله تلك الصفات في‬
‫ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫(ب) جريمة تعريض العاجز للخطر‪:‬‬


‫تنص معظم التشريعات الجنائية الحديثة على جريمة تعريض العاجز للخطر‪ ،‬فمنها ما‬
‫يعاقب على مجرد تعريض العاجز للخطر‪ ،‬ومنها ما يشدد العقاب إذا اقترن التعريض للخطر‬
‫بحدوث ضرر‪ ،‬وبعضها اآلخر يقيد العقاب على التعريض للخطر بضرورة حدوث ضرر‬
‫للشخص العاجز في حين يعاقب قانون العقوبات المصري من أحدث ضررا للشخص العاجز‪ ،‬و‬
‫يعاقب على مجرد التعريض للخطر بعقوبة المخالفة حيث تنص المادة ‪ 378/8‬من قانون‬
‫العقوبات على »يعاقب بغرامة ال تجاوز خمسون جنيهًا كل من ارتكب فعًال من األفعال‬
‫اآلتية‪ -8 ..................‬من ترك أوالده‪ ،‬حديثي السن‪ ،‬أو مجانين موكلين لحفظه يهيمون‪،‬‬
‫وعرضهم ذلك لألخطار واإلصابات«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضح أن العقوبة وجوبية‪ ،‬بمجرد تعريض الشخص‬
‫المجنون أو حديث السن للخطر‪ ،‬وإ ذا حدثت ألي منهما إصابة فيسأل عنها الشخص الموكول له‬
‫رعايتهم على أساس اإلهمال‪ ،‬بمعنى إمكانية توافر حالة تعدد الجرائم حسب األحوال‪.‬‬

‫ويسلك ذات النهج كل من القانون اإليطالي‪ ،‬وقانون العقوبات الفرنسي‪ ،‬فكالهما يجرم‬
‫‪،‬أما التشريعات التي تعاقب على التعريض‬ ‫(‪)1‬‬
‫ويوقع العقاب على مجرد تعريض العاجز للخطر‬
‫للخطر المقترن بحدوث ضرر‪ ،‬وتشدد العقوبة إذا اقترن التعريض بحدوث ضرر‪ :‬التشريع‬
‫الكويتي إذ نص في المادة ‪ 166‬من قانون الجزاء الكويتي على أن »كل شخص يلزمه القانون‬
‫برعاية شخص آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على ضرورات الحياة بسبب سنه أو مرضه أو‬
‫اختالل عقله أو تقييد حريته‪ ،‬سواء نشأ االلتزام عن نص القانون مباشرة أو عن عقد أو عن فعل‬
‫مشروع أو غير مشروع‪ ،‬فامتنع عمدًا عن القيام بالتزامه‪ ،‬وأفضى ذلك إلى وفاة المجني عليه‪ ،‬أو‬
‫إلى إصابته بأذى يعاقب حسب قصد الجاني‪ ،‬وجسامة اإلصابات بالعقود المنصوص عليها في‬
‫المواد (‪149‬و ‪150‬و ‪152‬و ‪160‬و ‪162‬و ‪ )163‬فإن كان االمتناع عن إهمال ال عن قصد‬
‫(‪)2‬‬
‫وقعت العقوبات المنصوص عليها في المادتين (‪154‬و ‪.)164‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.145،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.196،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضح أن المشرع اشترط توافر صفة في المجني عليه هي‬
‫كونه عاجزًا على أن يحصل لنفسه على ضرورات الحياة بسبب سنه أو مرضه أو اختالل عقله‬
‫أو تقييد حريته‪.‬‬

‫قد أورد المشرع هذا النص تحت عنوان التعريف للخطر غير أنه لم يعاقب بمجرد‬
‫التعريض للخطر‪ ،‬إنما استلزم للعقاب حدوث الضرر الفعلي‪ ،‬وهو ما يستفاد من عبارة وأفضى‬
‫ذلك إلى وفاة المجني عليه أو إصابته بأذى‪.‬‬

‫وكل ما يتطلع إليه الباحث في عرض التشريعات السابقة هو بيان دور صفة المجني عليه‬
‫في تغيير العقوبة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني الذي يستغل صفة المجني عليه (كالعاجز)‪ ،‬ويقوم‬
‫بارتكاب الجريمة ضده‪ ،‬ويجعله فريسة سهلة ‪ ،‬وهذا ما يبرر دور التشريعات الجنائية الحديثة في‬
‫حماية المجني عليهم‪ ،‬وتشديد العقاب على الجناة‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حمايــة العاجــز في أمنــه‪:‬‬


‫يضفي القانون الجنائي حماية جنائية على العاجز‪ ،‬فيجرم أي تقصير في واجب الرعاية‬
‫نحوه‪ ،‬بما يؤدى إلى تعريضه للخطر‪ ،‬أو حدوث ضرر له‪ ،‬نتيجة لذلك تضيف بعض التشريعات‬
‫حماية جنائية للعاجز في أمنه‪ ،‬وتشدد العقاب إذا كان المخطوف شخصًا عاجزًا‪.‬‬

‫ومن التشريعات التي نصت على ذلك التشريع الكويتي‪ ،‬وذلك حماية للمجني عليه‬
‫المصاب بمرض الجنون أو العته‪ ،‬فنص المادة ‪ 178‬من قانون الجزاء الكويتي تنص على عقوبة‬
‫الحبس مدة ال تتجاوز سبع سنوات على كل من خطف شخصا من غير رضاه‪ ،‬وتصبح العقوبة‬
‫الحبس مدة ال تتجاوز عشر سنوات إذا كان الخطف بالقوة أو التهديد أو الحيلة‪ ،‬ويشدد المشرع‬
‫بهذه العقوبة لتصل إلى الحبس مدة ال تتجاوز خمس عشر سنة إذا كان المجني عليه معتوهًا أو‬
‫(‪)1‬‬
‫مجنونًا‪.‬‬

‫كذلك المشرع في المادة ‪ 179‬من قانون الجزاء الكويتي شدد عقوبة الخطف حتى ولو تم‬
‫بغير تهديد أو حيلة لتصل إلى الحبس مدة ال تتجاوز عشر سنوات‪ ،‬إذا كان المجني عليه مجنونًا‬
‫أو معتوهًا أو يقل سنه عن واحد وعشرين عاما كاملة ‪ ،‬وتكون العقوبة الحبس المؤبد إذا كان‬
‫الخطف بقصد قتل المجني عليه أو إلحاق األذى به‪ ،‬أو مواقعته أو هتك عرضه أو حمله على‬
‫مزاولة البغاء‪ ،‬أو ابتزاز شيء منه‪ ،‬أو من غيره‪ ،‬ولكن إذا كان من خطف المجني عليه هي أمه‬
‫(‪)2‬‬
‫وأثبتت حسن نيتها‪ ،‬وأنها تعتقد أن لها حق حضانة ولدها فال عقاب عليها‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذين النصين يتضح أن المادة ‪ 178‬من قانون الجزاء الكويتي تقرر‬
‫لجريمة الخطف بالقوة أو بالتهديد أو بالحيلة عقوبة الحبس الذي ال يتجاوز عشر سنوات‪ ،‬ثم تشدد‬
‫العقوبة فترفع الحد األقصى للحبس إلى خمس عشرة سنة إذا كان المجني عليه معتوهًا أو‬
‫مجنونًا‪.‬‬

‫أما المادة ‪ 176‬من قانون الجزاء الكويتي سالفة الذكر فتقرر عقوبة الحبس الذي ال‬
‫يتجاوز عشر سنوات لجريمة الخطف‪ ،‬إذا كان المجني عليه معتوهًا أو مجنونًا متى تم الخطف‬
‫بغير قوة أو تهديد أو حيلة‪ ،‬فإذا كان الخطف بقصد قتل المجني عليه‪ ،‬أو إلحاق أذى به‪ ،‬أو‬
‫مواقعته‪ ،‬أو هتك عرضه أو حمله على مزاولة البغاء‪ ،‬أو ابتزاز شيء منه أو من غيره كانت‬
‫(‪)3‬‬
‫العقوبة الحبس المؤبد‪.‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.212،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.212،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.149،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬

‫‪ ‬موقف المشرع المصري من تشديد العقاب إذا كان المخطوف شخصًا عاجزًا‪:‬‬
‫يشدد المشرع المصري العقوبة على الخاطف إذا كان المجني عليه طفًال لم يبلغ ست‬
‫عشرة سنة‪ ،‬أو كان أنثى‪ ،‬وذلك كما هو مبين في نص المادتين ‪ 288‬و ‪ 289‬من قانون العقوبات‬
‫المصري‪.‬‬

‫وأن الحكمة من تشديد العقوبة تعود إلى توفير حماية جنائية خاصة للمجني عليهم صغار‬
‫السن بسبب ضعفهم‪ ،‬وعدم قدرتهم على منع وقوع الجريمة‪ ،‬باإلضافة إلى ضعف إرادتهم‪ ،‬وقلة‬
‫خبرتهم في كيفية التعامل مع الجناة أصحاب الميول اإلجرامية الذين يستغلون تلك الصفة في تنفيذ‬
‫ميولهم اإلجرامية‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫ورأينا أن صفة صغر السن كانت سببًا في تشديد العقاب‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني‪.‬‬

‫ورغم ما سلكه المشرع الجنائي من توفير أكبر حماية جنائية لمن تتوافر فيهم صفة‬
‫الضعف إال أنه خال من النص على تشديد العقاب في حالة خطف العاجز‪ ،‬رغم توافر ذات‬
‫الحكمة التي من أجلها شدد العقاب على الصغير‪ ،‬لذلك تتطلع الدراسة إلى ضرورة نص المشرع‬
‫على تشديد العقاب في حالة خطف العاجز مسايرًا في ذلك ما نهجه من تشريعات سابقة‪ ،‬وما‬
‫تهدف إليه السياسة الجنائية الحديثة‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫الحماية الجنائية للعاجز في عرضه‪.‬‬


‫لصفة المجني عليه أثر في تقدير العقوبة‪ ،‬وتحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وذلك من خالل ما‬
‫تمثله من ضعف في قدرة المجني عليه على مقاومة الجريمة‪ ،‬وعجزه عن الدفاع عن نفسه‪ ،‬ومنع‬
‫الجاني من ارتكاب الجريمة ضده‪.‬‬

‫لذلك وضعت التشريعات الجنائية المختلفة الحماية الجنائية الخاصة للمجني عليهم‬
‫المتوافر بهم صفات الضعف وعدم القدرة على منع وقوع الجريمة ضدهم‪ ،‬فشملت نصوصها‬
‫القانونية ظرفًا مشدد للعقاب‪.‬‬

‫ومن هذه التشريعات التي اعتبرت الحالة العقلية أو الصحية ظرفًا مشددا للعقاب‪ :‬قانون‬
‫العقوبات اإليطالي والفرنسي‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن التشريعات العربية قانون العقوبات الليبي واللبناني والكويتي‪.‬‬

‫ومنها على سبيل المثال نص قانون الجزاء الكويتي الذي قرر في المادة ‪ 187‬منه‬
‫»عقوبة الحبس المؤبد لمن واقع أنثى بغير إكراه أو تهديد أو حيلة وهو يعلم إنها مجنونة أو‬
‫(‪)2‬‬
‫معتوهة أو دون الخامسة عشرة«‬

‫وبإلقاء الضوء على النص سالف الذكر يتضح أن المشرع قد شدد العقاب على الفاعل في‬
‫جريمة االغتصاب إذا كان المجني عليها مجنونة أو معتوهة ولو برضائها‪ ،‬ولكنه قيد توقيع‬
‫العقوبة المشددة بعلم الفاعل بحالة الجنون أو العته وقت الفعل‪ ،‬وبما إننا نعرض هذه النصوص‬
‫بهدف إيضاح ما لصفة المجني عليه‪ ،‬والمتمثلة هنا في العجز »جنون أو عته« من أثر في تحديد‬
‫مسئولية الجاني وتقدير العقوبة المقررة عليه تكتفي الدراسة بالنص السابق الدال على أخذ‬
‫التشريعات بظرف مشدد للعقاب في حالة توافر صفة خاصة في المجني عليها تضعف من‬
‫قدرتها‪ ،‬وتجعلها عرضة للوقوع ضحية للجريمة أكثر من غيرها‪.‬‬

‫والحكمة من تشديد العقاب على الجاني الذي ارتكب جريمته ضد شخص مصاب بعاهة‬
‫عقلية‪ ،‬أو عجز جسماني ترجع في تأثير الحالة الصحية في إرادة المجني عليه‪.‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليها أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬المرجع السابق ‪.151،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.210،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫فالجنون مثًال يعيب الرضا‪ ،‬ولذلك كان من الواجب توفير الحماية الجنائية المطلوبة حتى‬
‫تقلل من فرص وقوع هؤالء األشخاص ضحايا لجرائم العرض؛ لما للرضا من دور كبير في‬
‫جرائم العرض‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على موقف المشرع المصري من حمايته الجنائية للعاجز في مجال جرائم‬
‫العرض يتضح أن قانون العقوبات المصري لم يتضمن أي حماية جنائية خاصة في مجال جرائم‬
‫(‪)1‬‬
‫العرض للمجني عليه المصاب بمرض عضوي أو نفسي‪.‬‬

‫على الرغم من اتحاد الحكمة في التجريم بين الحماية الجنائية للمجني عليه صغير السن‬
‫في جرائم العرض‪ ،‬والحماية الجنائية للمجني عليه العاجز في جرائم العرض فكالهما غير‬
‫قادرين على منع الجريمة‪ ،‬أو دفعها لضعف إرادتهما‪ ،‬وقدرة الجاني على ارتكاب الجريمة‬
‫ضدهما في سهولة ويسر دون مقاومة منهما‪ ،‬إال أن المشرع المصري نص على تشديد العقاب‬
‫في جرائم العرض التي تقع على صغير السن‪ ،‬ووضع لحماية تلك الصفة نصوصًا خاصة في‬
‫المواد ‪267‬و ‪268‬و ‪ 269‬من قانون العقوبات‪ ،‬إال أنه لم يتضمن ثمة نص يوفر حماية جنائية‬
‫خاصة للعاجز في جرائم العرض‪.‬‬

‫لذلك يأمل الباحث من المشرع المصري أن يضع نصًا خاصًا يكفل به الحماية الجنائية‬
‫للعاجز في جرائم العرض‪ ،‬لتوافر الحكمة التشريعية من تشديد العقاب على الجناة الذين يرتكبون‬
‫جرائمهم ضد المجني عليهم العاجزين‪ ،‬وغير القادرين على دفع الجريمة باعتبارهم أصحاب‬
‫صفة خاصة تستوجب حماية جنائية خاصة‪ ،‬وال سيما أن الجنون والعته والمرض يعدمان‬
‫الرضا‪.‬‬

‫وقد تعرضت محكمة النقض المصرية لحالة المرض الذي يعدم القدرة على المقاومة‪،‬‬
‫فذهبت إلى أنه »متى كان المتهم قد باغت المجني عليها‪ ،‬وهي مريضة مستلقية على فراشها‬
‫منتهزًا فرصة عجزها بسبب المرض عن المقاومة‪ ،‬أو إتيان أي حركة فإن ذلك يكفي لتكوين‬
‫(‪)2‬‬
‫جريمة الوقاع المنصوص عليها في الفقرة األولى من المادة ‪.276‬‬

‫فالقانون ال يعتد برضاء المجني عليه غير المميز بسبب إصابته بالجنون أو العته؛ ألن‬
‫(‪)3‬‬
‫إرادة غير المميز مجردة من القيمة القانونية‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.153،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫نقض ‪ 27‬يناير ‪ 1957‬مجموعة ‪:‬أحكام النقض ‪ ،‬س‪ ، 9‬رقم ‪.102، 28‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪536،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫وقد قضى تطبيقًا لذلك أن ركن القوة أو التهديد الذي يميز جناية هتك العرض المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪ 268‬عقوبات عن الجنحة المنصوص عليها في القوة المادية فحسب‪ ،‬بل يتحقق‬
‫كذلك بكافة صور انعدام الرضا لدى المجني عليه‪ ،‬ومن بين هذه الصورة عاهة العقل التي تعدم‬
‫(‪)1‬‬
‫الرضا الصحيح‪.‬‬

‫مما تقدم يتضح أثر الحالة الصحية للمجني عليه في مجال جرائم العرض من ناحية صحة‬
‫الرضا من عدمه؛ لكون القانون ال يعتد برضا المجني عليه غير المميز بسبب إصابته بالجنون أو‬
‫من العته‪ ،‬وبالتالي يظل في صفة المجني عليه العاجز أثر في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير‬
‫العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫ولذلك يحاول الفقه والقضاء إبراز الحماية الجنائية للعاجز‪ ،‬وذلك عن دراسة وتطبيق‬
‫نصوص االغتصاب وهتك العرض‪ ،‬وعلى وجه الخصوص ركن انعدام الرضا في هاتين‬
‫(‪)2‬‬
‫الجريمتين‪.‬‬

‫(?) نقض ‪ 21‬مايو ‪ ، 1978‬مجموعة أحكام النقض ‪ ،‬س‪ 29‬رقم ‪.524، 97‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى ‪ :‬الحق في صيانة العرض في الشريعة اإلسالمية وقانون العقوبات‬ ‫‪2‬‬

‫الوضعي ‪. 33، 1984 ،‬‬


‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور ‪ :‬الوسيط في قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪. 636، 1985 ،‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬حسنى محمد السيد‪ :‬رضا المجني عليه وآثاره القانونية ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 196،‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫الحماية الجنائية للعاجز في حقوقه المالية‪.‬‬


‫الحماية الجنائية للمجني عليه المصاب لم تقتصر على بعض جرائم األشخاص فحسب‪،‬‬
‫بل امتدت الحماية الجنائية لتشمل بعض جرائم األموال أيضًا‪ ،‬والتي قد يتعرض لها بسبب ضعفه‬
‫الراجع إلصابته بالمرض العقلي أو النفسي أو البدني‪.‬‬

‫ومن صور هذه الحماية الجنائية ما قرره المشرع في قانون العقوبات المصري من خالل‬
‫نصين المادة ‪317/9‬ع من قانون العقوبات‪ ،‬والخاصة بالسرقة التي ترتكب أثناء الحرب على‬
‫الجرحى‪ ،‬والمادة ‪ 339/1‬و ‪ 2‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تجرم وتشدد العقاب على اإلقراض‬
‫بالربا الفاحش إذا تم القرض نتيجة استغالل المقرض »كالمجني عليه الهوائي«‪.‬‬

‫وسوف تتعرض الدراسة لكال الجريمتين على النحو التالي‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬تشديد العقاب على السرقة إذا وقعت على مصاب الحرب‪:‬‬
‫لم تقتصر الحماية الجنائية للمجني عليه المصاب أثناء الحرب على بعض جرائم‬
‫األشخاص فحسب‪ ،‬بل امتدت لتشمل بعض جرائم األموال‪ ،‬ومنها جريمة السرقة المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪ 317/9‬عقوبات‪ ،‬والتي نصت على »يعاقب بالحبس مع الشغل‪ ..........‬تاسعًا‪:‬‬
‫على السرقات التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحى حتى من األعداء«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على هذا النص يتضج أن المشرع المصري شدد العقوبة الموقعة على‬
‫الجاني في جريمة السرقة إذا وقعت على الجرحى أثناء الحرب‪ ،‬ولو كانوا من األعداء‪ ،‬فتشديد‬
‫العقوبة يجد أساسه في ضعف المجني عليه وعجزه عن الدفاع عن ماله بنفسه أو تبليغ السلطات‬
‫المختصة عن الجريمة التي وقعت عليه‪ ،‬والعلة في تشديد العقوبة الموقعة على الجاني ترجع إلى‬
‫خسة الجاني الذي استغل ضعف المجني عليه جريح وقام بارتكاب الجريمة ضده مستغًال هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫الظروف‪.‬‬

‫وبمطالعة المادة ‪ 317/9‬من قانون العقوبات المصري يتضح أنها تتضمن شرطين لتشديد‬
‫العقوبة الموقعة على الجاني هما‪-:‬‬

‫‪ -1‬صفة المجني عليه والمتمثلة في كونه جريح حرب‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬نجاتى سند ‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األموال ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.131 ، 2002/2003‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ -2‬وقوع الجريمة أثناء الحرب‪.‬‬

‫فنص المادة مقصورا في صفة المجني عليه على جريح الحرب فقط‪ ،‬وهو كل من وقعت‬
‫(‪)1‬‬
‫عليه إصابة أثناء الحرب سواء تمثلت في جرح أو ضرب‪ .........‬الخ‪.‬‬

‫عقوبات قتلى الحرب حيث ال يجوز التوسع في تفسير نص المادة أو القياس عليها‪ ،‬وإ ن‬
‫كان الباحث يأمل في تدخل المشرع ليسوى في الحماية الجنائية بين جرحى الحرب‪ ،‬وقتلى‬
‫الحرب لتوافر ذات الحكمة من التجريم‪.‬‬

‫كذلك يأمل من المشرع المصري التوسع في نطاق الحماية أثناء الحرب حتى تمتد لتشمل‬
‫حماية جرحى الحرب األهلية‪ ،‬لتوافر أيضًا ذات الحكمة من الحماية الجنائية‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم يتضح أن الحماية الجنائية للحقوق المالية للعاجز‪ ،‬والمتمثلة في حماية‬
‫أموال مصاب الحرب من وقوع جريمة السرقة عليها‪ ،‬وهنا يبرز دور صفة المجني عليه »جريح‬
‫الحرب« في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتشديد العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫ثانيًا‪:‬تجريم اإلقراض بالربا الفاحش إذا تم استغالًال لضعف المجني عليه أو هواه‪:‬‬
‫كما وضع المشرع حماية جنائية خاصة للحقوق المالية لصغير السن‪ ،‬وذلك بالنص عليها‬
‫في المادة ‪ 338‬من قانون العقوبات المصري‪ ،‬وضع أيضًا حماية جنائية للحقوق المالية للمصاب‬
‫بضعف هوى أو نفس‪ ،‬وذلك بالعقاب على مجرد إقراضه بالربا الفاحش دون استلزام االعتياد ما‬
‫دام القرض تم استغالًال لهذا الضعف أو هوى النفس‪ ،‬وذلك بالنص عليها في المادة ‪ 339/1‬و ‪2‬‬
‫من قانون العقوبات‪ ،‬والتي نصت على ما يلي‪:‬‬

‫»كل من انتهز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص‪ ،‬وأقرضه نقودًا بأي طريقة كانت‬
‫بفائدة تزيد على الحد األقصى المقرر للفوائد الممكن االتفاق عليها قانونًا‪ ،‬يعاقب بغرامة ال تزيد‬
‫عن مائتي جنيه‪ ،‬فإذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة األولى في الخمس سنوات التالية‬
‫للحكم األول تكون العقوبة الحبس لمدة ال تتجاوز سنتين‪ ،‬وغرامة ال تتجاوز الخمسمائة جنيه أو‬
‫إحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬وكل من اعتاد على إقراض نقود بأي طريقة كانت بفائدة تزيد عن‬
‫الحد األقصى للفائدة الممكن االتفاق عليها قانونًا يعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة السابقة‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األموال ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.73، 2001/2002‬‬
‫‪277‬‬
‫وبإلقاء الضوء على النص السابق يتضح أن المشرع جرم اإلقراض بالربا الفاحش إذا ما‬
‫تم اإلقراض استغالًال لضعف المجني عليه أو هوى نفسه‪ ،‬وذلك كما هو في الفقرتين األولى‬
‫والثانية من المادة سالفة الذكر‪ ،‬ثم جرم اإلقراض بالربا الفاحش في حالة االعتياد على اإلقراض‪.‬‬

‫ونظرًا ألن موضوع الدراسة متعلق ببيان دور توافر صفة خاصة في المجني عليه‬
‫وأثرها في تحديد مسئولية وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪ ،‬لذلك سوف تقتصر الدراسة على بيان‬
‫الحالة األولى من المادة سالفة الذكر‪ ،‬وهي تجريم اإلقراض بالربا الفاحش إذا تم استغالًال لضعف‬
‫(‪)1‬‬
‫المجني عليه أو هواه‪.‬‬

‫والحكمة من التجريم تتمثل في الحماية الجنائية للمقترضين الذي استغل فيهم المرابون‬
‫ضعف نفسهم وهواهم لتبديد ثرواتهم‪.‬‬

‫واشترط المشرع لقيام هذه الجريمة توافر ثالثة شروط‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلقراض بالربا الفاحش‪.‬‬

‫‪ -2‬انتهاز ضعف المجني عليه أو هوى نفسه‪.‬‬

‫‪ -3‬توافر القصد الجنائي لدى الجاني‪.‬‬

‫فإذا ما توافرت الشروط الثالثة سالفة الذكر‪ ،‬والمتمثلة في أن يبرم الجاني مع المجني‬
‫عليه »ضعيف النفس والهوى« عقد قرض واحد »سواء كان مكتوبًا أو شفويًا« بفائدة تزيد عن‬
‫الحد األقصى المقرر للفوائد المتفق عليها قانونًا مستغًال في ذلك ضعف المجني عليه أو هوى‬
‫نفسه قاصدًا من ذلك استغالل المجني عليه القتضاء فائدة غير قانونية‪ ،‬على الرغم من علمه وقت‬
‫التعاقد بظروف المجني عليه‪ ،‬حيث تتجه إرادته إلى ارتكاب ذلك الفعل المجرم‪ ،‬وبالتالي يكون‬
‫مستحقًا لتوقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة ‪ 339/1‬و ‪ 2‬عقوبات سالفة البيان‪.‬‬

‫ومن التشريعات العربية التي وضعت حماية خاصة لمال المجني عليه ضعيف النفس‬
‫والهوى التشريع الكويتي‪ ،‬حيث نص في قانون الجزاء الكويتي بالمادة ‪ 230‬منه على »عقاب كل‬
‫(‪)2‬‬
‫من استعمل حاجة شخص أو طيشه أو هواه وأقرضه بربا فاحش«‬

‫مما تقدم يتضح لنا دور صفة المجني عليه في حث التشريعات الجنائية المختلفة في وضع‬
‫الحماية الجنائية المناسبة لكل صفة من هذه الصفات التي تجعل المجني عليه عرضة للوقوع في‬

‫(?) المقصود بالضعف هو سوء التقدير‪ ،‬وعدم وزن األمور على وجهها السليم‪ ،‬وقد يرجع ذلك‬ ‫‪1‬‬

‫لمرض عقلى أو نفسى أو عدم خبرة أو ضعف شخصية‪ ،‬أما المقصود بهوى النفس هو الميل الشديد‬
‫ألمر من األمور ‪ ،‬والتعلق به والرغبة في الحصول عليه بتبديد المال الالزم لذلك‪.‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.214،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫الجريمة أكثر من غيره غير المتوافر فيه تلك الصفة‪ ،‬األمر الذي ترتب عليه تلك النصوص‬
‫الجنائية العديدة التي تكفل حماية المجني عليه الضعيف‪ ،‬وذلك بوضع العقوبات الرادعة للجناة‬
‫الذين يستغلون تلك الصفات في المجني عليه‪ ،‬ويرتكبون الجرائم ضده‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫* المبحث الرابع *‬

‫صفــة المهنـة‪.‬‬
‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫مهنة الفرد في بعض األحيان تكون سببًا مؤثرًا في وقوع صاحبها ضحية للجريمة؛ لما‬
‫تحمله هذه المهنة من مخاطر‪ ،‬لذلك تصبغ التشريعات الجنائية حماية جنائية خاصة ألصحاب‬
‫المهن التي تؤثر في وقوع شاغليها ضحية للجريمة أكثر من غيرهم‪ ،‬الذين ال يمتهنون بتلك‬
‫المهن‪ ،‬ومن األمثلة على هذه المهن مهنة الموظف عمومًا‪ ،‬وتأخذ الحماية الجنائية للموظف العام‬
‫غالبًا صورة تشديد العقوبة الموقعة على الجاني الذي يرتكب ضد الموظف جريمة معينة أثناء‬
‫(‪)1‬‬
‫أدائه لوظيفته أو بسببها‪.‬‬

‫وترجع الحكمة من تشديد العقاب إلى رغبة المشرع في حماية الوظيفة العامة من خالل‬
‫الموظف نظرًا ألهميتها‪ ،‬ولضمان استمرارها على الوجه األكمل‪.‬‬

‫وتهدف التشريعات المختلفة من وراء تقرير الحماية الجنائية للموظف العام إلى تحقيق‬
‫احترام الوظيفة العامة‪ ،‬وضمان استمراريتها على الوجه المطلوب‪.‬‬

‫لذلك ال تسرى هذه الحماية إال إذا وقع االعتداء أثناء تأدية الوظيفة‪ ،‬أو بسببها حيث إن‬
‫الحماية المقررة هنا ليست للشخص القائم على هذه الوظيفة‪ ،‬وإ نما للوظيفة العامة نفسها‪.‬‬

‫فالمشرع هنا ال يقصد إنشاء امتياز شخصي لمصلحة بعض األفراد‪ ،‬بقدر ما يحرص على‬
‫توفير الحماية الالزمة للوظيفة العامة من خالل تجريم االعتداء الذي يتعرض له الموظف العام‬
‫(‪)2‬‬
‫أثناء تأديته لهذه الوظيفة أو بسببها‪.‬‬

‫ويتحقق االعتداء على الموظف العام أثناء تأدية وظيفته عندما يباشر أي عمل من أعمال‬
‫وظيفته‪ ،‬طبقًا لما تأمر به القوانين أو اللوائح أو األوامر الصادرة من الرؤساء‪ ،‬أما إذا كان‬

‫(?) نجد أن التشريعات الجنائية انقسمت من حيث حماية الموظف العام جنائيًا إلى قسمين األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينص على حماية الموظف العام من خالل تشديد العقوبة كمبدأ عام‪ ،‬حيث تشدد العقوبة على جميع‬
‫الجرائم التي تقع على الموظف العام‪ ،‬ومن أمثلة هذه التشريعات قانون العقوبات اإليطالى والثاني‪:‬‬
‫فتشديد العقوبة يكون بالنص عليه في بعض الجرائم التي تقع على الموظف العام‪ ،‬ومن هذه‬
‫التشريعات التشريع المصري‪.‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬جندى عبدالملك ‪ :‬ج‪ ، 2‬المرجع السابق ‪.638،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫االعتداء سابقًا على أداء الوظيفة العامة‪ ،‬فإنه يخرج من نطاق الحماية الجنائية المقررة للموظف‬
‫(‪)1‬‬
‫العام‪.‬‬

‫وال تقتصر الحماية الجنائية على االعتداء الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة فحسب‪ ،‬بل إن‬
‫نطاقها يمتد لالعتداء الذي يقع بسبب أداء هذه الوظيفة حتى لو لم يكن الموظف العام وقتها‬
‫يمارس وظيفته؛ لذلك يعد الجاني مستحقًا العقاب إذا وجه اإلهانة للموظف بعد إحالته للمعاش‪،‬‬
‫متى كانت هذه اإلهانة تتعلق بالوظيفة التي سبق للمجني عليه أداؤها‪.‬‬

‫ويالحظ أن القانون يعاقب على االعتداء الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة بنفس العقوبة‬
‫المقررة لالعتداء الذي يقع بسبب أدائها‪ ،‬ذلك أن المساس بكرامة الوظيفة العامة يتحقق بنفس‬
‫الدرجة سواء أكان االعتداء أثناء الوظيفة أم بسببها‪.‬‬

‫وهذا ما الحظه المشرع الفرنسي الذي مد نطاق الحماية ليشمل االعتداء الذي يقع بسبب‬
‫أداء الوظيفة بعد أن كان يقصر هذه الحماية على االعتداء الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وبناء على ما تقدم فسوف تتناول الدراسة الحماية الجنائية الموضوعية للموظف العام من‬
‫خالل إلقاء الضوء على جريمة إهانة الموظف العام والتعدي عليه أو مقاومته‪.‬‬

‫وأخيرًا جريمة إكراه الموظف العام لحملة على اإلخالل بأعمال وظيفته‪ ،‬وقبل تناول كل‬
‫جريمة من تلك الجرائم على حدة سوف تعرض الدراسة بإيجاز بسيط إلى تعريف الموظف العام‬
‫في الفقه والقضاء؛ لخلو القانون الجنائي من تعريف للموظف العام‪ ،‬لذلك حاول الفقه والقضاء‬
‫وضع تعريف للموظف العام‪.‬‬

‫فعرف الفقه الموظف العام بأنه‪ :‬كل شخص يسهم في عمل دائم في خدمة مرفق عام‬
‫‪ ،‬بينما عرفت محكمة النقض المصرية الموظف العام‬ ‫(‪)3‬‬
‫تديره الدولة بطريق االستغالل المباشر‬
‫بأنه‪ :‬هو من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام‬
‫(‪)4‬‬
‫عن طريق شغله منصب يدخل في التنظيم اإلداري لذلك المرفق‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬رمسيس بهنام ‪ :‬الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ‪ ،‬منشأة المعارف ‪.315، 1986 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬جندى عبدالملك ‪ :‬المرجع السابق ‪.639،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق ‪.245،‬‬


‫(?) نقض ‪ 29/10/1987‬أحكام النقض ‪ ،‬س‪ 38‬رقم ‪.908، 167‬‬ ‫‪4‬‬

‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على‬
‫األشخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.245،‬‬
‫‪277‬‬
‫ويمكن القول بأن مدلول الموظف العام في القانون الجنائي يتراوح بين السعة والضيق‪،‬‬
‫بحسب الحكمة التي يهدف إليها المشرع من وراء تجريم بعض أفعال المتعلقة بالوظيفة‪ ،‬أو من‬
‫تقرير بعض صور الحماية الخاصة به‪.‬‬

‫ولذلك سوف تتناول الدراسة هذا المبحث ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬جريمـة إهـانة الموظف العام‪0‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة التعدي على الموظف العام أو مقاومته‪0‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬جريمة إكراه الموظف العام على اإلخالل بأعمال وظيفته‪0‬‬

‫وسوف تناول الدراسة كل مطلب من هذه المطالب في إيجاز بسيط يتضح من خالله دور‬
‫صفة المجني عليه في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب األول‬

‫جريمة إهانة الموظف العام ‪.‬‬


‫تضمن قانون العقوبات المصري صور عديدة لجريمة إهانة الموظف العام‪ ،‬وذلك بالنص‬
‫عليها في المواد ‪ 133/1‬و ‪ 2‬والمادة ‪ 134‬والمادة ‪ 179‬والمادة ‪ 184‬والمادة ‪ 186‬من قانون‬
‫العقوبات المصري‪.‬‬

‫وسوف تناول الدراسة كل صورة من الصور المنصوص عليها في هذه المواد على حدة‪،‬‬
‫وبإيجاز بسيط جدًا ألن الحكمة من تناول هذا الموضوع تدور في فلك إبراز أثر صفة المجني‬
‫عليه في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪ ،‬وذلك كله على النحو التالى‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬الصورة العامة لجريمة إهانة الموظف العام‪:‬‬


‫تنص المادة ‪ 133/1‬و ‪ 2‬من قانون العقوبات على أن »من أهان باإلشارة أو القول أو‬
‫التهديد موظفًا عموميًا أو أحد رجال الضبط أو أي إنسان مكلف بخدمة عمومية أثناء تأدية‬
‫وظيفته‪ ،‬أو بسبب تأديتها يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على ستة أشهر‪ ،‬أو بغرامة ال تتجاوز مائتي‬
‫جنيه«‪.‬‬

‫كما تنص المادة ‪ 134‬من قانون العقوبات على أن »يحكم بالعقوبة المقررة بالفقرة األولى‬
‫من المادة السابقة إذا وجهت اإلهانة بواسطة التلغراف أو التليفون أو الكتابة أو الرسم«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على نص المادتين سالفتى الذكر يتضح أن العلة من التجريم تتمثل في‬
‫فرض االحترام الواجب للوظيفة العامة‪ ،‬عن طريق تجريم السلوك الذي يمس القائم عليها ويتنافى‬
‫(‪)1‬‬
‫مع هذا االحترام‪ ،‬وال يشكل في نفس الوقت سبًا أو قذفًا للموظف العام‪.‬‬

‫فالنص على تجريم اإلهانة بهذه الصورة يعد بمثابة حماية جنائية واسعة وشاملة خاصة‬
‫للموظف العام ‪ ،‬حيث إنه إذا توافر في الواقعة سب أو قذف في حق الموظف فإن النصوص التي‬
‫(‪)2‬‬
‫تعاقب على ذلك هي الواجبة التطبيق‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬المرجع السابق ‪.712،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ال يشترط لتوافر جريمة اإلهانة المنصوص عليها في المادة ‪ 133‬عقوبات أن تكون األفعال‬ ‫‪2‬‬

‫والعبارات المستعملة مشتملة على قذف أو إسناد أمر معين‪ ،‬بل يكفي أن تحمل معنى اإلساءة أو‬
‫المساس بالشعور أو الفض من الكرامة‪ ،‬وأنه يكفي لتوفر القصد الجنائى فيها تعمد توجيه ألفاظ‬
‫تحمل بذاتها معنى اإلهانة إلى الموظف سواء أثناء تأدية الوظيفة‪ ،‬أو بسببها بغض النظر عن الباعث‬
‫على توجيهها‪( .‬الطعن رقم ‪ 1707‬لسنة ‪51‬ق ‪ ،‬جلسة ‪.)20/10/1981‬‬
‫‪277‬‬
‫وبالتالي فإن التجريم الوارد للنص سالف الذكر يفرضه المشرع الحترام الوظيفة العامة‪،‬‬
‫وحينما ال تتضمن اإلهانة سبًا أو قذفًا‪ .......‬الخ في حق الموظف العام‪.‬‬

‫ويشترط المشرع لتوقيع العقوبة على الجاني في تلك الجريمة توافر ركنيها (المادي‬
‫والمعنوي) مع توافر صفة خاصة‪ ،‬وهي صفة الموظف العام أو من في حكمه‪.‬‬

‫والركن المادي المتمثل في النشاط اإلجرامي في هذه الجريمة‪ ،‬هو إهانة الموظف العام أو‬
‫رجل الضبط أو المكلف بخدمة عمومية‪.‬‬

‫وتتحقق اإلهانة بثالث صور حددها النص على سبيل الحصر هي اإلشارة أو القول أو‬
‫التهديد‪ ،‬وأن توجه هذه اإلهانة إلى الموظف العام في مواجهة‪ ،‬أو عن طريق التلغراف أو‬
‫التليفون أو الكتابة أو الرسم‪ ،‬وذلك طبقًا لما هو منصوص عليه ‪ 134‬من قانون العقوبات‪،‬‬
‫والمرجع في بيان عما إذا كانت اإلشارة أو القول أو التهديد يعد إهانة من عدمه أمرًا متروكا إلى‬
‫‪،‬ويشترط أيضًا المشرع أن تقع اإلهانة »باإلشارة أو القول أو التهديد« على‬ ‫(‪)1‬‬
‫قاضي الموضوع‬
‫الموظف العام‪ ،‬أو أحد رجال الضبط‪ ،‬أو أي إنسان مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة‪ ،‬أو‬
‫بسبب تأديتها‪ ،‬حيث إن جريمة إهانة الموظف العام جريمة عمدية يقوم الركن المعنوي فيها على‬
‫القصر الجنائي العام الذي يتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلهانة الموظف العام ومن في حكمه أثناء‬
‫تأدية وظيفته‪ ،‬أو بسببها على الرغم من علمه بكافة الشروط التي تقوم عليها هذه الجريمة‪.‬‬

‫مما تقدم إذا ما توافرت أركان الجريمة الثالثة »اإلهانة المتمثلة في اإلشارة أو القول أو‬
‫التهديد« الموجهة إلى موظف عام‪ ،‬أو من في حكمه أثناء تأديته للوظيفة‪ ،‬أو بسببها‪ ،‬وكان توجيه‬
‫اإلهانة عن عمد يعاقب ذلك الشخص بعقوبة الحبس مدة ال تزيد على ستة أشهر‪ ،‬أو بغرامة ال‬
‫تتجاوز مائتي جنيه مصري‪.‬‬

‫هذه هي الصورة العامة إلهانة الموظف العام أثناء تأديته للوظيفة أو بسببها‪ ،‬أما الصور‬
‫الخاصة إلهانة الموظف العام سوف تتناولها الدراسة تباعًا بعد ذلك‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬صور خاصة إلهانة الموظف العام‪:‬‬

‫(?) عرفت محكمة النقض المصرية اإلهانة بأنها‪ :‬كل قول أو فعل يحكم العرف بأنه فيه ازدراء‬ ‫‪1‬‬

‫محكم من الكرامة في أعين الناس‪ ،‬وإ ن لم يشمل قذفًا أو سبًا أو افتراًء‪.‬‬


‫نقض ‪ ، 2/1/1933‬مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض ‪ ،‬رقم ‪ ، 301، 10‬نقض‬
‫‪ ، 27/2/1933‬مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ق‪.14، 96‬‬
‫أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه ‪ :‬التعليق على قانون العقوبات ‪ ،‬المجلد األول ‪.1060،‬‬
‫‪277‬‬
‫بعد عرض إهانة الموظف العام من خالل التجريم العام الوارد بنص المادتين ‪ 133/1‬و‬
‫‪ 134‬من قانون العقوبات‪ ،‬سوف تعرض الدراسة في إيجاز بسيط أيضًا الصور الخاصة لجريمة‬
‫اإلهانة‪ ،‬والمتمثلة في إهانة محكمة قضائية أو إدارية أو مجلس‪ ،‬أو أحد أعضائها‪ ،‬وكان ذلك‬
‫أثناء انعقاد الجلسة‪ ،‬والواردة بنص المادة ‪ 133/2‬عقوبات وكذلك المادة ‪.179‬‬

‫(‪ )1‬إهانة رئيس الدولة‪:‬‬

‫تحرص التشريعات عادة على توفير حماية خاصة لرئيس الدولة من الجرائم الماسة‬
‫بحياته أو سالمته أو حريته أو سلطته باعتباره رمزًا للدولة‪.‬‬

‫وقد نص قانون العقوبات المصري على عقاب كل من يرتكب إهانة في حق رئيس‬


‫الدولة‪ ،‬فالمادة (‪ )179‬من قانون العقوبات المصري تنص على أنه »يعاقب بالحبس مدة ال تقل‬
‫عن سنة‪ ،‬وال تزيد على سنتين كل من أهان رئيس الجمهورية بواسطة إحدى الطرق المتقدم‬
‫ذكرها«‪.‬‬

‫وتتحقق هذه الجريمة بعدة طرق‪ :‬كالقول أو الصياح علنيًا أو الفعل أو اإليماء‪ ،‬وكذلك‬
‫بالكتابة أو الرسوم والصور والصورة الشمسية والرموز‪ ،‬ويشترط في هذه الطرق أن تكون‬
‫علنية‪ ،‬وذلك طبقًا لنص القانون وانصراف إرادة الجاني إلى اإلهانة مع علمه بالشروط التي تقوم‬
‫عليها هذه الجريمة والعقوبة الموقعة‪ ،‬وهي الحبس مدة ال تزيد عن سنتين‪.‬‬

‫ومن التشريعات العربية التي تنص على تجريم إهانة رئيس الدولة بنص خاص التشريع‬
‫الكويتي حيث نص في المادة ‪ 25‬من القانون رقم ‪ 31‬لسنة ‪ 1970‬على أنه »يعاقب بالحبس مدة‬
‫ال تتجاوز خمس سنوات كل من طعن علنًا‪ ،‬أو في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو‬
‫الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر في حقوق األمير‬
‫(‪)1‬‬
‫وسلطته‪ ،‬أو عاب في ذات األمير أو تطاول على مسند اإلمارة«‬

‫(‪ )2‬إهانة مجلس األمة أو إحدى الهيئات النظامية أو المحاكم أو أي عضو فيها‪:‬‬

‫خص المشرع بعض المجالس والهيئات النظامية والمحاكم‪ ،‬وكذلك األعضاء فيها‬
‫بالحماية الالزمة لقيام هذه األشخاص‪ ،‬سواء المعنوية أو الطبيعية بالمهام المطلوبة منها‪ .‬والهدف‬
‫من فرض هذه الحماية ينبع من حرص المشرع على إحاطة هذه الشخصيات باالحترام الالئق‬
‫بمكانتها من قبل الجمهور حتى تباشر أعمالها على النحو الذي يريده القانون‪ ،‬فضًال عن أن‬
‫(‪)2‬‬
‫احترام هذه المؤسسات يعد بمثابة احترام للدولة‪ ،‬وهو واجب على الجميع‪.‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليه أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.238،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى‪ :‬المرجع السابق ‪.712،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫ومن الجهات التي أحاطها المشرع بحماية خاصة ما ورد في المادة (‪ )184‬من قانون‬
‫العقوبات المصري التي تعاقب كل من أهان أو سب مجلس الشعب‪ ،‬أو غيره من الهيئات النظامية‬
‫أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة‪.‬‬

‫وتقرر المادة (‪ )133/2‬من قانون العقوبات المصري على من أهان محكمة قضائية أو‬
‫إدارية أو مجلس أو أحد أعضائه‪ ،‬وكان ذلك أثناء انعقاد الجلسة‪ ،‬ومن الواضح أنه يلزم لقيام هذه‬
‫الجريمة توافر صفة خاصة في المجني عليه كونه محكمة قضائية أو إدارية أو مجلس أو أحد‬
‫أعضائه‪ ،‬كما يشترط أن يكون وقوع هذه الجريمة في زمن معين هو وقت انعقاد جلسة المحكمة‪،‬‬
‫أو المجلس باإلضافة إلى باقي الشروط الالزمة لقيام هذه الجريمة‪.‬‬

‫ومن أحكام النقض الواردة في هذا الشأن »تتحقق جريمة المادة ‪ 133/2‬عقوبات متى‬
‫كانت األفعال‪ ،‬أو العبارات تحمل معنى اإلساءة أو المساس بالشعور‪ ،‬أو الفض من الكرامة‪ ،‬ولو‬
‫لم تبلغ حد السب أو القذف تعمد توجيه ألفاظ تحمل بذاتها معنى اإلهانة كافية لتوافر القصد‬
‫(‪)1‬‬
‫الجنائي في تلك الجريمة«‬

‫وكذلك قضت محكمة النقض »إذا كانت الواقعة الثابتة في الحكم هي أن المتهم عقب الحكم‬
‫في دعواه نطق قائًال "دا تحامل" موجهًا الخطاب إلى المحكمة في هيئتها‪ ،‬وإلى شخص القاضي‬
‫الذي أصدر الحكم‪ ،‬فهذه الواقعة تتوافر فيها جميع العناصر المكونة لجريمتي إهانة المحكمة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واإلخالل بمقام القاضي‪ ....‬الخ «‬

‫و نص التشريع الكويتي في المادة ‪ 134‬من قانون الجزاء على عقوبة من أهان محكمة‬
‫قضائية أو إدارية أو مجلس أو أحد أعضائه‪ ،‬وكان ذلك أثناء انعقاد الجلسة‪.‬‬

‫ومن الواضح أنه يشترط توافر صفة خاصة في المجني عليه‪ ،‬وهي كونه محكمة قضائية‬
‫(‪)3‬‬
‫أو إدارية أو مجلس أو أحد أعضائه‪ ،‬كما يشترط وقوع الجريمة وقت انعقاد الجلسة‪.‬‬

‫(?) الطعن رقم ‪ 1707‬لسنة ‪51‬ق ‪ ،‬جلسة ‪21/10/1981‬‬ ‫‪1‬‬

‫أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه‪ :‬المرجع السابق ‪.1062،‬‬


‫(?) الطعن رقم ‪ 11440‬لسنة ‪13‬ق ‪ ،‬جلسة ‪.10/5/1943‬‬ ‫‪2‬‬

‫أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه ‪ :‬المرجع السابق ‪.1064،‬‬


‫(?) أ‪.‬د فالح فهد مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.239،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫جريمة التعدي على الموظـــف العام ‪.‬‬


‫تكفل التشريعات الجنائية المختلفة حماية جنائية خاصة للموظف العام‪ ،‬تتمثل هذه الحماية‬
‫في جعل صفة الموظف العام ظرفًا مشددًا للعقاب في جريمة التعدي الواقعة عليه أثناء تأدية‬
‫وظيفته‪ ،‬أو بسبب تأديتها‪ ،‬ومن هذه التشريعات التشريع المصري‪ ،‬حيث تنص المادة ‪ 136‬من‬
‫قانون العقوبات المصري على »كل من تعدى على أحد الموظفين العموميين أو رجال الضبط أو‬
‫أي إنسان مكلف بخدمة عامة‪ ،‬أو قاومه بالقوة أو العنف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها‪،‬‬
‫يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على ستة شهور أو بغرامة ال تتجاوز مائتي جنيه«‪.‬‬

‫وقد شدد المشرع العقوبة إذا حصل مع التعدي أو العقوبة ضرب‪ ،‬أو نشأ عنهما جرح‬
‫فنصت المادة ‪ 137‬من قانون العقوبات المصري »وإ ذا حصل مع المقاومة ضرب أو نشأ عنهما‬
‫جرح تكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد عن سنتين‪ ،‬أو بغرامة ال تتجاوز مائتي جنيه‪ ،‬فإذا حصل‬
‫الضرب أو الجرح باستعمال أي أسلحة أو عصا أو آالت أو أدوات أخرى‪ ،‬أو بلغ الضرب أو‬
‫الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها في المادة ‪ 141‬عقوبات تكون العقوبة الحبس«‪ ،‬وكذلك‬
‫نصت المادة ‪ 137‬مكرر يكون الحد األدنى للعقوبات في الجرائم المنصوص عليها في المواد‬
‫‪133‬و ‪136‬و ‪ 137‬خمسة عشر يوما بالنسبة إلى عقوبة الحبس‪ ،‬وعشرة جنيهات بالنسبة لعقوبة‬
‫الغرامة إذا كان المجني عليه فيها موظفًا عموميًا‪ ،‬أو مكلفًا بخدمات عامة بالسكك الحديدية‪ ،‬أو‬
‫غيرها من وسائل النقل العام‪ ،‬ووقع عليه االعتداء أثناء سيرها أو توقفها بالمحطات‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النصوص سالفة الذكر يتضح أن المشرع جرم وقوع االعتداء على‬
‫الموظف العام‪ ،‬أو رجل الضبط‪ ،‬أو اإلنسان المكلف بخدمة عامة‪ ،‬وقد يتخذ هذا االعتداء شكل‬
‫(‪)1‬‬
‫الهجوم فيسمى تعديًا‪ ،‬أو يتخذ صورة الدفاع فيسمى مقاومة‪.‬‬

‫واشترط المشرع أن يكون وقوع التعدي أو المقاومة بالقوة‪ ،‬أو العنف ضد الموظف العام‬
‫أثناء تأدية وظيفته‪ ،‬أو بسبب تأديتها‪ ،‬وذلك كما هو منصوص عليه في المواد سالفة الذكر‪.‬‬

‫ويقترن السلوك المادي في هذه الجريمة بالقوة أو العنف‪ ،‬وهو ما يميزها عن جريمة‬
‫اإلهانة والقوة والعنف المقصودة والتي ال يشترط فيها أن يصل مباشرة لجسم الموظف‪ ،‬وال‬
‫يشترط أن يبلغ حد الجرح‪ ،‬أو الضرب بل يكفي مجرد التعدي أو اإليذاء الخفيف الذي لو وقع‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.239،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬
‫على األفراد العاديين ال يعاقب عليه‪ ،‬فقصد المشرع أن يصل بالعقاب إلى أفعال القوة أو العنف‬
‫(‪)1‬‬
‫التي ال تدخل في حكم اإلهانة‪ ،‬وال في حكم الضرب أو الجرح‪.‬‬

‫والمقصود بالقوة أو العنف التي قد تأخذ صور عديدة مثل جذب الموظف‪ ،‬أو دفعه بشدة‬
‫أو تمزيق مالبسه أو انتزاع عالماته‪ ،‬أو التهديد باستخدام السالح كإطالق النار في الهواء حتى‬
‫(‪)2‬‬
‫يتميز ذلك التهديد عن التهديد المقصود في المادة ‪ 133‬عقوبات‪.‬‬

‫وإ ذا ما توافر السلوك اإلجرامي وتوافر القصد الجنائي المتمثل في علم المتهم بصفة‬
‫المجني عليه »موظف عام أو من في حكمه« وقت ارتكاب السلوك اإلجرامي السابق بيانه يكون‬
‫خاضعًا للتجريم والعقاب الوارد في النصوص سالفة البيان‪.‬‬

‫وقد نص المشرع على ظرف مشدد في المادة ‪ 137‬مكرر عقوبات ترجع إلى صفة‬
‫المجني عليه في كونه أحد العاملين في إحدى وسائل النقل العام‪ ،‬إذا وقع االعتداء عليه أثناء‬
‫سيرها‪ ،‬أو توقفها بالمحطات‪ ،‬فيكون الحد األدنى في العقوبة الموقعة على الجاني خمسة عشر‬
‫يومًا‪ ،‬بالنسبة لعقوبة الحبس وعشر جنيهات بالنسبة لعقوبة الغرامة‪.‬‬

‫(?)‬
‫المستشار ‪ /‬جندى عبدالملك ‪ :‬الموسوعة الجنائية ‪ ،‬ج‪ ، 2‬رقم ‪.657، 99‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحى سرور‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪.335،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫جريمة إكراه الموظف العام على اإلخالل بأعمال وظيفته‪.‬‬


‫نص المشرع المصري في المادة ‪ 137‬مكرر (أ) على أن »يعاقب بالسجن مدة ال تزيد‬
‫على خمس سنين كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام‪ ،‬أو شخص مكلف‬
‫بخدمة عامة‪ ،‬ليحمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته‪ ،‬أو على االمتناع عنه‪ ،‬ولم يبلغ‬
‫بذلك مقصده إذا بلغ الجاني‪ ،‬أو على االمتناع عنه‪ ،‬ولم يبلغ بذلك مقصده إذا بلغ الجاني مقصده‬
‫تكون العقوبة السجن مدة ال تزيد عن عشر سنين«‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النص سالف الذكر يتضح أن جريمة إكراه الموظف العام لحمله على‬
‫اإلخالل بأعمال وظيفته تتميز عن باقي الجرائم الواقعة على الموظف العام في كونها تشكل جناية‬
‫ال جنحة‪ ،‬كما في جريمتي اإلهانة والتعدي على الموظف العام‪ ،‬كذلك تتميز عن باقي الجرائم‬
‫سالفة الذكر أنها تشترط توافر نية خاصة لدى الجاني‪ ،‬تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف‬
‫المعتدى عليه على نتيجة معينة‪ ،‬هي أن يؤدى عمًال من أعمال وظيفته ال يحل له أن يؤديه‪ ،‬أو أن‬
‫يستجيب لرغبة المعتدى‪ ،‬فيمتنع عن أداء عمل مكلف بأدائه‪ ،‬ومن أحكام النقض على ذلك »لما‬
‫كان من المقرر أن الركن األدبي في الجناية المنصوص عليها في المادة ‪ 137‬مكرر (أ) من‬
‫قانون العقوبات ال يتحقق إال إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة‪ ،‬باإلضافة إلى القصد الجنائي‬
‫العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة‪ ،‬هي أن يؤدى عمًال‬
‫ال يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدى فيمتنع عن أداء عمل مكلف بأدائه‪ ،‬وقد أطلق‬
‫المشرع حكم هذه المادة لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام‬
‫أو الشخص المكلف بالخدمة العامة متى كانت غايته من االعتداء أو التهديد حمل الموظف أو‬
‫المكلف بالخدمة العامة على قضاء أمر غير حق‪ ،‬أو اجتناب أداء عمله المكلف به‪ ،‬يستوي في‬
‫ذلك أن يقع االعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه‪ ،‬أو في فترة‬
‫قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل‪ ،‬ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد من‬
‫وقائع االعتداء الحاصلة من الطاعنين ما يكفي لتوافر الحكم المادي للجناية المذكورة قد استظهر‬
‫استظهارًا سليمًا من ظروف الواقعة أن نية الطاعنين مما وقع منهم من أفعال مادية قد انصرفت‬
‫إلى منع ضابط الشرطة المجني عليه من أداء عمل من أعمال وظيفته‪ ،‬وتنفيذ أمر النيابة بتمكين‬
‫المدعين بالحقوق المدنية من الشقة المتنازع عليها‪ ،‬فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصبت قيام‬
‫الركن األدبي للجناية التي دان الطاعنين بها‪ ،‬ويضحى منع الطاعنين بعدم توافر أعمال العنف‬
‫‪277‬‬
‫المكونة للجريمة أو أنها حدثت بعد تمام تنفيذ قرار التمكين ال يعدو أن يكون جدًال موضوعيًا في‬
‫تقدير الدليل‪ ،‬وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى‪ ،‬واستنباط معتقدها‪ ،‬وهو ما‬
‫(‪)1‬‬
‫ال يجوز إثارته أمام محكمة النقض‪.‬‬

‫* صورة خاصة لجريمة إكراه الموظف العام على اإلخالل بأعمال وظيفته‪:‬‬

‫والمتمثلة في إكراه رئيس الجمهورية أو عضو الوزارة أو عضو مجلس الشعب على‬
‫اإلخالل بأعمال وظيفته‪.‬‬

‫نص قانون العقوبات المصري على هذه الصورة الخاصة من جريمة إكراه الموظف العام‬
‫على اإلخالل بأعمال وظيفته‪.‬‬

‫حيث نصت المادة ‪ 99‬من قانون العقوبات على أن »يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو‬
‫المؤقتة كل من لجأ إلى العنف‪ ،‬أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة لحمل رئيس‬
‫الجمهورية على أداء عمل من خصائصه قانونًا‪ ،‬أو على االمتناع عنه‪ ،‬وتكون العقوبة األشغال‬
‫الشاقة المؤقتة‪ ،‬أو السجن إذا وقع الفعل على وزير أو على نائب أو على أحد أعضاء مجلس‬
‫(‪)2‬‬
‫الشعب«‬

‫هذه المادة معدلة بالقانون رقم ‪ 112‬لسنة ‪ 1957‬بأن المادة ‪ 99‬تعاقب من يحاول بالقوة‬
‫أو التهديد باستعمالها إرغام رئيس الجمهورية‪ ،‬أو أحد الوزراء أو أعضاء البرلمان على أداء‬
‫عمل من خصائصه‪ ،‬أو على االمتناع عنه فقد عدلت صياغتها بما يالئم الوضع الدستوري‬
‫الراهن مع إضافة أية وسيلة أخرى غير مشروعة إلى الوسائل القسرية التي تستعمل في ارتكاب‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫ويتطلب نموذج الجريمة صفة خاصة فيمن يوجه إليه السلوك المكون لها‪ ،‬وهي صفة‬
‫رئيس الجمهورية أو الوزير أو نائب الوزير أو عضو مجلس الشعب؛ ذلك أنه إذا لم تتوافر هذه‬
‫الصفة الخاصة‪ ،‬وإ نما توافرت صفة الموظف العام فحسب‪ ،‬توافرت جريمة أخرى كجريمة‬
‫استعمال القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام‪ ،‬أو شخص مكلف بخدمة عامة لحمله بغير حق‬
‫على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على االمتناع عنه (م‪ )173‬مكرر (أ) ويجب لتوافر الجريمة‬
‫فوق انصراف إرادة الجاني إلى العنف أو التهديد أو استخدام وسيلة أخرى غير مشروعة أن‬

‫(?) الطعن رقم ‪ 2388‬لسنة ‪50‬ق ‪ ،‬جلسة ‪ ،17/11/1981‬وكذلك الطعن رقم ‪ 1315‬لسنة ‪47‬ق‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬جلسة ‪ 27/2/1978‬أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفي هرجه‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬المجلد األول ‪،‬‬
‫‪.1077 ،1076‬‬
‫(?) يقابل هذه المادة في التشريع الكويتي المادة ‪ 24‬من القانون رقم ‪ 31‬لسنة ‪ 1970‬والتي تعاقب‬ ‫‪2‬‬

‫باإلعدام كل من اعتدى بالقوة على السلطات التي يتوالها األمير‪.‬‬


‫‪277‬‬
‫يكون واعيًا بصفة من يفعل ذلك في مواجهته‪ ،‬وكونه رئيسا للجمهورية أو وزيرًا أو نائب وزير‬
‫أو عضوًا في مجلس الشعب‪ ،‬وأن تكون غايته من مسلكه حمل هذا األخير على عمل من‬
‫خصائصه قانوناً‪ ،‬أو على االمتناع عنه‪ ،‬فإن كانت له غاية أخرى كالتشفي أو االنتقام مثًال فال‬
‫(‪)1‬‬
‫تتوفر الجناية التي نحن بصددها‪.‬‬

‫وإ ذا وقعت الجريمة سالفة البيان والمنصوص عليها بالمادة ‪ 99‬عقوبات ضد رئيس‬
‫الجمهورية فتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪ ،‬وإ ذا وقعت على أحد الوزراء أو‬
‫على نائب الوزير أو على عضو مجلس الشعب تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬

‫مما سبق يتضح دور الصفة الخاصة في المجني عليه‪ ،‬وأثرها في تحديد مسئولية الجاني‪،‬‬
‫وتقدير نوع العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫* تعقيب‪:‬‬
‫اتضح فيما تقدم مدى الدور الذي تقوم به الصفات الخاصة بالمجني علي‪ ،‬والتي تجعله‬
‫عرضة للوقوع في الجريمة أكثر من غيره في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة‬
‫عليه‪ ،‬وذلك من خالل وضع التشريعات الجنائية المختلفة لنصوص قانونية تكفل الحماية الجنائية‬
‫الخاصة لهؤالء المجني عليهم أصحاب هذه الصفات الخاصة‪ ،‬والتي تجد أساسًا في أمرين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬حماية المجني عليهم ووقايتهم من الوقوع في الجريمة‪ ،‬وذلك بوضع األساليب المناسبة‬
‫والمالئمة لتوعية هؤالء المجني عليهم أصحاب الصفات الخاصة حتى ال يقعوا فريسة سهلة‬
‫للجريمة‪.‬‬

‫وثانيهما‪ :‬تشديد العقوبة الموقعة على الجاني الذي يستغل المجني عليهم أصحاب هذه الصفات‬
‫الخاصة‪ ،‬ويرتكب الجريمة ضدهم لكونهم فريسة سهلة ومناخ مناسب لوقوع الجريمة‪ ،‬كما أن‬
‫السياسة الجنائية الحديثة ما زالت تدعو إلى المزيد من توفير أكبر قدر من الحماية الجنائية‬
‫الخاصة للمجني عليهم أصحاب الصفات المؤثرة في وقوعهم ضحية للجريمة أكثر من غيرهم‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحي سرور‪ :‬المرجع السابق ‪.77،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬

‫* الفصل الثاني *‬
‫وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في مسئولية الجاني‪.‬‬

‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬
‫ترتب التشريعات الجنائية في بعض الحاالت على وجود عالقة خاصة بين الجاني‬
‫والمجني عليه بعض اآلثار القانونية في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وقد يترتب على وجود عالقة‬
‫خاصة بين الجاني والمجني عليه تشديد العقوبة الموقعة على الجاني‪ ،‬وذلك كما في جرائم‬
‫العرض »االغتصاب‪ ،‬وهتك العرض« وقد يترتب على وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني‬
‫عليه تخفيف العقاب‪ ،‬وذلك كما في جريمة قتل الزوجة ومن معها في حالة تلبسها بالزنا‪ ،‬وكذلك‬
‫ترتب العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في بعض األحيان اإلعفاء من العقاب‪ ،‬وذلك كما‬
‫في جريمتي »إخفاء الجناة الهاربين من وجه القضاء أو إعانتهم على الفرار من وجه العدالة«‪.‬‬

‫وأخيرًا قد يترتب على وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه أثرها في إباحة‬
‫العقاب‪ ،‬وسوف تتناول الدراسة في هذا الفصل أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في‬
‫تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة الموقعة عليه‪ ،‬وذلك طبقًا للتقسيم التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في تشديد العقاب‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في تخفيف العقاب‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في اإلعفاء من العقاب‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في إباحة العقاب‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫المبحث األول‬
‫العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في تشديد العقاب ‪.‬‬

‫ترتب بعض التشريعات على وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه في بعض‬
‫الجرائم أثر في تشديد العقوبة الموقعة على الجاني‪ ،‬وتجد أساسها في التشديد من وجود العالقة‬
‫الخاصة التي تربط المجني عليه بالجاني‪.‬‬

‫ومن هذه التشريعات التشريع المصري حيث نص في نصوص عقابية عديدة على تشديد‬
‫العقوبة على الجاني الستغالله العالقة التي تربطه بالمجني عليه‪ ،‬وقام بارتكاب الجريمة ضده‪.‬‬

‫لذلك سوف تتناول الدراسة بعض التطبيقات على ذلك من خالل إحدى جرائم األشخاص‪،‬‬
‫وإ حدى جرائم األموال‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في تشديد العقاب في‬
‫مجال جرائم األشخاص‪:‬‬
‫تنص معظم التشريعات الجنائية المختلفة‪ ،‬ومنها التشريع المصري على »تشديد العقوبة‬
‫الموقعة على الجاني نظرًا لوجود عالقة خاصة تربط المجني عليه بالجاني‪ ،‬فيستغل الجاني تلك‬
‫(‪)1‬‬
‫العالقة ويقوم بارتكاب جريمته«‬

‫وسوف تتناول الدراسة المادة ‪ 267/2‬من قانون العقوبات كإحدى التطبيقات على أثر‬
‫العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في تشديد العقوبة الموقعة على الجاني‪ ،‬والتي نصت‬
‫على »من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«‪.‬‬

‫(?) تنص المواد ‪ 267/2‬و ‪ 268/2‬و ‪ 269‬من قانون العقوبات المصري على ظرف مشدد‬ ‫‪1‬‬

‫للعقاب في جريمتي االغتصاب وهتك العرض‪.‬‬


‫وكذلك جعل القانون المصري رقم ‪ 10‬لسنة ‪ 1961‬بشأن الدعارة من العالقة الخاصة بين الجاني‬
‫والمجني عليه ظرفًا مشددًا للعقاب في حاالت عديدة؛ فالمادة (‪ )4‬منه تقرر عقوبة الحبس من ثالث‬
‫سنوات إلى سبع سنوات إذا كان الجاني من أصول المجني عليه‪ ،‬أو من المتولين تربيته أو مالحظته‬
‫أو ممن له سلطة عليه أو كان خادمًا باألجرة أو عند من تقدم ذكرهم‪ ،‬وذلك في الجرائم المنصوص‬
‫عليها في المواد ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ 3‬من نفس القانون (وهي الجرائم الخاصة بالتحريض والمساعدة‬
‫والتسهيل واالستخدام واالستدراج واإلغواء على ارتكاب الفجور والدعارة)‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو مالحظاتها‪ ،‬أو ممن‬
‫لهم سلطة عليها‪ ،‬أو كان خادمًا باألجرة عندها‪ ،‬أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب باألشغال الشاقة‬
‫المؤبدة«‪.‬‬

‫وتوضيحًا لبيان دور العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في تشديد العقوبة على‬
‫الجاني سوف تتناول الدراسة في المادة سالفة الذكر العقوبة في صورتها البسيطة طبقًا للفقرة‬
‫األولى‪ ،‬ثم العقوبة بعد توافر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في فقرتها الثانية‪ ،‬وذلك‬
‫على النحو التالي‪:‬‬

‫(‪ )1‬عقوبة االغتصاب في صورته البسيطة‪:‬‬


‫طبقًا للمادة ‪ 267/1‬من قانون العقوبات من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال‬
‫الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا ما توافرت أركان الجريمة التي تطلبها القانون‪ ،‬وقام الدليل على‬
‫إسنادها للمتهم؛ فإن القاضي يكون مخيرًا في توقيع إحدى العقوبتين األشغال الشاقة المؤبدة‪ ،‬أو‬
‫المؤقتة حسبما يتراءى له على ضوء ما هو ثابت باألوراق من جسامة العنف والسمعة األخالقية‬
‫(‪)1‬‬
‫للمجني عليه‪ ،‬وظروف ومالبسات الواقعة‪ ،‬وال يمنع من أن يطبق الظروف القضائية المخففة‪.‬‬

‫(‪ )2‬عقوبة االغتصاب في صورته المشددة‪:‬‬


‫نصت المادة ‪ 267/2‬من قانون العقوبات على أنه »إذا كان الفاعل من أصول المجني‬
‫عليها أو من المتولين تربيتها أو مالحظاتها‪ ،‬أو ممن لهم سلطة عليها‪ ،‬أو كان خادمًا باألجرة‬
‫عندها‪ ،‬أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة«‪.‬‬

‫فإن المشرع حدد األشخاص الذين ينطبق عليهم الظرف المشدد للعقاب وهم‪:‬‬

‫(?) حيث تنص المادة ‪ 17‬من قانون العقوبات على أنه »يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال‬ ‫‪1‬‬

‫الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه اآلتى‪:‬‬
‫‪ ،‬عقوبة اإلعدام بعقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪.‬‬
‫‪ ،‬عقوبة األشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬
‫‪ ،‬عقوبة األشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذي ال يجوز أن ينقص عن ستة شهور‪.‬‬
‫‪ ،‬عقوبة السجن بعقوبة الحبس الذي ال يجوز أن ينقص عن ثالثة شهور‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫( أ ) أن يكون الفاعل من أصول المجني عليها‪:‬‬

‫ويقصد بأصول المجني عليها كل من تناسلت منهم تناسًال حقيقيًا‪ ،‬كاألب والجد الصحيح‬
‫وإ ن عال‪.‬‬

‫لذلك يخرج من التشديد األب أو الجد‪ ،‬وإ ن عال بالتبني ألن الشريعة اإلسالمية ال تعترف‬
‫بنظام التبني‪ ،‬فيجب أن تكون صلة البنوة شرعية‪ ،‬فال ينطبق التشديد على األب غير الشرعي‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وكذلك العم أو الخال‪.‬‬

‫(ب) أن يكون الفاعل من المتولين تربية المجني عليها أو مالحظاتها‪:‬‬

‫ويقصد بهم جميع األشخاص الذين وكل إليهم أمر اإلشراف على المجني عليها وتهذيبها‪،‬‬
‫وقد يكون هذا بحكم القانون كالولي أو الوصي أو القيم أو المدرس في المدرسة‪ ،‬أو قد يكون‬
‫مصدره التعاقد كالمدرس الخصوصي‪ ،‬أو أن يكون ذلك بحكم الواقع كزوج األم وزوج األخت‬
‫‪،‬وقد قضى بأنه ال يشترط لتشديد العقاب في جريمة هتك العرض التي‬ ‫(‪)2‬‬
‫والعم واألخ األكبر‬
‫يكون فيها الجاني من المتولين تربية المجني عليه أن تكون التربية بإعطاء دروس عامة للمجني‬
‫عليه مع غيره من التالميذ‪ ،‬أو أن يكون في مدرسة‪ ،‬أو معهد تعليم‪ ،‬بل يكفي أن تكون عن طريق‬
‫إلقاء دروس خاصة على المجني عليه‪ ،‬ولو كان ذلك في مكان خاص‪ ،‬ومهما يكن الوقت الذي قام‬
‫(‪)3‬‬
‫فيه الجاني بالتربية قصيرًا‪.‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬المرجع السابق ‪.147،‬‬


‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحي سرور‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.638،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الطعن رقم ‪ 542‬لسنة ‪28‬ق ‪ ،‬جلسة ‪.19/5/1958‬‬ ‫‪3‬‬

‫أشار إليه المستشار ‪ /‬مصطفى هرجة‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬المجلد الثاني ‪.331،‬‬
‫‪277‬‬

‫(جـ) من لهم سلطة على المجني عليه‪:‬‬

‫يراد بهم كل من له القدرة والسيطرة على تصرفات المجني عليها‪ ،‬ويستوي أن تكون هذه‬
‫السلطة قانونية كسلطة رب العمل على عامالته‪ ،‬وصاحب الحرفة على من تعملن عنده‪ ،‬أو فعلية‬
‫(‪)1‬‬
‫كسلطة أحد أقارب المجني عليها إذا لم يكن من المتولين تربيتها أو مالحظتها‪.‬‬

‫ومن المقرر أن توافر السلطة الفعلية للجاني على المجني عليها‪ ،‬أو عدم توافرها مسألة‬
‫موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع فصًال نهائيًا‪ ،‬وليس لمحكمة النقض بعد ذلك حق‬
‫مراقبتها في هذا الشأن‪.‬‬

‫( د ) الخادم باألجر عند المجني عليها أو عند من تقدم ذكرهم‪:‬‬

‫يراد بالخادم الشخص الذي يعمل لدى المجني عليها مقابل أجر‪ ،‬وهذا األجر يستوي أن‬
‫يكون نقديًا أو عينيًا‪ ،‬وذلك مثل السائق الخاص‪ ،‬والجنايني‪ ،‬ويخرج من ذلك من يتطوع لخدمة‬
‫غيره بدون أجر‪ ،‬أو يقوم بعمل غير مادي كالسكرتير الخاص‪ ،‬أو المحاسب أو الطبيب الخاص‬
‫أو المحامى‪ ،‬وال يشترط لتوافر الظرف المشدد أن يكون الجاني خادمًا عند المجني عليها فقط‪ ،‬بل‬
‫يتوافر التشديد‪ ،‬ولو كان الجاني يعمل عند أصولها أو أحد المتولين تربيتها‪ ،‬أو مالحظتها أو من‬
‫له السلطة عليها‪ ،‬فقد ساوى المشرع بين الحالتين في توافر العلة من التشديد‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقد قضى تطبيقًا لذلك بانطباق الظرف المشدد على خادم في مقهى إذا ارتكب الجريمة‬
‫المبينة بالمادة ‪ 267/2‬عقوبات إذ كانت المجني عليها في الوقت ذاته هي ابنة صاحب المقهى‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وقضى أيضًا بأن الفراش بالمدرسة التي يتلقى فيها المجني عليه تعليمه يعتبر خادمًا‬
‫باألجرة لدى المتولين تربية المجني عليه‪ ،‬ومالحظته وأعمال الظرف المشدد في حقه عمًال‬
‫(‪)4‬‬
‫بالمادتين ‪267‬و ‪ 269‬عقوبات يكون صحيحًا في القانون‪.‬‬

‫فالعلة من تشديد العقوبة على هؤالء األشخاص سالفي الذكر ترجع إلى العالقة الخاصة‬
‫التي تربطهم بالمجني عليها‪ ،‬سواء تمثلت في السلطة‪ ،‬أو في التربية والتوجيه والمالحظة أو في‬
‫القيام بواجبات خدمتها تسهل لهم ارتكاب الجريمة ضدها نظرًا لقربهم منها‪ ،‬ولما لهم من سلطة‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمد زكى أبو عامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪.162،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق ‪.148،‬‬


‫(?)‬
‫نقض ‪ ، 11/3/1940‬مجموعة القواعد القانونية ‪ ،‬س‪ 10‬رقم ‪.1162، 552‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)‬
‫نقض ‪ ، 29/5/1972‬أحكام النقض ‪ ،‬س‪ ، 23‬الطعن رقم ‪ 309‬لسنة ‪42‬ق ‪.835،‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪277‬‬
‫عليها‪ ،‬ومن ناحية أخرى أن هذه العالقة الخاصة تخلق نوعًا من األلفة بين المجني عليها‪ ،‬وبينهم‬
‫تولد لديها ثقة فيهم تباعد بينها وبين فكرة اتخاذ واجبات الحيطة والحذر منهم‪.‬‬

‫وأخيرًا فإن الجاني قد أساء استعمال سلطته‪ ،‬أو خان الثقة الموضوعة فيه‪ ،‬وأخل بواجبه‬
‫في المحافظة على المجني عليها‪ ،‬مما يكشف عن خطورته اإلجرامية التي تستوجب تشديد العقاب‬
‫عليه‪.‬‬

‫ومن التشريعات التي شددت العقوبة على الجاني إذا ما توفرت عالقة خاصة بالمجني‬
‫عليها التشريع الكويتي حيث تنص المادة ‪ 186‬عقوبات من قانون الجزاء الكويتي عقوبة اإلعدام‬
‫بدًال من عقوبة الحبس المؤبد إذا توفرت الشروط السابقة في الجاني‪.‬‬

‫كما تقرر المادة ‪ 187‬ذات العقوبة في حالة المواقعة بغير إكراه أو تهديد أو حيلة إذا‬
‫كانت المجني عليها مجنونة أو معتوهة أو دون الخامسة عشر أو معدومة اإلرادة‪ ،‬ألي سبب‬
‫آخر‪ ،‬وكان الجاني يتصف بذات الصفات المذكورة سابقًا‪ ،‬واشترطت هذه المادة علم الجاني‬
‫(‪)1‬‬
‫بظروف المجني عليها لتطبيق العقوبة ضده‪.‬‬

‫أما المادة ‪ 188/2‬من نفس القانون فقد جعلت العقوبة الحبس المؤبد بدًال من الحبس مدة‬
‫ال تتجاوز خمس عشرة سنة على من واقع أنثى بغير إكراه أو حيلة‪ ،‬وكانت تبلغ الخامسة عشر‬
‫وال تبلغ الواحد والعشرين من عمرها‪ ،‬وكان الجاني من أصول المجني عليها‪ ،‬أو من المتولين‬
‫(‪)2‬‬
‫تربيتها أو رعايتها‪ ،‬أو ممن لهم سلطة عليها‪ ،‬أو كان خادمًا عندها أو عند من تقدم ذكرهم‪.‬‬

‫وعلة التشديد التي يستند إليها التشريع الكويتي ترجع إلى إخالل الجاني بالثقة التي تعتمد‬
‫عليها المجني عليها‪ ،‬وتجعلها ال تخشاه وال تأخذ الحذر منه‪.‬‬

‫فالجاني بارتكابه الجريمة ضدها يكون قد أخل بالواجبات التي تفرضها الرابطة الخاصة‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وخان الثقة الموضوعة فيه بدًال من أن يوفر لها الحماية من غيره‪.‬‬

‫ومما تقدم يتضح أثر وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليها في تشديد العقاب‬
‫الموقع على الجاني‪ ،‬وذلك كما في إحدى التطبيقات الواردة في المادة ‪ 267/2‬عقوبات‪ ،‬وذلك في‬
‫مجال جرائم األشخاص‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬وجود عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬وأثرها في تشديد العقاب في مجال‬
‫جرائم األموال‪:‬‬
‫(?)‬
‫أشار إليهما أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.265،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أشار إليهما أ‪.‬د ‪ /‬فهد فالح مطر‪ :‬المرجع السابق ‪.265،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬المرجع السابق ‪.309،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫مما سبق يتضح أن العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه أثرها في تشديد العقاب‬
‫على الجاني في بعض جرائم األشخاص‪ ،‬و في بعض جرائم األموال يكون للعالقة الخاصة التي‬
‫تربط الجاني بالمجني عليه أثرها في تشديد العقاب على الجاني‪ ،‬ومن هذه التطبيقات في التشريع‬
‫المصري يشدد قانون العقوبات العقاب على الجاني في جرائم السرقة التي تقع من الخدم باألجرة‬
‫إضرارًا بمخدوميهم‪ ،‬أو المستخدمين أو الصناع أو الصبيان أو من متعهدي نقل األشياء‪.‬‬

‫وذلك بنص المادة ‪ 317/7‬و ‪ 8‬من قانون العقوبات‪ ،‬وكذلك تشديد العقاب في جريمة‬
‫انتهاز احتياج أو ضعف أو هوى نفس القاصر‪ ،‬إذا كان الجاني مأمورًا بالوالية أو الوصايا عليه‪.‬‬

‫وسوف نتناول إحدى التطبيقات‬ ‫(‪)1‬‬


‫وذلك كما هو منصوص عليه في المادة ‪ 338‬عقوبات‬
‫على بيان أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه كظرف مشدد للعقاب في إحدى جرائم‬
‫األموال وذلك في إيجاز بسيط على النحو التالي‪:‬‬

‫حيث تنص المادة ‪ 317/7‬و ‪ 8‬من قانون العقوبات على أنه »يعاقب بالحبس مع الشغل‬
‫‪ ...............‬سابعًا‪ :‬على السرقات التي تحصل من الخدم باألجرة إضرارًا بمخدوميهم‪ ،‬أو‬
‫من المستخدمين أو الصناع أو الصبيان في معامل أو حوانيت من استخدموهم‪ ،‬أو في المحالت‬
‫التي يشتغلون فيها عادة‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬على السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل األشياء في العربات أو المراكب‪ ،‬أو على‬
‫دواب الحمل أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء‪ ،‬أو أحد أتباعهم إذا سلمت إليهم األشياء‬
‫المذكورة بصفاتهم السابقة‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على النص السابق في المادة ‪ 317/7‬و ‪ 8‬من قانون العقوبات يتضح أن‬
‫المشرع شدد العقوبة على السرقات التي تحصل من الخدم باألجرة إضرارًا بمخدوميهم‪ ،‬أو من‬
‫المستخدمين أو الصناع أو الصبيان في معامل أو حوانيت من استخدموهم أو في المحالت التي‬
‫يستغلون فيها‪ ،‬وكذلك السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل األشياء في العربات‪ ،‬أو‬
‫المراكب‪ ،‬أو على دواب الحمل‪ ،‬أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء‪ ،‬أو أحد أتباعهم‪ ،‬وسوف‬
‫تتناول الدراسة كل صنف من الجناة في النص سالف الذكر على حدة وذلك كما يلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬أن يكون الفاعل من الخدم باألجرة‪:‬‬

‫(?)‬
‫حيث تنص المادة ‪ 338‬من قانون العقوبات على ظرف مشدد للعقوبة‪ ،‬إذا كان الجاني مأمورًا‬ ‫‪1‬‬

‫بالوالية أو بالوصاية على الشخص المعذور‪ ،‬فخان األمانة واستغله وأضر بحقوقه المالية‪ ،‬فشدد‬
‫المشرع العقوبة الموقعة عليه‪ ،‬وتميز وصف الجريمة من جنحة إلى جناية عقوبتها السجن من ثالث‬
‫سنين إلى سبع‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫أولى األشخاص الذين ينطبق عليهم الظرف المشدد للعقاب في المادة ‪ 317/7‬من قانون‬
‫العقوبات هم الخدم باألجرة‪ ،‬ويقصد بالخادم هنا من يقوم بأداء بعض الشئون المنزلية للمجني‬
‫عليه لقاء أجر معلوم مثل السفرجي والطباخ والسائق‪ ،‬ومربية األطفال‪ ،‬أي كل من يقومون‬
‫بقضاء احتياجات المجني عليه‪ ،‬واحتياجات أسرته نظير أجر معين‪ ،‬ويشترط أن يكون الجاني‬
‫منقطع لخدمة المجني عليه‪ ،‬فإذا كان يؤدى مجرد خدمة عرضية‪ ،‬ولو كانت نظير أجر فال يعد‬
‫خادم‪ ،‬ومن ثم ال يتوافر الظرف المشدد في حقه‪ ،‬مثال‪ :‬من يعهد إليه تنظيف المنزل كل فترة أو‬
‫تقليم الحديقة من حين إلى آخر‪.‬‬

‫يشترط أيضًا أن تقع السرقة على مال مملوك للمخدوم‪ ،‬أو في حيازته أو في حيازة غيره‪،‬‬
‫ما دام أن السرقة وقعت على مال مملوك للمخدوم بقصد اإلضرار به‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫لذلك يخرج من نطاق التشديد إذا وقعت السرقة من الخادم على ضيف مخدومه‪.‬‬

‫وترجع الحكمة من تشديد العقوبة على الخادم الذي يقوم بسرقة مخدومه من طبيعة العالقة‬
‫التي تربطه به‪ ،‬والتي تؤدى إلى منحه الثقة من مخدومه‪ ،‬فال يفكر في اتخاذ االحتياطات الالزمة‬
‫لمنع السرقة‪ ،‬وبالتالي فإذا ما أخل الخادم بهذه الصفة وخان األمانة المفترضة فيه‪ ،‬وأقدم على‬
‫(‪)2‬‬
‫السرقة حق تشديد العقاب عليه‪.‬‬

‫وتشديد العقوبة يتمثل في الحكم على الخادم بالحبس مع الشغل‪ ،‬والذي قد يصل إلى ثالث‬
‫سنوات‪.‬‬

‫أما بدون الظرف المشدد فيكون الحبس مع الشغل مدة ال تتجاوز سنتين‪ ،‬وذلك كما هو‬
‫منصوص عليه في المادة ‪ 318‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تنص على »يعاقب بالحبس مع الشغل‬
‫مدة ال تتجاوز سنتين على السرقات التي لم يتوافر فيها شيء من الظروف السابق ذكرها«‪.‬‬

‫(‪ )2‬أن يكون الفاعل من المستخدمون والصناع والصبيان‪:‬‬


‫والمقصود بهؤالء من يقوم بعمل معين لقاء أجر معلوم لدى أرباب األعمال‪،‬‬
‫فالمستخدمون كعمال المتاجر‪ ،‬والصناع هم من يقومون بأعمال يدوية في المصانع الكبيرة‪ ،‬أو‬
‫الصغيرة‪ ،‬والصبيان هم الصغار الذين يقومون بالعمل في بعض الحوانيت ابتغاء تعلم الحرف‪،‬‬
‫وال تعد األعمال التي يؤدونها من قبيل األعمال التي يقوم بها الخدم‪ ،‬وهذا ما يفرق بينهم وبين‬

‫(?) المستشار ‪ /‬السيد البغال‪ :‬الظروف المشددة والمخففة ‪،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي ‪، 1982 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.39‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.243،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫الخدم باألجرة حيث يشترط لقيام الظرف المشدد أن تقع السرقة في المكان الذي يؤدى فيه هؤالء‬
‫أعمالهم‪ ،‬سواء وقعت السرقة على مال رب العمل أو على مال غيره‪.‬‬

‫لذلك ال يكفي لقيام الظرف المشدد على المستخدمون والصناع والصبيان وقوع السرقة‬
‫على المجني عليه‪ ،‬بل يلزم وقوعها في المكان الذي يؤدون فيه أعمالهم‪.‬‬

‫وبالتالي يخرج من نطاق التشديد الوارد بالمادة ‪ 317/7‬من قانون العقوبات وقوع السرقة‬
‫من أحد المستخدمين أو الصناع أو الصبيان على منزل المجني عليه »رب العمل« ولو ارتكبت‬
‫(‪)1‬‬
‫السرقة على مال مملوك له‪.‬‬

‫والحكمة من تشديد العقاب ترجع إلى طبيعة العالقة بين رب العمل‪ ،‬ومن يعمل لديه حيث‬
‫تقتضى منحه ثقة ووضع جانب من أمواله تحت يده تمكينًا له ألداء عمله؛ فإخالله بهذه الثقة‬
‫(‪)2‬‬
‫يستوجب تشديد العقوبة الموقعة عليه‪.‬‬

‫(‪ )3‬أن يكون الفاعل من محترفي النقل‪:‬‬


‫نص المشرع أيضًا على تشديد العقاب على السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل‬
‫األشياء في العربات أو المراكب أو على دواب الحمل أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء أو أحد‬
‫أتباعهم‪ ،‬إذا سلمت إليه األشياء المذكورة بصفتهم السابقة‪ ،‬وذلك طبقًا لما ورد بنص المادة‬
‫‪ 317/9‬من قانون العقوبات‪ ،‬وأول ما يالحظ على هذا النص أن المشرع قد خالف في قواعد‬
‫السرقة‪ ،‬إذ أن من المسلم به أن تسليم الشيء إلى مختلسه ينفي ركن االختالس في جريمة السرقة‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فال يمكن أن يعد الفعل سرقة‪ ،‬وإ نما يصبح االختالس بعد ذلك خيانة أمانة‪.‬‬

‫واشترط المشرع لقيام التشديد طبقًا للمادة سالفة الذكر أن يكون السارق محترفًا بنقل‬
‫األشياء‪ ،‬أو على األقل شخصًا مكلفًا بنقل الشيء المسروق‪ ،‬أو تابعًا ألحدهما‪ ،‬وأن تكون األشياء‬
‫المسروقة سلمت ألحد هؤالء األشخاص بصفته متعهد بالنقل وألجل النقل‪ ،‬فإذا كانت األشياء قد‬
‫وضعت في مركبة المتهم بغير أن تسلم إليه‪ ،‬بل بقيت في حيازة مالكها ثم سرقها المتهم فال‬
‫ينطبق النص الماثل على المتهم‪ ،‬كذلك ال يطبق النص إذا كانت األشياء سلمت إلى متعهد النقل‬
‫دون قصد نقلها أو ألجل نقلها‪ ،‬فالبد من توافر الشرطين معًا‪ :‬أن يكون وقوع فعل االختالس من‬
‫قبل متعهد النقل‪ ،‬أو أحد أتباعه المكلف بنقل األشياء بأجر‪ ،‬وأن تكون المنقوالت قد سلمت لهما‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبدالعظيم وزير‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪.182، 1983 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.246،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد فتحي سرور‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.852،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫لنقلها‪ ،‬أو من أجل نقلها‪ ،‬فإذا ما انتفي أي من الشرطين فال قيام‬
‫للظرف المشدد‪.‬‬

‫وترجع الحكمة من تشديد العقوبة طبقًا للمادة ‪ 317/8‬من قانون العقوبات إلى توفير‬
‫الحماية للمجني عليه الذي تربطه بالجاني عالقة خاصة تتمثل في الثقة التي يعطيها المجني عليه‬
‫للجاني‪ ،‬والتي سهلت له ارتكاب الجريمة من خالل إعطاءه المال لنقله أو من أجل نقله‪.‬‬

‫فإذا ما أخل بتلك الثقة‪ ،‬وقام باختالس المال المسلم إليه من أجل نقله حق عليه العقاب‬
‫المشدد بالمادة ‪ 317/8‬من قانون العقوبات‪ ،‬وهي الحبس مع الشغل‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫* المبحث الثاني*‬
‫العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في تخفيف العقاب‪.‬‬

‫جعل المشرع من العالقة الخاصة التي تربط المجني عليه بالجاني أثر في تخفيف العقاب‬
‫في بعض الجرائم‪ ،‬ومن هذه الجرائم التي نص عليها المشرع المصري جريمة قتل الزوجة‬
‫وشريكها في حالة التلبس بالزنا‪ ،‬وذلك طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة ‪ 237‬من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬والتي تنص على »من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا‪ ،‬وقتلها في الحال هي ومن يزنى‬
‫بها يعاقب بالحبس بدًال من العقوبات المقررة في المادة ‪ 234‬و ‪ 236‬من قانون العقوبات«‪.‬‬

‫وتشير الدراسة إلى أنه قد سبق شرح هذه المادة كتطبيق لعذر االستفزاز في التشريع‬
‫؛ ولذلك سوف تلقى الضوء عليها في حدود إبراز مدى تأثير العالقة الخاصة بين‬ ‫(‪)1‬‬
‫المصري‬
‫الجاني »الزوج« والمجني عليه »الزوجة وشريكها« في تحديد مسئولية الجاني‪ ،‬وتقدير العقوبة‬
‫الموقعة عليه‪.‬‬

‫حيث إن العالقة التي تربط الجاني بالمجني عليه في المادة سالفة الذكر كان لها بالغ األثر‬
‫في تخفيف العقوبة الموقعة على الجاني‪ ،‬وفي هذه الحالة كانت الحماية الجنائية من أجل الجاني‬
‫على خالف ما رأينا في العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في تشديد العقاب في‬
‫المبحث السابق‪ ،‬كانت الحماية الجنائية من أجل المجني عليه‪.‬‬

‫والحكمة من التخفيف هنا تجد أساسها في الحالة النفسية التي يوجد فيها الجاني نتيجة‬
‫االستفزاز المتمثل في خيانة الزوجة له‪ ،‬مما أفقده جانبًا من حرية االختيار لديه‪ ،‬فيندفع إلى‬
‫(‪)2‬‬
‫ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫وبالتالي يكون لتخفيف العقوبة ما يبرره‪ ،‬فيعاقب بعقوبة الحبس‪ ،‬ويغير وصف الجريمة‬
‫من جناية إلى جنحة‪ ،‬حيث إن القواعد العامة المعمول بها في جريمة القتل طبقًا للمادة ‪ 234‬من‬
‫قانون العقوبات تنص على »من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق إصرار وال ترصد يعاقب باألشغال‬
‫الشاقة المؤبدة أو المؤقتة«‪.‬‬

‫(?) أنظر المبحث الثالث من الفصل األول من الباب األول‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬محمود مصطفى‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.235،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬محمود نجيب حسنى ‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم الخاص ‪ ،‬المرجع السابق ‪.394،‬‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عوض محمد‪ :‬المرجع السابق ‪.112 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية باإلعدام‪ ،‬إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة‬
‫مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة؛ فيحكم باإلعدام أو األشغال الشاقة‬
‫المؤبدة‪ ،‬وتكون العقوبة اإلعدام إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة ‪ 234‬عقوبات‬
‫تنفيذًا لغرض إرهابي‪.‬‬

‫والمادة ‪ 236‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تنص على »كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا‬
‫أو أعطاه مواد ضارة‪ ،‬ولم يقصد من ذلك قتًال‪ ،‬ولكنه أفضى إلى موت يعاقب باألشغال الشاقة أو‬
‫السجن‪ ،‬من ثالث سنوات إلى سبع‪ ،‬وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد‪ ،‬فتكون العقوبة األشغال‬
‫الشاقة المؤقتة أو السجن‪.‬‬

‫وتكون العقوبة األشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 236‬تنفيذًا لغرض إرهابي‪.‬‬

‫فإذا كانت مسبوقة بسبق إصرار أو ترصد تكون العقوبة األشغال الشاقة المؤبدة أو‬
‫المؤقتة‪.‬‬

‫مما تقدم يتضح أثر العالقة الخاصة التي تربط الجاني بالمجني عليه في تخفيف العقوبة‬
‫الموقعة عليه‪ ،‬وذلك نظرًا لطبيعة تلك العالقة‪ ،‬والمتمثلة في العالقة الزوجية القائمة بين الجاني‬
‫والمجني عليها‪ ،‬والتي كان يجب على المجني عليها أن تحافظ على فراش الزوجية وعلى الثقة‬
‫التي منحها الزوج إليها‪ ،‬فإن هي خانت ذلك وقام الجاني »الزوج« بقتلها هي ومن يزنى بها فحق‬
‫على المشرع أن يوليه حماية جنائية خاصة‪ ،‬وذلك لتخفيف العقوبة الموقعة عليه‪ ،‬وتغيير وصف‬
‫الجريمة من جناية إلى جنحة‪ ،‬فبدًال من أن يعاقب بالمادة ‪ 234‬من قانون العقوبات‪ ،‬أو بالمادة‬
‫‪ 236‬من قانون العقوبات سالفي الذكر يعاقب بالمادة ‪ 237‬من قانون العقوبات‪ ،‬والتي تعاقبه‬
‫بعقوبة الحبس‪ ،‬وذلك إذا توافرت الشروط التي تطلبها القانون لتطبيق تلك العقوبة‪.‬‬
‫‪277‬‬

‫* المبحث الثالث *‬
‫العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في اإلعفاء من العقاب‪.‬‬

‫تنص بعض التشريعات الجنائية على اإلعفاء من العقاب في بعض الجرائم‪ ،‬نتيجة وجود‬
‫عالقة خاصة بين الجاني والمجني عليه‪ ،‬إذا ما كان اإلعفاء مصلحة اجتماعية تغلب على مصلحة‬
‫المجتمع في العقاب‪ ،‬ومن هذه الجرائم جريمة إخفاء الجناة الهاربين من وجه القضاء‪ ،‬أو إعانتهم‬
‫على الفرار من وجه العدالة‪ ،‬وكذلك في جريمة االمتناع عن التبليغ عن الجرائم‪ ،‬وجريمة امتناع‬
‫عن أداء الشهادة‪.‬‬

‫وسوف تتناول الدراسة إحدى الجرائم التي تعد تطبيقًا لبيان أثر العالقة الخاصة بين‬
‫الجاني والمجني عليه في اإلعفاء من العقاب‪ ،‬ومن هذه الجرائم جريمة إخفاء الجناة الهاربين من‬
‫وجه القضاء‪ ،‬أو إعانتهم على الفرار من وجه العدالة حيث نصت المادة ‪ 144‬من قانون‬
‫العقوبات على »كل من أخفي بنفسه أو بواسطة غيره شخصًا فر بعد القبض عليه‪ ،‬أو متهمًا‬
‫بجناية أو جنحة أو صادر في حقه أمر بالقبض عليه‪ ،‬وكذا كل من أعانه بأي طريقة كانت على‬
‫الفرار من وجه القضاء مع علمه بذلك‪ ،‬يعاقب طبقًا لألحكام اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬إذا كان من أخفي أو ساعد على اإلخفاء أو الفرار من وجه القضاء قد حكم عليه باإلعدام‪،‬‬
‫تكون العقوبة السجن من ثالث سنوات إلى سبع‪.‬‬

‫‪ ‬وإ ذا كان محكومًا عليه باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو كان متهمًا بجريمة عقوبتها‬
‫اإلعدام‪ ،‬تكون العقوبة الحبس‪ ،‬وأما في األحوال األخرى فتكون العقوبة الحبس مدة ال تزيد على‬
‫سنتين‪.‬‬

‫وال تسرى هذه األحكام على زوج أو زوجته من أخفي أو ساعد على االختفاء أو الفرار‬
‫من وجه القضاء‪ ،‬وال على أبويه أو أجداده أو أوالده أو أحفاده‪.‬‬

‫كما تنص المادة ‪ 145‬من قانون العقوبات على أنه »كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو‬
‫كان لديه ما يحمله على االعتقاد بوقعها‪ ،‬وأعان الجاني بأية طريقة كانت على الفرار من وجه‬
‫القضاء‪ ،‬إما بإيواء الجاني المذكور‪ ،‬وإ ما بإخفاء أدلة الجريمة‪ ،‬وإ ما بتقديم معلومات تتعلق‬
‫بالجريمة‪ ،‬وهو يعلم بعدم صحتها‪ ،‬أو كان لديه ما يحمله على االعتقاد بذلك يعاقب طبقًا لألحكام‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ ‬إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها باإلعدام تكون العقوبة بالحبس مدة ال تتجاوز‬
‫سنتين‪.‬‬

‫‪ ‬إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها باألشغال الشاقة‪ ،‬أو السجن‪ ،‬تكون العقوبة بالحبس‬
‫مدة ال تتجاوز سنة‪.‬‬

‫‪ ‬أما في األحوال األخرى فتكون العقوبة الحبس لمدة ال تتجاوز ستة شهور‪ ،‬وعلى كل حال ال‬
‫يجوز أن تتعدى العقوبة الحد األقصى المقرر للجريمة نفسها‪.‬‬

‫وال تنطبق أحكام هذه المادة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني‪.‬‬

‫وبإلقاء الضوء على المادتين السابقتين يتضح أن المشرع يعفي من العقاب فيهما الزوج أو‬
‫الزوجة‪ ،‬أو األصل أو الفرع إذا أخفوا أو ساعدوا الجاني على االختفاء أو الفرار من وجه‬
‫القضاء‪ ،‬باختفاء أدلة الجريمة أو بتقديم معلومات كاذبة عنه‪.‬‬

‫وترجع الحكمة في ذلك إلى طبيعة العالقة الخاصة بين هؤالء األشخاص والجاني الفار‬
‫من وجه العدالة‪ ،‬أو الهارب من وجه القضاء وزوجته وأبويه أو أجداده أو أوالده أو أحفاده‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫رأى المشرع أن المحافظة على طبيعة هذه العالقة تمثل مصلحة تعلو مصلحة المجتمع‬
‫في توقيع العقاب‪ ،‬فغلب تلك المصلحة الخاصة على المصلحة العامة‪ ،‬وأعفي هؤالء األشخاص‬
‫والمنصوص عليهم في المادتين من العقاب‪ ،‬أما غيرهم فيوقع عليهم العقوبة المنصوص عليها‬
‫بالعقوبات المحددة في المادتين ‪144‬و ‪ 145‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫مما تقدم يتضح أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في تقرير اإلعفاء من‬
‫العقاب تقديرًا لتحقيق مصلحة اجتماعية تعلو على مصلحة المجتمع في توقيع العقاب‪ ،‬ولذات‬
‫الحكمة يكون اإلعفاء من العقاب المنصوص عليه من المشرع المصري في المادتين ‪84‬و ‪98‬‬
‫من قانون العقوبات في حالة امتناع الزوجة‪ ،‬أو األصل أو الفرع عن التبليغ عن الجرائم‪.‬‬

‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.273،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪277‬‬

‫* المبحث الرابع *‬
‫العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه وأثرها في اإلباحة‪.‬‬
‫للعالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه أثرها في إباحة بعض األقوال أو األفعال التي‬
‫تعد بحسب األصل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات‪.‬‬

‫ومن هذه الحاالت غير المشروعة قانونًا‪ ،‬والعالقة التي تربط الجاني بالمجني عليها‬
‫تجعلها مباحة حق تأديب الزوجة والصغار‪.‬‬

‫فباستقراء نصوص قانون العقوبات يتضح أن أفعال الضرب البسيط يجرمها القانون طبقًا‬
‫لنص المادة ‪ ، 240‬من قانون العقوبات‪ ،‬ولكنه يبيح هذه األفعال إذا كانت بقصد ممارسة حق‬
‫التأديب‪ ،‬فرغم خضوع الفعل لنص التجريم ومطابقته للنموذج القانوني للجريمة‪ ،‬ومساسه‬
‫بالمصلحة العامة التي يحميها القانون‪ ،‬إال أن المشرع وجد في ظروف معينة وفي حاالت معينة‬
‫(‪)1‬‬
‫أن إباحة ذلك الفعل أولى بالحماية من تجريمه‪.‬‬

‫وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف أسباب اإلباحة بأنها‪ :‬ظروف تخلع عن الفعل صفة‬
‫(‪)2‬‬
‫التجريم؛ لتحقيقه مصلحة أولى بالرعاية من تلك التي يمس بها‪.‬‬

‫ولذلك سوف تتناول الدراسة حق تأديب الزوجة‪ ،‬وكذلك حق تأديب الصغار في حدود‬
‫بيان أثر العالقة الخاصة بين الجاني والمجني عليه في إباحة بعض األفعال المجرمة قانونًا‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬حـق تأديب الزوجة‪:‬‬


‫حق الزوج في تأديب زوجته مستمد من صريح نص القرآن الكريم‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪:‬‬
‫(والَّالِتي َتَخ اُفوَن ُنُش وَز ُهَّن َفِع ُظوُهَّن واْهُج ُر وُهَّن ِفي الَم َض اِج ِع واْض ِر ُبوُهَّن َفإْن َأَطْع َنُك ْم َفال َتْبُغوا‬
‫(‪)3‬‬
‫َع َلْي ِه َّن َس ِبيًال إَّن الَّلَه َك اَن َع ِليًا َك ِبيرًا (‪.))34‬‬

‫(?) يعد حق التأديب أحد تطبيقات استعمال الحق استنادًا لنص المادة ‪ 60‬من قانون العقوبات التي‬ ‫‪1‬‬

‫تقضى بأنه »ال تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكبه بنية سليمة عمًال بحق مقرر‬
‫بمقتضى الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬المرجع السابق ‪.194،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪277‬‬
‫وكذلك عن النبي ‪‬قال‪ ":‬واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء‬
‫في الضلع أعاله فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا"[ رواه‬
‫البخاري]‪0‬‬

‫وحق تأديب الزوج زوجته تمليه أيضًا اعتبارات القوامة الذي خص بها اهلل‪ -‬عز وجل‪-‬‬
‫الرجل على زوجته‪ ،‬وذلك في قول اهلل‪ -‬تعالى‪ -‬في كتابه الكريم‪( :‬الِّر اُل َقَّو ا و َلى الِّن اِء‬
‫َس‬ ‫ُم َن َع‬ ‫َج‬
‫ِبَم ا َفَّض َل الَّلُه َبْعَض ُهْم َع َلى َبْع ٍض وِبَم ا َأنَفُقوا ِم ْن َأْم َو اِلِه ْم َفالَّصاِلَح اُت َقاِنَتاٌت َح اِفَظاٌت ِّلْلَغْي ِب ِبَم ا‬
‫ِج‬ ‫ِف‬ ‫ِع‬ ‫ِف َّل َّالِت‬
‫َح َظ ال ُه وال ي َتَخ اُفوَن ُنُش وَز ُهَّن َف ُظوُهَّن واْهُج ُر وُهَّن ي الَم َض ا ِع واْض ِر ُبوُهَّن َفإْن َأَطْع َنُك ْم‬
‫(‪)1‬‬
‫َفال َتْبُغوا َع َلْي ِه َّن َس ِبيًال إَّن الَّلَه َك اَن َع ِليًا َك ِبيرًا (‪.))34‬‬

‫وبناء على ما تقدم يتضح أن حق تأديب الزوج زوجته يرتبط بتوافر الخوف من النشوز‬
‫»أي التكبر على الزوج وعدم طاعته«‪.‬‬

‫لذلك يجمع الفقهاء على تفسير النشوز المبرر للتأديب في إتيان معصية لم يرد في شأنها‬
‫حد مقرر‪ ،‬ويفيد استعمال الحق تأديب الزوجة من حيث الوسيلة‪ ،‬فالثابت من الوالية األولى سالفة‬
‫الذكر هو ضرورة التدرج في وسيلة التأديب من الوعظ والهجر في المضجع‪ ،‬وأخيرًا في‬
‫(‪)2‬‬
‫الضرب‪ ،‬فإذا أصلحت الوسيلة األخف حظر اللجوء إلى الوسيلة األشد‪.‬‬

‫لذلك فإن حق التأديب ليس مقررًا للزوج بصفته الفردية بل لتحقيق مصلحة األسرة‪،‬‬
‫ومصلحة المجتمع‪ ،‬وذلك بحمل الزوجة التي أتت بمعصية ليس فيها حد مقرر على السلوك القويم‬
‫(‪)3‬‬
‫الذي يحدد المصلحة الخاصة لألسرة‪ ،‬ومن ورائها المصلحة العامة للمجتمع‪.‬‬

‫لذلك يشترط إلباحة حق التأديب الواقع من الزوج على زوجته توافر الشروط اآلتية‪-:‬‬

‫‪ -1‬توافر صفة خاصة فيمن يباشر حق التأديب‪.‬‬

‫‪ -2‬وقوع معصية من الزوجة‪.‬‬

‫‪ -3‬استخدام وسائل التأديب المقررة شرعًا‪.‬‬

‫‪ -4‬توافر حسن النية لدى الزوج‪.‬‬

‫(?) سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬المرجع السابق ‪.216،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أ‪.‬د ‪ /‬السعيد مصطفي السعيد »مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة اإلسالمية‬ ‫‪3‬‬

‫والقانون المصري الحديث ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪.193، 1936 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫وطبقًا للشروط سالفة الذكر يباح حق التأديب للزوج وحده‪ ،‬فال يحق لغيره أن يمارسه‪،‬‬
‫وال يجوز للزوج أن يفوض شخص غيره في تأديب زوجته‪ ،‬وأن يستخدم وسائل التأديب المحددة‬
‫شرعًا‪ ،‬وهي الوعظ ثم الهجر في المضجع‪ ،‬وأخيرًا الضرب غير المبرح‪ ،‬فال يجوز اللجوء إلى‬
‫غيرها‪.‬‬

‫كما ال يجوز تخطى إحداها‪ ،‬وأن يكون ذلك بحسن نية بمعنى أن يكون الدافع إلى التأديب‬
‫(‪)1‬‬
‫هو تحقيق الغاية التي من أجلها شرع هذا الحق‪ ،‬وليس االنتقام أو بدافع الكراهية‪.‬‬

‫وذلك عند وقوع الزوجة في معصية »النشوز« بمعنى أنها أساءت العشرة‪ ،‬وتعالت على‬
‫زوجها‪ ،‬وأتت بمعصية ليس فيها حد مقرر على السلوك القويم‪.‬‬

‫فإذا ما توافرت هذه الشروط كان تأديب الزوج لزوجته مباحًا ويخرج من نطاق التجريم‪.‬‬

‫أما إذا تجاوز الزوج تلك الشروط عوقب قانونًا طبقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات‪.‬‬

‫والحكمة من اإلباحة هي المحافظة على مصلحة األسرة‪ ،‬ومصلحة المجتمع‪ ،‬والمستمدة‬


‫من الشريعة اإلسالمية والقانون‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حـق تأديب الصغار‪:‬‬


‫حق تأديب الصغار مستمد من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وذلك في قوله‪ -‬تعالى‪ -‬في كتابه‬
‫الكريم‪َ( :‬يا َأُّيَها اَلِذ يَن آَم ُنوا ُقوا َأنُفَس ُك ْم وَأْه ِليُك ْم َنارًا وُقوُدَها الَّناُس واْلِح َج اَر ُة َع َلْي َها َم الِئَك ٌة ِغ الٌظ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِش داٌد َّال َيْعُص وَن الَّلَه َم ا َأَمَر ُهْم وَيْفَع ُلوَن َم ا ُيْؤ َمُر وَن (‪.))6‬‬

‫فيعد حق التأديب أحد الوسائل الالزمة للقيام بواجب الرقابة من قبل األب‪ ،‬أو الوصي‬
‫وكل من ينتقل إليه واجب الرقابة على الصغير يقترن به الحق في التأديب‪.‬‬

‫وكذلك يعاقب القانون على كل من ترك أوالده حديثي السن‪ ......‬الخ عرضة لألخطار‬
‫واإلصابات‪ ،‬وذلك بنص المادة ‪ 378/8‬من قانون العقوبات‪ ،‬كذلك يعاقب قانون األحداث رقم‬
‫‪ 31‬لسنة ‪ 1974‬في المادة ‪ 20‬منه »كل من أهمل مراقبة الحدث إذا ترتب على ذلك تعرضه‬
‫لالنحراف«‪.‬‬

‫وانطالقًا من ذلك المنطلق كان حق تأديب الصغار واجبًا على كل من له الرقابة عليهم‪،‬‬
‫ويجد سنده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪.‬‬

‫ويشترط إلباحة حق تأديب الصغار عدة شروط وهي‪:‬‬


‫(?)‬
‫أ‪.‬د ‪ /‬محمد أبو العال عقيدة‪ :‬النظرية العامة للمجني عليه ‪ ،‬المرجع السابق ‪.280،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)‬
‫سورة التحريم ‪.6 :‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ -1‬خروج الصغير عن مقتضيات السلوك القويم بصورة ال يقع فيها أقرانه أو تقصيره في أداء‬
‫واجباته‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يباشر حق التأديب ممن مقرر له هذا الحق كاألب أو األم أو رب العمل‪ ،‬فحق التأديب إذن‬
‫(‪)1‬‬
‫يخول لكل من يلتزم برقابة الصغير قانونًا أو اتفاقًا‪.‬‬

‫‪ -3‬التزام حدود التأديب بحيث يسبق الضرب تعليم الصغير أسس السلوك القويم وواجباته الملزم‬
‫بأدائها‪ ،‬ثم بعد ذلك يجب أن يكون الضرب بسيط غير مبرح‪ ،‬وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض‬
‫المصرية بقولها »التأديب مباح شرعًا ال يجوز أن يتعدى الضرب البسيط الذي ال يحدث كسرًا أو‬
‫(‪)2‬‬
‫جرحًا وال يترك أثرًا وال ينشأ عنه مرض‪.‬‬

‫وقضى أيضًا بإباحة فعل األب الذي وضع في رجلي ابنته قيدًا حديديًا عند غيابه عن‬
‫المنزل مالحظًا في ذلك أال يمنعها من الحركة داخل المنزل‪ ،‬وأال يؤلم بدنها وذلك بقصد حملها‬
‫(‪)3‬‬
‫على إطاعة أوامره التي ال ينبغي من ورائها إال تهذيب أخالقها وتقويم سلوكها‪.‬‬

‫بينما قضى بمعاقبة األب الذي تجاوز حدود التأديب المباح‪ ،‬وكذلك بعقوبة الضرب العمد‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وكذلك األب الذي ربط ابنته بحبل ربطًا محكمًا في غضيها أحدث عندها غنفريًا سببت‬
‫(‪)5‬‬
‫وفاتها‪.‬‬

‫‪ -4‬توافر حسن النية لدى متولي التأديب بحيث يكون الغرض منه هو تهذيب وإ صالح الصغير‪.‬‬

‫فإذا خرج من له حق التأديب عن الشروط سالفة الذكر يخضع للعقاب‪ ،‬وفقًا للقواعد العامة‬
‫في قواعد العقاب‪.‬‬

‫(?) نجد أن حق التأديب غير معمول به في جميع درجات التعليم في مصر وذلك بالقوانين‬ ‫‪1‬‬

‫والمواد اآلتية‪:‬‬
‫المادة ‪ 21‬من القانون رقم ‪ 210‬لسنة ‪ 1953‬الخاص بالتعليم االبتدائي‪ ،‬و المادة ‪ 48‬من القانون‬
‫رقم ‪ 212‬لسنة ‪ 1953‬الخاص بالتعليم الثانوي‪ ،‬و المادة ‪ 18‬من المرسوم بقانون سنة ‪ 1931‬بشأن‬
‫الالئحة الداخلية للمعاهد الدينية ‪ ،‬و المادة األولى من قرار وزير التعليم رقم ‪61‬‬
‫لسنة ‪.1969‬‬
‫(?)‬
‫مجموعة القواعد القانونية ‪ ،‬ج‪ ، 3‬رقم ‪.190، 136‬‬ ‫نقض ‪5/6/1933‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)‬
‫عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬المرجع السابق ‪.218،‬‬ ‫أشار إليهما أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)‬
‫عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬المرجع السابق ‪.218،‬‬ ‫أشار إليهما أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)‬
‫عبد التواب معوض‪ :‬قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬المرجع السابق ‪.218،‬‬ ‫أشار إليهما أ‪.‬د ‪/‬‬ ‫‪5‬‬

You might also like