Professional Documents
Culture Documents
المكتبة النصية
قام بتحويل رواية (وليمة لل ِغربان)
الجليد والنَّار
أغنيَّة َ
(الكتاب ال َّرابع)
الي صيغة نصية( :فريق الكتب النادرة)
من الكويت:
(منصور التميمي)
من لبنان:
(حسن العاملي)
(أحمد لحاف)
من مصر:
(شمس الحياة)
(ماجدة علي)
(هشام حسني)
()A.Awakeel
(م .محمد خضر)
(ماجد حنّا)
(محمد مصطفي كمال)
(مروة جمال)
(هشام حسني)
من السعودية:
(د .طارق التميمي)
(زينه)
(نجاح السبيعي)
(أريج محمد)
(خالد مريع)
)(The-Inspired
ي)
(ن .أبو قص ّي الراشد ّ
من سلطنه عمان:
(معالي)
من الجزائر:
(سعدي إلياس)
من سوريا:
(هادي إبراهيم)
(حذيفة ُمحمد)
(رنا وليد)
(محمد المقداد)
من العراق:
(سماهر)
(علي الشمري)
(آيات علي)
من اليمن:
(عبد هللا الحبابي)
من المغرب:
(رشيد تاديست)
OCR:
(طارق دردوري)
(منصور التميمي)
مراجعه وتنسيق:
(ماجدة علي)
وليمة لل ِغربان
الجليد والنَّار
أغنيَّة َ
(الكتاب ال َّرابع)
چ ور چ ر .ر .مارتن
ترجمة:
هشام فهمي
الترقيم الدولي7-456-674-416-879 :
الطبعة األولى4418 :
هذه ترجمة مر ّخصة لكتاب:
A Feast for Crows by George R. R. Martn
All rghts reserved Copyrght © 2005 by George R. R. Martn
Maps by James Snclar Heraldc Crests by Vrgna Norey
Publshed by Agreement wth the author and the author’s agent The Lotts Agency
.Ltd
جميع حقوق النسخة العربية محفوظة لدار التنوير ©
الناشر دار التنوير للطباعة والنشر
لبنان :بيروت -بئر حسن -بناية قاسم فارس (سارة بنما) -الطابق السفلي
هاتف448411969964 :
بريد إلكترونيdarattanweer@gmal.com :
مصر :القاهرة – 4شارع السرايا الكبرى (فؤاد سراج الدين سابقا) -جاردن سيتي
هاتف444444785557 :
بريد إلكترونيcaro@dar-altanweer.com :
تونس ،46 :نهج سعيد أبو بكر 1441 -تونس
هاتف وفاكس4441474915484 :
بريد إلكترونيtuns@dar - altanweer.com :
موقع إلكترونيwww.dar - altanweer.com :
اهداء
إلى ستيڤن بوشيه
ساحر الويندوز وتنِّين الدوس
الذي لواله ل ُكتبت هذه ال ِّرواية بأقالم الشَّمع.
الجزء األول
تمهيد
« -التَّنانين» ،قالها موالندر واختطفَ تفَّاحةً ذابلةً من على األرض ورا َح يتقا َذفها بين يديه.
ّ
ط سه ًما من َجعبته وسحبَه على وتر قوسه. قال أليراس أبو الهول مستحثًا إياهِ « :
ارم ال ُّتفَّاحة» ،والتق َ
قال روون« :كم أو ُّد أن أرى تنِّينًا ،أو ُّد هذا حقًّا» .الصَّبي الممتلئ أصغرهم ِسنًّا ،وما زا َل يفصله عامان
كامالن عن بلوغ مبلغ الرِّ جال.
ف َّكر پايت مبد ًِّال جلسته على ال ِّد َّكة بتمل ُمل :وكم أو ُّد أن أنام بينما تُطَ ِّوقني روزي بذراعيها .بحلول الغد
ستكون الفتاة قد أصب َحت له .سآخذها بعيدًا عن (البلدة القديمة) ،أعب ُر بها (البحر الضيِّق) إلى واحد ٍة من
ال ُمدن ال ُحرَّة .هناك ال يو َجد ِمايسترات ،ال أحد يتَّهمه.
تناهَت إلى مسامعه ضحكات إما اآلتية من نافذ ٍة مغلَقة المصراعيْن باألعلى ،ممتزجةً بالصَّوت األعمق
للرَّجل الذي تستضيفه .إنها أكبر العامالت ِسنًّا في (ال ِّريشة وال َّدورق) ،في األربعين من العُمر على األقل،
بنوع معيَّن من حُسن ممتلئات الجسد .أ َّما روزي فابنتها ،فتاة في الخامسة عشرة ٍ وإن كانت ال تزال تتمتَّع
كامال .كان پايت قد ا َّدخرً قضت إما أن بكارة روزي ستُ َكلِّف َمن يفضُّ ها تنِّينًا ذهبيًّا أزه َرت لت ِّوها ،وقد َ
ضيَّة و ِملء ج َّر ٍة من ال ُّنجوم والبنسات ال ُّنحاسيَّة ،وعلى الرغم من هذا ال يزال بعيدًا ك َّل البُعد تسعة أيائل ف ِّ
ين حقيقي تفقس أفضل من فُرصة ادِّخاره ما يكفي من عن المبلغ المطلوب ،وفُرصة أن يجعل بيضة تنِّ ٍ
ين ذهبي. مال لتنِّ ٍ
ٍ
متأخرًا للغاية على رؤية التَّنانين يا فتى» .يضع آرمن حول ُعنقه ِّ قال آرمن ال ُمعاون لروونُ « :ولِدتَ
ت من القصدير والصَّفيح والرَّصاص والنُّحاس ،ويبدو أنه -كأغلب ال ُمعاونين- شريطًا جلديًّا علَّق منه حلقا ٍ
آخر تنِّين ماتَ في عهد الملك إجون الثَّالث». يعتقد أن ما على أكتاف المبتدئين ثمار لِفت ال رؤوسِ « .
آخر تنِّين في (وستروس) فقط». َر َّد موالندر بإصرارِ « :
صار محطَّ شغف َ ارم التُّفَّاحة» .ال َّشاب وسيم الطَّلعة ،صديقهم أبو الهول الذي قائالِ « :عا َد أليراس يستحثُّه ً
جميع العامالت في المكان ،وحتى روزي تمسُّ ذراعه أحيانًا عندما تُقَدِّم له النَّبيذ ،فيضطرُّ پايت إلى
الضَّغط على أسنانه والتَّظاهُر بأنه لم ي َر.
آخر تنِّين ،هذا معلوم للجميع».
آخر تنِّين في (وستروس) كان ِ قال آرمن بعنادِ « :
كرَّر أليراس« :ال ُّتفَّاحة ،ما لم تكن تنوي أن تأكلها».
ووثب وثبةً قصيرةً ،ثم دا َر وألقى ال ُّتفَّاحة بزاوي ٍة مستقيمة في َ قال موالندر« :هاك» ،و َج َّر قدمه المعوجَّة
أصبح فارسًا كأبيه ،ففي ذراعيه الغليظتيْن َ التشوه في قدمه لكان قدُّ الضَّباب العالق فوق (نهر البِتع) .1لوال
وكتفيه العريضتيْن من الق َّوة ما يَكفُل له هذا .هكذا حلَّقت ال ُّتفَّاحة مبتعدةً بسُرعة...
ق وراءها صافرًا في الهواء ،قناته طولها ياردة كاملة من الخشب ...ولكن ليس بسُرعة السَّهم الذي انطل َ
ير پايت السَّهم يُصيب التُّفَّاحة ،لكنه سم َع صدى االرتطام الخافت َّ
الذهبي المز َّود بال ِّريش ال ِقرمزي .لم َ
يتر َّدد عبر النَّهر ،يتبعه صوت سقوط الثَّمرة في الماء.
صف َر موالندر ،وقال« :ق َّورتها ،جميل!».
لكن ليس ب ِنصف َجمال روزي .يحبُّ پايت لون البُندق في عينيها ويحبُّ ثدييها النَّابتيْن ،والطَّريقة التي
تبتسم بها كلَّما رأته ،ويحبُّ الغ َّمازتيْن في وجنتيها .أحيانًا تمشي حافيةً وهي تدور على ال َّزبائن ،لتَشعُر
بملمس العُشب تحت قدميها ،وهذا أيضًا يحبُّه پايت ،تما ًما كما يحبُّ رائحتها النَّظيفة ال ُمنعشة و َشعرها
الذي يتلولَب وراء أُذنيها ،بل ويحبُّ أصابع قدميها .ذات ليل ٍة ستدعه يُ َدلِّك هاتين القدمين ويُدا ِعبهما،
صبع ليجعلها تضحك بال انقطاع. ٍ وسيُ َؤلِّف لها حكايةً طريفةً عن ك ِّل إ
لع َّل األصلح له أن يبقى على هذا الجانب من (البحر الضيِّق) .يُمكنه أن يبتاع حمارًا بال ُّنقود التي ا َّدخرها،
ويتبادَل هو وروزي ركوبه بينما يجوالن في أنحاء (وستروس) .ربما ال يراه إيبروز جديرًا بوضع حلق ٍة
ُّ
سيمتن ضيَّة في سلسلته ،لكن پايت يعرف كيف يُ َجبِّر العظام المكسورة ويُ َعلِّق ال َعلق 4للمصابين بال ُح َّمى. ف ِّ
حالقًا كذلك .قال لنفسه: العا َّمة لمساعَدته ،وإذا تعلَّم أن يقصَّ ال َّشعر ويحلق اللِّحى فمن الممكن أن يصير َّ
يكفيني هذا ما دا َمت معي روزي .من ال ُّدنيا كلِّها ال يُريد َّإال روزي.
على أن األمر لم يكن هكذا دائ ًما .في السَّابق كان حُلمه أن يُصبِح ِمايستر في قلعة ،في خدمة لورد سخي
يُ َكرِّمه لحكمته وي ِهب له حصانًا أبيض مطهَّ ًما عرفانًا بخدمته .كان ليمتطيه ب ُس ُم ٍّو ونُبل ،ويبتسم للعوام من
أعلى حين يمرُّ بهم على الطَّريق...
شرب دورقه الثَّاني من خمر ال ُّتفَّاح القويَّة للغاية ،قال َ ذات ليل ٍة في قاعة (الرِّيشة وال َّدورق) العا َّمة ،بَعد أن
پايت متب ِّجحًا إنه لن يظ َّل مبتدئًا إلى األبد ،ف َر َّد ليو الكسول« :صحيح تما ًما ،ستكون مبتدئًا سابقًا يرعى
الخنازير».
بحر من ٍ أفر َغ ثُمالة ال َّشراب في جوفه .كانت ُشرفة الخان المضاءة بالمشاعل جزيرةً من الضَّوء في
كقمر
ٍ الضَّباب هذا الصَّباح ،وفي اتِّجاه مصبِّ النَّهر تسبح منارة (البُرج العالي) البعيدة في رطوبة اللَّيل
برتقالي مبهَم ،لكن الضَّوء لم يُفلِح في رفع معنويَّاته َّإال ً
قليال. ٍّ
كان يُفت َرض أن يأتي الخيميائي .هل المسألة كلُّها ُدعابة قاسية أم أن شيئًا جرى للرَّجل؟ لن تكون المرَّة
حدث أن َع َّد نفسه محظوظًا من قبل عند اختياره لمساعَدة َ ظ في وجه پايت ،فقد الح ُّ
األولى التي يعبس فيها َ
ضا ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ العجوز على العناية بال ِغدفان ،دون أن يتص َّور أنه سرعان ما سيُ َكلَّف أي ً
نسي عن ِحرفة َ بإحضار وجبات الرَّجل وك ْنس مسكنه وإلباسه ثيابه ك َّل صباح .يقول الجميع إن والجريڤ
ال ِغدفان أكثر مما يتعلَّمه معظم ال ِمايسترات في حياتهم كلِّها ،فق َّدر پايت أن حلقةً من الحديد األسود هي أقلُّ
ما يأمله ،فقط ليكتشف أن والجريڤ ال يستطيع أن يمنحه إياها ،ألن العجوز ما زا َل ِمايستر رئيسًا على
سبيل المجا َملة ال أكثر ،وعلى الرغم من أنه كان ِمايستر عظي ًما في الماضي ،فاآلن يُواري رداؤه ثيابًا
عام وجدَه عدد من ال ُمعاونين يبكي في المكتبة وقد عج َز عن داخليَّةً متَّسخةً أكثر الوقت ،وقبل نِصف ٍ
بدال من العثور على طريق العودة إلى مسكنه .حاليًّا يجلس ال ِمايستر جورمون تحت القناع الحديد ً
ق أن اتَّهم پايت بالسَّرقة. والجريڤ ،جورمون نفسه الذي سب َ
على شجرة ال ُّتفَّاح المجاورة للماء بدأ عندليب يُ َغنِّي ،صوته الجميل راحة مستحبَّة من صريخ ال ِغدفان
الخشن ونعيقها المتَّصل بَعد أن ظَ َّل پايت يعتني بها طيلة اليوم .تعرف ال ِغدفان البيضاء اسمه ويُتَمتِم
بعضها به لبعض كلَّما وق َعت أعيُنها عليه ،فتُ َردِّد «پايت ،پايت ،پايت» إلى أن تنتابه الرَّغبة في الصُّ راخ.
الطيور البيضاء الكبيرة مفخرة ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ ،ويُريدها أن تأكله عندما يموت ،وإن كان تلك ُّ
يظن أنها تُريد أن تأكله أيضًا.
پايت ُّ
ربما تكون خمر ال ُّتفَّاح القويَّة للغاية السَّبب -ولم يكن پايت قد أتى ليشرب ،غير أن أليراس دعاهم إلى
أصاب پايت بالظَّمأ -ولكن بدا له كأن َ احتفاال بحصوله على حلقته ال ُّنحاسيَّة ،وال ُّشعور َّ
بالذنب ً ال َّشراب
الذهب مقابل الحديد» ،وهو الذهب مقابل الحديدَّ ، الذهب مقابل الحديدَّ ، ت راجفَّ « : العندليب يُ َردِّد بصو ٍ
فأجاب
َ العجيب نوعًا ،ألن هذا ما قاله الغريب ليلة رتَّبت روزي لقاءهما .حينها سألَه پايتَ « :من أنت؟»،
الرَّجل« :خيميائي ،أستطي ُع تحويل الحديد إلى ذهب» ،ثم ظه َرت قطعة العُملة في يده ،تتراقَص على
مفاصل أصابعه ويلمع ذهبها األصفر الخالص في ضوء ال ُّشموع ،على أحد وجهيها تنِّين ذو ثالثة
الذهب مقابل الحديد ،لن تجد صفقةً ملك ميت ما .تذ َّكر پايت ما قاله الرَّجلَّ :
رؤوس ،وعلى اآلخَر رأس ٍ
صا ،إنني مبتدئ في لست ل ًّ
أفضل .هل تُريدها؟ هل تُ ِحبُّها؟ قال للرَّجل الذي دعا نفسه بالخيميائيُ « :
(القلعة)» ،فحنى الخيميائي رأسه مجيبًا« :إذا غيَّرت رأيك ،سأعو ُد بَعد ثالثة أيام من اآلن ومعي تنِّيني».
صا حقًّا أم ال ،لكن ً
بدال ق بع ُد إن كان ل ًّ
ومرَّت ثالثة أيام ،وعا َد پايت إلى (الرِّيشة وال َّدورق) وهو غير واث ٍ
من الخيميائي وج َد موالندر وآرمن وأبا الهول وفي أعقابهم روون ،ولو لم ينض َّم إليهم ألثا َر شكوكهم.
عام وهو قائم على جزيرته في (نهر البِتع) ،دون أن تنغلق (الرِّيشة وال َّدورق) مفتوح دائ ًما .طيلة ستمئة ٍ
ط ،ومع أن المبنى الخشبي يميل نحو الجنوب كما يميل المبتدئون فوق دوارق أبوابه في وجه ال َّزبائن قَ ُّ
عام أخرى ،يبيع النَّبيذ وال ِمزر 9وخمر التُّفَّاح
ال َّشراب أحيانًا ،فإن پايت يتوقَّع أن يظ َّل الخان قائ ًما ستمئة ٍ
لمالحي النَّهر والبحر ،والح َّدادين والمطربين ،والرُّ هبان واألمراء ،ومبتدئي (القلعة) القويَّة للغاية َّ
و ُمعاونيها.
الالزم(« :البلدة القديمة) ليست العالم» .إنه ابن فارس ،وسكران اآلن ت أعلى من َّ أعلنَ موالندر بصو ٍ
ألقصى درجة ،فمنذ أتوه بخبر مقتل أبيه في معركة (النَّهر األسود) وهو يسكر ك َّل ليل ٍة تقريبًا .لقد مسَّتهم
حرب الملوك الخمسة جميعًا على الرغم من كونهم آمنين وراء أسوار (البلدة القديمة) بعيدًا عن القتال...
ملوك حقًّا ،بما أن رنلي ٍ وإن كان ال ِمايستر الرَّئيس بنيدكت يصرُّ على أن الحرب لم تكن بين خمسة
باراثيون ماتَ قبل أن يُتَ ِّوج بالون جرايچوي نفسه .واص َل موالندر« :كان أبي يقول دو ًما إن العالم أكبر
من قلعة أيِّ لورد .ال ب َّد أن التَّنانين أقلُّ ما يُمكن أن يجده المرء في (ڬارث) و(آشاي) و(يي تي) .حكايات
البحَّارة تلك.»...
قاط َعه آرمن ...« :ليست أكثر من حكايات بحَّارة .إنهم بحَّارة يا عزيزي موالندر .اذهب إلى أرصفة
وأراهن أنك ستجد بحَّارةً يحكون لك عن عرائس البحر الالتي ضاجعوهن ،أو كيف قضوا عا ًما ُ الميناء
في بطن سمكة».
قال موالندر وهو يبحث بقدمه في العُشب عن المزيد من ال ُّتفَّاح« :وكيف تعلم أنهم لم يفعلوا؟ عليك أن
تَد ُخل بطن السَّمكة بنفسك لتجزم بأن هذا لم يَح ُدث.
ُفن مختلفة
َّار واحد ،نعم ،من الممكن أن تسخر منها ،لكن حين يحكي بحَّارة من أربع س ٍ
حكاية من بح ٍ
الحكاية نفسها بأربع لُغا ٍ
ت مختلفة.»...
َر َّد آرمن بإصرار« :الحكايات ليست واحدةً .تنانين في (آشاي) ،تنانين في (ڬارث) ،تنانين في (ميرين)،
تنانين مع الدوثراكي ،تنانين تُ َحرِّر العبيد ...كلُّ حكاي ٍة تختلف عن األخرى».
أصال حتى وهو ً « -في التَّفاصيل فقط» ،قال موالندر الذي يزداد عنادًا عندما يشرب ،وهو متصلِّب الرَّأي
مفيق« .الجميع يحكون عن التَّنانين ،وملك ٍة شابَّة جميلة».
الذهب األصفر .تساء َل ع َّما جرى للخيميائي .اليوم الثَّالث،
التنِّين الوحيد الذي يُبالي به پايت مصنوع من َّ
قال إنه سيكون هنا.
قائال« :ث َّمة تفَّاحة أخرى قُرب قدمك ،وما زا َل معي سهمان في َجعبتي». خاطب أليراس موالندر ً َ
ط ثمرةً أسقطَتها الرِّيح من ال َّشجرة ،وأضافَ متذ ِّمرًا« :فيها قال موالندر« :سُحقًا ل َجعبتك» ،ثم التق َ
ط أحدهما على وأصاب السَّهم التُّفَّاحة إذ بدأت تَسقُط وشط َرها ِنصفين ،هب َ
َ ديدان» ،لكنه رماها رغم ذلك،
بقدم واحد ،فقال لهم ال ُمعاون« :إذا قطعت دودةً سطح أدنى وارت َّد وأخطأ َ آرمن ٍ ٍ ُرج ثم هوى إلى
سطح ب ٍ
نِصفين تُصبِح هناك دودتان».
َر َّد أليراس بواحد ٍة من ابتساماته النَّاعمة« :ليت األمر كان كذلك مع ال ُّتفَّاح ،فما كان أحد ليجوع أبدًا».
دائ ًما يبتسم أبو الهول كما لو أنه مطَّلع على دعاب ٍة س ِّريَّة ما ،وقد َ
منحه هذا مظهرًا خبيثًا يتماشى جيِّدًا مع
َّ
المشذبة بعناية. ذقنه البارز ومقدِّمة َشعره المدبَّبة و ُخصالته الفاحمة الكثيفة
ت من عام واحد فقط ،لكنه ك َّون ثالث حلقا ٍسوف يُصبِح أليراس ِمايستر ذات يوم .لقد جا َء (القلعة) منذ ٍ
كال منها ،ومع ذلك ّ ق ً ً
كامال حتى استح َّ سلسلته بالفعل .صحي ٌح أن حلقات آرمن أكثرَّ ،إال أنه استغر َ
ق عا ًما
سوف يُصبِح ِمايستر أيضًا .روون وموالندر ما زاال مبتدئيْن عاريَي العُنق ،لكن روون صغير ج ًّدا،
وموالندر يُؤثِر ال ُّشرب على القراءة.
أ َّما پايت...
إنه في (القلعة) منذ خمسة أعوام ،جا َءها وهو في الثَّالثة عشرة من العُمر ال أكثر ،لكن ُعنقه ال يزال عاريًا
كما كان يوم وص َل من أراضي الغرب .مرَّتين اعتق َد نفسه مستع ًّدا؛ األولى مث َل فيها أمام ال ِمايستر الرَّئيس
حصل ڤايلين على لقب «الخَل» ،ثم َ وبدال من هذا تعلَّم كيف
ً ڤايلين ليُ َدلِّل على معرفته باألجرام السَّماويَّة،
ُحاول ثانيةً .تلك المرَّة ق َّدم نفسه إلى ال ِمايستر
ق األمر پايت عامين ليستجمع َشجاعته من جدي ٍد وي ِ استغر َ
الرَّئيس إيبروز العجوز العطوف ،ال َّشهير برقَّة نبرته وخفَّة يديه ،غير أن زفرات إيبروز كانت بوسيل ٍة ما
مؤلمةً ككلمات ڤايلين ال َّشائكة.
قائال« :تفَّاحة أخيرة وسأخبركم بظنوني بتلك التَّنانين». وعدَهم أليراس ً
فسحب
َ فوثب وقطفَها ورماها،
َ فرع
ٍ ولمح تفَّاحةً على
َ دمد َم موالندر« :وما الذي تعرفه وأجهله أنا؟»،
ق سهمه لحظة أن بدأت التُّفَّاحةأليراس وتر قوسه إلى أُذنه وهو يدور برشاق ٍة متابعًا هدفه المحلِّق ،وأطل َ
تَسقُط.
قال روون« :دائ ًما تُخطئ الرَّمية األخيرة».
طت الثَّمرة في النَّهر دون أن يمسَّها السَّهم.
وسق َ
قال روون« :أرأيت؟».
ستكف عن التَّحسُّن» ،وأرخى وتر قوسه الطَّويل و َدسَّه بخفَّ ٍة في قِرابه ُّ أجاب أليراس« :إذا أصبتها جميعًا َ
الذهبي ،ذلك الخشب النَّادر الممتاز الذي يأتي من (جُزر الصَّيف) ،وقد الجلدي .القوس منحوت من القلب َّ ِ
ً
هزيال ،لكن ث َّمة ق َّوة جرَّب پايت أن يسحب الوتر عليه م َّرةً وفش َل .قال پايت لنفسه متأ ِّم ًال :أبو الهول يبدو
جلس أليراس وساقاه على جانبَي ال ِّد َّكة و َم َّد يده إلى كأس نبيذه معلنًا َ في هاتين ال ِّذراعين النَّحيلتيْن ،فيما
بلهجته الدورنيَّة المتش ِّدقة« :التنِّين له ثالثة رؤوس».
تساء َل روون« :أهذه أحجية؟ دائ ًما ما يكون كالم آباء الهول مل َّغ ًزا في الحكايات».
رشفَ أليراس من النَّبيذ مجيبًا« :ليست أحجيةً» .كانت بقيَّتهم تعبُّ من خمر ال ُّتفَّاح القويَّة للغاية التي
َّ
المحالة الغريبة من بالد أ ِّمه ،وحتى في (البلدة القديمة) يشتهر بها (الرِّيشة وال َّدورق) ،لكنه يُفَضِّ ل الخمور
من رخيص.ال تُباع تلك الخمور بثَ ٍ
كان ليو الكسول هو من لقَّب أليراس بأبي الهول .أبو الهول كائن هجين؛ وجهه وجه إنسان وجسمه جسم
أسد وله جناحا صقر ،وأليراس ِمثله ،فأبوه دورني وأ ُّمه امرأة سوداء البشرة من (جُزر الصَّيف) ،أ َّما
بشرته هو فداكنة كخشب السَّاج ،وكتمثالَي أبي الهول وأُم الهول المنحوتيْن من الرُّ خام األخضر ويقفان
على جانبَي ب َّوابة (القلعة) الرَّئيسة ،ألليراس عينان من ال َجزع األخضر.
قال آرمن ال ُمعاون بحزم« :ليست هناك تنانين بثالثة رؤوس َّإال على ال ُّتروس والرَّايات .إنه رمز ال أكثر،
ثم إن آل تارجاريَن ماتوا جميعًا».
َر َّد أليراس« :ليس جميعهم .الملك ال َّشحَّاذ كانت له أخت».
قال روون« :حسبتهم ه َّشموا رأسه على ِجدار».
قال أليراس« :ال .إجون ابن األمير ريجار الصَّغير هو من ه َّشم رجال األسد النستر ال ُّشجعان رأسه على
ِجدار .إننا نتكلَّم عن أخت ريجار التي ُولِدَت في (دراجونستون) قبل سقوطها ،تلك المس َّماة دنيرس».
قال موالندر« :وليدة العاصفة ،تذ َّكرتها اآلن» ،ورف َع دورقه عاليًا ليدور ما تبقَّى فيه من خمر التُّفَّاح،
وضرب المائدة بال َّدورق الخالي وتج َّشأ ،قبل أن يمسح فمه بظَهر يده ويسأل:َ وصا َح« :نخبها!» ،ثم جر َع
ق دورًا آخَر من ال َّشراب ،أليس كذلك؟».
«أين روزي؟ ملكتنا ال َّشرعيَّة تستح ُّ
ال َح االنزعاج على آرمن ال ُمعاون وهو يقول« :اخفض صوتك أيها األحمق .ال يَج ُدر بك أن تمزح مجرَّد
ُمزاح بشأن تلك األشياء ،فلست تدري من يتنصَّت .العنكبوت له آذان في كلِّ مكان».
« -آه ،ال تَبُل في سراويلك يا آرمنُ .
كنت أقتر ُح شرابًا ال ثورةً».
عرفت أنك خائن أيها الضِّفدعُ سم َع پايت قهقهةً ،ثم نادى صوت خبيث ناعم من ورائه ً
قائال« :لطالما
بتراخ عند قدم الجسر الخشبي القديم ،يرتدي الساتان المخطَّط باألخضر ٍ النَّطَّاط» .كان ليو الكسول واقفًا
والذهبي تحت حرمل ٍة 6من الحرير األسود ،يُثَبِّتها إلى كتفه مشبك على شكل ورد ٍة من اليَشب ،وقد بدا من َّ
البُقع على صدره أن النَّبيذ الذي شربَه كان أحمر قانيًا ،بينما سقطَت ُخصلة من َشعره ال َّذهبي ال َّشاحب
على إحدى عينيه.
اشتع َل موالندر غضبًا لمرآه ،وقال« :تبًّا لهذا ،ارحل ،ليس مر َّحبًا بك هنا» ،فوض َع أليراس يده على
قائال« :ليو ،سيِّدي ،حسبتك ستظلُّ محت َج ًزا في (القلعة).»...عبس آرمن ً
َ ذراعه ليُهَدِّئه ،في حين
قاط َعه ليو ...« :ثالثة أيام أخرى» ،وهَ َّز كتفيه مضيفًا« :پيرستان يقول إن العالم ُعمره أربعون ألف عام،
ومولوس يقول إنها خمسمئة ألف ،فما قيمة ثالثة أيام؟» ،وعلى الرغم من وجود دستة من الموائد الخالية
الذهبي أيها الضِّفدع س من نبيذ (الكرمة) َّجلس ليو إلى مائدتهم مردفًا« :اد ُعني إلى كأ ٍ َ في ال ُّشرفة ،فقد
ظ لم يُحالِفني في لعب البالطات في (النَّرد المربَّع) وب َّد ُ
دت أيلي النَّطَّاط ولن أخبر أبي بأمر نخبكَ .
الح ُّ
الفضِّ ي األخير على ال َعشاء .خنزير رضيع في صلصة البرقوق ،محشو بالكستناء والكمأة البيضاء.
اإلنسان يحتاج إلى الطَّعام .وماذا أكلتم أنتم يا أوالد؟».
ضأن مسلوقة».
ٍ غمغ َم موالندر وقد بدا مستا ًء من اإلجابة« :أكلنا ضأنًا ،تقا َسمنا فخذ
قال ليو« :أنا واثق بأنها كانت مشبعةً» ،والتفتَ مخاطبًا أليراس« :المفت َرض أن يكون ابن لورد ِمثلك
سخيًّا يا أبا الهول .بلغَني أنك فُزت بحلقتك ال ُّنحاسيَّة .سأشربُ نخب هذا».
ُ
لست ابن لورد كما أخبرتك .أ ِّمي لست أدعو َّإال األصدقاء إلى ال َّشراب ،ثم إننيابتس َم أليراس مجيبًاُ « :
كانت تاجرةً».
قال ليو وفي عينيه البندقيَّتين لمعة النَّبيذ والنَّقمة« :أ ُّمك كانت قردةً من (جُزر الصَّيف) .الدورنيُّون
ي شي ٍء له فتحة بين ساقيه .ال أقص ُد إساءةً .ربما تكون بنِّيًّا كحبَّ ٍة من الجوز ،لكنك تستح ُّم ُضاجعون أ َّ
ِ ي
على األقل ،على عكس فتى الخنازير المبقَّع هذا» ،ول َّوح بيده نحو پايت.
ف َّكر پايت :إذا ضربته في فمه بدورقي فيُمكنني أن أكسر نِصف أسنانه .پايت المبقَّع فتى الخنازير هو بطل
ألف من القصص البذيئة ،صعلوك أبله طيِّب القلب استطا َع دو ًما أن يتغلَّب على السَّادة السِّمان والفُرسان ٍ
وبشكل ما يتَّضح أن غباءه نوع من ال َّدهاء غير ٍ المتغطرسين والسِّپتونات المبهرجين الذين يُز ِعجونه،
عال أو في الفِراش مع ابنة أحد الفُرسان .لكنها المألوف ،ودائ ًما تنتهي به الحكايات جالسًا على مقعد لورد ٍ
صبية الخنازير .أحيانًا يُفَ ِّكر پايت أن أ َّمه كانت تكرهه مجرَّد قصص ،ففي عالم الواقع ال يُحالِف التَّوفيق ِ
بالتَّأكيد ما دا َمت قد أطلقَت عليه هذا االسم.
قال أليراس وقد غابَت ابتسامته« :ستعتذر».
« -حقًّا؟ وكيف أعتذ ُر و َحلقي بهذا الجفاف؟».
قال أليراس« :إنك تجلب العار على عائلتك مع ك ِّل كلم ٍة تقولها ،وتجلب العار على (القلعة) بكونك واحدًا
منا».
ُ
غرق عاري». أعرف ،فاد ُعني إلى القليل من النَّبيذ إذن كي أ ِ
ُ «-
قال موالندر« :أري ُد أن أقتلع لسانك من جذوره».
َر َّد ليو« :حقًّا؟ وكيف أحكي لكم عن التَّنانين إذن؟» ،وعا َد ُّ
يهز كتفيه متابعًا« :الهجين على حق ،ابنة
الملك المجنون حيَّة ومعها ثالثة تنانين».
ر َّدد روون منده ًشا« :ثالثة؟».
ُ
حاولت الحصول على حلقتي ربَّت ليو على يده مجيبًا« :أكثر من اثنين وأقلُّ من أربعة .لو ُ
كنت مكانك لما
َّ
الذهبيَّة بع ُد».
قال موالندر منذرًا« :دعه وشأنه».
فرسخ من
ٍ أبحرت على مسافة مئة
َ رجل من كلِّ سفين ٍة
ٍ « -يا لشهامتك أيها الضِّ فدع النَّطَّاط .كما تشاء .كلُّ
(ڬارث) يتح َّدث عن تلك التَّنانين ،وستجد بعضهم يقول إنه رآها بنفسه .ال ُمشعوذ يميل إلى تصديقهم».
َز َّم آرمن شفتيه استنكارًا ،وقال« :ماروين معتلُّ العقل .ال ِمايستر الرَّئيس پيرستان أول من سيقول لك
هذا».
ضا».قال روون« :هذا ما يقوله ال ِمايستر الرَّئيس ريام أي ً
تثاءب ليو ،وقال« :البحر مبت ٌّل وال َّشمس دافئة ومعرض الوحوش يكره الدِّرواس.»5 َ
ف َّكر پايت :لديه اسم ساخر لك ِّل أحد ،لكنه ال يستطيع أن يُن ِكر أن ماروين يبدو أقرب إلى ِدرواس من
ِمايستر بالفعل .كأنه يُريد أن يعضَّك .ليس ال ُمشعوذ كبقيَّة ال ِمايسترات ،ويقول النَّاس إنه يُرا ِفق العاهرات
والسَّحرة الج َّوالين ،ويُ َكلِّم اإليبنيزيِّين ال ُمشعرين وأهل (جُزر الصَّيف) ذوي البشرة السَّوداء كالقار بلُغتهم،
ويُقَدِّم القرابين آلله ٍة غريبة في معابد البحَّارة الصَّغيرة عند أرصفة المرفأ ،وهناك من يتكلَّمون عن رؤيته
في األنحاء الكريهة من المدينة ،في حلبات الجرذان 4والمواخير السَّوداء ،يُسا ِمر الممثِّلين وال ُمطربين
ً
رجال ذات م َّر ٍة بقبضتيه والمرتزقة ،بل والمتس ِّولين أيضًا .ثم إن هناك من يتها َمسون قائلين إنه قت َل ِ
العاريتيْن.
حينما رج َع ماروين إلى (البلدة القديمة) ،بَعد أن أمضى ثمانية أعوام في ال َّشرق يرسم خرائط األراضي
ب مفقودة ويدرس مع ال َّدجَّالين وآسري الظِّالل ،لقَّبه ڤايلين الخَل بماروين ال ُمشعوذ، البعيدة ويبحث عن ُكت ٍ
وسرعان ما انتش َر اللَّقب في جميع أنحاء المدينة ،وهو ما أثا َر ضيق ڤايلين ألقصى درجة .في م َّر ٍة قال
ال ِمايستر الرَّئيس ريام لپايت على سبيل النَّصيحة« :دَع الصَّلوات والتَّعاويذ للرُّ هبان والسِّپتونات ،وكرِّ س
الذهبعقلك لتعلُّم الحقائق التي يستطيع أن يثق بها اإلنسان» ،لكن خاتم ريام وصولجانه وقناعه من َّ
األصفر ،وسلسلته تخلو من حلق ٍة من الفوالذ الڤاليري.
ق بها ليو الكسول من فوقه وهو يقول« : آلرمن أنف طويل رفيع مدبَّب ،مناسب تما ًما للنَّظرة التي رم َ
ال ِمايستر الرَّئيس ماروين يعتقد بالعديد من األشياء الغريبة ،لكنه ال يملك ً
دليال على وجود التَّنانين أكثر من
موالندر .مزيد من قصص البحَّارة ال أكثر».
قال ليو« :أنت مخطئ .ث َّمة شمعة ُزجاجيَّة متَّقدة في مسكن ال ُمشعوذ».
رانَ الصَّمت على ال ُّشرفة المضاءة بالمشاعل ،ثم تنهَّد آرمن وهَ َّز رأسه ،وبدأ موالندر يضحك ،وتفرَّس
أبو الهول في وجه ليو بعينيه السَّوداوين الواسعتين ،وبدَت الحيرة على روون.
الزجاجيَّة ،وإن لم ي َر واحدةً مشتعلةً من قبل قَ ُّ
ط .إنها السِّر األكثر انفضاحًا في يعرف پايت بأمر ال ُّشموع ُّ
عام من هالكها .كان پايت قد سم َع (القلعة) ،ويُقال إنها ُجلِبَت إلى (البلدة القديمة) من (ڤاليريا) قبل ألف ٍ
أربع منها ،إحداها خضراء والبقيَّة سوداء ،وكلُّها طويلة ملتوية.
ٍ بوجود
سأ َل روون« :ما تلك ال ُّشموع ُّ
الزجاجيَّة؟».
وأجاب« :في اللَّيلة السَّابقة لحلف كلِّ ُمعاون اليمين ،عليه أن يسهر في القبو ،وغير
َ تنحن َح آرمن ال ُمعاون،
فتيال مكس ًّوا بال َّشمع ...فقط شمعة من ُّ
الزجاج مشعال أو مصباحًا أو ً
ً مسموح له أن يأخذ معه فانوسًا أو
ٍ
يستطع أن يُش ِعل تلك ال َّشمعة .بعضهم ي ِ
ُحاول، ِ َّ َّ
البُركاني .هكذا يجب أن يقضي الليل في الظالم ما لم
الحمقى والعنيدون ،أولئك الذين درسوا الغوامض العُليا إياها ،وكثيرًا ما يجرحون أصابعهم ،ألن حواف
ال َّشمعة حا َّدة كالموسى حسب ما يُقال ،ثم يكون عليهم أن ينتظروا بزوغ الفَجر بأي ٍد دامية وهُم يُفَ ِّكرون في
ُصرُّ ون علىفشلهم .الحُكماء يَخلُدون إلى النَّوم ببساطة ،أو يقضون اللَّيل في الصَّالة ،لكن هناك دائ ًما من ي ِ
التَّجربة ك َّل عام».
قال پايت الذي سم َع القصص نفسها« :نعم ،لكن ما الفائدة من شمع ٍة ال تُلقي ضو ًءا؟».
المفترض أن تُ َمثِّل
َ س يجب أن نتعلَّمه قبل أن نضع سلسلة ال ِمايسترات. آخر در ٍجاوبَه آرمن« :إنه درسِ ،
الزجاجيَّة الحقيقة والمعرفة ،وهما شيئان نادران وجميالن وه َّشان ،وهي مصنوعة على شكل ال َّشمعة ُّ
شمع ٍة كي تُ َذ ِّكرنا بأن على ال ِمايستر أن يُلقي الضَّوء أينما خد َم ،وحا َّدة كي تُ َذ ِّكرنا بأن المعرفة من شأنها
أن تكون خطرةً.
قد تُصيب الحكمة أصحابها بالغرور ،لكن على ال ِمايستر أن يبقى متواضعًا دو ًما ،وهذا ما تُ َذ ِّكرنا ال َّشمعة
الزجاجيَّة به أيضًا ،فحتى بَعد أن يحلف اليمين ويضع سلسلته ويبدأ خدمته ،سيُفَ ِّكر ال ِمايستر في سهرته ُّ
تلك ويتذ َّكر أن شيئًا لم يكن في وسعه إلشعال ال َّشمعة ...بعض األشياء ليس ممكنًا حتى في وجود
المعرفة».
رأيت ال َّشمعة مشتعلةً بعينَي هاتين». ُ انفجر ليو الكسول في الضَّحك ،وقال« :تعني أنه ليس ممكنًا لك .لقد َ
َر َّد آرمن« :رأيت شمعةً ما مشتعلةً بال شك ،من ال َّشمع األسود ربما».
ي شمع ٍة من شمع العسل أو رأيت .الضَّوء كان غريبًا وساطعًا ،أكثر سطوعًا من ضوء أ ِّ ُ ُ
أعرف ما «-
ظالال غريبةً دون أن يتذب َذب اللَّهب إطالقًا ،حتى عندما هَبَّ تيَّار الهواء من الباب المفتوح
ً ال َّشحم ،وألقى
ورائي».
عق َد آرمن ذراعيه على صدره ً
قائالُّ « :
الزجاج البُركاني ال يشتعل».
بشكل ماُ « :زجاج التنِّين ،العا َّمة يُ َس ُّمونه ُزجاج التنِّين».
ٍ قال پايت وقد بدَت له المعلومة مه َّمةً
علَّق أليراس أبو الهول متأ ِّم ًال« :صحيح ،وإذا عادَت التَّنانين إلى العالم حقًّا.»...
قال ليو« :التَّنانين وأشياء ألعن .الخراف الرَّماديَّة أغلقَت أعيُنها ،لكن الدِّرواس يرى الحقيقة .القوى
ظالل تتحرَّك ،وقريبًا سيبدأ عصر من العجائب والرُّ عب ،عصر لآللهة القديمة تستيقظ من سُباتها وال ِّ
ق دورًا منواألبطال» ،وتمطَّى راس ًما على شفتيه ابتسامته الكسول ،وأضافَ « :أعتق ُد أن األمر يستح ُّ
ال َّشراب».
قال آرمن« :شربنا بما فيه الكفاية .سرعان ما سيطلع الصُّ بح علينا ،وال ِمايستر الرَّئيس إيبروز سيتح َّدث
اليوم عن خواص البول ،وعلى من يرغب في حلق ٍة من الفضَّة َّأال يُفَ ِّوت حديثه».
تذوق البول ،أ َّما أنا فأفضِّ ُل مذاق نبيذ (الكرمة) َّ
الذهبي». َر َّد ليو« :حاشا لي أن أع ِّ
طلكم عن ُّ
قال موالندر« :إذا كان الخيار بين البول وبينك ،فإنني أختا ُر البول» ،ودف َع مقعده عن المائدة مخاطبًا
روون« :هيا بنا».
قائال« :أنا أيضًا سأخل ُد إلى النَّوم .أتوقَّ ُع أن أحلم بالتَّنانين وال ُّشموع
ً ط أبو الهول قِراب قوسه التق َ
ُّ
الزجاجيَّة».
تساء َل ليو« :ك ُّلكم راحلون؟» ،وهَ َّز كتفيه مردفًا« :ليكن ،روزي ستبقى .ربما أوقِظُ قطعة الحلوى
الصَّغيرة وأجع ُل منها امرأةً».
رأى أليراس النَّظرة على وجه پايت ،فقال له« :إذا كان ال يملك قطعةً نُحاسيَّةً لكأ ٍ
س من النَّبيذ ،فال يُمكن
أن معه تنِّينًا للفتاة».
رجال كي يجعل منها امرأةً .تعا َل معنا يا پايت .والجريڤ العجوز ً قال موالندر« :نعم ،ثم إن األمر يتطلَّب
الذهاب إلى المرحاض». شرق ال َّشمس ،وسيحتاج إلى مساعَدتك في َّ سيستيقظ حين تُ ِ
داف وآخَ ر ،لكنه الهذا إذا تذ َّكر من أنا اليوم .ال يجد ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ صعوبةً في التَّمييز بين ُغ ٍ
يملك المهارة نفسها مع البَشر ،وفي بعض األيام يحسب پايت شخصًا آخَر اسمه كرسن .قال ألصدقائه:
«ليس بع ُد ،سأبقى ً
قليال» .الفَجر لم يطلع بع ُد ،ليس تما ًما ،وربما يكون الخيميائي ما َ
زال قاد ًما ،وإذا جا َء
فپايت ينوي أن يجده هنا.
قال آرمن« :كما تُريد» ،وحد َج أليراس پايت بنظر ٍة طويلة ،ثم علَّق قوسه على كتفه النَّحيلة وتب َع اآلخَرين
نحو الجسر .كان موالندر سكران لدرج ٍة جعلَته يضطرُّ إلى المشي مستندًا إلى كتف روون كي ال يقع.
ليست (القلعة) بعيدةً بسُرعة طيران ال ُغداف ،لكن ال أحد منهم ُغداف ،و(البلدة القديمة) متاهة فعليَّة ،مألى
بالمنعطفات واألزقَّة المتقاطعة وال َّشوارع الضيِّقة الملتوية .سم َع پايت آرمن يقول إذ ابتل َع ضباب النَّهر
أربعتهم« :احذروا ،اللَّيلة كانت رطبةً وستجدون حجارة ال َّشوارع زلقةً».
ل َّما رحلوا تطلَّع ليو إلى پايت بنظر ٍة فظَّة عبر المائدة ،وقال« :محزن ،أبو الهول هج َرني بفضَّته كلِّها
وتر َكني لپايت المبقَّع فتى الخنازير» ،وعا َد يتمطَّى متثائبًا ،وسأ َل« :كيف حال حُلوتنا روزي يا تُرى؟».
أجاب پايت باقتضاب« :إنها نائمة».َ
ي أن أعرف كامال بحق؟ ُّ
أظن أن عل َّ ً قال ليو بابتسام ٍة عريضة« :عاريةً بال شك .أتحسب أنها تستح ُّ
ق تنِّينًا
اإلجابة بنفسي ذات يوم» ،وحين لم يتكلَّم پايت األعقل من أن ير َّد ،تاب َع ليو الذي لم يحتَج إلى َرد« :أتوقَّ ُع
صبية الخنازير أنفسهم .يَج ُدر بك أن تَش ُكرني». بمجرَّد أن ألج الفتاة سينهار ِسعرها بحيث يقدر عليه ِ
ف َّكر پايت :يَج ُدر بي أن أقتلك ،وإن لم يكن سكران لدرجة أن يُبَدِّد حياته ،فليو ممرَّن على السِّالح،
ومعروف بأنه مميت حقًّا حين يُقاتِل بسيف ُمبارزي البراڤو والخنجر ،وحتى إذا استطا َع پايت بوسيل ٍة ما
أن يَقتُله ،فمعنى هذا أن يفقد رأسه بالتَّبعيَّة .لليو اسمان في حين أن لپايت اسم واحد ،واسمه الثَّاني تايرل.
السير مورين تايرل قائد َحرس المدينة في (البلدة القديمة) هو أبو ليو ،ومايس تايرل سيِّد (هايجاردن)
وحاكم الجنوب ابن ع ِّمه ،ناهيك بأن شيخ (البلدة القديمة) اللورد اليتون سيِّد (البُرج العالي) -الذي تض ُّم
ألقابه العديدة لقب «حامي القلعة» -من ح َملة راية عائلة تايرل وال ُمقسمين لها على الوالء .قال پايت لنفسه:
ال عليك ،إنه يقول ما يقوله ليجرحني ال أكثر.
يدر إن ت .لم ِ ك پايت أنه الفَجر .الفَجر طل َع والخيميائي لم يأ ِ ينقشع في ال َّشرق ،فأدر َ
كان الضَّباب قد بدأ ِ
يدر أحد؟ سؤال آخَر بال وضعت ك َّل شي ٍء في مكانه ولم ِ ُ صا إذاكان عليه أن يضحك أم يبكي .هل سأظلُّ ل ًّ
إجاب ٍة عنده ،كاألسئلة التي طر َحها عليه إيبروز وڤايلين من قبل.
ونهض ،صعدَت خمر التُّفَّاح القويَّة للغاية إلى رأسه ُدفعةً واحدةً ،واضط َّر إلى َ عندما دف َع نفسه عن المائدة
وإالوضع يده على المائدة ليقف ثابتًا ،ثم إنه قال على سبيل الوداع« :دَع روزي وشأنها ،دَعها وشأنها َّ
ربما أقتلك».
صبية الخنازير .ارحل». نق َر ليو تايرل ُخصلة ال َّشعر عن عينه بإصبعه ،وقال« :ال أبار ُز ِ
ضفَّة
دا َر پايت وقط َع ال ُّشرفة ،وتعالَت دقَّات كعبيه على ألواح الجسر الخشبي القديم البالية ،ولدى بلوغه ال ِّ
ُ
اشتريت حمارًا فما بلون وردي .قال لنفسه :العالم فسيح .إذا ٍ األخرى كانت سماء ال َّشرق قد بدأت تصطبِغ
زا َل يُمكنني أن أجول في طرقات (الممالك السَّبع) ومسالكها ،أعلِّق ال َعلق للعا َّمة وأفلِّي َشعرهم من القمل.
يُمكنني أن ألتحق بطاقم سفين ٍة ما وأعمل ُمجذفًا ،أبح ُر إلى (ڬارث) عن طريق (ب َّوابات اليَشب) وأرى تلك
التَّنانين اللَّعينة بنفسي .ال يو َجد ما يدعوني إلى العودة إلى والجريڤ العجوز وال ِغدفان.
بشكل ما قادَته ُخطاه إلى طريق (القلعة).
ٍ ولكن
حين نف َذ أول خيوط ضوء ال َّشمس من السُّحب إلى ال َّشرق بدأت أجراس الصَّباح تد ُّ
ق في ( ِسپت البحَّارة)
عند الميناء ،وبَعد لحظ ٍة انض َّمت إليها أجراس ( ِسپت اللورد) ،ثم (المقامات السَّبعة) من حدائقها عبر
عام قبل أن يرسو إجون في النَّهر ،وأخيرًا (السِّپت النَّجمي) الذي كان مق َّر السِّپتون األعلى طيلة ألف ٍ
(كينجز الندنج) .معًا صن َعت األجراس موسيقى جليلةً حقًّا .وإن لم تكن بعذوبة صوت عندلي ٍ
ب واح ٍد
صغير.
صباح مع أول ضو ٍء يجتمع ٍ ت أدنى من رنين األجراس .في ك ِّل ترامى إلى مسامعه اإلنشاد أيضًا بصو ٍ
الرُّ هبان الحُمر للتَّرحيب بال َّشمس خارج معبدهم المتواضع المجاور ألرصفة الميناء .فاللَّيل مظل ٌم ومفع ٌم
الظلمات .يكتفي باألهوال .لقد سم َعهم يهتفون بتلك الكلمات مئة مرَّة ،يسألون إلههم راهلور أن يُن ِقذهم من ُّ
پايت باآللهة السَّبعة ،لكنه سم َع أن ستانيس باراثيون يتعبَّد عند النَّار اللَّيليَّة اآلن ،بل ووض َع قلب راهلور
بدال من الوعل المت َّوج .ف َّكر پايت :إذا ارتقى العرش الحديدي سيكون علينا جميعًا أن النَّاري على راياته ً
نتعلَّم كلمات أنشودة الرُّ هبان الحُمر ،لكنه ال يعتقد أن شيئًا كهذا محت َمل ،فقد حطَّم تايوين النستر ستانيس
وراهلور في معركة (النَّهر األسود) ،وقريبًا سيُج ِهز عليهما ويُ َعلِّق رأس الم َّدعي باراثيون فوق ب َّوابات
(كينجز الندنج).
ككيان شبحي من عتمة ما قبل ٍ صبح بدأت (البلدة القديمة) تستر ُّد شكلها من حوله ،تَبرُز إذ زا َل ضباب ال ًّ
الجصِّ واألغصان المجدولة ،امتداد ط ،لكنه يعلم أنها مدينة أبنيتها من ِ الفَجر .لم ي َر پايت (كينجز الندنج) قَ ُّ
من ال َّشوارع الطِّينيَّة والسُّقوف القَش والبيوت الخشبيَّة .أ َّما (البلدة القديمة) فمبنيَّة بالحجارة ،وشوارعها
كلُّها معبَّدة بحجر اإلسكافي ،بل وأحقر أزقَّتها كذلك .ال تبدو المدينة أجمل أبدًا مما تبدو عند بزوغ الفَجر،
تصطف دور الرَّابطات المختلفة على الضِّ فَّة كالقصور ،وفي اتِّجاه المنبع ترتفع قباب وأبراج ُّ فغرب النَّهر
ضفَّتين ،تربط بينها الجسور الحجريَّة المت َخمة بالقاعات والمنازل ،وفي اتِّجاه المصب، (القلعة) على ال ِّ
كأطفال
ٍ أسفل أسوار (السِّپت الحجري) الرُّ خام السَّوداء ونوافذه المقنطَرة ،تحتشد إيوانات المتديِّنين
مجتمعين عند قد َمي أرمل ٍة عجوز من األعيان.
ووراء ك ِّل هذا ،حيث يتَّسع (نهر البِتع) ويمتزج ب(النَّهر الهامس) ،يرتفع (البُرج العالي) وتتَّقد نار
منارته في ضوء الفَجر ،ومن مكانه فوق جُروف (جزيرة المعركة) يقطع ِظ ُّله المدينة كالسَّيفَ .من ُولِدوا
ونشأوا في (البلدة القديمة) يعرفون ساعات النَّهار عن طريق هذا الظِّل ،ويَز ُعم بعضهم أنك تستطيع أن
الجدار) نفسه إذا وقفت على الق َّمة .ربما لهذا السَّبب لم ينزل اللورد اليتون من أعلى منذ أكثر من ترى ( ِ
عق ٍد من ال َّزمن ،مفضِّ ًال أن يَح ُكم مدينته من بين السَّحاب.
ار ما َّرةً بپايت في طريق النَّهر وفي مؤ ِّخرتها خمسة خنازير صغيرة تَصرُخ مذعورةً، قعق َعت عربة ج َّز ٍ
وقد تحاشاها پايت في الوقت المناسب فتفادى أن تتناثَر عليه الفضالت التي أفرغَتها امرأة من نافذ ٍة
ُحاول أن
حجر وتساء َل َمن ي ِ ٍ باألعلى .ف َّكر :حين أصب ُح ِمايستر في قلع ٍة سأمتطي حصانًا ،ثم إنه تعثَّر في
طويال يركبه .سيُمضي ً يخدع .ال سلسلة له ،ال مقعد إلى مائد ٍة عالية عند أحد اللوردات ،ال حصان أبيض
أيامه في اإلصغاء إلى نعيب ال ِغدفان وتنظيف ثياب ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ ال َّداخليَّة من بُقع الغائط.
طاب صباحك يا پايت». طين حين سم َع صوتًا يقولَ « : ُحاول مسح ردائه من ال ِّ كان جاثيًا على رُكبته ي ِ
وكان الخيميائي واقفًا فوقه.
قائال« :اليوم الثَّالث ...قلت إنك ستكون في (الرِّيشة وال َّدورق)».
نهض پايت ًَ
« -كنتَ مع أصدقائك ،ولم أرغب في التَّط ُّفل على صُحبتكم» .يرتدي الخيميائي معطف ُمسافرين مز َّودًا
ت مميِّزة ،وقد بدأت ال َّشمس المشرقة تطلُّ من فوق سقوف المباني
ي عالما ٍبقلنسوة ،بني اللَّون ويخلو من أ ِّ
وراء كتفه جاعلةً إبصار الوجه تحت القلنسوة صعبًا« .هل قرَّرت ماذا تكون؟».
أيجب أن يجعلني أقولها؟ « ُّ
أظن أني لص».
« -هذا ما حسبته».
أصعب ما في األمر كان أن يركع على يديه ورُكبتيه ليسحب الصُّ ندوق المنيع من تحت فِراش ال ِمايستر
ي ومد َّعم بالحديد ،فقفله مكسور ،وكان ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ ،وعلى الرغم من أن الصُّ ندوق قو ٌّ
ك في أن پايت قد كس َره ،لكن ذلك غير صحيح ،فقد كس َر والجريڤ القفل بنفسه بَعد أن فق َد جورمون قد َش َّ
مفتاحه.
ضيَّة ،و ُخصلةً من ال َّشعر األصفر مربوطةً بشريط ،وصورةً في ال َّداخل وج َد پايت كيسًا من األيائل الف ِّ
س مصنوع من منمنَمةً مرسومةً المرأ ٍة تُشبِه والجريڤ (بما في ذلك ال َّشارب) ،باإلضافة إلى قُفَّاز فار ٍ
أمير
ٍ نسي أيُّ
َ الفوالذ المقعَّر لتسهيل حركة اليد .يَز ُعم والجريڤ أن القُفَّاز كان مل ًكا ألمير ،ولكن يبدو أنه
هو ،ول َّما َر َّج پايت القُفَّاز سقطَ منه المفتاح على األرض.
يَذ ُكر أنه ف َّكر لحظتها :إذا أخذته فأنا لص .المفتاح قديم وثقيل ،مصنوع من الحديد األسود ،ويُفت َرض أنه
ب في (القلعة) .ال أحد َّإال رؤساء ال ِمايسترات يحمل مفاتيح كهذه ،ويحتفظ اآلخَرون بمفاتيحهم يفتح ك َّل با ٍ
مكان آمن ،لكن لو أخفى والجريڤ مفتاحه لما رآه أحد ثانيةً أبدًا. ٍ معهم طوال الوقت أو يُخفونها في
اختطفَ پايت المفتاح ،وكان قد قط َع نِصف الطَّريق إلى الباب قبل أن يعود أدراجه ويأخذ الفضَّة أيضً ا.
اللِّص لصٌّ سواء أسر َ
ق القليل أم الكثير .سم َع أحد ال ِغدفان البيضاء يُناديه« :پايت ،پايت ،پايت!».
سأ َل الخيميائي« :هل معك تنِّيني؟».
« -إذا كان معك ما أطلبه».
أعطني إياه ،أري ُد أن أراه».
قال پايت الذي ال ينوي أن ينخ ِدعِ « :
« -طريق النَّهر ليس المكان المناسب .تعا َل».
لم يجد وقتًا ليُفَ ِّكر ،ليزن خياراته .كان الخيميائي يبتعد ،وعلى پايت أن يتبعه أو يفقد روزي والتنِّين في ٍ
آن
بأمان في الجيب الخفي ٍ واح ٍد إلى األبد .هكذا تب َعه ،وإذ مشيا َدسَّ يده في ُك ِّمه متح ِّسسًا المفتاح الموضوع
طه هناك .ثياب ال ِمايسترات مليئة بالجيوب ،وهو يعرف هذا منذ كان صبيًّا صغيرًا. الذي خا َ
منعطف وعبرا (سوق
ٍ اضط َّر إلى الهروع كي يلحق ب ُخطوات الخيميائي الواسعة .قطعا ُزقاقًا ودارا حول
اللُّصوص) القديمة وسارا بطول (عطفة ال َّزبَّالين) ،وأخيرًا دخ َل الرَّجل ُزقاقًا آ َخر أكثر ضيقًا من األول،
فقال پايت« :ابتعدنا بما يكفي .ال أحد في الجوار .سنُجري المبادَلة هنا».
« -كما ترغب».
« -أري ُد تنِّيني».
« -بالتَّأكيد» .وظه َرت العُملة ،ورا َح الخيميائي يُنَقِّلها على مفاصل أصابعه ِمثلما فع َل حين َ
أجرت روزي
اللِّقاء بينهما ،والتم َع التنِّين في ضوء الصَّباح ملقيًا وه ًجا ذهبيًّا على أصابع الخيميائي.
الذهب على راحته ،ثم إنه رف َعه إلى فمه و َعضَّ عليه كما رأى طه پايت من يد الرَّجل ليحسَّ بدفء َّ التق َ
النَّاس يفعلون ،مع أن الحقيقة أنه ال يعرف مذاق َّ
الذهب ،لكنه لم ي ُِرد أن يبدو كالحمقى.
تساء َل الخيميائي بنبر ٍة َّ
مهذبة« :المفتاح؟».
جع َل شيء ما پايت يتر َّدد ويسأل« :هل تُريد كتابًا ما؟» .يُقال إن بعض المخطوطات الڤاليريَّة القديمة في
آخر ال ُّنسخ الموجودة في العالم.
الخزائن المغلقة هي ِ
« -ما أريده ليس من شأنك».
اجر إلى (الرِّيشة وال َّدورق) وأيقِظ روزي بقُبلة وقُل لها إنها لك .هكذا ف َّكر
« -ال» .انتهى األمر .اذهبِ ،
أرني وجهك». پايت ،وعلى الرغم من هذا لم يتحرَّك وقالِ « :
قال الخيميائي« :كما ترغب» ،وأنز َل قلنسوته.
رجل شاب ،تقليدي ،لحيته خفيفة للغاية ووجنتاه ممتلئتان ،وعلى ٍ رجل ووجهه مجرَّد وجه ،وجهٍ مجرَّد
ُ
اليُمنى ندبة باهتة ،وأنفه معقوف و َشعره األسود الكثيف يتجعَّد بش َّد ٍة حول أذنيه ،ليس وجهًا مألوفًا لپايت
الذي قالُ « :
لست أعرفك».
« -وال أنا أعرفك».
َ « -من أنت؟».
« -غريب ،ال أحد حقًّا».
« -أوه» .كان الكالم قد نف َد من پايت ،فأخر َج المفتاح ووض َعه في كَفِّ الغريب شاعرًا بال ُّدوار يكاد يكتنف
رأسه .قال لنفسه مذ ِّكرًا :روزي ،ثم قال للرَّجل« :انتهينا إذن».
الزقاق حين أحسَّ بحجارة الرَّصف تتحرَّك تحت قدميه ،فف َّكر :الحجارة مبتلَّة وزلقة، كان قد قط َع نِصف ُّ
ُنف في صدره ،وقال شاعرًا بقدميه تستحيالن إلى ماء« :ماذا ق بع ٍ لكن األمر لم يكن كذلك .كان قلبه يد ُّ
ُ
لست أفه ُم». يَح ُدث؟
قال صوت بحُزن« :ولن تفهم أبدًا».
مسرعةً ،ارتف َعت حجارة ال َّشارع لتُقَبِّله ،وحاو َل پايت أن يصيح طالبًا النَّجدةَّ ،إال أن صوته تخلَّى عنه
أيضًا.
وآخر ما ف َّكر فيه كان روزي.
ِ
النَّبي
كان النَّبي ي ِ
ُغرق عددًا من الرِّجال في (ويك ال ُكبرى) حين أتوه بنبأ موت الملك.
رجال قد
ٍ في هذا الصَّباح البارد الكئيب تل َّون البحر ِمثل السَّماء بدرج ٍة قاتمة من الرَّمادي ،وكان أول ثالثة
ُقاوم بينما را َحت رئتاه ق َّدموا حياتهم لإلله الغريق بال خوف ،لكن رابعهم ضعيف اإليمان ،وقد بدأ ي ِ
ق آرون على كتفَي تَصرُخان طالبتيْن الهواء .واقفًا وسط األمواج المتكسِّرة المرتفعة حتى خصره ،أطب َ
ُحاول انتزاع بضعة أنفاس ،وقال له« :تشجَّع .من البحر الصَّبي العاري وعا َد يدفع رأسه تحت الماء وهو ي ِ
جئنًا وإلى البحر نعود .افتح فمك وانهل من بَركة اإلله ،امأل رئتيك بالماء كي تموت وتُولَد من جديد .لن
تُجديك المقا َومة نفعًا».
إ َّما أن الصَّبي لم يسمعه ورأسه تحت األمواج ،وإ َّما أن إيمانه تخلَّى عنه بالكامل ،إذ بدأ يَر ُكل ويتل َّوى
فأقبل أربعة من رجاله الغرقى خائضين ليقبضوا على َ بضراو ٍة أرغ َمت آرون على طلب المساعَدة،
ق من ت عميق كالبحر نفسه صلَّى الرَّاهب ً
قائال« :إلهنا الذي غر َ المأفون ويُثَبِّتوه تحت الماء ،وبصو ٍ
باركه بالفوالذ».باركه بالحجرِ ، باركه بالملحِ ، أجلنا ،اجعل خادمك إموند يُولَد ثانيةً من البحر كما ُولِدتَ ِ .
أخيرًا انتهى األمر؛ كفَّت فقاقيع الهواء عن الخروج من فم الصَّبي ،وغاد َرت الق َّوة ك ُّلها أطرافه ،وطفا
إموند على وجهه في مياه البحر الضَّحلة ،جسده شاحب بارد ساكن.
عندئ ٍذ انتبهَ ذو ال َّشعر الرَّطب إلى وجود ثالثة خيَّالة انض ُّموا إلى رجاله الغرقى على حصى ال َّشاطئ.
تعرَّف آرون ابن سپار ،العجوز ذا الوجه الطَّويل النَّحيف والعينين ال َّدامعت ْين ،الذي يُ َع ُّد صوته الرَّاجف
قانونًا في هذه المنطقة من (ويك ال ُكبرى) ،وقد اصطحبَه ابنه ستيفاريون وشاب آخَ ر يرتدي معطفًا مبطَّنًا
بالفرو األحمر القاني ،يُثَبِّته إلى كتفه مشبك من َّمق عليه رمز عائلة جودبراذر ،البوق الحربي بلونيه
ك ال َّراهب َمن يكون بمجرَّد النَّظر ،وقال لنفسه :أحد أبناء جورولد .ثالثة أبناء الذهبي واألسود .أدر َ َّ
متأخرة بَعد دست ٍة من الفتيات ،ويُقال إن ال أحد يستطيع التَّمييز بين ِّ أنجبَتهم زوجة جودبراذر في ِس ٍّن
اإلخوة الثَّالثة ،فلم يتكرَّم آرون ذو ال َّشعر الرَّطب بمجرَّد المحا َولة .سواء أكان هذا جرايدون أم جورموند
أم جران ،فليس لدى الرَّاهب وقت له.
فقبض رجاله الغرقى على ذراعَي الصَّبي الميت وساقيه ليحملوه فوق منسوب َ ضب، بأمر مقت َ
ٍ زمج َر
ُ
المياه ،وتب َعهم الرَّاهب عاريًا َّإال من خرق ٍة من ِجلد الفقمات تَستُر عورته .ببشر ٍة مقشعرة يَقطر منها الماء
عا َد إلى اليابسة خاطيًا فوق الرِّمال الباردة المبتلَّة والحصى الذي جاله البحر ،وناولَه أحد رجاله الغرقى
ثوبًا من الخيش المبرقَش بدرجات األخضر واألزرق والرَّمادي ،ألوان البحر واإلله الغريق .ارتدى آرون
ظه البحر ،لينسدل على وح َّل ُخصالت َشعره ،ذلك ال َّشعر األسود المبتل الذي لم تمسَّه شفرة منذ لف َ الثَّوب َ
كمعطف خفيف َرث ويتجا َوز خصره ،وقد حبكَ آرون جدائل من الطَّحالب البحرية في ثناياه وفي ٍ كتفيه
لحيته المتشابكة الطَّليقة.
ك َّون رجاله الغرقى حلقةً حول الصَّبي الميت وشرعوا في الصَّالة ،وتولَّى نورچن تحريك ذراعيه بينما
منفرج السَّاقين وأخ َذ يضغط على صدره ،لكن الجميع أفسحوا الطَّريق آلرون ،الذي َدسَّ ِ رك َع روس فوقه
أصابعه بين شفتَي الصَّبي الباردتيْن وفت َحهما ،ثم أعطى إموند قُبلة الحياة م َّرةً ثم أخرى ثم أخرى ،إلى أن
صق ،وانفت َحت عيناه المليئتان بالخوف.تدفَّق البحر من فمه ،وبدأ الصَّبي يَسعُل ويَب ُ
رجال بين الحين ً ب سواه يفقد واحد آخَر يعود .يقولون إنها أمارة على ُمحاباة اإلله الغريق ،فكلُّ راه ٍ
اختير ألن يُتَ ِّوج
َ رجال تقيًّا للغاية ،لدرجة أنه
ً واآلخَر ،حتى تارل الغارق ثالثًا الذي رآه النَّاس ذات ٍ
يوم
مل ًكا بنفسه ...الكلُّ باستثناء ذي ال َّشعر الرَّطب الذي رأى أبهاء اإلله المائيَّة رأي العين وعا َد ليحكي عنها.
غرقت وأُ ِعدت إلينا .ما ماتَُ
قال للصَّبي الذي يَبصُق الماء وهو يُ َربِّت على ظَهره العاري« :انهض .لقد أ ِ
ال يُمكن أن يموت أبدًا».
ُنف ُمخرجًا المزيد من الماء« .يُب َعث من جديد» .كلُّ كلم ٍة ينقطها
غمغ َم الصَّبي« :بل يُب َعث» ،وسع َل بع ٍ
ونهض
َ معاناة ،لكن هذا ديدن العالم ،ويجب أن يُكافِح المرء ليعيش .كرَّر إموند« :يُب َعث من جديد»،
ً
مكمال« :أقوى وأصلب». بصعوب ٍة
قال له آرون« :إنك تنتمي إلى اإلله اآلن» ،وتج َّمع باقي ال ِّرجال الغرقى حول الصَّبي ،لينال من كلٍّ منهم
ب من الخيش المصبوغ لكزةً وقُبلةً على سبيل التَّرحيب به في أخ َّوتهم .ساعدَه أحدهم على ارتداء ثو ٍ
باألزرق واألخضر والرَّمادي ،وق َّدم له آخَر هراوةً من الخشب المجروف ،فيما قال آرون« :إنك تنتمي
إلى البحر اآلن ،ولذا سلَّحك البحر .ندعو إلهنا أن تحمل هراوتك بضراو ٍة ضد ك ِّل أعدائه».
لحظتها فقط التفتَ الرَّاهب إلى الرَّاكبين الثَّالثة الذين يُشا ِهدون من فوق خيولهم ،وسألَهم« :هل جئتم
لتُغ َرقوا أيها السَّادة؟».
قت في صباي ،وابني يوم ميالده». غر ُ ُ
وأجاب« :لقد أ ِ
َ سع َل ابن سپار،
ب إلى اإلله الغريق عقب مولده ،بل ك لديه في أن ستيفاريون سپار ُو ِه َ ق آرون نخيرًا ساخرًا .ال َش َّ أطل َ
حوض مليء بماء البحر الذي بلَّل رأس الرَّضيع بالكاد .ال عجب ٍ ويعرف الكيفيَّة أيضًا؛ غمسة سريعة في
مكان يُس َمع فيه
ٍ في أن حديديِّي الميالد قد قُ ِهروا ،أولئك الذين كانوا فيما مضى يبسطون سُلطانهم على ك ِّل
فعال ال أمل له في قائال« :ذلك ليس إغراقًا حقًّاَ .من ال يموت ً خاطب الرَّاهب الرَّاكبين ًَ صوت الموج.
العودة من الموت .لماذا أتيتم إذن إن لم يكن إلثبات إيمانكم؟».
ً
حامال أشا َر ابن سپار برأسه إلى ال َّشاب في المعطف األحمر مجيبًا« :ابن اللورد جورولد جا َء يسعى إليك
أخبارًا».
ال يبدو أن الصَّبي يتجا َوز السَّادسة عشرة من العُمر ،وقد سألَه آرون« :نعم ،وأيُّهم أنت؟».
« -جورموند ،جورموند جودبراذر ،إذا سم َح سيِّدي».
ُ
غرقتَ يا جورموند جودبراذر؟».« -اإلله الغريق هو من يجب أن نَطلُب سماحه .هل أ ِ
« -يوم ميالدي يا ذا ال َّشعر الرَّطب .لقد أرسلَني أبي ألجدك وآخذك إليه ،يُريد أن يراك».
وتناول من روس قِربةً ِجلديَّةً مملوءةً للتَّ ِّو بماء
َ ت اللورد جورولد ويُ َمتِّع نظره»، َر َّد آرون« :هأنذا ،فليأ ِ
البحر ،وخل َع ِسدادتها وأخ َذ رشفةً.
بإصرار من فوق حصانه« :المفت َرض أن آخذك إلى القلعة». ٍ قال جورموند ال َّشاب
وإال ابت َّل حذاؤه« .إنني مشغول بعمل اإلله» .آرون جرايچوي نبي ،وال يُطيق أن يُلقي يخشى أن يترجَّل َّ
عليه اللوردات التَّافهون األوامر كأنه ِق ٌّن 7من األقنان.
قال ابن سپار« :جورولد وص َل إليه طائر».
أضافَ جورموند مؤ ِّكدًا« :طائر من ال ِمايستر في (پايك)».
أجنحة سوداء ،أخبار سوداء« .ال ِغدفان تطير فوق الملح والحجارة .إذا كانت هناك أخبار تعنيني فتكلَّم
اآلن».
أجابَه ابن سپار« :األخبار التي نحملها ألُذنيك وحدك يا ذا ال َّشعر الرَّطب ،ليست أشياء أرغبُ في الكالم
عنها هنا أمام هؤالء اآلخَرين».
أسرار عنهم أو عن إلهنا
ٍ ي ُ
ولست أخفي أ َّ « -هؤالء اآلخَرون رجالي الغرقى ،خدم اإللهِ ،مثلي تما ًما،
أقف عند بحره المق َّدس».
الذي ُ
تباد َل الرَّاكبون نظرةً ،ثم قال ابن سپار« :أخبِره» ،فاستجم َع ال َّشاب في المعطف األحمر َشجاعته ،وأعلنَ :
«الملك ماتَ » .بهذه البساطة قالها ،كلمتان صغيرتان لكن البحر نفسه ارتجفَ حين نطقَهما.
في (وستروس) ملوك أربعة ،لكن آرون لم يحتَج إلى سؤاله َمن يقصد .بالون جرايچوي ال غيره كان
حاكم (جُزر الحديد) .الملك ماتَ .كيف هذا؟ كان آرون قد رأى أخاه األكبر قبل أقلِّ من دورة قمر ،ل َّما عا َد
إلى (جُزر الحديد) من اإلغارة على (السَّاحل الحجري) .في غياب الرَّاهب ابيضَّ نِصف َشعر بالون
ً
إجماال لم تب ُد والحت انحناءة كتفيه أكثر مما كانت عندما أقل َعت السُّفن الطَّويلة من الوطن ،لكن
َ األشيب،
على الملك عالمات المرض.
ق
لقد شيَّد آرون جرايچوي حياته على ِعماديْن راسخيْن ،وتلكما الكلمتان الصَّغيرتان هد َمتا أحدهما .لم يب َ
لي َّإال اإلله الغريق ،فعسى أن يجعلني قويًّا مثابرًا كالبحر« .أخبِرني كيف ماتَ أخي».
« -كان جاللته يَعبُر جسرًا في (پايك) ،وسقطَ ليتحطَّم جسده على الصُّ خور».
ت عمالقة لسان أرضي محطَّم ،حصونه وأبراجه مبنيَّة فوق ثالث كوما ٍ ٍ ينتصب معقل آل جرايچوي على
ِ
طرة من الحجر من الحجارة المرتفعة من البحر ،وتربط الجسور بعض (پايك) ببعض؛ جسور مقن َ
المنحوت ،وأخرى متأرجحة من األلواح الخشبيَّة وحبال القِنَّب.
سألَهم آرون« :هل كانت العاصفة ثائرةً حين سق َ
ط؟ » .
أجابَه ال َّشاب« :نعم ،كانت ثائرةً».
عام والحرب بين البحر والسَّماء مضطرمة .من أعلنَ الرَّاهب« :إله العواصف أطا َح به» .منذ ألف ألف ٍ
البحر جا َء حديديُّو الميالد واألسماك التي يقتاتون بها حتى في ُعمق ال ِّشتاء ،لكن العواصف ال تأتي إ َّال
جلب عليه غضبة إله العواصف .إنه يأكل َ بالويل والحُزن« .أخي بالون جعلَنا عظا ًما من جديد ،وهو ما
وليمةً اآلن في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة ،حيث تُلَبِّي عرائس البحر ك َّل رغب ٍة له ،وعلينا نحن الباقون في
هذا الوادي الموحش اليابس أن نت َّم عمله العظيم» ،و َدسَّ آرون السِّدادة في قِربة الماء مضيفًا« :سأتكلَّ ُم مع
السيِّد والدك .كم المسافة من هنا إلى (هامرهورن)؟».
« -ستة فراسخ .ستركب معي».
ُباركك اإلله الغريق».
أعطني حصانك وسي ِ « -واحد يركب أسرع من اثنينِ .
قال ستيفاريون سپارُ « :خذ حصاني يا ذا ال َّشعر الرَّطب».
« -ال ،حصانه أقوى .حصانك يا فتى».
العنان آلرون ،الذي َدسَّ قد ًما سوداء حافيةً في أحد تر َّدد ال َّشاب لحظةً خاطفةً قبل أن يترجَّل وي ِ
ُمسك ِ
وثب فوق السَّرج .إنه ليس مغر ًما بالخيول ،فهي مخلوقات من األراضي الخضراء تُ ِ
ساعد َ الرِّكابيْن ،ثم
على إضعاف البَشر ،لكن الحاجة تُجبِره على الرُّ كوب .أجنحة سوداء ،أخبار سوداء .ث َّمة عاصفة في طور
الميالد ،بإمكانه أن يسمعها في األمواج ،والعواصف ال تجلب َّإال ال ُّشرور .قال لرجاله« :قا ِبلوني في (بلدة
ق.
الحصى) أسفل بُرج اللورد مرلين» ،وأدا َر رأس حصانه وانطل َ
ت وأخاديد حجريَّةً محدودةً ،ثم قط َع دربًا الطَّريق وعر ،وقد مضى آرون فيه صاعدًا ً
تالال ومجتا ًزا غابا ٍ
ضيِّقًا أخ َذ يختفي بين الحين واآلخَر تحت حوافر الحصان.
(ويك ال ُكبرى) أوسع (جُزر الحديد) ،ضخمة لدرجة أن لعد ٍد من لورداتها أمال ًكا ال تطلُّ على البحر
المق َّدس ،وجورولد جودبراذر أحد هؤالء ،فقلعته مقامة في تالل (الحجر الصُّ لب) ،أبعد عن ملكوت اإلله
مكان آ َخر في الجُزر كلِّها ،ويكدح قومه في ظُلمة مناجمه الحجريَّة تحت األرض ،حتى إن
ٍ ي
الغريق من أ ِّ
بعضهم يعيش ويموت دون أن يرى المياه المالحة ولو م َّرةً .ال غرو أن قو ًما كهؤالء فاسدو الطِّباع
و ُغرباء األطوار.
ركب آرون تح َّولت أفكاره إلى إخوته.
َ وبينما
تسعة أبناء ُولِدوا من صُلب كويلون جرايچوي سيِّد (جُزر الحديد) .هارلون وكوينتون ودونل أنجبَتهم
زوجة اللورد كويلون األولى التي كانت من عائلة ستونتري ،وبالون ويورون وڤيكتاريون ويوريجون
وآرون جاءوا من زوجته الثَّانية التي كانت من آل سندرلي أوالد (جُرف الملح) ،أ َّما زوجته الثَّالثة فكانت
فتاةً من األراضي الخضراء أعطَته ابنًا أحمق سقي ًما اسمه روبن ،األخ الذي يُستح َسن أن يُنسى .ال يَذ ُكر
بشكل ضبابي ،جالسًا ٍ الرَّاهب كوينتون أو دونل اللذين ماتا وأظفارهما ال تزال ناعمةً ،وهارلون يَذ ُكره
يوم وال َّداء األرمد يُحيل شفتيه س يَخفُت يو ًما بَعد ٍ ُرج بال نوافذ ،يتكلَّم بهم ٍ
ت ووج ٍه رمادي في ُغرفة ب ٍ بثبا ٍ
يوم سنحتفل بمأدب ٍة من األسماك معًا في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة ،نحن األربعة ولسانه إلى حجر .ذات ٍ
ومعنا يوري أيضًا.
تسعة أبناء ُولِدوا من صُلب كويلون جرايچوي ،لكن أربعةً منهم فقط عاشوا وبلغوا ِس َّن الرُّ جولة .إنه َسمت
ً
أطفاال هذا العالم البارد ،حيث يصطاد الرِّ جال من البحر ويَحفُرون في األرض ويموتون ،بينما تلد النِّساء
صبي
ٌّ قصار األجل في أسرَّة ال َّدم واأللم .آرون أصغر وأدنى ال َكرا ِكن 9األربعة ،وبالون أكبرهم وأجرأهم،
ص َّوان) ي مقدام لم يَ ِعش َّإال إلعادة حديديِّي الميالد إلى مجدهم التَّليد .في ِسنِّ العاشرة تسلَّق (جُروف ال َّ قو ٌّ
ُبحر بسفين ٍة طويلة ويَرقُص رقصة إلى بُرج اللورد األعمى المسكون ،وفي الثَّالثة عشرة كان بإمكانه أن ي ِ
ك المفلوق إلى رجل من الجُزر ،وفي الخامسة عشرة أبح َر مع داجمر ذي الفَ ِّ ٍ ياألصابع ببراعة أ ِّ
رجال للمرَّة األولى واتَّخذ لنفسه أول زوجتيْن ملحيَّتيْن، ً (األعتاب) وأمضى صيفًا في اإلغارة ،وهناك َ
قتل
صار بالون ُربَّانًا على سفينته الخاصَّة .كان بالون ك َّل ما ينبغي أ ٌخ كبير أن يكونه ،مع َ وفي السَّابعة عشرة
قت .خي ٌر لي كنت ضعيفًا ومح َّم ًال بالخطايا ،واالزدراء أكثر مما استحقَ ُ ُ أن آرون لم ي َر منه َّإال االزدراء.
أن يزدريني بالون ال ُّشجاع من أن ي ُِحبَّني يورون عين ال ُغراب .لكن إذا أفع َمت السِّنون واألحزان بالون
رجل على قيد الحياة .لقد ُولِ َد ابنًا للورد وماتَ مل ًكا ،قتلَه إله ٍ بالمرارة ،فقد جعلَته أيضًا أش َّد عز ًما من أ ِّ
ي
غيور ،واآلن العاصفة آتية ،عاصفة لم تشهد لها هذه الجُزر ً
مثيال.
كان الظَّالم قد َح َّل منذ م َّد ٍة طويلة عندما لم َح الرَّاهب ُشرفات (هامرهورن) ذات البروزات الحديد الحا َّدة
الالئح تخدش وجه القمر الهالل .قلعة جورولد ضخمة متناسقة البناء ،حجارتها الكبيرة مقتل َعة من الجُرف َّ
وراءها ،وأسفل أسوارها تنفتح مداخل الكهوف والمناجم العتيقة متثائبةً كأفواه سوداء بال أسنان .وج َد
ق عليها بصخر ٍة إلى أن أيق َ
ظ آرون ب َّوابة (هامرهورن) الحديديَّة مغلقةً وموصدةً مع حلول اللَّيل ،ف َد َّ
الضَّجيج أحد ال َحرس.
ال َّشاب الذي أدخلَه كان نُسخةً من جورموند الذي أخ َذ حصانه ،فسألَه آرون« :أيُّهم أنت؟».
« -جران .أبي ينتظرك في ال َّداخل».
ظالل وتيَّارات الهواء ،حيث ق َّدمت له إحدى بنات جورولد قرنًا من دخ َل الرَّاهب القاعة الرَّطبة المألى بال ِّ
انشغل جورولد
َ نار متواضعة ينب ِعث منها ُدخان أكثر من الحرارة ،فيما ال ِمزر ،وحرَّكت أخرى جمر ٍ
رجل نحيل في ردا ٍء رمادي أنيق ،يضع حول ُعنقه سلسلةً حلقاتها من ٍ ث خفيض مع جودبراذر نفسه بحدي ٍ
مختلِف المعادن ،معلنةً أنه ِمايستر من (القلعة).
سأ َل جورولد حالما رأى آرون« :أين جورموند؟».
ي ُو ٍّد لل ِمايسترات ،ف ِغدفانهم « -عائد على قدميه .اصرف فتاتيك يا سيِّدي ،وال ِمايستر أيضًا» .إنه ال يُ ِك ُّن أ َّ
حدث ليوري .ال رجل حقيقيًّا َ من مخلوقات إله العواصف ،كما أنه ال يثق بأساليبهم في العالج منذ ما
يختار حياةً من العبوديَّة أو يسعى إلى تكوين سلسلة قِ ٍّن يضعها حول ُعنقه.
قال جودبراذر باقتضاب« :جايزال ،جوين ،اترُكانا ،وأنت أيضًا يا جران .ال ِمايستر مورنميور سيبقى».
َر َّد آرون بإصرار« :سيذهب».
« -هذه قاعتي يا ذا ال َّشعر الرَّطب ،وليس لك أن تُقَرِّر من يبقى ومن يذهب .ال ِمايستر سيبقى».
خاطب جودبراذر معلنًا« :إنني راحل إذن»، َ قال آرون لنفسه :الرَّجل يحيا بعيدًا ج ًّدا عن البحر ،ثم
وأصد َر الحصير الجاف حفيفًا تحت قدميه الحافيتيْن السَّوداويْن المشقَّقتيْن إذ دا َر وبدأ يبتعد ،وقد بدا له أنه
ركب ك َّل هذه المسافة بال طائل.
َ
كان قد بل َغ الباب تقريبًا حين تنحن َح ال ِمايستر ،وقال« :يورون عين ال ُغراب جالس على ُكرسي حجر اليَم».
التفتَ ذو ال َّشعر الرَّطب ،وقد ازدادَت برودة القاعة فجأةً .عين ال ُغراب على الجانب اآلخَر من العالم.
بالون طردَه منذ عامين وأقس َم أن يدفع حياته ثَمنًا إذا عا َد.
ت مبحوح« :أخبِرني».
قال بصو ٍ
بيوم واحد وأخ َذ القلعة والتَّاج
وأخب َره جورولد جودبراذر« :لقد رسا في (لوردزپورت) بَعد موت الملك ٍ
ُرسل ِغدفانًا الستدعاء الرَّبابنة والملوك من ك ِّل جزير ٍة إلى (پايك)
باعتباره أكبر إخوة بالون ،واآلن ي ِ
ليركعوا له ويُبايِعوه مل ًكا عليهم».
ق َّإال لمؤمن في الجلوس على ُكرسي حجر قال آرون ذو ال َّشعر الرَّطب دون أن يزن كلماته« :ال ،ال َح َّ
اليَم .عين ال ُغراب ال يَعبُد َّإال كبرياءه».
تساء َل جودبراذر« :كنتَ في (پايك) منذ فتر ٍة قصيرة ورأيت الملك ،فهل ذك َر لك شيئًا عن الخالفة؟».
انقطاع في
ٍ نعم .كانا قد تكلَّما في (بُرج البحر) بينما تعوي ال ِّريح خارج النَّوافذ وتتكسَّر األمواج بال
بقنوط حين أخب َره آرون بما جرى البنه الحي األخير ،وقال« :ال ِّذئاب أضعفَته ٍ األسفل ،وهَ َّز بالون رأسه
خشيت .أدعو اإلله أنهم قتَلوه ،كي ال يعترض طريق آشا» .في هذا كان بالون أعمى البصيرة ،إذ ُ كما
رأى نفسه في ابنته الجامحة العنيدة واعتق َد أنها تستطيع أن تخلفه .كان مخطئًا ،وقد حاو َل آرون أن يُخبِره
بهذا ،فقال بإصرار« :ال امرأة ستَح ُكم حديديِّي الميالد أبدًا ،حتى لو كانت امرأةً كآشا»َّ ،إال أن بالون اعتا َد
أن يص َّم أُذنيه عن ك ِّل ما ال يرغب في سماعه.
قبل أن يُجيب الرَّاهب جورولد جودبراذر ،انفت َح فم ال ِمايستر ثانيةً ليقول« :شرعًا ُكرسي حجر اليَم من
ق ثيون ،أو آشا إذا ماتَ األمير .إنه القانون».َح ِّ
َر َّد آرون باحتقار« :قانون األراضي الخضراء ،ما قيمته عندنا؟ إننا حديديُّو الميالد ،أوالد البحر و ُمختارو
رجل كافر».
ٍ ي ق امرأ ٍة أن تَح ُكمنا ،أو من َح ِّ
ق أ ِّ اإلله الغريق .ليس من َح ِّ
سأ َل جورولد جودبراذر« :وڤيكتاريون؟ األسطول الحديدي تحت قيادته .هل سيُطالِب ڤيكتاريون بالحُكم يا
ذا ال َّشعر الرَّطب؟».
بدأ ال ِمايستر يتكلَّم« :يورون األخ األكبر.»...
غير أن آرون أخر َسه بنظرة .في قُرى الصَّيد الصَّغيرة والقالع الحجريَّة العظيمة على َح ِّد سواء ،نظرة
كهذه من ذي ال َّشعر الرَّطب كفيلة بإصابة الفتيات بال ُّدوار ودفع األطفال إلى الهروع صارخين إلى
أ َّمهاتهم ،واآلن كانت أكثر من كافي ٍة كي يلوذ هذا العبد مغلول العُنق بالصَّمت .قال الرَّاهب« :يورون
األكبر ،لكن ڤيكتاريون أتقى».
سألَه ال ِمايستر« :هل ستقوم الحرب بينهما إذن؟».
« -يجب َّأال يُريق حديديُّو الميالد دماء حديديِّي الميالد».
أمر بإغراق ُشاركك أخوك إياها .لقد َقال جودبراذر« :فكرة ورعة يا ذا ال َّشعر الرَّطب ،لكنها ليست فكرةً ي ِ
ق ثيون شرعًا». ساوان بوتلي لقوله إن ُكرسي حجر اليَم من َح ِّ
ق فلم تُ َرق دماء». غر َُ
« -إذا أ ِ
ي أن أرسل خبرًا إلى (پايك) قريبًا ،وأري ُد تباد َل ال ِمايستر واللورد نظرةً ،ثم قال جورولد جودبراذر« :عل َّ
نصيحتك يا ذا ال َّشعر الرَّطب .ماذا سيكون إذن؟ البيعة أم العصيان؟».
أجاب اللورد ً
قائال« :ال َ رأيت العاصفة ،واسمها يورون عين ال ُغراب ،ثم ُ َش َّد آرون َشعر لحيته مف ِّكرًا :لقد
رسل َّإال الصَّمت في الوقت الحالي .يجب أن أصلِّي قبل أن أجيب». تُ ِ
ص ِّل كما تشاء ،لكن ذلك لن يُ َغيِّر القانون .ثيون الوريث ال َّشرعي ،وبَعده آشا». قال ال ِمايسترَ « :
هد َر آرون« :صمتًا! لطالما أصغى حديديُّو الميالد إليكم أيها ال ِمايسترات مغلولو األعناق وأنتم تُثَرثِرون
عن األراضي الخضراء وقوانينها .حانَ الوقت ألن نُصغي للبحر مج َّددًا ،حانَ الوقت ألن نُصغي لصوت
اإلله» .تر َّدد صوته في القاعة المألى بال ُّدخان رنَّانًا مفع ًما بالقوة لدرجة أن جورولد جودبراذر و ِمايستره
لم يجروءا على الرَّد.
اإلله الغريق معي ،وقد أراني السَّبيل.
رفض ،فنادرًا ما ينام تحت سقف َ عرض عليه جودبراذر أن يقضي اللَّيل مستريحًا في القلعة ،لكن الرَّاهب َ
سأعرف الرَّاحة في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة تحت ُ قلعة ،وال ينام أبدًا على هذا البُعد من البحر« .
لست أطلبُ َّإال حصانًا جديدًا يحملني إلى (بلدة ُ األمواج .لقد ُولِدنا لنُعاني ونستم َّد الق َّوة من معاناتنا.
الحصى)».
أسع َد جودبراذر أن يُ َز ِّوده بالحصان ،وأرس َل ابنه جرايدون أيضًا ليُري الرَّاهب الطَّريق األقصر عبر
التِّالل إلى البحر .كانت تفصلهما عن الفَجر ساعة كاملة حين تحرَّكا ،لكن حصانيهما قويَّان ثابتا ال ُخطى،
ق آرون عينيه ور َّدد ُدعا ًء صامتًا ،وبَعد قليل بدأ وقد قطعا مسافةً ال بأس بها على الرغم من الظَّالم .أغل َ
الوسن ينتابه وهو راكب.
ظ خائفًا .ال تو َجد ِمفصلةجا َءه الصَّوت بخفوت ،صرخة ِمفصلة الباب الصَّدئة .تمت َم« :يوري» ،واستيق َ
هنا ،ال باب ،ال يوري .فأس مقذوفة بت َرت نِصف يد يوري وهو في الرَّابعة عشرة من العُمر بينما يَرقُص
رقصة األصابع في غياب أبيه وإخوته األكبر في الحرب .كانت زوجة اللورد كويلون الثَّالثة من آل پايپر
وبدال من عالج يدً ضيْن وعينَي ظبية بنِّيَّتين،
أوالد (قلعة العذراء الورديَّة) ،فتاةً ذات ثدييْن كبيريْن غ َّ
يوري على النَّهج القديم بالنَّار وماء البحر تر َكته ل ِمايسترها القادم من األراضي الخضراء بدوره ،فأ َّكد
الرَّجل أنه يستطيع أن يخيط األصابع المبتورة في مكانها ،وقد فع َل هذا ثم استخد َم أدويةً وك َّمادا ٍ
ت
وأصيب يوري بال ُح َّمى ،ول َّما بت َر ال ِمايستر ذراعه كاملةً كان أوان إنقاذه قد فاتَ .
َ وأعشابًا ،لكن اليد تعفَّنت
لم يرجع اللورد كويلون من رحلته األخيرة ،إذ أنع َم عليه اإلله الغريق بالموت في البحر .اللورد بالون هو
أصاب يوري بت َر ثالثةً من أصابع َ من رج َع ومعه أخواه يورون وڤيكتاريون ،وحين سم َع بالون بما
ال ِمايستر بساطور طا ٍه وأرس َل زوجة أبيه ابنة پايپر لتخيطها ،لتأتي األدوية والك َّمادات بالنَّتيجة نفسها مع
ال ِمايستر كما فعلَت مع يوريجون ،فماتَ الرَّجل وهو يهذي ،وسرعان ما تب َعته زوجة اللورد كويلون
الثَّالثة بينما أخر َجت القابلة فتاةً جهيضةً من رحمهاُ .س َّر آرون لهذا ،وقد بُتِ َرت أصابع يوري بفأسه هو في
أثناء رقصهما رقصة األصابع معًا كما يفعل األصدقاء واإلخوة.
زال يَشعُر بالخزي كلَّما تذ َّكر السِّنين التي تلَت موت يوري .في ِسنِّ السَّادسة عشرة وصفَ نفسه ما َ
بالرُّ جولة ،لكن الحقيقة أنه لم يكن أكثر من جوال نبي ٍذ بساقيْن ،وقد تع َّود أن يُ َغنِّي ويَرقُص -ولكن ليس
ف عنها تما ًما -ويمزح ويُثَرثِر ويسخر من النَّاس ،باإلضافة إلى العزف على رقصة األصابع التي َك َّ
المزمار ومما َرسة ألعاب الحواة وركوب الخيل ،والقُدرة على ال ُّشرب أكثر من آل وينش وآل بوتلي كافَّة،
رجل موهبةً ،حتى هو ،فلم يكن هناك من يُمكنه أن يبول ٍ ونِصف آل هارلو أيضًا .اإلله الغريق يمنح ك َّل
أطول أو يُ َوجِّ ه بوله أبعد من آرون جرايچوي ،كما أثبتَ في ك ِّل مأدبة .في م َّر ٍة راهنَ بسفينته الطَّويلة
قطيع من الماعز على أنه يستطيع أن يُطفئ نار مستوقَ ٍد بقضيبه ال أكثر ،والته َم آرون لحم ٍ الجديدة مقابل
الذهبيَّة) ،وإن ه َّدده بالون بتعليقه من صاريها حين عرفَ عام كامل وس َّمى سفينته (العاصفة َّ الماعز طيلة ٍ
ك الذي أرا َد أخوه أن يُ َر ِّكبه على مقدِّمتها.شكل ال ِم َد ِّ
شطرها
َ الذهبيَّة) عند (الجزيرة القصيَّة) خالل ثورة بالون األولى ،وقد في النِّهاية غرقَت (العاصفة َّ
فخه وحطَّم األسطول نِصفين قادس 8حربي هائل اسمه (الثَّورة) ،ل َّما أوق َع ستانيس باراثيون ڤيكتاريون في ِّ
صيَّادين وساقوه إلى الحديدي .على أن اإلله لم يَفرُغ من آرون وحملَه إلى ال َّشاطئ ،حيث أس َره بعض ال َّ
(النسپورت) مكب ًَّال باألغالل ،فقضى بقيَّة الحرب في أعماق (كاسترلي روك) مثبتًا أن ال َكراكن تستطيع
أن تبول أطول وتُ َو ِّجه بولها أبعد من األُسود أو الخنازير الب ِّريَّة أو ال َّدجاج.
فان والرجل ٍ
ٍ ث من جدي ٍد من البحر نبيًّا لإلله ،ال يحسُّ خوفًا من أيِّ ق آرون وبُ ِع َ ذلك الرَّجل ماتَ .لقد غر َ
ب يُفتَح ،صرخة ِمفصل ٍة صدئة .يورون جا َء يحسُّه من الظَّالم ...أو ال ِّذكريات ،عظام الرُّ وح .صوت با ٍ
ثانيةً .ال يه ُّم .إنه الرَّاهب ذو ال َّشعر الرَّطب ،محبوب اإلله.
أخ وأخيه؟».سألَه جرايدون جودبراذر وقد بدأت ال َّشمس تُضيء التِّالل« :هل ستقوم حرب؟ حرب بين ٍ
لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليَم» .لكن عين ال ُغراب سيُقاتِل ،هذاٍ « -إذا شا َء اإلله الغريق .ليس
مؤ َّكد .ال امرأة تستطيع أن تهزمه ،وال حتى آشا ،فالنِّساء مخلوقات لخوض معاركهن في فِراش الوالدة.
صبي يعبس ويبتسم ال أكثر .لقد برهنَ في (وينترفل)
ٍّ أ َّما ثيون -إذا كان حيًّا -فال رجاء منه أيضًا ،مجرَّد
أصال ،لكن عين ال ُغراب ليس صبيًّا قعيدًا .أسطُح سفينة يورون مطليَّة باألحمر كي
ً على قيمته المحدودة
تُخفي الدِّماء التي تشبَّعت بها ألواحها .ڤيكتاريون ،يجب أن يكون الملك ڤيكتاريون َّ
وإال د َّمرتنا العاصفة
جميعًا.
تر َكه جرايدون عندما ارتف َعت ال َّشمس في السَّماء ،ليحمل خبر موت بالون إلى أبناء عمومته في أبراجهم
ب(الحُفرة العميقة) و(قلعة قرن ال ُغراب) و(بحيرة الجُثث) ،وواص َل آرون الطَّريق وحده صاعدًا ً
تالال
وديان صغيرة ،يقطع دربًا حجريًّا أخ َذ يتَّسع ويظهر عليه ناس أكثر مع اقترابه من البحر .في
ٍ ً
ونازال إلى
ت عميق كالمحيط صغار أيضًا ،وقد قال لألهالي بصو ٍ ك ِّل قري ٍة توقَّف ليعظ ،وفي ساحات اللوردات ال ِّ
راع ٍد كالموج« :من البحر ُولِدنا وإلى البحر نعود جميعًا .في غضبته انتز َع إله العواصف بالون من قلعته
وأطا َح به ،واآلن يأكل وليمةً تحت األمواج في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة» ،ورف َع يديه متابعًا« :ماتَ
بالون! ماتَ الملك! لكن مل ًكا جديدًا سيجيء! عسى الميت َّأال يموت أبدًا ،بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى
وأصلب! سيأتينا ملك!».
ألقى بعض من سمعوه معازقهم ومعاولهم ليتبعوه ،وهكذا حين سم َع األمواج تتكسَّر كانت دستة من
ال ِّرجال تمشي وراء حصانه ،وقد مسَّهم اإلله وانتابَتهم الرَّغبة في الغرق.
منزل مربَّع يرتفع بُرج من ٍ صيَّادين الذين شيَّدوا أكواخهم حول قاعدة تض ُّم (بلدة الحصى) ع َّدة آالف من ال َّ
شاطئ رماله ٍ ُكن من أركانه ،وهناك وج َد آرون أربعين من رجاله الغرقى في انتظاره مخيِّمين على ك ِّل ر ٍ
خيام من ِجلد الفقمات ومآ ٍو من الخشب المجروف .أيديهم اخشوشنَت من الماء المالح ،وخلَّفت رماديَّة ،في ٍ
صنارات ال ُّندوب ،وغلَّظتها المجاذيف والمعاول والفؤوس ،لكن اآلن تحمل تلك األيدي فيها ال ِّشباك وال ِّ
ت من الخشب المجروف قويَّةً كالحديد ،إذ سلَّحهم اإلله من ترسانته في أعماق البحر. هراوا ٍ
داخال إياه شاعرًا بالسُّرور بَعد أن ً كانوا قد بنوا للرَّاهب مأوى فوق منسوب المياه مباشرةً ،وقد زحفَ
ق أتباعه الجُدد ،ثم صلَّى :إلهي ،حدِّثني بهدير الموج ودلَّني على ما يجب أن أفعله .الرَّبابنة والملوك أغر َ
بدال من بالون؟ غَنِّ لي بلُغة اللَّ ِوياثانات كي أعرف اسمه .أخبِرني يا
14
ينتظرون كلمتك .من سيكون ملكنا ً
إلهي السَّاكن تحت األمواج ،من يملك الق َّوة لموا َجهة العاصفة الثَّائرة في (پايك)؟ على الرَّغم من اإلرهاق
متملمال في فِراشه داخل ً الذي أصابَته به الرِّ حلة إلى (هامرهورن) ،ظَ َّل آرون ذو ال َّشعر الرَّطب يتقلَّب
المأوى المبني بالخشب المجروف وتحت سقفه المصنوع من الطَّحالب البحريَّة السَّوداء ،وقد احتشدَت
السُّحب حاجبةً القمر والنُّجوم ،وجث َم الظَّالم ال َّدامس على البحر كما يجثم على روحه .بالون آث َر آشا ابنة
جسده ،لكن ليس المرأ ٍة أن تَح ُكم حديديِّي الميالد .ال بُ َّد أن يكون الملك ڤيكتاريون .تسعة أبناء ُولِدوا من
صُلب كويلون جرايچوي ،وڤيكتاريون أصلبهم ،رجل قوي كالثِّيرانُ ،شجاع ومطيع .وفي هذا يَك ُمن
ُبحر ضد تيَّار التَّقاليد.الخطر .األخ الصَّغير مدين بالطَّاعة ألخيه الكبير ،وڤيكتاريون ليس بالرَّجل الذي ي ِ
لكنه ال يحبُّ يورون منذ ماتَت المرأة.
ت أدنى من غطيط رجاله الغرقى وعويل الرِّيح ،تناهَت إلى مسامعه دقَّات األمواج، من الخارج ،بصو ٍ
خرج آرون من مأواه الصَّغير إلى برد اللَّيل ،وعاريًا وقفَ ،شاحبًا َ مطرقة إلهه تستدعيه إلى المعركة.
خاض في البحر األسود المالح .كانت المياه باردةً كالجليد ،لكنه لم يجفل من تربيتة َ ً
طويال ،وعاريًا ً
هزيال
انكسرت فوق رأسه .تذ َّوق الملح على شفتيه َ وانكسرت موجة على صدره جاعلةً إياه يترنَّح ،والتَّالية َ إلهه،
ُ
وكنت وأحسَّ باإلله يحفُّه وبجالل أغنيَّته يتر َّدد في أُذنيه .تسعة أبناء ُولِدوا من صُلب كويلون جرايچوي،
ق وم َّدني اإلله بالق َّوة .أحاطَ به البحر أدناهم ،ضعيفًا خائفًا كالفتيات ،لكني لم أعد كذلك .ذلك الرَّجل غر َ
المالح البارد واحتضنَهَ ،م َّد يده مخترقًا لحمه البَشري الضَّعيف و َمسَّ عظامه .العظام ،عظام الرُّ وح،
عظام بالون ويوري .الحقيقة في عظامنا ،فاللَّحم يفنى والعظام تبقى ،وعلى (تَل ناجا) عظام (بهو الملك
األشيب)...
رجال أكثر حكمةً مما كان عندما ً وهزيال وشاحبًا ومرتجفًا ،عا َد آرون ذو ال َّشعر الرَّطب إلى ال َّشاطئ ً
خاض في البحر ،إذ عث َر على اإلجابة في عظامه وصا َر الطَّريق جليًّا أمامه .كان اللَّيل باردًا للغاية لدرجة َ
بشموخ عائدًا إلى مأواه ،لكن في قلبه اضطر َمت النَّار، ٍ أن البُخار بدا كأنه ينبعث من جسده وهو يمشي
وأتاه النَّوم بسهول ٍة هذه المرَّة ،دون أن يُوقِظه صراخ ال ِمفصالت الحديد.
نار
ي الرِّيح ،وأفط َر على مرق المحار وطحالب البحر المطبوخ فوق ٍ حين استيقظَ وج َد النَّهار صافيًا قو َّ
حطبها من الخشب المجروف .لم يكد يَفرُغ من الطَّعام حتى نز َل ابن مرلين من منزله يسعى إليه مع
نِصف دست ٍة من رجاله ،فقال له ذو ال َّشعر الرَّطب« :الملك ماتَ ».
ي طائر ،واآلن وص َل آخَر» .ابن مرلين رجل أصلع مستدير الجسد وممتلئه ،يُلَقِّب نفسه « -نعم وص َل إل َّ
ب«اللورد» على غرار أهل األراضي الخضراء ،ويرتدي الفراء والمخمل« .هناك ُغداف يستدعيني إلى
(پايك) والثَّاني إلى (البروج العشرة) .أنتم أيها ال َكرا ِكن لكم أذرع كثيرة كفيلة بتمزيق المرء إربًا .ما قولك
أيها الرَّاهب؟ أين أرس ُل سُفني الطَّويلة؟».
جعل آرون يُقَطِّب وجهه ويسأل« :تقول (البروج العشرة)؟ َ (البروج العشرة) مقرُّ سيِّد (هارلو) ،وهو ما
أيُّ كرا ِكن يستدعيك إلى هناك؟».
أبحرت إلى الوطن ،والقارئ أرس َل ِغدفانًا يستدعي جميع أصدقائها إلى (هارلو). َ « -األميرة آشا .لقد
يقول إن بالون أرا َد أن يكون ُكرسي حجر اليَم لها».
قال الرَّاهب« :اإلله الغريق سيُقَرِّر من يجلس على ُكرسي حجر اليَم .اركع كي أباركك» ،فرك َع اللورد
وصبَّ خيطًا من ماء البحر على رأس الرَّجل األصلع َ مرلين على رُكبتيه ،وخل َع آرون ِسدادة قِربته
باركه
باركه بالملحِ ،ق من أجلنا ،اجعل خادمك ملدريد يُولَد ثانيةً من البحرِ . مبتهال« :إلهنا الذي غر ًَ
باركه بالفوالذ».
بالحجرِ ،
سا َل الماء على وجنتَي ملدريد مرلين اللَّحيمتيْن ليتخلَّل لحيته ومعطفه المصنوع من فرو الثَّعالب ،في حين
نهض
َ خت َم آرون صالته« :عسى الميت َّأال يموت أبدًا ،بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب» ،لكن عندما
وأصغ كي تَن ُشر كلمة اإلله».
ِ قمرلين قال له« :اب َ
أقدام من حافة الماء تتكسَّر األمواج حول جُلمو ٍد دائري من الجرانيت ،وعليه وقفَ آرون ٍ على بُعد ثالثة
ذو ال َّشعر الرَّطب ليراه جميع أتباعه ويسمعوه ،ثم بدأ يتكلَّم كما فع َل مئة م َّر ٍة من قبل بقوله« :من البحر
وأطاح
َ ُولِدنا وإلى البحر نعود جميعًا» ،قبل أن يُتابِع« :في غضبته انتز َع إله العواصف بالون من قلعته
به ،واآلن يأكل وليمةً تحت األمواج» ،ورف َع يديه صائحًا« :ماتَ الملك! لكن مل ًكا جديدًا سيجيء! عسى
الميت َّأال يموت أبدًا ،بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب!».
هتفَ الرِّ جال الغرقى مجيبين« :سيأتينا ملك!».
قال ذو ال َّشعر الرَّطب« :سيأتي ،يجب أن يأتي ،لكن َمن؟» ،وأصغى لحظةً ولم يسمع َر ًّدا َّإال من األمواج،
فكرَّرَ « :من سيكون ملكنا؟».
بدأ ال ِّرجال الغرقى يضربون بعض هراواتهم ببعض هاتفين« :ذو ال َّشعر الرَّطب! ذو ال َّشعر الرَّطب مل ًكا!
أعطنا ذا ال َّشعر الرَّطب!».
آرون مل ًكا! ِ
ب ابنان ،أعطى أحدهما فأسًا والثَّاني شبكةً ،فأيُّهما يُريد أن يكون هَ َّز آرون رأسه نفيًا ،وقال« :إذا كان أل ٍ
ُمحاربًا؟».
صاح روس مجيبًا« :الفأس لل ُمحارب وال َّشبكة لصيَّاد البحر». َ
ق ال َّشيء الحقير الذي كنته ،ول َّما لفظَني البحر « -نعم .لقد أخ َذني اإلله إلى األعماق تحت الموج وأغر َ
وهب لي عينين أرى بهما وأُذنين أسمع بهما وصوتًا أنش ُر بها كلمته ،كي أكون نبيَّه الذي يُ َعلِّم حقيقته ل َمن
َ
ُ
سمعت اإلله ُ
نسوا .إنني لم أخلَق للجلوس على ُكرسي حجر اليَم ...وكذا يورون عين ال ُغراب ،ذلك أني
لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليَم!».
ٍ يقول :ليس
ً
متسائال« :أهي آشا إذن؟ أم ڤيكتاريون؟ أخبِرنا أيها الرَّاهب!». عق َد ابن مرلين ذراعيه على صدره
ً
مواصال: قال آرون« :اإلله الغريق سيُخبِركم ،ولكن ليس هنا» ،وأشا َر إلى وجه مرلين األبيض البدين
وأنزل مجاذيفك يا سيِّدي و ُخذ نفسك
ِ ي أو إلى قوانين البَشر ،بل إلى البحر .ارفع أشرعتك «ال تتطلَّعوا إل َّ
إلى (ويك القديمة) ،أنت وجميع الرَّبابنة والملوك .ال تذهبوا إلى (پايك) لتركعوا للكافر ،وال إلى (هارلو)
لتُخا ِدنوا النِّساء المتآمرات ،بل وجِّهوا سُفنكم إلى (ويك القديمة) ،حيث كان (بهو الملك األشيب) .باسم
اإلله أستدعيكم ،أستدعيكم جميعًا! اترُكوا قاعاتكم وبيوتكم ،اترُكوا قالعكم وحصونكم ،وارجعوا إلى (تَل
ناجا) لتُقيموا انتخاب الملك!».
ح َّدق ابن مرلين إليه ً
قائال« :انتخاب الملك؟ لم يَح ُدث أن أقي َم انتخاب ٍ
ملك حقيقي منذ.»...
زمن طويل للغاية! لكن في فَجر ال َّزمان كان حديديُّو الميالد يختارون ملوكهم ٍ قاط َعه آرون محزونًا...« :
ويرفعون األجدر بينهم .آنَ أوان العودة إلى نهجنا القديم ،فما من شي ٍء غيره سير ُّد إلينا عظمتنا .بانتخاب
ض َع تاج من الخشب المجروف على رأسه ،وسايالس الملك اختي َر أوراس ذو القدم الحديد مل ًكا أعلى و ُو ِ
ذو األنف األفطس ،وهاراج هور ،والكرا ِكن العجوز ،جميعهم رف َعهم انتخاب الملك ،ومن انتخاب الملك
هذا سيأتينا رجل يت ُّم العمل الذي بدأه الملك بالون ويستر ُّد لنا ح ِّريَّتنا .أقول مج َّددًا َّأال تذهبوا إلى (پايك) أو
بروج (هارلو) العشرة ،بل اسعوا إلى (تَل ناجا) وعظام (بهو الملك األشيب) ،ففي ذلك المكان المق َّدس،
ق ،مل ًكا مؤمنًا!» ،وعا َد يرفع يديه النَّاحلتيْن عندما يغرق القمر ويطلع من جديد ،سنختار ألنفسنا مل ًكا يستح ُّ
مردفًا« :أصغوا! أصغوا إلى األمواج! أصغوا إلى اإلله! إنه يُ َكلِّمنا ويقول لنا :ال ملك َّإال بانتخاب
الملك!».
ق رجاله الغرقى بعض هراواتهم ببعض هاتفين: قال قوله هذا فتعالى هدير الحاضرين ،ومن جدي ٍد َد َّ
«انتخاب ،انتخاب ،انتخاب! ال ملك َّإال بانتخاب الملك!» ،وكان لضجيجهم دو ٌّ
ي ال بُ َّد أن عين ال ُغراب
سم َعه في (پايك) وسم َعه إله العواصف في بهوه وسط السَّحاب ،وعل َم آرون ذو ال َّشعر الرَّطب أنه أحسنَ
البالء.
الحرس
قائد َ
ت مت َعب علَّق األمير حين دحر َج القائد ُكرسيَّه المتحرِّك إلى ال ُّشرفة« :البُرتقال ال َّدموي نض َج أكثر
بصو ٍ
مما ينبغي».
وبَعدها مرَّت ساعات دون أن يتكلَّم م َّرةً أخرى.
لينفطر على الرُّ خام الوردي الباهت ،لتُ ِ
فعم ِ ما قاله عن البُرتقال صحيح ،وكان بعض الثِّمار قد سق َ
ط
س يلتقطه.الالذعة الحُلوة أنف آريو هوتا مع ك ِّل نف ٍ الرَّائحة َّ
ال ريب أن األمير يش ُّمها أيضًا وهو جالس تحت األشجار على ال ُكرسي المتحرِّ ك الذي صن َعه له ال ِمايستر
كاليوت ،بوسائده المحش َّوة بريش اإلوز وعجلتيْه الثَّقيلتيْن المصنوعتيْن من خشب األبنوس والحديد.
فترة طويلة مرَّت لم يُس َمع فيها صوت َّإال لألطفال العائمين في المسابح والنَّوافير ،وفي م َّر ٍة ارتطام
بُرتقال ٍة أخرى بأرض ال ُّشرفة وانفطارها ،قبل أن تتناهى إلى مسامع قائد ال َحرس دقَّات الحذاء الخافتة على
الرُّ خام آتيةً من جانب القصر البعيد.
أوبارا .يعرف مشيتها الطَّويلة المتعجِّ لة الغاضبة ،وال بُ َّد أن حصانها في االسطبل اآلن ،غارق في
الرَّغوة 11وينزف من ُعنف همزها .دائ ًما ما تمتطي أوبارا الفُحول ،وقد سم َعها النَّاس تقول مزه َّوةً إنها
ت سريعة لقدمين رجل كذلك .سم َع القائد أيضًا ُخطوا ٍ ٍ حصان في (دورن) ...وأيِّ ٍ ي
تستطيع ترويض أ ِّ
أخريَيْن ،وقد َج َّد ال ِمايستر كاليوت السَّير ب ُخفَّيه اللَّينيْن ليلحق بها.
طارد شيئًا ال تستطيع اإلمساك به أبدًا ،كما سم َع القائد األمير يقول دائ ًما تمشي أوبارا ساند مسرعةً ،تُ ِ
البنته ذات مرَّة.
حين ظه َرت تحت القنطرة ال ُّثالثيَّة ،دف َع آريو هوتا فأسه الطَّويلة إلى الجانب ليس َّد الطَّريق ،الفأس ذات
تستطع أوبارا ال َّدوران من حولها، ِ الرَّأس المثبَّت على قنا ٍة من خشب ال َّدردار الجبلي طولها ستَّة أقدام ،فلم
وقال لها القائد مدمد ًما بصوته الجهير المثقَل بلكنات (نورڤوس)« :ال تقتربي أكثر يا سيِّدتي ،األمير ال
يُريد أن يُز ِعجه أحد».
قبل أن يتكلَّم كان وجهها حجرًا ...ثم قسا .قالت له« :أنت في طريقي يا هوتا» .أوبارا ساند أكبر أفاعي
قارب الثَّالثينات من العُمر ،ورثَت عينيها ال َّ
ضيِّقتيْن و َشعرها البنِّي كفرو الرِّمال ِسنًّا ،امرأة كبيرة العظام تُ ِ
الجرذان من عاهرة (البلدة القديمة) التي ولدَتها .تحت معطفها المفصَّل من الحرير الرَّملي 14المبرقَش
ق ما الجلد البنِّي اللَّين البالي ،وتلك الثِّياب أر ُّ
ب من ِ بالذهبي والبنِّي المائل إلى الرَّمادي ترتدي ثياب ركو ٍ َّ
ظهرها تضع تُرسًا من الفوالذ والنُّحاس ،أ َّما حربتها فيها .على أحد َوركيها تُثَبِّت سوطًا ملفوفًا ،وعلى َ
أشعر آريو هوتا باالمتنان ،فعلى الرغم من سُرعتها وق َّوتها فإنه يعلم أنها َ فتر َكتها في الخارج ،وهو ما
ليست نِ ًّدا له ...لكنها ال تعلم ،وهو ال يرغب في رؤية دمائها مراقةً على الرُّ خام الوردي الباهت.
لك.»...
حاولت أن أقول ُِ قائال« :ليدي أوبارا،ق ً ق إلى سا ٍ نق َل ال ِمايستر كاليوت ِثقله من سا ٍ
« -هل يعرف أن أبي ماتَ ؟» ،سألَت أوبارا القائد دون أن تُعير ال ِمايستر اهتما ًما أكثر من ُذبابة ،هذا إذا
تطن حول رأسها.كانت هناك ُذبابة بالحماقة الكافية ألن َّ
أجاب القائد« :نعم ،وص َل إليه طائر».َ
ط صغير ومختو ًما بلطخ ٍة من ال َّشمع األحمر محموال على جنا َحي ُغداف ،مكتوبًا بخَ ٍّ
ً جا َء الموت (دورن)
اليابس .ال بُ َّد أن كاليوت قد خ َّمن ما تحتويه ال ِّرسالة ،إذ أعطى هوتا إياها كي يُ َسلِّمها لألمير ،فشك َره هذا
وجلس طيلة فترة األصيل وفي ِحجره الرَّق ،يُشا ِهد َ طويال للغاية دون أن يكسر الختم، ً وإن قضى وقتًا
األطفال يلعبون ،وظَ َّل يُشا ِهد إلى أن غابَت ال َّشمس ودف َعه هواء المساء البارد إلى ال ُّدخول ،ثم أخ َذ يُشا ِهد
ُحضر شمعةً ليقرأ رسالته تحت شجر انعكاس ضوء النُّجوم على الماء ،ول َّما طل َع القمر أرس َل هوتا ي ِ
البُرتقال في ظالم اللَّيل.
مسَّت أوبارا سوطها قائلةً« :اآلالف يقطعون الرِّمال سيرًا على األقدام ويصعدون إلى (طريق العظام)
آخرها بالنَّاس ،والرُّ هبان الحُمر أشعلوا ليُسا ِعدوا إالريا على إعادة أبي إلى الوطن .السِّپتات مزدحمة عن ِ
رجل يأتيهن ويَرفُضن األجر .في (صنسپير) ،على ٍ نار معبدهم .في بيوت الهوى تُ ِ
عاشر النِّسوة ك َّل
(ال ِّذراع المكسورة) ،بطول ضفاف (ال َّدم األخضر) ،في الجبال وفي ُعمق ال ِّرمال ،في ك ِّل مكان ،في كلِّ
مكان تُ َم ِّزق النِّساء َشعرهن ويَصرُخ الرِّ جال غضبًا ،والسُّؤال نفسه يتر َّدد على ك ِّل لسان :ماذا ستفعل ٍ
(دورن)؟ ماذا سيفعل أخو أميرنا القتيل انتقا ًما له؟» ،ودنَت من القائد مضيفةً« :وتقول إنه ال يرغب في أن
يُز ِعجه أحد!».
ُزعجه أحد».
كرَّر آريو هوتا« :ال يرغب في أن ي ِ
زمن بعيد أتى شابٌّ ِغر من (نورڤوس) ،صب ٌّي كبير ٍ يوم في
يعرف قائد ال َحرس األمير الذي يَحرُسه .ذات ٍ
الجسد عريض المنكبيْن له َشعر أسود فاحم .ذلك ال َّشعر أبيض اآلن ،وذلك الجسد يحمل ندوب معارك
عديدة ...لكن ق َّوته لم تتخ َّل عنه ،وفأسه الطَّويلة يُحافِظ على ح َّدتها دو ًما كما علَّمه الرُّ هبان الملتحون .قال
لنفسه :لن تمرَّ ،ولها قال« :األمير يُشا ِهد األطفال يلعبون ،وليس مسموحًا بإزعاجه أبدًا بينما يُشا ِهد
األطفال يلعبون».
أخذت هذه الفأس.»... ُ قالت أوبارا ساند« :هوتا ،ستُزيح نفسك عن طريقي َّ
وإال
ت مبحوح« :أيها القائد ،دَعها تمرُّ ،سأتكلَّ ُم معها». أتى األمر من ورائه مقاطعًا إياها بصو ٍ
سحب آريو هوتا فأسه الطَّويلة معيدًا إياها إلى وضعها العمودي وأخ َذ ُخطوةً إلى الجانب ،ورمقَته أوبارا َ
ً
طوال، بنظر ٍة طويلة أخيرة ثم مرَّت به مسرعةً وفي أعقابها ال ِمايستر .ال يتع َّدى كاليوت األقدام الخمسة
وله رأس أصلع كالبيضة ووجه شديد النُّعومة واالمتالء لدرجة أنك ال تستطيع أن تُ َخ ِّمن ِسنَّه الفعليَّة ،لكنه
هنا من قبل القائد ،بل وخد َم أُم األمير كذلك ،وعلى الرغم من ِسنِّه وحجمه فال يزال رشيق الحركة بما فيه
الكفاية وبالغ َّ
الذكاء ،ولو أنه يتَّسم بالخنوع .ليس نِ ًّدا أليٍّ من أفاعي الرِّمال.
جلس األمير على ُكرسيِّه رافعًا ساقيه المصابتيْن بالنِّقرس أمامه ،وتحت عينيه َ في ِظلِّ أشجار البُرتقال
أكياس ثقيلةَّ ...إال أن هوتا يجهل إن كان مصدر أرقه الحُزن أم النِّقرس .في األسفل ما زا َل األطفال
يتجاوز العاشرة ،مزيج من َ يلعبون في النَّوافير والمسابح ،أصغرهم ال يتجا َوز الخامسة وأكبرهم ال
الصِّبية والفتيات ،وباستطاعة هوتا أن يسمعهم يَنثُرون المياه ويتصايَحون بأصوات عالية حا َّدة .قال
ت واحدةً من يمض وقت طويل منذ كن ِ ِ األمير عندما جثَت المرأة على رُكبتها أمام ال ُكرسي المتحرِّك« :لم
هؤالء األطفال في المسابح يا أوبارا».
طويال هنا .إنني ابنة العاهرة ،أم أنك ً ر َّدت ساخرةً« :مضى ما يَقرُب من عشرين عا ًما ،كما أني لم أب َ
ق
ضت ووض َعت يديها على َوركيها قائلةً« :لقد اغتي َل أبي». نسيت؟» ،ول َّما لم ي ُِجب نه َ
ً
اغتياال». نزال فردي خالل محا َكمة بالقتالِ .طبقًا للقانون ليس هذا ٍ قال األمير دوران« :لقد قُتِ َل في
« -كان أخاك!».
« -نعم».
« -وماذا تنوي أن تفعل بشأن موته؟».
ُواجهها .على الرغم من أنه لم يتجا َوز الثَّانية والخمسين ،فإن دوران مارتل د َّور األمير ُكرسيَّه بصعوب ٍة لي ِ
ألهب النِّقرس
َ يبدو أكبر كثيرًا ،جسده واهن مش َّوه تحت ثيابه الكتَّان ،وقدماه من الصَّعب النَّظر إليهما ،إذ
فصارت رُكبته اليُسرى كحبَّة تفَّاح ،واليُمنى كحبَّة ش َّمام،
َ مفاصله وخضَّبها باألحمر على نح ٍو بشع،
آخرها كأن لمسةً واحدةً كفيلة ب حمراء قانية تبدو ناضجةً عن ِ واستحالَت أصابع قدميه إلى حبَّات عن ٍ
بفلقها .مجرَّد ثِقل غطا ٍء خفيف يجعله يرتجف أل ًما ،مع أنه يتح َّمله بال شكوى .ذات م َّر ٍة سم َعه القائد يقول
البنته :الصَّمت صديق األمراء .الكالم كالسِّهام يا آريان ،ما إن ينطلق فال سبيل الستعادته .قال األمير:
ُ
كتبت للورد تايوين.»... «لقد
« -كتبت؟ لو كنت نِصف الرَّجل الذي كانه أبي.»...
أباك».
لست ُِ « -أنا
ُ
أعرف هذا».ت مف َعم باالزدراء« :
قالت أوبارا بصو ٍ
« -تُريدينني أن أذهب إلى الحرب».
« -إنني أعقل من هذا .لن تضط َّر إلى القيام من ُكرسيِّك حتى .دَعني أنا أنتق ُم ألبي .إن لديك جي ًشا في
(ممر األمير) ،واللورد يرونوود لديه جيش آخَر على (طريق العظام) .سلِّمني قيادة أحدهما ونيم قيادة
الثَّاني ،دَعها تَسلُك (طريق الملوك) بينما أُخر ُج لوردات (التُّخوم) من قالعهم وأدو ُر ألزحف على (البلدة
القديمة)».
« -وكيف تأملين في السَّيطرة على (البلدة القديمة)؟».
« -يكفيني نهبها .ثروة عائلة هايتاور.»...
« -أهو َّ
الذهب ما تُريدين؟».
« -ما أريده هو ال َّدم».
« -اللورد تايوين سيُ َسلِّمنا رأس الجبل».
« -و َمن سيُ َسلِّمنا رأس اللورد تايوين؟ لطالما كان الجبل حيوانه المدلَّل».
ت».قائال« :أوبارا ،انظُري إلى األطفال إذا سمح ِ
أشا َر األمير إلى المسابح ً
« -ال أسم ُح .سيُرضيني أكثر أن أطعن اللورد تايوين بحربتي في بطنه .سأجعله يُ َغنِّي (أمطار كاستامير)
وأبحث فيها عن َّ
الذهب». ُ ع أحشاءه بينما أنتز ُ
ر َّدد األمير« :انظُري ،هذا أمر».
كان بعض األطفال األكبر ِسنًّا متمدِّدين على بطونهم على الرُّ خام الوردي األملس لتُ َح ِّمصهم ال َّشمس ،في
حين سب َح بعضهم في البحر أمام القصر ،وانشغ َل ثالثة منهم ببناء قلع ٍة من الرَّمل تُحاكي (بُرج الحربة)
في (القصر القديم) ،واجتم َع عشرون أو أكثر في المسبح الكبير ليُشا ِهدوا المعارك ال َّدائرة بين األطفال
األصغر حج ًما الرَّاكبين على أكتاف كبار الحجم ،وقد خاضوا حتى الخصر في المياه الضَّحلة ورا َح كلٌّ
ط زوجان تب َع صوت سقوطهما الضَّحك المد ِّوي .شاهَدا فتاةً ُحاول إسقاط اآلخَر في الماء ،وكلَّما سق َ
منهم ي ِ
بشرتها بنيَّة كالجوز تسحب صبيًّا فاتح ال َّشعر من على كتفَي أخيه لتُس ِقطه مقلوبًا في مياه المسبح.
أبوك يلعب هذه اللُّعبة نفسها ذات يومِ ،مثلما لعبتها قبله .كان أصغر مني بعشرة أعوام، ِ قال األمير« :كان
ُ
أتيت اعتدت أن أشاهده كلَّما
ُ كففت عن نزول المسابح ،لكني ُ ُ
كنت قد وحين كب َر بما يكفي ألن يلعبها
صبيةً أكبر منه لزيارة أ ِّمنا .كم كان قويًّا ،حتى في ِ
صباه ،وسريعًا كثعابين الماء .كثيرًا ما رأيته يُسقِط ِ
غادر إلى (كينجز الندنج) ،وأقس َم أنه سيفعلها م َّرةً أخرىَّ ،
وإال لما َ حج ًما بكثير ،وقد ذ َّكرني بهذا يوم
سمحت له َّ
بالذهاب». ُ
بالذهاب؟» ،وضح َكت مردفةً« :كأن كنت تستطيع أن تمنعه .أُفعوان (دورن) ر َّددت أوبارا« :سمحت له َّ
األحمر كان يذهب حيثما يشاء».
أواسيك به.»...
ِ « -صحيح .ليت لد َّ
ي كالم
ت طلبًا لمواساتك .يوم جا َء أبي يأخذني لم تُ ِردني أ ِّمي أن أذهب ت مليء باالستهانة« :لم آ ِ قاط َعته بصو ٍ
رجل غيرك ،فألقى حربته عند قد َمي ولط َم
ٍ ُ
عاشرت ألف معه ،وقالت له :إنها فتاة ،وال ُّ
أظن أنها ابنتك .لقد
أ ِّمي بظَهر يده على وجهها ،وقال لها وهي تبكي :فتاة أو فتى ،كلُّنا نخوض معاركنا ،لكن اآللهة تَترُكنا
قلت لك إنها ابنتي،فالتقطت الحربة ،وقال أبيُ :
ُ نختار أسلحتنا ،وأشا َر إلى الحربة ثم إلى دموع أ ِّمي،
وأخ َذني .استغرقَت أ ِّمي في ال َّشراب حتى ماتَت قبل أن ينقضي العام ،ويقولون إنها كانت تبكي وهي تلفظ
ُ
لست أطلبُ أنفاسها األخيرة» ،ودنَت أوبارا أكثر من األمير في ُكرسيِّه مضيفةً« :دَعني أستخد ُم الحربة،
أكثر من هذا».
« -إنه طلب كبير يا أوبارا .سأف ِّك ُر في األمر وأتَّخ ُذ القرار بَعدما أنا ُم».
ً
طويال للغاية بالفعل». « -لقد نمت
« -ربما تكونين محقَّةً .سأرس ُل ِ
لك خبرًا في (صنسپير)».
قالت أوبارا« :ما دا َم خبر الحرب» ،ودا َرت على عقبيْها وغاد َرت غاضبةً كما أتَت ،عائدةً إلى االسطبل
حصان جديد توطئةً النطالق ٍة مته ِّورة أخرى على الطَّريق.
ٍ من أجل
بق َي ال ِمايستر كاليوت بجسده المستدير وقامته القصيرة ،وسأ َل« :هل تُؤلِمك ساقاك يا سم َّو األمير؟».
قائال« :هل ال َّشمس ساخنة؟». ب ًابتس َم األمير بشحو ٍ
« -هل أجلبُ دوا ًء لأللم؟».
« -ال ،أحتا ُج إلى االحتفاظ بقُدرتي على التَّفكير».
تر َّدد ال ِمايستر لحظةً قبل أن يقول« :سم َّو األمير ،هل ...هل من الحكمة أن تسمح لليدي أوبارا بالعودة إلى
(صنسپير)؟ مؤ َّكد أنها ستُل ِهب مشاعر العا َّمة .لقد أحبُّوا أخاك كثيرًا».
ق .يجب أن أعود ط بأصابعه على صُدغيه مضيفًا« :ال ،أنت مح ٌّ قال األمير« :كلُّنا أحببناه كثيرًا» ،وضغ َ
إلى (صنسپير) أيضًا».
عا َد الرَّجل المستدير الصَّغير يتر َّدد قبل أن يسأله« :أهذا تصرُّ ف حكيم؟».
رسل خي ًَّاال إلى ريكاسو وتجعله يفتح مسكني في (بُرج
« -ليس حكي ًما لكنه ضروري .األفضل أن تُ ِ
ال َّشمس) ،وبلِّغ ابنتي آريان أنني سأص ُل غدًا».
أميرتي الصَّغيرة .كم يفتقدها قائد ال َحرس.
قال ال ِمايستر مح ِّذرًا« :سوف يراك النَّاس».
يفهم القائد ما يعنيه .قبل عامين ،حين رحلوا من (صنسپير) إلى سكينة (الحدائق المائيَّة) و ُعزلتها ،لم يكن
نِقرس األمير دوران بهذا السُّوء .في تلك األيام كان ال يزال يمشي -ولو ببطء -متَّكئًا على ُع َّك ٍ
از وتلتوي
قسماته أل ًما مع ك ِّل ُخطوة ،لكن األمير لم ي ُِرد أن يعرف أعداؤه كم صا َر ضعيفًا ،و(القصر القديم) ومدينته
الظَّليلة مليئان باألعيُن .أعيُن وساللم ال يستطيع أن يصعدها .عليه أن يطير كي يَبلُغ ق َّمة (بُرج ال َّشمس).
قال األمير« :يجب أن يراني النَّاس .ال بُ َّد أن يُهَدِّئ أحدهم الموقف ،وال بُ َّد من تذكير (دورن) بأنها ما َ
زال
بوهن مضيفًا« :حتى إن كان عجو ًزا أقعدَه النِّقرس».
ٍ لها أمير» ،وابتس َم
قال كاليوت« :إذا ُعدت إلى (صنسپير) فعليك أن تلتقي األميرة مارسال .سيكون فارسها األبيض معها...
وأنت تعلم أنه يَكتُب رسائل لملكته».
ُّ « -
أظن هذا».
ف َّكر القائد عابسًا :الفارس األبيض .كان السير آريس قد جا َء (دورن) ليعتني بأميرته ،تما ًما كما جا َء آريو
هوتا مع أميرته هو ذات يوم .حتى االسمين متشابهان على نح ٍو غريب :آريو وآريس ،لكن التَّشابُه بينهما
ك القائد (نورڤوس) ورُهبانها الملتحين ،أ َّما السير آريس أوكهارت فما زا َل يخدم ال يتع َّدى هذا ،إذ تر َ
ع معيَّن من الحُزن متى رأى الرَّجل في معطفه النَّاصع الطَّويل كلَّما العرش الحديدي .يَشعُر هوتا بنو ٍ
أرسلَه األمير إلى (صنسپير) ،ويحسُّ أن يو ًما سيأتي ويتقاتَل فيه االثنان ،وفي ذلك اليوم سيموت
ً
متسائال إن كان ذلك اليوم أوكهارت بجمجم ٍة ه َّشمتها فأس القائد الطَّويلة .مرَّر يده على قناة الفأس الملساء
يدنو.
كان األمير يقول« :األصيل في نهايته .سننتظر حتى الصَّباح .احرص على أن يكون هودجي جاه ًزا مع
أول خيوط الضَّوء».
حنى كاليوت رأسه ً
قائال« :كما تأمر» ،وتنحَّى القائد جانبًا ليجعله يمرُّ ،وأصغى إلى ُخطواته المبتعدة.
ت خافت« :أيها القائد». قال األمير بصو ٍ
تق َّدم هوتا مط ِّوقًا فأسه الطَّويلة بيده وشاعرًا بنعومة ال َّدردار كأنه بشرة امرأ ٍة على َكفِّه ،ول َّما بل َغ ال ُكرسي
ق األرض بكعبها بق َّو ٍة معلنًا حضوره ،لكن األمير ظَ َّل مسلِّطًا عينيه على األطفال وحدهم، المتحرِّك َد َّ
صباك في (نورڤوس) أيها القائد؟ أو أخوات؟». وسألَه« :هل كان لك إخوة في ِ
ي ،ف ٌم آ َخر كنت أصغرهم» .أصغرهم وغير مرغوب ف َّ ُ أجاب هوتا« :االثنان ،أخوان وثالث أخوات. َ
يحتاج إلى الطَّعام ،صب ٌّي كبير يأكل كثيرًا وسرعان ما كب َر على ثيابه .ال عجب أن أهله باعوه للرُّ هبان
الملتحين.
يت عن األمل كنت األكبر ،ومع ذلك فأنا األخير .بَعد موت مورس وأوليڤار في مهديْهما تخلَّ ُ قال األميرُ « :
كنت في التَّاسعةُ ،مرافقًا أخدم على (ساحل الملح) ،وعندما وص َل ُ في أن يكون لي إخوة .حين ُولِدَت إليا
طفل لن كنت كبيرًا بما فيه الكفاية ألن أفهم أن ال ِّ ُ بشهر كامل،
ٍ ً
حامال خبر والدة أ ِّمي مب ِّكرًا إلينا ال ُغداف
دت له أنها ستموت قريبًا ،لكنها يعيش ،وحتى عندما أخب َرني اللورد جارجالن بأن أ ِّمي أنجبَت لي أختًا أ َّك ُ
رجال بال ًغا وهما يلعبان في هذه ً ُ
كنت وصل أوبرين يَصرُخ ويَر ُكل. َ عا َشت برحمة (األُم) ،وبَعد ٍ
عام
رحل كالهما».َ المسابح ،لكن هأنذا جالس هنا بينما
يدر آريو هوتا بِ َم ير ُّد .إنه مجرَّد قائد َحرس ،ولم يزل غريبًا على هذه األرض وإلهها ذي الوجوه لم ِ
احم .هذه هي اليمين التي حلفَها وهو في السَّادسة عشرة من
أطعِ ،
السَّبعة ،حتى بَعد ك ِّل تلك السِّنين .اخ ِدمِ ،
لرجل بسيط كما قال الرُّ هبان الملتحون ،لكنه ليس مد َّربًا على
ٍ العُمر ،يوم تز َّوج فأسه .يمين بسيطة
نصيحة األمراء الحزانى.
قدم من حيث ت ثقيل على بُعد أقلِّ من ٍ كالم ير ُّد به حين سقطَت بُرتقالة أخرى بصو ٍ زال يبحث عن ٍ كان ما َ
يجلس األمير ،وقد جف َل دوران للصَّوت كأنه آل َمه بوسيل ٍة ما ،ثم إنه تنهَّد وقال« :كفى ،يكفي هذا .اترُكني
ت أخرى». يا آريو ،دَعني أشاهد األطفال بضع ساعا ٍ
ظ َّل اكتسب الهواء شيئًا من البرودة ودخ َل األطفال بحثًا عن ال َعشاء ،ومع ذلك َ َ عندما غربَت ال َّشمس
جلب له أحد الخدم َ األمير جالسًا تحت أشجار البُرتقال متطلِّعًا إلى المسابح السَّاكنة ومن ورائها البحر.
وشرب كأسًا من َ فأكل القليل
َ وعا ًء من ال َّزيتون األرجواني مع ال ُخبز المد َّور والجُبنة ومعجون ِ
الح َّمص،
النَّبيذ الحُلو القوي الذي يحبُّه ،ول َّما فرغَت الكأس عا َد يمألها .أحيانًا في ساعات الصَّباح السَّوداء يغلبه
ف النَّوم وهو جالس في مكانه ،وعندئ ٍذ فقط دحر َج القائد ُكرسيَّه في ال ُّشرفة المضاءة بنور القمر ما ًّرا َ
بص ٍّ
من األعمدة الرَّفيعة وتحت قنطر ٍة أنيقة ،ودخ َل به حُجرةً تطلُّ على البحر فيها فِراش عليه مالءات خفيفة
أن دوران عندما حرَّكه القائد ،لكن اآللهة كانت رحيمةً ولم يستيقظ. من الكتَّانَّ .
ط ال ِمشحذ والقُماش المزيَّت جلس على السَّرير الضيِّق والتق َ
َ جاور حُجيرة نوم القائد حُجرة األمير ،وهناك تُ ِ
من ُك َّوتهما وبدأ يعمل .يوم و َسموه قال له الرُّ هبان الملتحون أن يُحافِظ على ح َّدة فأسه ،وهذا ما التز َمه
دائ ًما.
وبينما َس َّن هوتا الفأس اتَّجهت أفكاره إلى (نورڤوس) ،إلى المدينة العالية على التَّ ِّل والمدينة الواطئة على
زال بإمكانه أن يسمع أصوات األجراس الثَّالثة؛ جلجلة (نووم) العميقة التي كانت تبعث الرَّجفة النَّهر .ما َ
ضيَّة العذبة .من جدي ٍد مألَ فمه مذاق في عظامه ذاتها ،ودقَّات (نارا) القويَّة الفخور ،وضحكات (نايل) الف ِّ
الكعك ال ِّشتوي الغني بال َّزنجبيل وجوز الصَّنوبر وقِطع الكرز ،والذي يتلوه شراب الناشا ،وهو حليب
ب من الحديد .رأى أ َّمه في فُستانها ذي الياقة المصنوعة من فرو ماعز مخ َّمر من َّكه بالعسل يُقَ َّدم في كو ٍ
السَّناجب ،الذي اعتادَت أن ترتديه م َّرةً واحدةً فقط في العام ،عند ذهابهم لمشاهَدة الدِّببة تَرقُص على
منتصف صدره بالوسم .كان َ (ساللم ال ُخطاة) ،و َش َّم رائحة ال َّشعر المحترق المنفِّرة إذ َمسَّ الرَّاهب الملتحي
حسب أن قلبه سيتوقَّف ،لكن آريو هوتا لم يجفل ،ولم ين ُم ال َّشعر ثانيةً فوق وسم َ األلم شنيعًا لدرجة أنه
الفأس.
فقط حين أصب َحت حافتا الفأس حا َّدتيْن لدرجة أنك تستطيع أن تحلق لحيتك بهما ،وض َع القائد زوجته
المصنوعة من ال َّدردار والحديد على السَّرير ،ثم خل َع مالبسه المتَّسخة وهو يتثا َءب وألقاها على األرض،
وتم َّدد على الحشيَّة المبطَّنة بالقَش .تفكيره في الوسم جعلَه يستح ُّكه ،فح َّكه قبل أن يُس ِدل جفنيه مف ِّكرًا :كان
الالذع ،وبملمس العُصارة وغاب في النَّوم حال ًما بمذاقها الحُلو َّ
َ حريًّا بي أن أجمع البُرتقاالت التي سق َ
طت،
الحمراء اللَّزجة على أصابعه.
تعجَّل الفَجر في طلوعه ،وخارج االسطبالت وقف أصغر الهوادج التي تجرُّ ها ثالثة أحصنة جاه ًزا
لألمير ،الهودج المصنوع من خشب األَرز بستائره الحرير الحمراء.
الحراب من الثَّالثين المكلَّفين بحراسة (الحدائق المائيَّة)، انتقى القائد الصطحابه عشرين من ح َملة ِ
وسيبقى اآلخَ رون لحماية المكان واألطفال الذين يض ُّمون عددًا من أوالد اللوردات الكبار وال ُّتجَّار
األثرياء.
على الرغم من أن األمير ذك َر الرَّحيل مع أول خيوط الضَّوء ،كان آريو هوتا يعلم أنه سيتل َّكأ ،وبينما ساع َد
ضرات ال ِمايستر دوران مارتل على االستحمام ثم ض َّمد مفاصله الملتهبة بالكتَّان المغموس في المستح َ
الملطِّفة ،ارتدى القائد قميصًا من األقراص ال ُّنحاسيَّة يُالئِم رُتبته ،وفوقه معطفًا فضفاضًا من الحرير
الرَّملي المصبوغ َّ
بالذهبي والبنِّي المائل إلى الرَّمادي ،ليحجب ال َّشمس عن ال ُّنحاس .يُن ِذر هذا النَّهار بأنه
سيكون حا ًّرا ،وقد مضى زمن طويل منذ تخلَّص القائد من معطفه الثَّقيل المصنوع من َشعر الخيل
الجلد المطعَّمة بالحديد ،اللتين اعتا َد ارتداءهما في (نورڤوس) ،فارتداؤهما هنا في (دورن) كفيل وسُترته ِ
بأن يسلقه ،على أنه احتفظَ بخوذته الحديد القصيرة بريشتها ذات البروزات الحا َّدة ،وإن كان يعتمرها اآلن
ملفوفةً بالحرير البُرتقالي ،حاب ًكا إياه في البروزات وحولها ،فلوال هذا ستُصيبه أشعَّة ال َّشمس التي تضرب
المعدن بالصُّ داع قبل أن ي ِ
ُبصروا القصر.
ُفطر قبل أن يتحرَّك ،وأك َل بُرتقالةً دمويَّةً وطبقًا من بيض زال األمير لم يستع َّد للرَّحيل .قرَّر أن ي ِ
وما َ
النَّوارس بقِطع اللَّحم المق َّدد والفلفل الحرِّيف ،وبَعدها لم يكن هناك مف ٌّر من أن يُ َودِّع عددًا كبيرًا من
األطفال الذين صا َرت لهم أفضليَّة خاصَّة عنده؛ ابن دالت ،وولدَي الليدي بالكمونت ،والفتاة اليتيمة التي
بدثار فاخر من (مير) ٍ كان أبوها يبيع األقمشة والتَّوابل على ضفاف (ال َّدم األخضر) .غطَّى دوران ساقيه
وهو يُ َكلِّمهم ،ليقي الصِّغار منظر مفاصله الملتهبة المض َّمدة.
ظهر حمار ،والبقيَّة كان النَّهار قد انتصفَ عندما تحرَّكوا ،األمير في هودجه ،وال ِمايستر كاليوت على َ
الحراب ووراءهم خمسة ،وخمسة آخَ رون على كلٍّ من جانبَي سار خمسة من ح َملة ِ على األقدام .أمامهم َ
الهودج ،أ َّما آريو هوتا نفسه فاتَّخذ موقعه المعتاد على يسار األمير ،مري ًحا فأسه الطَّويلة على كتفه وهو
يمشي .يمضي الطَّريق من (صنسپير) إلى (الحدائق المائيَّة) على ساحل البحر ،فصاحبَهم النَّسيم البارد
المنعش إذ قطعوا اليابسة القاحلة بحجارتها ورمالها البنِّيَّة الضَّاربة إلى الحُمرة وأشجارها الملتوية ناقصة
النُّمو.
صف الطَّريق لحقَت بهم أفعى الرِّ مال الثَّانية. وفي منت َ
ب راكبةً جواد صحراء ذهبيًّا له ُعرف كالحرير األبيض النَّاعم .حتى على متن فجأةً ظه َرت فوق كثي ٍ
الحصان تبدو الليدي نيم بهيَّة الطَّلعة ،وقد تألَّقت في ثوبها األرجواني الفاتح وحرملتها الحرير الكبيرة
فرف مع ك ِّل هبَّة ريح وتجعلها تبدو كأنها على وشك التَّحليق .نايميريا بلونيها القشدي والنُّحاسي ،التي تُ َر ِ
كصفصافة ،ويُ َكلِّل رأسها َشعر أسود مسترسل عقدَته في ساند في الخامسة والعشرين من العُمر ،هيفاء َ
الذهب األحمر ،وتنسحب مقدِّمته المدبَّبة إلى الوراء فوق عينيها ال َّداكنتيْن كعينَي بسلك من َّ
ٍ جديل ٍة مربوطة
أبيها .بعظم وجنتيها المرتفع وشفتيها الممتلئتيْن وبشرتها ال َّشاحبة كالحليب تتحلَّى بك ِّل ال َجمال الذي تفتقِر
إليه أختها األكبر ...لكن أُم أوبارا كانت عاهرةً من (البلدة القديمة) ،أ َّما نيم فتنح ِدر من أنبل دماء
الحراب الرَّاكبين الذين تلت ِمع تروسهم المستديرة في (ڤوالنتيس القديمة) .كانت تتبعها دستة من حاملي ِ
ال َّشمس ،وقد نزلوا الكثيب وراءها.
أزاح ستائر هودجه ليستمتع أكثر بنسيم البحر ،وأبطأَت الليدي نيم حركة فَرسها َّ
الذهبيَّة َ كان األمير قد
الجميلة لتُجاري حركة الهودج ،وصا َحت كأن وجودها هنا مصادَفة محضة« :ما أحسن لُقياك يا ع َّماه!
أتسمح بأن أركب معك إلى (صنسپير)؟» .كان القائد راكبًا على الجانب اآل َخر من الهودج ،لكن كالم
الليدي نيم كلَّه بل َغ مسامعه.
أجاب األمير« :يسرُّ ني هذا» ،ولو أن نبرته بدَت للقائد خاليةً من السُّرور ،وأضافَ « :النِّقرس والحُزن َ
َّ
رفيقان بائسان على الطريق» ،وهو ما يعلم القائد أنه يعني أن ك َّل حصا ٍة على األرض تغرس مسمارًا في
مفاصله المتورِّمة.
قالت« :النِّقرس ال أستطي ُع أن أعينك عليه ،أ َّما الحُزن فلم يكن أبي يراه ذا جدوى .االنتقام كان ي ِ
ُناسب
ذوقه أكثر .أصحي ٌح أن جريجور كليجاين اعترفَ بقتل إليا وطفليها؟».
مسمع من البالط كلِّه .اللورد تايوين وعدَنا برأسه».
ٍ « -لقد أعلنَ ذنبه على
قالت الليدي نيم« :والالنستر يُ َسدِّد ديونه دائ ًما ،لكن يبدو لي أن اللورد تايوين ينوي أن يدفع لنا بعُملتنا.
ُقسم أن أبي دغد َغ ذلك الوحش بحربته أكثر من م َّر ٍة ي طائر من السير ديمون العزيز ،الذي ي ِ وص َل إل َّ
خالل نزالهما ،وإذا كان ذلك صحيحًا فالسير جريجور في عداد الموتى ،وليس بفضل اللورد تايوين».
تقلَّصت مالمح األمير ،ولكن سواء أمن ألم النِّقرس أم كالم ابنة أخيه فالقائد ال يدري.
« -ربما يكون صحيحًا».
« -ربما؟ أقو ُل إنه كذلك».
« -أوبارا تُريدني أن أحارب».
ضح َكت نيم قائلةً« :نعم ،تُريد أن تُ ِ
ضرم النَّار في (البلدة القديمة) .إنها تكره تلك المدينة قدر ما تحبُّها أختنا
الصَّغيرة».
ت؟».
« -وأن ِ
ألقَت نيم نظرةً من فوق كتفها إلى حيث يركب رفاقها على مساف ٍة ال بأس بها وراءها ،وسم َعها القائد تقول:
كنت في الفِراش مع التَّوأمين فاولر حين بلغَني الخبر.
« ُ
ُ
لست أحتا ُج إلى ق! هذا كلُّ ما أطلبه منك يا ع َّماه ،دَعني أحلِّ ُ
ق. هل تعرف كلمات آل فاولر؟ دَعوني أحلِّ ُ
ش جرَّار ،بل إلى واحد ٍة من أخواتي الجميالت فحسب».
جي ٍ
« -أوبارا؟».
الالزم ،لكن تايين أكثر رقَّةً وعذوبةً من أن يرتاب فيها أحد .أوبارا تُريد
« -تايين .أوبارا صاخبة أكثر من َّ
س اللست ط َّماعةً لهذا ال َحد ،وتكفيني أربع أنفُ ٍ
ُ أن تجعل من (البلدة القديمة) محرقة جنازة أبينا ،لكني
الذهبيَّان عوضًا عن طفلَي إليا ،واألسد العجوز عوضًا عن إليا نفسها ،وأخيرًا أكثر؛ توأما اللورد تايوين َّ
الملك الصَّغير مقابل أبي».
« -الصَّبي لم يُخطئ في حقِّنا قَ ُّ
ط» .
ق ما يقوله اللورد ستانيس» .اختفَت النَّبرة العابثة من « -الصَّبي نغل وليد الخيانة وزنى المحارم ،إذا صد َ
صوتها ،ووج َد القائد نفسه يُراقِبها مضيِّقًا عينيه .أختها أوبارا تضع سوطها على َوركها وتحمل حربتها
على مرأى من الجميع ،ومع أن الليدي نيم ال تقلُّ عنها خطورةً فإنها تُواري سكاكينها جيِّدًا« .لن يغسل
اغتيال أبي َّإال الدِّماء الملكيَّة».
ً
اغتياال». نزال فردي وهو يُقاتِل في مسأل ٍة ال عالقة له بها .ال أع ُّد هذا
ٍ « -أوبرين ماتَ في
« -فلتع َّده كما تشاء .لقد أرسلنا إليهم خيرة رجال (دورن) ،وي ِ
ُرسلون إلينا كيسًا من الرُّ فات».
ضعفهم وق َّوتهم .هذا ما قلته له« -لقد تجاو َز ك َّل ما طلبته منه .قيِّم هذا الملك الصَّبي ومجلسه وس ِّجل نقاط َ
ونحن في ال ُّشرفة ،وكنا نأكل البُرتقالِ .جد لنا أصدقاء إذا استطعت ،واعرف ما تستطيع عن نهاية إليا،
ك وقال :متى داع .كان هذا كالمي له ،لكن أوبرين ضح َ لكن احرص على عدم استفزاز اللورد تايوين بال ٍ
داع؟ األفضل أن تُ َح ِّذر آل النستر من استفزازي أنا .لقد أرا َد العدالة إلليا ،لكنه ُ
استفززت أحدًا ...بال ٍ
رفض أن ينتظر.»... َ
شماال قبل أن تبرد جثَّتك ،لو
ً قاط َعته الليدي نيم« :أبي انتظ َر سبعة عشر عا ًما .لو قتلوك أنت لقا َد جيوشه
الحراب تنهمر كالمطر على (ال ُّتخوم) اآلن».
قتلوك أنت لكانت ِ
ي َش ٌّ
ك في هذا». « -ليس لد َّ
ك في هذا أيضًا يا سم َّو األمير ...أنا وأخواتي لن ننتظر سبعة عشر عا ًما لننال قالت« :وال يَج ُدر بك أن تش َّ
انتقامنا» ،وهمزَت فَرسها وانطلقَت تَر ُكض إلى (صنسپير) ،تتبعها حاشيتها بك ِّل سُرعتها.
ك هوتا أنه لم ينَم .إنه يتألَّم .ف َّكر لحظةً أن يُناديوأغمض عينيه ،وإن أدر َ
َ ظهره إلى وسائده أسن َد األمير َ
ال ِمايستر كاليوت إلى الهودج ،لكن لو أرادَه األمير دوران لناداه بنفسه.
كانت ظالل األصيل طويلةً داكنةً وال َّشمس حمراء ملتهبةً كمفاصل األمير قبل أن يلمحوا أبراج
أوال (بُرج الحربة) الرَّفيع الذي يرتفع مئةً وخمسين قد ًما وتُتَ ِّوجه حربة من الفوالذ (صنسپير) إلى ال َّشرق؛ ً
المذهَّب تُضيف ثالثين قد ًما أخرى إلى طوله ،ثم (بُرج ال َّشمس) المهيب بقُبَّته َّ
الذهبيَّة و ُزجاجه المطلي
بالرَّصاص ،وأخيرًا (سفينة ال َّشمس) بلونه البنِّي الضَّارب إلى الرَّمادي الذي يبدو ك ُدرمونة 19هائلة جرفَها
التَّيَّار إلى ال َّشاطئ وتح َّولت إلى حجر.
ثالثة فراسخ فقط من الطَّريق السَّاحلي تفصل (صنسپير) عن (الحدائق المائيَّة)َّ ،إال أنهما عالمان مختلفان
ت من الرُّ خام ويحمل الهواء تما ًما .هناك يمرح األطفال ُعراةً في ال َّشمس وتُعزَف الموسيقى في ساحا ٍ
الالذعة ،وهنا تُف ِعم الهواء روائح ال ُغبار وال َعرق وال ُّدخان وال يعرف رائحة اللَّيمون والبُرتقال ال َّدموي َّ
ً
وبدال من الرُّ خام الوردي الذي بُ ِنيَت به (الحدائق المائيَّة) ،فإن بنايات اللَّيل سكونًا من أصوات المثرثرين،
(صنسپير) من الطَّمي والقَش وتتأر َجح ألوانها بين درجات البنِّي والرَّمادي .يرتفع معقل عائلة مارتل
نواح ،وإلى الغرب،ٍ لسان أرضي من الحجر والرِّمال ،محاطًا بالبحر من ثالث ٍ العتيق في أقصى شرق
َّ ُّ
في ِظ َّل أسوار (صنسپير) العمالقة ،تتشبَّت المحال المبنيَّة بالطوب اللبن واألكواخ الخالية من النَّوافذ
الكالبات بأبدان السُّفن ،وغرب األكواخ والمحال تنتشر االسطبالت والخانات َّ بالقلعة كما تتشبَّث
والخ َّمارات وبيوت الهوى ،كثير منها مط َّوق بأسواره الخاصَّة ،وعلى الرغم من هذا يرتفع المزيد من
األكواخ عند تلك األسوار .وهكذا وهكذا وهكذا ،كما يقول الرُّ هبان الملتحون .مقارنةً ب(تايروش) أو
ظل أكثر من بلد ٍة عاديَّة ،لكنها أقرب ما لدى الدورنيِّين إلى (مير) أو (نورڤوس ال ُكبرى) ،ال تع ُّد مدينة ال ِّ
مدين ٍة حقيقيَّة.
ق وصول الليدي نيم وصولهم بع َّدة ساعات ،وال بُ َّد أنها نبَّهت ال ُحرَّاس إلى مجيئهم ،ألنهم وجدوا سب َ
تصطف الب َّوابات بعضها وراء بعض لتُتيح ُّ (الب َّوابة الثُّالثيَّة) مفتوحةً عندما بلغوها .في هذه البُقعة فقط
أميال
ٍ لل َّزائرين أن يمرُّ وا أسفل األسوار الملتفَّة إلى (القصر القديم) مباشرةً ،دون أن يضطرُّ وا إلى قطع
من األزقَّة الضيِّقَّة واألفنية الخفيَّة واألسواق المزدحمة.
راح العوام يصيحون منادين كان األمير دوران قد أسد َل ستائره ما إن أبصروا (بُرج الحربة) ،ومع ذلك َ
إياه في أثناء مروره ،فف َّكر القائد بتوتُّر :أفاعي الرِّ مال أثاروهم َح َّد الغليان .تجا َوزوا السُّور الهاللي
الخارجي بقذارته ودخلوا من الب َّوابة الثَّانية ،حيث أفع َمت الرِّيح روائح القطران والمياه المالحة والطَّحالب
البحريَّة المتعفِّنة ،وازدادَت أعداد الجموع مع ك ِّل ُخطوة .صا َح فيهم آريو هوتا بصوته الجهوري وهو
أفسحوا الطَّريق ألمير (دورن)!». أفسحوا الطَّريق لألمير دوران! ِ ق القرميد بكعب فأسه الطَّويلةِ « :يد ُّ
صرخَ ت امرأة من ورائه« :األمير مات!».
وهد َر رجل من ُشرفة« :إلى ِ
الحراب!».
الحراب!». وهتف أحد علية القوم« :دوران! إلى ِ
الحراب! الثَّأر لألُفعوان!». تخلَّى هوتا عن محا َولة تعرُّ ف المتكلِّمينِّ ،
فالزحام شديد وثُلثهم يهتف« .إلى ِ
لدى وصولهم إلى الب َّوابة الثَّالثة كان ال ُحرَّاس يدفعون النَّاس جانبًا إلفساح الطَّريق لهودج األمير ،وبدأ
الحراب وفي يده ثمرة ُر َّمان ِشبه متعفِّنة ،لكن ث الثِّياب متجاو ًزا حاملي ِ النَّاس يُلقون أشياء .اندف َع صبي َر ُّ
ك الثَّمرة تَسقُط دون أن يُلقيها وتراج َع مسرعًا، حين رأى آريو هوتا في طريقه وفأسه الطَّويلة جاهزةً تر َ
في حين ألقى آخَرون غيره على مساف ٍة أبع َد البُرتقال واللَّيمون أصفره وأخضره هاتفين« :الحرب!
فأصيب أحد ال ُحرَّاس في عينه بليمون ٍة وانفج َرت بُرتقالة على قدم القائد نفسه.
َ الحراب!»،الحرب! إلى ِ
ظ َّل دوران مارتل مستترًا وراء جُدرانه الحرير إلى أن ابتل َعتهم أسوار ت إجابة من داخل الهودج ،و َ لم تأ ِ
نزلَت ال َّشبكة الحديد من ورائهم بصلصل ٍة صاخبة ،وبدأت أصوات الصِّياح تَخفُت ُ
القلعة السَّميكة جميعًا وأ ِ
ببُطء .كانت األميرة آريان منتظرةً في السَّاحة الخارجيَّة لتُ َحيِّي أباها وحولها نِصف البالط؛ القهرمان
ريكاسو ،والسير مانفري مارتل أمين القلعة ،وال ِمايستر مايلز ال َّشاب بردائه الرَّمادي ولحيته النَّاعمة
المعطَّرة ،وأربعون من الفُرسان الدورنيِّين بثيابهم الكتَّان عديدة األلوان ،بينما وقفَت مارسال باراثيون
الصَّغيرة مع ِسپتتها والسير آريس فارس ال َحرس الملكي الذي يتصبَّب عَرقًا في ِدرعه المطليَّة بالمينا
األبيض.
تق َّدمت األميرة آريان من الهودج في ُخفَّين من ِجلد الثَّعابين مربوطيْن حتى فخذيهاَ ،شعرها حُليقات من
السَّواد الفاحم منسدلة حتى أسفل ظَهرها ،وحول جبهتها حلقة من ال ُّشموس ال ُّنحاس .قال القائد لنفسه :ما
زالَت ضئيلة الحجم .أفاعي الرِّمال طويالت القامة ،بينما ورثَت آريان قامة أ ِّمها التي لم تتجا َوز أقدا ًما
خمسة وبوصتيْن ،لكن تحت نطاقها المحلَّى بالجواهر وطبقات الحرير األرجواني والسَّميت 16األصفر
الفضفاضة لها جسد امرأ ٍة غَض مستدير المنحنيات .أعلنَت والسَّتائر تُفتَح« :أبي( ،صنسپير) مبتهجة
لعودتك».
ب ووض َع يدًا حمراء منتفخةً على وجنة ابنته مضيفًا: ُ
سمعت البهجة» ،وابتس َم بشحو ٍ قال األمير« :نعم،
«تبدين بخير .أيها القائد ،سا ِعدني على ال ُّنزول من فضلك».
ق لئال يُز ِعج مفاصله الملتهبة، ط األمير بذراعيه برف ٍَدسَّ هوتا فأسه الطَّويلة في حزامها على ظَهره والتق َ
حبس دوران مارتل شهقة ألم.
َ وعلى الرغم من هذا
1648 5%دقيقة متبقية من «وليمة للغربان -الكتاب الرابع من أغنية الجليد والنار» قالت آريان« :لقد
أمرت ُّ
الطهاة بتجهيز وليم ٍة بك ِّل أصنافك المفضَّلة لهذا المساء». ُ
َر َّد األمير« :أخشى أن ال شهيَّة عندي» ،وتطلَّع بتؤد ٍة في أنحاء السَّاحة ،وأردفَ « :ال أرى تايين».
« -لقد طلبَت الكالم معك على انفراد ،وأرسلتها تنتظرك في قاعة العرش».
تنهَّد األمير ،وقال« :ليكن .أيها القائد ،فلنَفرُغ من هذا األمر بسُرع ٍة ألستريح».
حملَه هوتا صاعدًا ساللم (بُرج ال َّشمس) الحجريَّة الطَّويلة إلى القاعة ال َّدائريَّة الكبيرة تحت القُبَّة ،حيث
تتسرَّب خيوط ضوء األصيل األخيرة من ُزجاج النَّوافذ السَّميكة ذي األلوان المتعدِّدة لتُ َرقِّط الرُّ خام
ت من مئة لون ،وهناك كانت أفعى الرِّمال الثَّالثة تنتظرهم. بماسا ٍ
وجدوها جالسةً متقاطعة السَّاقيْن على وساد ٍة أسفل المنصَّة المرتفعة التي يعتليها المقعدان العاليان ،لكنها
ضت لدى دخولهم ،وقد ارتدَت فُستانًا ضيِّقًا من السَّميت األزرق الباهت ب ُك َّمين من شرائط ال ِّزينة نه َ
تطريز تعمل عليها ،وفي الثَّانية ٍ المايريَّة التي جعلَتها تبدو ببراءة (العذراء) نفسها ،وفي إحدى يديها قطعة
الذهبَ .شعرها ذهب ٌّي أيضًا ،وعيناها لُجَّتان زرقاوان عميقتان ...ومع ذلك فإنهما ب ٍ
شكل زوجان من اإلبر َّ
ما تُ َذ ِّكران القائد بعينَي أبيها ،رغم أن عينَي أوبرين كانتا سوداويْن كاللَّيل .قال أريو هوتا لنفسه وقد فطنَ
إلى الحقيقة فجأةً :كلُّ بنات األمير أوبرين لهن عيناه األُفعوانيَّتان ،ب َغضِّ النَّظر عن اللَّون.
قالت تايين ساند« :ع ِّميُ ،
كنت أنتظرك».
« -أيها القائد ،سا ِعدني على الجلوس على المقعد العالي».
المزخرفة
َ ظهره حربة آل مارتل على المنصَّة مقعدان أقرب إلى توأميْن ،مع فرق أن أحدهما على َ
بالذهب ،والثَّاني يحمل شمس الروينار الوهَّاجة التي رفرفَت على صواري سُفن نايميريا حين ر َست على َّ
أجلس القائد األمير أسف َل الحربة وابتع َد.
َ سواحل (دورن).
« -هل األلم بالغ؟» ،سألَت الليدي تايين بنبر ٍة رقيقة وقد بدَت عذبةً كالفراولة في الصَّيف .كانت أ ُّمها
ِسپتةً ،ولتايين طابع من الرِّ قَّة كأنه من ٍ
عالم آخَر« .أهناك ما يُمكنني أن أفعله ألخفِّف األلم؟».
لديك وات ُركيني أستريحُ ،إنني مرهَق يا تايين».
ِ « -قولي ما
صنعت هذه من أجلك يا ع َّماه» ،وبسطَت القطعة التي تُطَ ِّرزها ،التي تُظ ِهر األمير أوبرين مبتس ًما
ُ قالت« :
غ منها ،لتُسا ِعدك على تذ ُّكره».رع حمراء« .إنها لك حين أفر ُ
على صهوة جوا ٍد صحراوي في ِد ٍ
أباك».
« -ليس واردًا أن أنسى ِ
« -جيِّد أن تقول هذا ،فكثيرون يتسا َءلون».
« -اللورد تايوين وعدَنا برأس الجبل».
ً
طويال الجالد ليس نهايةً تليق بالسير جريجور ال ُّشجاع .لقد صلَّينا من أجل موته
َّ « -يا للُطفه ...لكن سيف
ُ
أعرف ال ُّس َّم الذي استخد َمه أبي ،وليس هناك ُس ٌّم في صلِّي من أجله أيضًا .إننيج ًّدا ،وعين العدل أن يُ َ
ً
مفعوال أو أكثر إيال ًما .قد نسمع صُراخ الجبل قريبًا ،حتى هنا في (صنسپير)». ال ُّدنيا أبطأ
عنك؟».
ِ ي مطالبةً بالحرب ،ونيم قانعة باالغتيال ،فماذا زف َر األمير دوران ً
قائال« :أوبارا تزعق ف َّ
قالت تايين« :الحرب ،لكن ليس حرب أختي .أحسن قتال الدورنيِّين على أرضهم ،لذا أقو ُل أن نشحذ
ِحرابنا وننتظر ،ول َّما يأتينا آل النستر وتايرل سنُدميهم في الممرَّات وندفنهم في الرِّمال كما فعلنا مئة م َّر ٍة
من قبل».
« -هذا إذا أتوا».
وإال عادَت البالد تتم َّزق كما كانت قبل أن نتز َّوج التَّنانين .أبي َمن أخب َرني « -أوه ،من المحتَّم أن يأتواَّ ،
أرسل إلينا األميرة مارسال .إنها جميلة ج ًّدا ،أليس كذلك؟ ليت َ بهذا ،قال إن علينا أن نَش ُكر ال ِعفريت ألنه
لي ُخصالت ك ُخصالتها .لقد ُخ ِلقَت لتكون ملكةً ،تما ًما ِمثل أ ِّمها» ،وأزه َرت الغ َّمازتان في وجنتَي تايين
الزفاف وأشرف على صُنع التَّاجيْن كذلك .تريستان ومارسال شديدا واصل« :سيُ َشرِّفني أن أرتِّب ِّ وهي تُ ِ
الزمرُّ د ليتماشى مع عينَي مارسال .أوه ،ال الذهب األبيض ...مع ُّ رت أن يكون التَّاجان من َّ البراءة ،لذا ف َّك ُ
بأس بالماس واللُّؤلؤ أيضًا ما دا َم الطِّفالن سيتز َّوجان ويُتَ َّوجان ،وما علينا عندئ ٍذ َّإال أن نُعلِن مارسال
األولى ملكةً على األنداليِّين والروينار والبَشر األوائل ،باعتبارها الوريثة ال َّشرعيَّة لممالك (وستروس)
السَّبع ،وننتظر مجيء األُسود».
ر َّدد األمير ساخرًا« :الوريثة ال َّشرعيَّة؟».
والمفترض بالقانون أن ينتقل العرش الحديدي إليها».
َ شر َحت تايين كأنه أحمق« :إنها أكبر من أخيها،
« -القانون الدورني».
« -عندما تز َّوج الملك دايرون الكريم األميرة ميريا وض َّمنا إلى المملكة كان هناك اتِّفاق يقضي أن يُطَبَّق
القانون الدورني في (دورن) دو ًما ،وللصُّ دفة مارسال في (دورن) اآلن».
قال بنبر ٍة متذ ِّمرة« :هي كذلك .دَعيني أف ِّك ُر في األمر».
ر َّدت تايين بصرامة« :إنك تُفَ ِّكر كثيرًا ج ًّدا يا ع َّماه».
« -حقًّا؟».
« -هذا ما كان أبي يقوله».
« -أوبرين كان يُفَ ِّكر لِما ًما».
« -بعض النَّاس يُفَ ِّكر ألنه يخاف أن يفعل شيئًا».
« -هناك فرق بين الخوف والحذر».
قالت تايين« :أوه ،أدعو َّأال أراك خائفًا أبدًا يا ع َّماه ،فقد تنسى أن تتنفَّس» ،ورف َعت يدها...
ت» .إنك تتجرَّئين يا سيِّدتي .ابتعدي عن المنصَّة إذا سمح ِقائالِ « :ق القائد الرُّ خام بكعب فأسه ً و َد َّ
ر َّدت تايين« :ال أقص ُد أ ًذى أيها القائد .إنني أحبُّ ع ِّمي ِمثلما أعل ُم أنه أحبَّ أبي» ،وجثَت أمام األمير
ُ
زلت آخره .أماأسأت إليك ،فقلبي كسير عن ِ ُ جئت ألقوله يا ع َّماه .سا ِمحني إذاُ مردفةً« :لقد ُ
قلت ك َّل ما
أحظى بحبِّك؟».
« -دائ ًما».
أعطني بَركتك إذن وسأذهبُ ».
ِ «-
تر َّدد دوران هنيهةً قبل أن يضع يده على رأس ابنة أخيه ،ويقول« :تشجَّعي يا صغيرتي».
« -وكيف ال؟ إنني ابنته».
لم تكد تُغا ِدر حتى هر َع ال ِمايستر كاليوت إلى المنصَّة ً
قائال« :سم َّو األمير ،إنها لم ...دَعني أرى يدك»،
ق ليتش َّمم أصابع األمير ،ثم قال« :ال ،جيِّد ،هذا جيِّد ،ليست هناك خدوش، ف ً
أوال ثم قلبَها برف ٍ وتفحَّص ال َك َّ
لذا.»...
قال األمير ساحبًا يده« :هل لي بالقليل من حليب الخشخاش 15أيها ال ِمايستر؟ كوب صغير يكفي».
« -الخشخاش ،نعم ،بالتَّأكيد».
حثَّه األمير ً
قائال بهدوء« :اآلن» ،فأسر َع كاليوت إلى السَّاللم.
كانت ال َّشمس قد غربَت في الخارج ،واصطب َغ الضَّوء داخل القُبَّة ب ُزرقة الغسق ،فيما بدأت الماسات على
ضر وتزول ،واألمير جالس على مقعده العالي تحت حربة آل مارتل بوج ٍه ممتقع من األلم، األرض تُحت َ
سائال« :أيها القائد ،ما مدى إخالص ُحرَّاسي؟». ً طال التفتَ إلى آريو هوتا
ت َ وبَعد صم ٍ
ي شي ٍء آخَر ير ُّد« :إنهم مخلصون».
عالم بأ ِّ
أجاب القائد غير ٍ
َ
« -بعضهم أم جميعهم؟».
قال القائد« :إنهم رجال صالحون ،دورنيُّون صالحون ،وسيفعلون ما آمرهم به» ،و َد َّ
ق األرض بفأسه
رجل يخونك».
ٍ مردفًا« :سأقط ُع رأس أ ِّ
ي
« -ال أري ُد رؤوسًا ،أري ُد الطَّاعة».
ً
رجال تُريد؟». لرجل بسيط« .كم
ٍ احم .يمين بسيطة
أطعِ ،
« -هي لك» .اخ ِدمِ ،
ك لك هذا القرار .ربما تُفيدنا قِلَّة من الرِّجال البارعين أكثر من عشرين .أري ُد أن يت َّم األمر بأسرع
« -سأتر ُ
وأهدأ ما يُمكن ،دون أن تُراق دماء».
« -بسُرع ٍة وهدوء ودون دماء ،نعم .ما أوامرك؟».
« -ستجد بنات أخي وتقبض عليهن وتحبسهن في ال َّزنازين على ق َّمة (بُرج الحربة)».
ف« :أفاعي الرِّمال؟ ك ُّلهن ...ثمانيتهن يا سم َّو األمير؟ والصَّغيرات أيضًا؟».
ق َج َّ
بحل ٍ
قال القائد َ
ف َّكر األمير لحظةً قبل أن يُجيب« :بنات إالريا أصغر من أن يُ َمثِّلن خطرًا ،لكن ربما يسعى أحدهم إلى
ت في متنا َول اليد.استغاللهن ضدي .األفضل أن يكن آمنا ٍ
نعم ،الصَّغيرات أيضًا ...لكن تايين ونايميريا وأوبارا ً
أوال».
ُعجب هذا أميرتي الصَّغيرة« .وماذا عن ساريال؟
سمو األمير» .لن ي ِ
ُّ ب منزعج« :كما يأمر قال القائد بقل ٍ
إنها امرأة ناضجة ،تُ ِ
قارب العشرين».
« -ما لم ترجع إلى (دورن) فليس هناك ما يُمكنني أن أفعله بشأنها غير أن أصلِّي أن تكون أعقل من
أخواتها .دَع ساريال ل ...للُعبتها ،واقبض على األخريات .لن أنام إلى أن أعرف أنهن آمنات وتحت
الحراسة».
قال القائد« :سيت ُّم األمر» ،وتر َّدد لحظةً قبل أن يُضيف« :عندما يَبلُغ الخبر ال َّشوارع سيثور العا َّمة».
ت تَ ِعب(« :دورن) كلُّها ستثور .آم ُل فقط أن يسمعهم اللورد تايوين في (كينجز َر َّد دوران مارتل بصو ٍ
الندنج) ليعلم أن له صديقًا وفيًّا في (صنسپير)».
سرسي
في الحُلم رأت نفسها جالسةً على العرش الحديدي ،ساميةً عنهم جميعًا.
كان أفراد الحاشية فئرانًا زاهية األلوان في األسفل .أمامها رك َع كلُّ لورد عظيم وليدي مترفِّعة ،ووض َع
الفُرسان ال ُّشبَّان األشاوس سيوفهم عند قدميها مستجدين حظوتها ،وابتس َمت لهم الملكة من عليائها ...إلى
ظهر القزم كأنه بر َز من العدم ،يُشير إليها ويعوي ضح ًكا ،فبدأ اللوردات والليديهات في القهقهة َ أن
بدورهم وقد أخفوا ابتساماتهم وراء أيديهم ،ولحظتها فقط أدر َكت الملكة أنها عارية.
طي نفسها بيديها ،وانغر َست نصال العرش الحديدي وأشواكه في لحمها إذ انحنَت مذعورةً ،حاولَت أن تُ َغ ِّ
على نفسها محاولةً تخبئة عورتها ،فسالَت الدِّماء حمراء على ساقيها ونه َشت أسنان من الفوالذ ردفيها،
ول َّما حاولَت أن تنهض انزلقَت قدمها في فجو ٍة في المعدن المش َّوه ،وكلَّما قاو َمت ناشدةً التَّحرُّ ر ابتل َعها
العرش أكثر ،مم ِّزقًا قطعًا من اللَّحم من ثدييها وبطنها ومش ِّرحًا ذراعيها وساقيها ،إلى أن اكت َست بلمعة
الحُمرة ال َّزلقة.
وطوال الوقت يتوثَّب أخوها في األسفل ضاح ًكا.
ظت فجأةً، كانت ضحكاته الج ِذلة ال تزال تتر َّدد في أُذنيها حين أحسَّت بلمس ٍة خفيفة على كتفها واستيق َ
وألق ِّل من لحظ ٍة بدَت اليد جز ًءا من الكابوس ،فأطلقَت سرسي صيحةً ،لكنها كانت يد سينل ال غير ،وقد
ال َح الخوف على وجه الوصيفة الممتقع.
قالت الملكة لنفسها وقد أتاها اإلدراك :لسنا وحدنا .كانت الظِّالل تُحيط بفِراشها ،أشباح طويلة تلتمع
حلقاتها المعدنيَّة تحت معاطفها ،ولكن ليس لل ِّرجال المسلَّحين شأن هنا .أين ُحرَّاسي؟ كانت ُغرفة نومها
مظلمةً تما ًما ،ال ضوء فيها َّإال ذلك المنبعث من المصباح الذي يرفعه أحد المتطفِّلين عاليًا .يجب َّأال أبدي
خوفًا.
ً
داخال دائرة الضَّوء، أزاحت سرسي َشعرها الذي شعَّثه النوم سائلةً« :ماذا تُريدون مني؟» ،فتق َّدم رجل َ
بأخ فيأتي الثَّاني إليقاظي.
وعندما رأت معطفه األبيض قالت« :چايمي؟» .أحل ُم ٍ
رك» .له َشعر متم ِّوج
حض ِأجابَها الصَّوت الذي ليس ألخيها« :جاللة الملكة ،حضرة القائد قال أن نأتي ونُ ِ
كالذهب المطرَّقِ ،مثلها بالضَّبط ،أ َّما هذا الرَّجل ف َشعره أسود ُدهني ،وقد ح َّدقت كچايمي ،لكن َشعر أخيها َّ
ُ
زلت أحل ُم ،لم أستيقظ ولم ينت ِه مرحاض ونُ َّشابيَّة ويَذ ُكر اسم أبيها .ما
ٍ بكالم ما عن
ٍ إليه وهو يُغَم ِغم
كابوسي .قريبًا سيزحف تيريون خارجًا من تحت الفِراش ويضحك مني.
لكن ما تُفَ ِّكر فيه سُخف .أخوها القزم حبيس ال َّزنازين السَّوداء ،ومحكوم عليه بالموت اليوم تحديدًا .تطلَّعت
إلى يديها وقلبَتهما لتتأ َّكد من أن أصابعها كلَّها ال تزال موجودةً ،وحين تحسَّست ذراعها وجدَت ِجلدها
ُ
شربت مقشع ًّرا ولكن سلي ًما ،وال جروح في ساقيها أو شقوق في باطن قدميها .حُلم ،لم يكن أكثر من حُلم.
سأكون أنا الضَّاحكة مع حلول الغسق ،سيصير ولداي ُ الكثير ليلة أمس ،وهذه المخاوف وليدة النَّبيذ فقط.
آمنيْن وعرش تومن محفوظًا ،ويفقد ڤالونڬاري الصَّغير ال َّشائه رأسه ويتعفَّن.
ناولها كوبًا ،فأخ َذت سرسي رشفةً لتذوق الماء المخلوط بعصير وجدَت چوسلين سويفت عند ِمرفقها تُ ِ
اللَّيمون ،وكان الذعًا لدرجة أنها بصقَته .سم َعت رياح اللَّيل ترجُّ مصاريع النَّوافذ ،وأصب َح بإمكانها اآلن
شجر ِمثل سينل ،ورأت سرسي السير ٍ بوضوح كامل غريب .كانت چوسلين ترتجف خوفًا كورقة ٍ أن ترى
حامال المصباح ،وعند الباب َحرس النستر ً أوزموند ِكتلبالك واقفًا فوقها ،ووراءه السير بوروس بالونت
الذين تلتمع األُسود المذهَّبة على ريشات خوذاتهم ،وقد بدوا خائفين أيضًا .تساءلَت الملكة :أهذا حقيقي؟
نوم على كتفيها لتَستُر ُعريها ،ثم ربطَت ضت وتر َكت سينل تضع معطف ٍ أيُمكن أن يكون حقيقيًّا؟ نه َ
الحزام بنفسها بأصابع متيبِّسة خرقاء ،وقالت« :السيِّد والدي يحتفظ ب ُحرَّاسه حوله ليل نهار» .أحسَّت
ثقيال ،فأخ َذت رشفةً أخرى من الماء باللَّيمون ود َّورته في فمها لتُن ِعش أنفاسها .كانت ُعثَّة قد دخلَت
بلسانها ً
المصباح الذي يحمله السير بوروس ،وسم َعت سرسي طنينها ورأت ِظ َّل جناحيها وهما يضربان ُّ
الزجاج.
قال أوزموند ِكتلبالك« :ال ُحرَّاس كانوا في مواقعهم يا جاللة الملكة .لقد وجدنا بابًا خفيًّا وراء المستوقَد،
طريقًا س ِّريًّا .حضرة القائد نز َل ليرى أين يقود».
استحو َذ عليها الفزع فجأةً كالعاصفة ،وقالت« :چايمي؟ المفت َرض أن يكون چايمي مع الملك.»...
« -لم يمسَّ الصَّبي أذى .السير چايمي أرس َل دستةً من ال ِّرجال لحراسته .جاللته نائم في سالم».
وبإيقاظ أرحمَ « .من مع الملك؟».
ٍ ُلم أجمل من حُلمي،فليحظَ بح ٍ
رضاك».
ِ « -السير لوراس له هذا ال َّشرف ،بَعد
لكن هذا ال يُرضيها .آل تايرل مجرَّد ُوكال ٍء رف َعهم ملوك التَّنانين فوق مكانتهم كثيرًا ،وليس أكبر من
غرورهم َّإال طموحهم .قد يكون السير لوراس وسي ًما كأحالم العذراوات ،لكنه تايرل حتى النُّخاع تحت
معطفه األبيض ،وعلى َح ِّد علمها فربما تكون ثمرة اللَّيلة التَّالفة قد ُز ِرعَت وترعرعَت في (هايجاردن).
ك ال تستطيع المجاهَرة به .هكذا قالت« :اسمحوا لي بلحظ ٍة الرتداء ثيابي .سير أوزموند، لكنه َش ٌّ
ستصحبني إلى (بُرج اليد) .سير بوروس ،أيقِظ ال َّسجَّانين وتأ َّكد من أن القزم ما زا َل في زنزانته» .تَرفُض
أن تنطق اسمه .ح َّدثت نفسها قائلةًُ :محال أن يجد َشجاعة أن يرفع يدًا ضد أبينا ،لكن عليها أن تتيقَّن.
وناول السير أوزموند المصباح ،فلم يُثِر استياء سرسي أن َ قال بالونت« :كما تأمرين يا صاحبة الجاللة»،
تراه يرحل .لم يكن يَج ُدر بأبي أن يُعيد إليه معطفه األبيض قَ ُّ
ط .لقد برهنَ الرَّجل على جُبنه.
لدى خروجهم من (حصن ميجور) كانت السَّماء قد اصطبغَت ب ُزرق ٍة عميقة كالكوبالت ،ولو أن ال ُّنجوم ال
تزال تلتمع .جميعها باستثناء واحد .نجم الغرب السَّاطع هوى ،واآلن ستُصبِح اللَّيالي أكثر حلكةً .توقَّفت
على الجسر المتحرِّك الممدود فوق الخندق الجاف متطلِّعةً إلى الخوازيق في األسفل ،وف َّكرت :ما كانوا
شأن كهذا ،ثم إنها سألَتَ « :من وجدَه؟». ي في ٍ ليَجسُروا على الكذب عل َّ
ذهب يُلَبِّي نداء الطَّبيعة ووج َد حضرة اللورد في المرحاض». َ أجاب السير أوزموند« :أحد ُحرَّاسه ،لوم. َ
ال ،ال يُمكن أن يكون هذا صحيحًا .ليس هكذا يموت األسد .أحسَّت الملكة بهدو ٍء غريب ،وتذ َّكرت أول
ي ألم ،وإن ولَّدت الفجوة إحساسًا غريبًا في فمها جعلَها صغرها وكيف لم تَشعُر بأ ِّ م َّر ٍة فقدَت فيها ِسنًّا في ِ
ف عن لمسها بلسانها .واآلن ث َّمة فجوة في العالم كان يس ُّدها أبي ،والفجوات تحتاج إلى ملء. ال تستطيع ال َك َّ
إذا ماتَ تايوين النستر حقًّا فال أحد في أمان ...ال سيَّما ابنها على عرشه .حين يموت اللَّيث تنقضُّ
الحيوانات األقلُّ شأنًا ،ال ِعقبان وبنات آوى والكالب الضَّارية.
ُحاولون تنحيتها جانبًا كما فعلوا دو ًما ،وعليها أن تتحرَّك بسُرع ٍة ِمثلما فعلَت حين ماتَ روبرت .قد سي ِ
لهجوم جديد على المدينة، ٍ أجير ما ،وربما يكون تمهيدًاٍ يكون هذا من صُنع ستانيس باراثيون من خالل
ت .سأسحقه كما سحقَه أبي ،وهذه المرَّة سيموت .ال يُخيفها ستانيس أكثر وهي تأمل أن يكون كذلك .فليأ ِ
مما يُخيفها مايس تايرل ،ال أحد يُخيفها .إنها اللَّبؤة ابنة (الصَّخرة) .لن يكون هناك المزيد من الكالم عن
َّ
يستخف بها أحد إرغامي على ال َّزواج مج َّددًا( .كاسترلي روك) لها اآلن ،وكلُّ سُلطة عائلة النستر ،ولن
ثانيةً أبدًا ،وحتى عندما تنتهي حاجة تومن إلى وصيَّة ستظلُّ سيِّدة (كاسترلي روك) ق َّوةً ال يُستهان بها في
البالد.
خضَّبت ال َّشمس المشرقة قمم األبراج باألحمر الفاقع ،لكن تحت األسوار ظَ َّل اللَّيل رابضًا ،وخيَّم على
ي بهم أنصدِّق أن أهلها جميعًا قد ماتوا .حر ٌّ القلعة الخارجيَّة صمت مطبِق لدرجة أن سرسي كانت لتُ َ
ق حاشيةً تخدمه في الجحيم. يموتوا ،فال يليق بتايوين النستر أن يموت وحده .رجل ِمثله يستح ُّ
عند باب (بُرج اليد) وقفَ أربعة من حاملي الحراب في المعاطف الحمراء والخوذات ذات ريشة األسد،
فقالت لهم« :ال أحد يَد ُخل أو يَخرُج دون إذني» .صد َر منها األمر بسهولة .أبي أيضًا كان في صوته
فوالذ.
دمع لم ت َِسل من سرسي كما لم تكن لتسيل منٍ أزع َج ُدخان المشاعل عينيها داخل البُرجَّ ،إال أن قطرة
أبيها .أنا االبن الحقيقي الوحيد الذي أنجبَه .احت َّ
ك كعباها بالحجر وهي تصعد السَّاللم ،ولم يزل بإمكانها أن
تسمع ضربات جنا َحي العُثَّة العنيفة داخل مصباح السير أوزموند ،فخاطبَتها الملكة في سريرتها بضيق:
موتي ،حلِّقي إلى اللَّهب وافرُغي من األمر.
على ق َّمة السَّاللم وقفَ حارسان آ َخران بمعطفيْن أحمريْن ،وتمت َم لستر األحمر بكلمة عزا ٍء إذ مرَّت به.
أحسَّت الملكة بأنفاسها سريعةً قصيرةً وبقلبها يرتجف في صدرها ،فقالت لنفسها :إنها السَّاللم ،هذا البُرج
بميل في نفسها إلى هدمه.
ٍ الملعون ساللمه كثيرة للغاية .الحقيقة أنها تَشعُر
وانكمش
َ ألفَت القاعة مليئةً بالحمقى الذين يتكلَّمون همسًا ،كأن اللورد تايوين نائم ويخشون أن يُوقِظوه،
ال َحرس والخدم على َح ِّد سوا ٍء منها لدى مرورها وأفواههم تنفتح وتنغلق ،فرأت لِثاهم الورديَّة وألسنتهم
يعن لها شيئًا أكثر من طنين العُثَّة .ماذا يفعلون هنا؟ كيف عرفوا؟ المفت َرض أن
المتراقصة ،لكن كالمهم لم ِ
أوال .إنها الملكة الوصيَّة على العرش ،أم أنهم نسوا؟ أمام ُغرفة نوم يد الملك يكونوا قد استدعوها هي ً
فتح مقدِّمة خوذته فجعلَته األكياس الثَّقيلة تحت
وقفَ السير مرين ترانت بمعطفه و ِدرعه األبيضيْن ،وقد َ
عينيه يبدو كأنه ما زا َل نِصف نائم .قالت له« :أب ِعد هؤالء النَّاس .هل أبي في المرحاض؟».
فت َح لها السير مرين الباب مجيبًا« :حملوه إلى سريره يا سيِّدتي».
كانت خيوط الضَّوء المائلة تتسرَّب من مصاريع النَّوافذ راسمةً خطوطًا ذهبيَّةً على الحصائر المفروشة
صلِّي على أرضيَّة ُغرفة النَّوم ،ووجدَت الملكة ع َّمها كيڤان على رُكبتيه إلى جوار الفِراش ،ي ِ
ُحاول أن يُ َ
وبالكاد يستطيع إخراج الكلمات من بين شفتيه .تج َّمع ال َحرس قُرب المستوقَد ،وقد ال َح الباب ال ِّس ِّري الذي
ذك َره السير أوزموند مفتوحًا وراء الرَّماد ،ال يتع َّدى حجمه حجم فُرن ،وهو ما يعني أن المتسلِّل منه عليه
رجل فقط .ال ،القزم محبوس في زنزان ٍة سوداء. ٍ أن يزحف .أصابَتها الفكرة بالغضب .لكن تيريون نِصف
زال له مناصرون في المدينة .إ َّما هو وإ َّماليس ممكنًا أن هذا من صُنعه .ستانيس ،ستانيس وراء األمر .ما َ
آل تايرل...
قتل
ت س ِّريَّة داخل (القلعة الحمراء) ،ويُفت َرض أن ميجور المتوحِّش َ لطالما تر َّدد الكالم عن وجود ممرَّا ٍ
نوم أخرى فيها أبواب خفيَّة؟ تك َّونت في عقل سرسي فجأةً الذين بنوا القلعة ليُحافِظ على السِّر .كم ُغرفة ٍ
صورة للقزم يَخرُج زاحفًا من وراء إحدى المعلَّقات في ُغرفة تومن وفي يده س ِّكين ،لكنها ح َّدثت نفسها
قائلةً :تومن تحت حراس ٍة قويَّة .واللورد تايوين كان تحت حراس ٍة قويَّة أيضًا.
مرَّت لحظة دون أن تتعرَّف الرَّجل الميت .إن له َشعرًا ك َشعر أبيها ،نعم ،وإنما مؤ َّكد أن هذا رجل آ َخر،
رجل أصغر حج ًما وأكبر ِسنًّا بكثير ،معطف نومه مرفوع حول صدره تار ًكا إياه عاريًا تحت الخصر.
انغرس في لحمه تما ًما لدرجة أن ريشته فقط َ كان السَّهم قد أصابَه فوق خاصرته بين َّ
الذكر وال ُّسرَّة ،وقد
بارزة ،ويبَّست الدِّماء الجافَّة َشعر عانته ،بينما بدأ المزيد منها يتخثَّر في ُسرَّته.
أخرجوا السَّهم منه .إنه يد الملك!» .ووالدي ،السيِّد جعلَت رائحته أنفها يتقلَّص اشمئزا ًزا ،وقالت آمرةًِ « :
والدي .أيَج ُدر بي أن أصرخ وأم ِّزق َشعري؟ يقولون إن كاتلين ستارك م َّزقت وجهها تمزيقًا حين قتلوا
عزيزها روب .أرادَت أن تسأله :هل كان هذا ليروقك يا أبي أم كنت لتُريدني أن أتحلَّى بالثَّبات؟ هل بكيت
صار في غايةَ وسنُّها عام واحد ال أكثر ،لكنها تعرف قصَّة اللورد تايتوس الذي أنت أباك؟ لقد ماتَ ج ُّدها ِ
َ
حدث انفجر قلبه وهو يصعد السَّاللم إلى عشيقته .كان أبوها في (كينجز الندنج) عندما َ يوم
البدانة ،وفي ٍ
طويال في المدينة وقت طفولتها هي وچايمي، ً هذا ،يدًا للملك المجنون ،وقد اعتا َد اللورد تايوين أن يغيب
مكان لم ي َر أحد فيه دموعه.
ٍ فإذا كان بكى حين أتوه بخبر موت أبيه فقد فعلَها في
قالت الملكة شاعرةً بأظفارها تنغرس في راحتَي يديها« :كيف تتركوه هكذا؟ أبي كان يدًا لثالثة ملوك،
ق له األجراس كما ُدقَّت لروبرت ،وال بُ َّد أن يُ َغسَّل ويُكسىرجل عرفَته (الممالك السَّبع) .ال بُ َّد أن تُ َد َّ
ٍ أعظم
الذهب والحرير القرمزي .أين پايسل؟ أين پايسل؟!» ،والتفتَت ب تليق بمكانته ،بفراء القاقوم وقُماش َّ
14
بثيا ٍ
أحضر ال ِمايستر األكبر پايسل .عليه أن يتولَّى العناية باللورد تايوين». ِ إلى ال ُحرَّاس قائلةً« :پوكنز،
وذهب يستدعي األخوات الصَّامتات».
َ َر َّد پوكنز« :لقد رآه بالفعل يا جاللة الملكة ،أتى ورأى
ُرسل
ُعجزها عن الكالم .ويهرب پايسل لي ِ ق كا َد ي ِ
آخر َمن أرسلوا يستدعونه .أصابَها اإلدراك بحن ٍ ُ
كنت ِ
بدال من أن يُلَ ِّوث يديه الرَّقيقتيْن المتغضِّنتيْن .هذا الرَّجل عديم الفائدة .قالت بنبر ٍة آمرة« :اعثُر على
رسالةً ً
ال ِمايستر باالبار ،اعثُر على ال ِمايستر فرنكن ،هذا أو ذاك» ،فهر َع پوكنز وذو األُذن القصيرة لتلبية األمر،
وتساءلَت هي« :أين أخي؟».
ذهب ليرى ُعمقها».
َ « -نز َل في النَّفق .ث َّمة بئر فيها درجات حديد مثبَّتة في الحجر .السير چايمي
أرادَت أن تزعق فيهم :إن له يدًا واحدةً فقط .كان على أحدكم أن يذهب ،فليس لچايمي أن يتسلَّق السَّاللم.
قد يكون َمن قتلوا أبي كامنين في األسفل في انتظاره.
لطالما كان توأمها مته ِّورًا ،ويبدو أن فقدانه يده لم يُ َعلِّمه الحذر .كانت على وشك أن تأمر ال َحرس باللَّحاق
به عندما عا َد پوكنز وذو األُذن القصيرة وبينهما رجل أشيب ،وقال ذو األُذن القصيرة« :جاللة الملكة،
هذا الرَّجل يقول إنه كان ِمايستر».
جاللتك؟».
ِ انحنى الرَّجل بش َّد ٍة ً
قائال« :كيف أخد ُم
تستطع أن تتذ َّكره .عجوز ،لكن ليس ه َِر ًما كپايسل،
ِ وجدَت سرسي وجهه مألوفًا على نح ٍو طفيف ،وإن لم
ما زا َل يتمتَّع بالقليل من الحيويَّة .الرَّجل طويل القامة لكن ظَهره محن ٌّي بعض ال َّشيء ،وحول عينيه
البنِّيَّتين الجريئتيْن تجاعيد .ورقبته عارية .قالت له« :لست تضع سلسلة ِمايستر».
أخيك».
ِ ُ
عالجت يد « -أُ ِخ َذت مني .اسمي كايبرن ،بَعد إذن صاحبة الجاللة .لقد
« -تقصد َجدعة يده» .اآلن تَذ ُكر أنه جا َء مع چايمي من (هارنهال).
أستطع أن أنقذ يد السير چايمي ،هذا صحيح ،لكن فنوني أنق َذت ذراعه ،وربما حياته ذاتها .لقدِ « -لم
أخ َذت (القلعة) سلسلتي ،لكن ليس بمقدور أح ٍد هناك أن يأخذ معرفتي».
قالت وقد حز َمت أمرها« :قد تَصلُح .إذا خذلتني ستفقد أكثر من مجرَّد سلسلة ،هذا وعدِ .
أخرج السَّهم من
بطن أبي وجهِّزه لألخوات الصَّامتات».
ً
متسائال« :وكيف أتعام ُل مع وذهب إلى الفِراش ،ثم توقَّف ونظ َر خلفه
َ قال كايبرن« :كما تأمر مليكتي»،
الفتاة يا جاللة الملكة؟».
« -الفتاة؟» .لم تنتبِه سرسي إلى الجثَّة الثَّانية ،لكنها أسرعَت اآلن إلى الفِراش وط َّوحت كومة األغطية
ال َّدامية جانبًا ،وها هي ذي الفتاة ،عارية باردة متو ِّردة...
باستثناء وجهها المسود كوجه چوف في مأدبة زفافه ،وقد اندفنَت سلسلة من األيدي َّ
الذهبيَّة التي يش ُّد
الجلد .هسه َست سرسي كه َّر ٍة غاضبة، والتوت بش َّد ٍة جعلَتها تخترق َِ بعضها على بعض في لحم ُعنقها،
وقالت« :ماذا تفعل هذه هنا؟».
قال ذو األُذن القصيرة« :وجدناها هنا يا جاللة الملكة .إنها عاهرة ال ِعفريت» .كأن قوله يُفَسِّر وجودها هنا.
حدجت الحارس بنظر ٍة َ ف َّكرت :لم يكن السيِّد والدي يُطيق العاهرات ،ولم يمسَّ امرأةً بَعدما ماتَت أ ُّمنا.
تُ َج ِّمد الدِّماء ،وقالت« :هذا ليس ...حين ماتَ أبوه عا َد اللورد تايوين إلى (كاسترلي) روك ليجد ...امرأةً
من هذا النَّوع ...تتحلَّى بجواهر أ ِّمه وترتدي أحد فساتينها ،فجرَّدها منها ومن ك ِّل شي ٍء آخَ ر ،وطيلة
رجل تلتقيه بأنها لصَّة وبغي .هكذا كان ٍ أسبوعيْن ُج ِّر َست عاريةً في شوارع (النسپورت) ،لتق َّر لك ِّل
ب آخَر ،وليس ل.»... اللورد تايوين يتعا َمل مع العاهرات .إنه لم ...هذه المرأة كانت هنا لسب ٍ
قال كايبرن مقترحًا« :ربما كان حضرة اللورد يستجوب الفتاة بشأن سيِّدتها .سانزا ستارك اختفَت ليلة قُتِ َل
ُ
سمعت». الملك حسب ما
ك في هذا على تمسَّكت سرسي باالقتراح بحماسة ،وقالت« :بالضَّبط .ال بُ َّد أنه كان يستجوبها ،ال َش َّ
الخرب ،وتسمع
ِ اإلطالق» .كانت ترى تيريون يَنظُر إليها شزرًا ٍ
بفم ملت ٍو بابتسام ٍة كالقرود تحت أنفه
القزم يهمس لها :وهل من وسيل ٍة أفضل الستجوابها من أن تكون عاريةً فاتحةً ساقيها؟ هكذا أحبُّ أن
أستجوبها أيضًا.
أشاحت الملكة بوجهها .لن أنظر إليها .فجأةً أصب َح وجودها في ال ُغرفة نفسها مع المرأة الميتة فوق َ
االحتمال ،فاندف َعت متجاوزةً كايبرن وخر َجت إلى الرَّدهة.
كان أوزني وأوزفريد أخوا السير أوزموند قد انض َّما إليه ،فقالت سرسي لإلخوة ِكتلبالك الثَّالثة« :هناك
امرأة ميتة في ُغرفة اليد .يجب َّأال يعلم أحد أبدًا بأنها كانت هنا».
« -حاضر يا سيِّدتي» ،قال السير أوزني الذي تلوح على وجنته خدوش باهتة حيث خم َشته واحدة أخرى
من عاهرات تيريون« .وماذا نفعل بها؟».
« -أط ِعموها لكالبكم ،احتفظوا بها في سريركم ،ال أبالي .إنها لم تكن هنا قَ ُّ
ط .سأقط ُع لسان من يتجرَّأ
ويقول إنها كانت هنا ،مفهوم؟».
تباد َل أوزني نظرةً مع أوزفريد ،ثم قال« :نعم يا جاللة الملكة».
تب َعت األخويْن إلى ال َّداخل وشاهدَت بينما لفَّا الفتاة بأغطية أبيها ال َّداميةِ .شاي ،كان اسمها ِشايِ .
آخر م َّر ٍة
ُناصره في ُمحاكم ٍةعرض الثُّعبان الدورني الباسم أن ي ِ
َ رأتها كانت في اللَّيلة السَّابقة ل ُمحاكمة القزم ،بَعد أن
بالنِّزال .سألَت ِشاي عن بعض الجواهر التي أعطاها لها تيريون ،وعن وعو ٍد معيَّنة تقول إن سرسي
س يتز َّوجها ،فقالت الملكة بمنتهى الوضوح إن العاهرة لن تنال إيوان في المدينة وفار ٍٍ قط َعتها بخصوص
أنك لم ت وصيفتها ،فهل تتوقَّعين أن أصدِّق ِ شيئًا منها إلى أن تُخبِرهم بمكان سانزا ستارك ،وأضافَت« :كن ِ
تعلمي شيئًا عن مخطَّطاتها؟» ،وغاد َرت ِشاي باكيةً.
رف َع السير أوزفريد الجثَّة الملفوفة على كتفه ،وقالت له سرسي« :أري ُد هذه السِّلسلة .احرص على َّأال
الذهب» ،فأومأ َ أوزفريد برأسه إيجابًا وبدأ يتحرَّك نحو البابَّ ،إال أنها استوقفَته قائلةً« :ال ،ليس تخدش َّ
وأشارت إلى الطَّريق ال ِّس ِّري مردفةً« :ث َّمة بئر تقود إلى ال َّزنازين ،اذهب من هناك».
َ عبر السَّاحة»،
وبينما جثا السير أوزفريد على رُكب ٍة واحدة أمام المستوقَد توهَّج الضَّوء في ال َّداخل وسم َعت الملكة جلبةً،
ي الظَّهر كامرأ ٍة مسنَّة ،يَر ُكل حذاؤه سُخام نار اللورد تايوين األخيرة ويُ َ
طيِّره ،وقال ثم ظه َر چايمي محن َّ
لألخويْن ِكتلبالك« :ابتعدا عن طريقي».
هرعَت سرسي إليه متسائلةً« :هل وجدتهم؟ هل وجدت القتَلة؟ كم عددهم؟» .مؤ َّكد أن هناك أكثر من
ً
رجال وحيدًا قت َل أباها. واحد .ال يُمكن أن
أجاب توأمها وعلى وجهه نظرة منهَكة« :البئر تنزل إلى حُجر ٍة تتفرَّع منها دستة أنفاق مغلَقة بأبواب
وجال ببصره في ال ُغرفة مضيفًا« :قد يكون من َ صدة بالسَّالسل .يجب أن أعثر على المفاتيح»، حديديَّة مو َ
فعلَها أيًّا كان ال يزال كامنًا وراء الجُدران .إنها متاهة مظلمة».
دعك من هذه األفكار السَّخيفة ،القزم في زنزانته. ِ تخيَّلت تيريون يزحف بين الجُدران كجر ٍذ وحشي .ال،
«اه ِدم الجُدران بالمطارق ،اه ِدم البُرج كلَّه إذا لز َم األمر .أري ُد العثور عليهم .أيًّا كان من فعلَها أريده أن
يُقتَل».
عانقَها چايمي ضاغطًا بيده السَّليمة على أسفل ظَهرها ،تفوح منه رائحة الرَّماد وإن كان نور شمس
الصَّباح في َشعره يُضفي عليه وهجًا ذهبيًّا .أرا َدت أن تسحب وجهه إلى وجهها لتُقَبِّله ،لكنها قالت لنفسها:
الحقًا ،الحقًا سيأتيني ينشد المواساة .هم َست له« :إننا وريثاه يا چايمي ،وعلينا أن نت َّم عمله .ال بُ َّد أن تح َّل
مح َّل أبينا كيد الملك .مؤ َّكد أنك ترى هذا اآلن .تومن سيحتاج إليك.»...
واجه َجدعته وجهها مباشرةً ،وقال« :يد بال يد؟ ُدعابة رديئة يا أختاه .ال تَطلُبي دف َعها عنه ورف َع ذراعه لتُ ِ
مني أن أحكم».
سم َع ع ُّمهما ص َّدته لها ،وكذا كايبرن واألخوان ِكتلبالك اللذان يحمالن الكومة عبر الرَّماد بصعوبة ،وحتى
ال َحرس سمعوه؛ پوكنز وهوك وساق الحصان وذو األُذن القصيرة .سيذيع الكالم في القلعة كلِّها بحلول
المساء .أحسَّت سرسي بالحرارة ترتفع إلى وجنتيها ،وقالت« :تَح ُكم؟ لم أقل شيئًا عن الحُكم .سأحك ُم أنا
إلى أن يَبلُغ ابني».
قال أخوها« :ال أدري على َمن أشف ُ
ق أكثر ،تومن أم (الممالك السَّبع)».
ق ً
بدال ه َوت على وجهه بصفعة ،وارتف َعت ذراع چايمي تص ُّدها بسُرعة القِط ...لكن هذا القِط له َجدعة ُمعا ٍ
من ي ٍد يُمنى ،فتر َكت أصابعها عالما ٍ
ت حمراء على خدِّه.
قائال« :أبوكما مسجَّى ميتًا هنا .تحلَّيا باللِّياقة و ُخذا شجاركما إلى
دف َع الصَّوت ع َّمهما إلى النُّهوض ً
الخارج».
حنى چايمي رأسه معتذرًا ،وقال« :سا ِمحنا يا ع َّماه .أختي أسق َمها الحُزن ونسيَت نفسها».
حسبت أنه يَصلُح ألن يكون يدًا .خي ٌر لها أن تُلغي
ُ أرادَت أن تصفعه ثانيةً لقوله هذا .ال بُ َّد أني ُجنِ ُ
نت حين
جلب عليها يد الملك َّإال البالء؟ چون آرن وض َع روبرت باراثيون في فِراشها، َ المنصب ب ُر َّمته .منذ متى
وقبل أن يموت بدأ يحوم حول عالقتها بچايمي أيضًا ،ثم بدأ إدارد ستارك من حيث توقَّف آرن ،وأجب َرها
أقرب مما أرادَت ،قبل أن تتعا َمل مع أخويْه المزعجيْن ،أ َّما ت َ تطفُّله على الخالص من روبرت في وق ٍ
تيريون فبا َع مارسال للدورنيِّين واتَّخذ أحد ابنيها رهينةً واغتا َل الثَّاني ،وحين عا َد اللورد تايوين إلى
(كينجز الندنج)...
وعدَت نفسها قائلةً :اليد التَّالي سيعرف مقامه .ال بُ َّد أن يكون السير كيڤان ،فع ُّمها دؤوب متعقِّل ومطيع
ألقصى الحدود ،وتستطيع االعتماد عليه ِمثل أبيها من قبلها .اليد ال تُجا ِدل الرَّأس .ث َّمة مملكة عليها أن
خرف ،وچايمي فق َد َشجاعته رجال جُدد لمساعَدتها على الحُكم .پايسل منافق ِ ٍ تَح ُكمها ،لكنها ستحتاج إلى
مع يده ،ومايس تايرل وصديقاه الحميمان ردواين وروان ليسوا أهل ثقة ،وعلى َح ِّد علمها ربما يكون لهم
عاش تايوين النستر.
َ دور في هذا .ال ريب أن اللورد تايرل عل َم أنه لن يحكم (الممالك السَّبع) أبدًا ما
بحذر معه .المدينة تعجُّ برجاله ،كما أنه نج َح في زرع أحد أبنائه في ال َحرس الملكي، ٍ ي أن أتصرَّفعل َّ
ويُز ِمع أن يزرع ابنته في ِفراش تومن .ما زالَت تتميَّز غيظًا من موافَقة أبيها على خطبة تومن ومارچري
ُّ
تشك في صحَّة ضعف ِسنِّه وتر َّملت مرَّتين .يَز ُعم مايس تايرل أن ابنته بِكر ،لكن سرسيتايرل .الفتاة في ِ
ُعاشر الفتاة ،لكنها كانت زوجة رنلي ً
أوال ...قد يُفَضِّل المرء مذاق هذا .چوفري اغتي َل قبل أن ي ِ
ضع دورقًا من ال ِمزر أمامه وسيعبُّه في لحظات .عليها أن تأمر اللورد ڤارس بأن 17
الهيپوكراس ،لكن َ
يجمع ما يستطيع من معلومات.
َ
حدث أوقفَها الخاطر في مكانها .لقد نسيَت أمر ڤارس .المفت َرض أن يكون هنا ،إنه موجود دائ ًما .متى
ق ولفظَه .چايمي هنا ،والع ُّم كيڤان ،وپايسل الخصي كأن العدم انش َّ
ُّ شيء مه ٌّم في (القلعة الحمراء) يظهر
بإصبع بارد يمسُّ عمودها الفقري .إنه جزء من هذا .ال بُ َّد أنه ٍ وذهب ،لكن ڤارس غائب .أحسَّت
َ جا َء
يكن ُو ًّدا لول ِّي الهامسين بابتساماته
أوال .لم يكن اللورد تايوين ُّخش َي أن يضرب أبي ُعنقه ،فوجَّه ضربته ً
ولي الهامسين .ال بُ َّد أنهالمتكلِّفة ،وإذا كان هناك رجل واحد يعرف أسرار (القلعة الحمراء) فمؤ َّكد أنه ُّ
تحالفَ مع اللورد ستانيس .لقد خدما معًا في مجلس روبرت رغم ك ِّل شيء...
أحضر لي ِ اتَّجهت سرسي مسرعةً إلى باب ال ُغرفة حيث يقف السير مرين ترانت ،وقالت له« :ترانت،
أحضره صار ًخا مكب ًَّال إذا دعَت الحاجة ،لكن دون أن يمسَّه أذى».
ِ اللورد ڤارس،
« -كما تأمرين يا جاللة الملكة».
لكن لم يكد فارس ال َحرس الملكي يرحل حتى عا َد آ َخر .كان السير بوروس بالونت محتقن الوجه متقطِّع
األنفاس من اندفاعته المتعجِّلة على السَّاللم ،ول َّما رأى الملكة قال الهثًا« :اختفى» ،ونز َل على رُكبته
ي مكان». العفريت ...زنزانته مفتوحة يا جاللة الملكة ...ال أثر له في أ ِّ
متابعًاِ « :
أمرت بأن يبقى تحت الحراسة ليل نهار.»...ُ كان الحُلم حقيقةً« .لقد
َر َّد بالونت وصدره يعلو ويهبط بسُرعة« :أحد ال َّسجَّانين مفقود أيضًا ،اسمه روجن ،ووجدنا رجليْن
آ َخريْن نائميْن».
قالت باذلةً قصارى جهدها كي ال تَصرُخ« :آم ُل أنك لم تُوقِظهما يا سير بوروس .اترُكهما نائميْن».
ُّ
يهتز« :نائميْن؟ أمرك يا جاللة الملكة .إلى متى أترك.»... بارتباك ولُغده
ٍ وتساءل
َ رف َع عينيه إليها
« -إلى األبد .اعمل على أن يناما إلى األبد أيها الفارس .لن أسمح بأن ينام ال ُحرَّاس في أثناء منا َوبتهم».
إنه بين الجُدران .قت َل أبي كما قت َل أ ِّمي كما قت َل چوف .تعلم الملكة أن القزم سيأتيها أيضًا ،تما ًما كما
ُ
رأيت ضحكت في وجهها ،لكنها كانت تتمتَّع بقُدرا ٍ
ت حقيقيَّة .لقد ُ تو َّعدتها العجوز في عتمة الخيمة إياها.
رأيت هالكي .شع َرت بقدميها ضعيفتيْن كالماء ،وحاو َل السير بوروس أن يلتقط ُ مستقبَلي في قطرة دم،
ذراعها ،لكن الملكة جفلَت من لمسته .ربما يكون واحدًا من مخلوقات تيريون أيضًا .صا َحت« :ابتعد
عني ،ابتعد!» ،وترنَّحت قبل أن تُثَبِّت نفسها.
قال بالونت« :هل أحض ُر كوبًا من الماء يا جاللة الملكة؟».
راحت المشاعل تدور حولها ،فأغلقَت سرسي
ما أحتا ُج إليه هو ال َّدم ال الماء ،د ُم تيريون ،د ُم الڤالونڬارَ .
ُ
أوشكت على الخالص منه .لكن أصابعه انغلقَت حول ُ
كنت عينيها ورأت القزم يبتسم لها باتِّساع .ال ،ال،
رقبتها ،وأحسَّت بها تبدأ في االنطباق.
بِريان
ت في الثَّالثة عشرة ،بنت رفيعة النَّسب رائعة ُ
أبحث عن بن ٍ قالت للعقيلة ال َّشيباء الواقفة عند بئر القرية« :
س سمين في األربعين ،أو ربما مع ال َجمال ،عيناها زرقاوان و َشعرها كستنائي .قد تكون ُمسافرةً مع فار ٍ
مهرِّج .هل رأيتِها؟».
أجابَت العقيلة وهي تَنقُر على جبهتها بمفاصل أصابعها« :ليس حسب ما أذك ُر أيها الفارس ،لكن أعدك بأن
أُبقي عيني مفتوحةً».
الح َّداد كذلك لم ي َرها ،وال السِّپتون في ِسپت القرية ،وال راعي الخنازير بقطيعه ،وال الفتاة التي تقلع
البصل في حديقتها ،أو أيٌّ من العا َّمة البُسطاء الذين وجدَتهم عذراء (تارث) وسط أكواخ (روزبي) المبنيَّة
الطرق إلى بالجصِّ واألغصان المجدولة ،وعلى الرغم من هذا ثاب َرت بِريان وقالت لنفسها :هذا أقصر ُّ ِ
(وادي الغسق) .إذا مرَّت سانزا من هنا فال بُ َّد أن أحدًا رآها .عند ب َّوابة القلعة ألقَت سؤالها على حارسيْن
الحراب ،على شارة كلٍّ منهما ثالثة جملونات 19حمراء على خلفيَّ ٍة بيضاء مرقَّطة باألسود ،رمز يحمالن ِ
ً
طويال» ،أ َّما عائلة روزبي .قال لها أكبرهما ِسنًّا« :إذا كانت على الطَّريق هذه األيام فلن تظ َّل بنتًا
أصغرهما فسألَها إن كان للبنت ذلك ال َّشعر الكستنائي بين ساقيها أيضًا.
حصان أرقط في أقصى ٍ ً
نحيال على متن لن أجد عونًا هنا .بينما امتطَت بِريان فَرسها مج َّددًا لم َحت فتى
القرية ،فف َّكرت :لم أتكلَّم مع هذا الصَّبي ،لكنه اختفى وراء السِّپت قبل أن تسعى إليه ،فلم تُ َكلِّف نفسها عناء
مكان واسع على ٍ اللَّحاق به ،فعلى األرجح ال يعرف شيئًا أكثر من اآلخَ رين( .روزبي) ليست أكثر من
ً
شماال الطَّريق ،وليس هناك ما يحمل سانزا على البقاء فيها .هكذا عادَت بِريان إلى الطَّريق واتَّجهت
وشرقًا ،ما َّرةً ببساتين تفَّاح وحقول ُذرة ،وسرعان ما غابَت القرية وقلعتها وراءها .قالت لنفسها إن (وادي
ً
أصال. الغسق) هي المكان الذي ستجد فيه بُغيتها .إذا كانت قد سل َكت هذا الطَّريق
« -سأعث ُر على الفتاة وأحافظُ على سالمتها ،ألجل خاطر أ ِّمها وألجل خاطرك» .هكذا وعدَت بِريان
السير چايمي في (كينجز الندنج) .كلمات نبيلة ،لكن الكالم سهل والفعل صعب .لقد ظلَّت في المدينة وقتًا
ي أن أتحرَّك مب ِّكرًا ...لكن إلى أين؟ سانزا الالزم ،وما توصَّلت إليه يكاد ال يُذ َكر .كان عل َّ أطول من َّ
ستارك اختفَت ليلة موت الملك چوفري ،وإذا كان أحدهم قد رآها منذ ذلك الحين ،أو إن كانت عنده معرفة
ولو طفيفة بالمكان الذي ذهبَت إليه ،فال أحد يتكلَّم .ال أحد يتكلَّم معي أنا على األقل.
تعتقد بِريان أن الفتاة غاد َرت المدينة ،فلو كانت ال تزال في (كينجز الندنج) لعث َر عليها ذوو المعاطف
ي مكان .سألَت نفسها :لو ُ
كنت مكان آخَر ...لكن ذلك المكان اآلخَر قد يكون أ َّ
ٍ َّ
الذهبيَّة .ال بُ َّد أنها ذهبَت إلى
خطر داهم ،فماذا أفعلُ؟ أين أذهبُ ؟ بالنِّسبة إلى بِريان نفسها ٍ فتاةً أزه َرت مؤ َّخرًا ،وحيدةً وخائفةً وفي
اإلجابة سهلة ،إذ ستعود إلى (تارث) وإلى أبيها ...أ َّما أبو سانزا فقد قطعوا رأسه على مرأى منها ،والسيِّدة
حرقَت وقُتِّ َلُ
والدتها ماتَت أيضًا ،اغتيلَت في (التَّوأمتين) ،وقلعة عائلة ستارك العظيمة (وينترفل) نُ ِهبَت وأ ِ
أهلها .ليس لها وطن تهرب إليه ،وال أب وال أُم وال إخوة .قد تكون الفتاة في البلدة التَّالية أو على متن
سفين ٍة راحلة إلى (آشاي) ،االحتماالت كافَّة متساوية.
طفل
ٍ حتى إذا أرادَت سانزا ستارك أن تعود إلى وطنها ،فكيف تصل إليه؟ (طريق الملوك) ليس آمنًا ،وكلُّ
يعلم هذا ،وحديديُّو الميالد مسيطرون على (خندق كايلن) التي تس ُّد (العُنق) ،وفي (التَّوأمتين) يستقرُّ آل
فراي الذين اغتالوا أخا سانزا والسيِّدة والدتها .تستطيع الفتاة أن تُسافِر بحرًا إذا كانت تملك المال ،لكن
خربًا ،والنَّهر فوضى من األرصفة المحطَّمة والقوادس المحروقة الميناء في (كينجز الندنج) ال يزال ِ
والغارقة .كانت بِريان قد سألَت عند أحواض السُّفن ،لكن ال أحد تذ َّكر رؤية سفين ٍة ترحل ليلة ماتَ الملك
فرغ حمولتها بالقوارب ،لكن چوفري ،وقال لها أحد ال ِّرجال إن بعض السُّفن التِّجاريَّة الرَّاسية في الخليج تُ ِ
آخره.
ُواصل طريقه على السَّاحل إلى (وادي الغسق) التي تض ُّم مينا ًء مزدح ًما عن ِ عددًا أكبر ي ِ
تمتطي بِريان فَرسًا جميلة المنظر سريعة الحركة ،وعلى الطَّريق قابلَت ُمسافرين أكثر مما كانت تحسب،
بسيور ِجلديَّة من رقابهم ،وهرو َل ِسپتون شاب ٍ فرأت إخوةً ش َّحاذين يمشون ب ُخطى بطيئة وأوعيتهم معلَّقة
ي لورد ،والحقًا التقَت جماعةً من األخوات الصَّامتات اللواتي حصان صغير يليق بأ ِّ
ٍ ما ًّرا بها على متن
ومضت قافلة من العربات التي تجرُّ ها الثِّيران جنوبًا َ هززن رؤوسهن نفيًا حين ألقَت عليهن سؤالها،
هودج
ٍ غالال وأجولةً من الصُّ وف ،وبَعدها مرَّت براعي خنازير يسوق قطيعه ،وامرأ ٍة عجوز في ً حاملةً
صاحبه مجموعة من ال َحرس الرَّاكبين .سألَتهم جميعًا إن كانوا قد رأوا بنتًا في الثَّالثة تجرُّ ه الخيول وتُ ِ
عشرة لها عينان زرقاوان و َشعر كستنائيَّ ،إال أن أحدًا لم ي َرها .سألَت عن الطَّريق أمامها أيضًا ،فأجابَها
رجل« :إنه آمن بما فيه بين هنا و(وادي الغسق) ،لكن بَعد (وادي الغسق) هناك خارجون عن القانون
ورجال مكسورون 18في الغابات».
44
زال فيها اخضرار ،أ َّما األشجار األخرى ذات الورق وحدها أشجار الصَّنوبر الجُندي والحارس ما َ
ريح تدفعٍ بفروع بنِّيَّة عارية .كلُّ هبَّة
ٍ والذهبي ،أو تجرَّدت لتخدش السَّماء العريض فاتَّشحت بالخمري َّ
ت د َّوارة من األوراق الميتة على الطَّريق المليء بالحُفر ،فتُص ِدر حفيفًا وهي تتناثَر حول حوافر سحابا ٍ
الفَرس الكستنائيَّة التي من َحها چايمي النستر لبِريان .العثور على فتا ٍة مفقودة في (وستروس) كالعثور على
ورق ٍة في مهبِّ الرِّيح .وجدَت نفسها تتسا َءل إن كان چايمي قد كلَّفها بهذه المه َّمة على سبيل ال ُّدعابة
القاسية .ربما تكون سانزا ستارك ميتةً ،قطعوا رأسها لل َّدور الذي لعبَته في موت الملك چوفري ودفنوها
قبر بال شاهد .وهل من وسيل ٍة أفضل إلخفاء قتلها من إرسال فتا ٍة حمقاء كبيرة من (تارث) للبحث في ٍ
عنها؟ ما كان چايمي ليفعل هذا .كان صادقًا ،وأعطاني السَّيف وس َّماه (حافِظ العهد) .ال فرق على كلِّ
يمين مق َّدسة كتلك التي ُح ِلفَت للموتى .چايمي زع َم ٍ حال .لقد وعدَت الليدي كاتلين بأن تُعيد ابنتيها ،وما من
شماال لتتز َّوج نغل رووس ً أن الفتاة الصُّ غرى ماتَت منذ فتر ٍة طويلة ،أ َّما آريا التي أرسلَها آل النستر
بولتون فزائفة ،أي أنه لم يَعُد هناك َّإال سانزا ،ويجب أن تَعثُر عليها بِريان.
قُرب الغسق أبص َرت نار مخي ٍَّم إلى جوار غدير ،يجلس عندها رجالن يشويان أسماك الترويت ،وقد ك َّوما
أسلحتهما وعتادهما أسفل شجرة .أحدهما عجوز والثَّاني أصغر بعض ال َّشيء ،وإن كان بعيدًا عن ال َّشباب،
نهض يُ َحيِّيها ،فرأت أن له بطنًا كبيرًا يضغط على أربطة سُترته المبقَّعة المصنوعة من ِجلد َ وهو من
قائال« :لدينا َسمك يكفي ثالثةً كالذهب القديم تُ َغطِّي وجنتيه وذقنه .ناداها ً الظِّباء ،ولحيةً خشنةً مشعثةً لونها َّ
أيها الفارس».
رجال .خل َعت خوذتها مح ِّررةً َشعرًا أصفر كالقَشِّ المتَّسخ ويُدانيه ً ليست هذه أول م َّر ٍة يحسب أحدهم بِريان
طويال خفيفًا وهي تقول« :أشكرك أيها الفارس». ً في الهشاشة ،فتطاي َر حول كتفيها
درك أنه قصير النَّظر ،وقال« :امرأة؟ َز َّر الفارس المتج ِّول عينيه متف ِّرسًا في مالمحها بش َّد ٍة جعلَتها تُ ِ
ق اآللهة».مسلَّحة ومدرَّعة؟ إيلي ،انظُر إلى حجمها ب َح ِّ
َر َّد الفارس األكبر ِسنًّا وهو يُ َد ِّور السَّمك على النَّار« :حسبتها فارسًا أيضًا».
رجال لقيل إنه رجل كبير الحجم ،لكن بالنِّسبة إلى النِّساء فهي ضخمة حقًّا« .مسخ» هي ً لو كانت بِريان
الكلمة التي سم َعتها طوال حياتها .إن لها كتفين عريضتين و َوركين أعرض ،وساقاها طويلتان وذراعاها
غليظتان ،وعضالت صدرها تجعل حجم ثدييها ال يُذ َكر ،ويداها كبيرتان وقدماها ضخمتان ،وكلُّ هذا
عالوةً على قُبح مالمحها ،فوجهها من َّمش ويبدو كوجه الحصان ،وأسنانها تكاد تكون كبيرةً على فمها،
وهي ليست في حاج ٍة إلى أن يُ َذ ِّكرها أحد بك ِّل هذا .قالت« :أيها الفارسان ،هل رأيتما بنتًا في الثَّالثة عشرة
رجل سمين متو ِّرد الوجه في ٍ على الطَّريق؟ لها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي ،وربما كانت في صُحبة
األربعين».
ك الفارس المتج ِّول قصير النَّظر رأسه ،وقال« :ال أذك ُر بنتًا على شاكلتها .وما هذا ال َّشعر الكستنائي؟». َح َّ
أجاب األكبر ِسنًّا« :أحمر مائل إلى البنِّي .ال ،لم ن َرها».
َ
ت جائعة؟».وقال األصغر« :لم ن َرها يا سيِّدتي .هل ِّمي ،ترجَّلي .السَّمك على وشك النُّضوج .أأن ِ
كانت جائعةً بالفعل ،لكنها حذرة أيضًا .للفُرسان المتج ِّولين هؤالء سُمعة سيِّئة ،ويُقال إن الفارس المتج ِّول
لسيف واحد .لكن هذين االثنين ال يبدوان خطريْن لهذه ال َّدرجة« .هل لي أن أعرف ٍ والفارس اللِّص وجهان
اسميكما أيها الفارسان؟».
قال ذو البطن الكبير« :يُ َشرِّفني أن أكون السير كرايتون لونجبو الذي يُ َغنِّي عنه ال ُمطربون .ربما تكونين
ت عن مآثري في معركة (النَّهر األسود) .ورفيقي هو السير إيليفر ال ُمفلس». قد سمع ِ
إذا كانت هناك أغنيَّة عن كرايتون لونجبو فهي واحدة لم تسمعها بِريان ،واسما الفارسيْن ال يعنيان شيئًا لها
ق عميق صن َعته فأس حربيَّة، أكثر من رمزيهما .على تُرس السير كرايتون ليس هناك َّإال شريط بنِّي و َش ٌّ
ت نِصفها ذهبي ونِصفها أبيض مرقَّط باألسود كفرو القاقوم، أ َّما السير إيليفر فتُرسه مقسَّم إلى ثمانية مثلَّثا ٍ
الذهب وفرو القاقوم َّإال النَّوع ولو أن ك َّل شي ٍء في مظهر الرَّجل يُوحي بأنه لم يعرف في حياته من َّ
المطلي .إنه في الستِّين من العُمر على األقل ،وجهه هزيل مسحوب تحت قلنسوة معطفه الخيش المرقَّع،
ً
طوال وقد ارتدى تحته قميصًا من الحلقات المعدنيَّة ،وإن بقَّع الصَّدأ الحديد كأنه النَّمش .تفوق بِريان كليهما
ي بي أن أستبدل بسيفي الطَّويل ُ
خشيت أمثالهما فحر ٌّ س كامل ،ناهيك بأن مطيَّتها وسالحها أفضل .إذا برأ ٍ
إبرتَي خياطة.
قالت« :أشكركما أيها الفارسان الكريمان .يسرُّ ني أن أشارككما َسمككما» ،ووثبَت من فوق فَرسها وخل َعت
َسرجها وسقَتها قبل أن تُقَيِّدها وتُرخي لها الحبل لترعى ،ثم ك َّومت أسلحتها وتُرسها وجرابَي السَّرج تحت
شجرة دَردار ،وعندئ ٍذ كان َسمك الترويت قد نض َج تما ًما ،فناولَها السير كرايتون واحدةً جل َست تأكلها
متقاطعة السَّاقين على األرض.
قال لها لونجبو وهو يُفَسِّخ سمكته بأصابعه« :إننا متوجِّهان إلى (وادي الغسق) يا سيِّدتي .خي ٌر ِ
لك أن
فالطرق محفوفة بالمخاطر». ُّ تركبي معنا،
كانت بِريان لتحكي له عن مخاطر ُّ
الطرق أكثر مما يُريد أن يعرف ،لكنها أجابَته« :أشكرك أيها الفارس،
ُ
لست في حاج ٍة إلى حمايتكما». لكني
« -إنني مصرٌّ .ال بُ َّد أن يُدا ِفع الفارس الحقيقي عن الجنس اللَّطيف».
مسَّت مقبض سيفها قائلةً« :هذا سيُدافِع عني».
« -السَّيف ال ينفع َّإال بقدر مهارة من يحمله».
« -إنني ماهرة في حمله بما فيه الكفاية».
سنصحبك سالمةً إلى (وادي الغسق) .ثالثة معًا
ِ « -كما ترغبين .ليس من الكياسة أن يُجا ِدل المرء سيِّدةً.
أمان أكثر من واح ٍد وحده».
ٍ يركبون في
كنا ثالثةً حين خرجنا من (ريڤر َرن) ،ومع ذلك فق َد چايمي يده وكليوس فراي حياته« .حصاناكما ال
ق عجوز أقعس الظَّهر يستطيعان مجاراة فَرسي» .حصان السير كرايتون البنِّي المخصي مجرَّد مخلو ٍ
ً
مهزوال يتض َّور جوعًا. دامع العينين ،وحصان السير إيليفر يبدو
لت ذات اليمين قال السير كرايتون بإصرار« :جوادي خد َمني جيِّدًا في معركة (النَّهر األسود) ،بل وقتَّ ُ
ت بدست ٍة من الفِديات .هل سم َعت سيِّدتي بالسير هربرت بولينج؟ لن تُقا ِبليه أبدًا ،فقد وذات ال ِّشمال وفز ُ
قتلته حيث كان يقف .عندما تتقا َرع السُّيوف لن تجدي السير كرايتون لونجبو في المؤ ِّخرة أبدًا».
ق رفيقه قهقهةً جافَّةً ،وقال« :دَعك منها يا كراي .أمثالها ليسوا في حاج ٍة إلى أمثالنا».أطل َ
سألَته بِريان غير مدرك ٍة ما يرمي إليه« :أمثالي؟».
بإصبع رفيع إلى تُرسها .على الرغم من أن طالءه مشقَّق متق ِّشر فما َ
زال الرَّمز عليه ٍ أشار السير إيليفر
َ
شخص كاذب ال
ٍ إنك تحملين تُرسواضحًا؛ ُخفَّاش أسود على خلفيَّ ٍة مقسومة قُطريًّا إلى ذهبي وفضِّ يِ « .
آخر أفراد عائلة لوثستون ،ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد على لك فيه .لقد ساع َد َج ُّد جدِّي على قتل ِ
ق ِ َح َّ
إظهار هذا ال ُخفَّاش األسود كأفعال من كانوا يحملونه».
إنه ال ُّترس الذي أخ َذه السير چايمي من مستودَع السِّالح في (هارنهال) ،وقد وجدَته بِريان في االسطبالت
مع فَرسها باإلضافة إلى أشياء أخرى كثيرة؛ السَّرج واللِّجام ،وقميص من الحلقات المعدنيَّة وخوذة كبيرة،
فقدت تُرسي».
ُ الذهب والفضَّة ،وورقة رُقوق أثمن من االثنين .قالت مفسِّرةً« :لقد صرَّتين من العُمالت َّ و ُ
أعلنَ السير كرايتون بحزم« :ال ُّترس الوحيد الذي تحتاج إليه فتاة هو فارس حقيقي».
لم يُ ِعره السير إيليفر انتباهًا وهو يقول« :حافي القدمين يبحث عن حذا ٍء ينتعله ،والبردان يبحث عن
معطف يرتديه ،لكن من ذا الذي يختار أن يرتدي العار؟ اللورد لوكاس الق َّواد كان يضع هذا الرَّمز ،وابنه ٍ
خطيئتك أقبح...
ِ خاذك رم ًزا كهذا ما لم تكن
ِ مانفريد ذو القلنسوة السَّوداء ،وإنني أسأ ُل نفسي عن سبب اتِّ
مواصال« :امرأة كبيرة كالمسوخ وقويَّةً وأحدث» ،واست َّل خنجره القبيح المصنوع من الحديد الرَّخيص
كالمسوخ تُخفي ألوانها الحقيقيَّة .كراي ،انظُر إلى عذراء (تارث) التي شقَّت لرنلي َحلقه الملكي».
« -هذه أكذوبة» .بالنِّسبة إليها كان رنلي باراثيون أكثر من ملك .لقد أحبَّته منذ جا َء (تارث) في رحلته
ً
احتفاال ببلوغه ِس َّن الرُّ جولة ،ورحَّب به أبوها بمأدب ٍة وأم َرها بأن تحضرها ،ولوال المتمهِّلة إلى اللورديَّة
كحيوان جريح .حينئ ٍذ لم تكن أكبر من سانزا ،تخاف الضَّحكات السَّاخرةٍ هذا لكانت قد اختبأَت في ُغرفتها
المكتومة أكثر من السُّيوف ،فقالت للورد سلوين« :سيعلمون بأمر الوردة ويضحكون مني» ،لكن نجم
المساء لم يتزحزَح عن قراره.
ورقص معها فأحسَّت بينَ وقد رأت من رنلي باراثيون ك َّل كياس ٍة كما لو أنها فتاة طبيعيَّة حسناء ،بل
طلب آخَرون اإلذن في الرَّقص معها بسبب المثلَ ذراعيه بأنها رشيقة وطفَت قدماها فوق األرض ،والحقًا
الذي ضربَه لهم ،ومنذ ذلك اليوم لم ترغب َّإال في أن تكون قريبةً من اللورد رنلي ،أن تخدمه وتحميه...
لكنها في النِّهاية خذلَته .قالت لنفسها :رنلي ماتَ بين ذراعَي ،لكني لم أقتله ،على أن هذين الفارسين
ُ
وأموت سعيدةً .لم أمسَّه بسوء، المتج ِّولين لن يتفهَّما أبدًا .قالت لهماُ « :
كنت ألدفع حياتي فدا ًء للملك رنلي
أقس ُم على هذا بسيفي».
قال السير كرايتون« :الفُرسان فقط ي ِ
ُقسمون بسيوفهم».
أقسمي باآللهة السَّبعة».
وأضافَ السير إيليفر ال ُمفلسِ « :
ُ
كنت « -باآللهة السَّبعة إذن .لم أمسَّ الملك رنلي بسوء .أقس ُم ب(األُم) ،عسى َّأال أعرف رحمتها أبدًا إذا
ي بالعدل .أقس ُم ب(العذراء) و(العجوز) ،وب(الح َّداد) كاذبةً .أقس ُم ب(األب) وأدعوه أن يَح ُكم عل َّ
و(ال ُمحارب) ،وأقس ُم ب(الغريب) الذي أسأله أن يأخذني اآلن إن ُ
كنت أقو ُل الباطل».
علَّق السير كرايتون« :إنها تُجيد القسم بالنِّسبة إلى فتاة».
قال السير إيليفر ال ُمفلس« :نعم» ،وهَ َّز كتفيه مضيفًا« :طيِّب ،إذا كانت كاذبةً ستتولَّى اآللهة أمرها»،
وعا َد يدسُّ خنجره في ِغمده ،وأردفَ « :نوبة الحراسة األولى ِ
لك».
غاب الفارسان المتج ِّوالن في النَّوم دا َرت بِريان حول المخيَّم الصَّغير مصغيةً إلى طقطقة النَّار. َ بينما
يَج ُدر بي أن أواصل طريقي والفُرصة سانحة .إنها ال تعرف هذين الرَّجلين ،لكنها ال تقوى على تركهما
دون حماية ،فحتى في جوف اللَّيل هناك عابرون على الطَّريق ،وأصوات في الغابة ربما يكون مصدرها
راحت بِريان تذرع المكان جيئةً وذهابًا وقد خلخلَت سيفها في ِغمده.البوم والثَّعالب وربما ال ،وهكذا َ
ظ السير إيليفر وقال إنه سيحلُّ محلَّها.إجماال ،لكن ما بَعدها هو الصَّعب ،حين استيق َ ً كانت حراستها سهلةً
بسطَت بِريان دثارًا على األرض وانثنَت على نفسها لتُغلِق عينيها ،وعلى الرغم من جسدها المكدود قالت
ط في وجود ال ِّرجال ،وحتى في معس َكرات اللورد رنلي كان لنفسها :لن أنام .إنها لم تتع َّود النَّوم مستريحةً قَ ُّ
خطر االغتصاب حاض ًرا دو ًما ،وهو ال َّدرس الذي تعلَّمته عند أسوار (هايجاردن) ،وم َّرةً أخرى عندما
سقطَت وچايمي في أيدي ِرفقة ال ُّشجعان.
تسرَّبت برودة األرض عبر أغطية بِريان لتنفذ إلى عظامها ،وسرعان ما أحسَّت بك ِّل عضل ٍة في جسدها
متيبِّسةً متشنِّجةً ،من فَ َّكيها إلى أصابع قدميها .تساءلَت إن كانت سانزا ستارك بردانةً أيضًا أينما كانت .لقد
الحسِّ تحبُّ كعكات اللَّيمون والفساتين الحرير وأغاني الفُروسيَّة ،لكن قالت الليدي كاتلين إنها فتاة مرهفة ِ
سانزا شهدَت رأس أبيها يُبتَر وأُر ِغ َمت بَعدها على ال َّزواج بأحد قتَلته ،وإذا كان نِصف ما يُحكى صحيحً ا
فالقزم أقسى آل النستر جميعًا .إذا س َّممت الملك چوفري حقًّا فال بُ َّد أن ال ِعفريت أجب َرها .لقد كانت وحيدةً
بال أصدقاء في ذلك البالط .في (كينجز الندنج) س َعت بِريان إلى العثور على امرأ ٍة اسمها بريال كانت من
وصيفات سانزا ،وقالت لها المرأة إنه لم يكن هناك ُو ٌّد بين سانزا والقزم ،وربما تكون الفتاة هاربةً منه
كذلك عالوةً على هربها من قتل چوفري.
ظها الفَجر .شع َرت بساقيها يابستيْن كالخشب من أيًّا كانت األحالم التي رأتها بِريان فقد تال َشت حينما أيق َ
برودة األرض ،لكن ال أحد تحرَّش بها وظلَّت حاجياتها كما هي .وجدَت الفارسيْن المتج ِّول ْين مستيقظيْن
ب لإلفطار ،ووقفَ السير كرايتون مواجهًا شجرةً ليبول بالفعل ،وقد انشغ َل السير إيليفر بتقطيع سنجا ٍ
ً
طويال.
متجوالن ،عجوزان ومغروران وبدينان وقصيرا النَّظر ،لكنهما رجالن لطيفان على الرغم من ِّ فارسان
رجاال لطافًا في العالم حتى اآلن.
ً هذا .سرَّها أن تعلم أن هناك
طروا على لحم السِّنجاب المشوي ومعجون جوز البلُّوط والخيار المخلَّل ،فيما روى لها السير كرايتون أف َ
قتل دستةً من الفُرسان الصَّناديد الذين لم تسمع عنهم
قصص بطوالته في معركة (النَّهر األسود) ،حيث َ
قتاال نادرًا يا سيِّدتي ،معمعةً نادرةً داميةً» ،وأضافَ أن السير إيليفر َ
قاتل ط ،وقال لها« :أوه ،لكم كان ً قَ ُّ
ببسال ٍة في المعركة أيضًا ،أ َّما إيليفر نفسه فلم يقل َّإال القليل.
ركب الفارسان على جانبيها كحارسيْن يحميان ليدي عظيمةً ما ...وإن كانت
َ حين آنَ أوان استئناف ال ِّرحلة
هذه الليدي تجعل من حاميَيْها قزميْن مقارنةً بحجمها ،باإلضافة إلى ُّ
تفوقها عليهما في السِّالح والعتاد.
سألَتهما بِريان« :هل َم َّر أحد خالل حراستكما؟».
ت في الثَّالثة عشرة لها َشعر كستنائي؟ ال يا سيِّدتي ،ال أحد». قال السير إيليفر ال ُمفلس« :كبن ٍ
حصان أرقط َم َّر بنا ،وبَعد ساع ٍة نِصف
ٍ صبي مزرع ٍة ما على ُّ ُ
رأيت بعضهم. عقَّب السير كرايتون« :
دستة من السَّائرين حاملي الهراوات والمناجل .لمحوا نارنا وتوقَّفوا ليُلقوا نظرةً طويلةً على الخيول ،لكني
ُواصلوا طريقهم .رجال خشنون كما يوحي منظرهم ،ويائسون ُ
وقلت لهم أن ي ِ أريتهم لمحةً من فوالذي
أيضًا ،لكن ليس لدرجة أن يعبثوا مع السير كرايتون لونجبو».
الحظِّ أن السير كرايتون
ف َّكرت بِريان :نعم ،ليس لهذه ال َّدرجة ،وأشا َحت بوجهها لتُخفي ابتسامتها ،ولحُسن َ
كان أكثر استغراقًا في حكاية معركته الملحميَّة مع فارس ال َّدجاجة الحمراء من أن يلحظ سخرية العذراء،
التي سرَّها أن يكون معها رفيقان على الطَّريق ،حتى إذا كانا هذين الرَّجلين.
صفه عندما سم َعت بِريان التَّرنيم آتيًا عبر األشجار البنِّيَّة الجرداء ،وتساء َل السيركان النَّهار في منت َ
كرايتون« :ما هذا الصَّوت؟».
« -إنها أصوات مرفوعة بالصَّالة» .تعرف بِريان هذه التَّرنيمة .يتضرَّعون إلى (ال ُمحارب) أن يحميهم
وإلى (العجوز) أن تُنير طريقهم.
قائال« :إنهم قريبون».جرَّد السير إيليفر ال ُمفلس سيفه البالي و َش َّد ِعنان حصانه لينتظر مجيئهم ً
أفع َمت التَّرانيم هواء الغابة كرع ٍد خاشع ،وفجأةً ظه َر مصدر الصَّوت على الطَّريق أمامهم .كانت
مجموعة من اإلخوة ال َّشحَّاذين تقود القادمين ،رجال ملتحون مغبَّرون يرتدون الخيش ،بعضهم حافي
القدمين وبعضهم ينتعل األخفاف ،ووراءهم تتحرَّك مجموعة تتألَّف من ستِّين من الرِّ جال والنِّساء
واألطفال مهترئي الثِّياب ،ومعهم خنزيرة رقطاء وعدد كبير من الخراف ،وقد حم َل كثير من الرِّ جال
ت خشبيَّة بسيطة الصُّ نع ،ووسطهم تتدح َرج عربة من الخشب الرَّمادي فؤوسًا وأكثرهم مضارب وهراوا ٍ
ارتفاع كبير الجماجم والعظام المكسورة .توقَّف اإلخوة
ٍ المتشظِّي على عجلتينُ ،ك ِّو َمت عليها على
ال َّشحَّاذون لدى رؤيتهم الفارسيْن المتج ِّول ْين وسكنَت التَّرانيم ،وقال أحدهم« :أيها الفارسان الكريمان،
(األُم) تحبُّكما».
َر َّد السير إيليفر« :وتحبُّكم يا أخي .من أنتم؟».
أجابَه رجل كبير يحمل فأسًا« :صعاليك» .على الرغم من برودة الغابة الخريفيَّة كان عاري الجذع ،وعلى
صدره نُقِ َشت نجمة سُباعيَّة ،النَّجمة نفسها التي نق َشها ال ُمحاربون األنداليُّون على لحمهم حين عبروا
(البحر الضيِّق) ليقهروا ممالك البَشر األوائل.
قالت امرأة طويلة ممسكة بأحد َمقاود العربة« :إننا متَّجهون إلى المدينة لنجلب هذه العظام المق َّدسة لبيلور
المبا َرك ونَطلُب العون والحماية من الملك».
وقال رجل قصير ضئيل على جسده رداء ِسپتون رث وحول ُعنقه سير ِجلدي تتدلَّى منه بلَّورة« :انض َّما
إلينا أيها الصَّديقان( .وستروس) في حاج ٍة إلى ك ِّل سيف».
بأمان إلى
ٍ أعلنَ السير كرايتون« :إننا في الطَّريق إلى (وادي الغسق) ،لكن ربما يُمكننا أن نصحبكم
(كينجز الندنج)».
أضافَ السير إيليفر الذي يبدو عمليًّا إضافةً إلى كونه مفلسًا« :إذا كان معكم مال تدفعون به ثَمن
اصطحابنا إياكم».
قال السِّپتون« :نحن العصافير ال نحتاج إلى َّ
الذهب».
ر َّدد السير كرايتون حائرًا« :العصافير؟».
ضعًا وشيوعًا» .للسِّپتون وجه ضعًا وشيوعًاِ ،مثلما نحن أكثر النَّاس توا ُ « -العُصفور أكثر ُّ
الطيور توا ُ
ناحل حا ٌّد ولحية قصيرة شابَها الرَّمادي والبنِّي ،و َشعره الخفيف مسحوب ومربوط وراء رأسه ،وقدماه
س أتقياء قُتِلوا إليمانهم ،وقد خدموا الحافيتان سوداوان خشنتان وقاسيتان كجذور ال َّشجر« .هذه عظام أنا ٍ
اآللهة السَّبعة حتى الموت .بعضهم ج َّوعوه وبعضهم َّ
عذبوه .لقد انتُ ِه َكت السِّپتات ونُ ِهبَت ،والعذراوات
واأل َّمهات اغتصبَهن ال َّزنادقة وعبدة ال َّشياطين ،وحتى األخوات الصَّامتات تعرَّضن للتَّحرُّ ش( .األُم في
األعالي) تَصرُخ لوعةً .حانَ الوقت ألن يتخلَّى جميع الفُرسان المحلَّفون عن سادتهم ال ُّدنيويِّين ويُدافِعوا
عن عقيدتنا المق َّدسة.
تعاليا معنا إلى المدينة إذا كنتما تحبُّان (السَّبعة)».
قال السير إيليفر« :أحبُّهم كثيرًا ،لكن يجب أن آكل».
« -وكذا كلُّ أطفال (األُم)».
َر َّد السير إيليفر بجمود« :إننا ذاهبون إلى (وادي الغسق)».
ق أحد اإلخوة ال َّشحَّاذين ،وأطلقَت إحدى النِّساء أنينًا ،وقال الرَّجل الكبير ذو النَّجمة على صدره: بص َ
«أنتما فارسان زائفان» ،وشر َع عدد من اآلخَرين في التَّلويح بهراواتهم مهدِّدين.
قائال« :ال تدينوا ،فاإلدانة ل(األب) وحده .دعوهم يمرُّ ون بسالم .إنهم صعاليك على أن السِّپتون ه َّدأهم ً
ِمثلنا ،ضائعون في األرض».
تق َّدمت بِريان بفَرسها ،وقالت« :أختي ضائعة أيضًا .إنها بنت في الثَّالثة عشرة لها َشعر كستنائي وجميلة
المحيَّا».
ضا
وتقيك أي ً
ِ قال السِّپتون« :كلُّ أطفال (األُم) جميلو المحيَّا .عسى (العذراء) أن تقي تلك الفتاة المسكينة...
أظن» ،ورف َع أحد َمقاود العربة على كتفه وبدأ يسحب ،وعا َد اإلخوة ال َّشحَّاذون يُ َردِّدون ترنيمتهم، على ما ُّ
وظلَّت بِريان والفارسان المتج ِّوالن على متون خيولهم بينما َم َّر الرَّكب بتؤد ٍة سال ًكا الطَّريق المحفَّر صوب
(روزبي) ،وببُط ٍء خفتَت أصواتهم المترنِّمة وغابَت.
متسائال« :من ذا الذي يَقتُل ِسپتون يخدم اآللهة؟». ً رف َع السير كرايتون فلقة مؤ ِّخرته عن السَّرج وح َّكها
تعرف بِريان هذا النَّوع من البَشر ،وتَذ ُكر أن رجال ِرفقة ال ُّشجعان علَّقوا ِسپتون قُرب (بِركة العذارى)
من قدميه من فرع شجر ٍة واستخدَموا جثَّته هدفًا لتمارين الرِّماية .تساءلَت إن كانت عظامه مك َّومة على
العربة مع بقيَّة العظام.
كان السير كرايتون يقول« :ال بُ َّد أن من يغتصب أختًا صامتةً أحمق .مجرَّد أن يضع يديه عليها ...يُقال
إنهن زوجات (الغريب) ،وإن أعضاءهن األنثويَّة باردة مبتلَّة كالجليد» ،ورم َ
ق بِريان مردفًا« :آه...
أستميحك العُذر».
ِ
ق بها السير إيليفر وتب َعهما السير كرايتون همزَت بِريان فَرسها لتُ ِ
سرع إلى (وادي الغسق) ،وبَعد وهل ٍة لح َ
في المؤ ِّخرة.
ت صادَفوا ركبًا ثانيًا يتق َّدم ببُط ٍء نحو (وادي الغسق) .كان تاجرًا وخدمه ،يصحبهم فارس بَعد ثالث ساعا ٍ
متج ِّول آخَر ،وقد امتطى التَّاجر فَرسًا رماديَّةً مرقَّطةً في حين تباد َل رجاله َج َّر عربته ،يكدح أربعة منهم
على َمقاودها ويمشي االثنان اآلخَران إلى جوار العجلتيْن ،لكن حين سمعوا صوت الخيول أحاطوا
بالعربة في تشكيل استعدا ٍد رافعين النَّبابيت ،وأخر َج التَّاجر نُ َّشابيَّةً والفارس سيفًا .نادى التَّاجر ً
قائال:
ت عصيبة ،وليس هناك َّإال السير شادريك الكريم يُدافِع عني .من كنت ش َّكا ًكا ،لكننا في أوقا ٍ
«سا ِمحوني إذا ُ
أنتم؟».
ُ
جئت لت ِّوي من َر َّد السير كرايتون بنبرة جريح الكرامة« :إنني السير كرايتون لونجبو ال َّشهير بالطَّبع،
معركة (النَّهر األسود) ،وهذا رفيقي السير إيليفر ال ُمفلس».
وقالت بِريان« :لسنا نُض ِمر لكم سو ًءا».
بيتك .لماذا ترتدين ثيابًا غريبةً كهذه؟».
بك أن تكوني آمنةً في ِ ي ِ حد َجها التَّاجر بريب ٍة ً
قائال« :سيِّدتي ،حر ٌّ
أبحث عن أختي .إنها بنت جميلة ُ أجابَت دون أن تجرؤ على ِذكر اسم سانزا مع اتِّهامها بقتل الملك« :
س سمين في األربعين ،أو مع رفيعة النَّسب ،عيناها زرقاوان و َشعرها كستنائي .ربما رأيتموها مع فار ٍ
مهرِّج س ِّكير».
الطرق مألى بالمهرِّ جين ال ِّس ِّكيرين والفتيات المختطَفات ،وبالنِّسبة إلى الفارس السَّمين فمن الصَّعب ُّ « -
رجل شريف أن يظ َّل بطنه ممتلئًا بينما يعوز كثيرين الطَّعام ...وإن كان السير كرايتون لم يَ ُذق ٍ ي
على أ ِّ
الجوع على ما يبدو».
ك في َشجاعة لست أش ِّك ُ
ُ قال السير كرايتون بعناد« :إن لي عظا ًما كبيرةً .هل نركب معًا بعض الوقت؟
سيوف أفضل من واحد».
ٍ السير شادريك ،لكنه يبدو صغير الحجم ،وثالثة
ف َّكرت بِريان :أربعة سيوف ،لكنها لز َمت الصَّمت.
ً
متسائال« :ما قولك أيها الفارس؟». نظ َر التَّاجر إلى رفيقه
« -أوه ،ال خوف من هؤالء الثَّالثة» .السير شادريك رجل نحيف قوي له وجه كالثَّعالب وأنف حاد و َشعر
بُرتقالي ،ويمتطي جوادًا حربيًّا رشيق السِّيقان بلون الكستناء ،ومع أن طوله ال يتجا َوز أقدا ًما خمسةً
وبوصتينَّ ،إال أن له أسلوبًا واثقًا في الكالم« .أحدهم عجوز والثَّاني بدين وتلك الكبيرة امرأة .فليأتوا».
خفض التَّاجر نُ َّشابيَّته ً
قائال« :كما تقول». َ
تقهقر الفارس المأجور وأمعنَ النَّظر إلى بِريان كأنها شريحة من لحم الخنزير المملَّح َ صلوا رحلتهم إذ وا َ
أنك فتاة قويَّة البنية تتمتَّع بص َّح ٍة طيِّبة يا هذه».
الممتاز ،وقال لها« :يبدو ِ
جرحتها في الصَّميم ،لكن كالم الرَّجل الصَّغير مسَّها بالكاد ،ولذا قالت له« :إنني
َ سُخرية السير چايمي
عمالقة مقا َرنةً ببعضهم».
ضحكَ مجيبًا« :إنني كبير بما فيه الكفاية حيث يه ُّم يا هذه».
« -التَّاجر قال إن اسمك شادريك».
قال« :السير شادريك من (الوادي الظَّليل) ،وبعضهم يدعوني بالفأر المجنون» ،ود َّور تُرسه ليُريها رمزه،
الفأر األبيض الكبير ذا العينين الحمراوين ال َّشرستين على شرائط متعرِّجة من البنِّي واألزرق ،ثم تاب َع:
«البنِّي لألراضي التي جُبتها ،واألزرق لألنهار التي عبرتها ،والفأر أنا».
« -وهل أنت مجنون؟».
« -أوه ،ج ًّدا .الفأر التَّقليدي يفرُّ من الدِّماء والمعارك ،والمجنون يسعى إليها سعيًا».
« -يبدو أنه نادرًا ما يجدها».
لست فارس مباريات ،لكني أ َّدخ ُر َشجاعتي للمعارك يا امرأة».ُ « -أج ُد ما يكفيني .صحي ٌح أني
بشكل طفيف ،وقالت« :أنت والسير كرايتون ٍ ق َّدرت أن مخاطَبتها ب«يا امرأة» أفضل من «يا هذه»
الكريم مشتركان في أشياء ع َّدة إذن».
ت في مه َّم ٍة معيَّنة .تقولين إنها ُّ
أشك في هذا ،لكن ربما أشتر ُ
ك أنا وأن ِ َر َّد السير شادريك ضاح ًكا« :أوه،
ت ال َّ
صيَّادة أخت صغيرة مفقودة؟ عيناها زرقاوان و َشعرها كستنائي؟» ،وعا َد يضحك مردفًاِ « :
إنك لس ِ
ُ
أبحث عن سانزا ستارك». ضا
الوحيدة في الغابة .أنا أي ً
ظت بِريان على جمود مالمحها كالقناع لتُخفي وجلها ،وقالت« :من سانزا ستارك تلك؟ ولِ َم تبحث حاف َ
عنها؟».
« -من أجل الحُبِّ ،وهل هناك سبب سواه؟».
عقدَت حاجبيها مردِّدةً« :الحُب؟».
قاتلت أنا بالفعل في معركة (النَّهر
ُ فارسك الكريم السير كرايتون،
ِ الذهب .على عكس « -نعم ،حُبُّ َّ
الخصي
ُّ األسود) ،لكن مع الجانب الخاسر ،ود َّمرتني فديتي .ال بُ َّد أنك تعرفين من هو ڤارس ،أليس كذلك؟
ُ
لست ط َّماعًا .إذا ساعدَتني فتاة بالذهب مقابل هذه الفتاة التي لم تسمعي بها .إنني ص َّرةً ممتلئةً َّ
عرض ُ
َ
كبيرة الحجم على العثور على تلك الطِّفلة ال ُمشاغبة فسأقتس ُم معها مال العنكبوت».
« -حسبتك أجيرًا عند هذا التَّاجر».
قولك يا هذه؟».
ِ « -حتى (وادي الغسق) فحسب .هيبالد بخيل قدر ما هو جبان ،وهو جبان للغاية .ما
أعرف سانزا ستارك تلك .إنني أبحث عن أختي ،بنت رفيعة النَّسب.»...
ُ ر َّدت بإصرار« :ال
ت
أنك قل ِ
أختك؟ أم ِ
ِ ...« -ذات عينين زرقاوين و َشعر كستنائي ،نعم .أخبِريني ،من هذا الفارس الذي مع
إنه مهرِّ ج؟» ،ولم ينتظر السير شادريك إجابةً منها ،وهو ما ناسبَها ألن ال إجابة لديها ،وواص َل« :ث َّمة
مهرِّج معيَّن اختفى من (كينجز الندنج) ليلة ماتَ الملك چوفري ،رجل سمين له أنف مليء بالعروق
ال َّزرقاء ،اسمه السير دونتوس األحمر ،الذي كان تابعًا ل(وادي الغسق) فيما مضى .أتمنَّى َّأال يخلط أحد
أختك ومهرِّجها ال ِّس ِّكير وبين سانزا ستارك والسير دونتوس .سيكون هذا مؤسفًا للغاية» ،وهم َز جواده ِ بين
الحربي وخَ بَّ ساعيًا إلى مقدِّمة الرَّكب.
ت ال َّ
صيَّادة الوحيدة في الغابة .كانت إنك لس ِ
حتى چايمي النستر نفسه نادرًا ما أشع َر بِريان بهذا الحُمقِ .
المرأة بريال قد أخب َرتها كيف جرَّد چوفري السير دونتوس من فُروسيَّته ،وكيف توسَّلت سانزا إلى
چوفري أن يُبقي على حياته ،وعندما سم َعت الحكاية حز َمت بِريان أمرها قائلةً لنفسها :لقد ساعدَها على
عثرت على السير دونتوس سأعث ُر على سانزا .كان حريًّا بها أن تعلم أن آخَرين سيتوصَّلون ُ الهرب .إذا
إلى النَّتيجة ذاتها .وقد يكون بعضهم أق َّل كياسةً من السير شادريك .ليس في وسعها َّإال أن تأمل أن يكون
السير دونتوس قد أخفى سانزا جيِّدًا .لكن إذا فع َل هذا فكيف سأجدها؟ وحنَت بِريان كتفيها وواصلَت
الطَّريق مقطِّبةً.
كان اللَّيل يتو َّغل لدى وصولهم إلى الخان ،وهو بناية طويلة من الخشب تطلُّ على ملتقى فرعَي ٍ
نهر وتعلو
صاحب
ِ جسرًا حجريًّا قدي ًما .قال لهم السير كرايتون إن هذا هو اسم الخان( ،الجسر الحجري القديم) ،وإن
الخان صديقه ،وأضافَ مؤ ِّكدًا« :ليس طاهيًا سيِّئًا ،وليس في ال ُغرف براغيث أكثر من معظم الخانات .من
ش دافئ اللَّيلة؟».
يرغب في فِرا ٍ
قال السير إيليفر ال ُمفلس« :ليس نحن ،ما لم يكن صديقك يُ َؤجِّرها مجَّانًا .لسنا نملك ً
ماال لل ُغرف».
ص َّرةً متخمةً قالت بِريان« :يُمكنني أن أدفع لثالثتنا» .إنها ال تفتقر إلى النُّقود ،ففي جرابَي َسرجها وجدَت ُ
ق يأمر جميع ضيَّة والنُّجوم النُّحاسيَّة ،وواحدةً أصغر محش َّوةً بالتَّنانين َّ
الذهبيَّة ،باإلضافة إلى َر ٍّ باأليائل الف ِّ
عمال يخصُّ جاللته ،وقد وقَّعه بخَ طِّه ً مارسرعايا الملك األوفياء بمساعَدة حاملته ِبريان التارثيَّة التي تُ ِ
الطفولي تومن األول ملك األنداليِّين والروينار والبَشر األوائل وسيِّد (الممالك السَّبع). ُّ
آث َر هيبالد التَّو ُّقف أيضًا ،وأم َر رجاله بترك العربة قُرب االسطبل .كان الضَّوء األصفر ال َّدافئ يسطع من
حال يصهل إذ اشت َّم رائحة فَرسها ،وبينما بدأت وراء ُزجاج النَّوافذ ذي ال َّشكل الماسي ،وسم َعت بِريان فَ ً
قائال« :دَعني أتولَّى هذا أيها الفارس». تخلع السَّرج خر َج صبي من باب االسطبل ً
لست فارسًا ،لكن يُمكنك أن تأخذ الفَرس .احرص على إطعامها وسقايتها وتمشيطها». ر َّدتُ « :
حسبت.»...ُ تورَّد وجه الصَّبي ،وقال« :اع ُذريني يا سيِّدتي،
قاط َعته بِريان« :إنه خطأ شائع» ،وناولَته ال ِعنان وتب َعت اآلخَرين إلى داخل الخان وقد حملَت جرابَي
السَّرج على كتفها ودسَّت لفافة النَّوم تحت إبطها.
في ال َّداخل كانت األرضيَّة مغطَّاة بنُشارة الخشب ،والهواء تُف ِعمه روائح حشيشة الدِّينار 41وال ُّدخان واللَّحم،
غاب من يُتابِعه في الوقت الحاضر ،واستق َّر ستَّة من َ ُّ
وينز ال ُّدهن ،وإن قطق
ط ِض َع فوق النَّار تيس يُ َ
وقد ُو ِ
ال ُّس َّكان المحليِّين حول مائد ٍة يتكلَّمون ،لكنهم قطعوا حوارهم ما إن دخ َل ال ُغرباء .أحسَّت بِريان بنظراتهم
الجلديَّة أحسَّت كأنها عارية ،ول َّماالمسلَّطة عليها ،وعلى الرغم من قميصها المعدني ومعطفها وسُترتها ِ
قال أحدهم« :انظُروا» ،عل َمت أنه ال يعني السير شادريك.
صاحب الخان ممس ًكا بثالثة دوارق بك ِّل ي ٍد ويَس ُكب ال ِمزر مع كلِّ ُخطوة ،فسألَه التَّاجر« :ألديك ِ ظه َر
ُغرف شاغرة أيها الرَّجل الطيِّب؟».
صاحب الخان« :ربما ،لمن يملكون المال».
ِ أجاب
َ
ال َح االستياء على السير كرايتون لونجبو وهو يقول« :ناجل ،أهكذا تُ َحيِّي صديقًا قدي ًما؟ هذا أنا ،لونجبو».
صاحب الخان
ِ أرني الفضَّة وسأريك السَّرير» ،ووض َع « -هو أنت بالفعل .إنك مدين لي بسبعة أيائلِ .
ال َّدوارق واحدًا تلو اآلخَر ،ساكبًا المزيد من ال ِمزر على المائدة.
قالت بِريان مشيرةً إلى السير كرايتون والسير إيليفر« :سأدف ُع ثَمن ُغرف ٍة لي وأخرى لرفيقَي».
وقال التَّاجر« :وسآخ ُذ ُغرفةً أيضًا ،لي وللسير شادريك الكريم ،وسينام خدمي في االسطبل إذا كان هذا
ُناسبك».
ي ِ
تطلَّع إليهم الرَّجل ،ثم قال« :ال ي ِ
ُناسبني ،ولكن ربما أسم ُح به .هل تُريدون عَشا ًء؟ عندي تيس جيِّد ج ًّدا
على السِّيخ».
أعلنَ هيبالد« :سأحك ُم على جودته بنفسي ،وسيكتفي رجالي بال ُخبز ومرق ال ِّشواء».
صاحب الخان إلى الطَّابق العُلوي ِ وهكذا تنا َولوا عَشاءهم ،وجرَّبت بِريان التَّيس بنفسها بَعد أن تب َعت
ت في يده ووض َعت حاجياتها في ثاني ُغرف ٍة أراها إياها .طلبَت لحم التَّيس للسير ودسَّت بضع ُعمال ٍ
وشرب الفُرسان المتج ِّولون والتَّاجر ال ِمزر
َ كرايتون والسير إيليفر أيضًا ،بما أنهما تقا َسما معها َسمكهما،
ب من حليب الماعز ،وقد أنصتَت إلى الحديث ال َّدائر حول المائدة آملةً مع اللَّحم ،في حين اكتفَت بِريان بكو ٍ
ضعف األمل أن تسمع شيئًا يُسا ِعدها على التَّوصُّ ل إلى سانزا.
رغم َ
قال أحد المحليِّين لهيبالد« :إنكم قادمون من (كينجز الندنج) .أصحي ٌح أن قاتِل الملك أصب َح ُمعاقًا؟».
أجاب هيبالد« :صحيح ،فق َد يد سيفه».
َ
سمعت ،أحد تلك الوحوش التي أتَت من ال َّشمال.
ُ أضافَ السير كرايتون« :نعم ،قض َمها ذئب رهيب 44كما
ال خير يأتي من ال َّشمال أبدًا .حتى آلهتهم غريبة».
مرتزق ڬوهوري».
ِ بأمر من
ٍ سم َعت بِريان نفسها تقول« :لم يكن ذئبًا .السير چايمي فق َد يده
علَّق الفأر المجنون« :ليس ً
سهال أن يُقاتِل المرء بي ٍد لم تعرف التَّدريب».
ق السير كرايتون لونجبو صيحة استنكار ،وقال« :يتصادَف أني أجي ُد القتال بكلتا يدَي».أطل َ
أشك في هذا» ،ورف َع دورقه على سبيل التَّحيَّة.
قال السير شادريك« :أوه ،ال ُّ
تذ َّكرت بِريان قتالها مع چايمي النستر في الغابة .يومها استنف َرت قُواها كلَّها كي تتفادى سيفه .كان ضعيفًا
بَعد طول السِّجن ومعصماه مقيَّديْن بالسَّالسل .ال فارس في (الممالك السَّبع) بأَسرها كان ليَص ُمد أمامه
وهو بكامل ق َّوته دون سالسل تُعيقه .لقد اقترفَ چايمي شرورًا كثيرةً ،ولكن يا لبراعته في القتال! كان
تشويهه قسوة ما بَعدها قسوة ،لكن أن تَقتُل أسدًا شيء وأن تَبتُر َكفَّه وتَترُكه كسيرًا مبهوتًا شيء آخَ ر.
صار صخب القاعة العا َّمة يفوق تح ُّملها البقاء فيها لحظةً أخرى ،فغمغ َمت متمنِّيةً لهم ليلةً طيِّبةً َ فجأةً
وأخ َذت نفسها إلى الفِراش .السَّقف في ُغرفتها واطئ ،وإذ دخلَت بِريان حاملةً ً
فتيال مكس ًّوا بال َّشمع
سرير واسع بما فيه الكفاية ٍ اضطرَّت إلى االنحناء لئال تصدم رأسها .األثاث الوحيد في المكان عبارة عن
لنوم ستَّة أفراد ،باإلضافة إلى بقايا شمع ٍة من ال َّشحم على عتبة النَّافذة ،فأشعلَتها بنار الفتيل وأنزلَت مزالج
الباب وعلَّقت حزام سيفها من أحد أعمدة السَّريرِ .غمدها تقليدي تما ًما ،خشب مغلَّف ِ
بالجلد البنِّي المشقَّق،
بدال من السَّيف الذي سرقَته ِرفقة ال ُّشجعان .سيف وسيفها أكثر تقليديَّةً ،وقد ابتاعَته في (كينجز الندنج) ً
رنلي .ما زا َل يُؤلِمها فقدانه.
الذهب طويال آخَر خبَّأته في لفافة النَّوم ،وقد جل َست على السَّرير وأخر َجته ،ليلتمع َّ ً على أن هناك سيفًا
األصفر والياقوت باألحمر في ضوء ال َّشمعة ،وحين سحبَت بِريان (حافِظ العهد) من ِغمده المن َّمق
موجات السَّوداء والحمراء في أعماق الفوالذ .فوالذ ڤاليري ،مطرَّق بالتَّعاويذ. احتب َست أنفاسها لمرأى التَّ ُّ
صغرها مألَت مربِّيتها أُذنيها بحكايات البسالة وقصَّت عليها المآثر النَّبيلة للسير سيف يليق ببطل .في ِ
رجل
ٍ جاالدون المورني وفلوريان المهرِّج واألمير إيمون الفارس التنِّين وغيرهم من األبطال ،وكان لك ِّل
منهم سيف شهير ،وال بُ َّد أن (حافِظ العهد) يَصلُح لصُحبتهم حتى إن لم تكن هي تَصلُح« .ستُدافِعين عن
ابنة ند ستارك بفوالذ ند ستارك» .هكذا وعدَها چايمي.
رك َعت بين السَّرير والحائط ممسكةً بالسَّيف ،ور َّددت صالةً صامتةً ل(العجوز) التي يُنير مصباحها
أرشديني ،أنيري طريقي وأريني كيف أص ُل إلى سانزا .لقد خذلَت رنلي الذهبي السَّبيل للبَشر في الحياةِ . َّ
وخذلَت الليدي كاتلين ،ويجب َّأال تخذل چايمي أيضًا .لقد ائتمنَني على هذا السَّيف ،ائتمنَني على َشرفه.
طويال كفايةً ،فنا َمت عليهً بَعدها تم َّددت على السَّرير قدر المستطاع ،وعلى الرغم من اتِّساعه لم تجده
بالعرض .تناهَت إلى مسامعها قعقعة ال َّدوارق من األسفل ،واألصوات التي يحملها الهواء على السَّاللم ،ثم
ظه َرت البراغيث التي ذك َرها لونجبو ،فساعدَها ال َح ُّك على البقاء مستيقظةً.
سم َعت هيبالد يصعد ال َّدرج ،وبَعد فتر ٍة الفُرسان بدورهم ،وكان السير كرايتون يقول وهو يمرُّ ...« :لم
ط ،لكن كانت على تُرسه دجاجة حمراء قانية ،ومن نصله يَقطُر ال َّدم ،»...ثم خبا صوته، أعرف اسمه قَ ُّ
ق.
مكان ما في األعلى انفت َح باب وانغل َ
ٍ وفي
آخرها ،واستق َّر الظَّالم فوق (الجسر الحجري القديم) ،ورانَ على الخان صمت تام احترقَت شمعتها عن ِ
ق وأنصتَت فتحت الباب برف ٍ
نهضت ِبريان تجمع أغراضهاَ .َ جعلَها تسمع خرير مياه النَّهر ،وعندها فقط
لحظةً ،ثم نزلَت السَّاللم بقدمين حافيتين ،وفي الخارج انتعلَت حذاءها وأسرعَت إلى االسطبل لتُ َجهِّز
فَرسها الكستنائيَّة ،قبل أن تمتطيها مستميحةً السير كرايتون والسير إيليفر ُعذرًا صامتًا .استيقظَ أحد رجال
هيبالد حين مرَّت به ،لكنه لم يتحرَّك من مكانه ليمنعها ،ورنَّت حوافر فَرسها على حجارة الجسر القديم،
وسرعان ما ابتل َعتها األشجار السَّوداء كالقار المألى باألشباح وال ِّذكريات ،وإذ انطلقَت بِريان في ظُلمة
أجدك.
ِ اللَّيل قالت في أعماقها :إنني قادمة يا ليدي سانزا .ال تخافي ،فلن أستريح حتى
سامويل
بينما يقرأ عن (اآلخَرين) رأى سام الفأر.
كانت عيناه محمرَّتين رطبتين ،وكلَّما فر َكهما قال لنفسه :ينبغي َّأال أفركهما كثيرًا .ال ُغبار يُصيبهما بالح َّكة
قلب سام صفحةً ،ويرتفع مكان هنا ،تمأل سُحبه الصَّغيرة الهواء متى َ ٍ ويجعلهما تدمعان ،وال ُغبار في ك ِّل
كغمام رمادي متى رف َع كومةً من ال ُكتب ليرى ما قد يكون متواريًا في قاعها. ٍ
آخر مرَّة ،لكن أق َّل من بوص ٍة واحدة تبقَّى من ال َّشمعة الثَّخينة المصنوعة من ال يدري كم مضى منذ نا َم ِ
ق مخلوعة وجدَها مربوطةً بخيط .كان منهَ ًكا ألقصى ال َّشحم ،التي أشعلَها حين بدأ مطالَعة رزمة أورا ٍ
ف .ملزمة أخرى فقط. درجةَّ ،إال أن التَّوقُّف صعب ،وفي البداية ظَ َّل يقول لنفسه :كتاب آ َخر ثم أتوقَّ ُ
صفحة أخرى ثم أصع ُد وأستري ُح وآك ُل .لكن هناك دائ ًما صفحة أخرى بَعد تلك الصَّفحة ،ثم أخرى
وأخرى ،وكتاب آخَر قابع تحت الكومة ،فيُخبِر نفسه :سألقي نظرةً سريعةً فقط ألرى موضوعه ،وقبل أن
يدري يكون قد قرأ نِصفه .لم يكن قد أك َل شيئًا منذ َحساء الفاصوليا واللَّحم المق َّدد الذي تناولَه مع پيپ
ق فيها الطَّبق وجرن .باستثناء ال ُخبز والجُبنة ،لكنها كانت مجرَّد وجب ٍة خفيفة .وتلك هي اللَّحظة التي رم َ ِ
فأبصر الفأر يلتهم فُتات ال ُخبز.
َ الفارغ
ال يتجا َوز الفأر نِصف طول خنصره ،وله عينان سوداوان وفرو رمادي ناعم ،ويعلم سام أن عليه أن
ضا ،وقد وج َد الكثير من فضالتها وسط يَقتُله ،فمع أن الفئران تُفَضِّ ل ال ُخبز والجُبنة فإنها تأكل الورق أي ً
الرُّ فوف واألكوام ،وبدا بعض أغلفة ال ُكتب ِ
الجلديَّة مقروضًا.
يضن عليه بالقليل من فُتات ال ُخبز؟ لكنه يأكل ال ُكتب...
ُّ لكنه مخلوق ضئيل للغاية ،وجائع .كيف
كلوح من الخشب وساقاه ِشبه نائمتيْن .يعرف أنه ليس ٍ ت من الجلوس أصب َح َ
ظهر سام متيبِّسًا بَعد ساعا ٍ
سريعًا بما يكفي لإلمساك بالفأر ،ولكن ربما يستطيع أن يسحقه .عند ِمرفقه كانت تستقرُّ نُسخة ضخمة
ق تفاصيل بالجلد من (حوليَّات القنطور األسود ) ، 49تقرير السِّپتون چوركوين الذي يحوي أد َّ ِ مغلَّفة
يوم من خدمته ،كلٌّ منهاالسَّنوات التِّسع التي قضاها أوربرت كازويل قائدًا ل َحرس اللَّيل ،وفيه صفحة لك ِّل ٍ
ظ اللورد أوربرت في الفَجر وأفر َغ أمعاءه» ،باستثناء الصَّفحة األخيرة التي تقول: مستهلَّة بعبارة «استيق َ
ك سام الكتاب « ُو ِج َد اللورد أوربرت وقد ماتَ خالل اللَّيل» .ما من ٍ
فأر نِ ٌّد للسِّپتون چوركوين .هكذا أمس َ
ق من أصابعه السَّمينة وسق َ
ط بيُسراه بمنتهى البُطء فوجدَه سمي ًكا ً
ثقيال ،ول َّما حاو َل أن يرفعه بي ٍد واحدة انزل َ
على المنضدة ،وفي أقلِّ من لحظ ٍة اختفى الفأر بمنتهى السُّرعة .أحسَّ سام بالرَّاحة ،فسحقه المخلوق
ت مسموع« :لكن ال يَج ُدر بك أن تأكل ال ُكتب» .ربما الصَّغير المسكين كان ليُصيبه بالكوابيس ،وقال بصو ٍ
عليه أن يجلب معه القليل من الجُبنة عندما يأتي المرَّة القادمة.
أده َشه القليل الذي تبقَّى من ال َّشمعة .هل كان َحساء الفاصوليا واللَّحم المق َّدد اليوم أم البارحة؟ البارحة ،ال
بُ َّد أنه كان البارحة .جعلَه إدراك الوقت يتثا َءب.
مؤ َّكد أن چون يتسا َءل ع َّما َح َّل به ،وإن كان ال ِمايستر إيمون سيتفهَّم بالتَّأكيد .قبل أن يفقد بصره كان
ُدرك الطَّريقة التي يَسقُط بها المرء سقوطًا في ال ِمايستر يحبُّ القراءة قدر ما يحبُّها سامويل تارلي ،وي ِ
ال ُكتب أحيانًا ،كأن ك َّل صفح ٍة فجوة تُفضي إلى ٍ
عالم آ َخر.
دف َع سام نفسه عن المنضدة ناهضًا ،والت َوت قسماته من التَّنميل في َربلتَي ساقيه .مقعده صُلب للغاية،
ي أن أتذ َّكر أن أجلب وسادةً .بل ومن وينغرس في لحم فخذيه من الخلف عندما ينحني فوق كتاب .عل َّ
األفضل أن ينام هنا ،في الحُجيرة التي وجدَها نِصف متواري ٍة وراء أربعة صناديق مألى بالصَّفحات
طويال ،فقُوى الرَّجل بدأت تخور في ً المخلوعة من ُكتبها ،لكنه ال يرغب في ترك ال ِمايستر إيمون وحده
الفترة األخيرة وأصب َح يتطلَّب العون ،خصوصًا في العناية بال ِغدفان .صحي ٌح أن كاليداس يُسا ِعد إيمون،
لكن سام أصغر ِسنًّا وأمهر في التَّعا ُمل مع ُّ
الطيور.
ق سام طريقه عبر األنفاق التي بكوم ٍة من ال ُكتب والمخطوطات تحت إبطه األيسر وشمع ٍة في يده اليُمنى َش َّ
أنار خيط شاحب من الضَّوء ال َّدرجات الحجريَّة المرتفعة التي تقود يُ َس ِّميها اإلخوة المسالك ال ُّدوديَّة ،وقد َ
ك ال َّشمعة مشتعلةً في ُك َّو ٍة في الحائط وبدأ يصعد ،وعند ال َّدرجة إلى السَّطح ،فعرفَ أن النَّهار طل َع .تر َ
الخامسة كان يلهث ،وعند العاشرة توقَّف لينقل ال ُكتب إلى ذراعه اليُمنى.
قائال لنفسه :سماء ثلجيَّة .أصابَته الفكرة خرج تحت سما ٍء بلون الرَّصاص األبيض ،فضيَّق عينيه ورف َعهما ً َ
آن واحد .البالتَّوتُّر ،وتذ َّكر اللَّيلة إياها على ق َّمة (قبضة البَشر األوائل) حين أتَت الجُثث الحيَّة والثُّلوج في ٍ
تكن جبانًا هكذا .إخوتك المحلَّفون يُحيطون بك ،ناهيك بستانيس باراثيون وجميع فُرسانه .من حوله
الجدار) ،وقد ال َح جيش صغير يزحف ارتف َعت حصون وأبراج (القلعة السَّوداء) ،وإن ق َّزمتها ضخامة ( ِ
على الجليد في رُبع المسافة إلى أعلى ،حيث ترتفع ساللم متع ِّرجة جديدة بتؤد ٍة لتتَّصل ببقايا القديمة .على
الجليد تر َّددت أصداء مناشير ومطارق البنَّائين الذين أم َرهم چون بالعمل ليل نهار ،وقد سم َع سام بعضهم
ط .ولكن من دون السَّاللم يشكو على ال َعشاء ،ويقول إن اللورد مورمونت لم يُ َج ِّشمهم مشقَّةً كهذه قَ ُّ
الجدار) َّإال القفص المتح ِّرك ،ومهما كرهَ سامويل تارلي السَّاللم الضَّخمة ليست هناك وسيلة لبلوغ ق َّمة ( ِ
فإنه يكره القفص أكثر ،ودائ ًما يُغلِق عينيه متى ركبَه وفي نفسه يقين بأن السِّلسلة على وشك أن تنكسر،
ك القفص الحديد بالجليد يتوقَّف قلبه عن الخفقان لحظةً. وكلَّما احت َّ
وج َد سام نفسه يُفَ ِّكر وهو يُشا ِهد القفص ينخفض ببُطء :كانت تو َجد تنانين هنا قبل مئتي عام ،تطير ببساط ٍة
ق بها زوجها الملك زارت الملكة أليسين (القلعة السَّوداء) على متن تنِّينتها ،ولح َ الجدار) .لقد َ إلى ق َّمة ( ِ
چهيرس على تنِّينه .أيُمكن أن سيلڤروينج تر َكت بيضةً وراءها؟ أو هل وج َد ستانيس بيضةً في
(دراجونستون)؟ حتى إذا كانت في حوزته بيضة ،فكيف يجعلها تفقس؟ بيلور المبا َرك صلَّى على
بيضاته ،وغيره من آل تارجاريَن حاولوا جعل بيضهم يفقس بالسِّحر ،فلم ينالوا َّإال المهازل والمآسي.
قال صوت واجم« :سامويلُ ،
كنت قاد ًما إلحضارك .قي َل لي أن آخذك لحضرة القائد».
ُّ
تحط على أنفه« :چون يُريد أن يراني؟». تساء َل سام ونُدفة ٍ
ثلج
أجاب إد توليت الكئيب« :ال أدري .إنني لم أرغب في رؤية نِصف األشياء التي رأيتها ،ولم أ َر ِنصف
َ
أظن أن للرَّغبة عالقة باألمر .لكن من األفضل أن تذهب .اللورد سنو ُ
رغبت في رؤيتها .ال ُّ األشياء التي
يُريد الكالم معك ما إن يَفرُغ من زوجة كراستر».
« -جيلي».
رضعتي كان لها شارب». ُ
لظللت أرض ُع حتى اآلنُ .م ِ رضعتي تُشبِهها
« -بالضَّبط .لو كانت ُم ِ
جرن عند أحد األركان ،وك ٌّل منهما يحمل قوسًا ظهر مع ِ َ « -معظم الماعز له شوارب» ،صا َح پيپ إذ
سهام على ظَهره« .أين كنت أيها القاتِل؟ افتقدناك ليلة أمس على ال َعشاء .ث َّمة ثور ٍ طويال في يده و َجعبةً
مشوي كامل لم يأكله أحد».
كنت أقرأُ .كان هناك متجاهال مزحة الثَّور ،فهذا ديدن پيپ ال أكثرُ « .
ً « -ال تُنا ِدني بالقاتِل»َ ،ر َّد سام
فأر.»...
جرن ،إنه مرعوب منها».« -ال تَذ ُكر الفئران أمام ِ
جرن بغيظ« :غير صحيح!».
أعلنَ ِ
« -سيُر ِعبك أن تأكل واحدًا».
« -يُمكنني أن آكل فئرانًا أكثر منك».
الذيلكنت األصغر ،فلم أنل َّإال َّ
صغري كنا نأكل الفئران في أيام األعياد فقطُ . تنهَّد إد الكئيب ،وقال« :في ِ
دائ ًما .ليس هناك لحم في ا َّ
لذيل».
جرن« :أين قوسك الطَّويل يا سام؟ أولمر كان ينتظرك في ساحة التَّدريب» .اعتا َد السير أليسر أن سأ َل ِ
الجدار) كبير الحجم لكن جرن ب«الثَّور» ،ويبدو أن االسم ينطبق عليه أكثر فأكثر ك َّل يوم .لقد أتى ( ِ يُلَقِّب ِ
وخصر ممتلئ ووج ٍه أحمر وحرك ٍة خرقاء ،ولئن كانت رقبته ال تزال تحمرُّ كلَّما ٍ بطيئًا ،برقب ٍة غليظة
أوق َعه پيپ في حبائل واحد ٍة من ُدعاباته ،فإن ساعات التَّدريب الطَّويلة بالسَّيف والتُّرس س َّوت بطنه وق َّوت
ي حقًّا ،وأشعث كالثِّيران. ذراعيه وفلط َحت صدره .إنه قو ٌّ
ر َّدد سام بارتباك« :أولمر» .أول شي ٍء تقريبًا فعلَه چون سنو باعتباره القائد أنه قضى أن تكون تدريبات
الالزم قائال إن َحرس اللَّيل ر َّكزوا أكثر من َّ ُّ
والطهاةً ، الرِّماية يوميَّةً ألفراد الحامية كلِّها ،حتى ال ُوكالء
ق من األيام التي كان فيها فارس من ك ِّل عشرة إخو ٍة الالزم على القوس ،وهو أثر با ٍ على السَّيف وأق َّل من َّ
بدال من ك ِّل مئة .رأى سام ما في القرار من حصافة ،لكنه يكاد يكره تدريبات الرِّ ماية بالقوس الطَّويل ً
ِمثلما يكره صعود السَّاللم .عندما يضع قُفَّازيه ال يستطيع أن يُصيب شيئًا أبدًا ،وعندما يخلعهما تتقرَّح
ُ
نسيت». أصابعه .تلك األقواس خطرة بحق ،وال َّدليل أن ساتان قط َع نِصف ظُفر إبهامه بوتر أحدها« .
قال پيپ« :كسرت قلب األميرة الهمجيَّة أيها القاتِل» .في الفترة األخيرة تع َّودت ڤال أن تُشا ِهدهم يتمرَّنون
من نافذة ُغرفتها في (بُرج الملك)« .كانت تبحث عنك».
« -غير صحيح! ال تقل هذا!» .لم يتكلَّم سام مع ڤال َّإال مرَّتين ،حين استدعاها ال ِمايستر إيمون لتتأ َّكد من
ً
خجال في أن الرَّضيعيْن في ص َّح ٍة جيِّدة ،واألميرة رائعة ال َجمال بحق ،لدرجة أنه يجد نفسه يتلعثم ويتورَّد
حضورها.
قال پيپ« :ولِ َم ال؟ إنها تُريد أن تحمل أطفالك .ربما علينا أن ندعوك بسام ال ُمغوي».
احم َّر وجه سام .إنه يعلم أن عند الملك ستانيس ُخططًا لڤال ،أنها األداة التي ينوي أن يُح ِكم بها السَّالم بين
ك وقتًا للرِّماية اليوم .يجب أن أذهب ألرى چون».ال َّشماليِّين وشعب األحرار« .ال أمل ُ
جرن؟».
« -چون؟ چون؟ هل نعرف أحدًا اسمه چون يا ِ
« -يقصد حضرة القائد».
« -أوووه ،اللورد سنو العظيم ،بالتَّأكيد .لماذا تُريد أن تراه؟ إنه ال يستطيع هزهزة أُذنيه» ،وهزه َز پيپ
أُذنيه الكبيرتين المحمرَّتين من البرد ليُريهم أنه يستطيع ،وأضافَ « :إنه اللورد سنو فعليًّا اآلن ،أعلى نسبًا
من أن يُجالِس أمثالنا».
الجدار) تحت قيادته ،وكلُّ ما يتض َّمنه هذا المنصب».
قال سام مداف ًعا عنه« :چون عليه واجباتِ ( .
« -والمرء عليه واجبات نحو أصدقائه أيضًا .لوالنا ألصب َح چانوس سلينت قائدنا .كان اللورد چانوس
عار على ظَهر بغل ،ولقال له :اذهب إلى (قلعة كراستر) و ُعد لي ٍ ُرسل سنو في جولة تقصٍّ وهو لي ِ
بمعطف وحذاء ال ُّدب العجوز .لقد أنقذناه من هذا ،واآلن واجباته أكثر من أن يشرب معنا كوبًا من النَّبيذ
المتبَّل إلى جوار النَّار؟».
ُبارز أحدهم هناك معظم األيام».جرن بقوله« :واجباته ال تحول دون نزوله السَّاحة .ستجده ي ِ أيَّده ِ
أق َّر سام مضط ًّرا بصحَّة هذا .ذات مرَّة ،عندما جا َء چون يتشا َور مع ال ِمايستر إيمون ،سألَه سام لماذا
المبارزة ،وأضافَ « :ال ُّدب العجوز لم يعتَد أن يتدرَّب كثيرًا حين كان
َ يقضي ك َّل هذا الوقت في تدريبات
أجاب عنه چون بأن وض َع سيفه (المخلب الطَّويل) في يد سام وتر َكه يستشعر خفَّته َ قائدًا» ،وهو ما
وتوا ُزنه ،وجعلَه يُ َد ِّور النَّصل لتَبرُق ُّ
تموجات المعدن ال َّداكن كال ُّدخان ،ثم قال« :هذا فوالذ ڤاليري ،مطرَّق
بالتَّعاويذ وحاد كالموسى ،يكاد يكون غير ٍ
قابل لإلتالف .ال بُ َّد أن يكون حامل السَّيف بجودة سيفه يا سام.
(المخلب الطَّويل) من الفوالذ الڤاليري ،أ َّما أنا فال ،وكان باستطاعة ذي النِّصف يد أن يَقتُلني بسهولة
سحقك بعوضةً».
طارت ،فال أفع ُل َّإال أن أضرب ذراعي .شيء َ حاولت أن أسحق بعوضةً ُ قائال« :كلَّما
أعا َد سام السَّيف ً
مؤلم».
ك قوله چون الذي َر َّد« :كما تُريد .كان باستطاعة كورين أن يَقتُلني بسهولة أكلك وعا ًء من الثَّريد». أضح َ
سام مولع بالثَّريد ،خصوصًا المحلَّى بالعسل.
ق طريقه إلى مستودَع السِّالح ضا ًّما ُكتبه إلى صدره.« -ليس عندي وقت لهذا» ،قالها سام ألصدقائه و َش َّ
تساءل ع َّما سيقوله هؤالء البَشر إذا أد َركوا أن بلدانهم يقيها َمن على
َ أنا الدِّرع التي تقي بلدان البَشر.
جرن وپيپ وإد الكئيب. شاكلة ِ
(بُرج القائد) خرَّبته النَّار ،و(بُرج الملك) اتَّخذه ستانيس باراثيون مق ًّرا إلقامته ،ومن ثم استق َّر چون سنو
وصل سام ،جسدهاَ في مسكن دونال نوي المتواضع وراء مستودَع السِّالح .كانت جيلي مغادرةً حين
ملفوف بالمعطف القديم الذي أعطاها إياه في أثناء فرارهما من (قلعة كراستر) .كادَت الفتاة تندفع
متجاوزةً إياه ،لكنه أمسكَ ذراعها ليَسقُط منه كتابان ،وقال« :جيلي».
ت مبحوح« :سام» .لجيلي َشعر داكن وجسد ناحل وعينان بنِّيَّتان واسعتان كعينَي ظبية ،وقد ر َّدت بصو ٍ
ابتل َعتها طيَّات معطف سام القديم وكا َد وجهها يتوارى تحت قلنسوته ،وإن كانت ترتجف على الرغم من
هذا ،وال َح على مالمحها الخوف واالمتقاع.
طفلين؟».سألَها سام« :ما الخطب؟ كيف حال ال ِّ
سحبَت جيلي ذراعها منه مجيبةً« :بخير يا سام ،بخير».
قال بلُطف« :عجيب ِ
أنك تستطيعين النَّوم في وجود االثنينَ .من الذي سمعته يبكي ليلة أمس؟ حسبته لن
يتوقَّف أبدًا».
صبي داال ،دائ ًما يبكي حين يُريد أن يرضع .أ َّما صبيِّي ...صبيِّي يكاد ال يبكي أبدًا .أحيانًا ُّ غمغ َمت« :
رت على يُقَرقِر ،ولكن ،»...وبت َرت عبارتها واستطردَت بعينين أغرقَتهما ال ُّدموع« :يجب أن أذهب .تأ َّخ ُ
ق نفسي باللَّبن إذا لم أذهب» ،واندف َعت تجتاز السَّاحة تاركةً سام حائرًا.
إطعامهما .سأغر ُ
طهما .لم يكن ينبغي أن أجلب عددًا كبيرًا ،قال اضط َّر إلى الرُّ كوع على رُكبتيه ليلتقط الكتابين اللذين أسق َ
لنفسه وهو يمسح الوحل عن ( ُخالصة اليَشب) لكولوڬو ڤوتار ،المجلَّد السَّميك الذي يض ُّم حكايا ٍ
ت
الحظَّ نفسه لم يُحا ِلف
وأساطير من الغرب وأم َره ال ِمايستر إيمون بالعثور عليه .بدا الكتاب سلي ًما ،ولو أن َ
(عشيرة التَّنانين ،تاريخ عائلة تارجاريَن من المنفى إلى التَّأليه ،مع بحث في حياة التَّنانين وموتها)
ت بالوحل ،منها واحدة تحوي صورةً ط ،وتل َّوثت بضع صفحا ٍ لل ِمايستر ثوماكس .انفت َح الكتاب إذ سق َ
ممتازةً باألحبار المل َّونة للرُّ عب األسود بالريونَ .سبَّ سام نفسه وخَ َرقها وهو يُ َس ِّوي الصَّفحات ويمسحها.
بأخ محلَّف في َحرس اللَّيل أن يَشعُر بما تُش ِعره بهدائ ًما يُربِكه وجود جيلي ويُثير فيه ...ما يُثيره! ال يَج ُدر ٍ
جيلي ،ال سيَّما حين تتكلَّم عن ثدييها و...
« -اللورد سنو ينتظرك» .عند باب مستودَع السِّالح وقفَ حارسان متَّكئان على حربتيهما ،كالهما يرتدي
معطفًا أسود ويعتمر خوذةً قصيرةً من الحديد .كان هال ال ُمشعر من تكلَّم ،بينما ساع َد مولي سام على
النُّهوض ،فتمت َم شاكرًا وأسر َع يتجا َوزهما متشبِّثًا باستمات ٍة بكومة ال ُكتب وهو يمرُّ بورشة الحدادة بسندانها
وكيرها ،وقد استق َّر قميص نِصف مكتمل من الحلقات المعدنيَّة على طاولة العمل .رأى جوست متم ِّددًا
ثور ليصل إلى النُّخاع ،ورف َع ال ِّذئب الرَّهيب األبيض الكبير عينيه حين َم َّر أسفل السِّندان يقضم عظمة ٍ
سام ،وإن لم يُص ِدر صوتًا.
الحراب والتُّروس ،ولدى دخوله ألفاه سام يقرأ َرقًّا ،وقد جث َم ُغداف تقع حُجرة چون ال َّشمسيَّة وراء رفوف ِ
اللورد مورمونت على كتفه مح ِّدقًا إلى الورقة كأنه يقرأها أيضًا ،لكن حين أبص َر الطَّائر سام بسطَ جناحيه
وحلَّق صوبه صائحًاُ « :ذرةُ ،ذرة!».
ُخرج حفنةً من الحبوب ،ف َحطَّ ال ُغداف على ع َّدل سام وضع ال ُكتب و َدسَّ يده في الكيس المجاور للباب لي ِ
معصمه والتقطَ واحدةً من َكفِّه ناقرًا بق َّو ٍة حدَت بسام إلى الصِّياح وانتزاع يده بسُرعة ،وعا َد ال ُغداف يُ َحلِّق
وتناث َرت الحبوب الصَّفراء والحمراء في ك ِّل مكان.
قال چون« :أغلِق الباب يا سام .هل جر َح المأفون ِجلدك؟» .على وجنته ال تزال تلوح النُّدوب الباهتة التي
نسر أن يفقأ عينه. خلَّفتها محا َولة ٍ
ُ
أنزف!». وأجاب شاعرًا بال ُّدوار« :نعم ،إنني
َ ق وخل َع قُفَّازه، وض َع سام ال ُكتب برف ٍ
ت أغلظ» ،ودف َع مقعدًا بقدمه نحو سام مردفًا:َر َّد چون« :ك ُّلنا ننزف من أجل َحرس اللَّيل .ارت ِد قُفَّازا ٍ
وألق نظرةً على هذا» ،وناولَه الرَّق.
ِ «اجلس
سألَه سام بينما بدأ ال ُغداف يلتقط ال َحبَّ من وسط الحصائر« :ما هذا؟».
ِ « -درع من ورق».
امتصَّ سام ال َّدم من راحة يده وهو يقرأ ،وقد تعرَّف خَ طَّ ال ِمايستر إيمون بمجرَّد النَّظر .للعجوز خَ ٌّ
ط
صغير دقيق ،لكنه ال يرى المواضع التي يُلَطِّخ فيها الحبر الورقة ،فيَترُك أحيانًا بُقعًا قبيحةً« .رسالة إلى
الملك تومن؟».
قال چون« :في (وينترفل) تبار َز تومن وأخي بران بسيفين خشبيَّين .كان يرتدي بطانةً سميكةً لدرجة أنه
مواصال« :ومع ذلك ماتَ بران ،واآلن ً وذهب إلى النَّافذة
َ بدا كإو َّز ٍة محش َّوة ،وطر َحه بران أر ً
ض ا »،
يجلس تومن السَّمين ذو الوجه المتو ِّرد على العرش الحديدي ،ووسط ُخصالته َّ
الذهبيَّة يستقرُّ التَّاج».
الجدار) مع ذي اليدين الباردتين ،لكن الكلمات احتب َست أرا َد سام أن يقول :بران لم يَ ُمت ،بل ارتح َل وراء ( ِ
أقسمت َّأال أقول« .لم تُ َوقِّع الرِّسالة».
ُ في حلقه .لقد
« -ال ُّدب العجوز توسَّل العون من العرش الحديدي مئة مرَّة ،فأر َسلوا له چانوس سلينت .ال رسالة من
شأنها أن تجعل آل النستر يحبُّوننا أكثر ما إن يسمعوا أننا ساعَدنا ستانيس».
الجدار) فقط ،وليس في تمرُّ ده» ،وقرأ الرِّ سالة ثانيةً بسُرع ٍة قبل أن يُضيف: قال سام« :في الدِّفاع عن ( ِ
«هذا هو المكتوب هنا».
ً
متسائال« :لِ َم يُسا ِعدنا اآلن؟ إنه قال چون« :قد يغيب الفرق عن اللورد تايوين» ،وتناو َل ال ِّرسالة من سام
لم يفعلها من قبل قَ ُّ
ط» .
« -ألنه لن يُريد أن يقول النَّاس إن ستانيس هَبَّ للدِّفاع عن البالد بينما يلعب الملك تومن بلُعبه .شيء كهذا
سيُ َؤدِّي إلى السُّخرية من عائلة النستر».
قال چون« :ما أريده لعائلة النستر هو الموت وال َّدمار» ،ورف َع الرِّ سالة وقرأَ « :حرس اللَّيل ال يتد َّخلون
خطر داهم اآلن .ستانيس باراثيون
ٍ في حروب (الممالك السَّبع) .إننا نحلف أيماننا للبالد ،والبالد في
الجدار) ،لكننا لسنا رجاله.»...
يُسا ِعدنا ضد أعدائنا من وراء ( ِ
قال سام بارتباك« :طيِّب ،نحن لسنا رجاله بالفعل ،أليس كذلك؟».
أعطيت ستانيس الطَّعام والمأوى و(قلعة اللَّيل) ،باإلضافة إلى السَّماح له بتوطين عد ٍد من شعب
ُ « -لقد
األحرار في (الهديَّة) ،هذا كلُّ شيء».
« -اللورد تايوين سيقول إن هذا كثير للغاية».
جسر من الجليد على ٍ « -وستانيس يقول إنه ال يكفي .كلَّما أعطيت مل ًكا المزيد أرا َد أكثر .إننا نمشي على
ً
مستحيال». ملك واحد عسير بما فيه الكفاية ،أ َّما إرضاء اثنين فيكاد يكون جانبيه هاوية .إرضاء ٍ
« -نعم ،لكن ...إذا كانت الغلبة آلل النستر وقرَّر اللورد تايوين أننا ُخنَّا الملك بدعمنا ستانيس فقد يعني هذا
نهاية َحرس اللَّيل .إن وراءه آل تايرل وق َّوة (هايجاردن) بأكملها ،كما أنه هز َم اللورد ستانيس في معركة
حرص على َ (النَّهر األسود)» .ربما يُصيب منظر الدِّماء سام بال ُّدوار ،لكنه يعلم كيف تُربَح الحروب .أبوه
هذا.
(« -النَّهر األسود) معركة واحدة .روب انتص َر في معاركه كلِّها وفق َد رأسه رغم ذلك .إذا استطا َع
ستانيس أن يحشد ال َّشمال.»...
ُحاول إقناع نفسه .لكنه غير قادر .لقد حلَّقت ال ِغدفان من (القلعة السَّوداء) في عاصف ٍة ك سام أن چون ي ِأدر َ
من األجنحة السَّوداء ،تستدعي لوردات ال َّشمال إلعالن تأييدهم ستانيس باراثيون و َ
ض ِّم ق َّواتهم إلى ق َّواته،
الطيور بنفسه ،وحتى اآلن لم يرجع َّإال واحد ،الطَّائر الذي أر َسلوه إلى (كارهولد)، وقد أرس َل سام معظم ُّ
وفيما عدا ذلك فالصَّمت يص ُّم اآلذان.
حتى إذا استطا َع ستانيس أن يربح ال َّشماليِّين في صفِّه ،فسام ال يرى كيف يأمل في معادَلة ق َّوة (كاسترلي
روك) و(هايجاردن) و(التَّوأمتين) مجتمعةً ...لكن قضيَّته خاسرة ال محالة دون ال َّشمال .خاسرة ك َحرس
اللَّيل إذا وص َمنا اللورد تايوين بالخيانة« .آل النستر معهم شماليُّون في صفوفهم ،اللورد بولتون ونغله».
« -ستانيس معه آل كارستارك .إذا فا َز بتأييد (الميناء األبيض).»...
قاط َعه سام ضاغطًا على الكلمة« :إذا .وإذا لم يَح ُدث ...سيِّدي ،حتى ِدرع من ورق أفضل من ال شيء».
ط ريشةً وذيَّل الرِّسالة بتوقيعه ،وقالِ « :
أحضر أظن هذا» ،وتنهَّد ثم التق َقائالُّ « : ل َّوح چون بالورقة ً
ال َّشمع» .وهكذا س َّخن سام قالبًا من ال َّشمع األسود فوق شمع ٍة وقطَّر القليل منه على الرَّق ،ثم شاه َد وچون
يضغط ختم َحرس اللَّيل بق َّو ٍة في ال َّشمع الطَّري ،قبل أن يقول آمرًاُ « :خذها إلى ال ِمايستر إيمون حين تُغا ِدر
ُرسل طائرًا إلى (كينجز الندنج)». وقُل له أن ي ِ
رأيت جيلي وهي ُ قال سام« :سأفع ُل» ،وتر َّدد لحظةً ثم استطر َد« :سيِّدي ،إذا سمحت لي بالسُّؤال ...لقد
ذاهبة ،وكانت مجهشةً بالبُكاء».
« -ڤال أرسلَتها تتشفَّع لمانس مج َّددًا».
الجدار ملكةً له ،ويُط ِلق عليها ستانيس ورجاله« -أوه» .ڤال أخت المرأة التي اتَّخذها ملك ما وراء ِ
ضت نفسها وهي ً
نصال لم يمسَّها ،بل فا َ «األميرة الهمجيَّة» ،وقد ماتَت أختها داال خالل المعركة ،مع أن
تلد ابن مانس رايدر .قريبًا سيتبعها رايدر نفسه إلى القبر ،إذا صدقَت الهمسات التي سم َعها سام« .ماذا
قلت لها؟».
أظن أن كالمي سيُ َؤثِّر فيه .أول واجبات الملك أن ُ
كنت ال ُّ أجاب چون« :إنني سأتكلَّ ُم مع ستانيس ،وإن َ
يُدافِع عن بالده ،ومانس رايدر هاج َم البالد ،وليس واردًا أن ينسى جاللته هذا .لقد اعتا َد أبي أن يقول إن
ط إنه متسامح» ،وصمتَ لحظةً مقطِّبًا وجهه قبل أن يُتابِع: ستانيس باراثيون رجل عادل ،لكن ال أحد قال قَ ُّ
ق يُفت َرض أن تكون رجال في َحرس اللَّيل ذات يوم ،وبال َح ِّ
ً «أوث ُر أن أقطع رأس مانس بنفسي ،فقد كان
حياته في أيدينا نحن».
حرقه لتصنع سحرًا ما». « -پيپ يقول إن الليدي مليساندرا تنوي أن تُ ِ
« -على پيپ أن يتعلَّم أن يصون لسانه .الكالم نفسه سمعته من آخَرين .دم الملوك الذي من شأنه أن يُوقِظ
تنِّينًا ،لكن ال أحد يدري أين تحسب مليساندرا أنها ستجد تنِّينًا نائ ًما .إنها تُرهات .دماء مانس ليست أكثر
ق ال أكثر ،وليست هناك ط .الرَّجل قاطع طري ٍ ش قَ ُّملكيَّةً من دمائي .إنه لم يعتمر تاجًا أو يجلس على عر ٍ
ق َّوة في دماء قُطَّاع ُّ
الطرق».
على األرض رف َع ال ُغداف عينيه وصر َخ« :دماء!».
ُ
سأصرف جيلي من هنا». لم يُ ِعره چون اهتما ًما ،وقال« :
غمغ َم سام« :أوه» ،وأومأ َ برأسه ً
قائالٌ « :
حسن ،هذا ...هذا جيِّد يا سيِّدي» .أفضل شي ٍء لها أن تذهب إلى
آمن دافئ ،بعيدًا عن (ال ِجدار) والقتال.
مكان ٍ
ٍ
رضعةً أخرى ألخيه في الرِّ ضاعة». « -هي والصَّبي .علينا أن نجد ُم ِ
« -ال بأس بحليب الماعز حتى تجدوا واحدةً .إنه أفضل للرُّ ضَّع من حليب األبقار» .كان سام قد قرأ هذا
ُ
عثرت على قائ ٍد صبي آ َخر قبل أربعمئة قائال« :سيِّدي ،بينما أقراُ الحوليَّات
مكان ما .اعتد َل في جلسته ً
ٍ في
اختير ،لكنه خد َم ستِّين عا ًما .هكذا
َ عام من الغزوة .أوزريك ستارك كان في العاشرة من العُمر حين ٍ
رجل يُنتخَ ب للقيادة .إنك الخامس
ٍ أصبحوا أربعةً يا سيِّدي ،أي أنك لست قريبًا حتى من أن تكون أصغر
حتى اآلن».
« -واألربعة األصغر ك ُّلهم أبناء أو إخوة أو نغول للملك في ال َّشمال .أخبِرني بشي ٍء مفيد ،حدِّثني عن
عد ِّونا».
ِّجالت ،وإن لم يكن بالكثرة التي ق شفتيه مستدر ًكا« :إنهم مذكورون في الس َّ قال سام(« :اآلخَرون)» ،ولع َ
أعرف أن هناك المزيد مما لم أجده .بعض ُ ِّجالت التي وجدتها وقرأتها باألحرى ،لكني حسبتها ...في الس َّ
ال ُكتب األقدم متفسِّخ ،والصَّفحات تتفتَّت حين أحاو ُل أن أقلبها .وبالنِّسبة إلى ال ُكتب العتيقة ...إ َّما أنها تفتَّتت
مكان ما لم أبحث فيه بع ُد ،وربما ...ربما ال تكون هناك ُكتب كهذه من األصل ٍ تما ًما وإ َّما أنها مدفونة في
ك لنا ط .أقدم التَّواريخ المد َّونة كان بَعد مجيء األنداليِّين إلى (وستروس) ،بينما تر َ ولم يكن لها وجود قَ ُّ
نظن أننا نعرفه عن عصر األبطال واللَّيل ُّ البَشر األوائل نقو ًشا على الصُّ خور فحسب ،لذا فإن ك َّل شي ٍء
ت كتبَها ِسپتونات بَعد آالف األعوام من تلك األحداث ،وهناك ِمايسترات رؤساء في الطَّويل يأتي من حكايا ٍ
(القلعة) يُ َش ِّككون فيها جميعًا .تلك التَّواريخ القديمة مألى بالملوك الذين حكموا مئات السِّنين ،والفُرسان
عام من وجود فُرسان .أنت تعرف تلك الحكايات؛ براندون البنَّاء وسيميون ذو الذين جابوا البالد قبل ألف ٍ
العينين النَّجمتين وملك اللَّيل ...نحن نقول إنك القائد التِّسعمة وثمانية وتسعون ل َحرس اللَّيل ،لكن أقدم قائم ٍة
وجدتها تض ُّم ستمئة وأربعة وسبعين قائدًا ،وهو ما يُفيد بأنها ُكتِبَت.»...
زمن طويل .ماذا عن (اآلخَرين)؟».
ٍ قاط َعه چون« :منذ
الزجاج البُركاني خنجر من ُّ
ٍ وجدت ِذكرًا ل ُزجاج التنِّين .أطفال الغابة تع َّودوا أن يُعطوا َحرس اللَّيل مئة
ُ «-
عام خالل عصر األبطال .معظم الحكايات متَّفق على أن (اآلخَرين) يأتون في البرد ،أو أن البرد يأتي ك َّل ٍ
معهم .أحيانًا يظهرون وقت العواصف الثَّلجيَّة ويختفون حين تصفو السَّماء ،ويختبئون من ضوء ال َّشمس
ليال ...أو أن اللَّيل يحلُّ حين يَخرُجون .بعض القصص يتكلَّم عن ركوبهم الحيوانات الميتة؛ ويَخرُجون ً
الدِّببة وال ِّذئاب الرَّهيبة والماموثات والخيول ،ال فرق ما دا َم الحيوان ميتًا.
الذي قت َل پول الصَّغير كان يمتطي حصانًا ميتًا ،فواضح أن هذا الجزء صحيح .بعض الحكايات يَذ ُكر
عناكب جليديَّةً أيضًا ،لكني ال أدري ماهيتهاَ .من يسقطون في المعركة أمام (اآلخَ رين) ال بُ َّد أن يُح َرقوا
وإال سينهض الموتى من جدي ٍد كعبي ٍد لهم». َّ
« -نعرف ك َّل هذا .السُّؤال هو كيف نُقاتِلهم؟».
قال سام« :دروع (اآلخَرين) منيعة ضد معظم األسلحة التَّقليديَّة ،إذا ص َّدقنا ما ور َد في الحكايات،
وسيوفهم باردة للغاية لدرجة أنها تُ َحطِّم الفوالذ ،لكنهم يهابون النَّار ،ومن شأن ُزجاج التنِّين أن يُؤذيهم».
تذ َّكر (اآلخَر) الذي واجهَه في (الغابة المسكونة) ،وكيف بدا أنه يذوب ذوبانًا عندما طعنَه بخنجر ُّ
الزجاج
وجدت حكايةً عن اللَّيل الطَّويل تقول إن البطل األخير قت َل (اآلخَرين)ُ البُركاني الذي صن َعه له چون« .
بسيف من فوالذ التنِّين .المفت َرض أنهم ال يستطيعون الصُّ مود أمامه». ٍ
قطَّب چون جبينه ً
قائال« :فوالذ التنِّين؟ الفوالذ الڤاليري؟».
« -هذا أول ما خط َر لي أيضًا».
استطعت أن أقنع لوردات (الممالك السَّبع) بإعطائنا سيوفهم المصنوعة من الفوالذ الڤاليري ُ « -إذن إذا
ق چون ضحكةً خاليةً من المرح ،وأردفَ « :هل عرفت من يكون (اآلخَرون)؟ فستنتهي المشكلة؟» ،وأطل َ
من أين يأتون؟ ماذا يريدون؟».
كنت أقرأُ ال ُكتب الخطأ فقط .هناك مئات ال ُكتب التي لم أفتحها حتى اآلن.
« -ليس بع ُد يا سيِّدي ،لكن لعلِّي ُ
أعطني مزيدًا من الوقت وسأج ُد ك َّل ما يُمكن إيجاده».
ِ
بنبر ٍة حزينة قال چون« :ليس هناك مزيد من الوقت .عليك أن تحزم أغراضك يا سام ،إنك راحل مع
جيلي».
مرَّت لحظة دون أن يستوعب سام ،ثم قال« :راحل؟ أنا راحل؟ إلى (القلعة ال َّشرقيَّة) يا سيِّدي؟ أم...
أين.»...
(« -البلدة القديمة)».
(« -البلدة القديمة)؟!» .خر َجت الكلمة منه صريرًا( .هورن هيل) قريبة من (البلدة القديمة) .الدِّيار .مجرَّد
الفكرة جع َل رأسه يدور .أبي.
« -وإيمون أيضًا».
رسله وتُ ِ
رسلني « -إيمون؟ ال ِمايستر إيمون؟ لكن ...لقد تجاو َز المئة بعامين يا سيِّدي ،وال يقوى على ...ستُ ِ
ُر َحت ،فمن.»...
ضت أو ج ِأيضًا يا سيِّدي؟ ومن سيعتني بال ِغدفان؟ إذا مر َ
« -كاليداس ،إنه مع إيمون منذ سنوات».
ضعفًا .أنت محتاج إلى ِمايستر .ال ِمايستر إيمون واهن ،ورحلة « -كاليداس مجرَّد وكيل ،وبصره يزداد َ
في البحر .»...ف َّكر في (الكرمة) والسَّفينة (ملكة الكرمة) فكا َد يختنق بلسانه« .ربما ...إنه شيخ ،و.»...
« -ستكون حياته في خطر ،أدر ُ
ك هذا يا سام ،لكن الخطر هنا أكبر .ستانيس يعرف من هو إيمون ،وإذا
كانت تعاويذ المرأة الحمراء تقتضي دم الملوك.»...
شحب« :أوه».
َ َر َّد سام بوج ٍه
كسبنا أغانيه بعض ال ِّرجال في الجنوب .ستحملكم« -سينض ُّم داريون إليكم في (القلعة ال َّشرقيَّة) .أملي أن تُ ِ
(الطَّائر األسود) إلى (براڤوس) ،ومن هناك عليكم ترتيب رحلتكم إلى (البلدة القديمة) .إذا كنت ال تزال
فأرسلها إلى (هورن هيل) ،وإن لم يكن فسيجد لها إيمون ً
عمال كخادم ٍة في ِ تعتزم أن تُعلِن ابن جيلي نغلك،
(القلعة)».
« -نننغلي» .لقد قال هذا ،نعم ،ولكن ...كلُّ تلك المياه ،يُمكن أن أغرق .السُّفن تغرق طوال الوقت،
والخريف فصل عنيف العواصف .لكن جيلي ستكون معه ،وسينشأ الطِّفل في أمان« .نعم ،أنا ...أ ِّمي
الذهاب إلى وأخواتي سيُسا ِعدن جيلي على العناية بالصَّبي» .يُمكنني أن أرسل رسالةً .ال حاجة إلى َّ
(هورن هيل) بنفسي.
أصيل
ٍ «داريون يستطيع أن يصحبها إلى (البلدة القديمة) ِمثلي تما ًما .إنني ...إنني أتمر َُّن على الرِّماية ك َّل
مع أولمر كما أمرتَّ ...إال عندما أكون في القبو ،لكنك قلت لي أن أكتشف ما يُمكن اكتشافه عن
(اآلخَرين) .القوس الطَّويل يُؤلِم كتفَي ويجعل أصابعي تتقرَّح» ،ورف َع يده يُري چون أحد القروح
زلت أتمر َُّن ،وأستطي ُع أن أصيب الهدف معظم الوقت اآلنَّ ،إال أنني ال أزا ُل ُ ً
مواصال« :لكني ما المفتوحة
حمل قوسًا في العالم .لكني أحبُّ قصص أولمر .على أحدهم أن يُ َد ِّونها ويضعها في كتاب». َ رام
أسوأ ٍ
واصل« -د ِّونها إذن .إن لديهم حبرًا وورقًا في (القلعة) ،باإلضافة إلى األقواس الطَّويلة .سأتوقَّ ُع منك أن تُ ِ
تدريباتك .سام ،في َحرس اللَّيل مئات الرِّ جال الذين يستطيعون الرَّمي بالسِّهام ،لكن ليس بينهم َّإال شرذمة
ممن يُجيدون القراءة والكتابة .أريدك أن تكون ِمايستري الجديد».
أخرجني ،أرجوك ِ جعلَته الكلمة يجفل .ال ،أرجوك يا أبي ،لن أتكلَّم عن هذا ثانيةً ،أقس ُم باآللهة السَّبعة.
أخ ِرجني« .سيِّدي ،أنا ...إن عملي هنا .ال ُكتب.»...
« -ستكون هنا عندما تعود إلينا».
وض َع سام يده على ُعنقه وهو يكاد يحسُّ بالسِّلسلة حوله ،تَخنُقه« .سيِّدي( ،القلعة) ...إنهم يجعلونك تُ َش ِّرح
أيام
فتعال معي .طيلة ثالثة ٍ َ الجُثث هناك» .إنهم يجعلونك تضع سلسلةً حول ُعنقك .إذا كنت تُريد سلسلةً
ظ َّل سام ينتحب حتى يغلبه النَّوم وهو مقيَّد باألصفاد إلى الحائط ،تُحيط بعُنقه سلسلة مشدودة ليال َ
وثالث ٍ
التف في اتِّجا ٍه خاطئ في نومه انقط َعت أنفاسه« .ال يُمكنني أنَّ آخرها لدرجة أنها جر َحت ِجلده ،ومتى عن ِ
أضع سلسلةً».
« -بل يُمكنك ،وستفعل .ال ِمايستر إيمون عجوز كفيف وق َّوته تتسرَّب منه .من سيحلُّ محلَّه عندما يموت؟
ظالل) ُمقاتل أكثر من نَطاسي ،وال ِمايستر هارميون في (القلعة ال َّشرقيَّة) يسكر ال ِمايستر مولين في (بُرج ال ِّ
أكثر مما يستفيق».
« -إذا سألت (القلعة) أن تُ ِ
رسل المزيد من ال ِمايسترات.»...
والحت الحيرة
َ « -هذا ما أنتويه ،فسنحتاج إلى ك ِّل واح ٍد منهم ،لكن إيمون تارجاريَن ال يُستبدَل بسهولة»،
كنت واثقًا بأن األمر سيسرُّ ك.
على چون وهو يُضيفُ « :
في (القلعة) ُكتب أكثر مما يأمل أحد أن يقرأها كلَّها .ستُبلي بال ًء حسنًا هناك يا سام ،أعل ُم هذا».
« -ال .يُمكنني أن أقرأ ال ُكتب ،لكن ...على ال ِم ِمايستر أن يكون ُمعالجًا أيضًا ،وال َّدددم يُصيبني بال ُّدوار»،
ورف َع سام يدًا مرتعدةً لچون مضيفًا« :أنا سام الخائف ال سام القاتِل».
رجال مسنِّين؟ سام ،أنت رأيت الجُثث الحيَّة تجتاح (القبضة) ،رأيت طوفانًا
ٍ « -خائف؟ ِم َّم؟ توبيخ بضعة
من الموتى األحياء بأي ٍد سوداء وأعيُن زرقاء المعة .لقد قتلت واحدًا من (اآلخَرين)».
« -قتلَه ُز ُز ُز ُزجاج التنِّين وليس أنا».
« -صمتًا .لقد كذبت وتحايَلت وتآ َمرت لتجعلني القائد ،ستُطيعني إذن .ستذهب إلى (القلعة) وتُ َك ِّون سلسلةً،
وإذا كان عليك أن تُ َشرِّح الجُثث فليكن .على األقل لن تعترض الجُثث في (البلدة القديمة)».
إنه ال يفهم« .سيِّدي ،إن أأأأبي ،اللورد راندل ،إنه ،إنه ،إنه ،إنه ،إنه ...حياة ال ِمايستر حياة خدمة» .يعلم
سام أنه يتكلَّم اآلن كأنه يهذي ،لكنه تاب َع« :ال أحد من أبناء عائلة تارلي يضع سلسلةً حول ُعنقه أبدًا .رجال
(هورن هيل) ال ينحنون للوردات األدنى ويُ َعظِّمونهم» .إذا كنت تُريد سلسلةً فتعا َل معي« .چون ،ال
أستطي ُع أن أعصي أبي».
ُواجهه اآلن هو اللورد سنو بعينيه الرَّماديَّتين وصالبته قال سام« :چون» ،لكن چون لم يَعُد هناك ،ومن ي ِ
الجليديَّة ،وقد قال اللورد سنو« :أنت ال أب لك ،بل إخوة فقط ،نحن فقط .إن حياتك تنتمي إلى َحرس اللَّيل،
جوال ومعها ك َّل شي ٍء آ َخر تُريد أن تأخذه إلى (البلدة القديمة).
ٍ فاذهب واح ُشر ثيابك ال َّداخليَّة في
ستُغا ِدر قبل ساع ٍة من ال ُّشروق .وهاك أمر آخَر :من اليوم فصاعدًا لن تنعت نفسك بالجُبن .لقد واجهت في
واجه (القلعة) ،لكنكالعام المنصرم أشياء أكثر مما يرى معظم النَّاس في حياتهم كلِّها .يُمكنك أن تُ ِ
واجهها باعتبارك أ ًخا محلَّفًا في َحرس اللَّيل .ال أستطي ُع أن آمرك بأن تكون ُشجاعًا ،لكني أستطي ُع أن ست ُ ِ
آمرك بأن تُخفي مخاوفك .لقد حلفت اليمين يا سام ،أتَذ ُكر؟».
ُّ
والظلمة تُخيفه« .س ...سأحاو ُل». الظلمات .لكنه أخرق تما ًما في استعمال السَّيف، أنا السَّيف في ُّ
حاول ،وإنما ستُطيع».
« -لن تُ ِ
ق ُغداف مورمونت بجناحيه األسودين الكبيرين مر ِّددًا« :تُطيع!».
خف َ
« -كما يأمر سيِّدي .هل ...هل يعرف ال ِمايستر إيمون؟».
قال چون« :إنها فكرته قدر ما هي فكرتي» ،وفت َح له الباب مردفًا« :ال وداع .كلَّما قَ َّل عدد من يعلمون
باألمر كان أفضل .ساعة قبل طلوع الفَجر في ساحة األُشنة.»46
ال يَذ ُكر سام أنه غاد َر مستودَع السِّالح ،وإذا به يمشي متعثِّرًا في األوحال ورُقع الثَّلج القديم إلى مسكن
ال ِمايستر إيمون .قال لنفسه :يُمكنني أن أختبئ ،يُمكنني أن أختبئ في األقبية وسط ال ُكتب ،يُمكنني أن أعيش
ليال ألسرق الطَّعام .يعلم أنها خواطر جنونيَّة ،عديمة الجدوى قدر ما هناك مع الفأر وأتسلَّل إلى السَّطح ً
الجدار) ،لكن
مكان يبحثون عنه فيه فوراء ( ِ ٍ آخر
مكان يبحثون عنه فيه ،أ َّما ِ
ٍ هي يائسة .ستكون األقبية أول
ُحرقونني حيًّا كما تنوي المرأةي الهَمج ويَقتُلونني ببُطء ،ربما ي ِهذا خاطر أكثر جنونًا .ربما يقبض عل َّ
حرق مانس رايدر. الحمراء أن تُ ِ
45
ت مرتبك ٍة صاخبة
حين وج َد ال ِمايستر إيمون في ال ِمغدفة أعطاه رسالة چون واندف َع يبوح بمخاوفه بكلما ٍ
وضعت سلسلةً فإن السيِّد ووووالدي س ...س ...سوف.»...
ُ وهو يَشعُر بالغثيان« :إنه ال يفهم! إذا
اخترت حياة الخدمة ،وكان أبوه هو من أرسلَني إلى ُ قال ال َّشيخ« :أبي أيضًا أبدى االحتجاج نفسه حين
سمعت جاللته يقول ُ أنجب الملك دايرون أربعة أبناء ،وثالثة منهم أنجبوا أبنا ًء .يوم و َّدعوني َ (القلعة) .لقد
الالزم» ،ورف َع إيمون يدًا مبقَّعةً إلى الالزم خطرة كالتَّنانين األقل من َّ للسيِّد والدي :التَّنانين األكثر من َّ
سلسلته ذات المعادن العديدة التي تتدلَّى مرتخيةً حول رقبته الرَّفيعة ،وأضافَ « :السِّلسلة ثقيلة يا سام ،لكن
جدِّي كان محقًّا ،وكذا اللورد سنو».
صياح بين بقيَّة ُّ
الطيور التي را َحت تُ َردِّد: تمت َم أحد ال ِغدفان« :سنو!» ،ور َّدد آخَر« :سنو!» ،ثم استشرى ال ِّ
ك أنه لن يجد مساعَدةً هنا ،فال ِمايستر «سنو ،سنو ،سنو ،سنو ،سنو!» .سام هو من علَّمها هذه الكلمة .أدر َ
إيمون مغلوب على أمره ِمثله تما ًما ،وف َّكر بيأس :سيموت في البحر .إنه أكثر عج ًزا من أن يحتمل رحلةً
كتلك .وقد يموت ابن جيلي أيضًا .الصَّبي ليس كبيرًا وقويًّا كابن داال .هل يُريد چون أن يَقتُلنا جميعًا؟ في
الصَّباح التَّالي وج َد نفسه يضع السَّرج على الفَرس التي ركبَها من (هورن هيل) ويقودها إلى ساحة األُشنة
على الطَّريق ال َّشرقي ،وقد انتف َخ جرابا السَّرج بالجُبن والسُّجق والبيض المسلوق ،باإلضافة إلى نِصف
فخ ٍذ مملَّحة من لحم الخنزير أهداه له هوب ذو الثَّالثة أصابع يوم ميالده ،وقال له الطَّاهي« :أنت رجل
ق قدره أيها القاتِل .نحن محتاجون إلى المزيد من أمثالك» .سيُسا ِعدهم اللَّحم ال ريب ،فبين يُقَدِّر الطَّهو َح َّ
هنا و(القلعة ال َّشرقيَّة) طريق بارد طويل ،وليست هناك بلدات أو خانات في ِظ ِّل ( ِ
الجدار).
كانت السَّاعة السَّابقة للفَجر مظلمةً ساكنةً ،وعلى (القلعة السَّوداء) خيَّم صمت عجيب .في ساحة األُشنة
انتظ َرته عربتان بعجلتين ،ومعهما چاك بولوار األسود ودستة من الج َّوالة المخضرمين األصالب
ق ِكدچ ذو العين البيضاء سبابًا عاليًا عندما أبص َر سام بعينه السَّليمة ،فقال له چاك األسود: كخيولهم .أطل َ
ش ما».«دَعك منه أيها القاتِل .لقد خس َر رهانًا ،قال إنه سيكون علينا أن نجرَّك صار ًخا من تحت فِرا ٍ
ألن ال ِمايستر إيمون أوهن من أن يركب حصانًا ،فقد ُجهِّ َزت له عربة و ُك ِّو َمت عليها األغطية الفرو،
وثُبِّتَت فوقها مظلَّة ِجلد لتقيه من المطر والثَّلج .ستركب جيلي وطفلها مع ال ِمايستر ،أ َّما العربة الثَّانية
ق من ال ُكتب القديمة النَّادرة التي خط َر إليمون أن (القلعة) فتحمل ثيابهم وأغراضهم ،باإلضافة إلى صندو ٍ
ب واح ٍد من كلِّ قد تفتقر إليها ،وكان سام قد أمضى نِصف اللَّيل بحثًا عنها ،وإن لم يعثر َّإال على كتا ٍ
وإال كنا سنحتاج إلى عرب ٍة أخرى. أربعة .ال بأسَّ ،
ظهر ال ِمايستر كان متدثِّرًا بفروة ُدبٍّ تفوقه حج ًما ثالث مرَّات ،وإذ قادَه كاليداس إلى العربة هبَّت َ عندما
طيِّرهالرِّيح بق َّو ٍة جعلَت الرَّجل الهَ ِرم يترنَّح ،فهر َع إليه سام وط َّوقه بذراعه .هبَّة أخرى كهذه كفيلة بأن تُ َ
أمسك ذراعي أيها ال ِمايستر .العربة ليست بعيدةً». الجدار)ِ « . فوق ( ِ
أومأ َ الرَّجل الكفيف برأسه بينما أزا َحت الرِّيح قلنسوته عن رأسه ،وقال« :الطَّقس دافئ دو ًما في (البلدة
ً
جميال الذهاب إليه وأنا مبتدئ شاب .سيكون اعتدت َّ
ُ القديمة) .ث َّمة خان ُمقام على جزير ٍة في (نهر البِتع)
أن أجلس هناك ثانيةً وأشرب خمر ال ُّتفَّاح».
لدى وضعهم ال ِمايستر على العربة كانت جيلي قد ظه َرت بدورها حاملةً الرَّضيع بين ذراعيها ،وتحت
قلنسوتها بدَت عيناها حمراوين من البُكاء .في الوقت نفسه وص َل چون ومعه إد الكئيب ،فناداه ال ِمايستر
تركت لك كتابًا في مسكنكُ ( ،خالصة اليَشب) الذي كتبَه ال ُمغامر الڤوالنتيني ُ قائال« :لورد سنو ،لقد إيمون ً
كولوڬو ڤوتار ،الذي ساف َر إلى ال َّشرق وزا َر جميع أراضي (بحر اليَشب) .هناك فقرة قد تُثير اهتمامك،
قلت لكاليداس أن يُ َعلِّمها لك». ُ
َر َّد چون سنو« :سأحرصُ على قراءتها».
فمسحه بظَهر قُفَّازه ،وقال« :المعرفة سالح يا
َ سا َل خيط من المخاط ال َّشاحب من أنف ال ِمايستر إيمون،
چون ،فسلِّح نفسك جيدًا قبل أن تخوض المعركة».
بكسل من السَّماء ،فالتفتَ چون إلى
ٍ « -سأفع ُل» .كان ثلج خفيف قد بدأ يَسقُط ،تنزل رُقاقاته الكبيرة النَّاعمة
ً
رجال أسرعوا قدر اإلمكان ،لكن ال داعي لل ُمخاطرات الحمقاء .إن معكم چاك بولوار األسود ً
قائال لهِ « :
احرص على دفئهم وإطعامهم جيِّدًا». ً
وطفال رضيعًاِ . عجو ًزا
رضع ٍة كما قلت ،لقد وعدتنيقالت جيلي« :افعل ال ِمثل يا سيِّدي ،افعل ال ِمثل مع اآلخَر ،اعثُر له على ُم ِ
صبي داال ...أعني األمير الصَّغير...ُّ بأنك ستفعل .الصَّبي...
اعثُر له على امرأ ٍة صالحة ليَكبُر قويًّا».
لك كلمتي».
قال چون سنو برصانةِ « :
« -إياكم أن تُ َس ُّموه ،ال تفعلوا هذا قبل أن يتجا َوز العامين .تسميتهم وهُم ما زالوا يرضعون طالع سيِّئ.
الغربان ،لكنه صحيح». ربما ال تعرفون هذا أيها ِ
« -كما تأمرين يا سيِّدتي».
ولست سيِّدة أحد ،أنا زوجة كراستر وابنته، ُ اشتع َل وجه جيلي غضبًا ،وصا َحت« :ال تُنا ِدني بهذا .أنا أُم
وأُم».
طفل فيما صعدَت جيلي إلى العربة وغطَّت ساقيها بالجلود ال َّزنخة ،وعندئ ٍذ كانت سماء أخ َذ إد الكئيب ال ِّ
طفل لجيلي ال َّشرق قد صا َرت رماديَّةً أكثر من سوداء ،وأبدى ليو األعسر استعجاله الرَّحيل .ناو َل إد ال ِّ
فألق َمته ثديها ،وف َّكر سام وهو يمتطي فَرسه :ربما تكون هذه ِ
آخر م َّر ٍة أرى (القلعة السَّوداء) .قدر ما كان
يوم فإن فؤاده يتم َّزق اآلن لتركها.يكره (القلعة السَّوداء) ذات ٍ
قال بولوار آمرًا« :هيا بنا» ،وطرق َع سوطٌ وبدأت العربتان تتحرَّكان بتؤد ٍة على الطَّريق المحفَّر بينما
نزلَت ال ُّثلوج حولهم.
ظَ َّل سام إلى جوار كاليداس وإد الكئيب وچون سنو ليقولٌ « :
حسن ،وداعًا».
ُ
أكون على أظن أن سفينتك ستغرق .السُّفن ال تغرق َّإال عندما
ُّ َر َّد إد الكئيب« :ووداعًا لك يا سام .ال
متنها».
بجدار (قلعة كراستر) ،تلك رأيت جيلي كان ظَهرها ملتصقًا ِ
ُ قال چون وهو يُراقِب العربتين« :أول م َّر ٍة
ُّ
وأظن افترس أرانبها،
َ الفتاة النَّحيلة ذات ال َّشعر ال َّداكن والبطن المنتفخ ،منكمشة رُعبًا من جوست .كان قد
أنها خافَت أن يُ َم ِّزق بطنها ويلتهم جنينها ...ولكن ال ِّذئب لم يكن ما عليها أن تخافه ،أليس كذلك؟».
ف َّكر سام :نعم .كراستر كان الخطر ،أبوها« .إنها تمتلك َشجاعةً أكثر مما تحسب».
واعتن بها وبإيمون والطِّفل» ،وارتس َمت على شفتيه
ِ قال چون« :وكذلك أنا يا سام .رحلةً سريعةً آمنةً،
ابتسامة غريبة حزينة وهو يُضيف« :وارفع قلنسوتك .نُدف الثَّلج تذوب في َشعرك».
آريا
يتألأل متخلِّ ًال ضباب البحر.
َ خافتًا بعيدًا اتَّقد الضَّوء الواطئ في األُفق،
قالت آريا« :يبدو كنجمة».
فقال دينيو« :نجمة الوطن».
كان أبوه يزعق ملقيًا األوامر ،والبحَّارة يتحرَّكون صاعدين ونازلين الصَّواري الطَّويلة الثَّالثة ويش ُّدون
الحبال ليطووا األشرعة األرجوانيَّة الثَّقيلة ،وفي األسفل يكدح المج ِّذفون على صفَّي المجاذيف الكبيريْن،
فمالَت األسطُح مصدرةً صريرًا مع ميل القاليون( 44ابنة المارد) إلى الميمنة توطئةً لتعديل اتِّجاهه.
نجمة الوطن .وقفَت آريا عند المقدِّمة مريحةً يدها على التِّمثال المذهَّب الذي يتَّخذ شكل فتا ٍة تحمل وعاء
فاكهة ،وتر َكت نفسها تتظاهَر ألق ِّل من لحظ ٍة بأن القابع أمامهم وطنها هي.
لكن هذا سُخف .وطنها ضاعَ ،وأبواها ماتا ،وإخوتها قُتِلوا جميعًا باستثناء چون سنو على ( ِ
الجدار) ،وهو
المكان الذي أرادَت أن تذهب إليه ،وهذا ما قالته للرُّ بَّان ،لكن حتى العُملة الحديد لم تُقنِعه .يبدو أن آريا
الذهاب إليها .لقد أقس َم يورن على أن يُ َوصِّلها إلى (وينترفل)، تعجز دائ ًما عن بلوغ األماكن التي تُريد َّ
وانتهى بها المطاف في (هارنهال) وبيورن في قبره ،وحين هربَت من (هارنهال) ساعيةً إلى (ريڤر َرن)
أس َرها ليم وآنجاي وتوم أبو السَّبعات وجرُّ وها إلى التَّ ِّل األجوف ،ثم اختطفَها كلب الصَّيد وجرَّها إلى
ضر عند النَّهر وتتَّجه إلى ( َّ
المالحات) آملةً أن تستق َّل سفينةً إلى قلعة َحرس (التَّوأمتين) ،قبل أن تَترُكه يُحت َ
اللَّيل ال َّشرقيَّة على البحر ،ولكن...
ربما ال تكون (براڤوس) بذلك السُّوء .سيريو كان من (براڤوس) ،وقد أج ُد چاڬن هناك أيضًا .چاڬن هو
من أعطاها العُملة الحديد .لم يكن صديقها حقًّا ِمثل سيريو ،ولكن بِ َم نفعها األصدقاء من قبل على كلِّ
لست في حاج ٍة إلى أصدقاء ما دا َمت إبرتي معي .مسَّت قبيعة السَّيف الملساء بعُقلة إبهامها وهي ُ حال؟
تتمنَّى أن ...تتمنَّى أن...
الحقيقة أن آريا ال تدري ماذا تتمنَّى ،تما ًما ِمثلما ال تدري ما ينتظرها هناك تحت ذلك الضَّوء البعيد .لقد
سم َح لها الرُّ بَّان بركوب السَّفينة ،لكنه لم يملك وقتًا للكالم معها ،كما أن عددًا من أفراد الطَّاقم تجنَّبها ،وإن
كان بعضهم قد أعطاها هدايا ،منها شوكة فضَّة وقُفَّازان بال أصابع وقبَّعة عريضة من الصُّ وف المرقَّع
صبَّ لها آخَ ر فناجين صغيرةً من النَّبيذ النَّاري.بالجلد ،وأراها أحد ال ِّرجال كيف تعمل العُقد ال ِّشراعيَّة ،و َِ
ُ
الودودون منهم يَنقرون على صدورهم مردِّدين أسماءهم مرارًا وتكرارًا إلى أن تر َّد بها آريا ،ولو أن أحدًا
المالحات) قُرب وبدال من هذا يُ َس ُّمونها « ِملحة» ،بما أنها ركبَت معهم من ( َّ ً لم يسألها عن اسمها هي،
اسم آخَر.
تظن فال فرق بينه وبين أيِّ ٍ مصبِّ (الثَّالوث) ،وعلى ما ُّ
آخر نجوم اللَّيل ...ك ُّلها باستثناء االثنتين الثَّابتتيْن أمامهم مباشرةً ،فقالت« :إنهما نجمتان اآلن».
اختفى ِ
قال دينيو« :عينان( .المارد) يرانا».
المارد البراڤوسي .في (وينترفل) ح َكت لهم العجوز نان عن (المارد) ،وكيف أنه عمالق يُنا ِهز الجبال
ق الخطر ب(براڤوس) تدبُّ فيه الحياة وتشتعل عيناه نارًا ،وتصرُّ أطرافه الصَّخريَّة طوال ،ومتى حا َ ً
ُطعمونه لحم بنات علية القوم الطَّازج قطق إذ يخوض في البحر ليسحق األعداء« .البراڤوسيُّون ي ِ وتُطَ ِ
الغَضَّ » .بهذه العبارة كانت نان تختتم حكايتها ،فتُص ِدر سانزا صريرًا خائفًا سخيفًا ،لكن ال ِمايستر لوين
قال إن (المارد) مجرَّد تمثال ،وقصص العجوز نان ما هي َّإال قصص.
ح َّدثت آريا نفسها مذ ِّكرةً( :وينترفل) احترقَت وسقطَت .وغالبًا ماتَ ال ِمايستر لوين والعجوز نان ،وسانزا
ُدركهم الموت.أيضًا ،ولن ينفعها أن تُفَ ِّكر فيهم .كلُّ البَشر ي ِ
هذا ما تعنيه الكلمتان ،الكلمتان اللتان علَّمها چاڬن إياهما عندما أعطاها العُملة الحديد البالية .منذ رحلوا
المالحات) تعلَّمت المزيد من الكلمات البراڤوسيَّة أيضًا ،مرادفات «من فضلك» و« ُشكرًا» من ( َّ
ُدركهم الموت .معظم طاقم (ابنة و«البحر» و«النُّجوم» و«النَّبيذ النَّاري» ،لكنها أتَتهم عالمةً أن ك َّل البَشر ي ِ
ت متناثرة من اللُّغة العاميَّة لقضائهم ليالي وليالي على البَرِّ في (البلدة القديمة) المارد) يعرف كلما ٍ
و(كينجز الندنج) و(بِركة العذارى) ،وإن كان الرُّ بَّان وأبناؤه يُجيدانها بما يكفي للكالم مع آريا .دينيو
أصغر األبناءُ ،غالم ممتلئ بشوش في الثَّانية عشرة ،يُعنى بقمرة أبيه ويُسا ِعد أخاه األكبر في الحساب.
قالت له آريا« :آم ُل أن (المارد) ليس جائعًا».
ر َّدد حائرًا« :ليس جائعًا؟».
« -ال عليك» .حتى لو كان (المارد) يأكل لحم البنات الطَّازج الغَضَّ حقًّا ،فآريا ال تخافه .إنها مخلوقة
هزيلة ،ليست وجبةً تَصلُح لعمالق ،وعلى وشك بلوغ الحادية عشرة من العُمر ،أي أنها -عمليًّا -امرأة
ناضجة .ثم إن ِملحة ليست من بنات علية القوم .سألَت« :هل (المارد) إله (براڤوس) أم أنكم تَعبُدون اآللهة
السَّبعة؟».
يحبُّ ابن الرُّ بان الكالم عن مدينته قدر ما يحبُّ الكالم عن سفينة أبيه تقريبًا ،وقد قال لها« :كلُّ اآللهة
سبعتك لهم ِسپت هناِ ( ،سبت ما وراء البحر) ،لكن البحَّارة الوستروسيِّين وحدهم ِ مكرَّمون في (براڤوس).
يتعبَّدون هناك».
ليسوا سبعتي .لقد كانوا آلهة أ ِّمي ،ومع ذلك تركوا آل فراي يغتالونها في (التَّوأمتين) .تساءلَت إن كانت
ستجد في (براڤوس) أيكة آله ٍة في قلبها شجرة ويروود .ربما يعرف دينيو ،لكنها ال تستطيع أن تسأله.
المالحات) عن آلهة ال َّشمال القديمة؟ قالت لنفسها: المالحات) ،وما الذي تعرفه فتاة من ( َّ ِملحة أتَت من ( َّ
اآللهة القديمة ماتَت ،ماتَت مع أ ِّمي وأبي وروب وبران وريكون ،الموت أخ َذ الجميع .تَذ ُكر أنها سم َعت
زمن طويل أباها يقول إنه عندما تهبُّ الرِّيح الباردة يَنفُق ال ِّذئب الوحيد وينجو القطيع .لم يعرف أن ٍ منذ
العكس هو الصَّحيح .آريا ،ال ِّذئبة الوحيدة ،لم تزل حيَّةً ،لكن ذئاب القطيع صيدَت وقُتِلَت و ُسلِخَ ت.
تستطع تنانين (ڤاليريا) العثور علينا .معبدهم أعظم ِ قال دينيوُ « :شداة القمر قادونا إلى هذا المالذ ،حيث لم
المعابد في المدينة .إننا نُبَجِّ ل أبا المياه كذلك ،لكن داره تُبنى من جدي ٍد كلَّما اتَّخذ لنفسه عروسًا جديدةً،
صف المدينة معًا .هناك ستجدين ال ...اإلله عديد الوجوه». وبقيَّة اآللهة تستوطن جزيرةً في منت َ
ي إل ٍه عديد الوجود ،لكن إذا كان ازدا َد األلَق في عينَي (المارد) وبدَتا أكثر تبا ُعدًا اآلن .ال تعرف آريا أ َّ
يُجيب ال ُّدعاء فربما يكون اإلله الذي تبحث عنه .السير جريجور ،دانسن ،راف المعسول ،السير إلين،
ك بپوليڤر ،وآريا طعنَت السير مرين ،الملكة سرسي .ستَّة فقط اآلن .چوفري ماتَ ،وكلب الصَّيد فت َ
ي .وكلب الصَّيد ال ُمدغ ِدغ بنفسها باإلضافة إلى ال ُمرافق األحمر ذي البثور .لم أكن ألقتله إذا لم يضع يده عل َّ
كان يلفظ أنفاسه القليلة األخيرة حين تر َكته على ضفاف (الثَّالوث) ،تحرقه ال ُح َّمى التي سبَّبها جرحه .كان
يَج ُدر بي أن أعطيه هديَّة الرَّحمة وأغرس س ِّكيني في قلبه.
أخ َذها دينيو من ذراعها ود َّورها صائحًاِ « :ملحة ،انظُري! هل ترين؟» ،وأضافَ مشيرًا« :هناك».
انجاب الضَّباب أمامهم كستائر رماديَّة مهترئة تشقُّها مقدِّمة السَّفينة ،وشقَّت (ابنة المارد) عباب المياه
َ
ِّ
الخضراء الرَّماديَّة محلقةً بأجنح ٍة أرجوانيَّة منفوشة ،وسم َعت آريا صياح طيور البحر من فوقهم .هناك،
ف من الجروف الحجريَّة فجأةً من البحر ،تُ َغطِّي منحدَراتها ال َّشاهقة أشجار ص ٌّحيث أشا َر دينيو ،يرتفع َ
ق البحر ثغرةً في الصَّخر ،وفوق الماء يقف الصَّنوبر الجُندي والتَّنُّوب األسود ،لكن أمامهم مباشرةً خر َ
فرف في الرِّيح. عر أسود طويل يُ َر ِ(المارد) بعينين متَّقدتين و َش ٍ
ساقاه مفتوحتان فوق الثَّغرة ،وقدماه مزروعتان على الجبلين على جانبيْه ،وترتفع كتفاه عن القمم
المح َّززة .قدماه منحوتتان من الحجر المصمت ،من الجرانيت األسود نفسه كالجبلين البحريَّين اللذين يقف
عليهما ،وإن كان يرتدي حول َوركيه تنُّورةً مدرَّعةً من البرونز المخضر ،وواقي صدره من البرونز
رفرف فمن حبال القنَّب المصبوغة أيضًا ،وكذا رأسه في خوذته الصَّغيرة ذات الرِّيشة ،أ َّما َشعره ال ُم ِ
نار عظيمتان .على الق َّمة اليُسرى تستريح يده وقد تك َّورت باألخضر ،وفي كهفَي عينيه تشتعل بؤرتا ٍ
سيف مكسور.ٍ أصابعه حول ُكتل ٍة من الحجر ،ويده األخرى مرفوعة في الهواء ممسكةً بمقبض
قالت آريا لنفسها وهُم ال يزالون بعيدين في البحر :إنه أكبر من تمثال الملك بيلور في (كينجز الندنج) ً
قليال
فقط ،لكن مع دن ِّو القاليون من البُقعة التي تتكسَّر فيها األمواج على َخطِّ الجُروف تعاظ َم حجم (المارد).
كانت تسمع أبا دينيو يرفع عقيرته العميقة باألوامر ،في حين بدأ الرِّجال يش ُّدون الحبال إلنزال األشرعة.
سنمرُّ من بين ساقَي (المارد) .رأت آريا فتحات ال ِّرماية في واقي الصَّدر البرونزي الضَّخم ،والبُقع على
ذراعَي التِّمثال وكتفيه حيث تُ َع ِّشش طيور البحر ،ورج َعت برأسها إلى الوراء قائلةً لنفسها :بيلور المبا َرك
ال يَبلُغ طول رُكبتيْه حتى .إنه يستطيع أن يخطو فوق أسوار (وينترفل) بك ِّل بساطة.
ق (المارد) هديرًا عظي ًما.
ثم أطل َ
صوته هائل ِمثله ،مزيج شنيع من األنين والصَّرير ،هادر لدرجة أنه طغى على صوت الرُّ بَّان وارتطام
األمواج بتلك الجُروف المكس َّوة بالصَّنوبر .في لحظ ٍة واحدة حلَّق ألف من طيور البحر ،وانكم َشت آريا
ُخطر (التِّرسانة) بوصولنا ال أكثر .ال داعي
على نفسها إلى أن رأت دينيو يضحك وسم َعته يصيح« :إنه ي ِ
للخوف».
ر َّدت صائحةً« :لم أكن خائفةً .الصَّوت ٍ
عال فقط».
اآلن أصب َحت (ابنة المارد) في قبضة الرِّياح والموج ،فساقاها بسُرع ٍة صوب المجرى ،وبنعوم ٍة تحرَّك
صفَّا مجاذيفها التي َ
راحت تضرب المياه مك ِّونةً رغوةً بيضاء فيما سقطَ ِظلُّ (المارد) عليهم .بدا لحظةً
ضت آريا عند المقدِّمة مع دينيو متذ ِّوقةً الملح الذي
أنهم سيرتطمون حت ًما باألحجار تحت ساقيه ،وقد رب َ
تر َكه الرَّذاذ على وجهها.
حنَت رأسها تما ًما إلى الوراء لترى رأس التِّمثال ،وم َّرةً أخرى سم َعت العجوز نان تقول« :البراڤوسيُّون
يُط ِعمونه لحم بنات علية القوم الطَّازج الغَضَّ » ،لكنها ليست بنتًا صغيرةً ،ولن يُخيفها تمثال سخيف!
وعلى الرغم من هذا أبقَت يدها على إبرتها وهُم يمرُّ ون من بين ساقيه .رأت المزيد من فتحات الرِّماية
المصطفَّة داخل الفخذين الحجريَّتين العظيمتين ،ول َّما ل َوت ُعنقها لتُشا ِهد منصَّة المراقبة أعلى الصَّاري
تمرُّ وفوقها عشر ياردات كاملة من الفراغ ،لم َحت عددًا من المزاغل 47تحت تنُّورة (المارد) المدرَّعة،
ووجوهًا شاحبةً تُ َحدِّق إليهم من فوق من وراء قضبان حديديَّة.
ثم تجا َوزوا التِّمثال.
ارتف َع الظِّلُّ وتراج َعت الجُروف المكس َّوة بالصَّنوبر على الجانبين وهدأَت الرِّيح ،ووجدوا أنفسهم
يتحرَّكون في هَوْ ٍر 49عظيم.
أمامهم يقف جبل بحري آخَرُ ،كتلة من الصَّخر تَبرُز من الماء كقبض ٍة شائكة تنتشر عليها كال ُّشعيرات
بفخر كأنه شيَّدها
ٍ المنتصبة المقاذيف والعرَّادات 48ونافثات اللَّهب« .إنها ترسانة (براڤوس)» ،قال دينيو
يوم واحد» .رأت آريا عشرات القوادس المربوطة إلى بنفسه« .يستطيعون أن يبنوا قادسًا حربيًّا هنا في ٍ
المراسي والقابعة على أرصفة اإلنزال ،وطلَّت المقدِّمات المطليَّة لقوادس أخرى من عد ٍد ال يُحصى من
صيَّاد ويستدعيها. ب صي ٍد في وجارها ،رشيقة شرسة جائعة تنتظر أن يُ َد ِّوي بوق ال َّ السَّقائف الخشبيَّة ككال ٍ
حاولَت أن تُحصيها لكنها وجدَتها كثيرةً للغاية ،وهناك المزيد من األحواض والسَّقائف واألرصفة حيث
ط السَّاحل مبتعدًا.ينعطف خَ ُّ
ِ
كان قادسان قد خرجا للقائهم منزلقيْن على الماء بخفَّة اليعاسيب ومجاذيفهما الباهتة تُو ِمض في الضَّوء.
سم َعت آريا الرُّ بَّان يصيح لهما فير ُّد ُربَّاناهما ال ِّ
صياح ،لكنها لم تفهم الكالم .د َّوى نفير قوي و َم َّر القادسان
الطبول المكتومة اآلتية من داخل بدنيهما األرجوانيَّين، على جانبيهم على مقرب ٍة شديدة جعلَتها تسمع دقَّات ُّ
ب حي. بوم بوم بوم بوم بوم بوم ،كخفقان قل ٍ
ثم أصب َح القادسان وراءهم وكذا (التِّرسانة) ،وأمامهم امت َّدت مساحة شاسعة من المياه الخضراء
الزجاج المل َّون ،ومن قلبها البليل ترتفع المدينة نفسها ،امتداد مترامي كلوح من ُّ
ٍ كالبازالء ،تترق َرق
األطراف من القباب واألبراج والجسور ،رمادي وذهبي وأحمر .جُزر (براڤوس) المئة في بحرها.
لقد درَّس لهم ال ِمايستر لوين حقائق عن (براڤوس) ،لكن آريا نسيَت معظم ما قاله .إنها مدينة مسطَّحة،
وباستطاعتها أن ترى هذا حتى من بعيد ،على عكس (كينجز الندنج) القائمة فوق تاللها الثَّالثة العالية.
التِّالل الوحيدة هنا هي تلك التي بناها النَّاس بالقرميد والجرانيت والبرونز والرُّ خام ،وث َّمة شيء آخَر غائب
أيضًا ،وقد استغرقَت آريا ع َّدة لحظات حتى أدر َكته .المدينة بال أسوار .لكن حين ذك َرت هذا لدينيو ضحكَ
منها ،وقال« :أسوارنا من الخشب ومل َّونة باألرجواني .قوادسنا هي أسوارنا ،ولسنا في حاج ٍة إلى
سواها».
ص َّر سطح السَّفينة من ورائهما ،والتفتَت آريا لتجد أبا دينيو واقفًا فوقهما في معطفه الصُّ وف األرجواني َ
الطويل .الرُّ بَّان التاجر ترنيسيو تيريس حليق الوجه ويحرص على العناية ب َشعره األشيب القصير َّ َّ
وتشذيبه ،ليصنع إطارًا حول وجهه المربَّع الذي ل َّوحته الرِّيح .كثي ًرا ما رأته خالل ال ِّرحلة يمزح مع أفراد
طاقمه ،لكن حين يتجهَّم يفرُّ منه ال ِّرجال كما يفرُّ ون من عاصفة ،واآلن كان متجهِّ ًما وهو يقول آلريا:
«رحلتنا في نهايتها .سنتَّجه إلى (المرفأ المربَّع) ،حيث سيصعد مأمورو جمارك أمير البحر إلى المتن
انتظارك فروغهم.
ِ يوم في العمل كالمعتاد ،لكن ليس هناك ما يدعو إلى لتفتيش مخازننا .سيقضون ِنصف ٍ
حاجياتك ،سأنز ُل قاربًا ليأخذك يوركو إلى البَر».
ِ اجمعي
عبرت (البحر الضيِّق) كي تصل إلى هنا ،لكن لو سألَها الرُّ بَّان لقالت عضَّت آريا شفتها مف ِّكرةً :البَر .لقد َ
إنها تُريد البقاء على متن (ابنة المارد)ِ .ملحة أصغر حج ًما من أن تعمل على مجذاف ،وهي تعلم هذا
اآلن ،غير أن بإمكانها أن تتعلَّم كيف تجدل الحبال وتثني األشرعة وتُ َوجِّ ه ال َّدفَّة في البحار المالحة
ي خوف على الرغم من حجم سطح الفسيحة .في م َّر ٍة أخ َذها دينيو إلى منصَّة المراقبة باألعلى فلم تَشعُر بأ ِّ
ضئيال أسفلها .أجي ُد الحساب أيضًا ،وتنظيف القمرات وتنسيقها. ً السَّفينة الذي بدا
ثان ،ثم إن ما عليها َّإال أن تَنظُر إلى وجه الرُّ بَّان لترى لكن القاليون ليس في حاج ٍة إلى عامل نظاف ٍة ٍ
رغبته الملحَّة في الخالص منها ،وهكذا اكتفَت آريا باإليماء ،وقالت« :البَر» ،مع أن البَ َّر ال يعني َّإال
ال ُغرباء.
أسداك
ِ دوهايرس .أرجو أن تتذ َّكري ترنيسيو تيريس والصَّنيع الذي
ِ َمسَّ جبهته بإصبعين ً
قائال« :ڤاالر
إياه».
ر َّدت بصو ٍ
ت خفيض« :سأفع ُل».
وش َّدت الرِّيح معطفها بإصرار األشباح ،وعل َمت آريا أن وقت الرَّحيل حانَ .
قال الرُّ بَّان أن تجمع حاجياتها ،لكن حاجياتها قليلة للغاية ،ليست أكثر من الثِّياب على جسدها و ُ
صرَّة النُّقود
وهدايا الطَّاقم والخنجر على َوركها األيسر و(اإلبرة) على األيمن.
وجلس يوركو عند المجذافيْن بالفعل .هو أيضًا ابن الرُّ بَّان ،لكنه أكبر من دينيوَ كان القارب جاه ًزا قبلها،
وأقلُّ ُو ًّدا .ف َّكرت وهي تنزل لتنض َّم إليه :لم أودِّع دينيو ،وتساءلَت إن كانت سترى ال ُغالم ثانيةً .كان عل َّي
أن أودِّعه.
تضاءلَت (ابنة المارد) وراءهما بينما تعاظ َمت المدينة مع ك ِّل ضرب ٍة بمجذافَي يوركو ،وبعيدًا إلى يمينها
ال َح أحد المواني بشبكته المعقَّدة من األحواض واألرصفة المزدحمة عليها سُفن صيد الحيتان كبيرة البطن
اآلتية من (إيبن) والسُّفن البجعيَّة من (جُزر الصَّيف) والقوادس األكثر من أن تُحصيها الفتاة .إلى يسارها
ميناء آخَر أبعد ،وراء مساح ٍة غائصة من اليابسة ترتفع فيها سطوح المباني ِشبه الغارقة فوق صفحة
مكان واحد .في (كينجز الندنج) هناك (القلعة ٍ تر آريا ك َّل هذا العدد من المباني الكبيرة معًا في الماء .لم َ
الحمراء) و( ِسپت بيلور الكبير) و(جُب التَّنانين) ،في حين يبدو أن (براڤوس) تزخر بعشرات المعابد
واألبراج والقصور التي تُعا ِدل تلك البنايات الثَّالث أو تفوقها حج ًما .ف َّكرت بكآبة :سأعو ُد فأرًا من جدي ٍد
كنت في (هارنهال) قبل أن أهرب. كما ُ
من حيث يقف (المارد) بدَت المدينة كجزير ٍة واحدة كبيرة ،لكن إذ دنا بهما يوركو رأت أنها جُزر صغيرة
ت ال تُحصى .وراء الميناء عديدة متقاربة ،تربط بينها الجسور الحجريَّة المقنطَرة الممت َّدة فوق قنوا ٍ
أبص َرت شوارع منازلها من األحجار الرَّماديَّة ،متدانية لدرجة أن بعضها يميل على بعض ،وقد بدَت
غريبة المنظر في عينَي آريا بطوابقها التي تَبلُغ أربعةً أو خمسةً وبنائها الرَّفيع للغاية وسطوحها المكس َّوة
بالقرميد والمدبَّبة كالقبَّعات .لم ت َر ق ًّشا على السُّطوح ،ومن المنازل الخشبيَّة التي تعرف مثيلها في
(وستروس) رأت القليل .تبيَّنت أن ال أشجار في المدينة( .براڤوس) كلُّها من الحجر ،مدينة رماديَّة في
بحر أخضر.
ودخل قناةً كبيرةً يقود مجراها األخضر الواسع إلى قلب المدينة .مرَّا تحت َ توجَّه يوركو بهما شمال الميناء
جسر حجريٍّ نُقِ َشت عليه عشرات من أشكال السَّمك والسَّرطان والحبَّار ،ثم ظه َر أمامهم جسر ٍ
ثان ٍ قناطر
عين مرسومة. ٍ منقوش بأشكال النَّباتات المعترشة المورقة ،وبَعده جسر ثالث يُ َحدِّق إليهم من أعلى بألف
ت أصغر ،ومنها تتفرَّع قنوات أصغر فأصغر ،ورأت آريا أن بعض على جانبيهما تنفتح مداخل قنوا ٍ
بشكل ما ،وبين المنازل تتحرَّك قوارب رفيعة على ٍ المنازل مبني فوق المياه مح ِّو ًال القنوات إلى أنفاق
ص ِّي التي
وذيول مرفوعة .تلك القوارب ال تتحرَّك بالمجاذيف وإنما بال ِع ِ ٍ س مل َّونة
أفاع مائيَّة برؤو ٍ
ٍ شكل
تتراوح ألونها بين الرَّمادي والبنِّي واألخضر َ ب في معاطف يدفعها رجال يقفون عند مؤ ِّخرة ك ِّل قار ٍ
ضا صنادل ضخمةً مسطَّحة القيعان تتك َّدس عليها عاليًا األقفاص والبراميل ويدفع ُّ
الطحلبي ال َّداكن .رأت أي ً
الزجاج المل َّون وستائر من صيِّهم ،ومنازل عائمة أنيقة ذات مصابيح من ُّ ً
رجال ب ِع ِ ك ٌّل منها عشرون
آن واحد ،يرتفع ما يُشبِه طريقًا ضخ ًما المخمل وتماثيل مقدِّم ٍة نُحاسيَّة .بعيدًا ،فوق القنوات والمنازل في ٍ
ضباب ،فسألَت من الحجر الرَّمادي ،تحمله ثالثة صفوف من القناطر الصُّ لبة التي تبتعد جنوبًا لتغيب في ال َّ
آريا يونكو مشيرةً« :ما هذا؟» ،وأجابَها« :نهر المياه العذبة ،يجلبها من البَرِّ الرَّئيس عبر السُّهول الطِّينيَّة
والمياه المالحة الضَّحلة .مياه عذبة نقيَّة للنَّوافير».
حين نظ َرت وراءها وجدَت أن الميناء والهَور قد غابا عن بصرها ،وأمامها رأت صفًّا من التَّماثيل الكبيرة
لرجال وقورين من الحجر يرتدون ثيابًا طويلةً من البرونز لطَّختها ٍ الواقفة على ضفَّتَي القناة ،تماثيل
ُمسك أحدهم نجمةً ذهبيَّةً بيدهالطيور البحريَّة ،يحمل بعضهم ُكتبًا وبعضهم خناجر أو مطارق ،وي ِ فضالت ُّ
المرفوعة ،ويقلب آ َخر إبريقًا حجريًّا يتدفَّق منه الماء في القناة بال انقطاع .سألَت آريا« :أهؤالء آلهة؟».
ضفَّة اليُمنى.قليال .هل ترينها؟ بَعد ستَّة جسور على ال ِّ أجابَها يوركو« :أمراء بحر( .جزيرة اآللهة) أبعد ً
هذا (معبد ُشداة القمر)».
كان أحد المعابد التي لم َحتها آريا من الهَورُ ،كتلة هائلة من الرُّ خام األبيض كالثَّلج تعلوها قُبَّة مفضَّضة
الزجاج اللَّبني أطوار القمر ،وقد وقفَت فتاتان من المرمر على ضخمة ،وتُظ ِهر نوافذه المصنوعة من ُّ
جانبَي ب َّوابته ،كلتاهما طويلة كأمراء البحر ومعًا تدعمان عتبةً ُعليا على شكل هالل.
ووراءه يقف معبد آ َخر ،صرح من الحجر األحمر يبدو مهيبًا كأيِّ قلعة ،وعلى ق َّمة بُرجة المربَّع العظيم
تشتعل النَّار في مستوقَ ٍد حديدي عرضه عشرون قد ًما ،بينما تتَّقد ناران أصغر على جانبَي بابه ال ُّنحاسي.
قال لها يوركو« :الرُّ هبان الحُمر يحبُّون النَّار .إله الضِّياء ربُّهم ،راهلور األحمر».
أعرف .تذ َّكرت آريا ثوروس المايري بقِطع ال ُّدروع القديمة التي يرتديها فوق مالبس بهتَت لدرجة أنه بدا ُ
ب وردي ال أحمر ،وعلى الرغم من ذلك أعادَت قُبلته اللورد بريك من الموت .شاهدَت بيت اإلله كراه ٍ
األحمر يمرُّ وهي تتسا َءل إن كان بإمكان رُهبانه البراڤوسيُّين أن يفعلوا ال َّشيء نفسه.
بَعده كان بناء ضخم من القرميد تنبت على جُدرانه األُشنة ،وكانت آريا لتظنَّه مخزنًا لوال أن يوركو قال:
«هذا هو (المالذ المق َّدس) ،حيث نُ َكرِّم اآللهة الصَّغيرة التي نسيَها العالم .ستسمعين النَّاس يُ َس ُّمونه (جُحر
األرانب) أيضًا» .بين جُدران (جُحر األرانب) العالية المغطَّاة باألُشنة تمضي قناة صغيرة ،فوجَّه يوركو
ق سرعان ما خرجا منه إلى الضَّوء مج َّددًا ،ورأت آريا على جانبيهما مزيدًا من القارب يمينًا ليمرَّا من نف ٍ
المقامات ،فقالت« :لم أكن أعل ُم أن هناك آلهةً بهذه الكثرة».
ظهرت هضبةَ جسر آخَر ،وعلى يسارهما ٍ منعطف ثم عبرا تحت
ٍ أصد َر يوركو خوارًا ،ودارا حول
صخريَّة مد َّورة يستقرُّ على ق َّمتها معبد من الحجر الرَّمادي القاتم يخلو من النَّوافذ ،وتقود درجات حجريَّة
من بابه إلى مرسى مغطَّى.
ق بال َّدعائم الحجريَّة ،و َم َّد يده يُطبِق على حلق ٍة حديد مثبَّتة
سحب يوركو المجذافيْن ليرتطم القارب برف ٍَ
أتركك».
ِ إلبقائهم في مكانهم ،وقال لها« :هنا
رأت آريا المرسى مظلَّ ًال والسَّاللم عاليةً ،وسقف المعبد المبني بالقرميد األسود يرتفع في ق َّم ٍة حا َّدة
كالمنازل المطلَّة على القنوات ،ومضغَت شفتها مف ِّكرةً :سيريو أتى من (براڤوس) .ربما زا َر هذا المعبد،
ربما تسلَّق هذه ال َّدرجات ،ثم أمس َكت حلقةً ودف َعت نفسها إلى المرسى.
قال يوركو من القارب« :تعرفين اسمي».
« -يوركو تيريس».
بمجذاف وعا َد يَم ُخر المياه العميقة ،وشاهدَته آريا يعود أدراجه إلى
ٍ دوهايرس» ،ودف َع القارب
ِ قال« :ڤاالر
غاب في ِظ ِّل الجسر ،وإذ تالشى صوت المجذافيْن ُخي َِّل لها أنها تسمع نبض قلبها .فجأةً أض َحت في َ أن
مكان آخَر ...في (هارنهال) مع جندري ربما ،أو مع كلب الصَّيد في الغابة على ضفاف (الثَّالوث) .قالت ٍ
للحظِّ واندف َعت وسط
لنفسهاِ :ملحة طفلة حمقاء .أنا ذئبة ،ولن أخاف ،وربَّتت على مقبض إبرتها طلبًا َ
الظِّالل صاعدةً السَّاللم درجتين درجتين كي ال يقول أحد أبدًا إنها خائفة.
عند الق َّمة وجدَت بابًا بمصراعيْن خشبيَّين يرتفعان اثني عشر قد ًما ،األيسر من خشب الويروود ال َّشاحب
ش وجه مستدير كالقمر ،أبنوس على جانب صفهما نُقِ َ كالعظام ،واأليمن من األبنوس َّ
الالمع ،وفي منت َ
الويروود وويروود على جانب األبنوس .ذ َّكرها شكله بعض ال َّشيء بشجرة القلوب في أيكة اآللهة في
آن واح ٍد براحتَي يديها المقفَّزتين لكنهما لم
(وينترفل) ،وف َّكرت :الباب يُراقِبني .دف َعت المصراعيْن في ٍ
ُ
عبرت (البحر الضيِّق)» ،وك َّورت أدخلني أيها األحمق .لقدصدان ومزلَجان .قالت للبابِ « : يتزح َزحا .مو َ
قبضتها ودقَّت مواصلةً« :چاڬن قال لي أن آتي .معي ُعملة حديد» ،وأخر َجتها من كيسها ورف َعتها مضيفةً:
«أترى؟ ڤاالر مورجولِس».
ولم ي ُِحر الباب جوابًا َّإال باالنفتاح.
ت تام دون أن تُ َحرِّكهما يد إنسان ،وتق َّدمت آريا ُخطوةً ثم أخرى ،قبل انفت َح المصراعان إلى ال َّداخل بصم ٍ
ف بصرها ،ووجدَت إبرتها في يدها وإن كانت ال تَذ ُكر أنها أن ينغلق الباب وراءها لتمضي لحظة وقد َك َّ
استلَّتها.
كانت شموع قليلة مشتعلةً عند الجُدران ،لكن ضوءها خافت للغاية حتى إن آريا ال ترى قدميها ،وتناهى
ت خفيفة شخص غيره ،و ُخطوا ٍ
ٍ ت شديد فلم تُ َميِّز الكالم .سم َعت أيضًا بُكاء إلى مسامعها همس أحدهم بخفو ٍ
الجلد باألرض الحجريَّة ،وبابًا يُفتَح ويُغلَق .وماء ،أسم ُع خرير ماء أيضًا. يحتك نعالهما ِ ُّ لقدمين
لسپتات (وستروس) ببُط ٍء تكيَّفت عيناها مع العتمة ،وبدا المعبد من ال َّداخل أكبر كثيرًا مما بدا من الخارجِ .
سبعة جوانب وفي كلٍّ منها سبعة مذابح للسَّبعة آلهة ،لكن اآللهة هنا أكثر من سبعة ،تقف تماثيلها عند
الجُدران عمالقةً متوعِّدةً ،وحول أقدامها يتذب َذب ضوء ال ُّشموع الحمراء الخافت كالنُّجوم البعيدة .أقربها
امرأة من المرمر طولها اثنا عشر قد ًما ،ومن عينيها تنضح عبرات حقيقيَّة لتمأل الوعاء الذي تحمله بين
ش من األبنوس ،وعلى جانب الباب اآلخَر يرفع ذراعيها ،ووراءها رجل له رأس أس ٍد جالس على عر ٍ
جواد من البرونز والحديد قائمتيه األماميَّتين العظيمتين .على مساف ٍة أبعد ميَّزت وجهًا حجريًّا كبيرًا،
ورجال مغطَّى الرَّأس يتَّكئ على
ً ثور برِّ ي،
ٍ ورضيعًا شاحبًا في يده سيف ،وكب ًشا أسود أشعث بحجم
أشكال غامضة ِشبه مرئيَّة في العتمة .بين اآللهة ث َّمة فجوات في ٍ فالحت لها كمجرَّد
َ ُع َّكاز ،أ َّما البقيَّة
الجُدران تمألها الظِّالل ،وهنا وهناك شمعة موقَدة.
ظالل سا َرت آريا بين صفَّين من الدِّكك الحجريَّة الطَّويلة وسيفها في يدها ،وقالت لها قدماها إن بصمت ال ِّ
األرضيَّة من الحجر الخشن وليس الرُّ خام المصقول كما في ( ِسپت بيلور الكبير) .مرَّت ببضع نساء
ثقيال لدرجة أنها تثاءبَت ،واشت َّمت رائحة ال ُّشموع أيضًا ،وإن ثقيالً ،
يتها َمسن وهي تحسُّ بالهواء دافئًا ً
كانت غير مألوف ٍة لها ،فق َّدرت أنه نوع غريب من البَخور ،لكن مع تو ُّغلها في المعبد أكثر بدَا كأن لل ُّشموع
روائح الثَّلج وإبر الصَّنوبر واليخنة السَّاخنة .قالت آريا لنفسها :روائح طيِّبة ،وأحسَّت ب َشجاع ٍة أكبر بعض
ال َّشيء ،كفيلة بأن تجعلها تدسُّ إبرتها في ِغمدها.
صف المعبد وجدَت الماء الذي سم َعت خريره ،بِركةً عرضها عشرة أقدام سوداء كالحبر ُمضاءةً في منت َ
ف يميل لونه إلى الفضِّي يبكي بال ُّشموع الحمراء شاحبة الضَّوء ،وإلى جوارها يجلس شابٌّ في معط ٍ
راح
ت قرمزيَّة على صفحة الماء ،وحين سحبَها َ تموجا ٍ
ت خافت .شاهدَته يغمس يده في الماء صانعًا ُّ بصو ٍ
يمصُّ أصابعه واحدًا تلو اآلخَر .ال بُ َّد أنه عطشان .على حافة البِركة أكواب حجريَّة ،فمألَت آريا أحدها
ق ال َّشاب إليها وهلةً طويلةً حين ق َّدمته له ،قبل أن يقول« :ڤاالر مورجولِس». وأخ َذته إليه ليشرب ،وحمل َ
دوهايرس».
ِ ر َّدت« :ڤاالر
ك الكوب يَسقُط في البِركة محدثًا صوتًا خفيفًا ،ثم دف َع نفسه إلى النُّهوض مترنِّحًا وقد
َعبَّ الماء عبًّا ،ثم تر َ
وض َع يده على بطنه ،وحسبَت آريا لحظةً أنه سيقع.
عندها فقط رأت البُقعة ال َّداكنة تحت حزامه تتَّسع ،فاندف َعت تقول« :أنت مطعون» ،لكن ال َّشاب لم ينتبِه
سرير من الحجر القاسي .تطلَّعتٍ ودخل إحدى الفجوات ليتم َّدد على
َ الجدار
ت نحو ِ لها ،وتحرَّك بال ثبا ٍ
آريا حولها فرأت مزيدًا من الفجوات ،وفي بعضها ينام أناس مسنُّون.
قائال :ال ،إنهم موتى ،أو يموتون .انظُري ومن أعماق ذاكرتها سم َعت صوتًا كأنه يهمس في رأسها ً
بعينيك.
ِ
ثم مسَّت يد كتفها.
دا َرت آريا مبتعدةً ،لكنها لم تجد َّإال فتاةً صغيرةً شاحبةً في ردا ٍء مز َّود بقلنسوة يكاد يبتلعها ،أسود على
اليمين وأبيض على اليسار ،وتحت القلنسوة وجه ناحل مهزول وخ َّدان أجوفان وعينان داكنتان تبدوان
صبي أمس َكني» ،ول َّما
ٍّ آخر ُ
قتلت ِ كبيرتين كصحون الفناجين .قالت آريا للَّقيطة مح ِّذرةً« :ال تُمسكيني .لقد
بكالم لم تفهمه ه َّزت رأسها وسألَتها« :أال تعرفين اللُّغة العاميَّة؟».
ٍ ر َّدت الفتاة
قال صوت من ورائها« :أنا أعرفها».
طويال تُخفي وجهه قلنسوة ردائه الذي يع ُّد نُسخةً أكبر
ً ً
رجال لم تَرُق آريا الطَّريقة التي يُبا ِغتونها بها .رأت
من الذي ترتديه الفتاة ،وتحت القلنسوة ال تلوح َّإال لمعة ال ُّشموع الحمراء الخافتة المنعكسة في عينيه.
سألَته« :ما هذا المكان؟».
ت آمنة هنا .هذه هي (دار األبيض واألسود) يا صغيرتي ،وإن
ت رفيق« :مكان للسَّالم .أن ِ أجابَها بصو ٍ
ت أصغر من أن تَن ُشدي هديَّة اإلله عديد الوجوه».كن ِ
« -أهو كاإلله الجنوبي ذي الوجوه السَّبعة؟».
« -سبعة؟ ال .إن وجوهه ال تُحصى أيتها الصَّغيرة ،وجوه بعدد ما في السَّماء من نجوم .في (براڤوس)
يتعبَّد النَّاس كما يشاؤون ...لكن في نهاية ك ِّل طريق يقف هو ذو الوجوه العديدة منتظرًا .سيكون في
انتظارك ذات يوم ،ال تخافي ،فال تتعجَّلي ض َّمته».
ِ
ت َّإال ألجد چاڬن هاجار».
« -لم آ ِ
ُ
أعرف هذا االسم». ُ «-
لست
غاص قلبها بين قدميها« :إنه من (لوراث) ،و َشعره أبيض على جانب وأحمر على اآلخَر .قال َ قالت وقد
إنه سيُ َعلِّمني أسرارًا وأعطاني هذه» .كانت تقبض على العُملة الحديد ،وعندما فت َحت أصابعها ظلَّت
ملتصقةً بكفِّها المبلَّلة بال َعرق.
اول أن يلمسها ،وتطلَّعت إليها اللَّقيطة ذات العينين الكبيرتين، أمعنَ الكاهن النَّظر إلى العُملة وإن لم يُح ِ
باسمك أيتها الصَّغيرة».
ِ وأخيرًا قال الرَّجل ذو القلنسوة« :أخبِريني
المالحات) على نهر (الثَّالوث)».جئت من ( َّ ُ ِ « -ملحة.
باسمك».
ِ بشكل ما أحسَّت به يبتسم وهو يقول« :ال .أخبِريني
ٍ على الرغم من أنها ال ترى وجهه فإنها
أجابَت هذه المرَّة« :الكتكوت».
اسمك الحقيقي أيتها الصَّغيرة».
ِ «-
« -أ ِّمي س َّمتني نان ،لكنهم كانوا يدعونني ببنت عرس.»...
اسمك».
ِ «-
ابتل َعت ريقها ،وقالت« :آري ،أنا آري».
ت .واآلن الحقيقة».
« -اقترب ِ
أخب َرت نفسها :ضربة الخوف أمضى من السَّيف ،ثم قالت« :آريا» .في المرَّة األولى هم َست باالسم ،وفي
الثَّانية ألقَته في وجهه« :أنا آريا سليلة عائلة ستارك».
ت كذلك ،لكن (دار األبيض واألسود) ليست مكانًا آلريا سليلة عائلة ستارك».
قال« :أن ِ
« -أرجوك ،ليس هناك مكان أذهب إليه».
« -هل تخافين الموت؟».
عضَّت شفتها مجيبةً« :ال».
قال الكاهن« :لن َر إذن» ،وأنز َل قلنسوته .تحتها لم يكن له وجه ،وإنما جمجمة مصفرَّة ما زالَت بعض رُقع
ت جاف متلويةً من أحد المحجرين الخاويَين ،وبصو ٍِّ الجلد متشبِّثةً بوجنتيها ،وث َّمة دودة بيضاء تَخرُج ِ
همس الرَّجل« :قبِّليني أيتها الصَّغيرة».
َ مبحوح كخشخشة الموت
ُفترض أن يكون أنفه ،والتقطَت دودة القبور من عينه لتأكلها ،لكنها هل يُريد أن يُخيفني؟ قبَّلته آريا حيث ي َ
تال َشت ِ
كظلِّ في يدها.
رجل رأته في حياتها يبتسم لها ً
قائال« :لم ٍ وتال َشت الجمجمة الصَّفراء أيضًا ،وأمام آريا كان وجه أطيب
ت جائعة أيتها الصَّغيرة؟». حاول أحد أن يأكل ال ُّدودة من قبل .أأن ِ
يُ ِ
أجابَت في أعماقها :نعم ،لكنه ليس جوعًا للطَّعام.
سرسي
ً
محيال لون أسوار القلعة ومتاريسها إلى حُمر ٍة قانية كال َّدم ،بينما أمس َكت الملكة الملك انهم َر المطر البارد
بحزم عبر السَّاحة المل َّوثة باألوحال إلى حيث ينتظر الهودج و ُمرافقوه ،لكن الصَّبي قال ٍ من يده وقادَته
معترضًا« :الخال چايمي قال إنه يُمكنني أن أركب حصاني وألقي البنسات للعا َّمة».
ط« .كان ج ُّدك جازف بحدوث ذلك ،فتومن لم يكن قويًّا كچوفري قَ ُّ « -هل تُريد أن تُصاب بالبرد؟» .لن تُ ِ
ليُريد أن يليق مظهرك بالملوك حين تحضر تأبينه .لن نظهر في (السِّپت الكبير) مبتلَّيْن متَّسخيْن» .سيِّئ
الحداد ثانيةً .ليس األسود باللَّون البهيج عليها البتَّة ،ومع بشرتها
بما فيه الكفاية أن عل َّي أن أرتدي مالبس ِ
البضَّة يجعلها هي نفسها تبدو أقرب إلى جثَّة .كانت سرسي قد استيقظَت قبل ساع ٍة من الفَجر لتستح َّم
صفِّف َشعرها ،وال تنوي أن تَترُك المطر ي ِ
ُفسد جهودها. وت ُ َ
قائال« :اآللهة تبكي ظهره إلى وسائده وتطلَّع إلى المطر السَّاقط في الخارج ً داخل الهودج أسن َد تومن َ
جدِّي .الليدي چوسلين تقول إن قطرات المطر دموعها».
« -چوسلين سويفت حمقاء .لو كانت اآللهة تبكي لب َكت أخاك .المطر هو المطر .أغلِق السِّتارة قبل أن
دخل المزيد .هذا المعطف من فرو ال َّس ُّمور ،هل تُريده أن يبتلَّ؟».
تُ ِ
فع َل تومن كما أم َرته ،وإن أقلقَها خنوعه .المفت َرض أن يكون الملك قويًّا .كان چوفري ليُجا ِدلني .إنه لم
ط .قالت لتومن« :ال تجلس متراخيًا هكذا ،أ ِعد كتفيك إلى الوراء واضبط تاجك .هل يكن سهل اإلخضاع قَ ُّ
تُريد أن يقع من فوق رأسك أمام جميع لورداتك؟».
قال الصَّبي« :ال يا أ َّماه» ،واعتد َل في جلسته و َم َّد يده يضبط تاجه الذي اعتم َره چوف من قبله ،وإن كان
كبيرًا على تومن .لطالما ما َل جسد ابنها إلى االمتالء ،غير أن وجهه يبدو أنحل اآلن .هل يأكل جيِّدًا؟ يجب
خاطر بأن يمرض تومن ،خصوصًا مع وجود مارسال في أيدي الدورنيِّين. أن تتذ َّكر أن تسأل الوكيل .لن تُ ِ
ُناسبه تاج چوف .وحتى ذلك الحين فربما يحتاج إلى واح ٍد أصغر ال يُهَدِّد بابتالع مع الوقت سيكبر وي ِ
رأسه .ستُفاتِح الصَّاغة باألمر.
نازال (تَل إجون العالي) ،يتق َّدمه رجالن من ال َحرس الملكي ،فارسان أبيضان ق الهودج طريقه البطيء ً َش َّ
على حصانين أبيضين ومن أكتافهما يتدلَّى معطفان أبيضان تشبَّعا بالماء ،وفي المؤ ِّخرة خمسون من
الذهبي والقرمزي. َحرس النستر يرتدون َّ
حسبت أنه سيكون هناك ناس أكثر. ُ اختلس تومن النَّظر إلى ال َّشوارع الخالية من بين السَّتائر ،وقال« :
َ
خرج الجميع ليُشا ِهدوا موكبنا».
َ حين ماتَ أبي
ط .لكنه لم يرغب في الحُبِّ على « -المطر دف َعهم إلى ال ُّدخول» .لم تحبَّ (كينجز الندنج) اللورد تايوين قَ ُّ
ك ِّل حال .ذات م َّر ٍة سم َعته يقول لچايمي« :ال يُمكنك أن تأكل الحُب ،أو تبتاع به حصانًا ،أو تُدفئ به بيتك
في ليل ٍة باردة» .حينئ ٍذ لم يكن أخوها أكبر من تومن.
بوضوح قلَّة أعداد
ٍ عند ( ِسپت بيلور الكبير) ،ذلك البناء الرُّ خامي المهيب على ق َّمة (تَل ڤيزينيا) ،بدَت
الذهبيَّة الذين نش َرهم السير أدام ماربراند في السَّاحة .قالت الملكة لنفسها المع ِّزين مقارنةً بذوي المعاطف َّ
بينما ساعدَها السير مرين ترانت على ال ُّنزول من الهودج :سيظهر المزيد الحقًا .ليس مسمو ًحا َّإال للنُّبالء
الظهر ،ثم تُفتَح الصَّالةوحاشيتهم بحضور مراسم العزاء الصَّباحيَّة ،على أن تُقام مراسم أخرى للعوام بَعد ُّ
للجميع في المساء .على سرسي أن تعود لحضور األخيرة كي يراها العا َّمة تندب الفقيد ،فال بُ َّد أن ي َ
ُنصب
للغوغاء العرض الذي ينتظرونه .مسألة مزعجة .إن عليها أن تجد من يشغل المناصب ال َّشاغرة وتربح
الحرب وتَح ُكم المملكة ،وكان أبوها ليتفهَّم هذا.
أثقل كاهله رداؤه محني الظَّهر له لحية شائبة خفيفةَ ،
ُّ على ق َّمة ال َّدرج قابلَهما السِّپتون األعلى ،رجل عجوز
المطرَّز المن َّمق لدرجة أن عينيه صا َرتا في مستوى نهدَي سرسي ...ولو أن تاجه بالغ الفخامة المصنوع
والذهب المغزول أضافَ إلى طوله قد ًما ونصفًا ُدفعةً واحدةً .اللورد تايوين هو من أعطاه هذا من البلَّور َّ
بدال من اآل َخر الذي ضا َع حينما قت َل الرَّعاع السِّپتون األعلى السَّابق .يومها سحبوا األحمق البدين التَّاج ً
من هودجه وم َّزقوه إربًا ،اليوم نفسه الذي أبح َرت فيه مارسال إلى (دورن).
اآل َخر كان ن ِه ًما سهل االنقياد ،أ َّما هذا ...تذ َّكرت سرسي بغتةً أن السِّپتون األعلى صنيعة تيريون،
وأزع َجتها الفكرة كثيرًا.
الذهب بدَت يد العجوز المبقَّعة أشبه بمخلب دجاج ٍة إذ م َّدها من داخل ُك ِّمه المحلَّى بزخارف قشرة َّ
والبلَّورات الصَّغيرة .رك َعت سرسي على الرُّ خام المبتل وطلبَت من تومن أن يحذو حذوها سائلةً نفسها :ما
الذي يعرفه عني؟ بِ َم أخب َره القزم؟ ابتس َم السِّپتون األعلى وهو يقودهما إلى داخل السِّپت ،لكن أهي ابتسامة
عليم ببواطن األمور أم مجرَّد اختالج ٍة بلهاء لشفتَي العجوز المتغضِّنتيْن؟ ليست الملكة متأ ِّكدةً ٍ تهدي ٍد من
من الجواب.
الزجاج المطلي بالرَّصاص المل َّون ،وقد شقَّا طريقهما ويد تومن في يدها عبر (بهو القناديل) تحت ُكرات ُّ
سا َر ترانت و ِكتلبالك على جانبيهما والماء يتقاطَر من معطفيهما المبتلَّين ليُ َك ِّون بِر ًكا على األرض،
از من خشب الويروود تُتَ ِّوجه ُكرة من البلَّور ،وفي صُحبته والسِّپتون األعلى يتحرَّك ببُط ٍء متَّكئًا على ُع َّك ٍ
الذهب سبعة من مجلس القانِتين يتألَّقون في ثيابهم المفصَّلة من قُماش الفضَّة .كان تومن يرتدي قُماش َّ
تحت معطف فرو ال َّس ُّمور ،والملكة فُستانًا قدي ًما من المخمل األسود المو َّشى بفرو القاقوم ،فلم يكن هناك
حضرت به جنازة چوفري أو الذي َ وقت لتفصيل واح ٍد جديد ،وال يُمكنها أن ترتدي الفُستان نفسه الذي
ذهبَت تدفن روبرت فيه.
الحداد على تيريون .من أجله سأرتدي الحرير القرمزي على األقل لن ينتظر مني أحد أن أرتدي ثياب ِ
الذهب وأزي ُِّن َشعري بالياقوت .لقد أعلنَت أن َمن يأتيها برأس القزم سيُرفَع إلى مرتبة لورد مهماوقُماش َّ
كان مولده وعمله وضيعًا ،واآلن تحمل ال ِغدفان وعدها إلى أرجاء (الممالك السَّبع) كلِّها ،وقريبًا سيَعبُر
الخبر (البحر الضيِّق) ويَبلُغ تسعة ال ُمدن ال ُحرَّة وما وراءها من بلدان .فليهرب ال ِعفريت إلى أقاصي
األرض ،فلن يفلت مني.
َم َّر الموكب الملكي من البَّاب ال َّداخلي إلى قلب (السِّپت الكبير) الفسيح ،وقط َع ممشى واسعًا هو واحد من
المعزون مع مرور الملك والملكة ،وقد حض َر كثيرون من ُّ سبع ٍة تلتقي تحت القُبَّة .إلى اليمين واليسار رك َع
ح َملة راية أبيها ،باإلضافة إلى فُرسان قاتَلوا إلى جوار اللورد تايوين في معارك ع َّدة ،فأكسبَتها رؤيتهم
لست بال أصدقاء. ُ مزيدًا من الثِّقة.
الذهب والبلَّور كان جُثمان اللورد تايوين النستر مس ًّجى تحت قبَّة (السِّپت الكبير) ال َّشامخة المصنوعة من َّ
ص ٍة مدرَّجة من الرُّ خام ،عند رأسها يقف چايمي مؤ ِّديًا شعيرة السَّهر 94وتُطَ ِّوق يده السَّليمة مقبض فوق من َّ
الذهب يستقرُّ رأسه على األرض .المعطف ذو القلنسوة الذي يرتديه أبيض كالثَّلج سيف عظيم من َّ ٍ
جعل سرسي تقول َ بالذهب ،وهو ماالطَّازج ،وحلقات سُترته المعدنيَّة الطَّويلة من ِعرق ال ُّلؤلؤ المرصَّع َّ
الذهبي والقرمزي كالنستر .لطالما أغضبَه أن يرى چايمي لنفسها :كان اللورد تايوين ليُريده أن يرتدي َّ
مرتديًا األبيض .كان أخوها قد بدأ يُطلِق لحيته من جدي ٍد أيضًا ،فغطَّى ال َّزغب ف َّكه ووجنتيه مضفيًا عليه
مظهرًا خشنًا فظًّا.
كان يُمكنه أن ينتظر حتى يُدفَن رُفات أبينا تحت (الصَّخرة) على األقل.
ت قصيرة ليركعا إلى جوار الجُثمان ،ول َّما رأت عينَي تومن ممتلئتيْن صعدَت سرسي بالملك ثالث درجا ٍ
ابك بصمت .أنت ملك ال طفل صارخ .لورداتك يُشا ِهدونك» ،فمس َح الصَّبي بال ُّدموع مالَت عليه قائلةًِ « :
كالزمرُّ د وكبيرتين كعينَي چايمي حين كان في ِسنِّه.ُّ دموعه بظَهر يده .إن له عينيها ،عينين خضراويْن
لطالما كان أخوها صبيًّا جميل الطَّلعة ...وإنما قوي أيضًا ،قوي كچوفري ،شبل ابن أسد .ط َّوقت الملكة
ي كي أعلِّمه كيف يَح ُكم وأحميه من أعدائه. تومن بذراعها ولث َمت ُخصالته َّ
الذهبيَّة مف ِّكرةً :سيحتاج إل َّ
ومنهم من يُحيطون بهما في هذه اللَّحظة ،يتظاهَرون بأنهم أصدقاء.
كانت األخوات الصَّامتات قد ألبسن اللورد تايوين أفضل دروعه كأنما يستع ُّد لمعرك ٍة أخيرة .هكذا ارتدى
الفوالذ الثَّقيل المطلي بالمينا القرمزي القاني والمحلَّى بال َّزخرفة َّ
الذهبيَّة على قُفَّازيه وواقيَي ساقيه وواقي
الذهب المتفجِّرة ،وقد قب َعت لبؤة ذهبيَّة على ك ِّل كتف، صدره ،مع األقراص الواقية ذات أشكال ال ُّشموس َّ
واتَّخذت ريشة الخوذة العظيمة الموضوعة إلى جوار رأسه شكل أس ٍد غزير اللِّبدة ،وعلى صدره استق َّر
ب مذهَّب مرصَّع بالياقوت ،تُحيط يداه بمقبضه في قُفَّازين من الحلقات المعدنيَّة سيفه الطَّويل في قِرا ٍ
نبيال ،مع أن فمه ...كان رُكنا شفتَي أبيها منحنيَيْن إلى أعلى على نح ٍوالمذهَّبة .حتى في الموت يبدو وجهه ً
طفيف للغاية ،لتبدو عليه سيماء االستمتاع الغامض .ال يُفت َرض أن يبدو هكذا .ال َمت پايسل الذي كان عليه
ط.أن يُخبِر األخوات الصَّامتات بأن اللورد تايوين النستر لم يبتسم قَ ُّ
ذلك الرَّجل عديم الفائدة كحلمتيْن على واقي الصَّدر .تلك االبتسامة الخافتة تجعل اللورد تايوين يبدو أق َّل
بشكل ما ،باإلضافة إلى حقيقة أن عينيه مغلقتان .دائ ًما كانت عينا أبيها مثيرتيْن للتَّوجُّ س ،لونهما
ٍ مهابةً
الذهب ،وكانت نظراته تسبر أغوارك وترى كم األخضر ال َّشاحب يكاد يكون مضيئًا ،وفيهما شذرات من َّ
أنت ضعيف تافه قبيح من ال َّداخل .كنت تعرف حين يَنظُر إليك أن نظراته تخترقك.
بال دعو ٍة استعادَت ذكرى المأدبة التي أقا َمها الملك إيرس لدى مجيء سرسي إلى البالط أول مرَّة ،فتاة
خضراء كالعُشب في الصَّيف .كان ميريويذر العجوز يُثَرثِر عن زيادة الجمارك على الخمور عندما قال
ي بجاللته أن يُج ِلس اللورد تايوين على وعاء فضالته»، اللورد ريكر« :إذا كنا نحتاج إلى َّ
الذهب فحر ٌّ
ً
وطويال بَعد خب ِّو المرح فد َّوت ضحكات إيرس ومنافقيه ،في حين ح َّدق أبوها إلى ريكر من فوق كأسه،
أشاح بوجهه ثم عا َد يَنظُر في عينَي أبيها ،قبل أن يتجاهَلهما ويشرب
َ ظلَّت نظرته مسلَّطةً على ريكر الذي
دورقًا من ال ِمزر ويُغا ِدر بوج ٍه محتقن وقد هز َمته عينان ال تطرفان.
عينا اللورد تايوين هاتان انغلقَتا إلى األبد .اآلن ستُجفِلهم نظراتي أنا ،وعليهم أن يخافوا عبوسي أنا .إنني
أسد أيضًا.
مع تلبُّد السَّماء بالغيوم في الخارج كان الضَّوء معت ًما داخل السِّپت ،لكن إذا توقَّفت األمطار سيتدفَّق نور
ق أقواس قزح. ال َّشمس عبر البلَّورات المعلَّقة ليكسو الجُثمان بأقواس قزح ،وسيِّد (كاسترلي روك) يستح ُّ
عام من اآلن ،حين يُ َد ِّون ال ِمايسترات وقائع زماننا ُ
سأكون أعظم .بَعد ألف ٍ ً
رجال عظي ًما .لكني لقد كان
هذا ،لن يتذ َّكرك أحد َّإال باعتبارك والد الملكة سرسي.
َش َّد تومن ُك َّمها ً
قائال« :أ ِّمي ،ما هذه الرَّائحة؟».
قالت لنفسها :رائحة السيِّد والدي ،وقالت له« :الموت» .هي أيضًا تش ُّمها؛ رائحة تعفُّ ٍن ضعيفة جعلَت أنفها
يُريد أن يتقلَّص ،لكن سرسي لم تُ ِعرها اهتما ًما .كان السِّپتونات السَّبعة واقفين وراء النَّعش يتضرَّعون إلى
(األب في األعالي) أن يَح ُكم على اللورد تايوين بالعدل ،وحين فرغوا اجتم َعت سبع وسبعون ِسپتة أمام
ت رحمتها .عندئ ٍذ كان تومن قد بدأ يتمل َمل ،وحتى الملكة نفسها بدأت مذبح (األُم) وشرعن يترنَّمن متوسِّال ٍ
رُكبتاها تُؤلِمانها .ألقَت نظرةً نحو چايمي ،فرأت توأمها واقفًا كأنه منحوت من الحجر ،يَرفُض أن تلتقي
عيناه عينيها.
على الدِّكك رك َع ع ُّمهما كيڤان بكتفين محنيَّتين وإلى جواره ابنه .النسل يبدو أسوأ من أبي .على الرغم من
أن ِسنَّه ال تتع َّدى السَّابعة عشرة فمن الممكن أن تحسبه في السَّبعين ،بوجهه المربد وهزاله وخ َّديه
األجوفيْن وعينيه الغائصتيْن و َشعره األبيض الهش كالطَّباشير .كيف يظلُّ النسل بين األحياء ويموت
بمنديل مربَّع
ٍ تايوين النستر؟ هل فقدَت اآللهة عقلها؟ را َح اللورد جايلز يَسعُل أكثر من المعتاد ويُ َغطِّي أنفه
غاب في النَّوم فأقس ُم
َ ق ال ِمايستر األكبر پايسل عينيه .إذامن الحرير األحمر .هو أيضًا يش ُّم الرَّائحة .وأغل َ
أن آمر ب َجلده .إلى يمين النَّعش رك َع آل تايرل؛ سيِّد (هايجاردن) وأ ُّمه ال َّشنيعة وزوجته السَّمجة وابنه
جارالن وابنته مارچري .أخب َرت نفسها مذ ِّكرةً :الملكة مارچري .أرملة چوفري وعروس تومن المقبلة.
الزهور كثيرًا ،فتساءلَت الملكة إن كانت ث َّمة أشياء أخرى مشتركة بينهما. تُشبِه مارچري أخاها فارس ُّ
وردتنا الصَّغيرة حولها ليديهات عديدات ي ُِحطن بها ليل نهار .إن معها اآلن نحو دست ٍة منهن ،وفي
وجوههن تفرَّست سرسي متسائلةً :من أكثرهن خوفًا وأكثرهن استهتارًا وأكثرهن جوعًا للحظوة؟ من أكثر
واحد ٍة لسانها متب ِّرئ منها؟ عليها أن تحرص على معرفة اإلجابات.
أرا َحها أن انتهَت التَّرانيم أخيرًا .الرَّائحة المنبعثة من جثَّة أبيها تبدو كأنها صا َرت أقوى ،ولئن تحلَّى أكثر
المع ِّزين بالكياسة وتظاهَروا بأن ك َّل شي ٍء على ما يرام ،فقد رأت سرسي اثنتين من بنات عمومة الليدي
مارچري تُقَلِّصان أنفيهما الصَّغيريْن ،وبينما قط َعت الممشى عائدةً مع تومن ُخيِّ َل لها أنها سم َعت أحدهم
يُتَمتِم بكلمة «مرحاض» ويُط ِلق ضحكةً مكتومةً ،لكن حين د َّورت رأسها لترى من تكلَّم وجدَت بحرًا من
الوجوه الوقورة التي تَر ُمقها بخواء .ما كانوا ليَجسُروا على التَّن ُّدر عليه هكذا وهو ال يزال حيًّا .كان ليُحيل
ما في أحشائهم إلى ماء بمجرَّد نظرة.
المعزون حولهما كال ُّذباب الطَّنَّان وك ُّلهم حماسة إلغراقها بالتَّعازي الفارغة .لث َم ُّ في (بهو القناديل) احتش َد
91
التَّوأمان ردواين يدها وأبوهما وجنتها ،ووعدَها هاالين الپايرومانسر بأن يدًا ناريَّةً ستضطرم في السَّماء
فوق المدينة يوم رحيل رُفات أبيها إلى الغرب ،وبين سعل ٍة وسعل ٍة قال لها اللورد جايلز إنه استأج َر واحدًا
تمثاال للورد تايوين سيسهر حراسةً إلى األبد عند (ب َّوابة األسد) ،وظه َر السير ً من أساتذة النَّحَّاتين ليصنع
المبرت تِرنبري برُقع ٍة على عينه اليُمنى مقس ًما أنه سيضعها إلى أن يأتيها برأس أخيها القزم.
لم تكد الملكة تفرُّ من براثن ذلك األحمق حتى وجدَت نفسها تحت حصار الليدي فاليس ابنة (ستوكوورث)
غك اعتذارها يا جاللة الملكة .لوليس وزوجها السير بيرش ،وهمه َمت فاليس قائلةً« :السيِّدة والدتي تُبلِ ِ
دك أن تُسا ِمحيها ،وقالت أُ ِخ َذت إلى الفِراش لتضع طفلها وشع َرت أ ِّمي بالحاجة إلى البقاء معها .إنها تُ ِ
ناش ِ
رجل آ َخر ،وإذا ولدَت أختي صبيًّا فإنها ٍ يبأبيك الرَّاحل أكثر من أ ِّ
ِ أسألك ...لقد كانت أ ِّمي معجبةً ِ أن
إذنك».
ِ راغبة في أن نُ َس ِّميه تايوين ،بَعد ...بَعد
أختك البلهاء يغتصبها ِنصف أهل المدينة وتاندا تُفَ ِّكر في إطالق ح َّدقت سرسي إليها مشدوهةً ،وقالتِ « :
اسم أبي على النَّغل؟ ال ُّ
أظن».
صفِ َعت ،لكن زوجها اكتفى بالتَّمليس على شاربه األشقر ال َكث بإبهامه ً
قائال« :هذا ما جفلَت فاليس كأنها ُ
لك كلمتي».
قلته لليدي تاندا .سنجد اس ًما ،آه ...أنسب لنغل لوليسِ ،
احرصوا على هذا» ،والتفتَت عنهما مبتعدةً ،لترى أن تومن وق َع في براثن مارچري قالت سرسيِ « :
تايرل وج َّدتها .لملكة األشواك قامة قصيرة للغاية ،حتى إن سرسي حسبَتها طفلةً أخرى للحظة .قبل أن
الزحام إلى مواجهة ع ِّمها ،وعندما ذ َّكرته بلقائهما الحقًا أومأ َ تستطيع إنقاذ ابنها من اللوردات دف َع بها ِّ
لرجل قدمه في ٍ ب واستأذنَها في االنصراف ،على أن النسل تل َّكأ وقد بدا نموذجًا السير كيڤان برأسه بتع ٍ
القبر .لكن أهو داخل أم خارج؟ أرغ َمت سرسي نفسها على االبتسام ،وقالت« :النسل ،يُس ِعدني أن أراك
أقوى كثيرًا .ال ِمايستر باالبار نق َل لنا أخبارًا مؤسفةً وخشينا على حياتك .كنت ألحسبك في الطَّريق إلى
(داري) اآلن لتتولَّى لورديَّتك» .كان أبوها قد رف َع النسل إلى مرتبة لورد عقب معركة (النَّهر األسود)
استرضا ًء ألخيه كيڤان.
ت بالغ الخفَّة كذلك ال َّشارب فوق « -ليس بع ُد .هناك خارجون عن القانون في قلعتي» .تكلَّم ابن ع ِّمها بصو ٍ
شفته العُليا ،وعلى الرغم من ابيضاض َشعره ظَ َّل زغب شاربه محتفظًا بلونه الرَّملي .كثيرًا ما تطلَّعت
سرسي إليه والصَّبي في داخلها يدفع نفسه جيئةً وذهابًا بطاعة .يبدو كلطخة تُراب فوق شفته .لقد اعتادَت
أن تُهَدِّده بمسحه بالقليل من اللُّعاب« .أبي يقول إن أراضي النَّهر محتاجة إلى ي ٍد قوية».
بدال من هذا ،وقالت« :كما أنك ستتز َّوج مؤسف أنها ستنال يدك أنتَّ ،إال أنها ابتس َمت ً ٌ أرادَت أن تقول:
أيضًا».
مرَّت على وجه الفارس ال َّشاب السَّقيم نظرة كئيبة ،و َر َّد« :واحدة من بنات فراي ،وليست من اختياري.
الفالحين ،لكن إنها ليست عذراء حتى ،بل أرملة من دم داري .أبي يقول إن هذا سيُسا ِعدني في التَّعا ُمل مع َّ
لتك تعلمين أنني أحبُّ .»... مواصال« :إنها قسوة يا سرسي .جال ِ ً الفالحين كلَّهم ماتوا» ،و َم َّد يده إلى يدها
َّ
نجب لك زوجتك أبنا ًء يشك في هذا يا النسل .أتمنَّى أن تُ ِ
ُّ قاط َعته منهيةً العبارة ...« :عائلة النستر .ال أحد
أعرف أنك ستقوم بصنائع نبيلةً عديدةً في (داري)». ُ أقوياء» .لكن خي ٌر لك َّأال تدع ج َّدها يُقيم ال ِّزفاف« .
جلب أبي السِّپتون األعلى َ ُ
سأموت أومأ َ النسل برأسه والبؤس يبدو عليه بوضوح ،وقال« :حين بدا أني
طفل في وج ٍه عجوز: ٍ صلِّي ألجلي .إنه رجل صالح» ،وتاب َع ابن ع ِّمها بعينين مبتلَّتين المعتين كعينَي لي ُ َ
سام ،كي أتوب عن خطاياي». هدف ٍٍ ُ
«يقول إن (األم) أبقَت على حياتي من أجل
تساءلَت سرسي كيف ينوي أن يتوب عن خطاياه معها .تنصيبه فارسًا كان خطأً ،و ُمضاجعته خطأ ً أكبر.
ُعجبها ورعه المستج ُّد هذا على اإلطالق ،ثم إنه كان مسلِّيًا أكثر بكثير النسل ضعيف ال يُعت َمد عليه ،وال ي ِ
ُحاول أن يكون چايمي .ما الذي قاله هذا األحمق ال َّدامع للسِّپتون األعلى؟ وماذا سيقول البنة عندما كان ي ِ
فراي وهما نائمان معًا في الظَّالم؟ إذا اعترفَ ب ُمضاجعة سرسي فيُمكنها أن تدحض هذا ،فال ِّرجال يكذبون
صبي ِغر فتنَه َجمالها .لكن إذا تف َّوه بشي ٍء
ٍّ بشأن النِّساء طوال الوقت ،وتستطيع أن تعزو األمر إلى صلف
عن روبرت والنَّبيذ القوي ...قالت له سرسي« :أفضل السُّبل لنيل التَّوبة الصَّالة ...الصَّالة الصَّامتة»،
وتر َكته يُفَ ِّكر في قولها وهيَّأت نفسها لمواجهة جيش تايرل.
عانقَتها مارچري كأخت ،وهو ما وجدَته الملكة اجترا ًء ،ولكن ليس هذا بالمكان المناسب لتوبيخها .قن َعت
الليدي آليري وبنات العُمومة بلثم أصابعها ،وطلبَت الليدي جريسفورد الحُبلى إذن الملكة في تسمية وليدها
تئن ضيقًا ،وقالت لنفسها :واحد آ َخر؟ سي ِ
ُغرق َمن تايوين إن كان صبيًّا أو النا إن كانت بنتًا .كادَت سرسي ُّ
وتظاهرت بالسُّرور.
َ قدر ممكن من الكياسة
اسمهم تايوين البالد ،لكنها أبدَت موافقتها بأكبر ٍ
ُ
أرسلت خبرً ا َمن سرَّتها حقًّا هي الليدي ميريويذر ،التي قالت بلكنتها المايريَّة المثيرة« :جاللة الملكة ،لقد
ظهر وجهه القبيح فيَ ألصدقائي عبر (البحر الضيِّق) ،أسألهم أن يقبضوا على ال ِعفريت في الحال إذا
ال ُمدن ال ُحرَّة».
عندك أصدقاء كثيرون وراء البحر؟».
ِ « -هل
« -كثيرون في (مير) ،وفي (لِيس) أيضًا ،و(تايروش) .رجال ذوو نفوذ».
لم تجد سرسي ُعسرًا في تصديق هذا ،فالمرأة المايريَّة رائعة ال َجمال َ
بحق ،طويلة السَّاقين وممتلئة
النَّهدين ،ولها بشرة زيتونيَّة ملساء وشفتان ناضجتان وعينان كحيلتان واسعتان للغاية و َشعر أسود غزير
نهضت لت ِّوها من الفِراش .بل وتضوع منها رائحة الخطيئة ،كأنها زهرة لوتس غريبة. َ يبدو دائ ًما كأنها
جاللتك والملك
ِ ت كخرير القِطط« :اللورد ميريويذر وأنا ال نتمنَّى َّإال أن نخدم قالت المرأة بصو ٍ
الصَّغير» .كانت على وجهها نظرة حُبلى باإليحاءات تكاد تُنافِس بطن الليدي جريسفورد المنتفخ.
ثم انقضَّ عليها سيِّد (هايجاردن).
بأعوام عشرة ،ومع ذلك تُفَ ِّكر فيه باعتباره في ِسنِّ أبيها ال ِسنِّها .ليس
ٍ ال يكبر مايس تايرل سرسي َّإال
الرَّجل طويل القامة كما كان اللورد تايوين ،لكن بقيَّة جسده أكبر ،فصدره مكتنز وبطنه أكثر اكتنا ًزا،
ول َشعره لون الكستناء وإن بدأ األبيض والرَّمادي يشوبان لحيته ،ويبدو وجهه محم ًّرا أغلب الوقت .أعلنَ
رجال فلتة ،وأخشى أننا لن ً ً
رجال عظي ًما، تايرل بلهج ٍة ثقيلة بَعد أن قبَّل كلتا وجنتيها« :اللورد تايوين كان
نرى ً
مثيال له أبدًا».
ر َّدت سرسي عليه في سريرتها :إنك تَنظُر إلى مثيلته أيها األحمق .ابنته هي الواقفة أمامك ،لكنها محتاجة
إلى تايرل وق َّوة (هايجاردن) إلبقاء تومن على عرشه ،فاكتفَت بقولها« :سنفتقده كثيرًا».
قائال« :ال رجل على قيد الحياة يَصلُح ألن يح َّل مح َّل اللورد تايوين ،هذا جلي،
وض َع تايرل يده على كتفها ً
لكن البالد باقية وال بُ َّد أن تُح َكم .إذا كان هناك ما يُمكنني أن أفعله على اإلطالق في هذه السَّاعة السَّوداء،
جاللتك َّإال أن تَطلُبي».
ِ فما على
ف َّكرت الملكة :إذا كنت تبغي أن تكون يد الملك يا سيِّدي فتح َّل بال َّشجاعة وقُلها ،ورس َمت على شفتيها
ابتسامةً مضيفةً لنفسها :فليستنتج منها ما يُريد أن يستنتجه ،ثم إنها قالت« :مؤ َّكد أن هناك حاجة إلى سيِّدي
في (المرعى) ،أليس كذلك؟».
أجاب الرَّجل رافضًا أن يلحظ تلميحها الواضح تما ًما« :ابني ويالس فتى قدير .ربما تكون ساقه مش َّوهةً َ
ضا ،وبين االثنين سيصير الذكاء .قريبًا سيستولي جارالن على (قلعة المياه الوضَّاءة) أي ً لكنه ال يفتقر إلى َّ
مكان آخَر .ال بُ َّد أن يأتي حُكم البالد ً
أوال كما ٍ (المرعى) في أي ٍد أمينة إذا دعَت الحاجة إلى وجودي في
ق على اعتا َد اللورد تايوين أن يُ َردِّد ،ويسرُّ ني أن أنقل لجال ِ
لتك خبرًا طيِّبًا في هذا الصَّدد .ع ِّمي جارث واف َ
والدك يرغب ،وهو في الطَّريق إلى (البلدة القديمة) اآلن ليستق َّل سفينةً في ِ الخدمة أمينًا للنَّقد كما كان السيِّد
صُحبة ابنيه .كان اللورد تايوين قد ذك َر شيئًا عن العثور على مكانيْن لهما أيضًا ،في َحرس المدينة ربما».
على وجه الملكة تج َّمدت ابتسامتها بش َّد ٍة لدرجة أنها خشيَت أن تتشقَّق أسنانها .جارث السَّمين في المجلس
ق من ذهب الذهبيَّة ...هل يحسب آل تايرل أني سأق ِّد ُم لهم البالد على طب ٍالصَّغير وابناه مع ذوي المعاطف َّ
بهذه البساطة؟ هذه الغطرسة تُذ ِهلها حقًّا.
ُواصل« :جارث أحسنَ خدمتي كقهرمان كما خد َم أبي من قبلي .صحي ٌح أن اإلصبع الصَّغير
كان تايرل ي ِ
كان موهوبًا في إيجاد َّ
الذهب ،لكن جارث.»...
سألت اللورد جايلز أن يكون أمين نقدنا ُ قاط َعته سرسي« :سيِّدي ،أخشى أن في المسألة سوء فهم .لقد
الجديد ،وقد شرَّفني بالقبول».
قائال« :روزبي؟ ذلك ال ...ال َّسعَّال؟ لكن ...لقد اتَّفقنا على األمر .جارث في طريقه إلى ق مايس إليها ً حمل َ
(البلدة القديمة)».
رسل ُغدافًا إلى اللورد هايتاور وتَطلُب منه أن يحرص على عدم ركوب قالت الملكة« :األفضل إذن أن تُ ِ
واجه البحر في الخريف بال طائل» ،وابتس َمت له ببشاشة. ع ِّمك السَّفينة .سنكره أن يُ ِ
والدك أ َّكد لي ،»...وبدأ يلفظ كال ًما مختل ً
طا ِ قال تايرل واألحمر يزحف على ُعنقه الثَّخين« :هذا ...السيِّد
غير مفهوم.
ثم ظه َرت أ ُّمه وتأبَّطت ذراعه قائلةً« :يبدو أن اللورد تايوين لم يُطلِع وصيَّتنا على العرش على ُخططه،
وال أتص َّو ُر السَّبب .لكن األمر منت ٍه ،فال داعي إلزعاج جاللتها .إنها محقَّة تما ًما .عليك أن تَكتُب للورد
اليتون قبل أن يستق َّل جارث السَّفينة .تعلم أن البحر سيُغثيه ويجعل فساءه أسوأ» ،ومن َحت الليدي أولينا
مجلسك ألطف في وجود اللورد جايلز ،وإن ُ
كنت ِ سرسي ابتسامةً بال أسنان متابعةً« :ستكون رائحة قاعة
أظن أن سُعاله كفيل بتشتيت انتباهي .كلُّنا مغرمون بالعم جارث العجوز العزيز ،لكن الرَّجل متطبِّل البطن ُّ
ضن أكثر وهي تُضيف« :لقد أمقت الرَّوائح الكريهة حقًّا» ،وتغضَّن وجهها المتغ ِّ
ُ وال أحد يُن ِكر هذا .إنني
شممت رائحةً مزعجةً داخل السِّپت المق َّدس في الحقيقة .هل شممتِها أيضًا؟».
ُ
أجابَت سرسي ببرود« :ال .تقولين إنها رائحة؟».
« -رائحة كريهة».
الالزم» .كلَّما عجَّلت بتخليص البالط من أبقيناك هنا أطول من َّ
ِ وردك الخريفي .لقدِ « -ربما تفتقدين
بأمان
ٍ ُرسل عددًا ال بأس به من فُرسانه ليصحبوا أ َّمه
ك أن اللورد تايرل سي ِالليدي أولينا كان أفضل ،فال َش َّ
إلى وطنها ،وكلَّما قَ َّل عدد رجال تايرل في المدينة ستعرف الملكة نو ًما أفضل.
أعترف بأني مشتاقة إلى عطور (هايجاردن) ،لكني ال أستطي ُع أن أغادر بالطَّبع قبل أن ُ قالت العجوز« :
عزيزك الصَّغير تومن».
ِ أشهد زفاف حُلوتي مارچري إلى
أضافَ تايرل« :أنا أيضًا أنتظ ُر ذلك اليوم بلهفة .أنا واللورد تايوين كنا على وشك تحديد موع ٍد بالفعل.
ربما يُمكننا أن نُنا ِقش هذا معًا يا جاللة الملكة».
« -قريبًا».
قالت الليدي أولينا متن ِّشقةً« :ال بأس .هيا بنا يا مايس ،لندع جاللتها ل ...حُزنها».
ً
طوال تر َكت سرسي ملكة األشواك تبتعد بين حارسيها الفارعيْن ،رجلين يَبلُغ ك ٌّل منهما األقدام السَّبعة
موتك أيتها العجوز،ِ ويروق المرأة أن تُ َس ِّميهما ِشمال ويمين ،وإذ شاهدَتها تبتعد وعدَت نفسها :سأشه ُد
تك جميلة المنظر .واض ٌح تما ًما أن العجوز أذكى من ابنها اللورد مرَّتين.وسنرى كم ستكون جثَّ ِ
أنق َذت الملكة ابنها من مارچري وبنات عمومتها واتَّجهت به إلى الباب ،وفي الخارج كان المطر قد توقَّف
ضعهوصارت لهواء الخريف رائحة طازجة نقيَّة .خل َع تومن تاجه ،لكن سرسي قالت له آمرةًَ « : َ أخيرًا
على رأسك».
قال الصَّبي« :إنه يُؤلِم ُعنقي» ،لكنه أطا َع األمر ،وأردفَ « :هل سأتز َّو ُج قريبًا؟ مارچري تقول إننا
نستطيع َّ
الذهاب إلى (هايجاردن) حالما نتز َّوج».
ر َّدت سرسي« :لن تذهب إلى (هايجاردن) ،لكن يُمكنك ركوب حصان إلى القلعة» ،وأشا َرت إلى السير
مرين ترانت ،وقالت له« :اجلب حصانًا لجاللته ،واطلُب من اللورد جايلز أن يُ َشرِّ فني باالنضمام إل َّي في
الهودج» .األمور تمضي بسُرع ٍة أكبر مما توقَّعت ،وما من وق ٍ
ت تُبَدِّده.
أسعدَت تومن فكرة الرُّ كوب ،وبالطَّبع شرَّفت اللورد جايلز دعوتها ...ولكن عندما سألَته أن يكون أمين
نقدها الجديد بدأ الرَّجل يَسعُل بمنتهى العُنف ،حتى إنها خشيَت أن يموت هنا واآلن ،لكن (األُم) كانت
رحيمةً وفي النِّهاية تعافى جايلز بما يكفي ألن يقبل المنصب ،بل وبدأ يَسعُل أسماء الرِّ جال الذين يُريد
استبدالهم ،ومنهم قيِّمو الجمارك ومصنِّعو األصواف الذين عيَّنهم اإلصبع الصَّغير ،باإلضافة إلى أحد
حفَظة المفاتيح.
َ « -س ِّم البقرة التي تُريدها ما دا َمت تنضح حليبًا .وإذا أثي َر السُّؤال ،فقد انضممتَ إلى المجلس البارحة».
« -البار .»...انتابَته نوبة من السُّعال جعلَته يلتوي على نفسه« .البارحة ،بالتَّأكيد» .يستخدم اللورد جايلز
ُحاول إخفاء ال َّدم في لُعابه ،وهو ما تظاه َرت سرسي بأنها ال
منديال من الحرير األحمر يَسعُل فيه كأنما ي ِ ً
الحظه. تُ ِ
حين يموت سأج ُد أحدًا غيره .ربما عليها أن تستدعي اإلصبع الصَّغير إلى البالط .إنها ال تتص َّور أن پيتر
طويال وقد ماتَت اليسا آرن ،خصوصًا أن لوردات (الوادي) ً بايلش سيُس َمح له بالبقاء حافظًا ل(الوادي)
ص َّح ما قاله پايسل .بمجرَّد أن يأخذوا منه ذلك الصَّبي المأفون سيعود اللورد بدأوا يتحرَّكون بالفعل إذا َ
پيتر زحفًا.
« -جاللة الملكة» ،قال اللورد جايلز وسع َل ومس َح فمه« .هل لي ،»...وسع َل ثانيةً ...« .أن أسأل َمن،»...
وعصفَت به نوبة أخرى من السُّعال قبل أن يتمالَك نفسه ويُك ِملَ ...« :من سيكون يد الملك؟».
أجابَت بشرود« :ع ِّمي».
تنفَّست الملكة الصُّ عداء لرؤية أسوار (القلعة الحمراء) ترتفع عاليةً أمامها ،وهناك عهدَت بتومن إلى
ُمرافقيه وخلَت إلى نفسها في مسكنها شاعرةً باالمتنان لفُرصة الرَّاحة.
لكن ما إن خل َعت حذاءها حتى دخلَت چوسلين على استحيا ٍء لتقول إن كايبرن في الخارج ويلتمس المثول
أدخليه» .ال ُح َّكام ال يعرفون الرَّاحة. أمامها ،فقالت الملكةِ « :
كايبرن عجوز ،لكن ما زا َل الرَّماد يغلب الثَّلج في َشعره ،وتجاعيد الضَّحك حول فمه تجعله يبدو ك َج ِّد فتا ٍة
ق بال براعة .قال ث الملبس .ياقة ردائه مهترئة ،وأحد ُك َّميه تم َّزق و ُرتِ َ صغيرة المفضَّل .وإن كان ج ًّدا َر َّ
ت ». ق في هروب ال ِعفريت كما أمر ِ كنت في ال َّزنازين أحقِّ ُ
ؤاخذيني لمجيئيُ . جاللتك َّأال تُ ِ
ِ لها« :أرجو من
« -وإال َم توصَّلت؟».
وأخوك اختفى رجل ثالث أيضًا».
ِ « -ليلة اختفاء اللورد ڤارس
« -نعم ،ال َّسجَّان ،ماذا عنه؟».
ً
مسؤوال عن ال َّزنازين السَّوداء .رئيس ال َّسجَّانين يصفه بأنه « -الرَّجل اسمه روجنُ ،مشرف سجَّانين كان
رجل ممتلئ طليق اللِّحية وغليظ الكالم .الملك القديم إيرس هو من كلَّفه بوظيفته ،واعتا َد أن يروح ويجيء
بالذات مع شغور ال َّزنازين السَّوداء معظم الوقت في السَّنوات األخيرة .يبدو أن باقي كما يحلو لهَّ ،
أهل أو أصدقاء ،ولم يعتد أن يشرب أو ال َّسجَّانين كانوا يخافونه ،لكن ال أحد يعرف الكثير عنه .كان بال ٍ
يتر َّدد إلى المواخير .حُجيرة نومه رطبة موحشة ،والقَشُّ الذي كان ينام عليه متعفِّن ،ووعاء فضالته
طافح».
صها رجال السير أدام م َّرةً أخرى.
فحص حُجيرة روجن ،ثم فح َ
َ ُ
أعرف ك َّل هذا» .چايمي«-
قال كايبرن« :نعم يا جاللة الملكة ،لكن هل تعرفين أن تحت وعاء الفضالت المق ِّزز هذا حجرًا مخلوعًا
ت ثمينة ال يُريد أن يكتشفها أحد». يس ُّد تجويفًا صغيرًا؟ إنه من تلك األماكن التي يُ َخبِّئ فيها أحدهم مقتنيا ٍ
معلومة جديدة هذه« .مقتنيات ثمينة؟ أتعني المال؟» .طيلة الوقت كانت ال ُّشكوك تُخالِجها في أن تيريون
اشترى هذا ال َّسجَّان بوسيل ٍة ما.
هرب ،ولكن َ وجدت التَّجويف خاليًا ،فال بُ َّد أن روجن أخ َذ ثروته الحرام معه حينُ « -قطعًا .صحي ٌح أني
بت في التُّراب حتى أخرجته» ،وفت َح كايبرن يده رأيت شيئًا يلمع ،فنقَّ ُ
ُ قرفصت فوق التَّجويف بمشعلي ُ بينما
مضيفًا« :إنها ُعملة ذهبيَّة».
هو ذهب ،نعم ،لكن لحظة أن التقطَت سرسي العُملة أدر َكت أنها ليست سليمةً .صغيرة ورفيعة للغاية.
كانت قديمةً باليةً ،على أحد وجهيها صورة جانبيَّة لملك ،وعلى اآلخَر نقش ليد .قالت« :هذا ليس تنِّينًا».
قائال« :نعم .إنها تعود إلى ما قبل الغزوة يا جاللة الملكة .الملك هو جارث الثَّاني عشر، أيَّدها كايبرن ً
واليد رمز آل جاردنر».
سادة (هايجاردن) .أغلقَت سرسي يدها على العُملة متسائلةً :أيُّ خيان ٍة هذه؟ مايس تايرل كان أحد قُضاة
تيريون ،ودعا إلى إعدامه على المأل .أكانت مجرَّد حيلة؟ هل كان يتآ َمر مع ال ِعفريت طوال الوقت
ططان لموت أبي؟ مع وجود تايوين النستر في القبر يُصبِح اللورد تايرل االختيار التِّلقائي لليدويَّة، ويُ َخ ِّ
ي أحد».ولو أن ...قالت آمرةً« :لن تَذ ُكر شيئًا عن هذا أل ِّ
المرتزقة يتعلَّم أن يصون لسانه خشية َّأال
ِ صاحبة الجاللةَ .من يركب في صُحبة ِ لك أن تثقي بكتماني يا ِ «-
ً
طويال». يحتفظ به
قالت الملكة« :وفي صُحبتي أيضًا» ،ووض َعت العُملة جانبًا مقرِّرةً أن تُفَ ِّكر في أمرها فيما بع ُد ،ثم سألَت:
«ماذا عن المسألة األخرى؟».
ت .ال ُّس ُّم على حربة األُفعوان
أجاب كايبرن« :السير جريجور» ،وهَ َّز كتفيه متابعًا« :لقد فحصته كما أمر ِ َ
94
ُ
أراهن بحياتي على هذا». َّ
كان ُزعاف مانتيكور من الشرق،
« -پايسل ينفي هذا .قال ألبي إن ُزعاف المانتيكور يَقتُل ما إن يَبلُغ القلب».
الزعاف مخفَّف بوسيل ٍة ما ليُطيل احتضار الجبل». « -صحيح ،لكن هذا ُّ
« -مخفَّف؟ مخفَّف كيف؟ بما َّد ٍة أخرى؟».
« -ربما يكون األمر كما تقولين يا صاحبة الجاللة ،ولو أن في معظم الحاالت ال تتسبَّب إضافة مواد
أخرى إلى السُّموم َّإال في ال َح ِّد من مفعولها .قد يكون السَّبب...
لنقل إنه أقلُّ طبيعيَّةً ،تعويذة على ما أعتق ُد».
أهذا الرَّجل أحمق كبير كپايسل؟ «تقول لي إذن إن الجبل يموت بال ِّسحر األسود؟».
صف .كجهود پايسل لم تُث ِمر وبألم ال يو َ
ٍ متجاهال التَّه ُّكم في صوتها« :إنه يموت ُّ
بالزعاف ،ولكن ببُط ٍء ً قال
جهودي لتخفيف األلم شيئًا .أخشى أن السير جريجور تع َّود تنا ُول الخشخاشُ .مرافقوه قالوا لي إنه مبتلى
بالصُّ داع العنيف ،وكثيرًا يجرع حليب الخشخاش كما يجرع ال ِّرجال األصغر منه ال ِمزر .أيًّا كان ،لقد
والزعاف جع َل جانبه يتآ َكل صانعًا فجوةً بحجم ُّ اسو َّدت عروقه من رأسه إلى قدميه ،وبوله مل َّوث بالقيح،
قبضتي .وجود الرَّجل على قيد الحياة حتى اآلن أعجوبة في الحقيقة».
وغبي للغاية أيضًا ،أغبى من أن
ٌّ علَّقت الملكة بوج ٍه مقطَّب« :إنه حجمه .جريجور رجل كبير للغاية،
يعرف متى يموت على ما يبدو» ،ورف َعت كأسها لتمألها سينل مج َّددًا ،وأردفَت« :صُراخه يُخيف تومن،
بل ويُوقِظني في اللَّيل أيضًا أحيانًا .رأيي أن الوقت حانَ الستدعاء إلين پاين».
جك صُراخه قال كايبرن« :جاللة الملكة ،هل تأذنين لي في نقل السير جريجور إلى ال َّزنازين؟ لن ي ِ
ُزع ِ
هناك ،وسأتم َّك ُن من العناية به بح ِّريَّ ٍة أكبر».
ر َّدت ضاحكةً« :العناية به؟ دَع السير إلين يعتني به».
جاللتك ،لكن ذلك السُّم ...سيكون من المفيد أن نعرف المزيد عنه ،أليس كذلك؟ ِ « -إذا كانت هذه رغبة
أرسلي فارسًا ليَقتُل فارسًا وراميًا ليَقتُل راميًا كما يقول العا َّمة ،ولمواجهة الفنون السَّوداء ،»...ولم يت َّم
ِ
كايبرن كالمه واكتفى باالبتسام لها.
واضح أنه ليس پايسل .أمعنَت الملكة النَّظر إليه متسائلةً« :لماذا أخ َذت (القلعة) سلسلتك؟».
كنت معالجًا ماه ًراُ « -رؤساء ال ِمايسترات كلُّهم جُبناء في قلوبهم ،خراف رماديَّة كما يدعوهم ماروين.
طمحت إلى أن أتف َّوق عليه .طيلة مئات السِّنين ورجال (القلعة) يفتحون جُثث الموتى ُ كإيبروز ،لكني
ففتحت أجساد األحياء ،ولهذه الجريمة ُ ُ
أردت أنا أن أدرس طبيعة الموت ليدرسوا طبيعة الحياة ،في حين
وص َمتني الخراف الرَّماديَّة بالعار ودف َعتني إلى المنفى ...لكني أفه ُم طبيعة الحياة والموت أفضل من أيِّ
رجل في (البلدة القديمة)».
ٍ
أثا َر قوله اهتمامها ،فقالت له« :حقًّا؟ ليكن إذن ،الجبل لك ،افعل به ما تُريد ،لكن احصُر دراساتك في
ك أن األمير نطاق ال َّزنازين السَّوداء ،ول َّما يموت اجلب لي رأسه ،فقد وع َد أبي بتسليمه ل(دورن) .ال َش َّ
دوران يُؤثِر أن يَقتُل جريجور بنفسه ،لكن علينا جميعًا أن نُعاني خيبة األمل في هذه الحياة».
قال كايبرن« :عظيم يا جاللة الملكة» ،ثم تنحن َح قبل أن يُضيف« :لكنني أفتق ُر إلى اإلمكانات المتوفِّرة
لپايسل ،ويجب أن أجهِّز نفسي ب.»...
اشتر لنفسك ثيابًا جديدةً أيضًا .إنك تبدو كأنك ِ ب يكفي احتياجاتك. ف اللورد جايلز بتزويدك بذه ٍ « -سأكلِّ ُ
ي مدى تستطيع الثِّقة به، صعدت من (جُحر البراغيث)» ،وتمعَّنت الملكة في عينيه متسائلةً إلى أ ِّ
داع ألن أقول إن خيرًا لن يَح ُدث لك على اإلطالق إذا تسرَّبت كلمة واحدة عن... وأضافَت« :هل من ٍ
عملك ...إلى خارج هذه الجُدران؟».
أسرارك آمنة معي».
ِ من َحها كايبرن ابتسامةً مطمئِنةً ،وقال« :ال يا جاللة الملكة.
بَعد رحيله صبَّت سرسي لنفسها كأسًا من النَّبيذ القوي ،وشربَتها عند النَّافذة وهي تُشا ِهد الظِّالل تستطيل
في السَّاحة وتُفَ ِّكر في العُملة .ذهب من (المرعى) .لماذا يملك ُمشرف سجَّانين في (كينجز الندنج) ذهبًا من
تستطع أن تتخيَّل وجه اللورد ِ (المرعى) ما لم يكن قد نُقِ َد إياه لمساعَدته في موت أبي؟ مهما حاولَت لم
تايوين دون أن ترى تلك االبتسامة الصَّغيرة السَّخيفة وتتذ َّكر الرَّائحة النَّتنة المنبعثة من جثَّته ،وتساءلَت
إن كان تيريون وراء هذا أيضًا .حيلة حقيرة قاسية ِمثله .هل جع َل تيريون پايسل أجيره؟ لقد أرس َل العجوز
مسؤوال عنها .الخيوط ك ُّلها متشابكة بطريق ٍة ال
ً إلى ال َّزنازين السَّوداء ،ال َّزنازين نفسها التي كان روجن
عجبها .تذ َّكرت سرسي فجأةً أن السِّپتون األعلى من مخلوقات تيريون أيضًا .وجُثمان أبي المسكين كان تُ ِ
في عنايته من اللَّيل إلى الفَجر.
وص َل ع ُّمها بال إبطا ٍء عند الغروب ،يرتدي سُترةً ضيِّقةً مبطَّنةً ،صوفها فاحم مرب ٌّد كوجهه .كك ِّل بني
النستر للسير كيڤان بشرة شاحبة و َشعر أشقر ،وإن كان قد فق َد أكثره مع بلوغه الخامسة والخمسين ،لكن
ما من أح ٍد يُمكن أن يصفه بالوسامة ،بخصره المكتنز وكتفيه المستديرتين وذقنه المربَّع البارز الذي لم
لمشذبة في مواراته .إنه يُ َذ ِّكرها بكلب ِدرواس عجوز ...لكن ِدرواسًا عجو ًزا مخلصًا تُفلِح لحيته الصَّفراء ا َّ
هو ما تتطلَّبه تحديدًا.
تنا َوال عَشا ًء بسيطًا من ال َّشمندر وال ُخبز ولحم البقر ال َّدامي مع النَّبيذ الدورني األحمر ،ولم يتكلَّم السير
يتجاوز حُزنه .وهذا ما قالته
َ بعمل كي
ٍ كيڤان َّإال ً
قليال وبالكاد َمسَّ كأسه .إنه واجم للغاية .ال بُ َّد من تكليفه
ي أن أفعل أعرف كم كان أبي يعتمد عليك يا ع َّماه ،واآلن عل َّ ُ له بَعدما ُرفِ َعت أطباق الطَّعام وغاد َر الخدم« .
ِمثله».
رفض».
َ قال« :تحتاجين إلى يد ،وچايمي
ُ
وكنت أجه ُل ما أقوله .چايمي ت أبي، ُ
شعرت بالضَّياع مع مو ِ يتكلَّم بال موا َربة ،ليكن« .چايمي ...لقد
رجل متمرِّ س أكثر ،شخص أكبر.»...
ٍ ُشجاع ،لكنه أحمق نوعًا ،لنكن صُرحاء .تومن محتاج إلى
« -مايس تايرل أكبر».
عر عن جبهتها مضيفةً« :آل تايرل
وأزاحت ُخصلة َش ٍ
َ اتَّسعت طاقتا أنفها غضبًا ،وقالت« :مستحيل»،
ُّ
يتخطون حدودهم».
ت مايس تايرل يدًا ،لكن حمقاء أكبر إذا جعلتِه عد َّو ِك .لقد
قال السير كيڤان« :ستكونين حمقاء إذا جعل ِ
قيل في (بهو القناديل) .كان حريًّا بمايس أن يكون أعقل من أن يفتح تلك المسائل علنًا ،وعلى ُ
سمعت ما َ
الرغم من هذا لم تكوني حكيمةً حين أهنتِه أمام نِصف البالط».
ر َّدت وقد ضايقَها تأنيبه« :أفضل من أن نسمح لتايرل آخَر بدخول المجلس .روزبي سيكون أمين نق ٍد
مالئ ًما .أنت رأيت هودجه بزخارفه وستائره الحرير .خيوله كسوتها أفضل من ثياب معظم الفُرسان .رجل
بهذا الثَّراء لن يجد مشكلةً في العثور على َّ
الذهب .وبالنِّسبة إلى اليدويَّة ...ف َمن أفضل إلتمام عمل أبي من
األخ الذي شار َكه ُخططه كلَّها؟».
والدتك».
ِ كنت أنا هذا ال َّشخص عند تايوين ،ومن قبلي السيِّدة
رجل يحتاج إلى أح ٍد يثق بهُ .
ٍ « -كلُّ
ُ
أعرف أنهما معًا اآلن». قالت سرسي رافضةً التَّفكير في العاهرة الميتة في فِراشه« :لقد أحبَّها للغاية.
إنك تسألينني الكثير يا
طويال قبل أن يُجيبِ « : ً قال السير كيڤان« :هذا ما أتمنَّاه» ،وتفحَّص وجهها
سرسي».
« -ليس أكثر مما كان أبي يسألك».
ط ع ُّمها كأسه وأخ َذ رشفةً ،ثم قال« :أنا مت َعب .إن لي زوجةً لم أ َرها منذ عامين ،وابنًا ميتًا أري ُد أن التق َ
أرثي له ،وابنًا آخَر على وشك ال َّزواج وتولِّي اللورديَّة .ال بُ َّد من تحصين (قلعة داري) من جديد ،وحماية
أراضيها وحرث وزراعة حقولها المحروقة .النسل محتاج إلى عوني».
ع االستحياء مع أبي لم تكن سرسي تتوقَّع أن يتطلَّب كيڤان تم ُّلقًا ،لكنها قالت« :وتومن أيضًا» .إنه لم ي َّد ِ
ط« .البالد تحتاج إليك».قَ ُّ
غمغ َم« :البالد ،أجل ،وعائلة النستر» ،وأخ َذ رشفةً أخرى من نبيذه ،ثم قال« :ليكن .سأبقى وأخد ُم
باعتباري اليد ،»...فبدأت تقول« :عظيم ،»...لكن السير كيڤان رف َع صوته وداه َمها متابعًا ...« :بشرط أن
نفسك وتعودي إلى (كاسترلي روك)». ِ تُ َس ِّميني وصيًّا على العرش باإلضافة إلى اليدويَّة وتأخذي
تقو سرسي َّإال على الحملقة إليه ،قبل أن تقول مذ ِّكرةً« :أنا الوصيَّة على العرش». للحظ ٍة لم َ
إلعادتك إلى (الصَّخرة) وإيجاد ِ ينتو أن تستم ِّري في هذا ال َّدور ،وأخب َرني ب ُخططه
ت .تايوين لم ِ « -كن ِ
لك».
زوج جديد ِ ٍ
وقلت له إنني ال أري ُد ال َّزواج
ُ أحسَّت سرسي بغضبها يتصاعَد في أعماقها وهي تقول« :تكلَّم عن هذا ،نعم،
ثانيةً».
رك ،لكن بالنِّسبة إلى المسألة ت عازمةً على عدم ال َّزواج ثانيةً فلن أجبِ ِ َر َّد ع ُّمها بال تأ ُّثر« :إذا كن ِ
ومكانك هناك».
ِ ت سيِّدة (كاسترلي روك) اآلن،
األخرى ...أن ِ
أرادَت أن تَصرُخ :كيف تجرؤ؟ لكنها ً
بدال من هذا قالت« :أنا الملكة الوصيَّة على العرش أيضًا ،ومكاني
مع ابني».
أبوك».
ِ « -ليس هذا ما ارتآه
« -أبي ماتَ ».
حولك يا سرسي .المملكة خراب .كان يُمكن ِ عينيك وانظُري
ِ « -ويا لحُزني ،ووي ٌل للبالد كلِّها .افتحي
ص ِّحح األوضاع ،ولكن.»... لتايوين أن يُ َ
صا َحت سرسي« :سأص ِّح ُح أنا األوضاع!» ،ثم خفَّفت نبرتها مردفةً« :بمساعَدتك يا ع ِّمي .إذا خدمتني
بإخالصك نفسه ألبي.»...
أباك ،ولطالما َع َّد تايوين چايمي وريثه ال َّشرعي».
ت ِ ت لس ِ« -أن ِ
شخص وك ِّل شيء ويقول ما ُّ
يعن ٍ « -چايمي ...چايمي حلفَ يمينًا .چايمي ال يُفَ ِّكر أبدًا ،بل يسخر من ك ِّل
له أيًّا كان .چايمي أحمق وسيم».
يجعلك هذا يا سرسي؟».
ِ اختيارك األول ليد الملك ،فماذا
ِ « -ومع ذلك كان
قلت لك إن الحُزن أسق َمني ولم أف ِّكر.»...
ُ «-
بك أن ترجعي إلى (كاسترلي روك) وتَترُكي الملك مع من يُفَ ِّكرون».
« -نعم ،ولهذا السَّبب يَج ُدر ِ
ضت سرسي زاعقةً« :الملك ابني!». نه َ
ت ال تَصلُحين لألمومة ِمثلما ال تَصلُحين للحُكم». ُ
رأيت من چوفري فأن ِ قال ع ُّمها« :أجل ،وم َّما
وألقَت سرسي محتويات كأسها في وجهه مباشرةً.
َّ
المشذبة ،وقال« :هل متثاقال والنَّبيذ يسيل على وجنتيه ويَقطُر من لحيته
ً نهض السير كيڤانَ وبكرام ٍة
تسمحين لي باالنصراف؟».
ي ال ُّشروط؟ إنك لست أكثر من واح ٍد من فُرسان أبي».ق تتجرَّأ وتُملي عل َّ
ي َح ٍّ « -بأ ِّ
دخل معيَّنةً وصناديق من المال أحتفظُ بها جانبًا.
ٍ لست أملك أراض َي ،هذا صحيح ،لكن عندي مصادر ُ «-
ينس أحدًا من أوالده حين ماتَ ،وتايوين كان يعرف كيف يُكافئ الخدمة الوفيَّة .إنني أطع ُم مئتَي
أبي لم َ
س وأستطي ُع مضاعَفة هذا العدد إذا دعَت الحاجة ،وث َّمة ُمحاربون غير نظاميِّين سيتبعون رايتي ،كما فار ٍ
المرتزقة .من الحكمة َّأال تستخفِّي بي يا جاللة الملكة ...وأكثر حكمةً َّأال
ِ الذهب الستئجارك َّأني أمل ُ
تصنعي مني خص ًما».
« -هل تُهَدِّدني؟».
ت ال تُريدين التَّنا ُزل عن الوصاية لي فعيِّنيني أمينًا للقلعة في (كاسترلي روك) أنصحك .إذا كن ِ
ِ « -إنني
واجعلي ماثيس روان أو راندل تارلي يدًا للملك».
أخر َسها االقتراح .كالهما من ح َملة راية تايرل .هل اشتروه؟ هل أخ َذ ذهب تايرل ليخون عائلة النستر؟
واص َل ع ُّمها الغافل عن خواطرها« :ماثيس روان متعقِّل وحكيم ومحبوب ،وراندل تارلي أبرع جُندي في
البالد .إنه يد غير مناسب لزمن ال َّسالم ،لكن مع موت تايوين فال رجل أفضل منه إلنهاء الحرب .لن يَشعُر
ت أحد ح َملة رايته يدًا .تارلي وروان كالهما رجل قدير ...ومخلص ،فعيِّني اللورد تايرل باإلهانة إذا اختر ِ
رك مايس نفسك وتُض ِعفين (هايجاردن) ،ومع ذلك سيَش ُك ِِ رجلك ،وبهذا تُقَ ِّوين
ِ أحد االثنين وستجعلينه
ُمكنك أن تجعلي فتى القمر يدًا ولن أبالي.
ِ غالبًا» ،وهَ َّز كتفيه مضيفًا« :هذه نصيحتيُ ،خذيها أو ارفُضيها .ي
لقد ماتَ أخي يا امرأة ،وسآخذه إلى الوطن».
خائن ،مارق .تساءلَت كم دف َع له مايس تايرل« .تُريد أن تتخلَّى عن مليكك وهو في أمسِّ الحاجة إليك،
تُريد أن تتخلَّى عن تومن».
قال السير كيڤان« :تومن معه أ ُّمه» ،والقَت عيناه الخضراوان عينيها دون أن تطرفا ،وارتجفَت قطرة
أخيرة من النَّبيذ تحت ذقنه ثم سقطَت أخيرًا ،وأتب َع هو بَعد بُرهة صمت« :أجل ،وأبوه أيضًا على ما
أعتق ُد».
چايمي
وقفَ السير چايمي النستر مرتديًا أبيض على أبيض إلى جوار النَّعش الذي يحمل جُثمان أبيه ،وقد أغل َ
ق
سيف عظيم من َّ
الذهب. ٍ أصابعه الخمسة على مقبض
مع حلول الغسق اتَّشح ( ِسپت بيلور الكبير) من ال َّداخل بالعتمة والغموض ،وتسرَّبت خيوط النَّهار األخيرة
من النَّوافذ العالية مضفيةً قتامةً حمراء على تماثيل اآللهة السَّبعة الذين تُو ِمض ال ُّشموع المعطَّرة حول
ظالل الكثيفة في األجنحة وزحفَت بصم ٍ
ت على األرضيَّة الرُّ خام ،وخفتَت أصداء مذابحهم ،فيما احتشدَت ال ِّ
آخر المع ِّزين.أناشيد المساء برحيل ِ
مكث بالون سوان ولوراس تايرل بَعد رحيل اآلخَرين ،وقال السير بالون« :ال أحد يستطيع أن يقف ساهرًا َ
آخر م َّر ٍة يا سيِّدي؟».
ليال .متى نِمت ِ سبعة أيام وسبع ٍ
أجاب چايمي« :عندما كان السيِّد والدي حيًّا». َ
قال السير لوراس مقترحًا« :اسمح لي بالوقوف اللَّيلة ً
بدال منك».
ق تيريون سهم النُّ َّشابيَّة الذي أزه َ
ق روحه ،لكني « -لم يكن أباك أنت» .ولم تَقتُله ،أنا قتلته .ربما أطل َ
ُ
أطلقت تيريون« .اترُكاني».
قال سوان« :كما يأمر سيِّدي».
ال َح على السير لوراس أنه يُريد أن يُجا ِدل أكثر ،لكن السير بالون أخ َذه من ذراعه وسحبَه مبتعدًا،
وأصغى چايمي إلى أصداء ُخطواتهما تخفت بدورها .هكذا عا َد بمفرده مع السيِّد والده ،وسط ال ُّشموع
والبلَّورات ورائحة الموت العطرة المغثية .كان ظَهره يُؤلِمه بسبب وزن ِدرعه ،وساقاه ِشبه خ ِدرتيْن،
الذهبي .إنه ال يستطيع المبا َرزة فع َّدل وقفته بعض ال َّشيء وأحك َم إغالق أصابعه على مقبض السَّيف َّ
ُمسكه .أحسَّ بيده المفقودة تنبض ،وهو ما يكاد يكون طريفًا ،ففي الطَّرف الذي بسيف ،لكنه يستطيع أن ي ِ
فقدَه إحساس أكثر من سائر الجسد الذي تبقَّى له.
أوال أن أجد الصَّخرة التي اختبأ َ ي ً يدي تشتهي السَّيف .أحتا ُج إلى أن أقتل أحدًا ،ڤارس كبداية ،لكن عل َّ
ي بأن يأخذه إلى سفينة ،ال إلى ُغرفة نومك .يداه مل َّوثتان بالدِّماء تما ًما ُ
أمرت الخص َّ تحتها .قال للجُثمان« :
ك ...كيدَي تيريون» .كان يقصد أن يقول :يداه مل َّوثتان بالدِّماء تما ًما كيدَي ،لكن الكلمات احتب َست في
َحلقه .أيًّا كان ما فعلَه ڤارس فأنا من جعلَه يفعله.
ليلتها انتظ َر في مسكن الخص ِّي ،حين قرَّر أخيرًا َّأال يدع أخاه الصَّغير يموت ،وبينما انتظ َر راح يشحذ
ويحتك .عندما سم َعُّ ُّ
ويحتك ُّ
يحتك بالحجر خنجره بي ٍد واحدة ،مستم ًّدا سُلوانًا غريبًا من صوت الفوالذ إذ
ودخل ڤارس وعلى وجهه المساحيق ومنه يفوح عبير ال ُخزامى ،فخطا َ ال ُخطوات وقفَ إلى جوار الباب،
چايمي وراءه وركلَه في باطن رُكبته ،ثم جث َم فوق صدره ودف َع الخنجر تحت ذقنه األبيض النَّاعم رافعًا
أهال يا لورد ڤارس ،عجيب أن ألتقيك هنا». رأسه ،وقال له بأسارير منبسطةً « :
قال ڤارس الهثًا« :السير چايمي؟ أخفتَني».
كنت أف ِّك ُر في أن
« -هذا ما قصدته» ،ود َّور چايمي الخنجر لتسيل قطرة من ال َّدم على نصله ،وأردفَ ُ « :
ك ،لكنه ال يملك تُسا ِعدني على انتزاع أخي من زنزانته قبل أن يقطع السير إلين رأسه .إنه رأس قبيح ال َش َّ
غيره».
الخصي« :نعم ...حسن ...إذا سمحت بأن ...ترفع الخنجر ...نعم ،برفق بَعد إذن سيِّدي ،برفق ،أوه ،لقد ُّ َر َّد
ُ
بغضت منظر دمائي». وخزَني ،»...و َمسَّ ُعنقه وح َّدق إلى ال َّدم على أصابعه ً
قائال «لطالما
ق المزيد لتبغضه ً
حاال ما لم تُسا ِعدني». « -سأري ُ
تفسير من زنزانته ستُثار أ-
ٍ اعتد َل ڤارس جالسًا بصعوب ٍة وهو يقول« :أخوك ...إذا اختفى ال ِعفريت بال
أسئلة ،وسأ-أخشى على حياتي.»...
ً
طويال ،أعدك بهذا». « -حياتك ملكي .ال أبالي باألسرار التي تعرفها .إذا ماتَ تيريون فلن تبقى حيًّا بَعده
الخصي ال َّدم من على أصابعه ،وقال« :إنك تَطلُب شيئًا فظيعًا ...أن تُطلِق سراح ال ِعفريت الذي َ
قتل ُّ امتصَّ
ملكنا المحبوب .أم أنك تعتقد أنه بريء؟».
وبك ِّل حماق ٍة قال چايمي« :بريء أو مذنب ،الالنستر يُ َسدِّد ديونه» .يا للسُّهولة التي أتَته بها الكلمات.
منذ ذلك الحين لم ينَم ،واآلن يُمكنه أن يرى أخاه ،والطَّريقة التي ابتس َم بها القزم تحت َجدعة أنفه وضوء
ت مثقل بال ِغل« :يا لك من ُمعاق مسكين أعمى أحمق! سرسي المشعل يلعق وجهه ،وكيف زمج َر بصو ٍ
كذابة ،كانت تُ ِ
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا .وأنا الوحش الذي يقولون. عاهرة َّ
ُ
قتلت ابنك الكريه». نعم،
ُ
وألصبحت أنا ال هو قاتِل األقربين. لم يقل إنه ينوي أن يَقتُل أبانا .لو قالها لمنعته،
ولي الهامسين إلى مسكنه بالطَّبع ،ولم يُسفِر عنه تفتيش (القلعة
يتسا َءل چايمي أين اختبأ َ ڤارس .لم يَرجع ُّ
الخصي السَّفينة نفسها مع تيريون ً
بدال من البقاء لإلجابة عن األسئلة المربِكة. ُّ الحمراء) ،فربما إذن استق َّل
الذهبي في قمرةإذا كان هذا صحيحًا فاالثنان في عرض البحر اآلن ،يتقا َسمان إبريقًا من نبيذ (الكرمة) َّ
قادس.
ك جثَّته تتعفَّن تحت القلعة .قد تمرُّ سنوات كاملة هناك باألسفل قبلما لم يكن أخي قد قت َل ڤارس أيضًا وتر َ
أن يَعثُر أحد على عظامه .لقد قا َد چايمي دستةً من ال َحرس إلى أسفل بالمشاعل والحبال والمصابيح،
ب خفيَّة وساللم س ِّريَّة وآبار ت ملتوية وسراديب ضيِّقة وأبوا ٍ ت تل َّمسوا طريقهم عبر ممرَّا ٍ وطوال ساعا ٍ
قيعانها غارقة في الظَّالم ال َّدامس .قلَّما شع َر چايمي بك ِّل هذا العجز .المرء يع ُّد أشياء كثيرةً من المسلَّمات
سهال عليه ،فال أحد يتكلَّم عن ً حين يملك كلتا يديه ،كالسَّاللم على سبيل المثال .حتى ال َّزحف لم يكن
ً
مشعال على السَّاللم كاآلخَرين. ال َّزحف «على يديه ورُكبتيه» عبثًا ،وال استطا َع كذلك أن يحمل
وكلُّ هذا سُدى ،فلم يجدوا َّإال الظَّالم والتُّراب والجرذان .والتَّنانين أيضًا ،تنانين كامنة باألسفل .تذ َّكر وهج
الفحم البُرتقالي الكئيب في فم التنِّين الحديدي الذي يتَّخذ شكله مستوقَد يُدفئ هواء حُجر ٍة في قرار ٍ
بئر تلتقي
فيه دستة من األنفاق .على األرض رأى رس ًما باليًا من الفُسيفساء الحمراء والسَّوداء لتنِّين عائلة تارجاريَن
كنت هنا طيلة الوقت أنتظ ُر أن ذي الثَّالثة رؤوس ،وبدا كأن الوحش يقول له :إنني أعرفك يا قاتِل الملكُ ،
تأتيني ،و ُخيِّ َل لچايمي أنه يعرف الصَّوت ،النَّبرة الحديديَّة التي كانت سمة ريجار أمير (دراجونستون).
ي الرِّيح يوم و َّدع ريجار في ساحة (القلعة الحمراء) ،وقد ارتدى األمير ِدرعه السَّوداء كان نها ًرا قو َّ
كاللَّيل ،وازدانَ صدره بالياقوت على شكل التنِّين ذي الرُّ ؤوس الثَّالثة .ساعتها قال چايمي متوس ًِّال« :يا
سم َّو األمير ،دَع داري يبقى لحراسة الملك هذه المرَّة ،أو السير باريستان .إن معطفيهما أبيضان
كمعطفي».
هَ َّز األمير ريجار رأسه ،وقال« :والدي الملك يخشى أباك أكثر مما يخشى ابن عمومتنا روبرت .إنه
يُريدك على مقرب ٍة منه كي ال يستطيع اللورد تايوين أن يُؤذيه ،وال أجر ُؤ على أن أسلبه تلك الدِّعامة التي
يستند إليها في ساع ٍة كهذه».
لست ِدعامةً ،إنني فارس في ال َحرس الملكي».ُ ارتف َع سُخط چايمي حتى بل َغ حُلقومه وهو يقول« :أنا
َر َّد عليه السير چون داري بح َّدة« :احرُس الملك إذن .حين ارتديت هذا المعطف أقسمت على الطَّاعة».
ووض َع ريجار يده على كتف چايمي ً
قائال« :أنوي بَعد أن تنتهي هذه المعركة أن أعقد مجلسًا .ستَح ُدث
أردت أن أفعل هذا منذ فتر ٍة طويلة ،ولكن ...ال داعي للكالم عن ُّ
الطرق التي لم نَسلُكها. ُ تغييرات .لقد
سنتح َّدث حين أرج ُع».
ت قالها له ريجار تارجاريَن على اإلطالق .خارج األسوار احتش َد جيش ،وفي األثناء آخر كلما ٍ كانت تلك ِ
وركب
َ نفسها زحفَ جيش آخَر إلى (الثَّالوث) ،وهكذا اعتم َر أمير (دراجونستون) خوذته السَّوداء الطَّويلة
إلى نهايته.
ك .حين انتهَت المعركة حدثَت تغييرات .قال لجثَّة أبيه« :إيرس ظَ َّن أن أ ًذى لن ق أكثر مما أدر َ كان على َح ٍّ
يمسَّه إذا أبقاني قريبًا منه ،أليس هذا طريفًا؟» .بدا أن هذا رأي اللورد تايوين أيضًا ،إذ كانت ابتسامته
متَّسعةً اآلن عن ذي قبل .كأنه مستمتع بكونه ميتًا.
ط .قال الغريب أنه ال يَشعُر بالحُزن .أين دموعي؟ أين غضبي؟ چايمي النستر لم يفتقر إلى طاقة الغضب قَ ُّ
عف في الرَّجل ،فال تتوقَّع مني أن أبكيك». ض ٍ للجثَّة« :أنت الذي قلت لي إن ال ُّدموع داللة على َ
الظهر،ألف لورد وليدي أتوا في الصَّباح ليصط ُّفوا في الطَّابور المار بالنَّعش ،ثم ع َّدة آالف من العا َّمة بَعد ُّ
ارتاب في أن كثيرين منهم مبتهجون في سريرتهم لمرأى َ ثيابهم داكنة ووجوههم خاشعةَّ ،إال أن چايمي
سقوط الرَّجل العظيم .حتى في الغرب كان اللورد تايوين محتر ًما أكثر من محبوب ،و(كينجز الندنج) لم
تزل تَذ ُكر يوم النَّهب.
من بين جميع المع ِّزين بدا ال ِمايستر األكبر پايسل األكثر اضطرابًا ،وبَعد ال َّشعائر قال لچايمي وهو يتش َّمم
رجل عرفته على اإلطالق .لم ٍ خدمت ستَّة ملوك ،لكن ها هنا أمامنا يَرقُد أعظم ُ حول الجثَّة بريبة« :لقد
يكن اللورد تايوين يعتمر تا ًجا ،لكنه تحلَّى بك ِّل ما يجب أن يكونه الملك».
دون لحيته ال يبدو پايسل مسنًّا فحسب بل وواهن أيضًا .حالقة لحيته كانت أقسى ما يُمكن أن يفعله تيريون
فعال،به .يعلم چايمي معنى أن تفقد جز ًءا منك ،الجزء الذي يجعلك أنت ،ولقد كانت لحية پايسل رائعةً ً
الحمالن ،نبتةً فاخرةً غطَّت وجنتيه وذقنه وانسدلَت طويلةً حتى دانَت بيضاء كالثَّلج وناعمةً كصوف ِ
حزامه ،وقد اعتا َد ال ِمايستر األكبر أن يُ َملِّس عليها وهو يتكلَّم بمنتهى الوقار ،فمن َحته سمت الحُكماء
ك العجوز ،إلى الفم الصَّغير الرَّاجف الجلد الرَّخو المتدلِّي تحت فَ ِّوأخفَت جميع أنواع المناظر المنفِّرة ،من ِ
واألسنان المفقودة ،والثَّآليل والتَّجاعيد وبُقع ال َّشيخوخة األكثر من أن تُحصى .حاو َل پايسل أن يُعيد تربية
ما فقدَه ،لكن محاوالته ُمنِيَت بالفشل ،ولم ينبت من وجنتيه المتغضِّنتين وذقنه الضَّعيف َّإال ُخيوط
الجلد الوردي المبقَّع أسفلها. و ُشعيرات خفيفة للغاية ،لدرجة أن چايمي يرى ِ
ُ
كنت ت آثمة... رأيت أشياء رهيبةً في حياتي ،حروبًا ومعارك واغتياال ٍ ُ قال العجوز« :سير چايمي ،لقد
صبيًّا في (البلدة القديمة) عندما أتى الطَّاعون األرمد على نِصف المدينة وثالثة أرباع (القلعة) .حينها
ُحاول الفرار ،سواء ق اللورد هايتاور ك َّل سفين ٍة في الميناء وأغل َ
ق الب َّوابات وأم َر ُحرَّاسه بقتل ك ِّل َمن ي ِ أحر َ
طفال رضيعًا .بَعد أن جرى الطَّاعون مجراه الطَّبيعي وانزا َح قتلوه ،في اليوم
رجال أم امرأةً أم حتى ً ً أكان
نفسه الذي أعا َد فيه فتح الميناء جرُّ وه من على حصانه وذبَحوه هو وابنه ال َّشاب.
فعل ما كان
حتى يومنا هذا يَبصُق الجُهالء في (البلدة القديمة) لسماع اسمه ،لكن كوينتون هايتاور َ
ً
رجال يفعل ما هو ضروري». ضروريًّا .أبوك كان من هذا النَّوع من الرِّجال أيضًا،
« -ألهذا يبدو مسرورًا من نفسه؟».
قال پايسل واألبخرة المتصاعدة من الجُثة تُد ِمع عينيه« :اللَّحم ...مع جفاف اللَّحم تشت ُّد العضالت وتسحب
ً
محاوال منع وأغمض عينيه وفت َحهما
َ شفتيه إلى أعلى .هذه ليست ابتسامةً وإنما ...جفاف ال أكثر»،
بثقل على ُع َّكازه وتحرَّك مغادرًا السِّپت ال ُّدموع ،وأردفَ « :أرجو أن تَع ُذرني ،إنني مرهَق للغاية» ،واتَّكأ ٍ
على مهل .هذا الرَّجل على عتبة الموت أيضًا .ال غرو أن سرسي تقول إنه عديم الفائدة.
بالطَّبع تعتقد أخته العزيزة أن نِصف َمن في البالط إ َّما عديمو الفائدة وإ َّما خونة؛ پايسل وال َحرس الملكي
جالدًا .عند َشغله منصب وآل تايرل وچايمي نفسه ...وحتى السير إلين پاين ،الفارس الصَّامت الذي يعمل َّ
ك پاين واجب إدارة تلك ال َّزنازين لسان فغالبًا ما تر َ
ٍ عدالة الملك أض َحت ال َّزنازين مسؤوليَّته ،وبما أنه بال
لمرؤوسيه ،غير أن سرسي تلومه هو على هرب تيريون رغم ذلك .كا َد يقول لها :كان هذا من صُنعي ال
ت من رئيس ال َّسجَّانين ،وهو عجوز بدال من ذلك بأن يَحصُل على ما يستطيع من إجابا ٍ صُنعه ،لكنه وع َد ً
محني الظَّهر اسمه رينيفر لونجووترز.ُّ
ذهب چايمي يستجوبه ،وقال له« :أراك تتسا َءل عن اسمي هذا. َ ت كقوقأة ال َّدجاج حين قهقهَ الرَّجل بصو ٍ
لست أحبُّ التَّباهي ،لكن في عروقي دما ًء ملكيَّةً .إنني أنحد ُر من ُذ ِّريَّة أميرة. ُ إنه اسم قديم ،هذا صحيح.
أبي حكى لي الحكاية وأنا صب ٌّي صغير» .لم يَعُد لونجووترز صبيًّا صغيرًا منذ سنين ع َّدة كما يشي رأسه
المبقَّع وال َّشعر األبيض النَّابت من ذقنه« .كانت أجمل كنوز (قفص العذراوات) ،وسلبَت األميرال العظيم
اللورد أوكنفيست قلبه رغم أنه كان متز ِّوجًا بأخرى .أطلقَت على ابنهما اسم النُّغول «ووترز» تكري ًما
ألبيه ،وكب َر االبن ليُصبِح فارسًا عظي ًما ،وكذا ابنه الذي وض َع «لونج» في اسمه قبل «ووترز» ليعرف
النَّاس أنه ليس ابن حرام عن نفسه ،وهكذا هناك القليل من دم التَّنانين في عروقي».
كدت أحسبك إجون الفاتح» .ووترز من أسماء النُّغول ال َّشائعة في منطقة (الخليج ُ َر َّد چايمي« :نعم،
األسود) ،وعلى األرجح جا َء لونجووترز القديم من ُذ ِّريَّة أحد فُرسان العائالت الصَّغيرة ال من أميرة.
«لكن يتصادَف أن عندي اهتمامات أكثر إلحاحًا من نَسبك».
حنى لونجووترز رأسه ً
قائال« :السَّجين الضَّائع».
« -وال َّسجَّان المفقود».
مسؤوال عن المستوى الثَّالث ،ال َّزنازين السَّوداء».
ً عقَّب العجوز« :روجنُ ،مشرف سجَّانين .كان
قال چايمي مرغ ًما« :حدِّثني عنه» .مهزلة لعينة .إنه يعلم هويَّة روجن ،حتى إن كان لونجووترز يجهلها.
أعترف بهذا .كان روجن ُ ظ األسلوب .لم يكن الرَّجل يروقني ،صحيح، « -أشعث ال َّشعر ،طويل اللِّحية ،فَ ُّ
وصلت قبل اثني عشر عا ًما .الملك إيرس هو من كلَّفه بوظيفته ،ولكن يجب أن أقول إنه نادرًا ما ُ هنا حين
رجل في عروقه دماء ٍ نت هذا في تقاريري يا سيِّدي ،أؤ ِّك ُد لك وأعطيك كلمتي ،كلمة ظه َر هنا ،وقد د َّو ُ
ملكيَّة».
ق القليل منها« .من رأى تلك التَّقارير؟».اذ ُكر تلك الدِّماء الملكيَّة م َّرةً أخرى وسأري ُ
ذهب إلى أمين النَّقد وبعضها إلى ول ِّي الهامسين ،وكلُّها إلى رئيس ال َّسجَّانين األعلى وعدالة َ « -بعضها
ك لونجووترز أنفه متابعًا« :روجن كان الملك .لطالما ج َرت األمور على هذا المنوال في ال َّزنازين» ،و َح َّ
يظهر عند الحاجة يا سيِّدي ،ال مف َّر من قول هذاً .
قليال ما تُستخدَم ال َّزنازين السَّوداء .قبل أن ينزل فيها أخو
جنابكم الصَّغير قضى ال ِمايستر األكبر پايسل فترةً عندنا ،وقبله اللورد ستارك الخائن ،وكان هناك ثالثة
آخَرون من العوام ،لكن اللورد ستارك سلَّمهم ل َحرس اللَّيل .لم أ َر إطالق سراح أولئك الثَّالثة خيرًا ،لكن
األوراق كانت سليمةً .هذا أيضًا د َّونته في التَّقارير ،لك أن تثق بكلمتي».
« -حدِّثني عن ال َّسجَّانيْن اللذين راحا في النَّوم».
قائال« :تقول سجَّانيْن؟ لم يكونا سجَّانيْن ،بل مجرَّد حاملَي مفاتيح .التَّاج يدفع أجور تن َّشق لونجووترز ً
عشرين حامل مفاتيح يا سيِّدي ،لكن طيلة خدمتي لم يزد عددهم على االثني عشر .المفت َرض أن يكون
عندنا ستَّة ُمشرفي سجَّانين أيضًا ،اثنان في ك ِّل مستوى ،لكن ال يو َجد َّإال ثالثة».
« -أنت واثنان آ َخران؟».
عا َد لونجووترز يتن َّشق ،وقال باعتداد« :أنا رئيس ُمشرفي ال َّسجَّانين يا سيِّدي ،أي أني أعلى من ُمشرفي
ال َّسجَّانين .إنني مكلَّف بمراجعة ال َّدفاتر .إذا كان سيِّدي يرغب في إلقاء نظر ٍة عليها فسيرى أن األرقام كلَّها
بالجلد المفتوح أمامه ،وأردفَ « :حاليًّا عندنا أربعة سُجناءمضبوطة» ،ثم إنه راج َع ال َّدفتر الضَّخم المغلَّف ِ
في المستوى األول وواحد في الثَّاني ،باإلضافة إلى أخي جنابكم» ،ثم قطَّب وجهه مضيفًا« :الذي فَرَّ ،هذا
ط ريشة كتاب ٍة وبدأ يس ُّنها.
صحيح ،سأشطبُ اسمه» ،والتق َ
ف َّكر چايمي بجهامة :ستَّة سُجناء ،بينما ندفع أجور عشرين حامل مفاتيح وستَّة ُمشرفي سجَّانين ورئيس
ُمشرفي سجَّانين وسجَّان وعدالة الملك« .أري ُد أن أستجوب حاملَي المفاتيح هذين».
تخلَّى رينيفر لونجووترز عن َسنِّ ريشته ورف َع عينيه رامقًا چايمي بارتياب ،ثم سأ َل« :تستجوبهما يا
سيِّدي؟».
« -كما سمعتني».
« -سمعتك يا سيِّدي ،سمعتك بالتَّأكيد ،ولكن ...يستطيع سيِّدي أن يستجوب من يشاء ،هذا صحيح ،فليس
ُّ
أظن أنهما سيُجيبان .إنهما ميتان يا لي أن أقول إنه ال يستطيع ،ولكن أيها الفارس ،إذا سمحت لي ،ال
سيِّدي».
« -ميتان؟! بأمر َمن؟».
حسبت ...أو ربما بأمر الملك؟ لم أسأل .ليس ...ليس لي أن أراجع رجال ال َحرس الملكي».ُ « -بأمرك كما
صبَّ الجواب الملح على جرحه .لقد استخد َمت سرسي رجاله ليقوموا بعملها ال َّدامي ،هُم وأع َّزاؤها اإلخوة
َ
ِكتلبالك.
زمجر چايمي في بوروس بالونت وأوزموند َ بَعدها ،في ِّ
الزنزانة التي فا َحت فيها رائحة الدِّماء والموت،
ِكتلبالك ً
قائال« :أيها األحمقان عديما العقل ،ماذا حسبتما نفسيكما فاعليْن؟».
أمرت أجاب السير بوروس األقصر قامةً من چايمي لكنه أثقل« :ليس أكثر مما َ
قيل لنا يا سيِّدي .جاللتها َ َ
بهذا ،أختك».
ُ
فحرصت وإخوتى على و َدسَّ السير أوزموند إبهامه في حزام سيفه مضيفًا« :طلبَت أن يناما إلى األبد،
هذا».
غاب عن الوعي في َ كرجل
ٍ هذا ما حرصتم عليه حقًّا .كانت إحدى الجثَّتين ملقاةً على وجهها على المائدة
أثناء مأدبة ،لكن ما تحت رأسه بِركة من ال َّدم ال النَّبيذ .أ َّما حامل المفاتيح الثَّاني فيبدو أنه استطا َع أن
طويال في ضلوعه ،فكانت نهايته ً ينهض من على ال ِّد َّكة ويسحب خنجره قبل أن يغرس أحدهم سيفًا
قلت لڤارس َّأال يمسَّ األذى أحدًا في تلك المسألة ،ولكن كان عل َّي أن أقول ألخي األطول واألكثر فوضىُ .
وأختي أيضًا« .أسأتم التَّصرُّ ف أيها الفارس».
أراهن أنهما لعبا دورًا في ما جرى ،باإلضافة إلى ُ قائال« :لن يفتقدهما أحد.هَ َّز السير أوزموند كتفيه ً
اآلخَر المفقود».
كان يُمكن لچايمي أن يقول له :ال .ڤارس َدسَّ مخ ِّدرًا في نبيذهما ليناما ،لكنه قال« :إذا َ
ص َّح هذا لكنا
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا« ...لو استطعنا انتزاع الحقيقة منهما» ...كانت تُ ِ
لت عن سبب استعجالكم التَّأ ُّكد من عدم استجواب هذين االثنين أبدًا .هل أردتم كنت ذا طبيع ٍة ش َّكاكة لتسا َء ُ
ُ
إخراسهما إلخفاء دوركم في المؤامرة؟».
َر َّد ِكتلبالك مبغوتًا« :نحن؟ لم نفعل َّإال ما أم َرت به الملكة ،أقس ُم بكلمتي كأخيك المحلَّف».
أحضر أوزني وأوزفريد ونظِّفوا الفوضى التي صنعتموها،اختل َجت أصابع چايمي ال َّشبحيَّة وهو يقولِ « :
ي ً
أوال. وعندما تأمرك أختي المرَّة القادمة بقتل أح ٍد تعا َل إل َّ
فيما عدا هذا اغرُب عن وجهي أيها الفارس».
تر َّددت أصداء الكالم في عقله وهو واقف في عتمة ( ِسپت بيلور) ،وقد اسو َّدت النَّوافذ كلُّها من فوقه،
وأصب َح يرى ضوء النُّجوم البعيدة الخافت إذ غابَت ال َّشمس تما ًما .ما زالَت رائحة الموت النَّتنة تزداد ق َّوةً
الذهبي) حيث على الرغم من ال ُّشموع المعطَّرة ،وذ َّكرت تلك الرَّائحة چايمي النستر بالمم ِّر أسفل (النَّاب َّ
حقَّق نصرًا عظي ًما في أيام الحرب األولى .في الصَّباح التَّالي للمعركة الته َمت ال ِغربان وليمةً من لحم
المنتصرين والمهزومين على َح ِّد سواءِ ،مثلما الته َمت لحم ريجار تارجاريَن بَعد (الثَّالوث) .ما قيمة التَّاج
يظن چايمي أن هناك ِغربانًا تدور حول أبراج ( ِسپت بيلور) ُّ إذا كانت ال ِغربان تتع َّشى بلحم الملوك؟
سبيل لل ُّدخول.
ٍ السَّبعة وقُبَّته العظيمة اآلن تحديدًا ،تضرب أجنحتها السَّوداء هواء المساء وهي تبحث عن
ُعرب عن تقديره لك يا أبي .لقد أطعمتها جميعًا ،من ب في (الممالك السَّبع) أن يأتي وي ِ ي بكلِّ ُغرا ٍ حر ٌّ
(كاستامير) إلى (النَّهر األسود) .سرَّت الفكرة اللورد تايوين الذي اتَّسعت ابتسامته أكثر ،فف َّكر چايمي:
ق ضحكةً شاذا لدرجة أن چايمي أطل َ ق الجحيم ،إنه يبدو كعريس في أثناء إضْ جاعه! كان الخاطر ًّ ب َح ِّ
ٍ
عاليةً.
وتر َّدد صداها في األجنحة والسَّراديب وال ُمصلَّيات كأن الموتى المدفونين داخل الجُدران يضحكون أيضًا.
ساعدت على قتله ،وإرسالي ُ ولِ َم ال؟ األمر أكثر عبثًا من مسرحيَّ ٍة هزليَّة؛ وقوفي ساهرًا على األب الذي
ساعدت على إطالق سراحه ...كان قد أم َر السير أدام ماربراند بتفتيش ُ رجاال للقبض على األخ الذي ً
(شارع الحرير) ،وقال له« :ابحثوا تحت ك ِّل سرير .أنت تعلم غرام أخي بالمواخير» .سيج ُد ذوو
الذهبيَّة أشياء أكثر إثارةً لالهتمام تحت فساتين العاهرات مما سيجدون تحت أسرَّتهن ،حتى إن المعاطف َّ
چايمي يتسا َءل كم ً
نغال سيُولَد من جرَّاء هذا البحث عديم الجدوى.
دون إراد ٍة منه انتقلَت أفكاره إلى بِريان التارثيَّة .فتاة حمقاء عنيدة قبيحة .تُرى أين هي اآلن؟ امنحها الق َّوة
ت .يكاد يكون ُدعا ًء ...لكن أإلى اإلله يبتهل؟ إلى (األب في األعالي) الذي يتألَّق تمثاله المذهَّب يا أب ِ
ُنصت ُصلِّي للجُثمان المسجَّى أمامه؟ هل يه ُّم؟ كالهما لم ي ِ ال َّشاهق في ضوء ال ُّشموع عبر المكان؟ أم أنه ي َ
ط .منذ كب َر چايمي حتى استطا َع حمل السَّيف كان (ال ُمحارب) إلهه .قد يكون َمن عداه من الرِّجال آبا ًء قَ ُّ
الذهبي ك َشعرهُ ،محارب ،وأبدًا لن يكون َّإال وأبنا ًء وأزوا ًجا ،أ َّما چايمي النستر فال .إنه الرَّجل ذو السَّيف َّ
هذا.
يَج ُدر بي أن أُخبر سرسي بالحقيقة ،أن أعترف بأني َمن حرَّر أخانا الصَّغير من زنزانته .قول الحقيقة أتى
قتلت ابنك الكريه ،واآلن سأذهبُ ألقتل أبانا أيضًا .سم َع چايمي ُ بنتيج ٍة رائعة مع تيريون في النِّهاية.
ق عينيه، ال ِعفريت يضحك في العتمة ،فالتفتَ يَنظُر لكن الصَّوت لم يكن َّإال صدى ضحكته هو .أغل َ
وبالسُّرعة نفسها فت َحهما مج َّددًا .يجب َّأال أنام .إذا نا َم فربما يَحلُم .أوه ،يا لضحكة تيريون السَّاخرة تلك...
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك... كذابة ...تُ ِعاهرة َّ
صف اللَّيل صرَّت ِمفصالت (باب األب) مع دخول ع َّدة مئات من السِّپتونات إلقامة صلواتهم، في منت َ
يرتدي بعضهم األردية المفصَّلة من قُماش الفضَّة ويعتمر األكاليل البلَّور التي تُ َميِّز مجلس القانِتين ،في
سيور حول أعناقهم وأوثَقوا أرديتهم البيضاء بأحزم ٍة من سبع ٍ حين علَّق إخوتهم األدنى شأنًا بلَّوراتهم من
جدائل بسبعة ألوان مختلفة .من (باب األُم) دخلَت السِّپتوات من معزلهن ،سبع يرتدين األبيض ويمشين
متجاورات ويترنَّمن بنعومة ،بينما نزلَت األخوات الصَّامتات (ساللم الغريب) في طابور ،وقد ارتدَت
وصيفات الموت الرَّمادي الفاتح ،وفوق رأس كلٍّ منهن قلنسوة وعلى وجهها لثام ،فال يُرى منها َّإال
ظهر حشد من اإلخوة أيضًا ،يرتدون البنِّي والعسلي والرَّمادي ال َّداكن ،وحتى الخيش غير َ عيناها.
المصبوغ ،ويش ُّدون ما يرتدونه على خصورهم بحبال القنَّب ،ويُ َعلِّق بعضهم مطرقة (الح َّداد) الحديد من
األعناق ،وبعضهم أوعية ال ِّشحاذة.
لم يُ ِعر أحد من المصلِّين چايمي اهتما ًما ،بل داروا في محيط السِّپت متعبِّدين على كلٍّ من المذابح السَّبعة
تكري ًما لسبع ِة أوجُه اإلله ،ولك ِّل إل ٍه ق َّدموا قُربانًا ،ولكلِّ واح ٍد أن َشدوا لترتفع أصواتهم وقورًا عذبةً .أسد َل
ُ
حسبت. چايمي جفنيه ليُصغي ،لكنه رف َعهما من جدي ٍد ل َّما بدأ يتمايَل .إنني مرهَق أكثر مما
كنت أصغر حينئ ٍذُ ،غال ًما في الخامسة عشرة .لم يكن آخر مرَّةُ . مضت سنوات منذ أ َّدى شعيرة السَّهر ِ لقد َ
يرتدي ِدرعًا وقتها ،بل مجرَّد سُتر ٍة بيضاء تقليديَّة ،ولم يَبلُغ السِّپت الذي أمضى فيه اللَّيل ثُلث مساحة أيٍّ
من أجنحة ( ِسپت بيلور) السَّبعة .ليلتها وض َع چايمي سيفه على رُكبتَي (ال ُمحارب) وك َّوم ِدرعه عند قدميه
ورك َع على األرض الحجريَّة الخشنة أمام المذبح ،وحين بز َغ الفَجر كانت رُكبتاه مسحوجتيْن داميتيْن،
فقال له السير آرثر داين ل َّما رآه« :ال مناص من أن ينزف كلُّ الفُرسان يا چايمي .ال َّدم خَتم إخالصنا» ،ثم
إنه رف َع سيفه (فَجر) مربِّتًا به على كتفَي چايمي ،وكان النَّصل ال َّشاحب حا ًّدا لدرجة أن تلك اللَّمسة الخفيفة
نهض .األسد
َ للغاية شقَّت سُترته ومن جدي ٍد نزفَ ...لكنه لم يَشعُر بالجرح لحظةًُ .غال ًما رك َع ،وفارسًا
الصَّغير ال قاتِل الملك.
لكن ذلك كان منذ زمن ،وال ُغالم ماتَ .
خرج المتعبِّدون عا َد السُّكون يُ َخيِّم على (ال ِّسپت
َ ال يدري متى انتهَت الصَّلوات .ربما نا َم وهو واقف .حين
ظ َّل الهواء يعبق بالموت .ع َّدل چايمي الكبير) ،وال ُّشموع كأنها حائط من النُّجوم المتَّقدة في الظَّالم ،وإن َ
الذهبي العظيم .ربما كان عليه أن يدع السير لوراس يحلُّ محلَّه رغم ك ِّل شيء .كانت قبضته على السَّيف َّ
الزهور ما زا َل نِصف صبي ،ومغرور متكبِّر ،لكنه يملك إمكانيَّة أن يُصبِح سرسي لتكره ذلك .فارس ُّ
عظي ًما ،أن يكون من أهل المآثر ال ُكبرى التي تليق ب(الكتاب األبيض).
ب صامت. سيكون (الكتاب األبيض) في انتظاره عندما ينتهي سهره ،صفحته منه مفتوحة تَر ُمقه بتأني ٍ
ق الكتاب اللَّعين إربًا قبل أن أمأله باألكاذيب .لكن إذا كان لن يكذب ،فماذا يَكتُب سوى الحقيقة؟ فجأةً
سأم ِّز ُ
وج َد امرأةً تقف أمامه.
المطر يَسقُط من جديد .رآها مبتلَّةً تما ًما والماء يَقطُر من معطفها صانعًا بِركةً عند قدميها .كيف دخلَت؟ لم
أسمعها تَد ُخل .كانت ترتدي ثياب ساقي ٍة في حانة ،معطفًا من الخيش الثَّقيل مصبو ًغا بال مهار ٍة بدرجات
البنِّي ومهترئ الحاشية ،وقد أخفَت قلنسوة وجهها لكنه رأى ال ُّشموع تتراقَص في لُ َّجتَي عينيها
الخضراويْن ،ول َّما تحرَّكت عرفَها.
ُلم وما زا َل يتسا َءل أين هو« .ما السَّاعة اآلن؟».
كرجل صحا لت ِّوه من ح ٍ
ٍ « -سرسي» .تكلَّم ببُط ٍء
أجابَت أخته« :ساعة ال ِّذئب ،»99وأنزلَت قلنسوتها وتقلَّص وجهها وهي تُضيف« :ال ِّذئب الغريق ربما» ،ثم
خان كئيب عند ( ُزقاق بناتٍ ابتس َمت له بك ِّل عذوب ٍة ،وقالت« :هل تَذ ُكر أول م َّر ٍة أتيتك هكذا؟ كانت في
ُ
وارتديت ثياب خادم ٍة ألم َّر من ُحرَّاس أبي». عرس)،
« -أذك ُر .كان في ( ُزقاق الحنشان)» .تُريد مني شيئًا« .ماذا تفعلين هنا في هذه السَّاعة؟ ماذا تُريدين
مني؟» .تر َّددت كلمته األخيرة في جنبات السِّپت ،مني-مني-مني-مني-مني-مني-مني-مني-مني-مني،
ورا َحت تخفت حتى غدَت همسةً ،وللحظ ٍة جر َؤ چايمي على أن يأمل أن ك َّل ما تُريده سرسي هو الرَّاحة
بين ذراعيه.
رفض ،لن يتولَّى
َ « -تكلَّم بهدوء» .كانت نبرتها غريبةً ...الهثةً ،أقرب إلى الخوف« .چايمي ،كيڤان
اليدويَّة .إنه ...إنه يعلم بأمرنا ،ل َّمح إلى هذا بوضوح».
رفض؟ وكيف يعلم؟ ال بُ َّد أنه قرأ ما كتبَه ستانيس ،لكن ليس هناك.»...
َ قال منده ًشا« :
قاط َعته« :تيريون كان يعلم .من يدري ماذا حكى ذلك القزم البغيض أو ل َمن؟ الع ُّم كيڤان أقلُّ المصائب...
السِّپتون األعلى ،تيريون هو من رقَّاه إلى تاجه حين ماتَ اآلخَر البدين .ربما يعلم أيضًا» ،ودنَت منه
ت أبينا؟ ربما
ق بمايس تايرل .ماذا لو كانت له يد في مو ِ متابعةً« :ال مف َّر من أن تكون يد تومن .إنني ال أث ُ
كان يتآ َمر مع تيريون .من الممكن أن يكون ال ِعفريت في طريقه إلى (هايجاردن).»...
« -غير صحيح».
كملك ومليكته».
ٍ قالت متوسِّلةًُ « :كن يدي وسنَح ُكم (الممالك السَّبع) معًا
ولكنك تأبين أن تكوني مليكتي».
ِ ت مليكة روبرت،
« -كن ِ
ُ
جرؤت ،لكن ابننا.»... ُ «-
كنت ألفعلها إذا
قاط َعها بقسوة« :تومن ليس ابني كما لم يكن چوفري .لقد جعلتِهما ابنَي روبرت أيضًا».
جفلَت أخته قائلةً« :لقد وعدت بأن تحبَّني دائ ًما ،وليس من المحبَّة أن تجعلني أتو َّس ُل».
أفع َمت أنف چايمي رائحة خوفها على الرغم من نتانة الجثَّة ،وأرا َد أن يحتويها بذراعيه ويُقَبِّلها ،أن يدفن
أخبر نفسه :ليس هنا ،ليس هنا َ الذهب ويعدها بأن ال أحد سيمسَّها بسو ٍء أبدًا ...لكنه وجهه في ُخصالتها َّ
أمام اآللهة وأبينا ،وقال لها« :ال ،ال أستطيعُ ،ولن أفعل».
قالت وهو يسمع المطر ينهمر على النَّوافذ باألعلى« :إنني محتاجة إليك ،محتاجة إلى نِصفي اآلخَر .أنت
أنا وأنا أنت .أحتا ُج إليك إلى جواري ،في داخلي ،أرجوك يا چايمي ،أرجوك».
نظ َر چايمي ليستوثق بأن اللورد تايوين ال ينهض في هذه اللَّحظة من على منصَّته غاضبًا ،لكن أباه ظَ َّل
قت لميادين المعارك ال قاعة مجلس ،واآلن يبدو أني لم أعد أصل ُح متم ِّددًا في مكانه ،باردًا يتعفَّن« .لقد ُخلِ ُ
لذلك أيضًا».
مس َحت سرسي دموعها ب ُك ٍّم بنِّي َرث ،وقالت« :ليكن ،إذا كانت ميادين المعارك ما تشتهي فميادين
كنت حمقاء عندما ُ كنت حمقاء لمجيئي، ب مردفةًُ « : المعارك ما سأعطيك» ،ورف َعت قلنسوتها بغض ٍ
أحببتك» ،ور َّددت ُخطاها المبتعدة أصدا ًء عاليةً شقَّت الهدوء وتر َكت بُقعًا مبتلَّةً على األرض الرُّ خام.
تتأل َأل على الجُدرانكا َد الفَجر يأخذ چايمي على حين غرَّة ،وإذ بدأ ُزجاج القُبَّة يستنير را َحت أقواس قزح َ
بسديم من الضَّوء عديد األلوان .يد الملك يتعفَّن ٍ واألرضيَّات واألعمدة ،وغم َرت جُثمان اللورد تايوين
صت عيناه كثيرًا فأصب َحتا حُفرتين سوداوين عميقتين شاب وجهه اخضرار خفيف وغا َ َ بوضوح ،وقد
الذهبيوبدأت وجنتاه تنفتقان ،بينما تسرَّب سائل أبيض كريه من ِمفصالت ِدرعه الفاخرة بلونيها َّ
والقرمزي ليتج َّمع تحت جثَّته.
أول من رأى المنظر السِّپتونات عندما عادوا ألداء صلوات الفَجر ،فأن َشدوا أناشيدهم ودعوا أدعيتهم
وقلَّصوا أنوفهم ،لكن رأس واح ٍد من القا ِنتين دا َر لدرجة أنهم اضطرُّ وا إلى مساعَدته على الخروج من
السِّپت ،وبَعدها بفتر ٍة قصيرة دخلَت جماعة من التَّالمذة مؤرجحين المباخر ،فأفع َم البَخور الكثيف الهواء
حتى بدا النَّعش ملتحفًا بال ُّدخان ،وغابَت أقواس قزح كلُّها في ذلك الضَّباب المعطَّرَّ ،إال أن الرَّائحة ظلَّت
قويَّةً ،رائحة هي مزيج من العفن وال َّشذا جعلَت الرَّغبة في القيء تنتاب چايمي.
ُناسب مكانتهم ،وقد أحض َرت مارچري باقةً عندما فُتِ َحت األبواب كان آل تايرل بين أول ال َّداخلين بما ي ِ
الذهبيَّة وض َعتها بحرك ٍة مسرحيَّة عند قدم نعش اللورد تايوين ،وإن احتفظَت بواحد ٍة كبيرةً من الورود َّ
ت غيرها كملك ٍة أبقَتها تحت أنفها وهي تتَّخذ مقعدها .إذن فالفتاة ذكيَّة كما هي جميلة .إنها أفضل من كثيرا ٍ
لتومن.
ملوك قبله تز َّوجوا من هن أسوأ.
فانتظرت حتى أخ َذ الباقون أماكنهم كي تَد ُخل وإلى جوارها
َ ح َذت رفيقات مارچري حذوها ،أ َّما سرسي
ُصاحبهما السير أوزموند ِكتلبالك في ِدرعه البيضاء المطليَّة بالمينا ومعطفه الصُّ وف األبيض.
ِ تومن ،ي
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا.»... ...« -كانت تُ ِ
رأى چايمي ِكتلبالك عاريًا في الح َّمام ،ورأى ال َّشعر األسود على صدره وذلك األشبه بالقَشِّ الخشن بين
يحك ِجلد ثدييها النَّاعم .ما كانت لتفعل ُّ ساقيه ،وتخيَّل ذلك الصَّدر مضغوطًا إلى صدر أخته وذلك ال َّشعر
الذهب المغزول وال َّشعر األسود مشتبكان ،يتصبَّبان عرقًا ،وفلقتا مؤ ِّخرة شيئًا كهذا .ال ِعفريت كاذبَّ .
ِكتلبالك الضيِّقتان تنض َّمان كلَّما دف َع نفسه في داخلها ،ويسمع چايمي أنين أخته .ال ،إنها كذبة.
بعينين محمرَّتين ووج ٍه ممتقع صعدَت سرسي ال َّدرجات ورك َعت إلى جوار أبيهما وسحبَت تومن ليركع
معها .تراج َع الصَّبي لمرأى المنظر لكن أ َّمه أطبقَت على معصمه قبل أن يبتعد ،وهم َست لهَ « :
ص ِّل»،
طفل في الثَّامنة واللورد تايوين رُعب حقيقي .نفس يائس ٍ فحاو َل تومن أن يُطيع األمر ،غير أنه مجرَّد
ف عن هذا!» ،ود َّور تومن رأسه وانثنى على وأجهش الملك بالبُكاء .قالت سرسيُ « :ك َّ
َ واحد من الهواء
نفسه مفر ًغا معدته ،وسقطَ تاجه ليتدحرج على رُخام األرض .تراج َعت أ ُّمه باشمئزاز ،وفي غمضة ٍ
عين
كان الملك يَر ُكض إلى الباب بأقصى سُرع ٍة تُتيحها له ساقاه ذاتا األعوام الثَّمانية.
ُطارد التَّاج« :سير أوزموندُ ،خذ مكاني» ،وناو َل الرَّجل سيفه قال چايمي بح َّد ٍة بينما التفتَ ِكتلبالك لي ِ
ق به أمام أعيُن دست ٍة من السِّپتوات الجافالت ،وقال تومن الذهبي وهر َع وراء مليكه .في (بهو القناديل) لح َ َّ
باكيًا« :إنني آسف .سأبلي بال ًء أحسن غدًا .أ ِّمي تقول إن على الملك أن يُري النَّاس الطَّريق ،لكن الرَّائحة
قلبَت معدتي».
لن يَصلُح هذا .آذان مرهفة كثيرة وأعيُن تُراقِب .قال چايمي« :األفضل أن نَخرُج يا جاللة الملك» ،وقا َد
الصَّبي إلى الخارج حيث الهواء نظيف نق ٌّي قدر المستطاع في مدين ٍة ك(كينجز الندنج) .رأى أربعين من
الذهبيَّة منتشرين في السَّاحة لحراسة الخيل والهوادج ،فأخ َذ الملك جانبًا على مساف ٍة ال بأسذوي المعاطف َّ
بها من الجميع ،وأجل َسه على ال َّدرجات الرُّ خام ،حيث قال الصَّبي بإصرار« :لم أكن خائفًا ،الرَّائحة قلبَت
معدتي .ألم تقلب معدتك أيضًا؟ كيف تحتملها يا خالي الفارس؟».
شممت يدي وهي تتعفَّن عندما جعلَني ڤارجو هوت أعلِّقها كقالدة .قال چايمي البنه« :الرَّجل يستطيع ُ لقد
رجل طهاه الملك إيرس في ِدرعه« .العالم ٍ ُ
شممت رائحة شواء ي شي ٍء إذا لز َم األمر» .لقد أن يحتمل أ َّ
قاومها وإ َّما أن تَنظُر دون أن ترى ...تنسحب داخل نفسك».
مليء باألهوال يا تومن ،فإ َّما أن تُ ِ
كنت أنسحبُ داخل نفسي أحيانًا عندما كان چوفي.»...كنتُ ...ف َّكر تومن لحظةً ،ثم قال بنبرة اعترافُ « :
« -چوفري» .كانت سرسي واقفةً فوقهما والرِّيح تضرب ساقيها بتنُّورتها« .أخوك كان اسمه چوفري،
وما كان ليُخزيني هكذا».
« -لم أقصد ،لم أكن خائفًا يا أ ِّمي ،لكن رائحة السيِّد والدك كانت سيِّئةً.»...
شممت رائحةً أفضل؟ إن لي أنفًا أيضًا» ،وأمس َكت أُذنه وسحبَته ليقف مضيفةً: ُ ُّ
تظن أني قالت« :هل
«اللورد تايرل له أنف .هل رأيته يتقيَّأ في السِّپت المق َّدس؟ هل رأيت الليدي مارچري تنوح كالرُّ ضَّع؟».
قائال« :سرسي ،كفى».قا َم چايمي ً
اشتع َل الغضب على ُمحيَّاها ،وقالت« :ماذا تفعل هنا أيها الفارس؟ لقد أقسمت أن تسهر على جثَّة أبينا
حتى ينتهي التَّأبين على ما أذك ُر».
« -التَّأبين انتهى .اذهبي وانظُري إليه».
ليال كما قلت .مؤ َّكد أن حضرة القائد يعرف كيف يع ُّد إلى سبعةُ .خذ عدد أصابعك « -ال .سبعة أيام وسبع ٍ
وأضف اثنين».
ِ
كان آخَرون قد بدأوا يتدفَّقون من ال َّداخل إلى السَّاحة هاربين من الرَّائحة ال َّشنيعة ،فقال لها چايمي مح ِّذ ًرا:
صوتك ،اللورد تايرل يقترب». ِ «سرسي ،اخفضي
قائال« :أرجو أن سب َرت كلماته غضبتها وسحبَت الملكة تومن إلى جانبها ،وانحنى مايس تايرل أمامهما ً
يكون جاللته بخير».
قالت سرسي« :حُزن الملك غلبَه ال أكثر».
« -كما يغلبنا جميعًا .إذا كان هناك ما بإمكاني أن أفعله.»...
ق ُغراب صرخةً مرتفعةً وهو جاثم على تمثال الملك بيلور ويتبرَّز على الرَّأس المق َّدس. بعيدًا باألعلى أطل َ
هال شرَّفت جاللتها بتنا ُولقال چايمي« :هناك الكثير ج ًّدا بإمكانك أن تفعله من أجل تومن يا سيِّديَّ .
ال َعشاء معها بَعد صلوات المساء؟».
ظت لسانها هذه المرَّة ،في حين بدا تايرل منده ًشا، ر َمته سرسي بنظر ٍة تُذبِل ال َّزرع ،لكنها تعقَّلت وحف َ
أظن ...بالطَّبع ،سنتشرَّف بهذا أنا والسيِّدة زوجتي».
وقال« :ال َعشاء؟ ُّ
أجب َرت الملكة نفسها على االبتسام ور َّددت كال ًما فار ًغا عن سرورها ،لكن حين انصرفَ تايرل وص ِ
ُرفَ
تومن مع السير أدام ماربراند التفتَت إلى چايمي ساخطةً ،وقالت« :أأنت سكران أم تَحلُم أيها الفارس؟
ريح
ٍ أخبِرني من فضلك ،لماذا أتناو ُل ال َعشاء مع هذا األحمق الجشع وزوجته البلهاء؟» ،وحرَّكت هبَّة
َشعرها َّ
الذهبي وهي تُضيف« :لن أعيِّنه يدًا إذا كان هذا ما.»...
ت في حاج ٍة إلى تايرل ،ولكن ليس هنا .سليه أن يستولي على (ستورمز إند) من أجل تومن. قاط َعها« :أن ِ
بدال من أبي .مايس يتخيَّل نفسه ُمحاربًا مغوارًا ،فإ َّماأطري عليه وقولي له إنك تحتاجين إليه في الميدان ً
ت الرَّابحة».
مك (ستورمز إند) وإ َّما يُفسد األمر ويبدو كالحمقى .في الحالتين أن ِيُ َسلِّ ِ
جعل من َ ال َحت أمارات التَّفكير على سرسي وهي تقول(« :ستورمز إند)؟ نعم ،ولكن ...اللورد تايرل
الواضح تما ًما أنه لن يبرح (كينجز الندنج) قبل أن يتز َّوج تومن مارچري».
تنهَّد چايمي ،و َر َّد« :دعيهما يتز َّوجان إذن .ستمضي سنوات قبل أن يكبر تومن ويستطيع إتمام ال ِّزيجة،
وأرسليه يلعب لُعبة الحرب».
ِ وحتى ذلك الحين فإبطالها متاح دائ ًما .أعطي تايرل زفافه
زحفَت ابتسامة حذرة على وجه أخته ،وغمغ َمت« :حتى الحصار له أخطاره ،بل وربما يفقد سيِّد
(هايجاردن) حياته في مغامر ٍة كتلك».
أيَّدها ً
قائال« :تلك المخاطرة واردة ،خصوصًا إذا نف َد صبره هذه الم َّرة واختا َر اقتحام الب َّوابة».
ثبَّتت سرسي عينيها عليه لحظات ،ثم قالت« :أتدري؟ للحظ ٍة كنت تتكلَّم كأنك أبونا بالضَّبط».
بِريان
كانت ب َّوابة (وادي الغسق) مغلقةً موصدةً .في عتمة ما قبل الفَجر التم َعت أسوار البلدة بشحوب ،وعلى
متاريسها تحرَّكت خيوط الضَّباب ك ُحرَّاس شبحيِّين ،فيما توقَّفت عربات اليد والعربات التي تجرُّ ها الثِّيران
خارج الب َّوابة منتظرةً شروق ال َّشمس .أخ َذت بِريان مكانها وراء عرب ٍة مح َّملة باللِّفت ،ول َّما كانت َربلتا
يمض وقت طويل قبل أن تُق ِبل عربة ي ٍد أخرى من ِ ساقيها تُؤلِمانها فقد أرا َحها أن تترجَّل وتفردهما .لم
الغابة ،وحين بدأت السَّماء تُنير كان الطَّابور يمت ُّد رُبع ميل.
أخاطبهم ،لكن الكالمِ ي أنا أن
ُخاطبها أحد .قالت لنفسها :عل َّ
ت فضوليَّة وإن لم ي ِ حد َجها ال ُمزارعون بنظرا ٍ
خجوال ،ولم تُفلِح سنوات السُّخرية الطَّويلة َّإال
ً صغرها كانت مع األغراب كان صعبًا عليها دو ًما .حتى في ِ
تنحنحت وقالت للمرأة الجالسة على َ وإال كيف سأجدها؟ خجال .يجب أن أسأل عن سانزاَّ ، ً في جعلها أكثر
ت أختي على الطَّريق؟ إنها بنت في الثَّالثة عشرة ،جميلة عساك رأي ِ
ِ عربة اللِّفت« :أيتها العقيلة ،هل
المالمح ولها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي .ربما تكون راكبةً مع فارس س ِّكير».
أراهن إذن أنها لم تَعُد بنتًا .ما اسم المسكينة؟».
ُ ه َّزت المرأة رأسها نفيًا ،لكن زوجها قال« :
اسم على اإلطالق يَصلُحَّ ،إال أنها لم تنجح في
وجدَت بِريان رأسها خاليًا .كان عل َّي أن أختلق لها اس ًما .أيُّ ٍ
التَّفكير في واحد.
الطرق مليئة بالبنات الالتي بال اسم». « -ال اسم؟ طيِّبُّ ،
أضافَت زوجته« :وساحات األُشنة أكثر امتال ًء».
ُّ
وهزوا أز َّمة دوابِّهم، الحرس في ال ُّشرفات ،فصع َد ال ُمزارعون إلى عرباتهم مع بزوغ الفَجر ظه َر َ
وامتطَت بِريان فَرسها أيضًا وألقَت نظرةً وراءها .معظم من في الطَّابور المنتظر دخول (وادي الغسق)
بأحمال من الخضراوات والفواكه في طريقها إلى البيع ،ووراءها بنحو دست ٍة من المنتظرين ٍ ُمزارعون
ً
نحيال على ث َّمة اثنان من رجال البلدة األثرياء يركبان حصانيْن أصيليْن ،وعلى مساف ٍة أبعد لم َحت صبيًّا
حصان أرقط تقليدي ،لكنها لم ت َر أثرًا للفارسيْن المتج ِّوليْن أو السير شادريك الفأر المجنون.
ٍ
ل َّوح ال َحرس للعربات بالمرور دون أن يُ َكلِّفوا أنفسهم مجرَّد النَّظر ،ولكن حين بلغَت بِريان الب َّوابة جعلَتهم
وصاح قائدهم« :توقَّفي يا هذه!» ،وقاط َع رجالن يرتديان الحلقات المعدنيَّة َ يعدلون عن وتيرتهم،
غرضك هنا».
ِ أفصحي عن حربتيهما ليس َّدا طريقها ،بينما أضافَ القائدِ « :
أبحث عن سيِّد (وادي الغسق) أو ِمايستره». ُ «-
قائالُ « :خفَّاش لوثستون األسود ،رمز سيِّئ السُّمعة».
ثبَّت القائد نظرته على تُرسها ً
« -ليس رمزي ،وأنوي أن أعيد طالء ال ُّترس».
ً
ك القائد ذقنه المغطَّى بال َّزغب ،وقال« :حقّا؟ أختي تُ ِ
زاول هذا العمل بالمنا َسبة .ستجدينها في المنزل ذي َح َّ
الباب المل َّون ،قُبالة (السُّيوف السَّبعة)» ،وأشا َر إلى الحارسين مردفًا« :دعاها تمرُّ .إنها فتاة».
ينفتح مبنى الب َّوابة على ميدان ال ُّسوق ،حيث يُفَ ِّرغ من سبقوها إلى ال ُّدخول حموالتهم من اللِّفت والبصل
األصفر وال َّشعير ليُنادوا عليها ،بينما يبيع آخَرون أسلحةً ودروعًا ،وبأسعار رخيصة للغاية أيضًا كما تشي
مضتاألرقام التي سم َعتهم يزعقون بها وهي تمرُّ .مع ِغربان الجيف يأتي ال ُّلصوص بَعد ك ِّل معركةَ .
ت منبعجةً وسيوفًا طويلةً
بِريان بفَرسها لتشهد قمصانًا حلقاتها المعدن ال تزال مل َّوثةً بالدِّماء البنِّيَّة وخوذا ٍ
ثلمةً ،باإلضافة إلى الثِّياب المعروضة للبيع التي تض ُّم أحذيةً ِجلد ومعاطف فرو وسُترا ٍ
ت متَّسخة فيها
96
بقاع مريبة .تعرَّفت عددًا كبيرًا من ال َّشارات ،كالقبضة المقفَّزة بالحلقات المعدنيَّة والموظ ٍ تمزقات في ُّ
وال َّشمس البيضاء والبلطة ذات النَّصلين .كلُّها رموز شماليَّة ،غير أن رجال تارلي لقوا حتفهم هنا أي ً
ضا،
وكثيرين من أراضي العواصف كذلك ،إذ رأت تفَّاحًا أحمر وأخضر ،وتُرسًا عليه صواعق عائلة اليجود
ظهر صيَّاد اللورد تارلي طويل القدمين على َ حصان مزركشة بنمل عائلة أمبروز ،كما ٍ الثَّالث ،وكسوة
كثر ٍة كاثرة من ال َّشارات وال َّدبابيس والسُّترات .عد ًّوا كان أم صديقًا ،ال ِغربان ال تُبالي.
وجدَت بِريان تُروسًا من خشب الصَّنوبر وخشب ال َّزيزفون تُشترى ببنسات معدودة ،لكنها تجاوزَتها بال
اكتراث ،إذ تنوي االحتفاظ بالتُّرس البلُّوط الثَّقيل الذي أعطاها چايمي إياه وحملَه بنفسه من (هارنهال) إلى
أخف وزنًا ومن ثم أسهل في الحمل، ُّ (كينجز الندنج) .للتُّرس المصنوع من خشب الصَّنوبر مميِّزاته ،فهو
ومن شأن الخشب الطَّري أن يجعل سيف الخصم أو فأسه ينغرس فيه فال يستطيع انتزاعه ،على أن البلُّوط
يحمي حامله أكثر إذا كان قويًّا كفايةً الحتمال وزنه.
أرض
ٍ (وادي الغسق) مبنيَّة حول مينائها .شمال البلدة ترتفع جُروف الطَّباشير ،وإلى الجنوب يقي لسان
صخريَّة السُّفن الرَّاسية من العواصف الهابَّة من (البحر الضيِّق) ،في حين تطلُّ القلعة على الميناء وتُمكن
مكان في البلدة .ألفَت المشي أسهل من الرُّ كوب في ٍ ي
رؤية حصنها المربَّع وأبراجها المستديرة من أ ِّ
اسطبل وواصلَت الطَّريق على قدميها ،وقد ٍ ال َّشوارع المرصوفة المزدحمة ،فتر َكت بِريان فَرسها في
علَّقت تُرسها على ظَهرها ودسَّت لفافة النَّوم تحت إبطها.
خان في البلدة ،بناء من أربعة طوابق ٍ لم يكن العثور على أخت القائد صعبًا ،ف(السُّيوف السَّبعة) أكبر
برسم رائع ال َجمال لقلع ٍة في غاب ٍة خريفيَّة،
ٍ يرتفع فوق جيرانه ،ويُقابِله منزل بابه من مصراعيْن مزيَّنيْن
والذهبي ،ويزحف اللَّبالب على جذوع السَّنديانات العجوز ،وحتى َّ أشجارها مل َّونة بدرجات الخمري
ت وسط ورق ال َّشجر ،منها أشجار البلُّوط مرسومة بعناي ٍة وشغف ،ول َّما أمعنَت بِريان النَّظر رأت مخلوقا ٍ
ثعلب أحمر م َّكار و ُعصفوران على فرع ،غير ِظلِّ ال ُّدبِّ البادي وراء األوراق.
قالت للمرأة داكنة ال َّشعر التي فت َحت الباب حين دقَّتهِ « :
بابك جميل .أيُّ قلع ٍة هذه؟».
أجابَت أخت القائد« :جميع القالع .الوحيدة التي أعرفها هي (قلعة التَّبَّة) عند الميناء .األخرى اختلقتها من
خيالي ،ما ينبغي لقلع ٍة أن تبدو .إنني لم أ َر تنِّينًا من قبل كذلك ،وال جريفين 95أو يونيكورن .»94كانت تتكلَّم
مرح ،لكن عندما أ َرتها بِريان التُّرس أظل َم وجهها ،وقالت« :أ ِّمي العجوز اعتادَت أن تقول إن ب ِ بأسلو ٍ
الخفافيش العمالقة تطير من (هارنهال) في اللَّيالي غير ال ُمقمرة ،لتحمل األطفال سيِّئي ال ُخلق إلى دانل
المجنونة لتطبخهم .أحيانًا أسمعها تُخَر ِبش مصاريع النَّوافذ» ،ثم شفطَت أسنانها مصدرةً صوتًا حا ًّدا
وف َّكرت لحظةً قبل أن تسأل« :ماذا تُريدين مكانه؟».
رمز عائلة تارث أربعة مربَّعات ،اثنان لونهما وردي واثنان أزرق سماوي ،وعليه شمس صفراء وهالل،
لكن ما دا َم النَّاس يعتقدونها قاتلةً فبِريان ال تجرؤ على حمل هذا الرَّمز .هكذا قالتِ « :
بابك ذ َّكرني بتُر ٍ
س
قديم رأيته م َّرةً في مستودَع سالح أبي» ،ووصفَته لها قدر ما أسعفَتها َّ
الذاكرة.
جفُ .خذي ُغرفةً فيت لي َّ
طالء سيحتاج إلى وق ٍ أومأَت المرأة قائلةً« :أستطي ُع أن أرسمه في الحال ،لكن ال ِّ
لك ال ُّترس في الصَّباح».
ت وسأجلبُ ِ (السُّيوف السَّبعة) إذا أرد ِ
لم تكن نيَّة بِريان أن تقضي اللَّيل في (وادي الغسق) ،ولكن قد يكون هذا خيرًا ،فهي ال تدري إن كان سيِّد
تتأرجح
َ القلعة موجودًا ،وإن كان سيُوافِق على رؤيتها .شك َرت ال َّرسَّامة وعب َرت ال َّشارع إلى الخان الذي
مسمار كبير من الحديد ،وعلى الرغم من أن الجير ٍ فوق بابه الفتة عليها سبعة سيوف خشبيَّة معلَّقة من
ُس َمت به السُّيوف يبدو مشقَّقًا متق ِّشرًا فإن بِريان تعرف معنى َّ
الالفتة ،وأن السُّيوف ترمز إلى أبناء الذي ر ِ
عائلة داركلين ال َّسبعة الذين ارتدوا معاطف ال َحرس الملكي البيضاء .ال عائلة أخرى في البالد كلِّها يُمكنها
أن تتباهى بهذا العدد .كانوا مفخرة عائلتهم ،واآلن غدوا الفتةً فوق باب خان .دف َعت الباب داخلةً القاعة
صاحب الخان ُغرفةً وح َّما ًما.
ِ العا َّمة وطلبَت من
أنزلَها في ُغرف ٍة في الطَّابق الثَّاني ،وأحض َرت لها امرأة ذات وحم ٍة بلون الكبد على وجهها حوضًا خشبيًّا،
سطال .سألَتها بِريان وهي تضع جسدها في الحوض« :هل تبقَّى أحد من آل داركلين ً ً
سطال ثم جلبَت الماء
في (وادي الغسق)؟».
كنت منهم قبل زواجنا ولذا س َّو ُ
دت أجابَت المرأة« :هناك آل دارك .أنا منهم عن نفسي .زوجي يقول إنني ُ
ُمكنك أن ترمي حجرًا في (وادي الغسق) دون أن تُصيبي ِ معيشته بَعد ال َّزواج» ،وضح َكت مضيفةً« :ال ي
آخرهم .اللورد دينس كان أحدًا من آل دارك أو داركوود أو دارجود ،لكن لوردات آل داركلين بادوا عن ِ
األخير ،ذلك ال َّشاب األحمق الجميل .هل تعلمين أن آل داركلين كانوا ملو ًكا في (وادي الغسق) قبل مجيء
ي ،لكن في عروقي دماء ملكيَّة ،هل ترين؟ المفت َرض أن األنداليِّين؟ لن تُ َخ ِّمني هذا من مجرَّد النَّظر إل َّ
أجعلهم يقولون :كوب آ َخر من ال ِمزر يا صاحبة الجاللة ،وعاء الفضالت في حاج ٍة إلى إفراغ يا صاحبة
الجاللة ،واجلبي لي المزيد من الحطب ،النَّار تكاد تهمد يا صاحبة الجاللة اللَّعينة» ،وضح َكت ثانيةً
هاك .هل الماء ساخن كفايةً؟».
آخر قطرات الماء من السَّطل ،وقالتِ « : وأفرغَت ِ
أجابَت وهي جالسة في الماء الفاتر« :ال بأس به».
بحجمك تمأل حوضًا كهذا».ِ كنت ألجلب المزيد ،لكنه سينسكب من فوق الحافة .فتاة ُ «-
فقط ألنه حوض صغير ضيِّق .في (هارنهال) كانت األحواض ضخمةً ومصنوعةً من الحجارة ،وامتألَ
الح َّمام بالبُخار المتصاعد من الماء السَّاخن ،وأتى چايمي يخترق تلك الغشاوة عاريًا كيوم مولده ،يبدو
نِصف جثَّ ٍة ونِصف إله .قالت لنفسها متذ ِّكرةً ووجهها يتورَّد :يومها نز َل إلى الحوض معي .أطبقَت على
قطع ٍة من صابون القِ ْلي الصُّ لب وح َّكت بها إبطيها محاولةً أن تستدعي وجه رنلي إلى َّ
الذاكرة م َّرةً أخرى.
مع برود الماء كان جسدها قد صا َر نظيفًا تما ًما ،فعادَت ترتدي المالبس نفسها التي خل َعتها وأوثقَت حزام
سيفها حول َوركيها ،وإن تر َكت قميصها المعدني وخوذتها كي ال يبدو منظرها مه ِّددًا في (قلعة التَّبَّة).
الجلد على كلٍّ منهما شارة أرا َحها أن تفرد ساقيها ،وعند ب َّوابة القلعة وجدَت حارسيْن يرتديان سُترتيْن من ِ
ب مائل .قالت لهما« :أري ُد أن أتكلَّم مع سيِّدكما».تُظ ِهر مطرقتيْن حربيَّتيْن متقاطعتيْن على صلي ٍ
قائال« :األفضل أن تزعقي إذن». ضحكَ أحدهما ً
وقال الثَّاني« :اللورد ريكر خر َج إلى ( ِبركة العذارى) مع راندل تارلي وتركَ السير روفوس ليك أمينًا
صغار».
للقلعة ،ليعتني بالليدي ريكر وال ِّ
رجال قصيرًا مكتن ًزا أشيب اللِّحية ،تنتهي ساقه اليُسرى ً وإلى ليك اصط َحباها ،فوجدَت السير روفوس
ب َجدعة .قال لها« :أرجو أن تَع ُذريني لعدم نهوضي» .أخر َجت بِريان رسالتها ليقرأها ،لكن ألن ليك أ ِّم ٌّي
فقد أرسلَها إلى ال ِمايستر األصلع ذي فروة الرَّأس المن َّمشة وال َّشارب األحمر اليابس.
بدا أن وجهها وشى بها ،وحين سم َع ال ِمايستر اسم هوالرد قطَّب وجهه ضيقًا ،وقال« :كم م َّرةً عل َّي أن
إنك األولى بَعد العشرين على األقل.
أنك أول من جا َء يبحث عن دونتوس؟ ِ
ت ِ أكرِّر هذا الكالم؟ هل حسب ِ
ذوو المعاطف َّ
الذهبيَّة كانوا هنا في غضون أيام بَعد اغتيال الملك ومعهم تفويض اللورد تايوين .ماذا
ت يا تُرى؟».
تحملين أن ِ
أ َرته بِريان الرِّسالة الممهورة بخَتم تومن وتوقيعه ُّ
الطفولي ،وهمه َم الرَّجل ودمد َم وهو يفحص ال َّشمع قبل
رسي وأشا َر لبِريان بالجلوس على آ َخر
ٍّ جلس على ُك
َ أن يُعيدها إليها أخيرًا ،ويقول« :تبدو سليمةً» ،ثم
رحل من (وادي الغسق) .آل هوالرد كانوا عائلةً َ مردفًا« :لم أعرف السير دونتوس قَ ُّ
ط .كان صبيًّا عندما
شريط أزرق.ٍ نبيلةً ،هذا صحيح .هل تعرفين رمزهم؟ أحمر توتي ووردي ،مع ثالثة تيجان ذهبيَّة على
ت من عائلة هوالرد.كان آل داركلين ملو ًكا صغار ال َّشأن خالل عصر األبطال ،وثالثة منهم اتَّخذوا زوجا ٍ
الحقًا ابتل َعت الممالك األكبر مملكتهم الصَّغيرة ،لكن آل داركلين استمرُّ وا وخد َمهم آل هوالرد ...نعم ،حتى
في التَّحدِّي .هل تعرفين القصَّة؟».
« -بعض ال َّشيء» .كان ِمايسترها يقول إن تحدِّي (وادي الغسق) هو ما قا َد الملك إيرس إلى الجنون.
« -ما زالوا يحبُّون اللورد دينس في (وادي الغسق) على الرغم من الويالت التي جلبَها عليهم .إنهم
يصبُّون اللَّوم على الليدي سيراال ،زوجته المايريَّة الملقَّبة باألفعى الحريريَّة .لو كان اللورد دينس قد
تز َّوج واحدةً من بنات ستونتون أو ستوكوورث ...تعلمين كيف يتمادى العا َّمة في الكالم .يقولون إن
األفعى الحريريَّة وسو َست في أُذن زوجها ومألَتها بالسُّم المايري إلى أن هَبَّ اللورد دينس ضد مليكه
وأخ َذه أسيرًا ،وخالل عمليَّة األسر نفسها قت َل قيِّم سالحه السير سايمون هوالرد السير جواين جونت رجل
جلس يد الملك خارج (وادي َ ظ َّل إيرس حبيس هذه الجُدران ،بينما عام َ
ال َحرس الملكي .طوال نِصف ٍ
ت يشاء ،لكني وق ٍش جرَّار ،وكان اللورد تايوين يملك ق َّوةً كافيةً القتحام البلدة في أ ِّ
الغسق) على رأس جي ٍ
اللورد دينس أرس َل له يقول إنه سيَقتُل الملك مع أول بادرة هجوم».
تذ َّكرت بِريان ما جرى بَعدها ،وقالت« :وتحرَّر الملك ،السير باريستان أنق َذه وأخر َجه».
بدال من أن يدعقال ال ِمايستر« :نعم ،وما كا َد اللورد دينس يفقد رهينته حتى فت َح ب َّواباته وأنهى التَّحدِّي ً
مزاج متسامح .فق َد اللورد دينس
ٍ اللورد تايوين يأخذ بلدته ،ورك َع وتوسَّل الصَّفح ،لكن الملك لم يكن في
ُ
رأسه ،باإلضافة إلى إخوته وأخته وأعمامه وأوالدهم ،آل داركلين قاطبةً .أ َّما األفعى الحريريَّة فقد أ ِ
حرقَت
أوال ،وأعضاءها األنثويَّة التي يُقال إنها أس َرت زوجها بها .حتى حيَّةً ،تلك المسكينة ،لكنهم قطعوا لسانها ً
لك نِصف أهل (وادي الغسق) إن إيرس ترفَّق بها كثيرًا». اآلن سيقول ِ
« -وآل هوالرد؟».
ُ
قرأت تقارير محا َكماتهم واستؤصلَت شأفتهمُ .
كنت أك ِّو ُن سلسلتي في القلعة في ذلك الحين ،لكني ِ « -أُدينوا
وعقوباتهم .السير چون هوالرد الوكيل كان زوج أخت اللورد دينس وماتَ مع أخته ،وكذا ابنهما ال َّشاب
ض على الملك را َح يَرقُص حوله ويش ُّد الذي كان نِصف داركلين .روبن هوالرد كان ُمرافقًا ،ول َّما قُبِ َ
لحيته ،فماتَ على ال ِمخلعة 97والسير سايمون هوالرد قتلَه السير باريستان خالل هروب الملك .هكذا
صو ِد َرت أراضي آل هوالرد وهُ ِد َمت قلعتهم وأُح ِرقَت قُراهم ،وكعائلة داركلين فنَت عائلة هوالرد».
« -باستثناء دونتوس».
« -صحيح .دونتوس الصَّغير كان ابن السير ستفون هوالرد ،توأم السير سايمون الذي ماتَ قبل التَّحدِّي
ت ولم يكن له دور فيه .أرا َد إيرس أن يضرب ُعنق الصَّبي رغم ذلك ،لكن السير باريستان سألَه أن بسنوا ٍ
ُ
يستطع الملك أن يَرفُض طلب الرَّجل الذي أنق َذه ،فأ ِخ َذ دونتوس إلى (كينجز الندنج) ِ يعفو عنه ،فلم
ط .ولِ َم يفعل؟ إنه ال يملك أراضي هنا وليس له ك ُمرافق ،وعلى َح ِّد علمي لم يرجع إلى (وادي الغسق) قَ ُّ
أهل أو قلعة .إذا كان دونتوس وتلك الفتاة ال َّشماليَّة قد لعبا دورًا في اغتيال ملكنا الحبيب ،فيبدو لي أنهما
سيرغبان في أن يفصل أكبر عد ٍد ممكن من الفراسخ بينهما وبين العدالة .ابحثي عنهما في (البلدة القديمة)
مكان
ٍ الجدار) ،ابحثي في إذا لز َم األمر ،أو عبر (البحر الضيِّق) ،ابحثي عنهما في (دورن) أو على ( ِ
يومك».
ِ وطاب
َ ونهض ال ِمايستر مضيفًا« :أسم ُع ِغدفاني تصيح .أرجو أن تَع ُذريني َ آخَر»،
الذهاب إلى (قلعة التَّبَّة) ،وإن كان السَّبب مزاجها على بدَت لها مسيرة العودة إلى الخان أطول من مسيرة َّ
األرجح .واض ٌح اآلن أنها لن تجد سانزا ستارك في (وادي الغسق) ،وإذا أخ َذها السير دونتوس إلى (البلدة
يظن ال ِمايستر -فمه َّمة بِريان مستحيلة .قالت لنفسها :وما لها في القديمة) أو عب َر بها (البحر الضيِّق) -كما ُّ
(البلدة القديمة)؟ ال ِمايستر ال يعرفها أكثر مما يعرف هوالرد .ما كانت لتذهب إلى ُغرباء.
في (كينجز الندنج) وجدَت بِريان واحدةً من وصيفات سانزا السَّابقات تعمل غسَّالةً في ماخور ،وقالت لها
خدمت اللورد رنلي قبل الليدي سانزا ،وكالهما تح َّول إلى خائن .ال أحد من ُ المرأة بريال شاكيةً بمرارة« :
ي أن أغسل ثياب المومسات» ،لكن حين سألَتها بِريان عن سانزا أجابَت: السَّادة سيمسُّني اآلن ،لذا عل َّ
صلِّي دائ ًما ،اعتادَت أن تذهب إلى السِّپت لتُش ِعل لك ما قتله للورد تايوين .تلك الفتاة كانت تُ َ «سأقو ُل ِ
شموعها كما يليق بكلِّ ليدي ،لكنها كانَت تذهب إلى أيكة اآللهة أيضًا ك َّل ليل ٍة تقريبًا .لقد عادَت إلى
ال َّشمال ،إلى ال َّشمال .إن آلهتها هناك».
على أن ال َّشمال شاسع ،وبِريان تجهل َمن ِمن ح َملة راية أبيها تميل سانزا إلى الثِّقة به أكثر من غيره .أم
عساها س َعت إلى لحمها ودمها؟ على الرغم من أن إخوتها قُتِلوا جميعًا ،فبِريان تعلم أن لسانزا ع ًّما ً
وأخا
الجدار) ،وهناك أيضًا خالها إدميور تَلي األسير في (التَّوأمتين) ،لكن نغال يخدمان في َحرس اللَّيل على ( ِ ً
ع َّمه السير برايندن ما زا َل مسيط ًرا على (ريڤر َرن) ،وأخت الليدي كاتلين الصَّغيرة تَح ُكم في (الوادي).
الجدار) بعيد ج ًّدا من غير ريب ،ثم ال َّدم يُنادي ال َّدم .ربما هرعَت سانزا إلى أحدهم بالفعل ،لكن إلى أيِّهم؟ ( ِ
إنه مكان كئيب موحش ،وكي تَبلُغ الفتاة (ريڤر َرن) عليها أن تقطع أراضي النَّهر التي م َّزقتها الحرب
وتمرُّ من خطوط حصار النستر( .العُش) الخيار األسهل ،وال بُ َّد أن الليدي اليسا ستُ َرحِّب بابنة أختها...
ق مسدود ،فِناء صغير بشكل ما سل َكت بِريان مسا ًرا خاطئًا ،فوجدَت نفسها في طري ٍ ٍ أمامها انعطفَ ُّ
الزقاق.
بئر حجريَّة واطئة .قب َع أحدها لمرآها ،ورمقَتها عجوز موحل تُنَقِّب فيه ثالثة خنازير عن الطَّعام حول ٍ
تسحب الماء ب َش ٍّك سائلةً« :ماذا تُريدين؟».
أبحث عن (السُّيوف السَّبعة)».ُ «-
ت ،يسارًا عند السِّپت».
« -عودي من حيث أتي ِ
ُسرع ليدور حول بشخص كان ي ِ
ٍ أشكرك» ،والتفتَت لتعود أدراجها ...وارتط َمت مباشر ٍة
ِ قالت بِريان« :
مؤخرته في الوحل ،فتمت َمت« :معذرةً» .وجدَته مجرَّد ِّ المنعطَف .طر َحته الصَّدمة أرضًا ،ووق َع على
عاونه على تأذيت؟» ،وم َّدت يدها تُ ِ صبي نحيل له َشعر خفيف مفرود و ُد َّمل تحت عينه .أضافَت« :هل َّ ٍّ
النُّهوض ،لكن الصَّبي تراج َع متملِّصًا منها على كعبيه و ِمرفقيه .ال يُمكن أن ِسنَّه تتجا َوز العاشرة أو الثَّانية
عشرة ،على الرغم من أنه يرتدي سُترةً من الحلقات المعدنيَّة وعلى ظَهره سيف طويل في ِغم ٍد ِجلدي.
تستطع أن تتذ َّكر أين رأته من قبل. ِ بشكل ضبابي يبدو وجهه مألوفًا ،وإن لم
ٍ سألَته بِريان« :هل أعرفك؟».
مواصال« :سسسامحيني يا سيِّدتي .لم أكن أنظرُ ،أعني أني ً ونهض
َ إنك لم،»...
قال« :ال ،ال تعرفيننيِ ،
ق ساقيه لل ِّريح عائدًا إلى حيث جا َء. كنت أنظ ُر ولكن إلى أسفلُ ،
كنت أنظ ُر إلى أسفل ،إلى قد َمي» ،وأطل َ ُ
تطارده في شوارع (وادي الغسق) بالطَّبع .ثم إنها شيء ما فيه أثا َر شكوك ِبريان ،غير أنها لم تكن لُ ِ
مكان
ٍ تذ َّكرت .خارج الب َّوابة هذا الصَّباح ،هناك رأيته .كان يمتطي حصانًا أرقط .ويُ َخيَّل لها أنها رأته في
آخَر أيضًا ،لكن أين؟ عندما عادَت بِريان إلى (السُّيوف السَّبعة) كانت القاعة العا َّمة قد ازدح َمت .قُرب
النَّار تجلس أربع ِسپتوات في أردي ٍة ل َّوثها وترَّبها الطَّريق ،وفي باقي المكان يمأل أهل البلدة الدِّكك
بقطع من ال ُخبز .جعلَت الرَّائحة بطنها يُقَرقِر ،لكنها لم َ
تر ٍ ويُ َغ ِّمسون يخنة السَّرطان البحري السَّاخنة
وثب من على ال ِّد َّكة لم
َ مقاعد شاغرةً ،ثم قال صوت من خلفها« :سيِّدتي ،تفضَّليُ ،خذي مكاني» .حتى
طوال ،وله أنف منتفخ معرَّق وأسنانً درك بِريان أن المتكلِّم قزم .ال يَبلُغ الرَّجل الصَّغير األقدام الخمسة تُ ِ
محمرَّة من مضغ التَّبغ ال ُمر ،ويرتدي الخيش البنِّي كاإلخوة المتديِّنين ،ومن ُعنقه الثَّخين تتدلَّى مطرقة
(الح َّداد).
قالت« :احتفظ بمقعدك .أستطي ُع الوقوف ِمثلك تما ًما».
« -نعم ،لكن رأسي ليس قمينًا بأن يخبط السَّقف» .يتكلَّم القزم بخشون ٍة وإنما بكياسة ،ورأت بِريان ق َّمة
ككثير من اإلخوة المتديِّنين الذين يُبقون هذه البُقعة جرداء .في م َّر ٍة قالت لها السِّپتة رويل
ٍ رأسه التي حلقَها
إن الغرض من هذا أن يُروا أنهم ال يُخفون شيئًا عن (األب) ،فسألَتها بِريان« :أال يستطيع (األب) أن يرى
عبر ال َّشعر؟» .سؤال سخيف .لطالما كانت طفلةً بطيئة الفهم ،وكثيرًا ما ر َّددت السِّپتة هذا ،واآلن تكاد
تَشعُر بالسَّخافة نفسها ،ولذا أخ َذت مكان الرَّجل الصَّغير في طرف ال ِّد َّكة وأشا َرت طالبةً اليخنة ،ثم التفتَت
تَش ُكر القزم ،وقالت« :هل تخدم في دار عباد ٍة في (وادي الغسق) أيها األخ؟».
كنت أخد ُم قُرب ( ِبركة العذارى) يا سيِّدتي ،لكن ال ِّذئاب
رغيف من ال ُخبزُ « : ٍ أجاب الرَّجل وهو يقضم من َ
المرتزقة .ال أدري رجال َمن كانوا ،لكنهم ِ أح َرقوا المكان .أعدنا البناء قدر اإلمكان ،إلى أن أتى بعض
واختبأت ،لكن اآلخَرين كانوا أكبر ُ دسست نفسي في جذع شجر ٍة أجوف ُ أخذوا خنازيرنا وقتلوا اإلخوة.
ً
طويال حتى دفنتهم جميعًا ،لكن (الح َّداد) م َّدني بالق َّوة ،وحين ُ
استغرقت وقتًا حج ًما من أن يفعلوا ِمثلي.
ُ
وخرجت وحدي». بت عن القليل من المال الذي أخفاه األخ الكبير فرغت نقَّ ُ
ُ
الذاهبين إلى (كينجز الندنج)». التقيت عددًا من اإلخوة َّ
ُ «-
الطرق ،وليسوا إخوةً فقط ،بل ِسپتونات وعوام أيضًا ،كلُّهم عصافير .ربما أكون « -نعم ،هناك مئات على ُّ
حكايتك الحزينة يا
ِ ُعصفورًا أيضًا .لقد خلقَني (الح َّداد) صغيرًا» ،وقهقهَ الرَّجل الصَّغير ،وأردفَ « :وما
سيِّدتي؟».
أبحث عن أختي .إنها رفيعة النَّسب ،في الثَّالثة عشرة فقط ،بنت جميلة لها عينان زرقاوان و َشعر ُ «-
َّ
كستنائي .لعلك رأيتها مسافرةً مع رجل ،فارس أو ربما مهرِّج.
هناك ذهب ل َمن يُسا ِعدني على العثور عليها».
من َحها األخ ابتسامةً حمراء ،وقال« :ذهب؟ يكفيني وعاء من هذه اليخنة كمكافأة ،لكني أخشى أني ال
مال برأسه إلى
قابلت الكثير ،لكن من البنات الحسناوات فال» ،ثم َ ُ َدتك .من المهرِّجين
أستطي ُع مساع ِ
ً
أسماال ُ
رأيت مهرِّ جًا في (بِركة العذارى) .كان يرتدي الجانب وتف َّكر لحظةً ،ثم أضافَ « :تذ َّك ُ
رت اآلن أني
رأيت ،لكن تحت الوسخ ارتدى ثياب مهرِّجين». ُ متَّسخةً على َح ِّد ما
هل كان دونتوس هوالرد يرتدي ثياب المهرِّجين؟ ال أحد قال لبِريان إنه يرتديها ...لكن ال أحد قال لها
العكس كذلك .لكن لماذا يرتدي الرَّجل األسمال؟ هل حاقَت به بليَّة ما هو وسانزا بَعدما فرَّا من (كينجز
ً
أصال« .هل كان لهذا المهرِّ ج الندنج)؟ وارد ج ًّدا في ِظ ِّل األخطار التي تكتنف ُّ
الطرق .وربما لم يكن هو
أنف أحمر مليء بالعروق ال َّزرقاء؟».
ُ
دفنت ُ
ذهبت إلى (بِركة العذارى) بَعد أن « -ال يُمكنني أن أجزم بذلك .الحقيقة أنني أعرته انتباهًا ً
قليال .لقد
ُ
ورأيت المهرِّج أول م َّر ٍة على أرصفة إخوتى مف ِّكرًا أني قد أج ُد سفينةً تحملني إلى (كينجز الندنج)،
وحرص على أن يتحاشى جنود اللورد تارلي ،وبَعدها صادَفته ثانيةً في
َ الميناء .كان له طابع ماكر،
(اإلوزة النَّتنة)».
ر َّددت حائرةً(« :اإلوزة النَّتنة)؟».
أجاب القزم« :مكان كريه .رجال اللورد تارلي يقومون بدوريَّات حول الميناء في (بِركة العذارى) ،لكن َ
(اإلوزة) مليئة بالبحَّارة دو ًما ،والبحَّارة معروفون بتهريب النَّاس على أسطُح سُفنهم إذا كان الثَّمن مناسبًا.
مالحي القوادس، مسلك لثالثة عبر (البحر الضيِّق) .كثيرًا ما رأيته هناك يتكلَّم مع َّ
ٍ المهرِّج كان يبحث عن
وأحيانًا كان يُ َغنِّي أغاني طريفةً».
مسلك لثالثة ال اثنين؟».
ٍ « -يبحث عن
« -ثالثة يا سيِّدتي ،أقس ُم على هذا باآللهة السَّبعة».
ثالثة ،سانزا والسير دونتوس ...و َمن الثَّالث؟ ال ِعفريت؟ «هل وج َد المهرِّج سفينةً؟».
بأيام
قال لها القزم« :ال أدري ،لكن في ليل ٍة زا َر بعض جنود اللورد تارلي الحانة يبحثون عنه ،وبَعدها ٍ
رجال يقول مزه ًّوا إنه خد َع مه ِّرجًا وإن معه َّ
الذهب الذي يُثبِت هذا .كان سكران ويبتاع ً ُ
سمعت قليلة
ال ِمزر للجميع».
« -خد َع مه ِّرجًا .ماذا يعني؟».
« -أجه ُل اإلجابة ،لكن اسمه ديك الرَّشيق ،أذك ُر هذا» ،وبسطَ القزم كفَّيه ،وقال« :أخشى أن هذا هو كلُّ ما
رجل صغير».ٍ لك ،باإلضافة إلى دعوات أستطي ُع أن أقدِّمه ِ
بز طازج وكوبًا من اشترت له بِريان وعا ًء من يخنة السَّرطان السَّاخنة ،باإلضافة إلى ُخ ٍ َ مصداقًا لكلمتها
النَّبيذ ،وإذ أك َل الرَّجل وهو واقف إلى جوارها ف َّكرت مليًّا في ما أخب َرها به .أيُمكن أن ال ِعفريت انض َّم
إليهما؟ إذا كان تيريون النستر وليس دونتوس هوالرد وراء اختفاء سانزا ،فمن المنطقي أن يلوذا بالفِرار
عبر (البحر الضيِّق).
المفترض أن تأكلي َ حين فر َغ الرَّجل الصَّغير من وعاء اليخنة أنهى ما تبقَّى في وعائها أيضًا ،وقال لها« :
الطرقثلك عليها االحتفاظ بطاقتها .المسافة إلى (بِركة العذارى) ليست طويلةً ،لكن ُّ أكثر .امرأة كبيرة ِم ِ
محفوفة بالمخاطر هذه األيام».
أعرف .على هذا الطَّريق تحديدًا ماتَ السير كليوس فراي وأس َرها الممثِّلون ال َّسفَّاحون مع السير چايمي. ُ
حاول چايمي أن يَقتُلني على الرغم من وهنه وهزاله واألصفاد التي قيَّدت معصميه .ومع ك ِّل هذا كا َد َ
يغلبها ،لكن ذلك كان قبل أن يَبتُر زولو يده .كان زولو ورورچ وشاجويل ليغتصبوها نِصفمئة م َّر ٍة لوال أن
ق وزنها من الياقوت األزرق. السير چايمي قال لهم إنها تستح ُّ
أختك؟» ،وربَّت على يدها ،وأتب َع(« :العجوز) ستُنير ِ قال القزم« :سيِّدتي؟ تبدين حزينةً .هل تُفَ ِّكرين في
طريقك إليها ،ال تخافي ،و(العذراء) ستحفظها». ِ
« -أدعو أن تكون محقًّا».
ي اآلن أن أنصرف .ما زا َل أمامي طريق طويل قبل أن أبلغ ق» ،ثم انحنى ً
قائال« :لكن عل َّ َر َّد« :إنني مح ٌّ
(كينجز الندنج)».
« -هل تملك حصانًا؟ أو ً
بغال؟».
حيث أبغي ُ وجاوب« :بغالن ،ها هما ذان في طرفَي ساقَي .إنهما ي َُوصِّالنني إلىَ ضحكَ الرَّجل الصَّغير،
ً
متمايال مع ك ِّل ُخطوة. الذهاب» ،وانحنى ثانيةً ثم اتَّجه إلى الباب َّ
ظلَّت جالسةً إلى المائدة بَعد ذهابه وقد أطرقَت ومعها كوب من النَّبيذ المخفَّف بالماء .ال تشرب بِريان
النَّبيذ كثيرًا ،وإن وجدَت من فتر ٍة طويلة إلى فتر ٍة طويلة أنه يُسا ِعد على تهدئة معدتها .سألَت نفسها :وأين
مكان اسمه (اإلو َّزة
ٍ رجل اسمه ديك الرَّشيق في ٍ أري ُد أنا أن أذهب؟ إلى (بِركة العذارى) ألبحث عن
آخر م َّر ٍة كانت البلدة خرابًا ،وكان سيِّدها حبيس قلعته وأهلها موتى أو النَّتنة)؟ حين رأت (بِركة العذارى) ِ
هربوا أو مختبئين .تذ َّكرت المنازل المحروقة وال َّشوارع الخالية والب َّوابات المحطَّمة والكالب الضَّارية
التي م َشت خلسةً وراء خيولهم ،بينما طفَت الجُثث المنتفخة كزنابق ما ٍء شاحبة ضخمة على سطح البِركة
ُ
طلبت التي يُ َغ ِّذيها ينبوع واستم َّدت البلدة منها اسمها .چايمي غنَّى ( ِست عذارى في بِركة) ،وضح َ
ك حين
منه أن يَص ُمت .ثم إن راندل تارلي في (بِركة العذارى) اآلن أيضًا ،وهو سبب آخَر لتحاشي البلدة .ربما
األفضل لها أن تستق َّل سفينةً إلى (بلدة النَّوارس) أو (الميناء األبيض) .ويُمكنني أن أفعل هذا وذاك ،أزور
ً
شماال أكثر. (اإلو َّزة النَّتنة) وأتكلَّم مع المدعو ديك الرَّشيق ،ثم أجد سفينةً هناك تأخذني
بدأت القاعة العا َّمة تَفرُغ ،وم َّزقت بِريان قطعةً من ال ُخبز نِصفين وأصغَت إلى الكالم ال َّدائر على الموائد
األخرى ،والذي كان معظمه عن موت اللورد تايوين النستر.
قال أحد ُس َّكان البلدة يبدو من منظره أنه إسكافي« :يقولون إن ابنه قتلَه ،ذلك القزم الصَّغير اآلثم».
صبي صغيرَ .من سيَح ُكمنا حتى يَبلُغ؟».
ٍّ أضافَت ُكبرى السِّپتوات األربع« :والملك مجرَّد
قال أحد ال َحرس« :أخو اللورد تايوين ،أو ربما اللورد تايرل ،أو قاتِل الملك».
ق في النَّار.
صاحب الخان« :ليس هو ،ليس ذلك الحانث بالقَسم» ،وبص َِ أعلنَ
ونهضت .لقد سم َعت ما فيه الكفاية.
َ أفلتَت بِريان ال ُخبز من يديها ومس َحت الفُتات على سراويلها
ليلتها في المنام رأت نفسها في خيمة رنلي ثانيةً .ال ُّشموع كلُّها تنطفئ والبرد قارس حولها ،وث َّمة شيء ما
الظلمة الخضراء ،شيء كريه مريع ينقضُّ على مليكها .أرادَت أن تحميه ،لكنها أحسَّت يتحرَّك في ُّ
َّيف الظِّلُّ واقي العُنق
ق الس ُبأطرافها يابسةً متج ِّمدةً ،ومجرَّد رفع يدها تطلَّب ق َّوةً أكبر مما تملك ،وحين َش َّ
الفوالذي األخضر وبدأت الدِّماء تتدفَّق رأت أن الملك المحتضر ليس رنلي على اإلطالق وإنما چايمي
النستر ،ولقد خذلَته.
وجدَتها أخت قائد الب َّوابة في القاعة العا َّمة تشرب كوبًا من الحليب المخلوط بالعسل وثالث بيضات نيئة،
ي قالت لها« :عمل جميل». وعندما أ َرتها المرأة التُّرس المطل َّ
المرسوم أقرب إلى صور ٍة من رمز ،وقد أعادَها منظرها عبر السِّنين الطِّوال إلى ظالم مستودَع سالح
أبيها البارد ،وتذ َّكرت كيف مرَّرت أناملها على الطِّالء الباهت المتشقِّق ،على أوراق ال َّشجرة الخضراء
نجم هوى. وعلى مسار ٍ
زادَت بِريان ال َّرسَّامة نِصف األجر الذي اتَّفقتا عليه ،وعلَّقت ال ُّترس على كتفها حين غاد َرت الخان ،بَعد
خرجت من البلدة من الب َّوابة
َ أن ابتاعَت القليل من ال ُخبز الجامد والجُبن والطَّحين من الطَّاهي ،ثم إنها
دار فيها السَّواد األقبح من القتال حين هاج َم
مهل وسط الحقول وال َمزارع التي َ ٍ ال َّشماليَّة وركبَت على
ال ِّذئاب (وادي الغسق).
حينئ ٍذ كان اللورد راندل تارلي يقود جيش چوفري المك َّون من رجال الغرب وأراضي العواصف وفُرسان
(المرعى) ،و َمن ماتوا من رجاله هنا ُح ِملوا إلى داخل البلدة ليستريحوا في قبور األبطال تحت ِسپتات
(وادي الغسق) ،أ َّما موتى ال َّشماليِّين ف ُدفِنوا في مقبر ٍة جماعيَّة تطلُّ على البحر ،وفوق الرُّ كام الذي يُ َعيِّن
ب عليها «هنا ي َ رق ُ د الذ ِّ ئاب» ال غير. مكان رقودهم رف َع المنتصرون الفتةً تقليديَّةً من الخشب ُكتِ َ
توقَّفت بِريان إلى جوار المقبرة ور َّددت صالةً صامتةً لهم ولليدي كاتلين ستارك وابنها روب وجميع من
ماتوا معهما.
عادَت بذاكرتها إلى اللَّيلة التي بل َغ فيها الليدي كاتلين خبر موت ابنيها ،الصَّبيَّيْن الصَّغيريْن اللذين تر َكتهما
جلال قد وق َع ،وسألَت الليدي كاتلين إن في (وينترفل) حفاظًا على أمنهما .ساعتها عل َمت بِريان أن حدثًا ً
كانت هناك أنباء عن ابنيها ،فأجابَت« :ليس لي أبناء غير روب» .تكلَّمت كأنما يتل َّوى س ِّكين في أعماقها،
وم َّدت بِريان يدها عبر المائدة رغبةً في مواساتها ،لكنها توقَّفت قبل أن تمسَّ أصابعها أصابع المرأة التي
انغرس خنجر في َ كانت تكبرها ِسنًّا .قلبَت الليدي كاتلين يديها لتُريها النُّدوب في كفَّيها وأصابعها حيث
ُعمق لحمها ،ثم شرعَت تتكلَّم عن ابنتيها ،فقالت« :سانزا ليدي صغيرة ،شديدة الكياسة دائ ًما وت َّواقة
ط كغرامها بحكايات الفُرسان ومآثرهم ال ُّشجاعة .ستكبر لتُصبِح امرأةً غرم بشي ٍء قَ ُّ
إلسعاد َمن حولها ،ولم تُ َ
اعتدت أن أصفِّف َشعرها بنفسيَ .شعرها كستنائي، ُ أجمل مني بكثير ،وهذا واضح في مالمحها .كثي ًرا
وشديد الكثافة والنُّعومة ...ما فيه من أحمر يعكس ضوء المشاعل فيتألَّق كالنُّحاس».
تكلَّمت أيضًا عن آريا ،ابنتها الصُّ غرى ،لكن آريا مفقودة ،وعلى األرجح ماتَت ،أ َّما سانزا ...أقس َمت بِريان
أكف عن البحث أبدًا .سأدف ُع حياتي ثَمنًا إذا لز َم َّ لشبح الليدي كاتلين القلِق :سأعث ُر عليها يا سيِّدتي .لن
األمر ،سأتخلَّى عن َشرفي وعن أحالمي كلِّها ،لكني سأعث ُر عليها.
وراء أرض المعركة يمت ُّد الطَّريق موازيًا السَّاحل ،بين البحر األخضر الرَّمادي بأمواجه المتالطمة و َخ ِّ
ط
تالل الجير المنخفضة .ليست بِريان وحدها المسافرة على الطَّريق ،فهناك قُرى صيد تنتشر على السَّاحل
صيَّادون هذا الطَّريق ليأخذوا أسماكهم إلى السُّوق .قابلَت بائعة َسمك وبناتها وهن لع َّدة فراسخ ،ويَسلُك ال َّ
عائدات إلى بيتهن وقد حملن السِّالل الفارغة على األكتاف ،وبسبب ِدرعها حسبنها فارسًا حتى رأين
ت فضوليَّة ،لكنها سألتهن« :هل رأيتن بنتًا في الثَّالثة وجهها ،ثم را َحت الفتيات يتها َمسن ويَر ُمقنها بنظرا ٍ
عشرة على الطَّريق؟ بنتًا رفيعة النَّسب بعينين زرقاوين و َشعر كستنائي؟» .لقد دفعها السير شادريك إلى
حاول« .ربما كانت مسافرةً مع مهرِّج» .لم تُ ِحر الفتيات جوابًا غير تو ِّخي الحذر ،ولكن لم يزل عليها أن تُ ِ
هَ ِّز رؤوسهن نفيًا والضَّحك منها من وراء ظَهرها.
في القرية األولى جرى الصِّبية حُفاة األقدام إلى جوار فَرسها ،وكانت قد اعتم َرت خوذتها متألِّمةً من
وعرض آخَ رَ عرض أحد الصِّبية أن يبيعها المحار، َ ً
رجال. صيَّادات ،فحسبَها اآلخَرون ضحك ال َّ
وعرض ثالث أخته. َ السَّرطان،
اشت َرت بِريان ثالثة سرطانات من الصَّبي الثَّاني ،ولدى خروجها من القرية كان المطر قد بدأ يَسقُط
والرِّيح تشت ُّد ،فألقَت نظرةً صوب البحر مف ِّكرةً :ث َّمة عاصفة وشيكة .دقَّت قطرات المطر فوالذ خوذتها
ب في البحر اآلن.زال أفضل من أن تكون على قار ٍ ورنَّت في أُذنيها وهي راكبةَّ ،إال أن هذا ما َ
شماال وجدَت الطَّريق ينقسم عند كوم ٍة من الحجارة تن ُّم عن كونها أطالل قلع ٍة ً بَعد ساع ٍة من تو ُّغلها
صغيرة .يمضي الفرع األيمن مع السَّاحل ويتعرَّج نحو (الرَّأس المتصدِّع) ،وهي منطقة موحشة مألى
ق التِّالل والحقول والغابات إلى (بِركة بالمستنقعات وأراضي الصَّنوبر القاحلة ،والفرع األيسر يش ُّ
العذارى) .كان المطر ينهمر بغزار ٍة أكثر عندئ ٍذ ،فترجَّلت بِريان وقادَت فَرسها بعيدًا عن الطَّريق لتجد
مأوى بين األطالل .ما زالَت حدود أسوار القلعة قابلةً للتَّمييز وسط العُلَّيق والحشائش وشجر ال َّدردار
الب ِّري ،لكن األحجار التي ُشيِّدَت بها قدي ًما متناثرة اآلن بين الطَّريقيْن كمكعَّبات األطفال ،وإن ظَ َّل جزء
من الحصن الرَّئيس قائ ًما ،أبراجه الثَّالثة من الجرانيت الرَّمادي كاألسوار المهدومة ،و ُشرَّافاتها 99من
الحجر الرَّملي األصفر ،وإذ تطلَّعت إليها بِريان أدر َكت كنهها وف َّكرت :ثالثة تيجان ،ثالثة تيجان ذهبيَّة.
كانت هذه قلعة عائلة هوالرد ،وغالبًا ُولِ َد السير دونتوس هنا.
ق َّإال ال ِمفصالت الحديد الصَّدئة، قادَت الفَرس وسط ال َّدبش إلى مدخل الحصن الرَّئيس .من الباب لم يتب َّ
جاف في ال َّداخل.
ٌّ لكن السَّقف ال يزال سلي ًما ،والمكان
ونفضت َشعرها ،وكانت تبحث عن حط ٍ
ب َ الجدار وخل َعت خوذتها ربطَت بِريان الفَرس بحامل مشاعل في ِ
حصان آخَر يقترب. ٍ جاف إلشعال نار حين سم َعت صوت
دف َعتها غريزة ما إلى ال ُّتراجُع بين الظِّالل حيث ال يراها أحد من الطَّريق .إنه الطَّريق عينه الذي وق َعت
عليه في األسر مع السير چايمي ،وال تنوي أن تسمح لهذا بالتَّكرار.
تبيَّنت أن الرَّاكب رجل صغير الحجم ،وما إن رأته ف َّكرت :الفأر المجنون ،تب َعني بوسيل ٍة ما .امت َّدت يدها
إلى مقبض سيفها ،ووجدَت نفسها تتسا َءل إن كان السير شادريك يخالها لُقمةً سائغةً لمجرَّد أنها امرأة .لقد
ارتكب أمين قلعة اللورد جرانديسون الخطأ نفسه من قبل .كان اسمه همفري واجستاف ،عجوز متكبِّر في َ
قائال إنه يتوقَّع
حذر ِبريان ً الخامسة والستِّين له أنف كمنقار الصَّقر ورأس أصلع مبقَّع ،ويوم خطبتهما َّ
منها أن تكون امرأةً قويمةً فور أن يتز َّوجا ،وأضافَ « :لن أسمح للسيِّدة زوجتي بأن تعبث وتلهو مرتديةً
تأديبك».
ِ وإال أجبرتِني على دروع ال ِّرجال .في هذا ستُطيعينني َّ
كانت في السَّادسة عشرة آنذاك وليست ال ُّسيوف غريبةً عليها ،ولكن خجلى أيضًا على الرغم من براعتها
الفائقة في السَّاحة ،ومع هذا وجدَت بطريق ٍة ما ال َّشجاعة الكافية ألن تقول للسير همفري إنها لن تقبل
ق على ارتداء رجل قادر على هزيمتها في النِّزال ،فارب َّد وجه الفارس العجوز لكنه واف َ ٍ التَّأديب َّإال من
ِدرعه ليُ َعلِّمها مقام النِّسوة ،وتناز َل االثنان بأسلحة المباريات الثَّلمة ،فاستخد َمت بِريان هراوةً بال بروزات.
يومها كس َرت تَرقوة السير همفري واثنين من ضلوعه واضعةً بهذا نهاية خطبتهما ،وكان الرَّجل زوجها
المنظور الثَّالث واألخير ،ولم يص َّر أبوها ثانيةً على زواجها.
فعال فلربما تكون على وشك القتال .إنها ال تنوي أن تُ ِ
شارك الرَّجل إذا كان السير شادريك هو من يتعقَّبها ً
بحثه عن سانزا أو تَترُكه يتبعها إليها .إنه يتَّسم بتلك الغطرسة التي تنتاب المهَرة في السِّالح بسهولة ،لكن
حجمه صغير .مدى ذراعي أوسع منه ،وال بُ َّد أنني أقوى أيضًا.
بِريان قويَّة كأكثر الفُرسان ،وقد اعتا َد قيِّم السِّالح الذي علَّمها قدي ًما أن يقول إنها أسرع مما يُمكن أن تكون
أيُّ امرأ ٍة بحجمها ،كما أن اآللهة أنع َمت عليها بق َّوة االحتمال أيضًا ،وهو ما ع َّده السير جودوين موهبةً
ثمينةً ،فالقتال بال َّسيف وال ُّترس عمل مت ِعب ،وكثيرًا ما ينال النَّصر من يتمتَّع ب َجلَ ٍد أكثر .علَّمها السير
جودوين أن تُقاتِل بحذر ،أن ت َّدخر طاقتها بينما تَترُك خصومها يستهلكون طاقتهم في الهجمات الضَّارية،
يمتك سريعًا خشية أن يُقال قدرك دو ًما ،وستجعلهم كبرياؤهم يرغبون في هز ِ ِ وقال لها« :سيبخس ال ِّرجال
إن امرأةً أرهقَتهم ود َّوختهم» .تعلَّمت بِريان حقيقة تلك المقولة حالما خر َجت إلى العالم ،وحتى چايمي
هاج َمها بتلك الطَّريقة في الغابة قُرب (بِركة العذارى) ،وإذا شا َءت اآللهة سيقع الفأر المجنون في الخطأ
ذاته .قالت لنفسها :ربما يكون فارسًا متمرِّ سًا لكنه ليس چايمي النستر ،واستلَّت سيفها من ِغمده.
لكن الذي توقَّف عند مفت َرق الطَّريق ليس جواد السير شادريك الحربي الكستنائي ،وإنما حصان أرقط
بارتباك مف ِّكرةً :مجرَّد صبي ،إلى
ٍ صبي نحيل ،ول َّما رأت بِريان الحصان تراج َعت ٌّ عجوز بائس يمتطيه
لمحت الوجه تحت القلنسوة .الصَّبي الذي ارتط َم بي في (وادي الغسق) ،إنه هو. أن َ
لم يرفع الصَّبي ناظريْه إلى القلعة المتهدِّمة على اإلطالق ،بل تطلَّع إلى أحد الطَّريقيْن ثم الثَّاني ،وبَعد
هنيهة تر ُّد ٍد وجَّه الحصان نحو التِّالل وعا َد يتحرَّك ،وبينما شاهدَته بِريان يختفي في المطر المنهمر
تذ َّكرت بغتةً أنها رأت ذلك الصَّبي في (روزبي) .إنه يتبعني خلسةً ،لكنها لُعبة يستطيع أن يلعبها اثنان.
هكذا حلَّت رباط فَرسها وامتطَتها وتحرَّكت وراءه.
أبقى الصَّبي عينيه على األرض وهو راكب ،يُ َحدِّق إلى الحُفر في الطَّريق وهي تمتلئ بالماء .كت َم المطر
صوت حوافر فَرسها ،وال بُ َّد أن قلنسوة الصَّبي لعبَت دورًا أيضًا ،فلم يَنظُر وراءه ولو مرَّة ،حتى لحقَت
به بِريان وضربَت حصانه على الكفل بالجانب المسطَّح من سيفها الطَّويل ،ليرفع الحصان قائمتيْه
فرف كجناحيْن على جانبيه .سقطَ الصَّبي في الوحل ،ثم األماميَّتين ويطير راكبه من فوق متنه ومعطفه يُ َر ِ
رف َع وجهه وبين أسنانه األوساخ والعُشب البنِّي الميت ليجد بِريان واقفةً فوقه.
أدر َكت أنه الصَّبي نفسه دون َش ٍّك وقد تعرَّفت ال ُّد َّمل تحت عينه ،فسألَتهَ « :من أنت؟».
يستطع أن يقول َّإال« :پوه ،پوه»،ِ تحرَّك فم الصَّبي بال صوت ،واتَّسعت عيناه حتى صارتا كبيضتيْن ،ولم
شخش سُترته المعدنيَّة وهو يُ َكرِّر« :پوه ،پوه». وارتجفَ لتُخَ ِ
قالت بِريان« :ماذا تقول؟» ،ووض َعت رأس سيفها على تفَّاحة َحلقه مردفةً« :أرجوك أخبِرني َمن أنت ولِ َم
تتبعني».
َدسَّ الصَّبي إصب ًعا في فمه ونق َر ُكتلةً من الطِّين ،ثم قال« :پوه-پوه-پود ،اسمي ،پوه-پوه-پودريك ،پوه-
پاين».
خفضت بِريان سيفها وقد غم َرها التَّعاطُف مع الصَّبي ،وتذ َّكرت يو ًما في (بهو المساء) وفارسًا شابًّا بورد ٍة َ
في يده .أحض َر الوردة ليُعطيني إياها .أو أن هذا ما أخب َرتها به ِسپتتها .لم يكن عليها سوى أن تُ َرحِّب به
في قلعة أبيها .كان في الثَّامنة عشرة ،وله َشعر أحمر طويل ينسدل على كتفيه ،وكانت هي في الثَّانية
عشرة ،ترتدي فُستانًا يابسًا جديدًا محك ًما على جسدها ويُ َزيِّن صدره العقيق األحمر .االثنان كان طولهما
تستطع أن تَنظُر في عينيه أو تُ َردِّد الكالم البسيط الذي علَّمتها ِسپتتها إياه .سير
ِ واحدًا تقريبًا ،إ َّال أنها لم
رونيت ،مرحبًا بك في دار السيِّد والدي .يسرُّ ني أن أرى وجهك أخيرًا.
ي؟ هل تخدم ڤارس أم الملكة؟». سألَت الصَّبي« :لماذا تتبعني؟ هل قي َل لك أن تتجسَّس عل َّ
« -ال ،ال هذا وال تلك ،ال أحد».
ق َّدرت بِريان أنه في العاشرة ،وإن كانت خائبةً تما ًما في تقدير أعمار األطفال ،ولطالما حسبَتهم أصغر من
ِسنِّهم الفعليَّة ،ربما ألنها كانت أكبر حج ًما من ِسنِّها طيلة حياتها« ،كبيرة على نح ٍو ممسوخ ومسترجلة»
على َح ِّد تعبير السِّپتة رويل .قالت له« :هذا الطَّريق أخطر من أن يَسلُكه صب ٌّي بمفرده».
« -ليس إذا كان ُمرافقًا .إنني ُمرافقهُ ،مرافق اليد».
أغمدَت بِريان سيفها متسائلةً« :اللورد تايوين؟».
ُ
وصحت :النِّصف رجل! النِّصف ُ
قاتلت معه في المعركة، « -ال ،ليس ذلك اليد ،الذي قبله ،ابنه .لقد
رجل!».
ُمرافق ال ِعفريت .كانت بِريان تجهل أن عنده واحدًا ،فتيريون النستر ليس فارسًا .من الوارد على ما تعتقد
أن يكون عنده خادم أو اثنان يُلَبِّيان طلباته ،ووصيف وساقية وأحد يُسا ِعده على ارتداء ثيابه ...لكن
ُمرافق؟ «لماذا تتبعني؟ ماذا تُريد؟».
نهض الصَّبي ً
قائال« :ألجدها ،سيِّدته التي تبحثين عنها .بريال قالت لي .إنها زوجته ،الليدي سانزا ال
أنك ربما تَعثُرين عليها ،»...والت َوت قسماته بأسى مفاجئ ،وكرَّر والمطر يسيل على
فخطر لي َِ بريال،
وجهه« :إنني ُمرافقه ...لكنه تر َكني!».
سانزا
مغن متج ِّول معهم في (وينترفل) نِصف عام .كان عجو ًزا مبيضَّ ال َّشعر له َ
مكث ٍّ ذات م َّر ٍة في طفولتها
وجنتان ل َّوحتهما الرِّيح ،لكنه غنَّى عن الفُرسان والمغا َمرات والحسناوات ،ول َّما حانَ وقت رحيله ب َكت
بالذهابَّ ،إال أن اللورد إدارد قال لها برفق« :الرَّجل غنَّى لناسانزا بمرار ٍة وتوسَّلت إلى أبيها َّأال يسمح له َّ
أعدك
ِ ك َّل أغنيَّ ٍة يعرفها أكثر من ثالث مرَّات ،وال يُمكنني أن أُبقيه هنا ضد إرادته .لكن ال داعي لب ِ
ُكائك.
بأن مغنِّين آخَ رين سيأتون».
عام أو أكثر .صلَّت سانزا لآللهة السَّبعة في ِسپتها وآللهة شجرة القلوب القديمة ت طيلة ٍلكن أحدًا لم يأ ِ
رسل مطربًا آ َخر شابًّا ووسي ًما ،لكن اآللهة لم تُ ِجب،سائلةً إياها أن تُعيد العجوز ،أو -وهذا أفضل -أن تُ ِ
وظ َّل الصَّمت يُ َخيِّم على قاعات (وينترفل).
كان ذلك وهي فتاة صغيرة حمقاء ،أ َّما اآلن فهي شابَّة في الثَّالثة عشرة تفتَّحت زهرتها ،تمتلئ لياليها ك ُّلها
صلِّي مستجديةً الصَّمت. باألغاني ،وبالنَّهار تُ َ
لو كانت (العُش) كسائر القالع لما سم َع غناء الرَّجل الميِّت َّإال ال َّسجَّانون والجرذان ،فجُدران ال َّزنازين
التَّقليديَّة سميكة بما يكفي البتالع األغنيَّات والصَّرخات على َح ِّد سواء ،على عكس زنازين السَّماء التي
لها ِجدار من الهواء ،ولذا تنساق كلُّ نغم ٍة يعزفها الرَّجل الميِّت ُح َّرةً لتتر َّدد أصداؤها على مناكب الجبل
المس َّمى (رُمح العمالق) .واألغاني التي يختارها ...دائ ًما يُ َغنِّي عن رقصة التَّنانين وعن چونكويل
ورجال
ٍ ت آثمة
ت واغتياال ٍومهرِّجها ،عن چيني بنت (الحجر العتيق) وأمير (قلعة اليعاسيب) ،عن خيانا ٍ
ت دامية ،يُ َغنِّي عن الحُزن واللَّوعة.
معلَّقين من المشانق وانتقاما ٍ
أينما ذهبَت في القلعة ال تج ُد سانزا مف ًّرا من الموسيقى .دو ًما تنجرف من أسفل وتصعد ساللم البُرج
وتتناول معها ال َعشاء عند الغسق ،وتتسلَّل إلى ُغرفة نومها حتى عندما َ الملتفَّة ،فتجدها عاريةً في ح َّمامها،
تُح ِكم إغالق النَّافذة .تأتيها الموسيقى محمولةً على الهواء البارد ،وكالهواء تبعث جسدها على القشعريرة.
على الرغم من أن الثَّلج لم يَسقُط على (العُش) منذ يوم سقوط الليدي اليسا فاللَّيالي كلُّها هنا قارسة
البرودة.
بشكل ما أغنى ،مفعم باأللم ٍ وتظن سانزا أنه أفضل من قبل أيضًا ،أنه ُّ ي وعذب، صوت المغنِّي قو ٌّ
لرجل شرِّير ِمثله ،واضطرَّت إلى أن ٍ والخوف واالشتياق ،لكنها ال تفهم لماذا وهبَت اآللهة صوتًا كهذا
تُ َذ ِّكر نفسها قائلةً :كان سيأخذني عنوةً ونحن في (األصابع) لوال أن پيتر كلَّف السير لوثور بالعناية بي،
وعزفَ موسيقاه لتطغى على صريخي حين حاولَت الخالة اليسا أن تَقتُلني.
لكن هذا لم يجعل سماع الغناء أسهل ،حتى إنها قالت للورد پيتر متوسِّلةً« :أرجوك ،أال يُمكنك أن تجعله
يتوقَّف؟».
أعطيت الرَّجل كلمتي يا حُلوتي» ،قالها پيتر بايلش ،سيِّد (هارنهال) وسيِّد أراضي (الثَّالوث) ُ « -لقد
كتب ُزهاء مئة
األعلى واللورد حافظ (العُش) و(وادي آرن) ،ورف َع عينيه عن الرِّسالة التي يَكتُبها .كان قد َ
رسال ٍة منذ سقطة الليدي اليسا ،ورأت سانزا ُّ
الطيور تُ َحلِّق من ال ِمغدفة وإليها« .أف ِّ
ض ُل أن أتح َّمل غناءه
على أن أسمع نحيبه».
األفضل أن يُ َغنِّي ،نعم ،ولكن« ...أيجب أن يظ َّل يعزف طيلة اللَّيل يا سيِّدي؟ اللورد روبرت ال يستطيع
النَّوم .إنه يبكي.»...
قاط َعها پيتر ...« :أ َّمه ،وال شيء يُمكننا أن نفعله حيال هذا .المرأة ماتَت» ،وهَ َّز كتفيه مضيفًا« :لن يطول
األمر كثيرًا .اللورد نستور سيصعد الجبل غدًا».
التقَت سانزا اللورد نستور رويس م َّرةً من قبل بَعد زفاف پيتر وخالتها .رويس هو ُّ
ولي (ب َّوابات القمر)،
القلعة العظيمة القائمة عند سفح الجبل وتَحرُس ال َّدرجات الصَّاعدة إلى (العُش) ،وقد نز َل حاضرو ال ِّزفاف
ضيوفًا عنده ليلةً قبل أن يبدأوا رحلة الصُّ عود .ليلتها لم يُ َكلِّف اللورد نستور نفسه النَّظر إليها مرَّتين ،لكن
فكرة مجيئه هنا تُر ِعبها .إنه وكيل (الوادي) األعلى أيضًا ،تابِع چون آرن والليدي اليسا المؤت َمن .قالت:
«إنه لن ...إنك لن تدع اللورد نستور يرى ماريليون ،أليس كذلك؟».
ال بُ َّد أن رُعبها ال َح على وجهها ،ألن پيتر وض َع ريشة الكتابة ،وقال« :بالعكس ،سأصرُّ على أن يراه»،
وأشا َر لها بالجلوس على مقع ٍد مجاور له ،وتاب َع« :أنا وماريليون عقدنا اتِّفاقًا .من شأن مورد أن يكون
ت مقنعًا للغاية في الحقيقة ،وإذا خيَّب مطربنا العزيز أملنا وغنَّى أغنيَّةً ال نُريد أن نسمعها ،فما عل َّ
ي أنا وأن ِ
صدِّق؟».َّإال أن نقول إنه كاذبَ .من تخالين اللورد نستور سيُ َ
قالت سانزا وهي تتمنَّى لو تتأ َّكد« :نحن؟».
« -بالطَّبع ،ألن كذبنا سيُفيده».
قطق على نح ٍو مبهج ،لكن سانزا ارتجفَت رغم ذلك ،وقالت« :نعم، كانت ال ُغرفة ال َّشمسيَّة دافئةً والنَّار تُطَ ِ
لكن ...ماذا لو.»...
ً
مواصال« :ماذا قال پيتر« :ماذا لو وض َع اللورد نستور ال َّشرف فوق المصلحة؟» ،ووض َع ذراعه حولها
رف اللورد نستور يا حُلوتي. لو أنه يبغي الحقيقة والعدالة لسيِّدته القتيلة؟» ،وأضافَ مبتس ًما« :إنني أع ُ
أتتص َّورين أنني سأسم ُح له بإيذاء ابنتي؟».
لست ابنتك ،إنني سانزا ستارك ابنة اللورد إدارد والليدي كاتلين ودم (وينترفل) .لكنها لم تقل هذا .لوال ُ
قدم في فراغ السَّماء ال َّزرقاء الباردة إلى ميت ٍة حجريَّة ً
بدال پيتر بايلش لكانت سانزا نفسها التي ه َوت ستَّمئة ٍ
من اليسا آرن .يا لجرأته .تتمنَّى سانزا لو أنها تتحلَّى ب َشجاعته ،لكنها ال تُريد َّإال أن تعود إلى الفِراش
نوم عميق .إنها لم تنَم ليلةً كاملةً منذ ماتَت اليسا آرن« .أال يُمكنك أن وتختبئ تحت ِدثارها وتغيب في ٍ
تقول للورد نستور إنني متوعِّكة ...أو.»...
شهادتك على موت اليسا».
ِ « -سيُريد أن يسمع
« -سيِّدي ،إذا ...إذا قال ماريليون الحق.»...
كذب؟».
َ « -تعنين إذا
ونظر اللورد نستور في عينَي ورأى كم أنا َ كذب ،إذا كانت كلمتي ضد كلمته َ كذب؟ نعم ...إذا َ « -
خائفة.»...
ت شيئًا مخيفًا ،وسيتأثَّر نستور» ،وتفرَّس « -لن تكون لمحة من الخوف في غير محلِّها يا إليني .لقد رأي ِ
پيتر في عينيها كأنه يراهما للمرَّة األولى ،وأردفَ « :إن لك عينَي أ ِّم ِك ،عينين صادقتين بريئتين،
قليال سيغرق رجال ُكثر في هاتين العينين» .لم تد ِر سانزا بِ َم كبحر تُنيره ال َّشمس .عندما تكبرين ً
ٍ زرقاوين
عليك َّإال أن تحكي للورد نستور الحكاية نفسها التي حكيتِها للورد روبرت».
ِ تر ُّد ،وأكم َل هو« :ما
صبي صغير سقيم .اللورد نستور رجل ناضج ،صارم وش َّكاك .روبرت ليس قويًّا وال بُ َّد ٍّ روبرت مجرَّد
من حمايته ،حتى من الحقيقة ،وكان پيتر قد قال لها مطمئِنًا إن بعض األكاذيب حُب ،فذ َّكرته بهذا اآلن
قائلةً« :عندما كذبنا على اللورد روبرت كان هذا لنُغنيه عن األلم».
ت (العُش) من الباب نفسه كاليسا» ،وعا َد قال پيتر« :وهذه الكذبة تُغنينا أيضًا عنهَّ ،
وإال سنُغا ِدر أنا وأن ِ
الذهبي وسيشرب ويَطلُب المزيد ،هذا وعد». يلتقط ريشته مضيفًا« :سنسقيه األكاذيب ونبيذ (الكرمة) َّ
أدر َكت سانزا أنه يسقيها األكاذيب أيضًا ،وإن كانت أكاذيب مريحةً ،وتحسب أن النِّيَّة منها الرَّأفة .ليست
صدِّقها...األكاذيب بهذا السُّوء ما دا َمت النِّيَّة منها الرَّأفة .ليتها فقط تُ َ
ال تزال األشياء التي قالتها خالتها قُبَيل سقوطها تُز ِعج سانزا ،لكن پيتر وصفَها بالهذيان ،وقال« :زوجتي
بنيت قلعةً من الثَّلج،
ُ بنفسك» .وهو ما رأته سانزا بالفعل .كلُّ ما فعلته أني ِ ت هذا كانت مجنونةً وقد رأي ِ
وأرادَت هي أن تدفعني من (باب القمر) .پيتر نجدَني .لقد أحبَّ أ ِّمي كثي ًرا ،و...
ك في هذا؟ لقد أنق َذها. ويحبُّها؟ كيف يُخالِجها َش ٌّ
همس صوت في داخلها :ال ،بل أنق َذ إليني ابنته .لكنها سانزا أيضًا ...وأحيانًا يتراءى لها أن حضرة اللورد َ
الحافظ شخصان أيضًا .إنه پيتر ،حاميها الودود الطَّريف الرَّقيق ،لكنه اإلصبع الصَّغير كذلك ،اللورد الذي
ث ويُ َملِّس على لحيته وهو يهمس في أُذن الملكة سرسي ...واإلصبع عرفَته في (كينجز الندنج) ،يبتسم بخب ٍ
حاول
َ الصَّغير ليس صديقها .حين جعلَهم چوف يضربونها داف َع عنها ال ِعفريت ال اإلصبع الصَّغير .حين
ال َّدهماء اغتصابها حملَها إلى األمان كلب الصَّيد ال اإلصبع الصَّغير.
حين أكرهَها آل النستر على ال َّزواج بتيريون واساها السير جارالن الهُمام ال اإلصبع الصَّغير .اإلصبع
الصَّغير لم يرفع ولو إصبعه الصَّغير ليُسا ِعدها قَ ُّ
ط.
ظننت السير دونتوس وراء األمر ،فارسي فلوريان العجوز ُ َّإال عندما أخر َجني .هو من فع َل هذا من أجلي.
قناع عليه أن يضعه .على ٍ ال ِّس ِّكير البائس ،لكنه كان پيتر طوال الوقت .اإلصبع الصَّغير لم يكن أكثر من
أن التَّمييز بين الرَّجل والقناع يستعصي على سانزا أحيانًا ،ذلك أن اإلصبع الصَّغير وپيتر بايلش متشابهان
ألقصى درجة .ربما كانت لتف َّر من االثنين لو أن هناك مكانًا تذهب إليه( .وينترفل) احترقَت وهُ ِج َرت،
وبران وريكون جثَّتان باردتان ،وروب ُغ ِد َر به واغتي َل في (التَّوأمتين) مع السيِّدة والدتهم ،وتيريون أُع ِد َم
بتُهمة قتل چوفري ،وإذا عادَت إلى (كينجز الندنج) ستضرب الملكة ُعنقها بدورها ،والخالة التي أملَت أن
بدال من ذلك ،وخالها إدميور أسير آل فراي ،وع ُّمه السَّمكة السَّوداء تحت تحفظ سالمتها حاولَت قتلها ً
الحصار في (ريڤر َرن) .بتعاس ٍة قالت سانزا لنفسها :ال مكان لي َّإال هنا ،وال صديق حقيقيًّا َّإال پيتر.
ليلتها غنَّى الرَّجل الميِّت (يوم شنقوا روبن األسود) و(دموع األُم) و(أمطار كاستامير) ،ثم توقَّف فترةً،
ولكن بينما أثق َل الوسن رأس سانزا عا َد الغناء مج َّددًا ،وغنَّى الرَّجل (ستَّة أحزان) و(األوراق السَّاقطة)
أغان حزينة كلُّها .ل َّما أغلقَت عينيها رأته في زنزانته السَّماويَّة رابضًا في الرُّ كن بعيدًا عن ٍ و(أليسين).
السَّماء السَّوداء الباردة تحت غطا ٍء من الصُّ وف وي َُوسِّد قيثارته الخشبيَّة صدره .يجب َّأال أشفق عليه .لقد
كان مغرورًا قاسيًا ،وقريبًا سيموت .إنها ال تستطيع إنقاذه ،ولماذا قد ترغب في ذلك؟ ماريليون حاو َل أن
يغتصبها ،وپيتر أنق َذ حياتها مرَّتين ال واحدةً .بعض األكاذيب يجب أن يُقال .لم يُحافِظ على حياتها في
الحرس الملكي حتى أراقوا (كينجز الندنج) َّإال األكاذيب ،ولو لم تكذب على چوفري لضربها رجال َ
دماءها.
بَعد (أليسين) توقَّف المغنِّي ثانيةً لتختطف سانزا ساعة من الرَّاحة ،ولكن إذ بدأت خيوط الفَجر األولى تنفذ
صباح غائم) النَّاعمة تتصاعَد من أسفل ،واستيقظَت في الحال. ٍ من خصاص نافذتها سم َعت أنغام (ذات
ُ
المفت َرض أنها أغنيَّة نسائيَّة ،مرثاة تُ َغنِّيها أم في الفَجر التَّالي لمعرك ٍة رهيبة بينما تبحث بين القتلى عن
جثَّة ابنها الوحيد .األُم تُ َغنِّي عن َحرقتها على ابنها الميت ،لكن ماريليون حزين على أصابعه ،وعلى
عينيه.
طفَت الكلمات من أسفل كالسِّهام ،وفي الظَّالم طعنَتها.
ي وإلى ديارنا أوه ،أيها الفارس الكريم هل رأيت ولدي؟ إن َشعره بنِّي كالكستناء وقد وعدَني بالعودة إل َّ
التي في (بلدة ونديش) غطَّت سانزا أُذنيها بوساد ٍة محش َّوة بريش اإلوز لتحجب عنهما بقيَّة األغنيَّة ،ولكن
ظت ،واللورد نستور رويس يصعد الجبل. بال جدوى .لقد طل َع النَّهار واستيق َ
الذهبي والخمري الوادي أسفلهم بل َغ الوكيل األعلى ومجموعته (العُش) في أواخر األصيل ،وقد صب َغ َّ
واشت َّدت ال ِّريح ،ومعه جا َء ابنه السير ألبار ودستة من الفُرسان وعشرون من الجنودُ .غرباء كثيرون ج ًّدا.
ق متسائلةً إن كانوا أصدقاء أم أعداء. تطلَّعت سانزا إلى وجوههم بقل ٍ
رحَّب پيتر ب ُز َّواره مرتديًا سُترةً من المخمل األسود لها ُك َّمان رماديَّان كسراويله الصُّ وف ،فأضفى اللَّون
الظلمة على عينيه الخضراوين الرَّماديَّتين .إلى جواره وقفَ ال ِمايستر كولمون وحول ُعنقه نوعًا معيَّنًا من ُّ
الطَّويل الرَّفيع ترتخي سلسلته ذات المعادن العديدة ،وعلى الرغم من أن ال ِمايستر أطول الرَّجلين قامةً
بوقار واللورد ٍ فاللورد الحافظ هو من لفتَ األنظار .يبدو أنه تخلَّى عن تبسُّمه المعتاد اليوم ،فأصغى
رويس يُقَدِّم الفُرسان الذين رافَقوه ،ثم قال« :مرحبًا بكم أيها السَّادة .إنكم تعرفون ال ِمايستر كولمون بالطَّبع.
لورد نستور ،هل تَذ ُكر ابنتي الطَّبيعيَّة 98إليني؟».
« -بالتَّأكيد» .للورد نستور مظهر صارم ورقبة غليظة وصدر عريض ،يزحف على رأسه الصَّلع ويَ ِخطُ
كامال تحيَّةً لها.
ً ال َّشيب لحيته ،وقد حنى رأسه نِصف بوص ٍة
قائال« :كوني فتاةً َّ
مهذبةً يا انحنَت سانزا بدورها خائفةً أن تنطق فتقول شيئًا خطأ ،ثم سحبَها پيتر من يدها ً
حُلوتي واجلبي اللورد روبرت إلى (القاعة العالية) ليستقبل ضيوفه».
« -حاضر يا أبي» .بدا صوتها رفيعًا مشدودًا ،وبينما أسرعَت تصعد ال َّدرج وتَعبُر ال ُّشرفة إلى (بُرج
القمر) قالت لنفسها :صوت كاذبة ،صوت مذنبة.
ساعدان اللورد روبرت على ارتداء سراويله عندما دخلَت ُغرفة نومه .كان سيِّد كانت جرتشل ومادي تُ ِ
(العُش) يبكي ثانيةً ،كما تن ُّم عيناه المحمرَّتان الرَّطبتان وأهدابه اليابسة وأنفه المنتفخ السَّائل ،وقد التم َع
خيط من ال ُمخاط تحت أحد منخريْه ول َّوث ال َّدم شفته السُّفلى حيث عضَّها .ف َّكرت سانزا بقنوط :يجب َّأال
صبي من يده وسحبَته من حضر الطَّست ،ثم أخ َذت ال َّ يراه اللورد نستور هكذا ،وطلبَت من جرتشل أن تُ ِ
على الفِراش قائلةً« :هل نا َم ُعصفوري الجميل جيِّدًا ليلة أمس؟».
ُخرجوني لكن ووجدت بابي موصدًا .ناديتهم لي ِ ُ أجاب متن ِّشقًا« :ال ،لم أنم إطالقًا يا إليني .كان يُ َغنِّي ثانيةً،
َ
ال أحد أتى .أحدهم حب َسني في ُغرفتي».
ق شديد ،بمنتهى « -يا لهم من أشرار» .غم َست قُماشةً ناعمةً في الماء ال َّدافئ وشرعَت تُنَظِّف وجهه ...برف ٍ
الالزم فربما يبدأ في االرتجاف .الصَّبي هَشٌّ ،وصغير منتهى الرِّ فق .إذا ح َّكت جسد روبرت بق َّو ٍة أكبر من َّ
طفاال في الخامسة أكبر منه حج ًما. للغاية بالنِّسبة إلى ِسنَّه .أي نعم هو في الثَّامنة ،لكن سانزا عرفَت أ ً
معك».ِ ارتع َشت شفة روبرت ،وقالُ « :
كنت سآتي ألنام
أعرف هذا .لقد اعتا َد العُصفور الجميل النَّوم إلى جانب أ ِّمه إلى أن تز َّوجت اللورد پيتر ،ومنذ موت ُ
الليدي اليسا عم َد الصَّبي إلى التَّجوال في أنحاء (العُش) بحثًا عن أس َّر ٍة أخرى ،وأكثر ما راقَه منها سرير
ُوصد بابه ليلة البارحة .ما كانت لتُمانِع لو أنه ينامسانزا ...ولهذا السَّبب طلبَت من السير لوثور برون أن ي ِ
ُحاول دو ًما أن يُ َمرِّغ أنفه في ثدييها ،ثم إنه غالبًا ما يُبَلِّل الفِراش عندما تُصيبه نوبة الرَّجفة.
فقط ،لكنه ي ِ
قالت سانزا وهي تمسح تحت أنفه« :اللورد نستور صع َد من (ب َّوابات القمر) ليراك».
صةً ،واحدةً عن الفارس المجنَّح».
« -ال أري ُد أن أراه .أري ُد ق َّ
أوال عليك أن ترى اللورد نستور». « -فيما بع ُدً .
صبي يخاف من لهم قال روبرت« :اللورد نستور لديه شامة .مامي قالت إنه شنيع» .إنها تعلم أن ال َّ
شامات.
أعرف أنك تفتقدها .اللورد پيتر يفتقدها أيضًا .لقد ُ س َّوت سانزا َشعره قائلةًُ « :عصفوري الجميل المسكين.
أحبَّها ِمثلما تحبُّها تما ًما» .تلك أكذوبة ،لكن الغرض منها الرَّأفة .المرأة الوحيدة التي أحبَّها اللورد پيتر في
حياته هي أُم سانزا القتيلة ،وقد اعترفَ بهذا لليدي اليسا قبل أن يدفعها من (باب القمر) مباشرةً .كانت
ت پيتر ويُغيثني .لكن روبرت ليس مجنونةً وخطرةً .لقد قتلَت السيِّد زوجها ،وكانت لتَقتُلني أيضًا لو لم يأ ِ
صبي صغير مريض أحبَّ أ َّمه.ٍّ في حاج ٍة إلى معرفة ذلك .إنه مجرَّد
أحضري معطفه» .المعطف من صوف الحمالن ،ناعم ِ قالت« :هكذا يليق مظهرك باللوردات .مادي،
ودافئ وأنيق بلونه األزرق السَّماوي الذي أبر َز لون سُترة الصَّبي القشدي ،وثبَّتته سانزا على كتفيه
بخنوع هذه المرَّة.
ٍ س فضِّ ي على شكل هالل ،ثم أخ َذته من يده فمضى معها بدبُّو ٍ
بعث دخولها ثانيةً في سانزا القشعريرة .إنها َ ظلَّت (القاعة العالية) مغلقةً منذ سق َ
طت الليدي اليسا ،وقد
تراها طويلةً فخمةً جميلةً ،لكنها ال تحبُّ وجودها هنا في هذا المكان ال َّشاحب الذي تسوده البرودة حتى في
أحسن األوقات ،حيث تبدو األعمدة الرَّفيعة كعظم األصابع وتُ َذ ِّكرك العروق ال َّزرقاء في الرُّ خام األبيض
حامل فضِّ ي على الجُدران فالمشاعل ٍ هرمة .على الرغم من اصطفاف خمسين بالعروق في ساق حيزبون ِ
الموقَدة تقلُّ عن دستة ،فرا َحت الظِّالل تتراقَص على األرضيَّة وتحتشد في ك ِّل ر ٍ
ُكن بينما تر َّددت أصداء
ُخطواتهم على الرُّ خام وسم َعت سانزا الرِّ يح ترجُّ (باب القمر) ،فأخب َرت نفسها :يجب َّأال أنظر إليه َّ
وإال
اعت َرتني رجفة عنيفة ِمثل روبرت.
بمساعدَة مادي أجل َست روبرت فوق كوم ٍة من الوسائد على عرشه المصنوع من خشب الويروود ،ثم
أرسلَت خبرًا بأن حضرة اللورد مستع ٌّد الستقبال ضيوفه ،ففت َح حارسان في معطفين من األزرق السَّماوي
الباب في طرف القاعة القصي ،ليقود پيتر الضُّ يوف إلى ال َّداخل على البساط األزرق الطَّويل الممتد بين
صفَّين من األعمدة البيضاء كالعظام.
ت كالصَّرير ولم يَذ ُكر شامته ،وعندما سألَه الوكيل األعلى
ب كيِّس وصو ٍ حيَّا الصَّبي اللورد نستور بأسلو ٍ
عن السيِّدة والدته س َرت في يدَي روبرت رعشة طفيفة ،وقال« :ماريليون آذى أ ِّمي ،ألقاها من (باب
القمر)».
« -هل رأى حضرة اللورد هذا بنفسه؟» ،سأ َل السير ماروين بلمور ،وهو فارس طويل نحيف له َشعر
بنِّي مح َمر ،كان قائد َحرس اليسا إلى أن عيَّن پيتر السير لوثور برون ً
بدال منه.
أجاب الصَّبي« :إليني رأت ،والسيِّد زوج أ ِّمي».
َ
رمقَها اللورد نستور ،ووجدَتهم يَنظُرون إليها ،السير ألبار والسير ماروين وال ِمايستر كولمون ،الجميع.
كانت خالتي لكنها أرادَت أن تَقتُلني ،جرَّتني إلى (باب القمر) وحاولَت أن تدفعني منه .لم أرغب في تلك
كنت أبني قلعةً في الثَّلج .احتضنَت سانزا نفسها لتمنعها من االرتجاف.
طُ . القُبلة قَ ُّ
قال پيتر بهدوء« :سا ِمحوها أيها السَّادة ،إنها ال تزال ترى ذلك اليوم في الكوابيس .ال عجب أنها ال تُطيق
عليك يا إليني،
ِ ك صعوبة األمر الكالم عنه» ،ثم وقفَ وراءها ووض َع يديه بخفَّ ٍة على كتفيها ً
قائال« :أدر ُ
لكن يجب أن يسمع أصدقاؤنا الحقيقة».
كنت مع الليدي اليسا ُ ُ
رأيت... بحلقها جافًّا مشدودًا لدرجة أن الكالم كا َد يُؤلِمها وهي تقول« :نعم،أحسَّت َ
عندما ،»...وسالَت دمعة على وجنتها فف َّكرت :جيِّد ،جيِّد أن تنزل مني دمعة ،وواصلَت ...« :عندما...
دف َعها ماريليون» ،وح َكت الحكاية ثانيةً وهي تكاد ال تسمع الكلمات التي تدفَّقت منها.
صف الحكاية بدأ روبرت يبكي ،ومالَت الوسائد على نح ٍو خطر تحته إذ صا َح« :لقد قتل قبل أن تَبلُغ منت َ
انتفض رأس الصَّبي بحرك ٍةَ أ ِّمي .أريده أن يطير!» ،واشت َّدت رجفة يديه وبدأت ذراعاه ترتجفان أيضًا ،ثم
تصطك وضربَت ذراعاه وساقاه الهواء بضراو ٍة وهو يَصرُخ« :يطير ،يطير، ُّ وراحت أسنانه
َ عنيفة
ق ساقطًا عن يطير!» ،فأسر َع لوثور برون إلى المنصَّة في الوقت المناسب ليلقف الصَّبي الذي انزل َ
عرشه ،ووراءه بخطو ٍة واحدة ال ِمايستر كولمون ،وإن لم يكن هناك ما يُمكنه أن يفعله.
جرت النَّوبة مجراها .ركلَت إحدى ساقَي روبرت السير عاجزةً كاآلخَ رين ،وقفَت سانزا وشاهدَت حتى َ
ق سبابًا وإن ظَ َّل متم ِّس ًكا بالصَّبي وهو يرتجف ويتشنَّج ويُبَلِّل نفسه ،في حين لم لوثور في وجهه ،فأطل َ
ي من زائريهم بكلمة ،فاللورد نستور على األقل شه َد تلك النَّوبات من قبل .لحظات طويلة مرَّت ينبس أ ٌّ
قبل أن تهمد تشنُّجات روبرت ،بل وبدَت أطول من هذا كذلك ،وفي النِّهاية كان اللورد الصَّغير واهنًا
عاج ًزا حتى عن الوقوف ،فقال اللورد پيتر لل ِمايستر« :األفضل أن تأخذ حضرة اللورد إلى فِراشه وتُ َعلِّق
حمل برون الصَّبي بين ذراعيه وخر َج به من القاعة ،وتب َعه ال ِمايستر كولمون بوج ٍه َ له ال َعلق» .هكذا
متجِّهم.
حين تال َشت ُخطوات أقدامهما رانَ صمت تام على قاعة (العُش) العالية ،وسم َعت سانزا رياح المساء ُّ
تئن
ق شديديْن :أيجب أن أحكي الحكاية ثانيةً؟ في الخارج وتخمش (باب القمر) ،وتساءلَت شاعرةً ببر ٍد وإرها ٍ
لكن ال بُ َّد أنها أحسنَت حكايتها ،ألن اللورد نستور تنحن َح ودمد َم« :ذلك المغنِّي لم ي ِ
ُعجبني من البداية .لقد
ُ
ألححت عليها». ُ
حثثت الليدي اليسا على صرفه ،ع َّدة مرَّا ٍ
ت
قال پيتر« :لطالما مددتها بالنَّصائح السَّديدة يا سيِّدي».
صغ ،سم َعتني كرهًا على كر ٍه ولم تُ ِ
صغ». َر َّد رويس بتذ ُّمر« :لكنها لم تُ ِ
صدِّق أنه أحبَّ زوجته حقًّا« :سيِّدتي كانت أسرع ثقةً من أن بحنان بالغ كان ليجعل سانزا تُ َ
ٍ قال پيتر
يستأهلها هذا العالم .لم يكن بمقدور اليسا أن ترى ال َّش َّر في البَشر ،بل الخير فقط .كان ماريليون يُ َغنِّي
أعذب األغاني ،واعتقدَت أن تلك طبيعته».
قال السير ألبار رويس« :لقد دعانا بالخنازير» .بمالمحه الصَّارمة وكتفيه العريضتيْن يبدو السير ألبار
ق َشعر وجنتيه األسود الكثيف ليصنع إطارً ا نُسخةً أصغر ِسنًّا من أبيه ،وقد حل َ
ق الفارس ذقنه وإن أطل َ
كسياج من ال ُّشجيرات حول وجهه التَّقليدي« .ألَّف أغنيَّةً عن خنزيريْن يرعيان حول ٍ
جبل ويأكالن فُضالة ٍ
ك مني ،و َر َّد :إنها مجرَّد أغنيَّة عن زوجين منصقر ،وبهذا كان يعنينا نحن ،لكن حين قلت له هذا ضح َ
الخنازير أيها الفارس!».
ُ
أقسمت أن أقطع لسانه أضافَ السير ماروين بلمور« :وسخ َر مني كذلك ،س َّماني السير جالجل ،ول َّما
هر َع إلى الليدي اليسا واختبأ َ وراء تنُّورتها».
قال اللورد نستور« :كما تع َّود أن يفعل .الرَّجل كان جبانًا ،لكن تحيُّز الليدي اليسا له أصابَه بالغطرسة .لقد
صعًا بأحجار القمر». ألب َسته كاللوردات ،وأهدَت إليه خواتم ذهبيَّةً وحزا ًما مر َّ
عقَّب فارس على سُترته شموع عائلة واكسلي البيضاء السِّت« :وحتى صقر اللورد چون المفضَّل ،ولكم
أحبَّ حضرة اللورد ذلك الصَّقر .لقد أهداه الملك روبرت إليه».
وضعت نهايةً له .اليسا وافقَت على صرفه ،ولذا ُ زف َر پيتر بايلش ،وقال مؤيِّدًا« :لم يكن الوضع يليق ،وقد
ي أن أكون معها ،لكني لم أتخيَّل قَ ُّ
ط أن ...لو لم أص ِّمم ...أنا الذي قتلتها». التقَته هنا يومها .كان عل َّ
ف َّكرت سانزا بهلع :ال ،ال تقل هذا ،ال تُخ ِبرهم ،ال تفعلها ،لكن ألبار رويس هَ َّز رأسه ً
قائال« :ال يا سيِّدي،
يجب َّأال تلوم نفسك».
ت به أيها اللورد پيتر ،دَعونا نَكتُب نهايةً لهذه القصَّة ووافقَه أبوه بقوله« :المغنِّي هو من فعلَها .فلتأ ِ
المؤسفة».
نان ثابت قال پيتر بايلش« :كما تشاء يا سيِّدي» ،والتفتَ إلى حارسيْه وألقى أمرًا ،وجي َء بالمغنِّي من ب َج ٍ
ال َّزنازين .جا َء معه ال َّسجَّان مورد ذو المالمح الوحشيَّة والعينين السَّوداوين الصَّغيرتين والوجه المائل
طارت إحدى أُذنيه وجزء من وجنته ،وإن ظلَّت في جسده أكوام من اللَّحم األبيض َ ال َّشائه .في معرك ٍة ما
وفاحت منه رائحة منفِّرة.
َ الممتقع ،وقد ارتدى ثيابًا ال تُ ِ
ناسب مقاسه
على النَّقيض بدا ماريليون أقرب إلى األناقة .وقد ح َّممه أحدهم وألب َسه سراويل من األزرق السَّماوي
ضي كان هديَّةً من الليدي اليسا ،بينما غطَّى بزنار ف ِّ
ٍ وسُترةً قصيرةً فضفاضةً ب ُك َّمين منتفخين ،مربوطةً
يديه قُفَّازان من الحرير األبيض ،وأغنَت عصابة حريريَّة بيضاء السَّادة الحاضرين عن رؤية منظر
عينيه.
حامال ُكرباجًا ،وحين نكزَه ال َّسجَّان في ضلوعه هوى المغنِّي على رُكبته ً
قائال« :أتو َّس ُل ً وقفَ مورد وراءه
مغفرتكم أيها السَّادة».
سألَه اللورد نستور بعبوس« :هل تعترف بجريمتك؟».
ُ
لبكيت .لقد أحببتها ليال راجفًا هامسًا اآلن وهو يُجيب« :لو أن لي عينين كان صوت المغنِّي القويُّ الواثق ً
شاركه فِراشه .لم أكن أنوي أن أمسَّ رجل آخَر ،أن أعلم أنها تُ ِ
ٍ كثيرًا ،ولم أحتمل أن أراها بين ذراعَي
ُ
أعترف لها بعاطفتي، ُ
وأوصدت الباب فقط كي ال يُز ِعجنا أحد بينما سيِّدتي الجميلة بأذى ،أقس ُم على هذا،
لكن الليدي اليسا كانت باردةً للغاية معي ...ل َّما قالت لي إنها تحمل طفل اللورد پيتر ...تملَّكني الجنون.»...
بتر ثالثةً من أصابعه ،كال الخنصريْن ح َّدقت سانزا إلى يديه وهو يتكلَّم .مادي البدينة زع َمت أن مورد َ
وبشكل ما بدا إصبعاه الصَّغيرين أكثر تيبُّسًا من البقيَّة بالفعل ،لكن من الصَّعب أن تتيقَّن
ٍ وإحدى ال َّسبَّابتين،
في وجود هذين القُفَّازين .ربما ال تكون أكثر من قصَّة مختلَقة .وما أدرى مادي؟ قال المغنِّي األعمى:
ك لي قيثارتي ،قيثارتي و ...لساني ...كي أغنِّي .كم كانت الليدي اليسا مولعةً «اللورد پيتر تكرَّم وتر َ
ي.»... بأغان َّ
قال اللورد نستور بغلظةُ « :خذوا هذا المخلوق من هنا َّ
وإال قتلته بنفسه .مجرَّد النَّظر إليه يُغثيني».
خاطب پيتر ال َّسجَّان ً
قائال« :مورد ،أ ِعده إلى زنزانته». َ
ك ماريليون من ياقته بخشونة ،وقال له« :ال مزيد كالم» .حين تكلَّم رأت َر َّد مورد« :نعم سيِّدي» ،وأمس َ
سانزا -لدهشتها -أن أسنان ال َّسجَّان من َّ
الذهب ،وشاهدَته مع اآلخَ رين وهو يجرُّ المغنِّي ويدفعه نحو الباب.
أعلنَ ماروين بلمور عقب خروجهما« :ال بُ َّد أن يموت هذا الرَّجل .كان ينبغي أن يتبع الليدي اليسا من
(باب القمر)».
أضافَ السير ألبار رويس« :دون لسانه ،دون هذا اللِّسان الكاذب السَّاخر».
قتل من أجل
ق عليه .لقد َ أعرف أني ترفَّ ُ
قت به كثيرًا .الحقيقة أنني أشف ُ ُ بلهج ٍة اعتذاريَّة قال پيتر بايلش« :
الحُب».
قال بلمور« :من أجل الحُب أو الكراهية ،ال بُ َّد أن يموت».
ً
طويال في زنازين السَّماء .سوف يُناديه األزرق». قال اللورد نستور بفظاظة« :قريبًا .ال أحد يبقى
أأجاب ماريليون النِّداء أم لم ي ُِجبه فهو وحده يعرف» ،وأشا َر ليفتح َ قال پيتر بايلش« :ربما ،لكن سواء
حارساه الباب في نهاية القاعة ،واستطر َد« :أيها الفُرسان ،ال بُ َّد أنكم مت َعبون من صعودكم .لقد أعددنا
أرهم الطَّريق ُغرفًا لكم جميعًا لقضاء اللَّيل ،والطَّعام والنَّبيذ في انتظاركم في (القاعة السُّفليَّة) .أوزويلِ ،
هال تناولت معي كأسًا من النَّبيذ واحرص على تلبية احتياجاتهم كلِّها» ،ثم التفتَ إلى نستور رويس ً
قائالَّ « :
في ُغرفتي ال َّشمسيَّة يا سيِّدي؟ إليني يا حُلوتي ،تعالي و ُ
صبِّي لنا».
كانت نار خافتة مشتعلةً في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة حيث ينتظرهم إبريق من النَّبيذ .نبيذ ذهبي من (الكرمة).
ومألَت سانزا كأس اللورد رويس فيما حرَّك پيتر الحطب ب ِم ٍ
سعر حديدي.
جلس اللورد نستور إلى جوار النَّار ،وقال لپيتر كأن سانزا ليست موجودةً« :لن تكون هذه النِّهاية .ابن َ
ع ِّمي ينوي استجواب المغنِّي بنفسه».
قائال« :يون البرونزي ال يثق بي». دف َع پيتر قطعةً من الحطب جانبًا ً
« -إنه يُز ِمع المجيء على رأس ق َّوة ،وسينض ُّم إليه سايموند تمپلتون ،إياك أن تش َّ
ك في هذا ،والليدي
واينوود أيضًا كما أخشى».
« -واللورد بلمور واللورد هنتر ال َّشاب وهورتون ردفورت ،وسيجلبون معهم سام ستون القوي وآل
توليت وآل ِشت وآل كولدووتر وعددًا من آل كوربراي».
« -أنت واسع االطِّالعَ .من ِمن آل كوربراي؟ اللورد اليونل؟».
ب ما».
« -ال ،أخوه .السير لين ال يحبُّني لسب ٍ
قال اللورد نستور بإصرار« :لين كوربراي رجل خطير .ماذا تنوي أن تفعل؟».
َر َّد پيتر« :وما الذي بإمكاني أن أفعله َّإال التَّرحيب بهم إذا أتوا؟» ،وحرَّك ال ِمسعر ليُزكي النَّار أكثر ثم
وض َعه.
« -ابن ع ِّمي ينوي أن يخلعك من منصب اللورد الحافظ».
رجال،ً « -إذا كان هذا صحيحًا فليس بمقدوري أن أمنعه .إنني أحتفظُ بحامي ٍة ال تزيد على العشرين
وذهب پيتر إلى الصُّ ندوق البلُّوط الموضوع َ واللورد رويس وأصدقاؤه يستطيعون حشد عشرين ألف»،
أسفل النَّافذة ،وأضافَ وهو يركع أمامه« :يون البرونزي سيفعل ما يُريد أن يفعله» ،ثم فت َح الصُّ ندوق
وناول اللورد نستور إياه ً
قائال« :سيِّدي ،هذه أمارة على الحُبِّ الذي كانت سيِّدتي تُ ِكنُّه َ وأخر َج َرقًّا ملفوفًا
لك».
ق ويقول« :هذا ...هذا غير متوقَّع يا سيِّدي» ،وأذهلَها أن ترى في عينيه شاهدَت سانزا رويس يبسط ال َّر َّ
دموعًا.
« -غير متوقَّع لكنه ليس غير مست َحق .لقد ق َّدرتك سيِّدتي أكثر من سائر ح َملة رايتها ،وقالت لي إنك
صخرتها».
قال اللورد نستور بوج ٍه تورَّد« :صخرتها .هي قالت هذا؟».
أجاب پيتر« :مرارًا» ،وأشا َر إلى الورقة مستدر ًكا« :وها هو ذا ال َّدليل».
َ
« -هذا ...يسرُّ ني أن أعرف هذا .أعل ُم أن چون آرن كان يُقَدِّر خدمتي ،لكن الليدي اليسا ...لقد استخفَّت بي
وخشيت أن ،»...وعق َد اللورد نستور حاجبيه مغمغ ًما« :أرى أنه يحمل خَتم آرن، ُ ُ
أتيت أخطبُ ُو َّدها، حين
لكن التَّوقيع.»...
« -اليسا قُتِلَت قبل أن تُقَ َّدم لها الوثيقة لتُ َوقِّعها ،فوقَّعتها باعتباري اللورد الحافظ .أعل ُم أنها كانت لترغب
في هذا».
ق متابعًا« :أنت ...وف ٌّي يا سيِّدي ،نعم ،وال تعوزك ال َّشجاعة. قال اللورد نستور« :مفهوم» ،وطوى ال َّر َّ
ط .آل آرن سيقول بعضهم إن هذه المنحة ال تليق ويلومونك على تقديمها .منصب الول ِّي لم يكن متوا َرثًا قَ ُّ
هُم من شيَّدوا (ب َّوابات القمر) في إبَّان اعتمارهم تاج الصَّقر وحُكمهم ملو ًكا في (الوادي) .كانت (العُش)
مقرَّهم الصَّيفي ،لكن مع بدء سقوط الثُّلوج اعتا َد البالط أن ينزل الجبل .ستجد َمن يقولون إن (ب َّوابات
القمر) ال تقلُّ ملكيَّةً عن (العُش)».
علَّق پيتر بايلش« :لم يَعُد هناك ملك في (الوادي) منذ ثالثمئة سنة».
قائال« :حين أتى التَّنانين ،لكن حتى بَعدها ظلَّت (ب َّوابات القمر) قلعةً تابعةً لعائلة آرن.
أيَّده اللورد نستور ً
چون آرن نفسه كان ول َّي الب َّوابات في حياة أبيه ،وبَعد تولِّيه الحُكم كرَّم أخاه رونل بالمنصب ،والحقًا
دينس ابن ع ِّمه».
« -اللورد روبرت بال إخوة ،وأبناء عمومته بعيدون».
أتمن هذا .حين كان اللورد چون يَح ُكم
َّ ق اللورد نستور على الوثيقة ،وقال« :صحيح .لن أقول إنني لم أطب َ
ُ
وفعلت ك َّل ما طلبَه مني ولم أسأله البالد بصفته يد الملك وق َع على عاتقي أن أحكم (الوادي) من أجله،
بح ِّ
ق اآللهة!». ُ
استحققت هذا َ شيئًا لنفسي ،لكني
بارتياح أكثر عال ًما أنك موجود دائ ًما ،صديق صدوق
ٍ قال پيتر« :استحققته بالفعل ،واللورد روبرت ينام
عند سفح جبله» ،ورف َع كأسه مردفًا« :إذن ...لنشرب نخبًا يا سيِّدي .في صحَّة آل رويس أولياء (ب َّوابات
القمر) ...اآلن وإلى األبد».
ر َّدد رويس« :اآلن وإلى األبد ،أجل!» ،وتقارعَت الكأسان الف ِّ
ضيَّتان.
الذهبي ،استأذنَ اللورد نستور في االنصراف طال ،بَعد أن فر َغ إبريق نبيذ (الكرمة) َّ
َ الحقًا ،بَعدها بوق ٍ
ت
لينض َّم إلى ِرفقة فُرسانه من جديد ،وعندئ ٍذ كان النُّعاس يُغالِب سانزا الواقفة بال رغب ٍة َّإال في َّ
الذهاب إلى
قائال« :أترين األعاجيب التي يصنعها الكذب ونبيذ (الكرمة) َّ
الذهبي؟». ك معصمها ً فِراشها ،لكن پيتر أمس َ
لماذا تُريد أن تبكي إذن؟ من الجيِّد أن نستور رويس معهما .سألَته« :أكان كلُّ ما قي َل كذب؟».
أظن أنها قصدَتها كإطراء، ُّ ُ
كنت ال « -ليس كلَّه .كثيرًا ما دعَت اليسا اللورد نستور بالصَّخرة ،وإن
وتع َّودت أن تدعو ابنه ب ُكتلة الطِّين .كانت تعلم أن اللورد نستور يَحلُم باالنفراد بحُكم (ب َّوابات القمر) ،أن
وانتوت أن تذهب القلعة إلى َ يكون لورد حقيقةً ال اس ًما فقط ،لكن اليسا كانت تَحلُم بإنجاب أبناء آخَرين
َ
حدث هنا يا إليني؟». ً
سائال إياها« :هل تفهمين ما أخي روبرت الصَّغير» ،ونهض پيتر
تر َّددت سانزا بُرهةً ،ثم قالت« :منحت اللورد نستور (ب َّوابات القمر) لتتأ َّكد من دعمه لك».
ُ
كنت سألته عن « -نعم ،لكن صخرتنا من آل رويس ،أي أنه شديد االعتداد بالنَّفس وسريع الغضب .لو
كضفدع غاضب إلهانتي َشرفه ،أ َّما بهذه الطَّريقة ...الرَّجل ليس غبيًّا تما ًما ،لكن األكاذيب
ٍ ِسعره النتف َخ
صدِّق أن اليسا ق َّدرته أكثر من بقيَّة ح َملة رايتها ،فأحد
التي ق َّدمتها له أحلى من الحقيقة .إنه يُريد أن يُ َ
فرع أدنى لعائلة رويس، ٍ هؤالء اآلخَرين يون البرونزي في النِّهاية ،ونستور يعي ج ًّدا حقيقة أنه من
ويرغب في المزيد البنه .ال ُّشرفاء يفعلون في سبيل أوالدهم أشياء ما كانوا ليُفَ ِّكروا في فِعلها ألنفسهم
بتاتًا».
أومأَت برأسها متفهِّمةً ،وقالت« :التَّوقيع ...كان يُمكنك أن تجعل اللورد روبرت يُ َوقِّع الوثيقة ويختمها،
لكن ً
بدال من هذا.»...
...« -وقَّعتها بنفسي باعتباري اللورد الحافظ .لماذا؟».
« -ألن ...في حالة إزاحتك أو ...أو قتلك.»...
لك أن شيئًا كهذا لم يَفُته .براعة
...« -سيُصبِح امتالك اللورد نستور (ب َّوابات القمر) فجأةً مح َّل َشك .أؤ ِّكد ِ
منك أن تلحظي ،وإن لم أتوقَّع أق َّل من هذا من ابنتي».
ِ
ُ
لست بفخر شديد باستنتاجها السَّليم ،ولو أن فخرها امتز َج بالحيرة« .لكني ٍ « -أشكرك» ،قالت شاعرةً
ابنتك ،ليس حقًّا .أعني أنني أتظاه ُر بكوني إليني ،لكنك تعلم.»...
وض َع اإلصبع الصَّغير إصبعه على شفتيها ،وقال« :أعل ُم ما أعل ُم وتعلمين ما تعلمين .األفضل َّأال يُقال
بعض األشياء يا حُلوتي».
« -حتى ونحن وحدنا؟».
َّ « -
بالذات ونحن وحدناَّ ،
وإال قد يأتي يوم ويَد ُخل خادم ُغرفةً دون تنبيه أو يسمع حارس على الباب شيئًا
يديك الجميلتين يا عزيزتي؟».
ِ ال ينبغي أن يسمعه .هل تُريدين المزيد من الدِّماء على
رأت وجه ماريليون يسبح في الهواء أمامها وعلى عينيه العصابة الباهتة ،ووراءه رأت السير دونتوس
وسهام النُّ َّشابيَّة مغروسة في جسده .هكذا قالت سانزا« :ال ،أرجوك».
ددت لو أقول إننا لسنا في لُعب ٍة يا بنيَّتي ،لكنها كذلك بالطَّبع .إنها لُعبة العروش».
« -و ُ
وأموت« .أوزويل ...سيِّدي ،أوزويل َّ
جذف ُ ط .وال ُّلعبة محفوفة بالمخاطر .زلَّة واحدة لم أطلب أن ألعب قَ ُّ
بي من (كينجز الندنج) ليلة هروبي .ال بُ َّد أنه يعرف هويَّتي الحقيقيَّة».
قال« :مؤ َّكد أنه يعرفها إذا كان يملك نِصف ذكاء خروف ،والسير لوثور يعرف أيضًا ،لكن أوزويل يعمل
زمن طويل ،وبرون كتوم بطبيعتهِ .كتلبالك يُرا ِقب برون من أجلي ،وبرون يُراقِب ٍ في خدمتي منذ
ت إليني ،ويجب أن تكوني قلت إلدارد ستارك َّأال يثق بأحد ،لكنه أبى أن يُصغي .أن ِ ِكتلبالك .ذات م َّر ٍة ُ
ُمكنك أن تفعلي
ِ قلبك .هل ي
إليني طوال الوقت» ،ووض َع إصبعين على ثديها األيسر متابعًا« :حتى هنا ،في ِ
قلبك؟». ُمكنك أن تكوني ابنتي في ِ ِ هذا؟ هل ي
« -إنني .»...كادَت تقول :ال أدري يا سيِّدي ،لكن ذلك ليس ما يُريد أن يسمعه ،فقالت لنفسها :األكاذيب
ونبيذ (الكرمة) َّ
الذهبي ،وأجابَته« :إنني إليني يا أبي ،و َمن غيرها؟».
يمينك يا حُلوتي .واآلن
ِ لث َم اللورد اإلصبع الصَّغير وجنتها ،وقال« :بعقلي و َجمال كات سيكون العالم ملك
إلى الفِراش».
وجدَت سانزا أن جرتشل أشعلَت نارًا في مستوقَدها ونف َشت حشيَّة فِراشها ال ِّريش ،فخل َعت ثيابها ودخلَت
تحت األغطية ،وترجَّت في قرارة نفسها :لن يُ َغنِّي اللَّيلة في وجود اللورد نستور واآلخَرين في القلعة ،لن
يجرؤ ،وأسدلَت جفنيها.
ُ
نسيت أن أقول للسير لوثور هزيع ما من اللَّيل استيقظَت إذ انض َّم إليها روبرت الصَّغير في الفِراش. ٍ وفي
أن يحبسه ثانيةً .لم يكن هناك ما يُمكنها أن تفعله ،فط َّوقته بذراعها قائلةًُ « :عصفوري الجميل ،يُمكنك أن
تبقى ،لكن حاول َّأال تتقلَّب .أغلِق عينيك ونَم أيها الصَّغير».
ت أ ِّمي اآلن؟».ق بها ووض َع رأسه بين ثدييها ،وسألَها« :إليني ،أأن ِ قال« :حاضر» ،والتص َ
أجابَتهُّ « :
أظن هذا».
ال أذى في أكذوب ٍة النِّيَّة منها الرَّأفة.
ابنة الكرا ِكن
ضجَّت القاعة بصخب رجال هارلو السَّكرانين ،كلُّهم من أبناء ُخؤولتها ،وكلُّ لورد منهم يُ َعلِّق رايته وراء
مجموعة الدِّكك التي يجلس عليها رجاله ،وقد تطلَّعت آشا جرايچوي إليهم من ال ُّشرفة مف ِّكرةً :قِلَّة قليلة
للغاية ،قِلَّة ال تُذ َكر .ثالثة أرباع الدِّكك كان شاغرًا.
كارل البِكر قال ما مؤ َّداه ال ُخالصة نفسها وهما على متن (الرِّيح السَّوداء) المقبلة من البحر ،إذ أحصى
ت عدد كاف» .لم يكن مخطئًا، السُّفن الطَّويلة الرَّاسية أسفل قلعة خالها ،ثم َز َّم فاه معلِّقًا« :لم يأتوا ،أو لم يأ ِ
مكان مفتوح حيث يُمكن أن يسمعها أفراد طاقمها .إنها ال ٍ تستطع أن تُؤَ ِّمن على كالمه في
ِ َّإال أن آشا لم
الجلي لل ِعيان
ِّ تشك في إخالصهم ،لكن حتى حديديِّي الميالد يتر َّددون في بذل حياتهم في سبيل قضيَّ ٍة من ُّ
أنها خاسرة.
ضيَّة ،وشجرة آل ستونتري أأصدقائي قالئل لهذه ال َّدرجة حقًّا؟ ضمن الرَّايات رأت سمكة آل بوتلي الف ِّ
الحجريَّة ،ولَ ِوياثان آل ڤولمارك األسود ،وأناشيط آل ماير .أ َّما البقيَّة فمناجل آل هارلو .يضع بورموند
بإطار له شكل ُشرفات الحصن ،والفارس أضافَ ٍ منجله على خلفيَّ ٍة زرقاء شاحبة ،ومنجل هوثو محاط
إلى منجليْه الطَّاووسيْن المبهر َجيْن رمز عائلة أ ِّمه ،عالوةً على راية سيجفريد ذي ال َّشعر الفضِّي التي
ضي تُظ ِهر منجليْن متعارضيْن على خلفيَّ ٍة مقسومة ب َمي ٍْل إلى لونين .وحده اللورد هارلو على رايته منجل ف ِّ
خالص على خلفيَّ ٍة بسواد اللَّيل ،تما ًما كما كانت تخفق في فَجر ال َّزمان .إنه رودريك الملقَّب بالقارئ ،سيِّد
(البروج العشرة) وسيِّد (هارلو) ،زعيم عائلة هارلو في (هارلو) ...والمفضَّل عندها من بين أشقَّاء أبيها
وأ ِّمها.
كان مقعد اللورد رودريك العالي شاغرًا أيضًا ،وقد تقاط َع فوقه منجالن من الفضَّة المطرَّقة ،هائالن حتى
إن واحدًا من العمالقة أنفسهم كان ليجد ُعسرًا في حملهما ،لكن تحتهما تستقرُّ الوسائد خاليةً .لم تندهش
ق غير العظام واألطباق المتَّسخة بال ُّدهون .اآلن آشا ،فالمأدبة انتهَت منذ م َّد ٍة طويلة ،وعلى الموائد لم يتب َّ
ط إلى صُحبة السَّكارى المشاكسين. ليس هناك في المكان َّإال من يشربون ،وخالها رودريك لم يكن مي ًَّاال قَ ُّ
التفتَت إلى ذات الثَّالث أسنان ،امرأة في أرذل العُمر تعمل وكيلةً لخالها منذ كانت تُدعى ذات االثنتي
عشرة ِسن ،وسألَتها« :خالي مع ُكتبه؟».
« -نعم ،وهل هناك غيرها؟» .المرأة طاعنة في ال ِّسنِّ لدرجة أن أحد السِّپتونات قال في م َّر ٍة إنها حت ًما
أرض َعت (العجوز) ،لكن ذلك كان في عهد التَّسا ُمح مع عقيدة اآللهة السَّبعة على الجُزر .اآلن يحتفظ خالها
بعد ٍد من السِّپتونات في (البروج العشرة) ،ليس من أجل خالص روحه وإنما من أجل ال ُكتب« .مع ال ُكتب
وبوتلي .هو أيضًا كان معه».
ضي على خلفيَّ ٍة خضراء باهتة ،وإن لم ت َر آشا راية بوتلي أيضًا معلَّقة في القاعة ،سرب من السَّمك الف ِّ
سفينته (ال َّزعنفة السَّريعة) وسط السُّفن الطَّويلة األخرى.
سمعت أن ع ِّمي عين ال ُغراب أغر َ
ق العجوز ساوان بوتلي». ُ قالت« :
« -أقص ُد اللورد تريستيفر بوتلي».
سأعرف قريبًا .لن يكون موقفًا مريحًا.
ُ تريس .تساءلَت ع َّما جرى البن ساوان األكبر هارن .ال َش َّ
ك أني
إنها لم ت َر تريس بوتلي منذ ...ال ،يجب َّأال تُس ِهب في التَّفكير في ذلك« .والسيِّدة أ ِّمي؟».
« -في فِراشها في (بُرج األرملة)».
نعم ،وهل هناك مكان غيره؟ األرملة التي استم َّد البُرج منها اسمه هي خالتها الليدي جوينيس ،التي أتَت
ترثي زوجها الذي ماتَ عند (الجزيرة القصيَّة) خالل تمرُّ د بالون جرايچوي األول ،ومعلوم أنها قالت
ألخيها« :سأبقى حتى ينتهي ِحدادي فقط ،مع أن المفت َرض حقًّا أن تكون (البُروج العشرة) لي ،ألني
أكبرك بسبعة أعوام» .سنوات طويلة مرَّت منذ ذلك الحين ،وظلَّت األرملة في ِحدادها ،وبين اآلن واآل َخر
تُتَمتِم أن القلعة من حقِّها .واآلن عند اللورد رودريك أخت أرملة ِشبه مجنون ٍة أخرى تحت سقفه .ال عجب
أنه يسعى إلى العزاء وسط ُكتبه .حتى اآلن يَصعُب استيعاب أن الليدي أالنيس السَّقيمة اله َّشة حيَّة بينما
ً
مثقال ماتَ زوجها اللورد بالون الذي بدا شديد الق َّوة والصَّالبة .عندما أبح َرت آشا إلى الحرب كان قلبها
ُمازحنا
أوال .اإلله الغريق ي ِ بالهَم ،وتخشى أن تموت أ ُّمها قبل عودتها ،ولم يَخطُر لها م َّرةً أن أباها سيموت ً
مزاحًا قاسيًا ،لكن البَشر أش ُّد قسوةً .عاصفة مفاجئة وحبل مقطوع ألقيا ببالون جرايچوي إلى مصرعه .أو
هكذا يَز ُعمون.
ً
شماال آخر م َّر ٍة رأت أ َّمها كانت حين توقَّفت في (البروج العشرة) لتعبئة المياه العذبة وهي في الطَّريق ِ
ط بنوع ال َجمال الذي يُثَ ِّمنه المغ ُّنون ،لكن لطالما أحبَّت لمها َجمة (ربوة الغابة) .لم تتمتَّع أالنيس هارلو قَ ُّ
ابنتها مالمحها الحا َّدة القويَّة وعينيها الضَّحوكتيْن ،على أنها في تلك ال ِّزيارة األخيرة وجدَت الليدي أالنيس
جالسةً على مقع ٍد مجاور للنَّافذة تحت كوم ٍة من الفرو ،تُ َحدِّق إلى البحر ،وتَذ ُكر آشا أنها تساءلَت في نفسها
ضا ،ولئن وهي تُقَبِّل وجنتها :أهذه أ ِّمي أم شبحها؟ كان ِجلد أ ِّمها رقيقًا كورق الرُّ قوق و َشعرها الطَّويل مبي ًّ
تبقَّى شيء من الكبرياء في الطَّريقة التي ترفع بها رأسها ،فقد بدَت عيناها منطفئتيْن غائمتيْن ،واختل َج فمها
ت بابني الصَّغير؟» .كان ثيون في العاشرة من العُمر حينما أُ ِخ َذ رهينةً وهي تسأل عن ثيون قائلةً« :هل أتي ِ
إلى (وينترفل) ،ويبدو أنه سيظلُّ هكذا دو ًما في مخيِّلة الليدي أالنيس .أجابَتها آشا مضط َّرةً« :ثيون لم يأ ِ
ت.
أبي أرسلَه يُغير على (السَّاحل الحجري)» ،فلم تر َّد الليدي أالنيس ،بل اكتفَت باإليماء برأسها ببُطء ،وإن
كان الجرح البليغ الذي أصابَتها به كلمات ابنتها جليًّا تما ًما.
ي أن أخبِرها بموت ثيون وأغمد في فؤادها خنجرًا آخَ ر .ث َّمة س ِّكينان مغروسان هناك بالفعل، واآلن عل َّ
ش اسما رودريك ومارون ،وكثيرًا ما يُ َم ِّزقان نياط قلب أ ِّمها في جوف اللَّيل .قالت آشا وعلى نصليهما نُقِ َ
لنفسها متعهِّدةً :سأراها غدًا .لقد قط َعت رحلةً طويلةً مر ِهقةً ،وليس بمقدورها أن تُ ِ
واجه أ َّمها اآلن.
خاطبَت ذات الثَّالث أسنان قائلةً« :يجب أن أتكلَّم مع اللورد رودريك .اعتني بأفراد طاقمي بمجرَّد أن
ينتهوا من تفريغ حمولة (الرِّيح السَّوداء) .سيكون معهم أسرى .أريدهم أن يناموا في أس َّر ٍة دافئة ويأكلوا
وجبةً ساخنةً».
ر َّدت العجوز« :هناك لحم بقري بارد في المطابخ ،وخردل في جرَّة حجريَّة كبيرة من (البلدة القديمة)»،
وجعلَها ِذكر ذلك الخردل تبتسم ،لتلوح ِس ٌّن بنِّيَّة طويلة واحدة متمسِّكة بلثتها.
قالت آشا« :لن يَصلُح هذا .رحلتنا كانت شاقَّةً ،وأري ُد شيئًا ساخنًا في بطونهم» ،ودسَّت إبهامها في الحزام
المرصَّع بالحديد المحيط ب َوركيها ،وأضافَت« :يجب َّأال يعوز الليدي جلوڤر وصغيريها الطَّعام أو الدِّفء
أبدًا .ضعيهم في بُرج وليس في ال َّزنازين .الرَّضيعة مريضة».
« -الرُّ ضَّع يمرضون طول الوقت ،ويموت معظمهم ويَشعُر النَّاس باألسف .سأسأ ُل سيِّدي أين أض ُع قوم
ال ِّذئاب هؤالء».
صته قائلةً بغلظة« :ستفعلين كما أقولُ ،وإذا ماتَت هذه أمس َكت أنف العجوز بين إبهامها وسبَّابتها وقر َ
فصاحت ذات الثَّالث أسنان بح َّد ٍة ووعدَت بأن تُطيع ،إلى أن أطلقَت َ منك»،
الرَّضيعة فلن يأسف أحد أكثر ِ
آشا سراحها وذهبَت إلى خالها.
جميل أن تمشي في هذه األروقة من جديد ،فلطالما ع َّدت آشا (البروج العشرة) بيتها أكثر من (پايك)،
توعندما رأتها أول م َّر ٍة ف َّكرت :ليست قلعةً واحدةً وإنما عشر قالع منحشرة معًا .ال تزال تَذ ُكر سباقا ٍ
الهثةً على السَّاللم وبطول مماشي األسوار والجسور المغطَّاة ،وصيد األسماك على (الرَّصيف الحجري
ضتها مستغرقةً في ثروة خالها من ال ُكتبَ .ج ُّد جدِّه هو من أقا َم القلعة التي تع ُّد الطَّويل) ،وأيا ًما وليال َي أم َ
األجدد على الجُزر ،وكان للورد ثيومور هارلو ثالثة أبنا ٍء ماتوا في المهد ،وقد ألقى اللَّوم على األقبية
المغمورة واألحجار الرَّطبة والنَّطرون الفاسد في (بهو هارلو) العريق ،أ َّما (البروج العشرة) فأحسن
تهويةً وأكثر راحةً وأفضل موقعًا...
ت منهن، رجال متقلِّب األطوار كما كانت أيٌّ من زوجاته لتشهد ،وقد كانت له ِس ٌّ ً لكن اللورد ثيومور كان
كلهن متباينات كأبراجه العشرة.
(بُرج ال ُكتب) أوسع العشرة ،مث َّمن األضالع ومشيَّد بقوالب ضخمة من الحجارة المنحوتة ،وساللمه مبنيَّة
داخل الجُدران السَّميكة .صعدَت آشا مسرعةً إلى الطَّابق الخامس حيث ال ُغرفة التي يقرأ فيها خالها .ولو
ب في يده ،سواء أكان هذا في أنه ال تو َجد ُغرف ال يقرأ فيها .نادرًا ما يُرى اللورد رودريك دون كتا ٍ
المرحاض أم على سطح سفينته (أغنيَّة البحر) أم في أثناء مقابالته ،وكثيرًا ما رأته آشا يقرأ على مقعده
ُنصت إلى ك ِّل حال ٍة تُط َرح عليه ويُص ِدر حُكمه ...ثم ينال قسطًا من العالي تحت المنجليْن الفضِّ يَّين ،في ِ
القراءة بينما يذهب قائد َحرسه لإلتيان بالملت ِمس التَّالي.
مائال على منضد ٍة عند نافذة ،تُحيط به مخطوطات ربما أتَت من (ڤاليريا) نفسها قبل هالكها ،و ُكتب وجدَته ً
بالجلد ولها مشابك من البرونز والحديد ،وعلى جانبيه تشتعل شموع سميكة طويلة كذراع ثقيلة مغلَّفة ِ
طويال أو قصيرًا ،وال ً رجل في شمعدانات حديديَّة من َّمقة .ليس اللورد رودريك هارلو بدينًا أو نحيفًا ،وال ٍ
ً
إجماال َّ ِّ
قبيحًا أو وسي ًما ،وله َشعر بنِّي كعينيه ،وإن شابَت اللحية القصيرة المشذبة التي تع َّود العناية بها.
يبدو الرَّجل تقليديًّا ،وال يُ َميِّزه َّإال حبُّه للكلمة المكتوبة ،وهو ما يع ُّده كثيرون ج ًّدا من حديديِّي الميالد تخنُّثًا
وانحرافًا.
أغلقَت الباب وراءها قائلةً« :خالي ،ما القراءة العاجلة التي تجعلك تَترُك ضيوفك بال مضيف؟».
قال(« :كتاب ال ُكتب المفقودة) لل ِمايستر الرَّئيس ماروين» ،ورف َع ناظريْه عن الصَّفحة يَر ُمقها متابعًا:
«هوثو أحض َر لي نُسخةً من (البلدة القديمة) .إن له ابنةً يُريدني أن أتز َّوجها» ،ونق َر اللورد رودريك على
فر طويل ،وأردفَ « :انظُري هنا ،ماروين يَز ُعم أنه عث َر على ثالث صفحات من (عالمات الكتاب بظُ ٍ
وآيات) ،الرُّ ؤى التي د َّونتها ابنة إينار تارجاريَن العذراء قبل أن يأتي الهالك (ڤاليريا) .هل تعرف الني
أنك هنا؟».
ِ
الني هو اسم التَّدليل الذي يُطلِقه على أ ِّمها ،ووحده القارئ يدعوها به .أجابَت آشا« :ليس بع ُد .دَعها
رسي وجل َست مستطردةً« :يبدو أن ذات الثَّالث أسنان فقدَت ٍّ تستريح» ،ونقلَت كومةً من ال ُكتب من على ُك
ِسنَّين أخريَيْن .هل تدعوها بذات ال ِّسنِّ الواحدة اآلن؟».
ونظر اللورد رودريك من َ « -نادرًا ما أدعوها على اإلطالق .تلك المرأة تُخيفني .ما السَّاعة اآلن؟»،
ت ،انتظرنا أناره القمر ،ثم أردفَ َ « :ح َّل الظَّالم بهذه السُّرعة؟ لم أالحظ .لقد تأ َّخر ِ
النَّافذة إلى البحر الذي َ
مجيئك منذ أيام».
ِ
وقلقت على أسراي ،زوجة روبت جلوڤر وطفاله .الصُّ غرى ال تزال رضيعةً ،ولبن ُ « -كانت ال ِّريح ضدنا
ف خالل رحلتنا ،فلم أجد خيارًا َّإال الرَّسو ب(الرِّ يح السَّوداء) على (السَّاحل الحجري) الليدي جلوڤر َج َّ
وبدال من هذا وجدوا عنزةً .الفتاة ليست في ص َّح ٍة طيِّبة .هل هناك ً مرضعة،
ِ وإرسال رجالي للعثور على
رضع في القرية؟ (ربوة الغابة) مه َّمة ل ُخططي». أُم تُ ِ
متأخرةً كثيرًا».
ِّ ت
ططك .لقد أتي ِ
ِ « -يجب أن تتب َّدل ُخ
متأخرة وجائعة» ،وم َّدت ساقيها الطَّويلتين تحت المنضدة وقلبَت صفحات أقرب كتا ٍ
ب إليها، قالتِّ « :
ضرة أحد السِّپتونات عن حرب ميجور المتو ِّحش على جماعة الصَّعاليك ،وأضافَت« :أوه ،وظمأى محا َ
بقرن من ال ِمزر اآلن يا خالي».
ٍ أيضًا .ال بأس
قائال« :تعلمين أنني ال أسم ُح بالطَّعام وال َّشراب في مكتبتي .ال ُكتب.»...
َز َّم اللورد رودريك شفتيه ً
أكملَت آشا عبارته ضاحكةً ...« :ربما يُصيبها أذى».
قطَّب خالها جبينه ،وقال« :تحبِّين استفزازي حقًّا».
رجال لم أستف َّزه قَ ُّ
ط ،والمفت َرض أنك تعلم هذا جيِّدًا .لكن ً َّ
تبدون متض ِّررًا هكذا .إنني لم ألتق « -أوه ،ال
كفى كال ًما عني .هل أنت بخير؟».
بعثت إلى (مير) أطلبُ عدسةً تُسا ِعدني على ُ هَ َّز كتفيه مجيبًا« :بخير بما فيه الكفاية .نظري يَضعُف.
القراءة».
« -وكيف حال خالتي؟».
تنهَّد اللورد رودريك ،وقال« :ما زالَت تكبرني بسبع سنوات ومقتنعةً بأن (البروج العشرة) يجب أن تكون
لها .أصب َحت جوينيس كثيرة النِّسيان ،لكن هذا ما ال تنساه أبدًا .إنها ترثي زوجي الميت بالحرارة نفسها
كيوم موته ،مع أنها ال تتذ َّكر اسمه دائ ًما».
أصال» ،وأغلقَت كتاب السِّپتون بق َّو ٍة متسائلةً« :هل قُ ِت َل
ً لست واثقةً بأنها كانت تعرف اسمه قالت آشاُ « :
أبي؟».
« -هذا ما تعتقده أ ُّم ِك».
ث َّمة أوقات معيَّنة كان ليُس ِعدها فيها أن تَقتُله بنفسها« .وما الذي يعتقده خالي؟».
« -بالون هوى إلى موته عندما انقط َع جسر من الحبال من تحته .كانت العاصفة ثائرةً والجسر يتمايَل
يهز كتفيه مضيفًا« :أو أن هذا ما قي َل لنا .أ ُّم ِك وص َل إليها طائر
ويتل َّوى مع ك ِّل هبَّة ريح» ،وعا َد رودريك ُّ
من ال ِمايستر ويندامير».
سحبَت آشا خنجرها من ِغمده وطفقَت تُنَظِّف ما تحت أظفارها من وسخ ،وقالت« :يغيب عين ال ُغراب
ثالثة أعوام ثم يعود يوم موت أبي تحديدًا».
« -في اليوم التَّالي كما سمعنا( .الصَّمت) كانت ال تزال في البحر عندما ماتَ بالون ،أو أن هذا ما يُقال،
ِّدك في أن عودة يورون ...لنقل إنها كانت في حينها».ومع ذلك أؤي ِ
علَّقت آشا« :لم أكن ألصفها هكذا» ،ثم إنها غر َست رأس خنجرها في المنضدة ،وقالت« :أين سُفني؟! لقد
أحصيت نحو أربعين من السُّفن الطَّويلة الرَّاسية باألسفل ،ليس عددًا يكفي ولو بعض ال َّشيء إلزاحة عين ُ
ال ُغراب عن ُكرسي أبي».
لك وأل ِّم ِك من حُب .عائلة هارلو اجتم َعت ،وكذا عائلتا باسمك ألجل ما أك ُّنه ِ
ِ ُ
أرسلت االستدعاءات « -لقد
ستونتري وڤولمارك وبعض عائلة ماير.»...
ُ
رأيت راية بوتلي وحيدةً من (پايك) في القاعة .أين سُفن « -كلُّهم من (هارلو) ...جزيرة واحدة من سبع.
سولتكليف وأوركوود؟ أين سُفن (ويك القديمة) و(ويك ال ُكبرى)؟».
ق رودريك (كتاب
« -بيلور بالكتايد أتى من (بالكتايد) يتشا َور معي وسرعان ما رح َل من جديد» ،وأغل َ
ال ُكتب المفقودة) مضيفًا« :إنه في (ويك القديمة) اآلن».
(« -ويك القديمة)؟» .كانت آشا تخشى أن يقول إنهم ذهبوا جميعًا إلى (پايك) ليُبايِعوا عين ال ُغراب« .لماذا
(ويك القديمة)؟».
ت .آرون ذو ال َّشعر الرَّطب دعا إلى انتخاب ملك».
حسبتك سمع ِ
ِ «-
ألقَت آشا رأسها إلى الوراء ضاحكةً ،ثم قالت« :ال بُ َّد أن اإلله الغريق َدسَّ سمكةً شائكةً في ُدبر الع ِّم
آرون .انتخاب ملك؟ أهذه ُدعابة أم أنه يعني ما يقول حقًّا؟».
ط منذ غرقَ ،ثم إن الرُّ هبان اآلخَرين تب ُّنوا ال َّدعوة؛ بيرون بالكتايد األعمى« -ذو ال َّشعر الرَّطب لم يمزح قَ ُّ
ك الصَّخرة التي يعيش عليها ليُبَ ِّشر بهذا االنتخاب وتارل الغارق ثالثًا ...حتى النَّورس الرَّمادي العجوز تر َ
في أنحاء (هارلو) .الرَّبابنة يجتمعون في (ويك القديمة) حاليًّا».
ق عين ال ُغراب على حضور تلك المهزلة المق َّدسة واإلذعان لقرارها؟». سألَته آشا مندهشةً« :هل واف َ
« -عين ال ُغراب ال يُطلِعني على قراراته .منذ استدعاني إلى (پايك) ألبايعه لم تصلني أخبار من يورون».
انتخاب ملك .شيء جديد هذا ...أو باألحرى شيء قديم للغاية« .وع ِّمي ڤيكتاريون؟ ما رأيه في فكرة ذي
ال َّشعر الرَّطب؟».
« -ڤيكتاريون أُعلِ َم بموت ِ
أبيك ،وبانتخاب الملك إياه أيضًا ال ريب ،لكني ال أدري أكثر من هذا».
ملك باالنتخاب أفضل من مجيئه بالحرب .قالت آشا« :أعتق ُد أني سأقبِّ ُل قد َمي ذي ال َّشعر الرَّطب مجيء ٍ
رغم رائحتهما الكريهة وألتقطُ طحالب البحر من بين أصابعهما» ،وانتزعَت خنجرها من خشب المنضدة
ملك لعين!». الغمد مضيفةً« :انتخاب ٍ ودسَّته في ِ
كنت أراج ُع (تاريخ حديديِّي الميالد) لهايرج. ُ كنت أصلِّي َّأال يكون لعينًا.
ُ « -في (ويك القديمة) ،وإن
ق أورون ابن ملك أطل َ
ٍ آخر م َّر ٍة في انتخاب عندما اجتم َع الملوك الملحيُّون والملوك الصَّخريُّون ِ
(أوركمونت) رجاله حاملي الفؤوس بينهم واصطبغَت ضلوع ناجا بحُمرة الدِّماء ،وبَعد ذلك اليوم الملعون
عام إلى أن جا َء األنداليُّون».
حك َمت عائلة جرايآيرون غير مختار ٍة طيلة ألف ٍ
« -يجب أن تُعيرني كتاب هايرج هذا يا خالي» .عليها أن تتعلَّم ك َّل ما يُمكنها عن انتخابات الملوك قبل
وصولها إلى (ويك القديمة).
َر َّد« :يُمكنك قراءته هنا .إنه قديم وهَش» ،وأمعنَ النَّظر إليها عاقدًا حاجبيْه ،وقال« :ال ِمايستر الرَّئيس
حدث من قبل سيَح ُدث ثانيةً
َ كتب يقول إن التَّاريخ عجلة ،ألن سليقة اإلنسان ال تتغيَّر أبدًا ،وإن ما ريجني َ
لت في طبيعة عين ال ُغراب ف َّكرت في هذه المقولة .إن ليورون جرايچوي وقعًا على بالضَّرورة .كلَّما تأ َّم ُ
هاتين األُذنين العجوزين ال يختلف عن أورون جرايآيرون .لن أذهب إلى (ويك القديمة) ،وال ينبغي ِ
لك أن
تذهبي كذلك».
ملك يُعقَد منذ ...منذ متى يا خالي؟».ابتس َمت آشا قائلةً« :ويفوتني أول انتخاب ٍ
« -أربعة آالف عام إذا ص َّدقنا هايرج ،أو نِصف تلك الم َّدة إذا قبلنا حُجج ال ِمايستر دنستان في (األسئلة).
َّ
الذهاب إلى (ويك القديمة) لن يُجدي نفعًا .ذلك الحُلم بال ُملك جنون في دمنا ،وهذا ما قلته ألبيك حين تمرَّد
أول مرَّة ،وكالمي أصدق اآلن مما كان آنذاك .إننا في حاج ٍة إلى األرض ال التِّيجان ،ومع تنافُس ستانيس
باراثيون وتايوين النستر على العرش الحديدي أمامنا فُرصة نادرة لتحسين أوضاعنا .لنأخذ هذا الجانب
ملك شكور».أو ذاك ونُعينه على النَّصر بأساطيلنا ونَحصُل على األراضي التي نحتاج إليها من ٍ
ق هذه الفكرة التَّفكير حالما أجلسُ على ُكرسي حجر اليم».
« -قد تستح ُّ
ط أن حك َمت امرأة لكنك لن تُختاري .لم يَح ُدث قَ ُّ
ِ تنهَّد خالها ،وقال« :لن تُريدي أن تسمعي هذا يا آشا،
ي،حديديِّي الميالد .جوينيس تكبرني بسبع سنوات بالفعل ،لكن حين ماتَ أبي انتقلَت (البروج العشرة) إل َّ
ولك ثالثة أعمام».
ت ابنة بالون ال ابنهِ ،
معك .أن ِ
ِ وسيَح ُدث ال ِمثل
« -ثالثة أعمام وخال».
« -ثالثة أعمام َكرا ِكن .أنا ال أُح َسب».
« -أنت محسوب عندي .ما دا َم معي خالي سيِّد (البروج العشرة) فمعي (هارلو)» .ليست (هارلو) أكبر
(جُزر الحديد) ،لكنها األغنى واألكثر عمارًا بال ُّس َّكان ،وسطوة اللورد رودريك ال يُستهان بها .ليس لهارلو
س في (هارلو) ،وصحي ٌح أن آل ڤولمارك وستونتري لهم أمالك كبيرة على الجزيرة ويتباهون من مناف ٍ
بربابن ٍة مشاهير و ُمحاربين أش َّداء من بين ظهرانيهم ،لكن حتى أقواهم ينحني تحت رمز المنجل ،أ َّما
زمن طويل وتح َّول أوالدهما إلى ٍ عائلتا كنينج وماير اللتان كانتا عد َّوين لدوديْن في الماضي فقد هُ ِز َمتا منذ
أتباع.
قال اللورد رودريك« :أبناء عمومتي مدينون لي بالطَّاعة ،وفي الحرب تكون سيوفهم وأشرعتهم تحت
إمرتي ،أ َّما في انتخاب الملك ،»...وهَ َّز رأسه مستدر ًكا« :تحت عظام ناجا يقف جميع الرَّبابنة سواسيةً.
أشك في هذا ،ولكنهم لن يكفوا ،وحين يُ َد ِّوي الهتاف لڤيكتاريون أو عين ُّ باسمك ،ال
ِ ربما يهتف بعضهم
بحري إلى تلك العاصفة. لك ثانيةً َّأال تُ ِ
ال ُغراب سينض ُّم بعض َمن يشربون اآلن في قاعتي إلى البقيَّة .أقو ُل ِ
معركتك يائسة».
ِ
« -ال معركة يائسة إلى أن تُخاض .ال َّدعوى األفضل دعواي .إنني وريثة بالون ومن صُلبه».
ق لالني َّإال ِك .سأضر ُم النَّار في (الرِّيح السَّوداء) إذا
ت طفلةً عنيدةً .ف ِّكري في أ ِّم ِك البائسة .لم يتب َّ
« -ما زل ِ
لز َم األمر ألُ ِ
بقيك هنا».
« -وتجعلني أسب ُح إلى (ويك القديمة)؟».
أبوك كان يتمتَّع بال َّشجاعة أكثر من
ِ « -ستكون سباحةً طويلةً باردةً من أجل ٍ
تاج ال تستطيعين االحتفاظ به.
الحكمة .لقد نف َع النَّهج القديم جُزرنا حين كنا مملكةً واحدةً صغيرةً من بين كثيرات ،لكن غزوة إجون
ي أمامه ،أن النَّهج القديم ماتَ مع هارن األسود وأبنائه».رفض أن يرى الجل َّ
َ وض َعت نهايةً لذلك .بالون
ضلِّل نفسها ،ذلك أن بالون كان أعمى في بعض حاول أن تُ َ
أعرف هذا» .لقد أحبَّت آشا أباها لكنها لم تُ ِ
ُ «-
النَّواحي بالفعل .رجل ُشجاع لكن حاكم سيِّئ« .أيعني هذا أن علينا أن نعيش ونموت خد ًما للعرش
الحديدي؟ إذا كانت هناك صخور إلى ميمنة السَّفينة وعاصفة إلى ميسرتها فالرُّ بَّان الحكيم يختار مسا ًرا
ثالثًا».
« -أريني ذلك المسار الثَّالث».
تفكير في عدم الحضور؟ سيكون هذا تاري ًخا
ٍ « -سأفع ُل ...في انتخاب الملكة .خالي ،كيف تُفَ ِّكر مجرَّد
حيًّا.»...
ض ُل التَّاريخ ميتًا .التَّاريخ الميت مكتوب بالحبر ،أ َّما الحي فبال َّدم».
« -أف ِّ
« -أتُريد أن تموت عجو ًزا جبانًا في سريرك؟».
ذهب إلى النَّافذة
َ قال اللورد رودريك« :وهل هناك غير هذا؟ ولكن ليس قبل أن أفرغ من القراءة» ،ثم
والدتك».
ِ مردفًا« :لم تسألي عن السيِّدة
كنت خائفةً« .كيف حالها؟». ُ
ت على هذه الحماقة .إنها أنك ستموتين قبلها إذا أصرر ِ « -أقوى .ربما تظلُّ حيَّةً بَعد موتنا جميعًا ،ومؤ َّكد ِ
تأكل أكثر مما كانت عندما أتَت هنا ،وكثيرًا ما تنام اللَّيل بطوله».
« -عظيم» .في سنينها األخيرة في (پايك) جافى النَّوم الليدي أالنيس ،واعتادَت أن تجوب األروقة
تعال
َ ت حاد« :مارون؟ رودريك ،أين أنت؟ ثيون يا صغيري، ليال بحثًا عن أبنائها ،فتُنادي بصو ٍ واألبهاء ً
ت عديدة شاهدَت آشا بينما أخر َج ال ِمايستر ال َّشظايا من كعبَي أ ِّمها في الصَّباح بَعد أن إلى أ ِّمك» .مرَّا ٍ
عب َرت الجسر الخشبي المتمايل إلى (بُرج البحر) بقدمين حافيتين« .سأراها في الصَّباح».
« -ستسأل عن ثيون».
أمير (وينترفل)« .ماذا قلت لها؟».
أجاب« :أق َّل القليل .لم يكن هناك ما يُقال» ،وتر َّدد لحظةً قبل أن يسألها« :أأن ِ
ت واثقة بأنه ماتَ ؟». َ
لست واثقةً بشيء». ُ «-
« -هل وجدتم جثَّةً؟».
ث كثيرة .ال ِّذئاب سبقَتنا إلى هناك ...ذئاب من النَّوع ذي األربع سيقان ،لكنها لم تُب ِد« -وجدنا أجزا ًء من جُث ٍ
مكان ومكسورةً الستخالص ال ُّنخاع. ٍ تقديرًا ألقربائها ذوي السَّاقين .كانت عظام القتلى متناثرةً في كلِّ
حدث هناك عصيَّة .لقد بدا كأن ال َّشماليِّين قاتَلوا بعضهم بعضًا».
َ ُ
أعترف بأن معرفة ما
قال اللورد رودريك« :ال ِغربان تتقاتَل على لحم الموتى ويَقتُل بعضها بعضًا من أجل التهام أعيُنهم»،
وح َّدق إلى البحر مشاهدًا تراقُص نور القمر على األمواج ،وأردفَ « :كان لنا ملك واحد ثم خمسة ،واآلن
ال أرى َّإال ِغربانًا تتنازَع على جثَّة (وستروس)» ،وأغل َ
ق النَّافذة مضيفًا« :ال تذهبي إلى (ويك القديمة) يا
ً
طويال». آشا ،ابقي مع أ ِّم ِك .أخشى أنها لن تظ َّل معنا
اعتدلَت آشا في جلستها ،وقالت« :أ ِّمي ربَّتني على أن أكون جريئةً .إذا لم أذهب سأقضي بقيَّة حياتي
ُ
ذهبت». أسائ ُل نفسي ع َّما كان ليَح ُدث لو
حياتك أقصر من أن تقضيها في التَّساؤل». ِ ت فربما تكون بقيَّة« -إذا ذهب ِ
ُ
لست جوينيس». مر من أن ُكرسي حجر اليم حقِّي .إنني « -ذلك أفضل من أن أظ َّل أشكو ما تبقَّى لي من ُع ٍ
طعام للسَّراطين عند
ٍ جعل قولها مالمحه تتقلَّص انزعاجًا ،وقال« :آشا ،ابناي الطَّويالن تح َّوال إلى َ
يك وريثةً ل(البروج العشرة) .اقنعي محتمال أن أتز َّوج ثانيةً .ابقي وسأس ِّم ِ
ً (الجزيرة القصيَّة) ،وليس
بهذا».
(« -البروج العشرة)؟» .ليتني أستطي ُع« .لن يروق هذا أبناء عمومتك؛ الفارس وسيجفريد العجوز وهوثو
األحدب.»...
« -إن لهم أراضيهم ومقرَّاتهم الخاصَّة».
العطن ينتمي إلى العجوز سيجفريد هارلو ذي ال َّشعر الفضِّ ي ،وهوثو ِ صحيح( .بهو هارلو) الرَّطب
ُرف على السَّاحل الغربي ،والفارس السير هاراس هارلو بالطه األحدب مقرُّ ه في (بُرج البريق) فوق ج ٍ
في (الحديقة الرَّماديَّة) ،وبورموند األزرق يَح ُكم من على ق َّمة (تَل هاريدان) ،لكن جميعهم خاضع للورد
ضي عنده أحفاد ،وهوثو عنده رودريك .قالت آشا« :بورموند عنده ثالثة أبناء ،وسيجفريد ذو ال َّشعر الف ِّ
طُموحات .كلُّهم يسعون إلى خالفتك ،حتى سيجفريد .ذلك الرَّجل ينوي أن يعيش إلى األبد».
َر َّد خالها« :الفارس سيُص ِبح سيِّد (هارلو) من بَعدي ،لكنه يستطيع أن يَح ُكم من (الحديقة الرَّماديَّة)
وسيحميك».
ِ بالسُّهولة نفسها .قدِّمي للسير هاراس فروض الوالء من أجل القلعة
ضت مضيفةً: قالت« :يُمكنني أن أحمي نفسي .إنني كرا ِكن يا خالي ،آشا سليلة عائلة جرايچوي» ،ونه َ
ي أبي ال ُكرسيَّك .منجالك هذان يبدوان خطريْن ،وقد يَسقُط أحدهما ويقطع رأسي .ال ،سأجلسُ «أري ُد ُكرس َّ
على ُكرسي حجر اليم».
ب آ َخر يَصرُخ مريدًا الجيفة» ،وعا َد يجلس مردفًا« :اذهبي. ت مجرَّد ُغرا ٍقال اللورد رودريك« :إذن فأن ِ
أري ُد أن أعود إلى ماروين وبحثه».
« -أعلِمني إذا عث َر على صفح ٍة أخرى» .خالها هو خالها ولن يتغيَّر أبدًا ،لكنه سيأتي إلى (ويك القديمة)
ب َغضِّ النَّظر عن كالمه.
ال بُ َّد أن أفراد طاقمها يتنا َولون طعامهم في القاعة اآلن ،وتعلم آشا أن عليها أن تنض َّم إليهم لتتكلَّم عن هذا
ضا،
االجتماع في (ويك القديمة) وما يعنيه لهم .سيقف رجالها وراءها راسخين ،لكنها ستحتاج إلى البقيَّة أي ً
أبناء خؤولتها من عائلة هارلو وآل ڤولمارك وآل ستونتري .هؤالء َمن يجب أن أكسبهم .سينفعها
انتصارها في (ربوة الغابة) حالما يبدأ رجالها في التَّفا ُخر به ،وهي تعرف أنهم سيفعلون .يج ُد رجال طاقم
(الرِّيح السَّوداء) نوعًا منحرفًا من الفخر بمآثر ُربَّانتهم .نِصفهم يحبُّها كابن ٍة والنِّصف اآلخَر يُريد أن يفتح
ساقيها ،لكن كال الصَّنفيْن مستع ٌّد للموت من أجلها .وأنا من أجلهم ،قالت لنفسها وهي تَخرُج من الباب عند
قاعدة السَّاللم إلى السَّاحة المضاءة بنور القمر.
وهناك خر َج ِظ ٌّل من وراء البئر ً
قائال« :آشا؟».
معطف من ِجلد
ٍ رجل في
ٍ ذهبَت يدها إلى خنجرها من فورها ...ثم إن نور القمر ح َّول التَّكوين األسود إلى
الفقمات .شبح آخَر« .تريس ،حسبتني سأجدك في القاعة».
أراك».
ِ ُ
أردت أن«-
ي جز ٍء مني يا تُرى؟ حسن ،هأنذي ،بالغة راشدة .انظُر كما تشاء».قالت بابتسام ٍة عريضة« :أ َّ
دنا منها ً
قائال« :امرأة ،وجميلة».
امتألَ جسد تريستيفر بوتلي منذ ِ
آخر م َّر ٍة رأته ،ولكن ما زا َل له ال َّشعر األشعث نفسه الذي تَذ ُكره ،والعينين
بحق .وتلك مشكلة تريستيفر المسكين ،أنه أطيب الواسعتين الصَّادقتين كعيون كالب البحر .عينان طيِّبتان َ
قلبًا من أن يكون من بني (جُزر الحديد) .أصب َحت مالمحه وسيمةً .في ِ
صباه ابتُلِ َي تريس بالبثور ،وقا َست
اجتذب كالهما إلى اآلخَر.
َ آشا البلوى نفسها ،ولع َّل هذا ما
ُ
سمعت بما جرى ألبيك». ُ
أسفت ل َّما قالت« :
أبيك».
« -وأنا حزين على ِ
كادَت تسأله :لماذا؟ بالون هو من صرفَ الصَّبي من (پايك) ليغدو ربيب بيلور بالكتايد« .أصحي ٌح أنك
اللورد بوتلي اآلن؟».
بسهم مسموم .لكني
ٍ « -اس ًما على األقل .هارن ماتَ عند (خندق كايلن) ،أحد شياطين المستنقعات أصابَه
ق عين ال ُغراب في ُكرسي حجر اليم أغرقَه وجع َل أعمامي ي ِ
ُقسمون له ال أتسيَّ ُد شيئًا .عندما أنك َر أبي َح َّ
ض َّم نِصف أراضي أبي إلى (األ َجمة الحديديَّة) ،ألن اللورد وينش كان أول
على الوالء ،وحتى بَعد ذلك َ
من يركع له ويدعوه بالملك».
صت على عدم إظهار انزعاجها وهي تقول« :وينش لم يتح َّل لعائلة وينش نفوذ في (پايك) ،لكن آشا حر َ
ط» . ب َشجاعة أبيك قَ ُّ
قال تريس« :ع ُّم ِك اشتراه( .الصَّمت) عادَت بمخازن مكتظَّة بالكنوز؛ دروع وآللئ ،زمرُّ د وياقوت،
صفِّير بحجم البيض ،أجولة من العُملة ثقيلة لدرجة أن ال رجل يستطيع أن يرفعها ...عين ال ُغراب يشتري
رجاال ذات اليمين وذات ال ِّشمال .ع ِّمي جرموند يُ َس ِّمي نفسه اللورد بوتلي اآلن ،ويَح ُكم في (لوردزپورت) ً
باعتباره رجل ع ِّم ِك».
قالت له مطم ِئنةً« :أنت اللورد بوتلي ال َّشرعي .بمجرَّد أن أجلس على ُكرسي حجر اليم سأعي ُد أراضي
أبيك».
إنك امرأة بالغة اآلن،
ت .األمر ال يعنيني في شيء .تبدين رائعة ال َجمال في نور القمر يا آشاِ . « -إذا أرد ِ
ت فتاةً نحيلةً بوج ٍه مليء بالبثور».
لكني أذك ُر عندما كن ِ
صبية لماذا يصرُّ ون على ِذكر البثور دو ًما؟ «أذك ُر هذا أيضًا» .وإنما ليس بالحنين ذاته ِمثلك .من بين ال ِّ
الخمسة الذين جلبَتهم أ ُّمها إلى (پايك) لتُ َربِّيهم -بَعد أن أخ َذ ند ستارك ابنها الحي األخير رهينةً -كان تريس
صبي قبَّلته ،لكنه كان أول من يحلُّ أربطة سُترتها ويدسُّ يده المبلَّلة
ٍّ األقرب إلى آشا في السِّن .لم يكن أول
بال َعرق ليتح َّسس ثدييها الصَّغيريْن.
ظت رغبتها ،لكن حتى كنت ألسمح له بتحسُّس المزيد لو تجرَّأ كفايةً .لقد أزه َرت في أثناء الحرب واستيق َ ُ
قبل ذلك كانت آشا تحسُّ بالفضول .كان موجودًا ،كان في ِسنِّي وراغبًا ...هذا كلُّ ما في األمر ...باإلضافة
إلى النَّزيف القمري .وعلى الرغم من ذلك س َّمته ُحبًّا ،إلى أن را َح تريس يتكلَّم عن األبناء الذين ستحملهم
له ،دستة منهم على األقل ...أوه ،وبعض الفتيات أيضًاَّ ،إال أنها قالت له مذعورةً« :ال أري ُد أن أنجب دستةً
يمض وقت طويل بَعدها حتى ضبطَهما ال ِمايستر كالن يلعبان، ِ من األبناء ،أري ُد أن أخوض مغا َمرات» .لم
رس َل تريستيفر بوتلي الصَّغير إلى (بالكتايد). وأُ ِ
مالحًا على سفين ٍة تجاريَّةنقدت َّ
ُ ُرسلها .في م َّر ٍة
رفض أن ي ِ
َ لك رسائل ،لكن ال ِمايستر چوزران قالُ « :
كتبت ِ
يدك». ضيًّا ووعدَني بأن يضع الرِّسالة في ِ متَّجهة إلى (لوردزپورت) ً
أيال ف ِّ
المالح خدعَك وألقى رسالتك في البحر». َّ « -
رسائلك كذلك».
ِ « -هذا ما خشيته .إنهم لم يُعطوني
ُرفَ تريس ،ففي ذلك الحين كانت قد بدأت ألني لم أكتب أ َّ
ي رسائل .الحقيقة أنها أحسَّت بالرَّاحة عندما ص ِ
تَشعُر بالملل من عبثه بصدرها ،لكن ذلك ليس بال َّشيء الذي يرغب في سماعه ،وهكذا قالت« :آرون ذو
ال َّشعر الرَّطب دعا إلى انتخاب ملك .هل ستأتي وتتح َّدث نيابةً عني؟».
ُّ
ويظن أن معك ،لكن ...اللورد بالكتايد يقول إن انتخاب الملك هذا حماقة خطرة،
ِ مكان
ٍ ي
« -سأذهبُ إلى أ ِّ
ُهاجمهم ويَقتُلهم جميعًا كما فع َل أورون».
ع َّم ِك سي ِ
إنه مجنون بما يكفي ألن يفعلها« .إنه ال يملك الق َّوة».
جلب له عشرين سفينةًَ لكنك تجهلين ق َّوته .إنه يجمع ال ِّرجال في (پايك) .أوركوود سيِّد (أوركمونت) ِ «-
َّ
والمالح طويلةً ،وچون ماير ذو الوجه المسحوب دستةً .لوكاس كود األعسر معهم ،وهارن النِّصف هور،
األحمر ،وكيميت پايك النَّغل ،ورودريك المولود ُح ًّرا ،وتوروولد ذو السِّن البنِّيَّة.»...
قالت آشا التي تعرفهم جميعًا« :رجال ضئيلو ال َّشأن ،أبناء ال َّزوجات الملحيَّات وأحفاد األقنان .آل كود...
هل تعرف كلماتهم؟».
أوقعوك في شباكهم فستموتين كما لو أنهم من سادة ِ أجاب تريس« :مع أن ك َّل النَّاس يحتقروننا ...لكن إذاَ
جلب معه وحو ًشا من ال َّشرق ...نعم ،وسحرةً أيضًا». َ التَّنانين .وث َّمة ما هو أسوأ .عين ال ُغراب
« -لطالما كان ع ِّمي مولعًا بالمسوخ والحمقى .كثيرًا ما تشاج َر أبي معه في هذا الصَّدد .دَع السَّحرة
ُغرقهم .هل سأحظى بصوتك في انتخاب الملكة يا يبتهلون آللهتهم وسيبتهل ذو ال َّشعر الرَّطب إللهنا وي ِ
تريس؟».
والدتك بالفعل».
ِ جك يا آشا .لقد وافقَت السيِّدة
رجلك إلى األبد .أري ُد أن أتز َّو ِ
ِ « -ستحظين بي كلِّي .إنني
استنكار مف ِّكرةً :كان يُمكنك أن تسألني ً
أوال ...مع أن الجواب لم يكن ليروقك. ٍ كت َمت آهة
ت.»...
بنفسك ،وأن ِ
ِ واص َل هو« :لم أعد ابنًا ثانيًا .إنني اللورد بوتلي ال َّشرعي كما قل ِ
ت
« -ما سأكونه أنا سيتح َّدد في (ويك القديمة) .تريس ،إننا لم نَعُد طفلين يلعبان وي ِ
ُحاوالن أن يريا ماذا
يوضع أين .إنك تحسب أنك تُريد أن تتز َّوجني ،لكنك ال تُريد حقًّا».
بسواك .آشا ،أقس ُم بعظام ناجا أنني لم ألمس امرأةً أخرى».
ِ « -لكني أري ُد .إنني ال أحل ُم
رجاال أكثر مما أستطي ُع أن أحصي، ً ُ
لمست « -اذهب والمس واحدةً إذن ...أو اثنتين ،أو عشرًا .عن نفسي
َّار أشقر جميل الطَّلعة على بعضهم بشفتَي والمزيد بفأسي» .في ِسنِّ السَّادسة عشرة سلَّمت آشا بتولتها لبح ٍ
ت ستًّا من اللُّغة العاميَّة ،لكن «مضا َجعة» كانت واحدةً سفين ٍة تجاريَّة من (لِيس) .لم يكن يعرف َّإال كلما ٍ
بعقل وذهبَت إلى ساحرة غاب ٍة أ َرتها كيف تع ُّدٍ منها ،الكلمة التي أملَت أن تسمعها تحديدًا .بَعدها تصرَّفت
شاي القمر كي ال ينتفخ بطنها.
ً
سائال: ك فمهخلتك ستنتظرين .لماذا ،»...وفر َ ِ ت...
ق بوتلي إليها كأنه لم يستوعب ما قالته ،وقال« :أن ِ حمل َ
ت مرغمةً؟». «آشا ،هل كن ِ
قت سُترته .لست تُريد أن تتز َّوجني ،ثِق بكلمتي .أنت صب ٌّي طيِّب ولطالما كنت مرغمةً لدرجة أني م َّز ُ ُ «-
لست بنتًا طيِّبةً .إذا تز َّوجنا فسرعان ما ستكرهني».ُ كنت كذلك ،لكني
إليك يا آشا».
« -مستحيل .لقد آل َمني االشتياق ِ
ي امرأ ٍة ويزيد، قرَّرت أنها سم َعت ما فيه الكفاية .أُم مريضة وأب قتيل ووبال من األعمام ،كلُّ هذا يكفي أ َّ
وليست في حاج ٍة إلى جر ٍو أضناه الغرام أيضًا .هكذا قالت« :اذهب إلى ماخور يا تريس وسيُعا ِلجنك هناك
من هذا األلم».
ُ
علمت دو ًما ت قدرنا أن نكون معًا يا آشا .لقد هَ َّز تريستيفر رأسه نفيًا ً
قائال« :ال يُمكنني أبدًا أن ...أنا وأن ِ
ق بيده على عضدها. أنك ستصيرين زوجتي وأُم أبنائي» ،وأطب َ ِ
ي أبناء، وإال لن تعيش لتُ ِ
نجب أ َّ عين كان خنجرها على َحلقه وكلماتها في أُذنيه« :ارفع يدك َّ وفي غمضة ٍ
ضت السِّالح قائلةً« :تُريد امرأةً ،ال بأس ،سأض ُع واحدةً في فِراشك اللَّيلة .تظاهَر اآلن» ،ول َّما فع َل خف َ
ي ثانيةً .إنني ملكتك ال زوجتك ،تذ َّكر
بأنها أنا إذا كان هذا سيسرُّ ك ،لكن إياك أن تتجرَّأ وتضع يدك عل َّ
هذا» ،وأغمدَت آشا خنجرها وتر َكته واقفًا هناك بقطر ٍة كبيرة من ال َّدم تسيل على ُعنقه ،سوداء في نور
القمر ال َّشاحب.
سرسي
قالت چوسلين سويفت وهي تعقد أربطة فُستان الملكة« :أوه ،أرجو َّأال تجعل اآللهة المطر يَسقُط على
زفاف الملك».
« -ال أحد يُريد المطر» .عن نفسها تُريد سرسي ثلوجًا وجليدًا ،ريحًا تعوي ورعدًا يرجُّ أحجار (القلعة
الحمراء) ذاتها ،تُريد عاصفةً تُضاهي الثَّورة في داخلها .قالت لچوسلين« :أكثر ،أح ِكمي َش َّد األربطة أكثر
أيتها البلهاء المتملِّقة».
ال ِّزفاف مصدر غضبها الحقيقي ،وإن كانت ابنة سويفت بطيئة البديهة تُ َش ِّكل هدفًا أكثر أمنًا تصبُّ عليه
هذا الغضب .قبضة تومن على العرش الحديدي لي َست ُمحكمةً بما يكفي ألن تُق ِدم على إهانة (هايجاردن)،
ليس وستانيس باراثيون لم يزل مسيطرًا على (دراجونستون) و(ستورمز إند) ،و(ريڤر َرن) مستمرَّة في
تح ِّديها ،والحديديُّون يجوبون البحار كال ِّذئاب .هكذا على چوسلين أن تأكل الوجبة التي كانت سرسي تُؤ ِثر
أن تُقَدِّمها لمارچري تايرل وج َّدتها المتغضِّنة المقيتة.
من أجل إفطارها أرسلَت الملكة إلى المطابخ تَطلُب بيضتين مسلوقتين ورغيفًا من ال ُخبز ووعا ًء من
العسل ،لكن حين ق َّشرت أول بيض ٍة ووجدَت في داخلها كتكوتًا داميًا نِصف مكتمل التَّكوين انقلبَت معدتها،
وأحضري لي نبي ًذا متب ًَّال ساخنًا» .كان البرد في الهواء يَن ُخر عظامها ،وما َ
زال ِ وقالت لسينلُ « :خذي هذا
أمامها يوم طويل كريه.
كما أن چايمي لم يُسا ِعد على تحسين مزاجها عندما جا َء مرتديًا األبيض دون أن يحلق لحيته ،ليُ َحدِّثها عن
ً
رجاال في المطبخ يُراقِبون بينما يع ُّد كلُّ التَّدابير التي اتَّخذها للحيلولة دون تسميم ابنها ،فقال« :سأض ُع
صنف ،وسيصحب رجال السير أدام الخدم وهُم يحملون الطَّعام إلى الموائد ليتأ َّكدوا من عدم التَّال ُعب به
صنف قبل أن يضع تومن لُقمةً في فمه .وإذا لم ينجح شيء من ٍ في الطَّريق ،والسير بوروس سيتذ َّوق ك َّل
هذا سيكون ال ِمايستر باالبار جالسًا في نهاية القاعة ومعه عقاقير مطهِّرة وترياقات لعشرين نوعًا معروفًا
أعدك بأن تومن سيكون آمنًا». ِ من السُّموم.
« -آمنًا» .كان للكلمة مذاق ُم ٌّر على لسانها .چايمي ال يفهم ،ال أحد يفهم .وحدها ميالرا كانت موجودةً في
زمن طويل« .تيريون لن ٍ الخيمة لتسمع العجوز ال َّشمطاء تُلقي تهديداتها بنبر ٍة كالنَّعيق ،وميالرا ماتَت منذ
يَقتُل بالوسيلة نفسها مرَّتين ،إنه أمكر من أن يفعل ذلك .ربما يكون تحت األرضيَّة اآلن تحديدًا ،يتنصَّت
طط لذبح تومن». على ك ِّل كلم ٍة يقولها ويُ َخ ِّ
جدال أن هذا صحيح .أيًّا كانت ال ُخطط التي يضعها سيظلُّ صغيرًا قصيرًا ،وتومن قال چايمي« :لنفترض ً
سيكون محاطًا بخيرة فُرسان (وستروس) .رجال ال َحرس الملكي سيحمونه».
س فوق َجدعته ،ور َّدت« :أذك ُر ي ُك ُّم سُترة أخيها الحرير البيضاء وثُبِّتَ بدبُّو ٍ نظ َرت سرسي إلى حيث طُ ِو َ
كم أحسنَ فُرسانك المغاوير هؤالء حماية چوفري .أريدك أن تبقى مع تومن طوال اللَّيل ،مفهوم؟».
« -سأض ُع حارسًا أمام بابه».
أطبقَت على ذراعه قائلةً« :ال ُحرَّاس ،أنت ،وداخل ُغرفة نومه».
« -في حال خروج تيريون من المستوقَد؟ لن يَح ُدث».
« -هذا ما تقوله أنت .هل ستُخبِرني بأنك عثرت على جميع األنفاق الخفيَّة وراء هذه الجُدران؟» .كالهما
يعلم أن ذلك مستب َعد« .لن أسمح لمارچري باالنفراد بتومن ولو لجز ٍء من لحظة».
« -لن يكونا وحدهما ،بنات عمومتها سيكن معهما».
« -وأنت أيضًا .آمرك بهذا باسم الملك».
ش واحد على اإلطالقَّ ،إال أن آل تايرل أصرُّ وا ،وقالت لم تكن سرسي تُريد أن ينام تومن وزوجته في فِرا ٍ
ملكة األشواك« :المفت َرض أن ينام ال َّزوج وال َّزوجة معًا حتى إذا لم يفعال ما هو أكثر من النَّوم .مؤ َّكد أن
سرير جاللته يسع اثنين ،أليس كذلك؟».
طفلين يستدفئ كالهما باآلخَر في اللَّيل ،سيجعلهما هذا أقرب. أيَّدت الليدي آليري حماتها قائلةً« :دَعي ال ِّ
شارك مارچري بنات عمومتها فِراشها ،ويُ َغنِّين ويلعبن ويتها َمسن األسرار بَعدما تنطفئ كثيرًا ما تُ ِ
ال ُّشموع».
ر َّدت سرسي« :يا للبهجة .يُمكنهن االستمرار في هذا بالطَّبع ...في (قفص العذراوات)».
قالت الليدي أولينا لليدي آليري« :أنا واثقة بأن جاللتها تعرف األصلح .إنها أُم الصَّبي في النِّهاية ،ونحن
من هذا متأ ِّكدون .ال بُ َّد أننا نستطيع االتِّفاق على ليلة ال ِّزفاف على األقل ،أليس كذلك؟ ال ينبغي أن ينام
العريس وعروسه منفصليْن ليلة زفافهما .فأل سيِّئ لزواجهما أن يفعال».
مك معنى الفأل السيِّئ ،لكنها وجدَت نفسها مرغمةً على أن تقول: تعهَّدت الملكة في نفسها :يو ًما ما سأعلِّ ِ
«يُمكن لمارچري أن تنام في ُغرفة تومن تلك اللَّيلة فقط ،لكن ليس أكثر من ذلك».
جاللتك شديدة الكرم» ،وتباد َل الجميع االبتسامات.
ِ ر َّدت ملكة األشواك« :
كانت أصابع سرسي مغروسةً في ذراع چايمي بق َّو ٍة كفيلة بترك كدما ٍ
ت وهي تُ ِ
واصل« :أري ُد عينين داخل
تلك ال ُغرفة».
الجماع ليس واردًا ألن تومن صغير للغاية».
« -لرؤية ماذا؟ خطر ِ
« -وأوسيفر پلوم كان ميتًا للغاية ،لكن هذا لم يمنعه من إنجاب طفل!».
ال َحت الحيرة على أخيها إذ قالَ « :من أوسيفر پلوم؟ هل كان أبا اللورد فيليپ أمَ ...من؟».
أقسم لي أنك جاهال كروبرت .عقله ك ُّله كان في يد السَّيفَ « .
انس پلوم .تذ َّكر فقط ما قلته لكِ . ً يكاد يكون
شرق ال َّشمس».ستبقى إلى جانب تومن حتى تُ ِ
قال بلهج ٍة تُوحي بأنه يرى مخاوفها بال مبرِّر« :كما تأمرين .أما زل ِ
ت تنتوين المض َّي في إحراق (بُرج
اليد)؟».
« -بَعد المأدبة» .إنه الجزء الوحيد من احتفاالت اليوم الذي تعتقد سرسي أنها ستستمتع به« .السيِّد والدنا
قُتِ َل في هذا البُرج وال أطي ُ
ق النَّظر إليه .إذا شا َءت اآللهة ستدفع النَّار بعض الجرذان إلى الخروج من
األنقاض».
د َّور چايمي عينيه ً
قائال بملل« :تعنين تيريون».
« -هو واللورد ڤارس وذلك ال َّسجَّان».
فت جي ًشا صغيرًا بالتَّنقيب فيه بالمعاول والمطارق، « -لو كان أيُّهم مختبئًا في البُرج لوجدناه .لقد كلَّ ُ
ت واكتشفنا عشرات الممرَّات الس ِّريَّة». وهدمنا جُدرانًا وحطَّمنا أرضيَّا ٍ
« -وربما تكون هناك عشرات الممرَّات األخرى» .بعض األنفاق الس ِّريَّة وجدوه صغيرًا للغاية ،حتى إن
چايمي لجأ َ إلى عد ٍد من الخدم وصبيان االسطبالت الستكشافها ،وأسفر البحث عن ممرٍّ إلى ال َّزنازين
وبئر حجريَّة تبدو بال قرار ،باإلضافة إلى حُجر ٍة مألى بالجماجم والعظام المصفرَّة ،وأربعة ٍ السَّوداء
ضيَّة المعيوبة من عهد الملك ڤسيرس األول ،ناهيك بآالف الجرذان ...لكن ال أجول ٍة من العُمالت الف ِّ
تيريون وال ڤارس كانا بينها ،وفي النِّهاية أص َّر چايمي على وضع نهاي ٍة للبحث .أحد الصِّبية انحش َر في
ممرٍّ ضيِّق واضطرُّ وا إلى سحبه من قدميه وهو يَصرُخ ،وآ َخر سقطَ في بئر سُلَّم وكس َر ساقه ،واختفى
حارسان بينما يستكشفان نفقًا جانبيًّا .أقس َم بعض ال ُحرَّاس اآلخَرون أنهم سمعوا صياحهما الخافت عبر
الجدار لم يجدوا على الجانب اآلخَر َّإال التُّربة والرُّ كام« .ال ِعفريت
األحجار ،لكن حين هد َم رجال چايمي ِ
صغير أريب ،وربما ال يزال مختبئًا بين الجُدران .إذا كان كذلك فستُجبِره النَّار على الخروج».
بق منه َّإال هيكله».
« -حتى إذا كان تيريون ما زا َل مختبئًا في القلعة فلن يكون في (بُرج اليد) .إننا لم نُ ِ
« -ليتنا نستطيع أن نفعل ال ِمثل ببقيَّة هذه القلعة الكريهة .بَعد الحرب أنوي أن أبني قصرًا جديدًا وراء
بصرح أبيض بديع تُحيط به الغابات والبساتين ويَبعُد فراسخ
ٍ النَّهر» .لقد حلمت به ليلة أول من أمس،
64
طويلةً عن (كينجز الندنج) بضوضائها وروائحها المقرفة« .هذه المدينة مجرور .مقابل نِصف جروت
يُمكنني أن أنقل البالط إلى (النسپورت) وأحكم البالد من (كاسترلي روك)».
« -تلك حماقة أكبر من إحراق (بُرج اليد) .ما دا َم تومن جالسًا على العرش الحديدي ستراه البالد الملك
ب آ َخر بالعرش ال فرق بينه وبين ستانيس».
الحقيقي ،لكن خبِّئيه تحت (الصَّخرة) وسيُصبِح مجرَّد ُمطال ٍ
قلت إنني أري ُد أن أنقل البالط إلى (النسپورت) وليس إنني سأفعلها حقًّا .هل
بح َّد ٍة قالت الملكة« :أعي هذاُ .
كنت بطيء الفهم هكذا دو ًما أم أن فقدانك يدك أصابَك بالغباء؟».
ت القلعة حقًّا قائال« :إذا انتش َر اللَّهب بعيدًا عن نطاق البُرج فربما ينتهي ِ
بك األمر وقد أحرق ِ تجاهل سؤالها ً َ
61
ت أم لم تقصدي .النَّار ال َّشعواء خ َّداعة». سواء أقصد ِ
صنِّع نارًا شعواء طازجةً« .اللورد هاالين أ َّكد لي أن الپايرومانسرات منذ أسبوعين ورابطة الخيميائيِّين تُ َ
يستطيعون التَّح ُّكم في النَّار .فلت َر (كينجز الندنج) كلُّها اللَّهب ،سيكون درسًا ألعدائنا».
كأنك إيرس». ِ « -اآلن تتكلَّمين
ر َّدت غاضبةً« :احفظ لسانك أيها الفارس».
« -أنا أيضًا أحب ِِّك يا أختي الجميلة».
أحببت هذا المخلوق التَّعس يو ًما؟ وهمس صوت آخَر في داخلها مجيبًا: ُ بَعد أن رح َل سألَت نفسها :كيف
صفك اآلخَر ،فجاوبَته :ربما فيما مضى ،لكنه لم يَعُد كذلك .لقد أصب َح غريبًا عني.
ِ توأمكِ ،ظلَّ ِك ،نِ
ِ كان
ً
احتفاال باذ ًخا آخَر ،ال سيَّما مقارنةً بزفاف چوفري كان زفاف الملك تومن صغيرًا متواضعًا .ال أحد أرا َد
الملكة ،وال أحد أرا َد أن يدفع تكلفته ،ال سيَّما آل تايرل ،وهكذا اتَّخذ الملك الصَّغير مارچري تايرل زوجةً
بدال من اآلالف الذين شهدوا قران ضيف ً
ٍ له في ِسپت (القلعة الحمراء) الملكي ،في حضور أق ِّل من مئة
أخيه بالمرأة نفسها.
ب َدت العروس رائقةً مرحةً جميلةً ،والعريس ال يزال طفول َّي الوجه ممتلئًا ،وقد ر َّدد نذوره بصو ٍ
ت
صبياني مرتفع ،واعدًا ابنة مايس تايرل المتر ِّملة مرَّتين ب ُحبِّه وإخالصه ،فيما ارتدَت مارچري الفُستان
ذاته الذي ارتدَته يوم زفافها إلى چوفري ،بتصميمه الرَّقيق من الحرير العاجي ال َّشفَّاف وشرائط ال ِّزينة
والآللئ الصَّغيرة .أ َّما سرسي نفسها فما زالَت ترتدي األسود عالمةً على رثائها ابنها البِكري َّ المايريَّة
القتيل .ربما يحلو ألرملته أن تضحك وتشرب وتَرقُص وتُزيح ذكرى چوف ب ُر َّمتها من عقلها ،لكن أ َّمه لن
تنساه بهذه البساطة.
ف َّكرت سرسي :ليس هذا سلي ًما .لقد تعجَّلوا ج ًّدا .عام ،عامان ،كان ذلك ليكفي .كان على (هايجاردن) أن
تقنع بالخطبة فقط ،وألقَت نظرةً وراءها إلى حيث يقف مايس تايرل بين زوجته وأ ِّمه ،وقالت له :أنت الذي
ت قريب. أجبرتَني على مهزلة ال ِّزفاف هذه يا سيِّدي ،ولن أنسى هذا في أ ِّ
ي وق ٍ
ل َّما آنَ أوان تبا ُدل المعطفيْن نزلَت العروس على رُكبتيها بحرك ٍة رشيقة أنيقة ،وكساها تومن بال َّداهية
ألبس روبرت سرسي إياها يوم زفافهما ،المعطف الذي ِخيطَ وعل َ الثَّقيلة المفصَّلة من قُماش َّ
الذهب التي
باراثيون على ظَهره بحبَّات ال َج ْزع .أرادَت سرسي أن ترتدي مارچري المعطف الحرير األحمر النَّاعم
الذي استخد َمه چوفري ،وشر َحت آلل تايرل قائلةً« :إنه المعطف الذي استخد َمه السيِّد والدي حين تز َّوج
ضتها في هذا أيضًا ،وقالت الحيزبون« :ذلك ال َّشيء القديم؟ إنه السيِّدة والدتي» ،لكن ملكة األشواك عار َ
يبدو لي مهترئًا بعض ال َّشيء ...وأجس ُر على أن أقول إنه ...منحوس أيضًا .وألن يكون الوعل أليق بابن
الملك روبرت ال َّشرعي؟ في زماني كانت العروس ترتدي ألوان زوجها ال ألوان السيِّدة والدته».
بسبب ستانيس ورسالته القذرة ث َّمة شائعات كثيرة للغاية بالفعل تحوم حول نَسب تومن ،فلم تجرؤ سرسي
ص ِّمم على أن يُلبِس ابنها عروسه معطف النستر القرمزي، صبِّ المزيد من ال َّزيت على النَّار بأن تُ َعلى َ
الذهب وال َج ْزع يُف ِعمها بالسُّخط .كلَّما
وهكذا رضخَ ت بقدر ما أمكنَها من كياسة ،وإن كان منظر كلِّ هذا َّ
أعطينا آل تايرل طالَبونا بالمزيد.
لدى فروغهما من ترديد النُّذور خطا الملكة والملكة إلى خارج السِّپت ليتلقَّيا التَّهاني ،وقال لهما السير اليل
ت جهوري(« :وستروس) لها ملكتان اآلن ،والصَّغيرة جميلة كالكبيرة» .كراكهول هذا كراكهول بصو ٍ
مأسوف عليه ،وقد أرادَت أن تصفعه لحظتها. ٍ فارس مأفون يُ َذ ِّكر سرسي كثيرًا بزوجها الرَّاحل غير
حاو َل جايلز روزبي أن يلثم يدها ولم ينجح َّإال في السُّعال على أصابعها ،ولث َمها اللورد ردواين على
وجنتها ومايس تايرل على كلتا الوجنتين ،وقال لها ال ِمايستر األكبر پايسل إنها لم تفقد ابنًا بل كسبَت ابنةً،
ي من نساء ستوكوورث ،وهو ما لكنها على األقل لم تُبت َل بأحضان الليدي تاندا ال َّدامعة ،إذ لم تظهر أ ٌّ
أشع َر الملكة باالمتنان.
بين أواخر المهنِّئين كان كيڤان النستر ،الذي قالت له الملكة« :بلغَني أنك ستَترُكنا لتحضر زفافًا آخَر».
« -الحجر الصُّ لب أجلى الرِّجال المكسورين من (قلعة داري) .عروس النسل تنتظرنا هناك».
« -هل ستنض ُّم إليك السيِّدة زوجتك لحضور ال ِّزفاف؟».
« -ما زالَت أراضي النَّهر محفوفةً باألخطار .حُثالة ڤارجو هوت طُلقاء ،وبريك دونداريون يشنق أبناء
فراي .أصحي ٌح أن ساندور كليجاين انض َّم إليه؟».
64
وصل ليلة البارحة من ِسپتري
َ كيف عرفَ هذا؟ «هكذا يقول بعضهم .التَّقارير مرتبكة» .كان الطَّائر قد
المالحات) القريبة تعرَّضت إلى غار ٍة على جزير ٍة عند مصبِّ (الثَّالوث) مباشرةً ،واألخبار أن بلدة ( َّ
صا وحشيًّا يعتمر خوذةً على ضارية من جماع ٍة من الخارجين عن القانون ،وي َّدعي بعض النَّاجين أن شخ ً
واغتصب فتاةً في الثَّانية عشرة.
َ شكل كلب صي ٍد كان بين ال ُمغيرين ،ويُفت َرض أنه قت َل دستةً من الرِّجال
ك أن النسل يتوق إلى القبض على كليجاين واللورد بريك ليسود سالم الملك أراضي النَّهر من «ال َش َّ
جديد».
ح َّدق السير كيڤان إلى عينيها وهلةً ،ثم قال« :ابني ليس الرَّجل المناسب للتَّعا ُمل مع ساندور كليجاين».
هذا على األقل نتَّفق عليه« .قد يكون أبوه كذلك».
قائال« :ما دا َمت خدمتي ليست مطلوبةً في (الصَّخرة).»...
ط ع ُّمها ف َّكيه ً
ضغ َ
خدمتك كانت مطلوبةً هنا .عيَّنت سرسي داميون النستر ابن ُخؤولتها أمينًا للقلعة في (كاسترلي روك)،
خال آخَ ر هو السير داڤن النستر حاك ًما للغرب.وابن ٍ
للعجرفة ثَمنها يا ع َّماه« .ائتِنا برأس ساندور وأعل ُم أن جاللته سيكون في غاية االمتنان .ربما كان الرَّجل
ب وجيه على ما يبدو». يروق چوف ،لكنه لطالما أخافَ تومن ...ولسب ٍ
قال السير كيڤان« :عندما يُسيء الكلب التَّصرُّ ف فاللَّوم على سيِّده» ،ثم دا َر على عقبيه وابتع َد.
رافقَها چايمي إلى (القاعة الصُّ غرى) حيث يجري تجهيز المأدبة ،وبينما يمشيان هم َست له« :إنني ألومك
المفترض أن تكون مارچري في ِحدا ٍد على چوفري ال أن َ أنت على كلِّ هذا .قلت أن أدعهما يتز َّوجان.
ق أنها عذراء .رنلي كان له قضيب، تتز َّوج أخاه ،المفت َرض أن تكون غارقةً في األحزان ِمثلي .ال أص ِّد ُ
ِّ
المقززة ُّ
تظن أليس كذلك؟ لقد كان أخا روبرت ،فمؤ َّكد أنه كان له قضيب .إذا كانت تلك الحيزبون العجوز
أنني سأسم ُح البني ب.»...
قاط َعها چايمي بهدوء« :قريبًا ج ًّدا ستتخلَّصين من الليدي أولينا .إنها راحلة إلى (هايجاردن) غدًا».
قالت سرسي التي ال تثق بأيٍّ من وعود آل تايرل« :هكذا تقول».
َر َّد بإصرار« :إنها راحلة .مايس سيأخذ ِنصف ق َّوات تايرل إلى (ستورمز إند) ،والنِّصف الثَّاني عائد إلى
(المرعى) مع السير جارالن ليأخذ حقَّه في (قلعة المياه الوضَّاءة).
أيام أخرى ولن تتبقَّى في (كينجز الندنج) ورود َّإال مارچري ورفيقاتها و ُحرَّاس قالئل».بضع ٍ
« -والسير لوراس ،أم أنك نسيت أخاك المحلَّف؟».
« -السير لوراس فارس في ال َحرس الملكي».
« -السير لوراس ينتمي إلى آل تايرل لدرجة أنه يتب َّول ماء ورد .لم يكن ينبغي أن يُعطى معطفًا أبيض».
أظن أن لوراس سيُبلي بال ًء حسنًا .المعطف
ُّ يستشرني.
ِ « -لم أكن ألختاره ،هذا صحيح ،لكن أحدًا لم
األبيض يُ َغيِّر الرَّجل حالما يرتديه».
« -لقد غيَّرك بالتَّأكيد ،وليس إلى األفضل».
قال« :أنا أيضًا أحب ِِّك يا أختي الجميلة» ،وفت َح لها الباب وسا َر معها إلى المائدة العالية حيث مقعدها إلى
جوار الملك ،بينما ستجلس مارچري على جانب تومن اآلخَر في موضع ال َّشرف .حين دخلَت الملكة
متأبِّطةً ذراع الملك الصَّغير تع َّمدت أن تتوقَّف لتلثم سرسي على وجنتيها وتُعانِقها ،وبجرأ ٍة برَّاقة كالنُّحاس
األصفر المصقول قالت الفتاة« :جاللة الملكة ،أشع ُر كأن لي أ ًّما ثانيةً اآلن .أدعو اآللهة أن نكون قريبتيْن
البنك الجميل».
ِ للغاية ويُ َو ِّحد بيننا ُحبُّنا
أحببت كال ابنَي». ُ « -لقد
قالت مارچري« :چوفري في صلواتي أيضًا .لقد أحببته ُحبًّا َج ًّما مع أني لم أنل فُرصة معرفته».
إنك لم تُريدي َّإال تاجه.
ت ال َّزواج بأخيه على هذا النَّحو المخزيِ .كاذبة .لو أحببتِه ولو لحظةً لما استعجل ِ
مقابل نِصف جروت كانت سرسي لتصفع العروس على وجهها المتو ِّرد في مكانها على المنصَّة على
مرأى من نِصف البالط.
على غرار المراسم كانت مأدبة ال ِّزفاف متواضعةً .الليدي آليري هي من قا َمت بالتَّرتيبات كلِّها ،إذ لم تكن
لدى سرسي أدنى رغب ٍة في موا َجهة تلك المه َّمة الجسيمة ثانيةً بَعد الطَّريقة التي انتهى بها زفاف چوفري.
ق وطبق ،فيما عزفَ لم يُقَ َّدم أكثر من سبعة أصناف ،وسلَّى برميل ُّ
الزبدة وفتى القمر الضُّ يوف بين ك ِّل طب ٍ
الموسيقيُّون وهُم يأكلون ،فاستمعوا إلى المزمار والكمنجة والعود والنَّاي والقيثارة السَّامية .69المغنِّي
الوحيد في الحفل كان أحد المفضَّلين عند الليدي مارچري ،شاب متأنِّق مختال كالطَّاووس ثيابه كلُّها
انسحب ،فقالت
َ درجات من الال َز َورْ د ويدعو نفسه بال َّشاعر األزرق ،وقد غنَّى عددًا من أغاني الحُبِّ ثم
كنت أرجو أن أسمع (أمطار كاستامير)». ت مسموع« :يا لها من خيبة أملُ . الليدي أولينا متبرِّمةً بصو ٍ
نظرت سرسي إلى الحيزبون رأت وجه ماجي الضِّفدعة سابحًا في الهواء أمامها بتجاعيده وبشاعته َ متى
وحكمته .حاولَت أن تُطَمئِن نفسها قائلةً :كلُّ العجائز يتشابَهن ،هذا كلُّ ما هنالك .والحقيقة أن المشعوذة
ذات الظَّهر المحني لم تكن تُشبِه ملكة األشواك على اإلطالق ،ومع ذلك ظَ َّل منظر ابتسامة الليدي أولينا
كفيال بإعادتها إلى خيمة ماجي من جديد .ما زالَت تَذ ُكر رائحتها العابقة بالتَّوابل ال َّشرقيَّة الغريبة، البغيضة ً
وطراوة لثة ماجي إذ امتصَّت ال َّدم من إصبعها ،وكيف وعدَتها العجوز وال َّدم ال يزال يُبَلِّل شفتيها ويلتمع
وتسلبك ك َّل ما تعدِّينه عزي ًزا.
ِ منك وأجمل ،لتُطيح ِ
بك عليهما :ملكةً ستكونين ،إلى أن تأتي أخرى أصغر ِ
تجاو َزت سرسي تومن ببصرها لتَر ُمق مارچري الجالسة تضحك مع أبيها ،وقالت لنفسها :حُسنها ال بأس
الفالحين يكن حسناوات في ِس ٍّن معيَّنة ،وهن ال يزلن يافعات بريئات به ،لكن معظمه شباب .حتى بنات َّ
عفيفات ،وأكثرهن لهن نفس العيون البنِّيَّة وال َّشعر البنِّي ِمثلها .ال أحد ي َّدعي أنها أجمل مني َّإال وكان
أحمق .غير أن العالم مليء بالحمقى ،وكذا بالط ابنها.
نهض مايس تايرل ليُبا ِدر برفع األنخاب ،فرف َع كأسًا ذهبيَّةً عاليًا وهو يبتسم البنته َ لم يتحسَّن مزاجها عندما
مدو قال« :نخب الملك والملكة!» ،وتعالى ثُغاء الخرفان وهُي تقرع الكؤوس وتُ َردِّد: ت ٍّ الحسناء ،وبصو ٍ
شاركهم ال ُّشرب بينما تتمنَّى في أعماقها لو «الملك والملكة! الملك والملكة!» .لم تجد سرسي خيارًا َّإال أن تُ ِ
أن جميع الضُّ يوف لهم وجه واحد كي تُلقي نبيذها في أعيُنهم وتُ َذ ِّكرهم بأنها هي الملكة الحقيقيَّة .الوحيد
نهض يرفع نخبه وجسده َ الذي بدا أنه يتذ َّكرها على اإلطالق من بين ُمداهني تايرل هو پاكستر ردواين ،إذ
وصاح بمرح« :نخب ملكتينا! نخب الملكة الصَّغيرة والكبيرة!». َ يترنَّح بعض ال َّشيء،
ق ذهبي ،أ َّما چايمي فأك َل أق َّل منها، شربَت سرسي ع َّدة كؤوس من النَّبيذ ورا َحت تُ َحرِّ ك طعامها في طب ٍ
ونادرًا ما حاو َل احتالل مقعده على المنصَّة .أدر َكت الملكة أنه متوتِّر ِمثلها تما ًما وهي تُشا ِهده يذرع
القاعة جيئةً وذهابًا ،يُزيح المعلَّقات بيده السَّليمة ليتأ َّكد من أن ال أحد مختبئ خلفها .إنها تعلم أن رجال
النستر حاملي ال ِحراب منتشرون حول المبنى ،بينما يَحرُس السير أوزموند ِكتلبالك أحد البابين والسير
مرين ترانت الثَّاني ،وقد وقفَ بالون سوان وراء مقعد الملك ولوراس تايرل وراء مقعد الملكة ،وتعلم
كذلك أن السُّيوف الوحيدة المسموح بها في المأدبة هي تلك التي يحملها رجال ال َحرس الملكي.
نظرت إلى تومن َ قالت لنفسها :ابني آ ِمن .ال أذى يُمكن أن يمسَّه ،ليس هنا ،ليس اآلن ،ورغم ذلك كلَّما
رأت چوفري يخمش َحلقه ،ول َّما بدأ الصَّبي يَسعُل توقَّف قلب الملكة عن الخفقان لحظةً ،وفي خض ِّم
استعجالها بلوغه أوق َعت إحدى الخادمات.
طت يد تومن وقبَّلتها مضيفةً: ق بالقليل من النَّبيذ ال أكثر» ،والتق َ طمأنَتها مارچري تايرل قائلةً« :لقد شر َ
ت أصغر .انظُر ،كدت تُخيف السيِّدة والدتك حتى الموت». «على حبيبي الصَّغير أن يأخذ رشفا ٍ
قال تومن بخجلٌ « :
آسف يا أ ِّمي».
كان الموقف يفوق احتمال سرسي ،وحين أحسَّت بال ُّدموع تترق َرق في عينيها قالت لنفسها :ال يُمكنني أن
وخرجت إلى الرُّ واق الخلفي ،وعندما باتَت بمفردها
َ أدعهم يرون دموعي ،وتحرَّكت ما َّرةً بالسير مرين
سمحت لنفسها بانتحاب ٍة راجفة ،ثم أخرى .يُمكن للمرأة أن تبكي ،ولكن ليس الملكة. َ تحت شمع ٍة من ال َّشحم
عليك؟».
ِ قال صوت من ورائها« :جاللة الملكة ،هل أتطفَّ ُل
صوت امرأ ٍة هو ،من َّكه بلكنات ال َّشرق ،وللحظ ٍة خشيَت سرسي أن ماجي الضِّ فدعة تُ َكلِّمها من القبر ،لكن
المرأة لم تكن َّإال زوجة ميريويذر ،الجميلة داكنة العينين التي تز َّوجها اللورد أورتون في منفاه وأخ َذها
معه إلى دياره في (الطَّاولة الطَّويلة) .سم َعت سرسي نفسها تقول« :هواء (القاعة الصُّ غرى) فاسد .ال ُّدخان
أدم َع عينَي».
بدال من بيضاء، طوال ،لكنها سمراء ً ً « -وعينَي أيضًا يا جاللة الملكة» .تُضاهي زوجة ميريويذر الملكة
ً
منديال أزرق باهتًا َشعرها أسود كريش ال ِغدفان وبشرتها زيتونيَّة وتصغرها بعق ٍد كامل ،وقد ق َّدمت للملكة
ُ
وأعرف أني سأبكي أنهارًا يوم زفافه». من الحرير المؤطَّر بشرائط ال ِّزينة قائلةً« :إن لي ابنًا أيضًا،
أشكرك».
ِ مس َحت سرسي وجنتيها وقد أحنقَها أن يرى أحد دموعها ،وقالت بجمود« :
ضت صوتها مكملةً« :ث َّمة شيء يجب أن تعرفيه. قالت المرأة المايريَّة« :جاللة الملكة ،إنني ،»...وخف َ
وصيفتك مرتشية ،إنها تُخ ِبر الليدي مارچري بك ِّل شي ٍء تفعلينه».
ِ
« -سينل؟» .تل َّوت ثورة مفاجئة في بطن سرسي .أال يو َجد من يُمكنها الثِّقة به؟ «أأن ِ
ت متأ ِّكدة؟».
ُ « -مري أحدهم بأن يتبعها .مارچري ال تلتقيها وجهًا لوج ٍه أبدًا ،لكن بنات عمومتها هن ِغدفانها ويحملن
إليها الرَّسائل .أحيانًا إلينور ،أحيانًا آال ،أحيانًا ِمجا.
رجالك
ِ كلُّهن قريبات من مارچري كأنهن أخواتها .إنهن يلتقينها في السِّپت ويتظاهَرن بالصَّالة .ضعي أحد
في ال ُّشرفة غدًا وسيرى سينل تهمس ل ِمجا عند مذبح (العذراء)».
إنك واحدة من رفيقات مارچري ،فلِ َم تخونينها؟» .لقد تعلَّمت « -إذا كان هذا صحيحًا فلماذا تُخبِرينني؟ ِ
سرسي االرتياب وهي ال تزال تجلس على رُكبة أبيها .ربما يكون هذا ف ًّخا ،كذبةً تزرع الخالف بين األسد
والوردة.
أجابَت المرأة ملقيةً َشعرها األسود إلى الوراء« :ربما تكون (الطَّاولة الطَّويلة) مقسمةً على الوالء
ل(هايجاردن) ،لكنني من (مير) ،ووالئي لزوجي وابني ،وال أري ُد َّإال األفضل لهما».
« -مفهوم» .في المم ِّر الضيِّق أفع َم أنف الملكة عطر المرأة األخرى ،أريج كال ِمسك هو مزيج من رائحة
الطموح .قالت لنفسها وقد تذ َّكرت فجأةً: الطَّحالب وال ُّتربة واألزهار الب ِّريَّة ،وتحته ش َّمت سرسي رائحة ُّ
العفريت يضع ال ُّس َّم في كأس چوف ولم تخَ ف أن تتكلَّم .وعدَتها قائلةً:
لقد شهدَت في محا َكمة تيريون ،رأت ِ
ي فسأقط ُع ت تكذبين عل َّ «سأنظ ُر في هذه المسألة ،وإذا كان ما تقولينه صحيحًا فستنالين مكافأةً» .وإذا كن ِ
لسانك وأصاد ُر أراضي زوجك وذهبه أيضًا. ِ
جاللتك لطيفة ،وجميلة أيضًا» ،وابتس َمت لتلوح أسنانها البيضاء بين شفتيها ِ قالت الليدي ميريويذر« :
الممتلئتين ال َّداكنتين.
حين عادَت الملكة إلى (القاعة الصُّ غرى) ألفَت أخاها يمشي جيئةً وذهابًا بتو ُّتر ،وقال لها« :مجرَّد رشف ٍة
من النَّبيذ جعلته يش َرق ،لكنها أفزعَتني أيضًا».
دمد َمت في وجهه« :بطني مقلوب لدرجة أني ال أستطي ُع األكل ،والنَّبيذ مذاقه كال ِمرَّة .هذا ال ِّزفاف غلطة».
« -هذا ال ِّزفاف ضروري .الصَّبي في أمان».
أمان أبدًا» ،وجا َست بنظرها في القاعة لترى مايس تايرل يضحك
ٍ قالت« :أحمق .ال أحد يعتمر تاجًا في
بوجوم مع كأسه
ٍ وسط فُرسانه ،واللورديْن ردواين وروان يتكلَّمان بصو ٍ
ت خفيض ،والسير كيڤان جالسًا
في نهاية القاعة ،بينما يهمس النسل بشي ٍء ما ألحد السِّپتونات ،وتتحرَّك سينل بطول المائدة مالئةً كؤوس
غاب ال ِمايستر األكبر پايسل في النَّوم .ف َّكرت بكآبة :ال
َ بنات عمومة العروس بنبي ٍذ أحمر كال َّدم ،في حين
أحد بإمكاني االعتماد عليه ،وال حتى چايمي .عل َّي أن أزيح ك َّل هؤالء وأحيط الملك بأناسي.
الحقًا ،بَعدما قُ ِّد َمت الحلويات والمكسَّرات والجُبنة و ُرفِ َعت ،بدأت مارچري وتومن الرَّقص ،وقد بد َوا على
طوال ،وتومنً بقدم ونِصفقدر ال بأس به من السُّخف وهما يدوران .ابنة تايرل تفوق زوجها الصَّغير ٍ ٍ
ً
راقص أخرق في أحسن أحواله ،ال يملك أيّا من رشاقة چوفري التِّلقائيَّة ،وإن بذ َل قصارى جهده وبدا
غافال عن الفُرجة التي صن َعها من نفسه ...ولم تكد العذراء مارچري تَفرُغ منه حتى انقضَّت عليه بنات ً
صاحب الجاللة معهن أيضًا .ف َّكرت سرسي ِ ت على أن يَرقُص عمومتها واحدةً تلو األخرى مص ِّمما ٍ
بامتعاض وهي تُشا ِهد :سيجعلنه يتعثَّر ويترنَّح ل َّما يَفرُغن منه .نِصف البالط سيته َّكم عليه من وراء ٍ
ظَهره.
صت مارچري م َّرةً مع أبيها ثم مع أخيها فارس بينما أخ َذت ك ٌّل من آال وإلينور و ِمجا دورها مع تومن ،رق َ
س ق حول خصره حزا ًما من الورود َّ
الذهبيَّة وثبَّت معطفه بدبُّو ٍ الزهور ،الذي ارتدى الحرير األبيض وأوث َ ُّ
على شكل ورد ٍة من اليَشب .ف َّكرت سرسي وهي تُشا ِهدهما :كأنهما توأمان .يكبر السير لوراس أخته بعام،
ت طبيعيَّة علىلكن كليهما له العينان البنِّيَّتان الواسعتان نفسهما وال َّشعر البنِّي الكثيف الذي ينسدل في حُليقا ٍ
أكتافهما ،وكذا البشرة الملساء التي ال تشوبها شائبة.
قدر وافر من البثور سيُ َعلِّمهما شيئًا من التَّواضُع .لوراس أطول قامةً وله زغب بنِّي ناعم خفيف على
وجهه ،ومارچري لها جسد امرأة ،لكن فيما عدا ذلك فإنهما متشابهان أكثر من سرسي وچايمي ،وهو ما
أثا َر استياءها أيضًا.
صاحبة الجاللة بتشريف فارسها األبيض برقصة؟». ِ قط َع توأمها أفكارها بقوله« :هل تسمح
حد َجته بنظر ٍة ُمهلكة قائلةً« :وأتركك تتل َّمسني عبثًا بهذه ال َجدعة؟ ال .لكني سأتركك تمأل كأسي ،إذا كنت
تحسب أنك تقدر دون أن تَس ُكب النَّبيذ».
أظن» ،وابتع َد وعا َد يدور في أرجاء القاعة ،ومألَت هي الكأس بنفسها. َر َّدُ « :معاق ِمثلي؟ ال ُّ
ضت سرسي أن تَرقُص مع مايس تايرل ثم النسل ،ففه َم اآلخَرون التَّلميح ولم يَطلُب أحد آ َخر الرَّقص رف َ
معها .أصدقاؤنا الصَّديقون ولورداتنا المخلصون .إنها ال تستطيع الثِّقة بالغربيِّين منهم حتى ،ح َملة راية
أبيها ورجاله المقسمين على الوالء ،ال تستطيع إذا كان ع ُّمها ذاته يتآ َمر مع أعدائها...
كانت مارچري تَرقُص مع ابنة عمومتها آال ،و ِمجا مع السير تاالد الطَّويل ،وابنة العمومة األخرى إلينور
تشرب كأسًا من النَّبيذ مع أوران ووترز ،نغل (دريفتمارك) الوسيم .ليست هذه أول م َّر ٍة تلحظ الملكة
الذهبي المائل إلى ضاربتين إلى الرَّمادي وال َّشعر الطَّويل َّ ووترز ،ال َّشاب النَّحيل ذي العينين الخضراوين ال َّ
الفضِّ ي .حين رأته للمرَّة األولى كادَت تحسب ألقلِّ من لحظ ٍة أن ريجار تارجاريَن قد عا َد من الرَّماد.
قالت لنفسهاَ :شعره السَّبب .إنه ليس بنِصف الوسامة التي كانها ريجار ،ووجهه ضيِّق للغاية وهناك ذلك
ق في ذقنه .على أن آل ڤيالريون ينحدرون من ُذ ِّريَّ ٍة ڤاليريَّة قديمة ،ولبعضهم ال َّشعر المائل إلى الفضِّ ي ال َّش ُّ
الذي كان لملوك التَّنانين القُدامى.
عا َد تومن إلى مقعده ليقضم من كعكة تفَّاح ،ونظ َرت الملكة إلى مقعد ع ِّمها لتجده شاغرًا ،وأخيرًا وجدَته
باهتمام بالغ مع ابن مايس تايرل جارالن.ٍ ُكن يتكلَّم
في ر ٍ
ع َّم يتكلَّمان؟ ربما يُلَقِّب أهل (المرعى) السير جارالن بالهُمام ،لكنها ال تثق به أكثر من مارچري أو
تنس العُملة القديمة التي اكتشفَها كايبرن تحت وعاء فضالت ال َّسجَّان .يد ذهبيَّة من َ لوراس .إنها لم
ي .عندما ظه َرت سينل لتمأل كأسها قاو َمت الملكة مضط َّرةً رغبتها (هايجاردن) ،ومارچري تتجسَّس عل َّ
الملحَّة في أن تقبض على رقبتها وتَخنُقها ،وقالت لها في سريرتها :ال تتظاهَري بالتَّبسُّم لي أيتها الحقيرة
الخائنة .ستتوسَّلين مني الرَّحمة قبل أن أفرغ منك.
صاحبة الجاللة شربَت نبي ًذا بما يكفي اللَّيلة».
ِ سم َعت شقيقها چايمي يقولُّ « :
أظن أن
وشك على السُّقوط، نهضت بسُرع ٍة جعلَتها تُ َِ الزفاف.ال ،كلُّ ما في العالم من نبي ٍذ لن يكفي ألن أتح َّمل هذا ِّ
لكن چايمي أمس َكها من ذراعها وثبَّتها ،فانتزعَت ال ِّذراع منه وصفَّقت لتتوقَّف الموسيقى وتَص ُمت
عال قالت سرسي« :أيها السَّادة والسيِّدات ،أرجو أن تتفضَّلوا وتَخرُجوا معي لنُ ِ
شعل ت ٍ األصوات ،وبصو ٍ
وبعصر جديد من السَّالم والرَّخاء لممالكنا السَّبع».
ٍ احتفاال باتِّحاد (هايجاردن) و(كاسترلي روك) ً شمعةً
مظل ًما كئيبًا وقفَ (بُرج اليد) ،تحتلُّ الفتحات الواسعة مكان أبوابه البلُّوط الثَّقيلة ومصاريع نوافذه ،لكن
حتى في خرابه وتجرُّ ده من زينته ظَ َّل مرتفعًا فوق السَّاحة الخارجيَّة ،و َم َّر ضيوف ال ِّزفاف في ِظلِّه إذ
خرجوا من (القاعة الصُّ غرى) .حين نظ َرت سرسي إلى أعلى رأت ُشرَّافات البُرج تنهش قمر
صيَّادين ،66وتساءلَت كم يدًا لكم ملك قطنَ في هذا المكان على َم ِّر القرون الثَّالثة المنصرمة. ال َّ
على بُعد مئة ياردة من البُرج أخ َذت نفسًا عميقًا لتُوقِف رأسها عن ال َّدوران ،وصا َحت« :لورد هاالين،
يُمكنك أن تبدأ!».
قال هاالين الپايرومانسر« :همممممم» ،ول َّوح بالمشعل الذي يحمله ،فلقَّم الرُّ ماة على األسوار أقواسهم
وأطلَقوا دستةً من السِّهام النَّارية عبر النَّوافذ المفتوحة.
ت كالفحيح .خالل أقلِّ من لحظ ٍة دبَّت الحياة في داخله باألحمر واألصفر وشبَّت النَّار في البُرج بصو ٍ
والبُرتقالي ...واألخضر ،أخضر داكن يُن ِذر بالويل ،لون ال ِمرَّة واليَشب وبول الپايرومانسرات .يُ َس ِّميها
ض َعت خمسون ج َّر ٍة منها داخل الخيميائيُّون «الما َّدة» ،لكن العا َّمة يُطلِقون عليها «النَّار ال َّشعواء» ،وقد ُو ِ
قزم اسمه تيريون النستر. (بُرج اليد) ،باإلضافة إلى الحطب وبراميل القار والسَّواد األعظم من مقتنيات ٍ
شع َرت الملكة بحرارة اللَّهب األخضر .يقول الپايرومانسرات إن أشياء ثالثةً فحسب أش ُّد حرارةً من
ما َّدتهم :لهب التَّنانين والنَّار في باطن األرض وشمس الصَّيف.
شهقَت بعض الليديهات عندما ظه َر اللَّهب في النَّوافذ يلعق الجُدران من الخارج كألسن ٍة خضراء طويلة،
في حين هلَّل آخَرون ورفعوا األنخاب.
ط بذلك االستمتاع الذيقالت لنفسها :جميلة ،جميلة كچوفري حين وضعوه بين ذراعَي .لم يُش ِعرها رجل قَ ُّ
أحسَّت به عندما التق َم حلمتها ليرضع.
ح َّدق تومن إلى النِّيران بعينين متَّسعتين ،مفتونًا بقدر ما هو خائف ،إلى أن هم َست مارچري في أُذنه
بشي ٍء جعلَه يضحك ،وبدأ بعض الفُرسان يتراهَنون على الفترة التي سيستغرقها البُرج قبل أن ينهار ،بينما
وقفَ اللورد هاالين يُهَم ِهم لنفسه ويتأر َجح على كعبيه.
ف َّكرت سرسي في جميع أيادي الملوك الذين عرفَتهم على َم ِّر السِّنين؛ أوين ميريويذر ،وچون كوننجتون،
وكارلتون تشيلستد ،وچون آرن ،وإدارد ستارك ،وشقيقها تيريون ...وفي أبيها اللورد تايوين النستر ،في
أبيها على وجه الخصوص .قالت لنفسها مستمتعةً بالفكرة :كلُّهم يحترقون اآلن ،موتى ويحترقون جميعًا
ومعهم مخطَّطاتهم ومؤامراتهم وخياناتهم .لقد أتى زماني .هذي قلعتي وهذي مملكتي.
أصد َر (بُرج اليد) قعقعةً مباغتةً د َّوت بش َّد ٍة لدرجة أن المحادثات جميعها توقَّفت ُدفعةً واحدةً ،وتشقَّقت
ص َّم اآلذان و َر َّج التَّ َّل مثيرًا سحابةً من
بارتطام َ
ٍ وحطَّ
الحجارة وتص َّدعت وهوى جزء من ال ُّشرفة العُليا َ
ال ُغبار وال ُّدخان ،وإذ تدفَّق الهواء الطَّلق من الثَّغرات الجديدة في الحجر تأجَّجت النَّار أكثر واندف َعت إلى
نكص تومنَّ ،إال أن مارچري َ أعلى ،لتثب ألسنة اللَّهب األخضر في السَّماء ويدور بعضها حول بعض.
أمس َكت يده قائلةً« :انظُر ،اللَّهب يَرقُص كما كنا نَرقُص يا حبيبي».
ت أفع َمته ال َّدهشة« :نعم .أ ِّمي ،انظُري ،اللَّهب يَرقُص».
َر َّد بصو ٍ
« -أراه .لورد هاالين ،كم ستبقى النَّار مشتعلةً؟».
« -طوال اللَّيل يا موالتي».
قالت أولينا تايرل المستندة إلى ُع َّكازها بين حارسيها ِشمال ويمين« :شمعة جميلة بالفعل ،مضيئة بما يكفي
ألن نَخلُد إلى النَّوم في أمان على ما ُّ
أظن .العظام العجوز تتعب ،وهذان الصَّغيران شهدا إثارةً تكفي هذه
اللَّيلة .حانَ الوقت ألن يذهب الملك والملكة إلى الفِراش».
قالت سرسي« :نعم» ،وأشا َرت إلى چايمي مردفةً« :حضرة القائد ،اصحب جاللته وملكته الصَّغيرة إلى
فِراشهما إذا سمحت».
ت أيضًا؟».
« -كما تأمرين .وأن ِ
« -ال داعي» .تحسُّ سرسي بحيويَّ ٍة ال تحتاج معها إلى النَّوم .النَّار ال َّشعواء تُطَهِّرها ،تحرق غضبها
وخوفها كلَّه وتمألها بالعزيمة« .اللَّهب جميل للغاية .أري ُد أن أشاهده فترةً».
وحدك».
ِ قال چايمي بتر ُّدد« :ال ينبغي أن تكوني
« -لن أكون وحدي .السير أوزموند يُمكنه أن يبقى ويحميني ،أخوك المحلَّف».
صاحبة الجاللة».
ِ قال ِكتلبالك« :إذا كان هذا يسرُّ
ب شاهَدا النِّيران تستعرُّ .
ر َّدت« :يسرُّ ني» ،وتأبَّطت ذراعه ،وجنبًا إلى جن ٍ
الفارس المل َّوث
ُّ
تلتف د َّوامات الرِّيح البليلة السَّريعة اللَّيلة باردة على غير العادة ،حتى بالنِّسبة إلى الخريف ،وفي األزقَّة
محرِّكةً أتربة النَّهار .ريح شماليَّة مشبَّعة بالبرودة .رف َع السير آريس أوكهارت قلنسوته ليُخفي وجهه،
فليس في صالحه أن يتعرَّفه أحد .قبل أسبوعين ُذبِ َح تاجر في مدينة الظِّل ،رجل مسالم أتى (دورن) ألجل
وبدال من التُّمور وج َد نحبه ،وجريرته الوحيدة أنه كان من (كينجز الندنج). ً فواكهها
سيجدني الرَّعاع خص ًما أش َّد بأسًا .الحقيقة أنه يكاد ي َُر ِّحب باعتدا ٍء عليه .تحرَّكت يده تتحسَّس بخفَّ ٍة مقبض
السَّيف الطَّويل ِشبه المتواري بين طيَّات مالبسه الكتَّان التي يرتدى طبقتين منها ،المعطف الخارجي
الذهبيَّة ،وال َّداخلي األخف بلونه البُرتقالي .الثِّياب الدورنيَّة مريحة، بخطوطه الفيروزيَّة وصفوف ال ُّشموس َّ
عاش ليرى ابنه يرتديها .إنه من أبناء (المرعى) ،والدورنيُّون َ َّإال أن أباه كان لينزعج أيَّما انزعاج لو أنه
عصور سحيقة كما تشهد المعلَّقات في (السَّنديانة القديمة) .ما على آريس َّإال أن يُغ ِلق عينيه ٍ أعداؤه منذ
بسمو وقد تك َّومت حول قدميه رؤوس مئ ٍة من الدورنيِّين ،وورقات ٍّ ليراها؛ اللورد إدجيران السَّخي جالسًا
ال َّشجر الثَّالث -رمز عائلة أوكهارت -التي اخترقَتها ِحراب الدورنيِّين في (ممر األمير) ،وآلستر يَنفُخ في
آخر أنفاسه ،والسير أوليڤار الملقَّب بالسَّنديانة الخضراء يرتدي أبيض على أبيض بوقه الحربي الفظًا ِ
ضر إلى جانب التنِّين الصَّغير( .دورن) ليست مكانًا مالئ ًما أليٍّ من آل أوكهارت. بينما يُحت َ
خرج من (صنسپير) ليمشي في أزقَّة مدينة َ الفارس التَّوتُّر متى
َ أصاب
َ حتى قبل موت األمير أوبرين
َّ
ذهب يَشعُر بأعيُنهم المسلطة عليه ،أعيُن دورنيَّة سوداء صغيرة تَر ُمقه بعداو ٍة بيِّنة ،وفي كلِّ َ الظِّل .أينما
ُكن يَب ُذل أصحاب الحوانيت قصارى جهدهم لالحتيال عليه ،حتى إنه يتسا َءل أحيانًا إن كان سُقاة الحانات ر ٍ
سحب
َ صبي ٍة يرتدون األسمال تَرجُمه بالحجارة ،إلى أن يَبصُقون في مشروباته .في م َّر ٍة را َحت مجموعة ِ
سيفه فولُّوا األدبار .ثم جا َء موت األُفعوان األحمر ليُل ِهب الدورنيِّين أكثر ،مع أن ال َّشوارع هدأَت نوعًا منذ
حبس األمير دوران أفاعي الرِّمال في بُرج ،لكن لو ارتدى معطفه األبيض في مدينة الظِّل على الرغم من َ
جلب ثالثة معاطف بيضاء معه؛ اثنين من الصُّ وف أحدهما خفيف َ هذا فكأنه يدعوهم للهجوم عليه .كان قد
عار دون واح ٍد يتدلَّى من على كتفيه. والثَّاني ثقيل ،وواحدًا من الحرير النَّاعم ،واآلن يحسُّ كأنه ٍ
زلت حارسًا ملكيًّا ،حتى من دون معطفى .ال بُ َّد أن تحترم ُ قال لنفسه :العُري أفضل من الموت .إنني ما
ُّ
هذا ،ال بُ َّد أن أجعلها تفهم .ما كان يَج ُدر به قَط أن يَترُك نفسه يتورَّط ،لكن المغنِّي قال إن الحُبَّ قمين
رجل بالبالهة. ٍ ي
بإصابة أ ِّ
غالبًا تبدو المدينة الواقعة في ِظ ِّل (صنسپير) مهجورةً في قيظ النَّهار ،الفترة التي ال يتحرَّك فيها في
ال َّشوارع المتربة َّإال ال ُّذباب الطَّنَّان ،لكن حالما يأتي المساء تدبُّ الحياة في تلك ال َّشوارع .سم َع السير
مكان ما كانت
ٍ آريس موسيقى خافتةً تتسرَّب من النَّوافذ المز َّودة بفتحات تهوية وهو يمرُّ أسفلها ،وفي
الحراب السَّريع جاعلةً للَّيل نبضًا .حيث تلتقي ثالثة أزقَّة أسفل ثاني ق بإيقاع رقصة ِ الطبول اليدويَّة تُ َد ُّ ُّ
والزيوت ،فألقى نظرةً ُّ األسوار الملتفَّة نادَته إحدى بنات الهوى من ُشرف ٍة وليس على جسدها َّإال الجواهر
سريعةً عليها ثم ثنى كتفيه وواص َل طريقه متو ِّغ ًال وسط أنياب ال ِّريح .نحن معشر الرِّ جال ضعاف .حتى
أنبلنا تخونهم أجسادهم .ف َّكر في الملك بيلور المبا َرك الذي اعتا َد الصِّيام إلى َح ِّد السُّقوط مغشيًّا عليه
مدخل مقنطَر يشوي ٍ رجال قصيرًا واقفًا في ً ليُ َر ِّوض ال َّشهوات التي أخزَته .أعليه أن يحذو حذوه؟ رأى
لقط خشبي بينما تَنضُج ،وأدم َعت رائحة صلصات الرَّجل قطعًا من لحم الثَّعابين على مستوقَ ٍد ويُقَلِّبها ب ِم ٍ
الزعاف ،باإلضافة النَّفَّاذة عينَي الفارس ،الذي سم َع أن أفضل صلصات الثَّعابين يحتوي على قطر ٍة من ُّ
إلى بذور الخردل وفلفل التَّنانين .استهوى الطَّعام الدورني األميرة مارسال بالسُّرعة نفسها التي استهواها
بها أميرها الدورني ،وبين الحين واآل َخر يُ َج ِّرب السير آريس صنفًا إلرضائها ،فيسفع الطَّعام فمه ويجعله
يشهق طالبًا النَّبيذ ،ويحرقه خروجه من جسده أكثر من دخوله ،لكن أميرته الصَّغيرة تحبُّه.
ب في موا َجهة األمير تريستان ،تُ َحرِّك قطعًا من َّمقةً على كان قد تر َكها في مسكنها منحنيةً فوق طاولة لع ٍ
ت من اليَشب والعقيق األحمر والالزَ َورْ د .كانت شفتا مارسال الممتلئتان مفترقتيْن بعض ال َّشيء ،وقد خانا ٍ
س تجاري من ضيَّقت عينيها تركي ًزا .اللُّعبة اسمها السايڤاس ،ووصلَت إلى (بلدة األخشاب) على قاد ٍ
(ڤوالنتيس) ،فنش َرها األيتام بطول ضفاف (ال َّدم األخضر) ،ووق َع البالط الدورني في غرامها .أ َّما السير
آريس فيجدها مثيرةً للجنون ،فث َّمة عشر قطع مختلفة ،ك ٌّل منها لها خصائصها وقُدراتها ،والرُّ قعة تتب َّدل
الالعبيْن لخاناتهم .راقَت اللُّعبة األمير تريستان في الحال، من مبارا ٍة إلى مبارا ٍة اعتمادًا على ترتيب َّ
وتعلَّمتها مارسال كي تلعب معه .إنها لم تَبلُغ الحادية عشرة بع ُد ،وخطيبها في الثَّالثة عشرة ،لكن على
الرغم من هذا بدأت تغلبه أكثر فأكثر في الفترة األخيرة ،وال يبدو أن تريستان يُمانِع .ال يُمكن أن يبدو
هذان الطِّفالن أكثر اختالفًا؛ هو ببشرته ال َّزيتونيَّة و َشعره األسود المفرود ،وهي ببشرتها ال َّشاحبة كالحليب
الذهبيَّة ،الفاتح والغامق ،كالملكة سرسي والملك روبرت .يتمنَّى أن تجد مارسال مس َّرةً أكثر و ُخصالتها َّ
في صبيِّها الدورني مما وجدَت أ ُّمها في زوجها سيِّد أراضي العواصف.
أشع َره تركها بالقلق ،مع أن المفت َرض أن تكون آمنةً كفايةً داخل القلعة .هناك بابان فقط يقودان إلى مسكن
مارسال في (بُرج ال َّشمس) ،وقد عيَّن السير آريس رجلين على كلٍّ منهما ،وكلُّهم من َحرس النستر ،رجال
أتوا معهم من (كينجز الندنج) ،وإن كان لهم باع في المعارك ،ثم إنهم أوفياء حتى النُّخاع .ومع مارسال
وصيفاتها والسِّپتة إجالنتين أيضًا ،واألمير تريستان يُرافِقه حارسه ال َّشخصي السير جاسكوين ابن (ال َّدم
األخضر) .قال لنفسه :لن يُز ِعجها أحد ،وفي غضون أسبوعين سنكون قد رحلنا إلى األمان.
الهرم،
ِ هذا ما وعدَه به األمير دوران .على الرغم من صدمة آريس لمرأى منظر األمير الدورني العاجز
أستطع أن أراك
ِ ك في كلمته ،وقد قال له مارتل حين أدخَ لوه ُغرفته ال َّشمسيَّةٌ « :
آسف ألني لم فإنه لم يش َّ
حتى اآلن أو ألتقي األميرة مارسال ،لكني واثق بأن ابنتي آريان احتفَت بوجودك هنا في (دورن) أيها
الفارس».
أجاب راجيًا َّأال تخونه حُمرة الخجل« :نعم يا سم َّو األمير».
َ
ُؤسفنا أنك لم ت َر من (دورن) أكثر من (صنسپير)، « -أرضنا قاسية وفقيرة ،لكنها ال تخلو من المحاسن .ي ِ
لكني أخشى أن ال أنت وال أميرتك ستكونان آمنيْن خارج هذه األسوار .نحن الدورنيُّون قوم حارُّ و الدِّماء،
ُفرح قلبي أن أؤ ِّكد لك أن أفاعي ال ِّرمال وحدهن الرَّاغبات في غضبتنا سريعة ومغفرتنا بطيئة .كان لي ِ
الحرب ،لكني لن أكذب عليك أيها الفارس .لقد سمعت رعاياي في ال َّشوارع يُطالِبونني بأن أحشد ِحرابي،
وأخشى أن نِصف لورداتي متَّفقون معهم».
واتَت الفارس الجرأة على أن يسأل« :وأنت يا سم َّو األمير؟».
زمن طويل ٍ إذا كان السُّؤال الفِجُّ قد أسا َء إلى األمير دوران فقد أخفى مشاعره جيِّدًا وهو يُجيب« :منذ
علَّمتني أ ِّمي أن المجانين وحدهم يخوضون حروبًا ال يستطيعون االنتصار فيها ،لكن سالمنا هذا هَشٌّ ...
هَشٌّ كأميرتك».
« -ال يُؤذي بنتًا صغيرةً َّإال وحش».
قال األمير« :أختي إليا كانت لها بنت صغيرة اسمها ريينس ،وكانت أميرةً أيضًا» ،وتنهَّد متابعًاَ « :من
يرغبون في طعن األميرة مارسال بالخناجر ال يكنُّون لها ضغينةً ما ،تما ًما كالسير آموري لورك عندما
قت َل ريينس ،لو أنه قتلَها حقًّا .إنهم يسعون فقط إلى إرغامي على الحرب ،فمن سيُ َ
صدِّق إنكاري إذا قُتِلَت
مارسال وهي في (دورن) تحت حمايتي؟».
دمت حيًّا».
ُ « -ال أحد سيمسُّ مارسال بسو ٍء ما
ُ
أملت أن يُهَدِّئ رجل واحد أيها الفارس .لقد
ٍ َر َّد دوران مارتل بابتسام ٍة واهية« :تعهُّد نبيل ،لكنك مجرَّد
حبس بنات أخي العنيدات األمور ،لكننا لم نُفلِح َّإال في دفع الصَّراصير إلى االختباء في جحورها .ك َّل ليل ٍة
أسمعها تتها َمس وتشحذ سكاكينها».
يستطع أن ِ لحظتها أدركَ آريس أنه خائف .انظُر ،يده ترتجف .أمير (دورن) مرعوب .خذلَه الكالم ولم
يُ َعلِّق.
قال األمير دوران« :تقبَّل اعتذاري أيها الفارس .إنني واهن وفي ص َّح ٍة متدهورة ،وأحيانًا ...تُت ِعبني
(صنسپير) بجلبتها وأتربتها وروائحها .إنني أنوي العودة إلى (الحدائق المائيَّة) حالما تُتيح لي واجباتي،
ووقتها سآخ ُذ األميرة مارسال معي» ،وقبل أن يعترض الفارس رف َع األمير يدًا مفاصلها حمراء متورِّمة،
وواص َل« :أنت أيضًا ستذهب ،عالوةً على ِسپتتها ووصيفاتها و ُحرَّاسها .أسوار (صنسپير) قويَّة ،لكن
أسفلها تقع مدينة الظِّل ،وحتى داخل القلعة يجيء المئات ويذهبون بصف ٍة يوميَّة.
احتفاال بزواج (دورن) بالعرش ً (الحدائق) مالذي .لقد ابتناها األمير مارون كهديَّ ٍة لعروسه ابنة تارجاريَن
الحديدي .الخريف فصل جميل هناك ...النَّهارات حارَّة واللَّيالي معتدلة البرودة ،والنَّسيم المالح يهبُّ من
صبيةً وصبايا من أوالد ِعلية القوم. ً
أطفاال آخَرينِ ، البحر ،باإلضافة إلى النَّوافير والمسابح ،كما أن هناك
سيكون لمارسال أصدقاء من ِسنِّها تلعب معهم ،لن تَشعُر بالوحدة».
« -كما تشاء» .دقَّت كلمات األمير في رأسه .ستكون آمنةً هناك .لماذا إذن أل َّح عليه دوران مارتل َّأال
يَكتُب ل(كينجز الندنج) بشأن انتقالها؟ األكثر أمنًا لمارسال َّأال يعلم أحد مكانها .ووافقَه السير آريس ،لكن
الحرس الملكي ،غير أنه رجل واحد فقط رغم ذلك ،تما ًما كما قال أكان يملك خيارًا آخَر؟ إنه فارس في َ
األمير.
الزقاق فجأةً على باح ٍة يُنيرها القمر .في رسالتها كتبَت :بَعد محلِّ صانع ال ُّشموع ،ب َّوابة وساللم انفت َح ُّ
ي أن أطرقه؟ ب ال عالمة عليه .هل عل َّ خارجيَّة قصيرة .دخ َل من الب َّوابة وصع َد ال َّدرجات البالية إلى با ٍ
سقف واطئ ،مضاءة بشمعتين معطَّرتين ٍ بدال من هذا فت َح الباب ،ليجد نفسه في ُغرف ٍة واسعة معتمة ذات ً
الجدار الف َّخاري السَّميك ،وتحت ُخفَّيه رأى بُسطًا مايريَّة منقوشةً ،ومعلَّقةً على تتذب َذبان في تجويفيْن في ِ
الحائط ،وسريرًا.
ت ؟ ».
نادى« :سيِّدتي ،أين أن ِ
يلتف ثُعبان من َّمق التم َعت حراشفه
ُّ وخرجت من الظِّ ِّل وراء الباب ،على سا ِعدها األيمن َ أجابَت« :هنا»،
والذهبيَّة حين تحرَّكت ،وهو كلُّ ما ترتدي. النُّحاسيَّة َّ
ي الرَّحيل ،لكن عندما رآها تتألَّق في ضوء ال َّشمعتين خبرك بأن عل َّ
ِ ت َّإال ألُ
كانت نيَّته أن يقول لها :ال ،لم آ ِ
بدا كأنه فق َد القُدرة على النُّطق وأحسَّ ب َحلقه جافًّا كالرِّمال الدورنيَّة .صامتًا وقفَ ينهل من مفاتن جسدها؛
من غور َحلقها ،والنَّهديْن المستديريْن ال َّشامخيْن بحلمتيهما ال َّداكنتيْن الكبيرتيْن ،واالنحناءات النَّاضرة في
الخصر وال َوركيْن ...وإذا به بوسيل ٍة ما يحتويها وبها تخلع ثيابه ،ول َّما بلغَت سُترته التَّحتيَّة أمس َكتها من
الكتفين وم َّزقت الحرير حتى ُسرَّته ،لكن آريس كان قد تجاو َز مرحلة المباالة بالفعل .بشرتها ملساء تحت
أصابعه ،دافئة الملمس كالرَّمل في شمس (دورن) .رف َع رأسها ووج َد شفتيها ،وانفت َح فمها تحت فمه ومألَ
نهداها كفَّيه ،وشع َر بحلمتيها تنتصبان إذ مسَّهما بإبهاميهَ .شعرها أسود غزير رائحته كزهور األوركيد،
رائحة كالتُّربة الخصبة جعلَت انتصابه يكاد ي ِ
ُوجعه.
هم َست المرأة في أُذنه« :المسني أيها الفارس» ،وزحفَت يده على بطنها الصَّغير المستدير إلى البُقعة
الحُلوة المبتلَّة تحت أيكة ال َّشعر األسود ،وتمت َمت هي حين ول َجها بإصبعه« :نعم ،هناك» ،وتأ َّوهت
وسحبَته إلى الفِراش ودف َعته عليه« .أكثر ،أوه ،أكثر ،نعم ،جميل ،فارسي ،فارسي ،فارسي األبيض
الجميل ،نعم ،أنت ،أنت ،أريدك أنت» .قادَته يداها إلى داخلها ،ثم ط َّوقتا ظَهره مقرِّبتيْن إياه أكثر،
وهم َست« :أعمق ،نعم ،أوه» .حين لفَّت ساقيها حوله شع َر بق َّوتهما التي تُداني الفوالذ ،وخد َشت أظفارها
ظهرها تحته ،وبينما فعلَت هذا وجدَت ظَهره وهو يغوص فيها م َّرةً وم َّرةً وم َّرةً ،إلى أن صرخَ ت وق َّوست َ
لذته في داخلها .قال الفارس لنفسه :يُمكنني أن أموت سعيدًا صتهما إلى أن أفر َغ َّ أصابعها حلمتيه وقر َ
اآلن ،ولفتر ٍة قصيرة أحسَّ بالسَّكينة.
ولم يَ ُمت.
الذنب والخزي من رغبته كانت عميقةً ال متناهية كالبحار ،لكن مع مجيء ال َجزر ارتف َعت صخور َّ
األعماق بح َّدتها المعهودة .أحيانًا تُ َغطِّيها األمواج ،لكنها باقية تحت الماء ،قاسية ،سوداء ،زلِقة .سأ َل نفسه:
إنني فارس في ال َحرس الملكي .ما هذا الذي أفعله؟ تدحر َج من فوقها ليتم َّدد مح ِّدقًا إلى السَّقف الذي يمت ُّد
حائط إلى حائط .لم يلحظ هذا من قبلِ ،مثلما لم يلحظ المشهد المرسوم على المعلَّقة ٍ صدع كبير فيه من
ُ
رأيت ص ِّور نايميريا وسُفنها العشرة آالف .لم أكن أرى َّإالها .لو أن تنِّينًا أدخ َل رأسه من النَّافذة لما
الذي يُ َ
َّإال ثدييها ووجهها وبسمتها.
غمغ َمت وهي تُريح رأسها على ُعنقه« :هناك نبيذ» ،ووض َعت يدها على صدره سائلةً« :أأنت
عطشان؟».
قال« :ال» ،واعتد َل جالسًا على حافة الفِراش .ال ُغرفة ساخنة ،وعلى الرغم من هذا يرتجف.
« -إنك تنزف ،خدشتك بق َّوة».
ونهض عاريًا وقال« :ال ،كفى».
َ جفل كأن أصابعها مشتعلة نارًا،
حين مسَّت يده َ
« -معي بلسم للخدوش».
لكن ال بلسم لعاري« .الخدوش ال شيء .سا ِمحيني يا سيِّدتي ،يجب أن أذهب.»...
« -بهذه السُّرعة؟» .لها صوت مبحوح رخيم ،وفم واسع مخلوق للهمس ،وشفتان ممتلئتان يانعتان
جاهزتان دو ًما للقُبالت ،وينسدل َشعرها الفاحم الكثيف على كتفيها العاريتين إلى ق َّمتي نهديها العامريْن
ق معي اللَّيلة أيها
ت طبيعيَّة ناعمة ،وحتى ال َّشعر على جبل زهرتها ناعم مجعَّد« .اب َ متج ِّعدًا في حُليقا ٍ
الفارس .ما زالَت عندي أشياء كثيرة أعلِّمك إياها».
منك الكثير بالفعل».
مت ِ « -تعلَّ ُ
« -بدوت مسرورًا كفايةً بال ُّدروس في حينها أيها الفارس .أأنت واثق بأنك لست ذاهبًا إلى فِرا ٍ
ش آ َخر
عار ،س ِّكين في موا َجهة س ِّكين» ،وابتس َمتٍ بصدر
ٍ وامرأ ٍة أخرى؟ قُل لي َمن هي .سأقاتلها من أجلك
مردفةً« :ما لم تكن من أفاعي ال ِّرمال .إذا كانت كذلك فيُمكننا أن نتقا َسمك .إنني أحبُّ بنات ع ِّمي كثيرًا».
« -تعلمين أن ال امرأة أخرى لي .هناك فقط ...الواجب».
استندَت على ِمرفقها لترفع بصرها إليه فتَبرُق عيناها السَّوداوان الواسعتان في ضوء ال َّشمعتين ،وقالت:
«تلك الحقيرة المجدورة؟ إنني أعرفها؛ جافَّة كالتُّراب بين السَّاقين وتُريق قُبالتها دماءك .دَع الواجب ينام
ق معي اللَّيلة».
وحده هذه المرَّة واب َ
« -مكاني في القصر».
أظن أنك تحبُّها أكثر مما تحبُّني .الفتاة صغيرة للغاية عليك.تنهَّدت معقِّبةً« :مع أميرتك .ستُثير غيرتيُّ .
إنك في حاج ٍة إلى امرأة ال فتاة صغيرة ،لكن أستطي ُع أن ألعب دور البريئة إذا كان هذا يُثيرك».
بك أن تقولي تلك األشياء» .تذ َّكر أنها دورنيَّة .في (المرعى) يقولون إن الطَّعام هو ما يجعل« -ال يَج ُدر ِ
ت خليعات .الفلفل الحرِّيف والبهارات الغريبة تُحمي الدِّماء .ال الدورنيِّين حا ِّري المزاج ونساءهم ضاريا ٍ
ُنجب ابنةً أو يتَّخذ لنفسه زوجةً،
تستطيع أن تمنع نفسها« .إنني أحبُّ مارسال كأنها ابنتي» .ال يُمكنه أن ي ِ
وبدال من هذا عنده معطف أبيض ناصع« .نحن ذاهبون إلى (الحدائق المائيَّة)». ً
« -في النِّهاية ،مع أن ك َّل شي ٍء يستغرق أربعة أضعاف الوقت المفت َرض مع أبي .إذا قال إنه ينوي أن
يُغا ِدر غدًا فاألكيد أنكم لن تتحرَّكوا قبل أسبوعين كاملين.
ستَشعُر بالوحدة في (الحدائق) ،أؤ ِّك ُد لك .وأين الفارس الباسل ال َّشاب الذي قال إنه يتمنَّى أن يقضي بقيَّة
حياته بين ذراعَي».
قلت هذا». كنت ً
ثمال عندما ُ ُ «-
« -لم تشرب َّإال ثالثة أكواب من النَّبيذ المخفَّف بالماء».
ُ
ارتديت المعطف األبيض .لم بك .لقد مرَّت عشرة أعوام منذ ...إنني لم ألمس امرأةً ِ
قبلك منذ ثمال ِكنت ً ُ «-
ط معنى الحُب ،لكني اآلن ...خائف». أعرف قَ ُّ
« -وما الذي يُخيف فارسي األبيض؟».
أخاف على َشرفي و َش ِ
رفك». ُ «-
قالت« :يُمكنني أن أعتني ب َشرفي» ،ومسَّت ثديها بإصبعها مد ِّورةً إياه ببُط ٍء حول حلمتها ،وأضافَت« :وأن
أعتني َّ
بلذتي أيضًا إذا لز َم األمر .إنني امرأة بالغة».
هي كذلك دون شك .رؤيتها هكذا على الفِراش المحش ِّو بال ِّريش ،تبتسم تلك االبتسامة الخبيثة وتعبث
بثديها ...أهناك امرأة في العالم لها هاتان الحلمتان الكبيرتان وسُرعة استجابتهما؟ بالكاد يستطيع النَّظر
َّ
وتبتال وتلتمعا... إليهما دون أن يرغب في اإلمساك بهما وأخذهما في فمه إلى أن تنتصبا
أشا َح بنظره .كانت ثيابه ال َّداخليَّة ملقاةً على األرض ،وانحنى الفارس يلتقطها.
ي .أينبغي أن تستعجل ارتداء ثيابك هكذا أيها أظن أنهما تُ َحبِّذان التَّمليس عل َّ
ُّ قالت« :يداك ترتعشان.
ً
رجال وامرأةً ،حبيبيْن، الفارس؟ إنني أفضِّلك كما أنت .في الفِراش دون مالبس نكون في أصدق حاالتنا،
جسدًا واحدًا ،أقرب ما يُمكن الثنين أن يكونا .أوث ُر أن أكون لح ًما ود ًما على الحرير والجواهر ،وأنت...
أنت لست معطفك األبيض أيها الفارس».
صالحك عالوةً على صالحي.
ِ قال السير آريس« :لكني كذلك ،أنا معطفي ،وما بيننا ال بُ َّد أن ينتهي ،ألجل
إذا افتض َح أمرنا.»...
« -سيع ُّدك النَّاس محظوظًا».
رفك؟». أبوك وحكى له كيف ل َّو ُ
ثت َش ِ ِ ذهب أحدهم إلى
َ « -سيع ُّدني النَّاس ناقضًا للعهد .ماذا لو
ط إنه أحمق .نغل (عطيَّة اآللهة) فَضَّ بكارتي حين كان « -ألبي خصال سيِّئة كثيرة ،لكن أحدًا لم يقل قَ ُّ
كالنا في الرَّابعة عشرة .هل تعلم ما فعلَه أبي عندما سم َع؟» ،وض َّمت األغطية في قبضتها وسحبَتها تحت
ذقنها لتُواري ُعريها ،وتاب َعت« :ال شيء .أبي بارع للغاية في فِعل الال شيء ،ويُ َس ِّمي هذا تفكيرًا .اص ِدقني
القول أيها الفارس ،هل يُقلِقك تلويث َشرفي حقًّا أم َشرفك أنت؟».
َر َّد وقد أل َمه اتِّهامها« :كالهما ،ولذا يجب أن تكون هذه مرَّتنا األخيرة».
« -هذا ما قلته من قبل».
وإال لما ُ
كنت هنا اآلن .ال يُمكنه أن يُخبِرها بهذا ألنها من النِّساء الالئي قلته وعنيته أيضًا ،لكني ضعيفَّ ،
يحتقرن الضَّعف كما يُ َؤ ِّكد له إحساسه .فيها من ع ِّمها أكثر من أبيها .التفتَ عنها ووج َد سُترته الحرير
المخطَّطة تحت ُكرسي ،السُّترة التي م َّزقتها حتى ال ُّسرَّة عندما أنزلَتها على ذراعيه .قال متذ ِّمرًا« :إنها
تالفة .كيف أرتديها اآلن؟».
« -بالعكس .لن يرى أحد المزق بمجرَّد أن ترتدي معطفك .ربما ترتقها لك أميرتك الصَّغيرة ،أم أن عل َّي
أن أرسل واحدةً جديدةً إلى (الحدائق المائيَّة)؟».
وشعر
َ نفض السُّترة وارتداها بالعكس،
َ ي هدايا» .لن يتسبَّب ذلك َّإال في لفت االنتباه. « -ال تُرسلي لي أ َّ
بحريرها باردًا على ِجلده ،وإن التصقَت بظَهره حيث خد َشته ،لكنها ستكفي إلعادته إلى القصر على
األقل« .ال أري ُد َّإال أن أنهي هذه ال ...ال.»...
ُ
وبدأت ُّ
أظن أن ك َّل كالمك عن الحُبِّ كان كذبًا». « -أهذه شهامة أيها الفارس؟ إنك تُؤلِمني،
عليك أبدًا .قال السير آريس شاعرًا كأنها صف َعته« :إن لم يكن من أجل الحُبِّ فلِ َم
ِ ليس بمقدوري أن أكذب
حلمت به في حياتي، ُ معك ...أكا ُد ال أقوى على التَّفكيرِ .
إنك كلُّ ما ِ ُ
أكون تخلَّ ُ
يت عن َشرفي ب ُر َّمته؟ حين
ولكن.»...
« -الكالم هواء .إذا كنت تحبُّني فال تَترُكني».
ُ
أقسمت.»... « -لقد
ُ
شربت شاي القمر ،وأنت تعلم أنني ال أستطي ُع أن أتز َّوجك»، ً
أطفاال .طيِّب ،لقد َّ « -أال تتز َّوج أو تُ ِ
نجب
ً
خليال لي». وابتس َمت مردفةً« :وإن كان يُمكنني أن أقتنع بأن أحتفظ بك
« -اآلن تسخرين مني».
ً «-
قليال ربما .أتحسب أنك الحارس الملكي الوحيد الذي أحبَّ امرأةً؟».
أق َّر مجيبًا« :لطالما ُو ِج َد رجال كان أسهل عليهم أن يحلفوا األيمان من أن يحفظوها» .السير بوروس
بالونت ليس غريبًا على (شارع الحرير) ،والسير پرستون جرينفيلد اعتا َد أن يزور منزل تاجر أجواخ
ً
وبدال صاحبه ،لكن آريس يَرفُض أن يُخزي إخوته المحلَّفين بالحديث عن تلك النَّقائص، ِ غاب
َ معيَّن كلَّما
ض ِبطَ في الفِراش مع عشيقة مليكه .أقس َم إنه حُب ،لكنه كلَّفه حياته
من هذا قال« :السير تيرانس توين ُ
س عرفَه العالم».
وجلب انهيار عائلته وموت أنبل فار ٍ
َ وحياتها،
« -نعم ،وماذا عن لوكامور ال َّشهواني وزوجاته الثَّالث وأطفاله الستَّة عشر؟ تلك األغنية تُ ِ
ضحكني
دو ًما».
« -الحقيقة ليست بهذه الطَّرافة .لم يكن يُ َس َّمى لوكامور ال َّشهواني وهو حي ،بل كان اسمه لوكامور
سترونج ،وحياته كلُّها كانت كذبةً .حين اكتُ ِشفَ خداعه خصاه إخوته المحلَّفون وأرسلَه الملك العجوز إلى
ك أولئك األطفال الستَّة عشر لدموعهم .لم يكن فارسًا حقيقيًّا ،تما ًما ِمثل تيرانس توين.»... الجدار) ،وتُ ِر َ
( ِ
س عرفه أزاحت األغطية جانبًا وأنزلَت قدميها على األرض قائلةً« :والفارس التنِّين؟ تقول إنه أنبل فار ٍ َ
العالم ،ومع ذلك أخ َذ مليكته إلى الفِراش وحبلَت منه».
َر َّد شاعرًا باإلهانة« :لن أصدِّق ذلك .حكاية خيانة األمير إيمون والملكة نييرس ليست أكثر من حكاية،
داع»،كذبة قالها أخوه عندما أرا َد أن يُزيح ابنه ال َّشرعي محاباةً لنغله .إجون لم يُلَقَّب بغير الجدير بال ٍ
طه حول خصره ،ورغم أنه يبدو غريب المنظر وهو يُحيط بال ُّسترة الدورنيَّة ووج َد حزام سيفه ورب َ
الحرير فقد ذ َّكره ثقل السَّيف الطَّويل والخنجر المألوف بهويَّته ،فأعلنَ « :لن أجعل النَّاس يتذ َّكرونني
باعتباري السير آريس غير الجدير ،لن أل ِّوث معطفي».
ً
مماثال .لقد ماتَ وأنا « -نعم ،ذلك المعطف األبيض األنيق .إنك تنسى أن ع ِّمي الكبير ارتدى معطفًا
ً
طويال كالبُرج ،واعتا َد أن يُدَغ ِدغني حتى تنقطع أنفاسي من الضَّحك». صغيرة ،لكني أذكره .كان
« -لم أتشرَّف بمعرفة األمير ليوين ،لكن الجميع متَّفقون على أنه كان فارسًا عظي ًما».
« -فارسًا عظي ًما له خليلة .إنها عجوز اآلن ،لكن النَّاس يقولون إنها كانت ذات َج ٍ
مال نادر في شبابها».
األمير ليوين؟ تلك الحكاية لم يسمعها السير آريس ،وقد صد َمته حقًّا .خيانة تيرانس توين وخداع لوكامور
ال َّشهواني مد َّونان في (الكتاب األبيض) ،لكن ليست هناك إشارة على اإلطالق المرأ ٍة في صفحة ليوين
مارتل.
واصلَت« :اعتا َد ع ِّمي أن يُ َر ِّدد دو ًما أن السَّيف في يد الرَّجل هو ما يُ َحدِّد قيمته ،وليس الذي بين ساقيه،
الورع هذا عن المعاطف المل َّوثة .حبُّنا ليس ما ل َّوث َشرفك ،بل الوحوش الذين خدمتهم ِ فأعفني من كالمك
والحيوانات الذين دعوتهم بإخوتك».
طعنَته كلماتها على مقرب ٍة شديدة من الجرح ،فقال« :روبرت لم يكن وح ًشا».
أعترف بأنه لم يكن كچوفري». ُ « -لقد ارتقى عرشه على جُثث األطفال ،وإن ُ
كنت
طويال وقويًّا بالنِّسبة إلى ِسنِّهَّ ،إال أن هذا كلُّ ما يُمكن أن يُقال عنه من خير .ما
ً چوفري .كان فتى وسي ًما،
رب فيها ابنة ستارك المسكينة بأمر الصَّبي ،وحين ُخجل السير آريس أن يتذ َّكر المرَّات التي ض َ زا َل ي ِ
للذهاب مع مارسال إلى (دورن) أشع َل شمعةً ل(ال ُمحارب) ُشكرًا« .چوفري ماتَ ، اختا َره تيريون َّ
ط« .تومن الملك اآلن ،وتومن ليس ال ِعفريت س َّممه» .لم يكن يخال القزم قادرًا على جريم ٍة منكرة كهذه قَ ُّ
كأخيه».
« -وليس كأخته».
آخر م َّر ٍة رآه السير آريس
ما تقوله صحيح .تومن رجل صغير طيِّب القلب يبذل أقصى جهده دائ ًما ،لكن ِ
كان الصَّبي يبكي على رصيف الميناء ،في حين لم تذرف مارسال ولو دمعةً ،مع أنها هي التي كانت
برم ِحلفًا بعُذريَّتها .الحقيقة أن األميرة أشجع من أخيها ،وأذكى وأكثر ثقةً بنفسها
مغادرةً بيتها وأهلها لتُ ِ
كذلك ،وبديهتها أسرع ومجا َمالتها أفضل تهذيبًا ،وما من شي ٍء يُر ِهبها أبدًا ،حتى چوفري نفسه .النِّساء
هن األقوى حقًّا .لحظتها لم يكن يُفَ ِّكر في مارسال وحدها ،بل في أ ِّمها وأ ِّمه أيضًا ،وفي ملكة األشواك
وأفاعي ال ِّرمال بنات األُفعوان األحمر الحسناوات المميتات ...وفي األميرة آريان مارتل ،فيها تحديدًا .قال
ت أجش« :لن أقول إنك مخطئة». بصو ٍ
« -لن تقول؟ وال يُمكنك أن تقول! مارسال تَصلُح للحُكم أكثر من.»...
« -االبن يسبق االبنة».
ي أن أتخلَّى عن حقوقي ألخ َوي؟». فرض هذا؟ إنني وريثة أبي ،فهل عل َّ
َ « -لماذا؟! َمن اإلله الذي
« -إنك تلوين كالمي .لم أقل إطالقًا( ...دورن) تختلِف .لم تكن ل(الممالك السَّبع) ملكة حاكمة قَ ُّ
ط».
« -ڤسيرس األول انتوى أن تخلفه ابنته رينيرا ،هل تُن ِكر هذا؟ لكن بينما يُحت َ
ضر الملك قرَّر قائد َحرسه
الملكي أن يكون األمر غير هذا».
السير كريستون كول .كريستون صانع الملوك وض َع األخ في موا َجهة أخيه وجع َل َحرس الملك ينقسمون
على أنفسهم ،لتنشب الحرب الرَّهيبة التي يُ َس ِّميها المغنُّون رقصة التَّنانين .بعضهم يَز ُعم أنه تصرَّف بدافع
الطموح ،ألن األمير إجون كان أسهل انقيا ًدا من أخته األكبر العنيدة ،في حين يتذرَّع له غيرهم بدوافع ُّ
ُحاولون أن يُبَر ِهنوا على أنه كان يُدافع عن التَّقاليد األنداليَّة القديمة ،وث َّمة قالئل يقولون همسًا أكثر نُ ً
بال ،وي ِ
إن السير كريستون كان عشيق األميرة رينيرا قبل أن يرتدي المعطف األبيض وأرا َد أن ينتقم من المرأة
جلب أ ًذى شنيعًا على البالد ودف َع الثَّمن غاليًا ،ولكن.»...
َ التي نب َذته .قال السير آريس« :صانع الملوك
« -ولكن ربما أرسلَتك اآللهة السَّبعة إلى هنا كي يعدل فارس أبيض ما ميَّله فارس أبيض آخَر .إنك تعلم
أن أبي ينوي أن يأخذ مارسال معه حينما يعود إلى (الحدائق المائيَّة) ،أليس كذلك؟».
« -ليحميها م َّمن يُريدون إيذاءها».
قالت« :ال ،بل ليُب ِعدها ع َّمن يُريدون تتويجها .كان األمير أوبرين األُفعوان ليضع التَّاج على رأسها بنفسه
ضت متابعةً« :تقول إنك تحبُّ الفتاة كما لو أنك تحبُّ ابنةً منعاش ،لكن أبي يفتقر إلى ال َّشجاعة» ،ونه َ
َ لو
دمك ،فهل تسمح بأن تُسلَب ابنتك حقوقها وتُس َجن؟».
بضعف(« :الحدائق المائيَّة) ليست سجنًا».َر َّد محت ًّجا َ
« -ألن ال سجن فيه نوافير وأشجار تين ،أهذا ما تعتقده؟ لكن بمجرَّد أن تصل الفتاة فلن يُس َمح لها أو لك
بالمغادَرة .هوتا سيحرص على ذلك .أنت ال تعرفه ِمثلي.
إنه رهيب عندما يُستَثار».
بانزعاج بالغ .يقولون إنه
ٍ عق َد السير آريس حاجبيه .لطالما أشع َره القائد النورڤوشي الضَّخم بوجهه النَّديب
ينام وتلك الفأس إلى جواره« .ماذا تُريدينني أن أفعل؟».
ضع التَّاج على رأسها».
احم مارسال بحياتك ،دافِع عنها ...وعن حقوقهاَ . « -ليس أكثر مما أقسمت عليهِ .
ُ
حلفت يمينًا!». « -لقد
« -لچوفري ال لتومن».
« -نعم ،لكن تومن صب ٌّي طيِّب القلب .سيكون مل ًكا أفضل من چوفري».
« -ولكن ليس أفضل من مارسال .إنها تحبُّ الصَّبي أيضًا ،وأعل ُم أنها لن تسمح بأن يح َّل به أذى.
(ستورمز إند) له شرعًا بما أن اللورد رنلي لم يَترُك وريثًا واللورد ستانيس ح ِ
ُر َم من أمالكه ،وبَعد فتر ٍة
ستنتقل (كاسترلي روك) إليه أيضًا من خالل أ ِّمه .سيكون من أعظم اللوردات في البالد ...لكن الواجب أن
تجلس مارسال على العرش الحديدي».
« -القانون ...ال أدري.»...
قالت« :أنا أدري» ،ووقفَت أمامه لتَسقُط ُخصالت َشعرها السَّوداء الطَّويلة حتى أسفل ظَهرها ،وواصلَت:
«إجون التنِّين أنشأ َ ال َحرس الملكي وأيمانه ،لكن ما فعلَه ملك يستطيع آخَر أن يعكسه ،أو يُ َغيِّره .في السَّابق
الحرس الملكي يخدمون مدى الحياة ،لكن چوفري صرفَ السير باريستان ليُ َوفِّر معطفًا لكلبه. كان رجال َ
ستُريدك مارسال أن تكون سعيدًا ،كما أنها مولعة بي أيضًا ،وستُعطينا اإلذن في ال َّزواج إذا طلبنا»،
وأراحت وجهها على صدره فبل َغ رأسها أسفل ذقنه ،وأضافَت« :يُمكنك أن َ ووض َعت آريان ذراعيها حوله
آن واحد إن كان هذا ما تُريده».
تحظى بي وبمعطفك األبيض في ٍ
إنها تُ َم ِّزقني إربًا« .تعرفين أنني أريده ،لكن.»...
قالت بصوتها المبحوح« :أنا أميرة دورنيَّة ،وال يليق أن تجعلني أتو َّس ُل».
اشت َّم السير آريس العطر في َشعرها وشع َر بنبضات قلبها وهي تضغط جسدها إلى جسده الذي بدأ
ك أنها
ك لديه أنها تَشعُر باستجابته أيضًا .حين وض َع ذراعيه على كتفيها أدر َيستجيب لقُربها منه ،وال َش َّ
ترتجف ،فسألَها« :آريان ،أميرتي ،ما الخطب يا حبيبتي؟».
« -أيجب أن أقولها أيها الفارس؟ إنني خائفة .تقول إنني حبيبتك ،ومع ذلك تَرفُضني وأنا في أمسِّ حاجتي
س يحميني؟». إليك .أهي جريمة أن أرغب في فار ٍ
يحمونك ،فلِ َم.»...
ِ أبيك
عندك َحرس ِ
ِ لم يسمعها تتكلَّم بهذه الهشاشة من قبل قَ ُّ
ط ،فقال« :ال ،لكن
للحظ ٍة بدَت نبرتها أصغر من نبرة مارسال وهي تقولَ « :حرس أبي هُم من أخشاهمَ ،حرس أبي هُم من
جرُّ وا بنات ع ِّمي مكبَّالت بالسَّالسل».
ُ
سمعت أن ك َّل سُبل الرَّاحة متاحة لهن». « -لم يكن مكبَّالت.
أطلقَت ضحكةً مريرةً ،وسألَته« :هل رأيتهن؟ أتعلم أنه من َعني من رؤيتهن؟».
« -كن يتكلَّمن عن الخيانة ،يُ َحرِّضن على الحرب.»...
« -لوريزا في السَّادسة ودوريا في الثَّامنة ،فما الحروب التي حرَّضتا عليها؟ ورغم ذلك سجنَهما أبي مع
ظروف أخرى ،وأبي لمٍ أخواتهما .أنت رأيته .الخوف يجعل األقوياء يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلوها في
ط .آريس يا قلبي ،اسمعني ألجل الحُبِّ الذي تقول إنك تكنُّه لي .إنني لم أكن مقدامةً كبنات ع ِّمي يكن قويًّا قَ ُّ
ط ألنني نبتة بذر ٍة أضعف ،لكن تايين وأنا قريبتان في السِّن ومنذ طفولتنا ونحن كأختين .ليست هناك قَ ُّ
ي للسَّبب ذاته ...مارسال». أسرار بيننا .إذا كان يُمكن أن تُس َجن هي فال ِمثل ينطبق عل َّ
ألبوك أن يفعل ذلك أبدًا».
ِ « -ال يُمكن
حاول تزويجي
َ ت ُ
خرجت إلى هذا العالم دون قضيب .ع َّدة مرَّا ٍ « -أنت ال تعرف أبي .إنني أخيِّبُ أمله منذ
طت أسنانهم ،ك ٌّل منهم أوضع من سابِقه.بمسنِّين سق َ
صحي ٌح أنه لم يأمرني بال َّزواج بأيِّهم ،لكن العروض وحدها تُثبِت كم يبخس قدري».
ت وريثته». « -ومع ذلك أن ِ
« -أأنا وريثته حقًّا؟».
« -لقد تر َك ِك تَح ُكمين في (صنسپير) ل َّما أخ َذ نفسه إلى (الحدائق المائيَّة) ،أليس كذلك؟».
ك السير مانفري ابن ع ِّمه أمينًا للقلعة ،وريكاسو العجوز األعمى قهرمانًا ،و ُوكالء
« -أحك ُم؟ ال ،بل تر َ
أمالكه ليجمعوا الضَّرائب والجمارك لتُحصيها خازنته آليس ليديبرايت ،ومف َّوضيه ليكونوا عسس مدينة
الظِّل ،وقُضاته ليُ َح ِّكموا في القضايا ،وال ِمايستر مايلز ليتعا َمل مع الرَّسائل التي ال تتطلَّب عناية األمير،
وفوقهم جميعًا وض َع األُفعوان األحمر .تكليفي أنا كان المآدب والحفالت وضيافة ال َّزائرين عوالي المقام.
أوبرين اعتا َد أن يزور (الحدائق المائيَّة) مرَّتين ك َّل أسبوعين ،أ َّما أنا فاستدعاني أبي مرَّتين في العام .إنني
لست الوريث الذي أرادَه أبي ،وقد جع َل هذا واضحًا .قوانيننا تُقَيِّده ،لكني أعل ُم أنه يُؤثِر أن يخلفه أخي».
ُ
أخوك؟» ،ووض َع يده تحت ذقنها ليرفع رأسها ويَنظُر في عينيها ،وقال« :ال يُعقَل ِ
أنك ِ ر َّدد السير آريس« :
تعنين تريستان .إنه مجرَّد صبي».
ُ
أعرف الحقيقة أجابَته بنظر ٍة ال تطرف من عينيها الجريئتيْن كنور ال َّشمس« :ليس تريس ،بل كوينتن .إنني
دخلت فيه ُغرفة أبي ال َّشمسيَّة ألعطيه قُبلة المساء ولم أجده. ُ كنت في الرَّابعة عشرة ،منذ اليوم الذي ُ منذ
وجدت إلى جوارها ُ ذهبت أطفئهاُ ك شمعةً مشتعلةً ،وحين معت أن أ ِّمي أرسلَت تَطلُبه .كان قد تر َالحقًا س ُ
وكتب فيها أبي لكوينتن أن َ رسالةً غير مكتملة ،رسالةً إلى أخي كوينتن الذي كان غائبًا في (يرونوود)،
يوم ستجلس حيث أجلسُ وتَح ُكم (دورن) عليه أن يفعل ك َّل ما يُمليه عليه ال ِمايستر وقيِّم السِّالح ،ألنك ذات ٍ
ي العقل والجسد» ،وسالَت عبرة على َخ ِّد آريان النَّاعم ،وتاب َعت« :كلمات كلَّها ،ويجب أن يكون الحاكم قو َّ
وليالي كثيرةً بَعدها».
َ بكيت حتى غلبَني النَّوم،
ُ ط يده .لقد وس َمت نفسها في ذاكرتي .ليلتها أبي المكتوبة ب َخ ِّ
ق السير آريس كوينتن مارتل بع ُد ،فالصَّبي ربيب اللورد يرونوود منذ نعومة أظفاره ،وخد َمه لم يلت ِ
ُ
ألردت أن ُ
كنت أبًا كوصيف ثم ك ُمرافق ،بل وحبَّذ أن يُقَلِّده الفُروسيَّة على األُفعوان األحمر .ف َّكر :لو ٍ
يخلفني ابني أيضًا ،لكنه سم َع األلم في صوتها ويعلم أنه سيفقدها إذا با َح لها بما يُفَ ِّكر فيه .هكذا قال« :ربما
أخاك على االجتهاد أكثر فحسب». ِ ت طفلةً ،وربما قال األمير هذا ليُ َشجِّ عت الفهم .لقد كن ِ أسأ ِ
ُّ « -
أتظن هذا؟ أخبِرني إذن ،أين كوينتن اآلن؟».
أخبره به أمين
َ أجاب السير آريس بحذر« :األمير مع جيش اللورد يرونوود في (طريق العظام)» .هذا ما َ
قلعة (صنسپير) ال َّشيخ لدى وصوله إلى (دورن) ،وال ِمايستر ذو اللِّحية الملساء قال الكالم نفسه.
على أن آريان خالفَته قائلةً« :هذا ما يُريد أبي أن نعتقده ،لكن لي أصدقا ًء يُخبِرونني بأشياء مختلفة .أخي
عب َر (البحر الضيِّق) في ال ِّس ِّر متن ِّكرًا في هيئة تاجر تقليدي ،فلِ َم؟».
« -وما أدراني؟ قد يكون هناك مئة سبب».
درك أن الجماعة َّ
الذهبيَّة فسخَ ت عقدها مع (مير)؟». « -أو سبب واحد .هل تُ ِ
المرتزقة يفسخون العقود طوال الوقت».
ِ «-
« -ليس الجماعة َّ
الذهبيَّة .كلمتنا من ذهب .هكذا يتباهون منذ أيام الفوالذ األليم( .مير) على شفا الحرب مع
(لِيس) و(تايروش) ،فلِ َم يفسخون عقدًا يعدهم باألجر الوافر والغنائم الجزيلة؟».
ضت عليهم (لِيس) أو (تايروش) أجرًا أكبر».
« -ربما عر َ
ق أن تفعل هذا أيُّ جماع ٍة ُحرَّة أخرى ،فمعظمها يُبَدِّل والءه ولو مقابل نِصف جروت قالت« :ال .أص ِّد ُ
إضافي ،لكن الجماعة َّ
الذهبيَّة مختلفة .إنها أخ َّوة من المنفيِّين وأبناء المنفيِّين يُ َوحِّ دها حُلم الفوالذ األليم،
ركب أسالفه مع الفوالذ
َ الذهب ،واللورد يرونوود يعلم هذا ِمثلي تما ًما .لقد يُريدون الوطن بقدر ما يُريدون َّ
ث من ثورات بالكفاير» ،وأمس َكت يد السير آريس وشبَّكت أصابعها في أصابعه مردفةً: األليم في ثال ٍ
«هل رأيت رمز آل توالند أوالد (تَل األشباح)؟».
ف َّكر لحظةً ،ثم قال« :تنِّين يلتهم ذيله؟».
« -التنِّين هو ال َّزمن ،بال بداي ٍة أو نهاية ،وهكذا تتكرَّر الحوادث كلُّها .آندرز يرونوود هو كريستون كول
قائال إن األجدر به هو أن يخلف أبي في الحُكم ،إنه ليس من وقد ُولِ َد ثانيةً .إنه يهمس في أُذن أخي ً
الصَّواب أن يركع الرِّ جال للنِّساء ...إن آريان على وجه الخصوص ال تَصلُح حاكمةً لكونها عنيدةً لعوبًا»،
وألقَت آريان َشعرها إلى الوراء بتح ٍّد مضيفةً« :إذن فأميرتاك مشتركتان في قضيَّ ٍة واحدة أيها الفارس...
س يَز ُعم أنه يحبُّهما لكنه يأبي القتال في سبيلهما».
ومشتركتان أيضًا في فار ٍ
هوى السير آريس على رُكبته ً
قائال« :سأقات ُل .مارسال األكبر واألصلح للتَّاجَ .من سيُدافِع عن حقوقها إن
ولك يا بهجة القلب .أقس ُم أن ال رجل سيسرق حقَّ ِك
لم يكن حارسها الملكي؟ سيفي وحياتي و َشرفي لهاِ ...
لك ،فماذا تسألينني؟».
ك ق َّوة تكفي ألن أرفع سيفي .أنا ِ ُ
دمت أمل ُ بالميالد ما
انحنَت تُقَبِّل شفتيه ،وقالت« :ك َّل شيء ،ك َّل شي ٍء يا حبيبي ،يا حبيبي الوحيد ،يا حبيبي الجميل ،وإلى األبد.
أوال.»... لكن ً
لك».
َ « -سلي وهو ِ
...« -مارسال».
بِريان
متداع ،لكن منظره عبر الحقل جع َل ال ُّشعيرات على مؤ ِّخرة ُعنقها تنتصب.
ٍ السُّور الحجري قديم
بسور آخَر يُشبه األول إلى َح ٍّد
ٍ هنا اختبأ َ الرُّ ماة وقتلوا المسكين كليوس فراي ...لكنها بَعد نِصف ميل مرَّت
ينعطف ويلتوي ،واألشجار البنِّيَّة الجرداء تبدو مختلفةً عن ِ كبير ،فلم تَ ُعد متأ ِّكدةً .الطَّريق المحفَّر
الخضراء التي تَذ ُكرها .هل تجاو َزت البُقعة التي انتز َع فيها السير چايمي سيف ابن ع َّمته من ِغمده؟ أين
الغابة التي تقاتَال فيها؟ والغدير الذي خاضا في مياهه وتقار َع سيفاهما إلى أن لفتَا انتباه رجال ِرفقة
ال ُّشجعان إليهما؟ « -سيِّدتي ،أيتها الفارس» ،قال پودريك الذي يبدو أنه ال يعرف أبدًا بِ َم يدعوهاَ « .ع َّم
تبحثين؟».
ُ
مررت به م َّرةً ،ليس شيئًا ذا بال» .آنذاك كان السير چايمي ال يزال يملك كلتا يديه .لكم األشباح« .سور
احتقرته باستهزائه وابتساماته« .الزم الهدوء يا پودريك.
ربما ما زا َل هناك خارجون عن القانون في هذه الغابة».
تطلَّع الصَّبي إلى األشجار البنِّيَّة العارية واألوراق المبتلَّة والطَّريق الموحل أمامهما ،وقال« :معي سيف
طويل ،أستطي ُع أن أقاتل».
تشك بِريان في َشجاعة الصَّبي ،وإنما في تدريبه فحسب ،فربما يكون ُمرافقًا -اس ًما ُّ ليس ببراع ٍة كافية .ال
على األقل -لكن ال ِّرجال الذين رافقَهم عادوا عليه بالضَّرر حقّاً.
ت متقطِّعة وهما في الطَّريق من (وادي الغسق) .إنه ينتمي استخلصت بِريان قصَّة الصَّبي منه على فترا ٍ َ
فرع أدنى من عائلة پاينُ ،ذ ِّريَّة فقيرة يعود أصلها إلى أحد أبناء العائلة األصغر ،وقد أمضى أبوه ٍ إلى
شموع تز َّوجها قبل أن يرحل ليموت ٍ وأنجب پودريك من ابنة صانع َ حياته ُمرافقًا ألبناء عمومته األغنى،
الحقفي تمرُّ د جرايچوي ،وبَعدها تخلَّت عنه أ ُّمه ألحد أبناء العمومة هؤالء وهو في الرَّابعة من العُمر ،لتُ ِ
طفال آخَر في بطنها .ال يَذ ُكر پودريك شكلها. مطربًا متج ِّو ًال وض َع ً
ب أو أُ ٍّم كان السير سدريك پاين ،وإن بدا لبِريان من روايته المتلعثمة أن أقرب ما عرفَ في حياته إلى أ ٍ
كخادم أكثر من ابن .حين استدعَت (كاسترلي روك) راياتها أخ َذه الفارس معه ٍ الرَّجل كان يُعا ِمل پودريك
ُحارب في جيش اللورد ليعتني بحصانه ويُنَظِّف ِدرعه ،ثم قُتِ َل السير سدريك في أراضي النَّهر بينما ي ِ
تايوين.
س متج ِّول بدين اسمه السير لوريمر ق الصَّبي نفسه بخدمة فار ٍ بعيدًا عن الدِّيار ووحيدًا ومفلسًا ،ألح َ
ال ِكرش ،كان جز ًءا من فِرقة اللورد ليفورد المكلَّفة بحماية قافلة المؤن ،وقد أحبَّ السير لوريمر أن يُ َردِّد
أن الصِّبية الذين يَحرُسون األطعمة يأكلون أفضل من غيرهم دو ًما ،إلى أن ضبطوه ومعه فخذ خنزير
س للُّصوص مملَّحة سرقَها من مخازن اللورد تايوين الخاصَّة ،فاختا َر تايوين النستر أن يشنقه كدر ٍ
اآلخَرين .كان پودريك قد شار َكه اللَّحم ولربما شار َكه المشنقة كذلك ،لكن اسمه أنق َذه وتولَّى السير كيڤان
النستر مسؤوليَّته ،وبَعد فتر ٍة أرسلَه يعمل ُمرافقًا لتيريون ابن أخيه.
السير سدريك علَّم پودريك أن يسوس الخيول ويتفقَّد حدواتها بحثًا عن الحجارة ،والسير لوريمر علَّمه
المبارزة َّإال ً
قليال ،أ َّما ال ِعفريت فعلى األقل أرسلَه إلى قيِّم سالح (القلعة َ السَّرقة ،لكن كليهما لم يُ َدرِّبه على
الحمراء) حين ذهبا إلى البالطَّ ،إال أن السير أرون سانتاجار كان بين القتلى خالل فِتنة ال ُخبز ،وبهذا كانت
نهاية تدريب پودريك.
قطَّعت بِريان سيفين خشبيَّين من الغصون السَّاقطة كي تُقَيِّم مهارات پودريك ،وسرَّها أن تُ ِ
درك أن الصَّبي
ً
ناحال ناقص التَّغذية، سريع اليد على الرغم من بُطء كالمه ،لكنه على الرغم من إقدامه وانتباهه ما زا َل
وليس قويًّا كفايةً على اإلطالق .إذا كان قد نجا حقًّا من معركة (النَّهر األسود) كما ي َّدعي ،فالسَّبب الوحيد
رأيت ُوصفا ًء في نِصف ُ أن أحدًا لم يحسب أن لقتله قيمةً .قالت له« :ربما تدعو نفسك بال ُمرافق ،لكني
ت
بقروح على يدك وكدما ٍ
ٍ ِسنِّك يُمكنهم أن يضربوك حتى تسيل دماؤك .إذا بقيت معي ستَخلُد إلى النَّوم
على ذراعك ك َّل ليل ٍة تقريبًا ،وسيكون األلم في جسدك المتخ ِّشب بال ًغا حتى إنك بالكاد ستنام .لست تُريد
ذلك».
َر َّد الصَّبي بإصرار« :بل أريده ،أري ُد ذلك ،الكدمات والقروح .أعني أني ال أريدها ،لكني أريدها أيتها
الفارس ،يا سيِّدتي».
يشتك پودريك البتَّة ،وكلَّما ظه َر قرح جديد على يد سيفه
ِ موف بكلمته ،وكذا ِبريان .لم
ٍ حتى اآلن والصَّبي
ُحسن العناية بحصانيهما أيضًا .قالت لنفسها مذ ِّكرةً :إنه ليسأحسَّ بالحاجة إلى أن يُريها إياه بفخر ،ثم إنه ي ِ
لست فارسًا مهما ناداني ب«أيتها الفارس» .كانت لتصرفه لوال أن ال مكان ُ ُمرافقًا رغم ذلك ،كما أني
يذهب إليه ،وباإلضافة إلى هذا ،ومع أن پودريك قال إنه يجهل أين ذهبَت سانزا ستارك ،فربما يعلم أكثر
مما ُّ
يظن ،وربما يَك ُمن مفتاح مه َّمة بِريان في مالحظ ٍة عابرة ِشبه منسيَّة.
قال پودريك مشيرًا« :أيتها الفارس ،سيِّدتي ،هناك عربة أمامنا».
بدال من الثَّور يكدح رجل رأتها بِريان ،عربة خشبيَّة يجرُّ ها عادةً ثور ،لها عجلتان وجوانب مرتفعة ،لكن ً
وامرأة على ِمقوديْها ويسحبانها وسط الحُفر في اتِّجاه (بِركة العذارى)ُ .مزارعان كما يدلُّ منظرهما .قالت
للصَّبي« :تحرَّك ببُطء .قد يحسباننا من الخارجين عن القانون .تف َّوه بما هو ضروري فقط وتكلَّم بدماثة».
« -سأفع ُل أيها الفارس ،سأكون دمثًا يا سيِّدتي» .يبدو الصَّبي أقرب إلى السُّرور بفكرة أن يحسبه أحدهم
خارجًا عن القانون.
أوضحت بِريان أنهما ال ينويان
َ بحذر وهما يَ ُخبَّان بحصانيهما مقتربيْن ،لكن بمج َّرد أن ٍ راقبَهما ال ُمزارعان
إيذاءهما تركاها تركب إلى جوارهما ،وبينما يشقُّون طريقهم وسط الحقول المختنقة بالحشائش وبحيرات
الطَّمي اللَّين واألشجار المحروقة المسو َّدة قال لها الرَّجل العجوز بوج ٍه محتقن من مجهود َج ِّر العربة:
ضا وفعلوا بها ما فعلوه ،لكنها عادَت بَعد المعركة في «كان لدينا ثور لكن ال ِّذئاب سرقوه ،وخطفوا ابنتنا أي ً
(وادي الغسق) ،أ َّما الثَّور فلم يَعُد .أعتق ُد أن ال ِّذئاب أكلوه».
ضف المرأة شيئًا إلى كالمه .إنها تصغره بنحو عشرين عا ًما ،ومع أنها لم تقل شيئًا لبِريان فقد تطلَّعت لم تُ ِ
ت مشابهةً من قبل، عجال برأسيْن .رأَت عذراء (تارث) نظرا ٍ ً إليها بالطَّريقة نفسها التي كانت لتحدج بها
بعطف فإن معظم النِّساء يتَّسمن بالقسوة نفسها كال ِّرجال .ال تدري َمن تُؤلِمها ٍ ولئن عاملَتها الليدي ستارك
الالذعة كال َّدبابير وضحكاتهن الجافَّة ،أم الليديهات ذوات نظراتهن أكثر؛ الفتيات الحسناوات بألسنتهن َّ
قناع من الكياسة ...ونسوة العوام أسوأ من كال النَّوعين ٍ األعيُن الباردة الالتي يُوارين ازدراءهن تحت
آخر مرَّة ،الب َّوابة محطَّمة ونِصف البلدة أحيانًا .قالت(« :بِركة العذارى) كانت خرابًا عندما رأيتها ِ
محترق».
س ،لكنه لورد أشجع من موتون .ما زا َل في الغابة خارجون « -أعادوا بناءها نوعًا .تارلي هذا رجل قا ٍ
وضرب أعناقهم بسيفه الكبير
َ قبض على أسوأهم
َ عن القانون ،لكن ليس باألعداد نفسها كما من قبل .تارلي
إياه» ،ود َّور الرَّجل رأسه وبصقَ ،ثم أضافَ « :ألم تريا خارجين عن القانون على الطَّريق؟».
« -إطالقًا» .ليس هذه المرَّة .كلَّما ابتعدا عن (وادي الغسق) خال الطَّريق أكثر ،وال ُمسافرون الوحيدون
ملتح كبير الجسد قابَاله يمشي جنوبًا مع نحو ٍ الذين لمحاهم ذابوا في الغابة قبل أن يَبلُغاهم ،باستثناء ِسپتون
أربعين من األتباع متق ِّرحي األقدام .الخانات التي مرَّا بها كانت منهوبةً مهجورةً أو ُح ِّولَت إلى مخيَّما ٍ
ت
مسلَّحة ،والبارحة قابَال إحدى دوريَّات اللورد راندل الحافلة بحاملي النُّ َّشابيَّة والرُّ مح ،وقد أحاطَ بهما
استجوب قائدهم بِريان ،لكنه تر َكهما يمضيان في سبيلهما في النِّهاية ،وقال لهاِ « :
عليك َ الخيَّالة فيما
باالحتراس يا امرأة .ربما ال يكون الرِّ جال الذين تُقابِلينهم بَعدنا أُمناء كفِتيتي .لقد عب َر كلب الصَّيد
(الثَّالوث) بمئ ٍة من المجرمين ،ويُقال إنهم يغتصبون ك َّل أنثى في طريقهم ويقطعون أثداءهن ويأخذونها
غنائم».
أحسَّت بِريان أن واجبها أن تنقل التَّحذير إلى ال ُمزارع وزوجته ،وأومأ َ الرَّجل برأسه بينما أخب َرته ،لكن
ق ثانيةً ،وقال« :الكالب وال ِّذئاب واألسود ،فليأخذهم (اآلخَرون) جميعًا .لن يجرؤ هؤالء حين فرغَت بص َ
المجرمون على االقتراب من (بِركة العذارى) ما دا َم اللورد تارلي الحاكم هناك».
ضتها في جيش رنلي ،ومع أنها ال تستطيع أن تجد في تعرف بِريان اللورد راندل تارلي منذ الفترة التي ق َ
نفسها القُدرة على أن تحبَّ الرَّجل ،فال يُمكنها أن تنسى ال َّدين الذي عليها له أيضًا .إذا شا َءت اآللهة سنمرُّ
من (بِركة العذارى) قبل أن يعرف أني هناك .قالت لل ُمزارع« :البلدة ستُ َر ُّد إلى اللورد موتون حالما ينتهي
القتال .حضرة اللورد تلقَّى عف ًوا من الملك».
رجاال إلى (ريڤر َرن)ً أرسل
َ َر َّد الرَّجل ضاح ًكا« :عف ًوا؟ َع َّم؟ جلوسه على مؤ ِّخرته في قلعته اللَّعينة؟ لقد
المرتزقة ،وظَ َّل حضرة اللورد وراء أسواره ِ للقتال لكنه لم يذهب بنفسه .ال ِّذئاب نهبوا البلدة ،ثم األُسود ،ثم
في أمان .ما كان أخوه ليختبئ هكذا إطالقًا .السير مايلز كان شديد الجرأة إلى أن قتلَه روبرت هذا».
أبحث عن أختي ،بنت جميلة في الثَّالثة عشرة .ربما رأيتها». ُ مزيد من األشباح« .إنني
« -لم أ َر بناتًا جميالت أو قبيحات».
ال أحد رآها .لكن عليها أن تُ ِ
واصل السُّؤال.
تاب َع الرَّجل« :فتاة موتون بنت ،حتى اإلضْ جاع على األقل .هذا البيض لزفافها إلى ابن تارلي .سيحتاج
بيض للكعك». ٍ ُّ
الطهاة إلى
وتظن أنه في الثَّامنة أو ُّ « -صحيح» .ابن اللورد تارلي ،ديكون الصَّغير سيتز َّوج .حاولَت أن تتذ َّكر ِسنَّه،
صبي يكبرها بثالث سنوات ،ابن اللورد كارون األصغر ،وكان ٍّ العاشرة .في السَّابعة ُخ ِطبَت بِريان إلى
خجوال له شامة فوق شفته .م َّرةً وحيدةً التقيا ،وتلك المرَّة كانت بمنا َسبة خطبتهما ،وبَعد عامين ماتَ ً صبيًّا
عام منعاش لتز َّوجا في غضون ٍ َ بنوبة البرد نفسها التي أتَت على اللورد والليدي كارون وبناتهما .لو
إزهارها ،والختلفَت حياتها كلِّيَّةً .ما كانت لتُصبِح هنا اآلن ،ترتدي دروع الرِّجال وتحمل سيفًا وتُ ِ
الحق
طفال آ َخر .ليست هذه رضع ً تلف طفلتها هي بالقِماط وتُ ِ طفلة امرأ ٍة ميتة ،وإنما لكانت غالبًا في (التَّغريدة)ُّ ،
تبث فيها شيئًا من الرَّاحة أيضًا. بالفكرة الجديدة على بِريان ،ودائ ًما ما تُش ِعرها بشي ٍء من الحُزن ،لكنها ُّ
كانت ال َّشمس ِشبه مختبئ ٍة خلف مجموع ٍة من السُّحب حين خرجوا من بين األشجار المتفحِّمة لي ِ
ُبصروا
(بِركة العذارى) أمامهم ،وقد ال َحت مياه الخليج العميقة وراءها .رأت بِريان على الفور أن ب َّوابة البلدة قد
فرف راية بُنِيَت من جديد ،وعا َد رُماة النُّ َّشابيَّة يمشون فوق األسوار الحجر الورديَّة .فوق مبنى الب َّوابة تُ َر ِ
الذهبي المتواجهان على خلفيَّ ٍة مقسومة إلى ذهبي وقرمزي ،وعلى تومن الملكيَّة ،الوعل األسود واألسد َّ
ت أخرى يظهر صيَّاد تارلي ،بينما ال ترتفع راية عائلة موتون ذات سمكة السلمون الحمراء َّإال على رايا ٍ
قلعته فوق تَلِّها.
الحرس المسلَّحين بال َمطارد ،65تشي شاراتهم بأنهم جنود في جيش
عند ال َّشبكة الحديديَّة وجدوا دستةً من َ
ق وخنفسةً زرقاء وسه ًما اللورد تارلي ،وإن لم يكن أحد منهم من رجاله .رأت قنطوريْن وصاعقة بر ٍ
أخضر ،ولكن ليس صيَّاد (هورن هيل) طويل القدمين .على صدر رقيبهم طاووس بهتَ ذيله ال َّزاهي من
ق صفيرًا ،وقال« :ما هذا؟ بيض؟» ،والتقطَ واحدةًالعُرضة ال َّشمس ،ول َّما أوقفَ ال ُمزارعان عربتهما أطل َ
وألقاها في الهواء وتلقَّفها ،وأضافَ بابتسام ٍة عريضة« :سنأخذه».
صاح العجوز بح َّدة« :بيضنا للورد موتون ،لكعك ال ِّزفاف وما إلى ذلك».
َ
قال الرَّقيب« :اجعل دجاجاتك تبيض المزيد .إنني لم آكل بيضًا منذ نِصف عام .هاك ،كي ال تقل إنك لم
ق ثَمنًا» ،وألقى حفنةً من البنسات عند قد َمي العجوز. تتل َّ
نطقَت ال َّزوجة للمرَّة األولى قائلةً« :هذا ال يكفي ،ال يكفي إطالقًا».
ومقابلك أيضًا .ائتوا بها يا أوالد ،إنها صغيرة ج ًّدا على هذا
ِ كاف ،مقابل البيض
ٍ َر َّد الرَّقيب« :أقو ُل إنه
العجوز».
الجدار وسحبا المرأة بعيدًا عن العربة وهي تُ ِ
قاوم ،وشاه َد ال ُمزارع بوج ٍه أسن َد حارسان ِمطرديْهما إلى ِ
مربد لكنه لم يجرؤ على الحركة ،أ َّما بِريان فهمزَت فَرسها متقدِّمةً ،وقالت« :أطلِقا سراحها».
جعلَت نبرتها الحارسيْن يتر َّددان لحظةً تملَّصت خاللها زوجة ال ُمزارع من قبضتيهما ،وقال أحد اآلخَرين:
لسانك يا هذه».
ِ شأنك .احفظي
ِ «ليس هذا من
ً
وبدال من هذا امتشقَت بِريان سيفها.
قال الرَّقيب« :هكذا إذن ،فوالذ مجرَّد .يبدو أنني أشت ُّم رائحة خارج ٍة عن القانون .أتعرفين ما يفعله اللورد
تارلي بالخارجين عن القانون؟» .كان ال يزال ممس ًكا بالبيضة التي أخ َذها من العربة ،وانطبقَت يده عليها
ونَ َّز الصَّفار من بين أصابعه.
بالمغتصبين
ِ ُ
وأعرف ما يفعله ُ
أعرف ما يفعله اللورد تارلي بالخارجين عن القانون، قالت بِريان« :
أيضًا».
وأشار لرجاله باالنتشار لتجد
َ كانت تأمل أن يُر ِهبهم االسم ،لكن الرَّقيب اكتفى بنفض البيض عن أصابعه
بِريان نفسها محاصرةً بالرُّ ؤوس الفوالذ ،وقال لها« :ماذا كن ِ
ت تقولين يا هذه؟ ماذا يفعل اللورد تارلي
بال.»...
الجدار) ،وأحيانًا هذا ...« -بالمغتصبين» ،قال صوت أعمق مت ًّما العبارة« .إنه يخصيهم أو ي ِ
ُرسلهم إلى ( ِ
متراخ من مبنى الب َّوابة متمنطقًا بحزام
ٍ خرج شابَ ثم ذاك .حضرته يقطع أصابع اللُّصوص أيضًا».
سيف ،وقد ارتدى فوق ِدرعه الفوالذ معطفًا كان أبيض ذات يوم ،وهنا وهناك ال يزال كذلك ،لكن معظمه
غزال بنِّي ميت ومعلَّق من عو ٍد خشبي.
ٍ مل َّوث ببُقع العُشب والدِّماء الجافَّة ،وعلى صدره رمز
انغرس في أحشائها .قالت بجمود« :سير هايل».
َ كنصل
ٍ هو .صوته بمثابة لكم ٍة في بطنها ،ووجهه
قال السير هايل هَنت مح ِّذرًا« :األفضل أن تدعوها تمرُّ يا أوالد .هذه بِريان المليحة ،عذراء (تارث) التي
قتلَت الملك رنلي ونِصف َحرس قوس قزح .إنها شرسة بقدر ما هي قبيحة ،وليس هناك من هو أقبح
ثور ب ِّري ،فلك ُعذر مقبول ،أ َّما هي
منها ...ربما باستثنائك أنت يا وعاء البول ،لكن أباك كان يُشبِه ُدبر ٍ
فأبوها نجم المساء سيِّد (تارث)».
وسأل الرَّقيب« :أال يجب أن نقبض عليها أيها الفارس؟ لقتلها
َ ضحكَ ال ُحرَّاس ،لكنهم أزاحوا َمطاردهم،
رنلي؟».
آخرنا ،لكننا فِتية تومن األوفياء اآلن»،
« -لماذا؟ رنلي كان متم ِّردًا ،تما ًما كما كنا جميعًا متم ِّردين عن ِ
وأشا َر الفارس لل ُمزارعيْن بالمرور من الب َّوابة ً
قائال لهما« :سيُ َسرُّ وكيل حضرة اللورد لرؤية هذا البيض.
ستجدانه في السُّوق».
ق العجوز بمفاصل أصابعه على جبهته ،وقال« :أشكرك يا سيِّدي .واضح تما ًما أنك فارس حقيقي .هيا َد َّ
يا زوجتي» ،وعا َد االثنان يدفعان بأكتافهما العربة التي مرَّت مقعقعةً من الب َّوابة.
دخلَت بِريان وراءهما وفي أعقابها پودريك ،وف َّكرت عابسةً :فارس حقيقي .جذبَت ِعنان الفَرس داخل
ق موحل تقف قُبالته في ُشرفة ماخور ثالث اسطبل تطلُّ على ُزقا ٍ
ٍ البلدة ،وإلى يسارها رأت أنقاض
ت ذهبَت إلى بِريان في م َّر ٍة لتسألها إن عاهرات ِشبه عاريات يتها َمسن ،وتُشبه إحداهن نوعًا تابعة معسكرا ٍ
كان ما بين ساقيها أيرًا أم فرجًا.
أنك
حصان رأيته على اإلطالق .يُد ِهشني ِ ٍ قال السير هايل مشيرًا إلى حصان پودريكُّ « :
أظن أن هذا أقبح
لم تركبيه يا سيِّدتي .هل تنوين أن تَش ُكريني على مساعَدتي؟».
س كامل ،ور َّدت« :ذات ٍ
يوم طوال برأ ٍ ً وثبَت بِريان من فوق فَرسها لتقف أمام السير هايل الذي تفوقه
التحام جماعي أيها الفارس».
ٍ سأشكرك في
ت رونيت األحمر؟» .ضحكته عميقة رنَّانة على الرغم من وجهه الذي ال سألَها هايل ضاح ًكا« :كما شكر ِ
يُ َميِّزه شيء ،وجه حسبَته صادقًا يو ًما قبل أن تتعلَّم الحقيقة .له َشعر بنِّي أشعث وعينان بلون البُندق وندبة
صغيرة عند أُذنه اليُسرى ،وذقنه مشقوق وأنفه معوج ،لكن ضحكاته قويَّة ومتكرِّرة.
ُفترض أن تُراقِب الب َّوابة؟».
« -أال ي َ
ك أن سيعود برأس كلب الصَّيد ُطارد الخارجين عن القانون .ال َش َّقال بامتعاض« :آلن ابن ع ِّمي خر َج ي ِ
بسببك .آم ُل أن تكوني مسرورةً يا
ِ وقد كلَّل نفسه بال َّزهو والمجد .أ َّما أنا فمبتلى بحراسة هذه الب َّوابة
جميلتيَ .ع َّم تبحثين؟».
« -اسطبل».
« -هناك عند الب َّوابة ال َّشرقية .هذا احتر َ
ق».
كنت مع الملك رنلي حين ماتَ ً
فعال ،لكن شعوذةً ما هي التي ُ أرى هذا .قالت« :ما قلته لهؤالء ال ِّرجال...
قتلَته أيها الفارس ،أقس ُم بسيفي» ،ووض َعت يدها على المقبض متأهِّبةً للقتال إذا نعتَها هَنت بالكذب في
وجهها.
ُمكنك أن تهزمي السير إمون فيِ ك ب َحرس قوس قزح .ربما كان ي الزهور هو من فت َ « -نعم ،وفارس ُّ
ظروف مواتية ،فقد كان ُمحاربًا مته ِّورًا ويتعب بسهولة .لكن رويس؟ ال .السير روبار كان ُمبار ًزا أبرع ٍ
بارزة» وجود؟ تُرى ما الذي أتى ِ
بك إلى ت ُمبار ًزا ،أليس كذلك؟ هل لكلمة « ُم ِ
أنك لس ِ
منك مرَّتين ...مع ِ
ِ
(بِركة العذارى)؟».
أبحث عن أختي ،بنت في الثَّالثة عشرة ،لكن السير هايل يعلم أنها بال أخوات ،ولذا قالت:
ُ كادَت تقول:
ُ
أبحث عنه ،موجود في مكان اسمه (اإلوزة النَّتنة)». «هناك رجل
حسبت أن بِريان المليحة ال تحتاج إلى الرِّ جال( .اإلوزة النَّتنة) ،اسم على
ُ قال بابتسام ٍة ال تخلو من قسوة« :
أوال لرؤية حضرة لكنك ستأتين معي ً ِ مس َّمى ...الجزء الخاص بالنَّتانة على األقل .الحانة عند الميناء،
اللورد».
رجل للدِّفاع
ٍ وبصفير واحد من فمه سيهرع مئة
ٍ ال تخشى بِريان السير هايل ،لكنه أحد قادة راندل تارلي،
عنه .هكذا سألَت« :هل سيُقبَض عل َّ
ي؟ » .
قال« :لماذا؟ لقتل رنلي؟ َمن كان رنلي؟ لقد ب َّدلنا الملوك منذ ذلك الحين ،بعضنا مرَّتين .ال أحد يعبأ ،ال
أحد يتذ َّكر» ،ووض َع يده بخفَّ ٍة على ذراعها مردفًا« :من هنا إذا سمح ِ
ت» .
انتزعَت ذراعها قائلةً« :لك ُشكري إذا لم تلمسني».
َر َّد بابتسام ٍة هازئة« :ال ُّشكر أخيرًا».
آخر م َّر ٍة كانت البلدة مقفرةً ،مكانًا كئيبًا شوارعه خالية وبيوته محترقة ،لكن حينما رأت (بِركة العذارى) ِ
ي باألرض ،لتح َّل مح َّل بعضها اآلن تعجُّ ال َّشوارع بالخنازير واألطفال ،وأكثر المباني المحترقة ُس ِّو َ
خضراوات مزروعة ومح َّل غيرها خيام التُّجَّار وسُرادقات الفُرسان .رأت بِريان منازل جديدةً تُبنى،
وخانًا حجريًّا يرتفع مكان السَّابق الخشبي ،وسطحًا جديدًا من ألواح األردواز فوق السِّپت .في هواء
الخريف البارد تر َّددت أصوات المطارق والمناشير ،بينما حم َل ال ِّرجال األخشاب في ال َّشوارع ودف َع
صيَّاد .قالت مندهشةً:ُع َّمال المحاجر عرباتهم في األزقَّة الموحلة ،كثيرون منهم على صدورهم رمز ال َّ
«الجنود يُعيدون بناء البلدة».
ك أنهم يُفَضِّلون أن يلعبوا النَّرد ويشربوا وينكحوا ،لكن اللورد راندل يُؤ ِمن بتكليف العاطلين « -ال َش َّ
بالعمل».
بدال من ذلك إلى الميناء المزدحم ،حيث سرَّها أن ترى توقَّعت أن يأخذها إلى القلعة ،لكن هَنت قادَهما ً
64
التِّجارة عادَت إلى (بِركة العذارى) .في المرسى قادس وقاليون وكوج له صاريتان ،باإلضافة إلى
عشرين تقريبًا من قوارب الصَّيد الصَّغيرة ،وفي الخليج ال َح المزيد من صيَّادي األسماك .حز َمت بِريان
أمرها ،وقالت لنفسها :إذا لم تُث ِمر زيارة (اإلوزة النَّتنة) شيئًا سأستقلُّ سفينةً( .بلدة النَّوارس) ال تَبعُد كثيرًا،
ق طريقها إلى (الوادي) بسهولة. ومن هناك يُمكنها أن تش َّ
وجدوا اللورد تارلي في سوق السَّمك يُقيم العدل.
قُرب الماء منصَّة منصوبة يستطيع حضرة اللورد أن يَنظُر من فوقها إلى المتَّهمين ،وإلى يساره تمت ُّد
رجال ،وقد تدلَّت منها أربع جُثث ،إحداها تبدو جديدةً في حين يقول ً مشنقة طويلة تكفي حبالها عشرين
منظر الثَّالث األخريات بوضوح إنها هنا منذ ُم َّدة .كان ُغراب ينتزع قطعًا من لحم أحد الموتى المتهتِّك،
بينما تشتَّتت ال ِغربان األخرى حذرًا من أهل البلدة الذين احتشدوا على أمل أن يتفرَّجوا على أح ٍد يُشنَق.
تقاس َم اللورد راندل المنصَّة مع اللورد موتون ،وهو رجل شاحب لحيم له مظهر ليِّن ،يرتدي سُترةً بيضاء
الذهب األحمر على شكل وسراويل حمراء ،ويُثَبِّت معطفه المصنوع من فرو القاقوم إلى كتفه مشبك من َّ
صدر من
ٍ والجلد المق َّوى بال َّزيت المغلي وواقي
ِ سمكة سلمون .أ َّما اللورد تارلي فارتدى الحلقات المعدنيَّة
الفوالذ الرَّمادي ،ومن وراء كتفه اليُسرى بر َز مقبض السَّيف العظيم المس َّمى (آفة القلوب) ،مفخرة عائلة
تارلي.
معطف من الخيش وسُتر ٍة ِجلديَّة متَّسخة يتكلَّم حين وصلوا ،وسم َعته بِريان يقول« :لم ٍ كان مراهق في
أخذت فقط ما تر َكه السِّپتونات عندما هربوا .إذا كان عليك أن تقطع إصبعي مقابل ُ أض َّر بأح ٍد يا سيِّدي.
هذا فاقطعه».
َر َّد اللورد تارلي بنبر ٍة صارمة« :العُرف إن يُقطَع للِّص إصبع ،لكن َمن يسرق ِمن ِسپت يسرق ِمن
قائال« :سبعة أصابع ،اترُك اإلبهاميْن».اآللهة» ،والتفتَ إلى قائد َحرسه ً
بوهن كأن أصابعه ٍ ُقاوم وإنما
قبض عليه ال ُحرَّاس حاول أن ي ِ َ ر َّدد اللِّص بوج ٍه امتق َع« :سبعة؟!» .حين
تستطع َّإال أن تُفَ ِّكر في السير چايمي وكيف صر َخ عندما هوى أراخ ِ بُتِ َرت بالفعل ،وإذ شاهدَته بِريان لم
زولو على يده.
ضيَّة ،ول َّما أقس َم التَّالي كان خبَّا ًزا متَّه ًما ب َغشِّ طحينه بنُشارة الخشب ،فغرَّمه اللورد راندل خمسة أيائل ف ِّ
أيل يَنقُصه .بَعده حانَ الخبَّاز أنه ال يملك ذلك المبلغ من الفضَّة قضى حضرة اللورد أن يُجلَد ً
بدال من ك ِّل ٍ
دور عاهرة مهزولة الجسد سقيمة المالمح متَّهمة بإصابة أربع ٍة من جنود تارلي بالجُدري ،فقال تارلي
آمرًا« :اغسلوا عورتها بصابون القِ ْلي وألقوا بها في زنزانة».
الزحام بين پودريك والسير هايل، بينما َج َّر الجنود العاهرة باكيةً أبص َر حضرة اللورد ِبريان على حافة ِّ
وح بأنه تعرَّفها على اإلطالق.وعبس في وجهها لكن نظرته لم تُ ِ َ
تال العاهرة بحَّار من القاليون ،والمتَّ ِهم ق َّواس من حامية اللورد موتون يده مض َّمدة وعلى صدره سمكة
كنت أغ ُّشهغرس خنجره في يدي ،قال إنني ُ َ خاطب تارلي ً
قائال« :بَعد إذن سيِّدي ،هذا الوغد َ سلمون ،وقد
في لعب النَّرد».
وسأل« :وهل كنت تغشُّ ؟». َ أشا َح اللورد تارلي بنظره عن بِريان ليتطلَّع إلى الرَّجلين أمامه،
« -ال يا سيِّدي ،ال أغشُّ أبدًا».
ي أن أطلب أن أرى ذلك النَّرد؟». ي وسأشنقك .هل عل َّ« -سأقط ُع إصبعًا جزاء السَّرقة ،لكن اكذب عل َّ
« -النَّرد؟» .نظ َر الق َّواس إلى موتون ،لكن حضرة اللورد كان يتطلَّع إلى قوارب الصَّيد ،فابتل َع الرَّجل
الحظ ،حقًّا ،لكنني.»...
أكون ...ذلك النَّرد يجلب لي َ
ُ لُعابه ،وقال« :ربما
قال تارلي وقد سم َع ما يكفي« :اقطعوا إصبعه الصَّغير .يُمكنه أن يختار اليد .وليُ َد َّ
ق مسمار في كَفِّ
ونهض مردفًا« :انتهيناُ .خذوا البقيَّة إلى ال َّزنازين.
َ اآلخَر»،
سأتعام ُل معهم غدًا» ،والتفتَ مشيرًا إلى السير هايل بالتَّق ُّدم ،فتق َّدمت بِريان بدورها ،وقالت عندما وقفَت
أمام اللورد راندل شاعرةً بأنها في الثَّامنة من العُمر من جديد« :سيِّدي».
« -سيِّدتي ،إال َم ندين بهذا ...ال َّشرف؟».
لت ألبحث عن ...عن ،»...وتر َّددت باترةً عبارتها. أجابَت« :لقد أُ ِ
رس ُ
ت اللورد رنلي؟». « -كيف ستَعثُرين عليه إذا كن ِ
ت ال تعرفين اسمه؟ هل قتل ِ
« -ال».
لكنك تركتِه يموت
ِ ي كما حك َم على أولئك اآلخَرين .أخيرًا قال« :ال،وزنَ تارلي الكلمة .إنه يَح ُكم عل َّ
فقط».
لقد ماتَ رنلي بين ذراعيها وأغرقَتها دماؤه المسفوكة ،وقد جفلَت بِريان من االتِّهام ،وقالت« :كانت
شعوذةً .إنني لم.»...
ط أن ترتدي الحلقات المعدنيَّة أو تحملي عليك قَ ُّ
ِ ت استحا َل إلى سوط« :لم؟! بلى ،لم يكن قاط َعها بصو ٍ
ق اآللهة كلِّها حر ٌّ
ي بي ب وليس احتفال حصاد .ب َح ِّ أبيك .إننا في حر ٍ
ط أن تبرحي دار ِ عليك قَ ُّ
ِ سيفًا ،لم يكن
أشحنك في سفين ٍة إلى (تارث)».
ِ أن
خرجت نبرتها بناتيَّةً عاليةً في حين أرادَت أن تكون صُلبةً إذ قالت« :افعل ذلك وسيكون عليك أن تشرح َ
ً
أسبابك للعرش .پودريك ،في جرابي ستجد َرقّا .اجلبه إلى حضرة اللورد».
ً
عمال من عمال يخصُّ الملك؟ طها عابسًا ،وتحرَّكت شفتاه وهو يقرأ ،ثم قالً « :تناو َل تارلي الرِّسالة وبس َ
ي نوع؟». أ ِّ
ي وسأشنقك« .سسانزا ستارك».
اكذب عل َّ
أراهن أنها هربَت عائدةً إلى ال َّشمال على أمل أن تجد مال ًذا عند أحد
ُ ُ
لعرفت. « -لو كانت ابنة ستارك هنا
ح َملة راية أبيها .خي ٌر لها أن تختار الرَّجل الصَّحيح».
سم َعت بِريان نفسها تقول باندفاع« :ربما تكون قد ذهبَت إلى (الوادي) ،إلى أخت أ ِّمها».
مغن ما دف َعها من فوق جبل .اإلصبع الصَّغير رمقَها اللورد راندل بازدراء ،وقال« :الليدي اليسا ماتَتٍّ ،
رجاال يركعون لقر ٍد مختال تخطَّى
ً يسود (الوادي) اآلن ...لكنه وضع مؤقَّت .لوردات (الوادي) ليسوا
منزلته وبال مواهب غير َع ِّد النُّقود» ،وأعا َد إليها الرِّسالة متابعًا« :اذهبي حيث شئ ِ
ت وافعلي ما تُريدين...
ق السيربحماقتك» ،ورم َ
ِ ي ناشدةً العدالة .ستكونين قد استحقَق ِ
ت هذا صبين ال تتطلَّعي إل َّ
لكن عندما تُغت َ
قائال« :وأنت أيها الفارس يُفت َرض أن تكون على ب َّوابتك .لقد كلَّفتك بالقيادة هناك ،أليس كذلك؟». هايل ً
أجاب السير هايل« :بلى يا سيِّدي ،لكني ف َّك ُ
رت أن.»... َ
ت واسعة. قاط َعه اللورد تارلي« :إنك تُفَ ِّكر أكثر من َّ
الالزم» ،وابتع َد ب ُخطوا ٍ
اليسا تَلي ماتَت .وقفَت بِريان تحت المشنقة وفي يدها الوثيقة الثَّمينة ،وقد تفرَّق الجمهور وعادَت ال ِغربان
مغن دف َعها من فوق جبل .هل الته َمت ال ِغربان لحم أخت الليدي كاتلين أيضًا؟ قال السير تستأنف وليمتهاٍّ .
أريك.»...
ِ ت فيُمكنني أن ت (اإلو َّزة النَّتنة) يا سيِّدتي .إذا أرد ِ
هايل« :ذكر ِ
ُ « -عد إلى ب َّوابتك».
رغبتك».
ِ ق عابرة .وجه ال يُ َميِّزه شيء ،ليس وجهًا صادقًا« .إذا كانت هذه
ال َحت على وجهه نظرة ضي ٍ
« -إنها كذلك».
قال« :كانت مجرَّد لُعب ٍة لتزجية الوقت ،لم نقصد أ ًذى» ،وتر َّدد قبل أن يُضيف« :بن ماتَ ،قُتِ َل في معركة
بجرح كلَّفه نِصف ذراعه».
ٍ أصيب
َ (النَّهر األسود) ،وفارو أيضًا ،وويل اللَّقلق ،ومارك مالندور
ق هذا ،غير أنها تذ َّكرت مالندور جالسًا أمام سُرادقه وعلى أرادَت بِريان أن تقول :عظيم ،عظيم ،لقد استح َّ
ت مضحكة .بِ َم دعَتهم كتفه قرده في بذل ٍة صغيرة من الحلقات المعدنيَّة ،وكالهما يرسم على وجهه تعبيرا ٍ
كاتلين ستارك ليلتها في (جسر العلقم)؟ فُرسان الصَّيف .واآلن َح َّل الخريف وها هُم يتساقَطون كأوراق
ال َّشجر...
أدا َرت ظَهرها للسير هايل هَنت ،وقالت« :هل َّم يا پودريك».
تب َعها الصَّبي قائدًا حصانيهما ،وتساء َل« :هل سنبحث عن ذلك المكان؟ (اإلوزة النَّتنة)؟».
خان نقضي فيه
ٍ ُ
سأبحث عنه .أنت ستذهب إلى االسطبل عند الب َّوابة ال َّشرقيَّةَ .سل السَّائس عن « -أنا
اللَّيل».
ً
راكال الحجارة بين الحين قال پودريك« :حاضر أيتها الفارس ،يا سيِّدتي» ،وبينما سارا ح َّدق إلى األرض
واآلخَر ،ثم إنه سألَها« :هل تعرفين مكان اإلو َّزة؟ أعني (اإلو َّزة النَّتنة)».
« -ال».
« -قال إنه سيُرينا ،ذلك الفارس ،السير كايل».
« -هايل».
بك أيتها الفارس؟ أعني يا سيِّدتي».
« -هايل .ماذا فع َل ِ
الصَّبي متلعثم لكنه ليس غبيًّا« .في (هايجاردن) ،عندما استدعى الملك رنلي راياتهَ ،
لعب عدد من الرِّ جال
بي لُعبةً .السير هايل أحدهم .كانت لُعبةً قاسيةً ،مؤذيةً وتخلو من النُّبل» ،ثم توقَّفت بِريان وقالت له:
«الب َّوابة ال َّشرقيَّة من هنا .انتظرني هناك».
« -كما تقولين يا سيِّدتي ،أيتها الفارس».
ال الفتة تُ َحدِّد مكان (اإلو َّزة النَّتنة) ،فاستغرقَت نحو ساع ٍة حتى وجدَت الحانة عند قاعدة ساللم خشبيَّة
تحت زريبة قصَّاب لحم جيف .كان القبو معت ًما وسقفه واطئًا ،واختبطَ رأس بِريان في إحدى عوارضه
حائط
ٍ ض َعت د َّكة عند
تناثرت بضعة مقاعد هنا وهناك ،و ُو ِ َ إوز في المكان ،وقدي ٍّ وهي تَد ُخل .لم ت َر أ َّ
طيني ،و ُرصَّت موائد هي براميل نبيذ قديمة رماديَّة نخربَها ال ُّدود .اشت َّمت ِبريان النَّتانة الموعودة
ضا، المتغل ِغلة في ك ِّل شيء ،معظمها نبيذ ورطوبة وعفن فِطري ،لكن فيها شيئًا من رائحة المراحيض أي ً
والقليل من رائحة القبور.
ُخاطب بعضهم بعضًا بلُغتهم الخشنة من وراء ال َّشاربون الوحيدون في المكان ثالثة بحَّارة تايروشيُّون ي ِ
ب وقال أحدهم شيئًا أضحكَ اآلخ َريْن .كانت لحاهم الخضراء واألرجوانيَّة ،وقد تفَّحصوها بأعيُنهم باقتضا ٍ
لوح من الخشب مرفوع على برميليْن ،امرأة شاحبة مستديرة الجسد ويزحف ٍ مالكة الحانة واقفةً وراء
ً
وإجماال تبدو كأن اآللهة مئزر متَّسخ،
ٍ الصَّلع على رأسها ،ولها نهدان ضخمان متهدِّالن يتأر َجحان تحت
عجين نيء.ٍ خلقَتها من
رجل اسمه ديكٍ ُ
أبحث عن ً
وبدال منه طلبَت كوبًا من النَّبيذ ،وقالت« : لم تجرؤ بِريان على طلب الماء هنا،
الرَّشيق».
أجابَت المرأة« :ديك كراب ،يأتي ك َّل ليل ٍة تقريبًا» ،ورمقَت قميص بِريان المعدني وسيفها مضيفةً« :إذا
مكان آ َخر .ال نُريد متاعب مع اللورد تارلي».
ٍ ت تنوين قتله فافعلي ذلك في كن ِ
ر َّدت« :أري ُد أن أتكلَّم معه .لماذا أوذيه؟» .ه َّزت المرأة كتفيها بال جواب ،فقالت لها بِريان« :إذا أشر ِ
ت
سأكون شاكرةً».
ُ عليه عندما يأتي
ي درجة؟». « -شاكرةً أل ِّ
وض َعت بِريان نجمةً نُحاسيَّةً على اللَّوح الخشبي بينهما ،ثم وجدَت مكانًا وسط الظِّالل ترى منه السَّاللم
بوضوح.
جرَّبت النَّبيذ .له مذاق زيتي على اللِّسان ،وفي الكوب وجدَت شعرةً طافيةً ف َّكرت وهي تُزيلها :شعرة
ضئيلة كأملي في العثور على سانزا .لقد طاردَت السير دونتوس بال طائل ،وبموت الليدي اليسا لم يَعُد
زوجك
ِ أنك مع
ديارك في (وينترفل) أم ِ
ِ ت إلى
ت يا ليدي سانزا؟ هل فرر ِ (الوادي) مال ًذا محت َم ًال .أين أن ِ
الحق الفتاة عبر (البحر الضيِّق) حيث اللُّغة نفسها غريبة عليها.
كما يحسب پودريك؟ ال تُريد بِريان أن تُ ِ
سأبدو كالمسوخ أكثر فأكثر هناك وأنا أزمج ُر وأشي ُر كي يفهمونني .سيضحكون مني كما ضحكوا في
(هايجاردن).
زحفَت الحُمرة على وجنتيها إذ تذ َّكرت.
حين ت َّوج رنلي نفسه ركبَت عذراء (تارث) قاطعةً (المرعى) كلَّه لتنض َّم إليه ،واستقبلَها الملك بكياس ٍة
استقباال حا ًّرا ،وهيَّأت نفسها
ً ورحَّب بها في خدمته ،ولكن ليس لورداته وفُرسانه .لم تكن بِريان تتوقَّع
للبرودة والسُّخرية والعُدوانيَّة ،فكلُّ هذا ألفَته من قبلها .ليس ته ُّكم الكثرة ما يُ َحيِّرها ويجرحها ،وإنما لُطف
ط حتى ذهبَت إلى (هايجاردن). ُغازلها قَ ُّ
القِلَّة ،ذلك أن عذراء (تارث) ُخ ِطبَت ثالث مرَّاتَّ ،إال أن أحدًا لم ي ِ
ً
طوال ،وقد أرس َل إليها أولهم كان بن بوشي الكبير ،أحد ال ِّرجال القالئل في معسكر رنلي الذين يتجا َوزونها
ب فضِّ يًّا ،لكن السير إدموند أمبروز تف َّوق عليه بدرج ٍة إذ ظف ِدرعها وأهدى إليها قرن شرا ٍ ُمرافقه ليُنَ ِّ
فغلب االثنين وأعطاها كتابًا زاخرًا بالرُّ سوم َ جلب لها زهورًا وسألَها أن تركب معه ،أ َّما السير هايل هَنت َ
َّ ُ
الجميلة وعشرات الحكايات عن بسالة الفرسان ،وأحض َر تفاحًا وجزرًا ألحصنتها وريشةً حريريَّةً زرقاء
ت ذكيَّة الذعة جعلَتها تبتسم ،بل وتدرَّب لخوذتها ،وأخب َرها بما يدور في المعسكر من نميم ٍة وألقى تعليقا ٍ
معها أيضًا ذات يوم ،وهو ما عنى لها أكثر من سائر ما فعلَه.
ظنَّت أن بسببه بدأ اآلخَرون يُعا ِملونها بكياس ٍة بدورهم .بأكثر من الكياسة .على المائدة تشاج َر الرِّجال على
ُناولوها الكعك ،وعزفَ السير ريتشارد فارو أغاني مكان إلى جوارها عارضين أن يمألوا كأسها أو ي ِ ٍ
وجلب لها السير هيو بيزبوري ج َّرةً من العسل «الحُلو كعذراوات َ الحُبِّ على عوده خارج سُرادقها،
(تارث)» ،وأضح َكها السير مارك مالندور بطرائف قرده الصَّغير الذي أتى بلونيه األبيض واألسود من
وعرض فارس متج ِّول اسمه ويل اللَّقلق أن يُ َدلِّك كتفيها ليبسط عضالتهما المشدودة. َ (جُزر الصَّيف)،
طته ضتهم جميعًا .عندما أمس َكها السير أوين إنشفيلد ذات ليل ٍة وقبَّلها رغ ًما عنها أسق َ ضته بِريان ،رف َ ورف َ
على مؤ ِّخرته في بؤرة نار ،وبَعدها تطلَّعت إلى نفسها في المرآة ،فرأت وجهها عريضًا من َّم ًشا كبير
األسنان كما كان دو ًما ،وشفتيها كبيرتين وفَ َّكها سمي ًكا .يا للقُبح .لم تكن تُريد َّإال أن تُصبِح فارسًا وتخدم
الملك رنلي ،لكن اآلن...
لم تكن المرأة الوحيدة هناك .حتى تابعات المعسكرات كن أجمل منها ،وفي القلعة اعتا َد اللورد تايرل أن
الحسان على أنغام المزمار يُقيم مأدبةً للملك رنلي ك َّل ليل ٍة فيما تَرقُص الفتيات عاليات المقام والليديهات ِ
والبوق والقيثار .متى ألقى عليها فارس غريب مجا َملةً ما أرادَت أن تَصرُخ فيه :لماذا تُعا ِملني بلُطف؟!
ماذا تُريد؟!
و َح َّل راندل تارلي اللُّغز يوم أرس َل اثنين من جنوده الستدعائها إلى سُرادقه ،حيث قال لها إن ابنه الصَّغير
رسان يضحكون وهُم يضعون على خيولهم سروجها ،وأخب َر أباه بما قالوه.ٍ ديكون سم َع أربعة فُ
كانوا متراهنين عليها.
أخب َرها بأن ثالثةً من الفُرسان ال َّشباب بدأوا الرَّهان ،أمبروز وبوشي ،باإلضافة إلى هايل هَنت الذي ينتمي
رجل يرغب
ٍ إلى َحرس أهل بيته ،لكن إذ انتش َر الخبر في المعسكر انض َّم آخَرون إلى اللُّعبة .كان على ك ِّل
في االنضمام إلى المسابقة أن يدفع تنِّينًا ذهبيًّا ،على أن يجني المبلغ اإلجمالي َمن يفضُّ بِكارتها.
وضعت نهايةً للُعبتهم .بعض هؤالء ال ...المتنافسين ...بعضهم أقلُّ َشرفًا من غيرهم، ُ قال لها تارلي« :لقد
ت فقط قبل أن يُقَرِّر أحدهم أن ينال غنيمته باإلكراه».والرَّهانات كانت تتزايَد ك َّل يوم .كانت مسألة وق ٍ
قالت مذهولةً« :إنهم فُرسان ،فُرسان منصَّبون».
« -ورجال ُشرفاء .أن ِ
ت الملومة».
ر َّدت وقد أجفلَها االتِّهام« :إنني لم ...سيِّدي ،أنا لم أفعل شيئًا ألشجِّعهم».
وجودك هنا شجَّعهم .إذا تصرَّفت امرأة كتابعة معسكرات فال يُمكنها أن تحت َّج على معاملتها كواحدة.
ِ «-
عائلتك على اإلطالق فاخلعي هذه الدِّرع
ِ تك أو َشرفت تحترمين عفَّ ِ
الجيش ليس مكانًا للفتيات .إذا كن ِ
لك زو ًجا».أبيك أن يجد ِ
ديارك وتوسَّلي إلى ِ
ِ وارجعي إلى
قالت بإصرارُ « :
جئت ألقاتل ،ألكون فارسًا».
قال راندل تارلي« :اآللهة خلقَت الرِّ جال للقتال والنِّساء لحمل األطفال .حرب المرأة في فِراش الوالدة».
ث الملبس مهزول القوامنازال السَّاللم إلى القبو ،فنحَّت نبيذها جانبًا بينما دخ َل رجل َر ُّ
رأت بِريان أحدهم ً
مدبَّب الوجه له َشعر بنِّي متَّسخ .ألقى على البحَّارة التايروشيِّين نظرةً سريعةً وعلى بِريان نظرةً أكثر
ذهب إلى المشرب ،وقال« :نبيذ ،ومن دون بول خيولُ ،شكرًا». َ إمعانًا ،ثم
نظ َرت المرأة إلى بِريان وأومأَت برأسها ،فنادَت« :سأشتري لك النَّبيذ مقابل كلم ٍة معك».
وجلس على ال ُكرسي المقابل
َ ت كثيرة»، ُ
أعرف كلما ٍ تفرَّس الرَّجل فيها بعينين حذرتين ،ثم قال« :كلمة؟
لها متابعًا« :أخبِريني أيُّ كلم ٍة تُريد سيِّدتي أن تسمعها وسيقولها ديك الرَّشيق».
ُ
سمعت أنك خدعت مه ِّرجًا». «-
كان الرَّجل الضَّاوي يرتدي سُترةً باهتةً مم َّزقةً انتُ ِزعَت من على صدرها شارة لورد ما ،وقد رشفَ من
نبيذه مف ِّكرًا ،قبل أن يقول« :ربما وربما ال .من يُريد أن يعرف؟».
ضيَّةً على البرميل بينهما ،على أحد وجهيها رأس روبرت أجابَت« :الملك روبرت» ،ووض َعت قطعةً ف ِّ
وعلى الثَّاني رمز الوعل.
ط العُملة ود َّورها ،وأردفَ « :أحبُّ أن أرى مل ًكا يَرقُص ،هاي-نوني هاي-نوني قال الرَّجل« :حقًّا؟» ،والتق َ
ِّجك هذا».
رأيت مهر ُِ هاي-نوني-هو .67ربما
« -أكانت معه بنت؟».
أجاب من فوره« :بنتان».
َ
« -بنتان؟!» .هل يُمكن أن تكون الثَّانية آريا؟ « -لم أ َر الحُلوتين الصَّغيرتين ،لكنه أرا َد رحلةً لثالثة».
« -رحلة إلى أين؟».
« -إلى البَ ِّر اآلخَر من البحر على ما أذك ُر».
« -هل تَذ ُكر شكله؟».
اختطفَ العُملة التي تدور على سطح المائدة وقد بدأت حر َكتها تتباطأ وجعلَها تختفي مجيبًا« :مه ِّرج،
مهرِّج خائف».
« -خائف ِم َّم؟».
قائال« :لم يقل ،لكن ديك الرَّشيق يعرف رائحة الخوف .اعتا َد أن يأتي هنا ك َّل ليل ٍة تقريبًا ،يدعوهَ َّز كتفيه ً
فشحب وجه
َ البحَّارة إلى ال َّشراب ويُلقي النِّكات ويُ َغنِّي .ثم في ليل ٍة جا َء رجال على صدورهم ال َّ
صيَّاد
مواصال« :تارلي هذا جنوده يجوبون الميناء ً وخرس حتى رحلوا» ،ودنا منها أكثر
َ ِّجك كالحليبمهر ِ
غزاال يذهب إلى الغابة ،و َمن يُريد سفينةً يذهب إلى الميناء.
ً مراقبين ك َّل سفين ٍة آتية أو ذاهبةَ .من يُريد
ُ
فعرضت عليه المساعَدة». ِّجك لم يجرؤ،
مهر ِ
ي نوع؟».
« -مساعَدة من أ ِّ
« -النَّوع الذي يُ َكلِّف أكثر من قطعة فضَّة واحدة».
« -أخبِرني وسأعطيك أخرى».
قال« :لن َرها» ،فوض َعت ُعملةً أخرى على البرميل ،ليُ َد ِّورها ويبتسم ويلتقطها مجيبًاَ « :من ال يستطيع
أعرف مكانًا يُتاح فيه هذا ،مكان خفي».
ُ قلت له إنني َّ
الذهاب إلى السُّفن يحتاج إلى أن تذهب السُّفن إليهُ .
اقشع َّر ِجلد بِريان على ذراعيها ،وقالت« :وكر مهرِّبين ،أرسلت المهرِّ ج إلى مهرِّبين».
َر َّد مقهقهًا« :هو والبنتان .المشكلة فقط أن المكان الذي أرسلته إليه لم تأتِه سفينة منذ فترة ،نحو ثالثين
عندك؟».
ِ ً
متسائال« :ما أهميَّة هذا المه ِّرج عا ًما» ،و َح َّ
ك أنفه
« -هاتان البنتان أختاي».
« -حقًّا؟ مسكينتان .كانت لي أخت ذات يوم ،فتاة نحيلة برُكبتيْن ناتئتيْن ،لكن بَعد ذلك نما لها زوج من
آخر م َّر ٍة رأيتها كانت في طريقها إلى (كينجز الندنج) لتكسب قوتها
س بين ساقيهاِ .
األثداء ودخ َل ابن فار ٍ
على ظَهرها».
« -أين أرسلتهم؟».
يهز كتفيه ً
قائال« :هذا ال أذكره». عا َد ُّ
دقَّت بِريان المائدة ٍ
بأيل فضِّ ي آخَر مكرِّرةً« :أين؟».
دف َع العُملة ناحيتها بسبَّابته ،وقال« :إنه مكان لم يَد ُخله أيل من قبل ...لكن تنِّينًا يستطيع».
الذهب ،وربما ال .الفوالذ أضمن .مسَّت بِريان أدر َكت أن الفضَّة لن تستخلص منه الحقيقة .ربما يُفلِح َّ
صرَّتها والتقطَت تنِّينًا ذهبيًّا وض َعته على البرميل ،وكرَّرت:بدال من هذا دسَّت يدها في ُ خنجرها ،لكنها ً
«أين؟».
ً
شماال من اختطفَ الرَّجل األشعث العُملة و َعضَّ عليها ،ثم قال« :جميل ،يُ َذ ِّكرني ب(الرَّأس المتصدِّع)،
َّيت هناك .اسمي ديك كراب ،مع أن أكثر دت وترب ُ هنا .إنها براري مليئة بالتِّالل والمستنقعات ،لكني ُولِ ُ
القوم يدعونني بديك الرَّشيق».
جاوبه باسمها ،وسألَت« :أين في (الرَّأس المتصدِّع)؟». لم تُ ِ
(« -قلعة الهمس) .مؤ َّكد ِ
أنك سمعت عن كالرنس كراب».
« -ال».
أقدام
ٍ قلت .إن دمه في عروقي .كان يَبلُغ ثمانية
الحت عليه ال َّدهشة« :السير كالرنس كراب كما ُ قال وقد َ
صنوبر من األرض بي ٍد واحدة ويُلقيها على بُعد نِصف ميل .لم َّ
يجتث شجرة َ ً
طوال ،وق َّوته هائلة لدرجة أن
يكن هناك حصان يحتمل ثِقله ،فامتطى ثورًا ب ِّريًّا».
« -ما عالقته بوكر المهرِّبين؟».
ً
رجال أخ َذ رأسه معه إلى زوجته ،فتُقَبِّل الرَّأس « -زوجته كانت ساحرة غابة .كلَّما قت َل السير كالرنس
على ال َّشفتين وتُعيده إلى الحياة .كانت رؤوس لوردات وسحرة وفُرسان وقراصنة مشاهير ،وأحدها كان
تستطع أن
ِ رأس ملك (وادي الغسق) .تلك الرُّ ؤوس أسدَت لكراب نصائح مفيدة ،لكن ألنها رؤوس فقط فلم
ترفع صوتها ،ومع ذلك لم تَص ُمت لحظةً .عندما يكون المرء رأسًا فقط فالكالم كلُّ ما لديه لتمضية الوقت.
هكذا ُس ِّميَت قلعة كراب (قلعة الهمس) ،وما زا َل هذا اسمها مع أنها خربَت منذ ألف عام .مكان موحش»،
وقلَّب الرَّجل العُملة برشاق ٍة على مفاصل أصابعه مردفًا« :تنِّين واحد تُصيبه الوحدة ،أ َّما عشرة
تنانين.»...
« -عشرة تنانين ثروة .أتحسبني بلهاء؟».
أقودك إلى (قلعة
ِ أقودك إلى المهرِّج،
ِ ب إلى جانب« :ال ،لكنني أستطي ُع أن َر َّد والعُملة تتراقَص من جان ٍ
الهمس) يا سيِّدتي».
لم تَرُق بِريان الطَّريقة التي تتالعَب بها أصابعه بالعُملة َّ
الذهبيَّة ،ومع ذلك« ...ستَّة تنانين إذا وجدنا أختي،
اثنان إذا وجدنا المهرِّ ج ،وال شيء إذا لم نجد شيئًا».
هَ َّز كراب كتفيه ً
قائال« :ال بأس بستَّة ،ستَّة مبلغ مناسب».
حاول خداعي .لنقب َل بسُرع ٍة بالغة .أطبقَت على معصمه قبل أن يدسَّ العُملة في جيبه ،وقالت« :إياك أن تُ ِ
ت يدي».ك كراب معصمه متمت ًما« :تبًّا ،آلم ِ تجدني لُقمةً سائغةً» ،ول َّما أطلقَت سراحه فر َ
« -آسفةٌ لهذا .أختي بنت في الثَّالثة عشرة ،ويجب أن أعثر عليها قبل.»...
معك
ِ أفهمك .اعتبريها في ِعداد النَّاجين .ديك الرَّشيق
ِ ...« -قبل أن يضع فارس نفسه في فتحتها .نعم،
ي أن أراه بخصوص حصان». اآلن .قابِليني أمام الب َّوابة ال َّشرقية عند مطلع الفَجر .هناك رجل عل َّ
سامويل
بغثيان فظيع.
ٍ أصاب البحر سامويل تارلي
َ
ضا، ليس السَّبب بالكامل خوفه من الغرق ،ولو أن جز ًءا كبيرًا منه كذلك بالفعل ،وإنما حركة السَّفينة أي ً
ويهتز تحت قدميه .يوم أب َحروا من (القلعة ال َّشرقيَّة) اعترفَ لداريون ُّ الطَّريقة التي يتمايَل بها السَّطح
بطن كبير كبطنك أيها القا ِتل ٍ قائال« :بطني يُصيبه الغثيان بسهولة» ،فربَّت المغنِّي على ظَهره و َر َّد« :مع ً
فهذا إفراط في الغثيان».
حاو َل سام أن يرسم على وجهه قناعًا من ال َّشجاعة ،ألجل خاطر جيلي قبل ك ِّل شيء ،فالفتاة لم ت َر بح ًرا
ت ع َّدة في ق األنفُس بَعد الهرب من (قلعة كراستر) صادَفا بُحيرا ٍ ط .ل َّما خاضا الثُّلوج ِ
بش ِّ في حياتها قَ ُّ
طريقهما ،لكن حتى تلك البُحيرات كانت لها بمثابة أعجوبة .بينما ابتعدَت (الطَّائر األسود) عن اليابسة
را َحت الفتاة ترتجف وسالَت قطرات ال ُّدموع المالحة الكبيرة على وجنتيها ،وسم َعها سام تهمس« :يا
غاب عن األنظار تما ًما، َ الجدار) يتضا َءل ويتضا َءل حتى أوال ،ثم أخ َذ ( ِ لآللهة» .اختفَت (القلعة ال َّشرقيَّة) ً
كمعطف أسود ُغ ِس َل مرارًا وتكرا ًرا ،ووجه ٍ وحينئ ٍذ كانت الرِّيح قد بدأت تشت ُّد .للقلوع لون رمادي باهت
جيلي كان أبيض ممتقعًا من فرط الخوف ،فقال لها سام مبتغيًا طمأنتها« :هذه سفينة قويَّة ،ال داعي
نظرت إليه فحسب وض َّمت رضيعها إليها أكثر وفرَّت إلى أسفل. للخوف» ،غير أنها َ
سرعان ما وج َد سام نفسه يتشبَّث بحافة السَّفينة ويُشا ِهد حركة المجاذيف الرَّتيبة ،فألفى التَّطلُّع إلى
جميال ،بل وأفضل من النَّظر إلى الماء .النَّظر إلى الماء ال يجعله يُفَ ِّكر َّإال ً الطَّريقة التي تتحرَّك بها معًا
صغره جرَّب السيِّد والده أن يُ َعلِّمه السِّباحة بإلقائه في البِركة التي تطلُّ عليها (هورن في الغرق .في ِ
ت بَعد أن هيل) ،فدخلَت المياه أنفه وفمه ورئتيه ،والز َمه السُّعال والتَّن ُّفس الممزوج بالصَّفير طيلة ساعا ٍ
ق أعلى من خصره. أخر َجه السير هايل ،ومنذ ذلك الحين لم يَجسُر على النُّزول في الماء على ُعم ٍ
(خليج الفقمات) أعمق من خصره كثيرًا ،وليس ساكنًا كبِركة األسماك الصَّغيرة عند قلعة أبيه ،مياهه
رماديَّة وخضراء ومتقلِّبة ،والسَّاحل المحرَّج باألشجار الذي يمضون بمحاذاته غابة من الصُّ خور
وال َّد َّوامات .حتى إذا استطا َع بوسيل ٍة ما أن يقطع ك َّل تلك المسافة رفسًا وزحفًا فاألرجح أن األمواج ستدفعه
بحجر ما ويُهَ ِّشم رأسه تهشي ًما.
ٍ ليرتطم
قال داريون حين رأى سام واقفًا يتطلَّع عبر الخليج« :هل تبحث عن عرائس البحر أيها القاتِل؟» .ب َشعره
أخ
ظالم من ٍ ٍ الفاتح وعينيه البندقيَّتين يبدو المغنِّي ال َّشاب الوسيم اآلتي من (القلعة ال َّشرقيَّة) أقرب إلى أمير
أسود.
« -ال» .ال يدري سام َع َّم يبحث أو ماذا يفعل على متن هذه السَّفينة .قال لنفسه :أنا ذاهب إلى (القلعة)
بشكل أفضل ،لكن الفكرة أصابَته بالضَّجر ال أكثر .إنه
ٍ ألك ِّون سلسلةً وأصبح ِمايستر كي أخدم َحرس اللَّيل
يلف حول ُعنقه سلسلةً ثقيلةً حلقاتها باردة على ِجلده ،ال يُريد أن يَترُك إخوته
ال يُريد أن يُصبِح ِمايستر ُّ
ُواجه أباه الذي أرسلَه إلى ( ِ
الجدار) واألصدقاء الوحيدين الذين عرفَهم طول حياته ،وقطعًا ال يُريد أن ي ِ
ليموت.
األمر مختلف مع اآلخَرين ،فبالنِّسبة إليهم لل ِّرحلة نهاية سعيدة .جيلي ستكون آمنةً في (هورن هيل) ،وبينها
وبين األهوال التي خب َرتها في (الغابة المسكونة) عرض (وستروس) بأكمله .باعتبارها خادمةً في قلعة
ط وهي زوجة عالم رحب لم تَحلُم به قَ ُّ
ٍ أبيه ستحظى بالدِّفء وحُسن التَّغذية ،ستكون جز ًءا صغيرًا من
اسطبل أو ح َّدادًا ،وإذا أبدى الصَّبي جدارةً
ٍ كراستر ،وسترى ابنها ينمو كبيرًا قويًّا ويصير صيَّادًا أو عامل
بحمل السِّالح فربما يتَّخذه فارس ما ُمرافقًا كذلك.
مكان أفضل أيضًا ،ومن السَّار أن يُفَ ِّكر سام فيه إذ يقضي ما تبقَّى له من ُع ٍ
مر ٍ وال ِمايستر إيمون ذاهب إلى
يستمتع بنسيم (البلدة القديمة) ال َّدافئ ويتناقَش مع ُزمالئه ال ِمايسترات وينقل حكمته إلى ال ُمعاونين
ق الرَّجل راحته أضعافًا مضاعفةً. والمبتدئين .لقد استح َّ
حتى داريون سيكون أسعد .إنه يَز ُعم دو ًما أنه بريء من تُهمة االغتصاب التي نج َم عنها إرساله إلى
ُفترض أن يكون في بالط أحد اللوردات ليُ َغنِّي له على ال َعشاء ،واآلن الجدار) ،ويصرُّ على أن مكانه ي َ ( ِ
رجل اسمه يورن اختفى وأصب َح في ِعداد الموتى. ٍ سينال تلك الفُرصة وقد عيَّنه چون مجنِّدًا ليح َّل مح َّل
الجدار)مه َّمته أن يجوب (الممالك السَّبع) ويُ َغنِّي عن بأس َحرس اللَّيل ،وبين الحين واآلخَر يعود إلى ( ِ
ب ُدفع ٍة جديدة من المجنَّدين.
ستكون الرِّحلة طويلةً مضطربةً وال أحد يُن ِكر ذلك ،لكن على األقل تنتظر اآلخَ رين نهاية سعيدة ،وهذا
عزاء سام الذي قال لنفسه :إنني ذاهب من أجلهم ،من أجل َحرس اللَّيل والنِّهاية السَّعيدة .على أنه كلَّما
تطلَّع إلى البحر أكثر بدا أبرد وأعمق.
ضيِّقة التي يشترك فيها ال ُمسافرون تحت ك سام في القمرة ال َّ لكن عدم النَّظر إلى الماء أسوأ وأسوأ ،كما أدر َ
السَّلوقيَّة الخلفيَّة .حاو َل أن ينأى بأفكاره عن الهياج في معدته بأن يُ َكلِّم جيلي بينما تُ ِ
69
رضع ابنها ،فقال:
ُ
قرأت كتابًا «هذه السَّفينة ستأخذنا حتى (براڤوس) ،وهناك سنجد سفينةً أخرى تحملنا إلى (البلدة القديمة).
عن (براڤوس) في طفولتي .المدينة كلُّها مبنيَّة في هَور على مئة جزير ٍة صغيرة ،وعندهم مارد هناك،
بدال من الخيول ،ويُقَدِّم ممثِّلوهم قصصًا مكتوبةً رجل حجري طوله مئات األقدام .إنهم يركبون القوارب ً
بدال من اختالق المهازل السَّخيفة المعتادة .الطَّعام جيِّد ج ًّدا أيضًا ،خصوصًا األسماك ،ألنهم يصطادون ً
أيام هناك مختلف أنواع الحلزون والمحار وثعابين الماء الطَّازجة من الهَور .المفت َرض أن نقضي بضعة ٍ
عرض تمثيلي ونأكل المحار». ٍ بين ال ِّرحلتين ،وإذا فعلنا فلنذهب لمشاهَدة
حسب أن ذلك سيُثير حماستها ،لكنه كان مخطئًا تما ًما ،إذ ح َّدقت جيلي إليه بنظر ٍة فاترة خاوية من بين َ
ُخصالت َشعرها المتَّسخ ،وقالت« :إذا أردت يا سيِّدي».
سألَها سام« :ماذا تُريدين أن ِ
ت؟ » .
ر َّدت« :ال شيء» ،والتفتَت عنه ونقلَت ابنها من ٍ
ثدي إلى اآل َخر.
كانت حركة السَّفينة تُقَلِّب ما في معدة سام من البيض واللَّحم المق َّدد وال ُخبز المح َّمر الذي أكلَه قبل بداية
ال ِّرحلة ،وعلى حين غ َّر ٍة لم يَعُد يستطيع البقاء في القمرة لحظةً أخرى ،فدف َع نفسه إلى القيام وتسلَّق السُّلَّم
ليُعطي إفطاره للبحر .داه َمه الغثيان بق َّو ٍة شديدة حتى إنه لم يتوقَّف ليُ َعيِّن اتِّجاه هبوب الرِّيح ،فتقيَّأ من
الجانب الخطأ ول َّوث نفسه بالقيء ،وعلى الرغم من هذا أحسَّ بتحس ٍُّن كبير بَعدها ...ولكن ليس لفتر ٍة
طويلة.
(الطَّائر األسود) أكبر قوادس ال َحرس الثَّالثةُ ( .غراب العواصف) و(البرثن) أسرع ،كما أخب َر كوتر پايك
ال ِمايستر إيمون وهُم في (القلعة ال َّشرقيَّة) ،لكنهما سفينتان حربيَّتان ،طائران كاسران سريعان رشيقان
المالحون على السَّطح المفتوح ،أ َّما (الطَّائر األسود) فخيار أفضل لمياه (البحر الضيِّق) َّ يجلس فيهما
الهائجة وراء (سكاجوس) .قال لهم پايك مح ِّذرًا« :ث َّمة عواصف منذ فترة .عواصف ال ِّشتاء أسوأ ،لكن
عواصف الخريف متكرِّرة».
األيام العشرة األولى كانت هادئةً فيما مخ َرت السَّفينة عباب (خليج الفقمات) دون أن تبتعد عن منظر
اليابسة إطالقًا ،ورغم أن ال َج َّو يَبرُد عندما تهبُّ الرِّيح ففي رائحة الملح في الهواء شيء من ِّشط منعش
طويال ،لكنه لم ً كذلك .بالكاد استطا َع سام أن يأكل ،وكلَّما أرغ َم نفسه على ابتالع شي ٍء ال يبقى في معدته
ُعان كثيرًا ب َغضِّ النَّظر عن هذا. ي ِ
ويبث فيها ما يستطيع من ابتهاجَّ ،إال أنه وج َد المه َّمة عسيرةً ،فمهما قال َّ حاو َل أن يشحذ ه َّمة جيلي
ضت أن تصعد إلى السَّطح وفضَّلت أن تبقى قابعةً في الظَّالم مع ابنها .ويبدو أن الرَّضيع ال يروقه رف َ
وجوده على السَّفينة أكثر من أ ِّمه ،فحين ال يَصرُخ يتقيَّأ اللَّبن الذي أرض َعته إياه ،باإلضافة إلى اإلسهال
الذي أصابَه ليُلَ ِّوث الفرو الذي تلفُّه به جيلي لتدفئته ويمأل الهواء برائح ٍة بنِّيَّة كريهة ،وال يه ُّم كم شمعةً
معطَّرةً يُش ِعلها سام ،فرائحة الخراء ال تزال باقيةً.
مالحو (الطَّائر بالذات عندما يُ َغنِّي داريون .يعرف َّ يطيب لسام أكثر أن يبقى باألعلى في الهواء الطَّلقَّ ،
األسود) المطرب الذي تع َّود أن يُ َغنِّي لهم بينما يُ َج ِّذفون ،كما أنه يعرف جميع أغانيهم المفضَّلة؛ منها
والحماسي ك(الرِّماح ُّ الحزين ك(يوم شنقوا روبن األسود) و(مرثيَّة عروس البحر) و(خريف ُعمري)،
الحديد) و(سبعة سيوف لسبعة أبناء) ،والخليع ك(عَشاء سيِّدتي) و(زهرتها الصَّغيرة) و(ماجيت كانت فتاةً
المالحون فيبدو كأن السَّفينة تطير على مرحةً ،فتاةً مرحةً كانت) ،وحين يُ َغنِّي (الجميلة وال ُّدب) ينض ُّم إليه َّ
الماء طيرانًا .ليس داريون بال ُمبارز الماهر -كما يعلم سام منذ أيام تدريبهما تحت إمرة أليسر ثورن -لكن
جميال« ،عسل مصبوب على رعد» على َح ِّد تعبير ال ِمايستر إيمون ذات مرَّة .إنه يعزف على ً له صوتًا
القيثارة الخشبيَّة والكمنجة أيضًا ،بل ويَكتُب أغنياته الخاصَّة ...مع أن سام ال يحسبها جيِّدةً إلى هذا ال َحد.
ومع ذلك فمن المست َحب عند سام أن يجلس ويُصغي ،ولو أن الصُّ ندوق الذي يجلس عليه صُلب كثير
ذهب.
َ ال َّشظايا ،لدرجة أنه يكاد يَشعُر باالمتنان لسُمنة مؤ ِّخرته .البدين يحمل معه وسادةً أينما
ضل ال ِمايستر إيمون أيضًا أن يقضي النَّهار على السَّطح قابعًا تحت كوم ٍة من الفرو ويتطلَّع إلى الماء، يُفَ ِّ
قائال« :إال َم يَنظُر؟ بالنِّسبة إليه الظَّالم هنا وباألسفل في القمرة واحد». يوم تساء َل داريون ً وذات ٍ
سم َعه العجوز .رغم أن عينَي إيمون انطفأتا إلى األبد فما زالَت أُذناه تعمالن بكفاء ٍة تا َّمة ،وقد قال لهما
رأيت ك َّل صخر ٍة وشجر ٍة وموجة، ُ مررت من هذا الطَّريق ِ
آخر م َّر ٍة ُ مذ ِّكرًا« :إنني لم أولَد أعمى .حين
ً
مسلسال قبلها ُ
وأصبحت ِمايستر كنت في الخامسة والثَّالثين، وشاهدت النَّوارس الرَّماديَّة تُ َحلِّق في أعقابناُ . ُ
شماال على ً أعرف أن مكاني هنا .أرسلَني ُ ُ
كنت بستَّة عشر عا ًما .إج أرادَني أن أعينه على الحُكم ،لكني
الذهبي) وأص َّر على أن يصحبني صديقه السير دنكان إلى (القلعة ال َّشرقيَّة) .لم يصل مجنَّد متن (التنِّين َّ
ملوك مقيَّدين باألصفاد َّ
الذهبيَّة. ٍ ط بتلك األبَّهة منذ أرسلَت نايميريا إلى َحرس اللَّيل ستَّة الجدار) قَ ُّ إلى ( ِ
أفر َغ إج ال َّزنازين أيضًا كي ال أضط َّر إلى ِحلف اليمين بمفردي .س َّماهم َحرس َشرف ،وأحدهم لم يكن أق َّل
من بريندن ريڤرز شخصيًّا ،الذي اختي َر فيما بع ُد ليكون حضرة القائد».
عاش منذ مئة َ ُ
حسبت أنه عين وعين) .لكني ٍ أعرف أغنيةً عنه ،اسمها (ألف ُ قال داريونُ « :غداف ال َّدم؟
عام».
ق عينيه وسعل وأغل َ َ كنت شابًّا ِمثلك ذات يوم» .بدا أن الفكرة أحزنَته، ُ « -ك ُّلنا عشنا منذ مئة عام .لقد
تمايل تحت أغطيته.
َ وغاب في النَّوم ،وكلَّما ه َّزت موجة ما السَّفينة َ
ت رماديَّة أبحروا ،شرقًا وجنوبًا ثم شرقًا من جدي ٍد فيما اتَّسع (خليج الفقمات) من حولهم. تحت سماوا ٍ
الرُّ بَّان أخ أشيب له بطن كبرميل ال ِمزر ويرتدي ثيابًا متَّسخةً للغاية وباهتةً لدرجة أن أفراد الطَّاقم لقَّبوه
بذي األسمال المالحة العجوز .نادرًا ما ينبس الرَّجل ببنت شفة ،ويُ َع ِّوض نائبه صمته بتلويث الهواء
المالحون .في الصَّباح يأكلون ثريد ال ُّشوفان ،وبَعد ُّ
الظهر بالسِّباب واللَّعنات متى سكنَت الرِّياح أو تل َّكأ َّ
وليال اللَّحم البقري المملَّح ولحم الضَّأن المملَّح وسمك القُد المملَّح ،ويشربون مع وجبتهم
ً ثريد البازالء،
القليل من ال ِمزر.
يُ َغنِّي داريون ،ويتقيَّأ سام ،وتبكي جيلي وتُ ِ
رضع صغيرها ،وينام ال ِمايستر إيمون ويرتجف ،وتشت ُّد برودة
الرِّيح وسُرعتها بمرور ك ِّل يوم.
ركبَ يتجاوز العاشرة عندما
َ آخر م َّر ٍة أبح َر فيها سام .لم يكن
وعلى الرغم من ك ِّل هذا فالرِّحلة أفضل من ِ
قاليون اللورد رداوين المس َّمى (ملكة الكرمة) .كانت السَّفينة أكبر من (الطَّائر األسود) خمس مرَّات
بالذهبي واألبيض في نور ومهيبة المنظر ،لها ثالثة أشرعة خمريَّة وصفوف من المجاذيف تُو ِمض َّ
ال َّشمس ،وقد احتب َست أنفاس سام انبهارًا بمرآها ترتفع وتنخفض وهُم يتحرَّكون من (البلدة القديمة) ...لكن
أصاب َ آخر ذكرى طيِّبة لديه عن (بوغاز ردواين) ،فحينها كما اآلن أصابَه البحر بالغثيان ،وبالتَّالي تلك ِ
هو السيِّد والده باالشمئزاز.
وحين بلغوا (الكرمة) تدهو َرت األمور من سي ٍِّئ إلى أسوأ .من النَّظرة األولى احتق َر ابنا اللورد ردواين
صباح وجدا وسيلةً جديدةً لتكليله بالخزي في ساحة التَّدريب .في اليوم الثَّالث جعلَه ٍ التَّوأم سام ،وك َّل
ألبس أخوه هوبر إحدى عامالت َ هوراس ردواين يَصرُخ كالخنازير متوس ًِّال الرَّحمة ،وفي اليوم الخامس
أجهش بالبُكاء ،ول َّما أفص َحت عن نفسها تفجَّرت َ بسيف خشبي إلى أن
ٍ المطابخ ِدرعه وتر َكها تضرب سام
ضحكات جميع ال ُمرافقين وال ُوصفاء وعاملي االسطبالت المد ِّوية.
ليلتها قال أبوه للورد ردواين« :الصَّبي يحتاج إلى القليل من التَّمرُّ س ال أكثر» ،لكن مهرِّج ردواين َر َّج
ور َّد« :بل يحتاج إلى القليل من الفلفل والقرنفل وتفَّاح ٍة في فمه» ،وبَعدها حرَّم اللورد راندل ُخ ْش َخيْشته َ
على سام أن يأكل التُّفَّاح ما داموا تحت سقف پاكستر ردواين .انتابه ُدوار البحر في رحلة العودة إلى
الدِّيار أيضًا ،لكنه كان يحسُّ براح ٍة بالغة للرَّحيل حتى إنه كا َد يُ َرحِّب بطعم القيء في مؤ ِّخرة َحلقه.
انتظ َرت أ ُّمه رجوعهم إلى (هورن هيل) لتُخبِره بأن أباه لم يكن ينوي عودته ،وقالت له« :كان هوراس
بدال منك ،في حين كنت ستبقى أنت في (الكرمة) وصيفًا وساقيًا عند اللورد پاكستر ،ولو سيأتي معنا ً
زال سام يَذ ُكر لمسة يد أ ِّمه النَّاعمة إذ مس َحت وجهه من ال ُّدموع بقطع ٍة من سررته لخطبت ابنته» .ما َ
الحرير المبلَّل بلُعابها وهي تُغَم ِغم« :صغيري المسكين سام ،صغيري المسكين المسكين سام».
ف َّكر وهو يتمسَّك بحاجز (الطَّائر األسود) ويُشا ِهد األمواج تتكسَّر على السَّاحل الحجري :سيكون جيِّدًا أن
أراها ثانيةً ،بل وربما تفخر بي إذا رأتني في ثيابي السَّوداء.
يُمكنني أن أقول لها« :إنني رجل اآلن يا أ َّماه ،وكيل وأخ في َحرس اللَّيل .أحيانًا يدعوني إخوتي بسام
القاتِل» .وسيرى أخاه ديكون وأخواته أيضًا .يُمكنني أن أقول لهم« :انظُروا ،انظُروا ،اتَّضح أنني أصل ُح
لشيء».
ذهب إلى (هورن هيل) فربما يكون أبوه هناك.
َ لكن إذا
ومال سام من فوق الحاجز وعا َد يقيء ،ولكن ليس في اتِّجاه الرِّيح ،إذ َ جع َل الخاطر معدته تثور من جديد،
ذهب إلى الحاجز الصَّحيح هذه المرَّة .لقد بدأ يبرع في التَّقيُّؤ.
َ
أو أن هذا ما كان يحسبه ،إلى أن ابتعدَت (الطَّائر األسود) عن اليابسة وتوجَّهت شرقًا عبر الخليج نحو
سواحل (سكاجوس).
تقع الجزيرة في مدخل (خليج الفقمات) ،مساحتها هائلة وجبالها ضخمة وأرضها قاسية وعرة يَس ُكنها
ق لسام أن قرأ أنهم يَقطُنون بالكهوف والجبال المنعزلة ،ويمتطون اليونيكورنات ال َّشعثاء البرابرة .سب َ
الضَّخمة إلى الحرب .في ال ُّلغة القديمة كلمة «سكاجوس» معناها «حجر» ،ويُ َس ِّمي السكاجوسيُّون أنفسهم
حجريِّي الميالد ،لكن َمن عداهم من أهل ال َّشمال يُ َس ُّمونهم «سكاجيِّين» وال يُ ِكنُّون لهم مو َّدةً .قبل مئة ٍ
عام
ت من جُنده. ت وأتى على حياة سيِّد (وينترفل) ومئا ٍ ق إخماد ثورتهم سنوا ٍ فقط تمرَّد السكاجيُّون ،واستغر َ
يقول بعض األغاني إن السكاجيِّين أ َكلة لحوم بَشر ،ويُفت َرض أن ُمحاربيهم يأكلون قلوب وأكباد َمن
يَقتُلون ،وفي الماضي السَّحيق أبح َر السكاجوسيُّون إلى جزيرة (سكاين) القريبة وسبوا نساءها وذبَّحوا
رجالها وأكلوهم على ال َّشاطئ في وليم ٍة استمرَّت أسبوعين كاملين ،وحتى اليوم تظلُّ (سكاين) مقفرةً.
داريون أيضًا يعرف األغاني ،فحين ارتف َعت قِمم (سكاجوس) الرَّماديَّة الكئيبة من البحر انض َّم إلى سام
عند مقدِّمة السَّفينة ،وقال« :إذا شا َءت اآللهة سنلمح يونيكورن».
« -إذا شا َءت اآللهة لن نقترب لتلك ال َّدرجة .التَّيَّارات خ َّداعة حول (سكاجوس) ،وث َّمة صخور يُمكن أن
تكسر بدن السَّفينة كقشرة البيضة .لكن ال تَذ ُكر هذا لجيلي ،إنها خائفة بما فيه الكفاية».
« -هي وابنها الذي ال ينقطع عن البُكاء .ال أدري أيُّهما أكثر صخبًا .الوقت الوحيد الذي ال يبكي فيه ل َّما
تدسُّ حلمتها في فمه ،وعندئ ٍذ تشرع هي في البُكاء!».
كان سام قد الح َ
ظ هذا أيضًا ،لكنه قال بكلل« :ربما يُؤلِمها الرَّضيع .إذا كان قد بدأ يُ َسنِّن.»...
ُ
سمعت أن الهَمج أشجع من هذا». بإصبع واحد عازفًا نغمةً ساخرةً ،وقال« : ٍ نق َر داريون على أوتار عوده
ير جيلي في تلك الحالة المزرية َر َّد سام بإصرار« :إنها ُشجاعة» ،ولو أنه هو نفسه عليه أن يق َّر بأنه لم َ
من قبل .على الرغم من أنها تُخفي وجهها أغلب الوقت وتُحا ِفظ على عتمة القمرة فإنه يرى عينيها
محمرَّتين دائ ًما وال ُّدموع تُبَلِّل وجنتيها ،لكن عندما سألَها ع َّما هنالك اكتفَت بهَ ِّز رأسها وتر َكته يبحث عن
الجدار) لم تعرف في حياتها َّإال
اإلجابات بنفسه .قال لداريون« :البحر يُخيفها ال أكثر .قبل ذهابها إلى ( ِ
فرسخ عن المكان الذي ُولِدَت
ٍ أظن أنها ابتعدَت أكثر من نِصف (قلعة كراستر) والغابة المحيطة بها .ال ُّ
ط إلى أن صادَفنا واحدةً ،والبحر ...البحر مخيف». فيه .إنها تعرف الجداول واألنهار ،لكنها لم ت َر بُحيرةً قَ ُّ
« -اليابسة لم تَ ِغب عن أعيُننا إطالقًا».
« -لكنها ستغيب» .سام أيضًا ال يتطلَّع إلى تلك المرحلة من ال ِّرحلة.
« -مؤ َّكد أن القاتِل ال يخشى القليل من الماء».
قال سام كاذبًا« :ليس أنا ،بل جيلي ...قد يُسا ِعد الرَّضيع على النَّوم أن تُ َغنِّي لهما بعض أغاني المهد».
ُ
لست أطي ُ
ق الرَّائحة». التوى فم داريون اشمئزا ًزا ،وقال« :فقط إذا دسَّت سدادةً في مؤ ِّخرته.
في اليوم التَّالي بدأت األمطار وازدا َد البحر تقلُّبًا ،فقال سام إليمون« :األفضل أن ننزل بعيدًا عن البلل»،
قائال« :أحبُّ ال ُّشعور بالمطر على وجهي يا سام ،كأنه دموع .دعني أبقى فترةً لكن ال ِمايستر الهَ ِرم ابتس َم ً
ُ
بكيت». قليال أرجوك .لقد مضى زمن طويل منذ أطول ً
إذا أرا َد ال ِمايستر إيمون أن يبقى على السَّطح على الرغم من شيخوخته وهشاشته فال خيار لدى سام َّإال
صت فيه قطرات ربض بمعطفه الذي غا َ َ جلس إلى جوار الرَّجل ما يَقرُب من ساعة ،وقد َ البقاء معه .هكذا
ق عينيه، المطر النَّاعمة الثَّابتة وتخلَّلته حتى ِ
الجلد ،أ َّما إيمون فبدا أنه يَشعُر به بالكاد .تنهَّد العجوز وأغل َ
قائال لنفسه :سيَطلُب مني أن آخذه إلى القمرة قريبًا ،ال بُ َّد ودنا سام منه أكثر ليقيه من الرِّيح قدر اإلمكان ً
أن يفعل ،لكن إيمون لم يفعل ،وأخيرًا بدأ هزيم الرَّعد يتر َّدد من بعي ٍد ناحية ال َّشرق ،ليقول سام مرتعدًا:
غاب في النَّوم ،فقال وهو
َ «يجب أن ننزل» .لم ي ُِجبه ال ِمايستر إيمون ،وعندئ ٍذ فقطَ تبيَّن سام أن العجوز
يهزه من كتفه برفق« :أيها ال ِمايسترِ ،مايستر إيمون ،استيقِظ».ُّ
حلمت بأني ُ انفتحت عينا إيمون البيضاوان الكفيفتان ،وقال والمطر ينهمر على وجنتيه« :إج؟ إج، َ
عجوز».
ط ،وقد تشبَّعت مالبس يدر سام ماذا يفعل .انحنى ورف َع العجوز وحملَه إلى أسفل .لم يصفه أحد بالق َّوة قَ ُّ لم ِ
ال ِمايستر إيمون السَّوداء بالماء مضا ِعفةً وزنه ،ومع ذلك لم يكن أثقل من طفل .حين اندف َع إلى القمرة
وإيمون بين ذراعيه وج َد أن جيلي تر َكت ال ُّشموع كلَّها تنطفئ .كان الرَّضيع نائ ًما ،وتك َّورت هي على
ً
مستعجال إياها: ت بين طيَّات المعطف األسود الكبير الذي أعطاها سام إياه .قال ُكن باكيةً بخفو ٍ نفسها في ر ٍ
«سا ِعديني ،يجب أن نُ َجفِّفه ونُ َدفِّئه».
ضت من فورها ،ومعًا خلعا عن ال ِمايستر العجوز ثيابه المبتلَّة ودفناه تحت كوم ٍة من الفرو ،لكن ِجلده نه َ
بجسدك،
ِ إليك ،دفِّئيه
ض ِّميه ِ كان رطبًا باردًا دبق الملمس ،فقال سام لجيلي« :اد ُخلي معه تحت األغطيةُ ،
يجب أن تُ َدفِّئيه» .أطاعَته في هذا أيضًا دون أن تقول كلمةً وإن ظلَّت تتن َّشق .سأ َل سام« :أين داريون؟
سندفأ أكثر إذا كنا كلُّنا معًا .ينبغي أن يكون هنا أيضًا» .كان في الطَّريق إلى أعلى ثانيةً ليجد المغنِّي عندما
ارتف َعت األرض من تحته ثم ه َوت .ولولَت جيلي ،وسقطَ فاقدًا توا ُزنه ،واستيقظَ الرَّضيع صار ًخا.
ُحاول النُّهوض بصعوبة ،فألقَت جيلي بين ذراعيه وتشبَّثت به الفتاة وأتَت رجَّة السَّفينة التَّالية بينما ي ِ
الهمجيَّة بش َّد ٍة مستميتة جعلَته يكاد ال يستطيع التقاط أنفاسه ،لكنه قال لها« :ال تخافي ،هذه مغا َمرة فحسب.
البنك عنها» .لم يُفلِح قوله َّإال في جعلها تغرس أظفارها أكثر في ذراعيه ،وارتعدَت ِ يوم ستحكين ذات ٍ
قلت أزي ُد األمر سو ًءا .احتواها بق َّو ٍة وهو يعي على نح ٍو غير واهت َّز جسدها كلُّه من ُعنف نحيبها .مهما ُ
خج ًال: مريح أن ثدييها ملتصقان بصدره ،وعلى الرغم من ُذعره كان هذا كافيًا الستثارته .قال لنفسه ِ
ستَشعُر به ،لكن إذا شع َرت جيلي بشي ٍء فإنها لم تُب ِد أمارةً على ذلك ،بل تمسَّكت به أكثر.
ط ،واصطبغَت النَّهارات بالرَّمادي واللَّيالي باألسودَّ ،إال طت األيام معًا بَعد ذلك .لم يروا ال َّشمس قَ ُّ اختل َ
عندما يُضيء البرق السَّماء فوق ُذرى (سكاجوس) ،وجميعهم يتض َّور جوعًا لكن ال أحد يقدر على األكل.
المالحين ،وجرَّب سام كوبًا منه وتنهَّد إذ أحسَّ بثعابين ساخنة تزحف فت َح الرُّ بَّان برميل نبي ٍذ ناري لتقوية َّ
وأعجب ال َّشراب داريون أيضًا ،ومنذ حينها ال يستفيق َّإال نادرًا. َ داخل َحلقه إلى صدره،
دارت كطائر رمادي ضخم ،وإذ َ ٍ وطار مبتعدًا
َ ضت ،وتم َّزق أحدها من صاريته ارتف َعت القلوع وانخف َ
س على الصُّ خور ،وقد انجرفَ عدد صروا حُطام قاد ٍ (الطَّائر األسود) حول ساحل (سكاجوس) الجنوبي أب َ
68
من أفراد طاقمه إلى ال َّشاطئ ،واحتشدَت طيور الرُّ خ والسَّراطين تحتفي بهم على طريقتها .دمد َم ذو
األسمال المالحة العجوز« :قريبون للغاية .نفخة واحدة قويَّة كفيلة بتحطيمنا إلى جوارهم» .على الرغم من
ق األمواج المعتلجة جنوبًا صوب ُسر را َحت السَّفينة تش ُّ
مالحوه على مجاذيفهم من جديد ،وبع ٍ إعيائهم ما َل َّ
أشكال قاتمة في السَّماء ربما ٍ (البحر الضيِّق) ،إلى أن تضاءلَت (سكاجوس) ولم يَعُد يلوح منها َّإال بضعة
جبال سوداء شاهقة ،أو هذا وذاك. ٍ تكون رُكا ًما رعديًّا 54أو قِمم
يال سبع من اإلبحار الهادئ في أجوا ٍء صافية.
بَعدها مرَّت عليهم أيام ثمانية ول ٍ
ثم هبَّت عواصف أخرى أسوأ من سابقتها.
أكانت ثالث عواصف أم عاصفةً واحدةً تخلَّلتها فترات هدوء؟ لم يعرف سام اإلجابة ،وإن حاو َل بكلِّ
جوارحه أن يكترث ،حتى إن داريون صر َخ فيه م َّرةً بينما تلملَموا معًا في القمرة« :ما الفرق؟!» ،فأرا َد
دمت أف ِّك ُر في هذا فلن أف ِّكر في الغرق أو الغثيان أو رجفة ال ِمايستر ُ سام أن يقول له :ال فرق ،لكن ما
أجاب بنبر ٍة كالصَّرير« :ال فرق ،»...لكن الرَّعد طغى على بقيَّة كالمه ،وتمايلَت السَّفينة ور َمته َ إيمون.
إلى الجانب .كانت جيلي تنوح ،والرَّضيع يعوي ،ومن األعلى بل َغ مسامع سام صوت ذي األسمال المالحة
العجوز يهدر في طاقمه ،الرُّ بَّان األشعث الذي قلَّما يتكلَّم.
كم أكرهُ البحر ،كم أكرهُ البحر ،كم أكرهُ البحر ،كم أكرهُ البحر .ومضة البرق التَّالية كانت ساطعةً لدرجة
أنها أضا َءت القمرة من خالل ال ُّشقوق في ألواح الخشب أعالهم .هذه سفينة قويَّة متينة ،سفينة قويَّة متينة،
لست خائفًا. ُ سفينة قويَّة ،لن تغرق،
خالل واحد ٍة من فترات الهدوء بين عاصفتيْن ،وبينما تشبَّث سام ومفاصل أصابعه مبيضَّة بالحاجز راغبًا
بق َّو ٍة في أن يقيء ،سم َع بعضًا من أفراد الطَّاقم يقولون متذ ِّمرين إنهم آلوا إلى هذا الموقف بسبب وجود
امرأ ٍة على السَّفينة ،بل وامرأة همجيَّة أيضًا .سم َع أحدهم يقول والرِّيح تشت ُّد مج َّددًا« :ضاج َعت أباها .هذا
ي شيء .سنغرق جميعًا ما لم نتخلَّص منها ومن ذلك المسخ الذي ولدَته». أسوأ من ال ِعهر ،أسوأ من أ ِّ
لم يجرؤ سام على موا َجهتهم .إنهم رجال قُساة أصالب ،أذرُعهم وأكتافهم غلَّظتها سنوات العمل على
خرجت من القمرة لتقضي حاجتها. َ حرص على شحذ س ِّكينه َّ
والذهاب مع جيلي متى َ المجاذيف ،لكنه
بإلحاح من سام بدأ يُ َغنِّي تهويدةً لتهدئة الرَّضيع ،لكن
ٍ حتى داريون لم يقل خيرًا عن الفتاة الهمجيَّة .في م َّر ٍة
ق الجحائم السَّبع اللَّعينة!
صف البيت األول انفج َرت جيلي في بُكا ٍء عنيف ،فقال داريون بح َّدة« :ب َح ِّ في منت َ
قليال لتسمعي أغنيَّة؟!». ُمكنك أن تنقطعي ً
ِ أال ي
ناشدَه سام ً
قائال« :اعزف فقط ،غَنِّ لها األغنيَّة».
َر َّد داريون« :ليست تحتاج إلى أغنيَّة ،بل إلى الصَّفع على مؤ ِّخرتها ،أو ربما إلى أن ينكحها أحد بق َّوة.
ب من النَّبيذ
ابتعد عن طريقي أيها القاتِل» ،ودف َع سام جانبًا وخر َج من القمرة ليجد شيئًا من السَّلوى في كو ٍ
النَّاري مع أخ َّوة َّ
المالحين الخشنة.
عندئ ٍذ كانت األسباب قد تقطَّعت بسام .إنه يكاد يعتاد الرَّوائح ،لكن بين العواصف وبُكاء جيلي لم ي ِ
ُراوده
ت شديد« :أما من شي ٍء يُمكنك أن تُعطيها النَّوم منذ أيام .حين رأى ال ِمايستر إيمون مستيقظًا سألَه بخفو ٍ
إياه؟ ُعشبًا أو عقَّارًا كي ال تخاف؟».
قال له العجوز« :ليس صوت الخوف ما تسمع وإنما الحُزن ،وليس هناك عقَّار يُداوي هذا .دَع دموعها
تنهمر حتى تنفد يا سام ،فال يُمكنك أن تس َّد النَّبع».
مكان دافئ ،فلِ َم تحزن؟».
ٍ مكان آمن،
ٍ لم يفهم سام ،فسأ َل« :إنها ذاهبة إلى
همس العجوز« :سام ،إن لك عينين سليمتين ورغم ذلك ال ترى .إنها أُم حزينة على طفلها». َ
« -إنه مصاب بالغثيان ال أكثر ،كلُّنا مصابون بالغثيان .حالما نرسو في (براڤوس).»...
طفل الذي خر َج من جسدها». ...« -سيظلُّ الرَّضيع ابن داال وليس ال ِّ
ك ما يرمي إليه إيمون ،ثم قال« :ال يُمكن أن ...إنها ال ...هو ابنها بالطَّبع .ما ق سام وهلةً حتى أدر َ استغر َ
الجدار) دون ابنها إطالقًا .إنها تحبُّه». كانت جيلي لتَترُك ( ِ
« -لقد أرض َعت االثنين وأحبَّت االثنين ،لكن ليس على َح ِّد سواء .ال أُم تحبُّ أطفالها جميعًا بال َّدرجة
نفسها ،وال حتى (األُم في األعالي) .إنني واثق بأن جيلي لم تَترُك الطِّفل برغبتها .ما ألقاه حضرة القائد من
ت أو وعو ٍد ليس بوسعي َّإال أن أخ ِّمنه ...لكن المؤ َّكد أنه وع َد وتو َّعد». تهديدا ٍ
« -ال ،ال ،خطأ ،ما كان چون ل.»...
توجد خيارات سعيدة يا سام ،بل خيارات « -ما كان چون ليفعل ذلك ،أ َّما من فعلَه فحضرة القائد .أحيانًا ال َ
أقلُّ جسامةً من غيرها».
ال خيارات سعيدة .ف َّكر سام في ك ِّل ال ِمحن التي َم َّر بها مع جيلي؛ في (قلعة كراستر) ومصرع ال ُّدب
وأيام من المشي ،في الجُثث ٍ وأيام
ٍ العجوز ،في الثَّلج والجليد والرِّياح التي تُ َج ِّمد النُّخاع في العظم ،في ٍ
أيام
الجدار) ،والب َّوابة الجدار)ِ ( ،الجدار)ِ ( ،
الغدفان ،في ( ِ
الحيَّة في (وايتري) ،في ذي اليدين الباردتين وشجرة ِ
السَّوداء تحت األرض .وإال َم أفضى كلُّ ذلك؟ ال خيارات سعيدة وال نهايات سعيدة.
طفلين، لول وينتحب ويرتجف ويتك َّور على نفسه في الرُّ كن ويبكي .ب َّدل ال ِّ أرا َد أن يَصرُخ .أرا َد أن يُ َو ِ
ب َّدلهما ليحمي األمير الصَّغير ،ليُب ِعده عن نيران الليدي مليساندرا وإلهها األحمر .إذا أحرقَت ابن جيلي
ف َمن سيُبالي؟ ال أحد َّإال جيلي .إنه ابن كراستر ال أكثر ،مسخ ُولِ َد من زنى المحارم ،وليس ابن ملك ما
اسم حتى. الجدار .ال يَصلُح رهينةً ،وال يَصلُح قُربانًا ،ال يَصلُح لشيء ،بل إنه بال ٍ وراء ِ
ُفرغ معدته ،لكنه وجدَها خاويةً .كان اللَّيل قد َح َّل عليهم ،ليل بال كلم ٍة صع َد سام مترنِّحًا إلى السَّطح لي ِ
والمالحون مستريحون على المجاذيف وقد َّ ُّ
كالزجاج، ساكن غريب لم يروا مثيله منذ أيام .البحر أسود
غاب واحد أو اثنان منهم في النَّوم في موضعيهما ،والرِّيح تدفع األشرعة ،وإلى ال َّشمال كوكبة من النُّجوم َ
رآها سام عالوةً على ال َّرحَّال األحمر الذي يُ َس ِّميه َشعب األحرار (اللِّص) ،فف َّكر ببؤس :المفت َرض أن
وجلبت له جيلي والرَّضيع .ليست هناك نهايات سعيدة. ُ ساعدت على جعل چون القائد ُ يكون هذا نجمي .لقد
واع أللمه ،وقال« :أيها القاتِل ،ليلة حلوة أخيرًا .انظُر ،النُّجوم بدأت تظهر، ظه َر داريون إلى جواره غير ٍ
وقد نرى لمحةً من القمر أيضًا .ربما انتهى األسوأ».
بإصبع سمين إلى الظَّالم الحالك ،وأضافَ « :هناك» .ولم يكدٍ َر َّد سام« :ال» ،ومس َح أنفه وأشا َر جنوبًا
ومض البرق مباغتًا صامتًا ساطعًا يُعمي األعيُن ،وألق ِّل من لحظ ٍة توهَّجت السُّحب البعيدة، َ يتكلَّم حتى
جبال مك َّومة على جبال ،أرجوانيَّة وحمراء وصفراء ،أطول من العالم ذاته« .األسوأ لم ينت ِه ،األسوأ في
بدايته فقط ،وليست هناك نهايات سعيدة».
ضاح ًكا قال داريون« :ب َح ِّ
ق اآللهة أيها القاتِل ،يا لك من جبان».
چايمي
دخ َل اللورد تايوين النستر المدينة على صهوة جوادهِ ،درعه المطليَّة بالمينا القرمزي مصقولة برَّاقة
وخرج منها في عرب ٍة طويلة مكس َّوة بالرَّايات القرمزيَّة ،بينما
َ وتتألَّق فيها الجواهر وال َّزخارف َّ
الذهب،
ت رُفاته.
ت صامتات مصاحبا ٍ ت أخوا ٍتركب ِس ُّ
غاد َر الموكب الجنائزي (كينجز الندنج) من (ب َّوابة اآللهة) األوسع واألفخم من (ب َّوابة األسد) ،غير أن
چايمي أحسَّ بخطأ هذا االختيار ،فأبوه كان أسدًا وال أحد يُن ِكر ذلك ،لكن حتى اللورد تايوين نفسه لم ي َّد ِ
ع
األلوهيَّة قَ ُّ
ط.
فرف األعالم القرمزيَّة على رماحهم ،وقد ط بعربة اللورد تايوين َحرس َشرف من خمسين فارسًا تُ َر ِ أحا َ
را َحت الرِّيح تلهو براياتهم جاعلةً رموزهم تتراقَص وتنتفِض ،وإذ خَبَّ چايمي بحصانه نحو مقدِّمة
وثور أحمر ،و ِمطرديْن متقاطعيْن ٍ وبسهم أخضر ٍ الموكب َم َّر بخنازير بريَّة و ُغ َريرات 51وخنافس،
وحربتين متقاطعتين ،وقِطِّ أشجار وثمرة فراولة و ُك ِّم سيِّدة ،وأربع شموس متفجِّرة في مربَّعا ٍ
54
ت متباينة
األلوان.
الج َم ْشت علىارتدى اللورد براكس سُترةً رماديَّةً باهتةً مشرَّطةً بقُماش الفضَّة ،وثبَّت فوق قلبه دبُّوسًا من َ
شكل يونيكورن ،ودرَّع اللورد چاست نفسه بالفوالذ األسود ،وقد زخرفَت واقي صدره ثالثة رؤوس أُسو ٍد
ذهبيَّة ،وإن كان منظره يشي بأن شائعات موته لم تُبالِغ كثيرًا ،إذ تر َكته اإلصابات وفترة السِّجن ِظ ًّال
حال أفضل وبدا مستع ًّدا للعودة خلص من المعركة في ٍ َ للرَّجل الذي كانه من قبل ،أ َّما اللورد بانفورت فقد
إلى الحرب في الحال .كان پلوم يرتدي األرجواني وپرستر األبيض المزر َكش باألسود ومورالند الخمري
كال منهم وض َع على كتفيه معطفًا من الحرير القرمزي تكري ًما للرَّجل الذي يصحبونه إلى واألخضر ،لكن ًّ
الوطن.
وراء اللوردات تحرَّك مئة من رُماة ال ُّن َّشابيَّة وثالثمئة من الجنود ال ُمشاة الذين ينسدل القرمزي من على
أكتافهم أيضًا ،في حين شع َر چايمي في معطفه األبيض و ِدرعه البيضاء بأنه في غير محلِّه في هذا البحر
األحمر.
ق به چايمي في مقدِّمة الرَّكب« :حضرة القائد،
ولم يُهَ ِّون ع ُّمه عليه األمر .قال السير كيڤان عندما لح َ
صاحبة الجاللة لي؟».
ِ أهناك أمر أخير من
بإيقاع جنائزيٍّ بطيء موزون ،فبدا كأنها تقول:
ٍ ق وراءهما ُ «-
لست هنا من أجل سرسي» .بدأت طبلة تد ُّ
ميت ،ميت ،ميتُ « .
جئت أودِّعه .لقد كان أبي».
« -وأباها».
فاحص أيدينا .سرسي لها
ِ لست سرسي .إن لي لحيةً ولها ثديان .إذا كنت ال تزال تخلط بيننا يا ع َّماه
ُ « -أنا
اثنتان».
يتلذذ بالسُّخرية .أعفني من نِكاتك أيها الفارس ،فأنا ال أج ُد َّ
لذةً فيها». قال ع ُّمه« :كالكما َّ
« -كما تشاء» .الكالم ال يمضي على الوتيرة التي أملتها« .كانت سرسي لترغب في توديعك بنفسها ،لكن
ت كثيرة ملحَّة».
عليها واجبا ٍ
َر َّد السير كيڤان ساخرًا« :كلُّنا كذلك .كيف حال مليكك؟» .جعلَت نبرته السُّؤال تأنيبًا.
أجاب چايمي بلهج ٍة دفاعيَّة« :بخير .بالون سوان يقضي معه الصَّباح .إنه فارس صالح ُشجاع».
َ
« -في الماضي كان هذا من نافلة القول عندما يتكلَّم النَّاس ع َّمن يرتدون المعطف األبيض».
ف َّكر چايمي :ال رجل يختار إخوته .اترُكوا لي فُرصة اختيار رجالي بنفسي وسيعود ال َحرس الملكي عظا ًما
رجل تُلَقِّبه البالد بقاتِل
ٍ من جديد .لكن دَعه يقولها على المكشوف وستبدو ذريعةً واهيةً ،خيالء فارغةً من
ً
وبدال من ذلك الملك .رجل َشرفه خراء .صرفَ چايمي المسألة من ذهنة ،فهو لم يأ ِ
ت ليتجادَل مع ع ِّمه،
قال« :أيها الفارس ،عليك أن تُها ِدن سرسي».
« -أنحن في حرب؟ ال أحد أخب َرني».
تجاهل چايمي التَّعليق ،وقال« :ال ِّشقاق بين النستر والنستر لن يُ َؤدِّي َّإال إلى مساعَدة أعداء عائلتنا».
َ
« -إذا كان هناك ِشقاق فهو ليس من صُنعي .سرسي تُريد أن تَح ُكم ،ليكن إذن ،البالد لها .ال أري ُد َّإال أن
أُت َرك في سالم .إن مكاني في (داري) مع ابني .ال بُ َّد من ترميم القلعة وزرع األراضي وحمايتها»،
قليال يشغل وقتي غير ق السير كيڤان ضحكةً مريرةً قصيرةً ،ثم أضافَ « :كما أن أختك تر َكت لي ً وأطل َ
ذلك .عل َّي أن أحضر زفاف النسل .عروسه صبرها ينفد وهي جالسة تنتظر ذهابنا إلى (داري)».
عروسه األرملة ابنة (التَّوأمتين) .كان النسل ابن ع ِّمه راكبًا وراءهما على بُعد عشر ياردات ،وقد بدا
بنظراته الخاوية و َشعره األبيض الجاف أكثر عج ًزا من اللورد چاست .أحسَّ چايمي بأصابعه ال َّشبحيَّة
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا ...لقد حاو َل أن يتكلَّم مع تستح ُّكه لمجرَّد مرآه ...تُ ِ
ط ،فإذا لم يكن أبوه معه فهناك ِسپتون ما ت أكثر مما يستطيع أن يُحصي ،لكنه لم يجده بمفرده قَ ُّ النسل مرَّا ٍ
ي ،لم يقل ما قاله َّإال ُالزمه دو ًما .ربما يكون ابن كيڤان ،لكن ما في عروقه لبن .تيريون كذب عل َّ ي ِ
ليجرحني.
متسائال« :هل ستبقى في (داري) بَعد ال ِّزفاف؟». ً نحَّى چايمي النسل عن باله ،وعا َد يلتفت إلى ع ِّمه
يشن الغارات في أنحاء (الثَّالوث) .أختك تُريد رأسه .محت َمل أنه « -فترةً ربما .يبدو أن ساندور كليجاين ُّ
انض َّم إلى دونداريون».
ق ب( َّ
المالحات) ،وال بُ َّد أن نِصف البالد سم َع أيضًا .الغارة كانت استثنائيَّةً في سم َع چايمي بما حا َ
ُ
صبن وقُ ِط َعت أثداءهن ،واألطفال ُذبِحوا بين أذرُع أ َّمهاتهم ،ونِصف البلدة أ ِ
ضر َم فيه وحشيَّتها؛ النِّساء اغتُ ِ
ض ُل أن النَّار« .راندل تارلي في (بِركة العذارى) .دَعه يتعا َمل مع الخارجين عن القانون .عن نفسي أف ِّ
تذهب إلى (ريڤر َرن)».
ي بل النسل».
« -السير داڤن له القيادة هناك ،حاكم الغرب .ليس هو من يحتاج إل َّ
ق بنفس إيقاع الطَّبلة ،ميت ،ميت ،ميت« .خي ٌر لك أن تحتفظ
« -كما تقول يا ع َّماه» .كان رأس چايمي يد ُّ
بفُرسانك حولك».
ً
سائال« :أهذا تهديد أيها الفارس؟». رمقَه ع ُّمه ببرو ٍد
خطر».قصدت فقط أن ...ساندور رجل ِ ُ تهديد؟ َر َّد وقد باغتَته الكلمة« :إنه تنبيه.
ق الخارجين عن القانون والفُرسان اللُّصوص وأنت ال تزال تتبرَّز في قِماطك .لن أذهب « -إنني أشن ُ
وأواجه كليجاين ودونداريون بنفسي إذا كان هذا ما تخشاه أيها الفارس .اشتهاء المجد بك ِّل حماق ٍة ليس من
خصال جميع أبناء النستر».
أعتق ُّد أنك تتكلَّم عني أنا يا ع َّماه« .أدام ماربراند يستطيع التَّعا ُمل مع هؤالء المجرمين ِمثلك تما ًما ،وكذا
براكس أو بانفورت أو پلوم أو أيُّ اآلخَرين ،لكن ال أحد منهم مناسب ألن يكون يد ٍ
ملك صالحًا».
« -أختك تعرف شروطي ،وشروطي لم تتغيَّر .قُل لها هذا عندما تذهب إلى ُغرفة نومها المرَّة القادمة»،
وهم َز السير كيڤان جواده الحربي وهرو َل إلى األمام واضعًا نهايةً مبتورةً لحوارهما.
تر َكه چايمي يذهب شاعرًا بيد سيفه المفقودة ترتعش .كان يأمل رغم وهن األمل أن سرسي أسا َءت الفهم
بشكل ما ،لكن الواضح أن ذلك خطأ .إنه يعلم بأمرنا ،بأمر تومن ومارسال ،وسرسي تعلم أنه يعلم .السير ٍ
صدِّق چايمي أنها تستطيع أن تُؤذيه بأيِّ وسيلة، كيڤان ع ُّمهما النستر من أوالد (كاسترلي روك) ،وال يُ َ
ولكن...
زمان يَقتُل فيه األبناء آباءهم ما ٍ أكون مخطئًا بشأن سرسي أيضًا؟ فيُ أخطأت بشأن تيريون ،فلِ َم الُ لقد
ً
محتمال أن الالزم .ولو أن أخ عن األمر بقتل ع ِّمها؟ وهو َع ٌّم مزعج يعرف أكثر من َّ الذي يردع ابنة ٍ
بدال منها .إذا قت َل ساندور كليجاين السير كيڤان فلن تحتاج إلى سرسي تأمل أن يقوم كلب الصَّيد بعملها ً
رجال صُلبًاَّ ،إال أنه لم يَعُد شابًّا،
ً تلويث يديها بالدِّماء .وإذا التقيا فسيَقتُله .في الماضي كان كيڤان النستر
وكلب الصَّيد...
ُ
أردت قائال« :النسل يا ابن العم، ق به الموكب ،وإذ َم َّر به ابن ع ِّمه وعلى جانبيه ِسپتونان ناداه چايمي ً لح َ
ُؤسفني َّإال أن واجباتي ال تسمح لي بالحضور».أن أهنِّئك على زواجك .ال ي ِ
صاحب الجاللة محميًّا». ِ « -ال بُ َّد أن يظ َّل
ُ
فهمت. « -وسيكون كذلك .لكني أكرهُ أن يفوتني إضْ جاعك .إنها زيجتك األولى وزيجتها الثَّانية حسب ما
ضع أين».أنا واثق بأن سيِّدتي سيسرُّ ها أن تُريك ما الذي يُو َ
وسپتونَي النسل إلى النَّظر إليه باستنكار،
دف َعت المالحظة البذيئة عددًا من اللوردات القريبين إلى الضَّحك ِ
كزوج أيها
ٍ أعرف ما يكفي ألن أؤدِّي واجبي ُ ً
متملمال فوق َسرجه ،وقال« : في حين اعتد َل ابن ع ِّمه
الفارس».
« -بالضَّبط ما تُريده العروس ليلة زفافها ،زوجًا يعرف كيف يُ َؤدِّي واجبه».
زحفَ االحتقان على وجنتَي النسل ،وقال« :إنني أصلِّي من أجلك يا ابن العم ،ومن أجل جاللتها أيضً ا.
عسى أن تقودها (العجوز) إلى الحكمة وأن يُدافِع عنها (ال ُمحارب)».
قال چايمي« :ولِ َم تحتاج إلى (ال ُمحارب) وأنا أداف ُع عنها؟» ،ودا َر بحصانه ليخفق معطفه األبيض في
الرِّيح .ال ِعفريت كان يكذب .سرسي تُؤ ِثر أن تأخذ جثَّة روبرت بين ساقيها على أحمق متديِّن كالنسل.
تيريون أيها الوغد الشرِّير ،كان يَج ُدر بك أن تكذب بشأن أح ٍد أكثر قابليَّةً للتَّصديق.
هرو َل مجتا ًزا عربة جنازة أبيه صوب المدينة التي تلوح من بعيد.
ق چايمي النستر طريقه إلى (القلعة الحمراء) فوق بدَت شوارع (كينجز الندنج) أقرب إلى القفر بينما َش َّ
رحل الجنود الذين كانوا يشغلون أوكار القمار ومحال األكل في المدينة، َ (تَل إجون العالي) .إلى َح ٍّد كبير
إذ عا َد جارالن الهُمام بنِصف قُ َّوات تايرل إلى (هايجاردن) وذهبَت السيِّدة والدته وج َّدته معه ،في حين
زحفَ النِّصف اآل َخر جنوبًا مع مايس تايرل وماثيس روان لتطويق (ستورمز إند).
وبالنِّسبة إلى جيش النستر فما زا َل ألفان من ال ُمحاربين المحنَّكين مخيِّمين خارج أسوار المدينة في انتظار
وصول أسطول پاكستر ردواين ليحملهم عبر (الخليج األسود) إلى (دراجونستون) .يبدو أن اللورد
شماال ،أي أن ألفين عدد يكفي ويزيد كما ق َّدرت سرسي.ً أبحر
َ ستانيس تركَ وراءه حاميةً صغيرةً عندما
باقي الغربيِّين عادوا إلى زوجاتهم وأطفالهم ،ليُعيدوا بناء بيوتهم ويزرعوا حقولهم في سبيل حصاد
محصول أخير .قبل أن يُغا ِدروا أخ َذت سرسي تومن في جول ٍة في مخيَّماتهم ليُ َحيُّوا مليكهم الصَّغير .لم تب ُد
ٍ
ط كما بدَت يومها ،على شفتيها ابتسامة وضوء شمس الخريف يلتمع في َشعرها .أيًّا كان ما يُمكن جميلةً قَ ُّ
المرئ أن يقوله عن أخته ،فإنها تعرف كيف تجعل الرِّ جال يهيمون بها ُحبًّا عندما تأبه كفايةً بالمحا َولة. ٍ
حين دخ َل چايمي من ب َّوابة القلعة القى نحو دستتين من الفُرسان يتمرَّنون على الطَّاووس في السَّاحة
59
الخارجيَّة ،فقال لنفسه :شيء آ َخر لم يَعُد بمقدوري أن أفعله .الرُّ مح أثقل وأكثر إرهاقًا من السَّيف،
والسُّيوف ثبتَ استعصاء المبا َرزة بها عليه بالفعل .ربما يُمكنه أن ي َُجرِّب حمل الرُّ مح بيُسراه ،لكن ذلك
يعني أن ينقل تُرسه إلى ذراعه اليُمنى ،وفي النِّزال يكون الخصم دائ ًما إلى اليسار ،أي أن تعليق التُّرس
على ذراعه اليُمنى عديم الجدوى كحلمتين على واقي الصَّدر .ف َّكر وهو يترجَّل :ال ،أيامي في مضمار
النِّزال انتهَت ...لكن على الرغم من هذا توقَّف يُشا ِهد بعض الوقت.
دار كيس الرَّمل وارتط َم برأسه ،وهوى السير اليل سقطَ السير تاالد الطَّويل من فوق حصانه عندما َ
كراكهول الملقَّب بالعُفر القوي 56على التُّرس بضرب ٍة عنيفة شقَّقته ،ثم حطَّم كينوس ابن بلدة (كايس) بقيَّته،
ليُ َعلَّق تُرس جديد للسير درموت ابن (الغابة المطيرة) .وجَّه المبرت تِرنبري ضربةً عابرةً فحسب ،لكن
ت ُمحكمةً جميعًا ،وحطَّم رونيت چون بتلي الحليق وهمفري سويفت وآلن ستاكسپير وجَّهوا ضربا ٍ
الزهور حصانه وأخزى اآلخَرين كلَّهم. أصاب الهدف ...ثم امتطى فارس ُّ َ كوننجتون األحمر رُمحه إذ
لطالما آمنَ چايمي بأن فَ َّن ركوب الخيل يُ َمثِّل ثالثة أرباع النِّزال ،والسير لوراس يركب ببراع ٍة فائقة
ويحمل الرُّ مح كأنه ُولِ َد قابضًا عليه ...وهو ما يُفَسِّر التَّعبير المتقلِّص دو ًما على وجه أ ِّمه ال ريب .يضع
الرَّأس حيث يُريد أن يضعه بالضَّبط ويتمتَّع بتوا ُزن القِططة .ربما لم يكن إسقاطه إياي عن حصاني َح ًّ
ظا
مواجهة الصَّبي ثانيةً أبدًا.
َ مؤسف أنه لن ينال فُرصة
ٌ محضًا.
ك الرِّ جال لرياضتهم ،ليجد سرسي في ُغرفتها ال َّشمسيَّة في (حصن ميجور) ،ومعها تومن وزوجة هكذا تر َ
اللورد ميريويذر المايريَّة ذات ال َّشعر ال َّداكن ،وكان ثالثتهم يضحكون من ال ِمايستر األكبر پايسل ،فقال
چايمي حين دخ َل من الباب« :هل فاتَتني مزحة طريفة ما؟».
وك ال ُّشجاع يا جاللة الملكة». قرق َرت الليدي ميريويذر« :أوه ،انظُري ،لقد عا َد أخ ِ
ظ چايمي أن الملكة ثملة .في الفترة األخيرة يبدو أن في متناول سرسي إبريقًا من « -معظمه عا َد» .الح َ
النَّبيذ طوال الوقت ،وهي التي كانت من قبل تَزجُر روبرت باراثيون إلسرافه في ال ُّشرب .ال ي ِ
ُعجبه هذا،
ُعجبه .قالت« :أيها ال ِمايستر األكبر ،أطلِع حضرة القائد على الخبر من
لكن ال شيء تفعله أخته هذه األيام ي ِ
فضلك».
بدا پايسل مرتب ًكا للغاية وهو يقول« :وص َل إلينا طائر من (ستوكوورث) ،الليدي تاندا أرسلَت خبرًا بوضع
ابنتها لوليس ابنًا قويًّا في ص َّح ٍة طيِّبة».
« -ولن تُ َخ ِّمن أبدًا االسم الذي أطلقوه على النَّغل الصَّغير يا أخي».
« -أذك ُر أنهم أرادوا تسميته تايوين».
قلت لفاليس إنني لن أسمح بأن يُطلَق اسم أبينا النَّبيل على ابن حرام أنجبَه« -نعم ،لكني نهيتهم عن ذلكُ .
راعي خنازير من خنزير ٍة بلهاء».
طفلنضحت جبهته المتغضِّ نة عَرقًا« :الليدي ستوكوورث تُ َؤ ِّكد أن اسم ال ِّ
َ قال ال ِمايستر األكبر پايسل وقد
لم يكن من اختيارها ،وكتبَت أن زوج لوليس هو من اختا َره ،ذلك الرَّجل برون ...يبدو أنه.»...
ب وهو يُ َجفِّف جبهتهطفل تيريون» ،وأومأ َ العجوز برأسه باضطرا ٍ قال چايمي مخ ِّمنًا« :تيريون ،س َّمى ال ِّ
مكان
ٍ ت تبحثين عن تيريون في كلِّ
هاك يا أختي الجميلة .كن ِ
قائالِ « :ب ُك ِّم ردائه ،فضحكَ چايمي رغ ًما عنه ً
وهو مختبئ في َر ِحم لوليس».
« -طريف .أنت وبرون شديدا الطَّرافة .ال َش َّ
ك أن النَّغل يمتصُّ اللَّبن من أحد ضرعَي لوليس بينما نتكلَّم،
المرتزق مبتس ًما لصفاقته».
ِ بينما يُشا ِهد
وأخيك شبه ما ،ربما ُولِ َد مش َّوهًا أو بال أنف» ،وأطلقَت
ِ علَّقت الليدي ميريويذر« :ربما بين هذا ال ِّ
طفل
ضحكةً مبحوحةً.
رسل هديَّةً إلى الصَّغير العزيز ،أليس كذلك يا تومن؟».
أعلنَت الملكة« :علينا أن نُ ِ
« -يُمكننا أن نُ ِ
رسل إليه ه َّرةً صغيرةً».
رسل له ِش ً
بال» ،وقالت ابتسامتها :ليُ َم ِّزق َحلقه الصَّغير. قالت الليدي ميريويذر« :فلنُ ِ
كنت أف ِّك ُر في هديَّ ٍة من ٍ
نوع آخَر». ر َّدت سرسيُ « :
زوج أُ ٍّم جديد على األرجح .يعرف چايمي هذه النَّظرة في عينَي أخته .لقد رآها من قبل ،أقرب م َّر ٍة كانت
غمر ضوء النَّار ال َّشعواء األخضر وجوه المشاهدين فلم َ ليلة زفاف تومن حين أحرقَت (بُرج اليد) .ساعتها
ث تتعفَّن ،قطيع من الغيالن الطَّروب ،لكن بعض الجُثث كان أجمل من غيره .حتى في يبدوا َّإال أشبه بجُث ٍ
الوهج المشؤوم ظلَّت سرسي رائعة ال َجمال ،وقد وقفَت واضعةً يدًا على صدرها وافترقَت شفتاها وتألَّقت
عيناها الخضراوان .تبيَّن چايمي أنها تبكي ،لكن سواء أكان بُكاؤها ناج ًما عن الحُزن أم النَّشوة فال يدري.
أفع َمه المشهد باالنزعاج إذ ذ َّكره بإيرس تارجاريَن وكيف كان الحرق يُهَيِّج شبقه .ال يُخفي الملك أسرا ًرا
عن َحرسه الملكي ،وقد كانت العالقة بين إيرس وملكته متوتِّرةً خالل السَّنوات األخيرة من حُكمه ،فناما
ً
رجال منفصليْن وبذال قصارى جهدهما ليتحاشى ك ٌّل منهما الثَّاني في ساعات اليقظة ،لكن متى سلَّم إيرس
ق يد الصَّولجان والخنجر وقفَ چايمي وچون داري خارج للنَّار كان يأتي الملكة رييال زائر ليلي .يوم أحر َ
ُغرفتها بينما قضى الملك وطره ،وسمعا رييال تصيح من وراء الباب البلُّوطي السَّميك« :إنك تُؤلِمني».
على نح ٍو غريب كان هذا أسوأ من صُراخ اللورد تشيلستد ،وأخيرًا وج َد چايمي نفسه مرغ ًما على أن
يقول« :لقد أقسمنا على حمايتها أيضًا» ،ف َر َّد داري باقتضاب« :نعم ،ولكن ليس منه».
رأى چايمي رييال م َّرةً واحدةً فقط بَعدها في صبيحة اليوم الذي غاد َرت فيه إلى (دراجونستون) .كانت
الملكة ترتدي معطفًا رف َعت قلنسوته وهي تَد ُخل المركبة الملكيَّة التي ستنزل بها (تَل إجون العالي) إلى
المنتظرة ،لكنه سم َع وصيفاتها يتها َمسن عقب رحيلها ،ويقلن إن الملكة بدَت كأن وح ًشا افتر َسها، ِ السَّفينة
خمش فخذيها ومض َغ ثدييها .وحش مت َّوج.َ
نصال في حضوره باستثناء سيوف ٍ قُرب النِّهاية أضحى الملك المجنون خ َّوافًا لدرجة أنه حرَّم وجود أ ِّ
ي
الذهبي الفضِّي شبكةً تصل إلى خصره، ال َحرس الملكي ،وقد تلبَّدت لحيته واتَّسخت ،وصا َر َشعره َّ
واستحالَت أظفاره إلى مخالب صفراء متشقِّقة طولها تسع بوصات .لكن النِّصال ظلَّت تُ َع ِّذبه ،تلك التي لم
يستطع منها فرارًا ،نصال العرش الحديدي .طيلة الوقت كانت ال ُجلَب والجروح ِشبه المندملة تُ َغطِّي ِ
ذراعيه وساقيه.
تذ َّكر چايمي كلماته بينما يُم ِعن النَّظر إلى وجه سرسي :فليكن مل ًكا على العظام المتف ِّحمة واللَّحم المشوي،
فليكن مل ًكا على الرَّماد .ثم إنه قال« :جاللة الملكة ،هل تسمحين بأن نتكلَّم على انفراد؟».
الذهاب إلى درس اليوم .اذهب مع ال ِمايستر األكبر». « -كما ترغب .تومن ،تأ َّخرت على َّ
المبارك».
َ « -حاضر يا أ َّماه .إننا ندرس قصَّة بيلور
استأذنَت الليدي ميريويذر في االنصراف أيضًا ،وقبَّلت الملكة على وجنتيها متسائلةً« :هل أعود على
صاحبة الجاللة؟».
ِ العشاء يا
منك كثيرًا إذا لم تفعلي».
« -سأستا ُء ِ
يستطع چايمي أن يمنع نفسه من مالحظة الطَّريقة التي تُ َحرِّك بها المايريَّة َوركيها وهي تمشي .كلُّ ِ لم
أوال اإلخوة ِكتلبالك ،ثم كايبرن ،واآلن هي. تنحنح وقالً « :َ ق الباب وراءها ُخطو ٍة إغراء .حين انغل َ
ش غريبة هذه األيام يا أختي الجميلة». تحتفظين بمجموعة وحو ٍ
أصبحت مولعةً بالليدي تاينا ،إنها تُ َسلِّيني».
ُ «-
عليك لحساب الملكة الصَّغيرة».
ِ « -إنها واحدة من رفيقات مارچري تايرل .ال بُ َّد أنها تتجسَّس
قالت سرسي« :طبعًا» ،وذهبَت إلى الخوان لتُعيد َملء كأسها ،وأردفَت« :مارچري اهت َّزت طربًا عندما
طلبت إذنها في أن آخذ تاينا رفيقةً لي .كان يجب أن تسمعها.
ُ
لك كما كانت لي .يجب أن تأخذيها بالطَّبع! إن معي بنات عمومتي ورفيقاتي األخريات. ستكون أختًا ِ
ملكتنا الصَّغيرة ال تُريدني أن أشعر بالوحدة».
« -إذا كنت تعلمين أنها جاسوسة فلِ َم أخذتِها؟».
برقَت عينا سرسي ُخبثًا وهي تُجيب« :مارچري ليست بنِصف َّ
الذكاء الذي تخاله .إنها ال تملك أدنى فكر ٍة
عن األفعى الفاتنة في أعماق تلك المايريَّة القذرة ،بينما أستغلُّ أنا تاينا في إطعام الملكة الصَّغيرة ما أريدها
أن تعرفه ،وبعضه صحيح كذلك ،وتاينا تُخبِرني بكلِّ ما تفعله العذراء مارچري».
« -حقًّا؟ ما الذي تعرفينه عن تلك المرأة؟».
أعرف أنها أُم لها ابن صغير تُريده أن يسمو إلى مكان ٍة عالية في هذا العالم ،وستفعل ك َّل ما يلزم ُ «-
لتحرص على تحقُّق ذلك .األ َّمهات كلُّهن واحد .ربما تكون الليدي ميريويذر أفعى ،لكنها بعيدة ك َّل البُعد
عن الغباء ،وتعرف أنها تستطيع االستفادة مني أكثر من مارچري ،ولذا تجعل نفسها مفيدةً لي .سيُد ِهشك
أن تسمع األشياء ال َّشائقة التي أخب َرتني بها».
« -أشياء ِمثل ماذا؟».
جل َست سرسي عند النَّافذة ،وقالت« :هل تعلم أن ملكة األشواك تحتفظ بصندو ٍ
ق من ال ُّنقود في مركبتها؟
وطلب ثَمن بضاعته ذهبًا نقدَته إياه بعُملة (هايجاردن)
َ ق تاجر ما إنه ذهب قديم من قبل الغزوة ،فإذا تحام َ
التي تزن الواحدة منها نِصف واح ٍد من تنانينناَ .من التَّاجر الذي يجرؤ على ال َّشكوى من أن السيِّدة والدة
مايس تايرل غ َّشته؟» ،ورشفَت من نبيذها ،وسألَته« :هل استمتعت برحلتك القصيرة؟».
غيابك».
ِ « -ع ُّمنا علَّق على
« -تعليقات ع ِّمنا ال ته ُّمني».
حسني استغالله ،إن لم يكن في (ريڤر َرن) أو (الصَّخرة) ففي ال َّشمال
بإمكانك أن تُ ِ
ِ « -المفت َرض أن ته َّم ِك.
ضد اللورد ستانيس .لطالما اعتم َد أبونا على كيڤان عندما.»...
« -رووس بولتون حاكم ال َّشمال ،سيتعا َمل هو مع ستانيس».
« -اللورد بولتون محبوس تحت (العُنق) ،الحديديُّون في (خندق كايلن) يعترضون طريقه إلى ال َّشمال».
ً
طويال .قريبًا سيُزيل ابن بولتون النَّغل هذه العقبة الصَّغيرة ،وسيكون مع اللورد بولتون « -لن يدوم هذا
المفترض
َ رجل لدعم قُ َّواته ،تحت قيادة هوستين وإينس ابنَي اللورد والدر.
ٍ مدد من جنود فراي قوامه ألفا
أن يكفي هذا للتَّعا ُمل مع ستانيس وبضعة آالف من ال ِّرجال المكسورين».
« -السير كيڤان.»...
ً
مشغوال تما ًما في (داري) بتعليم النسل كيف يمسح مؤ ِّخرته .لقد جرَّده موت أبينا من ...« -سيكون
ُحسنان خدمتنا أكثر». ً
رجال عجو ًزا انتهى أمره .داڤن وداميون سي ِ َشجاعته وأصب َح
لكنك ستحتاجين إلى يد .إن لم يكن ع َّمنا
ِ قال چايمي الذي ال يرى ما يعيب ابنَي ُخؤولته« :ال بأس بهما،
ف َمن؟».
قالت أخته ضاحكةً« :ليس أنت ،ال تخف .ربما زوج تاينا .ج ُّده كان يد إيرس».
رجال دمثًا لكن غير فعَّال في منصبه.
ً يد قرن الوفرة .55ما زا َل چايمي يَذ ُكر أوين ميريويذر جيِّدًا .كان
«حسب ما أذك ُر فقد أبلى الرَّجل بال ًء رائعًا حتى إن إيرس نفاه وصاد َر أراضيه».
« -روبرت أعادَها ،بعضها على األقل .ستسعد تاينا إذا استغ َّل الباقي».
ُ
حسبت أنه ُحكم البالد». « -وهل الغرض إسعاد عاهرة مايريَّة؟
« -أنا أحك ُم البالد».
صحيح ،ولترحمنا اآللهة .تحبُّ أخته أن تعتبر نفسها اللورد تايويين بثديين ،لكنها مخطئة .أبوهما كان
ُعارضها أحد .لقد كنهر جليدي ،أ َّما سرسي فنار شعواء خالصة ،خصوصًا عندما ي ِ ٍ شديد القسوة والعناد
تاهَت فرحًا كفتا ٍة صغيرة حين عل َمت أن ستانيس هج َر (دراجونستون) وقد أيقنَت بأنه تخلَّى عن القتال
الجدار) كانت غضبتها ظهر مج َّددًا عند ( ِ
َ وصل الخبر من ال َّشمال بأنه
َ أخيرًا وأبح َر إلى المنفى ،لكن حين
إنك محتاجة إلى ي ٍد قوي تُخيف النَّاظرين .إنها ال تفتقر إلى َّ
الذكاء ،لكن يعوزها حُسن التَّقدير والصَّبرِ « .
دك».يُسا ِع ِ
قالت« :الحاكم الضَّعيف يحتاج إلى ي ٍد قوي ،كما احتا َج إيرس إلى أبينا ،لكن الحاكم القوي ال يتطلَّب َّإال
خاد ًما مطيعًا يُنَفِّذ أوامره» ،ود َّورت نبيذها في الكأس متابعةً« :ربما يَصلُح اللورد هاالين .لن يكون أول
پايرومانسر يشغل منصب يد الملك».
َّتك تعيين أوران ووترز قيِّ ًما للسُّفن». ُ
قتلت السَّابق« .ث َّمة كالم عن ني ِ نعم .لقد
ي؟» ،ول َّما لم ي ُِجب ألقَت سرسي َشعرها إلى الوراء ،وقالت« :ووترز سألَته« :هل هناك من يتجسَّس عل َّ
مناسب ج ًّدا للمنصب .لقد قضى نِصف حياته على متون السُّفن».
« -نِصف حياته؟ إنه يبدو في العشرين على األكثر».
« -في الثَّانية والعشرين ،وماذا في هذا؟ أبونا لم يكن قد بل َغ الحادية والعشرين عندما عيَّنه إيرس
تارجاريَن يدًا .حانَ الوقت ألن يُحيط بتومن ُشبَّان ً
بدال من أولئك المسنِّين المتغضِّنين .أوران قوي
ونشيط».
قوي ونشيط ووسيم ...كانت تُ ِ
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا« ...پاكستر ردواين
خيار أفضل .إنه يقود أكبر أسطول في (وستروس) ،في حين يستطيع أوران ووترز أن يقود قاربًا ،بشرط
أن تبتاعيه له».
لست أري ُد أيًّا من
ُ « -أنت طفل يا چايمي .ردواين من ح َملة راية تايرل وابن شقيق أ ِّمه ال َّشنيعة تلك.
مخلوقات اللورد تايرل في مجلسي».
« -تعنين مجلس تومن».
« -تعلم ما أعنيه».
جيِّدًا ج ًّدا« .أعل ُم أن أوران ووترز فكرة سيِّئة وهاالين فكرة أسوأ ،وبالنِّسبة إلى كايبرنَ ...
بح ِّ
ق اآللهة يا
سرسي ،لقد كان من جماعة ڤارجو هوت( ،القلعة) جرَّدته من سلسلته!».
جعل نفسه مفيدًا لي ألقصى درجة ،كما أنه مخلص ،وهذا أكثر مما يُمكن أن َ « -الخراف الرَّماديَّة .كايبرن
أقول عن أهلي أنفسهم».
ت في هذا الطَّريق يا أختي الجميلة« .سرسيِ ،
أنصتي ستلتهم ال ِغربان وليمةً من لحومنا جميعًا إذا استم َرر ِ
ُ
لست إنك ترين األقزام في ك ِّل ِظلٍّ وتصنعين من األصدقاء أعدا ًء .ال َع ُّم كيڤان ليس عد َّو ِك ،أنا فسكِ .
إلى ن ِ
عد َّو ِك».
ركعت على رُكبتَي أمامك ورفضتني!». ُ انقلبَت سحنتها حنقًا ،وقالت« :لقد توس ُ
َّلت إليك أن تُسا ِعدني،
« -قَسمي.»...
...« -لم يردعك عن قتل إيرس .الكالم هواء .كان بإمكانك أن تحظى بي ،لكنك اخترت معطفًا أبيض ً
بدال
مني .اخرُج».
« -أختاه.»...
سئمت من النَّظر إلى َجدعتك القبيحة هذه .اخرُج!» ،ولتدفعه إلى المغادَرة بسُرع ٍة
ُ ُ «-
قلت اخرُج .لقد
ألقَت كأس نبيذها نحو رأسه .أخطأَت سرسي التَّصويب ،لكن چايمي فه َم التَّلميح.
َح َّل عليه المساء وهو جالس وحده في الحُجرة المشت َركة ب(بُرج السَّيف األبيض) ومعه كأس من النَّبيذ
الزهور الدورني األحمر و(الكتاب األبيض) ،وكان يقلب الصَّفحات ب َجدعة يده المبتورة حين دخ َل فارس ُّ
ب على الحائط إلى جوار معطف وحزام چايمي ،الذي قال: وخل َع معطفه وحزامه وعلَّقهما على مشج ٍ
«رأيتك في السَّاحة اليوم .أحسنت الرُّ كوب».
وجلس قُبالته إلى الطَّاولة ذات ال َّشكل
َ أحسنت وأكثر بالتَّأكيد» ،و َ
صبَّ لنفسه كأسًا ُ َر َّد السير لوراس« :
الهاللي.
ضعًا ليقول :أشك ُر لسيِّدي لُطفه ،أو كان حصاني جيِّدًا».
« -كان رجل أكثر توا ُ
وأشار لوراس إلى الكتاب مستطردًا:
َ « -الحصان كان مالئ ًما ،وسيِّدي لطيف بقدر ما أنا متواضع»،
«اعتا َد اللورد رنلي أن يقول إن ال ُكتب لل ِمايسترات».
رجل ارتدى المعطف األبيض مد َّون هنا». ٍ « -هذا الكتاب لنا .تاريخ كلِّ
رسوم أكثر .اللورد رنلي كان يملك
ٍ ض ُل ال ُكتب التي تحتوي علىألقيت نظرةً عليه .التُّروس جميلة .أف ِّ
ُ «-
مجموعةً فيها رسوم كفيلة بأن تُعمي السِّپتون الذي يقرأها».
ابتس َم چايمي رغ ًما عنه ،وقال« :ال شيء من هذا هنا أيها الفارس ،لكن القصص ستفتح عينيك .مفي ٌد لك
أن تعلم ِسيَر من سبقوك».
« -أعرفها .األمير إيمون الفارس التنِّين ،السير رايمان ردواين ،القلب الكبير ،باريستان الباسل.»...
...« -جواين كوربراي ،آلن كوننجتون ،شيطان (داري) ،نعم .ال بُ َّد أنك سمعت بلوكامور سترونج
أيضًا».
أجاب السير لوراس وقد ال َح عليه االستمتاع« :السير لوكامور ال َّشهواني؟ ثالث زوجات وثالثون ً
طفال، َ
أليس كذلك؟ لقد قطعوا قضيبه .هل أغنِّي لك األغنيَّة يا سيِّدي؟».
« -والسير تيرانس توين؟».
« -ضاج َع عشيقة الملك وماتَ صار ًخا .ال َّدرس المستفاد أن على من يرتدون السَّراويل البيضاء أن يعقدوا
أربطتها بإحكام».
« -وجايلز ذو المعطف الرَّمادي؟ وأوريڤل طليق اليدين؟».
« -جايلز كان خائنًا وأوريڤل كان جبانًا ،رجلين ل َّوثا المعطف األبيض .ما الذي يرمي إليه سيِّدي؟».
« -ال شيء .ال تَش ُع َرن بإهان ٍة لم تُ َوجَّه أيها الفارس .ماذا عن توم كوستاين الطَّويل؟».
هَ َّز لوراس رأسه نفيًا.
« -كان فارسًا في ال َحرس الملكي طيلة ستِّين عا ًما».
« -متى كان ذلك؟ إنني لم.»...
« -السير دونل ابن (وادي الغسق) إذن؟».
ُ
سمعت االسم ،لكن.»... « -ربما
« -أديسون هيل؟ البومة البيضاء مايكل مرتينز؟ چيفوري نوركروس؟ كانوا يُلَقِّبونه بالال مستسلم.
روبرت فالورز األحمر؟ بِ َم يُمكنك أن تُخبِرني عنهم؟».
« -فالورز اسم نغولة ،وكذا هيل».
« -لكن كليهما ترقَّى حتى قا َد ال َحرس الملكي .حكايتاهما في الكتاب .روالند داركلين هنا أيضًا ،أصغر
ُ
جئت أنا .لقد ُمنِ َح معطفه في ميدان القتال وماتَ رجل خد َم في ال َحرس الملكي على اإلطالق ،إلى أن
ٍ
خالل ساع ٍة من ارتدائه».
« -ال يُمكن أنه كان بارعًا إذن».
عاش .رجال ُشجعان ُكثر ارتدوا المعطف األبيض،
َ « -كان بارعًا بما فيه الكفاية .لقد ماتَ ،لكن مليكه
لكن أكثرهم طواه النِّسيان».
ق النِّسيان ،لكن األبطال سيُذ َكرون دو ًما ،األفضل».
« -أكثرهم استح َّ
« -األفضل واألسوأ» .أي أن أحدنا سيعيش في األغاني غالبًا .أضافَ چايمي وهو يَنقُر على الصَّفحة التي
كان يقرأها« :وقالئل م َّمن كانوا مزيجًا من هذا وذاكِ ،مثله».
ُ
أعرف هذا اشرأبَّ السير لوراس بعُنقه ليرى ،وقالَ « :من؟ عشر ُكريات سوداء على خلفيَّ ٍة قرمزيَّة .ال
الرَّمز».
ق (الكتاب األبيض) قال چايمي« :كان رمز كريستون كول الذي خد َم ڤسيرس األول وإجون الثَّاني» ،وأغل َ
مضيفًا« :كانوا يُ َس ُّمونه صانع الملوك».
سرسي
قالت الملكة لنفسها إذ خَرُّ وا راكعين أمامها :ثالثة حمقى مأفونين معهم كيس من ِ
الجلد .لم تجد منظرهم
مش ِّجعًا على اإلطالق .لكن هنالك فُرصةً دائ ًما على ما ُّ
أظن.
خاطبَها كايبرن ً
قائال بهدوء« :جاللة الملكة ،المجلس الصَّغير.»...
نزف إليهم خبر موت أحد الخونة» .عبر المدينة تترنَّم َّ ...« -سينتظر ذهابي على راحتي .محت َمل أن
ق لك يا تيريون .سأغمسُ رأسك الحداد ،لكن سرسي ف َّكرت :ال أجراس ستد ُّ أجراس ( ِسپت بيلور) بلحن ِ
في القطران وأرمي جسدك المش َّوه للكالب .قالت للثَّالثة الرَّاغبين في أن يكونوا لوردات« :أروني ما
جلبتموه لي».
أسماال ،أحدهم على ُعنقه ُد َّمل وال أحد منهم استح َّم منذ نِصف عام.ً نهضوا ،ثالثة رجال قباح يرتدون
ُ
وجدَت فكرة رفع أمثالهم إلى اللورديَّة طريفةً .يُمكنني أن أجلِسهم إلى جوار مارچري في المآدب .حين
َح َّل كبير الحمقى رباط الكيس و َدسَّ فيه يده أفع َمت رائحة العفونة قاعة اجتماعات الملكة كورد ٍة زنخة ،ثم
أخرج رأسًا استحا َل لونه إلى األخضر والرَّمادي ويغصُّ باليرقات .رائحته كأبي .شهقَت دوركاس َ إنه
وغطَّت چوسلين فمها وأفرغَت معدتها.
نان ثابت ،وأخيرًا قالت ضاغطةً أسنانها مع كلِّ كلمة« :قتلتم القزم الخطأ».تطلَّعت الملكة إلى غنيمتها ب َج ٍ
تجرَّأ أحد الحمقى على أن يقول« :ال ،إطالقًا ،ال بُ َّد أنه هو يا سيِّدتي .إنه قزم ،انظُري .تعفَّن ً
قليال فقط».
علَّقت سرسي« :ونبتَ له أنف جديد ،بل وأنف منتفخ أيضًا .أنف تيريون قُ ِط َع في معركة».
أخبرنا .هذا جا َء يمشي متبخترًا بك ِّل جرأة،
َ تباد َل ثالثة الحمقى النَّظرات ،ثم قال الممسك بالرَّأس« :ال أحد
قزم قبيح ما ،فحسبنا.»...
أضافَ ذو ال ُّد َّمل« :قال إنه ُعصفور» ،وأشا َر إلى الرَّجل الثَّالث متابعًا« :وأنت قلت إنه يكذب».
أحسَّت الملكة بالغضب لفكرة أنها تر َكت مجلسها الصَّغير ينتظر من أجل هذه المهزلة ،وقالت« :لقد
ي بي أن آمر بقطع رؤوسكم» .لكن إذا فعلَت ذلك فربما يتر َّدد الرَّجل ً
رجال بريئًا .حر ٌّ ضيَّعتم وقتي وقتلتم
التَّالي ويَترُك ال ِعفريت يفلت ،وسرسي لن تسمح بحدوث ذلك حتى لو صن َعت كومةً من جُثث األقزام
أقدام كاملة .هكذا قالت لهم« :اغرُبوا عن وجهي».
ترتفع عشرة ٍ
نستميحك العُذر».
ِ قال ال ُّد َّمل« :حاضر يا جاللة الملكة،
وسألَها حامل الرَّأس« :هل تُريدينه؟».
عط السير مرين إياه .ال ،في الكيس أيها األبله! نعم .سير أوزموند ،اصحبهم إلى الخارج».
« -أ ِ
خر َج ترانت بالرَّأس و ِكتلبالك ب َمن قطعوه ،تاركيْن إفطار الليدي چوسلين على األرض ال َّدليل الوحيد على
س يأتيها به أحدهم .على األقل كانال ِّزيارة .قالت لها الملكة آمرةً« :نظِّفي هذا في الحال» .إنه ثالث رأ ٍ
طفل قبيح.
ٍ رأس قزم هذه المرَّة .السَّابق كان مجرَّد
قال السير أوزموند مطمئِنًا عندما عا َد« :سيَعثُر أحدهم على القزم ،ال تخافي ،وحينها سنفتك به».
ضن ونبرتها النَّاعبة .في (النسپورت) كانوا حقًّا؟ ليلة البارحة حل َمت سرسي بالعجوز بلُغدها المتغ ِّ
يُ َس ُّمونها ماجي الضِّفدعة .لو عل َم أبي بما قالَته لي لقط َع لسانها.
ط ،وال حتى چايمي .ميالرا قالت إننا إذا لم نتكلَّم عن النُّبوآت فسننساها، على أن سرسي لم تُخبِر أحدًا قَ ُّ
قالت إن النُّبوءة المنسيَّة ال يُمكن أن تتحقَّق.
ألبس نفسه
َ مكان يا جاللة الملكة» .كان قد ٍ قال كايبرن« :عندي ُمخبرون يتقصُّ ون عن ال ِعفريت في كلِّ
بدال من الرَّمادي ،ناصع كمعاطف رجال ال َحرس الملكي، ردا ًء يُشبه أردية ال ِمايسترات كثيرًا ،لكنه أبيض ً
الذهبي حاشيته و ُك َّميه وياقته العالية اليابسة ،وحول خضره وشاح ذهبي وتُ َزيِّن دوائر لولبيَّة من الخيط َّ
مربوط.
«(البلدة القديمة)( ،بلدة النَّوارس)( ،دورن) ،وحتى ال ُمدن ال ُحرَّة .أينما فَ َّر سيَعثُر عليه ها ِمسوي».
يتأرجح
َ « -إنك تفترض أنه تركَ (كينجز الندنج) .على َح ِّد علمنا قد يكون مختبئًا في ( ِسپت بيلور) اآلن،
على حبال األجراس ليصنع هذه الضَّوضاء ال َّشنيعة» ،ورس َمت سرسي على وجهها االمتعاض وتر َكت
دوركاس تُسا ِعدها على ال ُّنهوض قائلةً« :هل َّم يا سيِّدي ،مجلسي ينتظر» ،وبينما ينزالن السَّاللم تأبَّطت
ذراع كايبرن ،وسألَته« :هل نفَّذت المه َّمة الصَّغيرة التي كلَّفتك بها؟».
طويال .إنه رأس كبير ج ًّدا ،والخنافس استغرقَت ساعا ٍ
ت ً آسف ألنها استغرقَت وقتًا
ٌ « -نعم يا جاللة الملكة.
نت صندوقًا من خشب األبنوس والفضَّة باللُّباد ليكون كثيرة حتى نظَّفته من اللَّحم .على سبيل االعتذار بطَّ ُ
تقديم الجمجمة الئقًا».
« -كيس من القُماش يَصلُح أيضًا .األمير دوران يُريد الرَّأس ،ولن يُبالي مقدار ذرَّة بالصُّ ندوق الذي
يتسلَّمه فيه».
كانت جلجلة األجراس أعلى في السَّاحة ،فقالت لنفسها :كان مجرَّد ِسپتون أعلى .إلى متى علينا أن نتح َّمل
هذا؟ أي نعم في الرَّنين لحن أكثر من صرخات الجبل قبل أن تَص ُمت ،ولكن...
َّ
استشف ما يجول ببالها ،فقال« :األجراس ستَص ُمت عند الغروب يا جاللة الملكة». بدا أن كايبرن
« -ستكون راحةً عظيمةً .كيف عرفت؟».
« -المعرفة طبيعة خدمتي».
صدِّق أنه غير قابل لالستبدال .كم كنا حمقى .حالما أذاعَت الملكة خبر َشغل كايبرن ڤارس جعلَنا جميعًا نُ َ
منصب الخص ِّي لم يُبَدِّد الهوام المعتادون وقتًا قبل أن يُقَدِّموا أنفسهم له ،ليُبا ِدلوا ما لديهم من همسا ٍ
ت
بالقليل من المال .طوال الوقت كانت الفضَّة ما يُ َحرِّكهم وليس العنكبوت .كايبرن سيخدمنا بالكفاءة نفسها.
كم تتطلَّع إلى رؤية النَّظرة على وجه پايسل عندما يأخذ كايبرن مكانه.
دائ ًما يقف فارس من ال َحرس الملكي على باب قاعة المجلس الصَّغير عندما يجتمع أعضاؤه ،واليوم دور
السير بوروس بالونت ،الذي قالت له الملكة ببشاشة« :سير بوروس ،تبدو متو ِّع ًكا للغاية هذا الصَّباح.
أهو شيء أكلته ربما؟» .كان چايمي قد جعلَه ذ َّواق الملك .واجب لذيذ ،لكنه مخجل إذا كنت فارسًا.
وبالونت يكره واجبه هذا ،وقد ارتجفَ لُغده المتدلِّي إذ فت َح لهما الباب.
ظ پايسل، عال أيق َ
ٍ بت َر المستشارون كالمهم لدى دخولها .سع َل اللورد جايلز على سبيل التَّحيَّة بصو ٍ
ت
فأباحت سرسي لنفسها ابتسامةً خافتةً للغاية ،وقالت« :أعل ُم أنكم َ ونهض اآل َخرون الفظين المجا َمالت،
َ
ستغفرون لي ُّ
تأخري أيها السَّادة».
وصولك».
ِ جاللتك ،ومن دواعي سرورنا أن ننتظر
ِ َر َّد السير هاريس سويفت« :نحن هنا لنخدم
« -مؤ َّكد أن جميعكم يعرف اللورد كايبرن».
لم يُ َخيِّب ال ِمايستر األكبر پايسل أملها ،وقال بوج ٍه كظيم« :اللورد كايبرن؟! جاللة الملكة ،هذا ...ال ِمايستر
أراض أو حيازة لورديَّة.»...
ٍ يحلف يمينًا مق َّدسةً بعدم امتالك
قالت سرسي« :قلعتكم جرَّدته من سلسلته .إن لم يكن ِمايستر فال يُمكن إلزامه بيمين ال ِمايسترات .لقد
ي باللورد أيضًا إذا كنت تَذ ُكر».
دعونا الخص َّ
اندف َع پايسل يقول« :هذا الرَّجل ...إنه ال يَصلُح.»...
« -ال تُ َكلِّمني عن الصَّالح بَعد المهزلة العفنة التي صنعتها من جثَّة السيِّد والدي».
جاللتك تظنِّين ...األخوات الصَّامتات
ِ رف َع يده المبقَّعة كأنما يردأ عن نفسه ضربةً ،وقال« :ال يُمكن أن
أزلن أحشاء اللورد تايوين وأعضاءه ال َّداخليَّة وأفرغن دماءه...
لقد التزَمنا العناية الكاملة ...حشونا الجثَّة باألمالح واألعشاب العطرة.»...
شممت نتيجة عنايتك .فنون اللورد كايبرن العالجيَّة أنق َذت حياة
ُ « -أوه ،أعفني من التَّفاصيل المق ِّززة .لقد
أشك في أنه سيخدم الملك ببراع ٍة أكثر من ذلك الخص ِّي المتزلِّف .سيِّدي ،هل تعرف زمالءك ُّ أخي ،وال
المستشارين؟».
أجاب كايبرن« :إذا لم أعرفهم فأنا ُمخبر خائب يا جاللة الملكة» ،واتَّخذ مقعدًا بين أورتون ميريويذر َ
وجايلز روزبي.
ً
رجاال أعضاء مجلسي .اقتل َعت سرسي ك َّل ورد ٍة وك َّل مدي ٍن بمعروف لع ِّمها وأخيها ،ووض َعت مكانهم
إخالصهم لها هي ،بل وأطلقَت عليهم ألقابًا جديدةً استعا َرتها من ال ُمدن ال ُحرَّة ،فلن يكون في البالط
خازنها ،وأوران ووترز -نغل ِ «قيِّمون» َّإالها .أورتون ميريويذر كبير قُضاتها ،وجايلز روزبي
(دريفتمارك) ال َّشاب الوسيم -أميرالها األعلى.
ويدها السير هاريس سويفت.
رجل ليِّن أصلع خَنوع هو ،له لحية صغيرة بيضاء سخيفة تُ َغطِّي ذقنه ،وعلى وجه سُترته القطيفة
الصَّفراء الديك األزرق الصَّغير رمز عائلته مط َّر ًزا بحبَّات الال َز َورْ د ،وقد ارتدى فوقها معطفًا من
المخمل األزرق مزيَّنًا بمئة ي ٍد ذهبيَّة .طا َر السير هاريس فرحًا بتكليفه لكونه أكثر بالهةً من أن يعي أنه
أقرب إلى الرَّهينة من اليد ،فابنته زوجة َع ِّم سرسي ،وكيڤان يحبُّ زوجته التَّافهة على الرغم من صدرها
المسطَّح وساقيها الرَّفيعتين كسيقان ال َّدجاج .ما دا َم السير هاريس تحت تصرُّ فها فعلى السير كيڤان النستر
ُعارضها .صحي ٌح أن الحم ليس رهينةً مثاليَّةً لكن وقايةً ضعيفةً أفضل من ال شيء. أن يُفَ ِّكر مرَّتين قبل أن ي ِ
سألَها أورتون ميريويذر« :هل سينض ُّم إلينا الملك؟».
« -ابني يلعب مع ملكته الصَّغيرة .في الوقت الرَّاهن فكرته عن ال ُملك أن يضع الختم الملكي على
األوراق .ما زا َل جاللته صغيرًا للغاية على استيعاب شؤون ال َّدولة».
« -وحضرة القائد الهُمام؟».
ُ
أعرف أننا جميعًا سئمنا من منظر تلك ال َجدعة القبيحة، « -السير چايمي عند صانع السِّالح يُ َر ِّكب يدًا.
ولي أن أضيف أنه سيجد جلستنا هذه مضجرةً كما سيجدها تومن» .قهقهَ أوران ووترز لقولها ،فف َّكرت
سرسي :جيِّد ،كلَّما ضحكوا أكثر ش َّكل چايمي تهديدًا أضعف .فليضحكوا« .هل عندنا نبيذ؟».
« -نعم يا جاللة الملكة» .ليس أورتون ميريويذر بالرَّجل الوسيم ،بأنفه الكبير و َشعره البُرتقالي المح َمر
األشعث ،لكن الكياسة ال تعوزه أب ًدا« .عندنا نبيذ أحمر من (دورن) ونبيذ ذهبي من (الكرمة)،
وهيپوكراس حُلو ممتاز من (هايجاردن)».
أظن .إنني أج ُد الخمور الدورنيَّة رديئةً كالدورنيِّين أنفسهم» ،وبينما مألَ ميريويذر
ُّ َّ « -
الذهبي على ما
كأسها أضافَت سرسي« :أرى أن نبدأ بهم إذن».
كانت شفتا ال ِمايستر األكبر پايسل ما زالَتا ترتعدان ،لكنه وج َد القُدرة على الكالم بوسيل ٍة ما ،فقال« :كما
كتب أن
قبض على نغالت أخيه المشاغبات ،لكن (صنسپير) لم تزَل تغلي .األمير َ َ تأمرين .األمير دوران
ال أمل لديه في تهدئة األوضاع إلى أن يتلقَّى العدالة التي ُو ِع َد بها».
ُشارف نهايته .سأرس ُل بالون سوان إلى « -بالتَّأكيد» .كائن مت ِعب هذا األمير« .انتظاره الطَّويل ي ِ
(صنسپير) ليُ َوصِّل له رأس جريجور كليجاين» .وعلى السير بالون مه َّمة أخرى يُنَفِّذها أيضًا ،لكن
األفضل َّأال تَذ ُكر هذا الجزء.
ً
متسائال« :آه ،هل ماتَ إذن؟ السير داعب السير هاريس سويفت لحيته الصَّغيرة المضحكة بسبَّابته وإبهامه َ
جريجور؟».
أظن هذا يا سيِّدي .قي َل لي إن قطع الرَّأس عن الجسد مميت في أغلب أجابَه أوران ووترز بجفافُّ « :
الحاالت».
تحبُّ سرسي القليل من الظَّرافة بشرط َّأال تكون هدفها ،ولذا أيَّدته بابتسامة ،وقالت« :السير جريجور ماتَ
متأثِّرًا بجراحه ،تما ًما كما تنبَّأ ال ِمايستر األكبر پايسل».
قائال« :الحربة كانت مس َّممةً ،لم يكن باستطاعة أحد أن يُنقِذه».
س ً ق كايبرن بعبو ٍ تنحن َح پايسل ورم َ
ُ
دخلت علَّقت الملكة« :هذا ما قلته من قبل ،أذكره جيِّدًا» ،والتفتَت إلى يدها تسألهَ « :ع َّم كنتم تتكلَّمون حين
يا سير هاريس؟».
« -العصافير يا جاللة الملكة .السِّپتون راينارد يقول إن هناك ُزهاء ألفين في المدينة ،والمزيد منهم يصل
ك َّل يوم .قادتهم يُ َردِّدون مواعظ عن الهالك وعبادة ال َّشياطين.»...
رشفَت سرسي من النَّبيذ .لذيذ ج ًّدا« .وهو ما كان يجب أن يَح ُدث منذ زمن ،أليس كذلك؟ ماذا نُ َس ِّمي ذلك
عارض العقيدة هذا ال َّشر» .كايبرن -هذا
اإلله األحمر الذي يَعبُده ستانيس إن لم يكن شيطانًا؟ المفت َرض أن تُ ِ
الرَّجل الفطن -هو من ذ َّكرها باألمر« .أخشى أن السِّپتون األعلى الرَّاحل تغاضى عن الكثير .الس ُِّّن
أضعفَت بصره واستنزفَت ق َّوته».
ُفاجئنا موته .ال أحد ً
رجال ه َِر ًما يا جاللة الملكة ،ولم يكن ينبغي أن ي ِ ابتس َم كايبرن لپايسل ً
قائال« :كان
ً
طواال». بسالم في فِراشه وقد عاش سنينًا
ٍ يَطلُب أكثر من أن يموت
قالت سرسي« :نعم ،لكن علينا أن نأمل أن يكون خليفته أكثر نشا ً
طا .أصدقائي على التَّ ِّل اآلخَر يقولون لي
إنه سيكون توربرت أو راينارد على األرجح».
عا َد ال ِمايستر األكبر پايسل يتنحنَح ،وقال« :إن لي أصدقا ًء في مجلس القانِتين أيضًا ،ويتكلَّمون عن
السِّپتون أوليدور».
ضا .ليلة أمس أول َم لثالثين من مجلس القانِتين ،أطع َمهم قال كايبرن« :وال تستبعدوا ذلك الرَّجل لوشن أي ً
الخنازير الرَّضيعة وسقاهم نبيذ (الكرمة) َّ
الذهبي ،وبالنَّهار ي ِ
ُحسن إلى الفقراء بال ُخبز الجامد ليُث ِبت تقواه».
بدا أوران ووترز شاعرًا بالملل كسرسي بالضَّبط من ك ِّل هذه الثَّرثرة عن السِّپتونات .حين تراه على
الذهبي ،وعينيه خضراوان مائلتان إلى الرَّمادي في حين مقرب ٍة يتَّضح أن َشعره أقرب إلى الفضِّ ي من َّ
كانت عينا األمير ريجار أرجوانيَّتين ،وعلى الرغم من هذا فال َّشبه ...تساءلَت إن كان ووترز يقبل أن
أعوام فإنه يصبو إليها ،وسرسي ترى هذا في الطَّريقة التي ٍ يحلق لحيته من أجلها .مع أنه يصغرها بعشرة
كنت جميلةً ج ًّدا كما قالوا،
ُ يَر ُمقها بها ،الطَّريقة نفسها التي يَر ُمقها بها ال ِّرجال منذ بدأ ثدياها ينبتان .ألني
صغرها كانت أحيانًا ترتدي ط .في ِ جميال أيضًا ،ومع ذلك لم يَنظُروا إليه بتلك الطَّريقة قَ ُّ
ً لكن چايمي كان
ثياب أخيها على سبيل اللَّهو ،ولطالما أذهلَتها المعاملة المختلفة تما ًما التي وجدَتها من النَّاس وهُم يحسبونها
چايمي .حتى اللورد تايوين نفسه...
كان پايسل وميريويذر ما زاال يتجادَالن بشأن الرَّجل الجدير بأن يكون السِّپتون األعلى الجديد ،فأعلنَت
باترةً كالمهما« :أيُّهم يَصلُح ،لكن أيًّا كان من يعتمر التَّاج البلَّوري عليه أن يقضي بالحرمان العقائدي على
ال ِعفريت» .كان التزام السِّپتون األعلى السَّابق الصَّمت بخصوص تيريون جليًّا على نح ٍو فاضح.
«وبالنِّسبة إلى هؤالء العصافير المتح ِّمسين ،فما داموا ال يُ َحرِّضون على الخيانة فهُم مشكلة العقيدة ال
مشكلتنا».
ضتها نوبة منتمت َم اللورد أورتون والسير هاريس موافقيْن ،أ َّما محا َولة جايلز روزبي أن يفعل ال ِمثل فدح َ
باشمئزاز إذ سع َل ُكتلةً من البلغم ال َّدامي ،وسألَت« :أيها ال ِمايستر ،هل
ٍ السُّعال ،وأشا َحت سرسي بوجهها
جلبت ال ِّرسالة التي وصلَت من (الوادي)؟».
أجاب پايسل« :نعم يا جاللة الملكة» ،والتقطَ الرِّسالة من بين كومة أوراقه وس َّواها متابعًا« :إنه أقرب إلى َ
بيان من رسالة ،وقَّعه في (رونستون) ك ٌّل من يون رويس البرونزي والليدي واينوود واللوردات هنتر ٍ
ُّ
وردفروت وبلمور ،باإلضافة إلى سايموند تمپلتون فارس (النُّجوم التِّسع) .كلهم وضعوا أختامهم،
ويَكتُبون قائلين.»...
...قدرًا ال بأس به من الهُراء« .يُمكنكم أن تقرأوا الرِّ سالة إذا شئتم أيها السَّادة .رويس واآلخَرون يحشدون
ال ِّرجال أسفل (العُش) ،وينوون إزاحة اإلصبع الصَّغير عن منصب اللورد حافِظ (الوادي) ،باإلكراه إلى
لز َم األمر .السُّؤال اآلن ،هل نسمح بهذا؟».
سألَها هاريس سويفت« :هل يَطلُب اللورد بايلش مساعَدتنا؟».
« -ليس بع ُد .الواقع أنه ال يبدو قلقًا على اإلطالق .في رسالته األخيرة ِذكر عابر للمتم ِّردين قبل أن
ُناشدني أن أشحن له بضع معلَّقا ٍ
ت قديمة كانت مل ًكا لروبرت». ي ِ
متسائال« :وهؤالء اللوردات الذين وقَّعوا البيان ،هل يلتمسون من الملك أن
ً داعب السير هاريس لحية ذقنه
َ
يتد َّخل؟».
« -ال».
« -إذن ...ربما ليس علينا أن نفعل شيئًا».
ب في (الوادي) سيكون أمرًا مأساويًّا للغاية».
قال پايسل« :نشوب حر ٍ
َر َّد أورتون ميريويذر ضاح ًكا« :حرب؟ اللورد بايلش رجل مسلٍّ ج ًّدا ،لكن المرء ال يخوض الحروب
الوصي على اللورد روبرت الصَّغير ما دا َم (الوادي) يدفع ما
ُّ ُّ
أشك أن د ًما سيُراق ،وهل يه ُّم َمن بال ُّدعابة.
عليه من ضرائب؟».
قالت سرسي لنفسها وقد حز َمت أمرها :ال .الحقيقة أن اإلصبع الصَّغير كان مفيدًا أكثر في البالط .كان
أمل على
ط .هكذا قالت« :اللورد أورتون أقن َعنيِ .مايستر پايسلِ ، الذهب ،ولم يَسعُل قَ ُّ
موهوبًا في إيجاد َّ
ت يتَّخذونها إزاء
ي ترتيبا ٍ
راض عن أ ِّ
ٍ لوردات البيان هؤالء َّأال يمسَّ پيتر أذى ،وفيما عدا ذلك فالتَّاج
الحُكم في (الوادي) خالل فترة قصور روبرت آرن».
أمرك يا جاللة الملكة».
ِ «-
هال ناقَشنا األسطول؟ أقلُّ من دست ٍة من سُفننا نجا من جحيم (النَّهر األسود) ،وال بُ َّد قال أوران ووترزَّ « :
أن نسترجع ق َّوتنا في البحر».
أومأ َ هاريس سويفت برأسه ً
قائال« :الق َّوة البحريَّة ضروريَّة للغاية».
سأ َل أورتون ميريويذر« :هل نستطيع استغالل الحديديِّين؟ أعداء أعدائنا؟ ما الذي قد يَطلُبه ُكرسي حجر
لحلف؟».اليم منا ثَمنًا ِ
أجاب ال ِمايستر األكبر پايسل« :يُريدون ال َّشمال ،ووالد ملكتنا النَّبيل وع َد اللورد بولتون بال َّشمال».
َ
قال ميريويذر« :مؤسف .لكن ال َّشمال كبير ويُمكن تقسيم أراضيه .ليس ضروريًّا أن يكون االتِّفاق دائ ًما،
صفِّه بمجرَّد تدمير ستانيس».
وربما يقبل بولتون إذا أ َّكدنا له أن ق َّوتنا ستكون في َ
سمعت أن بالون جرايچوي ماتَ .هل نعرف َمن يَح ُكم الجُزر اآلن؟ هل كان ُ قال السير هاريس سويفت« :
للورد بالون ابن؟».
ً
متسائال« :ليو؟ ثيو؟». سع َل اللورد جايلز
محتمال أن يكون صديقًا
ً قال كايبرن« :ثيون جرايچوي نشأ َ في (وينترفل) ربيبًا إلدارد ستارك ،وليس
لنا».
سمعت أنه قُتِ َل».
ُ قال ميريويذر« :
َش َّد السير هاريس سويفت لحيته الصَّغيرة ،وسأ َل« :أكان له ابن واحد فقط؟ إخوة ،كان هناك إخوة ،أليس
كذلك؟».
ف َّكرت سرسي بضيق :كان ڤارس ليعلم ،ثم إنها قالت« :ال أقتر ُح أن نتحالَف مع سرب األسماك البائس
هذا .دورهم سيحين بَعد أن نتعا َمل مع ستانيس .إننا نحتاج إلى أسطولنا الخاص».
قال أوران ووترز« :أقتر ُح أن نبني ُدرمونات جديدة ،عشرًا كبداية».
سأ َل پايسل« :وأنَّى لنا بالتَّكلفة؟».
فخرج منه المزيد من ال ُّلعاب الوردي الذي جفَّفه َ اعتب َر اللورد جايلز السُّؤال دعوةً للسُّعال من جديد،
بمنديل مربَّع من الحرير األحمر ،ثم إنه استطا َع أن يقول« :ليس هناك ...ال ...ليس لدينا ،»...قبل أن يبتلع
ٍ
السُّعال كالمه.
أثبتَ السير هاريس أنه سريع كفايةً في إدراك المعنى على األقل ،وقال معترضًا« :دخول التَّاج لم تكن
أكبر مما هي اآلن قَ ُّ
ط .السير كيڤان أخب َرني بهذا بنفسه».
ساعال...« :المصروفات ...ذوو المعاطف َّ
الذهبيَّة.»... ً قال اللورد جايلز
ُحاول أن يقول إن عندنا كثيرين من
الخازن ي ِ
ِ ق لها أن سم َعت اعتراضاته« :اللورد
قالت سرسي التي سب َ
وقليال من َّ
الذهب» .بدأ سُعال روزبي يُضايِقها .ربما لم يكن جارث السَّمين بهذا ً ذوي المعاطف َّ
الذهبيَّة
السُّوء« .مع أن دخول التَّاج كبيرة فإنها ال تكفي لتسديد ديون روبرت ،وبنا ًء عليه قر ُ
َّرت أن نُ َؤجِّل دفعنا
ك أنالمبالغ التي ندين بها للعقيدة المق َّدسة ومصرف (براڤوس) الحديدي حتى نهاية الحرب» .ال َش َّ
لول احتجاجًا ويرغي البراڤوسيُّون ويُزبِدوا في وجهها ،لكن وماذا في هذا؟ السِّپتون األعلى الجديد سيُ َو ِ
«المبالغ الموفَّرة ستُستخدَم في بناء أسطولنا الجديد».
جاللتك رشيدة .إنه إجراء حكيم ،وضروري أيضًا حتى تضع الحرب أوزارها.
ِ قال اللورد ميريويذر« :
أواف ُ
ق» .
قال السير هاريس« :وأنا أيضًا».
ت راجف قال پايسل« :جاللة الملكة ،أخشى أن هذا سيُ َسبِّب متاعب أكثر مما تحسبين( .المصرف وبصو ٍ
الحديدي).»...
...« -سيظلُّ في (براڤوس) ،بعيدًا وراء البحر .سينالون ذهبهم أيها ال ِمايستر .الالنستر يُ َسدِّد ديونه».
ناعم وهو يقول« :البراڤوسيُّون عندهم مقولة أيضًا، ٍ رنَّت حلقات سلسلة پايسل ذات الجواهر بصو ٍ
ت
يقولون( :المصرف الحديدي) سينال ما له».
(« -المصرف الحديدي) سينال ما له عندما أقو ُل إنه سيناله ،وحتى ذلك الحين سينتظر (المصرف
الحديدي) باحترام .لورد ووترز ،اشرع في بناء ُدرموناتك».
« -ممتاز يا جاللة الملكة».
قلَّب السير هاريس بعض األوراق ،ثم قال« :المسألة التَّالية ...وصلَت إلينا رسالة من اللورد فراي يعرض
فيها عددًا من ال َّدعاوى.»...
أراض وتكريم؟ ال بُ َّد أن أ َّمه كانت لها ثالثة أثداء!».
ٍ قاط َعته الملكة محت َّدةً« :كم يُريد هذا الرَّجل من
قال كايبرن« :ربما ال يعلم سادتي هذا ،لكن في الخ َّمارات ومحال األكل في هذه المدينة من يُلَ ِّمحون إلى
أن التَّاج كان متواطئًا على نح ٍو ما مع اللورد والدر في جريمته».
حد َجه المستشارون اآلخَرون حائرين ،ثم سأ َل أوران ووترز« :هل تُشير إلى ِّ
الزفاف األحمر؟» ،ور َّدد
ت مزعج ،وسع َل اللورد جايلز.السير هاريس« :جريمته؟» ،وتنحن َح پايسل بصو ٍ
قال كايبرن منبِّهًا« :هؤالء العصافير يتكلَّمون بجرأ ٍة أكثر من غيرهم بكثير ،يقولون إن ال ِّزفاف األحمر
كان إهانةً لكلِّ شرائع اآللهة والبَشر ،وإن من كانت لهم يد فيه ملعونون».
أدر َكت سرسي ما يعنيه بال إبطاء ،فقالت« :مؤ َّكد أن اللورد والدر سيخضع لحُكم (األب) قريبًا .إنه طاعن
في السِّن .فليَبصُق العصافير على ذكراه .ال عالقة لنا باألمر».
َّ
يظن هذا»، قال السير هاريس« :نعم» ،وقال اللورد أورتون« :نعم» ،وقال پايسل« :ال أحد يُمكنه أن
وسع َل اللورد جايلز.
أيَّدهم كايبرن ً
قائال« :القليل من البُصاق على قبر اللورد والدر لن يُز ِعج ال ُّدود ،لكن من المفيد أيضًا أن
الزفاف األحمر .بعض رؤوس أبناء فراي سينفع كثيرًا في تهدئة ال َّشمال». يُعاقَب أحد على ِّ
ض ِّحي بذويه أبدًا».
قال پايسل« :اللورد والدر لن يُ َ
ر َّدت سرسي متأ ِّملةً« :صحيح ،لكن ربما ال يميل ورثته إلى االعتراض .اللورد والدر سيتعطَّف علينا
ويموت قريبًا كما نأمل ،فهل يملك سيِّد (المعبر) الجديد وسيلةً لتخليص نفسه من أنصاف اإلخوة
المزعجين وأبناء العمومة السَّمجين واألخوات المتآمرات أفضل من إلصاق َّ
الذنب بهم؟».
قال أوران ووترز« :بينما ننتظر موت اللورد والدر ث َّمة مسألة أخرى .الجماعة َّ
الذهبيَّة فسخَت عقدها مع
ُ
سمعت على أرصفة الميناء من يقولون إن اللورد ستانيس استأج َرهم وسيَعبُر بهم البحر». (مير).
الذهبيَّة .كم يملك ستانيس من َّ
الذهب؟». سأ َل ميريويذر« :وكيف سيدفع أجرهم؟ ثلجًا؟ إن اسمها الجماعة َّ
أجابَت سرسي« :القليل ج ًّدا .اللورد كايبرن تكلَّم مع طاقم القادس المايري الرَّاسي في الخليج ،الذي يقول
الذهبيَّة في طريقها إلى (ڤوالنتيس) .إذا كانوا ينتوون عبور البحر إلى (وستروس) فإنهم إن الجماعة َّ
يتحرَّكون في االتِّجاه الخاطئ».
قائال« :ربما سئموا من القتال مع الجانب الخاسر».اقتر َح اللورد ميريويذر ً
أيَّدته الملكة قائلةً« :هناك هذا السَّبب أيضًا .أعمى فقط من يفشل في رؤية أننا في حُكم المنتصرين في
ُحاصرها آل فراي وداڤن ابن خالي حاكم الغرب ِ حربنا .اللورد تايرل يُطَ ِّوق (ستورمز إند) ،و(ريڤر َرن) ي
ق فيبحر مسرعةً بمحاذاة السَّاحل .لم يتب َّ الجديد ،وسُفن اللورد ردواين عب َرت (مضيق تارث) وتُ ِ
واجه رسو ردواين .قد تَص ُمد القلعة فترةً ،لكن ما إن نستولي على (دراجونستون) َّإال قوارب صي ٍد قليلة تُ ِ
المرفأ سنقطع الحامية عن البحر ،وعندها لن يبقى َّإال ستانيس نفسه يُز ِعجنا».
ُحاول أن يعقد ِحلفًا مع الهَمج».
قال ال ِمايستر األكبر پايسل منبِّهًا« :إذا ص َّدقنا ما قاله اللورد چانوس فإنه ي ِ
أعلن اللورد ميريويذر« :برابرة يرتدون الجلود .مؤ َّكد أن اللورد ستانيس يائس حقًّا ما دا َم يسعى إلى
ف كهذا». تحالُ ٍ
ُواجه رووس بولتون مشكلةً في قالت الملكة موافقةً« :يائس وأحمق .ال َّشماليُّون يكرهون الهَمج ،فلن ي ِ
كسبهم إلى صفوفنا .بعضهم انض َّم إلى ابنه النَّغل بالفعل لمساعَدته على إجالء هؤالء الحديديِّين ال ِّذمام من
نسيت أسماء اآلخَ رين .حتى ُ (خندق كالين) وإخالء الطَّريق لعودة اللورد بولتون .أومبر وريزويل...
ق على تزويج كلتا حفيدتيه باثنين من أصدقائنا أبناء (الميناء األبيض) على وشك االنضمام إلينا .سيِّدها واف َ
فراي وفتح المرفأ لسُفننا».
ُ
حسبت أن ال سُفن عندنا».قال السير هاريس حائرًا« :
برجل
ٍ قال ال ِمايستر األكبر پايسل« :وايمان ماندرلي حامل راية إدارد ستارك المخلص .هل يُمكن أن نثق
ِمثله؟».
ال أحد جدير بالثِّقة« .إنه رجل عجوز بدين وخائف ،لكنه ما زا َل يُعا ِند في نقط ٍة واحدة ،يصرُّ على أنه لن
يخضع حتى يُعاد وريثه إليه».
سأ َل السير هاريس« :وهل وريثه عندنا؟».
« -سيكون في (هارنهال) إذا كان حيًّا .جريجور كليجاين أس َره» .لم يكن الجبل يترفَّق بسُجنائه دائ ًما،
رسل للورد ماندرلي رؤوس من قتَلوه، فأظن أن علينا أن نُ ِ
ُّ حتى من يستحقُّون فديةً ال بأس بها« .إذا ماتَ
مصحوبةً بخالص اعتذارنا» .إذا كان رأس واحد يكفي السترضاء أمير (دورن) ،فال بُ َّد أن كيسًا من
ُناسب شماليًّا بدينًا يرتدي ِجلد الفقمات.
الرُّ ؤوس ي ِ
سأ َل پايسل« :ألن يسعى اللورد ستانيس إلى الفوز بوالء (الميناء األبيض) أيضًا؟».
َ
بعث لنا برسائله وأجابَها باألعذار .ستانيس يُطالِب بسيوف (الميناء « -أوه ،لقد حاو َل .اللورد ماندرلي
يوم عليها أن تُش ِعل شمعةً ل(ال ُمحارب) الذي أخ َذ
األبيض) وفضَّتها ،ومقابلها يعرض ...ال شيء» .ذات ٍ
وصل إلينا طائر
َ ق كثيرًا« .صبيحة اليوم تحديدًاحدث العكس لكانت حياتها أش َّ َ رنلي وتركَ ستانيس ،فلو
آخَر.
أرسل مهرِّب البصل للتَّعا ُمل مع (الميناء األبيض) نيابةً عنه ،فألقى ماندرلي المأفون في زنزان ٍة
َ ستانيس
ويسألنا ماذا يفعل به».
ُرسله إلينا هنا كي نستجوبه .ربما يعرف الرَّجل الكثير من المعلومات قال اللورد ميريويذر مقترحًا« :فلي ِ
القيِّمة».
وقال كايبرن« :فليَ ُمت .سيكون موته درسًا لل َّشماليِّين ،يُريهم ما يحلُّ بالخونة».
أمرت اللورد ماندرلي بأن يقطع رأسه في الحال .سيكون هذا قمينًا بأن ُ ر َّدت الملكة« :أتَّف ُ
ق تما ًما .لقد
يضع نهايةً لفُرص تأييد (الميناء األبيض) ستانيس».
علَّق أوران ووترز مقهقهًا« :ستانيس سيحتاج إلى ي ٍد جديد .فارس اللِّفت ربما؟».
قال السير هاريس سويفت حائرًا« :فارس لِفت؟ َمن هذا الرَّجل؟ لم أسمع عنه من قبل» ،فلم ي ُِحر ووتترز
رفض اللورد
َ سأل ميريويذر« :وماذا لو
َ جوابًا َّإال بتدوير عينيه في محجريهما استهجانًا ،في حين
ماندرلي؟».
قالت سرسي« :لن يجرؤ .رأس فارس البصل هو العُملة التي عليه أن يشتري بها حياة ابنه» ،وابتس َمت
مردفةً« :ربما كان العجوز األحمق البدين مخلصًا آلل ستارك على طريقته ،لكن مع فَناء ذئاب
(وينترفل).»...
ت الليدي سانزا». جاللتك نسي ِ
ِ قال پايسل« :
أنس تلك ال ِّذئبة الصَّغيرة» ،قالت الملكة مغضبةً ،رافضةً أن تنطق اسم الفتاة« .كان َ « -بك ِّل تأكي ٍد لم
وبدال من هذا جعلتها من أهل بيتي .لقد ً األحرى بي أن ألقيها في ال َّزنازين السَّوداء باعتبارها ابنة خائن،
ً
جهال بالعالم، ُ
وحاولت أن أجعلها أق َّل شار َكتني الدِّفء والمأوى ولعبَت مع أطفالي ،وأطعمتها وألبستها
فكيف ر َّدت لي الجميل؟ ساعدَت على اغتيال ابني .حين نَعثُر على ال ِعفريت سنَعثُر على الليدي سانزا
أيضًا .إنها لم تَ ُمت ...لكني أعدكم بأني لن أفرغ منها قبل أن أجعلها تُ َغنِّي ل(الغريب) متوسِّلةً قُبلته».
تال كالمها صمت متوتِّر ،فسألَت سرسي نفسها بضيق :هل ابتلعوا ألسنتهم جميعًا؟ صمتهم يكفي ألن
تتسا َءل لِ َم تُت ِعب نفسها وتجتمع مع المجلس من األصل.
تاب َعت الملكة« :على ك ِّل حال ،ابنة اللورد إدارد الصُّ غرى عند اللورد بولتون ،وستتز َّوج ابنه رامزي ما
ق مطالَبتهماإن تَسقُط (خندق كايلن)» .شريطة أن تلعب الفتاة دورها ببراع ٍة كافية لتوطيد َح ِّ
وكيل ما دبَّر اإلصبع الصَّغير هويَّتها
ٍ ب(وينترفل) ،فلن يُبالي ابنا بولتون كثيرًا بأنها في الحقيقة ابنة
ال َّزائفة« .ما دا َم محتَّ ًما أن يكون في ال َّشمال ستارك فسنُعطيهم ستارك» .تر َكت اللورد ميريويذر يُعيد َملء
الجدار) .إخوان َحرس اللَّيل فقدوا عقولهمكأسها ،وواصلَت« :لكن ث َّمة مشكلة أخرى ظه َرت على ( ِ
واختاروا ابن ند ستارك النَّغل قائدًا لهم».
ُضف جديدًا.
« -اسمه سنو» ،قال پايسل فلم ي ِ
قالت الملكة« :لمحته م َّرةً في (وينترفل) ،ولو أن آل ستارك بذلوا أقصى جهدهم لمواراته .إنه يُشبِه أباه
كثيرًا» .كان نغول زوجها يُشبِهونه أيضًا ،وإن تمتَّع روبرت بالكياسة وأبقاهم بعيدًا عن األنظار على
األقل .ذات مرَّة ،بَعد تلك الحادثة المؤسفة مع القطَّة ،جعج َع قائ ًال شيئًا ما عن اإلتيان بابن ٍة غير شرعيَّة
إلى البالط ،فقالت له« :افعل ما تشاء ،لكنك قد تجد المدينة مكانًا ضا ًّرا بفتا ٍة في طور النُّمو» .استعصى
عليها إخفاء الكدمة التي نالَتها من جرَّاء تلك الكلمات عن چايمي ،لكنهم لم يسمعوا المزيد عن تلك النَّغلة.
ً
وبدال من هذا تر َكت المه َّمة وإال لكانت كت َمت أنفاس چون سنو هذا في المهد، كاتلين تَلي كانت فأرةًَّ ،
القذرة لي« .سنو يشترك مع اللورد إدارد في الجنوح إلى الخيانة أيضًا .األب أرا َد أن يُ َسلِّم البالد
لستانيس ،واالبن أعطاه أراضي وقالعًا».
دخل في حروب (الممالك السَّبع) .منذ آالف قال پايسل مذ ِّكرًا إياهمَ « :حرس اللَّيل مقسمون على عدم التَّ ُّ
السِّنين واإلخوة السُّود يصونون هذا التَّقليد».
كتب لنا مؤ ِّكدًا أن َحرس اللَّيل ال يتد َّخلون ،لكن أفعاله تفضح أكاذيبه .لقد قالت سرسي« :حتى اآلن .النَّغل َ
ُناشدنا أن نُرسل إليه أسلحةً أعطى ستانيس الطَّعام والمأوى ،ومع ذلك ما زا َل بالصَّفاقة الكافية ألن ي ِ
ً
ورجاال».
أعلنَ اللورد ميريويذر« :مهزلة! ال يُمكن أن نسمح ل َحرس اللَّيل ب َ
ض ِّم ق َّوتهم إلى اللورد ستانيس».
قال السير هاريس سويفت متَّفقًا« :يجب أن نُعلِن سنو هذا خائنًا ومتم ِّردًا .ال بُ َّد أن يُزيحه اإلخوة السُّود».
أومأ َ ال ِمايستر األكبر پايسل برأسه بتؤدة ،وقال« :أقتر ُح أن نُبلِغ (القلعة السَّوداء) بأننا لن نبعث إليهم
بمزي ٍد من الرِّ جال حتى يرحل سنو».
رسلوا ال ُّلصوص قال أوران ووترزُ « :درموناتنا الجديدة ستحتاج إلى َّ
مالحين .لنُملي على اللوردات أن يُ ِ
الجدار)». ي من اآلن فصاعدًا ً
بدال من ( ِ ومنتهكي حُرمة األراضي إل َّ
54
قائال بابتسامةَ « :حرس اللَّيل يُدافِعون عنا جميعًا ضد السناركات والجرامكنات ما َل كايبرن إلى األمام ً
أيها السَّادة ،رأيي أن علينا أن نُسا ِعد إخوتنا السُّود ال ُّشجعان».
رمقَته سرسي بح َّد ٍة متسائلةً« :ماذا تقول؟».
أجاب اللورد ستانيس التماسهم ،فهل يُمكن أن َ وحرس اللَّيل يلتمسون الرِّجال ،وقد« -ما قلته .منذ سنوات َ
الجدار) ...ليرتدوا المعاطف السَّوداء رجل إلى ( ِ ٍ يفعل الملك تومن ما هو أقل؟ يَج ُدر بجاللته أن ي ِ
ُرسل مئة
ظاهريًّا ،أ َّما في الحقيقة.»...
كنت أعل ُم أني محقَّة حين أردته في أكملَت سرسي العبارة مسرورةً ...« :ليقصوا چون سنو عن القيادة»ُ .
مجلسي .قالت ضاحكةً« :وهذا ما سنفعله بالضَّبط» .إذا كان ذلك النَّغل ابن أبيه حقًّا فلن يرتاب في شيء،
ص بالتَّأكيد .اترُكوا لي ينغرس النَّصل بين ضلوعه« .يجب أن يُنَفَّذ هذا بحر ٍ ِ بل وربما يَش ُكرني قبل أن
ً
عمال اليوم أيها السَّادة، بخنجر ال بإعالن« .أحسنَّا
ٍ الباقي أيها السَّادة» .هكذا ينبغي التَّعا ُمل مع العدو،
أشكركم .هل من شي ٍء آ َخر؟».
صاحبة الجاللة .أتر َّد ُد في أن أستهلك وقت ِ أجاب أوران ووترز بنبر ٍة اعتذاريَّة« :شيء واحد أخير يا َ
المجلس في التَّوافه ،لكن هناك كال ًما غريبًا يدور في الميناء في الفترة األخيرة .البحَّارة اآلتون من ال َّشرق
يتكلَّمون عن التَّنانين.»...
قاط َعته سرسي ...« :والمانتيكورات والسناركات الملتحية أيضًا دون َشك ،أليس كذلك؟» ،وأطلقَت
ضت مشيرةً بهذا إلى نهاية ضحكةً قصيرةً مردفةًُ « :عد إل َّ
ي عندما تسمع شيئًا عن األقزام يا سيِّدي» ،ونه َ
االجتماع.
المبارك
َ كانت ريح خريفيَّة عاتية تهبُّ عندما غاد َرت سرسي قاعة المجلس ،وال تزال أجراس بيلور
الحداد في هواء المدينة من بعيد ،وفي السَّاحة نحو أربعين من الفُرسان يكرُّ بعضهم على
تصدح بأغنيَّة ِ
ق السير بوروس بالونت الملكة إلى مسكنها، بعض بالسُّيوف والتُّروس مضيفين إلى الصَّخب صخبًا .راف َ
حيث وجدَت الليدي ميريويذر تضحك مع چوسلين ودوركاس ،فسألتهن« :ما الطَّريف لهذه ال َّدرجة؟».
أجابَت تاينا« :التَّوأمان ردواين ،كالهما وق َع في هوى الليدي مارچري .من قبل اعتادا أن يتشا َجرا على
من سيُصبِح سيِّد (الكرمة) التَّالي ،أ َّما اآلن فكالهما يرغب في االنضمام إلى ال َحرس الملكي لمجرَّد أن
يكون قُرب الملكة الصَّغيرة».
ض ِبطَ
الذكاء في عقولهم» .على أنها معلومة مفيدة .إذا ُ « -النَّمش على وجوه آل ردواين أكثر دائ ًما من َّ
هورور أو سلوبر في الفِراش مع مارچري ...تساءلَت سرسي إن كانت الملكة الصَّغيرة تحبُّ النَّمش.
«دوركاس ،اجلبي السير أوزني ِكتلبالك».
تورَّد وجه دوركاس ،وقالت« :كما تأمرين».
خرجت الفتاة رمقَت تاينا ميريويذر الملكة بنظر ٍة فضوليَّة ،وسألَتها« :لماذا احم َّر وجهها هكذا؟».
َ ل َّما
أجابَتها سرسي وقد حانَ دورها في الضَّحك« :إنه الحُب .فارسنا السير أوزني يستهويها» .إنه أصغر
اإلخوة ِكتلبالك ،صاحب الوجه الحليق ،ومع أن له نفس ال َّشعر األسود واألنف المعقوف واالبتسامة
العفويَّة كأخيه أوزموند ،فعلى إحدى وجنتيه ثالثة خدوش طويلة بفضل واحد ٍة من عاهرات تيريون.
عجبها».أظن أن نُدوبه تُ ِ
« ُّ
التم َع ال ُخبث في عينَي الليدي ميريويذر ال َّداكنتين وهي تقول« :بالضَّبط .النُّدوب تجعل الرَّجل يبدو
خطيرًا ،والخطر مثير».
ت اللورد أورتون؟ قالت الملكة مداعبةً« :إنك تصدمينني يا سيِّدتي .إذا كان الخطر يُثيرك هكذا فلِ َم تز َّوج ِ
قائال إن بوق الوفرة الذي يُ َزيِّن رايات عائلة كلُّنا نحبُّه ،هذا صحيح ،ولكن .»...كان پيتر قد علَّق م َّرةً ً
ميريويذر يُالئم اللورد أورتون على نح ٍو رائع ،بما أن َشعره له لون الجزر وأنفه منتفخ كثمرة شمندر
وذكاءه يُضاهي وعا ًء من ثريد البازالء.
قالت تاينا ضاحكةً« :سيِّدي يتمتَّع بالوفرة أكثر من الخطر بالفعل ،ورغم ذلك ...آم ُل أني لن أحطَّ من قدر
جاللتك ،لكني لم أذهب عذراء إلى فِراش أورتون». ِ نفسي في نظر
كلكن عاهرات في ال ُمدن ال ُحرَّة ،أليس كذلك؟ جيِّد أن تعلم هذا ،فربما تتم َّكن من استغالله ذات يوم.
«وتُرى من هذا الحبيب الذي كان ...مليئًا بالخطر؟».
جاللتك
ِ ازدادَت بشرة تاينا ال َّزيتونيَّة ُدكنةً إذ تخضَّبت باألحمر ،وقالت« :أوه ،لم يكن يجب أن أتكلَّم.
ستُحا ِفظين على س ِّري ،أليس كذلك؟».
قالت سرسي« :للرِّ جال ال ُّندوب وللنِّساء األسرار» ،وقبَّلتها على وجنتيها مف ِّكرةً :سأستخلصُ هذا االسم
منك قريبًا.
ِ
صرفَت الملكة رفيقاتها حين عادَت دوركاس بالسير أوزني ِكتلبالك ،ثم قالت له« :تعا َل اجلس معي عند
النَّافذة يا سير أوزني .هل تُريد كأسًا من النَّبيذ؟» ،وصبَّت واحدةً لنفسها متابعةً« :معطفك مهترئ .أف ِّك ُر
في أن أضعك في واح ٍد جديد».
« -ماذا؟ معطف أبيض؟ َمن ماتَ ؟».
« -ليس بع ُد .أهذه رغبتك؟ أن تنض َّم إلى أخيك أوزموند في ال َحرس الملكي؟».
جاللتك» ،وابتس َم أوزني ابتسامةً عريضةً لتلمع النُّدوب
ِ « -أفضلُّ أن أكون حارس الملكة فقط ،بَعد إذن
على وجنته باألحمر ،فتحسَّستها سرسي بأناملها قائلةً« :لسانك جريء أيها الفارس .ستجعلني أنسى نفسي
ثانيةً».
أجاب السير أوزني« :جيِّد» ،والتقطَ يدها وقبَّل أصابعها بخشون ٍة مضيفًا« :ملكتي الجميلة».
َ
هم َست الملكة« :أنت رجل شرِّير ،وال أظنُّك فارسًا حقيقيًّا كذلك» ،وتر َكته يلمس ثدييها من فوق حرير
فُستانها ،ثم قالت« :كفى».
أريدك».
ِ « -ال .إنني
« -لقد نلتني».
ق ذ َّكرها بروبرت.
قال« :م َّرةً فقط» ،وأمسكَ ثديها األيسر واعتص َره ب َخ َر ٍ
س طيِّب .لقد أسديتَني صنيعًا ُشجاعًا ونلت مكافأتك» ،وم َّشت سرسي أصابعها على « -ليلة طيِّبة لفار ٍ
أربطة سراويله وشع َرت به ينتصب .سألَته« :أهذا حصان جديد الذي كنت تمتطيه في السَّاحة صباح
أمس؟».
صف اللَّيل».
« -الفَحل األسود؟ أجل .هديَّة من أخي أوزفريد .أس ِّميه منت َ
يا لالبتكار!
ُقارن بركوب ُمهر ٍة صغيرة مف َعمة بالحيويَّة» ،ومن َحته قالتُ « :مطية رائعة للمعارك ،أ َّما لل ُمتعة فال شيء ي َ
ابتسامةً واعتص َرت َذكره م َّرةً متابعةً« :اص ِدقني القول ،هل تحسب ملكتنا الصَّغيرة جميلةً؟».
ض ُل أن أحظى بامرأة». أظن هذا ،بالنِّسبة إلى فتاة .أف ِّ تراج َع السير أوزني ً
قائال بحذرُّ « :
هم َست« :ولِ َم ليس االثنتين؟ اقطُف الوردة الصَّغيرة من أجلي ولن تجدني ناكرةً للجميل».
َر َّد السير أوزني وحرارته تخمد في سراويله« :الملكة ...تعنين مارچري؟ إنها زوجة الملك .ألم يكن هناك
حارس ملكي فق َد رأسه لمضا َجعة زوجة الملك؟».
« -منذ عصور» .كانت عشيقة الملك ال زوجته ،ورأسه ال َّشيء الوحيد الذي لم يفقده .إجون مثَّل به قطعةً
قطعةً وجع َل المرأة تُشا ِهد .غير أن سرسي ال تُريده أن يُفَ ِّكر في تلك الحادثة الكريهة الموغلة في القِدم،
فقالت« :تومن ليس إجون غير الجدير .ال تخف ،سيفعل ما أطلبه منه .إنني أنوي أن تفقد مارچري رأسها
وليس أنت».
جعلَه هذا يتر َّدد لحظةً ويسأل« :تقصدين بكارتها؟».
« -وهذه أيضًا .طريف أنها ما زالَت محتفظةً بها» ،وعادَت تتحسَّس ندوبه مردفةً« :ما لم تكن تحسب أن
مارچري لن تستجيب إلىِ ...سحرك».
رمقَها أوزني بنظر ٍة جريحة ،وقال« :إنني أعجبها بما فيه الكفاية بالفعل .بنات عمومتها يُعابِثنني بشأن
آخر م َّر ٍة فعلَت ِمجا ذلك أم َرتهن مارچري بالتَّوقُّف وقالت إن
أنفي دائ ًما ،كم هو كبير وما إلى ذلك ،لكن ِ
ً
جميال». لي وجهًا
« -هكذا إذن».
قال الرَّجل بنبر ٍة ملؤها ال َّشك« :هكذا إذن ،لكن أين سأذهبُ إذا كانت ...إذا ُ
كنت ...بَعد أن.»...
...« -تفعال فعلتكما؟» .من َحته سرسي ابتسامةً شائكةً ،وأجابَت« :النَّوم مع الملكة خيانة .لن يجد تومن
الجدار)».خيارًا َّإال إرسالك إلى ( ِ
ر َّدد مذعورًاِ (« :
الجدار)؟!».
بذلَت ك َّل جهدها لتمنع نفسها من الضَّحك مف ِّكرةً :ال ،األفضل َّأال أضحك .الرِّ جال يكرهون أن يضحك
وبدال من ذلك قالت« :المعطف األسود سيتماشى جيِّدًا مع عينيك و َشعرك األسود هذا».ً منهم أحد،
الجدار)».« -ال أحد يعود من ( ِ
« -أنت ستعود ،وما عليك َّإال أن تَقتُل صبيًّا؟».
َ « -من؟».
« -صب ٌّي نغل متواطئ مع ستانيس .إنه صغير وأخضر ،وسيكون معك مئة رجل».
اشت َّمت رائحة الخوف المنبعثة من ِكتلبالك ،وإن كان أكثر غرورًا من أن يعترف بخوفه .كلُّ ال ِّرجال
صبيةً أكثر مما أستطي ُع أن أحصي. ُ
قتلت ِ واحد .قال بإصرار« :لقد
بمجرَّد أن يموت ذلك الصَّبي هل سأنا ُل عفوي من الملك؟».
« -العفو باإلضافة إلى لورديَّة» .ما لم يَشنُقك إخوة سنو ً
أوال« .ال بُ َّد أن يكون للملكة رفيق ال يعرف
الخوف».
قال« :اللورد ِكتلبالك؟» ،وزحفَت ابتسامة بطيئة على وجهه والتهبَت نُدوبه باألحمر ،وأردفَ « :نعم،
يروقني وقع الكلمة ،لورد من اللوردات.»...
ُضاجع ملكةً».
ِ ...« -والئق بأن ي
الجدار) بارد». قطَّب وجهه ً
قائالِ (« :
ضاجع فتاةً واقتُل صبيًّا وأنا لك .هل تملك
ِ وض َعت سرسي ذراعيها حول ُعنقه ،ور َّدت« :وأنا دافئة.
ال َّشجاعة؟».
رجلك».
ِ ف َّكر أوزني لحظةً قبل أن يُومئ إيجابًا ويقول« :أنا
قليال قبل أن تترا َجع قائلةً« :يكفي هذا
قالت« :أنت رجلي أيها الفارس» ،وقبَّلته وجعلَته يتذ َّوق لسانها ً
اآلن ،يجب أن ينتظر الباقي .هل ستَحلُم بي اللَّيلة؟».
ت مبحوح« :أجل».أجاب بصو ٍ
َ
سألَته مداعبةً« :وحين تكون في الفِراش مع مارچري؟ حين تكون في داخلها هل ستَحلُم بي؟».
أقس َم أوزني ِكتلبالك ً
قائال« :أجل».
« -عظيم».
بَعد ذهابه استدعَت سرسي چوسلين لتُ َم ِّشط َشعرها بينما خل َعت حذاءها وتمطَّت كهرَّة .قالت لنفسها :إنني
مخلوقة من أجل هذا .أناقة الخطَّة الخالصة أكثر ما يسرُّ ها .حتى مايس تايرل نفسه لن يجرؤ على الدِّفاع
طت متلبِّسةً مع أمثال أوزني ِكتلبالك ،ولن يجد ستانيس باراثيون أو چون سنو ما ضب ِ َ
عن ابنته الغالية إذا ُ
الجدار) .سوف تحرص على أن يكون السير أوزموند هو يدعو إلى التَّسا ُؤل عن سبب إرسال أوزني إلى ( ِ
من يكتشف أخاه مع الملكة الصَّغيرة ،وبهذه الطَّريقة لن يطعن أحد في والء األخوين ِكتلبالك اآلخَريْن .لو
ٌ
مؤسف أنه ماتَ ،هو وروبرت وچون آرن وإدارد رآني أبي اآلن لما سار َع بالكالم عن تزويجي ثانيةً.
ً
طويال. ستارك ورنلي باراثيون ،ك ُّلهم ماتوا وما بق َي َّإال تيريون ،وليس
ليلتها استدعَت الملكة الليدي ميريويذر إلى ُغرفة نومها ،حيث سألَتها« :هل تشربين كأسًا من النَّبيذ؟».
أجابَت المايريَّة ضاحكةً« :واحدةً صغيرةً ،واحدةً كبيرةً».
أريدك أن تزوري زوجة ابني غدًا».
ِ قالت سرسي بينما تضع دوركاس عليها ثياب النَّوم« :
« -الليدي مارچري تسعد لرؤيتي دو ًما».
أعرف» .لم يَفُت الملكة أن تلحظ اللَّقب الذي تستخدمه تاينا عند اإلشارة إلى زوجة تومن الصَّغيرة.
ُ «-
شموع من شمع النَّحل إلى ( ِسپت بيلور) إحيا ًء لذكرى السِّپتون األعلى
ٍ ُ
أرسلت سبع «قولي لها إنني
العزيز».
رسل هي سبعًا وسبعين شمعةً كي ال تتف َّوقي عليها». ضح َكت تاينا ،وقالت« :إذن فستُ ِ
أجابَت الملكة باسمةً« :سأستا ُء كثيرًا إذا لم تفعل .أخبِريها أيضًا بأن لها معجبًا س ِّريًّا ،فارسًا مفتونًا للغاية
بجمالها حتى إنه ال يستطيع النَّوم ً
ليال».
جاللتك أيُّ فارس؟ أيُمكن
ِ ق المكر في عينَي تاينا الواسعتين ال َّداكنتين وهي تسألها« :هل لي أن أسأل بر َ
أنه السير أوزني؟».
ت ذلك؟». منكَّ .
هال فعل ِ « -ربما ،لكن ال تُقَدِّمي لها االسم طواعيةً ،اجعليها تنتزعه ِ
صاحبة الجاللة».
ِ « -إذا كان يسرُّ ِك .هذا كلُّ ما أتمنَّى يا
في الخارج كانت الرِّيح الباردة تشت ُّد .ظلَّت االثنتان ساهرتيْن حتى ساع ٍة متأ ِّخرة من الصَّباح ،تشربان نبيذ
واستخلصت منها سرسي اسم حبيبها ال ِّس ِّري،
َ الذهبي وتتبادَالن الحكايات .سك َرت تاينا تما ًما (الكرمة) َّ
الذقن إلى رصان له َشعر أسود ينسدل على كتفيه ونُدبة على وجهه من َّ ٍ الذي كان ُربَّانًا من (مير) ،نِصف قُ
األُذن.
ُ
وجدت نفسي أقو ُل نعم في النِّهاية أي ً
ضا. قالت لها المرأة األخرى« :مئة م َّر ٍة ُ
قلت له ال وقال نعم ،إلى أن
رجال يُرفَض».ً لم يكن
أعرف هذا النَّوع».
ُ قالت الملكة بابتسام ٍة ملتوية« :
ً
رجال كهذا يا تُرى؟». صاحبة الجاللة
ِ « -هل عرفَت
أجابَت كاذبةً وهي تُفَ ِّكر في چايمي« :روبرت».
لكن حين أسدلَت جفنيها كان األخ اآل َخر هو من حل َمت به ،وبثالثة الحمقى المأفونين الذين بدأت بهم
ظت به في وعاء الفضالت. الجلدي ،فطلَته بالبرونز واحتف َ
يومها .في الحُلم أتوها برأس تيريون في الكيس ِ
الربَّان الحديدي
دارت (النَّصر الحديدي) حول الرَّأس األرضي ودخلَت الخليج المق َّدس كانت الرِّيح تهبُّ من ال َّشمال فيما َ
المس َّمى (مهد ناجا).
الح أمامهما ساحل (ويك القديمة) المق َّدس َّ
الحالق عند مقدِّمة السَّفينة ،وقد َ انض َّم ڤيكتاريون إلى نيوت
أشجار بيضاء عظيمة ،ك ٌّل منها
ٍ والتَّلُّ المعشوشب فوقه ،حيث ترتفع ضلوع ناجا من األرض كجذوع
ً
طوال. ُناظر صاري ال ُّدرمونة في العرض ويَبلُغ ِ
ضعفه ي ِ
عظام (بهو الملك األشيب) .شع َر ڤيكتاريون بما في هذا المكان من ِسحر ،وقال متذ ِّكرًا« :بالون وقفَ
أسفل هذه العظام حين نصَّب نفسه مل ًكا .أقس َم أن يستر َّد لنا ح ِّريَّتنا ،ووض َع تارل الغارق ثالثًا تاجًا من
الخشب المجروف على رأسه ،وهتفَ النَّاس :بالون! بالون! بالون مل ًكا!».
قال نيوت« :سيُ َد ِّوي هتافهم باسمك أيضًا».
الحالق ثقته حقًّا .بالون كان له ثالثة أبناء ،وابنة أحبَّها
َّ أومأ َ ڤيكتاريون برأسه مؤ ِّمنًا ،ولو أنه ال ي ِ
ُشارك
كثيرًا.
هذا ما قاله لربابنته في (خندق كايلن) حين أوعزوا إليه بأن يُطالِب ب ُكرسي حجر اليم ،وقال رالف
ستونهاوس األحمر« :أبناء بالون ماتوا ،وآشا امرأة .لقد كنتَ ذراع أخيك اليُمنى القويَّة ،ويجب أن تلتقط
السَّيف الذي أفلتَه» ،لكن عندما ذ َّكرهم ڤيكتاريون بأن بالون أم َره بالدِّفاع عن (الخندق) ضد ال َّشماليِّين قال
رالف كنينج« :ال ِّذئاب انكسروا يا سيِّدي .ما جدوى أن نكسب هذا المستنقع ونخسر الجُزر؟» ،وأضافَ
ً
طويال ،إنه ال يعرفنا». غاب عناَ رالف األعرج« :عين ال ُغراب
ظ الخاطر غضبةً قديمةً في قلبه ،ورغم ذلك... يورون جرايچوي ،ملك الجُزر وال َّشمال .أيق َ
قال لهم ڤيكتاريون« :الكالم هواء ،والهواء الجيِّد الوحيد هو الذي يدفع أشرعتنا .هل تُريدونني أن أقاتل
عين ال ُغراب؟ األخ ضد األخ والحديدي ضد الحديدي؟».
زال يورون أخاه الكبير مهما كان بينهما من ضغائن .ما من أح ٍد ملعون كقاتِل األقربين. ما َ
لكن ك َّل شي ٍء تغيَّر حين وص َل استدعاء ذي ال َّشعر الرَّطب ودعوته إلى انتخاب الملك.
قائال :آرون يتكلَّم بصوت اإلله الغريق ،وإذا كانت مشيئة اإلله الغريق أن أجلس ذ َّكر ڤيكتاريون نفسه ً
على ُكرسي حجر اليم ...في اليوم التَّالي ولَّى رالف كنينج قيادة (خندق كايلن) ،وتحرَّك ب ًّرا صوب (النَّهر
المحموم) حيث يرسو األسطول الحديدي وسط أحراج القصب وأشجار الصَّفصاف .بَعدها أ َّخرهم هياج
البحر وتقلُّب الرِّياح ،لكن سفينةً واحدةً فقط فُقِدَت ،وعا َد ڤيكتاريون إلى الوطن.
تحرَّكت (الثَّأر الحديدي) و(الثُّبور) على مقرب ٍة وراء (النَّصر الحديدي) بينما تجاو َزت لسان اليابسة،
ووراءهما جا َءت (اليد القويَّة) و(الرِّيح الحديد) و(ال َّشبح الرَّمادي) و(اللورد كويلون) و(اللورد ڤيكون)
ف غير منتظم ص ٍّ
و(اللورد داجون) والبقيَّة ،تسعة أعشار األسطول الحديدي المبحر في تيَّار المساء في َ
يمت ُّد فراسخ عديدةً إلى الوراء .مألَ منظر القلوع ڤيكتاريون جرايچوي بال ِّرضا .ال رجل في ال ُّدنيا أحبَّ
زوجاته كما يحبُّ حضرة الرُّ بَّان القائد سُفنه.
كالحراب،ِ بصوار مرتفعة
ٍ تصطف السُّفن الطَّويلة على مدى البصر
ُّ على شاطئ (ويك القديمة) المق َّدس
وفي البُقع األعمق من المياه ترسو الغنائم؛ أكواج وقراقير و ُدرمونات ظُفِ َر بها في الغارات أو الحروب،
57
وتمنعها أحجامها الكبيرة من ال ُّدنو من ال َّشاطئ ،وعلى مقدِّماتها ومؤ ِّخراتها وصواريها تخفق رايات
مألوفة.
الحالق عينيه ناظرًا إلى ال َّشاطئ ،وتساء َل« :أهذه (أغنيَّة البحر) سفينة اللورد هارلو؟». َّ ضيِّق نيوت
الحالق رجل غليظ البنية له ساقان متق ِّوستان وذراعان طويلتان ،لكن بصره لم يَعُد حا ًّدا كما كان في َّ
شبابه .في تلك األيام كان بإمكانه رمي الفأس بمنتهى البراعة ،حتى إن النَّاس قالوا إنه يستطيع أن يحلق
لحيتك بها.
ك ُكتبه(« .أغنيَّة البحر) ،نعم .وهذه هي (الرَّاعد) سفينة دروم العجوز ،وإلى يبدو أن رودريك القارئ تر َ
جوارها (طيَّار اللَّيل) سفينة بالكتايد» .ما زالَت عينا ڤيكتاريون تتمتَّعان بح َّدتهما المعهودة ،وعلى الرغم
من انطواء األشرعة وارتخاء الرَّايات فقد تعرَّف السُّفن كما يليق بحضرة الرُّ بان قائد األسطول الحديدي.
ضيَّة) أيضًا .ال بُ َّد أنه من أقرباء ساوان بوتلي» .سم َع ڤيكتاريون أن عين ال ُغراب أغر َ
ق «و(ال َّزعنفة الف ِّ
اللورد بوتلي ،كما أن وريثه ماتَ في (خندق كايلن) ،لكن هناك إخوةً وأبناء آخَرين أيضًا .كم؟ أربعة؟ ال،
خمسة ،وال أحد منهم عنده سبب يجعله يحبُّ عين ال ُغراب.
قان ،وأشرعتها -المطويَّة اآلن- ثم إنه رآها .للسَّفينة صارية واحدة ،بدنها رفيع واطئ وله لون أحمر ٍ
سوداء كسما ٍء بال نجوم .حتى في المرسى تبدو (الصَّمت) قاسيةً سريعةً .على مقدِّمتها فتاة حديديَّة سوداء
تم ُّد أحد ذراعيها ،خصرها ممشوق ونهداها عاليان شامخان وساقاها طويلتان رشيقتان ،ومن رأسها
فرف َشعرها الحديد األسود كأن الرِّيح تُطَيِّره ،وفي عينيها يلتمع ِعرق اللُّؤلؤ ،لكنها بال فم. يُ َر ِ
رجال حتى الموت ،وزوجةً أيضًا .رغم ال َّشيب الذي ٍ ضرب أربعةَ انغلقَت قبضتا ڤيكتاريون .بهاتين اليدين
صبيان .قاتِل وخطَ َشعره فإنه ال يزال محتفظًا بق َّوته كاملةً ،صدره عريض كالثِّيران وبطنه مسطَّح كال ِّ
األقربين ملعون في أعيُن اآللهة والبَشر .هذا ما ذ َّكره به بالون يوم صرفَ عين ال ُغراب إلى البحر.
أنزلوا األشرعة ،سنتق َّدم بالمجاذيف فقط .و ُمر (الثُّبور) و(الثَّأر للحالق« :إنه هناِ . َّ قال ڤيكتاريون
الحديدي) بالوقوف بين (الصَّمت) والبحر ،ولتُغلِق بقيَّة السُّفن الخليج .ال أحد يُغا ِدر َّإال بأمري ،سواء أكان
ً
رجال أم ُغرابًا».
صروا أشرعتهم ،وتر َّدد هتافهم عبر الخليج إذ رف َع األصدقاء واألهل عقائرهم كان َمن على ال َّشاطئ قد أب َ
ظهرها لم تَص ُدر كلمة واحدة من طاقمها المتنافر من بالتَّحيَّات ...لكن صوتًا لم يَخرُج من (الصَّمت) .على َ
البُكم وال ِهجان إذ دنَت (النَّصر الحديدي) ،وح َّدق إليه رجال سُود كالقار وآخَ رون قصار مكتنزون
مشعرون كقِردة (سوثوريوس) .وحوش.
الذهاب إلى أنزلوا قاربًا ،أري ُد َّ
ألقوا المرساة على بُعد عشرين ياردةً من (الصَّمت) ،وقال ڤيكتاريونِ « :
المالحون أماكنهم ،ليستق َّر سيفه الطَّويل على أحد َوركيه َّ ق بحزامه فيما أخ َذ ال َّشاطئ» ،ثم إنه تمنط َ
ت من الحالق معطفه المصنوع من تسع طبقا ٍ َّ وخنجره على الثَّاني .حول كتفَي حضرة القائد ثبَّت نيوت
الذهب والمفصَّل على شكل كرا ِكن عائلة جرايچوي وتتدلَّى ذراعاه حتى حذائه ،وقد ارتدى تحته قُماش َّ
الجلد األسود المق َّوى .كان قد اعتا َد ارتداء الحلقات ثقيال من الحلقات المعدنيَّة الرَّماديَّة فوق ِ قميصًا ً
المعدنيَّة في (موت كايلن) ليل نهار ،فاحتمال تيبُّس كتفيه وألم ظَهره أسهل من اإلسهال ال َّدموي ،إذ يكفي
ت قليلة ستجده أن يخدش أحد سهام شياطين المستنقعات المسمومة المرء مجرَّد خدش ،وخالل ساعا ٍ
ت من األحمر والبنِّي .سأتعا َم ُل مع شياطين المستنقعات أيًّا يَصرُخ بينما تسيل حياته من بين ساقيه في دفقا ٍ
كان الفائز ب ُكرسي حجر اليم.
ُّ
تلتف أذرُعه حول وجنتيه اعتم َر ڤيكتاريون خوذةً حربيَّةً سوداء طويلةً ،مطرَّقةً على شكل كرا ِكن حديدي
صار جاه ًزا ،فقال لنيوت وهو ينزل على جانب السَّفينة« :لقد
َ وتلتقي أسفل فَ ِّكه .عندئ ٍذ كان القارب قد
احرص على وضع حراس ٍة مش َّددة عليها» .الكثير يعتمد على هذه ِ وضعت الصَّناديق في عهدتك. ُ
الصَّناديق.
« -كما تأمر يا جاللة الملك».
أجابَه ڤيكتاريون بوج ٍه عابسُ « :
لست الملك بع ُد» ،ونز َل إلى القارب.
وكان آرون ذو ال َّشعر الرَّطب في انتظاره وسط األمواج المتكسِّرة على ال َّشاطئ ،وقد علَّق ِقربة الماء
المالح تحت ذراعه .الرَّاهب نحيل طويل ولكن أقصر قامةً من ڤيكتاريون ،ويَبرُز أنفه ك َزعنفة سمكة
قِرش من وجهه المهزول تحت عينين من حديد ،وتَبلُغ لحيته خصره ،وعندما تهبُّ الرِّيح يصفع َشعره
الطَّويل المتشابك كالحبال مؤ ِّخرة ساقيه .قال والموج األبيض البارد يتكسَّر حول كاحليه« :أخي ،ما ماتَ
ال يُمكن أن يموت أبدًا».
َر َّد ڤيكتاريون« :بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب» ،وخل َع خوذته ورك َع لتمأل مياه الخليج حذاءه وتُبَلِّل
صبَّ آرون خيطًا من الماء المالح على جبهته ،وشر َع االثنان في الصَّالة ،ول َّما فرغا َ
سأل سراويله بينما َ
حضرة القائد ذا ال َّشعر الرَّطب« :أين أخونا عين ال ُغراب؟».
الذهب ،هناك حيث اللَّغط أش ُّد .إنه يُحيط نفسه بالكافرين والوحوش، « -خيمته تلك المصنوعة من قُماش َّ
أسوأ من قبل .فيه فسدَت دماء أبينا».
« -ودماء أ ِّمنا أيضًا» .يَرفُض ڤيكتاريون أن يتكلَّم عن قتل األقربين هنا في هذا المكان المق َّدس أسفل
عظام ناجا و(بهو الملك األشيب) ،ولكن كم من ليل ٍة حل َم فيها بنفسه يهوي على وجه يورون الباسم بقبض ٍة
مقفَّزة بالحديد ،إلى أن يتشقَّق لحمه وتسيل دماؤه الفاسدة حمراء ح َّرةً .إياك أن تفعل ذلك .لقد أعطيت
بالون كلمتك .سأ َل أخاه الرَّاهب« :هل أتى الجميع؟».
« -جميع من لهم أهميَّة ،الرَّبابنة والملوك» .في (جُزر الحديد) االثنان سيَّان ،ألن ك َّل ُرب ٍ
َّان ملك على
ملك ال بُ َّد أن يكون ُربَّانًا« .هل تنوي المطالَبة بتاج أبينا؟».
سطح سفينته ،وك َّل ٍ
أجاب ڤيكتاريون متخي ًِّال نفسه يجلس على ُكرسي حجر اليم« :إذا شا َء اإلله الغريق». َ
فأصغ إلى الموج يا أخي».
ِ قال آرون ذو ال َّشعر الرَّطب وهو يلتفت مبتعدًا« :سيقول الموج كلمته،
« -أجل» .تساء َل كيف سيكون وقع اسمه إذ تهمسه األمواج ويهتف به الرَّبابنة والملوك .إذا أتَتني الكأس
فأنا ذائقها.
رجاال من ك ِّل جزيرة ،من آل ً كانوا قد ازدحموا يتم ُّنون له التَّوفيق ويتو َّددون إليه ،فرأى ڤيكتاريون
حضر أيضًا آل
َ بالكتايد وآل تاوني وآل أوركوود وآل ستونتري وآل وينش وكثيرين غيرهم ،وقد
جودبراذر أوالد (ويك القديمة) وآل جودبراذر أوالد (ويك ال ُكبرى) وآل جودبراذر أوالد (أوركمونت)
جميعًا ،باإلضافة إلى آل كود على الرغم من احتقار الجميع لهم ،بينما خالطَ آل شيپارد وآل ويڤر وآل نتلي
طهم آل همبل المتواضعون أيضًا مع أنهم من نسل ت عريقة أبيَّة ،بل وخال َ ً
رجاال من عائال ٍ المتواضعون
األقنان وال َّزوجات الملحيَّات .ربَّت واحد من آل ڤولمارك على ظَهر ڤيكتاريون بق َّوة ،و َدسَّ اثنان من آل
فشرب كثيرًا ومس َح فمه وتر َكهم يحملونه إلى بؤر النَّار ليسمع كالمهم عن الحرب َ سپار قِربة نبي ٍذ في يده،
والتِّيجان والغنائم وما ينتظرهم من أمجا ٍد وح ِّريَّة في عهده.
نصب رجال األسطول الحديدي خيمةً ضخمةً من قُماش األشرعة فوق خَ طِّ ال َمد ،وأقا َم ڤيكتاريون َ ليلتها
الجديان المشوي وسمك القُد المملَّح والكركند ،وجا َء مأدبةً لنِصفمئ ٍة من مشاهير الرَّبابنة ،أطع َمهم فيها لحم ِ
ُبحر فيه األسطول وشرب الماء ،في حين تجرَّع الرَّبابنة ِمزرًا يكفي ألن ي ِ َ آرون أيضًا وأك َل السَّمك
الحديدي .وعدَه كثيرون بأصواتهم ،منهم فرالج القوي وآلڤن شارپ األريب ،وكذا هوثو هارلو األحدب
ظي في ال َّزواج سيِّئ» .زوجته األولى ماتَت عرض عليه ابنته لتكون ملكته ،فقال له ڤيكتاريون« :ح ِّ َ الذي
في أثناء الوالدة ومن َحته ابنةً جهيضةً ،والثَّانية فتكَ بها الجُدري ،والثَّالثة...
جلب ثالثةً من أبنائه يعرضهم في انتخاب َ قال هوثو بإصرار« :ال بُ َّد أن يكون للملك وريث .عين ال ُغراب
الملك».
« -نغول و ِهجان .كم ِس ُّن ابنتك هذه؟».
أزهرت حديثًا ،و َشعرها بلون العسل .ما زا َل ثدياها َ أجاب هوثو« :اثنا عشر عا ًما ،جميلة وخصبة، َ
صغيريْن ،لكن َوركيها قويَّتان .إنها تُشبِه أ َّمها أكثر مني».
ك ڤيكتاريون أن معنى هذا أن الفتاة بال حدب ٍة في ظَهرها ،لكن حين حاو َل أن يتص َّورها لم ي َر َّإال أدر َ
انتحب ،وبَعدها حملَها إلى الصُّ خور ليُعطي سراطين َ ال َّزوجة التي قتلَها .مع كلِّ ضرب ٍة هوى عليها بها
البحر إياها .قال« :يسرُّ ني أن ألقي نظرةً على الفتاة حالما أت َّو ُج» .كان هذا أقصى ما جرؤَ هوثو على أن
يأمله ،فابتع َد قانعًا.
جلس إلى جوار ڤيكتاريون بوجهه النَّاعم الوسيم وقميصه َ على أن إرضاء بيلور بالكتايد أصعب ،وقد
الحمالن المضلَّع باألسود واألخضر ،وقد ارتدى فوقه معطفًا من فرو ال َّس ُّمور تُثَبِّته المفصَّل من صوف ِ
نجمة سُباعيَّة من الفضَّة .أمضى الرَّجل ثماني سنوات رهينةً في (البلدة القديمة) ،وعا َد منها عابدًا آللهة
األراضي الخضراء السَّبعة .قال اللورد بيلور« :بالون كان مجنونًا وآرون أكثر جنونًا ويورون األكثر
هتفت باسمك فهل ستضع نهايةً لهذه الحرب ُ جنونًا على اإلطالق ،فماذا عنك يا حضرة القائد؟ إذا
المجنونة؟».
متسائال« :هل تُريدني أن أركع؟». ً قطَّب ڤيكتاريون جبينه
« -إذا لز َم األمر .إننا ال نستطيع الصُّ مود وحدنا أمام (وستروس) كلِّها .الملك روبرت أثبتَ هذا وأذاقَنا
الويل .بالون قال إنه يُريد أن يدفع الثَّمن الحديدي لقاء الح ِّريَّة ،لكن نساءنا اشترين تيجان بالون باألسرَّة
الخالية .أ ِّمي كانت واحدةً منهن .النَّهج القديم ماتَ ».
عام سيظلُّ النَّاس يُ َغ ُّنون عن
« -ما ماتَ ال يُمكن أن يموت أبدًا ،بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب .بَعد مئة ٍ
بالون المقدام».
ب بك ِّل سرور .أعندك أب تُعطيني ُ
كنت ألبادل ح ِّريَّته تلك بأ ٍ « -األحرى أن تُ َس ِّميه بالون صانع األرامل.
ق بالكتايد نخيرًا ساخرًا وتر َكه. إياه؟» ،ول َّما لم ي ُِجب ڤيكتاريون أطل َ
قلب اثنان من أبناء جورولد جودبراذر مائدةً في شجار، ارتف َعت الحرارة داخل الخيمة وامتألَت بال ُّدخانَ .
وخس َر ويل همبل رهانًا ترتَّب عليه أن يأكل حذاءه ،وعزفَ لينوود تاوني الصَّغير على الكمنجة ،بينما
ورقص كارل
َ غنَّى رومني ويڤر (الكأس ال َّدامية) و(أمطار من فوالذ) وغيرهما من أغاني ال ُمغيرين،
ط في نبيذ رالف طار أحد أصابع إلدريد وسق َ َ البِكر وإلدريد كود رقصة األصابع ،فد َّوى الضَّحك عندما
األعرج.
نهض ڤيكتاريون ورآها عند سديلة الخيمة ،تهمس بشي ٍء ما في أُذن كارل َ بين الضَّاحكين كانت امرأة.
البِكر جعلَه يضحك بدوره .كان يأمل أنها ليست بالحماقة الكافية ألن تأتي ،غير أن مرآها حدا به إلى
ت آمر« :آشا ،ابنة أخي». االبتسام رغم ذلك ،فنادى بصو ٍ
شقَّت طريقها إلى جانبه وقد بدَت نحيلةً رشيقةً في حذائها العالي الذي بقَّع ِجلده المل ُح وسراويلها الصُّ وف
الجلديَّة عديمة األكمام التي عقدَت نِصف أربطتها .آشا الخضراء وقميصها البنِّي المبطَّن وسُترتها ِ
جرايچوي طويلة القامة بالنِّسبة إلى امرأة ،وعلى الرغم من هذا شبَّت على أصابع قدميها لتلثم وجنته
قائلةً« :ع َّماه ،يسرُّ ني أن أراك في انتخاب الملكة».
سفينتك (الرِّيح السَّوداء) على
ِ ت سكرانة يا ابنة أخي؟ اجلسي .لم ألمح َر َّد ضاح ًكا« :انتخاب الملكة؟ أأن ِ
ال َّشاطئ».
وقطعت الجزيرة ركوبًا» ،وجل َست آشا على ُكرسي ،وبال ٍ
إذن ُ رسوت بها عند قلعة اللورد جودبراذرُ «-
غاب في النَّوم سكران منذَ الحالق وشربَت منهَّ ،إال أن نيوت لم يعترض ،إذ كان قد َّ تناولَت نبيذ نيوت
م َّدة« .ل َمن القيادة في (الخندق)؟».
« -رالف كنينج .بموت ال ِّذئب الصَّغير لم يَعُد يقضُّ مضاجعنا َّإال شياطين المستنقعات».
« -آل ستارك لم يكونوا ال َّشماليِّين الوحيدين .العرش الحديدي قلَّد سيِّد (معقل الخوف) حُكم ال َّشمال».
ت ترضعين لبن أ ِّم ِك». « -هل تُلَقِّنينني دروسًا في الحرب؟ إنني أخوضُ المعارك وأن ِ
ت ما زل ِ
أضافَت آشا« :وتخسر المعارك أيضًا» ،وأخ َذت رشفةً من النَّبيذ.
رجل أن يخسر معركةً في شبابه
ٍ ال يحبُّ ڤيكتاريون أن يُ َذ ِّكره أحد ب(الجزيرة القصيَّة) ،فقال« :على ك ِّل
أنك لم تجيئي للمطالَبة بالحُكم».
كي ال يخسر حربًا حين يكبر .آم ُل ِ
ُ
جئت لهذا؟». قالت بابتسام ٍة عابثة« :وماذا لو أني
ت بنتًا صغيرةً تسبح عاريةً في البحر وتلعب ب ُدميتها».
رونك عندما كن ِ
ِ « -هناك رجال يَذ ُك
ُ
ولعبت بالفؤوس أيضًا». «-
سأعطيك واحدًا».
ِ زوج ال إلى تاج .حين أصب ُح مل ًكا
ٍ قال مق ًّرا« :نعم ...لكن المرأة تحتاج إلى
ي .هل أج ُد لك زوجةً حسناء حين أصب ُح ملكةً؟».« -يا لحنان ع ِّمي عل َّ
« -حظِّي في ال َّزواج سيِّئ .منذ متى وأن ِ
ت هنا؟».
« -منذ فتر ٍة تكفي ألن أرى أن ذا ال َّشعر الرَّطب أثا َر أكثر مما كان ينتوي .دروم يُز ِمع أن يُطالِب بالحُكم،
وتارل الغارق ثالثًا ُس ِم َع يقول إن مارون ڤولمارك الوريث ال َّشرعي لذوي النَّسب األسود من العائلة».
« -ال بُ َّد أن يكون الملك من ال َكرا ِكن».
قالت آشا« :عين ال ُغراب كرا ِكن .األخ الكبير يسبق الصَّغير» ،ومالَت آشا دانيةً ،وأردفَت« :لكني ابنة
الملك بالون ومن صُلبه ،ولذا أسب ُ
ق كليكما .اسمعني يا ع َّماه.»...
وخفض لينوود تاوني ال َّ
صغير كمنجته ،ود َّور الرِّ جال َ غير أن الصَّمت رانَ فجأةً على المكان .سكتَ الغناء
رؤوسهم ،بل وسكنَت جلبة األطباق والسَّكاكين.
دستة من الوافدين الجُدد دخلَت خيمة المأدبة ،ورأى ڤيكتاريون چون ماير ذي الوجه المسحوب،
وتوروولد ذي السِّن البنِّيَّة ،ولوكاس كود األعسر ،إضافةً إلى جرموند بوتلي الذي عق َد ذراعيه على واقي
صدره المذهَّب الذي أخ َذه من جثَّة أحد قادة النستر خالل تمرُّ د بالون األول ،وقد وقفَ إلى جواره
َّ
والمالح األحمر ب َشعره النَّاري أوركوود سيِّد (أوركمونت) ،ووارءهما ذو اليد الحجر وكويلون همبل
المضفور ،ومعهم رالف الرَّاعي ورالف ابن (النسپورت) وكارل القِن.
وعين ال ُغراب ،يورون جرايچوي.
قال ڤيكتاريون لنفسه :ال يبدو عليه تغيير ،يبدو تما ًما كما كان يوم سخ َر مني ورح َل .يورون أوسم أبناء
منتصف اللَّيل دون
َ اللورد كويلون ،ولم تُ َغيِّر ثالثة أعوام في المنفى هذا .ما َ
زال َشعره أسود كالبحر في
َّ
المشذبة .تُ َغطِّي عين يورون ي لمح ٍة من األبيض ،وما زا َل وجهه ناع ًما شاحبًا تحت لحيته الفاحمة أ ِّ
اليُسرى رُقعة ِجلديَّة سوداء ،لكن اليُمنى زرقاء كسماء الصَّيف.
ف َّكر ڤيكتاريون :عينه الباسمة ،وقال« :عين ال ُغراب».
« -الملك عين ال ُغراب يا أخي»َ ،ر َّد يورون مبتس ًما ،فبدَت شفتاه داكنتيْن للغاية في ضوء المصابيح،
مكدومتيْن مزرقَّتيْن.
لكافر.»...
ٍ قائال« :ال ملك َّإال بانتخاب الملك .ليس
نهض ذو ال َّشعر الرَّطب ً
َ
قاط َعه يورون ...« :أن يجلس على ُكرسي حجر اليم ،نعم» ،وتطلَّع عبر الخيمة متابعًا« :يتصادَف أني
جلست على ُكرسي حجر اليم كثيرًا في الفترة األخيرة ولم يعترض» ،والتم َعت عينه الباسمة وهو ُ
الذهب أعيُنها أحجار ُواصل« :من يعرف عن اآللهة أكثر مني؟ آلهة خيول وآلهة ناريُّون ،آلهة من َّ ي ِ
ُ
رأيت َ
كريمة ،آلهة منحوتة من خشب األرز وآلهة منحوتة في الجبال وآلهة من هواء ...أعرفها جميعًا.
ُ
وسمعت عبادها يضعون على رؤوسها أكاليل ال َّزهر ويسفحون دماء الماعز والثِّيران واألطفال باسمها،
اشف ساقي العاجزة ،اجعل الفتاة تحبُّني ،امنحني ابنًا سلي ًما معافًى ،أنقِذني، ِ الصَّلوات بعشرات اللُّغات.
أثرني ...اح ِمني! اح ِمني من أعدائي ،اح ِمني من الظَّالم ،اح ِمني من المرض في بطني ،من سادة أس ِعفنيِ ،
قائال« :كافر؟ آرون، المرتزقة على بابي ،اح ِمني من (الصَّمت)!» ،وضحكَ ً ِ الخيول ،من النَّ َّخاسين ،من
ُ
فخدمت عشرة آالف. رجل إيمانًا في التَّاريخ! تخدم أنت إلهًا واحدًا يا ذا ال َّشعر الرَّطب ،أ َّما أنا
ٍ إنني أكثر
ص ُّلون».
من (إيب) إلى (آشاي) ،حين يرى النَّاس أشرعتي يُ َ
الذهب والمسوخ ذات رؤوس الكباش، صلُّون لألشجار واألصنام َّ رف َع الرَّاهب إصبعًا رفيعًا ،وقال« :إنهم يُ َ
آلهة زائفة.»...
ع في نسوتهم ق دماءهم في البحار وأزر ُ قال يورون« :بالضَّبط ،ولهذه الخطيئة أقتلهم جميعًا ،أري ُ
الصَّارخات بذرتي .آلهتهم التَّافهة ال تقوى على صدِّي ،فواضح إذن أنها آلهة زائفة .إنني أكثر تقوى منك
شخصيًّا يا آرون .ربما عليك أنت أن تركع أمامي طالبًا البَركة».
المالح األحمر ضحكةً صاخبةً لقوله ،وحذا اآل َخرون حذوه ،في حين قال الرَّاهب« :حمقى ،ما أنتم ق َّأطل َ
َّإال حمقى وأقنان و ُعمي .أال ترون الواقف أمامكم؟».
قال كويلون همبل« :نرى مل ًكا».
ق ذو ال َّشعر الرَّطب على األرض ،وخر َج إلى اللَّيل ب ُخطوا ٍ
ت واسعة. بص َ
طال
َ وحين رح َل التفتَ يورون بعينه الباسمة إلى ڤيكتاريون ً
قائال« :حضرة القائد ،ألن تُ َحيِّي أخاك الذي
والدتك؟».
ِ ت يا آشا؟ كيف حال السيِّدةغيابه؟ وال أن ِ
أجابَت آشا« :ليست بخير ،رجل ما جعلَها أرملةً».
سمعت أن إله العواصف ألقى ببالون إلى حتفهَ .من هذا الرَّجل الذي قتلَه؟
ُ هَ َّز يورون كتفيه ،وقال« :
أخبِريني باسمه يا ابنة أخي ألثأر لنفسي منه».
يوم
ت غبت عنا ،ثم ترجع (الصَّمت) في غضون ٍ قا َمت آشا قائلةً« :تعرف اسمه ِمثلما أعرفه .ثالث سنوا ٍ
واحد من موت أبي».
سألَها يورون بوداعة« :هل تتَّهمينني؟».
« -هل يَج ُدر بي أن أتَّهمك؟» .حدَت نبرة آشا الحا َّدة بڤيكتاريون إلى العبوس .من الخطر أن يُ َكلِّم المرء
عين ال ُغراب بهذا األسلوب ،حتى والعبث يلتمع في عينه الباسمة.
سأ َل عين ال ُغراب حيواناته المدلَّلة« :هل تأتمر الرِّيح بأمري؟».
قال أوركوود سيِّد (أوركموند)« :ال يا جاللة الملك».
وقال جرموند بوتلي« :ال ِّريح ال تأتمر بأمر إنسان».
بحر حيثما شئت وال تُعاني سكونها أبدًا». وقال َّ
المالح األحمر« :ليتها تأتمر بأمرك .كنت لتُ ِ
رجال ُشجعان( .الصَّمت) كانت في البحر حين ماتَ بالون .إذا كن ِ
ت ٍ ت الحقيقة من ثالثة « -ها قد سمع ِ
فلك اإلذن في سؤال طاقمي». تُ َش ِّككين في كلمة ع ِّم ِك ِ
« -طاقمك األخرس؟ نعم ،سينفعني هذا حقًّا».
ُ
نسيت ،ألك ً
متسائال« :توروولد ،لقد سينفعك أن تتز َّوجي» ،وعا َد يلتفت إلى أتباعه
ِ قال يورون« :
زوجة؟».
اكتسب لقبه.
َ أجاب توروولد ذو السِّن البنِّيَّة بابتسام ٍة عريضة ليُريهم كيف
َ « -زوجتي الوحيدة»،
أعلنَ لوكاس كود األعسر« :أنا أعزب».
ب وجيه .كلُّ النِّساء يحتقرن آل كود .ال تَنظُر إل َّ
ي بهذا الحُزن يا لوكاس ،فما زالَت لديك قالت آشا« :لسب ٍ
يدك ال َّشهيرة» ،وصن َعت حركةً بذيئةً بقبضتها.
ت را َح كود يسبُّ ويلعن إلى أن وض َع عين ال ُغراب يده على صدره ً
قائال« :أهذه لباقة يا آشا؟ لقد جرح ِ
لوكاس في الصَّميم».
« -أسهل من جرحه في القضيب .إنني أجي ُد رمي الفؤوس كأ ِّ
ي رجل ،لكن عندما يكون الهدف صغيرًا
هكذا.»...
زمج َر چون ماير ذو الوجه المسحوب« :هذه الفتاة تنسى نفسها .بالون تر َكها تعتقد أنها رجل».
ارتكب الغلطة نفسها معك».
َ ر َّدت آشا« :أبوك
أعطني إياها يا يورون .سأصفعها على مؤ ِّخرتها إلى أن تحم َّر ك َشعري». قال َّ
المالح األحمرِ « :
ي األحمر» ،وظه َرت في يدها فأس ألقَتها في الهواء وحاول ،وبعدئ ٍذ سنُ َس ِّميك الخص َّ
ِ قالت آشا« :تعا َل
والتقطَتها ببراع ٍة متابعةً« :ها هو ذا زوجي يا ع َّماه .على الرَّجل الذي يُريدني أن يتعا َمل معه ً
أوال».
هوى ڤيكتاريون بقبضته على المائدة صائحًا« :لن أسمح بإراقة الدِّماء هنا .يورونُ ،خذ ...حيواناتك
األليفة ...واخرُج».
كنت أتطلَّ ُع إلى ترحي ٍ
ب أكثر دفئًا منك يا أخي .إنني أخوك الكبير ...وقريبًا مليكك». ُ «-
اغب َّر وجه ڤيكتاريون ،وقال« :حين يقول انتخاب الملك كلمته سنرى من يعتمر تاج الخشب المجروف».
وخرج
َ قال يورون« :على هذا نتَّفق» ،ورف َع إصبعين إلى الرُّ قعة التي تُ َغطِّي عينه اليُسرى وانصرفَ ،
ك لينوود تاوني ظ َّل الصَّمت مخيِّ ًما عقب خروجهم ،إلى أن أمس َ ب مهجَّنةَ . اآلخَرون في أعقابه ككال ٍ
الصَّغير كمنجته مج َّددًا وعا َد النَّبيذ وال ِمزر يتدفَّقان ،وإن ال َح على مجموع ٍة كبيرة من الضُّ يوف أنهم لم
يعودوا ظمآنين .انس َّل إلدريد كود من الخيمة محتضنًا يده ال َّدامية ،ثم تب َعه ويل همبل وهوثو هارلو وعدد
ال بأس به من أبناء جودبراذر.
وض َعت آشا يدها على كتف ڤيكتاريون قائلةً« :ع َّماه ،تمشَّ معي إذا سمحت».
ك سُفن كانت الرِّيح تشت ُّد خارج الخيمة ،والسَّحاب يجري أمام وجه القمر ال َّشاحب فيبدو كقوادس تندفع لتد َّ
العدو ،وال ُّنجوم قليلة خافتة .بطول ال َّشاطئ السُّفن الطَّويلة راسية ،صواريها العالية ترتفع كغاب ٍة وسط
األمواج .سم َع ڤيكتاريون صرير أبدانها وهي تستريح على ال ِّرمال ،وسم َع صوت انشداد حبالها الحا َّد
وخفقان الرَّايات عليها ،ووراءها في الجزء األعمق من الخليج رأى السُّفن األخرى األكبر تتمايَل في
كظالل قاتمة يتغلَّفها الضَّباب.
ٍ مرساها
قالت آشا إذ سارا معًا على ال َّشاطئ فوق خَ طِّ ال َمد مباشرةً وبعيدًا عن المخيَّمات وبؤر النَّار« :اص ِدقني
رحل يورون فجأةً؟». َ القول يا ع َّماه ،لماذا
الذهاب لإلغارة كثيرًا». « -عين ال ُغراب اعتا َد َّ
ت طويلة». « -لكن ليس لفترا ٍ
« -لقد أخ َذ (الصَّمت) إلى ال َّشرق .إنها رحلة طويلة».
ُ
أخذت كنت غائبةً عندما أقل َعت (الصَّمت)،
سألت لماذا رح َل وليس أين» ،فل َّما لم ي ُِجبها تاب َعت آشاُ « :
ُ «-
ودرت حول (الكرمة) إلى (األعتاب) ألسرق القليل من الغنائم من القراصنة ُ (الرِّيح والسَّوداء)
عدت كان يورون قد رح َل وماتَت زوجتك الجديدة». ُ الاليسينيِّين ،وحين
ي أن أتَّخذ
« -كانت مجرَّد زوج ٍة ملحيَّة» .إنه لم يمسَّ امرأةً أخرى منذ أعطى سراطين البحر إياها .عل َّ
زوجةً حين أت َّو ُج مل ًكا ،زوجةً حقيقيَّةً تكون ملكتي وتحمل لي أبنائي .يجب أن يكون للملك وريث.
رفض أن يتكلَّم عنها».
َ قالت آشا« :أبي
ُ
رأيت َر َّد« :ال ينفع المرء الكالم عن أشياء ال يستطيع أحد تغييرها» ،واستطر َد وقد سئ َم من الموضوع« :
سفينة القارئ».
« -إخراجه من (بُرج ال ُكتب) تطلَّب ِسحري كلَّه».
إنك امرأة».
لك في الحُكمِ .
آل هارلو يُ َؤيِّدونها إذن .ازدا َد وجه ڤيكتاريون عبوسًا ،وقال« :ال أمل ِ
ضاحكةً قالت آشا« :ألهذا أخس ُر دو ًما في مسابَقات التَّ ُّ
بول؟» ،ثم إنها أردفَت« :ع ِّمي ،ي ِ
ُؤسفني أن أقولها،
ليال وأنا أشربُ مع الرَّبابنة والملوك وأصغي لما يقولونه...لكن ربما تكون مصيبًا .منذ أربعة أيام وأربع ٍ
وما ال يقولونه .إن رجالي معي ،وكثيرين من آل هارلو ،ومعي تريس بوتلي أيضًا وبعض اآلخَرين .ال
يكفون» ،وركلَت صخرةً وطيَّرتها لتَسقُط في الماء بين سفينتين طويلتين ،وأضافَت« :أف ِّك ُر في أن أهتف
باسم ع ِّمي».
لك ثالثةً».
ي عم؟ إن ِ سألَها« :باسم أ ِّ
« -ثالثة أعمام وخال .اسمعني يا ع َّماه .سأض ُع تاج الخشب المجروف على رأسك بنفسي ...إذا وافقت
على مشا َركة الحُكم».
ً
معقوال .هل تُريد أن تكون ملكتي؟ وج َد ڤيكتاريون نفسه « -مشا َركة الحُكم؟ كيف؟» .المرأة ال تقول كال ًما
يَنظُر إلى آشا بطريق ٍة جديدة تما ًما ،وأحسَّ ب َذكره يتحرَّك ،فذ َّكر نفسه ً
قائال :إنها ابنة بالون ،وتذ َّكرها وهي
فتاة صغيرة ترمي الفؤوس على باب .عق َد ذراعيه على صدره ،وقال« :ال مكان على ُكرسي حجر اليم إ َّال
لواحد».
ظهرك وأهمسُ في أُذنك .ال ملك يستطيع أن يَح ُكم وسأقف وراءك أحمي َ ُ « -فليجلس ع ِّمي عليه إذن،
جلس التَّنانين على العرش الحديدي كان هناك َمن يُسا ِعدونهم ،أيادي الملوك .دعني َ وحده .حتى عندما
ُ
أكون يدك يا ع َّماه».
لم يحتَج ملك للجُزر إلى ي ٍد في تاريخها كلِّه ،ناهيك بكون ذلك اليد امرأةً .سيسخر مني الرَّبابنة والملوك
وهُم يشربون« .لماذا ترغبين في أن تكوني يدي؟».
« -لنضع نهايةً لهذه الحرب قبل أن تضع نهايتنا .لقد كسبنا ك َّل ما يُمكننا أن نكسبه ...ومعرَّضون ألن
قسم أن أريت الليدي جلوڤر ك َّل كياس ٍة ممكنة ،وتُ ِ
ُ نخسر ك َّل شي ٍء بالسُّرعة نفسها ما لم نعقد ُ
صلحًا .لقد
سيِّدها سيتفا َوض معي .تقول إنه إذا رددنا (ربوة الغابة) و(مربَّع تورين) و(خندق كايلن) فسيتنازَل لنا
بقليل من
ٍ ال َّشماليُّون عن (رأس التنِّين البحري) و(السَّاحل الحجري) بأكمله .تلك األراضي معمورة
ال ُّس َّكان ،لكنها تفوق مساحة الجُزر مجتمعةً عشر مرَّات .سنُ ِ
برم الصَّفقة بتبا ُدل األسرى ،وسيُوافِق كلُّ
طرف على التَّحالُف مع الثَّاني إذا ما قرَّر العرش الحديدي.»...
ٍ
تستحمقك يا ابنة أخي( .رأس التنِّين البحري)ِ قاط َعها ڤيكتاريون مقهقهًا ،وقال« :الليدي جلوڤر هذه
ي شيء؟ (وينترفل) احترقَت وته َّدمت ،وال ِّذئب الصَّغير تحت و(السَّاحل الحجري) لنا بالفعل ،فلِ َم نر ُّد أ َّ
أبوك يَحلُم».
ِ األرض بال رأس .سوف ننال ال َّشمال كلَّه كما كان
« -عندما تتعلَّم السُّفن الطَّويلة اإلبحار وسط األشجار ربما .قد يعلق ُخطَّاف صيَّا ٍد بلَ ِوياثان رمادي ،لكن
اللَّ ِوياثان سيجرُّ ه إلى موته في األعماق ما لم يقطع الحبل.
ال َّشمال أوسع من أن نستطيع السَّيطرة عليه ،ومليء للغاية بال َّشماليِّين».
قال ڤيكتاريون« :عودي إلى ُد ِ
ماك يا ابنة أخي ،واترُكي ربح الحروب لل ُمحاربين» ،وأراها قبضتيه
مردفًا« :إن لي يدين .ال أحد يحتاج إلى ثالث».
ً
رجال يحتاج إلى عائلة هارلو». ُ
أعرف « -لكني
ي ابنته لتكون الملكة .إذا قبلتها فسأحظى بعائلة هارلو».
عرض عل َّ
َ « -هوثو األحدب
أدهش قوله آشا التي قالت« :اللورد رودريك يَح ُكم عائلة هارلو».
َ
ت ُ
وسأكون الملك» .ما إن قالها بصو ٍ « -رودريك ليس عنده بنات وإنما ال ُكتب فقط .هوثو سيكون خليفته،
طويال ج ًّدا».
ً غاب
َ عال حتى بدا وقعها واقعيًّا« .عين ال ُغراب
ٍ
امش بين بؤر النَّار إذا جرؤت
ِ قالت آشا منذرةً« :بعض الرِّجال يبدو أكبر من حجمه الحقيقي من بُعد.
وأنصت .إنهم ال يحكون ويتحاكون عن ق َّوتك أو َجمالي ال َّشهير ،بل يتكلَّمون عن عين ال ُغراب فحسب، ِ
قالبالد البعيدة التي رآها والنِّساء الالتي اغتصبَهن والرِّجال الذين قتلَهم والمدائن التي نهبَها ،وكيف أحر َ
أسطول اللورد تايوين في (النسپورت).»...
ألقيت المشعل األول على سفينته األُم».
ُ ُ
أحرقت أسطول األسد .بيدَي هاتين قال بإصرار« :أنا
قالت آشا« :عين ال ُغراب هو من وض َع الخطَّة» ،ووض َعت يدها على ذراعه مضيفةً« :وقت َل زوجتك
أيضًا ...أليس كذلك؟».
ً
طفال في بطنها كان بالون قد أم َرهم بعدم اإلتيان على ِذكر تلك المسألة ،لكن بالون ماتَ « .لقد وض َع
رفض قتل األقربين تحت سقفه رفضًا قاطعًا ،ونفى
َ وجعلَني أقتلها بنفسيُ .
كنت ألقتله أيضًا لوال أن بالون
يورون بال عودة.»...
...« -ما دا َم بالون حيًّا؟».
قائال« :لقد ر َّكبت لي قرنين .لم أملك خيارًا» .لو افتض َح األمر لضح َ
ك النَّاس ق ڤيكتاريون قبضتيه ً رم َ
ك عين ال ُغراب حين واجهته وقال متب ِّجحًا« :لقد أتَتني مبتلَّةً راغبةً .يبدو أن ڤيكتاريون مني ،كما ضح َ
يستطع أن يبوح لها بذلك.
ِ كبير في كلِّ شي ٍء باستثناء الجزء المهم» .لكنه لم
قالت آشا« :آسفةٌ لما جرى لك ،وأكثر أسفًا لما جرى لها ...لكنك ال تَترُك لي اختيارًا َّإال المطالَبة ب ُكرسي
حجر اليم لنفسي».
ت يا امرأة».
ملكك ،فبدِّديها كما شئ ِ
ِ حياتك
ِ ُمكنك« .
ِ ال ي
ر َّدت« :هي كذلك» ،وتر َكته.
الغريق
فقط حينما خ َّدر البرد ذراعيه وساقيه تما ًما عا َد آرون جرايچوي أدراجه إلى ال َّشاطئ وارتدى ثيابه.
لقد فَ َّر من عين ال ُغراب كأنه ال يزال ذلك ال َّشيء الضَّعيف الذي كانه ،لكن حين تكسَّرت األمواج فوق
رجال أقوى وأصلب .ال فاني يُخيفه ،وال الظَّالم ً دت ثانيةً من البحر، رأسه ذ َّكرته بأن ذلك الرَّجل ماتَ ُ .ولِ ُ
ب ينفتح ،وصرخة ِمفصل ٍة حديديَّة صدئة. يُخيفه ،وال عظام روحه ،تلك العظام الرَّماديَّة العجوز .صوت با ٍ
آخر م َّر ٍة قبل أسبوعين ،والتص َ
ق ق رداؤه إذ سحبَه على جسده والملح ال يزال يُيَبِّسه منذ غسلَه ِ طقط َ
النَّسيج بصدره المبتل متشرِّ بًا الماء المالح الذي يسيل من َشعره ،ثم إن الرَّاهب مألَ قِربته وعلَّقها من كتفه.
ت واسعة في الظَّالم عث َر فيه رجل غارق عائد من تلبية نداء الطَّبيعة ،فتمت َم: بينما يقطع ال َّشاطئ ب ُخطوا ٍ
«ذو ال َّشعر الرَّطب» ،ووض َع آرون يده على رأسه وبار َكه وواص َل طريقه .بدأت األرض ترتفع تحت
أصبح
َ أوال ثم بح َّد ٍة أكثر ،ول َّما أحسَّ بالعُشب القصير بين أصابعه عرفَ أن ال َّشاطئ باعتدال ً
ٍ قدميه،
تأن صع َد مصغيًا إلى الموج .البحر ال يكلُّ أبدًا ،و ِمثله يجب َّأال أك َّل. وراءه اآلن ،وب ٍّ
أشجار شاحبة ضخمة، ٍ على ق َّمة التَّلِّ ترتفع من األرض أربع وأربعون ضلعًا حجريَّةً هائلة الحجم كجذوع
وجع َل منظرها نبض قلب آرون يتسا َرع .ناجا كانت تنِّينة البحر األولى ،أعتى التَّنانين التي انشقَّت عنها
غرق جُزرًا كاملةً في خض ِّم ثورتهاَّ ،إال أن الملك األمواج ،وكانت تقتات بلحوم ال َكرا ِكن واللَّ ِوياثانات وتُ ِ
يكف النَّاس عن التَّعجُّ ب من َشجاعة الملوك َّ حجر كي الٍ األشيب قتلَها وح َّول اإلله الغريق عظامها إلى
األوائل أبدًا ،وصا َرت ضلوع ناجا أعمدة وعوارض قاعته الطَّويلة ،تما ًما كما صا َر فَ َّكاها عرشه .طيلة
عام وسبعة حك َم هنا ،وهنا اتَّخذ عروس البحر زوجةً له وخطَّط لحروبه ضد إله العواصف ،ومن هنا ألف ٍ
طويال شاحبًا من ً كان سيِّدًا على الملح والحجر ،يرتدي ثيابًا من طحالب البحر المجدولة ويعتمر تاجًا
أسنان ناجا.
يستوطنون البحر واليابسة .كانت تُ َدفِّئ ِ لكن ذلك كان في فَجر ال َّزمان ،حين كان جبابرة البَشر ما زالوا
القاعة نيران ناجا الحيَّة التي س َّخرها الملك األشيب لخدمته ،وعلى جُدرانها تدلَّت معلَّقات مجدولة من
ضيَّة تسرُّ األعيُن ،والته َم ُمحاربو الملك األشيب والئم من فضل البحر على مائد ٍة شكلها بحر ف ِّ
ٍ طحالب
راح .اآلن ش منحوتة من ِعرق اللُّؤلؤ .ورا َح المجد كلُّهَ ، بحر عظيمة ،بينما يجلسون على عرو ٍ ٍ كنجمة
َ
البَشر أضأل وأعمارهم أقصر .أطفأ إله العواصف نيران ناجا بَعد وفاة الملك األشيب ،وس ُِرقَت المقاعد
جلس عليه الملك َ والمعلَّقات ،وتعفَّنت السُّقوف والجُدران وزالَت ،وحتى عرش األنياب العظيم الذي
األشيب ابتل َعه البحر ،وال يبقى َّإال عظام ناجا لتُ َذ ِّكر الحديديِّين باألعجوبة التي كانت.
قال آرون جرايچوي لنفسه :وهذا يكفي.
في ق َّمة التَّ ِّل تسع درجات منحوتة في الحجر ،ومن ورائها تلوح تالل (ويك القديمة) العاصفة ،وفي الخلفيَّة
البعيدة الجبال السَّوداء الموحشة .توقَّف آرون حيث كانت الب َّوابة في الماضي ،وخل َع سدادة ِقربته وأخ َذ
ُواجه البحر .من البحر ُولِدنا وإلى البحر نعود .حتى من هذا االرتفاع رشفةً من الماء المالح ،ثم التفتَ ي ِ
يسمع هدير األمواج الال متناهي ويَشعُر بقُدرة اإلله الكامن في األعماق .رك َع آرون على رُكبتيه ،وصلَّى:
ي قومك ،تركوا منازلهم وأكواخهم وقالعهم وحصونهم وأتوا هنا إلى عظام ناجا ،من كلِّ قد أرسلت إل َّ
ق حين يقف أمامهم ،والق َّوة الح َّ
قرية صي ٍد وك ِّل وا ٍد خفي ،فامنحهم في هذه السَّاعة الحكمة ليعرفوا الملك َ
صلِّي طيلة اللَّيل ،فعندما يحلُّ فيه اإلله ال يحتاج آرون جرايچوي إلى النَّوم ،تما ًما كما
لينبذوا الباطل .ظَ َّل يُ َ
ال يحتاج إليه الموج أو السَّمك في البحر.
أز َجت الرِّيح السَّحاب القاتم بينما تسلَّلت خيوط الضَّوء األولى إلى العالم .استحالَت السَّماء من األسود إلى
ي صخر األردواز ،وتح َّول سواد البحر إلى أخضر رمادي ،واصطبغَت جبال (ويك القديمة) رماد ِّ
السَّوداء عبر الخليج بدرجات األخضر المز َرق كأشجار الصَّنوبر الجُندي .مع عودة األلوان على استحيا ٍء
ضيَّة وقمر وينش ال َّدامي وأشجار أوركوود إلى ال ُّدنيا ارتف َعت مئة راي ٍة خفَّاقة ،ورأى آرون سمكة بوتلي الف ِّ
مكان ال َكرا ِكن َّ
الذهبيَّة ٍ الخضراء ال َّداكنة ،عالوةً على أبواق الحرب واللَّ ِوياثانات والمناجل ،وفي ك ِّل
العظيمة .تحت الرَّايات بدأ األقنان وال َّزوجات الملحيَّات يتحرَّكون في المكان ،يُقَلِّبون الجمر الخامد
ظفون األسماك إلفطار الرَّبابنة والملوكَ .مسَّ ضوء الفَجر ال َّشاطئ الحجري ويُعيدونه إلى الحياة ،ويُنَ ِّ
وشاه َد الرَّاهب ال ِّرجال يقومون من نومهم مزيحين أغطيةً من ِجلد الفقمات ويَطلُبون قرن ال ِمزر األول،
فقال لهم في نفسه :اشربوا وارتووا ،فعلينا اليوم أن نعمل عمل اإلله.
كان البحر يتحرَّك أيضًا .تعاظ َمت األمواج مع اشتداد الرِّيح دافعةً أعمدةً من الرَّذاذ تتكسَّر على أبدان
ُ
سأكون معك السُّفن الطَّويلة ،فف َّكر آرون :اإلله الغريق يستيقظ .سم َع صوته يَنبُع من أعماق البحر ً
قائال له:
هنا اليوم يا خادمي القوي األمين .ال كافر سيجلس على ُكرسي حجر يَ ِّمي.
هناك تحت ضلوع ناجا المق َّوسة وجدَه رجاله الغرقى واقفًا باعتدا ٍد وصرام ٍة و َشعره األسود الطَّويل
فرف في الرِّيح.يُ َر ِ
سألَه روس« :هل حانَ الوقت؟» ،فأومأ َ آرون برأسه إيجابًا ،وقال« :حانَ الوقت .اذهبوا وارفعوا أصوات
االستدعاء».
التقطَ الرِّ جال الغرقى هراواتهم المصنوعة من الخشب المجروف وطفقوا يضربون بعضها ببعض وهُم
ضجَّة بطول ال َّشاطئ ،مزيج مخيف من الطَّقطقة ُعاودون نزول التَّل ،وانض َّم إليهم آخَ رون لتنتشر ال َّ ي ِ
ق أيضًا ،بوم-بوم-بوم-بوم-بوم-بوم-بوم-بوم- والقعقعة كأن مئة شجر ٍة تتالطَم بأغصانها .بدأت ُّ
الطبول تد ُّ
بوم-بوم ،ود َّوى بوق حربي ثم آ َخر ،آآآآآآوووووووووووووووووووووووو!
صنَّاع أشرعة مالحون وموجِّ هو دفَّةُ ، ك الرِّ جال بؤر النَّار ليشقُّوا طريقهم إلى (بهو الملك األشيب)؛ َّ تر َ
صيَّادون بشباكهم ،بعضهم معه أقنان وبعضهم معه زوجات ملحيَّات، وسفَّانون ،ال ُمحاربون بفؤوسهم وال َّ
الالزم إلى األراضي الخضراء رافقَهم ِمايسترات ومغنُّون وفُرسان ،فيما وغيرهم م َّمن أبحروا أكثر من َّ
هالال حول سفح التَّل ،ونحو المؤ ِّخرة وقفَ األقنان والنِّساء واألطفال .سلكَ الرَّبابنة ً تزاح َم العا َّمة مش ِّكلين
والملوك المنحدَرات صاعدين ،ورأى آرون سيجفري ستونتري بوجهه البشوش وأندريك الال مبتسم
معطف مهترئ ٍ والفارس السير هاراس هارلو ،واللورد بيلور بالكتايد إلى جوار اللورد ستونهاوس في
من ِجلد الفقمات.
طوال باستثناء أندريك ،ولئن لم يعتمر خوذته فقد ارتدى ِدرعه كاملةً ً وقفَ أخوه ڤيكتاريون مجاو ًزا الجميع
الذهبي .سيكون ملكناَ .من ذا الذي يَنظُر إليه ويُخالِجه ال َّشك؟ وتسرب َل بمعطف الكرا ِكن َّ
وخفض الرِّجال الغرقى هراواتهم َ حين رف َع ذو ال َّشعر الرَّطب يديه المعروقتيْن صمتَت ُّ
الطبول واألبواق
أوال كي يُر ِهفوا أسماعهم« :من البحر ُولِدنا وإلى البحر نعود وسكتَت كلُّ األصوات .بهدو ٍء قال آرون ً
جميعًا .في غضبته انتز َع إله العواصف بالون من قلعته وأطا َح به ،لكنه اآلن يأكل وليمةً تحت األمواج في
أبهاء اإلله الغريق المائيَّة» ،ورف َع عينيه إلى السَّماء صائحًا« :ماتَ بالون! ماتَ الملك!».
ر َّدد رجاله الغرقى« :ماتَ الملك!».
ط بالون ،أخي بالون الذي بَ َّر « -لكن عسى الميت َّأال يموت أبدًا ،بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب .سق َ
بالنَّهج القديم ودف َع الثَّمن الحديدي .بالون ال ُّشجاع ،بالون المبا َرك ،بالون الغارق مرَّتين ،الذي استر َّد لنا
ح ِّريَّتنا وإلهنا .ماتَ بالون ...لكن مل ًكا حديديًّا سيأتينا ليجلس على ُكرسي حجر اليم ويَح ُكم الجُزر».
ر ُّدوا« :سيأتينا ملك! سيأتينا ملك!».
ت كرعد األمواج قال آرون« :سيأتينا ،ال بُ َّد أن يأتي ،لكن َمن هو؟ َمن سيجلس في مكان بالون؟ َمن بصو ٍ
آخرهما مردفًاَ « :من سيكون مل ًكا سيَح ُكم هذه الجُزر المق َّدسة؟ أهو بيننا اآلن؟» ،وبسطَ الرَّاهب كفَّيه عن ِ
علينا؟».
رجل يتطلَّع
ٍ َر َّد عليه نورس صار ًخا ،وبدأ المحتشدون يتحرَّكون في أماكنهم كأنهم يستيقظون من حُلم ،كلُّ
إلى جيرانه ليرى َمن منهم تُواتيه الجرأة على المطالَبة بالتَّاج .قال آرون ذو ال َّشعر الرَّطب لنفسه :عين
فعل فهي نهايته .لقد قط َع الرَّبابنة والملوك طُرقًا طويلةً
أوال .وإذا َ ال ُغراب لم يكن صبورًا قَ ُّ
ط .ربما يتكلَّم ً
ضع أمامهم .سيُريدون أن يتذ َّوقوا ويُعايِنوا ،قضمة من صنف يو َ
ٍ من أجل هذه المأدبة ،ولن يختاروا أول
هذا ولُقمة من ذاك ،إلى أن يجدوا أكثر من ي ِ
ُناسبهم.
لكن ال بُ َّد أن يورون يعي هذا أيضًا ،إذ وقفَ عاقدًا ذراعيه على صدره وسط ُخرسه ووحوشه ،ولم ي ُِجب
نداء آرون َّإال الرِّيح والموج.
ت طا َل كرَّر الرَّاهب« :ال مناص من أن يكون للحديديِّين ملك .أسألكم ثانيةًَ ،من سيكون مل ًكاوبَعد صم ٍ
علينا؟».
أتى الجواب من أسفل« :أنا».
ت خشنة ،وأفس َح الرَّبابنة الطَّريق لل ُمطالب في الحال ارتفع هتاف «جيلبرت! جيلبرت مل ًكا!» بأصوا ٍ
وأنصاره ليصعدوا التَّ َّل ويقفوا إلى جوار آرون أسفل ضلوع ناجا.
هذا الذي يُريد أن يكون مل ًكا لورد فارع القامة مهزول الجسد ،تبدو عليه سيماء الكآبة وله وجه طويل
نحيل محلوق بعناية .أخ َذ أنصاره الثَّالثة أماكنهم أسفله بدرجتين حاملين سيفه وتُرسه ورايته ،وقد بدا
ص ِّور سفينةً طويلةً عليهم تشابُه معيَّن مع اللورد الطَّويل ،فق َّدر آرون أنهم أبناؤه .بس َ
ط أحدهم الرَّاية التي تُ َ
لناخبي الملك« :أنا جيلبرت فارويند ،سيِّد (المنارة الوحيدة)».س غاربة ،وقال اللورد ِ سوداء أمام شم ٍ
يعرف آرون بعض آل فارويند ،وهُم قوم ُغرباء األطوار يملكون أراضي على السَّواحل في أقصى غرب
(ويك القديمة) والجُزر الصَّغيرة المتفرِّ قة وراءها ،صخور صغيرة للغاية يتَّسع معظمها ألُسر ٍة واحد ٍة
أيام وسط مستعمرات فقط ،و(المنارة الوحيدة) أبعدها على اإلطالق ،فلكي تَبلُغها عليك اإلبحار ثمانية ٍ
محيط رمادي مترامي األطراف .آل فارويند هناك أغرب أطوارًا من البقيَّة، ٍ الفقمات وسباع البحر في
59
ويُقال إنهم مخلوقات آثمة تُبَدِّل هيأتها فتأخذ شكل سباع البحر واألفظاظ ،وحتى الحيتان الرَّقطاء التي
تع ُّد ذئاب البحر المائج.
أرض بال شتا ٍء أو فاقة
ٍ أرض عجيبة تقع وراء (بحر الغروب)، ٍ بدأ اللورد جيلبرت حديثه ،فتكلَّم عن
وليس للموت فيها من سُلطان .صا َح« :اجعلوني ملككم وسأقودكم إلى هناك .سنبني عشرة آالف سفينة كما
رجل مل ًكا
ٍ بحر بشعبنا كلِّه إلى تلك األرض وراء مغرب ال َّشمس ،وهناك سيصير كلُّ فعلَت نايميريا ونُ ِ
وكلُّ زوج ٍة ملكةً».
عيناه ...رآهما آرون تتغيَّران ،اآلن رماديَّتان ،اآلن زرقاوان ،متقلِّبتان كالبحر .عينان مجنونتان ،عينا
أحمق .ال ريب أن الرُّ ؤيا التي يتكلَّم عنها َشرك نصبَه إله العواصف ليستدرج الحديديِّين إلى دمارهم.
ناخبي الملك جلود فقمات وأنياب تض َّمنت الهبات التي سكبَها رجال اللورد جيلبرت من الصَّناديق أمام ِ
أفظاظ وحلقات أذرُع من عظام الحيتان وأبواقًا حربيَّةً مطعَّمةً بالبرونز ،وقد تطلَّع الرَّبابنة إليها ثم أشاحوا
بأنظارهم تاركين ال ِّرجال األدنى شأنًا ينتقون ما يُريدون .حين فر َغ األحمق من الكالم وبدأ أنصاره
يهتفون باسمه لم يُس َمع صوت َّإال آلل فارويند ،وليس جميعهم كذلك ،وسرعان ما خفتَ هتاف «جيلبرت!
جيلبرت مل ًكا!» حتى صمتَ .
بإزعاج من فوقهم و َحطَّ فوق أحد ضلوع ناجا بينما عا َد سيِّد (المنارة الوحيدة) ينزل التَّل،ٍ صر َخ النَّورس
وتق َّدم آرون ذو ال َّشعر الرَّطب ،وقال« :ثانيةً أسألكمَ ،من سيكون مل ًكا علينا؟».
د َّوى صوت عميق معلنًا« :أنا» ،وم َّرةً أخرى أفس َح المتزاحمون الطَّريق.
ُح ِم َل المتكلِّم إلى ق َّمة التَّ ِّل على مقع ٍد منقوش من الخشب المجروف فوق أكتاف أحفاده .رجل ضخم متهالك
رطل وزنًا ويُنا ِهز التِّسعين ع ُمرًا ويرتدي معطفًا من ِجلد الفقمات األبيضَ ،شعره ناصع ٍ يبلغ أربعمئة
البياض أيضًا ،ولحيته المديدة تُ َغطِّيه كأنها دثار من خ َّديه إلى فخذيه مصعِّبةً التَّمييز بينها وبين المعطف،
ناضلوا الحتمال وزنه على ال َّدرجات الحجريَّة َ وعلى الرغم من أن أحفاده ضخام أقوياء البنية فقد
ظ َّل ثالثة منه واقفين أدناه باعتبارهم أنصاره. المنح ِدرة قبل أن يضعوه أمام (بهو الملك األشيب) ،و َ
اخبون لينحازوا إلى هذا الرَّجل ،لكن ال َّدهر عفا عليه.ف َّكر آرون :قبل ستِّين عا ًما كان النَّ ِ
ت يُعا ِدل بدنه ضخامةً« :نعم ،أنا! ولِ َم ال؟ و َمن أفضل؟ أنا إريك
هد َر الرَّجل من حيث يجلس بصو ٍ
أرهم مطرقتي يا ثورمور». آيرونميكر إذا كان العميان ال يرون ،إريك العادل ،إريك محطِّم السَّنادينِ .
بالجلد القديم ورأسها قالب من الفوالذ
رف َعها أحد أنصاره ليراها الجميع بحجمها الهائل ،مقبضها ملفوف ِ
بحجم رغيف ال ُخبز .قال إريك« :ال أستطي ُع أن أحصي كم يدًا ح َّولتها إلى عجين بهذه المطرقة ،ولكن
سحقت على سنداني كذلك ،لكن هناك أرامل يُمكنهن أن ُ صا ما يُخبِركم .وال أدري كم رأسًاربما تجدون ل ًّ
يقلن لكم .أستطي ُع أن أحكي لكم عن ك ِّل مآثري في المعارك ،لكني في الثَّامنة والثَّمانين ولن أعيش حتى
أفرغ .إذا كانت ال َّشيخوخة تعني الحكمة فليس هناك من هو أكثر حكمةً مني ،وإذا كانت الضَّخامة تعني
الق َّوة فلن تجدوا من هو أقوى مني .هل تُريدون مل ًكا له ورثة؟ إن عندي منهم أكثر مما يُمكنني أن أحصي.
الملك إريك ،نعم ،يروقني وقعها .هل ُّموا ،قولوها معي .إريك!
إريك محطم السنادين!
إريك مل ًكا!».
وإذ رف َع أحفاده أصواتهم بالهتاف تق َّدم أبناؤهم بصناديق على أكتافهم ،وحين قلبوها عند قاعدة ال َّدرجات
الحجريَّة انهم َر وابل من الفضَّة والبرونز والفوالذ؛ حلقات أذرُع وأطواق وسكاكين وخناجر وفؤوس.
اختطفَ بعض الرَّبابنة صفوة القِطع وأضافوا أصواتهم إلى الهتاف المتزايد ،لكنه لم يكد يبدأ يتفاقَم حتى
وبقدم واحدة على ال َّدرجة األدنى
ٍ شقَّه صوت امرأ ٍة صائحًا« :إريك!» .أفس َح لها ال ِّرجال الطَّريق لتمرَّ،
قالت« :إريك ،انهض».
سا َد الصَّمت .استمرَّت ال ِّريح في الهبوب والموج في االنكسار على السَّاحل ورا َح بعض الرِّ جال يُهَم ِهم
في آذان بعض ،وح َّدق إريك آيرونميكر الحديد من أعلى إلى آشا جرايچوي ً
قائال« :أيتها الفتاة ،أيتها الفتاة
الملعونة ثالثًا ،ماذا قل ِ
ت؟ » .
وسأكون أول من يتبعك .تُريد التَّاج،
ُ ُ
وسأهتف باسمك مع البقيَّة ،انهض صا َحت« :انهض ،انهض يا إريك
نعم ،فانهض و ُخذه».
بإحكام على
ٍ ق الرَّجل الكبير
ق إريك إليه عابسًا .أطب َ ك عين ال ُغراب ،فحمل َ الزحام ضح َفي مكانه في ِّ
ذراعَي عرش الخشب المجروف ،واحم َّر وجهه ثم اسو َّد ،وارتجفَت ذراعاه من المجهود ،ورأى آرون
ِعرقًا أزرق ثخينًا ينبض في ُعنقه بينما يُكافِح للنُّهوض .للحظ ٍة بدا كأنه على وشك أن يفعلها ،لكن قواه
ُّ
ينحط على وسادته. كلَّها َ
خارت ُدفعةً واحدةً وأطل َ
ق أنينًا وعا َد
طأطأ َ الرَّجل الكبير رأسه وهر َم في غمضة عين ،وحمله أحفاده نازلين به التَّل.
من جدي ٍد صا َح آرون ذو ال َّشعر الرَّطبَ « :من سيَح ُكم حديديِّي الميالد؟ َمن سيكون مل ًكا علينا؟».
تطلَّع بعض الرِّجال إلى بعض ،بعضهم إلى يورون وبعضهم إلى ڤيكتاريون وبعضهم إلى آشا ،وتكسَّرت
وصاح النَّورس م َّرةً أخرى ،صرخته كئيبة خشنة. َ األمواج خضراء وبيضاء على أبدان السُّفن الطَّويلة
نادى ابن مرلين« :اطرح دعواك يا ڤيكتاريون ،دَعنا نَفرُغ من هذه المهزلة».
َر َّد ڤيكتاريون النِّداء« :حين أستع ُّد».
َس َّر هذا آرون .األفضل أن ينتظر.
التَّالي كان ابن دروم ،عجوز آخَر وإن كان ال يُداني إريك في ِه َرمه ،فصع َد التَّ َّل على ساقيه وقد استق َّر
على َوركه سيفه ال َّشهير (المطر األحمر) المطرَّق من الفوالذ الڤاليري في أيام ما قبل الهالك .أنصاره
رجال مرموقون ،فابناه دينس ودونل مقاتالن قويَّان ،وبينهما أندريك الال مبتسم ،الرَّجل العمالق ذو
خير البن دروم.
رجل ِمثله بشير ٍ ٍ ال ِّذراعين الغليظتين كجذوع األشجار ،الذي يع ُّد تأييد
قائال« :مكتوبٌ أين أن ملكنا يجب أن يكون كرا ِكن؟ ما أحقيَّة (پايك) في حُكمنا؟ (ويك بدأ دروم ُخطبته ً
ال ُكبرى) أكبر الجُزر ،و(هارلو) أغناها ،و(ويك القديمة) أقدسها .حين الته َمت نار التَّنانين الخَ طَّ األسود
من العائلة ولَّى الحديديُّون ڤيكون جرايچوي عليهم ،نعم ...لكن باعتباره لورد ال مل ًكا».
بداية موفَّقة .سم َع آرون صيحات تأييد ،لكنها خفتَت عندما بدأ الرَّجل يحكي عن أمجاد آل دروم ،فتكلَّم عن
دايل ال ُمرعب ورورين ال ُمغير واألبناء المئة الذين أنجبَهم جورموند دروم األب العجوز ،واست َّل (المطر
س مدرَّع بعقله وهراو ٍة خشبيَّة ال أكثر ،وتكلَّم األحمر) وحكى لهم كيف أخ َذه هيلمار دروم الماكر من فار ٍ
ُفن ضاعَت منذ زمن ومعارك نُ ِسيَت من ثمانمئة عام ،وبدأ الجمهور يُصاب بالضَّجر .تكلَّم وتكلَّم ،ثم عن س ٍ
إنه تكلَّم أكثر.
ول َّما فُتِ َحت صناديق دروم رأى الرَّبابنة هدايا الضَّنين التي أتاهم بها ،وقال ذو ال َّشعر الرَّطب لنفسه :ال
وصارت حقيقة هذا جليَّةً لألسماع إذ خفتَت هتافات «دروم! دروم! دروم َ أحد اشترى عر ًشا بالبرونز قَ ُّ
ط.
مل ًكا!» وصمتَت.
بهدير أصخب من قبل ،فف َّكر :اآلن ،حانَ الوقت ٍ أحسَّ آرون بمعدته تتلبَّك ،و ُخيِّ َل إليه أن الموج يتال َ
طم
ألن يطرح ڤيكتاريون دعواه .م َّرةً أخرى صا َح الرَّاهبَ « :من سيكون مل ًكا علينا؟» ،لكن هذه المرَّة وق َعت
الزحام ،وأضافَ « :تسعة أبناء ُو ِلدوا من صُلب كويلون عيناه السَّوداوان الثَّاقبتان على أخيه في ِّ
جرايچوي ،أحدهم أقوى من سائرهم وال يعرف الخوف».
باركني يا أخي» ،ورك َع وحنى رأسه ،فخل َع قاب َل ڤيكتاريون نظرته وأومأ َ إيجابًا ،وعندما بل َغ الق َّمة قالِ « :
طا من ماء البحر على جبهة أخيه ،ثم قال الرَّاهب« :ما ماتَ ال يُمكن أن صبَّ خي ً آرون سدادة قِربته و َ
يموت أبدًا» ،و َر َّد ڤيكتاريون« :بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب».
حين قا َم ڤيكتاريون ارتصَّ أنصاره على درج ٍة أدنى منه؛ رالف األعرج ورالف ستونهاوس األحمر
الحالق ،وكلُّهم ُمحاربون ذائعو الصِّيت .رف َع ستونهاوس راية جرايچوي ،الكرا ِكن َّ
الذهبي على َّ ونيوت
منتصف اللَّيل ،وما إن رفرفَت حتى بدأ الرَّبابنة والملوك يهتفون باسم حضرة الرُّ بَّان َ خلفيَّ ٍة سوداء كبحر
فانتظر ڤيكتاريون حتى سكتوا ،ثم قال« :كلُّكم تعرفونني .إذا كنتم تُريدون الكالم المعسول فتطلَّعوا َ القائد،
إلى أح ٍد غيري .إنني ال أتمتَّ ُع بلسان المغنِّين ،بل بفأس ،وبهاتين» ،ورف َع لهم يديه الضَّخمتين المقفَّزتين
كنت أ ًخا مخلصًا .عندما الحالق فأسه الفوالذيَّة المخيفة .تاب َع ڤيكتاريونُ « : َّ بالحلقات المعدنيَّة ،ورف َع نيوت
وقدت سُفنه الطَّويلة في معارك عديدة ولم أخسر َّإال ُ تز َّوج بالون أرسلَني أنا إلى (هارلو) آلتي بعروسه،
أبحرت أنا إلى (النسپورت) ألحرق ذيل األسد ،وفي المرَّة الثَّانية ُ واحدةً .أول م َّر ٍة اعتم َر بالون تا ًجا
أرسلَني أنا ألسلخ ال ِّذئب الصَّغير إذا ما قرَّر أن يعود عاويًا إلى وطنه .كلُّ ما ستنالونه مني هو المزيد مما
نلتم من بالون ،وهذا كلُّ ما عندي».
سكب رجاله َ بختام كالمه بدأ أنصاره يصيحون« :ڤيكتاريون! ڤيكتاريون! ڤيكتاريون مل ًكا!» ،وفي األسفل
ق الرَّبابنة لالستيالء على والذهب والجواهر ،ثروة من الغنائم تساب َ شال ٍل من الفضَّة َّ محتويات صناديقه في َّ
أفضلها بينما يهتفون « :ڤيكتاريون! ڤيكتاريون! ڤيكتاريون مل ًكا!».
متسائال في نفسه :هل سيتكلَّم اآلن أم يَترُك االنتخاب ينتهي؟ كان أوركوود سيِّد ً راقب آرون عين ال ُغراب َ
ُ
(أوركمونت) يهمس في أذن يورون بشي ٍء ما.
على أن يورون ليس من وض َع نهايةً للهتاف ،وإنما المرأة .وض َعت آشا إصبعين في فمها وأطلقَت صفيرًا
الزبدة ،ثم صا َحت« :ع َّماه! ع َّماه!» ،وانحنَت ق الس ِّكين قالبًا من ُّ ق الهرج والمرج كما يش ُّ حا ًّدا صاخبًا َش َّ
ق نيوت على ذراعها ،ولجز ٍء من لحظة راو َد تختطف طوقًا ذهبيًّا ملتويًا وأسرعَت تصعد ال َّدرجات .أطب َ
الحالق وقالت شيئًا َّ آرون األمل في أن ينجح أنصار أخيه في إسكاتهاَّ ،إال أن آشا انتزعَت ذراعها من
ُفسح لها الطَّريق ،وإذ تجاو َزته صمتَ التَّهليل .إنها ابنة بالون جرايچوي ،والنَّاس لرالف األحمر جعلَه ي ِ
راغبون في سماعها.
قالت آشا لڤيكتاريون« :لُطف منك أن تجلب تلك الهدايا النتخاب الملكة يا ع ِّمي ،لكن ليس هناك ما يدعوك
واجه الرَّبابنة متابعةً« :ال أحد أشجع من إلى تدريع نفسك لهذه ال َّدرجة .أع ُد بأني لن أوذيك» ،والتفتَت تُ ِ
ي أحد .لقد ع ِّمي ،وال أحد أقوى ،وال أحد أضرى في القتال ،ويُمكنه أيضًا أن يع َّد إلى عشرة أسرع من أ ِّ
رأيته يفعل هذا ...ولو أنه يضطرُّ إلى خلع حذائه عندما يع ُّد إلى عشرين» .جعلَهم قولها هذا يضحكون.
«لكنه بال أبناء ،وزوجاته يَ ُمتن .عين ال ُغراب أكبر منه ودعواه أقوى.»...
المالح األحمر من أسفل« :نعم!». ق َّزع َ
« -آه ،لكن دعواي أقوى وأقوى» ،ووض َعت آشا الطَّوق على رأسها بزاوي ٍة عابثة ليلتمع َّ
الذهب في
َشعرها ال َّداكن ،وأردفَت« :ال يجوز أن يسبق أخو بالون ابن بالون!».
صاح رالف األعرج« :أبناء بالون ماتوا وال أرى َّإال ابنته الصَّغيرة!».
َ
الجلديَّة قائلةً« :أوهو! ما هذا؟ هل أريكم؟ بعضكم لم َ
ير ر َّددت آشا« :ابنته؟» ،ودسَّت يدها في سُترتها ِ
ملك شيء شنيع ،أهذا ما تقوله؟ رالف ،إنك واحدًا منذ فُ ِطمتم» ،وضح َكت مواصلةً« :وجود ثديين على ٍ
لست امرأةً عجو ًزا ِمثلك .رالف األعرج ...أال يُفت َرض أن يكون اسمك ُ على َحق ،أنا امرأة ...ولو أني
ُ
رالف الرَّخو؟» ،وسحبَت آشا خنجرًا من بين ثدييها رف َعته معلنةً« :إنني أم أيضًا ،وهذا ابني الرَّضيع! وها
هُم أوالء أنصاري!» .تق َّدموا متجاوزين أنصار ڤيكتاريون الثَّالثة ووقفوا أسفلها؛ كارل البِكر وتريستيفر
بوتلي والفارس السير هاراس هارلو الذي ال يقلُّ سيفه ( ُغروب) ُشهرةً عن (المطر األحمر) سيف دنستان
دروم« .ع ِّمي قال إنكم تعرفونه .إنكم تعرفونني أيضًا.»...
صاح أحدهم« :أري ُد أن أعرفك أفضل!».
َ
ر َّدت آشاُ « :عد إلى بيتك واعرف زوجتك» ،ثم إنها استدر َكت« :يقول ع ِّمي إنه سيُعطيكم المزيد مما
الذهب والمجد ،الح ِّريَّة الثَّمينة .نعم ،بالفعل ،هذا ما
أعطاكم أبي .طيِّب ،وماذا كان هذا؟ سيقول البعض َّ
ق بيته حين أتى روبرت؟ كم أعطانا إياه ...واألرامل أيضًا كما سيقول لكم اللورد بالكتايد .كم منكم احتر َ
صبَت ابنته وانتُ ِهك ِعرضها؟ القُرى المحروقة والقالع المتهدِّمة ،هذا ما نلتموه من أبي ،نلتم منكم اغتُ ِ
الهزيمة .ع ِّمي سيُعطيكم المزيد ،أ َّما أنا فال».
ت؟ الحياكة؟».سألَها لوكاس كود« :وماذا ستُعطيننا أن ِ
ك لنا مملكةً» ،وتقاذفَت خنجرها من ي ٍد إلى ي ٍد مردفةً« :علينا أن نتعلَّم أجابَت« :أجل يا لوكاس ،سأحي ُ
درسًا من ال ِّذئب الصَّغير الذي انتص َر في ك ِّل معركة...
وخس َر ك َّل شيء».
قال ڤيكتاريون باستهجان« :ال ِّذئب ليس كرا ِكن .ما يُطبِق عليه الكرا ِكن ال يُفلِته أبدًا ،سواء أكان سفينةً
طويلةً أم لَ ِوياثان».
« -وعال َم نُطبِق يا ع َّماه؟ ال َّشمال؟ وما ال َّشمال َّإال فراسخ وفراسخ من الفراسخ والفراسخ بعيدًا عن صوت
البحر؟ لقد استولينا على (خندق كايلن) و(ربوة الغابة) و(مربَّع تورين) ،بل وعلى (وينترفل) ذاتها ،فماذا
جنينا؟» ،وأشا َرت آشا فتق َّدم رجالها من طاقم (الرِّيح السَّوداء) حاملين صناديق من البلُّوط والحديد ،وقالت
بينما ُس ِكبَت محتويات أولها« :أق ِّد ُم لكم ثروة (السَّاحل الحجري)» ،وانهم َر سيل من الحصى على
ال َّدرجات ،حصى رمادي وأسود وأبيض صقلَته مياه البحر .قالت والصُّ ندوق الثَّاني يُفتَح« :أق ِّد ُم لكم
ثروات (ربوة الغابة)» ،وتدفَّقت أكواز الصَّنوبر لتتدح َرج وترتطم بأجساد المتزاحمين .قالت« :وأخيرًا
أق ِّد ُم لكم ذهب (وينترفل)» ،ومن الصُّ ندوق الثَّالث سقطَت ثمار اللِّفت األصفر المستديرة الصُّ لبة الكبيرة
وصاحت:
َ كرأس رجل ،وحطَّت وسط الحصى وأكواز الصَّنوبر .غر َست آشا خنجرها في إحداها،
«هارموند شارپ ،ابنك هاراج ماتَ في (وينترفل) من أجل هذا» ،ونزعَت النَّصل من الثَّمرة وألقَتها إليه
أظن أن لك أبنا ًء آخَرين .إذا كنت ترغب في مبادَلة حياتهم باللِّفت فاهتف باسم ع ِّمي!».
مضيفةًُّ « :
باسمك؟».
ِ ُ
هتفت سألَها هارموند« :وماذا لو
أجابَت آشا« :السَّالم ،األرض ،النَّصر .سأعطيكم (رأس التنِّين البحري) و(السَّاحل الحجري) ،تُربة
ابن صغير قاعةً لنفسه .سنكسب ال َّشماليِّين أيضًا... سوداء وأشجار طويلة وأحجار تكفي ألن يبني كلُّ ٍ
توجوني في سبيل السَّالم والنَّصر أو ت ِّوجواكأصدقاء يقفون معنا ضد العرش الحديدي .خياركم بسيطِّ .
ع ِّمي في سبيل المزيد من الحروب والهزائم» ،ودسَّت خنجرها في مكانه متسائلةً« :ماذا تختارون أيها
الحديديُّون؟».
ق رودريك القارئ وقد ك َّور يديه حول فمه« :النصر! النَّصر وآشا!». زع َ
ور َّدد اللورد بيلور بالكتايد« :آشا! آشا ملكة ً!».
وانض َّم رجال طاقم آشا إلى الهتاف مردِّدين« :آشا! آشا! آشا ملكة ً!» .دبدَبوا على األرض بأقدامهم
ً
مذهوال .تُريد أن تُ َد ِّمر ما بناه أبوها! وهزوا قبضاتهم في الهواء بينما أصغى ذو ال َّشعر الرَّطب
ُّ
لكن تريستيفر بوتلي يهتف باسمها ،ومعه ُكثر من آل هارلو وبعض آل جودبراذر واللورد مرلين ذو
الوجه المحتقن ،رجال أكثر مما كان الرَّاهب ليتخيَّل ...ومن أجل امرأة!
وهدر رالف األعرج« :ال لسالم الجُبناء!»،َ على أن آخَرين الذوا بالصَّمت أو راحوا يُتَمتِمون لجيرانهم،
ول َّوح رالف ستونهاوس األحمر براية جرايچوي مجعجعًا« :ڤيكتاريون! ڤيكتاريون! ڤيكتاريون!» .بدأ
ال ِّرجال يتدافَعون ،وألقى أحدهم كوز صنوبر على رأس آشا ،فل َّما انحنَت تتفاداه سقطَ تاجها المرت َجل عن
ت ُخي َِّل إلى الرَّاهب أنه واقف على ق َّمة كثيب ٍ
نمل عمالق ،وعند قدميه ألف نمل ٍة ثائرة. رأسها ،وللحظا ٍ
جا َشت الهتافات باس َمي آشا وڤيكتاريون جيئةً وذهابًا ،وبدا كأن عاصفةً عاتيةً على شفا ابتالعهم جميعًا.
إله العواصف بيننا ،يَب ُذر الفِتنة وال ِّشقاق.
ق النَّفير الهواء َشقًّا.
وكطعنة السَّيف النَّجالء َش َّ
طال مقامها
َ ُّ
تهتز كاألوتار في داخله ،صيحة ثاقبٌ مفج ٌع صوته ،صرخة حارَّة راجفة تجعل عظام المرء
في هواء البحر الرَّطب ،آآآآرريييييييييييييييييييييييييييي!
التفتَت األعيُن كلُّها نحو الصَّوت .كان واحد من ِهجان يورون يَنفُخ في بوق ،رجل رهيب الحجم له رأس
الذهب واليَشب والكهرمان األسود على ذراعيه ،وعلى صدره العريض وشم حليق ،تلتمع حلقات من َّ
لطائر ما من الكواسر تَقطُر من براثنه الدِّماء.
ٍ
آآآآرررييييييييييييييييييييييييييييي!
طعِّمه حلقات من َّ
الذهب رجل إذ حملَه بكلتا يديه ،وتُ َ
ٍ البوق الذي يَنفُخ فيه أسود المع ملت ٍو ،وأطول من قامة
األحمر والفوالذ ال َّداكن منقوشة عليها رموز بالڤاليريَّة توهَّجت باألحمر إذ تعاظ َم الصَّوت.
آآآآآآآرررييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي!
ب يُل ِهب اآلذان .غطَّى آرون ذو ال َّشعر الرَّطب أُذنيه ودعا اإلله الغريق أن ألم وغض ٍ ٌ
صوت فظيع ،عويل ٍ
خرسهَّ ،إال أن الصَّرخة استمرَّت واستمرَّت .أرا َد هو أن يَصرُخ :إنه يرفع موجةً عارمةً تُهَ ِّشم البوق وتُ ِ
آخرهما حتى بد َوتا على وشك بوق الجحيم ،ولكن ما كان أحد ليسمعه .انتف َخت وجنتا الرَّجل الموشوم عن ِ
ُشارف االنسالخ من ِجلده واختلجت عضالت صدره بطريق ٍة جعلَت الطَّائر يلوح كأنه ي ِ َ االنفجار،
بنار بيضاء .استم َّر الصَّوت
وحرف يُو ِمض ٍ
ٍ سطر
ٍ عم وكلُّ
بسطوع ُم ٍ
ٍ والتَّحليق ،واآلن كانت الرُّ موز متَّقدةً
واستم َّر واستمرَّ ،تتر َّدد أصداؤه بين التِّالل العاصفة من ورائهم وعبر مياه (مهد ناجا) لتُ َد ِّوي وسط جبال
(ويك القديمة) ،واستم َّر واستم َّر واستم َّر حتى مألَ العالم المبت َّل بأَسره.
وحين بدا كأن الصَّوت لن يتوقَّف أبدًا توقَّف.
ُمسكه من انقط َعت أنفاس نافخ البوق أخيرًا وترنَّح وكا َد يقع ،ورأى الرَّاهب أوركوود سيِّد (أوركمونت) ي ِ
تناول لوكاس كود األعسر منه البوق الذي يتصاعَد منه خيط رفيع من ال ُّدخان ،أ َّما
َ ذراعه ليُثَبِّته ،في حين
من نف َخ فيه فرأى الرَّاهب د ًما وقروحًا على شفتيه ،وكان الطَّائر على صدره ينزف أيضًا.
صع َد يورون جرايچوي التَّ َّل بتؤد ٍة وأعيُن الجميع عليه ،وأعالهم صرخَ النَّوس وصر َخ .ف َّكر آرون :ليس
لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليم ،لكنه يعلم أن عليه أن يدع أخاه يتكلَّم ،فتحرَّكت شفتاه بصال ٍة ٍ
صامتة.
انتحى أنصار آشا وڤيكتاريون جانبًا ،وتقهق َر الرَّاهب ُخطوةً وأسن َد يده إلى أحد أحجار ضلوع ناجا
الخشنة .توقَّف عين ال ُغراب على ق َّمة ال َّدرجات أمام باب (بهو الملك األشيب) ورم َ
ق الرَّبابنة والملوك
بعينه الباسمة ،لكن آرون شع َر بعينه األخرى أيضًا ،العين التي يُخفيها.
قال يورون جرايچوي« :أيها الحديدي ُّ ون ،قد سمعتم بوقي ،واآلن اسمعوا كالمي .أنا أخو بالون ،أكبر
ُ
أبحرت أبعد منهم أبناء كويلون األحياء ،في عروقي دماء اللورد ڤيكون ودماء الكرا ِكن العجوز ،لكني
ط ،واحد فقط أبح َر إلى (آشاي) عند ط ،واحد فقط لم يركع قَ ُّ
جميعًا .كرا ِكن َح ٌّي واحد لم يعرف الهزيمة قَ ُّ
ً
وأهواال تفوق الخيال.»... (بالد الظِّل) ورأى عجائب
صاح كارل البِكر نصير آشا ذو الوجه المتو ِّرد« :إذا كنت تحبُّ (بالد ال ِّ
ظل) كثيرًا هكذا فعُد إليها». َ
مستكمال« :أخي الصَّغير يُريد أن يُنهي حرب بالون ويحوز ال َّشمال ،وابنة أخي ً تجاهلَه عين ال ُغراب
والتوت شفتاة ال َّزرقاوان في ابتسامة ،وتاب َع« :آشا تُؤثِرَ العزيزة تُريد إعطاءنا السَّالم وأكواز الصَّنوبر»،
النَّصر على الهزيمة ،وڤيكتاريون يرغب في مملك ٍة وليس بضع ياردات تافهة من األرض .مني ستنالون
االثنين .تُ َس ُّمونني عين ال ُغراب .حسن ،و َمن بصره أثقب من ال ُغراب؟ عقب ك ِّل معرك ٍة تأتي ال ِغربان
ُبصر الموت من بعيد ،وأقو ُل لكم اآلن إن بالمئات واآلالف وتلتهم وليمةً من لحم السَّاقطين .ال ُغراب ي ِ
ضر ،و َمن يتبعونني سيلتهمون الوالئم ما تبقَّى لهم من ُعمر .إننا حديديُّو الميالد، (وستروس) قاطبةً تُحت َ
ب يُس َمع فيه صوت الموج .أخي يُريدكم أن ب وصو ٍ وفي ماضينا كنا ُغزاةً فاتحين ،لنا سطوة على ك ِّل حد ٍ
تقنعوا بال َّشمال البارد الكئيب ،وابنة أخي بما هو أقلُّ ...أ َّما أنا فسأعطيكم (النسپورت) و(هايجاردن)،
(الكرمة) و(البلدة القديمة) ،أراضي النَّهر و(المرعى)( ،غابة الملوك) و(الغابة المطيرة)( ،دورن)
وتُخومها( ،جبال القمر) و(وادي آرن)( ،تارث) و(األعتاب) .أقو ُل لكم أن نأخذ ك َّل شيء ،أقو ُل أن نأخذ
ق الرَّاهب مضيفًا« :وكلُّ هذا ألجل مجد إلهنا الغريق بالطَّبع». (وستروس)!» ،ورم َ
ألق ِّل من لحظ ٍة فتنَت جسارة كالمه آرون .لقد حل َم ال َّراهب الحُلم نفسه حين رأى المذنَّب األحمر في السَّماء
ُّ
نجتث آلهة السِّپتونات السَّبعة وأشجار ال َّشماليِّين أول مرَّة .سنكتسح األراضي الخضراء بالنَّار والسَّيف،
البيضاء...
رف َعت آشا عقيرتها قائلةً« :هل تركت عقلك في (آشاي) يا عين ال ُغراب؟ إذا كنا ال نستطيع السَّيطرة على
ال َّشمال -ولسنا نستطيع -فكيف نظفر بكامل (الممالك السَّبع)؟».
حدث هذا .ألم يُ َعلِّم بالون ابنته َّإال القليل عن طبائع الحرب؟ ڤيكتاريون ،ابنة أخينا لم تسمع َ ق أن« -سب َ
بإجون الفاتِح على ما يبدو».
صلة الفاتِح بنا؟». ً
متسائال« :إجون؟ وما ِ عق َد ڤيكتاريون ذراعيه على صدره المدرَّع
أعرف الحرب ِمثلك تما ًما يا عين ال ُغراب .إجون تارجاريَن غزا (وستروس) بالتَّنانين».
ُ قالت آشا« :
َر َّد يورون جرايچوي« :كما سنغزوها نحن .البوق الذي سمعتموه وجدته وسط األطالل ال َّداخنة التي كانت
الذهاب َّإالي .لقد سمعتم صوته وشعرتم بق َّوته .إنه بوق تنانين ،مطعَّم (ڤاليريا) ،حيث لم يجرؤ أحد على َّ
ق مشابهة َّ
بالذهب األحمر والفوالذ الڤاليري المنقوشيْن بالتَّعاويذ .كان سادة التَّنانين القُدامى يَنفُخون في أبوا ٍ
قبل أن يلتهمهم الهالك ،وبهذا البوق أيها الحديديُّون أستطي ُع أن أس ِّخر التَّنانين إلرادتي».
ق يُ َس ِّخر الماعز إلرادتك يا عين ال ُغراب .لم تَعُدأطلقَت آشا ضحكةً عاليةً ،وقالت« :ستجد نفعًا أكثر في بو ٍ
هناك تنانين».
وأعرف أين أجدها .مؤ َّكد أن هذا يستأهل تاجًا من الخشب ُ « -م َّرةً أخرى تُخطئين يا فتاة .هناك ثالثة،
المجروف».
صاح لوكاس كود األعسر« :يورون!».َ
َّ
المالح األحمر« :يورون! عين الغراب! يورون!». وهتفَ
فت َح ال ُخرس وال ِهجان من طاقم (الصَّمت) صناديق يورون وسكبوا هداياه أمام الرَّبابنة والملوك ،ثم سم َع
بالذهب ،وهتفَ جورولد جودبراذر أيضًا ،وإريك محطِّم الرَّاهب صوت هوثو هارلو يهتف إذ مألَ يديه َّ
السَّنادين« .يورون! يورون! يورون!» .استحا َل الهتاف إلى هدير « .يورون! يورون! عين ال ُغراب!
يورون مل ًكا!».
زلز َل (تَل ناجا) كأن إله العواصف يرجُّ السَّحاب « .يورون! يورون! يورون! يورون! يورون!
يورون!».
حث آرون ذو ال َّشعر الرَّطب في أعماقه عن ربِّه ولم يكتشف َّإال
حتى الرَّاهب يُمكن أن تُخا ِمره ال ُّشكوك .ب َ
يستطع أن يسمع َّإال صرخة ِمفصل ٍة حديديَّة صدئة.
ِ ت باسم أخيه لم
الصَّمت ،وإذ هد َر ألف صو ٍ
بِريان
ش جُنده ُخضر رماديُّون شرق (بِركة العذارى) ترتفع التِّالل الوعرة وتنغلق عليهم أشجار الصَّنوبر كجي ٍ
صامتون.
غاب الخليج عن أنظارهم ،وإذ َ قال ديك الرَّشيق إن الطَّريق السَّاحلي األقصر واألسهل ،ولذا فنادرًا ما
مضوا تضاءلَت مساحات البلدات والقُرى المطلَّة على السَّاحل وتزايدَت المسافات بينها .عند الغروب
المشترك مع غيره من ال ُمسافرين ،في حينَ خان يقضون فيه اللَّيل ،فينام كراب في الفِراش يبحثون عن ٍ
تأخذ بِريان ُغرفةً لها ولپودريك ،وهو ما جع َل ديك الرَّشيق يقول لها« :أرخص أن ننام كلُّنا في فِرا ٍ
ش
سيفك بيننا .ديك العجوز شخص وديع وشهم كالفُرسانِ ،
ولك أن تثقي ِ ُمكنك أن تضعي ِ واحد يا سيِّدتي .ي
بأمانته كما تثقين بطول النَّهار».
أصبح أقصر مما كان». َ علَّقت بِريان« :النَّهار
ت ال تثقين بوجودي في الفِراش فيُمكنني أن أنام على األرض يا سيِّدتي».
« -نعم ،ربما .إذا كن ِ
« -ليس على أرض ُغرفتي».
أنك ال تثقين بي إطالقًا».
« -قد يحسب المرء ِ
« -الثِّقة تُكت َسبِ ،مثلها ِمثل َّ
الذهب».
عليك أن تثقي بديك .إذا
ِ قال كراب« :كما تقولين يا سيِّدتي ،لكن في ال َّشمال حيث ينتهي الطَّريق سيكون
ذهبك ب َح ِّد السَّيف ف َمن سيمنعني؟».ِ ُ
أردت أن آخذ
« -إنك ال تملك سيفًا ،أ َّما أنا فأمل ُ
ك» .
أغلقَت الباب بينهما ووقفَت تُصغي حتى تأ َّكدت من ابتعاده .مهما كان رشيقًا فديك كراب ليس چايمي
النستر أو الفأر المجنون ،وال حتى همفري واجستاف .إنه مهزول سيِّئ التَّغذية ،و ِدرعه الوحيدة خوذة
وبدال من السَّيف يحمل خنجرًا قدي ًما تح َّزز نصله .ما دا َمت مستيقظةً فإنه ً قصيرة منبعجة مبرقَشة بالصَّدأ،
ال يُ َمثِّل خطرًا .قالت لپودريك« :سيأتي وقت ال نجد فيه خانًا يُؤوينا .إنني ال أث ُ
ق ب ُمرشدنا .عندما نُ َخيِّم َّ
هال
ي وأنا نائمة؟».
سهرت عل َّ
قال« :أبقى مستيقظًا يا سيِّدتي ،أيتها الفارس؟» ،وف َّكر لحظةً ثم أضافَ « :إن معي سيفًا .إذا حاو َل كراب
ُؤذيك سأقتله».
ِ أن ي
حاول أن تُقاتِله .ال أطلبُ َّإال أن تُراقِبه وأنا نائمة وتُوقِظني إذا فع َل شيئًا مريبًا.
ر َّدت بصرامة« :ال ،ال تُ ِ
ستجدني أستيقظُ بسُرعة».
فرغبانَت حقيقة كراب في اليوم التَّالي عندما توقَّفوا ل َسقي الخيول .ذهبَت بِريان وراء بعض ال ُّشجيرات لتُ ِ
مثانتها ،وبينما أق َعت سم َعت پودريك يقول« :ماذا تفعل؟ ابت ِعد عنه» ،فأنهَت ما تفعله ورف َعت سراويلها
وعادَت إلى الطَّريق لتجد ديك الرَّشيق يُنَظِّف يديه من الطَّحين .أخب َرته« :لن تجد تنانينَ في جراب
السَّرج.
الجراب المعلَّق من حزامها ،والباقي مخبَّأ في جيبيْن مخيطيْن داخل إنني أحتفظُ بذهبي معي» .بعضه في ِ
ثيابها ،أ َّما الصُّ رَّة المنتفخة في جراب َسرجها فمليئة بالعُمالت ال ُّنحاسيَّة كبيرها وصغيرها والبنسات
راوت وال ُّنجوم ...والطَّحين األبيض النَّاعم ليجعلها أكثر انتفا ًخا .كانت قد اشت َرته وأنصاف البنسات وال َج ِ
من الطَّاهي في (السُّيوف السَّبعة) صبيحة خروجها من (وادي الغسق).
كنت أنظ ُر ضا أصابعه المل َّوثة بالطَّحين ليُريها أنه ال يحمل سالحًا« :ديك لم يقصد سو ًءا يا سيِّدتيُ . قال ناف ً
معك التَّنانين التي وعدتِني بها .العالم مليء بالكاذبين المتحفِّزين لسرقة ال ُّشرفاء .ال أعني ِ ألرى إن كانت
أنك منهم طبعًا». ِ
قالت بِريان آملةً أنه يُجيد اإلرشاد عن ال ُّلصوصيَّة« :األفضل أن نستأنف طريقنا» ،وعادَت تمتطي
فَرسها.
ت من تع َّود ديك الغناء وهُم راكبون معًا ،ولو أنه ال يُ َغنِّي أغنيةً كاملةً أبدًا وإنما مجرَّد مقطوع ٍة من هنا وبي ٍ
ُحاول أن يجعلها هناك ،وقد ارتابَت بِريان في أنه يُريد أن يخطب ُو َّدها ومن ثَ َّم تتخلَّى عن حذرها .أحيانًا ي ِ
وپودريك يُ َغنِّيان معه ولكن بال جدوى ،فالصَّبي خجول للغاية ولسانه معقود ،و ِبريان ال تُ َغنِّي أبدًا .ذات
ط حقًّا، ت تُ َغنِّين لرنلي؟» ،لكنها لم تُغَنِّ قَ ُّ
ألبيك؟ أكن ِ
ِ م َّر ٍة في (ريڤر َرن) سألَتها الليدي كاتلين« :أكن ِ
ت تُ َغنِّين
مع أنها أرادَت ...أرادَت...
ت عن (الرَّأس المتصدِّع) .يقول إن لكلِّ وا ٍد موحش ُتحفهما بحكايا ٍ عندما ال يُ َغنِّي ديك الرَّشيق فإنه يتكلَّم وي ِ
هناك سيِّده ،وال يُ َو ِّحد هؤالء َّإال انعدام ثقتهم بال ُغرباء ،ففي عروقهم تتدفَّق دماء البَشر األوائل قانيةً قويَّةً.
«األنداليُّون حا َولوا االستيالء على (الرَّأس المتصدِّع) فأرقنا دماءهم في الوديان وأغرقناهم في
يستطع أبناؤهم الفوز به بالسُّيوف نالَته بناتهم بالقُبالت .لقد صاهَروا العائالت التي ِ المستنقعات ،لكن ما لم
لم يستطيعوا إخضاعها ،نعم».
حاول آل داركلين ملوك (وادي الغسق) فرض هيمنتهم على (الرَّأس المتصدِّع) ،كما حاو َل آل موتون َ
سادة (بِركة العذارى) أيضًا ،والحقًا آل سلتيجار سادة (جزيرة السَّراطين) المتغطرسون ،لكن أهل
ب على اإلطالق ،وإذا أُر ِغموا فإنهم ي غري ٍ
(الرَّأس المتصدِّع) يعرفون مستنقعاتهم وغاباتهم أفضل من أ ِّ
ُحاولون غزوهم ينشغل بعضهم بقتال يختفون في المغارات المنتشرة في تاللهم ،عندما ال يُقاتِلون َمن ي ِ
حين إلى آخَ ر
ٍ ثأر وضغائن أعمق وأكثر سوادًا من المستنقعات بين تاللهم .من بعض ،ألن ما بينهم من ٍ
ينجح بطل ما في إحالل السَّالم بالمنطقة ،لكنه يدوم ما دا َم حيًّا ال أكثر .اللورد لوسيفر هاردي كان واحدًا
من العُظماء ،واألخوان برون أيضًا ،وأعظم منهم كاسر العظام العجوز ،لكن آل كراب أعظمهم كافَّةً ،وما
صدِّق أن بِريان لم تسمع بالسير كالرنس كراب و َمناقبه. زا َل ديك يَرفُض أن يُ َ
مكان له أبطاله المحلِّيُّون .في دياري يُ َغ ُّنون عن السير جاالدون المورني،
ٍ قالت له« :ولِ َم أكذبُ ؟ كلُّ
الفارس المثالي».
َر َّد ساخرًا« :السير جاال َمن الماذا؟ لم أسمع به من قبل .ولِ َم كان مثاليًّا؟».
بسيف
ٍ سلب (العذراء) نفسها قلبها ،فأنع َمت عليه َ بطال شديد البسالة لدرجة أنه « -السير جاالدون كان ً
سيف تقليدي أن يص َّد تلك ٍ مسحور داللةً على ُحبِّها .كان اسمه (العذراء العادلة) ،ولم يكن يُمكن أل ِّ
ي
بفخر لكنه لم يُ َج ِّردها َّإال
ٍ س أن يتح َّمل قُبلتها .حم َل السير جاالدون (العذراء العادلة) ي تُر ٍ
العذراء أو أل ِّ
قتال كهذا غير عادل».
ي ٍ ً
رجال فانيًا ألن ق َّوتها تجعل أ َّ رفض أن يُقاتِل بها
َ ثالث مرَّات ،إذ
وج َد كراب حكايتها هزليَّةً للغاية ،وقال« :الفارس المثالي؟ يبدو أنه كان األحمق المثالي .ما المغزى من
سيف مسحور إذا كان ال يستخدمه أبدًا؟». ٍ حمل
أجابَت« :ال َّشرف ،المغزى هو ال َّشرف».
بفارسك
ِ جعلَه ر ُّدها يُط ِلق ضحكةً أعلى ويقول« :كان السير كالرنس كراب ليمسح مؤ ِّخرته المشعرة
المثالي يا سيِّدتي .لو التقيا لكان رأس إضافي موضوعًا اآلن على الرُّ فوف في (قلعة الهمس) إذا طلب ِ
ت
ي أن أستخدم السَّيف ي أن أستخدم السَّيف المسحور ،كان عل َّ رأيي ،يقول للرُّ ؤوس األخرى :كان عل َّ
اللَّعين!».
غريم يَبلُغ
ٍ تستطع بِريان أن تمنع ابتسامتها ،وقالت« :ربما ،لكن السير جاالدون لم يكن أحمق .ضد ِ لم
طوال ويمتطي ثورًا ب ِّريًّا كان ليُ َج ِّرد (العذراء العادلة) .يقولون إنه قت َل بها تنِّينًا ذات مرَّة».
ً ثمانية أقدام
سيف
ٍ قال ديك الرَّشيق دون أن يبدو عليه تأ ُّثر« :كاسر العظام العجوز قات َل تنِّينًا أيضًا لكنه لم يحتَج إلى
ق مؤ ِّخرته». مسحور ،بل اكتفى بربط ُعنقه على نفسه ،وهكذا كلَّما َ
نفث النَّار أحر َ
سألَته بِريان« :وماذا فع َل كاسر العظام حين أتى إجون وأختاه؟».
أرسل أخته إلى َ رمقَها كراب بنظر ٍة جانبيَّة مجيبًا« :كان قد ماتَ حينئ ٍذ .مؤ َّكد أن سيِّدتي تعلم هذا .إجون
(الرَّأس المتصدِّع) ،تلك المس َّماة ڤيزينيا .كان اللوردات قد سمعوا بنهاية هارن ،وألنهم ليسوا حمقى فقد
رجاال لها وقالت إنهم لن يدينوا بالوالء ل(بِركة العذارى) أو ً وضعوا سيوفهم عند قدميها ،فأخ َذتهم الملكة
(جزيرة السَّراطين) أو (وادي الغسق) ،لكن هذا لم يمنع آل سلتيجار المالعين من إرسال رجال إلى
السَّاحل ال َّشرقي لجني الضَّرائب لسيِّدهم .إذا أرس َل عددًا كافيًا يعود إليه بعضهم ...وفيما عدا ذلك فنحن ال
ق قبل أن يُتابِع: ننحني َّإال لسادتنا والملك ،الملك الحقيقي وليس روبرت و َمن هُم على شاكلته» ،وبص َ
«كان هناك رجال من آل كراب وبرون وبوجز مع األمير ريجار في معركة (الثَّالوث) ،وفي ال َحرس
الملكي أيضًا .واحد من آل هاردي ،وواحد من آل كايڤ ،وواحد من آل پايين ،وثالثة من آل كراب؛
كليمنت وروپرت وكالرنس القصير .كان طوله ستَّة أقدام ،لكنه ما زا َل قصيرًا مقارنةً بالسير كالرنس
الحقيقي .كلُّنا من رجال التنِّين المخلصون في (الرَّأس المتصدِّع) ونواحيها».
شماال وشرقًا ،إلى أن لم تَعُد هناك خانات يقضون فيها ً استمرَّت حركة ال ُمسافرين في االنحسار مع تو ُّغلهم
اللَّيل ،وعندئ ٍذ كان طريق الخليج قد أصبح ممتلئًا بالحشائش أكثر من الحُفر .ليلتها أووا إلى قرية صيَّادين،
ونقدَت بِريان القرويِّين القليل من العُمالت النُّحاسيَّة ليسمحوا لهم بالمبيت في مخزن تبن .أخ َذت العُليَّة
لنفسها ولپودريك ،وبَعد صعودهما سحبَت السُّلَّم ،فنادى كراب من أسفل« :إذا تركتِني هنا وحدي فيُمكنني
واصل:
َ معك يا سيِّدتي» ،ول َّما تجاهلَته
ِ أن أسرق حصانيكما بك ِّل سهولة .األفضل أن تأخذيهما إلى أعلى
ت وپودز ستنامان مستريحيْن دافئيْن وديك العجوز المسكين «سيَسقُط المطر اللَّيلة ،مطر بارد غزير .أن ِ
أعرف فتاةًُ افترش كومةً من التِّبن ،وأضافَ « :لمَ سيبقى هنا يرتجف وحده» ،وهَ ِّز رأسه مهمه ًما إذ
ثلك إطالقًا».
ش َّكاكةً ِم ِ
تك َّورت بِريان على نفسها تحت معطفها وإلى جوارها پودريك يتثا َءب ،وقد أرادَت أن تصيح في كراب
اعتقدت أن ك َّل الرِّ جال نُبالء كأبي .حتى الرِّ جال الذين
ُ صغري باألسفل قائلةً :لم أكن حذرةً دائ ًما .في ِ
أخبَروها كم هي جميلة ،كم هي فارعة القامة وبهيَّة وذكيَّة ،كم هي رشيقة عندما تَرقُص .السِّپتة رويل هي
والدك .ستجدين
ِ التي رف َعت الغشاوة عن عينيها ،وقالت لها« :ال يقولون تلك األشياء َّإال لينالوا رضا السيِّد
س انهم َرت له دموعهاَّ ،إال أنه أجداها النَّفع في مرآتك وليس على ألسنة الرِّجال» .درس قا ٍ ِ الحقيقة في
لعب السير هايل وأصدقاؤه لُعبتهم .حين بدأ المطر يهطل كانت تُفَ ِّكر :على البنت أن َ (هارنهال) عندما
ً
طويال. تكون ش َّكاكةً في هذا العالم َّ
وإال لن تبقى بنتًا
في االلتحام الجماعي في (جسر العلقم) بحثَت ع َّمن تو َّددوا إليها وأوس َعتهم ضربًا واحدًا تلو اآلخَر؛ فارو
وكسرت
َ وأمبروز وبوشي ومارك مالندور ورايموند نايالند وويل اللَّقلق ،ودع َست هاري سوير بحصانها
آخرهم سلَّمتها (األُم) كوننجتون ،وهذه المرَّة خوذة روبن پوتر وخلَّفت على وجهه ندبةً قبيحةً ،ول َّما سقطَ ِ
كان في يد السير رونيت سيف ال وردة ،فكانت كلُّ ضرب ٍة ه َوت بها عليه أعذب من القُبالت .لوراس
أصال -فقدً نظر إليها
َ آخر من واجهَ غضبتها يومها ،ولئن لم يكن م َّمن غازَلوها -بل وبالكاد تايرل كان ِ
ث مجرَّد منظره فيها ق َّوةً كانت على تُرسه ثالث وردات ذهبيَّة في ذلك اليوم ،وبِريان تَمقُت الورد ،فبَ َّ
عاتيةً.
غابَت في النَّوم حالمةً بالقتال الذي دا َر بينهما ،وبالسير چايمي يُثَبِّت معطف قوس قزح حول كتفيها.
تواص َل نزول المطر في الصَّباح التَّالي ،وبينما أفطروا اقتر َح ديك الرَّشيق أن ينتظروا حتى يتوقَّف،
فقالت بِريان« :ومتى سيتوقَّف؟ غدًا؟ بَعد أسبوعين؟ عندما يحلُّ الصَّيف ثانيةً؟ ال ،إن معنا معاطف،
وأمامنا فراسخ طويلة نقطعها».
وحل من تحتهم ،وما رأوهٍ انهم َر المطر طيلة النَّهار .سرعان ما استحا َل ال َّدرب الضيِّق الذي يسلكونه إلى
بساط بنِّي مشبَّع بالماء .على الرغم
ٍ أشجار كان أجرد ،وقد ح َّول المطر الثَّابت أوراقها السَّاقطة إلى
ٍ من
فشعرت
َ من بطانة معطف ديك المصنوعة من ِجلد السَّناجب فقد تخلَّله الماء ،ورأت بِريان الرَّجل يرتجف
بال َّشفقة عليه لحظةً .واضح أنه لم يأكل جيِّدًا .تساءلَت إن كان هناك وكر مهرِّبين أو أطالل اسمها (قلعة
أفعاال دافِعها اليأس ،وربما تكون هذه محا َولةً لالحتيال عليها.
ً الهمس) حقًّا .الجوعى يقترفون
قلبَت ال ُّشكوك معدتها.
لفتر ٍة بدا كأن َجور المطر الثَّابت هو الصَّوت الوحيد في العالم .تق َّدم ديك الرَّشيق ال يلوي على شيء،
ب مالحظةً الطريقة التي يحني بها ظَهره كأن ركوبه منكم ًشا على نفسه هكذا سيقيه وراقبَته بِريان من كث ٍ
َّ
من البلل .هذه المرَّة لم تكن هناك قرية قريبة عندما َح َّل عليهم الظالم ،وال حتى شجر يحتمون به ،فخيَّموا
ط ال َمد ،لكن على األقل ستحميهم الصُّ خور من مجبَرين وسط الصُّ خور على بُعد خمسين ياردةً فوق خَ ِّ
ب مجروف« :األفضل أن نسهر حراسةً اللَّيلة يا الرِّيح .قال لها كراب وهي تُعاني إلشعال النَّار في خش ٍ
مكان كهذا قد يكون هناك هرَّاسون». ٍ سيِّدتي .في
رمقَته بِريان بريب ٍة مردِّدةً« :هرَّاسون؟».
فسَّر ديك الرَّشيق باستمتاع« :وحوش ،يبدون كالبَشر إلى أن تقتربي منهم ،لكن رؤوسهم كبيرة للغاية
بدال من ال َّشعر عند البَشر .لونهم أبيض كبطون السَّمك وبين أصابعهم شباك ،وملمسهم ولهم حراشف ً
كاإلبر .بعض النَّاس يقول
رطب دو ًما ورائحتهم ذفرة ووراء شفاههم الرَّخوة صفوف من األسنان الحا َّدة ِ
أقدام بين أصابعها شباك مصدرين ٍ صدِّقي ذلك .إنهم يمشون على إن البَشر األوائل قتلوهم جميعًا ،لكن ال تُ َ
ليال ليختطفوا األطفال سيِّئي ال ُخلق ،فيحتفظون بالفتيات ليتزا َوجوا بهن ،لكنهم أصوات هرس ،ويأتون ً
صبية ويُ َم ِّزقون لحمهم بتلك األسنان الخضراء الحا َّدة» ،وأعطى پودريك ابتسامةً عريضةً يلتهمون ال ِّ
مضيفًا« :يُمكنهم أن يأكلوك يا فتى ،يُمكنهم أن يأكلوا لحمك نيئًا».
َمسَّ پودريك سيفه مجيبًا« :سأقتلهم إذا حا َولوا».
ت فتاةً ً
متسائال« :هل كن ِ « -جرِّب ،لك أن تُ َجرِّ ب .الهرَّاسون ال يموتون بسهولة» ،وغم َز كراب لبِريان
سيِّئة ال ُخلق يا سيِّدتي؟».
ابتالال من أن يشتعل مهما أصد َر الفوالذ ً كنت حمقاء فحسب .وجدَت بِريان الخشب أكثر ُ « -ال».
انبعث القليل من ال ُّدخان من الهشيم ،لكن هذا كلُّ شيء ،فتخلَّت عنه ممتعضةً وأسندَت
َ ص َّوان من شرر. وال َّ
ظَهرها إلى صخر ٍة وسحبَت معطفها على جسدها واستسل َمت لقضاء ليل ٍة باردة بليلة ،ثم را َحت تَحلُم
بوجب ٍة ساخنة وهي تقضم من شريح ٍة من اللَّحم البقري المملَّح القاسي ،بينما حكى ديك الرَّشيق عن المرَّة
التي قات َل فيها السير كالرنس كراب ملك الهرَّاسين .قالت لنفسها معترفةً :حكاياته مسلِّية حقًّا ،لكن مارك
مالندور كان مسلِّيًا أيضًا بقِرده الصَّغير.
فح َّل عليهماألمطار أغزر من أن يروا ال َّشمس تغيب والسَّماء أكثر تلبُّدًا بالغيوم من أن يروا القمر يطلعَ ،
ُّ
يغط أيضًا، اللَّيل حال ًكا بال نجوم .نضبَت الحكايات من كراب وخل َد إلى النَّوم ،وسرعان ما بدأ پودريك
ت قريبة من البحر يا وظلَّت بِريان جالسةً مسندةً ظَهرها إلى الصَّخرة ،تُصغي إلى األمواج وتتسا َءل :أأن ِ
معك؟ قال إنها رحلة لثالثة .هل انض َّم ِ ت في (قلعة الهمس) تنتظرين سفينةً لن تأتي أبدًا؟ َمن سانزا؟ أأن ِ
ً
طويال وبِريان مت َعبة، أختك الصَّغيرة؟ كان يومهم ِ ت على أنك عثر ِ ت والسير دونتوس أم ِ إليك أن ِ
ال ِعفريت ِ
وحتى مع جلوسها وظَهرها إلى الصَّخرة والمطر يَسقُط بنعوم ٍة حولها أحسَّت بجفنيها يَثقُالن .مرَّتين
ُنف وهي على قناع ٍة بأن أحدهم كان يميل عليها. ق بع ٍ غفَت ،وفي المرَّة الثَّانية استيقظَت فجأةً وقلبها يد ُّ
كانت أطرافها متخ ِّشبة وانعق َد معطفها حول كاحليها ،فركلَته متملِّصةً منه وقا َمت ،لتجد ديك متك ِّورًا على
نفسه إلى جوار صخرة ،مدفونًا في الرِّمال المبتلَّة الثَّقيلة ونائ ًما .كان حُل ًما ،مجرَّد حُلم.
ربما أخطأَت بتخلِّيها عن السير كرايتون والسير إيليفر .لقد بد َوا رجليْن صادقيْن .ف َّكرت :ليت چايمي أتى
معي ...لكن چايمي فارس في ال َحرس الملكي ،ومكانه الواجب إلى جوار مليكه .ثم إن رنلي هو َمن تُريد.
ُ
وفررت مع الليدي كاتلين ُ
وأخفقت في هذا أيضًا، أقسمت على االنتقام له ُ ُ
وأخفقت ،ثم ُ
أقسمت أن أحميه
لكني خذلتها بدورها .تب َّدل اتِّجاه الرِّيح ،واآلن يسيل المطر على وجهها.
كخيط رفيع من الحصى ،وأخيرًا أصب َح هناك إيحاء فقط ٍ في اليوم التَّالي اضمح َّل الطَّريق حتى صا َر
بوجود طريق ،وقُرب انتصاف النَّهار انتهى فجأةً عند سفح جُرف نحتَته الرِّيح .أعلى الجُرف ترتفع قلعة
عابسة فوق األمواج ،أبراجها الثَّالثة المعوجَّة بارزة تحت السَّماء الغائمة.
سأ َل پودريك« :أهذه هي (قلعة الهمس)؟».
َر َّد كراب بح َّدة« :هل تبدو لك كأطالل؟ إنها (عرين داير) ،مقرُّ اللورد برون .لكن الطَّريق ينتهي هنا.
ليس هناك َّإال غابات الصَّنوبر من اآلن فصاعدًا».
جا َست بِريان بنظرها في الجُرف متسائلةً« :كيف نصعد؟».
أجاب ديك الرَّشيق دائ ًرا بحصانه« :بسهولة .ابقيا على مقرب ٍة من ديك .الهرَّاسون يجنحون إلى أخد َ
المتل ِّكئين».
صدع في الصَّخر ،معظمه طبيعي لكن هنا ٍ متوار داخل
ٍ اتَّضح أن الطَّريق إلى أعلى مم ٌّر حجري متحدِّر
وهناك درجات منحوتة لتسهيل الصُّ عود .أحاطَت بهم من الجانبين جُدران صخريَّة عموديَّة تآكلَت على
أشكاال عجيبةً أشا َر ديك الرَّشيق
ً قرون من عصف الرِّيح ورذاذ الماء ،وقد اتَّخذت في بعض المواضعٍ َم ِّر
58
إلى عد ٍد منها وهُم يصعدون« .هذا رأس أو َجر ،هل ترينه؟» ،وابتس َمت بِريان ل َّما رأته ،فأضافَ :
عجوز
ٍ صغر أبي .فوقه هذان ضرعان متدلِّيان كثديَي «وهذا هناك تنِّين حجري .الجناح اآلخَر سقطَ في ِ
شمطاء» ،وألقى نظرةً سريعةً وراءه على صدرها.
قال پودريك« :أيتها الفارس ،سيِّدتي ،هناك خيَّال».
« -أين؟» .ال يو َجد تكوين صخري يُوحي لها بشكل خيَّال.
« -على الطَّريق ،ليس خي ًَّاال في الصَّخر ،خيال حقيقي يتبعنا ،باألسفل».
أشا َر پودريك والت َوت بِريان فوق َسرجها تَنظُر .كانوا قد بلغوا ارتفاعًا يُتيح لهم الرُّ ؤية على مدى فراسخ
طويلة بطول السَّاحل ،ورأت الحصان يَسلُك الطَّريق نفسه الذي سلكوه ،متخلِّفًا عنهم بميلين أو ثالثة .م َّرةً
أخرى؟ ر َمت ديك الرَّشيق بنظرة َشك.
قال كراب« :ال تَنظُري إل َّي هكذا .أيًّا كان فال عالقة له بالعجوز ديك الرَّشيق .إنه أحد رجال برون غالبًا،
مكان إلى مكان» ،ود َّور رأسه وبصقَ ،ثم ٍ عائد من الحروب ،أو واحد من المغنِّين الذين يجولون من
أردفَ « :ليس هرَّاسًا ،هذا مؤ َّكد .نوعهم ال يركب الخيل».
ر َّدت بِريان« :نعم» .على هذا على األقل يتَّفقان.
األقدام المئة األخيرة من صعودهم كانت األكثر تح ُّدرًا وخطورةً .تحرَّك الحصى المخلخَل تحت حوافر
أحصنتهم وسقطَ متدحرجًا على الممرِّ الحجري وراءهم ،وحين خرجوا من الصَّدع أخيرًا وجدوا أنفسهم
أسفل سور القلعة ،ومن ُشرف ٍة أعالهم ألقى عليهم وجه نظرةً ثم اختفى ،فخ َّمنت ِبريان أنه وجه امرأة،
قائال« :برون أكثر ِهر ًما من أن يمشي على األسوار ،وأبناؤه وأحفاده وقالت هذا لديك الرَّشيق الذي أيَّدها ً
ق أحد في ال َّداخل َّإال النِّسوة وربما طفل سائل األنف أو ثالثة».
ذهبوا إلى الحروب .لم يتب َّ
رحل
َ كان على شفتيها سؤال ُمرشدها عن الملك الذي ناص َره اللورد برون ،لكن الجواب لم يَعُد يه ُّم .لقد
أبناؤه ،وربما ال يعود بعضهم .لن نجد ترحابًا هنا اللَّيلة.
ب مسلَّحين .قالت لديك« :تتكلَّم ليس واردًا أن تفتح قلعة مليئة بالمسنِّين والنِّساء واألطفال أبوابها ألغرا ٍ
عن اللورد برون كأنك تعرفه».
« -ربما عرفته في الماضي».
نظ َرت إلى صدر سُترته ،إلى الخيوط المحلولة ورُقعة النَّسيج األغمق المهترئة حيث كانت ال َّشارة التي
انتزعَها .دليلها مته ِّرب دون َشك .هل يُمكن أن يكون الخيَّال وراءهم أخاه في السِّالح؟ قال ديك مستحثًّا
واصل الطَّريق قبل أن يبدأ برون يتسا َءل ع َّما نفعله عند أسواره .حتى النِّساء
إياها« :يَج ُدر بنا أن نُ ِ
وأشار إلى تالل الحجر الجيري المرتفعة وراء القلعة بمنحدَراتها المشجَّرة
َ يستطعن إطالق نُ َّشابيَّة لعينة»،
مضيفًا« :ال طريق من اآلن فصاعدًا ،فقط الجداول ودروب الفرائس ،لكن ال داعي للقلق يا سيِّدتي.
ديك الرَّشيق يعرف هذه األنحاء».
وهذا ما تخشاه بِريان .كانت الرِّيح تهبُّ على ق َّمة الجُرفَّ ،إال أنها ال تش ُّم َّإال فَ ًّخا .سألَت« :وماذا عن ذلك
الخيَّال؟» .ما لم يكن حصانه يستطيع السَّير على الموج فسرعان ما سيَبلُغ الق َّمة بدوره.
ضلِّله ً
أصال ،وإذا فع َل فسنُ َ « -ماذا عنه؟ إذا كان أحمق ما من (بِركة العذارى) فربما ال يجد المم َّر اللَّعين
في الغابة .هناك لن يجد طريقًا يتبعنا عليه».
لن يجد َّإال آثارنا فقط .تساءلَت بِريان إن كان األسلم أن تُ ِ
واجه الخيَّال هنا وسيفها في يدها .سأبدو في غاية
متجو ًال أو أحد أبناء اللورد برون.
ِّ الحُمق إذا كان مطربًا
قد يكون كراب محقًّا .إذا َ
ظ َّل وراءنا غدًا سأتعام ُل معه حينها .قالت دائرةً بفَرسها نحو الغابة« :كما
تشاء».
تضاءلَت قلعة اللورد برون وراء ظهورهم وسرعان ما غابَت عن األنظار ،وارتف َع شجر الحارس
والصَّنوبر الجُندي من حولهم في ك ِّل اتِّجاهِ ،حراب شاهقة مكس َّوة باألخضر تطعن السَّماء .أرض الغابة
اإلبر السَّاقطة سميكة كسور قلعة ،تتناثَر عليها هنا وهناك أكواز الصَّنوبر ،وبدا كأن حوافر طبقة من ِ
طت األمطار بعض الوقت وانقط َعت ثم عاودَت السُّقوط ،لكنهم لم خيولهم ال تُص ِدر صوتًا إذ وطأتها .تساق َ
يَشعُروا بقطر ٍة تقريبًا وسط األشجار.
ضت بها تتعرَّج وسط األشجار، الحركة في الغابة أبطأ كثيرًا .قادَت بِريان فَرسها في العتمة الخضراء وم َ
وقد أدر َكت أن الضَّياع هنا سهل للغاية ،فكلُّ اتِّجا ٍه تَنظُر فيه يُشبِه غيره ،والهواء نفسه يبدو رماديًّا
ت مزعج بتُرسها حديث الطِّالء، وأخضر وساكنًا .خد َشت أغصان الصَّنوبر ذراعيها واحت َّكت بصو ٍ
وشع َرت بالصَّمت الغريب ُّ
يحز في نفسها أكثر فأكثر مع ك ِّل ساع ٍة تمرُّ .
ت خشن أزع َجت األجواء ديك الرَّشيق أيضًا .في أواخر النَّهار والغسق يدنو حاو َل أن يُ َغنِّي ،وبصو ٍ
كسراويل من الصُّ وف ر َّدد« :كان هناك ُدبُ ،دبُ ،دب ،ك ُّله أسود وبنِّي ومغطَّى بال َّشعر» ،لكن شجر
ف عن الغناء. الصَّنوبر تشرَّب صوته كما تشرَّب المطر والرِّيح ،وبَعد فتر ٍة قصيرة َك َّ
قال پودريك« :كلُّ شي ٍء سيِّئ هنا ،هذا مكان سيِّئ».
هذا ما تَشعُر به بِريان أيضًا ،لكن لن ينفع أن تق َّر به ،فقالت« :غابة الصَّنوبر مكان كئيب ،لكنها في النِّهاية
مجرَّد غابة .ال يو َجد هنا ما نخشاه».
« -وماذا عن الهرَّاسين؟ والرُّ ؤوس؟».
قال ديك الرَّشيق ضاح ًكا« :صب ٌّي ذكي».
رمقَته بِريان باستيا ٍء وأجابَت پودريك« :ليس هناك هرَّاسون وليست هناك رؤوس».
صلِّي أن ديك الرَّشيق صادق ويعلم أين يقودهما. انخفضت التِّالل ،ووجدَت بِريان نفسها تُ ََ ارتف َعت التِّالل،
ليال أو نهارًا السَّماء رماديَّة مصمتة إنها ليست واثقةً باستطاعتها أن تجد البحر ثانيةً إذا كانت بمفردهاً .
ملبَّدة بالغيوم ،وال شمس أو نجوم تُعينها على العثور على طريقها.
مستنقع أخضر المع .في تال ووجدوا أنفسهم على حافة خيَّموا في ساع ٍة مب ِّكرة تلك اللَّيلة ،بَعد أن نزلوا ًّ
ٍ
صت فيها خيولهم الضَّوء األخضر الرَّمادي بدَت األرض أمامهم صُلبةً كفاية ،لكن حين داسوا عليها غا َ
أرض ثابتة .قال لهما كراب مطمئِنًا« :ال يه ُّم. ٍ حتى الكاهل ،فداروا مضطرِّين وكافحوا ليشقُّوا طريقًا إلى
سنصعد التَّ َّل ثانيةً وننزل من طري ٍ
ق آ َخر».
ومطر متقطِّع ،مارِّين
ٍ لم يختلف اليوم التَّالي .ركبوا وسط أشجار الصَّنوبر والمستنقعات تحت سما ٍء قاتمة
ت أرضيَّة وكهوف وأنقاض معاقل عتيقة اكت َست جُدرانها بالطَّحالب .لك ِّل كوم ٍة من األحجار بانهيارا ٍ
قصَّة ،وقد حكاها ديك الرَّشيق جميعًا ،وحسب كالمه كان أهل (الرَّأس المتصدِّع) يروون أشجارهم
بالدِّماء .سرعان ما بدأ صبر بِريان ينفد ،وأخيرًا قالت له« :كم تبقَّى؟ ال بُ َّد أننا رأينا ك َّل شجر ٍة في (الرَّاس
المتصدِّع) بالفعل».
أجاب كراب« :إطالقًا .نحن قريبون .انظُري ،كثافة األشجار تقلُّ .إننا بالقُرب من (البحر الضيِّق)». َ
ف َّكرت بِريان :هذا المهرِّج الذي وعدَني به سيكون انعكاسي في بِرك ٍة على األرجح ،وإن بدا لها أن من
طويال .كانت ساقاها متصلِّبتين كالحديد من جرَّاء ً العبث أن تعود أدراجها اآلن بَعد أن قط َعت شوطًا
ت فقط في اللَّيلة بينما يَحرُسها پودريك .إذا كان
الجلوس على السَّرج ،وفي األيام األخيرة نا َمت أربع ساعا ٍ
أرض يعرفها جيِّدًا .ربما
ٍ ُحاول قتلهما غيلةً فإنها على يقين بأنه سيفعلها هنا علىديك الرَّشيق ينوي أن ي ِ
ص له فيه أهل مخادعون ِمثله ،أو ربما يقودهما في دوائر فحسب منتظ ًرا أن يلحق يقودهما إلى وكر لصو ٍ
الخيَّال إياه بهم .لم يروا أثرًا للرَّجل منذ رحلوا من عند قلعة اللورد برون ،لكن ذلك ال يعني أنه تخلَّى عن
المطا َردة.
في ليل ٍة قالت لنفسها بينما تذرع األرض حول المخيَّم :قد أضطرُّ إلى قتله .أصابَها الخاطر باالضطراب.
لطالما ش َّكك قيِّم السِّالح العجوز الذي درَّبها في تمتُّعها بالصَّالبة الكافية لموا َجهة المعارك ،وأكثر من م َّر ٍة
ي فتاة .التَّدريب في خرعة القلب كأ ِّ لكنك ِ
ِ ذراعيك،
ِ قال لها السير جودوين« :تتحلِّين بق َّوة الرِّجال في
رجل وتري ٍ بسيف مثلوم شيء ،وشيء آ َخر أن تُغ ِمدي قد ًما من الفوالذ المشحوذ في أحشاء ٍ السَّاحة
الحمالن الضَّوء ينطفئ في عينيه» .لجعلها أكثر صالبةً أرسلَها السير جودوين إلى ج َّزار أبيها لتذبح ِ
الذبح كانت كأطفال مرعوبين ،ولدى فروغها من َّ ٍ الحمالن والخنازير والخنازير الرَّضيعة .صرخَت ِ
حرقها .على أن ال ُّشكوك طت وصيفتها إياها لتُ ِ ال ُّدموع قد أع َمت بِريان وتل َّوثت ثيابها بالدِّماء لدرجة أنها أع َ
كنت ُمرافقًا ُ ساور السير جودوين ،وقال لها« :الخنزير خنزير .األمر مختلف مع الرِّ جال .حين ظلَّت تُ ِ
صغيرًا في ِسنِّ ِك كان لي صديق قوي سريع رشيق ،بطل في السَّاحة ،وكنا نعلم جميعًا أنه سيغدو فارسًا
ورأيت صديقي يُسقِط خصمه على رُكبتيه ويُطَ ِّوح ُ مغوارًا ذات يوم .ثم اشتعلَت الحرب في (األعتاب)،
بفأسه من يده ،لكن عندما كان يُفت َرض أن يُج ِهز عليه تر َّدد أق َّل من لحظة ،وفي المعركة اللَّحظة أو دونها
ُعمر كامل .است َّل الرَّجل خنجره ووج َد َشقًّا في ِدرع صديقي .ق َّوته ،سُرعتهَ ،شجاعته ،مهارته التي
اكتسبَها باالجتهاد ...كلُّ هذا كانت قيمته أقلُّ من فسوة ،ألنه جف َل من القتل .تذ َّكري هذا يا فتاة».
وراحت تشحذ نصله. َ وعدَت طيفه هناك في غابة الصَّنوبر :سأتذ َّكرُ ،وجل َست على صخر ٍة وسحبَت سيفها
سأتذ َّكرُ ،وأدعو َّأال أجفل.
شرق ،لكن عندما استحا َل السَّواد إلى رمادي بز َغ فَجر اليوم التَّالي باردًا غائ ًما مغ ًّما .لم يروا ال َّشمس تُ ِ
صلة الرُّ كوب .قا َد ديك الرَّشيق الطَّريق إذ عادوا يخوضون وسط عرفَت بِريان أن الوقت حانَ لموا َ
األشجار ،وتب َعته بِريان على مقرب ٍة بينما تحرَّك پودريك في المؤ ِّخرة على متن حصانه األرقط.
فاجأَتهم القلعة دون سابق إنذار .في لحظ ٍة كانوا في أعماق الغابة وال شيء يُحيط بهم َّإال أشجار الصَّنوبر
ميل واحد انتهَت الغابة على والحت ثغرة أمامهم ،وبَعد ٍ َ الممت َّدة فراسخ وفراسخ ،ثم داروا حول جُلمو ٍد
حين غرَّة .وراءها كانت السَّماء والبحر ...وقلعة عتيقة على شفير جُرف ،متهدِّمة ومهجورة وتنمو في
جنباتها الحشائش الكثيفة.
أنصتا .يُمكنكما أن تسمعا الرُّ ؤوس».
قال ديك الرَّشيقِ « :
فغ َر پودريك فاه ً
قائال« :أسمعها».
وسم َعتها بِريان أيضًا ،غمغمة خافتة كأنها تنبعث من األرض بقدر ما تأتي من القلعة .تعالى الصَّوت مع
اقترابها من الجُروف ،ثم إنها أدر َكت فجأةً أنه صوت البحر ،وأن الصُّ خور في األسفل تآكلَت وثقبَها
كهوف وأنفاق تحت األرض .قالت« :ليست هناك رؤوس .ما تسمعه هو ٍ الموج الذي يتدفَّق هادرًا في
همس األمواج».
« -األمواج ال تهمس .إنها الرُّ ؤوس».
بأحجار قديمة غير مملَّطة ال يتماثَل منها اثنان ،والطَّحالب نامية بكثاف ٍة في الصُّ دوع بين
ٍ القلعة مبنيَّة
الصُّ خور ،واألشجار نابتة من األساسات .معظم القالع القديمة يض ُّم أيكة آلهة ،أ َّما (قلعة الهمس) فمنظرها
يشي بأن فيها القليل عدا ذلك .قادَت بِريان فَرسها إلى حافة الجُرف حيث تداعى السُّور وتنمو أكوام من
طت الفَرس بشجر ٍة واقتربَت من شفا الهاوية بقدر ما َ
أتاحت لها اللَّبالب األحمر السَّام فوق الرُّ كام ،ورب َ
كهف
ٍ ُرج محطَّم ،ولم َحت وراءه مدخل جرأتها ،فرأت تحتها بخمسين قد ًما الموج يدور داخل وحول بقايا ب ٍ
واسع.
قال ديك الرَّشيق الذي وقفَ وراءها« :هذا بُرج المنارة القديم .سقطَ وأنا في نِصف ِسنِّ پودز .كانت هناك
ساللم تقود إلى الكهف لكنها سقطَت أيضًا مع انهيار الجُرف ،وبَعدها امتن َع المهرِّبون عن الرَّسو هنا .في
وأشار
َ الماضي كانوا يَد ُخلون الكهف بقواربهم ،لكن ذلك انتهى ،هل ترين؟» ،ووض َع يدًا على ظَهرها
باألخرى.
واقشع َّر ِجلد ِبريان .دَفعة واحدة وسأصب ُح في األسفل مع البُرج .تراج َعت قائلةً« :أب ِعد يديك عني».
عق َد كراب حاجبيه ،وقالُ « :
كنت فقط.»...
« -ال أبالي بما كنته فقط .أين الب َّوابة؟».
يكن ضغينةً ،أليس رجال ًُّ ِّجك هذا ليسأجاب« :النَّاحية األخرى» ،وتر َّدد لحظةً ثم قال بتو ُّتر« :مهر ِ َ
رت أنه قد يكون غاضبًا من العجوز ديك الرَّشيق بسبب الخريطة التي بِعته س ف َّك ُ
كذلك؟ أعني ...ليلة أم ٍ
إياها وألني لم أذكر الجزء الخاص بعدم رسو المهرِّبين هنا».
بالذهب الذي ستقبضه أن تر َّد له ما نقدَك إياه ل ...لمساعَدتك» .ال تتص َّور بِريان أن دونتوس « -يُمكنك َّ
هوالرد يُ َش ِّكل تهديدًا« .هذا إذا كان هنا من األصل».
داروا حول األسوار .كانت القلعة مثلَّثةً وفي ك ِّل زاوي ٍة بُرج مربَّع ،وقد تعفَّن مصراعا ب َّوابتها تما ًما ،فل َّما
ش َّدت بِريان أحدَهما تشقَّق خشبه وانخل َعت شظاياه الطَّويلة المبتلَّة وانها َر نِصف الب َّوابة عليها .رأت مزيدًا
من العتمة الخضراء في ال َّداخل ،إذ اخترقَت الغابة األسوار وابتل َعت الحصن والفِناء ،لكن وراء الب َّوابة
ق في األرض اللَّينة الموحلة .صب َغ الصَّدأ الحديد باألحمر ،لكنه صم َد ث َّمة شبكة حديديَّة أنيابها غائصة بعُم ٍ
زمن بعيد».
ٍ عندما رجَّته بِريان ،فقالت« :ال أحد استخد َم هذه الب َّوابة منذ
ط السُّور».قال پودريك مقترحًا« :أستطي ُع أن أتسلَّق من ناحية الجُرف حيث سق َ
« -المخاطرة شديدة .األحجار بدَت لي مخلخلةً ،واللَّبالب األحمر سام .ال بُ َّد من وجود باب جانبي».
ت أسود ضخمة ،وقد قُ ِطفَ التُّوت كلُّه وقُ ِط َع
أجمة تو ٍ
متوار وراء ٍَ وجدوه على جانب القلعة ال َّشماليِ ،شبه
سبيل إلى الباب .أفع َم منظر الغصون المكسورة بِريان بالقلق ،وقالت« :أحدهم ٍ نِصف ال ُّشجيرات إلخالء
َم َّر من هنا ،ومنذ فتر ٍة قريبة».
لك». قال كراب« :المهرِّج وتلكما الفتاتان ،كما ُ
قلت ِ
سانزا؟ ال تقوى بِريان على التَّصديق .حتى س ِّكير منقوع في النَّبيذ كدونتوس هوالرد سيكون أعقل من أن
ً
وجال .لن تجد ابنة ستارك هنا ...لكن عليها يأتي بها إلى هذا المكان القَفر .شيء ما في هذه األطالل يمألها
أن تُلقي نظرةً .أحدهم كان هنا ،أح ٌد أرا َد أن يختفي عن األعيُن .قالت« :سأدخ ُل .كراب ،ستأتي معي.
پودريك ،أريدك أن تَحرُس الخيول».
« -أري ُد أن آتي أيضًا .إنني ُمرافق ،أستطي ُع أن أقاتل».
« -لهذا أريدك أن تبقى هنا .قد يكون هناك خارجون عن القانون في هذه الغابة ،وينبغي َّأال نَترُك الخيول
بال حراسة».
ك پودريك صخرةً بحذائه ً
قائال« :كما تقولين». َح َّ
انفتح
َ هكذا دخلَت وسط أ َجمة ال ُّتوت األسود وجذبَت حلقةً حديديَّة صدئةً ،فقاو َم الباب الجانبي لحظةً ثم
بحرك ٍة حا َّدة بينما تَصرُخ ِمفصالته اعتراضًا ،وجع َل الصَّوت ال ُّشعيرات على مؤ ِّخرة ُعنقها تنتصب.
والجلد المق َّوى أحسَّت كأنها عارية.
ِ استلَّت سيفها ،وحتى وهي ترتدي الحلقات المعدنيَّة
حثَّها ديك الواقف وراءها ً
قائال« :هيَّا يا سيِّدتي .ماذا تنتظرين؟ كراب العجوز ماتَ منذ ألف عام».
ماذا تنتظر حقًّا؟ قالت بِريان لنفسها إنها تتصرَّف بحُمق .الصَّوت ليس َّإال صوت البحر الذي تتر َّدد
فعال،أصداؤه بال نهاي ٍة في الكهوف تحت القلعة ،ترتفع وتنخفض مع ك ِّل موجة .لكن له وقع الهمس ً
ي أن وللحظ ٍة كادَت ترى الرُّ ؤوس المستقرِّة على الرُّ فوف يُتَمتِم بعضها لبعض ،ويقول أحدها :كان عل َّ
ي أن أستخدم السَّيف المسحور. أستخدم السَّيف ،كان عل َّ
ي» .
أحضرهما إل َّ
ِ قالت بِريان« :پودريك ،ث َّمة سيف و ِغمد داخل لفافة نومي.
َر َّد الصَّبي« :حاضر أيتها الفارس ،يا سيِّدتيً ،
حاال» ،وهر َع يُلَبِّي األمر.
يدك ،فلِ َم تحتاجين إلى آخَ ر؟».
معك واحدًا في ِ ِ ً
متسائال« :سيف؟ إن ك ديك الرَّشيق وراء أُذنهَح َّ
ق َّدمته له بِريان من المقبض مجيبةً« :هذا لك».
َم َّد كراب يده بتر ُّد ٍد كأن النَّصل سيعضُّ ه ،وقال« :حقًّا؟ الفتاة ال َّش َّكاكة تُعطي ديك العجوز سيفًا؟».
« -تعرف كيف تستخدمه ،أليس كذلك؟».
قأجاب مختطفًا السَّيف الطَّويل من يدها« :أنا من آل كراب ،في عروقي دماء السير كالرنس» ،و َش َّ َ
منحها ابتسامةً عريضةً ،وأضافَ « :السَّيف يصنع اللورد كما يقولون». الهواء ثم َ
ق ديك الرَّشيق صفيرًا لمرأى بحذر بالغ كأنه طفل صغير ،وأطل َ ٍ ً
حامال (حافِظ العهد) عا َد پودريك پاين
صفِّ رؤوس األُسود عليه ،لكنه ال َذ بالصَّمت حين استلَّت السَّيف وشقَّت به الهواء .حتى ال ِغمد المن َّمق و َ
سيف تقليدي .قالت لكراب« :معي» ،ودخلَت بجانبها من الباب وقد حنَت رأسها لتم َّر ٍ صوته أح ُّد من أيِّ
من تحت القنطرة.
ً
اسطبال، انفت َح أمامها الفِناء بحشائشه الكثيفة .إلى يسارها تقع الب َّوابة الرَّئيسة والهيكل المنهار لما كان
تَبرُز من نِصف َمرابطه ال ُّشجيرات وتنفذ من القَشِّ البنِّي الجاف الذي يُ َغطِّي سقفه ،وإلى يمينها رأت
ساللم خشبيَّة متعفِّنة تنزل إلى ظُلمة زنزان ٍة أو قب ٍو ما .حيث ارتف َع الحصن من قبل كانت اآلن كومة من
الحجارة المتهدِّمة تنمو عليها الطَّحالب األرجوانيَّة والخضراء ،وأرض الفِناء ك ُّلها تفترشها الحشائش
صفوف مهيبة ،ووسطها شجرة ٍ واإلبر التي سقطَت من أشجار الصَّنوبر الجُندي النَّامية في كلِّ مكان في ِ
غريبة شاحبة ،شجرة ويروود رفيعة شابَّة أبيض لونها كثياب فتا ٍة مترهبنة ،ومن فروعها المديدة تنبت
األوراق الحمراء ال َّداكنة.
وراء ك ِّل هذا كان فراغ السَّماء والبحر حيث سقطَ السُّور...
...وبقايا نار.
را َحت الهمسات تقرض أُذنيها بعناد ،ورك َعت بِريان إلى جوار بؤرة النَّار والتق َ
طت عودًا مسو ًّدا وتش َّممته
ُحاول أن يتدفَّأ ليلة البارحة ،أو ربما كان ي ِ
ُحاول إرسال إشار ٍة إلى سفين ٍة وحرَّكت به الرَّماد .أحدهم كان ي ِ
عابرة.
نادى ديك الرَّشيق« :هالوووووو! هل من أح ٍد هنا؟».
قالت له بِريان« :صمتًا».
وذهب إلى حيث
َ َر َّد« :ربما يكون أحدهم مختبئًا ،يُريد أن يُلقي علينا نظرةً قبل أن يكشف عن نفسه»،
تنزل السَّاللم تحت األرض وح َّدق إلى الظَّالم مناديًا من جديد« :هالووووو! هل من أح ٍد باألسفل؟».
رأت بِريان ُشجيرةً تميل ،ومن ال َّدغل خر َج رجل تكتَّل عليه الطِّين لدرجة أنه بدا كأن األرض انشقَّت
عنه .كان يحمل سيفًا مكسورًا في يده ،لكن وجهه هو ما جعلَها تتر َّدد ،العينان الصَّغيرتان والمنخران
العريضان المسطَّحان.
تعرف بِريان هذا األنف ،تعرف هاتين العينين .كان أصدقاؤه يدعونه بپيج.
ثان من فوق حافة البئر دون أن يُص ِدر صوتًا أكثر مما حدث في غمضة عين .خر َج رجل ٍ َ كأن ك َّل شي ٍء
يُص ِدره ثُعبان يزحف على كوم ٍة من أوراق ال َّشجر المبتلَّة ،يعتمر خوذةً حديديَّةً قصيرةً ملفوفةً بالحرير
األحمر المتَّسخ ،ويحمل حربةً قصيرةً غليظةً في يده .تعرف بِريان هذا الرَّجل أيضًا .سم َعت من ورائها
ط َّل وجه من بين األوراق الحمراء ،وكان كراب واقفًا تحت شجرة الويروود ،فرف َع رأسه ورأى حفيفًا و َ
ِّجك».
قائال« :ها هو ذا مهر ِالوجه ،ليُنادي بِريان ً
ت كنهيق الحمير .كان يرتدي ثياب المهرِّجين ،لكنها ووثب شاجويل من شجرة الويروود مطلقًا ضحكا ٍ َ
ً
وبدال من ِمدرس المهرِّ جين باهتة ومتَّسخة تما ًما لدرجة أن لونها اآلن بن ٌّي أكثر من رماديٍّ أو وردي،
ُنف يحمل هراوةً ثُالثيَّة الرُّ ؤوس ،ثالث ُكرات شائكة مثبَّتة إلى قنا ٍة خشبيَّة بالسَّالسل ،وقد هوى بها بع ٍ
طارقائال« :هذا طريف!»َ . ق شاجويل ً مف ِّجرًا إحدى رُكبتَي كراب في دفق ٍة من ال َّدم والعظم ،وإذ سق َ
ط نع َ
ك هو يتل َّوى على األرض صار ًخا السَّيف الذي أعطَت ديك إياه من يده واختفى وسط الحشائش ،وما انف َّ
ومتم ِّس ًكا ببقايا رُكبته .قال شاجويل« :أوه ،انظُرا ،إنه ديك المه ِّرب الذي رس َم لنا الخارطة .هل قطعت ك َّل
هذه المسافة لتر َّد لنا ذهبنا؟».
قال ديك منتحبًا« :أرجوك ،أرجوك ال ،ساقي.»...
« -هل تُؤلِمك؟ يُمكنني أن أجعل األلم يتوقَّف».
قالت بِريان« :دَعه وشأنه».
وصر َخ ديك رافعًا يدين داميتين يقي رأسه ،وم َّرةً أخرى د َّور شاجويل ُكرات الهراوة حول رأسه وهوى
ث ،وفي الصَّمت الذي تاله سم َعت صف تما ًما ،ليتعالى صوت ته ُّش ٍم مغ ٍ بها على وجه كراب في المنت َ
بِريان خفقات قلبها المتسارعة.
ت ثانيةً يا
ك وقال« :أن ِ قال الذي خر َج متسلِّ ًال من البئر« :شاجز السيِّئ» ،ول َّما رأى وجه بِريان ضح َ
تك؟». ت تُ ِ
طارديننا أم أن وجوهنا الودود أوح َش ِ امرأة؟ هل جئ ِ
قدم مل ِّوحًا ب ِمدرسه القاتل ،وقال« :أتَت من أجلي .إنها تَحلُم بي ك َّل ليل ٍة عندما
قدم إلى ٍ
تراقص شاجويل من ٍ
َ
المرح!
ِ تضع أصابعها في فتحتها .إنها تُريدني .الحصان الكبير افتقدَت حبيبها شاجز
وأضخ فيها نُطفة المهرِّجين حتى تلد نسخةً صغيرةً مني».
ُّ سأنكحها من ُدبرها
قال تيميون بلكنته الدورنيَّة المتشدِّقة« :عليك أن تستخدم فتحةً مختلفةً ألجل هذا يا شاجز».
َر َّد المهرِّج« :األفضل أن أستخدم فتحاتها كلَّها إذن على سبيل االحتياط» ،وتحرَّك إلى يمينها بينما دا َر
پيج إلى يسارها مجبرًا إياها على أن تُ َولِّي حافة الجُرف َ
ظهرها.
ف َّكرت بِريان :رحلة لثالثة ،وقالت لهم« :أنتم ثالثة فقط».
ذهب إلى حال سبيله بَعد خروجنا من (هارنهال) .أورزويك وشرذمته َ هَ َّز تيميون كتفيه مجيبًا« :ك ُّلنا
حسب أنه يستطيع الخروج متسلِّ ًال من ( َّ
المالحات) ،أ َّما أنا َ ركبوا جنوبًا إلى (البلدة القديمة) ،ورورچ
نستطع االقتراب من سفينة» ،ووازنَ الدورني حربته ِ ورفيقاي فذهبنا إلى (بِركة العذارى) ،لكننا لم
تنز صديدًا .أرا َد رورچَّتك إياها؟ أُذنه اسو َّدت وبدأت ُّ
ت بڤارجو بعض ِ أنك فتك ِ
مواصال« :هل تعلمين ًِ
وأورزويك الرَّحيل ،لكن الكبش قال إن علينا الدِّفاع عن قلعته ،إنه سيِّد (هارنهال) وال أحد سيأخذها منه.
قالها ولُعابه يسيل بالطَّبع كما كان يَح ُدث دو ًما عندما يتكلَّم .سمعنا أن الجبل قتلَه قطعةً قطعةً ،يدًا اليوم
ض ِّمدون ال َجدعات كي ال يموت هوت .ا َّدخر كليجاين قضيبه وقد ًما غدًا ،بمنتهى البراعة والنَّظافة .كانوا يُ َ
للنِّهاية ،لكن طائرًا من (كينجز الندنج) استدعاه فأجهزَ على الكبش ورح َل».
أبحث عن .»...كادَت تقول أختي ...« .عن مهرِّج». ُ ُ «-
لست هنا من أجلكم .إنني
أعلنَ شاجويل بسعادة« :أنا مهرِّج».
اندف َعت بِريان تقول« :المهرِّج الخطأَ .من أريده موجود مع فتا ٍة رفيعة النَّسب ،ابنة اللورد ستارك سيِّد
(وينترفل)».
قال تيميون« :إذن فكلب الصَّيد َمن تُريدين .لكنه ليس هنا كذلك ،نحن فقط».
« -ساندور كليجاين؟ ماذا تعني؟».
سمعت فقد كانت في الطَّريق إلى (ريڤر َرن) حين اختطفَها،
ُ « -هو من عث َر على ابنة ستارك .حسب ما
الكلب الملعون».
(ريڤر َرن) ،كانت متَّجهةً إلى (ريڤر َرن) ،إلى خالها وع ِّمه« .وما أدراك؟».
وأرسل رجاله بطول (الثَّالوث)
َ « -أخب َرني واحد من جماعة بريك .سيِّد البرق يبحث عنها أيضًا،
وعرضه يقتفون أثرها .صادَفنا ثالثةً منهم بَعد (هارنهال) وانتزعنا الحكاية من أحدهم قبل أن يموت».
« -ربما كان يكذب».
مفترق
َ خان على
ٍ « -ربما ،لكنه لم يكذب .الحقًا سمعنا أن كلب الصَّيد قت َل ثالثةً من رجال أخيه في
صاحب الخان أقس َم على هذا قبل أن يَقتُله رورچ ،والعاهرات كرَّرن ِ الطرق .الفتاة كانت معه هناك.ُّ
بحك بالطَّبع ،ومع ذلك.»...
الكالم نفسه .كم كن قبيحات! لسن بقُ ِ
ُحاول إلهائي ،يستغلُّ صوته ألر ِّكز عليه وحده .كان پيج يدنو أدر َكت بِريان ما يَح ُدث ،وقالت لنفسها :ي ِ
ُ
سمحت لهم. ووثب شاجويل ُخطوةً صوبها ،فتراج َعت مف ِّكرةً :سيدفعونني إلى السُّقوط في اله َّوة إذا
َ بتؤدة،
قالت لهم منذرةً« :ال تقتربوا».
أنفك يا هذه .ألن يكون هذا طريفًا؟». سأنكحك في ِ
ِ أعلنَ شاجويلُّ « :
أظن أنني
وأضافَ تيميون« :قضيبه صغير للغاية .أفلِتي هذا السَّيف األنيق ولربما نترفَّق ِ
بك يا امرأة .نُريد ذهبًا
ندفع به أجر المهرِّبين ،هذا كلُّ شيء».
الذهب ستَترُكوننا نرحل؟».« -وإذا أعطيتكم َّ
ضيَّة
ي عاهر ٍة محترفة ،قطعة ف ِّ
أجرك كأ ِّ
ِ ينكحك ثالثتنا .سنَنقُ ِ
دك ِ ابتس َم تيميون مجيبًا« :نعم ،بمجرَّد أن
بك ما فعلَه الجبل باللورد ڤارجو.ونغتصبك على ك ِّل حال ونفعل ِ
ِ لك ِّل نكحة .إ َّما هذا وإ َّما أن نأخذ َّ
الذهب
ماذا تختارين؟».
ر َّدت بِريان« :هذا» ،وألقَت نفسها على پيج.
أسر َع يرفع سيفه المكسور ليحمي وجهه ،ولكن لئن س َّدد النَّصل إلى أعلى س َّددت هي نصلها إلى أسفل،
المرتزق .ل َّوح پيج بسيفه بشراس ٍة وساقه
ِ الجلد والصُّ وف والعضالت ليغوص في فخذ و َش َّ
ق (حافِظ العهد) ِ
ك بقميصها المعدني قبل أن يحطَّ على ظَهره ،وطعنَته ِبريان في َحلقه ود َّورت
تتداعى من تحته ،فاحت َّ
ضت فيها حربة تيميون خادشةً وجهها ،وإذ َ
سال ودارت في اللَّحظة نفسها التي وم َ
َ النَّصل بق َّوة ،ثم سحبَته
أخرج
َ ال َّدم على وجنتها ف َّكرت :لم أجفل .هل رأيت يا سير جودوين؟ شع َرت بالجرح بالكاد ،وبينما
الدورني حربةً ثانيةً أقصر وأغلظ من األولى قالت له« :دورك ،ألقِها».
ي؟ في هذا موتي كپيج .ال .نَل منها يا شاجز». « -كي تتفاديها وتنقضِّ ي عل َّ
أجن النَّزيف القمري جنونها».
قال شاجويل« :نَل منها أنت .هل رأيت ما فعلَته بپيج؟ لقد َّ
المهرِّج وراءها وتيميون أمامها ،ومهما دا َرت سيكون ظَهرها إلى أحدهما.
قال تيميون مستحثًّا شاجويل« :نَل منها ويُمكنك أن تنكح جثَّتها».
« -أوه ،إنك تحبُّني حقًّا» .كانت الهراوة ال َّشائكة تدور ،وقالت بِريان لنفسها :اختاري أحدهما ،اختاريه
واقتُليه بسُرعة.
وأصاب شاجويل في رأسه ...ولم تتر َّدد بِريان وانقضَّت على تيميون.
َ ثم أتى حجر محلِّقًا من الال مكان
الدورني أبرع من پيج ،لكنه يحمل مجرَّد حرب ٍة قصيرة ،أ َّما هي فتحمل سيفًا من الفوالذ الڤاليري .دبَّت
واستحال النَّصل إلى
َ الحياة في (حافِظ العهد) في يدها ،ولم تحسَّ بِريان بحركتها سريعةً هكذا من قبل قَ ُّ
ط،
بترت أُذنه ونِصف وجنته غشاو ٍة رماديَّة في الهواء .جر َحها تيميون في كتفها إذ كرَّت عليه ،لكنها َ
وطيَّرت رأس حربته وأغمدَت قد ًما من الفوالذ المتم ِّوج في بطنه عبر حلقات السُّترة المعدنيَّة التي
يرتديها.
ُحاول القتال عندما انتزعَت من بطنه سيفها الذي تخضَّب واقيه العرضي بحُمرة كان تيميون ال يزال ي ِ
الدِّماء .فتَّش مسعورًا في حزامه ورف َع خنجرًا ،فقط َعت بِريان يده .من أجل چايمي .شه َ
ق الدورني وال َّدم
يجيش من فمه وينبجس من معصمه ،وقال الهثًا« :ر
ُحماك يا أ َّمنا .أج ِهزي عل َّي ،أعيديني إلى (دورن)
ِ
أيتها الحقيرة الملعونة».
ونفَّذت بِريان طلبه.
وجدَت شاجويل على رُكبتيه ل َّما التفتَت وقد بدا دائ ًخا وهو يتحسَّس األرض بحثًا عن هراوته ال ُّثالثية
نهض مترنِّ ًحا ارتط َم حجر آ َخر بأُذنه .كان پودريك قد تسلَّق السُّور المنهار ويقف محملقًا
َ ال َّشائكة ،وإذ
لك إنني أستطي ُع وصاح فيها من أعلىُ « :
قلت ِ َ بتجه ٍُّم وسط فروع اللَّبالب وفي يده صخرة جديدة،
القتال!».
حاو َل شاجويل أن يزحف مبتع ًدا ،وصا َح« :أستسل ُم ،أستسل ُم! يجب َّأال تُؤذي شاجويل العزيز .إنني أطرف
من أن أموت».
« -لست أفضل من بقيَّتهم .لقد سرقت واغتصبت وقتلت».
فعلت هذا ،لن أنكر ...لكنني أسلِّي الرِّجال ب ُدعاباتي وتوثُّبي ،أجعلهم يضحكون».
ُ ُ
فعلت هذا، « -أوه،
« -وتُبكي النِّساء».
« -أهذه غلطتي؟ النِّساء ال يملكن ِحسَّ ُدعابة».
خفضت بِريان (حافِظ العهد) قائلةً« :احفُر قبرًا .هناك ،تحت الويروود» ،وأشا َرت بالسَّيف.
َ
« -ليس معي جاروف».
« -لديك يدان» .أكثر مما ت َركتُم لچايمي.
للغربان».
« -وما الفائدة؟ اترُكيهما ِ
الغربان تيميون وپيج .القبر لديك الرَّشيق .لقد كان من آل كراب ،وهذا مكانه». « -فلتأكل ِ
كانت األرض مبتلَّةً من جرَّاء األمطار ،وعلى الرغم من هذا استغر َ
ق المه ِّرج بقيَّة النَّهار حتى َ
حفر قب ًرا
عميقًا كفايةً ،ولدى انتهائه واللَّيل يبدأ يتسيَّد السَّماء كانت يداه قد تقرَّحتا وأخ َذتا تنزفان .دسَّت بِريان سيفها
في ِغمده ورف َعت ديك كراب بين ذراعيها وحملَته إلى الحفرة متجنِّبه النَّظر إلى وجهه الخرب ،وقالت له:
«آسفةٌ ألني لم أثق بك .لم أعد أدري كيف أفعل ذلك».
ظهري له. وبينما رك َعت تضع الجُثمان في القبر ف َّكرت :سيُق ِدم المهرِّج على قتلي اآلن و َ
سم َعت أنفاسه الخشنة قبل أق ِّل من لحظ ٍة من صياح پودريك مح ِّذرًا .في يد شاجويل كانت صخرة مح َّززة،
وتحت ُك ِّم بِريان خنجرها.
والخنجر يغلب الصَّخرة ك َّل م َّر ٍة تقريبًا.
وبدال من هذا َّ
أن. ً ضربَت ذراعه مزيحةً إياها وغر َست الفوالذ في أحشائه مزمجرةً« :اضحك»،
«اضحك» ،كرَّرت وهي تُطبِق على رقبته بي ٍد وتطعنه في بطنه م َّرةً تلو المرَّة« .اضحك!» .ظلَّت تقولها
وتقولها وتقولها إلى أن احمرَّت يدها حتى المعصم وكادَت رائحة احتضار المهرِّج النتنة تَخنُقها .لكن
شاجويل لم يضحك ،والنَّحيب الذي سم َعته بِريان كان نحيبها ،ول َّما أدر َكت هذا أفلتَت الخنجر مرتعدةً.
عاونَها پودريك على وضع ديك الرَّشيق في حفرته ،ولدى فروغهما كان القمر يرتفع في السَّماء .فر َكت
بِريان التُّراب من يديها وألقَت تنِّينين ذهبيَّين فوق القبر ،فسألَها پودريك« :لماذا فعل ِ
ت هذا يا سيِّدتي ،أيتها
الفارس؟».
« -إنها المكافأة التي وعدته بها للعثور على المهرِّ ج».
د َّوى الضَّحك من ورائهما ،فانتزعَت ِبريان سيفها من ِغمده ودا َرت على عقبيها متوقِّعةً المزيد من
الممثِّلين ال َّسفَّاحين ...لكنها لم ت َر َّإال السير هايل هَنت جالسًا متقاطع السَّاقين على ق َّمة السُّور المتهدِّم.
فإنك
ِ رك المأفون ،وفيما عدا ذلك صاح الفارس من أعلى« :إذا كانت هناك مواخير في الجحيم فسيَش ُك ِ َ
تُبَدِّدين ذهبًا قيِّ ًما».
« -إنني أوفي بوعودي .ماذا تفعل هنا؟».
ت عليها
أتبعك ،قال لي أن أعود بسانزا ستارك إلى (بِركة العذارى) إذا عثر ِ
ِ « -اللورد راندل أم َرني بأن
أمسسك بسوء».
ِ بمعجز ٍة ما .ال تخافي ،لقد أم َرني َّ
بأال
ر َّدت بِريان ساخرةً« :كأنك تستطيع».
« -ماذا ستفعلين اآلن يا سيِّدتي؟».
« -سأغطِّيه».
ُ
قصدت إزاء الفتاة ،الليدي سانزا». «-
مكان ما في الطَّريق
ٍ ف َّكرت بِريان لحظةً ،ثم أجابَت« :كانت ذاهبةً إلى (ريڤر َرن) إذا صد َ
ق تيميون ،وفي
أخ َذها كلب الصَّيد .إذا وجدته.»...
...« -سيَقتُ ِ
لك».
قالت بعناد« :أو سأقتلهَّ .
هال ساعدتني على تغطية كراب المسكين أيها الفارس؟».
أجاب السير هايل« :ال فارس حقيقيًّا يَرفُض طلبًا لهذا ال َجمال» ،ونز َل من على السُّور ،ومعًا ك َّوما التُّراب
َ
فوق جثَّة ديك الرَّشيق بينما ارتف َع القمر أكثر في السَّماء وما فتأَت رؤوس الملوك المنسيِّين تتها َمس
األسرار تحت األرض.
صانعة الملكات
ضع اآلبار كلُّها تحت حراس ٍة بالذهب ،ولذا تو َتحت شمس (دورن) الحارقة تُقاس الثَّروة بالمياه كما تُقاس َّ
بلال هاجرين مكان أكثر ًٍ مش َّددة .على أن البئر في (شانديستون) جفَّت قبل مئة عام ،ورح َل ُحرَّاسها إلى
معقلهم المتواضع بأعمدته المح َّززة وقناطره الثُّالثيَّة ،وبَعدها عادَت ال ِّرمال تزحف على المكان مستر َّدةً
ما لها.
بالذهبيوصلَت آريان مارتل مع دراي وسيلڤا بينما تميل ال َّشمس إلى المغيب ،والغرب لوحة مزدانة َّ
بلون
ٍ واألرجواني والسَّحاب يتوهَّج بالقرمزي .بدَت األطالل متوهِّجةً أيضًا ،إذ برقَت األعمدة السَّاقطة
الذهبي ظالل الحمراء على األرضيَّات الحجريَّة المتشقِّقة ،واستحالَت الرِّمال نفسها من َّ وردي ،وزحفَت ال ِّ
إلى البُرتقالي إلى األرجواني مع خفوت الضَّوء شيئًا فشيئًا .كان جارين قد سبقَهم إلى الوصول بساعة،
والفارس المس َّمى النَّجم المظلم بيوم.
علَّق دراي بينما يُسا ِعد جارين على سقي الخيول« :المكان جميل هنا» .كانوا قد حملوا ماءهم معهم ،فعلى
الرغم من أن جياد الصَّحراء الدورنيَّة سريعة ال تكلُّ ،وتستطيع االستمرار في الع ْدو فراسخ طويلةً بعد أن
ت هذا المكان؟». يُصيب اإلعياء عداها من الخيول ،فإنها ال تقوى على ذلك دون ماء« .كيف عرف ِ
أجابَت آريان وال ِّذكرى ترسم ابتسامةً على شفتيها« :ع ِّمي جا َء بي هنا مع تايين وساريال .اصطا َد بعض
األفاعي وأرى تايين الطَّريقة األسلم الستحالب ُّ
الزعاف منها.
ضت الرَّمل عن الصُّ ور الفُسيفساء وأرادَت أن تعرف ك َّل شي ٍء ع َّمن عاشوا ساريال قلبَت الصُّ خور ونف َ
هنا».
ت أيتها األميرة؟». سألَتها سيلڤا الرَّقطاء« :وماذا فعل ِ
ت أن ِ
ً
طويال صُلبًا عيناه ً
رجال صا أتى بي هنا لينال مني مناله، وتظاهرت بأن فارسًا ل ًّ
ُ جلست إلى جوار البئر ُ
ُ
استغرقت في سوداوان وينحسر َشعره عن مقدِّمة رأسه .قالت وقد أصابَتها ال ِّذكري باالضطراب« :
صةً».
جلست مربِّعةً ساقَي عند قد َمي ع ِّمي وناشدته أن يحكي ق َّ
ُ األحالم ،ول َّما غابَت ال َّشمس
صا عديدةً» .جارين أيضًا كان معهم يومها .إنه أخو آريان في « -األمير أوبرين كان يعرف قص ً
ال ِّرضاعة ،وطيلة حياتهما واالثنان متالزمان حتى من قبل أن يتعلَّما المشي« .أذك ُر أنه حكى عن األمير
يت على اسمه». جارين الذي ُس ِّم ُ
أضافَ دراي« :جارين العظيم ،أعجوبة (الروين)».
« -هو ذا ،الذي جع َل (ڤاليريا) ترتجف».
قدت رُبع مليون رجل إلى حتفهم فهل سيُ َس ُّمونني چيرولدُ قال السير چيرولد« :ارتجفوا ثم قتلوه .إذا
ق نخيرًا ساخرًا ،وأردفَ « :أظنُّني سأبقي النَّجم المظلم ،فهو اسمي على األقل» ،واست َّل العظيم؟» ،وأطل َ
بحجر زيتي.
ٍ وجلس على حافة البئر الجافَّة وبدأ يشحذ النَّصل
َ سيفه الطَّويل
بحذر مف ِّكرةً :نَسبه رفيع كفايةً ألن يكون ً
أهال لي كزوج .سيُ َش ِّكك أبي في سالمة اختياري، ٍ راقبَته آريان
لكن أطفالنا سيكونون أبهياء كسادة التَّنانين .إذا كان هناك رجل أوسم في (دورن) فإنها ال تعرفه .للسير
ك قوي ،ويُحافِظ على وجهه حليقًا لكن َشعره الكثيف چيرولد داين أنف معقوف وعظام وجنتين مرتفعة وفَ ٌّ
صف َخ ٌّ
ط أسود كاللَّيل .لكن فمه قا ٍ
س ،ولسانه كنهر من الجليد الفضِّي ،ويقسمه من المنت َ
ٍ ينسدل حتى ياقته
نظرت إليهما
َ أقسى .بدَت عيناه سوداوين وهو جالس مح َّددًا بنور ال َّشمس المحتضرة يشحذ فوالذه ،لكنها
من زاوي ٍة أقرب من قبل وتعلم أنهما أرجوانيَّتان .أرجوانيَّتان داكنتان ،داكنتان وغاضبتان.
ال بُ َّد أنه شع َر بتحديقها إليه ،إذ رف َع عينيه عن سيفه والقى نظرتها بنظرته وابتس َم ،وأحسَّت آريان
ي أن أجلبه .إذا رمقَني بنظر ٍة كهذه في وجود آريس ستُراق الدِّماء بالحرارة تسري في وجهها .لم يكن عل َّ
على ال ِّرمالَّ .إال أنها تجهل دماء َمن ،فالعادة ج َرت على أن رجال ال َحرس الملكي أفضل فُرسان (الممالك
السَّبع) على اإلطالق ...لكن النَّجم المظلم هو النَّجم المظلم.
على الرِّمال يشت ُّد البرد في ليالي (دورن) ،ولذا جم َع لهم جارين الحطب من فروع األشجار البيضاء التي
ذبلَت وماتَت منذ مئة سنة ،وتولَّى دراي إشعال النَّار وهو يصفر بينما يقدح ال َّشرر بحجر ص َّوان.
ما إن َشبَّ اللَّهب في الحطب حتى جلسوا حوله ممرِّرين قِربةً من النَّبيذ الصَّيفي من ي ٍد إلى يد ...باستثناء
النَّجم المظلم الذي يُفَضِّل ُشرب عصير اللَّيمون غير المحلَّى.
وسالهم بأجدد الحكايات من (بلدة األخشاب) عند مصبِّ (ال َّدم األخضر)، َّ مرح
مزاج ِ
ٍ كان جارين في
حيث يأتي أيتام النَّهر للتِّجارة مع القراقير واألكواج والقوادس اآلتية من وراء (البحر الضيِّق) .إذا صد َ
ق
البحَّارة فال َّشرق يغلي باألعاجيب واألهوال .ثورة عبي ٍد في (أستاپور) ،وتنانين في (ڬارث) ،وطاعون
أرمد في (يي تي) ،وملك قراصن ٍة جديد ظه َر في (جُزر البازيليسق) 44و َش َّن غارةً على (بلدة األشجار
الطَّويلة) ،وفي (ڬوهور) أثا َر أتباع الرُّ هبان ال ُحمر شغبًا وحا َولوا إحراق الكبش األسود.
الذهبيَّة فسخَ ت عقدها مع (مير) قُبيل دخول المايريِّين الحرب ضد (لِيس)». «والجماعة َّ
قالت سيلڤا مخ ِّمنةً« :الاليسينيُّون اشتروهم».
عقَّب دراي« :الاليسينيُّون األذكياء ،الاليسينيُّون األذكياء الجُبناء».
الذهبيَّة وراء كوينتن« ...تحت َّ
الذهب الفوالذ األليم» لكن آريان تعرف خيرًا عنهم .إذا كانت الجماعة َّ
هتافهم في المعارك .ستحتاج إلى الفوالذ األليم وأكثر يا أخي إذا كنت تُفَ ِّكر في تنحيتي .آريان محبوبة في
المرتزقة يُمكنها أن تُ َغيِّر هذا.
ِ (دورن) ،أ َّما كوينتن فال يعرفه َّإال قالئل ،وال جماعة من
قا َم السير چيرولد ً
قائالُّ « :
أظن أني سأذهبُ ألتب َّول».
استحلب األمير أوبرين األفاعي في
َ قال دراي مح ِّذرًا« :انتبه لموطئ قدميك .لقد َمرَّت فترة طويلة منذ
هذه األنحاء».
الزعاف يا دالت .األفعى التي تلدغني ستندم» ،واختفى تحت قنطر ٍة َر َّد السير چيرولد« :لقد فُ ِط ُ
مت على ُّ
مكسورة.
حين رح َل تباد َل اآلخَرون نظرةً ،وقال جارين برفق« :اع ُذريني أيتها األميرة ،لكن هذا الرَّجل ال
يروقني».
قال له دراي« :مؤسف .أعتق ُد أنه ِشبه واقع في غرامك».
ر َّدت آريان مذ ِّكرةً إياهم« :إننا محتاجون إليه .ربما نحتاج إلى سيفه ،ومؤ َّكد أننا سنحتاج إلى قلعته».
معك فُرسانًا آخَرين
ِ عقَّبت سيلڤا الرَّقطاء(« :الصَّومعة العالية) ليست القلعة الوحيدة في (دورن) ،ثم إن
ُّونك للغاية .دراي فارس». يحب ِ
ك حصانًا رائعًا وسيفًا ممتا ًزا ،وال يفوقني َشجاعةًَّ ...إال كثيرون في الحقيقة». أيَّدها ً
قائال« :نعم ،وأمل ُ
قال جارين« :ع َّدة مئات على األرجح أيها الفارس».
تر َكتهم آريان لمزاحهم .دراي وسيلڤا الرَّقطاء ُّ
أعز أصدقائها عالوةً على تايين ابنة ع ِّمها ،وجارين يُعابِثها
منذ كان كالهما يرضع من ثديَي أ ِّمه ،لكنها في هذه اللَّحظة تحديدًا ليست في مزاج مزاح .كانت ال َّشمس قد
غابَت وامتألَت السَّماء بال ُّنجوم .كثيرة ج ًّدا .أسندَت ظَهرها إلى عمو ٍد مح َّزز وتساءلَت إن كان أخوها
يتطلَّع إلى ال ُّنجوم نفسها اللَّيلة أينما كان .هل ترى النَّجم األبيض يا كوينتن؟ هذا نجم نايميريا المتَّقد،
والكوكبة البيضاء كالحليب وراءه سُفنها العشرة آالف .لقد با َرت الرِّجال جميعًا في األلق ،وكذا سأكو ُن
ق ميالدي! أنا .لن تسلبني َح َّ
رس َل إلى (يرونوود) ،صغيرًا للغاية حسب تعبير أ ِّمهما .ليس من تقاليد كان كوينتن حديث ال ِّسنِّ حين أُ ِ
ط إبعاده ُرسلوا أطفالهم إلى غيرهم ليُ َربُّوهم ،والليدي ميالريو لم تغفر لألمير دوران قَ ُّالنورڤوشيِّين أن ي ِ
منك ،لكن هناك دين دم، ابنها عنها .في م َّر ٍة سم َعت آريان أباها مصادفةً يقول« :األمر ال يروقني أكثر ِ
وكوينتن العُملة الوحيدة التي سيقبلها اللورد أورموند».
صنف من اآلباء يُ َسدِّد ديونه بلحمه ودمه؟».
ٍ صرخَ ت أ ُّمهاُ « :عملة؟! إنه ابنك! أيُّ
أجاب دوران مارتل« :صنف األمراء».
َ
ال األمير دوران يتظاهَر بأن أخاها مع اللورد يرونوود ،لكن أُم جارين رأته في (بلدة األخشاب) ما ز َ
متن ِّكرًا في هيئة تاجر .ألحد رفاقه عين كسول ،تما ًما ِمثل كليتوس يرونوود ابن اللورد آندرز ال َّشهواني،
وفي صحبتهما ِمايستر أيضًاِ ،مايستر ضليع في اللُّغات .أخي ليس بال َّذكاء الذي يخاله .كان رجل ذكي
ليُغا ِدر من (البلدة القديمة) ،حتى إذا كان ذلك يعني رحلةً أطول في البحر .في (البلدة القديمة) كانت فُرصة
شعر بعضهم بالفضول إزاء سفر َ أن يتعرَّفه أحد ضعيفةً .آلريان أصدقاء وسط أيتام (بلدة األخشاب) ،وقد
أمير وابن لورد تحت اسميْن مستعاريْن وسعيهما إلى عبور (البحر الضيِّق) .في ليل ٍة تسلَّل أحدهم من نافذ ٍة ٍ
وعال َج قفل صندوق كوينتن المتين ،ووج َد لفائف الرُّ قوق في ال َّداخل.
كانت آريان لتدفع ثَمنًا باهظًا كي تعلم أن هذه الرِّحلة الس ِّريَّة عبر (البحر الضيِّق) من صُنع أخيها كوينتن
وحده ...لكن الوثائق التي يحملها مختومة بشمس (دورن) وحربتها .لم يجرؤ ابن ع ِّم جارين على كسر
األختام ليقرأ محتوياتها ،ولكن...
« -سم َّو األميرة» ،قال السير چيرولد داين إذ وقفَ وراءها ،نِصفه في ضوء ال ُّنجوم ونِصفه في الظِّالل.
سألَته آريان ب ُخبث« :كيف كان ُّ
تبولك؟».
تمثال ربما كان ل(العذراء) قبل أن ٍ قال داين« :الرِّمال في غاية االمتنان» ،ووض َع قدمه على رأس
تطمس ال ِّرمال مالمحه ،وأردفَ « :خط َر لي وأنا أتب َّو ُل أن خطَّ ِ
تك هذه قد ال تُث ِمر ما تُريدينه».
« -وما الذي أريده أيها الفارس؟».
أعرف تلك األغنيَّة .تُريدين ُّ
تذوق دماء األسد». ُ « -إطالق سراح أفاعي ال ِّرمال ،االنتقام ألوبرين وإليا.
هذا ،وحقِّي في الميالد .أري ُد (صنسپير) ومقعد أبي ،أري ُد (دورن)« .أري ُد العدل».
« -أسميه كما تشائين .تتويج ابنة النستر لفتة فارغة .إنها لن تجلس على العرش الحديدي أبدًا ،ولن تنالي
الحرب التي تُريدينها .األسد ال يُستفَ ُّز بسهولة».
ي ال ِّشبلين المتبقِّيَيْن تُفَضِّل اللَّبؤة؟».
« -األسد ماتَ َ .من يدري أ َّ
ق سيفه ليَبرُق في ضوء النُّجوم بح َّدة األكاذيب،قال السير چيرولد« :ال ِّشبل الذي في عرينها» ،وامتش َ
بنصل من فوالذ».
ٍ بتاج من ذهب وإنما
ٍ وتاب َع« :هكذا تبدئين حربًا ،ليس
لست قاتِلة أطفال« .أغ ِمد هذا ال َّشيء .مارسال تحت حمايتي ،والسير آريس لن يسمح بأن يمسَّ أميرته ُ
الغالية أذى ،وأنت تعلم هذا».
« -ال يا سيِّدتي .ما أعلمه أن آل داين يُقَتِّلون آل أوكهارت منذ آالف السِّنين».
ر َّدت وقد أذهلَتها غطرسته« :يبدو لي أن آل أوكهارت كانوا يُقَتِّلون آل داين طيلة الفترة نفسها».
رجلك القُدوة يقترب».
ِ قائال« :كلُّنا لنا تقاليدنا العائليَّة .القمر يطلع ،وأرى
َدسَّ النَّجم المظلم سيفه في ِغمده ً
بصره ثاقب حقًّا .راكب الجواد الحربي الرَّمادي الطَّويل هو السير آريس بالفعل ،يخفق معطفه وراء
بمعطف مز َّود
ٍ منظر بهي بينما ينطلق على الرِّمال ،وقد ركبَت األميرة مارسال وراءه متدثِّرةً ٍ ظَهره في
بقلنسو ٍة تُخفي ُخصالتها َّ
الذهبيَّة.
ساعدَها السير آريس على ال ُّنزول ،وجثا دراي على رُكب ٍة واحدة أمامها ً
قائال« :جاللة الملكة».
وقالت سيلڤا الرَّقطاء إذ جثَت إلى جواره« :موالتي».
رجلك يا مليكتي».
ِ وقال جارين راكعًا على كلتا رُكبتيه« :أنا
وجلة« :لماذا يدعونني بجاللة الملكة؟ سير أمس َكت مارسال ذراع السير آريس حائرةً ،وسألَته بنبر ٍة ِ
آريس ،ما هذا المكان و َمن هؤالء؟».
طمئِن ال ِّ
طفلة قائلةً« :إنهم أصدقائي ألم يُخبِرها بشيء؟ تق َّدمت آريان في د َّوام ٍة من الحرير ،وابتس َمت لتُ َ
األوفياء المخلصون يا جاللة الملكة ...ويرغبون في أن يُصبِحوا أصدقاءك أيضًا».
َ
حدث شيء لتومن؟». قالت مارسال« :األميرة آريان» ،واحتضنَتها متسائلةً« :لماذا يدعونني بالملكة؟ هل
عرشك».
ِ س أشرار يا جاللة الملكة ،وأخشى أنهم تآمروا معه على سرقة
أجابَتها آريان« :لقد تورَّط مع أنا ٍ
قالت الفتاة وقد تضاعفَت حيرتها« :عرشي؟ تعنين العرش الحديدي؟ لكنه لم يسرقه .تومن.»...
منك قطعًا ،أليس كذلك؟».
...« -أصغر ِ
« -أنا أكبره بعام».
صبي صغير ويجب َّأال تلوميه. ٍّ أخوك مجرَّد
ِ قالت آريان« :ومعنى هذا أن العرش الحديدي حقُّ ِك.
هال منحتِني َشرف تقديمهم؟» ،وأمس َكت يد الطِّفلة قائلةً: فلك أصدقاءَّ .
ت ِ مستشاروه هُم السيِّئون ...أ َّما أن ِ
«جاللة الملكة ،أق ِّد ُم لك السير آندراي دالت وريث (غابة اللَّيمون)».
صاحبة الجاللة باالسم نفسه».
ِ « -أصدقائي يُ َس ُّمونني دراي ،وسيكون َشرفًا عظي ًما لي أن تدعوني
بحذر قائلةً« :حتى أعرفك عل َّ
ي أن ٍ على الرغم من وجه دراي الصَّريح وابتسامته العفويَّة رمقَته مارسال
أدعوك بالفارس».
صاحبة الجاللة أيًّا كان االسم الذي تُفَضِّ له».
ِ « -أنا رجل
تنحنحت سيلڤا إلى أن قالت آريان« :اسمحي لي بأن أقدِّم الليدي سيلڤا سانتاجار يا موالتي ،سيلڤا الرَّقطاء َ
صديقتي األعز».
عليك هذا اللَّقب؟».
ِ سألَت مارسال« :لماذا يُطلِقون
أجابَتها سيلڤا« :بسبب ن َمشي يا جاللة الملكة ،مع أنهم يتظاهرون جميعًا بأن السَّبب أني وريثة (الغابة
الرَّقطاء)».
وحلي ٍة من اليَشب في إحدى أُذنيه ،وقالت
حانَ دور جارين ببنيته الرَّشيقة وبشرته السَّمراء وأنفه الطَّويل ِ
المرح .أ ُّمه كانت ُمرضعتي».
ِ آريان« :هذا جارين اليتيم
قالت مارسال« :آسفةٌ ألنها ماتَت».
َر َّد جارين« :لم تَ ُمت يا ملكتنا الجميلة» ،وابتس َم كاشفًا عن ال ِّسنِّ َّ
الذهبيَّة التي ابتاعَتها له آريان ً
بدال من
التي كس َرتها ،وأضافَ « :سيِّدتي تعني أني من أيتام (ال َّدم األخضر)».
ستجد مارسال وقتًا يكفي ألن تتعلَّم تاريخ األيتام في أثناء رحلتها في النَّهر ،وهكذا قادَت آريان ملكتها
أوال في ال َّشجاعة -أق ِّد ُم ِ
لك المقبلة إلى العضو األخير في مجموعتها الصَّغيرة ،وقالت« :أخيرًا -ولكن ً
السير چيرولد داين فارس (ستارفول)».
ق الفتاة ببرود ،وقالت جثا السير چيرولد على رُكبته ،ولم َع ضوء ال ُّنجوم في عينيه ال َّداكنتين إذ رم َ
مارسال« :كان هناك آرثر داين ،كان فارسًا في ال َحرس الملكي في عهد الملك المجنون إيرس».
« -كان سيف الصَّباح .لقد ماتَ ».
« -وأنت سيف الصَّباح اآلن؟».
« -ال ،يدعونني بالنَّجم المظلم .إنني ابن اللَّيل».
أنك جائعة .معنا تمر وجُبنة وزيتون وعصير ليمون محلَّى ،لكن ال سحبَت آريان ال ِّ
طفلة قائلةً« :ال بُ َّد ِ
بك أن تأكلي أو تشربي كثيرًا .بَعد راح ٍة قصيرة علينا أن نتحرَّك .هنا على الرِّمال األفضل دائ ًما أن يَج ُدر ِ
ليال قبل أن تطلع ال َّشمس في السَّماء ،رفقًا بالخيول». نتحرَّك ً
نفسك .من دواعي َشرفي أن تسمحي ِ صاحبة الجاللة ،دفِّئي
ِ أضافَت سيلڤا الرَّقطاء« :وبالرَّاكبين .هل ِّمي يا
لي بتقديم الطَّعام ِ
لك».
وبينما قادَت سيلڤا األميرة إلى النَّار وجدَت آريان السير چيرولد وراءها يقول متذ ِّمرًا« :تاريخ عائلتي
يعود عشرة آالف عام إلى فَجر ال َّزمان ،فلِ َم ال يَذ ُكر النَّاس ِمن آل داين كلِّهم َّإال ابن عمومتي؟».
علَّق السير آريس أوكهارت« :كان فارسًا عظي ًما».
َر َّد النَّجم المظلم« :كان سيفه عظي ًما».
قائال« :سم َّو األميرة ،اسمحي لي بلحظ ٍة على قال السير آريس« :وقلبه أيضًا» ،وأخ َذ آريان من ذراعها ً
انفراد».
« -تعا َل» .قادَت السير آريس وتو َّغلت به أكثر بين األطالل .تحت معطفه يرتدي الفارس سُترةً من قُماش
الذهب مطرَّزةً بورقات السَّنديان الثَّالث رمز عائلته ،وعلى رأسه خوذة فوالذيَّة خفيفة تعلوها ريشة َّ
مح َّززة ومربوط عليها وشاح أصفر على الطَّريقة الدورنيَّة .كان يُمكن أن يحسبه النَّاس فارسًا تقليديًّا لوال
س في معطفه المفصَّل من الحرير األبيض النَّاصع ،شاحب كنور القمر وخفيف كالنَّسيم .معطف فار ٍ
ال َحرس الملكي دون أدنى َشك .األحمق النَّبيل .سألَته« :ما الذي تعرفه الطِّفلة؟».
ي أوامر أمليها عليها « -القليل .قبل أن نُغا ِدر (كينجز الندنج) ذ َّكرها خالها بأني حاميها وقال لها إن أ َّ
الغرض منها الحفاظ على سالمتها .هي أيضًا سم َعتهم في ال َّشوارع يهتفون مطالبين بالثَّأر ،وتعرف أن
سؤاال واحدًا»،ً هذه ليست لُعبةً .الفتاة ُشجاعة وحكمتها تفوق ِسنَّها .لقد فعلَت ك َّل ما طلبته منها ولم تُ ِ
لق
خفض صوته ً
قائال« :هناك أخبار أخرى يجب أن تعرفيها. َ ك الفارس ذراعها وتلفَّت حوله ،ثم وأمس َ
تايوين النستر ماتَ ».
ر َّددت مصدومةً« :ماتَ ؟».
« -قتلَه ال ِعفريت .الملكة تولَّت الوصاية على العرش».
« -حقًّا؟» .امرأة على العرش الحديدي؟ تف َّكرت آريان في األمر لحظةً ثم قرَّرت أنه في صالحها .إذا ألفَ
لوردات (الممالك السَّبع) حُكم الملكة سرسي فسيكون ركوعهم للملكة مارسال أسهل كثيرًا .ثم إن اللورد
تايوين كان خص ًما خطرًا ،وفي غيابه أعداء (دورن) أضعف كثيرًا .أوالد النستر يَقتُلون أوالد النستر،
رائع« .وماذا جرى للقزم؟».
عرضت اللورديَّة على من يأتيها برأسه أيًّا كان».
َ هرب .سرسي
َ قال السير آريس« :
في ساح ٍة داخليَّة مفروشة بالبالط وتكاد الرِّمال المنجرفة تدفنها دف َع الفارس َ
ظهر األميرة إلى عمو ٍد
طال ،وكان ليرفع تنُّورتها لوال أن آريان تملَّصت منه ضاحكةً،
َ ليُقَبِّلها ووض َع يده على ثديها .قبَّلها بشب ٍ
ق
وقالت« :أرى أن صناعة الملكات تُثيرك أيها الفارس ،لكن ال وقت لهذا اآلن .الحقًا ،أعدك» ،ومسَّت
وجنته متسائلةً« :هل قابلَتكم مشكلة؟».
« -تريستان فقط .أرا َد أن يجلس إلى جوار فِراش مارسال ويلعب معها السايڤاس».
أصيب بداء البُقع الحمراء وهو في الرَّابعة .المرء يُصاب به م َّرةً فقط في العُمر .كان عليك
َ ُ «-
قلت لك إنه
أن تُذيع أن مارسال مصابة بال َّداء األرمد ليبتعد عنها تما ًما».
أبيك».
« -الصَّبي ربما ،ولكن ليس ِمايستر ِ
« -كاليوت .هل حاو َل أن يراها؟».
ُ
وصفت له البُقع الحمراء على وجهها .قال إن ال شيء في اإلمكان حتى يجري المرض « -ليس بَعد أن
مجراه ،وأعطاني ج َّرةً من المرهم لتهدئة الح َّكة».
ال أحد دون العاشرة يموت من البُقع الحمراء أبدًا ،لكن من شأن ال َّداء أن يكون مميتًا للكبار ،وال ِمايستر
صغره كما عل َمت آريان حين أصابَها ال َّداء نفسه في الثَّامنة« .عظيم .وماذا عن صب به في ِ كاليوت لم يُ َ
الوصيفة؟ أهي مقنِعة؟».
ت كثيرات كريمات المحتد .مارسال ساعدَتها على « -من بعيد .ال ِعفريت انتقاها لهذا السَّبب من بين فتيا ٍ
تجعيد َشعرها ورس َمت البُقع على وجهها بنفسها .إنهما قريبتان من بعيد( .النسپورت) تعجُّ بآل الني وآل
النيت وآل النتل والفروع األدنى من عائلة النستر ،و ِنصفهم له ال َّشعر األصفر نفسه .الفتاة ترتدي معطف
نوم مارسال ووجهها ملطَّخ بمرهم ال ِمايستر ...كانت لتخدعني أنا نفسي في إضاء ٍة خافتة .األصعب كان
ُ
فألبست رولدر ِدرعي رجل يأخذ مكاني .دايك األقرب إلى طولي لكنه أسمن من َّ
الالزم، ٍ عثوري على
وقلت له أن يخفض مقدِّمة خوذته .إنه أقصر مني بثالث بوصات ،لكن ربما ال يلحظ أحد الفرق إذا لم أكن ُ
هناك ألقف إلى جواره.
سيلزم مسكن مارسال على ك ِّل حال».
أيام قليلة فقط ،وعندئ ٍذ ستكون األميرة قد ابتعدَت عن متناول أبي». « -ال نحتاج َّإال إلى ٍ
متسائال« :أين؟ حانَ الوقت ألن تُخ ِبريني ببقيَّة خطَّ ِ
تك ،أليس كذلك؟». ً سحبَها إليه ومرَّغ أنفه في رقبتها
دف َعته ضاحكةً ،وقالت« :ال ،حانَ وقت الرُّ كوب».
كان القمر قد ت َّوج كوكبة (عذراء القمر) عندما خرجوا من أطالل (شانديستون) المغبَّرة الجافَّة متَّجهين
س رشيقة ،وعلى مقرب ٍة تب َعهم جنوبًا وغربًا .قادَتهم آريان والسير آريس وبينهما مارسال على متن فَر ٍ
ركب الفارسان الدورنيَّان في المؤ ِّخرة .نحن سبعة .أدر َكت آريان هذا وهُم َ جارين مع سيلڤا الرَّقطاء ،بينما
خير لقضيَّتهم .سبعة راكبين في طريقهم إلى ٍ راكبون ،ولم تكن قد ف َّكرت فيه من قبلَّ ،إال أنه بدا لها بشير
يوم سيُ َخلِّدنا جميعًا المغنُّون .أرا َد دراي مجموعةً أكبر ،لكن ذلك كان ليلفت انتباهًا غير المجد .ذات ٍ
رجل إضافي يُضا ِعف خطر الخيانة .أبي علَّمني هذا القدر على األقل .حتى في وقت ٍ مرغوب ،كما أن ك َّل
رجال حذرًا يجنح كثيرًا إلى الصَّمت والس ِّريَّة .آنَ أوان أن يتخلَّى
ً تمتُّعه بال َّشباب والق َّوة كان دوران مارتل
عن األعباء التي تُثقِل كاهله ،لكني لن أسمح بإهان ٍة ل َشرفه أو لشخصه .ستُعيده إلى حدائقه المائيَّة ليعيش ما
ُصاحبه كوينتن .حالما
ِ مر محاطًا باألطفال الضَّاحكين وروائح اللَّيمون والبُرتقال .نعم ،ولي تبقَّى له من ُع ٍ
ق سراح أفاعي الرِّمال ستحتشد (دورن) أجمعها تحت رايتي .ربما يُعلِن آل يرونوود أت ِّو ُج مارسال وأطل ُ
تأييدهم كوينتن ،لكنهم ال يُ َش ِّكلون تهديدًا بمفردهم ،وإذا منحوا تومن وآل النستر والءهم فستجعل النَّجم
المظلم يستأصلهم من جذورهم.
قالت مارسال بَعد ع َّدة ساعا ٍ
ت من الرُّ كوب« :أنا مت َعبة .أما َ
زال المكان بعيدًا؟ أين نحن ذاهبون؟».
مكان تكونين آمنةً فيه».
ٍ جاللتك إلى
ِ أجابَها السير آريس مطمئِنًا« :األميرة آريان تأخذ
قالت آريان« :إنها رحلة طويلة ،لكنها ستُصبِح أسهل ما إن نَبلُغ (ال َّدم األخضر) .سيُقابِلنا بعض قوم
جارين هناك ،أيتام النَّهر .إنهم يعيشون على القوارب ويسوقونها في (ال َّدم األخضر) وروافده ،يصطادون
السَّمك ويقطفون الفواكه ويقومون باألعمال الضَّروريَّة».
صاح جارين بمرح« :نعم ،ونُ َغنِّي ونلعب ونَرقُص على الماء ،ونعرف الكثير من فنون العالج .أ ِّمي َ
َّ
أفضل قابلة في (وستروس) ،وأبي يستطيع شفاء الثآليل».
سألَت الفتاة« :كيف تكونون أيتا ًما ولكم أ َّمهات وآباء؟».
فسَّرت آريان قائلةً« :إنهم الروينار ،وأ ُّمهم كانت نهر (الروين)».
قالت مارسال التي لم تفهم« :حسبتكم أنتم الروينار ،أنتم الدورنيُّون أعني».
« -نحن كذلك جزئيًّا يا جاللة الملكة .إن دماء نايميريا في عروقي ،وكذا دماء مورس مارتل ،اللورد
الدورني الذي تز َّوجته .يوم زفافهما أضر َمت نايميريا النَّار في سُفنها كي يفهم قومها أن ال سبيل للعودة.
ُس َّر أغلبهم لرؤية اللَّهب ألن رحلتهم كانت طويلةً شنيعةً قبل وصولهم إلى (دورن) ،وفقدوا كثيرين منهم
بسبب العواصف واألمراض والنَّ َّخاسين .على أن بعضهم حزنَ ،أولئك الذين لم يحبُّوا هذه األرض
الحمراء الجافَّة أو آلهتها السَّبعة ،فتمسَّكوا بعاداتهم القديمة وبنوا قوارب من أبدان السُّفن المحروقة
وأصبحوا أيتام (ال َّدم األخضر) .األُم في أغانيهم ليست (األُم) إلهتنا ،وإنما (األُم الروين) التي َّ
غذتهم
مياهها منذ فَجر ال َّزمان».
ُ
سمعت أن الروينار لهم إله سُلحفاة». قال السير آريس« :
وقاتل ملك السَّراطين ليظفر
َ أجابَه جارين« :رجل النَّهر العجوز إله أدنى .هو أيضًا ُولِ َد من النَّهر األُم،
بالهيمنة على ك ِّل ما يحيا تحت المياه الجارية».
غمغ َمت مارسال« :أوه».
إنك ال أنك ُخض ِ
ت معارك ضروسًا أيضًا يا جاللة الملكة .يُقال ِ قال دراي بأكثر نبراته مرحًا« :بلغَني ِ
تُرين أميرنا ال ُّشجاع تيريستان رحمةً على طاولة السايڤاس».
قالت مارسال« :إنه يرصُّ قطعه بالطَّريقة نفسها دائ ًما ،الجبال كلُّها في المقدِّمة واألفيال في الممرَّات،
فأرس ُل تنِّينتي لتأكل أفياله».
وصيفتك السايڤاس أيضًا؟».
ِ سألَها دراي« :هل تلعب
حاولت أن أعلِّمها لكنها قالت إن القواعد صعبة للغاية».
ُ « -روزاموند؟ ال.
سألَتها الليدي سيلڤا« :أهي من عائلة النستر أيضًا؟».
« -النستر من (النسپورت) ال (كاسترلي روك)َ .شعرها لونه ك َشعري ،لكنه مفرود ً
بدال من مجعَّد.
روزاموند ال تُشبِهني حقًّا ،لكن حين ترتدي ثيابي يظنُّها من ال يعرفوننا أنا».
« -هل فعلتما هذا من قبل إذن؟».
« -أوه ،نعم .لقد تبادَلنا األماكن على متن ( ِمغوار البحر) في الطَّريق إلى (براڤوس) .السِّپتة إجالنتين
صبغَت َشعري بالبنِّي وقالت إنها لُعبة ،لكن الغرض كان حمايتي في حال استيالء ع ِّمي ستانيس على
السَّفينة».
كان واض ًحا أن الفتاة تزداد إرهاقًا ،فدعَتهم آريان إلى التَّوقُّف .سقوا الخيول ثانيةً واستراحوا قلي ًال وأكلوا
ق النَّوى الجُبنة والفواكه ،واقتس َمت مارسال بُرتقالةً مع سيلڤا الرَّقطاء ،بينما أك َل جارين ال َّزيتون وبص َ
على دراي.
كانت آريان تأمل أن يَبلُغوا النَّهر قبل مطلع ال َّشمس ،لكنهم بدأوا رحلتهم بَعد الوقت المزمع بفتر ٍة طويلة،
ق النَّجم المظلم بها ً
قائال: ولذا كانوا ما زالوا على متون خيولهم حين اصطبغَت سماء ال َّشرق باألحمر .لح َ
سرع ما لم تكوني تنتوين قتل الفتاة حقًّا .ليست معنا خيام ،والرِّمال قاسية «أيتها األميرة ،يَحسُن أن نُ ِ
بالنَّهار».
ق على دوابِّهم، أعرف ال ِّرمال ِمثلك تما ًما أيها الفارس» ،ومع ذلك نفَّذت اقتراحه ،وهو ما َش َّ ُ قالت له« :
لكن خسارة ستَّة أحصنة خير من خسارة أميرة واحدة.
سرعان ما بدأت الرِّيح تهبُّ من الغرب ساخنةً جافَّةً ومح َّملةً بحُبيبات الرَّمل .سحبَت آريان على وجهها
لثا ًما من الحرير البرَّاق ،من أعلى أخضر باهت ومن أسفل أصفر ،وكال اللَّونين مندمج في اآلخَر ،وقد
أضافَت آللئ خضراء صغيرة مزيدًا إلى وزنه وخشخ َشت بنعوم ٍة بينما تركب.
أعرف لِ َم تُلَثِّم أميرتي وجهها .إذا لم تفعل
ُ قال السير آريس وهي تُثَبِّت لثامها بصُدغَي خوذتها ال ُّنحاسيَّة« :
فسيفوق َجمالها ال َّشمس سطوعًا».
ي بك ضح َكت رغ ًما عنها ،وقالت« :ال ،أميرتك تُلَثِّم وجهها لتقي عينيها من الوهج وفمها من ال ِّرمال .حر ٌّ
أن تفعل ال ِمثل أيها الفارس» .تساءلَت منذ متى يُنَقِّح فارسها األبيض مجا َملته السَّمجة هذه .السير آريس
صُحبة سارَّة في الفِراش ،لكنه وخفَّة الظِّلِّ غريبان.
غطَّى رفاقها الدورنيُّون وجوههم ِمثلها ،وساعدَت سيلڤا الرَّقطاء األميرة الصَّغيرة على وقاية وجهها من
يمض وقت طويل قبل أن يسيل ال َعرق على وجهه وتتورَّد ِ ظ َّل عنيدًا ،ولم ال َّشمسَّ ،إال أن السير آريس َ
قليال وسينشوي في هذه المالبس الثَّقيلة .لن يكون األول ،ففي القرون بلون وردي .فترة أطول ً ٍ وجنتاه
ش (دورن) من (ممر األمير) تحت الرَّايات الخفَّاقة ،فقط ليذوي ك ٌّل منهم المنصرمة دخ َل أكثر من جي ٍ
قائال« :رمز عائلة كتب التنِّين الصَّغير ً
وتشويه الرِّمال الدورنيَّة السَّاخنة .في كتابه المتباهي (غزو دورن) َ
س وحربة ،وهما سالحا الدورنيِّين المفضَّالن ،لكن بين االثنين ال َّشمس مميتة أكثر». مارتل يتك َّون من شم ٍ
ظ أنهم ال يحتاجون إلى التَّو ُّغل في الرِّمال وإنما إلى قطع مساح ٍة محدودة من األراضي الجافَّة الح ِّ
لحُسن َ
صار
َ لمحت آريان صقرًا يدور بعيدًا أعالهم تحت سما ٍء بال سحاب عل َمت أن األسوأ ال أكثر ،ول َّما َ
وراءهم بالفعل ،وسرعان ما صادَفوا شجرةً .صحي ٌح أنها ملتوية كثيرة العُقد وأشواكها تُعا ِدل أوراقها -
كك ِّل األشجار التي تنتمي إلى النَّوع المس َّمى شحَّاذ الرِّ مال -لكن وجودها يعني أنهم ليسوا بعيدين اآلن عن
الماء.
« -كدنا نصل يا جاللة الملكة» ،قال جارين لمارسال ببشاش ٍة عندما لم َح مزيدًا من شحَّاذي الرِّمال أمامهم،
جدول جاف .كانت ال َّشمس تهوي عليهم بضرباتها كمطرق ٍة ناريَّة ،لكن هذا ال ٍ دغال منها ينمو حول قاع ً
يه ُّم ما دا َمت رحلتهم قُرب نهايتها .توقَّفوا لسقي الخيول م َّرةً أخرى ونهلوا من قِربهم وبلَّلوا لُثمهم ،ثم
فرسخ كانوا يطئون العُشب ال َّشيطاني ويمرُّ ون ٍ عادوا يركبون توطئةً للمرحلة األخيرة ،وخالل نِصف
ط من التِّالل الحجريَّة أصب َح العُشب أكثر اخضيضابًا ونضارةً ،وث َّمة بساتين ببساتين ال َّزيتون ،ووراء َخ ٍّ
ق صيحةً ليمون ترويها شبكة من القنوات القديمة .كان جارين أول من لم َح النَّهر يلتمع باألخضر ،فأطل َ
ق سابقًا إياهم.
وانطل َ
ذات م َّر ٍة عب َرت آريان مارتل نهر (الماندر) حين ذهبَت مع ثالث ٍة من أفاعي الرِّمال لزيارة أُم تايين،
ق أن يُ َس َّمى نه ًرا ،وعلى الرغم من ذلك ومقارنةً بذلك المجرى المائي العظيم يكاد (ال َّدم األخضر) ال يستح ُّ
يبقى شريان الحياة في (دورن) .يستم ُّد النَّهر اسمه من لون مياهه الرَّاكدة األخضر ال َّداكن ،لكن مع دن ِّوهم
ط ،وقالت لنفسها: تر آريان منظرًا أجمل من قبل قَ ُّ بالذهبي .لم َبدا أن نور ال َّشمس يصبغ تلك المياه َّ
المفت َرض أن يكون الجزء التَّالي بطيئًا وبسيطًا ،نتحرَّك في (ال َّدم األخضر) ومنه إلى نهر (ڤايث) ،أطول
مساف ٍة يستطيع القارب أن يقطعها .سيمنحها هذا وقتًا يكفي إلعداد مارسال لما سيَح ُدث .وراء (ڤايث)
تشك ُّ تنتظرهم ال ِّرمال العميقة ،وسيحتاجون إلى عون (حجر الرَّمل) و(هضبة الجحيم) ليَعبُروها ،لكنها ال
في استعدادهما للمساعَدة .لقد تربَّى األُفعوان األحمر في (حجر الرَّمل) ،وإالريا ساند خليلة األمير أوبرين
ابنة اللورد أولر الطَّبيعيَّة ،وأربع من أفاعي الرِّمال حفيداته .سأت ِّو ُج مارسال في (هضبة الجحيم) وأرف ُع
راياتي هناك.
فرسخ في اتِّجاه المصب ،متواريًا تحت الغصون المتدلِّية من صفصاف ٍة ٍ وجدوا القارب على بُعد نِصف
وغاطسها ال يُذ َكر، ِ صف خضراء ضخمة .القوارب التي تُدفَع بالعص ِّي واطئة السَّقف وعريضة من المنت َ
عادال حقًّا.ً استخف بها التنِّين الصَّغير باعتبارها «أكوا ًخا مبنيَّة على أطواف» ،ولو أن ذلك ليس َّ وقد
مطلي
ٌّ وألوان أ َّخاذة ،وقاربهم هذا
ٍ جميع تلك القوارب باستثناء التي يملكها أفقر اليتامى محلَّى بنقو ٍ
ش
بدرجات األخضر ،وله ذراع دفَّة خشبيَّة منحوتة على شكل عروس بحر ،ومن حواجزه تطلُّ وجوه
ومؤخرته ِّ العصي والحبال وبرطمانات زيت ال َّزيتون ،ومن مقدِّمته ُّ ُّ
تصطف أسماك ،وعلى سطحه
تتأرجح مصابيح حديديَّة .غير أن آريان لم ت َر أيًّا من األيتام ،وتساءلَت :أين الطَّاقم؟ أوقفَ جارين حصانه
وثب من فوق السَّرج« :استيقظوا أيها الكسالى .ملكتكم هنا وتُريد ترحيبها َ تحت الصَّفصافة ،ونادى بينما
الملكي .هل ُّموا ،اخرُجوا .سنُ َغنِّي ونشرب النَّبيذ المحلَّى .فمي جاهز ل.»...
حامال فأسه الطَّويلة.
ً وانفت َح باب القارب بعُنف ،وإلى ضوء ال َّشمس خر َج آريو هوتا
وشعرت آريان كأن بلطةً أصابَتها في بطنها .لم يكن يُفت َرض أن تكون هذه النِّهاية ،لم
َ توقَّف جارين بح َّدة،
آخر وج ٍه ُ
كنت آم ُل أن أراه» ،عل َمت أن عليها أن يكن يُفت َرض أن يَح ُدث هذا .ول َّما سم َعت دراي يقولِ « :
احم األميرة.»...
تتصرَّف ،وصا َحت وهي تثب فوق حصانها من جديد« :ابتعدوا! سير آريسِ ،
ضت دستة من ال ُحرَّاس ق هوتا سطح القارب بكعب فأسه الطَّويلة ،ومن وراء الحواجز المن َّمقة نه َ َد َّ
وظهر المزيد منهم فوق القمرة ،ونادى قائدهم« :استسلمي يا أميرتي، َ المسلَّحين ِ
بالحراب والنُّ َّشابيَّات،
باستثنائك والطِّفلة بأمر ِ
أبيك». ِ َّ
وإال فعلينا أن نَقتُل الجميع
ظلَّت األميرة مارسال على متن فَرسها بال حراك ،وتراج َع جارين بتؤد ٍة عن القارب رافعًا يديهَ ،
وح َّل
دراي حزام سيفه ،وصا َح مخاطبًا آريان إذ ارتط َم السَّيف باألرض« :االستسالم يبدو التَّصرُّ ف األسلم».
ضيًّا في يده،
« -ال!» ،صا َح السير آريس أوكهارت ووض َع حصانه بين آريان والنُّ َّشابيَّات وسيفه يلتمع ف ِّ
وكان قد خل َع تُرسه و َدسَّ ذراعه في األحزمة« .لن تأخذوها وفي صدري أنفاس تتر َّدد».
ً
فاعال؟ و َرنَّت ضحكة لم تجد آريان وقتًا َّإال لتقول له دون كالم :أيها األحمق المته ِّور ،ماذا تحسب نفسك
النَّجم المظلم إذ قال« :أأنت أعمى أم غبي يا أوكهارت؟ إنهم كثيرون للغاية .اترُك سيفك».
واستحثَّه دراي ً
قائال« :افعل كما يقول أيها الفارس».
أرادَت آريان أن تُناديه وتقول :لقد وقعنا في األَسر أيها الفارس .موتك لن يُ َحرِّرنا .إذا كنت تحبُّ أميرتك
فاستسلم ،لكن حين حاولَت أن تتكلَّم احتب َست الكلمات في َحلقها.
ضرب حصانه بمهمزيْه َّ
الذهبيَّين وانقضَّ . َ رمقَها السير آريس أوكهارت بنظرة اشتيا ٍ
ق أخيرة ،ثم
ق صوب القارب مباشرةً ومعطفه األبيض يخفق وراءه ،ولم ت َر آريان مارتل في حياتها كلِّها شيئًا انطل َ
ق سهم بهذه ال َّشجاعة أو بهذه الحماقة .صرخَ ت« :الااا!» ،لكنها عث َرت على صوتها متأ ِّخرًا ج ًّدا .انطل َ
ق نُ َّشابيَّة ثم آ َخر ،وهد َر هوتا بأمر .من هذه المسافة القصيرة فكأن ِدرع الفارس األبيض من ورق ،فاختر َ
السَّهم األول تُرسه البلُّوطي الثَّقيل مثبِّتًا إياه إلى كتفه ،وكشطَ الثَّاني فوده ،في حين أصابَت حربة مقذوفة
حصانه في الخاصرة ،وعلى الرغم من هذا واص َل الحصان االنقضاض وترنَّح إذ ارتط َم بالمعبر الخشبي.
كانت فتاة ما تصيح ،فتاة صغيرة حمقاء تصيح« :ال ،ال ،أرجوكم ،لم يكن يُفت َرض أن يَح ُدث هذا»،
ت رفيع حاد من جرَّاء الهلع. وسم َعت آريان مارسال تَصرُخ أيضًا بصو ٍ
الحراب .رف َع ط اثنان من حاملي ِ ضرب سيف السير آريس الطَّويل ذات اليمين وذات ال ِّشمال ،وسق َ َ
ُحاول إعادة تلقيمها ،لكن سهام َّ
ورفس أحد رُماة ال ُّنشابيَّة في وجهه بينما ي ِ
َ حصانه قائمتيه األماميَّتين
ُنف بالغ أسقطَه على سطح القارب. النُّ َّشابيَّات األخرى انطلقَت لتنغرس في جسم الجواد الحربي الكبير بع ٍ
وثب آريس أوكهارت مفلتًا ،بل واستطا َع الحفاظ على سيفه في يده كذلك ،وبصعوب ٍة اعتد َل َ بوسيل ٍة ما
راكعًا على رُكبتيه إلى جوار حصانه المحتضر...
...ووج َد آريو هوتا واقفًا فوقه.
رف َع الفارس األبيض سيفه ولكن ببُط ٍء شديد ،وبت َرت فأس هوتا الطَّويلة ذراعه تحت الكتف مباشرةً
ودا َرت ناثرةً الدِّماء ،ثم عادَت تُو ِمض بضرب ٍة رهيبة أطا َرت رأس السير آريس وط َّوحت به في الهواء
ليحطَّ وسط أعواد البوص ويبتلع (ال َّدم األخضر) األحمر بصو ٍ
ت خافت.
طت ،لكن ذلك أيضًا ال تَذ ُكره .فقط وجدَت نفسها على ال تَذ ُكر آريان أنها ترجَّلت عن حصانها .ربما سق َ
تستطع أن تقول لنفسها َّإال :ال ،ال ،لم
ِ يديها وقدميها فوق الرِّمال ،ترتجف وتنتحب وتقيء عَشاءها ،ولم
كنت حذرةً للغاية .سم َعت آريو هوتا يجأر« :وراءه. يتأذى أحد ،كلُّ شي ٍء كان مخطَّطًاُ ،
يكن يُفت َرض أن َّ
لول وترتعد ،وجهها ال َّشاحب في يديها والدِّماءإياكم أن يهرب .وراءه!» .كانت مارسال على األرض تُ َو ِ
تسيل من بين أصابعها .لم تفهم آريان .كان بعض ال ِّرجال يهرع ممتطيًا الخيول وبعضهم يُحيط بها
س أحمر شنيع .ال يُمكن أن يكون هذا
وبرفاقها ،لكن ال شيء بدا لها مفهو ًما .لقد وق َعت في حُلم ،في كابو ٍ
حقيقيًّا.
ك مما أصابَني ً
ليال من فزع. سأصحو قريبًا وأضح ُ
حاول المقاومة ،ثم سحبَها أحد ال َحرس بح َّد ٍة لتقف فرأت أنه يرتدي حين قيَّدوا يديها وراء ظَهرها لم تُ ِ
ألوان أبيها ،وانحنى آخَر وانتز َع من حذائها س ِّكينها الذي كان هديَّةً من ابنة ع ِّمها الليدي نيم .التقطَه آريو
أعيدك إلى
ِ هوتا من الرَّجل ،وأعلنَ ودماء آريس أوكهارت تُلَطِّخ وجنتيه وجبهته« :األمير قال إن عل َّي أن
ٌ
آسف يا أميرتي الصَّغيرة». (صنسپير).
يت الحذر ال َّشديد .كيفرف َعت آريان وجهًا خطَّطته ال ُّدموع ،وسألَت قائد ال َحرس« :كيف عرفَ ؟ لقد تو َّخ ُ
أمكنَه أن يعرف؟».
هَ َّز هوتا كتفيه مجيبًا« :أحدهم وشى ،أحدهم يشي دو ًما».
آريا
ك َّل ليل ٍة قبل النَّوم تُتَمتِم بصالتها لوسادتها« :السير جريجور ،دانسن ،راف المعسول ،السير إلين ،السير
يوم
مرين ،الملكة سرسي» .كانت لتهمس بأسماء آل فراي سادة (المعبر) أيضًا لو أنها تعرفها .ذات ٍ
ُ
سأعرف ،وعندها سأقتلهم جميعًا.
ال همسة أكثر خفوتًا من أن تُس َمع في (دار األبيض واألسود) ،ولذا سألَها الرَّجل الطيِّب في مرَّة« :ما تلك
األسماء التي تهمسين بها ً
ليال أيتها الصَّغيرة؟».
قالتُ « :
لست أهمسُ بأيِّ أسماء».
قليال ،وبعضهم عنده كذبة واحدة« -كاذبة .كلُّ البَشر يكذبون وهُم خائفون .بعضهم يكذب كثيرًا وبعضهم ً
صدِّقونها ...ولو أن جز ًءا صغيرًا منهم يعرف دائ ًما أنها ال تزال ً
طويال إلى أن يكادوا يُ َ كبيرة يُ َردِّدونها
كذبةً ،وهو ما يلوح على وجوههم .حدِّثيني عن تلك األسماء».
مضغَت شفتها قائلةً« :األسماء ال ته ُّم».
َر َّد الرَّجل الطيِّب بإصرار« :بل ته ُّم .أخبِريني أيتها الصَّغيرة».
طردناك ،فقالت« :إنهم أناس أكرههم ،أريدهم أن يموتوا».
ِ سم َعت لسان حاله يقول :أخبِريني َّ
وإال
ت كثيرةً كهذه في هذا المكان».
« -نسمع صلوا ٍ
أجاب چاڬن هاجار ثالثًا من صلواتها .ما كان عل َّ
ي َّإال أن أهمس... َ ق أن ُ
أعرف» .سب َ قالت آريا« :
ت إلينا؟ لتتعلَّمي فنوننا كي تَقتُلي َمن تكرهين؟».
واص َل ال َّرجل الطيِّب« :ألذا أتي ِ
تدر آريا بِ َم تُجيب ،فقالت« :ربما».
لم ِ
لك أن تُقَرِّري َمن يعيش و َمن يموت .الهديَّة تنتمي إليه هو ذي ت إلى المكان الخطأ .ليس ِ « -إذن فقد أتي ِ
الوجوه العديدة ،وما نحن َّإال ُخ َّدامه المقسمون على تنفيذ إرادته».
« -أوه» .تطلَّعت آريا إلى التَّماثيل الواقفة عند الجُدران وال ُّشموع الوامضة عند أقدامها ،وسألَت« :أيُّ إل ٍه
هو؟».
جاوبَها الكاهن المتَّشح باألبيض واألسود« :إنه هُم جميعًا».
ط ،وكذا اللَّقيطة ،الفتاة الصَّغيرة ذات العينين الكبيرتين والوجه الضَّاوي التي لم يُخبِرها الرَّجل باسمه قَ ُّ
تُ َذ ِّكرها بصغير ٍة أخرى اسمها بنت عرسِ .مثل آريا تعيش اللَّقيطة تحت المعبد مع ثالث ٍة من ال ُمعاونين
وخادميْن وطاهي ٍة اسمها أوما .تحبُّ أوما الكالم فيما تعمل ،غير أن آريا ال تفهم كلمةً تتف َّوه بها ،أ َّما
محني
ٌّ محجمون عن اإلفصاح بها .أحد الخادميْن عجوز للغاية وظَهره ِ اآلخَرون فال أسماء لهم ،أو أنهم
صلِّيان.كالقوس ،والثَّاني متو ِّرد الوجه وينمو ال َّشعر من أُذنيه ،وقد حسبَتهما آريا أبكميْن إلى أن سم َعتهما يُ َ
ال ُمعاونون أصغر؛ أكبرهم في ِسنِّ أبيها واالثنان اآلخَران ال يُمكن أن يكونا أكبر من سانزا التي كانت
أختها ،ويرتدي ثالثتهم األبيض واألسود أيضًا ،لكن أرديتهم بال قلنسوة ،وسوداء على اليسار وبيضاء
عطيَت آريا مالبس الخدم؛ سُترةً قصيرةً من على اليمين ،في حين يرتدي الرَّجل الطيِّب واللَّقيطة العكس .أُ ِ
الصُّ وف غير المصبوغ وسراويل فضفاضةً وثيابًا داخليَّةً من الكتَّان ،باإلضافة إلى ُخفَّين من القُماش
لقدميها.
ت؟» ،فتُجيب« :ال أحد» .تقولها تلك يوم يسألهاَ « :من أن ِ وحده الرَّجل الطيِّب يعرف اللُّغة العاميَّة ،وك َّل ٍ
التي كانت آريا سليلة عائلة ستارك ،آريا ال ُمداسة ،آريا وجه الحصان ،والتي كانت أيضًا آري وبنت
عرس والكتكوت و ِملحة ،وكانت نان السَّاقية ،فأرًا رماديًّا ،نعجةً ،شبح (هارنهال) ...لكن ليس حقًّا ،ليس
في أعماق أعماقها .هناك هي آريا ابنة (وينترفل) ،وليدة اللورد إدارد ستارك والليدي كاتلين ،التي كان لها
في الماضي إخوة يُ َس ُّمون روب وبران وريكون ،وأخت اسمها سانزا ،وذئبة رهيبة اسمها نايميريا ،وأخ
غير شقيق اسمه چون سنو .هناك في ال َّداخل هي شخص ما ...لكن تلك ليست اإلجابة التي يرغب فيها.
دون لُغ ٍة مشت َركة ال تجد آريا وسيلةً للكالم مع اآلخَرين ،لكنها تُصغي إليهم وتُ َكرِّ ر الكلمات التي تسمعها
مارس عملها .مع أن أصغر ال ُمعاونين أعمى فإنه المسؤول عن ال ُّشموع ،فيطوف في المعبد لنفسها بينما تُ ِ
بصر يعرف ٍ ب ُخفَّين ليِّنيْن محاطًا بغمغمة النِّساء المسنَّات الالتي يأتين بصف ٍة يوميَّة للصَّالة ،وحتى بال
رشده ،والهواء أكثر دفئًا حيث قائال« :الرَّائحة تُ ِ دائ ًما أيُّ ال ُّشموع انطفأَ ،وهو ما علَّله الرَّجل الطيِّب ً
تشتعل ال ُّشموع» ،وقال آلريا أن تُغلِق عينيها وتُ َجرِّ ب بنفسها.
ُفطروا ،وفي بعض األيام يقود الرَّجل ُصلُّون راكعين حول البِركة السَّوداء الرَّاكدة قبل أن ي ِ في الفَجر ي َ
ت معدودة من البراڤوسيَّة ،تلك التي لها صالة وفي بعضها تقودها اللَّقيطة .ال تعرف آريا َّإال كلما ٍ الطيِّب ال َّ
المعاني نفسها بالڤاليريَّة الفُصحى ،ولذا تتوجَّه بصالتها الخاصَّة إلى اإلله عديد الوجوه« .السير جريجور،
صلِّي في صمت ،وإذا كان اإلله عديد دانسن ،راف المعسول ،السير إلين ،السير مرين ،الملكة سرسي» .تُ َ
الوجوه إلهًا حقًّا فسيسمعها.
يأتي المتعبِّدون (دار األبيض واألسود) ك َّل يوم .معظمهم يأتي وحده ويجلس وحده ،فيُش ِعلون ال ُّشموع عند
صلُّون إلى جوار البِركة وأحيانًا يبكون ،ويشرب بعضهم من الكوب األسود ويَخلُد إلى مذبح أو آخَر ويُ َ
ٍ
النَّوم ،لكن عددًا أكبر ال يشرب .ليست هناك شعائر أو ترانيم أو أناشيد ثنا ٍء تسرُّ اآللهة ،وال يمتلئ المعبد
أبدًا ،لكن بين الفينة والفينة يَطلُب أحد المتعبِّدين أن يرى كاهنًا ،فيأخذه الرَّجل الطيِّب أو اللَّقيطة إلى
المعت َكف في األسفل ،لكن ذلك ال يَح ُدث كثيرًا.
ثالثون إلهًا مختلفًا يقفون عند الجُدران محاطين باألضواء الخافتة .رأت آريا أن المرأة الباكية هي
المفضَّلة عند النِّساء المسنَّات ،بينما يُفَضِّل األثرياء أسد اللَّيل والفُقراء عابر السَّبيل المقلنَس ،ويُضيء
الجنود ال ُّشموع للطِّفل ال َّشاحب باكالون ،والبحَّارة للعذراء شاحبة القمر وملك شعب البحار .لإلله الغريب
مقامه هنا أيضًا ،ولو أن المتعبِّدين عنده نُدرة ،وأكثر الوقت تقف شمعة وحيدة تتذب َذب عند قدميه ،لكن
الرَّجل الطيِّب أخب َرها بأن هذا ال يه ُّم ،وقال« :إن له وجوهًا ع َّدةً وآذانًا ع َّدةً يسمع بها».
الهضبة التي يرتفع فوقها المعبد مألى في باطنها بالممرَّات المنحوتة في الصَّخر .في المستوى األول
حُجيرات نوم الكهنة وال ُمعاونين ،وفي الثَّاني تنام آريا والخدم ،أ َّما المستوى األدنى فمحرَّم دخوله على
الجميع باستثناء الكهنة ،إذ يض ُّم المعت َكف المق َّدس.
عندما ال تعمل آريا تكون لها ح ِّريَّة التَّجوال في األقبية والمخازن ،شريطة َّأال تُغا ِدر المعبد أو تنزل إلى
صدور قديمة غريبة ال َّشكل
ٍ المستوى الثَّالث .وجدَت حُجرةً تمألها األسلحة وال ُّدروع؛ ُخوذ من َّمقة وواقيات
وحراب طويلة تتَّخذ رؤوسها شكل أوراق ال َّشجر .ووجدَت وسيوف طويلة وسكاكين وخناجر ونُ َّشابيَّات ِ
أكوام من األسمال ٍ أحد األقبية متخ ًما بالمالبس؛ فراء سميك وحرير فاخر بعشرات األلوان إلى جوار
ضا ،وتخيَّلت كريهة الرَّائحة والخيش المهترئ .قالت آريا لنفسها بثقة :ال بُ َّد أن هناك حُجرا ٍ
ت فيها كنوز أي ً
وحباال من َّ
الآللئ ً الذهب وصُررًا مألى بالعُمالت الفضَّة والياقوت األزرق كالبحر أكداسًا من األطباق َّ
الخضراء الكبيرة.
انتظار يسألها ع َّما تفعله ،فقالت له إنها ضلَّت الطَّريق.
ٍ يوم وجدَت الرَّجل الطيِّب أمامها على غير
في ٍ
أنك ال تُجيدين الكذبَ .من أن ِ
ت؟ » . « -كاذبة ،واألدهى ِ
« -ال أحد».
تنهَّد ً
قائال« :كذبة أخرى».
كان ويز ليضربها حتى يُدميها لو ضبطَها متلبِّسةً بالكذب ،لكن األمر مختلف في (دار األبيض واألسود).
اعترضت طريقها ،لكن أحدًا آخَر لم يرفع يده َ عندما تُسا ِعد في المطبخ تضربها أوما أحيانًا بملعقتها إذا
عليها .ال يرفعون أيديهم َّإال للقتل.
انسج َمت آريا مع الطَّاهية بما فيه الكفاية .تضع أوما س ِّكينًا في يدها وتُشير إلى بصل ٍة فتُقَطِّعها ،تدفعها أوما
نحو ُكتل ٍة من العجين فتعجنها إلى أن تقول لها الطَّاهية أن تتوقَّف (و«توقَّفي» هي أول كلم ٍة براڤوسيَّة
طعها إلى شرائح تُ َد ِّورها في المكسَّرات التي تسحقها الطَّاهية. تعلَّمتها) ،تُ ِ
ناولها أوما سمكةً فتُنَظِّفها وتُقَ ِّ
وأصداف من جميعٍ بأسماك
ٍ شر َح لها الرَّجل الطيِّب أن المياه ال َمسوس 41التي تُحيط ب(براڤوس) تعجُّ
األنواع ،وث َّمة نهر بنِّي بطيء يصبُّ في الهَور من الجنوب ويمضي متع ِّرجًا في مساح ٍة مديدة من البوص
طينيَّة ،ولذا فهنالك وفرة وفيرة دائ ًما من المحار وأُم ال ُخلول وبلح البحر و َسمك والبِرك الم ِّديَّة والسُّهول ال ِّ
الكراكي والضَّفادع والسَّالحف وسراطين الوحل والسَّراطين الرَّقطاء والسَّراطين المتسلِّقة وثعابين الماء
الحمراء والسَّوداء والمخطَّطة وأسماك ال ِّشلق ومحار اللُّؤلؤ ،وكلُّ هذه األصناف يتكرَّر ظهوره على
المائدة الخشبيَّة المنقوشة التي يتنا َول عليها خدم اإلله عديد الوجوه وجباتهم .في بعض اللَّيالي تُتَبِّل أوما
السَّمك بملح البحر و َحبِّ الفلفل المكسَّر أو تطهو ثعابين الماء بالثُّوم المفروم ،وك َّل فتر ٍة طويلة تُضيف
قليال من ال َّزعفران أيضًا .كان هوت پاي ليحبَّ هذا. الطَّاهية ً
ببطن ممتلئ .في ٍ ال َعشاء وقتها المفضَّل من اليوم ،فقد مضى وقت طويل منذ خلدَت آريا إلى النَّوم ك َّل ليل ٍة
بعض اللَّيالي يسمح لها الرَّجل الطيِّب بأن تُلقي عليه أسئلةً ،فسألَته في م َّر ٍة لماذا يبدو النَّاس الذين يأتون
سالم دائ ًما .في وطنها يخاف النَّاس الموت ،وتَذ ُكر كيف بكى ال ُمرافق ذو البثور حين ٍ المعبد هادئين في
طعنَته في بطنه ،وكيف توسَّل السير آموري لورك حين ألقاه الكبش في جُبِّ ال ُّدب ،وتَذ ُكر القرية عند
الذهب. (عين اآللهة) وصريخ القرويِّين وعويلهم ونحيبهم ما إن يبدأ ال ُمدغ ِدغ في السُّؤال عن َّ
أجابَها الرَّجل الطيِّب« :الموت ليس أسوأ شي ٍء في ال ُّدنيا .إنه هديَّة اإلله إلينا ،نهاية للحاجة واأللم .يوم
ُرسل اإلله عديد الوجوه إلى كلٍّ منا مالك ظُلم ٍة يمضي إلى جوارنا في الحياة ،وحين تصير خطايانا نولَد ي ِ
ومعاناتنا أثقل من أن نستطيع حملها يأخذنا المالك من يدنا ويقودنا إلى أراضي اللَّيل حيث تلتمع النُّجوم
بال نهاية .من يأتون لل ُّشرب من الكوب األسود يبحثون عن مالئكتهم ،وإذا كانوا خائفين تُهَدِّئ ال ُّشموع
تجعلك تُفَ ِّكرين يا صغيرتي؟».ِ روعهم .عندما تش ِّمين شموعنا ففي َم
أرادَت أن تقول( :وينترفل) .أش ُّم الثَّلج وال ُّدخان وإبر الصَّنوبر ،أش ُّم االسطبالت ،أش ُّم هودور يضحك
وچون وروب يتبا َرزان في السَّاحة وسانزا تُ َغنِّي عن ليدي جميلة حمقاء ما ،أش ُّم السَّراديب حيث يجلس
الملوك الحجريُّون ،أش ُّم ال ُخبز الطَّازج ،أش ُّم أيكة اآللهة ،أش ُّم ذئبتي ،أش ُّم فروها كأنها لم تزل إلى جواري،
غير أنها ر َّدت لترى ما سيقوله« :ال أش ُّم شيئًا».
ت يا آريا يا سليلة عائلة ستارك» .ال يدعوها بهذا االسم َّإال بأسرارك إذا شئ ِ
ِ لك أن تحتفظي « -كاذبة ،لكن ِ
ُمكنك العودة إلى
ِ ت منا بع ُد .ي
إنك لس ِ
أنك تستطيعين مغادَرة هذا المكانِ . عندما تُثير استياءه« .تعرفين ِ
ت». وطنك متى أرد ِ
ِ
ُ
غادرت فال يُمكنني العودة». « -قلت لي إنني إذا
« -بالضَّبط».
أحزنَتها الكلمة .اعتا َد سيريو أن يقولها أيضًا ،كان يقولها طوال الوقت .سيريو فورل علَّمها أشغال اإلبرة
وماتَ من أجلها« .ال أري ُد أن أرحل».
« -ابقي إذن ...لكن تذ َّكري أن (دار األبيض واألسود) ليست بيتًا لأليتام .كلُّ البَشر واجبهم الخدمة تحت
طاعتك في جميع
ِ ت ،لكن اعلمي أننا سنتطلَّب دوهايرس كما نقولها هنا .ابقي إذا شئ ِ
ِ هذا السَّقف .ڤاالر
فعليك أن ترحلي».
ِ ت ال تستطيعين التزام الطَّاعة
األحيان وفي ك ِّل األشياء .إذا كن ِ
« -أستطي ُع التزام الطَّاعة».
« -سنرى».
ت أخرى بخالف مساعَدة أوما ،فتكنس آريا أرضيَّات المعبد وتُقَدِّم الوجبات وتصبُّ ال َّشراب كلَّفوها بواجبا ٍ
صباح تسير إلى جوار ٍ فرغ صُرر نقودهم وتُحصي العُمالت الغريبة .ك َّل وتفرز أكوام ثياب الموتى وتُ ِ
الرَّجل الطيِّب بينما يدور في أنحاء المعبد بحثًا ع َّمن ماتوا ،فتقول لنفسها متذ ِّكرةً سيريو :بصمت الظِّالل.
وارب مصرا ًعا لترى إن كان هناك أحدهم ميتًا تحمل مصباحًا بمصاريع حديديَّة سميكة ،وعند ك ِّل فجو ٍة تُ ِ
فيها.
صلُّون ساعةً أو يو ًما أو عا ًما، ليس العثور على الموتى عسيرًا أبدًا .إنهم يأتون (دار األبيض واألسود) ويُ َ
ش من حجر وراء إل ٍه أو آخَر ،ويُغلِقون ثم يشربون الماء ال َّداكن الحُلو من البِركة ،ويتم َّددون على فِرا ٍ
أعيُنهم وينامون وال يستيقظون بَعدها أبدًا .قال لها الرَّجل الطيِّب« :هديَّة اإلله عديد الوجوه تتَّخذ عديد
فاضت ،وتجلب آريا َ الصُّ ور ،لكنها رفيقة دو ًما هنا» .حين يجدان جثَّةً يُ َردِّد صالةً ويتأ َّكد من أن الرُّ وح
الخادميْن المكلَّفيْن بحمل الموتى إلى األقبية ،وهناك يُ َج ِّرد ال ُمعاونون الجُثث من الثِّياب ويُ َغسِّلونها،
ضع الثِّياب وال ُّنقود والمقتنيات األخرى في سلَّ ٍة للفرز ،ثم تُؤخَ ذ األجساد الميتة الباردة إلى المعت َكف وتو َ
في األسفل حيث ال ُّدخول متاح للكهنة وحدهم ،أ َّما ما يَح ُدث هناك فليس مسمو ًحا آلريا بأن تعرفه .في م َّر ٍة
بينما تتنا َول عشا َءها استحو َذ عليها َش ٌّك رهيب ،ووض َعت س ِّكينها وح َّدقت بريب ٍة إلى شريح ٍة من اللَّحم
األبيض ال َّشاحب ،فرأى الرَّجل الطيِّب الرُّ عب على وجهها ،وقال لها« :إنه لحم خنزير أيتها الصَّغيرة،
لحم خنزير فقط».
ظف السَّاللم سريرها من الحجر ويُ َذ ِّكرها ب(هارنهال) والسَّرير الذي نا َمت عليه هناك وقت أن كانت تُنَ ِّ
بدال من القَش ،وهو ما جعلَها أكثر تك ُّت ًال من تلك التي اعتادَت النَّوم عليها في بالخرق ًلويز ،وحشيَّته مليئة ِ
(هارنهال) ،لكنها أقلُّ وخ ًزا أيضًا .مسمو ٌح لها بالعدد الذي تُريده من األغطية الصُّ وف السَّميكة ،منها
ضيَّة األحمر واألخضر ومربَّع النَّقش ،كما أن حُجيرتها لها وحدها ،وهناك تحتفظ بكنوزها؛ ال َّشوكة الف ِّ
والقبَّعة العريضة والقُفَّاز الذي بال أصابع ،وكلُّها أشياء أهداها إليها بحَّارة (ابنة المارد) ،باإلضافة إلى
خنجرها وحذائها وحزامها وحصيلتها الصَّغيرة من ال ُّنقود والمالبس التي كانت ترتديها...
و(اإلبرة).
على الرغم من أن واجباتها تَترُك لها ً
قليال من الوقت ألشغال اإلبرة فإنها تتدرَّب متى استطاعَت وتُ ِ
نازل
يوم مرَّت اللَّقيطة مصادفةً ورأت آريا في مران المبا َرزة ،فلم تقل
ِظلَّها على ضوء شمع ٍة زرقاء .ذات ٍ
ق الرَّجل الطيِّب آريا إلى حُجيرتها ،وقال لها مشيرًا إلى كنوزها:الفتاة شيئًا ولكن في اليوم التَّالي سا َ
عليك أن تتخلَّصي من كلِّ هذه األشياء».
« ِ
قالت آريا مذعورةً« :إنها ملكي».
ت؟».
« -و َمن أن ِ
« -ال أحد».
التقطَ شوكتها الفضَّة ،وقال« :هذه ملك آريا سليلة عائلة ستارك ،كلُّ هذا ملكها .ال مكان لهذه األشياء هنا،
وال مكان لها أيضًا .إن اسمها اسم رفيع للغاية ،وال مجال هنا للتَّرفُّع .إننا خدم».
مجروحةً قالت« :أنا أخد ُم» .لقد أحبَّت هذه ال َّشوكة الفضَّة.
لكنك وضعتِها على ِ ت أسما ًء أخرى، قلبك .لقد حمل ِ
ت ابنة لورد في ِ لكنك ما زل ِ
ِ « -بل تلعبين دور الخادمة،
َّ
أنك تضعين فُستانًا ،وتحتها ظلت آريا موجودةً دائ ًما». نفسك باالستخفاف نفسه كما لو ِ ِ
« -ال أرتدي الفساتين! ال يُمكنك أن تُقاتِل بينما ترتدي فُستانًا سخيفًا!».
ط ًشا للدِّماء؟» ،وتنهَّد متابعًا:ت ُمبارز براڤو يتبختر في األزقَّة متع ِّ سألَها« :ولِ َم تُريدين أن تُقا ِتلي؟ هل أن ِ
روحك،
ِ جسدك،
ِ كيانك كلَّه له هو ذي الوجوه العديدة؛ ِ عليك أن تهبي
ِ «قبل أن تشربي من الكوب البارد
نفسك إلى فِعل ذلك فيجب أن تُغا ِدري هذا المكان». ِ ت ال تستطيعين أن تدفعي نفسك .إذا كن ِ ِ
« -العُملة الحديد.»...
طريقك ،والتَّكلفة باهظة».
ِ عليك أن تدفعي لتَسلُكي
ِ رحلتك إلى هنا ،ومن هنا
ِ ت بها ثَمن
...« -دفع ِ
« -ال أمل ُ
ك ذهبًا».
بأكملك .البَشر يَسلُكون مختلِف ُّ
الطرق في وادي ال ُّدموع ِ ت « -ما نُقَدِّمه ال يُشترى َّ
بالذهب .التَّكلفة أن ِ
واآلالم هذا ،وطريقنا األصعب ،قالئل مخلوقون للمشي فيه.
إنه يتطلَّب ق َّوةً نادرةً للجسد والرُّ وح ،وقلبًا صُلبًا وطيدًا».
هناك فجوة في الموضع الذي يُفت َرض أن يحتلَّه قلبي ،وال مكان آخَ ر أذهبُ إليه« .إنني قويَّة ،قويَّة ِمثلك،
إنني صُلبة».
لكنك مخطئة .ستجدين خدمةً أق َّل مشقَّةً في ِ لك،قال كأنه سم َع أفكارها« :تعتقدين أن هذا هو المكان الوحيد ِ
لك إلى عليك َّإال أن تقولي وسنُ ِ
رس ِ ِ أنك تُفَضِّلين أن تكوني محظيَّةً يتغنُّون ب َجمالها؟ ما
منزل أحد ال ُّتجَّار ،أم ِ
تحف حين تمشين، ُّ (اللُّؤلؤة السَّوداء) أو (ابنة الغسق) .ستنامين على بتالت الورد وترتدين تنانير حريريَّةً
ت راغبةً في ال َّزواج بكارتك .أو إذا كن ِ
ِ ت طائلةً ويُف ِقرون أنفسهم من أجل دم وسيدفع السَّادة العظام ثروا ٍ
لك زوجًا ،صبيًّا ِحرفيًّا ما أو عجو ًزا غنيًّا أو رحَّال بحار ،أيًّا كان ما واألطفال فأخبِريني وسنجد ِ
تُريدين».
ال تُريد آريا شيئًا من ذلك ،ولذا ه َّزت رأسها بصمت.
« -هل تَحلُمين ب(وستروس) إذن أيتها الصَّغيرة؟ (سيِّدة البريق) سفينة لوكو پريستاين سترحل غدًا إلى
(بلدة النَّوارس) و(كينجز الندنج) و(تايروش) .هل نجد ِ
لك مكانًا عليها؟».
عام مرَّت منذ فرَّت من (كينجز الندنج)، ُ
جئت لت ِّوي من (وستروس)!» .أحيانًا يبدو كأن ألف ٍ « -لقد
حدث البارحة فحسب ،لكنها تعلم أنها ال تستطيع العودة« .سأذهبُ إذا كنت ال تُريدني،
َ وأحيانًا كأن هذا
لكني لن أذهب إلى هناك».
قادك اإلله عديد الوجوه إلى هنا لتكوني أداته ،لكن حين أنظ ُرِ قال الرَّجل الطيِّب« :ما أريده ال يه ُّم .ربما
أنك فتاة .كثيرون خدموا اإلله عديد الوجوه على َم ِّر القرون ،لكن أق َّل القليلإليك أرى طفلةً ...واألدهى ِ ِ
من خدمه كن نسا ًء .النِّساء يأتين بالحياة إلى ال ُّدنيا ،ونحن نجلب هديَّة الموت .ال أحد يستطيع أن يفعل هذا
وذاك».
فعل من قبل بال ُّدودة« .ال أبالي بهذا».
ُحاول أن يُخيفني ألرحل كما َي ِ
عينيك الرَّماديَّتين
ِ ولسانك ،سيأخذ
ِ وأنفك
ِ عليك أن تُبالي .ابقي وسيأخذ اإلله عديد الوجوه أُ ِ
ذنيك ِ « -
وأحالمك و ُحب َِّك
ِ آمالك
ِ وعورتك ،سيأخذ
ِ وساقيك
ِ وقدميك
ِ يديك
ِ الحزينتين اللتين رأيتا الكثير ،سيأخذ
وكراهيتكَ .من ينخرطون في خدمته عليهم التَّخلِّي عن ك ِّل ما يجعلهم هُم .هل تستطيعين أن تفعلي ذلك؟»،ِ
ك الرَّجل الطيِّب ذقنها بأصابعه وتطلَّع إلى عينيها سابرًا أغوارهما لدرج ٍة جعلَتها ترتجف ،وأردفَ : وأمس َ
أنك تستطيعين».
أظن ِ«ال ،ال ُّ
ضربَت آريا يده مزيحةً إياها ،وقالت« :أستطي ُع إذا أردت».
« -هذا ما تقوله آريا سليلة عائلة ستارك ،آكلة دود القبور».
« -أستطي ُع التَّخلِّي عن أ ِّ
ي شي ٍء أريده!».
أشا َر إلى كنوزها ً
قائال« :ابدئي بهذه إذن».
ليلتها بَعد ال َعشاء عادَت آريا إلى حُجيرتها وخل َعت ثيابها وهم َست بأسمائها ،لكن النَّوم أبى أن يأتيها،
بالخرق وهي تَمضُغ شفتها شاعرةً بالفجوة في داخلها حيث كان قلبها. وظلَّت تتقلَّب على الحشيَّة المليئة ِ
في جوف اللَّيل قا َمت ثانيةً وارتدَت الثِّياب التي كانت عليها في الطَّريق من (وستروس) ،وتمنطقَت بحزام
سيفها معلِّقة (اإلبرة) على أحد َوركيها وخنجرها على الثَّاني .بقبَّعتها العريضة على رأسها وقُفَّازها عديم
ضيَّة في يدها تحرَّكت صاعدةً السَّاللم بخفَّ ٍة مف ِّكرةً :ال مكان
األصابع المدسوس في حزامها وشوكتها الف ِّ
هنا آلريا سليلة عائلة ستارك .مكان آريا في (وينترفل) ،لكن (وينترفل) ضاعَت .عندما تَسقُط الثُّلوج
وتهبُّ الرِّيح البيضاء يَنفُق ال ِّذئب الوحيد بينما ينجو القطيع .غير أنها بال قطيع .لقد قتلوا قطيعها ،قتلَه
السير إلين والسير مرين والملكة ،ول َّما حاولَت أن تُ َك ِّون واحدًا جديدًا فَ َّر أفراده جميعًا؛ هوت پاي
وجندري ويورن ولومي أخضر اليد ،وحتى هاروين الذي كان رجل أبيها.
خرجت من الباب إلى اللَّيل.
َ
كدثار
ٍ إنها المرَّة األولى التي تَخرُج فيها منذ دخلَت المعبد .كانت السَّماء غائمةً واألرض يُ َغطِّيها الضَّباب
رمادي متهتِّك ،وإلى يمينها سم َعت تجذيفًا من إحدى القنوات ،فف َّكرت( :براڤوس) ،المدينة الس ِّريَّة .يبدو
لها االسم الئقًا للغاية .انسلَّت نازلةً السَّاللم المنح ِدرة إلى الرَّصيف المسقوف بينما تدور د َّوامات الضَّباب
حول قدميها بكثاف ٍة حالَت دون أن ترى الماء ،وإن سم َعته يرتطم بنعوم ٍة بالرَّكائز الحجريَّة ،ورأت من
فخطر لها أنها النَّار اللَّيليَّة في معبد الرُّ هبان الحُمر.
َ بعي ٍد ضو ًءا يتوهَّج في الغيوم،
توقَّفت على حافة الماء وفي يدها ال َّشوكة المصنوعة من الفضَّة الخالصة .ليست شوكتي ،لقد أهداها إلى
غاصت فيها .بَعدها ألقَت القبَّعة العريضة َ ِملحة .ألقَتها إلى أسفل وسم َعت صوت تناثُر المياه الخافت إذ
نجوم
ٍ ضيَّة وتسع والقُفَّاز ،فهما أيضًا ملك ل ِملحة ،ثم إنها أفرغَت محتويات جرابها في كفِّها؛ خمسة أيائل ف ِّ
راوت .نث َرتها جميعًا في الماء ،ثم حانَ دور حذائها الذي نُحاسيَّة وبعض البنسات وأنصاف البنسات وال َج ِ
أحدث الصَّوت األعلى ،وبَعده الخنجر الذي أخ َذته من الق َّواس الذي توسَّل من كلب الصَّيد الرَّحمة ،ثم َ
ألقَت حزام سيفها في القناة ،ومعطفها وسُترتها وسراويلها وثيابها ال َّداخليَّة.
ألقَت ك َّل شي ٍء باستثناء إبرتها.
الجلد ترتجف في الضَّباب ،في يدها إبرتها كأنها تهمس لها وقفَت في أقصى الرَّصيف شاحبةً مقشعرَّة ِ
وتقول :اطعنيهم بالطَّرف المدبَّب ،وتقول :ال تُخبِري سانزا! على النَّصل عالمة ميكن .إنه مجرَّد سيف.
سيف فهناك مئة تحت المعبد ،ثم إن (اإلبرة) أصغر من أن يكون سيفًا حقيقيًّا ،بالكاد أكثر
ٍ احتاجت إلى
َ إذا
عال هذه
ت ٍ من لُعبة .لقد كانت فتاةً صغيرةً حمقاء حين صن َعه چون لها« .إنه مجرَّد سيف» ،قالتها بصو ٍ
المرَّة...
...لكنه ليس كذلك.
إبرتها روب وبران وريكون ،أ ُّمها وأبوها ،وحتى سانزا .إبرتها جُدران (وينترفل) الرَّماديَّة وضحك
أهلها .إبرتها ثلوج الصَّيف وقِصص العجوز نان وشجرة القلوب بأوراقها الحمراء ووجهها المخيف
الزجاجيَّة وصوت رياح ال َّشمال إذ ترجُّ مصاريع ُغرفتها .إبرتها ورائحة التُّربة ال َّدافئة في الصُّ وبة ُّ
ابتسامة چون سنو .قالت لنفسها متذ ِّكرةً :اعتا َد أن ينفش َشعري ويدعوني ب«أختي الصَّغيرة» ،وفجأةً
كانت العبرات تُ ِ
غرق عينيها.
الطرقق منها السَّيف عندما أس َرها رجال الجبل ،ثم إذا به هناك حين دخلَت الخان على تقاطُع ُّ پوليڤر سر َ
مع كلب الصَّيد .اآللهة أرادَتني أن أحمله .ليست اآللهة السَّبعة وال اإلله عديد الوجوه ،بل آلهة أبيها ،آلهة
ال َّشمال القديمة .فليأخذ اإلله عديد الوجوه البقيَّة ،لكن ال يُمكنه أن يأخذ هذا.
صف الطَّريق إلى أعلى اهت َّز حجر صعدَت السَّاللم عاريةً كيوم مولدها وقد أطبقَت على إبرتها ،وفي منت َ
تحت قدمها ،فرك َعت آريا وحف َرت حول حوافه بأصابعها .لم يتحرَّك في البداية ،لكنها ثاب َرت مكسِّرةً
ق أمامها.المالط المتفتِّت بأظفارها ،إلى أن تحرَّك الحجر أخيرًا ،فأنَّت وم َّدت يديها معًا تسحبه ،وانفت َح َش ٌّ
قالت ل(اإلبرة)« :ستكون آمنًا هنا .ال أحد يعرف مكانك غيري» ،ودسَّت السَّيف وال ِغمد وراء ال َّدرجة ثم
أعادَت الحجر إلى موضعه ليبدو كسائر األحجار األخرى من جديد ،وبينما واصلَت طريقها إلى أعلى
يوم قد تحتاج إليه .هم َست لنفسها« :ذات يوم». ع َّدت ال َّدرجات لتعلم أين تجد السَّيف ثانيةً .ذات ٍ
لم تُخبِر الرَّجل الطيِّب بما فعلته ،لكنه عل َم ،وفي اللَّيلة التَّالية أتاها في حُجيرتها بَعد العشاء ،وقال« :تعالي
واجلسي معي أيتها الصَّغيرة .عندي حكاية أو ُّد أن أحكيها ِ
لك».
سألَته بحذر« :حكاية ماذا؟».
ت تُريدين أن تكوني منا فاألفضل أن تعرفي َمن نحن وكيف جئنا إلى الوجود. « -حكاية بداياتنا .إذا كن ِ
ربما يتها َمس النَّاس عن رجال (براڤوس) عديمي الوجوه ،لكننا أقدم من المدينة الس ِّريَّة .قبل أن يرتفع
(المارد) وقبل أن يُميط أوثيرو اللِّثام عن المدينة وقبل تأسيسها كنا نحن .لقد أينعنا في (براڤوس) وسط هذا
الضَّباب ال َّشمالي ،لكن جذورنا تعود إلى (ڤاليريا) وعبيدها البائسين الذين كدحوا في المناجم العميقة تحت
(األربع عشرة ُشعلة) التي كانت تُضيء ليالي المعقل الحُر قدي ًما.
جباال حيَّةً عروقها
ً معظم المناجم مظلم بارد ومحفور في الحجر الميت ،لكن (األربع عشرة ُشعلة) كانت
صخر مصهور وقلوبها من نار ،وهكذا كانت مناجم (ڤاليريا) ساخنةً دو ًما ،وتزايدَت سخونتها أكثر ٍ من
فأكثر كلَّما ُح ِف َر المزيد من األنفاق في األعماق .كان العبيد يك ُّدون في أتون ،الصُّ خور حولهم أسخن من أن
حرق األرض س يَد ُخل صدورهم ،وتُ ِ يلمسوها ،والهواء يعبق برائحة الكبريت ويسفع رئاتهم مع كلِّ نف ٍ
باطن أقدامهم وتُقَرِّحها حتى مع انتعالهم أكثر الصَّنادل سماكةً.
الذهب كانوا يجدون ً
بدال منه بُخارًا أو مياهًا تغلي أو صخو ًرا أحيانًا عندما يخترقون ِجدارًا بحثًا عن َّ
مصهورةً ،وبعض األنفاق كان واطئًا للغاية وال يستطيع العبيد الوقوف فيه معتدلين ،فكانوا يزحفون أو
ينحنون .وكانت هناك ديدان في تلك ُّ
الظلمة الحمراء أيضًا».
سألَته مقطِّبةً جبينها« :ديدان األرض؟».
ضا ،ولكن ً
بدال من التَّحليق « -ديدان النَّار .يقول بعضهم إنها من جنس التَّنانين ،فتلك الدِّيدان تنفث النَّار أي ً
في السَّماء تنخر الحجارة والتُّربة .إذا ص َّدقنا الحكايات القديمة فديدان النَّار كانت تعيش في (األربع عشرة
ذراعك النَّاحلة هذه ،لكنها تنمو إلى أحج ٍام رهيبة
ِ ُشعلة) من قبل مجيء التَّنانين .أصغرها ليس أكبر من
وال تحبُّ البَشر على اإلطالق».
« -هل قتلَت العبيد؟».
« -كثيرًا ما كان يُعثَر على الجُثث المحروقة والمسو َّدة في األنفاق التي تشقَّقت جُدرانها أو امتألَت
ق أبلغ وأبلغ .كان العبيد يهلكون بالعشراتتواصل حفر األنفاق في أعما ٍ
َ بالفتحات ،وعلى الرغم من ذلك
الذهب األحمر واألصفر والفضَّة أثمن من أنفُس العبيد ،والعبيدلكن أسيادهم لم يُبالوا .بالنِّسبة إليهم كان َّ
كانوا رخيصين في المعقل الحُر القديم .في الحروب كان الڤاليريُّون يأسرونهم باآلالف ،وفي أوقات السَّالم
كانوا يجعلونهم يتوالَدون ،ولو أن أسوأهم فقط كان يُر َسل ليموت في ُّ
الظلمة الحمراء».
« -ألم يَثُر العبيد ويُقاتِلوا؟».
قليال منها حقَّق شيئًا .سادة التَّنانين في المعقل الحُر
« -بعضهم .كانت التَّمرُّ دات شائعةً في المناجم ،لكن ً
رجل
ٍ القديم كانوا أقوياء في ال َّشعوذة ،وكان َمن هُم أدنى منهم يتح ُّدونهم معرِّضين أنفُسهم للخطر .أول
عديم الوجه كان من هؤالء».
اندف َعت آريا تسأل قبل أن تتوقَّف لتُفَ ِّكرَ « :من كان؟».
أجابَها« :ال أحد .بعضهم يقول إنه كان عبدًا ،ويصرُّ غيرهم على أنه كان ابنًا ألحد األسياد مولودًا من
ق على من يعملون تحت إمرته ،لكن الحقيقة أن ال أحد سُالل ٍة نبيلة ،بل وهناك من يقول إنه كان ُمشرفًا أشف َ
يعلم .أيًّا كان فقد اعتا َد أن يتحرَّك بين الرَّقيق ويسمع صلواتهم .كان أناس من مئة أ َّم ٍة مختلفة يُعانون في
صلِّي طالبًا ال َّشيء نفسه .كانوا يَطلُبون الخالص المناجم ،ك ٌّل منهم يدعو ربَّه بلُغته ،لكن جميعهم كان يُ َ
ونهاية األلم ،شيء صغير بسيط ،لكن آلهتهم لم تُ ِجب واستم َّر عذابهم .تساء َل الرَّجل :هل آلهتهم كلُّها
الظلمة الحمراء .لكلِّ اآللهة أدواتها ،رجال ونساء يخدمونها ص َّماء؟ إلى أن أتَته اإلجابة ذات ليل ٍة في ُّ
ويُسا ِعدون على تنفيذ إرادتها على األرض .لم يكن العبيد يتضرَّعون إلى مئة إل ٍه مختلف كما بدا ،وإنما
إلى إل ٍه واحد له مئة وج ٍه مختلف ...والرَّجل كان أداة هذا اإلله .في اللَّيلة ذاتها اختا َر أكثر العبيد تعاسةً،
ُصلِّي بحرار ٍة أشد من غيره ناشدًا الخالص ،وعتقَه من عبوديَّته .ليلتها أُ ِ
عطيَت الهديَّة األولى». الذي كان ي َ
المفترض أن يَقتُل األسياد!».َ تراج َعت آريا قائلةً وقد بدا لها الكالم خاطئًا« :قت َل العبد؟! كان
ليوم آخَر ،حكاية األفضل أن تطَّلع عليها َمن هي ال « -الحقًا أعطاهم الهديَّة أيضًا ...لكن تلك حكاية ٍ
ت أيتها الصَّغيرة؟». ً
سائال« :و َمن أن ِ أحد» ،وحنى الرَّجل الطيِّب رأسه إلى الجانب
« -ال أحد».
« -كاذبة».
« -وما أدراك؟ أهو السِّحر؟».
عليك فقط أن
ِ صدق من الكذب إذا كانت له عينان. قال« :ليس ضروريًّا أن يكون اإلنسان ساحرًا ليعرف ال ِّ
تتعلَّمي قراءة الوجوه .انظُري إلى العينين ،إلى الفم ،والعضالت هنا في رُكن الفَك ،وهنا حيث يلتحم العُنق
الكذابين تطرف أعيُنهم ،وبعضهم يُ َحملِق ،وبعضهم َّ بالكتفين» ،ومسَّها بإصبعين بخفَّ ٍة متابعًا« :بعض
ُحاولون إخفاء
َطون أفواههم قبل أن ينطقوا كذبًا كأنهم ي ِ يُشيح بوجهه ،وبعضهم يلعق شفتيه ،وكثيرون يُغ ُّ
خداعهم .ث َّمة عالمات أخرى أقلُّ وضوحًا ،لكنها موجودة دائ ًما .قد تتشابَه ابتسامة زائفة وأخرى صادقة،
ُمكنك تمييز الغسق من الفَجر؟».ِ لكنهما مختلفتان كما الغسق والفَجر .هل ي
أومأَت آريا برأسها إيجابًا ،مع أنها ليست واثقةً باستطاعتها هذا حقًّا.
ُمكنك أن تتعلَّمي رؤية األكاذيب ...وبمجرَّد أن تتعلَّمي فلن يأمن ِ
منك ِسر». ِ « -إذن في
« -علِّمني» .ستُصبِح ال أحد ما دا َم هذا ما يتطلَّبه األمر .إذا كانت ال أحد فلن تكون في داخلها فجوة.
فائدتك إذا
ِ مك» ،قال الرَّجل الطيِّب إذ ظه َرت اللَّقيطة خارج بابها« .بدايةً بلُغة (براڤوس) .ما « -هي ستُ َعلِّ ِ
غتك ،وبهذا ستتعلَّم كلتاكما معًا من األخرى .هل ستفعلين ت لُ ِ ت ال تتكلَّمينها أو تفهمينها؟ وستُ َعلِّمينها أن ِ كن ِ
هذا؟».
أجابَت« :نعم» ،ومنذ تلك اللَّحظة باتَت مبتدئةً في (دار األبيض واألسود) .أخذوا منها مالبس الخدم
بدال منها ردا ًء من األبيض واألسود شديد النُّعومة كالدِّثار األحمر القديم الذي كانت تتغطَّى به وأعطوها ً
في (وينترفل) ،وتحته ارتدَت ثيابًا داخليَّةً من الكتَّان األبيض النَّاعم وسُترةً تحتيَّةً سوداء تدلَّت على جسدها
متجاوزةً رُكبتيها.
منذ ذلك الحين تقضي واللَّقيطة أوقاتهما معًا في لمس األشياء واإلشارة إليها ،وك ٌّل منها تُ ِ
حاول تعليم
ُمل
ت أصعب ،ثم ج ٍ ت بسيطة ككوب وشمعة وحذاء ،ثم كلما ٍ ت من لُغتها .بدأتا بكلما ٍ األخرى بضع كلما ٍ
ق واحدة حتى ترتعد ،وبَعدها أرسلَها كاملة .في الماضي اعتا َد سيريو فورل أن يجعلها تقف على سا ٍ
ورقصت آريا رقصة المياه على فروع األشجار وفي يدها سيف من خشب .كلُّ هذه َ طارد القِطط، تُ ِ
األشياء كان صعبًا ،لكن هذا أصعب.
حتى الخياطة كانت أمتع من اللُّغات ،قالت لنفسها في ليل ٍة بَعد أن نسيَت نِصف الكلمات التي ظنَّت أنها
تعلَّمتها وأسا َءت نُطق النِّصف اآل َخر لدرج ٍة أضح َكت اللَّقيطة منها .عباراتي معو َّجة كما كانت ُغرزي .لو
بدال من ذلك .أغبىلم تكن الفتاة صغيرةً مهزولةً له َّشمت آريا وجهها السَّخيف ،لكنها را َحت تَمضُغ شفتها ً
من أن أتعلَّم وأغبى من أن أستسلم.
تعلَّمت اللَّقيطة ال ُّلغة العاميَّة أسرع ،وذات ليل ٍة التفتَت إليها وسألَتهاَ « :من أن ِ
ت؟ » .
أجابَتها آريا بالبراڤوسيَّة« :ال أحد».
« -كاذبة .يجب أن تكذبي مفضَّل».
ضح َكت آريا قائلةً« :مفضَّل؟ تعنين أفضل يا حمقاء».
سأريك».
ِ « -أفضل يا حمقاء.
في اليوم التَّالي بدأتا لُعبة األكاذيب التي تتبادَل فيها كلتاهما إلقاء األسئلة على األخرى .أحيانًا تُجيبان
حاول التَّفريق بين هذا وذاك .بدا أن اللَّقيطة تعرف دائ ًما ،أ َّما آريا
صدقًا وأحيانًا تكذبان ،وعلى السَّائلة أن تُ ِ
فعليها أن تُ َخ ِّمن ،وأكثر الوقت يكون تخمينها خاطئًا.
عندك؟» ،فجاوبَت آريا« :عشرة» ،ورف َعت عشرة ِ في م َّر ٍة سألَتها اللَّقيطة باللُّغة العاميَّة« :كم عا ًما
بشكل
ٍ أصابع .ظنُّها أنها ال تزال في العاشرة ،ولو أن التَّيقُّن عويص ،كما أن البراڤوسيِّين يع ُّدون األيام
مختلف عن الوستروسيِّين .ربما َح َّل يوم ميالدها وانقضى بالفعل.
عندك؟».
ِ أومأَت اللَّقيطة برأسها ور َّدت آريا اإليماءة ،وبأفضل ما تعرف من البراڤوسيَّة سألَت« :كم عا ًما
أ َرتها اللَّقيطة عشرة أصابع ،ثم عشرةً أخرى ،ثم عشرةً أخرى ،ثم ستَّة .ظَ َّل وجهها بهدوء المياه الرَّاكدة،
ت كاذبة» ،فه َّزت وف َّكرت آريا :ال يُمكن أن تكون في السَّادسة والثَّالثين ،إنها بنت صغيرة .قالت لها« :أن ِ
اللَّقيطة رأسها نفيًا وأ َرتها ثانيةً 14 :و 14و 14و ،4وقالت مقابل 94بالبراڤوسيَّة وجعلَت آريا تُ َردِّدها.
أخب َرت الرَّجل الطيِّب بما ا َّدعته اللَّقيطة في اليوم التَّالي ،فقال الكاهن مقهقهًا« :لم تكذبَ .من تُ َس ِّمينها
ضت حياتها في خدمة اإلله عديد الوجوه .لقد سلَّمته كيانها كلَّه وك َّل ما كان يُمكن أن اللَّقيطة امرأة بالغة ق َ
تكونه وك َّل ما في داخلها من حيوات».
عضَّت آريا شفتها ،وسألَته« :هل سأصب ُح ِمثلها؟».
« -ال ،ما لم تُريدي ذلك .السُّموم هي ما جعلَها تبدو كما ترينها».
فرغ اللَّقيطة إبريقًا حجريًّا في مياه البِركة السَّوداء.
السُّموم .اآلن تفهم .ك َّل ليل ٍة بَعد الصَّالة تُ ِ
حين إلى آخَر يزور غيرهما (دارليست اللَّقيطة والرَّجل الطيِّب خاد َمي اإلله عديد الوجوه الوحيديْن ،فمن ٍ
األبيض واألسود) .الرَّجل البدين له عينان سوداوان شرستان وأنف معقوف وفم عريض مليء باألسنان
وصاحب الوجه الصَّارم ال يبتسم أبدًا وعيناه شاحبتان وشفتاه ممتلئتان داكنتان ،والوسيم يتغيَّر ِ المصفرَّة،
لون لحيته كلَّما رأته ويتغيَّر شكل أنفه أيضًا ،لكنه يتحلَّى دو ًما بالوسامة .هؤالء الثَّالثة أكثر من يأتون،
لكن هنالك آخَ رينِ ،مثل ضيِّق العينين واللورد الصَّغير والرَّجل المهزول .في م َّر ٍة جا َء البدين وضيِّق
العينين معًا ،فأرسلَت أوما آريا تصبُّ لهما ال َّشراب ،وكان الرَّجل الطيِّب قد قال لها« :عندما ال تصبِّين
ُمكنك هذا؟».
ِ كأنك منحوتة من الحجر .هل يِ عليك أن تقفي ثابتةً
ِ
زمن طويل في ٍ « -نعم» .قبل أن تتعلَّمي الحركة يجب أن تتعلَّمي الثَّبات .سيريو فورل أوصاها بهذا منذ
(كينجز الندنج) ،ولقد تعلَّمت .في (هارنهال) عملَت آريا ساقيةً عند رووس بولتون ،الرَّجل الذي يُمكنه أن
يَسلُخك إذا سكبت نبيذه.
عليك أن
ِ قال الرَّجل الطيِّب« :عظيم .واألفضل أن تكوني عمياء ص َّماء أيضًا .ربما تسمعين أشياء ،لكن
تَترُكيها تَد ُخل من أُ ٍ
ذن وتَخرُج من الثَّانية .ال تُ ِ
نصتي».
سم َعت آريا الكثير والكثير ليلتها ،لكن معظمه تقريبًا كان بلُغة (براڤوس) ،وبالكاد فه َمت كلمةً من عشر.
قالت لنفسها :بثبات الحجر ،لكنها وجدَت مقاومة التَّثاؤب صعبةً ،وقبل نهاية اللَّيل كان ذهنها قد شر َد
بعيدًا ،وإذ وقفَت هناك حاملةً اإلبريق حل َمت بأنها ذئبة تَر ُكض ح َّرةً في غاب ٍة يُنيرها القمر وفي أعقابها
قطيع عظيم يعوي.
في الصَّباح التَّالي سألَت الرَّجل الطيِّب« :هل الرِّ جال اآلخَرون كهنة كلُّهم؟ أتلك وجوههم الحقيقيَّة؟».
« -ماذا تحسبين أيتها الصَّغيرة؟».
قالت لنفسها :ال ،وقالت له« :هل چاڬن هاجار كاهن أيضًا؟ هل تعرف إن كان چاڬن سيعود إلى
(براڤوس)؟».
ببراء ٍة سألَهاَ « :من؟».
« -چاڬن هاجار! لقد أعطاني العُملة الحديد».
ُ
أعرف أحدًا بهذا االسم أيتها الصَّغيرة». « -ال
ُ
عرفت الوسيلة». اسم جديد إذا
« -سألته كيف يُبَدِّل مالمحه وقال إن هذا ليس أصعب من انتحال ٍ
« -حقًّا؟».
« -هل ستُريني كيف أب ِّد ُل مالمحي؟».
لسانك».
ِ وأخرجي
ِ وجنتيك
ِ ك ذقنها بأصابعه ود َّور رأسها مردفًا« :انفُخي
ت» ،وأمس َ
قال« :إذا أرد ِ
وأخرجت لسانها.
َ ونفخَت آريا وجنتيها
المحك».
ِ « -ها قد تب َّدلت م
أعن هذا .چاڬن استخد َم السِّحر».
« -لم ِ
« -كلُّ السِّحر يأتي بتكلفته أيتها الصَّغيرة ،وال بُ َّد من سنين من الصَّالة والتَّضحية والدِّراسة إلتقان
التَّمويه».
ر َّددت مصدومةً« :سنين؟!».
سهال لفعلَه البَشر كلُّهم .يجب أن تمشي قبل أن تجري .لِ َم تستخدمين تعويذةً بينما تَصلُح
ً « -لو كان ذلك
حيل الممثِّلين؟».
ي حيل ممثِّلين كذلك». ُ
أعرف أ َّ « -ال
وجهك ،وجنتاك،
ِ لدك عضالت ،فتعلَّمي كيف تستخدمينها .هذا بقسماتك .تحت ِج ِ
ِ « -تمرَّني على التَّال ُعب
إرادتك .الواجب أن تكون
ِ وجهك دون
ِ بالظهور علىُّ تك االبتسام والعبوس شفتاك ،أُ ِ
ذناك .يجب َّأال يُبا ِغ ِ ِ
وجهك».
ِ لك وتأتي فقط حين تستدعينها .تعلَّمي أن تتح َّكمي في االبتسامة خادمةً ِ
أرني كيف». ِ «-
حاجبيك .ال ،أعلى» ،ففعلَت هذا أيضًا« .عظيم .انظُري كم من ِ وجنتيك» ،ففعلَت« .ارفعي
ِ قال« :انفُخي
طويال ،لكن ج ِّربي ثانيةً غدًا .ستجدين مرآةً مايريَّة في ً الوقت تستطيعين إبقاءهما هكذا .لن يستم َّر هذا
األقبية .تمرَّني أمامها ساعةً ك َّل يوم .العينان والمنخران والوجنتان واألُذنان وال َّشفتان ،تعلَّمي التَّح ُّكم فيها
ت؟ » .
جميعًا» ،وعا َد يض ُّم أصابعه على ذقنها ويسألهاَ « :من أن ِ
« -ال أحد».
« -كذبة ،كذبة محزنة أيتها الصَّغيرة».
صباح وك َّل مسا ٍء
ٍ وجدَت المرآة المايريَّة في اليوم التَّالي ،وتع َّودت الجلوس أمامها تتالعَب بقسماتها ك َّل
وجهك وستستطيعين الكذب.
ِ وعلى جانبيها شمعتين .تح َّكمي في
بَعدها بفتر ٍة قصيرة أم َرها الرَّجل الطيِّب بمساعَدة ال ُمعاونين على تجهيز الجُثث ،فلم تجد في عملها هذا
ق عليها ثِقلها ،لكن أكثر صعوبةً تُداني تنظيف السَّاللم لويز .أحيانًا إذا كانت الجثَّة كبيرةً أو سمينةً يش ُّ
الموتى عظام قديمة جافَّة تحت جلو ٍد متغضِّنة ،وبينما تُ َغسِّلهم آريا تتطلَّع إليهم وتتسا َءل ع َّما دف َعهم إلى
البِركة السَّوداء .تذ َّكرت حكايةً ر َوتها العجوز نان عن األشتية الطَّويلة ،وكيف يُعلِن َمن يبلغون من ال ِكبر
عتيًّا أنهم ذاهبون للصَّيد ،وسم َعت العجوز نان تقول :فتبكي بناتهم ويُشيح أبناؤهم بوجوههم إلى النَّار ،لكن
ال أحد يمنعهم أو يسألهم عن الفرائس التي ينتوون اقتناصها في الثُّلوج العميقة بينما تعوي الرِّيح الباردة.
تساءلَت ع َّما يقوله البراڤوسيُّون العجائز ألبنائهم وبناتهم قبل أن يرحلوا إلى (دار األبيض واألسود).
دا َر القمر ودا َر ثانيةً ولو أن آريا لم ت َره .ظلَّت تخدم وتُ َغسِّل الموتى وتتالعَب بقسماتها في المرآة وتتعلَّم
حاول أن تتذ َّكر أنها ال أحد.
البراڤوسيَّة وتُ ِ
ت تكفي لجعل لكنك تعرفين كلما ٍ
ِ لهجتك شنيعة،
ِ ثم أرس َل الرَّجل الطيِّب يستدعيها ذات يوم ،وقال لها« :
النَّاس يفهمون ما تُريدينه إلى َح ٍّد ما .حانَ الوقت ألن تَترُكينا فترةً .الطَّريقة الوحيدة التي ستُجيدين بها
لُغتنا حقًّا أن تتكلَّميها من الغسق إلى الفَجر .يجب أن تُغا ِدري».
سألَته« :متى؟ إلى أين؟».
ت مرادفات بلح البحر وأُم« -اآلن .وراء هذه الجُدران ستجدين جُزر (براڤوس) المئة في بحرها .لقد تعلَّم ِ
الخلول والمحار ،أليس كذلك؟».
أجابَت« :نعم» ،ور َّددتها بأفضل براڤوسيَّة تقدر عليها.
جعلَته أفضل براڤوسيَّة تقدر عليها يبتسم ،وقال« :ال بأس .على األرصفة قبل (البلدة الغارقة) ستجدين
أسماك اسمه بروسكو ،رجل صالح يُعاني تعبًا في ظَهره .إنه في حاج ٍة إلى فتا ٍة تدفع عربته وتبيع أُم
ٍ تاجر
ال ُخلول والمحار وبلح البحر للبحَّارة .ستكونين هذه الفتاة ،مفهوم؟».
« -نعم».
ت؟ » .
يسألك بروسكو ف َمن أن ِ
ِ « -ول َّما
« -ال أحد».
« -ال ،لن يَصلُح ذلك خارج هذه ال َّدار».
قالت بَعد تر ُّدد« :يُمكنني أن أكون ِملحة من ( َّ
المالحات)».
إنك موسومة بالطَّريقة التي تتكلَّمين بها ،ولذا يجب
« ِملحة معروفة لترنيسيو تيريس ورجال (ابنة المارد)ِ .
أن تكوني فتاةً من (وستروس) ...لكن فتاة مختلفة على ما ُّ
أظن».
عضَّت شفتها متسائلةً« :أيُمكنني أن أكون كات؟».
ف َّكر لحظةً ،ثم قال« :كات ،نعم( .براڤوس) تعجُّ بالقِطط ،ولن يلحظ أحد قطَّةً إضافيَّةً .أن ِ
ت كات ،يتيمة
من.»...
زارت (الميناء األبيض) مع أبيها مرَّتين ،لكن معرفتها ب(كينجز الندنج) َ (« -كينجز الندنج)» .لقد
أفضل.
أبوك كان ُمشرف َّ
مالحين على متن قادس ،ول َّما ماتَت أ ُّم ِك أخ َذ ِك معه إلى البحر ،ثم ماتَ ِ « -بالضَّبط.
بدوره ولم يجد ُربَّانه حاجةً ِ
إليك ،فأنزلَ ِك من السَّفينة في (براڤوس) .وماذا كان اسم السَّفينة؟».
أجابَت من فورها(« :نايميريا)».
ليلتها تر َكت (دار األبيض واألسود) ،على َوركها األيمن س ِّكين حديدي طويل يُخفيه معطفها المرقَّع
لمعطف ترتديه فتاة يتيمة أن يكون .كان حذاؤها ضيِّقًا على أصابع قدميها وسُترتها ٍ الباهت كما ينبغي
خفيفةً لدرجة أن الرِّيح تخلَّلتها مباشرةً ...لكن (براڤوس) تمت ُّد أمامها ،وهواء اللَّيل يعبق بروائح ال ُّدخان
بفضول وهي تمرُّ وناداها األطفال ٍ والملح واألسماك ،والقنوات ملتوية واألزقَّة أكثر التوا ًء .رمقَها النَّاس
يمض وقت طويل قبل أن تتوه في المدينة تما ًما. ِ ت لم تفهمها ،ولم
المتس ِّولون بكلما ٍ
قط َعت جسرًا حجريًّا تحمله أربع قناطر ،ومن منت َ
صفه رأت صواري السُّفن الرَّاسية في (ميناء راجمان)،
وبينما تمشي ترنَّمت« :السير جريجور ،دانسن ،راف المعسول ،السير إلين ،السير مرين ،الملكة
سرسي» .بدأ المطر يَسقُط ،ورف َعت آريا وجهها لتغسله القطرات شاعرةً بسعاد ٍة بالغة تجعلها ترغب في
الرَّقص ،وأضافَت« :ڤاالر مورجولِس ،ڤاالر مورجولِس ،ڤاالر مورجولِس».
إليني
تدفَّق ضوء ال َّشمس المشرقة من النَّوافذ لتعتدل إليني جالسةً في فِراشها وتتمطَّى ،وسم َعتها جرتشل تتحرَّك
حضر لها معطفها ،إذ كان المسكن قد بر َد خالل اللَّيل .وما إن يستب َّد بنا ال ِّشتاء سيكون
ضت في الحال تُ ِفنه َ
الطَّقس أسوأ هنا .ال ِّشتاء سيجعل هذا المكان باردًا كمقبرة .ارتدَت إليني المعطف وربطَته حول خصرها
قائلةً« :النَّار تكاد تنطفئ .ضعي المزيد من الحطب إذا سمح ِ
ت» .
قالت العجوز« :كما ترغب سيِّدتي».
ض َعت فيها حين كانت الليدي مسكنها في (بُرج العذراء) أوسع وأفخم من ُغرفة النَّوم الصَّغيرة التي ُو ِ
اليسا حيَّةً ،ولها اآلن ُغرفة تبديل مالبس ومرحاض خاصَّان بها ،باإلضافة إلى ُشرف ٍة من الحجر األبيض
وخرجت َ المنحوت تطلُّ على (الوادي) .بينما تولَّت جرتشل إذكاء النَّار قط َعت إليني ال ُغرفة حافية القدمين
إلى ال ُّشرفة.
كانت األحجار باردةً تحت قدميها والرِّيح تعوي بشراس ٍة كما تفعل هنا دائ ًما ،لكن المنظر جعلَها تنسى ك َّل
جاعال (الوادي) كلَّه يمت ُّد
ً هذا بُرهةً .يقع (بُرج العذراء) في أقصى شرق أبراج (العُش) الرَّفيعة السَّبعة،
أمامها بغاباته ونهوره وحقوله المبهَمة في ضوء الصَّباح ،وقد سقطَت أشعَّة ال َّشمس على الجبال جاعلةً
الذهب الخالص. إياها تبدو كأنها من َّ
يا لل َجمال .من فوقها تلوح ق َّمة (رُمح العمالق) الملتحفة بالثُّلوج .يُقَ ِّزم الجبل الهائل بصخوره وجليده القلعة
القابعة على منكبه ،بينما تتدلَّى ُكتل من الجليد بطول عشرين قد ًما على شفا الجُرف الذي تنهمر عليه
آخرهما في (دموع أليسا) في الصَّيف ،وفوق ال َّش َّالل المتج ِّمد يُ َحلِّق صقر بجناحين أزرقين مبسوطين عن ِ
ك جناحين أيضًا. سماء الصَّباح .يا ليتني أمل ُ
قدمأراحت يديها على الحاجز الحجري وجعلَت نفسها تُلقي نظرةً من فوق الحافة ،فرأت تحتها بستِّمئة ٍ َ
القلعة الفرعيَّة (سماء) وال َّدرجات الحجريَّة المنحوتة في جسم الجبل ،الطَّريق الملتف الذي يمرُّ ب(ثلج)
نازال إلى أرض الوادي ،ورأت أيضًا أبراج وحصون (ب َّوابات القمر) صغيرةً كلُعب األطفال، ً و(حجر)
كنمل يزحف من كثيبه .لو ٍ وقد بدأ رجال لوردات البيان حول أسوارها يتحرَّكون خارجين من خيامهم
نمال حقًّا لدهسناهم وسحقناهم.كانوا ً
قبل يومين انض َّم اللورد هنتر اليافع وجنوده إلى اآلخَ رين .كان نستور رويس قد أغل َ
ق (ب َّوابات القمر)
جلب ك ٌّل من لوردات البيان الستَّة ألف رجل. َ أمامهم ،لكن في حاميته أق َّل من ثالثمئة رجل ،في حين
ُ
تعرف إليني أسماءهم كما تعرف اسمها :بنيدار بلمور سيِّد (األغرودة) ،وسايموند تمپلتون فارس (النُّجوم
التِّسع) ،وهورتون ردفورت سيِّد (ردفورت) ،وآينا واينوود سيِّدة (السَّنديانة الحديديَّة) ،وجيلوود هنتر سيِّد
(بهو القوس الطَّويل) الذي يُلَقِّبه القاصي وال َّداني باللورد هنتر اليافع ،باإلضافة إلى يون رويس ،أقواهم
جميعًا ،يون البرونزي المهيب سيِّد (رونستون) ،ابن عمومة نستور وزعيم الفرع األعلى من عائلة
رويس .اجتم َع ستَّتهم في (رونستون) بَعد سقطة الليدي اليسا ،وهناك تعاهَدوا معًا وتعهَّدوا أن يُدافِعوا عن
اللورد روبرت و(الوادي) وبعضهم بعضًا .لم يَذ ُكر بيانهم اللورد الحافِظ ،وإن ور َد فيه كالم عن «سوء
يوضع له َح ٌّد و«األصدقاء ال َّزائفين والمستشارين األشرار» أيضًا.
َ الحُكم» الذي يجب أن
هبَّت الرِّيح الباردة ضاربةً ساقيها ،فدخلَت لتختار فُستانًا تتنا َول إفطارها فيه .كان پيتر قد أعطاها مالبس
ي شي ٍء حل َمت به ،وإن كان زوجته الرَّاحلة ،ثروةً من الحرير والسَّاتان والمخمل والفراء أفخر من أ ِّ
السَّواد األعظم منها كبير المقاس عليها للغاية ،إذ امتألَ جسد الليدي اليسا كثيرًا خالل سلسلة الحمل
واإلمالص واإلجهاض الطَّويلة التي مرَّت بها .على أن بعضًا من الفساتين القديمة كان مفص ًَّال لل َّشابَّة
ناسب مقاس إليني ،التي تكاد اليسا تَلي سليلة (ريڤر َرن) ،وث َّمة فساتين أخرى استطاعَت جرتشل تعديلها لتُ ِ
ساقاها في ِسنِّ الثَّالثة عشرة تَبلُغان طول ساقَي خالتها ل َّما كانت في العشرين.
هذا الصَّباح لفتَ نظرها فُستان مبرقَش بأحمر وأزرق عائلة تَلي ومبطَّن بفرو السَّناجب ،وساعدَتها
جرتشل على دَسِّ ذراعيها في ال ُك َّمين الواسعين وعقدَت األربطة على ظَهرها ،ثم م َّشطت َشعرها وثبَّتته
بلون داكن ثانيةً ،وكانت الصَّبغة التي أعطَتها ٍ بال َّدبابيس .ليلة البارحة قبل ذهابها إلى النَّوم صبغَته إليني
خالتها إياها قد ب َّدلت لون َشعرها الكستنائي الغني بلون َشعر إليني البنِّي المحروق ،لكن نادرًا ما يطول
ُعاود األحمر ال َّزحف على جذوره من جديد .وماذا أفع ُل حين تنفد الصَّبغة؟ لقد ُجلِبَت من الوقت قبل أن ي ِ
(تايروش) وراء (البحر الضيِّق).
في طريقها إلى أسفل لتنا ُول الفطور عادَت ال َّدهشة تُصيب إليني من سكون (العُش) ،التي ال تو َجد قلعة
ت خفيضة كي ال أكثر هدو ًءا منها في (الممالك السَّبع) كلِّها .الخدم هنا قليلون ومسنُّون ويتكلَّمون بأصوا ٍ
َمجر أو فُرسان يتمرَّنون يُز ِعجوا اللورد الصَّغير ،وليست هناك خيول على الجبل أو كالب صي ٍد تنبح وتُز ِ
في السَّاحة ،وحتى وقع أقدام ال ُحرَّاس يبدو مكتو ًما وهُم يقطعون األروقة الحجريَّة ال َّشاحبة .تسمع إليني
تئن وتتنهَّد حول البُرج ،لكن هذا كلُّ شيء .في بداية مجيئها إلى (العُش) كانت تسمع خرير (دموع الرِّيح ُّ
أليسا) أيضًاَّ ،إال أن ال َّش َّالل تج َّمد ،وقالت جرتشل إنه سيبقى صامتًا حتى الرَّبيع.
بفتور في وعا ٍء كبير من الثَّريد ٍ وجدَت اللورد روبرت وحده في (قاعة الصَّباح) ،يدفع ملعقةً خشبيَّةً
ت مسلوقة ولح ًما مق َّددًا». أردت ثالث بيضا ٍُ ُ
أردت أن آكل البيض، والعسل ،وحين رآها قال متب ِّر ًما« :
ليس عندهم بيض أو لحم مق َّدد .حاليًّا تحوي صوامع الغالل في (العُش) من ال ُّشوفان وال ُّذرة وال َّشعير ما
يكفي إلطعامهم عا ًما ،لكنهم يعتمدون على الفتاة النَّغلة المس َّماة ميا ستون في إحضار األغذية الطَّازجة من
الوادي باألسفل ،واآلن مع عسكرة لوردات البيان عند سفح الجبل فال سبيل لميا للمرور .كان اللورد
قائال في رسالته بلمور -أول من وص َل إلى (ب َّوابات القمر) من الستَّة -قد أرس َل ُغدافًا إلى اإلصبع الصَّغير ً
ُرسل إليه اللورد روبرت .إنه ليس حصارًا بع ُد ،لكنه إن ال مزيد من الطَّعام سيصعد إلى (العُش) ما لم ي ِ
أقرب شي ٍء إليه.
ضا
بيض حين تأتي ميا .ستجلب بي ً ٍ وعدَت إليني اللورد الصَّغير قائلةً« :يُمكنك أن تأكل ك َّل ما تُريده من
و ُزبدةً وش َّما ًما وك َّل األصناف ال َّشهيَّة».
ُ
أردت بيضًا اليوم!».قال الصَّبي دون أن يبدو عليه الرِّ ضا« :
ر َّدت« :ليس هناك بيض يا ُعصفوري الجميل ،تعلم هذا .أرجوكُ ،كل ثريدك ،إنه لذيذ للغاية» ،وأكلَت
ملعقةً منه.
عا َد روبرت يدفع الملعقة في الوعاء لكنه لم يرفعها إلى فمه ،وأخيرًا قالُ « :
لست جائعًا .أري ُد العودة إلى
ظللت أسمعه». ُ سمعت غنا ًء! ال ِمايستر كولمون سقاني نبيذ النَّوم لكني
ُ الفِراش .لم أنم ليلة أمس.
وض َعت إليني ملعقتها قائلةً« :لو كان هناك غناء لسمعته أيضًا .لقد رأيت حُل ًما سيِّئًا ال أكثر».
أبوك يقول إنه ماتَ لكنه
ِ قال وقد اغرورقَت عيناه بال ُّدموع« :ال ،لم يكن حُل ًما .ماريليون كان يُ َغنِّي ثانيةً.
لم يَ ُمت».
« -بل ماتَ » .أرعبَها أن تسمعه يتكلَّم هكذا .سيِّئ كفايةً أنه ضئيل سقيم .ماذا لو كان مجنونًا أيضًا؟ «إنه
يستطع الحياة بَعد ما فعلَه بها ،فخطا
ِ ميت يا ُعصفوري الجميل .ماريليون أحبَّ السيِّدة والدتك كثيرًا ولم
تشك في حقيقة موت المغنِّي« .لقد ماتَ ، ُّ إلى السَّماء» .لم ت َر إليني الجثَّة كما لم ي َرها روبرت ،لكنها ال
حقًّا».
ق النَّوافذ وأض ُع وسادةً على رأسي .كان على ِ
أبيك أن يقطع لسانه. « -لكني أسمعه ك َّل ليلة ،حتى حين أغل ُ
رفض».
َ ُ
قلت له أن يقطعه لكنه
مهذبًا و ُكل ثريدك .أرجوك ،ألجل َّ لسان ليعترف .ناشدَته إليني قائلةًُ « :كن صبيًّا
ٍ كان في حاج ٍة إلى
خاطري».
صاح روبرت« :ال أري ُد الثَّريد» ،وط َّوح بملعقته عبر القاعة لترتطم بمعلَّق ٍة وترت َّد عنها تاركةً لطخةً من َ
قمر من الحرير األبيض« .اللورد يُريد بيضًا!». الثَّريد على ٍ
قال صوت پيتر من ورائهما« :اللورد سيأكل الثَّريد ويكون شاكرًا».
طر وإلى جواره ال ِمايستر كولمون ،الذي قال« :عليك أن تُصغي إلى التفتَت إليني ورأته في المدخل المقن َ
حضرة اللورد الحافِظ يا سيِّدي .اللوردات ح َملة رايتك يصعدون الجبل ليُقَدِّموا لك فروض الوالء،
وستحتاج إلى كامل ق َّوتك».
ك روبرت عينه اليُسرى بمفصل إصبعه ،وقال« :اصرفوهم .ال أريدهم .إذا أتوا سأجعلهم يطيرون».
فر َ
قال پيتر« :إنك تُغريني بأن أفعل ذلك للغاية يا سيِّدي ،لكني أخشى أني وعدتهم باألمان ،وعلى ك ِّل ٍ
حال
فاتَ أوان أن يعودوا أدراجهم .ال بُ َّد أنهم بلغوا (حجر) بالفعل».
ولولَت إليني« :لماذا ال يدعوننا وشأننا؟ إننا لم نمسَّهم بسو ٍء قَ ُّ
ط .ماذا يُريدون منا؟».
أجاب پيتر مبتس ًما« :اللورد روبرت فقط ،هو و(الوادي) .سيكونون ثمانيةً .اللورد نستور يقودهم إلى هنا،
َ
ولين كوربراي معهم .السير لين ليس بالرَّجل الذي يعزف عن الحضور إذا كانت إراقة الدِّماء وشيكةً».
رجاال في النِّزال بعدد َمن قت َل في المعارك ،وتعلم ً لم يُفلِح كالمه في تهدئة مخاوفها .لقد قت َل لين كوربراي
أوال ضد اللورد چون آرن على أبواب (بلدة النَّوارس)، أنه ظف َر بفُروسيَّته في أثناء ثورة روبرت ،إذ قات َل ً
والحقًا تحت رايته في معركة (الثَّالوث) ،حيث قت َل األمير ليوين الدورني الذي كان فارسًا أبيض في
ال َحرس الملكي .قال پيتر إن األمير ليوين كان مثخنًا بالجراح بالفعل حين جرفَه تيَّار المعركة إلى رقصته
األخيرة مع سيف السير لين المس َّمى (سيِّدة البؤس) ،لكنه أضافَ َّ « :إال أن تلك ليست نُقطةً تُريدين إثارتها
مع كوربراي ،ف َمن يفعلون سرعان ما ينالون فُرصة سؤال مارتل نفسه عن الحقيقة في دركات الجحيم».
إذا كان نِصف ما سم َعته من َحرس اللورد روبرت صحيحًا فلين كوربراي أخطر من ستَّة لوردات البيان
ُ
حسبت آل كوربراي يُ َؤيِّدونك». مجتمعين .سألَت پيتر« :لماذا سيأتي؟
« -اليونل كوربراي ميَّال ج ًّدا إلى حُكمي ،لكن أخاه يَسلُك سبيله الخاص .في معركة (الثَّالوث) ،عندما
سقطَ أبوهما جريحًا كان لين هو من التقطَ (سيِّدة البؤس) وقت َل الرَّجل الذي أصابَه ،وبينما حم َل اليونل
المؤخرة قا َد لين هجمةً ضد الدورنيِّين الذين يُهَدِّدون ميسرة روبرت ِّ األب العجوز إلى ال ِمايسترات في
ك بليوين مارتل ،ولذا أسب َغ اللورد كوربراي السَّيف على ابنه األصغر لدى موته. وحطَّم صفوفهم وفت َ
اليونل نا َل أراضي أبيه ولقبه وقلعته وماله كلَّه ،ومع ذلك ما زا َل يَشعُر بأنه ُسلِ َ
ب َح َّ
ق ميالده .أ َّما السير
لين ...إنه يحبُّ اليونل بقدر ما يحبُّني .لقد أرا َد يد اليسا لنفسه».
قال روبرت بعناد« :ال أحبُّ السير لين وال أريده هنا .اجعله يعود .لم أقل إنه يستطيع المجيء ،ليس هنا.
أ ِّمي قالت إن (العُش) منيعة».
قال پيتر« :أ ُّمك ماتَت يا سيِّدي ،وحتى يوم ميالدك السَّادس عشر أنا حاكم (العُش)» ،والتفتَ إلى الخادمة
أحضري ملعقةً أخرى لحضرة ِ محنيَّة الظَّهر التي تحوم قُرب ساللم المطبخ ،وخاطبَها ً
قائال« :ميال،
اللورد .إنه يُريد أن يأكل ثريده».
« -ال أريده! أري ُد أن يطير الثَّريد!» .هذه المرَّة ط َّوح بالوعاء بما فيه من ثري ٍد وعسل ،ليتفاداه پيتر بايلش
برشاق ٍة وسُرع ٍة ال يتمتَّع بهما ال ِمايستر كولمون ،فأصابَه الوعاء الخشبي في صدره مباشرةً وتفجَّرت
محتوياته إلى أعلى على وجهه وكتفيه .ولو َل الرَّجل على نح ٍو ال يليق ب ِمايستر على اإلطالق ،في حين
وطار إبريق من الحليب َ التفتَت إليني تُهَدِّئ اللورد الصَّغير ،ولكن متأ ِّخرًا ج ًّدا .لقد أصابَته النَّوبة بالفعل،
ط فوقه ،وأصابَت ساقه إليني في بطنها حاول أن ينهض أوق َع ُكرسيَّه إلى الوراء وسق َ َ إذ ضربَته يده ،ول َّما
ق اآللهة». بح ِّ
بق َّو ٍة أفرغَت الهواء من صدرها ،وسم َعت پيتر يقول بامتعاض« :أوهَ ،
ت مهدِّئة ،وزحفَت واحدة ل َّوثت ُكتل الثَّريد وجه ال ِمايستر كولمون و َشعره إذ رك َع فوق ُعهدته متمت ًما بكلما ٍ
منها على خدِّه األيسر كدمع ٍة بنِّيَّة رماديَّة ثقيلة .ف َّكرت إليني محاولةً أن تكون متفائلةً :ليست النَّوبة سيِّئةً
كالمرَّة السَّابقة .لدى انتهاء الرَّجفة كان حارسان في معطفين ب ُزرقة السَّماء وقميصين معدنيَّين ف ِّ
ضيَّين قد
أتيا على إثر استدعاء پيتر ،وقال لهما اللورد الحا ِفظُ « :خذاه إلى الفِراش ليُ َعلَّق له ال َعلق» ،فحم َل أطولهما
قامةً الصَّبي بين ذراعيه ،وقالت إليني لنفسها :أستطي ُع أن أحمله بنفسي .إنه ليس أثقل من ُدمية.
مكث كولمون لحظةً قبل أن يتبعهما ،وقال« :سيِّدي ،ربما األفضل أن تُؤَ جَّل هذه المفا َوضات إلى ٍ
يوم َ
آخَر .لقد سا َءت نوبات حضرة اللورد منذ موت الليدي اليسا ،صا َرت أكثر تكرارًا وأكثر ُعنفًا .إنني أعلِّ ُ
ق
له ال َعلق متى أجر ُؤ ،وأمز ُج له نبيذ النَّوم وحليب الخشخاش لمساعَدته على النَّوم ،ولكن.»...
قاط َعه پيتر« :إنه ينام اثنتي عشرة ساعةً في اليوم ،وأحتا ُج إليه مستيقظًا بين الحين واآلخَر».
تال من الثَّريد على األرض ،وقال« :الليدي اليسا اعتادَت
مرَّر ال ِمايستر أصابعه في َشعره مسقطًا ُك ً
إرضاع حضرة اللورد متى اهتا َج .ال ِمايستر إيبروز يقول بأن لبن األُم فيه الكثير من الخصائص
الص ِّحيَّة».
« -أهذه مشورتك أيها ال ِمايستر؟ أن نجد ُمرضعةً لسيِّد (العُش) وحامي (الوادي)؟ متى نفطمه إذن؟ يوم
زفافه؟ هكذا ينتقل مباشرةً من حلمتَي ُمرضعته إلى حلمتَي زوجته» ،وجعلَت ضحكة اللورد پيتر رأيه في
أظن .أقتر ُح أن تجد وسيلةً أخرى .الصَّبي مولع بالحلويات ،أليسُّ هذا جليًّا قبل أن يُضيف« :ال ،ال
كذلك؟».
« -الحلويات؟».
« -الحلويات .الكعك والفطير ،المربَّى والهُالم ،أقراص العسل .ربما ر َّشة من حُلو الكرى في حليبه ،هل
جرَّبت هذا؟ ر َّشة صغيرة لتهدئته وإيقاف تلك الرَّجفة اللَّعينة».
ر َّدد كولمون« :ر َّشة؟» ،وتحرَّكت تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل إذ ازدر َد ريقه ،ثم قال« :ر َّشة واحدة
ت متقاربة ،نعم ،يُمكنني أن أج ِّرب.»... صغيرة ...ربما ،ربما .ليس الكثير ،وليس في أوقا ٍ
قال اللورد پيتر« :ر َّشة قبل أن تأتي به للقاء اللوردات».
ت مع كلِّ ُخطوة. قال ال ِمايستر« :كما تأمر يا سيِّدي» ،وأسر َع مغادرًا وسلسلته ُّ
ترن بخفو ٍ
سألَت إليني بَعد خروجه« :هل تُريد وعا ًء من الثَّريد إلفطارك يا أبي؟».
قائال« :أكرهُ الثَّريد .أفضِّ ُل أن أفطر على قُبلة».
رمقَها بعينَي اإلصبع الصَّغير ً
االبنة الحقيقيَّة ال تأبى على أبيها قُبلةً ،وهكذا ذهبَت إليه إليني وقبَّلته ،مجرَّد قُبل ٍة سريعة جافَّة على ال َخ ِّد
تراج َعت بَعدها بالسُّرعة نفسها.
ت أخرى لك من ...مطيعة .حسن ،إن عندي واجبا ٍ قال اإلصبع الصَّغير مبتس ًما بفمه ولكن ليس بعينيه« :يا ِ
لك بهذه المناسبة .قولي للطَّاهي أن يُتَبِّل النَّبيذ األحمر بالعسل وال َّزبيب .سيكون ضيوفنا بردانين ظمآنين ِ
بَعد طول الصُّ عود .ستستقبلينهم لدى وصولهم وتُقَدِّمين لهم النَّبيذ وال ُخبز والجُبنة .ما نوع الجُبنة المتبقِّي
عندنا؟».
« -البيضاء َّ
الالذعة وال َّزرقاء العفنة».
ثيابك أيضًا».
ِ « -البيضاء ،واألفضل أن تُبَدِّلي
نظ َرت إليني إلى فُستانها بأزرقه ال َّداكن وأحمره القاني الغني ،لونَي (ريڤر َرن) ،وقالت« :أهو.»...
الالزم! لن يس َّر لوردات البيان منظر ابنتي النَّغلة تتهادى مرتديةً ثياب زوجتي الميتة. « -إنه تَلي أكثر من َّ
رك بأن تتجنَّبي األزرق السَّماوي والقشدي؟». ي أن أذ ِّك ِ انتقي شيئًا آخَ ر .هل عل َّ
« -ال» .األزرق السَّماوي والقشدي لونا عائلة آرن« .قلت إنهم ثمانية ...هل يون البرونزي أحدهم؟».
« -الوحيد الذي يه ُّم».
شماال لاللتحاق ً ذهب ابنه
َ قالت مذ ِّكرةً إياه« :يون البرونزي يعرفني .لقد نز َل ضيفًا في (وينترفل) حين
ب َحرس اللَّيل» .كم كانت متيَّمةً بالسير وايمار .ما زالَت تَذ ُكره بعض ال َّشيء ،لكن ذلك كان منذ ُع ٍ
مر
كامل ،عندما كانت فتاةً صغيرةً حمقاء« .ولم تكن تلك المرَّة الوحيدة .اللورد رويس رأى ...رأى سانزا
ستارك ثانيةً في (كينجز الندنج) في أثناء دورة مباريات اليد».
أشك في أن رويس رأى هذا الوجه الجميل ،لكنه كان وجهًا واحدًا قائال« :ال ُّ وض َع پيتر إصبعًا تحت ذقنها ً
الزحام .وفي وسط ألف .ث َّمة أشياء يهت ُّم بها الرَّجل الذي يُقاتِل في دورة مباريات أكثر من طفل ٍة ما في ِّ
(وينترفل) كانت سانزا فتاةً صغيرةً كستنائيَّة ال َّشعر ،أ َّما ابنتي فطويلة جميلة و َشعرها بنِّي .النَّاس يرون ما
يُريدون أن يروه يا إليني» ،وطب َع قُبلةً على أنفها مضيفًا« :قولي لمادي أن تُش ِعل نارًا في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة.
سأستقب ُل لوردات البيان هناك».
« -ليس في (القاعة العالية)؟».
« -ال .حاشا لآللهة أن يروني قُرب مقعد آل آرن العالي .قد يحسبونني أنتوي الجلوس عليه .المولود
بفلقتَي مؤ ِّخر ٍة وضيعتين ِمثلي يجب َّأال يطمح إلى الجلوس على وسائد وثيرة كتلك أبدًا».
« -ال ُغرفة ال َّشمسيَّة» .كان عليها أن تتوقَّف عند هذا ال َحد ،لكن الكالم تدفَّق منها رغ ًما عنها« :إذا أعطيتهم
روبرت.»...
...« -و(الوادي)؟».
(« -الوادي) في أيديهم بالفعل».
« -أوه ،أكثره ،هذا صحيح ،ولكن ليس كلَّه .إنني محبوب في (بلدة النَّوارس) ،وعندي بعض األصدقاء
األعيان كذلك .جرافتون ،ليندرلي ،اليونل كوربراي ...ولو أنهم ليسوا أندادًا للوردات البيان بالفعل .وأين
تُريديننا أن نذهب يا إليني؟ نعود إلى معقلي العظيم في (األصابع)؟».
كانت قد ف َّكرت في هذا من قبل ،فأجابَت« :چوفري من َحك (هارنهال) .إنك سيِّدها ال َّشرعي».
ُ
احتجت إلى مقرٍّ عظيم ألتز َّوج اليسا ،وآل النستر ما كانوا ليمنحوني (كاسترلي روك)». « -اس ًما .لقد
« -نعم ،لكن القلعة لك».
« -آه ،ويا لها من قلعة .قاعات فسيحة وأبراج متهدِّمة وأشباح وتيَّارات هواء عنيفة ،تدفئتها عسيرة وإقامة
حامية فيها مستحيلة ...وهناك المسألة الصَّغيرة الخاصَّة باللَّعنة».
« -اللَّعنات ال تو َجد َّإال في األغاني والقِصص فقط».
ألف أحد أغنيَّةً عن موت جريجور كليجاين بحرب ٍة مسمومة؟ أو عن بدا أنه وج َد ر َّدها طريفًا إذ قال« :هل َّ
المرتزق أخ َذ القلعة من السير
ِ مفصال؟ ذلكً ً
مفصال المرتزق من قبله الذي قطَّع السير جريجور أطرافهِ
ُ
سمعت أن الليدي ِونت قزمك.
ِ هَ ل قت اني َّ والث ُبٌّ د هَ لقت أحدهما .تايوين اللورد من اهاَّ قتل الذي لورك آموري
ماتَت أيضًا.
آل لوثستون ،آل سترونج ،آل هاروواي( ...هارنهال) أودَت بك ِّل من مسَّها».
أعط اللورد فراي إياها إذن».
ِ «-
ضحكَ پيتر ،وقال« :ربما أفعلُ ،أو األفضل أن أعطي عزيزتنا سرسي إياها ،ولو أنه ال يَج ُدر بي أن أتكلَّم
ي بضع معلَّقا ٍ
ت رائعة .أليس هذا لُطفًا منها؟». عنها بقسو ٍة ألنها أرسلَت إل َّ
جعلَها ِذكر اسم الملكة تتس َّمر وتقول« :سرسي ليست لطيفةً .إنها تُخيفني .إذا عل َمت مكاني.»...
طت ،هذا إذا لم تُ ِزح نفسها ً
أوال»، ت أقرب مما خطَّ ُ ...« -فربما أضطرُّ إلى إزاحتها من ال ُّلعبة في وق ٍ
ضعًا يُمكن أن تكون له إرادته وداعبَها پيتر بابتسام ٍة متابعًا« :في لُعبة العروش حتى أكثر البيادق توا ُ
ب يا إليني .إنهت له .احفظي هذا عن ظَهر قل ٍ الخاصَّة ،وأحيانًا يَرفُض بعض البيادق أن يتحرَّك كما خطَّط ِ
عليك واجبات تُ َؤدِّينها؟».
ِ درس ما زا َل على سرسي النستر أن تتعلَّمه .واآلن أليست
الالذعة،أوال على تتبيل النَّبيذ ،ووجدَت قالبًا مناسبًا من ال ُجبنة البيضاء َّ عليها واجبات بالفعل .أشرفَت ً
رجاال أكثر من المتوقَّع.
ً بز يكفي عشرين فردًا تح ُّسبًا ألن يجلب لوردات البيان وأم َرت الطَّاهي بخَبز ُخ ٍ
حالما يأكلون عيشنا وملحنا سيُصبِحون ضيوفنا ولن يُمكنهم إيذاءنا .آل فراي ضربوا بجميع قوانين
رجال ً
نبيال ً ضيافة عرض الحائط عندما اغتالوا السيِّدة والدتها وأخاها في (التَّوأمتين) ،لكنها ال تُ َ
صدِّق أن ال ِّ
فعل وضيع كهذا. كاللورد يون رويس بإمكانه أن ينحدر إلى اقتراف ٍ
داع إلى فرشها ببساط مايري ،وليس هناك ٍ ٍ بَعد ذلك ذهبَت إلى ال ُغرفة ال َّشمسيَّة .األرضيَّة هناك مغطَّاة
بالحصائر .طلبَت إليني من اثنين من الخدم أن ينصبا الطَّاولة ويجلبا ثمانيةً من المقاعد الثَّقيلة المصنوعة
والجلد .في حال إقامة مأدب ٍة كانت لتضع واحدًا عند رأس الطَّاولة وواحدًا عند قدمها وثالثةً ِ من السَّنديان
على ك ِّل جانب ،لكن هذه ليست مأدبةً ،ولذا جعلَت الخادميْن يرصَّان ستَّة مقاعد على أحد الجانبين
ومقعدين على الجانب اآلخَ ر .ال بُ َّد أن لوردات البيان بلغوا (ثلج) اآلن بالفعل .الصُّ عود يستغرق أكثر اليوم
حتى على ظهور البغال ،وعلى األقدام يستغرق ع َّدة أيام.
شموع جديدة ،ولذا بَعد أنٍ ربما ينهمك اللوردات في الحديث حتى ساع ٍة متأ ِّخرة من اللَّيل وسيحتاجون إلى
أشعلَت مادي النَّار أرسلَتها إليني لتجلب ال ُّشموع المعطَّرة التي أهداها اللورد واكسلي إلى الليدي اليسا
حين سعى إلى الفوز بيدها ،ثم إنها عادَت إلى المطبخ لتتأ َّكد من أن النَّبيذ وال ُخبز جاهزان .بدا كلُّ شي ٍء
على ما يُرام ،وما زا َل أمامها وقت لتستح َّم وتغسل َشعرها وتُبَدِّل ثيابها.
ث َّمة فُستان من الحرير األرجواني توقَّفت عنده لحظةً ،وآخَر من المخمل األزرق ال َّداكن مشرَّط بالفضِّ ي
من شأنه أن يُوقِظ ك َّل ما في عينيها من ألوان ،لكنها في النِّهاية تذ َّكرت أن إليني رغم ك ِّل شي ٍء نغلة ويجب
الحمالن لونه بنِّي داكن وتفصيلته َّأال تتجرَّأ وترتدي شيئًا يفوق مقامها .هكذا انتقَت فُستانًا من صوف ِ
بخيط ذهبي .اختا َرته ألنه
ٍ شجر ونباتات معترشة مطرَّزة ٍ بسيطة ،على صدره و ُك َّميه وحاشيته أوراق
متواضع ومالئم ،وإن كان ليس أفخم كثيرًا من فُ ٍ
ستان ترتديه خادمة.
كان پيتر قد أعطاها جميع ُحلِ ِّي الليدي اليسا أيضًا ،فجرَّبت ع َّدة قالدات لكنها بدَت مبهرجةً كلُّها ،وفي
الذهب الخريفي ،ول َّما جلبَت لها جرتشل مرآة اليسا آخر األمر اختا َرت شريطًا بسيطًا من المخمل بلون َّ ِ
المفضَّضة بدا اللون مثاليًّا مع َشعر إليني البنِّي القاتم .لن يتعرَّفني اللورد رويس أبدًا .إنني بالكاد أتعر ُ
َّف
نفسي.
شاعرةً بجرأ ٍة تُداني جرأة پيتر بايلش ،رس َمت إليني ستون ابتسامتها على شفتيها ونزلَت تستقبل الضُّ يوف.
(العُش) القلعة الوحيدة في (الممالك السَّبع) التي يقع مدخلها الرَّئيس تحت ال َّزنازين .على جانب الجبل
ترتفع السَّاللم الحجريَّة المنح ِدرة متجاوزةً القلعتين الفرعيَّتين (حجر) و(ثلج) ،لكنها تنتهي عند شقيقتهما
(سماء) ،أ َّما األقدام الستُّمئة المتبقِّية من رحلة الصُّ عود فعموديَّة تُج ِبر ال َّزائرين على التَّرجُّ ل عن بغالهم
واالختيار ،فإ َّما أن يركبوا السَّلَّة الخشبيَّة المتأرجحة التي تُستخدَم لرفع المؤن ،وإ َّما أن يتسلَّقوا مدخنةً
ت منحوتة في الصَّخر. صخريَّةً مستخدمين دعاما ٍ
اختار اللورد ردفورت والليدي واينوود -أكبر لوردات البيان ِسنًّا -أن تسحبهم الرَّافعة إلى أعلى ،وبَعدها َ
َّ ً
نزلَت السَّلة ثانية للورد بلمور السَّمين ،في حين تسلق اللوردات اآلخَرون المدخنة .استقبلَتهم إليني في َّ ُ
أ ِ
(قاعة الهالل) إلى جوار مستوقَد نار ،حيث رحَّبت بهم باسم اللورد روبرت وق َّدمت لهم ال ُخبز والجُبنة
ضيَّة. ونبي ًذا متب ًَّال ساخنًا في كؤو ٍ
س ف ِّ
كان پيتر قد أعطاها لفافةً من رموز النَّبالة تدرسها لتتعرَّفهم من رموزهم إن لم يكن من وجوههم .القلعة
مشذبة وعينان وديعتان .الليدي آنيا َّ الحمراء لردفورت بالطَّبع ،وهو رجل قصير القامة له لحية شائبة
المرأة الوحيدة بين لوردات البيان ،وقد ارتدَت معطفًا أخضر داكنًا عليه العجلة المكسورة رمز عائلة
ضيَّة الستَّة على المعطف األرجواني هي رمز بلمور ذي واينوود مطرَّزةً بالكهرمان األسود .األجراس الف ِّ
البطن الكبير والكتفين المستديرتين واللِّحية الحمراء الضَّاربة إلى الرَّمادي ،لحية شنيعة نابتة من ذقنه
المترهِّل .على العكس منه لحية سايموند تمپلتون سوداء مدبَّبة تما ًما ،وقد جع َل األنف المعقوف والعينان
كاسر أنيق ،خصوصًا مع سُترته القصيرة ٍ كطائر
ٍ ال َّزرقاوان الباردتان كالثَّلج فارس (النُّجوم التِّسع) يبدو
ب ذهبي مائل .حيَّرها معطف اللورد هنتر اليافع المصنوع بنجماتها السَّوداء التِّسع المرسومة على صلي ٍ
سهام فضِّ يَّة منشورة كالمروحة.ٍ من فرو القاقوم إلى أن لم َحت ال َّدبُّوس الذي يُثَبِّته متَّخ ًذا شكل خمسة
ق َّدرت إليني أن ِسنَّه أقرب إلى الخمسين من األربعين .كان أبوه قد حك َم في (بهو القوس الطَّويل) فترةً
تَقرُب من ستِّين عا ًما ،فقط ليموت على نح ٍو مباغت للغاية ،حتى إن بعضهم قال هامسًا إن اللورد الجديد
بولع معيَّن بالعنب،
ٍ استعج َل الحصول على إرثه .لهنتر وجنتان وأنف بلون التُّفَّاح األحمر ،وهو ما يشي
ُفرغها.
صت على إعادة َملء كأسه ما إن ي ِ ولذا حر َ
دام ببراثنه ،ويَبلُغ
ب أحمر ٍ رجل في المجموعة على صدره ثالثة ِغدفان ك ٌّل منها يقبض على قل ٍ ٍ أصغر
َشعره البنِّي كتفيه بينما تتجعَّد ُخصلة نافرة منه على جبهته.
بنظر ٍة حذرة إلى فمه القاسي وعينيه الضَّجرتين قالت إليني لنفسها :السير لين كوربراي.
طوال ،وعلى ً آخرهم ابنا عائلة رويس ،اللورد نستور ويون البرونزي .يُعا ِدل سيِّد (رونستون) كلب الصَّيد ِ
رجال أصغر منه ِسنًّا
ٍ الرغم من شيب َشعره وتجاعيد وجهه فلم يزل اللورد يون يبدو قادرًا على كسر
ضن إلى سانزا جميع ك ُغصينات ال َّشجر بهاتين اليدين الضَّخمتين الخشنتين .أعا َد وجهه الصَّارم المتغ ِّ
ذكرياتها عنه في (وينترفل) ،وتذ َّكرته جالسًا إلى المائدة يتكلَّم بهدو ٍء مع أ ِّمها ،وسم َعت صوته الجهوري
ب
بظبي وراءه على حصانه ،ورأته في السَّاحة وفي يده سيف تدري ٍ ٍّ يتر َّدد على األسوار إذ عا َد من الصَّيد
خطر
َ كلل حتى أسقطَه ثم يلتفت ليهزم السير رودريك أيضًا .سيتعرَّفني ،وكيف ال؟ يهوي به على أبيها بال ٍ
لها أن تُلقي نفسها عند قدميه وتتوسَّل حمايته ،لكنها أحج َمت قائلةً لنفسها :إنه لم يُقاتِل من أجل روب ،فلِ َم
طت .سألَته بخفر« :لورد رويس ،هل تشرب كأسًا من يُقاتِل من أجلي؟ الحرب انتهَت و(وينترفل) سق َ
النَّبيذ تُ َدفِّئك من البرد؟».
ليون البرونزي عينان رماديَّتان كصخر األردوازِ ،شبه متواريتين تحت أكثف حاجبين رأتهما على
أعرفك يا فتاة؟».
ِ ً
متسائال« :هل اإلطالق ،وقد انعقَدا حين نظ َر إليها من أعلى
أحسَّت إليني كأنها ابتل َعت لسانها ،لكن اللورد نستور أنق َذها بردِّه على ابن عمومته بلهجته الفظَّة« :إليني
ابنة اللورد الحافظ الطَّبيعيَّة».
ك ً
مشغوال» ،فضح َ قال لين كوربراي بابتسام ٍة خبيثة« :يبدو أن إصبع اإلصبع الصَّغير الصَّغير كان
بلمور وأحسَّت إليني بوجنتيها تتخضَّبان بالحُمرة.
سألَتها الليدي واينوود« :كم ِسنُّ ِك أيتها الصَّغيرة؟».
ُ
ولست صغيرةً .إنني فتاة « -أربع ...أربع عشرة سنة يا سيِّدتي» .للحظ ٍة نسيَت ِس َّن إليني المفت َرضة« .
مزهرة».
زهرتك كما آم ُل».
ِ ث فمه تما ًما« :لكن أحدًا لم يقطف قال اللورد هنتر اليافع وقد أخفى شاربه ال َك ُّ
قال لين كوربراي كأنها ليست موجودةً« :ليس بع ُد ،لكني أرى أنها ناضجة جاهزة للقطاف قريبًا».
« -أهذا ما يع ُّد كياسةً في (بيت القلوب)؟» .آلنيا واينوود َشعر يزحف عليه ال َّشيب وتجاعيد حول عينيها
وجلد رخو تحت ذقنها ،لكن ال مجال إلخطاء طابع النُّبل فيها« .الفتاة صغيرة وطيِّبة النَّسب وعانَت ما ِ
يكفي من أهوال .احفظ لسانك أيها الفارس».
َر َّد كوربراي« :لساني يخصُّ ني وحدي ،وعلى حضرة الليدي أن تحرص على حفظ لسانها هي .إنني لم
لك عدد كبير من الموتى». طف قَ ُّ
ط ،كما سيُ َؤ ِّكد ِ أعتَد التَّعا ُمل مع التَّوبيخ بلُ ٍ
أبيك يا إليني .كلَّما عجَّلنا بالفروغ من هذا
ِ التفتَت الليدي واينوود عنه ،وقالت« :األفضل أن تأخذينا إلى
كان أفضل».
« -حضرة اللورد الحا ِفظ ينتظركم في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة .أرجو أن تتفضَّلوا وتتبعوني» .من (قاعة الهالل)
تظاهر
َ دفاع
ٍ قادَتهم صاعدةً السَّاللم الرُّ خام العالية التي تتجا َوز األقبية وال َّزنازين وتمرُّ تحت ثالث فتحات
لوردات البيان بأنهم ال يرونها ،وسرعان ما بدأ بلمور ينفخ ككير الح َّداد ،واصطب َغ وجه ردفورت
بالرَّمادي ك َشعره.
رف َع ال ُحرَّاس على ق َّمة السَّاللم ال َّشبكة الحديديَّة لدى وصولهم ،وقالت إليني للضُّ يوف« :تفضَّلوا من هنا
طر مرورًا بدست ٍة من المعلَّقات البديعة ،وكان السير لوثور برون أيها السَّادة» ،وقادَتهم عبر الرُّ واق المقن َ
واقفًا خارج ال ُغرفة ال َّشمسيَّة ،ففت َح لهم الباب ثم تب َعهم إلى ال َّداخل.
كان پيتر جالسًا إلى الطَّاولة وقُرب يده كأس نبيذ ،يقرأ َرقًّا أبيض مج َّعدًا ،وإذ دخ َل لوردات البيان رف َع
وبك أيضًا يا سيِّدتي.
قائال« :مرحبًا بكم أيها السَّادةِ ، عينيه ً
أعرف أن الصُّ عود كان مت ِعبًا .تفضَّلوا بالجلوس .إليني يا حُلوتي ،المزيد من النَّبيذ لضيوفنا النُّبالء».
ُ
« -كما تقول يا أبي» .سرَّها أن ترى ال ُّشموع مضاءةً وتش َّم في هواء ال ُغرفة رائحة جوز الطِّيب وغيره
ب على المقاعد ...كلُّهم حضر اإلبريق فيما رتَّب ال َّزائرون أنفسهم جنبًا إلى جن ٍ من التَّوابل النَّفيسة .ذهبَت تُ ِ
باستثناء نستور رويس الذي تر َّدد قبل أن يدور حول الطَّاولة ليأخذ المقعد ال َّشاغر إلى جوار اللورد پيتر،
ولين كوربراي الذي وقفَ إلى جوار المستوقَد ،لتلتمع الياقوتة ذات شكل القلب في قبيعة سيفه باألحمر إذ
رجل
ٍ دفَّأ يديه فوق النَّار .رأته إليني يبتسم للسير لوثور برون ،فف َّكرت :السير لين وسيم للغاية بالنِّسبة إلى
عجبني.أكبر ِسنًّا ،لكن ابتسامته ال تُ ِ
كنت أقرأُ بيانكم المه َّم هذا .مدهش .ال ِمايستر الذي كتبَه أيًّا كان يتمتَّع بفصاح ٍةقائالُ « :استه َّل پيتر الكالم ً
بالغة .ليتكم فقط دعوتموني ألوقِّعه أيضًا».
باغتَهم قوله ،و َر َّد بلمور« :أنت؟ تُ َوقِّع؟».
ي أحد ،وال إنسان يحبُّ اللورد روبرت أكثر مني .وبالنِّسبة إلى هؤالء « -أستطي ُع الكتابة بالرِّيشة كأ ِّ
األصدقاء ال َّزائفين والمستشارين األشرار فهيا بنا نستأصلهم مهما كلَّف األمر .إنني معكم قلبًا وقالبًا أيها
السَّادة .أروني أين أوقِّ ُع أرجوكم».
بينما تصبُّ إليني النَّبيذ سم َعت لين كوربراي يُقَهقِه ،في حين بدا اآلخَرون حائرين ،إلى أن فرق َع يون
ت من أجل توقيعك ،وال ننوي أن نترا َشق معك الكالم أيها رويس البرونزي مفاصل أصابعه ،وقال« :لم نأ ِ
اإلصبع الصَّغير».
مواربة .ماذا
َ قائال« :كما ترغبون ،لنتكلَّم بال
ق ً « -مؤسف .إنني أحبُّ الكالم المترا َشق» ،وأزا َح پيتر ال َّر َّ
تُريدون مني أيها السَّادة والسيِّدة؟».
ثبَّت سايموند تمپلتون نظرته ال َّزرقاء الباردة على اللورد الحا ِفظ مجيبًا« :ال نُريد منك شيئًا ،نُريدك أن
ترحل».
تساء َل پيتر متظاهرًا بال َّدهشة« :أرحلُ؟ إلى أين؟».
رجل بهذا».
ٍ المفترض أن يكتفي أيُّ
َ قال اللورد هنتر اليافع« :التَّاج نصَّبك سيِّدًا على (هارنهال).
صرة،وأضافَ اللورد هورتون ردفورت العجوز« :أراضي النَّهر في حاج ٍة إلى حاكم( .ريڤر َرن) محا َ
ب مفتوحة ،والخارجون عن القانون يجولون على جانبَي (الثَّالوث) وآل براكن وآل بالكوود في حر ٍ
ذهب
َ ي-قتُلون كما يشاؤون .الجُثث غير المدفونة تفترش أرض الرِّيف أينما بح ِّريَّ ٍة مطلقة ،يسرقون و َ
المرء».
ت ملحَّة هنا.ي واجبا ٍ
جذابًا للغاية يا لورد ردفورت ،لكن الحقيقة أن عل َّ أجاب پيتر« :تجعل األمر يبدو َّ َ
طفال سقي ًما معي في غمار تلك ويجب وضع اللورد روبرت في االعتبار أيضًا .هل تُريدونني أن أج َّر ً
الفوضى؟».
أعلنَ رون رويس« :حضرة اللورد سيبقى في (الوادي) .إنني أنوي أن آخذه معي إلى (رونستون) وأربِّيه
لكي يصير فارسًا كان چون آرن ليفخر به».
سأ َل پيتر متأ ِّم ًال« :ولِ َم (رونستون)؟ لِ َم ليس (السَّنديانة الحديديَّة) أو قلعة (ردفورت) أو (بهو القوس
الطَّويل)؟».
مكان من هذه يَصلُح ،وفي الوقت المناسب سيزور حضرة اللورد ًّ
كال ٍ يقال اللورد بلمور بحزم« :أ َّ
منها».
ك قال پيتر« :حقًّا؟».
بنبر ٍة تشي بال َّش ِّ
تنهَّدت الليدي واينوود ،وقالت« :لورد پيتر ،إذا كنت ترمي إلى إحداث الوقيعة بيننا فوفِّر على نفسك
الجهد .إننا نتكلَّم بصو ٍ
ت واحد ،و(رونستون) تُ ِ
ناسبنا جميعًا.
اللورد يون ربَّى ثالثة أبنا ٍء صالحين ،وليس هناك من هو أنسب منه لتربية حضرة اللورد الصَّغير ،ثم إن
ال ِمايستر هليويج أكبر ِسنًّا وأكثر خبرةً بكثير من ِمايسترك كولمون وأقدر على عالج ضعف اللورد
روبرت .في (رونستون) سيتعلَّم الصَّبي فنون الحرب من سام ستون القوي ،وال أحد يأمل أن يكون معلِّم
صبيةً ُرشده السِّپتون لوكوس في أمور الرُّ وح .وفي (رونستون) سيجد أيضًا ِ رجال أفضل ،وسي ِ ً سالحه
والمرتزقة الذين يُحيطون به اآلن».
ِ آخَرين من ِسنِّه ،رفاقًا أنسب له من المسنَّات
قائال« :حضرة اللورد في حاج ٍة إلى رفاق ،ال أخالفكم في هذا ،لكن إليني داعب پيتر بايلش لحيته بأصابعه ً َ
ُ
طلبت َ
حدث أن ليست مسنَّةً .اللورد روبرت مغرم بابنتي وسيسرُّ ه أن يُخبِركم بهذا بنفسه .وبهذه المنا َسبة،
ي ابنًا يكون ربيبي .كالهما له ابن في ِسنِّ ُرسل ك ٌّل منهما إل َّ
من اللورد جرافتون واللورد ليندرلي أن ي ِ
روبرت».
قال لين كوربراي ضاح ًكا« :جروان ابنا كلبيْن خانعيْن».
« -يجب أن يكون هناك فتى أكبر في ِرفقة روبرت أيضًاُ ،مرافق شاب واعد ً
مثال ،شخص يُع َجب به
عندك فتى كهذا في
ِ ُحاول أن يحتذي مثاله» ،والتفتَ پيتر إلى الليدي واينوود مخاطبًا إياها« :إن وي ِ
ي هارولد هاردينج». (السَّنديانة الحديديَّة) يا سيِّدتي .ربما تُوافِقين على أن تُ ِ
رسلي إل َّ
ر َّدت آنيا واينوود وقد وجدَت قوله طريفًا« :لورد پيتر ،أنت أجرأ لِصٍّ التقيته على اإلطالق».
لست أرغبُ في سرقة الفتى ،لكن ينبغي أن يكون هو واللورد روبرت صديقين». ُ «-
ما َل يون رويس البرونزي إلى األمام ً
قائال« :مالئم تما ًما أن يُصا ِدق اللورد روبرت الفتى هاري،
وسيفعل ...في (رونستون) تحت رعايتي ،باعتباره ربيبي و ُمرافقي».
أعطنا الصَّبي ولك أن ترحل من (العُش) دون أن يعترض طريقك أحد إلى مق ِّرك وقال اللورد بلمورِ « :
الالئق في (هارنهال)». َّ
ب خفيف ،وقال« :هل تُلَ ِّمح إلى أن أ ًذى سيمسُّني في حال عدم حدوث ذلك يا سيِّدي؟ رمقَه پيتر بنظرة تأني ٍ
ال أستطي ُع التَّفكير في سبب .زوجتي الرَّاحلة ارتأَت أن هذا مق ِّري َّ
الالئق».
قالت الليدي واينوود« :لورد بايلش ،اليسا تَلي كانت زوجة چون آرن وأُم ابنه ،وحك َمت هنا باعتبارها
ي َح ٍّ
ق الوصيَّة عليه ،أ َّما أنت ...لنكن صُرحاء ،أنت لست من آل آرن واللورد روبرت ليس من دمك .بأ ِّ
حاول أن تَح ُكمنا؟».تُ ِ
« -اليسا س َّمتني اللورد الحافِظ على ما أذك ُر».
قال اللورد هنتر اليافع« :اليسا تَلي لم تكن ابنة (الوادي) حقًّا ،ولم يكن لها ال َح ُّ
ق في إدارة شؤوننا».
ق في إدارة شؤون الح ُّ
« -واللورد روبرت؟ هل سيَز ُعم حضرة اللورد أيضًا أن الليدي اليسا لم يكن لها َ
ابنها؟».
ُ
أملت أن أتز َّوج الليدي اليسا من ظ َّل نستور رويس صامتًا طوال الوقت ،لكنه رف َع صوته اآلن ً
قائال« :لقد َ
برح جانبها بالكاد طيلة نِصفقبل عن نفسي ،كما كان يأمل أبو اللورد هنتر وابن الليدي آنيا ،وكوربراي َ
اختارت اللورد
َ عام .لو اختارت أيًّا منا لما جاد َل أحد هنا في حقِّه في أن يكون اللورد الحافِظ ...لكنها
اإلصبع الصَّغير وعهدَت إليه برعاية ولدها».
قال يون البرونزي عابسًا في وجه ول ِّي (ب َّوابات القمر)« :إنه ولد چون آرن أيضًا يا ابن العم ،ومكانه في
(الوادي)».
قائال(« :العُش) جزء من (الوادي) تما ًما ك(رونستون) ،ما لم يكن أحدهم قد نقلَها». تظاهر پيتر بال َّدهشة ً
َ
َر َّد اللورد بلمور مغضبًا« :امزح كما تُريد أيها اإلصبع الصَّغير .الصَّبي سيأتي معنا».
طفال قويًّا كما تعلمون
« -أكرهُ أن أخيِّب أملكم يا لورد بلمور ،لكن ابن زوجتي سيبقى هنا معي .إنه ليس ً
جميعًا ،والرِّ حلة ستُن ِهكه ألقصى درجة .بصفتي زوج أ ِّمه واللورد الحافِظ ال أستطي ُع أن أسمح بذلك».
تنحن َح سايموند تمپلتون ،وقال« :ك ٌّل منا معه ألف رجل عند سفح الجبل أيها اإلصبع الصَّغير».
« -مكان رائع لهم».
« -ويُمكننا استدعاء المزيد إذا دعَت الحاجة».
سألَه پيتر دون أن يلوح في نبرته أدنى خوف« :هل تُهَدِّدني بالحرب أيها الفارس؟».
قال يون البرونزي« :سنأخذ اللورد روبرت».
قائال« :كلُّ هذا الكالم يُصيبني بدا أنهم بلغوا طريقًا مسدودًا ،إلى أن التفتَ لين كوربراي عن النَّار ً
بالغثيان .اإلصبع الصَّغير سيُقنِعكم بخلع ثيابكم ال َّداخليَّة إذا أصغيتم له كفايةً .الطَّريقة الوحيدة للتَّعا ُمل مع
أمثاله الفوالذ» ،واست َّل سيفه الطَّويل.
لست أحم ُل سيفًا أيها الفارس». قائالُ « :بسطَ پيتر يديه ً
تم َّوج ضوء ال ُّشموع على الفوالذ الرَّمادي كال ُّدخان ،ال َّداكن لدرج ٍة ذ َّكرت سانزا بسيف أبيها العظيم
(جليد) ،و َر َّد كوربراي« :مشكلة سهلة العالج .رجلك آكل التُّفَّاح يحمل سيفًا .قُل له أن يُعطيك إياه أو
اسحب هذا الخنجر».
نهض يون رويس البرونزي ً
قائال َ رأت لوثور برون يم ُّد يده إلى سيفه ،لكن قبل أن يتقا َرع النَّصالن
ضع سيفك في ِغمده أيها الفارس! أأنت كوربراي أم فراي؟ نحن ضيوف هنا». بحنقَ « :
وز َّمت الليدي واينوود شفتيها قائلةً« :هذا ال يليق».
ور َّدد اللورد هنتر اليافع« :أغ ِمد سيفك يا كوربراي .إنك تُخزينا جميعًا بتصرُّ فك هذا».
ضع (سيِّدة البؤس) فيوقال اللورد ردفورت موبِّ ًخا بنبر ٍة ألطف« :هل َّم يا لين ،لن يُفيدك هذا إطالقًاَ .
ِغمدها».
خرجت تَرقُص رغبَت في قطر ٍة من األحمر». َ َر َّد السير لين بعناد« :سيِّدتي ظمأى .كلَّما
وض َع يون البرونزي نفسه في طريق كوربراي مباشرةً ً
قائال« :فلتظ َّل سيِّدتك ظمأى».
ق لين كوربراي نخي ًرا ساخرًا ،وقال« :لوردات البيان .كان حريًّا بكم أن تُ َس ُّموا أنفسكم المسنَّات أطل َ
السِّت» ،وعا َد يدسُّ السَّيف القاتم في ِغمده وتر َكهم ما ًّرا بلوثور برون كأنه ليس موجودًا ،وسم َعت إليني
وقع ُخطواته يخفت.
تبادلَت آنيا واينوود وهورتون ردفورت نظرةً ،وأفر َغ هنتر كأسه في جوفه ورف َعها لتُ َ
مأل من جديد ،بينما
قال السير سايموند« :لورد بايلش ،أرجو أن تغفر لنا هذا االبتذال».
قال اإلصبع الصَّغير بنبر ٍة زحفَ عليها البرود« :حقًّا؟ لقد أتيتم به هنا أيها السَّادة».
قال يون البرونزي« :لم تكن نيَّتنا قَ ُّ
ط أن.»...
« -أنتم أتيتم به هنا! سيكون من حقِّي تما ًما أن أستدعي َحرسي وألقي القبض عليكم جميعًا».
هَبَّ هنتر واقفًا بع ٍ
ُنف كا َد يُسقِط اإلبريق من يد إليني ،وقال« :لقد وعدتنا باألمان!».
ي بال َّشرف أكثر من بعض َر َّد پيتر بنبر ٍة غاضبة لم تسمعها في صوته من قبل إطالقًا« :نعم .فلتمتنُّوا لتحلِّ َّ
أبعدوا جيوشكم عن هذا الجبل ،عودوا وسمعت مطالبكم ،واآلن اسمعوا مطالبيِ . ُ ُ
قرأت بيانكم النَّاس .لقد
ُكم بالفعل ولن أنكر هذا ،لكنه كان من صُنع اليسا ال إلى دياركم واترُكوا ابني في سالم .كان هناك سوء ح ٍ
صُنعي .امنحوني عا ًما واحدًا فقط ،وبمساعَدة اللورد نستور أعدكم بأن ال أحد منكم سيجد سببًا لل َّشكوى».
قال بلمور« :هذا ما تقوله ،لكن كيف نثق بك؟».
لست أنا َمن جرَّد فوالذه في أثناء التَّفا ُوض .لقد كتبتم عن ُ أهال للثِّقة؟
لست ًُ « -هل تجرؤ على القول بأنني
لست ُمحاربًا لكني سأقاتلكم ُ الدِّفاع عن اللورد روبرت بينما تأبون عليه الطَّعام .يجب أن ينتهي هذا .إنني
ً
رجاال أيضًا .إذا رسل (كينجز الندنج) إذا لم ترفعوا هذا الحصار .هناك لوردات غيركم في (الوادي) ،وستُ ِ
كانت الحرب ما تُريدون فقولوا وستُراق الدِّماء في (الوادي)».
ك تتفتَّح في أعيُن لوردات البيان ،وقال اللورد ردفورت بتر ُّدد« :عام ليس وقتًا رأت إليني زهور ال َّش ِّ
ً
طويال .ربما ...إذا أعطيتنا ضمانات.»...
ُشارف نهايته وال بُ َّد أن نُهَيِّئ أنفسنا أيَّدته الليدي واينوود قائلةً« :ال أحد منا يُريد الحرب .الخريف ي ِ
لل ِّشتاء».
تنحن َح بلمور ،وقال« :في نهاية هذا العام.»...
...« -إذا لم أص ِّحح األوضاع في (الوادي) فسأتنحَّى عن منصب اللورد الحافِظ بإرادتي».
ً
عادال وأكثر». عقَّب نستور رويسُّ « :
أظن هذا
وقال تمپلتون بإصرار« :يجب َّأال يكون هناك قصاص أو كالم عن الخيانة أو التَّمرُّ د .عليك أن تُ ِ
قسم على
هذا أيضًا».
قال پيتر« :يُس ِعدني أن أفعل .إنني أرغبُ في األصدقاء ال األعداء .سأعفو عنكم جميعًا ،كتابةً إذا أردتم،
حتى لين كوربراي .أخوه رجل صالح ،وال داعي إلى تكليل عائل ٍة نبيلة بالعار».
التفتَت الليدي واينوود إلى رفاقها لوردات البيان قائلةً« :هل نطرح األمر للمشا َورة أيها السَّادة؟».
قال يون البرونزي« :ال داعي .واض ٌح أنه فا َز» ،وتفرَّس في پيتر بايلش بعينيه الرَّماديَّتين مردفًا« :ال
حسن استغالله يا سيِّدي ،فليس من السَّهل يروقني هذا ،لكن يبدو أن لك العام الذي تَطلُبه .خي ٌر لك أن تُ ِ
خداعنا جميعًا» ،وفت َح الباب بق َّو ٍة عاتية كادَت تخلعه من ِمفصالته.
الحقًا أقي َم ما هو أشبه بالمأدبة ،وإن اضط َّر پيتر إلى االعتذار إليهم بسبب الطَّعام المتواضع ،وجي َء
ب شديد ،في حين تغيَّب يون ولعب دور اللورد الصَّغير بتهذي ٍ
َ بروبرت في سُتر ٍة من القشدي واألزرق
البرونزي إذ رح َل بالفعل من (العُش) ليبدأ رحلة النُّزول الطَّويلة التي سبقَه إليها السير لين كوربراي،
وظَ َّل الباقون معهم حتى الصَّباح.
ليلتها بينما تم َّددت إليني في الفِراش مصغيةً إلى ُعواء الرِّيح في الخارج ف َّكرت :لقد سح َرهم .ال تدري من
وراحت تتقلَّب وهو ينهشها كما
َ جال ببالها حر َمها النَّوم،
أين أتى االرتياب الذي انتابها ،لكن بمجرَّد أن َ
ضت وارتدَت ثيابها تاركةً جرتشل ألحالمها. ينهش الكلب عظمةً ،وأخيرًا نه َ
ُّ
يخط رسالةً ،ول َّما دخلَت عليه سألَها« :إلين يا حُلوتي ،ماذا تفعلين هنا في هذه كان پيتر ال يزال مستيقظًا
السَّاعة ال ِّ
متأخرة؟».
« -يجب أن أعرف .ما الذي سيَح ُدث خالل عام؟».
وض َع ريشته مجيبًا« :ردفورت وواينوود عجوزان ،وربما يموت أحدهما أو كالهما .جيلوود هنتر
سيغتاله إخوته ،غالبًا هارالن ال َّشاب الذي رتَّب موت اللورد إيون.
أيال .بلمور فاسد ويُمكن شراؤه .تمپلتون سأصا ِدقه .أ َّما يون رويس ت فاسرقي ً كما أقو ُل دائ ًما ،إذا سرق ِ
البرونزي فأخشى أنه سيظلُّ معاديًا ،لكن ما دا َم وحده فلن يُ َش ِّكل تهديدًا يُذ َكر».
« -والسير لين كوربراي؟».
أجاب« :السير لين سيبقى عد ِّوي اللَّدود ،وسيتكلَّم عني بسخري ٍة َ تراقص ضوء ال ُّشموع في عينيه إذ
َ
ُشارك بسيفه في ك ِّل مؤامر ٍة س ِّريَّة لإلطاحة بي».
وازدراء مع ك ِّل من يلتقي وي ِ
هنا استحالَت ريبتها إلى يقين ،فقالت« :وكيف ستُكافِئه على خدمته؟».
بالذهب وال ِغلمان والوعود بالطَّبع .السير لين رجل بسيط
ق اإلصبع الصَّغير ضحكةً عاليةً ،وقالَّ « : أطل َ
َّ َّ
الذوق يا حُلوتي ،ال يحبُّ َّإال الذهب ِ
والغلمان والقتل».
سرسي
بشفتين ممطوتتين استيا ًء قال لها الملك« :أري ُد أن أجلس على العرش الحديدي .كن ِ
ت تدعين چوف يجلس
عليه دائ ًما».
« -چوفري كان في الثَّانية عشرة».
ي!» .
« -لكنني الملك! العرش ينتمي إل َّ
سألَته سرسيَ « :من أخب َرك بهذا؟» ،وأخ َذت نفسًا عميقًا كي تعقد دوركاس أربطة فُستانها بمزي ٍد من
اإلحكام .إنها فتاة كبيرة الحجم وأقوى كثيرًا من سينل ،وإن كانت أكثر خَرقًا أيضًا.
احم َّر وجه تومن ،وقال« :ال أحد أخب َرني».
« -ال أحد؟ أبهذا تدعو السيِّدة زوجتك؟» .رائحة مارچري تايرل فائحة من هذا العصيان مفعمةً أنف
ي فلن تَترُك لي خيارًا َّإال استدعاء پايت ليُض َرب حتى ينزف» .پايت هو كبش
الملكة« .إذا كذبت عل َّ
فِداء 44تومن كما كان لچوفري من قبله« .أهذا ما تُريده؟».
أجاب الملك بتجهُّم« :ال».
َ
َ « -من أخب َرك إذن؟».
قائال« :الليدي مارچري» .الصَّبي أعقل من أن يدعوها بالملكة في حضور جرجر قدميه على األرض ً
َ
أ ِّمه.
ي أن أتَّخذ قرارًا فيها ،أمورًا أنت أصغر كثيرًا ج ًّدا
« -هذا أفضل .تومن ،إن على عاتقي أمورًا جسيمةً عل َّ
صبي سخيف يتمل َمل على العرش ورائي ويُ َشتِّت انتباهي باألسئلة ٍّ ُ
ولست في حاج ٍة إلى من أن تفهمها،
أظن أن مارچري ترى أن عليك حضور اجتماعات مجلسي أيضًا ،أليس كذلك؟». ُّ
الطفوليَّةُّ .
ي أن أتعلَّم أن أكون مل ًكا».
« -بلى ،تقول إن عل َّ
قالت له سرسي« :عندما تكبر يُمكنك أن تحضر ك َّل ما تُريد من اجتماعات .أعدك بأنها سرعان ما
ستُصيبك بالملل .روبرت كان ينعس في تلك الجلسات» .حين كان ي َُج ِّشم نفسه عناء الحضور من األصل.
«كان يُفَضِّل الصَّيد والقنص تار ًكا ال ُّشؤون المملَّة للورد آرن العجوز .هل تَذ ُكره؟».
« -لقد ماتَ ٍ
بألم في البطن».
« -صحيح ،الرَّجل المسكين .ما ُدمت ت َّواقًا إلى التَّعلُّم فربما عليك أن تتعلَّم أسماء جميع ملوك (وستروس)
ي غدًا». واأليدي الذين خدموهم .يُمكنك أن تتلوها عل َّ
َر َّد صاغرًا« :حاضر يا أ َّماه».
المهذب» .الحُكم لها ،وال تنوي سرسي أن تتخلَّى عنه قبل أن يَبلُغ تومن ِس َّن الرُّ شد .أنا َّ « -هذا صبيِّي
ضا يستطيع االنتظار .نِصف حياتي قضيته انتظارًا .لقد لعبَت دور االبنة المطيعة ُ
انتظرت ،وهو أي ً
والعروس الخجلى وال َّزوجة المطواعة ،وتح َّملت تل ُّمس روبرت جسدها وهو سكران وغيرة چايمي
وسخرية رنلي وضحكات ڤارس المكبوتة وصرير أسنان ستانيس الال نهائي ،وناف َست چون آرن وند
ستارك وأخاها القزم القاتل الخائن البغيض ،وطيلة ك ِّل ذلك الوقت ظلَّت تَ ِعد نفسها بأن أوانها سيأتي .إذا
كانت مارچري تايرل تبغي حرماني ساعتي في ال َّشمس فعلى الحقيرة أن تُعيد النَّظر.
أمضت سرسي بقيَّة َ وعلى الرغم من ذلك فما زالَت هذه بدايةً سيِّئةً ليومها الذي لم يتحسَّن بَعدها كثيرًا.
الصَّباح مع اللورد جايلز ودفاتره ،تُصغي إليه يَسعُل عن النُّجوم واأليائل والتَّنانين ،وبَعده وص َل اللورد
الذهب إلنهائها بالفخامة شارف االكتمال ويَطلُب مزيدًا من َّ ووترز ليُخبِرها بأن ُدرموناتها الثَّالث األولى تُ ِ
منتصف النَّهار
َ التي تستحقُّها ،ف َس َّر الملكة أن تُلَبِّي طلبه .الحقًا توثَّب فتى القمر أمامها فيما تناولَت وجبة
مع أعضا ٍء من روابط ال ُّتجَّار وأنصتَت إلى شكاواهم من العصافير الذين يتس َّكعون في ال َّشوارع وينامون
الذهبيَّة في طرد هؤالء العصافير من المدينة .كانت في الميادين .ربما أحتا ُج إلى استخدام ذوي المعاطف َّ
تُفَ ِّكر في هذا عندما دخ َل عليها پايسل.
صار ال ِمايستر األكبر كثير االعتراض بصور ٍة مبالَغ فيها في اجتماعات المجلس ،وفي أثناء َ مؤ َّخرًا
الجلسة األخيرة اشتكى بش َّد ٍة من الرِّ جال الذين اختا َرهم أوران ووترز لقيادة ُدرموناتها الجديدة .يُريد
يحث پايسل على اللُّجوء إلى ذوي الخبرة ،ويصرُّ ُّ لرجال أكثر شبابًا ،في حين
ٍ ووترز أن يُعطي ال ُّسفن
على أن القيادة ينبغي أن تكون للرَّبابنة الذين نجوا من حريق (النَّهر األسود) ،واصفًا إياهم بأنهم «رجال
محنَّكون أثبَتوا والءهم» ،أ َّما سرسي فقالت إنهم مس ُّنون وانحازَ ت إلى اللورد ووترز قائلةً« :ال َّشيء
الوحيد الذي أثبتَه هؤالء الرَّبابنة أنهم يُجيدون السِّباحة .ال يَج ُدر بأ ُ ٍّم أن تعيش بَعد موت أطفالها وال يَج ُدر
َّان أن يعيش بَعد غرق سفينته». ب ُرب ٍ
تلقَّى پايسل تبكيتها على مضض ،وإن بدا أق َّل مشاكسةً اليوم ،بل ونج َح في رسم ابتسام ٍة راجفة على شفتيه
كذلك إذ خاطبَها معلنًا« :أخبار سارَّة يا جاللة الملكة.
ت به وقط َع رأس فارس البصل رجل اللورد ستانيس». وايمان ماندرلي نفَّذ ما أمر ِ
« -أهذا أكيد؟».
ق رأس الرَّجل ويداه على أسوار (الميناء األبيض) .اللورد وايمان صرَّح بهذا وآل فراي « -لقد ُعلِّ َ
يُ َؤ ِّكدونه .لقد رأوا الرَّأس هناك وفي فمه بصلة ،وأيضًا رأوا اليدين اللتين تُ َميِّز إحداهما أصابعها
المقصَّرة».
أرسل طائرًا إلى ماندرلي وبلِّغه بأن ابنه سيُعاد إليه في الحال ما دا َم قد برهنَ على قالت سرسي« :عظيمِ .
إخالصه» .قريبًا ستعود (الميناء األبيض) إلى سالم الملك ،ورووس بولتون وابنه النَّغل يُ َ
ضيِّقان الخناق
على (خندق كايلن) من الجنوب وال َّشمال ،وبمجرَّد استيالئهما على القلعة ستنض ُّم ق َّواتهما لطرد الحديديِّين
ُكسبهما والء ح َملة راية ند ستارك المتبقِّين ضا ،ومن شأن هذا أن ي ِ من (مربَّع تورين) و(ربوة الغابة) أي ً
حين يأتي وقت ال َّزحف ضد اللورد ستانيس.
في تلك األثناء أقا َم مايس تايرل في الجنوب مدينةً من الخيام خارج (ستورمز إند) ،وث َّمة دستة من
تأثير يُذ َكر حتى اآلن .قالت الملكة لنفسها ٍ المجانيق تضرب أسوار القلعة العمالقة بالحجارة ،ولكن بال
ً
رجال سمينًا جالسًا على مؤ ِّخرته. متأ ِّملةً :اللورد تايرل ال ُمحارب .المفت َرض أن يكون رمزه
الظهر وص َل المبعوث البراڤوسي الكالح للقائه معها ،والذي أرجأَته سرسي أسبوعين وكانت لتُ ِ
رجئه بَعد ُّ
عا ًما آ َخر لوال أن اللورد جايلز قال إنه لم يَعُد قادرًا على التَّعا ُمل مع الرَّجل ...وإن كانت الملكة قد بدأت
ي شي ٍء غير السُّعال.تتسا َءل إن كان جايلز قادرًا على أ ِّ
لرجل مزعج .صوته أيضًا مزعج ،وقد تململَت ٍ قال البراڤوسي إن اسمه نوهو ديميتيس .اسم مزعج
سرسي في جلستها بينما تكلَّم وتكلَّم ،متسائلةً كم عليها أن تتح َّمل غطرسته ،ومن ورائها يرتفع العرش
ظالال ملتويةً على األرض .وحده الملك أو يده يستطيع الجلوس على ً الحديدي وتُلقي نصاله وبروزاته
العرش نفسه ،ولذا جل َست سرسي عند قاعدته على مقع ٍد من الخشب المذهَّب تك َّومت عليه الوسائد
القرمزيَّة.
الخازن».
ِ حين توقَّف البراڤوسي ليلتقط أنفاسه اغتن َمت الفُرصة قائلةً« :هذه مسألة تليق أكثر باللورد
ست مرَّات ،فال يفعل َّإال السُّعال
مت مع اللورد جايلز َّ بدا أن اإلجابة لم تس َّر النَّبيل نوهو إذ قال« :لقد تكلَّ ُ
زال غير حاضر». الذهب ما َ في وجهي والتَّحجُّ ج يا جاللة الملكة ،لكن َّ
قالت سرسي مقترحةً بعذوبة« :تكلَّم معه م َّرةً سابعةً .الرَّقم 7مق َّدس عند آلهتنا».
صاحبة الجاللة».
ِ « -أرى أن المزاح يسرُّ
« -حين أمز ُح أبتس ُم .هل تراني مبتسمةً؟ هل تسمع ضح ًكا؟ أؤ ِّك ُد لك أن النَّاس يضحكون عندما أمز ُح».
« -الملك روبرت.»...
قاط َعته بح َّدة ...« :ماتَ ( .المصرف الحديدي) سينال ذهبه عندما يُخ َمد هذا التَّمرُّ د».
جر َؤ الرَّجل على أن يعبس في وجهها بك ِّل عجرفةً ً
قائال« :جاللة الملكة».
قالت سرسي التي تح َّملت ما يكفيها تما ًما اليوم« :هذا اللِّقاء انتهى .سير مرين ،اصحب النَّبيل نوهو
ديميتيس إلى الباب .سير أوزموند ،يُمكنك أن تصحبني إلى مسكني» .سيصل ضيفاها قريبًا ،وعليها أن
تستح َّم وتُبَدِّل ثيابها ،ولو أن ال َعشاء المنتظَر يَ ِعد بأن يكون مضجرًا كذلك .حُكم مملك ٍة واحدة صعب بما
فيه الكفاية ،ناهيك بسبع ممالك.
طويال رشيقًا في ثياب ال َحرس الملكي البيضاء ،وحين
ً ق بها السير أوزموند ِكتلبالك على ال َّدرج، لح َ
تأ َّكدت سرسي من وجودهما وحدهما تأبَّطت ذراعه متسائلةً« :كيف حال أخيك الصَّغير يا تُرى؟».
ال َح االرتباك على السير أوزموند إذ قال« :آه ...بخير ،غير أن.»...
تر َكت الملكة لمحةً من الغضب تشوب نبرتها وهي تر ُّد« :غير أن؟ عل َّي أن أعترف بأن صبري على
أوزني العزيز بدأ ينفد .حانَ الوقت ألن يلج تلك ال ُمهرة الصَّغيرة .لقد عيَّنته حارسًا شخصيًّا لتومن كي
المفترض أن يكون قد اقتطفَ الوردة بالفعل .هل الملكة َ يوم في صُحبة مارچري. يقضي وقتًا ك َّل ٍ
الصَّغيرة معميَّة عن ِسحره؟».
ؤاخذيني» ،ومرَّر السير أوزموند أصابعه فيِ « -سحره يعمل بكفاءة .إنه ِكتلبالك ،أليس كذلك؟ أرجو َّأال تُ ِ
َشعره األسود ال ُّدهني مضيفًا« :إنها هي المشكلة».
ساور الملكة في السير أوزني .ربما هناك رجل آ َخر يروق مارچري « -وما السَّبب؟» .بدأت ال ُّشكوك تُ ِ
ضل الفتاة أحدًا آخَر؟ ضي ،أو رجل كبير قوي البنية كالسير تاالد« .هل تُفَ ِّ أكثر .أوران ووترز ب َشعره الف ِّ
هل يُز ِعجها وجه أخيك؟».
« -إنها تحبُّ وجهه .قال لي إنها تحسَّست ندوبه منذ يومين وسألَته عن المرأة التي أصابَته بها .لم يقل
ط إنها امرأة ،لكنها عرفَت .ربما أخب َرها أحد .يقول إنها تلمسه دائ ًما عندما يتكلَّمان ،تُ َعدِّل دبُّوس أوزني قَ ُّ
معطفه وتُ َس ِّوي َشعره وما إلى ذلك ،وفي م َّر ٍة في تدريب الرِّماية جعلَته يُريها كيف تحمل القوس الطَّويل،
ت أكثر بذاءةً .ال ،إنها راغبة فيه ،هذا فط َّوقها بذراعيه .أوزني يحكي لها نكاتًا بذيئةً فتضحك وتر ُّد بنكا ٍ
واضح ،ولكن.»...
استحثَّته سرسي قائلةً« :ولكن؟».
« -إنه ال ينفرد بها أبدًا .الملك معهما أغلب الوقت ،وإن لم يكن هو فهناك غيره .اثنتان من رفيقاتها تنامان
معها في فِراشها ،اثنتان مختلفتان ك َّل ليلة ،واثنتان أخريان تجلبان لها اإلفطار وتُسا ِعدانها على ارتداء
صلِّي مع ِسپتتها وتقرأ مع بنت عمومتها إلينور وتُ َغنِّي مع بنت عمومتها آال وتخيط مع بنت ثيابها .إنها تُ َ
عمومتها ِمجا ،وحين ال تذهب للصَّيد بالصُّ قور مع چانا فوسواي وميري كرين تلعب ( َ
تعال إلى قلعتي)
مع ابنة بولوار الصَّغيرة ،وال تذهب لركوب الخيل أبدًا دون أن تأخذ حاشيةً من أربعة أو خمسة رفاق
ودست ٍة على األقل من ال ُحرَّاس ،وهناك رجال حولها دو ًما ،حتى في (قفص العذراوات)».
« -رجالَ .من هُم؟ أخبِرني؟» .هذا أفضل من ال شيء وينطوي على احتماالت.
هَ َّز السير أوزموند كتفيه مجيبًا« :مغ ُّنون .إنها مغرمة بالمغنِّين والحُواة وأمثالهم ،وث َّمة فُرسان يأتون
للتَّحديق ولهًا إلى بنات عمومتها .السير تاالد أسوأهم كما يقول أوزني .األبله الكبير ال يدري إن كان يُريد
إلينور أم آال ،لكنه يعرف أنه يُريدها للغاية .التَّوأمان ردواين يأتيان لزيارتها أيضًا .سلوبر يجلب زهو ًرا
وفواكه ،وهورور تعلَّم العزف على العود .حسب كالم أوزني فخنق القِطط يُص ِدر ألحانًا أفضل .رجل
(جُزر الصَّيف) حاضر دائ ًما أيضًا».
الذهب وال ِّرجال السترداد قالت سرسي« :چاالبار شو؟» ،وأطلقَت نخير سخري ٍة مردفةً« :يتوسَّل منها َّ
أصل عريق .كان بمقدور ٍ وطنه على األرجح» .تحت جواهره وريشه ليس شو أكثر من شحَّا ٍذ ينحدر من
روبرت أن يضع نهايةً إللحاحه ب«ال» واحدة حازمةَّ ،إال أن فكرة غزو (جُزر الصَّيف) استه َوت زوجها
الجلف ال ِّس ِّكير .ال ريب أنه كان يَحلُم بالنِّساء بنِّيَّات البشرة العاريات تحت المعاطف ال ِّريش وحلماتهن
بدال من «ال» اعتا َد روبرت أن يقول لشو« :العام المقبل» ،مع أن ذلك العام المقبل السَّوداء كالفحم ،ولذا ً
لم يُقبِل قَ ُّ
ط.
َر َّد السير أوزموند« :ال أدري إن كان يتوسَّل أم ال يا جاللة الملكة .أوزني يقول إنه يُ َعلِّمهم لُغة الصَّيف.
ليس أوزني ،بل الملك ...ال ُمهرة وبنات عمومتها».
قالت الملكة بجفاف« :الحصان الذي يتكلَّم لُغة الصَّيف يُح ِدث انطباعًا قويًّا .قُل ألخيك أن يُحافِظ على ح َّدة
ِمهمزيْه .قريبًا سأج ُد وسيلةً له ليمتطي ال ُمهرة ،لك أن تثق بهذا».
« -سأخبِره يا جاللة الملكة .إنه متش ِّوق إلى تلك الرُّ كوبة ،ال تحسبي العكس .تلك ال ُمهرة حسناء حقًّا».
ي أنا أيها األحمق .ال يُريد من مارچري َّإال اللورديَّة التي بين ساقيها .على الرغم من ولعها إنه متش ِّوق إل َّ
بأوزموند فإنه يبدو بطيء الفهم كروبرت أحيانًا .آم ُل أن يكون سيفه أسرع من بديهته ،فربما يأتي يوم
يحتاج فيه تومن إليه.
كانا يمرَّان في ِظ ِّل أنقاض (بُرج اليد) حين تعالى صوت التَّهليل ليغمرهما .عبر السَّاحة كان ُمرافق ما قد
س َّدد ضربةً إلى الطَّاووس مد ِّورًا ذراعه العرضيَّة ،وقد قادَت الهتاف مارچري تايرل ودجاجاتها .ف َّكرت
لطحن ال يُذ َكر .كان المرء ليحسب الصَّبي فا َز في دورة مباريات ،ثم أذهلَها أن ٍ سرسي :جعجعة صاخبة
ترى أن َمن على متن الجواد الحربي هو تومن مد َّرعًا بالصَّفائح المعدنيَّة المذهَّبة.
لم تجد الملكة خيارًا َّإال أن ترسم ابتسامةً على شفتيها وتذهب لترى ابنها ،وبلغَته بينما ساعدَه فارس
الزهور على النُّزول من فوق حصانه .كان الصَّبي متقطِّع األنفاس من فرط اإلثارة ،ويسأل الجميع« :هل ُّ
رأيتم؟ فعلتها كما قال السير لوراس تما ًما .هل رأيت يا سير أوزني؟».
ُ
رأيت .منظر جميل». أجاب أوزني ِكتلبالك« :
َ
أضافَ السير درموت« :تُجيد الرُّ كوب أفضل مني يا موالي».
ُ
كسرت الرُّ مح أيضًا .هل سمعته يا سير لوراس؟». «-
الذهب واليَشب تُثَبِّت معطف السير لوراس األبيض عند الكتف، « -كأنه هزيم الرَّعد» .كانت وردة من َّ
والرِّيح تُ َم ِّوج ُخصالته البنِّيَّة بأناقة« .لقد ركبت بمنتهى البراعة ،لكن م َّرةً واحدةً ال تكفي .عليك أن
يوم إلى أن تُصبِح كلُّ ضرب ٍة تُ َوجِّهها ثابتةً مستقيمةً ويصير الرُّ مح جز ًءا
تُ َكرِّرها غدًا .يجب أن تركب ك َّل ٍ
من جسدك ِمثله ِمثل ذراعك».
« -أري ُد هذا».
قالت له مارچري« :كنت مجيدًا» ،وجثَت على رُكبتها ولث َمت الملك على وجنته ووض َعت ذراعها على
ت قليلة» ،وأيَّدتها بنات
أظن أن زوجي الباسل سيُسقِطك عن حصانك خالل سنوا ٍ كتفه قائلةً للوراسُّ « :
عمومتها الثَّالث ،وبدأت ابنة بولوار المأفونة تتوثَّب مترنِّمةً« :تومن سيكون البطل ،البطل ،البطل!».
ً
رجال بال ًغا». قالت سرسي« :حين يُصبِح
ت قبَّلها الصَّقيع ،وكانت السِّپتة ذات الوجه المجدور أول من يركع ،وتب َعها ذبلَت ابتساماتهم كوردا ٍ
اآلخَرون باستثناء الملكة وأخيها.
لم يب ُد على تومن أنه الح َ
ظ البرودة المفاجئة في الهواء ،واندف َع يقول بسعادة« :هل رأيتِني يا أ ِّمي؟ لقد
كسرت رُمحي على التُّرس ولم يضربني كيس الرَّمل!».
ُ
« -شاهدتك عبر السَّاحة .أحسنت البالء للغاية يا تومن .ال أتوقَّ ُع منك ما هو أقل .إن النِّزال في دمك،
يوم ستسود المضامير ِمثل أبيك».
وذات ٍ
من َحت مارچري تايرل الملكة ابتسامةً ظا ِهرها الخجل قائلةً« :ال أحد سيَص ُمد أمامه .لكني لم أعرف أن
فضلك يا جاللة الملكة ،ما المباريات التي فازَ
ِ ت في النِّزال .أخبِرينا من
صاحب إنجازا ٍ
ِ الملك روبرت كان
أعرف أن الملك يحبُّ أن يُحيط عل ًماُ طهم من فوق خيولهم؟ فيها؟ َمن الفُرسان العظام الذين أسق َ
بانتصارات أبيه».
زحفَ األحمر على ُعنق سرسي .لقد أوق َعتها الفتاة في مصيدة .الحقيقة أن روبرت باراثيون لم يكن يُبالي
بالنِّزال في المضامير ،وخالل المباريات كان يُفَضِّل االلتحامات الجماعيَّة كثيرًا ،حيث يُمكنه أن يطيح في
س ثلمة أو مطرق ٍة حتى يُدميهم .حين تكلَّمت كانت تُفَ ِّكر في چايمي .ليس من ديدني أن ال ِّرجال ضربًا بفأ ٍ
أنسى نفسي.
هكذا قالت مرغمةً« :روبرت فا َز في مباراة (الثَّالوث) ،أسقطَ األمير ريجار وس َّماني ملكة الحُبِّ وال َجمال.
أنك ال تعرفين هذه القصَّة يا زوجة ابني» ،ولم تمنح مارچري فُرصةً لل َّر ِّد إذ قالت« :سير يُد ِهشني ِ
امش معي ،أري ُد أن أتكلَّم معك».
ِ أوزموند ،سا ِعد ابني على خلع ِدرعه إذا سمحت .سير لوراس،
الزهور ما يفعله َّإال أن يمشي في أعقابها كالجرو ،وانتظ َرت سرسي حتى أصبحا على لم يجد فارس ُّ
صاحب هذه الفكرة؟». ِ ال َّدرجات الملتفَّة لتقول« :تُرى َمن
أجاب مضط ًّرا« :أختي .السير تاالد والسير درموت والسير پورتيفر كانوا يتمرَّنون على الطَّاووس، َ
صاحب الجاللة دورًا». ِ واقترحت الملكة أن يأخذ
َ
يدعوها بهذا اللَّقب ليُضايِقني« .وماذا فعلت أنت؟».
ُ
ساعدت جاللته على ارتداء ِدرعه وأريته كيف يُ َسدِّد الرُّ مح». «-
ضرب كيس الرَّمل رأسه؟».
َ ط؟ ماذا لو « -ذلك الحصان كان كبيرًا عليه للغاية .ماذا لو سق َ
« -الكدمات وال ِّشفاه ال َّدامية جزء من تكوين الفارس».
بدأت أفه ُم لماذا أصب َح أخوك معاقًا» ،فسرَّها مرأى قولها يمسح االبتسامة عن وجهه الوسيم، قالتُ « :
ق أخي في شرح واجباتك لك أيها الفارس .أنت هنا لحماية ابني من أعدائه ،أ َّما تدريبه وتاب َعت« :ربما أخف َ
على الفُروسيَّة فمسؤوليَّة قيِّم السِّالح».
سالح منذ مقتل أرون سانتاجار.
ٍ قال السير لوراس وفي نبرته لمحة لوم« :ليس في (القلعة الحمراء) قيِّم
جاللته يكاد يَبلُغ التَّاسعة ،وت َّواق إلى التَّعلُّم .في ِسنِّه هذه يُفت َرض أن يكون ُمرافقًا ،وعلى أحدهم أن
يُ َعلِّمه».
أحدهم سيُ َعلِّمه ،لكنه لن يكون أنت .سألَته بعذوبة« :أخبِرنيَ ،من الذي كنت ُمرافقه؟ اللورد رنلي ،أليس
كذلك؟».
« -كان لي هذا ال َّشرف».
« -نعم هذا ما حسبته» .رأت سرسي األواصر القويَّة التي تنعقد بين ال ُمرافقين والفُرسان الذين يخدمونهم،
وال تُريد أن تنشأ عالقة مشابهة بين تومن ولوراس تايرل ،ففارس ُّ
الزهور ليس بالرَّجل الذي يحذو أيُّ
َّرت في هذا .في خض ِّم حُكم البالد وخوض الحرب والحُزن على أبي فاتَتني المسألة بي حذوه« .لقد قص ُ ص ٍّ
سالح جديد .سأصل ُح هذا الخطأ في الحال». ٍ الملحَّة الخاصَّة بتعيين قيِّم
رجال أمهر مني في ً صاحبة الجاللة
ِ طت على جبهته ً
قائال« :لن تجد أزا َح السير لوراس ُخصلةً بنِّيَّةً سق َ
القتال بالسَّيف والرُّ مح».
يا لتواضعك« .تومن موالك ال ُمرافقك .ستُقاتِل في سبيله وتموت في سبيله إذا لز َم األمر ،وليس أكثر من
هذا».
تر َكته على الجسر المتحرِّ ك الممتد فوق الخندق الجاف والخوازيق البارزة من قاعه ودخلَت (حصن
رفضت
َ ميجور) وحدها ،وبينما صع َدت السَّاللم إلى مسكنها سألَت نفسها :أين أج ُد قيِّ ًما للسِّالح؟ بَعد أن
س آ َخر في ال َحرس الملكي ،إذ سيكون ذلك بمثابة ٍ
ملح على السير لوراس ال تستطيع أن تلجأ إلى فار ٍ
أصبح
َ ك أنه سيُثير حفيظة (هايجاردن) .السير تاالد؟ السير درموت؟ ال بُ َّد من أحد .تومن الجرح ،وال َش َّ
مولعًا بحارسه ال َّشخصي الجديد ،لكن أوزني أثبتَ أنه أقلُّ مهارةً مما أملَت في مسألة العذراء مارچري،
مؤسف أن كلب الصَّيد أصابَه السُّعار .لطالما خافَ تومن ٌ ب آخَر ألخيه أوزفريد. كما أنها تُفَ ِّكر في منص ٍ
صوت ساندور كليجاين األجش ووجهه المحروق ،ولكانت سخرية كليجاين بمثابة التِّرياق المثالي لشهامة
لوراس تايرل المدا ِهنة.
أرون سانتاجار كان دورنيًّا .يُمكنني أن أبعث برسال ٍة إلى (دورن) .بين (صنسپير) و(هايجاردن) قرون
من ال َّدم .نعم ،قد يَصلُح رجل دورني لمتطلَّباتي تما ًما .ال بُ َّد من وجود ُمقاتلين بارعين في (دورن).
دخلَت ُغرفتها ال َّشمسيَّة لتجد اللورد كايبرن جالسًا يقرأ على مقع ٍد مجاور للنَّافذة ،ول َّما رآها قال« :بَعد إذن
جاللة الملكة ،معي تقارير».
طويال ومت ِعبًا ،فأخبِرني سريعًا». ً قالت سرسي« :المزيد من المؤامرات والخيانة؟ كان يومي
قائال« :كما تشائين .ث َّمة كالم عن عرض أركون( 49تايروش) على (لِيس) شروط هدن ٍة ف ً ابتس َم بتعاطُ ٍ
إلنهاء حرب التِّجارة الحاليَّة بينهما .كان أشي َع أن (مير) على وشك دخول الحرب في َ
صفِّ (تايروش)،
ير المايريُّون أنهم يستطيعون.»... لكن من دون الجماعة َّ
الذهبيَّة لم َ
ُحارب بعض ال ُمدن ال ُحرَّة بعضًا ،وخياناتهم وتحالُفاتهم الال نهائيَّة « -ما يراه المايريُّون ال يه ُّمني» .دائ ًما ي ِ
تعني القليل ج ًّدا ل(وستروس)« .هل لديك أخبار أكثر أه ِّميَّة؟».
« -ثورة العبيد في (أستاپور) امت َّدت إلى (ميرين) على ما يبدو ،وبحَّارة دست ٍة من السُّفن يتكلَّمون عن
التَّنانين.»...
مكان ما( .ميرين) واقعة في أقصى ٍ « -الهارپيات ،في (ميرين) هارپيات» .إنها تَذ ُكر هذه المعلومة من
األرض ،شرقًا وراء (ڤاليريا)« .فليَثُر العبيد .لماذا أعبأُ؟ ال عبيد عندنا في (وستروس) .أهذا كلُّ ما
لديك؟».
« -ث َّمة أخبار من (دورن) قد تجدها صا ِحبة الجاللة أكثر إثارةً لالهتمام .األمير دوران سجنَ السير ديمون
ساند ،النَّغل الذي كان ُمرافقًا لألُفعوان األحمر».
« -أذكره» .كان السير ديمون من الفُرسان الذين رافَقوا األمير أوبرين إلى (كينجز الندنج)« .ماذا
فع َل؟».
طالب بإطالق سراح بنات األمير أوبرين».
َ «-
« -أحمق».
تاب َع كايبرن« :هناك أيضًا ابنة فارس (الغابة الرَّقطاء) التي ُخ ِطبَت على نح ٍو غير متوقَّع للورد
إسترمونت ،حسب إفادة أصدقائنا في (دورن) .في اللَّيلة نفسها أُ ِ
رسلَت إلى (الحجر األخضر) ،ويُقال إنها
وإسترمونت تز َّوجا بالفعل».
قالت سرسي مداعبةً ُخصلةً من َشعرها« :نغل في بطنها يشرح السَّبب .كم ِس ُّن العروس الخجلى؟».
« -ثالثة وعشرون سنةً يا جاللة الملكة ،بينما إسترمونت.»...
...« -في السَّبعين على األقل ،أعي هذا» .آل إسترمونت أصهارها من خالل روبرت ،الذي تز َّوج أبوه
واحدةً منهم في ُخطو ٍة ال يُمكن تفسيرها َّإال بنوبة شهو ٍة أو جنون .لدى زواج سرسي بالملك كانت أُم
عام في المدينة ،وبَعدها زمن طويل ،وإن حض َر كال أخويها زفافهما وبقيا ِنصف ٍ ٍ روبرت قد رحلَت منذ
أص َّر روبرت على َر ِّد الجميل بزيارة (إسترمونت) ،الجزيرة الجبليَّة الصَّغيرة الواقعة عند (رأس
ضتهما سرسي في (الحجر األخضر) -مقر عائلة الغضب) ،وكان األسبوعان الكئيبان الرَّطبان اللذان أم َ
إسترمونت -األطول في شبابها على اإلطالق .بمجرَّد النَّظر س َّمى چايمي القلعة «الخراء األخضر»،
قضت وقتها في مشاهَدة زوجها الملوكي يصيد ويقنص وسرعان ما ح َذت سرسي حذوه ،وفيما عدا ذلك َ
ويشرب مع خاليْه ويُبَرِّح عددًا كبيرًا من أبناء ال ُخؤولة ضربًا في ساحة (الخراء األخضر).
خال ما أيضًا ،أرملة قصيرة مكتنزة ذات نهدين كبيرين كبِطِّيختين ماتَ زوجها وأبوها كانت هناك ابنة ٍ
عند (ستورمز إند) في أثناء الحصار ،وعنها قال روبرت لسرسي« :أبوها عاملَني بطيبة ،وكنا نلعب معًا
طويال قبل أن يبدأ اللَّعب معها من جديد ،وبمجرَّد أن تُغ ِلق سرسي عينيها ً صغرنا» .لم يستغرق وقتًافي ِ
تع َّود الملك أن يتسلَّل ليُواسي األرملة الوحيدة المسكينة .في ليل ٍة جعلَت چايمي يتبعه ليُ َؤ ِّكد شكوكها ،ول َّما
عا َد أخوها سألَها إن كانت تُريده أن يَقتُل روبرت ،فأجابَت« :ال ،أري ُد أن أر ِّكب له قرنين» .تحبُّ سرسي
أن تعتقد أن تلك هي اللَّيلة التي حبلَت فيها بچوفري.
ُ
أكترث لهذا؟». قالت لكايبرن« :إلدون إسترمونت تز َّوج فتاةً تصغره بخمسين عا ًما ،فلِ َم
إنك يجب أن تكترثي ...لكن ديمون ساند وابنة سانتاجار تلك قريبان من آريان هَ َّز كتفيه ً
قائال« :ال أقو ُل ِ
خطر لي أن على
َ ابنة األمير دوران ،أو أن هذا ما يُشيعه الدورنيُّون .ربما ال يعني األمر شيئًا ،لكن
جاللتك أن تعرفي».
ِ
ُ
أعرف .هل لديك المزيد؟». قالت وقد بدأ صبرها ينفد« :واآلن
َر َّد« :شيء واحد آخَر ،مسألة تافهة» ،وابتس َم لها معتذرًا وأخب َرها عن عرض ُدمى القى ً
إقباال كبيرًا من
عا َّمة المدينة في الفترة األخيرة ،عرض تَح ُكم فيه مملكة الحيوان األُسود المتكبِّرة« .مع تواصُل هذه
الحكاية المحرِّ ضة على الخيانة تُصبِح األُسود ال ُّدمى أكثر طمعًا وخيال ًء ،إلى أن تبدأ في افتراس رعاياها،
وحين يعترض الوعل النَّبيل تفترسه األُسود أيضًا وتزأر بأن هذا حقُّها باعتبارها أقوى الحيوانات».
نظر المرء إلى الحكاية من ال َّزاوية السَّليمة فربما يراها َ سألَته سرسي باستمتاع« :أهذه هي النِّهاية؟» .إذا
س مفيد.
كدر ٍ
« -ال يا جاللة الملكة .في النِّهاية يَخرُج تنِّين من بيض ٍة ويلتهم األُسود كلَّها».
هكذا تنقل النِّهاية عرض ال ُّدمى من خانة اإلهانة البسيطة إلى الخيان ٍة البيِّنة .قالت سرسي« :أغبياء حمقى.
ين خشبي َّإال مختل» ،وتف َّكرت لحظةً ثم أردفَتِ « :
أرسل بعض هامسيك إلى ُخاطر برأسه من أجل تنِّ ٍ
ال ي ِ
تلك العروض واجعلهم يُعايِنون الحاضرين .إذا كان أيُّهم من األناس البارزين فأري ُد أن أعرف أسماءهم».
« -وماذا سيَح ُدث لهم إذا سمح ِ
ت لي بالسُّؤال؟».
« -األثرياء منهم سيُ َغرَّمون .يكفي نِصف ثرواتهم لتلقينهم درسًا قاسيًا وإعادة َملء خزائننا دون خراب
بيوتهم .األفقر من أن يدفعوا تُفقأ لهم عين لمشاهَدتهم الخيانة ،واإلعدام بالفأس لمحرِّ كي ال ُّدمى».
بالذات ستكون.»...صاحبة الجاللة باثنين منهم ألجل أغراضي .امرأة َّ ِ « -إنهم أربعة .ربما تسمح لي
قاط َعته الملكة محت َّدةً« :لقد أعطيتك سينل».
« -لألسف الفتاة المسكينة ...منهَكة تما ًما».
ال يروق سرسي التَّفكير في هذا .لقد ذهبَت الفتاة معها دون أن يُخا ِلجها أدنى َشك ،متص ِّورةً أنها ستُقَدِّم
الطَّعام وتصبُّ ال َّشراب ،وحتى حين ط َّوق كايبرن معصمها بالسِّلسلة لم يب ُد عليها الفهم .ما زالَت ال ِّذكرى
تُصيب الملكة بالغثيان .كانت ال َّزنازين قارسة البرودة ،وحتى المشاعل كانت ترتجف ،وذلك ال َّشيء
الكريه كان يَصرُخ في الظَّالم« ...حسن ،يُمكنك أن تأخذ امرأةًُ .خذ اثنتين إذا أردت .لكني أري ُد األسماء
ً
أوال».
قال كايبرن قبل أن ينسحب« :كما تأمرين».
صت الملكة مالَت ال َّشمس إلى المغيب في الخارج .كانت قد دوركاس قد جهَّزت لها ح َّما ًما ،وبينما غا َ
مسرورةً في الماء ال َّدافئ مف ِّكرةً في ما ستقوله لضيفيها على ال َعشاء اقتح َم چايمي الباب وأم َر چوسلين
ودوركاس بالخروج .بدا أخوها مفتقرًا إلى األناقة والنَّظافة وقد فا َحت منه رائحة الخيول إذ دخ َل ومعه
معك».
ِ تومن ،وقال لها« :أختي الجميلة ،الملك يَطلُب كلمةً
كانت ُخصل سرسي َّ
الذهبيَّة طافيةً في مياه االستحمام والبُخار يُف ِعم ال ُغرفة ،وأحسَّت بقطر ٍة من ال َعرق
تسيل على وجنتها وهي تقول بنبر ٍة شديدة الخطورة من فرط نعومتها« :تومن ،ما األمر اآلن؟».
انكمش على نفسه متراجعًا ،في حين قال چايمي« :جاللته يُريد جواده
َ يعرف الصَّبي هذه النَّبرة ،ولذا
األبيض غدًا من أجل درس النِّزال».
اعتدلَت جالسةً في الحوض ،ور َّدت« :لن يكون هناك نزال».
َمطَّ تومن شفته السُّفلى ً
قائال« :بل سيكون .يجب أن أركب ك َّل يوم».
سالح الئقًا ي ِ
ُشرف على تدريبك». ٍ أعلنَت الملكة« :وستفعل بمجرَّد أن نُ َعيِّن قيِّم
سالح الئقًا ،أري ُد السير لوراس».ٍ « -ال أري ُد قيِّم
بكالم سخيف عن براعته
ٍ أعرف أن زوجتك الصَّغيرة مألَت رأسك
ُ « -إنك ترفع شأن ذلك الصَّبي كثيرًا.
الفائقة ،لكن أوزموند ِكتلبالك فارس أفضل من لوراس ثالث مرَّات».
علَّق چايمي ضاح ًكا« :ليس أوزموند ِكتلبالك الذي أعرفه».
ي أن آمر السير لوراس بأن يدع السير أوزموند يُسقِطه عن حصانه .قد يُفلِح كانت لتَخنُقه لحظتها .ربما عل َّ
ُّ
ينحط مقامهما. هذا في وضع َح ٍّد الفتتان تومن به .قصقِص ريش الطَّاووس وكلِّل البطل بالعار وفي الحال
رجال دورنيًّا يُدَرِّ بك .الدورنيُّون أفضل ال ُمنازلين في البالد».
ً قالت« :سأرس ُل ألطلب
رجال دورنيًّا سخيفًا ،بل أري ُد السير لوراس .هذا ً حال ال أري ُد
ٍ قال تومن« :ال ،ليسوا كذلك ،وعلى كلِّ
أمر!».
عا َد چايمي يضحك ،فف َّكرت الملكة :ال يُسا ِعدني على اإلطالق .هل يحسب هذا طريفًا؟ ضربَت الماء
غاضبةً ،وقالت« :هل عل َّي أن أرسل في استدعاء پايت؟ إنني ال أمتث ُل ألوامرك ،أنا أ ُّمك».
َر َّد تومن« :نعم ،لكنني الملك .مارچري تقول إن على الجميع طاعة ما يقوله الملك .أري ُد أن يُ َجهَّز جوادي
األبيض غدًا كي يُ َعلِّمني السير لوراس النِّزال .أري ُد هُريرةً أيضًا ،وال أري ُد أن آكل ال َّشمندر».
تعال هنا» ،ول َّما لم يتحرَّك الصَّبي تنهَّدت
َ كان چايمي ال يزال يضحك ،لكن الملكة تجاهلَته قائلةً« :تومن،
وقالت له« :أأنت خائف؟ يجب َّأال يُبدي الملك خوفًا».
الذهبي ،وقالت« :ملك أم ال ،أنت هكذا دنا ابنها من الحوض مطرقًا عينيه ،فم َّدت يدها تُ َملِّس على َشعره َّ
صب ٌّي صغير ،والحُكم لي حتى تَبلُغ ِس َّن الرُّ شد .سوف تتعلَّم النِّزال ،أعدك بهذا ،لكن ليس من لوراس.
فُرسان ال َحرس الملكي عليهم واجبات أه ُّم من اللَّعب مع طفلَ .سل حضرة القائد .أليس كذلك أيها
الفارس؟».
أجاب چايمي بابتسام ٍة رفيعة« :واجبات مه َّمة للغاية .ال َّدوران حول أسوار المدينة على سبيل المثال».
َ
قال تومن وقد بدا على وشك البُكاء« :هل لي بهُريرة إذن؟».
ُ
دمت لن أسمع المزيد من الهُراء عن النِّزال .هل تعدني بهذا؟». أجابَت الملكة« :ربما ،ما
جرجر قدميه ً
قائال« :نعم». َ
« -عظيم .واآلن اذهب .ضيفاي سيصالن قريبًا».
هر َع تومن مغادرًا ،لكن قبل أن يَخرُج التفتَ وقال« :حين أصب ُح الملك وحدي سأح ِّر ُم أكل ال َّشمندر!».
ت
صاحبة الجاللة ،أأن ِ
ِ ق أخوها الباب ب َجدعة يده ،ول َّما انفر َد بسرسي سألَها« :ك ُ
نت أسأ ُل نفسي يا أغل َ
سكرانة أم حمقاء فقط؟».
ضربَت الماء م َّرةً أخرى ناثرةً إياه على قدميه ،وقالت« :صُن لسانك َّ
وإال.»...
ق مردفًا:
وجلس چايمي واضعًا ساقًا على سا ٍ
َ وإال ماذا؟ ستُرسلينني لفحص األسوار ثانيةً؟»،َّ ...« -
ُ
وألقيت نظرةً على السَّبع ب َّواباتِ .مفصالت ُ
زحفت على كلِّ بوص ٍة منها أسوارك اللَّعينة سليمة .لقد
ِ «
(الب َّوابة الحديديَّة) صدئة ،ويجب استبدال (ب َّوابة الملك) و(ب َّوابة الطَّمي) بَعد أن ه َّشمهما ستانيس ب ِمد َّكاته.
صاحبة الجاللة أن أصدقاءنا من (هايجاردن) داخل ِ األسوار قويَّة كما كانت دو ًما ...لكن هل نسيَت
األسوار ال خارجها؟».
« -ال أنسى شيئًا» ،ر َّدت عليه مف ِّكرةً في ُعمل ٍة ذهبيَّة معيَّنة على أحد وجهيها يد وعلى الوجه اآلخَر رأس
وصل
َ منسي ما .كيف تحصَّل سجَّان بائس حقير على ُعمل ٍة كهذه وخبَّأها تحت وعاء فضالته؟ كيف ٍّ ملك
ٍ
سالح جديد .ستحتاجين ٍ ب قديم من (هايجاردن)؟ « -هذه أول م َّر ٍة أسم ُع بتعيين قيِّم رجل كروجن إلى ذه ٍ
نازل أفضل من لوراس تايرل .السير لوراس.»... ث طويل دقيق عن ُم ٍ إلى بح ٍ
أعرف السير لوراس وال أريده قُرب ابني .األفضل أن تُ َذ ِّكره ُ بت َرت عبارته شاعرةً بماء ح َّمامها يَفتُر« :
بواجباته».
« -إنه يعرف واجباته ،وليس هناك من يحمل الرُّ مح أفضل.»...
« -أنت كنت أفضل قبل أن تفقد يدك ،والسير باريستان في شبابه ،وآرثر داين كان أفضل ،واألمير ريجار
كان نِ ًّدا له .كفى ثرثرةً عن ق َّوة ال َّزهرة .إنه مجرَّد صبي».
ُعارض السيِّد والدها .حين يتكلَّم تايوين النستر كان النَّاس لقد ملَّت معا َرضة چايمي .ال أحد كان ي ِ
يُطيعون ،وحين تتكلَّم سرسي يُعطون أنفسهم ح ِّريَّة إعطائها المشورة ومناقَضتها ،بل ورفض أوامرها .كلُّ
هذا ألنني امرأة ،ألنني ال أستطي ُع قتالهم بالسَّيف .لقد احترموا روبرت أكثر مما يحترمونني ،وروبرت
كان س ِّكيرًا أبله.
وعاجال .في سالف األيام كانت تَحلُم بأن
ً لن تسمح بهذا ،خصوصًا من چايمي .يجب أن أخلِّص نفسي منه،
يَح ُكما (الممالك السَّبع) جنبًا إلى جنب ،لكن چايمي أضحى عائقًا أكثر منه عونًا.
ضت سرسي من الحوض لتسيل المياه على ساقيها وتَقطُر من َشعرها ،وقالت« :عندما أري ُد نصيحتك نه َ
ي أن أرتدي مالبسي».
سأطلبها .اترُكني أيها الفارس .عل َّ
ُ
أعرف .وأيُّ مؤامر ٍة هذه تحديدًا؟ إنها كثيرة للغاية وفاتَني بعضها»، ضيفاك على ال َعشاء،
ِ قال چايمي« :
الذهبي بين ساقيها.وسقطَت نظرته على قطرات الماء المتلئلة على ال َّشعر َّ
ي« .هل تشتاق إلى ما فقدته يا أخي؟». زال راغبًا ف َّ
ما َ
لكنك حمقاء ،حمقاء ذهبيَّة جميلة». ِ قائال« :أنا أيضًا أحب ُِّك يا أختي الجميلة،رف َع عينيه ً
ت ألطف في (الحجر األخضر) ليلة زرعت چوفري في داخلي. أوج َعتها كلماته ،وف َّكرت :وصفتني بكلما ٍ
وأدارت له ظَهرها وسم َعته يُغا ِدر متل ِّمسًا الباب ب َجدعته بارتباك. َ قالت له« :اخرُج»،
بينما تأ َّكدت چوسلين من أن ك َّل شي ٍء جاهز لل َعشاء ،ساعدَت دوركاس الملكة على ارتداء فُستانها الجديد،
خطوط من القطيفة ال َّسوداء ،باإلضافة
ٍ خطوط من الساتان األخضر َّ
الالمع بالتَّبا ُدل مع ٍ المفصَّل على شكل
إلى شرائط ال ِّزينة المايريَّة السَّوداء ال َّدقيقة فوق الصَّدر .شرائط ال ِّزينة المايريَّة مكلِّفة ،لكن من الضروري
أن تبدو الملكة في أبهى صُورها طوال الوقت ،كما أن غسَّاالتها الحقيرات تسبَّبن في انكماش عد ٍد كبير
ناسبها .كانت لتجلدهن الستهتارهن لوال أن تاينا حثَّتها على الرَّأفة ،وقالت من فساتينها القديمة فلم تَعُد تُ ِ
ت رحيمةً» ،وهكذا أم َرت سرسي بخصم قيمة الفساتين من أجور لها« :سيحب ُِّك العوام أكثر إذا كن ِ
الحلُّ األكثر أناقةً بكثير.
الغسَّاالت ،وهو َ
ضيَّةً في يدها ،فف َّكرت الملكة مبتسمةً النعكاسها :جميل ج ًّدا .من السَّار أن تخلع وض َعت دوركاس مرآةً ف ِّ
الحداد ،فاألسود يجعلها تبدو شاحبةً للغاية. ثياب ِ
طويال ،ودائ ًما تُب ِهجها تاينا بخفَّة دمها .لم
ً مؤسف أنني لن أتنا َول عشائي مع الليدي ميريويذر .كان يومها ٌ
تكن لسرسي صديقة تستمتع بصُحبتها لهذه ال َّدرجة منذ ميالرا هيذرسپون ،وميالرا اتَّضح أنها متآمرة
جشعة في دماغها أفكار تتجا َوز مقامها .ال يَج ُدر بي أن أف ِّكر فيها بسوء .لقد غرقَت وماتَت ،وعلَّمتني َّأال
أثق بأح ٍد غير چايمي أبدًا.
طعا شوطًا ال بأس به في ُشرب الهيپوكراس حين انض َّمت إليهما في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة كان ضيفاها قد ق َ
بالفعل ،وعندما الحظَت سرسي اإلبريق نِصف الفارغ قالت لنفسها :الليدي فاليس ال تبدو كسمك ٍة فحسب،
بل تشرب كواحد ٍة أيضًا .صا َحت مقبِّلةً المرأة على وجنتها« :فاليس العزيزة والسير بالمان ال ُّشجاع ،لقد
فج َعني أن أسمع بما جرى أل ِّم ِك الغالية .كيف حال الليدي تاندا؟».
جاللتك أن تسألي .ال ِمايستر
ِ بدَت الليدي فاليس كأنها على وشك اإلجهاش بالبُكاء إذ أجابَت« :لُطف من
صلِّي ،ولكن.»... فرنكن يقول إن السَّقطة حطَّمت َورك أ ِّمي .لقد فع َل ما يستطيع ،واآلن نُ َ
صلُّوا كما تشاؤون ،لكنها ستموت ال محالة قبل أن يدور القمر .النِّساء المسنَّات كتاندا ستوكوورث ال
سأضيف صلواتي إلى صلواتكم. ُ رك مكسور« . يتعافين من َو ٍ
طت من فوق حصانها». اللورد كايبرن أخب َرني بأن تاندا سق َ
َر َّد السير بالمان بيرش« :حزام َسرجها انفت َ
ق وهي راكبة .كان على عامل االسطبل أن يرى أنه تالف .لقد
ب».
عوقِ َ
قالت الملكة« :آم ُل أن العقاب كان شديدًا» ،وجل َست مشيرةً لضيفيها بالجلوس بدورهما ،واستطردَت:
ت مولعةً به».
أنك لطالما كن ِ
«هل تشربين كأسًا أخرى من الهيپوكراس يا فاليس؟ أذك ُر ِ
« -لُطف بالغ ِ
منك أن تتذ َّكري يا جاللة الملكة».
وكيف أنسى؟ چايمي قال إنها أعجوبة أنك ال تتب َّولينه« .كيف كانت رحلتكما؟».
أجابَت فاليس بتأفُّف« :غير مريحة .المطر ظَ َّل يَسقُط معظم اليوم .ف َّكرنا أن نقضي اللَّيل في (روزبي)،
لك أن تثقي بأنه بمجرَّد موت جايلز رفض تضييفنا» ،وتن َّشقت متابعةًِ « :َ لكن ربيب اللورد جايلز ال َّشاب
ُحاول االستيالء على أراضيه ولورديَّته ،مع أن سيفرُّ ذلك المأفون وضيع الميالد بذهبه كلِّه ،بل وربما ي ِ
ق أن تنتقل (روزبي) إلينا بَعد موت جايلز .السيِّدة أ ِّمي خالة زوجته الثَّانية ،وابنة ُخؤول ٍة ثالثة لجايلز الح َّ
َ
نفسه».
تساءلَت سرسي في أعماقها :هل رمزكم َحمل يا سيِّدتي أم قرد ط َّماع؟ قالت« :اللورد جايلز يُهَدِّد بالموت
ت طويلة» ،وابتس َمت ببشاش ٍة مردفةً« :ال َش َّ
ك أنه منذ عرفته ،لكنه ال يزال معنا وآم ُل أن يظ َّل كذلك سنوا ٍ
سيظلُّ يَسعُل بَعد أن نذهب جميعًا إلى قبورنا».
قال السير بالمان« :غالبًا سيَح ُدث هذا .على أن ربيب روزبي لم يكن الوحيد الذي أزع َجنا يا جاللة الملكة.
الجلد ت قذرة بشعة الهيئة تحمل التُّروس ِ لقد قابَلنا عددًا من الهمجيِّين على الطَّريق أيضًا ،مخلوقا ٍ
والفؤوس ،بعضها على صدره نجوم مخيطة ،نجوم سُباعيَّة مق َّدسة ،لكن منظر هؤالء ال ِّرجال أوحى بال َّشرِّ
رغم ذلك».
أضافَت فاليس« :أنا واثقة بأنهم كانوا مق َّملين أيضًا».
قالت سرسي« :يُ َس ُّمون أنفسهم العصافير .إنهم وباء يجتاح البالد .على السِّپتون األعلى الجديد أن يتعا َمل
معهم بمجرَّد تتويجه ،وإذا لم يفعل فسأتعا َم ُل معهم بنفسي».
صاحب القداسة بع ُد؟».
ِ سألَتها فاليس« :هل اختي َر
أجابَت الملكة مق َّرةً« :ال .كان السِّپتون أوليدور على شفا االختيار إلى أن تب َعه بعض هؤالء العصافير إلى
ماخور وجرُّ وه عاريًا إلى ال َّشارع .يبدو أن لوشن الخيار المرجَّح اآلن ،ولو أن أصدقاءنا على التَّ ِّل اآل َخر
ٍ
ُ ُ َ َ
ت ما زالت تنقصه ليَبلغ العدد المطلوب». يقولون إن بضعة أصوا ٍ
الذهبي». رشد المدا َوالت بمصباح الحكمة َّ
قالت الليدي فاليس بمنتهى الخشوع« :عسى (العجوز) أن تُ ِ
محرجة ،ولكن ...خشية أن تنمو المشاعر ِ قائال« :جاللة الملكة ،هذه مسألة اعتد َل السير بالمان في مقعده ً
السيِّئة بيننا ،يجب أن تعرفي أن زوجتي الكريمة وأ َّمها لم يكن لهما دور على اإلطالق في تسمية الوليد
قلت له أن يختار اس ًما أليق للصَّبي، النَّغل .لوليس مخلوقة بسيطة ،وزوجها يميل إلى المزاح األسودُ .
ك» . فضح َ
رشفَت الملكة من نبيذها وأمعنَت النَّظر إليه .في الماضي كان السير بالمان ُم ً
نازال بار ًزا ،وأحد أوسم
الفُرسان في (الممالك السَّبع) كذلك ،ولئن ما زا َل فوق شفته شارب فاخر فإن التَّق ُّدم في العُمر لم يترفَّق به،
فانسحب َشعره األشقر المتم ِّوج ،في حين تق َّدم بطنه بعنا ٍد ضاغطًا على سُترته .قالت لنفسها :كأداة ،يَنقُصه َ
الكثير ،لكن ال بأس به« .تيريون كان اس ًما ملكيًّا قبل مجيء التَّنانين .ال ِعفريت ل َّوثه ،لكن ربما ير ُّد الصَّغير
أعرف أن ال لوم عليكم.ُ عاش النَّغل« .
َ إلى االسم َشرفه» .هذا إذا
ط ،وأنتما ،»...وته َّدج صوتها إذ استدر َكت« :سا ِمحاني ،إنني ظ بها قَ ُّ
الليدي تاندا هي األخت التي لم أح َ
أعيشُ في خوف».
خوف
ٍ فت َحت فاليس فاها وأغلقَته ،وهو ما جعلَها تبدو كسمك ٍة تحترف الغباء ،ور َّددت متسائلةً« :في ...في
يا جاللة الملكة؟».
قالت سرسي« :لم أنم ليلةً بأكملها البتَّة منذ موت چوفري» ،وأعادَت َملء الكؤوس بالهيپوكراس مواصلةً:
«أيها الصَّديقان ...أنتما صديقاي كما آملُ ،أليس كذلك؟ وصديقا الملك تومن؟».
أعلنَ السير بالمان« :ذلك الصَّبي الجميل .جاللة الملكة ،كلمات عائلة ستوكوورث ذاتها تقول :نفخر
بإخالصنا».
« -ليت هناك المزيد من أمثالكما أيها الفارس الكريم .أقو ُل لكما صدقًا إن شكو ًكا جا َّدةً تُ ِ
ساورني إزاء
السير برون فارس (النَّهر األسود)».
تباد َل ال َّزوج وال َّزوجة نظرةً ،وقالت فاليس« :ذلك الرَّجل وقح يا جاللة الملكة ،فَظٌّ وسليط اللِّسان».
أضافَ السير بالمان« :ليس فارسًا حقيقيًّا».
نازلابتس َمت سرسي له وحده قائلةً« :نعم ،وأنت فارس يعرف الفُروسيَّة الحقَّة .إنني أذك ُر مشاهَدتك تُ ِ
في ...ما دورة المباريات التي قاتلت فيها بك ِّل عظم ٍة أيها الفارس؟».
أجاب مبتس ًما بتواضُع« :تلك التي كانت في (وادي الغسق) منذ ستَّة أعوام؟ ال ،لم تكوني حاضرةًَّ ،
وإال َ
ت ملكة للحُبِّ وال َجمال بك ِّل تأكيد .أكانت دورة المباريات التي أقي َمت في (النسپورت) بَعد تمرُّ د ً لتُ ِّوج ِ
رسان بارعين.»... ٍ أسقطت فيها ع َّدة فُ
ُ جرايچوي؟ لقد
ر َّدت« :هي بالضَّبط» ،ثم تجهَّم وجهها إذ أردفَت« :ال ِعفريت اختفى ليلة موت أبي تار ًكا سجَّانيْن أمينيْن
في بِرك ٍة من الدِّماء .بعضهم ي َّدعي أنه فَ َّر عابرًا (البحر الضيِّق) ،لكني أتساء ُل .القزم ماكر .ربما ال يزال
طط للمزيد من االغتياالت ،ربما يُخفيه صديق ما». كامنًا على مقرب ٍة ويُخَ ِّ
ً
متسائال« :برون؟». ملَّس السير بالمان على شاربه ال َك ِّ
ث
ً
رجال أرس َل إلى الجحيم بأمر تيريون». العفريت دو ًما ،و(الغريب) وحده يعلم كم
« -لقد كان مخلوق ِ
قال السير بالمان« :جاللة الملكة ،أعتق ُد أني ُ
كنت ألالحظ لو أن هناك قز ًما متواريًا في أراضينا».
ر َّدت سرسي« :أخي صغير الحجم ومخلوق للتَّواري» ،وتر َكت يدها ترتجف مواصلةً« :اسم الطِّفل
مسألة صغيرة ...لكن الوقاحة التي تمرُّ دون عقا ٍ
ب تستولِد الخيانة ،ثم إن كايبرن أخب َرني بأن ذلك الرَّجل
المرتزقة حوله».
ِ برون يجمع
ض َّم أربعة فُرسان إلى أهل بيته».
قالت فاليس« :لقد َ
مرتزقة متسلِّقون
ِ ق السير بالمان نخيرًا ساخرًا ،وقال« :زوجتي تُطري عليهم بوصفهم بالفُرسان .إنهم أطل َ
دون ذ َّر ٍة واحدة من الفُروسية بين أربعتهم».
ً
رجاال للقزم ،وليُنقِذ (السَّبعة) ابني الصَّغير .ال ِعفريت ُ
خشيت .برون يحشد قالت سرسي منتحبةً« :كما
سيَقتُله كما قت َل أخاه .أيها الصَّديقان ،إنني أض ُع َشرفي في أيديكما ...لكن ما قيمة َشرف الملكة أمام
مخاوف األُم؟».
كالمك من هذه ال ُغرفة أبدًا».
ِ قائال« :تكلَّمي يا ص ِ
احبة الجاللة .لن يَخرُج طمأنَها السير بالمان ً
ُ
سمعت أن السير م َّدت سرسي يدها عبر المائدة واعتص َرت يده قائلةً« :س ...سأنا ُم مطمئنَّة البال أكثر إذا
برون أصابَته ...أصابَته حادثة ...وهو يصطاد ربما».
ف َّكر السير بالمان لحظةً قبل أن يسأل« :حادثة مميتة؟».
مكان
ٍ ال ،أري ُد أن يكسر إصبع قدمه الصَّغير .عضَّت شفتها كاظمةً غيظها ،وقالت لنفسها :أعدائي في ك ِّل
وأصدقائي بُله .هم َست« :أتو َّس ُل إليك أيها الفارس ،ال تجعلني أقولها.»...
ُ
فهمت». قال السير بالمان رافعًا إصبعه« :
كانت حبَّة لِفت لتفهم أسرع منك« .أنت فارس حقيقي ،جواب ل ُدعاء أُ ٍّم خائفة» ،وقبَّلته سرسي متابعةً:
«عجِّل بفِعلها من فضلك .برون حوله رجال قالئل اآلن ،لكن إذا لم نتصرَّف فمؤ َّكد أنه سيجمع المزيد»،
وقبَّلت فاليس ،وقالت« :لن أنسى هذا أبدًا أيها الصَّديقان ،يا صديقاي المخلصان في (ستوكوورث) .نفخر
بإخالصنا.
لكما كلمتي ،سنجد للوليس زوجًا أفضل عند االنتهاء من هذا األمر» .من عائلة ِكتلبالك ربما« .نحن أوالد
النستر نُ َسدِّد ديوننا».
بالزبدة وال ُخبز السَّاخن وسمك الكراكي المغلَّف باألعشاب كانت البقيَّة المزيد من الهيپوكراس مع ال َّشمندر ُّ
وضلوع الخنازير الب ِّريَّة .باتَت سرسي مغرمةً للغاية بلحم الخنازير الب ِّريَّة منذ موت روبرت ،حتى إنها لم
راحت تتزلَّف إليها وأخ َذ بالمان يتفا َخر بال
تجد غضاضةً في صُحبتها الحاليَّة ،على الرغم من أن فاليس َ
صف اللَّيل قبل أن تُخَ لِّص نفسهاف من طبق ال َحساء إلى طبق الحلويات .كانت السَّاعة قد تجاوزَ ت منت َ توقُّ ٍ
ق آخَر ،فلم تجد الملكة أن من الحصافة اقترح تقديم إبري ٍ
َ منهما .أثبتَ السير بالمان أنه مولع بال َّشراب حين
رجال عديم الوجه يَقتُل برون مقابل ً أن تَرفُض ،وعندما رحال أخيرًا قالت لنفسها :كان يُمكنني أن أستأجر
نِصف ما أنفقته على الهيپوكراس.
نوم عميق ،لكن سرسي ألقَت نظرةً عليه قبل أن تذهب إلى فِراشها. في هذه السَّاعة كان تومن غائبًا في ٍ
أده َشها أن ترى ثالث هُريرات نائمةً بسكين ٍة إلى جواره ،فسألَت السير مرين الواقف خارج ُغرفة النَّوم
الملكيَّة« :من أين أتَت تلك القِطط؟».
يستطع أن يُ َحدِّد أيُّها تروقه أكثر».
ِ صغيرة أعطَتها له .كانت ستُعطيه واحدةً فقط لكنه لم« -الملكة ال َّ
ق بطن أ ِّمها وإخراجها منه على ما أعتق ُد .محا َوالت مارچري الرَّعناء للغواية مفضوحة أفضل من َش ِّ
لدرجة تبعث على الضَّحك .تومن صغير للغاية على القُبَل ً
فبدال منها تُعطيه القِطط .على أن سرسي تتمنَّى
لو لم يكن لونها أسود ،فالقِطط السَّوداء فأل سيِّئ ،كما اكتشفَت ابنة ريجار الصَّغيرة في هذه القلعة ذاتها.
لوال ُدعابة الملك المجنون القاسية مع أبي لكانت ابنتي .ال بُ َّد أن الجنون هو ما قا َد إيرس إلى رفض ابنة
اللورد تايوين وأخذ ابنه ً
بدال منها ،بينما ز َّوج ابنه هو بأمير ٍة دورنيَّة واهنة عيناها سوداوان وصدرها
مسطَّح.
ما زالَت ذكرى الرَّفض تعتمل في نفسها بَعد ك ِّل هذه السِّنين .ليالي كثيرةً تفرَّجت على األمير ريجار في
رجال أجمل؟ ً ضيَّة بأصابعه الطَّويلة األنيقة .هل عرفَ العالم القاعة يعزف على قيثارته ذات األوتار الف ِّ
صباها لكنه كان أكثر من مجرَّد رجل .دماؤه كانت دماء (ڤاليريا) القديمة ،دماء التَّنانين واآللهة .في ِ
وعدَها أبوها بأنها ستتز َّوج ريجار .آنذاك لم تكن قد تجاوزَت السَّادسة أو السَّابعة ،وبينما يبتسم تلك
ي َّإال سرسي قال لها« :ال تَذ ُكري األمر ألح ٍد أبدًا يا صغيرتي إلى أن االبتسامة الس ِّريَّة التي لم ي َرها بَشر ٌّ
ي الكتمان ،مع أنهاالخطبة .يجب أن يظ َّل هذا ِسرَّنا في الوقت الحالي» .وظَ َّل السِّرُّ طَ َّ يُوافِق جاللته على ِ
بإحكام حول صدره ،ول َّما
ٍ في م َّر ٍة رس َمت نفسها محلِّقةً وراء ريجار على متن تنِّ ٍ
ين وقد لفَّت ذراعيها
اكتشفَ چايمي الرَّسم قالت له إنهما الملكة أليسين والملك چهيرس.
كانت في العاشرة حين رأت األمير بشحمه ولحمه أخيرًا ،في دورة المباريات التي أقا َمها أبوها ترحيبًا
صبَت منصَّات المتفرِّ جين عند أسوار (النسپورت) ،وتر َّددت أصداء هتاف بالملك إيرس في الغرب .نُ ِ
العا َّمة على أسوار (كاسترلي روك) كقصف الرَّعد .د َّوى تهليلهم ألبي أعلى مرَّتين من تهليلهم للملك،
لكنهم هلَّلوا لألمير ريجار أعلى مما هلَّلوا ألبي مرَّتين.
حينئ ٍذ كان ريجار تارجاريَن في السَّابعة عشرة وحديث العهد بالفُروسيَّة ،وقد ارتدى ِدرعًا سوداء فوق
الذهبيَّة عندما خَ بَّ بحصانه إلى مضمار النِّزال ،ورفرفَت شرائط طويلة من قميص من الحلقات المعدنيَّة َّ ٍ
والذهبي والبُرتقالي من خوذته كألسنة اللَّهب .سقطَ اثنان من أعمامها أمام رُمحه ،عالوةً الحرير األحمر َّ
على دست ٍة من أفضل ُمنازلي أبيها ،زهور الغرب ،وفي اللَّيل اعتا َد األمير العزف على قيثارته الف ِّ
ضيَّة
لتنهمر دموعها .عندما قُ ِّد َمت إليه كادَت سرسي تغرق في أعماق عينيه األرجوانيَّتين الحزينتين ،وتَذ ُكر
ُر َح ،لكنني سأشفي جرحه حين نتز َّوج .مقارنةً بريجار بدا أخوها الجميل چايمي نفسه أنها ف َّكرت :لقد ج ِ
صبي ِغر ،وقالت لنفسها وقد أسك َرتها اإلثارة :سيُصبِح األمير زوجي ،وعندما يموت الملك العجوز ٍّ مجرَّد
چنا بينما تُ َس ِّوي
أفصحت لها ع َّمتها عن تلك الحقيقة قبل دورة المباريات ،وقالت لها الليدي ِ َ سأغدو الملكة.
طبتك إلى األمير ريجار».ِ فُستانها« :يجب أن تبدي في غاية ال َجمال ،فخالل المأدبة األخيرة ستُعلَن ِخ
الذهاب إلى خيمة ماجي الضِّ فدعة ،لكنها ط على َّ وإال لما كانت قد جرؤَ ت قَ ُّ كم كانت سرسي سعيدةً يومهاَّ ،
كنت سأصب ُح ملكةً ،ولِ َم تخاف الملكة ُ لم تفعلها َّإال لتُبَر ِهن لچاين وميالرا على أن اللَّبؤة ال تخشى شيئًا.
عجوز دميمة؟ ال تزال ذكرى النُّبوءة تجعل ِجلدها يقشعرُّ بَعد العُمر الذي انقضى .چاين فرَّت من ٍ من
ومكثت أنا .تركناها تتذ َّوق دمنا وضحكنا من نُبوءاتها السَّخيفة ُ الخيمة تَصرُخ خوفًا ،لكن ميالرا مكثَت
التي لم يكن أيُّها يُعقَل .كانت ستُصبِح زوجة األمير ريجار مهما قالت المرأة .لقد وعدَها أبوها ،وكلمة
تايوين النستر من ذهب.
بخطبتها إلى ً
احتفاال ِ ماتَت ضحكتها مع نهاية المباريات .ال أقي َمت مأدبة أخيرة وال ارتف َعت األنخاب
األمير ريجار .ال شيء َّإال الصَّمت البارد والنَّظرات الفاترة بين الملك وأبيها .الحقًا ،بَعدما رح َل إيرس
وابنه وجميع فُرسانه البواسل إلى (كينجز الندنج) ،ذهبَت الفتاة إلى ع َّمتها باكيةً ال تفهم ،فأخب َرتها الليدي
رفض أن يسمعه ،وقال له :أنت أكفأ خدمي يا تايوين ،لكن الرَّجل َ عرض ال ِّزيجة لكن إيرس
َ أبوك
چناِ « : ِ
أبوك
ِ ت أسدًا يبكي من قبل؟ سيجد دموعك هذه أيتها الصَّغيرة .هل رأي ِ ِ ِّ َ
ال يُز ِّوج وريثه بابنة خادمه .جففي
رجال أفضل من ريجار». ً ً
رجال آ َخر، لك
ِ
رجال أفضل ،بل أعطاني ً لكن ع َّمتها كذبَت وخذلَها أبوها ،تما ًما كما يخذلها چايمي اآلن .لم يجد أبي
روبرت ،وأين َعت لعنة ماجي كزهر ٍة سا َّمة .لو أنها تز َّوجت ريجار كما شا َءت اآللهة لما نظ َر مرَّتين إلى
ولكنت ملكته وأُ َّم أوالده.
ُ ال ِّذئبة الصَّغيرة .ولكان ملكنا اليوم
لم تغفر سرسي لروبرت قتله قَ ُّ
ط.
َّإال أن األُسود ال تُجيد المغفرة ،وهو ال َّدرس الذي سيتعلَّمه السير برون فارس (النَّهر األسود) قريبًا.
الجزء الثاني
بِريان
أص َّر السير هايل هَنت على أن يأخذوا معهم الرُّ ؤوس ،وقال« :تارلي سيُريدها ليُ َعلِّقها على األسوار».
علَّقت بِريان التي ال تُريد أن تجتاز ظُلمة غابة الصَّنوبر الخضراء ومعها رؤوس الرِّ جال الذين قتلَتهم:
«ليس معنا قطران .اللَّحم سيتعفَّن .اترُكها».
ط الرُّ ؤوس الثَّالثة معًا من َشعرها وعلَّقها من
رفض اإلصغاء ،و َج َّز أعناق الموتى بنفسه ورب َ َ لكن هَنت
َسرجه ،فلم تجد بِريان بُ ًّدا من محاولَة التَّظاهر بأنها غير موجودة ،وإن كانت أحيانًا -ال سيَّما ً
ليال -تَشعُر
بأعيُنها الميتة تُ َحدِّق إلى ظَهرها ،وفي م َّر ٍة حل َمت بأنها تسمع بعضها يهمس لبعض.
مطر السَّماء وفي كانت األجواء باردةً مبتلَّةً في (الرَّأس المتصدِّع) إذ عادوا أدراجهم .في بعض األيام تُ ِ
ط ،وحتى عندما يُ َخيِّمون يستعصي عليهم العثور على حط ٍ
ب بعضها تتو َّعد بالمطر ،ولم يَشعُروا بالدِّفء قَ ُّ
جاف إلشعال النَّار.
ُصاحبهم ،وقد أك َل ُغراب عينَي شاجويل و َع َّج
ِ لدى بلوغهم ب َّوابة (بِركة العذارى) كان سرب من ال ُّذباب ي
رأسا پيج وتيميون باليرقات .قبلها بفتر ٍة طويلة تع َّودت بِريان وپودريك الرُّ كوب متقدِّميْن بمئة ياردة لتظ َّل
رائحة العفَن وراءهما ،أ َّما السير هايل فزع َم أنه فق َد حاسَّة ال َّش ِّم تما ًما .كلَّما خيَّموا ً
ليال سألَته بِريان أن
ُحرق الرُّ ؤوس ،لكن هَنت شديد العناد حقًّا .على األرجح سيقول اللورد راندل إنه قت َل ثالثتهم بنفسه. ي ِ
َّإال أن الفارس تحلَّى بال َّشرف ولم يفعل شيئًا من هذا القبيل.
« -ال ُمرافق المتلعثم ألقى صخرةً» ،قال هَنت عندما مث َل مع بِريان أمام تارلي في ساحة قلعة موتون ،بَعد
أن قُ ِّد َمت الرُّ ؤوس إلى رقيب ال ُحرَّاس الذي أُ ِم َر بتنظيفها وغمسها في القطران وتعليقها فوق الب َّوابة.
بارزة قا َمت بالباقي».«ال ُم ِ
ال َح ال َّش ُّك على اللورد راندل إذ سألَه« :الثَّالثة؟».
« -بالطَّريقة التي قاتلَت بها كان بإمكانها أن تَقتُل ثالثةً آخَرين».
ت ابنة ستارك؟». سألَها تارلي« :وهل وجد ِ
« -ال يا سيِّدي».
ت بهذا؟».
ت بضعة فئران .هل استمتع ِ ً «-
وبدال من ذلك قتل ِ
« -ال يا سيِّدي».
ت إثباته .حان الوقت ألن تخلعي هذه الحلقات ِّ
وأثبت ما أرد ِ ت مذاق ال َّدم
« -مؤسف .حسن ،ها قد جرَّب ِ
سأضعك
ِ المعدنيَّة وترتدي ثيابًا الئقةً .ث َّمة سُفن في الميناء ،ومؤ َّكد أن إحداها ستتوقَّف في (تارث).
عليها».
« -أشكرك يا سيِّدي ،لكن ال».
نَ َّم وجه اللورد تارلي عن أنه ال يرغب في شي ٍء أكثر من أن يغرس خازوقًا في رأسها ويُ َعلِّقه فوق ب َّوابة
(بِركة العذارى) إلى جوار تيميون وپيج وشاجويل ،وبغلظ ٍة سألَها« :أتنوين االستمرار في هذه الحماقة؟».
« -أنوي العثور على الليدي سانزا».
قال السير هايل« :بَعد إذن سيِّدي ،لقد شاهدتها تُقاتِل الممثِّلين .إنها أقوى من معظم الرِّ جال ،وسريعة.»...
قاط َعه تارلي بح َّدة« :سيفها هو السَّريع .هذه طبيعة الفوالذ الڤاليري .أقوى من معظم الرِّ جال؟ أجل ،إنها
مسخُ ،محال أن أنكر هذا».
ُ
فعلت« .سيِّدي ،ربما يعرف ساندور كليجاين شيئًا عن الفتاة .إذا ف َّكرت بِريان :لن يحبُّني أمثاله أبدًا مهما
وجدته.»...
« -كليجاين أصب َح مجر ًما .إنه يركب مع جماعة بريك دونداريون اآلن على ما يبدو ،وربما ال ،الحكايات
ت منسرور سأبق ُر بطنيهما وأخر ُج أمعاءهما وأحرقها .لقد شنقنا عشرا ٍ
ٍ متعدِّدة .أريني أين مخبأهما وبك ِّل
ُضلِّلوننا؛ كليجاين ودونداريون والرَّاهب األحمر ،واآلن تلكالخارجين عن القانون ،لكن القادة ما زالوا ي َ
المرأة قلب الحجر ...كيف تعتزمين العثور عليهم بينما ال أستطي ُع أنا؟».
قالت عاجزةً عن إعطائه إجابةً جيِّدةً« :سيِّدي ،إنني ...ليس في وسعي َّإال أن أحاول».
ت محظوظةً سأعطيك إياه مع ذلك .إذا كن ِ
ِ ت محتاجةً إلى إذني ،لكني
وثيقتك ولس ِ
ِ معك
ِ حاولي إذن .إن ِ «-
ُكك كليجاين حيَّةً بَعد أن يَفرُغ
عنائك أكثر من أوجاع الرُّ كوب ،وإن لم يكن فربما يَتر ِ ِ ُصيبك لقاء
ِ فلن ي
ب ما».
بطنك نغل كل ٍ
ِ ُمكنك أن تعودي إلى (تارث) وفي ِ اغتصابك ،وعندئ ٍذ ي
ِ وقطيعه من
ً
رجال مع كلب الصَّيد؟». تجاهلَت بِريان َر َّده قائلةً« :بَعد إذن سيِّدي ،كم
« -ستَّة أو س ُّتون أو ستُّمئة .اإلجابة مرهونة ب َمن تسألين».
كان جليًّا أن راندل تارلي اكتفى من هذه المحادَثة إذ بدأ يلتفت مبتعدًا ،لكن بِريان قالت« :أستأ ِذنك
و ُمرافقي في كرم ضيافتك حتى.»...
بوجودك تحت سقفي».ِ ت ،لكني لن أسمح لك أن تستأ ِذني كما شئ ِ
ِ «-
قائال« :بَعد إذن سيِّدي ،معلومي أن هذا ال يزال سقف اللورد موتون». تق َّدم السير هايل هَنت ً
حد َج تارلي الفارس بنظر ٍة سا َّمة مجيبًا« :موتون يملك َشجاعة ال ُّدود .لن تُ َكلِّمني عن موتون .وبالنِّسبة
ق عليه .بعض الرِّ جال يُرزَ ق أباك رجل صالح ،وإذا كان هذا صحيحًا فإنني أشف ُ إلي ِك يا سيِّدتي فيُقال إن ِ
ثلك .عيشي أو موتي يا ليدي بِريان ،لكن ت ،لكن ال أحد يستح ُّ
ق أن تح َّل به لعنة ِم ِ أبنا ًء وبعضهم يُر َزق بنا ٍ
ال تعودي إلى (بِركة العذارى) وهي تحت حُكمي».
فيك ،وحاولَت أن تقول له« :كما يجرحك ،ال تدعيه يُؤَ ثِّر ِ
ِ قالت بِريان لنفسها :الكالم هواء ،ال يُمكنه أن
فخرجت هي من السَّاحة شاعرةً كأنها َ تأمر يا سيِّدي» ،لكن تارلي رح َل قبل أن تَخرُج منها الكلمات،
نائمة ،ال تدري أين تذهب.
ق بها السير هايل ً
قائال« :هناك خانات». لح َ
ه َّزت رأسها دون َرد ،فليست راغبةً في الكالم مع هايل هَنت.
« -هل تَذ ُكرين (اإلوزة النَّتنة)؟».
ما زالَت رائحة المكان عالقةً بمعطفها« .لماذا؟».
صف النَّهار .آلن ابن ع ِّمي كان م َّمن أُ ِ
رسلوا للعثور على كلب الصَّيد .سأتكلَّ ُم « -قابِليني هناك غدًا في منت َ
معه».
« -ولِ َم تفعل شيئًا كهذا؟».
ت في ما فش َل فيه آلن سأستطي ُع التَّن ُّدر عليه أعوا ًما».
« -ولِ َم ال؟ إذا نجح ِ
ب أو
ق خالل نه ٍ لم يكن السير هايل مخطئًا ،فما زالَت في (بِركة العذارى) خاناتَّ ،إال أن بعضها احتر َ
آخره بجُنود جيش اللورد تارلي .بَعد الظَّهيرة زا َرتها وپودريك آ َخر ولم يُبنَ ثانيةً بع ُد ،والمتبقِّي مكتظٌّ عن ِ
جميعًا ،ولم يجدا في أيٍّ منها أس َّرةً شاغرةً.
قال پودريك بينما تنخفض ال َّشمس في الغرب« :أيتها الفارس ،سيِّدتي ،هناك سُفن .السُّفن فيها أسرَّة ،شباك
نوم أو أسرَّة بدوريْن».
لم يزل رجال اللورد راندل يذرعون أرصفة الميناء بكثافة ال ُّذباب الذي غطَّى رؤوس الممثِّلين ال َّسفَّاحين
الثَّالثة ،لكن رقيبهم تعرَّف بِريان بمجرَّد النَّظر وتر َكها تمرُّ .
صيَّادون المحليُّون يربطون قواربهم مع دن ِّو اللَّيل ويُنادون على ما اصطادوه نهارًا ،لكن ما يه ُّمها كان ال َّ
هو السُّفن الكبيرة التي تَم ُخر مياه (البحر الضيِّق) العاصفة.
ُبحر في تيَّار المساء،وجدَت نِصف دست ٍة منها راسيةً ،وإن رأت قاليونًا اسمه (ابنة المارد) يُلقي حباله لي ِ
وطافَت مع پودريك بالسُّفن المتبقِّية ،فحسبَها ُربَّان (بنت بلدة النَّوارس) عاهرةً وقال لهما إن سفينته ليست
وعرض عليها صياد إيبنيزي من سفينة صيد حيتان أن يشتري صبيَّها ،لكنهما صادَفا حظًّا َ بيت دعارة،
أفضل في غيرهما من السُّفن .ابتاعَت لپودريك بُرتقالةً على متن (ج َّوال البحر) ،وهو كوج وص َل للتَّ ِّو من
(البلدة القديمة) عن طريق (تايروش) و(پنتوس) و(وادي الغسق) ،وقال لها ُربَّانه(« :بلدة النَّوارس)
وجهتنا التَّالية ،ومن هناك ندور حول (األصابع) إلى (بلدة األخوات) و(الميناء األبيض) ،إذا تر َكت لنا
العواصف الفُرصة( .الج َّوال) سفينة نظيفة ،ليست عليها جرذان كثيرة كأغلب السُّفن ،وعندنا بيض طازج
ً
شماال؟». الذهابو ُزبدة ممخوضة حديثًا .هل ترغب سيِّدتي في َّ
« -ال» .ليس بع ُد .الفكرة مغرية ،ولكن...
في طريقهما إلى الرَّصيف التَّالي قال پودريك مجرجرًا قدميه« :أيتها الفارس ،سيِّدتي ،ماذا لو عادَت
سيِّدتي إلى وطنها؟ أعني سيِّدتي األخرى أيتها الفارس ،الليدي سانزا».
« -لقد أح َرقوا وطنها».
« -ولو ،إن آلهتها هناك ،واآللهة ال تموت».
كذب بشأن كلب الصَّيد. َ أظن أنه اآللهة ال تموت لكن الفتيات يَ ُمتن« .تيميون كان ً
قاتال متو ِّح ًشا ،لكني ال ُّ
شماال إلى أن نتأ َّكد .ستكون هناك سُفن أخرى». ً ال يُمكننا أن نذهب
س تجاري حطَّمته عاصفة اسمه (سيِّدة مير). في أقصى شرق الميناء وجدا مأ ًوى لهما اللَّيلة على متن قاد ٍ
مائال على نح ٍو سيِّئ وقد فق َد صاريته ونِصف طاقمه في العاصفة ،لكن ُربَّانه ال يملك المال الكافي كان ً
إلصالحه ،فسرَّه أن يأخذ القليل من البنسات من بِريان ويسمح لها وپود بأن يتقا َسما قمرةً خاليةً.
صرير
ٍ ت استيقظَت بِريان ،األولى عندما بدأ المطر يَسقُط ،والثَّالثة مع لم تكن ليلتهما مريحةً .ثالث مرَّا ٍ
جعلها تحسب أن ديك الرَّشيق يتسلَّل زاحفًا ليَقتُلها .في المرَّة الثَّانية استيقظَت وس ِّكينها في يدها ،لكن شيئًا
لم يكن هنالك ،وفي ظالم القمرة الصَّغيرة الضيِّقة استغرقَت لحظةً لتتذ َّكر أن ديك الرَّشيق ماتَ ،وفي
النِّهاية ل َّما غابَت في النَّوم مج َّددًا حل َمت بالرِّ جال الذين قتلَتهم .كانوا يَرقُصون حولها ،يسخرون منها
هوت عليهم بسيفها .م َّزقتهم إربًا داميةً ،لكنهم ظلُّوا يدورون حولها كالبعوض... ُحاولون قرصها بينما َ
وي ِ
حمل
َ شاجويل وتيميون وپيج ،نعم ،ولكن راندل تارلي أيضًا ،وڤارجو هوت ورونيت كوننجتون األحمر.
رونيت وردةً بأصابعه ،وحين ق َّدمها لها بت َرت يده.
ق سطح السَّفينة فوق ضت باقي اللَّيل منكمشةً تحت معطفها تُصغي إلى المطر يد ُّ ص َحت تتصبَّب عَرقًا ،وق َ
حين إلى آ َخر سم َعت هزيم رع ٍد بعيد جعلَها تُفَ ِّكر في السَّفينة البراڤوسيَّةرأسها دقًّا .كانت ليلةً ليالء ،ومن ٍ
التي أقل َعت مسا ًء.
ظت مالكة الحانة القذرة ونقدَتها ثَمن القليل من السُّجق في اليوم التَّالي عادَت إلى (اإلوزة النَّتنة) وأيق َ
وال ُخبز المح َّمر ونِصف كوب نبيذ وإبريق من الماء المغلي وكوبين نظيفين .زرَّت المرأة عينيها رامقةً
ت الفتاة الكبيرة التي ذهبَت مع ديك الرَّشيق .هل بِريان بينما وض َعت الماء على النَّار ،وقالت« :أن ِ
َك؟».خدع ِ
« -ال».
« -اغتصبَ ِك؟».
« -ال».
حصانك؟».
ِ ق
« -سر َ
« -ال .لقد قتلَه خارجون عن القانون».
رت أن ديك ال َح على المرأة الفضول أكثر من الضِّيق وهي تقول« :خارجون عن القانون؟ لطالما تص َّو ُ
الجدار)».سيُشنَق أو يُر َسل إلى ( ِ
أكال ال ُخبز المح َّمر ونِصف السُّجق ،وازدر َد پودريك پاين طعامه بالماء المن َّكه بالنَّبيذ ،في حين رشفَت
بِريان ببُط ٍء من النَّبيذ المخفَّف بالماء وتساءلَت عن سبب مجيئها هنا .هايل هَنت ليس فارسًا حقيقيًّا،
ولست محتاجةً ُ لست محتاجةً إلى عونه وال إلى حمايته، ُ ووجهه الصَّريح مجرَّد قناع ممثِّلين .قالت لنفسها:
إليه .إنه لن يأتي على األرجح .قال لي أن أقابله هنا كمزح ٍة أخرى ال أكثر.
قائال« :سيِّدتي ،پودريك» ،وتطلَّع إلى الكوبين واألطباق وصل السير هايل ً َ كانت ناهضةً لتُغا ِدر عندما
ق اآللهة ،آم ُل أنكما لم تأكال شيئًا هنا!».
بح ِّوبقيَّة السُّجق التي تَبرُد في بِرك ٍة من ال ُّدهن ،وقالَ « :
ر َّدت بِريان« :ما أكلناه ال يخصُّ ك .هل وجدت ابن ع ِّمك؟ بِ َم أخب َرك؟».
ركب غربًا بمحاذاة (الثَّالوث)».
َ المالحات) يوم الغارة ،وبَعدها آخر م َّر ٍة في ( َّ
« -ساندور كليجاين ُشو ِه َد ِ
قالت مقطِّبةً جبينها(« :الثَّالوث) نهر طويل».
أظن أن كلبنا ابتع َد كثيرًا عن مصبِّه .يبدو أن (وستروس) فقدَت ِسحرها في ناظريْه، « -أجل ،لكني ال ُّ
وأزاح
َ وسحب السير هايل لفافةً من ِجلد الخراف من حذائه،
َ ألنه كان يبحث عن سفين ٍة في ( َّ
المالحات)»،
السُّجق جانبًا وبسطَها ،فاتَّضح أنها خارطة« .كلب الصَّيد فتكَ بثالث ٍة من رجال أخيه في الخان القديم عند
المالحات) ،هنا» ،ونق َر على ( َّ
المالحات) بإصبعه متابعًا« :ربما مفت َرق ُّ
الطرق ،هنا ،ثم قا َد الغارة على ( َّ
يكون عالقًا .آل فراي هنا في (التَّوأمتين) ،و(داري) و(هارنهال) في الجنوب على ضفَّة (الثَّالوث)
األخرى ،وفي الغرب هناك قتال دائر بين آل بالكوود وآل براكن ،واللورد راندل هنا في (بِركة
العذارى) ،و(الطَّريق العالي) الذي يقود إلى (الوادي) مسدود بالثُّلوج ،حتى إذا استطا َع تجا ُوز قبائل
الجبال .أين يذهب الكلب إذن؟».
« -إذا كان مع دونداريون...؟».
« -ليس معه ،آلن واثق بهذا .رجال دونداريون يبحثون عنه أيضًا ،وأذاعوا أنهم ينوون شنقه لما ارتكبَه
في ( َّ
المالحات) .لم يكن لهم دور في ذلك ،لكن اللورد راندل يُشيع العكس على أمل أن ينقلب العوام على
بريك وأخ َّوته .إنه لن يقبض على سيِّد البرق أبدًا ما دا َم األهالي يحمونه .ثم إن هناك تلك الجماعة األخرى
التي تقودها المرأة قلب الحجر ...عشيقة اللورد بريك وفقًا إلحدى الحكايات .يُقال إن آل فراي شنقوها،
أصبحت ِمثله ال تموت».
َ لكن دونداريون قبَّلها وأعادَها إلى الحياة ،واآلن
آخر م َّر ٍة في ( َّ
المالحات) فهذا هو المكان الذي تفحَّصت بِريان الخارطة ،وقالت« :إذا ُشو ِه َد كليجاين ِ
سنجد فيه أثره».
المالحات) َّإال فارس عجوز مختبئ في قلعته ،هذا ما قالَه آلن». ق أحد في ( َّ « -لم يتب َّ
« -ولو ،إنه مكان نبدأ منه على األقل».
ظهورك بيوم ،اسمه ميريبولدُ ،ولِ َد في أراضي
ِ قال السير هايل« :هناك رجلِ ،سپتون دخ َل من ب َّوابتي قبل
النَّهر ونشأ َ فيها ،وخد َم هنا طيلة حياته .سيرحل غدًا ليبدأ دورته ،ودائ ًما يزور ( َّ
المالحات) .يُمكننا أن
نذهب معه».
رف َعت بِريان عينيها بح َّد ٍة مردِّدةً« :نذهب؟».
« -أنا ذاهب معكم».
« -ال ،لن تذهب».
ت وپودريك تستطيعان َّ
الذهاب حيثما « -طيِّب ،أنا ذاهب مع السِّپتون ميريبولد إلى ( َّ
المالحات) .أن ِ
تُريدان».
« -هل أم َرك اللورد تارلي بأن تتبعني ثانيةً؟».
سينفعك».
ِ عنك .اللورد راندل يرى أن شيئًا من االغتصاب العنيف
ِ « -بل أم َرني باالبتعاد
« -لماذا تُريد أن تأتي معي إذن؟».
« -إ َّما هذا وإ َّما العودة إلى واجب الب َّوابة».
« -إذا أم َرك سيِّدك.»...
« -إنه لم يَعُد سيِّدي».
أده َشها هذا ،فسألَته« :تركت خدمته؟».
« -حضرة اللورد أبلغَني بأنه لم يَعُد محتاجًا إلى سيفي أو إلى وقاحتي ،ال فرق .من اآلن فصاعدًا
كنت أتص َّو ُر أننا سننال مكافأةً سخيَّةً إذا عثرنا على سانزا
س متج ِّول ...وإن ُ
سأستمت ُع بحياة المغا َمرة كفار ٍ
ستارك».
ُ
حلفت يمينًا». الذهب واألراضي ،هذا كلُّ ما يرى في األمر« .إنني أنوي إنقاذ الفتاة ال بيعها .لقد َّ
ُ
حلفت». « -وأنا ال أذك ُر أني
« -ولذا لن تأتي معي».
شرق ال َّشمس غادَروا.
في الصَّباح التَّالي بينما تُ ِ
كان موكبًا غريبًا؛ السير هايل على جوا ٍد كستنائي ،وبِريان على فَرسها الرَّماديَّة الطَّويلة ،وپودريك پاين
على حصانه األرقط التَّعس ،وإلى جوارهم يمشي السِّپتون ميريبولد متَّكئًا على نبُّوت ويقود حمارًا صغي ًرا
وكلبًا كبيرًا .على ظَهر الحمار حمولة شديدة الثِّقل لدرجة أن بِريان خشيَت أن ينكسر ،وكان السِّپتون
ميريبولد قد قال لهم عند ب َّوابة (بِركة العذارى)« :طعام للفقراء والجائعين في أراضي النَّهر؛ بذور
ومكسَّرات وفواكه مجفَّفة وثريد شوفان وطحين و ُخبز شعير وثالثة قوالب من الجُبنة الصَّفراء من الخان
عند (ب َّوابة المهرِّجين) ،و َسمك قَد مملَّح لي ،وضأن مملَّح لكلب ...أوه ،وملح ،وبصل وجزر ولِفت
أعترف بأنني ضعيف ُ وجواالن من الفاصوليا وأربعة أجولة من ال َّشعير وتسعة أجولة من البُرتقال.
آخر ما سأذوقه منه حتى الرَّبيع». َّار وأخشى أنه ِ ُ
حصلت عليه من بح ٍ اإلرادة أمام البُرتقال .لقد
ميريبولد ِسپتون بال ِسپت ،يعلو درجةً واحدةً فقط على اإلخوة ال َّش َّحاذين في تدرُّ ج العقيدة الهرمي .هناك
مئات ِمثله ،رجال بائسون واجبهم المتواضع أن يمشوا من قري ٍة ضئيلة إلى أخرى ليُ َؤ ُّدوا المراسم المق َّدسة
ُطعموه ويُؤووه ،لكن أكثرهم الزفاف ويغفروا الخطايا .معظم َمن يزورهم يُنتظَر منهم أن ي ِ ويُقيموا طقوس ِّ
طويال دون أن يُثقِل على ُمضيفيه .أحيانًا يسمح له ً مكان واح ٍد
ٍ فقراء ِمثله ،ولذا ال يبقى ميريبولد في
أصحاب الخانات الطَّيِّبون بالمبيت في مطابخهم أو اسطبالتهم ،وث َّمة ِسپتري هنا أو معقل هناك بل وبضع
قالع أيضًا يعلم أنه سيُالقي ترحيبًا فيها ،وحين ال يكون هناك مكان من هذه في الجوار ينام تحت شجر ٍة ٍ
سياج من ال ُّشجيرات« .في أراضي النَّهر سوج ُشجيرات ممتازة كثيرة .أفضلها األقدم .ال شيء يفوق ٍ أو
ت ُعمره مئة عام .داخلها يستطيع المرء أن ينام ِملء جفنيه كأنه في خان ،وال يخشى سياج ُشجيرا ٍ
البراغيث كثيرًا».
بمرح على الطَّريق ،لكنه يعرف مئةً من األدعية ٍ ال يقرأ السِّپتون أو يَكتُب ،وهو ما اعترفَ لهم به
الذاكرة ،وهذا كلُّ المطلوب في القُرى .للرَّجل ويستطيع أن يتلو مقاطع طويلةً من (النَّجمة السُّباعيَّة) من َّ
ضن ل َّوحته الرِّيح و َشعر شائب كثيف وتجاعيد عند رُكنَي عينيه ،وعلى الرغم من حجمه الكبير وجه متغ ِّ
وطوله الذي يُنا ِهز األقدام الستَّة فإنه يحني ظَهره إلى األمام بينما يمشي بطريق ٍة تجعله أقصر قامةً بكثير.
يداه كبيرتان متينتان ،ومفاصل أصابعه حمراء وتحت أظفاره وسخ ،كما أن له أكبر قدمين رأتهما بِريان
على اإلطالق ،حافيتان وسوداوان وقاسيتان كقرون الغزالن.
قال الرَّجل لبِريان« :لم أنتعل حذا ًء منذ عشرين عا ًما .في العام األول كانت في قد َمي قروح أكثر من
وطأت حجرًا صُلبًا ،لكنني صلَّ ُ
يت وق َّوى (اإلسكاف في ُ األصابع ،وكان باطنهما ينزف كالخنازير كلَّما
األعالي) ِجلدي ومتَّنه».
قال پودريك محت ًّجا« :ليس هناك إسكاف في األعالي».
باسم آخَر ربما .أخبِرنيَ ،من أكثر َمن تحبُّ ِمن اآللهة
ٍ « -بل هناك أيها الصَّبي ...وإن كنت تدعوه
السَّبعة؟».
أجاب پودريك بال لحظة تر ُّدد(« :ال ُمحارب)».
َ
تنحنحت بِريان ،وقالت« :في (بهو المساء) كان ِسپتون أبي يقول دو ًما إن هناك إلهًا واحدًا».
َ
ق في اإلشارة إليه ،لكن طلسم السَّبعة الذين هُم الح ُّ
ولك َ
« -إله واحد بسبعة وجوه .هذا صحيح يا سيِّدتي ِ
واحد ليس سهل اإلدراك عند البُسطاء ،وأنا رجل شديد البساطة ،ولذا أتكلَّ ُم عن آله ٍة سبعة» ،وعا َد
ط صبيًّا ال يحبُّ (ال ُمحارب) ،لكنني عجوز ،وألنني قائال« :لم أعرف قَ ُّميريبولد يلتفت إلى پودريك ً
عجوز أحبٌّ (الح َّداد) ،فدون عمله َع َّم سيُدافِع (ال ُمحارب)؟ في ك ِّل بلد ٍة وك ِّل قلع ٍة ح َّداد ،وهؤالء الح َّدادون
يصنعون المحاريث التي نحتاج إليها لزراعة محاصيلنا ،والمسامير التي نستخدمها لبناء سُفننا ،والحدوات
الالمعة .ال أحد يُ َش ِّكك في قيمة الح َّداد ،ولذا نُ َس ِّمي أحد لحفظ حوافر خيولنا المخلصة ،وسيوف سادتنا َّ
صيَّاد أو النَّجَّار أو
آلهتنا السَّبعة هكذا تكري ًما له ،لكن كان يُمكن بالسُّهولة نفسها أن نُ َس ِّميه ال ُمزارع أو ال َّ
اإلسكاف .ما يعمل عليه ال يه ُّم ،المه ُّم أنه يعمل( .األب) يَح ُكم و(ال ُمحارب) يُقاتِل و(الح َّداد) يَح ُكم ،ومعًا
يفعلون ك َّل ما هو في صالح اإلنسانِ .مثلما (الح َّداد) وجه واحد لأللوهيَّة ف(اإلسكاف) وجه واحد
ل(الح َّداد) ،وهو من سم َع صلواتي وشفى قد َمي».
زعجها بينما كان بإمكانك االحتفاظ بحذائك بالبساطة قال السير هايل بجفاف« :اآللهة كريمة ،ولكن لِ َم تُ ِ
نفسها؟».
« -المشي حافي القدمين كفَّارتي .حتى السِّپتونات األتقياء يُمكن أن يكونوا ُخطاةً ،وجسدي كان ضعيفًا أيما
س إذا كان ال َّرجل الوحيد كنت شابًّا ِغ ًّرا ،والفتيات ...من الممكن أن يبدو ِسپتون ما ً
نبيال كفار ٍ ُ ضعف.
كنت أتلو عليهن من (النَّجمة السُّباعيَّة) ،وأثمر
ُ ميل واحد عن قريتها. وارتحل أكثر من ٍ
َ الذي تعرفه الفتاة
َّ
رجال ش ِّريرًا قبل أن أتخلص من حذائي .يُخزيني أن أف ِّكر في ً ( ِسفر العذراء) أفضل النَّتائج .أوه ،كم ُ
كنت
ك ِّل العذراوات الالئي دنَّستهن».
اعتدلَت بِريان فوق َسرجها بتو ُّت ٍر مف ِّكرةً في المعس َكر أسفل أسوار (هايجاردن) ورهان السير هايل
ُضاجعها ً
أوال. ِ واآلخَرين لرؤية َمن يستطيع أن ي
قال پودريك پاين« :إننا نبحث عن فتاة ،فتاة رفيعة النَّسب في الثَّالثة عشرة لها َشعر كستنائي».
ُ
اعتقدت أنكم تبحثون عن بعض الخارجين عن القانون».«-
« -هُم أيضًا».
قال السِّپتون ميريبولد« :معظم ال ُمسافرين يفعلون ما في وسعهم لتحاشي أمثال هؤالء ،ومع ذلك تبحثان
أنتما عنهم».
قالت بِريان« :نبحث عن واح ٍد فقط ،كلب الصَّيد».
ذوك يا بنيَّتي .يُقال إنه يَترُك وراءه أثرًا من األطفال
أخبرني السير هايل .عسي (السَّبعة) أن يُنقِ ِ
َ « -هكذا
المالحات) المسعور .ما الذي يُريده أناس وسمعت من يدعوه بكلب ( َّ ُ المذبوحين والعذراوات المدنَّسات،
رجل كهذا؟».
ٍ صالحون من
« -الفتاة التي ذك َرها پودريك قد تكون معه».
« -حقًّا؟ إذن يجب أن نُ َ
صلِّي من أجل المسكينة».
قالت بِريان في قرارتها :ومن أجلي ،صالة من أجلي أيضًاَ .سل (العجوز) أن ترفع مصباحها وتقودني
يبث الق َّوة في ذراعي كي أدافع عنها .على أن الكالم لم يَخرُج من إلى الليدي سانزا ،و َسل (ال ُمحارب) أن َّ
شفتها ،فليست تُريد هايل هَنت أن يسمعه ويسخر من ضعفها األنثوي.
ظهر حماره كان تق ُّدمهم بطيئًا طيلة هذا اليوم. مع سير السِّپتون ميريبولد على قدميه والحمولة الثَّقيلة على َ
ق أن سل َكته بِريان مع السير چايمي عندما أتيا من لم يأخذوا الطَّريق الرَّئيس غربًا ،الطَّريق الذي سب َ
وبدال من ذلك اتَّجهوا إلى ال َّشمال الغربي
ً االتِّجاه اآل َخر ليجدا (بِركة العذارى) منهوبةً مألى بالجُثث،
ب معوج صغير لدرجة أنه ال يظهر على أيٍّ من خريطتَي ِجلد متَّبعين ساحل (خليج السَّراطين) على در ٍ
الخراف الثَّمينتين اللتين يحملهما السير هايل .على هذا الجانب من (بِركة العذارى) ليس هناك وجود لتالل
(الرَّأس المتصدِّع) شديدة التَّح ُّدر أو مستنقعاته السَّوداء أو غاباته الصَّنوبريَّة ،أ َّما األراضي التي يرتحلون
فيها فواطئة بليلة ،براري من ال ُكثبان الرَّمليَّة والمستنقعات المالحة تحت سما ٍء رحبة يمتزج فيها الرَّمادي
الظهور بَعد ميل ،وتعلمُعاود ُّباألزرق .أحيانًا يختفي الطَّريق وسط أعواد البوص والبِرك الم ِّديَّة ،فقط لي ِ
بِريان أن لوال ميريبولد لضلُّوا الطَّريق ال محالة .األرض تحتهم طريَّة في مواضع كثيرة ،ولذا يسبقهم
أشجار
ٍ ق بنبُّوته ليتأ َّكد من صالبة موطئ أقدامهم ،ويمضون دون رؤية أ ِّ
ي بقاع بعينها ويد ُّ
ٍ السِّپتون في
لفراسخ وفراسخ ،وما من شي ٍء حولهم َّإال البحر والسَّماء والرِّمال.
خطر
َ وشالالتها ومروجها العالية ووديانها الظَّليلة ،وإن َّ شتَّان ما بين هذه األرض و(تارث) بجبالها
لبِريان أن لهذا المكان َجماله الخاص رغم ذلك .مرُّ وا بدست ٍة من النُّهيرات بطيئة التَّيَّار التي تزخر
بالضَّفادع وصراصير الحقل ،وشاهَدوا طيور خطَّاف البحر تُ َحلِّق عاليًا فوق الخليج ،وسمعوا طيور ز َّمار
الرَّمل تصدح من بين ال ُكثبان ،وفي م َّر ٍة صادَفوا ثعلبًا جع َل كلب ميريبولد ينبح بضراوة.
ت من الطَّمي والقَش ،في حين يصطاد آخَرون من وهناك أناس أيضًا ،بعضهم يَقطُن وسط البوص في بيو ٍ
الجلد ويبنون بيوتهم على ركائز خشبيَّة متقلقِلة فوق ال ُكثبان ،ويبدو أن الخليج في زوارق صغيرة من ِ
صف أغلبهم يعيش وحده معتكفًا عن سائر النَّاس .يبدون في الغالب قو ًما خجولين منطوين ،لكن قُرب منت َ
وخرجت ثالث نسوة من بين أعواد البوص وأعطين ميريبولد سلَّةً مجدولةً َ النَّهار بدأ الكلب ينبح ثانيةً،
كال منهن بُرتقالةً في المقابل ،مع أن أُم ال ُخلول منتشرة كالطَّمي في هذه األنحاء مألى بأُم ال ُخلول ،فأعطى ًّ
والبُرتقال نادر نفيس .إحدى النِّسوة عجوز للغاية والثَّانية حُبلى منتفخة البطن والثَّالثة فتاة ناضرة جميلة
كزهر ٍة في الرَّبيع ،ول َّما انتحى بهن ميريبولد جانبًا ليسمع خطاياهن قهقهَ السير هايل ،وقال« :يبدو أن
اآللهة معنا ...على األقل (العذراء) و(األُم) و(العجوز)» ،فال َحت على پودريك دهشة بالغة حدَت ببِريان
إلى أن تشرح له أنهن مجرَّد ثالث نساء من أهل المستنقعات.
يوم من الرُّ كوب الحقًا حين استأنَفوا رحلتهم التفتَت إلى السِّپتون قائلةً« :هؤالء النَّاس ال يَبعُدون أكثر من ٍ
عن (بِركة العذارى) ،لكن القتال لم يمسَّهم».
الجلديَّة ،وأفضل « -ألنهم يملكون القليل مما يُ َمسُّ يا سيِّدتي .كنوزهم األصداف والحجارة وال َّزوارق ِ
أسلحتهم سكاكين من الحديد الصَّدئ .يُولَدون ويعيشون ويحبُّون ويموتون .إنهم يعلمون أن اللورد موتون
يَح ُكم أراضيهم ،لكن قالئل منهم رأوه ،و(ريڤر َرن) و(كينجز الندنج) وغيرهما مجرَّد أسماء بالنِّسبة
إليهم».
قالت بِريان« :ومع ذلك يعرفون اآللهة .هذا عملك في رأيي .منذ متى تجول في أراضي النَّهر؟».
ق كلبه نباحًا عاليًا« .من (بِركة العذارى) إلى أجاب السِّپتون ،وأطل َ
َ « -قريبًا سيت ُّم تجوالي أربعين عا ًما»،
ُ
أعرف كنت ال أ َّدعي أننيُ عام وكثيرًا ما تطول عن هذا ،وإن (بِركة العذارى) تستغرق جولتي نِصف ٍ
أعرف بلدات األسواق والمعاقل، ُ (الثَّالوث) .إنني أبص ُر قالع اللوردات العظام من بعي ٍد فقط ،لكني
والقُرى األصغر من أن تكون لها أسماء ،وسُوج ال ُّشجيرات والتِّالل ،وال ُغدران التي يشرب منها
وأعرف ُّ
الطرق التي يَسلُكها العا َّمة ،ال ُّدروب الموحلة ُ العطاشى ،والكهوف التي يستطيعون أن يأووا إليها،
ي خريط ٍة من ورق الرُّ قوق» ،وقهقهَ مضيفًا« :يَج ُدر بي أن أعرف .لقد المتع ِّرجة التي ال تظهر على أ ِّ
ميل منها عشر مرَّات».وطأَت قدماي ك َّل ٍ
الطرق الخلفيَّة ،والكهوف مكان مثالي الختباء المطا َردين .جعلَت لمحة من االرتياب المجرمون يَسلُكون ُّ
بِريان تتسا َءل عن قدر معرفة السير هايل بهذا الرَّجل« .ال بُ َّد أنها حياة مفعمة بالوحدة أيها السِّپتون».
قال ميريبولد(« :السَّبعة) معي دو ًما ،ولد َّ
ي خادمي المخلص ،وكلب أيضًا».
سألَه پودريك پاين« :ألكلبك اسم؟».
« -مؤ َّكد ،لكنه ليس كلبي ،ليس هذا».
رطل على األقل ،لكنه ودود.
ٍ نب َح الكلب وهزه َز ذيله .إنه مخلوق ضخم أشعث ،يزن مئة
سأ َل پودريك« :إلى َمن ينتمي إذن؟».
« -إلى نفسه بالطَّبع ،وإلى اآللهة .أ َّما اسمه فلم يُخبِرني به ،ولذا أدعوه بكلب».
ب اسمه كلب ،وقد ف َّكر في هذا فترةً ،ثم قال:
« -أوه» .كان واضحًا أن پودريك يجهل ماذا يقول عن كل ٍ
صغري ،س َّميته هيرو».
«كان عندي كلب في ِ
« -وهل كان اس ًما على مس َّمى؟».
« -كان ماذا؟».
ً «-
بطال».
« -ال ،لكنه كان كلبًا مطيعًا .لقد ماتَ ».
ت عصيبة كهذه .ال ذئب أو خارج الطرق ،حتى في أوقا ٍ قال السِّپتون« :كلب يُحافِظ على سالمتي على ُّ
عن القانون يَجسُر على إزعاجي ما دا َم كلب إلى جانبي» ،وعق َد حاجبيه مردفًا« :ال ِّذئاب أصب َحت شنيعةً
قطيع رأيته
ٍ في اآلونة األخيرة .في أماكن بعينها خي ٌر للمرء أن يجد شجرةً ينام فوقها .في حياتي كلِّها أكبر
كانت ذئابه أق َّل من دستة ،لكن القطيع العظيم الذي يجوب أراضي (الثَّالوث) اآلن تعداده بالمئات».
سألَه السير هايل« :هل رأيت تلك ال ِّذئاب بنفسك؟».
ليال أكثر من مرَّة .أصوات كثيرة للغاية ...صوت عفيت من ذلك وليحمني (السَّبعة) ،لكني سمعتها ً ُ « -أ ُ
وداعب
َ قتل دستةً من ال ِّذئاب من قبل»،
يُ َخثِّر دماء المرء في عروقه ويجعل كلب نفسه يرتعد ،مع أنه َ
لك إنها شياطين .يقولون إن القطيع تقوده ذئبة وحشيَّة رأس الكلب ناف ًشا َشعره ،وتاب َع« :ستجدين َمن يقول ِ
بظلٍّ شبحي ،شرسة وشهباء وضخمة ،ويقولون إنها معروفة بافتراس الثِّيران الب ِّريَّة بمفردها ،وإن أشبه ِ
ُحاول اعتالءها وال تلتهم َّإال لحم بي ِي ذئ ٍال فَ َّخ أو َشرك يُقَيِّدها ،وإنها ال تخاف الفوالذ أو النَّار وتَقتُل أ َّ
البَشر».
قال السير هايل هَنت ضاح ًكا« :ها قد فعلتها أيها السِّپتون ،اآلن عينا پودريك المسكين متَّسعتان كأنهما
بيضتان مسلوقتان».
ق كلب نباحًا. َر َّد پودريك ساخطًا« :غير صحيح» ،وأطل َ
ليلتها أقاموا مخيَّ ًما باردًا وسط ال ُكثبان .أرسلَت بِريان پودريك يمشي على السَّاحل ويبحث عن خش ٍ
ب
مجروف إلشعال النَّار ،لكنه عا َد خاوي الوفاض والطَّمي يُ َغطِّي ساقيه حتى الرُّ كبتين.
قائال« :ابتعد عن الطَّمي يا بُنَي .الطَّمي ال يحبُّ ال ُغرباء ،وإذا مشيت في المكان
نصحه السِّپتون ميريبولد ً َ
ق ويبتلعك». الخطأ سينش ُّ
قال پودريك بإصرار« :إنه طمي فحسب».
قال الرَّجل« :إلى أن يمأل فمك ويبدأ ال َّزحف داخل أنفك .عندئ ٍذ هو الموت» ،وابتس َم ليكسر ح َّدة كالمه
صا من البُرتقال يا بُنَي».مردفًا« :امسح الطَّمي وتعا َل ُكل ف ًّ
طروا على َسمك القُ ِّد والمزيد من فصوص البُرتقال ،ووا َ
صلوا كان اليوم التَّالي مزيدًا من األشياء نفسها .أف َ
شرق ال َّشمس تما ًما ،من ورائهم سماء ورديَّة ومن أمامهم سماء أرجوانيَّة .قا َد كلب طريقهم قبل أن تُ ِ
الطَّريق متش ِّم ًما ك َّل ُكتل ٍة من البوص ومتوقِّفًا بين الفينة والفينة ليتب َّول على إحداها ،وقد بدا أنه يعرف
ق صياح طيور خطَّاف البحر الرَّاجف هواء الصَّباح مع تدفُّق مياه الطَّريق ِمثل ميريبولد بالضَّبط ،و َش َّ
ال َمد.
ت على صف النَّهار توقَّفوا في قري ٍة ضئيلة هي األولى التي صادَفوها ،حيث ترتفع ثمانية بيو ٍ قُرب منت َ
الجلديَّة ،لكن النِّساء واألطفال
جدول صغير .كان ال ِّرجال يصطادون في زوارقهم ِ ٍ ركائز خشبيَّة فوق
الطقوس غف َر لهم صلُّوا ،وعقب ُّ مدالة من الحبال وتج َّمعوا حول السِّپتون ميريبولد ليُ َنزلوا على ساللم َّ
وجواال من الفاصوليا واثنتين من بُرتقاالته الثَّمينة.
ً خطاياهم ،ثم تر َكهم بَعد أن أعطاهم القليل من اللِّفت
عندما عادوا إلى الطَّريق قال السِّپتون« :خي ٌر لنا أن نُ َعيِّن حراسةً اللَّيلة أيها األصدقاء .أهل القرية قالوا
رجال مكسورين يتسلَّلون حول ال ُكثبان غرب بُرج المراقبة القديم». ٍ إنهم رأوا ثالثة
ً
محتمال أن يُز ِعجوا بارزتنا العزيزة .ليس ابتس َم السير هايل ً
قائال« :ثالثة فقط؟ ثالثة بمثابة العسل عند ُم ِ
قو ًما مسلَّحين».
قال السِّپتون« :ما لم يكونوا يتض َّورون جوعًا .في هذه المستنقعات طعام ،ولكن فقط لمن يعرف أين
يبحث ،أ َّما هؤالء الرِّ جال فأغراب ،ناجون من معرك ٍة أو أخرى.
إذا دنوا منا فأرجوك أيها الفارس أن تَترُكهم لي».
« -وماذا ستفعل معهم؟».
« -سأُط ِعمهم ،سأسألهم أن يعترفوا بخطاياهم كي أغفرها لهم ،وأدعوهم إلى المجيء معنا إلى (جزيرة
الهدوء)».
َر َّد هايل هَنت« :كأنك تدعوهم إلى ذبحنا ونحن نائمون .اللورد راندل له سُبل أفضل للتَّعا ُمل مع ال ِّرجال
المكسورين ...الفوالذ والحبال».
تساء َل پودريك« :أيتها الفارس ،سيِّدتي ،هل الرَّجل المكسور خارج عن القانون؟».
بشكل ما».
ٍ أجابَت بِريان« :
قائال« :األمر ليس بهذه البساطة .الخارجون عن القانون أنواعهم كثيرة كثرة ضها السِّپتون ميريبولد ً ناق َ
الطيور .ز َّمار الرَّمل ونورس البحر كالهما له جناحان ،لكنهما مختلفان .يحبُّ المطربون الغناء عن أنواع ُّ
ال ِّرجال الصَّالحين الذين أُر ِغموا على الخروج عن القانون لقتال أحد اللوردات األشرار ،لكن معظم
الخارجين عن القانون أقرب إلى كلب الصَّيد المفترس هذا من سيِّد البرق .إنهم سفلة يُ َحرِّ كهم الجشع
ويُلَ ِّوثهم الحقد ،يستخفُّون باآللهة وال يكترثون َّإال ألنفسهم .أ َّما ال ِّرجال المكسورون فيستحقُّون شفقتنا أكثر،
ميل واحد عن البيت ولو أنهم ال يقلُّون خطرًا .كلُّهم تقريبًا أوالد عوام ،قوم بُسطاء لم يبتعدوا أكثر من ٍ
ب مهترئة الذي ُولِدوا فيه ،إلى أن يحين يوم ويأتي أحد اللوردات ليأخذهم إلى الحرب .بأحذي ٍة بالية وثيا ٍ
ق مسنون ،أو مطرق ٍة منجل أو معز ٍ
ٍ يسيرون تحت راياته ،وفي أغلب األحيان ال يكون سالحهم أفضل من
لجلد .يسير اإلخوة مع إخوتهم واألبناء مع آبائهم بشريط من ا ِ
ٍ حجر على عصاٍ صنعوها بأنفسهم بربط
ب متش ِّوقة حالمين باألعاجيب التي واألصدقاء مع أصدقائهم .لقد سمعوا األغاني والقِصص ،فيذهبون بقلو ٍ
ب ومجد .تبدو لهم الحرب مغا َمرةً رائعةً ،أعظم ما سيشهده أكثرهم في سيرونها وبما سيكسبون من ذه ٍ
حياته ...ثم يذوقون طعم المعركة .بالنِّسبة إلى بعضهم يكفي هذا المذاق الواحد لكسرهم ،في حين يستمرُّ
ت إلى أن يعجزوا عن إحصاء المعارك التي قاتَلوا فيها ،لكن حتى الرَّجل الذي نجا من مئة آخَرون سنوا ٍ
قتال يُمكن أن ينكسر في القتال الواحد بَعد المئة .يُشا ِهد اإلخوة إخوتهم يموتون ،ويفقد اآلباء أبناءهم، ٍ
ُحاولون إعادة أحشائهم إلى بطونهم التي بق َرتها فأس ،يرون اللورد الذي ويرى األصدقاء أصدقاءهم ي ِ
قادَهم يُقتَل ،ويسمعون غيره يصيح أنهم رجاله اآلن .يُصابون بجرح ،وقبل أن يندمل يُصابون بآخَر،
كاف أبدًا ،وأحذيتهم تتفسَّخ من طول السَّير ،وثيابهم مم َّزقة تتعفَّن ،ونِصفهم يتبرَّز في
ٍ وليس هناك طعام
سراويله من جرَّاء ُشرب المياه الفاسدة .إذا أرادوا حذا ًء جديدًا أو معطفًا أثقل أو ربما خوذةً قصيرةً صدئةً
فعليهم أن يخلعوها عن جثَّة ،وال يمضي وقت طويل قبل أن يبدأوا في سرقة األحياء أيضًا ،فيسرقون من
س يُشبِهون كثيرًا َمن كانوا ،يذبحون خرافهم ويسطون على األهالي الذين يُقاتِلون في أراضيهم ،من أنا ٍ
يوم مندجاجهم ،ومن هنا تفصلهم ُخطوة قصيرة فقط عن اختطاف بناتهم أيضًا .ثم يتطلَّعون حولهم في ٍ
ُدركوا أن أهلهم وأصدقاءهم جميعًا لم يعودوا هناك ،أنهم يُقاتِلون إلى جوار ُغربا ٍء تحت راي ٍة األيام لي ِ
يتعرَّفونها بالكاد .ال يعرفون أين هُم اآلن وال كيف يرجعون إلى ديارهم ،واللورد الذي يُقاتِلون من أجله
يجهل أسماءهم ،لكن ها هو ذا يزعق فيهم أن يتَّخذوا تشكيلهم ويُ َك ِّونوا صفًّا من الحراب والمناجل
والمعازق المسنونة ،أن يثبتوا ...ثم ينقضُّ عليهم الفُرسان ،رجال بال وجو ٍه مدرَّعون بالفوالذ ،ويمأل هدير
هجمتهم الحديديَّة العالم ...وعندئ ٍذ ينكسر الرَّجل؛ يستدير ويَهرُب ،أو يزحف مبتعدًا بَعدها فوق جُثث
خاطر عن الوطن ،والملوك ِ القتلى ،أو ينسلُّ تحت جُنح الظَّالم ويجد مكانًا يختبئ فيه .ما عا َد في عقله
واللوردات واآللهة ال قيمة لهم عنده تزيد على قيمة فخ ٍذ من اللَّحم الفاسد ستُبقيه على قيد الحياة يو ًما آخَر،
يوم إلى يوم ،من وجب ٍةغرق مخاوفه بضع ساعات .الرَّجل المكسور يحيا من ٍ أو قِرب ٍة من النَّبيذ التَّالف قد تُ ِ
ت كهذه يجب أن يحذر حيوان من إنسان .الليدي بِريان ليست مخطئةً .في أوقا ٍ ٍ إلى وجبة ،أقرب إلى
ال ُمسافرون الرِّجال المكسورين ويخافوهم ...لكن يجب أن يُشفِقوا عليهم أيضًا».
حين فر َغ السِّپتون ميريبولد من الكالم رانَ صمت مهيب على مجموعتهم الصَّغيرة .سم َعت بِريان هفيف
مكان ما أبعد طائر غ َّواص يصيح ،وسم َعت كلب يلهث ٍ الرِّيح في ُكتل ٍة من الصَّفصاف القصير ،وفي
ت وهو يتوثَّب إلى جوار السِّپتون وحماره وقد تدلَّى لسانه من فمه.
بخفو ٍ
امت َّد الهدوء وامت َّد ،إلى أن قالت أخيرًا« :في أ ِّ
ي ِس ٍّن أخذوك إلى الحرب؟».
ق يُقال ،لكن إخوتي كلَّهموالح ُّ
َ أجاب ميريبولد« :لم أكن أكبر من صبي ِِّك هذا ،صغيرًا للغاية على القتال َ
كانوا ذاهبين ولم أُ ِرد أن يَترُكوني وحدي .قال ويالم إنه يُمكنني أن أكون ُمرافقه ،ولو أن ويل لم يكن
مطبخ سرقَه من الخان .لقد ماتَ في (األعتاب) دون أن يضرب ٍ ق مسلَّح بس ِّكين
فارسًا ،بل مجرَّد سا ٍ
ضربةً واحدةً.
ق بتُهمةال ُح َّمى أجهزَ ت عليه وعلى أخي روبن .أوين ماتَ بهراو ٍة فلقَت رأسه ،وصديقه چون المجدور ُشنِ َ
االغتصاب».
سألَه السير هايل هَنت« :حرب ملوك التِّسع بنسات؟».
أجن بنسًا .لكنها كانت حربًا ،كانت حربًا حقًّا».
أر مل ًكا أو ِ
« -هكذا أطلَقوا عليها ،مع أني لم َ
سامويل وقفَ سام أمام النَّافذة يتأر َجح على كعبيه بعصبيَّ ٍة ويُشا ِهد البصيص األخير من نور ال َّشمس
ف من السُّقوف المدبَّبة ،وبكآب ٍة قال لنفسه :ال بُ َّد أنه سك َر ثانيةً ،أو قاب َل فتاةً أخرى .ال ص ٍّ
يختفي وراء َ
يدري هل يسبُّ ويلعن أم يبكي .المفروض أن داريون أخوه .اطلُب منه أن يُ َغنِّي وال أحد أفضل منه ،لكن
ي شي ٍء آ َخر...اطلُب منه أن يفعل أ َّ
مرسال أصابع رماديَّةً تزحف على جُدران المباني المصطفَّة على ضفَّة القناة ً بدأ ضباب المساء يرتفع
ت أيضًا سمعتِه». القديمة ،وقال سام« :لقد وع َد بأنه سيعود .أن ِ
رمقَته جيلي بعينين منتفختيْن مؤطَّرتيْن باألحمر ،وقد تدلَّى َشعرها على وجهها متشاب ًكا متَّس ًخا ،فبدَت
كحيوان ح ِذر يختلس النَّظر من داخل دغل .أيام ع َّدة مرَّت منذ شعروا بحرارة النَّار ،لكن الفتاة الهمجيَّة ٍ
تحبُّ الجثوم قُرب المستوقَد ،كأن لمحةً من الدِّفء ال تزال عالقةً بالرَّماد البارد .قالت له هامسةً كي ال
تُوقِظ الرَّضيع« :إنه ال يحبُّ البقاء معنا ،المكان حزين هنا .يحب البقاء حيث النَّبيذ واالبتسامات».
مكان َّإال هنا( .براڤوس) مألى بالخانات والحانات والمواخير ،وإذا كان ٍ ف َّكر سام :نعم ،والنَّبيذ في ك ِّل
وعجوز
ٍ وجبان بدين
ٍ داريون يُؤثِر النَّار وكوبًا من النَّبيذ المتبَّل على ال ُخبز البائت وصُحبة امرأ ٍة باكية
مريض ،ف َمن يلومه؟ أنا ألومه .قال إنه سيعود قبل ال َّشفق ،قال إنه سيجلب لنا نبي ًذا وطعا ًما.
آمال رغم خيبة األمل أن يرى المغنِّي مسرعًا بالعودة .كان الظَّالم يحلُّ على نظر من النَّافذة ً َ م َّرةً أخرى
المدينة الس ِّريَّة ويتسلَّل إلى األزقَّة والقنوات .قريبًا سيُغلِق أهل (براڤوس) الطَّيِّبون مصاريع نوافذهم
ُنزلون مزاليج أبوابهم ،فاللَّيل ينتمي إلى ُمبارزي البراڤو والمحظيَّات .ف َّكر سام بمرارة :أصدقاء داريون وي ِ
ُحاول أن يَكتُب أغنيَّةً عن محظيَّ ٍة اسمها ِظل القمر الجُدد .في الفترة األخيرة ال يتكلَّم داريون َّإال عنهم ،وي ِ
سم َعته يُ َغنِّي إلى جوار (بِركة القمر) وجا َزته بقُبلة .قال له سام« :كان واجبك أن تَطلُب الفضَّة .إننا
الذهبمحتاجون إلى النُّقود ال القُبالت» ،لكن المغنِّي اكتفى باالبتسام مجيبًا« :بعض القُبالت أثمن من َّ
األصفر أيها القاتِل».
ُغضبه ،فال يُفت َرض أن يُ َؤلِّف داريون األغاني عن المحظيَّات ،وإنما ينبغي له أن يُ َغنِّي عن هذا أيضًا ي ِ
الجدار) و َشجاعة َحرس اللَّيل .كان چون يأمل أن تنجح أغانيه في إقناع عد ٍد من ال ُّشبَّان بارتداء األسود، ( ِ
بدال من ذلك يُ َغنِّي داريون عن القُبالت َّ
الذهبيَّة وال َّشعر الفضِّ ي وال ِّشفاه الحمراء المتو ِّردة ،وال أحد لكن ً
أبدًا يرتدي أسود َحرس اللَّيل من أجل ال ِّشفاه الحمراء المتو ِّردة.
ضا فينفجر في العويل ،ويزعق داريون فيه أن يَص ُمت ،وتنتحب جيلي، أحيانًا يُوقِظ غناؤه الرَّضيع أي ً
ويندفع المغنِّي مغادرًا ويغيب أيا ًما« .كلُّ هذا البُكاء يجعلني أري ُد أن أصفعها ،وأكا ُد ال أستطي ُع النَّوم من
نحيبها».
كا َد سام يقول :كنت لتنتحب أيضًا لو كان لك ابن وفقدته .ليس في مقدوره أن يلوم جيلي على حُزنها ،لكنه
يلوم چون سنو ويتسا َءل متى استحا َل قلبه إلى حجر.
فأجاب
َ في م َّر ٍة ألقى هذا السُّؤال تحديدًا على ال ِمايستر إيمون حين نزلَت جيلي إلى القناة تجلب لهم ما ًء،
العجوز« :حين رفعته إلى القيادة».
زال جزء من سام ال يُريد أن حتى اآلن وهو يتعفَّن هنا في هذه ال ُغرفة الباردة تحت إفريز السَّطح ،ما َ
فعل ما يعتقده ال ِمايستر إيمون .لكن ال بُ َّد أنها الحقيقةَّ ،
وإال فلِ َم تبكي جيلي بال انقطاع؟ ما صدِّق أن چون َ يُ َ
ُ
زلت جبانًا رضع من ثدييها ،لكنه ال يملك َشجاعة السُّؤال ويخشى الجواب .ما عليه َّإال أن يسألها ابن َمن تُ ِ
يا چون.
ذهب في هذا العالم الفسيح الز َمته مخاوفه.
َ أينما
ق (المارد) نفير المساء عبر
هدير عميق على سقوف (براڤوس) كهزيم رع ٍد بعيد إذ أطل َ ٍ تر َّددت أصداء
الهَور .كان الصَّوت صاخبًا لدرج ٍة أيق َ
ظت الرَّضيع ،ليُوقِظ عويله ال ِمايستر إيمون بدوره ،وبينما ذهبَت
بوهن على السَّرير الضيِّق ً
قائال« :إج؟ ٍ انفتحت عينا العجوز وتحرَّك
َ جيلي إلى الصَّغير لتُلقِمه ثديها
المكان مظلم .لماذا هذا الظَّالم ال َّدامس؟».
ألنك أعمى .منذ وصلوا إلى (براڤوس) وعقل إيمون يتوه أكثر فأكثر .في بعض األيام ال يعرف أين هو،
وفي بعضها يَشرُد ذهنه وهو يقول شيئًا ما ويهيم في الكالم عن أبيه أو أخيه .قال سام لنفسه مذ ِّكرًا :إنه في
المئة واالثنين من العُمر .غير أن الرَّجل كان في ال ِّسنِّ نفسها في (القلعة السَّوداء) ولم يَتُه عقله هناك قَ ُّ
ط.
قال مضط ًّرا« :هذا أنا ،سامويل تارلي ،وكيلك».
قائال« :سام ،نعم ،وهذه (براڤوس) .سا ِمحني يا سام. وأغمض عينيه وفت َحهما ً
َ ق ال ِمايستر إيمون شفتيه
لع َ
هل أتى الصَّباح؟».
« -ال» ،وتحسَّس سام جبهة العجوز ،ليجد ِجلده مبلَّ ًال بال َعرق وملمسه بارد رخو ،عالوةً على أن ك َّل نف ٍ
س
بصفير خافت« .إنه اللَّيل أيها ال ِمايستر .كنت نائ ًما».
ٍ يلفظه يَخرُج منه مصحوبًا
طويال ج ًّدا .المكان بارد».
ً ُ «-
نمت
وصاحب الخان يَرفُض إعطاءنا المزيد إلى أن ندفع ثَمنه» .إنها المرَّة ِ َر َّد سام« :ليس عندنا حطب،
ي أن أشتري حطبًا الرَّابعة أو الخامسة التي يُقال فيها الكالم ذاته ،وك َّل م َّر ٍة يُ َوبِّخ سام نفسه ً
قائال :كان عل َّ
عاقال وأحافظ على دفئه.ً ي أن أكون بالنُّقود ،كان عل َّ
عالج من (بيت األيدي الحمراء) ،رجل طويل شاحب ض ٍة على ُم ٍ آخر ما معهم من ف َّ ً
وبدال من ذلك ب َّدد ِ
بخطوط د َّوامة من األحمر واألبيض .لم يَحصُلوا بالفضَّة على أكثر من نِصف قنين ٍة ٍ يرتدي ثيابًا مطرَّزةً
من نبيذ النَّوم ،وقال البراڤوسي بنبر ٍة لم تفتقِر إلى الرِّفق« :قد يُسا ِعد هذا على تسهيل الرَّحيل عليه»،
وأجاب« :إن عندي مراهم وعقاقير َ فسألَه سام إن كان يستطيع أن يفعل المزيد ،لكن الرَّجل هَ َّز رأسه نفيًا،
ت وسمو ًما وك َّمادات ،وأستطي ُع أن أعطيه دوا ًء مسه ًِّال للبطن أو أعلِّق له ال َعلق ...لكن وأنقعةً وصبغا ٍ
لماذا؟ ال عَلقة ستر ُّد إليه شبابه .هذا رجل ه َِرم ،والموت في رئتيه .اسقِه هذا ودَعه ينام».
ونا َم العجوز طيلة اللَّيل وطيلة النَّهار ،وإن كان اآلن يُكافِح لالعتدال جالسًا ،ويقول« :يجب أن نذهب إلى
ال ُّسفن».
أصاب ال ِمايستر إيمون بر ٌد فيَ السُّفن م َّرةً أخرى .رغ ًما عنه قال له سام« :إنك أضعف من أن تَخرُج».
أثناء رحلتهم في البحر وكمنَ في صدره ،ولدى بلوغهم (براڤوس) كان واهنًا لدرجة أنهم حملوه ً
حمال إلى
فطلب داريون أكبر أسرَّة الخان ،وحصلوا على َ ضة، ال َّشاطئ .حينئ ٍذ كانت ال تزال معهم ُ
صرَّة منتفخة بالف َّ
صاحب الخان على أن يَنقُدوه ثَمن هذا العدد. ِ واح ٍد يتَّسع لثمانية ،فأص َّر
قائال« :غدًا نذهب إلى الميناء .يُمكنك أن تستعلم ع َّما تُريد وتعرف ما السَّفينة التَّالية المبحرة إلى وعدَه سام ً
(البلدة القديمة)» .حتى في الخريف تظلُّ (براڤوس) مينا ًء مزدح ًما ،وبمجرَّد أن يستر َّد ال ِمايستر إيمون ما
الذهاب .األصعب يكفي من طاق ٍة للسَّفر فلن يجدوا مشكلةً في العثور على سفين ٍة تأخذهم إلى حيث يُريدون َّ
أمل لهم أن تكون السَّفينة من (الممالك السَّبع) .سفينة تجاريَّة من (البلدة أن يدفعوا تكلفة رحلتهم ،وأفضل ٍ
زال يحتفي بالرِّ جال الذين َ القديمة) ربما ،لبحَّارتها أقارب في َحرس اللَّيل .ال بُ َّد أن بعض النَّاس ما
الجدار).
يَحرُسون ( ِ
حلمت ب(البلدة القديمة) يا سامُ .
كنت ُ صف َرت أنفاس ال ِمايستر إيمون وهو يقول(« :البلدة القديمة) ،نعم .لقد
شابًّا من جدي ٍد وكان معي أخي إج وذلك الفارس الكبير الذي يخدمه .كنا نشرب في الخان القديم الذي
يُقَدِّمون فيه خمر التُّفَّاح القويَّة للغاية» .حاو َل ثانيةً أن ينهض ،لكنه ألفى المجهود أقوى منه ،وبَعد لحظةً
عا َد يتم َّدد ،وقال« :السُّفن .سنجد اإلجابة هناك ،بخصوص التَّنانين .أحتا ُج إلى المعرفة».
قطق في المستوقَد« .أأنت جائع أيها ط ِال ،ما تحتاج إليه هو الطَّعام والدِّفء ،تحتاج إلى معد ٍة ممتلئة ونار تُ َ
ال ِمايستر؟ تبقَّى لدينا القليل من ال ُخبز والجُبنة».
« -ليس اآلن يا سام ،الحقًا حين أصب ُح أقوى».
« -كيف ستُصبِح أقوى ما لم تأكل؟» .لم يأكل أيُّهم الكثير في البحر منذ (سكاجوس) .طوال طريقهم عبر
(البحر الضيِّق) استب َّدت بهم عواصف الخريف ،تهبُّ أحيانًا من الجنوب مصحوبةً بالرَّعد والبرق
واألمطار السَّوداء التي تنهمر أيا ًما بال انقطاع ،وأحيانًا من ال َّشمال باردةً كئيبةً تنفذ ريحها العاتية إلى
عظام المرء .في م َّر ٍة اشت َّد البرد على نح ٍو غير مسبوق ،حتى إن سام استيقظَ ليجد السَّفينة كلَّها مغلَّفةً
بجلي ٍد أبيض يلتمع كاللُّؤلؤ .كان الرُّ بَّان قد أنز َل الصَّاري وربطَه على السَّطح ليُك ِمل ال ِّرحلة بالمجاذيف
فقط ،ولدى رؤيتهم (المارد) أخيرًا لم يكن أحدهم يأكل.
لكن حالما صاروا آمنين على ال َّشاطئ وج َد سام معدته تَصرُخ جوعًاِ ،مثله ِمثل داريون وجيلي ،وحتى
الصَّغير بدأ يرضع بشراه ٍة أكثر ،أ َّما إيمون...
صاحب
ِ قال سام للعجوز« :ال ُخبز بائت ،لكن يُمكنني أن أتوسَّل القليل من المرق من المطبخ لتُ َغ ِّمسه به».
س بارد العينين ويرتاب في هؤالء األغراب السُّود تحت سقفه ،لكن الطَّاهي أكثر ُو ًّدا. الخان رجل قا ٍ
« -ال ،لكن هل لي برشف ٍة من النَّبيذ؟».
ليس لديهم نبيذ .كان داريون قد وع َد بابتياع القليل منه بما سيجنيه من غنائه .قال سام« :سنشرب النَّبيذ
فيما بَعد .عندنا ماء ،لكنه ليس الماء النَّظيف» .الماء النَّظيف يأتي من فوق قناطر القناة القرميد العظيمة
يضخ األثرياء ماءها إلى منازلهم ،في حين يمأل الفُقراء ُّ التي يُ َس ِّميها البراڤوسيُّون نهر المياه العذبة ،والتي
دالءهم وسُطولهم من النَّوافير العا َّمة .كان سام قد أرس َل جيلي لتجلب القليل منه ناسيًا أن الفتاة الهمجيَّة
ق صغيرة .أخافَتها المتاهة الحجريَّة عا َشت حياتها كلَّها في حدود (قلعة كراستر) دون أن ترى ولو بلدة سو ٍ
المس َّماة (براڤوس) بجُزرها وقنواتها وخل ِّوها من العُشب وال َّشجر وامتالئها بال ُغرباء الذين يُ َحدِّثونها
ت ال تفهمها—أخافَتها لدرجة أنها فقدَت الخارطة وسرعان ما تاهَت ،ووجدَها سام تبكي عند قد َمي بكلما ٍ
زمن بعيد .قال لل ِمايستر إيمون« :ليس عندنا َّإال ماء القناة ،لكن الطَّاهي غاله.
ٍ بحر ماتَ منذ
ٍ تمثال أمير
نوم أيضًا إذا كنت تُريد المزيد منه».
هناك نبيذ ٍ
ُ
وحلمت بما فيه الكفاية .ال بأس بماء القناة .سا ِعدني من فضلك». « -لقد ُ
نمت
ق ساع َد سام العجوز على االعتدال ورف َع كوبًا إلى شفتيه الجافَّتين المشقَّقتين ،وعلى الرغم من هذا برف ٍ
غرقني» ،وارتجفَ ت سع َل وقال« :كفى ،ستُ ِ انسكب نِصف الماء على صدر ال ِمايستر ،وبَعد بضع رشفا ٍ َ
ً
متسائال« :لماذا ال ُغرفة باردة هكذا؟». بين ذراعَي سام
ضعف األُجرة ألجل ُغرف ٍة مز َّودة بمستوقَد، صاحب الخان ِِ « -لم يَعُد لدينا حطب» .كان داريون قد نق َد
لكن ال أحد منهم كان يعلم أن الحطب باهظ الثَّمن هنا لهذه ال َّدرجة ،فاألشجار ال تنمو في (براڤوس) َّإال في
ساحات وحدائق ِعلية القوم ،كما أن البراڤوسيِّين يأبون قطع شجر الصَّنوبر الذي يُ َغطِّي الجُزر النَّائية
وبدال من هذا يأتون بالحطب بالقوارب ً ريح تقيهم العواصف،
ٍ المحيطة بالهَور العظيم ويعمل كحواجز
بدال من الخيول .ما كان عبر النَّهر والهَور .حتى الرَّوث مكلِّف هنا ،فالبراڤوسيُّون يستخدمون القوارب ً
شيء من هذا ليه َّم لو أنهم رحلوا إلى (البلدة القديمة) وفق الخطَّة ،لكن مع مرض ال ِمايستر إيمون ال َّشديد
ثبتَت استحالة ذلك ،إذ إن رحلةً أخرى في البحر كفيلة بالقضاء عليه.
زحفَت يد إيمون على األغطية بحثًا عن ذراع سام ،وقال له« :يجب أن نذهب إلى الميناء يا سام».
« -حين تُص ِبح أقوى» .ليس العجوز في حال ٍة تُتيح له أن ي ِ
ُواجه الرَّذاذ المالح والرِّيح البليلة على الواجهة
المائيَّة ،و(براڤوس) كلُّها واجهة مائيَّة .إلى ال َّشمال (الميناء األرجواني) ،حيث ترسو السُّفن التِّجاريَّة
البراڤوسيَّة أسفل قباب وأبراج (قصر أمير البحر) ،وإلى الغرب (ميناء راجمان) المزدحم بالسُّفن من
مكان
ٍ ال ُمدن ال ُحرَّة األخرى و(وستروس) و(إيبن) وبلدان ال َّشرق البعيدة المحفوفة باألساطير ،وفي ك ِّل
آخَر تنتشر األرصفة الصَّغيرة ومراسي العبَّارات والمرافئ ال َّرماديَّة القديمة التي يربط صيَّادو األسماك
والرُّ وبيان والسَّراطين مراكبهم عندها بَعد العمل في السُّهول الطِّينيَّة ومصبَّات النَّهر« .سيكون المجهود
شديدًا عليك».
قال إيمون بإلحاح« :اذهب ً
بدال مني إذن واجلب لي أحدًا رأى تلك التَّنانين».
َر َّد سام وقد أفز َعته الفكرة« :أنا؟ أيها ال ِمايستر ،إنها مجرَّد قصَّة ،قصَّة بحَّارة» .داريون الملوم على هذا
أيضًا ،إذ اعتا َد المغنِّي أن يعود إليهم بمختلِف أنواع الحكايات العجيبة من الحانات والمواخير ،لكنه لسوء
الحظِّ كان ً
ثمال عندما سم َع حكاية التَّنانين وال يتذ َّكر تفاصيلها« .ربما اختلقَها داريون ب ُر َّمتها .هذا ما يفعله َ
المغنُّون ،يُلَفِّقون الحكايات».
قال ال ِمايستر إيمون« :نعم ،لكن ربما يحوي أكثر األغاني شطوحًا في الخيال لمحةً من الحقيقة .اعثُر على
تلك الحقيقة من أجلي يا سام».
أعرف القليل فقط من الڤاليريَّة الفُصحى ،وعندما يُ َكلِّمونني
ُ « -لن أدري َمن أسأ ُل أو كيف أسأله .إنني
ت أكثر مني ،وما إن تُصبِح أقوى.»... بالبراڤوسيَّة ال أفه ُم ِنصف ما يقولون .أنت تتكلَّم لُغا ٍ
« -متى سأصب ُح أقوى يا سام؟ أخبِرني».
« -قريبًا ،إذا استرحت وأكلت .حين نصل إلى (البلدة القديمة).»...
قاط َعه العجوز« :إنني لن أرى (البلدة القديمة) ثانيةً أبدًا ،أعل ُم هذا اآلن» ،وأحك َم قبضته على ذراع سام
سأكون مع إخوتي .بعضهم ربطَتني بهم األيمان وبعضهم ربطَني به ال َّدم ،لكنهم كانوا ُ متابعًا« :قريبًا
ط أن العرش سينتقل إليه ،لكنه انتق َل ،ور َّدد كثيرًا أن هذا عقابه على إخوتي جميعًا .وأبي ...إنه لم يحسب قَ ُّ
الضَّربة التي أودَت بحياة أخيه .أدعو اآللهة أنه وج َد في الموت السَّالم الذي لم يعرفه قَ ُّ
ط في الحياة.
أرض بعيد ٍة رائعة نضحك ٍ السِّپتونات يترنَّمون عن راح ٍة جميلة ،عن تخلِّينا عن همومنا واالرتحال إلى
آخر ال َّزمان ...لكن ماذا لو لم يكن ألرض النُّور والعسل تلك وجود؟ وماذا ونحبُّ ونلتهم الوالئم فيها حتى ِ
الجدار المس َّمى الموت؟». ُّ
والظلمة واآلالم وراء ِ لو لم يكن هناك َّإال البرد
ضر .إنك مريض فحسب ،والمرض سينقضي». إنه خائف« .لستَ تُحت َ
حلمت ...في جوف اللَّيل يسأل المرء ما ال يجرؤ عليه في ضوء النَّهار من ُ « -ليس هذه المرَّة يا سام .لقد
ي َّإال سؤال واحد في السنَّوات األخيرة .لماذا تأخذ اآللهة عينَي وق َّوتي ومع أسئلة ،وبالنِّسبة إل َّي لم يتب َّ
ق لد َّ
شيخ منت ٍه ِمثلي عندها؟» ،وارتع َشت أصابع إيمون ٍ ي بالحياة الطَّويلة مج َّمدًا منسيًّا؟ ما فائدة ذلك تَح ُكم عل َّ
ُ
زلت أذك ُر». بالجلد المبقَّع ،وأضافَ « :إنني أذك ُر يا سام ،ما ت رفيعة مغلَّفة ِ ال َّشبيهة ب ُغصينا ٍ
سألَه سام الذي لم يفهم« :تَذ ُكر ماذا؟».
همس إيمون« :التَّنانين ،بليَّة عائلتي ومجدها». َ
آخر التَّنانين ماتَ قبل أن تُولَد ،فكيف تَذ ُكرها؟».
ِ «-
زلت أذك ُر األحمر .أرى ظاللها ُ « -إنني أراها في أحالمي يا سام ،أرى نج ًما أحمر ينزف في السَّماء .ما
ضا حلموا بالتَّنانين وقتلَتهم على الثَّلج وأسم ُع خفقان أجنحتها ِ
الجلديَّة وأشع ُر بأنفاسها السَّاخنة .إخوتي أي ً
ت نِصف منسيَّة ،وأمامنا أعاجيب أحالمهم جميعًا بال استثناء .سام ،إننا نقف راجفين على حافة نبوءا ٍ
إلنسان َح ٍّي في استيعابها ...أو.»...
ٍ وأهوال ال أمل
« -أو؟».
وأغمض عينيه
َ ض ر »،
...« -أو ال» ،وقهقهَ إيمون بخفوت ،وأردفَ « :أو أنني عجوز محموم يُحت َ
ط .لم يكنالجدار) قَ ُّ
ي أن أترك ( ِ قائال« :ما كان عل َّالبيضاوين بإرهاق ،ثم أجب َرهما على االنفتاح من جدي ٍد ً
الجدار) ...لكن بإمكان اللورد سنو أن يعلم ،لكن كان حريًّا بي أنا أن أرى .النَّار تُذوي ،أ َّما البرد فيحفظِ ( .
أوان العودة فاتَ .
ُحرم غنيمته .أيها الوكيل ،لقد خدمتني بإخالص ،فأ ِّد هذه المه َّمة (الغريب) منتظر خارج بابي ولن ي َ
ال ُّشجاعة األخيرة من أجلي .اذهب إلى السُّفن يا سام واعرف ك َّل ما تستطيع عن تلك التَّنانين».
سحب سام ذراعه من قبضة العجوز بهدوء ،وقال« :سأفع ُل ما ُدمت تُريد هذا .إنني فقط .»...ال يدري ماذا َ
يقول غير هذا .ال أستطي ُع أن أرفض طلبه .يُمكنه أن يبحث عن داريون أيضًا عند أرصفة ومراسي (ميناء
أوال ونذهب إلى السُّفن معًا ،ول َّما نعود سيكون معنا طعام ونبيذ وحطب .سنُش ِعل راجمان) .سأج ُد داريون ً
دمت ذاهبًا .جيلي ستكون هنا .جيلي، ُ قائال« :حسن ،سأذهبُ اآلن ما نهض ً َ نارًا ونأكل وجبةً ساخنةً شهيَّةً.
نزلي مزالج الباب بَعد خروجي»( .الغريب) منتظر خارج الباب. أ ِ
أومأَت جيلي برأسها ضا َّمةً الصَّغير إلى صدرها وال ُّدموع تترق َرق في عينيها .ستبكي ثانيةً .هذا يفوق
ب على الحائط إلى جوار البوق المكسور الذي أعطاه چون احتماله حقًّا .كان حزام سيفه معلَّقًا من مشج ٍ
وخرج من البابَ ق به ،ثم وض َع معطفه الصُّ وف األسود على كتفيه المستديرتين، إياه ،فاختطفَه وتمنط َ
ب ُخطى متثاقلة ونز َل السُّلَّم الذي صرَّت درجاته الخشبيَّة تحت وطأة وزنه .للخان بابان أماميَّان ،أحدهما
شارع والثَّاني على قناة ،فخر َج سام من األول ليتجنَّب القاعة العا َّمة ،حيث من المؤ َّكد أن يراه ٍ ينفتح على
صاحب الخان ويَر ُمقه بالعبوس الذي ي َّدخره للنُّزالء الذين يَم ُكثون بَعد زوال التَّرحاب بهم. ِ
أشعر سام باالمتنان .أحيانًا يكسو
َ في الهواء برودة ،لكن اللَّيلة ليست كثيفة الضَّباب كأكثر اللَّيالي ،وهو ما
الضَّباب األرض بكثاف ٍة تحول دون أن يرى المرء قدميه ،وفي م َّر ٍة فصلَته ُخطوة واحدة عن السُّقوط في
إحدى القنوات.
صباه قرأ سام تاريخ (براڤوس) وحل َم بأن يزورها يو ًما .أرا َد أن يرى (المارد) يرتفع صار ًما مهيبًا من في ِ
ب أُفعواني ما ًّرا بالقصور والمعابد ،ويُشا ِهد ُمبارزي البراڤو يَرقُصون ُبحر في القنوات بقار ٍ البحر ،وي ِ
صار هنا بالفعل فال شيء يرغب فيه أكثر َ رقصة الماء وتُو ِمض نصالهم في ضوء النُّجوم ،لكن اآلن وقد
من الرَّحيل إلى (البلدة القديمة).
الطرقات المرصوفة بالحصى صوب (ميناء راجمان)، فرف في الرِّ يح قط َع ُّ ومعطف يُ َر ِ
ٍ بقلنسو ٍة مرفوعة
ظ َّل حزام سيفه يُهَدِّد بالسُّقوط حول كاحليه ،فاضط َّر إلى َشدِّه إلى أعلى ك َّل م َّد ٍة بينما يمضي .التز َم وقد َ
المشي في ال َّشوارع الصَّغيرة المظلمة ،حيث تقلُّ احتماالت أن يلتقي أحدًاَّ ،إال أن ك َّل قطَّ ٍة مرَّت به جعلَت
قلبه يخفق بعُنف ...و(براڤوس) تعجُّ بال ِقطط .يجب أن أعثر على داريون .إنه رجل في َحرس اللَّيل ،أخي
المحلَّف .معًا سنتوصَّل إلى ما يُمكننا أن نفعله .ال ِمايستر إيمون خا َرت قُواه ،وجيلي كانت لتضيع هنا حتى
من دون األسى الذي يَغ ُمرها ،لكن داريون ...ال يَج ُدر بي أن أسيء به الظَّن .ربما يكون جري ًحا ولهذا
ق ما في بِرك ٍة من ال َّدم ،أو طافيًا على وجهه في إحدى السَّبب لم يرجع ،وربما يكون ميتًا ،منطرحًا في ُزقا ٍ
القنوات .في اللَّيل يمشي ُمبارزو البراڤو متبخترين في أنحاء المدينة بثيابهم المبرقشة المبهرجة ،ساعين
ب
ب وبعضهم دون سب ٍ ي سب ٍ إلى إثبات براعتهم في القتال بالسُّيوف الرَّفيعة التي يحملونها .بعضهم يُقاتِل أل ِّ
على اإلطالق ،وداريون طليق اللِّسان سريع الغضب ،خصوصًا عندما يشرب .ليس معنى أنه يستطيع
الغناء عن المعارك أنه قادر بالضَّرورة على خوضها.
تقع أفضل الحانات والخانات والمواخير قُرب (الميناء األرجواني) و(بِركة القمر) ،غير أن داريون يُفَضِّ ل
(ميناء راجمان) ،حيث فُرصة أن يتكلَّم ال َّزبائن اللُّغة العاميَّة أكبر .بدأ سام بحثه في (خان ثُعبان الماء
ق لداريون أن غنَّى فيها ،لكنه لم يَعثُر عليه في المالح األسود) و(موروجو) ،وكلُّها أماكن سب َ األخضر) و( َّ
أيِّها .خارج (بيت الضَّباب) كانت ع َّدة قوارب أُفعوانيَّة مربوطةً في انتظار ال َّزبائن ،وحاو َل سام أن يسأل
المالحين إن كانوا قد رأوا مطربًا يرتدي السَّواد ،لكن ال أحد منهم فه َم ڤاليريَّته الفُصحى .إ َّما هذا وإ َّما أنهم َّ
يختارون َّأال يفهموا .ألقى سام نظرةً داخل الخ َّمارة القذرة تحت قنطرة (جسر نابو) الثَّانية التي تتَّسع بالكاد
لعشرة أفراد ،ولم يكن داريون أحدهم ،ثم جرَّب (خان المنبوذين) و(دار القناديل السَّبعة) ،ثم الماخور
المس َّمى (ال َمقططة) ،حيث تلقَّى نظرات االرتياب لكن ال عون على اإلطالق.
بينما يُغا ِدر كا َد يرتطم بشابَّيْن واقفيْن تحت مصباح (ال َمقططة) األحمر ،أحدهما داكن ال َّشعر والثَّاني
آسف ،لكنني ال أفهمك» ،وبدأ يبتعد عنهما أشقره ،وقد قال األول شيئًا ما بالبراڤوسيَّة ،ف َر َّد سام مضط ًّراٌ « :
خائفًا .في (الممالك السَّبع) يكسو النُّبالء أنفسهم بالمخمل والحرير والسَّميت من مئة لون ،بينما يرتدي
الفالحون والعا َّمة الصُّ وف غير المصبوغ والخيش البنِّي الباهت ،أ َّما في (براڤوس) فالعكس بالعكس، َّ
فيمشي ُمبارزو البراڤو مختالين كالطَّواويس مداعبين سيوفهم ،بينما يرتدي األعيان الرَّمادي الفاحم
واألرجواني واألزرق القاتم كاألسود واألسود الحالك كليل ٍة بال قمر.
« -صديقي تيرو يقول إن بدانتك تقلب معدته» ،قال ُمبارز البراڤو األشقر ،الذي يرتدي سُترةً مقسومةً
صدِّع رأسه» .كان مخمل أخضر وقُماش فضَّة« .صديقي تيرو يقول إن صلصلة سيفك تُ َ ٍ طوليًّا إلى
ُخاطب سام باللُّغة العاميَّة ،أ َّما اآلخَر ،البراڤو أسود ال َّشعر الذي يرتدي السُّترة الخمريَّة المو َّشاة تحت
ي ِ
معطف أصفر ويبدو أن اسمه تيرو ،فألقى تعليقًا ما بالبراڤوسيَّة جع َل صديقه األشقر يضحك ويقول: ٍ
«صديقي تيرو يقول إنك ترتدي ثيابًا أعلى من مقامك .أأنت أحد اللوردات العظام لترتدي األسود؟».
أرا َد سام أن يَهرُب ،لكن إذا فع َل فعلى األرجح سيتعثَّر في حزامه بينما يجري .قال لنفسه :ال تلمس سيفك.
كالم يسترضيهما ،فلم مجرَّد إصبع على المقبض قمين بأن يعتبره أحدهما دعوةً للنِّزال .حاو َل التَّفكير في ٍ
يَخرُج منه َّإالُ « :
لست.»...
وخرجت
َ قائال« :ليس لورد .إنه في َحرس اللَّيل أيها األحمقان ،من (وستروس)»، تد َّخل صوت طُفولي ً
فتاة صغيرة إلى الضَّوء دافعةً عربة يد مألى بالطَّحالب البحريَّة ،مخلوقة بائسة نحيلة تنتعل حذا ًء كبي ًرا
ولها َشعر أشعث متَّسخ .أخب َرت ُمبارزَ ي البراڤو« :هناك واحد آخَر في (الميناء السَّعيد) يُ َغنِّي لزوجة
البحَّار» ،ولسام قالت« :إذا سألَك أيُّ براڤو َمن أجمل امرأ ٍة في العالم فقُل إنها العندليب َّ
وإال تح َّداك للنِّزال.
بعت محاري كلَّه».هل تشتري أُم الخلول؟ لقد ُ
أجاب سام« :ليس معي مال».
َ
قال البراڤو األشقر ساخ ًرا« :ليس معه مال» ،فابتس َم صديقه فاحم ال َّشعر ابتسامةً عريضةً ،وقال شيئًا
وأعطه معطفك».
ِ بالبراڤوسيَّة ترج َمه األشقر« :صديقي تيرو بردانُ .كن صديقنا البدين الكريم
وإال طلبا حذاءك بَعده وسرعان ما ستجد نفسك عاريًا».قالت فتاة العربة« :ال تفعل هذا أيضًا َّ
ُغرقونها في القنوات».
ت مزعج ي ِخاطبَها البراڤو األشقر منذرًا« :ال ِقطط الصَّغيرة التي تموء بصو ٍ
ر َّدت الفتاة« :ليس إذا كان لها مخالب» ،وفجأةً ظه َر في يدها اليُسرى س ِّكين نصله رفيع كقوامها ،فقال
المدعو تيرو شيئًا لصديقه األشقر ،ثم ابتع َد االثنان مقهقهيْن.
أشكرك».
ِ قال سام للفتاة بَعد رحيلهما« :
اختفى س ِّكينها ،وقالت« :إذا حملت سيفًا ً
ليال فمعنى هذا أنك قابل للتَّحدِّي .هل أردت أن تُقاتِلهما؟».
كصرير أجفلَه« :ال!».
ٍ خرجت الكلمة من سامَ
أر أ ًخا أسود ِمثلك من قبل» ،وأشا َرت إلى العربة مضيفةً: سألَته الفتاة« :أأنت في َحرس اللَّيل حقًّا؟ لم َ
الجدار)؟». «يُمكنك أن تأكل أُم ال ُخلول المتبقِّية .لقد سا َد الظَّالم ولن يبتاعها أحد .هل ستُ ِ
بحر إلى ( ِ
أجاب سام« :إلى (البلدة القديمة)» ،وأخ َذ واحدةً من أُم ال ُخلول المخبوزة والته َمها بنهم ،ثم قال« :نحن بين
َ
ُ
سفينتين اآلن» .وج َد أم ال ُخلول لذيذةً ،فأك َل أخرى.
ُزعجون أحدًا ال يحمل سيفًا أبدًا ،حتى فروج ال ُّنوق الحمقى ِمثل تيرو وأوربيلو». ُ « -مبارزو البراڤو ال ي ِ
ت؟».
َ « -من أن ِ
ُ
كنت أحدًا من قبل ولم أ ُعد كذلك .يُمكنك أن تدعوني الذفرة تفوح منها« :ال أحد. قالت ورائحة السَّمك َّ
بكات إذا أردتَ .من أنت؟».
إنك تتكلَّمين العاميَّة».
« -سامويل سليل عائلة تارليِ .
المالحين على متن (نايميريا) .قتلَه براڤو ألنه قال إن أ ِّمي أجمل من العندليب ،ليس « -أبي كان ُمشرف َّ
واحدًا من فروج النُّوق الذين التقيت اثنين منهمُ ،مبارز براڤو حقيقي .في ٍ
يوم ما سأذبحه .قال الرُّ بَّان إن
صغار وأنزلَني ،وبَعدها أخ َذني بروسكو إلى بيته وأعطاني (نايميريا) ليست في حاج ٍة إلى البنات ال ِّ
عربةً» ،ورف َعت عينيها إليه متسائلةً« :ما السَّفينة التي سترحلون عليها؟».
« -دفعنا ثَمن رحلة على (الليدي أوشانورا)».
ضيَّقت الفتاة عينيها ب َش ٍّك قائلةً« :لقد رحلَت .ألم تعلم؟ غاد َرت منذ أيام طويلة».
كان سام ليُجيب :أعل ُم .هو وداريون وقفا على الرَّصيف يُشا ِهدان مجاذيفها ترتفع وتنخفض بينما تش ُّ
ق
رجال أشجع لدف َعهً طريقها نحو (المارد) والبحر المفتوح ،وقال المغنِّي« :طيِّب ،انتهينا إذن» .لو كان سام
في الماء .حين يتعلَّق األمر بإقناع الفتيات بخلع ثيابهن يَقطُر من لسان داريون ال َّشهد ،لكن بوسيل ٍة ما في
حاول إقناع البراڤوسي بانتظارهم ،لكن الرَّجل قال: َ قمرة الرُّ بَّان وق َع عبء الكالم على كاهل سام وحده إذ
انتظرت العجوز ثالثة أيام كاملةً .إن مخازني ممتلئة ورجالي ن َكحوا زوجاتهم وو َّدعوهن .بكم أو دونكم ُ «
الجزر».
سترحل (الليدي) مع َ
متوس ًِّال قال سام« :أرجوك ،أيام إضافيَّة قليلة ،ال أطلبُ سوى هذا ،كي يستر َّد ال ِمايستر إيمون ق َّوته».
زار الخان في اللَّيلة السَّابقة ليرى ال ِمايستر إيمون بنفسه ،فقال« :ق َّوته كلُّها خا َرت .إنه
كان الرُّ بَّان قد َ
عجوز ومريض وال أريده أن يموت على متن (الليدي) .ابقوا معه أو اترُكوه ،ال فرق عندي .أنا مبح ٌر».
بأمان
ٍ رفض أن ير َّد ثَمن الرِّحلة الذي نقدوه إياه بالفعل ،الفضَّة التي كان يُفت َرض أن تأخذهمَ األسوأ أنه
إلى (البلدة القديمة).
«لقد استأجرتم أفضل قمراتي ،وهي موجودة في انتظاركم .إذا اخترتم َّأال تشغلوها فليس هذا ذنبي .لماذا
أتح َّم ُل الخسارة؟».
قال سام لنفسه محزونًا :لكنا قد بلغنا (وادي الغسق) اآلن بالفعل ،بل وربما (پنتوس) أيضًا لو ترفَّقت بنا
الرِّياح.
ت مغنِّيًا.»...
أنك رأي ِ
ت ِ لكن شيئًا من هذا لن يه َّم فتاة العربة ،فقال لها« :ذكر ِ
« -في (الميناء السَّعيد) .سيتز َّوج زوجة البحَّار».
« -يتز َّوج؟».
« -إنها تُ ِ
ضاجع َمن يتز َّوجونها فقط».
« -أين هذا (الميناء السَّعيد)؟».
« -قُبالة (سفينة الممثِّلين) .يُمكنني أن أدلَّك على الطَّريق».
أعرف الطَّريق» .سبقَت لسام رؤية (سفينة الممثِّلين) .ال يُمكن لداريون أن يتز َّوج!
ُ «-
لقد حلفَ اليمين!
«يجب أن أذهب».
ً
طويال على حجارة الرَّصف ال َّزلقة ،وسرعان ما را َح يلهث ومعطفه األسود ركض سام .كان الطَّريق َ
ك حزام سيفه بينما يَر ُكض.بإزعاج وراءه ،وقد أمس َ
ٍ الكبير يخفق
رمقَه القالئل الذين صادفَهم بنظرات الفضول ،ورف َعت قطَّة عجيزتها وهسه َست في وجهه ،ولدى بلوغه
السَّفينة كان يترنَّح.
الزقاق وج َد (الميناء السَّعيد) ،وما إن دخ َل سام بوج ٍه محتقن وأنفاس متقطِّعة حتى ط َّوقت امرأةقُبالتها في ُّ
ُ
لست هنا ألجل هذا» .قالت شيئًا بالبراڤوسيَّة ،ف َر َّد سام بالڤاليريَّة عوراء ُعنقه بذراعيها ،فقال لها« :ال.
الفُصحى« :ال أتكلَّ ُم تلك اللُّغة» .في المكان شموع مضاءة ونار مشتعلة في المستوقَد ،وأحدهم يعزف على
طت العوراء ثدييها إلى صدره، ب أحمر بأي ٍد متشابكة .ضغ َالكمنجة ،ورأى فتاتين تَرقُصان حول راه ٍ
فصا َح« :ال تفعلي هذا!
ُ
لست هنا ألجل هذا!».
َر َّن صوت داريون المألوف ً
قائال« :سام!
يانا ،دعيه ،هذا سام القاتِل ،أخي المحلَّف!».
أزاحت العوراء ذراعيها وإن أبقَت يدًا على ذراعه ،ونادَت إحدى الرَّاقصتيْن قائلةً« :يُمكنه أن يَقتُلني إذا َ
تظن أنه سيَترُكني ألمس سيفه؟» .وراءهما قاليون أرجواني مرسوم على ُّ أرا َد» ،وسألَت األخرى« :هل
الحائط ،طاقمه نساء ينتعلن أحذيةً ترتفع حتى الفخذ وال يرتدين شيئًا آ َخر ،وفي أحد األركان ث َّمة بحَّار
موضع آ َخر امرأة أكبر ِسنًّا
ٍ ويغط من تحت لحيته القرمزيَّة الضَّخمة ،وفي ُّ تايروشي غائب عن الوعي
رجل عمالق من (جُزر الصَّيف) يرتدي الرِّ يش األسود ٍ ذات نهدين عظيمين تلعب البالطات مع
والقرمزي ،وفي مركز كلِّ هذا يجلس داريون مم ِّر ًغا أنفه في رقبة المرأة الجالسة في ِحجره مرتديةً
معطفه األسود.
والتق السيِّدة زوجتي»َ .شعره رمل وعسل ،وابتسامته ِ تعال
َ بلسان أثقلَته الخمر« :أيها القاتِل،
ٍ نادى المغنِّي
كالزبدة حين أغنِّي .كيف أقاو ُم هذا الوجه؟» ،وقبَّل أنفها، ُّ يت لها أغاني الحُب .النِّساء يَ ُذبن
دافئة« .غنَّ ُ
ضت الفتاة رأى سام أنها عارية تحت المعطف، وتاب َع« :أعطي سام قُبلةً يا زوجتي ،إنه أخي» .ل َّما نه َ
وقال داريون ضاح ًكا« :إياك أن تعبث بجسد زوجتي أيها القاتِل ،لكن إذا أردت واحدةً من أخواتها فتفضَّل.
أظن». زال معي مال يكفي على ما ُّ ما َ
مال كان يُمكن أن تشتري به لنا طعا ًما ،مال كنا لنشتري به حطبًا ليتدفَّأ ال ِمايستر إيمون« .ماذا فعلت؟ ال
يُمكنك أن تتز َّوج .لقد حلفت اليمين ِمثلي .يُمكن أن يقطعوا رأسك من أجل هذا».
« -إننا متز ِّوجان لليل ٍة واحدة فقط أيها القاتِل .حتى في (وستروس) ال أحد يقطع رأسك من أجل هذا .ألم
تذهب إلى (بلدة المناجذ) ولو مرَّة لتُنَقِّب عن الكنوز ال َّدفينة؟».
احتقنَ وجه سام ،وقال« :نعم ،ال يُمكنني أبدًا أن.»...
« -وماذا عن فتاتك الهمجيَّة؟ ال بُ َّد أنك ضاجعتها م َّرةً أو ثالثًا .كلُّ تلك اللَّيالي في الغابة تحت معطفك ،ال
ط» ،ول َّوح داريون بيده نحو مقع ٍد مردفًا« :اجلس أيها القاتِلُ .خذ كوبًا من تقل لي إنك لم تضعه فيها قَ ُّ
النَّبيذُ ،خذ عاهرةًُ ،خذ االثنين».
قال سام الذي ال يُريد كوبًا من النَّبيذ« :لقد وعدتني بالعودة قبل ال َّشفق ،بأن تجلب نبي ًذا وطعا ًما».
قائال« :هي زوجتي ال أنت .ما ُدمت ك ً َر َّد داريون« :أهكذا قتلت (اآلخَر)؟ بتوبيخه حتى الموت؟» ،وضح َ
لن تشرب نخب زواجي فغا ِدر».
ظ ويُريد أن يسمع ما يُقال عن تلك التَّنانين .إنه يتكلَّم عن ال ُّنجوم« -تعا َل معي .ال ِمايستر إيمون استيق َ
النَّازفة والظِّالل البيضاء واألحالم و ...إذا عرفنا المزيد عن تلك التَّنانين فربما يُريحه هذا .سا ِعدني».
« -غدًا ،ليس ليلة زفافي» ،ودف َع داريون نفسه إلى الوقوف ،وأخ َذ عروسه من يدها وبدأ يتحرَّك نحو
السَّاللم ساحبًا إياها.
قائال« :لقد وعدت يا داريون ،وحلفت اليمين .المفروض أنك أخي». اعترض سام طريقه ًَ
« -في (وستروس) .هل يبدو لك أننا في (وستروس)؟».
« -ال ِمايستر إيمون.»...
ضر .هذا ما قاله ال ُمعالج المخطَّط الذي ب َّددت عليه فضَّتناُ .خذ فتاةً أو
بفم قسا ...« :يُحت َ
قاط َعه داريون ٍ
فسد زفافي».ارحل يا سام .إنك تُ ِ
ت معي».
قال سام« :سأذهبُ ،لكنك آ ٍ
وفرغت من األسود» ،وانتز َع داريون معطفع من على جسد عروسه العاري ُ ُ
فرغت منك « -ال ،لقد
ألق هذه الخرقة على العجوز وربما تُ َدفِّئه أكثر ً
قليال .لن أحتاج إليها. قائال« :هاكِ . ورماه في وجه سام ً
قريبًا سأرف ُل في المخمل ،والعام القادم سأكون مرتديًا الفراء وآك ُل.»...
وضربَه سام.
لم يُفَ ِّكر .ارتف َعت يده وتك َّورت قبضته وارتط َمت بفم المغنِّي ،ليُطلِق داريون سبابًا وتَصرُخ زوجته
العارية ،وألقى سام نفسه على المغنِّي وأسقطَه على ظَهره فوق مائد ٍة واطئة .االثنان قريبان في ُّ
الطول،
لكن سام يفوقه وزنًا مرَّتين ،وهذه المرَّة على األقل هو أكثر غضبًا من أن يخاف .لك َم المغنِّي في وجهه
ق شفته،وراح يهوي على كتفيه بقبضتيه ،ول َّما أمسكَ داريون معصميه نط َحه سام برأسه و َش َّ َ وبطنه،
مكان ما كان رجل يضحك وامرأة تسبُّ وتلعن ،وبدا أن ٍ فتخلَّى المغنِّي عن معصميه وضربَه في أنفه .في
طأ ،كأنهما ُذبابتان سوداوان تخوضان في قطع ٍة من الكهرمان ...ثم َج َّر أحدهم سام من حركة ال ِعراك تتبا َ
فضرب هذا ال َّشخص أيضًا ،ثم هوى شيء على رأسه.
َ فوق صدر المغنِّي،
بَعدها لم يَشعُر َّإال بنفسه في الخارج طائرًا في الضَّباب ،وألقلِّ من لحظ ٍة رأى المياه السَّوداء تحته ،ثم
ارتف َعت القناة ولط َمته على وجهه.
وغاص سام كالحجر ،كالجُلمود ،كالجبل.
َ
دخ َل الماء عينيه وأنفه قات ًما باردًا مالحًا ،ول َّما حاو َل أن يصيح مستغيثًا ابتل َع المزيد ،ورا َح يَرفُس ويشهق
منقلبًا والفقاقيع تتفجَّر من أنفه .قال لنفسه :اسبح ،اسبح .لس َع الملح عينيه عندما فت َحهما وأعماهما ،وبرزَ
س بي ٍد واحدة بينما تح َّسست الثَّانية ِجدار
وضرب الماء بيأ ٍ
َ رأسه من السَّطح لحظةً َعبَّ خاللها الهواء
يستطع اإلمساك بها ...وعا َد يغوص.
ِ القناة ،لكنه وج َد الحجارة زلقةً لزجةً ولم
ك حول ق حزام سيفه على ساقيه واشتب َ أحسَّ سام بالبرودة على ِجلده مع نفاذ المياه من ثيابه ،وانزل َ
ً
وبدال ً
محاوال العثور على طريق العودة إلى السَّطح، وبهلع أسود أعمى قال لنفسه :سأغر ُ
ق .تل َّوى ٍ كاحليه،
ق .تحرَّك شيء تحت يده الضَّاربة بهياج، من هذا لط َمه قاع القناة على وجهه .إنني مقلوب ،إنني أغر ُ
ثُعبان ماء أو سمكة انزلقَت بين أصابعه .ال يُمكن أن أموت .ال ِمايستر إيمون سيموت من غيري ،ولن يعود
لجيلي أحد .يجب أن أسبح ،يجب أن...
ط ِّوقه من تحت ذراعيه وحول صدره ،وأول ما خط َر له سم َع شيئًا ضخ ًما يرتطم بالماء ،وشع َر بشي ٍء ما يُ َ
كان :ثُعبان الماء ،الثُّعبان ط َّوقني ،سيسحبني إلى أسفل.
ق اآللهة ،لقد ُ
غرقت ،أوه ،بح ِّ وآخر فكر ٍة دا َرت بباله كانت :لقد
فت َح فمه ليَصرُخ فابتل َع المزيد من الماءِ ،
ُ
غرقت.
ق على بطنه بقبضتين ضخمتين. ظهره ورجل (جُزر الصَّيف) األسود الكبير يد ُّ حين فت َح عينيه كان على َ
ق .كان ًّ
مبتال عن بدال من الكلمات خر َج منه الماء وشه َ حاو َل سام أن يَصرُخ :توقَّف ،إنك تُؤلِمني ،لكن ً
ق المزيد من الماء من آخره ويرتعد على األرض في بِرك ٍة من الماء .لك َمه الرَّجل في بطنه ثانيةً وانبث َ ِ
أنفه ،وقال سام الهثًا« :توقَّف ،لم أغرق ،لم أغرق».
ش كثير .الماء أفس َدما َل ُمنقذه األسود الضَّخم عليه والماء يَقطُر منه ،وقال« :نعم .أنت مدين لزوندو بري ٍ
معطف زوندو األنيق».
رأى سام صحَّة هذا في ريشات المعطف المبتلَّة المتَّسخة الملتصقة بكتفَي األسود الضَّخمتين ،وقال« :لم
أكن أقصد.»...
ق الرَّجل على سُترةالمفترض أن يطفو السِّمان» ،وأطب َ
َ ...« -أن تسبح؟ زوندو رأى .تلويح كثير ج ًّدا.
سام بقبض ٍة سوداء هائلة وسحبَه موقِّفًا إياه ،وقال« :زوندو وكيل ُربَّان على (ريح القرفة) .لُغا ٍ
ت كثيرة
يتكلَّم بعض ال َّشيء .في ال َّداخل يضحك زوندو لرؤيتك تَل ُكم المغنِّي .وزوندو يسمع» ،واتَّسعت ابتسامة
بيضاء على وجهه إذ أضافَ « :زوندو يعرف هذه التَّنانين».
چايمي
كنت آم ُل أنك سئمت من هذه اللِّحية ال َّشنيعة .كلُّ هذا ال َّشعر يجعلك تُشبِه روبرت» .كانت أخته قد نب َذت
ُ «-
وبدال منها ارتدَت فُستانًا بلون اليَشب األخضر له ُك َّمان من شرائط ال ِّزينة المايريَّة ً ثياب الحداد،
المفضَّضة ،وط َّوقت ُعنقها بسلسل ٍة ذهبيَّة تتدلَّى منها زمرُّ دة بحجم بيضة حمامة.
« -لحية روبرت كانت سوداء ،لحيتي أنا ذهبيَّة».
ضيَّة؟» ،ونتفَت شعرةً من تحت ذقنه ،شعرةً شائبةً رف َعتها قائلةً« :األلوان كلُّها سألَته سرسي« :ذهبيَّة أم ف ِّ
صرت شبحًا للرَّجل الذي كنته ،شيئًا باهتًا عاج ًزا ،وشاحبًا للغاية أيضًا ،دائ ًما تتسرَّب منك يا أخي .لقد ِ
تلبس األبيض» ،ونق َرت ال َّشعرة بطرف إصبعها مضيفةً« :أفضِّ لك مرتديًا القرمزي َّ
والذهبي».
بشرتك العارية .يُريد أن يُقَبِّلها ،أن يحملها إلى
ِ َ
تتألأل على لك مو َّشاةً بنور ال َّشمس وقطرات الماء
ض ِوأف ِّ
معك
ِ ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وفتى القمر« ...سأعق ُد ُغرفة نومها ويُلقيها على الفِراش ...كانت تُ ِ
أمرك».
ِ صفقةً .أعفيني من هذا الواجب وسأض ُع الموسى تحت
ساومني؟ تقلَّص فمها .كانت تشرب النَّبيذ المتبَّل السَّاخن وتتض َّوع منها رائحة جوز الطِّيب« .هل تتجرَّأ وتُ ِ
ي أن أذ ِّكرك بأنك أقسمت على الطَّاعة؟». أعل َّ
ُ
أقسمت على حماية الملك ،ومكاني إلى جانبه». «-
ُرسلك».
« -مكانك أينما ي ِ
ت ،وحماقة .لماذا تُقَلِّدين داڤن حُكم الغرب إذا كن ِ
ت فعلتك أن ِ
ِ « -تومن يختم ك َّل ورق ٍة تضعينها أمامه .هذه
ال تثقين به؟».
جل َست سرسي على مقع ٍد أسفل النَّافذة ،وسألَت چايمي المتطلِّع إلى أطالل (بُرج اليد) المسو َّدة وراءها:
«ما الذي يُنَفِّرك هكذا من مه َّمتك أيها الفارس؟ هل فقدت َشجاعتك مع يدك؟».
أقسمت لليدي ستارك َّأال أرفع السِّالح ضد آل ستارك أو تَلي ثانيةً أبدًا».
ُ « -لقد
شخص مخمور قطعته وعلى ُعنقك سيف مصلت».
ٍ « -وعد
« -كيف أداف ُع عن تومن إن لم أكن معه؟».
ي تُرس ...ولو أنني ال « -بهزيمة أعدائه .لطالما قال أبونا إن ضربة السَّيف السَّريعة دفاع أفضل من أ ِّ
أنك ُر أن معظم ضربات السُّيوف يحتاج إلى يد ،لكن حتى األسد ال ُمعاق يُمكن أن يُثير الخوف .أري ُد
ُص ِّحح األوضاع في (هارنهال) .إننا في (ريڤر َرن) ،أري ُد برايندن تَلي سجينًا أو ميتًا ،وعلى أحدهم أن ي َ
حاج ٍة ماسَّة إلى وايليس ماندرلي ،بفرض أنه ال يزال حيًّا وأسيرًا ،لكن الحامية لم تر َّد على أيٍّ من
ِغدفاننا».
قائالَ « :من في (هارنهال) رجال جريجور .الجبل كان يُفَضِّلهم قساةً وحمقى .على األرجح ذ َّكرها چايمي ً
دفانك برسائلها».
ِ أكلوا ِغ
« -لهذا سأ ُرسلك .ربما يأكلونك أيضًا يا أخي ال ُّشجاع ،لكنني واثقة بأنك ستُصيبهم بعُسر الهضم» ،وس َّوت
سرسي تنُّورتها مردفةً« :أري ُد أن يقود السير أوزموند ال َحرس الملكي في غيابك».
ُ
كنت ذاهبًا ال لك .إذا ...كانت تُ ِ
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا« ...الخيار ليس ِ
محالة فسيتولَّى السير لوراس القيادة هنا ً
بدال مني».
« -أهذه مزحة؟ أنت تعرف شعوري نحو السير لوراس».
« -لو لم تُ ِ
رسلي بالون سوان إلى (دورن).»...
أهال للثِّقة .الثُّعبان األحمر ناص َر تيريون ،هل نسيت؟
« -أحتا ُج إلى وجوده هناك .أولئك الدورنيُّون ليسوا ً
لن أترك ابنتي تحت رحمتهم ،ولن أترك لوراس تايرل يقود ال َحرس الملكي».
« -السير لوراس أكثر رجولةً من السير أوزموند ثالث مرَّات».
« -أفكارك عن الرُّ جولة تغيَّرت بعض ال َّشيء يا أخي».
ثدييك باشتها ٍء كالسير
ِ قال چايمي شاعرًا بغضبته تتصاعَد« ،صحيح ،السير لوراس ال يُ َحملِق إلى
أوزموند ،لكنني ال أف ِّك ُر في.»...
« -ف ِّكر في هذه» ،ولط َمته سرسي على وجهه.
حاول چايمي أن يص َّد اللَّطمة ،وقال« :أرى أنني في حاج ٍة إلى لحي ٍة أثقل تُلَ ِّ
طف تربيت مليكتي» .يُريد لم يَ ِ
أن ينتزع فُستانها من عليها ويُ َح ِّول ضرباتها إلى قُبالت.
لقد فعلَها من قبل ،عندما كانت له يدان سليمتان.
قالت الملكة بعينين من الجليد األخضر« :خي ٌر لك أن تذهب أيها الفارس».
...النسل وأوزموند ِكتلبالك وفتى القمر...
« -أأنت أصم عالوةً على عاهتك؟ ستجد الباب وراءك أيها الفارس».
أمرك» ،ودا َر على عقبيه وتر َكها.
ِ َر َّد چايمي« :
بصدر رحب أبدًا ،وهو يعلم هذا .ربما
ٍ المعارضة
َ مكان ما .سرسي ال تتلقَّى
ٍ ال بُ َّد أن اآللهة تضحك في
ُغضبه مجرَّد منظرها. كانت كلمات أر ُّ
ق لتجعلها تستجيب ،لكن في الفترة األخيرة ي ِ
جزء منه سيُ َسرُّ لوضع (كينجز الندنج) وراءه .إنه ال يُطيق صُحبة ال ُمرائين والبُله المحيطين بسرسي،
«المجلس الوضيع» كما يُ َس ُّمونهم في (جُحر البراغيث) وفق كالم أدام ماربراند .ثم إن كايبرن ...ربما أنق َذ
الرَّجل حياته ،لكنه ال يزال من الممثِّلين ال َّسفَّاحين ،وقد قال چايمي لسرسي منذرًا« :رائحة األسرار العفنة
تفوح من كايبرن» ،فر َّدت عليه ضاحكةً« :كلُّنا لنا أسرارنا يا أخي».
...كانت تُ ِ
ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا...
أربعون فارسًا و ِمثلهم من ال ُمرافقين كانوا ينتظرونه خارج اسطبالت (القلعة الحمراء)ِ ،نصفهم من
الغربيِّين المقسمين على الوالء لعائلة النستر ،واآل َخرون كانوا أعدا ًء حتى فتر ٍة قريبة قبل أن يُصبِحوا
أصدقا ًء مشكو ًكا فيهم .سيحمل السير درموت ابن (الغابة المطيرة) عَلم تومن ،ورونيت كوننجتون األحمر
راية ال َحرس الملكي البيضاء ،في حين سيتقا َسم واحد من كلٍّ من آل پايپر وپايچ وپكلدون َشرف ُمرافقة
نصحه َسمنر كراكهول ذاتَ ضع أصدقاءك وراء ظَهرك وأعداءك أمام ناظريْك» .هكذا حضرة القائدَ « .
يوم ...أم أن أباه َمن قالها؟ حصان ركوبه كستنائي غني بالحُمرة ،وجواده الحربي فَحل رمادي مطهَّم.
سنوات طويلة مرَّت منذ س َّمى چايمي أيًّا من خيوله ،إذ رأى كثيرًا منها يموت في المعارك ،وهذا أصعب
على النَّفس عندما تكون للخيل أسماء ،لكن حين بدأ ابن پايپر يدعو حصانيْه بأونَر وجلوري ،ضحكَ
چايمي وأجازَ االسمين .على جلوري كسوة بلون النستر القرمزي ،وعلى أونَر أبيض ال َحرس الملكي،
ك چوزمين پكلدون زمام الثَّاني بينما امتطاه السير چايمي .ال ُمرافق نحيل كالحربة ،طويل وقد أمس َ
ال ِّذراعين والسَّاقين ،وله َشعر بنِّي كالفئران ووجنتان ينبت منهما ال َّزغب النَّاعم ،ويرتدي معطف النستر
القرمزي ،لكن على سُترته نجمات عائلته األرجوانيَّة العشر المصفوفة على خلفيَّ ٍة صفراء .سألَه الصَّبي:
«هل ستُريد يدك الجديدة يا سيِّدي؟».
قائال« :ضعها يا چايمي ،ل ِّوح بها للعا َّمة وامنحهم حكايةً يحكونها ً استحثَّه السير كينوس الكايسي
ألطفالهم».
أظن» .لن يُري الجماهير كذبةً من ذهب .فليروا العاهة ،فليروا ال ُمعاق« .لكن لك ح ِّريَّة أن تُ َع ِّوضهم « -ال ُّ
ودار
َ لوح بكلتا يديك وارفُس بقدميك أيضًا إذا أردت» ،ولمل َم چايمي ال ِعنان بيُسراه يا سير كينوسِّ .
بالحصان ،ونادي بينما اتَّخذ الباقون تشكيلهم« :پاين ،ستركب إلى جواري».
صا قدي ًما من ق السير إلين پاين طريقه إلى چايمي باديًا كال َّشحَّاذين وسط األبَّهة المحيطة ،وقد ارتدى قمي ً َش َّ
ي شعارات نَبالة، الحلقات المعدنيِّة الصَّدئة فوق سُتر ٍة متَّسخة من ِ
الجلد المق َّوى .ال يحمل الرَّجل أو دابَّته أ َّ
طيه .بوجهه الكئيب وعينيه الغائصتين طالء الذي كان يُ َغ ِّ
صعِّب معرفة لون ال ِّ بال مكسَّر لدرج ٍة تُ َ
وتُرسه ٍ
ونظرتهما الخاوية كان المرء ليحسب السير إلين الموت نفسه ...وهو ال َّدور الذي لعبَه أعوا ًما.
لكنه لم يَعُد كذلك .السير إلين هو نِصف الثَّمن الذي طلبَه چايمي كي يبتلع أمر مليكه الصَّبي باعتباره قائد
ال َحرس الملكي المطيع ،والنِّصف الثَّاني هو السير أدام ماربراند .قال ألخته إنه محتاج إليهما ،ولم
َّ
والجالد صبا چايمي، عارضه سرسي .إنها في الغالب مسرورة لخالصها منهما .السير أدام صديق ِ تُ ِ
الصَّامت كان ينتمي إلى أبيهما إن كان ينتمي إلى أيِّ أحد .كان پاين قائد َحرس يد الملك حين ُس ِم َع يقول
بزه ٍو إن اللورد تايوين هو َمن يَح ُكم (الممالك السَّبع) ويُملي على الملك إيرس ما يفعله ،وألجل هذا قط َع
إيرس تارجاريَن لسانه.
ق العُفر القوي بصوته الجهوري« :افتحوا البو َّ ابة!». قال چايمي« :افتحوا الب َّوابة» ،فزع َ
اصطف ألوف في ال َّشوارع
َّ حين خر َج مايس تايرل من (ب َّوابة الطَّمي) على وقع الطَّبل والكمنجات
س مرفوعة وأرج ٍُل تد ُّ
ق صبية صغار إلى المسيرة ماشين إلى جوار جنود تايرل برؤو ٍ لتحيَّته ،وانض َّم ِ
األرض ،بينما ر َمت أخواتهم القُبالت من النَّوافذ.
ليس األمر هكذا اليوم .صا َحت بعض العاهرات داعيات إياهم وهُم يمرُّ ون ،ونادى بائع فطير ٍ
لحم على
بضاعته ،وفي (ميدان األساكفة) كان ُعصفوران رثَّا الثِّياب يَخطُبان في ع َّدة مئا ٍ
ت من العا َّمة داعين
بالهالك على الكافرين وعبدة ال َّشياطين .أفس َح المتزاحمون الطَّريق للمسيرة ،ورمقَهم العُصفوران
عجبهم رائحة الورد لكنهم ال يحبُّون األُسود .من ت فاترة ،فعلَّق چايمي« :تُ ِ واألساكفة على َح ِّد سواء بنظرا ٍ
الحكمة أن تأخذ أختي هذا بعين االعتبار» .لم ير َّد السير إلين ،فقال لنفسه :الرَّفيق ال ِمثالي لرحل ٍة طويلة.
سأستمت ُع بمحادَثاتي معه.
كان الجزء األكبر من ق َّوته في انتظاره خارج أسوار المدينة؛ السير أدام ماربراند مع جنوده ،والسير
ستفون سويفت مع قافلة األمتعة ،والسير بونيفر ال َّ
صالح ورجاله األتقياء المئة ،ورُماة سارسفيلد الرَّاكبون،
وال ِمايستر چوليان بأربعة أقفاص مليئة بال ِغدفان ،ومئتان من الخيول الثَّقيلة تحت قيادة السير فليمنت
براكس.
آخر ما يحتاجون إليه في إجماال ،على أن األعداد ًِ رجل
ٍ بشكل عام ،أقل من ألف
ٍ ليس جي ًشا جرَّارًا
طائر
ٍ آخرُحاصر القلعة بالفعل ،وث َّمة ق َّوة أكبر من رجال فراي أيضًاِ .
ِ (ريڤر َرن) ،فأحد جيوش النستر ي
المحاصرين يجدون صعوبةً في إطعام أنفُسهم ،إذ استولى برايندن تَلي على ِ جا َءهم ل َّمحت رسالته إلى أن
ما في األراضي المحيطة بالكامل قبل أن ينسحب وراء أسواره .ولو أنه لم يكن هناك كثير يستولي عليه.
مما رأى چايمي في أراضي النَّهر ال يكاد يتبقَّى حقل لم ي َ
ُحرق أو بلدة لم تُنهَب أو فتاة لم يُنتهَك ِعرضها.
رسلني أختي الجميلة ألت َّم العمل الذي بدأه آموري لورك وجريجور كليجاين .تر َكت الفكرة في فمه واآلن تُ ِ
مذاقًا مريرًا.
ت كهذا،ق آخَر في وق ٍ على هذه المقربة من (كينجز الندنج) يع ُّد (طريق الملوك) أكثر أمنًا من أ ِّ
ي طري ٍ
وعلى الرغم من ذلك أرس َل چايمي ماربراند وك َّشافته الستطالع الطَّريق ،وقال« :روب ستارك أخ َذني
على حين غرَّة في (الغابة الهامسة) ،ولن يَح ُدث ذلك ثانيةً أبدًا».
حصان من جديد ،وقد ارتدى ٍ بوضوح لوجوده على صهوة
ٍ « -لك كلمتي» .يبدو ماربراند مستري ًحا
عدو أكثر من دست ٍة من
ٍّ َّ
بدال من صوف َحرس المدينة الذهبي« .إذا دنا أيُّمعطف عائلته الرَّمادي ال ُّدخاني ً
الفراسخ فستعرف بوجوده قبلها».
ت صغار كان چايمي قد أعطى أوامر مش َّددةً بعدم خروج أح ٍد من الصَّفِّ دون إذنه ،فلوال هذا سيجد لوردا ٍ
يَشعُرون بالملل فيتسابَقون في الحقول ويُ َشتِّتون قُطعان الماشية ويدعسون المحاصيل .ما زالَت هناك أبقار
وخراف قُرب المدينة ،وتفَّاح على األشجار وتوت في األ َجمات ،وسنابل ُذرة وشوفان وقمح شتوي في
ت أبعد لن تكون األمور الحقول ،وعربات يد وعربات تجرُّ ها الثِّيران على الطَّريق ،لكن على مسافا ٍ
ورديَّةً هكذا.
يكاد چايمي يحسُّ بالقناعة وهو راكب على رأس الجيش وإلى جواره السير إلين الصَّامت .ال َّشمس دافئة
على ظَهره والرِّياح تُدا ِعب َشعره كأصابع امرأة ،ول َّما هرو َل ليو پايپر الصَّغير إليه ب ِملء خوذ ٍة من التُّوت
األسود أك َل چايمي حفنةً وقال للصَّبي أن يتقا َسم الباقي مع ُزمالئه ال ُمرافقين والسير إلين پاين.
وجلده المق َّوى ،ال يَص ُدر منه صوت يبدو پاين مرتاحًا في صمته ِمثلما يرتاح في قميصه المعدني الصَّدئ ِ
َّإال طقطقة حوافر حصانه المخصي وصلصلة سيفه في ِغمده كلَّما ع َّدل نفسه فوق َسرجه .على الرغم من
وجهه المجدور الكئيب وعينيه الباردتين كالجليد على بُحير ٍة في ال ِّشتاء يَشعُر چايمي بأن الرَّجل مسرور
لمجيئه .قال لنفسه مذ ِّكرًا :لقد منحته الخيار .كان بإمكانه أن يَرفُض ويبقى َّ
جالد الملك.
زفاف من روبرت باراثيون لوالد عروسه ،وظيفةً تدرُّ ٍ كان تعيين السير إلين في منصب عدالة الملك هديَّة
دخال بال جُه ٍد تعويضًا لپاين عن اللِّسان الذي فقدَه في خدمة عائلة النستر .عم َل الرَّجل سيَّافًا ممتا ًزا ،ولم ً
تاج إلى ضرب ٍة ثانية ،كما أن هناك شيئًا في صمته يُوقِع الخوف في القوب. ط ونادرًا ما اح َ ُفسد إعدا ًما قَ ُّ
ي ِ
قلَّما بدا عدالة ٍ
ملك مناسبًا لمنصبه تما ًما.
حين قرَّر چايمي أن يأخذه سعى إليه في مسكنه في طرف البُرج المس َّمى (مشية الخونة) .ينقسم الطَّابق
العُلوي من البُرج القصير نِصف المستدير إلى زنازين السُّجناء الذين يتطلَّبون نوعًا من الرَّاحة ،األسرى
من الفُرسان وصغار اللوردات الذين ينتظرون دفع فديتهم أو مبادَلتهم ،ويقع مدخل ال َّزنازين الحقيقيَّة في
ثان من الخشب الرَّمادي المشقَّق ،وتض ُّم الطَّوابق ب ٍ ب من الحديد المطرَّق وبا ٍ الطَّابق األرضي ،وراء با ٍ
جالد ،ولكن األخرى ُغرفًا مخصَّصةً لرئيس ال َّسجَّانين واللورد قيِّم االعترافات وعدالة الملك .األخير َّ
ً
مسؤوال أيضًا عن ال َّزنازين ورجالها. جرى العُرف على أن يكون
ولهذه المه َّمة تحديدًا لم يكن السير إلين پاين مناسبًا على اإلطالق ،فبما أنه ال يقرأ أو يَكتُب أو يتكلَّم ،تركَ
السير إلين إدارة ال َّزنازين لمرؤوسيه ،وهُم قالئل .على أن البالد لم تعرف قيِّ ًما لالعترافات منذ عهد
وآخر رئيس سجَّانين كان تاجر أقمش ٍة اشترى الوظيفة من اإلصبع الصَّغير خالل حُكم دايرون الثَّانيِ ،
ارتكب غلطة التَّآ ُمر مع عد ٍد
َ ك أن الرَّجل أحسنَ االنتفاع من منصبه بضعة أعوام ،إلى أن روبرت .ال َش َّ
من األغنياء الحمقى اآلخَرين على إعطاء ستانيس العرش الحديدي .كانوا يُ َس ُّمون أنفسهم رجال القرون،
ق چوف في رؤوسهم قرونًا قبل أن يرميهم بالمنجنيق من فوق أسوار المدينة ،وهكذا وق َع فتح باب ف َد َّ
ال َّزنازين لچايمي على عاتق رينيفر لونجووترز ،رئيس ُمشرفي ال َّسجَّانين ذي الظَّهر المحني الذي يُس ِهب
على نح ٍو ممل في ادِّعاء أن في عروقه «قطرة من دماء التَّنانين» .قادَه الرَّجل صاعدًا السَّاللم الضيِّقة
المنحوتة داخل الجُدران إلى حيث يَس ُكن السير إلين پاين منذ خمسة عشر عا ًما.
كانت رائحة الطَّعام المتعفِّن تُف ِعم ال ُغرفة ،والحصير يعجُّ بالحشرات ،وإذ دخ َل چايمي كا َد يتعثَّر في جرذ.
رأى سيف پاين العظيم مستق ًّرا على طاول ٍة إلى جانب مشح ٍذ وقطع ٍة لزجة من القُماش المزيَّت .ال تشوب
تناثرت أكوام الثِّياب المتَّسخة
َ الفوالذ شائبة ،ويلتمع َح ُّده باألزرق في الضَّوء ال َّشاحب ،لكن فيما عدا ذلك
يستطع
ِ على األرض ،وقِطع الحلقات المعدنيَّة وال ُّدروع الملقاة هنا وهناك مبقَّعة بالصَّدأ األحمر ،ولم
چايمي إحصاء آنية النَّبيذ المكسورة .الرَّجل ال يعبأ َّإال بالقتل ،قال لنفسه بينما خر َج السير إلين من ُغرفة
طلب مني أنَ صاحب الجاللة
ِ خاطب الرَّجل ً
قائال« : َ نوم تفوح منها رائحة أوعية الفضالت الطَّافحة. ٍ
أستر َّد أراضي نهره.
أريدك معي ...إذا كنت تطيق التَّخلِّي عن ك ِّل هذا».
جاوبَه الصَّمت ،ونظرة طويلة بعينين ال تطرفان ،لكن قُبيل أن يلتفت ليُغا ِدر أومأ َ پاين برأسه موافقًا.
ق چايمي رفيقه مف ِّكرًا :وها هو ذا راكب معي .ربما لم يزل هناك أمل لكلينا. رم َ
ليلتها خيَّموا أسفل قلعة عائلة هايفورد القائمة فوق تلِّها .مع ميل ال َّشمس إلى المغيب ارتف َعت مئة خيمة عند
سفح التَّل على ضفاف الجدول الجاري إلى جواره ،وعيَّن چايمي الحراسة بنفسه .ال يتوقَّع متاعب على
حسب نفسه آمنًا في (أوكسكروس) أيضًا ،واألفضل َّأال َ هذا القُرب من المدينة ،لكن ع َّمه ستافورد
ُجازف.
ي ِ
حين وصلَت ال َّدعوة من أعلى ألن يتنا َول ال َعشاء مع أمين قلعة الليدي هايفورد ،أخ َذ چايمي معه السير
إلين باإلضافة إلى السير أدام ماربراند والسير بونيفر هاستي ورونيت كوننجتون األحمر والعُفر
ي أن أضع اليد». وصغار اللوردات ،وقبل أن يصعد قال لپِكُّ « :
أظن أن عل َّ ومجموع ٍة أخرى من الفُرسان ِ
الذهب ،يُحاكي تكوينها يدًا حقيقيَّةً بش َّدة ،ومرصَّعة بأظفار من جلبَها الصَّبي في الحال .اليد مطرَّقة من َّ
ِعرق اللُّؤلؤ ،وأصابعها الخمسة نِصف مغلق ٍة بحيث تُحيط بساق الكأس .قال لنفسه بينما أحك َم الصَّبي عقد
األربطة التي تُثَبِّتها إلى َجدعته :ال أستطي ُع القتال لكني أستطي ُع أن أشرب .عندما ر َّكبها صانع السِّالح
الذهبيَّة من اآلن فصاعدًا يا سيِّدي». على معصم چايمي أول م َّر ٍة قال له مؤ ِّكدًا« :سيدعوك النَّاس بذي اليد َّ
كان مخطئًا .سبأقى قاتِل الملك إلى أن أموت.
ط چايمي كأس نبي ٍذ الذهبيَّة محطَّ العديد من تعليقات اإلعجاب خالل ال َعشاء ،على األقل حتى خب َ كانت اليد َّ
عجبك لهذه ال َّدرجة فابتُر وأسقطَها ،وعندها تم َّكن منه حنقه ،وقال لفليمنت براكس« :إذا كانت اليد اللَّعينة تُ ِ
يد سيفك و ُخذها».
بَعدها سكتَ الكالم عن يده تما ًما ،واستطا َع أن يشرب القليل من النَّبيذ في سالم.
تنتمي سيِّدة القلعة إلى عائلة النستر بال َّزواج ،وهي طفلة ممتلئة ال تزال تتعلَّم المشي ُز ِّو َجت بتايرك ابن
ضت على الضُّ يوف ألجل استحسانهم، ع ِّمه قبل أن تت َّم العام .حسب األصول جي َء بالليدي إرميساند و ُع ِر َ
الذهب عليه رمز عائلة هايفورد -ال َّشبكة الخضراء المائلة والخَ ُّ
ط وقد ألبَسوها فُستانًا صغيرًا من قُماش َّ
انفجرت الصَّغيرة في البُكاء ،وبال إبطا ٍء
َ ً
مشغوال بحبَّات اليَشب .لكن سرعان ما المم َّوج األخضر الباهت-
حملَتها ُمرضعتها إلى الفِراش.
سأل أمين القلعة« :أال تو َجد أخبار عن اللورد تايرك؟». بينما يُقَ َّدم طبق َسمك الترويت َ
« -إطالقًا» .اختفى تايرك النستر في أثناء ال َّشغب في (كينجز الندنج) وقت أن كان چايمي نفسه أسيرًا في
(ريڤر َرن) ،وبافتراض وجوده على قيد الحياة فقد بل َغ الصَّبي الرَّابعة عشرة.
علَّق السير أدام ماربراند وهو يُزيل شوك سمكتهُ « :
قدت بحثًا بنفسي بأمر اللورد تايوين ،لكني لم أجد
ق الغوغاءآخر م َّر ٍة ُشو ِهد الصَّبي كان على متن حصانه حين اختر َ أكثر مما وجدَه بايووتر من قبليِ .
الذهبيَّة ،لكن بَعدها ...لقد ُعثِ َر على حصانه من دون الرَّاكب .على األرجح سحبوه صفوف ذوي المعاطف َّ
حدث ،فأين الجثَّة؟ الغوغاء تركوا الجُثث األخرى ،فلِ َم ليس هو َ من فوقه وقتلوه ،لكن إذا كان هذا ما
أيضًا؟».
ق فديةً ضخمةً». ي النستر يستح ُّقال العُفر« :قيمته أعلى حيًّا .أ َّ
طلب فديةً بتاتًا .الصَّبي اختفى ببساطة». َ َر َّد ماربراند« :ال َشك ،لكن ال أحد
قال وخ َرقًا بمرور شرب ثالثة كؤوس نبيذ ،ويَشعُر بيده َّ
الذهبيَّة تزداد ثِ ً َ « -الصَّبي ماتَ » .كان چايمي قد
ك ِّل لحظة .سينفعني ُخطَّاف بالقدر نفسه« .إذا تبيَّنوا َمن قتلوا فال ريب أنهم ألقوه في النَّهر خشية غضبة
أبي .إنهم يعرفون مذاقها في (كينجز الندنج) .اللورد تايوين كان يُ َسدِّد ديونه دائ ًما».
أيَّده العُفر ً
قائال« :دائ ًما» ،وبهذا انتهى الكالم في الموضوع.
لكن الحقًا ،وهو وحده في ُغرفة البُرج التي أنزَ لوه فيها اللَّيلة ،وج َد چايمي نفسه يتسا َءل .تايرك خد َم الملك
الذهب ومميتةً أكثر من روبرت ك ُمرافق جنبًا إلى جنب النسل ،ومن شأن المعرفة أن تكون أثمن من َّ
الخنجر .عندئ ٍذ ف َّكر في ڤارس مبتس ًما وتفوح منه رائحة ال ُخزامى .كان للخص ِّي ُمخبرون وجواسيس في
سهال عليه للغاية أن يُ َرتِّب الختطاف تايرك وسط البلبلة ...بفرض أنه عرفَ ً جميع أنحاء المدينة ،ولكان
باندالع شغب الرَّعاع مسبقًا .وڤارس كان يعرف ك َّل شيء ،أو أنه أرادَنا أن نعتقد هذا ،لكنه لم يُ َح ِّذر
سرسي من ال َّشغب ،وال نز َل إلى الرَّصيف لوداع مارسال.
فت َح النَّافذة ليَشعُر بالبرودة تتو َّغل في اللَّيل ،والتم َعت يده في ضوء القمر ال ُمحاق ال َّشاحب .ال تَصلُح لخنق
ب أحمر .يُريد أن المخصيِّين لكنها ثقيلة بما فيه الكفاية لتهشيم ذلك الوجه الباسم اللَّزج وتحويله إلى خرا ٍ
يضرب أحدًا.
ُّ
يحتك َّ
الجالد وتب َعه، فنهض
َ عث َر چايمي على السير إلين يشحذ سيفه العظيم ،وقال له« :حانَ الوقت»،
الجلد المشقَّق بال َّدرجات الحجريَّة العالية بينما ينزالن .ينفتح مستودَع السِّالح على ساح ٍة صغيرة، حذاؤه ِ
وهناك وج َد تُرسين وخوذتين قصيرتين وسيفَي مباريات مثلوميْن ،ناو َل پاين أحدهما وحم َل الثَّاني بيُسراه
الذهبيَّة منحنية بما يكفي لإلمساك باألحزمة لكن ال يُمكنها الجلديَّة .أصابعه َّ
و َدسَّ اليُمنى في أحزمة تُرسه ِ
يستطع حمل التُّرس بإحكام.
ِ اإلطباق عليها ،فلم
لنر َمن نحن اآلن».قال چايمي« :كنتَ فارسًا ذات يوم ،وأنا كذلكَ .
ضا عليه من فوره .كانت مهارة پاين صدئةً كقميصه رف َع السير إلين سيفه ر ًّدا ،وتحرَّك چايمي منق ًّ
اعترضها بتُرسه .رقصا تحت
َ قابل ك َّل ضرب ٍة بسيفه أو
َ المعدني ،وق َّوته ليست مفرطةً كبِريان ،لكنه
ال ُمحاق والنَّصالن المثلومان يُ َردِّدان أغنيَّتهما الفوالذيَّة ،وقن َع الفارس الصَّامت بترك چايمي يقود الرَّقصة
أصاب چايمي
َ انتقل من الدِّفاع إلى الهجوم
َ بعض الوقت ،لكنه بدأ أخيرًا ير ُّد الضَّربة بالضَّربة ،وحالما
ت س َّددها إلى خوذته ،وانتزعَت أخرى تُرسه ق رأسه بضربا ٍ ت َد َّ
على فخذه وكتفه وسا ِعده ،وثالث مرَّا ٍ
من ذراعه اليُمنى وكادَت تُ َم ِّزق األحزمة التي تربط يده َّ
الذهبيَّة ب َجدعته .حين خفضا سيفيهما كان مكدو ًما
قائال« :سنَرقُص ثانيةً ،غدًا وبَعد غد .ك َّل
زال تما ًما وصفا رأسه .وع َد السير إلين ً جريحًا ،لكن أثر النَّبيذ َ
يوم سنَرقُص إلى أن أجيد القتال بيُسراي كما ُ
كنت أجيده بيُمناي». ٍ
ك چايمي أنه يضحك ،والتوى شيء ما في أعماقه. وأصدر طقطقةً ،وبَعد لحظ ٍة أدر َ
َ فت َح السير إلين فمه
ليال ،لكنفي الصَّباح لم يتجرَّأ أحد اآلخَرين ويَذ ُكر كدماته ،ويبدو أن أحدًا منهم لم يسمع أصوات المبا َرزة ً
لدى نزولهم التَّ َّل إلى المعس َكر أفص َح ليو پايپر الصَّغير عن السُّؤال الذي لم يَجسُر الفُرسان وصغار
اللوردات على إلقائه ،ف َر َّد عليه چايمي بابتسام ٍة عريضة« :عندهم فتيات شبِقات في عائلة هايفورد .هذه
لدغات حُب يا فتى».
أيام من المطر ،لكن الرِّيح والماء لم يصنعا يوم آ َخر مشرق قويُّ الرِّيح َم َّر عليهم ،تب َعه يوم غائم ثم ثالثة ٍ
ً
منعزال شماال على (طريق الملوك) .ك َّل ليل ٍة يجد چايمي مكانًا ً ظ الرَّكب على سُرعة تق ُّدمه فرقًا ،وحاف َ
خان
اسطبل بينما تفرَّج عليهما بغل أعور ،وفي قبو ٍ ٍ ليجني المزيد من لدغات الحُب ،وهكذا تبا َرزا داخل
ق منها َّإال هيكلها المسو ُّد ،وعلى جزير ٍة مشجَّرة وسط براميل النَّبيذ وال ِمزر ،وفي حظير ٍة حجريَّة لم يتب َّ
قطق بنعوم ٍة على خوذتيهما وتُرسيهما. حقل مفتوح والمطر يُطَ ِ جدول ضحل ،وفي ٍ ٍ في
للذهاب في غزواته اللَّيليَّة ،لكنه ليس بالحماقة التي تجعله يخال اآلخَرين يُ َ
صدِّقونها. ق چايمي األعذار َّ اختل َ
مؤ َّكد أن أدام ماربراند يعرف ما يفعله ،وال بُ َّد أن بعض غيره من القادة خ َّمنوه ،لكن ال أحد ذك َر هذا على
لسان فليس هناك ما يدعو چايمي إلى خشية أن يعرف أحد كم ٍ مسمع منه ...وبما أن ال َّشاهد الوحيد بال ٍ
ً
فاشال. أصب َح قاتِل الملك ُمبار ًزا
ب وصوب .في الحقول التي ينبغي أن يَنضُج فيها القمح الخريفي سرعان ما ال َحت آثار الحرب في ك ِّل حد ٍ
خال من
ٍ تنمو الحشائش واألشواك وال ُّشجيرات الكثيفة بارتفاع رأس الحصان ،و(طريق الملوك)
ال ُمسافرين ،وال ِّذئاب تَح ُكم العالم المت َعب من الغسق إلى الفَجر .أكثر الحيوانات حذ ٌر بما يكفي لالحتفاظ
هوج َم وقُتِ َل عندما ترجَّل الرَّجل ليتب َّول ،فأعلنَ السير
ِ بمساف ٍة بينه وبينهم ،لكن حصان أحد ك َّشافة ماربراند
بونيفر الصَّالح بوجهه الصَّارم الحزين« :ال حيوان يتمتَّع بهذه الجرأة .تلك شياطين في فرو ذئاب ،أُ ِ
رسلَت
لتُعاقِبنا على آثامنا».
قال چايمي الواقف فوق بقايا الحيوان المسكين« :ال بُ َّد أنه كان حصانًا آث ًما للغاية إذن» ،وأم َر بتقطيع بقيَّة
الجثَّة وتمليح اللَّحم ،فربما يحتاجون إليه.
مكان اسمه (قرن الخنزيرة) وجدوا فارسًا عجو ًزا متين البنيان يُ َس َّمى السير روچر هوج قابعًا بعنا ٍد في ٍ في
الفالحين .السير روچر رجل كبير الحجم بُرجه مع ستَّة جنود وأربع ٍة من رُماة النُّ َّشابيَّة ونحو عشرين من َّ
غزير ال َّشعر كالخنازير ،واقتر َح السير كينوس أنه ربما يكون ابنًا مفقودًا آلل كراكهول ،بما أن رمزهم
خنزير ب ِّري مخطَّط ،وقد بدا أن العُفر يعتقد هذا ،إذ أمضى ساعةً يستجوب السير روچر عن أسالفه
بمنتهى الج ِّديَّة.
أ َّما چايمي فاهت َّم أكثر بما لدى الرَّجل أن يقوله عن ال ِّذئاب ،فأخب َره الفارس العجوز« :وا َجهنا متاعب من
جماع ٍة من ذئاب النَّجمة البيضاء إياهم .كانوا يتش َّممون أثرك يا سيِّدي لكننا طردناهم ،ودفنَّا ثالثةً منهم
ؤاخذني .كان على تُرس قائدهم مانتيكور». عند حقل اللِّفت .قبلهم جا َء قطيع من األُسود اللَّعينة ،ال تُ ِ
فسَّر چايمي« :السير آموري لورك .السيِّد والدي أم َره باإلغارة على أراضي النَّهر».
َر َّد السير روچر بق َّوة« :التي لسنا جز ًءا منها .إنني ُ
أدين بالوالء لعائلة هايفورد ،والليدي إرميساند تحني
رفض
َ هامتها الصَّغيرة ل(كينجز الندنج) ،أو أنها ستفعل عندما تتعلَّم المشي .أخبرته بهذا ،لكن لورك
اإلصغاء ،وذب َح نِصف خرافي وثالثًا من الماعز الحلوب الممتازة ،وحاو َل أن يشويني في بُرجي ،لكن
جُدراني من الحجر المصمت وسُمكها ثمانية أقدام ،فرح َل شاعرًا بالملل بَعد أن خمدَت ناره .الحقًا أتَت
ت ال بأس ُ
حصلت على بضع فروا ٍ ال ِّذئاب ذات السِّيقان األربع وأكلَت الخراف التي تر َكها لي المانتيكور.
بها على سبيل التَّعويض ،لكن الفرو ال يُشبِع الجائعين .ماذا نفعل يا سيِّدي؟».
أجاب چايمي« :ازرعوا وص ُّلوا من أجل حصا ٍد أخير» .ليست إجابةً مفعمةً باألمل ،لكنها الوحيدة التي َ
لديه.
في اليوم التَّالي عبروا النُّهير الذي يُ َعيِّن الحدود بين األراضي المدينة بالوالء ل(كينجز الندنج) وتلك
المدينة به ل(ريڤر َرن) .رج َع ال ِمايستر چوليان إلى خريط ٍة ثم أعلنَ أن هذه التِّالل تابعة لألخوين وود،
مبني من التُّربة
ٌّ وهما فارسان من ُم َّالك األراضي مقسمان على الوالء ل(هارنهال) ...لكن مقرَّهم هُم
ق منه َّإال العوارض المتفحِّمة.
والخشب ،ولم يتب َّ
ي من قومهم ،وإن كان عدد من الخارجين عن القانون أوى إلى القبو األدنى لم يظهر األخوان وود أو أ ٌّ
معطف قرمزي ،لكن چايمي شنقَه مع الباقين .أحسَّ ٍ تحت حصن األخ الثَّاني ،وقد ارتدى أحدهم أسمال
الذهبيَّة حقًّا ،ذي
بالرَّاحة .هذه هي العدالة .اجعلها عادةً يا النستر وربما يأتي يوم ويدعوك النَّاس بذي اليد َّ
اليد َّ
الذهبيَّة العادل.
باتَ العالم أكثر اكفهرارًا مع دن ِّوهم من (هارنهال) ،وركبوا تحت سما ٍء رماديَّة ملبَّدة وإلى جوار ميا ٍه
قديمة تلتمع بالبرد كصفائح الفوالذ المطرَّق .وج َد چايمي يتسا َءل إن كانت بِريان قد سبقَته إلى المرور من
هذا الطَّريق .إذا حسبَت أن سانزا ستارك توجَّهت إلى (ريڤر َرن) ...لو قابَلوا ُمسافرين غيرهم لتوقَّف
عر كستنائي أو واحدةً كبيرةً قبيحةً لها وجه يُ َخثِّر الحليب،
وسأ َل إن كان أحدهم قد صادفَ فتاةً جميلةً ب َش ٍ
لكن ال أحد على ُّ
الطرق َّإال ال ِّذئاب ،وليست في ُعوائها إجابة.
عبر مياه البُحيرة الرَّماديَّة كالقصدير ظه َرت أبراج حماقة هارن األسود أخيرًا ،خمسة أصابع ملتوية من
حاول بلوغ عَنان السَّماء .على الرغم من تنصيب اإلصبع الصَّغير سيِّدًا على الحجارة السَّوداء المش َّوهة تُ ِ
(هارنهال) فال يبدو أنه متعجِّل على احتالل مقرِّه الجديد ،وهكذا وق َع على كاهل چايمي النستر أن «يُ َس ِّوي
األمور» في (هارنهال) في طريقه إلى (ريڤر َرن).
ك لديه في أن األمور في حاج ٍة إلى تسوية .كان جريجور كليجاين قد انتز َع القلعة الهائلة الكئيبة من وال َش َّ
الممثِّلين ال َّسفَّاحين قبل أن تستدعيه سرسي إلى (كينجز الندنج) ،ومؤ َّكد أن رجال الجبل ما زالوا متناثرين
في ال َّداخل بال هدف ،لكنهم ليسوا مهيَّئين لمه َّمة إعادة سالم الملك إلى (الثَّالوث) .السَّالم الوحيد الذي نالَه
أحد من شرذمة السير جريجور هو سالم القبر.
وأمر
َ ف چايمي رجاله أمامها كان ك َّشافة السير أدام قد بلَّغوهم بأن ب َّوابة (هارنهال) مغلقة وموصدة ،ف َ
ص َّ
السير كينوس الكايسي بالنَّفخ في بوق هيروك األسود الملتوي المط َّوق َّ
بالذهب القديم.
وانفتحت الب َّوابة ببُطء .أسوار
َ ت على األسوار سمعوا أنين ال ِمفصالت الحديد حين تر َّددت ثالث دفقا ٍ
حماقة هارن األسود سميكة للغاية ،حتى إن چايمي َم َّر من تحت دست ٍة من فتحات الدِّفاع قبل أن يَخرُج
فجأةً إلى ضوء ال َّشمس في السَّاحة التي و َّدع فيها الممثِّلين ال َّسفَّاحين قبل فتر ٍة ليست بالطَّويلة .كانت
يئز حول جثَّة حصان. الحشائش تنبت من األرض الصُّ لبة ،وال ُّذباب ُّ
خرجت حفنة من أتباع السير جريجور من األبراج وشاهَدوه يترجَّل ،رجال قُساة األعيُن قُساة األفواه عن َ
آخرهم .ال بُ َّد أن يكونوا كذلك ليركبوا في صُحبة الجبل. ِ
كرفقة ال ُّشجعان ،وقد اندف َع جندي
أفضل ما يُمكن أن يُقال عن رجال جريجور إنهم ليسوا كريهين عنيفين ِ
أشيب منهم يقول« :فتح َّل بي اللَّعنة ،إنه چايمي النستر .إنه قاتِل الملك التَّعس يا أوالد .فلتنكني حربة!».
سألَه چايميَ « :من أنت؟».
ق في يديه ومس َح بهما وجنتيه ،كأن
قال الرَّجل« :سيِّدنا كان يدعوني بفم الخراء ،بَعد إذن سيِّدي» ،وبص َ
ً
مقبوال أكثر. هذا سيجعل منظره
« -بديع .هل أنت القائد هنا؟».
طعام يكفي إلطعام
ٍ « -أنا؟ تبًّا ،ال يا سيِّدي ،فلتنكني حربة لعينة» .في لحية المدعو فم الخراء فُتات
الحامية بأكملها .ضحكَ چايمي رغ ًما عنه ،فاعتب َر الرَّجل هذا تشجيعًا ،وكرَّر« :فلتنكني حربة لعينة»،
وبدأ يضحك بدوره.
قال چايمي إللين پاين« :سمعتَ الرَّجلِ .جد حربةً طويلةً جيِّدةً و ُدسَّها في ُدبره».
ال يحمل السير إلين حرابًا ،لكن َس َّر چون بتلي الحليق أن يُلقي إليه واحدةً ،ليَبتُر فم الخراء ضحكاته
قائال« :أب ِعد هذا ال َّشيء اللَّعين عني».
السَّكرانة ً
قال چايمي« :احزم أمرك .ل َمن القيادة هنا؟ هل عيَّن السير جريجور أمينًا للقلعة؟».
أجابَه رجل آخَ ر« :پوليڤر ،لكن كلب الصَّيد قتلَه يا سيِّدي ،هو وال ُمدغ ِدغ ،باإلضافة إلى صب ِّي سارسفيلد».
كلب الصَّيد م َّرةً أخرى« .أأنت واثق بأنه كان ساندور؟ هل رأيتموه».
صاحب الخان أخب َرنا».
ِ « -ليس نحن يا سيِّدي.
الطرق يا سيِّدي» .المتكلِّم رجل أصغر ِسنًّا له َشعر رملي ،ويضع مفترق ُّ
َ حدث هذا في الخان على َ «-
حول ُعنقه سلسلة العُمالت التي كانت مل ًكا لڤارجو هوت؛ ُعمالت من عشرات المدائن البعيدة ،ذهب
صاحب الخان أقس َم أن جانب ِ وفضَّة ونُحاس وبرونز ،مربَّعة ومد َّورة ومثلَّثة ،وحلقات وقِطع من العظم« .
فالح يرتدي ثيابًا رثَّةً.
وجه الرَّجل محترق ،وقالت عاهراته الكالم نفسه .كان مع ساندور صب ٌّي ما ،ابن َّ
قيل لنا إنهما م َّزقًا پولي وال ُمدغ ِدغ إربًا وركبا نحو (الثَّالوث)».
ً
رجاال في أعقابهما؟». « -هل أرسلتم
تجهَّم وجه فم الخراء كأن الفكرة في َح ِّد ذاتها مؤلمة ،وقال« :ال يا سيِّدي ،فلنُنَك جميعًا ،لم نُ ِ
رسل أحدًا».
« -عندما يُصاب الكلب بالسُّعار يُذبَح».
قائال« :ذلك الخراء پولي لم أحبَّه قَ ُّ
ط ،والكلب كان أخا سيِّدنا ،ف.»... ك الرَّجل فمه ً فر َ
ُواجه كلب الصَّيد يجب أن يكون
قائال« :نحن سيِّئون يا سيِّدي ،لكن َمن ي ِ صاحب سلسلة العُمالت ً ِ تد َّخل
مجنونًا».
تطلَّع إليه چايمي مف ِّكرًا :أجرأ من البقيَّة وليس سكران كفم الخراء« .كنتم خائفين منه».
« -ال أقول إننا كنا خائفين يا سيِّدي ،بل إننا تركناه ل َمن هُم أفضل منا ،ألح ٍد ِمثل سيِّدنا ،أو ِمثلك».
ِمثلي حينما كانت لي يدان .ال يُخا ِدع چايمي نفسه .اآلن يستطيع ساندور أن يفتك به في لحظات« .ألك
اسم؟».
« -رافورد ،بَعد إذن سيِّدي .يدعونني براف».
مفترق
َ « -راف ،اجمع الحامية في (قاعة المئة مستوقَد) .وأسراكم أيضًا ،أري ُد أن أراهم .وعاهرات
الطرق كذلك .أوه ،وهوت .أحزنَني أن أسمع بموته ،وأري ُد أن أرى رأسه». ُّ
حين أتوه به ألفى شفتَي الكبش مقطوعتين ،باإلضافة إلى أُذنيه ومعظم أنفه ،وكانت ال ِغربان قد الته َمت
ي مكان ،حبل ال َّشعر السَّخيف الذي ظ َّل تعرُّ فه كهوت ممكنًا ،إذ كان چايمي ليعرف لحيته في أ ِّ عينيه ،وإن َ
ق على جمجمة الڬوهوري َّإال ِقطع يابسة من ذقن مدبَّب بطول قدمين ،لكن فيما عدا هذا لم يتب َّ يتدلَّى من ٍ
اللَّحم .سأ َل چايمي« :أين بقيَّته؟».
خفض فم الخراء بصره ،وغمغ َم« :تعفَّن يا سيِّدي ،وأُ ِك َل». َ لم يرغب أحد في إخباره ،وفي النِّهاية
قال رافورد« :أحد األسرى كان يتوسَّل الطَّعام دائ ًما ،فقال سيِّدنا أن نُط ِعمه لحم الكبش المشوي .لم يكن
في جسد الڬوهوري لحم كثير ،وقط َع سيِّدنا يديه وقدميه ً
أوال ،ثم ذراعيه وساقيه».
أضافَ فم الخراء« :البدين اللَّعين حص َل على أغلبه يا سيِّدي ،لكن سيِّدنا قال أن نحرص على أن يذوق
جميع األسرى اللَّحم ،وهوت أيضًا ،لحم نفسه .كان ريق ابن العاهرة يجري عندما نُط ِعمه وال ُّدهن يسيل
على لحيته الرَّفيعة هذه».
ت سم َعها أول م َّر ٍة في طفولته في (كاسترلي كال كلبيك أصابَه السُّعار يا أبي .وج َد نفسه يتذ َّكر حكايا ٍ
شرف على والئم من أحواض مألى بالدِّماء وتُ ِ
ٍ روك) ،عن الليدي لوثستون المجنونة التي كانت تستح ُّم في
اللَّحم البَشري في هذه القلعة َّ
بالذات.
بوسيل ٍة ما فق َد االنتقام مذاقه الحُلو ،فقال چايمي لپِكُ « :خذ هذه وألقِها في البُحيرة» ،ورماها له ثم التفتَ
قائال« :إلى أن يحين الوقت ويأتي اللورد پيتر ليتَّخذ مقرَّه ،سيتولَّى السير بونيفر هاستيُواجه الحامية ً ي ِ
قيادة (هارنهال) باسم التَّاجَ .من يرغب منكم في االنضمام إليه فلينض َّم إذا قبلَه ،والبقيَّة ستركب معي إلى
(ريڤر َرن)».
تطلَّع بعض رجال الجبل إلى بعض ،ثم قال أحدهم« :إن لنا دينًا .سيِّدنا وعدَنا ،قال إننا سننال مكافآت
سخيَّة».
قائال« :كالمه بالضَّبط :مكافآت سخيَّة ل َمن يركبون معي» ،وبدأ دستة من اآل َخرينوافقَه فم الخراء ً
يُتَمتِمون مؤيِّدين.
رجل يبقى معي هنا سيَحصُل على قطع ٍة من األرض يعمل فيها،
ٍ رف َع السير بونيفر يده المقفَّزة ً
قائال« :كلُّ
وقطع ٍة ثانية عندما يتز َّوج ،وثالثة عند مولد طفله األول».
قال فم الخراء بح َّدة« :أرض يا سيِّدي؟ بول على هذا!
لو أردنا أن نعزق ال ُّتربة اللَّعينة لبقينا في ديارنا ،ال تُ ِ
ؤاخذني أيها الفارس .سيِّدنا قال مكافآت سخيَّة ،أي
الذهب».َّ
قال چايمي« :إذا كانت لديكم شكوى فاذهبوا إلى (كينجز الندنج) واعرضوها على أختي الجميلة»،
قائال« :سأرى األسرى اآلن ،بدايةً بالسير وايليس ماندرلي».
والتفتَ إلى رافورد ً
سألَه رافورد« :أهو السَّمين؟».
تحك لي قصَّة حزينةً عن موته َّ
وإال سيَح ُدث ال ِمثل لكم جميعًا». ِ « -آم ُل هذا بش َّدة ،وال
آمال راودَته في العثور على شاجويل أو پيج أو زولو في ال َّزنازين ،إذ يبدو أن رجال ِرفقة ٍ خابَت كلُّ
آخرهم .من قوم الليدي ِونت تبقَّى ثالثة فحسب؛ الطَّاهي الذي َ
فتح ال ِّشجعان قد تخلُّوا عن ڤارجو هوت عن ِ
محني الظَّهر اسمه بن ذو اإلبهام األسود ،وفتاة اسمها پيا ُّ سالح
ٍ الب َّوابة الجانبيَّة للسير جريجور ،وصانع
آخر مرَّة .أحدهم كس َر أنفها وحطَّم ِنصف أسنانها ،ول َّما رأته لم تَعُد جميلةً كما كانت حين رآها چايمي ِ
الفتاة ارت َمت على قدميه باكيةً متمسِّكةً بساقيه بق َّو ٍة جنونيَّة ،إلى أن سحبَها العُفر عنه.
ُؤذيك اآلن» ،لكن قوله لم يُفلِح َّإال في جعل بُكائها يتصاعَد. ِ قال لها چايمي« :ال أحد سي
القى ال ُّسجناء اآلخَرون معاملةً أفضل .كان السير وايليس ماندرلي بينهم ،ومعه ع َّدة شماليِّين عوالي المقام
أس َرهم الجبل راكب الخيول في أثناء القتال في مخاضات (الثَّالوث) ،رهائن مفيدون يستحقُّون فديةً كبيرةً،
ث الثِّياب أشعث ال َّشعر ،وبعضهم لديه كدمات حديثة وأسنان مكسورة وأصابع مفقودة ،لكن كلُّهم متَّسخ َر ُّ
تساءل چايمي إن كانت لدى أيِّهم أدنى فكرة ع َّما
َ جروحهم مغسولة مض َّمدة ،وال أحد منهم يُعاني الجوع.
كانوا يأكلونه ،وقرَّر أن من األفضل َّأال يسأل.
ق في أح ٍد منهم تح ٍّد ،ال سيَّما السير وايليس السَّمين بلحيته الكثَّة وعينيه الفاترتين ولُغده ال َّشاحب لم يتب َّ
ضع على متن سفين ٍة المتدلِّي ،وحين أخب َره چايمي بأن هناك من سيصطحبه إلى (بِركة العذارى) كي يو َ
إلى (الميناء األبيض)َ ،خ َّر السير وايليس على رُكبتيه على األرض وانفج َر في بُكا ٍء أعلى وأطول من پيا،
رجال إلعادته إلى الوقوف على قدميه .قال چايمي لنفسه :لحم كبش مشوي كثير ٍ وتطلَّب األمر أربعة
ً
أهواال أكثر من أمقت هذه القلعة .في أعوامها الثَّالثمئة شهدَت (هارنهال) ُ ق اآللهة ،لكم بح ِّ
للغايةَ .
(كاسترلي روك) خالل ثالثة آالف عام.
أم َر چايمي بإشعال النَّار في (قاعة المئة مستوقَد) ،وأرس َل الطَّاهي مسرعًا إلى المطبخ ليع َّد وجبةً ساخنةً
ي شي ٍء َّإال لحم الكباش».قائال له« :أ َّ لرجاله ً
صيَّادين) مع السير بونيفر هاستي ،وهو رجل نحيل وقور ينزع إلى تتبيل كالمه تناو َل عَشاءه في (قاعة ال َّ
ب ِذكر اآللهة السَّبعة« .ال أري ُد أيًّا من أتباع السير جريجور» ،أعلنَ الرَّجل وهو يُقَطِّع حبَّة ُك َّمثرى ذابلةً
ِمثله ،كأنما يحرص على َّأال يُبَقِّع عصيرها المعدوم سُترته األرجوانيَّة التي ال تشوبها شائبة ،والمطرَّز
عليها ال َّشريط المائل رمز عائلته« .لن أسمح بوجود ُخطا ٍة أمثالهم في خدمتي».
« -اعتا َد ِسپتوني أن يقول إن ك َّل البَشر ُخطاة».
َر َّد السير بونيفر« :لم يكن مخطئًا ،لكن ث َّمة خطايا أكثر سوادًا من غيرها ،ورائحتها أكثر عفنًا في أنوف
(السَّبعة)».
إذن ف ِمثل أخي الصَّغير ال أنف لكَّ ،
وإال لجعلَت خطاياي حبَّة ال ُك َّمثرى هذه تس ُّد َحلقك« .ليكن ،سأريحك
ُرسلهم
لغرض آخَر فيُمكنه أن ي ِ
ٍ من شرذمة جريجور» .يستطيع دائ ًما أن يستفيد من ال ُمقاتلين ،وإن لم يكن
لصعود السَّاللم ً
أوال إذا اضط َّر إلى اقتحام (ريڤر َرن).
قال السير بونيفر بإلحاحُ « :خذ العاهرة أيضًا .أنت تعرفها ،تلك الفتاة من ال َّزنازين».
آخر م َّر ٍة كان هنا أرس َل كايبرن الفتاة إلى فِراشه معتقدًا أن هذا سيسرُّ ه ،لكن پيا التي أتوا بها من
« -پيا»ِ .
ال َّزنازين مخلوقة مختلفة عن تلك الحُلوة البسيطة الضَّحوك التي دسَّت نفسها تحت أغطيته .ارتكبَت الفتاة
ت أرا َد فيه السير جريجور الهدوء ،فحطَّم الجبل أسنانها بقبضته المقفَّزة بالحلقات غلطة الكالم في وق ٍ
المعدنيَّة وكس َر أنفها الجميل الصَّغير أيضًا ،وال ريب أنه كان ليفعل بها ما هو أسوأ لو لم تستد ِعه سرسي
ُواجه حربة األُفعوان األحمر .لن يبكيه چايمي .قال للسير بونيفر« :پيا مولودة في إلى (كينجز الندنج) لي ِ
هذه القلعة .إنها البيت الوحيد الذي تعرفه».
« -إنها نبع فساد .ال أريدها قُرب رجالي تتميَّع ب ...بمفاتنها».
« -أعتق ُد أن أيام ميوعتها ولَّت ،لكن ما ُدمت تجدها منفِّرةً لهذه ال َّدرجة فسآخذها» .يُمكنه أن يُ َش ِّغلها
غسَّالةًُ .مرافقوه ال يُمانِعون أن يَنصُبوا خيمته ويسوسوا حصانيه ويُنَظِّفوا ِدرعه ،لكنهم يجدون واجب
سأل چايمي« :هل تستطيع السَّيطرة على (هارنهال) بأتقيائك المئة فقط؟». غسل ثيابه ال يليق بال ِّرجالَ .
رجال في معركة (النَّهر األسود)، ً المفت َرض أن يكون اسمهم األتقياء الستَّة وثمانون ،إذ فقدوا أربعة عشر
لكن مؤ َّكد أن السير بونيفر سيُ َع ِّوض النَّقص حالما يَعثُر على مجنَّدين يرى فيهم الورع المطلوب.
ُّ
سيبث الق َّوة في أذرُعنا». « -ال أتوقَّ ُع متاعب( .العجوز) ستُنير طريقنا و(ال ُمحارب)
أو سيزور (الغريب) جماعتكم المؤمنة كلَّها .ال يدري چايمي َمن بالضَّبط أقن َع سرسي بتعيين السير بونيفر
أمينًا للقلعة في (هارنهال) ،لكن رائحة أورتون ميريويذر تفوح من األمر .إنه يَذ ُكر بشي ٍء من الغموض
أن هاستي خد َم َج َّد ميريويذر ،كما أن كبير القُضاة ذو ال َّشعر البُرتقالي كالجزر من النَّوع األبله السَّاذج بما
يكفي ألن يعتقد أن أحدًا ملقَّبًا ب«الصَّالح» هو عينه ال َّدواء الذي تحتاج إليه أراضي النَّهر لتندمل جراحها
التي خلَّفها رووس بولتون وڤارجو هوت وجريجور كليجاين.
لكن ربما ال يكون مخطئًا .ينحدر هاستي من أراضي العواصف ،أي أن ال أصدقاء له أو أعداء على
ضفاف (الثَّالوث) ،ال ضغائن يدفع ثَمنها أو ديون يُ َسدِّدها أو أصحاب يُكافِئهم ،والرَّجل يقظ وعادل
ي جنو ٍد في (الممالك السَّبع) ،ويصنعون منظرًا ومطيع ،ورجاله األتقياء الستَّة وثمانون منضبطون كأ ِّ
رائعًا عندما يدورون بخيولهم المخصيَّة الرَّماديَّة الطَّويلة ويرمحون بها .في م َّر ٍة قال اإلصبع الصَّغير
مازحًا إن السير بونيفر خصى رجاله أيضًا بالتَّأكيد ،فسُمعتهم ناصعة ال يرقى إليها ال َّشك.
ساورت چايمي ال ُّشكوك في جنو ٍد مصدر ُشهرتهم خيولهم المطهَّمة ال األعداء الذين َ وعلى الرغم من هذا
أظن ،لكن هل يستطيعون القتال؟ على َح ِّد علمه لم يُ َكلِّلوا أنفسهم بالعار قتلوهم .يُجيدون الصَّالة على ما ُّ
في معركة (النَّهر األسود) ،لكنهم لم يتميَّزوا كذلك .السير بونيفر نفسه كان فارسًا واعدًا في شبابهَّ ،إال أن
شيئًا ما َح َّل به ،هزيمةً أو وصمةً أو مناوشةً وشيكةً مع الموت ،وبَعدها قرَّر أن النِّزال خيالء فارغة
وتخلَّى عن رُمحه إلى األبد.
لكن ال بُ َّد من الحفاظ على (هارنهال) ،وبيلور فتحة ال َّشرج هذا هو الرَّجل الذي اختا َرته سرسي للحفاظ
عليها .قال للسير بونيفر مح ِّذرًا« :هذه القلعة سيِّئة السُّمعة ،وعن جدارة .يُقال إن هارن وأبناءه ما زالوا
ليال مشتعلين نارًا ،و َمن يَنظُرون إليهم يشبُّ فيهم اللَّهب».
يمشون في طُرقاتها ً
أخاف األشباح .مكتوب في (النَّجمة السُّباعيَّة) أنه ليس بإمكان األرواح والجُثث الحيَّة والعائدين من ُ « -ال
الموت أذيَّة األتقياء ما داموا مدرَّعين بإيمانهم».
« -درِّع نفسك باإليمان إذن كما شئت ،لكن ارت ِد الحلقات المعدنيَّة والفوالذ أيضًا .كلُّ من يتولَّى القيادة في
هذه القلعة يؤول إلى نهاي ٍة سيِّئة؛ الجبل ،والكبش ،وحتى أبي.»...
ً
رجاال متديِّنين ِمثلنا( .ال ُمحارب) يُدافِع عنا ،والعون « -أرجو أن تَع ُذرني لقولي هذا ،لكنهم لم يكونوا
قريب دو ًما إذا ه َّددنا عد ٌّو ما .ال ِمايستر چوليان سيبقى مع ِغدفانه ،واللورد النسل قريب في (داري) مع
الحق ونُ َد ِّمر ك َّل َمن يجوبون هذه األنحاء
يطر على (بِركة العذارى) .معًا سنُ ِ حاميته ،واللورد راندل يُ َس ِ
من الخارجين عن القانون ،وفور الفروغ من هذا سيقود (السَّبعة) األهالي الطيِّبين معيدين إياهم إلى قُراهم
ليَحرُثوا ويزرعوا ويُعيدوا البناء».
َمن لم يَقتُلهم الكبش على األقل .وض َع چايمي أصابعه َّ
الذهبيَّة حول ساق كأسه ،وقال« :إذا وق َع أحد من
ي خبرًا في الحال» .ربما اختطفَ (الغريب) الكبش قبل أن يَبلُغه رجال هوت في أيديكم أريدك أن تُ ِ
رسل إل َّ
چايمي ،لكن زولو البدين ال يزال طليقًا ،وكذا شاجويل ورورچ وأورزويك الوفي والباقون.
« -لتُ َع ِّذبهم وتَقتُلهم؟».
أظن أنك كنت لتُسا ِمحهم لو أنك في مكاني؟».
ُّ « -
« -إذا أخلَصوا التَّوبة عن ذنوبهم ...نعم ،سأتقبَّلهم جميعًا كإخوة وأصلِّي معهم قبل أن أرسلهم إلى قُرمة
الجالد .الخطايا قابلة لل ُغفران ،والجرائم تستوجب العقاب» ،وشبَّك هاستي أصابعه أمامه بطريق ٍة ذ َّكرت َّ
چايمي على نح ٍو غير مريح بأبيه ،وتساء َل« :إذا وا َجهنا ساندور كليجاين فماذا تُريدني أن أفعل؟».
أرسله لينض َّم إلى أخيه الحبيب واش ُكر اآللهة ألنها خلقت سبع جحائم ،فواحدة فقط ص ِّل بحرارة واهربِ « . َ
ال تكفي الحتواء كال األخوين كليجاين» ،ودف َع نفسه إلى القيام بغير راح ٍة مضيفًا« :بريك دونداريون
بحبل حول
ٍ مسألة أخرى .إذا قبضت عليه فاحتفظ به حتى أعو ُد .سأري ُد أن أسوقه إلى (كينجز الندنج)
ُعنقه وأجعل السير إلين يقطع رأسه حيث يراه نِصف أهل البالد».
« -والرَّاهب المايري الذي يركب معه؟ يُقال إنه يَن ُشر عقيدته الباطلة في ك ِّل مكان».
« -اقتُله أو قبِّله أو َ
ص ِّل معه ،كما ترغب».
« -ال رغبة لد َّ
ي في تقبيل الرَّجل يا سيِّدي».
ُ
أستأئذن ك أنه سيقول ال ِمثل عنك» ،واستحالَت ابتسامته إلى تثاؤب ،فأردفَ « :اع ُذرني، قال چايمي« :ال َش َّ
منك في االنصراف إن لم يكن لديك اعتراض».
صلِّي.
َر َّد هاستي« :إطالقًا يا سيِّدي» .مؤ َّكد أنه يُريد أن يُ َ
يُريد چايمي أن يُقاتِل أحدًا .نز َل ال َّدرجات اثنتين في المرَّة خارجًا إلى هواء اللَّيل البارد الجاف .في السَّاحة
المضاءة بالمشاعل كان ال ُعفر والسير فليمنت براكس يتقاتَالن وسط حلق ٍة من الجنود المشجِّ عين .وقال
لنفسه :ال ريب أن السير اليل سيغلب براكس .يجب أن أعثر على السير إلين .في أصابعه تلك الحاجة إلى
القتال من جديد.
قادَته ُخطاه بعيدًا عن الضَّوء والضَّوضاء ،و َم َّر من تحت الجسر المغطَّى وعبر (ساحة الحجر المصهور)
قبل أن يعي أين يتَّجه.
مصباح يغمر نوره البارد ال َّشاحب المدرَّجات الحجريَّة العالية .يبدو أن
ٍ مع دن ِّوه من جُبِّ ال ُّدبِّ رأى وهج
أحدهم سبقَني إلى هنا .الجُبُّ مكان ال بأس به للرَّقص ،وربما توقَّع السير إلين مجيئه.
ملتح متين يرتدي سُترةً طويلةً حمراء وبيضاء ويُ َزيِّنهاٍ لكن الفارس الواقف عند الجُبِّ أكبر حج ًما ،رجل
الجرافِن .كوننجتون .ماذا يفعل هنا؟ في األسفل كانت جثَّة ال ُّدبِّ ال تزال ملقاةً ِشبه مدفون ٍة في اثنان من َ
ق منها َّإال العظم والفرو المتهتِّك .أحسَّ چايمي بال َّشفقة على الحيوان تعتصر قلبه ،وقال الرَّمل ،وإن لم يتب َّ
أعرف أنها قلعة ُ لنفسه :على األقل ماتَ في المعركة ،ثم إنه نادى« :سير رونيت ،هل ضللت طريقك؟
كبيرة».
رقص ال ُّدبُّ مع تلك التي ليست جميلةً» .كانت َ ُ
أردت أن أرى أين رف َع رونيت األحمر مصباحه ً
قائال« :
ضوء كأنها متَّقدة ،واشت َّم چايمي رائحة الخمر في أنفاسه« .أصحي ٌح أن الفتاة قاتلَته لحيته تلتمع في ال َّ
عاريةً؟».
متسائال كيف أضيفَت هذه التَّفصيلة إلى القصَّة« :عاريةً؟ ال .الممثِّلون ألبَسوها فُستانًا ورديًّا من
ً أجاب
َ
الحرير ووضعوا في يدها سيف مباريات .أرا َد الكبش أن يكون موتها « ُمثَلِّيًا» ،لكن فيما عدا هذا.»...
قال كوننجتون ضاح ًكا« :كان منظر بِريان عاريةً ليجعل ال ُّدبَّ يفرُّ مفزوعًا».
لكن چايمي لم يضحك ،وقال« :تتكلَّم عن الليدي كأنك تعرفها».
كنت خطيبها». ُ «-
فاجأَه هذا .لم تَذ ُكر بِريان ِخطبةً قَ ُّ
ط« .أبوها رتَّب لها زيجةً.»...
ُ
سمعت أن الفتاة قبيحة وأخبرته بهذا ،لكنه قال إن ك َّل النِّساء « -ثالث مرَّات .أنا الثَّاني .فكرة أبيُ .
كنت قد
واحد عندما تنطفئ ال ُّشموع».
يتواجه عليها اثنان من ال َجرافِن على خلفيَّ ٍة من
َ « -أبوك» .ح َّدق چايمي إلى سُترة رونيت األحمر التي
األحمر واألبيض .ال َجرافِن الرَّاقصة« .كان ...شقيق يد الملك الرَّاحل ،أليس كذلك؟».
« -ابن ع ِّمه .لم يكن للورد چون إخوة».
« -نعم» .عادَت إليه ال ِّذكريات كلُّها .كان چون كوننجتون صديق األمير ريجار ،ول َّما فش َل ميريويذر ً
فشال
رجل
ٍ يستطع أحد العثور على األمير ريجار ،لجأ َ إيرس إلى أفضل
ِ ذريعًا في احتواء ثورة روبرت ولم
بَعده ورف َع كوننجتون إلى اليدويَّة ،لكن الملك المجنون اعتا َد أن يقطع أيديه ،وقط َع اللورد چون بَعد
معركة األجراس مج ِّردًا إياه من ألقابه وأراضيه وثروته ،وأرسلَه عبر (البحر الضيِّق) ليقضي بقيَّة حياته
ظ َّل الرَّجل يشرب حتى ماتَ .أ َّما ابن الع ِّم -أبو رونيت األحمر -فقد انض َّم إلى في المنفى ،وسرعان ما َ
الثَّورة و ُكوفئ ب(وكر ال َجرافِن) بَعد معركة (الثَّالوث) ،لكنه لم يحصل َّإال على القلعة ،إذ استحو َذ روبرت
الذهب وأسب َغ السَّواد األعظم من أراضي كوننجتون على مؤيِّدين أكثر حماسةً. على َّ
رجل ِمثله لكانت عذراء (تارث) ثمرةً شهيَّةً بالفعل. ٍ السير رونيت يمتلك أراضي محدودةً ال أكثر ،وأل ِّ
ي
سألَه چايمي« :ولِ َم لم تتز َّوجا؟».
طوال ،خنزيرة ً وجدت الفتاة تُنا ِهزني
ُ ذهبت إلى (تارث) ورأيتها .إنني أكبرها بستَّة أعوام ،لكني ُ «-
ترتدي الحرير ،ولو أن أكثر الخنزيرات له أثداء أكبر .ل َّما حاولَت أن تتكلَّم كادَت تختنق بلسانها .أعطيتها
أراهن أن ال ُّدبَّ كان له
ُ وقلت لها إنها لن تنال غيرها مني» ،ونظ َر كوننجتون إلى الجُبِّ متابعًا« : ُ وردةً
َشعر أقل من تلك المسخ ،و.»...
الذهبيَّة الفارس اآلخَر في فمه بق َّو ٍة أسقطَته على المدرَّجات ،ووق َع مصباحه وتحطَّم لك َمت يد چايمي َّ
وتناث َر زيته المشتعل« .إنك تتكلَّم عن ليدي رفيعة النَّسب أيها الفارس .اد ُعها باسمها ،اد ُعها ب ِبريان».
زحفَ كوننجتون على يديه ورُكبتيه مبتعدًا عن اللَّهب المنتشر ،وقال« :بِريان ،بَعد إذن سيِّدي» ،وبص َ
ق
ُكتلةً من ال َّدم عند قدم چايمي ،وأضافَ « :بِريان المليحة».
سرسي
ببُط ٍء صعدوا (تَل ڤيزينيا) ،وإذ ك َّدت الخيول متحرِّكةً إلى أعلى أسندَت الملكة ظَهرها إلى وساد ٍة قرمزيَّة
أفسحوا الطَّريق ،أخلوا ال َّشارع،
منتفخة ،ومن الخارج أتى صوت السير أوزموند ِكتلبالك يصيحِ « :
لصاحبة الجاللة الملكة!».
ِ أفسحوا الطَّريق
ِ
كانت الليدي ميريويذر تقول« :مارچري محاطة بصُحب ٍة مثيرة حقًّا .عندنا حُواة وممثِّلون و ُشعراء
ومحرِّكو ُدمى.»...
استحثَّتها سرسي سائلةً« :ومغ ُّنون؟».
« -كثيرون يا جاللة الملكة .هاميش ذو القيثارة يُ َغنِّي لها م َّرةً ك َّل أسبوعين ،وفي بعض األماسي يُ َسلِّينا
أالريك اآليزيني ،لكن ال َّشاعر األزرق مطربها المفضَّل».
سمعت أن هناك ُ تَذ ُكر سرسي ال َّشاعر من زفاف تومن .شابٌّ وسيم الطَّلعة .هل ث َّمة شيء واعد هنا؟ «
رجاال آخَرين ،فُرسانًا ورجال حاشية ،معجبين .أخبِريني بالحقيقة يا سيِّدتي ،هل تحسبين أن مارچري ال ً
تزال بِكرًا؟».
« -هذا ما تقوله يا جاللة الملكة».
ت؟ » .
« -هذا ما تقوله هي ،فماذا تقولين أن ِ
ُ
ساعدت يترقرق في عينيها السَّوداوين« :حين تز َّوجت اللورد رنلي في (هايجاردن) َ أجابَت تاينا والمكر
ُ
رأيت رجال حسن البنيان ،ومفع ًما بال َّشهوة. ً على خلع مالبسه من أجل اإلضْ جاع .حضرة اللورد كان
ال َّدليل على هذا عندما ألقيناه في فِراش ال ِّزفاف حيث انتظ َرته عروسه العارية كيوم مولدها ببشر ٍة محمرَّة
خجال تحت األغطية الخفيفة .السير لوراس حملَها على السَّاللم بنفسه .ربما تقول مارچري إن ال ِّزيجة لم ً
لك أن ما بين ساقيه لم يكن مت َعبًا ط في ُشرب النَّبيذ خالل المأدبة ،لكنني أؤ ِّك ُد ِ تت َّم ،إن اللورد رنلي أفر َ
آخر مرَّة».على اإلطالق ل َّما رأيته ِ
ت فِراش ال َّزوجيَّة في الصَّباح التَّالي؟ هل نزفَت؟». سألَتها سرسي« :هل رأي ِ
« -لم ي َر أحد المالءة يا جاللة الملكة».
الفالحين ينزفن كالخنازير ليلةمؤسف .على أن غياب المالءة ال َّدامية يعني القليل في َح ِّد ذاته .بنات َّ
زفافهن حسب ما سم َعت ،لكن ذلك ال ينطبق بال َّدرجة نفسها على العذراوات كريمات المحتد كمارچري
تايرل .يُقال إن بنات اللوردات يفقدن ُعذريَّتهن من جرَّاء ركوب الخيل أكثر من ال َّزواج ،ومارچري
اعتادَت الرُّ كوب منذ تعلَّمت المشي« .بلغَني أن للملكة الصَّغيرة معجبين بين فُرسان بيتنا .التَّوأمان ردواين
والسير تاالد ...أخبِريني ،ومن أيضًا؟».
ه َّزت الليدي ميريويذر كتفيها قائلةً« :السير المبرت ،األحمق الذي يُ َخبِّئ عينه السَّليمة برُقعة ،بايارد
نوركروس ،كورتناي جرينهيل ،األخوان وودرايت ،أحيانًا پورتيفر وغالبًا لوكانتين .أوه ،وال ِمايستر
األكبر پايسل زائر متكرِّر».
ص َّح هذا فسيندمَ « .من« -پايسل؟ حقًّا؟» .هل هج َرت ال ُّدودة العجوز الخرفة األسد إلى الوردة؟ إن َ
أيضًا؟».
« -رجل (جُزر الصَّيف) ذو المعطف الرِّيش .كيف أنساه ببشرته السَّوداء كالحبر؟ هناك آخَرون يأتون
خاطب جديد
ِ ليتو َّددوا إلى بنات عمومتها .إلينور موعودة البن أمبروز لكنها تحبُّ المغا َزلة ،و ِمجا يأتيها
ُ
سمعت كال ًما عن زواجها بأخي الليدي بولوار ،لكن إذا ً
عامال في المطبخ. ك َّل أسبوعين .في م َّر ٍة قبَّلت
كان ل ِمجا االختيار بنفسها فستُفَضِّل مارك مالندور ،إنني واثقة».
ضح َكت سرسي ،وقالت« :فارس الفراشات الذي فق َد ذراعه في معركة (النَّهر األسود)؟ ما جدوى نِصف
رجل؟».
ِ « -مجا تراه محبَّبًا .لقد سألَت الليدي مارچري أن تُسا ِعدها على العثور على قر ٍد له».
أصاب هذه البالد الجنون.
َ ر َّددت الملكة« :قرد» .ال تدري ماذا تقول عن هذا .عصافير وقرود .حقًّا
«وماذا عن فارسنا ال ُّشجاع السير لوراس؟ كم يزور أخته؟».
أجابَت الليدي تاينا« :أكثر من ك ِّل اآلخَرين» ،وعقدَت حاجبيها لتظهر تجعيدة ضئيلة بين عينيها ال َّداكنتين،
صباح وك َّل مسا ٍء يزورها ،ما لم يُعيقه واجبه .أخوها مخلص لها ،ويتشا َركان ك َّل شي ٍء...
ٍ وتاب َعت« :ك َّل
أوه .»...للحظ ٍة بدَت المايريَّة كأنها مصدومة ،ثم اتَّسعت ابتسامة على وجهها ،وقالت« :خط َرت لي فكرة
شرِّيرة للغاية يا جاللة الملكة».
لنفسك .العصافير منتشرون على التَّل ،وكلُّنا يعلم كم يبغض العصافير ِ « -يُستح َسن أن تحتفظي بها
ال َّشر».
ُ
سمعت أنهم يبغضون الماء والصَّابون أيضًا يا جاللة الملكة». «-
صاحب القداسة األعلى».
ِ « -ربما يحرم اإلكثار من الصَّالة المرء حاسَّة ال َّشم .سأحرصُ على سؤال
قالت الليدي تاينا والسَّتائر القرمزيَّة الحرير تتأر َجح« :أورتون قال لي إن السِّپتون األعلى ال اسم له .أهذا
صحيح؟ في (مير) كلُّنا لنا أسماء».
أجابَت الملكة« :أوه ،كان له اسم من قبل .ك ُّلهم كذلك» ،ول َّوحت بيدها باستهان ٍة مضيفةً« :حتى السِّپتونات
أبناء العائالت النَّبيلة يُع َرفون فقط بأسمائهم األولى حالما يحلفون اليمين ،وعندما يترقَّى أحدهم إلى مقام
أصبح
َ السِّپتون األعلى يتخلَّى عن هذا االسم أيضًا .تقول العقيدة إنه لم يَعُد في حاج ٍة إلى ٍ
اسم بَشري ،إذ
تج ُّسدًا لآللهة».
« -وكيف تُ َميِّزون بين ِسپتون أعلى وغيره؟».
ُمكنك دائ ًما
ِ ق السَّمين ،أو العجوز الذي ماتَ في نومه .ي عليك أن تقولي :السَّمين ،أو الذي سب َ
ِ « -بصعوبة.
ت ،لكن استخدامها يُضايِقهم ،يُ َذ ِّكرهم بأنهم ُولِدوا بَشرًا
أن تتوصَّلي إلى األسماء التي ُولِدوا بها إذا أرد ِ
عاديِّين ،وال يحبُّون هذا».
« -السيِّد زوجي يقول لي إن هذا السِّپتون األعلى ُولِد وتحت أظفاره الوسخ».
« -هذا ما أرتابُ فيه .كقاعد ٍة يرفع مجلس القانِتين واحدًا من أفراده ،لكن ث َّمة استثناءات» .كان ال ِمايستر
اختير حجَّار بسيط لمنصب َ بتفصيل ممل« .في عهد الملك بيلور المبا َرك
ٍ األكبر پايسل قد أخب َرها بالتَّاريخ
أشكاال في غاية ال َجمال من الحجارة لدرجة أن بيلور اعتق َد أنه (الح َّداد) وقد ً السِّپتون األعلى .كان ينحت
ُولِ َد من جدي ٍد في هيئ ٍة بَشريَّة .لم يكن الرَّجل يقرأ أو يَكتُب أو يتذ َّكر كلمات أبسط األدعية» .ما َ
زال
صبي في الثَّامنة إلى
ٌّ البعض يَز ُعم أن يد بيلور س َّمم الرَّجل ليُعفي البالد من اإلحراج« .بَعد موته ُرفِ َع
بإيعاز من الملك بيلور ،وأعلنَ جاللته أن الصَّبي يصنع المعجزات ،ولو أن يديه ٍ المنصب ،م َّرةً أخرى
ال َّشافيتين الصَّغيرتين لم تنجحا في إنقاذ بيلور نفسه وقت صيامه األخير».
أطلقَت الليدي ميريويذر ضحكةً ،وقالت« :في الثَّامنة؟ ربما يستطيع ابني أن يُصبِح السِّپتون األعلى إذن.
إنه يكاد يَبلُغ السَّابعة».
صلِّي كثيرًا؟».
سألَتها الملكة« :هل يُ َ
« -يُفَضِّل اللَّعب بالسُّيوف».
« -صب ٌّي حقيق ٌّي إذن .هل يعرف أسماء اآللهة السَّبعة جميعًا؟».
ُّ « -
أظن هذا».
تشك سرسي في أن وجود عد ٍد ما من الصِّبية الذين بإمكانهم تكريم التَّاج ُّ « -سأضعه في االعتبار» .ال
البلَّوري أكثر من المأفون الذي اختا َر مجلس القانِتين أن يهبه له .هذا ما ينتج عن ترك الحمقى والجُبناء
يَح ُكمون أنفسهم .المرَّة القادمة سأختار لهم سيِّدهم .وربما ال تتأ َّخر المرَّة القادمة كثيرًا إذا استم َّر السِّپتون
األعلى الجديد في إزعاجها ،فليس عند يد بيلور كثير يُلَقِّن سرسي النستر إياه في ِمثل هذه األمور.
لصاحبة الجاللة!».
ِ أفسحوا الطَّريق كان السير أوزموند ِكتلبالك يزعق« :أخلوا ال َّشارع! ِ
طأ ،وهو ما يعني أنهم دنوا من ق َّمة التَّل .قالت سرسي لليدي ميريويذر« :يَج ُدر بدأت حركة الهودج تتبا َ
ابنك هذا إلى البالط .ستَّة أعوام ليست ِسنًّا صغيرةً ج ًّدا .تومن محتاج إلى ِ
صبي ٍة آخَرين ِ بك أن تجلبيِ
ُّ ُ
ابنك أحدهم؟» .حسب ما تَذكر لم يكن لچوفري صديق مقرَّب من ِسنِّه قَط .كان الصَّبي حوله ،فلِ َم ال يكون ِ
طت في البئر .أي نعم كان المسكين وحيدًا دو ًما .في طفولتي كان عندي چايمي ...وميالرا ،إلى أن سق َ
چوف مغر ًما بكلب الصَّيد ،لكنها لم تكن صداقةً ،بل كان يبحث عن األب الذي لم يجده في روبرت .قد
يكون أخ في التَّربية ما يحتاج إليه تومن بالضَّبط لفطامه عن مارچري ودجاجاتها .ومع الوقت ربما
صباه ند ستارك .أحمق ،لكنه أحمق مخلص ،وتومن سيحتاج إلى يُصبِحان قريبيْن قُرب روبرت وصديق ِ
أصدقا ٍء مخلصين لحماية ظَهره.
جاللتك لطيفة ،لكن راسل لم يعرف بيتًا َّإال (الطَّاولة الطَّويلة) ،وأخشى أن يضيع في هذه المدينة ِ «-
العظيمة».
بت عليه .حين أرسلَني أبي إلى علَّقت الملكة« :في البداية ،لكن سرعان ما سيتغلَّب على ذلك ِمثلما تغلَّ ُ
بكيت وثا َر چايمي ،إلى أن أجل َستني ع َّمتي في (الحديقة الحجريَّة) وأفه َمتني أنه ليس هناك َمن ُ البالط
ضا سيَعثُر على ابنك أي ً
تخشاكِ .
ِ ت لبؤة ،وعلى ك ِّل ال َّدواب األدنى أن
أخشاه في (كينجز الندنج) .قالت :أن ِ
طفلك الوحيد ،أليس كذلك؟». ِ منك حيث تستطيعين رؤيته ك َّل يوم .إنه َشجاعته .مؤ َّكد ِ
أنك تُريدينه قريبًا ِ
« -في الوقت الحالي .السيِّد زوجي سأ َل اآللهة أن تَر ُزقنا ٍ
بابن آ َخر في حال.»...
أعرف» .ف َّكرت سرسي في چوفري وهو يخمش ُعنقه .في لحظاته األخيرة نظ َر إليها بضراع ٍة يائسة، ُ «-
وأوقفَت ذكرى مباغتة قلبها عن الخفقان؛ قطرة من ال َّدم األحمر تُهَس ِهس في لهب شمعة ،وصوت مشؤوم
يتكلَّم عن التِّيجان واألكفان ،عن الموت على يدَي الڤالونڬار.
خارج الهودج كان السير أوزموند يزعق بشي ٍء ما وير ُّد عليه أحدهم زاعقًا ،ثم توقَّف الهودج بحرك ٍة
حا َّدة ،وهد َر ِكتلبالك« :أأنتم موتى جميعًا؟ ابتعدوا عن الطَّريق اللَّعين!».
أزاحت الملكة رُكن السِّتار ،وأشا َرت إلى السير مرين ترانت متسائلةً« :ما المشكلة؟». َ
كان السير مرين يرتدي ِدرعًا بيضاء تحت معطفه ،وقد علَّق خوذته وتُرسه من َسرجه .أجابَها:
«العصافير يا جاللة الملكة .إنهم مخيِّمون في ال َّشوارع .سنجعلهم ينزاحون».
ب آخَر» ،وأفلتَت سرسي السِّتار قائلةً« :هذا
« -افعلوا هذا ولكن برفق .ال أري ُد أن أجد نفسي وسط شغ ٍ
سُخف».
يأتيك السِّپتون األعلى بنفسه ،وهؤالء ِ قالت الليدي ميريويذر مؤيِّدةً« :نعم يا جاللة الملكة .كان ينبغي أن
العصافير الحُقراء.»...
ُباركهم ،ومع ذلك يَرفُض مبا َركة الملك» .تعلم أن المبا َركة طقس فارغ ،لكن « -إنه يُط ِعمهم ويُ َدلِّلهم وي ِ
للطقوس والمراسم سطوة في أعيُن الجاهلين .إجون الفاتِح نفسه ح َّدد تاريخ بداية مملكته بيوم مرخَ ه ُّ
بالزيوت المق َّدسة في (البلدة القديمة)« .إ َّما أن يخضع ذلك الرَّاهب التَّافه وإ َّما سيتعلَّم أنه
السِّپتون األعلى ُّ
ال يزال إنسانًا ضعيفًا».
الذهب ،إنه ينوي اإلمساك عن مبا َركة الملك إلى أن يستأنف التَّاج « -أورتون يقول إن ما يُريده حقًّا هو َّ
دفع ديونه».
« -ستَحصُل العقيدة على ذهبها ما إن يح َّل السَّالم» .السِّپتون توربرت والسِّپتون راينارد تفهَّما أزمتها
تما ًما ...على عكس البراڤوسي المأفون الذي أل َّح على اللورد جايلز المسكين بال رحمة ،إلى أن أُ ِخ َذ إلى
فِراشه وهو يَسعُل د ًما .كان من الضَّروري أن نبني تلك السُّفن .ال تستطيع سرسي االعتماد على (الكرمة)
في شأن ق َّوتها البحريَّة ،فآل ردواين قريبون للغاية من آل تايرل ،وهي محتاجة إلى ق َّوتها الخاصَّة في
البحر.
بضعف مجاذيف (مطرقة الملك بحر ِ ستمنحها ال ُّدرمونات التي ترتفع في النَّهر هذا .سفينة القيادة ستُ ِ
طلب أوران إذنها في تسميتها (اللورد تايوين) ،فقبلَت سرسي مسرورةً ،وتتطلَّع إلى أن َ روبرت) ،وقد
تسمع النَّاس يتكلَّمون عن أبيها باعتباره أنثى .إحدى السُّفن األخرى ستُ َس َّمى (الجميلة سرسي) ،وستحمل
تمثال مقدِّم ٍة مذهَّبًا منحوتًا بحيث يُحاكي مالمحها بينما ترتدي الحلقات المعدنيَّة وتعتمر خوذة األسد
وتحمل حربةً .ستتبعها (چوفري ال ُّشجاع) و(الليدي چوانا) و(اللَّبؤة) إلى البحر ،باإلضافة إلى (الملكة
الذهبيَّة) و(اللورد رنلي) و(الليدي أولينا) و(األميرة مارسال) .ارتكبَت الملكة خطأ مارچري) و(الوردة َّ
إخبار تومن بأنه يستطيع تسمية السُّفن الخمس األخيرة ،والحقيقة أنه اختا َر اسم (فتى القمر) إلحداها،
قائال إن الرِّ جال قد ال يرغبون في الخدمة على متن سفين ٍة مس َّماة على اسموفقط حين علَّق اللورد أوران ً
مضض بتكريم أخته ً
بدال من ذلك. ٍ مهرِّج ،قب َل الصَّبي على
قالت لتاينا« :إذا كان هذا السِّپتون الوضيع يحسب أنه سيجعلني أشتري مبا َركة تومن فسيتعلَّم واقع األشياء
لقطيع من الرُّ هبان.
ٍ قريبًا» .ال تنوي الملكة أن تنصاع
بشكل مباغت لدرج ٍة رجَّت جسد سرسي ،فقالت« :أوه ،لم يَعُد هذا يُطاق» ،ومالَت إلى ٍ توقَّف الهودج ثانيةً
الخارج فرأت أنهم بلغوا ق َّمة (تَل ڤيزينيا) .أمامها ال َح ( ِسپت بيلور الكبير) بقُبَّته المهيبة وبروجه السَّبعة
البرَّاقة ،لكن بينها وبين درجاته الرُّ خام بحر كئيب من البَشر مسم ِّري البشرة البسي األسمال متَّسخي
األجساد.
ف َّكرت متن ِّشقةً :عصافير ،ولو أن ال ُعصفور تفوح منه رائحة ٍ
عفن ونتانة كهذه.
جلب لها تقارير بأعدادهم ،لكن السَّماع بها شيء ورؤيتها رأي َ ارتاعَت سرسي للمنظر .كان كايبرن قد
العين شيء مختلف .في السَّاحة يُ َخيِّم المئات ،وفي الحدائق مئات أكثر ،تُف ِعم بؤر نيرانهم الهواء بال ُّدخان
والرَّوائح المنفِّرة ،وتُلَ ِّوث خيامهم الخيش وأكواخهم الحقيرة المبنيَّة بالطَّمي وفُضالة األخشاب األرضيَّة
الرُّ خام العريقة ،بل ويتلملَمون بال ِمثل على السَّاللم أمام باب (السِّپت الكبير) ال َّشاهق.
حال ذهبيًّا كمعطفه .أوزفريد أوسطعا َد السير أوزموند إليها خببًا ،وإلى جواره يركب السير أوزفريد فَ ً
اإلخوة ِكتلبالك ،وأكثر من أخويه هدو ًءا وجنوحًا إلى العبوس عن االبتسام .وأقسى كذلك إذا صدقَت
الجدار).ي أن أرسله إلى ( ِ الحكايات .ربما كان عل َّ
رجال أكبر ِسنًّا «متم ِّرسًا في أمور الحرب» لقيادة ذوي المعاطف َّ
الذهبيَّة، ً أرا َد ال ِمايستر األكبر پايسل
واتَّفق معه كثيرون من مستشاريها اآلخَ رين ،فقالت لهم« :السير أوزفريد متمرِّس بما فيه الكفاية» ،لكن
الجراء المزعجة .يكاد صبرها على پايسل ينفد عن كقطيع من ِ
ٍ ُخرسهم .ينبحون في وجهي حتى هذا لم ي ِ
اعترض الرَّجل على إرسالها إلى (دورن) طالبةً قيِّم سالح ،بزعم أن شيئًا كهذا قد َ آخره .بك ِّل سفاه ٍة
ِ
يُسيء إلى آل تايرل ،وعندها سألَته مته ِّكمةً« :ولِ َم تحسبني أفع ُل هذا؟».
صاحبة الجاللة .أخي يستدعي المزيد من ذوي المعاطف َّ
الذهبيَّة. ِ أستميحك العُذر يا
ِ قال السير أوزموند« :
سنفتح طريقًا ،ال تخافي».
ي وقت .سأواص ُل على قد َمي». « -ليس لد َّ
أرجوك يا جاللة الملكة ،أنا خائفة منهم .إنهم مئات ،ومتَّسخون للغاية».
ِ أمس َكت تاينا ذراعها قائلةً« :
منك أن تُلقي ً
باال ِ طب َعت سرسي قُبلةً على وجنتها ،وقالت« :اللَّيث ال يخشى العُصفور ...لكن لُطف
أنك تحبِّينني كثيرًا يا سيِّدتي .سير أوزموند ،سا ِعدني على النُّزول من فضلك». لسالمتي .أعل ُم ِ
ُناسبه .اليوم ترتدي فُستانًا أبيض مش َّرطًا بقُماش َّ
الذهب، ُ
الرتديت ما ي ِ عرفت أني سأضطرُّ إلى المشي ُ لو
آخر م َّر ٍة وض َعته الملكة على جسدها كانت منذ ع َّدة أعوام ،واآلن تجده
فيه تخريم لكن ال يعوزه االحتشامِ .
صف على نح ٍو غير مريح .خاطبَت رجالها قائلةً« :سير أوزموند ،سير مرين ،ستصحباني. ضيِّقًا من المنت َ
سير أوزفريد ،احرص على سالمة هودجي» .بعض العصافير يبدو ضاويًا غائص العينين بما فيه الكفاية
اللتهام خيولها.
بينما شقَّت طريقها في زحام المع ِدمين ما َّرةً ببؤر نيرانهم وعرباتهم ومساكنهم البائسة ،وجدَت الملكة
نفسها تتذ َّكر م َّرةً سابقةً ازدح َم فيها النَّاس في هذه السَّاحة.
يوم زفافها إلى روبرت باراثيون جا َء آالف يهتفون لهما .ارتدَت كلُّ النِّساء أفضل ثيابهن وحم َل نِصف
ق الجمهور هديرًا ال ِّرجال أطفالهم على أكتافهم ،ول َّما خر َجت من السِّپت ويدها في يد الملك ال َّشاب أطل َ
فهمس روبرت في أُذنها« :يحب ِ
ُّونك للغاية يا سيِّدتي .انظُري، َ مد ِّويًا من شأنه أن يُس َمع في (النسپورت)،
الوجوه كلُّها مبتسمة» .في هذه اللَّحظة الواحدة العابرة كانت سعيدةً في زواجها ...إلى أن وق َع ناظراها
مصادفةً على چايمي ،وتَذ ُكر أنها ف َّكرت لحظتها :ال ،ليس كلُّ الوجوه يا سيِّدي.
ال أحد يبتسم اآلن .النَّظرات التي يرميها بها العصافير فاترة كئيبة عدوانيَّة ،وقد أفسحوا لها الطَّريق على
بالعصي والسُّيوف
ِّ مضض .لو كانوا عصافير حقًّا لطيَّرتهم صيحة .مئة من ذوي المعاطف َّ
الذهبيَّة
ت قصير .هذا ما كان اللورد تايوين ليفعله .كان والهراوات يستطيعون طرد هؤالء الغوغاء خالل وق ٍ
بدال من المشي وسطهم. ليدعسهم ً
حين رأت ما فعلوه ببيلور المبا َرك وق َع األسف في قلب الملكة الرَّقيق .التِّمثال المرمر العظيم الذي يرتفع
عام مغطَّى حتى الخصر بكوم ٍة من العظم والجماجم ،وبعض الجماجم ما زالَت مبتس ًما في السَّاحة منذ مئة ٍ
وراح ال ُّذباب ُّ
يطن َ لحم عالقةً به ،وقد َحطَّ ُغراب على واحد ٍة من هذه ليستمتع بوليمته اليابسة الجافَّة،
رُقع ٍ
جبل من الجيف؟». في ك ِّل مكان .سألَت الجمع« :ما هذا؟ هل تُريدون دفن بيلور المبا َرك تحت ٍ
از خشبي ،وقال« :جاللة الملكة ،هذه عظام مؤمنين ومؤمنات قُتِلوا ق واحدة متَّكئًا على ُع َّك ٍ تق َّدم رجل بسا ٍ
وسپتوات ،وإخوة بنيُّون ورماديُّون و ُخضر ،وأخوات بيضاوات وزرقاوات ِ إليمانهمِ ،سپتونات
ق وبعضهم بُقِ َر بطنه .السِّپتات نُ ِهبَت والفتيات وأ َّمهاتهن اغتصبهن الكافرون وعبدة ورماديَّات .بعضهم ُشنِ َ
ال َّشياطين .حتى األخوات الصَّامتات تعرَّضن للتَّحرُّ ش( .األُم في األعالي) تَصرُخ لوعةً .لقد جلبنا عظامهم
من جميع أنحاء البالد لتشهد على كرب العقيدة المق َّدسة».
شع َرت سرسي بثِقل النَّظرات المسلَّطة عليها ،وبرصان ٍة أجابَت« :سيعرف الملك بهذه البشاعات
ُشارككم تومن غضبتكم .هذا عمل ستانيس وساحرته الحمراء ،وعمل ال َّشماليِّين الهمجيِّين عابدي وسي ِ
األشجار وال ِّذئاب» ،ورف َعت صوتها مضيفةً« :أيها القوم الكرام ،ستنالون ثأر موتاكم!».
هلَّل قالئل ،ولكن قالئل فحسب ،وقال ذو السَّاق الواحدة« :ال نَطلُب ثأرًا لموتانا وإنما الحماية لألحياء،
وللسِّپتات واألماكن المق َّدسة».
دمد َم جلف ضخم على جبهته نجمة سُباعيَّة مرسومة« :يجب أن يُدافِع العرش الحديدي عن العقيدة .الملك
الذي ال يحمي شعبه ليس مل ًكا على اإلطالق» ،فارتف َعت همهمات التَّأييد من حوله ،وكان أحدهم بالنَّزق
ُمسك معصم السير مرين ويقول« :آن أوان أن يتخلَّى جميع الفُرسان المحلَّفين عن سادتهم الكافي ألن ي ِ
ال ُّدنيويِّين ويُدافِعوا عن عقيدتنا المق َّدسة .قِف معنا أيها الفارس إذا كنت تحبُّ (السَّبعة)».
قائال« :اترُكني».انتز َع السير مرين يده ً
قالت سرسي« :أسمعكم .ابني صغير ،لكنه يحبُّ (السَّبعة) ُحبًّا ج ًّما .ستحظون بحمايته وحمايتي أيضًا».
لم يقتنِع الكبير ذو النَّجمة على جبهته ،وقال(« :ال ُمحارب) سيُدافِع عنا ،وليس ذلك الملك الصَّبي البدين».
بحر
ٍ َم َّد مرين ترانت يده إلى سيفه ،لكن سرسي أثنَته عن هذا قبل أن يستلَّه .إن معها فارسيْن ال أكثر في
من العصافير ،كما أنها ترى عصيًّا ومناجل ونبابيت وهراوات وع َّدة فؤوس .قالت« :لن أسمح بسفك
الدِّماء في هذا المكان المق َّدس أيها الفارس» .لماذا الرِّجال جميعهم أطفال؟ اقتُله وسيُ َم ِّزقنا البقيَّة تمزيقًا.
الزحام إلى درجات السِّپت صاحب القداسة األعلى ينتظرنا» .لكن إذ خطَت وسط ِّ ِ «كلُّنا أطفال (األُم) .هيا،
والجلد المق َّوى بال َّزيت ِ تق َّدمت جماعة من المسلَّحين لتحول بينها وبين الباب .يرتدون الحلقات المعدنيَّة
الحراب وبعضهم السُّيوف الطَّويلة ،في حين المغلي ،وهنا وهناك قِطعة منبعجة من ِدرع ،ويحمل بعضهم ِ
َّ
ت حمراء على سُتراتهم البيضاء الطويلة ،وبلغَت الوقاحة باثنين يُفَضِّل أكثرهم الفؤوس ،وقد خاطوا نجما ٍ
ُقاطعا حربتيهما ويس َّدا طريقها.
منهم أن ي ِ
سألَتهم« :أهكذا تستقبلون ملكتكم؟ أين راينارد وتوربرت؟» .ليس من عادة هذين االثنين أن يُفَ ِّوتا فُرصة
تملُّقها ،ودائ ًما يركع توربرت على رُكبتيه ويغسل قدميها على نح ٍو استعراضي.
أعرف ع َّمن تتكلَّمين ،لكن إذا كانا من رجال ُ قال واحد ممن يحملون النَّجمة الحمراء على سُتراتهم« :ال
العقيدة فال بُ َّد أن اآللهة احتا َجت إلى خدماتهما».
ُغضبهما أن يعلما أنكم
قالت سرسي« :السِّپتون راينارد والسِّپتون توربرت من مجلس القانِتين ،وسي ِ
أعقتموني .هل تمنعونني من دخول ِسپت بيلور المق َّدس؟».
بك هنا يا جاللة الملكة ،لكن على رجليك أن يَترُكا حزاميهما .ليس
أجابَها شيخ بكتفين محنيَّتين« :مرحبًا ِ
مسموحًا باألسلحة في ال َّداخل بأمر السِّپتون األعلى».
الحرس الملكي ال يتخ ُّلون عن سيوفهم حتى في حضرة الملك». « -فُرسان َ
ُّ
المسن« :في بيت الملك الكلمة للملك ،لكن هذا بيت اآللهة». َر َّد الفارس
ت أقرب مما يحبُّ .محني الظَّهر آلهته خالل وق ٍ
ُّ احتقنَ وجهها .كلمة واحدة لمرين ترانت وسيلقى ال َّشيخ
لكن ليس هنا ،ليس اآلن .قالت لفار َسي ال َحرس الملكي باقتضاب« :انتظراني» ،ووحدها صعدَت السَّاللم.
الحراب حربتيهما ،ودف َع اثنان آخَران مصراعَي الباب باألكتاف لينفتحا مصدريْن قعقعةً سحب حاملَي ِ
َ
عظيمةً.
في (بهو القناديل) وجدَت عشرين من السِّپتونات راكعين ،ولكن ليس للصَّالة .كانت معهم دالء من الماء
والصَّابون ويمسحون األرض .دف َعت ثيابهم الخيش وصنادلهم سرسي إلى اعتقادهم عصافير ،إلى أن رف َع
أحدهم رأسه ،لترى وجهه المح َمر كالبنجر والقروح المفتوحة النَّازفة في يديه .خاطبَها الرَّجل ً
قائال:
«جاللة الملكة؟».
صدِّق ما تراه« :السِّپتون راينارد؟ ماذا تفعل على رُكبتيك؟». قالت وهي تكاد ال تُ َ
ظف األرض» .المتكلِّم أقصر قامةً من الملكة بع َّدة بوصات ،ورفيع كعصا المق َّشة« .العمل صورة « -يُنَ ِّ
حامال فُرشاةً خشنةً ،وقال« :جاللة الملكة،
ً ونهض الرَّجل
َ من صُور العبادة ،ويُرضي (الح َّداد) للغاية»،
حضورك».
ِ كنا ننتظر
بإحكام وراء رأسه ،وعلى الرغم من أن رداءه ٍ ومشذبة بعناية ،و َشعره معقود َّ لحية الرَّجل بنِّيَّة شائبة
يحك األرض ،لكن تحت رُكبتيه ُّ نظيف فإنه مهترئ ومرتوق ،وكان قد ش َّمر ُك َّميه حتى ال ِمرفقيْن بينما
القُماش مبت ٌّل تما ًما .له وجه مدبَّب وعينان غائصتان بنِّيَّتان كالطَّمي ،ورأت سرسي قدميه فقالت لنفسها
صاحب القداسة
ِ وجلدهما يابس« .أنت مشدوهةً :حافيتان .ثم إنهما شنيعتان أيضًا ،صُلبتان قاسيتان ِ
األعلى؟».
« -نحن كذلك».
أبانا ،امنحني الق َّوة .تعلم الملكة أن عليها أن تركع ،لكن األرض مبتلَّة بالمياه المتَّسخة والصَّابون ،وليست
راغبةً في إتالف فُستانها .تطلَّعت إلى المسنِّين على رُكبهم ،وقالت« :ال أرى صديقي السِّپتون توربرت».
« -السِّپتون توربرت محت َجز في صومعة توبة ويقتات بال ُخبز والماء .من اإلثم أن يكون رجل ما بدينًا
هكذا بينما يتض َّور نِصف البالد جوعًا».
ليوم واحد ،فتر َكته يرى غضبها إذ قالت« :أهكذا تُ َحيِّيني؟ بفُرشا ٍة يَقطُر منها الماء
تح َّملت سرسي ما يكفي ٍ
في يدك؟ هل تعرف َمن أنا؟».
صاحبة الجاللة الملكة الوصيَّة على عرش (الممالك السَّبع) ،لكن مكتوب في (النَّجمة ِ ت
أجاب الرَّجل« :أن ِ
َ
السُّباعيَّة) أنه كما يحني اإلنسان رأسه لسادته ،والسَّادة لملوكهم ،فعلى الملوك والملكات حني رؤوسهم
للسَّبعة الذين هُم واحد».
هل يقول لي أن أركع؟ إذا كان األمر هكذا فهو ال يعرفها جيِّدًا« .كان المفت َرض أن تُقابِلني على السَّاللم
في أبهى صور ٍة وعلى رأسك التَّاج البلَّوري».
« -ليس لدينا تاج يا جاللة الملكة».
والذهب المغزول». ر َّدت بوج ٍه ازدا َد جهامةً« :السيِّد والدي أهدى إلى سلفك تاجًا نادر ال َجمال من البلَّور َّ
طعام في
ٍ قال السِّپتون األعلى« :ولهذه الهديَّة نَذ ُكره بالخير في صلواتنا ،لكن الفُقراء في حاج ٍة إلى
الذهب والبلَّور على رأسنا .ذلك التَّاج بي َع ،وكذا جميع التِّيجان األخرى فيبطونهم أكثر مما نحتاج إلى َّ
الذهب وقُماش الفضَّة .الصُّ وف يَصلُح لتدفئة خزائننا ،إضافةً إلى خواتمنا وأرديتنا المصنوعة من قُماش َّ
ق (السَّبعة) الخراف».المرء بالقدر ذاته .لهذا خل َ
يا لجنونه المطبق .ال بُ َّد أن أعضاء مجلس القانِتين كانوا مجانين أيضًا إذ رقَّوا مخلوقًا كهذا ...مجانين أو
ت كانت تفصل السِّپتون لوشن مرعوبين من المتس ِّولين على أبوابهم .هامسو كايبرن ا َّدعوا أن تسعة أصوا ٍ
عن التَّرقية حين انفت َحت تلك األبواب ،وتدفَّق العصافير إلى (السِّپت الكبير) حاملين قائدهم على أكتافهم
والفؤوس في أيديهم.
صاحب
ِ ح َّدقت إلى الرَّجل الصَّغير بنظر ٍة جليديَّة متسائلةً« :أهناك مكان نستطيع الكالم فيه على انفراد يا
القداسة؟».
صاحبة الجاللة».
ِ ناو َل السِّپتون األعلى أحد القانِتين فُرشاته مجيبًا« :تفضَّلي واتبعيني يا
قادَها عبر الباب ال َّداخلي إلى صحن السِّپت وتر َّددت أصدقاء ُخطاهما على األرضيَّة الرُّ خام ،وقد طفا
الهباء في أشعَّة الضَّوء المل َّون المتسلِّلة من ُزجاج القُبَّة العظيمة المطلي بالرَّصاص ،وعطَّر البَخور
تتألأل ألف شمعة ،ول(العذراء) َ الهواء ،وإلى جوار المذابح السَّبعة تألَّقت ال ُّشموع كالنُّجوم .ل(األُم)
نحوها ،لكن يُمكنك أن تُحصي ال ُّشموع المضاءة ل(الغريب) على أق ِّل من عشرة أصابع.
بل َغ غزو العصافير قلب السِّپت .أمام (ال ُمحارب) تركع دستة من الفُرسان المتج ِّولين متَّسخي الملبس،
ُبارك السُّيوف التي ك َّوموها عند قدميه ،وعند مذبح (األُم) يقود ِسپتون مئةً من يتضرَّعون إليه أن ي ِ
العصافير في الصَّالة ،بعيدة أصواتهم كالموج على ال َّساحل .قا َد السِّپتون األعلى سرسي إلى حيث ترفع
(العجوز) مصباحها ،ول َّما رك َع أمام مذبحها لم تجد خيارًا َّإال الرُّ كوع إلى جواره ،لكن من الرَّحمة أن هذا
أمتن لهذا على األقل.ي أن َّ السِّپتون األعلى ال يجنح إلى اإلطناب في الصَّالة كسلفه السَّمينُّ .
أظن أن عل َّ
صاحب القداسة األعلى القيام حين فر َغ من الصَّالة ،ويبدو أن عليهما أن يتشا َورا راكعيْن.
ِ ُحاول
لم ي ِ
صاحب القداسة ،هؤالء العصافير يُخيفون أهل ِ رجل وضيع« .ٍ ف َّكرت وقد وجدَت هذا طريفًا :حيلة من
المدينة .أريدهم أن يرحلوا».
« -وأين يذهبون يا جاللة الملكة؟».
ي منها يَصلُح« .إلى حيث جاءوا كما أتص َّو ُر».
ث َّمة سبع جحائم ،أ ٌّ
ضعًا ضعًا وشيوعًا بين ُّ
الطيور ،هُم أكثر النَّاس توا ُ « -لقد جاءوا من ك ِّل مكانِ .مثل العُصفور األكثر توا ُ
وشيوعًا».
المبارك؟ إنهم يُ َدنِّسون السَّاحة
َ إنهم شائعون بالفعل ،على هذا نتَّفق« .هل رأيت ما فعلوه بتمثال بيلور
بخنازيرهم وماعزهم وفضالتهم».
« -غسل الفضالت أسهل من غسل الدِّماء يا جاللة الملكة .إذا ُدنِّ َست السَّاحة فقد دنَّسها اإلعدام الذي تَ َّم
هنا».
هل يجرؤ على إلقاء ند ستارك في وجهي؟ «كلُّنا آسفون لهذا .چوفري كان صغيرًا وال يتمتَّع بحكم ٍة
المبارك ...لكن دَعنا ال ننسى أن َ مكان آخَ ر احترا ًما لبيلور
ٍ كافية .كان يجب قطع رأس اللورد ستارك في
الرَّجل كان خائنًا».
« -الملك بيلور عفا ع َّمن تآ َمروا ضده».
حبس أخواته الالتي كانت جريرتهن الوحيدة َجمالهن .أول م َّر ٍة سم َعت سرسي هذه الحكاية َ الملك بيلور
انفجر باكيًا.
َ ذهبَت إلى ُغرفة تيريون الرَّضيع وقر َ
صته حتى
أجبرت نفسها على االبتسام قائلةً« :والملك تومن
َ كان حريًّا بي أن أكتم أنفاسه وأدسَّ جوربي في فمه.
سيعفو عن العصافير أيضًا ما إن يرحلوا إلى ديارهم».
ُ
اعتدت « -أكثرهم فق َد داره .المعاناة في ك ِّل مكان ...والحُزن والموت .قبل مجيئي إلى (كينجز الندنج)
وسرت من ك ِّل واحد ٍة إلى التَّالية
ُ التَّجوال بين عشرات القُرى األصغر من أن يكون لها ِسپتونها الخاص،
مقي ًما طقوس ال ِّزفاف وغافرًا خطايا ال ُخطاة ومس ِّميًا المواليد .تلك القُرى لم يَعُد لها وجود يا جاللة الملكة،
والحشائش واألشواك تنمو حيث كانت الحدائق ال ُمزهرة ،وعظام الموتى ملقاة على قارعة الطَّريق».
« -الحرب شيء فظيع .هذه البشاعات من صُنع ال َّشماليِّين واللورد ستانيس ورجاله عبدة ال َّشياطين».
ت من األُسود انته َكت حُرمتهم ...وعن كلب الصَّيد الذي كان « -بعض عصافيري يتكلَّمون عن جماعا ٍ
واغتصب فتاةً في الثَّانية عشرة ،طفلةً بريئةً موعودةً
َ بسپتون مسن ك ِ رجلكم الوفي .في ( َّ
المالحات) فت َ
للعقيدة .كان يرتدي ِدرعه بينما يغتصبها ،وم َّزقت حلقاته المعدنيَّة لحمها الغَضَّ وسحقَه ،ول َّما فر َغ منها
تر َكها لرجاله الذين قطعوا أنفها وثدييها».
رجل سبقَت له خدمة عائلة النستر .ساندور كليجاين خائن ٍ « -ال يُمكن تحميل جاللة الملك مسؤوليَّة كلِّ
متوحِّش .لماذا تحسبني صرفته من خدمتنا؟ إنه يُقاتِل لحساب المجرم بريك دونداريون اآلن ،وليس الملك
تومن».
« -كما تقولين ،لكن يجب َّأال نُغفِل هذا ال ُّسؤال ...أين كان فُرسان الملك عندما جرى هذا؟ ألم ي ِ
ُقسم
يوم على العرش الحديدي نفسه أن التَّاج سيُدافِع عن العقيدة دو ًما ويحميها؟». چهيرس ال ُمصلح ذات ٍ
ال تدري سرسي بِ َم أقس َم چهيرس ال ُمصلح ،لكنها قالت متَّفقةً« :صحيح ،وبار َكه السِّپتون األعلى ومرخَ ه
ُبارك كلُّ ِسپتون أعلى جديد الملك ...ومع ذلك جرت العادة على أن ي ِ ُّ
بالزيوت المق َّدسة باعتباره الملك .لقد َ
تَرفُض مبا َركة الملك تومن».
جاللتك مخطئة .نحن لم نَرفُض».
ِ «-
ت».
« -لكنك لم تأ ِ
« -لم ت َِحن ساعة القطاف بع ُد».
أأنت راهب أم ُخضري؟ «وما الذي يُمكن أن يجعلها ...تحين؟» .إذا جر َؤ على ِذكر َّ
الذهب سأتعام ُل معه
طفال ورعًا في الثَّامنة يعتمر التَّاج البلَّوري.
تعاملت مع سابقه وأج ُد ً
ُ كما
« -البالد مألى بالملوك ،ولتُعلي العقيدة واحدًا فوق البقيَّة يجب أن نكون واثقين .قبل ثالثمئة عام ،عندما
حبس السِّپتون األعلى نفسه في (السِّپت النَّجمي) في (البلدة القديمة)
َ رسا إجون الفاتِح عند هذا التَّ ِّل تحديدًا،
ناوئ إجون ليال دون غذا ٍء َّإال ال ُخبز والماء ،وحين خر َج أعلنَ أن العقيدة لن تُ ِ وصلَّى سبعة أيام وسبع ٍ
وأختيه ،ألن (العجوز) رف َعت مصباحها وأ َرته المستقبَل .لو رف َعت (البلدة القديمة) السِّالح ضد التنِّين
ق الخراب وال َّدمار ب(البُرج العالي) و(القلعة) و(السِّپت النَّجمي) .اللورد هايتاور كان الحترقَت ،ولحا َ
رجال متديِّنًا ،ول َّما سم َع النُّبوءة أبقى ق َّواته في دياره وفت َح ب َّوابات المدينة إلجون لدى وصوله ،ومر َخ ً
ي أن أفعل ما فعلَه السِّپتون األعلى قبل ثالثمئة عام، بالزيوت السَّبعة .عل َّصاحب القداسة األعلى الفاتِح ُّ ِ
ي أن أصلِّي وأصوم». عل َّ
ليال؟».
« -سبعة أيام وسبع ٍ
« -مهما تطلَّب األمر».
ف َّكرت سرسي وهي تتحرَّق شوقًا إلى صفعه على وجهه الرَّصين :أستطي ُع مساعَدتك على الصِّيام،
بطعام إلى أن تقول اآللهة كلمتها .قالت لهٍ ُرج ما وأحرص على َّأال يأتيك أحد أستطي ُع أن أحبسك في ب ٍ
مذ ِّكرةً« :هؤالء الملوك ال َّزائفون يعتنقون أديانًا باطلةً .ملكنا تومن يُدافِع عن العقيدة المق َّدسة».
صبن ويرفعن أصواتهن « -ومع ذلك تُح َرق السِّپتات وتُس َرق في ك ِّل مكان ،وحتى األخوات الصَّامتات اغتُ ِ
صاحبة الجاللة عظام وجماجم إخوتنا المؤمنين؟». ِ الملتاعة إلى السَّماء .هل رأت
ر َّدت مرغمةً« :رأيتها .امنح تومن البَركة وسيضع نهايةً لهذه االنتهاكات».
أخ شحَّاذ؟ هل الطرق مع كلِّ ٍ ُرسل فارسًا يمشي على ُّ « -وكيف سيفعل ذلك يا جاللة الملكة؟ هل سي ِ
رجاال لحماية ِسپتواتنا من ال ِّذئاب واألُسود؟».
ً سيُعطينا
صاحب الجاللة في حاج ٍة إلى ك ِّل رجل» .ال نيَّة لدىِ سأتظاه ُر بأنك لم تَذ ُكر األُسود« .البالد في حرب.
سرسي في تبديد ق َّوة تومن بإرسال رجاله للعب دور ال ُمرضعات مع العصافير أو حراسة الفروج
صلِّي نِصفهن طلبًا لالغتصاب« .عصافيرك يحملون هراوا ٍ
ت المتغضِّنة أللف ِسپتة كئيبة .على األرجح يُ َ
وفؤوسًا .فليُدافِعوا عن أنفسهم».
بمرسوم منه لم تَعُد العقيدة تحمل
ٍ صاحبة الجاللة بالتَّأكيد.
ِ « -قوانين الملك ميجور تَحظُر ذلك كما تعلم
السُّيوف».
ضه ميجور المتو ِّحش قبل ثالثمئة عام؟ ً
بدال من أخذ « -تومن الملك اآلن ال ميجور» .لِ َم تُبالي بما فر َ
السُّيوف من أيدي المؤمنين كان عليه استغاللها في تحقيق مآربة.
أشا َرت إلى (ال ُمحارب) الواقف فوق مذبحه الرُّ خامي األحمر ،وسألَت« :ما هذا الذي يحمله؟».
« -إنه سيف».
« -هل نس َي كيف يستخدمه؟».
« -قوانين ميجور.»...
...« -قابلة لإللغاء» ،قالتها وتر َكت القول يسبح في الهواء منتظرةً أن يلتقط السِّپتون األعلى ُّ
الطعم.
عام منولم يُ َخيِّب الرَّجل ظنَّها ،وقال« :ميالد ُمناضلي العقيدة من جديد ...ستكون هذه إجابةً لثالثمئة ٍ
ال ُّدعاء يا جاللة الملكة .سيرفع (ال ُمحارب) سيفه ثانيةً ويُطَهِّر هذه البالد األثيمة من شرورها .إذا سم َح لي
مؤمن في (الممالكٍ صاحب الجاللة بإحياء جماعتَي السَّيف والنَّجمة العريقتيْن المبا َركتيْن فسيعرف كلُّ ِ
َّ ً
السَّبع) يقينا أنه موالنا الشرعي ال َحق».
حرصت على عدم إبداء لهفتها ،وقالت« :تكلَّمت منذ ٍ
قليل عن العفو يا َ رائع أن تسمع هذا ،لكن سرسي
صاحب القداسة األعلى .في هذه األوقات العصيبة سيكون الملك تومن ممتنًّا للغاية إذا وجدت وسيلةً للعفو ِ
عن ديون التَّاج .على َح ِّد علمي نحن مدينون للعقيدة بنحو تسعمئة ألف تنِّين».
« -تسعمئة ألف وس ُّتمئة وأربعة وسبعون ،ذهب من شأنه إطعام الجياع وإعادة بناء ألف ِسپت».
الذهب أم إبطال قوانين ميجور التي عفا عليها ال َّزمن؟».سألَته الملكة« :هل تُريد َّ
ف َّكر السِّپتون األعلى لحظةً ،ثم قال« :كما ترغبين .سنعفو عن هذا ال َّدين ،وسينال الملك تومن البَركة.
سيصحبني أبناء ال ُمحارب إليه متألِّقين بمجد عقيدتهم ،بينما يذهب عصافيري للدِّفاع عن الضُّ عفاء
والمساكين في البالد ،مولودين من جدي ٍد كجماعة الصَّعاليك القديمة».
ضت الملكة وس َّوت تنُّورتها قائلةً« :سآم ُر بتجهيز األوراق ،وسيُ َوقِّعها جاللته ويضع عليها الختم نه َ
الملكي» .إذا كان هناك جزء من ال ُملك يحبُّه تومن فهو اللَّعب بختمه.
قال السِّپتون األعلى« :فليحمه (السَّبعة) وعسى أن يطول حُكمه» ،وشبَّك أصابعه ورف َع عينيه إلى السَّماء،
وأردفَ « :فليرتجف األشرار!».
تستطع سرسي أن تمنع نفسها من االبتسام .ما كان السيِّد والدها نفسه ليُبلي ِ هل تسمع يا لورد ستانيس؟ لم
بال ًء أحسن .بضرب ٍة واحدة خلَّصت (كينجز الندنج) من وباء العصافير وأ َّمنت بَركة تومن وخفَّضت نحو
مليون تنِّين من ديون التَّاج .كان قلبها ي َُحلِّق تحليقًا إذ سم َحت للسِّپتون األعلى باصطحابها عائدةً إلى (بهو
القناديل).
ط بأبناء ال ُمحارب أو جماعة الصَّعاليك ،فشر َحت شار َكتها الليدي ميريويذر ابتهاجها ،مع أنها لم تسمع قَ ُّ
لها سرسي قائلةً« :تاريخهم يرجع إلى ما قبل غزوة إجون.
أبناء ال ُمحارب كانوا جماعةً من الفُرسان الذين تنازَلوا عن أراضيهم وذهبهم وأق َسموا على تكريس
ضعًا ولو أن أعدادهم كانت أكبر ً
رجاال أكثر توا ُ لصاحب القداسة األعلى .الصَّعاليك ...كانواِ سيوفهم
الطرق بدال من اآلنية .اعتادوا أن يجوبوا ُّ كثيرًا ،نوعًا من اإلخوة ال َّشحَّاذين ولكن يحملون الفؤوس ً
ويصطحبوا ال ُمسافرين من ِسپت إلى ِسپت وبلدة إلى بلدة حاملين شارة النَّجمة السُّباعيَّة ،أحمر على
ضيَّةً
أبيض ،فس َّماهم العا َّمة ال ُّنجوم .أ َّما أبناء ال ُمحارب فارتدوا معاطف بألوان قوس قزح ودروعًا ف ِّ
قمصان من ال َّشعر ،وكانت في قبيعة سيف كلٍّ منهم بلَّورة على شكل نجمة .هؤالء كانوا ٍ مزخرفةً فوق
السُّيوف .مؤمنون ،متنسِّكون ،متعصِّبون ،مشعوذون ،قتَلة تنانين ،صيَّادوا شياطين ...الحكايات عنهم
عديدة ،لكن جميعها متَّفق على أنهم كانوا ال يُبارون في كراهيتهم لك ِّل أعداء العقيدة المق َّدسة».
قالت الليدي ميريويذر وقد فه َمت في الحال« :أعداء كاللورد ستانيس ومشعوذته الحمراء ً
مثال؟».
ً
برميال من الهيپوكراس ونشرب ر َّدت سرسي« :نعم ،بالفعل» ،وقهقهَت كفتا ٍة صغيرة ،وقالت« :هل نفتح
نخب حميَّة أبناء ال ُمحارب في طريقنا؟».
« -نخب حميَّة أبناء ال ُمحارب وعبقريَّة الملكة الوصيَّة على العرش! نخب سرسي األولى!».
طاف في الهواء في طريق العودة
ٍ كان الهيپوكراس حُل ًوا لذي ًذا كانتصار سرسي ،وبدا هودج الملكة كأنه
عبر المدينة.
لكن عند سفح (تَل إجون العالي) صادفَت مارچري تايرل وبنات عمومتها العائدات من ركوب الخيل،
ول َّما وق َعت عيناها على الملكة الصَّغيرة قالت سرسي لنفسها بضيق :تُز ِعجني في ك ِّل مكان.
الزهور سالال من ًُّ وراء مارچري طابور طويل من أفراد حاشيتهاُ ،حرَّاس وخدم يحمل كثيرون منهم
فركب ال ُمرافق الطَّويل الهزيل آلن أمبروز إلى َ كال من بنات عمومتها أحد المعجبين،النَّاضرة ،وقد الز َم ًّ
جوار خطيبته إلينور ،والسير تاالد مع آال الخجول ،ومقطوع ال ِّذراع مارك مالندور مع ِمجا الممتلئة
وصاحب التَّوأمان ردواين اثنتين من رفيقات مارچري األخريات ،ميريديث كرين وچانا َ الضَّحوك،
ض َّم چاالبار شو نفسه إلى الرَّكب أيضًا ،باإلضافة فوسواي .وض َعت كلُّ النِّساء في شعورهن ُّ
الزهور ،و َ
إلى السير المبرت تِرنبري بالرُّ قعة على عينه ،والمغنِّي الوسيم المعروف باسم ال َّشاعر األزرق.
الزهور .بدا الحرس الملكي الملكة الصَّغيرة ،وبالطَّبع هو فارس ُّ ُصاحب فارس من َ ِ وبالطَّبع ال بُ َّد أن ي
ُحاول ثانيةً أن يُ َد ِّرب
بالذهبي .على الرغم من أنه لم ي ِ السير لوراس متألِّقًا في ِدرعه البيضاء المنقوشة َّ
تومن على السِّالح فما زا َل الملك الصَّغير يقضي أوقاتًا طويلةً للغاية معه ،وكلَّما عا َد الصَّبي بَعد أن
صةً جديدةً عن شي ٍء قاله السير لوراس أو فعلَه.أمضى األصيل مع زوجته الصَّغيرة حكى ق َّ
حيَّتهم مارچري عندما التقى الرَّكبان وركبَت إلى جوار هودج الملكة .كانت وجنتاها متو ِّردتين ،وحُليقات
ريح خفيفة .قالت لهم« :كنا نقطف زهور ٍ انتظام على كتفيها ،تُ َحرِّكها مجرَّد نفخة
ٍ َشعرها البنِّيَّة تنسدل بال
الخريف من (غابة الملوك)».
أعرف أين كنتمُ .مخبروها مفلحون للغاية في إطالعها على ك ِّل حركات مارچري وسكناتها .فتاة ملول ُ
أيام بأكملها تمرُّ دون أن تَخرُج للرُّ كوب .أحيانًا يركبون للغاية ملكتنا الصَّغيرة هذه .نادرًا ما تَترُك ثالثة ٍ
أحيان أخرى تأخذ حاشيتها عبر ٍ على طريق (روزبي) لصيد األصداف واألكل على شاطئ البحر ،وفي
النَّهر لقضاء األصيل في الصَّيد بالصُّ قور .الملكة الصَّغيرة مولعة بركوب القوارب أيضًا ،واإلبحار جيئةً
صلِّي في ( ِسپت بيلور)، وذهابًا في (النَّهر األسود) بال وجه ٍة بعينها ،ول َّما يع ُز إليها اإليمان تُغا ِدر القلعة لتُ َ
ثم إنها زبونة عند دست ٍة من الخيَّاطات ،ومعروفة جيِّدًا وسط صاغة المدينة ،بل ومعروفة أيضًا بزيارة
سوق السَّمك عند (ب َّوابة الطَّمي) لتُلقي نظرةً على صيد اليوم .أينما ذهبَت يتزلَّف إليها العا َّمة ،والليدي
انقطاع تتص َّدق على المتس ِّولين وتشتري الفطير ٍ مارچري تفعل ك َّل ما في إمكانها لتُل ِهب حماستهم .بال
السَّاخن من عربات الخبَّازين وتُوقِف حصانها لتتكلَّم مع عوام التُّجَّار.
لو كان األمر بيدها لجعلَت تومن يفعل ك َّل تلك األشياء أيضًا .طوال الوقت تدعوه إلى المجيء معها
الذهاب ،وقد وافقَت الملكة ودجاجاتها في مغامراتهن ،وطوال الوقت يتوسَّل الصَّبي إلى أ ِّمه لتأذن له في َّ
أثمر
ت إضافيَّة في ِرفقة مارچري .كأن هذا َ بضع مرَّات ،ولو فقط لتسمح للسير أوزني بقضاء بضع ساعا ٍ
شيئًا .أوزني خيَّب آمالي تما ًما .سألَت سرسي ابنها« :هل تَذ ُكر يوم أبح َرت أختك إلى (دورن)؟ هل تَذ ُكر
ُعواء الرَّعاع في طريق عودتنا إلى القلعة؟ والحجارة واللَّعنات؟».
ص َّم الملك أُذنيه عن سماع صوت العقل ،وقال« :إذا اختلطنا بالعا َّمة لكن بفضل الملكة الصَّغيرة َ
فسيحبُّوننا أكثر».
ذ َّكرته قائلةً« :الرَّعاع أحبُّوا السِّپتون األعلى السَّمين لدرجة أنهم م َّزقوه إربًا رغم قدسيَّته» ،لكن قولها لم
حاول بكلِّ وسيل ٍة أن يوم تُ ِ
أراهن أن هذا ما أرادَته مارچري بالضَّبط .كلُّ ٍ ُ ُفض َّإال إلى وجوم تومن.ي ِ
ليستشف ال َّدسائس المتوارية تحت ابتساماتها ،لكن تومن أكثر سذاجةً .ف َّكرت َّ تسرقه مني .كان چوفري
الذهب التي وجدَها كايبرن :كانت تعلم أن چوف أقوى من أن تحتال عليه ،وألجل أن يكون متذ ِّكرة العُملة َّ
لعائلة تايرل أمل في الحُكم كان يجب أن يُزاح .عا َد إلى ذاكرتها فجأةً أن مارچري وج َّدتها ال َّشنيعة خطَّطتا
ذات م َّر ٍة لتزويج سانزا ستارك بويالس أخي الملكة الصَّغيرة ال ُمعاق ،وقد أحبطَ اللورد تايوين هذا
المخطَّط باستباق آل تايرل وتزويج سانزا بتيريون ،لكن الرَّابط موجود .قالت لنفسها مفزوعةً وقد َحطَّ
عليها اإلدراك :كلُّهم متآمرون معًا .آل تايرل رشوا ال َّسجَّانين إلطالق سراح تيريون وهرَّبوه على
(الطَّريق الوردي) لينض َّم إلى عروسه البغيضة .ال بُ َّد أنهما آمنان اآلن في (هايجاردن) ،مختبئان وراء
جدار من الورود.ٍ
ت معنا يا بينما صعدوا منحدَر (تَل إجون العالي) واصلَت المتآمرة الصَّغيرة ثرثرتها قائلةًِ « :
ليتك أتي ِ
والزهور في كلُِّّ جاللة الملكة .كنا لنقضي وقتًا رائعًا معًا .األشجار متَّشحة َّ
بالذهبي واألحمر والبُرتقالي،
مكان ،والكستناء أيضًا .شوينا القليل في طريق العودة».
الزهور .إن عندي مملكةً أحكمها». ي وقت للرُّ كوب في الغابة وقطف ُّ قالت سرسي« :ليس لد َّ
ر َّدت مارچري« :واحدة فقط يا جاللة الملكة؟ و َمن يَح ُكم السِّت األخريات؟» ،وأطلقَت ضحكةً مرحةً
أشاركك
ِ أعرف العبء الذي تحملينه .يَج ُدر ِ
بك أن تدعيني ُ قصيرةً ،وأردفَت« :آم ُل أن تغفري لي مزحتي.
ألعينك .سيضع هذا ح ًّدا لك ِّل الكالم ال َّدائر عن تنافُسنا على ِ إياه .ال بُ َّد من وجود أشياء يُمكنني فِعلها
الملك».
ط ولو لحظةً». مبتسمةً قالت سرسي« :أهذا ما يقولون؟ حماقة .إنني لم أع َّد ِك منافِسة قَ ُّ
لم يب ُد على الفتاة أنها أدر َكت ما في ردِّها من استخفاف ،وقالت« :يسرُّ ني للغاية أن أسمع هذا .يجب أن
أعرف أن جاللته سيحبُّ هذا .ال َّشاعر األزرق يُ َغنِّي لنا ،والسير تاالد
ُ ت وتومن المرَّة القادمة.
تأتي معنا أن ِ
أرانا كيف نُقاتِل بالنَّبابيت على غرار العوام .الغابة جميلة للغاية في الخريف».
ُناشدها طوال الوقت أن ضا» .في سنوات زواجهما األولى كان روبرت ي ِ « -زوجي الرَّاحل أحبَّ الغابة أي ً
أتاحت لها رحالته قضاء الوقت مع چايمي .نهارات من تذهب معه للصَّيد ،لكن سرسي اعتذ َرت دو ًما ،إذ َ
ُجازفان ،ف(القلعة الحمراء) مألى باألعيُن واآلذان دو ًما ،ولم ذهب وليالت من فضَّة .ال َش َّ
ك أنهما كانا ي ِ
يكونا متأ ِّكدين متى قد يعود روبرت ،لكن بوسيل ٍة ما جع َل الخطر أوقاتهما معًا تبدو أكثر إثارةً مرارًا .قالت
للملكة الصَّغيرة مح ِّذرةً« :ولو أن ال َجمال من شأنه أن يُخفي خطرًا مميتًا أحيانًا .روبرت فق َد حياته في
الغابة».
جاللتك أن تخافي
ِ من َحت مارچري السير لوراس ابتسامةً أخويَّةً عذبةً مفعمةً بالحنان ،وقالت« :لُطف من
ي ،لكن أخي يحميني جيِّدًا».
عل َّ
عشرات المرَّات ألحَّت سرسي على روبرت قائلةً :اذهب للصَّيد ،أخي يحميني جيِّدًا .تذ َّكرت ما قالَته تاينا
قبال ،وتفجَّرت من بين شفتيها ضحكة. ً
جاللتك جميلة للغايةَّ .
هال أشركتِنا في ال ُّدعابة؟». ِ ابتس َمت لها الليدي مارچري بفضول ،وقالت« :ضحكة
ر َّدت الملكة« :ستشتركون فيها ،هذا وعد».
ال ُمغير
ق ِمد ُّكها المياه الخضراء المتالطمة نحو دقَّت طبول المعركة و(النَّصر الحديدي) تتق َّدم مسرعةً ،يش ُّ
فرف الورود؛ من كلٍّالسَّفينة األصغر حج ًما التي تدور أمامهم ومجاذيفها تضرب البحر وعلى راياتها تُ َر ِ
من المقدِّمة والمؤ ِّخرة ترتفع وردة بيضاء على خلفيَّ ٍة حمراء بشكل ال ِم َجنِّ ،وفوق صاريتها وردة ذهبيَّة
ُنف أفق َد ِنصف رجال فِرقة االقتحام على خلفيَّ ٍة خضراء كالنَّجيل .ارتط َمت (النَّصر الحديدي) بجانبها بع ٍ
كلحن أ َّخاذ.
ٍ ت تر َّدد في أُذني القائد
توا ُزنهم ،وانقص َمت المجاذيف وتشظَّت بصو ٍ
ظهره ،فتراج َعت الورود الذهبي يخفق وراء َ وحطَّ على السَّطح األدنى ومعطفه َّوثب من فوق الحاجز َ َ
َّ
البيضاء كدأب ال ِّرجال ال َّدائم لدى مرأى ڤيكتاريون جرايچوي مسلحًا مد َّرعًا وقد توارى وجهه تحت خوذة
وحرابًا وفؤوسًا ،غير أن تسعةً من ك ِّل عشر ٍة ال تحميهم دروع ،والعاشر ال الكرا ِكن .كانوا يحملون سيوفًا ِ
رجاال حديديِّين ،ما زالوا يخافون ً قميص من الحلقات المعدنيَّة المخيطة .هؤالء ليسواٍ يرتدي أكثر من
الغرق.
صاح أحدهم« :نلوا منه! إنه بمفرده!».
َ
وهد َر ڤيكتاريون مجيبًا« :هلم ُّ وا! تعالوا واقتُلوني إن استطعتم!».
التف ُمحاربو الورود حوله ،في أيديهم الفوالذ الرَّمادي وفي أعيُنهم ال ُّذعر ،محسوسٌ َّ ب
من ك ِّل صو ٍ
انهال بضرباته شاطرًا ذراع الرَّجل األول من
َ ماال ويمينًا ملموسٌ خوفهم لدرجة أنه تذ َّوقه على لسانهِ .ش ً
عند ال ِمرفق وفالقًا كتف الثَّاني ،ودفنَ الثَّالث رأس فأسه في خشب تُرس ڤيكتاريون الصَّنوبري اللَّيِّن،
حاول النُّهوض.
َ فهوى به على وجه األحمق طارحًا إياه أرضًا ،وقتلَه ل َّما
لوحي الكتفين ،فأحسَّ كأن أحدًا ُحاول انتزاع فأسه من قفص القتيل الصَّدري وخزَته حربة بين َ بينما ي ِ
ظهره ،ودا َر ڤيكتاريون على عقبيه وهوى بفأسه على رأس حامل الحربة شاعرًا بتأثير لط َمه على َ
ق الفوالذ الخوذة وال َّشعر والجمجمة .ترنَّح الرَّجل لحظةً أو أقلَّ ،ثم انتز َع القائد الصَّدمة في ذراعه إذ َش َّ
بأطراف مرتخية على سطح السَّفينة وهي تبدو سكرانة أكثر من ميتة. ٍ ك الجثَّة تَسقُطالحديدي فوالذه وتر َ
عندها كان رجاله الحديديُّون قد تبعوه إلى سطح السَّفينة الطَّويلة المحطَّمة .سم َع وولف ذا األُذن الواحدة
الحالق يُلقي َّ صدئ ،ورأى نيوت يُطلِق ُعوا ًء وهو يبدأ العمل ،ولم َح راجنور پايك في قميصه المعدني ال َّ
رجال آخَر وآخَر ،وكان ليَقتُل ثالثًا
ً دارت في الهواء وأصابَت أحد الخصوم في صدره .قت َل ڤيكتاريون فأسًا َ
أوال ،فجأ َر مخاطبًا إياه« :أحسنت الق ْتلة!».
على التَّوالي ،لكن راجنور أرداه ً
حين التفتَ باحثًا عن ضحيَّة فأسه التَّالية أبص َر الرُّ بَّان اآلخَر عبر سطح السَّفينة ،سُترته البيضاء الطَّويلة
مل َّوثة بال َّدم الطَّازج والمتخثِّرَّ ،إال أن ڤيكتاريون ميَّز الرَّمز على صدره ،الوردة البيضاء على ال ِم َجنِّ
األحمر ،وقد حم َل تُرسه الرَّمز نفسه على خلفيَّ ٍة بيضاء مؤطَّرة بشكل ُشرفات الحصن .ناداه الرُّ بَّان
الحديدي عبر المقتلة بينهما« :أنت! أنت يا حامل الوردة! أأنت سيِّد (تُرس الجنوب)؟».
وأجاب« :ابنه ووريثه ،السير تالبرت سيري .و َمن
َ رف َع الرُّ بَّان اآلخَر مقدِّمة خوذته ليظهر وجهه الحليق،
أنت أيها الكرا ِكن؟».
َر َّد ڤيكتاريون« :موتك» ،وانقضَّ عليه.
وثب سيري يُجابِهه رافعًا سيفه الفوالذي المطرَّق في قلعة ،وقد جعلَه الفارس ال َّشاب يُ َغنِّي .كانت ضربته
َ
األولى منخفضةً وتلقَّاها ڤيكتاريون على فأسه ،وأصابَت الثَّانية الرُّ بَّان الحديدي على خوذته قبل أن يرفع
ضها تُرس سيري لتتطايَر شظايا الخشب وتنش َّ
ق الوردة تُرسه ،فر َّدها بضرب ٍة جانبيَّة من فأسه اعتر َ
ت حاد عذب .هوى السَّيف الطَّويل على فخذه م َّرةً واثنتين وثالثًا صار ًخا مع بالطول بصو ٍ ُّ البيضاء
احتكاكه بفوالذ ِدرعه ،فقال الرُّ بَّان الحديدي لنفسه :الصَّبي سريع ،وهوى بتُرسه على وجه سيري دافعًا
إياه إلى التَّراجُع مترنِّحًا إلى الحاجز ،ثم رف َع ڤيكتاريون فأسه واضعًا ثِقله كلَّه وراء ضربتها ليفلق جسد
وانغرس رأس الفأس في الحاجز الخشبي َ الصَّبي من العُنق إلى ملتقى الفخذين ،لكن سيري دا َر متملِّصًا،
مطيِّرًا ال َّشظايا ،ول َّما حاو َل ڤيكتاريون انتزاعه وجدَه عالقًا ...وتحرَّك ظَهر السَّفينة تحت قدميه وسقطَ على
رُكبته.
ألقى السير تالبرت تُرسه المه َّشم وس َّدد ضربةً بسيفه الطَّويل ،وكان تُرس ڤيكتاريون قد التوى جزئيًّا حين
ص َّد النَّصل بقبض ٍة من حديد ،ليتحطَّم فوالذ قُفَّازه المقعَّر وتسري في ذراعه طعنة من األلم جعلَته سقطَ ،ف َ
يئن ،لكنه ظَ َّل متشبِّثًا ،وقال« :أنا أيضًا سريع يا فتى» ،وانتز َع السَّيف من يد الفارس وألقاه في البحر.
ُّ
اتَّسعت عينا السير تالبرت ،وغمغ َم« :سيفي.»...
قائال« :اذهب واعثُر عليه» ،وألقاه من فوق الحاجز في
ط َّوق ڤيكتاريون رقبة الصَّبي بقبضته ال َّدامية ً
المياه الملطَّخة بالدِّماء.
ُحاول
من َحه هذا فترة راح ٍة ليُ َح ِّرر فأسه من الخشب .كانت الورود البيضاء تترا َجع أمام السَّيل الحديدي ،ي ِ
بعضها الفرار إلى قلب السَّفينة ويَصرُخ بعضها متوس ًِّال الرَّحمة .شع َر ڤيكتاريون بال َّدم ال َّدافئ يسيل على
والجلد والفوالذ المقعَّر ،لكن هذا ال شيء .حول الصَّارية رأى مجموعةً ِ أصابعه تحت الحلقات المعدنيَّة
كتف في حلقة ،فف َّكر :هؤالء القالئل رجال على األقل، ٍ ُواصلون القتال كتفًا إلى ملت َّزةً من الخصوم ي ِ
ق بفأسه على تُرسه وانقضَّ عليهم. يُؤثِرون الموت على االستسالم ،و َد َّ
لم يخلق اإلله الغريق ڤيكتاريون جرايچوي للقتال بالكلمات في انتخاب الملك ،وال لمغالَبة األعداء الخفيِّين
ض َع على هذه األرض لكي يفعله ،ألن يقف مد َّرعًا ت بال نهاية ،أ َّما هذا فهو ما ُو ِ المتسلِّلين في مستنقعا ٍ
عمال الموت مع ك ِّل ضربة. بالفوالذ وفي يده فأس حمراء يَقطُر منها ال َّدمُ ،م ً
صفصاف .ال نصل يُمكنه النَّفاذ من صبه بأذى كأنها غصون َ من األمام والخلف ها َجموه ،لكن سيوفهم لم تُ ِ
ِدرع ڤيكتاريون جرايچوي الثَّقيلة ،وال أعطى هو ُغرماءه فُرصة العثور على نقاط الضَّعف عند المفاصل
ُهاجمه ثالثة رجال ،أو أربعة ،أو خمسة ،ال فرق .واحدًا تلو الجلد وحلقات المعدن .فلي ِ حيث ال يقيه َّإال ِ
غريم سلَّط ڤيكتاريون ثورته على ٍ اآلخَر قتلَهم مؤتمنًا فوالذه على حمايته من اآلخَرين ،وإذ سقطَ كلُّ
التَّالي.
رجل واجهَه ح َّداد ،فللرَّجل كتفان ضخمتان كأكتاف كالثِّيران وإحداهما مفتولة العضالت ٍ ال بُ َّد أن ِ
آخر
أكثر من الثَّانية بكثير .ليست ِدرعه أكثر من سُتر ٍة ِجلديَّة مرصَّعة بالحديد وقبَّعة من ِ
الجلد المق َّوى،
والضَّربة الوحيدة التي س َّددها أكملَت دمار تُرس ڤيكتاريون ،لكن الضَّربة التي َر َّد بها القائد شط َرت رأسه
نِصفين .ليتني أستطي ُع التَّعا ُمل مع عين ال ُغراب بهذه البساطة .حين انتز َع رأس فأسه ثانيةً انفج َر رأس
وتناثرت العظام والدِّماء وخاليا ال ُم ِّخ في ك ِّل مكان ،وسقطَت الجثَّة إلى األمام على ساقيه ،وف َّكر َ الح َّداد،
ڤيكتاريون وهو يُ َخلِّص نفسه من الرَّجل الميت :فاتَ أوان توسُّل الرَّحمة.
صار زلقًا تحت قدميه ،وأكوام الموتى والمحتضرين على ك ِّل جانب .ألقى َ عندئ ٍذ كان سطح السَّفينة قد
الحالق يقول من جانبه« :حضرة القائد ،النَّصر لنا». تُرسه و َعبَّ الهواء ،وسم َع َّ
حولهم من ك ِّل جه ٍة امتألَ البحر بالسُّفن ،بعضها يحترق وبعضها يغرق وبعضها تحطَّم تما ًما ،وبين أبدانها
المياه زاخرة بالجُثث والمجاذيف المكسورة والرِّ جال المتمسِّكين بالحُطام ،ومن بعي ٍد نِصف دست ٍة من سُفن
الجنوبيِّين الطَّويلة تهرع صوب نهر (الماندر) .فليذهبوا ويحكوا الحكاية .ما إن يُ َولِّي الرَّجل األدبار ويف َّر
ً
رجال. من المعركة ال يعود
مالحيه على َحلِّ أربطة كانت عيناه تُؤلِمانه من ال َعرق الذي سا َل فيهما خالل القتال .ساعدَه اثنان من َّ
خوذة الكرا ِكن ليرفعها ،وجفَّف ڤيكتاريون جبهته مدمد ًما« :الفارس ،فارس الوردة البيضاء .هل سحبَه أحد
ق فديةً ال بأس بها ،من أبيه إذا نجا اللورد سيري من المعركة ،وإن من الماء؟» .الصَّبي ابن لورد ويستح ُّ
لم يكن فمن ول ِّي أمره في (هايجاردن).
ط في الماء ،وعلى األرجح غرقَ ،فقال على أن أحدًا من رجاله لم ي َر ما جرى للفارس بَعد أن سق َ
ڤيكتاريون« :عسى أن ينعم كما قات َل في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة».
خوف ويَد ُخلون ٍ مع أن أهل (جُزر التُّروس) يقولون عن أنفسهم إنهم بحَّارة ،فإنهم يجتازون البحر في
المعارك مرتدين ثيابًا خفيفةً خشية الغرق ،أ َّما سيري ال َّشاب فمختلف .رجل ُشجاع ،يكاد يكون حديديًّا.
واختار دستةً من الرِّ جال لطاقمها ،ثم عا َد يصعد إلى سطح سفينته َ أعطى راجنور پايك السَّفينة المأسورة
الحالق« :ج ِّردوا األسرى من السِّالح وال ُّدروع وض ِّمدوا جراحهم، َّ (النَّصر الحديدي) ،حيث قال لنيوت
وألقوا المحتضرين في البحر .إذا توسَّل أحدهم الرَّحمة فاذبحوه» .ال يَشعُر ڤيكتاريون َّإال باالحتقار نحو
أمثالهم ،فالمفت َرض أن خيرًا لهم أن يغرقوا في مياه البحر من الدِّماء« .أري ُد إحصاء السُّفن التي ظفرنا بها
وجميع الفُرسان وصغار اللوردات الذين أسرناهم ،وأري ُد راياتهم كذلك».
بطش بهم وقت أن َ يوم سيُ َعلِّقها في قاعته ،وعندما يشيخ ويتم َّكن منه الوهن سيتذ َّكر ك َّل األعداء الذين ذات ٍ
كان يتمتَّع بق َّوته و ُعنفوانه.
َر َّد نيوت بابتسام ٍة واسعة« :كما تأمر .إنه انتصار عظيم».
أجل ،انتصار عظيم لعين ال ُغراب وسحرته .سيهتف الرَّبابنة اآل َخرون باسم أخيه من جدي ٍد عندما تَبلُغ
األنباء (تُرس السَّنديان) .لقد سح َرهم يورون بلسانه المعسول وعينه الباسمة وض َّمهم إلى قضيَّته بغنائم من
عشرات البلدان البعيدة؛ ذهب وفضَّة ،ودروع من َّمقة وسيوف مق َّوسة بقبائع مذهَّبة وخناجر من الفوالذ
هول عتيقة من ٍ وقطط رقطاء ،ومانتيكورات من اليَشب وتماثيل أبي ٍ نمور مخطَّطة
ٍ الڤاليري ،وجلود
(ڤاليريا) ،وصناديق من جوز الطِّيب والقرنفل وال َّزعفران ،وأنياب من العاج وقرون يونيكورنات ،وريش
أخضر وبُرتقالي وأصفر من (جُزر الصَّيف) ،ولفائف من الحرير النَّاعم والسَّميت البرَّاق ...لكن ك َّل هذا
ال يُذ َكر مقارنةً بما أعطاهم إياه اآلن .اآلن أعطاهم الغزو وأصبحوا له بال رجعة .تر َكت الفكرة مذاقًا ُم ًّرا
ق
متكاسال في قلعة .لقد سر َ ً على لسانه .هذا انتصاري أنا ال انتصاره .أين هو؟ في (تُرس السَّنديان) يجلس
ق عرشي ،واآلن يسرق مجدي. زوجتي وسر َ
الطَّاعة من طباع ڤيكتاريون جرايچوي ومفطور عليها .خالل نشأته في ِظلِّ إخوته وقبل بلوغه مبلغ
ص في كلِّ ما فعلَه ،والحقًا بَعد مولد أبناء بالون تقبَّل مع مرور الوقت حقيقة أنه ال ِّرجال تب َع بالون بإخال ٍ
سيركع لهم أيضًا عندما يحلُّ أحدهم مح َّل أبيه على ُكرسي حجر اليمَّ .إال أن اإلله الغريق استدعى بالون
وأبناءه إلى أبهائه المائيَّة ،واآلن ال يستطيع ڤيكتاريون أن يدعو يورون بالملك دون أن يذوق المرارة في
َحلقه.
وذهب إلىَ الرِّيح منعشة ،وعطشه يتأجَّج .دائ ًما يشتهي النَّبيذ بَعد المعركة ،وهكذا سلَّم نيوت سطح السَّفينة
أسفل ،وفي قمرته الضيِّقة في المؤ ِّخرة وج َد المرأة السَّمراء مبتلَّةً وجاهزةً .ربما أح َمت المعركة دماءها
أيضًا .أخ َذها مرَّتين متتاليتين بال استراحة ،ول َّما فرغا كان ال َّدم يُلَطِّخ ثدييها وفخذيها وبطنها ،لكنه دمه هو
النَّازف من الجرح البليغ في يده.
ُ
أعترف غسلَته له السَّمراء بالخَ ِّل المغلي ،وبينما تركع إلى جواره قال ڤيكتاريون« :الخطَّة كانت موفَّقةً،
بهذا( .الماندر) مفتوح لنا اآلن كما كان من قديم» .إنه نهر خامل ،واسع وبطيء الجريان ومليء بأخطار
غصون األشجار السَّاقطة واالمتدادات الرَّمليَّة المرتفعة ،وهكذا ال يجرؤ معظم مراكب البحر على
اإلبحار فيه بَعد (هايجاردن) ،لكن السُّفن الطَّويلة بغواطسها المسطَّحة بإمكانها اإلبحار في اتِّجاه التَّيَّار
حتى (جسر العلقم) .في سالف ال َّزمن اعتا َد حديديُّو الميالد خوض النَّهر بجرأ ٍة واإلغارة على جانبيه
وعلى روافده ...إلى أن سلَّح ملوك األراضي الخضراء صيَّادي الجُزر األربع الصَّغيرة عند مصبِّ
(الماندر) وس َّموها تُروسه.
عام مرَّا ،لكن في أبراج المراقبة على شواطئ الجُزر الوعرة ما زا َل المس ُّنون يقفون حراسةً حتى ألفا ٍ
ُشعل هؤالء العجائز نيران مناراتهم ويثب النِّداء من تَلٍّ إلى تَلٍّ ومن اآلن ،وعند أول بادر ٍة للسُّفن الطَّويلة ي ِ
صيَّادون النَّار مضطرمةً في البقاع جزير ٍة إلى جزيرة .خوف! أعداء! ُمغيرون! ُمغيرون! حين يرى ال َّ
العالية يضعون شباكهم ومحاريثهم جانبًا ويحملون السُّيوف والفؤوس ،ويهرع سادتهم من قالعهم وفي
صُحبتهم فُرسانهم وجنودهم ،وتُ َد ِّوي أبواق الحرب عبر الماء من (التُّرس األخضر) و(التُّرس الرَّمادي)
و(تُرس السَّنديان) و(تُرس الجنوب) ،وتَخرُج سُفنهم الطَّويلة من أحواضها الحجريَّة المغطَّاة بالطَّحالب
بطول ال ُّشطآن ،تُو ِمض مجاذيفها بينما تحتشد في المضايق إلغالق (الماندر) ومطا َردة ال ُمغيرين وسياقتهم
إلى حتفهم.
والمالح األحمر يخوضان (الماندر) بدست ٍة من السُّفن َّ كال من توروولد ذي السِّن البنِّيَّة أرس َل يورون ًّ
الطَّويلة السَّريعة كي يندفع لوردات (جُزر التُّروس) إلى مطا َردتهما ،ولدى وصول الق َّوة األساسيَّة من
أسطوله لم تَعُد هناك َّإال حفنة من ال ُمقاتلين المتبقِّين للدِّفاع عن الجُزر نفسها .أتى الحديديُّون مبحرين في
تيَّار المساء ،ليُخفيهم وهج ال َّشمس الغاربة عن أعيُن المسنِّين في أبراج المراقبة حتى يفوت األوان .كانت
الرِّياح تهبُّ من ورائهم ِمثلما ظلَّت منذ إقالعهم من (ويك القديمة) ،وقد س َرت عبر األسطول همسات
تقول إن سحرة يورون لعبوا دورًا كبيرًا في هذا ،إن عين ال ُغراب استرضى إله العواصف بقرابين ال َّدم،
جرت العادة؟ رسا وإال كيف كان ليَجسُر على التَّو ُغل غربًا هكذا ً
بدال من اإلبحار بمحاذاة السَّاحل كما َ َّ
حديديُّو الميالد بسُفنهم الطَّويلة على األرصفة الحجريَّة وتدفَّقوا منها في الغسق األرجواني والفوالذ يَبرُق
في أيديهم .عندئ ٍذ كانت المنارات قد أضيئَت في البقاع العالية ،ولكن في وجود قالئل يحملون السِّالح.
سقطَت (التُّرس الرَّمادي) و(التُّرس األخضر) و(تُرس الجنوب) قبل شروق ال َّشمس ،بينما ظلَّت (تُرس
السَّنديان) صامدةً طول نِصف النَّهار ،وحين تخلَّى رجال (جُزر التُّروس) عن مطا َردتهم توروولد
والمالح األحمر وعادوا أدراجهم وجدوا األسطول الحديدي ينتظرهم عند مصبِّ (الماندر). َّ
ض ِّمد يده بالكتَّان« :كلُّ شي ٍء جرى كما قال يورون .ال بُ َّد أن سحرته رأوا هذا» .إن قال للسَّمراء وهي تُ َ
رجاال أغرابًا فُظعاء ،لكن عين ال ُغراب ً باح له كويلون همبل همسًا، معه ثالثةً على متن (الصَّمت) ،كما َ
استعبدَهم .واص َل ڤيكتاريون بإصرار« :لكنه ما زا َل محتاجًا إل َّي لخوض المعارك .ال بأس بالسَّحرة ،لكن
ق قبضته جعل ال َخلُّ ألم جرحه أسوأ من قبل ،فدف َع السَّمراء جانبًا وأغل َ َ الحروب تُربَح بال َّدم والفوالذ».
أحضري لي نبي ًذا».
بسحن ٍة مكفهرَّة ،وقالِ « :
زلت قاتِل أقربين؟ ال يخشى ڤيكتاريون ُ شرب في الظَّالم مف ِّكرًا في أخيه .إذا لم أوجِّه الضَّربة بيدي أفما
َ
إنسانًا ،لكن لعنة اإلله الغريق تبعث على التَّر ُّدد .إذا جندلَه أحد غيري بأمري فهل تُلَ ِّوث دماؤه يدَي أنا؟
مكان ما في (جُزر الحديد) ،ال يزال يأمل
ٍ كان آرون ذو ال َّشعر الرَّطب ليعرف الجواب ،لكن الرَّاهب في
س من بُعد مئةرجل برمية فأ ٍ
ٍ أن يُ َجيِّش الحديديِّين ضد ملكهم المت َّوج لت ِّوه .نيوت يُمكنه أن يحلق لحية
ياردة ،وال أحد من ِهجان يورون يقوى على الصُّ مود ضد وولف ذي األُذن الواحدة أو أندريك الال مبتسم.
بإمكان أيِّهم أن يفعلها ...لكن ما يستطيع الرَّجل أن يفعله شيء وما يقبل أن يفعله شيء مختلف ،وهو ما
يعلمه ڤيكتاريون.
قائال« :تجديف يورون سيستجلب غضبة اإلله الغريق علينا جميعًا .يجب أن في (ويك القديمة) تنبَّأ آرون ً
نُوقِفه يا أخي .إننا ما زلنا من دم بالون ،أليس كذلك؟».
ضا .األمر ال يروقني أكثر منك ،لكن يورون الملك .االنتخاب الذي دعوت أنت َر َّد ڤيكتاريون« :وهو أي ً
إليه رف َعه ،وبنفسك وضعت تاج الخشب المجروف على رأسه!».
خاطر
ٍ وضعت التَّاج على رأسه ،وعن طيب ُ قال الرَّاهب والماء يَقطُر من طحالب البحر في َشعره« :
سأنتزعه من عليه وأضعه على رأسك ً
بدال منه .أنت الوحيد القوي بما فيه الكفاية لمقاتَلته».
قال ڤيكتاريون متذ ِّمرًا« :اإلله الغريق رف َعه ،فلنَترُك اإلله الغريق يطيح به».
رماه آرون بنظر ٍة ُمهلكة ،تلك النَّظرة المعروفة بتسميم اآلبار وجعل النِّساء عواقر ،وقال« :ليس اإلله من
تكلَّم .يورون معروف باالحتفاظ بالسَّحرة والمشعوذين البغيضين على سفينته الحمراء .لقد ألقوا تعويذةً
بيننا كي ال نسمع البحر .الرَّبابنة والملوك أسك َرهم الكالم عن التَّنانين».
« -أسك َرهم الكالم وأخافَهم ذلك البوق .أنت سمعت الصَّوت الذي خر َج منه .ال يه ُّم ،يورون مليكنا».
أعلنَ الرَّاهب« :ليس مليكي .اإلله الغريق يُعين الجسورين ال َمن يتوارون في بطون سُفنهم حين تثور
ي أن أتولَّى هذه
العاصفة .ما ُدمت لن تُ َح ِّرك ساكنًا إلزاحة عين ال ُغراب من على ُكرسي حجر اليم ،فعل َّ
المه َّمة بنفسي».
« -كيف؟ إنك ال تملك سُفنًا وال يتبعك جنود».
ي صوتي ،واإلله معي .ق َّوتي ق َّوة البحر ،ق َّوة ال أمل لعين ال ُغراب في التَّصدِّي لها.
َر َّد الرَّاهب« :إن لد َّ
ربما تتكسَّر األمواج على الجبل ،لكنها تظلُّ تأتي موجةً عقب موجة ،وفي النِّهاية ال يتبقَّى من الجبل
ويفترشه إلى األبد».
ِ ال َّشامخ َّإال الحصى ،وسرعان ما ينجرف الحصى ويغوص إلى قرار البحر
دمد َم ڤيكتاريون« :حصى؟ أنت مجنون إذا كنت تحسب أنك ستطيح بعين ال ُغراب بالكالم عن الموج
والحصى».
قال ذو ال َّشعر الرَّطب« :حديديُّو الميالد سيكونون الموج ،ليس العُظماء والسَّادة وإنما البُسطاء الذين
يفلحون األرض ويصطادون من البحر .الرَّبابنة والملوك رفعوا يورون ،لكن العا َّمة سيُسقِطونه .سأذهبُ
إلى (ويك ال ُكبرى) ،إلى (هارلو) ،إلى (أوركمونت) ،إلى (پايك) ذاتها .في ك ِّل بلد ٍة وقري ٍة سيسمعونني.
لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليم!» ،وهَ َّز رأسه األشعث وعا َد يَخرُج ليغيب في اللَّيل ،وحين ٍ ليس
أشرقَت ال َّشمس في اليوم التَّالي كان آرون ذو ال َّشعر الرَّطب قد اختفى من (ويك القديمة) ،وحتى رجاله
الغرقى لم يعرفوا مكانه ،وقالوا إن عين ال ُغراب اكتفى بالضَّحك حين عل َم.
لكن على الرغم من غياب الرَّاهب ظلَّت تحذيراته الملحَّة في عقل ڤيكتاريون ،الذي وج َد نفسه يستعيد ما
قاله له بيلور بالكتايد أيضًا« .بالون كان مجنونًا وآرون أكثر جنونًا ويورون األكثر جنونًا على
اإلطالق» .حاو َل اللورد ال َّشاب اإلبحار إلى دياره بَعد انتخاب الملك رافضًا أن يقبل يورون مواله ،لكن
ق الخليج ،وعادة الطَّاعة متج ِّذرة في ڤيكتاريون جرايچوي ،ويورون يعتمر األسطول الحديدي كان قد أغل َ
تاج الخشب المجروف ،وهكذا استولِ َي على (طيَّار اللَّيل) وأُ ِخ َذ اللورد بالكتايد إلى الملك مكب ًَّال بالسَّالسل،
طع إلطعام آلهة األراضي الخضراء السَّبعة التي كان يَعبُدها. ثم قطَّعه بُكم يورون و ِهجانه إلى سبعة ِق ٍ
مكافأةً على خدمته المخلصة ،من َح الملك حديث التَّتويج ڤيكتاريون المرأة السَّمراء التي أخ َذها من سفينة
ن َّخاسين كانت متَّجهةً إلى (لِيس) ،فقال ألخيه بازدراء« :ال أري ُد شيئًا من فُضالتك» ،لكن ل َّما قال عين
ال ُغراب إنها ستموت إن لم يأخذها ضعفَت مقا َومته .لسانها مقطوع ،لكنها فيما عدا هذا سليمة ،ثم إنها
جميلة أيضًا ،بشرتها بنِّيَّة كخشب السَّاج المزيَّت ،غير أنه عندما يَنظُر إليها يجد نفسه أحيانًا يتذ َّكر المرأة
ً
رجال. األولى التي من َحه أخوه إياها لتصنع منه
أحضري لي أرا َد ڤيكتاريون أن يستعمل السَّمراء م َّرةً أخرى ،لكنه لم يجد في نفسه القُدرة ،فقال لهاِ « :
قِربة نبي ٍذ أخرى ثم اخرُجي» ،وحين عادَت بقِرب ٍة من النَّبيذ األحمر ال ُمر صع َد بها القائد إلى السَّطح
صبَّ البقيَّة في البحر ألجل كلِّ من ماتوا. شرب نِصف القِربة و َ َ ليتن َّشق هواء البحر النَّظيف.
ظلَّت (النَّصر الحديدي) راسيةً عند مصبِّ (الماندر) ساعات ،وبينما أبح َر الجزء األكبر من األسطول
ظ ڤيكتاريون بكلٍّ من (الثُّبور) و(اللورد داجون) و(الرِّيح الحديد) الحديدي إلى (تُرس السَّنديان) احتف َ
و(لعنة العذراء) حوله لحراسة المؤ ِّخرة .سحبوا النَّاجين من البحر وشاهَدوا (اليد القويَّة) تغرق ببُطء،
يجرُّ ها إلى أسفل حُطام السَّفينة التي د َّكتها ،ولدى غيابها تحت الماء بل َغ ڤيكتاريون اإلحصاء الذي طلبَه،
ُفن وأس َر ثماني وثالثين .قال لنيوت« :ال بأس .إلى المجاذيف ،سنعود إلى (بلدة ست س ٍ وعرفَ أنه فق َد َّ
اللورد هيويت)».
مالحوه نحو (تُرس السَّنديان) ،وعا َد الرُّ بَّان الحديدي إلى قمرته مج َّددًا ،حيث قال للسَّمراء: جذف ََّّ
«يُمكنني أن أقتله ،ولو أنه إثم عظيم أن يَقتُل المرء مليكه ،وإثم أعظم أن يَقتُل أخاه» ،وقطَّب جبينه مردفًا:
«كان على آشا أن تُعطيني صوتها» .كيف أملَت أن تكسب الرَّبابنة والملوك بأكواز الصَّنوبر واللِّفت؟ في
ض َع تاج الخشب المجروف على عروقها دماء بالون ،لكنها تظلُّ امرأةً .فرَّت آشا بَعد انتخاب الملك .ليلة ُو ِ
رأس يورون ذابَت هي وطاقمها ،وفي أعماق ڤيكتاريون جزء صغير مسرور لهذا .إذا احتفظَت الفتاة
بعقلها فستتز َّوج أحد لوردات ال َّشمال وتحيا معه في قلعته بعيدًا عن البحر ويورون عين ال ُغراب.
نادى أحد رجال الطَّاقم(« :بلدة اللورد هيويت) يا حضرة القائد».
نهض ڤيكتاريون .كان النَّبيذ قد خفَّف نبض األلم في يده .ربما يجعل ال ِمايستر الذي يخدم هيويت يُلقي َ
لسان من اليابسة ،ورأى قلعة اللورد ٍ نظرةً عليها إذا لم يكن قد قُتِ َل .عا َد إلى السَّطح بينما يدورون حول
ضعفها مساحةً .بَعد الميناء هيويت مستق َّرةً فوق الميناء فذ َّكرته ب(لوردزپورت) ،مع أن هذه البلدة تَبلُغ ِ
الذهبي ،في حين ترسو مئات يخوض نحو عشرين من السُّفن الطَّويلة المياه وعلى ذيولها يتل َّوى الكرا ِكن َّ
رصيف حجري ث َّمة ثالثة أكواج عظيمة ودستة من ٍ أخرى بطول األرصفة مربوطةً بالحبال ،وعند
األكواج األصغر تُ َح َّمل بالغنائم والمؤن .أم َر ڤيكتاريون بأن تُلقي (النَّصر الحديدي) مرساتها ،وقال
لرجاله« :جهِّزوا لي قاربًا».
ب كما تشهد األبواب المحطَّمة بدَت البلدة هادئةً على نح ٍو غريب مع اقترابهم .معظم المحال والمنازل نُ ِه َ
حرقَ ،وفي ال َّشوارع تتناثَر الجُثث ،ك ٌّل منها يتحلَّق حوله سرب ُ
والنَّوافذ المه َّشمة ،لكن وحده السِّپت أ ِ
الطيور السَّوداءصغير من ِغربان الجيف .را َحت مجموعة من النَّاجين العابسين تتح َّرك بينها طاردةً ُّ
وملقيةً الموتى على ظَهر عرب ٍة ليُؤ َخذوا إلى المدافن ،وهو ما أفع َم ڤيكتاريون باالزدراء ،فال ولد حقيقيًّا
وإال فكيف سيَعثُر على أبهاء اإلله الغريق المائيَّة لينعم للبحر يرغب في أن يتعفَّن في باطن األرضَّ ،
بالمأكل والمشرب أبد ال َّدهر؟ من بين السُّفن التي مرُّ وا بها (الصَّمت) .انجذبَت نظرة ڤيكتاريون إلى تمثال
المقدِّمة الحديدي ،الفتاة عديمة الفم ذات ال َّشعر الذي يُهَف ِهف في الرِّيح وال ِّذراع الممدودة ،وقد بدا كأن
طه عيني امرأ ٍة أخرى ،إلى أن خا َعينيها المصنوعتين من ِعرق اللُّؤلؤ تتبعانه ،فقال لنفسه :كان لها فم كأ ِّ
ال ُغراب وأغلقَه.
ظ مجموعةً من النِّساء واألطفال المصفوفين على متن أحد األكواج العظيمة، مع دن ِّوهم من ال َّشاطئ الح َ
بعضهم يداه مقيَّدتان وراء ظَهره ،وحول أعناقهم جميعًا حبال من ال ِقنَّبَ .
سأل الرِّ جال الذين ساعَدوا على
ربط القاربَ « :من هؤالء؟».
« -أرامل وأيتام ،سيُباعون كعبيد».
« -يُباعون؟» .ليس في (جُزر الحديد) عبيد ،بل أقنان فقط ،والقِ ُّن ملزَم بالخدمة لكنه ليس مل ًكا لسيِّده،
بالذهب أبدًا،ويُولَد أطفاله أحرارًا شريطة أن يُعطَوا لإلله الغريق ،ثم إن األقنان ال يُشتَرون أو يُباعون َّ
وإال فال أقنان له على اإلطالق .قال متب ِّر ًما« :المفت َرض أنفعلى الرَّجل أن يدفع الثَّمن الحديدي مقابلهم َّ
يكونوا أقنانًا أو زوجا ٍ
ت ملحيَّات».
َر َّد الرَّجل« :هذا أمر الملك».
ضعاف دو ًما .أقنان أو عبيد ،ال فرق .رجالهم لم يستطيعوا الحالق« :األقوياء يأخذون من ال ِّ َّ قال نيوت
الدِّفاع عنهم ،واآلن أصبحوا لنا لنفعل بهم ما نشاء».
كان ليقول :ليس هذا النَّهج القديم ،ولكنه لم يجد وقتًا ،إذ سبقَته أخبار انتصاره واحتش َد ال ِّرجال حوله
فزمجر« :جرأة
َ يُقَدِّمون له التَّهاني .تر َكهم ڤيكتاريون يُدا ِهنونه ،إلى أن بدأ أحدهم يُثني على جرأة يورون،
بحر بعيدًا عن اليابسة كي ال تَبلُغ كلمة عن مجيئنا هذه الجُزر القابعة أمامنا ،لكن عبور نِصف حقًّا أن نُ ِ
ينتظر ر ًّدا بل تحرَّك شاقًّا طريقه في ِّ
الزحام وصع َد إلى القلعة. العالم لصيد التَّنانين شيء آخَ ر» ،ولم ِ
قلعة اللورد هيويت صغيرة لكن قويَّة ،أسوارها سميكة وب َّوابتها المصنوعة من السَّنديان المد َّعم بالحديد
تستدعي إلى ال ِّذهن رمز عائلته العريق ،ال ِم َج َّن السَّندياني المطعَّم بالحديد على خلفيَّ ٍة من األزرق واألبيض
المتم ِّوجيْن .على أن كرا ِكن عائلة جرايچوي هو ما يخفق فوق األبراج ذات السُّطوح الخضراء اآلن،
الحراب والفؤوس، ووجدوا الب َّوابة العظيمة محروقةً محطَّمةً ،وفي ال ُّشرفات يمشي الحديديُّون حاملين ِ
باإلضافة إلى بعض ِهجان يورون.
في السَّاحة وج َد ڤيكتاريون جورولد جودبراذر ودروم العجوز يتكلَّمان بهدو ٍء مع رودريك هارلو .أطل َ
ق
الحالق صيحةً هازئةً لمرآهم ،ونادى« :أيها القارئ ،لماذا الوجه العابس؟ هواجسك كانت بال ٍ
داع. َّ نيوت
النَّصر لنا ،ولنا الغنائم!».
قائال« :تعني هذه الصُّ خور؟ أربعتها معًا أصغر من (هارلو) .لم نَفُز َّإال ببعض َز َّم اللورد رودريك فمه ً
األحجار واألشجار وال ُحلِ ِّي ال َّرخصية ،وعداوة عائلة تايرل».
قال نيوت ضاح ًكا« :الورود؟ وما الوردة التي بإمكانها إيذاء َكرا ِكن األعماق؟ لقد سلبناهم تُروسهم
وحطَّمناها تحطي ًماَ .من يحميهم اآلن؟».
الحالق ،وعندها قد تتعلَّم أن َّ َر َّد القارئ(« :هايجاردن) .قريبًا ستحتشد ق َّوات (المرعى) كلُّها ضدنا أيها
لبعض الورود أشوا ًكا من فوالذ».
أومأ َ دروم برأسه موافقًا وقد استقرَّت يده على مقبض سيفه (المطر األحمر) ،وقال« :اللورد تارلي يحمل
السَّيف العظيم (آفة القلوب) المصنوع من الفوالذ الڤاليري ،ودائ ًما يقود طليعة جيش اللورد تايرل».
ت .سآخ ُذ سيفه لنفسي ِمثلما أخ َذ سلفك (المطر األحمر) .فليأتوا قال ڤيكتاريون وقد اشتعلَت غضبته« :فليأ ِ
جميعًا ويجلبوا آل النستر معهم أيضًا .ربما تكون لألسد السَّطوة على اليابسة ،لكن في البحر للكرا ِكن
السِّيادة المطلقة» .يُمكنه أن يتخلَّى عن نِصف أسنانه لقاء فُرص ٍة لتجربة فأسه ضد قاتِل الملك أو فارس
ُّ
الزهور.
هذا هو نوع المعارك الذي يفهمه .قاتِل األقربين ملعون عند اآللهة والبَشر ،لكن ال ُمحارب مكرَّم موقَّر.
قال القارئ« :ال تخف يا حضرة القائد ،سيأتون .جاللته يتمنَّى هذاَّ ،
وإال فلِ َم أم َرنا بترك ِغدفان هيويت
تُ َحلِّق؟».
قليال للغاية .إن دماءك حليب» ،لكن القارئ تظاه َر بأنه لم يسمع.قال نيوت« :تقرأ كثيرًا للغاية وتُقاتِل ً
كانت في القاعة مأدبة صاخبة عندما دخ َل ڤيكتاريون ،يحتشد حديديُّو الميالد على الموائد يشربون
ويتصايَحون ويتدافَعون ويتباهون بقتالهم ومآثرهم وما سلبوه ،وقد تحلَّى كثيرون منهم بالغنائم ،فارتدى
لوكاس كود األعسر وكويلون همبل معطفين من المعلَّقات التي انتزعاها من على الحوائط ،ووض َع
جرموند بوتلي ِعقدًا من اللُّؤلؤ والعقيق األحمر فوق واقي صدره المذهَّب الذي كان ألحد قادة النستر،
وتحرَّك أندريك الال مبتسم مترنِّحًا ومط ِّوقًا بكلٍّ من ذراعيه امرأةً ،وعلى الرغم من أنه ظَ َّل غير مبتسم
صحاف المصنوعة من ال ُخبز الجامد البائت كان الرَّبابنة يأكلون من ً
وبدال من ال ِّ فعلى أصابعه كلِّها خواتم،
ق من الفضَّة الخالصة.أطبا ٍ
لمواجهة السُّفن الطَّويلة فيما
َ الحالق غضبًا إذ تطلَّع حوله ،وقال« :ي ِ
ُرسلنا عين ال ُغراب َّ ارب َّد وجه نيوت
يأخذ رجاله القالع والقُرى ويستولون على الغنائم والنِّساء.
ك لنا؟».
ماذا تر َ
« -المجد لنا».
الذهب أفضل».« -ال بأس بالمجد ،لكن َّ
قائال« :عين ال ُغراب يقول إننا سننال (وستروس) كلَّها( .الكرمة)( ،البلدة القديمة)،
هَ َّز ڤيكتاريون كتفيه ً
(هايجاردن) ...هناك ستجد َّ
الذهب .لكن كفى كال ًما ،إنني جائع».
ً
وبدال ق ال َّدم كان ڤيكتاريون ليتَّخذ مقعدًا على المنصَّة ،لكنه ال يرغب في األكل مع يورون ومخلوقاته، ب َح ِّ
من هذا اختا َر مكانًا إلى جوار رالف األعرج ُربَّان (اللورد كويلون).
قال له األعرج« :نصر عظيم يا حضرة القائد ،نصر يستح ُّ
ق لورديَّة .المفت َرض أن تنال إحدى الجُزر».
اللورد ڤيكتاريون ،أجل ،ولِ َم ال؟ ربما ال يحظى ب ُكرسي حجر اليم ،لكن ذلك أفضل من ال شيء.
كان هوثو هارلو جالسًا قُبالتهما على الطَّاولة ينهش اللَّحم من على عظمة ،ثم إنه ألقاها جانبًا وما َل إلى
قائال« :الفارس سينال (التُّرس الرَّمادي) ،هل سمعت؟». األمام ً
أجاب ڤيكتاريون« :ال» ،وتطلَّع عبر القاعة إلى حيث يجلس السير هاراس هارلو يشرب النَّبيذ من كأ ٍ
س َ
ذهبيَّة .الفارس رجل مديد القامة ،له وجه طويل وقسمات صارمة« .لماذا يمنح يورون أحدًا ِمثله
جزيرةً؟».
رف َع هوثو كأسه الفارغة لتمألها له شابَّة شاحبة في فُ ٍ
ستان من المخمل األزرق وشرائط ال ِّزينة المذهَّبة،
غرس رايته عند القلعة وتح َّدى آل جريم أن ي ِ
ُواجهوه، َ وقال« :الفارس استولى على (جريمستن) بنفسه،
فتح َّداه أحدهم ،ثم آخر وآخر ،وقتلَهم جميعًا ...أو ما يَقرُب من هذا ،اثنان منهم استسلَما .حين سقطَ الرَّجل
ً
مواصال: السَّابع حز َم ِسپتون اللورد جريم أمره وأعلنَ أن اآللهة قالت كلمتها وسلَّم القلعة» ،وضحكَ هوثو
ق صدره بكأسه، «سيصير سيِّد (التُّرس الرَّمادي) ،وهنيئًا له بها .في غيابه أصب ُح أنا وريث القارئ» ،و َد َّ
وأضافَ « :هوثو األحدب ،سيِّد (هارلو)».
« -تقول سبعة؟» .تساء َل ڤيكتاريون في قرارة نفسه كيف يُمكن أن يُبلي سيف الفارس المس َّمى ( ُغروب)
غلب هاراس هارلو َ ط ،وإن كان قد رجال يحمل سيفًا من الفوالذ الڤاليري قَ ُّ
ً في موا َجهة فأسه .إنه لم يُقاتِل
صغره كان هارلو صديقًا صدوقًا لرودريك أكبر أبناء بالون ،الذي ماتَ عند صباهما .في ِ ت ع َّدة في ِ
مرَّا ٍ
أسوار (سيجارد).
دام وغير تام االستواء ،باإلضافة إلى ثيران مشويٍ ،
ٍ المأدبة جيِّدة ،أفضل ما فيها النَّبيذ ،وهناك أيضًا لحم
ط محشو ودالء من السَّراطين الطَّازجة .لم يغب عن عينَي حضرة الرُّ بَّان القائد أن الخادمات يرتدين بَ ٍّ
مالبس مترفةً من الصُّ وف والمخمل ،وفي البداية حسبهن مسا ِعدات طبَّاخ في ثياب الليدي هيويت
طاب لعين ال ُغراب أن يجعلهن َ ورفيقاتها ،إلى أن أخب َره هوثو بأنهن الليدي هيويت ورفيقاتها أنفسهن ،إذ
يُقَدِّمن الطَّعام ويصبَّن ال َّشراب .هناك ثمانية منهن؛ حضرة الليدي نفسها التي ال تزال حسناء على الرغم
تتراوح أعمارهن من الخامسة والعشرين إلى العاشرة، َ من امتالء قوامها ،وسبعة أخريات أصغر منها،
بناتها وزوجات أبنائها.
صة مرتديًا أفخر ثيابه التي تحمل رمز وألوان اللورد هيويت نفسه جالس في مكانه المعتاد على المن َّ
عائلته ،لكن ذراعيه وساقيه مقيَّدة إلى مقعده ،وث َّمة حبَّة فجل بيضاء ضخمة مدسوسة بين أسنانه لمنعه من
الكالم ...ولو أنه يرى ويسمع .اتَّخذ عين ال ُغراب موضع ال َّشرف إلى يمين حضرة اللورد ،وقد جل َست فتاة
صدر في السَّابعة أو الثَّامنة عشرة في ِحجره حافية القدمين منفوشة ال َّشعر واضعةً حسناء عامرة ال َّ
ذراعيها حول ُعنقه .سأ َل ڤيكتاريون الرِّ جال المحيطين بهَ « :من هذه؟».
أجابَه هوثو ضاح ًكا« :ابنة حضرة اللورد النَّغلة .قبل استيالء يورون على القلعة كانت مرغمةً على خدمة
اآلخَرين على المائدة وأكل وجباتها مع الخدم».
وض َع يورون شفتيه ال َّزرقاوين على َحلقها ،فقهقهَت الفتاة وهم َست بشي ٍء ما في أُذنه ،ليبتسم ويُقَبِّل َحلقها
ثانيةً .كانت العالمات الحمراء تُ َغطِّي بشرتها البيضاء حيث قبَّلها ،وتصنع قالدةً ورديَّةً حول رقبتها
عال هذه المرَّة ،ثم إنه َد َّ
ق المائدة ت ٍ وكتفيها .همسة أخرى في األُذن دف َعت عين ال ُغراب إلى الضَّحك بصو ٍ
قائال« :سيِّداتي الكريمات ،فاليا قلقة على فساتينكن بكأسه آمرًا بالصَّمت ،ونادى خادماته رفيعات النَّسب ً
األنيقة وال تُريدها أن تتَّسخ بال ُّدهون والنَّبيذ واألصابع القذرة التي تتحسَّسكن ،ألني وعدتها بأن تختار
ثيابها من أصونتكن بَعد المأدبة .األفضل أن تخلعنها إذن».
حسب أنَ د َّوى الضَّحك الهادر في أنحاء القاعة الكبيرة ،واحتقنَ وجه اللورد هيويت لدرجة أن ڤيكتاريون
رأسه سينفجر .لم تجد النِّساء خيارًا َّإال الطَّاعة ،وب َكت أصغرهن ً
قليال لكن أ َّمها وا َستها وحلَّت األربطة
على ظَهر فُستانها ،وبَعدها تابعن الخدمة كما من قبل وتحرَّكن بين الموائد بأباريق النَّبيذ ل َملء الكؤوس
ت اآلن.
الفارغة ،مع فرق أنهن يفعلن هذا عاريا ٍ
ف َّكر القائد متذ ِّكرًا ال َّزوجة التي سالَت دموعه وهو يضربها :يذلُّ هيويت كما ذلَّني من قبل .يعلم أن أهل
(التُّروس األربعة) يتز َّوج بعضهم بعضًا غالبًا ِمثل حديديِّي الميالد ،وربما تكون واحدة من هؤالء
الخادمات العاريات زوجة السير تالبرت سيري .أن تَقتُل عد َّوك شيء وأن تُهين َشرفه شيء آخَر .ك َّور
ڤيكتاريون قبضته وقد تل َّوثت يده بدماء جرحه التي تغلغلَت في كتَّان ال ِّ
ضمادة.
على المنصَّة دف َع يورون مومسه جانبًا ووقفَ فوق المائدة ،فبدأ الرَّبابنة يدقُّون الموائد بالكؤوس واألرض
باألقدام هاتفين« :يورون! يورون! يورون! يورون!» ،كأنه انتخاب الملك ثانيةً.
ق منها ،لُقيمة ال
أقسمت أن أعطيكم (وستروس) ،وهاكم أول مذا ٍ ُ حين هدأت الجلبة قال عين ال ُغراب« :
أكثر ...لكننا سنأكل الوليمة قبل أن يح َّل اللَّيل!» .على الجُدران تتوهَّج المشاعل وضَّاءةً ،وكذا هو بشفتيه
ال َّزرقاوين وعينه ال َّزرقاء وجسده كلِّه« .ما يُط ِبق عليه الكرا ِكن ال يُفلِته .هذه ال ُجزر كانت لنا من قبل،
رجال أقوياء للحفاظ عليها ،فانهض أيها السير هاراس هارلو ٍ واآلن عادَت لنا من جديد ...لكننا نحتاج إلى
نهض الفارس مريحًا يده على قبيعة سيفه ( ُغروب) المصنوعة من أحجار َ سيِّد (التُّرس الرَّمادي)».
القمر ،وتاب َع يورون« :انهض يا أندريك الال مبتسم سيِّد (تُرس الجنوب)» ،فدف َع أندريك امرأته جانبًا
كجبل يرتفع على حين غ َّر ٍة من البحر« .انهض يا مارون ڤولمارك سيِّد (التُّرس األخضر)»، ٍ وهَبَّ واقفًا
َّ
الحالق فنهض ڤولمارك الصَّبي الحليق ذو الستَّة عشر عا ًما باديًا كأنه سيِّد األرانب« .وانهض يا نيوت َ
سيِّد (تُرس السَّنديان)».
اكت َست نظرة نيوت بالحذر كأنه يخشى أن يكون مرمى ُدعاب ٍة قاسية ،وتساء َل« :أنا لورد؟».
َّ
والمالح األحمر كان ڤيكتاريون يتوقَّع أن يمنح عين ال ُغراب اللورديَّات لمخلوقاتهِ ،مثل ذي اليد الحجر
همس :هدايا
َ ولوكاس كود األعسر .حاو َل أن يقول لنفسه :على الملك أن يكون سخيًّاَّ ،إال أن صوتًا مختلفًا
يورون مسمومة .ل َّما د َّور الخاطر في رأسه رأى األمر بوضوح .الفارس كان وريث القارئ المختار،
وأندريك الال مبتسم ذراع دنستان دروم اليُمنى القويَّة ،وڤولمارك صب ٌّي غرير لكن دماء هارن األسود في
َّ
والحالق... عروقه من خالل أ ِّمه،
قائال« :ارفُض!».
أمس َكه ڤيكتاريون من سا ِعده ً
رمقَه نيوت كأن صوابه طا َر ،و َر َّد« :أرفضُ ؟ األراضي واللورديَّة؟ هل سترفعني أنت إلى مصاف
اللوردات؟» ،وانتز َع ذراعه وقا َم يتنعَّم بهتاف الهاتفين.
واآلن يسرق رجالي.
وصاح:
َ نادى الملك يورون الليدي هيويت طالبًا كأسًا جديدةً من النَّبيذ ،ثم إنه رف َعها عاليًا فوق رأسه،
«أيها الرَّبابنة والملوك ،ارفعوا كؤوسكم لسادة (التُّروس األربعة)!».
عدو .أحدهم قال له هذا في مرَّة، ٍّ شرب ڤيكتاريون مع البقيَّة مف ِّكرًا :ال خمر بحالوة الخمر المأخوذة منَ
يوم سأشربُ نبيذك يا عين ال ُغراب وآخ ُذ ك َّل ما تع ُّده عزي ًزا .لكن هل من شي ٍء أبوه أو أخوه بالون .ذات ٍ
يع ُّده يورون عزي ًزا؟ كان الملك يقول« :غدًا نستع ُّد لإلبحار من جديد .أعيدوا َملء براميلنا بمياه الينابيع،
برميل من لحم األبقار وك َّل ما نستطيع أن نحمل من الماعز والخراف. ٍ جوال من الحبوب وك َّل
ٍ و ُخذوا ك َّل
الجرحى الذين ما زالوا يتمتَّعون بعافي ٍة تكفي لتحريك المجاذيف سي َُج ِّذفون ،وسيظلُّ الباقون هنا للمساعَدة
والمالح األحمر بالمزيد من المؤن .ستفوح من َّ على ِحفظ هذه الجُزر لسادتها الجُدد .قريبًا سيعود توروولد
سُفننا روائح الخنازير وال َّدجاج الكريهة في الطَّريق شرقًا ،لكننا سنعود بالتَّنانين».
سم َع ڤيكتاريون صوت اللورد رودريك يقول« :متى؟ متى سنعود يا جاللة الملك؟ بَعد عام؟ ثالثة أعوام؟
كامال ،والخريف َح َّل» ،وتق َّدم القارئ مع ِّددًا المخاطر كلَّها« :القوادس
ً خمسة؟ تنانينك تلك تَبعُد عنا عال ًما
فرسخ من ال َّد َّوامات والجُروف والمياه
ٍ جاف مقفر ،أربعمئة ٌّ تَحرُس (بوغاز ردواين) .السَّاحل الدورني
الضَّحلة الخفيَّة ،وبالكاد بُقعة تَصلُح لرس ٍو آمن .وبَعد هذا تنتظر (األعتاب) بعواصفها وأوكار القراصنة
الاليسينيِّين والمايريِّين .إذا أبح َرت ألف سفينة فربما تَبلُغ ثالثمئة الجانب البعيد من (البحر الضيِّق) ...ثم
ماذا؟ (لِيس) لن تُ َرحِّ ب بنا ،وال (ڤوالنتيس) .أين ستجد الماء العذب والطَّعام؟ أول عاصف ٍة نُ ِ
واجهها
ستُ َشتِّتنا وتَنثُرنا عبر نِصف العالم».
تالعبَت ابتسامة على شفتَي يورون ال َّزرقاوين إذا قال« :أنا العاصفة يا سيِّدي ،العاصفة األولى واألخيرة.
ُ
أبحرت في (بحر ال ُّدخان) ت أطول من هذه وأخطر مرارًا .هل نسيت؟ لقد ُ
أخذت (الصَّمت) في رحال ٍ لقد
ُ
ورأيت (ڤاليريا)».
رجل حاضر يعلم أن السُّلطة المطلقة ال تزال للهالك في (ڤاليريا) .هناك تغلي مياه البحر ذاته وينبعث ٍ كلُّ
َّار يرى ولو لمحةً من جبال (ڤاليريا) النَّاريَّةي بح ٍمنها ال ُّدخان ،واليابسة تجتاحها ال َّشياطين ،ويُقال إن أ َّ
ذهب إلى هناك وعا َد.
َ ترتفع فوق الموج سرعان ما تحيق به ميتة شنعاء ،لكن عين ال ُغراب
بمنتهى الهدوء سألَه القارئ« :حقًّا؟».
اختفَت ابتسامة يورون ال َّزرقاء ،وفي السُّكون الذي خيَّم قال« :أيها القارئ ،خي ٌر لك أن تُبقي أنفك مدسوسًا
في ُكتبك».
ت جهوري« :أخي ،إنك لم تُ ِجب أسئلة هارلو». فنهض ً
قائال بصو ٍ َ شع َر ڤيكتاريون بالتَّوتُّر في القاعة،
هَ َّز يورون كتفيه ،وقال« :أسعار العبيد ترتفع .سنبيع عبيدنا في (لِيس) و(ڤوالنتيس) .مقابلهم باإلضافة
إلى ما أخذناه من هنا من غنائم سيكون معنا ذهب يكفي لشراء المؤن».
َّار سألَه القارئ« :أنحن ن َّخاسون اآلن؟ ومن أجل ماذا؟ تنانين ال أحد هنا رآها؟ هل سنُ ِ
طارد وهم بح ٍ
سكران إلى أطراف األرض؟».
وصاح
َ استدرَّت كلماته همهمات التَّأييد .رف َع رالف األعرج صوته ً
قائال(« :خليج النَّ َّخاسين) بعيد للغاية»،
كويلون همبل« :وقريب للغاية من (ڤاليريا)» ،وقال فرالج القوي(« :هايجاردن) قريبة .رأيي أن نبحث
بحر عبر العالم و(الماندر) مفتوح الذهب!» ،وأضافَ آلڤن شارپ« :لماذا نُ ِ عن التَّنانين هناك ،التَّنانين َّ
أمامنا؟» ،وهَبَّ رالف ستونهاوس األحمر معلنًا(« :البلدة القديمة) أغنى ،و(الكرمة) أغنى وأغنى .أسطول
ردواين بعيد ،وما علينا َّإال أن نم َّد يدنا لنقطف أينع ثمر ٍة في (وستروس)».
قال الملك وقد بدَت عينه سوداء أكثر من زرقاء« :ثمرة؟ ال يسرق الثِّمار بينما يستطيع االستيالء على
البُستان كلِّه َّإال جبان».
ك عين ال ُغراب صيحاتهم قال رالف األحمر« :نُريد (الكرمة)» ،وسرى الهتاف بين ال ِّرجال اآلخَرين ،فتر َ
وثب من فوق المائدة وأخ َذ المومس من ذراعها وسحبَها خارجًا من القاعة. تغمره ،ثم َ
هرب كالكالب .لم تَعُد سيطرة يورون على ُكرسي حجر اليم تبدو محكمةً كما كانت قبل دقائق قليلة .لن َ
خشيت .الفكرة لذيذة لدرجة أن ڤيكتاريون ُ يتبعوه إلى (خليج النَّ َّخاسين) .ربما ليسوا كالبًا حمقى كما
الحالق ليُريه أنه ال يحسده على لورديَّته ،حتى إذا جا َءت َّ فشرب كأسًا مع
َ اضط َّر إلى ازدرادها بالنَّبيذ،
من يد يورون.
بوهج
ٍ كانت ال َّشمس قد غربَت في الخارج وتو َّغل الظَّالم وراء األسوار ،لكن في ال َّداخل تُضيء المشاعل
بُرتقالي ضارب إلى الحُمرة ويتكاثفَ ُدخانها تحت عوارض السَّقف كسحاب ٍة رماديَّة .بدأ السَّكرانون
يَرقُصون رقصة األصابع ،وفي لحظ ٍة ما قرَّر لوكاس كود األعسر أنه راغب في إحدى بنات اللورد
هيويت ،وأخ َذها هناك على مائد ٍة بينما صرخَت أخواتها وانت َحبن.
صبي في العاشرة له َشعر ٌّ شع َر ڤيكتاريون بتربيت ٍة على كتفه .كان أحد ِهجان يورون واقفًا وراءه،
كالصُّ وف وبشرة بلون الطَّمي قال له« :أبي يُريد أن يتكلَّم معك».
رجال كبير الحجم وقادرًا على ُشرب الكثير من النَّبيذ فقد ً قا َم ڤيكتاريون بال ثبات .على الرغم من كونه
الالزم بالفعل .ضربتها حتى الموت بيدَي ،لكن عين ال ُغراب هو من قتلَها عندما ول َجها .لم شرب أكثر من َّ
َ
ً َّ ً
أملك خيارًا .تب َع الصَّبي النَّغل من القاعة وصع َد وراءه ساللم حجريَّة ملتفة ،ومع صعودهما خفتَت
أصوات االغتصاب والمرح الصَّاخب ،إلى أن لم يَعُد هناك َّإال صوت احتكاك نعالهما بالحجر.
عالوةً على ابنته النَّغلة أخ َذ عين ال ُغراب ُغرفة نوم اللورد هيويت أيضًا ،ول َّما دخ َل ڤيكتاريون كانت الفتاة
ت خافت ،في حين وقفَ يورون عند النَّافذة يشرب من كأ ٍ
س وتغط بصو ٍُّ متمدِّدةً عاريةً على الفِراش
الجلديَّة الحمراء وال شيء ضيَّة ،وقد ارتدى معطف فرو ال َّس ُّمور الذي أخ َذه من بالكتايد ورُقعة عينه ِ ف ِّ
أستطع ...أو أن هذا ما ِ ُ
استيقظت لم َّ ُ
حلمت بأنني أستطي ُع الطيران ،وحين صباي
قائال« :في ِغيرهما .أعلنَ ً
كذب؟». َ قاله ال ِمايستر .لكن ماذا لو أنه
فعمها روائح النَّبيذ وال َّدم
كان ڤيكتاريون يش ُّم رائحة البحر ال َّداخلة من النَّافذة المفتوحة مع أن ال ُغرفة تُ ِ
والجنس ،وساع َد الهواء المالح البارد على صفاء دماغه إذ سأ َل« :ماذا تعني؟».
ُواجهه ،والت َوت شفتاه ال َّزرقاوان المكدومتان في ابتسام ٍة صغيرة وهو يُجيب« :ربما التفتَ يورون ي ِ
ُرج شاهق؟». نستطيع الطَّيران كلُّنا .كيف سنعرف ما لم نقفز من ب ٍ
هبَّت الرِّيح من النَّافذة محرِّ كةً معطفه ،وكان في ُعريه شيء ما فاحش مزعج« .ال أحد يدري ما يقدر على
فِعله حقًّا ما لم يجرؤ على القفز».
« -ها هي النَّافذة ،اقفز» .ال يملك ڤيكتاريون صبرًا على هذا ،كما أن يده الجريحة تُؤلِمه« .ماذا تُريد؟».
« -العالم» .في عين يورون يلتمع نور النَّار .عينه الباسمة« .هل تشرب كأسًا من نبيذ اللورد هيويت؟ ال
عدو مهزوم».
خمر بحالوة الخمر المأخوذة من ٍّ
ط نفسك».أجاب ڤيكتاريون« :ال» ،وأشا َح بنظره مضيفًاَ « :غ ِّ
َ
نسيت أن رجالي الحديديِّين قوم ضآل ُ جلس يورون و َش َّد معطفه ليُ َغطِّي عورته ،وقالُ « :
كنت قد َ
مزعجون .أري ُد أن آتيهم بالتَّنانين فيزعقون طالبين العنب».
« -العنب حقيقي ملموس ويستطيع المرء أن يلتهم ما يشاء منه ،ثم إن عصيره حُلو ويُصنَع منه النَّبيذ .ما
الذي تصنعه التَّنانين؟».
ُ
حملت بيضة تنِّ ٍ
ين بيدي هذه يا أجاب عين ال ُغراب« :الويل» ،ورشفَ من كأسه الفضَّة ،وتاب َع« :في م َّر ٍة
َ
أخي .ذلك السَّاحر المايري أقس َم أنه يستطيع أن تجعلها تفقس إذا أمهلته عا ًما وأعطيته ك َّل ما يتطلَّب من
يمض!»،
ِ مللت أعذاره قتلته ،وبينما رأى أحشاءه تنزلق بين أصابعه قال :لكن عا ًما لم ُ ذهب .حين
ك مردفًا« :هل تعلم أن كراجورن ماتَ ؟».
وضح َ
َ « -من؟».
« -الرَّجل الذي نف َخ في بوق التَّنانين .حين فت َح ال ِمايستر صدره وج َد رئتيه متفحِّمتين مسو َّدتين كالسُّخام».
أرني بيضة التنِّين هذه». مرتجفًا قال ڤيكتاريونِ « :
« -رميتها في البحر في خالل إحدى نوبات غضبي» ،وهَ َّز يورون كتفيه متابعًا« :يبدو لي أن القارئ
الالزم فلن يستطيع التَّماسُك طيلة تلك المسافة .الرِّ حلة طويلة ج ًّدا
ليس مخطئًا .إذا كان األسطول أكبر من َّ
وخطيرة ج ًّدا ،وال أمل َّإال ألفضل سُفننا وأطقمنا في اإلبحار إلى (خليج النَّ َّخاسين) ثم اإلياب ،األسطول
الحديدي».
ف َّكر ڤيكتاريون :األسطول الحديدي لي ،لكنه لم يقل شيئًا.
مألَ عين ال ُغراب كأسين بنبي ٍذ أسود غريب قوامه ثخين كالعسل ،وقال« :اشرب معي يا أخي ،تذ َّوق هذا»،
و َم َّد يده لڤيكتاريون بإحدى الكأسين.
ب يبدو ال َّشراب أقرب إلى التقطَ ڤيكتاريون الكأس التي لم يُقَدِّمها يورون وتش َّمم محتوياتها بارتياب .من قُر ٍ
األزرق من األسود ،وله منظر زيتي خاثر ورائحة كاألسماك المتعفِّنة .جرَّب رشفةً صغيرةً بصقَها من
فوره ،وقال« :شراب كريه .هل تُريد أن تُ َس ِّممني؟».
ً
مواصال« :صبغة المساء ،خمر ال َّدجَّالين. َر َّد يورون« :أري ُد أن أفتح عينيك» ،وجر َع من كأسه ،ثم ابتس َم
استوليت على قاليون معيَّن من (ڬارث) ،باإلضافة إلى القليل من القرنفل وجوز ُ ً
برميال منها عندما ُ
وجدت
الطِّيب وأربعين لفَّةً من الحرير األخضر وأربعة دجَّالين حكوا حكايةً تُثير االهتمام .أحدهم تجرَّأ على
وأطعمت الثَّالثة اآلخَرين إياه .في البدء رفضوا أكل لحم صديقهم ،لكن حين استب َّد بهم ُ تهديدي فقتلته
الجوع غيَّروا رأيهم .البَشر لحم».
بالون كان مجنونًا وآرون أكثر جنونًا ويورون األكثر جنونًا على اإلطالق .كان ڤيكتاريون يلتفت ليُغا ِدر
عندما قال عين ال ُغراب« :يجب أن تكون للملك زوجة تمنحه ورثةً .إنني في حاج ٍة إليك يا أخي .هل تذهب
ي بحبيبتي؟». إلى (خليج النَّ َّخاسين) وتعود إل َّ
تك َّورت قبضتا ڤيكتاريون وسقطَت قطرة دما ٍء على األرض إذ قال في قرارته :كانت لي حبيبة ذات ٍ
يوم
أجاب أخاه« :إن لك أبنا ًء».
َ ُ
فعلت بها. أيضًا .يَج ُدر بي أن أبرِّ حك ضربًا وأطعمك للسَّراطين كما
ِ « -هجان نغول ،أبناء العاهرات والنَّائحات».
« -لقد خرجوا من جسدك».
« -وكذا محتويات وعاء فضالتي .ال أحد منهم يَصلُح للجلوس على ُكرسي حجر اليم ،ناهيك بالعرش
الحديدي .ال ،إنني محتاج إلى امرأ ٍة مختلفة كي أنجب وريثًا يليق به (هو) .حين يتز َّوج الكرا ِكن التنِّينة يا
أخي فليحذر العالم ك ُّله».
تساء َل ڤيكتاريون مقطِّبًا جبينه« :أيُّ تنِّينة؟».
آخر سُاللتها .يقولون إنها أجمل امرأ ٍة في العالم ،إن َشعرها ذهب وفضَّة وعينيها َج َم ْشت ...لكنك لستِ «-
َّ
مضط ًّرا إلى تصديق كلمتي يا أخي .اذهب إلى (خليج النَّ َّخاسين) واطلع على َجمالها بنفسك وارجع إل َّ
ي
بها».
سألَه ڤيكتاريون« :ولِ َم أفع ُل ذلك؟».
« -ألجل الحُب ،ألجل الواجب ،ألن مليكك أم َرك» ،وقهقهَ يورون مضيفًا« :وألجل ُكرسي حجر اليم .إنه
يوم سوف يتبعك أبناؤك ال َّشرعيُّون». ُ
تبعت بالون ...وذات ٍ لك حالما أرتقي العرش الحديدي .ستتبعني كما
ظ في الح ِّ ُنجب الرَّجل ابنًا شرعيًّا يجب أن تكون له زوجة أ ً
وال ،وڤيكتاريون سيِّئ َ أبنائي .ولكن لكي ي ِ
ال َّزواج .قال لنفسه مذ ِّكرًا :هدايا يورون مسمومة ،ومع ذلك...
« -الخيار لك يا أخيِ .عش قِنًّا أو ُمت مل ًكا .هل تَجسُر على الطَّيران؟ ما لم تقفز فلن تعرف أبدًا»،
والتم َعت السُّخرية في عين يورون الباسمة إذ أردفَ « :أم أنني أح ِّملك ما ال طاقة لك به؟ اإلبحار بَعد
(ڤاليريا) مخيف حقًّا».
وفتح يده ليجد راحتها مبلَّلةً
َ َر َّد ڤيكتاريون« :سأبح ُر باألسطول الحديدي إلى الجحيم إذا لز َم األمر»،
بالدِّماء ،وتاب َع« :سأذهبُ إلى (خليج النَّ َّخاسين) ،أجل ،وسأج ُد تلك التنِّينة وأرج ُع بها» .ولكن ليس من
أجلك .لقد سرقت زوجتي وهتكت ِعرضها ،ولذا سأظف ُر بامرأتك ،أجمل نساء العالم ،لي أنا.
چايمي
حرث من جدي ٍد بَعد أن ُج ِّرفَت المحاصيل المحروقة ،وأبلغَه ك َّشافة عادَت الحقول خارج أسوار (داري) تُ َ
السير أدام برؤية نسو ٍة في األخاديد يقتلعن الحشائش ،في حين تُ َمهِّد مجموعة من الثِّيران أرضًا جديدةً
لل ِّزراعة على حافة غاب ٍة قريبة ،وقد وقفَت دستة من ال ِّرجال الملتحين حاملي الفؤوس حراسةً عليها فيما
تعمل.
لدى بلوغ چايمي وركبه القلعة كانوا قد فرُّ وا جميعًا إلى ما وراء األسوار ،ووج َد (داري) مغلقةً في وجهه
ِمثل (هارنهال) من قبلها ،فف َّكر :استقبال بارد من لحمي ودمي .قال آمرًا« :أطلِق النَّفير» ،فخل َع السير
ق الرَّاية انتظر چايمي ر ًّدا من القلعة رم َ
َ كينوس الكايسي بوق هيروك من على كتفه ونف َخ فيه ،وبينما
الخافقة بالبنِّي والقرمزي فوق حصن ابن ع ِّمه األمامي .يبدو أن النسل اختا َر تقسيم رايته إلى أربعة
ت على ك ِّل اثنين منها أسد النستر وحارث داري ،ورأى چايمي يد ع ِّمه في هذا كما رآها في اختيار مربَّعا ٍ
ك أن أطاح األنداليُّون بالبَشر األوائل والحُكم في هذه األنحاء لعائلة داري ،وال َش َّ
َ عروس النسل .منذ
السير كيڤان ارتأى أن المه َّمة ستكون أيسر على ابنه إذا رآه َّ
الفالحون استمرارًا للسُّاللة القديمة ،يَح ُكم هذه
مرسوم ملكي .المفت َرض أن يكون كيڤان يد تومن .هاريس سويفت ٍ ق المصاهَرة باألحرى من بح ِّ
األراضي َ
رجل تافه ،وأختى حمقاء إذا كانت تعتقد غير هذا.
انفتحت ب َّوابة القلعة ببُطء ،وقال چايمي للعُفر« :ليست عند ابن ع ِّمي مساحة إليواء ألف رجل .سننصب َ
المعس َكر عند السُّور الغربي .أري ُد حفر الخنادق وغرس الخوازيق في محيطنا .ما زالَت هناك جماعات
من الخارجين عن القانون في هذه المنطقة».
« -سيكونون مجانين بالتَّأكيد إذا ها َجموا ق َّوةً كق َّوتنا».
« -مجانين أو يتض َّورون جوعًا» .إلى أن تُصبِح لديه فكرة أفضل عن هؤالء الخارجين عن القانون
ُجازف باالستهانة بدفاعاته .كرَّر« :خنادق وخوازيق» ،ثم هم َز أونَر نحو وق َّوتهم ال ينوي چايمي أن ي ِ
حامال الوعل واألسد الملكيَّ ْين ،والسير هيوجو ڤانس برايةً الب َّوابة ،وإلى جواره يركب السير درموت
ال َحرس الملكي .كان چايمي قد كلَّف رونيت األحمر بمه َّمة توصيل وايليس ماندرلي إلى (بِركة العذارى)،
كي ال يضط َّر إلى رؤية وجهه ثانيةً أبدًا.
ي الذي وجدَه لها پِك ،وقد سم َعها چايمي تقول« :كأنها قلعة لُعبة»، مع ُمرافقيه تركب پيا الحصان المخص َّ
فح َّدث نفسه متأ ِّم ًال :الفتاة لم تعرف بيتًا َّإال (هارنهال).
كلُّ قلع ٍة في البالد ستبدو لها صغيرةً ،باستثناء (الصَّخرة).
قائال« :ال يجب أن تَح ُكمي ب(هارنهال) .هارن األسود بناها َر َّد چوزمين پكلدون عليها بالكالم نفسه ً
بضخام ٍة غير عاديَّة» ،وأصغَت پيا بإذعان فتا ٍة في الخامسة تتلقَّى ال ُّدروس من ِسپتتها .ليست َّإال هذا ،فتاة
يظن چايميُّ صغيرة في جسد امرأة ،على جسدها النُّدوب وفي نفسها الخوف .على أن پِك مفتون بها .ال
أظن أن هناك أن الصَّبي عرفَ امرأةً من قبل ،وپيا ال تزال حسناء بما فيه الكفاية ما دا َم فمها مغلقًا .ال ُّ
ُضاجعها ،بشرط أن تكون راغبةً.
ِ أ ًذى في أن ي
ق عندما أم َر چايمي إلين پاين في (هارنهال) حاو َل أحد رجال الجبل اغتصاب الفتاة ،وبدا منده ًشا بصد ٍ
ظ َّل يُ َردِّد« :لقد استعملتها مئة م َّر ٍة من قبل ،مئة مرَّة يا سيِّدي ،كلُّنا
بقطع رأسه ،وإذ أرغَموه على الرُّ كوع َ
استعملناها» .حين ق َّدم السير إلين الرَّأس لپيا بَعدها ابتس َمت كاشفةً حُطام أسنانها.
أي ٍد كثيرة تداولَت (داري) في أثناء القتال ،واحترقَت قلعتها م َّرةً ونُ ِهبَت مرَّتين على األقل ،وإن يبدو أن
ق مصراعان جديدان للب َّوابة من ألواح ضيِّع وقتًا قبل ال ُّشروع في تصحيح األوضاع .هكذا ُعلِّ َ النسل لم يُ َ
حرقَ ،كما استُب ِدلَت ُ
السَّنديان الخام المد َّعمة بالحديد ،واآلن يُبنى اسطبل جديد في مكان القديم الذي أ ِ
السَّاللم الصَّاعدة إلى الحصن ومصاريع نوافذ كثيرة .ما زالَت األحجار المسو َّدة تشي بالبقاع التي لعقَتها
ألسنة اللَّهب ،لكنها ستبهت مع مرور الوقت وسقوط األمطار.
داخل القلعة يذرع رُماة ال ُّن َّشابيَّة ال ُّشرفات ،بعضهم يرتدي المعاطف القرمزيَّة وخوذات األسد ،وبعضهم
يرتدي أزرق ورمادي عائلة فرايَ .خبَّ چايمي في السَّاحة ليف َّر ال َّدجاج من تحت حوافر أونَر ،وثغَت
فالحون مسلَّحون ،منهم من يحمل المناجل ومنهم ت باهتة .لم يَفُته أنهم َّ الخراف وحد َجه َّ
الفالحون بنظرا ٍ
رجال ملتحينٍ حاملو الهراوات والمعاول مدبَّبة الرُّ ؤوس ،وهناك من يحملون فؤوسًا أيضًا ،كما لم َح ع َّدة
طت على سُتراتهم الرَّثَّة المتَّسخة نجوم سُباعيَّة حمراء .المزيد من العصافير المالعين .من أين يأتي خي َ
كلُّ هؤالء؟ لم ي َر أثرًا لع ِّمه كيڤان أو النسل ،ولم يَخرُج لتحيَّته َّإال ِمايستر يخفق رداؤه الرَّمادي حول
قائال« :حضرة القائد ،شرَّفت (داري) بهذه ...ال ِّزيارة غير المتوقَّعة. ساقيه النَّاحلتين ،وقد خاطبَه الرَّجل ً
أرجو أن تَع ُذرنا لعدم استعدادنا .ظننَّا أنك في طريقك إلى (ريڤر َرن)».
ريڤررن) ستنتظر .وإذا تصادفَ أن ينتهي الحصار قبل َ َر َّد چايمي كاذبًا« :كانت (داري) في طريقي»( .
أن يَبلُغ القلعة فسيُعفى من االضطرار إلى حمل السِّالح ضد آل تَلي .ترجَّل وناو َل أحد ُع َّمال االسطبل
متسائال« :هل سأج ُد ع ِّمي هنا؟» .لم يَذ ُكر االسم ،فالسير كيڤان الع ُّم األوحد الذي تبقَّى لهِ ،
آخر ً زمام أونَر
أبناء تايتوس النستر األحياء.
رحل بَعد ِّ
الزفاف» ،و َش َّد سلسلته كأنها ضاقَت على ُعنقه، َ أجاب ال ِمايستر« :ال يا سيِّدي .السير كيڤان
َ
وتاب َع« :أعل ُم أن اللورد النسل سيُ َسرُّ لرؤيتك و ...وجميع فُرسانك البواسل ،لكن ي ِ
ُؤسفني أن أعترف بأن
(داري) ال تستطيع إطعام هذا العدد الكبير».
« -إن معنا مؤنناَ .من أنت؟».
شرف على « -ال ِمايستر أوتومور ،بَعد إذن سيِّدي .الليدي آميري رغبَت في التَّرحيب بك بنفسها ،لكنها تُ ِ
تجهيز مأدب ٍة على شرفك ،وتتمنَّى أن تتم َّكن وكبار فُرسانك وقادتك من االنضمام إلينا على المائدة هذا
المساء».
« -نُ َرحِّب بوجب ٍة ساخنة بالتَّأكيد .األيام الماضية كانت باردةً مطيرةً» ،وتطلَّع چايمي عبر السَّاحة إلى
وجوه العصافير الملتحين مف ِّكرًا :كثيرون ج ًّدا ،ورجال فراي كثيرون ج ًّدا أيضًا« .أين أج ُد الحجر
الصُّ لب؟».
« -بلغَتنا أنباء عن وجود خارجين عن القانون على ضفَّة (الثَّالوث) األخرى ،فأخ َذ السير هاروين خمسة
فُرسان وعشرين من الرُّ ماة وخر َج يتعا َمل معهم».
« -واللورد النسل؟».
صلِّي .حضرة اللورد أم َرنا بعدم إزعاجه أبدًا في أثناء الصَّالة». « -ي ُ َ
هو والسير بونيفر سينسجمان معًا« .ليكن» .الحقًا سيجد الوقت الكافي للحديث مع ابن ع ِّمه« .اصحبني
إلى مسكني واجعلهم يجلبون لي حوض استحمام».
نزلك في (حصن الحارث) .سأريك الطَّريق». « -بَعد إذن سيِّدي ،سنُ ِ
نزل وسرسي هنا ضيفين مرَّتين، ق أن َ أعرف الطَّريق» .ليست هذه القلعة غريبةً على چايمي ،إذ سب َ ُ «-
األولى في الطَّريق إلى (وينترفل) والثَّانية في طريق العودة إلى (كينجز الندنج) .على الرغم من صغر
ي خان ،وعند النَّهر ث َّمة بقاع جيِّدة للصَّيد ،وروبرت باراثيون لم يعزف قَ ُّ
ط مساحة القلعة فإنها أكبر من أ ِّ
عن استغالل كرم ضيافة رعاياه.
وج َد چايمي الحصن كما يَذ ُكره ،وبينما قط َع به ال ِمايستر رواقًا علَّق« :الجُدران ال تزال عاريةً».
يوم بالمعلَّقات ،مشاهد تُ َعبِّر عن الورع وال ِبر».
قال أوتومور« :اللورد النسل يأمل أن يُ َغطِّيها ذات ٍ
باذال قصارى جهده كي ال يضحك :الورع وال ِبر .كانت الجُدران عاريةً في زيارته ر َّدد في سريرته ً
األولى أيضًا ،وأشا َر تيريون إلى مربَّعات الحجارة األغمق حيث كانت المعلَّقات من قبل .استطا َع السير
رايمون أن يُزيل المعلَّقات ولكن ليس اآلثار التي تر َكتها .الحقًا رشا ال ِعفريت أحد خدم داري بحفن ٍة من
ضيَّة من أجل مفتاح القبو الذي يحوي المعلَّقات المفقودة ،وقد أرى چايمي إياها على ضوء األيائل الف ِّ
شمع ٍة وقد ارتس َمت على شفتيه ابتسامة عريضة .كانت الصُّ ور المنسوجة لجميع ملوك عائلة تارجاريَن
أخبرت روبرت فلربما يجعلني أنا سيِّد ُ من إجون األول إلى إينس الثَّاني ،وقال القزم بضحك ٍة خافتة« :إذا
(داري)».
قا َد ال ِمايستر أوتومور چايمي إلى ق َّمة الحصن ،حيث قال« :إنني واثق بأنك ستكون مستريحًا هنا يا سيِّدي.
ث َّمة مرحاض لتلبية نداء الطَّبيعة ،ونافذتك تطلُّ على أيكة اآللهةُ .غرفة نومك مجاورة ل ُغرفة حضرة
الليدي ،وبينهما حُجيرة خادمة».
« -كان هذا مسكن اللورد داري».
« -نعم يا سيِّدي».
« -ابن ع ِّمي في غاية اللُّطف .لم أكن أريد إخراج النسل من ُغرفة نومه».
« -اللورد النسل ينام في السِّپت».
ينام مع (األُم) و(العذراء) في حين أن له زوجة دافئة وراء الباب؟ ال يدري چايمي هل يضحك أم يبكي.
صلِّي لكي ينتصب قضيبه .في (كينجز الندنج) ال َكت األلسنة شائعةً عن أن جراح النسل تر َكته ربما يُ َ
ُحاول .لن يُح ِكم ابن ع ِّمه سيطرته على هذه األراضي عاقال كفايةً وي ِ
ً ي به أن يكون عاج ًزا .ولو ،حر ٌّ
ُنجب ابنًا من زوجته المنتمية نصفيًّا إلى عائلة داري .بدأ النَّدم ي ِ
ُراود چايمي على النَّزوة الجديدة إلى أن ي ِ
التي دف َعته إلى المجيء هنا.
شك َر أوتومور وذ َّكره بالح َّمام وأم َر پِك باصطحابه إلى الخارج.
بدال من تغيَّرت ُغرفة نوم اللورد منذ زيارته األخيرة ،وليس لألفضل .األرض يُ َغطِّيها الحصير القديم ً
البساط المايري الفاخر ،واألثاث كلُّه جديد بسيط .كان سرير السير رايمون داري يسع ستَّة أفراد ،وله
ستائر بنِّيَّة من المخمل وأعمدة من خشب السَّنديان منقوشة عليها نباتات متسلِّقة وأوراق شجر ،أ َّما سرير
النسل فحشيَّة من القَشِّ المتكتِّل موضوعة أسفل النَّافذة حيث يضمن أن يُوقِظه أول خيوط النَّهار .ال ريب
ُ
ق أو ُحطِّ َم أو س ِ
ُرقَ ،ومع ذلك... حر َ
أن السَّرير اآلخَر قد أ ِ
جلب ِپك
َ حين وص َل حوض االستحمام خل َع ليو الصَّغير حذاء چايمي وساعدَه على َح ِّل يده َّ
الذهبيَّة ،بينما
بخجل وهي تنفض سُترته، ٍ وجاريت الماء ووجدَت له پيا ثيابًا نظيفةً يرتديها على ال َعشاء .رمقَته الفتاة
ووج َد چايمي نفسه يلحظ على نح ٍو غير مريح انحناءات َوركيها وثدييها تحت فُستانها الخيش البنِّي،
رجل ما
ٍ ليتذ َّكر األشياء التي هم َست له بها في (هارنهال) ليلة أرسلَها كايبرن إلى فِراشه .أحيانًا وأنا مع
ق عينَي وأتخيَّ ُل أنك أنت فوقي. أغل ُ
شع َر باالمتنان لعُمق الحوض الذي أخفى إثارته ،وإذ نز َل في المياه السَّاخنة تذ َّكر ح َّما ًما آ َخر ،ذلك الذي
تقاس َمه مع بِريان .كان محمو ًما واهنًا من جرَّاء ما فق َد من دماء ،ود َّورت الحرارة رأسه فوج َد نفسه يقول
أشيا ًء كان أفضل َّأال تُقال ،أ َّما هذه المرَّة فال ُعذر له .تذ َّكر قَسمك .پيا أصلح لفِراش تيريون من فِراشك.
ُمكنك أن تَترُكينا».
ِ أحضر لي صابونًا وفُرشاةً يابسةً» ،ولپيا قال« :يقال لپِكِ « :
ر َّدت مغطِّيةً فمها كي تُخفي أسنانها المكسورة« :حاضر يا سيِّدي ،شك ًرا يا سيِّدي».
خرجت سأ َل چايمي ِپك« :هل تُريدها؟» ،ول َّما احم َّر وجه ال ُمرافق كالبنجر قال له« :إذا قبلَتك ف ُخذها. َ حين
نغال في بطنها» .لقد ي في أنها ستُ َعلِّمك أشياء ستجدها نافعةً ليلة زفافك ،وليس محت َم ًال أن تزرع ً ك لد َّ ال َش َّ
فت َحت پيا ساقيها ل ِنصف رجال جيش أبيها ولم تحبل ،وعلى األرجح الفتاة عاقر« .لكن إن ضاجعتها
فتلطَّف بها».
ف يا سيِّدي؟ كيف ...كيف يُمكنني أن.»... « -أتلطَّ ُ
« -كلمات حُلوة ،لمسات رقيقة .لست تُريد أن تتز َّوجها ،لكن ما دا َمت معك في الفِراش فعا ِملها كأنها
عروسك».
أومأ َ الصَّبي برأسه ،وقال« :سيِّدي ،إنني ...أين يُمكنني أن أفعل ذلك معها؟ ليس هناك مكان أبدًا ل...
ل.»...
أكم َل چايمي قوله ...« :لتكونا وحدكما؟» ،وابتس َم ابتسامةً واسعةً مردفًا« :سنغيب ع َّدة ساعات على
العشاء .القَشُّ يبدو متكتِّ ًال لكن يُفت َرض أن يكون مناسبًا».
اتَّسعت عينا ِپك ،وسألَه« :سرير حضرة اللورد؟».
ي بأحدهم أن يستغ َّل « -ستَشعُر كأنك لورد عن نفسك عندما تَفرُغ ،إذا كانت پيا تعرف ما تفعله» .وحر ٌّ
تلك الحشيَّة القَش البائسة.
حينما نز َل لحضور المأدبة ليلتها كان چايمي النستر يرتدي سُترةً ضيِّقةً من المخمل األحمر المشرَّط
ط يده َّ
الذهبيَّة إلى الذهب ،ووض َع حول رقبته سلسلةً ذهبيَّةً مطعَّمةً بالماسات السَّوداء ،وقد رب َ بقُماش َّ
َجدعته أيضًا بَعد تلميعها وصقلها حتى تألَّقت .ليس هذا بالمكان المالئم الرتداء ثيابه البيضاء ،فواجبه
ينتظره في (ريڤر َرن) ،بينما بعثَته حاجة أكثر سوادًا على المجيء هنا.
ال يُقال عن قاعة (داري) ال ُكبرى إنها ُكبرى َّإال على سبيل المجا َملة ،إذ تتزا َحم فيها الموائد من ِج ٍ
دار إلى
ِجدار ،وعوارض السَّقف مسو َّدة من ال ُّدخان .وضعوا چايمي على المنصَّة إلى يمين مقعد النسل ال َّشاغر،
جلس سأ َل« :ألن ينض َّم إلينا ابن ع ِّمي على ال َعشاء؟».
َ وبينما
أجابَت زوجة النسل« :سيِّدي يُفَضِّل الصِّيام .إنه حزين ألقصى َح ٍّد على السِّپتون األعلى المسكين».
الليدي آميري فتاة طويلة السَّاقين عامرة الصَّدر قويَّة البنية ،تَبلُغ من العُمر نحو الثَّامنة عشرة ،ويبدو من
منظرها أنها تتمتَّع بالصِّ َّحة ،وإن كان وجهها المدبَّب الممصوص يُ َذ ِّكر چايمي بكليوس ابن ع َّمته الرَّاحل
مأسوف عليه ،الذي بدا دو ًما أشبه بابن عرس.
ٍ غير
ث له وجه ابن عرس من ُ
ظننت إذن .المفت َرض أن ينشغل ابن ع ِّمه بإنجاب وري ٍ صيام؟ إنه أكثر حُمقًا مما
ال ِّ
بدال من تجويع نفسه حتى الموت .تساء َل ع َّما كان السير كيڤان ليقوله عن حماسة ابنه زوجته األرملة ً
المستج َّدة هذه .أهذا هو السَّبب وراء رحيل ع ِّمه المتعجِّل؟ بينما يتنا َولون َحساء الفاصوليا واللَّحم المق َّدد
ح َكت الليدي آميري لچايمي عن زوجها األول الذي قتلَه السير جريجور كليجاين عندما كان آل فراي ما
َّلت إليه َّأال يذهب ،لكن عزيزي پايت كان شديد ال َّشجاعة
ُحاربون في صفوف روب ستارك« .توس ُ زالوا ي ِ
وأقس َم أنه سيكون الرَّجل الذي يَقتُل الوحش .أرا َد أن يصنع اس ًما عظي ًما لنفسه».
كلُّنا كذلك« .حين ُ
كنت ُمرافقًا ُ
قلت لنفسي إنني سأكون الرَّجل الذي يَقتُل الفارس الباسم».
سألَته حائرةً« :الفارس الباسم؟ َمن هو؟».
وضعفه في الجنون« .خارج عن القانون ماتَ منذ زمن ،ليس أحدًا يه ُّم ِ صباي ،نِصفه في الحجم جبل ِ
حضرة الليدي».
ارتع َشت شفتها وسالَت ال ُّدموع من عينيها البنِّيَّتين ،فقالت امرأة أكبر ِسنًّا« :أرجو أن تَع ُذر ابنتي ،إنها ال
تزال حزينةً على أبيها» .كانت الليدي آميري قد جلبَت معها ُزهاء عشرين من آل فراي إلى (داري) ،أختًا
وع ًّما ونِصف ع ٍّم وعددًا من أبناء وبنات العمومة ،باإلضافة إلى أ ِّمها المولودة في (داري).
الذهب باكيةً قالت آميري« :المجرمون قتَلوه .لم يذهب أبي َّإال لدفع فدية پيتر ذي ال َّدمامل .أحض َر لهم َّ
الذي طلبوه ،لكنهم علَّقوه على ك ِّل حال».
أبوك لم يكن الفتةً» ،والتفتَت إلى چايمي قائلةً« :أعتق ُد أنك كنت تعرفه ِ قالت الليدي ماريا« :شنَقوه يا آمي،
أيها الفارس».
وصل چايمي كان َ « -كالنا كان ُمرافقًا في (كراكهول)» .لن يتمادى ويَز ُعم أنهما كانا صديقيْن .حين
ي« .لقد ميريت فراي بلطجي القلعة الذي يفرض سيطرته على الصِّبية األصغر ِسنًّا .ثم حاو َل البلطجة عل َّ
خطر بباله .ميريت كان بطيئًا وأخرق وأحمق ،لكنه لم َ كان ...قويًّا للغاية» .هذا هو الثَّناء الوحيد الذي
يفتقر إلى الق َّوة إطالقًا.
قالت الليدي آميري متن ِّشقةً« :لقد قاتَلتما أخ َّوة غابة الملوك معًا .اعتا َد أبي أن يحكي لي».
أباك اعتا َد أن يتباهى ويكذب« .صحيح» .أكبر إسهامات فراي في القتال كان اإلصابة بعدوى تعنين أن ِ
ت والسَّماح لنفسه بالوقوع في أَسر الظَّبية البيضاء .آنذاك وس َمت ملكة الجُدري من تابعة معس َكرا ٍ
مؤخرته برمزها قبل أن تُعيده إلى َسمنر كراكهول لقاء فدية ،وطيلة أسبوعين لم ِّ الخارجين عن القانون
ك في أن الحديد الملتهب آل َمه بقدر السُّخرية التي انهالَت يستطع ميريت الجلوس ،وإن كان چايمي قد َش َّ ِ
ت على وجه األرض .ط َّوق كأس نبيذه بيده عليه من ُزمالئه ال ُمرافقين فور عودته .الصِّبية أقسى مخلوقا ٍ
قائال« :لذكرى ميريت» .أسهل عليه أن يشرب نخب الرَّجل من أن يتكلَّم عنه. َّ
الذهبيَّة ،ورف َعها ً
بَعد النَّخب كفَّت الليدي آميري عن البُكاء وتح َّول حديث المائدة إلى ال ِّذئاب ،تحديدًا النَّوع ذي األقدام
األربع .زع َم السير دانويل فراي إن هناك أعدادًا أكبر منها اآلن مما يتذ َّكر ج ُّده نفسه ،وقال« :لم تَعُد
وغرس
َ تعرف خوفًا من البَشر .قُطعان منها هاج َمت قافلة أمتعتنا ونحن في الطَّريق من (التَّوأمتين)،
رُماتنا سهامهم في نحو دست ٍة منها قبل أن تف َّر البقيَّة» ،ف َر َّد السير أدام ماربراند معترفًا بأن ركبهم واجهَ
متاعب مشابهةً في الطَّريق من (كينجز الندنج).
ر َّكز چايمي على الطَّعام أمامه ،مقطِّعًا ال ُخبز بيده اليُسرى وممس ًكا بيُمناه كأس النَّبيذ بحرك ٍة خرقاء .شاه َد
أدام ماربراند يجتذب الفتاة الجالسة إلى جواره ،وستفون سويفت يُعيد خوض معركة (كينجز الندنج)
بال ُخبز والمكسَّرات والجزر ،بينما َش َّد السير كينوس خادمةً وأجل َسها في ِحجره وحثَّها على التَّمليس على
بوقه ،وسلَّى السير درموت عددًا من ال ُمرافقين بحكايات تطواف الفُرسان في (الغابة المطيرة) .في موض ٍع
أغمض عينيه ،فف َّكر چايمي :يُفَ ِّكر في غوامض الحياة ربما ،أو أنه َ أبعد على المائدة كان هيوجو ڤانس قد
زوجك...
ِ قائال« :الخارجون عن القانون الذين قتلواصنف وصنف .عا َد يلتفت إلى الليدي ماريا ً ٍ يغفو بين
أهُم من جماعة اللورد بريك؟».
ط َشعر الليدي ماريا فإنها ال تزال امرأةً حسناء ،وقد أجابَته« :هذا ما على الرغم من ال َّشيب الذي وخ َ
حسبناه في البداية .القتَلة تفرَّقوا حين غادَروا (الحجر العتيق) .تعقَّب اللورد ڤايپرن مجموعةً منهم إلى
(السُّوق القصيَّة) لكنه فق َد أثرهم هناك ،وقا َد والدر األسود قنَّاصين وكالب صي ٍد إلى (مستنقع هاج)
رجل
ٍ الفالحون رؤيتهم ،لكن عند استجوابهم بغلظ ٍة غيَّروا أقوالهم وتكلَّموا عن مطاردًا اآلخَ رين .أنك َر َّ
بعين واحدة وآخَر يرتدي معطفًا أصفر ...وعن امرأ ٍة تُخفي مالمحها تحت قلنسوة معطفها». ٍ
« -امرأة؟» .كان ليحسب أن الظَّبية البيضاء علَّمت ميريت أن يظ َّل بمنأى عن الخارجات عن القانون.
«كانت هناك امرأة مع أخ َّوة غابة الملوك أيضًا».
سمعت بها» ،قالت الليدي ماريا ،فيما قالت نبرتها :وكيف ال وقد تر َكت وسمها على زوجي؟ «الظَّبية ُ «-
البيضاء كانت شابَّةً جميلةً حسب ما يُقال ،أ َّما تلك المرأة المقلنَسة فال هذا وال ذاكَّ .
الفالحون يُؤَ ِّكدون أن
وجهها مم َّزق مليء بالنُّدوب ونظرة عينيها مريعة ،وي َّدعون أنها تقود الخارجين عن القانون».
قال چايمي الذي يجد هذا عصيًّا على التَّصديق« :تقودهم؟ بريك دونداريون والرَّاهب األحمر.»...
أت َّمت الليدي ماريا عبارته بنبر ٍة واثقة ...« :لم يرهما أحد».
قال العُفر« :دونداريون ماتَ .الجبل أغم َد س ِّكينًا في عينه ،ومعنا رجال رأوا هذا بأنفُسهم».
عقَّب أدام ماربراند« :هذه حكاية واحدة .سيقول لك آخَ رون إن اللورد بريك ال يُقتَل».
لفَّت الليدي آميري ُخصلةً من َشعرها حول إصبعها قائلةً« :السير هاروين يقول إن تلك الحكايات كاذبة.
لقد وعدَني برأس اللورد بريك .إنه شهم للغاية» ،وعلى الرغم من دموعها تخضَّب وجهها بالحُمرة.
استعا َد چايمي في ذاكرته الرَّأس الذي أعطى پيا إياه ،وفي اآلن نفسه كا َد يسمع أخاه الصَّغير يُقَهقِه .كان
ت منتقاة عن هاروين پلوم الزهور؟ وكان ليقول بضع كلما ٍ تيريون ليسأل :ماذا جرى إلعطاء النِّساء ُّ
أيضًا ،ولو أن «شهم» ليست واحدةً منها .أخوا پلوم رجالن كبيران لحيمان لكلٍّ منهما ُعنق ثخين ووجه
متو ِّرد ،وكالهما صاخب ش ِبق سريع الضَّحك سريع الغضب سريع ال ُغفران ...أ َّما هاروين فصنف مختلف
من آل پلوم ،صموت قاسي العينين ال يعرف السَّماح ،كما أنه مميت وفي يده مطرقة .إنه رجل صالح
ق چايمي الليدي آميري بنظر ٍة متفرِّسة. ً
رجال يُ َحبُّ .مع أن ...رم َ لقيادة الحامية ،لكنه ليس
جا َء الخدم بطبق سمك الكراكي النَّهري المخبوز باألعشاب والمكسَّرات المفرومة ،فتذ َّوقته زوجة النسل
أمرت بتقديم الحصَّة األولى لچايمي ،وبينما يضعون السَّمك أمامه مالَت من فوق وأبدَت استحسانها ،ثم َ
الذهبيَّة قائلةً« :أنت تستطيع أن تَقتُل اللورد بريك يا سير چايمي كما قتلت ذلك مكان زوجها لتمسَّ يده َّ
ق وسا ِعدنا على التَّغلُّب على اللورد بريك وكلب الفارس المبتسم .أرجوك يا سيِّدي ،أتو َّس ُل إليك ،اب َ
الصَّيد» ،ومسَّدت أصابعها ال َّشاحبة أصابعه َّ
الذهبيَّة.
هل تحسبني أشع ُر بهذا؟ «سيف الصَّباح هو من قت َل الفارس الباسم يا سيِّدتي ،السير آرثر داين ،فارس
وسحب چايمي يده َّ
الذهبيَّة والتفتَ إلى الليدي ماريا مخاطبًا إياها« :إلى أين تعقَّب والدر َ أفضل مني»،
األسود تلك المرأة ذات القلنسوة ورجالها؟».
طت رائحتهم ثانيةً شمال (مستنقع هاج) .ي ِ
ُقسم أنه لم يكن وراءهم أجابَته المرأة األكبر ِسنًّا« :كالبه التق َ
يوم حين اختفوا في (العُنق)». بأكثر من نِصف ٍ
أعلنَ السير كينوس بمرح« :فليتعفَّنوا هناك .إذا شا َءت اآللهة ستبتلعهم الرِّمال المتح ِّركة أو تلتهمهم
األُسود الزواحف.»46
قال السير دانويل فراي« :أو يأخذهم أ َكلة الضَّفادع .لن يُد ِهشني أن يُؤوي أهل المستنقعات الخارجين عن
القانون».
قالت الليدي ماريا« :ليتهم الوحيدون .بعض لوردات النَّهر متواطئ مع رجال اللورد بريك أيضًا».
تن َّشقت ابنتها ،وقالت« :والعا َّمة أيضًا .السير هاروين يقول إنهم يُ َخبِّؤونهم ويُط ِعمونهم ،ول َّما يسألهم أين
ذهبوا يكذبون .يكذبون على سادتهم!».
حضَّها العُفر ً
قائال« :اقطعوا ألسنتهم إذن».
ت إذن .إذا أردتم مساعَدتهم فعليكم أن تجعلوهم يحبُّونكم. قال چايمي« :حظًّا سعيدًا في الحصول على إجابا ٍ
هذا ما فعلَه آرثر داين حين خرجنا لقتال أخ َّوة غابة الملوك؛ نق َد العا َّمة ثَمن الطَّعام الذي أكلناه ،وأطل َع
ق قطع عد ٍد معيَّن من وكسب لهم َح َّ
َ الملك إيرس على مظالمهم ،ووسَّع مساحات الرَّعي حول قُراهم ،بل
األشجار ك َّل عام وصيد بعض غزالن الملك في الخريف .أهل الغابة تطلَّعوا إلى توين ليُنقِذهم ،لكن السير
آرثر فع َل من أجلهم أضعاف ما كانت األخ َّوة لتأمل أن تفعله ،وكسبَهم إلى صفِّنا ،وبَعدها كانت البقيَّة
سهلةً».
قالت الليدي ماريا« :حضرة القائد يتكلَّم بحكمة .لن نتخلَّص من هؤالء المجرمين أبدًا ما لم يحبَّ العا َّمة
النسل كما أحبُّوا أبي وجدِّي من قبل».
ق چايمي مكان ابن ع ِّمه الخالي مف ِّكرًا :غير أن النسل لن يربح حبَّهم بالصَّالة أبدًا.رم َ
مطَّت الليدي آميري شفتيها قائلةً« :سير چايمي ،أتو َّس ُل إليك َّأال تتخلَّى عنا .إن زوجي في حاج ٍة إليك
زمن مخيف حقًّا .في بعض اللَّيالي أكا ُد ال أستطي ُع النَّوم من خوفي». ٍ وكذلك أنا .نحن في
« -مكاني مع الملك يا سيِّدتي».
قتال آخَر ،ولو أن اللورد بريك لن قال العُفر« :أنا سآتي .حالما نَفرُغ من (ريڤر َرن) سأكون متش ِّوقًا إلى ٍ
نحيال و ِغ ًّرا».
ً معطف أنيق،
ٍ يَص ُمد أمامي .إنني أذكره في دورات المباريات السَّابقة .كان فتى وسي ًما في
قال السير آروود فراي ال َّشاب« :كان هذا قبل أن يموت .العا َّمة يقولون إن الموت غيَّره .يُمكنك أن تَقتُله
رجال في ً جال كهذا؟ وهناك كلب الصَّيد أيضًا .لقد قت َل عشرين لكنه لن يبقى ميتًا .كيف تَقتُل ر ً
( َّ
المالحات)».
خان بدينًا ربما ،عشرين خاد ًما يبولون في سراويلهم، ٍ صاحب
ِ قهقهَ العُفر بق َّوة ،وقال« :قت َل عشرين
عشرين أ ًخا شحَّا ًذا مسلَّحين باآلنية .ليس عشرين فارسًا ،ليس أنا».
عاث كليجاين َ المالحات) .الرَّجل اختبأ َ وراء أسواره بينما َر َّد السير آروود بإصرار« :ث َّمة فارس في ( َّ
وكالبه المسعورة تدميرًا في بلدته .إنك لم ت َر األشياء التي فعلَها أيها الفارس ،أنا رأيتها .حين بلغَت
نظن أنخرجت مع السير هاريس هاي وأخيه دونل وخمسين من الرُّ ماة وال ُمشاة .كنا ُّ ُ األخبار (التَّوأمتين)
المالحات) َّإال القلعة ،وكان السير ق في ( َّ اللورد بريك هو من فع َل هذا وأملنا أن نجد أثره لنقتفيه .لم يتب َّ
رفض فتح ب َّوابته ،وخاطبَنا بال َّزعيق من فوق أسواره باألعلى .البقيَّة َ كوينسي العجوز مرعوبًا لدرجة أنه
صدِّقوا ق المباني وقتَّل ال ُّس َّكان وغاد َر ضاح ًكا .النِّساء ...لن تُ َ
عظام ورماد ،البلدة بأكملها .كلب الصَّيد أحر َ
ما فعلَه ببعض النِّساء .لن أتكلَّم عن هذا على المائدة .مجرَّد مرآه َ
أثار غثياني».
ُ
سمعت». ُ
بكيت عندما قالت الليدي آميري« :لقد
رشفَ چايمي من نبيذه ،وسأ َل« :وما الذي يجعلكم واثقين بأنه كلب الصَّيد؟» .ما يصفونه أقرب إلى أفعال
س صُلب ،لكن أخاه الكبير هو الوحش الحقيقي في عائلة جريجور من ساندور .صحي ٌح أن ساندور قا ٍ
كليجاين.
قال السير آروود« :هناك من رأوه .ليس من السَّهل َّأال يتعرَّف المرء خوذته إياها أو ينساها ،وث َّمة من
نجوا ليحكوا ما جرى؛ الفتاة التي اغتصبَها ،وبعض الصِّبية الذين تواروا ،وامرأة وجدناها حبيسةً تحت
صيَّادون الذين شاهَدوا المجزرة من قواربهم.»... عارض ٍة متفحِّ مة ،وال َّ
َ
حدث قالت الليدي آميري بخفوت« :ال تصفها بالمجزرة ،إنها إهانة للج َّزارين ال ُّشرفاء في ك ِّل مكان .ما
حيوان رهيب في هيئ ٍة بَشريَّة».
ٍ المالحات) من صُنع في ( َّ
هذا زمن الحيوانات ،األُسود وال ِّذئاب والكالب الغاضبة ،زمن ال ِغدفان و ِغربان الجيف.
ي محنتكما .لكما كلمتي ،ما قائال« :عمل آثم .ليدي ماريا ،ليدي آميري ،لقد أثَّرت ف َّ
عا َد العُفر يمأل كأسه ً
لمالحقة كلب الصَّيد وأقتله من أجلكما .الكالب ال تُخيفني».
َ إن تَسقُط (ريڤر َرن) سأعو ُد
المفت َرض أن يُخيفك هذا الكلب .كال الرَّجلين كبير الحجم قويٌَّّ ،إال أن ساندور كليجاين أسرع كثيرًا،
ويُقاتِل بشراس ٍة ال يقوى اليل كراكهول على مضاهاتها.
على أن الليدي آميري قالت مفتونةً« :أنت فارس حقيقي يا سير اليل لمساعَدتك ليدي في محن ٍة ِمثلي».
الذهب إلى كأسه فأسقطَها ،ليتشرَّب مفرش المائدة الكتَّاني ع نفسها بالفتاة على األقلَ .م َّد چايمي يده َّ
لم تد ُ
تظاهر رفاقه جميعًا بأنه لم يلحظوا .قال لنفسه :إنها كياسة المائدة َ النَّبيذ ،وبينما اتَّسعت بُقعة األحمر
نهض على حين غ َّر ٍة ً
قائال« :سيِّدتي ،أرجو أن َ العالية ،لكن مذاقها في فمه لم يختلف عن مذاق ال َّشفقة.
تَع ُذريني».
بدا االنزعاج على الليدي آميري ،وقالت« :هل ستَترُكنا؟ ما زلنا سنأكل لحم الغزالن ،وهناك ديوك
محش َّوة بالكرفس والفِطر».
ك أنهما صنفان شهيَّان ،لكني لن أستطيع أن آكل لُقمةً أخرى .يجب أن أرى ابن ع ِّمي» ،وحنى « -ال َش َّ
چايمي رأسه وتر َكهم لطعامهم.
كان الرِّ جال يأكلون في السَّاحة أيضًا ،وقد تحلَّق العصافير حول دست ٍة من بؤر النَّار لتدفئة أيديهم من برد
وينز منها ال ُّدهن فوق النَّار .ال بُ َّد أنهم مئة على األقل.
ُّ قطق
ط ِالغسق ومتابَعة أصابع السُّجق السَّمينة التي تُ َ
أفواه معدومة القيمة .تساء َل چايمي عن مخزون السُّجق لدى النسل وكيف ينوي إطعام العصافير حين
محصوال يحصدونه .في هذا الوقت المتأ ِّخر من ً ينفد .بحلول ال ِّشتاء ستجدهم يأكلون الجرذان ،ما لم يجدوا
الخريف فُرصة حصا ٍد آ َخر ضعيفة.
وج َد ِسپت القلعة في الجناح ال َّداخلي ،مبنى سُباعي الجوانب بال نوافذ ،نِصفه من الخشب وبابه الخشبي
منقوش وسطحه مغطَّى بالبالط .على ال َّدرجات يجلس ثالثة من العصافير ،وقد نهضوا مع اقتراب
چايمي ،وسألَه أحدهم« :أين أنت ذاهب يا سيِّدي؟» .هو أصغر الثَّالثة ،لكن لحيته األكبر.
« -إلى ال َّداخل؟».
ُصلِّي».
« -حضرة اللورد في ال َّداخل ،ي َ
« -حضرة اللورد ابن ع ِّمي».
قال ُعصفور آخَر ،رجل أصلع ضخم فوق عينه رسم لنجم ٍة سُباعيّة« :إذن فلست تُريد إزعاج ابن ع ِّمك
في أثناء صالته يا سيِّدي».
« -اللورد النسل يسأل (األب في األعالي) الهداية» ،قال العُصفور الثَّالث الحليق ،الذي حسبَه چايمي
شكل وقميصًا من الحلقات المعدنيَّة الصَّدئة.
ٍ ً
أسماال بال أوال ،لكن صوتها أخب َره بأنها امرأة ترتديصبيًّا ً
صلِّي ألجل أرواح السِّپتون األعلى وك ِّل من ماتوا».
«ي ُ َ
أجابَها چايمي« :سيظلُّون موتى غدًا( .األب في األعالي) لديه وقت أطول مني .هل تعرفون َمن أنا؟».
َر َّد الكبير ذو العين المنجَّمة« :لورد ما».
وقال الصَّغير ذو اللِّحية الكبيرةُ « :معاق ما».
وقالت المرأة« :قاتِل الملك ،لكننا لسنا ملو ًكا وإنما مجرَّد صعاليك ،وال يُمكنك ال ُّدخول ما لم يقل حضرة
اللورد أن تَد ُخل» ،ورف َعت هراوةً مدبَّبةً ورف َع الصَّغير فأسًا.
ُ
كنت في بسالم أيها األصدقاء،
ٍ انفت َح الباب من ورائهم ،وقال النسل برفق« :دعوا ابن ع ِّمي يمرُّ
انتظاره».
وانزا َح العصافير في الحال.
هزاال مما كان في (كينجز الندنج) ،ثم إنه حافي القدمين ويرتدي سُترةً قصيرةً تقليديَّةً
ً يبدو النسل أكثر
ق ق َّمة رأسه ونبتَ زغب من الصُّ وف غير المصبوغ تجعله يبدو أقرب إلى متس ِّو ٍل من لورد ،وكان قد حل َ
لحيته بعض ال َّشيء ،ولو أن من الصَّعب أن يع َّد ما على وجهه زغبًا ،خصوصًا أنه ال يتماشى مع ال َّشعر
األبيض حول أُذنيه.
قال چايمي ل َّما صارا وحدهما داخل السِّپت« :هل فقدت عقلك يا ابن العم؟».
ُ
عثرت على إيماني». « -أوث ُر أن أقول إنني
« -أين أبوك؟».
هال صلَّيت معي يا چايمي؟».
قائالَّ « :
أجاب النسل« :رحل .لقد تشا َجرنا» ،ورك َع أمام مذبح أبيه اآلخَر ً َ
« -هل سيُعطيني (األب) يدًا جديدةً إذا صلَّ ُ
يت جيِّدًا؟».
« -ال ،لكن (ال ُمحارب) سيُعطيك ال َّشجاعة ،و(الح َّداد) الق َّوة ،و(العجوز) الحكمة».
« -إنني محتاج إلى يد» .فوق المذابح المنحوتة ترتفع اآللهة السَّبعة ويلتمع خشبها ال َّداكن في ضوء
ال ُّشموع ،وفي الهواء رائحة بَ ٍ
خور خفيفة« .هل تنام هنا؟».
ُرسل لي (السَّبعة) رؤًى».
مذبح مختلف وي ِ
ٍ « -ك َّل ليل ٍة أنا ُم عند
كان بيلور المبا َرك يرى ر ًؤى أيضًا .خصوصًا عندما يصوم« .متى أكلت ِ
آخر مرَّة؟».
« -إيماني الغذاء الوحيد الذي يلزمني».
« -اإليمان كالثَّريد ،أفضل بالحليب والعسل».
ُ
ارتكبت من خطايا ،وألجل هذا قتلتني». ُ
حلمت بأنك ستأتي .في الحُلم كنت تعرف الذي فعلته وما « -لقد
المبارك حتى الموت؟».
َ « -األرجح أنك ستَقتُل نفسك بك ِّل هذا الصِّيام .ألم يَصُم بيلور
ريح شاردة كفيلة بإطفائها .الموت
ٍ « -ما حيواتنا َّإال لهب شموع ،كما تقول (النَّجمة السُّباعيَّة) ،مجرَّد هبَّة
ليس بعيدًا أبدًا في هذا العالم ،وث َّمة سبع جحائم تنتظر ال ُخطاة الذين لم يتوبوا عن خطاياهمَ .
ص ِّل معي يا
چايمي».
فعلت فهل ستأكل وعا ًء من الثَّريد؟» .لم ي ُِجبه ابن ع ِّمه ،فزفر چايمي ،وقال« :حريٌّ بك أن تنام مع
ُ « -إذا
ابن في عروقه دماء داري إذا أردت االحتفاظ بهذه القلعة».
زوجتك ال (العذراء) .إنك في حاج ٍة إلى ٍ
أرد َّإال أن ،»...وارتجفَ مردفًا« :فليحمني
أردها ،لم ِ
قال النسل« :كومة حجار ٍة باردة لم أطلبها ولم ِ
ُ
أردت أن أكون أنت». (السَّبعة) ،لكني
ضحكَ چايمي رغ ًما عنه ،وقال« :أنا أفضل من بيلور المق َّدس( .داري) محتاجة إلى أس ٍد يا ابن ع ِّمي،
وكذا زوجتك الصَّغيرة ابنة فراي .كلَّما أتى أحدهم على ِذكر الحجر الصُّ لب ابت َّل ما بين ساقيها .إذا لم تكن
قد ضاج َعته بع ُد فستفعل قريبًا».
« -إذا كانت تحبُّه فأتمنى أن يجد كالهما المس َّرةً في اآلخَ ر».
« -ال يَج ُدر باألسد أن يكون له قرنان .لقد تز َّوجت الفتاة».
دت بعض الكلمات وأعطيتها معطفًا أحمر ،ولكن إلرضاء أبي فحسب .ال ِّزيجة تتطلَّب أن تت َّم في « -ر َّد ُ
ط ،وحال تتويجه كزوج وزوج ٍة قَ ُّ
ٍ الفِراش .الملك بيلور اضط َّر إلى ال َّزواج بأخته داينا ،لكنهما لم يعيشا
اعتزَلها».
حال ليس ٍ أعرف ما يكفي من التَّاريخ ألدرك هذا .على كلِّ
ُ « -كان أصلح للبالد أن يُغلِق عينيه وينكحها.
المبارك».
َ واردًا أن يحسبك أحد كبيلور
س نقيَّة و ُشجاعة وبريئة لم تمسَّها شرور العالم .أ َّما أنا فآثم،
س نادرة ،نف ٍ صاحب نف ٍ
ِ « -صحيح .لقد كان
ي كثير أكفِّ ُر عنه». ولد َّ
ُ
قتلت ملكي». وض َع چايمي يده على كتف ابن ع ِّمه ،وقال« :ماذا تعرف عن اآلثام يا ابن ع ِّمي؟ لقد
« -ال ُّشجاع يَقتُل بالسَّيف ،والجبان بقِربة نبيذ .كالنا قاتِل ٍ
ملك أيها الفارس».
« -روبرت لم يكن مل ًكا حقًّا ،بل وقد يقول بعضهم إن الوعل فريسة األسد الطَّبيعيَّة» .كان چايمي يَشعُر
ضا ،إذ يرتدي النسل قميصًا من ال َّشعر تحت سُترته. بالعظم البارز تحت ِجلد ابن ع ِّمه ...وبشي ٍء آ َخر أي ً
«ماذا فعلت غير هذا ويتطلَّب تكفيرًا؟ أخبِرني؟».
طأطأ َ ابن ع ِّمه رأسه وال ُّدموع تجري على وجنتيه.
وكانت هذه ال ُّدموع ك َّل اإلجابة التي أرادَها چايمي ،الذي قال« :قتلت الملك ثم نكحت الملكة».
« -لم يَح ُدث قَ ُّ
ط.»...
...« -أن نِمت مع أختي الجميلة؟» .قُلها ،قُلها!
ُ
أفرغت منيِّي في ...في.»... « -لم يَح ُدث قَ ُّ
ط أني
...« -فَرجها؟».
...« -في رحمها .إنها ليست خيانةً ما لم تُ ِ
فرغ المن َّي في ال َّداخل .لقد واسيتها بَعد موت الملك .كنت أنت
ب وجيه .لقد جعلَني أخونها».
أسيرًا وأبوك في ميدان المعركة وأخوك ...كانت تخشاه ،ولسب ٍ
« -حقًّا؟» .النسل والسير أوزموند وكم غيرهما؟ هل قال فتى القمر على سبيل االستهزاء؟ «هل
أكرهتها؟».
ُ
أردت أن أحميها». « -ال! لقد أحببتها،
أردت أن تكون أنا .أحسَّ بأصابعه ال َّشبحيَّة تستح ُّكه .يوم أتَته أخته في (بُرج السَّيف األبيض) تتوسَّل إليه
رفض وقالت متبجِّ حةً إنها كذبَت عليه ألف مرَّة ،لكن چايمي َ أن يتبرَّأ من قَسمه -يومها ضح َكت بَعد أن
اعتب َرها محاولةً رعناء إليالمه كما آل َمها .ربما كان هذا ال َّشيء الحقيقي الوحيد الذي قالَته لي.
لحم ضعيف يا چايمي .لم يَنتُج عن خطيئتنا ق من ٍ قائال« :ال تُسئ الظَّ َّن بالملكة .كلُّ مخلو ٍ
ناشدَه النسل ً
أذى ،ال ...ال نغول».
تساءل ع َّما سيقوله ابن ع ِّمه إذا اعترفَ له
َ « -نعم ،نادرًا ما يَنتُج النُّغول عن إفراغ المن ِّي على البطن».
بخطاياه هو ،بالخيانات الثَّالث التي س َّمتها سرسي چوفري وتومن ومارسال.
ي أن أسامحها». ُ «-
كنت غاضبًا من جاللتها بَعد المعركة ،لكن السِّپتون األعلى قال إن عل َّ
لصاحب القداسة األعلى ،أليس كذلك؟».
ِ « -إذن فقد اعترفت بخطاياك
ً
رجال صالحًا». « -لقد صلَّى معي عندما ُ
كنت جريحًا .كان
إنه رجل ميت ،دقُّوا له األجراس بالفعل .تساء َل إن كانت لدى ابن ع ِّمه فكرة ع َّما قد تُث ِمره كلماته.
«النسل ،أنت أحمق كبير».
سألت (األب في األعالي) أن ُ وضعت حماقتي ورائي أيها الفارس .لقد ُ قال النسل« :لست مخطئًا ،لكني
يُريني السَّبيل ،وقد فع َل .سأتخلَّى عن هذه اللورديَّة وهذه ال َّزوجة .هنيئًا للحجر الصُّ لب بهما إذا أرا َد .غدًا
سأعو ُد إلى (كينجز الندنج) وأتعهَّد بسيفي للسِّپتون األعلى الجديد و(السَّبعة) .إنني أنوي حلفان اليمين
واالنضمام إلى أبناء ال ُمحارب».
علَّق چايمي الذي لم يفهم ما قالَه الصَّبي« :أبناء ال ُمحارب محظورون منذ ثالثمئة عام».
« -السِّپتون األعلى الجديد أحياهم ،وأرس َل يستدعي الفُرسان الجديرين ليتعهَّدوا بأنفُسهم وسيوفهم لخدمة
(السَّبعة) .جماعة الصَّعاليك ستعود ثانيةً أي ً
ضا».
« -ولِ َم يسمح العرش الحديدي بهذا؟» .يَذ ُكر چايمي أن أحد ملوك تارجاريَن األوائل كاف َح أعوا ًما لقمع
الجماعتين العسكريَّتين ،وإن كان قد نس َي َمن .ميجور ربما ،أو چهيرس األول .كان تيريون ليعرف.
ق .سأريك الرِّسالة إذا أردت». كتب ً
قائال إن الملك تومن واف َ صاحب القداسة األعلى َِ «-
« -حتى إذا كان هذا صحيحًا ...أنت أسد من أوالد (الصَّخرة) ،لورد! إن لك زوجةً وقلعةً وأراض َي تُدافِع
عنها ورعايا تحميهم ،وإذا شا َءت اآللهة سيكون لك أبناء من دمك يخلفونك .لماذا تَهجُر ك َّل هذا من أجل...
من أجل يمين؟».
سألَه النسل« :لماذا هجرت أنت ما كان لك؟».
لعب ال َّشرف
َ كان چايمي ليُجيب :من أجل ال َّشرف ،من أجل المجد ،ولكن لكانت إجابته كاذبةً .أي نعم
والمجد دورًاَّ ،إال أن الجزء األكبر من حافزه كان سرسي.
ص ِّل لتعرف
فرَّت ضحكة من بين شفتيه ،وقال« :هل تهرع إلى السِّپتون األعلى أم إلى أختي الجميلة؟ َ
صلِّ كثيرًا».
اإلجابة يا ابن ع ِّميَ ،
هال صلَّيت معي يا چايمي؟». َّ « -
تطلَّع إلى اآللهة في جوانب السِّپت؛ إلى (األُم) المألى بالرَّحمة ،و(األب) الصَّارم في حُكمه ،و(ال ُمحارب)
المستقرَّة يده على سيفه ،وإلى (الغريب) وسط الظِّالل ،يتوارى وجهه نِصف اإلنساني تحت قلنسوة
حسبت نفسي (ال ُمحارب) وسرسي (العذراء) ،لكنها كانت (الغريب) طيلة الوقت ،تُخفي وجهها ُ معطفه.
الحقيقي عن بصري.
نسيت الكلمات كلَّها».
ُ ص ِّل من أجلي إذا أردت .لقد
قال البن ع ِّمهَ « :
فرفون على ال َّدرج عندما خر َج چايمي إلى اللَّيل ،فقال لهم« :أشكركم .أشع ُر
كان العصافير ما زالوا يُ َر ِ
بأني أكثر إيمانًا بكثير اآلن».
وذهب ووج َد السير إلين وزوجين من السُّيوف.
َ
ساحة القلعة مليئة باألعيُن واآلذان ،ولتحاشيها سعيا إلى أيكة اآللهة .ال يو َجد عصافير هناك ،فقط سكينة
افترش األرض بساط من أوراق ميتة سحقَتها َ األشجار الجرداء التي تخدش فروعها السَّوداء السَّماء ،وقد
أقدامهما.
قائال« :هل ترى هذه النَّافذة أيها الفارس؟ كانت هذه ُغرفة نوم رايمون داري ،حيث نا َم أشا َر چايمي بسيفه ً
روبرت خالل رحلة عودتنا من (وينترفل) .ال بُ َّد أنك تَذ ُكر أن ابنة ند ستارك هربَت بَعد أن هاج َمت ذئبتها
طع يد الفتاة ،العقوبة القديمة لضرب أحد ذوي ال َّدم الملكي ،فقال لها روبرت إنها چوف .أرادَت أختي أن تُق َ
شرب روبرت .بَعد
َ متوحِّشة مجنونة ،وقضيا نِصف اللَّيلة في ال ِّشجار ...أو أن سرسي تشاج َرت في حين
نوم عميق على يغط في ٍوراح ُّ
َ صف اللَّيل استدعَتني الملكة إلى داخل ال ُغرفة ،وكان الملك قد فق َد وعيهمنت َ
سألت أختي إن كانت تُريدني أن أحمله إلى الفِراش ،فقالت لي أن أحملها هي إلى الفِراش ُ البساط المايري.
وخل َعت ثوبها ،وأخذتها هناك على فِراش رايمون داري بَعد أن خطونا فوق روبرت .لو استيقظَ جاللته
ملك يموت بسيفي ...لكنك تعرف تلك القصَّة ،أليس كذلك؟»، لقتلته في مكانه في لحظتها ،ولما كان أول ٍ
وضرب ُغصن شجر ٍة شاطرًا إياه ِنصفين ،وتاب َع« :بينما أضاج ُع سرسي صا َحت :أري ُد .ظننتها تُريدني َ
ً ً
أنا ،لكن َمن أرادَته كان ابنة ستارك ،إ َّما مش َّوهة وإ َّما ميتة» .يا لألشياء التي أفعلها من أجل الحُب.
عثرت عليها ً
أوال.»... ُ «تصادفَ أن عث َر رجال ستارك على الفتاة قبلي ،لكن لو
وأصدر
َ ب سوداء مظلمة كروح چايمي،
في ضوء المشعل بدَت آثار الجُدري على وجه السير إلين كثقو ٍ
الرَّجل صوت الطَّقطقة إياه.
ف َّكر چايمي النستر :يضحك مني ،وقال بح َّدة« :على َح ِّد علمي ربما تكون قد ضاجعت أختي أيضًا أيها
الوغد المجدور .حسن ،أغلِق فمك اللَّعين واقتُلني إن استطعت».
بِريان
ميل من السَّاحل ،حيث يتَّسع ثغر يرتفع السِّپتري فوق جزير ٍة منبثقة من قلب الماء على بُعد نِصف ٍ
(الثَّالوث) الواسع أكثر فأكثر ليُقَبِّل (خليج السَّراطين) .حتى من ال َّشاطئ يبدو ازدهارها جليًّا؛ منحدَراتها
أسماك وأعالها طاحونة هواء تدور ريشاتها المصنوعة من ٍ مغطَّاة بالحقول المدرَّجة ،وأسفلها بِرك
الخشب وقُماش األشرعة ببُط ٍء في نسيم الخليج ،ورأت بِريان خرافًا ترعى على جانب التَّ ِّل ولقالق
تخوض في المياه الضَّحلة حول مرسى العبَّارة.
ضفَّة األخرى .سيَعبُر بنا اإلخوة غدًا شماال عبر الخليجَّ (« :
المالحات) على ال ِّ ً قال السِّپتون ميريبولد مشيرًا
في تيَّار الصَّباح ،ولو أنني متوجِّس خيفةً مما سنجده هناك.
نواجهه .اإلخوة عندهم دائ ًما عظم يستغنون عنه لكلب» .مع قوله ِ لنستمتع بوجب ٍة شهيَّة ساخنة قبل أن
األخير نب َح كلب وهزه َز ذيله.
كانت المياه التي تفصل الجزيرة عن السَّاحل تنحسر بسُرع ٍة مع ال َجزر ،تاركةً مساحةً شاسعةً من السُّهول
الذهب في شمس األصيل .ح َّكت بِريان ت من َّ الطِّينيَّة َّ
الالمعة التي تنتشر فيها البِرك الم ِّديَّة المتأللئة كعُمال ٍ
س ودفَّأت ال َّشمس بشرتها.
مؤ ِّخرة ُعنقها حيث لدغَتها حشرة ،وكانت قد رف َعت َشعرها وثبَّتته بدبُّو ٍ
سأ َل پودريك« :لماذا يُ َس ُّمونها (جزيرة الهدوء)؟».
َ « -من يَقطُنون هنا تائبون يسعون إلى التَّكفير عن ذنوبهم عن طريق التَّأ ُّمل والصَّالة والصَّمت .فقط األخ
الكبير ونُظَّاره مسموح لهم بالكالم ،وال ُّنظَّار يتكلَّمون يو ًما واحدًا فقط من ك ِّل سبعة».
ُ
سمعت أنهن بال ألسنة». قال پودريك« :األخوات الصَّامتات ال يتكلَّمن أبدًا.
كنت في ِسنِّك أسم ُع األ َّمهات ي ُِخفن بناتهن بهذه الحكاية ،لكنها لم ُ ابتس َم السِّپتون ميريبولد ،وقال« :منذ
بصل ٍة اآلن .نذر الصَّمت فِعل الغرض منه التَّوبة ،تضحية نُثبِت بها تمت لها ِبصل ٍة آنذاك وال ُّ َّ
تمت للحقيقة ِ
ت أشبه بأن يعتزل رجل انكبابنا على عبادة (السَّبعة في األعالي) .أن يأخذ األخرس على نفسه نذر صم ٍ
نازال به المنحدَر ،وأشا َر لهم بأن يتبعوه مستطردًا« :إذا أردتم النَّوم ً بال ساقين الرَّقص» ،وقا َد حماره
سقف اللَّيلة فعليكم أن تترجَّلوا وتَعبُروا األوحال معي .نُ َس ِّميه طريق اإليمان .وحدهم المؤمنون ٍ تحت
يستطيعون عبوره بأمان ،أ َّما اآلثمون فتبتلعهم الرِّمال المتحرِّكة أو يغرقون عندما يتدفَّق ال َم ُّد .آم ُل أن ال
أحد منكم آثم .ومع ذلك أنصحكم باالنتباه إلى موطئ أقدامكم .امشوا حيث أمشي فقط وستَبلُغون الجانب
اآلخَر».
لم يكن بمقدور بِريان َّأال تلحظ أن طريق اإليمان معوجٌّ ،فعلى الرغم من أن الجزيرة ترتفع إلى شمال
وبدال من ً شرق البُقعة التي تحرَّكوا منها على ال َّشاطئ ،لم يتَّجه السِّپتون ميريبولد صوبها في َخطِّ مستقيم،
انهرس الطَّمي البنِّي اللَّين
َ هذا تحرَّك شرقًا نحو مياه الخليج األعمق التي تَبرُق باألزرق والفضِّ ي من بعيد.
بين أصابع قدميه ،وفي أثناء سيره كان يتوقَّف بين الفينة والفينة ويجسُّ الطَّريق أمامه بنبُّوته ،وقد ظَ َّل
كلب يمشي في أعقابه متش ِّم ًما ك َّل صخر ٍة وصدف ٍة و ُكتل ٍة من طحالب البحر ،ممتنعًا هذه المرَّة عن استباقهم
أو الحيد عن الطَّريق.
ط اآلثار الذي يرسمه الكلب والحمار ورجل الدِّين ،ووراءها ص على االلتزام ب َخ ِّ تحرَّكت بِريان بحر ٍ
پودريك ثم السير هايل .بَعد أن قطعوا مئة ياردة انعطفَ ميريبولد بغتةً إلى الجنوب فكا َد ظَهره يُصبِح إلى
السِّپتري مباشرةً ،وقد واص َل السَّير في هذا االتِّجاه مئة ياردة أخرى قائدًا إياهم بين بِركتين م ِّديَّتين
قرصه سرطان بمخالبه ،ثم اندل َع قتال قصير لكن عنيف َ ضحلتينَ .دسَّ كلب فمه في إحداهما ونب َح عندما
قبل أن يعود الكلب متوثِّبًا وقد ابت َّل جسمه وتل َّوث بالوحل وبين ف َّكيه السَّرطان.
الذهاب إلى هناك؟ يبدو أننا نمشي في كلِّنادى السير هايل من ورائهم مشيرًا إلى السِّپتري« :ألسنا نُريد َّ
اتِّجا ٍه ما عدا نحوه».
َر َّد السِّپتون ميريبولد بنبر ٍة ملحَّة« :اإليمان .آ ِمن وثابِر واتبع وسنجد السَّالم الذي نسعى إليه».
من ك ِّل جه ٍة حولهم تلتمع األرض المسطَّحة المبتلَّة المرقَّشة بعشرات درجات األلوان .الطَّمي بنِّي داكن
الذهبي أيضًا ،وصخورًا منتصبةً حمراء للغاية لدرجة أنه يكاد يبدو أسود ،لكن هناك رُقعًا من الرَّمل َّ
ورماديَّةً ،وشبا ًكا من الطَّحالب البحريَّة السَّوداء والخضراء .في ال ِبرك الم ِّديَّة تتحرَّك اللَّقالق تاركةً آثار
أقدامها في ك ِّل مكان ،وتجري السَّراطين مسرعةً على سطوح المياه الضَّحلة ،بينما تُف ِعم الهواء روائح
ت كالفرقعة المصحوبة مضض بصو ٍ ٍ الملح والعفَن ،وتمتصُّ األرض أقدامهم وال تَترُكها تتحرَّر َّإال على
بتنهيد ٍة بليلة .انعطفَ السِّپتون ميريبولد م َّرةً أخرى وأخرى وأخرى ،لتمتلئ آثار قدميه بالماء تَ َّو أن يخطو
ميال ونِصفًا
أصبحت األرض أكثر صالبةً وبدأت ترتفع تحت أقدامهم أخيرًا كانوا قد قطعوا ً َ مبتعدًا ،وحين
على األقل.
رجال في انتظارهم وهُم يتسلَّقون الحجارة المكسَّرة التي تُطَ ِّوق ساحل الجزيرة ،يرتدون ثياب ٍ كان ثالثة
يلف كالهما وشا ًحا اإلخوة ذات األكمام الواسعة والقالنس المدبَّبة بلونيها البنِّي والرَّمادي ،ومنهما اثنان ُّ
من الصُّ وف حول نِصف وجهه السُّفلي أيضًا ،فال يلوح منه َّإال العينان .األخ الثَّالث هو من تكلَّم مناديًا:
أهال بك وبرفاقك أيضًا». «السِّپتون ميريبولد .مضى ما يَقرُب من عامً .
قائال« :هل لنا في التماس كرم ضيافتكم ليلةً؟». ونفض ميريبولد الوحل عن قدميه ًَ هزه َز كلب ذيله،
« -نعم ،بالطَّبع .سنتنا َول يخنة السَّمك هذا المساء .هل ستحتاجون إلى العبَّارة في الصَّباح؟».
أجاب ميريبولد« :إن لم نكن نُثقِل عليكم» ،والتفتَ إلى رفاقه ،وقال« :األخ ناربرت من نُظَّار الجماعة، َ
ولذا فمسموح له بالكالم يو ًما واحدًا من ك ِّل سبعة .أيها األخ ،هؤالء القوم الطيِّبون ساعَدوني في الطَّريق.
السير هايل فارس هُمام من (المرعى) ،والصَّبي هو پودريك پاين الذي أصب َح من الغربيِّين منذ فتر ٍة
قريبة ،وهذه هي الليدي بِريان المعروفة بعذراء (تارث)».
توقَّف األخ ناربرت فجأةً ،وغمغ َم« :امرأة».
ضته قائلةً« :نعم أيها األخ .أليست عندكم نساء هنا؟».
خل َعت بِريان دبُّوس َشعرها ونف َ
َر َّد ناربرت« :ليس في الوقت الرَّاهن .النِّساء الالئي يَ ُزرننا يأتيننا مريضات أو جريحات أو حوامل .لقد
يستطع ال ِمايسترات أنفُسهم
ِ ك (السَّبعة) أخانا الكبير بيدين شافيتين ،وعليهما تعافى رجال كثيرون لم بار َ
عالجهم ،ونسوة كثيرات أيضًا».
ً
حامال». لست مريضةً أو جريحةً أو
ُ «-
قال السِّپتون ميريبولد« :الليدي بِريان فتاة ُمحاربة ،تُ ِ
طارد كلب الصَّيد».
ال َحت ال َّدهشة على ناربرت ،وتساء َل« :حقًّا؟ أل ِّ
ي غاية؟».
مسَّت بِريان مقبض (حا ِفظ العهد) مجيبةً« :نهايته».
إنك ...قويَّة بالنِّسبة إلى امرأة ،هذا صحيح ،ولكن ...ربما عل َّ
ي أن تفرَّس النَّاظر في مالمحها ً
قائالِ « :
آخذك إلى األخ الكبير .ال بُ َّد أنه رآكم تَعبُرون األوحال .تعالوا».
مطلي بالجير األبيض له سقف
ِّ اسطبل
ٍ قادَهم ناربرت في ممرٍّ مفروش بالحصى وعبر بُستان تفَّ ٍ
اح إلى
مدبَّب من القَش ،حيث قال لهم« :يُمكنكم أن تَترُكوا حيواناتكم هنا .سيحرص األخ جيالم على إطعامها
وسقائها».
خال .في أحد طرفيه نِصف دست ٍة من البغال يرعاها أخ صغير متق ِّوس ٍ أكثر من ثالثة أرباع االسطبل
السَّاقين خ َّمنت بِريان أنه جيالم ،وفي الطَّرف األقصى ،بعيدًا تما ًما عن الحيوانات األخرى ،جواد أدهم
ورفس باب مربطه.
َ ضخم د َّوى صهيله حين سم َع أصواتهم
ُناول األخ جيالم ِعنان حصانه ،وقال« :دابَّة فارهة». ب وهو ي ِ حد َج السير هايل الفَحل الكبير بنظرة إعجا ٍ
ُرسلون لنا ِمحنًا .ربما يكون فارهًا ،لكن دريفتوود تنهَّد األخ ناربرت معلِّقًا(« :السَّبعة) ي ِ
ُرسلون لنا نِع ًما وي ِ
رفس األخ راوني وكس َر قصبة ساقه في َ ثُولِ َد في الجحيم من غير ريب .عندما حا َولنا ربطه بمحرا ٍ
موضعين .كنا نأمل أن يُ َحسِّن اإلخصاء مزاجه األسود ،ولكنَّ ...
هال أريتهم أيها األخ جيالم؟».
وضمادة مل َّوثة بال َّدم تحتلُّ
أنز َل األخ جيالم قلنسوته ،ليلوح من تحتها َشعره األشقر وق َّمة رأسه المحلوقة ِ
مكان أُذنه.
ق پودريك ،وسأ َل« :الحصان قض َم أُذنك؟!». شه َ
ُ
كنت آلخذ أومأ َ جيالم برأسه إيجابًا وعا َد يُ َغطِّي رأسه ،وقال له السير هايل« :سا ِمحني أيها األخ ،لكني
حامال مق ًّ
صا». ً األُذن األخرى لو اقتربت مني
وهب
َ عجب ال ُّدعابة األخ ناربرت ،الذي قال« :أنت فارس يا سيِّدي ،ودريفتوود دابَّة أحمال( .الح َّداد) لم تُ ِ
ك أن األخ الكبير ينتظركم». الخيل للبَشر إلعانتهم على أشغالهم» ،والتفتَ مضيفًا« :تفضَّلوا معي .ال َش َّ
طينيَّة ،ولتسهيله رف َع اإلخوة ساللم وجدوا المنحدَر أش َّد ارتفاعًا مما بدا من النَّاحية األخرى من السُّهول ال ِّ
يوم طويل من الجلوس فوق السَّرج ُسرَّت خشبيَّةً تتعرَّج يمينًا ويسارًا على جانب التَّ ِّل وبين البنايات .بَعد ٍ
بِريان لفُرصة فرد قدميها.
َطون رؤوسهم بالقالنس ويرتدون البنِّي مرُّ وا بدست ٍة من إخوة الجماعة في طريقهم إلى أعلى ،رجال يُغ ُّ
ت فضوليَّة لدى مرآهم وإن لم ينبسوا بكلمة تحيَّ ٍة واحدة ،أحدهم يقود بقرتين والرَّمادي رمقوهم بنظرا ٍ
حلوبيْن نحو حظير ٍة واطئة سقفها من النَّجيل ،بينما يعمل آ َخر على ممخضة ُزبدة .على المنحدَرات
دفن فيها أخ أكبر صبيان يسوقون األغنام ،وفي مستوى أعلى من هذا مرُّ وا بساحة ٍ األعلى رأوا ثالثة ِ
بوضوح من الطَّريقة التي يتحرَّك بها أنه أعرج ،وإذ ط َّوح
ٍ حج ًما من بِريان يكدح في حفر قبر ،وقد بدا
مجراف من التُّربة الحجريَّة من فوق كتفه تناث َر القليل على أقدامهم ،وقال األخ ناربرت مؤنِّبًا: ٍ ب ِملء
ذهب
َ فخفض حفَّار القبور رأسه ،ول َّما
َ «تو َّخى الحذر أكثر ،التُّراب كان سيَد ُخل فم السِّپتون ميريبولد»،
ك أُذنه.
إليه كلب يتش َّممه أفلتَ مجرافه و َح َّ
قال ناربرت مف ِّسرًا« :إنه مبتدئ».
سألَه السير هايل بينما استأنَفوا صعود السَّاللم الخشب« :ل َمن القبر؟».
« -األخ كليمنت ،عسى (األب) أن يَح ُكم عليه بالعدل».
سأ َل پودريك پاين« :هل كان متق ِّد ًما في السِّن؟».
« -إذا كنت تع ُّد الثَّامنة واألربعين تق ُّد ًما في السِّن ،نعم ،لكن ليست ال ِّسن ما قتلَه ،بل ماتَ بالجروح التي
المالحات) .كان قد أخ َذ القليل من بِتعنا إلى السُّوق هناك يوم هاج َم الخارجون عن القانون أصيب بها في ( َّ َ
البلدة».
سألَت بِريان« :كلب الصَّيد؟».
رفض الكالم ،وقال الهجَّام إنه َ « -واحد آ َخر ،لكنه يُعا ِدله توحُّ ًشا .لقد قط َع لسان كليمنت المسكين عندما
ليس في حاج ٍة إليه ما دا َم قد أخ َذ على نفسه نذر الصَّمت .األخ الكبير سيعرف المزيد .إنه يحتفظ بأسوأ
األخبار من الخارج لنفسه كي ال يُقلِق سكينة السِّپتري .كثيرون من إخوتنا جاءوا هنا للهرب من أهوال
العالم وليس لإلسهاب في التَّفكير فيها .لم يكن األخ كليمنت الوحيد الجريح منا ،فث َّمة جراح ال تتب َّدى
لألعيُن» ،وأشا َر األخ ناربرت إلى يمينهم ،واستطر َد« :هناك كرمتنا الصَّيفيَّة .العنب صغير والذع ،لكننا
نصنع منه نبي ًذا صالحًا لل ُّشرب ،ونصنع ِمزرنا الخاص أيضًا ،كما أن البِتع وخمر ال ُّتفَّاح اللذين نُنتِجهما
ذائعا الصِّيت».
سألَته بِريان« :ألم تمسَّكم الحرب هنا؟».
« -ليس هذه الحرب وال ُّشكر ل(السَّبعة) .صلواتنا تحمينا».
أضافَ السِّپتون ميريبولد« :وال َم ُّد وال َجزر أيضًا» ،ونب َح كلب مؤيِّدًا.
بسور من الحجارة غير المملَّطة يُحيط بمجموع ٍة من المباني الكبيرة؛ الطَّاحونة التي تصرُّ ٍ ق َّمة التَّ ِّل مت َّوجة
ريشاتها مع دورانها ،والمساكن التي ينام فيها اإلخوة ،والقاعة العا َّمة التي يتنا َولون فيها وجباتهم،
الزجاج المطلي بالرَّصاص ،وباب مصراعاه باإلضافة إلى ِسپت خشبي للصَّالة والتَّأ ُّمل له نوافذ من ُّ
الكبيران منقوش عليهما شكال (األُم) و(األب) ،وبُرج سُباعي الجوانب على ق َّمته ممشى ،ووراءه حديقة
يجتث منها إخوة أكبر ِسنًّا الحشائش. ُّ خضراوات
ب خشبي في جانب التَّل ،فتساء َل السير هايل الز َّوار دائرًا حول شجرة كستناء إلى با ٍ قا َد األخ ناربرت ُّ
منده ًشا« :كهف بباب؟».
دين وج َد طريقه إلى هنا أقا َم في قائال« :يُ َس َّمى (حُفرة المتنسِّكين) .أول رجل ٍ ابتس َم السِّپتون ميريبولد ً
ال َّداخل وصن َع أعاجيب دف َعت آخَرين إلى اإلتيان واالنضمام إليه .يقولون إن ذلك كان منذ ألفي عام ،أ َّما
زمن الحق».ٍ ض َع في
الباب ف ُو ِ
ب وتتر َّدد فيه أصداء تقاطُر ربما كانت (حُفرة المتن ِّسكين) مكانًا مظل ًما رطبًا قبل ألفي عام ،أرضه من تُرا ٍ
طي البُسط ف دافئ مريح ،تُ َغ ِّ
المياه ،لكنه لم يَعُد كذلك ،فالكهف الذي دخلَته بِريان ورفاقها تح َّول إلى معت َك ٍ
الصُّ وف أرضه والمعلَّقات جُدرانه ،وتش ُّع فيه ال ُّشموع الطَّويلة ضو ًءا يكفي ويزيد .األثاث غريب لكن
بسيط؛ طاولة طويلة ود َّكة وصندوق وع َّدة رفوف مألى بال ُكتب ومقاعد ،كلُّها مصنوع من األخشاب
بلون ذهبي عميق ٍ صارت تلتمع
َ صقِلَت حتى المجروفة ذات األشكال المتنافرة ،وإن نُ ِّسقَت معًا ببراع ٍة و ُ
في ضوء ال ُّشموع.
ليس األخ الكبير كما توقَّعته بِريان .بدايةً ،ال يبدو من مظهره أن لقب «الكبير» يَصلُح له ،فبينما لإلخوة
اآلخَرين الذين ينتزعون الحشائش في الحديقة أكتاف وظهور ال ِّرجال األكبر ِسنًّا المحنيَّة ،يقف هو
رجل في ريعان ال َّشباب ،كما أن وجهه ليس بالوجه الحنون الطيِّب ٍ منتصب القامة طويلها ويتحرَّك بنشاط
الذي توقَّعت أن يكون ل ُمعالج ،فرأسه كبير مربَّع ،وعيناه ثاقبتان ،وأنفه أحمر مليء بالعروق ،ومع أن ق َّمة
طي ف َّكه الثَّقيل.
رأسه جرداء ف َشعره كثيف كالذي يُ َغ ِّ
رجل مخلوق لكسر العظام من تجبيرها.
ٍ ف َّكرت عذراء (تارث) :يبدو أقرب إلى
ت واسعة ليُعانِق السِّپتون ميريبولد ويُ َربِّت على كلب ،ثم أعلنَ « :يوم سعيد دو ًما تق َّدم األخ الكبير ب ُخطوا ٍ
قائال« :والوجوه عندما يُ َشرِّفنا صديقانا ميريبولد وكلب بزيار ٍة أخرى» ،والتفتَ إلى ضيوفه اآلخَرين ً
الجديدة مرحَّب بها دائ ًما ،إننا نرى القليل منها».
جلس على ال ِّد َّكة .على عكس ناربرت لم يب ُد األخ الكبير منزعجًا من َ أ َّدى ميريبولد المجا َمالت المعتادة ثم
أخبره السِّپتون بسبب مجيئها والسير هايل ،ولم ير َّد َّإال
َ جنس بِريان ،لكن ابتسامته تذبذبَت وخفتَت حين
َّ
المحالة قائال« :ال بُ َّد أنكم ظمآنون .تفضَّلوا ،اشربوا القليل من خمر تفَّاحنا
ب«مفهوم» ،قبل أن يلتفت ً
ب من الخشب المجروف ال يتشابَه منها صبَّ لهم بنفسه في أكوا ٍ لتغسلوا حلوقكم من ُغبار الطَّريق»َ .
اثنان ،ول َّما أثنَت عليها بِريان قال لها« :سيِّدتي شديدة ال ُّلطف .ال نفعل أكثر من تقطيع الخشب وتلميعه .إننا
في نعم ٍة هنا .حيث يلتقي النَّهر بالخليج تتصا َرع التَّيَّارات فتدفع إلينا أشياء غريبةً عجيبةً كثيرةً نجدها على
شواطئنا .الخشب المجروف أقلُّها .لقد وجدنا كؤوسًا من الفضَّة وأوعيةً من الحديد وأجولةً من الصُّ وف
ت صدئة وسيوفًا المعةً ...أجل ،وعثرنا على ياقوت أيضًا». ت من الحرير وخوذا ٍ ولفافا ٍ
أثا َر هذا اهتمام السير هايل ،فسأ َل« :ياقوت ريجار؟».
دارت على بُعد فراسخ عديدة من هنا ،لكن النَّهر صبور ال يت َعب .عثرنا « -ربماَ .من يدري؟ المعركة َ
ت وننتظر السَّابعة». على ِّ
ست حبَّا ٍ
طين تحت أصابعه« :الياقوت أفضل من العظام .ليست عقَّب السِّپتون ميريبولد وهو يَفرُك قدمه ليتق َّشر ال ِّ
كلُّ هدايا النَّهر تسرُّ .اإلخوة الكرام ينتشلون الموتى من الماء أيضًا؛ األبقار والغزالن الغارقة ،والخنازير
الميتة التي تنتفخ فتَبلُغ ِنصف حجم الحصان ،أجل ،والجُثث البَشريَّة أيضًا».
قائال« :جُثث كثيرة هذه األيام .حفَّار القبور ال يعرف الرَّاحة .رجال من أراضي النَّهر تنهَّد األخ الكبير ً
ومن الغرب ومن ال َّشمال ،كلُّهم تجرفهم المياه إلينا ،الفُرسان والخدم على َح ِّد سواء .ندفنهم جنبًا إلى جنب،
ستارك والنستر ،بالكوود وبراكن ،فراي وداري .هذا هو الواجب الذي يَطلُبه النَّهر منا لقاء هداياه،
طفال صغيرًا .تلك أقسى الهدايا ط ًّرا»،ً ونُ َؤدِّيه بأفضل ما نستطيع .لكننا نجد امرأةً أحيانًا ...أو أسوأ،
والتفتَ إلى السِّپتون ميريبولد ،وقال« :آم ُل أن لديك الوقت إلبرائنا من خطايانا .منذ قت َل ال ُمغيرون
السِّپتون بينيت العجوز لم يأتنا أحد لسماع اعترافاتنا».
آخر م َّر ٍة ُزرتكم فيها»َ .
نبح ُ
كنت آم ُل أن ذنوبكم هذه المرَّة أفضل من ِ قال ميريبولد« :سأج ُد وقتًا ،وإن
كلب ،فأردفَ « :أترى؟ لقد أصابَت كلب نفسه بالملل».
ُ
ظننت أن ال أحد يستطيع الكالم .ليس ال أحد ،وإنما اإلخوة،ال َحت الحيرة على پودريك پاين ،الذي قال« :
اإلخوة اآل َخرون وليس أنت».
أجابَه األخ الكبير« :مسموح لنا بالخروج عن الصَّمت عند االعتراف .من العسير الكالم عن الخطايا
باإلشارات واإليماءات».
أحرقوا السِّپت في ( َّ
المالحات)؟». سألَه هايل هَنت« :هل َ
المالحات) باستثناء القلعة .الفرق أنها مبنيَّة مناختفَت ابتسامة الرَّجل ،وقال« :أح َرقوا ك َّل شي ٍء في ( َّ
الحجر ...ولو أنها لم تنفع البلدة في شي ٍء كأنها مبنيَّة من الورق .وق َع على عاتقي أن أعالج بعض النَّاجين
صيَّادون إل َّي عبر الخليج بَعد أن همدَت النَّار ووجدوا الرَّسو آمنًا .ث َّمة امرأة بائسة الذين جلبَهم ال َّ
أعفيك من ِذكر هذه األهوال...
ِ إنك ترتدين دروع ال ِّرجال ،فلن صبوها مرارًا ،وثدياها ...سيِّدتيِ ، اغت َ
ُ
استطعت من أجلها مع أنه ُ
فعلت ما أكال ،كأن من فعل بها هذا ...وحش كاسر.ثدياها ُم ِّزقا ونُ ِهشا وأُ ِكال ً
آخر أنفاسها لم تصبَّ أسوأ لعناتها على َمن اغتصبوها أو على الوحش الذي الته َم لحمها قليل ،وبينما تلفظ ِ
وجلس
َ ي ،بل على السير كوينسي كوكس الذي أوص َد أبوابه عندما دخ َل الخارجون عن القانون البلدة، الح َّ
في األمان وراء أسواره الحجريَّة في حين صر َخ قومه وماتوا».
قال السِّپتون ميريبولد برفق« :السير كوينسي رجل عجوز ،أبناؤه وزوجا ابنتيه الوحيدتين بعيدون أو
موتى ،وأحفاده ما زالوا صغارًا .ماذا كان ليفعل وهو رجل واحد ضد كثيرين؟».
ُحاول ،أن يموت .عجو ًزا كان أم شابًّا ،الفارس الحقيقي ي ِ
ُقسم على حماية من ف َّكرت بِريان :كان يُمكنه أن ي ِ
هُم أضعف منه ،أو يموت وهو ي ِ
ُحاول.
ك أن السير كوينسي سيسألك المغفرة عندما قال األخ الكبير للسِّپتون ميريبولد« :كالم صحيح وحكيم .ال َش َّ
أستطع» ،ووض َع كوب الخشب المجروف، ِ المالحات) .يسرُّ ني أنك هنا إلعطائه إياها ،فأنا لمتَعبُر إلى ( َّ
صلِّي ألرواح
هال أتيتم معي إلى السِّپت لنُ َق قريبًا .أيها األصدقاءَّ ، ونهض مستطردًا« :جرس ال َعشاء سيُ َد ُّ
َ
المالحات) الطيِّبين قبل أن نجلس ونتقا َسم الطَّعام وال َّشراب؟». أهل ( َّ
أجاب ميريبولد« :يسرُّ نا هذا» ،ونب َح كلب.
َ
كان عَشاؤهم في السِّپتري أغرب وجب ٍة شهدَتها بِريان في حياتها ،وإن لم تكن سيِّئةً على اإلطالق .الطَّعام
الزبدة الطَّازجة ،وعسل من خاليا نحل تقليدي غير أنه شه ٌّي للغاية؛ أرغفة من ال ُخبز السَّاخن ،وآنية من ُّ
شرب السِّپتون ميريبولدَ السِّپتري ،ويخنة غنيَّة بالسَّراطين وبلح البحر وثالثة أنواع على األقل من السَّمك.
والسير هايل البِتع الذي يصنعه اإلخوة وأعلنا أنه ممتاز ،في حين قن َعت هي وپودريك بالمزيد من خمر
التُّفَّاح الحُلوة .ولم تكن الوجبة كئيبةً كذلك ،إذ ر َّدد ميريبولد صالةً قبل تقديم الطَّعام ،وبينما أك َل اإلخوة
الجالسون إلى الموائد الطَّويلة األربع عزفَ لهم أحدهم على القيثارة السَّامية مالئًا القاعة باألنغام الهادئة
العذبة ،ول َّما أذنَ األخ الكبير للمغنِّي في تنا ُول وجبته تباد َل األخ ناربرت وناظر آخَر القراءة من (النَّجمة
السُّباعيَّة).
صبية في ِسنِّ پودريك أو مع ختام القراءة كانت األطباق قد رف َعها المبتدئون المكلَّفون بالخدمة ،أكثرهم ِ
رجاال بالغين أيضًا ،منهم حفَّار القبور الكبير الذي صادَفوه بينما يصعدون التَّ َّل وله تلك
ً أصغر ،لكن هناك
طلب األخ الكبير من ناربرت أن يُري َ المشية الخرقاء المتمايلة كأنه نِصف مشلول .لدى فروغ القاعة
پودريك والسير هايل سريريهما في المساكن ،وقال لهما« :آم ُل أنكما ال تُمانِعان في اقتسام حُجير ٍة واحدة.
ليست واسعةً ،لكنكما ستجدانها مريحةً».
قال پودريك« :أري ُد البقاء مع الفارس ،أعني سيِّدتي».
َر َّد األخ ناربرت« :ما تفعله أنت والليدي بِريان في الخارج بينكما وبين (السَّبعة) ،لكن على (جزيرة
ف واحد ما لم يكونا متز ِّوجيْن».
الهدوء) ال ينام رجل وامرأة تحت سق ٍ
قال األخ الكبير« :عندنا بعض األكواخ المتواضعة المخصَّصة للنِّساء الالتي يَ ُزرننا ،سواء أكن نبيالت أم
أريك
ِ قرويَّات .إنها ال تُستخدَم كثيرًا ،لكننا نُحافِظ على نظافتها وجفافها .ليدي بِريان ،هل تسمحين لي بأن
الطَّريق؟».
« -نعمُ ،شكرًا .پودريك ،اذهب مع السير هايل .إننا ضيوف اإلخوة المؤمنين ،وتحت سقفهم تسري
قواعدهم».
تقع أكواخ النِّساء في الجانب ال َّشرقي من الجزيرة ،وتطلُّ على مساح ٍة شاسعة من األوحال ومياه (خليج
السَّراطين) البعيدة .المكان أكثر برودةً ووعورةً هنا من الجانب اآلخَر المحجوب ،والتَّلُّ أكثر تح ُّدرًا،
والطَّريق يتعرَّج بين الحشائش والنَّباتات الب ِّريَّة والصُّ خور التي نحتَتها الرِّيح واألشجار ال َّشائكة الملتوية
حمل األخ الكبير مصبا ًحا ليُضيء طريقهم إلى أسفل ،وعند أحد المنعطفات َ المتعلِّقة بعنا ٍد بجانب التَّل.
وأشار
َ المالحات) من هنا ،عبر الخليج ،هناك»، ُمكنك أن تري أنوار ( َّ ِ قائال« :في اللَّيالي الصَّافية ي
توقَّف ً
إلى البُقعة التي يعنيها.
قالت بِريان« :ليس هناك شيء».
صيَّادون أنفُسهم رحلوا ،القالئل المحظوظون الذين كانوا في الماء عندما أتى ق َّإال القلعة .ال َّ
« -لم يتب َّ
ال ُمغيرون وشاهَدوا بيوتهم تحترق وسمعوا الصَّريخ والبُكاء يتر َّددان عبر الميناء خائفين من الرَّسو
بقواربهم ،وحين رسوا أخيرًا ذهبوا لدفن أهاليهم وأصدقائهم .ما الذي تبقَّى لهم في ( َّ
المالحات) َّإال العظام
ت أخرى» ،وأشا َر األخ الكبير بمصباحه وال ِّذكريات المريرة؟ لقد نزحوا إلى (بِركة العذارى) أو بلدا ٍ
ط ،لكن السُّفن اعتادَت الرَّسو هناك بين المالحات) من المواني المه َّمة قَ ُّ
قائال« :لم تكن ( َّ
وواص َل النُّزول ً
س أو كوج يحملهم عبر (البحر الضيِّق)، الحين واآل َخر .هذا ما أرادَه ال ُمغيرون ،كانوا يبحثون عن قاد ٍ
أفرغوا غضبهم ويأسهم في أهل البلدة .إنني أتساء ُل يا سيِّدتي ...عال َم تأملين أن وعندما لم يجدوا واحدًا َ
تَعثُري هناك؟».
أجابَته« :فتاة ،بنت رفيعة النَّسب في الثَّالثة عشرة ،لها وجه جميل و َشعر كستنائي».
ت قال الرَّجل« :سانزا ستارك .هل تعتقدين أن تلك المسكينة مع كلب الصَّيد؟». بخفو ٍ
مرتزقًا من ِرفقة ال ُّشجعانً ،
قاتال ِ « -الدورني قال إنها كانت في طريقها إلى (ريڤر َرن) .تيميون ،كان
كذب بشأن هذا .قال إن كلب الصَّيد اختطَفها وفَ َّر بها».
َ أظن أنه ومغتصبًا َّ
كذابًا ،لكني ال ُّ ِ
« -مفهوم» .انعطفَ الطَّريق م َّرةً أخرى وإذا باألكواخ أمامهما .األخ الكبير ذ َكر أنها متواضعة ،وهي
نحل مبنيَّة من الحجارة.
كذلك بالفعل ،إذ تبدو كأنها خاليا ٍ
صف قال مشيرًا إلى أقربها« :هنا» ،وهو الكوخ الوحيد الذي يتصاعَد ال ُّدخان من فتحة التَّهوية في منت َ
سقفه .اضطرَّت بِريان إلى طأطأة رأسها حين دخلَت كي ال يصطدم رأسها بالعارضة ،وفي ال َّداخل وجدَت
أرضيَّةً من ال ُّتربة وسريرًا من القَشِّ وأغطيةً من الفرو وحوض ماء وإبريقًا من خمر التُّفَّاح والقليل من
جلس األخ الكبير على أحدهما ووض َع َ نار صغيرة ،باإلضافة إلى مقعدين صغيرين ال ُخبز والجُبنة وبؤرة ٍ
قليال؟ أشع ُر أن علينا أن نتكلَّم».
قائال« :هل تسمحين بأن أبقى ً
المصباح ً
قالت بِريان« :إذا أردت» ،وخل َعت حزام سيفها وعلَّقته على المقعد الثَّاني ،ثم جل َست مربِّعةً ساقيها على
السَّرير.
طاردين ال ِّذئبة الخطأ يا سيِّدتي.
أنك لم تفهميه .إنك تُ ِ قال األخ الكبير« :ذلك الدورني لم يكذب ،لكني أخشى ِ
إدارد ستارك كانت له بنتان ،واألخرى هي َمن فَ َّر بها كلب الصَّيد ،الصَّغيرة».
بفم مفغور ،ثم قالت« :آريا ستارك؟ أأنت واثق؟ أخت الليدي سانزا حيَّة؟». حملقَت إليه بِريان مذهولةً ٍ
« -آنذاك ،أ َّما اآلن ...فال أدري .ربما كانت بين األطفال الذين قُ ِتلوا في ( َّ
المالحات)».
ين في بطنها .ال ،ال ،ستكون هذه قسوةً ال تُطاق« .ربما ...بمعنى أنك لست واثقًا؟». أحسَّت بكالمه كس ِّك ٍ
صاحبته
ِ الطرق ،ذلك الذي كانتمفترق ُّ
َ ق به أن الفتاة كانت مع ساندور كليجاين في الخان عند « -ما أث ُ
المالحات) ،لكن بَعدها...العجوز ماشا ه ِدل قبل أن يَشنُقها األُسود ،وواثق بأنهما كانا في طريقهما إلى ( َّ
ال ،ال أدري أين هي أو إن كانت حيَّةً حتى .على أن هناك شيئًا واحدًا أعرفه ...الرَّجل الذي تُ ِ
طاردينه
ماتَ ».
صد َمها هذا أيضًا ،وتساءلَت« :كيف ماتَ ؟».
عاش ،بالسَّيف».
َ « -كما
« -أتعرف هذا يقينًا؟».
ت .لقد غطَّيته بالحجارة لئال ينبش أ َكلة الجيف أخبرك بموضع قبره إذا أرد ِِ « -دفنته بنفسي .يُمكنني أن
ووضعت خوذته فوق كومة الرُّ كام ألعلِّم مثواه األخير .كان هذا خطأ ً فادحًا ،إذ عث َر ُمسافر آ َخر ُ جُثمانه
المالحات) لم يكن ساندور كليجاين ،ولو أنه ب وقتَّل في ( َّ
على عالمتي وأخ َذها لنفسه .الرَّجل الذي اغتص َ
ال يقلُّ خطورةً .أراضي النَّهر مألى بأمثاله من حيوانات الجيف .لن أدعوهم بال ِّذئاب ،فال ِّذئاب أنبل من
أعرف َّإال القليل عن هذا الرَّجل ساندور كليجاين .كان حارس ُ أظن .ال ُّ هذا ...والكالب كذلك على ما
األمير چوفري ال َّشخصي لع َّدة سنوات ،وحتى هنا كنا نسمع بأفعاله خيرها وشرِّها .إذا كان نِصف ما
رجال آث ًما يسخر من اآللهة والبَشر على َح ِّد ً روح مريرة َّ
معذبة، ٍ صاحبِ سمعناه فقط صحيحًا فقد كان
ُغرق ألمه فيوشرب لي ِ
َ سواء .لقد خدم لكنه لم يجد فخرًا في خدمته ،وقات َل لكنه لم يعرف بهجة النَّصر،
وارتكب خطايا عديدةً لكنه لم يس َع إلى ال ُغفران،
َ بحر من النَّبيذ .لم ي ُِحبَّ أو يُ َحبَّ ،دافعه الوحيد الكراهية،
ٍ
ُ َّ
وفي حين حل َم غيره بالحُبِّ أو الثراء أو المجد كان هذا الرَّجل ساندور كليجاين يَحلم بقتل أخيه ،خطيئة
تغذى به والوقود الذي أبقى ناره مشتعلةً. أرتجف ،لكنها كانت ال َّزاد الذي َّ
ُ شنيعة يجعلني مجرَّد الكالم عنها
عاش هذا المخلوق الحزين َ على الرغم من خل ِّوه من النُّبل كان أمل رؤية دماء أخيه على سيفه ك َّل ما
الغاضب من أجله ...وحتى ذلك لم ينَله عندما طعنَ األمير أوبرين الدورني السير جريجور بحرب ٍة
مسمومة».
قالت بِريان« :تتكلَّم كأنك تُشفِق عليه».
أنك رأيتِه في النِّهاية .لقد وجدته عند (الثَّالوث) وقد
ت لتُشفِقي عليه أيضًا لو ِ ُ
أشفقت عليه بالفعل ،وكن ِ «-
ً
وبدال من اجتذبَني إليه صُراخ ألمه ،وتوسَّل إل َّي أن أعطيه هديَّة الرَّحمة ،لكني مقس ٌم على عدم القتل ثانيةً،
غسلت جبهته المتَّقدة بماء النَّهر وأعطيته نبي ًذا يشربه وك َّمادةً لجرحه ،لكن جهودي كانت أق َّل من ُ ذلك
حال أسود كبيرًا في االسطبل .كان ت فَ ً
الالزم وفاتَ أوانها .كلب الصَّيد ماتَ هناك بين ذراعَي .ربما رأي ِ َّ
هذا جواده الحربي سترينچر .اسم فيه تجديف على اآللهة.
نُفَضِّل أن نُ َس ِّميه دريفتوود بما أننا وجدناه عند النَّهر كالخشب المجروف .أخشى أن له طبيعة سيِّده
السَّابق».
الحصان .لقد رأته وسم َعته يَرفُس ،لكنها لم تفهم .خيول الحرب مدرَّبة على الرَّفس وال َعضِّ ،وفي المعارك
تع ُّد سال ًحا كالرِّجال الذين يمتطونهاِ .مثل كلب الصَّيد.
قالت بقُنوط« :األمر صحيح إذن ،ساندور كليجاين ماتَ ».
أحصيت أربعةً
ُ ت صغيرة يا بنيَّتي .لقد قال األخ الكبير« :لقد استرا َح» ،وصمتَ لحظةً قبل أن يُر ِدف« :أن ِ
ُ
كنت فارسًا شك أن تعلمي أنني أفوقك ِسنًّا مرَّتين على ما ُّ
أظن .هل سيُد ِه ِ ِ وأربعين يوم ميالد ...أي أنني
ذات يوم؟».
س من رجل دين» .يبوح بهذا صدره وكتفاه وف ُّكه المربَّع السَّميك« .لماذا « -ال ،إنك تبدو أقرب إلى فار ٍ
تخلَّيت عن الفُروسيَّة؟».
بت على المعارك منذ يوم ط .أبي كان فارسًا ،وكذا أبوه من قبله ،وجميع إخوتي .تد َّر ُ « -لم أختَرها قَ ُّ
رأيت نصيبي منها ولم أكلِّل نفسي بالعار. ُ قرَّروا أنني كبير بما فيه الكفاية ألن أحمل سيفًا خشبيًّا ،وقد
ُ
أردت أن أخذت بعضهن قسرًا .كانت هناك فتاة ُ لت نفسي بالعار ،ألني كانت لي نساء أيضًا ،وفي هذا كلَّ ُ
كنت ابن أبي الثَّالث ولم أملك أرضًا أو ثروةً أقدِّمها
أتز َّوجها ،ابنة صُغرى ألحد اللوردات الصِّغار ،لكني ُ
رجال حزينًا ،عندما ال أقات ُل أسكرُ ،حياتي مسطورة ً ُ
كنت ً
إجماال لها ...فقط سيفي وحصاني وتُرسي.
باألحمر ،بال َّدم والنَّبيذ».
سألَته بِريان« :ومتى تغيَّرت؟».
كنت أقات ُل في سبيل األمير ريجار ،ولو أنه لم يعرف اسمي قَ ُّ
ط .ال ُ ت في معركة (الثَّالوث). «حين ِم ُّ
بدال من الوعل، ب َّإال أن اللورد الذي خدمته خدم لورد يخدم لورد قرَّر تأييد التنِّين ً إخبارك بسب ٍ
ِ أستطي ُع
لكنت على الجانب اآلخَر من النَّهر .كانت المعركة داميةً .أغاني المطربين تُريدنا أن ُ ولو قرَّر العكس
صدِّق أنها كانت كلُّها بين ريجار وروبرت المتصارعيْن في الغدير من أجل المرأة التي ي َّدعي كالهما نُ َ
بسهم في الفخذ وبآخَر في ٍ ُ
أصبت ُ
وكنت منهم. رجاال غيرهما قاتَلوا أيضًا، ً لك أن محبَّته لها ،لكني أؤ ِّك ُد ِ
حصان آخَر ،فلم
ٍ زلت أذك ُر لهفتي على العثور على ُ ُ
واصلت القتال .ما القدم ،وقُتِ َل حصاني تحتي لكني
حصان ال أعو ُد فارسًا .هذا هو ال َّشيء الوحيد الذي جا َل ببالي في ٍ ماال لشراء واحد ،ودون أكن أملك ً
ت :حصان! سمعت حوافر وراء ظَهري وف َّكر ُ ُ الحقيقة ،ولم أ َر الضَّربة التي أسقطَتني.
ً
وبدال من ذلك طني في النَّهر ،حيث كان يُفت َرض أن أغرق، لكن قبل أن ألتفت ارتط َم شيء برأسي وأسق َ
أفقت ألجد نفسي على (جزيرة الهدوء) .قال لي األخ الكبير إن ال َم َّد جرفَني إليهم عاريًا كيوم مولدي ،وال ُ
أستطي ُع أن أتص َّور َّإال أن أحدًا وجدَني في المياه الضَّحلة فجرَّدني من ِدرعي وحذائي وسراويلي قبل أن
بدأت حياتي الثَّانية بالطَّريقة ذاتها .بَعدها
ُ يدفعني إلى المياه األعمق ،ولذا أحسبُ أن من المالئم أنني
أمضيت األعوام العشرة التَّالية في صمت». ُ
قالت بِريان« :مفهوم» .ال تدري لِ َم يحكي لها ك َّل هذا أو إن كان هناك شيء آخَر يُمكنها أن تر َّد به.
فدعك من
ِ « -حقًّا؟» ،وما َل األخ الكبير واضعًا يديه الكبيرتين على رُكبتيه ،وتاب َع« :إذا كان هذا صحي ًحا
حال لم تكن سانزا ستارك معه من األصل .وبالنِّسبة إلى الوحش ٍ مه َّمتك هذه .كلب الصَّيد ماتَ ،وعلى كلِّ
الذي يعتمر خوذته فسيقع ويُشنَق .الحروب تكاد تضع أوزارها ،وهؤالء الخارجون عن القانون لن
ُالحقهم من (بِركة العذارى) ،ووالدر فراي من يستطيعوا العيش في زمن السَّالم .راندل تارلي ي ِ
ورع مؤ َّكد أنه سيُعيد األمور إلى نصابها ال َّسليم في(التَّوأمتين) ،وث َّمة لورد شاب جديد في (داري) ،رجل ِ
لك ديارًا ،وهذا أكثر مما يستطيع كثيرون أن يقولوا في هذه األيام ديارك يا بنيَّتي .إن ِ
ِ أراضيه .عودي إلى
سيفك
ِ نبيال ال ريب أنه يحب ُِّك .ف ِّكري في حُزنه إذا لم ترجعي إليه .ربما يأخذون إليه لك أبًا ً
السَّوداء .ثم إن ِ
سقوطك ،بل وربما يُ َعلِّقهما في بهوه ويتطلَّع إليهما بفخر ...لكن إذا سأل ِته فإنني أعل ُم أنه ِ وت ُ ِ
رسك بَعد
لك إنه يُؤثِر أن تكون معه ابنته الحيَّة ال تُرسها المحطَّم». سيقول ِ
اغرورقَت عينا بِريان بال ُّدموع ،وقالت« :ابنته .هذا ما يستحقُّه ،ابنة تُ َغنِّي له وتَن ُشر البهجة في بهوه
ق حين كان في الثَّامنة ق ابنًا أيضًا ،ابنًا قويًّا شه ًما يُ َكرِّم اسمه .جاالدون غر َ
وتحمل له أحفاده .ويستح ُّ
وكنت في الرَّابعة ،وأليسين وآريان ماتَتا في المهد .أنا الولد الوحيد الذي سم َحت له اآللهة بالبقاء ،المسخ ُ
الذي ال يَصلُح ألن يكون ابنًا أو ابنةً» .لحظتها انصبَّ كلُّ شي ٍء من بين شفتَي بِريان وتدفَّق كال َّدم األسود
والخطبات ،رونيت األحمر ووردته ،اللورد رنلي يَرقُص معها ،الرَّهان على بتولتها، ِ من جرح؛ الخيانات
ال ُّدموع المريرة التي ذرفَتها ليلة تز َّوج مليكها مارچري تايرل ،االلتحام الجماعي في (جسر العلقم)،
ظلُّ في سُرادق الملك ،موت رنلي بين ذراعيها( ،ريڤر َرن) معطف قوس قزح الذي تاهَت به فخرًا ،ال ِّ
والليدي كاتلين ،ال ِّرحلة في (الثَّالوث) ،مبا َرزة چايمي في الغابة ،الممثِّلون ال َّسفَّاحون ،چايمي يصيح:
صفِّير ،چايمي في الحوض في (هارنهال) والبُخار يتصاعَد من جسده ،مذاق دم ڤارجو هوت حين قض َمت
أُذنه ،جُبُّ ال ُّدب ،وثبة چايمي إلى ال ِّرمال ،الرِّ حلة الطَّويلة إلى (كينجز الندنج) ،سانزا ستارك ،العهد الذي
أخ َذته على نفسها لچايمي ،العهد الذي أخ َذته على نفسها لليدي كاتلين( ،حا ِفظ العهد)( ،وادي الغسق)
و(بِركة العذارى) ،ديك الرَّشيق و(الرَّأس المتصدِّع) و(قلعة الهمس) ،الرِّ جال الذين قتلَتهم...
أنهَت كالمها قائلةً« :يجب أن أعثر عليها .ث َّمة آخَ رون يبحثون عنها ،وكلُّهم يسعى إلى القبض عليها وبيع
ُ
وعدت چايمي. الملكة إياها .يجب أن أعثر عليها ً
أوال كما
ُ
أموت وأنا أحاو ُل». لقد س َّمى السَّيف (حافِظ العهد) .يجب أن أحاول أن أنقذها ...أو
سرسي
« -ألف سفينة!» .كان َشعر الملكة الصَّغيرة منفو ًشا أشعث ،وجع َل ضوء المشاعل وجنتاها تبدوان
متو ِّردتين كأنها أتَت لت ِّوها من حضن رجل« .جاللة الملكة ،يجب ال َّر ُّد عليهم بعُنف!» .رنَّت كلمتها
األخيرة على عوارض السَّقف وتر َّدد صداها في قاعة العرش الفسيحة.
الذهبي والقرمزي العالي عند قاعدة العرش الحديدي ،أحسَّت سرسي بال َّش ِّد يزداد في جالسةً على مقعدها َّ
ُعنقها ،وف َّكرت :يجب .تتجرَّأ وتقول لي يجب .كم تتوق إلى صفع ابنة تايرل على وجهها .حر ٌّ
ي بها أن
وبدال من ذلك تقلُّ حياءها وتُخبِر ملكتها ال َّشرعيَّة بما عليها أن
ً تكون على رُكبتيها تتوسَّل مني العون،
تفعله.
قال السير هاريس سويفت الهثًا« :ألف سفينة؟ مؤ َّكد أن هناك خطأ ً .ليس في البالد لورد يملك ألف
سفينة».
ضعف العدد ،أو أن ح َملة راية اللورد تايرل قائال« :أحمق مرعوب ما أحصى ِ أيَّده أورتون ميريويذر ً
يكذبون علينا ويُهَ ِّولون أعداد العد ِّو كي ال نحسبهم متهاونين».
منتصف
َ الجدار الخلفي ِظ َّل العرش الحديدي الطَّويل ال َّشائك حتى يُلقي ضوء المشاعل المثبَّتة على ِ
المسافة إلى الباب ،بينما يغيب طرف القاعة البعيد في الظَّالم ،وال تَشعُر سرسي َّإال بالظِّالل كأنها تنغلق
مكان وأصدقائي معدومو الفائدة .ما عليها َّإال أن تُلقي نظرةً على مستشاريها ٍ عليها أيضًا .أعدائي في كلِّ
لتعلم هذا.
وحدهما اللورد كايبرن وأوران ووترز يبدوان مستيقظيْن ،في حين يقف اآلخَرون مش َّوشين مرتبكين بَعد
ق ُرسل مارچري أبوابهم وأيقَظوهم من النَّوم .في الخارج اللَّيل أسود ساكن ،والمدينة والقلعة نائمتان، أن َد َّ
وهنا يبدو بوروس بالونت ومرين ترانت نائميْن أيضًا ولكن على أقدامهما ،وحتى أوزموند ِكتلبالك
يتثا َءب.
الزهور .كان واقفًا وراء أخته الصَّغيرةِ ،ظ ٌّل شاحب يستريح على َوركه لكن ليس لوراس ،ليس فارس ُّ
سيف طويل.
قائال« :نِصف عدد السُّفن ما زا َل يعني أنها خمسمئة يا سيِّدي.َر َّد أوران ووترز على أورتون ميريويذر ً
أسطول بهذا الحجم».
ٍ فقط (الكرمة) تملك ق َّوةً كافيةً في البحر لموا َجهة
سألَه السير هاريس« :وماذا عن ال ُّدرمونات الجديدة؟ سُفن الحديديِّين الطَّويلة ال يُمكن أن تَص ُمد أمام
ُدرموناتنا بالتَّأكيد( .مطرقة الملك روبرت) أقوى سفين ٍة حربيَّة في (وستروس) بأَسرها».
قال ووترز« :كانت كذلك( .الجميلة سرسي) ستكون نظيرتها حالما تكتمل ،و(اللورد تايوين) سيكون
ضعف االثنتين .لكن نِصف السُّفن فقط جاهز ،وال واحدة منها طاقمها كامل ،وحتى عندئ ٍذ ستظلُّ حجمها ِ
األعداد ضدنا إلى َح ٍّد كبير .السَّفينة الطَّويلة التَّقليديَّة صغيرة الحجم مقارنةً بقوادسنا ،هذا صحيح ،لكن
الحديديِّين لديهم سُفن أكبر أيضًا( .الكرا ِكن العظيم) سفينة اللورد بالون وسُفن األسطول الحديدي الحربيَّة
مبنيَّة للمعارك ال الغارات ،وتُضاهي قوادسنا األق َّل شأنًا في السُّرعة والق َّوة ،وأكثرها أطقُمه وربابنته
أفضل .الحديديُّون يقضون حياتهم كلَّها في البحر».
كان على روبرت أن يُطَهِّر (جُزر الحديد) بَعدما تمرَّد بالون جرايچوي عليه .لقد حطَّم أسطولهم وأحر َ
ق
بلداتهم واقتح َم قلعتهم ،لكن بَعد أن أرك َعهم سم َح لهم بال ُّنهوض من جديد .كان عليه أن يصنع جزيرةً أخرى
ُفترض أن يملكها الملوكط باإلرادة التي ي َمن جماجمهم .هذا ما كان أبوها ليفعله ،لكن روبرت لم يتمتَّع قَ ُّ
ليحفظ السَّالم في البالد .قالت« :الحديديُّون لم يَجسُروا على اإلغارة على (المرعى) منذ كان داجون
جرايچوي جالسًا على ُكرسي حجر اليم .لماذا يفعلون هذا اآلن؟ ما الذي شجَّعهم؟».
قال كايبرن الواقف مخبِّئًا يديه داخل ُك َّميه« :ملكهم الجديد ،أخو اللورد بالون الملقَّب بعين ال ُغراب».
قال ال ِمايستر األكبر پايسلِ « :غربان الجيف تُقيم والئمها من لحم الموتى والمحتضرين وال تُ ِ
هاجم
ُتخم اللورد يورون معدته َّ
بالذهب والغنائم ،لكن حالما نتحرَّك ضده الحيوانات السَّليمة المعافاة .نعم ،سي ِ
سيرجع إلى پايك كديدن اللورد داجون في عصره».
ُهاجمون بك ِّل هذه الق َّوة .ألف سفينة!
قالت مارچري تايرل« :أنت مخطئ .ال ُمغيرون ال ي ِ
اللورد هيويت واللورد تشستر قُتِال ،وكذا ابن اللورد سيري ووريثه .سيري نفسه فَ َّر إلى (هايجاردن) بما
تبقَّى له من سُفن ،واللورد جريم سجين في قلعته .ويالس يقول إن الملك الحديدي نصَّب أربعة لوردات
جُددًا من رجاله ً
بدال منهم».
ك الدِّفاع عن (المرعى) بين يدَي ابنه ويالس ،العاجز .هو الملوم على هذا .ذلك األبله مايس تايرل تر َ
التَّعس الضَّعيف« .الرِّ حلة من (جُزر الحديد) إلى (التُّروس) طويلة .كيف قط َعت ألف سفينة ك َّل تلك
المسافة دون أن يراها أحد؟».
أجابَت مارچري« :ويالس يعتقد أنهم لم يتحرَّكوا بمحاذاة السَّاحل ،بل ابتعدوا عن اليابسة وتو َّغلوا في
(بحر الغروب) ،ثم عادوا وانقضُّ وا من الغرب».
رجاال في أبراج الحراسة ،واآلن يخشى أن نعلم هذا .الملكة الصَّغيرة تختلق ً األرجح أن العاجز لم يضع
األعذار ألخيها .أحسَّت سرسي بجفاف فمها ،فقالت لنفسها :أري ُد كأسًا من نبيذ (الكرمة) َّ
الذهبي .إذا كانت
ُخطوة الحديديِّين التَّالية أن يأخذوا (الكرمة) فربما يُصيب العطش البالد كلَّها ع َّما قريب« .قد تكون
عرض أخوه واحدًا على ستانيس».َ عرض على أبي ِحلفًا ،وربما
َ لستانيس يد في هذا .بالون جرايچوي
ً
متسائال« :وما الذي يجنيه اللورد ستانيس من.»... قطَّب پايسل جبينه
مرتزقته أجورهم،
ِ « -يجني موطئًا آ َخر لقدمه ،وهناك الغنائم أيضًا .ستانيس يحتاج إلى َّ
الذهب ليَنقُد
وباإلغارة على الغرب يأمل أن يصرف انتباهنا عن (دراجونستون) و(ستورمز إند)».
جاللتك أن
ِ أومأ َ اللورد ميريويذر برأسه ،وقال« :تشتيت انتباه .ستانيس أمكر مما حسبنا .ذكا ٌء من
تستشفِّي حيلته».
قال پايسل« :اللورد ستانيس يُكافِح لكسب ال َّشماليِّين إلى صفوفه ،وإذا صاد َ
ق الحديديِّين فال أمل له.»...
لرجل عليم ِمثله أن يكون بهذا الغباء« :ال َّشماليُّون لن يقبلوه .اللورد
ٍ قاط َعته سرسي متسائلةً كيف يُمكن
ماندرلي قط َع رأس فارس البصل ويديه كما أ َّكد لنا آل فراي ،وث َّمة نِصف دستة من اللوردات ال َّشماليِّين
عدو عد ِّوي صديقي .إلى من إذن يلجأ ستانيس َّإال أعداء ُّ اآلخَرين الذين انض ُّموا إلى اللورد بولتون.
ال َّشمال من الحديديِّين والهَمج؟ لكن إذا كان يحسب أنني سأق ُع في الفَ ِّخ فهو أكثر منك حُمقًا» ،وعادَت
تلتفت إلى الملكة الصَّغيرة قائلةً(« :جُزر التُّروس) تنتمي إلى (المرعى).
جريم وسيري والبقيَّة مقسمون على الوالء ل(هايجاردن) ،وعلى (هايجاردن) أن تر َّد على هذا العُدوان».
قالت مارچري تايرل(« :هايجاردن) ستر ُّد .ويالس أرس َل خبرًا إلى اليتون هايتاور في (البلدة القديمة)
ليحرص على تشديد دفاعاته ،وجارالن يحشد ال ِّرجال السترداد الجُزر ،لكن الجزء األكبر من ق َّوتنا مع
أبي .يجب أن نبعث له برسال ٍة في (ستورمز إند) على الفور».
« -ونرفع الحصار؟» .ال تروق سرسي وقاحة مارچري .تقول لي على الفور .هل تحسبني وصيفتها؟ «ال
نجح في صرف انتباهنا عن
َ ي في أن اللورد ستانيس سيُ َسرُّ لهذا .ألم تُصغي يا سيِّدتي؟ إذا َش َّ
ك لد َّ
(دراجونستون) و(ستورمز إند) إلى تلك الصُّ خور.»...
صاحبة الجاللة إنها صخور؟». ِ شهقَت مارچري ،وقالت« :صخور؟ هل قالت
جاللتك ،من تلك الصُّ خور المزعومة يُهَدِّد
ِ الزهور يده على كتف أخته ً
قائال« :بَعد إذن وض َع فارس ُّ
الحديديُّون (الكرمة) و(البلدة القديمة) ،ف ِمن معاقل (التُّروس) يستطيع ال ُمغيرون اإلبحار في (الماندر) إلى
كاف من ال ِّرجال بإمكانهم تهديد (هايجاردن) نفسها».
ٍ قلب (المرعى) ذاته كما اعتادوا قدي ًما ،وبعد ٍد
قالت الملكة بمنتهى البراءة« :حقًّا؟ إذن على أخويك ال ُّشجاعيْن طردهم من على تلك الصُّ خور ،وسريعًا».
ُفن كافية؟ ويالس وجارالن يقدران على حشدقال السير لوراس« :كيف تقترح الملكة أن يفعال ذلك بال س ٍ
وضعف هذا العدد خالل دورة قمر ،لكنهم ال يستطيعون المشي عشرة آالف رجل في غضون أسبوعينِ ،
صاحبة الجاللة».
ِ على الماء يا
فرسخ من السَّاحل.
ٍ ذ َّكرته سرسي قائلةً(« :هايجاردن) تستقرُّ أعلى (الماندر) .أنتم وأتباعكم تملكون ألف
أليس هناك صيَّادون؟ أال تو َجد قوارب نُزهة أو عبَّارات أو قوادس نهريَّة أو زوارق؟».
أجاب السير لوارس« :هناك الكثير».
َ
ش عبر مساح ٍة صغيرة من المياه في رأيي». « -إذن فمن المفت َرض أن يكفي هذا لحمل جي ٍ
« -وعندما تنقضُّ السُّفن الطَّويلة على أسطولنا البائس بينما يقطع تلك «المساحة الصَّغيرة من المياه» ،فما
صاحبة الجاللة أن نفعله عندها؟». ِ الذي تُريدنا
الذهب أيضًا .لكم إذني في استئجار قراصن ٍة من وراء (البحر الضيِّق)». اغرقوا(« .هايجاردن) تملك َّ
َر َّد لوارس باحتقار« :تعنين قراصنةً من (مير) و(لِيس)؟ حُثالة ال ُمدن ال ُحرَّة؟».
وقح كأخته .قالت بعذوب ٍة سا َّمة« :من المؤسف أن علينا جميعًا التَّعا ُمل مع الحُثالة بين الحين واآلخَر .هل
لديك فكرة أفضل؟».
« -وحدها (الكرمة) تملك السُّفن الكافية الستعادة مصبِّ (الماندر) من الحديديِّين وحماية أخ َوي من سُفنهم
رسلي إلى (دراجونستون) وتأمري اللورد ردواين باإلبحار جاللتك أن تُ ِ
ِ الطَّويلة خالل العبور .أتو َّس ُل إلى
في الحال».
كاف ألن يتوسَّل .يملك پاكستر ردواين مئتي سفين ٍة حربيَّة وخمسة أضعافها من ٍ بعقل
ٍ على األقل يتمتَّع
القراقير وأكواج النَّبيذ والقوادس التِّجاريَّة وسُفن صيد الحيتان ،على أن ردواين مخيِّم عند أسوار
(دراجونستون) ،والجزء األكبر من أسطوله مشغول بنقل الرِّ جال عبر (الخليج األسود) من أجل الهجوم
على معقل الجزيرة ،والبقيَّة تجوب (خليج السُّفن الغارقة) إلى الجنوب ،حيث يحول وجودها وحده دون
إمداد (ستورمز إند) بالمؤن من البحر.
قال أوران ووتيز متميِّ ًزا غيظًا من اقتراح السير لوراس« :إذا أبح َرت سُفن اللورد ردواين فكيف ننقل
المؤن إلى رجالنا في (دراجونستون)؟ دون قوادس (الكرمة) كيف نستمرُّ في حصار (ستورمز إند)؟».
« -يُمكن استئناف الحصار الحقًا بَعد.»...
قاط َعته سرسي(« :ستورمز إند) أعلى قيمة مئة مرَّة من (التُّروس) ،و(دراجونستون) ...ما دا َمت
(دراجونستون) في يدَي ستانيس باراثيون فستبقى سيفًا مصلتًا على رقبة ابني .سنسمح للورد ردواين
ضت الملكة قائلةً« :هذا االجتماع انتهى .أيها ال ِمايستر األكبر
وأسطوله باإلبحار عند سقوط القلعة» ،ونه َ
پايسل ،أري ُد كلمةً معك».
ُلم ما من شبابه ،لكن قبل أن يقوم تق َّدم لوراس تايرل ب ُخطى سريعة ظه بح ٍجفل العجوز كأن صوتها أيق َ َ
لدرجة أن الملكة تراج َعت مذعورةً ،وكانت على وشك أن تصيح في السير أوزموند أن يُدافِع عنها عندما
قائال« :جاللة الملكة ،اسمحي لي باالستيالء على (دراجونستون)». الزهور على رُكبته أمامها ً جثا فارس ُّ
ارتف َعت يد أخته إلى فمها ،وقالت« :لوراس ،ال».
تجاه َل السير لوراس منا َشدتها ،وتاب َع« :تجويع (دراجونستون) حتى تخضع سيستغرق نِصف ٍ
عام كما
ملكك خالل أسبوعين ولو
ِ صاحبة الجاللة .ستكون القلعة
ِ ينوي اللورد پاكستر أن يفعل .كلِّفيني بالقيادة يا
ُ
اضطررت إلى أن أهدمها بيدَي».
فصح لها عن ُخطط اللورد
ال أحد أعطى سرسي هديَّة بهذه الحالوة منذ هرعَت إليها سانزا ستارك لتُ ِ
إدارد ،فقالت وقد سرَّتها رؤية وجه مارچري الذي امتق َعَ « :شجاعتك تحبس أنفاسي يا سير لوراس .لورد
ووترز ،هل أيُّ ال ُّدرمونات الجديدة صالح لإلبحار؟».
(« -الجميلة سرسي) يا جاللة الملكة .إنها سفينة سريعة ،وقويَّة ِمثل سميَّتها الملكة».
الزهور إلى (دراجونستون) على الفور .سير لوراس ،القيادة « -رائع .فلتحمل (الجميلة سرسي) فارس ُّ
لكِ .عدني بأنك لن ترجع قبل أن تكون (دراجونستون) لتومن».
ونهض.
َ َر َّد« :سأفعلها يا جاللة الملكة»،
ً
باسال» ،ولكن إ َّما أن لك أ ًخا
لث َمته سرسي على كلتا وجنتيه ،ولث َمت أخته أيضًا وهم َست لها« :إن ِ
مارچري لم تجد الكياسة لتر َّد وإ َّما أن الخوف سلبَها القُدرة على الكالم.
كانت ساعات ع َّدة ال تزال تفصلهم عن الفَجر عندما خر َجت سرسي من باب الملك وراء العرش
بمشعل ويمشي كايبرن إلى جوارها ،في حين َج َّد پايسل السَّير ليلحق ٍ الحديدي ،يتق َّدمها السير أوزموند
صاحبة الجاللة ،ال ُّشبَّان يُبا ِلغون في جراءتهم وال يُفَ ِّكرون أبدًا َّإال في أمجاد
ِ بهم ،وقال الهثًا« :بَعد إذن
المعركة وليس في أخطارها .السير لوراس ...خطَّته هذه محفوفة بالمخاطر .مجرَّد الهجوم على أسوار
(دراجونستون).»...
َ ...« -شجاعة بالغة».
َ ...« -شجاعة ،نعم ،ولكن.»...
رجل يَبلُغ ال ُّشرفات» .وربما أول َمن يَسقُط .النَّغل ٍ الزهور سيكون أول أشك في أن فارس ُّ ُّ ُ «-
لست
ت غريرًا وإنما قاتل مخضرم ،وإن شا َءت المجدور الذي تر َكه ستانيس للدِّفاع عن قلعته ليس بطل مباريا ٍ
اآللهة فسيُعطي السير لوراس النِّهاية المجيدة التي يبدو أنه يُريدها .بفرض أن الفتى لن يغرق في الطَّريق.
وانهمر المطر األسود مدرارًا طيلة ساعات .أولن يكون ذلك َ ليلة البارحة هبَّت عاصفة أخرى عاتية،
محزنًا؟ الغرق نهاية تقليديَّة .السير لوراس يشتهي المجد كما يشتهي ال ِّرجال الحقيقيُّون النِّساء ،وأقلُّ ما
تستطيع اآللهة فِعله أن تمنحه ميتةً تليق باألغاني.
حدث للفتى في (دراجونستون) فالملكة الفائزة .إذا أخ َذ لوراس القلعة فتلك ضربة موجعة َ لكن مهما
ق فستحرص على أن يتح َّمل لستانيس ويستطيع أسطول ردواين اإلبحار لموا َجهة الحديديِّين ،وإذا أخف َ
ً
محموال على تُرسه مغطّى بال َّدمً نصيب األسد من اللَّوم .ال شيء يُفقِد البطل بريقه كالفشل .وإذا عا َد
والمجد فسيكون السير أوزني موجودًا لمواساة أخته في فجيعتها.
لم تَعُد سرسي قادرةً على كتمان الضَّحكة ،ومن بين شفتيها تفجَّرت لتتر َّدد على جُدران الرُّ واق.
مرتخ ،وسألَها« :جاللة الملكة ،لماذا ...لماذا تضحكين؟».
ٍ ح َّدق ال ِمايستر األكبر پايسل إليها ٍ
بفم
أجابَت مضط َّرةً« :كي ال أبكي .إن قلبي يتفجَّر ُحبًّا للسير لوراس وإقدامه».
تر َكت ال ِمايستر األكبر على السَّاللم الملتفَّة مف ِّكرةً بحسم :لم يَعُد لهذا الرَّجل نفع البتَّة .يبدو أن پايسل ال
اعترض على التَّفاهُم الذي
َ يفعل شيئًا في الفترة األخيرة َّإال ابتالءها بالتَّحذير واالعتراض ،حتى إنه
توصَّلت إليه مع السِّپتون األعلى ،محملقًا إليها بعينين منطفئتين دامعتين حين أم َرته بإعداد األوراق
بترت سرسي كالمه قائلةً بحزم« :عهد الملك ميجور الضَّروريَّة ومثرثرًا عن التَّاريخ السَّحيق ،إلى أن َ
انتهى وكذلك مراسيمه .اآلن عهد الملك تومن وعهدي» .كان األفضل لي أن أتركه يضمحلُّ في ال َّزنازين
السَّوداء.
ط السير ط ِّوق (حصن ميجور)« :إذا سق َ قال اللورد كايبرن وهُم يَعبُرون فوق الخندق الجاف الذي يُ َ
س آخَر جدير بال َحرس الملكي». صاحبة الجاللة إلى فار ٍ ِ لوراس فستحتاج
أيَّدته قائلةً« :يجب أن يكون أحدًا فائقًا ،أحدًا شابًّا وسريعًا وقويًّا يُنسي تومن السير لوراس تما ًما .ال بأس
ً
رجال كهذا؟». بشي ٍء من البسالة ،لكن يجب َّأال يمتلئ عقله باألفكار الحمقاء .هل تعرف
نوع آخَر .ما يفتقر إليه من البسالة سير ُّده عشرة ٍ نصير من
ٍ أجاب كايبرن« :لألسف ال ،لكنني أف ِّك ُر في َ
رجل حي سيستطيع الصُّ مود ٍ أسرارك ،وما من
ِ أعداءك ويحفظ
ِ ابنك ويَقتُل
أضعاف باإلخالص .سيحمي ِ
أمامه».
« -هذا ما تقوله أنت .الكالم هواء .في الوقت المناسب يُمكنك اإلفصاح عن رجلك المثالي هذا وسنرى إن
كان كما وعدت».
تألأل االستمتاع في عينَي اللورد كايبرن وهو يقول« :سيُ َغ ُّنون عنه ،أقس ُم لك .هل لي أن أسأل عن َ
الدِّرع؟».
طلبت ما أخبرتَني به .صانع السِّالح يحسبني مجنونةً ،يُ َؤ ِّكد لي أن ال رجل بالق َّوة الكافية للحركةُ «-
والقتال بكلِّ هذا المعدن الثَّقيل» ،ورمقَت سرسي ال ِمايستر منزوع السِّلسلة ،وأردفَتِ « :
حاول أن تخدعني
وستموت صار ًخا .ال بُ َّد أنك تعي ذلك».
« -دائ ًما يا جاللة الملكة».
« -عظيم .ال تقل المزيد في هذا الصَّدد».
« -الملكة حكيمة .هذه الجُدران لها آذان».
« -صحيح» .أحيانًا في اللَّيل تسمع سرسي أصواتًا خافتةً ،حتى في مسكنها ذاته ،فتقول لنفسها :إنها فئران
داخل الجُدران ال أكثر.
إلى جوار فِراشها وجدَت شمعةً مشتعلةً ،لكن نار المستوقَد انطفأَت وال ضوء آ َخر ،ثم إن ال ُغرفة باردة
أيضًا .خل َعت سرسي فُستانها تاركةً إياه يتك َّوم على األرض ودخلَت تحت األغطية ،وعلى الجانب اآلخَ ر
من الفِراش تحرَّكت تاينا وغمغ َمت بنعومة« :جاللة الملكة ،ما السَّاعة؟».
« -ساعة البومة».
على الرغم من أن سرسي تنام غالبًا بمفردها فإنها لم تحبَّ هذا قَ ُّ
ط .أقدم ذكرياتها عن اقتسام الفِراش مع
چايمي حين كان كالهما صغيرًا للغاية وال أحد يستطيع التَّمييز بينهما ،والحقًا بَعد الفصل بينهما عرفَت
سلسلةً من وصيفات الفِراش والرَّفيقات ،أكثرهن فتيات من ِسنِّها ،بنات فُرسان بيت أبيها وح َملة رايته،
ضتها ،وقليالت بقين م َّدةً طويلةً .غادرات صغيرات جميعهن ،مخلوقات باكية لكن وال واحدة منهن أر َ
ليال في
تكف عن حكاية القِصص ومحا َولة الحيلولة بيني وبين چايمي .ومع ذلك مرَّت عليها ٍ ُّ مضجرة ال
أعماق (الصَّخرة) السَّوداء كانت لتُ َرحِّ ب فيها بدفئهن إلى جوارها .الفِراش الخالي فِراش بارد.
ال سيَّما هنا .هذه ال ُغرفة باردة ،وزوجها الملوكي المأفون ماتَ تحت هذه المظلَّة تحديدًا .روبرت باراثيون
األول ،عسى َّأال يأتي ٍ
ثان أبدًا .رجل بليد س ِّكير غاشم .فليتر َّدد بُكاؤه في دركات الجحيم .تاينا تُ َدفِّئ الفِراش
حاول أبدًا أن تفتح ساقَي سرسي باإلكراه ،وفي الفترة األخيرة تُ ِ
شارك أفضل من روبرت كثيرًا ،وال تُ ِ
الملكة فِراشها أكثر من زوجها اللورد ميريويذر ،وال يبدو أن أورتون يُمانِع ...أو يُمانِع لكنه أعقل من أن
يبوح بهذا.
أجدك» ،غمغ َمت الليدي ميريويذر وهي تعتدل جالسةً وتستند إلى الوسائد، ِ ت ولمقلقت حين استيقظ ُُ «-
ب ما؟».وقد تشاب َكت األغطية حول خصرها« .هل من خط ٍ
ُبحر السير لوراس إلى (دراجونستون) ليظفر بالقلعة أجابَت سرسي« :ال ،كلُّ شي ٍء على ما يُرام .غدًا سي ِ
ويُطلِق أسطول ردواين ويُثبِت رجولته لنا جميعًا» .ح َكت للمايريَّة ك َّل ما جرى في ِظلِّ العرش الحديدي
المتقلقل ،ثم قالت« :من دون أخيها ال ُّشجاع ملكتنا الصَّغيرة تكاد تكون عاريةً .إن معها ُحرَّاسها بالتَّأكيد،
لكني أرس ُل قائدهم هنا وهناك في أنحاء القلعة .إنه رجل ثرثار على سُترته الطَّويلة سنجاب ،والسَّناجب
تفرُّ من األُسود .ليس باستطاعته تحدِّي العرش الحديدي».
ت كثيرة في قالت الليدي ميريويذر مح ِّذرةً« :مارچري حولها رجال مسلَّحون آخَرون .لقد ك َّونت صداقا ٍ
البالط ،وهي وبنات عمومتها الصَّغيرات لهن معجبون جميعًا».
ر َّدت سرسي« :ال يُقلِقني قليلون من خاطبي ال ُود ،أ َّما الجيش المعس ِكر عند (ستورمز إند).»...
« -ماذا تنوين أن تفعلي يا جاللة الملكة؟».
أنك ال تُفَ ِّكرين في إطالع
وجدَت سرسي السُّؤال مباشرًا على نح ٍو ال يروقها ،فقالت« :لماذا تسألين؟ آم ُل ِ
ملكتنا الصَّغيرة المسكينة على تأ ُّمالتي الفارغة».
لست تلك الفتاة سينل».ُ « -مستحيل .أنا
ال ترغب سرسي في التَّفكير في سينل .لقد ر َّدت فضلي بالخيانة .سانزا ستارك فعلَت ال ِمثل ،ومن قبلها
صباهن .لم أكن ألدخل تلك الخيمة إطالقًا لوالهما ،لم أكن ميالرا هيذرسپون وچاين فارمان السَّمينة في ِ
ت ثقتي يا تاينا .لن أجدسأحزن كثيرًا إذا ُخن ِ
ُ بتذوق غدي في قطر ٍة من ال َّدم« . ألسمح لماجي الضِّ فدعة ُّ
إياك ،لكني أعل ُم أنني سأبكي». خيارًا َّإال إعطاء اللورد كايبرن ِ
عليك َّإال أن تقولي وسأسلِّ ُم نفسي إلى
ِ ُ
فعلت فما أعطيك سببًا للبُكاء أبدًا يا جاللة الملكة ،وإذا
ِ « -لن
أخدمك بأيِّ وسيل ٍة تَطلُبين».
ِ كايبرن .أري ُد فقط أن أكون قريبةً ِ
منك ،أن
« -وما المكافأة التي تتوقَّعينها لقاء هذه الخدمة؟».
دك» ،واعتدلَت على جانبها وبشرتها ال َّزيتونيَّة تلتمع في ضوءُسعدني فقط أن أس ِع ِ
قالت تاينا« :ال شيء .ي ِ
ال َّشمعة .ثدياها أكبر من ثديَي الملكة وتُ َكلِّلهما حلمتان سوداوان كبيرتان .إنها أصغر مني ،وثدياها لم يبدآ
في االرتخاء بع ُد .تساءلَت سرسي كيف ستَشعُر إذا قبَّلت امرأةً أخرى ،ليس بخفَّ ٍة على الوجنة على سبيل
الكياسة كما تفعل بنات األعيان ،وإنما على ال َّشفتين مباشرةً ،وشفتا تاينا ممتلئتان للغاية .تساءلَت عن
شعورها إذا مصَّت هاتين الحلمتين ،إذا م َّددت المايريَّة على ظَهرها وفت َحت ساقيها واستعملَتها استعمال
الرَّجل للمرأة ،استعمال روبرت لها حين كان يسكر دون أن تستطيع إزاحته من فوقها بيديها أو بفمها.
كانت تلك أسوأ اللَّيالي ط ًّرا ،عندما تتم َّدد تحته عاجزةً بينما يقضي وطره منها وقد فا َحت منه رائحة النَّبيذ
ورا َح يخور كالخنازير الب ِّريَّة .عادةً كان يتدح َرج من فوقها ويغيب في النَّوم ما إن يَفرُغ ويتعالى غطيطه
تجف نُطفته على فخذيها ،وبَعدها كانت تَشعُر باأللم دائ ًما ،تتوجَّع بين ساقيها ويتوجَّع ثدياها من َّ قبل أن
هرسه إياهما .المرَّة الوحيدة التي جعلَها تبتلُّ كانت ليلة زفافهما.
في بداية زواجهما كان روبرت وسي ًما كفايةً ،طويل القامة قويًّا متين البنيان ،لكن َشعره أسود غزير،
كثيف على صدره وخشن حول عانته .أحيانًا عندما يلجها كانت الملكة تُفَ ِّكر :الرَّجل الخطأ عا َد من معركة
(الثَّالوث) .في السَّنوات القليلة األولى ،وقت أن اعتا َد أن يعتليها أكثر ،كانت تُغلِق عينيها وتتظاهَر بأنه
تستطع التَّظاهُر بأنه چايمي ألنه كان مختلفًا للغاية وغير مألوف ،وحتى رائحته ذاتها خطأ. ِ ريجار ،إذ لم
ط .مع مجيء الصَّباح لم يكن يتذ َّكر شيئًا ،أو هكذا أرادَها أن بالنِّسبة إلى روبرت لم تَح ُدث تلك اللَّيالي قَ ُّ
تعتقد .ذات م َّر ٍة في عام زواجهما األول أعربَت سرسي عن استيائها في الصَّباح التَّالي ،وقالت شاكيةً:
«لقد آلمتَني» ،فال َح عليه الخجل ،وبنبر ٍة عابسة واجمة قال« :لم يكن هذا أنا يا سيِّدتي ،بل النَّبيذ .إنني
ض ِبطَ يسرق كعكات التُّفَّاح من المطبخ .وليزدرد روبرت اعترافه َم َّد أشربُ الكثير من النَّبيذ» ،كأنه طفل ُ
يده إلى قرن ال ِمزر ،وإذ رف َعه إلى فمه حطَّمت قرنها هي على وجهه بق َّو ٍة كس َرت قطعةً من إحدى أسنانه،
التحام جماعي ،فقالت لنفسها :لم يكذب. ٍ ت في أثناء مأدبة سم َعته يقول لخادم ٍة إنه كس َر ِسنَّه في وبَعد سنوا ٍ
التحام جماعي.
ٍ زواجنا كان كالقتال في
ليال .كانت ترى هذا في عينيه ،لكن على أن البقيَّة كلَّها أكاذيب .إنها مقتنعة بأنه كان يَذ ُكر ما يفعله بها ً
ُواجه خزيه .في أعماقه كان روبرت باراثيون جبانًا .مع الوقت قلَّت األسهل أن ي َّدعي النِّسيان من أن ي ِ
هجماته عليها ،فخالل العام األول تع َّود أن يأخذها م َّرةً ك َّل أسبوعين على األقل ،وقُرب النِّهاية لم يَعُد
سرف فيها في آجال كانت تأتي دائ ًما ليلة يُ ِوعاجال أم ًً يأخذها ولو م َّرةً في العام ،لكنه لم يتوقَّف تما ًما،
ال ُّشرب ويرغب في مما َرسة حقوقه .ما كلَّله بالعار في نور النَّهار من َحه ال ُمتعة تحت جُنح الظَّالم.
ت بخير؟». وجهك نظرة غريبة .هل أن ِ ِ قالت تاينا ميريويذر« :جاللة الملكة ،على
ت صديقة طيِّبة يا تاينا .لم أح َ
ظ بصديق ٍة طيِّبة كنت فقط ...أتذ َّك ُر .أن ِ
أجابَت شاعرةً بالجفاف في َحلقهاُ « :
منذ.»...
قاط َعتها دقَّات قويَّة على الباب.
نوم وذهبَت ترى َمنثانيةً؟ جعلَها إلحاح ال َّدقَّات ترتجف .هل هاج َمتنا ألف سفينة أخرى؟ ارتدَت معطف ٍ
إزعاجك يا جاللة الملكة ،لكن الليدي ستوكوورث في ِ الطَّارق ،فوجدَته حارسًا قال لها« :اغفري لي
لقاءك».
ِ األسفل تَطلُب
خلدت إلى النَّوم ،قُل لها إن أهل
ُ قالت سرسي بح َّدة« :في هذه السَّاعة؟ هل فقدَت فاليس عقلها؟ قُل لها إنني
أمضيت نِصف اللَّيل مستيقظةً .سأراها غدًا».
ُ (التُّروس) يُ َذبَّحون ،قُل لها إنني
ت تفهمين ما أعنيه». َر َّد الحارس بتر ُّدد« :بَعد إذن جال ِ
لتك ،إنها ...إنها ليست في حال ٍة جيِّدة ،إذا كن ِ
افترضت أن فاليس هنا لتُخ ِبرها بأن برون ماتَ .قالت« :ليكن .عل َّ
ي أن أرتدي َ عقدَت سرسي حاجبيها .لقد
ثيابيُ .خذها إلى ُغرفتي ال َّشمسيَّة واجعلها تنتظر» .عندما بدأت الليدي ميريويذر تنهض لتذهب معها
من َعتها الملكة قائلةً« :ال ،ابقي .على واحد ٍة منا على األقل أن تظفر بالقليل من الرَّاحة .لن أتأ َّخر».
وجدَت وجه الليدي فاليس مكدو ًما متو ِّر ًما وعينيها محمرَّتين من ال ُّدموع ،وشفتها السُّفلي مشقوقةً وثيابها
ق اآللهة ،ماذا متَّسخةً مم َّزقةً ،فقالت سرسي إذ أشا َرت لها بدخول ُغرفتها ال َّشمسيَّة وأغلقَت الباب« :ب َح ِّ
لوجهك؟».
ِ َ
حدث
ُحماك يا أ َّمنا ،لقد ...لقد،»...
ِ ت راجف« :قتلَه! ر لم يب ُد على فاليس أنها سم َعت السُّؤال ،وقالت بصو ٍ
وانها َرت باكية وجسدها كلُّه يرتعد.
ِّئك .نعم ،اشربي صبَّت سرسي كأسًا من النَّبيذ وأخ َذتها إلى المرأة الباكية قائلةً« :اشربي هذا ،النَّبيذ سيُهَد ِ
أكثرُ .كفِّي عن البُكاء وأخبِريني ماذا تفعلين هنا».
تطلَّب األمر بقيَّة اإلبريق كي تستطيع سرسي أخيرًا استخالص الحكاية الحزينة من الليدي فاليس ،وبَعد
تدر هل تضحك أم تثور .ر َّددت« :نزال فردي» .أما من أح ٍد في (الممالك السَّبع) يُمكنني أن عرفَتها لم ِ
االعتماد عليه؟ أأنا الوحيدة في (وستروس) التي تملك شيئًا من العقل؟ «تقولين لي إن السير بالمان تح َّدي
نزال فردي؟!».ٍ برون في
« -قال إن المسألة ستكون بببسيطةً ،قال إن الرُّ مح سالح الففارس ،وإن ببرون ليس فارسًا حقيقيًّا .بالمان
قال إنه سيُسقِطه من فوق حصانه ويُج ِهز عليه وهو مذمذمذهول على األرض».
كتب شهادة وفاته بنفسه. برون ليس فارسًا حقيقيًّا ،هذا صحيح .برون قاتِل عر َكته المعارك .زوجك القميئ َ
«خطَّة رائعة .هل لي أن أعلم كيف فشلَت؟».
غرس رُمحه في صدر ححححصان بالمان المسكين .بالمان ...انسحقَت ساقاه عندما سق َ
ط َ « -ببرون
الحصان فوقه .كان صُراخه يُثير ال َّشفقة.»...
طلبت منكما أن تُ َرتِّبا لحادثة صيد .سهم طائش ،سقطة ُ المرتزقة ال يعرفون ال َّشفقة« . ِ كانت سرسي لتقول:
رجل ما في الغابة ،لكن وال واحدة منها ٍ من فوق حصان ،خنزير ب ِّري غاضب ...الوسائل ع َّدة لموت
تتض َّمن الرِّماح!».
حاولت أن أهرع إلى بالمان ضربَني برون في ...في... ُ بدا على فاليس أنها لن تسمعها إذ واصلَت« :ل َّما
سائال ال ِمايستر فرنكن أن يأتي ويُعالِجه ،لكن ً في وجهي! لقد جع َل زوجي يعترف .بالمان كان يَصرُخ
لمرتزق ...لقد ...لقد ...لقد.»...
ِ ا
عجب سرسي هذه الكلمة« .مؤ َّكد أن السير بالمان ال ُّشجاع صانَ لسانه». « -يعترف؟» .ال تُ ِ
غرس خنجرًا في عينه وقال لي إن عل َّي أن أغادر (ستوكوورث) قبل مغيب ال َّشمس َّ
وإال َ « -برون
ُ
أمرت بالقبض ي من رجاله .عندما أصابَني ال ِمثل ،قال إنه سيُ َد ِّورني على الحاحاحاحامية إذا أرادَني أ ٌّ
ي أن أفعل ما يقوله اللورد ستوكوورث .دعاه باللورد على برون قال أحد فُرسانه بوقاح ٍة إن عل َّ
ستوكوورث!» ،وأطبقَت الليدي فاليس على يد الملكة متابعةً« :يجب أن تُعطيني فُرسانًا يا جاللة الملكة،
مئة فارس! ورُماة أيضًا الستعادة القلعة( .ستوكوورث) لي! إنهم لم يسمحوا لي بجمع مالبسي حتى! قال
برون إنها مالبس زوجته اآلن ،كلُّ مالبسي الححرير والمخمل».
ُ
طلبت مشكالتك اآلن .سحبَت الملكة أصابعها من قبضة المرأة األخرى الرَّطبة ،وقالت« : ِ أسمالك أقلُّ
ِ
وبدال من هذا سكبتما عليها ج َّرةً من النَّار ال َّشعواء .هل
ً منكما أن تُخ ِمدا شمعةً للمساعَدة على حماية الملك،
ذك َر األحمق بالمان اسمي؟ قولي لي إنه لم يفعل».
لعقَت فاليس شفتيها قائلةً« :كان ...كان يتألَّم ،ساقاه انكس َرتا .برون قال إنه سيتعا َمل معه برحمة ،ولكن...
ماذا سيَح ُدث ألأأمي المسكينة؟».
أظن أنها ستموت« .ماذا تحسبين؟» .ربما ماتَت الليدي تاندا بالفعل ،فبرون ال يبدو من الرِّ جال الذينُّ
يبذلون جهدًا في رعاية امرأ ٍة عجوز مكسورة ال َورك.
« -يجب أن تُسا ِعديني .أين أذهبُ ؟ ماذا أفعلُ؟».
زوجك الرَّاحل .ال
ِ ُمكنك أن تتز َّوجي فتى القمر ،إنه أقرب في التَّهريج إلى
ِ كادَت سرسي تقول :ربما ي
ب على أعتاب (كينجز الندنج) اآلن .هكذا قالت« :األخوات الصَّامتات ي َُرحِّ بن تستطيع المجازَفة بحر ٍ
باألرامل دو ًما .إن حياتهن حياة هادئة ،حياة من الصَّالة والتَّأ ُّمل واألعمال الصَّالحة ،ويمنحن األحياء
المواساة والموتى السَّالم».
وال يتكلَّمن .ال يُمكنها أن تَترُك المرأة تجوب (الممالك السَّبع) ناشرةً الحكايات الخطرة.
جاللتك .نفخر
ِ َّإال أن فاليس ص َّمت أُذنيها عن كلمة العقل ،وقالت« :كلُّ ما فعلناه فعلناه في خدمة
ت.»... بإخالصنا .لقد قل ِ
قاط َعتها سرسي« :أذك ُر» ،وأجب َرت نفسها على االبتسام مردفةً« :ستبقين هنا معنا يا سيِّدتي إلى أن يحين
ت مت َعبة وسقيمةُعينك على النَّوم .أن ِ
لك كأس نبي ٍذ أخرى ،سي ِقلعتك .دعيني أصبُّ ِ ِ الوقت ونستطيع استرداد
القلب ،هذا واضح .عزيزتي المسكينة فاليس .نعم ،اشربي».
بينما عملَت ضيفتها على اإلبريق ذهبَت سرسي إلى الباب ونادَت وصيفتيها .قالت لدوركاس أن تجد لها
اللورد كايبرن وتأتي به في الحال ،وأرسلَت چوسلين سويفت إلى المطابخ قائلةً« :أحضري ُخب ًزا وجُبنةً
لحم وبعض التُّفَّاح ،ونبي ًذا أيضًا .إننا ظمآنتان».وفطيرة ٍ
س أخرى حينئ ٍذ وبدأ رأسها يميل على وص َل كايبرن قبل الطَّعام ،وكانت فاليس قد تجرَّعت ثالث كؤو ٍ
صدرها ،وإن ظلَّت تنتبه من ٍ
حين إلى آخَر وتنتحب .انت َحت الملكة بكايبرن جانبًا وأخب َرته بحماقة بالمان،
ثم إنها قالت« :ال يُمكنني أن أترك فاليس تَن ُشر الحكايات في المدينة .لقد أفقدَها الحُزن صوابها .أما زلت
محتاجًا إلى امرأ ٍة من أجل ...عملك؟».
« -نعم يا جاللة الملكة .محرِّ كات ال ُّدمى استُ ِ
نزفن تما ًما».
ُ « -خذها إذن وافعل بها ما شئت ،لكن ما إن تنزل إلى ال َّزنازين السَّوداء ...هل عل َّي أن أقول المزيد؟».
صاحبة الجاللة ،مفهوم».
ِ « -ال يا
ر َّدت الملكة« :عظيم» ،وعادَت ترسم االبتسامة على وجهها قائلةً« :عزيزتي فاليس ،ال ِمايستر كايبرن
دك على الرَّاحة».
هنا .سيُسا ِع ِ
قالت فاليس بإبهام« :أوه ،أوه ،جيِّد».
ق الباب وراءهما صبَّت سرسي لنفسها كأسًا أخرى ،وقالت« :إنني محاطة باألعداء والبُله» .ال حين انغل َ
تستطيع حتى الثِّقة بلحمها ودمها ،وال بچايمي الذي كان نِصفها اآلخَر .كان يُفت َرض أن يكون سيفي
إزعاج محدود
ٍ وتُرسي ،ذراعي اليُمنى القويَّة .لماذا يصرُّ على مضايَقتي؟ برون ليس أكثر من مصدر
ط أنه يُؤوي ال ِعفريت ،ثم إن أخاها الصَّغير ال َّشائه أذكى من أن يسمح للوليس بإطالق حقًّا .إنها لم تعتقد قَ ُّ
أشارتَ اسمه على نغلها المأفون عال ًما أن ذلك سيجتلب عليها غضبة الملكة بك ِّل تأكيد .الليدي ميريويذر
المرتزق نفسه ،وتستطيع سرسي أن تتخيَّله ِ إلى هذا وكانت محقَّةً .من ِشبه األكيد أن اإلهانة من صُنع
ضن المتو ِّرد يرضع من أحد ضرعَي لوليس الممتلئين وفي يده كأس من النَّبيذ يُشا ِهد ابن زوجته المتغ ِّ
وعلى وجهه ابتسامة صفيقة .ابتسم كما تشاء أيها السير برون ،فقريبًا ستَصرُخ .استمتع بزوجتك البلهاء
رسل لوراس وقلعتك المسروقة بينما تستطيع .عندما يحين الوقت سأسحقك كأنك ُذبابة .ربما عليها أن تُ ِ
تايرل ليسحقه إذا عا َد بوسيل ٍة ما حيًّا من (دراجونستون) .كم سيكون هذا لذي ًذا .إذا شا َءت اآللهة سيَقتُل
كالهما اآل َخر على غرار السير آريك والسير إريك .وبالنِّسبة إلى (ستوكوورث) ...ال ،لقد سئ َمت التَّفكير
في (ستوكوورث).
كانت تاينا قد عادَت تغيب في النَّوم حين رج َعت الملكة إلى ال ُغرفة ورأسها يدور .نبيذ كثير ج ًّدا ونوم قليل
أخبار مزعجة كهذه .على األقل إيقاظي ممكن .كان سُكر روبرت ٍ ج ًّدا .ليس ك َّل ليل ٍة تستيقظ مرَّتين على
ليمنعه من ال ُّنهوض ،ناهيك بالحُكم ،ولوق َع على كاهل چون آرن أن يتعا َمل مع كلِّ هذا .يسرُّ ها أن تعتقد
أنها ملك أفضل من روبرت.
بدأت السَّماء خارج النَّافذة تُنير بالفعل ،وجل َست سرسي على الفِراش إلى جوار الليدي ميريويذر مصغيةً
إلى أنفاسها الهادئة تُشا ِهد ثدييها يرتفعان وينخفضان.
الخطر فاحم ال َّشعر الذي ال يقبل الرَّفض؟ إنها واثقة تما ًما
ِ هل تَحلُم ب(مير)؟ أم بحبيبها ذي ال ُّندبة ،الرَّجل
بأن تاينا ال تَحلُم باللورد أورتون.
وض َعت سرسي يدها على ثدي المرأة األخرى ،بنعوم ٍة في البداية ،تكاد ال تلمسه ،تَشعُر بدفئه تحت كفِّها
ق ثم حرَّكت أنملة إبهامها بخفَّ ٍة على الحلمة ال َّداكنةوبجلده األملس كالساتان ،ثم إنها اعتص َرته برف ٍ
ِ
ً ً
الكبيرة ،جيئة وذهابًا وجيئة وذهابًا إلى أن شع َرت بها تنتصب ،ول َّما رف َعت عينيها وجدَت عينَي تاينا
بك هذا؟». مفتوحتين ،فسألَتها« :هل ي ِ
ُعج ِ
أجابَت الليدي ميريويذر« :نعم».
صت سرسي الحلمة جاذبةً إياها بش َّد ٍة والويةً إياها بين أصابعها.
« -وهذا؟» ،وقر َ
إنك تُؤلِمينني».
أطلقَت المايريَّة شهقة ألم ،وقالتِ « :
شربت إبريقًا على ال َعشاء وآخَر مع األرملة ستوكوورث .كان يجب أن أشرب
ُ قالت« :إنه النَّبيذ فحسب.
ألهدِّئها» ،ول َوت حلمة تاينا األخرى وش َّدتها إلى أن شهقَت ،فأضافَت« :أنا الملكة ،وأري ُد أن أمارس
حقوقي».
« -افعلي ما تشائين»َ .شعر تاينا أسود ك َشعر روبرت ،حتى بين ساقيها ،وعندما مسَّتها هناك وجدَت
أرجوك استم ِّري يا موالتي ،افعلي ِ ال َّشعر مبلَّ ًال تما ًما بينما كان َشعر روبرت خشنًا جافًّا .قالت المايريَّة« :
ملكك».
ِ ما تشائين بي ،أنا
ولكن ما فعلَته كان بال جدوى .أيًّا كان ما شع َر به روبرت في اللَّيالي التي أخ َذها فيها لم تَشعُر به هي ،لم
تجد ُمتعةً ...أ َّما تاينا فوجدَت .حلمتاها ماستان سوداوان ،وفَرجها زلق ساخن .كان روبرت ليحب َِّك ...لم َّدة
ساعة .وض َعت الملكة إصبعًا في المستنقَع المايري ،ثم آخَر ،وحرَّكتهما إلى ال َّداخل والخارج متابعةً في
اسمك بصعوبة.ِ داخلك كان ليتذ َّكر
ِ ُفرغ َّ
لذته في سريرتها :لكن حالما ي ِ
سهال مع امرأ ٍة ِمثلما كان دو ًما مع روبرت ،وف َّكرت واضعةً إصبعًا ثالثًا في أرادَت أن ترى إن كان األمر ً
(مير) :عشرة آالف من أطفالك ماتوا في كفِّي يا جاللة الملك.
ق أطفالك من على وجهي وأصابعي واحدًا تلو اآلخَر ،ك َّل أولئك األمراء ُ
كنت ألع ُ ُّ
تغط في النَّوم بينما
كنت آك ُل ورثتك .ارتعدَت تاينا وشهقَت قائلةً ُ َّ
ال َّشاحبين اللَّزجين .أخذت حقوقك يا سيِّدي ،لكن في الظالم
شيئًا ما بلُغ ٍة أجنبيَّة ،ثم ارتعدَت ثانيةً وق َّوست ظَهرها وصرخَ ت ،فف َّكرت الملكة :كأن أحدًا يُ َم ِّزقها إربًا،
ق جسد المايريَّة من الخصر إلى العُنق. خنزير ب ِّري تش ُّ
ٍ وللحظ ٍة تر َكت نفسها تتخيَّل أن أصابعها أنياب
وبال جدوى.
ي َّ
لذ ٍة َّإال مع چايمي. لم تَشعُر سرسي بأ ِّ
عك؟»، حين حاولَت أن تسحب يدها أمس َكتها تاينا ولث َمت أصابعها قائلةً« :ملكتي الجميلة ،كيف أمتِّ ِ
وحرَّكت يدها على جانب سرسي ومسَّتها بين السَّاقين مضيفةً« :أخبِريني بما تُريدين مني يا حبيبتي».
أجابَت سرسي« :اترُكيني» ،وتدحر َجت مبتعدةً وسحبَت األغطية على جسدها مرتجفةً .كان الفَجر يَب ُزغ
وقريبًا سيأتي الصَّباح ويُنسى كلُّ هذا.
كأن شيئًا لم يكن.
چايمي
ق هواء الغسق األزرق السَّاكن ،فهَبَّ چوزمين پكلدون على قدميه بال أصد َرت األبواق دويًّا نُحاسيًّا َش َّ
إبطا ٍء وهر َع يلتقط حزام سيف سيِّده.
ف َّكر چايمي :غريزة الصَّبي يقظة ،وقال له« :الخارجون عن القانون ال يَنفُخون في األبواق ليُعلِنوا عن
مجيئهم .لن أحتا ُج إلى سيفي .هذا ابن خالي ،حاكم الغرب».
خرج من خيمته ،نِصف دست ٍة من الفُرسان وأربعون من الجنود والرُّ ماة َ كان الخيَّالة يترجَّلون عندما
الرَّاكبين ،ول َّما رأى چايمي هد َر رجل أشعث يرتدي الحلقات المعدنيَّة المذهَّبة ومعطفًا من فرو الثَّعالب:
مهزوال للغاية ،وترتدي األبيض! وأطلقت لحيتك أيضًا!». ً «چايمي! تبدو
ث على ب مقارنةً بلبدتك يا ابن الخال» .تلتحم لحية السير داڤن المنتفشة مع شاربه ال َك ِّ « -هذه؟ مجرَّد زغ ٍ
جانبَي وجهه بكثافة األحراش ،ومعًا يلتحمان بال َّدغل األصفر المتشابك فوق رأسه ،والذي ضغطَته الخوذة
مكان ما وسط ك ِّل هذا ال َّشعر يَك ُمن أنف أفطس وعينان ج ِذلتان بلون البندق« .هل سر َ
ق ٍ التي يخلعها .في
أحد الخارجين عن القانون موساك؟».
أقسمت َّأال أقصَّ
ُ أجاب« :
َ ي السِّحنة ِمثله ،فلداڤن النستر نبرة مستكينة غريبة ،وقد رجل أسد ِّ
ٍ بالنِّسبة إلى
أوال وسلبَني انتقامي» ،وناو َل أحد َشعري حتى أثأر ألبي ،لكن ال ِّذئب الصَّغير نا َل من كارستارك ً
ً
طويال ال ُمرافقين خوذته ومرَّر أصابعه في َشعره الذي س َّواه الفوالذ الثَّقيل ،وتاب َع« :أحبُّ أن يكون َشعري
بعض ال َّشيء .اللَّيل أصب َح أش َّد برودةً ،والقليل من النُّمو على الوجه يُسا ِعد على تدفئته ،أجل ،ثم إن الع َّمة
قائال« :خفنا عليك بَعد ك چايمي من ذراعيه ً چنا اعتادَت أن تقول دو ًما إن لي ذقنًا كقالب القرميد» ،وأمس َ ِ
نهش ُعنقك».
َ َّهيب
ر ال ستارك ذئب أن سمعنا ). الهامسة الغابة (
« -وهل ذرفت ال َّدمع المرير من أجلي يا ابن الخال؟».
« -نِصف (النسپورت) رثى لك ،النِّصف األنثوي» ،وانتقلَت نظرة السير داڤن إلى َجدعة چايمي ،فقال:
«األمر صحيح إذن ،األوغاد بتروا يد سيفك».
ي واحدة جديدة من َّ
الذهب .ث َّمة إيجابيَّات كثيرة في كون المرء بي ٍد واحدة .اآلن أشربُ أق َّل خشية أن « -لد َّ
ع إلى َحكِّ مؤ ِّخرتي في البالط».أسكب النَّبيذ ،ونادرًا ما أنز ُ
ك ابن خاله ،وتساء َل« :أهي كاتلين
« -نعم ،صحيح .ربما عل َّي أن أجعلهم يقطعون يدي أيضًا» ،وضح َ
ستارك من قط َعتها؟».
ً
مواصال« :هذه ق
« -ڤارجو هوت» .من أين تأتي هذه الحكايات؟ قال السير داڤن« :الڬوهوري؟» ،وبص َ
رفض وقال إن بعض المهام يليق
َ ُ
سأبحث له عن اإلمدادات لكنه له ولك ِّل رفاقه ال ُّشجعانُ .
قلت ألبيك إنني
باألُسود ،أ َّما اإلمدادات فاألفضل تركها للكباش والكالب».
يعلم چايمي أن هذه كلمات اللورد تايوين تحديدًا ،بل ويكاد يسمع صوت أبيه يقولها« .اد ُخل يا ابن الخال.
يجب أن نتكلَّم».
أشعل النَّار في المستوقَدات وبثَّت جمراتها المتوهِّجة باألحمر الحرارة في خيمة چايمي.
َ كان جاريت قد
ً
شكال خل َع السير داڤن معطفه وألقاه إلى ليو الصَّغير ،وسألَه بخشونة« :أأنت من آل پايپر يا فتى؟ إن لك
أعجف».
« -أنا ليو پايپر ،بَعد إذن سيِّدي».
التحام جماعي ذات مرَّة .األحمق األعجف شع َر بالمهانة حين سألته إن
ٍ هزمت أخاك اللَّعين في
ُ « -لقد
كانت هذه أخته التي تَرقُص عاريةً على تُرسه».
« -هذا رمز عائلتنا .ليست لنا أخت».
هويت بضرب ٍة ُ « -مؤسف .رمزكم له ثديان جميالن ،لكن َمن الرَّجل الذي يختبئ وراء امرأ ٍة عارية؟ كلَّما
شعرت بالخسَّة».ُ على تُرس أخيك
در بملعقة ،وقال چايمي لداڤن ضاح ًكا« :كفى ،دعه وشأنه .أري ُد أن كانت پيا تُتَبِّل لهما النَّبيذ وتُقَلِّبه في قِ ٍ
أل َّم بما سأجده في (ريڤر َرن)».
هَ َّز ابن خاله كتفيه مجيبًا« :الحصار مستم ٌّر .السَّمكة السَّوداء جالس داخل القلعة ونحن جالسون خارجها
َّ
يشن تَلي وجلس على ُكرسي متابعًا« :ينبغي أن َ في معس َكراتنا .مسألة مملَّة للغاية إذا أردت الحقيقة»،
غارةً ليُ َذ ِّكرنا جميعًا بأننا ما زلنا في حرب .سيكون لُطفًا منه أن يُ َخلِّصنا من بعض أبناء فراي أيضًا.
البثور
َ رايمان كبداية .إنه سكران أغلب الوقت .أوه ،وإدوين .ليس بليدًا كأبيه لكنه مفعم بالكراهية كما يُف ِعم
القيح .وكذا عزيزنا السير إمون ...ال ،اللورد إمون وليحمنا (السَّبعة) ،يجب َّأال ننسى لقبه الجديد ...سيِّد
(ريڤر َرن) ال يفعل شيئًا َّإال محا َولة إخباري بكيفيَّة إدارة الحصار ،يُريدني أن أستولي على القلعة دون أن
أتلفها ،بما أنها مقرُّ لورديَّته الجديد».
سأ َل چايمي پيا« :هل سخنَ النَّبيذ؟».
أجابَت الفتاة مغطِّيةً فمها« :نعم يا سيِّدي».
ق َّدم پِك النَّبيذ على صحف ٍة ذهبيَّة ،وخل َع السير داڤن قُفَّازه ثم تناو َل كأسًا ً
قائالُ « :شكرًا يا فتىَ .من أنت؟».
« -چوزمين پكلدون ،بَعد إذن سيِّدي».
قال چايمي« :پِك من أبطال معركة (النَّهر األسود)َ ،
قتل فارسيْن وأس َر اثنين غيرهما».
« -ال بُ َّد أنك أخطر مما تبدو يا فتى .أهذه لحية أم أنك نسيت غسل وجهك من الوسخ؟ زوجة ستانيس
باراثيون لها شارب أكثف من هذا .كم ِسنُّك؟».
« -خمسة عشر عا ًما أيها الفارس».
قال السير داڤن ساخرًا« :أتعرف أفضل ما في األبطال يا چايمي؟ كلُّهم يموتون مب ِّكرًا ويَترُكون لبقيَّتنا
قائال له« :امألها ثانيةً وسأدعوك بالبطل أيضًا .إنني ظمآن».مزيدًا من النِّساء» ،وألقى كأسه لل ُمرافق ً
رف َع چايمي كأسه بيُسراه ورشفَ منها لينتشر الدِّفء في صدره ،وقال« :كنت تتكلَّم عن أبناء فراي الذين
تُريد موتهم؛ رايمان وإدوين وإمون.»...
قال داڤن« :وابن العاهرة والدر ريڤرز .يكره أنه نغل ويكره ك َّل من ليسوا كذلك .لكن السير پروين يبدو
ً
رجال طيِّبًا ،ال بأس باإلبقاء عليه ،وعلى النِّساء أيضًا.
سمعت أنني سأتز َّو ُج إحداهن .ربما كان حريًّا بأبيك أن يستشيرني بشأن هذه ال ِّزيجة بالمنا َسبة .كان أبي
ُ
يتَّفق مع پاكستر ردواين قبل (أوكسكروس) ،هل تعلم هذا؟ ردواين له ابنة حسناء َمهرها ٍ
غال.»...
َر َّد چايمي ضاح ًكا« :دسميرا؟ هل تحبُّ النَّمش؟».
« -إذا كان خياري بين بنات فراي والنَّمش ...نِصف فتيات اللورد والدر يُشبِهن بنات عرس».
رأيت عروس النسل في (داري)». ُ « -نِصفهن فقط؟ اش ُكر بختك السَّعيد إذن .لقد
« -آمي الب َّوابة ،لترحمنا اآللهة .لم أصدِّق أن النسل اختا َرها .ما خطب ذلك الصَّبي؟».
أجاب چايمي« :أصب َح متديِّنًا ،لكن ليس هو من اختا َرها .أُم الليدي آميري من عائلة داري ،وارتأى ع ُّمنا
َ
أنها ستُسا ِعد النسل على كسب رعايا (داري)».
« -كيف؟ بمضا َجعتهم؟ هل تعرف لماذا يُلَقِّبونها بآمي الب َّوابة؟ ألنها ترفع شبكتها الحديديَّة لك ِّل فار ٍ
س يمرُّ
ق له خوذةً بقرنين». سالح يد ُّ
ٍ بها .خي ٌر لالنسل أن يجد صانع
« -لن يكون ذلك ضروريًّا .ابن ع ِّمنا ذاهب إلى (كينجز الندنج) ليحلف اليمين كأحد رجال السِّپتون
األعلى المسلَّحين».
ما كانت دهشة أكبر لتلوح على وجه السير داڤن لو أن چايمي قال له إن النسل قرَّر أن يُصبِح قردًا ،وقال:
ً
ُ
سمعت ما دا َمت قد دف َعت الصَّبي «حقّا؟ أنت تُ ِ
مازحني .ال بُ َّد أن آمي الب َّوابة أكثر شبهًا ببنات عرس مما
إلى هذا!».
حين استأذنَ چايمي في االنصراف من الليدي آميري كانت تبكي بهدو ٍء انفضاض زواجها بينما تسمح
للسير اليل كراكهول بمواساتها ،لكن دموعها لم تُز ِعجه نِصف إزعاج النَّظرات القاسية على وجوه
أقاربها الواقفين في السَّاحة .قال لداڤن« :آم ُل أنك ال تنوي أن تحلف يمينًا بدورك يا ابن خالي .آل فراي
حسَّاسون عندما يتعلَّق األمر باتِّفاقات ال َّزواج ،وأكرهُ أن نُ َخيِّب أملهم ثانيةً».
ق السير داڤن نخيرًا هازئًا ،وقال« :سأتز َّو ُج بنت عرس وأضاجعها ،ال تقلق ،إنني أعل ُم ما جرى أطل َ
لروب ستارك .لكن مما أخب َرني به إدوين فاألفضل لي أن أختار واحدةً لم تُز ِهر بع ُدَّ ،
وإال فغالبًا سأج ُد
افترش آمي الب َّوابة ،وأكثر من ثالث مرَّات .ربما يُفَسِّر هذا تديُّن
َ ُ
أراهن أنه والدر األسود قد سبقَني إليها.
النسل ومزاج أبيه».
« -رأيت السير كيڤان؟».
رفض
َ « -نعمَ .م َّر بنا هنا في طريقه إلى الغرب .سألته أن يُعيننا على االستيالء على القلعة ،لكن كيڤان
أقسمت له أنني لم أطلب قَ ُّ
ط ُ تما ًما .طيلة الوقت الذي أمضاه هنا كان عابسًا ،يتكلَّم بكياس ٍة كافية لكن باردة.
يكن لي ضغينةً ،وإن لم تقل نبرته أن أكون حاكم الغرب ،أن ذلك ال َّشرف ينبغي أن يكون له ،فأعلنَ أنه ال ُّ
كنت محتاجًا إلى نصيحته، ُ هذا على اإلطالق .بق َي ثالثة أيام وبالكاد قال لي ثالث كلمات .ليته ظَ َّل معنا.
وما كان أصدقاؤنا أبناء فراي ليجرؤوا على إزعاج السير كيڤان كما يُز ِعجونني».
قال چايمي« :أخبِرني».
نصب رايمان فراي مشنقةً ،وك َّل ٍ
يوم َ « -أري ُد أن أفعل ،لكن أين أبدأُ؟ بينما أبني ال ِمد َّكات وأبراج الحصار
عند الفَجر يأتي بإدميور تَلي ويضع أنشوطةً حول ُعنقه ويُهَدِّد بشنقه ما لم تستسلم القلعة ،لكن السَّمكة
ُنزلون اللورد إدميور ثانيةً .هل تعلم أن زوجته السَّوداء ال يُلقي ً
باال لهذه المسرحيَّة ،ومع حلول المساء ي ِ
حامل؟».
لم يكن چايمي يعلم هذا« .إدميور ضاج َعها بَعد ِّ
الزفاف األحمر؟».
بصل ٍة لبنات عرس بتاتًا، الزفاف األحمر .روزلين صغيرة حسناء ،ال ُّ
تمت ِ ُضاجعها في أثناء ِّ
ِ « -بل كان ي
صلِّي إلنجاب فتاة».
والغريب أنها مولعة بإدميور .پروين قال لي إنها تُ َ
تأ َّمل چايمي في هذا لحظةً ،ثم قال« :ما إن يُولَد إلدميور ابن لن يعود اللورد والدر محتاجًا إلى إدميور
نفسه».
« -هذا رأيي أيضًا .ع ُّمنا الكريم إم ...آه ،اللورد إمون باألحرى ...يُريد أن يُشنَق إدميور في الحال .وجود
ُناشدني أن أجعل السير سيِّد من آل تَلي ل(ريڤر َرن) يكاد يُ َكدِّره بقدر احتمال مولد واح ٍد آخَ ر .ك َّل ٍ
يوم ي ِ
رايمان يُ َعلِّق تَلي من رقبته ،وال أدري كيف أقنعه .وفي تلك األثناء يش ُّد اللورد جاون وسترلينج ُك ِّمي
اآلخَر .السيِّدة زوجته مع السَّمكة السَّوداء داخل القلعة ،باإلضافة إلى ثالثة من أوالده ذوي األنوف
ق آل فراي إدميور .إحداهم ملكة ال ِّذئب الصَّغير». السَّائلة ،ويخشى حضرة اللورد أن يَقتُلهم تَلي إذا شن َ
ظن چايمي أنه التقى چاين وسترلينج من قبل ،وإن كان ال يتذ َّكر شكلها .ال بُ َّد أنها رائعة ال َجمال ما دا َمت ي ُّ
أطفاال ،إنه ليس سمكةً سوداء لتلك ً استحقَّت مملكةً كاملةً .قال البن خاله مؤ ِّكدًا« :السير برايندن لن يَقتُل
ڤررن) بع ُد« .حدِّثني عن تجهيزاتك يا ابن الخال». ال َّدرجة» .اآلن بدأ يستوعب سبب عدم سقوط (ري َ
« -إننا نُطَ ِّوق القلعة .السير رايمان ورجال فراي معس ِكرون شمال (الجُلمود) ،وجنوب (الفرع األحمر)
يجلس اللورد إمون مع السير فورلي پرستر وفلول جيشك القديم ،باإلضافة إلى لوردات النَّهر الذين
ي ما يمنع أن أقول إنهم مجموعة كئيبة ،صالحون للوجوم في انض ُّموا إلينا بَعد ال ِّزفاف األحمر .ليس لد َّ
خيامهم ولكن ليس أكثر من هذا .معس َكري أنا بين النَّهرين ،قُبالة الخندق وب َّوابة (ريڤر َرن) الرَّئيسة .لقد
ألقينا سلسلةً عبر (الفرع األحمر) في اتِّجاه المجرى .مانفريد ياو وراينارد روتيجر مسؤوالن عن الدِّفاع
عنها كي ال يهرب أحد بالقارب ،وأعطيتهما شبا ًكا أيضًا للصَّيد ،فهذا يُسا ِعد على إطعامنا».
« -هل نستطيع تجويع القلعة؟».
وأجاب« :السَّمكة السَّوداء طر َد جميع األفواه عديمة الجدوى من القلعة واقتل َع
َ هَ َّز السير داڤن رأسه نفيًا،
ك َّل نبت ٍة تُؤ َكل في الرِّيف المحيط .إن معه مؤنًا تكفي إلطعام الرِّ جال والخيول طيلة عامين».
« -وبالنِّسبة إلى مؤننا نحن؟».
كنت ال أدري كيف سنُط ِعم الخيول .آل فراي ينقلون ُ « -ما دا َمت في النَّهرين أسماك فلن نجوع ،وإن
الطَّعام والعلف من (التَّوأمتين) ،لكن السير رايمان ي َّدعي أن ما لديهم ليس كافيًا القتسامه معنا ،ولذا فعلينا
طعام ال يرجعون .بعضهم ٍ رسلهم للعثور على الحصول على إمداداتنا بأنفُسنا .نِصف ال ِّرجال الذين أُ ِ
يتهرَّب ،وغيرهم نجدهم يتعفَّنون تحت األشجار وحول أعناقهم حبال».
« -صادَفنا بعضهم أول من أمس» .وجدَهم ك َّشافة أدام ماربراند مسودِّي الوجوه مشنوقين من شجرة تفَّاح،
وقد ُج ِّردَت الجُثث من ثيابها تما ًما و ُدسَّت تفَّاحة في فم كلٍّ منها .ال أحد منهم كانت في جسده جروح،
وواضح أنهم استسلَموا ،وقد أشع َل هذا غضبة العُفر القوي الذي أقس َم على االنتقام ال َّدامي من كلِّ َمن يُ َعلِّق
رجاال ُمحاربين هكذا ليموتوا كالخنازير. ً
قال السير داڤن عندما حكى له چايمي« :ربما فعلَها خارجون عن القانون وربما ال .ما زالَت هناك
أظن أن قلوبهم ال جماعات من ال َّشماليِّين في هذه األنحاء ،وربما رك َع لوردات (الثَّالوث) هؤالء ،لكنني ُّ
تزال ...ذئبيَّةً».
ق چايمي ُمرافقيْه الصَّغيرين اللذين يحومان قُرب المستوقَدات متظاهريْن بأنهما ال يسمعان .ليويس رم َ
پايپر وجاريت پايچ كالهما من أبناء لوردات النَّهر ،وقد أمسى چايمي مولعًا باالثنين ويكره أن يُعطي
السير إلين إياهما« .الحبال تُوحي بأن هذا عمل دونداريون».
« -سيِّد البرق ليس الوحيد الذي يعرف كيف يعقد أنشوطةً .ال تجعلني أتكلَّ ُم عن اللورد بريك .إنه هنا ،إنه
رجاال لمطا َردته يتب َّخر كقطرات النَّدى .لوردات النَّهر ً هناك ،إنه في ك ِّل مكان ،لكن حين تُ ِ
رسل
يوم تسمع أنه ماتَ ،وفي ك في هذا ،رغم أنه من لوردات (ال ُّتخوم) المالعين .في ٍ يُسا ِعدونه ،إياك أن تش َّ
نيران مشتعلة
ٍ مواصال« :ك َّشافتي يُبلِغونني بمشاهَدة
ً التَّالي يقولون إنه ال يُقتَل» ،ووض َع السير داڤن كأسه
مكان حولنا .ثم إن هناك
ٍ ليال .يظنُّون أنها إشارات ...كأن هناك حلقةً من ال ُمراقبين في ك ِّل
في البقاع العالية ً
نيرانًا في القُرى أيضًا .إله جديد ما.»...
ال ،بل إله قديم« .ثوروس مع دونداريون ،ذلك الرَّاهب المايري البدين الذي اعتا َد أن يشرب مع
الذهبيَّة على الطَّاولة ،فمسَّها چايمي وشاه َد ذهبها يلتمع في ضوء المستوقَدات الخافت روبرت» .كانت يده َّ
مردفًا« :سنتعا َمل مع دونداريون إذا اضطررنا ،لكن يجب أن يأتي السَّمكة السَّوداء ً
أوال .ال بُ َّد أنه يعلم أن
قضيَّته خاسرة .هل حاولت التَّفا ُوض معه؟».
فظهر السَّمكة
َ ركب إلى القلعة ِشبه سكران ورف َع عقيرته ملقيًا التَّهديدات، َ « -السير رايمان حاو َل،
غرس سه ًما في كفل حصان َ رجل كريه ،ثم
ٍ السَّوداء في ال ُّشرفة فقط ليقول إنه لن يُبَدِّد كال ًما حسنًا على
ُ
كنت أنا داخل كدت أبلِّ ُل سراويلي .لو
ُ ُ
وضحكت بق َّو ٍة لدرجة أنني رايمان ،فأسقطَه الحصان في الوحل
بت السَّهم إلى حنجرة رايمان الكاذبة».القلعة لص َّو ُ
أتفاوضُ معه .إنني أنوي أن أعرض عليه َ َر َّد چايمي بابتسام ٍة خفيفة« :سأض ُع واقيًا على ُعنقي عندما
شروطًا سخيَّةً» .إذا استطا َع إنهاء هذا الحصار دون إراقة دما ٍء فلن يقول أحد إنه حم َل السِّالح ضد عائلة
تَلي.
أشك في أن الكالم سيُجدي نفعًا .يجب أن نقتحم القلعة». كنت ُّبالمحاولة يا سيِّدي ،وإن ُ
َ « -هنيئًا لك
ت ما ليس ببعيد كان چايمي ليحضَّ على التَّصرُّ ف نفسه بال تر ُّدد .إنه يعلم أنه ال يستطيع البقاء هنا في وق ٍ
عامين كاملين حتى يُ َج ِّوع السَّمكة السَّوداء ويُر ِغمه على االستسالم .قال للسير داڤن« :أيًّا كان ما سنفعله
فعلينا أن نتعجَّل .إن مكاني في (كينجز الندنج) مع الملك».
قال ابن خاله« :أجل .مؤ َّكد أن أختك محتاجة إليك .لماذا صرفَت كيڤان؟ حسبتها ستجعله يد الملك».
رفض اليدويَّة» .لم يكن أعمى ِمثلما ُ
كنت. َ « -لقد
ممتن لهذا ال َّشرف بالطَّبع ،لكن ع َّمنا في
ٌّ « -المفت َرض أن يكون كيڤان حاكم الغرب ،أو أنت .ال أنك ُر أنني
ضعف ِسنِّي وأكثر خبرةً بالقيادة .آم ُل أنه يعلم أنني لم أطلب هذا إطالقًا».
ِ
« -إنه يعلم».
« -وكيف حال سرسي؟ جميلة كالعادة؟».
كالذهب القشرة .ليلة البارحة حل َم بأنه ضبطَها تُ ِ
ضاجع فتى القمر، « -متألِّقة» .مخادعة« .ذهبيَّة» .زائفة َّ
فعل جريجور كليجاين بالمسكينة پيا .في أحالمه لچايمي الذهبيَّة كما َفقتل المهرِّ ج وحطَّم أسنان أخته بيده َّ
َ
َّ َّ
ب لكنها تعمل بكفاءة الثانية تما ًما« .كلما عجَّلنا بالفروغ من مسألة (ريڤر َرن)دو ًما يدان ،إحداهما من ذه ٍ
َّلت بالعودة إلى سرسي».عج ُ
أ َّما ماذا سيفعل حينها فال يدري.
تكلَّم مع ابن خاله ساعةً أخرى قبل أن يستأذن حاكم الغرب في االنصراف ،ول َّما غاد َر ر َّكب چايمي يده
َّ
الذهبيَّة وارتدى معطفه البنِّي ليتم َّشى بين الخيام.
الحقيقة أنه يحبُّ هذه الحياة ،ويَشعُر براح ٍة أكبر كثيرًا وسط الجنود في الميدان من البالط ،ورجاله يبدون
عرض عليه ثالثة من رُماة النُّ َّشابيَّة نصيبًا من أرن ٍ
ب ب ِّري َ مرتاحين معه أيضًا .عند واحد ٍة من بؤر النَّار
طلب فارس شابٌّ نصيحته في أفضل وسيل ٍة للدِّفاع عن نفسه ضد مطرق ٍة حربيَّة، َ اصطادوه ،وعند أخرى
وعلى ضفَّة النَّهر شاه َد غسَّالتيْن تتنا َزالن في المياه الضَّحلة فوق أكتاف جنديَّيْن .كانت الفتاتان نِصف
بمعطف مطويٍّ بينما تُ َشجِّعهما دستة من
ٍ ثملتين نِصف عاريتين ،تضحكان وتضرب كلتاهما األخرى
ال ِّرجال .راهنَ چايمي بنجم ٍة نُحاسيَّة على ال َّشقراء التي تركب راف المعسول ،وخس َرها عندما سق َ
ط
االثنان وسط البوص.
على ضفَّة النَّهر األخرى تعوي ال ِّذئاب ،وتهبُّ الرِّيح متخلِّلةً مجموعةً من أشجار الصَّفصاف جاعلةً
ونهض
َ أغصانها تتل َّوى وتتها َمس .وج َد چايمي السير إلين پاين يشحذ سيفه العظيم ،فقال له« :هيَّا»،
الفارس الصَّامت وعلى شفتيه ابتسامة رفيعة .إنه مستمتع بهذا ،يطيب له أن يمتهنني ك َّل ليلة ،بل وقد
يسرُّ ه أكثر أن يَقتُلني .يحبُّ أن يعتقد أنه يتحسَّن ،لكن التَّحسُّن بطيء وليس بال ثَمن ،فتحت الفوالذ
والجلد المق َّوى جسد چايمي النستر لوحة من الجروح والنُّدوب والكدمات. ِ والصُّ وف
اعترض حارس طريقهما وهما يقودان حصانيهما إلى خارج المعس َكر ،فربَّت چايمي على كتف الرَّجل َ
ً
ق يقظا .ث َّمة ذئاب في الجوار». بيده َّ
الذهبيَّة ً
قائال« :اب َ
ركبا في االتِّجاه المعاكس بمحاذاة (الفرع األحمر) نحو أطالل قري ٍة محترقة مرَّا بها هذا األصيل ،وهناك
صف اللَّيل وسط الحجارة المسو َّدة والجمرات القديمة الباردة .لفتر ٍة قصيرة كان التَّ ُّ
فوق رقصا رقصة منت َ
لچايمي ،وسم َح لنفسه بأن يحسب أن مهارته القديمة تعود إليه ،وربما تكون اللَّيلة ليلة ذهاب پاين إلى
فِراشه مكدو ًما ُمد ًمى.
وكأن السير إلين سم َع أفكاره .بحرك ٍة كسول تفادى ضربة چايمي األخيرة و َك َّر عليه بهجم ٍة مضا َّدة دف َعته
ق حذاؤه من تحته في الوحل ،فانتهى به األمر على رُكبتيه ،سيف الفارس دفعًا إلى النَّهر ،حيث انزل َ
الصَّامت على َحلقه وسيفه هو ضائع وسط أعواد البوص .في نور القمر تبدو آثار الجُدري على وجه پاين
كبيرةً كف َّوهات البراكين ،وأصد َر الرَّجل صوت الطَّقطقة إياه الذي ربما يكون ضحكةً ،وحرَّك سيفه إلى
أعلى على ُعنق چايمي إلى أن استق َّر رأسه بين شفتيه ،وعندئ ٍذ فقط تراج َع وأغم َد فوالذه.
الذهبيَّة :كان خيرًا لي أن أتح َّدى راف المعسول وعلى قال چايمي لنفسه وهو ينفض الطَّمي عن يده َّ
ظهري عاهرة .جزء منه يُريد انتزاع هذا ال َّشيء والتَّطويح به في النَّهر .يده بال جدوى ،ويُسراه ليست َ
أفضل كثيرًا .كان السير إلين قد عا َد إلى الحصانين تار ًكا إياه ينهض بنفسه .على األقل لم تزل لي قدمان.
رصر الرِّيح بين الفروع العارية في الغابة البنِّيَّة الجرداء ص ِ كان اليوم األخير من رحلتهم باردًا عاصفًا ،تُ َ
وتُجبِر أعواد البوص على االنحناء بش َّد ٍة بطول (الفرع األحمر) ،وعلى الرغم من ارتدائه معطف ال َحرس
ركب إلى جوار داڤن ابن خاله .في َ الملكي ال ِّشتوي الصُّ وف شع َر چايمي بأسنانها الحديديَّة تنهش جسده إذ
صروا (ريڤر َرن) ترتفع على الرَّأس األرضي الضيِّق حيث يتالقى (الجُلمود) ت متأ َّخر من األصيل أب َ وق ٍ
غمر
َ و(الفرع األحمر) .تبدو قلعة آل تَلي كسفين ٍة حجريَّة عظيمة مقدِّمتها موجَّهة صوب المصب ،وقد
الذهبي األحمر أسوارها المبنيَّة بالحجر الرَّملي فبدَت أعلى وأغلظ مما يَذ ُكر چايمي ،فف َّكر بكآبة: الضَّوء َّ
لن تت َّم هذه المه َّمة بسهولة.
رفض السَّمكة السَّوداء اإلصغاء فلن يجد خيارًا َّإال الحنث في قَسمه لكاتلين ستارك ،فقَسمه لملكه يأتي َ إذا
ً
أوال.
المحاصرين كما وصفَ ابن خاله تما ًما.
ِ وج َد السِّلسلة عبر النَّهر والمعس َكرات الثَّالثة الكبيرة لجيش
معس َكر السير رايمان فراي شمال (الجُلمود) هو األوسع مساحةً واألقلُّ تنظي ًما ،وفوق الخيام ترتفع مشنقة
رماديَّة ضخمة بحجم ال ِمقذاف ،وعلى منصَّتها يقف شبح وحيد يُحيط بعُنقه حبل .إدميور تَلي .أحسَّ چايمي
بطعن ٍة من ال َّشفقة في قلبه .أن يجعلوه يقف هكذا يو ًما وراء يوم بتلك األنشوطة حول ُعنقه ...األفضل أن
يقطعوا رأسه ويَفرُغوا من األمر.
وراء المشنقة تنتشر فوضى الخيام وبؤر النَّار .كان صغار لوردات وفُرسان آل فراي قد نصبوا
سُرادقاتهم براح ٍة في اتِّجاه المنبع بعيدًا عن حُفر المراحيض ،وفي اتِّجاه المصبِّ زرائب وعربات يد
وعربات ثيران .قال السير داڤن« :السير رايمان ال يُريد أن يُصيب الملل فتيته ،فيُعطيهم عاهرات
مغن! ع َّمتنا جلبَت وات ذا االبتسامة ٍّ وحصل لنفسه على
َ ومصا َرعة ديوك وصيد الخنازير الب ِّريَّة ،بل
صدِّق ،فكان على رايمان أن يكون له مغنِّيه الخاص أيضًا .أال البيضاء من (النسپورت) ،صدِّق أو ال تُ َ
يُمكننا االكتفاء ب َس ِّد النَّهر وإغراقهم جميعًا يا ابن الع َّمة؟».
رأى الرُّ ماة يتحرَّكون وراء ال ُّشرَّافات في ُشرفات القلعة وفوقهم تخفق رايات عائلة تَلي ،سمكة الترويت
الجريئة على خلفيَّتها المخطَّطة باألحمر واألزرق .على أن أطول أبراج القلعة يعلوه علم مختلف ،علم
كنت ُمرافقًا
ُ ُ
رأيت (ريڤر َرن) أبيض طويل يُ َزيِّنه ذئب ستارك الرَّهيب .قال چايمي البن خاله« :أول م َّر ٍة
أخضر كعُشب الصَّيف .أرسلَني العجوز َسمنر كراكهول ألوصِّل رسالةً أ َّكد أنه ال يستطيع أن يأتمن عليها
ُغدافًا ،فأبقاني اللورد هوستر أسبوعين بينما يُفَ ِّكر مليًّا في الرَّد ،وأجل َسني إلى جوار ابنته اليسا عند كلِّ
وجبة».
« -ال عجب أنك انض َممت إلى ال َحرس الملكيُ .
كنت ألفعل ال ِمثل».
« -أوه ،اليسا لم تكن مخيفةً لهذه ال َّدرجة» .الحقيقة أنها كانت فتاةً حسناء رقيقةً لها غ َّمازتان و َشعر
بلسان معقود وبين الحين واآلخَر القهقهة ،ليس فيها ٍ كستنائي طويل .وإن كانت خانعةً ،تميل إلى الصَّمت
لصبي ما
ٍّ ب واحد من نار سرسي .بدَت أختها الكبيرة أكثر إثارةً لالهتمام ،ولو أنها كانت موعودةً لسان له ٍ
من ال َّشمال هو وريث (وينترفل) ...لكن في تلك ال ِّسنِّ لم تكن أيُّ فتا ٍة لتُثير نِصف اهتمام چايمي بشقيق
تجاهل
َ هوستر ال َّشهير الذي نا َل المجد في أثناء قتاله ملوك البنسات التِّسعة في (األعتاب) .على المائدة
اليسا المسكينة وأل َّح على برايندن تَلي أن يحكي له عن ميليز الوحش واألمير األبنوسي .وقتها كان السير
ُ
وكنت أصغر من پِك. برايندن أصغر مني اآلن،
تقع أقرب مخاض ٍة عبر (الفرع األحمر) في اتِّجاه المنبع ،وليَبلُغوا معس َكر السير داڤن كان عليهم أن يمرُّ وا
من معس َكر إمون فراي بسُرادقات لوردات النَّهر الذين ركعوا وقُ ِبلوا من جدي ٍد في سالم الملك .الح َ
ظ
چايمي رايات اليتشستر وڤانس وروت وجودبروك ،وجوز بلُّوط آل سمولفورد وعذراء اللورد پايپر
الرَّاقصة ،لكن الرَّايات التي لم ي َرها هي ما أثا َرت اهتمامه .ال أثر لنسر ماليستر الفضِّ ي ،أو لحصان
صفصافة رايجر ،أو ثُعبانَي پايچ المضفوريْن معًا .جميع هؤالء ج َّددوا والءهم للعرش براكن األحمر ،أو َ
ت لالنضمام إلى الحصار .يعلم چايمي أن آل براكن يُقاتِلون آل بالكوود، الحديديَّ ،إال أن أحدًا منهم لم يأ ِ
أ َّما الباقون...
أصدقاؤنا الجُدد ليسوا أصدقا ًء على اإلطالق ،إخالصهم ضحل .ال بُ َّد من الظَّفر ب(ريڤر َرن) ،وقريبًا.
طال الحصار تشجَّع متم ِّردون آخَرون على شاكلة تايتوس بالكوود. كلَّما َ
ق السير كينوس الكايسي دفقةً من بوق هيروك .هذا كفيل بإخراج السَّمكة السَّوداء إلى عند المخاضة أطل َ
ال ُّشرفات .قا َد السير هيوجو والسير درموت چايمي عبر النَّهر خائضيْن في المياه البنِّيَّة المحمرَّة الموحلة
وقد رفعا راية ال َحرس الملكي البيضاء وراية وعل وأسد تومن لتخفقا في الرِّيح ،وتب َعتهم بقيَّة الرَّكب بال
إبطاء.
حصار جديد ،وقد وقفَ بُرجانٍ تر َّددت أصوات المطارق الخشبيَّة في معس َكر النستر حيث يرتفع بُرج
َك د َّوار مصنوع من جذع آخَران مكتمليْن وك ٌّل منهما نِصف مغطَّى ِ
بجلد الخيل الخام ،وبينهما يستقرُّ ِمد ٌّ
سقف خشبي .يبدو أن ابن خالي لم يتوانَ في عمله. ٍ شجر ٍة وله رأس مق َّوى بالنَّار ومعلَّق بالسَّالسل تحت
سألَه پِك« :أين تُريد خيمتك يا سيِّدي؟».
الذهبيَّة -مع أنها ليست مناسبةً لهذا -وأضافَ « :المؤن هناك، « -هناك ،فوق هذا المرتفَع» ،وأشا َر بيده َّ
خطوط الخيول هناك .سنستخدم المراحيض التي تكرَّم ابن خالي بحفرها لنا .سير أدام ،افحص محيطنا
ضعف» .ال يتوقَّع چايمي هجو ًما ،لكنه لم يتوقَّع (الغابة الهامسة) كذلك. ي نقاط َ
مالحظة أ ِّ
َ واحرص على
سألَه داڤن« :هل أستدعي بنات عرس لمجلس الحرب؟».
وأشار إلى چون بتلي الحليق ً
قائال« :ارفع راية َ أجاب چايمي« :ليس قبل أن أتكلَّم مع السَّمكة السَّوداء»،
َ
سالم واحمل رسالةً إلى القلعة .بلِّغ السير برايندن تَلي أنني أرغبُ في الحديث معه مع أول خيوط الضَّوء
ٍ
غدًا .سأذهبُ إلى حافة الخندق وأقابله على الجسر المتحرِّك».
ال َح االنزعاج على پِك ،وقال« :سيِّدي ،الرُّ ماة يُمكنهم أن.»...
ي سُرعة.قائال« :لن يفعلوا .انصُبوا خيمتي وارفعوا رايتَي» .وسنرى من يأتي جريًا وبأ ِّ ترجَّل چايمي ً
فذهب ِپك يُسا ِعدها .في الفترة
َ حاول إشعال النَّار في فحم المستوقَد، ً
طويال .كانت پيا تُ ِ لم يتطلَّب األمر
األخيرة كثيرًا ما يَخلُد چايمي إلى النَّوم على صوت جماعهما في رُكن الخيمة .بينما يحلُّ جاريت مشابك
ت جهير« :وصلت أخيرًا؟» .كانت تحتلُّ الباب واقي ساقيه انفت َحت الخيمة ،وقالت ع َّمة چايمي بصو ٍ
بالكامل ،وقد ح َّدق زوجها ابن فراي من ورائها« .تأ َّخرت .ألن تُعانِق ع َّمتك السَّمينة العجوز؟» ،وفت َحت
ذراعيها فلم تَترُك له خيارًا َّإال عناقها.
چنا النستر امرأةً متناسقة الجسد يبدو نهداها دو ًما على وشك الخروج من صدارها ،أ َّما في شبابها كانت ِ
اآلن فال َّشكل الوحيد الذي يتَّخذه جسدها هو المربَّع ،ولها وجه عريض أملس و ُعنق كعمو ٍد وردي غليظ
وثديان هائالن ،وفي بدنها لحم يكفي لصُنع اثنين من زوجها .احتضنَها چايمي بطاع ٍة وانتظ َر أن تَقرُص
وبدال منه طب َعت قُبلةً ناعمةً مبتلَّةً على
ً أُذنه كما تع َّودت أن تفعل طيلة حياته ،لكنها أحج َمت عن ذلك اليوم،
كلٍّ من وجنتيه ،ثم قالت« :آسفةٌ لخسارتك».
ي يد جديدة مصنوعة من َّ
الذهب» ،وأراها إياها. َر َّد« :لد َّ
الذهب أيضًا؟ تايوين الخسارة التي قصدتها».چنا بح َّدة« :جميل .هل سيصنعون لك أبًا من َّقالت الليدي ِ
عصبي ال ِّ
طباع له ٌّ أعلنَ زوجها« :رجل كتايوين النستر ال يأتي َّإال م َّرةً ك َّل ألف عام» .إمون فراي رجل
ثقيال لو ارتدى ثيابًا مبتَّلةً والحلقات المعدنيَّة ،لكنه أشبه بعو ٍد من البوص
يدان متوتِّرتان ،ولكان وزنه ً
يرتدي الصُّ وف وليس له ذقن يُذ َكر ،وهو عيب جعلَه بروز تفَّاحة َحلقه يبدو أكثر سخافةً .قبل بلوغه
الثَّالثين كان ِنصف َشعره قد سقطَ ،واآلن وهو في الستِّين تبقَّت له ُشعيرات محدودة.
چنا بَعد أن صرفَ چايمي پيا و ُمرافقيه« :بلغَتنا حكايات عجيبة في الفترة األخيرة .المرء يكاد قالت الليدي ِ
ي أن تيريون قت َل تايوين أم أن هذا افتراء أذاعَته أختك؟». صدِّق .أحقيق ٌ
ال يدري ماذا يُ َ
« -حقيقي» .كان وزن يده ال َّذهب قد بدأ يُضايِقه ،فبدأ يحلُّ األحزمة التي تُثَبِّتها إلى معصمه.
قال السير إمون« :أن يرفع االبن يده ضد أبيه ...عمل وحشي .هذه أيام سوداء في (وستروس) .إنني
أخشى علينا جميعًا بَعد رحيل اللورد تايوين».
ص َّر
چنا« :كنت تخشى علينا جميعًا وهو موجود» ،وأرا َحت عجيزتها الكبيرة على أحد الكراسي ،ف َ ر َّدت ِ
تحت وزنها على نح ٍو مزعج ،واستطردَت« :حدِّثنا عن ابننا كليوس وطريقة موته يا ابن أخي».
قائال« :هاج َمنا خارجون عن القانون وشتَّتهم السير كليوس، آخر األحزمة ووض َع يده جانبًا ً َح َّل چايمي ِ
لكن هذا كلَّفه حياته» .أتَته األكذوبة بسهولة ،ورأى أنها سرَّتهما بالفعل.
قلت هذا ،ال َّشجاعة في دمه» .عندما يتكلَّم السير إمون تلتمع على شفتيه رغوة « -كان فتى ُشجاعًا ،لطالما ُ
ورديَّة باهتة من جرَّاء التَّبغ ال ُم ِّر الذي يحبُّ أن يَمضُغه.
المفترض أن يُدفَن رُفاته تحت (الصَّخرة) في (قاعة األبطال) .أين قبره؟». َ چنا« : أعلنَت الليدي ِ
أجاب كاذبًا:
َ لغربان الجيف. ال قبر له .الممثِّلون ال َّسفَّاحون جرَّدوا جثَّته من ك ِّل شي ٍء وتركوا لحمه وليمةً ِ
«إلى جوار جدول .عندما تضع هذه الحرب أوزارها سأج ُد المكان وأرسله إلى الوطن» .الرُّ فات هو
الرُّ فات ،وما أسهل العثور عليه هذه األيام.
قال اللورد إمون« :هذه الحرب ،»...وتنحن َح لتتحرَّك تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل ،وتاب َع« :ال بُ َّد أنك
رأيت آالت الحصار ،ال ِمد َّكات والمقاذيف واألبراج .لن يَصلُح هذا يا چايمي .داڤن يُريد هدم أسواري
وتحطيم ب َّوابتي ،يتكلَّم عن القار المشتعل وإحراق القلعة ،قلعتي!» ،و َدسَّ يده في ُك ِّمه وأخر َج َرقًّا رف َعه
مواصال« :إن معي المرسوم الموقَّع من الملك ،من تومن .انظُر ،ها هو ذا الختم الملكي، ً في وجه چايمي
أطالل محترقة» .قالت زوجته ٍ الوعل واألسد .أنا سيِّد (ريڤر َرن) ال َّشرعي ،ولن أسمح بتحويلها إلى
محت َّدةً« :أوه ،ضع هذا ال َّشيء السَّخيف جانبًا .ما دا َم السَّمكة السَّوداء داخل (ريڤر َرن) يُمكنك أن تمسح
مؤ ِّخرتك بهذه الورقة التي لم تنفعنا بشيء» .على الرغم من كونها من آل فراي طيلة خمسين عا ًما تظلُّ
چنا إلى َح ٍّد كبير ابنة النستر .ابنة النستر كبيرة الحجم للغاية« .چايمي سيُ َسلِّمك القلعة». الليدي ِ
قال السير إمون« :بالتَّأكيد .سير چايمي ،ثقة السيِّد والدك بي كانت في محلِّها ،سترى .إنني أنوي أن أكون
عادال مع أتباعي الجُدد .بالكوود وبراكن وچيسون ماليستر وڤانس وپايپر ،كلُّهم سيتعلَّمون أن ً حاز ًما لكن
إمون فراي مولى عادل ...وأبي أيضًا ،نعم .إنه سيِّد (المعبر) ،لكنني أنا سيِّد (ريڤر َرن) .صحيح أن واجب
االبن أن يُطيع أباه ،لكن على حا ِمل الرَّاية أن يُطيع مواله».
ق اآللهة« .أنت لست مواله أيها الفارس .اقرأ الوثيقة .لقد ُمنِحت (ريڤر َرن) وأراضيها ودخولها البح ِّ
أوهَ ،
أكثر ،لكن پيتر بايلش هو سيِّد أراضي (الثَّالوث) األعلى.
(ريڤر َرن) ستخضع لحُكم (هارنهال)».
لم يس َّر ر ُّده اللورد إمون ،فقال محت ًّجا(« :هارنهال) خراب ،مسكونة وملعونة ،وبايلش ...إنه ع َّداد ُعملة،
ليس لورد حقيقيًّا ،ميالده.»...
« -إذا لم تكن راضيًا عن هذه التَّرتيبات فاذهب إلى (كينجز الندنج) واطرح األمر على أختي الجميلة» .ال
ك لديه في أن سرسي ستلتهم إمون فراي حيًّا وتُ َسلِّك أسنانها بعظامه .ما لم تكن مشغولةً بمضا َجعة َش َّ
أوزموند ِكتلبالك.
هال خرجت تش ُّم چنا نخيرًا ساخرًا ،وقالت« :ال داعي إلزعاج جاللتها بهذا الهراء .إمَّ ، أطلقَت الليدي ِ
الهواء؟».
« -أش ُّم الهواء؟».
« -أو تب َّول إذا أردت .أنا وابن أخي لدينا أمور عائليَّة نتناقَش فيها».
احتقنَ وجه اللورد إمون ،وقال« :نعم ،المكان دافئ هنا .سأنتظ ُر في الخارج يا سيِّدتي .أيها الفارس»،
وخرج من الخيمة.
َ وطوى حضرة اللورد وثيقته وانحنى لچايمي
ليس احتقار إمون فراي عسيرًا .لقد وص َل إلى (كاسترلي روك) في ِسنِّ الرَّابعة عشرة ليتز َّوج لبؤةً
وچنا لعبَت قلب معدته على سبيل هديَّة ال ِّزفافِ .
يكبَرها مرَّتين .اعتا َد تيريون أن يقول إن اللورد تايوين َ
بوجوم في حين تتبادَل زوجته ٍ جلس خاللها إمون يعبث بطعامه
َ دورًا أيضًا .يَذ ُكر چايمي مآدب كثيرةً
س جالس إلى يسارها وتتخلَّل محادَثاتهما انفجارات الضَّحك المد ِّوي .لكنها ي فار ٍ المزاح البذيء مع أ ِّ
أنجبَت لفراي أربعة أبناء ،أو على األقل تقول إنهم أبناؤه .ال أحد في (كاسترلي روك) يملك َشجاعة
التَّلميح إلى غير هذا ،ال سيَّما السير إمون.
لم يكد الرَّجل يُغا ِدر حتى د َّورت السيِّدة زوجته عينيها في محجريهما باستيا ٍء قائلةً« :زوجي وسيِّدي .في َم
كان أبوك يُفَ ِّكر حين قلَّده سيادة (ريڤر َرن)؟».
أبنائك».
ِ أظن أنه كان يُفَ ِّكر في
ُّ « -
عاقال وتعلَّم مني ال ً « -أنا أيضًا أف ِّك ُر فيهم .إم سيكون لورد سيِّئًا للغاية .ربما يُبلي تاي بال ًء أحسن إذا كان
من أبيه» ،وتلفَّتت ع َّمته متسائلةً« :هل عندك نبيذ؟».
عليك أن تبقي في ِ قائال« :ماذا تفعلين هنا يا سيِّدتي؟ كانصبَّ لها بي ٍد واحدة ً وج َد چايمي إبريقًا و َ
(كاسترلي روك) حتى ينتهي القتال».
« -ما إن سم َع إم بأنه أصب َح من اللوردات أص َّر على أن يأتي في الحال ويتسلَّم مقرَّه» ،وجرعَت الليدي
چنا من نبيذها ومس َحت فمها ب ُك ِّمها ،ثم قالت« :كان على أبيك أن يمنحنا (داري) .كليوس تز َّوج واحدةً من ِ
بنات الحارث كما تَذ ُكر ،وأرملته الثَّكلى غاضبة ألن ابنيها لم يُمنَحا أراضي السيِّد والدها .آمي الب َّوابة
تنتمي إلى عائلة داري من جانب أ ِّمها فحسب ،وچاين أرملة ابني خالتها ،أخت الليدي ماريا ال َّشقيقة».
قائال« :أخت أصغر ،ثم إن تاي سيحظى ب(ريڤر َرن) ،غنيمة أعظم من (داري)». ذ َّكرها چايمي ً
« -غنيمة مسمومة .سُاللة ال ُّذكور في عائلة داري بادَت ،أ َّما في عائلة تَلي فال .ذلك األبله السير رايمان
يضع أنشوطةً حول ُعنق إدميور لكنه يأبي أن يَشنُقه ،وث َّمة سمكة ترويت تنمو في بطن روزلين فراي .لن
يأمن أحفادي في (ريڤر َرن) أبدًا ما دا َم وريث من آل تَلي حيًّا».
يعلم چايمي أنها ليست مخطئةً ،فقال« :إذا أنجبَت روزلين فتاةً.»...
رت في هذاَّ .إال أن احتمال أن تلد ...« -فيُمكنها أن تتز َّوج تاي ،شريطة أن يقبل اللورد والدر .نعم ،ف َّك ُ
صبيًّا قائم بالقدر نفسه ،وسيُ َعقِّد قضيبه الصَّغير األمور.
وإذا خر َج السير برايندن حيًّا من هذا الحصار فربما تجده مي ًَّاال إلى أخذ (ريڤر َرن) باسمه ...أو باسم
روبرت آرن الصَّغير».
يَذ ُكر چايمي روبرت الصَّغير في (كينجز الندنج) ،ال يزال يرضع من ثديَي أ ِّمه في ِسنِّ الرَّابعة« .آرن لن
ُنجب ،وما حاجة سيِّد (العُش) إلى (ريڤر َرن)؟». يعيش حتى ي ِ
الذهب إلى أخرى؟ البَشر جشعون .كان على تايوين أن يمنح كيڤان رجل يملك ج َّرةً من ٍَّ « -ما حاجة
كنت ألقول له هذا لو كلَّف نفسه عناء سؤالي ،لكن منذ متى يستشير أبوك أحدًا ُ (ريڤر َرن) وإم (داري).
في شي ٍء َّإال كيڤان؟» ،وأطلقَت ع َّمته تنهيدةً عميقةً ،وأضافَت« :ال ألو ُم كيڤان على رغبته في مقرٍّ أكثر
أمنًا البنه ،إنني أعرفه جيِّدًا».
« -شتَّان بين ما يرغب فيه كيڤان وما يرغب فيه النسل» .أخب َرها بقرار النسل أن يتخلَّى عن زوجته
ت ال تزالين راغبةً في وأراضيه ولورديَّته من أجل القتال في سبيل العقيدة المق َّدسة ،ثم قال« :إذا كن ِ
(داري) فاكتُبي لسرسي واعرضي عليها األمر».
چنا بكأسها استهانةً ،وقالت« :ال ،فاتَ أوان هذا .إم يخال أنه سيَح ُكم أراضي النَّهر، ل َّوحت الليدي ِ
أظن أنه كان علينا أن نتوقَّع هذا منذ زمن .الحياة لحماية السِّپتون األعلى ال تختلف عن الحياة والنسلُّ ...
غضب تايوين عندما وضعت في رأسك أن َ لحماية الملك رغم ك ِّل شيء .أخشى أن كيڤان سيغضب كما
بدال منالحرس الملكي .على األقل سيبقى مارتن وريثًا لكيڤان .يُمكنه أن يُ َز ِّوجه آمي الب َّوابة ً تخدم في َ
النسل ،ليحمنا (السَّبعة) جميعًا» ،وعادَت تتنهَّد ثم قالت« :وعلى ِذكر (السَّبعة) ،لِ َم تسمح سرسي للعقيدة
بحمل السِّالح مج َّددًا؟».
هَ َّز چايمي كتفيه مجيبًا« :أنا واثق بأن لديها أسبابًا».
چنا« :أسبابًا؟» ،وأطلقَت صوتًا بذيئًا ،وأردفَت« :خي ٌر لنا أن تكون أسبابًا وجيهةً .السُّيوف ر َّددت الليدي ِ
عارضه ،ول َّما ماتَبحذر مع العقيدة كي ال تُ ِ ٍ والنُّجوم أزعَجوا آل تارجاريَن أنفُسهم .الفاتِح ذاته تعام َل
إجون وتمرَّد اللوردات على ابنيه كانت كلتا الجماعتين في قلب هذا التَّمرُّ د .اللوردات األكثر تديُّنًا أيَّدوهم،
وكثيرون من العوام ،وأخيرًا اضط َّر الملك ميجور إلى وضع مكافأ ٍة على رؤوسهم ،فدف َع تنِّينًا مقابل رأس
ضيًّا مقابل فروة رأس كلِّ صُعلوك ،إذا ُ
كنت أذك ُر ك ِّل واح ٍد من أبناء ال ُمحارب لم يرجع عن تمرُّ دهً ،
وأيال ف ِّ
التَّاريخ الذي تعلَّمته .قُتِ َل آالف ،لكن آالف غيرهم ظلُّوا يجوبون البالد بتح ٍّد ،إلى أن قت َل العرش الحديدي
ق الملك چهيرس على العفو عن ك ِّل من يتخلَّى عن القتال». ميجور وواف َ
ُ
نسيت أغلب هذا». قال معترفًا« :
ر َّدت ع َّمته« :أنت وأختك» ،وأخ َذت جرعةً أخرى من النَّبيذ ،وسألَته« :أصحي ٌح أن أباك كان مبتس ًما فوق
تابوته؟».
« -كان يتعفَّن فوق تابوته ،وجع َل هذا فمه يلتوي».
« -أهذا كلُّ ما هنالك؟» .بدا إن اإلجابة أحزنَتها« .يقول كثيرون إن تايوين لم يبتسم قَ ُّ
ط ،لكنه ابتس َم حين
تز َّوج أ َّمك ،وحين جعلَه إيرس يده .ول َّما انها َر (بهو تاربك) على رأس تلك الحقيرة المتآمرة الليدي إيلين،
رأيت هذا بعينَي .أنت وسرسي كنتما ُ قال تايج إنه ابتس َم حينها أيضًا ...وابتس َم يوم مولدك يا چايمي،
متو ِّرديْن مثاليَّيْن ومتماثليْن ...باستثناء بين السَّاقين طبعًا .يا لرئاتكما القويَّة!».
قال چايمي بابتسام ٍة واسعة« :اسمعوا زئيرنا .يَنقُص أن تقولي لي إنه أحبَّ الضَّحك كثيرًا أيضًا».
« -ال ،تايوين لم يكن يثق بالضَّحك .لقد سم َع كثيرين يضحكون من جدِّك» ،وقطَّبت ع َّمته جبينها
مستطردةً« :أؤ ِّك ُد لك أن مهزلة الحصار هذه ما كانت لتسرَّه.
كيف تنوي أن تضع ح ًّدا لها اآلن وقد أصبحت هنا؟».
« -سأتفا َوضُ مع السَّمكة السَّوداء».
« -لن ينجح هذا».
« -أنوي أن أعرض عليه شروطًا جيِّدةً».
« -ال ُّشروط تتطلَّب الثِّقة .آل فراي اغتالوا ضيوفًا تحت سقفهم ،وأنت ...ال أقص ُد إساءةً يا حبيبي ،لكنك
قتلت مل ًكا معيَّنًا أقسمت على حمايته».
مزاج
ٍ خرجت نبرته أكثر خشونةً مما انتوى ،لكنه ليس فيَ « -وسأقت ُل السَّمكة السَّوداء إذا لم يستسلم».
يسمح بإلقاء إيرس تارجاريَن في وجهه.
أكون عجو ًزا بدينةً ،لكن ما في رأسي ُمخ ال جُبنة يا چايمي ،وكذا
ُ سألَته بته ُّكم« :كيف؟ بلسانك؟ ربما
السَّمكة السَّوداء .التَّهديدات الفارغة لن تُثَبِّط ه َّمته».
« -وبِ َم تنصحين؟».
ه َّزت كتفيها ببُطء ،وقالت« :إم يُريد أن يُقطَع رأس إدميور ،وربما يكون محقًّا على سبيل التَّغيير .السير
رايمان جعلَنا أضحوكةً بمشنقته إياها .عليك أن تُري السير برايندن أن لتهديداتك أنيابًا».
« -ربما يُقَ ِّوي قتل إدميور عزيمة السير برايندن».
ط .كان بإمكان هوستر تَلي أن يُخبِرك بهذا»، « -العزيمة شيء لم يفتقر إليه برايندن السَّمكة السَّوداء قَ ُّ
چنا ما تبقَّى من النَّبيذ في جوفها ،وأردفَت« :طيِّب ،لن أجرؤ أبدًا على إخبارك بكيفيَّة وأفرغَت الليدي ِ
أعرف منزلتي ...على عكس أختك .أصحي ٌح أن سرسي أحرقَت (القلعة ُ خوض الحروب ،إنني
الحمراء)؟».
(« -بُرج اليد) فقط».
حرق اليد .هاريس سويفت؟! إذا كان د َّورت ع َّمته عينيها ،وقالت« :كان خيرًا لها أن تُبقي على البُرج وتُ ِ
هناك رجل جديرًا برمزه فهو السير هاريس .وجايلز روزبي ،ليحمنا (السَّبعة) ،حسبته ماتَ منذ زمن.
ميريويذر ...أبوك تع َّود دعوة جدِّه بال ُمقهقه ،أريدك أن تعلم .قال تايوين إن ال َّشيء الوحيد الذي يَصلُح له
ميريويذر هو القهقهة ل ُدعابات الملك .حضرة اللورد ظَ َّل يُقِهقِه حتى نُفِ َي على ما أذك ُر .سرسي وض َعت
ورجال وضيعًا في ال َحرس الملكي ،وسم َحت للعقيدة بالتَّسلُّح ،والبراڤوسيُّون
ً ً
نغال ما في المجلس أيضًا،
يُطالِبون بسداد ما لهم من ديون في جميع أنحاء (وستروس) .ما كان شيء من هذا ليَح ُدث لو أنها تحلَّت
بالعقل وجعلَت ع َّمك كيڤان اليد».
رفض المنصب». َ « -السير كيڤان
چنا
رفض أن يقولها» ،ورس َمت الليدي ِ
َ « -هذا ما قاله ،لكنه لم يَذ ُكر السَّبب .أشياء كثيرة لم يقلها،
االمتعاض على مالمحها ،وتاب َعت« :لطالما فع َل كيڤان ما يُطلَب منه ،وليس من طباعه أن يُولي الواجب
ظَهره .في األمر شيء ما خطأ ،باستطاعتي أن أش َّمه».
« -قال إنه مت َعب» .وقالت سرسي وهما واقفان عند نعش أبيهما إنه يعرف بأمرهما.
أظن أنه ح ُّقه .كان صعبًا على كيڤان أن يعيش حياته كلَّها في ِظلِّ ُّ ز َّمت ع َّمته شفتيها قائلةً« :مت َعب؟
ً
طويال أسود ،واضط َّر ك ٌّل منهم إلى المعاناة تايوين ،صعبًا على إخوتي جميعًا .الظِّلُّ الذي ألقاه تايوين كان
ط أن يُضاهي أباك، يستطع قَ ُّ
ِ حتى يجد بصيصًا من ال َّشمس لنفسه .تايجت حاو َل أن يستق َّل بذاته ،لكنه لم
وأفضى هذا إلى جعله أكثر غضبًا مع مرور السِّنين .أ َّما جيريون فاكتفى بالسُّخرية .كان أفضل له أن
يسخر من اللُّعبة من أن يلعبها ويخسر .لكن كيڤان رأى طبائع األمور مب ِّكرًا ،فصن َع لنفسه مكانًا إلى جانب
أبيك».
ت؟».سألَها چايمي« :وأن ِ
كنت أميرة أبي الغالية ...وأميرة تايوين أيضًا ،إلى أن خيَّبت أمله ،وأخي لم يتعلَّم
« -لم تكن لُعبةً للفتياتُ .
جئت ألقوله ولن آخذ المزيد ُ ضت ع َّمته مستطردةً« :لقد ُ
قلت ما أن يحبَّ مذاق خيبة األمل إطالقًا» ،ونه َ
من وقتك .افعل ما كان تايوين ليفعله».
سم َع چايمي نفسه يسألها« :هل أحببتِه؟».
كنت في السَّابعة حينما أقن َع والدر فراي السيِّد والدي بإعطاء إم حد َجته ع َّمته بنظر ٍة غريبة ،وقالتُ « :
يدي ،ابنه الثَّاني وليس وريثه حتى .أبي نفسه كان ابنًا ثالثًا ،واإلخوة الصِّغار يشتهون رضا إخوتهم
ب أفضل من إرضائه .أُعلِنَت خطبتي في األكبر .فراي استشع َر نُقطة الضَّعف تلك فيه ،ولم يقبل أبي لسب ٍ
وخرج األسد األحمر غاضبًا من القاعة ،أ َّما َ أثناء مأدب ٍة حض َرها نِصف الغرب ،وضح َكت إيلين تاربك
شحب
َ اآلخَرون فانعقدَت ألسنتهم .وحده تايوين جر َؤ على االعتراض على ال ِّزيجة .كان صبيًّا في العاشرة.
وارتعش والدر فراي» ،وابتس َمت مواصلةً« :كيف يُمكنني َّأال أحبَّه بَعد َ وجه أبي حتى أصب َح كالحليب،
ُ
استمتعت كثيرًا بصُحبة الرَّجل الذي صا َره ...لكن وافقت على ك ِّل ما فعلَه أو
ُ هذا؟ لكن هذا ال يعني أنني
وزفرت متسائلةًَ « :منَ صغره»، أخ كبير يحميها ،وتايوين كان كبيرًا حتى في ِ ك َّل فتا ٍة صغيرة تحتاج إلى ٍ
سيحمينا اآلن؟».
قبَّلها چايمي على وجنتها ،وقال« :لقد خلَّف ابنًا».
« -نعم ،وهذا أخشى ما أخشاه في الحقيقة».
أده َشه تعليقها الغريب ،فسألَها« :وماذا تخشين؟».
قالت جاذبةً أُذنه« :چايمي يا عزيزي ،أنا أعرفك منذ كنت ترضع من ثديَي چوانا .إنك تبتسم كجيريون
وإال ما كنت لترتدي هذا المعطف ...لكن تيريون هو ابن وتُقاتِل كتايج ،وفيك القليل من كيڤان أيضًاَّ ،
عام ال يُ َكلِّمني .ال ِّرجال حمقى كبار
قلت هذا ذات م َّر ٍة في وجه أبيك فقضى نِصف ٍ تايوين ال أنتُ .
صاخبون حقًّا ،حتى َمن يجود بهم ال َّدهر ك َّل ألف ٍ
عام».
قطَّة القنوات
ظت قبل شروق ال َّشمس في ال ُغرفة الصَّغيرة تحت اإلفريز ،التي تتقا َسمها مع ابنتَي بروسكو.
استيق َ
كات أول من يصحو دو ًما .تحت األغطية مع تاليا وبريا دافئ مريح ،وباستطاعتها أن تسمع أنفاسهما
الهادئة المنتظمة ،وحين تحرَّكت واعتدلَت جالسةً تبحث عن ُخفَّيها تمت َمت بريا بشكوى ناعسة وانقلبَت
على جانبها .اقشع َّر ِجلد كات من جرَّاء البرد المنبعث من الجُدران الحجر الرَّماديَّة ،فأسرعَت ترتدي
ثيابها في الظَّالم ،وبينما تضع سُترتها على جسدها فت َحت تاليا عينيها ،وقالت لها« :كات ،كوني طيِّبةً
واجلبي لي ثيابي» .تاليا فتاة خرقاء ،جسدها ِجلد على عظم و ِمرفقاها بارزان ،ودائ ًما تشتكي من البرد.
راحتأحضرت لها كات مالبسها فارتدَتها تحت األغطية ،ومعًا سحبَتا األخت الكبيرة من الفِراش وقد َ َ
بريا تُهَم ِهم بالتَّهديدات النَّاعسة.
حين نزلَت ثالثتهن السُّلَّم من ال ُغرفة الواقعة تحت اإلفريز كان بروسكو وابناه قد خرجوا بالفعل إلى
ُسرعن ِمثلما يفعل ك َّل صباح، ق بروسكو في الفتيات أن ي ِ القارب في القناة الصَّغيرة وراء المنزل .زع َ
وساع َد ابناه تاليا وبريا على ركوب القارب ،أ َّما كات فمه َّمتها أن تح َّل الحبل الذي يربطه بالدِّعامة ،ثم
تُلقي الحبل لبريا وتدفع القارب مبعدةً إياه عن المرسى بحذائها .بدأ كال ابنَي بروسكو التَّجذيف بالعصا،
وج َرت كات ووثبَت فوق الفجوة التي أخ َذت تتَّسع بين المرسى والقارب.
ت طويل بينما يمضي بهم بروسكو وابناه في عتمة ما بَعدها لم يَعُد هناك ما تفعله َّإال الجلوس والتَّثاؤب لوق ٍ
قبل الفَجر عبر شبك ٍة من القنوات الصَّغيرة .يبدو هذا النَّهار نادرًا ،معتدل البرودة صافيًا ساطعًا ،بينما
المعتاد أن (براڤوس) ال تعرف َّإال ثالثة أنواع فقط من الطَّقس .الضَّباب سيِّئ ،والمطر أسوأ ،والمطر
المتج ِّمد األسوأ ،لكن ك َّل فتر ٍة طويلة يأتي صباح يطلع فيه الفَجر ورديًّا وأزرق ويكون هواؤه منع ًشا
أيام تحبُّها كات.
مالحًا ،وتلك أكثر ٍ
حين بلغوا المجرى المائي العريض المستقيم المس َّمى (القناة الطَّويلة) انعطفوا جنوبًا نحو سوق األسماك،
حاول أن تتذ َّكر تفاصيل حُلمها .م َّرةً أخرى أحل ُم بأنني قاوم التَّثاؤب وتُ ِوقد جل َست كات مربِّعةً ساقيها تُ ِ
ذئبة .أكثر ما تَذ ُكره الرَّوائح؛ األشجار والتُّربة وإخوتها في القطيع والخيول والغزالن والبَشر ،ك ٌّل منها
الالذعة التي ال تختلف أبدًا .في بعض اللَّيالي تكون أحالم ال ِّذئاب غير األخرى ،ورائحة الخوف القويَّة َّ
شديدة الجالء لدرجة أنها تظلُّ تسمع ُعواء إخوتها حتى وهي تستيقظ ،وفي م َّر ٍة زع َمت بريا أنها كانت
َمجر في نومها وتتل َّوى تحت األغطية ،فحسبَتها كذبةً سخيفةً إلى أن قالت تاليا الكالم نفسه. تُز ِ
أخب َرت الفتاة نفسها :ال يَج ُدر بي أن أحلم أحالم ال ِّذئاب .إنني اآلن قطَّة ال ذئبة ،قطَّة القنوات .أحالم ال ِّذئاب
تنتمي إلى آريا سليلة عائلة ستارك ،ولكن على الرغم من ك ِّل محا َوالتها ما زالَت ال تستطيع تخليص نفسها
من آريا .ال فرق بين نومها تحت المعبد أو في ال ُغرفة الصَّغيرة تحت اإلفريز مع ابنتَي بروسكو ،فلم تزل
ليال ...وأحيانًا أحالم أخرى أيضًا. طاردها ً أحالم ال ِّذئاب تُ ِ
أحالم ال ِّذئاب هي الجيِّدة ،ففيها تكون سريعةً قويَّةً ،تنقضُّ على فرائسها وفي أعقابها قطيعها .الحُلم اآلخَ ر
أرض يباب مألى باألوحال ٍ بدال من أربع وتمشي متعثِّرةً في هو ما تكرهه ،الحُلم الذي لها فيه ساقان ً
ب يُعيقها عن مطر السَّماء في ذلك الحُلم وتسمع صُراخ أ ِّمها ،لكن وح ًشا برأس كل ٍ والدِّماء والنِّيران .دائ ًما تُ ِ
الذهاب إلنقاذها .في ذلك الحُلم تبكي دو ًما كأنها فتاة صغيرة مذعورة .القِطط ال تبكي أبدًا ،وال تبكي َّ
ُلم سخيف. ال ِّذئاب .إنه مجرَّد ح ٍ
أخ َذت (القناة الطَّويلة) قارب بروسكو إلى أسفل قباب (قصر الحقيقة) النُّحاسيَّة الخضراء وأبراج عائلتَي
پرستاين وآنتاريون الطَّويلة المربَّعة ،قبل أن يم َّر من إحدى قناطر نهر المياه العذبة الرَّماديَّة الهائلة إلى
ق من النَّهار ت الح ٍالمنطقة المعروفة باسم (بلدة الغرين) ،حيث المباني أصغر حج ًما وأقلُّ فخامةً .في وق ٍ
ستختنق القناة بالقوارب األفعوانيَّة والصَّنادل ،لكن اآلن في ظُلمة ما قبل الفَجر ال يتحرَّك في المجرى
المائي غيرهم تقريبًا .يحبُّ بروسكو أن يصل إلى سوق األسماك قبل أن يهدر (المارد) معلنًا شروق
ال َّشمس ويتر َّدد صوته المد ِّوي عبر الهَور خافتًا بعيدًا ولكن مسموعًا بما فيه الكفاية إليقاظ المدينة النَّائمة.
عندما ربطَ بروسكو وابناه القارب عند سوق األسماك كان المكان يعجُّ بباعة ال ِّرنجة وأسماك القُد والمحار
ت عالية ُساوم بعضهم بعضًا بأصوا ٍ والطهاة وبائعات ال ُخردة وبحَّارة القوادس ،ي ِ ُّ وأُم ال ُخلول ،وبال ُوكالء
ب ملقيًا نظرةً على األصداف بأنواعها، ب إلى قار ٍسار بروسكو من قار ٍ َ بينما يفحصون صيد الصَّباح.
طق طَق. طق« .هذا»َ . طق َ قفص بعصاه ،ويقول« :هذا ،نعم»َ . ٍ برميل أو
ٍ وبين الحين واآلخَر يَنقُر على
طق .قلَّما يتكلَّم بروسكو ،وتقول تاليا إن أباها يبخل بكالمه كما يبخل بنقوده .المحار «ال ،ليس هذا .هذا»َ .
وأُم ال ُخلول والسَّراطين وبلح البحر والحلزونات وأحيانًا القريدس ...يشتري بروسكو ك َّل شي ٍء حسب ما
نقر عليها إلى القارب ،فبروسكو يبدو األفضل هذا اليوم ،وعلى اآلخَرين حمل األقفاص والبراميل التي َ
يُعاني أل ًما في ظَهره وال يستطيع أن يحمل شيئًا أثقل من دور ٍ
ق من ال ِمزر البنِّي.
دائ ًما تفوح من كات رائحة السَّمك والملح لدى بدء رحلة عودتهم إلى البيت ،لكنها اعتادَتها تما ًما حتى إنها
لم تَعُد تش ُّمها تقريبًا ،كما أنها ال ترى ما يعيبها في هذا العمل ،وعندما تُؤلِمها عضالتها من الرَّفع أو
برميل تقول لنفسها إن ق َّوتها تزداد.
ٍ يتوجَّع ظَهرها من وزن
بمجرَّد تحميل جميع البراميل واألقفاص على القارب دف َعه بروسكو من جدي ٍد وعا َد بهم ابناه إلى (القناة
الطَّويلة) ،في حين جل َست بريا وتاليا عند المقدِّمة تتها َمسان .تعلم كات أنهما تتكلَّمان عن فتى بريا الذي
تتسلَّق إلى سطح المنزل لتُقابِله بَعد خلود أبيها إلى النَّوم.
حين أرسلَها إلى المدينة قال لها الرَّجل الطيِّب آمرًا« :تعلَّمي ثالثة أشياء جديدة قبل أن تعودي إلينا»،
ت جديدة من البراڤوسيَّة ،وأحيانًا تعود وهذا ما تفعله دائ ًما .أحيانًا ال يكون ما تتعلَّمه أكثر من ثالث كلما ٍ
ت من البحَّارة عن األشياء الغريبة العجيبة الحادثة في العالم الواسع البليل حول (براڤوس) ،عن بحكايا ٍ
ت جديدة أو ثالث أحاجي جديدة أو َّ
الحروب وأمطار الضَّفادع والتَّنانين الوليدة .أحيانًا تتعلم ثالث ُدعابا ٍ
حيل هذه التِّجارة أو غيرها ،وك َّل فترةً طويلة تعرف ِس ًّرا ما.
قرن كامل كما ظ َّل ِس ًّرا طيلة ٍ
ب وأقنع ٍة وهمسات ،وجودها ذاته َ (براڤوس) مدينة من األسرار ،مدينة ضبا ٍ
تعلَّمت الفتاة ،وموقعها ظَ َّل خفيًّا ثالثة أضعاف هذه الم َّدة .قال لها الرَّجل الطيِّب« :ال ُمدن التِّسع ال ُحرَّة
بنات (ڤاليريا) التي كانت ،لكن (براڤوس) طفلتها النَّغلة التي فرَّت من البيت .نحن شعب هجين ،أوالد
الرَّقيق والعاهرات وال ُّلصوص ،وأتى أسالفنا من عشرات البلدان إلى هذا المالذ ليهربوا من سادة التَّنانين
الذين استعبَدوهم ،ومعهم أتى عشرات اآللهة ،لكن هناك إلهًا واحدًا يشتركون فيه جميعًا».
« -هو ذو الوجوه العديدة».
« -واألسماء العديدة .في (ڬوهور) هو الكبش األسود ،وفي (يي تي) أسد اللَّيل ،وفي (وستروس) الغريب.
ضياء أم أُم القمر أم اإلله
كلُّ البَشر ينحنون له في النِّهاية ،سواء أكانوا يَعبُدون اآللهة السَّبعة أم إله ال ِّ
مكان ما من العالم قوم يحيون إلى األبد.
ٍ الغريق أم الرَّاعي األعظم .كلُّ البَشر ينتمون إليهَّ ...
وإال لكان في
هل تعرفين قو ًما يحيون إلى األبد؟».
فتُجيب الفتاة« :ال .كلُّ البَشر ي ِ
ُدركهم الموت».
دو ًما تجد كات الرَّجل الطيِّب في انتظارها حينما تعود إلى المعبد فوق الهضبة ليلة اسوداد القمر ،ودو ًما
يسألها« :ما الذي تعلَّمتِه ولم تكوني تعلمينه ل َّما تركتِنا؟».
« -أعل ُم ما يضعه بِڬو الضَّرير في الصَّلصة الحارَّة التي يستخدمها مع محاره .أعل ُم أن الممثِّلين في
(القنديل األزرق) سيعرضون (سيِّد المالمح األليمة) وأن الممثِّلين في (السَّفينة) ينوون ال َّر َّد ب(سبعة
مالحين سكارى) .أعل ُم أن بائع ال ُكتب لوثو لورنل ينام في منزل الرُّ بَّان التَّاجر موريدو پرستاين متى َّ
خر َج الرُّ بَّان التَّاجر النَّبيل إلى رحل ٍة في البحر ،ومتى عادَت سفينته (الثَّعلبة) إلى الوطن غاد َر لوثو».
ت؟».
« -جيِّد أن تعلمي هذه األشياء .و َمن أن ِ
« -ال أحد».
عليك أن
ِ أعرفك جيِّدًا .اذهبي ونامي أيتها الصَّغيرة ،فغدًا
ِ ت كات قطَّة القنوات ،إنني
« -تكذبين .أن ِ
تخدمي».
أيام من ك ِّل ثالثين .عندما يسو ُّد القمر ال تكون أحدًا،« -كلُّ البَشر واجبهم الخدمة» .وهذا ما تفعله ثالثة ٍ
مجرَّد خادم ٍة لإلله عديد الوجوه ترتدي األبيض واألسود .تمشي إلى جوار الرَّجل الطيِّب في الظَّالم
العطر حاملةً مصباحها الحديد ،وتُ َغسِّل الموتى وتفرز ثيابهم وتُحصي مالهم ،وأحيانًا تعود إلى مساعَدة ِ
ً ً ِّ
أوما في المطبخ مقطعة الفِطر األبيض الكبير ونازعة أشواك السَّمك ...لكن فقط حين يسو ُّد القمر ،أ َّما بقيَّة
الوقت فهي فتاة يتيمة تنتعل حذا ًء مم َّزقًا أكبر من قدميها وترتدي معطفًا بنِّيًّا مهترئ الحاشية ،وتصيح:
«بلح بحر وحلزون وأُم ال ُخلول!» بينما تدور بعربتها في (ميناء راجمان).
تعلم أن القمر سيكون أسود اللَّيلة ،فليلة أمس لم يكن أكثر من شظي ٍة صغيرة في السَّماء ،وما إن يراها
الرَّجل الطيِّب سيسألها« :ما الذي تعلَّم ِته ولم تكوني تعلمينه ل َّما تركتِنا؟» .أعل ُم أن بريا ابنة بروسكو تلتقي
فتًى على السَّطح عندما ينام أبوها .تاليا تقول إن بريا تَت ُركه يتحسَّسها مع أنه مجرَّد جرذ سُطوح،
والمفت َرض أن جميع جرذان السُّطوح لصوص .على أن هذا شيء واحد ،وستحتاج كات إلى شيئين
آخَريْن ،لكنها ليست قلقةً ،فعند السُّفن أشياء جديدة تتعلَّمها طيلة الوقت.
حين عادوا إلى المنزل ساعدَت كات ابنَي بروسكو على تفريغ القارب من البضائع ،وقسَّم بروسكو وابنتاه
ت من الطَّحالب البحريَّة ،ثم قال بروسكو للفتيات كمات ورصُّ وها على طبقا ٍ األصداف على ثالث عربا ٍ
يفعل ك َّل صباحُ « :عدن عندما تبعن ك َّل شيء» ،وخر َجت ثالثتهن يُنادين على الصَّيد .ستذهب بريا
بعربتها إلى (الميناء األرجواني) لتبيع ما معها للبحَّارة البراڤوسيِّين الذين ترسو سُفنهم هناك ،وتاليا إلى
األزقَّة المحيطة ب(بِركة القمر) أو تدور بين المعابد على (جزيرة اآللهة) ،في حين اتَّجهت كات إلى
أيام من ك ِّل عشرة.
(ميناء راجمان) كما تفعل تسعة ٍ
وحدهم البراڤوسيُّون من (البلدة الغارقة) و(قصر أمير البحر) مسموح لهم باستخدام (الميناء األرجواني)،
ضعًا واضطرابًا أ َّما السُّفن اآلتية من ال ُمدن الثَّمان أخوات (براڤوس) فتستخدم (ميناء راجمان) األكثر توا ُ
واتِّسا ًخا ،كما أنه أعلى صخبًا أيضًا ،إذ يزدحم البحَّارة والتُّجَّار من عشرات البالد على أرصفته وفي
مكان تحبُّه كات في (براڤوس) ،إذ تحلو لها ٍ أزقَّته مختلطين ب َمن يخدمونهم ويحتالون عليهم .إنه أكثر
الضَّوضاء والرَّوائح الغريبة ورؤية السُّفن التي وصلَت مساء أمس ومعرفة تلك التي أقل َعت .يروقها
المجعجعون بأصواتهم الجهوريَّة وشواربهم المصبوغة ،والاليسينيُّون ال ُّشقر
ِ البحَّارة أيضًا؛ التايروشيُّون
ُحاولون دو ًما بخس أسعارها ،لكنها تُفَضِّل بني (جُزر الصَّيف) ببشرتهم الملساء القاتمة كخشب الذين ي ِ
السَّاج ،الذين يرتدون معاطف من ال ِّريش األحمر واألخضر واألصفر ويركبون سُفنًا بجعيَّةً رائعةً طويلة
الصَّواري بيضاء القلوع.
ومالحين من قراقير (البلدة القديمة) ،والقوادس التِّجاريَّة من َّ وأحيانًا تُقابِل وستروسيِّين أيضًا ،بحَّارةً
(وادي الغسق) و(كينجز الندنج) و(بلدة النَّوارس) ،وأكواج النَّبيذ كبيرة البطون من (الكرمة) .تعرف كات
ال ُمرادفات البراڤوسيَّة لبلح البحر والحلزون وأُم ال ُخلول ،غير أنها تُنادي على بضاعتها في (ميناء
راجمان) بلُغة التِّجارة ،لُغة األرصفة والمراسي وحانات البحَّارة ،وهي فوضى خشنة من الكلمات والجُمل
ت ع َّدة تصحبها إشارات وإيماءات أكثرها مهين ،وتلك أكثر ما يروق كات. من لغا ٍ
صف بقضيب الحمار أو فرج النَّاقة« .ربما لم رجل يُضايِقها من شأنه أن يرى التِّينة أو يسمع نفسه يُو َ ٍ أيُّ
أعرف فرج النَّاقة حين أش ُّمه». ُ أ َر ناقةً من قبل ،لكنني
ُغضب قول كهذا أحدهم ،لكنها تكون جاهزةً بس ِّكينها الرَّفيع الذي تُحافِظ على ح َّدته ك َّل فترةً طويلة ي ِ
أصيل في (الميناء السَّعيد) بينماٍ ال َّشديدة وتعرف كيف تستخدمه أيضًا ،كما أراها روجو األحمر ذات
ق كيس نقو ٍد خرجه عندما تحتاج إليه ،وكيف تش ُّ ينتظر فروغ النا .علَّمها روجو كيف تُخَ بِّئه في ُك ِّمها وتُ ِ
صاحبها .مفيد أن تتعلَّم هذا -كما أ َّكد الرَّجل
ِ بنعوم ٍة وسُرع ٍة تُسقِطان منه العُمالت كلَّها قبل أن يلحظ
ليال حين يَخرُج ُمبارزو البراڤو وجرذان السُّطوح. الطيِّب نفسه -ال سيَّما ً
صنَّاع حبال و ُمصلحو أشرعة ت على األرصفة ،وأصدقاؤها عتَّالون وممثِّلون و ُ ك َّونت كات صداقا ٍ
وأصحاب حانات وخ َّمارون وخبَّازون وشحَّاذون وعاهرات .منها يشترون أُم ال ُخلول والحلزون ،ولها
حاول أن تتكلَّم
يحكون قِصصًا حقيقيَّةً عن (براڤوس) وأكاذيب عن حيواتهم ،ويضحكون من نُطقها عندما تُ ِ
وبدال من ذلك تُريهم التِّينة وتقول لهم إنهم فروج نوق ،وهو ما ً البراڤوسيَّة ،لكنها ال تدع هذا يُز ِعجها أبدًا،
يجعل ضحكهم يُ َد ِّوي أكثر .علَّمها جايلورو دوثار أغاني بذيئةً ،وأخب َرها أخوه جايلينو بأفضل البقاع لصيد
ت من (أغنيَّة الروين) و(الفا ِتح ثعابين الماء ،وأراها ممثِّلو (السَّفينة) كيف يقف البطل ولقَّنوها خطابا ٍ
وعرض عليها كويل -الرَّجل الصَّغير حزين العينين الذي يُ َؤلِّف َ وزوجتاه) و(سيِّدة التَّاجر ال َّشبقة)،
المسرحيَّات الهزليَّة البذيئة ل(السَّفينة) -أن يُ َعلِّمها كيف تُقَبِّل النِّساء ،لكن تاجانارو لط َمه بسمكة قُد ووض َع
ُخرجها من أُذنيه نهايةً لهذا ،بينما علَّمها كوزومو الحاوي خفَّة اليد .يستطيع كوزومو أن يبتلع الفئران وي ِ
قائال« :إنه ال ِّسحر» ،فتر ُّد كات« :ال ،الفأر كان في ُك ِّمك طوال الوقت .لقد رأيته يتحرَّك». ً
«محار وأُم ال ُخلول وحلزون» الكلمات السِّحريَّة ،وكك ِّل الكلمات السِّحريَّة الجيِّدة فمن شأنها أن تأخذها إلى
ُفن من (لِيس) و(البلدة القديمة) و(ميناء إيبن) وباعَت محارها مكان تقريبًا .لقد صعدَت إلى متون س ٍ ٍ ي
أ ِّ
على سطوحها ،وفي بعض األيام تمرُّ بعربتها على بروج األثرياء وتعرض أُم ال ُخلول المخبوزة على
حاول
َ ال َحرس الواقفين على األبواب ،وفي م َّر ٍة نادَت على بضاعتها على درجات (قصر الحقيقة) ،ول َّما
بائع متج ِّول آخَر أن يَطرُدها قلبَت عربته وبعث َرت محاره على األرض.
يشتري منها مأمورو الجمارك في (المرفأ المربَّع) ،وكذا مج ِّذفو (البلدة الغارقة) الذين تَبرُز قبابهم
وأبراجهم المغمورة من مياه الهَور الخضراء ،وفي م َّر ٍة عندما أرق َد النَّزيف القمري بريا في فِراشها دف َعت
لمالحي قارب نُزهة أمير البحر المغطَّى كات عربتها إلى (الميناء األرجواني) لبيع السَّراطين والقريدس َّ
أيام أخرى تتَّبع نهر المياه العذبة إلى (بِركة القمر)،
من أقصاه إلى أقصاه برسوم الوجوه الضَّاحكة ،وفي ٍ
َّ
حيث تبيع ل ُمبارزي البراڤو المختالين في حريرهم المخطط وح َملة المفاتيح والقُضاة الذين يرتدون
المعاطف البنِّيَّة والرَّماديَّة الباهتة ،لكنها دو ًما تعود إلى (ميناء راجمان).
صاحت الفتاة دافعةً عربتها على األرصفة« .بلح بحر وقريدس َ «محار وأُم الخلول وحلزون!»،
وحلزون!» .جا َءت قطَّة بُرتقاليَّة متَّسخة تمشي وراءها وقد اجتذبَها الصِّياح ،وبَعد مساف ٍة ظه َرت قطَّة
ثانية ،واحدة رماديَّة حزينة ممرَّغة باألوساخ ذيلها قصير .تحبُّ القِطط رائحة كات ،وفي بعض األيام تجد
دستةً منها ماشيةً وراءها قبل مغيب ال َّشمس .من حين إلى آخَر تُلقي لها كات محارةً وتُشا ِهد لترى َمن
يظفر بها ،وقد الحظَت أن أكبر ال ِقططة حج ًما نادرًا ما يربح ،وغالبًا تذهب الغنيمة إلى ال ِقطط األصغر
ط آ َخرطها المفضَّل عجوز له أُذن مقضومة يُ َذ ِّكرها بقِ ٍّ األسرع بنحولها وشراستها وجوعهاِ .مثلي .قِ ُّ
يوم في (القلعة الحمراء) .ال ،كانت تلك فتاةً ما أخرى ليست أنا. مطاردته ذات ٍ
َ اعتادَت
رأت كات أن سفينتين من التي كانت هناك البارحة رحلَتا ،لكن خمسًا جديدات جئن ،هي قرقور صغير
اسمه (القرد النُّحاسي) ،وسفينة صيد حيتان إيبنيزيَّة تفوح منها روائح القطران وال َّدم وزيت الحيتان،
وكوجان باليان من (پنتوس) ،وقادس أخضر رشيق من (ڤوالنتيس القديمة) .توقَّفت كات عند قدم ك ِّل لوح
عبور تُنادي على أُم ال ُخلول والمحار ،م َّرةً بلُغة التِّجارة وم َّرةً بعاميَّة (وستروس) .سبَّها أحد أفراد الطَّاقم
ٍ
ُ َّ َ
مدو أخافَ قِططها ،وسألها أحد المالحين الپنتوشيِّين كم تريد مقابل ت ٍّ على سفينة صيد الحيتان بصو ٍ
ً
المحارة التي بين ساقيها ،لكنها وجدَت حظّا أفضل عند السُّفن األخرى ،والته َم مساعد ُربَّان على متن
قتل القراصنة الاليسينيُّون الرُّ بَّان عندما حا َولوا
القادس األخضر نِصف دست ٍة من المحار وحكى لها كيف َ
االستيالء على سفينتهم قُرب (األعتاب) ،وأضافَ « :كان ذلك الوغد سان ومعه (ابن األُم العجوز)
وسفينته الكبيرة (ڤاليريان) .لقد فررنا منهم ،ولكن بالكاد».
اتَّضح أن القرقور الصَّغير (القرد النُّحاسي) من (بلدة النَّوارس) ،وقد سع َد طاقمه الوستروسي للكالم مع
أح ٍد باللُّغة العاميَّة .سألَها أحدهم ع َّما أفضى بفتا ٍة من (كينجز الندنج) إلى بيع بلح البحر على أرصفة
المواني في (براڤوس) ،فقصَّت عليهم حكايتها ،وقال لها واحد آخَ ر« :سنبقى هنا أربعة أيام وأربع ٍ
ليال
طويلة .أين يجد المرء القليل من التَّسلية؟».
مالحين سكارى) ،وهناك عراك ثعابين الماء في أخب َرتهم كات« :الممثِّلون في (السَّفينة) سيُقَدِّمون (سبعة َّ
الذهاب عند (بِركة القمر) حيث يتنا َزل (القبو المرقَّط) عند ب َّوابة (البلدة الغارقة) ،أو إذا أردتم فيُمكنكم َّ
ُمبارزو البراڤو ً
ليال».
قال بحَّار آ َخر« :نعم ،ال بأس بهذا ،لكن ما يُريده وات حقًّا هو امرأة».
« -أفضل العاهرات في (الميناء السَّعيد) ،حيث ترسو (السَّفينة)» ،وأشا َرت في اتِّجاه المكان .بعض
عاهرات أرصفة المواني متوحِّشات ،وأحيانًا ال يدري البحَّارة اآلتون لت ِّوهم من البحر من منهن كذلك.
سڤرون أسوأهن ،ويقول الجميع إنها سرقَت وقتلَت دستةً من ال ِّرجال ودحر َجت جُثثهم إلى القنوات لتُط ِعم
ثعابين الماء ،واالبنة ال ِّس ِّكيرة ليِّنة العريكة عندما تكون مفيقةً فقط وليس حين تشرب ،وچاين القُرحة في
الحقيقة رجل« .اسألوا عن ِمري .اسمها الحقيقة ميرالين ،لكن الك َّل يدعوها ب ِمري ،وهي مرحة حقًّا».
تشتري ِمري دستةً من المحار كلَّما ذهبَت كات إلى الماخور وتتقا َسمه مع فتياتها ،ويتَّفق الجميع على طيبة
قلبها« ،ثم إن لي أكبر ثديين في (براڤوس) كلِّها» ،كما يحلو ل ِمري نفسها أن تتباهى.
فتياتها أيضًا لطيفات؛ بِثاني الخجول وزوجة البحَّار ،ويانا ذات العين الواحدة التي ترى مستقبَلك في قطر ٍة
من ال َّدم ،والنا الصَّغيرة الحسناء ،وحتى آسادورا اإليبنيزيَّة ذات ال َّشارب .ربما ال يكن جميالت حقًّا،
لكنهن يترفَّقن بها .أ َّكدت كات لرجال (القرد النُّحاسي) قائلةً« :كلُّ العتَّالين يذهبون إلى (الميناء السَّعيد).
ُبحرون بها».
ُفرغن أحمال من ي ِ ُفرغون أحمال السُّفن وفتياتي ي ِ
ِمري تقول :الفتيان ي ِ
« -وماذا عن العاهرات الممتازات الالتي يُ َغنُّون عنهن؟» ،سألَها أصغر القِردة ،صب ٌّي أحمر ال َّشعر من َّمش
الوجه ال يُمكن أن تزيد ِسنُّه على السَّادسة عشرة« .أهن جميالت كما يقولون؟ أين أج ُد واحدةً منهن؟».
نظ َر إليه رفاقه البحَّارة وضحكوا ،وقال أحدهم« :بح ِّ
ق الجحائم السَّبع يا فتى ،ربما يستطيع الرُّ بَّان أن
يَحصُل لنفسه على محظيَّة ،لكن فقط إذا با َع السَّفينة اللَّعينة .هذا النَّوع من الفروج للوردات وأمثالهم وليس
لنا».
محظيَّات (براڤوس) شهيرات في جميع أنحاء العالم ،يُ َغنِّي عنهن المطربون ،ويُغ ِدق عليهن الصَّاغة
الحرفيُّون َشرف أن يكن زبائنهم ،ويدفع األمراء ال ُّتجَّار أسعارًا فلكيَّةً صنَّاع الجواهر بالهدايا ،ويتوسَّل ِ و ُ
كي يتأبَّطن أذرعهم في الحفالت والمآدب وعروض الممثِّلين ،ويَقتُل بعض ُمبارزي البراڤو بع ً
ضا
ب أو في طريقها إلى باسمهن .أحيانًا بينما تدفع عربتها بطول القنوات تلمح كات إحداهن ما َّرةً في قار ٍ
ُبحرون بها إلى مواعيدها .ال َّشاعرة في ق ما .لكلِّ محظيَّ ٍة صندلها الخاص وخدمها الذين ي ِ أمسيَّ ٍة مع عشي ٍ
وظلُّ القمر ال ترتدي َّإال األبيض والفضِّي ،وملكة البحار ال تُرى أبدًا من دون وصيفاتها يدها كتاب دو ًماِ ،
صفِّفن َشعرها .كلُّ محظيَّ ٍة أروع عرائس البحر ،أربع عذراوات في ريعان اإلزهار يحملن ذيل فُستانها ويُ َ
ماال من األخرى ،وحتى الليدي الملثَّمة جميلة ،وإن كان من تتَّخذهم ُع َّشاقًا فقط يرون وجهها. َج ً
بعت ثالثة حلزونات لمحظيَّة .نادَتني وهي تنزل من صندلها» .كان بروسكو قد ش َّدد قالت كات للبحَّارةُ « :
أوال ،لكن المرأة ابتس َمت لها ونقدَتها أجرها ي محظيَّ ٍة ما لم تُبا ِدرها المحظيَّة بالكالم ً عليها َّأال تُ ِ
خاطب أ َّ
ضةً تفوق قيمة الحلزونات بعشرة أضعاف. ف َّ
َ « -من هي؟ ملكة الحلزونات؟».
أجابَتهم« :اللُّؤلؤة السَّوداء» .ت َّدعي ِمري أن اللُّؤلؤة السَّوداء أشهر المحظيَّات جميعًا ،وقالت المرأة لكات:
وأنجب
َ «إنها سليلة التَّنانين .اللُّؤلؤة السَّوداء األولى كانت ملكةً قُرصانةً اتَّخذها أمير وستروسي عشيقةً
كبرت لتُصبِح محظيَّةً ،ثم تب َعتها ابنتها وابنة ابنتها ،وهكذا دواليك حتى اللُّؤلؤة السَّوداء الحاليَّة.
منها ابنةً َ
لك يا كات؟».
ماذا قالت ِ
معك صلصة حارَّة أيتها الصَّغيرة؟».
ِ ر َّدت الفتاة« :قالت :سآخ ُذ ثالثة حلزونات ،وسألَتني :هل
ت؟».
« -وماذا قل ِ
المفترض أن تكون معي صلصة حارَّة .بِڬو
َ قلت :ال يا سيِّدتي ،وال تُناديني بالصَّغيرة ،إن اسمي كات. ُ «-
معه ،ويبيع ثالثة أضعاف ما يبيعه بروسكو من المحار».
ح َكت كات عن اللُّؤلؤة السَّوداء للرَّجل الطيِّب أيضًا ،وقالت له« :اسمها الحقيقي بيليجير أوثيريس» .كان
هذا واحدًا من األشياء الثَّالثة التي تعلَّمتها.
قال الكاهن برفق« :صحيح .أ ُّمها كانت بيلونارا ،لكن ال ُّلؤلؤة السَّوداء األولى كان اسمها بيليجير أيضًا».
ً
وبدال من ذلك سألَتهم عن أخبار على أن كات تعرف أن رجال (القرد ال ُّنحاسي) لن يأبهوا السم أُ ِّم محظيَّة،
(الممالك السَّبع) والحرب.
أجاب أحدهم ضاح ًكا« :الحرب؟ أيُّ حرب؟ ليست هناك حرب». َ
وقال آخَر« :ليس في (بلدة النَّوارس) وليس في (الوادي) .اللورد الصَّغير أبقانا بمنأى عنها ِمثلما فعلَت
أ ُّمه».
ِمثلما فعلَت أ ُّمه .سيِّدة (الوادي) أخت أ ِّمها« .الليدي اليسا .هل.»...
...« -ماتَت؟» ،أنهى الفتى ذو النَّمش الممتلئ رأسه بالمحظيَّات سؤالها« .نعم ،قتلَها مغنِّيها».
ط .رف َعت كات عربتها ودف َعتها بعيدًا عن « -أوه» .ال يعني األمر لي شيئًا .قطَّة القنوات لم تكن لها خالة قَ ُّ
(القرد النُّحاسي) لتهت َّز على حجارة الرَّصف ،ونادَت« :محار وأُم ال ُخلول وحلزون! محار وأُم ال ُخلول
ُفرغون حمولة كوج النَّبيذ الكبير اآلتي من ُ
وحلزون!» .باعَت أكثر ما معها من أم ال ُخلول للعتَّالين الذين ي ِ
(الكرمة) ،والبقيَّة لل ِّرجال الذين يُصلِحون قادسًا تجاريًّا من (مير) د َّكته العواصف.
ظهره إلى دعام ٍة إلى جوار كاسو ملك على مساف ٍة أبعد على الرَّصيف وجدَت تاجانارو جالسًا مسندًا َ
تهز زعنفته .استحثَّها تاجانارو ً
قائال الفقمات ،وابتا َع منها ال َّرجل بعض بلح البحر ،ونب َح كاسو وتر َكها ُّ
شريك جديد منذٍ وهو يمتصُّ بلح البحر من الصَّدف« :تعالي واعملي معي يا كات» .إنه يبحث عن
سأنقدك أجرًا أكثر من بروسكو ولن تكون رائحتك ِ غر َست االبنة ال ِّس ِّكيرة س ِّكينها في يد ناربو الصَّغير« .
كالسَّمك».
ر َّدت« :كاسو يحبُّ رائحتي» ،ونب َح ملك الفقمات كأنه موافق« .ألم تتحسَّن يد ناربو؟».
ال ال يستطيع استخدام أصابعه؟ قال تاجانارو متذ ِّمرًا بين بلحتين« :ثالثة من أصابعه ال تنثني .ما فائدة ن َّش ٍ
ناربو كان بارعًا في النَّشل وليس كذلك في اختيار العاهرات».
صا« .ماذا ِ « -مري تقول ال ِمثل» .شع َرت كات بالحُزن .لقد أحبَّت ناربو الصَّغير على الرغم من كونه ل ًّ
سيفعل؟».
مالحين يظن أن إصبعين كافيان لهذا ،وأمير البحر يبحث دائ ًما عن َّ ُّ « -يقول إنه سيعمل على مجذاف.
قلت له :ال يا ناربو ،هذا البحر أبرد من عذراء وأقسى من عاهرة .أفضل لك أن تقطع يدك وتتس َّول. جُددُ .
كاسو يعرف أنني مح ٌّ
ق ،أليس كذلك يا كاسو؟».
نب َح كلب البحر وابتس َمت كات ،وألقَت له حلزونًا آخَر قبل أن تذهب في حال سبيلها.
جلس عدد منَ آخره عندما بلغَت كات (الميناء السَّعيد) قُبالة مرسى (السَّفينة) ،وقد كان النَّهار قُرب ِ
الممثِّلين أعلى السَّفينة الضَّخمة المائلة يُ َمرِّرون قِربة نبي ٍذ من ي ٍد إلى يد ،لكن حين رأوا عربة كات نزلوا
مالحين سكارى) ،فهَ َّز چوس المكتئب رأسه ليشتروا بعض المحار .سألَتهم عن أخبار عرض (سبعة َّ
مجيبًا« :كوينس ضبطَ آالڬو في الفِراش مع سلوي أخيرًا ،وتبار َز االثنان بسيفَي ممثِّلين ثم تركانا .يبدو
مالحين سكارى فقط اللَّيلة».أننا سنكون خمسة َّ
المالحيْن بالسُّكر .أنا عن نفسي قادر على هذا». أعلنَ ميرملو« :سنَب ُذل قصارى جهدنا لنُ َع ِّوض غياب َّ
أخب َرتهم كات« :ناربو الصَّغير يُريد أن يكون َّ
مالحًا .إذا حصلتهم عليه تُصبِحون ستَّةً».
قال لها چوس« :األفضل أن تذهبي إلى ِمري .تعلمين كيف تكون عندما ال تأكل المحار».
ضتين تُصغي إلى داريون الذي يعزف على لكن حين دخلَت كات الماخور وجدَت ِمري جالسةً بعينين مغم َ
الذهبي الطَّويل الجميل .أغنيَّة حُبٍّ سخيفةضفِّر َشعر النا َّ
قيثارته الخشبيَّة .كانت يانا موجودةً أيضًا ،تُ َ
أخرى .دائ ًما تتوسَّل النا إلى المطرب أن يُ َغنِّي لها أغاني الحُبِّ السَّخيفة .إنها أصغر العاهرات ِسنًّا ،في
الرَّابعة عشرة فقط ،وتعلم كات أن ِمري تَطلُب مقابلها ثالثة أضعاف ما تَطلُبه ثَمنًا للفتيات األخريات.
مختاال ،يرمي النا بنظرات ال َّشهوة بينما تتراقَص أصابعه على ً أغضبَتها رؤية داريون الجالس هناك
أوتار القيثارة .تُ َس ِّميه العاهرات المغنِّي األسود ،مع أن السَّواد يكاد يغيب عنه تما ًما اآلن ،فبالمال الذي
يجنيه من غنائه ح َّول ال ُغراب نفسه إلى طاووس .اليوم يرتدي معطفًا مترفًا من المخمل المبطَّن بالفرو
وسُترةً مخطَّطةً باألبيض واألرجواني الفاتح وسراويل ُمبارزي البراڤو المبرقشة ،لكنه يملك معطفًا
الذهب .األسود الوحيد في ثيابه حذاؤه، ضا ،وواحدًا من المخمل الخمري المبطَّن بقُماش َّ حريريًّا أي ً
ضقت ذرعًا بالظَّالم».
ُ وسم َعته كات يقول لالنا إنه ألقى البقيَّة كلَّها في قناة ،وأعلنَ « :لقد
ُرج سخيف ألن أميرها السَّخيف ماتَ ف َّكرت بينما يُ َغنِّي داريون عن ليدي سخيفة ألقَت نفسها من فوق ب ٍ
المفترض أن تذهب الليدي وتَقتُل من قتَلوا أميرها وأن يكون المغنِّي على َ الفتاة :إنه رجل في َحرس اللَّيل.
الجدار) .مع بداية تر ُّدد داريون إلى (الميناء السَّعيد) كادَت آريا تسأله أن يأخذها معه وهو عائد إلى ( ِ
(القلعة ال َّشرقيَّة) ،ثم إنها سم َعته يُخبِر بِثاني بأنه لن يعود أبدًا ،ويقول« :أسرَّة صُلبة و َسمك قُد مملَّح
مالك .كيف الجدار) .ثم إن (القلعة ال َّشرقيَّة) ليست فيها واحدة بنِصف َج ِ وحراسة بال نهاية ،هذا هو ( ِ
أتركك؟» .سم َعته كات يقول الكالم نفسه لالنا ،ولواحد ٍة من عاهرات (ال َمقططة) ،بل وللعندليب ِ يُمكنني أن
ليلة غنَّى في (دار القناديل السَّبعة).
ضحك عاهرات ِمري ،وتقول يانا إن الصَّبي السَّمين كنت هنا يوم ضربَه السَّمين .ما زالَت الحادثة تُ ِ ليتني ُ
احم َّر كالبنجر كلَّما لم َسته ،لكن حين بدأ يُثير المتاعب جعلَتهم ِمري يجرُّ ونه إلى الخارج ويُلقونه في القناة.
كانت كات تُفَ ِّكر في الصَّبي السَّمين وتتذ َّكر إنقاذها إياه من تيرو وأوربيلو عندما وجدَت زوجة البحَّار إلى
َمغم بنعوم ٍة بعاميَّة (وستروس)« :يُ َغنِّي أغاني جميلةً .ال بُ َّد أن اآللهة تحبُّه ما دا َمت أنع َمت جوارها تُغ ِ
عليه بهذا الصَّوت وهذا الوجه الوسيم».
ف َّكرت آريا :إنه وسيم الوجه وقبيح القلب ،لكنها لم تقلها .في م َّر ٍة تز َّوج داريون زوجة البحَّار التي ال
ت في اللَّيلة ،وغالبًا ما يُ َؤدِّي
ضاجع َّإال من يتز َّوجونها .أحيانًا يشهد (الميناء السَّعيد) ثالثة أو أربعة زفافا ٍ تُ ِ
الطقوس ،وإن لم يكن هو فإيوستس الذي كان في الماضي ِسپتون الرَّاهب األحمر البشوش ال ِّس ِّكير إزيلينو ُّ
في ( ِسپت ما وراء البحر) ،وفي حال غياب الرَّاهب والسِّپتون تهرع إحدى العاهرات إلى (السَّفينة) لتأتي
بأحد الممثِّلين .دائ ًما تَز ُعم ِمري أن الممثِّلين رُهبان أفضل من الرُّ هبان ،خصوصًا ميرملو.
ال ِّزفافات صاخبة مرحة وتتدفَّق فيها أنهار النَّبيذ ،وكلَّما تمرُّ كات في أثناء أحدها بعربتها تصرُّ زوجة
البحَّار على أن يبتاع زوجها الجديد بعض المحار لتقويته من أجل إتمام ال ِّزيجة .إنها فتاة طيِّبة ضحوك،
وإن خط َر لكات أن فيها شيئًا من الحُزن أيضًا.
تقول العاهرات األخريات إن زوجة البحَّار تزور (جزيرة اآللهة) في أيام إيناع زهرتها وتعرف ك َّل اآللهة
المقيمة هناك ،بما فيها تلك التي نسيَتها (براڤوس) .يقلن إنها تذهب للصَّالة من أجل زوجها األول ،زوجها
الحقيقي الذي ضا َع في البحر حين كانت فتاةً في ِسنِّ النا ،وقالت يانا العوراء التي تعرفها منذ فتر ٍة أطول
ُرسل الرِّيح لتدفع إليها بحبيبها القديم ،لكنني أصلِّي من األخرياتُّ « :
تظن أنها إذا وجدَت اإلله السَّليم فسي ِ
قت هذا في دمها.َّأال يَح ُدث هذا أبدًا .لقد ماتَ حبيبها وتذ َّو ُ
إذا عا َد إليها فسيعود جثَّةً».
كانت أغنيَّة داريون في نهايتها أخيرًا ،وإذ تال َشت النَّغمات األخيرة في الهواء تنهَّدت النا ووض َع المغنِّي
وجذب الفتاة إلى ِحجره ،وما إن بدأ يُدَغ ِدغها حتى رف َعت كات صوتها قائلةً« :معي محار إذاَ قيثارته جانبًا
أحضريِ فانفتحت عينا ِمري من فورها ،وقالت« :عظيم .هاتيه أيتها الصَّغيرة .يانا، َ كان أحد يُريد»،
ال ُخبز والخل».
صرَّة ممتلئة بالنُّقود وعربة خالية َّإال من الملح والطَّحالب
حين خر َجت كات من (الميناء السَّعيد) ومعها ُ
خرج معها داريون أيضًا ،إذ َ ف من الصَّواري. كانت ال َّشمس الحمراء المنتفخة عالقةً في السَّماء وراء َ
ص ٍّ
كان قد وع َد بالغناء في الخان المس َّمى (ثُعبان الماء األخضر) هذا المساء ،كما قال لها وهما يمشيان جنبًا
يت هناك أعو ُد بالفضَّة ،وفي بعض اللَّيالي يحضر ربابنة و ُم َّالك». إلى جنب ،وأضافَ متباهيًا« :كلَّما غنَّ ُ
شارع خلفي ملت ٍو وقد بدأت الظِّالل تستطيل ،وواص َل داريون: ٍ عبرا الجسر الصَّغير وشقَّا طريقهما في
«قريبًا سأغنِّي في (الميناء األرجواني) ،وبَعده في (قصر أمير البحر)» .كانت عربة كات تُقَعقِع على
ُ
أكلت ال ِّرنجة مع العاهرات ،لكن حجارة الرَّصف مصدرةً موسيقاها الخاصَّة ،والمغنِّي يُتابَع« :البارحة
عام سآك ُل السَّراطين اإلمبراطوريَّة مع المحظيَّات». خالل ٍ
حدث ألخيك؟ ذلك السَّمين ،هل وج َد سفينةً ذاهبةً إلى (البلدة القديمة)؟ قال إنه كان من َ قالت كات« :ماذا
ُبحر على متن (الليدي أوشانورا)». المفت َرض أن ي ِ
ُصغ» ،والتم َع
قلت لسام أن يَترُك العجوز ،لكن األحمق البدين لم ي ِ « -كلُّنا كذلك .إنه أمر اللورد سنوُ .
ضوء ال َّشمس الغاربة األخير في َشعر داريون إذ أضافَ « :فاتَ أوان ذلك».
قالت كات إذ خط َوا إلى عتمة ُزقا ٍ
ق صغير ملت ٍو« :بالضَّبط».
لدى عودتها إلى منزل بروسكو كان ضباب المساء يحتشد فوق القناة الصَّغيرة .ركنَت عربتها ووجدَت
صرَّة النُّقود على الطَّاولة أمامه ،ثم إنها وض َعت الحذاء أيضًا.
بروسكو في حُجرته ،وبق َّو ٍة وض َعت ُ
ربَّت بروسكو على الصُّ رَّة ،ثم قال« :عظيم ،لكن ما هذا؟».
« -حذاء».
قال بروسكو« :العثور على األحذية الجيِّدة صعب ،لكن هذا صغير للغاية على قد َمي» ،ورف َع فردةً و َز َّر
عينيه يتفحَّصها.
« -القمر سيكون أسود اللَّيلة».
صبَّ العُمالت ليُحصيها مضيفًا: َر َّد بروسكو« :خي ٌر ِ
لك أن تذهبي للصَّالة إذن» ،وأزا َح الحذاء جانبًا و َ
دوهايرس».
ِ «ڤاالر
ڤاالر مورجولِس.
ارتف َع الضَّباب من كلِّ جه ٍة حولها بينما تقطع شوارع (براڤوس) ،ولدى دخولها من مصراع باب (دار
األبيض واألسود) المنحوت من خشب الويروود كانت ترتجف بعض ال َّشيء .شموع قليلة مشتعلة هذا
المساء ،يتذب َذب لهبها كال ُّشهب ،وفي الظَّالم كلُّ اآللهة ُغرباء.
في األقبية حلَّت معطف كات المهترئ وخل َعت سُترة كات البنِّيَّة ذفرة الرَّائحة وركلَت حذاء كات المبقَّع
بالملح وتجرَّدت من ثياب كات ال َّداخليَّة ،ثم استح َّمت بالماء واللَّيمون لتغسل عن جسدها رائحة قطَّة
ق َشعرها بوجنتيها لم خرجت وقد نظَّفت نفسها بالصَّابون وفر َكت ِجلدها حتى تورَّد والتص َ َ القنوات ،وحين
تَعُد كات موجودةً .ارتدَت ثوبًا نظيفًا وانتعلَت ُخفَّين ناعمين من القُماش ،ثم ذهبَت إلى المطبخ لتَطلُب
القليل من الطَّعام من أوما .كان الكهنة وال ُمعاونون قد أكلوا بالفعل ،لكن الطَّاهية أبقَت لها قطعةً من َسمك
بنهم وغسلَت الطَّبق ،ثم ذهبَت
القُد المح َّمر اللَّذيذ والقليل من اللِّفت األصفر المهروس .الته َمت طعامها ٍ
عاون اللَّقيطة على إعداد عقاقيرها.
تُ ِ
أغلب دورها إحضار ما تَطلُبه اللَّقيطة ،فتصعد سُلَّ ًما لتجد األعشاب وأوراق األشجار .قالت لها اللَّقيطة
وهي تطحن القليل منها في الهاون« :حُلو الكرى ألطف السُّموم .بضع حبَّات تجعل نبضات القلب السَّريعة
طأ وتُوقِف اليد عن االرتجاف وتجعل المرء يَشعُر بالهدوء والق َّوة .ر َّشة واحدة تمنح المرء ليلةً من تتبا َ
النَّوم العميق بال أحالم ،وثالث ر َّشات تجلب النَّوم الذي ال ينتهي أبدًا .الطَّعم حُلو للغاية ،ولذا فمن األفضل
َّ
المحالة بالعسل. استخدامه في الكعك والفطائر والخمور
ُمكنك أن تش ِّمي رائحته الحُلوة» ،وتر َكتها تتش َّمم ثم أرسلَتها تصعد السُّلَّم لتجد قارورةً ُزجاجيَّةً ِ هاك ،ي
ِ
طعم أو رائحة ،ومن ثَ َّم إخفاؤه أسهل .يُ َس ُّمونه دموع لِيس ،ويُ َذ َّوب في ٍ حمراء« .هذا ُس ٌّم أقسى ،لكنه بال
النَّبيذ أو الماء ليجعل أمعاء المرء ومعدته تتآ َكل ويَقتُله كأنه مرض في هذه األعضاء .تش َّمميه» ،فتن َّشقت
آريا ولم تش َّم شيئًا .ثم إن اللَّقيطة وض َعت ال ُّدموع جانبًا وفت َحت ج َّرةً حجريَّةً منتفخةً قائلةً« :هذا المعجون
جنون عنيف في ٍ متبَّل بدماء البازيليسق ،يُعطي اللَّحم المطبوخ رائحةً مشهِّيةً ،لكن إذا أُ ِك َل أفضى إلى
ق دماء البازيليسق». ُهاجم األسد إذا ذا َ
اإلنسان والحيوان .ستجدين الفأر ي ِ
مضغَت آريا شفتها متسائلةً« :هل يَصلُح مع الكالب؟».
أجابَت اللَّقيطة« :مع ك ِّل حيوان حار الدِّماء» ،وصف َعتها.
ت هذا؟».رف َعت يدها إلى وجهها شاعرةً بال َّدهشة أكثر من األلم ،وقالت« :لماذا فعل ِ
« -آريا سليلة عائلة ستارك هي َمن تَمضُغ شفتها متى ف َّكرت .هل أن ِ
ت آريا سليلة عائلة ستارك؟».
ر َّدت غاضبةً« :أنا ال أحدَ .من أن ِ
ت؟ » .
وكنت وريثة أبي النَّبيل.
ُ دت طفلةً وحيدةً في عائل ٍة عريقة لم تتوقَّع أن تُجيبها اللَّقيطة ،لكنها فعلَتُ « .ولِ ُ
كنت في السَّادسة تز َّوج أبي ثانيةً ،وعاملَتني زوجته الجديدة ُ صغري وال أذكرها ،وحين ماتَت أ ِّمي في ِ
بطيب ٍة إلى أن أنجبَت ابنةً من لحمها ودمها ،وعندها أرادَتني أن أموت كي ترث ابنتها ثروة أبي .كانت
وبدال من ذلكً لتسعى إلى عطيَّة اإلله عديد الوجوه ،ولكنها لم تتح َّمل التَّضحية التي كان ليَطلُبها منها،
خطر لها أن تُ َس ِّممني بنفسها .تر َكني ال ُّس ُّم كما ترينني اآلن لكنني لم أ ُمت ،ول َّما أخب َر ال ُمعالجون في (بيت
َ
وأجاب هو ذو
َ األيدي الحمراء) أبي بما فعلَته جا َء هنا وق َّدم قُربانًا ،عارضًا ثروته بأكملها ومعها أنا،
الوجوه العديدة ُدعاءه وجي َء بي إلى المعبد ألخدم ،وتلقَّت زوجة أبي الهديَّة».
بحذر سائلةً« :أهذه حكاية حقيقيَّة؟».ٍ تفرَّست آريا فيها
« -فيها حقيقة».
« -وأكاذيب أيضًا؟».
« -هناك نقيض للحقيقة ،وهناك مبالَغة».
كانت تُراقِب وجه اللَّقيطة طيلة الوقت وهي تحكي قِصَّتهاَّ ،إال أن أمارةً لم تظهر على وجه الفتاة األخرى.
أبيك وليس كلَّها». قالت لها« :اإلله عديد الوجوه أخ َذ ثُلثَي ثروة ِ
« -بالضَّبط ،هذه هي المبالَغة».
فقرصت وجنتها ،وقالت لنفسها:
َ ارتس َمت على وجه آريا ابتسامة عريضة ،ثم إنها أدر َكت أنها تبتسم
وجهك .ابتسامتي خادمتي ،ويجب أن تأتي بأمري فقط« .وما الكذبة؟».
ِ تح َّكمي في
ُ
كذبت بشأن الكذب». « -ال كذبة .لقد
« -حقًّا؟ أم ِ
أنك تكذبين اآلن؟».
لكن قبل أن تُجيبها اللَّقيطة دخ َل الرَّجل الطيِّب الحُجرة مبتس ًما ،وقالُ « :عد ِ
ت إلينا».
« -القمر أسود».
« -نعم .ما األشياء الثَّالثة الجديدة التي تعلَّمتِها ولم تكوني تعلمينها ل َّما تركتِنا؟».
كادَت تقول :أعل ُم ثالثين شيئًا جديدًا ،وأجابَت« :ثالثة من أصابع ناربو الصَّغير ال تنثني ،ويُريد أن يُصبِح
َّ
مالحًا».
« -جيِّد أن تعلمي هذا .وماذا أيضًا؟».
استرج َعت أحداث يومها في رأسها ،ثم قالت« :كوينس وآالڬو تشا َجرا وتركا (السَّفينة) ،لكني ُّ
أظن أنهما
سيعودان».
« -تظنِّين فقط أم تعلمين؟».
أظن فقط» .الممثِّلون يحتاجون إلى كسب رزقهم كغيرهم،
قالت مضط َّرةً على الرغم من يقينهاُّ « :
وكوينس وآالڬو ال يَصلُحان كفايةً ل(القنديل األزرق).
قال الرَّجل الطيِّب« :بالضَّبط .وال َّشيء الثَّالث؟».
هذه المرَّة أجابَت بال تر ُّدد« :داريون ماتَ ،المغنِّي األسود الذي ينام في (الميناء السَّعيد) .كان مته ِّربًا من
َحرس اللَّيل في الحقيقة .أحدهم ذب َحه وألقاه في القناة ،لكنه احتفظَ بحذائه».
« -العثور على األحذية الجيِّدة صعب».
قالت محاولةً الحفاظ على جمود مالمحها« :بالضَّبط».
« -تُرى من فع َل هذا؟».
« -آريا سليلة عائلة ستارك» .كانت تُراقِب عينيه وفمه وعضالت ف ِّكه.
ت؟ » .
غادرت (براڤوس)َ .من أن ِ
َ « -تلك الفتاة؟ حسبتها
« -ال أحد».
قائالَ « :حلقي جاف .أسدي لي صنيعًا واجلبي لي كوبًا من النَّبيذ وحليبًا َر َّد« :تكذبين» ،والتفتَ إلى اللَّقيطة ً
دافئًا لصديقتنا آريا التي رج َعت إلينا على غير توقُّع».
في طريقها عبر المدينة تساءلَت آريا ع َّما سيقوله الرَّجل الطيِّب عندما تُخبِره بأمر داريون .ربما يغضب
منها ،أو ربما يُ َسرُّ ألنها أعطَت المغنِّي هديَّة اإلله عديد الوجوه.
عشرات المرَّات د َّورت هذا الحديث في مخيِّلتها كممثِّ ٍل في مسرحيَّة ،لكن ما لم يَخطُر لها هو الحليب
ال َّدافئ! حين وص َل الحليب شربَته آريا ،وكانت له رائحة محروقة بعض ال َّشيء وخلَّف في فمها مذاقًا ُم ًّرا.
واجبك أن تخدمي».
ِ قال لها الرَّجل الطيِّب« :اذهبي إلى النَّوم اآلن أيتها الصَّغيرة .غدًا
ليلتها حل َمت من جدي ٍد بأنها ذئبة ،لكن حُلمها هذا كان مختلفًا عن األحالم األخرى .في هذا الحُلم لم يكن لها
ت على ضفاف قنا ٍة متربِّصةً وراحت تمضي وحيدةً ،تجري فوق أسطُح المباني وتمشي بصم ٍ َ قطيع،
بظالل في الضَّباب.
ٍ
ول َّما استيقظَت في الصَّباح التَّالي وجدَت نفسها عمياء.
سامويل
(ريح القرفة) سفينة بجعيَّة من (بلدة األشجار الطَّويلة) في (جُزر الصَّيف) ،حيث الرِّ جال سُود والنِّساء
لعوبات واآللهة ذاتها غريبة ،وليس على المتن ِسپتون يقودهم في صالة الجنازة ،فوق َعت المه َّمة على
مكان ما عند ساحل (دورن) الجنوبي المتل ِّ
ظي بال َّشمس. ٍ عاتق سامويل تارلي في
ارتدى سام ثيابه السَّوداء الثَّقيلة من أجل التَّأبين ،على الرغم من حرارة األصيل ورطوبته وغياب نفحات
ً
رجال صال ًحا»... الرِّيح َّإال ً
قليال .استه َّل كالمه ً
قائال« :كان
ً
رجال عظي ًما .كان ِمايستر من لكن ما إن خر َجت الكلمات من فمه حتى عل َم أنها خطأ« .ال ،بل كان
بطل ماتَ في
ٍ (القلعة) ،مسل َس ًال ومحلَّفًا ،وأ ًخا في َحرس اللَّيل شيمته اإلخالص .حين ُولِ َد أطلَقوا عليه اسم
طويال ج ًّدا فحياته لم تكن أق َّل بطولةً .لم يكن هناك رجل أكثر منه حكمةً أو
ً عاش
َ ريعان ال َّشباب ،ومع أنه
الجدار) دستةً من القادة الذين أتوا وذهبوا خالل سنين خدمته ،لكنه كان موجودًا حنانًا أو طيبةً .لقد عرفَ ( ِ
لملوك أيضًا.
ٍ دو ًما ليُسديهم النَّصيحة ،بل وكان ناصحًا
كان بإمكانه أن يكون هو نفسه مل ًكا ،لكن ل َّما عرضوا عليه التَّاج قال إن عليهم أن يُعطوه ألخيه الصَّغير.
ك أنه ال يقدر على تترقرق في عينيه ،فأدر َ َ رجال يُمكنه أن يفعل شيئًا كهذا؟» .أحسَّ سام بالعبرات ً كم
طويال ،وخت َم بقوله« :كان من دم التنِّين ،لكن نيرانه همدَت .كان إيمون تارجاريَن ،واآلن ً االستمرار
انتهَت حراسته».
تمت َمت جيلي بَعده وهي تُهَز ِهز ال َّرضيع بين ذراعيها« :واآلن انتهَت حراسته» ،ور َّددت كوچا مو
الكلمات بلُغة (وستروس) العاميَّة ثم كرَّرتها بلُغة الصَّيف لزوندو وأبيها وبقيَّة الطَّاقم المجت ِمع .طأطأ َ سام
عال عنيف لدرج ٍة ه َّزت جسده كلَّه ،فذهبَت جيلي إليه ووقفَت إلى جواره رأسه وانفج َر في البُكاء ،نحيبه ٍ
تاركةً إياه يبكي على كتفها ،وقد اغرورقَت عيناها بال ُّدموع أيضًا.
بحر أزرق عميق بعيدًا تما ًما عن ٍ الهواء رطب دافئ ساكن تما ًما ،و(ريح القرفة) طافية على صفحة
ق بشي ٍء ما بلُغة الصَّيف، اليابسة .قال زوندو« :سام األسود قال كلمات جيِّدة .اآلن نشرب لحياته» ،وزع َ
ببرميل من الرَّم المتبَّل إلى مؤ ِّخرة السَّفينة ،وفُتِ َح ليشرب الحاضرون كوبًا في ذكرى التنِّين العجوز ٍ فجي َء
الكفيف الذي لم يعرفه الطَّاقم َّإال فترةً قصيرةً ،لكن بني (جُزر الصَّيف) يُ َوقِّرون المسنِّين ويحتفون
بموتاهم.
لم يشرب سام الرَّم من قبل ،ووج َد ال َّشراب غريبًا مس ِكرًا ،حُل ًوا في البداية لكنه يترك على اللِّسان مذاقًا
ناريًّا لس َع فمه .كم هو مت َعب .كلُّ عضل ٍة في جسده تُؤلِمه ،وث َّمة آالم أخرى في مواضع لم يكن يعلم أن فيها
الجلد حيث انفت َحت طيهما قروح جديدة ورُقع لزجة رطبة من ِ عضالت ،ورُكبتاه متخ ِّشبتان ،ويداه تُ َغ ِّ
القروح القديمة ،وإن كان يبدو أن ال َّشراب والحُزن معًا يُزيحان ألمه .قال لجيلي بينما يرشفان من الرَّم
فوق سلوقيَّة (ريح القرفة) العالية« :لو استطعنا فقط أن نأخذه إلى (البلدة القديمة) فلربما أنق َذه رؤساء
ُ
أملت.»... ُ
حسبت... ال ِمايستراتُ .معالجو (القلعة) هُم األفضل في (الممالك السَّبع) كلِّها .لفتر ٍة
في (براڤوس) بدا تماثُل إيمون لل ِّشفاء ممكنًا ،و ُخي َِّل إلى سام أن حديث زوندو عن التَّنانين يكاد يُعيد
ط .كان بحث عن فتا ٍة قَ ُّ
َ العجوز إلى طبيعته .ليلتها أك َل ك َّل لُقم ٍة وض َعها سام أمامه ،وقال« :ال أحد
اعتقدت أنه ريجار ...ال ُّدخان كان من الحريق الذي الته َم (قلعة الصَّيف) يوم ُ الموعود أميرًا ال أميرة.
صغره ،وإن باتَ الحقًا على قناع ٍة ُشاركني اعتقادي في ِ مولده ،والملح من دموع من بكوا الموتى .كان ي ِ
بأن النُّبوءة تتحقَّق في ابنه ال فيه هو ،ذلك أن مذنَّبًا ُشو ِه َد فوق (كينجز الندنج) ليلة حبلَت إليا بإجون،
وريجار كان واثقًا بأن النَّجم النَّازف ما هو َّإال مذنَّب .كم كنا حمقى إذ ِخلنا أنفُسنا آيةً في الحكمة! الخطأ
ناجم عن التَّرجمة .التَّنانين ليست ذكورًا أو إناثًا ،وقد رأى بارث حقيقة هذا ،وإنما هكذا لحظةً وهكذا
لحظةً ،كاللَّهب دائمة التَّق ُّلب .اللُّغة ضلَّلتنا جميعًا طيلة ألف عام .دنيرس هي الموعودة المولودة وسط
الملح وال ُّدخان ،والتَّنانين تُثبِت هذا» .بدا أن مجرَّد الكالم عنها يجعله أقوى« .يجب أن أذهب إليها ،يجب!
أعوام فقط».
ٍ كنت أصغر عشرةليتني ُ
كان العجوز عاقد العزم حتى إنه صع َد على لوح العبور إلى متن (ريح القرفة) على قدميه بَعد أن اتَّفق
سام على رحلتهم .قبلها كان سام قد أعطى زوندو سيفه و ِغمده بالفعل ،تعويضًا لوكيل الرُّ بَّان الكبير عن
المعطف ال ِّريش الذي تلفَ حين نجدَه من الغرق .ال َّشيء الوحيد ذو القيمة الذي تبقَّى لهم بَعدها هو ال ُكتب
التي أتوا بها من أقبية (القلعة السَّوداء) ،وقد تخلَّى سام عنها بكآبة ،و َر َّد عندما سألَه زوندو عن سبب
عبوسه« :كان المفت َرض أن نأخذها إلى (القلعة)» ،ول َّما ترج َم الوكيل ر َّده ضحكَ الرُّ بَّان ،ثم قال له زوندو
مترج ًما« :ڬاهورو مو يقول إن الرِّ جال الرَّماديِّين سيحصلون على هذه ال ُكتب ،لكن الفرق أنهم سيشترونها ِ
َّ ً ُ
ضة جيِّدة مقابل الكتب التي ليست عندهم ،وأحيانا الذهب ً ً اآلن من ڬاهورو مو .ال ِمايسترات يدفعون ف َّ
األحمر واألصفر».
رفض وشر َح أنه عار عظيم أن يتخلَّى أيُّ ِمايستر عن َ أرا َد الرُّ بَّان سلسلة إيمون أيضًاَّ ،إال أن سام
قبل ڬاهورو مو ،ولدى إبرام االتِّفاق لم سلسلته ،واضط َّر زوندو إلى تكرار هذا الجزء ثالث مرَّات حتى َ
يَعُد سام يملك َّإال حذاءه وثيابه السَّوداء ومالبسه التَّحتيَّة والبوق المكسور الذي وجدَه چون عند (قبضة
البَشر األوائل) .قال لنفسه :لم أملك الخيار .لم نكن نستطيع البقاء في (براڤوس) ،وما لم نلجأ إلى السَّرقة
أو ال ِّشحاذة فلم يكن هناك سبيل آخَر لدفع ثَمن الرِّحلة .كان ليع َّد التَّكلفة رخيصةً حتى إذا دفعوا ثالثة
أمان إلى (البلدة القديمة). أضعاف لو أنهم فقط نجحوا في أخذ ال ِمايستر إيمون ب ٍ
ريح من ق َّوة العجوز ومعنويَّاته .في ٍ غير أن ال ِّرحلة إلى الجنوب كانت عاصفةً ،وخص َمت كلُّ هبَّة
طلب أن يأخذه سام إلى السَّطح ليرسم له صورةً للمدينة بكلماته ،لكنها كانت ِ
آخر م َّر ٍة يبرح فيها َ (پنتوس)
فِراش الرُّ بَّان ،وسرعان بَعدها ما بدأ عقله يتوه من جديد ،ولدى مرور (ريح القرفة) ب(البُرج النَّازف)
ً
وبدال ف عن الكالم عن محا َولة العثور على سفين ٍة تحمله شرقًا، لتَد ُخل ميناء (تايروش) كان إيمون قد َك َّ
من ذلك تح َّول كالمه إلى (البلدة القديمة) ورؤساء ال ِمايسترات في (القلعة) ،وقال« :يجب أن تُخبِرهم يا
سام ،يجب أن تُخبِر رؤساء ال ِمايسترات ،يجب أن تجعلهم يفهمون .ال ِّرجال الذين كانوا في (القلعة) وقت
ط .رسائلي ...ال بُ َّد أنهم حسبوها في وجودي هناك ماتوا منذ خمسين عا ًما .أولئك اآلخَرون لم يعرفوني قَ ُّ
فشلت في إقناعهم به .أخبِرهم يا سام ...أخبِرهم ُ شيخ فق َد عقله .يجب أن تُقنِعهم بما
ٍ (البلدة القديمة) هذيان
الجدار) ...الجُثث الحيَّة وال ُمشاة البِيض والبرد ال َّزاحف.»... بالوضع على ( ِ
قائال« :سأفعلُ ،سأض ُّم صوتي إلى صوتك أيها ال ِمايستر .كالنا سيُخبِرهم ،نحن االثنان معًا». وعدَه سام ً
َر َّد العجوز« :ال ،يجب أن تُخبِرهم أنت .أخبِرهم .ال ُّنبوءة ...حُلم أخي ...الليدي مليساندرا أسا َءت تفسير
العالمات .ستانيس ...ستانيس في عروقه القليل من دماء التنِّين ،نعم ،وأخواه أيضًا .رايل ابنة إج
الصَّغيرة ،ورثوها عن طريقها ...أُم أبيهم ...اعتادَت أن تُناديني بالعم ال ِمايستر في طفولتها .تذ َّك ُ
رت هذا
صدِّق شيئًاَّ ،
بالذات مليساندرا أردت أن ...كلُّنا نخدع أنفُسنا عندما نُريد أن نُ َ
ُ ُ
فسمحت لنفسي باألمل ...ربما
أظن .السَّيف ليس سلي ًما ،يجب أن تعلم هذا ...ضوء بال حرارة... على ما ُّ
الظلمات أكثر يا سام. ضوء ال َّزائف َّإال أن يتو َّغل بنا في ُّ
ِسحر فارغ ...السَّيف ليس سلي ًما ،وال يُمكن لل َّ
دنيرس أملنا .أخبِرهم بهذا في (القلعة) ،اجعلهم يُصغون.
ُ
عشت ُرسلوا إليها ِمايستر .ال بُ َّد من نُصح دنيرس وتعليمها وحمايتها .طيلة هذه األعوام يجب أن ي ِ
ت في السِّن.وراقبت ،ثم يأتي اليوم المنتظَر وقد طعن ُُ ُ
وانتظرت
إنني أحتض ُر يا سام» .سالَت ال ُّدموع من عينَي إيمون البيضاوين مع هذا االعتراف ،وتاب َع« :ال يُفت َرض
ظالم دامس ،فلِ َم أخشى ٍ أن يُخيف الموت عجو ًزا ِمثلي ،لكنه يُخيفني .أليس هذا سخيفًا؟ إنني أعيش في
الظَّالم؟ ورغم ذلك ال أستطي ُع َّإال أن أتسا َءل ع َّما سيأتي عندما يتسرَّب الدِّفء كلُّه من جسدي .هل سأحتف ُل
الذهبي كما يقول السِّپتونات؟ هل سأتكلَّ ُم مع إج ثانيةً وأج ُد داريون سلي ًما سعيدًا إلى األبد في بهو (األب) َّ
وأسم ُع أختَي تُ َغنِّيان ألطفالهما؟ ماذا لو كانت الحقيقة عند سادة الخيول؟ هل سأركبُ في سماء اللَّيل إلى
األبد على صهوة جوا ٍد من لهب؟ أم سأعو ُد ثانيةً إلى وادي اآلالم هذا؟ َمن يدري حقًّا؟ َمن اجتا َز ِجدار
الموت ليرى؟ فقط الجُثث الحيَّة ،ونحن نعلم ماهيتها ،نحن نعلم».
لم يجد سام َّإال القليل ليقوله ر ًّدا ،لكنه واسى العجوز قدر المستطاع ،ثم جا َءت جيلي بَعدها وغنَّت له أغنيَّةً
بال معنى تعلَّمتها من بعض زوجات كراستر األخريات ،لكنها جعلَت العجوز يبتسم وساعدَته على الخلود
إلى النَّوم.
ت أطول في النَّوم أكثر من اليقظة ،وقد آخر أيامه الجيِّدة ،وبَعدها قضى العجوز فترا ٍ كان هذا واحدًا من ِ
تم َّدد تحت كوم ٍة من األغطية الفرو في قمرة الرُّ بَّان .أحيانًا كان يُتَمتِم في نومه ،وحين يستيقظ يَطلُب سام
بإصرار إن عليه أن يُخبِره بشيء ،لكن في أغلب األحيان كان ينسى ما أرا َد أن يقوله لدى وصول ٍ ً
قائال
أحالم لكنه لم يَذ ُكر الحالم ،وتكلَّم عن شمع ٍة
ٍ سام ،وحتى حينما يتذ َّكر كان كالمه مرتب ًكا مش َّو ًشا .تكلَّم عن
ت ال تفقس ،وقال إن أبا الهول هو األحجية ال صانِع األحاجي (أيًّا كان ُزجاجيَّة غير قابل ٍة لإلشعال وبيضا ٍ
حرقَت كتاباته في عهد بيلور ُ
ب للسِّپتون بارث الذي أ ِ وطلب من سام أن يقرأ له من كتا ٍ َ ما يعنيه ذلك)،
المبا َرك ،وفي م َّر ٍة استيقظَ باكيًا وولو َل« :ال بُ َّد أن تكون للتنِّين ثالثة رؤوس ،لكني أكثر ه َر ًما ووهنًا من
أن أكون أحدها .كان يجب أن أكون معها ألريها الطَّريق ،لكن جسدي خانَني».
إذ شقَّت (ريح القرفة) طريقها عبر (األعتاب) صا َر ال ِمايستر إيمون ينسى اسم سام أكثر الوقت ،وأحيانًا
حسبَه أحد إخوته الموتى.
أعلى السَّلوقيَّة بَعد رشف ٍة أخرى من الرَّم قال لسام لجيلي« :كان أضعف من أن يحتمل رحلةً طويلةً كهذه.
كان على چون أن يتوقَّع هذا .إيمون كان ُعمره مئةً واثنين عام ،وما كان يجب إرساله إلى البحر على
أعوام أخرى». ٍ عاش عشرة َ اإلطالق .لو ظَ َّل في (القلعة ال َّسوداء) فلربما
الجدار) تعرض جيلي عن فرسخ من ( ِ
ٍ « -أو لكانت المرأة الحمراء قد أحرقَته» .حتى هنا على بُعد ألف
لفظ اسم الليدي مليساندرا« .لقد أرادَت دم الملوك من أجل نيرانها .ڤال كانت تعلم هذا ،وكذا اللورد سنو،
مكث هناك َ ك ابني في مكانه .ال ِمايستر إيمون نا َم ولم يص ُح ثانيةً ،لكن لو ولذا جعالني آخ ُذ ابن داال وأتر ُ
ألحرقَته».
زال سيحترق .الفرق أن عل َّي أنا أن أفعلها اآلن .اعتا َد آل تارجاريَن دو ًما إطعام النَّار ف َّكر سام ببؤس :ما َ
ض َع جُثمان إيمون بموتاهم ،لكن ڬاهورو مو لم يسمح بإشعال محرقة جنازة على متن (ريح القرفة) ،ف ُو ِ
برميل من َرم التُّوت األسود لحفظه حتى تَبلُغ السَّفينة (البلدة القديمة).
ٍ في
خشيت أن يُسقِطه لكنه لم يفعل، ُ واصلَت جيلي« :في اللَّيلة السَّابقة لموته سألَني أن أتركه يحمل الصَّبي.
بل هزهزَه ودندنَ له أغنيَّةً ،ورف َع ابن داال يده و َمسَّ وجهه و َش َّد شفته بطريق ٍة جعلتني أحسبه يُؤلِمه ،لكن
ك فقط» ،وملَّست على يد سام مردفةً« :يُمكننا أن نُ َس ِّمي الصَّغير ِمايستر إذا أردت ،عندما العجوز ضح َ
يكبَر ،ليس اآلن ،لكن يُمكننا هذا».
ِ « -مايستر ليس اس ًما ،لكن يُمكننا أن نُ َس ِّميه إيمون».
ف َّكرت جيلي لحظةً ،ثم قالت« :داال ولدَته في أثناء المعركة بينما تُ َغنِّي السُّيوف حولها .يجب أن يكون هذا
اسمه ،إيمون وليد المعركة ،إيمون أغنيَّة الفوالذ».
ُعجب أبي نفسه ،اسم ُمحارب .في النِّهاية الصَّبي ابن مانس رايدر وحفيد كراستر ،وليس في اسم ربما ي ِ
عروقه قطرة من دماء سام الجبانة« .نعم ،ليكن هذا اسمه».
وعدَته قائلةً« :عندما يَبلُغ الثَّانية وليس قبل هذا».
ق ك َّل هذه الم َّدة حتى أدر َ
ك أن الرَّضيع ليس خطر لسام أن يسأل« :أين الصَّبي؟» .بين الرَّم واألسى استغر َ
َ
مع جيلي.
طلبت منها أن تأخذه ً
قليال». ُ « -مع كوچا.
« -أوه» .كوچا مو ابنة الرُّ بَّان ،أطول قامةً من سام وممشوقة القوام كالحربة ولها بشرة ملساء كالكهرمان
األسود المصقول .تقود الفتاة رُماة السَّفينة الحُمر أيضًا ،وتحمل قوسًا مزدوج المنحنى من خشب القلب
الذهبي بإمكانها أن تُطلِق منه السِّهام حتى مسافة أربعمئة ياردة ،وحين هاج َمهم القراصنة في (األعتاب) َّ
أردَت سهام كوچا دستةً منهم في حين سقطَت سهام سام في الماء .ال َّشيء الوحيد الذي تحبُّه كوچا أكثر من
قوسها هو هزهزَة ابن داال على رُكبتها والغناء له بلُغة الصَّيف ،وقد أصب َح األمير الهمجي محبوب جميع
رجل على اإلطالق. ٍ ينساء الطَّاقم ،ويبدو أن جيلي تأتمنهن عليه كما لم تأتمن أ َّ
قال سام« :هذا لُطف من كوچا».
ُ
فخشيت أنها مسخ أو وحش ما، كنت أخافها في البداية .إنها سوداء ج ًّدا وأسنانها كبيرة وبيضاء ج ًّدا،
ُ «-
لكنها ليست كذلك .إنها طيِّبة وأحبُّها».
أعرف هذا» .الرَّجل الوحيد الذي عرفَته جيلي معظم حياتها كان كراستر المخيف ،أ َّما بقيَّة عالمها ُ «-
فإناث .الرِّ جال يُخيفونها والنِّساء ال .إنه يفهم هذا .في (هورن هيل) كان سام يُفَضِّ ل صُحبة الفتيات أيضً ا
وعاملَته أخواته بطيبة ،وعلى الرغم من أن الفتيات األخريات كن يسخرن منه أحيانًا فتجاهُل الكلمات
صبية القلعة .حتى هنا واآلن على متن (ريح القاسية كان أسهل من الضَّربات واللَّطمات التي تلقَّاها من ِ
القرفة) يَشعُر سام باالرتياح لكوچا مو أكثر من أبيها ،ولو أن السَّبب ربما يكون أنها تتح َّدث العاميَّة وال
يتح َّدثها هو.
هم َست جيلي« :وأحبُّك أيضًا يا سام .وأحبُّ هذا ال َّشراب ،إن مذاقه كالنَّار».
انخفضت في َ فذهب سام إلى البرميل ومألَهما ثانيةً .رأى أن ال َّشمس َ نعم ،شراب يليق بتنِّين .فر َغ كوباهما
الغرب وتض َّخمت إلى ثالثة أضعاف حجمها ،وقد جع َل نورها الضَّارب إلى الحُمرة وجه جيلي يبدو
الجدار) ،وبَعدها لم يكن ضبًا باألحمر .شربا كوبًا لكوچا مو وواحدًا البن داال وواحدًا البن جيلي على ( ِ مخ َّ
هناك مف ٌّر من أن يشربا كوبين إليمون سليل عائلة تارجاريَن ،ثم قال سام متن ِّشقًا« :عسى (األب) أن يَح ُكم
ق َّإال
عليه بالعدل» .كانت ال َّشمس قد أوش َكت على الغياب تما ًما حين فرغا من ال ِمايستر إيمون ،ولم يتب َّ
ق طويل في السَّماء .قالت جيلي إن ال َّشراب يجعل السَّفينة ط أحمر رفيع يتوهَّج في األُفق الغربي ك َش ٍّ َخ ٌّ
تميد بها ،فساعدَها سام على نزول السُّلَّم إلى مسكن النِّساء تحت المقدِّمة.
ث َّمة مصباح معلَّق داخل باب القمرة مباشرةً ،وقد اصطد َم رأسه به وهو يَد ُخل ،فقال« :آو!» ،وقالت
ُرحت؟ دعني أري» ،ومالَت عليه... جيلي« :هل ج ِ
...وقبَّلته على فمه.
َّ
وتحالن ُ
حلفت اليمين ،لكن يديها كانتا تش َّدان معطفه األسود ووج َد سام نفسه يُقَبِّلها أيضًا .قال لنفسه :لقد
قائال« :ال يُمكننا»َّ ،إال أن جيلي ر َّدت« :بل يُمكننا» ،وم َّرةً أخرى غطَّت أربطة سراويله ،فقط َع القُبلة ً
ق سام طعم الرَّم على لسان جيلي ،وإذا بثدييها عاريان ثغره بثغرها .من حولهما دا َرت (ريح القرفة) ،وذا َ
حلفت اليمين ،لكن إحدى حلمتيها وجدَت طريقها إلى ما بين شفتيه .كانت ُ ويتحسَّسهما .ثانيةً قال لنفسه :لقد
ورديَّة منتصبةً ،وحين مصَّها مألَ لبنها فمه ممتزجًا بمذاق الرَّم ،ولم يتذ َّوق سام في حياته كلِّها شيئًا بهذا
فلست أفضل من داريون ،لكنه يَشعُر بمتع ٍة أعجزَته عن ُ ُ
فعلت هذا ال َجمال أو الحالوة أو الرَّوعة .ف َّكر :إذا
التَّوقُّف .وفجأةً كان َذكره خارج سراويله منتصبًا كساري ٍة ورديَّة غليظة ،يبدو سخيفًا للغاية حتى إن سام
كان ليضحك ،لكن جيلي دف َعته على ظَهره فوق سريرها القَش ورف َعت تنُّورتها حول فخذيها وأنزلَت
نفسها عليه مطلقةً آهةً ناعمةً ،وكان هذا أفضل وأفضل من حلمتيها ،وقال سام لنفسه شاهقًا :إنها مبتلَّة
ط أن امرأةً يُمكن أن تبت َّل هكذا هناك .هم َست منزلقةً إلى أعلى وأسفل« :أنا زوجتك للغاية .لم أعرف قَ ُّ
ُ
حلفت اليمين، ُ
حلفت اليمين، ُمكنك أن تكوني زوجتي ،لقد
ِ اآلن» ،وتأ َّوه سام وقال في أعماقه :ال ،ال ،ال ي
لكن الكلمة الوحيدة التي بد َرت منه هي «نعم».
بَعدها غابَت في النَّوم مط ِّوقةً إياه بذراعيها ورأسها على صدره .يحتاج سام إلى النَّوم أيضًا ،لكنه ثمل
بالرَّم ولبن األُم وجيلي .يعلم أن عليه أن يعود إلى سريره المعلَّق في قمرة الرِّ جال ،غير أنه شعور رائع
وبشكل ما ال يقوى على الحركة. ٍ أن تلتصق به هكذا،
ويتطارحون الغرام .بنو َ دخ َل آخَرون القمرة ،رجال ونساء ،وسم َعهم يُقَبِّل بعضهم بعضًا ويضحكون
مكان ما منذ فتر ٍة ٍ الحداد ،ير ُّدون على الموت بالحياة .قرأ سام هذا في (جُزر الصَّيف) ،هكذا يُعلِنون ِ
طويلة ،ويتسا َءل إن كانت جيلي تعرفه ،إن كانت كوچا مو قد أخب َرتها بما تفعله.
خرجني تنسَّم عبير َشعرها وح َّدق إلى المصباح المتأرجح باألعلى مف ِّكرًا( :العجوز) نفسها ال تستطيع أن تُ ِ
ُ
غرقت بأمان من هذا المأزق .أفضل ما يستطيع أن يفعله اآلن أن ينس َّل مبتعدًا ويُلقي نفسه في البحر .إذا ٍ
رجال أفضل ليس جبانًا بدينًا. ً حنثت بقَسمي ،وستجد جيلي لنفسها ُ ُ
أخزيت نفسي و فلن يعلم أحد أبدًا أنني
ظ َّلظ في اليوم التَّالي في سريره المعلَّق في قمرة الرِّ جال على صوت زوندو يجأر بشأن الرِّ يح ،و َ استيق َ
وكيل الرُّ بَّان يزعق« :الرِّيح تهبُّ ! الرِّيح تهبُّ ! استيقِظ واعمل يا سام األسود! الرِّيح تهبُّ !» .ما يفتقر إليه
نهض سام من سريره وشع َر بالنَّدم في َ زوندو من مفردات عاميَّة (وستروس) يُ َع ِّوضه بصوته الجهوري.
ليال ،ويحسُّ كأنه على وشك التَّقيُّؤ. الحال .رأسه كأنه سينفلِق ،وأحد القروح في َكفِّه انفت َح ً
يستطع سام َّإال أن يرتدي ثيابه السَّوداء بصعوبة .وجدَها على األرض تحت ِ لكن زوندو بال رحمة ،ولم
ق روائح الملح والبحر السَّرير المعلَّق في كوم ٍة رطبة ،وتش َّممها ليرى مدى سوء رائحتها ،فاستنش َ
والقطران واألشرعة المبتلَّة والعفَن الفِطري والفاكهة واألسماك و َرم التُّوت األسود ،وتوابل غريبةً
وأخشابًا عجيبةً ،وقدرًا وفيرًا من عَرق جسده الجاف ،لكن في مالبسه رائحة جيلي أيضًا ،رائحة َشعرها
ب جاف ثقيل ،إذ بدأ النَّظيفة ورائحة لبنها الحُلوة ،ولذا ارتداها مسرورًا .كان ليدفع ثَمنًا كبيرًا مقابل جور ٍ
نوع ما من الفِطر ينمو بين أصابع قدميه.
لم يكن صندوق ال ُكتب كافيًا على اإلطالق كثَمن رحل ٍة ألربعة من (براڤوس) إلى (البلدة القديمة) ،على أن
ق ڬاهورو مو على أن يأخذهم على المتن شريطة (ريح القرفة) تُعاني نقصًا في األيدي العاملة ،وهكذا واف َ
قائال إن ال ِمايستر إيمون ضعيف للغاية والصَّبي ما زا َل رضيعًا أن يعملوا في الطَّريق ،ول َّما احت َّج سام ً
وجيلي مرعوبة من البحر ،ضحكَ زوندو و َر َّد« :سام األسود رجل كبير بدين ،سام األسود سيعمل
ألربعة».
ُحاول رغم ذلك ،فيُنَظِّف سطح ُّ
يشك في قيامه بعمل فر ٍد واحد جيِّد ،لكنه ي ِ الحقيقة أن سام أخرق لدرجة أنه
ويلف الحبال ،ويصطاد الجرذان ،ويرتق القلوع ُّ السَّفينة ويح ُّكه بالحجارة ،ويسحب سالسل الرَّسو،
المم َّزقة ،ويس ُّد الثَّغرات في الخشب بالقطران المغلي ،وينزع أشواك السَّمك ويُقَطِّع الفواكه للطَّاهي.
حاول ،كما أنها أبرع منه في لَفِّ حبال األشرعة ،وإن كان منظر المياه الخالية يجعلها تُغلِق ضا ت ُ ِ وجيلي أي ً
حين إلى حين.
عينيها من ٍ
ق أطول يكف عن ال َّد ِّ
َّ جيلي ،ماذا أفع ُل مع جيلي؟ هذا النَّهار طويل لزج ،وجعلَه رأس سام الذي لم
شغل نفسه بالحبال واألشرعة والواجبات األخرى التي كلَّفه بها زوندو ،وحاو َل َّأال يَترُك عينيه َ وأطول.
ُواجه َّ
تخونانه وتذهبان إلى برميل الرَّم الذي يحوي جثة ال ِمايستر إيمون ...أو إلى جيلي .ال يستطيع أن ي ِ
الفتاة الهمجيَّة اآلن بَعد ما فعاله ليلة البارحة.
حين تصعد إلى السَّطح ينزل ،حين تذهب إلى األمام يذهب إلى الخلف ،حين تبتسم له يُشيح بوجهه شاع ًرا
بالتَّعاسة .كان يَج ُدر بي أن أثب في البحر وهي نائمة.
كنت جبانًا دو ًما ،لكني لم أكن حانثًا بالقَسم حتى اآلن.
لقد ُ
وجرن،ِ لو لم يَ ُمت ال ِمايستر إيمون لسألَه سام ماذا يفعل .لو كان چون سنو على متن السَّفينة ،أو حتى پيپ
بدال منهم هناك زوندو .لن يفهم زوندو ما أقوله ،أو إذا فه َم لقال لي أن أنكح الفتاة ثانيةً. للجأ َ إليهم ،لكن ً
«ينكح» هي أول كلم ٍة تعلَّمها زوندو من اللُّغة العاميَّة ،ومغرم بقولها ج ًّدا.
ظه أن (ريح القرفة) سفينة كبيرة ،أ َّما على متن (الطَّائر األسود) فكانت جيلي لتلحق به من حُسن َح ِّ
حاصره في غضون لحظات .في (الممالك السَّبع) تُ َس َّمى مراكب أهل ( ُجزر الصَّيف) السُّفن البجعيَّة، وت ُ ِ
لقلوعها البيضاء المنتفخة وتماثيل مقدِّماتها التي يتَّخذ أكثرها أشكال طيور .على الرغم من كبر أحجامها
تركب السُّفن البجعيَّة األمواج برشاق ٍة تخصُّ ها وحدها من دون الفُلك ،وما دا َمت تدفعها ريح سريعة قويَّة
ي قادس ،وإن كانت تعجز تما ًما عند سكون األجواء ...ثم إن على السَّفينة تستطيع (ريح القرفة) أن تسبق أ َّ
مواضع ع َّدة يستطيع أن يختبئ فيها الجبان.
قائال« :سام األسود ق زوندو على ياقته ً حوص َر سام أخيرًا .كان ينزل سُلَّ ًما عندما أطب َ
ِ قُرب نهاية عمله
يأتي مع زوندو» ،وجرَّه عبر سطح السَّفينة وألقاه عند قد َمي كوچا مو.
بعيدًا إلى ال َّشمال يلوح سديم غامض منخفض في األُفق ،وقد أشا َرت كوچا إليه قائلةً« :هذا ساحل
(دورن) .رمال وصخور وعقارب ،وال بُقعة صالحة للرَّسو بطول مئة فرسخ .يُمكنك أن تسبح إلى هناك
إذا أردت ثم تمشي إلى (البلدة القديمة) .عليك أن تقطع الصَّحراء ال َّشاسعة وتتسلَّق بعض الجبال وتسبح في
(التورنتين) ،أو يُمكنك أن تذهب إلى جيلي».
ت تفهمين .ليلة أمس.»...
« -لس ِ
...« -كرَّمتما ميتكما واآللهة التي خلقَتكما .زوندو فع َل ال ِمثل .كان الطِّفل معي ،ولوال هذا لكنت معه .أنتم
معشر الوستروسيِّين تصمون الغرام بالعار .ليس في الغرام عار .إذا كان سپتوناتكم يقولون هذا فال بُ َّد أن
آلهتكم شياطين .في جُزرنا نفهم أكثر منكم .اآللهة وهبَت لنا سيقانًا نجري بها وأنوفًا نش ُّم بها وأيادي نتل َّمس
ونتحسَّس بها .ما اإلله المتو ِّحش المجنون الذي يُعطي المرء عينين ويقول له إن عليه أن يُغلِقهما حتى
يموت وال يَنظُر أبدًا إلى ما في العالم من َجمال؟ إله وحش ،شيطان من الظَّالم» ،ووض َعت كوچا يدها بين
ضا ،من أجل ...ما الكلمة الوستروسيَّة؟». ساقَي سام مضيفةً« :اآللهة وهبَت لك هذا لسب ٍ
ب أي ً
ساعدَها زوندو ً
قائال« :النِّكاح!».
« -نعم ،من أجل النِّكاح ،لإلمتاع وإنجاب األطفال .ال عار في هذا».
حلفت يمينًا .لن أتَّخذ لنفسي زوجةً أو أنجب أوالدًاُ .
قلت هذه الكلمات». ُ قال سام متراجعًا« :لقد
« -جيلي تعرف الكلمات التي قلتها .إنها طفلة في بعض النَّواحي ،لكنها ليست عمياء ،تعلم لِ َم ترتدي
األسود وسبب ذهابك إلى (البلدة القديمة) ،وتعلم أنها ال تستطيع االحتفاظ بك .إنها تُريدك فترةً قصيرةً ال
أكثر .لقد فقدَت أباها وزوجها وأ َّمها وأخواتها ،فقدَت بيتها وعالمها .ليس عندها اآلن َّإالك والصَّغير،
فاذهب إليها أو اسبح».
ق سام السَّديم الذي يُ َعلِّم السَّاحل البعيد بيأ ٍ
س عال ًما أنه ال يستطيع أن يسبح هذه المسافة. رم َ
ي أمير ٍة أو ابنة ذهب إلى جيلي ،وقال لها« :ما فعلناه ...لو أنني أستطي ُع ال َّزواج لفض ِ
َّلتك على أ ِّ َ وهكذا
ُ
وقلت ُ
ذهبت مع چون إلى الغابة ُ
حلفت اليمين يا جيلي، زلت ُغرابًا .لقد
ُ أعيان ،لكنني ال أستطي ُع .إنني ما
الكلمات أمام شجرة قلوب».
قالت جيلي ماسحةً ال ُّدموع عن وجنتيه« :األشجار تَحرُسنا ،في الغابة ترى ك َّل شيء ...لكن ال تو َجد
أشجار هنا .فقط الماء يا سام ،فقط الماء».
سرسي
النَّهار بارد غائم بليل .طيلة الصَّباح هطلَت األمطار بال انقطاع ،وحتى عندما توقَّفت أخيرًا بَعد الظَّهيرة
ينقشع ولم يروا ال َّشمس م َّرةً .طقس رديء لهذه ال َّدرجة تكفَّل بثبط الملكة الصَّغيرة ِ رفض السَّحاب أن
َ
قضت النَّهار وبدال من ركوب الخيل مع دجاجاتها وحاشيتهن من ال َحرس والمعجبين َ ً نفسها عن الخروج،
كلَّه في (قفص العذراوات) مع ال َّدجاجات في االستماع إلى غناء ال َّشاعر األزرق.
لم يكن نهار سرسي أفضل كثيرًا ،ثم َح َّل المساء .إذ استحالَت السَّماء من الرَّمادي إلى األسود أخبَروها
بأن (الجميلة سرسي) عادَت محمولةً على تيَّار المساء ،وبأن أوران ووترز في الخارج يَطلُب مقابلَتها.
سم َحت له الملكة بال ُّدخول في الحال ،وما كا َد يخطو إلى ُغرفتها ال َّشمسيَّة حتى عل َمت أنه يحمل نبأ ً سا ًّرا،
لك يا جاللة الملكة».وبابتسام ٍة عريضة قال لها(« :دراجونستون) ِ
أعرف أن تومن سيُ َسرُّ أيضًا .معنى هذا ُ طت يديه ولث َمته على الخ َّدين ،ثم قالت« : ر َّدت« :رائع» ،والتق َ
داف جديد أننا نستطيع إطالق أسطول اللورد ردواين وطرد الحديديِّين من (التُّروس)» .مع وصول ك ِّل ُغ ٍ
تبدو األخبار اآلتية من (المرعى) أكثر مدعاةً للقلق ،فمن الواضح أن الحديديِّين ليسوا قانعين بصخورهم
ت قويَّة على ضفاف (الماندر) وتمادوا إلى َح ِّد مها َجمة (الكرمة) والجُزر األصغر الجديدة ،إذ ش ُّنوا غارا ٍ
التي تُحيط بها .لم يكن آل ردواين قد أبقوا أكثر من دست ٍة من السُّفن الحربيَّة في مياههم ،وك ُّلها ُحطِّ َم أو
غرقَ ،واآلن ث َّمة تقارير تقول إن ذلك الرَّجل المجنون الذي يُ َس ِّمي نفسه يورون عين ال ُغراب ُ ُ
أ ِس َر أو أ ِ
رسل سُفنًا طويلةً عبر (النَّهر الهامس) نحو (البلدة القديمة) نفسها. يُ ِ
أخب َرها اللورد ووترز« :اللورد پاكستر كان يُ َح ِّمل المؤن من أجل رحلة العودة عندما أقل َعت (الجميلة
سرسي) ،وأتص َّو ُر أن أسطوله األساسي في البحر بالفعل اآلن».
س أفضل من اليوم» ،وسحبَت ووترز ليجلس على قالت الملكة« :لنأمل أن يتمتَّعوا برحل ٍة سريعة وطق ٍ
مقعد النَّافذة إلى جوارها ،وسألَته« :هل ندين بال ُّشكر للسير لوراس على هذا النَّصر؟».
صاحبة الجاللة».
ِ وأجاب« :هذا ما سيقوله بعضهم يا
َ اختفَت ابتسامته،
بفضول متسائلةً« :بعضهم ولكن ليس أنت؟».
ٍ رمقَته
قال ووترز« :لم أ َر فارسًا أشجع منه ،لكنه ح َّول ما كان يُمكن أن يكون نصرًا بال دما ٍء إلى مذبحة .لقد
ماتَ ما يُقرُب من ألف رجل ،أكثرهم من رجالنا ،وليسوا جميعًا مجرَّد جنو ٍد تقليديِّين يا جاللة الملكة ،بل
منهم فُرسان ولوردات صغار ،األفضل واألشجع».
« -والسير لوراس نفسه؟».
« -سيُصبِح األول بَعد األلف .لقد حملوه إلى داخل القلعة بَعد المعركة ،لكن إصاباته بليغة وفق َد دما ًء كثيرةً
لدرجة أن ال ِمايسترات يَرفُضون أن يُ َعلِّقوا له ال َعلق».
« -أوه ،هذا محزن .قلب تومن سينكسر .إنه معجب للغاية بفارس ُّ
الزهور الباسل».
قال أميرالها« :والعا َّمة أيضًا .في أنحاء البالد كلِّها ستبكي الفتيات حين يموت لوراس».
تعلم الملكة أنه ليس مخطئًا .يوم أبح َر السير لوراس احتش َد ثالثة آالف من العا َّمة عند (ب َّوابة الطَّمي)
ُفض المنظر َّإال إلى إفعام نفسها باالزدراء.
لتوديعه ،ولم ي ِ
أرادَت أن تَص ُرخ فيها قائلةً إنهم خراف ،أن تُخبِرهم بأن ك َّل ما سينالونه منه لن يتجا َوز ابتسامةً ووردةً،
س في (الممالك السَّبع) وابتس َمت فيما ق َّدم له تومن سيفًا محلًّى بالجواهر ً
وبدال من ذلك أعلنَته أشجع فار ٍ
يحمله في المعركة .عانقَه الملك أيضًا ،وإن لم يكن هذا الجزء من ترتيب سرسي ،لكنه لم يَعُد يه ُّم،
ضر . وبإمكانها أن تكون كريمةً .لوراس تايرل يُحت َ
أم َرته سرسي قائلةً« :أخبِرني .أري ُد أن أعرف ك َّل ما حدث ،من البداية إلى النِّهاية».
كانت ال ُغرفة قد أظل َمت لدى فروغه من ال ِّرواية ،فأشعلَت الملكة بعض ال ُّشموع وأرسلَت دوركاس إلى
المطابخ لتجلب لهما القليل من ال ُخبز والجُبنة مع اللَّحم البقري المسلوق بالفجل الحار ،وبينما تنا َوال ال َعشاء
ُ
فلست أري ُد أن بشكل سليم...« .ٍ طلبَت من أوران أن يحكي الحكاية ثانيةً كي تتذ َّكرها بجميع تفاصيلها
تسمع غاليتنا مارچري هذا الخبر من غريب .سأخبرها بنفسي».
جاللتك في غاية ال ُّلطف» .ابتسامة خبيثة .الحقيقة أن أوران ال يُشبِه األمير ريجار ِ قال ووترز مبتس ًما« :
بالقدر الذي حسبَته في البداية .إن له َشعرًا أشبه به ،ولكن كذا نِصف العاهرات في (ليس) إذا صدقَت
رجال ،أ َّما هذا فصب ٌّي ماكر ال أكثر ،غير أنه مفيد على طريقته. ً الحكايات .ريجار كان
حاول أن تفهم قواعد لُعب ٍة جديدة ما من وجدَت مارچري في (قفص العذراوات) تشرب النَّبيذ وتُ ِ
تأخر السَّاعة أدخلَها ال ُحرَّاس في الحال ،وخاطبَت (ڤوالنتيس) مع بنات عمومتها الثَّالث .على الرغم من ُّ
أخوك
ِ مارچري قائلةً« :جاللة الملكة ،األفضل أن تسمعي الخبر مني .أوران عا َد من (دراجونستون).
بطل».
عرفت هذا» .لم تَلُح دهشة على مارچري .ولِ َم تندهش؟ لقد توقَّعت هذا منذ اللَّحظة التي توسَّل ُ « -لطالما
لوراس فيها القيادة .لكن لدى انتهاء سرسي من القصَّة كانت ال ُّدموع تلتمع على وجه الملكة الصَّغيرة.
الزهور رأى تق ُّدم العمل بطيئًا «ردواين جع َل ُع َّمال مناجم يَحفُرون نفقًا تحت سور القلعة ،لكن فارس ُّ
والدك في (التُّروس) .اللورد ووترز يقول إنه َ
أمر ِ للغاية .ال ريب أنه كان يُفَ ِّكر في معاناة قوم السيِّد
رفض أمين قلعة اللورد ستانيس عرضه تسوية َ يوم من تولِّيه القيادة ،بَعد أن
بالهجوم خالل أقلِّ من نِصف ٍ
َك ب َّوابة القلعة ،ويقولونالحصار بالنِّزال الفردي بينهما .كان لوراس أول من يَعبُر الثَّغرة عندما حطَّم ال ِمد ُّ
داخال فم التنِّين مباشرةً وقد ارتدى األبيض ول َّوح ب ُكرته ال َّشائكة حول رأسه مقتِّ ًال ذات اليمين ً ق
إنه انطل َ
وذات اليسار».
عندئ ٍذ كانت ِمجا تايرل تبكي جهرًا ،وسألَت« :كيف ماتَ ؟ َمن قتلَه؟».
بسهم في الفخذ وآخَ ر في الكتف،
ٍ أصيب
َ لرجل واحد .السير لوراس ٍ أجابَت سرسي« :هذا ال َّشرف ليس
لكنه واص َل القتال ببسال ٍة على الرغم من ال َّدم السَّائل منه.
أعفيك من معرفة أسوأ ما
ِ أصيب بضرب ٍة من هراوة كس َرت بعض ضلوعه ،ثم ...ال ،أري ُد أن
َ بَعدها
َ
حدث».
قالت مارچري« :أخبِريني ،هذا أمر».
أمر؟ صمتَت سرسي وهلةً ،ثم قرَّرت أن تتغاضى عن هذا ،وقالت« :ال ُمدافِعون تقهقَروا إلى الحصن
ال َّداخلي ما إن سقطَ السُّور ،وقا َد لوراس الهجوم هناك أيضًا.
لقد غ َمروه بال َّزيت المغلي».
امتق َع وجه الليدي آال حتى صا َر كالطَّباشير ،وهرعَت تُغا ِدر ال ُغرفة.
واصلَت سرسي« :ال ِمايسترات يفعلون ك َّل ما باإلمكان كما أ َّكد لي اللورد ووترز ،لكنني أخشى أن حروق
أخيك فادحة» ،وأخ َذت مارچري بين ذراعيها تُواسيها مضيفةً« :لقد أنق َذ البالد» ،ول َّما قبَّلت الملكة ِ
الصَّغيرة على وجنتها تذ َّوقت ملوحة دموعها ،ثم أردفَت« :سي ِ
ُدرج چايمي جميع مآثره في (الكتاب
األبيض) ،وسيُ َغنِّي المطربون عنه أللف عام».
تملَّصت مارچري من حضنها بع ٍ
ُنف كا َد يُسقِط سرسي ،وقالت« :االحتضار ليس موتًا».
« -نعم ،لكن ال ِمايسترات يقولون.»...
« -االحتضار ليس موتًا!».
أعفيك من.»...
ِ ُ
أردت فقط أن «-
أعرف ما تُريدين .اخرُجي».
ُ «-
ست ليلة ماتَ چوفري .حنَت سرسي رأسها ووجهها قناع من الكياسة الباردة ،وقالت: اآلن تعلمين ِب َم أح َس ُ
ُزنك».
سأتركك لح ِ
ِ أجلك.
ِ «ابنتي العزيزة ،إنني حزينة للغاية من
تغط چوسلين ُّ تستطع النَّوم ،وبينما
ِ لم تظهر الليدي ميريويذر ليلتها ،وجفا جنب سرسي عن الفِراش ولم
سويفت إلى جوارها ف َّكرت :لو رآني اللورد تايوين اآلن لعرفَ أن له وريثًا ،وريثًا جديرًا ب(الصَّخرة).
قريبًا ستذرف مارچري ال ُّدموع المريرة التي كان عليها أن تذرفها من أجل چوفري ،وربما يبكي مايس
حال أكثر من تشريف السير لوراس عطه سببًا لخصامها ،فما الذي فعلَته على ك ِّل ٍ تايرل أيضًا ،لكنها لم تُ ِ
طلب القيادة جاثيًا على رُكبته على مرأى من نِصف البالط. َ بثقتها؟ لقد
ً
مثيال. مكان ما وأشيِّع له جنازةً لم تشهد لها (كينجز الندنج) ٍ ً
تمثاال في ي أن أبني له عندما يموت عل َّ
سيروق هذا العوام ،وتومن أيضًا .بل وربما يَش ُكرني مايس أيضًا ،ذلك المسكين .وبالنِّسبة إلى السيِّدة
والدته فإذا شا َءت اآللهة سيَقتُلها الخبر.
أمضت اللَّيل فيَ ق رأته سرسي منذ سنوات ،وسرعان ما ظه َرت تاينا واعترفَت بأنها كان هذا أجمل شرو ٍ
مواساة مارچري ورفيقاتها وشار َكتهن ال ُّشرب والبُكاء وحكاية القِصص عن لوراس ،وإذ ارتدَت الملكة
ثيابها من أجل البالط قالت لها« :مارچري ما زالَت مقتنعةً بأنه لن يموت .إنها تنوي إرسال ِمايسترها
صلِّين طلبًا لرحمة (األُم)».
الخاص للعناية به ،وبنات عمومتها يُ َ
الزهورقالت سرسي« :أنا أيضًا سأصلِّي .غدًا تعالي معي إلى ( ِسپت بيلور) وسنُش ِعل مئة شمع ٍة لفارس ُّ
ت» .إنه أحضري لي تاجي ،التَّاج الجديد إذا سمح ِ ِ الباسل» ،ثم التفتَت إلى وصيفتها قائلةً« :دوركاس،
الذهب المغزول الباهت المرصَّع ُّ
بالزمرُّ ذ الذي يَبرُق حين تُدير رأسها. أخف من القديم ،مصنوع من َّ ُّ
قال السير أوزموند عندما أدخلَته چوسلين« :هناك أربعة أتوا بشأن ِ
العفريت هذا الصَّباح».
أدهش هذا الملكة على نح ٍو سار .ث َّمة سلسلة متواصلة من ال ُمخبرين الذين يأتون إلى (القلعة
َ « -أربعة؟».
يوم واحد عدد غير معتاد.ت عن تيريون ،لكن أربعةً في ٍ الحمراء) زاعمين أن لديهم معلوما ٍ
لك». أجاب أوزموند« :أجل .أحدهم معه رأس ِ َ
أوالُ .خذه إلى ُغرفتي ال َّشمسيَّة» .أرجو َّأال يكون هناك خطأ هذه المرَّة ،أرجو أن أنال ثأري
« -سأراه ً
أخي ًرا ليَرقُد چوفري في سالم .يقول السِّپتونات إن الرَّقم 7مق َّدس عند اآللهة ،وربما يكون هذا الرَّأس
السَّابع ال َّدواء الذي تبتغيه روحها.
اتَّضح أن الرَّجل تايروشي قصير ممتلئ يُبَلِّل وجهه ال َعرق ،وله ابتسامة متملِّقة لزجة ذ َّكرتها بڤارس،
ُعجب الرَّجل سرسي بمجرَّد النَّظر ،لكنها مستع َّدةولحية مشعَّبة مصبوغة بالوردي واألخضر .لم ي ِ
للتَّغاضي عن عيوبه إذا كان رأس تيريون داخل هذا الصُّ ندوق الذي يحمله بالفعل .الصُّ ندوق من خشب
ت متسلِّقةً وأزها ًرا ،وله ِمفصالت وأقفال من َّ
الذهب ُص ِّور نباتا ٍ
ش من العاج ي َ األَزر المزخ َرف بنق ٍ
األبيض ،منظره جميل حقًّا ،لكن الملكة ال تكترث َّإال لما قد يكون في داخله .إنه كبير كفايةً على األقل.
شخص صغير ناقص النُّمو.
ٍ رأس تيريون كان كبيرًا على نح ٍو شاذ بالنِّسبة إلى
صاحبة الجاللة ،أرى أن ما يُحكى عن َجمال ِك صادق .حتى وراء ِ انحنى التايروشي بش َّد ٍة مغمغ ًما« :
إليك ُسنك والحُزن الذي يُ َم ِّزق ِ
قلبك المرهف .ال أحد يستطيع أن يُعيد ِ (البحر الضيِّق) سمعنا عن براعة ح ِ
أللمك» ،ووض َع يده على صُندوقه مضيفًاِ « :
أتيتك ِ لك على األقل بلس ًما ابنك ال ُّشجاع ،لكن أملي أن أقدِّم ِ
ِ
ڤالونڬارك».
ِ أتيتك برأس
ِ بالعدالة،
بعثَت الكلمة الڤاليريَّة القديمة رعدةً في جسدها ،وإن استشع َرت وخز األمل أيضًا ،وأعلنَتِ « :
العفريت لم
يَعُد أخي ،إن كان كذلك من األصل ،ولن أنطق اسمه.
لقد كان اس ًما ساميًا ذات يوم ،قبل أن يُلَ ِّوثه».
ملك ودماء أب .يقول
« -في (تايروش) ندعوه بذي اليدين الحمراوين للدِّماء السَّائلة من بين أصابعه ،دماء ٍ
بعضهم إنه قت َل أ َّمه أيضًا مم ِّزقًا رحمها بمخالبه ليَخرُج».
يا للهُراء« .صحيح .إذا كان رأس ال ِعفريت في هذا الصُّ ندوق فسأرفعك إلى اللورديَّة وأهبُ لك أراضي
خصبةً وقالعًا» .األلقاب أرخص من التُّراب ،وأراضي النَّهر مألى بالقالع المتهدِّمة الواقفة في ُعزلتها
ولنر».
َ حقول مهجورة وقُرى محروقة« .إن بالطي ينتظرني .افتح الصُّ ندوق ٍ وسط
قزم مستق ًّرا على طبق ٍة
فت َح التايروشي الصُّ ندوق بحرك ٍة مسرحيَّة وتراج َع مبتس ًما ،وفي ال َّداخل كان رأس ٍ
من المخمل األزرق النَّاعم يَنظُر إليها.
ُ
بالغت في األمل، ألقَت سرسي نظرةً طويلةً ،ثم قالت وفي فمها مذاق مرير« :هذا ليس أخي»ُّ .
أظن أنني
خصوصًا بَعد لوراس .اآللهة ليست بذلك الكرم أبدًا« .هذا الرَّجل عيناه بنِّيَّتان .تيريون كانت له عين
سوداء وعين خضراء».
ُ
فسمحت لنفسي باستبدالهما أخيك ...تعفَّنتا بعض ال َّشيء،
ِ « -العينان ،بالضَّبط ...جاللة الملكة ،عينا
بالزجاج ...لكن لونه خطأ كما تقولين». ُّ
لم يُفلِح قوله َّإال في زيادة حنقها ،ور َّدت« :ربما تكون عينا رأسك من ُّ
الزجاج ،أ َّما عيناي أنا فال .في
45
َ
حدث ضعف ِسنِّ أخي! ماذا راجل أشبه بال ِعفريت من هذا المخلوق .إنه أصلع وفي ِ(دراجونستون) َك ِ
ألسنانه؟».
انكمش الرَّجل من الغضب في صوتها ،وقال« :كان لديه طقم ممتاز من األسنان َّ
الذهبيَّة يا جاللة الملكة، َ
ُؤسفني.»...
لكننا ...ي ِ
اوال التقاط أنفاسه بينما ي بي أن آمر بإعدامه خنقًا .فلي ِ
ُنازع مح ً « -أوه ،لم تأسف بع ُد ،لكنك ستفعل» .حر ٌّ
يسو ُّد وجهه ِمثل ابني الجميل .كانت الكلمات على شفتيها بالفعل.
ت أنه بال أنف.»...
جاللتك الحظ ِ
ِ « -خطأ غير مقصود .كلُّ األقزام متشابهون ،و ...ال بُ َّد أن
« -إنه بال أنف ألنك قطعته!».
صا َح« :ال!» ،لكن جبهته المتصبِّبة عَرقًا و َشت بكذب إنكاره.
آخر أحمق ر َّدت سرسي« :نعم» ،وتسلَّلت عذوبة سا َّمة إلى نبرتها إذ أردفَت« :على األقل ف َّكرت في هذاِ .
حال يبدو لي أنك مدين لهذا القزم بأنف. ٍ حاول إقناعي بأن ساحرًا متج ِّو ًال أنبتَه من جديد .على كلِّ
َ جا َءني
عائلة النستر تُ َسدِّد ديونها ،وكذا ستفعل أنت .سير مرينُ ،خذ هذا المحتال إلى كايبرن».
أخ َذ السير مرين ترانت التايروشي من يده وسحبَه وهو ال يزال يصيح محت ًّجا ،وحين خرجا التفتَت
وأدخل الثَّالثة اآلخَرين
ِ سرسي إلى أوزموند ِكتلبالك قائلةً« :سير أوزموند ،أب ِعد هذا ال َّشيء عن نظري
الذين ي َّدعون معرفتهم بمكان ال ِعفريت».
« -حاضر يا جاللة الملكة».
لكن لألسف اتَّضح أن ثالثة الم َّدعين ليسوا ذوي جدوى أكثر من التايروشي .قال أحدهم إن ال ِعفريت
مختبئ في ماخور ب(البلدة القديمة) ويخدم الرِّجال بفمه ،وهي صورة طريفة لكن سرسي لم تُ َ
صدِّقها
لحظةً .الثَّاني زع َم أنه رأى القزم في عرض ممثِّلين في (براڤوس) ،والثَّالث أ َّكد أن تيريون أصب َح ناس ًكا
كال منهم بالوعد نفسه« :إذا تفضَّلت بقيادة في أراضي النَّهر ويعيش فوق تَلِّ مسكون ما .أجابَت الملكة ًّ
مجموع ٍة من فُرساني ال ُّشجعان إلى هذا القزم فستتلقَّى مكافأةً سخيَّةً ،شريطة أن يكون ال ِعفريت حقًّا ...وإن
ُرسلونهم لمطا َردة األشباح .قد تفقد لم يكن هو ...إن فُرساني ال صبر لهم على الخداع أو الحمقى الذين ي ِ
لسانك» ،وبهذه السُّرعة فق َد الثَّالثة ثقتهم فجأةً وقال ك ٌّل منهم إنه ربما رأى قز ًما آخَ ر ما.
اجتاح
َ آخر ال ُمخبرين« :هل لم تكن سرسي تُ ِ
درك أن هناك أقزا ًما كثيرين هكذا ،وقالت متذ ِّمرةً مع خروج ِ
هؤالء الوحوش المش َّوهون العالم؟ كم يُمكن أن يكون عددهم؟».
جاللتك إلى البالط؟».
ِ قالت الليدي ميريويذر« :أقل مما كان .هل لي ب َشرف اصطحاب
شأن واحد .حُكم أصاب في ٍَ ُمكنك احتمال الملل .روبرت كان أحمق في معظم األشياء ،لكنه ِ « -إذا كان ي
المملكة عمل مت ِعب».
جاللتك مثقلةً بالهموم .رأيي أن تَهرُبي وتلعبي وتَترُكي سماع االلتماسات المت ِعبة ليد ِ ُحزنني أن أرى
« -ي ِ
الملك .يُمكننا أن نتن َّكر في هيئة خادمتين ونقضي اليوم وسط العا َّمة ونسمع ما يقولونه عن سقوط
أعرف الخان الذي يُ َغنِّي فيه ال َّشاعر األزرق حين ال يكون في حضور الملكة ُ (دراجونستون) .إنني
وأعرف قب ًوا معيَّنًا يُ َح ِّول فيه ساحر الرَّصاص إلى ذهب والماء إلى نبيذ والفتيات إلى فِتية. ُ الصَّغيرة،
رجال ليلةً؟».
ً جاللتك أن تكوني
ِ ربما يُلقي تعاويذه علينا .هل يُ َسلِّي
بدال من اسم تومن .قالت رجال لحكمت هذه البالد باسمي ً ً رجال ألردت أن أكون چايمي ،لو ُ
كنت ً لو ُ
كنت
ت شرِّيرة إلغرائي هكذا ،لكن أيُّ ملك ٍة أنا إذا عالمةً ما تُريد تاينا أن تسمعه« :بشرط أن تبقي امرأةً .أن ِ
تركت مملكتي بين يدَي هاريس سويفت الرَّاجفتين؟». ُ
جاللتك دءوب للغاية».
ِ مطَّت تاينا شفتيها قائلةً« :
ر َّدت سرسي« :نعم ،ومع نهاية اليوم سأند ُم على هذا» ،وتأبَّطت ذراع الليدي ميريويذر مضيف ٍة:
«هل ِّمي».
كأمير منفي ،لكن على الرغم من مظهره الفاخر فيٍ كان چاالبار شو أول الملتمسين يومها كما يليق بمقامه
ت الرَّجل َّإال ليشحذ .تر َكته سرسي كعادته يلتمس الرِّ جال والسِّالح السترداد
معطفه الرِّيش ال َّزاهي لم يأ ِ
(وادي ال َّزهرة ال َّزرقاء) ،ثم قالت« :جاللته يخوض حربًا بالفعل أيها األمير چاالبار ،وليس عنده رجال
يستغني عنهم لحربك اآلن .ربما العام المقبل» .هكذا أجابَه روبرت دو ًما .العام المقبل ستقول له« :لن
يَح ُدث» ،لكن ليس اليوم .إن (دراجونستون) لها.
ي بيضات جا َء اللورد هاالين من رابطة الخيميائيِّين ليَطلُب اإلذن لپايرومانسراته في محا َولة إفقاس أ ِّ
تنانين تظهر في (دراجونستون) ما دا َمت الجزيرة قد عادَت آمنةً إلى األيدي الملكيَّة ،فقالت له الملكة« :لو
كانت بيضات كهذه تبقَّت لباعها ستانيس ليُنفِق على تمرُّ ده» ،وإن أحج َمت عن إضافة أنها خطَّة جنونيَّة.
آخر تنانين آل تارجاريَن انتهَت كلُّ المحا َوالت المشابهة بالموت أو المصائب أو المهانة. ق ِ
منذ نف َ
مثلَت أمامها مجموعة من ال ُّتجَّار الذين توسَّلوا إلى العرش أن يتوسَّط لهم عند مصرف (براڤوس)
قروض جديدة .قالت ٍ الحديدي ،فالبراڤوسيُّون يُطالِبون بسداد ال ُّديون واجبة ال َّدفع ويَرفُضون منح أ ِّ
ي
الذهبي .ربما تستطيع أن سرسي لنفسها :نحن محتاجون إلى مصرفنا الخاص ،مصرف (النسپورت) َّ
تفعل ذلك عندما تُ َؤ ِّمن عرش تومن ،أ َّما في الوقت الرَّاهن فليس بإمكانها َّإال أن تقول للتُّجَّار أن ير ُّدوا
ل ُمرابيِّي (براڤوس) مالهم.
وص َل وفد العقيدة بقيادة صديقها القديم السِّپتون راينارد ،وقد رافقَه ستَّة من أبناء ال ُمحارب عبر المدينة.
معًا يصنعون سبعةً ،وهو رقم مق َّدس مب ِّشر بالخير ،وهكذا يفعل السِّپتون األعلى -أو العُصفور األعلى كما
سيوف مخطَّطة بألوان العقيدة السَّبعة، ٍ لقَّبه فتى القمر -ك َّل شي ٍء بالسَّبعات .يتمنطق الفُرسان بأحزمة
طراز
ٍ ويُ َزيِّن البلَّور قبائع سيوفهم الطَّويلة وريشات خوذاتهم العظيمة ،ويحملون تُروسًا لوزيَّة ال َّشكل من
لم يَعُد شائعًا منذ غزوة إجون عليها شعار لم يُ َر في (الممالك السَّبع) منذ قرون؛ سيف بألوان قوس قزح
س أتوا بالفعل ليتعهَّدوا بحيواتهم وسيوفهم ألبناء ال ُمحارب يلتمع على خلفيَّ ٍة مظلمة .ما يَقرُب من مئة فار ٍ
أسكرتهم اآللهة جميعًا .من كان ليتخيَّل أن في البالد ك َّلَ ِطبقًا لتقارير كايبرن ،ومزيد منهم يجيء ك َّل يوم.
هذه األعداد؟ أكثرهم فُرسان حراسة وفُرسان متج ِّولون ،لكن منهم كريمي المحتد كذلك ،من أبناء أصغر
ولوردات صغار ومسنِّين يبتغون التَّوبة عن خطايا قديمة ...ثم إن هناك النسل أيضًا .لقد حسبَت أن
أخبرها بأن المغفَّل ابن ع ِّمها تخلَّى عن قلعته وأراضيه وزوجته وعا َد إلى المدينة َ كايبرن يمزح عندما
لينض َّم إلى جماعة أبناء ال ُمحارب النَّبيلة العظيمة ،لكن ها هو ذا مع الحمقى المتديِّنين بالفعل.
ال يروق سرسي هذا على اإلطالق ،وال يسرُّ ها استمرار تش ُّدد العُصفور األعلى ونُكرانه على اإلطالق.
سألَت السِّپتون راينارد« :أين السِّپتون األعلى؟ لقد استدعيته هو».
وطلب مني أن أخبر
َ صاحب القداسة األعلى أرسلَني ً
بدال منه ِ انتح َل السِّپتون راينارد نبرةً آسفةً مجيبًا« :
جاللتك بأن اآللهة أرسلَته يُكافِح ال ُّشرور».
ِ
يظن أن الصَّالة على العاهرات ستُعيد إليهن ُّ « -كيف .بالتَّبشير بالعفَّة في (شارع الحرير)؟ هل
عذريَّتهن؟».
َر َّد راينارد« :أجسادنا ش َّكلها أبونا وأ ُّمنا اإللهان كي يتزا َوج َّ
الذكر واألنثى إلنجاب أوال ٍد شرعيِّين .من
الرَّذيلة واإلثم أن تبيع النِّساء أعضاءهن المق َّدسة بالمال».
لربما كان هذا الرَّأي المح َّمل بالتَّقوى أكثر إقناعًا لو أن الملكة ال تعلم أن للسِّپتون راينارد صديقا ٍ
ت
ك أنه قرَّر أن ترديده تغريد العُصفور األعلى أفضل من ماخور ب(شارع الحرير) .ال َش َّ ٍ معيَّنات في ك ِّل
حاول أن تعظني .أصحاب المواخير يشتكون ،ولهم ال َحق». تنظيف األرضيَّات .قالت له« :ال تُ ِ
« -إذا تكلَّم اآلثمون فلِ َم يُصغي إليهم الصَّالحون؟».
ر َّدت الملكة بال موا َربة« :هؤالء اآلثمون يُ َغ ُّذون الخزانة الملكيَّة ،ببنساتهم ندفع أجور ذوي المعاطف
الذهبيَّة ونبني القوادس للدِّفاع عن سواحلنا .ويجب وضع التِّجارة في االعتبار أيضًا .إذا خلَت (كينجز َّ
صاحب القداسة األعلى
ِ الندنج) من المواخير فستذهب السُّفن إلى (وادي الغسق) أو (بلدة النَّوارس).
وعدَني بالسَّالم في شوارعي ،وال ِعهر يُسا ِعد على ِحفظ السَّالم .العا َّمة المحرومون من العاهرات يجنحون
صاحب القداسة األعلى من اآلن فصاعدًا بالصَّالة في السِّپت حيث ينتمي». ِ إلى االغتصاب .فليلتزم
بدال منه ظه َر ال ِمايستر األكبر پايسل بوج ٍه مربد توقَّعت الملكة أن تسمع من اللورد جايلز أيضًا ،لكن ً
ُحزنني أن أقول إن اللورد ونبر ٍة اعتذاريَّة يُخبِرها بأن روزبي أوهى من أن يبرح فِراشه ،وأضافَ « :ي ِ
جايلز سيلحق بأسالفه النُّبالء قريبًا .عسى (األب) أن يَح ُكم عليه بالعدل».
ي مج َّددًا .قالت بتبرُّ م:
ُحاول مايس تايرل والملكة الصَّغيرة فرض جارث السَّمين عل َّ إذا ماتَ روزبي فسي ِ
«اللورد جايلز مصاب بهذا السُّعال منذ سنين ولم يَقتُله .لقد ظَ َّل يَسعُل خالل نِصف حُكم روبرت وطيلة
ُحتضر اآلن فالسبب الوحيد أن أحدًا يُريد موته».
َ حُكم چوفري .إذا كان ي
مذهوال ،وقال« :جاللة الملكة ،ممن قد يُريد موت اللورد جايلز؟». ً ق ال ِمايستر األكبر پايسل إليها
حمل َ
« -وريثه ربما» .أو الملكة الصَّغيرة« .امرأة ما نب َذها في الماضي» .مارچري ومايس وملكة األشواك ،لِ َم
ال؟ جايلز في طريقهم« .عد ٌّو قديم ،عد ٌّو جديد ،أنت».
سقيت حضرة اللورد مسه ًِّال للبطن
ُ قائال« :ججاللة الملكة تمزح .لقد ...لقد امتق َع وجه العجوز ،وتلعث َم ً
قت له ال َعلق وعالجته بالك َّمادات واألنقعة ...ال َّرذاذ يُريحه بعض ال َّشيء ،وحُلو الكرى يُ َخفِّف ُعنفوعلَّ ُ
سُعاله ،لكنني أخشى أن قِطعًا من الرِّئتين تَخرُج مع ال َّدم اآلن».
« -ب َغضِّ النَّظر عن هذا ،ستعود إلى اللورد جايلز وتُبلِغه بأني ال أسم ُح له بالموت».
صاحبة الجاللة».
ِ انحنى پايسل بجمو ٍد ً
قائال« :كما تأمر
رحل جميعهمَ س أكثر إثارةً للملل من سابِقه .ليلتها ،بَعد أن جا َء المزيد منهم ،والمزيد ،والمزيد ،كلٌّ ملتم ٍ
ُ أخيرًا وجل َست تتنا َول عَشا ًء بسيطًا مع ابنها قالت له« :تومن ،عندما تُ َ
صلِّي قبل النَّوم اش ُكر (األم)
طفال .ال ُملك عمل شاق ،وأؤ ِّك ُد لك أنك لن تحبَّه .إنهم يَنقُرونك كسر ٍ
ب من ال ِغربان، و(األب) ألنك ما زلت ً
ك ٌّل منهم يرغب في قطع ٍة من لحمك».
قال تومن بنبر ٍة حزينة« :حاضر يا أ َّماه» .كان قد بلغَها أن الملكة الصَّغيرة أخب َرته بما جرى للسير
لوراس ،وقال السير أوزموند إن الصَّبي بكى .إنه صغير .حين يَبلُغ ِس َّن چوف سيكون قد نس َي شكل
معك إلى البالط ك َّل ٍ
يوم ألنصت. ِ لوراس .واص َل ابنها« :لكني ال أمان ُع أن يَنقُروني .المفت َرض أن أذهب
مارچري تقول.»...
الالزم .مقابل نِصف جروت سيسرُّ ني أن أقطع لسانها». بح َّد ٍة قاط َعته سرسي ...« :أكثر من َّ
إياك أن صاح تومن فجأةً وقد احتقنَ وجهه المستدير الصَّغيرِ « :
إياك أن تقولي هذا! دعي لسانها وشأنهِ ، َ
ت» .
تلمسيها .أنا الملك ال أن ِ
ح َّدقت إليه مشدوهةً ،وقالت« :ماذا قلت؟».
عليك أن
ِ لك بإيذاء مارچري ،لن أسمح .أح ِّر ُج
ت .لن أسمح ِ
« -أنا الملك ،أنا من آم ُر بقطع األلسنة ال أن ِ
تفعلي ذلك».
أمس َكته سرسي من أُذنه وجرَّته صار ًخا إلى الباب حيث يقف السير بوروس بالونت حراسةً ،وقالت:
ت بپايت .أري ُد أن يجلد تومن نسي نفسه .من فضلك ُخذه إلى مسكنه وائ ِ َ «سير بوروس ،جاللة الملك
عترض بكلم ٍة واحدة
َ رفض جاللته أو ا
َ الصَّبي بنفسه هذه المرَّة ،وأن يستم َّر حتى تنزف فلقتا مؤ ِّخرته .إذا
فاستد َع كايبرن وقُل له أن يقطع لسان پايت ليتعلَّم جاللته ثَمن قلَّة األدب».
نف َخ السير بوروس رامقًا الملك بارتباك ،وقال« :كما تأمرين .تعا َل معي يا جاللة الملك إذا سمحت».
مع حلول اللَّيل على (القلعة الحمراء) أوقدَت چوسلين نارًا في مستوقَد الملكة بينما أشعلَت دوركاس
ال ُّشموع إلى جوار الفِراش .فت َحت سرسي النَّافذة طلبًا لنسمة هواء ،فرأت أن السُّحب عادَت تحتشد مواريةً
النُّجوم ،وتمت َمت دوركاس« :ليلة مظلمة يا جاللة الملكة».
ينطرح لوراس تايرل محروقًا ِ ف َّكرت :نعم ،لكن ليست بظُلمة (قفص العذراوات) أو (دراجونستون) حيث
ينزف ،أو في ال َّزنازين السَّوداء تحت القلعة .ال تدري الملكة لِ َم خط َر لها هذا بَعد أن عز َمت على عدم
التَّفكير في فاليس ثانيةً .نزال فردي .كان على فاليس أن تكون أعقل من أن تتز َّوج مه ِّرجًا ِمثله .األخبار
من (ستوكوورث) أن الليدي تاندا ماتَت ببر ٍد في الصَّدر أفضى إليه َوركها المكسور ،وأُعلِنَت لوليس
البلهاء سيِّدةً على (ستوكوورث) والسير برون سيِّدها .تاندا ماتَت وجايلز يموت .جيِّد أن فتى القمر لم يزل
ُر َم البالطُ المهرِّجين بالكامل .ابتس َمت الملكة إذ أرا َحت رأسها على الوسادة ،وقالت لنفسها: وإال ح ِمعنا َّ
لثمت وجنتها تذ َّو ُ
قت الملح في دموعها. ُ حين
ت يرتدين المعاطف البنِّيَّة وحيزبون لها لُغد وخيمة تعبق برائحة الموت.رأت حُل ًما قدي ًما فيه ثالث فتيا ٍ
سقف مدبَّب طويل ،ولم تُ ِرد سرسي أن تَد ُخلها ِمثلما لم تُ ِرد وهي في ٍ كانت خيمة الحيزبون قاتمةً ذات
تستطع التَّراجُع .في الحُلم كن ثالثًا كما كن في الواقع. ِ العاشرة ،لكن الفتاتين األخريَيْن كانتا تُراقِبانها ولم
تخلَّفت چاين فارمان السَّمينة عن رفيقتيها كما فعلَت دو ًما ،وإنها ألعجوبة أن الفتاة قط َعت ك َّل هذا ال َّشوط
بنوع من َّمش من الحُسن .بَعد أنٍ معهما من األصل ،أ َّما ميالرا هيذرسپون فكانت أكبر ِسنًّا وأجرأ وتتحلَّى
تسلَّلن من أسرَّتهن وارتدين معاطف من الخيش ورفعن قلنسواتها عب َرت الفتيات الثَّالث مضمار النِّزال
وسعين إلى العرَّافة .كانت ميالرا قد سم َعت الخادمات يتها َمسن عن قُدرتها على إلقاء اللَّعنات على المرء
أو جعله يقع في الحُبِّ واستدعاء ال َّشياطين والتَّنبُّؤ بالمستقبَل.
ت بحماس ٍة تُكافئ خوفهن، ت الهمس شاعرا ٍ ت طائشات ،يمضين متبادال ٍ في الواقع كانت الفتيات مبهورا ٍ
لكن الحُلم كان مختلفًا .في الحُلم كانت السُّرادقات مظلمةً ،والفُرسان والخدم الذين م َررن بهم من ضباب.
جالَت الفتيات فترةً طويلةً قبل أن يجدن خيمة الحيزبون ،وحين بلغنَها كانت المشاعل كلُّها تتذب َذب توطئةً
ت يتها َمسن ،فحاولَت أن تقول لهنُ :عدن ،ارحلن ،ال شيء لالنطفاء .شاهدَت سرسي ثالثتهن متالصقا ٍ
لكن هناَّ ،إال أن صوتًا لم يَخرُج منها رغم أن فاها تحرَّك.
سبقَت ابنة اللورد تايوين رفيقتيها إلى ال ُّدخول من سديلة الخيمة ،تتبعها ميالرا وراءها مباشرةً ،وفي
النِّهاية چاين فارمان التي حاولَت االختباء وراء األخريَيْن كعادتها ال َّدائمة .في ال َّداخل أفع َمت هواء الخيمة
الرَّوائح؛ القرفة وجوز الطِّيب ،والفلفل أحمره وأبيضه وأسوده ،وحليب اللَّوز والبصل ،والقرنفل وحشيشة
اللَّيمون وال َّزعفران الثَّمين ،وتوابل أخرى أغرب وأندر .الضَّوء الوحيد كان ينبعث من مستوقَ ٍد حديدي
على شكل رأس بازيليسق ،ضوء أخضر خافت جع َل حوائط الخيمة تبدو باردةً ميتةً تتعفَّن .هل كانت تبدو
تستطع سرسي أن تتذ َّكر.
ِ هكذا في الواقع أيضًا؟ لم
في الحُلم كانت المشعوذة نائمةً كما وجدنها في الواقع ،وأرادَت الملكة أن تصيح :دَعنها وشأنها .أيتها
لسان لم يكن بمقدورها َّإال أن تُشا ِهد الفتاة
ٍ الحمقاوات الصَّغيرات ،إياكن وإيقاظ مشعوذ ٍة نائمة ،لكن بال
تنتزع معطف العرَّافة وتَر ُكل فِراشها قائلةً« :استيقظي ،نُريد قراءة طالعنا».
حين فت َحت ماجي الضِّفدعة عينيها أطلقَت چاين فارمان صريرًا مرعوبًا وفرَّت من الخيمة مندفعةً إلى
اللَّيل في الخارج من جديد .چاين الصَّغيرة البدينة الحمقاء الجبانة ،شاحبة الوجه مكتنزة خائفة من ك ِّل ِظل.
لكنها كانت الحكيمة بيننا .ما زالَت چاين تعيش على (الجزيرة القصيَّة) ،وقد تز َّوجت أحد ح َملة راية أخيها
اللورد وأنجبَت دستةً من األطفال.
كانت عينا المرأة صفراويْن وتُحيط بهما قشرة شي ٍء كريه .في (النسپورت) أشي َع أنها كانت شابَّةً جميلةً
عندما عا َد بها زوجها من ال َّشرق مع شحن ٍة من التَّوابل ،لكن ال َّزمن وال َّش َّر تركا آثارهما عليها .كانت
ضر ،وقد سقطَت أسنانها جميعًا وتدلَّى ثدياها حتى ضن مخ َ قصيرةً ممتلئةً ،في وجهها ثآليل ولها لُغد متغ ِّ
رُكبتيها .إذا وقفت قريبًا منها فبإمكانك أن تش َّم رائحة المرض ،لكن حين فت َحت فمها كانت ألنفاسها رائحة
غريبة قويَّة كريهة ،وبهمس ٍة مبحوحة قالت للفتاتين« :ار َحال».
قالت لها سرسي الصَّغيرة« :جئنا ألجل قراءة طالعنا».
نعبَت العجوز ثانيةً« :ار َحال».
أنك ترين الغَد .نُريد فقط أن نعرف الرَّجلين اللذين سنتز َّوجهما».
قالت ميالرا« :سمعنا ِ
وم َّرةً ثالثةً نعبَت ماجي« :ار َحال».
ولو كان للملكة لسان لصرخَت :أص ِغيا إليها .ما زالَت فُرصة الهرب سانحةً .اهرُبا أيتها الحمقاوان!
ُ
ذهبت إلى السيِّد والدي وإال وض َعت الفتاة ذات ال ُخصالت َّ
الذهبيَّة يديها على َوركيها قائلةً« :اقرئي طالعنا َّ
لوقاحتك».
ِ لدك
وجعلته يأمر ب َج ِ
أرجوك ،أخبرينا بمستقبلنا فقط ثم سنرحل».ِ وأضافَت ميالرا متوسِّلةً« :
تمت َمت ماجي بصوتها العميق الرَّهيب« :بعض َمن هنا بال مستقبَل» ،ثم إنها سحبَت معطفها حول كتفيها
وأشا َرت إلى الفتاتين باالقتراب ،وقالت« :أقبِال إذن ما ُدمتما لن تر َحال .أنتما حمقاوان .نعم ،أقبِال ،يجب
أن أذوق دمكما».
ظت على رباطة جأشها ،فاللبؤة ال تخاف الضِّ فدعة مهما كانت عجو ًزا شحب وجه ميالرا لكن سرسي حاف َ
َ
وبدال من ذلك أخ َذت الخنجر الذي ً قبيحةً .كان عليها أن ترحل ،كان عليها أن تُصغي ،كان عليها أن تفرَّ،
ناولَتها ماجي إياه ومرَّرت النَّصل الحديدي الملتوي على أنملة إبهامها ،ثم فعلَت ال ِمثل مع ميالرا.
ارتعش فم ماجي الخالي من َ في الخيمة الخضراء المعتمة بدا ال َّدم أقرب إلى األسود من األحمر ،وقد
يدك» ،فل َّما فعلَت سرسي امتصَّت العرَّافة ال َّدم من إصبعها بلث ٍة ليِّنة ناوليني ِاألسنان لمرآه ،وهم َستِ « :
طفل حديث الوالدة ،وال تزال الملكة تَذ ُكر كم كان فمها غريبًا باردًا.
كلثة ٍ
بك إجاباتيَ .سلي أو ارحلي». لك ثالثة أسئلة .لن تُ ِ
عج ِ ما إن شربَت الحيزبون حتى قالتِ « :
عقال من أن تخاف. ف َّكرت الملكة الحالمة :ارحلي ،الزمي الصَّمت واهرُبي ،لكن الفتاة كانت أق َّل ً
سألَت« :متى سأتز َّو ُج األمير؟».
« -لن تتز َّوجيه أبدًا ،ستتز َّوجين الملك».
التوت مالمحها حيرةً ،وطيلة سنوا ٍ
ت بَعدها فسَّرت الكالم بأنها لن تتز َّوج ريجار تحت ُخصالتها َّ
الذهبيَّة َ
َّإال بَعد موت أبيه إيرس.
ُ
سأكون الملكة؟». سألَت سرسي الصَّغيرة« :لكنني
منك
ِ التم َع الحقد في عينَي ماجي الصَّفراوين إذ أجابَت« :ملكةً ستكونين ،إلى أن تأتي أخرى أصغر
وتسلبك ك َّل ما تعدِّينه عزي ًزا».
ِ وأجمل ،لتُطيح ِ
بك
ومض الغضب على وجه الفتاة ،وقالت« :إذا حاولَت سأجع ُل أخي يَقتُلها» .حتى في ذلك الحين لم تتوقَّف َ
زال لها سؤال أخير ،لمحة أخرى من حياتها اآلتية ،وهكذا سألَت« :هل سأنجبُ تلك الطِّفلة العنيدة ،فما َ
ً
أطفاال؟». والملك
« -أوه ،أجل .ستَّة عشر له وثالثة ِ
لك».
وجدَت سرسي الجواب بال معنى .كان إبهامها يُؤلِمها حيث جر َحته ودمها يَقطُر على البساط .أرادَت أن
تَطلُب تفسيرًا ،لكنها فرغَت من أسئلتها.
قك دموعك غر ِعلى أن العجوز لم تَفرُغ منها ،وتاب َعت« :ذهبيَّةً ستكون تيجانهم وذهبيَّةً أكفانهم ،وحين تُ ِ
جيدك األبيض ال َّشاحب بيديه ويَخنُ ِ
قك حتى الموت». ِ سيُطَ ِّوق الڤالونڬار
كذابة وضفدعة مغطَّاة بالثَّآليلت َّ
الذهبيَّة التي لم تفهم النُّبؤة« :ما هو الڤالونڬار؟ وحش ما؟ أن ِقالت الفتاة َّ
ق أن ق كلمةً مما تقولين .هيا بنا يا ميالرا ،إنها ال تستح ُّ وهمجيَّة عجوز كريهة الرَّائحة ،وال أص ِّد ُ
نسمعها».
ر َّدت صديقتها بإصرار« :إن لي ثالثة أسئلة أيضًا» ،ول َّما ش َّدتها سرسي من ذراعها تملَّصت وعادَت
تلتفت إلى ال َّشمطاء سائلةً باندفاع« :هل سأتز َّو ُج چايمي؟».
ً
أصال .آنذاك ف َّكرت الملكة شاعرةً بالغضب منها حتى اآلن :أيتها البلهاء ،چايمي ال يدري أن ِ
لك وجودًا
كان أخوها يعيش فقط للسُّيوف والكالب والخيول ...ومن أجلها ،توأمته.
موتك هنا اللَّيلة أيتها
ِ كارتك سيفضُّ ها ال ُّدود .إن
ِ رجل غيره .بِ
ٍ أجابَت ماجي« :ليس چايمي وال أ َّ
ي
الصَّغيرة .هل تش ِّمين أنفاسها؟ إنها دانية للغاية».
أنفاسك» .على الطَّاولة قُرب ِمرفقها كان برطمان فيه عقَّار ِ قالت سرسي« :األنفاس الوحيدة التي نش ُّمها
ثخين ما ،فاختطفَته وألقَته في عينَي العجوز .في عالم الواقع صرخَ ت الحيزبون فيهما بلُغ ٍة أجنبيَّة غريبة
خيوط من
ٍ ً
مستحيال إلى وذاب
َ ما وصبَّت عليهما لعناتها إذ فرَّتا من الخيمة ،لكن في الحُلم تب َّدد وجهها
ق منه َّإال عينان صفراوان ضيِّقتان ،عينا الموت. الضَّباب الرَّمادي ،ثم لم يتب َّ
جيدك بيديه ،لكنه لم يكن صوت العجوز ،وبرزَت اليدان من ِ سم َعت الملكة َمن يقول :سيُ َ
ط ِّوق الڤالونڬار
غيوم حُلمها والتفَّتا حول ُعنقها ،يدان غليظتان قويَّتان يطفو فوقهما وجهه النَّاظر إليها شزرًا بعينيه غير
المتماثلتين .حاولَت الملكة أن تصيح :ال ،لكن ي َدي القزم انغر َستا أكثر في لحم رقبتها خانقتيْن مقا َومتها،
خرج من ابنها ،صوت َ ورا َحت تَر ُكل وتَصرُخ بال طائل ،وسرعان ما صا َرت تُص ِدر الصَّوت ذاته الذي
س يلفظها چوف في ُدنياه. آخر أنفا ٍصاحب ِ
َ االمتصاص الرَّفيع ال َّشنيع الذي
ُنف م َّزقه واعتدلَت جالسةًظت شاهقةً في الظَّالم لتجد دثارها معقودًا حول ُعنقها ،فانتزعَته سرسي بع ٍ استيق َ
تلهث ،وقالت لنفسها :حُلم ،حُلم قديم ودثار معقود ،هذا كلُّ ما هنالك.
وبدال منها تنام إلى جوارها دوركاس .ه َّزتها سرسي من ً هذه اللَّيلة أيضًا تقضيها تاينا مع الملكة الصَّغيرة،
كتفها بخشون ٍة قائلةً« :استيقِظي واعثُري على پايسل.
ضت دوركاس ِشبه نائم ٍة ونزلَت من الفِراش أحضريه في الحال» ،فنه َ ِ أظنُّه سيكون مع اللورد جايلز.
لتقطع ال ُغرفة مترنِّحةً وتبحث عن ثيابها ،وقد احت َّكت قدماها الحافيتان بالحصائر.
س محني ،يطرف بعينيه ثقيلتَي عصور دخ َل ال ِمايستر األكبر پايسل يجرُّ قدميه ووقفَ أمامها برأ ٍ
ٍ بَعد
ُقاوم التَّثاؤب ،ويبدو كأن وزن سلسلة ال ِمايستر الضَّخمة حول ُعنقه المتهدِّل يسحبه سحبًا إلى الجفنين وي ِ
األرض .كان پايسل عجو ًزا طيلة معرفة سرسي به ،ولكنه شه َد زمنًا تمتَّع فيه بالبهاء أيضًا ،إذ تع َّود
ارتداء األقمشة الفاخرة وأحاطَ به طابع من الجالل وميَّزته كياسة منقطعة النَّظير ،ومن َحته لحيته البيضاء
الهائلة سمت الحكمةَّ ...إال أن تيريون حل َ
ق لحيته ،وما نبتَ منها من جدي ٍد يُثير ال َّشفقة ،مجرَّد رُقع قليلة من
ً
رجال وإنما أطالل الجلد الوردي الرَّخو تحت ذقنه المتدلِّي .ليس هذا ال َّشعر الهَشِّ ال تُخفي َّإال القليل من ِ
رجل .ال َّزنازين السَّوداء سلبَته ما فيه من ق َّوة ،هي وموسى القزم.
باد َرته سرسي سائلةً« :كم ِس ُّنك؟».
صاحبة الجاللة».
ِ « -أربعة وثمانون عا ًما ،بَعد إذن
رجال أصغر». ً ُ «-
كنت أفضِّ ُل
كنت في الثَّانية واألربعين فقط عندما استدعاني مجمع ال ِمايسترات .كايث كان في ق شفتيه ً
قائالُ « : لع َ
الثَّمانين حين اختاروه ،وإليندور كان في التَّاسعة والثَّمانين.
عام من ترقيته ،وخلفَهما ميريون في ِسنِّ السَّادسة كالهما سحقَته أعباء المنصب وماتَ في غضون ٍ
طلب الملك إجون من (القلعة) أن َ والستِّين ،لكنه ماتَ بالبرد في طريقه إلى (كينجز الندنج) ،وبَعدها
ملك خدمته».
رجال أصغر ،فكان أول ٍ ً تُ ِ
رسل
وتومن سيكون األخير« .أحتا ُج إلى عقَّ ٍ
ار منك ،شيء يُسا ِعدني على النَّوم».
« -كأس من النَّبيذ قبل النَّوم غالبًا ما.»...
« -إنني أشربُ النَّبيذ أيها األبله القميء .أري ُد شيئًا أقوى ،شيئًا ال يجعلني أحل ُم».
صاحبة الجاللة ال تُريد أن تَحلُم؟». ِ صاحبة...
ِ «-
ي أن آمر كايبرن قلت لت ِّوي؟ هل وهنَت أُذناك كقضيبك؟ أيُمكنك أن تصنع لي عقَّارًا كهذا أم أن عل َّ« -ماذا ُ
فشل آ َخر لك؟».
بتصحيح ٍ
لتدخل كايبرن .نوم بال أحالم .ستَحصُلين على عقَّ ِ
ارك». لتدخل هذا الُّ ...
داع ُّ « -ال ،ليس هناك ٍ
قالت« :عظيم .يُمكنك أن تذهب» ،لكن إذ التفتَ نحو الباب استوقفَته متسائلةً« :شيء آخَ ر .ما الذي تُ َدرِّسه
(القلعة) بخصوص التَّنبُّؤ؟ هل التَّكهُّن بالغد ممكن؟».
تر َّدد العجوز ،وتحسَّست يده صدره بحرك ٍة عفويَّة كأنها أرادَت التَّمليس على اللِّحية التي زالَت ،وبتؤد ٍة
ر َّدد« :هل التَّكهُّن بالغد ممكن؟» ،ثم إنه قال« :ربما .ث َّمة تعاويذ معيَّنة في ال ُكتب القديمة ...لكن ربما على
جاللتك أن تسألي :هل ينبغي التَّكهُّن بالغد؟ وعلى هذا أر ُّد بال .خي ٌر لإلنسان أن يظ َّل بعض األبواب ِ
مغلقًا».
احرص على إغالق بابي عندما تَخرُج» .كان يَج ُدر بها أن تعلم أن إجابته ستكون عديمة الفائدة ِمثله. ِ «-
في الصَّباح التَّالي تناولَت إفطارها مع تومن ،وقد بدا الصَّبي خاضعًا للغاية .واضح إذن أن َجلده پايت آتى
أُكله .أكال البيض المقل َّ
ي وال ُخبز المح َّمر واللَّحم المق َّدد والقليل من البُرتقال ال َّدموي الذي وص َل حديثًا على
سفين ٍة من (دورن) .صاحبَت ابنها هُريراته ،وإذ توثَّبت ولعبَت حول قدميه أحسَّت سرسي بشي ٍء من
التَّحسُّن.
دمت حيَّةً .ستَقتُل نِصف لوردات (وستروس) وعا َّمتها كافَّةً إذا كان ذلك ما يتطلَّبه ُ ال أذى سيمسُّ تومن ما
الحفاظ على سالمته .بَعد األكل قالت للصَّبي« :اذهب مع چوسلين» ،ثم إنها أرسلَت تستدعي كايبرن ،ول َّما
جا َء سألَته« :أما زالَت الليدي فاليس حيَّةً؟».
« -حيَّة ،نعم ،لكن ربما ال تكون ...مستريحةً».
غمغ َمت سرسي« :مفهوم» ،وف َّكرت بُرهةً قبل أن تُر ِدف« :هذا الرَّجل برون ...ال أستطي ُع أن أقول إن
عجبني .إن ق َّوته كلَّها مستم َّدة من لوليس ،فإذا كشفنا عن أختها الكبيرة.»...
عدو بهذا القُرب تُ ِ
فكرة وجود ٍّ
قال كايبرن« :لألسف أخشى أن الليدي فاليس لم تَعُد قادرةً على حُكم (ستوكوورث) ،أو على إطعام نفسها
مت الكثير منها ،لكن ال ُّدروس لم تكن بال مقابل .آم ُل أنني لم أتجا َوزحتى .يسرُّ ني أن أقول إنني تعلَّ ُ
جاللتك».
ِ تعليمات
« -نعم» .أيًّا كان ما انت َوته فقد فاتَ أوانه ،وال جدوى من إطالة التَّفكير فيه .األفضل أن تموت ،فليست
واصل الحياة من دون زوجها .على الرغم من سذاجته بدَت الحمقاء مغرمةً به« .ث َّمة مسألة تُريد أن تُ ِ
رأيت حُل ًما مخيفًا».
ُ أخرى .ليلة أمس
« -شيء يُصيب البَشر كلَّهم من ٍ
حين إلى آخَر».
« -الحُلم يخصُّ ساحرةً ُزرتها في طفولتي».
« -ساحرة غابات؟ أكثرهن غير مؤذيات ،يعرفن القليل من العالج باألعشاب والقبالة ،لكن فيما عدا
هذا.»...
الذهاب إليها من أجل التَّمائم والعقاقير .كانت أُ َّم « -كانت أكثر من ذلك .نِصف أهل (النسپورت) اعتادوا َّ
اجر في ال َّشرق .قال أحد اللوردات الصِّغار ،تاجر ثري رقَّاه جدِّي ،وقد وجدَها أبو هذا اللورد بينما يُت ِ
احتاجت إليها كانت بين فخذيها .لم َ بعضهم إنها ألقَت عليه تعويذةً ،مع أن األرجح أن التَّعويذة الوحيدة التي
ً
طويال غريبًا ،لكن العا َّمة تع َّودوا تكن بشعة الخلقة دائ ًما ،أو هكذا قالوا .ال أذك ُر اسمها .كان اس ًما شرقيًّا
دعوتها بماجي».
« -مايجي؟».
دم من إصبعك وتُخبِرك بما يُ َخبِّئه مستقبَلك».
طق؟ كانت المرأة تمتصُّ قطرة ٍ « -أهكذا يُن َ
« -السِّحر ال َّدموي أكثر أنواع ال َّشعوذة سوادًا ،ويقول بعضهم إنه األقوى كذلك».
ُ
ضحكت منها، قالت سرسي التي ال تُريد أن تسمع هذا« :هذه المايجي تنبَّأت بأشياء معيَّنة .في البدء
لكنها ...تنبَّأت بموت واحد ٍة من رفيقات فِراشي .وقت النُّبوءة كانت الفتاة في الحادية عشرة ،في ص َّح ٍة
بئر وغرقَت» .توسَّلت ميالرا إليها ممتازة ك ُمهرة وآمنةً في (الصَّخرة) ،لكنها سقطَت بَعد فتر ٍة قصيرة في ٍ
حدث فسرعان ما سننساه ،وعندها َ َّأال تتكلَّما أبدًا ع َّما سمعتاه تلك اللَّيلة في خيمة المايجي .إذا لم نتكلَّم ع َّما
ُلم سيِّئ رأيناه .األحالم السيِّئة ال تتحقَّق أبدًا .كانت كلتاهما صغيرةً ،فبدا الكالم أقرب إلى سيكون مجرَّد ح ٍ
الحكمة.
جك يا جاللة الملكة؟».
زع ِ طفولتك؟ أهذا ما يُ ِ
ِ ت حزينةً على صديقة سألَها كايبرن« :أما زل ِ
« -ميالرا؟ ال .إنني أذك ُر شكلها بالكاد .غير أن ...المايجي عل َمت كم ً
طفال سأنجبُ ،وعل َمت بأمر نغول
ت من إنجابه أولهم عل َمت .لقد وعدَتني بأنني سأصي ُر ملكةً ،لكنها قالت إن ملكةً أخرى روبرت ،قبل سنوا ٍ
ستأتي .»...أصغر وأجمل ...« .ملكةً أخرى ستسلبني ك َّل ما أحبُّ ».
« -وترغبين في تحاشي تح ُّقق هذه النُّبوءة؟».
ي شيء« .أهذا ممكن؟». أكثر من أ ِّ
« -أوه ،نعم .ال تش ِّكي في هذا أبدًا».
« -كيف؟».
جاللتك تعرف الجواب».
ِ ُّ « -
أظن أن
كنت أعرفه طيلة الوقت ،حتى في الخيمة« .إذا حاولَت سأجع ُل أخي يَقتُلها».
وهي تعرفه بالفعلُ .
َّإال أن معرفة ما عليها أن تفعله شيء ومعرفة كيف تفعله شيء آخَر .إنها ال تستطيع االعتماد على چايمي.
أفضل الحلول أن يفتك بها مرض مفاجئ ،لكن اآللهة نادرًا ما تكون بذلك الكرم .كيف إذن؟ س ِّكين؟
مسن في نومه ال ٌّ وسادة؟ كوب من آفة القلوب؟ كلُّ هذه الخيارات يتض َّمن مشكالت .حين يموت رجل
يُفَ ِّكر أحد في األمر مرَّتين ،لكن العثور على فتا ٍة في السَّادسة عشرة ميتةً في فِراشها سيُفضي بك ِّل تأكي ٍد
تتعذر إجابتها ،ثم إن مارچري ال تنام بمفردها أبدًا ،وحتى مع احتضار السير لوراس ما زا َل َّ إلى أسئل ٍة
َّ
ال َحرس المسلحون حولها ليل نهار.
سيف ح َّدان .الرِّ جال أنفُسهم الذين يَحرُسونها يُمكن استغاللهم في اإلطاحة بها .يجب أن يكون ٍ لكن لك ِّل
ال َّدليل دام ًغا لدرجة َّأال يجد السيِّد والد مارچري ذاته خيارًا غير الموافَقة على إعدامها ،ولن يكون ذلك
سهال .ليس واردًا أن يعترف ُع َّشاقها عالمين أن معنى هذا قطع رؤوسهم مع رأسها ،ما لم... ً
ُبارز أحد التَّوأمين ردواين في السَّاحة .ال تدري أيُّهما ،إذ
في اليوم التَّالي وجدَت الملكة أوزموند ِكتلبالك ي ِ
ط من التَّمييز بينهما .شاهدَت المبا َرزة فترةً ،ثم نادَت السير أوزموند ،وقالت له« :تمشَّ معي لم تتم َّكن قَ ُّ
س
ي فار ٍ ت من أ ِّ
ي ابن ل ِكتلبالك أفضل ثالث مرَّا ٍواص ِدقني القول .ال أري ُد زه ًوا فار ًغا أو كال ًما عن أن أ َّ
آخَر .الكثير يعتمد على إجابتك .أخوك أوزني ،ما مدى براعته في استخدام السَّيف؟».
« -إنه بارع .لقد رأيتِه .ليس قويًّا ِمثلي أو ِمثل أوزفريد ،لكنه سريع القتل».
« -إذا دعَت الحاجة ،فهل يستطيع أن يهزم السير بوروس بالونت؟».
ق السير أوزموند ضحكةً مكتومةً ،وقال« :بوروس ال ِكرش؟ كم ِسنُّه؟ أربعون عا ًما؟ خمسون؟ إنه أطل َ
نِصف ثمل نِصف الوقت ،وبدين حتى وهو مفيق .إذا كان يستسيغ القتال من قبل فلم يَعُد يفعل .أجل يا
ارتكب بوروس
َ جاللة الملكة ،إذا كان قتل السير بوروس مطلوبًا فأوزني كفيل بهذا بسهولة .لماذا؟ هل
خيانةً ما؟».
أجابَت« :ال» ،لكن أوزني ارتكبَها.
بِريان
ميل من مفت َرق ُّ
الطرق. صادَفوا أولى الجُثث على بُعد ٍ
كان الرَّجل يتأر َجح من فرع شجر ٍة ميتة ما زا َل جذعها المتفحِّم يحمل ندوب صاعقة البرق التي قتلَتها،
وقد أ َّدت ال ِغربان عملها في وجهه ،والته َمت ال ِّذئاب وليمةً من لحم ساقيه حيث تتدلَّيان قُرب األرض ،فلم
ق أسفل الرُّ كبتين َّإال العظم واألسمال ...باإلضافة إلى فردة حذا ٍء ممضوغة تما ًما ويكاد يُ َغطِّيها الطَّمييتب َّ
والعفَن.
سأ َل پودريك« :ما هذا الذي في فمه؟».
اضطرَّت بِريان إلى استجماع أطراف َشجاعتها لتُلقي نظرةً .وجه الرَّجل رمادي وأخضر وفظيع ،وفمه
مفتوح منتفخ إذ َدسَّ أحدهم صخرةً بيضاء مح َّززةً بين أسنانه ،صخرةً أو...
قال السِّپتون ميريبولد« :إنه ملح».
صروا الجثَّة الثَّانية .كان آكلو الجيف قد سحبوها أرضًا ،وما تبقَّى منها مبعثَر على
بَعد خمسين ياردةً أب َ
بال مربوط حول فرع شجرة دَردار .كانت بِريان لتم َّر بها دون أن تلحظ ،لوال أن كلب حبل ٍاألرض تحت ٍ
ووثب بين الحشائش ليتش َّممها من كثب.
َ التقطَ رائحتها
ق بالكلب ،ثم عا َد بخوذ ٍة قصيرة ال تزال تحوي سأ َل السير هايل« :ماذا وجدت يا كلب؟» ،وترجَّل ولح َ
جمجمة الميت باإلضافة إلى القليل من الدِّيدان والخنافس ،وأعلن« :فوالذ جيِّد ،ليس منبجعًا لهذه ال َّدرجة،
ولو أن األسد فق َد رأسه .پود ،هل تُريد خوذةً؟».
« -ليس هذه ،إن فيها دودًا».
« -يُمكنك أن تغسلها من ال ُّدود يا فتى .إنك شديد الحساسيَّة كالبنات».
قالت له بِريان عابسةً« :إنها كبيرة عليه للغاية».
« -سيَكبُر حتى تُ ِ
ناسبه».
قال پودريك« :ال أريدها» ،فهَ َّز السير هايل كتفيه وألقى الخوذة ذات ريشة األسد المكسورة وسط
وذهب يرفع ساقه على ال َّشجرة. َ الحشائش ،ونب َح كلب
مدالة من أشجار ال ُمران وجار الماء وال َّزان والبَتولة واألَرز ث َّبَعد ذلك لم تكد مئة ياردة تمرُّ بال جُث ٍ
رجل حول رقبته ٍ وال َّدردار ،ومن أشجار الصَّفصاف العجوز ال َّز ِغبة وأشجار الكستناء المهيبة .كلُّ
رجل فمه محش ٌّو بالملح .يرتدي بعضهم معاطف رماديَّة أو زرقاء ٍ أنشوطة معلَّقة من ٍ
حبل من القِنَّب ،وكلُّ
لون وآ َخر ،وعلى صدور بعضهم أو قرمزيَّة ،وإن أبهتَتها ال َّشمس واألمطار لدرج ٍة تُ َ
صعِّب التَّمييز بين ٍ
صنوبر وورقة َسنديان شارات مخيطة ،ورأت بِريان فؤوسًا وسها ًما وع َّدة أسماك سلمون وشجرة َ
خنزير ب ِّري ونِصف دست ٍة من الرِّماح ال ُّثالثيَّة .رجال مكسورون ،فلول عشرة ٍ وخنافس وديو ًكا ورأس
ش أو أكثر ،فُضالة اللوردات. جيو ٍ
ملتح ،وبعضهم شاب وبعضهم عجوز ،وبعضهم قصير وبعضهم طويل، ٍ بعض الموتى أصلع وبعضهم
وبعضهم بدين وبعضهم نحيل ،لكن مع انتفاخ الجُثث وتآ ُكل الوجوه وتعفُّنها يتشابَه الجميع .على مشانق
ب ما ،وإن نسيَت اسمه. األشجار كلُّ البَشر إخوة .قرأت بِريان هذه المقولة في كتا ٍ
أعرب ع َّما أد َركوه جميعًا إذ قال« :هؤالء هُم الرِّ جال الذين أغاروا على ( َّ
المالحات)». َ هايل هَنت هو من
قال ميريبولد الذي كان صديق ِسپتون البلدة ال َّشيخ« :عسى (األب) أن يَح ُكم عليهم بالعذاب».
ال ته ُّم هُويَّاتهم بِريان بقدر ما يه ُّمها َمن شنقَهم .يُقال إن األنشوطة وسيلة اإلعدام المثاليَّة عند بريك
دونداريون وجماعته من الخارجين عن القانون ،وإذا كان َمن يُ َس َّمى سيِّد البرق شانقهم حقًّا فربما يكون
قريبًا.
هال حثثنا ال ُخطى؟ ال َّشمس موشكة على الغروب، نب َح كلب ،فتلفَّت السِّپتون ميريبولد حوله بتجهُّم ،وقالَّ « :
وأشك أن الموت جعلَهم ألطف ُّ رجاال قُساةً خطرين في حياتهم، ً ليال .هؤالء كانواوالجُثث صُحبة رديئة ً
معشرًا».
علَّق السير هايل« :أخالِفك الرَّأي .إنهم بالضَّبط النَّوع الذي يُ َحسِّن الموت طباعه كثيرًا» ،على أنه هم َز
حصانه وتحرَّك بسُرع ٍة أكبر.
على مساف ٍة أبعد بدأت األشجار تقلُّ ،ولكن ليس الجُثث .أفس َحت الغابة الطَّريق للحقول الموحلة وفروع
الغربان صارخةً مع دن ِّو ال ُمسافرين ثم عادَت تستقرُّ على الجُثث ما ال َّشجر للمشانق ،وحلَّقت سحابات من ِ
رجاال أشرارًا ،وعلى الرغم من هذا أحزنَها المشهد .أرغ َمت ً إن مرُّ وا .ذ َّكرت بِريان نفسها قائلةً :كانوا
وخطر لها أنها تعرَّفت بعض َمن رأتهم في َ رجل بدوره باحثةً عن وجو ٍه تألفها، ٍ نفسها على النَّظر إلى كلِّ
(هارنهال)َّ ،إال أن حالتهم جعلَت التَّيقُّن عسيرًا .ال أحد من المشنوقين يعتمر خوذةً على شكل رأس كلب،
ت من شتَّى األنواع ،وإن ُج ِّر َد أكثرهم من األسلحة وال ُّدروع واألحذية قبل لكن قلَّةً منهم تعتمر خوذا ٍ
إعدامهم.
عندما سأ َل پودريك عن اسم الخان الذي يأملون قضاء اللَّيل فيه ،انتهزَ السِّپتون ميريبولد الفُرصة بحماس ٍة
-ربما ليصرف تفكيرهم عن ال ُحرَّاس المريعين على جانب الطَّريق -وقال« :يُ َس ِّميه بعضهم (الخان
ت من السِّنين ،ولو أن الخان الموجود حاليًّا بُنِ َي في عهد چهيرس القديم) .ث َّمة خان كان قائ ًما هناك ع َّدة مئا ٍ
ق (طريق الملوك) ،ويُقال إن چهيرس وملكته اعتادا النَّوم هناك خالل رحالتهما، األول ،الملك الذي َش َّ
سوهكذا ظَ َّل المكان معروفًا فترةً باسم (خان التَّاجيْن) تكري ًما لهما ،إلى أن شيَّد أحد أصحابه بُرج جر ٍ
اشتغل
َ س ُمعاق اسمه چون ه ِدل الفارع وغيَّر االسم إلى (خان قارع الجرس) .بَعدها انتق َل المكان إلى فار ٍ
في الحدادة حين تق َّدمت به الس ُِّّن ولم يَعُد يقوى على القتال ،فصن َع الفتةً جديدةً للسَّاحة ،تنِّينًا ثُالثي الرُّ ؤوس
طت قطع ُر ِب َ
ٍ من الحديد األسود علَّقه من ساري ٍة خشبيَّة .كان التنِّين كبير الحجم لدرجة أنه تك َّون من ع َّدة
مكان باسم (التنِّين
ٍ ويرن ،فاشته َر الخان في ك ِّلُّ لصل ص ِمعًا بالحبال واألسالك ،وحين تهبُّ الرِّيح كان يُ َ
الرنَّان)».
سأ َل پودريك« :أما زالَت الفتة التنِّين موجودةً؟».
أجاب السِّپتون ميريبولد« :ال .عندما تق َّدم ابن الح َّداد في ال ِّسنِّ بدوره تمرَّد ابن نغل إلجون الرَّابع على َ
أخيه ال َّشرعي واتَّخذ لرمزه تنِّينًا أسود .وقتها كانت هذه األراضي تنتمي إلى اللورد داري ،وكان حضرة
لالفتة اللورد مخلصًا للملك ألقصى درجة ،فأغضبَه منظر التنِّين األسود وقط َع السَّارية الخشب وحطَّم ا َّ
ت كثيرة جرفَت المياه أحد رؤوس التنِّين إلى (جزيرة الهدوء) ،ولو أن وألقاها في النَّهر .بَعدها بسنوا ٍ
صاحب الخان الفتةً أخرى ،ونس َي النَّاس التنِّين وأصبحوا ِ حُمرة الصَّدأ كانت قد صبغَته عندئ ٍذ .لم يُ َعلِّق
يدعون المكان ب(خان النَّهر) .آنذاك كان (الثَّالوث) يتدفَّق أسفل الباب الخلفي ،ونِصف ال ُغرف كان مبنيًّا
فوق المياه مباشرةً .يقولون إن الضُّ يوف كان بإمكانهم صيد أسماك الترويت من نوافذ ُغرفهم بالصَّنانير.
كان هناك مرسى عبَّارة أيضًا ،ليستطيع الضُّ يوف العبور إلى (بلدة اللورد هاروواي) و(األسوار
البيضاء)».
شماال وغربًا ...ليس نحو النَّهر بل بعيدًا عنه». ً قالت بِريان« :لقد تركنا (الثَّالوث) في الجنوب وركبنا
« -أجل يا سيِّدتي .مجري النَّهر تب َّدل .كان هذا منذ سبعين عا ًما ،أم أنها ثمانين؟ وقتها كان َج ُّد العجوز
ماشا ه ِدل يملك المكان ،وهي َمن ح َكت لي تاريخه كلَّه.
امرأة طيِّبة ماشا ،مولعة بالتَّبغ ال ُمرِّ وكعك العسل .عندما ال تكون عندها ُغرفة شاغرة لي كانت تَترُكني
ط دون أن تُعطيني ُخب ًزا وجُبنةً وبعض الكعكات البائتة». أنام إلى جوار المستوقَد ،ولم تُ َودِّعني قَ ُّ
صاحبة الخان اآلن؟». ِ سألَه پودريك« :أهي
حاول أحد أبناء إخوتها إعادة فتح الخان من جديد ،لكن َ ُ
سمعت أن بَعد رحيلهم « -ال .لقد شنقَها األُسود.
جلب الرَّجل
َ ت زبائن كثيرون. الطرق محفوفًا باألخطار ،فلم يأ ِ الحروب جعلَت سفر العا َّمة على ُّ
سمعت أن أحد اللوردات قتلَه أيضًا». ُ عاهرات ،لكن حتى هذا لم ينفعه.
خان من شأنه أن يكون خط ًرا ط أن امتالك ٍ رس َم السير هايل تعبيرًا ساخرًا على وجهه ،وقال« :لم أتخيَّل قَ ُّ
مميتًا هكذا».
َر َّد السِّپتون ميريبولد« :الخطر أن تكون من أوالد العا َّمة وقت أن يلعب اللوردات لُعبة العروش ،أليس
كذلك يا كلب؟» ،فنب َح الكلب مؤيِّدًا.
سأ َل پودريك« :إذن هل للخان اسم اآلن؟».
أخبرني بأن اثنتين من بنات إخوة ماشا ه ِدل أعادَتا فتح
َ مفترق ُّ
الطرق .األخ الكبير َ « -العا َّمة يُ َس ُّمونه خان
المكان لل َّزبائن» ،ورف َع السِّپتون نبُّوته مضيفًا« :بمشيئة اآللهة سيكون ال ُّدخان المرتفع من وراء المشنوقين
من مداخن الخان».
قال السير هايل« :يُمكنهم أن يُ َس ُّموا المكان خان المشانق!».
حجر
ٍ الطرق الموحلة ،وجُدرانه و ُشرفاته ومداخنه من اسم الخان كبير ،يرتفع ثالثة طوابق فوق ُّ ي ٍ بأ ِّ
ب شبحي تحت السَّماء الرَّماديَّة. أبيض ناعم يلتمع بشحو ٍ
الجناح الجنوبي مشيَّد فوق دعائم خشبيَّة ثقيلة أعلى مساح ٍة غائصة مشقَّقة من الحشائش والعُشب البنِّي
بسور
ٍ بسقف من القَشِّ وبُرج جرس ملحقان بالجانب ال َّشمالي ،والمكان كلُّه محاط ٍ الميت ،وث َّمة اسطبل
واطئ من حجار ٍة بيضاء مكسَّرة تنمو عليها الطَّحالب بكثافة.
المالحات) لم يجدوا َّإال الموت وال َّدمار .لدى وصول بِريان ورفاقها ُحرقه أحد .في ( َّ على األقل لم ي ِ
بالعبَّارة من (جزيرة الهدوء) كان النَّاجون قد هربوا والموتى ُووروا التُّراب ،لكن جثَّة البلدة نفسها تبقى
متفحِّمةً لم تُدفَن ،ما زالَت في الهواء رائحة ال ُّدخان ،ويكاد صياح النَّوارس المحلِّقة باألعلى يكون بَشريًّا
أطفال ضاعوا من أهاليهم .حتى القلعة بدَت كئيبةً مهجورةً .رماديَّة هي كرماد البلدة المحيطة ٍ كأنه نواح
بسور ومشيَّد بحيث يطلُّ على الميناء. ٍ حصن مربَّع محاط
ٍ بها ،وتتك َّون من
بإحكام إذ قادوا دوابَّهم من العبَّارة ،وال شيء يتحرَّك في ال ُّشرفات ٍ وجدَت بِريان واآلخَرون المكان مغلقًا
ق األمر رُبع ساع ٍة من نباح كلب وطرْ ق السِّپتون ميريبولد الب َّوابة األماميَّة بنبُّوته قبل َّإال الرَّايات ،واستغر َ
أن تظهر امرأة من فوقهم لتسألهم ع َّما يُريدون.
مطر ،ورف َع ميريبولد صوته مجيبًا« :أنا ِسپتون من العقيدة عندئ ٍذ كانت العبَّارة قد رحلَت وبدأت السَّماء تُ ِ
يا سيِّدتي الكريمة ،وهؤالء ُمسافرون ُشرفاء .نسألكم المأوى من المطر ومكانًا إلى جوار النَّار اللَّيلة».
الطرق إلى الغرب .ال نُريد أغرابًا على أن منا َشدته لم تُ َؤثِّر في المرأة ،ور َّدت« :أقرب خان عند مفت َرق ُّ
هنا ،ارحلوا» ،وما إن غابَت لم تُفلِح صلوات ميريبولد أو نباح كلب أو سباب السيل هايل في إعادتها،
سقف صنعوه من الغصون المجدولة. ٍ وفي النِّهاية أمضوا اللَّيل في الغابة تحت
ق خافتًا لكن ثابتًا وله لكن في خان مفت َرق ُّ
الطرق حياة .حتى قبل بلوغهم الب َّوابة سم َعت بِريان صوت ال َّد ِّ
رنين فوالذي.
صاحب الخان القديم يصنع تنِّينًا حديديًّا آخَ ر»،
ِ قال السير هايل« :ورشة .إ َّما أن عندهم ح َّدادًا وإ َّما أن شبح
وهم َز حصانه مضيفًا« :آم ُل أن عندهم طبَّا ًخا شبحًا أيضًا .دجاجة مشويَّة ناضجة كفيلة بجعل ك ِّل شي ٍء
على ما يُرام».
ساحة الخان بحر من األوحال البنِّيَّة التي مصَّت حوافر خيولهم .رنين الفوالذ أعلى هنا ،ورأت بِريان
ثيران لها عجلة مكسورة .رأت أحصنةً في ٍ القصي وراء عربة
ِّ وهج الورشة األحمر عند طرف االسطبل
االسطبل أيضًا ،وصبيًّا صغيرًا يتأر َجح على سلسلة المشنقة البالية الصَّدئة التي ترتفع فوق السَّاحة ،وقد
ت في ُشرفة الخان األماميَّة يُشا ِهدنه .أصغرهن العارية ال تتجا َوز العامين ،وأكبرهن -التيوقفَت أربع فتيا ٍ
تَبلُغ التَّاسعة أو العاشرة -تقف ضا َّمةً الصَّغيرة بذراعيها حمايةً.
أسرعن ونادين أُ َّمكن». ناداهن السير هايل ً
قائال« :أيتها الفتياتِ ،
وثب الصَّبي من السِّلسلة وهر َع إلى االسطبل ،في حين وقفَت الفتيات األربع متملمالت ،وبَعد وهل ٍة قالت َ
إحداهن« :ليست لنا أ َّمهات» ،وأضافَت أخرى« :كانت لي واحدة لكنهم قتَلوها» ،ثم تق َّدمت أكبر األربعة
دافعةً الصَّغيرة وراءها ،وسألَتَ « :من أنتم؟».
ُ « -مسافرون ُشرفاء نبحث عن مأوى .اسمي بِريان ،وهذا هو السِّپتون ميريبولد المعروف في أراضي
النَّهر ،والصَّبي هو ُمرافقي پودريك پاين ،والفارس هو السير هايل هَنت».
بحذر ال تتحلَّى به َّإال طفلة في العاشرة ،ثم
ٍ توقَّفت ال َّدقَّات فجأةً ،وتطلَّعت إليهم الفتاة الواقفة في ال ُّشرفة
قالت« :أنا ويلو .هل تُريدون أس َّرةً؟».
صاحبة الخان؟».
ِ ترجَّل السير هايل مجيبًا« :أس َّرةً و ِمزرًا وطعا ًما ساخنًا .هل أن ِ
ت
ه َّزت رأسها نفيًا ،وقالت« :إنها أختي چاين ،لكنها ليست هنا .ليس عندنا ما نأكله َّإال لحم الخيل ،وال تو َجد
عاهرات إذا كنتم قد جئتم من أجلهن ،أختي طردَتهن .لكن عندنا أس َّرةً ،بعضها محشو بال ِّريش لكن أغلبها
بالقَش».
قال السير هايل« :وك ُّلها تَس ُكنه البراغيث ال َشك».
« -هل معكم مال تدفعون به؟ فضَّة؟».
ضحكَ السير هايل ،وقال« :فضَّة؟ للمبيت ليلةً وفخذ حصان؟ هل تُ ِ
حاولين سرقتنا أيتها الصَّغيرة؟».
« -ستدفعون بالفضَّة ،أو يُمكنكم النَّوم في الغابة مع الموتى» ،ورمقَت ويلو الحمار وما على َ
ظهره من
براميل و ُحزَم متسائلةً« :أهذا طعام؟ أين حصلتهم عليه؟».
أجاب ميريبولد(« :بِركة العذارى)» ،ونب َح كلب.
َ
سأ َل السير هايل« :أتستجوبون ضيوفكم جميعًا بهذه الطَّريقة؟».
« -ال يأتينا ضيوف كثيرون منذ بدأت الحرب .أكثر َمن على الطَّريق هذه األيام عصافير أو أسوأ».
ر َّدت بِريان« :أسوأ؟».
صبي من االسطبل« :لصوص وقُطَّاع طُرق».
ٍّ قال صوت
والتفتَت بِريان فرأت شبحًا.
رنلي .ال ضربة من مطرق ٍة كانت لتُرديها بهذه الق َّوة .شهقَت« :سيِّدي؟».
ِّدك؟ إنني مجرَّد ح َّداد». أزا َح الصَّبي ُخصلةً نافرةً من ال َّشعر األسود عن عينيه ً
قائال« :سي ِ
رجال في الحادية والعشرين .هذا ً تبيَّنت بِريان أنه ليس رنلي حقًّا .رنلي ميت ،رنلي ماتَ بين ذراعَي
زار (تارث) أول مرَّة .ال ،أصغر. مجرَّد صبي .صب ٌّي يُشبِه رنلي عندما َ
نحيال ممشوقًا ،أ َّما هذا الصَّبي فله الكتفان الثَّقيلتان وال ِّذراع ً فَ ُّكه مربَّع أكثر وحاجباه أكثف .رنلي كان
اليُمنى مفتولة العضالت التي كثيرًا ما تُرى في الح َّدادين.
عار تحته ،ويُ َغطِّي زغب داكن وجنتيه وذقنه ،و َشعره ُكتلة سوداء ٍ طويال لكن صدرهً يرتدي مئزرًا ِجلديًّا
حرص دو ًما على غسله َ غزيرة تنمو متجاوزةً أُذنيهَ .شعر الملك رنلي كان أسود فاح ًما كهذا ،لكنه
بشريط
ٍ وتمشيطه وتصفيفه .أحيانًا كان يُقَصِّره وأحيانًا يَترُكه ينسدل على كتفيه أو يربطه وراء رأسه
ط ملبَّدًا أو مبلَّ ًال بال َعرق .وعلى الرغم من أن لون عينيه كان هذا األزرق العميق ذهبي ،لكنه لم يكن قَ ُّ
نفسه ،فإنهما كانتا دائ ًما دافئتين مرحِّبتين ضاحكتين ،في حين تنضح عينا الصَّبي بالغضب واالرتياب.
رأى السِّپتون ميريبولد هذا أيضًا ،فقال« :ال نقصد أ ًذى يا فتى .وقت امتالك ماشا ه ِدل هذا الخان كانت
تُط ِعمني كعك العسل دو ًما ،وأحيانًا تُعطيني فِرا ًشا إذا لم يكن المكان ممتلئًا».
َر َّد الصَّبي« :لقد ماتَت ،األُسود شنَقوها».
قال السير هايل هَنت« :يبدو أن ال َّشنق الرِّياضة المفضَّلة هذه األيام .ليتني أمل ُ
ك أرضًا في هذه األنحاء.
كنت ألزرع القِنَّب وأبيع الحبال وأجني ثروةً».
ُ
عمومتك؟».
ِ أقاربك وأوالد
ِ وأخواتك؟
ِ إخوتك
ِ سألَت بِريان الفتاة ويلو« :هؤالء األطفال ،أهُم...
قالت ويلو محدِّقةً إليها بنظر ٍة تحفظها عن ظَهر قلب« :ال ،إنهم فقط ...ال أدري ...أحيانًا يأتي بهم
العصافير ،وهناك آخَرون يأتون من تلقاء أنفُسهم .ما دم ِ
ت امرأةً فلِ َم ترتدين ثياب الرِّجال؟».
ونار
ٍ ش جافأجابَها السِّپتون ميريبولد« :الليدي بِريان فتاة ُمحاربة في مه َّمة ،لكنها تحتاج اآلن إلى فِرا ٍ
تتدفَّأ بها ،ونحن أيضًا .عظامي العجوز تُنبِئني بأن المطر سي ِ
ُعاود السُّقوط قريبًا .هل عندكم ُغرف لنا؟».
قال الصَّبي الح َّداد« :ال» ،وقالت الفتاة ويلو« :نعم».
تباد َل االثنان نظرةً ،ثم دبدبَت ويلو بقدمها قائلةً« :إن معهم طعا ًما يا جندري .الصِّ غار جائعون» ،وأطلقَت
فخرج مزيد من األطفال كأنما بفعل السِّحر. َ صفيرًا
وظهرت صبايا كامنات في
َ صبيان ُشعث ال َّشعر يرتدون األسمال خارجين من تحت ال ُّشرفة، زحفَ ِ
حمل بعضهم نُ َّشابيَّات ملقَّمة جاهزة لإلطالق. َ النَّوافذ المطلَّة على السَّاحة ،قد
قال السير هايل« :يُمكنهم تسميته خان ال ُّن َّشابيَّة».
ف َّكرت بِريان :خان اليتامى اسم أجدر.
ضع هذه الصَّخرة ،إنهم لم يأتوا ألذيَّتنا .تانسي،
قالت ويلو« :وات ،سا ِعدهم على ربط الخيول .ويلَ ،
أسرعا بإحضار حطب للنَّار .چون پني ،سا ِعد السِّپتون على إنزال الحمولة .سآ ُخذهم إلى ُغرفهم».
پايتِ ،
رف متجاورة في كلٍّ منها فِراش بحشيَّ ٍة من الرِّيش ووعاء فضالت ونافذة ،وفي في النِّهاية أخذوا ثالث ُغ ٍ
ُغرفة بِريان مستوقَد أيضًا ،فدف َعت بضعة بنسات إضافيَّة من أجل الحطب .بينما تفتح النَّافذة سألَها
رفتك أم ُغرفة السير هايل؟» ،فأجابَته« :لسنا في (جزيرة الهدوء) .يُمكنك أن پودريك« :هل سأنا ُم في ُغ ِ
تنام معي» .في اليوم التَّالي تنوي أن يتحرَّك االثنان وحدهما .السِّپتون ميريبولد سيتَّجه إلى (نوتن)
و(ريڤربند) و(بلدة اللورد هاروواي) ،لكن بِريان ال ترى جدوى من أن تتبعه فترةً أطول .إن معه كلب
رفيقًا ،واألخ الكبير أقن َعها بأنها لن تجد سانزا ستارك على ضفاف (الثَّالوث)« .أنوي أن أستيقظ قبل
شروق ال َّشمس والسير هايل ال يزال نائ ًما» .لم تُسا ِمحه بِريان على (هايجاردن) ...وكما قال هَنت بنفسه،
ُقسم على شي ٍء بخصوص سانزا. إنه لم ي ِ
« -أين سنذهب أيتها الفارس؟ أعني يا سيِّدتي؟».
الطرق حرفيًّا ،المكان الذي يتقاطَع فيه (طريق الملوك) ال تملك بِريان إجابةً جاهزةً .إنهما عند مفت َرق ُّ
و(الطَّريق العالي) وطريق النَّهر معًا( .الطَّريق العالي) يأخذهما شرقًا عبر الجبال إلى (وادي آرن) ،حيث
كانت خالة سانزا تَح ُكم حتى موتها ،وإلى الغرب طريق النَّهر الذي يمضي بمحاذاة (الفرع األحمر) إلى
صر وإن كان حيًّا ،أو يُمكنهما أن يَسلُكا (طريق الملوك) إلى ال َّشمال ويمرَّا
(ريڤر َرن) وع ِّم أ ِّم سانزا المحا َ
ب(التَّوأمتين) إلى منطقة (العُنق) بمستنقعاتها ومياهها اآلسنة ،وإذا استطاعَت أن تجد وسيلةً الجتياز
يطر عليها اآلن فسيأخذهما (طريق الملوك) حتى (وينترفل) نفسها. (خندق كايلن) و َمن يُ َس ِ
أو يُمكنني أن أسلك (طريق الملوك) إلى الجنوب ،أن أعود خلسةً إلى (كينجز الندنج) وأعترف بفشلي
ي األخ الكبير .فكرة مريرة، للسير چايمي وأعيد إليه سيفه ،ثم أجد سفينةً تحملني إلى (تارث) كما أوع َز إل َّ
يحن إلى (بهو المساء) وأبيها ،وث َّمة جزء آ َخر يتسا َءل إن كان چايمي سيُواسيها إذا ب َكت لكن جز ًءا منها ُّ
على كتفه .هذا ما يُريده الرِّ جال ،أليس كذلك؟ نسا ًء رقيقات الحاشية مهيضات الجناح يحتجن إلى حمايتهم؟
سألتك أين سنذهب».
ِ « -أيتها الفارس ،سيِّدتي،
لنتناول ال َعشاء».
َ « -إلى القاعة العا َّمة
كانت القاعة العا َّمة تعجُّ باألطفال .حاولَت بِريان أن تُحصيهم ،لكنهم ال يقفون ثابتين ولو لحظةً ،فع َّدت
بعضهم مرَّتين أو ثالثًا وبعضهم لم تع َّده على اإلطالق ،وفي النِّهاية استسل َمت .كانوا قد دفعوا الموائد معًا
صفوف طويلة ،والصِّبية األكبر ِسنًّا يجرُّ ون الدِّكك بصعوب ٍة من المؤ ِّخرة« .األكبر ِسنًّا» ٍ مك ِّونين ثالثة
معناها أنهم في العاشرة أو الثَّانية عشرة .جندري أقربهم إلى الرُّ جولة ،لكن ويلو هي َمن تصيح باألوامر
كأنها ملكة في قلعتها واألطفال اآلخَرون خدمها فحسب.
لو أنها رفيعة النَّسب لكانت القيادة من صفاتها الطَّبيعيَّة واإلذعان من طباع البقيَّة .تساءلَت بِريان إن كانت
ويلو أكثر مما تبدو .الفتاة أصغر ِسنًّا ومالمحها أكثر تقليديَّةً من أن تكون سانزا ستارك ،لكنها في ال ِّسنِّ
المناسبة ألن تكون األخت الصَّغيرة ،وحتى الليدي كاتلين نفسها قالت إن آريا تفتقر إلى َجمال أختها.
َشعرها بنِّي ،عيناها بنِّيَّتان ،نحيلة ...أيُمكن أن تكون هي؟ تَذ ُكر بِريان أن َشعر آريا ستارك بنِّي ،لكنها
المالحات)؟ في ليست متأ ِّكدةً من لون عينيها .بنِّي وبنِّي ،أليس كذلك؟ أيُمكن أن يتَّضح أنها لم تَ ُمت في ( َّ
ت من ال َّشحم وقالت للفتيات أن الخارج يتالشى ضوء النَّهار ،وفي ال َّداخل جعلَتهم ويلو يُش ِعلون أربع شمعا ٍ
يُحافِظن على تأجُّ ج نار المستوقَد .ساع َد الصِّبية پودريك پاين على إنزال حمولة الحمار ودخلوا حاملين
ذهب السِّپتون ميريبولد إلىَ َسمك القُد المملَّح والضَّأن والخضراوات والمكسَّرات وقوالب الجُبنة ،في حين
المطبخ ليتولَّى إعداد الثَّريد ،وقال ألحد الصِّبية الصِّ غار« :لألسف نف َد بُرتقالي ،وأخشى أنني لن أرى
صصت اعتصرت واحدةً وامت ََ بُرتقالةً أخرى قبل الرَّبيع .هل أكلت البُرتقال من قبل يا بُنَي؟ هل
قائال« :سأجلبُ لك واحدةً إذن عندما يأتي نفش السِّپتون َشعره ً َ عصيرها؟» ،فل َّما هَ َّز الطِّفل رأسه نفيًا
الرَّبيع إذا كنت صبيًّا طيِّبًا وساعدتني على تقليب الثَّريد».
خل َع السير هايل حذاءه ليُ َدفِّئ قدميه عند النَّار ،وحين جل َست بِريان إلى جواره أشا َر برأسه إلى طرف
قائال« :ث َّمة بُقع دم هناك على األرض حيث يتش َّمم كلب .لقد نُظِّفَت لكن ال َّدم تخلَّل الخشب القصي ً ِّ القاعة
وال يُمكن الخالص منه».
ذ َّكرته قائلةً« :هذا هو الخان الذي قت َل فيه ساندور كليجاين ثالثةً من رجال أخيه».
آخرهم؟».
« -صحيح ،ولكن َمن يدري إن كانوا أول َمن ماتوا هنا ...أو ِ
« -أأنت خائف من أطفال قالئل؟».
ف األطفال بالقِماط ويُ َعلَّقوا على الحائط إلى
« -أربعة قالئل ،عشرة كثرة ،وهؤالء حشد .المفت َرض أن يُلَ َّ
أن تنبت للفتيات أثداء ويبدأ الفِتية حالقة ذقونهم».
« -أشع ُر باألسف من أجلهم .كلُّهم فقدوا أ َّمهاتهم وآباءهم ،وبعضهم رآهم يُقتَلون».
نسيت أنني أكلِّ ُم امرأةً .إن ِ
لك قلبًا ليِّنًا كثريد السِّپتون. ُ باستخفاف ً
قائال« : ٍ د َّور هَنت عينيه في محجريهما
ً
بارزتنا أم تتوق إلى إنجاب األطفال؟ ما ترغبين فيه حقّا هو رضيع ُ
مكان ما في أعماق ُم ِ ٍ أيُمكن أن في
أنك تحتاجين إلى ُ
سمعت ِ ثدييك» ،وابتس َم السير هايل ابتسامةً عريضةً مضيفًا« : ِ جميل متو ِّرد يرضع من
رجل ألجل هذا ،ويُفَضَّل أن يكون زوجًا .لِ َم ال يكون أنا؟». ٍ
« -إذا كنت ما زلت تأمل أن تفوز برهانك.»...
رجاال تز َّوجوا البلهاوات ً ُ
عرفت ت ،ابنة اللورد سلوين الحيَّة الوحيدة .لقد « -ما أري ُد الفوز به أن ِ
أعترف بهذا ،لكنني أتمتَّ ُع
ُ لست رنلي باراثيون، ُ والرَّضيعات في سبيل غنائم بعُشر مساحة (تارث).
بفضيلة وجودي على قيد الحياة .ربما يقول بعضهم إنها فضيلتي الوحيدة .ال َّزواج سينفع كلينا ،األراضي
أنجبت نغلةً
ُ لك أنني قادر .لقد لك» ،ول َّوح هَنت بيده نحو األطفال مردفًا« :أؤ ِّك ُد ِ لي وقلعة مألى بهؤالء ِ
ذهبت لزيارتها سكبَت أ ُّمها عل َّي ُ آخر م َّر ٍة
أبتليك بهاِ .
ِ واحدةً على األقل على َح ِّد علمي .ال تقلقي ،لن
الحساء». ً
مرجال من َ
قالت واألحمر يزحف على ُعنقها« :أبي في الرَّابعة والخمسين فقط ،ليس أكبر من ال َّزواج ثانيةً وإنجاب
ابن من زوجته الجديدة». ٍ
راهنت على ما ُ أبوك ثانيةً ،وإذا كانت زوجته خصيبةً ،وإذا أنجبَت ابنًا .لقد ِ طرة ...إذا تز َّوج« -هذه مخا َ
هو أسوأ».
مارس ألعابك مع واحد ٍة غيري أيها الفارس». « -وخسرت الرَّهانِ .
ط .حالما تفعلين سيتغيَّر رأيك .في الظَّالم ستكونين جميلةً كأيِّ
« -تقول هذا الفتاة التي لم تلعب مع أح ٍد قَ ُّ
شفتيك مخلوقتان للقُبالت».
ِ امرأ ٍة أخرى .إن
« -إنهما شفتان .ال ِّشفاه كلُّها واحدة».
راشك
ِ رفتك اللَّيلة وسأنسلُّ إلى فِ
نزلي مزالج باب ُغ ِ قال هَنت بمرح« :وكلُّ ال ِّشفاه مخلوقة للقُبالت .ال تُ ِ
لك حقيقة ما أقوله». ُ
وأثبت ِ
ونهضت مبتعدةً عنه.
َ ر َّدت بِريان« :وإذا فعلت فستُغا ِدر مخصيًّا»،
متجاهال الفتاة الصَّغيرة التي تحبو عاريةً على المائدة ،سأ َل السِّپتون ميريبولد إن كان يُمكنه أن يقود ً
األطفال في صالة ،فأجابَت ويلو باإليجاب رافعةً الصَّغيرة قبل أن تَبلُغ الثَّريد ،وهكذا حنوا رؤوسهم معًا
جلس عاقدًا
َ وشكروا (األب) و(األُم) على نعمتهما ...جميعهم باستثناء الصَّبي الح َّداد فاحم ال َّشعر ،الذي
ظت ،وبَعد الصَّالةصلُّون .ليست بِريان الوحيدة التي الح َ ذراعيه على صدره يُ َحدِّق إليهم عابسًا فيما يُ َ
ً
متسائال« :أال تحبُّ اآللهة يا بُنَي؟». تطلَّع السِّپتون ميريبولد عبر المائدة
وخرج دون لُقمة طعام.
َ ونهض فجأةً مستطردًا« :عندي عمل»،
َ قال جندري« :ليس آلهتكم»،
سأ َل هايل هَنت« :هل يحبُّ إلهًا آخَر؟».
ضياء».
ت رفيع أجاب صب ٌّي هزيل في السَّادسة أو نحوها« :إله ال ِّ
بصو ٍ
ضربَته ويلو بملعقة ،وقالت« :بن ذو الفم الكبير ،هناك طعام ،عليك أن تأكله ال أن تُز ِعج ضيوفنا
بكالمك».
انقضَّ األطفال على ال َعشاء كما تنقضُّ ال ِّذئاب على غزال ٍة جريحة ،يتشا َجرون على َسمك القُد ويُ َم ِّزقون
طويال .قن َعت بِريانً ُخبز ال َّشعير ويَنثُرون الثَّريد في ك ِّل مكان ،وحتى قالب الجُبنة الضَّخم لم ين ُج منهم
بالسَّمك وال ُخبز والجزر ،بينما أطع َم السِّپتون ميريبولد كلب لُقمتين مقابل كلِّ لُقم ٍة لنفسه .في الخارج بدأ
المطر يَسقُط ،وفي ال َّداخل طقطقَت النَّار ومألَت القاعة العا َّمة أصوات المضغ وضرب ويلو األطفال
لرجل ما ،صب ِّي الح َّداد
ٍ يوم ستُصبِح هذه الفتاة زوجةً مخيفةً قائال« :ذات ٍ بملعقتها .علَّق السير هايل ً
المسكين على األرجح».
« -المفت َرض أن يأخذ إليه أحدهم القليل من الطَّعام قبل أن ينفد».
ت أحدهم».« -أن ِ
بمنديل مربَّع ،ول َّما
ٍ لفَّت شريحةً من الجُبنة ورغيفًا من ال ُخبز وتفَّاحةً مجفَّفةً وقطعتين من َسمك القُد المقلي
نهض پودريك ليتبعها إلى الخارج قالت له أن يجلس ويأكل ،وأضافَت« :لن أتأ َّخر». َ
صهل
َ كان المطر ينهمر بغزار ٍة على السَّاحة ،فغطَّت بِريان الطَّعام بطيَّ ٍة من معطفها ،وإذ مرَّت باالسطبل
بعض الخيول ،فقالت لنفسها :هي أيضًا جائعة.
سيف كأنه يتمنَّى لو أنه
ٍ الجلد ،يهوي بالمطرقة على وجدَت جندري في ورشته عاري الجذع تحت مئزره ِ
عد ٌّو ،وقد سقطَ َشعره المبلَّل عن ِ
آخره بال َعرق على جبهته.
راقبَته فترةً مف ِّكرةً :إن له عينَي رنلي و َشعره ولكن ليس بنيانه .اللورد رنلي كان أقرب إلى الرَّشاقة من
صاحب الق َّوة ال َّشهيرة.
ِ انفتال العضالت ...على عكس أخيه روبرت
لم ي َرها جندري واقفةً هناك حتى توقَّف يمسح جبهته ،فسألَها« :ماذا تُريدين؟».
وفتحت المنديل ليرى.
َ ُ
أحضرت لك عَشاءك»، أجابَت« :
ُ
أردت طعا ًما ألكلت». « -لو
« -على الح َّداد أن يأكل ليُحافِظ على ق َّوته».
ت أ ِّمي؟».
« -أأن ِ
قالت واضعةً الطَّعام« :الَ .من أ ُّمك؟».
« -ولِ َم تُريدين أن تعرفي؟».
« -أنت مولود في (كينجز الندنج)» .لكنته تجعلها واثقةً بهذا.
فهسهس الفوالذ
َ حوض من ماء األمطار ليُطفئ ناره،
ٍ وغمس السَّيف في
َ قال« :أنا وكثيرون غيري»،
السَّاخن غاضبًا.
سألَته بِريان« :كم ِسنُّك؟ أما زالَت أ ُّمك حيَّةً؟ وأبوكَ ،من كان؟».
َر َّد« :تُلقين أسئلةً كثيرةً» ،ووض َع سيفه مضيفًا« :أ ِّمي ماتَت وأبي لم أعرفه قَ ُّ
ط» .
« -أنت نغل إذن».
اعتب َر كالمها إهانةً ،وقال حانقًا« :أنا فارس .هذا السَّيف سيكون لي ما إن أفرغ منه».
لماذا يعمل فارس في ورشة حدادة؟ «إن لك َشعرًا أسود وعينين زرقاوين ،و ُولِدت في ِظلِّ (القلعة
الحمراء) .ألم يُ َعلِّق أحد على وجهك من قبل؟».
كوجهك».
ِ « -وما عيب وجهي؟ إنه ليس قبيحًا
« -ال بُ َّد أنك رأيت الملك روبرت في (كينجز الندنج)».
الذهبيَّة دفعوناقائال« :أحيانًا ،في المباريات من بعيد ،وم َّرةً في ( ِسپت بيلور) .ذوو المعاطف َّ
هَ َّز كتفيه ً
كنت ألعبُ قُرب (ب َّوابة الطَّمي) وهو عائد من الصَّيد .كان سكران تما ًما
فسح له الطَّريق .في م َّر ٍة أخرى ُ لن ُ ِ
وكا َد يدعسني بحصانه .كان س ِّكيرًا بدينًا ،لكن مل ًكا أفضل من ابنيه».
ليسا ابنيه .ستانيس قال الحقيقة يوم التقى رنلي .چوفري وتومن لم يكونا ابنَي روبرت قَ ُّ
ط ،أ َّما هذا
عال هائج ،فقالت: ٍ الصَّبي ...بدأت بِريان تتكلَّم قائلةً« :اسمعنيَّ ،»...إال أنها سم َعت كلب ينبح بصو ٍ
ت
«أحدهم قادم».
قال جندري بال مباالة« :أصدقاء».
ي نوع؟» ،وذهبَت إلى باب الورشة تُلقي نظرةً عبر المطر. سألَته بِريان« :أصدقاء من أ ِّ
هَ َّز كتفيه مجيبًا« :ستلتقينهم قريبًا».
ف َّكرت بِريان إذ دخ َل أول الخيَّالة السَّاحة خائضًا في ِبرك الوحل :ربما ال أري ُد أن ألتقيهم .تحت طقطقة
المطر ونباح الكلب سم َعت الصَّلصلة الخافتة الصَّادرة من سيوفهم وقمصانهم المعدنيَّة أسفل معاطفهم
المهترئة ،وع َّدتهم واحدًا تلو اآلخَر .7 ،4 ،6 ،4 .و َشت الطَّريقة التي يركب بها بعضهم بكونهم جرحى،
دام ويترنَّح تحت ِثقل
آخرهم الضَّخم الذي يُعا ِدل اثنين من اآلخَرين معًا في الحجم ،حصانه منهَك ٍ ثم جا َء ِ
را ِكبه .كان الخيَّالة جميعهم يرفعون قلنسواتهم لتقيهم من جلدات المطر ،جميعهم باستثنائه هو ،فال َح وجهه
العريض الحليق ال َّشاحب كالدِّيدان ووجنتاه المستديرتان اللتان تُ َغطِّيهما القروح المفتوحة.
حب َست بِريان أنفاسها واستلَّت (حافِظ العهد) ،وف َّكرت جافلةً خوفًا :كثيرون للغاية ،عددهم كبير ج ًّدا ،ثم
سيف و ِدرع .هؤالء ليسوا أصدقا ًء ،ليسوا أصدقاء ٍ ت خفيض« :جندري ،ستحتاج إلى إنها قالت بصو ٍ
أحد».
حامال مطرقته. ً قال الصَّبي« :ع َّم تتكلَّمين؟» ،وجا َء يقف إلى جوارها
سط َع البرق في الجنوب بينما يترجَّل الخيَّالة ،ولنِصف لحظ ٍة استحا َل الظَّالم إلى نهار ،لتلتمع فأس
باألزرق الفضِّي ويتوهَّج الضَّوء على القمصان المعدنيَّة وال ُّدروع ،وتحت قلنسوة الخيَّال القائد القاتمة
لم َحت بِريان خط ًما حديديًّا وصفَّين من األسنان الفوالذ ،فم كل ٍ
ب يُ َز ِ
مجر.
رأى جندري أيضًا الخوذة ،فقال« :هو».
« -ليس هو ،بل خوذته» .حاولَت بِريان أن تمنع الخوف من التَّسلُّل إلى صوتها ،لكنها وجدَت فمها جافًّا
كالتُّراب .إن لديها تخمينًا ال بأس به على اإلطالق بخصوص من يعتمر خوذة كلب الصَّيد .ف َّكرت:
األطفال.
وصاحت الفتاة في الوافدين لكن الرَّعد هز َم
َ وخرجت ويلو إلى المطر رافعةً نُ َّشابيَّةً،
َ انفت َح باب الخان بق َّو ٍة
في السَّاحة طاغيًا على كالمها ،وإذ خفتَ سم َعت بِريان َمن يعتمر خوذة كلب الصَّيد يقول« :أطلِقي عل َّي
وأجعلك تأكلينهما».
ِ عينيك
ِ وأنكحك بها ،ثم سأقتل ُع
ِ سه ًما وسأدسُّ هذه النُّ َّشابيَّة في كس ِ
ِّك
دف َع الغضب في صوت الرَّجل ويلو إلى التَّرا ُجع ُخطوةً مرتجفةً ،وثانيةً ف َّكرت بِريان بيأس :سبعة .تعلم أن
ال فُرصة لها في التَّغ ُّلب على سبعة .ال فُرصة وال خيار.
خرجت إلى المطر حاملةً (حافِظ العهد) ،وقالت« :دعوها وشأنها .إذا أردتم أن تغتصبوا أحدًا فجرِّبوني». َ
وصدر
َ آن واحد .ضحكَ أحدهم ،وقال آخَ ر شيئًا بلُغ ٍة تجهلها بِريان، التفتَ إليها الخارجون عن القانون في ٍ
انفجر الرَّجل الذي يعتمر
َ من الضَّخم ذي الوجه األبيض العريض هسيسسسسسسسسسس مح َّمل بال ِغل ،ثم
حصانك».
ِ إنك أقبح مما أذك ُر .أوث ُر أن أغتصب خوذة كلب الصَّيد ضاح ًكا ،وقالِ « :
قال أحد الجرحى« :األحصنة ،هذا ما نُريد ،أحصنة جديدة والقليل من الطَّعام .هناك خارجون عن القانون
ُطاردوننا .أعطونا أحصنتكم وسنذهب ،لن نُؤذيكم».
ي ِ
قائال« :تبًّا لهذا .أري ُد أن أقطع ساقيهااختطفَ المجرم معتمر خوذة كلب الصَّيد فأسًا حربيَّةً من َسرجه ً
اللَّعينتين .سأضعها على َجدعتيهما لتُشا ِهدني أغتصبُ فتاة النُّ َّشابيَّة».
قالت بِريان باستهزاء« :بماذا؟ شاجويل قال إنهم بتروا َذكرك مع أنفك».
أرادَت أن تستف َّزه ،ونج َحت.
ركض نحوها ،في حين ظَ َّل اآلخَرون في َ جائرًا بال َّشتائم انقضَّ عليها ،تَنثُر قدماه ماء البِرك األسود إذ
أماكنهم ليتفرَّجوا على العرض كما أملَت أن يفعلوا .وقفَت بِريان ثابتةً كالحجر تنتظر .السَّاحة مظلمة،
ُهاجمني .بمشيئة اآللهة سيزلُّ ويَسقُط.
والوحل زلِق تحت األقدام .األفضل أن أتركه ي ِ
ق (حافِظ العهد) الهواء ولم تشأ اآللهة ،لكن سيفها كان جاه ًزا .خمس ُخطوات ،أربع ُخطوات ،اآلن ،وفل َ
ق نصلها أسماله وقميصه المعدني في اللَّحظة نفسها مرتفعًا يص ُّد انقضاضته ،وارتط َم الفوالذ بالفوالذ إذ َش َّ
فالتوت إلى الجانب وس َّددت ضربةً أخرى إلى صدره بينما تترا َجع. َ هوت فيها فأسه،التي َ
لينكحك أيتها الحقيرة!».
ِ إياك
ِ وتب َعها متعثِّرًا ينزف ويهدر ثائرًا« :عاهرة! مسخ! حقيرة! سأعطي كلبي
ومض البرق .ال تحمل بِريان تُرسًاَ ضي كلَّما
س قاتلةِ ،ظلٌّ أسود غاشم يصطبِغ بالف ِّ دا َرت فأسه في أقوا ٍ
تص ُّد به الضَّربات ،وال تستطيع َّإال التَّم ُّلص منه مندفع ٍة في هذا االتِّجاه أو ذاك لتتفادى رأس الفأس الهاوي
عليها.
طت كتفها ق كعبها في الوحل وكادَت تَسقُط ،لكنها استعادَت توا ُزنها بوسيل ٍة ما ،ولو أن الفأس كش َ م َّرةً انزل َ
اليُسرى مخلِّفةً حريقًا من األلم .صا َح أحد اآلخَرين« :أصبت الحقيرة!» ،وقال آخَ ر« :لن َر كيف ستَرقُص
اآلن».
صت بِريان شاعرةً بالرَّاحة الكتفائهم بالمشاهَدة .أفضل لها أن يُشا ِهدوا من أن يتد َّخلوا ،فليس ورق َ
بمقدورها أن تُقاتِل سبعةً بمفردها على الرغم من إصابات واح ٍد أو اثنين منهم .السير جودوين العجوز في
قدرك دو ًما ،وستجعلهم كبرياؤهم يرغبون
ِ قبره منذ سنين ،لكنها سم َعته يهمس في أُذنها :سيبخس الرِّجال
زيمتك سريعًا خشية أن يُقال إن امرأةً أرهقَتهم ود َّوختهم .اترُكيهم يستهلكون طاقتهم في الهجمات ِ في ه
طاقتك .انتظري وراقبي يا فتاة ،انتظري وراقبي .وانتظ َرت بِريان ،وشاهدَت، ِ الضَّارية بينما ت َّدخرين
تتحرَّك إلى الجانب ،ثم إلى الخلف ،ثم إلى الجانب ثانيةً ،تُ َسدِّد ضربةً إلى وجهه ،إلى ساقيه ،إلى ذراعيه،
واآلن صا َرت ضرباته أبطأ إذ ثقلَت فأسه ،ودف َعته بِريان إلى ال َّدوران ليكون المطر في عينيه ثم أسرعَت
تترا َجع ُخطوتين ،ورف َع فأسه م َّرةً أخرى العنًا و َك َّر عليها ،وانزلقَت قدمه في الوحل...
...ووثبَت تُقابِله وكلتا يديها على مقبض سيفها .وض َعته انقضاضته المباشرة عند رأس السَّيف بالضَّبط،
ق من وغاص في أحشائه وانبث َ
َ والجلد والمزيد من القُماش،ِ وانغرس (حافِظ العهد) في القُماش والمعدن
َ
ك بعموده الفقري .سقطَت فأسه من أصابع ارتخَت ،وتصاد َم االثنان ظَهره مصدرًا صوتًا خشنًا إذ احت َّ
ليضرب وجه بِريان خوذة رأس الكلب وتَشعُر ببرودة المعدن المبتل على وجنتها .سا َل المطر على الفوالذ
لمحت األلم والخوف وال ُّذهول الخالص عبر فتحتَي الرُّ ؤية .هم َست أنهارًا ،وحين سط َع البرق من جدي ٍد َ
له« :صفِّير» ،ود َّورت نصلها بقسو ٍة أرسلَت في جسده الرَّعدة ،وتراخى وزنه الثَّقيل عليها ،و ُدفعةً واحدةً
أصب َح ما تحتضنه هناك تحت المطر األسود جثَّةً .تراج َعت وتر َكته يَسقُط...
...وارتط َم بها العضَّاض صار ًخا.
ْهور من الصُّ وف المبت ِّل واللَّحم األبيض كالحليب ،يرفعها في الهواء ثم يرميها على األرض سقطَ عليها كتَي ٍ
داخال أنفها وعينيها .أفرغَت الصَّدمة ك َّل ما في صدرها من ً بمنتهى العُنف لتحطَّ في بِرك ٍة ويتناثَر الماء
ت حاد ،ولم تجد وقتًا َّإال لتقول« :ال» ،قبل أن يَسقُط فوقها وضرب رأسها حجرًا ِشبه مدفون بصو ٍ َ هواء،
ليغوص بها وزنه أكثر في الوحل .امت َّدت إحدى يديه إلى َشعرها تسحب رأسها إلى الخلف ،واألخرى إلى
ُعنقها .لم تجد (حافِظ العهد) معها إذ أفلتَته قبضتها ،وال تملك َّإال يديها تص ُّده بهما ،لكن حين لك َمته في
وأجاب لكمتها مهسهسًا في وجهها.َ وجهه فكأنها لك َمت ُكرةً من العجين األبيض المبتل،
ضربَته م َّرةً أخرى وأخرى وأخرى بكعب يدها في عينه ،فبدا كأنه ال يَشعُر بضرباتها .خم َشت معصميه،
لكنه أحك َم قبضته عليها مع أن الدِّماء سالَت من الجروح التي خلَّفتها أظفارها .إنه يسحقها ،يَخنُقها .دف َعت
كتفيه ،لكنه ثقيل كالحصان ،زحزحته مستحيلة .عندما حاولَت أن تضربه برُكبتها بين ساقيه لم تنجح َّإال
ق العضَّاض صوتًا كقباع الخنازير وم َّزق ُخصلةً من َشعرها. في إصابة بطنه ،وأطل َ
وراحت أصابعها تَحفُر تحت لحمه الخانق َ خنجري .تشبَّثت بِريان بالخاطر بيأس .دسَّت يدها بينهما
ق العضَّاض كلتا يديه على ُعنقها وبدأ يضرب الكريه ،تبحث وتبحث إلى أن وجدَت المقبض أخيرًا .أغل َ
ضت بوسيل ٍة ما ومض البرق مج َّددًا ،هذه المرة داخل جمجمتها ،لكن أصابعها انقب َ َ رأسها باألرض.
وجذبَت الخنجر من ِغمده .اعتالؤه إياها هكذا يحول دون أن ترفع النَّصل وتطعنه به ،فسحبَته بق َّو ٍة على
ت أعلى ،وتخلَّى عن هسهس العضَّاض ثانيةً بصو ٍ
َ بطنه بالعرض ،وتفجَّر شيء دافئ بليل بين أصابعها.
رقبتها فقط ليَل ُكمها في وجهها ،وسم َعت ِبريان عظا ًما تته َّشم وأعماها األلم لحظةً .عندما حاولَت أن تش َّ
ق
لحمه بخنجرها ثانيةً انتزعَه من يدها وهوى برُكبته على سا ِعدها كاسرًا إياه ،ثم عا َد يُطبِق على ُعنقها
ُحاول اجتثاثه من كتفيها.
وي ِ
ُقارع الفوالذ،
سم َعت بِريان كلب ينبح وال ِّرجال يصيحون حولها ،وبين قصفات الرَّعد سم َعت الفوالذ ي ِ
فف َّكرت :السير هايل ،السير هايل انض َّم إلى القتال ،لكن ك َّل هذا بدا بعيدًا ال يه ُّم .عالمها اآلن يقتصر على
مال عليها أكثر ،تفوح من
سال المطر على قلنسوته إذ َ َ اليدين اللتين تُطَ ِّوقان ُعنقها والوجه الذي فوقها.
أنفاسه رائحة بغيضة كالجُبنة العفِنة.
مشتعال نارًا والعاصفة وراء عينيها تُعميها والعظام يطحن بعضها بعضًا في داخلهاَ .
فغر ً كان صدر بِريان
ساع مستحيل ،ورأت أسنانه الصَّفراء المعو َّجة المدبَّبة ،ول َّما انغلقَت على لحم وجنتها العضَّاض فاه باتِّ ٍ
اللَّدن شع َرت بها بالكاد ،وأحسَّت بد َّوام ٍة تحملها غائصةً في الظَّالم .ال يُمكن أن أموت اآلن ،ما زا َل هناك
ي أن أفعله. شيء عل َّ
ق وابتس َم ابتسامةً عريضةً ثم عا َد يغرس أسنانه المدبَّبة انتز َع العضَّاض فمه المليء بالدِّماء واللَّحم ،وبص َ
ق فيها في لحمها ،وهذه المرَّة مضغَه وابتل َعه .قالت لنفسها مدركةً ما يفعله :إنه يأكلنيَّ ،إال أن طاقةً لم تتب َّ
شعرت كأنها طافية فوق نفسها ،تُشا ِهد هذا الرُّ عب كأنه يَح ُدث المرأ ٍة أخرى ،لفتا ٍة حمقاء حسبَت َ لت ُ ِ
قاومه.
نفسها فارسًا .سينتهي األمر قريبًا ،وعندها لن يه َّم إذا أكلَني .ألقى العضَّاض رأسه إلى الوراء فاتحًا فمه
لسان طبيعي ،وقد را َح ينزلق خارجًا ٍ ليعوي ،ثم أخر َج لسانه ،لسانًا مدبَّبًا يَقطُر منه ال َّدم ،أطول من أ ِّ
ي
مبتال المعًا ،منظره قبيح شنيع ،وقُبيل أن يطويها الظَّالم ف َّكرت ِبريان :لسانه طوله قدم ًّ من فمه أحمر
كامل ،يكاد يُشبِه السَّيف.
چايمي
والذهب ،وقميصه المعدني لل َّدبُّوس الذي يُثَبِّت معطف السير برايندن تَلي شكل سمك ٍة سوداء من السَّبج َّ
ي كئيب ،ومعه يرتدي قُفَّازين وصفائح تقي ساقيه ورُكبتيه و ُعنقه وكتفيه ،جميعها من الفوالذ رماد ٌّ
األسود ،وليس منها ما هو حالك كالنَّظرة على وجهه إذ انتظ َر چايمي النستر عند طرف الجسر المتحرِّك،
وحده على صهوة جوا ٍد كستنائي يكسوه األحمر واألزرق.
هذا الرَّجل ال يحبُّني .لتَلي وجه صخري عميق التَّجاعيد ل َّوحته ال ِّريح تحت َشعره ال َّشائب اليابس ،لكن
ت عن ملوك البنسات التِّسع ذات يوم. زال يرى الفارس العظيم الذي فتنَ ُمرافقًا صغيرًا بحكايا ٍ چايمي ما َ
طقطقَت حوافر أونَر على ألواح الجسر المتح ِّرك ،وعلى متنه چايمي الذي ف َّكر مليًّا في ارتداء ِدرعه
َّ
الذهبيَّة أم البيضاء في هذا اللِّقاء ،وفي النِّهاية اختار سُترةً من ِ
الجلد ومعطفًا قرمزيًّا.
توقَّف على بُعد ياردة من السير برايندن وحنى رأسه للعجوز ،فقال تَلي« :قاتِل الملك».
اختياره أن يكون هذا اللَّقب أول ما يَخرُج من فمه يقول الكثير ،غير أن چايمي عز َم على تمالُك أعصابه،
وأجاب« :السَّمكة السَّوداء ،أشكرك لمجيئك».
َ
قال السير برايندن« :أفترضُ أنك أتيت لتفي بقَسمك البنة أخي .أذك ُر أنك وعدت كاتلين بإعادة ابنتيها
مقابل ح ِّريَّتك» ،وتقلَّص فمه مضيفًا« :لكنني ال أرى الفتاتين .أين هما؟».
أيجب أن يجعلني أقولها؟ «ليستا معي».
« -مؤسف .هل ترغب في استئناف حبسك إذن؟ ما زالَت زنزانتك القديمة متاحةً ،وفرشنا حصائر جديدةً
على األرض».
ووضعتم دل ًوا جديدًا أتب َّر ُز فيه أيضًا ال َشك« .أشكر لك مراعاتك أيها الفارس ،لكن أخشى أن عل َّ
ي أن
أرفض .أفضِّ ُل راحة سُرادقي».
« -بينما تستمتع كاتلين براحة قبرها؟».
كان ليقول :لم تكن لي يد في موت الليدي كاتلين ،وابنتاها اختفَتا قبل أن أصل إلى (كينجز الندنج) ،وكان
على لسانه أن يَذ ُكر بِريان والسَّيف الذي أعطاها إياه ،لكن السَّمكة السَّوداء كان يرميه بالنَّظرة عينها التي
أتيت أتكلَّ ُم
رماه بها إدارد ستارك لحظة أن رآه على العرش الحديدي ودماء الملك المجنون على سيفهُ « .
عن األحياء ال الموتى ،ع َّمن ال داعي لموتهم لكنهم سيموتون.»...
...« -ما لم أسلِّمكم (ريڤر َرن) .هل ستُهَدِّد بشنق إدميور اآلن؟» .تحت حاجبيه الكثيفين كانت عينا تَلي
أظن أن ُّ فعلت ،فاشنُقوه وافرُغوا من األمر.
ُ حجرًا وهو يقول« :ابن أخي محكوم عليه بالموت مهما
ُ
سئمت من رؤيته عليها». إدميور سئ َم من الوقوف على هذه المشنقة كما
نجحت فقط في جعل السَّمكة َ رايمان فراي أحمق كبير .واضح تما ًما أن تمثيليَّته مع إدميور والمشنقة
السَّوداء يتعنَّت أكثر« .إنك تحتجز الليدي سيبل وسترلينج وثالثةً من أوالدها .سأعي ُد ابن أخيك مقابلهم».
« -كما أعدت ابنتَي الليدي كاتلين؟».
لم يسمح چايمي لنفسه بأن يُستفَ َّز ،وقال« :امرأة عجوز وثالثة أطفال لقاء سيِّدك ،هذه صفقة أفضل من أيِّ
شي ٍء كنت تأمله».
ابتس َم السير برايندن بقسو ٍة ً
قائال« :لست تفتقر إلى الجرأة يا قاتِل الملك ،لكن إبرام الصَّفقات مع الحانثين
في أيمانهم كالبناء على ال ِّرمال المتح ِّركة .كان على كات أن تكون أعقل من أن تثق بأمثالك».
كا َد چايمي يقول :لقد وثقَت بتيريون .ال ِعفريت أيضًا خدعَها ،لكنه َر َّد« :وعودي لليدي كاتلين كانت تحت
تهديد السَّيف».
« -وقَسمك إليرس؟».
صلة إليرس بهذا .هل ستُبا ِدل أوالد وسترلينج بإدميور؟».أجاب شاعرًا بأصابعه ال َّشبحيَّة تختلِج« :ال ِ
َ
وأقسمت على الحفاظ على سالمتها .لن أسلِّمها إلى آل فراي ليَشنُقوها».
ُ « -ال .مليكي ائتمنَني على ملكته
« -الفتاة نالَت عف ًوا .لن يمسَّها سوء ،لك كلمتي».
ً
أصال؟». قال السير برايندن« :كلمة َشرف؟» ،ورف َع حاجبه مضيفًا« :هل تعرف ما ال َّشرف
حصان« .سأقس ُم لك على ما تشاء».
« -اعفِني يا قاتِل الملك».
« -هذا ما أري ُد أن أفعلهِ .
أنزل راياتك وافتح ب َّوابتك وسأمن ُح رجالك حياتهمَ .من يرغب منهم في البقاء في
كنت أطلبُ أن يُ َسلِّموا
ُ (ريڤر َرن) وخدمة اللورد إمون فليفعل ،وللباقين أن يذهبوا حيث يُريدون ،وإن
أسلحتهم ودروعهم».
ُهاجمهم «الخارجون عن القانون»؟ إنك لن تجرؤ « -تُرى ما المسافة التي سيقطعونها وهُم ُع َّزل قبل أن ي ِ
على السَّماح لهم باالنضمام إلى اللورد بريك ،وكالنا يعلم هذا .هل ستستعرضونني في (كينجز الندنج)
ألموت ِمثل إدارد ستارك؟».
بحرس اللَّيل .نغل ند ستارك القائد على ( ِ
الجدار) اآلن». « -سأسم ُح لك بااللتحاق َ
قائال« :أهذا أيضًا من ترتيب أبيك؟ أذك ُر أن كاتلين لم تثق بهذا الصَّبي قَ ُّ
ط ضيَّق السَّمكة السَّوداء عينيه ً
ُ
سأموت دافئًا كما لم تثق بثيون جرايچوي ،ويبدو أنها كانت محقَّةً بشأن االثنين .ال أيها الفارس ،ال ُّ
أظن.
بَعد إذنك وفي يدي سيف تسيل عليه دماء األُسود الحمراء».
ي أن أقتحمها .سيموت مئات». « -دماء تَلي حمراء أيضًا .إذا لم تُ َسلِّم القلعة فعل َّ
« -مئات من رجالي وآالف من رجالك».
آخرها».
« -ستهلك الحامية عن ِ
أعرف هذه األغنيَّة .هل تُ َغنِّيها على لحن (أمطار كاستامير)؟ رجالي يُؤثِرون الموت واقفين يُقاتِلون
ُ «-
على أن يموتوا راكعين بفأس َّ
الجالد».
الحوار ال يمضي على ما يُرام إطالقًا« .ال جدوى من هذا التَّحدِّي أيها الفارس .الحرب انتهَت وماتَ ذئبكم
الصَّغير».
انتهاك لجميع شرائع الضِّيافة».
ٍ « -اغتي َل في
« -هذا عمل فراي ال عملي».
« -س ِّمه كما تشاء ،لكن رائحة تايوين النستر تفوح منه».
يستطع چايمي أن يُن ِكر هذا ،وقال« :أبي أيضًا ماتَ ».
ِ لم
« -عسى (األب) أن يَح ُكم عليه بالعدل».
استطعت بلوغ روب ستارك في (الغابة الهامسة) لقتلته ،لكن بعض الحمقى ُ يا لها من فكر ٍة مريعة« .لو
اعت َرضوا طريقي .هل يه ُّم كيف ماتَ الصَّبي؟ إنه ما زا َل ميتًا ،ومعه ماتَت مملكته».
« -ال بُ َّد أنك أعمى عالوةً على عاهتك أيها الفارس .ارفع عينيك وسترى أن ال ِّذئب الرَّهيب ال يزال يخفق
فوق جُدراننا».
طت ،وكذا (سيجارد) و(بِركة العذارى) ،وآل براكن ركعوا « -لقد رأيته ،يبدو وحيدًا( .هارنهال) سق َ
ُحاصرون تايتوس بالكوود في (شجرة ال ِغدفان) .پايپر ،ڤانس ،موتون ،جميع ح َملة رايتكم استسلَموا ولم وي ِ
ضعف أعدادكم». ق َّإال (ريڤر َرن) .إن معنا عشرين ِيب َ
ضعفًا من الطَّعام .ما أخبار مؤنكم يا سيِّدي؟».
ضعفًا من الرِّ جال تعني عشرين ِ
« -عشرون ِ
« -تكفي ألن نبقى هنا حتى نهاية ال َّزمن إذا لز َم األمر ،بينما تتض َّورون أنتم جوعًا وراء أسواركم» .نط َ
ق
چايمي الكذبة بك ِّل ما استطا َع من جراء ٍة متمنِّيًا َّأال تخونه مالمحه.
تنطل على السَّمكة السَّوداء الذي قال« :حتى نهاية زمنكم ربما .مؤننا وفيرة ،ولو أنني أخشىِ على أنها لم
أننا لم نَترُك الكثير في الحقول لل َّزائرين».
« -نستطيع اإلتيان بالطَّعام من (التَّوأمتين) ،أو عبر التِّالل من الغرب إذا دعَت الحاجة».
س شريف ِمثلك». « -كما تقولُ .محال أن أش ِّكك في كلمة فار ٍ
أغضب التَّه ُّكم في نبرته چايمي ،فقال« :هناك طريقة أسرع لتسوية المسألة .نزال فردي ،نصيري ضد َ
نصيرك».
كنت أتساء ُل متى ستَبلُغ هذه النُّقطةَ .من سيكون؟ العُفر؟ أدام ماربراند؟ قال السير برايندن ضاح ًكاُ « :
والدر فراي األسود؟» ،وما َل إلى األمام مضيفًا« :ولِ َم ال يكون النِّزال بيننا نحن أيها الفارس؟».
قتاال رائعًا في الماضي ،حكايةً يُ َغنِّي عنها المغنُّون« .عندما أطلقَت الليدي كاتلين سراحي لكان ذلك ً
جعلَتني أقس ُم على عدم حمل السِّالح ضد آل ستارك أو تَلي ثانيةً».
« -قَسم مالئم للغاية أيها الفارس».
ارب َّد وجهه ،وسأ َل« :هل تنعتني بالجُبن؟».
أجاب السَّمكة السَّوداء« :ال ،أنعتك بالعجز» ،وأشا َر برأسه إلى يد چايمي َّ
الذهبيَّة مردفًا« :كالنا يعلم أنك َ
ال تستطيع القتال بهذه».
وهمس صوت في داخله :هل تُفَرِّ ط في حياتك من أجل الكبرياء؟ «ربما يقول بعضهم َ َر َّد« :إن لي يدين»،
ُ
فزت إن معاقًا وعجو ًزا ن َّدين مثاليَّيْن .حلَّني من قَسمي لليدي كاتلين وسأواجهك سيفًا بسيف .إذا
ف(ريڤر َرن) لنا ،وإذا قتلتني فسنرفع الحصار».
الذهبي منك واقتالع قلبك عا َد السير برايندن يضحك ،وقال« :على الرغم من ترحيبي بفُرصة أخذ سيفك َّ
األسود به ،فوعودك بال قيمة .لن أجني شيئًا من موتك َّإال متعة قتلك ،ولن أخاطر بحياتي في سبيل ذلك...
طرة محدودة». مع أنها مخا َ
وإال لكان استلَّه ،ولو لم يقتله السير برايندن ألرداه الرُّ ماة على
ظ چايمي أنه ال يحمل سيفًاَّ ،من حُسن َح ِّ
شروط يُمكن أن تقبلها؟».
ٍ ي
األسوار بك ِّل تأكيد« .هل من أ ِّ
قال السير برايندن« :منك؟» ،وهَ َّز كتفيه مجيبًا« :ال».
« -لماذا خرجت تتكلَّم معي إذن؟».
أردت أن أرى َجدعتك هذه وأسمع ما لديك من ذرائع تُبَرِّر بها أحدث ُ « -الحصار مم ٌّل لدرج ٍة مميتة.
أملت .دائ ًما تُخَ يِّب األمل يا قاتِل الملك» ،ودا َر السَّمكة السَّوداء بحصانه وخَ بَّ
ُ جرائمك ،لكنها أوهى مما
ق في عائدًا إلى (ريڤر َرن) ،ونزلَت ال َّشبكة الحديديَّة بَعد دخوله بسُرع ٍة وانغر َست أطرافها المدبَّبة بعُم ٍ
األرض الموحلة.
د َّور چايمي رأس أونَر استعدادًا لرحلة العودة الطَّويلة إلى خطوط حصار جيش النستر وقد شع َر باألعيُن
المسلَّطة عليه ،أعيُن رجال تَلي في ال ُّشرفات وأعيُن رجال فراي عبر النَّهر .إن لم يكونوا ُعميًا فال بُ َّد أنهم
مين
رأوه يُلقي عرضي في وجهي .ال مناص من اقتحام القلعة .طيِّب ،ما أسهل أن يحنث قاتِل الملك في ي ٍ
رجل يتسلَّق إلى ال ُّشرفات .وبيدي َّ
الذهبيَّة ٍ أخرى .مزيد من الخراء في ال َّدلو .قرَّر چايمي أن يكون أول
سأكون أول من يموت على األرجح. ُ هذه
ك ليو الصَّغير لجام حصانه فيما ساعدَه پِك على ال ُّنزول ،فسأ َل نفسه :أيحسبونني عاج ًزا في المعس َكر أمس َ
لدرجة احتياجي إلى َمن يُعينني على التَّرجُّ ل؟ سألَه السير داڤن ابن خاله« :كيف أبليت يا سيِّدي؟».
أصاب كفل حصاني بسهم ،لكن فيما عدا هذا لم يُ َميِّزني الكثير عن السير رايمان» ،وتجهَّم
َ « -ال أحد
چايمي مضيفًا« :واآلن ال مف َّر من أن يزداد (الفرع األحمر) حُمرةً» .لُم نفسك على هذا أيها السَّمكة
ت كثيرة« .اجمع مجلس الحرب .السير أدام والعُفر وفورلي پرستر ،ولوردات السَّوداء .لم تَترُك لي خيارا ٍ
النَّهر أيضًا...
واألصدقاء أوالد فراي ،السير رايمان واللورد إمون وأيًّا كان من يُريدون حضوره».
اجتمعوا سريعًا .جا َء اللورد پايپر وكال اللوردين ڤانس للكالم نيابةً عن لوردات (الثَّالوث) الثَّائبين الذين
سيُختبَر والؤهم خالل فتر ٍة قصيرة ،في حين مثَّل الغرب ك ٌّل من السير داڤن والعُفر القوي وأدام ماربراند
وفورلي پرستر ،وانض َّم إليهم اللورد إمون فراي وزوجته ،وقد اتَّخذت الليدي ِ
چنا ُكرسيَّها بنظر ٍة تتح َّدى
رجل هناك أن يحت َّج على وجودها ،فلم يفعل أحد .أرس َل آل فراي والدر ريڤرز المس َّمى والدر النَّغل، ٍ أ َّ
ي
ومعه إدوين أكبر أبناء السير رايمان ،وهو رجل شاحب ناحل له أنف مضغوط و َشعر داكن هزيل .تحت
الحمالن يرتدي إدوين سُترةً ممتازة التَّفصيل من ِجلد العجول الرَّمادي مزيَّنة معطف أزرق من صوف ِ ٍ
بزخارف لولبيَّة من َّمقة ،وقد أعلنَ « :سأتح َّد ُ
ث نيابةً عن عائلة فراي .أبي متوعِّك هذا الصَّباح».
ق السير داڤن نخيرًا ساخرًا ،وقال« :أهو سكران أم يَشعُر بالغثيان فحسب من نبيذ ليلة البارحة؟».
أطل َ
قال إدوين الذي له فم البُخالء القاسي الخبيث« :لورد چايمي ،أيجب أن أتح َّمل هذه الجالفة؟».
سألَه چايمي« :أهذا صحيح؟ هل أبوك سكران؟».
ق السير إلين پاين الواقف عند سديلة الخيمة بقميصه المعدني الصَّدئ وسيفه البارز َز َّم فراي شفتيه ورم َ
من وراء كتفه النَّحيلة ،ثم قال« :إنه ...أبي معتلُّ البطن يا سيِّدي .النَّبيذ يُسا ِعده على الهضم».
چنا.
ك العُفر وقهقهَت الليدي ِعلَّق السير داڤن« :ال بُ َّد أن ما يهضمه ماموث لعين إذن» ،فضح َ
قال چايمي« :كفى .هناك قلعة علينا أن نظفر بها» .أوقات اجتماع أبيه بمجلسه كان يَترُك قادته يتكلَّمون
أوال ،وقد انتوى أن يحذو حذوه ،فسألَهم« :كيف نتصرَّف؟».ً
أجاب اللورد إمون فراي بإلحاح« :نَشنُق إدميور تَلي كبداية .سيُ َعلِّم هذا السير برايندن أننا نعني ما نقول.
َ
إذا أرسلنا رأس السير إدميور إلى ع ِّمه فربما يدفعه هذا إلى االستسالم».
« -برايندن السَّمكة السَّوداء ال يُدفَع إلى شي ٍء بهذه البساطة» ،قال كاريل ڤانس سيِّد (استراحة عابري
يستطع أن
ِ السَّبيل) ذو المالمح الكئيبة ،الذي تُ َغطِّي وحمة قانية نِصف ُعنقه وجانب وجهه« .أخوه نفسه لم
يدفعه إلى فِراش ال َّزوجيَّة».
قائال« :يجب أن نقتحم األسوار كما أقو ُل من البداية .أبراج حصار ،ساللم،هَ َّز السير داڤن رأسه األشعث ً
ك نخترق به الب َّوابة ،هذا ما نحتاج إليه».ِم َد ٌّ
قال العُفر« :سأقو ُد الهجوم .نجعل السَّمكة يذوق الفوالذ والنَّار ،هذا رأيي».
َر َّد اللورد إمون باستهجان« :هذه أسواري ،وهذه ب َّوابتي التي تُريدون اختراقها» ،وأخر َج وثيقته من ُك ِّمه
مضيفًا« :الملك تومن نفسه من َحني.»...
قاط َعه إدوين فراي بح َّدة« :كلُّنا رأينا ورقتك يا ع ِّمي .لِ َم ال تُري السَّمكة السَّوداء إياها على سبيل
التَّغيير؟».
رسل عمال داميًا .أقتر ُح أن ننتظر ليلةً يغيب فيها القمر ونُ ِ
ً قال أدام ماربراند« :اقتحام األسوار سيكون
دستةً من رجالنا المنتقين عبر النَّهر بقار ٍ
ب مكتوم المجاذيف.
يُمكنهم أن يتسلَّقوا األسوار بالحبال والخطاطيف ويفتحوا الب َّوابة من ال َّداخل .سأقودهم بنفسي إذا أرا َد
المجلس».
أعلنَ النَّغل والدر ريڤرز« :حماقة .السير برايندن ليس بالرَّجل الذي تنطلي عليه تلك الحيل».
قائال« :السَّمكة السَّوداء هو العقبة .إن ريشة خوذته سمكة سوداء تجعل تمييزه من بعي ٍد أيَّده إدوين فراي ً
سهال .أقتر ُح أن نُقَرِّب أبراج الحصار من القلعة ونمألها بالرُّ ماة ونتظاهَر بالهجوم على الب َّوابة ،وسيدفع ً
رام سهامه بالفضالت ويجعل تلك الخوذة هدفه .ما هذا السير برايندن إلى ال ُّشرفات بخوذته .فليُلَ ِّوث كلُّ ٍ
إن يموت السير برايندن حتى تُصبِح (ريڤر َرن) لنا».
َر َّد اللورد إمون بنبر ٍة حا َّدة« :لي( ،ريڤر َرن) لي!».
أشك في كونهاُّ ازدادَت وحمة اللورد كاريل قتامةً ،وقال« :هل ستكون الفضالت مساهَمتك يا إدوين؟ ال
ُس ًّما ً
قاتال».
ق الطَّاولة بقبضته مردفًا: ق ميتةً أنبل ،وأنا من سيُعطيه إياها» ،و َد َّ قال العُفر« :السَّمكة السَّوداء يستح ُّ
ك بالعجوز». نزال فردي .ليكن بالهراوة ال َّشائكة أو الفأس أو السَّيف الطَّويل ،ال فرق ،سأفت ُ ٍ «سأتح َّداه في
قائال« :ولِ َم يتنازَل ويقبل التَّحدِّي أيها الفارس؟ ماذا سيجني من ٍ
قتال كهذا؟ خاطبَه السير فورلي پرستر ً
صدِّقه هو .النِّزال الفردي لن يُث ِمر شيئًا».ق ذلك ،ولن يُ َ هل سنرفع الحصار إذا فا َز؟ ال أص ِّد ُ
ُ
أعرف برايندن تَلي منذ كنا ُمرافقيْن معًا في خدمة اللورد داري. قال نوربرت ڤانس سيِّد (أترانتا)« :إنني
ث معه وأحاو ُل أن أجعله يفهم موقفه اليائس».بَعد إذنكم أيها السَّادة ،دعوني أذهبُ وأتح َّد ُ
َر َّد اللورد پايپر« :إنه يفهمه جيِّدًا» .للرَّجل قامة قصيرة وجسد ممتلئ وساقان مق َّوستان و َشعر أحمر ثائر،
الجلي بينهما« .الرَّجل ليس غبيًّا يا نوربرت .إن له عينين...
ُّ وهو أبو أحد ُمرافقي چايمي كما يشي ال َّشبه
وعقال أكبر من أن يستسلم ألمثال هذين» ،ول َّوح بيده بفظاظ ٍة نحو إدوين فراي ووالدر ريڤرز. ً
غاضبًا قال إدوين« :إذا كان اللورد پايپر يُلَ ِّمح إلى.»...
كرجل صادق ،لكن ماذا تعرف أنت عن الصَّادقين؟ إنك ٍ ُ «-
لست أل ِّم ُح يا فراي ،بل أقو ُل ما أعني مباشرةً
ومال
َ ي فراي»، كذاب كجميع ذويك .أحبِّ ُذ أن أشرب كوبًا من البول على الثِّقة بكلمة أ ِّابن عرس خائن َّ
أجبني .ماذا فعلتم بابني؟ لقد كان ضيفًا في زفافكم اللَّعين». پايپر عبر المائدة متابعًا« :أين مارك؟ ِ
قال إدوين« :وسيظلُّ ضيفنا المكرَّم إلى أن تُثبِت والءك لجاللة الملك تومن».
« -خمسة فُرسان وعشرون جُنديًّا ذهبوا مع مارك إلى (التَّوأمتين) .أهُم ضيوفكم أيضًا يا فراي؟».
« -بعض الفُرسان ربما .اآلخَرون نالوا ما استحقُّوا .خي ٌر لك أن تصون لسانك الخائن يا پايپر ،ما لم تكن
تُريد أن يرجع إليك وريثك ِقطعًا».
بسيف
ٍ ط ،وهَبَّ پايپر بجسده الصَّغير مزمجرًا« :قُل هذا مج َّددًاف َّكر چايمي :لم يَح ُدث هذا في مجلس أبي قَ ُّ
في يدك يا فراي ،أم أنك تُقاتِل بالفضالت فقط؟».
قائال« :إدوين ليس رجل قتال ...لكنني نهض والدر ريڤرز ً َ شحب وجه إدوين الممصوص ،وإلى جواره َ
كذلك يا پايپر .إذا كان لديك المزيد من التَّعليقات فاخرُج معي وألقِها».
قال چايمي« :هذا مجلس حرب وليس حربًا .فليجلس كالكما» ،ول َّما لم يتحرَّك أحدهما صا َح« :اآلن!».
جلس والدر ريڤرز ،أ َّما اللورد پايپر فلم يخَف بهذه السُّهولة ،وهمه َم بشتيم ٍة ما ثم خر َج من الخيمة
َ
ً
ت واسعة ،فسأ َل السير داڤن چايمي« :هل أرس ُل وراءه رجاال يجرُّ ونه ويعودون به يا سيِّدي؟». ب ُخطوا ٍ
أرسل السير إلين .لسنا محتاجين َّإال إلى رأسه».
قال إدوين فرايِ « :
قائال« :اللورد پايپر تكلَّم بدافع الحُزن .مارك ابنه البِكر ،والفُرسان الذين
التفتَ كاريل ڤانس إلى چايمي ً
ذهبوا معه إلى (التَّوأمتين) أبناء إخوة وعمومة جميعًا».
علَّق إدوين فراي« :تعني أنهم خونة ومتم ِّردون».
حد َجه چايمي بنظر ٍة باردة ،وقال «(التَّوأمتان) انض َّمتا إلى قضيَّة ال ِّذئب الصَّغير أيضًا ،ثم ُخنتموه ،وهو
ما يجعل خيانتكم أفدح من خيانة پايپر مرَّتين» .استمت َع بمرأى ابتسامة إدوين الرَّفيعة تَذبُل وتموت ،وقال
احتملت ما يكفي من النَّصائح اليوم ،ثم أعلنَ « :انتهيناِ .
راجعوا استعداداتكم أيها السَّادة .سنَهجُم مع ُ لنفسه:
أول خيوط الضَّوء».
كانت ال ِّرياح تهبُّ من ال َّشمال عندما غاد َر القادة الخيمة .حتى هنا تتناهى إلى أنف چايمي رائحة معس َكر
فراي النَّتنة على ضفَّة (الجُلمود) األخرى ،وعبر الماء يقف إدميور تَلي بسحن ٍة مكفهرَّة فوق المشنقة
الرَّماديَّة الطَّويلة وحول رقبته حبل.
آخر المغادرين ،وفي أعقابها زوجها إمون الذي قال معترضًا« :سيِّدي ،هذا الهجوم على كانت ع َّمته ِ
مق ِّري ...يجب َّأال تُنَفِّذه» ،وازدر َد لُعابه لتتحرَّك تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل ،وتاب َع« :يجب َّأال تفعلها.
إنني ...إنني أمنعك» .كان يَمضُغ التَّبغ ال ُم َّر ثانيةً كما تن ُّم الرَّغوة الورديَّة الملتمعة على شفتيه« .القلعة
ملكي .إن معي الوثيقة الموقَّعة من الملك ،من تومن الصَّغير .أنا سيِّد (ريڤر َرن) ال َّشرعي و.»...
چنا« :لست كذلك ما دا َم إدميور تَلي حيًّا .إنه ضعيف القلب والعقل ،أعل ُم هذا ،لكنه َح ٌّي وال قاط َعته الليدي ِ
يزال يُ َش ِّكل خطرًا .ماذا تنوي أن تفعل يا چايمي؟».
السَّمكة السَّوداء الخطر ال إدميور« .اترُكي إدميور لي .سير اليل ،سير إلين ،تعاليا معي من فضلكما.
حانَ الوقت ألن أزور تلك المشنقة».
(الجُلمود) أعمق وأسرع جريانًا من (الفرع األحمر) ،وأقرب مخاض ٍة تَبعُد ع َّدة فراسخ في اتِّجاه المنبع.
كانت العبَّارة قد تحرَّكت حاملةً والدر ريڤرز وإدوين فراي لت ِّوها عندما وص َل چايمي ورفيقاه إلى النَّهر،
ق السير إلين في الماء. وإذ انتظروا عودتها أخب َرهم چايمي بما يُريد ،وبص َ
ضت تابعة معس َكرات سكرانة على العُفر أن تُ َمتِّعه ضفَّة ال َّشماليَّة عر َ
نزل ثالثتهم من العبَّارة على ال ِّ حين َ
بفمها ،فقال السير اليل دافعًا إياها نحو السير إلين« :متِّعي صديقي» ،وضاحكةً أخ َذت المرأة ُخطوةً لتُقَبِّل
پاين على فمه ،ثم إنها رأت عينيه وانسحبَت منكمشةً على نفسها.
الممرَّات بين بؤر النَّار من الطَّمي البنِّي الخام المختلط بروث الخيل ،وتحمل آثار الحوافر واألحذية على
ب رأى چايمي بُر َجي عائلة فراي التَّوأمين على الرَّايات والتُّروس ،أزرق على َح ِّد سواء ،وفي كلِّ صو ٍ
44
مقسمة على الوالء ل(المعبر) ،كبَلَشون عائلة إرينفورد ِ ت أدنى شأنًا رمادي ،ومعهما رموز عائال ٍ
ومذراة عائلة هاي و ُغصينات نبتة الدِّبق الثَّالث رمز عائلة كارلتون .لم يم َّر وصول قاتِل الملك مرور
الكرام ،إذ توقَّفت عجوز تبيع الخنازير الصَّغيرة من سلَّ ٍة تُ َحدِّق إليه ،وجثا فارس له وجه ِشبه مألوف على
رُكبته ،واستدا َر جُنديَّان يتب َّوالن في حُفر ٍة يَنظُران فبلَّل كالهما اآل َخر ،وناداه أحدهم« :سير چايمي» ،لكنه
واص َل طريقه دون أن يلتفت.
رجال بذل أقصى جهده ليَقتُلهم في (الغابة الهامسة) حيث قات َل آل فراي تحت راية ذئب ٍ حوله لم َح وجوه
الذهبيَّة المعلَّقة إلى جانبه ثقيلةً.روب ستارك الرَّهيب ،وشع َر بيده َّ
سُرادق رايمان فراي المستطيل هو األكبر واألوسع في المعس َكر ،وتتَّخذ جُدرانه الرَّماديَّة المصنوعة من
ت مخيطة معًا لتُشبِه األحجار ،بينما تُحاكي ق َّمتاه (التَّوأمتين) .أبعد ما يكون قُماش القنَّب شكل مربَّعا ٍ
التَّو ُّعك ،كان السير رايمان يستمتع بوقته ،إذ ُس ِم َعت من داخل الخيمة ضحكات امرأ ٍة ثملة ممتزجةً بأنغام
مغن .سأتعام ُل معك الحقًا أيها الفارس .كان والدر ريڤرز واقفًا أمام خيمته أوتار قيثار ٍة خشبيَّة وصوت ٍّ
بألوان معكوسة ،وث َّمة شريط أحمر مائل إلى ٍ المتواضعة يتكلَّم مع جُنديَّين ،يحمل تُرسه رمز عائلة فراي
عبس النَّغل حين رأى چايمي ،فقال لنفسه :يا لها من نظر ٍة باردة ش َّكاكة .هذا الرَّجل َ اليسار على البُرجين.
أخطر من أيٍّ من إخوته ال َّشرعيِّين.
الحراب عند قاعدة ساللمها ،وقالأقدام عن األرض ،وقد وقفَ اثنان من حاملي ِ ٍ ترتفع المشنقة عشرة
أحدهما لچايمي« :ال تستطيع أن تصعد دون إذن السير رايمان».
ي أن أخطو فوق ربَّت چايمي على مقبض سيفه ً
قائال« :هذا يقول إنني أستطي ُع .السُّؤال اآلن ،هل عل َّ
جثَّتك؟».
وانزا َح الرَّجالن.
فوق المشنقة يقف سيِّد (ريڤر َرن) رامقًا ال ُك َّوة األفقيَّة تحته ،قدماه سوداوان مغلَّفتان بالطَّمي وساقاه
عاريتان ،ويرتدي صُدرةً حريريَّةً متَّسخةً يلوح عليها أحمر وأزرق عائلة تَلي ،وتُحيط بعُنقه أنشوطة من
ق شفتيه الجافَّتين المشقَّقتين ،وغمغ َم بدهشة:
القنَّب .لدى سماع ُخطوات چايمي رف َع إدميور رأسه ولع َ
«قاتِل الملك؟» ،ول َّما رأى السير إلين اتَّسعت عيناه ،وقال« :السَّيف أفضل من الحبل .افعلها يا پاين».
قال چايمي« :كما سمعت اللورد تَلي يا سير إلين ،افعلها».
سحب الفارس الصَّامت سيفه العظيم ،سيفه الطَّويل الثَّقيل المتناهي في الح َّدة بقدر ما يسمح َ بكلتا يديه
الفوالذ التَّقليدي .تحرَّكت شفتا إدميور المشقَّقتان بال صوت ،وإذ رف َع السير إلين النَّصل أغل َ
ق عينيه،
ووض َع پاين ثِقله كلَّه وراء الضَّربة.
سمعوا من يصيح« :ال! توقَّف! ال!» ،وظه َر إدوين فراي الهثًا يقول« :أبي قادم بأقصى سُرعة .چايمي،
يجب.»...
خاطبني ب«سيِّدي» يا فراي ،وخي ٌر لك أن تتجنَّب استخدام «يجب» في أ ِّ
ي كالم ُناسبني أكثر أن تُ ِ« -ي ِ
تُ َو ِّجهه إل َّ
ي» .
ت ثقيلة وفي صُحبته بغ ٌّي َشعرها بلون القَشِّ سكرانة ِمثله، صع َد السير رايمان ساللم المشنقة ب ُخطوا ٍ
أربطة فُستانها من األمام لكن أحدهم حلَّها حتى ال ُّسرَّة ،فتدلَّى نهداها الكبيران الثَّقيالن وظه َرت حلمتاها
بانحراف دائرة رفيعة من البرونز المطرَّق منقوشة عليهاٍ البنِّيَّتان الكبيرتان ،وقد استقرَّت على رأسها
حروف بأبجديَّ ٍة قديمة وتَبرُز منها سيوف سوداء صغيرة .حين رأت المرأة چايمي ضح َكت ،وقالتَ « :من
بح ِّ
ق الجحائم السَّبع؟». هذا َ
َر َّد چايمي بكياس ٍة باردة« :حضرة قائد ال َحرس الملكي .السُّؤال نفسه ِ
لك يا سيِّدتي».
ُ
لست سيِّدةً ،أنا الملكة». « -سيِّدتك؟
« -سيُد ِهش أختي أن تسمع هذا».
قالت« :اللورد رايمان ت َّوجني بنفسه» ،وه َّزت َوركيها الكبيرين مضيفةً« :أنا ملكة العاهرات».
ال ،أختي الجميلة تحمل هذا اللَّقب أيضًا.
أخيرًا استطا َع السير رايمان أن يتكلَّم ،فقال« :اخرسي أيتها القذرة ،اللورد چايمي ال يُريد أن يسمع هُراء
ي لحيم ،ومن أنفاسهمومس» .ابن فراي هذا رجل غليظ البنية عريض الوجه صغير العينين وذقنه طر ٌّ
تفوح رائحة النَّبيذ والبصل.
سألَه چايمي بهدوء« :هل تصنع الملكات يا سير رايمان؟ غباء ،غباء ال يقلُّ ع َّما تفعله باللورد إدميور».
ُ
وأمرت ببناء هذه المشنقة قلت له إن إدميور سيموت ما لم تستسلم القلعة، رت السَّمكة السَّوداءُ ، « -لقد َّ
حذ ُ
ت فارغة .في (سيجارد) فع َل ابني ال ِمثل مع پاتريك ماليستر ألريهم أن السير رايمان فراي ال يُلقي تهديدا ٍ
رفض ،ف.»...َ واستسل َم اللورد چيسون ،ولكن ...السَّمكة السَّوداء رجل بارد .لقد
...« -فشنقت اللورد إدميور؟».
احتقنَ وجه الرَّجل ،وقال« :السيِّد جدِّي ...إذا شنقناه فسنخسر رهينتنا أيها الفارس .هل ف َّكرت في هذا؟».
ت ليس مستع ًّدا لتنفيذها .هَب أنني ه َّددتك بالضَّرب ما لم تخرس ثم تكلَّمتَ ،« -فقط األحمق يُلقي تهديدا ٍ
فماذا تحسبني سأفعلُ؟».
« -أيها الفارس ،أنت ال تف.»...
وضربَه چايمي .كانت الضَّربة بظَهر يده َّ
الذهبيَّة ،لكنها دف َعت السير رايمان إلى التَّعثُّر إلى الوراء ساق ً
طا
بين ذراعَي عاهرته ،ثم قال چايمي« :إن لك رأسًا سمينًا يا سير رايمان ،و ُعنقًا غليظًا أيضًا .سير إلين،
بكم ضربة يُمكنك أن تقطع هذا العُنق؟».
رف َع السير إلين يده واضعًا إصبعًا واحدًا على أنفه.
ضحكَ چايمي ،وقال« :خيالء فارغة .أقو ُل إنها ثالث ضربات».
َخ َّر رايمان فراي على رُكبتيه ً
قائال« :لم أفعل شيئًا.»...
ُ
أعرف». َّ ...« -إال ال ُّشرب ونكاح العاهرات،
« -أنا وريث (التَّوأمتين) .ال يُمكنك.»...
حذرتك من الكالم» ،وشاه َد وجه الرَّجل يمتقِع مف ِّكرًا :س ِّكير وأبله وجبان .خي ٌر آلل قاط َعه چايمي« :لقد َّ
فراي أن يموت هذا قبل اللورد والدر َّ
وإال انتهى أمرهم.
«يُمكنك االنصراف أيها الفارس».
« -االنصراف؟».
« -كما سمعتني ،ارحل».
« -ولكن ...أين أذهبُ ؟».
احرص على عدم وجودك في المعس َكر عند شروق ال َّشمس. ِ « -إلى الجحيم أو إلى الوطن ،كما تُفَ ِّ
ضل.
يُمكنك أن تأخذ ملكة العاهرات معك ،ولكن ليس تاجها هذا» ،ثم التفتَ چايمي عن السير رايمان إلى ابنه
قائال« :إدوين ،إنني أسلِّمك قيادة أبيكِ .
حاول َّأال تكون غبيًّا ِمثله». ً
« -لن يكون هذا عسيرًا يا سيِّدي».
الذهبيَّة مستطردًا« :سيرأرسل خبرًا إلى اللورد والدر .التَّاج يَطلُب جميع سُجنائه» ،ول َّوح چايمي بيده َّ ِ «-
اليل ،اجلبه».
كان إدميور تَلي قد تهاوى على وجهه فوق المشنقة حينما قط َع سيف السير إلين الحبل ،الذي ظلَّت قطعة
مدالة من األنشوطة المحيطة برقبته ،فش َّدها العُفر ليُوقِفه على قدميه ،ثم قال ضاح ًكا منه طولها قدم َّ
بسخرية« :سمكة ب ِمق َود ،منظر لم أ َره من قبل قَ ُّ
ط» .
أفس َح لهم رجال فراي الطَّريق ،وكانت مجموعة من اآلخَرين قد ازدح َمت عند قاعدة المشنقة ،منها دستة
رجال يحمل قيثارةً خشبيَّةً ،فقال
ً ظ چايمي ت مختلفة من الفوضى ،والح َ من تابعات المعس َكرات على درجا ٍ
له« :أنت ،أيها المغنِّي ،تعا َل معي».
رف َع الرَّجل قبَّعته ً
قائال« :أمر سيِّدي».
لم يلفظ أحد كلمةً فيما ساروا إلى العبَّارة وفي أثرهم مغنِّي السير رايمان ،لكن إذ تحرَّكوا مبتعدين عن
ً
متسائال« :لماذا؟!». ق إدميور تَلي على ذراع چايمي ضفَّة (الجُلمود) نحو الجانب الجنوبي أطب َ
ق لي ُعملة َّإالك« .اعتبِرها هديَّة زفاف».
الالنستر يُ َسدِّد ديونه ،ولم تتب َّ
رمقَه إدميور بعينين حذرتين ،ور َّدد« :هديَّة ...زفاف؟».
« -قي َل لي إن زوجتك حسناء .ال بُ َّد أن تكون كذلك كي تُ ِ
ضاجعها في أثناء اغتيال أختك وملكك».
ق إدميور شفتيه ،وقال« :لم أعرف .كان خارج ال ُغرفة عازفو كمنجة.»...
لع َ
« -والليدي روزلين كانت تُلهيك».
ُ
حسبت « -إنها ...لقد جعلوها تفعلها ،اللورد والدر واآلخَرون .روزلين لم تُ ِرد أن ...لقد ب َكت ،لكنني
السَّبب.»...
ي امرأ ٍة تبكي».« -منظر َذكرك الهائل؟ نعم ،إنني واثق بأن شيئًا كهذا سيجعل أ َّ
« -إنها تحمل طفلي».
ال ،بل إن ما ينمو في بطنها موتك.
في سُرادقه صرفَ چايمي السير اليل والسير إلين ،لكنه أبقى على المغنِّي ً
قائال« :ربما أحتا ُج إليك بَعد
ت .پِك ،نبيذ للوردسخن ما ًء لح َّمام ضيفي .پياِ ،جدي له ثيابًا نظيفةً ،ال شيء عليه أسد إذا سمح ِ قليل .ليوِّ ،
تَلي .أأنت جائع يا سيِّدي؟».
ك لم يبرح عينيه. أومأ َ إدميور برأسه إيجابًا ،لكن ال َّش َّ
رسي بينما استح َّم تَلي الذي زالَت القذارة عن جسده في سحابا ٍ
ت سوداء ،وقال له: ٍّ استق َّر چايمي على ُك
«بَعد أن تأكل سيصحبك رجالي إلى (ريڤر َرن) ،وما يَح ُدث عندئ ٍذ يتوقَّف عليك».
« -ماذا تعني؟».
« -ع ُّمك رجل عجوزُ .شجاع ،نعم ،لكن أفضل سنين حياته انقضى .خير ما يأمله السَّمكة السَّوداء اآلن
ميتة مشرِّفة ...أ َّما أنت فما زالَت أمامك سنوات يا إدميور.
أنت سيِّد عائلة تَلي ال َّشرعي ال هو ،والمفت َرض أن يُطيعك ع ُّمك .مصير (ريڤر َرن) بين يديك».
ق إليه إدميور مر ِّددًا« :مصير (ريڤر َرن).»...حمل َ
« -سلِّم القلعة ولن يموت أحد .يستطيع رعاياك الرَّحيل في سالم أو البقاء لخدمة اللورد إمون ،وسيُس َمح
ضا إذا كان رجل من الحامية يختار االنضمام إليه .أنت أي ًٍ بحرس اللَّيل مع ك ِّلللسير برايندن بااللتحاق َ
الذهاب إلى (كاسترلي روك) باعتبارك أسيري وتستمتع بك ِّل سُبل الرَّاحة الجدار) يستهويك ،أو يُمكنك َّ
( ِ
التي تليق برهين ٍة بمنزلتك .سأرس ُل زوجتك إليك إذا أردت ،وإذا أنجبَت صبيًّا فسيخدم عائلة النستر
كوصيف و ُمرافق ،وعندما ينال الفُروسيَّة سنهب له بعض األراضي .وإذا أنجبَت روزلين بنتًا فسأحرصُ
سراح مشروطٍ على أن يكون َمهرها الئقًا عندما تَبلُغ ِس َّن ال َّزواج .أنت نفسك من الممكن أن تنال إطالق
ما إن تنتهي الحرب ،وما عليك َّإال تسليم القلعة».
متسائال« :وإذا لم أسلِّمها؟».
ً رف َع إدميور يديه من الحوض وشاه َد الماء يجري بين أصابعه
أيجب أن تجعلني أقولها؟ كانت پيا واقفةً عند سديلة الخيمة حاملةً ثيابًا ،وكان ُمرافِقوه والمغنِّي يُصغون
أيضًا .فليسمعوا ،فليسمع العالم ك ُّله ،ال يه ُّم .أرغ َم چايمي نفسه على االبتسام ،وقال« :لقد رأيت أعدادنا يا
ألقيت األمر فسيُلقي ابن خالي جسرًا على ُ إدميور ،رأيت السَّاللم واألبراج والمقاذيف والمد َّكات .إذا
طم ب َّوابتكم .مئات سيموتون ،أكثرهم من رجالكم .موجة الهجوم األولى ستتك َّون من ح َملة خندقكم وي َُح ِّ
رايتكم السَّابقين ،وهكذا سيبدأ يومكم بقتل آباء وإخوة ال ِّرجال الذين ماتوا في سبيلكم في (التَّوأمتين).
فلست أعاني نقصًا فيهم ،وسيتبعهم جنودي الغربيُّون عندما تنفد ُ الموجة الثَّانية ستكون من رجال فراي،
سهام رُماتكم ويصير فُرسانكم عاجزين عن رفع سيوفهم من فرط اإلنهاك .ثم ل َّما تَسقُط القلعة سيُقتَل كلُّ
َمن فيها ،ستُذبَح حيواناتكم وتُ َد َّمر أيكة آلهتكم وتحترق حصونكم وأبراجكم .سأهد ُم أسواركم وأح ِّو ُل
غ لن يعرف أحد أن قلعةً كانت قائمةً هناك ذات يوم»، مجرى (الجُلمود) ليغمر األطالل ،وحين أفر ُ
ونهض چايمي مضيفًا« :قد تضع زوجتك مولودها قبل ذلك .أتوقَّ ُع أنك ستُريد طفلك ،وسأرسله إليك حين َ
يُولَد ...بالمنجنيق».
جلس إدميور في حوضه ،وض َّمت پيا المالبس إلى صدرها ،و َش َّد المغنِّي وترًا في َ تال الصَّمت كالمه.
قيثارته ،وفرَّغ ليو الصَّغير رغيفًا من ال ُخبز البائت ليصنع طبقًا متظاهرًا بأنه لم يسمع .بالمنجنيق .لو أن
ع َّمته هنا اآلن فهل كانت لتص َّر على أن تيريون هو ابن تايوين؟ أخيرًا عث َر إدميور تَلي على صوته،
وقال« :يُمكنني أن أخرج من هذا الحوض وأقتلك حيث تقف يا قا ِتل الملك».
َر َّد چايمي« :يُمكنك أن تُ ِ
حاول» ،فل َّما لم يتحرَّك إدميور قال« :سأتركك تستمتع بطعامك .أيها المغنِّيَ ،سلِّ
ضيفنا بينما يأكل .مؤ َّكد أنك تعرف األغنيَّة».
« -أغنيَّة األمطار إياها؟ أجل يا سيِّدي ،أعرفها».
بدا أن إدميور رأى الرَّجل للمرَّة األولى ،وقال« :ال ،ليس هو .أب ِعده عني».
قال چايمي« :إنها مجرَّد أغنيَّة ،وال يُمكن أن يكون صوته بهذا السُّوء».
سرسي
عام أخرى خالل اللَّيالي الثَّالث كان ال ِمايستر األكبر پايسل عجو ًزا منذ عرفَته ،وإن يبدو كأنه شا َخ مئة ٍ
يستطع النُّهوض من ِ ق الرَّجل أبديَّةً ليركع ثانيًا رُكبتيه المتيبِّستين أمامها ،ول َّما فع َل لمالماضية .استغر َ
جدي ٍد إلى أن سحبَه السير أوزموند بق َّو ٍة ووقَّفه.
ظ سُعالته األخيرة». تمعَّنت فيه سرسي باستيا ٍء قائلةً« :اللورد كايبرن أبلغَني بأن اللورد جايلز لف َ
بذلت أفضل ما في وسعي ألخفِّف عنه َسكرات الموت». ُ « -نعم يا جاللة الملكة .لقد
قالت الملكة« :حقًّا؟» ،والتفتَت إلى الليدي ميريويذر تسألها« :ألم أقل إنني أري ُد روزبي حيًّا؟».
« -بلى يا جاللة الملكة».
« -سير أوزموند ،ماذا تَذ ُكر عن تلك المحادَثة؟».
صاحبة الجاللة ،كلُّنا سمعنا».
ِ ت ال ِمايستر األكبر پايسل بإنقاذ الرَّجل يا
أنك أمر ِ
ِ «-
ُ
فعلت ك َّل ما في اإلمكان إلنقاذ الرَّجل انفت َح فم پايسل وانغلقَ ،ثم قال« :يجب أن تعلم موالتي أنني
المسكين».
« -كما فعلت مع چوفري؟ ومع أبيه زوجي الحبيب؟ روبرت كان من أقوى ال ِّرجال في (الممالك السَّبع)،
ضا ك أنك كنت لتَقتُل ند ستارك أي ً خنزير ب ِّري .أوه ،ودعنا ال ننسى چون آرن .ال َش َّ
ٍ ومع ذلك فقدته بسبب
لو تركته لك فترةً أطول .أخبِرني أيها ال ِمايستر ،هل تعلَّمت في (القلعة) أن تتنصَّل من مسؤوليَّاتك وتختلق
الحُجج؟».
ُ
خدمت الهرم وقد أجفلَته نبرتها« :ال أحد كان يستطيع أن يفعل المزيد يا جاللة الملكة .لقد ...لقد
ِ َر َّد الرَّجل
دو ًما بإخالص».
« -عندما أ َشرت على الملك إيرس أن يفتح ب َّواباته عند اقتراب جيش أبي ،أكانت تلك فكرتك عن الخدمة
بإخالص؟».
أسأت التَّقدير.»...
ُ « -هذا ...لقد
« -أكانت تلك نصيحةً سديدةً؟».
صاحبة الجاللة تعلم.»...
ِ « -مؤ َّكد أن
« -ما أعلمه أنك كنت أق َّل نفعًا من فتى القمر عندما ُس ِّم َم ابني ،ما أعلمه أن التَّاج في حاج ٍة ماسَّة إلى
الخازن ماتَ ».
ِ َّ
الذهب واللورد
قائال« :س ...سأصن ُع قائمةً بالرِّ جال الصَّالحين لشغل مكان المسن الجزء األخير من ردِّها ً ُّ انته َز األحمق
اللورد جايلز في المجلس».
قالت سرسي التي وجدَت اقتراحه طريفًا« :قائمة .يُمكنني أن أتخيَّل نوع القائمة التي ستم ُّدني بها ،قائمة
بال ُّشيوخ والحمقى الجشعين وجارث السَّمين» ،وز َّمت شفتيها مضيفةً« :إنك تقضي أوقاتًا طويلةً في
صُحبة الليدي مارچري في الفترة األخيرة».
« -نعم ،نعم ،إنني ...الملكة مارچري مضطربة للغاية بسبب السير لوراس ،وأز ِّو ُد جاللتها بعقاقير النَّوم
و ...أنواع أخرى من األدوية».
« -ال ريب .أخبِرني ،هل ملكتنا الصَّغيرة هي من أم َرتك بقتل اللورد جايلز؟».
جاللتك
ِ اتَّسعت عينا ال ِمايستر األكبر پايسل حتى صا َرتا كبيضتين مسلوقتين ،وقال« :ققتل؟ ال يُعقَل أن
تعتقدين ...لقد ماتَ بالسُّعال ،أقس ُم بك ِّل اآللهة أنني...
تكن ضغينةً للورد جايلز .لماذا ترغب الملكة مارچري في.»... جاللتها ال يُمكن أن ...إنها لم َّ
ش؟ روزبي كان يعترض ...« -موته؟ لتزرع وردةً أخرى في مجلس تومن بالتَّأكيد .أأنت أعمى أم مرت ٍ
طريقها فوض َعته في قبره ...وأنت تستَّرت عليها».
لك أن اللورد جايلز ماتَ بالسُّعال .لطالما كان إخالصي للتَّاج
بفم يرتعش« :جاللة الملكة ،أقس ُم َِر َّد الرَّجل ٍ
والبالد ...وععائلة النستر».
بهذا التَّرتيب؟ كان خوف پايسل صريحًا ملموسًا .لقد نض َج بما فيه الكفاية .حان الوقت العتصار الثَّمرة
ي؟ ال تُ ِ
حاول اإلنكار .لقد بدأت تتراقَص وتذوق عصيرها« .إذا كنت مخلصًا كما ت َّدعي فلماذا تكذب عل َّ ُّ
حول العذراء مارچري قبل ذهاب السير لوراس إلى (دراجونستون) ،فاعفِني من المزيد من حكاياتك
الخياليَّة عن رغبتك في مواساة زوجة ابننا في حُزنها .لماذا تتر َّدد إلى (قفص العذراوات) بهذه الكثرة؟
المضجرة .هل تَخطُب ُو َّد ِسپتتها ذات الوجه المجدور إياها؟
ِ مؤ َّكد أن السَّبب ليس أحاديث مارچري
تُدا ِعب الليدي بولوار الصَّغيرة؟ هل تلعب لحسابها دور الجاسوس وتُخبِرها بما أفعله لتستغلَّه في
مكايدها؟».
ُقسم على الخدمة.»...
« -إنني ...إنني أطي ُع .ال ِمايستر ي ِ
ُقسم على خدمة البالد».
« -ال ِمايستر األكبر ي ِ
صاحبة الجاللة ،إنها ...إنها الملكة.»...
ِ « -يا
« -أنا الملكة».
« -أعني ...أنها زوجة الملك ،و.»...
أعرف َمن هي .ما أري ُد أن أعرفه هو سبب حاجتها إليك .هل زوجة ابننا مريضة؟». ُ «-
ر َّدد« :مريضة؟» ،و َش َّد العجوز ال َّشيء الذي يُ َس ِّميه لحيةً ،رُقع ال َّشعر األبيض الخفيف النَّابت من اللُّغد
الوردي المتهدِّل تحت ذقنه ،وقال« :لليست مريضةً يا جاللة الملكة ،ليس بالضَّبط .إن قَسمي يمنعني من
اإلفصاح.»...
« -قَسمك لن يكون مصدر عزا ٍء كبير في ال َّزنازين السَّوداء .سأسم ُع منك الحقيقة أو أكبِّلك بالسَّالسل».
والدك ،وصديقًا ِ
لك في مسألة ِ إليك ...لقد ُ
كنت رجل السيِّد قائال بضراعة« :أتو َّس ُل َِخ َّر پايسل على رُكبتيه ً
اللورد آرن .لن أحتمل البقاء في ال َّزنازين ،ليس ثانيةً.»...
« -لماذا تستدعيك مارچري؟».
« -إنها ترغب في ...إنها ...إنها.»...
« -قُلها!».
جف َل هامسًا« :شاي القمر ،شاي القمر من أجل.»...
وحاول أن
ِ ُ
أعرف في َم يُستخدَم شاي القمر» .هكذا إذن« .ليكن .انهض على هاتين القدمين الواهنتين «-
ق وقتًا َ
طال حتى أم َرت السير أوزموند ُسر لكنه استغر َ ً
رجال» .حاو َل پايسل ال ُّنهوض بع ٍ تتذ َّكر كيف تكون
مضط َّرةً بأن يسحبه ثانيةً ،ثم قالت« :بالنِّسبة إلى اللورد جايلز فال ريب أن (األب في األعالي) سيَح ُكم
عليه بالعدل.
ألم يَترُك أوالدًا؟».
« -ال أوالد من صُلبه ،لكن هناك ربيبًا.»...
...« -ليس من دمه» ،ول َّوحت سرسي بيدها متجاهلةً هذا ،وأردفَت« :جايلز كان يعرف بحاجتنا الملحَّة
أخبرك برغبته في ترك ك ِّل أراضيه وثروته لتومن» .سيُسا ِعد ذهب روزبي على َ ك أنه إلى َّ
الذهب .ال َش َّ
إنعاش خزائنهم ،ويُمكنها أن تهب قلعة (روزبي) وأراضيها ألحد رجالها مكافأةً على خدمته الوفيَّة .اللورد
ووترز ربما.
منذ فتر ٍة وأوران يُلَ ِّمح إلى حاجته إلى مقر ،فدون مقرٍّ ليست لورديَّته َّإال لقبًا فار ًغا .تعلم سرسي أن عينه
الالزم هنا ،أ َّما (روزبي) فأنسب لمولده ومنزلته. على (دراجونستون) ،لكن طموحه أكبر من َّ
كان پايسل يقول« :اللورد جايلز أحبَّ جاللة الملك ُحبًّا ج ًّما ،ولكن ...ربيبه.»...
...« -سيتفهَّم بالتَّأكيد ما إن يسمعك تتكلَّم عن أمنيَّة اللورد جايلز األخيرة .اذهب ونفِّذ هذا».
قال ال ِمايستر األكبر پايسل« :كما تأمر جاللة الملكة» ،وكا َد يتعثَّر في ثوبه مع استعجاله الخروج.
أغلقَت الليدي ميريويذر الباب وراءه ،ثم التفتَت إلى الملكة قائلةً« :شاي القمر .يا لحماقتها .لماذا تفعل شيئًا
كهذا وتُ ِ
خاطر بنفسها؟».
« -الملكة الصَّغيرة لها رغبات تومن أصغر من أن يُشبِعها» .هذا الخطر قائم دو ًما عندما تتز َّوج امرأة
ط ،لكني أرفضُ أن أصدِّق هذا. طفال .وقائم أكثر إذا كانت أرملةً .ربما تَز ُعم أن رنلي لم يمسَّها قَ ُّ
بالغة ً
ب واحد ،أ َّما العذراوات فال يحتجن إليه على اإلطالق« .مارچري النِّساء ال يشربن شاي القمر َّإال لسب ٍ
خانَت ابني .إن لها عشيقًا .هذه خيانة ُعظمى عقوبتها الموت» .أملها اآلن أن تعيش أُم مايس تايرل
ال َّشمطاء المتغضِّنة لتشهد المحا َكمة .بإصرارها على زواج تومن ومارچري في الحال حك َمت الليدي
ي أن أجد عدالة الجالد« .چايمي أخ َذ السير إلين پاين معهُّ .
أظن أن عل َّ َّ أولينا على وردتها الغالية بسيف
ملك جديدًا يقطع رأسها».
ٍ
اقترح أوزموند ِكتلبالك بابتسام ٍة واسعة تلقائيَّة« :سأفعلها أنا .مارچري لها ُعنق جميل ،صالح ألن يَبتُره
َ
سيف حاد بسهولة».
قالت تاينا« :نعم ،لكن لتايرل جي ًشا عند (ستورمز إند) وآخَر في (بِركة العذارى) .هُم أيضًا يحملون سيوفًا
حا َّدةً».
صرة بالورود .وهذا مزعج حقًّا .إنها لم تزل محتاجةً إلى مايس تايرل وإن لم يكن إلى ابنته .حتى أنا محا َ
هزيمة ستانيس على األقل ،ثم لن أحتاج إلى أح ٍد منهم.
لكن كيف تُ َخلِّص نفسها من االبنة دون أن تفقد األب؟ قالت« :الخيانة هي الخيانة ،لكن يجب أن نُبَر ِهن
عليها ،وأن يكون البُرهان ملموسًا أكثر من شاي القمر .إذا ثبتَت خيانتها فعلى السيِّد والدها نفسه أن يُدينها
َّ
وإال أصب َح عارها عاره».
مض َغ ِكتلبالك طرف شاربه ً
قائال« :يجب أن نضبطهما متلبِّسيْن بفعلتهما».
« -كيف؟ إنها نُصب أعيُن كايبرن ليل نهار ،وخدمها يأخذون مالي وال يأتوننا بغير التَّفاهات ،لكن أحدًا لم
ي َر عشيقها هذا .اآلذان خارج بابها تسمع غنا ًء وضح ًكا ونميمةً ،ال شيء مفيدًا».
قالت الليدي ميريويذر« :مارچري أمكر من أن تُضبَط بهذه السُّهولة .إن نساءها أسوار قلعتها ،ينَمن معها
صلِّين معها ويقرأن معها ويَ ِخطن معها ،وعندما ال تَخرُج لركوب الخيل أو الصَّيد ويُلبِسنها ثيابها ويُ َ
بالصُّ قور تلعب (تعا َل إلى قلعتي) مع أليسين بولوار الصَّغيرة ،وفي حضور الرِّ جال تكون معها ِسپتتها أو
بنات عمومتها».
خطرت لها بغتةً،
َ قالت الملكة بإصرار« :ال بُ َّد أنها تُ َخلِّص نفسها من دجاجاتها أحيانًا» ،ثم إن فكرةً
فأضافَت« :ما لم تكن رفيقاتها جز ًءا من األمر أيضًا ...ليس جميعهن ربما ولكن بعضهن».
قالت تاينا بريبة« :بنات العمومة؟ ثالثتهن أصغر من الملكة وأكثر براءةً».
« -فاجرات متن ِّكرات في عفَّة العذارى ،وهو ما يجعل خطاياهن صادمةً أكثر .سيُ َكلِّل أسماءهن العار».
زوجك كبير قُضاتي .يجب أن يتنا َول كالكما ال َعشاء
ِ فجأةً تكاد الملكة تتذ َّوق مالمح الخطَّة« .تاينا ،السيِّد
بحر إلى يعن لمارچري أن تعود إلى (هايجاردن) أو تُ ِسارع بالتَّنفيذ قبل أن َّ معي اللَّيلة تحديدًا» .عليها أن تُ ِ
خنزير ب ِّري لنا ،وبالطَّبع
ٍ (دراجونستون) لتقف مع أخيها الجريح على باب الموت« .سآم ُر ُّ
الطهاة بشواء
يجب أن نستمع إلى الموسيقى لتُسا ِعدنا على الهضم».
لم تتوانَ تاينا عن إدراك التَّلميح ،فقالت« :موسيقى ،بالتَّأكيد».
زوجك ورتِّبي مجيء المغنِّي .سير أوزموند ،ال تذهب ،هناك تفاصيل كثيرة ِ « -اذهبي وأخبِري السيِّد
نتكلَّم عنها .سأحتا ُج إلى كايبرن أيضًا».
لألسف اتَّضح أن المطابخ تفتقر إلى الخنازير الب ِّريَّة في الوقت الحالي ،وال وقت يكفي إلرسال صيَّادين
الطهاة إحدى خنزيرات القلعة وق َّدموا لهم لحمها متب ًَّال بالقرنفل ومسقًّى فبدال من ذلك ذب َح ُّإلى الغابةً ،
بالعسل والكرز المجفَّف .ليست الوجبة التي أرادَتها سرسي ،لكنها تدبَّرت أمرها بها ،وبَعدها أكلوا التُّفَّاح
تلذذت الليدي تاينا بك ِّل قضمة ،على عكس أورتون ميريويذر الذي الالذعةَّ .
المخبوز مع الجُبنة البيضاء َّ
ط في ال َّشراب وظَ َّل ظَ َّل وجهه المستدير شاحبًا مبقَّعًا بالبثور من طبق المرق إلى طبق الجُبنة ،وأفر َ
يختلس النَّظرات إلى المغنِّي.
أخيرًا قالت سرسي« :مؤسف للغاية رحيل اللورد جايلز ،ولو أنني ُّ
أظن أن أحدًا منا لن يفتقد سُعاله».
« -نعم ،نعمُّ ،
أظن هذا».
ُ
ألرسلت أستدعي پيتر بايلش، خاز ٍن جديد .لو لم تكن األوضاع مضطربةً في (الوادي) ِ « -سنحتاج إلى
ولكن ...أف ِّك ُر في تجربة السير هاريس في المنصب .ال يُمكن أن يُبلي بال ًء أسوأ من جايلز ،وعلى األقل ال
يَسعُل».
قالت تاينا« :السير هاريس يد الملك».
َّاال فيه« .آن أوان أن يكون لتومن يد أقوى». السير هاريس رهينة ،وحتى هذا ليس فع ً
قائال« :أقوى ،بالتَّأكيد» ،وتر َّدد لحظةً قبل أن يسألَ « :من.»...
رف َع اللورد أورتون عينيه عن كأسه ً
ك أن استبدال تايوين « -أنت يا سيِّدي .إن اليدويَّة في دمك .ج ُّدك َح َّل مح َّل أبي نفسه كيد إيرس» .ال َش َّ
رجال في شتاء العُمر عندما ً النستر بأوين ميريويذر كان أشبه باستبدال جوا ٍد حربي بحمار ،لكن أوين كان
ت بالنَّتائج المنشودة ،أ َّما حفيده فأصغر ،و ...وله زوجة قويَّة .مؤسف أن تاينا ال رقَّاه إيرس ،وديعًا لم يأ ِ
يُمكن أن تشغل منصب يد الملك .إنها تفوق زوجها رجولةً ثالث مرَّات ،ثم إنها مصدر تسلي ٍة أفضل
كثيرًا ،لكنها مولودة في (مير) ،عالوةً على كونها أنثى ،ولذا فال مف َّر من االكتفاء بأورتون« .ال َش َّ
ك لد َّ
ي
في أنك أقدر من السير هاريس» .محتويات وعاء فضالتي أقدر من السير هاريس« .هل تُوافِق على
الخدمة؟».
ي َشرفًا عظي ًما».
جاللتك تُسبِغين عل َّ
ِ « -أنا ...نعم ،بالطَّبع.
باقتدار في منصب كبير القُضاة يا سيِّدي ،وستستمرُّ في فِعل ٍ َشرفًا أعظم مما تستأ ِهل .قالت« :لقد خدمتني
هذا خالل ...األوقات العصيبة التي تنتظرنا» ،ول َّما رأت أن ميريويذر أدركَ ما تُنَ ِّوه به التفتَت الملكة
تبتسم للمغنِّي قائلةً« :وأنت أيضًا يجب أن تُكافَأ على األغاني الجميلة التي غنَّيتها لنا بينما نأكل .لقد أنع َمت
عليك اآللهة بموهب ٍة رائعة».
جاللتك أن تقولي هذا».
ِ انحنى المغنِّي مجيبًا« :لُطف من
قالت سرسي« :ليس لُطفًا بل مجرَّد شهاد ٍة بالحقيقة .تاينا قالت لي إنك تُ َس َّمى ال َّشاعر األزرق».
صاحبة الجاللة» .حذاء المطرب من ِجلد العجول اللَّيِّن ،وسراويله من الصُّ وف األزرق النَّاعم، ِ « -نعم يا
الالمع ،بل ويَصبُغ َشعرهوالسُّترة التي يرتديها من الحرير األزرق الباهت المشرَّط بالساتان األزرق َّ
باألزرق أيضًا على غرار أهل (تايروش) ،و َشعره هذا طويل مجعَّد ينسدل على كتفيه وتفوح منه رائحة
تشي بأنه مغسول بماء الورد .ماء ور ٍد أزرق ال ريب .على األقل له أسنان بيضاء .أسنانه نضيدة وليس
فيها اعوجاج على اإلطالق.
« -أليس لك اسم آخَر؟».
لصبي من
ٍّ صغري كان اسمي وات .اسم ال بأس به
أجاب« :في ِ
َ اصطبغَت وجنتاه بشي ٍء من الوردي إذ
ٍّ
بمغن». األرياف ،لكنه أق َّل جدارةً
لعينَي ال َّشاعر األزرق لون عينَي روبرت ذاته ،ولهذا السَّبب وحده كرهَته« .من السَّهل أن أرى سبب
كونك مغنِّي الليدي مارچري األثير».
« -جاللة الملكة لطيفة ،تقول إنني أمتِّعها».
« -أوه ،إنني واثقة .هل لي أن أرى عودك؟».
صاحبة الجاللة» .تحت كياسته كانت لمحة خافتة من التَّوتُّر ،وإن ناولَها عوده على الرغم ِ « -كما تأمر
من هذا ،فال أحد يَرفُض للملكة طلبًا.
داعبَت سرسي وترًا وابتس َمت للنَّغمة ،ثم قالت« :صوت جميل وحزين كالحُب .أخبِرني يا وات ...أول
م َّر ٍة أخذت مارچري إلى الفِراش ،أكان هذا قبل زواجها بابني أم بَعده؟».
جاللتك مغلوطة .أقس ُم لك أنني لم.»...
ِ للحظ ٍة لم يب ُد أنه فه َم ،ول َّما فع َل اتَّسعت عيناه ،وقال« :معلومات
صا َحت سرسي« :كاذب!» ،وضربَت المغنِّي في وجهه بالعود بق َّو ٍة فجَّرت الخشب إلى شظايا ،ثم قالت:
استدع َحرسي و ُخذ هذا المخلوق إلى ال َّزنازين».
ِ «لورد أورتون،
قال أورتون ميريويذر بوج ٍه بلَّله عَرق الخوف« :هذه ال ...أوه ،المخزاة ...كيف جر َؤ على إغواء
الملكة؟».
حدث ،لكنه يظلُّ خائنًا .فليُغَنِّ للورد كايبرن».
َ « -أخشى أن العكس
امتق َع وجه ال َّشاعر األزرق ،وقال وال َّدم يَقطُر من شفته حيث م َّزقها العود« :ال ،إنني لم ،» ...ول َّما أطب َ
ق
ُحماك يا أ َّمنا ،ال!».
ِ ميريويذر على ذراعه صر َخ« :ر
لست أُ َّمك».
قالت له سرسيُ « :
يمض وقت طويل حتى
ِ حتى في ال َّزنازين السَّوداء لم تنَل منه َّإال اإلنكار والتَّضرُّ ع واالسترحام ،ولم
سالَت الدِّماء على ذقنه من أسنانه المحطَّمة وبلَّل سراويله ال َّزرقاء ال َّداكنة ثالث مرَّات ،وعلى الرغم من
ك ِّل هذا أص َّر الرَّجل على أكاذيبه.
سألَت سرسي« :أيُمكن أنه المغنِّي الخطأ؟».
« -كلُّ شي ٍء ممكن يا جاللة الملكة .ال تخافي ،سيعترف الرَّجل قبل أن تنتهي اللَّيلة» .هنا في ال َّزنازين
خاطب ال َّشاعر األزرق ً
قائال بنبر ٍة رفيقة مهمومة: َ يرتدي كايبرن الصُّ وف الخشن ومئزر ح َّدا ٍد ِجلديًّا ،وقد
«أعتذ ُر إذا عاملَك ال ُحرَّاس بخشونة .إنهم يفتقرون إلى الكياسة لألسف .لسنا نُريد منك َّإال الحقيقة».
الجدار الحجري البارد بق َّوة« :لقد ُ
قلت الحقيقة». قال المغنِّي منتحبًا والقيود الحديديَّة تُثَبِّته إلى ِ
ت في ضوء المشاعل، ُمسك بيده موسًى تلتمع حافتها بخفو ٍ « -ونحن نعرف أنك لم تقلها» .كان كايبرن ي ِ
صار عاريًا َّإال من حذائه األزرق طويل العُنق ،ووجدَت سرسي َ وبها قطَّع ثياب ال َّشاعر األزرق إلى أن
مرأى ال َّشعر البنِّي بين ساقيه طريفًا .قالت آمرةً« :أخبِرنا كيف كنت تُ َرفِّه عن الملكة الصَّغيرة».
وعزفت .ستُخبِرك رفيقاتها .إنهن معها طوال الوقت ،بنات ُ يت ،هذا كلُّ شيء ،غنَّ ُ
يت « -لم ...لقد غنَّ ُ
عمومتها».
« -وكم منهن واقَعت؟».
أرجوك».
ِ « -وال واحدة .إنني مجرَّد مغ ٍّن.
قال كايبرن« :جاللة الملكة ،ربما غنَّى هذا المسكين فقط لمارچري بينما تستضيف ُع َّشاقًا آخَرين».
يت ،غنَّ ُ
يت فقط.»... « -ال ،أرجوك .إنها لم ...لقد غنَّ ُ
قائال« :هل تأخذ حلمتيك في فمها عندما تتطا َرحان الغرام؟»، مرَّر اللورد كايبرن يده على صدر المغنِّي ً
ط واحدةً بسبَّابته وإبهامه ولواها متابعًا« :بعض ال ِّرجال يستمتع بهذا ،حلماتهم حسَّاسة كالنِّساء»، والتق َ
ضت الموسى وصر َخ المغنِّي ،وعلى صدره ذرفَت عين حمراء مبتلَّة ال َّدم. ووم َ
شع َرت سرسي بالغثيان ،وأرا َد جزء منها أن تُغلِق عينيه ،أن تُشيح بوجهها ،أن تضع ح ًّدا لهذا ،لكنها
الملكة وهذه خيانة .ما كان اللورد تايوين ليُشيح بوجهه.
في النِّهاية حكى ال َّشاعر األزرق قصَّة حياته كلَّها منذ يوم ميالده األول .كان أبوه متعهِّد تموين سُفن ونشأ
صباه أنه أكثر مهارةً في صُنع األعواد من البراميل ،ول َّما بل َغ الحرفة ،لكنه اكتشفَ في ِ وات على هذه ِ
وجاب ِنصف أنحاء َ هرب لينض َّم إلى فرق ٍة من الموسيقيِّين سم َع أداءهم في مهرجان، َ الثَّانية عشرة
(المرعى) قبل مجيئه (كينجز الندنج) على أمل أن يجد حظوةً في البالط.
قائال« :حظوة؟ أهكذا تُ َس ِّميها النِّساء اآلن؟ أخشى أنك وجدت قدرًا كبيرًا للغاية منها يا قهقهَ كايبرن ً
صديقي ...ومن الملكة الخطأ .الملكة الحقيقيَّة تقف أمامك».
عاش وات حياةً طويلةً مثمرةً ،يُ َردِّد أغانيه َ نعم .تلوم سرسي مارچري تايرل على هذا .لوالها فلربما
ُضاجع راعيات الخنازير وبنات ال ُمزارعين .تآ ُمرها أرغ َمني على هذا .لقد ل َّوثتني بخيانتها. وي ِ
قبل مطلع الفَجر كانت الدِّماء تمأل حذاء المغنِّي األزرق طويل العُنق ،وأخب َرهما كيف تُدا ِعب مارچري
ت أخرى يُ َغنِّي لها فيما تُشبِع شهواتها مع
نفسها بينما تُشا ِهد بنات ُعمومتها يُ َمتِّعنه بأفواههن ،وفي أوقا ٍ
ق آخَرين .سألَت الملكةَ « :من هُم؟» ،فذك َر المأفون وات أسماء السير تاالد الطَّويل والمبرت تِرنبري
ُع َّشا ٍ
وچاالبار شو والتَّوأمين ردواين وأوزني ِكتلبالك وهيو كليفتون ...وفارس ُّ
الزهور.
أثار هذا استياءها .إنها ال تجرؤ على تلويث اسم بطل معركة (دراجونستون) ،ثم إن ال أحد يعرف السير َ
ُصدِّق هذا .كذلك ،ال يُمكن أن يكون التَّوأمان ردواين جز ًءا من األمر ،فدون (الكرمة) لوراس سي َ
وأسطولها ال أمل للبالد في الخالص من يورون عين ال ُغراب ورجاله الحديديِّين المالعين« .لست تلفظ َّإال
رجال رأيتهم في مسكنها .نُريد الحقيقة!».
ٍ أسماء
« -الحقيقة» .نظ َر إليها وات بالعين ال َّزرقاء الواحدة التي تر َكها له كايبرن ،وبقبقَت الدِّماء من الفتحات
أسأت التَّذ ُّكر».
ُ التي كانت أسنانه تحتلُّها ،وقال« :ربما...
« -لم يكن لهوراس وهوبر دور في األمر ،أليس كذلك؟».
« -بلى ،ليس هما».
« -وبالنِّسبة إلى السير لوراس فأنا واثقة بأن مارچري تُ َج ِّشم نفسها عنا ًء كبيرًا إلخفاء ما تفعله عن
أخيها».
اختبأت تحت الفِراش حين أتى السير لوراس لزيارتها .قالت لي :يجب َّأالُ « -نعم ،اآلن أذك ُر .في م َّر ٍة
يعرف أبدًا».
ض ُل هذه األغنيَّة على األخرى» .فلتَترُك اللوردات الكبار خارج األمر ،هذا أفضل .أ َّما اآلخَرون... « -أف ِّ
منفي ،وكليفتون الوحيد المذكور من َحرس ٌّ السير تاالد كان فارسًا متج ِّو ًال من قبل ،وچاالبار شو شحَّاذ
أعرف أنك مرتاح أكثر اآلن وقد قلت الحقيقة .عليك أن ُ الملكة الصَّغيرة .وأوزني أساس المسألة كلِّها« .
تتذ َّكرها عندما تَمثُل مارچري للمحا َكمة .إذا بدأت تكذب ثانيةً.»...
« -لن أفعل ،سأقو ُل الحقيقة ،وبَعدها.»...
احرص على « -سيُس َمح لك باالنضمام إلى َحرس اللَّيل ،لك كلمتي» ،والتفتَت سرسي إلى كايبرن قائلةًِ « :
تنظيف جروحه وتضميدها ،واسقِه حليب الخشخاش لتخفيف األلم».
جاللتك شديدة اللُّطف» ،وأسق َ
ط الموسى ال َّدامية في دل ٍو من الخل ،وقال« :ربما تتسا َءل ِ َر َّد كايبرن« :
ذهب شاعرها». َ مارچري أين
« -المغ ُّنون يروحون ويأتون ،إنهم شهيرون بهذا».
صعدَت سرسي درجات ال َّزنازين السَّوداء الحجريَّة القاتمة الهثةً ،وقالت لنفسها :يجب أن أستريح.
الحصول على الحقيقة عمل مض ٍن ،كما أنها تخشى ال ُخطوة التَّالية .ال بُ َّد أن أكون قويَّةً .ال أفع ُل ما أفعله
نبوءتك أيتها العجوز .ربما أكبَ ُر
ِ َّإال في سبيل تومن والبالد .مؤسف أن ماجي الضِّفدعة ماتَت .بو ٌل على
ط ،وقريبًا ستموت. الملكة الصَّغيرة ِسنًّا ،لكنها لم تكن أجمل مني قَ ُّ
كانت الليدي ميريويذر منتظرةً في ُغرفة نومها .ما زا َل اللَّيل حال ًكا ،أقرب إلى الفَجر من الغسق،
وچوسلين ودوركاس كلتاهما نائمة ،ولكن ليس تاينا التي سألَتها« :أكان األمر شنيعًا؟».
« -لن تتص َّوري .أحتا ُج إلى النَّوم لكن أخشى أن أحلم».
ملَّست تاينا على َشعرها قائلةً« :كلُّ هذا من أجل تومن».
ر َّدت سرسي« :أعل ُم ،أعل ُم أنه كذلك» ،وارتجفَت مردفةًَ « :حلقي جاف .كوني حُلوةً و ُ
صبِّي لي ً
قليال من
النَّبيذ».
مشيئتك .ال أبغي َّإال أن ألبِّيها».
ِ « -إذا كانت هذه
كاذبة .إنها تعلم ما تبغيه تاينا .ليكن إذن .ما دا َمت المرأة مفتونةً بها فسيُسا ِعدها افتتانها على ضمان
ق هذا بضع قُبالت .ليست أسوأ من أكثر الرِّجال .على عالم زاخر بالخيانة يستح ُّ إخالصها وزوجها ،وفي ٍ
األقل خطر الحمل منها غير وارد.
ساعدَها النَّبيذ ولكن ليس كفايةً ،وإذ وقفَت الملكة في النَّافذة حاملةً كأسها قالت متذ ِّمرةً« :أشع ُر بأنني
مل َّوثة».
ظت دوركاس وچوسلين وأرسلَتهما قالت الليدي ميريويذر« :االستحمام كفيل بعالج هذا يا جميلتي» ،وأيق َ
تجلبان ما ًء ساخنًا ،وبينما مألَتا الحوض ساعدَت الملكة على خلع ثيابها ،فحلَّت أربطة فُستانها بأصابع
رشيقة وأنزلَته عن كتفيها برفق ،ثم إنها خل َعت فُستانها بدورها وتر َكته يتك َّوم على األرض.
ظهرها بين ذراعَي تاينا ،وقالت للمايريَّة« :ال بُ َّد نزلَت االثنتان في الحوض معًا ،وتم َّددت سرسي على َ
يوم إلى السِّپت ليَطلُبا من اآللهة من إعفاء تومن من معرفة أسوأ التَّفاصيل .ما زالَت مارچري تأخذه ك َّل ٍ
ض ا. أن تشفي أخاها» .ال يزال السير لوراس متشبِّثًا بالحياة على نح ٍو مزعج« .إنه مغرم ببنات عمومتها أي ً
ق عليه أن يفقدهن جميعًا». سيش ُّ
اقترحت الليدي ميريويذر قائلةً« :ربما ال تكون ثالثتهن مذنبات ،ربما لم تشترك واحدة منهن مع َ
األخريات .إذا أخزاها وأغثاها ما رأته.»...
...« -فربما يُمكن إقناعها بال َّشهادة على البقيَّة .نعم ،ممتاز ،لكن أيُّهن البريئة؟».
« -آال».
« -الخجول؟».
« -هكذا تبدو ،لكن فيها ُخبثًا أكثر من الخجل .اترُكيها لي يا جميلتي».
« -بك ِّل سرور» .اعتراف ال َّشاعر األزرق وحده لن يكفي أبدًا ،إذ إن دأب المغنِّين أن يكسبوا رزقهم
بالكذب ،لكن آال تايرل ستُسا ِعدها كثيرًا إذا استطاعَت تاينا أن تجعلها تعترف« .السير أوزني أي ً
ضا
سيعترف ،ويجب إفهام اآلخَرين أن من خالل االعتراف وحده يُمكنهم أن ينالوا عفو الملك َّ
والذهاب إلى
الجدار)» .سيجد چاالبار شو الحقيقة َّ
جذابةً ،ولو أنها أقلُّ ثقةً باآلخَ رين ،وإن كان كايبرن يُجيد اإلقناع... ( ِ
كان الفَجر يَب ُزغ على (كينجز الندنج) عندما خر َجتا من الحوض وقد ابيضَّت بشرة الملكة وتجعَّدت من
انغمارها الطَّويل في الماء .قالت لتاينا« :ابقي معي ،ال أري ُد أن أنام وحدي» ،ثم إنها ر َّددت ُدعا ًء قبل أن
تَد ُخل تحت األغطية ،تُنا َشد (األُم) األحالم الطيِّبة.
على أن ُدعاءها كان مضيعةً ألنفاسها ،فكالمعتاد ص َّمت اآللهة آذانها .حل َمت سرسي بأنها في ال َّزنازين
بدال من المغنِّي .كانت الجدار ًالسَّوداء من جديد ،لكن الفرق هذه المرَّة أنها هي المقيَّدة بالسَّالسل إلى ِ
العفريت حلمتيها بأسنانه ،وقالت له متوسِّلةً« :أرجوك، عاريةً وال َّدم يَقطُر من طرفَي ثدييها حيث م َّزق ِ
ضا كان عاريًا، أرجوك ،ليس أطفالي ،ال تُؤذي أطفالي» ،لكن تيريون اكتفى بالنَّظر إليها شزرًا .هو أي ً
يُ َغطِّي جسده َشعر خشن يجعله يبدو أقرب إلى قر ٍد من إنسان ،وقال لها« :سترينهم يُتَ َّوجون وسترينهم
ين ساخن.يموتون» ،ثم أخ َذ ثديها النَّازف في فمه وبدأ يمصُّ ،وسرى األلم فيها كس ِّك ٍ
ُ
صرخت؟ آسفة». ظت مرتعدةً بين ذراعَي تاينا ،وقالت« :حُلم سيِّئ .هل استيق َ
« -في نور النَّهار تتح َّول األحالم إلى تُراب .أهو القزم م َّرةً أخرى؟ لماذا يُخيفك ذلك الرَّجل الصَّغير
السَّخيف هكذا؟».
ُ
أردت أن أعرف َمن سأتز َّوجُ ،لكنها قالت.»... « -سيَقتُلني .إنها نبوءة منذ ُ
كنت في العاشرة.
َ « -من قالت؟».
« -المايجي» .تدفَّقت منها الحكاية وهي ال تزال تسمع ميالرا هيذرسپون تقول مص َّرةً إن امتناعهما عن
الكالم عن النُّبوءة سيحول دون تحقُّقها .لكنها لم تَص ُمت في البئر ،بل صا َحت وصرخَ ت« .تيريون هو
الڤالونڬار .هل تستخدمون هذه الكلمة في (مير)؟ إنها ڤاليريَّة فُصحى ،تعني األخ الصَّغير» .كانت قد
سألَت السِّپتة سارانيال عن الكلمة بَعد غرق ميالرا.
ت التقطَت تاينا يدها وملَّست عليها قائلةً« :كانت امرأةً مفعمةً بال ُكره ،عجو ًزا مريضةً قبيحةً ،وكن ِ
ت أن ِ
ت إنها عا َشت في (النسپورت) ،أي أنها سم َعت بالتَّأكيد بمولد صغيرةً جميلةً مفعمةً بالحياة والكبرياء .قل ِ
جرحك بلسان
ِ لمقامك ،فس َعت إلى
ِ ضربك بيدها نظرًا
ِ القزم وكيف قت َل أ َّم ِك .تلك المخلوقة لم تَجسُر على
الحيَّة».
صدِّق هذا« .لكن ميالرا ماتَت كما قالت ال ُّنبوءة ،ولم أتز َّوج األمير أهذا ممكن؟ كم تُريد سرسي أن تُ َ
ريجار ،وچوفري ...القزم قت َل ابني أمام عينَي».
جميال قويًّا ،وال أذى سيمسُّه أبدًا».
ً لك آخَر
قالت الليدي ميريويذر« :ابن واحد ،لكن ِ
صدِّق .في نور النَّهار تتح َّول األحالم إلى دمت على قيد الحياة» .مجرَّد القول جعلَها تُ َ ُ « -مستحيل ما
تُراب ،نعم .في الخارج تسطع شمس الصَّباح متخلِّلةً سدي ًما من السَّحاب ،وخر َجت سرسي من تحت
األغطية قائلةً« :سأفط ُر مع الملك هذا الصَّباح .أري ُد أن أرى ابني» .ال أفع ُل ما أفعله َّإال في سبيله.
ساعدَها تومن على استعادة رباطة جأشها .لم تحسَّ به غاليًا نفيسًا من قبل كهذا الصَّباح إذ را َح يُثَرثِر عن
هُريراته وهو يصبُّ العسل على قطع ٍة من ال ُخبز األسمر السَّاخن ،وقال لها« :السير پاونس اصطا َد فأرًا،
لكن الليدي ويسكرز سرقَته منه».
ط بهذه العذوبة أو البراءة .كيف يأمل أن يقوى على حُكم هذه البالد القاسية؟ تُريد األُم في داخلها لم أكن قَ ُّ
وإال الته َمه العرش الحديدي ال محالة .قالت له: أن تحميه ،والملكة في داخلها تعلم أن عليه أن يصير أقوى َّ
«على السير پاونس أن يتعلَّم أن يُدافِع عن حقوقه .في هذا العالم يقع الضُّ عفاء ضحايا لألقوياء طوال
الوقت».
ف َّكر الملك في قولها وهو يلعق العسل من على أصابعه ،ثم قال« :ل َّما يعود السير لوراس سأتعلَّ ُم القتال
بالرُّ مح والسَّيف وال ُكرة ال َّشائكة ِمثله».
قالت الملكة« :ستتعلَّم القتال ولكن ليس من السير لوراس .إنه لن يعود يا تومن».
صلِّي من أجله ،نسأل (األُم) أن ترحمه و(ال ُمحارب) أن يُعطيه الق َّوة.« -مارچري تقول إنه سيعود .نحن نُ َ
إلينور تقول إن هذه أصعب معارك السير لوراس».
الظهر مع الذهبيَّة التي تُ َذ ِّكرها كثيرًا بچوف ،وسألَته« :هل ستقضي بَعد ُّ
ملَّست على َشعره ،على ال ُخصل َّ
زوجتك وبنات عمومتها؟».
« -ليس اليوم .قالت إن عليها أن تصوم وتُطَهِّر نفسها».
تصوم وتُطَهِّر نفسها ...أوه ،من أجل عيد (العذراء) .لقد مرَّت سنوات منذ كان على سرسي االحتفال بهذا
العيد الدِّيني تحديدًا .تز َّوجت ثالث مرَّات وال تزال تُريدنا أن نعتقد أنها بِكر .سترتدي الملكة الصَّغيرة ثيابًا
بيضاء محتشمةً وتقود دجاجاتها إلى ( ِسپت بيلور) لتُضيء ال ُّشموع البيضاء الطَّويلة عند قد َمي (العذراء)
وتُ َعلِّق أكاليل من الرَّقوق حول ُعنقها المق َّدس .بعض دجاجاتها على األقل .في عيد (العذراء) تُمنَع
األ َّمهات واألرامل والعاهرات على َح ِّد سواء من دخول السِّپتات ،وكذا الرِّ جال ،خشية تدنيس ترانيم
البراءة المق َّدسة .وحدهن العذراوات مسموح لهن...
قلت شيئًا خطأ ً يا أ ِّمي؟».
« -هل ُ
قبَّلت سرسي جبهة ابنها ،وقالت« :بل قلت شيئًا في غاية الحكمة يا عزيزي .واآلن اذهب والعب مع
قِططك».
بَعدها استدعَت السير أوزني ِكتلبالك إلى ُغرفتها ال َّشمسيَّة ،فجا َء متبخترًا يتصبَّب عَرقًا من التَّدريب في
السَّاحة ،وبينما جثا أمامها جرَّدها من مالبسها بنظراته كما يفعل دو ًما.
« -انهض أيها الفارس وتعا َل اجلس إلى جواري .لقد أسديتَني صنيعًا ُشجاعًا من قبل ،لكن اآلن لد َّ
ي مه َّمة
لك تتطلَّب صالبةً أكثر».
لك». « -نعم ،وأنا لد َّ
ي شيء صُلب ِ
ر َّدت« :يجب أن نُرجئ ذلك» ،ومرَّرت أناملها بخفَّ ٍة على ندوب وجهه متابعةً« :أتَذ ُكر العاهرة التي
أصابَتك بهذه النُّدوب؟ سأعطيك إياها عندما تعود من ( ِ
الجدار).
هل تحبُّ هذا؟».
ت».
أريدك أن ِ
ِ «-
أوال عليك أن تعترف بخيانتك .من شأن ترك خطايا المرء تتعفَّن فيكانت إجابته الصَّحيحة ،فقالتً « :
أعرف أن الحياة مع ما اقترفت صعبة عليك ،وحانَ الوقت ألن تُ َخلِّص نفسك من
ُ داخله أن يُ َس ِّمم روحه.
عارك».
قلت ألوزني إن مارچري تُعابِثني فقط ،وال تَترُكني أفع ُل أكثر
بدا أوزني حائرًا إذ قال« :عاري؟ لقد ُ
من.»...
بت َرت سرسي عبارته« :شهامة منك أن تحميها ،لكنك فارس أنبل من أن تُ ِ
واصل الحياة مع جريمتك .ال،
يجب أن تأخذ نفسك إلى ( ِسپت بيلور الكبير) اللَّيلة تحديدًا وتتكلَّم مع السِّپتون األعلى .حين تكون ذنوب
صاحب القداسة األعلى نفسه إنقاذه من عذاب الجحيم .أخبِره كيف كنت ِ المرء بهذا السَّواد ال يستطيع َّإال
ضاجع مارچري وبنات عمومتها». تُ ِ
سائال« :ماذا؟ بنات عمومتها أيضًا؟». ً ق إليهاحمل َ
أجابَت وقد حز َمت أمرهاِ « :مجا وإلينور فقط وليس آال» .هذه التَّفصيلة الصَّغيرة ستجعل القصَّة أكثر
قابليَّةً للتَّصديق« .آال اعتادَت الجلوس باكيةً تتوسَّل إلى األخريات أن يتوقَّفن عن المعصية».
ِ « -مجا وإلينور فقط أم مارچري أيضًا؟».
« -مارچري أيضًا بكلِّ تأكيد .إنها وراء األمر ب ُر َّمته».
أخب َرته بكلِّ ما تُفَ ِّكر فيه ،وإذ أنصتَ أوزني زحفَ الفهم بتؤد ٍة على وجهه ،ول َّما فرغَت قال« :بَعد أن
تقطعي رأسها أري ُد أن أنال تلك القُبلة التي لم تمنحني إياها».
« -لك أن تنال ك َّل ما ترغب من قُبل».
الجدار)؟».
« -ثم ( ِ
« -لفتر ٍة قصيرة .تومن ملك غفور».
ك أوزني وجنته النَّديبة ً
قائال« :عادةً عندما أكذبُ بخصوص امرأ ٍة أقو ُل أنا إنني لم أضاجعها وتصرُّ هي َح َّ
جحيم ما لهذا ،إلى
ٍ أظن أن المرء يذهب إلى على العكس .هذا ...إنني لم أكذب على ِسپتون أعلى من قبل! ُّ
واحد ٍة من الجحائم السيِّئة».
آخر ما توقَّعته من أحد اإلخوة ِكتلبالك هو التَّقوى« .هل تَرفُض أن تُطيعني؟».انده َشت الملكةِ .
الذهبي« :ال .المسألة أن أفضل األكاذيب يحوي شيئًا من الحقيقة ...إنها قال أوزني متح ِّسسًا َشعرها َّ
ضاجعت ملكةً.»...
ُ ت تُريدينني أن أعترف بأننيتُعطيها نكهةً إن جازَ التَّعبير ،وأن ِ
ً
طويال بالفعل وهناك الكثير على المحك .ال أفع ُل كادَت تصفعه على وجهه ...كادَت ،لكنها قط َعت شو ً
طا
ما أفعله َّإال في سبيل تومن .د َّورت رأسها والتق َ
طت يدَي السير أوزني ولث َمت أصابعه الصُّ لبة الخشنة من
حمل السُّيوف .روبرت كانت يداه كهاتين.
أعطنيِ ت مبحوح هم َست« :ال أري ُد أن يُقال إنني جعلتك تكذب. ط َّوقت سرسي ُعنقه بذراعيها ،وبصو ٍ
ساعةً ثم قابِلني في ُغرفة نومي».
قال أوزني« :انتظَرنا بما فيه الكفاية» ،و َدسَّ أصابعه في صدر فُستانها و َش َّده مم ِّزقًا الحرير بصو ٍ
ت
مرتفع حتى إن سرسي خشيَت أن نِصف قاطني (القلعة الحمراء) سمعوه ،ثم إنه أضافَ « :اخلعي البقيَّة
ُمكنك االحتفاظ بالتَّاج .إنني أحب ُِّك بالتَّاج».
ِ قبل أن أم ِّزقها أيضًا ،لكن ي
األميرة في البُرج
ٌ
سجن مترف. سجنها
وجدَت آريان في هذا سُلوانًا ،فلِ َم يُ َج ِّشم أبوها نفسه ك َّل هذا العناء ويُ َوفِّر لها جميع وسائل الرَّاحة في
محبسها لو أنه حك َم عليها بالموت ميتة الخونة؟ مئة م َّر ٍة قالت لنفسها :ال يُمكن أنه ينوي أن يَقتُلني .القسوة
ليست من طباعه .أنا دمه ونسله ،وريثته ،ابنته الوحيدة .إذا لز َم األمر ستُلقي نفسها على عجلتَي مقعده
المتح ِّرك وتعترف بغلطتها وتتوسَّل ُغفرانه ،وستبكي أيضًا ،وحين يرى ال ُّدموع تسيل على وجهها
سيُسا ِمحها.
لكنها ال تحسُّ بالثِّقة نفسها بقُدرتها على أن تُسا ِمح نفسها.
آسرها قائلةً« :آريو ،لم أُ ِرد قَ ُّ
ط خالل الرِّ حلة الطَّويلة الجافَّة من (ال َّدم األخضر) إلى (صنسپير) استجدَت ِ
أن يُصيب الفتاة أذى ،صدِّقني» ،فلم ير َّد هوتا َّإال بزمجرة ،وشع َرت آريان بغضبه .لقد فلتَ منه النَّجم
المظلم ،العضو األخطر على اإلطالق في مجموعتها الصَّغيرة من المتآمرين ،ضلَّل ُمطارديه جميعًا
واختفى في الصَّحراء العميقة والدِّماء تُلَ ِّوث سيفه.
صغري ،ودائ ًما حميتني كما حميت قالت آريان والفراسخ تمرُّ « :أنت تعرفني أيها القائد ،تعرفني منذ ِ
السيِّدة والدتي منذ جئت معها من (نورڤوس ال ُكبرى) لتكون حارسها في هذا البلد الغريب .إنني محتاجة
إلى مساعَدتك .لم تكن نيَّتي أن.»...
آسف ،لكن ألميريٌ ت. َّتك ال ته ُّم يا أميرتي الصَّغيرة ،فقط ما فعل ِ
قاط َعها آريو هوتا بمالمح من حجر« :ني ِ
األمر وعلى هوتا الطَّاعة».
الزجاج المطليَّة بالرَّصاص في (بُرج ال َّشمس)، توقَّعت آريان أن يأخذها إلى مقعد أبيها العالي تحت القُبَّة ُّ
بدال من ذلك أخ َذها هوتا إلى (بُرج الحربة) ،ووض َعها تحت وصاية ريكاسو قهرمان أبيها والسير لكن ً
مانفري مارتل أمين القلعة .قال لها األول« :أرجو أن تُسا ِمحي عجو ًزا أعمى ِمثلي على عدم الصُّ عود
معك أيتها األميرة.
ِ
سيصحبك إليها السير مانفري
ِ هاتان السَّاقان ال تَصلُحان لتسلُّق ال َّدرجات الكثيرة .ث َّمة ُغرفة مجهَّزة ِ
لك
لتنتظري استدعاء األمير».
ضا؟» .افترقَت آريان عن جارين ودراي والبقيَّة بَعد « -تعني غضبة األمير .هل سيُحبَس أصدقائي هنا أي ً
ورفض هوتا أن يُخبِرها بما سيَح ُدث لهم ،ولم يقل بخصوص هذه المسألة َّإال« :القرار َ القبض عليهم،
ُ
لألمير» .على أن السير مانفري كان أكثر تعا ُونًا ،فأجابَها« :لقد أ ِخذوا إلى (بلدة األخشاب) وسيُنقَلون
بالسَّفينة إلى (جاستون جراي) إلى أن يُقَرِّر األمير دوران مصيرهم».
(جاستون جراي) قلعة قديمة متهدِّمة قابعة على صخر ٍة في (بحر دورن) ،معتقَل كئيب مخيف ال يُر َسل
إليه َّإال أسوأ المجرمين ليتعفَّنوا ويموتوا .قالت آريان مشدوهةً« :هل ينوي أبي أن يَقتُلهم؟! إنهم لم يفعلوا
ما فعلوه َّإال محبَّةً لي .إذا كان أبي يُريد ال َّدم فليكن دمي».
« -كما تقولين أيتها األميرة».
« -أري ُد أن أتكلَّم معه».
حسب» ،وأخ َذها من ذراعها وساقَها صاعدًا السَّاللم ،إلى أعلى وأعلى حتى َ قال السير مانفري« :هكذا
تقطَّعت أنفاسها .يرتفع (بُرج الحربة) مئةً وخمسين قد ًما ،وتقع زنزانتها قُرب الق َّمة .رمقَت آريان ك َّل با ٍ
ب
مرَّا به متسائلةً إن كانت إحدى أفاعي الرِّ مال حبيسةً في ال َّداخل.
وص َد استكشفَت آريان بيتها الجديد .ال ُغرفة واسعة جيِّدة التَّهوية ،وال تفتقر إلى سُبل ق بابها وأُ ِ
بَعد أن أُغلِ َ
الرَّاحة ،فعلى األرض بُسط مايريَّة ،وث َّمة نبيذ أحمر تشربه و ُكتب تقرأها ،وفي أحد األركان تستقرُّ طاولة
والجزع -ولو أن ال أحد هنالك يلعب معها إذا أرادَت أن تلعب- ْ طع منحوتة من العاج
سايڤاس من َّمقة بقِ ٍ
وهناك أيضًا فِراش بحشيَّ ٍة من ال ِّريش ،ومرحاض بمقع ٍد من الرُّ خام تُ َعطِّره سلَّة مألى باألعشاب ،كما أن
شرق من وراء البحر ،وتُتيح لها خالبة ،إذ تطلُّ على ال َّشرق نافذة ترى منها ال َّشمس تُ ِ المناظر من هنا َّ
أخرى أن تَنظُر إلى (بُرج ال َّشمس) باألسفل ،باإلضافة إلى األسوار الملتفَّة و(الب َّوابة ال ُّثالثيَّة).
ق االستكشاف وقتًا أق َّل مما كانت لتقضيه في عقد أربطة صندلها ،لكنه نج َح على األقل في الحيلولة استغر َ
دون انهمار دموعها فترةً .وجدَت آريان حوضًا وإبريقًا من الماء الفاتر وغسلَت يديها ووجهها ،لكن مهما
فر َكت نفسها فلن يُمكنها تنظيفها من الحُزن .آريس ،فارسي األبيض .مألَت ال ُّدموع عينيها ،وفجأةً
انفجرت في البُكاء و َر َّج النَّحيب جسدها كلَّه َر ًّجا .تذ َّكرت كيف شقَّت فأس هوتا الثَّقيلة لحمه وعظمه، َ
وكيف طا َر رأسه ودا َر في الهواء .لماذا فعلتها؟ لماذا فرَّطت في حياتك؟ لم أقل لك أن تفعلها ،لم أرغب
ُ
أردت... ُ
أردت... ُ
أردت فقط... في هذا،
ليلتها ب َكت حتى النَّوم ...للمرَّة األولى وإن لم تكن األخيرة .حتى في أحالمها لم تجد سال ًما .حل َمت بآريس
أوكهارت يُ َمسِّد جسدها ،يبتسم لها ،يقول لها إنه يحبُّها ...لكن طيلة الوقت كانت السِّهام منغرسةً فيه وتبكي
ُدرك أن هذا كابوس حتى في أثنائه ،وأخب َرت جروحه د ًما محيلةً أبيضه إلى أحمر .جزء منها كان ي ِ
األميرة نفسها :كلُّ هذا سيختفي حين يطلع الصُّ بح ،لكن الصُّ بح طل َع وهي ال تزال في زنزانتها ،وال يزال
ط ،لم أُ ِرده .لم تكن نيَّتي أن يمسَّ الفتاة سوء ،لم أُ ِرد لها َّإال أن
السير آريس ميتًا ،ومارسال ...لم أُ ِرد هذا قَ ُّ
تكون ملكةً .لو لم نتعرَّض للخيانة...
غضبها ،ولقد تشبَّثت آريان بهذا الغضب وأز َكت به النَّار في قال هوتا إن أحدهم وشى ،ولم تزَل ال ِّذكرى تُ ِ
قلبها .الغضب أفضل من ال ُّدموع ،أفضل من األسى ،أفضل من النَّدم .أحدهم وشى ،أحد وثقَت به ،ومن
الحرس ،وال َّدم الذي سا َل على جرَّاء هذا ماتَ آريس أوكهارت ،قتلَته همسة الخائن كما قتلَته فأس قائد َ
وجه مارسال من صُنع الخائن أيضًا .أحدهم وشى ،أحد أحبَّته ،وهذا أبلغ الجروح قاطبةً.
وجدَت صندوقًا من خشب األَرز مليئًا بثيابها عند قدم الفِراش ،فخل َعت مالبسها التي وسَّخها السَّفر ونا َمت
بها ثم ارتدَت أكثر ِغالل ٍة كاشفة وجدَتها ،خيوطًا من الحرير تُ َغطِّي ك َّل شي ٍء وال تُخفي شيئًا .ربما يُعا ِملها
األمير دوران كأنها طفلةَّ ،إال أنها تأبى أن تلبس ثياب طفلة ،وتعلم أن ما ترتديه سيُز ِعج أباها حين يأتي
ي أن أزحف وأبكي فلينزعج هو أيضًا. يُ َوبِّخها على الهرب بمارسال ،بل وتعتمد على هذا .إذا كان عل َّ
صف النَّهار .سألَتهم: توقَّعت أن يأتيها اليوم ،لكن حين انفت َح الباب أخيرًا لم يظهر َّإال خدمها بوجبة منت َ
«متى أرى أبي؟» ،لكن أحدًا لم ي ُِجبها .ق َّدموا لها جديًا مشويًّا باللَّيمون والعسل ،ومعه ورق عنب محش ًّوا
بخليط من ال َّزبيب والبصل وعيش ال ُغراب وفلفل التنِّين الحرِّيف .في طريقهم إلى (جاستون جراي) يأكل ٍ
لست جائعةًُ .خذوا هذا وائتوني باألمير أصدقاء آريان بسكويت السُّفن واللَّحم البقري المملَّح ،فقالتُ « :
ت أبوها ،وبَعد م َّد ٍة أضعفَ الجوع تصميمها ،فجل َست وأكلَت. دوران» ،لكنهم تركوا الطَّعام ولم يأ ِ
دارت في بُرجها م َّرةً وثالثًا وتسعًا ،وجل َست إلى طاولة السايڤاس ما إن أكلَت آريان لم تجد ما تفعلهَ .
فيال بفتور ،واسترا َحت على المقعد المجاور للنَّافذة وحاولَت أن تقرأ كتابًا إلى أن تش َّوشت وحرَّكت ً
الكلمات وأدر َكت أنها تبكي مج َّددًا .آريس أيها العزيز ،فارسي األبيض ،لماذا فعلتها؟ كان يجب أن
احتبس في فمي .أيها األحمق ال ُّشجاع ،لم تكن نيَّتي أن تموت ،أو َ حاولت أن أقول لك لكن الكالم ُ تستسلم.
ق اآللهة ،تلك الصَّغيرة... لمارسال أن ...أوه ،ب َح ِّ
في النِّهاية عادَت إلى فِراشها .كان العالم قد أظل َم ،وال شيء تفعله َّإال النَّوم .أحدهم وشى ،أحدهم وشى.
صدِّق أن أحدهم قد جارين ودراي وسيلڤا الرَّقطاء أصدقاء طفولتها ،أع َّزاء عندها كابنة ع ِّمها تايين ،وال تُ َ
انقلب بسيفه على المسكينة َ يشي بها ...لكن هكذا ال يتبقَّى َّإال النَّجم المظلم فقط ،وإذا كان هو الخائن فلِ َم
بدال من أن نُتَ ِّوجها .هذا ما قاله في (شانديستون) ،قال إنني هكذا سأنا ُل الحرب مارسال؟ أرا َد أن نَقتُلها ً
انقلب بسيفه على
َ التي أريدها .لكن ال يُعقَل أن داين الخائن .إذا كان السير چيرولد ال ُّس َّم في العسل حقًّا ،فلِ َم
بالذنب على شهوته؟ مارسال؟ أحدهم وشى .أيُمكن أنه السير آريس؟ هل تغلَّب إحساس الفارس األبيض َّ
هل أحبَّ مارسال أكثر منها وخانَ أميرته الجديدة تكفيرًا عن خيانته أميرته القديمة؟ هل أحسَّ بالعار مما
فعلَه لدرجة أنه فضَّل التَّفريط في حياته على ضفاف (ال َّدم األخضر) على العيش وموا َجهة الخزي؟ أحدهم
ت في اليوم التَّالي وال التَّالي، وشى .حين يأتي أبوها يراها ستعرف َمن .على أن األمير دوران لم يأ ِ
حاول أن تقرأ ،لكن ال ُكتب وتُ ِر َكت األميرة وحدها تذرع ال ُغرفة وتبكي وتلعق جراحها .في ساعات النَّهار تُ ِ
ش، التي تركوها لها مملَّة َح َّد الموت؛ ُكتب تاريخ قديمة ثقيلة ،و ُكتب جغرافيا وخرائط مز َّودة بحوا ٍ
ودراسة جافَّة كالتُّراب عن قوانين (دورن) ،ونُسخة من (النَّجمة السُّباعيَّة) و( ِسيَر السِّپتونات العُال)،
ومجلَّد ضخم عن التَّنانين جعلَها بوسيل ٍة ما أق َّل تشويقًا من َسمندل الماء.
كانت آريان لتدفع ثَمنًا باهظًا لقاء نُسخ ٍة من (عشرة آالف سفينة) أو (أحباب الملكة نايميريا) ،لقاء أيِّ
شي ٍء يشغل بالها ويجعلها تَهرُب من بُرجها ساعةً أو ساعتين ،لكنهم حرموها تلك التَّسلية.
والزجاج المل َّون باألسفل حيث يجلس ُّ عليها فقط أن تَنظُر من نافذتها لترى القُبَّة العظيمة المبنيَّة َّ
بالذهب
أبوها قلِقًا .قريبًا سيستدعيني.
الز َّوار الوحيدون المسموح بدخولهم عليها خدمها؛ بورس ب َشعر ف ِّكه القصير الخشن ،وتيموث الطَّويل ُّ
وسدرا الصَّغيرة الحسناء ،وبيالندرا العجوز التي كانت رفيقة الذي يش ُّع اعتدادًا ،واألختان مورا وميليِ ،
ُفرغون وعاء الفضالت تحت مرحاضها ،لكن فِراش أ ِّمها .يأتونها بالوجبات ،ويُبَدِّلون أغطية سريرها ،وي ِ
ُخاطبها .عندما تَطلُب مزيدًا من النَّبيذ يذهب تيموث ويجلبه ،وإذا رغبَت في أكل ٍة مفضَّلة - ال أحد منهم ي ِ
التِّين أو ال َّزيتون أو الفلفل المحشو بالجُبنة -فما عليها َّإال أن تُخبِر بيالندرا فتُلَبِّي طلبها .تأخذ مورا وميلي
استحمام وتغسل ِسدرا
ٍ مالبسها المتَّسخة وتعودان بها نظيفةً طيِّبة الرَّائحة ،وك َّل يومين يأتونها بحوض
الصَّغيرة الخجول ظَهرها بالصَّابون وتُ َم ِّشط َشعرها.
َّإال أن أحدًا منهم ال ينبس لها ببنت شفة ،وال يتعطَّفون عليها حتى بإخبارها بما يجري في العالم خارج
يوم سألَت بورس« :هل قبضوا على النَّجم المظلم؟ أما زالوا قفصها المبني بالحجر الرَّملي .في ٍ
ُطاردونه؟» ،لكن الرَّجل أوالها ظَهره وابتعدَ ،فصا َحت فيه آريان بح َّدة« :هل أصابَك الصَّمم؟ ارجع ي ِ
ب ينغلِق.
وأجبني ،هذا أمر» ،لكن جوابه الوحيد كان صوت با ٍ ِ
ط أن يُصيبها األذى». حدث لألميرة مارسال؟ لم أقصد قَ ُّ َ يوم آخَر حاولَت ثانيةً قائلةً« :تيموث ،ماذا في ٍ
آخر م َّر ٍة رأت األميرة األخرى كانت في طريق العودة إلى (صنسپير) .كانت مارسال أضعف من أن ِ
ض ِّم َد رأسها بالحرير حيث جر َحها النَّجم المظلم واتَّقدت عيناها تركب حصانًا فوضعوها في هودج ،وقد ُ
الخضراوان بال ُح َّمى« .قُل لي إنها لم تَ ُمت ،أتو َّس ُل إليك .ما الضَّرر من معرفتي؟ أخبِرني كيف حالها»،
غير أن تيموث امتن َع عن اإلجابة.
ت أ ِّمي يو ًما فأشفِقي على ابنتها المسكينة وأخبِريني متى أيام قالت آريان« :بيالندرا ،إذا أحبب ِ وبَعد بضعة ٍ
أرجوك» ،لكن بيالندرا أيضًا فقدَت لسانها. ِ أرجوك،
ِ ينوي أبي أن يأتي ويراني،
أهذه فكرة أبي عن التَّعذيب؟ ليس الحديد السَّاخن أو ال ِمخلعة وإنما -ببساطة -الصَّمت؟ لم يُد ِهشها أن ينحو
دوران مارتل هذا النَّحو حتى إنها ضح َكت رغ ًما عنها.
عف ال أكثر .قرَّرت أن تستمتع بالهدوء ،أن تستغ َّل الوقت في التَّعافي ض ٍ فطنًا بينما يتصرَّف ب َ يظن نفسه ِ ُّ
و َش ِّد أزر نفسها استعدادًا لما سيأتي.
وبدال من ذلك جعلَت نفسها تُفَ ِّكر في أفاعي ً تعلم أن ال جدوى من اإلسهاب في التَّفكير في السير آريس،
بالذات تايين .تحبُّ آريان بنات ع ِّمها النَّغالت جميعهن ،من أوبارا العنيفة صعبة المراس إلى الرِّمالَّ ،
لوريزا أصغرهن التي تَبلُغ السَّادسة فحسب ،ولكنها أحبَّت تايين أكثر من األخريات دو ًما ،األخت الجميلة
ط .لم تكن األميرة قريبةً من أخويها ،بما إن كوينتن غائب في (يرونوود) منذ سنين ظ بها قَ ُّالتي لم تح َ
وتريستان صغير للغاية .ال ،لطالما كانت هي وتايين ،ومعهما جارين ودراي وسيلڤا الرَّقطاء .أحيانًا كانت
قحم نفسها حيث ال تنتمي ،لكن أغلب الوقت كانت حاول ساريال دو ًما أن تُ ِ نيم تنض ُّم إليهم في لعبهم ،وتُ ِ
صُحبتهم من خمسة .في مسابح ونوافير (الحدائق المائيَّة) لعبوا ،وتعلَّمت هي وتايين القراءة معًا ،وركوب
وسكرت االثنتان معًا .كانتا َ الخيل معًا ،والرَّقص معًا ،ول َّما كانتا في العاشرة سرقَت آريان إبريق نبيذ
ضا لوال أن هياج دراي جعلَه ي ،وكان يُمكن أن تتقا َسما رجلهما األول أي ً تتقا َسمان الطَّعام والسَّرير وال ُحلِ َّ
يقذف على أصابع تايين لحظة أن سحبَت َذكره من سراويله .يداها خطرتان .جعلَتها ال ِّذكرى تبتسم.
كلَّما ف َّكرت األميرة في بنات ع ِّمها افتقدَتهن أكثر .على َح ِّد علمي ربما يكن تحتي مباشرةً .ليلتها جرَّبت
ق على األرضيَّة بكعب صندلها ،وحين لم ي ُِجبها أحد مالَت من النَّافذة ونظ َرت إلى أسفل ،فرأت آريان ال َّد َّ
ت هنا؟ نوافذ أخرى أصغر من نافذتها ،بعضها ليس أوسع من فتحة رماية .نادَت« :تايين! تايين ،هل أن ِ
ضت األميرة نِصف اللَّيل مطلَّةً من النَّافذة أوبارا؟ نيم؟ هل تسمعنني؟ إالريا؟ هل من أحد؟ تايين؟» .ق َ
ت في تُنادي حتى بُ َّح صوتها ،لكن ال أحد أجابَها ،وأخافَها هذا ألقصى َحد .لو كانت أفاعي ال ِّرمال مسجونا ٍ
(بُرج الحربة) لسمعنَها بالتَّأكيد ،فلِ َم لم ي ُِجبن؟ إذا آذاهن أبي فلن أسامحه أبدًا أبدًا.
مضي أسبوعين على هذا المنوال شارفَ صبرها على النَّفاد ،وقالت لبورس بأقوى نبر ٍة آمرة لديها: ِّ بَعد
«سأتكل ُم مع أبي اآلن .ستأخذني إليه» ،فلم يأخذها إليه ،وقالت لتيموث« :أنا مستع َّدة لرؤية األمير» ،لكنه َّ
التفتَ عنها كأنه لم يسمع .في الصَّباح التَّالي كانت آريان منتظرةً إلى جوار الباب عندما انفت َح ،واندف َعت
الجدار ،لكن ال َحرس أم َسكوها قبل أن تبتعد متجاوزةً بيالندرا ليتحطَّم طبق البيض المتبَّل الذي تحمله على ِ
ثالث ياردات .هُم أيضًا تعرفهم ،لكنهم ص ُّموا آذانهم عن توسُّالتها وجرُّ وها إلى زنزانتها راكلةً محاولةً
التَّملُّص.
قرَّرت آريان أن عليها أن تكون أكثر مكرًا .أفضل آمالها ِسدرا ،فالفتاة صغيرة غريرة ساذجة ،وتَذ ُكر
األميرة أن جارين تباهى بمضا َجعتها م َّرةً .هكذا ،وقت ح َّمامها التَّالي ،وبينما تغسل ِسدرا ظَهرها
أنك مأمورة بعدم الكالم معي ،لكن ال أحد بالصَّابون ،بدأت تتكلَّم عن ك ِّل شي ٍء وال شيء ،وقالت« :أعل ُم ِ
معك» .تكلَّ َمت عن َح ِّر النَّهار وما تناولَته اللَّيلة السَّابقة على ال َعشاء وكيف أصب َحت ِ أم َرني بعدم الكالم
كال من بناته كي ال يكن عزالوات أبدًا، بيالندرا المسكينة بطيئةً متخ ِّشبة الحركة .لقد سلَّح األمير أوبرين ًّ
لكن سالح آريان مارتل الوحيد مكرها ،ولذا ابتس َمت وتو َّددت ولم تَطلُب من ِسدرا شيئًا في المقابل ،ال
كلمة وال إيماءة.
في اليوم التَّالي على ال َعشاء عادَت تُثَرثِر فيما ق َّدمت الفتاة الطَّعام ،وهذه المرَّة دبَّرت ذريعةً للكالم عن
بخجل وكادَت تَس ُكب النَّبيذ الذي تصبُّه .هكذا إذن؟ خالل
ٍ جارين ،ولدى سماع اسمه رف َعت ِسدرا عينيها
ح َّمامها التَّالي تكلَّمت عن أصدقائها المسجونين ،خصوصًا جارين ،وقالت للخادمة« :هو أكثر َمن أخشى
عليه .األيتام أحرار بالسَّليقة ،يعيشون للتَّجوال.
جارين يحتاج إلى ضوء ال َّشمس والهواء الطَّلق .إذا حبسوه في زنزان ٍة حجريَّة رطبة فكيف يعيش؟ لن
ضت منيحتمل عا ًما في (جاستون جراي)» .لم تر َّد ِسدرا ،لكن آريان رأت شحوب وجهها عندما نه َ
الحوض ،وكانت الفتاة تعتصر اإلسفنجة بق َّو ٍة جعلَت الصَّابون يسيل على البساط المايري.
أيام أخرى وح َّمامان إضافيَّان قبل أن تصير الفتاة لها .بَعد أن رس َمت وعلى الرغم من هذا مرَّت أربعة ٍ
آريان صورةً حيَّةً لجارين يُلقي نفسه من نافذة زنزانته ليذوق الح ِّريَّة م َّرةً أخيرةً قبل أن يموت—بَعدها
أرجوك ال تَت ُركيه يموت».
ِ أرجوك ،يجب أن تُسا ِعديه،
ِ هم َست ِسدرا أخيرًا« :
دمت حبيسةً هنا .أبي يَرفُض أن يراني .أن ِ
ت الوحيدة التي ُ ر َّدت هامسةً« :ال يُمكنني أن أفعل شيئًا ما
تستطيع إنقاذ جارين .هل تحبِّينه؟».
أساعدك؟».
ِ هم َست ِسدرا بخجل« :نعم .لكن كيف
ت ...من أجل جارين؟». ت هذا؟ َّ
هال خاطر ِ ُمكنك أن تُهَرِّبي رسالةً منيَّ .
هال فعل ِ ِ قالت األميرة« :ي
اتَّسعت عينا ِسدرا وأومأَت برأسها إيجابًا.
رسله؟ الوحيد من رفاقها في المؤامرة الذي فَ َّر منف َّكرت آريان بظفر :اآلن عندي ُغداف ،لكن إلى َمن أُ ِ
شباك أبيها هو النَّجم المظلم ،لكن من الوارد بش َّدة أن السير چيرولد قد سقطَ بالفعل ،وإن لم يكن فمؤ َّكد أنه
هرب من (دورن) .بَعده خط َرت لها أُم جارين وأيتام (ال َّدم األخضر) .ليس هُم ،ال .يجب أن يكون أحدًا ذا َ
ُ
سُلط ٍة حقيقيَّة ،أحدًا لم يلعب دورًا في مؤامرتنا ولكن ربما يكون لديه سبب للتَّعاطف معنا .ف َّكرت في
منا َشدة أ ِّمها ،لكن الليدي ميالريو بعيدة في (نورڤوس) ،ثم إن األمير دوران لم ي ِ
ُصغ إلى السيِّدة زوجته
منذ سنوات .وال هي أصغَت إليه .إنني محتاجة إلى لورد ،إلى واح ٍد عظيم بما يكفي إلرغام أبي على
إطالق سراحي.
صاحب ال َّدم الملكي وسيِّد (يرونوود) وحاكم (الطَّريق الحجري)، ِ أقوى لوردات (دورن) آندرز يرونوود،
لكن آريان أعقل من أن تَطلُب العون من الرَّجل الذي ربَّى أخاها كوينتن .ال .السير ديزيل دالت أخو دراي
ُعارض أميره ،كما أن قُدرة فارس (غابة اللَّيمون) تطلَّع في الماضي إلى ال َّزواج بها ،لكنه أوفى من أن ي ِ
على تخويف لورد صغير ال تعني أنه يملك ق َّوة التَّأثير على أمير (دورن) .ال .وال َّشيء نفسه ينطبق على
أبي سيلڤا الرَّقطاء .ال .قرَّرت آريان أخيرًا أن لها أملين حقيقيَّين اثنين؛ هارمن أولر سيِّد (هضبة الجحيم)
وفرانكلين فاولر سيِّد (قلعة السَّماء) وحاكم (ممر األمير).
يقول ال َمثل الدورني :نِصف آل أولر أنصاف مجانين ،والنِّصف اآلخَر أسوأ .إالريا ساند ابنة اللورد
هارمن الطَّبيعيَّة ،وهي وصغيراتها حبيسات مع بقيَّة أفاعي الرِّمال.
أغضب اللورد هارمن ،وآل أولر خطرون عند الغضب .ربما أخطر من َّ
الالزم .واألميرة ال َ ال بُ َّد أن هذا
ترغب في تعريض المزيد من األنفُس إلى الخطر.
ط مع آندرز يرونوود ،فبين قد يكون اللورد فاولر خيا ًرا أسلم .الرَّجل ملقَّب بالصَّقر العجوز ،ولم يتَّفق قَ ُّ
بدال من آل يرونوود في حرب نايميريا، العائلتين ضغائن منذ ألف عام ،منذ انحا َز آل فاولر إلى آل مارتل ً
والتَّوأمان فاولر صديقان شهيران لليدي نيم أيضًا ،ولكن ما وزن هذا عند الصَّقر العجوز؟ تحيَّرت آريان
أيل فضِّي»، أعط الرَّجل الذي يُ َسلِّمك هذه الرِّسالة مئة ٍأيا ًما بينما تُ َجهِّز رسالتها الس ِّريَّة .بدأتها بقولهاِ « :
فبهذا تضمن توصيل ال ِّرسالة .كتبَت مكانها وتوسَّلت النَّجدة ،وأضافَت« :لن أنسى من يُنقِذني من هذه
ي .ما لم يكن األمير دوران قد ال ِّزنزانة أيًّا كان عندما أتز َّو ُج» .وهذا كفيل بجعل األبطال يهرعون إل َّ
حر َمها الميراث فإنها تظلُّ وريثة (صنسپير) ال َّشرعيَّة ،أي أن َمن يتز َّوجها سيَح ُكم (دورن) إلى جوارها
ضهم أبوها عليها صلِّي أن يكون منقذها أصغر من المسنِّين الذين عر َ ذات يوم .ليس بإمكان آريان َّإال أن تُ َ
آخرهم قالت له« :أري ُد زوجًا لم تَسقُط أسنانه». رفضت ِ َ على َم ِّر السِّنين .حين
ق خشية إثارة شكوك سجَّانيها ،فخطَّت آريان رسالتها على هامش صفح ٍة قط َعتها لم تجرؤ على طلب ور ٍ
من (النَّجمة السُّباعيَّة) ،ووض َعتها في يد ِسدرا يوم الح َّمام التَّالي قائلةً لها« :ث َّمة مكان مجاور ل(الب َّوابة
سافر متَّجه إلى (ممر األمير) الثُّالثيَّة) تأخذ منه القوافل المؤن قبل عبور ال ِّرمال العميقة .اعثُري على ُم ٍ
أيل فضِّ ي إذا وض َع هذه ال ِّرسالة في يد اللورد فاولر».وعديه بمئة ٍ
خبَّأت ِسدرا الرِّسالة في صدر فُستانها ،وقالت« :سأفعلُ ،سأج ُد أحدًا قبل مغيب ال َّشمس أيتها األميرة».
ت» .
« -عظيم .غدًا أخبِريني ماذا فعل ِ
بدال منها مورا لكن الفتاة لم ترجع في اليوم التَّالي وال الذي تاله ،ول َّما حانَ موعد استحمام آريان أتَت ً
وميلي ومألَتا حوضها وغسلَتا ظَهرها وم َّشطتا َشعرها.
تفسير
ٍ طت .هل من سألَتهما األميرة« :هل ِسدرا مريضة؟» ،فلم تُجيبا ،ولم يَجُل بخاطرها َّإال أنها ُ
ضب ِ َ
آخَر؟ ليلتها نا َمت بالكاد خشية ما قد يَح ُدث.
بدال من أبيها .واضح أنها ال في الصَّباح التَّالي عندما جا َءها تيموث بإفطارها طلبَت أن ترى ريكاسو ً
تستطيع إجبار األمير دوران على رؤيتها ،لكن مؤ َّكد أن مجرَّد قهرمان لن يتجاهَل استدعاء وريثة
(صنسپير) ال َّشرعيَّة.
لكنه فع َل ،وحين رأت تيموث المرَّة التَّالية سألَته« :هل أخبرت ريكاسو بما قُلته؟ هل أخبرته بأنني أحتا ُج
إليه؟» ،فل َّما لم ي ُِجبها الرَّجل اختطفَت آريان إبريق النَّبيذ وسكبَته على رأسه ،وتراج َع الخادم مغمورًا
طط لتزويجي باألحمر ووجهه قناع من الكرامة الجريحة .أبي ينوي أن يَترُكني هنا أتعفَّ ُن ،أو أنه يُخَ ِّ
بعجوز أحمق مق ِّزز وسيَترُكني حبيسةً حتى اإلضْ جاع. ٍ
يوم ستتز َّوج واحدًا من كبار اللوردات من اختيار أبيها ،وتعلَّمت ترعرعَت آريان مارتل متوقِّعة أنها ذات ٍ
أن لهذا تحيا األميرات ...ولو أن أحدًا ال يُن ِكر أن ع َّمها أوبرين كانت له وجهة نظ ًر مختلفة ،إذ قال
األُفعوان األحمر لبناته« :إذا أردتن ال َّزواج فتز َّوجن ،وإن لم يكن فنِلن ال ُمتعة حيث تجدنها ،فليس منها في
غاصب فال ِ هذا العالم َّإال القليل .لكن أوصيكن بحُسن االختيار .إذا وجدَت إحداكن نفسها مع أحمق أو
ي ألخلِّصها منه .لقد أعطيتكن األدوات التي تُتيح لكن أن تفعلن هذا بأنفُسكن». أريدها أن تتطلَّع إل َّ
على أن الح ِّريَّة التي سم َح بها األمير أوبرين لنغالته لم يكن فيها نصيب لوريثة األمير دوران ال َّشرعيَّة.
يجب أن تتز َّوج آريان ،وقد قبلَت هذا .كانت تعلم أن دراي يُريدها ،وكذا أخوه ديزيل فارس (غابة
اللَّيمون) ،وديمون ساند أقد َم على طلب يدها بالفعلَّ ،إال أن ديمون نغل ،واألمير دوران لم ي ُِردها أن
تتز َّوج دورنيًّا.
وقبلَت آريان هذا أيضًا .في أحد األعوام جا َء أخو الملك روبرت لزيارتهم وبذلَت ك َّل ما في وسعها
إلغرائه ،لكنها كانت فتاةً صغيرةً وبدا أن محا َوالتها مع اللورد رنلي أثا َرت حيرته أكثر من إلهاب رغبته.
ريڤررن) وتلتقي وريثه ،أشعلَت شمعةً ل(العذراء) ُشكرًا، َ طلب هوستر تَلي أن تذهب إلى ( َ الحقًا ،حين
رفض ال َّدعوة .كانت األميرة لتضع ويالس تايرل نفسه في االعتبار على الرغم من َ لكن األمير دوران
الذهاب رغ ًما عنه بمساعَدة ُرسلها إلى (هايجاردن) لتلتقيه ،فحاولَت َّ
ساقه الكسيحة ،لكن أباها أبى أن ي ِ
قبض عليهما في (ڤايث) وأعادَهما ،وفي العام نفسه حاو َل األمير دوران أن َ تايينَّ ...إال أن األمير أوبرين
يخطبها لبن بيزبوري ،وهو لورد بسيط في الثَّمانين من العُمر على األقل ،أعمى وسقطَت أسنانه.
تُوفِّ َي بيزبوري بَعد بضعة أعوام ،وواساها هذا بعض ال َّشيء في محنتها الحاليَّة ،فال يُمكن إجبارها على
ال َّزواج به ما دا َم قد ماتَ ...كما أن سيِّد (المعبر) تز َّوج مج َّددًا ،ولذا فهي آمنة منه أيضًا .لكن إلدن
إسترمونت ما زا َل حيًّا أعزب ،وكذلك اللورد روزبي واللورد جرانديسون .يُدعى جرانديسون بذي اللِّحية
غاب في النَّوم بين
َ ال َّشائبة ،لكن حين التقَته كانت لحيته قد صا َرت ناصعة البياض ،وفي مأدبة االستقبال
طبقَي السَّمك واللَّحم .تح َّداها جارين أن تربط ُعقدةً في لحيته دون أن تُوقِظه لكن آريان امتن َعت ،إذ بدا
رجال طيِّبًا ،أق َّل شكوى من إسترمونت وأفضل ص َّحةً من روزبي ،غير أنها ما كانت لتتز َّوجه ً جرانديسون
أبدًا .حتى لو وقفَ هوتا ورائي بفأسه.
ت أحد يتز َّوجها في اليوم التَّالي أو التَّالي ،وال عادَت ِسدرا .حاولَت آريان الظَّفر بمورا وميلي لم يأ ِ
بالطَّريقة نفسها ولكن بال طائل .ربما هناك أمل إذا استطاعَت أن تتكلَّم مع إحداهما بمفردها ،لكن األختين
معًا ِجدار مصمت.
واآلن تكاد األميرة تُ َر ِّحب بلمس ٍة من الحديد السَّاخن أو ليل ٍة على ال ِمخلعة ،فالوحدة على وشك إصابتها
ي ،ويُؤثِر أن يسجنني وينسى أنني كان لي اقتر ُ
فت ،لكن حتى هذا يأباه عل َّ َّ
الجالد لما َ ق فأس بالجنون .أستح ُّ
ُّ
يخط بيانًا بتسمية أخيها كوينتن وريث (دورن). وجود يو ًما .تساءلَت إن كان ال ِمايستر كاليوت
واحدًا تلو اآلخَر مرَّت األيام ،أيام طويلة كثيرة لدرجة أن آريان لم تَعُد تدري منذ متى وهي حبيسة،
ووجدَت نفسها تقضي أوقاتًا أطول وأطول في الفِراش ،إلى أن بلغَت َح َّد عدم القيام منه على اإلطالق َّإال
لقضاء حاجتها .كلُّ وجب ٍة يجلبها الخدم ال تُ َمسُّ حتى تَبرُد ،وتنام آريان وتصحو وتنام ثانيةً وتصحو
صلِّي ل(األُم) طالبةً الرَّحمة ول(ال ُمحارب) طالبةً ال َّشجاعة ،ثم ق يحول دونها والنُّهوض .تُ َ شاعرةً بإرها ٍ
تعود إلى النَّوم .تحلُّ وجبات طازجة مح َّل القديمة وال تزال ال تأكلها ،وفي م َّر ٍة أحسَّت فيها بالق َّوة على
غير العادة حملَت الطَّعام إلى النَّافذة ور َمته في السَّاحة كي ال يُغريها بأكله ،فأرهقَها المجهود وعادَت إلى
ً
كامال. يوم
الفِراش ونا َمت نِصف ٍ
الطفولة« :أميرتي الصَّغيرة، ثم أتى يوم وه َّزتها يد خشنة من كتفها تُوقِظها ،وقال صوت تعرفه منذ ُّ
ثيابك .األمير يَطلُ ِ
بك». ِ انهضي وارتدي
ُخاطبها! ابتس َمت آريان ناعسةً .جميل أن ترى هذا كان آريو هوتا صديقها القديم وحاميها واقفًا فوقها ،وي ِ
الوجه بتجاعيده وندوبه وتسمع الصَّوت العميق الغليظ واللَّكنة النورڤوشيَّة الثَّقيلة .سألَته« :ماذا فعلتم
بسدرا؟».ِ
عليك أن تغتسلي وتأكلي».ِ أجاب هوتا« :األمير أرسلَها إلى (الحدائق المائيَّة) ،سيُخبِرك بهذا ،لكن ً
أوال َ
ضعف هُرير ٍة وليدة ،وقالت له« :قُل لمورا ال بُ َّد أنها تبدو في حال ٍة مزرية .نه َ
ضت آريان من الفِراش ب َ
وميلي أن تُ َجهِّزا ح َّما ًما ،واجعل تيموث يجلب لي طعا ًما .ال شيء ً
ثقيال ،القليل من ال َحساء البارد وال ُخبز
والفاكهة».
قال هوتا« :حاضر» ،وفي حياتها لم تسمع آريان صوتًا أعذب.
قليال من الجُبنة والفواكه وشربَتانتظ َر القائد في الخارج بينما اغتسلَت آريان وصفَّفت َشعرها وأكلَت ً
القليل من النَّبيذ لتُهَدِّئ معدتها .إنني خائفة ،للمرَّة األولى في حياتي أشع ُر بالخوف من أبي .أضح َكها
اختارت فُستانًا من الكتَّان العاجي على
َ الخاطر حتى خر َج النَّبيذ من أنفها .ل َّما حانَ وقت ارتداء مالبسها
كرم وعناقيد عنب أرجوانيَّة ،ولم تضع ُحلِيًّا .يجب أن أكون ٍ ُك َّميه وصدره زخرفة على شكل فروع
إنسان ثانيةً أبدًا.
ٍ وإال فربما ال أسم ُع صوت محتشمةً متواضعةً مبديةً النَّدم ،يجب أن ألقي نفسي على قدميه َّ
كان الغسق قد َح َّل عندما استع َّدت للخروج .حسبَت آريان أن هوتا سيقودها إلى (بُرج ال َّشمس) لتسمع حُكم
بدال من ذلك إلى ُغرفة األمير ال َّشمسيَّة ،حيث وجدا دوران مارتل جالسًا إلى طاولة أبيها ،لكنه أخ َذها ً
الجزع بيديهْ بفيل من
ٍ سايڤاس ،وقد أرا َح ساقيه النِّقرسيَّتيْن على مسن ٍد مز َّود بوسائد ورا َح يتالعَب
حال رأته عليها ،وجهه شاحب منتفخ ومفاصله ملتهبة لدرجة المحمرَّتين المتورِّمتين .بدا األمير في أسوأ ٍ
ينفطر من أجله ...وعلى الرغم من هذا لم ِ أن مجرَّد النَّظر إليها آل َمها .رؤيته هكذا جعلَت قلب آريان
وبدال من ذلك قالت« :أبي». ً تستطع أن تبعث نفسها على الرُّ كوع والتَّوسُّل كما َ
انتوت، ِ
حين رف َع رأسه يَنظُر إليها رأت عينيه ملبَّدتين باأللم ،فتساءلَت آريان في نفسها :هل النِّقرس السَّبب أم أنا؟
زرت (ڤوالنتيس) م َّرةً في طريقي إلى ُ تمتم واضعًا فيله« :قوم ُغرباء ماكرون هؤالء الڤوالنتينيُّون .لقد
ق والدِّببة تَرقُص على ال َّدرجات .آريو التقيت ميالريو أول مرَّة .كانت األجراس تد ُّ ُ (نورڤوس) ،حيث
يَذ ُكر هذا اليوم».
صت الدِّببة ودقَّت األجراس ،وارتدى األمير األحمر َّ
والذهبي َر َّد آريو هوتا بصوته العميق« :أذكره .رق َ
والبُرتقالي ،وسألَتني سيِّدتي عن هُويَّة هذا الرَّجل المتألِّق».
ابتس َم األمير دوران بشحوب ،وقال« :اترُكنا أيها القائد».
ق هوتا األرض بكعب فأسه ودا َر على عقبيه وانصرفَ ،ول َّما صا َر االثنان وحدهما قال أبوها« :أمرتهم َد َّ
بوضع طاولة سايڤاس في ُغ ِ
رفتك».
نفسك .أحيانًا
ِ « -ومع َمن كان يُفت َرض أن ألعب؟» .لماذا يتكلَّم عن لُعبة؟ هل أفقدَه النِّقرس صوابه؟ « -مع
معرفتك باللُّعبة يا آريان؟».
ِ األفضل أن تدرسي اللُّعبة قبل أن تلعبيها .ما مدى
« -أعرفها بما يكفي ألن ألعبها».
قال« :ولكن ليس بما يكفي ألن تربحي .لقد أحبَّ أخي القتال في َح ِّد ذاته ،لكني ال أخوضُ َّإال األلعاب التي
أستطي ُع أن أربحها» ،وتفرَّس في وجهها م َّدةً طالَت قبل أن يُر ِدف« :لماذا؟ أخبِريني يا آريان ،أخبِريني
لماذا».
« -من أجل َشرف العائلة» .أغضبَتها نبرة أبيها الحزينة المتخاذلة الضَّعيفة ،وأرادَت أن تزعق فيه :أنت
المفترض أن تثور ثورتك!
َ أمير!
ذهب إلى (كينجز الندنج) ً
بدال منك وقتلوه!». َ ت .أخوك «خنوعك يُخزي (دورن) بأَسرها يا أب ِ
ُ
أغمضت عينَي». أعرف هذا؟ أوبرين معي كلَّما
ُ « -أتظنِّين أنني ال
قالت جالسةً قُبالة أبيها إلى طاولة السايڤاس« :يقول لك أن تفتحهما ال َشك».
لك بالجلوس».
« -لم أسمح ِ
استدع هوتا إذن واجعله يجلدني لوقاحتي .أنت أمير (دورن) ،تستطيع أن تفعل ذلك» ،ومسَّت إحدى
ِ «-
قِطع السايڤاس ،الحصان الثَّقيل ،وسألَته« :هل قبضتم على السير چيرولد؟».
رجل في
ٍ ت حمقاء عندما جعلتِه جز ًءا من خطَّ ِ
تك .النَّجم المظلم أخطر هَ َّز رأسه نفيًا ،وقال« :ليتنا فعلنا .كن ِ
(دورن) ،وكالكما آذانا بش َّدة».
سألَته آريان متخ ِّوفةً من اإلجابة« :مارسال ،هل.»...
فارسك األبيض،
ِ ...« -ماتَت؟ ال ،ولو أن النَّجم المظلم بذ َل أفضل ما لديه ليَقتُلها .األعيُن كلُّها كانت على
جفل من حصانه في اللَّحظة األخيرةَّ ،
وإال َ حدث بالضَّبط ،لكن يبدو أن حصانها َ ولذا فال أحد متأ ِّكد مما
لكان قد قط َع ق َّمة رأس الفتاة .الضَّربة التي أصابَتها شقَّت خ َّدها حتى العظم وبت َرت أُذنها اليُمنى .استطا َع
ال ِمايستر كاليوت إنقاذ حياتها ،لكن ال ك َّمادة أو َشربة من شأنها عالج وجهها .كانت ربيبتي يا آريان،
ت َشرفنا جميعًا».ألخيك وتحت حمايتي .لقد لطَّخ ِ ِ مخطوبة
قالت آريان بإصرار« :لم تكن نيَّتي أن يمسَّها أذى .لو لم يتد َّخل هوتا.»...
بدال من أُذنها».ت مارسال ملكةً لبدء تمرُّ ٍد ضد أخيها ،وكانت لتفقد حياتها ً ت قد ت َّوج ِ
...« -لكن ِ
« -فقط إذا خسرنا».
« -إذا؟ تعنين عندما( .دورن) أقلُّ بل ٍد مأهول بال ُّس َّكان في (الممالك السَّبع) .لقد َس َّر التنِّين الصَّغير أن
يُهَ ِّول أعدادنا حين ألَّف كتابه ليُضفي على غزوته مزيدًا من المجد ،وسرَّنا أن نروي البذرة التي زرعَها
ي باألميرة أن تعرف الحقيقة .ال َّشجاعة وندع أعداءنا يتص َّورون أننا أقوى مما نحن في الواقع ،لكن الحر َّ
ب ضد العرش الحديدي وحدها ،ومع ذلك بديل رديء لألعداد ،وال أمل ل(دورن) في االنتصار في حر ٍ
سأل:
َ ُعطها األمير فُرصةً لإلجابة إذ أوصلتِنا إليه بالفعل .أتَشعُرين بالفخر؟» ،ولم ي ِ َ ربما يكون هذا ما
بك يا آريان؟».
«ماذا أفع ُل ِ
بجرح غائر ،فقالت« :ما تفعله دائ ًما ،ال شيء».
ٍ أرا َد جزء منها أن يقول :سا ِمحني ،لكن كالمه أصابَها
ي ابتالع غضبي». إنك تُ َ
صعِّبين عل َّ ِ «-
تكف عن االبتالع إذن َّ
وإال اختنقت به» ،ول َّما لم ير َّد األمير قالت« :أخبِرني كيف َّ ر َّدت« :األفضل أن
علمت بخطَّتي».
« -أنا أمير (دورن) ،النَّاس يسعون إلى حظوتي».
أحدهم وشى« .كنت تعلم ومع ذلك تركتنا نرحل بمارسال ،فلِ َم؟».
« -كانت هذه غلطتي ،وثبتَ أنها غلطة فادحة .أن ِ
ت ابنتي يا آريان ،الفتاة الصَّغيرة التي اعتادَت أن تهرع
رك ضدي صعبًا ،وكان يجب أن أعرف الحقيقة». ُ
وجدت تصديق تآ ُم ِ جرحت رُكبتها.
َ ي إذا
إل َّ
« -واآلن تعرفها .أري ُد أن أعرف َمن أبل َغ عني».
مكانك».
ِ ُ «-
كنت ألريد ال ِمثل لو أنني في
« -هل ستُخبِرني؟».
« -ال أستطي ُع التَّفكير في سب ٍ
ب يدفعني إلى ذلك».
« -أتحسب أنني ال أقدر على اكتشاف الحقيقة وحدي؟».
عليك َّأال تثقي بأح ٍد منهم ...والقليل من الرِّيبة
ِ حاولي ،ولكن حتى ذلك الحين لك أن تُ ِ
قال األمير دورانِ « :
شيء مفيد لألميرات» ،وزف َر مضيفًا« :خيَّب ِ
ت أملي يا آريان».
« -هكذا يقول ال ُغراب لل ُغداف .إنك تُخَ يِّب أملي منذ سنوات يا أبي» .لم تكن تقصد أن تُ ِ
خاطبه بهذه
انسكب منها رغ ًما عنها .ها قد قلتها.
َ الفظاظة ،لكن الكالم
أعرف .أنا شديد ال ُخنوع والضَّعف والحرص ،متساهل للغاية مع أعدائنا .على ِ
أنك في حاج ٍة إلى شي ٍء ُ «-
بك أن تتوسَّلي مغفرتي ً
بدال من محا َولة استفزازي أكثر». من هذا التَّساهُل تحديدًا كما يبدو لي .األحرى ِ
« -ال أطلبُ التَّساهُل َّإال مع أصدقائي».
« -يا لنُ ِ
بلك».
« -ما فعلوه كان بدافع محبَّتهم لي ،وال يستحقُّون الموت في (جاستون جراي)».
أطفال حمقى ،لكنها
ٍ رفاقك في المؤامرة أكثر من
ِ أوافقك .باستثناء النَّجم المظلم لم يكن
ِ « -يتصادَف أنني
وأصدقاؤك ارتكبتم خيانةً .كان بإمكاني أن أضرب
ِ ت
لم تكن مجرَّد مباراة سايڤاس غير مؤذية .أن ِ
أعناقهم».
« -كان بإمكانك لكنك لم تفعل .داين ودالت وسانتاجار ...ال ،لست تجرؤ على ُمعاداة تلك العائالت».
رسل إلى (نورڤوس) ليخدم السيِّدة دعك من هذا حاليًّا .السير آندراي أُ ِ
ِ « -ما أجرؤ عليه ال تتخيَّلينه ...لكن
وأخذت ً
ماال ورهائن من أهله األيتام. ُ والدتك ثالثة أعوام .جارين سيقضي العامين التَّاليين في (تايروش)، ِ
َّ
ق عقابًا مني ،لكنها في ِسنِّ الزواج ،وأرسلَها أبوها إلى (الحجر األخضر) لتتز َّوج الليدي سيلڤا لم تتل َّ
اختار مصيره والقاه ب َشجاعة .فارس في ال َحرس َ اللورد إسترمونت .وبالنِّسبة إلى آريس أوكهارت فقد
ت معه؟!». الملكي ...ماذا فعل ِ
« -ضا َجعته يا أبي .أنت أمرتني بتسلية ضيوفنا الكرام على ما أذك ُر».
احتقنَ وجهه ،وسألَها« :أهذا كلُّ ما تطلَّبه األمر؟».
قلت له إن مارسال ستسمح لنا بال َّزواج فور تتويجها .لقد أرادَني زوجةً له».
ُ «-
ت في منعه من الحنث في يمينه».
بأنك تفاني ِ
قال أبوها« :إنني واثق ِ
ق إغراؤها السير آريس ِنصف عام ،وعلى الرغم من ادِّعائه أنه هذه المرَّة احتقنَ وجهها هي .لقد استغر َ
عرفَ نسا ًء أخريات قبل انخراطه في ال َحرس الملكي فالطَّريقة التي تصرَّف بها لم تن َّم عن هذا إطالقًا.
لذته على فخذها بينما تقوده إلى لمساته كانت خرقاء ،وقُبالته متوتِّرةً ،وأول م َّر ٍة في الفِراش معًا أفر َغ َّ
همس فيها« :ال يَج ُدر بنا أن
َ داخلها بيدها .األسوأ أن الخزي الته َمه التها ًما ،ولو نالَت تنِّينًا ذهبيًّا ك َّل م َّر ٍة
أمال في إنقاذي أم فعلَها للفِرار مني نفعل هذا» ،لصا َرت أثرى من آل النستر .هل انقضَّ على آريو هوتا ً
وغسل عاره بدمائه؟ سم َعت نفسها تقول« :لقد أحبَّني وماتَ من أجلي».
ت وبنات ع ِّم ِك أردتن الحرب ،وقد تنلن رغبتكن .ث َّمة « -إذا كان هذا صحيحًا فربما يكون أول كثيرين .أن ِ
ي برأس الجبل. فارس آخَر في ال َحرس الملكي يدنو من (صنسپير) بينما نتكلَّم .السير بالون سوان قادم إل َّ
أيام في الصَّيد والقنص على ح َملة رايتي يُ َعطِّلونه ليكسبوا لي بعض الوقت .آل وايل جعلوه يقضي ثمانية ٍ
(طريق العظام) ،واللورد يرونوود احتفى به أسبوعين كاملين حين خر َج من الجبال .في الوقت الرَّاهن
ت على َشرفه ،ول َّما يصل إلى (تَل األشباح) سيجد هو في (الرَّبوة) ،حيث رتَّبت الليدي چورداين مباريا ٍ
آجال سيَبلُغ السير بالون (صنسپير) ،وحين يفعل عاجال أو ًً فوق عليها .لكن الليدي توالند عازمةً على التَّ ُّ
سيتوقَّع أن يرى األميرة مارسال ...والسير آريس أخاه المحلَّف .ماذا نقول له يا آريان؟ هل أخبِره بأن
ط على ساللم زلقة؟ ربما كان السير آريس في (الحدائق المائيَّة) أوكهارت ماتَ في حادثة صي ٍد أم سق َ
ق على الرُّ خام وصد َم رأسه وغرقَ؟». وانزل َ
حاول أن
َ قالت آريان« :ال .قُل إنه ماتَ مدافعًا عن أميرته الصَّغيرة ،قُل للسير بالون إن النَّجم المظلم
عترض السير آريس طريقه وأنق َذ حياتها» .هكذا ينبغي أن يموت فُرسان ال َحرس الملكي ،تضحيةً َ يَقتُلها فا
قتل آل النستر
يشك السير بالون كما شككت أنت حين َ ُّ بحياتهم في سبيل من أق َسموا على حمايتهم« .ربما
أختك وطفليها ،لكنه لن يجد ً
دليال.»...
...« -حتى يتكلَّم مع مارسال ،أم أن على ال ِّ
طفلة ال ُّشجاعة أن تتعرَّض لحادث ٍة مأساويَّة أيضًا؟ معنى ذلك
الحرب .ال كذبة ستُنقِذ (دورن) من غضبة الملكة إذا ماتَت ابنتها وهي في عنايتي».
قالت آريان لنفسها وقد أدر َكت الموقف :إنه محتاج إل َّي .لهذا أرس َل يستدعيني.
« -يُمكنني أن أُملي على مارسال ما تقوله ،ولكن لِ َم أفع ُل ذلك؟».
تم َّوج الغضب على وجه أبيها إذ قال« :إنني أح ِّذ ِ
رك يا آريان ،لقد نف َد صبري».
المبارك ،أ َّما مع دمك
َ بحلم بيلور
ي؟» .ليست هذه عادته« .مع اللورد تايوين وآل النستر تعا َملت ِ
« -عل َّ
فال».
عملت على إسقاط تايوين النستر منذ يوم أخبَروني بما جرى إلليا ُ والحلم .لقد
ِ إنك تخلطين بين الصَّبر
ِ «-
س لديه قبل أن أقتله ،لكن يبدو أن ابنه القزم سلبَني تلك المسرَّة، وطفليها .كان أملي أن أج ِّرده من كلِّ نفي ٍ
صلبه .على قليال من العزاء في حقيقة أنه ماتَ ميتةً قاسيةً على يدَي الوحش الذي أنجبَه من ُ ولو أنني أج ُد ً
حماقتك إلى حرب»،
ِ ك ِّل حال ،اللورد تايوين يعوي في الجحيم ...وآالف سيلحقون به قريبًا إذا استحالَت
وك َّشر أبوها كأن مجرَّد نُطق الكلمة ي ِ
ُوجعه ،وسألَها« :أهذا ما تُريدين؟».
قالت األميرة رافضةً أن يُر ِهبها« :أري ُد إطالق سراح بنات ع ِّمي ،أري ُد الثَّأر ألبيهم ،أري ُد حقوقي».
حقوقك؟!».
ِ «-
(« -دورن)».
ت متش ِّوقة لهذه ال َّدرجة للخالص مني؟». ُ
أموت .أأن ِ « -ستَحصُلين على (دورن) عندما
ُحاول الخالص مني منذ أعوام».
ت .أنت َمن ي ِ
ي أن أسألك السُّؤال ذاته يا أب ِ
« -عل َّ
« -غير صحيح».
« -حقًّا؟ َّ
هال سألنا أخي؟».
« -تريستان؟».
« -كوينتن!».
« -ماذا عنه؟».
« -أين هو؟».
« -مع جيش اللورد يرونوود على (طريق العظام)».
ذهب إلى (لِيس)».
َ َّ
يرف لك جفن حتى .كوينتن ُ
أعترف بهذا .لم « -أنت تُجيد الكذب يا أبي،
رأسك؟».
ِ « -ما الذي وض َع هذه الفكرة في
« -صديق أخب َرني» .هي أيضًا تستطيع االحتفاظ بأسرارها.
أخوك لم يذهب إلى (لِيس) ،أقس ُم بال َّشمس والحربة واآللهة السَّبعة».
ِ لك كلمتي،
كذبِ .
َ صديقك
ِ «-
ذهب إلى (مير) إذن؟ أو (تايروش)؟ أعل ُم أنه في
َ لكن آريان ال تنخدع بهذه البساطة ،وهكذا قالت« :هل
المرتزقة لسرقة حقِّي ال َّشرعي».
ِ مكان ما وراء (البحر الضيِّق) ،يستأجر
ٍ
ِّفك يا آريان .المفت َرض أن يكون كوينتن هو من يتآ َمر ارب َّد وجه أبوها ،وقال« :هذا االرتياب ال يُ َشر ِ
طفل أصغر من أن يفهم احتياجات (دورن) .آندرز يرونوود ٍ ضدي .لقد صرفته من البالط وهو مجرَّد
أخوك وفيًّا مطيعًا».
ِ كان أبًا له أكثر مني ،ومع ذلك يظلُّ
ضله ولطالما فعلت .إنه يُشبِهك ويُفَ ِّكر ِمثلك ،وتنوي أن تُعطيه (دورن) .ال تُ ِ
حاول « -ولِ َم ال؟ إنك تُفَ ِّ
يوم ستجلس قرأت رسالتك» .ما زالَت الكلمات مشتعلةً كالنَّار في ذاكرتها« .كتبت له :ذات ٍ ُ اإلنكار ،لقد
َّ
حيث أجلسُ وتَح ُكم (دورن) كلها .أخبِرني يا أبي ،متى قرَّرت أن تحرمني ميراثي؟ يوم ُولِ َد كوينتن أم يوم
فعلت ألجعلك تكرهني هكذا؟» .على الرغم من غضبها كانت في عينَي آريان دموع. ُ دت؟ ماذا ُولِ ُ
ت ال تفهمين». ت رقيق للغاية مح َّمل باألسى« :لم أكرهك قَ ُّ
ط .آريان ،أن ِ قال األمير بصو ٍ
« -هل تُن ِكر أنك كتبت تلك الرِّسالة؟».
ت فكانت لد َّ
ي « -ال .كان هذا في بداية ذهاب كوينتن إلى (يرونوود) .نعم ،كانت نيَّتي أن يخلفني ،أ َّما أن ِ
ُخطط أخرى ِ
لك».
قالت ساخرةً« :أوه ،نعم ،ويا لها من ُخطط .جايلز روزبي ،بن بيزبوري األعمي ،جرانديسون ذو اللِّحية
أعرف أن واجبي أن أنجب وريثًا ُ عطه فُرصةً لل َّر ِّد إذ واصلَت« : ال َّشائبة .هذه هي ُخططك!» ،ولم تُ ِ
ي كانت مهينةً. كنت ألتز َّوج وبك ِّل سرور ،لكن ال ِّزيجات التي عرضتها عل َّ ُ أنس هذا البتَّة.
ل(دورن) ولم َ
كلُّ واحد ٍة منها بمثابة بصقة .إذا أحببتَني حقًّا فلِ َم تعرضني على والدر فراي؟!».
ت ِسنًّا معيَّنةً
لك زوجًا حالما بلغ ِ أنك ستَرفُضينه .كان يجب أن يراني النَّاس أحاو ُل أن أجد ِ ُ
علمت ِ « -ألنني
ت موعودةً يا آريان». ً
رجال تقبلينه .لقد كن ِ عليك
ِ خشية إثارة ال ُّشكوك ،لكني لم أجرؤ على أن أعرض
ط.»...موعودة؟ ح َّدقت إليه آريان مندهشةً ،وقالت« :ماذا تعني؟ أهذه كذبة أخرى؟ لم تَذ ُكر قَ ُّ
كنت أنوي أن أخبرك حين تكبَرين ...حين تَبلُغين ،ولكن.»... بر َم س ًّراُ . ُ
« -االتِّفاق أ ِ
« -أنا في الثَّالثة والعشرين ،امرأة بالغة منذ سبع سنوات».
طبيعتك ...بالنِّسبة ِ
إليك ِ حمايتك فقط .آريان ،إن
ِ ً
طويال فالسَّبب كان عنك الحقيقة
ِ ُ
حجبت ُ
أعرف .إذا «-
ليال .جارين ثرثار ككلِّ األيتام، ت مثيرة تهمسين بها لجارين وتايين في الفِراش ً األسرار مجرَّد حكايا ٍ
وتايين ال تُخفي شيئًا عن أوبارا والليدي نيم ،وإذا عل َمتا ...أوبارا مغرمة بالنَّبيذ ،ونيم قريبة للغاية من
أستطع أن أجازف».ِ التَّوأمين فاولر ،ول َمن كان التَّوأمان ليبوحا بالسِّر؟ لم
كنت مخطوبةً طيلة هذه األعوام؟». كنت موعودةًَ « .من هو؟ ل َمن ُ شع َرت بالحيرة واالرتباك .موعودةُ ،
« -ال يه ُّم ،لقد ماتَ ».
رك مكسور أم البرد أم بو ٍضاعفَ هذا حيرتها مرا ًرا ،وقالت« :المسنُّون ضُعفاء للغاية .كيف ماتَ ؟ َ
النِّقرس؟».
الذهب المصهور .نحن األمراء نرسم ُخططنا بعناي ٍة ثم تُ َحطِّمها اآللهة»، در من َّأجاب األمير دوران« :بقِ ٍ َ
أعطيك كلمتي إذا كان ما زا َل لها ِ ب مردفًا(« :دورن) ستكون ِ
لك ،إنني ول َّوح بيده المحمرَّة الملتهبة بتع ٍ
أخوك كوينتن فعليه أن يَسلُك دربًا أصعب».
ِ عندك ،أ َّما
ِ معنى
ضقت ذرعًا باألسرار. ُ رمقَته آريان ب َش ٍّك قائلةً« :وما هذا الطَّريق؟ ما الذي تُخفيه؟ ليُنقِذني (السَّبعة) ،لقد
أموت إلى جوار بنات ع ِّمي». ُ واستدع هوتا وفأسه ودعني ِ أخبِرني بالبقيَّة يا أبي ...أو َس ِّم كوينتن وريثك
َر َّد أبوها عابسًا« :هل تعتقدين حقًّا أنني أستطي ُع إيذاء بنات أخي؟ أوبارا ونيم وتايين ال يعوزهن شيء َّإال
الح ِّريَّة ،وإالريا وبناتها مقيمات بسعاد ٍة في (الحدائق المائيَّة) .دوريا تمشي هنا وهناك مسقطةً البُرتقال من
يمض زمن طويل ِ األشجار ب ُكرتها ال َّشائكة ،وإليا وأوبال أصب َحتا رُعب المسابح» ،وتنهَّد ثم واص َل« :لم
ت أن تركبي على كتفَي فتا ٍة أكبر ِسنًّا ...فتاة طويلة لها َشعر أصفر ت تلعبين في تلك المسابح .اعتد ِ منذ كن ِ
خفيف.»...
« -چاين فاولر ،أو أختها چينيلين» .مرَّت أعوام منذ ف َّكرت آريان في هذا« .أوه ،وفرايني .كان أبوها
ح َّدادًا و َشعرها بنِّيًّا .لكن جارين كان رفيقي المفضَّل .ال أحد استطا َع هزيمتنا وأنا راكبة على كتفيه ،حتى
نيم وتلك الفتاة التايروشيَّة ذات ال َّشعر األخضر».
أرسلك إلى (تايروش) ِ « -تلك الفتاة التايروشيَّة ذات ال َّشعر األخضر كانت ابنة األركون .كان يُفت َرض أن
سرقت أحدًا آخَرُ خطيبك س ًّرا ،لكن أ َّم ِك ه َّددتني بإيذاء نفسها إذا
ِ بدال منها لتخدمي األركون كساقي ٍة وتلتقي ً
من أطفالها ،ولم ...لم أق َو على أن أفعل ذلك بها».
ذهب كوينتن إلى (تايروش) إذن؟ ليتو َّدد إلى ابنة األركون خضراء ال َّشعر؟». َ حكايته تزداد غرابةً« .هل
أخوك
ِ ت بوجود كوينتن خارج البالد. قائال« :يجب أن أعرف كيف عرف ِ التقطَ أبوها إحدى قِطع السايڤاس ً
ذهب مع كليتوس يرونوود وال ِمايستر ِكدري وثالثة من أفضل فُرسان اللورد يرونوود ال ُّشبَّان في رحل ٍة َ
ذهب ليجلب لنا بُغية قلوبنا».َ طويلة محفوفة بالمخاطر ربما ال يجد في نهايتها ترحيبًا .لقد
ضيَّقت عينيها متسائلةً« :وما بُغية قلوبنا؟».
أجاب« :الثَّأر ،العدالة» ،و َدسَّ األمير دوران التنِّين
َ ت خافت كأنه يخشى أن أحدًا يتنصَّت عليهما بصو ٍ
الجزع في كفِّها بيده الملتهبة ،وأضافَ « :النَّار وال َّدم».
ْ المنحوت من
إليني
د َّورت الحلقة الحديديَّة ودف َعت الباب صانعةً فرجةً صغيرةً ال أكثر ،وقالتُ « :عصفوري الجميل ،هل
تسمح لي بال ُّدخول؟».
أجابَتها جرتشل العجوز وهي تَفرُك يديها« :احذري يا سيِّدتي ،حضرة اللورد ألقى ال ِمايستر بوعاء
الفضالت».
ت النَّوافذ وأسدل ِ
ت السَّتائر؟ هل ت يا مادي ،هل أغلق ِ
عندك عمل؟ وأن ِ
ِ « -ليس هناك ما يُلقيني به إذن .أليس
غطَّي ِ
ت األثاث كلَّه؟».
ر َّدت مادي« :نعم يا سيِّدتي».
قالت إليني« :األفضل أن تتأ َّكدي» ،ودخلَت ُغرفة النَّوم المظلمة مردفةً« :هذه أنا يا ُعصفوري الجميل».
دك؟».
ت وح ِ تن َّشق أحدهم في الظَّالم ،وسألَها« :أأن ِ
« -نعم يا سيِّدي».
ت فقط».
« -اقتربي إذن ،أن ِ
أغلقَت إليني الباب بإحكام .فلتتنصَّت مادي وجرتشل كما تُريدان ،لكن الباب من خشب السَّنديان المصمت
وسُمكه أربع بوصات ،ولن تس َمعا شيئًا .ال بأس ،فلئن كانت جرتشل تصون لسانها فمادي تَن ُشر النَّميمة بال
حياء.
سألَها الصَّبي« :هل أرسلَ ِك ال ِمايستر كولمون؟».
سمعت أن سيِّدي متوعِّك» .بَعد حادثة وعاء الفضالت هر َع ال ِمايستر إلى السير لوثور ُ أجابَت كاذبةً« :ال،
برون ،ثم جا َءها الفارس ً
قائال« :إذا أقن َعته سيِّدتي بالقيام من الفِراش فلن أضط َّر إلى جرِّه منه عنوةً».
قالت لنفسها :ال يُمكننا أن نسمح بهذا .حين يُعا َمل روبرت بخشون ٍة فغالبًا ما تُصيبه نوبة الرَّجفة .سألَت
حضر توتًا وقشدةً أو القليل من ال ُخبز ال َّدافئ
اللورد الصَّغير« :أأنت جائع يا سيِّدي؟ هل أرس ُل مادي تُ ِ
والزبدة؟» .متأ ِّخرًا ج ًّدا تذ َّكرت أن ال خبز دافئًا عندهم ،فالمطابخ أُغلِقَت بالفعل واألفران باردة .إذا أ َّدى
ُّ
ق.إشعال فُرن إلى نهوض روبرت من الفِراش فاألمر يستح ُّ
ُمكنك أن تقرأي لي إذا
ِ قال اللورد الصَّغير بنبر ٍة مشا ِكسة حا َّدة« :ال أري ُد طعا ًما .سأبقى في الفِراش اليوم .ي
ت» .
أرد ِ
بسبب السَّتائر الثَّقيلة المسدَلة على النَّوافذ كانت ال ُغرفة مظلمةً كأنه اللَّيل ،فقالت إليني« :الظَّالم شديد هنا،
نسي ُعصفوري الجميل ما سنفعله اليوم؟». َ ال يَصلُح للقراءة .هل
« -ال ،لكنني لن أذهب .أري ُد أن أبقى في الفِراش .اقرأي لي عن الفارس المجنَّح».
الفارس المجنَّح هو السير آرتيس آرن ،وتقول األسطورة إنه طر َد البَشر األوائل من (الوادي) وطا َر إلى
صقر ضخم ليَقتُل ملك َ
الجرافِن. ٍ ق َّمة (رُمح العمالق) على متن
ب ويستطيع حكايتها بحذافيرها ص ٍة عن مغامراته ،وروبرت الصَّغير يحفظها كلَّها عن َ
ظهر قل ٍ هناك مئة ق َّ
الذاكرة ،لكنه يحبُّ أن تُق َرأ له رغم ذلك .قالت إليني للصَّبي« :يجب أن نذهب يا عزيزي ،لكني أعدك من َّ
بأن أقرأ لك حكايتين عن الفارس المجنَّح عندما نصل إلى (ب َّوابات القمر)».
َر َّد من فوره« :ثالث حكايات» .مهما عرضت عليه يرغب روبرت دو ًما في المزيد.
« -ثالث حكايات .هل لي أن أدع ال َّشمس تَد ُخل؟».
« -ال ،الضَّوء يُؤلِم عينَي .تعالي إلى الفِراش يا إليني».
لكنها ذهبَت إلى النَّافذة رغم ذلك ،دائرةً حول وعاء الفضالت المحطَّم الذي تش ُّمه أفضل مما تراه ،وقالت:
آخرها ،فقط بما يكفي لرؤية وجه ُعصفوري الجميل». «لن أفتحها عن ِ
قال متن ِّشقًا« :ليكن».
إصبع وربطَتها ،لتسبح ذرَّات
ٍ السَّتائر من القطيفة ال َّزرقاء ،وقد أزا َحت إحداها مسافةً ال تربو على طول
التُّراب في عمو ٍد من ضوء ال َّشمس ،وتلوح ألواح ُزجاج النَّافذة الصَّغيرة ذات ال َّشكل الماسي المكتسية
بالصَّقيع .مس َحت إليني إحداها بكعب يدها بما يكفي لرؤية ُزرقة السَّماء الصَّافية ونصوع األبيض على
جانب الجبل.
بمعطف من الجليد ،وق َّمة (رُمح العمالق) باألعلى مدفونة بال ُّثلوج الكثيفة.
ٍ (العُش) متدثِّرة
حين التفتَت كان روبرت آرن جالسًا مسندًا ظَهره إلى الوسائد ويَنظُر إليها .سيِّد (العُش) وحامي (الوادي).
تحت الخصر يُ َغطِّيه دثار من الصُّ وف ،وفوقه ال يرتدي شيئًا ،صب ٌّي شاحب َشعره طويل كالفتيات.
لروبرت ذراعان وساقان طويلة نحيلة وصدر ليِّن مقعَّر وبطن صغير وعينان محمرَّتان دامعتان دو ًما .ال
حيلة له في هذا.
لقد ُولِ َد صغيرًا سقي ًما« .تبدو قويًّا للغاية هذا الصَّباح يا سيِّدي» .يحبُّ الصَّبي أن يُقال له كم هو قوي.
حضران ما ًء ساخنًا لالستحمام؟ ستدعك مادي ظَهرك وتغسل َشعرك لتذهب «هل أجع ُل مادي وجرتشل تُ ِ
بمظهر نظيف يليق بك كلورد .أن يكون هذا لطيفًا؟».
ٍ في رحلتك
« -ال .أنا أكرهُ مادي .إن لها ثُؤلولةً على عينها وتدعكني بش َّد ٍة تُؤلِمني .مامي لم تُؤلِمني بينما تُ َح ِّممني
قَ ُّ
ط» .
« -سأقو ُل لمادي َّأال تدعك ُعصفوري الجميل بش َّدة .عندما تستح ُّم وتنتعش ستتحسَّن».
ُ «-
قلت ال ح َّمام .رأسي يُؤ ِلمني للغاية».
« -هل أحض ُر لك قُماشةً دافئةً تضعها على جبهتك؟ أو كوبًا من نبيذ النَّوم؟ القليل فقط .ميا ستون تنتظرنا
في (سماء) وستستاء إذا نِمت وتركتها منتظرةً .أنت تعلم كم تحبُّك».
َر َّد روبرت« :أنا ال أحبُّها .إنها فتاة البغال ال أكثر» ،وتن َّشق متابعًا« :ال ِمايستر كولمون وض َع شيئًا كريهًا
رفض ،حتى عندما أمرته! أناَ قلت له إنني أري ُد الحليب الحُلو لكنه في حليبي ليلة أمس ،لقد تذ َّوقتهُ .
اللورد ،وعليه أن يفعل ما أقوله له .ال أحد يفعل كما أقو ُل».
« -سأتكلَّ ُم معه ،لكن فقط إذا نهضت من الفِراش .الطَّقس جميل في الخارج يا ُعصفوري الجميل وال َّشمس
ساطعة ،يوم مثالي لنزول الجبل .البغال منتظرة في (سماء) مع ميا.»...
ارتعش فمه وبدا كأنه سيجهش بالبكاء إذ قال« :أكرهُ تلك البغال ورائحتها الكريهة .في م َّر ٍة حاو َل واحد أنَ
دمت هنا( .العُش) منيعة!». ُ يعضَّني! قولي لميا تلك إنني سأبقى هنا .ال أحد يستطيع أن يُؤذيني ما
« -و َمن قد يرغب في إيذاء ُعصفوري الجميل؟ لورداتك وفُرسانك يهيمون بك والعا َّمة يهتفون باسمك».
إنه خائف ،وله َحق .منذ سقطَت السيِّدة والدته والصَّبي معرضٌ عن مجرَّد الوقوف في ال ُّشرفة ،وخطورة
ي أحد .كان قلب إليني بين قدميها حين صعدَت مع الطَّريق من (العُش) إلى (ب َّوابات القمر) كفيلة بإرهاب أ ِّ
الليدي اليسا واللورد پيتر ،والجميع متَّفقون على أن النُّزول أكثر إرعابًا ألنك تَنظُر إلى أسفل طيلة
رسان ُشجعان امتق َعت وجوههم وبلَّلوا أنفُسهم على الجبل .وال ٍ الوقت ،وميا تحكي عن لوردات عظام وفُ
أحد منهم كان مبتلًى بداء الرَّجفة.
ق على قمم الجبل ،وقد زال الخريف البثًا ،لكن ال ِّشتاء أطب َ
على أن التَّل ُّكؤ لن ينفع .على أرض الوادي ما َ
نجوا بالفعل من ثالث عواصف ثلجيَّة وعاصف ٍة أخري جليديَّة أحالَت القلعة إلى بلَّور منذ أسبوعين .ربما
تكون (العُش) منيعةً ،لكنها ستُصبِح مسدودةً أيضًا ع َّما قريب ،والطَّريق إلى أسفل يزداد خطورةً ك َّل يوم.
ق هنا باألعلى َّإال دستة منهم للعناية باللورد روبرت. أكثر خدم القلعة وجنودها غادَروا بالفعل ،ولم يتب َّ
قالت برفقُ « :عصفوري الجميل ،النُّزول سيكون سا ًّرا للغاية ،سترى .السير لوثور سيكون معنا ،وميا
أيضًا .بغالها صعدَت ونزلَت هذا الجبل ألف مرَّة».
قلت لك إن واحدًا حاو َل أن يعضَّني وأنا صغير». َر َّد بإصرار« :أكرهُ البغال ،إنها بغيضةُ .
تعلم إليني أن روبرت لم يتعلَّم الرُّ كوب كما ينبغي .البغال أو الخيول أو الحمير ،ال فرق ،كلُّها عنده
وحوش مخيفة ال تختلف عن التَّنانين أو ال َجرافِن .لقد جي َء به إلى (الوادي) ل َّما كان في السَّادسة ،وقد
ركب مو ِّسدًا رأسه بين ثديَي أ ِّمه المليئيْن باللَّبن ،ومنذ ذلك الحين لم يبرح (العُش) م َّرةً.
َ
لكن عليهم أن يذهبوا قبل أن يُغلِق الجليد القلعة تما ًما ،فال أحد يدري إلى متى سيستمرُّ الطَّقس الصَّحو.
لست ُشجاعةًُ وسأكون راكبةً وراءك مباشرةً .إنني مجرَّد فتاة، ُ قالت إليني« :ميا ستمنع البغال من ال َعضِّ ،
أو قويَّةً ِمثلك .إذا كان باستطاعتي أن أفعلها فمؤ َّكد أنك تستطيع أيضًا يا ُعصفوري الجميل».
ً
واصال: ظهر يده م قال اللورد روبرت« :أستطي ُع أن أفعلها ،لكنني أختا ُر َّأال أفعل» ،ومس َح أنفه السَّائل ب َ
شعرت بتحسُّن .اليوم بارد للغاية في الخارج ُ «قولي لميا إنني سأبقى في الفِراش .ربما أنز ُل غدًا إذا
حضر لنا قُرص عسل. ُمكنك أن تشربي الحليب الحُلو أيضًا ،وسأقو ُل لجرتشل أن تُ ِ ِ ورأسي يُؤلِمني .ي
سننام ونتبادَل القُبالت ونلعب ،وستقرأين لي عن الفارس المجنَّح».
وعدت ...حين نَبلُغ (ب َّوابات القمر)» .يكاد صبر إليني ينفد ،وقالت لنفسها ُ ت كما« -سأفعلُ ،ثالث حكايا ٍ
وإال سنكون فوق مستوى ال ُّثلوج عند الغروب« .اللورد نستور يُ َجهِّز مأدبةً مذ ِّكرةً :يجب أن نذهب َّ
للتَّرحيب بكَ ،حساء فِطر ولحم غزالن وكعكات .لست تُريد تخييب أمله ،أليس كذلك؟».
« -هل ستكون كعكات ليمون؟» .يحبُّ اللورد روبرت كعكات اللَّيمون ،ربما ألن إليني تحبُّها.
« -كعكات ليمون ليمونيَّة ك ُّلها ليمون ،ويُمكنك أن تأكل منها كما ِشئت».
« -مئة؟ هل يُمكنني أن آكل مئةً؟».
قالت« :إذا أردت» ،وجل َست على طرف الفِراش وملَّست على َشعره النَّاعم الطَّويل مف ِّكرةًَ :شعره جميل
أصيب روبرت
َ حقًّا .اعتادَت الليدي اليسا تمشيطه بنفسها ك َّل ليل ٍة وقصِّ ه عندما يطول ،لكن بَعد سقوطها
فأمرهم پيتر بأن يَترُكوا َشعره ينمو .لفَّت إليني ُخصلةً َ بنوبات رجف ٍة عنيفة متى دنا منه أحدهم بمقص،
حول إصبعها متسائلةً« :واآلن هل ستقوم من الفِراش وتَترُكنا نُلبِسك؟».
« -أري ُد مئة كعكة ليمون وخمس حكايات!».
مؤخرتك مئة مرَّة وألطمك على وجهك خمس مرَّات .لم تكن لتجرؤ على التَّصرُّ ف ِّ أري ُد أن أصفعك على
بهذه الطَّريقة لو كان پيتر هنا .الحقيقة أن اللورد الصَّغير يخشى زوج أُ ِّمه لدرج ٍة ال بأس بها .أرغ َمت
إليني نفسها على االبتسام قائلةً« :كما يرغب سيِّدي ،لكن ال شيء من هذا قبل أن تغتسل وترتدي ثيابك
وتبدأ النُّزول.
بحزم من يده وسحبَته من الفِراش.
ٍ هيا قبل أن يم َّر الصَّباح» ،وأمس َكته
صبي صغير ٍّ لكن قبل أن تستدعي الخادمتين ط َّوقها العُصفور الجميل بذراعيه النَّاحلتين وقبَّلها .كانت قُبلة
أغلقت عينَي فيُمكنني التَّظاهُر بأنه فارس ُّ
الزهور .ذات م َّر ٍة ُ خرقاء ،وكلُّ ما يفعله روبرت آرن أخرق .إذا
أعطى السير لوراس سانزا ستارك وردةً حمراء ،لكنه لم يُقَبِّلها ...وال أحد من آل تايرل سيُقَبِّل إليني ستون
أبدًا.
على الرغم من َجمالها فإنها في النِّهاية ابنة حرام.
إذ مسَّت شفتا الصَّبي شفتيها وجدَت نفسها تُفَ ِّكر في قُبل ٍة أخرى ،وال تزال تَذ ُكر كيف شع َرت حين انضغطَ
فمه القاسي على فمها ،وقد أتى سانزا في الظَّالم بينما تمأل النِّيران الخضراء السَّماء .أخ َذ أغنيَّةً وقبلة
ُ ً47
سرسي النستر األولى ،أرملة (الملك روبرت باراثيون األول) ،الملكة األُم ،حامية البالد ،سيِّدة كاسترلي
روك ،الملكة الوصيَّة على العرش،
-أوالد الملكة سرسي:
( -الملك چوفري باراثيون األول) ،ماتَ مسمو ًما في مأدبة زفافه ،صبي في الثَّانية عشرة،
-األميرة مارسال باراثيون ،فتاة في التَّاسعة ،ربيبة األمير دوران مارتل في صنسپير،
-الملك تومن باراثيون األول ،ملك صبي في الثَّامنة،
-قِططه ،السير پاونس ،الليدي ويسكرز ،بوتس،
-شقيقا الملكة سرسي:
-السير چايمي النستر ،توأمها ،لقبه قاتل الملك ،قائد ال َحرس الملكي،
-تيريون النستر ولقبه العفريت ،متَّهم ومدان باغتيال الملك وقتل األقربين،
-پودريك پاينُ ،مرافق تيريون ،صبي في العاشرة،
-أعمام وأخوال الملكة سرسي وأوالدهم:
-السير كيڤان النستر ،ع ُّمها،
-السير النسل ،ابن السير كيڤانُ ،مرافق الملك روبرت وعشيق سرسي سابقًا ،نُص َ
ِّب سيِّدًا على داري
حديثًا،
ريڤررن،
َ ( -ويلم) ،ابن السير كيڤان ،قُتِ َل في
-مارتن ،ابن السير كيڤانُ ،مرافق،
-چاني ،ابنة السير كيڤان ،فتاة في الثَّالثة،
-الليدي چنا النستر ،ع َّمة سرسي ،زوجة إمون فراي،
چنا ،قتلَه الخارجون عن القانون،
( -السير كليوس فراي) ،ابن ِ
-السير تايوين فراي ،يُ َس َّمى تاي ،ابن كليوس،
-ويلم فراي ،ابن كليوسُ ،مرافق،
چنا الثَّاني،
-السير اليونل فراي ،ابن الليدي ِ
چنا ،قُتِ َل في ريڤر َرن،
( -تيون فراي) ،ابن ِ
چنا ،وصيف في كاسترلي روك،
-والدر فراي ولقبه والدر األحمر ،أصغر أبناء الليدي ِ
-تايرك النستر ،ابن ع ِّم سرسي الرَّاحل تايجت،
-الليدي إرميساند هايفورد ،زوجة تايرك ال ِّ
طقلة،
-چوي هيل ،ابنة جيريون ع ِّم الملكة سرسي المفقود النَّغلة ،فتاة في الحادية عشرة،
-سيرينا النستر ،ابنة ستافورد خال سرسي الرَّاحل،
-مارييل النستر ،ابنة ستافورد خال سرسي الرَّاحل وأخت سيرينا،
-السير داڤن النستر ،ابن خالها ستافورد،
-السير داميون النستر ،ابن خؤولة بعيد ،زوج شيرا كراكهول،
-السير لوشن النستر ،ابنهما،
-النا ،ابنتهما ،زوجة اللورد آنتاريو چاست،
-الليدي مارجو ،ابن خؤولة أبعد ،زوجة اللورد تايتوس پيك،
صغير:
-مجلس الملك تومن ال َّ
( -اللورد تايوين النستر) ،يد الملك،
-السير چايمي النستر ،قائد ال َحرس الملكي،
-السير كيڤان النستر ،قيِّم القوانين،
-ڤارس ولقبه الخصي ،ولي الهامسين،
-المايستر األكبر پايسل ،مستشار ومعالج،
-اللورد مايس تايرل ،اللورد ماثيس روان ،اللورد پاكستر ردواين ،مستشارون،
َ -حرس تومن الملكي:
-السير چايمي النستر ،القائد،
-السير مرين ترانت،
-السير بوروس بالونت ،أُعفِ َي من منصبه ثم أعي َد إليه،
-السير بالون سوان،
-السير أوزموند كتلبالك،
-السير لوراس تايرل ،فارس ُّ
الزهور
-السير آريس أوكهارت ،مع األميرة مارسال في دورن،
-أهل بيت سرسي في كينجز الندنج:
-الليدي چوسلين سويفت ،رفيقتها،
-سينل ودوركاس ،رفيقتاها في الفِراش وخادمتاها،
-لوم ،لستر األحمر ،هوك ولقبه ساق الحصان ،ذو األذن القصيرة ،پوكنزُ ،حرَّاس،
-الملكة مارچري
-الملكة مارچري سليلة عائلة تايرل ،فتاة في ال َّسادسة عشرة ،أرملة الملك چوفري باراثيون األول ومن
قبله اللورد رنلي باراثيون،
-بالط مارچري في كينجز الندنج:
-مايس تايرل ،سيِّد هايجاردن ،أبوها،
-الليدي آليري سليلة عائلة هايتاور ،أ ُّمها،
-الليدي أولينا تايرل ،ج َّدتها ،أرملة مسنَّة لقبها ملكة األشواك،
-آريك وإريك ،حارسا الليدي أولينا ،توأمان طولهما سبعة أقدام لقبهما شمال ويمين،
-السير جارالن تايرل ،أخو مارچري ولقبه الهمام،
-الليدي ليونيت ،زوجته ،سليلة عائلة فوسواي،
الزهور ،أخ محلَّف في ال َحرس الملكي،
-السير لوراس تايرل ،أصغر إخوتها ،فارس ُّ
-رفيقات مارچري:
-بنات عمومتها ،مجا وآال وإلينور تايرل،
-خطيب إلينور ،آلن أمبروزُ ،مرافق،
-الليدي أليسين بولوار ،فتاة في الثَّامنة،
-ميريديث كرين ،أو ميري،
-الليدي تاينا ميريويذر،
-الليدي آليس جريسفورد،
-السپتة نستيريكا ،أخت في العقيدة،
-پاكستر ردواين ،سيِّد الكرمة،
-ابناه التَّوأمان ،السير هوراس والسير هوبر،
-المايستر باالبار ،معالجه ومستشاره،
-ماثيس روان ،سيِّد البُستان َّ
الذهبي،
-السير ويالم ويذرز ،قائد َحرس مارچري،
-هيو كليفتون ،حارس شاب وسيم،
-السير پورتيفر وودرايت وأخوه السير لوكانتين،
-بالط سرسي في كينجز الندنج:
-السير أوزفريد كتلبالك والسير أوزني كتلبالك ،أخوان أصغر للسير أوزموند ِكتلبالك،
بجرح مسموم،
ٍ ضر متألِّ ًما
-السير جريجور كليجاين ولقبه الجبل راكب الخيول ،يُحت َ
-السير أدام ماربراند ،قائد َحرس المدينة في كينجز الندنج «ذوو المعاطف َّ
الذهبيَّة»،
-چاالبار شو ،أمير وادي ال َّزهرة الحمراء ،منفي من جُزر الصَّيف،
-جايلز روزبي ،سيِّد روزبي ،مصاب بسُعال مزمن،
-أورتون ميريويذر ،سيِّد الطَّاولة الطَّويلة،
-تاينا ،زوجته ،امرأة من مير،
-الليدي تاندا ستوكوورث،
-الليدي فاليس ،ابنتها ال ُكبرى ووريثتها،
-السير بالمان بيرش ،زوج الليدي فاليس،
-الليدي لوليس ،ابنتها الصُّ غرى ،حُبلى وضعيفة العقل،
مرتزق سابق،ِ -السير برون فارس النهر األسود ،زوج الليدي لوليس،
( -شاي) ،تابعة معس َكرات تخدم كرفيقة فِراش لوليس ،ماتَت خنقًا في فِراش اللورد تايوين،
-المايستر فرنكن ،في خدمة الليدي تاندا،
-السير إلين پاين ،عدالة الملكَّ ،
جالد،
-رينيفر لونجووترز ،رئيس ُمشرفي ال َّسجَّانين في زنازين القلعة الحمراء،
-روجنُ ،مشرف سجَّانين في ال َّزنازين السَّوداء،
صاحب حكمة من رابطة الخيميائيِّين،
ِ -اللورد هاالين الپايرومانسر،
-نوهو ديميتيس ،مبعوث من مصرف براڤوس الحديدي،
-كايبرن ،نِكرومانسرِ ،مايستر سابق من القلعة ،الحقًا ُعضو في ِرفقة ال ُّشجعان،
-فتى القمر ،المهرِّج الملكي،
-پايت ،صبي في الثَّامنة ،كبش فداء الملك تومن،
-أورموند ابن البلدة القديمة ،عازف القيثارة والمغنِّي الملكي،
-السير مارك مالندور ،الذي فق َد قردًا ونِصف ذراع في معركة النَّهر األسود،
-أوران ووترز ،نغل دريفتمارك،
-اللورد أليساندر ستيدمون ولقبه عاشق البنسات،
-السير رونيت كوننجتون ولقبه رونيت األحمر ،فارس وكر ال َجرافِن،
-السير المبرت ترنبري ،السير درموت ابن الغابة المطيرة ،السير تاالد ولقبه الطويل ،السير بايارد
نوركروس ،السير بونيفر هاستي ولقبه الصالح ،السير هيوجو ڤانس ،فُرسان مقسمون على الوالء للعرش
الحديدي،
-السير اليل كراكهول ولقبه ال ُعفر القوي ،السير آلن ستاكسپير ،السير چون بتلي ولقبه چون الحليق،
السير ستفون سويفت ،السير همفري سويفت ،فُرسان مقسمون على الوالء لكاسترلي روك،
-چوزمين پكلدونُ ،مرافق ومن أبطال معركة النَّهر األسود،
-جاريت پايچ وليو پايپرُ ،مرافقان ورهينتان،
-أهل كينجز الندنج:
-ال ّسپتون األعلى ،أبو المؤمنين وصوت اآللهة السَّبعة على األرض ،رجل عجوز واهن،
-ال ّسپتون توربرت ،السّپتون راينارد ،السّپتون لوشن ،السّپتون أوليدور ،أعضاء في مجلس القانِتين،
يخدمون اآللهة السَّبعة في ِسپت بيلور الكبير،
-السّپتة مويل ،السّپتة آجالنتين ،السّپتة هيلسنت ،السّپتة أونال ،عضوات في مجلس القانِتين ،يخدمن
اآللهة السَّبعة في ِسپت بيلور الكبير،
« -العصافير» ،أكثر البَشر تواضعًا ،مخلصون في إيمانهم،
-شاتايا ،مالكة ماخور مكلِّف،
-أاليايا ،ابنتها،
-دانسي ،ماري ،من فتيات شاتايا،
-رايال ،خادمة ،خد َمت الليدي سانزا ستارك حديثًا،
-توبهو موت ،من أساتذة الحدادة،
-هاميش ذو القيثارة ،مطرب مسن،
-أالريك اآليزيني ،مطرب كثير التَّجوال،
-وات ،مطرب يُطلِق على نفسه لقب الشاعر األزرق،
-السير ثيودان ولز ،فارس متديِّنُ ،ع ِرفَ الحقًا باسم السير ثيودان الصالح.
راية الملك تومن عبارة عن وعل باراثيون المت َّوج ،أسود على ذهبي ،وأسد النستر ،ذهبي على
قرمزي ،يتصا َرعان.
الجدار
الملك على ِ
ضياء النَّاري ،وهو قلب أحمر محاط باللَّهب البرتقالي على خلفيَّ ٍة صفراء ،وفي داخلاتَّخذ ستانيس لرايته رمز قلب إله ال ِّ
بلون أسود.
ٍ القلب وعل باراثيون المت َّوج
ستانيس باراثيون األول ،االبن الثَّاني للورد ستفون باراثيون والليدي كاسانا سليلة عائلة إسترمونت ،سيِّد
دراجونستون ،يُ َس ِّمي نفسه ملك وستروس،
-الملكة سيليس سليلة عائلة إسترمونت ،زوجته ،حاليًّا في القلعة ال َّشرقيَّة على البحر،
-األميرة شيرين ،ابنتهما ،فتاة في السَّابعة،
-ذو الوجه المرقع ،مه ِّرج شيرين األبله،
-إدريك ستورم ،ابن أخيه النَّغل ،ابن الملك روبرت من الليدي ديلينا فلورنت ،صبي في الثَّانية عشرة،
على متن پرندوس المجنون في البحر الضيِّق.
-السير أندرو إسترمونت ،ابن خال الملك ستانيس ،من رجال الملك ،يقود ُحرَّاس إدريك،
-السير چيرالد جاور ،لويس ولقبه الس ّماك ،السير تريستون ابن هضبة تالي ،أومر بالكبري ،من رجال
الملك ُحرَّاس إدريك وحُماته،
سوداء:
-بالط ستانيس في القلعة ال َّ
-الليدي مليساندرا اآلشايية ولقبها المرأة الحمراء ،من راهبات راهلور إله الضِّياء،
الجدار ،أسير ومحكوم عليه بالموت،
-مانس رايدر ،ملك ما وراء ِ
اسم بع ُد« ،األمير الهمجي»،
-ابن رايدر من زوجته (داال) ،وليد بال ٍ
-جيليُ ،مرضعته ،فتاة همجيَّة،
اسم بع ُد ،من أبيها (كراستر)،
-ابنها ،وليد آخَر بال ٍ
-السير ريتشارد هورپ ،السير چاستن ماسي ،السير كاليتون سوجز ،السير جودفري فارنج ولقبه قاتل
العمالقة ،اللورد هاروود فل ،السير كورليس پني ،من رجال الملكة وفُرسانها،
-دڤان سيوورث وبريان فارنجُ ،مرافقان ملكيَّان،
-بالط ستانيس في القلعة الشَّرقيَّة:
-السير داڤوس سيوورث ولقبه فارس البصل ،سيِّد الغابة المطيرة ،أميرال البحر الضيِّق ،يد الملك،
-السير آكسل فلورنت ،عم الملكة سيليس ،أبرز رجال الملكة،
-ساالدور سان ،من لِيس ،قُرصانُ ،ربَّان ڤاليريان وأسطول من القوادس،
-حامية ستانيس في دراجونستون:
-السير روالند ستورم ولقبه نغل التغريدة ،من رجال الملك ،أمين القلعة في دراجونستون،
-المايستر پايلوس ،معالج ومعلِّم ومستشار،
« -سجان الثريد» و«سجان الشلق» ،سجَّانان،
-اللوردات المقسمون على الوالء لدراجونستون:
-مونتريس ڤيالريون ،سيِّد ال َم ِّد وال َجزر وحاكم دريفتمارك ،صبي في السَّادسة،
-دورام بار إمون ،سيِّد الرَّأس الحاد ،صبي في الخامسة عشرة،
-حامية ستانيس في ستورمز إند:
-السير جيلبرت فارنج ،أمين القلعة في ستورمز إند،
-اللورد إلوود ميدوز ،نائب السير جيلبرت،
-المايستر چورن ،مستشار السير جيلبرت ومعالجه،
-اللوردات المقسمون على الوالء لستورمز إند:
-إلدون إسترمونت ،سيِّد الحجر األخضر ،خال الملك ستانيس ،خال أبي الملك تومن الكبير ،صديق ح ِذر
لالثنين،
-السير إيمون ،ابن اللورد إلدون ووريثه ،مع الملك تومن في كينجز الندنج،
-السير آلن ،ابن السير إيمون ،أيضًا مع الملك تومن في كينجز الندنج،
-السير لوماس ،أخو اللورد إلدون ،خال الملك ستانيس ومناصره في ستورمز إند،
-السير أندرو ،ابن السير لوماس ،يحمي إدريك ستورم في البحر الضيِّق،
-لستر موريجن ،سيِّد ُعش ال ِغربان،
-اللورد لوكوس تشيترينج ولقبه لوكوس الصغير ،شاب في السَّادسة عشرة،
-داڤوس سيوورث ،سيِّد الغابة المطيرة،
-ماريا ،زوجته ،ابنة نجَّار،
( -دايل و آالرد و ماثوس و ماريك) ،أبناؤهما األربعة األكبر ،فقداهم في معركة النَّهر األسود،
-دڤانُ ،مرافق مع الملك ستانيس في القلعة السَّوداء،
-ستانيس ،صبي في العاشرة ،مع الليدي ماريا في رأس الغضب،
-ستفون ،صبي في السَّادسة ،مع الليدي ماريا في رأس الغضب،
الجزر والشَّمال
ملك ُ
راية آل جرايچوي عبارة عن كراكن ذهبي على خلفيَّ ٍة سوداء ،وكلماتهم« :نحن ال نزرع».
عاش في عصر األبطال ،وتقول عنه األساطير إنه لم يَح ُكم َ ينحدر آل جرايچوي من الملك األشيب الذي
الجُزر الغربيَّة فحسب ،بل البحر نفسه كذلك وتز َّوج عروس بحر .آلالف السِّنين ش َّكل ُمغيرو جُزر الحديد
ت ق عليهم ضحاياهم لقب «الرِّ جال الحديديِّين» رُعبًا مقي ًما عبر البحار ،فقد أب َحروا لمسافا ٍ -الذين أطل َ
بعيد ٍة حتى ميناء إيبن وجُزر الصَّيف ،وتباهوا بشراستهم في المعارك و ُحرِّياتهم المق َّدسة .كان لكلِّ واحد ٍة
من ُجزر الحديد «ملك ملحي» و«ملك صخري» ،وكان هؤالء ينتخبون ملك الجُزر األعلى من بينهم ،إلى
ض َيأن جع َل الملك أورون انتقال العرش بالوراثة عندما اغتا َل بقيَّة الملوك أثناء اجتماعهم لالنتخاب ،ثم قُ ِ
عام عندما اكتس َح األنداليُّون جُزر الحديد ،وصاه َر آل جرايچوي الغزاة على ساللة أورون كلها بَعد ألف ٍ
فعل عدد من سادة الجُزر اآلخَرين.
كما َ
ت تجاوزَت جُزر الحديد نفسها بكثير ،وأقاموا ممالك كاملةً على ط الملوك الحديديُّون سيطرتهم لمسافا ٍبس َ
اليابسة بالسَّيف والنَّار ،حتى إن الملك كوريد كان يتفا َخر بأن أوامره تسري «حيثما يش ُّم النَّاس المياه
المالحة أو يسمعون تالطُم األمواج» .في القرون التَّالية فق َد أبناء كوريد الكرمة والبلدة القديمة وجزيرة
الدِّببة ومساحةً
كبيرةً من السَّاحل الغربي ،ومع ذلك ظ َّل الملك هارن األسود مسيطرًا على األراضي الواقعة بين الجبال
منح
من العُنق وحتى النهَّر األسود خالل حروب الغزو ،لكن بَعد مصرعه مع أبنائه في سقوط هارنهال َ
إجون تارجاريَن أراضي النهَّر لعائلة تَلي ،وسم َح للوردات جُزر الحديد الناَّجين بإحياء تقليدهم القديم
واختيار من يَح ُكمهم ،فاختاروا اللورد ڤيكون جرايچوي ابن پايك.
ق أن قا َد بالون جرايچوي سيِّد جُزر الحديد تمرُّ دًا على العرش الحديدي ،أخمدَه الملك روبرت باراثيون سب َ
األول وإدارد ستارك سيِّد وينترفل ،لكن في خض ِّم الفوضى التي تب َعت موت روبرت نصَّب اللورد بالون
نفسه مل ًكا ثانيةً وأرس َل سُفنه الطَّويلة تُ ِ
هاجم ال َّشمال.
(بالون جرايچوي) ،تاسع من يحمل هذا االسم منذ الملك األشيب ،ملك جُزر الحديد وال َّشمال ،ملك الملح
والصَّخر ،ابن رياح البحر ،سيِّد حصاد پايك ،ماتَ ساقطًا من ٍ
عل،
-أرملة الملك بالون ،الملكة أالنيس سليلة عائلة هارلو،
-أوالدهما:
( -رودريك) ،قُتِ َل خالل تمرُّ د بالون األول،
( -مارون) ،قُتِ َل خالل تمرُّ د بالون األول،
-آشا ،ابنتهماُ ،ربَّان الرِّيح السَّوداء وغازية ربوة الغابة،
المارق،
ِ -ثيون ،يُ َس ِّمي نفسه أمير وينترفل ،يُ َس ِّميه ال َّشماليُّون ثيون
-إخوة الملك بالون األشقَّاء وغير األشقَّاء:
(-هارلون) ،ماتَ بال َّداء األرمد في شبابه،
(-كوينتون) ،ماتَ في طفولته،
(-دونل) ،ماتَ في طفولته،
-يورون ولقبه عين الغرابُ ،ربَّان الصَّمت،
-ڤيكتاريون ،الرُّ بان قائد األسطول الحديدي ،سيِّد النَّصر الحديدي،
بجرح بليغ،
ٍ (-يوريجون) ،ماتَ
-آرون ،من رُهبان اإلله الغريق،
-روس ونورچن ،اثنان من ُمعاونيه« ،الرِّجال الغرقى»،
(-روبن) ،ماتَ في طفولته،
-أهل بيت الملك بالون في پايك:
-المايستر ويندامير ،معالج ومستشار،
-هيليا ،راعية القلعة،
ُ -محاربو الملك بالون والمقسمون له:
-داجمر ولقبه ذو الفك المفلوقُ ،ربَّان ثُمالة البحر ،يقود الحديديِّين في مربَّع تورين،
-ذو السن الزرقاءُ ،ربَّان سفينة طويلة،
مالحان و ُمحاربان، -أولر وسكايتَّ ،
-المطالبون ب ُكرسي حجر اليَم في انتخاب الملك في ويك القديمة:
جيلبرت فارويند ،سيِّد المنارة الوحيدة،
-أنصار جيلبرت :أبناؤه جايلز ويجون ويون،
إريك آيرونميكر ولقبه محطم السنادين وإريك العادل ،عجوزُ ،ربَّان و ُمغير ذائع الصِّيت سابقًا،
-أنصار إريك :أحفاده أوريك وثورمور وداجون،
دنستان دروم ،دروم الكبير ،اليد العظميَّة ،سيِّد ويك القديمة،
-أنصار دنستان :ابناه دينس ودونل ،وأندريك الال مبتسم ،رجل عمالق،
آشا جرايچوري ،ابنة بالون جرايچوي الوحيدةُ ،ربَّان الرِّيح السَّوداء،
-أنصار آشا :كارل البكر ،تريستيفر بوتلي ،السير هاراس هارلو،
-ربابنة آشا وداعموها :اللورد رودريك هارلو ،اللورد بيلور بالكتايد ،اللورد ملدريد مرلين ،هارموند
شارپ ،ڤيكتاريون جرايچوي ،أخو بالون جرايچوي ،سيِّد النَّصر الحديدي ،الرُّ بان قائد األسطول
الحديدي،
-أنصار ڤيكتاريون:
رالف ستونهاوس األحمر ،رالف األعرج ،نيوت الحالق،
-ربابنة ڤيكتاريون وداعموه:
-هوثو هارلو ،آلڤن شارپ ،فرالج القوي ،رومني ويڤر ،ويل همبل ،لينوود تاوني الصغير ،رالف كنينج،
مارون ڤولمارك ،جورولد جودبراذر،
-طاقم سفينة ڤيكتاريون:
وولف ذو األذن الواحدة ،راجنور پايك،
-رفيقة ڤيكتاريون في الفِراش امرأة سمراء خرساء بال لسان ،هديَّة من أخيه يورون،
يورون جرايچوي ولقبه عين الغراب ،أخو بالون جرايچويُ ،ربَّان الصَّمت،
-أنصار يورون:
-جرموند بوتلي ،اللورد أوركوود سيد أوركمونت ،دونور سولتكليف،
-ربابنة يورون وداعموه:
-توروولد ذو السن البنية ،چون ماير ذو الوجه المسحوب ،رودريك المولود حرا ،المالح األحمر،
لوكاس كود األعسر ،كويلون همبل ،هارن النصف هور ،كيميت پايك النغل ،ذو اليد الحجر ،رالف
الراعي ،رالف سليل لوردزپورت،
-طاقم سفينة يورون:
-كراجورن،
-ح َملة راية بالون ،لوردات ُجزر الحديد:
في پايك:
( -ساوان بوتلي) ،سيِّد لوردزپورت ،أغرقَه يورون عين ال ُغراب،
-تريستيفر ،ابنه الثَّاني ووريثه ال َّشرعي ،طردَه ع ُّمه،
-سايموند و هارلون و ڤيكون و بيناريون ،أبناؤه األصغر ،مطرودون أيضًا،
ب سيِّدًا على لوردزپورت، -جرموند ،أخوه ،نُ ِّ
ص َ
-ابنا جرموند ،بالون و كويلون،
-سارجون و لوسيمور ،أخوا ساوان غير ال َّشقيقين،
-وكس ،صبي أخرس في الثَّانية عشرة ،ابن سارجون النَّغلُ ،مرافق ثيون جرايچوي،
-والدون وينش ،سيِّد غابة الحديد،
في هارلو:
-رودريك هارلو ولقبه القارئ ،سيِّد هارلو ،سيِّد البروج العشرة ،زعيم عائلة هارلو في هارلو،
-الليدي جوينيس ،أخته الكبيرة،
-الليدي أالنيس ،أخته الصَّغيرة ،أرملة الملك بالون جرايچوي،
-سيجفريد هارلو ولقبه سيجفريد ذو الشعر الفضي ،ع ُّمه الكبير ،سيِّد بهو هارلو،
-هوثو هارلو ولقبه هوثو األحدب ،مقرُّ ه بُرج البريق ،ابن عمومة،
-السير هاراس هارلو ولقبه الفارس ،فارس الحديقة الرَّماديَّة ،ابن عمومة،
-بورموند هارلو ولقبه بورموند األزرق ،سيِّد تَل هاريدان ،ابن عمومة،
-ح َملة راية اللورد رودريك والمقسمون له:
-مارون ڤولمارك ،سيِّد ڤولمارك،
-ماير ،ستونتري ،كنينج،
-أهل بيت اللورد رودريك:
-ذات الثالث أسنان ،وكيلته ،امرأة عجوز،
في بالكتايد:
-بيلور بالكتايد ،سيِّد بالكتايدُ ،ربَّان طيَّار اللَّيل،
-بن بالكتايد األعمى ،من رُهبان اإلله الغريق،
في ويك القديمة:
-دنستان دروم ،دروم الكبيرُ ،ربَّان الرَّاعد،
-نورن جودبراذر ،سيِّد الحجر المه َّشم،
-ستونهاوس الكبير،
-تارل ولقبه تارل الغارق ثالث ً ا ،من رُهبان اإلله الغريق،
في ويك ال ُكبرى:
-جورولد جودبراذر ،سيِّد هامرهورن،
-أبناؤه ،جرايدون وجورموند وجران ،توائم،
-ابنتاه ،جايزال وجوين،
-المايستر مورنميور ،معلِّم ومعالج ومستشار،
-تريستون فارويند ،سيِّد رأس الفقمات،
-سپار الكبير،
-ابنه ووريثه ،ستيفاريون،
-ملدريد مرلين ،سيِّد بلدة الحصى،
في أوركمونت:
-أوركوود سيد أوركمونت،
-اللورد تاوني،
في ُجرف الملح:
-اللورد دونور سولتكليف،
-اللورد سندرلي،
والصخور األصغر:
ُّ الجزر
في ُ
-جيلبرت فارويند ،سيِّد المنارة الوحيدة،
-النورس الرمادي العجوز ،من رُهبان اإلله الغريق.
ملحق ()5
عائالت أخرى صغيرة وكبيرة
عائلة آرن
رمز عائلة هايتاور بُرج أبيض مد َّرج مت َّوج بالنَّار على خلفيَّة بلون الدُّخان ،وكلماتهم« :نُنير الطَّريق».
آل هايتاور أوالد البلدة القديمة من أعرق عائالت وستروس ال ُكبرى وأكثرها إبا ًء ،وتنحدر أصولهم من
البَشر األوائل .قدي ًما كانوا ملو ًكا يَح ُكمون البلدة القديمة واألنحاء المحيطة بها منذ فَجر العصور ،ورحَّبوا
بدال من مقا َومتهم ،والحقًا خضعوا لملوك المرعى متخلِّين عن تيجانهم وإن احتفظوا بجميع باألنداليِّين ً
امتيازاتهم العتيقة .على الرغم من سطوتهم وثرائهم الفاحش لطالما فضَّل لوردات البُرج العالي التِّجارة
عامال أساسيًّا في إنشاء
ً على القتال ،ونادرًا ما لعبوا دورًا كبيرًا في حروب وستروس .كان آل هايتاور
القلعة وما زالوا يحمونها حتى اليوم ،ولحصافتهم ورقيِّهم كانوا دو ًما رُعاةً للعلم والعقيدة ،ويُقال إن بع ً
ضا
معيَّنًا منهم اشتغ َل أيضًا في الخيمياء والپايرومانسي والنِّكرومانسي وغيرها من فنون السِّحر.
اليتون هايتاور ،صوت البلدة القديمة ،سيِّد المرفأ ،سيِّد البُرج العالي ،حامي القلعة ،منارة الجنوب ،يُ َس َّمى
شيخ البلدة القديمة،
-الليدي ريا سليلة عائلة هايتاور ،زوجته الرَّابعة،
-أكبر أبناء اللورد اليتون ووريثه ،السير بيلور ولقبه بيلور البشوش ،زوج روندا روان،
-ابنة اللورد اليتون ،مالورا ولقبها العذراء المجنونة،
-ابنة اللورد اليتون ،آليري ،زوجة اللورد مايس تايرل،
-ابن اللورد اليتون ،السير جارث ولقبه الفوالذ الرمادي،
-ابنة اللورد اليتون ،دينيس ،زوجة السير دزموند ردواين،
-ابنها ،دينسُ ،مرافق،
-ابنة اللورد اليتون ،اليال ،زوجة السير چون كوپس،
-ابنة اللورد اليتون ،أليسين ،زوجة اللورد آرثر أمبروز،
-ابنة اللورد اليتون ،لينيس ،زوجة اللورد چورا مورمونت ،واآلن كبيرة محظيَّات تريجار أورمولن في
لِيس،
-ابن اللورد اليتون ،السير جونثور ،زوج چاين فوسواي من فرع عائلة فوسواي األخضر،
-ابن اللورد اليتون األصغر ،السير همفري،
-ح َملة راية اللورد اليتون:
-تومن كوستاين ،سيِّد األبراج الثَّالثة،
-أليسين بولوار ،سيِّدة التَّاج األسود ،فتاة في الثَّامنة،
-مارتن مالندور ،سيِّد ال ُّنجود،
-وارن بيزبوري ،سيِّد ربوة العسل،
-برانستون كاي ،سيِّد بهو عبَّاد ال َّشمس،
-أهل البلدة القديمة:
-إما ،ساقية في الرِّيشة وال َّدورق ،حيث النِّساء شبقات وخمر التُّفَّاح قويَّة للغاية،
-روزي ،ابنتها ،فتاة في الخامسة عشرة ستتكلَّف بِكارتها تنِّينًا ذهبيًّا،
-رؤساء ال ِمايسترات في القلعة:
-المايستر الرئيس نورن ،قهرمان العام الحالي ،خاتمه وصولجانه وقناعه من معدن اإللكتروم،
-المايستر الرئيس ثيوبولد ،قهرمان العام المقبل ،خاتمه وصولجانه وقناعه من الرَّصاص،
-المايستر الرئيس إيبروز ،المعالج ،خاتمه وصولجانه وقناعه من الفضَّة،
-المايستر الرئيس ماروين ولقبه ماروين المشعوذ ،خاتمه وصولجانه وقناعه من الفوالذ الڤاليري،
-المايستر الرئيس پيرستان ،المؤ ِّرخ ،خاتمه وصولجانه وقناعه من النُّحاس،
-المايستر الرئيس ڤايلين ولقبه الخل ،الفلكي ،خاتمه وصولجانه وقناعه من البرونز،
الذهب األصفر، -المايستر الرئيس ريام ،خاتمه وصولجانه وقناعه من َّ
-المايستر الرئيس والجريڤ ،عجوز تائه العقل ،خاتمه وصولجانه وقناعه من الحديد األسود،
-جاالرد ،كاستوس ،زارابلو ،بنيدكت ،جاريزون ،نايموس ،سيثريس ،ويليفر ،مولوس ،هارودون،
جايني ،أجريڤان ،أوكلي ،ك ُّلهم رؤساء ِمايسترات،
ِ -مايسترات و ُمعاونو ومبتدئو القلعة:
-المايستر جورمون ،يخدم غالبًا في مكان والجريڤ،
-آرمن ويُ َس َّمى المعاونُ ،معاون في سلسلته أربع حلقات،
-أليراس ولقبه أبو الهولُ ،معاون في سلسلته ثالث حلقات ،ق َّواس بارع،
-روبرت فراي ،في السَّادسة عشرةُ ،معاون في سلسلته حلقتان،
-لوركاسُ ،معاون في سلسلته تسع حلقات ،في خدمة القهرمان،
-ليو تايرل ولقبه ليو الكسول ،مبتدئ من ال ُّنبالء،
بقدم معوجَّة،
-موالندر ،مبتدئ مولود ٍ
-پايت ،يعتني ب ِغدفان ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ ،مبتدئ غير واعد،
-روون ،مبتدئ صغير.
عائلة النستر
راية آل النستر عبارة عن أس ٍد ذهبي على خلفيَّ ٍة قرمزيَّة ،وكلماتهم« :اسمعوا زئيري».
يبقى آل النستر أوالد كاسترلي روك أقوى المؤيِّدين لدعوى الملك تومن للعرش الحديدي ،ويأتي نَسبهم
عاش في عصر األبطال ،وقد جعلَهم ذهب كاسترلي روك َ من جهة اإلناث من الن األريب ،ال ُمحتال الذي
والنَّاب َّ
الذهبي أثرى العائالت ال ُكبرى.
(تايوين النستر) ،سيِّد كاسترلي روك ،حامي النسپورت ،حاكم الغرب ،يد الملك ،قتلَه ابنه القزم في
مرحاضه،
-أوالد اللورد تايوين:
-سرسي ،توأمة چايمي ،اآلن سيِّدة كاسترلي روك،
-چايمي ،توأم سرسي ولقبه قاتل الملك،
-تيريون ولقبه العفريت ،قزم وقاتِل أقربين،
-إخوة اللورد تايوين وأوالدهم:
-السير كيڤان النستر ،زوج دورنا سليلة عائلة سويفت،
-الليدي چنا ،زوجة إمون فراي ،اآلن سيِّد ريڤر َرن،
چنا األكبر( ،السير كليوس فراي) ،زوج چاين سليلة عائلة داري ،قتلَه الخارجون عن القانون،
-ابن ِ
-ابن كليوس الكبير ،السير تايوين فراي ويُ َس َّمى تاي ،اآلن وريث ريڤر َرن،
-ابن كليوس الثَّاني ،ويلم فرايُ ،مرافق،
چنا الثَّاني ،السير اليونل فراي، -ابن ِ
چنا الثَّالث( ،تيون فراي) ،قُتِ َل وهو أسير في ريڤر َرن، -ابن ِ
چنا األصغر ،والدر فراي ولقبه والدر األحمر ،وصيف في كاسترلي روك،
-ابن ِ
چنا،
-وات ذو االبتسامة البيضاء ،مطرب في خدمة الليدي ِ
-السير تايجت النستر ،ماتَ بالجُدري،
-تايرك ،ابن تايجت ،مفقود ويُخشى أنه ماتَ ،
-الليدي إرميساند هايفورد ،زوجة تايرك ال ِّ
طفلة،
( -جيريون النستر) ،مفقود في البحر،
-چوي هيل ،ابنة جيريون النَّغلة ،فتاة في الحادية عشرة،
-أهل اللورد تايوين المق َّربون َ
اآلخرون:
( -السير ستافورد النستر) ،ابن عم اللورد تايوين وأخو زوجته ،قُتِ َل في معركة أوكسكروس،
-سيرينا و مارييل ،ابنتا ستافورد،
-السير داڤن النستر ،ابن ستافورد،
-السير داميون النستر ،ابن عم ،زوج شيرا كهراكهول،
-ابنهما ،السير لوشن،
-ابنتهما ،النا ،زوجة آنتاريو چاست،
-الليدي مارجو ،ابنة عمومة ،زوجة اللورد تايتوس پيك،
-أهل بيت اللورد تايوين في كاسترلي روك:
-المايستر كرايلن ،معالج ومعلِّم ومستشار،
-ڤايالر ،قائد ال َحرس،
-السير بنيدكت بلوم ،قيِّم السِّالح،
-وات ذو االبتسامة البيضاء ،مطرب،
-ح َملة راية ومقسمون على الوالء ،لوردات الغرب:
-دامون ماربراند ،سيِّد آشمارك،
-السير أدام ماربراند ،ابنه ووريثه ،قائد َحرس المدينة في كينجز الندنج،
-روالند كراكهول ،سيِّد كراكهول،
-أخو روالند( ،السير برتون) ،قتلَه الخارجون عن القانون،
-ابن روالند ووريثه ،السير تايبولت،
-ابن روالند ،السير اليل ولقبه العفر القوي،
-ابن روالند األصغر ،السير مرلون،
-سيباستون فارمان ،سيِّد الجزيرة القصيَّة،
-چاين ،أخته ،زوجة السير جاريث كليفتون،
-تايتوس براكس ،سيِّد وادي القرون،
-السير فليمنت براكس ،أخوه ووريثه،
-كوينتن بانفورت ،سيِّد بانفورت،
-السير هاريس سويفت ،حمو السير كيڤان،
-ابن السير هاريس ،السير ستفون سويفت،
-ابنة السير ستفون ،چوانا،
-ابنة السير هاريس ،شيرل ،زوجة السير ملوين سارسفيلد،
-ريچينارد إسترن ،سيِّد ويندهول،
-جاون وسترلينج ،سيِّد الجُرف،
-زوجته ،الليدي سيبل سليلة عائلة سپايسر،
ب حديثًا سيِّدًا على كاستامير، -أخوها ،السير رولف سپايسر ،نُ ِّ
ص َ
-ابن ع ِّمها ،السير سامويل سپايسر،
-أوالدهما:
-السير راينالد وسترلينج،
-چاين ،أرملة روب ستارك،
-إلينا ،فتاة في الثَّانية عشرة،
-روالم ،صبي في التَّاسعة،
-اللورد سلموند ستاكسپير،
-ابنه ،السير ستفون ستاكسپير،
-ابنه الثَّاني ،السير آلن ستاكسپير،
-تيرانس كنينج ،سيِّد كايس،
-السير كينوس الكايسي ،فارس في خدمته،
-اللورد آنتاريو چاست،
-اللورد روبن مورالند،
-الليدي أليسين ليفورد،
-لويس ليدن ،سيِّد الوكر العميق،
-اللورد فيليپ پلوم،
-أبناؤه ،السير دنيس پلوم ،السير پيتر پلوم ،السير هاروين پلوم ولقبه الحجر الصلب،
-اللورد جاريسون پرستر،
-السير فورلي پرستر ،ابن ع ِّمه،
-السير جريجور كليجاين ولقبه الجبل راكب الخيول،
-ساندور كليجاين ،أخوه،
-السير لورنت لورك ،فارس من ُم َّالك األراضي،
-السير جارث جرينفيلد ،فارس من ُم َّالك األراضي،
-السير اليموند ڤيكاري ،فارس من ُم َّالك األراضي،
-السير راينارد روتيجر ،فارس من ُم َّالك األراضي،
-السير مانفريد ياو ،فارس من ُم َّالك األراضي،
-السير تايبولت هيذرسپون ،فارس من ُم َّالك األراضي،
( -ميالرا هيذرسپون) ،ابنته ،غرقَت في ٍ
بئر وهي ربيبة في كاسترلي روك.
عائلة مارتل
س حمراء تخترقها حربة ذهبيَّة ،وكلماتهم «ال ننحني ،ال نخضع ،ال ننكسر».
راية عائلة مارتل عبارة عن شم ٍ
آخر الممالك السَّبع التي أقس َمت على الوالء للعرش الحديدي .يُ َميِّز النَّسب والعادات والتَّاريخ
كانت دورن ِ
شارك دورن فيها .بَعد الدورنيِّين عن سائر الممالك األخرى ،وحين اندل َعت حرب الملوك الخمسة لم تُ ِ
خطبة مارسال باراثيون لألمير تريستان أعلنَت صنسپير تأييدها الملك چوفري واستدعَت راياتها.
دوران نايميروس مارتل ،سيِّد صنسپير ،أمير دورن،
-زوجته ،ميالريو ،من مدينة نورڤوس ال ُحرَّة،
-أوالدهما:
-األميرة آريان ،وريثة صنسپير،
-جارين ،أخو آريان في الرِّ ضاعة ،من أيتام ال َّدم األخضر،
-األمير كوينتن ،فارس مستجد ،ربيب منذ ُّ
الطفولة للورد يرونوود سيِّد يرونوود،
-األمير تريستان ،خطيب مارسال باراثيون،
-أخوا األمير دوران:
صبَت وقُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج، ( -األميرة إليا) ،اغتُ ِ
( -ريينس تارجارين) ،ابنتها الصَّغيرة ،قُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج،
( -إجون تارجارين) ،رضيع ،قُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج،
( -األمير أوبرين) ولقبه األفعوان األحمر ،قتلَه السير جريجور كليجاين في محا َكم ٍة بالنِّزال،
-إالريا ساند ،خليلة األمير أوبرين ،ابنة اللورد هارمن أولر الطَّبيعيَّة،
-أفاعي الرمال ،بنات أوبرين النَّغالت:
-أوبارا ،في الثَّامنة والعشرين ،ابنة أوبرين من عاهرة في البلدة القديمة،
-نايميريا ولقبها الليدي نيم ،في الخامسة والعشرين ،ابنة أوبرين من امرأ ٍة نبيلة من ڤوالنتيس،
-تايين ،في الثَّالثة والعشرين ،ابنة أوبرين من ِسپتة،
-ساريال ،في التَّاسعة عشرة ،ابنته من تاجرةُ ،ربَّان قُبلة ال ِّريش،
-إليا ،في الرَّابعة عشرة ،ابنته من إليا ساند،
-أوبال ،في الثَّانية عشرة ،ابنته من إليا ساند،
-دوريا ،في الثَّامنة ،ابنته من إليا ساند،
-لوريزا ،في السَّادسة ،ابنته من إليا ساند،
-بالط األمير دوران في الحدائق المائيَّة:
-آريو هوتا ،من نورڤوس ،قائد ال َحرس،
-المايستر كاليوت ،مستشار ومعالج ومعلِّم،
-نحو ستِّين من األطفال من علية القوم والعا َّمة ،أبناء وبنات لوردات وفُرسان وأيتام وتُجَّار وحرفيِّين
َّ
وفالحين ،أربَّاؤه،
-بالط األمير دوران في صنسپير:
-األميرة مارسال باراثيون ،ربيبته ،خطيبة األمير تريستان،
-السير آريس أوكهارت ،حارس مارسال ال َّشخصي،
-روزاموند النستر ،رفيقة فِراش مارسال ووصيفتها ،ابنة عمومة بعيدة،
-السّپتة إجالنتين،
-المايستر مايلز ،مستشار ومعالج ومعلِّم،
-ريكاسو ،قهرمان صنسپير ،عجوز كفيف،
-السير مانفري مارتل ،أمين القلعة في صنسپير،
الخازن،
ِ -الليدي آليس ليديبرايت ،اللورد
-السير جاسكوين ابن ال َّدم األخضر ،حارس األمير تريستان ال َّشخصي،
-بورس و تيموث ،خادمان في صنسپير،
-بيالندرا و سدرا واألختان مورا و ميلي ،خادمات في صنسپير،
-ح َملة راية األمير دوران ،لوردات دورن:
صاحب ال َّدم الملكي،
ِ -آندرز يرونوود ،سيِّد يرونوود ،حاكم الطَّريق الحجري،
-السير كليتوس ،ابنه ،معروف بعينه الكسول،
-المايستر كدري ،معالج ومستشار ومعلِّم،
-هارمن أولر ،سيِّد هضبة الجحيم،
-إالريا ساند ،ابنته الطَّبيعيَّة،
-السير أولويك أولر ،أخوه،
-ديلون أليريون ،سيِّدة عطيَّة اآللهة،
-السير ريون ،ابنه ووريثه،
-السير ديمون ساند ،ابن ريون الطَّبيعي ،نغل عطيَّة اآللهة،
-داجوس مانوودي ،سيِّد مقبرة الملك،
-مورس و ديكون ،ابناه،
-السير مايلز ،أخوه،
-الرا بالكمونت ،سيِّدة بالكمونت،
-چينيسا ،ابنتها ووريثتها،
-پيروس ،ابنهاُ ،مرافق،
-نايمال ،سيِّدة تل األشباح،
-كوينتن كورجايل ،ابن حجر الرَّمل،
-السير چوليان ،ابنه األكبر ووريثه،
-السير أرون ،ابنه الثَّاني،
-السير ديزيل دالت ،فارس غابة اللَّيمون،
-السير آندراي ،أخوه ووريثه ويُ َس َّمى دراي،
-فرانكلين فاولر ،سيِّد قلعة السَّماء ،لقبه الصقر العجوز ،حاكم ممر األمير،
-چاين و چينيلين ،ابنتاه التَّوأم،
-السير سايمون سانتاجار ،فارس الغابة الرَّقطاء،
-سيلڤا ،ابنته ووريثته ،تُ َس َّمى سيلڤا الرقطاء بسبب نمشها،
-إدريك داين ،سيِّد ستارفولُ ،مرافق،
-السير چيرولد داين ولقبه النجم المظلم ،فارس الصَّومعة العالية ،ابن ع ِّمه وحامل رايته،
-تريبور چورداين ،سيِّد الرَّبوة،
-ميريا ،ابنته ووريثته،
-تريموند جارجالن ،سيِّد ساحل الملح،
-دايرون ڤايث ،سيِّد ال ُكثبان الحمراء.
عائلة ستارك
راية آل ستارك عبارة عن ِذئب رهيب رمادي على خلفيَّ ٍة بيضاء ثلجيَّة ،وكلماتهم« :الشِّتاء قادم».
يعود نَسب آل ستارك إلى براندون البنَّاء وملوك ال ِّشتاء القُدامى ،وآلالف السِّنين ح َكموا من مقرِّهم في
ُقسم على الوالء إلجون كملوك في ال َّشمال ،إلى أن اختا َر تورين ستارك -ال َملك الذي رك َع -أن ي ٍِ وينترفل
بدال من ُموا َجهته في المعركة .حين أعد َم الملك چوفري اللورد إدارد ستارك تخلَّى ال َّشماليُّون عن التنِّين ً
والئهم للعرش الحديدي وأعلنوا روب ابن اللورد إدارد مل ًكا في ال َّشمال ،وخالل حرب الملوك الخمسة
انتص َر روب في ك ِّل معاركه ،لكن آل فراي وآل بولتون خانوه واغتالوه في التَّوأمتين في زفاف خاله.
(روب ستارك) ،الملك في ال َّشمال ،ملك الثَّالوث ،سيِّد وينترفل ،أكبر أبناء اللورد إدارد ستارك والليدي
الزفاف األحمر، كاتلين سليلة عائلة تَلي ،شاب في السَّادسة عشرة يُ َس َّمى الذئب الصغير ،اغتي َل في ِّ
( -جراي ويند) ،ذئبه الرَّهيب ،قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر،
-إخوته األشقَّاء:
-سانزا ،أخته ،زوجة تيريون النستر،
( -ليدي) ،ذئبتها الرَّهيبة ،قُتِلَت في قلعة داري،
-آريا ،فتاة في الحادية عشرة ،مفقودة ويُعتقَد أنها ماتَت،
-نايميريا ،ذئبتها الرَّهيبة ،تجوب أراضي النَّهر،
-براندون ويُ َس َّمى بران ،طفل ُمعاق في التَّاسعة ،وريث وينترفل ،يُعتقَد أنه ماتَ ،
-سمر ،ذئبه الرَّهيب،
وحماته:
-رفاق بران ُ
-ميرا ريد ،فتاة في السَّادسة عشرة ،ابنة اللورد هاوالند ريد سيِّد قلعة المياه الرَّماديَّة،
-چوچن ريد ،أخوها ،في الثَّالثة عشرة،
-هودور ،عامل اسطبل بسيط العقل ،طوله سبعة أقدام،
-ريكون ،طفل في الرَّابعة ،يُعتقَد أنه ماتَ ،
-شاجيدوج ،ذئبه الرَّهيب ،أسود وشرس،
-رفيقة ريكون ،أوشا ،همجيَّة أسيرة سابقة في وينترفل،
-أخوه النَّغل غير ال َّشقيق ،چون سنو ،أخ في َحرس اللَّيل،
-جوست ،ذئب چون الرَّهيب ،أبيض وصامت،
-المقسمون لروب على الوالء:
( -دونل لوك ،أوين نوري ،داسي مورمونت ،السير وندل ماندرلي ،روبن فلينت) ،قُتِلوا في ال ِّزفاف
األحمر،
-هالس مولين ،قائد ال َحرس ،ينقل رُفات اللورد إدارد ستارك إلى وينترفل،
-چاكس ،كوينت ،شادَ ،حرس،
-أعمام وأخوال روب:
-بنچن ستارك ،أصغر أعمامه ،فُقِ َد في جول ٍة وراء ِ
الجدار ويُعتقَد أنه ماتَ ،
( -اليسا آرن) ،خالته ،سيِّدة العُش ،زوجة اللورد چون آرن ،ماتَت سقوطًا من ٍ
عل،
-ابنهما ،روبرت آرن ،سيِّد العُش وحامي الوادي ،صبي سقيم،
-إدميور تلي ،سيِّد ريڤر َرن ،خاله ،أُ ِس َر في ِّ
الزفاف األحمر،
-الليدي روزلين سليلة عائلة فراي ،عروس إدميور،
-السير برايندن تَلي ولقبه السمكة السوداء ،ع ُّم أ ِّمه ،أمين القلعة في ريڤر َرن،
صغير ،لوردات الشَّمال: -ح َملة راية ِّ
الذئب ال َّ
المارق،
ِ -رووس بولتون ،سيِّد معقل الخوف،
بمرض في البطن،
ٍ ( -دومريك) ،ابنه ال َّشرعي ووريثه ،ماتَ
-رامزي بولتون (رامزي سنو سابقًا) ،ابن رووس الطَّبيعي ويُ َس َّمى نغل بولتون ،أمين القلعة في معقل
الخوف،
-والدر فراي ووالدر فراي ويُ َس َّميان والدر الصغير و والدر الكبيرُ ،مرافقا رامزي،
( -ريك) ،جُندي معروف برائحته الكريهة ،قُتِ َل في أثناء انتحاله شخصيَّة رامزي،
« -آريا ستارك» ،أسيرة اللورد رووس ،فتاة زائفة مخطوبة لرامزي،
-والتون ولقبه ذو الساقين الفوالذ ،قائد َحرس رووس،
-بث كاسل ،كايرا ،تورنيپ ،پاال ،باندي ،شايرا ،پاال ،العجوز نان ،نسوة من وينترفل أسيرات في معقل
الخوف،
-چون أومبر ولقبه چون الكبير ،سيِّد المستوقَد األخير ،أسير في التَّوأمتين،
( -چون) ولقبه چون الصغير ،ابن چون الكبير ووريثه ،قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر،
-مورس ولقبه آكل الغراب ،عم چون الكبير ،أمين القلعة في المستوقَد األخير،
-هوثر ولقبه باقر العاهرة ،عم چون الكبير ،أيضًا أمين القلعة في المستوقَد األخير،
( -ريكارد كارستارك) ،سيِّد كارهولد ،قُ ِط َع رأسه الرتكابه الخيانة وقتل األسرى،
( -إدارد) ،ابنه ،قُتِ َل في الغابة الهامسة،
( -تورين) ،ابنه ،قُتِ َل في الغابة الهامسة،
-هاريون ،ابنه ،أسير في بِركة العذارى،
-آليس ،ابنة اللورد ريكارد ،فتاة في الخامسة عشرة،
-ع ُّم ريكارد ،أرنولف ،أمين القلعة في كارهولد،
-جالبارت جلوڤر ،سيِّد ربوة الغابة ،أعزب،
-روبت جلوڤر ،أخوه ووريثه،
-زوجة روبت ،سيبل سليلة عائلة لوك،
-طفالهما:
-جاون ،صبي في الثَّالثة،
-إرينا ،رضيعة،
-ربيب جالبارت ،الرنس سنو ،ابن (اللورد هالس هورنوود) الطَّبيعي ،صبي في الثَّالثة عشرة،
-هاوالند ريد ،سيِّد قلعة المياه الرَّماديَّة ،من شعب المستنقعات،
-زوجته ،چيانا ،من شعب المستنقعات،
-طفالهما:
-ميرا ،صيَّادة شابَّة،
-چوچن ،صبي موهوب البصيرة الخضراء،
-وايمان ماندرلي ،سيِّد الميناء األبيض ،شديد البدانة،
-السير وايليس ماندرلي ،ابنه األكبر ووريثه ،بدين ج ًّدا ،أسير في هارنهال،
-زوجة وايليس ،ليونا سليلة عائلة وولفيلد،
-واينافريد ،ابنتهما ،فتاة في التَّاسعة عشرة،
-وايال ،ابنتهما ،فتاة في الخامسة عشرة،
( -السير وندل ماندرلي) ،ابنه الثَّاني ،قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر،
-السير مارلون ماندرلي ،ابن ع ِّمه ،قائد الحامية في الميناء األبيض،
-المايستر ثيومور ،مستشار ومعالج ومعلِّم،
-مج مورمونت ،سيِّدة جزيرة الدِّببة،
( -داسي) ،ابنتها ال ُكبرى ووريثتها ،قُ ِتلَت في ال ِّزفاف األحمر،
-أليسين ،اليرا ،چوريل ،ليانا ،بناتها،
( -چيور مورمونت) ،أخوها ،قائد َحرس اللَّيل ،اغتالَه رجاله،
-السير چورا مورمونت ،ابن اللورد چيور ،سيِّد جزيرة الدِّببة ال َّشرعي سابقًا ،فارس مدان ومنفي،
( -السير هلمان تولهارت) ،سيِّد مربَّع تورين ،قُتِ َل في وادي الغسق،
( -بنفريد) ،ابنه ووريثه ،قتلَه الحديديُّون على السَّاحل الحجري،
-إدارا ،ابنته ،أسيرة في مربَّع تورين،
( -ليوبولد) ،أخوه ،قُتِ َل في وينترفل،
-زوجة ليوبود ،بيرينا سليلة عائلة هورنوود ،أسيرة في مربَّع تورين،
-ابناهما براندون وبيرين ،أيضًا أسير في مربَّع تورين،
-رودريك ريزويل ،سيِّد ال ُغدران،
-باربري داستن ،ابنته ،سيِّدة بلدة الرَّوابي ،أرملة (اللورد ويالم داستن)،
-هاروود ستاوت ،من أتباعه ،لورد صغير من بلدة الرَّوابي،
( -بثاني بولتون) ،ابنته ،زوجة اللورد رووس بولتون الثَّانية ،ماتَت بال ُح َّمى،
-روچر ريزويل ،ريكارد ريزويل ،رووس ريزويل ،أبناء عمومته وح َملة رايته المشاكسون،
( -كالي سروين) ،سيِّد سروين ،قُتِ َل في وينترفل،
-چونل ،أخته ،عذراء في الثَّانية والثَّالثين،
-لييسا فلينت ،سيِّدة قلعة األرملة،
-أوندرو لوك ،سيِّد القلعة العتيقة ،عجوز،
-هيوجو وول ولقبه الدلو الكبير ،زعيم عشيرته،
-بارندون نوري ولقبه النوري ،زعيم عشيرته،
-تورين ليدل ولقبه الليدل ،زعيم عشيرته.
عائلة تَلي
أحمر ذي ثالثة رؤوس -يَر ُمز إلجون وأختيه -على خلفيَّ ٍة سوداء ،وكلماتهم« :النَّار
َ راية آل تارجاريَن عبارة عن تنِّين
والدَّم».
دنيرس تارجارين األولى ،كاليسي الدوثراكي ،تُ َس َّمى دنيرس وليدة العاصفة ،التي لم تحترق ،أم التنانين،
آخر من تبقَّى من أوالد الملك إيرس تارجاريَن الثَّاني وأرملة الدوثراكي كال دروجو،ِ
-تنانينها النَّامون :دروجون ،ڤسيريون ،ريجال،
َ -حرسها الملكي:
-السير چورا مورمونت ،سيِّد جزيرة الدِّببة السَّابق ،منفي إلتجاره بالرَّقيق،
-چوجو ،كو وخيَّال دم ،السَّوط،
-آجو ،كو وخيَّال دم ،القوس،
-راكارو ،كو وخيَّال دم ،األراخ،
-بلواس القوي ،عبد خص ٌّي سابق في حلبات القتال بميرين،
ُّ
المسن ،آرستان ،لقبه ذو اللحية البيضاء ،رجل من وستروس، ُ -مرافِقه
-وصيفتاها:
-إيري ،فتاة من الدوثراكي ،في الرَّابعة عشرة،
-چيڬوي ،فتاة من الدوثراكي ،في الخامسة عشرة،
-جروليوُ ،ربَّان الكوج العظيم بالريونَّ ،
مالح في خدمة إليريو موپاتيس،
-أهلها ال َّراحلون:
( -ريجار) ،أخوها ،أمير دراجونستون ووريث العرش الحديدي ،قتلَه روبرت باراثيون في معركة
الثَّالوث،
( -ريينس) ،ابنة ريجار من إليا الدورنيَّة ،قُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج،
( -إجون) ،ابن ريجار من إليا الدورنيَّة ،قُتِ َل خالل نهب كينجز الندنج،
( -ڤسيرس) ،س َّمى نفسه الملك ڤسيرس الثَّالث ،لقبه الملك الشحاذ ،قُتِل في ڤايس دوثراك على يد كال
دروجو،
( -دروجو) ،زوجها ،كال الدوثراكي العظيم ،لم يُهزَم قَ ُّ
ط في معركة ،ماتَ متأثِّرًا بجرح،
( -رييجو) ،ابن دنيرس وكال دروجو الجهيض ،قُتِ َل في الرَّحم على يد ميري ماز دور،
-أعداؤها المعروفون:
-كال پونو ،كو دروجو السَّابق،
-كال چهاڬو ،كو دروجو السَّابق،
-ماجو ،خيَّال دمه،
-خالدو ڬارث ،جماعة من ال َّدجَّالين،
-پيات پري ،دجَّال ڬارثيني،
-الرجال اآلسفون ،جماعة من المغتالين الڬارثينيِّين،
-تحالُفاتها غير المضمونة في الماضي والحاضر:
-زارو زون داڬسوس ،أمير تاجر من كارث،
-كويث ،آسرة ظالل مقنَّعة من آشاي،
-إليريو موپاتيس ،ماچستر من مدينة پنتوس ال ُحرَّة ،رتَّب زواج دنيرس بكال دروجو،
-في أستاپور:
-ڬرازنس مو نوڬلوز ،تاجر رقيق ثري،
-أَمته ،ميسانداي ،فتاة في العاشرة ،من شعب ناث المسالم،
-جرازدان مو أولهور ،تاجر رقيق عجوز فاحش الثَّراء،
-عبده ،كليون ،ج َّزار وطبَّاخ،
-الدودة الرمادي ،خص ٌّي من المطهَّرين،
-في يونكاي:
-جرازدان مو إراز ،مبعوث ونبيل،
-ميرو البراڤوسي ،لقبه نغل المارد ،قائد األبناء الثَّانين ،جماعة ُحرَّة،
مرتزق مختلط النَّسب،
ِ -بن پلوم البني ،رقيب في األبناء الثَّانين،
مرتزق جيسكاري ،قائد ِغربان العاصفة ،جماعة ُحرَّة،
ِ -پرندال نا غزن،
مرتزق ڬارثيني ،قائد ِغربان العاصفة،
ِ -سالور األصلع،
مرتزق تايروشي مبه َرج ،قائد ِغربان العاصفة،
ِ -داريو نهاريس،
-في ميرين:
-أوزناك زو پال ،بطل من المدينة.
تسري دماء التنِّين في عروق آل تارجاريَن الذين ينحدرون من كبار لوردات معقل ڤاليريا الحُر القديم،
ويتب َّدى ميراثهم في جمالهم األ َّخاذ (الذي يقول بعض الناس إنه غير بَشري) ،واألعيُن ذات اللَّون
الذهبي الفضِّي أو األبيض كالپالتين .فَ َّر أسالف إجون التنيِّن األرجواني أو النِّيلجي أو البنفسجي ،وال َّشعر َّ
من هالك ڤاليريا والفوضى والمذابح التي تب َعته واستقرُّ وا في دراجونستون ،الجزيرة الصَّخريَّة الواقعة
أبحر إجون مع أختيه لغزو ال َممالك السَّبع.
َ في الب َحر الضيقِّ ،ومن هناك
للحفاظ على ال َّدم ال َملكي وصيانة نقائه ،غالبا ً ما اتَّبع آل تارجاريَن التقَّليد الڤاليري القديم وز َّوجوا األخ
وأنجب أبنا ًء من كلتيهما.
َ أخته ،وقد تز َّوج إجون نفسه أختيه
في براڤوس
فيريجو آنتاريون ،أمير بحر براڤوس،
-ڬارو ڤولنتينُ ،مبارز براڤوس األول ،حارسه،
-بيليجير أوثيريس ولقبها اللؤلؤة السوداء ،محظيَّة من سُاللة الملكة القرصانة ذات االسم نفسه،
-الليدي الملثمة ،ملكة البحار ،ظاللقمر ،ابنة الغسق ،العندليب ،الشاعرة ،محظيَّات شهيرات،
-ترنيسيو تيريس ،الرُّ بَّان التَّاجر مالك القاليون ابنة المارد،
-يوركو ودينيو ،ابناه،
-موريدو پرستاين ،الرُّ بَّان التَّاجر مالك الثَّعلبة،
-لوثو لورنل ،تاجر ُكتب ومخطوطات قديمة،
-إزيلينو ،راهب أحمر س ِّكير،
-السّپتون إيوستس ،معزول ومطرود،
-تيرو و أوربيلوُ ،مبارزا براڤو،
-بڬو الضرير ،تاجر أسماك،
-بروسكو ،تاجر أسماك،
-ابنتاه ،تاليا و بريا،
-ميرالين وتُ َس َّمى مري ،مالكة الميناء السَّعيد ،ماخور قُرب ميناء راجمان،
-زوجة البحار ،عاهرة في الميناء السَّعيد،
-النا ،ابنتها ،عاهرة صغيرة،
-بثاني الخجول ،يانا العوراء ،آسادورا اإليبنيزية ،من عاهرات الميناء السَّعيد،
-روجو األحمر ،جايلورو دوثار ،جايلينو دوثار ،مؤلِّف يُدعى كويل ،كوزومو الحاوي ،من ُمرتادي
الميناء السَّعيد،
-تاجانارو ،ن َّشال ولص في الميناء،
-كاسو ،ملك الفقمات ،كلب بحر مدرَّب،
-ناربو الصغير ،شريكه أحيانًا،
-ميرملو ،چوس المكتئب ،كوينس ،آالڬو ،سلوي ،ممثِّلون يعملون ك َّل ليلة في السَّفينة،
-سڤرون ،عاهرة قاتلة،
-االبنة السكيرة ،عاهرة متقلِّبة المزاج،
-چاين القرحة ،عاهرة غير موثوق بجنسها،
-الرجل الطيب ،اللقيطة ،خادمان لإلله عديد الوجوه في دار األبيض واألسود،
-أوما ،طاهية المعبد،
-الرجل الوسيم ،الرجل البدين ،اللورد الصغير ،ذو الوجه الصارم ،ضيق العينين ،الرجل المهزول ،خدم
س ِّريُّون لذي الوجوه العديدة،
-آريا سليلة عائلة ستارك ،فتاة تحمل ُعملةً من الحديد ،معروفة أيضًا بأسماء آري و نان و بنت عرس و
الكتكوت و ملحة و كات،
-ڬاهورو مو ،من بلدة األشجار الطَّويلة في جُزر الصَّيفُ ،ربَّان ريح القرفة،
-كوچا مو ،ابنته ،رامية حمراء،
-زوندو دورو ،وكيل ُربَّان على متن ريح القرفة.
شُكر وتقدير
كان هذا الكتاب مصيبةً.
صاحبات األنفُس ال ُّشجاعة ،محرِّراتي :نيتا توبليب وچوي ِ م َّرةً أخرى أتو َّجهُ ب ُشكري وتقديري إلى
وبالذات آن لزلي جرويل لنصائحها وروحها المرحة وصبرها البالغ. َّ تشامبرلين وچين چونسون،
كال من بشكل خاص ًّ ٍ ال ُّشكر أيضًا لقُرَّائي على رسائلهم اللَّطيفة المشجِّعة ،وعلى صبرهم كذلك .أحيِّي
لودي ذي القبضات الثَّالث ،وپود األرنب ال َّشيطاني ،وتريبال وداچ الملكين التَّافهين ،وكارس العذبة بنت
الجدار ،والنستر قاتِل السَّناجب ،وبقيَّة أخ َّوة الال رايات ،تلك الرِّ فقة ال ِّس ِّكيرة ِشبه المجنونة من الفُرسان ِ
ال ُّشجعان والليديهات الجميالت ،الذين يُقيمون أفضل الحفالت خالل المهرجان العالمي للخيال العلمي عا ًما
ق النَّفير أيضًا إلليو وليندا اللذين يبدو أنهما يعرفان الممالك السَّبع أفضل عام بَعد عام .ودعوني أطل ُ بَعد ٍ
مما أعرفها ويُسا ِعدانني على اتِّساق التَّفاصيل .إن موقعهما وفهرسهما عن وستروس مسرَّة وأعجوبة.
بحار أكثر ملوحةً ،وساج ووكر على ال َعلق وال ُح َّمى ٍ و ُشكرًا إلى والتر چون ويليامز على قيادتي عبر
والعظام المكسورة ،وپاتي نيجل على ال « »HTMLوتدوير التُّروس ونشر أخباري بسُرعة ،وإلى ميلندا
سنودجراس ودانييل إبراهام لخدماتهما التي تع َّدت حدود الواجب .إنني ال أتق َّد ُم َّإال بالقليل من العون من
أصدقائي.
ق پاريس التي كانت موجودةً في األيام الجيِّدة والسيِّئة ومع ك ِّل صفحة .كلُّ ما يُمكن أن وال كلمات تُ َوفِّي َح َّ
يُقال إنني لم أكن ألستطيع غناء هذه األغنيَّة من دونها.
ترجم
كلمة ال ُم ِ
قد يبدو غريبًا أن تجد كلمة ال ُمترجم في نهاية الكتاب ال بدايته ،لكن هذا الجزء من السِّلسلة غير معتاد في
وجدت أنُ ح ِّد ذاته ،ول َّما كانت هناك معلومات عن ال ِّرواية ربما يرغب القارئ العربي في معرفتها ،فقد
إيرادها في البداية سيحرق عددًا من األحداث ويُفسد ما ارتأى المؤلِّف أن يَترُكه للنِّهاية ،وهكذا فض ُ
َّلت أن
أذكرها هنا لمن يُريد االطِّالع عليها بَعد الفروغ من قراءة النَّص.
طط لكلِّيقول چورچ ر .ر .مارتن إن ال ُكتَّاب في رأيه نوعان؛ األول يُ َشبِّهه بالمهندس المعماري حين يُ َخ ِّ
شي ٍء مسبقًا قبل ال ُّشروع في بناء المنزل ،فيعرف كم ُغرفةً سيض ُّم وطراز السَّطح وأماكن األسالك
ق أول مسمار. كامال للبناء كلِّه قبل أن تُصبَّ األساسات ويُد ًَّ والمواسير في الجُدران ،أي أن هناك تصمي ًما
النَّوع الثَّاني هو البُستاني الذي يَحفُر في األرض حُفرةً ويغرس فيها بذرةً ويسقيها عال ًما نوعها وما إن
كانت بذرة فانتازيا أم غموض أم غيرهما ،لكن مع بروز النَّبتة من التُّربة واستمراره في سقيها ال يدري
غصون وأوراق ،ويكتشف هذا شيئًا فشيئًا مع نم ِّوها. ٍ البُستاني كم سيكون فيها من
ينتمي مارتن في كتابته ال ِّروائيَّة إلى النَّوع الثَّاني ،وأكبر دليل على هذا في ما يخصُّ «أغنيَّة ال َجليد
صةً قصيرةً حين جالَت بباله للمرَّة األولى في صيف عام ،1881ثم بدأ حسب الفكرة تَصلُح ق ََّ والنَّار» أنه
يستكشفها أكثر فأكثر فوجدَها تَصلُح لثُالثيَّة ال ِّروايات الملحميَّة التي كان يرغب في كتابتها منذ سنوات
عمله في هوليوود ،وبَعدها «كب َرت الحكاية» كما قال مستعيرًا مقولة تولكين عن تجربته المشابهة حين بدأ
يكتب «سيِّد الخواتم» ،فتح َّولت الثُّالثيَّة إلى ُخماسيَّة ثم إلى سُداسيَّة ،وفي النِّهاية إلى سُباعيَّة.
نُ ِش َرت «وليمة لل ِغربان» في أكتوبر/تشرين األول ،4445بَعد خمسة أعوام وشهرين من الجزء السَّابق،
وقد نج َم هذا عن تغيُّر خطَّة مارتن في أثناء الكتابة .في البداية كانت نيَّته أن يُط ِلق على الكتاب الرَّابع
عنوان «رقصة مع التَّنانين» ،وأن تبدأ األحداث بَعد خمس سنوات من «عاصفة السُّيوف» ،وكان من
أسبابه أن تكون ال َّشخصيَّات الصَّغيرة قد تق َّدمت في العُمر بعض ال َّشيء ،على أن مارتن اكتشفَ خالل
عمليَّة الكتابة نفسها أن هذا سيقوده إلى االعتماد أكثر من َّ
الالزم على
عام أو نحوه من االسترجاع ) )Fkashbackفي سبيل حكاية ما جرى في تلك السَّنوات الخمس ،وبَعد ٍ
مواصال األحداث من حيث ً الكتابة قرَّر أن يتخلَّى عن جز ٍء كبير من المكتوب ويبدأ من جديد ،هذه المرَّة
انتهَت في «عاصفة السُّيوف» ،وقد أعلنَ قراره هذا في المهرجان ال َّدولي للخيال العلمي بفيالدلفيا في
.4441
فصل أو
ٍ عالوةً على هذا ،كان مارتن قد بدأ يُقَدِّم أحداثًا من وجهات نظر شخصيَّات جديدة ال تظهر َّإال في
فصال تمهيديًّا وق َع في مئتين وخمسين صفحةَّ ،إال أنه حذفَ معظمه الحقًا وو َّزع ما ً كتب
َ اثنين ،ثم إنه
أخبر
َ ك قُرب اكتمالها أنها أطول كثيرًا من «عاصفة السُّيوف» ،ول َّما تبقَّى على أحداث ال ِّرواية ،التي أدر َ
اقترح صديقه المؤلِّف دانيِل إبراهام أن يقسمها حسب َ طلب منه أن يقسمها جزأين ،ثم َ ناشره بهذا
ال َّشخصيَّات واألماكن ،بحيث يتلو الكتاب التَّالي أيضًا أحداث الجزء الثَّالث مباشرةً مع شخصيَّات أخرى
مقبوال ،وإن أ َّدى إلى المزيد من التَّأخير في النَّشر من أجل ً وفي أماكن مختلفة ،وهو ما وجدَه مارتن
تنسيق األحداث بين الكتابيْن.
تع ُّد «وليمة لل ِغربان» أول جزء من السِّلسلة يصل إلى قائمة النيويورك تايمز لألعلى مبيعًا ،وقد ُر ِّش َحت
كأفضل رواية لجائزتَي «هيوجو» و«كويل» وجائزة الفانتازيا البريطانيَّة في عام ،4444وتُرج َمت حتى
اآلن إلى أكثر من عشرين لُغة.
غاب السَّواد األعظم من
َ أ َّما في مسلسل » »Game of Thronesالقتبَس من «أغنيَّة ال َجليد والنَّار» فقد
بشكل مختلف كثيرًا.ٍ الكتاب عن األحداث ،وما تبقَّى قُ ِّد َم على ال َّشاشة
كمترجم ،كانت قراءة روايات «أغنيَّة ال َجليد والنَّار» والمتعة ال َّشديدة الذي وجدتها فيها هي الفيصل في ِ
اتِّخاذ قرار ترجمتها إلى العربيَّة ،وهذه التَّرجمة التي بين يديك اآلن هي نتاج عمل شهور طويلة مر ِهقة
شكل ممكن.
ٍ لتقديم عالم چورچ مارتن المعقَّد وشخصيَّاته المتشابكة للقارئ العربي بأفضل
المؤلِّف
چورچ ر .ر .مارتن
عشر سنوات قضاها چورچ ريتشارد رايموند مارتن في العمل في هوليوود ،واشترك خاللها في كتابة
وإنتاج عدد من المسلسالت التليفزيونية المعروفة في عقد الثمانينات ،منها "Beauty and the
"Beastو " ، "The Twilight Zoneلكن مع مجيء العام 1886كان مارتن قد ضاق ذرعًا برفض
القائمين على االستوديوهات الكبيرة المستمر للمشاريع التي يقدمها لهم لإلنتاج في التليفزيون أو السينما -
بزعم أن األفكار التي يطرحها شديدة الضخامة وستتكلف مبالغ كبيرة ج ًّدا ال قِبل لهم بإنفاقها -وقال إنه
اكتفى تما ًما من القيود التي تفرضها التكاليف على اإلنتاج ،ومن ثم قدرة الشاشة على تقديم ما يرغب فيه
حقًّا على المستوى المطلوب ،بينما يستطيع على الصفحة المطبوعة أن يحكي كل ما يريده من قصص
بكل التفاصيل التي تتفتق عنها مخيلته النشطة .هكذا اتخذ مارتن القرار بأن يترك العمل في هوليوود
ويعود إلى تأليف الكتب وتقديم أفكاره كلها فيها ،حيث ال توجد عقبات إنتاجية أو مالية تعوقه عن بناء
العوالم الضخمة التي يتخيلها وتقديمها بأدق وأصغر تفاصيلها.
ُولد مارتن في سبتمبر 1869في والية نيو چرسي ألب من أصول إيطالية يعمل في تفريغ وتحميل
البضائع على السفن وأم من أصول أيرلندية ،وفي عائلة تملك جذورًا إنجليزية وألمانية وفرنسية ،وهو ما
يفسر شغفه الشديد بالتاريخ األوروبي ،خصوصًا حقبة العصور الوسطى التي استلهم منها الكثير في
كتاباته .يقول مارتن إن طفولته كلها كانت تتلخص في الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى المنزل ،ومشاهدة
السفن التي تتوافد على ميناء نيوآرك من جميع أنحاء العالم من نافذة غرفته الصغيرة ،واضعًا قائمة
بأعالم الدول التي يراها ويحلم بأن يزورها ذات يوم ،وكان هذا ما شجعه على القراءة بنهم شديد على
سبيل زيارة تلك الدول في خياله ،قبل أن يتجه إلى الكتابة في سن صغيرة ،حيث بدأ يبيع القصص التي
يكتبها ألطفال الحي مقابل بنس للقصة ،وأحيانًا ما كان يقرأ عليهم هذه القصص كذلك.
ظل مارتن شغوفًا بالقراءة والكتابة ،وخالل دراسته الثانوية أضاف قصص الكومكس إلى هواياته ،حتى
صارت لديه مجموعة ضخمة منها ،وهو ما شجعه على كتابتها كذلك ،وفي سنة 1874اشترت مجلة
عمل احترافي يُنشر له على اإلطالق .ثم التحق ٍ « »Galaxyمنه واحدة من تلك القصص ،لتصبح أول
مارتن بجامعة نورثوسترن في والية إلينوي ليحصل على درجتي البكالوريوس والليسانس في الصحافة،
وخالل دراسته الجامعية كان من النشطاء المعارضين لحرب ڤيتنام.
عمل مارتن أستا ًذا للصحافة في الجامعة لفترة واصل فيها نشر قصصه ومقاالته في الصحف والمجالت
المختلفة ،وأخيرًا في سنة 1874نشر مجموعته القصصية األولى «أغنية ليا» التي فازت بجائزة
« »Locus Pollكأفضل مجموعة قصصية لهذا العام ،ثم في العام التالي نشر روايته األولى بعنوان
«موت الضياء» التي رُشحت لجائزتي » »Hugoو » » British Fantasy Awardكأفضل رواية،
وتُرجمت إلى تسع لغات.
مع حلول سنة 1878كان مارتن قد تفرغ للكتابة تما ًما ،وواصل نشر مجموعاته القصصية ورواياته،
التي تضمنت «أغاني النجوم والظالل» و«التنين الجليدي» و«في األراضي المفقودة» ،ليحصد المزيد
من الجوائز األدبية المرموقة عن أعماله المختلفة ،والتي بلغ عددها حتى اآلن 41جائزة بخالف
الترشيحات ،غير أن روايته الرابعة التي نشرها سنة 1899بعنوان «المعركة األخيرة» القت ً
فشال ذريعًا
في المبيعات على الرغم من إشادة النقاد بها ،حتى أنه قال إنه «د َّمر مسيرته المهنية كروائي في ذلك
الحين» .لكن سرعان ما تعافى مارتن من هذه العقبة واتجه إلى العمل في هوليوود ،وفي اآلن نفسه واصل
كتابة القصص والروايات ،لتبلغ حصيلته منها حتى اآلن 19رواية ومجموعة قصصية ال تتضمن سلسلته
األشهر «أغنية الجليد والنار» والكتب األخرى التي تدور أحداثها في عالمها.
يقول مارتن إن تركه لهوليوود كان من أفضل القرارات التي اتخذها في حياته ،ويقرُّ بأن هوليوود كانت
كفيلة بتدمير سلسلة «أغنيَّة الجليد والنار» تما ًما لو كان قدمها لألستوديوهات الكبيرة لتحولها إلى سلسلة
بدال من شبكة » »HBOالتي حولتها إلى مسلسل «»Game of Thrones أفالم سينمائية ضخمةً ،
والذي يعمل عليه كمشرف ومنتج تنفيذي وشارك في كتابة عدد من أهم حلقاته ،وإن توقف عن الكتابة
للمسلسل بعد موسمه الرابع ،ويعيش حاليًّا في والية نيو مكسيكو مع زوجته الثانية پاريس متفر ًغا لكتابة
الجزئين السادس والسابع من سلسلته ،واللذين ينتظرهما القراء في جميع أنحاء العالم على أحر من الجمر.
المترجم هشام فهمي
14اللَّ ِوياثان وحش بحري أسطوري هائل الحجم ،له سبعة رؤوس( .المترجم).
11عندما تعرق الخيول نتيجةً للمجهود ال َّشديد ،تَخرُج من مسا ِّمها ما َّدة رغويَّة يتسبَّب بروتين معيَّن في إفرازها( .المترجم).
14الحرير الرَّملي نوع خشن من الحرير يُنَعَّم بفركه بالرَّمل ،ويُسا ِعد على عدم ارتفاع حرارة الجسد في األجواء الحارَّة.
(المترجم).
19ال ُّدرمونة من السُّفن الحربيَّة ذات األشرعة والمجاذيف ،تتميَّز بسُرعتها وحجمها الكبير وقُدرتها على حمل عد ٍد كبير من
الرِّ جال( .المترجم).
16السَّميت نسيج حريري شديد الفخامة مضلَّع الحبكة( .المترجم).
15حليب الخشخاش مشروب حقيقي ذو أصل اسكندنافي ،مخدِّر ومس ِّكن لأللم( .المترجم).
14القاقوم حيوان ثديي ينتمي إلى فصيلة العرسيَّات ،وهو من أخطر حيوانات هذه الفصيلة على الرغم من لُطف شكله
وجماله ،وله فرو يُستخدم في صناعة المالبس الفاخرة( .المترجم). َ
17الهيپوكراس مشروب ص ِّحي يُ َع ُّد من النَّبيذ المخلوط بال ُّس َّكر والتَّوابل ،وعادةً ما يتض َّمن القرفة ،ابتك َره أب.
19الجملون هو الجزء األعلى من المثلَّث( .المترجم).
18
ت من الرِّ جال المكسورون هُم المجنَّدون إلزاميًّا الذين يتهرَّبون من الخدمة وال يعودون إلى ديارهم ،وإنما يُ َك ِّونون عصابا ٍ
الخارجين عن القانون ،وفي عالم الواقع ظه َر المصطلح قدي ًما في أيرلندا وسكوتلندا وصفًا لمن يتخلُّون عن والئهم لقبائلهم.
(المترجم).
44الصَّنوبر الجُندي والحارس شجرتان من ابتكار المؤلِّف( .المترجم).
41حشيشة الدِّينار نبات عُشبي مع ِّمر تَد ُخل زهرته في صناعة البيرة( .المترجم).
44ال ِّذئب الرَّهيب حيوان حقيقي منقرض كان يقطن األمريكتين قبل عشرة آالف سنة( .المترجم).قراط و ُس ِّم َي نسبةً إليه.
(المترجم).
49القنطور مخلوق أسطوري نِصفه السُّفلي حصان والعُلوي إنسان( .المترجم).
46األُشنة كائنات تعايُشيَّة تتك َّون من ترافُق بين الطَّحالب الخضراء أو الجراثيم ال َّزرقاء والفطريَّات ،وتنمو على األبنية
القديمة والقبور ،ولذا يُطلَق على ساحات المقابر هذا االسم( .المترجم).
قفص كبير بمثابة عُش لطيور ال ُغداف( .المترجم). ٍ 45ال ِمغدفة عبارة عن
بحر بصفَّين أو ثالثة من المجاذيف ،وكانت تع ُّد أكبر سُفن األسطول القاليون سفينة أكبر من القادس ،أشرعتها مربَّعة وتُ ِ
44
العثماني( .المترجم).
47ال َمزغل كلمة فارسيَّة األصل بمعنى منفذ ،وهو عبارة عن فتحة ضيِّقة في ِجدار الحصن إللقاء الحجارة وال َّزيت المغلي
والقار وخالفه من أدوات الدِّفاع( .المترجم).
49الهَور بُحيرة ضحلة تتَّصل بمياه البحر وتُحيط بها اليابسة( .المترجم).
48العرَّادة ضرب من المنجنيق تُق َذف به األحجار والسِّهام الكبيرة( .المترجم).
94شعيرة السَّهر طقس ديني ترجع أصوله إلى اليهوديَّة واستم َّر مع المسيحيَّة ،وينصُّ على أن يقف شخص أو أكثر حراسةً
على الميت تكري ًما له لم َّدة معيَّنة ،غالبًا من تمت ُّد من التَّأبين وحتى ال َّدفن .في ِملَّة اآللهة السَّبعة في عالم الرواية يُ َؤدِّي هذه
ال َّشعيرة الفُرسان أيضًا كجز ٍء من طقوس تنصيبهم( .المترجم).
91الپايرومانسر كلمة يونانيَّة تعني) كاهن النَّار( ،وكانت تُستخدَم قدي ًما لإلشارة إلى ك ِّل من يحترف فَ َّن التَّعامل مع النَّار
لمختلف األغراض( .المترجم).
94المانتيكور في األساطير الفارسيَّة حيوان له رأس إنسان وجسم أسد وجناحان كالوطواط وثالثة صفوف من األسنان
الحا َّدة كسمكة القِرش .أ َّما في عالم الرواية فيُطلَق على حشر ٍة لها رأس شبيه باإلنسان وذيل شائك مق َّوس مليء بالسُّم،
وتستطيع أن تطوي أجنحتها كالجعران( .المترجم).
99في عالم الرِّواية ساعة ال ِّذئب هي الفترة األش ُّد حلكةً من اللَّيل ،تسبقها ساعة البومة وتأتي بَعدها ساعة العندليب ،ثم الفَجر.
(المترجم).
96الموظ أحد أنواع األيائل ،له عُنق قوي وقرنان جريديَّان ،ويألف العيش في الغابات والمستنقعات( .المترجم).
95الجريفين مخلوق أسطوري له جسم أسد ورأس وجناحا عُقاب( .المترجم).
94اليونيكورن مخلوق أسطوري عبارة عن حصان له قرن واحد ويتمتَّع بقدرات سحريَّة( .المترجم).
97
لوح خشبي وتُ َش ُّد أطرافه بالحبال حتى تتف َّككال ِمخلعة آلة تعذيب تعود إلى العصور القديمة ،بحيث يُربَط ال َّشخص على ٍ
مفاصله وتتم َّزق عضالته( .المترجم).
99ال ُّشرَّافات هي ال َّزوائد الحجريَّة التي تُبنى وبينها فراغات على قمم األبراج واألسوار والحصون( .المترجم).
98الطِّفل الطَّبيعي مصطلح من القرون ال ُوسطى يُطلَق على األوالد غير ال َّشرعيِّين( .المترجم).
64الجروت عُملة كانت متداولةً قدي ًما في إنجلترا وأيرلندا وسكوتلندا ،وتُساوي أربعة بنسات( .المترجم).
61تُع َرف النَّار ال َّشعواء في عالم الواقع باسم نار اإلغريق ،وهي سائل حارق سريع االشتعال تكرَّر استخدامه في المعارك
البحريَّة قدي ًما ،وال أحد يعرف مك ِّوناته على وجه الدقَّة( .المترجم).
ً
معادال للكنيسة في عالم الواقع ،فالسِّپتري يُعا ِدل ال َّدير( .المترجم). 64إذا كان السِّپت
69آلة موسيقيَّة من خيال المؤلِّف( .المترجم).
صيَّادين هو أول قمر مكتمل يتلو قمر الحصاد في فترة االعتدال الخريفي ،وغالبًا يطلع في شهر 66في عالم الواقع قمر ال َّ
سبتمبر أو أكتوبر ويكون لونه بُرتقاليًّا القترابه ال َّشديد من األُفق( .المترجم).
ال ِمطرد سالح قديم يتألَّف من رأس حرب ٍة ورأس فأ ٍ
65
س مثبَّتين في القناة نفسها( .المترجم).
64الكوج سفينة لها شراع واحد مربَّع عادةً وأحيانًا شراعان ،وتُبنى من خشب البلُّوط( .المترجم).
67كلمة بال معنى كانت تُستخدَم كثيرًا في األغاني ال َّشعبيَّة في العصر اإلليزابيثي في إنجلترا ،وقد وردَت في إحدى أغنيات
مسرحيَّة (جعجعة بال طحن) لشيكسپير( .المترجم).
69كانت السُّفن القديمة ،خصوصًا الحربي منها ،تُ َجه َّز ببناءيْن محصَّنين في المقدِّمة والمؤخرة ،يُطلق على كلٍّ منهما
َ ِّ
َسلوقيَّة( .المترجم).
68الرُّ خ طائر أسود صغير من الغرابيَّات ،ويختلف عن طائر الرُّ خ الخرافي المذكور في أساطير اإلغريق( .المترجم).
ُ ُ
54الرُّ كام الرَّعدي نوع من السَّحاب يتش َّكل على نح ٍو عمودي كثيف ويحمل المطر ويتزا َمن مع هبوب العواصف الرَّعديَّة.
(المترجم).
51ال ُغ َرير حيوان من أ َكلة اللُّحوم من فصيلة العرسيَّات ،تجمع هيئته بين الكلب وال َّس ُّمور ،وله قوائم سوداء قصيرة.
(المترجم).
ص َّور دون بقيَّة الفُستان داللةً على عادة فصل
َ ُ ي و وإنجلترا، وسكوتلندا فرنسا في القديمة بالة َّ ن ال شعارات من ِّدة ُ 54كم السي
دليال على المحاباة قبل نزولهم إلى مضامير النِّزال( .المترجم). السيِّدات أكمامهن وإعطائها للفُرسان ً
59الطَّاووس مجسَّم على شكل إنسان يدور على محور ،يُستخدَم في التَّدريب على النِّزال ،وعادةً ما يُثَبَّت تُرس في إحدى
يديه ،وفي الثَّانية سيف أو رُمح غير حاد أو كيس رمل( .المترجم).
56العُفر نوع من الخنازير البرِّ يَّة الضَّارية( .المترجم).
55
آخره ُّ
بالزهور قرن الوفرة رمز إقطاعي قديم ،تعود أصوله إلى األساطير اإلغريقيَّة ،وهو عبارة عن قرن مليء عن ِ
والفاكهة والحلوى وغيرها مما يدلُّ على الوفرة والخصوبة( .المترجم).
54السنارك والجرام ِكن مخلوقان خياليَّان يرد ذكرهما في الحكايات ال َّشعبيَّة في (وستروس) ،األول وحش ليس له وصف
مح َّدد ،والثَّاني يُقال إنه يُ َحقِّق األماني بالسِّحر( .المترجم).
57القرقور سفينة ضخمة تحمل آالت الحرب والمؤن والعتاد ،وتتَّسع لعد ٍد كبير من المجذفين والب َّحارة( .المترجم).
ظ حيوان بحري شبيه بالفقمة ،يتميَّز بشاربه الكثيف وفمه العريض الذي يَخرُج منه زوجان من األنياب العاجيَّة الحا َّدة. 59الفَ ُّ
(المترجم).
58
صف بضخامة البدن والرَّأس وغزارة ال َّشعر والنَّهم الوحشي والق َّوة البدنيَّة األو َجر كائن أسطوري شبيه بالغول ،يُو َ
أوال في الحكايات ال َّشعبيَّة الفرنسيَّة( .المترجم). الخارقة ،وقد ظه َر ً
الزعاف ،ويُقال إنه ملك األفاعي( .المترجم). 44البازيليسق مخلوق زاحف أسطوري ،يتميَّز بالقدرة على القتل ب ُس ِّمه ُّ
ُ
41المياه ال َمسوس هي المياه األملح من المياه العذبة واألعذب من المياه المالحة( .المترجم).
بدال من صغار العائالت الملكيَّة في أوروپا في الفترة بين نهاية 44كبش الفِداء كان صبيًّا يتلقَّى العقاب َجلدًا أو ضربًا ً
صناعيَّة( .المترجم). العصور ال ُوسطى وبداية الثَّورة ال ِّ
49األركون كلمة يونانيَّة قديمة تعني حرفيّا «الحاكم» ،وإن كانت قد استخ ِد َمت مع عد ٍد مختلف من أصحاب المناصب
ُ ً
الرَّسميَّة وكبار التُّجَّار في روما القديمة واإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة ،كما استخد َمها العرب لإلشارة إلى العظيم من ال ُّدهقان
الفُرس( .المترجم).
46األُسود ال َّزواحف االسم الذي يُطلِقه الوستروسيُّون على التَّماسيح التي تعيش في المستنقعات( .المترجم).
45
ت ع َّدة ،وباألخص على الجُدران الخارجيَّة راجل مخلوقات أسطوريَّة ذات مظهر مش َّوه مخيف مص َّورة في منحوتا ٍ ال َك ِ
لعد ٍد من كنائس العصور ال ُوسطى ،حيث تتَّخذ شكل ميزاب ناتئ( .المترجم).
44
ُعرف أيضًا باسم مالك الحزين( .المترجم). البَلَشون طائر طويل السَّاقين شهير بصوته العذب ،وي َ
أجاب بأن سانزا
َ 47الواقع أن تلك القُبلة التي س َّماها القرَّاء «الال قُبلة» لم تَحدُث ،ولدى سؤال المؤلِّف عن هذا التَّناقُض
راوية ال يُعت َمد عليها في هذه الحالة ،وأنه يَترُك التَّفسير للقارئ كما يراه( .المترجم).
ضيق ال يُمكن الوصول إليها َّإال من فتحة في السَّقف ،وكانت شائعة االستخدام في 49الدِّيماس زنزانة تعذيب رأسيَّة شديدة ال ِّ
قالع القرون ال ُوسطى( .المترجم).
69
السُّلحفاة واحدة من أنظمة الوقاية في الحروب القديمة ،يرفعها الجنود فوق رؤوسهم في أثناء الهجوم على ب َّوابات القالع
أو ال ُمدن لحمايتهم من السِّهام وغيرها ،على غرار صدفة السُّلحفاة( .المترجم).
74هيكل التَّشهير أداة كانت تُستخدَم منذ العصور ال ُوسطى وخالل عصر النَّهضة للعقاب البدني ،عبارة عن ألواح خشبيَّة
كبيرة مثبَّتة معًا بحيث يعجز المقيَّد إليها عن تحريك قدميه ،وأحيانًا كانت توضع قيود لليدين والرَّأس أيضًا( .المترجم).