You are on page 1of 609

‫مكتبة (‪)Telegram Network‬‬

‫المكتبة النصية‬
‫قام بتحويل رواية (وليمة لل ِغربان)‬
‫الجليد والنَّار‬
‫أغنيَّة َ‬
‫(الكتاب ال َّرابع)‬
‫الي صيغة نصية‪( :‬فريق الكتب النادرة)‬
‫من الكويت‪:‬‬
‫(منصور التميمي)‬
‫من لبنان‪:‬‬
‫(حسن العاملي)‬
‫(أحمد لحاف)‬
‫من مصر‪:‬‬
‫(شمس الحياة)‬
‫(ماجدة علي)‬
‫(هشام حسني)‬
‫(‪)A.Awakeel‬‬
‫(م‪ .‬محمد خضر)‬
‫(ماجد حنّا)‬
‫(محمد مصطفي كمال)‬
‫(مروة جمال)‬
‫(هشام حسني)‬
‫من السعودية‪:‬‬
‫(د‪ .‬طارق التميمي)‬
‫(زينه)‬
‫(نجاح السبيعي)‬
‫(أريج محمد)‬
‫(خالد مريع)‬
‫)‪(The-Inspired‬‬
‫ي)‬
‫(ن‪ .‬أبو قص ّي الراشد ّ‬
‫من سلطنه عمان‪:‬‬
‫(معالي)‬
‫من الجزائر‪:‬‬
‫(سعدي إلياس)‬
‫من سوريا‪:‬‬
‫(هادي إبراهيم)‬
‫(حذيفة ُمحمد)‬
‫(رنا وليد)‬
‫(محمد المقداد)‬
‫من العراق‪:‬‬
‫(سماهر)‬
‫(علي الشمري)‬
‫(آيات علي)‬
‫من اليمن‪:‬‬
‫(عبد هللا الحبابي)‬
‫من المغرب‪:‬‬
‫(رشيد تاديست)‬
‫‪OCR:‬‬
‫(طارق دردوري)‬
‫(منصور التميمي)‬
‫مراجعه وتنسيق‪:‬‬
‫(ماجدة علي)‬
‫وليمة لل ِغربان‬
‫الجليد والنَّار‬
‫أغنيَّة َ‬
‫(الكتاب ال َّرابع)‬
‫چ ور چ ر‪ .‬ر‪ .‬مارتن‬
‫ترجمة‪:‬‬
‫هشام فهمي‬
‫الترقيم الدولي‪7-456-674-416-879 :‬‬
‫الطبعة األولى‪4418 :‬‬
‫هذه ترجمة مر ّخصة لكتاب‪:‬‬
‫‪A Feast for Crows by George R. R. Martn‬‬
‫‪All rghts reserved Copyrght © 2005 by George R. R. Martn‬‬
‫‪Maps by James Snclar Heraldc Crests by Vrgna Norey‬‬
‫‪Publshed by Agreement wth the author and the author’s agent The Lotts Agency‬‬
‫‪.Ltd‬‬
‫جميع حقوق النسخة العربية محفوظة لدار التنوير ©‬
‫الناشر دار التنوير للطباعة والنشر‬
‫لبنان‪ :‬بيروت ‪ -‬بئر حسن ‪ -‬بناية قاسم فارس (سارة بنما) ‪ -‬الطابق السفلي‬
‫هاتف‪448411969964 :‬‬
‫بريد إلكتروني‪darattanweer@gmal.com :‬‬
‫مصر‪ :‬القاهرة –‪ 4‬شارع السرايا الكبرى (فؤاد سراج الدين سابقا) ‪ -‬جاردن سيتي‬
‫هاتف‪444444785557 :‬‬
‫بريد إلكتروني‪caro@dar-altanweer.com :‬‬
‫تونس‪ ،46 :‬نهج سعيد أبو بكر ‪ 1441 -‬تونس‬
‫هاتف وفاكس‪4441474915484 :‬‬
‫بريد إلكتروني‪tuns@dar - altanweer.com :‬‬
‫موقع إلكتروني‪www.dar - altanweer.com :‬‬
‫اهداء‬
‫إلى ستيڤن بوشيه‬
‫ساحر الويندوز وتنِّين الدوس‬
‫الذي لواله ل ُكتبت هذه ال ِّرواية بأقالم الشَّمع‪.‬‬
‫الجزء األول‬
‫تمهيد‬
‫‪« -‬التَّنانين»‪ ،‬قالها موالندر واختطفَ تفَّاحةً ذابلةً من على األرض ورا َح يتقا َذفها بين يديه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ط سه ًما من َجعبته وسحبَه على وتر قوسه‪.‬‬ ‫قال أليراس أبو الهول مستحثًا إياه‪ِ « :‬‬
‫ارم ال ُّتفَّاحة»‪ ،‬والتق َ‬
‫قال روون‪« :‬كم أو ُّد أن أرى تنِّينًا‪ ،‬أو ُّد هذا حقًّا»‪ .‬الصَّبي الممتلئ أصغرهم ِسنًّا‪ ،‬وما زا َل يفصله عامان‬
‫كامالن عن بلوغ مبلغ الرِّ جال‪.‬‬
‫ف َّكر پايت مبد ًِّال جلسته على ال ِّد َّكة بتمل ُمل‪ :‬وكم أو ُّد أن أنام بينما تُطَ ِّوقني روزي بذراعيها‪ .‬بحلول الغد‬
‫ستكون الفتاة قد أصب َحت له‪ .‬سآخذها بعيدًا عن (البلدة القديمة)‪ ،‬أعب ُر بها (البحر الضيِّق) إلى واحد ٍة من‬
‫ال ُمدن ال ُحرَّة‪ .‬هناك ال يو َجد ِمايسترات‪ ،‬ال أحد يتَّهمه‪.‬‬
‫تناهَت إلى مسامعه ضحكات إما اآلتية من نافذ ٍة مغلَقة المصراعيْن باألعلى‪ ،‬ممتزجةً بالصَّوت األعمق‬
‫للرَّجل الذي تستضيفه‪ .‬إنها أكبر العامالت ِسنًّا في (ال ِّريشة وال َّدورق)‪ ،‬في األربعين من العُمر على األقل‪،‬‬
‫بنوع معيَّن من حُسن ممتلئات الجسد‪ .‬أ َّما روزي فابنتها‪ ،‬فتاة في الخامسة عشرة‬ ‫ٍ‬ ‫وإن كانت ال تزال تتمتَّع‬
‫كامال‪ .‬كان پايت قد ا َّدخر‬‫ً‬ ‫قضت إما أن بكارة روزي ستُ َكلِّف َمن يفضُّ ها تنِّينًا ذهبيًّا‬ ‫أزه َرت لت ِّوها‪ ،‬وقد َ‬
‫ضيَّة و ِملء ج َّر ٍة من ال ُّنجوم والبنسات ال ُّنحاسيَّة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا ال يزال بعيدًا ك َّل البُعد‬ ‫تسعة أيائل ف ِّ‬
‫ين حقيقي تفقس أفضل من فُرصة ادِّخاره ما يكفي من‬ ‫عن المبلغ المطلوب‪ ،‬وفُرصة أن يجعل بيضة تنِّ ٍ‬
‫ين ذهبي‪.‬‬ ‫مال لتنِّ ٍ‬
‫ٍ‬
‫متأخرًا للغاية على رؤية التَّنانين يا فتى»‪ .‬يضع آرمن حول ُعنقه‬ ‫ِّ‬ ‫قال آرمن ال ُمعاون لروون‪ُ « :‬ولِدتَ‬
‫ت من القصدير والصَّفيح والرَّصاص والنُّحاس‪ ،‬ويبدو أنه ‪-‬كأغلب ال ُمعاونين‪-‬‬ ‫شريطًا جلديًّا علَّق منه حلقا ٍ‬
‫آخر تنِّين ماتَ في عهد الملك إجون الثَّالث»‪.‬‬ ‫يعتقد أن ما على أكتاف المبتدئين ثمار لِفت ال رؤوس‪ِ « .‬‬
‫آخر تنِّين في (وستروس) فقط»‪.‬‬ ‫َر َّد موالندر بإصرار‪ِ « :‬‬
‫صار محطَّ شغف‬ ‫َ‬ ‫ارم التُّفَّاحة»‪ .‬ال َّشاب وسيم الطَّلعة‪ ،‬صديقهم أبو الهول الذي‬ ‫قائال‪ِ « :‬‬‫عا َد أليراس يستحثُّه ً‬
‫جميع العامالت في المكان‪ ،‬وحتى روزي تمسُّ ذراعه أحيانًا عندما تُقَدِّم له النَّبيذ‪ ،‬فيضطرُّ پايت إلى‬
‫الضَّغط على أسنانه والتَّظاهُر بأنه لم ي َر‪.‬‬
‫آخر تنِّين‪ ،‬هذا معلوم للجميع»‪.‬‬
‫آخر تنِّين في (وستروس) كان ِ‬ ‫قال آرمن بعناد‪ِ « :‬‬
‫كرَّر أليراس‪« :‬ال ُّتفَّاحة‪ ،‬ما لم تكن تنوي أن تأكلها»‪.‬‬
‫ووثب وثبةً قصيرةً‪ ،‬ثم دا َر وألقى ال ُّتفَّاحة بزاوي ٍة مستقيمة في‬ ‫َ‬ ‫قال موالندر‪« :‬هاك»‪ ،‬و َج َّر قدمه المعوجَّة‬
‫أصبح فارسًا كأبيه‪ ،‬ففي ذراعيه الغليظتيْن‬ ‫َ‬ ‫التشوه في قدمه لكان قد‬‫ُّ‬ ‫الضَّباب العالق فوق (نهر البِتع)‪ .1‬لوال‬
‫وكتفيه العريضتيْن من الق َّوة ما يَكفُل له هذا‪ .‬هكذا حلَّقت ال ُّتفَّاحة مبتعدةً بسُرعة‪...‬‬
‫ق وراءها صافرًا في الهواء‪ ،‬قناته طولها ياردة كاملة من الخشب‬ ‫‪ ...‬ولكن ليس بسُرعة السَّهم الذي انطل َ‬
‫ير پايت السَّهم يُصيب التُّفَّاحة‪ ،‬لكنه سم َع صدى االرتطام الخافت‬ ‫َّ‬
‫الذهبي المز َّود بال ِّريش ال ِقرمزي‪ .‬لم َ‬
‫يتر َّدد عبر النَّهر‪ ،‬يتبعه صوت سقوط الثَّمرة في الماء‪.‬‬
‫صف َر موالندر‪ ،‬وقال‪« :‬ق َّورتها‪ ،‬جميل!»‪.‬‬
‫لكن ليس ب ِنصف َجمال روزي‪ .‬يحبُّ پايت لون البُندق في عينيها ويحبُّ ثدييها النَّابتيْن‪ ،‬والطَّريقة التي‬
‫تبتسم بها كلَّما رأته‪ ،‬ويحبُّ الغ َّمازتيْن في وجنتيها‪ .‬أحيانًا تمشي حافيةً وهي تدور على ال َّزبائن‪ ،‬لتَشعُر‬
‫بملمس العُشب تحت قدميها‪ ،‬وهذا أيضًا يحبُّه پايت‪ ،‬تما ًما كما يحبُّ رائحتها النَّظيفة ال ُمنعشة و َشعرها‬
‫الذي يتلولَب وراء أُذنيها‪ ،‬بل ويحبُّ أصابع قدميها‪ .‬ذات ليل ٍة ستدعه يُ َدلِّك هاتين القدمين ويُدا ِعبهما‪،‬‬
‫صبع ليجعلها تضحك بال انقطاع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وسيُ َؤلِّف لها حكايةً طريفةً عن ك ِّل إ‬
‫لع َّل األصلح له أن يبقى على هذا الجانب من (البحر الضيِّق)‪ .‬يُمكنه أن يبتاع حمارًا بال ُّنقود التي ا َّدخرها‪،‬‬
‫ويتبادَل هو وروزي ركوبه بينما يجوالن في أنحاء (وستروس)‪ .‬ربما ال يراه إيبروز جديرًا بوضع حلق ٍة‬
‫ُّ‬
‫سيمتن‬ ‫ضيَّة في سلسلته‪ ،‬لكن پايت يعرف كيف يُ َجبِّر العظام المكسورة ويُ َعلِّق ال َعلق‪ 4‬للمصابين بال ُح َّمى‪.‬‬ ‫ف ِّ‬
‫حالقًا كذلك‪ .‬قال لنفسه‪:‬‬ ‫العا َّمة لمساعَدته‪ ،‬وإذا تعلَّم أن يقصَّ ال َّشعر ويحلق اللِّحى فمن الممكن أن يصير َّ‬
‫يكفيني هذا ما دا َمت معي روزي‪ .‬من ال ُّدنيا كلِّها ال يُريد َّإال روزي‪.‬‬
‫على أن األمر لم يكن هكذا دائ ًما‪ .‬في السَّابق كان حُلمه أن يُصبِح ِمايستر في قلعة‪ ،‬في خدمة لورد سخي‬
‫يُ َكرِّمه لحكمته وي ِهب له حصانًا أبيض مطهَّ ًما عرفانًا بخدمته‪ .‬كان ليمتطيه ب ُس ُم ٍّو ونُبل‪ ،‬ويبتسم للعوام من‬
‫أعلى حين يمرُّ بهم على الطَّريق‪...‬‬
‫شرب دورقه الثَّاني من خمر ال ُّتفَّاح القويَّة للغاية‪ ،‬قال‬ ‫َ‬ ‫ذات ليل ٍة في قاعة (الرِّيشة وال َّدورق) العا َّمة‪ ،‬بَعد أن‬
‫پايت متب ِّجحًا إنه لن يظ َّل مبتدئًا إلى األبد‪ ،‬ف َر َّد ليو الكسول‪« :‬صحيح تما ًما‪ ،‬ستكون مبتدئًا سابقًا يرعى‬
‫الخنازير»‪.‬‬
‫بحر من‬ ‫ٍ‬ ‫أفر َغ ثُمالة ال َّشراب في جوفه‪ .‬كانت ُشرفة الخان المضاءة بالمشاعل جزيرةً من الضَّوء في‬
‫كقمر‬
‫ٍ‬ ‫الضَّباب هذا الصَّباح‪ ،‬وفي اتِّجاه مصبِّ النَّهر تسبح منارة (البُرج العالي) البعيدة في رطوبة اللَّيل‬
‫برتقالي مبهَم‪ ،‬لكن الضَّوء لم يُفلِح في رفع معنويَّاته َّإال ً‬
‫قليال‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫كان يُفت َرض أن يأتي الخيميائي‪ .‬هل المسألة كلُّها ُدعابة قاسية أم أن شيئًا جرى للرَّجل؟ لن تكون المرَّة‬
‫حدث أن َع َّد نفسه محظوظًا من قبل عند اختياره لمساعَدة‬ ‫َ‬ ‫ظ في وجه پايت‪ ،‬فقد‬ ‫الح ُّ‬
‫األولى التي يعبس فيها َ‬
‫ضا‬ ‫ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ العجوز على العناية بال ِغدفان‪ ،‬دون أن يتص َّور أنه سرعان ما سيُ َكلَّف أي ً‬
‫نسي عن ِحرفة‬ ‫َ‬ ‫بإحضار وجبات الرَّجل وك ْنس مسكنه وإلباسه ثيابه ك َّل صباح‪ .‬يقول الجميع إن والجريڤ‬
‫ال ِغدفان أكثر مما يتعلَّمه معظم ال ِمايسترات في حياتهم كلِّها‪ ،‬فق َّدر پايت أن حلقةً من الحديد األسود هي أقلُّ‬
‫ما يأمله‪ ،‬فقط ليكتشف أن والجريڤ ال يستطيع أن يمنحه إياها‪ ،‬ألن العجوز ما زا َل ِمايستر رئيسًا على‬
‫سبيل المجا َملة ال أكثر‪ ،‬وعلى الرغم من أنه كان ِمايستر عظي ًما في الماضي‪ ،‬فاآلن يُواري رداؤه ثيابًا‬
‫عام وجدَه عدد من ال ُمعاونين يبكي في المكتبة وقد عج َز عن‬ ‫داخليَّةً متَّسخةً أكثر الوقت‪ ،‬وقبل نِصف ٍ‬
‫بدال من‬ ‫العثور على طريق العودة إلى مسكنه‪ .‬حاليًّا يجلس ال ِمايستر جورمون تحت القناع الحديد ً‬
‫ق أن اتَّهم پايت بالسَّرقة‪.‬‬ ‫والجريڤ‪ ،‬جورمون نفسه الذي سب َ‬
‫على شجرة ال ُّتفَّاح المجاورة للماء بدأ عندليب يُ َغنِّي‪ ،‬صوته الجميل راحة مستحبَّة من صريخ ال ِغدفان‬
‫الخشن ونعيقها المتَّصل بَعد أن ظَ َّل پايت يعتني بها طيلة اليوم‪ .‬تعرف ال ِغدفان البيضاء اسمه ويُتَمتِم‬
‫بعضها به لبعض كلَّما وق َعت أعيُنها عليه‪ ،‬فتُ َردِّد «پايت‪ ،‬پايت‪ ،‬پايت» إلى أن تنتابه الرَّغبة في الصُّ راخ‪.‬‬
‫الطيور البيضاء الكبيرة مفخرة ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ‪ ،‬ويُريدها أن تأكله عندما يموت‪ ،‬وإن كان‬ ‫تلك ُّ‬
‫يظن أنها تُريد أن تأكله أيضًا‪.‬‬
‫پايت ُّ‬
‫ربما تكون خمر ال ُّتفَّاح القويَّة للغاية السَّبب ‪-‬ولم يكن پايت قد أتى ليشرب‪ ،‬غير أن أليراس دعاهم إلى‬
‫أصاب پايت بالظَّمأ‪ -‬ولكن بدا له كأن‬ ‫َ‬ ‫احتفاال بحصوله على حلقته ال ُّنحاسيَّة‪ ،‬وال ُّشعور َّ‬
‫بالذنب‬ ‫ً‬ ‫ال َّشراب‬
‫الذهب مقابل الحديد»‪ ،‬وهو‬ ‫الذهب مقابل الحديد‪َّ ،‬‬ ‫الذهب مقابل الحديد‪َّ ،‬‬ ‫ت راجف‪َّ « :‬‬ ‫العندليب يُ َردِّد بصو ٍ‬
‫فأجاب‬
‫َ‬ ‫العجيب نوعًا‪ ،‬ألن هذا ما قاله الغريب ليلة رتَّبت روزي لقاءهما‪ .‬حينها سألَه پايت‪َ « :‬من أنت؟»‪،‬‬
‫الرَّجل‪« :‬خيميائي‪ ،‬أستطي ُع تحويل الحديد إلى ذهب»‪ ،‬ثم ظه َرت قطعة العُملة في يده‪ ،‬تتراقَص على‬
‫مفاصل أصابعه ويلمع ذهبها األصفر الخالص في ضوء ال ُّشموع‪ ،‬على أحد وجهيها تنِّين ذو ثالثة‬
‫الذهب مقابل الحديد‪ ،‬لن تجد صفقةً‬ ‫ملك ميت ما‪ .‬تذ َّكر پايت ما قاله الرَّجل‪َّ :‬‬
‫رؤوس‪ ،‬وعلى اآلخَر رأس ٍ‬
‫صا‪ ،‬إنني مبتدئ في‬ ‫لست ل ًّ‬
‫أفضل‪ .‬هل تُريدها؟ هل تُ ِحبُّها؟ قال للرَّجل الذي دعا نفسه بالخيميائي‪ُ « :‬‬
‫(القلعة)»‪ ،‬فحنى الخيميائي رأسه مجيبًا‪« :‬إذا غيَّرت رأيك‪ ،‬سأعو ُد بَعد ثالثة أيام من اآلن ومعي تنِّيني»‪.‬‬
‫صا حقًّا أم ال‪ ،‬لكن ً‬
‫بدال‬ ‫ق بع ُد إن كان ل ًّ‬
‫ومرَّت ثالثة أيام‪ ،‬وعا َد پايت إلى (الرِّيشة وال َّدورق) وهو غير واث ٍ‬
‫من الخيميائي وج َد موالندر وآرمن وأبا الهول وفي أعقابهم روون‪ ،‬ولو لم ينض َّم إليهم ألثا َر شكوكهم‪.‬‬
‫عام وهو قائم على جزيرته في (نهر البِتع)‪ ،‬دون أن تنغلق‬ ‫(الرِّيشة وال َّدورق) مفتوح دائ ًما‪ .‬طيلة ستمئة ٍ‬
‫ط‪ ،‬ومع أن المبنى الخشبي يميل نحو الجنوب كما يميل المبتدئون فوق دوارق‬ ‫أبوابه في وجه ال َّزبائن قَ ُّ‬
‫عام أخرى‪ ،‬يبيع النَّبيذ وال ِمزر‪ 9‬وخمر التُّفَّاح‬
‫ال َّشراب أحيانًا‪ ،‬فإن پايت يتوقَّع أن يظ َّل الخان قائ ًما ستمئة ٍ‬
‫لمالحي النَّهر والبحر‪ ،‬والح َّدادين والمطربين‪ ،‬والرُّ هبان واألمراء‪ ،‬ومبتدئي (القلعة)‬ ‫القويَّة للغاية َّ‬
‫و ُمعاونيها‪.‬‬
‫الالزم‪(« :‬البلدة القديمة) ليست العالم»‪ .‬إنه ابن فارس‪ ،‬وسكران اآلن‬ ‫ت أعلى من َّ‬ ‫أعلنَ موالندر بصو ٍ‬
‫ألقصى درجة‪ ،‬فمنذ أتوه بخبر مقتل أبيه في معركة (النَّهر األسود) وهو يسكر ك َّل ليل ٍة تقريبًا‪ .‬لقد مسَّتهم‬
‫حرب الملوك الخمسة جميعًا على الرغم من كونهم آمنين وراء أسوار (البلدة القديمة) بعيدًا عن القتال‪...‬‬
‫ملوك حقًّا‪ ،‬بما أن رنلي‬ ‫ٍ‬ ‫وإن كان ال ِمايستر الرَّئيس بنيدكت يصرُّ على أن الحرب لم تكن بين خمسة‬
‫باراثيون ماتَ قبل أن يُتَ ِّوج بالون جرايچوي نفسه‪ .‬واص َل موالندر‪« :‬كان أبي يقول دو ًما إن العالم أكبر‬
‫من قلعة أيِّ لورد‪ .‬ال ب َّد أن التَّنانين أقلُّ ما يُمكن أن يجده المرء في (ڬارث) و(آشاي) و(يي تي)‪ .‬حكايات‬
‫البحَّارة تلك‪.»...‬‬
‫قاط َعه آرمن‪ ...« :‬ليست أكثر من حكايات بحَّارة‪ .‬إنهم بحَّارة يا عزيزي موالندر‪ .‬اذهب إلى أرصفة‬
‫وأراهن أنك ستجد بحَّارةً يحكون لك عن عرائس البحر الالتي ضاجعوهن‪ ،‬أو كيف قضوا عا ًما‬ ‫ُ‬ ‫الميناء‬
‫في بطن سمكة»‪.‬‬
‫قال موالندر وهو يبحث بقدمه في العُشب عن المزيد من ال ُّتفَّاح‪« :‬وكيف تعلم أنهم لم يفعلوا؟ عليك أن‬
‫تَد ُخل بطن السَّمكة بنفسك لتجزم بأن هذا لم يَح ُدث‪.‬‬
‫ُفن مختلفة‬
‫َّار واحد‪ ،‬نعم‪ ،‬من الممكن أن تسخر منها‪ ،‬لكن حين يحكي بحَّارة من أربع س ٍ‬
‫حكاية من بح ٍ‬
‫الحكاية نفسها بأربع لُغا ٍ‬
‫ت مختلفة‪.»...‬‬
‫َر َّد آرمن بإصرار‪« :‬الحكايات ليست واحدةً‪ .‬تنانين في (آشاي)‪ ،‬تنانين في (ڬارث)‪ ،‬تنانين في (ميرين)‪،‬‬
‫تنانين مع الدوثراكي‪ ،‬تنانين تُ َحرِّر العبيد‪ ...‬كلُّ حكاي ٍة تختلف عن األخرى»‪.‬‬
‫أصال حتى وهو‬ ‫ً‬ ‫‪« -‬في التَّفاصيل فقط»‪ ،‬قال موالندر الذي يزداد عنادًا عندما يشرب‪ ،‬وهو متصلِّب الرَّأي‬
‫مفيق‪« .‬الجميع يحكون عن التَّنانين‪ ،‬وملك ٍة شابَّة جميلة»‪.‬‬
‫الذهب األصفر‪ .‬تساء َل ع َّما جرى للخيميائي‪ .‬اليوم الثَّالث‪،‬‬
‫التنِّين الوحيد الذي يُبالي به پايت مصنوع من َّ‬
‫قال إنه سيكون هنا‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ث َّمة تفَّاحة أخرى قُرب قدمك‪ ،‬وما زا َل معي سهمان في َجعبتي»‪.‬‬ ‫خاطب أليراس موالندر ً‬ ‫َ‬
‫ط ثمرةً أسقطَتها الرِّيح من ال َّشجرة‪ ،‬وأضافَ متذ ِّمرًا‪« :‬فيها‬ ‫قال موالندر‪« :‬سُحقًا ل َجعبتك»‪ ،‬ثم التق َ‬
‫ط أحدهما على‬ ‫وأصاب السَّهم التُّفَّاحة إذ بدأت تَسقُط وشط َرها ِنصفين‪ ،‬هب َ‬
‫َ‬ ‫ديدان»‪ ،‬لكنه رماها رغم ذلك‪،‬‬
‫بقدم واحد‪ ،‬فقال لهم ال ُمعاون‪« :‬إذا قطعت دودةً‬ ‫سطح أدنى وارت َّد وأخطأ َ آرمن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُرج ثم هوى إلى‬
‫سطح ب ٍ‬
‫نِصفين تُصبِح هناك دودتان»‪.‬‬
‫َر َّد أليراس بواحد ٍة من ابتساماته النَّاعمة‪« :‬ليت األمر كان كذلك مع ال ُّتفَّاح‪ ،‬فما كان أحد ليجوع أبدًا»‪.‬‬
‫دائ ًما يبتسم أبو الهول كما لو أنه مطَّلع على دعاب ٍة س ِّريَّة ما‪ ،‬وقد َ‬
‫منحه هذا مظهرًا خبيثًا يتماشى جيِّدًا مع‬
‫َّ‬
‫المشذبة بعناية‪.‬‬ ‫ذقنه البارز ومقدِّمة َشعره المدبَّبة و ُخصالته الفاحمة الكثيفة‬
‫ت من‬ ‫عام واحد فقط‪ ،‬لكنه ك َّون ثالث حلقا ٍ‬‫سوف يُصبِح أليراس ِمايستر ذات يوم‪ .‬لقد جا َء (القلعة) منذ ٍ‬
‫كال منها‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ق ً‬ ‫ً‬
‫كامال حتى استح َّ‬ ‫سلسلته بالفعل‪ .‬صحي ٌح أن حلقات آرمن أكثر‪َّ ،‬إال أنه استغر َ‬
‫ق عا ًما‬
‫سوف يُصبِح ِمايستر أيضًا‪ .‬روون وموالندر ما زاال مبتدئيْن عاريَي العُنق‪ ،‬لكن روون صغير ج ًّدا‪،‬‬
‫وموالندر يُؤثِر ال ُّشرب على القراءة‪.‬‬
‫أ َّما پايت‪...‬‬
‫إنه في (القلعة) منذ خمسة أعوام‪ ،‬جا َءها وهو في الثَّالثة عشرة من العُمر ال أكثر‪ ،‬لكن ُعنقه ال يزال عاريًا‬
‫كما كان يوم وص َل من أراضي الغرب‪ .‬مرَّتين اعتق َد نفسه مستع ًّدا؛ األولى مث َل فيها أمام ال ِمايستر الرَّئيس‬
‫حصل ڤايلين على لقب «الخَل»‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫وبدال من هذا تعلَّم كيف‬
‫ً‬ ‫ڤايلين ليُ َدلِّل على معرفته باألجرام السَّماويَّة‪،‬‬
‫ُحاول ثانيةً‪ .‬تلك المرَّة ق َّدم نفسه إلى ال ِمايستر‬
‫ق األمر پايت عامين ليستجمع َشجاعته من جدي ٍد وي ِ‬ ‫استغر َ‬
‫الرَّئيس إيبروز العجوز العطوف‪ ،‬ال َّشهير برقَّة نبرته وخفَّة يديه‪ ،‬غير أن زفرات إيبروز كانت بوسيل ٍة ما‬
‫مؤلمةً ككلمات ڤايلين ال َّشائكة‪.‬‬
‫قائال‪« :‬تفَّاحة أخيرة وسأخبركم بظنوني بتلك التَّنانين»‪.‬‬ ‫وعدَهم أليراس ً‬
‫فسحب‬
‫َ‬ ‫فوثب وقطفَها ورماها‪،‬‬
‫َ‬ ‫فرع‬
‫ٍ‬ ‫ولمح تفَّاحةً على‬
‫َ‬ ‫دمد َم موالندر‪« :‬وما الذي تعرفه وأجهله أنا؟»‪،‬‬
‫ق سهمه لحظة أن بدأت التُّفَّاحة‬‫أليراس وتر قوسه إلى أُذنه وهو يدور برشاق ٍة متابعًا هدفه المحلِّق‪ ،‬وأطل َ‬
‫تَسقُط‪.‬‬
‫قال روون‪« :‬دائ ًما تُخطئ الرَّمية األخيرة»‪.‬‬
‫طت الثَّمرة في النَّهر دون أن يمسَّها السَّهم‪.‬‬
‫وسق َ‬
‫قال روون‪« :‬أرأيت؟»‪.‬‬
‫ستكف عن التَّحسُّن»‪ ،‬وأرخى وتر قوسه الطَّويل و َدسَّه بخفَّ ٍة في قِرابه‬ ‫ُّ‬ ‫أجاب أليراس‪« :‬إذا أصبتها جميعًا‬ ‫َ‬
‫الذهبي‪ ،‬ذلك الخشب النَّادر الممتاز الذي يأتي من (جُزر الصَّيف)‪ ،‬وقد‬ ‫الجلدي‪ .‬القوس منحوت من القلب َّ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫هزيال‪ ،‬لكن ث َّمة ق َّوة‬ ‫جرَّب پايت أن يسحب الوتر عليه م َّرةً وفش َل‪ .‬قال پايت لنفسه متأ ِّم ًال‪ :‬أبو الهول يبدو‬
‫جلس أليراس وساقاه على جانبَي ال ِّد َّكة و َم َّد يده إلى كأس نبيذه معلنًا‬ ‫َ‬ ‫في هاتين ال ِّذراعين النَّحيلتيْن‪ ،‬فيما‬
‫بلهجته الدورنيَّة المتش ِّدقة‪« :‬التنِّين له ثالثة رؤوس»‪.‬‬
‫تساء َل روون‪« :‬أهذه أحجية؟ دائ ًما ما يكون كالم آباء الهول مل َّغ ًزا في الحكايات»‪.‬‬
‫رشفَ أليراس من النَّبيذ مجيبًا‪« :‬ليست أحجيةً»‪ .‬كانت بقيَّتهم تعبُّ من خمر ال ُّتفَّاح القويَّة للغاية التي‬
‫َّ‬
‫المحالة الغريبة من بالد أ ِّمه‪ ،‬وحتى في (البلدة القديمة)‬ ‫يشتهر بها (الرِّيشة وال َّدورق)‪ ،‬لكنه يُفَضِّ ل الخمور‬
‫من رخيص‪.‬‬‫ال تُباع تلك الخمور بثَ ٍ‬
‫كان ليو الكسول هو من لقَّب أليراس بأبي الهول‪ .‬أبو الهول كائن هجين؛ وجهه وجه إنسان وجسمه جسم‬
‫أسد وله جناحا صقر‪ ،‬وأليراس ِمثله‪ ،‬فأبوه دورني وأ ُّمه امرأة سوداء البشرة من (جُزر الصَّيف)‪ ،‬أ َّما‬
‫بشرته هو فداكنة كخشب السَّاج‪ ،‬وكتمثالَي أبي الهول وأُم الهول المنحوتيْن من الرُّ خام األخضر ويقفان‬
‫على جانبَي ب َّوابة (القلعة) الرَّئيسة‪ ،‬ألليراس عينان من ال َجزع األخضر‪.‬‬
‫قال آرمن ال ُمعاون بحزم‪« :‬ليست هناك تنانين بثالثة رؤوس َّإال على ال ُّتروس والرَّايات‪ .‬إنه رمز ال أكثر‪،‬‬
‫ثم إن آل تارجاريَن ماتوا جميعًا»‪.‬‬
‫َر َّد أليراس‪« :‬ليس جميعهم‪ .‬الملك ال َّشحَّاذ كانت له أخت»‪.‬‬
‫قال روون‪« :‬حسبتهم ه َّشموا رأسه على ِجدار»‪.‬‬
‫قال أليراس‪« :‬ال‪ .‬إجون ابن األمير ريجار الصَّغير هو من ه َّشم رجال األسد النستر ال ُّشجعان رأسه على‬
‫ِجدار‪ .‬إننا نتكلَّم عن أخت ريجار التي ُولِدَت في (دراجونستون) قبل سقوطها‪ ،‬تلك المس َّماة دنيرس»‪.‬‬
‫قال موالندر‪« :‬وليدة العاصفة‪ ،‬تذ َّكرتها اآلن»‪ ،‬ورف َع دورقه عاليًا ليدور ما تبقَّى فيه من خمر التُّفَّاح‪،‬‬
‫وضرب المائدة بال َّدورق الخالي وتج َّشأ‪ ،‬قبل أن يمسح فمه بظَهر يده ويسأل‪:‬‬‫َ‬ ‫وصا َح‪« :‬نخبها!»‪ ،‬ثم جر َع‬
‫ق دورًا آخَر من ال َّشراب‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫«أين روزي؟ ملكتنا ال َّشرعيَّة تستح ُّ‬
‫ال َح االنزعاج على آرمن ال ُمعاون وهو يقول‪« :‬اخفض صوتك أيها األحمق‪ .‬ال يَج ُدر بك أن تمزح مجرَّد‬
‫ُمزاح بشأن تلك األشياء‪ ،‬فلست تدري من يتنصَّت‪ .‬العنكبوت له آذان في كلِّ مكان»‪.‬‬
‫‪« -‬آه‪ ،‬ال تَبُل في سراويلك يا آرمن‪ُ .‬‬
‫كنت أقتر ُح شرابًا ال ثورةً»‪.‬‬
‫عرفت أنك خائن أيها الضِّفدع‬‫ُ‬ ‫سم َع پايت قهقهةً‪ ،‬ثم نادى صوت خبيث ناعم من ورائه ً‬
‫قائال‪« :‬لطالما‬
‫بتراخ عند قدم الجسر الخشبي القديم‪ ،‬يرتدي الساتان المخطَّط باألخضر‬ ‫ٍ‬ ‫النَّطَّاط»‪ .‬كان ليو الكسول واقفًا‬
‫والذهبي تحت حرمل ٍة‪ 6‬من الحرير األسود‪ ،‬يُثَبِّتها إلى كتفه مشبك على شكل ورد ٍة من اليَشب‪ ،‬وقد بدا من‬ ‫َّ‬
‫البُقع على صدره أن النَّبيذ الذي شربَه كان أحمر قانيًا‪ ،‬بينما سقطَت ُخصلة من َشعره ال َّذهبي ال َّشاحب‬
‫على إحدى عينيه‪.‬‬
‫اشتع َل موالندر غضبًا لمرآه‪ ،‬وقال‪« :‬تبًّا لهذا‪ ،‬ارحل‪ ،‬ليس مر َّحبًا بك هنا»‪ ،‬فوض َع أليراس يده على‬
‫قائال‪« :‬ليو‪ ،‬سيِّدي‪ ،‬حسبتك ستظلُّ محت َج ًزا في (القلعة)‪.»...‬‬‫عبس آرمن ً‬
‫َ‬ ‫ذراعه ليُهَدِّئه‪ ،‬في حين‬
‫قاط َعه ليو‪ ...« :‬ثالثة أيام أخرى»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه مضيفًا‪« :‬پيرستان يقول إن العالم ُعمره أربعون ألف عام‪،‬‬
‫ومولوس يقول إنها خمسمئة ألف‪ ،‬فما قيمة ثالثة أيام؟»‪ ،‬وعلى الرغم من وجود دستة من الموائد الخالية‬
‫الذهبي أيها الضِّفدع‬ ‫س من نبيذ (الكرمة) َّ‬‫جلس ليو إلى مائدتهم مردفًا‪« :‬اد ُعني إلى كأ ٍ‬ ‫َ‬ ‫في ال ُّشرفة‪ ،‬فقد‬
‫ظ لم يُحالِفني في لعب البالطات في (النَّرد المربَّع) وب َّد ُ‬
‫دت أيلي‬ ‫النَّطَّاط ولن أخبر أبي بأمر نخبك‪َ .‬‬
‫الح ُّ‬
‫الفضِّ ي األخير على ال َعشاء‪ .‬خنزير رضيع في صلصة البرقوق‪ ،‬محشو بالكستناء والكمأة البيضاء‪.‬‬
‫اإلنسان يحتاج إلى الطَّعام‪ .‬وماذا أكلتم أنتم يا أوالد؟»‪.‬‬
‫ضأن مسلوقة»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫غمغ َم موالندر وقد بدا مستا ًء من اإلجابة‪« :‬أكلنا ضأنًا‪ ،‬تقا َسمنا فخذ‬
‫قال ليو‪« :‬أنا واثق بأنها كانت مشبعةً»‪ ،‬والتفتَ مخاطبًا أليراس‪« :‬المفت َرض أن يكون ابن لورد ِمثلك‬
‫سخيًّا يا أبا الهول‪ .‬بلغَني أنك فُزت بحلقتك ال ُّنحاسيَّة‪ .‬سأشربُ نخب هذا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫لست ابن لورد كما أخبرتك‪ .‬أ ِّمي‬ ‫لست أدعو َّإال األصدقاء إلى ال َّشراب‪ ،‬ثم إنني‬‫ابتس َم أليراس مجيبًا‪ُ « :‬‬
‫كانت تاجرةً»‪.‬‬
‫قال ليو وفي عينيه البندقيَّتين لمعة النَّبيذ والنَّقمة‪« :‬أ ُّمك كانت قردةً من (جُزر الصَّيف)‪ .‬الدورنيُّون‬
‫ي شي ٍء له فتحة بين ساقيه‪ .‬ال أقص ُد إساءةً‪ .‬ربما تكون بنِّيًّا كحبَّ ٍة من الجوز‪ ،‬لكنك تستح ُّم‬ ‫ُضاجعون أ َّ‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫على األقل‪ ،‬على عكس فتى الخنازير المبقَّع هذا»‪ ،‬ول َّوح بيده نحو پايت‪.‬‬
‫ف َّكر پايت‪ :‬إذا ضربته في فمه بدورقي فيُمكنني أن أكسر نِصف أسنانه‪ .‬پايت المبقَّع فتى الخنازير هو بطل‬
‫ألف من القصص البذيئة‪ ،‬صعلوك أبله طيِّب القلب استطا َع دو ًما أن يتغلَّب على السَّادة السِّمان والفُرسان‬ ‫ٍ‬
‫وبشكل ما يتَّضح أن غباءه نوع من ال َّدهاء غير‬ ‫ٍ‬ ‫المتغطرسين والسِّپتونات المبهرجين الذين يُز ِعجونه‪،‬‬
‫عال أو في الفِراش مع ابنة أحد الفُرسان‪ .‬لكنها‬ ‫المألوف‪ ،‬ودائ ًما تنتهي به الحكايات جالسًا على مقعد لورد ٍ‬
‫صبية الخنازير‪ .‬أحيانًا يُفَ ِّكر پايت أن أ َّمه كانت تكرهه‬ ‫مجرَّد قصص‪ ،‬ففي عالم الواقع ال يُحالِف التَّوفيق ِ‬
‫بالتَّأكيد ما دا َمت قد أطلقَت عليه هذا االسم‪.‬‬
‫قال أليراس وقد غابَت ابتسامته‪« :‬ستعتذر»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟ وكيف أعتذ ُر و َحلقي بهذا الجفاف؟»‪.‬‬
‫قال أليراس‪« :‬إنك تجلب العار على عائلتك مع ك ِّل كلم ٍة تقولها‪ ،‬وتجلب العار على (القلعة) بكونك واحدًا‬
‫منا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫غرق عاري»‪.‬‬ ‫أعرف‪ ،‬فاد ُعني إلى القليل من النَّبيذ إذن كي أ ِ‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫قال موالندر‪« :‬أري ُد أن أقتلع لسانك من جذوره»‪.‬‬
‫َر َّد ليو‪« :‬حقًّا؟ وكيف أحكي لكم عن التَّنانين إذن؟»‪ ،‬وعا َد ُّ‬
‫يهز كتفيه متابعًا‪« :‬الهجين على حق‪ ،‬ابنة‬
‫الملك المجنون حيَّة ومعها ثالثة تنانين»‪.‬‬
‫ر َّدد روون منده ًشا‪« :‬ثالثة؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫حاولت الحصول على حلقتي‬ ‫ربَّت ليو على يده مجيبًا‪« :‬أكثر من اثنين وأقلُّ من أربعة‪ .‬لو ُ‬
‫كنت مكانك لما‬
‫َّ‬
‫الذهبيَّة بع ُد»‪.‬‬
‫قال موالندر منذرًا‪« :‬دعه وشأنه»‪.‬‬
‫فرسخ من‬
‫ٍ‬ ‫أبحرت على مسافة مئة‬
‫َ‬ ‫رجل من كلِّ سفين ٍة‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬يا لشهامتك أيها الضِّ فدع النَّطَّاط‪ .‬كما تشاء‪ .‬كلُّ‬
‫(ڬارث) يتح َّدث عن تلك التَّنانين‪ ،‬وستجد بعضهم يقول إنه رآها بنفسه‪ .‬ال ُمشعوذ يميل إلى تصديقهم»‪.‬‬
‫َز َّم آرمن شفتيه استنكارًا‪ ،‬وقال‪« :‬ماروين معتلُّ العقل‪ .‬ال ِمايستر الرَّئيس پيرستان أول من سيقول لك‬
‫هذا»‪.‬‬
‫ضا»‪.‬‬‫قال روون‪« :‬هذا ما يقوله ال ِمايستر الرَّئيس ريام أي ً‬
‫تثاءب ليو‪ ،‬وقال‪« :‬البحر مبت ٌّل وال َّشمس دافئة ومعرض الوحوش يكره الدِّرواس‪.»5‬‬ ‫َ‬
‫ف َّكر پايت‪ :‬لديه اسم ساخر لك ِّل أحد‪ ،‬لكنه ال يستطيع أن يُن ِكر أن ماروين يبدو أقرب إلى ِدرواس من‬
‫ِمايستر بالفعل‪ .‬كأنه يُريد أن يعضَّك‪ .‬ليس ال ُمشعوذ كبقيَّة ال ِمايسترات‪ ،‬ويقول النَّاس إنه يُرا ِفق العاهرات‬
‫والسَّحرة الج َّوالين‪ ،‬ويُ َكلِّم اإليبنيزيِّين ال ُمشعرين وأهل (جُزر الصَّيف) ذوي البشرة السَّوداء كالقار بلُغتهم‪،‬‬
‫ويُقَدِّم القرابين آلله ٍة غريبة في معابد البحَّارة الصَّغيرة عند أرصفة المرفأ‪ ،‬وهناك من يتكلَّمون عن رؤيته‬
‫في األنحاء الكريهة من المدينة‪ ،‬في حلبات الجرذان‪ 4‬والمواخير السَّوداء‪ ،‬يُسا ِمر الممثِّلين وال ُمطربين‬
‫ً‬
‫رجال ذات م َّر ٍة بقبضتيه‬ ‫والمرتزقة‪ ،‬بل والمتس ِّولين أيضًا‪ .‬ثم إن هناك من يتها َمسون قائلين إنه قت َل‬ ‫ِ‬
‫العاريتيْن‪.‬‬
‫حينما رج َع ماروين إلى (البلدة القديمة)‪ ،‬بَعد أن أمضى ثمانية أعوام في ال َّشرق يرسم خرائط األراضي‬
‫ب مفقودة ويدرس مع ال َّدجَّالين وآسري الظِّالل‪ ،‬لقَّبه ڤايلين الخَل بماروين ال ُمشعوذ‪،‬‬ ‫البعيدة ويبحث عن ُكت ٍ‬
‫وسرعان ما انتش َر اللَّقب في جميع أنحاء المدينة‪ ،‬وهو ما أثا َر ضيق ڤايلين ألقصى درجة‪ .‬في م َّر ٍة قال‬
‫ال ِمايستر الرَّئيس ريام لپايت على سبيل النَّصيحة‪« :‬دَع الصَّلوات والتَّعاويذ للرُّ هبان والسِّپتونات‪ ،‬وكرِّ س‬
‫الذهب‬‫عقلك لتعلُّم الحقائق التي يستطيع أن يثق بها اإلنسان»‪ ،‬لكن خاتم ريام وصولجانه وقناعه من َّ‬
‫األصفر‪ ،‬وسلسلته تخلو من حلق ٍة من الفوالذ الڤاليري‪.‬‬
‫ق بها ليو الكسول من فوقه وهو يقول‪« :‬‬ ‫آلرمن أنف طويل رفيع مدبَّب‪ ،‬مناسب تما ًما للنَّظرة التي رم َ‬
‫ال ِمايستر الرَّئيس ماروين يعتقد بالعديد من األشياء الغريبة‪ ،‬لكنه ال يملك ً‬
‫دليال على وجود التَّنانين أكثر من‬
‫موالندر‪ .‬مزيد من قصص البحَّارة ال أكثر»‪.‬‬
‫قال ليو‪« :‬أنت مخطئ‪ .‬ث َّمة شمعة ُزجاجيَّة متَّقدة في مسكن ال ُمشعوذ»‪.‬‬
‫رانَ الصَّمت على ال ُّشرفة المضاءة بالمشاعل‪ ،‬ثم تنهَّد آرمن وهَ َّز رأسه‪ ،‬وبدأ موالندر يضحك‪ ،‬وتفرَّس‬
‫أبو الهول في وجه ليو بعينيه السَّوداوين الواسعتين‪ ،‬وبدَت الحيرة على روون‪.‬‬
‫الزجاجيَّة‪ ،‬وإن لم ي َر واحدةً مشتعلةً من قبل قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬إنها السِّر األكثر انفضاحًا في‬ ‫يعرف پايت بأمر ال ُّشموع ُّ‬
‫عام من هالكها‪ .‬كان پايت قد سم َع‬ ‫(القلعة)‪ ،‬ويُقال إنها ُجلِبَت إلى (البلدة القديمة) من (ڤاليريا) قبل ألف ٍ‬
‫أربع منها‪ ،‬إحداها خضراء والبقيَّة سوداء‪ ،‬وكلُّها طويلة ملتوية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بوجود‬
‫سأ َل روون‪« :‬ما تلك ال ُّشموع ُّ‬
‫الزجاجيَّة؟»‪.‬‬
‫وأجاب‪« :‬في اللَّيلة السَّابقة لحلف كلِّ ُمعاون اليمين‪ ،‬عليه أن يسهر في القبو‪ ،‬وغير‬
‫َ‬ ‫تنحن َح آرمن ال ُمعاون‪،‬‬
‫فتيال مكس ًّوا بال َّشمع‪ ...‬فقط شمعة من ُّ‬
‫الزجاج‬ ‫مشعال أو مصباحًا أو ً‬
‫ً‬ ‫مسموح له أن يأخذ معه فانوسًا أو‬
‫ٍ‬
‫يستطع أن يُش ِعل تلك ال َّشمعة‪ .‬بعضهم ي ِ‬
‫ُحاول‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫البُركاني‪ .‬هكذا يجب أن يقضي الليل في الظالم ما لم‬
‫الحمقى والعنيدون‪ ،‬أولئك الذين درسوا الغوامض العُليا إياها‪ ،‬وكثيرًا ما يجرحون أصابعهم‪ ،‬ألن حواف‬
‫ال َّشمعة حا َّدة كالموسى حسب ما يُقال‪ ،‬ثم يكون عليهم أن ينتظروا بزوغ الفَجر بأي ٍد دامية وهُم يُفَ ِّكرون في‬
‫ُصرُّ ون على‬‫فشلهم‪ .‬الحُكماء يَخلُدون إلى النَّوم ببساطة‪ ،‬أو يقضون اللَّيل في الصَّالة‪ ،‬لكن هناك دائ ًما من ي ِ‬
‫التَّجربة ك َّل عام»‪.‬‬
‫قال پايت الذي سم َع القصص نفسها‪« :‬نعم‪ ،‬لكن ما الفائدة من شمع ٍة ال تُلقي ضو ًءا؟»‪.‬‬
‫المفترض أن تُ َمثِّل‬
‫َ‬ ‫س يجب أن نتعلَّمه قبل أن نضع سلسلة ال ِمايسترات‪.‬‬ ‫آخر در ٍ‬‫جاوبَه آرمن‪« :‬إنه درس‪ِ ،‬‬
‫الزجاجيَّة الحقيقة والمعرفة‪ ،‬وهما شيئان نادران وجميالن وه َّشان‪ ،‬وهي مصنوعة على شكل‬ ‫ال َّشمعة ُّ‬
‫شمع ٍة كي تُ َذ ِّكرنا بأن على ال ِمايستر أن يُلقي الضَّوء أينما خد َم‪ ،‬وحا َّدة كي تُ َذ ِّكرنا بأن المعرفة من شأنها‬
‫أن تكون خطرةً‪.‬‬
‫قد تُصيب الحكمة أصحابها بالغرور‪ ،‬لكن على ال ِمايستر أن يبقى متواضعًا دو ًما‪ ،‬وهذا ما تُ َذ ِّكرنا ال َّشمعة‬
‫الزجاجيَّة به أيضًا‪ ،‬فحتى بَعد أن يحلف اليمين ويضع سلسلته ويبدأ خدمته‪ ،‬سيُفَ ِّكر ال ِمايستر في سهرته‬ ‫ُّ‬
‫تلك ويتذ َّكر أن شيئًا لم يكن في وسعه إلشعال ال َّشمعة‪ ...‬بعض األشياء ليس ممكنًا حتى في وجود‬
‫المعرفة»‪.‬‬
‫رأيت ال َّشمعة مشتعلةً بعينَي هاتين»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫انفجر ليو الكسول في الضَّحك‪ ،‬وقال‪« :‬تعني أنه ليس ممكنًا لك‪ .‬لقد‬ ‫َ‬
‫َر َّد آرمن‪« :‬رأيت شمعةً ما مشتعلةً بال شك‪ ،‬من ال َّشمع األسود ربما»‪.‬‬
‫ي شمع ٍة من شمع العسل أو‬ ‫رأيت‪ .‬الضَّوء كان غريبًا وساطعًا‪ ،‬أكثر سطوعًا من ضوء أ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أعرف ما‬ ‫‪«-‬‬
‫ظالال غريبةً دون أن يتذب َذب اللَّهب إطالقًا‪ ،‬حتى عندما هَبَّ تيَّار الهواء من الباب المفتوح‬
‫ً‬ ‫ال َّشحم‪ ،‬وألقى‬
‫ورائي»‪.‬‬
‫عق َد آرمن ذراعيه على صدره ً‬
‫قائال‪ُّ « :‬‬
‫الزجاج البُركاني ال يشتعل»‪.‬‬
‫بشكل ما‪ُ « :‬زجاج التنِّين‪ ،‬العا َّمة يُ َس ُّمونه ُزجاج التنِّين»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قال پايت وقد بدَت له المعلومة مه َّمةً‬
‫علَّق أليراس أبو الهول متأ ِّم ًال‪« :‬صحيح‪ ،‬وإذا عادَت التَّنانين إلى العالم حقًّا‪.»...‬‬
‫قال ليو‪« :‬التَّنانين وأشياء ألعن‪ .‬الخراف الرَّماديَّة أغلقَت أعيُنها‪ ،‬لكن الدِّرواس يرى الحقيقة‪ .‬القوى‬
‫ظالل تتحرَّك‪ ،‬وقريبًا سيبدأ عصر من العجائب والرُّ عب‪ ،‬عصر لآللهة‬ ‫القديمة تستيقظ من سُباتها وال ِّ‬
‫ق دورًا من‬‫واألبطال»‪ ،‬وتمطَّى راس ًما على شفتيه ابتسامته الكسول‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬أعتق ُد أن األمر يستح ُّ‬
‫ال َّشراب»‪.‬‬
‫قال آرمن‪« :‬شربنا بما فيه الكفاية‪ .‬سرعان ما سيطلع الصُّ بح علينا‪ ،‬وال ِمايستر الرَّئيس إيبروز سيتح َّدث‬
‫اليوم عن خواص البول‪ ،‬وعلى من يرغب في حلق ٍة من الفضَّة َّأال يُفَ ِّوت حديثه»‪.‬‬
‫تذوق البول‪ ،‬أ َّما أنا فأفضِّ ُل مذاق نبيذ (الكرمة) َّ‬
‫الذهبي»‪.‬‬ ‫َر َّد ليو‪« :‬حاشا لي أن أع ِّ‬
‫طلكم عن ُّ‬
‫قال موالندر‪« :‬إذا كان الخيار بين البول وبينك‪ ،‬فإنني أختا ُر البول»‪ ،‬ودف َع مقعده عن المائدة مخاطبًا‬
‫روون‪« :‬هيا بنا»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬أنا أيضًا سأخل ُد إلى النَّوم‪ .‬أتوقَّ ُع أن أحلم بالتَّنانين وال ُّشموع‬
‫ً‬ ‫ط أبو الهول قِراب قوسه‬ ‫التق َ‬
‫ُّ‬
‫الزجاجيَّة»‪.‬‬
‫تساء َل ليو‪« :‬ك ُّلكم راحلون؟»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه مردفًا‪« :‬ليكن‪ ،‬روزي ستبقى‪ .‬ربما أوقِظُ قطعة الحلوى‬
‫الصَّغيرة وأجع ُل منها امرأةً»‪.‬‬
‫رأى أليراس النَّظرة على وجه پايت‪ ،‬فقال له‪« :‬إذا كان ال يملك قطعةً نُحاسيَّةً لكأ ٍ‬
‫س من النَّبيذ‪ ،‬فال يُمكن‬
‫أن معه تنِّينًا للفتاة»‪.‬‬
‫رجال كي يجعل منها امرأةً‪ .‬تعا َل معنا يا پايت‪ .‬والجريڤ العجوز‬ ‫ً‬ ‫قال موالندر‪« :‬نعم‪ ،‬ثم إن األمر يتطلَّب‬
‫الذهاب إلى المرحاض»‪.‬‬ ‫شرق ال َّشمس‪ ،‬وسيحتاج إلى مساعَدتك في َّ‬ ‫سيستيقظ حين تُ ِ‬
‫داف وآخَ ر‪ ،‬لكنه ال‬‫هذا إذا تذ َّكر من أنا اليوم‪ .‬ال يجد ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ صعوبةً في التَّمييز بين ُغ ٍ‬
‫يملك المهارة نفسها مع البَشر‪ ،‬وفي بعض األيام يحسب پايت شخصًا آخَر اسمه كرسن‪ .‬قال ألصدقائه‪:‬‬
‫«ليس بع ُد‪ ،‬سأبقى ً‬
‫قليال»‪ .‬الفَجر لم يطلع بع ُد‪ ،‬ليس تما ًما‪ ،‬وربما يكون الخيميائي ما َ‬
‫زال قاد ًما‪ ،‬وإذا جا َء‬
‫فپايت ينوي أن يجده هنا‪.‬‬
‫قال آرمن‪« :‬كما تُريد»‪ ،‬وحد َج أليراس پايت بنظر ٍة طويلة‪ ،‬ثم علَّق قوسه على كتفه النَّحيلة وتب َع اآلخَرين‬
‫نحو الجسر‪ .‬كان موالندر سكران لدرج ٍة جعلَته يضطرُّ إلى المشي مستندًا إلى كتف روون كي ال يقع‪.‬‬
‫ليست (القلعة) بعيدةً بسُرعة طيران ال ُغداف‪ ،‬لكن ال أحد منهم ُغداف‪ ،‬و(البلدة القديمة) متاهة فعليَّة‪ ،‬مألى‬
‫بالمنعطفات واألزقَّة المتقاطعة وال َّشوارع الضيِّقة الملتوية‪ .‬سم َع پايت آرمن يقول إذ ابتل َع ضباب النَّهر‬
‫أربعتهم‪« :‬احذروا‪ ،‬اللَّيلة كانت رطبةً وستجدون حجارة ال َّشوارع زلقةً»‪.‬‬
‫ل َّما رحلوا تطلَّع ليو إلى پايت بنظر ٍة فظَّة عبر المائدة‪ ،‬وقال‪« :‬محزن‪ ،‬أبو الهول هج َرني بفضَّته كلِّها‬
‫وتر َكني لپايت المبقَّع فتى الخنازير»‪ ،‬وعا َد يتمطَّى متثائبًا‪ ،‬وسأ َل‪« :‬كيف حال حُلوتنا روزي يا تُرى؟»‪.‬‬
‫أجاب پايت باقتضاب‪« :‬إنها نائمة»‪.‬‬‫َ‬
‫ي أن أعرف‬ ‫كامال بحق؟ ُّ‬
‫أظن أن عل َّ‬ ‫ً‬ ‫قال ليو بابتسام ٍة عريضة‪« :‬عاريةً بال شك‪ .‬أتحسب أنها تستح ُّ‬
‫ق تنِّينًا‬
‫اإلجابة بنفسي ذات يوم»‪ ،‬وحين لم يتكلَّم پايت األعقل من أن ير َّد‪ ،‬تاب َع ليو الذي لم يحتَج إلى َرد‪« :‬أتوقَّ ُع‬
‫صبية الخنازير أنفسهم‪ .‬يَج ُدر بك أن تَش ُكرني»‪.‬‬ ‫بمجرَّد أن ألج الفتاة سينهار ِسعرها بحيث يقدر عليه ِ‬
‫ف َّكر پايت‪ :‬يَج ُدر بي أن أقتلك‪ ،‬وإن لم يكن سكران لدرجة أن يُبَدِّد حياته‪ ،‬فليو ممرَّن على السِّالح‪،‬‬
‫ومعروف بأنه مميت حقًّا حين يُقاتِل بسيف ُمبارزي البراڤو والخنجر‪ ،‬وحتى إذا استطا َع پايت بوسيل ٍة ما‬
‫أن يَقتُله‪ ،‬فمعنى هذا أن يفقد رأسه بالتَّبعيَّة‪ .‬لليو اسمان في حين أن لپايت اسم واحد‪ ،‬واسمه الثَّاني تايرل‪.‬‬
‫السير مورين تايرل قائد َحرس المدينة في (البلدة القديمة) هو أبو ليو‪ ،‬ومايس تايرل سيِّد (هايجاردن)‬
‫وحاكم الجنوب ابن ع ِّمه‪ ،‬ناهيك بأن شيخ (البلدة القديمة) اللورد اليتون سيِّد (البُرج العالي) ‪-‬الذي تض ُّم‬
‫ألقابه العديدة لقب «حامي القلعة»‪ -‬من ح َملة راية عائلة تايرل وال ُمقسمين لها على الوالء‪ .‬قال پايت لنفسه‪:‬‬
‫ال عليك‪ ،‬إنه يقول ما يقوله ليجرحني ال أكثر‪.‬‬
‫يدر إن‬ ‫ت‪ .‬لم ِ‬ ‫ك پايت أنه الفَجر‪ .‬الفَجر طل َع والخيميائي لم يأ ِ‬ ‫ينقشع في ال َّشرق‪ ،‬فأدر َ‬
‫كان الضَّباب قد بدأ ِ‬
‫يدر أحد؟ سؤال آخَر بال‬ ‫وضعت ك َّل شي ٍء في مكانه ولم ِ‬ ‫ُ‬ ‫صا إذا‬‫كان عليه أن يضحك أم يبكي‪ .‬هل سأظلُّ ل ًّ‬
‫إجاب ٍة عنده‪ ،‬كاألسئلة التي طر َحها عليه إيبروز وڤايلين من قبل‪.‬‬
‫ونهض‪ ،‬صعدَت خمر التُّفَّاح القويَّة للغاية إلى رأسه ُدفعةً واحدةً‪ ،‬واضط َّر إلى‬ ‫َ‬ ‫عندما دف َع نفسه عن المائدة‬
‫وإال‬‫وضع يده على المائدة ليقف ثابتًا‪ ،‬ثم إنه قال على سبيل الوداع‪« :‬دَع روزي وشأنها‪ ،‬دَعها وشأنها َّ‬
‫ربما أقتلك»‪.‬‬
‫صبية الخنازير‪ .‬ارحل»‪.‬‬ ‫نق َر ليو تايرل ُخصلة ال َّشعر عن عينه بإصبعه‪ ،‬وقال‪« :‬ال أبار ُز ِ‬
‫ضفَّة‬
‫دا َر پايت وقط َع ال ُّشرفة‪ ،‬وتعالَت دقَّات كعبيه على ألواح الجسر الخشبي القديم البالية‪ ،‬ولدى بلوغه ال ِّ‬
‫ُ‬
‫اشتريت حمارًا فما‬ ‫بلون وردي‪ .‬قال لنفسه‪ :‬العالم فسيح‪ .‬إذا‬ ‫ٍ‬ ‫األخرى كانت سماء ال َّشرق قد بدأت تصطبِغ‬
‫زا َل يُمكنني أن أجول في طرقات (الممالك السَّبع) ومسالكها‪ ،‬أعلِّق ال َعلق للعا َّمة وأفلِّي َشعرهم من القمل‪.‬‬
‫يُمكنني أن ألتحق بطاقم سفين ٍة ما وأعمل ُمجذفًا‪ ،‬أبح ُر إلى (ڬارث) عن طريق (ب َّوابات اليَشب) وأرى تلك‬
‫التَّنانين اللَّعينة بنفسي‪ .‬ال يو َجد ما يدعوني إلى العودة إلى والجريڤ العجوز وال ِغدفان‪.‬‬
‫بشكل ما قادَته ُخطاه إلى طريق (القلعة)‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ولكن‬
‫حين نف َذ أول خيوط ضوء ال َّشمس من السُّحب إلى ال َّشرق بدأت أجراس الصَّباح تد ُّ‬
‫ق في ( ِسپت البحَّارة)‬
‫عند الميناء‪ ،‬وبَعد لحظ ٍة انض َّمت إليها أجراس ( ِسپت اللورد)‪ ،‬ثم (المقامات السَّبعة) من حدائقها عبر‬
‫عام قبل أن يرسو إجون في‬ ‫النَّهر‪ ،‬وأخيرًا (السِّپت النَّجمي) الذي كان مق َّر السِّپتون األعلى طيلة ألف ٍ‬
‫(كينجز الندنج)‪ .‬معًا صن َعت األجراس موسيقى جليلةً حقًّا‪ .‬وإن لم تكن بعذوبة صوت عندلي ٍ‬
‫ب واح ٍد‬
‫صغير‪.‬‬
‫صباح مع أول ضو ٍء يجتمع‬ ‫ٍ‬ ‫ت أدنى من رنين األجراس‪ .‬في ك ِّل‬ ‫ترامى إلى مسامعه اإلنشاد أيضًا بصو ٍ‬
‫الرُّ هبان الحُمر للتَّرحيب بال َّشمس خارج معبدهم المتواضع المجاور ألرصفة الميناء‪ .‬فاللَّيل مظل ٌم ومفع ٌم‬
‫الظلمات‪ .‬يكتفي‬ ‫باألهوال‪ .‬لقد سم َعهم يهتفون بتلك الكلمات مئة مرَّة‪ ،‬يسألون إلههم راهلور أن يُن ِقذهم من ُّ‬
‫پايت باآللهة السَّبعة‪ ،‬لكنه سم َع أن ستانيس باراثيون يتعبَّد عند النَّار اللَّيليَّة اآلن‪ ،‬بل ووض َع قلب راهلور‬
‫بدال من الوعل المت َّوج‪ .‬ف َّكر پايت‪ :‬إذا ارتقى العرش الحديدي سيكون علينا جميعًا أن‬ ‫النَّاري على راياته ً‬
‫نتعلَّم كلمات أنشودة الرُّ هبان الحُمر‪ ،‬لكنه ال يعتقد أن شيئًا كهذا محت َمل‪ ،‬فقد حطَّم تايوين النستر ستانيس‬
‫وراهلور في معركة (النَّهر األسود)‪ ،‬وقريبًا سيُج ِهز عليهما ويُ َعلِّق رأس الم َّدعي باراثيون فوق ب َّوابات‬
‫(كينجز الندنج)‪.‬‬
‫ككيان شبحي من عتمة ما قبل‬ ‫ٍ‬ ‫صبح بدأت (البلدة القديمة) تستر ُّد شكلها من حوله‪ ،‬تَبرُز‬ ‫إذ زا َل ضباب ال ًّ‬
‫الجصِّ واألغصان المجدولة‪ ،‬امتداد‬ ‫ط‪ ،‬لكنه يعلم أنها مدينة أبنيتها من ِ‬ ‫الفَجر‪ .‬لم ي َر پايت (كينجز الندنج) قَ ُّ‬
‫من ال َّشوارع الطِّينيَّة والسُّقوف القَش والبيوت الخشبيَّة‪ .‬أ َّما (البلدة القديمة) فمبنيَّة بالحجارة‪ ،‬وشوارعها‬
‫كلُّها معبَّدة بحجر اإلسكافي‪ ،‬بل وأحقر أزقَّتها كذلك‪ .‬ال تبدو المدينة أجمل أبدًا مما تبدو عند بزوغ الفَجر‪،‬‬
‫تصطف دور الرَّابطات المختلفة على الضِّ فَّة كالقصور‪ ،‬وفي اتِّجاه المنبع ترتفع قباب وأبراج‬ ‫ُّ‬ ‫فغرب النَّهر‬
‫ضفَّتين‪ ،‬تربط بينها الجسور الحجريَّة المت َخمة بالقاعات والمنازل‪ ،‬وفي اتِّجاه المصب‪،‬‬ ‫(القلعة) على ال ِّ‬
‫كأطفال‬
‫ٍ‬ ‫أسفل أسوار (السِّپت الحجري) الرُّ خام السَّوداء ونوافذه المقنطَرة‪ ،‬تحتشد إيوانات المتديِّنين‬
‫مجتمعين عند قد َمي أرمل ٍة عجوز من األعيان‪.‬‬
‫ووراء ك ِّل هذا‪ ،‬حيث يتَّسع (نهر البِتع) ويمتزج ب(النَّهر الهامس)‪ ،‬يرتفع (البُرج العالي) وتتَّقد نار‬
‫منارته في ضوء الفَجر‪ ،‬ومن مكانه فوق جُروف (جزيرة المعركة) يقطع ِظ ُّله المدينة كالسَّيف‪َ .‬من ُولِدوا‬
‫ونشأوا في (البلدة القديمة) يعرفون ساعات النَّهار عن طريق هذا الظِّل‪ ،‬ويَز ُعم بعضهم أنك تستطيع أن‬
‫الجدار) نفسه إذا وقفت على الق َّمة‪ .‬ربما لهذا السَّبب لم ينزل اللورد اليتون من أعلى منذ أكثر من‬ ‫ترى ( ِ‬
‫عق ٍد من ال َّزمن‪ ،‬مفضِّ ًال أن يَح ُكم مدينته من بين السَّحاب‪.‬‬
‫ار ما َّرةً بپايت في طريق النَّهر وفي مؤ ِّخرتها خمسة خنازير صغيرة تَصرُخ مذعورةً‪،‬‬ ‫قعق َعت عربة ج َّز ٍ‬
‫وقد تحاشاها پايت في الوقت المناسب فتفادى أن تتناثَر عليه الفضالت التي أفرغَتها امرأة من نافذ ٍة‬
‫ُحاول أن‬
‫حجر وتساء َل َمن ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫باألعلى‪ .‬ف َّكر‪ :‬حين أصب ُح ِمايستر في قلع ٍة سأمتطي حصانًا‪ ،‬ثم إنه تعثَّر في‬
‫طويال يركبه‪ .‬سيُمضي‬ ‫ً‬ ‫يخدع‪ .‬ال سلسلة له‪ ،‬ال مقعد إلى مائد ٍة عالية عند أحد اللوردات‪ ،‬ال حصان أبيض‬
‫أيامه في اإلصغاء إلى نعيب ال ِغدفان وتنظيف ثياب ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ ال َّداخليَّة من بُقع الغائط‪.‬‬
‫طاب صباحك يا پايت»‪.‬‬ ‫طين حين سم َع صوتًا يقول‪َ « :‬‬ ‫ُحاول مسح ردائه من ال ِّ‬ ‫كان جاثيًا على رُكبته ي ِ‬
‫وكان الخيميائي واقفًا فوقه‪.‬‬
‫قائال‪« :‬اليوم الثَّالث‪ ...‬قلت إنك ستكون في (الرِّيشة وال َّدورق)»‪.‬‬
‫نهض پايت ً‬‫َ‬
‫‪« -‬كنتَ مع أصدقائك‪ ،‬ولم أرغب في التَّط ُّفل على صُحبتكم»‪ .‬يرتدي الخيميائي معطف ُمسافرين مز َّودًا‬
‫ت مميِّزة‪ ،‬وقد بدأت ال َّشمس المشرقة تطلُّ من فوق سقوف المباني‬
‫ي عالما ٍ‬‫بقلنسوة‪ ،‬بني اللَّون ويخلو من أ ِّ‬
‫وراء كتفه جاعلةً إبصار الوجه تحت القلنسوة صعبًا‪« .‬هل قرَّرت ماذا تكون؟»‪.‬‬
‫أيجب أن يجعلني أقولها؟ « ُّ‬
‫أظن أني لص»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما حسبته»‪.‬‬
‫أصعب ما في األمر كان أن يركع على يديه ورُكبتيه ليسحب الصُّ ندوق المنيع من تحت فِراش ال ِمايستر‬
‫ي ومد َّعم بالحديد‪ ،‬فقفله مكسور‪ ،‬وكان ال ِمايستر‬ ‫الرَّئيس والجريڤ‪ ،‬وعلى الرغم من أن الصُّ ندوق قو ٌّ‬
‫ك في أن پايت قد كس َره‪ ،‬لكن ذلك غير صحيح‪ ،‬فقد كس َر والجريڤ القفل بنفسه بَعد أن فق َد‬ ‫جورمون قد َش َّ‬
‫مفتاحه‪.‬‬
‫ضيَّة‪ ،‬و ُخصلةً من ال َّشعر األصفر مربوطةً بشريط‪ ،‬وصورةً‬ ‫في ال َّداخل وج َد پايت كيسًا من األيائل الف ِّ‬
‫س مصنوع من‬ ‫منمنَمةً مرسومةً المرأ ٍة تُشبِه والجريڤ (بما في ذلك ال َّشارب)‪ ،‬باإلضافة إلى قُفَّاز فار ٍ‬
‫أمير‬
‫ٍ‬ ‫نسي أيُّ‬
‫َ‬ ‫الفوالذ المقعَّر لتسهيل حركة اليد‪ .‬يَز ُعم والجريڤ أن القُفَّاز كان مل ًكا ألمير‪ ،‬ولكن يبدو أنه‬
‫هو‪ ،‬ول َّما َر َّج پايت القُفَّاز سقطَ منه المفتاح على األرض‪.‬‬
‫يَذ ُكر أنه ف َّكر لحظتها‪ :‬إذا أخذته فأنا لص‪ .‬المفتاح قديم وثقيل‪ ،‬مصنوع من الحديد األسود‪ ،‬ويُفت َرض أنه‬
‫ب في (القلعة)‪ .‬ال أحد َّإال رؤساء ال ِمايسترات يحمل مفاتيح كهذه‪ ،‬ويحتفظ اآلخَرون بمفاتيحهم‬ ‫يفتح ك َّل با ٍ‬
‫مكان آمن‪ ،‬لكن لو أخفى والجريڤ مفتاحه لما رآه أحد ثانيةً أبدًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معهم طوال الوقت أو يُخفونها في‬
‫اختطفَ پايت المفتاح‪ ،‬وكان قد قط َع نِصف الطَّريق إلى الباب قبل أن يعود أدراجه ويأخذ الفضَّة أيضً ا‪.‬‬
‫اللِّص لصٌّ سواء أسر َ‬
‫ق القليل أم الكثير‪ .‬سم َع أحد ال ِغدفان البيضاء يُناديه‪« :‬پايت‪ ،‬پايت‪ ،‬پايت!»‪.‬‬
‫سأ َل الخيميائي‪« :‬هل معك تنِّيني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا كان معك ما أطلبه»‪.‬‬
‫أعطني إياه‪ ،‬أري ُد أن أراه»‪.‬‬
‫قال پايت الذي ال ينوي أن ينخ ِدع‪ِ « :‬‬
‫‪« -‬طريق النَّهر ليس المكان المناسب‪ .‬تعا َل»‪.‬‬
‫لم يجد وقتًا ليُفَ ِّكر‪ ،‬ليزن خياراته‪ .‬كان الخيميائي يبتعد‪ ،‬وعلى پايت أن يتبعه أو يفقد روزي والتنِّين في ٍ‬
‫آن‬
‫بأمان في الجيب الخفي‬ ‫ٍ‬ ‫واح ٍد إلى األبد‪ .‬هكذا تب َعه‪ ،‬وإذ مشيا َدسَّ يده في ُك ِّمه متح ِّسسًا المفتاح الموضوع‬
‫طه هناك‪ .‬ثياب ال ِمايسترات مليئة بالجيوب‪ ،‬وهو يعرف هذا منذ كان صبيًّا صغيرًا‪.‬‬ ‫الذي خا َ‬
‫منعطف وعبرا (سوق‬
‫ٍ‬ ‫اضط َّر إلى الهروع كي يلحق ب ُخطوات الخيميائي الواسعة‪ .‬قطعا ُزقاقًا ودارا حول‬
‫اللُّصوص) القديمة وسارا بطول (عطفة ال َّزبَّالين)‪ ،‬وأخيرًا دخ َل الرَّجل ُزقاقًا آ َخر أكثر ضيقًا من األول‪،‬‬
‫فقال پايت‪« :‬ابتعدنا بما يكفي‪ .‬ال أحد في الجوار‪ .‬سنُجري المبادَلة هنا»‪.‬‬
‫‪« -‬كما ترغب»‪.‬‬
‫‪« -‬أري ُد تنِّيني»‪.‬‬
‫‪« -‬بالتَّأكيد»‪ .‬وظه َرت العُملة‪ ،‬ورا َح الخيميائي يُنَقِّلها على مفاصل أصابعه ِمثلما فع َل حين َ‬
‫أجرت روزي‬
‫اللِّقاء بينهما‪ ،‬والتم َع التنِّين في ضوء الصَّباح ملقيًا وه ًجا ذهبيًّا على أصابع الخيميائي‪.‬‬
‫الذهب على راحته‪ ،‬ثم إنه رف َعه إلى فمه و َعضَّ عليه كما رأى‬ ‫طه پايت من يد الرَّجل ليحسَّ بدفء َّ‬ ‫التق َ‬
‫النَّاس يفعلون‪ ،‬مع أن الحقيقة أنه ال يعرف مذاق َّ‬
‫الذهب‪ ،‬لكنه لم ي ُِرد أن يبدو كالحمقى‪.‬‬
‫تساء َل الخيميائي بنبر ٍة َّ‬
‫مهذبة‪« :‬المفتاح؟»‪.‬‬
‫جع َل شيء ما پايت يتر َّدد ويسأل‪« :‬هل تُريد كتابًا ما؟»‪ .‬يُقال إن بعض المخطوطات الڤاليريَّة القديمة في‬
‫آخر ال ُّنسخ الموجودة في العالم‪.‬‬
‫الخزائن المغلقة هي ِ‬
‫‪« -‬ما أريده ليس من شأنك»‪.‬‬
‫اجر إلى (الرِّيشة وال َّدورق) وأيقِظ روزي بقُبلة وقُل لها إنها لك‪ .‬هكذا ف َّكر‬
‫‪« -‬ال»‪ .‬انتهى األمر‪ .‬اذهب‪ِ ،‬‬
‫أرني وجهك»‪.‬‬ ‫پايت‪ ،‬وعلى الرغم من هذا لم يتحرَّك وقال‪ِ « :‬‬
‫قال الخيميائي‪« :‬كما ترغب»‪ ،‬وأنز َل قلنسوته‪.‬‬
‫رجل شاب‪ ،‬تقليدي‪ ،‬لحيته خفيفة للغاية ووجنتاه ممتلئتان‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫رجل ووجهه مجرَّد وجه‪ ،‬وجه‬‫ٍ‬ ‫مجرَّد‬
‫ُ‬
‫اليُمنى ندبة باهتة‪ ،‬وأنفه معقوف و َشعره األسود الكثيف يتجعَّد بش َّد ٍة حول أذنيه‪ ،‬ليس وجهًا مألوفًا لپايت‬
‫الذي قال‪ُ « :‬‬
‫لست أعرفك»‪.‬‬
‫‪« -‬وال أنا أعرفك»‪.‬‬
‫‪َ « -‬من أنت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬غريب‪ ،‬ال أحد حقًّا»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه»‪ .‬كان الكالم قد نف َد من پايت‪ ،‬فأخر َج المفتاح ووض َعه في كَفِّ الغريب شاعرًا بال ُّدوار يكاد يكتنف‬
‫رأسه‪ .‬قال لنفسه مذ ِّكرًا‪ :‬روزي‪ ،‬ثم قال للرَّجل‪« :‬انتهينا إذن»‪.‬‬
‫الزقاق حين أحسَّ بحجارة الرَّصف تتحرَّك تحت قدميه‪ ،‬فف َّكر‪ :‬الحجارة مبتلَّة وزلقة‪،‬‬ ‫كان قد قط َع نِصف ُّ‬
‫ُنف في صدره‪ ،‬وقال شاعرًا بقدميه تستحيالن إلى ماء‪« :‬ماذا‬ ‫ق بع ٍ‬ ‫لكن األمر لم يكن كذلك‪ .‬كان قلبه يد ُّ‬
‫ُ‬
‫لست أفه ُم»‪.‬‬ ‫يَح ُدث؟‬
‫قال صوت بحُزن‪« :‬ولن تفهم أبدًا»‪.‬‬
‫مسرعةً‪ ،‬ارتف َعت حجارة ال َّشارع لتُقَبِّله‪ ،‬وحاو َل پايت أن يصيح طالبًا النَّجدة‪َّ ،‬إال أن صوته تخلَّى عنه‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫وآخر ما ف َّكر فيه كان روزي‪.‬‬
‫ِ‬
‫النَّبي‬
‫كان النَّبي ي ِ‬
‫ُغرق عددًا من الرِّجال في (ويك ال ُكبرى) حين أتوه بنبأ موت الملك‪.‬‬
‫رجال قد‬
‫ٍ‬ ‫في هذا الصَّباح البارد الكئيب تل َّون البحر ِمثل السَّماء بدرج ٍة قاتمة من الرَّمادي‪ ،‬وكان أول ثالثة‬
‫ُقاوم بينما را َحت رئتاه‬ ‫ق َّدموا حياتهم لإلله الغريق بال خوف‪ ،‬لكن رابعهم ضعيف اإليمان‪ ،‬وقد بدأ ي ِ‬
‫ق آرون على كتفَي‬ ‫تَصرُخان طالبتيْن الهواء‪ .‬واقفًا وسط األمواج المتكسِّرة المرتفعة حتى خصره‪ ،‬أطب َ‬
‫ُحاول انتزاع بضعة أنفاس‪ ،‬وقال له‪« :‬تشجَّع‪ .‬من البحر‬ ‫الصَّبي العاري وعا َد يدفع رأسه تحت الماء وهو ي ِ‬
‫جئنًا وإلى البحر نعود‪ .‬افتح فمك وانهل من بَركة اإلله‪ ،‬امأل رئتيك بالماء كي تموت وتُولَد من جديد‪ .‬لن‬
‫تُجديك المقا َومة نفعًا»‪.‬‬
‫إ َّما أن الصَّبي لم يسمعه ورأسه تحت األمواج‪ ،‬وإ َّما أن إيمانه تخلَّى عنه بالكامل‪ ،‬إذ بدأ يَر ُكل ويتل َّوى‬
‫فأقبل أربعة من رجاله الغرقى خائضين ليقبضوا على‬ ‫َ‬ ‫بضراو ٍة أرغ َمت آرون على طلب المساعَدة‪،‬‬
‫ق من‬ ‫ت عميق كالبحر نفسه صلَّى الرَّاهب ً‬
‫قائال‪« :‬إلهنا الذي غر َ‬ ‫المأفون ويُثَبِّتوه تحت الماء‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫باركه بالفوالذ»‪.‬‬‫باركه بالحجر‪ِ ،‬‬ ‫باركه بالملح‪ِ ،‬‬ ‫أجلنا‪ ،‬اجعل خادمك إموند يُولَد ثانيةً من البحر كما ُولِدتَ ‪ِ .‬‬
‫أخيرًا انتهى األمر؛ كفَّت فقاقيع الهواء عن الخروج من فم الصَّبي‪ ،‬وغاد َرت الق َّوة ك ُّلها أطرافه‪ ،‬وطفا‬
‫إموند على وجهه في مياه البحر الضَّحلة‪ ،‬جسده شاحب بارد ساكن‪.‬‬
‫عندئ ٍذ انتبهَ ذو ال َّشعر الرَّطب إلى وجود ثالثة خيَّالة انض ُّموا إلى رجاله الغرقى على حصى ال َّشاطئ‪.‬‬
‫تعرَّف آرون ابن سپار‪ ،‬العجوز ذا الوجه الطَّويل النَّحيف والعينين ال َّدامعت ْين‪ ،‬الذي يُ َع ُّد صوته الرَّاجف‬
‫قانونًا في هذه المنطقة من (ويك ال ُكبرى)‪ ،‬وقد اصطحبَه ابنه ستيفاريون وشاب آخَ ر يرتدي معطفًا مبطَّنًا‬
‫بالفرو األحمر القاني‪ ،‬يُثَبِّته إلى كتفه مشبك من َّمق عليه رمز عائلة جودبراذر‪ ،‬البوق الحربي بلونيه‬
‫ك ال َّراهب َمن يكون بمجرَّد النَّظر‪ ،‬وقال لنفسه‪ :‬أحد أبناء جورولد‪ .‬ثالثة أبناء‬ ‫الذهبي واألسود‪ .‬أدر َ‬ ‫َّ‬
‫متأخرة بَعد دست ٍة من الفتيات‪ ،‬ويُقال إن ال أحد يستطيع التَّمييز بين‬ ‫ِّ‬ ‫أنجبَتهم زوجة جودبراذر في ِس ٍّن‬
‫اإلخوة الثَّالثة‪ ،‬فلم يتكرَّم آرون ذو ال َّشعر الرَّطب بمجرَّد المحا َولة‪ .‬سواء أكان هذا جرايدون أم جورموند‬
‫أم جران‪ ،‬فليس لدى الرَّاهب وقت له‪.‬‬
‫فقبض رجاله الغرقى على ذراعَي الصَّبي الميت وساقيه ليحملوه فوق منسوب‬ ‫َ‬ ‫ضب‪،‬‬ ‫بأمر مقت َ‬
‫ٍ‬ ‫زمج َر‬
‫ُ‬
‫المياه‪ ،‬وتب َعهم الرَّاهب عاريًا َّإال من خرق ٍة من ِجلد الفقمات تَستُر عورته‪ .‬ببشر ٍة مقشعرة يَقطر منها الماء‬
‫عا َد إلى اليابسة خاطيًا فوق الرِّمال الباردة المبتلَّة والحصى الذي جاله البحر‪ ،‬وناولَه أحد رجاله الغرقى‬
‫ثوبًا من الخيش المبرقَش بدرجات األخضر واألزرق والرَّمادي‪ ،‬ألوان البحر واإلله الغريق‪ .‬ارتدى آرون‬
‫ظه البحر‪ ،‬لينسدل على‬ ‫وح َّل ُخصالت َشعره‪ ،‬ذلك ال َّشعر األسود المبتل الذي لم تمسَّه شفرة منذ لف َ‬ ‫الثَّوب َ‬
‫كمعطف خفيف َرث ويتجا َوز خصره‪ ،‬وقد حبكَ آرون جدائل من الطَّحالب البحرية في ثناياه وفي‬ ‫ٍ‬ ‫كتفيه‬
‫لحيته المتشابكة الطَّليقة‪.‬‬
‫ك َّون رجاله الغرقى حلقةً حول الصَّبي الميت وشرعوا في الصَّالة‪ ،‬وتولَّى نورچن تحريك ذراعيه بينما‬
‫منفرج السَّاقين وأخ َذ يضغط على صدره‪ ،‬لكن الجميع أفسحوا الطَّريق آلرون‪ ،‬الذي َدسَّ‬ ‫ِ‬ ‫رك َع روس فوقه‬
‫أصابعه بين شفتَي الصَّبي الباردتيْن وفت َحهما‪ ،‬ثم أعطى إموند قُبلة الحياة م َّرةً ثم أخرى ثم أخرى‪ ،‬إلى أن‬
‫صق‪ ،‬وانفت َحت عيناه المليئتان بالخوف‪.‬‬‫تدفَّق البحر من فمه‪ ،‬وبدأ الصَّبي يَسعُل ويَب ُ‬
‫رجال بين الحين‬ ‫ً‬ ‫ب سواه يفقد‬ ‫واحد آخَر يعود‪ .‬يقولون إنها أمارة على ُمحاباة اإلله الغريق‪ ،‬فكلُّ راه ٍ‬
‫اختير ألن يُتَ ِّوج‬
‫َ‬ ‫رجال تقيًّا للغاية‪ ،‬لدرجة أنه‬
‫ً‬ ‫واآلخَر‪ ،‬حتى تارل الغارق ثالثًا الذي رآه النَّاس ذات ٍ‬
‫يوم‬
‫مل ًكا بنفسه‪ ...‬الكلُّ باستثناء ذي ال َّشعر الرَّطب الذي رأى أبهاء اإلله المائيَّة رأي العين وعا َد ليحكي عنها‪.‬‬
‫غرقت وأُ ِعدت إلينا‪ .‬ما ماتَ‬‫ُ‬
‫قال للصَّبي الذي يَبصُق الماء وهو يُ َربِّت على ظَهره العاري‪« :‬انهض‪ .‬لقد أ ِ‬
‫ال يُمكن أن يموت أبدًا»‪.‬‬
‫ُنف ُمخرجًا المزيد من الماء‪« .‬يُب َعث من جديد»‪ .‬كلُّ كلم ٍة ينقطها‬
‫غمغ َم الصَّبي‪« :‬بل يُب َعث»‪ ،‬وسع َل بع ٍ‬
‫ونهض‬
‫َ‬ ‫معاناة‪ ،‬لكن هذا ديدن العالم‪ ،‬ويجب أن يُكافِح المرء ليعيش‪ .‬كرَّر إموند‪« :‬يُب َعث من جديد»‪،‬‬
‫ً‬
‫مكمال‪« :‬أقوى وأصلب»‪.‬‬ ‫بصعوب ٍة‬
‫قال له آرون‪« :‬إنك تنتمي إلى اإلله اآلن»‪ ،‬وتج َّمع باقي ال ِّرجال الغرقى حول الصَّبي‪ ،‬لينال من كلٍّ منهم‬
‫ب من الخيش المصبوغ‬ ‫لكزةً وقُبلةً على سبيل التَّرحيب به في أخ َّوتهم‪ .‬ساعدَه أحدهم على ارتداء ثو ٍ‬
‫باألزرق واألخضر والرَّمادي‪ ،‬وق َّدم له آخَر هراوةً من الخشب المجروف‪ ،‬فيما قال آرون‪« :‬إنك تنتمي‬
‫إلى البحر اآلن‪ ،‬ولذا سلَّحك البحر‪ .‬ندعو إلهنا أن تحمل هراوتك بضراو ٍة ضد ك ِّل أعدائه»‪.‬‬
‫لحظتها فقط التفتَ الرَّاهب إلى الرَّاكبين الثَّالثة الذين يُشا ِهدون من فوق خيولهم‪ ،‬وسألَهم‪« :‬هل جئتم‬
‫لتُغ َرقوا أيها السَّادة؟»‪.‬‬
‫قت في صباي‪ ،‬وابني يوم ميالده»‪.‬‬ ‫غر ُ‬ ‫ُ‬
‫وأجاب‪« :‬لقد أ ِ‬
‫َ‬ ‫سع َل ابن سپار‪،‬‬
‫ب إلى اإلله الغريق عقب مولده‪ ،‬بل‬ ‫ك لديه في أن ستيفاريون سپار ُو ِه َ‬ ‫ق آرون نخيرًا ساخرًا‪ .‬ال َش َّ‬ ‫أطل َ‬
‫حوض مليء بماء البحر الذي بلَّل رأس الرَّضيع بالكاد‪ .‬ال عجب‬ ‫ٍ‬ ‫ويعرف الكيفيَّة أيضًا؛ غمسة سريعة في‬
‫مكان يُس َمع فيه‬
‫ٍ‬ ‫في أن حديديِّي الميالد قد قُ ِهروا‪ ،‬أولئك الذين كانوا فيما مضى يبسطون سُلطانهم على ك ِّل‬
‫فعال ال أمل له في‬ ‫قائال‪« :‬ذلك ليس إغراقًا حقًّا‪َ .‬من ال يموت ً‬ ‫خاطب الرَّاهب الرَّاكبين ً‬‫َ‬ ‫صوت الموج‪.‬‬
‫العودة من الموت‪ .‬لماذا أتيتم إذن إن لم يكن إلثبات إيمانكم؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫حامال‬ ‫أشا َر ابن سپار برأسه إلى ال َّشاب في المعطف األحمر مجيبًا‪« :‬ابن اللورد جورولد جا َء يسعى إليك‬
‫أخبارًا»‪.‬‬
‫ال يبدو أن الصَّبي يتجا َوز السَّادسة عشرة من العُمر‪ ،‬وقد سألَه آرون‪« :‬نعم‪ ،‬وأيُّهم أنت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬جورموند‪ ،‬جورموند جودبراذر‪ ،‬إذا سم َح سيِّدي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫غرقتَ يا جورموند جودبراذر؟»‪.‬‬‫‪« -‬اإلله الغريق هو من يجب أن نَطلُب سماحه‪ .‬هل أ ِ‬
‫‪« -‬يوم ميالدي يا ذا ال َّشعر الرَّطب‪ .‬لقد أرسلَني أبي ألجدك وآخذك إليه‪ ،‬يُريد أن يراك»‪.‬‬
‫وتناول من روس قِربةً ِجلديَّةً مملوءةً للتَّ ِّو بماء‬
‫َ‬ ‫ت اللورد جورولد ويُ َمتِّع نظره»‪،‬‬ ‫َر َّد آرون‪« :‬هأنذا‪ ،‬فليأ ِ‬
‫البحر‪ ،‬وخل َع ِسدادتها وأخ َذ رشفةً‪.‬‬
‫بإصرار من فوق حصانه‪« :‬المفت َرض أن آخذك إلى القلعة»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال جورموند ال َّشاب‬
‫وإال ابت َّل حذاؤه‪« .‬إنني مشغول بعمل اإلله»‪ .‬آرون جرايچوي نبي‪ ،‬وال يُطيق أن يُلقي‬ ‫يخشى أن يترجَّل َّ‬
‫عليه اللوردات التَّافهون األوامر كأنه ِق ٌّن‪ 7‬من األقنان‪.‬‬
‫قال ابن سپار‪« :‬جورولد وص َل إليه طائر»‪.‬‬
‫أضافَ جورموند مؤ ِّكدًا‪« :‬طائر من ال ِمايستر في (پايك)»‪.‬‬
‫أجنحة سوداء‪ ،‬أخبار سوداء‪« .‬ال ِغدفان تطير فوق الملح والحجارة‪ .‬إذا كانت هناك أخبار تعنيني فتكلَّم‬
‫اآلن»‪.‬‬
‫أجابَه ابن سپار‪« :‬األخبار التي نحملها ألُذنيك وحدك يا ذا ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬ليست أشياء أرغبُ في الكالم‬
‫عنها هنا أمام هؤالء اآلخَرين»‪.‬‬
‫أسرار عنهم أو عن إلهنا‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ولست أخفي أ َّ‬ ‫‪« -‬هؤالء اآلخَرون رجالي الغرقى‪ ،‬خدم اإلله‪ِ ،‬مثلي تما ًما‪،‬‬
‫أقف عند بحره المق َّدس»‪.‬‬
‫الذي ُ‬
‫تباد َل الرَّاكبون نظرةً‪ ،‬ثم قال ابن سپار‪« :‬أخبِره»‪ ،‬فاستجم َع ال َّشاب في المعطف األحمر َشجاعته‪ ،‬وأعلنَ ‪:‬‬
‫«الملك ماتَ »‪ .‬بهذه البساطة قالها‪ ،‬كلمتان صغيرتان لكن البحر نفسه ارتجفَ حين نطقَهما‪.‬‬
‫في (وستروس) ملوك أربعة‪ ،‬لكن آرون لم يحتَج إلى سؤاله َمن يقصد‪ .‬بالون جرايچوي ال غيره كان‬
‫حاكم (جُزر الحديد)‪ .‬الملك ماتَ ‪ .‬كيف هذا؟ كان آرون قد رأى أخاه األكبر قبل أقلِّ من دورة قمر‪ ،‬ل َّما عا َد‬
‫إلى (جُزر الحديد) من اإلغارة على (السَّاحل الحجري)‪ .‬في غياب الرَّاهب ابيضَّ نِصف َشعر بالون‬
‫ً‬
‫إجماال لم تب ُد‬ ‫والحت انحناءة كتفيه أكثر مما كانت عندما أقل َعت السُّفن الطَّويلة من الوطن‪ ،‬لكن‬
‫َ‬ ‫األشيب‪،‬‬
‫على الملك عالمات المرض‪.‬‬
‫ق‬
‫لقد شيَّد آرون جرايچوي حياته على ِعماديْن راسخيْن‪ ،‬وتلكما الكلمتان الصَّغيرتان هد َمتا أحدهما‪ .‬لم يب َ‬
‫لي َّإال اإلله الغريق‪ ،‬فعسى أن يجعلني قويًّا مثابرًا كالبحر‪« .‬أخبِرني كيف ماتَ أخي»‪.‬‬
‫‪« -‬كان جاللته يَعبُر جسرًا في (پايك)‪ ،‬وسقطَ ليتحطَّم جسده على الصُّ خور»‪.‬‬
‫ت عمالقة‬ ‫لسان أرضي محطَّم‪ ،‬حصونه وأبراجه مبنيَّة فوق ثالث كوما ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ينتصب معقل آل جرايچوي على‬
‫ِ‬
‫طرة من الحجر‬ ‫من الحجارة المرتفعة من البحر‪ ،‬وتربط الجسور بعض (پايك) ببعض؛ جسور مقن َ‬
‫المنحوت‪ ،‬وأخرى متأرجحة من األلواح الخشبيَّة وحبال القِنَّب‪.‬‬
‫سألَهم آرون‪« :‬هل كانت العاصفة ثائرةً حين سق َ‬
‫ط؟ » ‪.‬‬
‫أجابَه ال َّشاب‪« :‬نعم‪ ،‬كانت ثائرةً»‪.‬‬
‫عام والحرب بين البحر والسَّماء مضطرمة‪ .‬من‬ ‫أعلنَ الرَّاهب‪« :‬إله العواصف أطا َح به»‪ .‬منذ ألف ألف ٍ‬
‫البحر جا َء حديديُّو الميالد واألسماك التي يقتاتون بها حتى في ُعمق ال ِّشتاء‪ ،‬لكن العواصف ال تأتي إ َّال‬
‫جلب عليه غضبة إله العواصف‪ .‬إنه يأكل‬ ‫َ‬ ‫بالويل والحُزن‪« .‬أخي بالون جعلَنا عظا ًما من جديد‪ ،‬وهو ما‬
‫وليمةً اآلن في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة‪ ،‬حيث تُلَبِّي عرائس البحر ك َّل رغب ٍة له‪ ،‬وعلينا نحن الباقون في‬
‫هذا الوادي الموحش اليابس أن نت َّم عمله العظيم»‪ ،‬و َدسَّ آرون السِّدادة في قِربة الماء مضيفًا‪« :‬سأتكلَّ ُم مع‬
‫السيِّد والدك‪ .‬كم المسافة من هنا إلى (هامرهورن)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ستة فراسخ‪ .‬ستركب معي»‪.‬‬
‫ُباركك اإلله الغريق»‪.‬‬
‫أعطني حصانك وسي ِ‬ ‫‪« -‬واحد يركب أسرع من اثنين‪ِ .‬‬
‫قال ستيفاريون سپار‪ُ « :‬خذ حصاني يا ذا ال َّشعر الرَّطب»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬حصانه أقوى‪ .‬حصانك يا فتى»‪.‬‬
‫العنان آلرون‪ ،‬الذي َدسَّ قد ًما سوداء حافيةً في أحد‬ ‫تر َّدد ال َّشاب لحظةً خاطفةً قبل أن يترجَّل وي ِ‬
‫ُمسك ِ‬
‫وثب فوق السَّرج‪ .‬إنه ليس مغر ًما بالخيول‪ ،‬فهي مخلوقات من األراضي الخضراء تُ ِ‬
‫ساعد‬ ‫َ‬ ‫الرِّكابيْن‪ ،‬ثم‬
‫على إضعاف البَشر‪ ،‬لكن الحاجة تُجبِره على الرُّ كوب‪ .‬أجنحة سوداء‪ ،‬أخبار سوداء‪ .‬ث َّمة عاصفة في طور‬
‫الميالد‪ ،‬بإمكانه أن يسمعها في األمواج‪ ،‬والعواصف ال تجلب َّإال ال ُّشرور‪ .‬قال لرجاله‪« :‬قا ِبلوني في (بلدة‬
‫ق‪.‬‬
‫الحصى) أسفل بُرج اللورد مرلين»‪ ،‬وأدا َر رأس حصانه وانطل َ‬
‫ت وأخاديد حجريَّةً محدودةً‪ ،‬ثم قط َع دربًا‬ ‫الطَّريق وعر‪ ،‬وقد مضى آرون فيه صاعدًا ً‬
‫تالال ومجتا ًزا غابا ٍ‬
‫ضيِّقًا أخ َذ يختفي بين الحين واآلخَر تحت حوافر الحصان‪.‬‬
‫(ويك ال ُكبرى) أوسع (جُزر الحديد)‪ ،‬ضخمة لدرجة أن لعد ٍد من لورداتها أمال ًكا ال تطلُّ على البحر‬
‫المق َّدس‪ ،‬وجورولد جودبراذر أحد هؤالء‪ ،‬فقلعته مقامة في تالل (الحجر الصُّ لب)‪ ،‬أبعد عن ملكوت اإلله‬
‫مكان آ َخر في الجُزر كلِّها‪ ،‬ويكدح قومه في ظُلمة مناجمه الحجريَّة تحت األرض‪ ،‬حتى إن‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫الغريق من أ ِّ‬
‫بعضهم يعيش ويموت دون أن يرى المياه المالحة ولو م َّرةً‪ .‬ال غرو أن قو ًما كهؤالء فاسدو الطِّباع‬
‫و ُغرباء األطوار‪.‬‬
‫ركب آرون تح َّولت أفكاره إلى إخوته‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبينما‬
‫تسعة أبناء ُولِدوا من صُلب كويلون جرايچوي سيِّد (جُزر الحديد)‪ .‬هارلون وكوينتون ودونل أنجبَتهم‬
‫زوجة اللورد كويلون األولى التي كانت من عائلة ستونتري‪ ،‬وبالون ويورون وڤيكتاريون ويوريجون‬
‫وآرون جاءوا من زوجته الثَّانية التي كانت من آل سندرلي أوالد (جُرف الملح)‪ ،‬أ َّما زوجته الثَّالثة فكانت‬
‫فتاةً من األراضي الخضراء أعطَته ابنًا أحمق سقي ًما اسمه روبن‪ ،‬األخ الذي يُستح َسن أن يُنسى‪ .‬ال يَذ ُكر‬
‫بشكل ضبابي‪ ،‬جالسًا‬ ‫ٍ‬ ‫الرَّاهب كوينتون أو دونل اللذين ماتا وأظفارهما ال تزال ناعمةً‪ ،‬وهارلون يَذ ُكره‬
‫يوم وال َّداء األرمد يُحيل شفتيه‬ ‫س يَخفُت يو ًما بَعد ٍ‬ ‫ُرج بال نوافذ‪ ،‬يتكلَّم بهم ٍ‬
‫ت ووج ٍه رمادي في ُغرفة ب ٍ‬ ‫بثبا ٍ‬
‫يوم سنحتفل بمأدب ٍة من األسماك معًا في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة‪ ،‬نحن األربعة‬ ‫ولسانه إلى حجر‪ .‬ذات ٍ‬
‫ومعنا يوري أيضًا‪.‬‬
‫تسعة أبناء ُولِدوا من صُلب كويلون جرايچوي‪ ،‬لكن أربعةً منهم فقط عاشوا وبلغوا ِس َّن الرُّ جولة‪ .‬إنه َسمت‬
‫ً‬
‫أطفاال‬ ‫هذا العالم البارد‪ ،‬حيث يصطاد الرِّ جال من البحر ويَحفُرون في األرض ويموتون‪ ،‬بينما تلد النِّساء‬
‫صبي‬
‫ٌّ‬ ‫قصار األجل في أسرَّة ال َّدم واأللم‪ .‬آرون أصغر وأدنى ال َكرا ِكن‪ 9‬األربعة‪ ،‬وبالون أكبرهم وأجرأهم‪،‬‬
‫ص َّوان)‬ ‫ي مقدام لم يَ ِعش َّإال إلعادة حديديِّي الميالد إلى مجدهم التَّليد‪ .‬في ِسنِّ العاشرة تسلَّق (جُروف ال َّ‬ ‫قو ٌّ‬
‫ُبحر بسفين ٍة طويلة ويَرقُص رقصة‬ ‫إلى بُرج اللورد األعمى المسكون‪ ،‬وفي الثَّالثة عشرة كان بإمكانه أن ي ِ‬
‫ك المفلوق إلى‬ ‫رجل من الجُزر‪ ،‬وفي الخامسة عشرة أبح َر مع داجمر ذي الفَ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬‫األصابع ببراعة أ ِّ‬
‫رجال للمرَّة األولى واتَّخذ لنفسه أول زوجتيْن ملحيَّتيْن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(األعتاب) وأمضى صيفًا في اإلغارة‪ ،‬وهناك َ‬
‫قتل‬
‫صار بالون ُربَّانًا على سفينته الخاصَّة‪ .‬كان بالون ك َّل ما ينبغي أ ٌخ كبير أن يكونه‪ ،‬مع‬ ‫َ‬ ‫وفي السَّابعة عشرة‬
‫قت‪ .‬خي ٌر لي‬ ‫كنت ضعيفًا ومح َّم ًال بالخطايا‪ ،‬واالزدراء أكثر مما استحقَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن آرون لم ي َر منه َّإال االزدراء‪.‬‬
‫أن يزدريني بالون ال ُّشجاع من أن ي ُِحبَّني يورون عين ال ُغراب‪ .‬لكن إذا أفع َمت السِّنون واألحزان بالون‬
‫رجل على قيد الحياة‪ .‬لقد ُولِ َد ابنًا للورد وماتَ مل ًكا‪ ،‬قتلَه إله‬ ‫ٍ‬ ‫بالمرارة‪ ،‬فقد جعلَته أيضًا أش َّد عز ًما من أ ِّ‬
‫ي‬
‫غيور‪ ،‬واآلن العاصفة آتية‪ ،‬عاصفة لم تشهد لها هذه الجُزر ً‬
‫مثيال‪.‬‬
‫كان الظَّالم قد َح َّل منذ م َّد ٍة طويلة عندما لم َح الرَّاهب ُشرفات (هامرهورن) ذات البروزات الحديد الحا َّدة‬
‫الالئح‬ ‫تخدش وجه القمر الهالل‪ .‬قلعة جورولد ضخمة متناسقة البناء‪ ،‬حجارتها الكبيرة مقتل َعة من الجُرف َّ‬
‫وراءها‪ ،‬وأسفل أسوارها تنفتح مداخل الكهوف والمناجم العتيقة متثائبةً كأفواه سوداء بال أسنان‪ .‬وج َد‬
‫ق عليها بصخر ٍة إلى أن أيق َ‬
‫ظ‬ ‫آرون ب َّوابة (هامرهورن) الحديديَّة مغلقةً وموصدةً مع حلول اللَّيل‪ ،‬ف َد َّ‬
‫الضَّجيج أحد ال َحرس‪.‬‬
‫ال َّشاب الذي أدخلَه كان نُسخةً من جورموند الذي أخ َذ حصانه‪ ،‬فسألَه آرون‪« :‬أيُّهم أنت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬جران‪ .‬أبي ينتظرك في ال َّداخل»‪.‬‬
‫ظالل وتيَّارات الهواء‪ ،‬حيث ق َّدمت له إحدى بنات جورولد قرنًا من‬ ‫دخ َل الرَّاهب القاعة الرَّطبة المألى بال ِّ‬
‫انشغل جورولد‬
‫َ‬ ‫نار متواضعة ينب ِعث منها ُدخان أكثر من الحرارة‪ ،‬فيما‬ ‫ال ِمزر‪ ،‬وحرَّكت أخرى جمر ٍ‬
‫رجل نحيل في ردا ٍء رمادي أنيق‪ ،‬يضع حول ُعنقه سلسلةً حلقاتها من‬ ‫ٍ‬ ‫ث خفيض مع‬ ‫جودبراذر نفسه بحدي ٍ‬
‫مختلِف المعادن‪ ،‬معلنةً أنه ِمايستر من (القلعة)‪.‬‬
‫سأ َل جورولد حالما رأى آرون‪« :‬أين جورموند؟»‪.‬‬
‫ي ُو ٍّد لل ِمايسترات‪ ،‬ف ِغدفانهم‬ ‫‪« -‬عائد على قدميه‪ .‬اصرف فتاتيك يا سيِّدي‪ ،‬وال ِمايستر أيضًا»‪ .‬إنه ال يُ ِك ُّن أ َّ‬
‫حدث ليوري‪ .‬ال رجل حقيقيًّا‬ ‫َ‬ ‫من مخلوقات إله العواصف‪ ،‬كما أنه ال يثق بأساليبهم في العالج منذ ما‬
‫يختار حياةً من العبوديَّة أو يسعى إلى تكوين سلسلة قِ ٍّن يضعها حول ُعنقه‪.‬‬
‫قال جودبراذر باقتضاب‪« :‬جايزال‪ ،‬جوين‪ ،‬اترُكانا‪ ،‬وأنت أيضًا يا جران‪ .‬ال ِمايستر مورنميور سيبقى»‪.‬‬
‫َر َّد آرون بإصرار‪« :‬سيذهب»‪.‬‬
‫‪« -‬هذه قاعتي يا ذا ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬وليس لك أن تُقَرِّر من يبقى ومن يذهب‪ .‬ال ِمايستر سيبقى»‪.‬‬
‫خاطب جودبراذر معلنًا‪« :‬إنني راحل إذن»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قال آرون لنفسه‪ :‬الرَّجل يحيا بعيدًا ج ًّدا عن البحر‪ ،‬ثم‬
‫وأصد َر الحصير الجاف حفيفًا تحت قدميه الحافيتيْن السَّوداويْن المشقَّقتيْن إذ دا َر وبدأ يبتعد‪ ،‬وقد بدا له أنه‬
‫ركب ك َّل هذه المسافة بال طائل‪.‬‬
‫َ‬
‫كان قد بل َغ الباب تقريبًا حين تنحن َح ال ِمايستر‪ ،‬وقال‪« :‬يورون عين ال ُغراب جالس على ُكرسي حجر اليَم»‪.‬‬
‫التفتَ ذو ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬وقد ازدادَت برودة القاعة فجأةً‪ .‬عين ال ُغراب على الجانب اآلخَر من العالم‪.‬‬
‫بالون طردَه منذ عامين وأقس َم أن يدفع حياته ثَمنًا إذا عا َد‪.‬‬
‫ت مبحوح‪« :‬أخبِرني»‪.‬‬
‫قال بصو ٍ‬
‫بيوم واحد وأخ َذ القلعة والتَّاج‬
‫وأخب َره جورولد جودبراذر‪« :‬لقد رسا في (لوردزپورت) بَعد موت الملك ٍ‬
‫ُرسل ِغدفانًا الستدعاء الرَّبابنة والملوك من ك ِّل جزير ٍة إلى (پايك)‬
‫باعتباره أكبر إخوة بالون‪ ،‬واآلن ي ِ‬
‫ليركعوا له ويُبايِعوه مل ًكا عليهم»‪.‬‬
‫ق َّإال لمؤمن في الجلوس على ُكرسي حجر‬ ‫قال آرون ذو ال َّشعر الرَّطب دون أن يزن كلماته‪« :‬ال‪ ،‬ال َح َّ‬
‫اليَم‪ .‬عين ال ُغراب ال يَعبُد َّإال كبرياءه»‪.‬‬
‫تساء َل جودبراذر‪« :‬كنتَ في (پايك) منذ فتر ٍة قصيرة ورأيت الملك‪ ،‬فهل ذك َر لك شيئًا عن الخالفة؟»‪.‬‬
‫انقطاع في‬
‫ٍ‬ ‫نعم‪ .‬كانا قد تكلَّما في (بُرج البحر) بينما تعوي ال ِّريح خارج النَّوافذ وتتكسَّر األمواج بال‬
‫بقنوط حين أخب َره آرون بما جرى البنه الحي األخير‪ ،‬وقال‪« :‬ال ِّذئاب أضعفَته‬ ‫ٍ‬ ‫األسفل‪ ،‬وهَ َّز بالون رأسه‬
‫خشيت‪ .‬أدعو اإلله أنهم قتَلوه‪ ،‬كي ال يعترض طريق آشا»‪ .‬في هذا كان بالون أعمى البصيرة‪ ،‬إذ‬ ‫ُ‬ ‫كما‬
‫رأى نفسه في ابنته الجامحة العنيدة واعتق َد أنها تستطيع أن تخلفه‪ .‬كان مخطئًا‪ ،‬وقد حاو َل آرون أن يُخبِره‬
‫بهذا‪ ،‬فقال بإصرار‪« :‬ال امرأة ستَح ُكم حديديِّي الميالد أبدًا‪ ،‬حتى لو كانت امرأةً كآشا»‪َّ ،‬إال أن بالون اعتا َد‬
‫أن يص َّم أُذنيه عن ك ِّل ما ال يرغب في سماعه‪.‬‬
‫قبل أن يُجيب الرَّاهب جورولد جودبراذر‪ ،‬انفت َح فم ال ِمايستر ثانيةً ليقول‪« :‬شرعًا ُكرسي حجر اليَم من‬
‫ق ثيون‪ ،‬أو آشا إذا ماتَ األمير‪ .‬إنه القانون»‪.‬‬‫َح ِّ‬
‫َر َّد آرون باحتقار‪« :‬قانون األراضي الخضراء‪ ،‬ما قيمته عندنا؟ إننا حديديُّو الميالد‪ ،‬أوالد البحر و ُمختارو‬
‫رجل كافر»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ق امرأ ٍة أن تَح ُكمنا‪ ،‬أو من َح ِّ‬
‫ق أ ِّ‬ ‫اإلله الغريق‪ .‬ليس من َح ِّ‬
‫سأ َل جورولد جودبراذر‪« :‬وڤيكتاريون؟ األسطول الحديدي تحت قيادته‪ .‬هل سيُطالِب ڤيكتاريون بالحُكم يا‬
‫ذا ال َّشعر الرَّطب؟»‪.‬‬
‫بدأ ال ِمايستر يتكلَّم‪« :‬يورون األخ األكبر‪.»...‬‬
‫غير أن آرون أخر َسه بنظرة‪ .‬في قُرى الصَّيد الصَّغيرة والقالع الحجريَّة العظيمة على َح ِّد سواء‪ ،‬نظرة‬
‫كهذه من ذي ال َّشعر الرَّطب كفيلة بإصابة الفتيات بال ُّدوار ودفع األطفال إلى الهروع صارخين إلى‬
‫أ َّمهاتهم‪ ،‬واآلن كانت أكثر من كافي ٍة كي يلوذ هذا العبد مغلول العُنق بالصَّمت‪ .‬قال الرَّاهب‪« :‬يورون‬
‫األكبر‪ ،‬لكن ڤيكتاريون أتقى»‪.‬‬
‫سألَه ال ِمايستر‪« :‬هل ستقوم الحرب بينهما إذن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬يجب َّأال يُريق حديديُّو الميالد دماء حديديِّي الميالد»‪.‬‬
‫أمر بإغراق‬ ‫ُشاركك أخوك إياها‪ .‬لقد َ‬‫قال جودبراذر‪« :‬فكرة ورعة يا ذا ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬لكنها ليست فكرةً ي ِ‬
‫ق ثيون شرعًا»‪.‬‬ ‫ساوان بوتلي لقوله إن ُكرسي حجر اليَم من َح ِّ‬
‫ق فلم تُ َرق دماء»‪.‬‬ ‫غر َ‬‫ُ‬
‫‪« -‬إذا أ ِ‬
‫ي أن أرسل خبرًا إلى (پايك) قريبًا‪ ،‬وأري ُد‬ ‫تباد َل ال ِمايستر واللورد نظرةً‪ ،‬ثم قال جورولد جودبراذر‪« :‬عل َّ‬
‫نصيحتك يا ذا ال َّشعر الرَّطب‪ .‬ماذا سيكون إذن؟ البيعة أم العصيان؟»‪.‬‬
‫أجاب اللورد ً‬
‫قائال‪« :‬ال‬ ‫َ‬ ‫رأيت العاصفة‪ ،‬واسمها يورون عين ال ُغراب‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫َش َّد آرون َشعر لحيته مف ِّكرًا‪ :‬لقد‬
‫رسل َّإال الصَّمت في الوقت الحالي‪ .‬يجب أن أصلِّي قبل أن أجيب»‪.‬‬ ‫تُ ِ‬
‫ص ِّل كما تشاء‪ ،‬لكن ذلك لن يُ َغيِّر القانون‪ .‬ثيون الوريث ال َّشرعي‪ ،‬وبَعده آشا»‪.‬‬ ‫قال ال ِمايستر‪َ « :‬‬
‫هد َر آرون‪« :‬صمتًا! لطالما أصغى حديديُّو الميالد إليكم أيها ال ِمايسترات مغلولو األعناق وأنتم تُثَرثِرون‬
‫عن األراضي الخضراء وقوانينها‪ .‬حانَ الوقت ألن نُصغي للبحر مج َّددًا‪ ،‬حانَ الوقت ألن نُصغي لصوت‬
‫اإلله»‪ .‬تر َّدد صوته في القاعة المألى بال ُّدخان رنَّانًا مفع ًما بالقوة لدرجة أن جورولد جودبراذر و ِمايستره‬
‫لم يجروءا على الرَّد‪.‬‬
‫اإلله الغريق معي‪ ،‬وقد أراني السَّبيل‪.‬‬
‫رفض‪ ،‬فنادرًا ما ينام تحت سقف‬ ‫َ‬ ‫عرض عليه جودبراذر أن يقضي اللَّيل مستريحًا في القلعة‪ ،‬لكن الرَّاهب‬ ‫َ‬
‫سأعرف الرَّاحة في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة تحت‬ ‫ُ‬ ‫قلعة‪ ،‬وال ينام أبدًا على هذا البُعد من البحر‪« .‬‬
‫لست أطلبُ َّإال حصانًا جديدًا يحملني إلى (بلدة‬ ‫ُ‬ ‫األمواج‪ .‬لقد ُولِدنا لنُعاني ونستم َّد الق َّوة من معاناتنا‪.‬‬
‫الحصى)»‪.‬‬
‫أسع َد جودبراذر أن يُ َز ِّوده بالحصان‪ ،‬وأرس َل ابنه جرايدون أيضًا ليُري الرَّاهب الطَّريق األقصر عبر‬
‫التِّالل إلى البحر‪ .‬كانت تفصلهما عن الفَجر ساعة كاملة حين تحرَّكا‪ ،‬لكن حصانيهما قويَّان ثابتا ال ُخطى‪،‬‬
‫ق آرون عينيه ور َّدد ُدعا ًء صامتًا‪ ،‬وبَعد قليل بدأ‬ ‫وقد قطعا مسافةً ال بأس بها على الرغم من الظَّالم‪ .‬أغل َ‬
‫الوسن ينتابه وهو راكب‪.‬‬
‫ظ خائفًا‪ .‬ال تو َجد ِمفصلة‬‫جا َءه الصَّوت بخفوت‪ ،‬صرخة ِمفصلة الباب الصَّدئة‪ .‬تمت َم‪« :‬يوري»‪ ،‬واستيق َ‬
‫هنا‪ ،‬ال باب‪ ،‬ال يوري‪ .‬فأس مقذوفة بت َرت نِصف يد يوري وهو في الرَّابعة عشرة من العُمر بينما يَرقُص‬
‫رقصة األصابع في غياب أبيه وإخوته األكبر في الحرب‪ .‬كانت زوجة اللورد كويلون الثَّالثة من آل پايپر‬
‫وبدال من عالج يد‬‫ً‬ ‫ضيْن وعينَي ظبية بنِّيَّتين‪،‬‬
‫أوالد (قلعة العذراء الورديَّة)‪ ،‬فتاةً ذات ثدييْن كبيريْن غ َّ‬
‫يوري على النَّهج القديم بالنَّار وماء البحر تر َكته ل ِمايسترها القادم من األراضي الخضراء بدوره‪ ،‬فأ َّكد‬
‫الرَّجل أنه يستطيع أن يخيط األصابع المبتورة في مكانها‪ ،‬وقد فع َل هذا ثم استخد َم أدويةً وك َّمادا ٍ‬
‫ت‬
‫وأصيب يوري بال ُح َّمى‪ ،‬ول َّما بت َر ال ِمايستر ذراعه كاملةً كان أوان إنقاذه قد فاتَ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫وأعشابًا‪ ،‬لكن اليد تعفَّنت‬
‫لم يرجع اللورد كويلون من رحلته األخيرة‪ ،‬إذ أنع َم عليه اإلله الغريق بالموت في البحر‪ .‬اللورد بالون هو‬
‫أصاب يوري بت َر ثالثةً من أصابع‬ ‫َ‬ ‫من رج َع ومعه أخواه يورون وڤيكتاريون‪ ،‬وحين سم َع بالون بما‬
‫ال ِمايستر بساطور طا ٍه وأرس َل زوجة أبيه ابنة پايپر لتخيطها‪ ،‬لتأتي األدوية والك َّمادات بالنَّتيجة نفسها مع‬
‫ال ِمايستر كما فعلَت مع يوريجون‪ ،‬فماتَ الرَّجل وهو يهذي‪ ،‬وسرعان ما تب َعته زوجة اللورد كويلون‬
‫الثَّالثة بينما أخر َجت القابلة فتاةً جهيضةً من رحمها‪ُ .‬س َّر آرون لهذا‪ ،‬وقد بُتِ َرت أصابع يوري بفأسه هو في‬
‫أثناء رقصهما رقصة األصابع معًا كما يفعل األصدقاء واإلخوة‪.‬‬
‫زال يَشعُر بالخزي كلَّما تذ َّكر السِّنين التي تلَت موت يوري‪ .‬في ِسنِّ السَّادسة عشرة وصفَ نفسه‬ ‫ما َ‬
‫بالرُّ جولة‪ ،‬لكن الحقيقة أنه لم يكن أكثر من جوال نبي ٍذ بساقيْن‪ ،‬وقد تع َّود أن يُ َغنِّي ويَرقُص ‪-‬ولكن ليس‬
‫ف عنها تما ًما‪ -‬ويمزح ويُثَرثِر ويسخر من النَّاس‪ ،‬باإلضافة إلى العزف على‬ ‫رقصة األصابع التي َك َّ‬
‫المزمار ومما َرسة ألعاب الحواة وركوب الخيل‪ ،‬والقُدرة على ال ُّشرب أكثر من آل وينش وآل بوتلي كافَّة‪،‬‬
‫رجل موهبةً‪ ،‬حتى هو‪ ،‬فلم يكن هناك من يُمكنه أن يبول‬ ‫ٍ‬ ‫ونِصف آل هارلو أيضًا‪ .‬اإلله الغريق يمنح ك َّل‬
‫أطول أو يُ َوجِّ ه بوله أبعد من آرون جرايچوي‪ ،‬كما أثبتَ في ك ِّل مأدبة‪ .‬في م َّر ٍة راهنَ بسفينته الطَّويلة‬
‫قطيع من الماعز على أنه يستطيع أن يُطفئ نار مستوقَ ٍد بقضيبه ال أكثر‪ ،‬والته َم آرون لحم‬ ‫ٍ‬ ‫الجديدة مقابل‬
‫الذهبيَّة)‪ ،‬وإن ه َّدده بالون بتعليقه من صاريها حين عرفَ‬ ‫عام كامل وس َّمى سفينته (العاصفة َّ‬ ‫الماعز طيلة ٍ‬
‫ك الذي أرا َد أخوه أن يُ َر ِّكبه على مقدِّمتها‪.‬‬‫شكل ال ِم َد ِّ‬
‫شطرها‬
‫َ‬ ‫الذهبيَّة) عند (الجزيرة القصيَّة) خالل ثورة بالون األولى‪ ،‬وقد‬ ‫في النِّهاية غرقَت (العاصفة َّ‬
‫فخه وحطَّم األسطول‬ ‫نِصفين قادس‪ 8‬حربي هائل اسمه (الثَّورة)‪ ،‬ل َّما أوق َع ستانيس باراثيون ڤيكتاريون في ِّ‬
‫صيَّادين وساقوه إلى‬ ‫الحديدي‪ .‬على أن اإلله لم يَفرُغ من آرون وحملَه إلى ال َّشاطئ‪ ،‬حيث أس َره بعض ال َّ‬
‫(النسپورت) مكب ًَّال باألغالل‪ ،‬فقضى بقيَّة الحرب في أعماق (كاسترلي روك) مثبتًا أن ال َكراكن تستطيع‬
‫أن تبول أطول وتُ َو ِّجه بولها أبعد من األُسود أو الخنازير الب ِّريَّة أو ال َّدجاج‪.‬‬
‫فان وال‬‫رجل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ث من جدي ٍد من البحر نبيًّا لإلله‪ ،‬ال يحسُّ خوفًا من أيِّ‬ ‫ق آرون وبُ ِع َ‬ ‫ذلك الرَّجل ماتَ ‪ .‬لقد غر َ‬
‫ب يُفتَح‪ ،‬صرخة ِمفصل ٍة صدئة‪ .‬يورون جا َء‬ ‫يحسُّه من الظَّالم‪ ...‬أو ال ِّذكريات‪ ،‬عظام الرُّ وح‪ .‬صوت با ٍ‬
‫ثانيةً‪ .‬ال يه ُّم‪ .‬إنه الرَّاهب ذو ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬محبوب اإلله‪.‬‬
‫أخ وأخيه؟»‪.‬‬‫سألَه جرايدون جودبراذر وقد بدأت ال َّشمس تُضيء التِّالل‪« :‬هل ستقوم حرب؟ حرب بين ٍ‬
‫لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليَم»‪ .‬لكن عين ال ُغراب سيُقاتِل‪ ،‬هذا‬‫ٍ‬ ‫‪« -‬إذا شا َء اإلله الغريق‪ .‬ليس‬
‫مؤ َّكد‪ .‬ال امرأة تستطيع أن تهزمه‪ ،‬وال حتى آشا‪ ،‬فالنِّساء مخلوقات لخوض معاركهن في فِراش الوالدة‪.‬‬
‫صبي يعبس ويبتسم ال أكثر‪ .‬لقد برهنَ في (وينترفل)‬
‫ٍّ‬ ‫أ َّما ثيون ‪-‬إذا كان حيًّا‪ -‬فال رجاء منه أيضًا‪ ،‬مجرَّد‬
‫أصال‪ ،‬لكن عين ال ُغراب ليس صبيًّا قعيدًا‪ .‬أسطُح سفينة يورون مطليَّة باألحمر كي‬
‫ً‬ ‫على قيمته المحدودة‬
‫تُخفي الدِّماء التي تشبَّعت بها ألواحها‪ .‬ڤيكتاريون‪ ،‬يجب أن يكون الملك ڤيكتاريون َّ‬
‫وإال د َّمرتنا العاصفة‬
‫جميعًا‪.‬‬
‫تر َكه جرايدون عندما ارتف َعت ال َّشمس في السَّماء‪ ،‬ليحمل خبر موت بالون إلى أبناء عمومته في أبراجهم‬
‫ب(الحُفرة العميقة) و(قلعة قرن ال ُغراب) و(بحيرة الجُثث)‪ ،‬وواص َل آرون الطَّريق وحده صاعدًا ً‬
‫تالال‬
‫وديان صغيرة‪ ،‬يقطع دربًا حجريًّا أخ َذ يتَّسع ويظهر عليه ناس أكثر مع اقترابه من البحر‪ .‬في‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫ونازال إلى‬
‫ت عميق كالمحيط‬ ‫صغار أيضًا‪ ،‬وقد قال لألهالي بصو ٍ‬ ‫ك ِّل قري ٍة توقَّف ليعظ‪ ،‬وفي ساحات اللوردات ال ِّ‬
‫راع ٍد كالموج‪« :‬من البحر ُولِدنا وإلى البحر نعود جميعًا‪ .‬في غضبته انتز َع إله العواصف بالون من قلعته‬
‫وأطا َح به‪ ،‬واآلن يأكل وليمةً تحت األمواج في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة»‪ ،‬ورف َع يديه متابعًا‪« :‬ماتَ‬
‫بالون! ماتَ الملك! لكن مل ًكا جديدًا سيجيء! عسى الميت َّأال يموت أبدًا‪ ،‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى‬
‫وأصلب! سيأتينا ملك!»‪.‬‬
‫ألقى بعض من سمعوه معازقهم ومعاولهم ليتبعوه‪ ،‬وهكذا حين سم َع األمواج تتكسَّر كانت دستة من‬
‫ال ِّرجال تمشي وراء حصانه‪ ،‬وقد مسَّهم اإلله وانتابَتهم الرَّغبة في الغرق‪.‬‬
‫منزل مربَّع يرتفع بُرج من‬ ‫ٍ‬ ‫صيَّادين الذين شيَّدوا أكواخهم حول قاعدة‬ ‫تض ُّم (بلدة الحصى) ع َّدة آالف من ال َّ‬
‫شاطئ رماله‬ ‫ٍ‬ ‫ُكن من أركانه‪ ،‬وهناك وج َد آرون أربعين من رجاله الغرقى في انتظاره مخيِّمين على‬ ‫ك ِّل ر ٍ‬
‫خيام من ِجلد الفقمات ومآ ٍو من الخشب المجروف‪ .‬أيديهم اخشوشنَت من الماء المالح‪ ،‬وخلَّفت‬ ‫رماديَّة‪ ،‬في ٍ‬
‫صنارات ال ُّندوب‪ ،‬وغلَّظتها المجاذيف والمعاول والفؤوس‪ ،‬لكن اآلن تحمل تلك األيدي‬ ‫فيها ال ِّشباك وال ِّ‬
‫ت من الخشب المجروف قويَّةً كالحديد‪ ،‬إذ سلَّحهم اإلله من ترسانته في أعماق البحر‪.‬‬ ‫هراوا ٍ‬
‫داخال إياه شاعرًا بالسُّرور بَعد أن‬ ‫ً‬ ‫كانوا قد بنوا للرَّاهب مأوى فوق منسوب المياه مباشرةً‪ ،‬وقد زحفَ‬
‫ق أتباعه الجُدد‪ ،‬ثم صلَّى‪ :‬إلهي‪ ،‬حدِّثني بهدير الموج ودلَّني على ما يجب أن أفعله‪ .‬الرَّبابنة والملوك‬ ‫أغر َ‬
‫بدال من بالون؟ غَنِّ لي بلُغة اللَّ ِوياثانات كي أعرف اسمه‪ .‬أخبِرني يا‬
‫‪14‬‬
‫ينتظرون كلمتك‪ .‬من سيكون ملكنا ً‬
‫إلهي السَّاكن تحت األمواج‪ ،‬من يملك الق َّوة لموا َجهة العاصفة الثَّائرة في (پايك)؟ على الرَّغم من اإلرهاق‬
‫متملمال في فِراشه داخل‬ ‫ً‬ ‫الذي أصابَته به الرِّ حلة إلى (هامرهورن)‪ ،‬ظَ َّل آرون ذو ال َّشعر الرَّطب يتقلَّب‬
‫المأوى المبني بالخشب المجروف وتحت سقفه المصنوع من الطَّحالب البحريَّة السَّوداء‪ ،‬وقد احتشدَت‬
‫السُّحب حاجبةً القمر والنُّجوم‪ ،‬وجث َم الظَّالم ال َّدامس على البحر كما يجثم على روحه‪ .‬بالون آث َر آشا ابنة‬
‫جسده‪ ،‬لكن ليس المرأ ٍة أن تَح ُكم حديديِّي الميالد‪ .‬ال بُ َّد أن يكون الملك ڤيكتاريون‪ .‬تسعة أبناء ُولِدوا من‬
‫صُلب كويلون جرايچوي‪ ،‬وڤيكتاريون أصلبهم‪ ،‬رجل قوي كالثِّيران‪ُ ،‬شجاع ومطيع‪ .‬وفي هذا يَك ُمن‬
‫ُبحر ضد تيَّار التَّقاليد‪.‬‬‫الخطر‪ .‬األخ الصَّغير مدين بالطَّاعة ألخيه الكبير‪ ،‬وڤيكتاريون ليس بالرَّجل الذي ي ِ‬
‫لكنه ال يحبُّ يورون منذ ماتَت المرأة‪.‬‬
‫ت أدنى من غطيط رجاله الغرقى وعويل الرِّيح‪ ،‬تناهَت إلى مسامعه دقَّات األمواج‪،‬‬ ‫من الخارج‪ ،‬بصو ٍ‬
‫خرج آرون من مأواه الصَّغير إلى برد اللَّيل‪ ،‬وعاريًا وقفَ ‪ ،‬شاحبًا‬ ‫َ‬ ‫مطرقة إلهه تستدعيه إلى المعركة‪.‬‬
‫خاض في البحر األسود المالح‪ .‬كانت المياه باردةً كالجليد‪ ،‬لكنه لم يجفل من تربيتة‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫طويال‪ ،‬وعاريًا‬ ‫ً‬
‫هزيال‬
‫انكسرت فوق رأسه‪ .‬تذ َّوق الملح على شفتيه‬ ‫َ‬ ‫وانكسرت موجة على صدره جاعلةً إياه يترنَّح‪ ،‬والتَّالية‬ ‫َ‬ ‫إلهه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وكنت‬ ‫وأحسَّ باإلله يحفُّه وبجالل أغنيَّته يتر َّدد في أُذنيه‪ .‬تسعة أبناء ُولِدوا من صُلب كويلون جرايچوي‪،‬‬
‫ق وم َّدني اإلله بالق َّوة‪ .‬أحاطَ به البحر‬ ‫أدناهم‪ ،‬ضعيفًا خائفًا كالفتيات‪ ،‬لكني لم أعد كذلك‪ .‬ذلك الرَّجل غر َ‬
‫المالح البارد واحتضنَه‪َ ،‬م َّد يده مخترقًا لحمه البَشري الضَّعيف و َمسَّ عظامه‪ .‬العظام‪ ،‬عظام الرُّ وح‪،‬‬
‫عظام بالون ويوري‪ .‬الحقيقة في عظامنا‪ ،‬فاللَّحم يفنى والعظام تبقى‪ ،‬وعلى (تَل ناجا) عظام (بهو الملك‬
‫األشيب)‪...‬‬
‫رجال أكثر حكمةً مما كان عندما‬ ‫ً‬ ‫وهزيال وشاحبًا ومرتجفًا‪ ،‬عا َد آرون ذو ال َّشعر الرَّطب إلى ال َّشاطئ‬ ‫ً‬
‫خاض في البحر‪ ،‬إذ عث َر على اإلجابة في عظامه وصا َر الطَّريق جليًّا أمامه‪ .‬كان اللَّيل باردًا للغاية لدرجة‬ ‫َ‬
‫بشموخ عائدًا إلى مأواه‪ ،‬لكن في قلبه اضطر َمت النَّار‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن البُخار بدا كأنه ينبعث من جسده وهو يمشي‬
‫وأتاه النَّوم بسهول ٍة هذه المرَّة‪ ،‬دون أن يُوقِظه صراخ ال ِمفصالت الحديد‪.‬‬
‫نار‬
‫ي الرِّيح‪ ،‬وأفط َر على مرق المحار وطحالب البحر المطبوخ فوق ٍ‬ ‫حين استيقظَ وج َد النَّهار صافيًا قو َّ‬
‫حطبها من الخشب المجروف‪ .‬لم يكد يَفرُغ من الطَّعام حتى نز َل ابن مرلين من منزله يسعى إليه مع‬
‫نِصف دست ٍة من رجاله‪ ،‬فقال له ذو ال َّشعر الرَّطب‪« :‬الملك ماتَ »‪.‬‬
‫ي طائر‪ ،‬واآلن وص َل آخَر»‪ .‬ابن مرلين رجل أصلع مستدير الجسد وممتلئه‪ ،‬يُلَقِّب نفسه‬ ‫‪« -‬نعم وص َل إل َّ‬
‫ب«اللورد» على غرار أهل األراضي الخضراء‪ ،‬ويرتدي الفراء والمخمل‪« .‬هناك ُغداف يستدعيني إلى‬
‫(پايك) والثَّاني إلى (البروج العشرة)‪ .‬أنتم أيها ال َكرا ِكن لكم أذرع كثيرة كفيلة بتمزيق المرء إربًا‪ .‬ما قولك‬
‫أيها الرَّاهب؟ أين أرس ُل سُفني الطَّويلة؟»‪.‬‬
‫جعل آرون يُقَطِّب وجهه ويسأل‪« :‬تقول (البروج العشرة)؟‬ ‫َ‬ ‫(البروج العشرة) مقرُّ سيِّد (هارلو)‪ ،‬وهو ما‬
‫أيُّ كرا ِكن يستدعيك إلى هناك؟»‪.‬‬
‫أبحرت إلى الوطن‪ ،‬والقارئ أرس َل ِغدفانًا يستدعي جميع أصدقائها إلى (هارلو)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬األميرة آشا‪ .‬لقد‬
‫يقول إن بالون أرا َد أن يكون ُكرسي حجر اليَم لها»‪.‬‬
‫قال الرَّاهب‪« :‬اإلله الغريق سيُقَرِّر من يجلس على ُكرسي حجر اليَم‪ .‬اركع كي أباركك»‪ ،‬فرك َع اللورد‬
‫وصبَّ خيطًا من ماء البحر على رأس الرَّجل األصلع‬ ‫َ‬ ‫مرلين على رُكبتيه‪ ،‬وخل َع آرون ِسدادة قِربته‬
‫باركه‬
‫باركه بالملح‪ِ ،‬‬‫ق من أجلنا‪ ،‬اجعل خادمك ملدريد يُولَد ثانيةً من البحر‪ِ .‬‬ ‫مبتهال‪« :‬إلهنا الذي غر َ‬‫ً‬
‫باركه بالفوالذ»‪.‬‬
‫بالحجر‪ِ ،‬‬
‫سا َل الماء على وجنتَي ملدريد مرلين اللَّحيمتيْن ليتخلَّل لحيته ومعطفه المصنوع من فرو الثَّعالب‪ ،‬في حين‬
‫نهض‬
‫َ‬ ‫خت َم آرون صالته‪« :‬عسى الميت َّأال يموت أبدًا‪ ،‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب»‪ ،‬لكن عندما‬
‫وأصغ كي تَن ُشر كلمة اإلله»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫مرلين قال له‪« :‬اب َ‬
‫أقدام من حافة الماء تتكسَّر األمواج حول جُلمو ٍد دائري من الجرانيت‪ ،‬وعليه وقفَ آرون‬ ‫ٍ‬ ‫على بُعد ثالثة‬
‫ذو ال َّشعر الرَّطب ليراه جميع أتباعه ويسمعوه‪ ،‬ثم بدأ يتكلَّم كما فع َل مئة م َّر ٍة من قبل بقوله‪« :‬من البحر‬
‫وأطاح‬
‫َ‬ ‫ُولِدنا وإلى البحر نعود جميعًا»‪ ،‬قبل أن يُتابِع‪« :‬في غضبته انتز َع إله العواصف بالون من قلعته‬
‫به‪ ،‬واآلن يأكل وليمةً تحت األمواج»‪ ،‬ورف َع يديه صائحًا‪« :‬ماتَ الملك! لكن مل ًكا جديدًا سيجيء! عسى‬
‫الميت َّأال يموت أبدًا‪ ،‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب!»‪.‬‬
‫هتفَ الرِّ جال الغرقى مجيبين‪« :‬سيأتينا ملك!»‪.‬‬
‫قال ذو ال َّشعر الرَّطب‪« :‬سيأتي‪ ،‬يجب أن يأتي‪ ،‬لكن َمن؟»‪ ،‬وأصغى لحظةً ولم يسمع َر ًّدا َّإال من األمواج‪،‬‬
‫فكرَّر‪َ « :‬من سيكون ملكنا؟»‪.‬‬
‫بدأ ال ِّرجال الغرقى يضربون بعض هراواتهم ببعض هاتفين‪« :‬ذو ال َّشعر الرَّطب! ذو ال َّشعر الرَّطب مل ًكا!‬
‫أعطنا ذا ال َّشعر الرَّطب!»‪.‬‬
‫آرون مل ًكا! ِ‬
‫ب ابنان‪ ،‬أعطى أحدهما فأسًا والثَّاني شبكةً‪ ،‬فأيُّهما يُريد أن يكون‬ ‫هَ َّز آرون رأسه نفيًا‪ ،‬وقال‪« :‬إذا كان أل ٍ‬
‫ُمحاربًا؟»‪.‬‬
‫صاح روس مجيبًا‪« :‬الفأس لل ُمحارب وال َّشبكة لصيَّاد البحر»‪.‬‬ ‫َ‬
‫ق ال َّشيء الحقير الذي كنته‪ ،‬ول َّما لفظَني البحر‬ ‫‪« -‬نعم‪ .‬لقد أخ َذني اإلله إلى األعماق تحت الموج وأغر َ‬
‫وهب لي عينين أرى بهما وأُذنين أسمع بهما وصوتًا أنش ُر بها كلمته‪ ،‬كي أكون نبيَّه الذي يُ َعلِّم حقيقته ل َمن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫سمعت اإلله‬ ‫ُ‬
‫نسوا‪ .‬إنني لم أخلَق للجلوس على ُكرسي حجر اليَم‪ ...‬وكذا يورون عين ال ُغراب‪ ،‬ذلك أني‬
‫لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليَم!»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يقول‪ :‬ليس‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬أهي آشا إذن؟ أم ڤيكتاريون؟ أخبِرنا أيها الرَّاهب!»‪.‬‬ ‫عق َد ابن مرلين ذراعيه على صدره‬
‫ً‬
‫مواصال‪:‬‬ ‫قال آرون‪« :‬اإلله الغريق سيُخبِركم‪ ،‬ولكن ليس هنا»‪ ،‬وأشا َر إلى وجه مرلين األبيض البدين‬
‫وأنزل مجاذيفك يا سيِّدي و ُخذ نفسك‬
‫ِ‬ ‫ي أو إلى قوانين البَشر‪ ،‬بل إلى البحر‪ .‬ارفع أشرعتك‬ ‫«ال تتطلَّعوا إل َّ‬
‫إلى (ويك القديمة)‪ ،‬أنت وجميع الرَّبابنة والملوك‪ .‬ال تذهبوا إلى (پايك) لتركعوا للكافر‪ ،‬وال إلى (هارلو)‬
‫لتُخا ِدنوا النِّساء المتآمرات‪ ،‬بل وجِّهوا سُفنكم إلى (ويك القديمة)‪ ،‬حيث كان (بهو الملك األشيب)‪ .‬باسم‬
‫اإلله أستدعيكم‪ ،‬أستدعيكم جميعًا! اترُكوا قاعاتكم وبيوتكم‪ ،‬اترُكوا قالعكم وحصونكم‪ ،‬وارجعوا إلى (تَل‬
‫ناجا) لتُقيموا انتخاب الملك!»‪.‬‬
‫ح َّدق ابن مرلين إليه ً‬
‫قائال‪« :‬انتخاب الملك؟ لم يَح ُدث أن أقي َم انتخاب ٍ‬
‫ملك حقيقي منذ‪.»...‬‬
‫زمن طويل للغاية! لكن في فَجر ال َّزمان كان حديديُّو الميالد يختارون ملوكهم‬ ‫ٍ‬ ‫قاط َعه آرون محزونًا‪...« :‬‬
‫ويرفعون األجدر بينهم‪ .‬آنَ أوان العودة إلى نهجنا القديم‪ ،‬فما من شي ٍء غيره سير ُّد إلينا عظمتنا‪ .‬بانتخاب‬
‫ض َع تاج من الخشب المجروف على رأسه‪ ،‬وسايالس‬ ‫الملك اختي َر أوراس ذو القدم الحديد مل ًكا أعلى و ُو ِ‬
‫ذو األنف األفطس‪ ،‬وهاراج هور‪ ،‬والكرا ِكن العجوز‪ ،‬جميعهم رف َعهم انتخاب الملك‪ ،‬ومن انتخاب الملك‬
‫هذا سيأتينا رجل يت ُّم العمل الذي بدأه الملك بالون ويستر ُّد لنا ح ِّريَّتنا‪ .‬أقول مج َّددًا َّأال تذهبوا إلى (پايك) أو‬
‫بروج (هارلو) العشرة‪ ،‬بل اسعوا إلى (تَل ناجا) وعظام (بهو الملك األشيب)‪ ،‬ففي ذلك المكان المق َّدس‪،‬‬
‫ق‪ ،‬مل ًكا مؤمنًا!»‪ ،‬وعا َد يرفع يديه النَّاحلتيْن‬ ‫عندما يغرق القمر ويطلع من جديد‪ ،‬سنختار ألنفسنا مل ًكا يستح ُّ‬
‫مردفًا‪« :‬أصغوا! أصغوا إلى األمواج! أصغوا إلى اإلله! إنه يُ َكلِّمنا ويقول لنا‪ :‬ال ملك َّإال بانتخاب‬
‫الملك!»‪.‬‬
‫ق رجاله الغرقى بعض هراواتهم ببعض هاتفين‪:‬‬ ‫قال قوله هذا فتعالى هدير الحاضرين‪ ،‬ومن جدي ٍد َد َّ‬
‫«انتخاب‪ ،‬انتخاب‪ ،‬انتخاب! ال ملك َّإال بانتخاب الملك!»‪ ،‬وكان لضجيجهم دو ٌّ‬
‫ي ال بُ َّد أن عين ال ُغراب‬
‫سم َعه في (پايك) وسم َعه إله العواصف في بهوه وسط السَّحاب‪ ،‬وعل َم آرون ذو ال َّشعر الرَّطب أنه أحسنَ‬
‫البالء‪.‬‬
‫الحرس‬
‫قائد َ‬
‫ت مت َعب علَّق األمير حين دحر َج القائد ُكرسيَّه المتحرِّك إلى ال ُّشرفة‪« :‬البُرتقال ال َّدموي نض َج أكثر‬
‫بصو ٍ‬
‫مما ينبغي»‪.‬‬
‫وبَعدها مرَّت ساعات دون أن يتكلَّم م َّرةً أخرى‪.‬‬
‫لينفطر على الرُّ خام الوردي الباهت‪ ،‬لتُ ِ‬
‫فعم‬ ‫ِ‬ ‫ما قاله عن البُرتقال صحيح‪ ،‬وكان بعض الثِّمار قد سق َ‬
‫ط‬
‫س يلتقطه‪.‬‬‫الالذعة الحُلوة أنف آريو هوتا مع ك ِّل نف ٍ‬ ‫الرَّائحة َّ‬
‫ال ريب أن األمير يش ُّمها أيضًا وهو جالس تحت األشجار على ال ُكرسي المتحرِّ ك الذي صن َعه له ال ِمايستر‬
‫كاليوت‪ ،‬بوسائده المحش َّوة بريش اإلوز وعجلتيْه الثَّقيلتيْن المصنوعتيْن من خشب األبنوس والحديد‪.‬‬
‫فترة طويلة مرَّت لم يُس َمع فيها صوت َّإال لألطفال العائمين في المسابح والنَّوافير‪ ،‬وفي م َّر ٍة ارتطام‬
‫بُرتقال ٍة أخرى بأرض ال ُّشرفة وانفطارها‪ ،‬قبل أن تتناهى إلى مسامع قائد ال َحرس دقَّات الحذاء الخافتة على‬
‫الرُّ خام آتيةً من جانب القصر البعيد‪.‬‬
‫أوبارا‪ .‬يعرف مشيتها الطَّويلة المتعجِّ لة الغاضبة‪ ،‬وال بُ َّد أن حصانها في االسطبل اآلن‪ ،‬غارق في‬
‫الرَّغوة‪ 11‬وينزف من ُعنف همزها‪ .‬دائ ًما ما تمتطي أوبارا الفُحول‪ ،‬وقد سم َعها النَّاس تقول مزه َّوةً إنها‬
‫ت سريعة لقدمين‬ ‫رجل كذلك‪ .‬سم َع القائد أيضًا ُخطوا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حصان في (دورن)‪ ...‬وأيِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫تستطيع ترويض أ ِّ‬
‫أخريَيْن‪ ،‬وقد َج َّد ال ِمايستر كاليوت السَّير ب ُخفَّيه اللَّينيْن ليلحق بها‪.‬‬
‫طارد شيئًا ال تستطيع اإلمساك به أبدًا‪ ،‬كما سم َع القائد األمير يقول‬ ‫دائ ًما تمشي أوبارا ساند مسرعةً‪ ،‬تُ ِ‬
‫البنته ذات مرَّة‪.‬‬
‫حين ظه َرت تحت القنطرة ال ُّثالثيَّة‪ ،‬دف َع آريو هوتا فأسه الطَّويلة إلى الجانب ليس َّد الطَّريق‪ ،‬الفأس ذات‬
‫تستطع أوبارا ال َّدوران من حولها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الرَّأس المثبَّت على قنا ٍة من خشب ال َّدردار الجبلي طولها ستَّة أقدام‪ ،‬فلم‬
‫وقال لها القائد مدمد ًما بصوته الجهير المثقَل بلكنات (نورڤوس)‪« :‬ال تقتربي أكثر يا سيِّدتي‪ ،‬األمير ال‬
‫يُريد أن يُز ِعجه أحد»‪.‬‬
‫قبل أن يتكلَّم كان وجهها حجرًا‪ ...‬ثم قسا‪ .‬قالت له‪« :‬أنت في طريقي يا هوتا»‪ .‬أوبارا ساند أكبر أفاعي‬
‫قارب الثَّالثينات من العُمر‪ ،‬ورثَت عينيها ال َّ‬
‫ضيِّقتيْن و َشعرها البنِّي كفرو‬ ‫الرِّمال ِسنًّا‪ ،‬امرأة كبيرة العظام تُ ِ‬
‫الجرذان من عاهرة (البلدة القديمة) التي ولدَتها‪ .‬تحت معطفها المفصَّل من الحرير الرَّملي‪ 14‬المبرقَش‬
‫ق ما‬ ‫الجلد البنِّي اللَّين البالي‪ ،‬وتلك الثِّياب أر ُّ‬
‫ب من ِ‬ ‫بالذهبي والبنِّي المائل إلى الرَّمادي ترتدي ثياب ركو ٍ‬ ‫َّ‬
‫ظهرها تضع تُرسًا من الفوالذ والنُّحاس‪ ،‬أ َّما حربتها‬ ‫فيها‪ .‬على أحد َوركيها تُثَبِّت سوطًا ملفوفًا‪ ،‬وعلى َ‬
‫أشعر آريو هوتا باالمتنان‪ ،‬فعلى الرغم من سُرعتها وق َّوتها فإنه يعلم أنها‬ ‫َ‬ ‫فتر َكتها في الخارج‪ ،‬وهو ما‬
‫ليست نِ ًّدا له‪ ...‬لكنها ال تعلم‪ ،‬وهو ال يرغب في رؤية دمائها مراقةً على الرُّ خام الوردي الباهت‪.‬‬
‫لك‪.»...‬‬
‫حاولت أن أقول ِ‬‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬ليدي أوبارا‪،‬‬‫ق ً‬ ‫ق إلى سا ٍ‬ ‫نق َل ال ِمايستر كاليوت ِثقله من سا ٍ‬
‫‪« -‬هل يعرف أن أبي ماتَ ؟»‪ ،‬سألَت أوبارا القائد دون أن تُعير ال ِمايستر اهتما ًما أكثر من ُذبابة‪ ،‬هذا إذا‬
‫تطن حول رأسها‪.‬‬‫كانت هناك ُذبابة بالحماقة الكافية ألن َّ‬
‫أجاب القائد‪« :‬نعم‪ ،‬وص َل إليه طائر»‪.‬‬‫َ‬
‫ط صغير ومختو ًما بلطخ ٍة من ال َّشمع األحمر‬ ‫محموال على جنا َحي ُغداف‪ ،‬مكتوبًا بخَ ٍّ‬
‫ً‬ ‫جا َء الموت (دورن)‬
‫اليابس‪ .‬ال بُ َّد أن كاليوت قد خ َّمن ما تحتويه ال ِّرسالة‪ ،‬إذ أعطى هوتا إياها كي يُ َسلِّمها لألمير‪ ،‬فشك َره هذا‬
‫وجلس طيلة فترة األصيل وفي ِحجره الرَّق‪ ،‬يُشا ِهد‬ ‫َ‬ ‫طويال للغاية دون أن يكسر الختم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإن قضى وقتًا‬
‫األطفال يلعبون‪ ،‬وظَ َّل يُشا ِهد إلى أن غابَت ال َّشمس ودف َعه هواء المساء البارد إلى ال ُّدخول‪ ،‬ثم أخ َذ يُشا ِهد‬
‫ُحضر شمعةً ليقرأ رسالته تحت شجر‬ ‫انعكاس ضوء النُّجوم على الماء‪ ،‬ول َّما طل َع القمر أرس َل هوتا ي ِ‬
‫البُرتقال في ظالم اللَّيل‪.‬‬
‫مسَّت أوبارا سوطها قائلةً‪« :‬اآلالف يقطعون الرِّمال سيرًا على األقدام ويصعدون إلى (طريق العظام)‬
‫آخرها بالنَّاس‪ ،‬والرُّ هبان الحُمر أشعلوا‬ ‫ليُسا ِعدوا إالريا على إعادة أبي إلى الوطن‪ .‬السِّپتات مزدحمة عن ِ‬
‫رجل يأتيهن ويَرفُضن األجر‪ .‬في (صنسپير)‪ ،‬على‬ ‫ٍ‬ ‫نار معبدهم‪ .‬في بيوت الهوى تُ ِ‬
‫عاشر النِّسوة ك َّل‬
‫(ال ِّذراع المكسورة)‪ ،‬بطول ضفاف (ال َّدم األخضر)‪ ،‬في الجبال وفي ُعمق ال ِّرمال‪ ،‬في ك ِّل مكان‪ ،‬في كلِّ‬
‫مكان تُ َم ِّزق النِّساء َشعرهن ويَصرُخ الرِّ جال غضبًا‪ ،‬والسُّؤال نفسه يتر َّدد على ك ِّل لسان‪ :‬ماذا ستفعل‬ ‫ٍ‬
‫(دورن)؟ ماذا سيفعل أخو أميرنا القتيل انتقا ًما له؟»‪ ،‬ودنَت من القائد مضيفةً‪« :‬وتقول إنه ال يرغب في أن‬
‫يُز ِعجه أحد!»‪.‬‬
‫ُزعجه أحد»‪.‬‬
‫كرَّر آريو هوتا‪« :‬ال يرغب في أن ي ِ‬
‫زمن بعيد أتى شابٌّ ِغر من (نورڤوس)‪ ،‬صب ٌّي كبير‬ ‫ٍ‬ ‫يوم في‬
‫يعرف قائد ال َحرس األمير الذي يَحرُسه‪ .‬ذات ٍ‬
‫الجسد عريض المنكبيْن له َشعر أسود فاحم‪ .‬ذلك ال َّشعر أبيض اآلن‪ ،‬وذلك الجسد يحمل ندوب معارك‬
‫عديدة‪ ...‬لكن ق َّوته لم تتخ َّل عنه‪ ،‬وفأسه الطَّويلة يُحافِظ على ح َّدتها دو ًما كما علَّمه الرُّ هبان الملتحون‪ .‬قال‬
‫لنفسه‪ :‬لن تمرَّ‪ ،‬ولها قال‪« :‬األمير يُشا ِهد األطفال يلعبون‪ ،‬وليس مسموحًا بإزعاجه أبدًا بينما يُشا ِهد‬
‫األطفال يلعبون»‪.‬‬
‫أخذت هذه الفأس‪.»...‬‬ ‫ُ‬ ‫قالت أوبارا ساند‪« :‬هوتا‪ ،‬ستُزيح نفسك عن طريقي َّ‬
‫وإال‬
‫ت مبحوح‪« :‬أيها القائد‪ ،‬دَعها تمرُّ ‪ ،‬سأتكلَّ ُم معها»‪.‬‬ ‫أتى األمر من ورائه مقاطعًا إياها بصو ٍ‬
‫سحب آريو هوتا فأسه الطَّويلة معيدًا إياها إلى وضعها العمودي وأخ َذ ُخطوةً إلى الجانب‪ ،‬ورمقَته أوبارا‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫طوال‪،‬‬ ‫بنظر ٍة طويلة أخيرة ثم مرَّت به مسرعةً وفي أعقابها ال ِمايستر‪ .‬ال يتع َّدى كاليوت األقدام الخمسة‬
‫وله رأس أصلع كالبيضة ووجه شديد النُّعومة واالمتالء لدرجة أنك ال تستطيع أن تُ َخ ِّمن ِسنَّه الفعليَّة‪ ،‬لكنه‬
‫هنا من قبل القائد‪ ،‬بل وخد َم أُم األمير كذلك‪ ،‬وعلى الرغم من ِسنِّه وحجمه فال يزال رشيق الحركة بما فيه‬
‫الكفاية وبالغ َّ‬
‫الذكاء‪ ،‬ولو أنه يتَّسم بالخنوع‪ .‬ليس نِ ًّدا أليٍّ من أفاعي الرِّمال‪.‬‬
‫جلس األمير على ُكرسيِّه رافعًا ساقيه المصابتيْن بالنِّقرس أمامه‪ ،‬وتحت عينيه‬ ‫َ‬ ‫في ِظلِّ أشجار البُرتقال‬
‫أكياس ثقيلة‪َّ ...‬إال أن هوتا يجهل إن كان مصدر أرقه الحُزن أم النِّقرس‪ .‬في األسفل ما زا َل األطفال‬
‫يتجاوز العاشرة‪ ،‬مزيج من‬ ‫َ‬ ‫يلعبون في النَّوافير والمسابح‪ ،‬أصغرهم ال يتجا َوز الخامسة وأكبرهم ال‬
‫الصِّبية والفتيات‪ ،‬وباستطاعة هوتا أن يسمعهم يَنثُرون المياه ويتصايَحون بأصوات عالية حا َّدة‪ .‬قال‬
‫ت واحدةً من‬ ‫يمض وقت طويل منذ كن ِ‬ ‫ِ‬ ‫األمير عندما جثَت المرأة على رُكبتها أمام ال ُكرسي المتحرِّك‪« :‬لم‬
‫هؤالء األطفال في المسابح يا أوبارا»‪.‬‬
‫طويال هنا‪ .‬إنني ابنة العاهرة‪ ،‬أم أنك‬ ‫ً‬ ‫ر َّدت ساخرةً‪« :‬مضى ما يَقرُب من عشرين عا ًما‪ ،‬كما أني لم أب َ‬
‫ق‬
‫ضت ووض َعت يديها على َوركيها قائلةً‪« :‬لقد اغتي َل أبي»‪.‬‬ ‫نسيت؟»‪ ،‬ول َّما لم ي ُِجب نه َ‬
‫ً‬
‫اغتياال»‪.‬‬ ‫نزال فردي خالل محا َكمة بالقتال‪ِ .‬طبقًا للقانون ليس هذا‬ ‫ٍ‬ ‫قال األمير دوران‪« :‬لقد قُتِ َل في‬
‫‪« -‬كان أخاك!»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم»‪.‬‬
‫‪« -‬وماذا تنوي أن تفعل بشأن موته؟»‪.‬‬
‫ُواجهها‪ .‬على الرغم من أنه لم يتجا َوز الثَّانية والخمسين‪ ،‬فإن دوران مارتل‬ ‫د َّور األمير ُكرسيَّه بصعوب ٍة لي ِ‬
‫ألهب النِّقرس‬
‫َ‬ ‫يبدو أكبر كثيرًا‪ ،‬جسده واهن مش َّوه تحت ثيابه الكتَّان‪ ،‬وقدماه من الصَّعب النَّظر إليهما‪ ،‬إذ‬
‫فصارت رُكبته اليُسرى كحبَّة تفَّاح‪ ،‬واليُمنى كحبَّة ش َّمام‪،‬‬
‫َ‬ ‫مفاصله وخضَّبها باألحمر على نح ٍو بشع‪،‬‬
‫آخرها كأن لمسةً واحدةً كفيلة‬ ‫ب حمراء قانية تبدو ناضجةً عن ِ‬ ‫واستحالَت أصابع قدميه إلى حبَّات عن ٍ‬
‫بفلقها‪ .‬مجرَّد ثِقل غطا ٍء خفيف يجعله يرتجف أل ًما‪ ،‬مع أنه يتح َّمله بال شكوى‪ .‬ذات م َّر ٍة سم َعه القائد يقول‬
‫البنته‪ :‬الصَّمت صديق األمراء‪ .‬الكالم كالسِّهام يا آريان‪ ،‬ما إن ينطلق فال سبيل الستعادته‪ .‬قال األمير‪:‬‬
‫ُ‬
‫كتبت للورد تايوين‪.»...‬‬ ‫«لقد‬
‫‪« -‬كتبت؟ لو كنت نِصف الرَّجل الذي كانه أبي‪.»...‬‬
‫أباك»‪.‬‬
‫لست ِ‬‫ُ‬ ‫‪« -‬أنا‬
‫ُ‬
‫أعرف هذا»‪.‬‬‫ت مف َعم باالزدراء‪« :‬‬
‫قالت أوبارا بصو ٍ‬
‫‪« -‬تُريدينني أن أذهب إلى الحرب»‪.‬‬
‫‪« -‬إنني أعقل من هذا‪ .‬لن تضط َّر إلى القيام من ُكرسيِّك حتى‪ .‬دَعني أنا أنتق ُم ألبي‪ .‬إن لديك جي ًشا في‬
‫(ممر األمير)‪ ،‬واللورد يرونوود لديه جيش آخَر على (طريق العظام)‪ .‬سلِّمني قيادة أحدهما ونيم قيادة‬
‫الثَّاني‪ ،‬دَعها تَسلُك (طريق الملوك) بينما أُخر ُج لوردات (التُّخوم) من قالعهم وأدو ُر ألزحف على (البلدة‬
‫القديمة)»‪.‬‬
‫‪« -‬وكيف تأملين في السَّيطرة على (البلدة القديمة)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬يكفيني نهبها‪ .‬ثروة عائلة هايتاور‪.»...‬‬
‫‪« -‬أهو َّ‬
‫الذهب ما تُريدين؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ما أريده هو ال َّدم»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد تايوين سيُ َسلِّمنا رأس الجبل»‪.‬‬
‫‪« -‬و َمن سيُ َسلِّمنا رأس اللورد تايوين؟ لطالما كان الجبل حيوانه المدلَّل»‪.‬‬
‫ت»‪.‬‬‫قائال‪« :‬أوبارا‪ ،‬انظُري إلى األطفال إذا سمح ِ‬
‫أشا َر األمير إلى المسابح ً‬
‫‪« -‬ال أسم ُح‪ .‬سيُرضيني أكثر أن أطعن اللورد تايوين بحربتي في بطنه‪ .‬سأجعله يُ َغنِّي (أمطار كاستامير)‬
‫وأبحث فيها عن َّ‬
‫الذهب»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ع أحشاءه‬ ‫بينما أنتز ُ‬
‫ر َّدد األمير‪« :‬انظُري‪ ،‬هذا أمر»‪.‬‬
‫كان بعض األطفال األكبر ِسنًّا متمدِّدين على بطونهم على الرُّ خام الوردي األملس لتُ َح ِّمصهم ال َّشمس‪ ،‬في‬
‫حين سب َح بعضهم في البحر أمام القصر‪ ،‬وانشغ َل ثالثة منهم ببناء قلع ٍة من الرَّمل تُحاكي (بُرج الحربة)‬
‫في (القصر القديم)‪ ،‬واجتم َع عشرون أو أكثر في المسبح الكبير ليُشا ِهدوا المعارك ال َّدائرة بين األطفال‬
‫األصغر حج ًما الرَّاكبين على أكتاف كبار الحجم‪ ،‬وقد خاضوا حتى الخصر في المياه الضَّحلة ورا َح كلٌّ‬
‫ط زوجان تب َع صوت سقوطهما الضَّحك المد ِّوي‪ .‬شاهَدا فتاةً‬ ‫ُحاول إسقاط اآلخَر في الماء‪ ،‬وكلَّما سق َ‬
‫منهم ي ِ‬
‫بشرتها بنيَّة كالجوز تسحب صبيًّا فاتح ال َّشعر من على كتفَي أخيه لتُس ِقطه مقلوبًا في مياه المسبح‪.‬‬
‫أبوك يلعب هذه اللُّعبة نفسها ذات يوم‪ِ ،‬مثلما لعبتها قبله‪ .‬كان أصغر مني بعشرة أعوام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قال األمير‪« :‬كان‬
‫ُ‬
‫أتيت‬ ‫اعتدت أن أشاهده كلَّما‬
‫ُ‬ ‫كففت عن نزول المسابح‪ ،‬لكني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت قد‬ ‫وحين كب َر بما يكفي ألن يلعبها‬
‫صبيةً أكبر منه‬ ‫لزيارة أ ِّمنا‪ .‬كم كان قويًّا‪ ،‬حتى في ِ‬
‫صباه‪ ،‬وسريعًا كثعابين الماء‪ .‬كثيرًا ما رأيته يُسقِط ِ‬
‫غادر إلى (كينجز الندنج)‪ ،‬وأقس َم أنه سيفعلها م َّرةً أخرى‪َّ ،‬‬
‫وإال لما‬ ‫َ‬ ‫حج ًما بكثير‪ ،‬وقد ذ َّكرني بهذا يوم‬
‫سمحت له َّ‬
‫بالذهاب»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بالذهاب؟»‪ ،‬وضح َكت مردفةً‪« :‬كأن كنت تستطيع أن تمنعه‪ .‬أُفعوان (دورن)‬ ‫ر َّددت أوبارا‪« :‬سمحت له َّ‬
‫األحمر كان يذهب حيثما يشاء»‪.‬‬
‫أواسيك به‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬صحيح‪ .‬ليت لد َّ‬
‫ي كالم‬
‫ت طلبًا لمواساتك‪ .‬يوم جا َء أبي يأخذني لم تُ ِردني أ ِّمي أن أذهب‬ ‫ت مليء باالستهانة‪« :‬لم آ ِ‬ ‫قاط َعته بصو ٍ‬
‫رجل غيرك‪ ،‬فألقى حربته عند قد َمي ولط َم‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫عاشرت ألف‬ ‫معه‪ ،‬وقالت له‪ :‬إنها فتاة‪ ،‬وال ُّ‬
‫أظن أنها ابنتك‪ .‬لقد‬
‫أ ِّمي بظَهر يده على وجهها‪ ،‬وقال لها وهي تبكي‪ :‬فتاة أو فتى‪ ،‬كلُّنا نخوض معاركنا‪ ،‬لكن اآللهة تَترُكنا‬
‫قلت لك إنها ابنتي‪،‬‬‫فالتقطت الحربة‪ ،‬وقال أبي‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫نختار أسلحتنا‪ ،‬وأشا َر إلى الحربة ثم إلى دموع أ ِّمي‪،‬‬
‫وأخ َذني‪ .‬استغرقَت أ ِّمي في ال َّشراب حتى ماتَت قبل أن ينقضي العام‪ ،‬ويقولون إنها كانت تبكي وهي تلفظ‬
‫ُ‬
‫لست أطلبُ‬ ‫أنفاسها األخيرة»‪ ،‬ودنَت أوبارا أكثر من األمير في ُكرسيِّه مضيفةً‪« :‬دَعني أستخد ُم الحربة‪،‬‬
‫أكثر من هذا»‪.‬‬
‫‪« -‬إنه طلب كبير يا أوبارا‪ .‬سأف ِّك ُر في األمر وأتَّخ ُذ القرار بَعدما أنا ُم»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال للغاية بالفعل»‪.‬‬ ‫‪« -‬لقد نمت‬
‫‪« -‬ربما تكونين محقَّةً‪ .‬سأرس ُل ِ‬
‫لك خبرًا في (صنسپير)»‪.‬‬
‫قالت أوبارا‪« :‬ما دا َم خبر الحرب»‪ ،‬ودا َرت على عقبيْها وغاد َرت غاضبةً كما أتَت‪ ،‬عائدةً إلى االسطبل‬
‫حصان جديد توطئةً النطالق ٍة مته ِّورة أخرى على الطَّريق‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫من أجل‬
‫بق َي ال ِمايستر كاليوت بجسده المستدير وقامته القصيرة‪ ،‬وسأ َل‪« :‬هل تُؤلِمك ساقاك يا سم َّو األمير؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬هل ال َّشمس ساخنة؟»‪.‬‬ ‫ب ً‬‫ابتس َم األمير بشحو ٍ‬
‫‪« -‬هل أجلبُ دوا ًء لأللم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬أحتا ُج إلى االحتفاظ بقُدرتي على التَّفكير»‪.‬‬
‫تر َّدد ال ِمايستر لحظةً قبل أن يقول‪« :‬سم َّو األمير‪ ،‬هل‪ ...‬هل من الحكمة أن تسمح لليدي أوبارا بالعودة إلى‬
‫(صنسپير)؟ مؤ َّكد أنها ستُل ِهب مشاعر العا َّمة‪ .‬لقد أحبُّوا أخاك كثيرًا»‪.‬‬
‫ق‪ .‬يجب أن أعود‬ ‫ط بأصابعه على صُدغيه مضيفًا‪« :‬ال‪ ،‬أنت مح ٌّ‬ ‫قال األمير‪« :‬كلُّنا أحببناه كثيرًا»‪ ،‬وضغ َ‬
‫إلى (صنسپير) أيضًا»‪.‬‬
‫عا َد الرَّجل المستدير الصَّغير يتر َّدد قبل أن يسأله‪« :‬أهذا تصرُّ ف حكيم؟»‪.‬‬
‫رسل خي ًَّاال إلى ريكاسو وتجعله يفتح مسكني في (بُرج‬
‫‪« -‬ليس حكي ًما لكنه ضروري‪ .‬األفضل أن تُ ِ‬
‫ال َّشمس)‪ ،‬وبلِّغ ابنتي آريان أنني سأص ُل غدًا»‪.‬‬
‫أميرتي الصَّغيرة‪ .‬كم يفتقدها قائد ال َحرس‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر مح ِّذرًا‪« :‬سوف يراك النَّاس»‪.‬‬
‫يفهم القائد ما يعنيه‪ .‬قبل عامين‪ ،‬حين رحلوا من (صنسپير) إلى سكينة (الحدائق المائيَّة) و ُعزلتها‪ ،‬لم يكن‬
‫نِقرس األمير دوران بهذا السُّوء‪ .‬في تلك األيام كان ال يزال يمشي ‪-‬ولو ببطء‪ -‬متَّكئًا على ُع َّك ٍ‬
‫از وتلتوي‬
‫قسماته أل ًما مع ك ِّل ُخطوة‪ ،‬لكن األمير لم ي ُِرد أن يعرف أعداؤه كم صا َر ضعيفًا‪ ،‬و(القصر القديم) ومدينته‬
‫الظَّليلة مليئان باألعيُن‪ .‬أعيُن وساللم ال يستطيع أن يصعدها‪ .‬عليه أن يطير كي يَبلُغ ق َّمة (بُرج ال َّشمس)‪.‬‬
‫قال األمير‪« :‬يجب أن يراني النَّاس‪ .‬ال بُ َّد أن يُهَدِّئ أحدهم الموقف‪ ،‬وال بُ َّد من تذكير (دورن) بأنها ما َ‬
‫زال‬
‫بوهن مضيفًا‪« :‬حتى إن كان عجو ًزا أقعدَه النِّقرس»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لها أمير»‪ ،‬وابتس َم‬
‫قال كاليوت‪« :‬إذا ُعدت إلى (صنسپير) فعليك أن تلتقي األميرة مارسال‪ .‬سيكون فارسها األبيض معها‪...‬‬
‫وأنت تعلم أنه يَكتُب رسائل لملكته»‪.‬‬
‫‪ُّ « -‬‬
‫أظن هذا»‪.‬‬
‫ف َّكر القائد عابسًا‪ :‬الفارس األبيض‪ .‬كان السير آريس قد جا َء (دورن) ليعتني بأميرته‪ ،‬تما ًما كما جا َء آريو‬
‫هوتا مع أميرته هو ذات يوم‪ .‬حتى االسمين متشابهان على نح ٍو غريب‪ :‬آريو وآريس‪ ،‬لكن التَّشابُه بينهما‬
‫ك القائد (نورڤوس) ورُهبانها الملتحين‪ ،‬أ َّما السير آريس أوكهارت فما زا َل يخدم‬ ‫ال يتع َّدى هذا‪ ،‬إذ تر َ‬
‫ع معيَّن من الحُزن متى رأى الرَّجل في معطفه النَّاصع الطَّويل كلَّما‬ ‫العرش الحديدي‪ .‬يَشعُر هوتا بنو ٍ‬
‫أرسلَه األمير إلى (صنسپير)‪ ،‬ويحسُّ أن يو ًما سيأتي ويتقاتَل فيه االثنان‪ ،‬وفي ذلك اليوم سيموت‬
‫ً‬
‫متسائال إن كان ذلك اليوم‬ ‫أوكهارت بجمجم ٍة ه َّشمتها فأس القائد الطَّويلة‪ .‬مرَّر يده على قناة الفأس الملساء‬
‫يدنو‪.‬‬
‫كان األمير يقول‪« :‬األصيل في نهايته‪ .‬سننتظر حتى الصَّباح‪ .‬احرص على أن يكون هودجي جاه ًزا مع‬
‫أول خيوط الضَّوء»‪.‬‬
‫حنى كاليوت رأسه ً‬
‫قائال‪« :‬كما تأمر»‪ ،‬وتنحَّى القائد جانبًا ليجعله يمرُّ ‪ ،‬وأصغى إلى ُخطواته المبتعدة‪.‬‬
‫ت خافت‪« :‬أيها القائد»‪.‬‬ ‫قال األمير بصو ٍ‬
‫تق َّدم هوتا مط ِّوقًا فأسه الطَّويلة بيده وشاعرًا بنعومة ال َّدردار كأنه بشرة امرأ ٍة على َكفِّه‪ ،‬ول َّما بل َغ ال ُكرسي‬
‫ق األرض بكعبها بق َّو ٍة معلنًا حضوره‪ ،‬لكن األمير ظَ َّل مسلِّطًا عينيه على األطفال وحدهم‪،‬‬ ‫المتحرِّك َد َّ‬
‫صباك في (نورڤوس) أيها القائد؟ أو أخوات؟»‪.‬‬ ‫وسألَه‪« :‬هل كان لك إخوة في ِ‬
‫ي‪ ،‬ف ٌم آ َخر‬ ‫كنت أصغرهم»‪ .‬أصغرهم وغير مرغوب ف َّ‬ ‫ُ‬ ‫أجاب هوتا‪« :‬االثنان‪ ،‬أخوان وثالث أخوات‪.‬‬ ‫َ‬
‫يحتاج إلى الطَّعام‪ ،‬صب ٌّي كبير يأكل كثيرًا وسرعان ما كب َر على ثيابه‪ .‬ال عجب أن أهله باعوه للرُّ هبان‬
‫الملتحين‪.‬‬
‫يت عن األمل‬ ‫كنت األكبر‪ ،‬ومع ذلك فأنا األخير‪ .‬بَعد موت مورس وأوليڤار في مهديْهما تخلَّ ُ‬ ‫قال األمير‪ُ « :‬‬
‫كنت في التَّاسعة‪ُ ،‬مرافقًا أخدم على (ساحل الملح)‪ ،‬وعندما وص َل‬ ‫ُ‬ ‫في أن يكون لي إخوة‪ .‬حين ُولِدَت إليا‬
‫طفل لن‬ ‫كنت كبيرًا بما فيه الكفاية ألن أفهم أن ال ِّ‬ ‫ُ‬ ‫بشهر كامل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫حامال خبر والدة أ ِّمي مب ِّكرًا‬ ‫إلينا ال ُغداف‬
‫دت له أنها ستموت قريبًا‪ ،‬لكنها‬ ‫يعيش‪ ،‬وحتى عندما أخب َرني اللورد جارجالن بأن أ ِّمي أنجبَت لي أختًا أ َّك ُ‬
‫رجال بال ًغا وهما يلعبان في هذه‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كنت‬ ‫وصل أوبرين يَصرُخ ويَر ُكل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عا َشت برحمة (األُم)‪ ،‬وبَعد ٍ‬
‫عام‬
‫رحل كالهما»‪.‬‬‫َ‬ ‫المسابح‪ ،‬لكن هأنذا جالس هنا بينما‬
‫يدر آريو هوتا بِ َم ير ُّد‪ .‬إنه مجرَّد قائد َحرس‪ ،‬ولم يزل غريبًا على هذه األرض وإلهها ذي الوجوه‬ ‫لم ِ‬
‫احم‪ .‬هذه هي اليمين التي حلفَها وهو في السَّادسة عشرة من‬
‫أطع‪ِ ،‬‬
‫السَّبعة‪ ،‬حتى بَعد ك ِّل تلك السِّنين‪ .‬اخ ِدم‪ِ ،‬‬
‫لرجل بسيط كما قال الرُّ هبان الملتحون‪ ،‬لكنه ليس مد َّربًا على‬
‫ٍ‬ ‫العُمر‪ ،‬يوم تز َّوج فأسه‪ .‬يمين بسيطة‬
‫نصيحة األمراء الحزانى‪.‬‬
‫قدم من حيث‬ ‫ت ثقيل على بُعد أقلِّ من ٍ‬ ‫كالم ير ُّد به حين سقطَت بُرتقالة أخرى بصو ٍ‬ ‫زال يبحث عن ٍ‬ ‫كان ما َ‬
‫يجلس األمير‪ ،‬وقد جف َل دوران للصَّوت كأنه آل َمه بوسيل ٍة ما‪ ،‬ثم إنه تنهَّد وقال‪« :‬كفى‪ ،‬يكفي هذا‪ .‬اترُكني‬
‫ت أخرى»‪.‬‬ ‫يا آريو‪ ،‬دَعني أشاهد األطفال بضع ساعا ٍ‬
‫ظ َّل‬ ‫اكتسب الهواء شيئًا من البرودة ودخ َل األطفال بحثًا عن ال َعشاء‪ ،‬ومع ذلك َ‬ ‫َ‬ ‫عندما غربَت ال َّشمس‬
‫جلب له أحد الخدم‬ ‫َ‬ ‫األمير جالسًا تحت أشجار البُرتقال متطلِّعًا إلى المسابح السَّاكنة ومن ورائها البحر‪.‬‬
‫وشرب كأسًا من‬ ‫َ‬ ‫فأكل القليل‬
‫َ‬ ‫وعا ًء من ال َّزيتون األرجواني مع ال ُخبز المد َّور والجُبنة ومعجون ِ‬
‫الح َّمص‪،‬‬
‫النَّبيذ الحُلو القوي الذي يحبُّه‪ ،‬ول َّما فرغَت الكأس عا َد يمألها‪ .‬أحيانًا في ساعات الصَّباح السَّوداء يغلبه‬
‫ف‬ ‫النَّوم وهو جالس في مكانه‪ ،‬وعندئ ٍذ فقط دحر َج القائد ُكرسيَّه في ال ُّشرفة المضاءة بنور القمر ما ًّرا َ‬
‫بص ٍّ‬
‫من األعمدة الرَّفيعة وتحت قنطر ٍة أنيقة‪ ،‬ودخ َل به حُجرةً تطلُّ على البحر فيها فِراش عليه مالءات خفيفة‬
‫أن دوران عندما حرَّكه القائد‪ ،‬لكن اآللهة كانت رحيمةً ولم يستيقظ‪.‬‬ ‫من الكتَّان‪َّ .‬‬
‫ط ال ِمشحذ والقُماش المزيَّت‬ ‫جلس على السَّرير الضيِّق والتق َ‬
‫َ‬ ‫جاور حُجيرة نوم القائد حُجرة األمير‪ ،‬وهناك‬ ‫تُ ِ‬
‫من ُك َّوتهما وبدأ يعمل‪ .‬يوم و َسموه قال له الرُّ هبان الملتحون أن يُحافِظ على ح َّدة فأسه‪ ،‬وهذا ما التز َمه‬
‫دائ ًما‪.‬‬
‫وبينما َس َّن هوتا الفأس اتَّجهت أفكاره إلى (نورڤوس)‪ ،‬إلى المدينة العالية على التَّ ِّل والمدينة الواطئة على‬
‫زال بإمكانه أن يسمع أصوات األجراس الثَّالثة؛ جلجلة (نووم) العميقة التي كانت تبعث الرَّجفة‬ ‫النَّهر‪ .‬ما َ‬
‫ضيَّة العذبة‪ .‬من جدي ٍد مألَ فمه مذاق‬ ‫في عظامه ذاتها‪ ،‬ودقَّات (نارا) القويَّة الفخور‪ ،‬وضحكات (نايل) الف ِّ‬
‫الكعك ال ِّشتوي الغني بال َّزنجبيل وجوز الصَّنوبر وقِطع الكرز‪ ،‬والذي يتلوه شراب الناشا‪ ،‬وهو حليب‬
‫ب من الحديد‪ .‬رأى أ َّمه في فُستانها ذي الياقة المصنوعة من فرو‬ ‫ماعز مخ َّمر من َّكه بالعسل يُقَ َّدم في كو ٍ‬
‫السَّناجب‪ ،‬الذي اعتادَت أن ترتديه م َّرةً واحدةً فقط في العام‪ ،‬عند ذهابهم لمشاهَدة الدِّببة تَرقُص على‬
‫منتصف صدره بالوسم‪ .‬كان‬ ‫َ‬ ‫(ساللم ال ُخطاة)‪ ،‬و َش َّم رائحة ال َّشعر المحترق المنفِّرة إذ َمسَّ الرَّاهب الملتحي‬
‫حسب أن قلبه سيتوقَّف‪ ،‬لكن آريو هوتا لم يجفل‪ ،‬ولم ين ُم ال َّشعر ثانيةً فوق وسم‬ ‫َ‬ ‫األلم شنيعًا لدرجة أنه‬
‫الفأس‪.‬‬
‫فقط حين أصب َحت حافتا الفأس حا َّدتيْن لدرجة أنك تستطيع أن تحلق لحيتك بهما‪ ،‬وض َع القائد زوجته‬
‫المصنوعة من ال َّدردار والحديد على السَّرير‪ ،‬ثم خل َع مالبسه المتَّسخة وهو يتثا َءب وألقاها على األرض‪،‬‬
‫وتم َّدد على الحشيَّة المبطَّنة بالقَش‪ .‬تفكيره في الوسم جعلَه يستح ُّكه‪ ،‬فح َّكه قبل أن يُس ِدل جفنيه مف ِّكرًا‪ :‬كان‬
‫الالذع‪ ،‬وبملمس العُصارة‬ ‫وغاب في النَّوم حال ًما بمذاقها الحُلو َّ‬
‫َ‬ ‫حريًّا بي أن أجمع البُرتقاالت التي سق َ‬
‫طت‪،‬‬
‫الحمراء اللَّزجة على أصابعه‪.‬‬
‫تعجَّل الفَجر في طلوعه‪ ،‬وخارج االسطبالت وقف أصغر الهوادج التي تجرُّ ها ثالثة أحصنة جاه ًزا‬
‫لألمير‪ ،‬الهودج المصنوع من خشب األَرز بستائره الحرير الحمراء‪.‬‬
‫الحراب من الثَّالثين المكلَّفين بحراسة (الحدائق المائيَّة)‪،‬‬ ‫انتقى القائد الصطحابه عشرين من ح َملة ِ‬
‫وسيبقى اآلخَ رون لحماية المكان واألطفال الذين يض ُّمون عددًا من أوالد اللوردات الكبار وال ُّتجَّار‬
‫األثرياء‪.‬‬
‫على الرغم من أن األمير ذك َر الرَّحيل مع أول خيوط الضَّوء‪ ،‬كان آريو هوتا يعلم أنه سيتل َّكأ‪ ،‬وبينما ساع َد‬
‫ضرات‬ ‫ال ِمايستر دوران مارتل على االستحمام ثم ض َّمد مفاصله الملتهبة بالكتَّان المغموس في المستح َ‬
‫الملطِّفة‪ ،‬ارتدى القائد قميصًا من األقراص ال ُّنحاسيَّة يُالئِم رُتبته‪ ،‬وفوقه معطفًا فضفاضًا من الحرير‬
‫الرَّملي المصبوغ َّ‬
‫بالذهبي والبنِّي المائل إلى الرَّمادي‪ ،‬ليحجب ال َّشمس عن ال ُّنحاس‪ .‬يُن ِذر هذا النَّهار بأنه‬
‫سيكون حا ًّرا‪ ،‬وقد مضى زمن طويل منذ تخلَّص القائد من معطفه الثَّقيل المصنوع من َشعر الخيل‬
‫الجلد المطعَّمة بالحديد‪ ،‬اللتين اعتا َد ارتداءهما في (نورڤوس)‪ ،‬فارتداؤهما هنا في (دورن) كفيل‬ ‫وسُترته ِ‬
‫بأن يسلقه‪ ،‬على أنه احتفظَ بخوذته الحديد القصيرة بريشتها ذات البروزات الحا َّدة‪ ،‬وإن كان يعتمرها اآلن‬
‫ملفوفةً بالحرير البُرتقالي‪ ،‬حاب ًكا إياه في البروزات وحولها‪ ،‬فلوال هذا ستُصيبه أشعَّة ال َّشمس التي تضرب‬
‫المعدن بالصُّ داع قبل أن ي ِ‬
‫ُبصروا القصر‪.‬‬
‫ُفطر قبل أن يتحرَّك‪ ،‬وأك َل بُرتقالةً دمويَّةً وطبقًا من بيض‬ ‫زال األمير لم يستع َّد للرَّحيل‪ .‬قرَّر أن ي ِ‬
‫وما َ‬
‫النَّوارس بقِطع اللَّحم المق َّدد والفلفل الحرِّيف‪ ،‬وبَعدها لم يكن هناك مف ٌّر من أن يُ َودِّع عددًا كبيرًا من‬
‫األطفال الذين صا َرت لهم أفضليَّة خاصَّة عنده؛ ابن دالت‪ ،‬وولدَي الليدي بالكمونت‪ ،‬والفتاة اليتيمة التي‬
‫بدثار فاخر من (مير)‬ ‫ٍ‬ ‫كان أبوها يبيع األقمشة والتَّوابل على ضفاف (ال َّدم األخضر)‪ .‬غطَّى دوران ساقيه‬
‫وهو يُ َكلِّمهم‪ ،‬ليقي الصِّغار منظر مفاصله الملتهبة المض َّمدة‪.‬‬
‫ظهر حمار‪ ،‬والبقيَّة‬ ‫كان النَّهار قد انتصفَ عندما تحرَّكوا‪ ،‬األمير في هودجه‪ ،‬وال ِمايستر كاليوت على َ‬
‫الحراب ووراءهم خمسة‪ ،‬وخمسة آخَ رون على كلٍّ من جانبَي‬ ‫سار خمسة من ح َملة ِ‬ ‫على األقدام‪ .‬أمامهم َ‬
‫الهودج‪ ،‬أ َّما آريو هوتا نفسه فاتَّخذ موقعه المعتاد على يسار األمير‪ ،‬مري ًحا فأسه الطَّويلة على كتفه وهو‬
‫يمشي‪ .‬يمضي الطَّريق من (صنسپير) إلى (الحدائق المائيَّة) على ساحل البحر‪ ،‬فصاحبَهم النَّسيم البارد‬
‫المنعش إذ قطعوا اليابسة القاحلة بحجارتها ورمالها البنِّيَّة الضَّاربة إلى الحُمرة وأشجارها الملتوية ناقصة‬
‫النُّمو‪.‬‬
‫صف الطَّريق لحقَت بهم أفعى الرِّ مال الثَّانية‪.‬‬ ‫وفي منت َ‬
‫ب راكبةً جواد صحراء ذهبيًّا له ُعرف كالحرير األبيض النَّاعم‪ .‬حتى على متن‬ ‫فجأةً ظه َرت فوق كثي ٍ‬
‫الحصان تبدو الليدي نيم بهيَّة الطَّلعة‪ ،‬وقد تألَّقت في ثوبها األرجواني الفاتح وحرملتها الحرير الكبيرة‬
‫فرف مع ك ِّل هبَّة ريح وتجعلها تبدو كأنها على وشك التَّحليق‪ .‬نايميريا‬ ‫بلونيها القشدي والنُّحاسي‪ ،‬التي تُ َر ِ‬
‫كصفصافة‪ ،‬ويُ َكلِّل رأسها َشعر أسود مسترسل عقدَته في‬ ‫ساند في الخامسة والعشرين من العُمر‪ ،‬هيفاء َ‬
‫الذهب األحمر‪ ،‬وتنسحب مقدِّمته المدبَّبة إلى الوراء فوق عينيها ال َّداكنتيْن كعينَي‬ ‫بسلك من َّ‬
‫ٍ‬ ‫جديل ٍة مربوطة‬
‫أبيها‪ .‬بعظم وجنتيها المرتفع وشفتيها الممتلئتيْن وبشرتها ال َّشاحبة كالحليب تتحلَّى بك ِّل ال َجمال الذي تفتقِر‬
‫إليه أختها األكبر‪ ...‬لكن أُم أوبارا كانت عاهرةً من (البلدة القديمة)‪ ،‬أ َّما نيم فتنح ِدر من أنبل دماء‬
‫الحراب الرَّاكبين الذين تلت ِمع تروسهم المستديرة في‬ ‫(ڤوالنتيس القديمة)‪ .‬كانت تتبعها دستة من حاملي ِ‬
‫ال َّشمس‪ ،‬وقد نزلوا الكثيب وراءها‪.‬‬
‫أزاح ستائر هودجه ليستمتع أكثر بنسيم البحر‪ ،‬وأبطأَت الليدي نيم حركة فَرسها َّ‬
‫الذهبيَّة‬ ‫َ‬ ‫كان األمير قد‬
‫الجميلة لتُجاري حركة الهودج‪ ،‬وصا َحت كأن وجودها هنا مصادَفة محضة‪« :‬ما أحسن لُقياك يا ع َّماه!‬
‫أتسمح بأن أركب معك إلى (صنسپير)؟»‪ .‬كان القائد راكبًا على الجانب اآل َخر من الهودج‪ ،‬لكن كالم‬
‫الليدي نيم كلَّه بل َغ مسامعه‪.‬‬
‫أجاب األمير‪« :‬يسرُّ ني هذا»‪ ،‬ولو أن نبرته بدَت للقائد خاليةً من السُّرور‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬النِّقرس والحُزن‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫رفيقان بائسان على الطريق»‪ ،‬وهو ما يعلم القائد أنه يعني أن ك َّل حصا ٍة على األرض تغرس مسمارًا في‬
‫مفاصله المتورِّمة‪.‬‬
‫قالت‪« :‬النِّقرس ال أستطي ُع أن أعينك عليه‪ ،‬أ َّما الحُزن فلم يكن أبي يراه ذا جدوى‪ .‬االنتقام كان ي ِ‬
‫ُناسب‬
‫ذوقه أكثر‪ .‬أصحي ٌح أن جريجور كليجاين اعترفَ بقتل إليا وطفليها؟»‪.‬‬
‫مسمع من البالط كلِّه‪ .‬اللورد تايوين وعدَنا برأسه»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬لقد أعلنَ ذنبه على‬
‫قالت الليدي نيم‪« :‬والالنستر يُ َسدِّد ديونه دائ ًما‪ ،‬لكن يبدو لي أن اللورد تايوين ينوي أن يدفع لنا بعُملتنا‪.‬‬
‫ُقسم أن أبي دغد َغ ذلك الوحش بحربته أكثر من م َّر ٍة‬ ‫ي طائر من السير ديمون العزيز‪ ،‬الذي ي ِ‬ ‫وص َل إل َّ‬
‫خالل نزالهما‪ ،‬وإذا كان ذلك صحيحًا فالسير جريجور في عداد الموتى‪ ،‬وليس بفضل اللورد تايوين»‪.‬‬
‫تقلَّصت مالمح األمير‪ ،‬ولكن سواء أمن ألم النِّقرس أم كالم ابنة أخيه فالقائد ال يدري‪.‬‬
‫‪« -‬ربما يكون صحيحًا»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما؟ أقو ُل إنه كذلك»‪.‬‬
‫‪« -‬أوبارا تُريدني أن أحارب»‪.‬‬
‫ضح َكت نيم قائلةً‪« :‬نعم‪ ،‬تُريد أن تُ ِ‬
‫ضرم النَّار في (البلدة القديمة)‪ .‬إنها تكره تلك المدينة قدر ما تحبُّها أختنا‬
‫الصَّغيرة»‪.‬‬
‫ت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬وأن ِ‬
‫ألقَت نيم نظرةً من فوق كتفها إلى حيث يركب رفاقها على مساف ٍة ال بأس بها وراءها‪ ،‬وسم َعها القائد تقول‪:‬‬
‫كنت في الفِراش مع التَّوأمين فاولر حين بلغَني الخبر‪.‬‬
‫« ُ‬
‫ُ‬
‫لست أحتا ُج إلى‬ ‫ق! هذا كلُّ ما أطلبه منك يا ع َّماه‪ ،‬دَعني أحلِّ ُ‬
‫ق‪.‬‬ ‫هل تعرف كلمات آل فاولر؟ دَعوني أحلِّ ُ‬
‫ش جرَّار‪ ،‬بل إلى واحد ٍة من أخواتي الجميالت فحسب»‪.‬‬
‫جي ٍ‬
‫‪« -‬أوبارا؟»‪.‬‬
‫الالزم‪ ،‬لكن تايين أكثر رقَّةً وعذوبةً من أن يرتاب فيها أحد‪ .‬أوبارا تُريد‬
‫‪« -‬تايين‪ .‬أوبارا صاخبة أكثر من َّ‬
‫س ال‬‫لست ط َّماعةً لهذا ال َحد‪ ،‬وتكفيني أربع أنفُ ٍ‬
‫ُ‬ ‫أن تجعل من (البلدة القديمة) محرقة جنازة أبينا‪ ،‬لكني‬
‫الذهبيَّان عوضًا عن طفلَي إليا‪ ،‬واألسد العجوز عوضًا عن إليا نفسها‪ ،‬وأخيرًا‬ ‫أكثر؛ توأما اللورد تايوين َّ‬
‫الملك الصَّغير مقابل أبي»‪.‬‬
‫‪« -‬الصَّبي لم يُخطئ في حقِّنا قَ ُّ‬
‫ط» ‪.‬‬
‫ق ما يقوله اللورد ستانيس»‪ .‬اختفَت النَّبرة العابثة من‬ ‫‪« -‬الصَّبي نغل وليد الخيانة وزنى المحارم‪ ،‬إذا صد َ‬
‫صوتها‪ ،‬ووج َد القائد نفسه يُراقِبها مضيِّقًا عينيه‪ .‬أختها أوبارا تضع سوطها على َوركها وتحمل حربتها‬
‫على مرأى من الجميع‪ ،‬ومع أن الليدي نيم ال تقلُّ عنها خطورةً فإنها تُواري سكاكينها جيِّدًا‪« .‬لن يغسل‬
‫اغتيال أبي َّإال الدِّماء الملكيَّة»‪.‬‬
‫ً‬
‫اغتياال»‪.‬‬ ‫نزال فردي وهو يُقاتِل في مسأل ٍة ال عالقة له بها‪ .‬ال أع ُّد هذا‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬أوبرين ماتَ في‬
‫‪« -‬فلتع َّده كما تشاء‪ .‬لقد أرسلنا إليهم خيرة رجال (دورن)‪ ،‬وي ِ‬
‫ُرسلون إلينا كيسًا من الرُّ فات»‪.‬‬
‫ضعفهم وق َّوتهم‪ .‬هذا ما قلته له‬‫‪« -‬لقد تجاو َز ك َّل ما طلبته منه‪ .‬قيِّم هذا الملك الصَّبي ومجلسه وس ِّجل نقاط َ‬
‫ونحن في ال ُّشرفة‪ ،‬وكنا نأكل البُرتقال‪ِ .‬جد لنا أصدقاء إذا استطعت‪ ،‬واعرف ما تستطيع عن نهاية إليا‪،‬‬
‫ك وقال‪ :‬متى‬ ‫داع‪ .‬كان هذا كالمي له‪ ،‬لكن أوبرين ضح َ‬ ‫لكن احرص على عدم استفزاز اللورد تايوين بال ٍ‬
‫داع؟ األفضل أن تُ َح ِّذر آل النستر من استفزازي أنا‪ .‬لقد أرا َد العدالة إلليا‪ ،‬لكنه‬ ‫ُ‬
‫استفززت أحدًا‪ ...‬بال ٍ‬
‫رفض أن ينتظر‪.»...‬‬ ‫َ‬
‫شماال قبل أن تبرد جثَّتك‪ ،‬لو‬
‫ً‬ ‫قاط َعته الليدي نيم‪« :‬أبي انتظ َر سبعة عشر عا ًما‪ .‬لو قتلوك أنت لقا َد جيوشه‬
‫الحراب تنهمر كالمطر على (ال ُّتخوم) اآلن»‪.‬‬
‫قتلوك أنت لكانت ِ‬
‫ي َش ٌّ‬
‫ك في هذا»‪.‬‬ ‫‪« -‬ليس لد َّ‬
‫ك في هذا أيضًا يا سم َّو األمير‪ ...‬أنا وأخواتي لن ننتظر سبعة عشر عا ًما لننال‬ ‫قالت‪« :‬وال يَج ُدر بك أن تش َّ‬
‫انتقامنا»‪ ،‬وهمزَت فَرسها وانطلقَت تَر ُكض إلى (صنسپير)‪ ،‬تتبعها حاشيتها بك ِّل سُرعتها‪.‬‬
‫ك هوتا أنه لم ينَم‪ .‬إنه يتألَّم‪ .‬ف َّكر لحظةً أن يُنادي‬‫وأغمض عينيه‪ ،‬وإن أدر َ‬
‫َ‬ ‫ظهره إلى وسائده‬ ‫أسن َد األمير َ‬
‫ال ِمايستر كاليوت إلى الهودج‪ ،‬لكن لو أرادَه األمير دوران لناداه بنفسه‪.‬‬
‫كانت ظالل األصيل طويلةً داكنةً وال َّشمس حمراء ملتهبةً كمفاصل األمير قبل أن يلمحوا أبراج‬
‫أوال (بُرج الحربة) الرَّفيع الذي يرتفع مئةً وخمسين قد ًما وتُتَ ِّوجه حربة من الفوالذ‬ ‫(صنسپير) إلى ال َّشرق؛ ً‬
‫المذهَّب تُضيف ثالثين قد ًما أخرى إلى طوله‪ ،‬ثم (بُرج ال َّشمس) المهيب بقُبَّته َّ‬
‫الذهبيَّة و ُزجاجه المطلي‬
‫بالرَّصاص‪ ،‬وأخيرًا (سفينة ال َّشمس) بلونه البنِّي الضَّارب إلى الرَّمادي الذي يبدو ك ُدرمونة‪ 19‬هائلة جرفَها‬
‫التَّيَّار إلى ال َّشاطئ وتح َّولت إلى حجر‪.‬‬
‫ثالثة فراسخ فقط من الطَّريق السَّاحلي تفصل (صنسپير) عن (الحدائق المائيَّة)‪َّ ،‬إال أنهما عالمان مختلفان‬
‫ت من الرُّ خام ويحمل الهواء‬ ‫تما ًما‪ .‬هناك يمرح األطفال ُعراةً في ال َّشمس وتُعزَف الموسيقى في ساحا ٍ‬
‫الالذعة‪ ،‬وهنا تُف ِعم الهواء روائح ال ُغبار وال َعرق وال ُّدخان وال يعرف‬ ‫رائحة اللَّيمون والبُرتقال ال َّدموي َّ‬
‫ً‬
‫وبدال من الرُّ خام الوردي الذي بُ ِنيَت به (الحدائق المائيَّة)‪ ،‬فإن بنايات‬ ‫اللَّيل سكونًا من أصوات المثرثرين‪،‬‬
‫(صنسپير) من الطَّمي والقَش وتتأر َجح ألوانها بين درجات البنِّي والرَّمادي‪ .‬يرتفع معقل عائلة مارتل‬
‫نواح‪ ،‬وإلى الغرب‪،‬‬‫ٍ‬ ‫لسان أرضي من الحجر والرِّمال‪ ،‬محاطًا بالبحر من ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫العتيق في أقصى شرق‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫في ِظ َّل أسوار (صنسپير) العمالقة‪ ،‬تتشبَّت المحال المبنيَّة بالطوب اللبن واألكواخ الخالية من النَّوافذ‬
‫الكالبات بأبدان السُّفن‪ ،‬وغرب األكواخ والمحال تنتشر االسطبالت والخانات‬ ‫َّ‬ ‫بالقلعة كما تتشبَّث‬
‫والخ َّمارات وبيوت الهوى‪ ،‬كثير منها مط َّوق بأسواره الخاصَّة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا يرتفع المزيد من‬
‫األكواخ عند تلك األسوار‪ .‬وهكذا وهكذا وهكذا‪ ،‬كما يقول الرُّ هبان الملتحون‪ .‬مقارنةً ب(تايروش) أو‬
‫ظل أكثر من بلد ٍة عاديَّة‪ ،‬لكنها أقرب ما لدى الدورنيِّين إلى‬ ‫(مير) أو (نورڤوس ال ُكبرى)‪ ،‬ال تع ُّد مدينة ال ِّ‬
‫مدين ٍة حقيقيَّة‪.‬‬
‫ق وصول الليدي نيم وصولهم بع َّدة ساعات‪ ،‬وال بُ َّد أنها نبَّهت ال ُحرَّاس إلى مجيئهم‪ ،‬ألنهم وجدوا‬ ‫سب َ‬
‫تصطف الب َّوابات بعضها وراء بعض لتُتيح‬ ‫ُّ‬ ‫(الب َّوابة الثُّالثيَّة) مفتوحةً عندما بلغوها‪ .‬في هذه البُقعة فقط‬
‫أميال‬
‫ٍ‬ ‫لل َّزائرين أن يمرُّ وا أسفل األسوار الملتفَّة إلى (القصر القديم) مباشرةً‪ ،‬دون أن يضطرُّ وا إلى قطع‬
‫من األزقَّة الضيِّقَّة واألفنية الخفيَّة واألسواق المزدحمة‪.‬‬
‫راح العوام يصيحون منادين‬ ‫كان األمير دوران قد أسد َل ستائره ما إن أبصروا (بُرج الحربة)‪ ،‬ومع ذلك َ‬
‫إياه في أثناء مروره‪ ،‬فف َّكر القائد بتوتُّر‪ :‬أفاعي الرِّ مال أثاروهم َح َّد الغليان‪ .‬تجا َوزوا السُّور الهاللي‬
‫الخارجي بقذارته ودخلوا من الب َّوابة الثَّانية‪ ،‬حيث أفع َمت الرِّيح روائح القطران والمياه المالحة والطَّحالب‬
‫البحريَّة المتعفِّنة‪ ،‬وازدادَت أعداد الجموع مع ك ِّل ُخطوة‪ .‬صا َح فيهم آريو هوتا بصوته الجهوري وهو‬
‫أفسحوا الطَّريق ألمير (دورن)!»‪.‬‬ ‫أفسحوا الطَّريق لألمير دوران! ِ‬ ‫ق القرميد بكعب فأسه الطَّويلة‪ِ « :‬‬‫يد ُّ‬
‫صرخَ ت امرأة من ورائه‪« :‬األمير مات!»‪.‬‬
‫وهد َر رجل من ُشرفة‪« :‬إلى ِ‬
‫الحراب!»‪.‬‬
‫الحراب!»‪.‬‬ ‫وهتف أحد علية القوم‪« :‬دوران! إلى ِ‬
‫الحراب! الثَّأر لألُفعوان!»‪.‬‬ ‫تخلَّى هوتا عن محا َولة تعرُّ ف المتكلِّمين‪ِّ ،‬‬
‫فالزحام شديد وثُلثهم يهتف‪« .‬إلى ِ‬
‫لدى وصولهم إلى الب َّوابة الثَّالثة كان ال ُحرَّاس يدفعون النَّاس جانبًا إلفساح الطَّريق لهودج األمير‪ ،‬وبدأ‬
‫الحراب وفي يده ثمرة ُر َّمان ِشبه متعفِّنة‪ ،‬لكن‬ ‫ث الثِّياب متجاو ًزا حاملي ِ‬ ‫النَّاس يُلقون أشياء‪ .‬اندف َع صبي َر ُّ‬
‫ك الثَّمرة تَسقُط دون أن يُلقيها وتراج َع مسرعًا‪،‬‬ ‫حين رأى آريو هوتا في طريقه وفأسه الطَّويلة جاهزةً تر َ‬
‫في حين ألقى آخَرون غيره على مساف ٍة أبع َد البُرتقال واللَّيمون أصفره وأخضره هاتفين‪« :‬الحرب!‬
‫فأصيب أحد ال ُحرَّاس في عينه بليمون ٍة وانفج َرت بُرتقالة على قدم القائد نفسه‪.‬‬
‫َ‬ ‫الحراب!»‪،‬‬‫الحرب! إلى ِ‬
‫ظ َّل دوران مارتل مستترًا وراء جُدرانه الحرير إلى أن ابتل َعتهم أسوار‬ ‫ت إجابة من داخل الهودج‪ ،‬و َ‬ ‫لم تأ ِ‬
‫نزلَت ال َّشبكة الحديد من ورائهم بصلصل ٍة صاخبة‪ ،‬وبدأت أصوات الصِّياح تَخفُت‬ ‫ُ‬
‫القلعة السَّميكة جميعًا وأ ِ‬
‫ببُطء‪ .‬كانت األميرة آريان منتظرةً في السَّاحة الخارجيَّة لتُ َحيِّي أباها وحولها نِصف البالط؛ القهرمان‬
‫ريكاسو‪ ،‬والسير مانفري مارتل أمين القلعة‪ ،‬وال ِمايستر مايلز ال َّشاب بردائه الرَّمادي ولحيته النَّاعمة‬
‫المعطَّرة‪ ،‬وأربعون من الفُرسان الدورنيِّين بثيابهم الكتَّان عديدة األلوان‪ ،‬بينما وقفَت مارسال باراثيون‬
‫الصَّغيرة مع ِسپتتها والسير آريس فارس ال َحرس الملكي الذي يتصبَّب عَرقًا في ِدرعه المطليَّة بالمينا‬
‫األبيض‪.‬‬
‫تق َّدمت األميرة آريان من الهودج في ُخفَّين من ِجلد الثَّعابين مربوطيْن حتى فخذيها‪َ ،‬شعرها حُليقات من‬
‫السَّواد الفاحم منسدلة حتى أسفل ظَهرها‪ ،‬وحول جبهتها حلقة من ال ُّشموس ال ُّنحاس‪ .‬قال القائد لنفسه‪ :‬ما‬
‫زالَت ضئيلة الحجم‪ .‬أفاعي الرِّمال طويالت القامة‪ ،‬بينما ورثَت آريان قامة أ ِّمها التي لم تتجا َوز أقدا ًما‬
‫خمسة وبوصتيْن‪ ،‬لكن تحت نطاقها المحلَّى بالجواهر وطبقات الحرير األرجواني والسَّميت‪ 16‬األصفر‬
‫الفضفاضة لها جسد امرأ ٍة غَض مستدير المنحنيات‪ .‬أعلنَت والسَّتائر تُفتَح‪« :‬أبي‪( ،‬صنسپير) مبتهجة‬
‫لعودتك»‪.‬‬
‫ب ووض َع يدًا حمراء منتفخةً على وجنة ابنته مضيفًا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫سمعت البهجة»‪ ،‬وابتس َم بشحو ٍ‬ ‫قال األمير‪« :‬نعم‪،‬‬
‫«تبدين بخير‪ .‬أيها القائد‪ ،‬سا ِعدني على ال ُّنزول من فضلك»‪.‬‬
‫ق لئال يُز ِعج مفاصله الملتهبة‪،‬‬ ‫ط األمير بذراعيه برف ٍ‬‫َدسَّ هوتا فأسه الطَّويلة في حزامها على ظَهره والتق َ‬
‫حبس دوران مارتل شهقة ألم‪.‬‬
‫َ‬ ‫وعلى الرغم من هذا‬
‫‪ 1648 5%‬دقيقة متبقية من «وليمة للغربان ‪ -‬الكتاب الرابع من أغنية الجليد والنار» قالت آريان‪« :‬لقد‬
‫أمرت ُّ‬
‫الطهاة بتجهيز وليم ٍة بك ِّل أصنافك المفضَّلة لهذا المساء»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َر َّد األمير‪« :‬أخشى أن ال شهيَّة عندي»‪ ،‬وتطلَّع بتؤد ٍة في أنحاء السَّاحة‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬ال أرى تايين»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد طلبَت الكالم معك على انفراد‪ ،‬وأرسلتها تنتظرك في قاعة العرش»‪.‬‬
‫تنهَّد األمير‪ ،‬وقال‪« :‬ليكن‪ .‬أيها القائد‪ ،‬فلنَفرُغ من هذا األمر بسُرع ٍة ألستريح»‪.‬‬
‫حملَه هوتا صاعدًا ساللم (بُرج ال َّشمس) الحجريَّة الطَّويلة إلى القاعة ال َّدائريَّة الكبيرة تحت القُبَّة‪ ،‬حيث‬
‫تتسرَّب خيوط ضوء األصيل األخيرة من ُزجاج النَّوافذ السَّميكة ذي األلوان المتعدِّدة لتُ َرقِّط الرُّ خام‬
‫ت من مئة لون‪ ،‬وهناك كانت أفعى الرِّمال الثَّالثة تنتظرهم‪.‬‬ ‫بماسا ٍ‬
‫وجدوها جالسةً متقاطعة السَّاقيْن على وساد ٍة أسفل المنصَّة المرتفعة التي يعتليها المقعدان العاليان‪ ،‬لكنها‬
‫ضت لدى دخولهم‪ ،‬وقد ارتدَت فُستانًا ضيِّقًا من السَّميت األزرق الباهت ب ُك َّمين من شرائط ال ِّزينة‬ ‫نه َ‬
‫تطريز تعمل عليها‪ ،‬وفي الثَّانية‬ ‫ٍ‬ ‫المايريَّة التي جعلَتها تبدو ببراءة (العذراء) نفسها‪ ،‬وفي إحدى يديها قطعة‬
‫الذهب‪َ .‬شعرها ذهب ٌّي أيضًا‪ ،‬وعيناها لُجَّتان زرقاوان عميقتان‪ ...‬ومع ذلك فإنهما ب ٍ‬
‫شكل‬ ‫زوجان من اإلبر َّ‬
‫ما تُ َذ ِّكران القائد بعينَي أبيها‪ ،‬رغم أن عينَي أوبرين كانتا سوداويْن كاللَّيل‪ .‬قال أريو هوتا لنفسه وقد فطنَ‬
‫إلى الحقيقة فجأةً‪ :‬كلُّ بنات األمير أوبرين لهن عيناه األُفعوانيَّتان‪ ،‬ب َغضِّ النَّظر عن اللَّون‪.‬‬
‫قالت تايين ساند‪« :‬ع ِّمي‪ُ ،‬‬
‫كنت أنتظرك»‪.‬‬
‫‪« -‬أيها القائد‪ ،‬سا ِعدني على الجلوس على المقعد العالي»‪.‬‬
‫المزخرفة‬
‫َ‬ ‫ظهره حربة آل مارتل‬ ‫على المنصَّة مقعدان أقرب إلى توأميْن‪ ،‬مع فرق أن أحدهما على َ‬
‫بالذهب‪ ،‬والثَّاني يحمل شمس الروينار الوهَّاجة التي رفرفَت على صواري سُفن نايميريا حين ر َست على‬ ‫َّ‬
‫أجلس القائد األمير أسف َل الحربة وابتع َد‪.‬‬
‫َ‬ ‫سواحل (دورن)‪.‬‬
‫‪« -‬هل األلم بالغ؟»‪ ،‬سألَت الليدي تايين بنبر ٍة رقيقة وقد بدَت عذبةً كالفراولة في الصَّيف‪ .‬كانت أ ُّمها‬
‫ِسپتةً‪ ،‬ولتايين طابع من الرِّ قَّة كأنه من ٍ‬
‫عالم آخَر‪« .‬أهناك ما يُمكنني أن أفعله ألخفِّف األلم؟»‪.‬‬
‫لديك وات ُركيني أستريحُ‪ ،‬إنني مرهَق يا تايين»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬قولي ما‬
‫صنعت هذه من أجلك يا ع َّماه»‪ ،‬وبسطَت القطعة التي تُطَ ِّرزها‪ ،‬التي تُظ ِهر األمير أوبرين مبتس ًما‬
‫ُ‬ ‫قالت‪« :‬‬
‫غ منها‪ ،‬لتُسا ِعدك على تذ ُّكره»‪.‬‬‫رع حمراء‪« .‬إنها لك حين أفر ُ‬
‫على صهوة جوا ٍد صحراوي في ِد ٍ‬
‫أباك»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس واردًا أن أنسى ِ‬
‫‪« -‬جيِّد أن تقول هذا‪ ،‬فكثيرون يتسا َءلون»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد تايوين وعدَنا برأس الجبل»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال‬ ‫الجالد ليس نهايةً تليق بالسير جريجور ال ُّشجاع‪ .‬لقد صلَّينا من أجل موته‬
‫َّ‬ ‫‪« -‬يا للُطفه‪ ...‬لكن سيف‬
‫ُ‬
‫أعرف ال ُّس َّم الذي استخد َمه أبي‪ ،‬وليس هناك ُس ٌّم في‬ ‫صلِّي من أجله أيضًا‪ .‬إنني‬‫ج ًّدا‪ ،‬وعين العدل أن يُ َ‬
‫ً‬
‫مفعوال أو أكثر إيال ًما‪ .‬قد نسمع صُراخ الجبل قريبًا‪ ،‬حتى هنا في (صنسپير)»‪.‬‬ ‫ال ُّدنيا أبطأ‬
‫عنك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ي مطالبةً بالحرب‪ ،‬ونيم قانعة باالغتيال‪ ،‬فماذا‬ ‫زف َر األمير دوران ً‬
‫قائال‪« :‬أوبارا تزعق ف َّ‬
‫قالت تايين‪« :‬الحرب‪ ،‬لكن ليس حرب أختي‪ .‬أحسن قتال الدورنيِّين على أرضهم‪ ،‬لذا أقو ُل أن نشحذ‬
‫ِحرابنا وننتظر‪ ،‬ول َّما يأتينا آل النستر وتايرل سنُدميهم في الممرَّات وندفنهم في الرِّمال كما فعلنا مئة م َّر ٍة‬
‫من قبل»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا إذا أتوا»‪.‬‬
‫وإال عادَت البالد تتم َّزق كما كانت قبل أن نتز َّوج التَّنانين‪ .‬أبي َمن أخب َرني‬ ‫‪« -‬أوه‪ ،‬من المحتَّم أن يأتوا‪َّ ،‬‬
‫أرسل إلينا األميرة مارسال‪ .‬إنها جميلة ج ًّدا‪ ،‬أليس كذلك؟ ليت‬ ‫َ‬ ‫بهذا‪ ،‬قال إن علينا أن نَش ُكر ال ِعفريت ألنه‬
‫لي ُخصالت ك ُخصالتها‪ .‬لقد ُخ ِلقَت لتكون ملكةً‪ ،‬تما ًما ِمثل أ ِّمها»‪ ،‬وأزه َرت الغ َّمازتان في وجنتَي تايين‬
‫الزفاف وأشرف على صُنع التَّاجيْن كذلك‪ .‬تريستان ومارسال شديدا‬ ‫واصل‪« :‬سيُ َشرِّفني أن أرتِّب ِّ‬ ‫وهي تُ ِ‬
‫الزمرُّ د ليتماشى مع عينَي مارسال‪ .‬أوه‪ ،‬ال‬ ‫الذهب األبيض‪ ...‬مع ُّ‬ ‫رت أن يكون التَّاجان من َّ‬ ‫البراءة‪ ،‬لذا ف َّك ُ‬
‫بأس بالماس واللُّؤلؤ أيضًا ما دا َم الطِّفالن سيتز َّوجان ويُتَ َّوجان‪ ،‬وما علينا عندئ ٍذ َّإال أن نُعلِن مارسال‬
‫األولى ملكةً على األنداليِّين والروينار والبَشر األوائل‪ ،‬باعتبارها الوريثة ال َّشرعيَّة لممالك (وستروس)‬
‫السَّبع‪ ،‬وننتظر مجيء األُسود»‪.‬‬
‫ر َّدد األمير ساخرًا‪« :‬الوريثة ال َّشرعيَّة؟»‪.‬‬
‫والمفترض بالقانون أن ينتقل العرش الحديدي إليها»‪.‬‬
‫َ‬ ‫شر َحت تايين كأنه أحمق‪« :‬إنها أكبر من أخيها‪،‬‬
‫‪« -‬القانون الدورني»‪.‬‬
‫‪« -‬عندما تز َّوج الملك دايرون الكريم األميرة ميريا وض َّمنا إلى المملكة كان هناك اتِّفاق يقضي أن يُطَبَّق‬
‫القانون الدورني في (دورن) دو ًما‪ ،‬وللصُّ دفة مارسال في (دورن) اآلن»‪.‬‬
‫قال بنبر ٍة متذ ِّمرة‪« :‬هي كذلك‪ .‬دَعيني أف ِّك ُر في األمر»‪.‬‬
‫ر َّدت تايين بصرامة‪« :‬إنك تُفَ ِّكر كثيرًا ج ًّدا يا ع َّماه»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما كان أبي يقوله»‪.‬‬
‫‪« -‬أوبرين كان يُفَ ِّكر لِما ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬بعض النَّاس يُفَ ِّكر ألنه يخاف أن يفعل شيئًا»‪.‬‬
‫‪« -‬هناك فرق بين الخوف والحذر»‪.‬‬
‫قالت تايين‪« :‬أوه‪ ،‬أدعو َّأال أراك خائفًا أبدًا يا ع َّماه‪ ،‬فقد تنسى أن تتنفَّس»‪ ،‬ورف َعت يدها‪...‬‬
‫ت» ‪.‬‬‫إنك تتجرَّئين يا سيِّدتي‪ .‬ابتعدي عن المنصَّة إذا سمح ِ‬‫قائال‪ِ « :‬‬‫ق القائد الرُّ خام بكعب فأسه ً‬ ‫و َد َّ‬
‫ر َّدت تايين‪« :‬ال أقص ُد أ ًذى أيها القائد‪ .‬إنني أحبُّ ع ِّمي ِمثلما أعل ُم أنه أحبَّ أبي»‪ ،‬وجثَت أمام األمير‬
‫ُ‬
‫زلت‬ ‫آخره‪ .‬أما‬‫أسأت إليك‪ ،‬فقلبي كسير عن ِ‬ ‫ُ‬ ‫جئت ألقوله يا ع َّماه‪ .‬سا ِمحني إذا‬‫ُ‬ ‫مردفةً‪« :‬لقد ُ‬
‫قلت ك َّل ما‬
‫أحظى بحبِّك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬دائ ًما»‪.‬‬
‫أعطني بَركتك إذن وسأذهبُ »‪.‬‬
‫‪ِ «-‬‬
‫تر َّدد دوران هنيهةً قبل أن يضع يده على رأس ابنة أخيه‪ ،‬ويقول‪« :‬تشجَّعي يا صغيرتي»‪.‬‬
‫‪« -‬وكيف ال؟ إنني ابنته»‪.‬‬
‫لم تكد تُغا ِدر حتى هر َع ال ِمايستر كاليوت إلى المنصَّة ً‬
‫قائال‪« :‬سم َّو األمير‪ ،‬إنها لم‪ ...‬دَعني أرى يدك»‪،‬‬
‫ق ليتش َّمم أصابع األمير‪ ،‬ثم قال‪« :‬ال‪ ،‬جيِّد‪ ،‬هذا جيِّد‪ ،‬ليست هناك خدوش‪،‬‬ ‫ف ً‬
‫أوال ثم قلبَها برف ٍ‬ ‫وتفحَّص ال َك َّ‬
‫لذا‪.»...‬‬
‫قال األمير ساحبًا يده‪« :‬هل لي بالقليل من حليب الخشخاش‪ 15‬أيها ال ِمايستر؟ كوب صغير يكفي»‪.‬‬
‫‪« -‬الخشخاش‪ ،‬نعم‪ ،‬بالتَّأكيد»‪.‬‬
‫حثَّه األمير ً‬
‫قائال بهدوء‪« :‬اآلن»‪ ،‬فأسر َع كاليوت إلى السَّاللم‪.‬‬
‫كانت ال َّشمس قد غربَت في الخارج‪ ،‬واصطب َغ الضَّوء داخل القُبَّة ب ُزرقة الغسق‪ ،‬فيما بدأت الماسات على‬
‫ضر وتزول‪ ،‬واألمير جالس على مقعده العالي تحت حربة آل مارتل بوج ٍه ممتقع من األلم‪،‬‬ ‫األرض تُحت َ‬
‫سائال‪« :‬أيها القائد‪ ،‬ما مدى إخالص ُحرَّاسي؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طال التفتَ إلى آريو هوتا‬
‫ت َ‬ ‫وبَعد صم ٍ‬
‫ي شي ٍء آخَر ير ُّد‪« :‬إنهم مخلصون»‪.‬‬
‫عالم بأ ِّ‬
‫أجاب القائد غير ٍ‬
‫َ‬
‫‪« -‬بعضهم أم جميعهم؟»‪.‬‬
‫قال القائد‪« :‬إنهم رجال صالحون‪ ،‬دورنيُّون صالحون‪ ،‬وسيفعلون ما آمرهم به»‪ ،‬و َد َّ‬
‫ق األرض بفأسه‬
‫رجل يخونك»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مردفًا‪« :‬سأقط ُع رأس أ ِّ‬
‫ي‬
‫‪« -‬ال أري ُد رؤوسًا‪ ،‬أري ُد الطَّاعة»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال تُريد؟»‪.‬‬ ‫لرجل بسيط‪« .‬كم‬
‫ٍ‬ ‫احم‪ .‬يمين بسيطة‬
‫أطع‪ِ ،‬‬
‫‪« -‬هي لك»‪ .‬اخ ِدم‪ِ ،‬‬
‫ك لك هذا القرار‪ .‬ربما تُفيدنا قِلَّة من الرِّجال البارعين أكثر من عشرين‪ .‬أري ُد أن يت َّم األمر بأسرع‬
‫‪« -‬سأتر ُ‬
‫وأهدأ ما يُمكن‪ ،‬دون أن تُراق دماء»‪.‬‬
‫‪« -‬بسُرع ٍة وهدوء ودون دماء‪ ،‬نعم‪ .‬ما أوامرك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ستجد بنات أخي وتقبض عليهن وتحبسهن في ال َّزنازين على ق َّمة (بُرج الحربة)»‪.‬‬
‫ف‪« :‬أفاعي الرِّمال؟ ك ُّلهن‪ ...‬ثمانيتهن يا سم َّو األمير؟ والصَّغيرات أيضًا؟»‪.‬‬
‫ق َج َّ‬
‫بحل ٍ‬
‫قال القائد َ‬
‫ف َّكر األمير لحظةً قبل أن يُجيب‪« :‬بنات إالريا أصغر من أن يُ َمثِّلن خطرًا‪ ،‬لكن ربما يسعى أحدهم إلى‬
‫ت في متنا َول اليد‪.‬‬‫استغاللهن ضدي‪ .‬األفضل أن يكن آمنا ٍ‬
‫نعم‪ ،‬الصَّغيرات أيضًا‪ ...‬لكن تايين ونايميريا وأوبارا ً‬
‫أوال»‪.‬‬
‫ُعجب هذا أميرتي الصَّغيرة‪« .‬وماذا عن ساريال؟‬
‫سمو األمير»‪ .‬لن ي ِ‬
‫ُّ‬ ‫ب منزعج‪« :‬كما يأمر‬ ‫قال القائد بقل ٍ‬
‫إنها امرأة ناضجة‪ ،‬تُ ِ‬
‫قارب العشرين»‪.‬‬
‫‪« -‬ما لم ترجع إلى (دورن) فليس هناك ما يُمكنني أن أفعله بشأنها غير أن أصلِّي أن تكون أعقل من‬
‫أخواتها‪ .‬دَع ساريال ل‪ ...‬للُعبتها‪ ،‬واقبض على األخريات‪ .‬لن أنام إلى أن أعرف أنهن آمنات وتحت‬
‫الحراسة»‪.‬‬
‫قال القائد‪« :‬سيت ُّم األمر»‪ ،‬وتر َّدد لحظةً قبل أن يُضيف‪« :‬عندما يَبلُغ الخبر ال َّشوارع سيثور العا َّمة»‪.‬‬
‫ت تَ ِعب‪(« :‬دورن) كلُّها ستثور‪ .‬آم ُل فقط أن يسمعهم اللورد تايوين في (كينجز‬ ‫َر َّد دوران مارتل بصو ٍ‬
‫الندنج) ليعلم أن له صديقًا وفيًّا في (صنسپير)»‪.‬‬
‫سرسي‬
‫في الحُلم رأت نفسها جالسةً على العرش الحديدي‪ ،‬ساميةً عنهم جميعًا‪.‬‬
‫كان أفراد الحاشية فئرانًا زاهية األلوان في األسفل‪ .‬أمامها رك َع كلُّ لورد عظيم وليدي مترفِّعة‪ ،‬ووض َع‬
‫الفُرسان ال ُّشبَّان األشاوس سيوفهم عند قدميها مستجدين حظوتها‪ ،‬وابتس َمت لهم الملكة من عليائها‪ ...‬إلى‬
‫ظهر القزم كأنه بر َز من العدم‪ ،‬يُشير إليها ويعوي ضح ًكا‪ ،‬فبدأ اللوردات والليديهات في القهقهة‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫بدورهم وقد أخفوا ابتساماتهم وراء أيديهم‪ ،‬ولحظتها فقط أدر َكت الملكة أنها عارية‪.‬‬
‫طي نفسها بيديها‪ ،‬وانغر َست نصال العرش الحديدي وأشواكه في لحمها إذ انحنَت‬ ‫مذعورةً‪ ،‬حاولَت أن تُ َغ ِّ‬
‫على نفسها محاولةً تخبئة عورتها‪ ،‬فسالَت الدِّماء حمراء على ساقيها ونه َشت أسنان من الفوالذ ردفيها‪،‬‬
‫ول َّما حاولَت أن تنهض انزلقَت قدمها في فجو ٍة في المعدن المش َّوه‪ ،‬وكلَّما قاو َمت ناشدةً التَّحرُّ ر ابتل َعها‬
‫العرش أكثر‪ ،‬مم ِّزقًا قطعًا من اللَّحم من ثدييها وبطنها ومش ِّرحًا ذراعيها وساقيها‪ ،‬إلى أن اكت َست بلمعة‬
‫الحُمرة ال َّزلقة‪.‬‬
‫وطوال الوقت يتوثَّب أخوها في األسفل ضاح ًكا‪.‬‬
‫ظت فجأةً‪،‬‬ ‫كانت ضحكاته الج ِذلة ال تزال تتر َّدد في أُذنيها حين أحسَّت بلمس ٍة خفيفة على كتفها واستيق َ‬
‫وألق ِّل من لحظ ٍة بدَت اليد جز ًءا من الكابوس‪ ،‬فأطلقَت سرسي صيحةً‪ ،‬لكنها كانت يد سينل ال غير‪ ،‬وقد‬
‫ال َح الخوف على وجه الوصيفة الممتقع‪.‬‬
‫قالت الملكة لنفسها وقد أتاها اإلدراك‪ :‬لسنا وحدنا‪ .‬كانت الظِّالل تُحيط بفِراشها‪ ،‬أشباح طويلة تلتمع‬
‫حلقاتها المعدنيَّة تحت معاطفها‪ ،‬ولكن ليس لل ِّرجال المسلَّحين شأن هنا‪ .‬أين ُحرَّاسي؟ كانت ُغرفة نومها‬
‫مظلمةً تما ًما‪ ،‬ال ضوء فيها َّإال ذلك المنبعث من المصباح الذي يرفعه أحد المتطفِّلين عاليًا‪ .‬يجب َّأال أبدي‬
‫خوفًا‪.‬‬
‫ً‬
‫داخال دائرة الضَّوء‪،‬‬ ‫أزاحت سرسي َشعرها الذي شعَّثه النوم سائلةً‪« :‬ماذا تُريدون مني؟»‪ ،‬فتق َّدم رجل‬ ‫َ‬
‫بأخ فيأتي الثَّاني إليقاظي‪.‬‬
‫وعندما رأت معطفه األبيض قالت‪« :‬چايمي؟»‪ .‬أحل ُم ٍ‬
‫رك»‪ .‬له َشعر متم ِّوج‬
‫حض ِ‬‫أجابَها الصَّوت الذي ليس ألخيها‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬حضرة القائد قال أن نأتي ونُ ِ‬
‫كالذهب المطرَّق‪ِ ،‬مثلها بالضَّبط‪ ،‬أ َّما هذا الرَّجل ف َشعره أسود ُدهني‪ ،‬وقد ح َّدقت‬ ‫كچايمي‪ ،‬لكن َشعر أخيها َّ‬
‫ُ‬
‫زلت أحل ُم‪ ،‬لم أستيقظ ولم ينت ِه‬ ‫مرحاض ونُ َّشابيَّة ويَذ ُكر اسم أبيها‪ .‬ما‬
‫ٍ‬ ‫بكالم ما عن‬
‫ٍ‬ ‫إليه وهو يُغَم ِغم‬
‫كابوسي‪ .‬قريبًا سيزحف تيريون خارجًا من تحت الفِراش ويضحك مني‪.‬‬
‫لكن ما تُفَ ِّكر فيه سُخف‪ .‬أخوها القزم حبيس ال َّزنازين السَّوداء‪ ،‬ومحكوم عليه بالموت اليوم تحديدًا‪ .‬تطلَّعت‬
‫إلى يديها وقلبَتهما لتتأ َّكد من أن أصابعها كلَّها ال تزال موجودةً‪ ،‬وحين تحسَّست ذراعها وجدَت ِجلدها‬
‫ُ‬
‫شربت‬ ‫مقشع ًّرا ولكن سلي ًما‪ ،‬وال جروح في ساقيها أو شقوق في باطن قدميها‪ .‬حُلم‪ ،‬لم يكن أكثر من حُلم‪.‬‬
‫سأكون أنا الضَّاحكة مع حلول الغسق‪ ،‬سيصير ولداي‬ ‫ُ‬ ‫الكثير ليلة أمس‪ ،‬وهذه المخاوف وليدة النَّبيذ فقط‪.‬‬
‫آمنيْن وعرش تومن محفوظًا‪ ،‬ويفقد ڤالونڬاري الصَّغير ال َّشائه رأسه ويتعفَّن‪.‬‬
‫ناولها كوبًا‪ ،‬فأخ َذت سرسي رشفةً لتذوق الماء المخلوط بعصير‬ ‫وجدَت چوسلين سويفت عند ِمرفقها تُ ِ‬
‫اللَّيمون‪ ،‬وكان الذعًا لدرجة أنها بصقَته‪ .‬سم َعت رياح اللَّيل ترجُّ مصاريع النَّوافذ‪ ،‬وأصب َح بإمكانها اآلن‬
‫شجر ِمثل سينل‪ ،‬ورأت سرسي السير‬ ‫ٍ‬ ‫بوضوح كامل غريب‪ .‬كانت چوسلين ترتجف خوفًا كورقة‬ ‫ٍ‬ ‫أن ترى‬
‫حامال المصباح‪ ،‬وعند الباب َحرس النستر‬ ‫ً‬ ‫أوزموند ِكتلبالك واقفًا فوقها‪ ،‬ووراءه السير بوروس بالونت‬
‫الذين تلتمع األُسود المذهَّبة على ريشات خوذاتهم‪ ،‬وقد بدوا خائفين أيضًا‪ .‬تساءلَت الملكة‪ :‬أهذا حقيقي؟‬
‫نوم على كتفيها لتَستُر ُعريها‪ ،‬ثم ربطَت‬ ‫ضت وتر َكت سينل تضع معطف ٍ‬ ‫أيُمكن أن يكون حقيقيًّا؟ نه َ‬
‫الحزام بنفسها بأصابع متيبِّسة خرقاء‪ ،‬وقالت‪« :‬السيِّد والدي يحتفظ ب ُحرَّاسه حوله ليل نهار»‪ .‬أحسَّت‬
‫ثقيال‪ ،‬فأخ َذت رشفةً أخرى من الماء باللَّيمون ود َّورته في فمها لتُن ِعش أنفاسها‪ .‬كانت ُعثَّة قد دخلَت‬
‫بلسانها ً‬
‫المصباح الذي يحمله السير بوروس‪ ،‬وسم َعت سرسي طنينها ورأت ِظ َّل جناحيها وهما يضربان ُّ‬
‫الزجاج‪.‬‬
‫قال أوزموند ِكتلبالك‪« :‬ال ُحرَّاس كانوا في مواقعهم يا جاللة الملكة‪ .‬لقد وجدنا بابًا خفيًّا وراء المستوقَد‪،‬‬
‫طريقًا س ِّريًّا‪ .‬حضرة القائد نز َل ليرى أين يقود»‪.‬‬
‫استحو َذ عليها الفزع فجأةً كالعاصفة‪ ،‬وقالت‪« :‬چايمي؟ المفت َرض أن يكون چايمي مع الملك‪.»...‬‬
‫‪« -‬لم يمسَّ الصَّبي أذى‪ .‬السير چايمي أرس َل دستةً من ال ِّرجال لحراسته‪ .‬جاللته نائم في سالم»‪.‬‬
‫وبإيقاظ أرحم‪َ « .‬من مع الملك؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ُلم أجمل من حُلمي‪،‬‬‫فليحظَ بح ٍ‬
‫رضاك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬السير لوراس له هذا ال َّشرف‪ ،‬بَعد‬
‫لكن هذا ال يُرضيها‪ .‬آل تايرل مجرَّد ُوكال ٍء رف َعهم ملوك التَّنانين فوق مكانتهم كثيرًا‪ ،‬وليس أكبر من‬
‫غرورهم َّإال طموحهم‪ .‬قد يكون السير لوراس وسي ًما كأحالم العذراوات‪ ،‬لكنه تايرل حتى النُّخاع تحت‬
‫معطفه األبيض‪ ،‬وعلى َح ِّد علمها فربما تكون ثمرة اللَّيلة التَّالفة قد ُز ِرعَت وترعرعَت في (هايجاردن)‪.‬‬
‫ك ال تستطيع المجاهَرة به‪ .‬هكذا قالت‪« :‬اسمحوا لي بلحظ ٍة الرتداء ثيابي‪ .‬سير أوزموند‪،‬‬ ‫لكنه َش ٌّ‬
‫ستصحبني إلى (بُرج اليد)‪ .‬سير بوروس‪ ،‬أيقِظ ال َّسجَّانين وتأ َّكد من أن القزم ما زا َل في زنزانته»‪ .‬تَرفُض‬
‫أن تنطق اسمه‪ .‬ح َّدثت نفسها قائلةً‪ُ :‬محال أن يجد َشجاعة أن يرفع يدًا ضد أبينا‪ ،‬لكن عليها أن تتيقَّن‪.‬‬
‫وناول السير أوزموند المصباح‪ ،‬فلم يُثِر استياء سرسي أن‬ ‫َ‬ ‫قال بالونت‪« :‬كما تأمرين يا صاحبة الجاللة»‪،‬‬
‫تراه يرحل‪ .‬لم يكن يَج ُدر بأبي أن يُعيد إليه معطفه األبيض قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬لقد برهنَ الرَّجل على جُبنه‪.‬‬
‫لدى خروجهم من (حصن ميجور) كانت السَّماء قد اصطبغَت ب ُزرق ٍة عميقة كالكوبالت‪ ،‬ولو أن ال ُّنجوم ال‬
‫تزال تلتمع‪ .‬جميعها باستثناء واحد‪ .‬نجم الغرب السَّاطع هوى‪ ،‬واآلن ستُصبِح اللَّيالي أكثر حلكةً‪ .‬توقَّفت‬
‫على الجسر المتحرِّك الممدود فوق الخندق الجاف متطلِّعةً إلى الخوازيق في األسفل‪ ،‬وف َّكرت‪ :‬ما كانوا‬
‫شأن كهذا‪ ،‬ثم إنها سألَت‪َ « :‬من وجدَه؟»‪.‬‬ ‫ي في ٍ‬ ‫ليَجسُروا على الكذب عل َّ‬
‫ذهب يُلَبِّي نداء الطَّبيعة ووج َد حضرة اللورد في المرحاض»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أجاب السير أوزموند‪« :‬أحد ُحرَّاسه‪ ،‬لوم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ال‪ ،‬ال يُمكن أن يكون هذا صحيحًا‪ .‬ليس هكذا يموت األسد‪ .‬أحسَّت الملكة بهدو ٍء غريب‪ ،‬وتذ َّكرت أول‬
‫ي ألم‪ ،‬وإن ولَّدت الفجوة إحساسًا غريبًا في فمها جعلَها‬ ‫صغرها وكيف لم تَشعُر بأ ِّ‬ ‫م َّر ٍة فقدَت فيها ِسنًّا في ِ‬
‫ف عن لمسها بلسانها‪ .‬واآلن ث َّمة فجوة في العالم كان يس ُّدها أبي‪ ،‬والفجوات تحتاج إلى ملء‪.‬‬ ‫ال تستطيع ال َك َّ‬
‫إذا ماتَ تايوين النستر حقًّا فال أحد في أمان‪ ...‬ال سيَّما ابنها على عرشه‪ .‬حين يموت اللَّيث تنقضُّ‬
‫الحيوانات األقلُّ شأنًا‪ ،‬ال ِعقبان وبنات آوى والكالب الضَّارية‪.‬‬
‫ُحاولون تنحيتها جانبًا كما فعلوا دو ًما‪ ،‬وعليها أن تتحرَّك بسُرع ٍة ِمثلما فعلَت حين ماتَ روبرت‪ .‬قد‬ ‫سي ِ‬
‫لهجوم جديد على المدينة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أجير ما‪ ،‬وربما يكون تمهيدًا‬‫ٍ‬ ‫يكون هذا من صُنع ستانيس باراثيون من خالل‬
‫ت‪ .‬سأسحقه كما سحقَه أبي‪ ،‬وهذه المرَّة سيموت‪ .‬ال يُخيفها ستانيس أكثر‬ ‫وهي تأمل أن يكون كذلك‪ .‬فليأ ِ‬
‫مما يُخيفها مايس تايرل‪ ،‬ال أحد يُخيفها‪ .‬إنها اللَّبؤة ابنة (الصَّخرة)‪ .‬لن يكون هناك المزيد من الكالم عن‬
‫َّ‬
‫يستخف بها أحد‬ ‫إرغامي على ال َّزواج مج َّددًا‪( .‬كاسترلي روك) لها اآلن‪ ،‬وكلُّ سُلطة عائلة النستر‪ ،‬ولن‬
‫ثانيةً أبدًا‪ ،‬وحتى عندما تنتهي حاجة تومن إلى وصيَّة ستظلُّ سيِّدة (كاسترلي روك) ق َّوةً ال يُستهان بها في‬
‫البالد‪.‬‬
‫خضَّبت ال َّشمس المشرقة قمم األبراج باألحمر الفاقع‪ ،‬لكن تحت األسوار ظَ َّل اللَّيل رابضًا‪ ،‬وخيَّم على‬
‫ي بهم أن‬‫صدِّق أن أهلها جميعًا قد ماتوا‪ .‬حر ٌّ‬ ‫القلعة الخارجيَّة صمت مطبِق لدرجة أن سرسي كانت لتُ َ‬
‫ق حاشيةً تخدمه في الجحيم‪.‬‬ ‫يموتوا‪ ،‬فال يليق بتايوين النستر أن يموت وحده‪ .‬رجل ِمثله يستح ُّ‬
‫عند باب (بُرج اليد) وقفَ أربعة من حاملي الحراب في المعاطف الحمراء والخوذات ذات ريشة األسد‪،‬‬
‫فقالت لهم‪« :‬ال أحد يَد ُخل أو يَخرُج دون إذني»‪ .‬صد َر منها األمر بسهولة‪ .‬أبي أيضًا كان في صوته‬
‫فوالذ‪.‬‬
‫دمع لم ت َِسل من سرسي كما لم تكن لتسيل من‬‫ٍ‬ ‫أزع َج ُدخان المشاعل عينيها داخل البُرج‪َّ ،‬إال أن قطرة‬
‫أبيها‪ .‬أنا االبن الحقيقي الوحيد الذي أنجبَه‪ .‬احت َّ‬
‫ك كعباها بالحجر وهي تصعد السَّاللم‪ ،‬ولم يزل بإمكانها أن‬
‫تسمع ضربات جنا َحي العُثَّة العنيفة داخل مصباح السير أوزموند‪ ،‬فخاطبَتها الملكة في سريرتها بضيق‪:‬‬
‫موتي‪ ،‬حلِّقي إلى اللَّهب وافرُغي من األمر‪.‬‬
‫على ق َّمة السَّاللم وقفَ حارسان آ َخران بمعطفيْن أحمريْن‪ ،‬وتمت َم لستر األحمر بكلمة عزا ٍء إذ مرَّت به‪.‬‬
‫أحسَّت الملكة بأنفاسها سريعةً قصيرةً وبقلبها يرتجف في صدرها‪ ،‬فقالت لنفسها‪ :‬إنها السَّاللم‪ ،‬هذا البُرج‬
‫بميل في نفسها إلى هدمه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الملعون ساللمه كثيرة للغاية‪ .‬الحقيقة أنها تَشعُر‬
‫وانكمش‬
‫َ‬ ‫ألفَت القاعة مليئةً بالحمقى الذين يتكلَّمون همسًا‪ ،‬كأن اللورد تايوين نائم ويخشون أن يُوقِظوه‪،‬‬
‫ال َحرس والخدم على َح ِّد سوا ٍء منها لدى مرورها وأفواههم تنفتح وتنغلق‪ ،‬فرأت لِثاهم الورديَّة وألسنتهم‬
‫يعن لها شيئًا أكثر من طنين العُثَّة‪ .‬ماذا يفعلون هنا؟ كيف عرفوا؟ المفت َرض أن‬
‫المتراقصة‪ ،‬لكن كالمهم لم ِ‬
‫أوال‪ .‬إنها الملكة الوصيَّة على العرش‪ ،‬أم أنهم نسوا؟ أمام ُغرفة نوم يد الملك‬ ‫يكونوا قد استدعوها هي ً‬
‫فتح مقدِّمة خوذته فجعلَته األكياس الثَّقيلة تحت‬
‫وقفَ السير مرين ترانت بمعطفه و ِدرعه األبيضيْن‪ ،‬وقد َ‬
‫عينيه يبدو كأنه ما زا َل نِصف نائم‪ .‬قالت له‪« :‬أب ِعد هؤالء النَّاس‪ .‬هل أبي في المرحاض؟»‪.‬‬
‫فت َح لها السير مرين الباب مجيبًا‪« :‬حملوه إلى سريره يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫كانت خيوط الضَّوء المائلة تتسرَّب من مصاريع النَّوافذ راسمةً خطوطًا ذهبيَّةً على الحصائر المفروشة‬
‫صلِّي‬ ‫على أرضيَّة ُغرفة النَّوم‪ ،‬ووجدَت الملكة ع َّمها كيڤان على رُكبتيه إلى جوار الفِراش‪ ،‬ي ِ‬
‫ُحاول أن يُ َ‬
‫وبالكاد يستطيع إخراج الكلمات من بين شفتيه‪ .‬تج َّمع ال َحرس قُرب المستوقَد‪ ،‬وقد ال َح الباب ال ِّس ِّري الذي‬
‫ذك َره السير أوزموند مفتوحًا وراء الرَّماد‪ ،‬ال يتع َّدى حجمه حجم فُرن‪ ،‬وهو ما يعني أن المتسلِّل منه عليه‬
‫رجل فقط‪ .‬ال‪ ،‬القزم محبوس في زنزان ٍة سوداء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن يزحف‪ .‬أصابَتها الفكرة بالغضب‪ .‬لكن تيريون نِصف‬
‫زال له مناصرون في المدينة‪ .‬إ َّما هو وإ َّما‬‫ليس ممكنًا أن هذا من صُنعه‪ .‬ستانيس‪ ،‬ستانيس وراء األمر‪ .‬ما َ‬
‫آل تايرل‪...‬‬
‫قتل‬
‫ت س ِّريَّة داخل (القلعة الحمراء)‪ ،‬ويُفت َرض أن ميجور المتوحِّش َ‬ ‫لطالما تر َّدد الكالم عن وجود ممرَّا ٍ‬
‫نوم أخرى فيها أبواب خفيَّة؟ تك َّونت في عقل سرسي فجأةً‬ ‫الذين بنوا القلعة ليُحافِظ على السِّر‪ .‬كم ُغرفة ٍ‬
‫صورة للقزم يَخرُج زاحفًا من وراء إحدى المعلَّقات في ُغرفة تومن وفي يده س ِّكين‪ ،‬لكنها ح َّدثت نفسها‬
‫قائلةً‪ :‬تومن تحت حراس ٍة قويَّة‪ .‬واللورد تايوين كان تحت حراس ٍة قويَّة أيضًا‪.‬‬
‫مرَّت لحظة دون أن تتعرَّف الرَّجل الميت‪ .‬إن له َشعرًا ك َشعر أبيها‪ ،‬نعم‪ ،‬وإنما مؤ َّكد أن هذا رجل آ َخر‪،‬‬
‫رجل أصغر حج ًما وأكبر ِسنًّا بكثير‪ ،‬معطف نومه مرفوع حول صدره تار ًكا إياه عاريًا تحت الخصر‪.‬‬
‫انغرس في لحمه تما ًما لدرجة أن ريشته فقط‬ ‫َ‬ ‫كان السَّهم قد أصابَه فوق خاصرته بين َّ‬
‫الذكر وال ُّسرَّة‪ ،‬وقد‬
‫بارزة‪ ،‬ويبَّست الدِّماء الجافَّة َشعر عانته‪ ،‬بينما بدأ المزيد منها يتخثَّر في ُسرَّته‪.‬‬
‫أخرجوا السَّهم منه‪ .‬إنه يد الملك!»‪ .‬ووالدي‪ ،‬السيِّد‬ ‫جعلَت رائحته أنفها يتقلَّص اشمئزا ًزا‪ ،‬وقالت آمرةً‪ِ « :‬‬
‫والدي‪ .‬أيَج ُدر بي أن أصرخ وأم ِّزق َشعري؟ يقولون إن كاتلين ستارك م َّزقت وجهها تمزيقًا حين قتلوا‬
‫عزيزها روب‪ .‬أرادَت أن تسأله‪ :‬هل كان هذا ليروقك يا أبي أم كنت لتُريدني أن أتحلَّى بالثَّبات؟ هل بكيت‬
‫صار في غاية‬‫َ‬ ‫وسنُّها عام واحد ال أكثر‪ ،‬لكنها تعرف قصَّة اللورد تايتوس الذي‬ ‫أنت أباك؟ لقد ماتَ ج ُّدها ِ‬
‫َ‬
‫حدث‬ ‫انفجر قلبه وهو يصعد السَّاللم إلى عشيقته‪ .‬كان أبوها في (كينجز الندنج) عندما‬ ‫َ‬ ‫يوم‬
‫البدانة‪ ،‬وفي ٍ‬
‫طويال في المدينة وقت طفولتها هي وچايمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هذا‪ ،‬يدًا للملك المجنون‪ ،‬وقد اعتا َد اللورد تايوين أن يغيب‬
‫مكان لم ي َر أحد فيه دموعه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فإذا كان بكى حين أتوه بخبر موت أبيه فقد فعلَها في‬
‫قالت الملكة شاعرةً بأظفارها تنغرس في راحتَي يديها‪« :‬كيف تتركوه هكذا؟ أبي كان يدًا لثالثة ملوك‪،‬‬
‫ق له األجراس كما ُدقَّت لروبرت‪ ،‬وال بُ َّد أن يُ َغسَّل ويُكسى‬‫رجل عرفَته (الممالك السَّبع)‪ .‬ال بُ َّد أن تُ َد َّ‬
‫ٍ‬ ‫أعظم‬
‫الذهب والحرير القرمزي‪ .‬أين پايسل؟ أين پايسل؟!»‪ ،‬والتفتَت‬ ‫ب تليق بمكانته‪ ،‬بفراء القاقوم وقُماش َّ‬
‫‪14‬‬
‫بثيا ٍ‬
‫أحضر ال ِمايستر األكبر پايسل‪ .‬عليه أن يتولَّى العناية باللورد تايوين»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى ال ُحرَّاس قائلةً‪« :‬پوكنز‪،‬‬
‫وذهب يستدعي األخوات الصَّامتات»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َر َّد پوكنز‪« :‬لقد رآه بالفعل يا جاللة الملكة‪ ،‬أتى ورأى‬
‫ُرسل‬
‫ُعجزها عن الكالم‪ .‬ويهرب پايسل لي ِ‬ ‫ق كا َد ي ِ‬
‫آخر َمن أرسلوا يستدعونه‪ .‬أصابَها اإلدراك بحن ٍ‬ ‫ُ‬
‫كنت ِ‬
‫بدال من أن يُلَ ِّوث يديه الرَّقيقتيْن المتغضِّنتيْن‪ .‬هذا الرَّجل عديم الفائدة‪ .‬قالت بنبر ٍة آمرة‪« :‬اعثُر على‬
‫رسالةً ً‬
‫ال ِمايستر باالبار‪ ،‬اعثُر على ال ِمايستر فرنكن‪ ،‬هذا أو ذاك»‪ ،‬فهر َع پوكنز وذو األُذن القصيرة لتلبية األمر‪،‬‬
‫وتساءلَت هي‪« :‬أين أخي؟»‪.‬‬
‫ذهب ليرى ُعمقها»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬نز َل في النَّفق‪ .‬ث َّمة بئر فيها درجات حديد مثبَّتة في الحجر‪ .‬السير چايمي‬
‫أرادَت أن تزعق فيهم‪ :‬إن له يدًا واحدةً فقط‪ .‬كان على أحدكم أن يذهب‪ ،‬فليس لچايمي أن يتسلَّق السَّاللم‪.‬‬
‫قد يكون َمن قتلوا أبي كامنين في األسفل في انتظاره‪.‬‬
‫لطالما كان توأمها مته ِّورًا‪ ،‬ويبدو أن فقدانه يده لم يُ َعلِّمه الحذر‪ .‬كانت على وشك أن تأمر ال َحرس باللَّحاق‬
‫به عندما عا َد پوكنز وذو األُذن القصيرة وبينهما رجل أشيب‪ ،‬وقال ذو األُذن القصيرة‪« :‬جاللة الملكة‪،‬‬
‫هذا الرَّجل يقول إنه كان ِمايستر»‪.‬‬
‫جاللتك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫انحنى الرَّجل بش َّد ٍة ً‬
‫قائال‪« :‬كيف أخد ُم‬
‫تستطع أن تتذ َّكره‪ .‬عجوز‪ ،‬لكن ليس ه َِر ًما كپايسل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وجدَت سرسي وجهه مألوفًا على نح ٍو طفيف‪ ،‬وإن لم‬
‫ما زا َل يتمتَّع بالقليل من الحيويَّة‪ .‬الرَّجل طويل القامة لكن ظَهره محن ٌّي بعض ال َّشيء‪ ،‬وحول عينيه‬
‫البنِّيَّتين الجريئتيْن تجاعيد‪ .‬ورقبته عارية‪ .‬قالت له‪« :‬لست تضع سلسلة ِمايستر»‪.‬‬
‫أخيك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫عالجت يد‬ ‫‪« -‬أُ ِخ َذت مني‪ .‬اسمي كايبرن‪ ،‬بَعد إذن صاحبة الجاللة‪ .‬لقد‬
‫‪« -‬تقصد َجدعة يده»‪ .‬اآلن تَذ ُكر أنه جا َء مع چايمي من (هارنهال)‪.‬‬
‫أستطع أن أنقذ يد السير چايمي‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكن فنوني أنق َذت ذراعه‪ ،‬وربما حياته ذاتها‪ .‬لقد‬‫ِ‬ ‫‪« -‬لم‬
‫أخ َذت (القلعة) سلسلتي‪ ،‬لكن ليس بمقدور أح ٍد هناك أن يأخذ معرفتي»‪.‬‬
‫قالت وقد حز َمت أمرها‪« :‬قد تَصلُح‪ .‬إذا خذلتني ستفقد أكثر من مجرَّد سلسلة‪ ،‬هذا وعد‪ِ .‬‬
‫أخرج السَّهم من‬
‫بطن أبي وجهِّزه لألخوات الصَّامتات»‪.‬‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬وكيف أتعام ُل مع‬ ‫وذهب إلى الفِراش‪ ،‬ثم توقَّف ونظ َر خلفه‬
‫َ‬ ‫قال كايبرن‪« :‬كما تأمر مليكتي»‪،‬‬
‫الفتاة يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬الفتاة؟»‪ .‬لم تنتبِه سرسي إلى الجثَّة الثَّانية‪ ،‬لكنها أسرعَت اآلن إلى الفِراش وط َّوحت كومة األغطية‬
‫ال َّدامية جانبًا‪ ،‬وها هي ذي الفتاة‪ ،‬عارية باردة متو ِّردة‪...‬‬
‫باستثناء وجهها المسود كوجه چوف في مأدبة زفافه‪ ،‬وقد اندفنَت سلسلة من األيدي َّ‬
‫الذهبيَّة التي يش ُّد‬
‫الجلد‪ .‬هسه َست سرسي كه َّر ٍة غاضبة‪،‬‬ ‫والتوت بش َّد ٍة جعلَتها تخترق ِ‬‫َ‬ ‫بعضها على بعض في لحم ُعنقها‪،‬‬
‫وقالت‪« :‬ماذا تفعل هذه هنا؟»‪.‬‬
‫قال ذو األُذن القصيرة‪« :‬وجدناها هنا يا جاللة الملكة‪ .‬إنها عاهرة ال ِعفريت»‪ .‬كأن قوله يُفَسِّر وجودها هنا‪.‬‬
‫حدجت الحارس بنظر ٍة‬ ‫َ‬ ‫ف َّكرت‪ :‬لم يكن السيِّد والدي يُطيق العاهرات‪ ،‬ولم يمسَّ امرأةً بَعدما ماتَت أ ُّمنا‪.‬‬
‫تُ َج ِّمد الدِّماء‪ ،‬وقالت‪« :‬هذا ليس‪ ...‬حين ماتَ أبوه عا َد اللورد تايوين إلى (كاسترلي) روك ليجد‪ ...‬امرأةً‬
‫من هذا النَّوع‪ ...‬تتحلَّى بجواهر أ ِّمه وترتدي أحد فساتينها‪ ،‬فجرَّدها منها ومن ك ِّل شي ٍء آخَ ر‪ ،‬وطيلة‬
‫رجل تلتقيه بأنها لصَّة وبغي‪ .‬هكذا كان‬ ‫ٍ‬ ‫أسبوعيْن ُج ِّر َست عاريةً في شوارع (النسپورت)‪ ،‬لتق َّر لك ِّل‬
‫ب آخَر‪ ،‬وليس ل‪.»...‬‬ ‫اللورد تايوين يتعا َمل مع العاهرات‪ .‬إنه لم‪ ...‬هذه المرأة كانت هنا لسب ٍ‬
‫قال كايبرن مقترحًا‪« :‬ربما كان حضرة اللورد يستجوب الفتاة بشأن سيِّدتها‪ .‬سانزا ستارك اختفَت ليلة قُتِ َل‬
‫ُ‬
‫سمعت»‪.‬‬ ‫الملك حسب ما‬
‫ك في هذا على‬ ‫تمسَّكت سرسي باالقتراح بحماسة‪ ،‬وقالت‪« :‬بالضَّبط‪ .‬ال بُ َّد أنه كان يستجوبها‪ ،‬ال َش َّ‬
‫الخرب‪ ،‬وتسمع‬
‫ِ‬ ‫اإلطالق»‪ .‬كانت ترى تيريون يَنظُر إليها شزرًا ٍ‬
‫بفم ملت ٍو بابتسام ٍة كالقرود تحت أنفه‬
‫القزم يهمس لها‪ :‬وهل من وسيل ٍة أفضل الستجوابها من أن تكون عاريةً فاتحةً ساقيها؟ هكذا أحبُّ أن‬
‫أستجوبها أيضًا‪.‬‬
‫أشاحت الملكة بوجهها‪ .‬لن أنظر إليها‪ .‬فجأةً أصب َح وجودها في ال ُغرفة نفسها مع المرأة الميتة فوق‬ ‫َ‬
‫االحتمال‪ ،‬فاندف َعت متجاوزةً كايبرن وخر َجت إلى الرَّدهة‪.‬‬
‫كان أوزني وأوزفريد أخوا السير أوزموند قد انض َّما إليه‪ ،‬فقالت سرسي لإلخوة ِكتلبالك الثَّالثة‪« :‬هناك‬
‫امرأة ميتة في ُغرفة اليد‪ .‬يجب َّأال يعلم أحد أبدًا بأنها كانت هنا»‪.‬‬
‫‪« -‬حاضر يا سيِّدتي»‪ ،‬قال السير أوزني الذي تلوح على وجنته خدوش باهتة حيث خم َشته واحدة أخرى‬
‫من عاهرات تيريون‪« .‬وماذا نفعل بها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أط ِعموها لكالبكم‪ ،‬احتفظوا بها في سريركم‪ ،‬ال أبالي‪ .‬إنها لم تكن هنا قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬سأقط ُع لسان من يتجرَّأ‬
‫ويقول إنها كانت هنا‪ ،‬مفهوم؟»‪.‬‬
‫تباد َل أوزني نظرةً مع أوزفريد‪ ،‬ثم قال‪« :‬نعم يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫تب َعت األخويْن إلى ال َّداخل وشاهدَت بينما لفَّا الفتاة بأغطية أبيها ال َّدامية‪ِ .‬شاي‪ ،‬كان اسمها ِشاي‪ِ .‬‬
‫آخر م َّر ٍة‬
‫ُناصره في ُمحاكم ٍة‬‫عرض الثُّعبان الدورني الباسم أن ي ِ‬
‫َ‬ ‫رأتها كانت في اللَّيلة السَّابقة ل ُمحاكمة القزم‪ ،‬بَعد أن‬
‫بالنِّزال‪ .‬سألَت ِشاي عن بعض الجواهر التي أعطاها لها تيريون‪ ،‬وعن وعو ٍد معيَّنة تقول إن سرسي‬
‫س يتز َّوجها‪ ،‬فقالت الملكة بمنتهى الوضوح إن العاهرة لن تنال‬ ‫إيوان في المدينة وفار ٍ‬‫ٍ‬ ‫قط َعتها بخصوص‬
‫أنك لم‬ ‫ت وصيفتها‪ ،‬فهل تتوقَّعين أن أصدِّق ِ‬ ‫شيئًا منها إلى أن تُخبِرهم بمكان سانزا ستارك‪ ،‬وأضافَت‪« :‬كن ِ‬
‫تعلمي شيئًا عن مخطَّطاتها؟»‪ ،‬وغاد َرت ِشاي باكيةً‪.‬‬
‫رف َع السير أوزفريد الجثَّة الملفوفة على كتفه‪ ،‬وقالت له سرسي‪« :‬أري ُد هذه السِّلسلة‪ .‬احرص على َّأال‬
‫الذهب»‪ ،‬فأومأ َ أوزفريد برأسه إيجابًا وبدأ يتحرَّك نحو الباب‪َّ ،‬إال أنها استوقفَته قائلةً‪« :‬ال‪ ،‬ليس‬ ‫تخدش َّ‬
‫وأشارت إلى الطَّريق ال ِّس ِّري مردفةً‪« :‬ث َّمة بئر تقود إلى ال َّزنازين‪ ،‬اذهب من هناك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫عبر السَّاحة»‪،‬‬
‫وبينما جثا السير أوزفريد على رُكب ٍة واحدة أمام المستوقَد توهَّج الضَّوء في ال َّداخل وسم َعت الملكة جلبةً‪،‬‬
‫ي الظَّهر كامرأ ٍة مسنَّة‪ ،‬يَر ُكل حذاؤه سُخام نار اللورد تايوين األخيرة ويُ َ‬
‫طيِّره‪ ،‬وقال‬ ‫ثم ظه َر چايمي محن َّ‬
‫لألخويْن ِكتلبالك‪« :‬ابتعدا عن طريقي»‪.‬‬
‫هرعَت سرسي إليه متسائلةً‪« :‬هل وجدتهم؟ هل وجدت القتَلة؟ كم عددهم؟»‪ .‬مؤ َّكد أن هناك أكثر من‬
‫ً‬
‫رجال وحيدًا قت َل أباها‪.‬‬ ‫واحد‪ .‬ال يُمكن أن‬
‫أجاب توأمها وعلى وجهه نظرة منهَكة‪« :‬البئر تنزل إلى حُجر ٍة تتفرَّع منها دستة أنفاق مغلَقة بأبواب‬
‫وجال ببصره في ال ُغرفة مضيفًا‪« :‬قد يكون من‬ ‫َ‬ ‫صدة بالسَّالسل‪ .‬يجب أن أعثر على المفاتيح»‪،‬‬ ‫حديديَّة مو َ‬
‫فعلَها أيًّا كان ال يزال كامنًا وراء الجُدران‪ .‬إنها متاهة مظلمة»‪.‬‬
‫دعك من هذه األفكار السَّخيفة‪ ،‬القزم في زنزانته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تخيَّلت تيريون يزحف بين الجُدران كجر ٍذ وحشي‪ .‬ال‪،‬‬
‫«اه ِدم الجُدران بالمطارق‪ ،‬اه ِدم البُرج كلَّه إذا لز َم األمر‪ .‬أري ُد العثور عليهم‪ .‬أيًّا كان من فعلَها أريده أن‬
‫يُقتَل»‪.‬‬
‫عانقَها چايمي ضاغطًا بيده السَّليمة على أسفل ظَهرها‪ ،‬تفوح منه رائحة الرَّماد وإن كان نور شمس‬
‫الصَّباح في َشعره يُضفي عليه وهجًا ذهبيًّا‪ .‬أرا َدت أن تسحب وجهه إلى وجهها لتُقَبِّله‪ ،‬لكنها قالت لنفسها‪:‬‬
‫الحقًا‪ ،‬الحقًا سيأتيني ينشد المواساة‪ .‬هم َست له‪« :‬إننا وريثاه يا چايمي‪ ،‬وعلينا أن نت َّم عمله‪ .‬ال بُ َّد أن تح َّل‬
‫مح َّل أبينا كيد الملك‪ .‬مؤ َّكد أنك ترى هذا اآلن‪ .‬تومن سيحتاج إليك‪.»...‬‬
‫واجه َجدعته وجهها مباشرةً‪ ،‬وقال‪« :‬يد بال يد؟ ُدعابة رديئة يا أختاه‪ .‬ال تَطلُبي‬ ‫دف َعها عنه ورف َع ذراعه لتُ ِ‬
‫مني أن أحكم»‪.‬‬
‫سم َع ع ُّمهما ص َّدته لها‪ ،‬وكذا كايبرن واألخوان ِكتلبالك اللذان يحمالن الكومة عبر الرَّماد بصعوبة‪ ،‬وحتى‬
‫ال َحرس سمعوه؛ پوكنز وهوك وساق الحصان وذو األُذن القصيرة‪ .‬سيذيع الكالم في القلعة كلِّها بحلول‬
‫المساء‪ .‬أحسَّت سرسي بالحرارة ترتفع إلى وجنتيها‪ ،‬وقالت‪« :‬تَح ُكم؟ لم أقل شيئًا عن الحُكم‪ .‬سأحك ُم أنا‬
‫إلى أن يَبلُغ ابني»‪.‬‬
‫قال أخوها‪« :‬ال أدري على َمن أشف ُ‬
‫ق أكثر‪ ،‬تومن أم (الممالك السَّبع)»‪.‬‬
‫ق ً‬
‫بدال‬ ‫ه َوت على وجهه بصفعة‪ ،‬وارتف َعت ذراع چايمي تص ُّدها بسُرعة القِط‪ ...‬لكن هذا القِط له َجدعة ُمعا ٍ‬
‫من ي ٍد يُمنى‪ ،‬فتر َكت أصابعها عالما ٍ‬
‫ت حمراء على خدِّه‪.‬‬
‫قائال‪« :‬أبوكما مسجَّى ميتًا هنا‪ .‬تحلَّيا باللِّياقة و ُخذا شجاركما إلى‬
‫دف َع الصَّوت ع َّمهما إلى النُّهوض ً‬
‫الخارج»‪.‬‬
‫حنى چايمي رأسه معتذرًا‪ ،‬وقال‪« :‬سا ِمحنا يا ع َّماه‪ .‬أختي أسق َمها الحُزن ونسيَت نفسها»‪.‬‬
‫حسبت أنه يَصلُح ألن يكون يدًا‪ .‬خي ٌر لها أن تُلغي‬
‫ُ‬ ‫أرادَت أن تصفعه ثانيةً لقوله هذا‪ .‬ال بُ َّد أني ُجنِ ُ‬
‫نت حين‬
‫جلب عليها يد الملك َّإال البالء؟ چون آرن وض َع روبرت باراثيون في فِراشها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المنصب ب ُر َّمته‪ .‬منذ متى‬
‫وقبل أن يموت بدأ يحوم حول عالقتها بچايمي أيضًا‪ ،‬ثم بدأ إدارد ستارك من حيث توقَّف آرن‪ ،‬وأجب َرها‬
‫أقرب مما أرادَت‪ ،‬قبل أن تتعا َمل مع أخويْه المزعجيْن‪ ،‬أ َّما‬ ‫ت َ‬ ‫تطفُّله على الخالص من روبرت في وق ٍ‬
‫تيريون فبا َع مارسال للدورنيِّين واتَّخذ أحد ابنيها رهينةً واغتا َل الثَّاني‪ ،‬وحين عا َد اللورد تايوين إلى‬
‫(كينجز الندنج)‪...‬‬
‫وعدَت نفسها قائلةً‪ :‬اليد التَّالي سيعرف مقامه‪ .‬ال بُ َّد أن يكون السير كيڤان‪ ،‬فع ُّمها دؤوب متعقِّل ومطيع‬
‫ألقصى الحدود‪ ،‬وتستطيع االعتماد عليه ِمثل أبيها من قبلها‪ .‬اليد ال تُجا ِدل الرَّأس‪ .‬ث َّمة مملكة عليها أن‬
‫خرف‪ ،‬وچايمي فق َد َشجاعته‬ ‫رجال جُدد لمساعَدتها على الحُكم‪ .‬پايسل منافق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تَح ُكمها‪ ،‬لكنها ستحتاج إلى‬
‫مع يده‪ ،‬ومايس تايرل وصديقاه الحميمان ردواين وروان ليسوا أهل ثقة‪ ،‬وعلى َح ِّد علمها ربما يكون لهم‬
‫عاش تايوين النستر‪.‬‬
‫َ‬ ‫دور في هذا‪ .‬ال ريب أن اللورد تايرل عل َم أنه لن يحكم (الممالك السَّبع) أبدًا ما‬
‫بحذر معه‪ .‬المدينة تعجُّ برجاله‪ ،‬كما أنه نج َح في زرع أحد أبنائه في ال َحرس الملكي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ي أن أتصرَّف‬‫عل َّ‬
‫ويُز ِمع أن يزرع ابنته في ِفراش تومن‪ .‬ما زالَت تتميَّز غيظًا من موافَقة أبيها على خطبة تومن ومارچري‬
‫ُّ‬
‫تشك في صحَّة‬ ‫ضعف ِسنِّه وتر َّملت مرَّتين‪ .‬يَز ُعم مايس تايرل أن ابنته بِكر‪ ،‬لكن سرسي‬‫تايرل‪ .‬الفتاة في ِ‬
‫ُعاشر الفتاة‪ ،‬لكنها كانت زوجة رنلي ً‬
‫أوال‪ ...‬قد يُفَضِّل المرء مذاق‬ ‫هذا‪ .‬چوفري اغتي َل قبل أن ي ِ‬
‫ضع دورقًا من ال ِمزر أمامه وسيعبُّه في لحظات‪ .‬عليها أن تأمر اللورد ڤارس بأن‬ ‫‪17‬‬
‫الهيپوكراس ‪ ،‬لكن َ‬
‫يجمع ما يستطيع من معلومات‪.‬‬
‫َ‬
‫حدث‬ ‫أوقفَها الخاطر في مكانها‪ .‬لقد نسيَت أمر ڤارس‪ .‬المفت َرض أن يكون هنا‪ ،‬إنه موجود دائ ًما‪ .‬متى‬
‫ق ولفظَه‪ .‬چايمي هنا‪ ،‬والع ُّم كيڤان‪ ،‬وپايسل‬ ‫الخصي كأن العدم انش َّ‬
‫ُّ‬ ‫شيء مه ٌّم في (القلعة الحمراء) يظهر‬
‫بإصبع بارد يمسُّ عمودها الفقري‪ .‬إنه جزء من هذا‪ .‬ال بُ َّد أنه‬ ‫ٍ‬ ‫وذهب‪ ،‬لكن ڤارس غائب‪ .‬أحسَّت‬
‫َ‬ ‫جا َء‬
‫يكن ُو ًّدا لول ِّي الهامسين بابتساماته‬
‫أوال‪ .‬لم يكن اللورد تايوين ُّ‬‫خش َي أن يضرب أبي ُعنقه‪ ،‬فوجَّه ضربته ً‬
‫ولي الهامسين‪ .‬ال بُ َّد أنه‬‫المتكلِّفة‪ ،‬وإذا كان هناك رجل واحد يعرف أسرار (القلعة الحمراء) فمؤ َّكد أنه ُّ‬
‫تحالفَ مع اللورد ستانيس‪ .‬لقد خدما معًا في مجلس روبرت رغم ك ِّل شيء‪...‬‬
‫أحضر لي‬ ‫ِ‬ ‫اتَّجهت سرسي مسرعةً إلى باب ال ُغرفة حيث يقف السير مرين ترانت‪ ،‬وقالت له‪« :‬ترانت‪،‬‬
‫أحضره صار ًخا مكب ًَّال إذا دعَت الحاجة‪ ،‬لكن دون أن يمسَّه أذى»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اللورد ڤارس‪،‬‬
‫‪« -‬كما تأمرين يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫لكن لم يكد فارس ال َحرس الملكي يرحل حتى عا َد آ َخر‪ .‬كان السير بوروس بالونت محتقن الوجه متقطِّع‬
‫األنفاس من اندفاعته المتعجِّلة على السَّاللم‪ ،‬ول َّما رأى الملكة قال الهثًا‪« :‬اختفى»‪ ،‬ونز َل على رُكبته‬
‫ي مكان»‪.‬‬ ‫العفريت‪ ...‬زنزانته مفتوحة يا جاللة الملكة‪ ...‬ال أثر له في أ ِّ‬
‫متابعًا‪ِ « :‬‬
‫أمرت بأن يبقى تحت الحراسة ليل نهار‪.»...‬‬‫ُ‬ ‫كان الحُلم حقيقةً‪« .‬لقد‬
‫َر َّد بالونت وصدره يعلو ويهبط بسُرعة‪« :‬أحد ال َّسجَّانين مفقود أيضًا‪ ،‬اسمه روجن‪ ،‬ووجدنا رجليْن‬
‫آ َخريْن نائميْن»‪.‬‬
‫قالت باذلةً قصارى جهدها كي ال تَصرُخ‪« :‬آم ُل أنك لم تُوقِظهما يا سير بوروس‪ .‬اترُكهما نائميْن»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫يهتز‪« :‬نائميْن؟ أمرك يا جاللة الملكة‪ .‬إلى متى أترك‪.»...‬‬ ‫بارتباك ولُغده‬
‫ٍ‬ ‫وتساءل‬
‫َ‬ ‫رف َع عينيه إليها‬
‫‪« -‬إلى األبد‪ .‬اعمل على أن يناما إلى األبد أيها الفارس‪ .‬لن أسمح بأن ينام ال ُحرَّاس في أثناء منا َوبتهم»‪.‬‬
‫إنه بين الجُدران‪ .‬قت َل أبي كما قت َل أ ِّمي كما قت َل چوف‪ .‬تعلم الملكة أن القزم سيأتيها أيضًا‪ ،‬تما ًما كما‬
‫ُ‬
‫رأيت‬ ‫ضحكت في وجهها‪ ،‬لكنها كانت تتمتَّع بقُدرا ٍ‬
‫ت حقيقيَّة‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫تو َّعدتها العجوز في عتمة الخيمة إياها‪.‬‬
‫رأيت هالكي‪ .‬شع َرت بقدميها ضعيفتيْن كالماء‪ ،‬وحاو َل السير بوروس أن يلتقط‬ ‫ُ‬ ‫مستقبَلي في قطرة دم‪،‬‬
‫ذراعها‪ ،‬لكن الملكة جفلَت من لمسته‪ .‬ربما يكون واحدًا من مخلوقات تيريون أيضًا‪ .‬صا َحت‪« :‬ابتعد‬
‫عني‪ ،‬ابتعد!»‪ ،‬وترنَّحت قبل أن تُثَبِّت نفسها‪.‬‬
‫قال بالونت‪« :‬هل أحض ُر كوبًا من الماء يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫راحت المشاعل تدور حولها‪ ،‬فأغلقَت سرسي‬
‫ما أحتا ُج إليه هو ال َّدم ال الماء‪ ،‬د ُم تيريون‪ ،‬د ُم الڤالونڬار‪َ .‬‬
‫ُ‬
‫أوشكت على الخالص منه‪ .‬لكن أصابعه انغلقَت حول‬ ‫ُ‬
‫كنت‬ ‫عينيها ورأت القزم يبتسم لها باتِّساع‪ .‬ال‪ ،‬ال‪،‬‬
‫رقبتها‪ ،‬وأحسَّت بها تبدأ في االنطباق‪.‬‬
‫بِريان‬
‫ت في الثَّالثة عشرة‪ ،‬بنت رفيعة النَّسب رائعة‬ ‫ُ‬
‫أبحث عن بن ٍ‬ ‫قالت للعقيلة ال َّشيباء الواقفة عند بئر القرية‪« :‬‬
‫س سمين في األربعين‪ ،‬أو ربما مع‬ ‫ال َجمال‪ ،‬عيناها زرقاوان و َشعرها كستنائي‪ .‬قد تكون ُمسافرةً مع فار ٍ‬
‫مهرِّج‪ .‬هل رأيتِها؟»‪.‬‬
‫أجابَت العقيلة وهي تَنقُر على جبهتها بمفاصل أصابعها‪« :‬ليس حسب ما أذك ُر أيها الفارس‪ ،‬لكن أعدك بأن‬
‫أُبقي عيني مفتوحةً»‪.‬‬
‫الح َّداد كذلك لم ي َرها‪ ،‬وال السِّپتون في ِسپت القرية‪ ،‬وال راعي الخنازير بقطيعه‪ ،‬وال الفتاة التي تقلع‬
‫البصل في حديقتها‪ ،‬أو أيٌّ من العا َّمة البُسطاء الذين وجدَتهم عذراء (تارث) وسط أكواخ (روزبي) المبنيَّة‬
‫الطرق إلى‬ ‫بالجصِّ واألغصان المجدولة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا ثاب َرت بِريان وقالت لنفسها‪ :‬هذا أقصر ُّ‬ ‫ِ‬
‫(وادي الغسق)‪ .‬إذا مرَّت سانزا من هنا فال بُ َّد أن أحدًا رآها‪ .‬عند ب َّوابة القلعة ألقَت سؤالها على حارسيْن‬
‫الحراب‪ ،‬على شارة كلٍّ منهما ثالثة جملونات‪ 19‬حمراء على خلفيَّ ٍة بيضاء مرقَّطة باألسود‪ ،‬رمز‬ ‫يحمالن ِ‬
‫ً‬
‫طويال»‪ ،‬أ َّما‬ ‫عائلة روزبي‪ .‬قال لها أكبرهما ِسنًّا‪« :‬إذا كانت على الطَّريق هذه األيام فلن تظ َّل بنتًا‬
‫أصغرهما فسألَها إن كان للبنت ذلك ال َّشعر الكستنائي بين ساقيها أيضًا‪.‬‬
‫حصان أرقط في أقصى‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫نحيال على متن‬ ‫لن أجد عونًا هنا‪ .‬بينما امتطَت بِريان فَرسها مج َّددًا لم َحت فتى‬
‫القرية‪ ،‬فف َّكرت‪ :‬لم أتكلَّم مع هذا الصَّبي‪ ،‬لكنه اختفى وراء السِّپت قبل أن تسعى إليه‪ ،‬فلم تُ َكلِّف نفسها عناء‬
‫مكان واسع على‬ ‫ٍ‬ ‫اللَّحاق به‪ ،‬فعلى األرجح ال يعرف شيئًا أكثر من اآلخَ رين‪( .‬روزبي) ليست أكثر من‬
‫ً‬
‫شماال‬ ‫الطَّريق‪ ،‬وليس هناك ما يحمل سانزا على البقاء فيها‪ .‬هكذا عادَت بِريان إلى الطَّريق واتَّجهت‬
‫وشرقًا‪ ،‬ما َّرةً ببساتين تفَّاح وحقول ُذرة‪ ،‬وسرعان ما غابَت القرية وقلعتها وراءها‪ .‬قالت لنفسها إن (وادي‬
‫ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫الغسق) هي المكان الذي ستجد فيه بُغيتها‪ .‬إذا كانت قد سل َكت هذا الطَّريق‬
‫‪« -‬سأعث ُر على الفتاة وأحافظُ على سالمتها‪ ،‬ألجل خاطر أ ِّمها وألجل خاطرك»‪ .‬هكذا وعدَت بِريان‬
‫السير چايمي في (كينجز الندنج)‪ .‬كلمات نبيلة‪ ،‬لكن الكالم سهل والفعل صعب‪ .‬لقد ظلَّت في المدينة وقتًا‬
‫ي أن أتحرَّك مب ِّكرًا‪ ...‬لكن إلى أين؟ سانزا‬ ‫الالزم‪ ،‬وما توصَّلت إليه يكاد ال يُذ َكر‪ .‬كان عل َّ‬ ‫أطول من َّ‬
‫ستارك اختفَت ليلة موت الملك چوفري‪ ،‬وإذا كان أحدهم قد رآها منذ ذلك الحين‪ ،‬أو إن كانت عنده معرفة‬
‫ولو طفيفة بالمكان الذي ذهبَت إليه‪ ،‬فال أحد يتكلَّم‪ .‬ال أحد يتكلَّم معي أنا على األقل‪.‬‬
‫تعتقد بِريان أن الفتاة غاد َرت المدينة‪ ،‬فلو كانت ال تزال في (كينجز الندنج) لعث َر عليها ذوو المعاطف‬
‫ي مكان‪ .‬سألَت نفسها‪ :‬لو ُ‬
‫كنت‬ ‫مكان آخَر‪ ...‬لكن ذلك المكان اآلخَر قد يكون أ َّ‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫الذهبيَّة‪ .‬ال بُ َّد أنها ذهبَت إلى‬
‫خطر داهم‪ ،‬فماذا أفعلُ؟ أين أذهبُ ؟ بالنِّسبة إلى بِريان نفسها‬ ‫ٍ‬ ‫فتاةً أزه َرت مؤ َّخرًا‪ ،‬وحيدةً وخائفةً وفي‬
‫اإلجابة سهلة‪ ،‬إذ ستعود إلى (تارث) وإلى أبيها‪ ...‬أ َّما أبو سانزا فقد قطعوا رأسه على مرأى منها‪ ،‬والسيِّدة‬
‫حرقَت وقُتِّ َل‬‫ُ‬
‫والدتها ماتَت أيضًا‪ ،‬اغتيلَت في (التَّوأمتين)‪ ،‬وقلعة عائلة ستارك العظيمة (وينترفل) نُ ِهبَت وأ ِ‬
‫أهلها‪ .‬ليس لها وطن تهرب إليه‪ ،‬وال أب وال أُم وال إخوة‪ .‬قد تكون الفتاة في البلدة التَّالية أو على متن‬
‫سفين ٍة راحلة إلى (آشاي)‪ ،‬االحتماالت كافَّة متساوية‪.‬‬
‫طفل‬
‫ٍ‬ ‫حتى إذا أرادَت سانزا ستارك أن تعود إلى وطنها‪ ،‬فكيف تصل إليه؟ (طريق الملوك) ليس آمنًا‪ ،‬وكلُّ‬
‫يعلم هذا‪ ،‬وحديديُّو الميالد مسيطرون على (خندق كايلن) التي تس ُّد (العُنق)‪ ،‬وفي (التَّوأمتين) يستقرُّ آل‬
‫فراي الذين اغتالوا أخا سانزا والسيِّدة والدتها‪ .‬تستطيع الفتاة أن تُسافِر بحرًا إذا كانت تملك المال‪ ،‬لكن‬
‫خربًا‪ ،‬والنَّهر فوضى من األرصفة المحطَّمة والقوادس المحروقة‬ ‫الميناء في (كينجز الندنج) ال يزال ِ‬
‫والغارقة‪ .‬كانت بِريان قد سألَت عند أحواض السُّفن‪ ،‬لكن ال أحد تذ َّكر رؤية سفين ٍة ترحل ليلة ماتَ الملك‬
‫فرغ حمولتها بالقوارب‪ ،‬لكن‬ ‫چوفري‪ ،‬وقال لها أحد ال ِّرجال إن بعض السُّفن التِّجاريَّة الرَّاسية في الخليج تُ ِ‬
‫آخره‪.‬‬
‫ُواصل طريقه على السَّاحل إلى (وادي الغسق) التي تض ُّم مينا ًء مزدح ًما عن ِ‬ ‫عددًا أكبر ي ِ‬
‫تمتطي بِريان فَرسًا جميلة المنظر سريعة الحركة‪ ،‬وعلى الطَّريق قابلَت ُمسافرين أكثر مما كانت تحسب‪،‬‬
‫بسيور ِجلديَّة من رقابهم‪ ،‬وهرو َل ِسپتون شاب‬ ‫ٍ‬ ‫فرأت إخوةً ش َّحاذين يمشون ب ُخطى بطيئة وأوعيتهم معلَّقة‬
‫ي لورد‪ ،‬والحقًا التقَت جماعةً من األخوات الصَّامتات اللواتي‬ ‫حصان صغير يليق بأ ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ما ًّرا بها على متن‬
‫ومضت قافلة من العربات التي تجرُّ ها الثِّيران جنوبًا‬ ‫َ‬ ‫هززن رؤوسهن نفيًا حين ألقَت عليهن سؤالها‪،‬‬
‫هودج‬
‫ٍ‬ ‫غالال وأجولةً من الصُّ وف‪ ،‬وبَعدها مرَّت براعي خنازير يسوق قطيعه‪ ،‬وامرأ ٍة عجوز في‬ ‫ً‬ ‫حاملةً‬
‫صاحبه مجموعة من ال َحرس الرَّاكبين‪ .‬سألَتهم جميعًا إن كانوا قد رأوا بنتًا في الثَّالثة‬ ‫تجرُّ ه الخيول وتُ ِ‬
‫عشرة لها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي‪َّ ،‬إال أن أحدًا لم ي َرها‪ .‬سألَت عن الطَّريق أمامها أيضًا‪ ،‬فأجابَها‬
‫رجل‪« :‬إنه آمن بما فيه بين هنا و(وادي الغسق)‪ ،‬لكن بَعد (وادي الغسق) هناك خارجون عن القانون‬
‫ورجال مكسورون‪ 18‬في الغابات»‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫زال فيها اخضرار‪ ،‬أ َّما األشجار األخرى ذات الورق‬ ‫وحدها أشجار الصَّنوبر الجُندي والحارس ما َ‬
‫ريح تدفع‬‫ٍ‬ ‫بفروع بنِّيَّة عارية‪ .‬كلُّ هبَّة‬
‫ٍ‬ ‫والذهبي‪ ،‬أو تجرَّدت لتخدش السَّماء‬ ‫العريض فاتَّشحت بالخمري َّ‬
‫ت د َّوارة من األوراق الميتة على الطَّريق المليء بالحُفر‪ ،‬فتُص ِدر حفيفًا وهي تتناثَر حول حوافر‬ ‫سحابا ٍ‬
‫الفَرس الكستنائيَّة التي من َحها چايمي النستر لبِريان‪ .‬العثور على فتا ٍة مفقودة في (وستروس) كالعثور على‬
‫ورق ٍة في مهبِّ الرِّيح‪ .‬وجدَت نفسها تتسا َءل إن كان چايمي قد كلَّفها بهذه المه َّمة على سبيل ال ُّدعابة‬
‫القاسية‪ .‬ربما تكون سانزا ستارك ميتةً‪ ،‬قطعوا رأسها لل َّدور الذي لعبَته في موت الملك چوفري ودفنوها‬
‫قبر بال شاهد‪ .‬وهل من وسيل ٍة أفضل إلخفاء قتلها من إرسال فتا ٍة حمقاء كبيرة من (تارث) للبحث‬ ‫في ٍ‬
‫عنها؟ ما كان چايمي ليفعل هذا‪ .‬كان صادقًا‪ ،‬وأعطاني السَّيف وس َّماه (حافِظ العهد)‪ .‬ال فرق على كلِّ‬
‫يمين مق َّدسة كتلك التي ُح ِلفَت للموتى‪ .‬چايمي زع َم‬ ‫ٍ‬ ‫حال‪ .‬لقد وعدَت الليدي كاتلين بأن تُعيد ابنتيها‪ ،‬وما من‬
‫شماال لتتز َّوج نغل رووس‬ ‫ً‬ ‫أن الفتاة الصُّ غرى ماتَت منذ فتر ٍة طويلة‪ ،‬أ َّما آريا التي أرسلَها آل النستر‬
‫بولتون فزائفة‪ ،‬أي أنه لم يَعُد هناك َّإال سانزا‪ ،‬ويجب أن تَعثُر عليها بِريان‪.‬‬
‫قُرب الغسق أبص َرت نار مخي ٍَّم إلى جوار غدير‪ ،‬يجلس عندها رجالن يشويان أسماك الترويت‪ ،‬وقد ك َّوما‬
‫أسلحتهما وعتادهما أسفل شجرة‪ .‬أحدهما عجوز والثَّاني أصغر بعض ال َّشيء‪ ،‬وإن كان بعيدًا عن ال َّشباب‪،‬‬
‫نهض يُ َحيِّيها‪ ،‬فرأت أن له بطنًا كبيرًا يضغط على أربطة سُترته المبقَّعة المصنوعة من ِجلد‬ ‫َ‬ ‫وهو من‬
‫قائال‪« :‬لدينا َسمك يكفي ثالثةً‬ ‫كالذهب القديم تُ َغطِّي وجنتيه وذقنه‪ .‬ناداها ً‬ ‫الظِّباء‪ ،‬ولحيةً خشنةً مشعثةً لونها َّ‬
‫أيها الفارس»‪.‬‬
‫رجال‪ .‬خل َعت خوذتها مح ِّررةً َشعرًا أصفر كالقَشِّ المتَّسخ ويُدانيه‬ ‫ً‬ ‫ليست هذه أول م َّر ٍة يحسب أحدهم بِريان‬
‫طويال خفيفًا وهي تقول‪« :‬أشكرك أيها الفارس»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في الهشاشة‪ ،‬فتطاي َر حول كتفيها‬
‫درك أنه قصير النَّظر‪ ،‬وقال‪« :‬امرأة؟‬ ‫َز َّر الفارس المتج ِّول عينيه متف ِّرسًا في مالمحها بش َّد ٍة جعلَتها تُ ِ‬
‫ق اآللهة»‪.‬‬‫مسلَّحة ومدرَّعة؟ إيلي‪ ،‬انظُر إلى حجمها ب َح ِّ‬
‫َر َّد الفارس األكبر ِسنًّا وهو يُ َد ِّور السَّمك على النَّار‪« :‬حسبتها فارسًا أيضًا»‪.‬‬
‫رجال لقيل إنه رجل كبير الحجم‪ ،‬لكن بالنِّسبة إلى النِّساء فهي ضخمة حقًّا‪« .‬مسخ» هي‬ ‫ً‬ ‫لو كانت بِريان‬
‫الكلمة التي سم َعتها طوال حياتها‪ .‬إن لها كتفين عريضتين و َوركين أعرض‪ ،‬وساقاها طويلتان وذراعاها‬
‫غليظتان‪ ،‬وعضالت صدرها تجعل حجم ثدييها ال يُذ َكر‪ ،‬ويداها كبيرتان وقدماها ضخمتان‪ ،‬وكلُّ هذا‬
‫عالوةً على قُبح مالمحها‪ ،‬فوجهها من َّمش ويبدو كوجه الحصان‪ ،‬وأسنانها تكاد تكون كبيرةً على فمها‪،‬‬
‫وهي ليست في حاج ٍة إلى أن يُ َذ ِّكرها أحد بك ِّل هذا‪ .‬قالت‪« :‬أيها الفارسان‪ ،‬هل رأيتما بنتًا في الثَّالثة عشرة‬
‫رجل سمين متو ِّرد الوجه في‬ ‫ٍ‬ ‫على الطَّريق؟ لها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي‪ ،‬وربما كانت في صُحبة‬
‫األربعين»‪.‬‬
‫ك الفارس المتج ِّول قصير النَّظر رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬ال أذك ُر بنتًا على شاكلتها‪ .‬وما هذا ال َّشعر الكستنائي؟»‪.‬‬ ‫َح َّ‬
‫أجاب األكبر ِسنًّا‪« :‬أحمر مائل إلى البنِّي‪ .‬ال‪ ،‬لم ن َرها»‪.‬‬
‫َ‬
‫ت جائعة؟»‪.‬‬‫وقال األصغر‪« :‬لم ن َرها يا سيِّدتي‪ .‬هل ِّمي‪ ،‬ترجَّلي‪ .‬السَّمك على وشك النُّضوج‪ .‬أأن ِ‬
‫كانت جائعةً بالفعل‪ ،‬لكنها حذرة أيضًا‪ .‬للفُرسان المتج ِّولين هؤالء سُمعة سيِّئة‪ ،‬ويُقال إن الفارس المتج ِّول‬
‫لسيف واحد‪ .‬لكن هذين االثنين ال يبدوان خطريْن لهذه ال َّدرجة‪« .‬هل لي أن أعرف‬ ‫ٍ‬ ‫والفارس اللِّص وجهان‬
‫اسميكما أيها الفارسان؟»‪.‬‬
‫قال ذو البطن الكبير‪« :‬يُ َشرِّفني أن أكون السير كرايتون لونجبو الذي يُ َغنِّي عنه ال ُمطربون‪ .‬ربما تكونين‬
‫ت عن مآثري في معركة (النَّهر األسود)‪ .‬ورفيقي هو السير إيليفر ال ُمفلس»‪.‬‬ ‫قد سمع ِ‬
‫إذا كانت هناك أغنيَّة عن كرايتون لونجبو فهي واحدة لم تسمعها بِريان‪ ،‬واسما الفارسيْن ال يعنيان شيئًا لها‬
‫ق عميق صن َعته فأس حربيَّة‪،‬‬ ‫أكثر من رمزيهما‪ .‬على تُرس السير كرايتون ليس هناك َّإال شريط بنِّي و َش ٌّ‬
‫ت نِصفها ذهبي ونِصفها أبيض مرقَّط باألسود كفرو القاقوم‪،‬‬ ‫أ َّما السير إيليفر فتُرسه مقسَّم إلى ثمانية مثلَّثا ٍ‬
‫الذهب وفرو القاقوم َّإال النَّوع‬ ‫ولو أن ك َّل شي ٍء في مظهر الرَّجل يُوحي بأنه لم يعرف في حياته من َّ‬
‫المطلي‪ .‬إنه في الستِّين من العُمر على األقل‪ ،‬وجهه هزيل مسحوب تحت قلنسوة معطفه الخيش المرقَّع‪،‬‬
‫ً‬
‫طوال‬ ‫وقد ارتدى تحته قميصًا من الحلقات المعدنيَّة‪ ،‬وإن بقَّع الصَّدأ الحديد كأنه النَّمش‪ .‬تفوق بِريان كليهما‬
‫ي بي أن أستبدل بسيفي الطَّويل‬ ‫ُ‬
‫خشيت أمثالهما فحر ٌّ‬ ‫س كامل‪ ،‬ناهيك بأن مطيَّتها وسالحها أفضل‪ .‬إذا‬ ‫برأ ٍ‬
‫إبرتَي خياطة‪.‬‬
‫قالت‪« :‬أشكركما أيها الفارسان الكريمان‪ .‬يسرُّ ني أن أشارككما َسمككما»‪ ،‬ووثبَت من فوق فَرسها وخل َعت‬
‫َسرجها وسقَتها قبل أن تُقَيِّدها وتُرخي لها الحبل لترعى‪ ،‬ثم ك َّومت أسلحتها وتُرسها وجرابَي السَّرج تحت‬
‫شجرة دَردار‪ ،‬وعندئ ٍذ كان َسمك الترويت قد نض َج تما ًما‪ ،‬فناولَها السير كرايتون واحدةً جل َست تأكلها‬
‫متقاطعة السَّاقين على األرض‪.‬‬
‫قال لها لونجبو وهو يُفَسِّخ سمكته بأصابعه‪« :‬إننا متوجِّهان إلى (وادي الغسق) يا سيِّدتي‪ .‬خي ٌر ِ‬
‫لك أن‬
‫فالطرق محفوفة بالمخاطر»‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تركبي معنا‪،‬‬
‫كانت بِريان لتحكي له عن مخاطر ُّ‬
‫الطرق أكثر مما يُريد أن يعرف‪ ،‬لكنها أجابَته‪« :‬أشكرك أيها الفارس‪،‬‬
‫ُ‬
‫لست في حاج ٍة إلى حمايتكما»‪.‬‬ ‫لكني‬
‫‪« -‬إنني مصرٌّ ‪ .‬ال بُ َّد أن يُدا ِفع الفارس الحقيقي عن الجنس اللَّطيف»‪.‬‬
‫مسَّت مقبض سيفها قائلةً‪« :‬هذا سيُدافِع عني»‪.‬‬
‫‪« -‬السَّيف ال ينفع َّإال بقدر مهارة من يحمله»‪.‬‬
‫‪« -‬إنني ماهرة في حمله بما فيه الكفاية»‪.‬‬
‫سنصحبك سالمةً إلى (وادي الغسق)‪ .‬ثالثة معًا‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬كما ترغبين‪ .‬ليس من الكياسة أن يُجا ِدل المرء سيِّدةً‪.‬‬
‫أمان أكثر من واح ٍد وحده»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يركبون في‬
‫كنا ثالثةً حين خرجنا من (ريڤر َرن)‪ ،‬ومع ذلك فق َد چايمي يده وكليوس فراي حياته‪« .‬حصاناكما ال‬
‫ق عجوز أقعس الظَّهر‬ ‫يستطيعان مجاراة فَرسي»‪ .‬حصان السير كرايتون البنِّي المخصي مجرَّد مخلو ٍ‬
‫ً‬
‫مهزوال يتض َّور جوعًا‪.‬‬ ‫دامع العينين‪ ،‬وحصان السير إيليفر يبدو‬
‫لت ذات اليمين‬ ‫قال السير كرايتون بإصرار‪« :‬جوادي خد َمني جيِّدًا في معركة (النَّهر األسود)‪ ،‬بل وقتَّ ُ‬
‫ت بدست ٍة من الفِديات‪ .‬هل سم َعت سيِّدتي بالسير هربرت بولينج؟ لن تُقا ِبليه أبدًا‪ ،‬فقد‬ ‫وذات ال ِّشمال وفز ُ‬
‫قتلته حيث كان يقف‪ .‬عندما تتقا َرع السُّيوف لن تجدي السير كرايتون لونجبو في المؤ ِّخرة أبدًا»‪.‬‬
‫ق رفيقه قهقهةً جافَّةً‪ ،‬وقال‪« :‬دَعك منها يا كراي‪ .‬أمثالها ليسوا في حاج ٍة إلى أمثالنا»‪.‬‬‫أطل َ‬
‫سألَته بِريان غير مدرك ٍة ما يرمي إليه‪« :‬أمثالي؟»‪.‬‬
‫بإصبع رفيع إلى تُرسها‪ .‬على الرغم من أن طالءه مشقَّق متق ِّشر فما َ‬
‫زال الرَّمز عليه‬ ‫ٍ‬ ‫أشار السير إيليفر‬
‫َ‬
‫شخص كاذب ال‬
‫ٍ‬ ‫إنك تحملين تُرس‬‫واضحًا؛ ُخفَّاش أسود على خلفيَّ ٍة مقسومة قُطريًّا إلى ذهبي وفضِّ ي‪ِ « .‬‬
‫آخر أفراد عائلة لوثستون‪ ،‬ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد على‬ ‫لك فيه‪ .‬لقد ساع َد َج ُّد جدِّي على قتل ِ‬
‫ق ِ‬ ‫َح َّ‬
‫إظهار هذا ال ُخفَّاش األسود كأفعال من كانوا يحملونه»‪.‬‬
‫إنه ال ُّترس الذي أخ َذه السير چايمي من مستودَع السِّالح في (هارنهال)‪ ،‬وقد وجدَته بِريان في االسطبالت‬
‫مع فَرسها باإلضافة إلى أشياء أخرى كثيرة؛ السَّرج واللِّجام‪ ،‬وقميص من الحلقات المعدنيَّة وخوذة كبيرة‪،‬‬
‫فقدت تُرسي»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الذهب والفضَّة‪ ،‬وورقة رُقوق أثمن من االثنين‪ .‬قالت مفسِّرةً‪« :‬لقد‬ ‫صرَّتين من العُمالت َّ‬ ‫و ُ‬
‫أعلنَ السير كرايتون بحزم‪« :‬ال ُّترس الوحيد الذي تحتاج إليه فتاة هو فارس حقيقي»‪.‬‬
‫لم يُ ِعره السير إيليفر انتباهًا وهو يقول‪« :‬حافي القدمين يبحث عن حذا ٍء ينتعله‪ ،‬والبردان يبحث عن‬
‫معطف يرتديه‪ ،‬لكن من ذا الذي يختار أن يرتدي العار؟ اللورد لوكاس الق َّواد كان يضع هذا الرَّمز‪ ،‬وابنه‬ ‫ٍ‬
‫خطيئتك أقبح‪...‬‬
‫ِ‬ ‫خاذك رم ًزا كهذا ما لم تكن‬
‫ِ‬ ‫مانفريد ذو القلنسوة السَّوداء‪ ،‬وإنني أسأ ُل نفسي عن سبب اتِّ‬
‫مواصال‪« :‬امرأة كبيرة كالمسوخ وقويَّة‬‫ً‬ ‫وأحدث»‪ ،‬واست َّل خنجره القبيح المصنوع من الحديد الرَّخيص‬
‫كالمسوخ تُخفي ألوانها الحقيقيَّة‪ .‬كراي‪ ،‬انظُر إلى عذراء (تارث) التي شقَّت لرنلي َحلقه الملكي»‪.‬‬
‫‪« -‬هذه أكذوبة»‪ .‬بالنِّسبة إليها كان رنلي باراثيون أكثر من ملك‪ .‬لقد أحبَّته منذ جا َء (تارث) في رحلته‬
‫ً‬
‫احتفاال ببلوغه ِس َّن الرُّ جولة‪ ،‬ورحَّب به أبوها بمأدب ٍة وأم َرها بأن تحضرها‪ ،‬ولوال‬ ‫المتمهِّلة إلى اللورديَّة‬
‫كحيوان جريح‪ .‬حينئ ٍذ لم تكن أكبر من سانزا‪ ،‬تخاف الضَّحكات السَّاخرة‬‫ٍ‬ ‫هذا لكانت قد اختبأَت في ُغرفتها‬
‫المكتومة أكثر من السُّيوف‪ ،‬فقالت للورد سلوين‪« :‬سيعلمون بأمر الوردة ويضحكون مني»‪ ،‬لكن نجم‬
‫المساء لم يتزحزَح عن قراره‪.‬‬
‫ورقص معها فأحسَّت بين‬‫َ‬ ‫وقد رأت من رنلي باراثيون ك َّل كياس ٍة كما لو أنها فتاة طبيعيَّة حسناء‪ ،‬بل‬
‫طلب آخَرون اإلذن في الرَّقص معها بسبب المثل‬‫َ‬ ‫ذراعيه بأنها رشيقة وطفَت قدماها فوق األرض‪ ،‬والحقًا‬
‫الذي ضربَه لهم‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم لم ترغب َّإال في أن تكون قريبةً من اللورد رنلي‪ ،‬أن تخدمه وتحميه‪...‬‬
‫لكنها في النِّهاية خذلَته‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬رنلي ماتَ بين ذراعَي‪ ،‬لكني لم أقتله‪ ،‬على أن هذين الفارسين‬
‫ُ‬
‫وأموت سعيدةً‪ .‬لم أمسَّه بسوء‪،‬‬ ‫المتج ِّولين لن يتفهَّما أبدًا‪ .‬قالت لهما‪ُ « :‬‬
‫كنت ألدفع حياتي فدا ًء للملك رنلي‬
‫أقس ُم على هذا بسيفي»‪.‬‬
‫قال السير كرايتون‪« :‬الفُرسان فقط ي ِ‬
‫ُقسمون بسيوفهم»‪.‬‬
‫أقسمي باآللهة السَّبعة»‪.‬‬
‫وأضافَ السير إيليفر ال ُمفلس‪ِ « :‬‬
‫ُ‬
‫كنت‬ ‫‪« -‬باآللهة السَّبعة إذن‪ .‬لم أمسَّ الملك رنلي بسوء‪ .‬أقس ُم ب(األُم)‪ ،‬عسى َّأال أعرف رحمتها أبدًا إذا‬
‫ي بالعدل‪ .‬أقس ُم ب(العذراء) و(العجوز)‪ ،‬وب(الح َّداد)‬ ‫كاذبةً‪ .‬أقس ُم ب(األب) وأدعوه أن يَح ُكم عل َّ‬
‫و(ال ُمحارب)‪ ،‬وأقس ُم ب(الغريب) الذي أسأله أن يأخذني اآلن إن ُ‬
‫كنت أقو ُل الباطل»‪.‬‬
‫علَّق السير كرايتون‪« :‬إنها تُجيد القسم بالنِّسبة إلى فتاة»‪.‬‬
‫قال السير إيليفر ال ُمفلس‪« :‬نعم»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه مضيفًا‪« :‬طيِّب‪ ،‬إذا كانت كاذبةً ستتولَّى اآللهة أمرها»‪،‬‬
‫وعا َد يدسُّ خنجره في ِغمده‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬نوبة الحراسة األولى ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫غاب الفارسان المتج ِّوالن في النَّوم دا َرت بِريان حول المخيَّم الصَّغير مصغيةً إلى طقطقة النَّار‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بينما‬
‫يَج ُدر بي أن أواصل طريقي والفُرصة سانحة‪ .‬إنها ال تعرف هذين الرَّجلين‪ ،‬لكنها ال تقوى على تركهما‬
‫دون حماية‪ ،‬فحتى في جوف اللَّيل هناك عابرون على الطَّريق‪ ،‬وأصوات في الغابة ربما يكون مصدرها‬
‫راحت بِريان تذرع المكان جيئةً وذهابًا وقد خلخلَت سيفها في ِغمده‪.‬‬‫البوم والثَّعالب وربما ال‪ ،‬وهكذا َ‬
‫ظ السير إيليفر وقال إنه سيحلُّ محلَّها‪.‬‬‫إجماال‪ ،‬لكن ما بَعدها هو الصَّعب‪ ،‬حين استيق َ‬ ‫ً‬ ‫كانت حراستها سهلةً‬
‫بسطَت بِريان دثارًا على األرض وانثنَت على نفسها لتُغلِق عينيها‪ ،‬وعلى الرغم من جسدها المكدود قالت‬
‫ط في وجود ال ِّرجال‪ ،‬وحتى في معس َكرات اللورد رنلي كان‬ ‫لنفسها‪ :‬لن أنام‪ .‬إنها لم تتع َّود النَّوم مستريحةً قَ ُّ‬
‫خطر االغتصاب حاض ًرا دو ًما‪ ،‬وهو ال َّدرس الذي تعلَّمته عند أسوار (هايجاردن)‪ ،‬وم َّرةً أخرى عندما‬
‫سقطَت وچايمي في أيدي ِرفقة ال ُّشجعان‪.‬‬
‫تسرَّبت برودة األرض عبر أغطية بِريان لتنفذ إلى عظامها‪ ،‬وسرعان ما أحسَّت بك ِّل عضل ٍة في جسدها‬
‫متيبِّسةً متشنِّجةً‪ ،‬من فَ َّكيها إلى أصابع قدميها‪ .‬تساءلَت إن كانت سانزا ستارك بردانةً أيضًا أينما كانت‪ .‬لقد‬
‫الحسِّ تحبُّ كعكات اللَّيمون والفساتين الحرير وأغاني الفُروسيَّة‪ ،‬لكن‬ ‫قالت الليدي كاتلين إنها فتاة مرهفة ِ‬
‫سانزا شهدَت رأس أبيها يُبتَر وأُر ِغ َمت بَعدها على ال َّزواج بأحد قتَلته‪ ،‬وإذا كان نِصف ما يُحكى صحيحً ا‬
‫فالقزم أقسى آل النستر جميعًا‪ .‬إذا س َّممت الملك چوفري حقًّا فال بُ َّد أن ال ِعفريت أجب َرها‪ .‬لقد كانت وحيدةً‬
‫بال أصدقاء في ذلك البالط‪ .‬في (كينجز الندنج) س َعت بِريان إلى العثور على امرأ ٍة اسمها بريال كانت من‬
‫وصيفات سانزا‪ ،‬وقالت لها المرأة إنه لم يكن هناك ُو ٌّد بين سانزا والقزم‪ ،‬وربما تكون الفتاة هاربةً منه‬
‫كذلك عالوةً على هربها من قتل چوفري‪.‬‬
‫ظها الفَجر‪ .‬شع َرت بساقيها يابستيْن كالخشب من‬ ‫أيًّا كانت األحالم التي رأتها بِريان فقد تال َشت حينما أيق َ‬
‫برودة األرض‪ ،‬لكن ال أحد تحرَّش بها وظلَّت حاجياتها كما هي‪ .‬وجدَت الفارسيْن المتج ِّول ْين مستيقظيْن‬
‫ب لإلفطار‪ ،‬ووقفَ السير كرايتون مواجهًا شجرةً ليبول‬ ‫بالفعل‪ ،‬وقد انشغ َل السير إيليفر بتقطيع سنجا ٍ‬
‫ً‬
‫طويال‪.‬‬
‫متجوالن‪ ،‬عجوزان ومغروران وبدينان وقصيرا النَّظر‪ ،‬لكنهما رجالن لطيفان على الرغم من‬ ‫ِّ‬ ‫فارسان‬
‫رجاال لطافًا في العالم حتى اآلن‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا‪ .‬سرَّها أن تعلم أن هناك‬
‫طروا على لحم السِّنجاب المشوي ومعجون جوز البلُّوط والخيار المخلَّل‪ ،‬فيما روى لها السير كرايتون‬ ‫أف َ‬
‫قتل دستةً من الفُرسان الصَّناديد الذين لم تسمع عنهم‬
‫قصص بطوالته في معركة (النَّهر األسود)‪ ،‬حيث َ‬
‫قتاال نادرًا يا سيِّدتي‪ ،‬معمعةً نادرةً داميةً»‪ ،‬وأضافَ أن السير إيليفر َ‬
‫قاتل‬ ‫ط‪ ،‬وقال لها‪« :‬أوه‪ ،‬لكم كان ً‬ ‫قَ ُّ‬
‫ببسال ٍة في المعركة أيضًا‪ ،‬أ َّما إيليفر نفسه فلم يقل َّإال القليل‪.‬‬
‫ركب الفارسان على جانبيها كحارسيْن يحميان ليدي عظيمةً ما‪ ...‬وإن كانت‬
‫َ‬ ‫حين آنَ أوان استئناف ال ِّرحلة‬
‫هذه الليدي تجعل من حاميَيْها قزميْن مقارنةً بحجمها‪ ،‬باإلضافة إلى ُّ‬
‫تفوقها عليهما في السِّالح والعتاد‪.‬‬
‫سألَتهما بِريان‪« :‬هل َم َّر أحد خالل حراستكما؟»‪.‬‬
‫ت في الثَّالثة عشرة لها َشعر كستنائي؟ ال يا سيِّدتي‪ ،‬ال أحد»‪.‬‬ ‫قال السير إيليفر ال ُمفلس‪« :‬كبن ٍ‬
‫حصان أرقط َم َّر بنا‪ ،‬وبَعد ساع ٍة نِصف‬
‫ٍ‬ ‫صبي مزرع ٍة ما على‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫رأيت بعضهم‪.‬‬ ‫عقَّب السير كرايتون‪« :‬‬
‫دستة من السَّائرين حاملي الهراوات والمناجل‪ .‬لمحوا نارنا وتوقَّفوا ليُلقوا نظرةً طويلةً على الخيول‪ ،‬لكني‬
‫ُواصلوا طريقهم‪ .‬رجال خشنون كما يوحي منظرهم‪ ،‬ويائسون‬ ‫ُ‬
‫وقلت لهم أن ي ِ‬ ‫أريتهم لمحةً من فوالذي‬
‫أيضًا‪ ،‬لكن ليس لدرجة أن يعبثوا مع السير كرايتون لونجبو»‪.‬‬
‫الحظِّ أن السير كرايتون‬
‫ف َّكرت بِريان‪ :‬نعم‪ ،‬ليس لهذه ال َّدرجة‪ ،‬وأشا َحت بوجهها لتُخفي ابتسامتها‪ ،‬ولحُسن َ‬
‫كان أكثر استغراقًا في حكاية معركته الملحميَّة مع فارس ال َّدجاجة الحمراء من أن يلحظ سخرية العذراء‪،‬‬
‫التي سرَّها أن يكون معها رفيقان على الطَّريق‪ ،‬حتى إذا كانا هذين الرَّجلين‪.‬‬
‫صفه عندما سم َعت بِريان التَّرنيم آتيًا عبر األشجار البنِّيَّة الجرداء‪ ،‬وتساء َل السير‬‫كان النَّهار في منت َ‬
‫كرايتون‪« :‬ما هذا الصَّوت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنها أصوات مرفوعة بالصَّالة»‪ .‬تعرف بِريان هذه التَّرنيمة‪ .‬يتضرَّعون إلى (ال ُمحارب) أن يحميهم‬
‫وإلى (العجوز) أن تُنير طريقهم‪.‬‬
‫قائال‪« :‬إنهم قريبون»‪.‬‬‫جرَّد السير إيليفر ال ُمفلس سيفه البالي و َش َّد ِعنان حصانه لينتظر مجيئهم ً‬
‫أفع َمت التَّرانيم هواء الغابة كرع ٍد خاشع‪ ،‬وفجأةً ظه َر مصدر الصَّوت على الطَّريق أمامهم‪ .‬كانت‬
‫مجموعة من اإلخوة ال َّشحَّاذين تقود القادمين‪ ،‬رجال ملتحون مغبَّرون يرتدون الخيش‪ ،‬بعضهم حافي‬
‫القدمين وبعضهم ينتعل األخفاف‪ ،‬ووراءهم تتحرَّك مجموعة تتألَّف من ستِّين من الرِّ جال والنِّساء‬
‫واألطفال مهترئي الثِّياب‪ ،‬ومعهم خنزيرة رقطاء وعدد كبير من الخراف‪ ،‬وقد حم َل كثير من الرِّ جال‬
‫ت خشبيَّة بسيطة الصُّ نع‪ ،‬ووسطهم تتدح َرج عربة من الخشب الرَّمادي‬ ‫فؤوسًا وأكثرهم مضارب وهراوا ٍ‬
‫ارتفاع كبير الجماجم والعظام المكسورة‪ .‬توقَّف اإلخوة‬
‫ٍ‬ ‫المتشظِّي على عجلتين‪ُ ،‬ك ِّو َمت عليها على‬
‫ال َّشحَّاذون لدى رؤيتهم الفارسيْن المتج ِّول ْين وسكنَت التَّرانيم‪ ،‬وقال أحدهم‪« :‬أيها الفارسان الكريمان‪،‬‬
‫(األُم) تحبُّكما»‪.‬‬
‫َر َّد السير إيليفر‪« :‬وتحبُّكم يا أخي‪ .‬من أنتم؟»‪.‬‬
‫أجابَه رجل كبير يحمل فأسًا‪« :‬صعاليك»‪ .‬على الرغم من برودة الغابة الخريفيَّة كان عاري الجذع‪ ،‬وعلى‬
‫صدره نُقِ َشت نجمة سُباعيَّة‪ ،‬النَّجمة نفسها التي نق َشها ال ُمحاربون األنداليُّون على لحمهم حين عبروا‬
‫(البحر الضيِّق) ليقهروا ممالك البَشر األوائل‪.‬‬
‫قالت امرأة طويلة ممسكة بأحد َمقاود العربة‪« :‬إننا متَّجهون إلى المدينة لنجلب هذه العظام المق َّدسة لبيلور‬
‫المبا َرك ونَطلُب العون والحماية من الملك»‪.‬‬
‫وقال رجل قصير ضئيل على جسده رداء ِسپتون رث وحول ُعنقه سير ِجلدي تتدلَّى منه بلَّورة‪« :‬انض َّما‬
‫إلينا أيها الصَّديقان‪( .‬وستروس) في حاج ٍة إلى ك ِّل سيف»‪.‬‬
‫بأمان إلى‬
‫ٍ‬ ‫أعلنَ السير كرايتون‪« :‬إننا في الطَّريق إلى (وادي الغسق)‪ ،‬لكن ربما يُمكننا أن نصحبكم‬
‫(كينجز الندنج)»‪.‬‬
‫أضافَ السير إيليفر الذي يبدو عمليًّا إضافةً إلى كونه مفلسًا‪« :‬إذا كان معكم مال تدفعون به ثَمن‬
‫اصطحابنا إياكم»‪.‬‬
‫قال السِّپتون‪« :‬نحن العصافير ال نحتاج إلى َّ‬
‫الذهب»‪.‬‬
‫ر َّدد السير كرايتون حائرًا‪« :‬العصافير؟»‪.‬‬
‫ضعًا وشيوعًا»‪ .‬للسِّپتون وجه‬ ‫ضعًا وشيوعًا‪ِ ،‬مثلما نحن أكثر النَّاس توا ُ‬ ‫‪« -‬العُصفور أكثر ُّ‬
‫الطيور توا ُ‬
‫ناحل حا ٌّد ولحية قصيرة شابَها الرَّمادي والبنِّي‪ ،‬و َشعره الخفيف مسحوب ومربوط وراء رأسه‪ ،‬وقدماه‬
‫س أتقياء قُتِلوا إليمانهم‪ ،‬وقد خدموا‬ ‫الحافيتان سوداوان خشنتان وقاسيتان كجذور ال َّشجر‪« .‬هذه عظام أنا ٍ‬
‫اآللهة السَّبعة حتى الموت‪ .‬بعضهم ج َّوعوه وبعضهم َّ‬
‫عذبوه‪ .‬لقد انتُ ِه َكت السِّپتات ونُ ِهبَت‪ ،‬والعذراوات‬
‫واأل َّمهات اغتصبَهن ال َّزنادقة وعبدة ال َّشياطين‪ ،‬وحتى األخوات الصَّامتات تعرَّضن للتَّحرُّ ش‪( .‬األُم في‬
‫األعالي) تَصرُخ لوعةً‪ .‬حانَ الوقت ألن يتخلَّى جميع الفُرسان المحلَّفون عن سادتهم ال ُّدنيويِّين ويُدافِعوا‬
‫عن عقيدتنا المق َّدسة‪.‬‬
‫تعاليا معنا إلى المدينة إذا كنتما تحبُّان (السَّبعة)»‪.‬‬
‫قال السير إيليفر‪« :‬أحبُّهم كثيرًا‪ ،‬لكن يجب أن آكل»‪.‬‬
‫‪« -‬وكذا كلُّ أطفال (األُم)»‪.‬‬
‫َر َّد السير إيليفر بجمود‪« :‬إننا ذاهبون إلى (وادي الغسق)»‪.‬‬
‫ق أحد اإلخوة ال َّشحَّاذين‪ ،‬وأطلقَت إحدى النِّساء أنينًا‪ ،‬وقال الرَّجل الكبير ذو النَّجمة على صدره‪:‬‬ ‫بص َ‬
‫«أنتما فارسان زائفان»‪ ،‬وشر َع عدد من اآلخَرين في التَّلويح بهراواتهم مهدِّدين‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ال تدينوا‪ ،‬فاإلدانة ل(األب) وحده‪ .‬دعوهم يمرُّ ون بسالم‪ .‬إنهم صعاليك‬ ‫على أن السِّپتون ه َّدأهم ً‬
‫ِمثلنا‪ ،‬ضائعون في األرض»‪.‬‬
‫تق َّدمت بِريان بفَرسها‪ ،‬وقالت‪« :‬أختي ضائعة أيضًا‪ .‬إنها بنت في الثَّالثة عشرة لها َشعر كستنائي وجميلة‬
‫المحيَّا»‪.‬‬
‫ضا‬
‫وتقيك أي ً‬
‫ِ‬ ‫قال السِّپتون‪« :‬كلُّ أطفال (األُم) جميلو المحيَّا‪ .‬عسى (العذراء) أن تقي تلك الفتاة المسكينة‪...‬‬
‫أظن»‪ ،‬ورف َع أحد َمقاود العربة على كتفه وبدأ يسحب‪ ،‬وعا َد اإلخوة ال َّشحَّاذون يُ َردِّدون ترنيمتهم‪،‬‬ ‫على ما ُّ‬
‫وظلَّت بِريان والفارسان المتج ِّوالن على متون خيولهم بينما َم َّر الرَّكب بتؤد ٍة سال ًكا الطَّريق المحفَّر صوب‬
‫(روزبي)‪ ،‬وببُط ٍء خفتَت أصواتهم المترنِّمة وغابَت‪.‬‬
‫متسائال‪« :‬من ذا الذي يَقتُل ِسپتون يخدم اآللهة؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رف َع السير كرايتون فلقة مؤ ِّخرته عن السَّرج وح َّكها‬
‫تعرف بِريان هذا النَّوع من البَشر‪ ،‬وتَذ ُكر أن رجال ِرفقة ال ُّشجعان علَّقوا ِسپتون قُرب (بِركة العذارى)‬
‫من قدميه من فرع شجر ٍة واستخدَموا جثَّته هدفًا لتمارين الرِّماية‪ .‬تساءلَت إن كانت عظامه مك َّومة على‬
‫العربة مع بقيَّة العظام‪.‬‬
‫كان السير كرايتون يقول‪« :‬ال بُ َّد أن من يغتصب أختًا صامتةً أحمق‪ .‬مجرَّد أن يضع يديه عليها‪ ...‬يُقال‬
‫إنهن زوجات (الغريب)‪ ،‬وإن أعضاءهن األنثويَّة باردة مبتلَّة كالجليد»‪ ،‬ورم َ‬
‫ق بِريان مردفًا‪« :‬آه‪...‬‬
‫أستميحك العُذر»‪.‬‬
‫ِ‬
‫ق بها السير إيليفر وتب َعهما السير كرايتون‬ ‫همزَت بِريان فَرسها لتُ ِ‬
‫سرع إلى (وادي الغسق)‪ ،‬وبَعد وهل ٍة لح َ‬
‫في المؤ ِّخرة‪.‬‬
‫ت صادَفوا ركبًا ثانيًا يتق َّدم ببُط ٍء نحو (وادي الغسق)‪ .‬كان تاجرًا وخدمه‪ ،‬يصحبهم فارس‬ ‫بَعد ثالث ساعا ٍ‬
‫متج ِّول آخَر‪ ،‬وقد امتطى التَّاجر فَرسًا رماديَّةً مرقَّطةً في حين تباد َل رجاله َج َّر عربته‪ ،‬يكدح أربعة منهم‬
‫على َمقاودها ويمشي االثنان اآلخَران إلى جوار العجلتيْن‪ ،‬لكن حين سمعوا صوت الخيول أحاطوا‬
‫بالعربة في تشكيل استعدا ٍد رافعين النَّبابيت‪ ،‬وأخر َج التَّاجر نُ َّشابيَّةً والفارس سيفًا‪ .‬نادى التَّاجر ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫ت عصيبة‪ ،‬وليس هناك َّإال السير شادريك الكريم يُدافِع عني‪ .‬من‬ ‫كنت ش َّكا ًكا‪ ،‬لكننا في أوقا ٍ‬
‫«سا ِمحوني إذا ُ‬
‫أنتم؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫جئت لت ِّوي من‬ ‫َر َّد السير كرايتون بنبرة جريح الكرامة‪« :‬إنني السير كرايتون لونجبو ال َّشهير بالطَّبع‪،‬‬
‫معركة (النَّهر األسود)‪ ،‬وهذا رفيقي السير إيليفر ال ُمفلس»‪.‬‬
‫وقالت بِريان‪« :‬لسنا نُض ِمر لكم سو ًءا»‪.‬‬
‫بيتك‪ .‬لماذا ترتدين ثيابًا غريبةً كهذه؟»‪.‬‬
‫بك أن تكوني آمنةً في ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫حد َجها التَّاجر بريب ٍة ً‬
‫قائال‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬حر ٌّ‬
‫أبحث عن أختي‪ .‬إنها بنت جميلة‬ ‫ُ‬ ‫أجابَت دون أن تجرؤ على ِذكر اسم سانزا مع اتِّهامها بقتل الملك‪« :‬‬
‫س سمين في األربعين‪ ،‬أو مع‬ ‫رفيعة النَّسب‪ ،‬عيناها زرقاوان و َشعرها كستنائي‪ .‬ربما رأيتموها مع فار ٍ‬
‫مهرِّج س ِّكير»‪.‬‬
‫الطرق مألى بالمهرِّ جين ال ِّس ِّكيرين والفتيات المختطَفات‪ ،‬وبالنِّسبة إلى الفارس السَّمين فمن الصَّعب‬ ‫‪ُّ « -‬‬
‫رجل شريف أن يظ َّل بطنه ممتلئًا بينما يعوز كثيرين الطَّعام‪ ...‬وإن كان السير كرايتون لم يَ ُذق‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫على أ ِّ‬
‫الجوع على ما يبدو»‪.‬‬
‫ك في َشجاعة‬ ‫لست أش ِّك ُ‬
‫ُ‬ ‫قال السير كرايتون بعناد‪« :‬إن لي عظا ًما كبيرةً‪ .‬هل نركب معًا بعض الوقت؟‬
‫سيوف أفضل من واحد»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫السير شادريك‪ ،‬لكنه يبدو صغير الحجم‪ ،‬وثالثة‬
‫ف َّكرت بِريان‪ :‬أربعة سيوف‪ ،‬لكنها لز َمت الصَّمت‪.‬‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬ما قولك أيها الفارس؟»‪.‬‬ ‫نظ َر التَّاجر إلى رفيقه‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬ال خوف من هؤالء الثَّالثة»‪ .‬السير شادريك رجل نحيف قوي له وجه كالثَّعالب وأنف حاد و َشعر‬
‫بُرتقالي‪ ،‬ويمتطي جوادًا حربيًّا رشيق السِّيقان بلون الكستناء‪ ،‬ومع أن طوله ال يتجا َوز أقدا ًما خمسةً‬
‫وبوصتين‪َّ ،‬إال أن له أسلوبًا واثقًا في الكالم‪« .‬أحدهم عجوز والثَّاني بدين وتلك الكبيرة امرأة‪ .‬فليأتوا»‪.‬‬
‫خفض التَّاجر نُ َّشابيَّته ً‬
‫قائال‪« :‬كما تقول»‪.‬‬ ‫َ‬
‫تقهقر الفارس المأجور وأمعنَ النَّظر إلى بِريان كأنها شريحة من لحم الخنزير المملَّح‬ ‫َ‬ ‫صلوا رحلتهم‬ ‫إذ وا َ‬
‫أنك فتاة قويَّة البنية تتمتَّع بص َّح ٍة طيِّبة يا هذه»‪.‬‬
‫الممتاز‪ ،‬وقال لها‪« :‬يبدو ِ‬
‫جرحتها في الصَّميم‪ ،‬لكن كالم الرَّجل الصَّغير مسَّها بالكاد‪ ،‬ولذا قالت له‪« :‬إنني‬
‫َ‬ ‫سُخرية السير چايمي‬
‫عمالقة مقا َرنةً ببعضهم»‪.‬‬
‫ضحكَ مجيبًا‪« :‬إنني كبير بما فيه الكفاية حيث يه ُّم يا هذه»‪.‬‬
‫‪« -‬التَّاجر قال إن اسمك شادريك»‪.‬‬
‫قال‪« :‬السير شادريك من (الوادي الظَّليل)‪ ،‬وبعضهم يدعوني بالفأر المجنون»‪ ،‬ود َّور تُرسه ليُريها رمزه‪،‬‬
‫الفأر األبيض الكبير ذا العينين الحمراوين ال َّشرستين على شرائط متعرِّجة من البنِّي واألزرق‪ ،‬ثم تاب َع‪:‬‬
‫«البنِّي لألراضي التي جُبتها‪ ،‬واألزرق لألنهار التي عبرتها‪ ،‬والفأر أنا»‪.‬‬
‫‪« -‬وهل أنت مجنون؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬ج ًّدا‪ .‬الفأر التَّقليدي يفرُّ من الدِّماء والمعارك‪ ،‬والمجنون يسعى إليها سعيًا»‪.‬‬
‫‪« -‬يبدو أنه نادرًا ما يجدها»‪.‬‬
‫لست فارس مباريات‪ ،‬لكني أ َّدخ ُر َشجاعتي للمعارك يا امرأة»‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪« -‬أج ُد ما يكفيني‪ .‬صحي ٌح أني‬
‫بشكل طفيف‪ ،‬وقالت‪« :‬أنت والسير كرايتون‬ ‫ٍ‬ ‫ق َّدرت أن مخاطَبتها ب«يا امرأة» أفضل من «يا هذه»‬
‫الكريم مشتركان في أشياء ع َّدة إذن»‪.‬‬
‫ت في مه َّم ٍة معيَّنة‪ .‬تقولين إنها‬ ‫ُّ‬
‫أشك في هذا‪ ،‬لكن ربما أشتر ُ‬
‫ك أنا وأن ِ‬ ‫َر َّد السير شادريك ضاح ًكا‪« :‬أوه‪،‬‬
‫ت ال َّ‬
‫صيَّادة‬ ‫أخت صغيرة مفقودة؟ عيناها زرقاوان و َشعرها كستنائي؟»‪ ،‬وعا َد يضحك مردفًا‪ِ « :‬‬
‫إنك لس ِ‬
‫ُ‬
‫أبحث عن سانزا ستارك»‪.‬‬ ‫ضا‬
‫الوحيدة في الغابة‪ .‬أنا أي ً‬
‫ظت بِريان على جمود مالمحها كالقناع لتُخفي وجلها‪ ،‬وقالت‪« :‬من سانزا ستارك تلك؟ ولِ َم تبحث‬ ‫حاف َ‬
‫عنها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬من أجل الحُبِّ ‪ ،‬وهل هناك سبب سواه؟»‪.‬‬
‫عقدَت حاجبيها مردِّدةً‪« :‬الحُب؟»‪.‬‬
‫قاتلت أنا بالفعل في معركة (النَّهر‬
‫ُ‬ ‫فارسك الكريم السير كرايتون‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الذهب‪ .‬على عكس‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬حُبُّ َّ‬
‫الخصي‬
‫ُّ‬ ‫األسود)‪ ،‬لكن مع الجانب الخاسر‪ ،‬ود َّمرتني فديتي‪ .‬ال بُ َّد أنك تعرفين من هو ڤارس‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ُ‬
‫لست ط َّماعًا‪ .‬إذا ساعدَتني فتاة‬ ‫بالذهب مقابل هذه الفتاة التي لم تسمعي بها‪ .‬إنني‬ ‫ص َّرةً ممتلئةً َّ‬
‫عرض ُ‬
‫َ‬
‫كبيرة الحجم على العثور على تلك الطِّفلة ال ُمشاغبة فسأقتس ُم معها مال العنكبوت»‪.‬‬
‫‪« -‬حسبتك أجيرًا عند هذا التَّاجر»‪.‬‬
‫قولك يا هذه؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬حتى (وادي الغسق) فحسب‪ .‬هيبالد بخيل قدر ما هو جبان‪ ،‬وهو جبان للغاية‪ .‬ما‬
‫أعرف سانزا ستارك تلك‪ .‬إنني أبحث عن أختي‪ ،‬بنت رفيعة النَّسب‪.»...‬‬
‫ُ‬ ‫ر َّدت بإصرار‪« :‬ال‬
‫ت‬
‫أنك قل ِ‬
‫أختك؟ أم ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ ...« -‬ذات عينين زرقاوين و َشعر كستنائي‪ ،‬نعم‪ .‬أخبِريني‪ ،‬من هذا الفارس الذي مع‬
‫إنه مهرِّ ج؟»‪ ،‬ولم ينتظر السير شادريك إجابةً منها‪ ،‬وهو ما ناسبَها ألن ال إجابة لديها‪ ،‬وواص َل‪« :‬ث َّمة‬
‫مهرِّج معيَّن اختفى من (كينجز الندنج) ليلة ماتَ الملك چوفري‪ ،‬رجل سمين له أنف مليء بالعروق‬
‫ال َّزرقاء‪ ،‬اسمه السير دونتوس األحمر‪ ،‬الذي كان تابعًا ل(وادي الغسق) فيما مضى‪ .‬أتمنَّى َّأال يخلط أحد‬
‫أختك ومهرِّجها ال ِّس ِّكير وبين سانزا ستارك والسير دونتوس‪ .‬سيكون هذا مؤسفًا للغاية»‪ ،‬وهم َز جواده‬ ‫ِ‬ ‫بين‬
‫الحربي وخَ بَّ ساعيًا إلى مقدِّمة الرَّكب‪.‬‬
‫ت ال َّ‬
‫صيَّادة الوحيدة في الغابة‪ .‬كانت‬ ‫إنك لس ِ‬
‫حتى چايمي النستر نفسه نادرًا ما أشع َر بِريان بهذا الحُمق‪ِ .‬‬
‫المرأة بريال قد أخب َرتها كيف جرَّد چوفري السير دونتوس من فُروسيَّته‪ ،‬وكيف توسَّلت سانزا إلى‬
‫چوفري أن يُبقي على حياته‪ ،‬وعندما سم َعت الحكاية حز َمت بِريان أمرها قائلةً لنفسها‪ :‬لقد ساعدَها على‬
‫عثرت على السير دونتوس سأعث ُر على سانزا‪ .‬كان حريًّا بها أن تعلم أن آخَرين سيتوصَّلون‬ ‫ُ‬ ‫الهرب‪ .‬إذا‬
‫إلى النَّتيجة ذاتها‪ .‬وقد يكون بعضهم أق َّل كياسةً من السير شادريك‪ .‬ليس في وسعها َّإال أن تأمل أن يكون‬
‫السير دونتوس قد أخفى سانزا جيِّدًا‪ .‬لكن إذا فع َل هذا فكيف سأجدها؟ وحنَت بِريان كتفيها وواصلَت‬
‫الطَّريق مقطِّبةً‪.‬‬
‫كان اللَّيل يتو َّغل لدى وصولهم إلى الخان‪ ،‬وهو بناية طويلة من الخشب تطلُّ على ملتقى فرعَي ٍ‬
‫نهر وتعلو‬
‫صاحب‬
‫ِ‬ ‫جسرًا حجريًّا قدي ًما‪ .‬قال لهم السير كرايتون إن هذا هو اسم الخان‪( ،‬الجسر الحجري القديم)‪ ،‬وإن‬
‫الخان صديقه‪ ،‬وأضافَ مؤ ِّكدًا‪« :‬ليس طاهيًا سيِّئًا‪ ،‬وليس في ال ُغرف براغيث أكثر من معظم الخانات‪ .‬من‬
‫ش دافئ اللَّيلة؟»‪.‬‬
‫يرغب في فِرا ٍ‬
‫قال السير إيليفر ال ُمفلس‪« :‬ليس نحن‪ ،‬ما لم يكن صديقك يُ َؤجِّرها مجَّانًا‪ .‬لسنا نملك ً‬
‫ماال لل ُغرف»‪.‬‬
‫ص َّرةً متخمةً‬ ‫قالت بِريان‪« :‬يُمكنني أن أدفع لثالثتنا»‪ .‬إنها ال تفتقر إلى النُّقود‪ ،‬ففي جرابَي َسرجها وجدَت ُ‬
‫ق يأمر جميع‬ ‫ضيَّة والنُّجوم النُّحاسيَّة‪ ،‬وواحدةً أصغر محش َّوةً بالتَّنانين َّ‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬باإلضافة إلى َر ٍّ‬ ‫باأليائل الف ِّ‬
‫عمال يخصُّ جاللته‪ ،‬وقد وقَّعه بخَ طِّه‬ ‫ً‬ ‫مارس‬‫رعايا الملك األوفياء بمساعَدة حاملته ِبريان التارثيَّة التي تُ ِ‬
‫الطفولي تومن األول ملك األنداليِّين والروينار والبَشر األوائل وسيِّد (الممالك السَّبع)‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫آث َر هيبالد التَّو ُّقف أيضًا‪ ،‬وأم َر رجاله بترك العربة قُرب االسطبل‪ .‬كان الضَّوء األصفر ال َّدافئ يسطع من‬
‫حال يصهل إذ اشت َّم رائحة فَرسها‪ ،‬وبينما بدأت‬ ‫وراء ُزجاج النَّوافذ ذي ال َّشكل الماسي‪ ،‬وسم َعت بِريان فَ ً‬
‫قائال‪« :‬دَعني أتولَّى هذا أيها الفارس»‪.‬‬ ‫تخلع السَّرج خر َج صبي من باب االسطبل ً‬
‫لست فارسًا‪ ،‬لكن يُمكنك أن تأخذ الفَرس‪ .‬احرص على إطعامها وسقايتها وتمشيطها»‪.‬‬ ‫ر َّدت‪ُ « :‬‬
‫حسبت‪.»...‬‬‫ُ‬ ‫تورَّد وجه الصَّبي‪ ،‬وقال‪« :‬اع ُذريني يا سيِّدتي‪،‬‬
‫قاط َعته بِريان‪« :‬إنه خطأ شائع»‪ ،‬وناولَته ال ِعنان وتب َعت اآلخَرين إلى داخل الخان وقد حملَت جرابَي‬
‫السَّرج على كتفها ودسَّت لفافة النَّوم تحت إبطها‪.‬‬
‫في ال َّداخل كانت األرضيَّة مغطَّاة بنُشارة الخشب‪ ،‬والهواء تُف ِعمه روائح حشيشة الدِّينار‪ 41‬وال ُّدخان واللَّحم‪،‬‬
‫غاب من يُتابِعه في الوقت الحاضر‪ ،‬واستق َّر ستَّة من‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫وينز ال ُّدهن‪ ،‬وإن‬ ‫قطق‬
‫ط ِ‬‫ض َع فوق النَّار تيس يُ َ‬
‫وقد ُو ِ‬
‫ال ُّس َّكان المحليِّين حول مائد ٍة يتكلَّمون‪ ،‬لكنهم قطعوا حوارهم ما إن دخ َل ال ُغرباء‪ .‬أحسَّت بِريان بنظراتهم‬
‫الجلديَّة أحسَّت كأنها عارية‪ ،‬ول َّما‬‫المسلَّطة عليها‪ ،‬وعلى الرغم من قميصها المعدني ومعطفها وسُترتها ِ‬
‫قال أحدهم‪« :‬انظُروا»‪ ،‬عل َمت أنه ال يعني السير شادريك‪.‬‬
‫صاحب الخان ممس ًكا بثالثة دوارق بك ِّل ي ٍد ويَس ُكب ال ِمزر مع كلِّ ُخطوة‪ ،‬فسألَه التَّاجر‪« :‬ألديك‬ ‫ِ‬ ‫ظه َر‬
‫ُغرف شاغرة أيها الرَّجل الطيِّب؟»‪.‬‬
‫صاحب الخان‪« :‬ربما‪ ،‬لمن يملكون المال»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أجاب‬
‫َ‬
‫ال َح االستياء على السير كرايتون لونجبو وهو يقول‪« :‬ناجل‪ ،‬أهكذا تُ َحيِّي صديقًا قدي ًما؟ هذا أنا‪ ،‬لونجبو»‪.‬‬
‫صاحب الخان‬
‫ِ‬ ‫أرني الفضَّة وسأريك السَّرير»‪ ،‬ووض َع‬ ‫‪« -‬هو أنت بالفعل‪ .‬إنك مدين لي بسبعة أيائل‪ِ .‬‬
‫ال َّدوارق واحدًا تلو اآلخَر‪ ،‬ساكبًا المزيد من ال ِمزر على المائدة‪.‬‬
‫قالت بِريان مشيرةً إلى السير كرايتون والسير إيليفر‪« :‬سأدف ُع ثَمن ُغرف ٍة لي وأخرى لرفيقَي»‪.‬‬
‫وقال التَّاجر‪« :‬وسآخ ُذ ُغرفةً أيضًا‪ ،‬لي وللسير شادريك الكريم‪ ،‬وسينام خدمي في االسطبل إذا كان هذا‬
‫ُناسبك»‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫تطلَّع إليهم الرَّجل‪ ،‬ثم قال‪« :‬ال ي ِ‬
‫ُناسبني‪ ،‬ولكن ربما أسم ُح به‪ .‬هل تُريدون عَشا ًء؟ عندي تيس جيِّد ج ًّدا‬
‫على السِّيخ»‪.‬‬
‫أعلنَ هيبالد‪« :‬سأحك ُم على جودته بنفسي‪ ،‬وسيكتفي رجالي بال ُخبز ومرق ال ِّشواء»‪.‬‬
‫صاحب الخان إلى الطَّابق العُلوي‬ ‫ِ‬ ‫وهكذا تنا َولوا عَشاءهم‪ ،‬وجرَّبت بِريان التَّيس بنفسها بَعد أن تب َعت‬
‫ت في يده ووض َعت حاجياتها في ثاني ُغرف ٍة أراها إياها‪ .‬طلبَت لحم التَّيس للسير‬ ‫ودسَّت بضع ُعمال ٍ‬
‫وشرب الفُرسان المتج ِّولون والتَّاجر ال ِمزر‬
‫َ‬ ‫كرايتون والسير إيليفر أيضًا‪ ،‬بما أنهما تقا َسما معها َسمكهما‪،‬‬
‫ب من حليب الماعز‪ ،‬وقد أنصتَت إلى الحديث ال َّدائر حول المائدة آملةً‬ ‫مع اللَّحم‪ ،‬في حين اكتفَت بِريان بكو ٍ‬
‫ضعف األمل أن تسمع شيئًا يُسا ِعدها على التَّوصُّ ل إلى سانزا‪.‬‬
‫رغم َ‬
‫قال أحد المحليِّين لهيبالد‪« :‬إنكم قادمون من (كينجز الندنج)‪ .‬أصحي ٌح أن قاتِل الملك أصب َح ُمعاقًا؟»‪.‬‬
‫أجاب هيبالد‪« :‬صحيح‪ ،‬فق َد يد سيفه»‪.‬‬
‫َ‬
‫سمعت‪ ،‬أحد تلك الوحوش التي أتَت من ال َّشمال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أضافَ السير كرايتون‪« :‬نعم‪ ،‬قض َمها ذئب رهيب‪ 44‬كما‬
‫ال خير يأتي من ال َّشمال أبدًا‪ .‬حتى آلهتهم غريبة»‪.‬‬
‫مرتزق ڬوهوري»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بأمر من‬
‫ٍ‬ ‫سم َعت بِريان نفسها تقول‪« :‬لم يكن ذئبًا‪ .‬السير چايمي فق َد يده‬
‫علَّق الفأر المجنون‪« :‬ليس ً‬
‫سهال أن يُقاتِل المرء بي ٍد لم تعرف التَّدريب»‪.‬‬
‫ق السير كرايتون لونجبو صيحة استنكار‪ ،‬وقال‪« :‬يتصادَف أني أجي ُد القتال بكلتا يدَي»‪.‬‬‫أطل َ‬
‫أشك في هذا»‪ ،‬ورف َع دورقه على سبيل التَّحيَّة‪.‬‬
‫قال السير شادريك‪« :‬أوه‪ ،‬ال ُّ‬
‫تذ َّكرت بِريان قتالها مع چايمي النستر في الغابة‪ .‬يومها استنف َرت قُواها كلَّها كي تتفادى سيفه‪ .‬كان ضعيفًا‬
‫بَعد طول السِّجن ومعصماه مقيَّديْن بالسَّالسل‪ .‬ال فارس في (الممالك السَّبع) بأَسرها كان ليَص ُمد أمامه‬
‫وهو بكامل ق َّوته دون سالسل تُعيقه‪ .‬لقد اقترفَ چايمي شرورًا كثيرةً‪ ،‬ولكن يا لبراعته في القتال! كان‬
‫تشويهه قسوة ما بَعدها قسوة‪ ،‬لكن أن تَقتُل أسدًا شيء وأن تَبتُر َكفَّه وتَترُكه كسيرًا مبهوتًا شيء آخَ ر‪.‬‬
‫صار صخب القاعة العا َّمة يفوق تح ُّملها البقاء فيها لحظةً أخرى‪ ،‬فغمغ َمت متمنِّيةً لهم ليلةً طيِّبةً‬ ‫َ‬ ‫فجأةً‬
‫وأخ َذت نفسها إلى الفِراش‪ .‬السَّقف في ُغرفتها واطئ‪ ،‬وإذ دخلَت بِريان حاملةً ً‬
‫فتيال مكس ًّوا بال َّشمع‬
‫سرير واسع بما فيه الكفاية‬ ‫ٍ‬ ‫اضطرَّت إلى االنحناء لئال تصدم رأسها‪ .‬األثاث الوحيد في المكان عبارة عن‬
‫لنوم ستَّة أفراد‪ ،‬باإلضافة إلى بقايا شمع ٍة من ال َّشحم على عتبة النَّافذة‪ ،‬فأشعلَتها بنار الفتيل وأنزلَت مزالج‬
‫الباب وعلَّقت حزام سيفها من أحد أعمدة السَّرير‪ِ .‬غمدها تقليدي تما ًما‪ ،‬خشب مغلَّف ِ‬
‫بالجلد البنِّي المشقَّق‪،‬‬
‫بدال من السَّيف الذي سرقَته ِرفقة ال ُّشجعان‪ .‬سيف‬ ‫وسيفها أكثر تقليديَّةً‪ ،‬وقد ابتاعَته في (كينجز الندنج) ً‬
‫رنلي‪ .‬ما زا َل يُؤلِمها فقدانه‪.‬‬
‫الذهب‬ ‫طويال آخَر خبَّأته في لفافة النَّوم‪ ،‬وقد جل َست على السَّرير وأخر َجته‪ ،‬ليلتمع َّ‬ ‫ً‬ ‫على أن هناك سيفًا‬
‫األصفر والياقوت باألحمر في ضوء ال َّشمعة‪ ،‬وحين سحبَت بِريان (حافِظ العهد) من ِغمده المن َّمق‬
‫موجات السَّوداء والحمراء في أعماق الفوالذ‪ .‬فوالذ ڤاليري‪ ،‬مطرَّق بالتَّعاويذ‪.‬‬ ‫احتب َست أنفاسها لمرأى التَّ ُّ‬
‫صغرها مألَت مربِّيتها أُذنيها بحكايات البسالة وقصَّت عليها المآثر النَّبيلة للسير‬ ‫سيف يليق ببطل‪ .‬في ِ‬
‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫جاالدون المورني وفلوريان المهرِّج واألمير إيمون الفارس التنِّين وغيرهم من األبطال‪ ،‬وكان لك ِّل‬
‫منهم سيف شهير‪ ،‬وال بُ َّد أن (حافِظ العهد) يَصلُح لصُحبتهم حتى إن لم تكن هي تَصلُح‪« .‬ستُدافِعين عن‬
‫ابنة ند ستارك بفوالذ ند ستارك»‪ .‬هكذا وعدَها چايمي‪.‬‬
‫رك َعت بين السَّرير والحائط ممسكةً بالسَّيف‪ ،‬ور َّددت صالةً صامتةً ل(العجوز) التي يُنير مصباحها‬
‫أرشديني‪ ،‬أنيري طريقي وأريني كيف أص ُل إلى سانزا‪ .‬لقد خذلَت رنلي‬ ‫الذهبي السَّبيل للبَشر في الحياة‪ِ .‬‬ ‫َّ‬
‫وخذلَت الليدي كاتلين‪ ،‬ويجب َّأال تخذل چايمي أيضًا‪ .‬لقد ائتمنَني على هذا السَّيف‪ ،‬ائتمنَني على َشرفه‪.‬‬
‫طويال كفايةً‪ ،‬فنا َمت عليه‬‫ً‬ ‫بَعدها تم َّددت على السَّرير قدر المستطاع‪ ،‬وعلى الرغم من اتِّساعه لم تجده‬
‫بالعرض‪ .‬تناهَت إلى مسامعها قعقعة ال َّدوارق من األسفل‪ ،‬واألصوات التي يحملها الهواء على السَّاللم‪ ،‬ثم‬
‫ظه َرت البراغيث التي ذك َرها لونجبو‪ ،‬فساعدَها ال َح ُّك على البقاء مستيقظةً‪.‬‬
‫سم َعت هيبالد يصعد ال َّدرج‪ ،‬وبَعد فتر ٍة الفُرسان بدورهم‪ ،‬وكان السير كرايتون يقول وهو يمرُّ ‪ ...« :‬لم‬
‫ط‪ ،‬لكن كانت على تُرسه دجاجة حمراء قانية‪ ،‬ومن نصله يَقطُر ال َّدم‪ ،»...‬ثم خبا صوته‪،‬‬ ‫أعرف اسمه قَ ُّ‬
‫ق‪.‬‬
‫مكان ما في األعلى انفت َح باب وانغل َ‬
‫ٍ‬ ‫وفي‬
‫آخرها‪ ،‬واستق َّر الظَّالم فوق (الجسر الحجري القديم)‪ ،‬ورانَ على الخان صمت تام‬ ‫احترقَت شمعتها عن ِ‬
‫ق وأنصتَت‬ ‫فتحت الباب برف ٍ‬
‫نهضت ِبريان تجمع أغراضها‪َ .‬‬‫َ‬ ‫جعلَها تسمع خرير مياه النَّهر‪ ،‬وعندها فقط‬
‫لحظةً‪ ،‬ثم نزلَت السَّاللم بقدمين حافيتين‪ ،‬وفي الخارج انتعلَت حذاءها وأسرعَت إلى االسطبل لتُ َجهِّز‬
‫فَرسها الكستنائيَّة‪ ،‬قبل أن تمتطيها مستميحةً السير كرايتون والسير إيليفر ُعذرًا صامتًا‪ .‬استيقظَ أحد رجال‬
‫هيبالد حين مرَّت به‪ ،‬لكنه لم يتحرَّك من مكانه ليمنعها‪ ،‬ورنَّت حوافر فَرسها على حجارة الجسر القديم‪،‬‬
‫وسرعان ما ابتل َعتها األشجار السَّوداء كالقار المألى باألشباح وال ِّذكريات‪ ،‬وإذ انطلقَت بِريان في ظُلمة‬
‫أجدك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اللَّيل قالت في أعماقها‪ :‬إنني قادمة يا ليدي سانزا‪ .‬ال تخافي‪ ،‬فلن أستريح حتى‬
‫سامويل‬
‫بينما يقرأ عن (اآلخَرين) رأى سام الفأر‪.‬‬
‫كانت عيناه محمرَّتين رطبتين‪ ،‬وكلَّما فر َكهما قال لنفسه‪ :‬ينبغي َّأال أفركهما كثيرًا‪ .‬ال ُغبار يُصيبهما بالح َّكة‬
‫قلب سام صفحةً‪ ،‬ويرتفع‬ ‫مكان هنا‪ ،‬تمأل سُحبه الصَّغيرة الهواء متى َ‬ ‫ٍ‬ ‫ويجعلهما تدمعان‪ ،‬وال ُغبار في ك ِّل‬
‫كغمام رمادي متى رف َع كومةً من ال ُكتب ليرى ما قد يكون متواريًا في قاعها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫آخر مرَّة‪ ،‬لكن أق َّل من بوص ٍة واحدة تبقَّى من ال َّشمعة الثَّخينة المصنوعة من‬ ‫ال يدري كم مضى منذ نا َم ِ‬
‫ق مخلوعة وجدَها مربوطةً بخيط‪ .‬كان منهَ ًكا ألقصى‬ ‫ال َّشحم‪ ،‬التي أشعلَها حين بدأ مطالَعة رزمة أورا ٍ‬
‫ف‪ .‬ملزمة أخرى فقط‪.‬‬ ‫درجة‪َّ ،‬إال أن التَّوقُّف صعب‪ ،‬وفي البداية ظَ َّل يقول لنفسه‪ :‬كتاب آ َخر ثم أتوقَّ ُ‬
‫صفحة أخرى ثم أصع ُد وأستري ُح وآك ُل‪ .‬لكن هناك دائ ًما صفحة أخرى بَعد تلك الصَّفحة‪ ،‬ثم أخرى‬
‫وأخرى‪ ،‬وكتاب آخَر قابع تحت الكومة‪ ،‬فيُخبِر نفسه‪ :‬سألقي نظرةً سريعةً فقط ألرى موضوعه‪ ،‬وقبل أن‬
‫يدري يكون قد قرأ نِصفه‪ .‬لم يكن قد أك َل شيئًا منذ َحساء الفاصوليا واللَّحم المق َّدد الذي تناولَه مع پيپ‬
‫ق فيها الطَّبق‬ ‫وجرن‪ .‬باستثناء ال ُخبز والجُبنة‪ ،‬لكنها كانت مجرَّد وجب ٍة خفيفة‪ .‬وتلك هي اللَّحظة التي رم َ‬ ‫ِ‬
‫فأبصر الفأر يلتهم فُتات ال ُخبز‪.‬‬
‫َ‬ ‫الفارغ‬
‫ال يتجا َوز الفأر نِصف طول خنصره‪ ،‬وله عينان سوداوان وفرو رمادي ناعم‪ ،‬ويعلم سام أن عليه أن‬
‫ضا‪ ،‬وقد وج َد الكثير من فضالتها وسط‬ ‫يَقتُله‪ ،‬فمع أن الفئران تُفَضِّ ل ال ُخبز والجُبنة فإنها تأكل الورق أي ً‬
‫الرُّ فوف واألكوام‪ ،‬وبدا بعض أغلفة ال ُكتب ِ‬
‫الجلديَّة مقروضًا‪.‬‬
‫يضن عليه بالقليل من فُتات ال ُخبز؟ لكنه يأكل ال ُكتب‪...‬‬
‫ُّ‬ ‫لكنه مخلوق ضئيل للغاية‪ ،‬وجائع‪ .‬كيف‬
‫كلوح من الخشب وساقاه ِشبه نائمتيْن‪ .‬يعرف أنه ليس‬ ‫ٍ‬ ‫ت من الجلوس أصب َح َ‬
‫ظهر سام متيبِّسًا‬ ‫بَعد ساعا ٍ‬
‫سريعًا بما يكفي لإلمساك بالفأر‪ ،‬ولكن ربما يستطيع أن يسحقه‪ .‬عند ِمرفقه كانت تستقرُّ نُسخة ضخمة‬
‫ق تفاصيل‬ ‫بالجلد من (حوليَّات القنطور األسود )‪ ، 49‬تقرير السِّپتون چوركوين الذي يحوي أد َّ‬ ‫ِ‬ ‫مغلَّفة‬
‫يوم من خدمته‪ ،‬كلٌّ منها‬‫السَّنوات التِّسع التي قضاها أوربرت كازويل قائدًا ل َحرس اللَّيل‪ ،‬وفيه صفحة لك ِّل ٍ‬
‫ظ اللورد أوربرت في الفَجر وأفر َغ أمعاءه»‪ ،‬باستثناء الصَّفحة األخيرة التي تقول‪:‬‬ ‫مستهلَّة بعبارة «استيق َ‬
‫ك سام الكتاب‬ ‫« ُو ِج َد اللورد أوربرت وقد ماتَ خالل اللَّيل»‪ .‬ما من ٍ‬
‫فأر نِ ٌّد للسِّپتون چوركوين‪ .‬هكذا أمس َ‬
‫ق من أصابعه السَّمينة وسق َ‬
‫ط‬ ‫بيُسراه بمنتهى البُطء فوجدَه سمي ًكا ً‬
‫ثقيال‪ ،‬ول َّما حاو َل أن يرفعه بي ٍد واحدة انزل َ‬
‫على المنضدة‪ ،‬وفي أقلِّ من لحظ ٍة اختفى الفأر بمنتهى السُّرعة‪ .‬أحسَّ سام بالرَّاحة‪ ،‬فسحقه المخلوق‬
‫ت مسموع‪« :‬لكن ال يَج ُدر بك أن تأكل ال ُكتب»‪ .‬ربما‬ ‫الصَّغير المسكين كان ليُصيبه بالكوابيس‪ ،‬وقال بصو ٍ‬
‫عليه أن يجلب معه القليل من الجُبنة عندما يأتي المرَّة القادمة‪.‬‬
‫أده َشه القليل الذي تبقَّى من ال َّشمعة‪ .‬هل كان َحساء الفاصوليا واللَّحم المق َّدد اليوم أم البارحة؟ البارحة‪ ،‬ال‬
‫بُ َّد أنه كان البارحة‪ .‬جعلَه إدراك الوقت يتثا َءب‪.‬‬
‫مؤ َّكد أن چون يتسا َءل ع َّما َح َّل به‪ ،‬وإن كان ال ِمايستر إيمون سيتفهَّم بالتَّأكيد‪ .‬قبل أن يفقد بصره كان‬
‫ُدرك الطَّريقة التي يَسقُط بها المرء سقوطًا في‬ ‫ال ِمايستر يحبُّ القراءة قدر ما يحبُّها سامويل تارلي‪ ،‬وي ِ‬
‫ال ُكتب أحيانًا‪ ،‬كأن ك َّل صفح ٍة فجوة تُفضي إلى ٍ‬
‫عالم آ َخر‪.‬‬
‫دف َع سام نفسه عن المنضدة ناهضًا‪ ،‬والت َوت قسماته من التَّنميل في َربلتَي ساقيه‪ .‬مقعده صُلب للغاية‪،‬‬
‫ي أن أتذ َّكر أن أجلب وسادةً‪ .‬بل ومن‬ ‫وينغرس في لحم فخذيه من الخلف عندما ينحني فوق كتاب‪ .‬عل َّ‬
‫األفضل أن ينام هنا‪ ،‬في الحُجيرة التي وجدَها نِصف متواري ٍة وراء أربعة صناديق مألى بالصَّفحات‬
‫طويال‪ ،‬فقُوى الرَّجل بدأت تخور في‬ ‫ً‬ ‫المخلوعة من ُكتبها‪ ،‬لكنه ال يرغب في ترك ال ِمايستر إيمون وحده‬
‫الفترة األخيرة وأصب َح يتطلَّب العون‪ ،‬خصوصًا في العناية بال ِغدفان‪ .‬صحي ٌح أن كاليداس يُسا ِعد إيمون‪،‬‬
‫لكن سام أصغر ِسنًّا وأمهر في التَّعا ُمل مع ُّ‬
‫الطيور‪.‬‬
‫ق سام طريقه عبر األنفاق التي‬ ‫بكوم ٍة من ال ُكتب والمخطوطات تحت إبطه األيسر وشمع ٍة في يده اليُمنى َش َّ‬
‫أنار خيط شاحب من الضَّوء ال َّدرجات الحجريَّة المرتفعة التي تقود‬ ‫يُ َس ِّميها اإلخوة المسالك ال ُّدوديَّة‪ ،‬وقد َ‬
‫ك ال َّشمعة مشتعلةً في ُك َّو ٍة في الحائط وبدأ يصعد‪ ،‬وعند ال َّدرجة‬ ‫إلى السَّطح‪ ،‬فعرفَ أن النَّهار طل َع‪ .‬تر َ‬
‫الخامسة كان يلهث‪ ،‬وعند العاشرة توقَّف لينقل ال ُكتب إلى ذراعه اليُمنى‪.‬‬
‫قائال لنفسه‪ :‬سماء ثلجيَّة‪ .‬أصابَته الفكرة‬ ‫خرج تحت سما ٍء بلون الرَّصاص األبيض‪ ،‬فضيَّق عينيه ورف َعهما ً‬ ‫َ‬
‫آن واحد‪ .‬ال‬‫بالتَّوتُّر‪ ،‬وتذ َّكر اللَّيلة إياها على ق َّمة (قبضة البَشر األوائل) حين أتَت الجُثث الحيَّة والثُّلوج في ٍ‬
‫تكن جبانًا هكذا‪ .‬إخوتك المحلَّفون يُحيطون بك‪ ،‬ناهيك بستانيس باراثيون وجميع فُرسانه‪ .‬من حوله‬
‫الجدار)‪ ،‬وقد ال َح جيش صغير يزحف‬ ‫ارتف َعت حصون وأبراج (القلعة السَّوداء)‪ ،‬وإن ق َّزمتها ضخامة ( ِ‬
‫على الجليد في رُبع المسافة إلى أعلى‪ ،‬حيث ترتفع ساللم متع ِّرجة جديدة بتؤد ٍة لتتَّصل ببقايا القديمة‪ .‬على‬
‫الجليد تر َّددت أصداء مناشير ومطارق البنَّائين الذين أم َرهم چون بالعمل ليل نهار‪ ،‬وقد سم َع سام بعضهم‬
‫ط‪ .‬ولكن من دون السَّاللم‬ ‫يشكو على ال َعشاء‪ ،‬ويقول إن اللورد مورمونت لم يُ َج ِّشمهم مشقَّةً كهذه قَ ُّ‬
‫الجدار) َّإال القفص المتح ِّرك‪ ،‬ومهما كرهَ سامويل تارلي السَّاللم‬ ‫الضَّخمة ليست هناك وسيلة لبلوغ ق َّمة ( ِ‬
‫فإنه يكره القفص أكثر‪ ،‬ودائ ًما يُغلِق عينيه متى ركبَه وفي نفسه يقين بأن السِّلسلة على وشك أن تنكسر‪،‬‬
‫ك القفص الحديد بالجليد يتوقَّف قلبه عن الخفقان لحظةً‪.‬‬ ‫وكلَّما احت َّ‬
‫وج َد سام نفسه يُفَ ِّكر وهو يُشا ِهد القفص ينخفض ببُطء‪ :‬كانت تو َجد تنانين هنا قبل مئتي عام‪ ،‬تطير ببساط ٍة‬
‫ق بها زوجها الملك‬ ‫زارت الملكة أليسين (القلعة السَّوداء) على متن تنِّينتها‪ ،‬ولح َ‬ ‫الجدار)‪ .‬لقد َ‬ ‫إلى ق َّمة ( ِ‬
‫چهيرس على تنِّينه‪ .‬أيُمكن أن سيلڤروينج تر َكت بيضةً وراءها؟ أو هل وج َد ستانيس بيضةً في‬
‫(دراجونستون)؟ حتى إذا كانت في حوزته بيضة‪ ،‬فكيف يجعلها تفقس؟ بيلور المبا َرك صلَّى على‬
‫بيضاته‪ ،‬وغيره من آل تارجاريَن حاولوا جعل بيضهم يفقس بالسِّحر‪ ،‬فلم ينالوا َّإال المهازل والمآسي‪.‬‬
‫قال صوت واجم‪« :‬سامويل‪ُ ،‬‬
‫كنت قاد ًما إلحضارك‪ .‬قي َل لي أن آخذك لحضرة القائد»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تحط على أنفه‪« :‬چون يُريد أن يراني؟»‪.‬‬ ‫تساء َل سام ونُدفة ٍ‬
‫ثلج‬
‫أجاب إد توليت الكئيب‪« :‬ال أدري‪ .‬إنني لم أرغب في رؤية نِصف األشياء التي رأيتها‪ ،‬ولم أ َر ِنصف‬
‫َ‬
‫أظن أن للرَّغبة عالقة باألمر‪ .‬لكن من األفضل أن تذهب‪ .‬اللورد سنو‬ ‫ُ‬
‫رغبت في رؤيتها‪ .‬ال ُّ‬ ‫األشياء التي‬
‫يُريد الكالم معك ما إن يَفرُغ من زوجة كراستر»‪.‬‬
‫‪« -‬جيلي»‪.‬‬
‫رضعتي كان لها شارب»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لظللت أرض ُع حتى اآلن‪ُ .‬م ِ‬ ‫رضعتي تُشبِهها‬
‫‪« -‬بالضَّبط‪ .‬لو كانت ُم ِ‬
‫جرن عند أحد األركان‪ ،‬وك ٌّل منهما يحمل قوسًا‬ ‫ظهر مع ِ‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬معظم الماعز له شوارب»‪ ،‬صا َح پيپ إذ‬
‫سهام على ظَهره‪« .‬أين كنت أيها القاتِل؟ افتقدناك ليلة أمس على ال َعشاء‪ .‬ث َّمة ثور‬ ‫ٍ‬ ‫طويال في يده و َجعبة‬‫ً‬
‫مشوي كامل لم يأكله أحد»‪.‬‬
‫كنت أقرأُ‪ .‬كان هناك‬ ‫متجاهال مزحة الثَّور‪ ،‬فهذا ديدن پيپ ال أكثر‪ُ « .‬‬
‫ً‬ ‫‪« -‬ال تُنا ِدني بالقاتِل»‪َ ،‬ر َّد سام‬
‫فأر‪.»...‬‬
‫جرن‪ ،‬إنه مرعوب منها»‪.‬‬‫‪« -‬ال تَذ ُكر الفئران أمام ِ‬
‫جرن بغيظ‪« :‬غير صحيح!»‪.‬‬
‫أعلنَ ِ‬
‫‪« -‬سيُر ِعبك أن تأكل واحدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬يُمكنني أن آكل فئرانًا أكثر منك»‪.‬‬
‫الذيل‬‫كنت األصغر‪ ،‬فلم أنل َّإال َّ‬
‫صغري كنا نأكل الفئران في أيام األعياد فقط‪ُ .‬‬ ‫تنهَّد إد الكئيب‪ ،‬وقال‪« :‬في ِ‬
‫دائ ًما‪ .‬ليس هناك لحم في ا َّ‬
‫لذيل»‪.‬‬
‫جرن‪« :‬أين قوسك الطَّويل يا سام؟ أولمر كان ينتظرك في ساحة التَّدريب»‪ .‬اعتا َد السير أليسر أن‬ ‫سأ َل ِ‬
‫الجدار) كبير الحجم لكن‬ ‫جرن ب«الثَّور»‪ ،‬ويبدو أن االسم ينطبق عليه أكثر فأكثر ك َّل يوم‪ .‬لقد أتى ( ِ‬ ‫يُلَقِّب ِ‬
‫وخصر ممتلئ ووج ٍه أحمر وحرك ٍة خرقاء‪ ،‬ولئن كانت رقبته ال تزال تحمرُّ كلَّما‬ ‫ٍ‬ ‫بطيئًا‪ ،‬برقب ٍة غليظة‬
‫أوق َعه پيپ في حبائل واحد ٍة من ُدعاباته‪ ،‬فإن ساعات التَّدريب الطَّويلة بالسَّيف والتُّرس س َّوت بطنه وق َّوت‬
‫ي حقًّا‪ ،‬وأشعث كالثِّيران‪.‬‬ ‫ذراعيه وفلط َحت صدره‪ .‬إنه قو ٌّ‬
‫ر َّدد سام بارتباك‪« :‬أولمر»‪ .‬أول شي ٍء تقريبًا فعلَه چون سنو باعتباره القائد أنه قضى أن تكون تدريبات‬
‫الالزم‬ ‫قائال إن َحرس اللَّيل ر َّكزوا أكثر من َّ‬ ‫ُّ‬
‫والطهاة‪ً ،‬‬ ‫الرِّماية يوميَّةً ألفراد الحامية كلِّها‪ ،‬حتى ال ُوكالء‬
‫ق من األيام التي كان فيها فارس من ك ِّل عشرة إخو ٍة‬ ‫الالزم على القوس‪ ،‬وهو أثر با ٍ‬ ‫على السَّيف وأق َّل من َّ‬
‫بدال من ك ِّل مئة‪ .‬رأى سام ما في القرار من حصافة‪ ،‬لكنه يكاد يكره تدريبات الرِّ ماية بالقوس الطَّويل‬ ‫ً‬
‫ِمثلما يكره صعود السَّاللم‪ .‬عندما يضع قُفَّازيه ال يستطيع أن يُصيب شيئًا أبدًا‪ ،‬وعندما يخلعهما تتقرَّح‬
‫ُ‬
‫نسيت»‪.‬‬ ‫أصابعه‪ .‬تلك األقواس خطرة بحق‪ ،‬وال َّدليل أن ساتان قط َع نِصف ظُفر إبهامه بوتر أحدها‪« .‬‬
‫قال پيپ‪« :‬كسرت قلب األميرة الهمجيَّة أيها القاتِل»‪ .‬في الفترة األخيرة تع َّودت ڤال أن تُشا ِهدهم يتمرَّنون‬
‫من نافذة ُغرفتها في (بُرج الملك)‪« .‬كانت تبحث عنك»‪.‬‬
‫‪« -‬غير صحيح! ال تقل هذا!»‪ .‬لم يتكلَّم سام مع ڤال َّإال مرَّتين‪ ،‬حين استدعاها ال ِمايستر إيمون لتتأ َّكد من‬
‫ً‬
‫خجال في‬ ‫أن الرَّضيعيْن في ص َّح ٍة جيِّدة‪ ،‬واألميرة رائعة ال َجمال بحق‪ ،‬لدرجة أنه يجد نفسه يتلعثم ويتورَّد‬
‫حضورها‪.‬‬
‫قال پيپ‪« :‬ولِ َم ال؟ إنها تُريد أن تحمل أطفالك‪ .‬ربما علينا أن ندعوك بسام ال ُمغوي»‪.‬‬
‫احم َّر وجه سام‪ .‬إنه يعلم أن عند الملك ستانيس ُخططًا لڤال‪ ،‬أنها األداة التي ينوي أن يُح ِكم بها السَّالم بين‬
‫ك وقتًا للرِّماية اليوم‪ .‬يجب أن أذهب ألرى چون»‪.‬‬‫ال َّشماليِّين وشعب األحرار‪« .‬ال أمل ُ‬
‫جرن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬چون؟ چون؟ هل نعرف أحدًا اسمه چون يا ِ‬
‫‪« -‬يقصد حضرة القائد»‪.‬‬
‫‪« -‬أوووه‪ ،‬اللورد سنو العظيم‪ ،‬بالتَّأكيد‪ .‬لماذا تُريد أن تراه؟ إنه ال يستطيع هزهزة أُذنيه»‪ ،‬وهزه َز پيپ‬
‫أُذنيه الكبيرتين المحمرَّتين من البرد ليُريهم أنه يستطيع‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬إنه اللورد سنو فعليًّا اآلن‪ ،‬أعلى نسبًا‬
‫من أن يُجالِس أمثالنا»‪.‬‬
‫الجدار) تحت قيادته‪ ،‬وكلُّ ما يتض َّمنه هذا المنصب»‪.‬‬
‫قال سام مداف ًعا عنه‪« :‬چون عليه واجبات‪ِ ( .‬‬
‫‪« -‬والمرء عليه واجبات نحو أصدقائه أيضًا‪ .‬لوالنا ألصب َح چانوس سلينت قائدنا‪ .‬كان اللورد چانوس‬
‫عار على ظَهر بغل‪ ،‬ولقال له‪ :‬اذهب إلى (قلعة كراستر) و ُعد لي‬ ‫ٍ‬ ‫ُرسل سنو في جولة تقصٍّ وهو‬ ‫لي ِ‬
‫بمعطف وحذاء ال ُّدب العجوز‪ .‬لقد أنقذناه من هذا‪ ،‬واآلن واجباته أكثر من أن يشرب معنا كوبًا من النَّبيذ‬
‫المتبَّل إلى جوار النَّار؟»‪.‬‬
‫ُبارز أحدهم هناك معظم األيام»‪.‬‬‫جرن بقوله‪« :‬واجباته ال تحول دون نزوله السَّاحة‪ .‬ستجده ي ِ‬ ‫أيَّده ِ‬
‫أق َّر سام مضط ًّرا بصحَّة هذا‪ .‬ذات مرَّة‪ ،‬عندما جا َء چون يتشا َور مع ال ِمايستر إيمون‪ ،‬سألَه سام لماذا‬
‫المبارزة‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬ال ُّدب العجوز لم يعتَد أن يتدرَّب كثيرًا حين كان‬
‫َ‬ ‫يقضي ك َّل هذا الوقت في تدريبات‬
‫أجاب عنه چون بأن وض َع سيفه (المخلب الطَّويل) في يد سام وتر َكه يستشعر خفَّته‬ ‫َ‬ ‫قائدًا»‪ ،‬وهو ما‬
‫وتوا ُزنه‪ ،‬وجعلَه يُ َد ِّور النَّصل لتَبرُق ُّ‬
‫تموجات المعدن ال َّداكن كال ُّدخان‪ ،‬ثم قال‪« :‬هذا فوالذ ڤاليري‪ ،‬مطرَّق‬
‫بالتَّعاويذ وحاد كالموسى‪ ،‬يكاد يكون غير ٍ‬
‫قابل لإلتالف‪ .‬ال بُ َّد أن يكون حامل السَّيف بجودة سيفه يا سام‪.‬‬
‫(المخلب الطَّويل) من الفوالذ الڤاليري‪ ،‬أ َّما أنا فال‪ ،‬وكان باستطاعة ذي النِّصف يد أن يَقتُلني بسهولة‬
‫سحقك بعوضةً»‪.‬‬
‫طارت‪ ،‬فال أفع ُل َّإال أن أضرب ذراعي‪ .‬شيء‬ ‫َ‬ ‫حاولت أن أسحق بعوضةً‬ ‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬كلَّما‬
‫أعا َد سام السَّيف ً‬
‫مؤلم»‪.‬‬
‫ك قوله چون الذي َر َّد‪« :‬كما تُريد‪ .‬كان باستطاعة كورين أن يَقتُلني بسهولة أكلك وعا ًء من الثَّريد»‪.‬‬ ‫أضح َ‬
‫سام مولع بالثَّريد‪ ،‬خصوصًا المحلَّى بالعسل‪.‬‬
‫ق طريقه إلى مستودَع السِّالح ضا ًّما ُكتبه إلى صدره‪.‬‬‫‪« -‬ليس عندي وقت لهذا»‪ ،‬قالها سام ألصدقائه و َش َّ‬
‫تساءل ع َّما سيقوله هؤالء البَشر إذا أد َركوا أن بلدانهم يقيها َمن على‬
‫َ‬ ‫أنا الدِّرع التي تقي بلدان البَشر‪.‬‬
‫جرن وپيپ وإد الكئيب‪.‬‬ ‫شاكلة ِ‬
‫(بُرج القائد) خرَّبته النَّار‪ ،‬و(بُرج الملك) اتَّخذه ستانيس باراثيون مق ًّرا إلقامته‪ ،‬ومن ثم استق َّر چون سنو‬
‫وصل سام‪ ،‬جسدها‬‫َ‬ ‫في مسكن دونال نوي المتواضع وراء مستودَع السِّالح‪ .‬كانت جيلي مغادرةً حين‬
‫ملفوف بالمعطف القديم الذي أعطاها إياه في أثناء فرارهما من (قلعة كراستر)‪ .‬كادَت الفتاة تندفع‬
‫متجاوزةً إياه‪ ،‬لكنه أمسكَ ذراعها ليَسقُط منه كتابان‪ ،‬وقال‪« :‬جيلي»‪.‬‬
‫ت مبحوح‪« :‬سام»‪ .‬لجيلي َشعر داكن وجسد ناحل وعينان بنِّيَّتان واسعتان كعينَي ظبية‪ ،‬وقد‬ ‫ر َّدت بصو ٍ‬
‫ابتل َعتها طيَّات معطف سام القديم وكا َد وجهها يتوارى تحت قلنسوته‪ ،‬وإن كانت ترتجف على الرغم من‬
‫هذا‪ ،‬وال َح على مالمحها الخوف واالمتقاع‪.‬‬
‫طفلين؟»‪.‬‬‫سألَها سام‪« :‬ما الخطب؟ كيف حال ال ِّ‬
‫سحبَت جيلي ذراعها منه مجيبةً‪« :‬بخير يا سام‪ ،‬بخير»‪.‬‬
‫قال بلُطف‪« :‬عجيب ِ‬
‫أنك تستطيعين النَّوم في وجود االثنين‪َ .‬من الذي سمعته يبكي ليلة أمس؟ حسبته لن‬
‫يتوقَّف أبدًا»‪.‬‬
‫صبي داال‪ ،‬دائ ًما يبكي حين يُريد أن يرضع‪ .‬أ َّما صبيِّي‪ ...‬صبيِّي يكاد ال يبكي أبدًا‪ .‬أحيانًا‬ ‫ُّ‬ ‫غمغ َمت‪« :‬‬
‫رت على‬ ‫يُقَرقِر‪ ،‬ولكن‪ ،»...‬وبت َرت عبارتها واستطردَت بعينين أغرقَتهما ال ُّدموع‪« :‬يجب أن أذهب‪ .‬تأ َّخ ُ‬
‫ق نفسي باللَّبن إذا لم أذهب»‪ ،‬واندف َعت تجتاز السَّاحة تاركةً سام حائرًا‪.‬‬
‫إطعامهما‪ .‬سأغر ُ‬
‫طهما‪ .‬لم يكن ينبغي أن أجلب عددًا كبيرًا‪ ،‬قال‬ ‫اضط َّر إلى الرُّ كوع على رُكبتيه ليلتقط الكتابين اللذين أسق َ‬
‫لنفسه وهو يمسح الوحل عن ( ُخالصة اليَشب) لكولوڬو ڤوتار‪ ،‬المجلَّد السَّميك الذي يض ُّم حكايا ٍ‬
‫ت‬
‫الحظَّ نفسه لم يُحا ِلف‬
‫وأساطير من الغرب وأم َره ال ِمايستر إيمون بالعثور عليه‪ .‬بدا الكتاب سلي ًما‪ ،‬ولو أن َ‬
‫(عشيرة التَّنانين‪ ،‬تاريخ عائلة تارجاريَن من المنفى إلى التَّأليه‪ ،‬مع بحث في حياة التَّنانين وموتها)‬
‫ت بالوحل‪ ،‬منها واحدة تحوي صورةً‬ ‫ط‪ ،‬وتل َّوثت بضع صفحا ٍ‬ ‫لل ِمايستر ثوماكس‪ .‬انفت َح الكتاب إذ سق َ‬
‫ممتازةً باألحبار المل َّونة للرُّ عب األسود بالريون‪َ .‬سبَّ سام نفسه وخَ َرقها وهو يُ َس ِّوي الصَّفحات ويمسحها‪.‬‬
‫بأخ محلَّف في َحرس اللَّيل أن يَشعُر بما تُش ِعره به‬‫دائ ًما يُربِكه وجود جيلي ويُثير فيه‪ ...‬ما يُثيره! ال يَج ُدر ٍ‬
‫جيلي‪ ،‬ال سيَّما حين تتكلَّم عن ثدييها و‪...‬‬
‫‪« -‬اللورد سنو ينتظرك»‪ .‬عند باب مستودَع السِّالح وقفَ حارسان متَّكئان على حربتيهما‪ ،‬كالهما يرتدي‬
‫معطفًا أسود ويعتمر خوذةً قصيرةً من الحديد‪ .‬كان هال ال ُمشعر من تكلَّم‪ ،‬بينما ساع َد مولي سام على‬
‫النُّهوض‪ ،‬فتمت َم شاكرًا وأسر َع يتجا َوزهما متشبِّثًا باستمات ٍة بكومة ال ُكتب وهو يمرُّ بورشة الحدادة بسندانها‬
‫وكيرها‪ ،‬وقد استق َّر قميص نِصف مكتمل من الحلقات المعدنيَّة على طاولة العمل‪ .‬رأى جوست متم ِّددًا‬
‫ثور ليصل إلى النُّخاع‪ ،‬ورف َع ال ِّذئب الرَّهيب األبيض الكبير عينيه حين َم َّر‬ ‫أسفل السِّندان يقضم عظمة ٍ‬
‫سام‪ ،‬وإن لم يُص ِدر صوتًا‪.‬‬
‫الحراب والتُّروس‪ ،‬ولدى دخوله ألفاه سام يقرأ َرقًّا‪ ،‬وقد جث َم ُغداف‬ ‫تقع حُجرة چون ال َّشمسيَّة وراء رفوف ِ‬
‫اللورد مورمونت على كتفه مح ِّدقًا إلى الورقة كأنه يقرأها أيضًا‪ ،‬لكن حين أبص َر الطَّائر سام بسطَ جناحيه‬
‫وحلَّق صوبه صائحًا‪ُ « :‬ذرة‪ُ ،‬ذرة!»‪.‬‬
‫ُخرج حفنةً من الحبوب‪ ،‬ف َحطَّ ال ُغداف على‬ ‫ع َّدل سام وضع ال ُكتب و َدسَّ يده في الكيس المجاور للباب لي ِ‬
‫معصمه والتقطَ واحدةً من َكفِّه ناقرًا بق َّو ٍة حدَت بسام إلى الصِّياح وانتزاع يده بسُرعة‪ ،‬وعا َد ال ُغداف يُ َحلِّق‬
‫وتناث َرت الحبوب الصَّفراء والحمراء في ك ِّل مكان‪.‬‬
‫قال چون‪« :‬أغلِق الباب يا سام‪ .‬هل جر َح المأفون ِجلدك؟»‪ .‬على وجنته ال تزال تلوح النُّدوب الباهتة التي‬
‫نسر أن يفقأ عينه‪.‬‬ ‫خلَّفتها محا َولة ٍ‬
‫ُ‬
‫أنزف!»‪.‬‬ ‫وأجاب شاعرًا بال ُّدوار‪« :‬نعم‪ ،‬إنني‬
‫َ‬ ‫ق وخل َع قُفَّازه‪،‬‬ ‫وض َع سام ال ُكتب برف ٍ‬
‫ت أغلظ»‪ ،‬ودف َع مقعدًا بقدمه نحو سام مردفًا‪:‬‬‫َر َّد چون‪« :‬ك ُّلنا ننزف من أجل َحرس اللَّيل‪ .‬ارت ِد قُفَّازا ٍ‬
‫وألق نظرةً على هذا»‪ ،‬وناولَه الرَّق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫«اجلس‬
‫سألَه سام بينما بدأ ال ُغداف يلتقط ال َحبَّ من وسط الحصائر‪« :‬ما هذا؟»‪.‬‬
‫‪ِ « -‬درع من ورق»‪.‬‬
‫امتصَّ سام ال َّدم من راحة يده وهو يقرأ‪ ،‬وقد تعرَّف خَ طَّ ال ِمايستر إيمون بمجرَّد النَّظر‪ .‬للعجوز خَ ٌّ‬
‫ط‬
‫صغير دقيق‪ ،‬لكنه ال يرى المواضع التي يُلَطِّخ فيها الحبر الورقة‪ ،‬فيَترُك أحيانًا بُقعًا قبيحةً‪« .‬رسالة إلى‬
‫الملك تومن؟»‪.‬‬
‫قال چون‪« :‬في (وينترفل) تبار َز تومن وأخي بران بسيفين خشبيَّين‪ .‬كان يرتدي بطانةً سميكةً لدرجة أنه‬
‫مواصال‪« :‬ومع ذلك ماتَ بران‪ ،‬واآلن‬ ‫ً‬ ‫وذهب إلى النَّافذة‬
‫َ‬ ‫بدا كإو َّز ٍة محش َّوة‪ ،‬وطر َحه بران أر ً‬
‫ض ا »‪،‬‬
‫يجلس تومن السَّمين ذو الوجه المتو ِّرد على العرش الحديدي‪ ،‬ووسط ُخصالته َّ‬
‫الذهبيَّة يستقرُّ التَّاج»‪.‬‬
‫الجدار) مع ذي اليدين الباردتين‪ ،‬لكن الكلمات احتب َست‬ ‫أرا َد سام أن يقول‪ :‬بران لم يَ ُمت‪ ،‬بل ارتح َل وراء ( ِ‬
‫أقسمت َّأال أقول‪« .‬لم تُ َوقِّع الرِّسالة»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في حلقه‪ .‬لقد‬
‫‪« -‬ال ُّدب العجوز توسَّل العون من العرش الحديدي مئة مرَّة‪ ،‬فأر َسلوا له چانوس سلينت‪ .‬ال رسالة من‬
‫شأنها أن تجعل آل النستر يحبُّوننا أكثر ما إن يسمعوا أننا ساعَدنا ستانيس»‪.‬‬
‫الجدار) فقط‪ ،‬وليس في تمرُّ ده»‪ ،‬وقرأ الرِّ سالة ثانيةً بسُرع ٍة قبل أن يُضيف‪:‬‬ ‫قال سام‪« :‬في الدِّفاع عن ( ِ‬
‫«هذا هو المكتوب هنا»‪.‬‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬لِ َم يُسا ِعدنا اآلن؟ إنه‬ ‫قال چون‪« :‬قد يغيب الفرق عن اللورد تايوين»‪ ،‬وتناو َل ال ِّرسالة من سام‬
‫لم يفعلها من قبل قَ ُّ‬
‫ط» ‪.‬‬
‫‪« -‬ألنه لن يُريد أن يقول النَّاس إن ستانيس هَبَّ للدِّفاع عن البالد بينما يلعب الملك تومن بلُعبه‪ .‬شيء كهذا‬
‫سيُ َؤدِّي إلى السُّخرية من عائلة النستر»‪.‬‬
‫قال چون‪« :‬ما أريده لعائلة النستر هو الموت وال َّدمار»‪ ،‬ورف َع الرِّ سالة وقرأ‪َ « :‬حرس اللَّيل ال يتد َّخلون‬
‫خطر داهم اآلن‪ .‬ستانيس باراثيون‬
‫ٍ‬ ‫في حروب (الممالك السَّبع)‪ .‬إننا نحلف أيماننا للبالد‪ ،‬والبالد في‬
‫الجدار)‪ ،‬لكننا لسنا رجاله‪.»...‬‬
‫يُسا ِعدنا ضد أعدائنا من وراء ( ِ‬
‫قال سام بارتباك‪« :‬طيِّب‪ ،‬نحن لسنا رجاله بالفعل‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫أعطيت ستانيس الطَّعام والمأوى و(قلعة اللَّيل)‪ ،‬باإلضافة إلى السَّماح له بتوطين عد ٍد من شعب‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫األحرار في (الهديَّة)‪ ،‬هذا كلُّ شيء»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد تايوين سيقول إن هذا كثير للغاية»‪.‬‬
‫جسر من الجليد على‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬وستانيس يقول إنه ال يكفي‪ .‬كلَّما أعطيت مل ًكا المزيد أرا َد أكثر‪ .‬إننا نمشي على‬
‫ً‬
‫مستحيال»‪.‬‬ ‫ملك واحد عسير بما فيه الكفاية‪ ،‬أ َّما إرضاء اثنين فيكاد يكون‬ ‫جانبيه هاوية‪ .‬إرضاء ٍ‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكن‪ ...‬إذا كانت الغلبة آلل النستر وقرَّر اللورد تايوين أننا ُخنَّا الملك بدعمنا ستانيس فقد يعني هذا‬
‫نهاية َحرس اللَّيل‪ .‬إن وراءه آل تايرل وق َّوة (هايجاردن) بأكملها‪ ،‬كما أنه هز َم اللورد ستانيس في معركة‬
‫حرص على‬ ‫َ‬ ‫(النَّهر األسود)»‪ .‬ربما يُصيب منظر الدِّماء سام بال ُّدوار‪ ،‬لكنه يعلم كيف تُربَح الحروب‪ .‬أبوه‬
‫هذا‪.‬‬
‫‪(« -‬النَّهر األسود) معركة واحدة‪ .‬روب انتص َر في معاركه كلِّها وفق َد رأسه رغم ذلك‪ .‬إذا استطا َع‬
‫ستانيس أن يحشد ال َّشمال‪.»...‬‬
‫ُحاول إقناع نفسه‪ .‬لكنه غير قادر‪ .‬لقد حلَّقت ال ِغدفان من (القلعة السَّوداء) في عاصف ٍة‬ ‫ك سام أن چون ي ِ‬‫أدر َ‬
‫من األجنحة السَّوداء‪ ،‬تستدعي لوردات ال َّشمال إلعالن تأييدهم ستانيس باراثيون و َ‬
‫ض ِّم ق َّواتهم إلى ق َّواته‪،‬‬
‫الطيور بنفسه‪ ،‬وحتى اآلن لم يرجع َّإال واحد‪ ،‬الطَّائر الذي أر َسلوه إلى (كارهولد)‪،‬‬ ‫وقد أرس َل سام معظم ُّ‬
‫وفيما عدا ذلك فالصَّمت يص ُّم اآلذان‪.‬‬
‫حتى إذا استطا َع ستانيس أن يربح ال َّشماليِّين في صفِّه‪ ،‬فسام ال يرى كيف يأمل في معادَلة ق َّوة (كاسترلي‬
‫روك) و(هايجاردن) و(التَّوأمتين) مجتمعةً‪ ...‬لكن قضيَّته خاسرة ال محالة دون ال َّشمال‪ .‬خاسرة ك َحرس‬
‫اللَّيل إذا وص َمنا اللورد تايوين بالخيانة‪« .‬آل النستر معهم شماليُّون في صفوفهم‪ ،‬اللورد بولتون ونغله»‪.‬‬
‫‪« -‬ستانيس معه آل كارستارك‪ .‬إذا فا َز بتأييد (الميناء األبيض)‪.»...‬‬
‫قاط َعه سام ضاغطًا على الكلمة‪« :‬إذا‪ .‬وإذا لم يَح ُدث‪ ...‬سيِّدي‪ ،‬حتى ِدرع من ورق أفضل من ال شيء»‪.‬‬
‫ط ريشةً وذيَّل الرِّسالة بتوقيعه‪ ،‬وقال‪ِ « :‬‬
‫أحضر‬ ‫أظن هذا»‪ ،‬وتنهَّد ثم التق َ‬‫قائال‪ُّ « :‬‬ ‫ل َّوح چون بالورقة ً‬
‫ال َّشمع»‪ .‬وهكذا س َّخن سام قالبًا من ال َّشمع األسود فوق شمع ٍة وقطَّر القليل منه على الرَّق‪ ،‬ثم شاه َد وچون‬
‫يضغط ختم َحرس اللَّيل بق َّو ٍة في ال َّشمع الطَّري‪ ،‬قبل أن يقول آمرًا‪ُ « :‬خذها إلى ال ِمايستر إيمون حين تُغا ِدر‬
‫ُرسل طائرًا إلى (كينجز الندنج)»‪.‬‬ ‫وقُل له أن ي ِ‬
‫رأيت جيلي وهي‬ ‫ُ‬ ‫قال سام‪« :‬سأفع ُل»‪ ،‬وتر َّدد لحظةً ثم استطر َد‪« :‬سيِّدي‪ ،‬إذا سمحت لي بالسُّؤال‪ ...‬لقد‬
‫ذاهبة‪ ،‬وكانت مجهشةً بالبُكاء»‪.‬‬
‫‪« -‬ڤال أرسلَتها تتشفَّع لمانس مج َّددًا»‪.‬‬
‫الجدار ملكةً له‪ ،‬ويُط ِلق عليها ستانيس ورجاله‬‫‪« -‬أوه»‪ .‬ڤال أخت المرأة التي اتَّخذها ملك ما وراء ِ‬
‫ضت نفسها وهي‬ ‫ً‬
‫نصال لم يمسَّها‪ ،‬بل فا َ‬ ‫«األميرة الهمجيَّة»‪ ،‬وقد ماتَت أختها داال خالل المعركة‪ ،‬مع أن‬
‫تلد ابن مانس رايدر‪ .‬قريبًا سيتبعها رايدر نفسه إلى القبر‪ ،‬إذا صدقَت الهمسات التي سم َعها سام‪« .‬ماذا‬
‫قلت لها؟»‪.‬‬
‫أظن أن كالمي سيُ َؤثِّر فيه‪ .‬أول واجبات الملك أن‬ ‫ُ‬
‫كنت ال ُّ‬ ‫أجاب چون‪« :‬إنني سأتكلَّ ُم مع ستانيس‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬
‫يُدافِع عن بالده‪ ،‬ومانس رايدر هاج َم البالد‪ ،‬وليس واردًا أن ينسى جاللته هذا‪ .‬لقد اعتا َد أبي أن يقول إن‬
‫ط إنه متسامح»‪ ،‬وصمتَ لحظةً مقطِّبًا وجهه قبل أن يُتابِع‪:‬‬ ‫ستانيس باراثيون رجل عادل‪ ،‬لكن ال أحد قال قَ ُّ‬
‫ق يُفت َرض أن تكون‬ ‫رجال في َحرس اللَّيل ذات يوم‪ ،‬وبال َح ِّ‬
‫ً‬ ‫«أوث ُر أن أقطع رأس مانس بنفسي‪ ،‬فقد كان‬
‫حياته في أيدينا نحن»‪.‬‬
‫حرقه لتصنع سحرًا ما»‪.‬‬ ‫‪« -‬پيپ يقول إن الليدي مليساندرا تنوي أن تُ ِ‬
‫‪« -‬على پيپ أن يتعلَّم أن يصون لسانه‪ .‬الكالم نفسه سمعته من آخَرين‪ .‬دم الملوك الذي من شأنه أن يُوقِظ‬
‫تنِّينًا‪ ،‬لكن ال أحد يدري أين تحسب مليساندرا أنها ستجد تنِّينًا نائ ًما‪ .‬إنها تُرهات‪ .‬دماء مانس ليست أكثر‬
‫ق ال أكثر‪ ،‬وليست هناك‬ ‫ط‪ .‬الرَّجل قاطع طري ٍ‬ ‫ش قَ ُّ‬‫ملكيَّةً من دمائي‪ .‬إنه لم يعتمر تاجًا أو يجلس على عر ٍ‬
‫ق َّوة في دماء قُطَّاع ُّ‬
‫الطرق»‪.‬‬
‫على األرض رف َع ال ُغداف عينيه وصر َخ‪« :‬دماء!»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سأصرف جيلي من هنا»‪.‬‬ ‫لم يُ ِعره چون اهتما ًما‪ ،‬وقال‪« :‬‬
‫غمغ َم سام‪« :‬أوه»‪ ،‬وأومأ َ برأسه ً‬
‫قائال‪ٌ « :‬‬
‫حسن‪ ،‬هذا‪ ...‬هذا جيِّد يا سيِّدي»‪ .‬أفضل شي ٍء لها أن تذهب إلى‬
‫آمن دافئ‪ ،‬بعيدًا عن (ال ِجدار) والقتال‪.‬‬
‫مكان ٍ‬
‫ٍ‬
‫رضعةً أخرى ألخيه في الرِّ ضاعة»‪.‬‬ ‫‪« -‬هي والصَّبي‪ .‬علينا أن نجد ُم ِ‬
‫‪« -‬ال بأس بحليب الماعز حتى تجدوا واحدةً‪ .‬إنه أفضل للرُّ ضَّع من حليب األبقار»‪ .‬كان سام قد قرأ هذا‬
‫ُ‬
‫عثرت على قائ ٍد صبي آ َخر قبل أربعمئة‬ ‫قائال‪« :‬سيِّدي‪ ،‬بينما أقراُ الحوليَّات‬
‫مكان ما‪ .‬اعتد َل في جلسته ً‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫اختير‪ ،‬لكنه خد َم ستِّين عا ًما‪ .‬هكذا‬
‫َ‬ ‫عام من الغزوة‪ .‬أوزريك ستارك كان في العاشرة من العُمر حين‬ ‫ٍ‬
‫رجل يُنتخَ ب للقيادة‪ .‬إنك الخامس‬
‫ٍ‬ ‫أصبحوا أربعةً يا سيِّدي‪ ،‬أي أنك لست قريبًا حتى من أن تكون أصغر‬
‫حتى اآلن»‪.‬‬
‫‪« -‬واألربعة األصغر ك ُّلهم أبناء أو إخوة أو نغول للملك في ال َّشمال‪ .‬أخبِرني بشي ٍء مفيد‪ ،‬حدِّثني عن‬
‫عد ِّونا»‪.‬‬
‫ِّجالت‪ ،‬وإن لم يكن بالكثرة التي‬ ‫ق شفتيه مستدر ًكا‪« :‬إنهم مذكورون في الس َّ‬ ‫قال سام‪(« :‬اآلخَرون)»‪ ،‬ولع َ‬
‫أعرف أن هناك المزيد مما لم أجده‪ .‬بعض‬ ‫ُ‬ ‫ِّجالت التي وجدتها وقرأتها باألحرى‪ ،‬لكني‬ ‫حسبتها‪ ...‬في الس َّ‬
‫ال ُكتب األقدم متفسِّخ‪ ،‬والصَّفحات تتفتَّت حين أحاو ُل أن أقلبها‪ .‬وبالنِّسبة إلى ال ُكتب العتيقة‪ ...‬إ َّما أنها تفتَّتت‬
‫مكان ما لم أبحث فيه بع ُد‪ ،‬وربما‪ ...‬ربما ال تكون هناك ُكتب كهذه من األصل‬ ‫ٍ‬ ‫تما ًما وإ َّما أنها مدفونة في‬
‫ك لنا‬ ‫ط‪ .‬أقدم التَّواريخ المد َّونة كان بَعد مجيء األنداليِّين إلى (وستروس)‪ ،‬بينما تر َ‬ ‫ولم يكن لها وجود قَ ُّ‬
‫نظن أننا نعرفه عن عصر األبطال واللَّيل‬ ‫ُّ‬ ‫البَشر األوائل نقو ًشا على الصُّ خور فحسب‪ ،‬لذا فإن ك َّل شي ٍء‬
‫ت كتبَها ِسپتونات بَعد آالف األعوام من تلك األحداث‪ ،‬وهناك ِمايسترات رؤساء في‬ ‫الطَّويل يأتي من حكايا ٍ‬
‫(القلعة) يُ َش ِّككون فيها جميعًا‪ .‬تلك التَّواريخ القديمة مألى بالملوك الذين حكموا مئات السِّنين‪ ،‬والفُرسان‬
‫عام من وجود فُرسان‪ .‬أنت تعرف تلك الحكايات؛ براندون البنَّاء وسيميون ذو‬ ‫الذين جابوا البالد قبل ألف ٍ‬
‫العينين النَّجمتين وملك اللَّيل‪ ...‬نحن نقول إنك القائد التِّسعمة وثمانية وتسعون ل َحرس اللَّيل‪ ،‬لكن أقدم قائم ٍة‬
‫وجدتها تض ُّم ستمئة وأربعة وسبعين قائدًا‪ ،‬وهو ما يُفيد بأنها ُكتِبَت‪.»...‬‬
‫زمن طويل‪ .‬ماذا عن (اآلخَرين)؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قاط َعه چون‪« :‬منذ‬
‫الزجاج البُركاني‬ ‫خنجر من ُّ‬
‫ٍ‬ ‫وجدت ِذكرًا ل ُزجاج التنِّين‪ .‬أطفال الغابة تع َّودوا أن يُعطوا َحرس اللَّيل مئة‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫عام خالل عصر األبطال‪ .‬معظم الحكايات متَّفق على أن (اآلخَرين) يأتون في البرد‪ ،‬أو أن البرد يأتي‬ ‫ك َّل ٍ‬
‫معهم‪ .‬أحيانًا يظهرون وقت العواصف الثَّلجيَّة ويختفون حين تصفو السَّماء‪ ،‬ويختبئون من ضوء ال َّشمس‬
‫ليال‪ ...‬أو أن اللَّيل يحلُّ حين يَخرُجون‪ .‬بعض القصص يتكلَّم عن ركوبهم الحيوانات الميتة؛‬ ‫ويَخرُجون ً‬
‫الدِّببة وال ِّذئاب الرَّهيبة والماموثات والخيول‪ ،‬ال فرق ما دا َم الحيوان ميتًا‪.‬‬
‫الذي قت َل پول الصَّغير كان يمتطي حصانًا ميتًا‪ ،‬فواضح أن هذا الجزء صحيح‪ .‬بعض الحكايات يَذ ُكر‬
‫عناكب جليديَّةً أيضًا‪ ،‬لكني ال أدري ماهيتها‪َ .‬من يسقطون في المعركة أمام (اآلخَ رين) ال بُ َّد أن يُح َرقوا‬
‫وإال سينهض الموتى من جدي ٍد كعبي ٍد لهم»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪« -‬نعرف ك َّل هذا‪ .‬السُّؤال هو كيف نُقاتِلهم؟»‪.‬‬
‫قال سام‪« :‬دروع (اآلخَرين) منيعة ضد معظم األسلحة التَّقليديَّة‪ ،‬إذا ص َّدقنا ما ور َد في الحكايات‪،‬‬
‫وسيوفهم باردة للغاية لدرجة أنها تُ َحطِّم الفوالذ‪ ،‬لكنهم يهابون النَّار‪ ،‬ومن شأن ُزجاج التنِّين أن يُؤذيهم»‪.‬‬
‫تذ َّكر (اآلخَر) الذي واجهَه في (الغابة المسكونة)‪ ،‬وكيف بدا أنه يذوب ذوبانًا عندما طعنَه بخنجر ُّ‬
‫الزجاج‬
‫وجدت حكايةً عن اللَّيل الطَّويل تقول إن البطل األخير قت َل (اآلخَرين)‬‫ُ‬ ‫البُركاني الذي صن َعه له چون‪« .‬‬
‫بسيف من فوالذ التنِّين‪ .‬المفت َرض أنهم ال يستطيعون الصُّ مود أمامه»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قطَّب چون جبينه ً‬
‫قائال‪« :‬فوالذ التنِّين؟ الفوالذ الڤاليري؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا أول ما خط َر لي أيضًا»‪.‬‬
‫استطعت أن أقنع لوردات (الممالك السَّبع) بإعطائنا سيوفهم المصنوعة من الفوالذ الڤاليري‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬إذن إذا‬
‫ق چون ضحكةً خاليةً من المرح‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬هل عرفت من يكون (اآلخَرون)؟‬ ‫فستنتهي المشكلة؟»‪ ،‬وأطل َ‬
‫من أين يأتون؟ ماذا يريدون؟»‪.‬‬
‫كنت أقرأُ ال ُكتب الخطأ فقط‪ .‬هناك مئات ال ُكتب التي لم أفتحها حتى اآلن‪.‬‬
‫‪« -‬ليس بع ُد يا سيِّدي‪ ،‬لكن لعلِّي ُ‬
‫أعطني مزيدًا من الوقت وسأج ُد ك َّل ما يُمكن إيجاده»‪.‬‬
‫ِ‬
‫بنبر ٍة حزينة قال چون‪« :‬ليس هناك مزيد من الوقت‪ .‬عليك أن تحزم أغراضك يا سام‪ ،‬إنك راحل مع‬
‫جيلي»‪.‬‬
‫مرَّت لحظة دون أن يستوعب سام‪ ،‬ثم قال‪« :‬راحل؟ أنا راحل؟ إلى (القلعة ال َّشرقيَّة) يا سيِّدي؟ أم‪...‬‬
‫أين‪.»...‬‬
‫‪(« -‬البلدة القديمة)»‪.‬‬
‫‪(« -‬البلدة القديمة)؟!»‪ .‬خر َجت الكلمة منه صريرًا‪( .‬هورن هيل) قريبة من (البلدة القديمة)‪ .‬الدِّيار‪ .‬مجرَّد‬
‫الفكرة جع َل رأسه يدور‪ .‬أبي‪.‬‬
‫‪« -‬وإيمون أيضًا»‪.‬‬
‫رسله وتُ ِ‬
‫رسلني‬ ‫‪« -‬إيمون؟ ال ِمايستر إيمون؟ لكن‪ ...‬لقد تجاو َز المئة بعامين يا سيِّدي‪ ،‬وال يقوى على‪ ...‬ستُ ِ‬
‫ُر َحت‪ ،‬فمن‪.»...‬‬
‫ضت أو ج ِ‬‫أيضًا يا سيِّدي؟ ومن سيعتني بال ِغدفان؟ إذا مر َ‬
‫‪« -‬كاليداس‪ ،‬إنه مع إيمون منذ سنوات»‪.‬‬
‫ضعفًا‪ .‬أنت محتاج إلى ِمايستر‪ .‬ال ِمايستر إيمون واهن‪ ،‬ورحلة‬ ‫‪« -‬كاليداس مجرَّد وكيل‪ ،‬وبصره يزداد َ‬
‫في البحر‪ .»...‬ف َّكر في (الكرمة) والسَّفينة (ملكة الكرمة) فكا َد يختنق بلسانه‪« .‬ربما‪ ...‬إنه شيخ‪ ،‬و‪.»...‬‬
‫‪« -‬ستكون حياته في خطر‪ ،‬أدر ُ‬
‫ك هذا يا سام‪ ،‬لكن الخطر هنا أكبر‪ .‬ستانيس يعرف من هو إيمون‪ ،‬وإذا‬
‫كانت تعاويذ المرأة الحمراء تقتضي دم الملوك‪.»...‬‬
‫شحب‪« :‬أوه»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َر َّد سام بوج ٍه‬
‫كسبنا أغانيه بعض ال ِّرجال في الجنوب‪ .‬ستحملكم‬‫‪« -‬سينض ُّم داريون إليكم في (القلعة ال َّشرقيَّة)‪ .‬أملي أن تُ ِ‬
‫(الطَّائر األسود) إلى (براڤوس)‪ ،‬ومن هناك عليكم ترتيب رحلتكم إلى (البلدة القديمة)‪ .‬إذا كنت ال تزال‬
‫فأرسلها إلى (هورن هيل)‪ ،‬وإن لم يكن فسيجد لها إيمون ً‬
‫عمال كخادم ٍة في‬ ‫ِ‬ ‫تعتزم أن تُعلِن ابن جيلي نغلك‪،‬‬
‫(القلعة)»‪.‬‬
‫‪« -‬نننغلي»‪ .‬لقد قال هذا‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن‪ ...‬كلُّ تلك المياه‪ ،‬يُمكن أن أغرق‪ .‬السُّفن تغرق طوال الوقت‪،‬‬
‫والخريف فصل عنيف العواصف‪ .‬لكن جيلي ستكون معه‪ ،‬وسينشأ الطِّفل في أمان‪« .‬نعم‪ ،‬أنا‪ ...‬أ ِّمي‬
‫الذهاب إلى‬ ‫وأخواتي سيُسا ِعدن جيلي على العناية بالصَّبي»‪ .‬يُمكنني أن أرسل رسالةً‪ .‬ال حاجة إلى َّ‬
‫(هورن هيل) بنفسي‪.‬‬
‫أصيل‬
‫ٍ‬ ‫«داريون يستطيع أن يصحبها إلى (البلدة القديمة) ِمثلي تما ًما‪ .‬إنني‪ ...‬إنني أتمر َُّن على الرِّماية ك َّل‬
‫مع أولمر كما أمرت‪َّ ...‬إال عندما أكون في القبو‪ ،‬لكنك قلت لي أن أكتشف ما يُمكن اكتشافه عن‬
‫(اآلخَرين)‪ .‬القوس الطَّويل يُؤلِم كتفَي ويجعل أصابعي تتقرَّح»‪ ،‬ورف َع يده يُري چون أحد القروح‬
‫زلت أتمر َُّن‪ ،‬وأستطي ُع أن أصيب الهدف معظم الوقت اآلن‪َّ ،‬إال أنني ال أزا ُل‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مواصال‪« :‬لكني ما‬ ‫المفتوحة‬
‫حمل قوسًا في العالم‪ .‬لكني أحبُّ قصص أولمر‪ .‬على أحدهم أن يُ َد ِّونها ويضعها في كتاب»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رام‬
‫أسوأ ٍ‬
‫واصل‬‫‪« -‬د ِّونها إذن‪ .‬إن لديهم حبرًا وورقًا في (القلعة)‪ ،‬باإلضافة إلى األقواس الطَّويلة‪ .‬سأتوقَّ ُع منك أن تُ ِ‬
‫تدريباتك‪ .‬سام‪ ،‬في َحرس اللَّيل مئات الرِّ جال الذين يستطيعون الرَّمي بالسِّهام‪ ،‬لكن ليس بينهم َّإال شرذمة‬
‫ممن يُجيدون القراءة والكتابة‪ .‬أريدك أن تكون ِمايستري الجديد»‪.‬‬
‫أخرجني‪ ،‬أرجوك‬ ‫ِ‬ ‫جعلَته الكلمة يجفل‪ .‬ال‪ ،‬أرجوك يا أبي‪ ،‬لن أتكلَّم عن هذا ثانيةً‪ ،‬أقس ُم باآللهة السَّبعة‪.‬‬
‫أخ ِرجني‪« .‬سيِّدي‪ ،‬أنا‪ ...‬إن عملي هنا‪ .‬ال ُكتب‪.»...‬‬
‫‪« -‬ستكون هنا عندما تعود إلينا»‪.‬‬
‫وض َع سام يده على ُعنقه وهو يكاد يحسُّ بالسِّلسلة حوله‪ ،‬تَخنُقه‪« .‬سيِّدي‪( ،‬القلعة)‪ ...‬إنهم يجعلونك تُ َش ِّرح‬
‫أيام‬
‫فتعال معي‪ .‬طيلة ثالثة ٍ‬ ‫َ‬ ‫الجُثث هناك»‪ .‬إنهم يجعلونك تضع سلسلةً حول ُعنقك‪ .‬إذا كنت تُريد سلسلةً‬
‫ظ َّل سام ينتحب حتى يغلبه النَّوم وهو مقيَّد باألصفاد إلى الحائط‪ ،‬تُحيط بعُنقه سلسلة مشدودة‬ ‫ليال َ‬
‫وثالث ٍ‬
‫التف في اتِّجا ٍه خاطئ في نومه انقط َعت أنفاسه‪« .‬ال يُمكنني أن‬‫َّ‬ ‫آخرها لدرجة أنها جر َحت ِجلده‪ ،‬ومتى‬ ‫عن ِ‬
‫أضع سلسلةً»‪.‬‬
‫‪« -‬بل يُمكنك‪ ،‬وستفعل‪ .‬ال ِمايستر إيمون عجوز كفيف وق َّوته تتسرَّب منه‪ .‬من سيحلُّ محلَّه عندما يموت؟‬
‫ظالل) ُمقاتل أكثر من نَطاسي‪ ،‬وال ِمايستر هارميون في (القلعة ال َّشرقيَّة) يسكر‬ ‫ال ِمايستر مولين في (بُرج ال ِّ‬
‫أكثر مما يستفيق»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا سألت (القلعة) أن تُ ِ‬
‫رسل المزيد من ال ِمايسترات‪.»...‬‬
‫والحت الحيرة‬
‫َ‬ ‫‪« -‬هذا ما أنتويه‪ ،‬فسنحتاج إلى ك ِّل واح ٍد منهم‪ ،‬لكن إيمون تارجاريَن ال يُستبدَل بسهولة»‪،‬‬
‫كنت واثقًا بأن األمر سيسرُّ ك‪.‬‬
‫على چون وهو يُضيف‪ُ « :‬‬
‫في (القلعة) ُكتب أكثر مما يأمل أحد أن يقرأها كلَّها‪ .‬ستُبلي بال ًء حسنًا هناك يا سام‪ ،‬أعل ُم هذا»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ .‬يُمكنني أن أقرأ ال ُكتب‪ ،‬لكن‪ ...‬على ال ِم ِمايستر أن يكون ُمعالجًا أيضًا‪ ،‬وال َّدددم يُصيبني بال ُّدوار»‪،‬‬
‫ورف َع سام يدًا مرتعدةً لچون مضيفًا‪« :‬أنا سام الخائف ال سام القاتِل»‪.‬‬
‫رجال مسنِّين؟ سام‪ ،‬أنت رأيت الجُثث الحيَّة تجتاح (القبضة)‪ ،‬رأيت طوفانًا‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬خائف؟ ِم َّم؟ توبيخ بضعة‬
‫من الموتى األحياء بأي ٍد سوداء وأعيُن زرقاء المعة‪ .‬لقد قتلت واحدًا من (اآلخَرين)»‪.‬‬
‫‪« -‬قتلَه ُز ُز ُز ُزجاج التنِّين وليس أنا»‪.‬‬
‫‪« -‬صمتًا‪ .‬لقد كذبت وتحايَلت وتآ َمرت لتجعلني القائد‪ ،‬ستُطيعني إذن‪ .‬ستذهب إلى (القلعة) وتُ َك ِّون سلسلةً‪،‬‬
‫وإذا كان عليك أن تُ َشرِّح الجُثث فليكن‪ .‬على األقل لن تعترض الجُثث في (البلدة القديمة)»‪.‬‬
‫إنه ال يفهم‪« .‬سيِّدي‪ ،‬إن أأأأبي‪ ،‬اللورد راندل‪ ،‬إنه‪ ،‬إنه‪ ،‬إنه‪ ،‬إنه‪ ،‬إنه‪ ...‬حياة ال ِمايستر حياة خدمة»‪ .‬يعلم‬
‫سام أنه يتكلَّم اآلن كأنه يهذي‪ ،‬لكنه تاب َع‪« :‬ال أحد من أبناء عائلة تارلي يضع سلسلةً حول ُعنقه أبدًا‪ .‬رجال‬
‫(هورن هيل) ال ينحنون للوردات األدنى ويُ َعظِّمونهم»‪ .‬إذا كنت تُريد سلسلةً فتعا َل معي‪« .‬چون‪ ،‬ال‬
‫أستطي ُع أن أعصي أبي»‪.‬‬
‫ُواجهه اآلن هو اللورد سنو بعينيه الرَّماديَّتين وصالبته‬ ‫قال سام‪« :‬چون»‪ ،‬لكن چون لم يَعُد هناك‪ ،‬ومن ي ِ‬
‫الجليديَّة‪ ،‬وقد قال اللورد سنو‪« :‬أنت ال أب لك‪ ،‬بل إخوة فقط‪ ،‬نحن فقط‪ .‬إن حياتك تنتمي إلى َحرس اللَّيل‪،‬‬
‫جوال ومعها ك َّل شي ٍء آ َخر تُريد أن تأخذه إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فاذهب واح ُشر ثيابك ال َّداخليَّة في‬
‫ستُغا ِدر قبل ساع ٍة من ال ُّشروق‪ .‬وهاك أمر آخَر‪ :‬من اليوم فصاعدًا لن تنعت نفسك بالجُبن‪ .‬لقد واجهت في‬
‫واجه (القلعة)‪ ،‬لكنك‬‫العام المنصرم أشياء أكثر مما يرى معظم النَّاس في حياتهم كلِّها‪ .‬يُمكنك أن تُ ِ‬
‫واجهها باعتبارك أ ًخا محلَّفًا في َحرس اللَّيل‪ .‬ال أستطي ُع أن آمرك بأن تكون ُشجاعًا‪ ،‬لكني أستطي ُع أن‬ ‫ست ُ ِ‬
‫آمرك بأن تُخفي مخاوفك‪ .‬لقد حلفت اليمين يا سام‪ ،‬أتَذ ُكر؟»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫والظلمة تُخيفه‪« .‬س‪ ...‬سأحاو ُل»‪.‬‬ ‫الظلمات‪ .‬لكنه أخرق تما ًما في استعمال السَّيف‪،‬‬ ‫أنا السَّيف في ُّ‬
‫حاول‪ ،‬وإنما ستُطيع»‪.‬‬
‫‪« -‬لن تُ ِ‬
‫ق ُغداف مورمونت بجناحيه األسودين الكبيرين مر ِّددًا‪« :‬تُطيع!»‪.‬‬
‫خف َ‬
‫‪« -‬كما يأمر سيِّدي‪ .‬هل‪ ...‬هل يعرف ال ِمايستر إيمون؟»‪.‬‬
‫قال چون‪« :‬إنها فكرته قدر ما هي فكرتي»‪ ،‬وفت َح له الباب مردفًا‪« :‬ال وداع‪ .‬كلَّما قَ َّل عدد من يعلمون‬
‫باألمر كان أفضل‪ .‬ساعة قبل طلوع الفَجر في ساحة األُشنة‪.»46‬‬
‫ال يَذ ُكر سام أنه غاد َر مستودَع السِّالح‪ ،‬وإذا به يمشي متعثِّرًا في األوحال ورُقع الثَّلج القديم إلى مسكن‬
‫ال ِمايستر إيمون‪ .‬قال لنفسه‪ :‬يُمكنني أن أختبئ‪ ،‬يُمكنني أن أختبئ في األقبية وسط ال ُكتب‪ ،‬يُمكنني أن أعيش‬
‫ليال ألسرق الطَّعام‪ .‬يعلم أنها خواطر جنونيَّة‪ ،‬عديمة الجدوى قدر ما‬ ‫هناك مع الفأر وأتسلَّل إلى السَّطح ً‬
‫الجدار)‪ ،‬لكن‬
‫مكان يبحثون عنه فيه فوراء ( ِ‬ ‫ٍ‬ ‫آخر‬
‫مكان يبحثون عنه فيه‪ ،‬أ َّما ِ‬
‫ٍ‬ ‫هي يائسة‪ .‬ستكون األقبية أول‬
‫ُحرقونني حيًّا كما تنوي المرأة‬‫ي الهَمج ويَقتُلونني ببُطء‪ ،‬ربما ي ِ‬‫هذا خاطر أكثر جنونًا‪ .‬ربما يقبض عل َّ‬
‫حرق مانس رايدر‪.‬‬ ‫الحمراء أن تُ ِ‬
‫‪45‬‬
‫ت مرتبك ٍة صاخبة‬
‫حين وج َد ال ِمايستر إيمون في ال ِمغدفة أعطاه رسالة چون واندف َع يبوح بمخاوفه بكلما ٍ‬
‫وضعت سلسلةً فإن السيِّد ووووالدي س‪ ...‬س‪ ...‬سوف‪.»...‬‬
‫ُ‬ ‫وهو يَشعُر بالغثيان‪« :‬إنه ال يفهم! إذا‬
‫اخترت حياة الخدمة‪ ،‬وكان أبوه هو من أرسلَني إلى‬ ‫ُ‬ ‫قال ال َّشيخ‪« :‬أبي أيضًا أبدى االحتجاج نفسه حين‬
‫سمعت جاللته يقول‬ ‫ُ‬ ‫أنجب الملك دايرون أربعة أبناء‪ ،‬وثالثة منهم أنجبوا أبنا ًء‪ .‬يوم و َّدعوني‬ ‫َ‬ ‫(القلعة)‪ .‬لقد‬
‫الالزم»‪ ،‬ورف َع إيمون يدًا مبقَّعةً إلى‬ ‫الالزم خطرة كالتَّنانين األقل من َّ‬ ‫للسيِّد والدي‪ :‬التَّنانين األكثر من َّ‬
‫سلسلته ذات المعادن العديدة التي تتدلَّى مرتخيةً حول رقبته الرَّفيعة‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬السِّلسلة ثقيلة يا سام‪ ،‬لكن‬
‫جدِّي كان محقًّا‪ ،‬وكذا اللورد سنو»‪.‬‬
‫صياح بين بقيَّة ُّ‬
‫الطيور التي را َحت تُ َردِّد‪:‬‬ ‫تمت َم أحد ال ِغدفان‪« :‬سنو!»‪ ،‬ور َّدد آخَر‪« :‬سنو!»‪ ،‬ثم استشرى ال ِّ‬
‫ك أنه لن يجد مساعَدةً هنا‪ ،‬فال ِمايستر‬ ‫«سنو‪ ،‬سنو‪ ،‬سنو‪ ،‬سنو‪ ،‬سنو!»‪ .‬سام هو من علَّمها هذه الكلمة‪ .‬أدر َ‬
‫إيمون مغلوب على أمره ِمثله تما ًما‪ ،‬وف َّكر بيأس‪ :‬سيموت في البحر‪ .‬إنه أكثر عج ًزا من أن يحتمل رحلةً‬
‫كتلك‪ .‬وقد يموت ابن جيلي أيضًا‪ .‬الصَّبي ليس كبيرًا وقويًّا كابن داال‪ .‬هل يُريد چون أن يَقتُلنا جميعًا؟ في‬
‫الصَّباح التَّالي وج َد نفسه يضع السَّرج على الفَرس التي ركبَها من (هورن هيل) ويقودها إلى ساحة األُشنة‬
‫على الطَّريق ال َّشرقي‪ ،‬وقد انتف َخ جرابا السَّرج بالجُبن والسُّجق والبيض المسلوق‪ ،‬باإلضافة إلى نِصف‬
‫فخ ٍذ مملَّحة من لحم الخنزير أهداه له هوب ذو الثَّالثة أصابع يوم ميالده‪ ،‬وقال له الطَّاهي‪« :‬أنت رجل‬
‫ق قدره أيها القاتِل‪ .‬نحن محتاجون إلى المزيد من أمثالك»‪ .‬سيُسا ِعدهم اللَّحم ال ريب‪ ،‬فبين‬ ‫يُقَدِّر الطَّهو َح َّ‬
‫هنا و(القلعة ال َّشرقيَّة) طريق بارد طويل‪ ،‬وليست هناك بلدات أو خانات في ِظ ِّل ( ِ‬
‫الجدار)‪.‬‬
‫كانت السَّاعة السَّابقة للفَجر مظلمةً ساكنةً‪ ،‬وعلى (القلعة السَّوداء) خيَّم صمت عجيب‪ .‬في ساحة األُشنة‬
‫انتظ َرته عربتان بعجلتين‪ ،‬ومعهما چاك بولوار األسود ودستة من الج َّوالة المخضرمين األصالب‬
‫ق ِكدچ ذو العين البيضاء سبابًا عاليًا عندما أبص َر سام بعينه السَّليمة‪ ،‬فقال له چاك األسود‪:‬‬ ‫كخيولهم‪ .‬أطل َ‬
‫ش ما»‪.‬‬‫«دَعك منه أيها القاتِل‪ .‬لقد خس َر رهانًا‪ ،‬قال إنه سيكون علينا أن نجرَّك صار ًخا من تحت فِرا ٍ‬
‫ألن ال ِمايستر إيمون أوهن من أن يركب حصانًا‪ ،‬فقد ُجهِّ َزت له عربة و ُك ِّو َمت عليها األغطية الفرو‪،‬‬
‫وثُبِّتَت فوقها مظلَّة ِجلد لتقيه من المطر والثَّلج‪ .‬ستركب جيلي وطفلها مع ال ِمايستر‪ ،‬أ َّما العربة الثَّانية‬
‫ق من ال ُكتب القديمة النَّادرة التي خط َر إليمون أن (القلعة)‬ ‫فتحمل ثيابهم وأغراضهم‪ ،‬باإلضافة إلى صندو ٍ‬
‫ب واح ٍد من كلِّ‬ ‫قد تفتقر إليها‪ ،‬وكان سام قد أمضى نِصف اللَّيل بحثًا عنها‪ ،‬وإن لم يعثر َّإال على كتا ٍ‬
‫وإال كنا سنحتاج إلى عرب ٍة أخرى‪.‬‬ ‫أربعة‪ .‬ال بأس‪َّ ،‬‬
‫ظهر ال ِمايستر كان متدثِّرًا بفروة ُدبٍّ تفوقه حج ًما ثالث مرَّات‪ ،‬وإذ قادَه كاليداس إلى العربة هبَّت‬ ‫َ‬ ‫عندما‬
‫طيِّره‬‫الرِّيح بق َّو ٍة جعلَت الرَّجل الهَ ِرم يترنَّح‪ ،‬فهر َع إليه سام وط َّوقه بذراعه‪ .‬هبَّة أخرى كهذه كفيلة بأن تُ َ‬
‫أمسك ذراعي أيها ال ِمايستر‪ .‬العربة ليست بعيدةً»‪.‬‬ ‫الجدار)‪ِ « .‬‬ ‫فوق ( ِ‬
‫أومأ َ الرَّجل الكفيف برأسه بينما أزا َحت الرِّيح قلنسوته عن رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬الطَّقس دافئ دو ًما في (البلدة‬
‫ً‬
‫جميال‬ ‫الذهاب إليه وأنا مبتدئ شاب‪ .‬سيكون‬ ‫اعتدت َّ‬
‫ُ‬ ‫القديمة)‪ .‬ث َّمة خان ُمقام على جزير ٍة في (نهر البِتع)‬
‫أن أجلس هناك ثانيةً وأشرب خمر ال ُّتفَّاح»‪.‬‬
‫لدى وضعهم ال ِمايستر على العربة كانت جيلي قد ظه َرت بدورها حاملةً الرَّضيع بين ذراعيها‪ ،‬وتحت‬
‫قلنسوتها بدَت عيناها حمراوين من البُكاء‪ .‬في الوقت نفسه وص َل چون ومعه إد الكئيب‪ ،‬فناداه ال ِمايستر‬
‫تركت لك كتابًا في مسكنك‪ُ ( ،‬خالصة اليَشب) الذي كتبَه ال ُمغامر الڤوالنتيني‬ ‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬لورد سنو‪ ،‬لقد‬ ‫إيمون ً‬
‫كولوڬو ڤوتار‪ ،‬الذي ساف َر إلى ال َّشرق وزا َر جميع أراضي (بحر اليَشب)‪ .‬هناك فقرة قد تُثير اهتمامك‪،‬‬
‫قلت لكاليداس أن يُ َعلِّمها لك»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َر َّد چون سنو‪« :‬سأحرصُ على قراءتها»‪.‬‬
‫فمسحه بظَهر قُفَّازه‪ ،‬وقال‪« :‬المعرفة سالح يا‬
‫َ‬ ‫سا َل خيط من المخاط ال َّشاحب من أنف ال ِمايستر إيمون‪،‬‬
‫چون‪ ،‬فسلِّح نفسك جيدًا قبل أن تخوض المعركة»‪.‬‬
‫بكسل من السَّماء‪ ،‬فالتفتَ چون إلى‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬سأفع ُل»‪ .‬كان ثلج خفيف قد بدأ يَسقُط‪ ،‬تنزل رُقاقاته الكبيرة النَّاعمة‬
‫ً‬
‫رجال‬ ‫أسرعوا قدر اإلمكان‪ ،‬لكن ال داعي لل ُمخاطرات الحمقاء‪ .‬إن معكم‬ ‫چاك بولوار األسود ً‬
‫قائال له‪ِ « :‬‬
‫احرص على دفئهم وإطعامهم جيِّدًا»‪.‬‬ ‫ً‬
‫وطفال رضيعًا‪ِ .‬‬ ‫عجو ًزا‬
‫رضع ٍة كما قلت‪ ،‬لقد وعدتني‬‫قالت جيلي‪« :‬افعل ال ِمثل يا سيِّدي‪ ،‬افعل ال ِمثل مع اآلخَر‪ ،‬اعثُر له على ُم ِ‬
‫صبي داال‪ ...‬أعني األمير الصَّغير‪...‬‬‫ُّ‬ ‫بأنك ستفعل‪ .‬الصَّبي‪...‬‬
‫اعثُر له على امرأ ٍة صالحة ليَكبُر قويًّا»‪.‬‬
‫لك كلمتي»‪.‬‬
‫قال چون سنو برصانة‪ِ « :‬‬
‫‪« -‬إياكم أن تُ َس ُّموه‪ ،‬ال تفعلوا هذا قبل أن يتجا َوز العامين‪ .‬تسميتهم وهُم ما زالوا يرضعون طالع سيِّئ‪.‬‬
‫الغربان‪ ،‬لكنه صحيح»‪.‬‬ ‫ربما ال تعرفون هذا أيها ِ‬
‫‪« -‬كما تأمرين يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫ولست سيِّدة أحد‪ ،‬أنا زوجة كراستر وابنته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اشتع َل وجه جيلي غضبًا‪ ،‬وصا َحت‪« :‬ال تُنا ِدني بهذا‪ .‬أنا أُم‬
‫وأُم»‪.‬‬
‫طفل فيما صعدَت جيلي إلى العربة وغطَّت ساقيها بالجلود ال َّزنخة‪ ،‬وعندئ ٍذ كانت سماء‬ ‫أخ َذ إد الكئيب ال ِّ‬
‫طفل لجيلي‬ ‫ال َّشرق قد صا َرت رماديَّةً أكثر من سوداء‪ ،‬وأبدى ليو األعسر استعجاله الرَّحيل‪ .‬ناو َل إد ال ِّ‬
‫فألق َمته ثديها‪ ،‬وف َّكر سام وهو يمتطي فَرسه‪ :‬ربما تكون هذه ِ‬
‫آخر م َّر ٍة أرى (القلعة السَّوداء)‪ .‬قدر ما كان‬
‫يوم فإن فؤاده يتم َّزق اآلن لتركها‪.‬‬‫يكره (القلعة السَّوداء) ذات ٍ‬
‫قال بولوار آمرًا‪« :‬هيا بنا»‪ ،‬وطرق َع سوطٌ وبدأت العربتان تتحرَّكان بتؤد ٍة على الطَّريق المحفَّر بينما‬
‫نزلَت ال ُّثلوج حولهم‪.‬‬
‫ظَ َّل سام إلى جوار كاليداس وإد الكئيب وچون سنو ليقول‪ٌ « :‬‬
‫حسن‪ ،‬وداعًا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أكون على‬ ‫أظن أن سفينتك ستغرق‪ .‬السُّفن ال تغرق َّإال عندما‬
‫ُّ‬ ‫َر َّد إد الكئيب‪« :‬ووداعًا لك يا سام‪ .‬ال‬
‫متنها»‪.‬‬
‫بجدار (قلعة كراستر)‪ ،‬تلك‬ ‫رأيت جيلي كان ظَهرها ملتصقًا ِ‬
‫ُ‬ ‫قال چون وهو يُراقِب العربتين‪« :‬أول م َّر ٍة‬
‫ُّ‬
‫وأظن‬ ‫افترس أرانبها‪،‬‬
‫َ‬ ‫الفتاة النَّحيلة ذات ال َّشعر ال َّداكن والبطن المنتفخ‪ ،‬منكمشة رُعبًا من جوست‪ .‬كان قد‬
‫أنها خافَت أن يُ َم ِّزق بطنها ويلتهم جنينها‪ ...‬ولكن ال ِّذئب لم يكن ما عليها أن تخافه‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ف َّكر سام‪ :‬نعم‪ .‬كراستر كان الخطر‪ ،‬أبوها‪« .‬إنها تمتلك َشجاعةً أكثر مما تحسب»‪.‬‬
‫واعتن بها وبإيمون والطِّفل»‪ ،‬وارتس َمت على شفتيه‬
‫ِ‬ ‫قال چون‪« :‬وكذلك أنا يا سام‪ .‬رحلةً سريعةً آمنةً‪،‬‬
‫ابتسامة غريبة حزينة وهو يُضيف‪« :‬وارفع قلنسوتك‪ .‬نُدف الثَّلج تذوب في َشعرك»‪.‬‬
‫آريا‬
‫يتألأل متخلِّ ًال ضباب البحر‪.‬‬
‫َ‬ ‫خافتًا بعيدًا اتَّقد الضَّوء الواطئ في األُفق‪،‬‬
‫قالت آريا‪« :‬يبدو كنجمة»‪.‬‬
‫فقال دينيو‪« :‬نجمة الوطن»‪.‬‬
‫كان أبوه يزعق ملقيًا األوامر‪ ،‬والبحَّارة يتحرَّكون صاعدين ونازلين الصَّواري الطَّويلة الثَّالثة ويش ُّدون‬
‫الحبال ليطووا األشرعة األرجوانيَّة الثَّقيلة‪ ،‬وفي األسفل يكدح المج ِّذفون على صفَّي المجاذيف الكبيريْن‪،‬‬
‫فمالَت األسطُح مصدرةً صريرًا مع ميل القاليون‪( 44‬ابنة المارد) إلى الميمنة توطئةً لتعديل اتِّجاهه‪.‬‬
‫نجمة الوطن‪ .‬وقفَت آريا عند المقدِّمة مريحةً يدها على التِّمثال المذهَّب الذي يتَّخذ شكل فتا ٍة تحمل وعاء‬
‫فاكهة‪ ،‬وتر َكت نفسها تتظاهَر ألق ِّل من لحظ ٍة بأن القابع أمامهم وطنها هي‪.‬‬
‫لكن هذا سُخف‪ .‬وطنها ضاعَ‪ ،‬وأبواها ماتا‪ ،‬وإخوتها قُتِلوا جميعًا باستثناء چون سنو على ( ِ‬
‫الجدار)‪ ،‬وهو‬
‫المكان الذي أرادَت أن تذهب إليه‪ ،‬وهذا ما قالته للرُّ بَّان‪ ،‬لكن حتى العُملة الحديد لم تُقنِعه‪ .‬يبدو أن آريا‬
‫الذهاب إليها‪ .‬لقد أقس َم يورن على أن يُ َوصِّلها إلى (وينترفل)‪،‬‬ ‫تعجز دائ ًما عن بلوغ األماكن التي تُريد َّ‬
‫وانتهى بها المطاف في (هارنهال) وبيورن في قبره‪ ،‬وحين هربَت من (هارنهال) ساعيةً إلى (ريڤر َرن)‬
‫أس َرها ليم وآنجاي وتوم أبو السَّبعات وجرُّ وها إلى التَّ ِّل األجوف‪ ،‬ثم اختطفَها كلب الصَّيد وجرَّها إلى‬
‫ضر عند النَّهر وتتَّجه إلى ( َّ‬
‫المالحات) آملةً أن تستق َّل سفينةً إلى قلعة َحرس‬ ‫(التَّوأمتين)‪ ،‬قبل أن تَترُكه يُحت َ‬
‫اللَّيل ال َّشرقيَّة على البحر‪ ،‬ولكن‪...‬‬
‫ربما ال تكون (براڤوس) بذلك السُّوء‪ .‬سيريو كان من (براڤوس)‪ ،‬وقد أج ُد چاڬن هناك أيضًا‪ .‬چاڬن هو‬
‫من أعطاها العُملة الحديد‪ .‬لم يكن صديقها حقًّا ِمثل سيريو‪ ،‬ولكن بِ َم نفعها األصدقاء من قبل على كلِّ‬
‫لست في حاج ٍة إلى أصدقاء ما دا َمت إبرتي معي‪ .‬مسَّت قبيعة السَّيف الملساء بعُقلة إبهامها وهي‬ ‫ُ‬ ‫حال؟‬
‫تتمنَّى أن‪ ...‬تتمنَّى أن‪...‬‬
‫الحقيقة أن آريا ال تدري ماذا تتمنَّى‪ ،‬تما ًما ِمثلما ال تدري ما ينتظرها هناك تحت ذلك الضَّوء البعيد‪ .‬لقد‬
‫سم َح لها الرُّ بَّان بركوب السَّفينة‪ ،‬لكنه لم يملك وقتًا للكالم معها‪ ،‬كما أن عددًا من أفراد الطَّاقم تجنَّبها‪ ،‬وإن‬
‫كان بعضهم قد أعطاها هدايا‪ ،‬منها شوكة فضَّة وقُفَّازان بال أصابع وقبَّعة عريضة من الصُّ وف المرقَّع‬
‫صبَّ لها آخَ ر فناجين صغيرةً من النَّبيذ النَّاري‪.‬‬‫بالجلد‪ ،‬وأراها أحد ال ِّرجال كيف تعمل العُقد ال ِّشراعيَّة‪ ،‬و َ‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫الودودون منهم يَنقرون على صدورهم مردِّدين أسماءهم مرارًا وتكرارًا إلى أن تر َّد بها آريا‪ ،‬ولو أن أحدًا‬
‫المالحات) قُرب‬ ‫وبدال من هذا يُ َس ُّمونها « ِملحة»‪ ،‬بما أنها ركبَت معهم من ( َّ‬ ‫ً‬ ‫لم يسألها عن اسمها هي‪،‬‬
‫اسم آخَر‪.‬‬
‫تظن فال فرق بينه وبين أيِّ ٍ‬ ‫مصبِّ (الثَّالوث)‪ ،‬وعلى ما ُّ‬
‫آخر نجوم اللَّيل‪ ...‬ك ُّلها باستثناء االثنتين الثَّابتتيْن أمامهم مباشرةً‪ ،‬فقالت‪« :‬إنهما نجمتان اآلن»‪.‬‬
‫اختفى ِ‬
‫قال دينيو‪« :‬عينان‪( .‬المارد) يرانا»‪.‬‬
‫المارد البراڤوسي‪ .‬في (وينترفل) ح َكت لهم العجوز نان عن (المارد)‪ ،‬وكيف أنه عمالق يُنا ِهز الجبال‬
‫ق الخطر ب(براڤوس) تدبُّ فيه الحياة وتشتعل عيناه نارًا‪ ،‬وتصرُّ أطرافه الصَّخريَّة‬ ‫طوال‪ ،‬ومتى حا َ‬ ‫ً‬
‫ُطعمونه لحم بنات علية القوم الطَّازج‬ ‫قطق إذ يخوض في البحر ليسحق األعداء‪« .‬البراڤوسيُّون ي ِ‬ ‫وتُطَ ِ‬
‫الغَضَّ »‪ .‬بهذه العبارة كانت نان تختتم حكايتها‪ ،‬فتُص ِدر سانزا صريرًا خائفًا سخيفًا‪ ،‬لكن ال ِمايستر لوين‬
‫قال إن (المارد) مجرَّد تمثال‪ ،‬وقصص العجوز نان ما هي َّإال قصص‪.‬‬
‫ح َّدثت آريا نفسها مذ ِّكرةً‪( :‬وينترفل) احترقَت وسقطَت‪ .‬وغالبًا ماتَ ال ِمايستر لوين والعجوز نان‪ ،‬وسانزا‬
‫ُدركهم الموت‪.‬‬‫أيضًا‪ ،‬ولن ينفعها أن تُفَ ِّكر فيهم‪ .‬كلُّ البَشر ي ِ‬
‫هذا ما تعنيه الكلمتان‪ ،‬الكلمتان اللتان علَّمها چاڬن إياهما عندما أعطاها العُملة الحديد البالية‪ .‬منذ رحلوا‬
‫المالحات) تعلَّمت المزيد من الكلمات البراڤوسيَّة أيضًا‪ ،‬مرادفات «من فضلك» و« ُشكرًا»‬ ‫من ( َّ‬
‫ُدركهم الموت‪ .‬معظم طاقم (ابنة‬ ‫و«البحر» و«النُّجوم» و«النَّبيذ النَّاري»‪ ،‬لكنها أتَتهم عالمةً أن ك َّل البَشر ي ِ‬
‫ت متناثرة من اللُّغة العاميَّة لقضائهم ليالي وليالي على البَرِّ في (البلدة القديمة)‬ ‫المارد) يعرف كلما ٍ‬
‫و(كينجز الندنج) و(بِركة العذارى)‪ ،‬وإن كان الرُّ بَّان وأبناؤه يُجيدانها بما يكفي للكالم مع آريا‪ .‬دينيو‬
‫أصغر األبناء‪ُ ،‬غالم ممتلئ بشوش في الثَّانية عشرة‪ ،‬يُعنى بقمرة أبيه ويُسا ِعد أخاه األكبر في الحساب‪.‬‬
‫قالت له آريا‪« :‬آم ُل أن (المارد) ليس جائعًا»‪.‬‬
‫ر َّدد حائرًا‪« :‬ليس جائعًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال عليك»‪ .‬حتى لو كان (المارد) يأكل لحم البنات الطَّازج الغَضَّ حقًّا‪ ،‬فآريا ال تخافه‪ .‬إنها مخلوقة‬
‫هزيلة‪ ،‬ليست وجبةً تَصلُح لعمالق‪ ،‬وعلى وشك بلوغ الحادية عشرة من العُمر‪ ،‬أي أنها ‪-‬عمليًّا‪ -‬امرأة‬
‫ناضجة‪ .‬ثم إن ِملحة ليست من بنات علية القوم‪ .‬سألَت‪« :‬هل (المارد) إله (براڤوس) أم أنكم تَعبُدون اآللهة‬
‫السَّبعة؟»‪.‬‬
‫يحبُّ ابن الرُّ بان الكالم عن مدينته قدر ما يحبُّ الكالم عن سفينة أبيه تقريبًا‪ ،‬وقد قال لها‪« :‬كلُّ اآللهة‬
‫سبعتك لهم ِسپت هنا‪ِ ( ،‬سبت ما وراء البحر)‪ ،‬لكن البحَّارة الوستروسيِّين وحدهم‬ ‫ِ‬ ‫مكرَّمون في (براڤوس)‪.‬‬
‫يتعبَّدون هناك»‪.‬‬
‫ليسوا سبعتي‪ .‬لقد كانوا آلهة أ ِّمي‪ ،‬ومع ذلك تركوا آل فراي يغتالونها في (التَّوأمتين)‪ .‬تساءلَت إن كانت‬
‫ستجد في (براڤوس) أيكة آله ٍة في قلبها شجرة ويروود‪ .‬ربما يعرف دينيو‪ ،‬لكنها ال تستطيع أن تسأله‪.‬‬
‫المالحات) عن آلهة ال َّشمال القديمة؟ قالت لنفسها‪:‬‬ ‫المالحات)‪ ،‬وما الذي تعرفه فتاة من ( َّ‬ ‫ِملحة أتَت من ( َّ‬
‫اآللهة القديمة ماتَت‪ ،‬ماتَت مع أ ِّمي وأبي وروب وبران وريكون‪ ،‬الموت أخ َذ الجميع‪ .‬تَذ ُكر أنها سم َعت‬
‫زمن طويل أباها يقول إنه عندما تهبُّ الرِّيح الباردة يَنفُق ال ِّذئب الوحيد وينجو القطيع‪ .‬لم يعرف أن‬ ‫ٍ‬ ‫منذ‬
‫العكس هو الصَّحيح‪ .‬آريا‪ ،‬ال ِّذئبة الوحيدة‪ ،‬لم تزل حيَّةً‪ ،‬لكن ذئاب القطيع صيدَت وقُتِلَت و ُسلِخَ ت‪.‬‬
‫تستطع تنانين (ڤاليريا) العثور علينا‪ .‬معبدهم أعظم‬ ‫ِ‬ ‫قال دينيو‪ُ « :‬شداة القمر قادونا إلى هذا المالذ‪ ،‬حيث لم‬
‫المعابد في المدينة‪ .‬إننا نُبَجِّ ل أبا المياه كذلك‪ ،‬لكن داره تُبنى من جدي ٍد كلَّما اتَّخذ لنفسه عروسًا جديدةً‪،‬‬
‫صف المدينة معًا‪ .‬هناك ستجدين ال‪ ...‬اإلله عديد الوجوه»‪.‬‬ ‫وبقيَّة اآللهة تستوطن جزيرةً في منت َ‬
‫ي إل ٍه عديد الوجود‪ ،‬لكن إذا كان‬ ‫ازدا َد األلَق في عينَي (المارد) وبدَتا أكثر تبا ُعدًا اآلن‪ .‬ال تعرف آريا أ َّ‬
‫يُجيب ال ُّدعاء فربما يكون اإلله الذي تبحث عنه‪ .‬السير جريجور‪ ،‬دانسن‪ ،‬راف المعسول‪ ،‬السير إلين‪،‬‬
‫ك بپوليڤر‪ ،‬وآريا طعنَت‬ ‫السير مرين‪ ،‬الملكة سرسي‪ .‬ستَّة فقط اآلن‪ .‬چوفري ماتَ ‪ ،‬وكلب الصَّيد فت َ‬
‫ي‪ .‬وكلب الصَّيد‬ ‫ال ُمدغ ِدغ بنفسها باإلضافة إلى ال ُمرافق األحمر ذي البثور‪ .‬لم أكن ألقتله إذا لم يضع يده عل َّ‬
‫كان يلفظ أنفاسه القليلة األخيرة حين تر َكته على ضفاف (الثَّالوث)‪ ،‬تحرقه ال ُح َّمى التي سبَّبها جرحه‪ .‬كان‬
‫يَج ُدر بي أن أعطيه هديَّة الرَّحمة وأغرس س ِّكيني في قلبه‪.‬‬
‫أخ َذها دينيو من ذراعها ود َّورها صائحًا‪ِ « :‬ملحة‪ ،‬انظُري! هل ترين؟»‪ ،‬وأضافَ مشيرًا‪« :‬هناك»‪.‬‬
‫انجاب الضَّباب أمامهم كستائر رماديَّة مهترئة تشقُّها مقدِّمة السَّفينة‪ ،‬وشقَّت (ابنة المارد) عباب المياه‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫الخضراء الرَّماديَّة محلقةً بأجنح ٍة أرجوانيَّة منفوشة‪ ،‬وسم َعت آريا صياح طيور البحر من فوقهم‪ .‬هناك‪،‬‬
‫ف من الجروف الحجريَّة فجأةً من البحر‪ ،‬تُ َغطِّي منحدَراتها ال َّشاهقة أشجار‬ ‫ص ٌّ‬‫حيث أشا َر دينيو‪ ،‬يرتفع َ‬
‫ق البحر ثغرةً في الصَّخر‪ ،‬وفوق الماء يقف‬ ‫الصَّنوبر الجُندي والتَّنُّوب األسود‪ ،‬لكن أمامهم مباشرةً خر َ‬
‫فرف في الرِّيح‪.‬‬ ‫عر أسود طويل يُ َر ِ‬‫(المارد) بعينين متَّقدتين و َش ٍ‬
‫ساقاه مفتوحتان فوق الثَّغرة‪ ،‬وقدماه مزروعتان على الجبلين على جانبيْه‪ ،‬وترتفع كتفاه عن القمم‬
‫المح َّززة‪ .‬قدماه منحوتتان من الحجر المصمت‪ ،‬من الجرانيت األسود نفسه كالجبلين البحريَّين اللذين يقف‬
‫عليهما‪ ،‬وإن كان يرتدي حول َوركيه تنُّورةً مدرَّعةً من البرونز المخضر‪ ،‬وواقي صدره من البرونز‬
‫رفرف فمن حبال القنَّب المصبوغة‬ ‫أيضًا‪ ،‬وكذا رأسه في خوذته الصَّغيرة ذات الرِّيشة‪ ،‬أ َّما َشعره ال ُم ِ‬
‫نار عظيمتان‪ .‬على الق َّمة اليُسرى تستريح يده وقد تك َّورت‬ ‫باألخضر‪ ،‬وفي كهفَي عينيه تشتعل بؤرتا ٍ‬
‫سيف مكسور‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أصابعه حول ُكتل ٍة من الحجر‪ ،‬ويده األخرى مرفوعة في الهواء ممسكةً بمقبض‬
‫قالت آريا لنفسها وهُم ال يزالون بعيدين في البحر‪ :‬إنه أكبر من تمثال الملك بيلور في (كينجز الندنج) ً‬
‫قليال‬
‫فقط‪ ،‬لكن مع دن ِّو القاليون من البُقعة التي تتكسَّر فيها األمواج على َخطِّ الجُروف تعاظ َم حجم (المارد)‪.‬‬
‫كانت تسمع أبا دينيو يرفع عقيرته العميقة باألوامر‪ ،‬في حين بدأ الرِّجال يش ُّدون الحبال إلنزال األشرعة‪.‬‬
‫سنمرُّ من بين ساقَي (المارد)‪ .‬رأت آريا فتحات ال ِّرماية في واقي الصَّدر البرونزي الضَّخم‪ ،‬والبُقع على‬
‫ذراعَي التِّمثال وكتفيه حيث تُ َع ِّشش طيور البحر‪ ،‬ورج َعت برأسها إلى الوراء قائلةً لنفسها‪ :‬بيلور المبا َرك‬
‫ال يَبلُغ طول رُكبتيْه حتى‪ .‬إنه يستطيع أن يخطو فوق أسوار (وينترفل) بك ِّل بساطة‪.‬‬
‫ق (المارد) هديرًا عظي ًما‪.‬‬
‫ثم أطل َ‬
‫صوته هائل ِمثله‪ ،‬مزيج شنيع من األنين والصَّرير‪ ،‬هادر لدرجة أنه طغى على صوت الرُّ بَّان وارتطام‬
‫األمواج بتلك الجُروف المكس َّوة بالصَّنوبر‪ .‬في لحظ ٍة واحدة حلَّق ألف من طيور البحر‪ ،‬وانكم َشت آريا‬
‫ُخطر (التِّرسانة) بوصولنا ال أكثر‪ .‬ال داعي‬
‫على نفسها إلى أن رأت دينيو يضحك وسم َعته يصيح‪« :‬إنه ي ِ‬
‫للخوف»‪.‬‬
‫ر َّدت صائحةً‪« :‬لم أكن خائفةً‪ .‬الصَّوت ٍ‬
‫عال فقط»‪.‬‬
‫اآلن أصب َحت (ابنة المارد) في قبضة الرِّياح والموج‪ ،‬فساقاها بسُرع ٍة صوب المجرى‪ ،‬وبنعوم ٍة تحرَّك‬
‫صفَّا مجاذيفها التي َ‬
‫راحت تضرب المياه مك ِّونةً رغوةً بيضاء فيما سقطَ ِظلُّ (المارد) عليهم‪ .‬بدا لحظةً‬
‫ضت آريا عند المقدِّمة مع دينيو متذ ِّوقةً الملح الذي‬
‫أنهم سيرتطمون حت ًما باألحجار تحت ساقيه‪ ،‬وقد رب َ‬
‫تر َكه الرَّذاذ على وجهها‪.‬‬
‫حنَت رأسها تما ًما إلى الوراء لترى رأس التِّمثال‪ ،‬وم َّرةً أخرى سم َعت العجوز نان تقول‪« :‬البراڤوسيُّون‬
‫يُط ِعمونه لحم بنات علية القوم الطَّازج الغَضَّ »‪ ،‬لكنها ليست بنتًا صغيرةً‪ ،‬ولن يُخيفها تمثال سخيف!‬
‫وعلى الرغم من هذا أبقَت يدها على إبرتها وهُم يمرُّ ون من بين ساقيه‪ .‬رأت المزيد من فتحات الرِّماية‬
‫المصطفَّة داخل الفخذين الحجريَّتين العظيمتين‪ ،‬ول َّما ل َوت ُعنقها لتُشا ِهد منصَّة المراقبة أعلى الصَّاري‬
‫تمرُّ وفوقها عشر ياردات كاملة من الفراغ‪ ،‬لم َحت عددًا من المزاغل‪ 47‬تحت تنُّورة (المارد) المدرَّعة‪،‬‬
‫ووجوهًا شاحبةً تُ َحدِّق إليهم من فوق من وراء قضبان حديديَّة‪.‬‬
‫ثم تجا َوزوا التِّمثال‪.‬‬
‫ارتف َع الظِّلُّ وتراج َعت الجُروف المكس َّوة بالصَّنوبر على الجانبين وهدأَت الرِّيح‪ ،‬ووجدوا أنفسهم‬
‫يتحرَّكون في هَوْ ٍر‪ 49‬عظيم‪.‬‬
‫أمامهم يقف جبل بحري آخَر‪ُ ،‬كتلة من الصَّخر تَبرُز من الماء كقبض ٍة شائكة تنتشر عليها كال ُّشعيرات‬
‫بفخر كأنه شيَّدها‬
‫ٍ‬ ‫المنتصبة المقاذيف والعرَّادات‪ 48‬ونافثات اللَّهب‪« .‬إنها ترسانة (براڤوس)»‪ ،‬قال دينيو‬
‫يوم واحد»‪ .‬رأت آريا عشرات القوادس المربوطة إلى‬ ‫بنفسه‪« .‬يستطيعون أن يبنوا قادسًا حربيًّا هنا في ٍ‬
‫المراسي والقابعة على أرصفة اإلنزال‪ ،‬وطلَّت المقدِّمات المطليَّة لقوادس أخرى من عد ٍد ال يُحصى من‬
‫صيَّاد ويستدعيها‪.‬‬ ‫ب صي ٍد في وجارها‪ ،‬رشيقة شرسة جائعة تنتظر أن يُ َد ِّوي بوق ال َّ‬ ‫السَّقائف الخشبيَّة ككال ٍ‬
‫حاولَت أن تُحصيها لكنها وجدَتها كثيرةً للغاية‪ ،‬وهناك المزيد من األحواض والسَّقائف واألرصفة حيث‬
‫ط السَّاحل مبتعدًا‪.‬‬‫ينعطف خَ ُّ‬
‫ِ‬
‫كان قادسان قد خرجا للقائهم منزلقيْن على الماء بخفَّة اليعاسيب ومجاذيفهما الباهتة تُو ِمض في الضَّوء‪.‬‬
‫سم َعت آريا الرُّ بَّان يصيح لهما فير ُّد ُربَّاناهما ال ِّ‬
‫صياح‪ ،‬لكنها لم تفهم الكالم‪ .‬د َّوى نفير قوي و َم َّر القادسان‬
‫الطبول المكتومة اآلتية من داخل بدنيهما األرجوانيَّين‪،‬‬ ‫على جانبيهم على مقرب ٍة شديدة جعلَتها تسمع دقَّات ُّ‬
‫ب حي‪.‬‬ ‫بوم بوم بوم بوم بوم بوم‪ ،‬كخفقان قل ٍ‬
‫ثم أصب َح القادسان وراءهم وكذا (التِّرسانة)‪ ،‬وأمامهم امت َّدت مساحة شاسعة من المياه الخضراء‬
‫الزجاج المل َّون‪ ،‬ومن قلبها البليل ترتفع المدينة نفسها‪ ،‬امتداد مترامي‬ ‫كلوح من ُّ‬
‫ٍ‬ ‫كالبازالء‪ ،‬تترق َرق‬
‫األطراف من القباب واألبراج والجسور‪ ،‬رمادي وذهبي وأحمر‪ .‬جُزر (براڤوس) المئة في بحرها‪.‬‬
‫لقد درَّس لهم ال ِمايستر لوين حقائق عن (براڤوس)‪ ،‬لكن آريا نسيَت معظم ما قاله‪ .‬إنها مدينة مسطَّحة‪،‬‬
‫وباستطاعتها أن ترى هذا حتى من بعيد‪ ،‬على عكس (كينجز الندنج) القائمة فوق تاللها الثَّالثة العالية‪.‬‬
‫التِّالل الوحيدة هنا هي تلك التي بناها النَّاس بالقرميد والجرانيت والبرونز والرُّ خام‪ ،‬وث َّمة شيء آخَر غائب‬
‫أيضًا‪ ،‬وقد استغرقَت آريا ع َّدة لحظات حتى أدر َكته‪ .‬المدينة بال أسوار‪ .‬لكن حين ذك َرت هذا لدينيو ضحكَ‬
‫منها‪ ،‬وقال‪« :‬أسوارنا من الخشب ومل َّونة باألرجواني‪ .‬قوادسنا هي أسوارنا‪ ،‬ولسنا في حاج ٍة إلى‬
‫سواها»‪.‬‬
‫ص َّر سطح السَّفينة من ورائهما‪ ،‬والتفتَت آريا لتجد أبا دينيو واقفًا فوقهما في معطفه الصُّ وف األرجواني‬ ‫َ‬
‫الطويل‪ .‬الرُّ بَّان التاجر ترنيسيو تيريس حليق الوجه ويحرص على العناية ب َشعره األشيب القصير‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وتشذيبه‪ ،‬ليصنع إطارًا حول وجهه المربَّع الذي ل َّوحته الرِّيح‪ .‬كثي ًرا ما رأته خالل ال ِّرحلة يمزح مع أفراد‬
‫طاقمه‪ ،‬لكن حين يتجهَّم يفرُّ منه ال ِّرجال كما يفرُّ ون من عاصفة‪ ،‬واآلن كان متجهِّ ًما وهو يقول آلريا‪:‬‬
‫«رحلتنا في نهايتها‪ .‬سنتَّجه إلى (المرفأ المربَّع)‪ ،‬حيث سيصعد مأمورو جمارك أمير البحر إلى المتن‬
‫انتظارك فروغهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يوم في العمل كالمعتاد‪ ،‬لكن ليس هناك ما يدعو إلى‬ ‫لتفتيش مخازننا‪ .‬سيقضون ِنصف ٍ‬
‫حاجياتك‪ ،‬سأنز ُل قاربًا ليأخذك يوركو إلى البَر»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اجمعي‬
‫عبرت (البحر الضيِّق) كي تصل إلى هنا‪ ،‬لكن لو سألَها الرُّ بَّان لقالت‬ ‫عضَّت آريا شفتها مف ِّكرةً‪ :‬البَر‪ .‬لقد َ‬
‫إنها تُريد البقاء على متن (ابنة المارد)‪ِ .‬ملحة أصغر حج ًما من أن تعمل على مجذاف‪ ،‬وهي تعلم هذا‬
‫اآلن‪ ،‬غير أن بإمكانها أن تتعلَّم كيف تجدل الحبال وتثني األشرعة وتُ َوجِّ ه ال َّدفَّة في البحار المالحة‬
‫ي خوف على الرغم من حجم سطح‬ ‫الفسيحة‪ .‬في م َّر ٍة أخ َذها دينيو إلى منصَّة المراقبة باألعلى فلم تَشعُر بأ ِّ‬
‫ضئيال أسفلها‪ .‬أجي ُد الحساب أيضًا‪ ،‬وتنظيف القمرات وتنسيقها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫السَّفينة الذي بدا‬
‫ثان‪ ،‬ثم إن ما عليها َّإال أن تَنظُر إلى وجه الرُّ بَّان لترى‬ ‫لكن القاليون ليس في حاج ٍة إلى عامل نظاف ٍة ٍ‬
‫رغبته الملحَّة في الخالص منها‪ ،‬وهكذا اكتفَت آريا باإليماء‪ ،‬وقالت‪« :‬البَر»‪ ،‬مع أن البَ َّر ال يعني َّإال‬
‫ال ُغرباء‪.‬‬
‫أسداك‬
‫ِ‬ ‫دوهايرس‪ .‬أرجو أن تتذ َّكري ترنيسيو تيريس والصَّنيع الذي‬
‫ِ‬ ‫َمسَّ جبهته بإصبعين ً‬
‫قائال‪« :‬ڤاالر‬
‫إياه»‪.‬‬
‫ر َّدت بصو ٍ‬
‫ت خفيض‪« :‬سأفع ُل»‪.‬‬
‫وش َّدت الرِّيح معطفها بإصرار األشباح‪ ،‬وعل َمت آريا أن وقت الرَّحيل حانَ ‪.‬‬
‫قال الرُّ بَّان أن تجمع حاجياتها‪ ،‬لكن حاجياتها قليلة للغاية‪ ،‬ليست أكثر من الثِّياب على جسدها و ُ‬
‫صرَّة النُّقود‬
‫وهدايا الطَّاقم والخنجر على َوركها األيسر و(اإلبرة) على األيمن‪.‬‬
‫وجلس يوركو عند المجذافيْن بالفعل‪ .‬هو أيضًا ابن الرُّ بَّان‪ ،‬لكنه أكبر من دينيو‬‫َ‬ ‫كان القارب جاه ًزا قبلها‪،‬‬
‫وأقلُّ ُو ًّدا‪ .‬ف َّكرت وهي تنزل لتنض َّم إليه‪ :‬لم أودِّع دينيو‪ ،‬وتساءلَت إن كانت سترى ال ُغالم ثانيةً‪ .‬كان عل َّي‬
‫أن أودِّعه‪.‬‬
‫تضاءلَت (ابنة المارد) وراءهما بينما تعاظ َمت المدينة مع ك ِّل ضرب ٍة بمجذافَي يوركو‪ ،‬وبعيدًا إلى يمينها‬
‫ال َح أحد المواني بشبكته المعقَّدة من األحواض واألرصفة المزدحمة عليها سُفن صيد الحيتان كبيرة البطن‬
‫اآلتية من (إيبن) والسُّفن البجعيَّة من (جُزر الصَّيف) والقوادس األكثر من أن تُحصيها الفتاة‪ .‬إلى يسارها‬
‫ميناء آخَر أبعد‪ ،‬وراء مساح ٍة غائصة من اليابسة ترتفع فيها سطوح المباني ِشبه الغارقة فوق صفحة‬
‫مكان واحد‪ .‬في (كينجز الندنج) هناك (القلعة‬ ‫ٍ‬ ‫تر آريا ك َّل هذا العدد من المباني الكبيرة معًا في‬ ‫الماء‪ .‬لم َ‬
‫الحمراء) و( ِسپت بيلور الكبير) و(جُب التَّنانين)‪ ،‬في حين يبدو أن (براڤوس) تزخر بعشرات المعابد‬
‫واألبراج والقصور التي تُعا ِدل تلك البنايات الثَّالث أو تفوقها حج ًما‪ .‬ف َّكرت بكآبة‪ :‬سأعو ُد فأرًا من جدي ٍد‬
‫كنت في (هارنهال) قبل أن أهرب‪.‬‬ ‫كما ُ‬
‫من حيث يقف (المارد) بدَت المدينة كجزير ٍة واحدة كبيرة‪ ،‬لكن إذ دنا بهما يوركو رأت أنها جُزر صغيرة‬
‫ت ال تُحصى‪ .‬وراء الميناء‬ ‫عديدة متقاربة‪ ،‬تربط بينها الجسور الحجريَّة المقنطَرة الممت َّدة فوق قنوا ٍ‬
‫أبص َرت شوارع منازلها من األحجار الرَّماديَّة‪ ،‬متدانية لدرجة أن بعضها يميل على بعض‪ ،‬وقد بدَت‬
‫غريبة المنظر في عينَي آريا بطوابقها التي تَبلُغ أربعةً أو خمسةً وبنائها الرَّفيع للغاية وسطوحها المكس َّوة‬
‫بالقرميد والمدبَّبة كالقبَّعات‪ .‬لم ت َر ق ًّشا على السُّطوح‪ ،‬ومن المنازل الخشبيَّة التي تعرف مثيلها في‬
‫(وستروس) رأت القليل‪ .‬تبيَّنت أن ال أشجار في المدينة‪( .‬براڤوس) كلُّها من الحجر‪ ،‬مدينة رماديَّة في‬
‫بحر أخضر‪.‬‬
‫ودخل قناةً كبيرةً يقود مجراها األخضر الواسع إلى قلب المدينة‪ .‬مرَّا تحت‬ ‫َ‬ ‫توجَّه يوركو بهما شمال الميناء‬
‫جسر حجريٍّ نُقِ َشت عليه عشرات من أشكال السَّمك والسَّرطان والحبَّار‪ ،‬ثم ظه َر أمامهم جسر ٍ‬
‫ثان‬ ‫ٍ‬ ‫قناطر‬
‫عين مرسومة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منقوش بأشكال النَّباتات المعترشة المورقة‪ ،‬وبَعده جسر ثالث يُ َحدِّق إليهم من أعلى بألف‬
‫ت أصغر‪ ،‬ومنها تتفرَّع قنوات أصغر فأصغر‪ ،‬ورأت آريا أن بعض‬ ‫على جانبيهما تنفتح مداخل قنوا ٍ‬
‫بشكل ما‪ ،‬وبين المنازل تتحرَّك قوارب رفيعة على‬ ‫ٍ‬ ‫المنازل مبني فوق المياه مح ِّو ًال القنوات إلى أنفاق‬
‫ص ِّي التي‬
‫وذيول مرفوعة‪ .‬تلك القوارب ال تتحرَّك بالمجاذيف وإنما بال ِع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫س مل َّونة‬
‫أفاع مائيَّة برؤو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫شكل‬
‫تتراوح ألونها بين الرَّمادي والبنِّي واألخضر‬ ‫َ‬ ‫ب في معاطف‬ ‫يدفعها رجال يقفون عند مؤ ِّخرة ك ِّل قار ٍ‬
‫ضا صنادل ضخمةً مسطَّحة القيعان تتك َّدس عليها عاليًا األقفاص والبراميل ويدفع‬ ‫ُّ‬
‫الطحلبي ال َّداكن‪ .‬رأت أي ً‬
‫الزجاج المل َّون وستائر من‬ ‫صيِّهم‪ ،‬ومنازل عائمة أنيقة ذات مصابيح من ُّ‬ ‫ً‬
‫رجال ب ِع ِ‬ ‫ك ٌّل منها عشرون‬
‫آن واحد‪ ،‬يرتفع ما يُشبِه طريقًا ضخ ًما‬ ‫المخمل وتماثيل مقدِّم ٍة نُحاسيَّة‪ .‬بعيدًا‪ ،‬فوق القنوات والمنازل في ٍ‬
‫ضباب‪ ،‬فسألَت‬ ‫من الحجر الرَّمادي‪ ،‬تحمله ثالثة صفوف من القناطر الصُّ لبة التي تبتعد جنوبًا لتغيب في ال َّ‬
‫آريا يونكو مشيرةً‪« :‬ما هذا؟»‪ ،‬وأجابَها‪« :‬نهر المياه العذبة‪ ،‬يجلبها من البَرِّ الرَّئيس عبر السُّهول الطِّينيَّة‬
‫والمياه المالحة الضَّحلة‪ .‬مياه عذبة نقيَّة للنَّوافير»‪.‬‬
‫حين نظ َرت وراءها وجدَت أن الميناء والهَور قد غابا عن بصرها‪ ،‬وأمامها رأت صفًّا من التَّماثيل الكبيرة‬
‫لرجال وقورين من الحجر يرتدون ثيابًا طويلةً من البرونز لطَّختها‬ ‫ٍ‬ ‫الواقفة على ضفَّتَي القناة‪ ،‬تماثيل‬
‫ُمسك أحدهم نجمةً ذهبيَّةً بيده‬‫الطيور البحريَّة‪ ،‬يحمل بعضهم ُكتبًا وبعضهم خناجر أو مطارق‪ ،‬وي ِ‬ ‫فضالت ُّ‬
‫المرفوعة‪ ،‬ويقلب آ َخر إبريقًا حجريًّا يتدفَّق منه الماء في القناة بال انقطاع‪ .‬سألَت آريا‪« :‬أهؤالء آلهة؟»‪.‬‬
‫ضفَّة اليُمنى‪.‬‬‫قليال‪ .‬هل ترينها؟ بَعد ستَّة جسور على ال ِّ‬ ‫أجابَها يوركو‪« :‬أمراء بحر‪( .‬جزيرة اآللهة) أبعد ً‬
‫هذا (معبد ُشداة القمر)»‪.‬‬
‫كان أحد المعابد التي لم َحتها آريا من الهَور‪ُ ،‬كتلة هائلة من الرُّ خام األبيض كالثَّلج تعلوها قُبَّة مفضَّضة‬
‫الزجاج اللَّبني أطوار القمر‪ ،‬وقد وقفَت فتاتان من المرمر على‬ ‫ضخمة‪ ،‬وتُظ ِهر نوافذه المصنوعة من ُّ‬
‫جانبَي ب َّوابته‪ ،‬كلتاهما طويلة كأمراء البحر ومعًا تدعمان عتبةً ُعليا على شكل هالل‪.‬‬
‫ووراءه يقف معبد آ َخر‪ ،‬صرح من الحجر األحمر يبدو مهيبًا كأيِّ قلعة‪ ،‬وعلى ق َّمة بُرجة المربَّع العظيم‬
‫تشتعل النَّار في مستوقَ ٍد حديدي عرضه عشرون قد ًما‪ ،‬بينما تتَّقد ناران أصغر على جانبَي بابه ال ُّنحاسي‪.‬‬
‫قال لها يوركو‪« :‬الرُّ هبان الحُمر يحبُّون النَّار‪ .‬إله الضِّياء ربُّهم‪ ،‬راهلور األحمر»‪.‬‬
‫أعرف‪ .‬تذ َّكرت آريا ثوروس المايري بقِطع ال ُّدروع القديمة التي يرتديها فوق مالبس بهتَت لدرجة أنه بدا‬ ‫ُ‬
‫ب وردي ال أحمر‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك أعادَت قُبلته اللورد بريك من الموت‪ .‬شاهدَت بيت اإلله‬ ‫كراه ٍ‬
‫األحمر يمرُّ وهي تتسا َءل إن كان بإمكان رُهبانه البراڤوسيُّين أن يفعلوا ال َّشيء نفسه‪.‬‬
‫بَعده كان بناء ضخم من القرميد تنبت على جُدرانه األُشنة‪ ،‬وكانت آريا لتظنَّه مخزنًا لوال أن يوركو قال‪:‬‬
‫«هذا هو (المالذ المق َّدس)‪ ،‬حيث نُ َكرِّم اآللهة الصَّغيرة التي نسيَها العالم‪ .‬ستسمعين النَّاس يُ َس ُّمونه (جُحر‬
‫األرانب) أيضًا»‪ .‬بين جُدران (جُحر األرانب) العالية المغطَّاة باألُشنة تمضي قناة صغيرة‪ ،‬فوجَّه يوركو‬
‫ق سرعان ما خرجا منه إلى الضَّوء مج َّددًا‪ ،‬ورأت آريا على جانبيهما مزيدًا من‬ ‫القارب يمينًا ليمرَّا من نف ٍ‬
‫المقامات‪ ،‬فقالت‪« :‬لم أكن أعل ُم أن هناك آلهةً بهذه الكثرة»‪.‬‬
‫ظهرت هضبة‬‫َ‬ ‫جسر آخَر‪ ،‬وعلى يسارهما‬ ‫ٍ‬ ‫منعطف ثم عبرا تحت‬
‫ٍ‬ ‫أصد َر يوركو خوارًا‪ ،‬ودارا حول‬
‫صخريَّة مد َّورة يستقرُّ على ق َّمتها معبد من الحجر الرَّمادي القاتم يخلو من النَّوافذ‪ ،‬وتقود درجات حجريَّة‬
‫من بابه إلى مرسى مغطَّى‪.‬‬
‫ق بال َّدعائم الحجريَّة‪ ،‬و َم َّد يده يُطبِق على حلق ٍة حديد مثبَّتة‬
‫سحب يوركو المجذافيْن ليرتطم القارب برف ٍ‬‫َ‬
‫أتركك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إلبقائهم في مكانهم‪ ،‬وقال لها‪« :‬هنا‬
‫رأت آريا المرسى مظلَّ ًال والسَّاللم عاليةً‪ ،‬وسقف المعبد المبني بالقرميد األسود يرتفع في ق َّم ٍة حا َّدة‬
‫كالمنازل المطلَّة على القنوات‪ ،‬ومضغَت شفتها مف ِّكرةً‪ :‬سيريو أتى من (براڤوس)‪ .‬ربما زا َر هذا المعبد‪،‬‬
‫ربما تسلَّق هذه ال َّدرجات‪ ،‬ثم أمس َكت حلقةً ودف َعت نفسها إلى المرسى‪.‬‬
‫قال يوركو من القارب‪« :‬تعرفين اسمي»‪.‬‬
‫‪« -‬يوركو تيريس»‪.‬‬
‫بمجذاف وعا َد يَم ُخر المياه العميقة‪ ،‬وشاهدَته آريا يعود أدراجه إلى‬
‫ٍ‬ ‫دوهايرس»‪ ،‬ودف َع القارب‬
‫ِ‬ ‫قال‪« :‬ڤاالر‬
‫غاب في ِظ ِّل الجسر‪ ،‬وإذ تالشى صوت المجذافيْن ُخي َِّل لها أنها تسمع نبض قلبها‪ .‬فجأةً أض َحت في‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫مكان آخَر‪ ...‬في (هارنهال) مع جندري ربما‪ ،‬أو مع كلب الصَّيد في الغابة على ضفاف (الثَّالوث)‪ .‬قالت‬ ‫ٍ‬
‫للحظِّ واندف َعت وسط‬
‫لنفسها‪ِ :‬ملحة طفلة حمقاء‪ .‬أنا ذئبة‪ ،‬ولن أخاف‪ ،‬وربَّتت على مقبض إبرتها طلبًا َ‬
‫الظِّالل صاعدةً السَّاللم درجتين درجتين كي ال يقول أحد أبدًا إنها خائفة‪.‬‬
‫عند الق َّمة وجدَت بابًا بمصراعيْن خشبيَّين يرتفعان اثني عشر قد ًما‪ ،‬األيسر من خشب الويروود ال َّشاحب‬
‫ش وجه مستدير كالقمر‪ ،‬أبنوس على جانب‬ ‫صفهما نُقِ َ‬ ‫كالعظام‪ ،‬واأليمن من األبنوس َّ‬
‫الالمع‪ ،‬وفي منت َ‬
‫الويروود وويروود على جانب األبنوس‪ .‬ذ َّكرها شكله بعض ال َّشيء بشجرة القلوب في أيكة اآللهة في‬
‫آن واح ٍد براحتَي يديها المقفَّزتين لكنهما لم‬
‫(وينترفل)‪ ،‬وف َّكرت‪ :‬الباب يُراقِبني‪ .‬دف َعت المصراعيْن في ٍ‬
‫ُ‬
‫عبرت (البحر الضيِّق)»‪ ،‬وك َّورت‬ ‫أدخلني أيها األحمق‪ .‬لقد‬‫صدان ومزلَجان‪ .‬قالت للباب‪ِ « :‬‬ ‫يتزح َزحا‪ .‬مو َ‬
‫قبضتها ودقَّت مواصلةً‪« :‬چاڬن قال لي أن آتي‪ .‬معي ُعملة حديد»‪ ،‬وأخر َجتها من كيسها ورف َعتها مضيفةً‪:‬‬
‫«أترى؟ ڤاالر مورجولِس»‪.‬‬
‫ولم ي ُِحر الباب جوابًا َّإال باالنفتاح‪.‬‬
‫ت تام دون أن تُ َحرِّكهما يد إنسان‪ ،‬وتق َّدمت آريا ُخطوةً ثم أخرى‪ ،‬قبل‬ ‫انفت َح المصراعان إلى ال َّداخل بصم ٍ‬
‫ف بصرها‪ ،‬ووجدَت إبرتها في يدها وإن كانت ال تَذ ُكر أنها‬ ‫أن ينغلق الباب وراءها لتمضي لحظة وقد َك َّ‬
‫استلَّتها‪.‬‬
‫كانت شموع قليلة مشتعلةً عند الجُدران‪ ،‬لكن ضوءها خافت للغاية حتى إن آريا ال ترى قدميها‪ ،‬وتناهى‬
‫ت خفيفة‬ ‫شخص غيره‪ ،‬و ُخطوا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ت شديد فلم تُ َميِّز الكالم‪ .‬سم َعت أيضًا بُكاء‬ ‫إلى مسامعها همس أحدهم بخفو ٍ‬
‫الجلد باألرض الحجريَّة‪ ،‬وبابًا يُفتَح ويُغلَق‪ .‬وماء‪ ،‬أسم ُع خرير ماء أيضًا‪.‬‬ ‫يحتك نعالهما ِ‬ ‫ُّ‬ ‫لقدمين‬
‫لسپتات (وستروس)‬ ‫ببُط ٍء تكيَّفت عيناها مع العتمة‪ ،‬وبدا المعبد من ال َّداخل أكبر كثيرًا مما بدا من الخارج‪ِ .‬‬
‫سبعة جوانب وفي كلٍّ منها سبعة مذابح للسَّبعة آلهة‪ ،‬لكن اآللهة هنا أكثر من سبعة‪ ،‬تقف تماثيلها عند‬
‫الجُدران عمالقةً متوعِّدةً‪ ،‬وحول أقدامها يتذب َذب ضوء ال ُّشموع الحمراء الخافت كالنُّجوم البعيدة‪ .‬أقربها‬
‫امرأة من المرمر طولها اثنا عشر قد ًما‪ ،‬ومن عينيها تنضح عبرات حقيقيَّة لتمأل الوعاء الذي تحمله بين‬
‫ش من األبنوس‪ ،‬وعلى جانب الباب اآلخَر يرفع‬ ‫ذراعيها‪ ،‬ووراءها رجل له رأس أس ٍد جالس على عر ٍ‬
‫جواد من البرونز والحديد قائمتيه األماميَّتين العظيمتين‪ .‬على مساف ٍة أبعد ميَّزت وجهًا حجريًّا كبيرًا‪،‬‬
‫ورجال مغطَّى الرَّأس يتَّكئ على‬
‫ً‬ ‫ثور برِّ ي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ورضيعًا شاحبًا في يده سيف‪ ،‬وكب ًشا أسود أشعث بحجم‬
‫أشكال غامضة ِشبه مرئيَّة في العتمة‪ .‬بين اآللهة ث َّمة فجوات في‬ ‫ٍ‬ ‫فالحت لها كمجرَّد‬
‫َ‬ ‫ُع َّكاز‪ ،‬أ َّما البقيَّة‬
‫الجُدران تمألها الظِّالل‪ ،‬وهنا وهناك شمعة موقَدة‪.‬‬
‫ظالل سا َرت آريا بين صفَّين من الدِّكك الحجريَّة الطَّويلة وسيفها في يدها‪ ،‬وقالت لها قدماها إن‬ ‫بصمت ال ِّ‬
‫األرضيَّة من الحجر الخشن وليس الرُّ خام المصقول كما في ( ِسپت بيلور الكبير)‪ .‬مرَّت ببضع نساء‬
‫ثقيال لدرجة أنها تثاءبَت‪ ،‬واشت َّمت رائحة ال ُّشموع أيضًا‪ ،‬وإن‬ ‫ثقيال‪ً ،‬‬
‫يتها َمسن وهي تحسُّ بالهواء دافئًا ً‬
‫كانت غير مألوف ٍة لها‪ ،‬فق َّدرت أنه نوع غريب من البَخور‪ ،‬لكن مع تو ُّغلها في المعبد أكثر بدَا كأن لل ُّشموع‬
‫روائح الثَّلج وإبر الصَّنوبر واليخنة السَّاخنة‪ .‬قالت آريا لنفسها‪ :‬روائح طيِّبة‪ ،‬وأحسَّت ب َشجاع ٍة أكبر بعض‬
‫ال َّشيء‪ ،‬كفيلة بأن تجعلها تدسُّ إبرتها في ِغمدها‪.‬‬
‫صف المعبد وجدَت الماء الذي سم َعت خريره‪ ،‬بِركةً عرضها عشرة أقدام سوداء كالحبر ُمضاءةً‬ ‫في منت َ‬
‫ف يميل لونه إلى الفضِّي يبكي‬ ‫بال ُّشموع الحمراء شاحبة الضَّوء‪ ،‬وإلى جوارها يجلس شابٌّ في معط ٍ‬
‫راح‬
‫ت قرمزيَّة على صفحة الماء‪ ،‬وحين سحبَها َ‬ ‫تموجا ٍ‬
‫ت خافت‪ .‬شاهدَته يغمس يده في الماء صانعًا ُّ‬ ‫بصو ٍ‬
‫يمصُّ أصابعه واحدًا تلو اآلخَر‪ .‬ال بُ َّد أنه عطشان‪ .‬على حافة البِركة أكواب حجريَّة‪ ،‬فمألَت آريا أحدها‬
‫ق ال َّشاب إليها وهلةً طويلةً حين ق َّدمته له‪ ،‬قبل أن يقول‪« :‬ڤاالر مورجولِس»‪.‬‬ ‫وأخ َذته إليه ليشرب‪ ،‬وحمل َ‬
‫دوهايرس»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ر َّدت‪« :‬ڤاالر‬
‫ك الكوب يَسقُط في البِركة محدثًا صوتًا خفيفًا‪ ،‬ثم دف َع نفسه إلى النُّهوض مترنِّحًا وقد‬
‫َعبَّ الماء عبًّا‪ ،‬ثم تر َ‬
‫وض َع يده على بطنه‪ ،‬وحسبَت آريا لحظةً أنه سيقع‪.‬‬
‫عندها فقط رأت البُقعة ال َّداكنة تحت حزامه تتَّسع‪ ،‬فاندف َعت تقول‪« :‬أنت مطعون»‪ ،‬لكن ال َّشاب لم ينتبِه‬
‫سرير من الحجر القاسي‪ .‬تطلَّعت‬‫ٍ‬ ‫ودخل إحدى الفجوات ليتم َّدد على‬
‫َ‬ ‫الجدار‬
‫ت نحو ِ‬ ‫لها‪ ،‬وتحرَّك بال ثبا ٍ‬
‫آريا حولها فرأت مزيدًا من الفجوات‪ ،‬وفي بعضها ينام أناس مسنُّون‪.‬‬
‫قائال‪ :‬ال‪ ،‬إنهم موتى‪ ،‬أو يموتون‪ .‬انظُري‬ ‫ومن أعماق ذاكرتها سم َعت صوتًا كأنه يهمس في رأسها ً‬
‫بعينيك‪.‬‬
‫ِ‬
‫ثم مسَّت يد كتفها‪.‬‬
‫دا َرت آريا مبتعدةً‪ ،‬لكنها لم تجد َّإال فتاةً صغيرةً شاحبةً في ردا ٍء مز َّود بقلنسوة يكاد يبتلعها‪ ،‬أسود على‬
‫اليمين وأبيض على اليسار‪ ،‬وتحت القلنسوة وجه ناحل مهزول وخ َّدان أجوفان وعينان داكنتان تبدوان‬
‫صبي أمس َكني»‪ ،‬ول َّما‬
‫ٍّ‬ ‫آخر‬ ‫ُ‬
‫قتلت ِ‬ ‫كبيرتين كصحون الفناجين‪ .‬قالت آريا للَّقيطة مح ِّذرةً‪« :‬ال تُمسكيني‪ .‬لقد‬
‫بكالم لم تفهمه ه َّزت رأسها وسألَتها‪« :‬أال تعرفين اللُّغة العاميَّة؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ر َّدت الفتاة‬
‫قال صوت من ورائها‪« :‬أنا أعرفها»‪.‬‬
‫طويال تُخفي وجهه قلنسوة ردائه الذي يع ُّد نُسخةً أكبر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رجال‬ ‫لم تَرُق آريا الطَّريقة التي يُبا ِغتونها بها‪ .‬رأت‬
‫من الذي ترتديه الفتاة‪ ،‬وتحت القلنسوة ال تلوح َّإال لمعة ال ُّشموع الحمراء الخافتة المنعكسة في عينيه‪.‬‬
‫سألَته‪« :‬ما هذا المكان؟»‪.‬‬
‫ت آمنة هنا‪ .‬هذه هي (دار األبيض واألسود) يا صغيرتي‪ ،‬وإن‬
‫ت رفيق‪« :‬مكان للسَّالم‪ .‬أن ِ‬ ‫أجابَها بصو ٍ‬
‫ت أصغر من أن تَن ُشدي هديَّة اإلله عديد الوجوه»‪.‬‬‫كن ِ‬
‫‪« -‬أهو كاإلله الجنوبي ذي الوجوه السَّبعة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سبعة؟ ال‪ .‬إن وجوهه ال تُحصى أيتها الصَّغيرة‪ ،‬وجوه بعدد ما في السَّماء من نجوم‪ .‬في (براڤوس)‬
‫يتعبَّد النَّاس كما يشاؤون‪ ...‬لكن في نهاية ك ِّل طريق يقف هو ذو الوجوه العديدة منتظرًا‪ .‬سيكون في‬
‫انتظارك ذات يوم‪ ،‬ال تخافي‪ ،‬فال تتعجَّلي ض َّمته»‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت َّإال ألجد چاڬن هاجار»‪.‬‬
‫‪« -‬لم آ ِ‬
‫ُ‬
‫أعرف هذا االسم»‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست‬
‫غاص قلبها بين قدميها‪« :‬إنه من (لوراث)‪ ،‬و َشعره أبيض على جانب وأحمر على اآلخَر‪ .‬قال‬ ‫َ‬ ‫قالت وقد‬
‫إنه سيُ َعلِّمني أسرارًا وأعطاني هذه»‪ .‬كانت تقبض على العُملة الحديد‪ ،‬وعندما فت َحت أصابعها ظلَّت‬
‫ملتصقةً بكفِّها المبلَّلة بال َعرق‪.‬‬
‫اول أن يلمسها‪ ،‬وتطلَّعت إليها اللَّقيطة ذات العينين الكبيرتين‪،‬‬ ‫أمعنَ الكاهن النَّظر إلى العُملة وإن لم يُح ِ‬
‫باسمك أيتها الصَّغيرة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأخيرًا قال الرَّجل ذو القلنسوة‪« :‬أخبِريني‬
‫المالحات) على نهر (الثَّالوث)»‪.‬‬‫جئت من ( َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ِ « -‬ملحة‪.‬‬
‫باسمك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بشكل ما أحسَّت به يبتسم وهو يقول‪« :‬ال‪ .‬أخبِريني‬
‫ٍ‬ ‫على الرغم من أنها ال ترى وجهه فإنها‬
‫أجابَت هذه المرَّة‪« :‬الكتكوت»‪.‬‬
‫اسمك الحقيقي أيتها الصَّغيرة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫‪« -‬أ ِّمي س َّمتني نان‪ ،‬لكنهم كانوا يدعونني ببنت عرس‪.»...‬‬
‫اسمك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫ابتل َعت ريقها‪ ،‬وقالت‪« :‬آري‪ ،‬أنا آري»‪.‬‬
‫ت‪ .‬واآلن الحقيقة»‪.‬‬
‫‪« -‬اقترب ِ‬
‫أخب َرت نفسها‪ :‬ضربة الخوف أمضى من السَّيف‪ ،‬ثم قالت‪« :‬آريا»‪ .‬في المرَّة األولى هم َست باالسم‪ ،‬وفي‬
‫الثَّانية ألقَته في وجهه‪« :‬أنا آريا سليلة عائلة ستارك»‪.‬‬
‫ت كذلك‪ ،‬لكن (دار األبيض واألسود) ليست مكانًا آلريا سليلة عائلة ستارك»‪.‬‬
‫قال‪« :‬أن ِ‬
‫‪« -‬أرجوك‪ ،‬ليس هناك مكان أذهب إليه»‪.‬‬
‫‪« -‬هل تخافين الموت؟»‪.‬‬
‫عضَّت شفتها مجيبةً‪« :‬ال»‪.‬‬
‫قال الكاهن‪« :‬لن َر إذن»‪ ،‬وأنز َل قلنسوته‪ .‬تحتها لم يكن له وجه‪ ،‬وإنما جمجمة مصفرَّة ما زالَت بعض رُقع‬
‫ت جاف‬ ‫متلويةً من أحد المحجرين الخاويَين‪ ،‬وبصو ٍ‬‫ِّ‬ ‫الجلد متشبِّثةً بوجنتيها‪ ،‬وث َّمة دودة بيضاء تَخرُج‬ ‫ِ‬
‫همس الرَّجل‪« :‬قبِّليني أيتها الصَّغيرة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫مبحوح كخشخشة الموت‬
‫ُفترض أن يكون أنفه‪ ،‬والتقطَت دودة القبور من عينه لتأكلها‪ ،‬لكنها‬ ‫هل يُريد أن يُخيفني؟ قبَّلته آريا حيث ي َ‬
‫تال َشت ِ‬
‫كظلِّ في يدها‪.‬‬
‫رجل رأته في حياتها يبتسم لها ً‬
‫قائال‪« :‬لم‬ ‫ٍ‬ ‫وتال َشت الجمجمة الصَّفراء أيضًا‪ ،‬وأمام آريا كان وجه أطيب‬
‫ت جائعة أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬ ‫حاول أحد أن يأكل ال ُّدودة من قبل‪ .‬أأن ِ‬
‫يُ ِ‬
‫أجابَت في أعماقها‪ :‬نعم‪ ،‬لكنه ليس جوعًا للطَّعام‪.‬‬
‫سرسي‬
‫ً‬
‫محيال لون أسوار القلعة ومتاريسها إلى حُمر ٍة قانية كال َّدم‪ ،‬بينما أمس َكت الملكة الملك‬ ‫انهم َر المطر البارد‬
‫بحزم عبر السَّاحة المل َّوثة باألوحال إلى حيث ينتظر الهودج و ُمرافقوه‪ ،‬لكن الصَّبي قال‬ ‫ٍ‬ ‫من يده وقادَته‬
‫معترضًا‪« :‬الخال چايمي قال إنه يُمكنني أن أركب حصاني وألقي البنسات للعا َّمة»‪.‬‬
‫ط‪« .‬كان ج ُّدك‬ ‫جازف بحدوث ذلك‪ ،‬فتومن لم يكن قويًّا كچوفري قَ ُّ‬ ‫‪« -‬هل تُريد أن تُصاب بالبرد؟»‪ .‬لن تُ ِ‬
‫ليُريد أن يليق مظهرك بالملوك حين تحضر تأبينه‪ .‬لن نظهر في (السِّپت الكبير) مبتلَّيْن متَّسخيْن»‪ .‬سيِّئ‬
‫الحداد ثانيةً‪ .‬ليس األسود باللَّون البهيج عليها البتَّة‪ ،‬ومع بشرتها‬
‫بما فيه الكفاية أن عل َّي أن أرتدي مالبس ِ‬
‫البضَّة يجعلها هي نفسها تبدو أقرب إلى جثَّة‪ .‬كانت سرسي قد استيقظَت قبل ساع ٍة من الفَجر لتستح َّم‬
‫صفِّف َشعرها‪ ،‬وال تنوي أن تَترُك المطر ي ِ‬
‫ُفسد جهودها‪.‬‬ ‫وت ُ َ‬
‫قائال‪« :‬اآللهة تبكي‬ ‫ظهره إلى وسائده وتطلَّع إلى المطر السَّاقط في الخارج ً‬ ‫داخل الهودج أسن َد تومن َ‬
‫جدِّي‪ .‬الليدي چوسلين تقول إن قطرات المطر دموعها»‪.‬‬
‫‪« -‬چوسلين سويفت حمقاء‪ .‬لو كانت اآللهة تبكي لب َكت أخاك‪ .‬المطر هو المطر‪ .‬أغلِق السِّتارة قبل أن‬
‫دخل المزيد‪ .‬هذا المعطف من فرو ال َّس ُّمور‪ ،‬هل تُريده أن يبتلَّ؟»‪.‬‬
‫تُ ِ‬
‫فع َل تومن كما أم َرته‪ ،‬وإن أقلقَها خنوعه‪ .‬المفت َرض أن يكون الملك قويًّا‪ .‬كان چوفري ليُجا ِدلني‪ .‬إنه لم‬
‫ط‪ .‬قالت لتومن‪« :‬ال تجلس متراخيًا هكذا‪ ،‬أ ِعد كتفيك إلى الوراء واضبط تاجك‪ .‬هل‬ ‫يكن سهل اإلخضاع قَ ُّ‬
‫تُريد أن يقع من فوق رأسك أمام جميع لورداتك؟»‪.‬‬
‫قال الصَّبي‪« :‬ال يا أ َّماه»‪ ،‬واعتد َل في جلسته و َم َّد يده يضبط تاجه الذي اعتم َره چوف من قبله‪ ،‬وإن كان‬
‫كبيرًا على تومن‪ .‬لطالما ما َل جسد ابنها إلى االمتالء‪ ،‬غير أن وجهه يبدو أنحل اآلن‪ .‬هل يأكل جيِّدًا؟ يجب‬
‫خاطر بأن يمرض تومن‪ ،‬خصوصًا مع وجود مارسال في أيدي الدورنيِّين‪.‬‬ ‫أن تتذ َّكر أن تسأل الوكيل‪ .‬لن تُ ِ‬
‫ُناسبه تاج چوف‪ .‬وحتى ذلك الحين فربما يحتاج إلى واح ٍد أصغر ال يُهَدِّد بابتالع‬ ‫مع الوقت سيكبر وي ِ‬
‫رأسه‪ .‬ستُفاتِح الصَّاغة باألمر‪.‬‬
‫نازال (تَل إجون العالي)‪ ،‬يتق َّدمه رجالن من ال َحرس الملكي‪ ،‬فارسان أبيضان‬ ‫ق الهودج طريقه البطيء ً‬ ‫َش َّ‬
‫على حصانين أبيضين ومن أكتافهما يتدلَّى معطفان أبيضان تشبَّعا بالماء‪ ،‬وفي المؤ ِّخرة خمسون من‬
‫الذهبي والقرمزي‪.‬‬ ‫َحرس النستر يرتدون َّ‬
‫حسبت أنه سيكون هناك ناس أكثر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اختلس تومن النَّظر إلى ال َّشوارع الخالية من بين السَّتائر‪ ،‬وقال‪« :‬‬
‫َ‬
‫خرج الجميع ليُشا ِهدوا موكبنا»‪.‬‬
‫َ‬ ‫حين ماتَ أبي‬
‫ط‪ .‬لكنه لم يرغب في الحُبِّ على‬ ‫‪« -‬المطر دف َعهم إلى ال ُّدخول»‪ .‬لم تحبَّ (كينجز الندنج) اللورد تايوين قَ ُّ‬
‫ك ِّل حال‪ .‬ذات م َّر ٍة سم َعته يقول لچايمي‪« :‬ال يُمكنك أن تأكل الحُب‪ ،‬أو تبتاع به حصانًا‪ ،‬أو تُدفئ به بيتك‬
‫في ليل ٍة باردة»‪ .‬حينئ ٍذ لم يكن أخوها أكبر من تومن‪.‬‬
‫بوضوح قلَّة أعداد‬
‫ٍ‬ ‫عند ( ِسپت بيلور الكبير)‪ ،‬ذلك البناء الرُّ خامي المهيب على ق َّمة (تَل ڤيزينيا)‪ ،‬بدَت‬
‫الذهبيَّة الذين نش َرهم السير أدام ماربراند في السَّاحة‪ .‬قالت الملكة لنفسها‬ ‫المع ِّزين مقارنةً بذوي المعاطف َّ‬
‫بينما ساعدَها السير مرين ترانت على ال ُّنزول من الهودج‪ :‬سيظهر المزيد الحقًا‪ .‬ليس مسمو ًحا َّإال للنُّبالء‬
‫الظهر‪ ،‬ثم تُفتَح الصَّالة‬‫وحاشيتهم بحضور مراسم العزاء الصَّباحيَّة‪ ،‬على أن تُقام مراسم أخرى للعوام بَعد ُّ‬
‫للجميع في المساء‪ .‬على سرسي أن تعود لحضور األخيرة كي يراها العا َّمة تندب الفقيد‪ ،‬فال بُ َّد أن ي َ‬
‫ُنصب‬
‫للغوغاء العرض الذي ينتظرونه‪ .‬مسألة مزعجة‪ .‬إن عليها أن تجد من يشغل المناصب ال َّشاغرة وتربح‬
‫الحرب وتَح ُكم المملكة‪ ،‬وكان أبوها ليتفهَّم هذا‪.‬‬
‫أثقل كاهله رداؤه‬ ‫محني الظَّهر له لحية شائبة خفيفة‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫على ق َّمة ال َّدرج قابلَهما السِّپتون األعلى‪ ،‬رجل عجوز‬
‫المطرَّز المن َّمق لدرجة أن عينيه صا َرتا في مستوى نهدَي سرسي‪ ...‬ولو أن تاجه بالغ الفخامة المصنوع‬
‫والذهب المغزول أضافَ إلى طوله قد ًما ونصفًا ُدفعةً واحدةً‪ .‬اللورد تايوين هو من أعطاه هذا‬ ‫من البلَّور َّ‬
‫بدال من اآل َخر الذي ضا َع حينما قت َل الرَّعاع السِّپتون األعلى السَّابق‪ .‬يومها سحبوا األحمق البدين‬ ‫التَّاج ً‬
‫من هودجه وم َّزقوه إربًا‪ ،‬اليوم نفسه الذي أبح َرت فيه مارسال إلى (دورن)‪.‬‬
‫اآل َخر كان ن ِه ًما سهل االنقياد‪ ،‬أ َّما هذا‪ ...‬تذ َّكرت سرسي بغتةً أن السِّپتون األعلى صنيعة تيريون‪،‬‬
‫وأزع َجتها الفكرة كثيرًا‪.‬‬
‫الذهب‬ ‫بدَت يد العجوز المبقَّعة أشبه بمخلب دجاج ٍة إذ م َّدها من داخل ُك ِّمه المحلَّى بزخارف قشرة َّ‬
‫والبلَّورات الصَّغيرة‪ .‬رك َعت سرسي على الرُّ خام المبتل وطلبَت من تومن أن يحذو حذوها سائلةً نفسها‪ :‬ما‬
‫الذي يعرفه عني؟ بِ َم أخب َره القزم؟ ابتس َم السِّپتون األعلى وهو يقودهما إلى داخل السِّپت‪ ،‬لكن أهي ابتسامة‬
‫عليم ببواطن األمور أم مجرَّد اختالج ٍة بلهاء لشفتَي العجوز المتغضِّنتيْن؟ ليست الملكة متأ ِّكدةً‬ ‫ٍ‬ ‫تهدي ٍد من‬
‫من الجواب‪.‬‬
‫الزجاج المطلي بالرَّصاص المل َّون‪ ،‬وقد‬ ‫شقَّا طريقهما ويد تومن في يدها عبر (بهو القناديل) تحت ُكرات ُّ‬
‫سا َر ترانت و ِكتلبالك على جانبيهما والماء يتقاطَر من معطفيهما المبتلَّين ليُ َك ِّون بِر ًكا على األرض‪،‬‬
‫از من خشب الويروود تُتَ ِّوجه ُكرة من البلَّور‪ ،‬وفي صُحبته‬ ‫والسِّپتون األعلى يتحرَّك ببُط ٍء متَّكئًا على ُع َّك ٍ‬
‫الذهب‬ ‫سبعة من مجلس القانِتين يتألَّقون في ثيابهم المفصَّلة من قُماش الفضَّة‪ .‬كان تومن يرتدي قُماش َّ‬
‫تحت معطف فرو ال َّس ُّمور‪ ،‬والملكة فُستانًا قدي ًما من المخمل األسود المو َّشى بفرو القاقوم‪ ،‬فلم يكن هناك‬
‫حضرت به جنازة چوفري أو الذي‬ ‫َ‬ ‫وقت لتفصيل واح ٍد جديد‪ ،‬وال يُمكنها أن ترتدي الفُستان نفسه الذي‬
‫ذهبَت تدفن روبرت فيه‪.‬‬
‫الحداد على تيريون‪ .‬من أجله سأرتدي الحرير القرمزي‬ ‫على األقل لن ينتظر مني أحد أن أرتدي ثياب ِ‬
‫الذهب وأزي ُِّن َشعري بالياقوت‪ .‬لقد أعلنَت أن َمن يأتيها برأس القزم سيُرفَع إلى مرتبة لورد مهما‬‫وقُماش َّ‬
‫كان مولده وعمله وضيعًا‪ ،‬واآلن تحمل ال ِغدفان وعدها إلى أرجاء (الممالك السَّبع) كلِّها‪ ،‬وقريبًا سيَعبُر‬
‫الخبر (البحر الضيِّق) ويَبلُغ تسعة ال ُمدن ال ُحرَّة وما وراءها من بلدان‪ .‬فليهرب ال ِعفريت إلى أقاصي‬
‫األرض‪ ،‬فلن يفلت مني‪.‬‬
‫َم َّر الموكب الملكي من البَّاب ال َّداخلي إلى قلب (السِّپت الكبير) الفسيح‪ ،‬وقط َع ممشى واسعًا هو واحد من‬
‫المعزون مع مرور الملك والملكة‪ ،‬وقد حض َر كثيرون من‬ ‫ُّ‬ ‫سبع ٍة تلتقي تحت القُبَّة‪ .‬إلى اليمين واليسار رك َع‬
‫ح َملة راية أبيها‪ ،‬باإلضافة إلى فُرسان قاتَلوا إلى جوار اللورد تايوين في معارك ع َّدة‪ ،‬فأكسبَتها رؤيتهم‬
‫لست بال أصدقاء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مزيدًا من الثِّقة‪.‬‬
‫الذهب والبلَّور كان جُثمان اللورد تايوين النستر مس ًّجى‬ ‫تحت قبَّة (السِّپت الكبير) ال َّشامخة المصنوعة من َّ‬
‫ص ٍة مدرَّجة من الرُّ خام‪ ،‬عند رأسها يقف چايمي مؤ ِّديًا شعيرة السَّهر‪ 94‬وتُطَ ِّوق يده السَّليمة مقبض‬ ‫فوق من َّ‬
‫الذهب يستقرُّ رأسه على األرض‪ .‬المعطف ذو القلنسوة الذي يرتديه أبيض كالثَّلج‬ ‫سيف عظيم من َّ‬ ‫ٍ‬
‫جعل سرسي تقول‬ ‫َ‬ ‫بالذهب‪ ،‬وهو ما‬‫الطَّازج‪ ،‬وحلقات سُترته المعدنيَّة الطَّويلة من ِعرق ال ُّلؤلؤ المرصَّع َّ‬
‫الذهبي والقرمزي كالنستر‪ .‬لطالما أغضبَه أن يرى چايمي‬ ‫لنفسها‪ :‬كان اللورد تايوين ليُريده أن يرتدي َّ‬
‫مرتديًا األبيض‪ .‬كان أخوها قد بدأ يُطلِق لحيته من جدي ٍد أيضًا‪ ،‬فغطَّى ال َّزغب ف َّكه ووجنتيه مضفيًا عليه‬
‫مظهرًا خشنًا فظًّا‪.‬‬
‫كان يُمكنه أن ينتظر حتى يُدفَن رُفات أبينا تحت (الصَّخرة) على األقل‪.‬‬
‫ت قصيرة ليركعا إلى جوار الجُثمان‪ ،‬ول َّما رأت عينَي تومن ممتلئتيْن‬ ‫صعدَت سرسي بالملك ثالث درجا ٍ‬
‫ابك بصمت‪ .‬أنت ملك ال طفل صارخ‪ .‬لورداتك يُشا ِهدونك»‪ ،‬فمس َح الصَّبي‬ ‫بال ُّدموع مالَت عليه قائلةً‪ِ « :‬‬
‫كالزمرُّ د وكبيرتين كعينَي چايمي حين كان في ِسنِّه‪.‬‬‫ُّ‬ ‫دموعه بظَهر يده‪ .‬إن له عينيها‪ ،‬عينين خضراويْن‬
‫لطالما كان أخوها صبيًّا جميل الطَّلعة‪ ...‬وإنما قوي أيضًا‪ ،‬قوي كچوفري‪ ،‬شبل ابن أسد‪ .‬ط َّوقت الملكة‬
‫ي كي أعلِّمه كيف يَح ُكم وأحميه من أعدائه‪.‬‬ ‫تومن بذراعها ولث َمت ُخصالته َّ‬
‫الذهبيَّة مف ِّكرةً‪ :‬سيحتاج إل َّ‬
‫ومنهم من يُحيطون بهما في هذه اللَّحظة‪ ،‬يتظاهَرون بأنهم أصدقاء‪.‬‬
‫كانت األخوات الصَّامتات قد ألبسن اللورد تايوين أفضل دروعه كأنما يستع ُّد لمعرك ٍة أخيرة‪ .‬هكذا ارتدى‬
‫الفوالذ الثَّقيل المطلي بالمينا القرمزي القاني والمحلَّى بال َّزخرفة َّ‬
‫الذهبيَّة على قُفَّازيه وواقيَي ساقيه وواقي‬
‫الذهب المتفجِّرة‪ ،‬وقد قب َعت لبؤة ذهبيَّة على ك ِّل كتف‪،‬‬ ‫صدره‪ ،‬مع األقراص الواقية ذات أشكال ال ُّشموس َّ‬
‫واتَّخذت ريشة الخوذة العظيمة الموضوعة إلى جوار رأسه شكل أس ٍد غزير اللِّبدة‪ ،‬وعلى صدره استق َّر‬
‫ب مذهَّب مرصَّع بالياقوت‪ ،‬تُحيط يداه بمقبضه في قُفَّازين من الحلقات المعدنيَّة‬ ‫سيفه الطَّويل في قِرا ٍ‬
‫نبيال‪ ،‬مع أن فمه‪ ...‬كان رُكنا شفتَي أبيها منحنيَيْن إلى أعلى على نح ٍو‬‫المذهَّبة‪ .‬حتى في الموت يبدو وجهه ً‬
‫طفيف للغاية‪ ،‬لتبدو عليه سيماء االستمتاع الغامض‪ .‬ال يُفت َرض أن يبدو هكذا‪ .‬ال َمت پايسل الذي كان عليه‬
‫ط‪.‬‬‫أن يُخبِر األخوات الصَّامتات بأن اللورد تايوين النستر لم يبتسم قَ ُّ‬
‫ذلك الرَّجل عديم الفائدة كحلمتيْن على واقي الصَّدر‪ .‬تلك االبتسامة الخافتة تجعل اللورد تايوين يبدو أق َّل‬
‫بشكل ما‪ ،‬باإلضافة إلى حقيقة أن عينيه مغلقتان‪ .‬دائ ًما كانت عينا أبيها مثيرتيْن للتَّوجُّ س‪ ،‬لونهما‬
‫ٍ‬ ‫مهابةً‬
‫الذهب‪ ،‬وكانت نظراته تسبر أغوارك وترى كم‬ ‫األخضر ال َّشاحب يكاد يكون مضيئًا‪ ،‬وفيهما شذرات من َّ‬
‫أنت ضعيف تافه قبيح من ال َّداخل‪ .‬كنت تعرف حين يَنظُر إليك أن نظراته تخترقك‪.‬‬
‫بال دعو ٍة استعادَت ذكرى المأدبة التي أقا َمها الملك إيرس لدى مجيء سرسي إلى البالط أول مرَّة‪ ،‬فتاة‬
‫خضراء كالعُشب في الصَّيف‪ .‬كان ميريويذر العجوز يُثَرثِر عن زيادة الجمارك على الخمور عندما قال‬
‫ي بجاللته أن يُج ِلس اللورد تايوين على وعاء فضالته»‪،‬‬ ‫اللورد ريكر‪« :‬إذا كنا نحتاج إلى َّ‬
‫الذهب فحر ٌّ‬
‫ً‬
‫وطويال بَعد خب ِّو المرح‬ ‫فد َّوت ضحكات إيرس ومنافقيه‪ ،‬في حين ح َّدق أبوها إلى ريكر من فوق كأسه‪،‬‬
‫أشاح بوجهه ثم عا َد يَنظُر في عينَي أبيها‪ ،‬قبل أن يتجاهَلهما ويشرب‬
‫َ‬ ‫ظلَّت نظرته مسلَّطةً على ريكر الذي‬
‫دورقًا من ال ِمزر ويُغا ِدر بوج ٍه محتقن وقد هز َمته عينان ال تطرفان‪.‬‬
‫عينا اللورد تايوين هاتان انغلقَتا إلى األبد‪ .‬اآلن ستُجفِلهم نظراتي أنا‪ ،‬وعليهم أن يخافوا عبوسي أنا‪ .‬إنني‬
‫أسد أيضًا‪.‬‬
‫مع تلبُّد السَّماء بالغيوم في الخارج كان الضَّوء معت ًما داخل السِّپت‪ ،‬لكن إذا توقَّفت األمطار سيتدفَّق نور‬
‫ق أقواس قزح‪.‬‬ ‫ال َّشمس عبر البلَّورات المعلَّقة ليكسو الجُثمان بأقواس قزح‪ ،‬وسيِّد (كاسترلي روك) يستح ُّ‬
‫عام من اآلن‪ ،‬حين يُ َد ِّون ال ِمايسترات وقائع زماننا‬ ‫ُ‬
‫سأكون أعظم‪ .‬بَعد ألف ٍ‬ ‫ً‬
‫رجال عظي ًما‪ .‬لكني‬ ‫لقد كان‬
‫هذا‪ ،‬لن يتذ َّكرك أحد َّإال باعتبارك والد الملكة سرسي‪.‬‬
‫َش َّد تومن ُك َّمها ً‬
‫قائال‪« :‬أ ِّمي‪ ،‬ما هذه الرَّائحة؟»‪.‬‬
‫قالت لنفسها‪ :‬رائحة السيِّد والدي‪ ،‬وقالت له‪« :‬الموت»‪ .‬هي أيضًا تش ُّمها؛ رائحة تعفُّ ٍن ضعيفة جعلَت أنفها‬
‫يُريد أن يتقلَّص‪ ،‬لكن سرسي لم تُ ِعرها اهتما ًما‪ .‬كان السِّپتونات السَّبعة واقفين وراء النَّعش يتضرَّعون إلى‬
‫(األب في األعالي) أن يَح ُكم على اللورد تايوين بالعدل‪ ،‬وحين فرغوا اجتم َعت سبع وسبعون ِسپتة أمام‬
‫ت رحمتها‪ .‬عندئ ٍذ كان تومن قد بدأ يتمل َمل‪ ،‬وحتى الملكة نفسها بدأت‬ ‫مذبح (األُم) وشرعن يترنَّمن متوسِّال ٍ‬
‫رُكبتاها تُؤلِمانها‪ .‬ألقَت نظرةً نحو چايمي‪ ،‬فرأت توأمها واقفًا كأنه منحوت من الحجر‪ ،‬يَرفُض أن تلتقي‬
‫عيناه عينيها‪.‬‬
‫على الدِّكك رك َع ع ُّمهما كيڤان بكتفين محنيَّتين وإلى جواره ابنه‪ .‬النسل يبدو أسوأ من أبي‪ .‬على الرغم من‬
‫أن ِسنَّه ال تتع َّدى السَّابعة عشرة فمن الممكن أن تحسبه في السَّبعين‪ ،‬بوجهه المربد وهزاله وخ َّديه‬
‫األجوفيْن وعينيه الغائصتيْن و َشعره األبيض الهش كالطَّباشير‪ .‬كيف يظلُّ النسل بين األحياء ويموت‬
‫بمنديل مربَّع‬
‫ٍ‬ ‫تايوين النستر؟ هل فقدَت اآللهة عقلها؟ را َح اللورد جايلز يَسعُل أكثر من المعتاد ويُ َغطِّي أنفه‬
‫غاب في النَّوم فأقس ُم‬
‫َ‬ ‫ق ال ِمايستر األكبر پايسل عينيه‪ .‬إذا‬‫من الحرير األحمر‪ .‬هو أيضًا يش ُّم الرَّائحة‪ .‬وأغل َ‬
‫أن آمر ب َجلده‪ .‬إلى يمين النَّعش رك َع آل تايرل؛ سيِّد (هايجاردن) وأ ُّمه ال َّشنيعة وزوجته السَّمجة وابنه‬
‫جارالن وابنته مارچري‪ .‬أخب َرت نفسها مذ ِّكرةً‪ :‬الملكة مارچري‪ .‬أرملة چوفري وعروس تومن المقبلة‪.‬‬
‫الزهور كثيرًا‪ ،‬فتساءلَت الملكة إن كانت ث َّمة أشياء أخرى مشتركة بينهما‪.‬‬ ‫تُشبِه مارچري أخاها فارس ُّ‬
‫وردتنا الصَّغيرة حولها ليديهات عديدات ي ُِحطن بها ليل نهار‪ .‬إن معها اآلن نحو دست ٍة منهن‪ ،‬وفي‬
‫وجوههن تفرَّست سرسي متسائلةً‪ :‬من أكثرهن خوفًا وأكثرهن استهتارًا وأكثرهن جوعًا للحظوة؟ من أكثر‬
‫واحد ٍة لسانها متب ِّرئ منها؟ عليها أن تحرص على معرفة اإلجابات‪.‬‬
‫أرا َحها أن انتهَت التَّرانيم أخيرًا‪ .‬الرَّائحة المنبعثة من جثَّة أبيها تبدو كأنها صا َرت أقوى‪ ،‬ولئن تحلَّى أكثر‬
‫المع ِّزين بالكياسة وتظاهَروا بأن ك َّل شي ٍء على ما يرام‪ ،‬فقد رأت سرسي اثنتين من بنات عمومة الليدي‬
‫مارچري تُقَلِّصان أنفيهما الصَّغيريْن‪ ،‬وبينما قط َعت الممشى عائدةً مع تومن ُخيِّ َل لها أنها سم َعت أحدهم‬
‫يُتَمتِم بكلمة «مرحاض» ويُط ِلق ضحكةً مكتومةً‪ ،‬لكن حين د َّورت رأسها لترى من تكلَّم وجدَت بحرًا من‬
‫الوجوه الوقورة التي تَر ُمقها بخواء‪ .‬ما كانوا ليَجسُروا على التَّن ُّدر عليه هكذا وهو ال يزال حيًّا‪ .‬كان ليُحيل‬
‫ما في أحشائهم إلى ماء بمجرَّد نظرة‪.‬‬
‫المعزون حولهما كال ُّذباب الطَّنَّان وك ُّلهم حماسة إلغراقها بالتَّعازي الفارغة‪ .‬لث َم‬ ‫ُّ‬ ‫في (بهو القناديل) احتش َد‬
‫‪91‬‬
‫التَّوأمان ردواين يدها وأبوهما وجنتها‪ ،‬ووعدَها هاالين الپايرومانسر بأن يدًا ناريَّةً ستضطرم في السَّماء‬
‫فوق المدينة يوم رحيل رُفات أبيها إلى الغرب‪ ،‬وبين سعل ٍة وسعل ٍة قال لها اللورد جايلز إنه استأج َر واحدًا‬
‫تمثاال للورد تايوين سيسهر حراسةً إلى األبد عند (ب َّوابة األسد)‪ ،‬وظه َر السير‬ ‫ً‬ ‫من أساتذة النَّحَّاتين ليصنع‬
‫المبرت تِرنبري برُقع ٍة على عينه اليُمنى مقس ًما أنه سيضعها إلى أن يأتيها برأس أخيها القزم‪.‬‬
‫لم تكد الملكة تفرُّ من براثن ذلك األحمق حتى وجدَت نفسها تحت حصار الليدي فاليس ابنة (ستوكوورث)‬
‫غك اعتذارها يا جاللة الملكة‪ .‬لوليس‬ ‫وزوجها السير بيرش‪ ،‬وهمه َمت فاليس قائلةً‪« :‬السيِّدة والدتي تُبلِ ِ‬
‫دك أن تُسا ِمحيها‪ ،‬وقالت‬ ‫أُ ِخ َذت إلى الفِراش لتضع طفلها وشع َرت أ ِّمي بالحاجة إلى البقاء معها‪ .‬إنها تُ ِ‬
‫ناش ِ‬
‫رجل آ َخر‪ ،‬وإذا ولدَت أختي صبيًّا فإنها‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬‫بأبيك الرَّاحل أكثر من أ ِّ‬
‫ِ‬ ‫أسألك‪ ...‬لقد كانت أ ِّمي معجبةً‬ ‫ِ‬ ‫أن‬
‫إذنك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫راغبة في أن نُ َس ِّميه تايوين‪ ،‬بَعد‪ ...‬بَعد‬
‫أختك البلهاء يغتصبها ِنصف أهل المدينة وتاندا تُفَ ِّكر في إطالق‬ ‫ح َّدقت سرسي إليها مشدوهةً‪ ،‬وقالت‪ِ « :‬‬
‫اسم أبي على النَّغل؟ ال ُّ‬
‫أظن»‪.‬‬
‫صفِ َعت‪ ،‬لكن زوجها اكتفى بالتَّمليس على شاربه األشقر ال َكث بإبهامه ً‬
‫قائال‪« :‬هذا ما‬ ‫جفلَت فاليس كأنها ُ‬
‫لك كلمتي»‪.‬‬
‫قلته لليدي تاندا‪ .‬سنجد اس ًما‪ ،‬آه‪ ...‬أنسب لنغل لوليس‪ِ ،‬‬
‫احرصوا على هذا»‪ ،‬والتفتَت عنهما مبتعدةً‪ ،‬لترى أن تومن وق َع في براثن مارچري‬ ‫قالت سرسي‪ِ « :‬‬
‫تايرل وج َّدتها‪ .‬لملكة األشواك قامة قصيرة للغاية‪ ،‬حتى إن سرسي حسبَتها طفلةً أخرى للحظة‪ .‬قبل أن‬
‫الزحام إلى مواجهة ع ِّمها‪ ،‬وعندما ذ َّكرته بلقائهما الحقًا أومأ َ‬ ‫تستطيع إنقاذ ابنها من اللوردات دف َع بها ِّ‬
‫لرجل قدمه في‬ ‫ٍ‬ ‫ب واستأذنَها في االنصراف‪ ،‬على أن النسل تل َّكأ وقد بدا نموذجًا‬ ‫السير كيڤان برأسه بتع ٍ‬
‫القبر‪ .‬لكن أهو داخل أم خارج؟ أرغ َمت سرسي نفسها على االبتسام‪ ،‬وقالت‪« :‬النسل‪ ،‬يُس ِعدني أن أراك‬
‫أقوى كثيرًا‪ .‬ال ِمايستر باالبار نق َل لنا أخبارًا مؤسفةً وخشينا على حياتك‪ .‬كنت ألحسبك في الطَّريق إلى‬
‫(داري) اآلن لتتولَّى لورديَّتك»‪ .‬كان أبوها قد رف َع النسل إلى مرتبة لورد عقب معركة (النَّهر األسود)‬
‫استرضا ًء ألخيه كيڤان‪.‬‬
‫ت بالغ الخفَّة كذلك ال َّشارب فوق‬ ‫‪« -‬ليس بع ُد‪ .‬هناك خارجون عن القانون في قلعتي»‪ .‬تكلَّم ابن ع ِّمها بصو ٍ‬
‫شفته العُليا‪ ،‬وعلى الرغم من ابيضاض َشعره ظَ َّل زغب شاربه محتفظًا بلونه الرَّملي‪ .‬كثيرًا ما تطلَّعت‬
‫سرسي إليه والصَّبي في داخلها يدفع نفسه جيئةً وذهابًا بطاعة‪ .‬يبدو كلطخة تُراب فوق شفته‪ .‬لقد اعتادَت‬
‫أن تُهَدِّده بمسحه بالقليل من اللُّعاب‪« .‬أبي يقول إن أراضي النَّهر محتاجة إلى ي ٍد قوية»‪.‬‬
‫بدال من هذا‪ ،‬وقالت‪« :‬كما أنك ستتز َّوج‬ ‫مؤسف أنها ستنال يدك أنت‪َّ ،‬إال أنها ابتس َمت ً‬ ‫ٌ‬ ‫أرادَت أن تقول‪:‬‬
‫أيضًا»‪.‬‬
‫مرَّت على وجه الفارس ال َّشاب السَّقيم نظرة كئيبة‪ ،‬و َر َّد‪« :‬واحدة من بنات فراي‪ ،‬وليست من اختياري‪.‬‬
‫الفالحين‪ ،‬لكن‬ ‫إنها ليست عذراء حتى‪ ،‬بل أرملة من دم داري‪ .‬أبي يقول إن هذا سيُسا ِعدني في التَّعا ُمل مع َّ‬
‫لتك تعلمين أنني أحبُّ ‪.»...‬‬ ‫مواصال‪« :‬إنها قسوة يا سرسي‪ .‬جال ِ‬ ‫ً‬ ‫الفالحين كلَّهم ماتوا»‪ ،‬و َم َّد يده إلى يدها‬
‫َّ‬
‫نجب لك زوجتك أبنا ًء‬ ‫يشك في هذا يا النسل‪ .‬أتمنَّى أن تُ ِ‬
‫ُّ‬ ‫قاط َعته منهيةً العبارة‪ ...« :‬عائلة النستر‪ .‬ال أحد‬
‫أعرف أنك ستقوم بصنائع نبيلةً عديدةً في (داري)»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أقوياء»‪ .‬لكن خي ٌر لك َّأال تدع ج َّدها يُقيم ال ِّزفاف‪« .‬‬
‫جلب أبي السِّپتون األعلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سأموت‬ ‫أومأ َ النسل برأسه والبؤس يبدو عليه بوضوح‪ ،‬وقال‪« :‬حين بدا أني‬
‫طفل في وج ٍه عجوز‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫صلِّي ألجلي‪ .‬إنه رجل صالح»‪ ،‬وتاب َع ابن ع ِّمها بعينين مبتلَّتين المعتين كعينَي‬ ‫لي ُ َ‬
‫سام‪ ،‬كي أتوب عن خطاياي»‪.‬‬ ‫هدف ٍ‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫«يقول إن (األم) أبقَت على حياتي من أجل‬
‫تساءلَت سرسي كيف ينوي أن يتوب عن خطاياه معها‪ .‬تنصيبه فارسًا كان خطأً‪ ،‬و ُمضاجعته خطأ ً أكبر‪.‬‬
‫ُعجبها ورعه المستج ُّد هذا على اإلطالق‪ ،‬ثم إنه كان مسلِّيًا أكثر بكثير‬ ‫النسل ضعيف ال يُعت َمد عليه‪ ،‬وال ي ِ‬
‫ُحاول أن يكون چايمي‪ .‬ما الذي قاله هذا األحمق ال َّدامع للسِّپتون األعلى؟ وماذا سيقول البنة‬ ‫عندما كان ي ِ‬
‫فراي وهما نائمان معًا في الظَّالم؟ إذا اعترفَ ب ُمضاجعة سرسي فيُمكنها أن تدحض هذا‪ ،‬فال ِّرجال يكذبون‬
‫صبي ِغر فتنَه َجمالها‪ .‬لكن إذا تف َّوه بشي ٍء‬
‫ٍّ‬ ‫بشأن النِّساء طوال الوقت‪ ،‬وتستطيع أن تعزو األمر إلى صلف‬
‫عن روبرت والنَّبيذ القوي‪ ...‬قالت له سرسي‪« :‬أفضل السُّبل لنيل التَّوبة الصَّالة‪ ...‬الصَّالة الصَّامتة»‪،‬‬
‫وتر َكته يُفَ ِّكر في قولها وهيَّأت نفسها لمواجهة جيش تايرل‪.‬‬
‫عانقَتها مارچري كأخت‪ ،‬وهو ما وجدَته الملكة اجترا ًء‪ ،‬ولكن ليس هذا بالمكان المناسب لتوبيخها‪ .‬قن َعت‬
‫الليدي آليري وبنات العُمومة بلثم أصابعها‪ ،‬وطلبَت الليدي جريسفورد الحُبلى إذن الملكة في تسمية وليدها‬
‫تئن ضيقًا‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬واحد آ َخر؟ سي ِ‬
‫ُغرق َمن‬ ‫تايوين إن كان صبيًّا أو النا إن كانت بنتًا‪ .‬كادَت سرسي ُّ‬
‫وتظاهرت بالسُّرور‪.‬‬
‫َ‬ ‫قدر ممكن من الكياسة‬
‫اسمهم تايوين البالد‪ ،‬لكنها أبدَت موافقتها بأكبر ٍ‬
‫ُ‬
‫أرسلت خبرً ا‬ ‫َمن سرَّتها حقًّا هي الليدي ميريويذر‪ ،‬التي قالت بلكنتها المايريَّة المثيرة‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬لقد‬
‫ظهر وجهه القبيح في‬‫َ‬ ‫ألصدقائي عبر (البحر الضيِّق)‪ ،‬أسألهم أن يقبضوا على ال ِعفريت في الحال إذا‬
‫ال ُمدن ال ُحرَّة»‪.‬‬
‫عندك أصدقاء كثيرون وراء البحر؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬هل‬
‫‪« -‬كثيرون في (مير)‪ ،‬وفي (لِيس) أيضًا‪ ،‬و(تايروش)‪ .‬رجال ذوو نفوذ»‪.‬‬
‫لم تجد سرسي ُعسرًا في تصديق هذا‪ ،‬فالمرأة المايريَّة رائعة ال َجمال َ‬
‫بحق‪ ،‬طويلة السَّاقين وممتلئة‬
‫النَّهدين‪ ،‬ولها بشرة زيتونيَّة ملساء وشفتان ناضجتان وعينان كحيلتان واسعتان للغاية و َشعر أسود غزير‬
‫نهضت لت ِّوها من الفِراش‪ .‬بل وتضوع منها رائحة الخطيئة‪ ،‬كأنها زهرة لوتس غريبة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يبدو دائ ًما كأنها‬
‫جاللتك والملك‬
‫ِ‬ ‫ت كخرير القِطط‪« :‬اللورد ميريويذر وأنا ال نتمنَّى َّإال أن نخدم‬ ‫قالت المرأة بصو ٍ‬
‫الصَّغير»‪ .‬كانت على وجهها نظرة حُبلى باإليحاءات تكاد تُنافِس بطن الليدي جريسفورد المنتفخ‪.‬‬
‫ثم انقضَّ عليها سيِّد (هايجاردن)‪.‬‬
‫بأعوام عشرة‪ ،‬ومع ذلك تُفَ ِّكر فيه باعتباره في ِسنِّ أبيها ال ِسنِّها‪ .‬ليس‬
‫ٍ‬ ‫ال يكبر مايس تايرل سرسي َّإال‬
‫الرَّجل طويل القامة كما كان اللورد تايوين‪ ،‬لكن بقيَّة جسده أكبر‪ ،‬فصدره مكتنز وبطنه أكثر اكتنا ًزا‪،‬‬
‫ول َشعره لون الكستناء وإن بدأ األبيض والرَّمادي يشوبان لحيته‪ ،‬ويبدو وجهه محم ًّرا أغلب الوقت‪ .‬أعلنَ‬
‫رجال فلتة‪ ،‬وأخشى أننا لن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رجال عظي ًما‪،‬‬ ‫تايرل بلهج ٍة ثقيلة بَعد أن قبَّل كلتا وجنتيها‪« :‬اللورد تايوين كان‬
‫نرى ً‬
‫مثيال له أبدًا»‪.‬‬
‫ر َّدت سرسي عليه في سريرتها‪ :‬إنك تَنظُر إلى مثيلته أيها األحمق‪ .‬ابنته هي الواقفة أمامك‪ ،‬لكنها محتاجة‬
‫إلى تايرل وق َّوة (هايجاردن) إلبقاء تومن على عرشه‪ ،‬فاكتفَت بقولها‪« :‬سنفتقده كثيرًا»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ال رجل على قيد الحياة يَصلُح ألن يح َّل مح َّل اللورد تايوين‪ ،‬هذا جلي‪،‬‬
‫وض َع تايرل يده على كتفها ً‬
‫لكن البالد باقية وال بُ َّد أن تُح َكم‪ .‬إذا كان هناك ما يُمكنني أن أفعله على اإلطالق في هذه السَّاعة السَّوداء‪،‬‬
‫جاللتك َّإال أن تَطلُبي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فما على‬
‫ف َّكرت الملكة‪ :‬إذا كنت تبغي أن تكون يد الملك يا سيِّدي فتح َّل بال َّشجاعة وقُلها‪ ،‬ورس َمت على شفتيها‬
‫ابتسامةً مضيفةً لنفسها‪ :‬فليستنتج منها ما يُريد أن يستنتجه‪ ،‬ثم إنها قالت‪« :‬مؤ َّكد أن هناك حاجة إلى سيِّدي‬
‫في (المرعى)‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫أجاب الرَّجل رافضًا أن يلحظ تلميحها الواضح تما ًما‪« :‬ابني ويالس فتى قدير‪ .‬ربما تكون ساقه مش َّوهةً‬ ‫َ‬
‫ضا‪ ،‬وبين االثنين سيصير‬ ‫الذكاء‪ .‬قريبًا سيستولي جارالن على (قلعة المياه الوضَّاءة) أي ً‬ ‫لكنه ال يفتقر إلى َّ‬
‫مكان آخَر‪ .‬ال بُ َّد أن يأتي حُكم البالد ً‬
‫أوال كما‬ ‫ٍ‬ ‫(المرعى) في أي ٍد أمينة إذا دعَت الحاجة إلى وجودي في‬
‫ق على‬ ‫اعتا َد اللورد تايوين أن يُ َردِّد‪ ،‬ويسرُّ ني أن أنقل لجال ِ‬
‫لتك خبرًا طيِّبًا في هذا الصَّدد‪ .‬ع ِّمي جارث واف َ‬
‫والدك يرغب‪ ،‬وهو في الطَّريق إلى (البلدة القديمة) اآلن ليستق َّل سفينةً في‬ ‫ِ‬ ‫الخدمة أمينًا للنَّقد كما كان السيِّد‬
‫صُحبة ابنيه‪ .‬كان اللورد تايوين قد ذك َر شيئًا عن العثور على مكانيْن لهما أيضًا‪ ،‬في َحرس المدينة ربما»‪.‬‬
‫على وجه الملكة تج َّمدت ابتسامتها بش َّد ٍة لدرجة أنها خشيَت أن تتشقَّق أسنانها‪ .‬جارث السَّمين في المجلس‬
‫ق من ذهب‬ ‫الذهبيَّة‪ ...‬هل يحسب آل تايرل أني سأق ِّد ُم لهم البالد على طب ٍ‬‫الصَّغير وابناه مع ذوي المعاطف َّ‬
‫بهذه البساطة؟ هذه الغطرسة تُذ ِهلها حقًّا‪.‬‬
‫ُواصل‪« :‬جارث أحسنَ خدمتي كقهرمان كما خد َم أبي من قبلي‪ .‬صحي ٌح أن اإلصبع الصَّغير‬
‫كان تايرل ي ِ‬
‫كان موهوبًا في إيجاد َّ‬
‫الذهب‪ ،‬لكن جارث‪.»...‬‬
‫سألت اللورد جايلز أن يكون أمين نقدنا‬ ‫ُ‬ ‫قاط َعته سرسي‪« :‬سيِّدي‪ ،‬أخشى أن في المسألة سوء فهم‪ .‬لقد‬
‫الجديد‪ ،‬وقد شرَّفني بالقبول»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬روزبي؟ ذلك ال‪ ...‬ال َّسعَّال؟ لكن‪ ...‬لقد اتَّفقنا على األمر‪ .‬جارث في طريقه إلى‬ ‫ق مايس إليها ً‬ ‫حمل َ‬
‫(البلدة القديمة)»‪.‬‬
‫رسل ُغدافًا إلى اللورد هايتاور وتَطلُب منه أن يحرص على عدم ركوب‬ ‫قالت الملكة‪« :‬األفضل إذن أن تُ ِ‬
‫واجه البحر في الخريف بال طائل»‪ ،‬وابتس َمت له ببشاشة‪.‬‬ ‫ع ِّمك السَّفينة‪ .‬سنكره أن يُ ِ‬
‫والدك أ َّكد لي‪ ،»...‬وبدأ يلفظ كال ًما مختل ً‬
‫طا‬ ‫ِ‬ ‫قال تايرل واألحمر يزحف على ُعنقه الثَّخين‪« :‬هذا‪ ...‬السيِّد‬
‫غير مفهوم‪.‬‬
‫ثم ظه َرت أ ُّمه وتأبَّطت ذراعه قائلةً‪« :‬يبدو أن اللورد تايوين لم يُطلِع وصيَّتنا على العرش على ُخططه‪،‬‬
‫وال أتص َّو ُر السَّبب‪ .‬لكن األمر منت ٍه‪ ،‬فال داعي إلزعاج جاللتها‪ .‬إنها محقَّة تما ًما‪ .‬عليك أن تَكتُب للورد‬
‫اليتون قبل أن يستق َّل جارث السَّفينة‪ .‬تعلم أن البحر سيُغثيه ويجعل فساءه أسوأ»‪ ،‬ومن َحت الليدي أولينا‬
‫مجلسك ألطف في وجود اللورد جايلز‪ ،‬وإن ُ‬
‫كنت‬ ‫ِ‬ ‫سرسي ابتسامةً بال أسنان متابعةً‪« :‬ستكون رائحة قاعة‬
‫أظن أن سُعاله كفيل بتشتيت انتباهي‪ .‬كلُّنا مغرمون بالعم جارث العجوز العزيز‪ ،‬لكن الرَّجل متطبِّل البطن‬ ‫ُّ‬
‫ضن أكثر وهي تُضيف‪« :‬لقد‬ ‫أمقت الرَّوائح الكريهة حقًّا»‪ ،‬وتغضَّن وجهها المتغ ِّ‬
‫ُ‬ ‫وال أحد يُن ِكر هذا‪ .‬إنني‬
‫شممت رائحةً مزعجةً داخل السِّپت المق َّدس في الحقيقة‪ .‬هل شممتِها أيضًا؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أجابَت سرسي ببرود‪« :‬ال‪ .‬تقولين إنها رائحة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬رائحة كريهة»‪.‬‬
‫الالزم»‪ .‬كلَّما عجَّلت بتخليص البالط من‬ ‫أبقيناك هنا أطول من َّ‬
‫ِ‬ ‫وردك الخريفي‪ .‬لقد‬‫ِ‬ ‫‪« -‬ربما تفتقدين‬
‫بأمان‬
‫ٍ‬ ‫ُرسل عددًا ال بأس به من فُرسانه ليصحبوا أ َّمه‬
‫ك أن اللورد تايرل سي ِ‬‫الليدي أولينا كان أفضل‪ ،‬فال َش َّ‬
‫إلى وطنها‪ ،‬وكلَّما قَ َّل عدد رجال تايرل في المدينة ستعرف الملكة نو ًما أفضل‪.‬‬
‫أعترف بأني مشتاقة إلى عطور (هايجاردن)‪ ،‬لكني ال أستطي ُع أن أغادر بالطَّبع قبل أن‬ ‫ُ‬ ‫قالت العجوز‪« :‬‬
‫عزيزك الصَّغير تومن»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أشهد زفاف حُلوتي مارچري إلى‬
‫أضافَ تايرل‪« :‬أنا أيضًا أنتظ ُر ذلك اليوم بلهفة‪ .‬أنا واللورد تايوين كنا على وشك تحديد موع ٍد بالفعل‪.‬‬
‫ربما يُمكننا أن نُنا ِقش هذا معًا يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫‪« -‬قريبًا»‪.‬‬
‫قالت الليدي أولينا متن ِّشقةً‪« :‬ال بأس‪ .‬هيا بنا يا مايس‪ ،‬لندع جاللتها ل‪ ...‬حُزنها»‪.‬‬
‫ً‬
‫طوال‬ ‫تر َكت سرسي ملكة األشواك تبتعد بين حارسيها الفارعيْن‪ ،‬رجلين يَبلُغ ك ٌّل منهما األقدام السَّبعة‬
‫موتك أيتها العجوز‪،‬‬‫ِ‬ ‫ويروق المرأة أن تُ َس ِّميهما ِشمال ويمين‪ ،‬وإذ شاهدَتها تبتعد وعدَت نفسها‪ :‬سأشه ُد‬
‫تك جميلة المنظر‪ .‬واض ٌح تما ًما أن العجوز أذكى من ابنها اللورد مرَّتين‪.‬‬‫وسنرى كم ستكون جثَّ ِ‬
‫أنق َذت الملكة ابنها من مارچري وبنات عمومتها واتَّجهت به إلى الباب‪ ،‬وفي الخارج كان المطر قد توقَّف‬
‫ضعه‬‫وصارت لهواء الخريف رائحة طازجة نقيَّة‪ .‬خل َع تومن تاجه‪ ،‬لكن سرسي قالت له آمرةً‪َ « :‬‬ ‫َ‬ ‫أخيرًا‬
‫على رأسك»‪.‬‬
‫قال الصَّبي‪« :‬إنه يُؤلِم ُعنقي»‪ ،‬لكنه أطا َع األمر‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬هل سأتز َّو ُج قريبًا؟ مارچري تقول إننا‬
‫نستطيع َّ‬
‫الذهاب إلى (هايجاردن) حالما نتز َّوج»‪.‬‬
‫ر َّدت سرسي‪« :‬لن تذهب إلى (هايجاردن)‪ ،‬لكن يُمكنك ركوب حصان إلى القلعة»‪ ،‬وأشا َرت إلى السير‬
‫مرين ترانت‪ ،‬وقالت له‪« :‬اجلب حصانًا لجاللته‪ ،‬واطلُب من اللورد جايلز أن يُ َشرِّ فني باالنضمام إل َّي في‬
‫الهودج»‪ .‬األمور تمضي بسُرع ٍة أكبر مما توقَّعت‪ ،‬وما من وق ٍ‬
‫ت تُبَدِّده‪.‬‬
‫أسعدَت تومن فكرة الرُّ كوب‪ ،‬وبالطَّبع شرَّفت اللورد جايلز دعوتها‪ ...‬ولكن عندما سألَته أن يكون أمين‬
‫نقدها الجديد بدأ الرَّجل يَسعُل بمنتهى العُنف‪ ،‬حتى إنها خشيَت أن يموت هنا واآلن‪ ،‬لكن (األُم) كانت‬
‫رحيمةً وفي النِّهاية تعافى جايلز بما يكفي ألن يقبل المنصب‪ ،‬بل وبدأ يَسعُل أسماء الرِّ جال الذين يُريد‬
‫استبدالهم‪ ،‬ومنهم قيِّمو الجمارك ومصنِّعو األصواف الذين عيَّنهم اإلصبع الصَّغير‪ ،‬باإلضافة إلى أحد‬
‫حفَظة المفاتيح‪.‬‬
‫‪َ « -‬س ِّم البقرة التي تُريدها ما دا َمت تنضح حليبًا‪ .‬وإذا أثي َر السُّؤال‪ ،‬فقد انضممتَ إلى المجلس البارحة»‪.‬‬
‫‪« -‬البار‪ .»...‬انتابَته نوبة من السُّعال جعلَته يلتوي على نفسه‪« .‬البارحة‪ ،‬بالتَّأكيد»‪ .‬يستخدم اللورد جايلز‬
‫ُحاول إخفاء ال َّدم في لُعابه‪ ،‬وهو ما تظاه َرت سرسي بأنها ال‬
‫منديال من الحرير األحمر يَسعُل فيه كأنما ي ِ‬ ‫ً‬
‫الحظه‪.‬‬ ‫تُ ِ‬
‫حين يموت سأج ُد أحدًا غيره‪ .‬ربما عليها أن تستدعي اإلصبع الصَّغير إلى البالط‪ .‬إنها ال تتص َّور أن پيتر‬
‫طويال وقد ماتَت اليسا آرن‪ ،‬خصوصًا أن لوردات (الوادي)‬ ‫ً‬ ‫بايلش سيُس َمح له بالبقاء حافظًا ل(الوادي)‬
‫ص َّح ما قاله پايسل‪ .‬بمجرَّد أن يأخذوا منه ذلك الصَّبي المأفون سيعود اللورد‬ ‫بدأوا يتحرَّكون بالفعل إذا َ‬
‫پيتر زحفًا‪.‬‬
‫‪« -‬جاللة الملكة»‪ ،‬قال اللورد جايلز وسع َل ومس َح فمه‪« .‬هل لي‪ ،»...‬وسع َل ثانيةً‪ ...« .‬أن أسأل َمن‪،»...‬‬
‫وعصفَت به نوبة أخرى من السُّعال قبل أن يتمالَك نفسه ويُك ِمل‪َ ...« :‬من سيكون يد الملك؟»‪.‬‬
‫أجابَت بشرود‪« :‬ع ِّمي»‪.‬‬
‫تنفَّست الملكة الصُّ عداء لرؤية أسوار (القلعة الحمراء) ترتفع عاليةً أمامها‪ ،‬وهناك عهدَت بتومن إلى‬
‫ُمرافقيه وخلَت إلى نفسها في مسكنها شاعرةً باالمتنان لفُرصة الرَّاحة‪.‬‬
‫لكن ما إن خل َعت حذاءها حتى دخلَت چوسلين على استحيا ٍء لتقول إن كايبرن في الخارج ويلتمس المثول‬
‫أدخليه»‪ .‬ال ُح َّكام ال يعرفون الرَّاحة‪.‬‬ ‫أمامها‪ ،‬فقالت الملكة‪ِ « :‬‬
‫كايبرن عجوز‪ ،‬لكن ما زا َل الرَّماد يغلب الثَّلج في َشعره‪ ،‬وتجاعيد الضَّحك حول فمه تجعله يبدو ك َج ِّد فتا ٍة‬
‫ق بال براعة‪ .‬قال‬ ‫ث الملبس‪ .‬ياقة ردائه مهترئة‪ ،‬وأحد ُك َّميه تم َّزق و ُرتِ َ‬ ‫صغيرة المفضَّل‪ .‬وإن كان ج ًّدا َر َّ‬
‫ت »‪.‬‬ ‫ق في هروب ال ِعفريت كما أمر ِ‬ ‫كنت في ال َّزنازين أحقِّ ُ‬
‫ؤاخذيني لمجيئي‪ُ .‬‬ ‫جاللتك َّأال تُ ِ‬
‫ِ‬ ‫لها‪« :‬أرجو من‬
‫‪« -‬وإال َم توصَّلت؟»‪.‬‬
‫وأخوك اختفى رجل ثالث أيضًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ليلة اختفاء اللورد ڤارس‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬ال َّسجَّان‪ ،‬ماذا عنه؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫مسؤوال عن ال َّزنازين السَّوداء‪ .‬رئيس ال َّسجَّانين يصفه بأنه‬ ‫‪« -‬الرَّجل اسمه روجن‪ُ ،‬مشرف سجَّانين كان‬
‫رجل ممتلئ طليق اللِّحية وغليظ الكالم‪ .‬الملك القديم إيرس هو من كلَّفه بوظيفته‪ ،‬واعتا َد أن يروح ويجيء‬
‫بالذات مع شغور ال َّزنازين السَّوداء معظم الوقت في السَّنوات األخيرة‪ .‬يبدو أن باقي‬ ‫كما يحلو له‪َّ ،‬‬
‫أهل أو أصدقاء‪ ،‬ولم يعتد أن يشرب أو‬ ‫ال َّسجَّانين كانوا يخافونه‪ ،‬لكن ال أحد يعرف الكثير عنه‪ .‬كان بال ٍ‬
‫يتر َّدد إلى المواخير‪ .‬حُجيرة نومه رطبة موحشة‪ ،‬والقَشُّ الذي كان ينام عليه متعفِّن‪ ،‬ووعاء فضالته‬
‫طافح»‪.‬‬
‫صها رجال السير أدام م َّرةً أخرى‪.‬‬
‫فحص حُجيرة روجن‪ ،‬ثم فح َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أعرف ك َّل هذا»‪ .‬چايمي‬‫‪«-‬‬
‫قال كايبرن‪« :‬نعم يا جاللة الملكة‪ ،‬لكن هل تعرفين أن تحت وعاء الفضالت المق ِّزز هذا حجرًا مخلوعًا‬
‫ت ثمينة ال يُريد أن يكتشفها أحد»‪.‬‬ ‫يس ُّد تجويفًا صغيرًا؟ إنه من تلك األماكن التي يُ َخبِّئ فيها أحدهم مقتنيا ٍ‬
‫معلومة جديدة هذه‪« .‬مقتنيات ثمينة؟ أتعني المال؟»‪ .‬طيلة الوقت كانت ال ُّشكوك تُخالِجها في أن تيريون‬
‫اشترى هذا ال َّسجَّان بوسيل ٍة ما‪.‬‬
‫هرب‪ ،‬ولكن‬ ‫َ‬ ‫وجدت التَّجويف خاليًا‪ ،‬فال بُ َّد أن روجن أخ َذ ثروته الحرام معه حين‬‫ُ‬ ‫‪« -‬قطعًا‪ .‬صحي ٌح أني‬
‫بت في التُّراب حتى أخرجته»‪ ،‬وفت َح كايبرن يده‬ ‫رأيت شيئًا يلمع‪ ،‬فنقَّ ُ‬
‫ُ‬ ‫قرفصت فوق التَّجويف بمشعلي‬ ‫ُ‬ ‫بينما‬
‫مضيفًا‪« :‬إنها ُعملة ذهبيَّة»‪.‬‬
‫هو ذهب‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن لحظة أن التقطَت سرسي العُملة أدر َكت أنها ليست سليمةً‪ .‬صغيرة ورفيعة للغاية‪.‬‬
‫كانت قديمةً باليةً‪ ،‬على أحد وجهيها صورة جانبيَّة لملك‪ ،‬وعلى اآلخَر نقش ليد‪ .‬قالت‪« :‬هذا ليس تنِّينًا»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬نعم‪ .‬إنها تعود إلى ما قبل الغزوة يا جاللة الملكة‪ .‬الملك هو جارث الثَّاني عشر‪،‬‬ ‫أيَّدها كايبرن ً‬
‫واليد رمز آل جاردنر»‪.‬‬
‫سادة (هايجاردن)‪ .‬أغلقَت سرسي يدها على العُملة متسائلةً‪ :‬أيُّ خيان ٍة هذه؟ مايس تايرل كان أحد قُضاة‬
‫تيريون‪ ،‬ودعا إلى إعدامه على المأل‪ .‬أكانت مجرَّد حيلة؟ هل كان يتآ َمر مع ال ِعفريت طوال الوقت‬
‫ططان لموت أبي؟ مع وجود تايوين النستر في القبر يُصبِح اللورد تايرل االختيار التِّلقائي لليدويَّة‪،‬‬ ‫ويُ َخ ِّ‬
‫ي أحد»‪.‬‬‫ولو أن‪ ...‬قالت آمرةً‪« :‬لن تَذ ُكر شيئًا عن هذا أل ِّ‬
‫المرتزقة يتعلَّم أن يصون لسانه خشية َّأال‬
‫ِ‬ ‫صاحبة الجاللة‪َ .‬من يركب في صُحبة‬ ‫ِ‬ ‫لك أن تثقي بكتماني يا‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫ً‬
‫طويال»‪.‬‬ ‫يحتفظ به‬
‫قالت الملكة‪« :‬وفي صُحبتي أيضًا»‪ ،‬ووض َعت العُملة جانبًا مقرِّرةً أن تُفَ ِّكر في أمرها فيما بع ُد‪ ،‬ثم سألَت‪:‬‬
‫«ماذا عن المسألة األخرى؟»‪.‬‬
‫ت‪ .‬ال ُّس ُّم على حربة األُفعوان‬
‫أجاب كايبرن‪« :‬السير جريجور»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه متابعًا‪« :‬لقد فحصته كما أمر ِ‬ ‫َ‬
‫‪94‬‬
‫ُ‬
‫أراهن بحياتي على هذا»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫كان ُزعاف مانتيكور من الشرق‪،‬‬
‫‪« -‬پايسل ينفي هذا‪ .‬قال ألبي إن ُزعاف المانتيكور يَقتُل ما إن يَبلُغ القلب»‪.‬‬
‫الزعاف مخفَّف بوسيل ٍة ما ليُطيل احتضار الجبل»‪.‬‬ ‫‪« -‬صحيح‪ ،‬لكن هذا ُّ‬
‫‪« -‬مخفَّف؟ مخفَّف كيف؟ بما َّد ٍة أخرى؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما يكون األمر كما تقولين يا صاحبة الجاللة‪ ،‬ولو أن في معظم الحاالت ال تتسبَّب إضافة مواد‬
‫أخرى إلى السُّموم َّإال في ال َح ِّد من مفعولها‪ .‬قد يكون السَّبب‪...‬‬
‫لنقل إنه أقلُّ طبيعيَّةً‪ ،‬تعويذة على ما أعتق ُد»‪.‬‬
‫أهذا الرَّجل أحمق كبير كپايسل؟ «تقول لي إذن إن الجبل يموت بال ِّسحر األسود؟»‪.‬‬
‫صف‪ .‬كجهود پايسل لم تُث ِمر‬ ‫وبألم ال يو َ‬
‫ٍ‬ ‫متجاهال التَّه ُّكم في صوتها‪« :‬إنه يموت ُّ‬
‫بالزعاف‪ ،‬ولكن ببُط ٍء‬ ‫ً‬ ‫قال‬
‫جهودي لتخفيف األلم شيئًا‪ .‬أخشى أن السير جريجور تع َّود تنا ُول الخشخاش‪ُ .‬مرافقوه قالوا لي إنه مبتلى‬
‫بالصُّ داع العنيف‪ ،‬وكثيرًا يجرع حليب الخشخاش كما يجرع ال ِّرجال األصغر منه ال ِمزر‪ .‬أيًّا كان‪ ،‬لقد‬
‫والزعاف جع َل جانبه يتآ َكل صانعًا فجوةً بحجم‬ ‫ُّ‬ ‫اسو َّدت عروقه من رأسه إلى قدميه‪ ،‬وبوله مل َّوث بالقيح‪،‬‬
‫قبضتي‪ .‬وجود الرَّجل على قيد الحياة حتى اآلن أعجوبة في الحقيقة»‪.‬‬
‫وغبي للغاية أيضًا‪ ،‬أغبى من أن‬
‫ٌّ‬ ‫علَّقت الملكة بوج ٍه مقطَّب‪« :‬إنه حجمه‪ .‬جريجور رجل كبير للغاية‪،‬‬
‫يعرف متى يموت على ما يبدو»‪ ،‬ورف َعت كأسها لتمألها سينل مج َّددًا‪ ،‬وأردفَت‪« :‬صُراخه يُخيف تومن‪،‬‬
‫بل ويُوقِظني في اللَّيل أيضًا أحيانًا‪ .‬رأيي أن الوقت حانَ الستدعاء إلين پاين»‪.‬‬
‫جك صُراخه‬ ‫قال كايبرن‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬هل تأذنين لي في نقل السير جريجور إلى ال َّزنازين؟ لن ي ِ‬
‫ُزع ِ‬
‫هناك‪ ،‬وسأتم َّك ُن من العناية به بح ِّريَّ ٍة أكبر»‪.‬‬
‫ر َّدت ضاحكةً‪« :‬العناية به؟ دَع السير إلين يعتني به»‪.‬‬
‫جاللتك‪ ،‬لكن ذلك السُّم‪ ...‬سيكون من المفيد أن نعرف المزيد عنه‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬إذا كانت هذه رغبة‬
‫أرسلي فارسًا ليَقتُل فارسًا وراميًا ليَقتُل راميًا كما يقول العا َّمة‪ ،‬ولمواجهة الفنون السَّوداء‪ ،»...‬ولم يت َّم‬
‫ِ‬
‫كايبرن كالمه واكتفى باالبتسام لها‪.‬‬
‫واضح أنه ليس پايسل‪ .‬أمعنَت الملكة النَّظر إليه متسائلةً‪« :‬لماذا أخ َذت (القلعة) سلسلتك؟»‪.‬‬
‫كنت معالجًا ماه ًرا‬‫ُ‬ ‫‪« -‬رؤساء ال ِمايسترات كلُّهم جُبناء في قلوبهم‪ ،‬خراف رماديَّة كما يدعوهم ماروين‪.‬‬
‫طمحت إلى أن أتف َّوق عليه‪ .‬طيلة مئات السِّنين ورجال (القلعة) يفتحون جُثث الموتى‬ ‫ُ‬ ‫كإيبروز‪ ،‬لكني‬
‫ففتحت أجساد األحياء‪ ،‬ولهذه الجريمة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أردت أنا أن أدرس طبيعة الموت‬ ‫ليدرسوا طبيعة الحياة‪ ،‬في حين‬
‫وص َمتني الخراف الرَّماديَّة بالعار ودف َعتني إلى المنفى‪ ...‬لكني أفه ُم طبيعة الحياة والموت أفضل من أيِّ‬
‫رجل في (البلدة القديمة)»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أثا َر قوله اهتمامها‪ ،‬فقالت له‪« :‬حقًّا؟ ليكن إذن‪ ،‬الجبل لك‪ ،‬افعل به ما تُريد‪ ،‬لكن احصُر دراساتك في‬
‫ك أن األمير‬ ‫نطاق ال َّزنازين السَّوداء‪ ،‬ول َّما يموت اجلب لي رأسه‪ ،‬فقد وع َد أبي بتسليمه ل(دورن)‪ .‬ال َش َّ‬
‫دوران يُؤثِر أن يَقتُل جريجور بنفسه‪ ،‬لكن علينا جميعًا أن نُعاني خيبة األمل في هذه الحياة»‪.‬‬
‫قال كايبرن‪« :‬عظيم يا جاللة الملكة»‪ ،‬ثم تنحن َح قبل أن يُضيف‪« :‬لكنني أفتق ُر إلى اإلمكانات المتوفِّرة‬
‫لپايسل‪ ،‬ويجب أن أجهِّز نفسي ب‪.»...‬‬
‫اشتر لنفسك ثيابًا جديدةً أيضًا‪ .‬إنك تبدو كأنك‬ ‫ِ‬ ‫ب يكفي احتياجاتك‪.‬‬ ‫ف اللورد جايلز بتزويدك بذه ٍ‬ ‫‪« -‬سأكلِّ ُ‬
‫ي مدى تستطيع الثِّقة به‪،‬‬ ‫صعدت من (جُحر البراغيث)»‪ ،‬وتمعَّنت الملكة في عينيه متسائلةً إلى أ ِّ‬
‫داع ألن أقول إن خيرًا لن يَح ُدث لك على اإلطالق إذا تسرَّبت كلمة واحدة عن‪...‬‬ ‫وأضافَت‪« :‬هل من ٍ‬
‫عملك‪ ...‬إلى خارج هذه الجُدران؟»‪.‬‬
‫أسرارك آمنة معي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من َحها كايبرن ابتسامةً مطمئِنةً‪ ،‬وقال‪« :‬ال يا جاللة الملكة‪.‬‬
‫بَعد رحيله صبَّت سرسي لنفسها كأسًا من النَّبيذ القوي‪ ،‬وشربَتها عند النَّافذة وهي تُشا ِهد الظِّالل تستطيل‬
‫في السَّاحة وتُفَ ِّكر في العُملة‪ .‬ذهب من (المرعى)‪ .‬لماذا يملك ُمشرف سجَّانين في (كينجز الندنج) ذهبًا من‬
‫تستطع أن تتخيَّل وجه اللورد‬ ‫ِ‬ ‫(المرعى) ما لم يكن قد نُقِ َد إياه لمساعَدته في موت أبي؟ مهما حاولَت لم‬
‫تايوين دون أن ترى تلك االبتسامة الصَّغيرة السَّخيفة وتتذ َّكر الرَّائحة النَّتنة المنبعثة من جثَّته‪ ،‬وتساءلَت‬
‫إن كان تيريون وراء هذا أيضًا‪ .‬حيلة حقيرة قاسية ِمثله‪ .‬هل جع َل تيريون پايسل أجيره؟ لقد أرس َل العجوز‬
‫مسؤوال عنها‪ .‬الخيوط ك ُّلها متشابكة بطريق ٍة ال‬
‫ً‬ ‫إلى ال َّزنازين السَّوداء‪ ،‬ال َّزنازين نفسها التي كان روجن‬
‫عجبها‪ .‬تذ َّكرت سرسي فجأةً أن السِّپتون األعلى من مخلوقات تيريون أيضًا‪ .‬وجُثمان أبي المسكين كان‬ ‫تُ ِ‬
‫في عنايته من اللَّيل إلى الفَجر‪.‬‬
‫وص َل ع ُّمها بال إبطا ٍء عند الغروب‪ ،‬يرتدي سُترةً ضيِّقةً مبطَّنةً‪ ،‬صوفها فاحم مرب ٌّد كوجهه‪ .‬كك ِّل بني‬
‫النستر للسير كيڤان بشرة شاحبة و َشعر أشقر‪ ،‬وإن كان قد فق َد أكثره مع بلوغه الخامسة والخمسين‪ ،‬لكن‬
‫ما من أح ٍد يُمكن أن يصفه بالوسامة‪ ،‬بخصره المكتنز وكتفيه المستديرتين وذقنه المربَّع البارز الذي لم‬
‫لمشذبة في مواراته‪ .‬إنه يُ َذ ِّكرها بكلب ِدرواس عجوز‪ ...‬لكن ِدرواسًا عجو ًزا مخلصًا‬ ‫تُفلِح لحيته الصَّفراء ا َّ‬
‫هو ما تتطلَّبه تحديدًا‪.‬‬
‫تنا َوال عَشا ًء بسيطًا من ال َّشمندر وال ُخبز ولحم البقر ال َّدامي مع النَّبيذ الدورني األحمر‪ ،‬ولم يتكلَّم السير‬
‫يتجاوز حُزنه‪ .‬وهذا ما قالته‬
‫َ‬ ‫بعمل كي‬
‫ٍ‬ ‫كيڤان َّإال ً‬
‫قليال وبالكاد َمسَّ كأسه‪ .‬إنه واجم للغاية‪ .‬ال بُ َّد من تكليفه‬
‫ي أن أفعل‬ ‫أعرف كم كان أبي يعتمد عليك يا ع َّماه‪ ،‬واآلن عل َّ‬ ‫ُ‬ ‫له بَعدما ُرفِ َعت أطباق الطَّعام وغاد َر الخدم‪« .‬‬
‫ِمثله»‪.‬‬
‫رفض»‪.‬‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬تحتاجين إلى يد‪ ،‬وچايمي‬
‫ُ‬
‫وكنت أجه ُل ما أقوله‪ .‬چايمي‬ ‫ت أبي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫شعرت بالضَّياع مع مو ِ‬ ‫يتكلَّم بال موا َربة‪ ،‬ليكن‪« .‬چايمي‪ ...‬لقد‬
‫رجل متمرِّ س أكثر‪ ،‬شخص أكبر‪.»...‬‬
‫ٍ‬ ‫ُشجاع‪ ،‬لكنه أحمق نوعًا‪ ،‬لنكن صُرحاء‪ .‬تومن محتاج إلى‬
‫‪« -‬مايس تايرل أكبر»‪.‬‬
‫عر عن جبهتها مضيفةً‪« :‬آل تايرل‬
‫وأزاحت ُخصلة َش ٍ‬
‫َ‬ ‫اتَّسعت طاقتا أنفها غضبًا‪ ،‬وقالت‪« :‬مستحيل»‪،‬‬
‫ُّ‬
‫يتخطون حدودهم»‪.‬‬
‫ت مايس تايرل يدًا‪ ،‬لكن حمقاء أكبر إذا جعلتِه عد َّو ِك‪ .‬لقد‬
‫قال السير كيڤان‪« :‬ستكونين حمقاء إذا جعل ِ‬
‫قيل في (بهو القناديل)‪ .‬كان حريًّا بمايس أن يكون أعقل من أن يفتح تلك المسائل علنًا‪ ،‬وعلى‬ ‫ُ‬
‫سمعت ما َ‬
‫الرغم من هذا لم تكوني حكيمةً حين أهنتِه أمام نِصف البالط»‪.‬‬
‫ر َّدت وقد ضايقَها تأنيبه‪« :‬أفضل من أن نسمح لتايرل آخَر بدخول المجلس‪ .‬روزبي سيكون أمين نق ٍد‬
‫مالئ ًما‪ .‬أنت رأيت هودجه بزخارفه وستائره الحرير‪ .‬خيوله كسوتها أفضل من ثياب معظم الفُرسان‪ .‬رجل‬
‫بهذا الثَّراء لن يجد مشكلةً في العثور على َّ‬
‫الذهب‪ .‬وبالنِّسبة إلى اليدويَّة‪ ...‬ف َمن أفضل إلتمام عمل أبي من‬
‫األخ الذي شار َكه ُخططه كلَّها؟»‪.‬‬
‫والدتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كنت أنا هذا ال َّشخص عند تايوين‪ ،‬ومن قبلي السيِّدة‬
‫رجل يحتاج إلى أح ٍد يثق به‪ُ .‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬كلُّ‬
‫ُ‬
‫أعرف أنهما معًا اآلن»‪.‬‬ ‫قالت سرسي رافضةً التَّفكير في العاهرة الميتة في فِراشه‪« :‬لقد أحبَّها للغاية‪.‬‬
‫إنك تسألينني الكثير يا‬
‫طويال قبل أن يُجيب‪ِ « :‬‬ ‫ً‬ ‫قال السير كيڤان‪« :‬هذا ما أتمنَّاه»‪ ،‬وتفحَّص وجهها‬
‫سرسي»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس أكثر مما كان أبي يسألك»‪.‬‬
‫ط ع ُّمها كأسه وأخ َذ رشفةً‪ ،‬ثم قال‪« :‬أنا مت َعب‪ .‬إن لي زوجةً لم أ َرها منذ عامين‪ ،‬وابنًا ميتًا أري ُد أن‬ ‫التق َ‬
‫أرثي له‪ ،‬وابنًا آخَر على وشك ال َّزواج وتولِّي اللورديَّة‪ .‬ال بُ َّد من تحصين (قلعة داري) من جديد‪ ،‬وحماية‬
‫أراضيها وحرث وزراعة حقولها المحروقة‪ .‬النسل محتاج إلى عوني»‪.‬‬
‫ع االستحياء مع أبي‬ ‫لم تكن سرسي تتوقَّع أن يتطلَّب كيڤان تم ُّلقًا‪ ،‬لكنها قالت‪« :‬وتومن أيضًا»‪ .‬إنه لم ي َّد ِ‬
‫ط‪« .‬البالد تحتاج إليك»‪.‬‬‫قَ ُّ‬
‫غمغ َم‪« :‬البالد‪ ،‬أجل‪ ،‬وعائلة النستر»‪ ،‬وأخ َذ رشفةً أخرى من نبيذه‪ ،‬ثم قال‪« :‬ليكن‪ .‬سأبقى وأخد ُم‬
‫باعتباري اليد‪ ،»...‬فبدأت تقول‪« :‬عظيم‪ ،»...‬لكن السير كيڤان رف َع صوته وداه َمها متابعًا‪ ...« :‬بشرط أن‬
‫نفسك وتعودي إلى (كاسترلي روك)»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تُ َس ِّميني وصيًّا على العرش باإلضافة إلى اليدويَّة وتأخذي‬
‫تقو سرسي َّإال على الحملقة إليه‪ ،‬قبل أن تقول مذ ِّكرةً‪« :‬أنا الوصيَّة على العرش»‪.‬‬ ‫للحظ ٍة لم َ‬
‫إلعادتك إلى (الصَّخرة) وإيجاد‬ ‫ِ‬ ‫ينتو أن تستم ِّري في هذا ال َّدور‪ ،‬وأخب َرني ب ُخططه‬
‫ت‪ .‬تايوين لم ِ‬ ‫‪« -‬كن ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫زوج جديد ِ‬ ‫ٍ‬
‫وقلت له إنني ال أري ُد ال َّزواج‬
‫ُ‬ ‫أحسَّت سرسي بغضبها يتصاعَد في أعماقها وهي تقول‪« :‬تكلَّم عن هذا‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫ثانيةً»‪.‬‬
‫رك‪ ،‬لكن بالنِّسبة إلى المسألة‬ ‫ت عازمةً على عدم ال َّزواج ثانيةً فلن أجبِ ِ‬ ‫َر َّد ع ُّمها بال تأ ُّثر‪« :‬إذا كن ِ‬
‫ومكانك هناك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت سيِّدة (كاسترلي روك) اآلن‪،‬‬
‫األخرى‪ ...‬أن ِ‬
‫أرادَت أن تَصرُخ‪ :‬كيف تجرؤ؟ لكنها ً‬
‫بدال من هذا قالت‪« :‬أنا الملكة الوصيَّة على العرش أيضًا‪ ،‬ومكاني‬
‫مع ابني»‪.‬‬
‫أبوك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ليس هذا ما ارتآه‬
‫‪« -‬أبي ماتَ »‪.‬‬
‫حولك يا سرسي‪ .‬المملكة خراب‪ .‬كان يُمكن‬ ‫ِ‬ ‫عينيك وانظُري‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ويا لحُزني‪ ،‬ووي ٌل للبالد كلِّها‪ .‬افتحي‬
‫ص ِّحح األوضاع‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬ ‫لتايوين أن يُ َ‬
‫صا َحت سرسي‪« :‬سأص ِّح ُح أنا األوضاع!»‪ ،‬ثم خفَّفت نبرتها مردفةً‪« :‬بمساعَدتك يا ع ِّمي‪ .‬إذا خدمتني‬
‫بإخالصك نفسه ألبي‪.»...‬‬
‫أباك‪ ،‬ولطالما َع َّد تايوين چايمي وريثه ال َّشرعي»‪.‬‬
‫ت ِ‬ ‫ت لس ِ‬‫‪« -‬أن ِ‬
‫شخص وك ِّل شيء ويقول ما ُّ‬
‫يعن‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬چايمي‪ ...‬چايمي حلفَ يمينًا‪ .‬چايمي ال يُفَ ِّكر أبدًا‪ ،‬بل يسخر من ك ِّل‬
‫له أيًّا كان‪ .‬چايمي أحمق وسيم»‪.‬‬
‫يجعلك هذا يا سرسي؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اختيارك األول ليد الملك‪ ،‬فماذا‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ومع ذلك كان‬
‫قلت لك إن الحُزن أسق َمني ولم أف ِّكر‪.»...‬‬
‫‪ُ «-‬‬
‫بك أن ترجعي إلى (كاسترلي روك) وتَترُكي الملك مع من يُفَ ِّكرون»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬ولهذا السَّبب يَج ُدر ِ‬
‫ضت سرسي زاعقةً‪« :‬الملك ابني!»‪.‬‬ ‫نه َ‬
‫ت ال تَصلُحين لألمومة ِمثلما ال تَصلُحين للحُكم»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رأيت من چوفري فأن ِ‬ ‫قال ع ُّمها‪« :‬أجل‪ ،‬وم َّما‬
‫وألقَت سرسي محتويات كأسها في وجهه مباشرةً‪.‬‬
‫َّ‬
‫المشذبة‪ ،‬وقال‪« :‬هل‬ ‫متثاقال والنَّبيذ يسيل على وجنتيه ويَقطُر من لحيته‬
‫ً‬ ‫نهض السير كيڤان‬‫َ‬ ‫وبكرام ٍة‬
‫تسمحين لي باالنصراف؟»‪.‬‬
‫ي ال ُّشروط؟ إنك لست أكثر من واح ٍد من فُرسان أبي»‪.‬‬‫ق تتجرَّأ وتُملي عل َّ‬
‫ي َح ٍّ‬ ‫‪« -‬بأ ِّ‬
‫دخل معيَّنةً وصناديق من المال أحتفظُ بها جانبًا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لست أملك أراض َي‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكن عندي مصادر‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫ينس أحدًا من أوالده حين ماتَ ‪ ،‬وتايوين كان يعرف كيف يُكافئ الخدمة الوفيَّة‪ .‬إنني أطع ُم مئتَي‬
‫أبي لم َ‬
‫س وأستطي ُع مضاعَفة هذا العدد إذا دعَت الحاجة‪ ،‬وث َّمة ُمحاربون غير نظاميِّين سيتبعون رايتي‪ ،‬كما‬ ‫فار ٍ‬
‫المرتزقة‪ .‬من الحكمة َّأال تستخفِّي بي يا جاللة الملكة‪ ...‬وأكثر حكمةً َّأال‬
‫ِ‬ ‫الذهب الستئجار‬‫ك َّ‬‫أني أمل ُ‬
‫تصنعي مني خص ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬هل تُهَدِّدني؟»‪.‬‬
‫ت ال تُريدين التَّنا ُزل عن الوصاية لي فعيِّنيني أمينًا للقلعة في (كاسترلي روك)‬ ‫أنصحك‪ .‬إذا كن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬إنني‬
‫واجعلي ماثيس روان أو راندل تارلي يدًا للملك»‪.‬‬
‫أخر َسها االقتراح‪ .‬كالهما من ح َملة راية تايرل‪ .‬هل اشتروه؟ هل أخ َذ ذهب تايرل ليخون عائلة النستر؟‬
‫واص َل ع ُّمها الغافل عن خواطرها‪« :‬ماثيس روان متعقِّل وحكيم ومحبوب‪ ،‬وراندل تارلي أبرع جُندي في‬
‫البالد‪ .‬إنه يد غير مناسب لزمن ال َّسالم‪ ،‬لكن مع موت تايوين فال رجل أفضل منه إلنهاء الحرب‪ .‬لن يَشعُر‬
‫ت أحد ح َملة رايته يدًا‪ .‬تارلي وروان كالهما رجل قدير‪ ...‬ومخلص‪ ،‬فعيِّني‬ ‫اللورد تايرل باإلهانة إذا اختر ِ‬
‫رك مايس‬ ‫نفسك وتُض ِعفين (هايجاردن)‪ ،‬ومع ذلك سيَش ُك ِ‬‫ِ‬ ‫رجلك‪ ،‬وبهذا تُقَ ِّوين‬
‫ِ‬ ‫أحد االثنين وستجعلينه‬
‫ُمكنك أن تجعلي فتى القمر يدًا ولن أبالي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غالبًا»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه مضيفًا‪« :‬هذه نصيحتي‪ُ ،‬خذيها أو ارفُضيها‪ .‬ي‬
‫لقد ماتَ أخي يا امرأة‪ ،‬وسآخذه إلى الوطن»‪.‬‬
‫خائن‪ ،‬مارق‪ .‬تساءلَت كم دف َع له مايس تايرل‪« .‬تُريد أن تتخلَّى عن مليكك وهو في أمسِّ الحاجة إليك‪،‬‬
‫تُريد أن تتخلَّى عن تومن»‪.‬‬
‫قال السير كيڤان‪« :‬تومن معه أ ُّمه»‪ ،‬والقَت عيناه الخضراوان عينيها دون أن تطرفا‪ ،‬وارتجفَت قطرة‬
‫أخيرة من النَّبيذ تحت ذقنه ثم سقطَت أخيرًا‪ ،‬وأتب َع هو بَعد بُرهة صمت‪« :‬أجل‪ ،‬وأبوه أيضًا على ما‬
‫أعتق ُد»‪.‬‬
‫چايمي‬
‫وقفَ السير چايمي النستر مرتديًا أبيض على أبيض إلى جوار النَّعش الذي يحمل جُثمان أبيه‪ ،‬وقد أغل َ‬
‫ق‬
‫سيف عظيم من َّ‬
‫الذهب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أصابعه الخمسة على مقبض‬
‫مع حلول الغسق اتَّشح ( ِسپت بيلور الكبير) من ال َّداخل بالعتمة والغموض‪ ،‬وتسرَّبت خيوط النَّهار األخيرة‬
‫من النَّوافذ العالية مضفيةً قتامةً حمراء على تماثيل اآللهة السَّبعة الذين تُو ِمض ال ُّشموع المعطَّرة حول‬
‫ظالل الكثيفة في األجنحة وزحفَت بصم ٍ‬
‫ت على األرضيَّة الرُّ خام‪ ،‬وخفتَت أصداء‬ ‫مذابحهم‪ ،‬فيما احتشدَت ال ِّ‬
‫آخر المع ِّزين‪.‬‬‫أناشيد المساء برحيل ِ‬
‫مكث بالون سوان ولوراس تايرل بَعد رحيل اآلخَرين‪ ،‬وقال السير بالون‪« :‬ال أحد يستطيع أن يقف ساهرًا‬ ‫َ‬
‫آخر م َّر ٍة يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫ليال‪ .‬متى نِمت ِ‬ ‫سبعة أيام وسبع ٍ‬
‫أجاب چايمي‪« :‬عندما كان السيِّد والدي حيًّا»‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال السير لوراس مقترحًا‪« :‬اسمح لي بالوقوف اللَّيلة ً‬
‫بدال منك»‪.‬‬
‫ق تيريون سهم النُّ َّشابيَّة الذي أزه َ‬
‫ق روحه‪ ،‬لكني‬ ‫‪« -‬لم يكن أباك أنت»‪ .‬ولم تَقتُله‪ ،‬أنا قتلته‪ .‬ربما أطل َ‬
‫ُ‬
‫أطلقت تيريون‪« .‬اترُكاني»‪.‬‬
‫قال سوان‪« :‬كما يأمر سيِّدي»‪.‬‬
‫ال َح على السير لوراس أنه يُريد أن يُجا ِدل أكثر‪ ،‬لكن السير بالون أخ َذه من ذراعه وسحبَه مبتعدًا‪،‬‬
‫وأصغى چايمي إلى أصداء ُخطواتهما تخفت بدورها‪ .‬هكذا عا َد بمفرده مع السيِّد والده‪ ،‬وسط ال ُّشموع‬
‫والبلَّورات ورائحة الموت العطرة المغثية‪ .‬كان ظَهره يُؤلِمه بسبب وزن ِدرعه‪ ،‬وساقاه ِشبه خ ِدرتيْن‪،‬‬
‫الذهبي‪ .‬إنه ال يستطيع المبا َرزة‬ ‫فع َّدل وقفته بعض ال َّشيء وأحك َم إغالق أصابعه على مقبض السَّيف َّ‬
‫ُمسكه‪ .‬أحسَّ بيده المفقودة تنبض‪ ،‬وهو ما يكاد يكون طريفًا‪ ،‬ففي الطَّرف الذي‬ ‫بسيف‪ ،‬لكنه يستطيع أن ي ِ‬
‫فقدَه إحساس أكثر من سائر الجسد الذي تبقَّى له‪.‬‬
‫أوال أن أجد الصَّخرة التي اختبأ َ‬ ‫ي ً‬ ‫يدي تشتهي السَّيف‪ .‬أحتا ُج إلى أن أقتل أحدًا‪ ،‬ڤارس كبداية‪ ،‬لكن عل َّ‬
‫ي بأن يأخذه إلى سفينة‪ ،‬ال إلى ُغرفة نومك‪ .‬يداه مل َّوثتان بالدِّماء تما ًما‬ ‫ُ‬
‫أمرت الخص َّ‬ ‫تحتها‪ .‬قال للجُثمان‪« :‬‬
‫ك‪ ...‬كيدَي تيريون»‪ .‬كان يقصد أن يقول‪ :‬يداه مل َّوثتان بالدِّماء تما ًما كيدَي‪ ،‬لكن الكلمات احتب َست في‬
‫َحلقه‪ .‬أيًّا كان ما فعلَه ڤارس فأنا من جعلَه يفعله‪.‬‬
‫ليلتها انتظ َر في مسكن الخص ِّي‪ ،‬حين قرَّر أخيرًا َّأال يدع أخاه الصَّغير يموت‪ ،‬وبينما انتظ َر راح يشحذ‬
‫ويحتك‪ .‬عندما سم َع‬‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ويحتك‬ ‫ُّ‬
‫يحتك بالحجر‬ ‫خنجره بي ٍد واحدة‪ ،‬مستم ًّدا سُلوانًا غريبًا من صوت الفوالذ إذ‬
‫ودخل ڤارس وعلى وجهه المساحيق ومنه يفوح عبير ال ُخزامى‪ ،‬فخطا‬ ‫َ‬ ‫ال ُخطوات وقفَ إلى جوار الباب‪،‬‬
‫چايمي وراءه وركلَه في باطن رُكبته‪ ،‬ثم جث َم فوق صدره ودف َع الخنجر تحت ذقنه األبيض النَّاعم رافعًا‬
‫أهال يا لورد ڤارس‪ ،‬عجيب أن ألتقيك هنا»‪.‬‬ ‫رأسه‪ ،‬وقال له بأسارير منبسطة‪ً « :‬‬
‫قال ڤارس الهثًا‪« :‬السير چايمي؟ أخفتَني»‪.‬‬
‫كنت أف ِّك ُر في أن‬
‫‪« -‬هذا ما قصدته»‪ ،‬ود َّور چايمي الخنجر لتسيل قطرة من ال َّدم على نصله‪ ،‬وأردفَ ‪ُ « :‬‬
‫ك‪ ،‬لكنه ال يملك‬ ‫تُسا ِعدني على انتزاع أخي من زنزانته قبل أن يقطع السير إلين رأسه‪ .‬إنه رأس قبيح ال َش َّ‬
‫غيره»‪.‬‬
‫الخصي‪« :‬نعم‪ ...‬حسن‪ ...‬إذا سمحت بأن‪ ...‬ترفع الخنجر‪ ...‬نعم‪ ،‬برفق بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬برفق‪ ،‬أوه‪ ،‬لقد‬ ‫ُّ‬ ‫َر َّد‬
‫ُ‬
‫بغضت منظر دمائي»‪.‬‬ ‫وخزَني‪ ،»...‬و َمسَّ ُعنقه وح َّدق إلى ال َّدم على أصابعه ً‬
‫قائال «لطالما‬
‫ق المزيد لتبغضه ً‬
‫حاال ما لم تُسا ِعدني»‪.‬‬ ‫‪« -‬سأري ُ‬
‫تفسير من زنزانته ستُثار أ‪-‬‬
‫ٍ‬ ‫اعتد َل ڤارس جالسًا بصعوب ٍة وهو يقول‪« :‬أخوك‪ ...‬إذا اختفى ال ِعفريت بال‬
‫أسئلة‪ ،‬وسأ‪-‬أخشى على حياتي‪.»...‬‬
‫ً‬
‫طويال‪ ،‬أعدك بهذا»‪.‬‬ ‫‪« -‬حياتك ملكي‪ .‬ال أبالي باألسرار التي تعرفها‪ .‬إذا ماتَ تيريون فلن تبقى حيًّا بَعده‬
‫الخصي ال َّدم من على أصابعه‪ ،‬وقال‪« :‬إنك تَطلُب شيئًا فظيعًا‪ ...‬أن تُطلِق سراح ال ِعفريت الذي َ‬
‫قتل‬ ‫ُّ‬ ‫امتصَّ‬
‫ملكنا المحبوب‪ .‬أم أنك تعتقد أنه بريء؟»‪.‬‬
‫وبك ِّل حماق ٍة قال چايمي‪« :‬بريء أو مذنب‪ ،‬الالنستر يُ َسدِّد ديونه»‪ .‬يا للسُّهولة التي أتَته بها الكلمات‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين لم ينَم‪ ،‬واآلن يُمكنه أن يرى أخاه‪ ،‬والطَّريقة التي ابتس َم بها القزم تحت َجدعة أنفه وضوء‬
‫ت مثقل بال ِغل‪« :‬يا لك من ُمعاق مسكين أعمى أحمق! سرسي‬ ‫المشعل يلعق وجهه‪ ،‬وكيف زمج َر بصو ٍ‬
‫كذابة‪ ،‬كانت تُ ِ‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪ .‬وأنا الوحش الذي يقولون‪.‬‬ ‫عاهرة َّ‬
‫ُ‬
‫قتلت ابنك الكريه»‪.‬‬ ‫نعم‪،‬‬
‫ُ‬
‫وألصبحت أنا ال هو قاتِل األقربين‪.‬‬ ‫لم يقل إنه ينوي أن يَقتُل أبانا‪ .‬لو قالها لمنعته‪،‬‬
‫ولي الهامسين إلى مسكنه بالطَّبع‪ ،‬ولم يُسفِر عنه تفتيش (القلعة‬
‫يتسا َءل چايمي أين اختبأ َ ڤارس‪ .‬لم يَرجع ُّ‬
‫الخصي السَّفينة نفسها مع تيريون ً‬
‫بدال من البقاء لإلجابة عن األسئلة المربِكة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الحمراء)‪ ،‬فربما إذن استق َّل‬
‫الذهبي في قمرة‬‫إذا كان هذا صحيحًا فاالثنان في عرض البحر اآلن‪ ،‬يتقا َسمان إبريقًا من نبيذ (الكرمة) َّ‬
‫قادس‪.‬‬
‫ك جثَّته تتعفَّن تحت القلعة‪ .‬قد تمرُّ سنوات كاملة هناك باألسفل قبل‬‫ما لم يكن أخي قد قت َل ڤارس أيضًا وتر َ‬
‫أن يَعثُر أحد على عظامه‪ .‬لقد قا َد چايمي دستةً من ال َحرس إلى أسفل بالمشاعل والحبال والمصابيح‪،‬‬
‫ب خفيَّة وساللم س ِّريَّة وآبار‬ ‫ت ملتوية وسراديب ضيِّقة وأبوا ٍ‬ ‫ت تل َّمسوا طريقهم عبر ممرَّا ٍ‬ ‫وطوال ساعا ٍ‬
‫قيعانها غارقة في الظَّالم ال َّدامس‪ .‬قلَّما شع َر چايمي بك ِّل هذا العجز‪ .‬المرء يع ُّد أشياء كثيرةً من المسلَّمات‬
‫سهال عليه‪ ،‬فال أحد يتكلَّم عن‬ ‫ً‬ ‫حين يملك كلتا يديه‪ ،‬كالسَّاللم على سبيل المثال‪ .‬حتى ال َّزحف لم يكن‬
‫ً‬
‫مشعال على السَّاللم كاآلخَرين‪.‬‬ ‫ال َّزحف «على يديه ورُكبتيه» عبثًا‪ ،‬وال استطا َع كذلك أن يحمل‬
‫وكلُّ هذا سُدى‪ ،‬فلم يجدوا َّإال الظَّالم والتُّراب والجرذان‪ .‬والتَّنانين أيضًا‪ ،‬تنانين كامنة باألسفل‪ .‬تذ َّكر وهج‬
‫الفحم البُرتقالي الكئيب في فم التنِّين الحديدي الذي يتَّخذ شكله مستوقَد يُدفئ هواء حُجر ٍة في قرار ٍ‬
‫بئر تلتقي‬
‫فيه دستة من األنفاق‪ .‬على األرض رأى رس ًما باليًا من الفُسيفساء الحمراء والسَّوداء لتنِّين عائلة تارجاريَن‬
‫كنت هنا طيلة الوقت أنتظ ُر أن‬ ‫ذي الثَّالثة رؤوس‪ ،‬وبدا كأن الوحش يقول له‪ :‬إنني أعرفك يا قاتِل الملك‪ُ ،‬‬
‫تأتيني‪ ،‬و ُخيِّ َل لچايمي أنه يعرف الصَّوت‪ ،‬النَّبرة الحديديَّة التي كانت سمة ريجار أمير (دراجونستون)‪.‬‬
‫ي الرِّيح يوم و َّدع ريجار في ساحة (القلعة الحمراء)‪ ،‬وقد ارتدى األمير ِدرعه السَّوداء‬ ‫كان نها ًرا قو َّ‬
‫كاللَّيل‪ ،‬وازدانَ صدره بالياقوت على شكل التنِّين ذي الرُّ ؤوس الثَّالثة‪ .‬ساعتها قال چايمي متوس ًِّال‪« :‬يا‬
‫سم َّو األمير‪ ،‬دَع داري يبقى لحراسة الملك هذه المرَّة‪ ،‬أو السير باريستان‪ .‬إن معطفيهما أبيضان‬
‫كمعطفي»‪.‬‬
‫هَ َّز األمير ريجار رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬والدي الملك يخشى أباك أكثر مما يخشى ابن عمومتنا روبرت‪ .‬إنه‬
‫يُريدك على مقرب ٍة منه كي ال يستطيع اللورد تايوين أن يُؤذيه‪ ،‬وال أجر ُؤ على أن أسلبه تلك الدِّعامة التي‬
‫يستند إليها في ساع ٍة كهذه»‪.‬‬
‫لست ِدعامةً‪ ،‬إنني فارس في ال َحرس الملكي»‪.‬‬‫ُ‬ ‫ارتف َع سُخط چايمي حتى بل َغ حُلقومه وهو يقول‪« :‬أنا‬
‫َر َّد عليه السير چون داري بح َّدة‪« :‬احرُس الملك إذن‪ .‬حين ارتديت هذا المعطف أقسمت على الطَّاعة»‪.‬‬
‫ووض َع ريجار يده على كتف چايمي ً‬
‫قائال‪« :‬أنوي بَعد أن تنتهي هذه المعركة أن أعقد مجلسًا‪ .‬ستَح ُدث‬
‫أردت أن أفعل هذا منذ فتر ٍة طويلة‪ ،‬ولكن‪ ...‬ال داعي للكالم عن ُّ‬
‫الطرق التي لم نَسلُكها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تغييرات‪ .‬لقد‬
‫سنتح َّدث حين أرج ُع»‪.‬‬
‫ت قالها له ريجار تارجاريَن على اإلطالق‪ .‬خارج األسوار احتش َد جيش‪ ،‬وفي األثناء‬ ‫آخر كلما ٍ‬ ‫كانت تلك ِ‬
‫وركب‬
‫َ‬ ‫نفسها زحفَ جيش آخَر إلى (الثَّالوث)‪ ،‬وهكذا اعتم َر أمير (دراجونستون) خوذته السَّوداء الطَّويلة‬
‫إلى نهايته‪.‬‬
‫ك‪ .‬حين انتهَت المعركة حدثَت تغييرات‪ .‬قال لجثَّة أبيه‪« :‬إيرس ظَ َّن أن أ ًذى لن‬ ‫ق أكثر مما أدر َ‬ ‫كان على َح ٍّ‬
‫يمسَّه إذا أبقاني قريبًا منه‪ ،‬أليس هذا طريفًا؟»‪ .‬بدا أن هذا رأي اللورد تايوين أيضًا‪ ،‬إذ كانت ابتسامته‬
‫متَّسعةً اآلن عن ذي قبل‪ .‬كأنه مستمتع بكونه ميتًا‪.‬‬
‫ط‪ .‬قال‬ ‫الغريب أنه ال يَشعُر بالحُزن‪ .‬أين دموعي؟ أين غضبي؟ چايمي النستر لم يفتقر إلى طاقة الغضب قَ ُّ‬
‫عف في الرَّجل‪ ،‬فال تتوقَّع مني أن أبكيك»‪.‬‬ ‫ض ٍ‬ ‫للجثَّة‪« :‬أنت الذي قلت لي إن ال ُّدموع داللة على َ‬
‫الظهر‪،‬‬‫ألف لورد وليدي أتوا في الصَّباح ليصط ُّفوا في الطَّابور المار بالنَّعش‪ ،‬ثم ع َّدة آالف من العا َّمة بَعد ُّ‬
‫ارتاب في أن كثيرين منهم مبتهجون في سريرتهم لمرأى‬ ‫َ‬ ‫ثيابهم داكنة ووجوههم خاشعة‪َّ ،‬إال أن چايمي‬
‫سقوط الرَّجل العظيم‪ .‬حتى في الغرب كان اللورد تايوين محتر ًما أكثر من محبوب‪ ،‬و(كينجز الندنج) لم‬
‫تزل تَذ ُكر يوم النَّهب‪.‬‬
‫من بين جميع المع ِّزين بدا ال ِمايستر األكبر پايسل األكثر اضطرابًا‪ ،‬وبَعد ال َّشعائر قال لچايمي وهو يتش َّمم‬
‫رجل عرفته على اإلطالق‪ .‬لم‬ ‫ٍ‬ ‫خدمت ستَّة ملوك‪ ،‬لكن ها هنا أمامنا يَرقُد أعظم‬ ‫ُ‬ ‫حول الجثَّة بريبة‪« :‬لقد‬
‫يكن اللورد تايوين يعتمر تا ًجا‪ ،‬لكنه تحلَّى بك ِّل ما يجب أن يكونه الملك»‪.‬‬
‫دون لحيته ال يبدو پايسل مسنًّا فحسب بل وواهن أيضًا‪ .‬حالقة لحيته كانت أقسى ما يُمكن أن يفعله تيريون‬
‫فعال‪،‬‬‫به‪ .‬يعلم چايمي معنى أن تفقد جز ًءا منك‪ ،‬الجزء الذي يجعلك أنت‪ ،‬ولقد كانت لحية پايسل رائعةً ً‬
‫الحمالن‪ ،‬نبتةً فاخرةً غطَّت وجنتيه وذقنه وانسدلَت طويلةً حتى دانَت‬ ‫بيضاء كالثَّلج وناعمةً كصوف ِ‬
‫حزامه‪ ،‬وقد اعتا َد ال ِمايستر األكبر أن يُ َملِّس عليها وهو يتكلَّم بمنتهى الوقار‪ ،‬فمن َحته سمت الحُكماء‬
‫ك العجوز‪ ،‬إلى الفم الصَّغير الرَّاجف‬ ‫الجلد الرَّخو المتدلِّي تحت فَ ِّ‬‫وأخفَت جميع أنواع المناظر المنفِّرة‪ ،‬من ِ‬
‫واألسنان المفقودة‪ ،‬والثَّآليل والتَّجاعيد وبُقع ال َّشيخوخة األكثر من أن تُحصى‪ .‬حاو َل پايسل أن يُعيد تربية‬
‫ما فقدَه‪ ،‬لكن محاوالته ُمنِيَت بالفشل‪ ،‬ولم ينبت من وجنتيه المتغضِّنتين وذقنه الضَّعيف َّإال ُخيوط‬
‫الجلد الوردي المبقَّع أسفلها‪.‬‬ ‫و ُشعيرات خفيفة للغاية‪ ،‬لدرجة أن چايمي يرى ِ‬
‫ُ‬
‫كنت‬ ‫ت آثمة‪...‬‬ ‫رأيت أشياء رهيبةً في حياتي‪ ،‬حروبًا ومعارك واغتياال ٍ‬ ‫ُ‬ ‫قال العجوز‪« :‬سير چايمي‪ ،‬لقد‬
‫صبيًّا في (البلدة القديمة) عندما أتى الطَّاعون األرمد على نِصف المدينة وثالثة أرباع (القلعة)‪ .‬حينها‬
‫ُحاول الفرار‪ ،‬سواء‬ ‫ق اللورد هايتاور ك َّل سفين ٍة في الميناء وأغل َ‬
‫ق الب َّوابات وأم َر ُحرَّاسه بقتل ك ِّل َمن ي ِ‬ ‫أحر َ‬
‫طفال رضيعًا‪ .‬بَعد أن جرى الطَّاعون مجراه الطَّبيعي وانزا َح قتلوه‪ ،‬في اليوم‬
‫رجال أم امرأةً أم حتى ً‬ ‫ً‬ ‫أكان‬
‫نفسه الذي أعا َد فيه فتح الميناء جرُّ وه من على حصانه وذبَحوه هو وابنه ال َّشاب‪.‬‬
‫فعل ما كان‬
‫حتى يومنا هذا يَبصُق الجُهالء في (البلدة القديمة) لسماع اسمه‪ ،‬لكن كوينتون هايتاور َ‬
‫ً‬
‫رجال يفعل ما هو ضروري»‪.‬‬ ‫ضروريًّا‪ .‬أبوك كان من هذا النَّوع من الرِّجال أيضًا‪،‬‬
‫‪« -‬ألهذا يبدو مسرورًا من نفسه؟»‪.‬‬
‫قال پايسل واألبخرة المتصاعدة من الجُثة تُد ِمع عينيه‪« :‬اللَّحم‪ ...‬مع جفاف اللَّحم تشت ُّد العضالت وتسحب‬
‫ً‬
‫محاوال منع‬ ‫وأغمض عينيه وفت َحهما‬
‫َ‬ ‫شفتيه إلى أعلى‪ .‬هذه ليست ابتسامةً وإنما‪ ...‬جفاف ال أكثر»‪،‬‬
‫بثقل على ُع َّكازه وتحرَّك مغادرًا السِّپت‬ ‫ال ُّدموع‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬أرجو أن تَع ُذرني‪ ،‬إنني مرهَق للغاية»‪ ،‬واتَّكأ ٍ‬
‫على مهل‪ .‬هذا الرَّجل على عتبة الموت أيضًا‪ .‬ال غرو أن سرسي تقول إنه عديم الفائدة‪.‬‬
‫بالطَّبع تعتقد أخته العزيزة أن نِصف َمن في البالط إ َّما عديمو الفائدة وإ َّما خونة؛ پايسل وال َحرس الملكي‬
‫جالدًا‪ .‬عند َشغله منصب‬ ‫وآل تايرل وچايمي نفسه‪ ...‬وحتى السير إلين پاين‪ ،‬الفارس الصَّامت الذي يعمل َّ‬
‫ك پاين واجب إدارة تلك ال َّزنازين‬ ‫لسان فغالبًا ما تر َ‬
‫ٍ‬ ‫عدالة الملك أض َحت ال َّزنازين مسؤوليَّته‪ ،‬وبما أنه بال‬
‫لمرؤوسيه‪ ،‬غير أن سرسي تلومه هو على هرب تيريون رغم ذلك‪ .‬كا َد يقول لها‪ :‬كان هذا من صُنعي ال‬
‫ت من رئيس ال َّسجَّانين‪ ،‬وهو عجوز‬ ‫بدال من ذلك بأن يَحصُل على ما يستطيع من إجابا ٍ‬ ‫صُنعه‪ ،‬لكنه وع َد ً‬
‫محني الظَّهر اسمه رينيفر لونجووترز‪.‬‬‫ُّ‬
‫ذهب چايمي يستجوبه‪ ،‬وقال له‪« :‬أراك تتسا َءل عن اسمي هذا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ت كقوقأة ال َّدجاج حين‬ ‫قهقهَ الرَّجل بصو ٍ‬
‫لست أحبُّ التَّباهي‪ ،‬لكن في عروقي دما ًء ملكيَّةً‪ .‬إنني أنحد ُر من ُذ ِّريَّة أميرة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إنه اسم قديم‪ ،‬هذا صحيح‪.‬‬
‫أبي حكى لي الحكاية وأنا صب ٌّي صغير»‪ .‬لم يَعُد لونجووترز صبيًّا صغيرًا منذ سنين ع َّدة كما يشي رأسه‬
‫المبقَّع وال َّشعر األبيض النَّابت من ذقنه‪« .‬كانت أجمل كنوز (قفص العذراوات)‪ ،‬وسلبَت األميرال العظيم‬
‫اللورد أوكنفيست قلبه رغم أنه كان متز ِّوجًا بأخرى‪ .‬أطلقَت على ابنهما اسم النُّغول «ووترز» تكري ًما‬
‫ألبيه‪ ،‬وكب َر االبن ليُصبِح فارسًا عظي ًما‪ ،‬وكذا ابنه الذي وض َع «لونج» في اسمه قبل «ووترز» ليعرف‬
‫النَّاس أنه ليس ابن حرام عن نفسه‪ ،‬وهكذا هناك القليل من دم التَّنانين في عروقي»‪.‬‬
‫كدت أحسبك إجون الفاتح»‪ .‬ووترز من أسماء النُّغول ال َّشائعة في منطقة (الخليج‬ ‫ُ‬ ‫َر َّد چايمي‪« :‬نعم‪،‬‬
‫األسود)‪ ،‬وعلى األرجح جا َء لونجووترز القديم من ُذ ِّريَّة أحد فُرسان العائالت الصَّغيرة ال من أميرة‪.‬‬
‫«لكن يتصادَف أن عندي اهتمامات أكثر إلحاحًا من نَسبك»‪.‬‬
‫حنى لونجووترز رأسه ً‬
‫قائال‪« :‬السَّجين الضَّائع»‪.‬‬
‫‪« -‬وال َّسجَّان المفقود»‪.‬‬
‫مسؤوال عن المستوى الثَّالث‪ ،‬ال َّزنازين السَّوداء»‪.‬‬
‫ً‬ ‫عقَّب العجوز‪« :‬روجن‪ُ ،‬مشرف سجَّانين‪ .‬كان‬
‫قال چايمي مرغ ًما‪« :‬حدِّثني عنه»‪ .‬مهزلة لعينة‪ .‬إنه يعلم هويَّة روجن‪ ،‬حتى إن كان لونجووترز يجهلها‪.‬‬
‫أعترف بهذا‪ .‬كان روجن‬ ‫ُ‬ ‫ظ األسلوب‪ .‬لم يكن الرَّجل يروقني‪ ،‬صحيح‪،‬‬ ‫‪« -‬أشعث ال َّشعر‪ ،‬طويل اللِّحية‪ ،‬فَ ُّ‬
‫وصلت قبل اثني عشر عا ًما‪ .‬الملك إيرس هو من كلَّفه بوظيفته‪ ،‬ولكن يجب أن أقول إنه نادرًا ما‬ ‫ُ‬ ‫هنا حين‬
‫رجل في عروقه دماء‬ ‫ٍ‬ ‫نت هذا في تقاريري يا سيِّدي‪ ،‬أؤ ِّك ُد لك وأعطيك كلمتي‪ ،‬كلمة‬ ‫ظه َر هنا‪ ،‬وقد د َّو ُ‬
‫ملكيَّة»‪.‬‬
‫ق القليل منها‪« .‬من رأى تلك التَّقارير؟»‪.‬‬‫اذ ُكر تلك الدِّماء الملكيَّة م َّرةً أخرى وسأري ُ‬
‫ذهب إلى أمين النَّقد وبعضها إلى ول ِّي الهامسين‪ ،‬وكلُّها إلى رئيس ال َّسجَّانين األعلى وعدالة‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬بعضها‬
‫ك لونجووترز أنفه متابعًا‪« :‬روجن كان‬ ‫الملك‪ .‬لطالما ج َرت األمور على هذا المنوال في ال َّزنازين»‪ ،‬و َح َّ‬
‫يظهر عند الحاجة يا سيِّدي‪ ،‬ال مف َّر من قول هذا‪ً .‬‬
‫قليال ما تُستخدَم ال َّزنازين السَّوداء‪ .‬قبل أن ينزل فيها أخو‬
‫جنابكم الصَّغير قضى ال ِمايستر األكبر پايسل فترةً عندنا‪ ،‬وقبله اللورد ستارك الخائن‪ ،‬وكان هناك ثالثة‬
‫آخَرون من العوام‪ ،‬لكن اللورد ستارك سلَّمهم ل َحرس اللَّيل‪ .‬لم أ َر إطالق سراح أولئك الثَّالثة خيرًا‪ ،‬لكن‬
‫األوراق كانت سليمةً‪ .‬هذا أيضًا د َّونته في التَّقارير‪ ،‬لك أن تثق بكلمتي»‪.‬‬
‫‪« -‬حدِّثني عن ال َّسجَّانيْن اللذين راحا في النَّوم»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬تقول سجَّانيْن؟ لم يكونا سجَّانيْن‪ ،‬بل مجرَّد حاملَي مفاتيح‪ .‬التَّاج يدفع أجور‬ ‫تن َّشق لونجووترز ً‬
‫عشرين حامل مفاتيح يا سيِّدي‪ ،‬لكن طيلة خدمتي لم يزد عددهم على االثني عشر‪ .‬المفت َرض أن يكون‬
‫عندنا ستَّة ُمشرفي سجَّانين أيضًا‪ ،‬اثنان في ك ِّل مستوى‪ ،‬لكن ال يو َجد َّإال ثالثة»‪.‬‬
‫‪« -‬أنت واثنان آ َخران؟»‪.‬‬
‫عا َد لونجووترز يتن َّشق‪ ،‬وقال باعتداد‪« :‬أنا رئيس ُمشرفي ال َّسجَّانين يا سيِّدي‪ ،‬أي أني أعلى من ُمشرفي‬
‫ال َّسجَّانين‪ .‬إنني مكلَّف بمراجعة ال َّدفاتر‪ .‬إذا كان سيِّدي يرغب في إلقاء نظر ٍة عليها فسيرى أن األرقام كلَّها‬
‫بالجلد المفتوح أمامه‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬حاليًّا عندنا أربعة سُجناء‬‫مضبوطة»‪ ،‬ثم إنه راج َع ال َّدفتر الضَّخم المغلَّف ِ‬
‫في المستوى األول وواحد في الثَّاني‪ ،‬باإلضافة إلى أخي جنابكم»‪ ،‬ثم قطَّب وجهه مضيفًا‪« :‬الذي فَرَّ‪ ،‬هذا‬
‫ط ريشة كتاب ٍة وبدأ يس ُّنها‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬سأشطبُ اسمه»‪ ،‬والتق َ‬
‫ف َّكر چايمي بجهامة‪ :‬ستَّة سُجناء‪ ،‬بينما ندفع أجور عشرين حامل مفاتيح وستَّة ُمشرفي سجَّانين ورئيس‬
‫ُمشرفي سجَّانين وسجَّان وعدالة الملك‪« .‬أري ُد أن أستجوب حاملَي المفاتيح هذين»‪.‬‬
‫تخلَّى رينيفر لونجووترز عن َسنِّ ريشته ورف َع عينيه رامقًا چايمي بارتياب‪ ،‬ثم سأ َل‪« :‬تستجوبهما يا‬
‫سيِّدي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كما سمعتني»‪.‬‬
‫‪« -‬سمعتك يا سيِّدي‪ ،‬سمعتك بالتَّأكيد‪ ،‬ولكن‪ ...‬يستطيع سيِّدي أن يستجوب من يشاء‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬فليس‬
‫ُّ‬
‫أظن أنهما سيُجيبان‪ .‬إنهما ميتان يا‬ ‫لي أن أقول إنه ال يستطيع‪ ،‬ولكن أيها الفارس‪ ،‬إذا سمحت لي‪ ،‬ال‬
‫سيِّدي»‪.‬‬
‫‪« -‬ميتان؟! بأمر َمن؟»‪.‬‬
‫حسبت‪ ...‬أو ربما بأمر الملك؟ لم أسأل‪ .‬ليس‪ ...‬ليس لي أن أراجع رجال ال َحرس الملكي»‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪« -‬بأمرك كما‬
‫صبَّ الجواب الملح على جرحه‪ .‬لقد استخد َمت سرسي رجاله ليقوموا بعملها ال َّدامي‪ ،‬هُم وأع َّزاؤها اإلخوة‬
‫َ‬
‫ِكتلبالك‪.‬‬
‫زمجر چايمي في بوروس بالونت وأوزموند‬ ‫َ‬ ‫بَعدها‪ ،‬في ِّ‬
‫الزنزانة التي فا َحت فيها رائحة الدِّماء والموت‪،‬‬
‫ِكتلبالك ً‬
‫قائال‪« :‬أيها األحمقان عديما العقل‪ ،‬ماذا حسبتما نفسيكما فاعليْن؟»‪.‬‬
‫أمرت‬ ‫أجاب السير بوروس األقصر قامةً من چايمي لكنه أثقل‪« :‬ليس أكثر مما َ‬
‫قيل لنا يا سيِّدي‪ .‬جاللتها َ‬ ‫َ‬
‫بهذا‪ ،‬أختك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫فحرصت وإخوتى على‬ ‫و َدسَّ السير أوزموند إبهامه في حزام سيفه مضيفًا‪« :‬طلبَت أن يناما إلى األبد‪،‬‬
‫هذا»‪.‬‬
‫غاب عن الوعي في‬ ‫َ‬ ‫كرجل‬
‫ٍ‬ ‫هذا ما حرصتم عليه حقًّا‪ .‬كانت إحدى الجثَّتين ملقاةً على وجهها على المائدة‬
‫أثناء مأدبة‪ ،‬لكن ما تحت رأسه بِركة من ال َّدم ال النَّبيذ‪ .‬أ َّما حامل المفاتيح الثَّاني فيبدو أنه استطا َع أن‬
‫طويال في ضلوعه‪ ،‬فكانت نهايته‬ ‫ً‬ ‫ينهض من على ال ِّد َّكة ويسحب خنجره قبل أن يغرس أحدهم سيفًا‬
‫قلت لڤارس َّأال يمسَّ األذى أحدًا في تلك المسألة‪ ،‬ولكن كان عل َّي أن أقول ألخي‬ ‫األطول واألكثر فوضى‪ُ .‬‬
‫وأختي أيضًا‪« .‬أسأتم التَّصرُّ ف أيها الفارس»‪.‬‬
‫أراهن أنهما لعبا دورًا في ما جرى‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬لن يفتقدهما أحد‪.‬‬‫هَ َّز السير أوزموند كتفيه ً‬
‫اآلخَر المفقود»‪.‬‬
‫كان يُمكن لچايمي أن يقول له‪ :‬ال‪ .‬ڤارس َدسَّ مخ ِّدرًا في نبيذهما ليناما‪ ،‬لكنه قال‪« :‬إذا َ‬
‫ص َّح هذا لكنا‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪« ...‬لو‬ ‫استطعنا انتزاع الحقيقة منهما»‪ ...‬كانت تُ ِ‬
‫لت عن سبب استعجالكم التَّأ ُّكد من عدم استجواب هذين االثنين أبدًا‪ .‬هل أردتم‬ ‫كنت ذا طبيع ٍة ش َّكاكة لتسا َء ُ‬
‫ُ‬
‫إخراسهما إلخفاء دوركم في المؤامرة؟»‪.‬‬
‫َر َّد ِكتلبالك مبغوتًا‪« :‬نحن؟ لم نفعل َّإال ما أم َرت به الملكة‪ ،‬أقس ُم بكلمتي كأخيك المحلَّف»‪.‬‬
‫أحضر أوزني وأوزفريد ونظِّفوا الفوضى التي صنعتموها‪،‬‬‫اختل َجت أصابع چايمي ال َّشبحيَّة وهو يقول‪ِ « :‬‬
‫ي ً‬
‫أوال‪.‬‬ ‫وعندما تأمرك أختي المرَّة القادمة بقتل أح ٍد تعا َل إل َّ‬
‫فيما عدا هذا اغرُب عن وجهي أيها الفارس»‪.‬‬
‫تر َّددت أصداء الكالم في عقله وهو واقف في عتمة ( ِسپت بيلور)‪ ،‬وقد اسو َّدت النَّوافذ كلُّها من فوقه‪،‬‬
‫وأصب َح يرى ضوء النُّجوم البعيدة الخافت إذ غابَت ال َّشمس تما ًما‪ .‬ما زالَت رائحة الموت النَّتنة تزداد ق َّوةً‬
‫الذهبي) حيث‬ ‫على الرغم من ال ُّشموع المعطَّرة‪ ،‬وذ َّكرت تلك الرَّائحة چايمي النستر بالمم ِّر أسفل (النَّاب َّ‬
‫حقَّق نصرًا عظي ًما في أيام الحرب األولى‪ .‬في الصَّباح التَّالي للمعركة الته َمت ال ِغربان وليمةً من لحم‬
‫المنتصرين والمهزومين على َح ِّد سواء‪ِ ،‬مثلما الته َمت لحم ريجار تارجاريَن بَعد (الثَّالوث)‪ .‬ما قيمة التَّاج‬
‫يظن چايمي أن هناك ِغربانًا تدور حول أبراج ( ِسپت بيلور)‬ ‫ُّ‬ ‫إذا كانت ال ِغربان تتع َّشى بلحم الملوك؟‬
‫سبيل لل ُّدخول‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫السَّبعة وقُبَّته العظيمة اآلن تحديدًا‪ ،‬تضرب أجنحتها السَّوداء هواء المساء وهي تبحث عن‬
‫ُعرب عن تقديره لك يا أبي‪ .‬لقد أطعمتها جميعًا‪ ،‬من‬ ‫ب في (الممالك السَّبع) أن يأتي وي ِ‬ ‫ي بكلِّ ُغرا ٍ‬ ‫حر ٌّ‬
‫(كاستامير) إلى (النَّهر األسود)‪ .‬سرَّت الفكرة اللورد تايوين الذي اتَّسعت ابتسامته أكثر‪ ،‬فف َّكر چايمي‪:‬‬
‫ق ضحكةً‬ ‫شاذا لدرجة أن چايمي أطل َ‬ ‫ق الجحيم‪ ،‬إنه يبدو كعريس في أثناء إضْ جاعه! كان الخاطر ًّ‬ ‫ب َح ِّ‬
‫ٍ‬
‫عاليةً‪.‬‬
‫وتر َّدد صداها في األجنحة والسَّراديب وال ُمصلَّيات كأن الموتى المدفونين داخل الجُدران يضحكون أيضًا‪.‬‬
‫ساعدت على قتله‪ ،‬وإرسالي‬ ‫ُ‬ ‫ولِ َم ال؟ األمر أكثر عبثًا من مسرحيَّ ٍة هزليَّة؛ وقوفي ساهرًا على األب الذي‬
‫ساعدت على إطالق سراحه‪ ...‬كان قد أم َر السير أدام ماربراند بتفتيش‬ ‫ُ‬ ‫رجاال للقبض على األخ الذي‬ ‫ً‬
‫(شارع الحرير)‪ ،‬وقال له‪« :‬ابحثوا تحت ك ِّل سرير‪ .‬أنت تعلم غرام أخي بالمواخير»‪ .‬سيج ُد ذوو‬
‫الذهبيَّة أشياء أكثر إثارةً لالهتمام تحت فساتين العاهرات مما سيجدون تحت أسرَّتهن‪ ،‬حتى إن‬ ‫المعاطف َّ‬
‫چايمي يتسا َءل كم ً‬
‫نغال سيُولَد من جرَّاء هذا البحث عديم الجدوى‪.‬‬
‫دون إراد ٍة منه انتقلَت أفكاره إلى بِريان التارثيَّة‪ .‬فتاة حمقاء عنيدة قبيحة‪ .‬تُرى أين هي اآلن؟ امنحها الق َّوة‬
‫ت‪ .‬يكاد يكون ُدعا ًء‪ ...‬لكن أإلى اإلله يبتهل؟ إلى (األب في األعالي) الذي يتألَّق تمثاله المذهَّب‬ ‫يا أب ِ‬
‫ُنصت‬ ‫ُصلِّي للجُثمان المسجَّى أمامه؟ هل يه ُّم؟ كالهما لم ي ِ‬ ‫ال َّشاهق في ضوء ال ُّشموع عبر المكان؟ أم أنه ي َ‬
‫ط‪ .‬منذ كب َر چايمي حتى استطا َع حمل السَّيف كان (ال ُمحارب) إلهه‪ .‬قد يكون َمن عداه من الرِّجال آبا ًء‬ ‫قَ ُّ‬
‫الذهبي ك َشعره‪ُ ،‬محارب‪ ،‬وأبدًا لن يكون َّإال‬ ‫وأبنا ًء وأزوا ًجا‪ ،‬أ َّما چايمي النستر فال‪ .‬إنه الرَّجل ذو السَّيف َّ‬
‫هذا‪.‬‬
‫يَج ُدر بي أن أُخبر سرسي بالحقيقة‪ ،‬أن أعترف بأني َمن حرَّر أخانا الصَّغير من زنزانته‪ .‬قول الحقيقة أتى‬
‫قتلت ابنك الكريه‪ ،‬واآلن سأذهبُ ألقتل أبانا أيضًا‪ .‬سم َع چايمي‬ ‫ُ‬ ‫بنتيج ٍة رائعة مع تيريون في النِّهاية‪.‬‬
‫ق عينيه‪،‬‬ ‫ال ِعفريت يضحك في العتمة‪ ،‬فالتفتَ يَنظُر لكن الصَّوت لم يكن َّإال صدى ضحكته هو‪ .‬أغل َ‬
‫وبالسُّرعة نفسها فت َحهما مج َّددًا‪ .‬يجب َّأال أنام‪ .‬إذا نا َم فربما يَحلُم‪ .‬أوه‪ ،‬يا لضحكة تيريون السَّاخرة تلك‪...‬‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك‪...‬‬ ‫كذابة‪ ...‬تُ ِ‬‫عاهرة َّ‬
‫صف اللَّيل صرَّت ِمفصالت (باب األب) مع دخول ع َّدة مئات من السِّپتونات إلقامة صلواتهم‪،‬‬ ‫في منت َ‬
‫يرتدي بعضهم األردية المفصَّلة من قُماش الفضَّة ويعتمر األكاليل البلَّور التي تُ َميِّز مجلس القانِتين‪ ،‬في‬
‫سيور حول أعناقهم وأوثَقوا أرديتهم البيضاء بأحزم ٍة من سبع‬ ‫ٍ‬ ‫حين علَّق إخوتهم األدنى شأنًا بلَّوراتهم من‬
‫جدائل بسبعة ألوان مختلفة‪ .‬من (باب األُم) دخلَت السِّپتوات من معزلهن‪ ،‬سبع يرتدين األبيض ويمشين‬
‫متجاورات ويترنَّمن بنعومة‪ ،‬بينما نزلَت األخوات الصَّامتات (ساللم الغريب) في طابور‪ ،‬وقد ارتدَت‬
‫وصيفات الموت الرَّمادي الفاتح‪ ،‬وفوق رأس كلٍّ منهن قلنسوة وعلى وجهها لثام‪ ،‬فال يُرى منها َّإال‬
‫ظهر حشد من اإلخوة أيضًا‪ ،‬يرتدون البنِّي والعسلي والرَّمادي ال َّداكن‪ ،‬وحتى الخيش غير‬ ‫َ‬ ‫عيناها‪.‬‬
‫المصبوغ‪ ،‬ويش ُّدون ما يرتدونه على خصورهم بحبال القنَّب‪ ،‬ويُ َعلِّق بعضهم مطرقة (الح َّداد) الحديد من‬
‫األعناق‪ ،‬وبعضهم أوعية ال ِّشحاذة‪.‬‬
‫لم يُ ِعر أحد من المصلِّين چايمي اهتما ًما‪ ،‬بل داروا في محيط السِّپت متعبِّدين على كلٍّ من المذابح السَّبعة‬
‫تكري ًما لسبع ِة أوجُه اإلله‪ ،‬ولك ِّل إل ٍه ق َّدموا قُربانًا‪ ،‬ولكلِّ واح ٍد أن َشدوا لترتفع أصواتهم وقورًا عذبةً‪ .‬أسد َل‬
‫ُ‬
‫حسبت‪.‬‬ ‫چايمي جفنيه ليُصغي‪ ،‬لكنه رف َعهما من جدي ٍد ل َّما بدأ يتمايَل‪ .‬إنني مرهَق أكثر مما‬
‫كنت أصغر حينئ ٍذ‪ُ ،‬غال ًما في الخامسة عشرة‪ .‬لم يكن‬ ‫آخر مرَّة‪ُ .‬‬ ‫مضت سنوات منذ أ َّدى شعيرة السَّهر ِ‬ ‫لقد َ‬
‫يرتدي ِدرعًا وقتها‪ ،‬بل مجرَّد سُتر ٍة بيضاء تقليديَّة‪ ،‬ولم يَبلُغ السِّپت الذي أمضى فيه اللَّيل ثُلث مساحة أيٍّ‬
‫من أجنحة ( ِسپت بيلور) السَّبعة‪ .‬ليلتها وض َع چايمي سيفه على رُكبتَي (ال ُمحارب) وك َّوم ِدرعه عند قدميه‬
‫ورك َع على األرض الحجريَّة الخشنة أمام المذبح‪ ،‬وحين بز َغ الفَجر كانت رُكبتاه مسحوجتيْن داميتيْن‪،‬‬
‫فقال له السير آرثر داين ل َّما رآه‪« :‬ال مناص من أن ينزف كلُّ الفُرسان يا چايمي‪ .‬ال َّدم خَتم إخالصنا»‪ ،‬ثم‬
‫إنه رف َع سيفه (فَجر) مربِّتًا به على كتفَي چايمي‪ ،‬وكان النَّصل ال َّشاحب حا ًّدا لدرجة أن تلك اللَّمسة الخفيفة‬
‫نهض‪ .‬األسد‬
‫َ‬ ‫للغاية شقَّت سُترته ومن جدي ٍد نزفَ ‪ ...‬لكنه لم يَشعُر بالجرح لحظةً‪ُ .‬غال ًما رك َع‪ ،‬وفارسًا‬
‫الصَّغير ال قاتِل الملك‪.‬‬
‫لكن ذلك كان منذ زمن‪ ،‬وال ُغالم ماتَ ‪.‬‬
‫خرج المتعبِّدون عا َد السُّكون يُ َخيِّم على (ال ِّسپت‬
‫َ‬ ‫ال يدري متى انتهَت الصَّلوات‪ .‬ربما نا َم وهو واقف‪ .‬حين‬
‫ظ َّل الهواء يعبق بالموت‪ .‬ع َّدل چايمي‬ ‫الكبير)‪ ،‬وال ُّشموع كأنها حائط من النُّجوم المتَّقدة في الظَّالم‪ ،‬وإن َ‬
‫الذهبي العظيم‪ .‬ربما كان عليه أن يدع السير لوراس يحلُّ محلَّه رغم ك ِّل شيء‪ .‬كانت‬ ‫قبضته على السَّيف َّ‬
‫الزهور ما زا َل نِصف صبي‪ ،‬ومغرور متكبِّر‪ ،‬لكنه يملك إمكانيَّة أن يُصبِح‬ ‫سرسي لتكره ذلك‪ .‬فارس ُّ‬
‫عظي ًما‪ ،‬أن يكون من أهل المآثر ال ُكبرى التي تليق ب(الكتاب األبيض)‪.‬‬
‫ب صامت‪.‬‬ ‫سيكون (الكتاب األبيض) في انتظاره عندما ينتهي سهره‪ ،‬صفحته منه مفتوحة تَر ُمقه بتأني ٍ‬
‫ق الكتاب اللَّعين إربًا قبل أن أمأله باألكاذيب‪ .‬لكن إذا كان لن يكذب‪ ،‬فماذا يَكتُب سوى الحقيقة؟ فجأةً‬
‫سأم ِّز ُ‬
‫وج َد امرأةً تقف أمامه‪.‬‬
‫المطر يَسقُط من جديد‪ .‬رآها مبتلَّةً تما ًما والماء يَقطُر من معطفها صانعًا بِركةً عند قدميها‪ .‬كيف دخلَت؟ لم‬
‫أسمعها تَد ُخل‪ .‬كانت ترتدي ثياب ساقي ٍة في حانة‪ ،‬معطفًا من الخيش الثَّقيل مصبو ًغا بال مهار ٍة بدرجات‬
‫البنِّي ومهترئ الحاشية‪ ،‬وقد أخفَت قلنسوة وجهها لكنه رأى ال ُّشموع تتراقَص في لُ َّجتَي عينيها‬
‫الخضراويْن‪ ،‬ول َّما تحرَّكت عرفَها‪.‬‬
‫ُلم وما زا َل يتسا َءل أين هو‪« .‬ما السَّاعة اآلن؟»‪.‬‬
‫كرجل صحا لت ِّوه من ح ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬سرسي»‪ .‬تكلَّم ببُط ٍء‬
‫أجابَت أخته‪« :‬ساعة ال ِّذئب‪ ،»99‬وأنزلَت قلنسوتها وتقلَّص وجهها وهي تُضيف‪« :‬ال ِّذئب الغريق ربما»‪ ،‬ثم‬
‫خان كئيب عند ( ُزقاق بنات‬‫ٍ‬ ‫ابتس َمت له بك ِّل عذوب ٍة‪ ،‬وقالت‪« :‬هل تَذ ُكر أول م َّر ٍة أتيتك هكذا؟ كانت في‬
‫ُ‬
‫وارتديت ثياب خادم ٍة ألم َّر من ُحرَّاس أبي»‪.‬‬ ‫عرس)‪،‬‬
‫‪« -‬أذك ُر‪ .‬كان في ( ُزقاق الحنشان)»‪ .‬تُريد مني شيئًا‪« .‬ماذا تفعلين هنا في هذه السَّاعة؟ ماذا تُريدين‬
‫مني؟»‪ .‬تر َّددت كلمته األخيرة في جنبات السِّپت‪ ،‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪،‬‬
‫ورا َحت تخفت حتى غدَت همسةً‪ ،‬وللحظ ٍة جر َؤ چايمي على أن يأمل أن ك َّل ما تُريده سرسي هو الرَّاحة‬
‫بين ذراعيه‪.‬‬
‫رفض‪ ،‬لن يتولَّى‬
‫َ‬ ‫‪« -‬تكلَّم بهدوء»‪ .‬كانت نبرتها غريبةً‪ ...‬الهثةً‪ ،‬أقرب إلى الخوف‪« .‬چايمي‪ ،‬كيڤان‬
‫اليدويَّة‪ .‬إنه‪ ...‬إنه يعلم بأمرنا‪ ،‬ل َّمح إلى هذا بوضوح»‪.‬‬
‫رفض؟ وكيف يعلم؟ ال بُ َّد أنه قرأ ما كتبَه ستانيس‪ ،‬لكن ليس هناك‪.»...‬‬
‫َ‬ ‫قال منده ًشا‪« :‬‬
‫قاط َعته‪« :‬تيريون كان يعلم‪ .‬من يدري ماذا حكى ذلك القزم البغيض أو ل َمن؟ الع ُّم كيڤان أقلُّ المصائب‪...‬‬
‫السِّپتون األعلى‪ ،‬تيريون هو من رقَّاه إلى تاجه حين ماتَ اآلخَر البدين‪ .‬ربما يعلم أيضًا»‪ ،‬ودنَت منه‬
‫ت أبينا؟ ربما‬
‫ق بمايس تايرل‪ .‬ماذا لو كانت له يد في مو ِ‬ ‫متابعةً‪« :‬ال مف َّر من أن تكون يد تومن‪ .‬إنني ال أث ُ‬
‫كان يتآ َمر مع تيريون‪ .‬من الممكن أن يكون ال ِعفريت في طريقه إلى (هايجاردن)‪.»...‬‬
‫‪« -‬غير صحيح»‪.‬‬
‫كملك ومليكته»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قالت متوسِّلةً‪ُ « :‬كن يدي وسنَح ُكم (الممالك السَّبع) معًا‬
‫ولكنك تأبين أن تكوني مليكتي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت مليكة روبرت‪،‬‬
‫‪« -‬كن ِ‬
‫ُ‬
‫جرؤت‪ ،‬لكن ابننا‪.»...‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫كنت ألفعلها إذا‬
‫قاط َعها بقسوة‪« :‬تومن ليس ابني كما لم يكن چوفري‪ .‬لقد جعلتِهما ابنَي روبرت أيضًا»‪.‬‬
‫جفلَت أخته قائلةً‪« :‬لقد وعدت بأن تحبَّني دائ ًما‪ ،‬وليس من المحبَّة أن تجعلني أتو َّس ُل»‪.‬‬
‫أفع َمت أنف چايمي رائحة خوفها على الرغم من نتانة الجثَّة‪ ،‬وأرا َد أن يحتويها بذراعيه ويُقَبِّلها‪ ،‬أن يدفن‬
‫أخبر نفسه‪ :‬ليس هنا‪ ،‬ليس هنا‬ ‫َ‬ ‫الذهب ويعدها بأن ال أحد سيمسَّها بسو ٍء أبدًا‪ ...‬لكنه‬ ‫وجهه في ُخصالتها َّ‬
‫أمام اآللهة وأبينا‪ ،‬وقال لها‪« :‬ال‪ ،‬ال أستطيعُ‪ ،‬ولن أفعل»‪.‬‬
‫قالت وهو يسمع المطر ينهمر على النَّوافذ باألعلى‪« :‬إنني محتاجة إليك‪ ،‬محتاجة إلى نِصفي اآلخَر‪ .‬أنت‬
‫أنا وأنا أنت‪ .‬أحتا ُج إليك إلى جواري‪ ،‬في داخلي‪ ،‬أرجوك يا چايمي‪ ،‬أرجوك»‪.‬‬
‫نظ َر چايمي ليستوثق بأن اللورد تايوين ال ينهض في هذه اللَّحظة من على منصَّته غاضبًا‪ ،‬لكن أباه ظَ َّل‬
‫قت لميادين المعارك ال قاعة مجلس‪ ،‬واآلن يبدو أني لم أعد أصل ُح‬ ‫متم ِّددًا في مكانه‪ ،‬باردًا يتعفَّن‪« .‬لقد ُخلِ ُ‬
‫لذلك أيضًا»‪.‬‬
‫مس َحت سرسي دموعها ب ُك ٍّم بنِّي َرث‪ ،‬وقالت‪« :‬ليكن‪ ،‬إذا كانت ميادين المعارك ما تشتهي فميادين‬
‫كنت حمقاء عندما‬ ‫ُ‬ ‫كنت حمقاء لمجيئي‪،‬‬ ‫ب مردفةً‪ُ « :‬‬ ‫المعارك ما سأعطيك»‪ ،‬ورف َعت قلنسوتها بغض ٍ‬
‫أحببتك»‪ ،‬ور َّددت ُخطاها المبتعدة أصدا ًء عاليةً شقَّت الهدوء وتر َكت بُقعًا مبتلَّةً على األرض الرُّ خام‪.‬‬
‫تتأل َأل على الجُدران‬‫كا َد الفَجر يأخذ چايمي على حين غرَّة‪ ،‬وإذ بدأ ُزجاج القُبَّة يستنير را َحت أقواس قزح َ‬
‫بسديم من الضَّوء عديد األلوان‪ .‬يد الملك يتعفَّن‬ ‫ٍ‬ ‫واألرضيَّات واألعمدة‪ ،‬وغم َرت جُثمان اللورد تايوين‬
‫صت عيناه كثيرًا فأصب َحتا حُفرتين سوداوين عميقتين‬ ‫شاب وجهه اخضرار خفيف وغا َ‬ ‫َ‬ ‫بوضوح‪ ،‬وقد‬
‫الذهبي‬‫وبدأت وجنتاه تنفتقان‪ ،‬بينما تسرَّب سائل أبيض كريه من ِمفصالت ِدرعه الفاخرة بلونيها َّ‬
‫والقرمزي ليتج َّمع تحت جثَّته‪.‬‬
‫أول من رأى المنظر السِّپتونات عندما عادوا ألداء صلوات الفَجر‪ ،‬فأن َشدوا أناشيدهم ودعوا أدعيتهم‬
‫وقلَّصوا أنوفهم‪ ،‬لكن رأس واح ٍد من القا ِنتين دا َر لدرجة أنهم اضطرُّ وا إلى مساعَدته على الخروج من‬
‫السِّپت‪ ،‬وبَعدها بفتر ٍة قصيرة دخلَت جماعة من التَّالمذة مؤرجحين المباخر‪ ،‬فأفع َم البَخور الكثيف الهواء‬
‫حتى بدا النَّعش ملتحفًا بال ُّدخان‪ ،‬وغابَت أقواس قزح كلُّها في ذلك الضَّباب المعطَّر‪َّ ،‬إال أن الرَّائحة ظلَّت‬
‫قويَّةً‪ ،‬رائحة هي مزيج من العفن وال َّشذا جعلَت الرَّغبة في القيء تنتاب چايمي‪.‬‬
‫ُناسب مكانتهم‪ ،‬وقد أحض َرت مارچري باقةً‬ ‫عندما فُتِ َحت األبواب كان آل تايرل بين أول ال َّداخلين بما ي ِ‬
‫الذهبيَّة وض َعتها بحرك ٍة مسرحيَّة عند قدم نعش اللورد تايوين‪ ،‬وإن احتفظَت بواحد ٍة‬ ‫كبيرةً من الورود َّ‬
‫ت غيرها كملك ٍة‬ ‫أبقَتها تحت أنفها وهي تتَّخذ مقعدها‪ .‬إذن فالفتاة ذكيَّة كما هي جميلة‪ .‬إنها أفضل من كثيرا ٍ‬
‫لتومن‪.‬‬
‫ملوك قبله تز َّوجوا من هن أسوأ‪.‬‬
‫فانتظرت حتى أخ َذ الباقون أماكنهم كي تَد ُخل وإلى جوارها‬
‫َ‬ ‫ح َذت رفيقات مارچري حذوها‪ ،‬أ َّما سرسي‬
‫ُصاحبهما السير أوزموند ِكتلبالك في ِدرعه البيضاء المطليَّة بالمينا ومعطفه الصُّ وف األبيض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تومن‪ ،‬ي‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪.»...‬‬ ‫‪ ...« -‬كانت تُ ِ‬
‫رأى چايمي ِكتلبالك عاريًا في الح َّمام‪ ،‬ورأى ال َّشعر األسود على صدره وذلك األشبه بالقَشِّ الخشن بين‬
‫يحك ِجلد ثدييها النَّاعم‪ .‬ما كانت لتفعل‬ ‫ُّ‬ ‫ساقيه‪ ،‬وتخيَّل ذلك الصَّدر مضغوطًا إلى صدر أخته وذلك ال َّشعر‬
‫الذهب المغزول وال َّشعر األسود مشتبكان‪ ،‬يتصبَّبان عرقًا‪ ،‬وفلقتا مؤ ِّخرة‬ ‫شيئًا كهذا‪ .‬ال ِعفريت كاذب‪َّ .‬‬
‫ِكتلبالك الضيِّقتان تنض َّمان كلَّما دف َع نفسه في داخلها‪ ،‬ويسمع چايمي أنين أخته‪ .‬ال‪ ،‬إنها كذبة‪.‬‬
‫بعينين محمرَّتين ووج ٍه ممتقع صعدَت سرسي ال َّدرجات ورك َعت إلى جوار أبيهما وسحبَت تومن ليركع‬
‫معها‪ .‬تراج َع الصَّبي لمرأى المنظر لكن أ َّمه أطبقَت على معصمه قبل أن يبتعد‪ ،‬وهم َست له‪َ « :‬‬
‫ص ِّل»‪،‬‬
‫طفل في الثَّامنة واللورد تايوين رُعب حقيقي‪ .‬نفس يائس‬ ‫ٍ‬ ‫فحاو َل تومن أن يُطيع األمر‪ ،‬غير أنه مجرَّد‬
‫ف عن هذا!»‪ ،‬ود َّور تومن رأسه وانثنى على‬ ‫وأجهش الملك بالبُكاء‪ .‬قالت سرسي‪ُ « :‬ك َّ‬
‫َ‬ ‫واحد من الهواء‬
‫نفسه مفر ًغا معدته‪ ،‬وسقطَ تاجه ليتدحرج على رُخام األرض‪ .‬تراج َعت أ ُّمه باشمئزاز‪ ،‬وفي غمضة ٍ‬
‫عين‬
‫كان الملك يَر ُكض إلى الباب بأقصى سُرع ٍة تُتيحها له ساقاه ذاتا األعوام الثَّمانية‪.‬‬
‫ُطارد التَّاج‪« :‬سير أوزموند‪ُ ،‬خذ مكاني»‪ ،‬وناو َل الرَّجل سيفه‬ ‫قال چايمي بح َّد ٍة بينما التفتَ ِكتلبالك لي ِ‬
‫ق به أمام أعيُن دست ٍة من السِّپتوات الجافالت‪ ،‬وقال تومن‬ ‫الذهبي وهر َع وراء مليكه‪ .‬في (بهو القناديل) لح َ‬ ‫َّ‬
‫باكيًا‪« :‬إنني آسف‪ .‬سأبلي بال ًء أحسن غدًا‪ .‬أ ِّمي تقول إن على الملك أن يُري النَّاس الطَّريق‪ ،‬لكن الرَّائحة‬
‫قلبَت معدتي»‪.‬‬
‫لن يَصلُح هذا‪ .‬آذان مرهفة كثيرة وأعيُن تُراقِب‪ .‬قال چايمي‪« :‬األفضل أن نَخرُج يا جاللة الملك»‪ ،‬وقا َد‬
‫الصَّبي إلى الخارج حيث الهواء نظيف نق ٌّي قدر المستطاع في مدين ٍة ك(كينجز الندنج)‪ .‬رأى أربعين من‬
‫الذهبيَّة منتشرين في السَّاحة لحراسة الخيل والهوادج‪ ،‬فأخ َذ الملك جانبًا على مساف ٍة ال بأس‬‫ذوي المعاطف َّ‬
‫بها من الجميع‪ ،‬وأجل َسه على ال َّدرجات الرُّ خام‪ ،‬حيث قال الصَّبي بإصرار‪« :‬لم أكن خائفًا‪ ،‬الرَّائحة قلبَت‬
‫معدتي‪ .‬ألم تقلب معدتك أيضًا؟ كيف تحتملها يا خالي الفارس؟»‪.‬‬
‫شممت يدي وهي تتعفَّن عندما جعلَني ڤارجو هوت أعلِّقها كقالدة‪ .‬قال چايمي البنه‪« :‬الرَّجل يستطيع‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫رجل طهاه الملك إيرس في ِدرعه‪« .‬العالم‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫شممت رائحة شواء‬ ‫ي شي ٍء إذا لز َم األمر»‪ .‬لقد‬ ‫أن يحتمل أ َّ‬
‫قاومها وإ َّما أن تَنظُر دون أن ترى‪ ...‬تنسحب داخل نفسك»‪.‬‬
‫مليء باألهوال يا تومن‪ ،‬فإ َّما أن تُ ِ‬
‫كنت أنسحبُ داخل نفسي أحيانًا عندما كان چوفي‪.»...‬‬‫كنت‪ُ ...‬‬‫ف َّكر تومن لحظةً‪ ،‬ثم قال بنبرة اعتراف‪ُ « :‬‬
‫‪« -‬چوفري»‪ .‬كانت سرسي واقفةً فوقهما والرِّيح تضرب ساقيها بتنُّورتها‪« .‬أخوك كان اسمه چوفري‪،‬‬
‫وما كان ليُخزيني هكذا»‪.‬‬
‫‪« -‬لم أقصد‪ ،‬لم أكن خائفًا يا أ ِّمي‪ ،‬لكن رائحة السيِّد والدك كانت سيِّئةً‪.»...‬‬
‫شممت رائحةً أفضل؟ إن لي أنفًا أيضًا»‪ ،‬وأمس َكت أُذنه وسحبَته ليقف مضيفةً‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫تظن أني‬ ‫قالت‪« :‬هل‬
‫«اللورد تايرل له أنف‪ .‬هل رأيته يتقيَّأ في السِّپت المق َّدس؟ هل رأيت الليدي مارچري تنوح كالرُّ ضَّع؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬سرسي‪ ،‬كفى»‪.‬‬‫قا َم چايمي ً‬
‫اشتع َل الغضب على ُمحيَّاها‪ ،‬وقالت‪« :‬ماذا تفعل هنا أيها الفارس؟ لقد أقسمت أن تسهر على جثَّة أبينا‬
‫حتى ينتهي التَّأبين على ما أذك ُر»‪.‬‬
‫‪« -‬التَّأبين انتهى‪ .‬اذهبي وانظُري إليه»‪.‬‬
‫ليال كما قلت‪ .‬مؤ َّكد أن حضرة القائد يعرف كيف يع ُّد إلى سبعة‪ُ .‬خذ عدد أصابعك‬ ‫‪« -‬ال‪ .‬سبعة أيام وسبع ٍ‬
‫وأضف اثنين»‪.‬‬
‫ِ‬
‫كان آخَرون قد بدأوا يتدفَّقون من ال َّداخل إلى السَّاحة هاربين من الرَّائحة ال َّشنيعة‪ ،‬فقال لها چايمي مح ِّذ ًرا‪:‬‬
‫صوتك‪ ،‬اللورد تايرل يقترب»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫«سرسي‪ ،‬اخفضي‬
‫قائال‪« :‬أرجو أن‬ ‫سب َرت كلماته غضبتها وسحبَت الملكة تومن إلى جانبها‪ ،‬وانحنى مايس تايرل أمامهما ً‬
‫يكون جاللته بخير»‪.‬‬
‫قالت سرسي‪« :‬حُزن الملك غلبَه ال أكثر»‪.‬‬
‫‪« -‬كما يغلبنا جميعًا‪ .‬إذا كان هناك ما بإمكاني أن أفعله‪.»...‬‬
‫ق ُغراب صرخةً مرتفعةً وهو جاثم على تمثال الملك بيلور ويتبرَّز على الرَّأس المق َّدس‪.‬‬ ‫بعيدًا باألعلى أطل َ‬
‫هال شرَّفت جاللتها بتنا ُول‬‫قال چايمي‪« :‬هناك الكثير ج ًّدا بإمكانك أن تفعله من أجل تومن يا سيِّدي‪َّ .‬‬
‫ال َعشاء معها بَعد صلوات المساء؟»‪.‬‬
‫ظت لسانها هذه المرَّة‪ ،‬في حين بدا تايرل منده ًشا‪،‬‬ ‫ر َمته سرسي بنظر ٍة تُذبِل ال َّزرع‪ ،‬لكنها تعقَّلت وحف َ‬
‫أظن‪ ...‬بالطَّبع‪ ،‬سنتشرَّف بهذا أنا والسيِّدة زوجتي»‪.‬‬
‫وقال‪« :‬ال َعشاء؟ ُّ‬
‫أجب َرت الملكة نفسها على االبتسام ور َّددت كال ًما فار ًغا عن سرورها‪ ،‬لكن حين انصرفَ تايرل وص ِ‬
‫ُرفَ‬
‫تومن مع السير أدام ماربراند التفتَت إلى چايمي ساخطةً‪ ،‬وقالت‪« :‬أأنت سكران أم تَحلُم أيها الفارس؟‬
‫ريح‬
‫ٍ‬ ‫أخبِرني من فضلك‪ ،‬لماذا أتناو ُل ال َعشاء مع هذا األحمق الجشع وزوجته البلهاء؟»‪ ،‬وحرَّكت هبَّة‬
‫َشعرها َّ‬
‫الذهبي وهي تُضيف‪« :‬لن أعيِّنه يدًا إذا كان هذا ما‪.»...‬‬
‫ت في حاج ٍة إلى تايرل‪ ،‬ولكن ليس هنا‪ .‬سليه أن يستولي على (ستورمز إند) من أجل تومن‪.‬‬ ‫قاط َعها‪« :‬أن ِ‬
‫بدال من أبي‪ .‬مايس يتخيَّل نفسه ُمحاربًا مغوارًا‪ ،‬فإ َّما‬‫أطري عليه وقولي له إنك تحتاجين إليه في الميدان ً‬
‫ت الرَّابحة»‪.‬‬
‫مك (ستورمز إند) وإ َّما يُفسد األمر ويبدو كالحمقى‪ .‬في الحالتين أن ِ‬‫يُ َسلِّ ِ‬
‫جعل من‬ ‫َ‬ ‫ال َحت أمارات التَّفكير على سرسي وهي تقول‪(« :‬ستورمز إند)؟ نعم‪ ،‬ولكن‪ ...‬اللورد تايرل‬
‫الواضح تما ًما أنه لن يبرح (كينجز الندنج) قبل أن يتز َّوج تومن مارچري»‪.‬‬
‫تنهَّد چايمي‪ ،‬و َر َّد‪« :‬دعيهما يتز َّوجان إذن‪ .‬ستمضي سنوات قبل أن يكبر تومن ويستطيع إتمام ال ِّزيجة‪،‬‬
‫وأرسليه يلعب لُعبة الحرب»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وحتى ذلك الحين فإبطالها متاح دائ ًما‪ .‬أعطي تايرل زفافه‬
‫زحفَت ابتسامة حذرة على وجه أخته‪ ،‬وغمغ َمت‪« :‬حتى الحصار له أخطاره‪ ،‬بل وربما يفقد سيِّد‬
‫(هايجاردن) حياته في مغامر ٍة كتلك»‪.‬‬
‫أيَّدها ً‬
‫قائال‪« :‬تلك المخاطرة واردة‪ ،‬خصوصًا إذا نف َد صبره هذه الم َّرة واختا َر اقتحام الب َّوابة»‪.‬‬
‫ثبَّتت سرسي عينيها عليه لحظات‪ ،‬ثم قالت‪« :‬أتدري؟ للحظ ٍة كنت تتكلَّم كأنك أبونا بالضَّبط»‪.‬‬
‫بِريان‬
‫كانت ب َّوابة (وادي الغسق) مغلقةً موصدةً‪ .‬في عتمة ما قبل الفَجر التم َعت أسوار البلدة بشحوب‪ ،‬وعلى‬
‫متاريسها تحرَّكت خيوط الضَّباب ك ُحرَّاس شبحيِّين‪ ،‬فيما توقَّفت عربات اليد والعربات التي تجرُّ ها الثِّيران‬
‫خارج الب َّوابة منتظرةً شروق ال َّشمس‪ .‬أخ َذت بِريان مكانها وراء عرب ٍة مح َّملة باللِّفت‪ ،‬ول َّما كانت َربلتا‬
‫يمض وقت طويل قبل أن تُق ِبل عربة ي ٍد أخرى من‬ ‫ِ‬ ‫ساقيها تُؤلِمانها فقد أرا َحها أن تترجَّل وتفردهما‪ .‬لم‬
‫الغابة‪ ،‬وحين بدأت السَّماء تُنير كان الطَّابور يمت ُّد رُبع ميل‪.‬‬
‫أخاطبهم‪ ،‬لكن الكالم‬‫ِ‬ ‫ي أنا أن‬
‫ُخاطبها أحد‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬عل َّ‬
‫ت فضوليَّة وإن لم ي ِ‬ ‫حد َجها ال ُمزارعون بنظرا ٍ‬
‫خجوال‪ ،‬ولم تُفلِح سنوات السُّخرية الطَّويلة َّإال‬
‫ً‬ ‫صغرها كانت‬ ‫مع األغراب كان صعبًا عليها دو ًما‪ .‬حتى في ِ‬
‫تنحنحت وقالت للمرأة الجالسة على‬ ‫َ‬ ‫وإال كيف سأجدها؟‬ ‫خجال‪ .‬يجب أن أسأل عن سانزا‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫في جعلها أكثر‬
‫ت أختي على الطَّريق؟ إنها بنت في الثَّالثة عشرة‪ ،‬جميلة‬ ‫عساك رأي ِ‬
‫ِ‬ ‫عربة اللِّفت‪« :‬أيتها العقيلة‪ ،‬هل‬
‫المالمح ولها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي‪ .‬ربما تكون راكبةً مع فارس س ِّكير»‪.‬‬
‫أراهن إذن أنها لم تَعُد بنتًا‪ .‬ما اسم المسكينة؟»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ه َّزت المرأة رأسها نفيًا‪ ،‬لكن زوجها قال‪« :‬‬
‫اسم على اإلطالق يَصلُح‪َّ ،‬إال أنها لم تنجح في‬
‫وجدَت بِريان رأسها خاليًا‪ .‬كان عل َّي أن أختلق لها اس ًما‪ .‬أيُّ ٍ‬
‫التَّفكير في واحد‪.‬‬
‫الطرق مليئة بالبنات الالتي بال اسم»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال اسم؟ طيِّب‪ُّ ،‬‬
‫أضافَت زوجته‪« :‬وساحات األُشنة أكثر امتال ًء»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وهزوا أز َّمة دوابِّهم‪،‬‬ ‫الحرس في ال ُّشرفات‪ ،‬فصع َد ال ُمزارعون إلى عرباتهم‬ ‫مع بزوغ الفَجر ظه َر َ‬
‫وامتطَت بِريان فَرسها أيضًا وألقَت نظرةً وراءها‪ .‬معظم من في الطَّابور المنتظر دخول (وادي الغسق)‬
‫بأحمال من الخضراوات والفواكه في طريقها إلى البيع‪ ،‬ووراءها بنحو دست ٍة من المنتظرين‬ ‫ٍ‬ ‫ُمزارعون‬
‫ً‬
‫نحيال على‬ ‫ث َّمة اثنان من رجال البلدة األثرياء يركبان حصانيْن أصيليْن‪ ،‬وعلى مساف ٍة أبعد لم َحت صبيًّا‬
‫حصان أرقط تقليدي‪ ،‬لكنها لم ت َر أثرًا للفارسيْن المتج ِّوليْن أو السير شادريك الفأر المجنون‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ل َّوح ال َحرس للعربات بالمرور دون أن يُ َكلِّفوا أنفسهم مجرَّد النَّظر‪ ،‬ولكن حين بلغَت بِريان الب َّوابة جعلَتهم‬
‫وصاح قائدهم‪« :‬توقَّفي يا هذه!»‪ ،‬وقاط َع رجالن يرتديان الحلقات المعدنيَّة‬ ‫َ‬ ‫يعدلون عن وتيرتهم‪،‬‬
‫غرضك هنا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أفصحي عن‬ ‫حربتيهما ليس َّدا طريقها‪ ،‬بينما أضافَ القائد‪ِ « :‬‬
‫أبحث عن سيِّد (وادي الغسق) أو ِمايستره»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫قائال‪ُ « :‬خفَّاش لوثستون األسود‪ ،‬رمز سيِّئ السُّمعة»‪.‬‬
‫ثبَّت القائد نظرته على تُرسها ً‬
‫‪« -‬ليس رمزي‪ ،‬وأنوي أن أعيد طالء ال ُّترس»‪.‬‬
‫ً‬
‫ك القائد ذقنه المغطَّى بال َّزغب‪ ،‬وقال‪« :‬حقّا؟ أختي تُ ِ‬
‫زاول هذا العمل بالمنا َسبة‪ .‬ستجدينها في المنزل ذي‬ ‫َح َّ‬
‫الباب المل َّون‪ ،‬قُبالة (السُّيوف السَّبعة)»‪ ،‬وأشا َر إلى الحارسين مردفًا‪« :‬دعاها تمرُّ ‪ .‬إنها فتاة»‪.‬‬
‫ينفتح مبنى الب َّوابة على ميدان ال ُّسوق‪ ،‬حيث يُفَ ِّرغ من سبقوها إلى ال ُّدخول حموالتهم من اللِّفت والبصل‬
‫األصفر وال َّشعير ليُنادوا عليها‪ ،‬بينما يبيع آخَرون أسلحةً ودروعًا‪ ،‬وبأسعار رخيصة للغاية أيضًا كما تشي‬
‫مضت‬‫األرقام التي سم َعتهم يزعقون بها وهي تمرُّ ‪ .‬مع ِغربان الجيف يأتي ال ُّلصوص بَعد ك ِّل معركة‪َ .‬‬
‫ت منبعجةً وسيوفًا طويلةً‬
‫بِريان بفَرسها لتشهد قمصانًا حلقاتها المعدن ال تزال مل َّوثةً بالدِّماء البنِّيَّة وخوذا ٍ‬
‫ثلمةً‪ ،‬باإلضافة إلى الثِّياب المعروضة للبيع التي تض ُّم أحذيةً ِجلد ومعاطف فرو وسُترا ٍ‬
‫ت متَّسخة فيها‬
‫‪96‬‬
‫بقاع مريبة‪ .‬تعرَّفت عددًا كبيرًا من ال َّشارات‪ ،‬كالقبضة المقفَّزة بالحلقات المعدنيَّة والموظ‬ ‫ٍ‬ ‫تمزقات في‬ ‫ُّ‬
‫وال َّشمس البيضاء والبلطة ذات النَّصلين‪ .‬كلُّها رموز شماليَّة‪ ،‬غير أن رجال تارلي لقوا حتفهم هنا أي ً‬
‫ضا‪،‬‬
‫وكثيرين من أراضي العواصف كذلك‪ ،‬إذ رأت تفَّاحًا أحمر وأخضر‪ ،‬وتُرسًا عليه صواعق عائلة اليجود‬
‫ظهر صيَّاد اللورد تارلي طويل القدمين على‬ ‫َ‬ ‫حصان مزركشة بنمل عائلة أمبروز‪ ،‬كما‬ ‫ٍ‬ ‫الثَّالث‪ ،‬وكسوة‬
‫كثر ٍة كاثرة من ال َّشارات وال َّدبابيس والسُّترات‪ .‬عد ًّوا كان أم صديقًا‪ ،‬ال ِغربان ال تُبالي‪.‬‬
‫وجدَت بِريان تُروسًا من خشب الصَّنوبر وخشب ال َّزيزفون تُشترى ببنسات معدودة‪ ،‬لكنها تجاوزَتها بال‬
‫اكتراث‪ ،‬إذ تنوي االحتفاظ بالتُّرس البلُّوط الثَّقيل الذي أعطاها چايمي إياه وحملَه بنفسه من (هارنهال) إلى‬
‫أخف وزنًا ومن ثم أسهل في الحمل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫(كينجز الندنج)‪ .‬للتُّرس المصنوع من خشب الصَّنوبر مميِّزاته‪ ،‬فهو‬
‫ومن شأن الخشب الطَّري أن يجعل سيف الخصم أو فأسه ينغرس فيه فال يستطيع انتزاعه‪ ،‬على أن البلُّوط‬
‫يحمي حامله أكثر إذا كان قويًّا كفايةً الحتمال وزنه‪.‬‬
‫أرض‬
‫ٍ‬ ‫(وادي الغسق) مبنيَّة حول مينائها‪ .‬شمال البلدة ترتفع جُروف الطَّباشير‪ ،‬وإلى الجنوب يقي لسان‬
‫صخريَّة السُّفن الرَّاسية من العواصف الهابَّة من (البحر الضيِّق)‪ ،‬في حين تطلُّ القلعة على الميناء وتُمكن‬
‫مكان في البلدة‪ .‬ألفَت المشي أسهل من الرُّ كوب في‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫رؤية حصنها المربَّع وأبراجها المستديرة من أ ِّ‬
‫اسطبل وواصلَت الطَّريق على قدميها‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ال َّشوارع المرصوفة المزدحمة‪ ،‬فتر َكت بِريان فَرسها في‬
‫علَّقت تُرسها على ظَهرها ودسَّت لفافة النَّوم تحت إبطها‪.‬‬
‫خان في البلدة‪ ،‬بناء من أربعة طوابق‬ ‫ٍ‬ ‫لم يكن العثور على أخت القائد صعبًا‪ ،‬ف(السُّيوف السَّبعة) أكبر‬
‫برسم رائع ال َجمال لقلع ٍة في غاب ٍة خريفيَّة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يرتفع فوق جيرانه‪ ،‬ويُقابِله منزل بابه من مصراعيْن مزيَّنيْن‬
‫والذهبي‪ ،‬ويزحف اللَّبالب على جذوع السَّنديانات العجوز‪ ،‬وحتى‬ ‫َّ‬ ‫أشجارها مل َّونة بدرجات الخمري‬
‫ت وسط ورق ال َّشجر‪ ،‬منها‬ ‫أشجار البلُّوط مرسومة بعناي ٍة وشغف‪ ،‬ول َّما أمعنَت بِريان النَّظر رأت مخلوقا ٍ‬
‫ثعلب أحمر م َّكار و ُعصفوران على فرع‪ ،‬غير ِظلِّ ال ُّدبِّ البادي وراء األوراق‪.‬‬
‫قالت للمرأة داكنة ال َّشعر التي فت َحت الباب حين دقَّته‪ِ « :‬‬
‫بابك جميل‪ .‬أيُّ قلع ٍة هذه؟»‪.‬‬
‫أجابَت أخت القائد‪« :‬جميع القالع‪ .‬الوحيدة التي أعرفها هي (قلعة التَّبَّة) عند الميناء‪ .‬األخرى اختلقتها من‬
‫خيالي‪ ،‬ما ينبغي لقلع ٍة أن تبدو‪ .‬إنني لم أ َر تنِّينًا من قبل كذلك‪ ،‬وال جريفين‪ 95‬أو يونيكورن‪ .»94‬كانت تتكلَّم‬
‫مرح‪ ،‬لكن عندما أ َرتها بِريان التُّرس أظل َم وجهها‪ ،‬وقالت‪« :‬أ ِّمي العجوز اعتادَت أن تقول إن‬ ‫ب ِ‬ ‫بأسلو ٍ‬
‫الخفافيش العمالقة تطير من (هارنهال) في اللَّيالي غير ال ُمقمرة‪ ،‬لتحمل األطفال سيِّئي ال ُخلق إلى دانل‬
‫المجنونة لتطبخهم‪ .‬أحيانًا أسمعها تُخَر ِبش مصاريع النَّوافذ»‪ ،‬ثم شفطَت أسنانها مصدرةً صوتًا حا ًّدا‬
‫وف َّكرت لحظةً قبل أن تسأل‪« :‬ماذا تُريدين مكانه؟»‪.‬‬
‫رمز عائلة تارث أربعة مربَّعات‪ ،‬اثنان لونهما وردي واثنان أزرق سماوي‪ ،‬وعليه شمس صفراء وهالل‪،‬‬
‫لكن ما دا َم النَّاس يعتقدونها قاتلةً فبِريان ال تجرؤ على حمل هذا الرَّمز‪ .‬هكذا قالت‪ِ « :‬‬
‫بابك ذ َّكرني بتُر ٍ‬
‫س‬
‫قديم رأيته م َّرةً في مستودَع سالح أبي»‪ ،‬ووصفَته لها قدر ما أسعفَتها َّ‬
‫الذاكرة‪.‬‬
‫جف‪ُ .‬خذي ُغرفةً في‬‫ت لي َّ‬
‫طالء سيحتاج إلى وق ٍ‬ ‫أومأَت المرأة قائلةً‪« :‬أستطي ُع أن أرسمه في الحال‪ ،‬لكن ال ِّ‬
‫لك ال ُّترس في الصَّباح»‪.‬‬
‫ت وسأجلبُ ِ‬ ‫(السُّيوف السَّبعة) إذا أرد ِ‬
‫لم تكن نيَّة بِريان أن تقضي اللَّيل في (وادي الغسق)‪ ،‬ولكن قد يكون هذا خيرًا‪ ،‬فهي ال تدري إن كان سيِّد‬
‫تتأرجح‬
‫َ‬ ‫القلعة موجودًا‪ ،‬وإن كان سيُوافِق على رؤيتها‪ .‬شك َرت ال َّرسَّامة وعب َرت ال َّشارع إلى الخان الذي‬
‫مسمار كبير من الحديد‪ ،‬وعلى الرغم من أن الجير‬ ‫ٍ‬ ‫فوق بابه الفتة عليها سبعة سيوف خشبيَّة معلَّقة من‬
‫ُس َمت به السُّيوف يبدو مشقَّقًا متق ِّشرًا فإن بِريان تعرف معنى َّ‬
‫الالفتة‪ ،‬وأن السُّيوف ترمز إلى أبناء‬ ‫الذي ر ِ‬
‫عائلة داركلين ال َّسبعة الذين ارتدوا معاطف ال َحرس الملكي البيضاء‪ .‬ال عائلة أخرى في البالد كلِّها يُمكنها‬
‫أن تتباهى بهذا العدد‪ .‬كانوا مفخرة عائلتهم‪ ،‬واآلن غدوا الفتةً فوق باب خان‪ .‬دف َعت الباب داخلةً القاعة‬
‫صاحب الخان ُغرفةً وح َّما ًما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫العا َّمة وطلبَت من‬
‫أنزلَها في ُغرف ٍة في الطَّابق الثَّاني‪ ،‬وأحض َرت لها امرأة ذات وحم ٍة بلون الكبد على وجهها حوضًا خشبيًّا‪،‬‬
‫سطال‪ .‬سألَتها بِريان وهي تضع جسدها في الحوض‪« :‬هل تبقَّى أحد من آل داركلين‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سطال‬ ‫ثم جلبَت الماء‬
‫في (وادي الغسق)؟»‪.‬‬
‫كنت منهم قبل زواجنا ولذا س َّو ُ‬
‫دت‬ ‫أجابَت المرأة‪« :‬هناك آل دارك‪ .‬أنا منهم عن نفسي‪ .‬زوجي يقول إنني ُ‬
‫ُمكنك أن ترمي حجرًا في (وادي الغسق) دون أن تُصيبي‬ ‫ِ‬ ‫معيشته بَعد ال َّزواج»‪ ،‬وضح َكت مضيفةً‪« :‬ال ي‬
‫آخرهم‪ .‬اللورد دينس كان‬ ‫أحدًا من آل دارك أو داركوود أو دارجود‪ ،‬لكن لوردات آل داركلين بادوا عن ِ‬
‫األخير‪ ،‬ذلك ال َّشاب األحمق الجميل‪ .‬هل تعلمين أن آل داركلين كانوا ملو ًكا في (وادي الغسق) قبل مجيء‬
‫ي‪ ،‬لكن في عروقي دماء ملكيَّة‪ ،‬هل ترين؟ المفت َرض أن‬ ‫األنداليِّين؟ لن تُ َخ ِّمني هذا من مجرَّد النَّظر إل َّ‬
‫أجعلهم يقولون‪ :‬كوب آ َخر من ال ِمزر يا صاحبة الجاللة‪ ،‬وعاء الفضالت في حاج ٍة إلى إفراغ يا صاحبة‬
‫الجاللة‪ ،‬واجلبي لي المزيد من الحطب‪ ،‬النَّار تكاد تهمد يا صاحبة الجاللة اللَّعينة»‪ ،‬وضح َكت ثانيةً‬
‫هاك‪ .‬هل الماء ساخن كفايةً؟»‪.‬‬
‫آخر قطرات الماء من السَّطل‪ ،‬وقالت‪ِ « :‬‬ ‫وأفرغَت ِ‬
‫أجابَت وهي جالسة في الماء الفاتر‪« :‬ال بأس به»‪.‬‬
‫بحجمك تمأل حوضًا كهذا»‪.‬‬‫ِ‬ ‫كنت ألجلب المزيد‪ ،‬لكنه سينسكب من فوق الحافة‪ .‬فتاة‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫فقط ألنه حوض صغير ضيِّق‪ .‬في (هارنهال) كانت األحواض ضخمةً ومصنوعةً من الحجارة‪ ،‬وامتألَ‬
‫الح َّمام بالبُخار المتصاعد من الماء السَّاخن‪ ،‬وأتى چايمي يخترق تلك الغشاوة عاريًا كيوم مولده‪ ،‬يبدو‬
‫نِصف جثَّ ٍة ونِصف إله‪ .‬قالت لنفسها متذ ِّكرةً ووجهها يتورَّد‪ :‬يومها نز َل إلى الحوض معي‪ .‬أطبقَت على‬
‫قطع ٍة من صابون القِ ْلي الصُّ لب وح َّكت بها إبطيها محاولةً أن تستدعي وجه رنلي إلى َّ‬
‫الذاكرة م َّرةً أخرى‪.‬‬
‫مع برود الماء كان جسدها قد صا َر نظيفًا تما ًما‪ ،‬فعادَت ترتدي المالبس نفسها التي خل َعتها وأوثقَت حزام‬
‫سيفها حول َوركيها‪ ،‬وإن تر َكت قميصها المعدني وخوذتها كي ال يبدو منظرها مه ِّددًا في (قلعة التَّبَّة)‪.‬‬
‫الجلد على كلٍّ منهما شارة‬ ‫أرا َحها أن تفرد ساقيها‪ ،‬وعند ب َّوابة القلعة وجدَت حارسيْن يرتديان سُترتيْن من ِ‬
‫ب مائل‪ .‬قالت لهما‪« :‬أري ُد أن أتكلَّم مع سيِّدكما»‪.‬‬‫تُظ ِهر مطرقتيْن حربيَّتيْن متقاطعتيْن على صلي ٍ‬
‫قائال‪« :‬األفضل أن تزعقي إذن»‪.‬‬ ‫ضحكَ أحدهما ً‬
‫وقال الثَّاني‪« :‬اللورد ريكر خر َج إلى ( ِبركة العذارى) مع راندل تارلي وتركَ السير روفوس ليك أمينًا‬
‫صغار»‪.‬‬
‫للقلعة‪ ،‬ليعتني بالليدي ريكر وال ِّ‬
‫رجال قصيرًا مكتن ًزا أشيب اللِّحية‪ ،‬تنتهي ساقه اليُسرى‬ ‫ً‬ ‫وإلى ليك اصط َحباها‪ ،‬فوجدَت السير روفوس‬
‫ب َجدعة‪ .‬قال لها‪« :‬أرجو أن تَع ُذريني لعدم نهوضي»‪ .‬أخر َجت بِريان رسالتها ليقرأها‪ ،‬لكن ألن ليك أ ِّم ٌّي‬
‫فقد أرسلَها إلى ال ِمايستر األصلع ذي فروة الرَّأس المن َّمشة وال َّشارب األحمر اليابس‪.‬‬
‫بدا أن وجهها وشى بها‪ ،‬وحين سم َع ال ِمايستر اسم هوالرد قطَّب وجهه ضيقًا‪ ،‬وقال‪« :‬كم م َّرةً عل َّي أن‬
‫إنك األولى بَعد العشرين على األقل‪.‬‬
‫أنك أول من جا َء يبحث عن دونتوس؟ ِ‬
‫ت ِ‬ ‫أكرِّر هذا الكالم؟ هل حسب ِ‬
‫ذوو المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة كانوا هنا في غضون أيام بَعد اغتيال الملك ومعهم تفويض اللورد تايوين‪ .‬ماذا‬
‫ت يا تُرى؟»‪.‬‬
‫تحملين أن ِ‬
‫أ َرته بِريان الرِّسالة الممهورة بخَتم تومن وتوقيعه ُّ‬
‫الطفولي‪ ،‬وهمه َم الرَّجل ودمد َم وهو يفحص ال َّشمع قبل‬
‫رسي وأشا َر لبِريان بالجلوس على آ َخر‬
‫ٍّ‬ ‫جلس على ُك‬
‫َ‬ ‫أن يُعيدها إليها أخيرًا‪ ،‬ويقول‪« :‬تبدو سليمةً»‪ ،‬ثم‬
‫رحل من (وادي الغسق)‪ .‬آل هوالرد كانوا عائلةً‬ ‫َ‬ ‫مردفًا‪« :‬لم أعرف السير دونتوس قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬كان صبيًّا عندما‬
‫شريط أزرق‪.‬‬‫ٍ‬ ‫نبيلةً‪ ،‬هذا صحيح‪ .‬هل تعرفين رمزهم؟ أحمر توتي ووردي‪ ،‬مع ثالثة تيجان ذهبيَّة على‬
‫ت من عائلة هوالرد‪.‬‬‫كان آل داركلين ملو ًكا صغار ال َّشأن خالل عصر األبطال‪ ،‬وثالثة منهم اتَّخذوا زوجا ٍ‬
‫الحقًا ابتل َعت الممالك األكبر مملكتهم الصَّغيرة‪ ،‬لكن آل داركلين استمرُّ وا وخد َمهم آل هوالرد‪ ...‬نعم‪ ،‬حتى‬
‫في التَّحدِّي‪ .‬هل تعرفين القصَّة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بعض ال َّشيء»‪ .‬كان ِمايسترها يقول إن تحدِّي (وادي الغسق) هو ما قا َد الملك إيرس إلى الجنون‪.‬‬
‫‪« -‬ما زالوا يحبُّون اللورد دينس في (وادي الغسق) على الرغم من الويالت التي جلبَها عليهم‪ .‬إنهم‬
‫يصبُّون اللَّوم على الليدي سيراال‪ ،‬زوجته المايريَّة الملقَّبة باألفعى الحريريَّة‪ .‬لو كان اللورد دينس قد‬
‫تز َّوج واحدةً من بنات ستونتون أو ستوكوورث‪ ...‬تعلمين كيف يتمادى العا َّمة في الكالم‪ .‬يقولون إن‬
‫األفعى الحريريَّة وسو َست في أُذن زوجها ومألَتها بالسُّم المايري إلى أن هَبَّ اللورد دينس ضد مليكه‬
‫وأخ َذه أسيرًا‪ ،‬وخالل عمليَّة األسر نفسها قت َل قيِّم سالحه السير سايمون هوالرد السير جواين جونت رجل‬
‫جلس يد الملك خارج (وادي‬ ‫َ‬ ‫ظ َّل إيرس حبيس هذه الجُدران‪ ،‬بينما‬ ‫عام َ‬
‫ال َحرس الملكي‪ .‬طوال نِصف ٍ‬
‫ت يشاء‪ ،‬لكن‬‫ي وق ٍ‬‫ش جرَّار‪ ،‬وكان اللورد تايوين يملك ق َّوةً كافيةً القتحام البلدة في أ ِّ‬
‫الغسق) على رأس جي ٍ‬
‫اللورد دينس أرس َل له يقول إنه سيَقتُل الملك مع أول بادرة هجوم»‪.‬‬
‫تذ َّكرت بِريان ما جرى بَعدها‪ ،‬وقالت‪« :‬وتحرَّر الملك‪ ،‬السير باريستان أنق َذه وأخر َجه»‪.‬‬
‫بدال من أن يدع‬‫قال ال ِمايستر‪« :‬نعم‪ ،‬وما كا َد اللورد دينس يفقد رهينته حتى فت َح ب َّواباته وأنهى التَّحدِّي ً‬
‫مزاج متسامح‪ .‬فق َد اللورد دينس‬
‫ٍ‬ ‫اللورد تايوين يأخذ بلدته‪ ،‬ورك َع وتوسَّل الصَّفح‪ ،‬لكن الملك لم يكن في‬
‫ُ‬
‫رأسه‪ ،‬باإلضافة إلى إخوته وأخته وأعمامه وأوالدهم‪ ،‬آل داركلين قاطبةً‪ .‬أ َّما األفعى الحريريَّة فقد أ ِ‬
‫حرقَت‬
‫أوال‪ ،‬وأعضاءها األنثويَّة التي يُقال إنها أس َرت زوجها بها‪ .‬حتى‬ ‫حيَّةً‪ ،‬تلك المسكينة‪ ،‬لكنهم قطعوا لسانها ً‬
‫لك نِصف أهل (وادي الغسق) إن إيرس ترفَّق بها كثيرًا»‪.‬‬ ‫اآلن سيقول ِ‬
‫‪« -‬وآل هوالرد؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫قرأت تقارير محا َكماتهم‬ ‫واستؤصلَت شأفتهم‪ُ .‬‬
‫كنت أك ِّو ُن سلسلتي في القلعة في ذلك الحين‪ ،‬لكني‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬أُدينوا‬
‫وعقوباتهم‪ .‬السير چون هوالرد الوكيل كان زوج أخت اللورد دينس وماتَ مع أخته‪ ،‬وكذا ابنهما ال َّشاب‬
‫ض على الملك را َح يَرقُص حوله ويش ُّد‬ ‫الذي كان نِصف داركلين‪ .‬روبن هوالرد كان ُمرافقًا‪ ،‬ول َّما قُبِ َ‬
‫لحيته‪ ،‬فماتَ على ال ِمخلعة‪ 97‬والسير سايمون هوالرد قتلَه السير باريستان خالل هروب الملك‪ .‬هكذا‬
‫صو ِد َرت أراضي آل هوالرد وهُ ِد َمت قلعتهم وأُح ِرقَت قُراهم‪ ،‬وكعائلة داركلين فنَت عائلة هوالرد»‪.‬‬
‫‪« -‬باستثناء دونتوس»‪.‬‬
‫‪« -‬صحيح‪ .‬دونتوس الصَّغير كان ابن السير ستفون هوالرد‪ ،‬توأم السير سايمون الذي ماتَ قبل التَّحدِّي‬
‫ت ولم يكن له دور فيه‪ .‬أرا َد إيرس أن يضرب ُعنق الصَّبي رغم ذلك‪ ،‬لكن السير باريستان سألَه أن‬ ‫بسنوا ٍ‬
‫ُ‬
‫يستطع الملك أن يَرفُض طلب الرَّجل الذي أنق َذه‪ ،‬فأ ِخ َذ دونتوس إلى (كينجز الندنج)‬ ‫ِ‬ ‫يعفو عنه‪ ،‬فلم‬
‫ط‪ .‬ولِ َم يفعل؟ إنه ال يملك أراضي هنا وليس له‬ ‫ك ُمرافق‪ ،‬وعلى َح ِّد علمي لم يرجع إلى (وادي الغسق) قَ ُّ‬
‫أهل أو قلعة‪ .‬إذا كان دونتوس وتلك الفتاة ال َّشماليَّة قد لعبا دورًا في اغتيال ملكنا الحبيب‪ ،‬فيبدو لي أنهما‬
‫سيرغبان في أن يفصل أكبر عد ٍد ممكن من الفراسخ بينهما وبين العدالة‪ .‬ابحثي عنهما في (البلدة القديمة)‬
‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫الجدار)‪ ،‬ابحثي في‬ ‫إذا لز َم األمر‪ ،‬أو عبر (البحر الضيِّق)‪ ،‬ابحثي عنهما في (دورن) أو على ( ِ‬
‫يومك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وطاب‬
‫َ‬ ‫ونهض ال ِمايستر مضيفًا‪« :‬أسم ُع ِغدفاني تصيح‪ .‬أرجو أن تَع ُذريني‬ ‫َ‬ ‫آخَر»‪،‬‬
‫الذهاب إلى (قلعة التَّبَّة)‪ ،‬وإن كان السَّبب مزاجها على‬ ‫بدَت لها مسيرة العودة إلى الخان أطول من مسيرة َّ‬
‫األرجح‪ .‬واض ٌح اآلن أنها لن تجد سانزا ستارك في (وادي الغسق)‪ ،‬وإذا أخ َذها السير دونتوس إلى (البلدة‬
‫يظن ال ِمايستر‪ -‬فمه َّمة بِريان مستحيلة‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬وما لها في‬ ‫القديمة) أو عب َر بها (البحر الضيِّق) ‪-‬كما ُّ‬
‫(البلدة القديمة)؟ ال ِمايستر ال يعرفها أكثر مما يعرف هوالرد‪ .‬ما كانت لتذهب إلى ُغرباء‪.‬‬
‫في (كينجز الندنج) وجدَت بِريان واحدةً من وصيفات سانزا السَّابقات تعمل غسَّالةً في ماخور‪ ،‬وقالت لها‬
‫خدمت اللورد رنلي قبل الليدي سانزا‪ ،‬وكالهما تح َّول إلى خائن‪ .‬ال أحد من‬ ‫ُ‬ ‫المرأة بريال شاكيةً بمرارة‪« :‬‬
‫ي أن أغسل ثياب المومسات»‪ ،‬لكن حين سألَتها بِريان عن سانزا أجابَت‪:‬‬ ‫السَّادة سيمسُّني اآلن‪ ،‬لذا عل َّ‬
‫صلِّي دائ ًما‪ ،‬اعتادَت أن تذهب إلى السِّپت لتُش ِعل‬ ‫لك ما قتله للورد تايوين‪ .‬تلك الفتاة كانت تُ َ‬ ‫«سأقو ُل ِ‬
‫شموعها كما يليق بكلِّ ليدي‪ ،‬لكنها كانَت تذهب إلى أيكة اآللهة أيضًا ك َّل ليل ٍة تقريبًا‪ .‬لقد عادَت إلى‬
‫ال َّشمال‪ ،‬إلى ال َّشمال‪ .‬إن آلهتها هناك»‪.‬‬
‫على أن ال َّشمال شاسع‪ ،‬وبِريان تجهل َمن ِمن ح َملة راية أبيها تميل سانزا إلى الثِّقة به أكثر من غيره‪ .‬أم‬
‫عساها س َعت إلى لحمها ودمها؟ على الرغم من أن إخوتها قُتِلوا جميعًا‪ ،‬فبِريان تعلم أن لسانزا ع ًّما ً‬
‫وأخا‬
‫الجدار)‪ ،‬وهناك أيضًا خالها إدميور تَلي األسير في (التَّوأمتين)‪ ،‬لكن‬ ‫نغال يخدمان في َحرس اللَّيل على ( ِ‬ ‫ً‬
‫ع َّمه السير برايندن ما زا َل مسيط ًرا على (ريڤر َرن)‪ ،‬وأخت الليدي كاتلين الصَّغيرة تَح ُكم في (الوادي)‪.‬‬
‫الجدار) بعيد ج ًّدا من غير ريب‪ ،‬ثم‬ ‫ال َّدم يُنادي ال َّدم‪ .‬ربما هرعَت سانزا إلى أحدهم بالفعل‪ ،‬لكن إلى أيِّهم؟ ( ِ‬
‫إنه مكان كئيب موحش‪ ،‬وكي تَبلُغ الفتاة (ريڤر َرن) عليها أن تقطع أراضي النَّهر التي م َّزقتها الحرب‬
‫وتمرُّ من خطوط حصار النستر‪( .‬العُش) الخيار األسهل‪ ،‬وال بُ َّد أن الليدي اليسا ستُ َرحِّب بابنة أختها‪...‬‬
‫ق مسدود‪ ،‬فِناء صغير‬ ‫بشكل ما سل َكت بِريان مسا ًرا خاطئًا‪ ،‬فوجدَت نفسها في طري ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أمامها انعطفَ ُّ‬
‫الزقاق‪.‬‬
‫بئر حجريَّة واطئة‪ .‬قب َع أحدها لمرآها‪ ،‬ورمقَتها عجوز‬ ‫موحل تُنَقِّب فيه ثالثة خنازير عن الطَّعام حول ٍ‬
‫تسحب الماء ب َش ٍّك سائلةً‪« :‬ماذا تُريدين؟»‪.‬‬
‫أبحث عن (السُّيوف السَّبعة)»‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫ت‪ ،‬يسارًا عند السِّپت»‪.‬‬
‫‪« -‬عودي من حيث أتي ِ‬
‫ُسرع ليدور حول‬ ‫بشخص كان ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫أشكرك»‪ ،‬والتفتَت لتعود أدراجها‪ ...‬وارتط َمت مباشر ٍة‬
‫ِ‬ ‫قالت بِريان‪« :‬‬
‫مؤخرته في الوحل‪ ،‬فتمت َمت‪« :‬معذرةً»‪ .‬وجدَته مجرَّد‬ ‫ِّ‬ ‫المنعطَف‪ .‬طر َحته الصَّدمة أرضًا‪ ،‬ووق َع على‬
‫عاونه على‬ ‫تأذيت؟»‪ ،‬وم َّدت يدها تُ ِ‬ ‫صبي نحيل له َشعر خفيف مفرود و ُد َّمل تحت عينه‪ .‬أضافَت‪« :‬هل َّ‬ ‫ٍّ‬
‫النُّهوض‪ ،‬لكن الصَّبي تراج َع متملِّصًا منها على كعبيه و ِمرفقيه‪ .‬ال يُمكن أن ِسنَّه تتجا َوز العاشرة أو الثَّانية‬
‫عشرة‪ ،‬على الرغم من أنه يرتدي سُترةً من الحلقات المعدنيَّة وعلى ظَهره سيف طويل في ِغم ٍد ِجلدي‪.‬‬
‫تستطع أن تتذ َّكر أين رأته من قبل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بشكل ضبابي يبدو وجهه مألوفًا‪ ،‬وإن لم‬
‫ٍ‬ ‫سألَته بِريان‪« :‬هل أعرفك؟»‪.‬‬
‫مواصال‪« :‬سسسامحيني يا سيِّدتي‪ .‬لم أكن أنظرُ‪ ،‬أعني أني‬ ‫ً‬ ‫ونهض‬
‫َ‬ ‫إنك لم‪،»...‬‬
‫قال‪« :‬ال‪ ،‬ال تعرفينني‪ِ ،‬‬
‫ق ساقيه لل ِّريح عائدًا إلى حيث جا َء‪.‬‬ ‫كنت أنظ ُر ولكن إلى أسفل‪ُ ،‬‬
‫كنت أنظ ُر إلى أسفل‪ ،‬إلى قد َمي»‪ ،‬وأطل َ‬ ‫ُ‬
‫تطارده في شوارع (وادي الغسق) بالطَّبع‪ .‬ثم إنها‬ ‫شيء ما فيه أثا َر شكوك ِبريان‪ ،‬غير أنها لم تكن لُ ِ‬
‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫تذ َّكرت‪ .‬خارج الب َّوابة هذا الصَّباح‪ ،‬هناك رأيته‪ .‬كان يمتطي حصانًا أرقط‪ .‬ويُ َخيَّل لها أنها رأته في‬
‫آخَر أيضًا‪ ،‬لكن أين؟ عندما عادَت بِريان إلى (السُّيوف السَّبعة) كانت القاعة العا َّمة قد ازدح َمت‪ .‬قُرب‬
‫النَّار تجلس أربع ِسپتوات في أردي ٍة ل َّوثها وترَّبها الطَّريق‪ ،‬وفي باقي المكان يمأل أهل البلدة الدِّكك‬
‫بقطع من ال ُخبز‪ .‬جعلَت الرَّائحة بطنها يُقَرقِر‪ ،‬لكنها لم َ‬
‫تر‬ ‫ٍ‬ ‫ويُ َغ ِّمسون يخنة السَّرطان البحري السَّاخنة‬
‫وثب من على ال ِّد َّكة لم‬
‫َ‬ ‫مقاعد شاغرةً‪ ،‬ثم قال صوت من خلفها‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬تفضَّلي‪ُ ،‬خذي مكاني»‪ .‬حتى‬
‫طوال‪ ،‬وله أنف منتفخ معرَّق وأسنان‬‫ً‬ ‫درك بِريان أن المتكلِّم قزم‪ .‬ال يَبلُغ الرَّجل الصَّغير األقدام الخمسة‬ ‫تُ ِ‬
‫محمرَّة من مضغ التَّبغ ال ُمر‪ ،‬ويرتدي الخيش البنِّي كاإلخوة المتديِّنين‪ ،‬ومن ُعنقه الثَّخين تتدلَّى مطرقة‬
‫(الح َّداد)‪.‬‬
‫قالت‪« :‬احتفظ بمقعدك‪ .‬أستطي ُع الوقوف ِمثلك تما ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكن رأسي ليس قمينًا بأن يخبط السَّقف»‪ .‬يتكلَّم القزم بخشون ٍة وإنما بكياسة‪ ،‬ورأت بِريان ق َّمة‬
‫ككثير من اإلخوة المتديِّنين الذين يُبقون هذه البُقعة جرداء‪ .‬في م َّر ٍة قالت لها السِّپتة رويل‬
‫ٍ‬ ‫رأسه التي حلقَها‬
‫إن الغرض من هذا أن يُروا أنهم ال يُخفون شيئًا عن (األب)‪ ،‬فسألَتها بِريان‪« :‬أال يستطيع (األب) أن يرى‬
‫عبر ال َّشعر؟»‪ .‬سؤال سخيف‪ .‬لطالما كانت طفلةً بطيئة الفهم‪ ،‬وكثيرًا ما ر َّددت السِّپتة هذا‪ ،‬واآلن تكاد‬
‫تَشعُر بالسَّخافة نفسها‪ ،‬ولذا أخ َذت مكان الرَّجل الصَّغير في طرف ال ِّد َّكة وأشا َرت طالبةً اليخنة‪ ،‬ثم التفتَت‬
‫تَش ُكر القزم‪ ،‬وقالت‪« :‬هل تخدم في دار عباد ٍة في (وادي الغسق) أيها األخ؟»‪.‬‬
‫كنت أخد ُم قُرب ( ِبركة العذارى) يا سيِّدتي‪ ،‬لكن ال ِّذئاب‬
‫رغيف من ال ُخبز‪ُ « :‬‬ ‫ٍ‬ ‫أجاب الرَّجل وهو يقضم من‬ ‫َ‬
‫المرتزقة‪ .‬ال أدري رجال َمن كانوا‪ ،‬لكنهم‬ ‫ِ‬ ‫أح َرقوا المكان‪ .‬أعدنا البناء قدر اإلمكان‪ ،‬إلى أن أتى بعض‬
‫واختبأت‪ ،‬لكن اآلخَرين كانوا أكبر‬ ‫ُ‬ ‫دسست نفسي في جذع شجر ٍة أجوف‬ ‫ُ‬ ‫أخذوا خنازيرنا وقتلوا اإلخوة‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال حتى دفنتهم جميعًا‪ ،‬لكن (الح َّداد) م َّدني بالق َّوة‪ ،‬وحين‬ ‫ُ‬
‫استغرقت وقتًا‬ ‫حج ًما من أن يفعلوا ِمثلي‪.‬‬
‫ُ‬
‫وخرجت وحدي»‪.‬‬ ‫بت عن القليل من المال الذي أخفاه األخ الكبير‬ ‫فرغت نقَّ ُ‬
‫ُ‬
‫الذاهبين إلى (كينجز الندنج)»‪.‬‬ ‫التقيت عددًا من اإلخوة َّ‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫الطرق‪ ،‬وليسوا إخوةً فقط‪ ،‬بل ِسپتونات وعوام أيضًا‪ ،‬كلُّهم عصافير‪ .‬ربما أكون‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬هناك مئات على ُّ‬
‫حكايتك الحزينة يا‬
‫ِ‬ ‫ُعصفورًا أيضًا‪ .‬لقد خلقَني (الح َّداد) صغيرًا»‪ ،‬وقهقهَ الرَّجل الصَّغير‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬وما‬
‫سيِّدتي؟»‪.‬‬
‫أبحث عن أختي‪ .‬إنها رفيعة النَّسب‪ ،‬في الثَّالثة عشرة فقط‪ ،‬بنت جميلة لها عينان زرقاوان و َشعر‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫َّ‬
‫كستنائي‪ .‬لعلك رأيتها مسافرةً مع رجل‪ ،‬فارس أو ربما مهرِّج‪.‬‬
‫هناك ذهب ل َمن يُسا ِعدني على العثور عليها»‪.‬‬
‫من َحها األخ ابتسامةً حمراء‪ ،‬وقال‪« :‬ذهب؟ يكفيني وعاء من هذه اليخنة كمكافأة‪ ،‬لكني أخشى أني ال‬
‫مال برأسه إلى‬
‫قابلت الكثير‪ ،‬لكن من البنات الحسناوات فال»‪ ،‬ثم َ‬ ‫ُ‬ ‫َدتك‪ .‬من المهرِّجين‬
‫أستطي ُع مساع ِ‬
‫ً‬
‫أسماال‬ ‫ُ‬
‫رأيت مهرِّ جًا في (بِركة العذارى)‪ .‬كان يرتدي‬ ‫الجانب وتف َّكر لحظةً‪ ،‬ثم أضافَ ‪« :‬تذ َّك ُ‬
‫رت اآلن أني‬
‫رأيت‪ ،‬لكن تحت الوسخ ارتدى ثياب مهرِّجين»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫متَّسخةً على َح ِّد ما‬
‫هل كان دونتوس هوالرد يرتدي ثياب المهرِّجين؟ ال أحد قال لبِريان إنه يرتديها‪ ...‬لكن ال أحد قال لها‬
‫العكس كذلك‪ .‬لكن لماذا يرتدي الرَّجل األسمال؟ هل حاقَت به بليَّة ما هو وسانزا بَعدما فرَّا من (كينجز‬
‫ً‬
‫أصال‪« .‬هل كان لهذا المهرِّ ج‬ ‫الندنج)؟ وارد ج ًّدا في ِظ ِّل األخطار التي تكتنف ُّ‬
‫الطرق‪ .‬وربما لم يكن هو‬
‫أنف أحمر مليء بالعروق ال َّزرقاء؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫دفنت‬ ‫ُ‬
‫ذهبت إلى (بِركة العذارى) بَعد أن‬ ‫‪« -‬ال يُمكنني أن أجزم بذلك‪ .‬الحقيقة أنني أعرته انتباهًا ً‬
‫قليال‪ .‬لقد‬
‫ُ‬
‫ورأيت المهرِّج أول م َّر ٍة على أرصفة‬ ‫إخوتى مف ِّكرًا أني قد أج ُد سفينةً تحملني إلى (كينجز الندنج)‪،‬‬
‫وحرص على أن يتحاشى جنود اللورد تارلي‪ ،‬وبَعدها صادَفته ثانيةً في‬
‫َ‬ ‫الميناء‪ .‬كان له طابع ماكر‪،‬‬
‫(اإلوزة النَّتنة)»‪.‬‬
‫ر َّددت حائرةً‪(« :‬اإلوزة النَّتنة)؟»‪.‬‬
‫أجاب القزم‪« :‬مكان كريه‪ .‬رجال اللورد تارلي يقومون بدوريَّات حول الميناء في (بِركة العذارى)‪ ،‬لكن‬ ‫َ‬
‫(اإلوزة) مليئة بالبحَّارة دو ًما‪ ،‬والبحَّارة معروفون بتهريب النَّاس على أسطُح سُفنهم إذا كان الثَّمن مناسبًا‪.‬‬
‫مالحي القوادس‪،‬‬ ‫مسلك لثالثة عبر (البحر الضيِّق)‪ .‬كثيرًا ما رأيته هناك يتكلَّم مع َّ‬
‫ٍ‬ ‫المهرِّج كان يبحث عن‬
‫وأحيانًا كان يُ َغنِّي أغاني طريفةً»‪.‬‬
‫مسلك لثالثة ال اثنين؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬يبحث عن‬
‫‪« -‬ثالثة يا سيِّدتي‪ ،‬أقس ُم على هذا باآللهة السَّبعة»‪.‬‬
‫ثالثة‪ ،‬سانزا والسير دونتوس‪ ...‬و َمن الثَّالث؟ ال ِعفريت؟ «هل وج َد المهرِّج سفينةً؟»‪.‬‬
‫بأيام‬
‫قال لها القزم‪« :‬ال أدري‪ ،‬لكن في ليل ٍة زا َر بعض جنود اللورد تارلي الحانة يبحثون عنه‪ ،‬وبَعدها ٍ‬
‫رجال يقول مزه ًّوا إنه خد َع مه ِّرجًا وإن معه َّ‬
‫الذهب الذي يُثبِت هذا‪ .‬كان سكران ويبتاع‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫سمعت‬ ‫قليلة‬
‫ال ِمزر للجميع»‪.‬‬
‫‪« -‬خد َع مه ِّرجًا‪ .‬ماذا يعني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أجه ُل اإلجابة‪ ،‬لكن اسمه ديك الرَّشيق‪ ،‬أذك ُر هذا»‪ ،‬وبسطَ القزم كفَّيه‪ ،‬وقال‪« :‬أخشى أن هذا هو كلُّ ما‬
‫رجل صغير»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫لك‪ ،‬باإلضافة إلى دعوات‬ ‫أستطي ُع أن أقدِّمه ِ‬
‫بز طازج وكوبًا من‬ ‫اشترت له بِريان وعا ًء من يخنة السَّرطان السَّاخنة‪ ،‬باإلضافة إلى ُخ ٍ‬ ‫َ‬ ‫مصداقًا لكلمتها‬
‫النَّبيذ‪ ،‬وإذ أك َل الرَّجل وهو واقف إلى جوارها ف َّكرت مليًّا في ما أخب َرها به‪ .‬أيُمكن أن ال ِعفريت انض َّم‬
‫إليهما؟ إذا كان تيريون النستر وليس دونتوس هوالرد وراء اختفاء سانزا‪ ،‬فمن المنطقي أن يلوذا بالفِرار‬
‫عبر (البحر الضيِّق)‪.‬‬
‫المفترض أن تأكلي‬ ‫َ‬ ‫حين فر َغ الرَّجل الصَّغير من وعاء اليخنة أنهى ما تبقَّى في وعائها أيضًا‪ ،‬وقال لها‪« :‬‬
‫الطرق‬‫ثلك عليها االحتفاظ بطاقتها‪ .‬المسافة إلى (بِركة العذارى) ليست طويلةً‪ ،‬لكن ُّ‬ ‫أكثر‪ .‬امرأة كبيرة ِم ِ‬
‫محفوفة بالمخاطر هذه األيام»‪.‬‬
‫أعرف‪ .‬على هذا الطَّريق تحديدًا ماتَ السير كليوس فراي وأس َرها الممثِّلون ال َّسفَّاحون مع السير چايمي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حاول چايمي أن يَقتُلني على الرغم من وهنه وهزاله واألصفاد التي قيَّدت معصميه‪ .‬ومع ك ِّل هذا كا َد‬ ‫َ‬
‫يغلبها‪ ،‬لكن ذلك كان قبل أن يَبتُر زولو يده‪ .‬كان زولو ورورچ وشاجويل ليغتصبوها نِصفمئة م َّر ٍة لوال أن‬
‫ق وزنها من الياقوت األزرق‪.‬‬ ‫السير چايمي قال لهم إنها تستح ُّ‬
‫أختك؟»‪ ،‬وربَّت على يدها‪ ،‬وأتب َع‪(« :‬العجوز) ستُنير‬ ‫ِ‬ ‫قال القزم‪« :‬سيِّدتي؟ تبدين حزينةً‪ .‬هل تُفَ ِّكرين في‬
‫طريقك إليها‪ ،‬ال تخافي‪ ،‬و(العذراء) ستحفظها»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪« -‬أدعو أن تكون محقًّا»‪.‬‬
‫ي اآلن أن أنصرف‪ .‬ما زا َل أمامي طريق طويل قبل أن أبلغ‬ ‫ق»‪ ،‬ثم انحنى ً‬
‫قائال‪« :‬لكن عل َّ‬ ‫َر َّد‪« :‬إنني مح ٌّ‬
‫(كينجز الندنج)»‪.‬‬
‫‪« -‬هل تملك حصانًا؟ أو ً‬
‫بغال؟»‪.‬‬
‫حيث أبغي‬ ‫ُ‬ ‫وجاوب‪« :‬بغالن‪ ،‬ها هما ذان في طرفَي ساقَي‪ .‬إنهما ي َُوصِّالنني إلى‬‫َ‬ ‫ضحكَ الرَّجل الصَّغير‪،‬‬
‫ً‬
‫متمايال مع ك ِّل ُخطوة‪.‬‬ ‫الذهاب»‪ ،‬وانحنى ثانيةً ثم اتَّجه إلى الباب‬ ‫َّ‬
‫ظلَّت جالسةً إلى المائدة بَعد ذهابه وقد أطرقَت ومعها كوب من النَّبيذ المخفَّف بالماء‪ .‬ال تشرب بِريان‬
‫النَّبيذ كثيرًا‪ ،‬وإن وجدَت من فتر ٍة طويلة إلى فتر ٍة طويلة أنه يُسا ِعد على تهدئة معدتها‪ .‬سألَت نفسها‪ :‬وأين‬
‫مكان اسمه (اإلو َّزة‬
‫ٍ‬ ‫رجل اسمه ديك الرَّشيق في‬ ‫ٍ‬ ‫أري ُد أنا أن أذهب؟ إلى (بِركة العذارى) ألبحث عن‬
‫آخر م َّر ٍة كانت البلدة خرابًا‪ ،‬وكان سيِّدها حبيس قلعته وأهلها موتى أو‬ ‫النَّتنة)؟ حين رأت (بِركة العذارى) ِ‬
‫هربوا أو مختبئين‪ .‬تذ َّكرت المنازل المحروقة وال َّشوارع الخالية والب َّوابات المحطَّمة والكالب الضَّارية‬
‫التي م َشت خلسةً وراء خيولهم‪ ،‬بينما طفَت الجُثث المنتفخة كزنابق ما ٍء شاحبة ضخمة على سطح البِركة‬
‫ُ‬
‫طلبت‬ ‫التي يُ َغ ِّذيها ينبوع واستم َّدت البلدة منها اسمها‪ .‬چايمي غنَّى ( ِست عذارى في بِركة)‪ ،‬وضح َ‬
‫ك حين‬
‫منه أن يَص ُمت‪ .‬ثم إن راندل تارلي في (بِركة العذارى) اآلن أيضًا‪ ،‬وهو سبب آخَر لتحاشي البلدة‪ .‬ربما‬
‫األفضل لها أن تستق َّل سفينةً إلى (بلدة النَّوارس) أو (الميناء األبيض)‪ .‬ويُمكنني أن أفعل هذا وذاك‪ ،‬أزور‬
‫ً‬
‫شماال أكثر‪.‬‬ ‫(اإلو َّزة النَّتنة) وأتكلَّم مع المدعو ديك الرَّشيق‪ ،‬ثم أجد سفينةً هناك تأخذني‬
‫بدأت القاعة العا َّمة تَفرُغ‪ ،‬وم َّزقت بِريان قطعةً من ال ُخبز نِصفين وأصغَت إلى الكالم ال َّدائر على الموائد‬
‫األخرى‪ ،‬والذي كان معظمه عن موت اللورد تايوين النستر‪.‬‬
‫قال أحد ُس َّكان البلدة يبدو من منظره أنه إسكافي‪« :‬يقولون إن ابنه قتلَه‪ ،‬ذلك القزم الصَّغير اآلثم»‪.‬‬
‫صبي صغير‪َ .‬من سيَح ُكمنا حتى يَبلُغ؟»‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫أضافَت ُكبرى السِّپتوات األربع‪« :‬والملك مجرَّد‬
‫قال أحد ال َحرس‪« :‬أخو اللورد تايوين‪ ،‬أو ربما اللورد تايرل‪ ،‬أو قاتِل الملك»‪.‬‬
‫ق في النَّار‪.‬‬
‫صاحب الخان‪« :‬ليس هو‪ ،‬ليس ذلك الحانث بالقَسم»‪ ،‬وبص َ‬‫ِ‬ ‫أعلنَ‬
‫ونهضت‪ .‬لقد سم َعت ما فيه الكفاية‪.‬‬
‫َ‬ ‫أفلتَت بِريان ال ُخبز من يديها ومس َحت الفُتات على سراويلها‬
‫ليلتها في المنام رأت نفسها في خيمة رنلي ثانيةً‪ .‬ال ُّشموع كلُّها تنطفئ والبرد قارس حولها‪ ،‬وث َّمة شيء ما‬
‫الظلمة الخضراء‪ ،‬شيء كريه مريع ينقضُّ على مليكها‪ .‬أرادَت أن تحميه‪ ،‬لكنها أحسَّت‬ ‫يتحرَّك في ُّ‬
‫َّيف الظِّلُّ واقي العُنق‬
‫ق الس ُ‬‫بأطرافها يابسةً متج ِّمدةً‪ ،‬ومجرَّد رفع يدها تطلَّب ق َّوةً أكبر مما تملك‪ ،‬وحين َش َّ‬
‫الفوالذي األخضر وبدأت الدِّماء تتدفَّق رأت أن الملك المحتضر ليس رنلي على اإلطالق وإنما چايمي‬
‫النستر‪ ،‬ولقد خذلَته‪.‬‬
‫وجدَتها أخت قائد الب َّوابة في القاعة العا َّمة تشرب كوبًا من الحليب المخلوط بالعسل وثالث بيضات نيئة‪،‬‬
‫ي قالت لها‪« :‬عمل جميل»‪.‬‬ ‫وعندما أ َرتها المرأة التُّرس المطل َّ‬
‫المرسوم أقرب إلى صور ٍة من رمز‪ ،‬وقد أعادَها منظرها عبر السِّنين الطِّوال إلى ظالم مستودَع سالح‬
‫أبيها البارد‪ ،‬وتذ َّكرت كيف مرَّرت أناملها على الطِّالء الباهت المتشقِّق‪ ،‬على أوراق ال َّشجرة الخضراء‬
‫نجم هوى‪.‬‬ ‫وعلى مسار ٍ‬
‫زادَت بِريان ال َّرسَّامة نِصف األجر الذي اتَّفقتا عليه‪ ،‬وعلَّقت ال ُّترس على كتفها حين غاد َرت الخان‪ ،‬بَعد‬
‫خرجت من البلدة من الب َّوابة‬
‫َ‬ ‫أن ابتاعَت القليل من ال ُخبز الجامد والجُبن والطَّحين من الطَّاهي‪ ،‬ثم إنها‬
‫دار فيها السَّواد األقبح من القتال حين هاج َم‬
‫مهل وسط الحقول وال َمزارع التي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ال َّشماليَّة وركبَت على‬
‫ال ِّذئاب (وادي الغسق)‪.‬‬
‫حينئ ٍذ كان اللورد راندل تارلي يقود جيش چوفري المك َّون من رجال الغرب وأراضي العواصف وفُرسان‬
‫(المرعى)‪ ،‬و َمن ماتوا من رجاله هنا ُح ِملوا إلى داخل البلدة ليستريحوا في قبور األبطال تحت ِسپتات‬
‫(وادي الغسق)‪ ،‬أ َّما موتى ال َّشماليِّين ف ُدفِنوا في مقبر ٍة جماعيَّة تطلُّ على البحر‪ ،‬وفوق الرُّ كام الذي يُ َعيِّن‬
‫ب عليها «هنا ي َ رق ُ د الذ ِّ ئاب» ال غير‪.‬‬ ‫مكان رقودهم رف َع المنتصرون الفتةً تقليديَّةً من الخشب ُكتِ َ‬
‫توقَّفت بِريان إلى جوار المقبرة ور َّددت صالةً صامتةً لهم ولليدي كاتلين ستارك وابنها روب وجميع من‬
‫ماتوا معهما‪.‬‬
‫عادَت بذاكرتها إلى اللَّيلة التي بل َغ فيها الليدي كاتلين خبر موت ابنيها‪ ،‬الصَّبيَّيْن الصَّغيريْن اللذين تر َكتهما‬
‫جلال قد وق َع‪ ،‬وسألَت الليدي كاتلين إن‬ ‫في (وينترفل) حفاظًا على أمنهما‪ .‬ساعتها عل َمت بِريان أن حدثًا ً‬
‫كانت هناك أنباء عن ابنيها‪ ،‬فأجابَت‪« :‬ليس لي أبناء غير روب»‪ .‬تكلَّمت كأنما يتل َّوى س ِّكين في أعماقها‪،‬‬
‫وم َّدت بِريان يدها عبر المائدة رغبةً في مواساتها‪ ،‬لكنها توقَّفت قبل أن تمسَّ أصابعها أصابع المرأة التي‬
‫انغرس خنجر في‬ ‫َ‬ ‫كانت تكبرها ِسنًّا‪ .‬قلبَت الليدي كاتلين يديها لتُريها النُّدوب في كفَّيها وأصابعها حيث‬
‫ُعمق لحمها‪ ،‬ثم شرعَت تتكلَّم عن ابنتيها‪ ،‬فقالت‪« :‬سانزا ليدي صغيرة‪ ،‬شديدة الكياسة دائ ًما وت َّواقة‬
‫ط كغرامها بحكايات الفُرسان ومآثرهم ال ُّشجاعة‪ .‬ستكبر لتُصبِح امرأةً‬ ‫غرم بشي ٍء قَ ُّ‬
‫إلسعاد َمن حولها‪ ،‬ولم تُ َ‬
‫اعتدت أن أصفِّف َشعرها بنفسي‪َ .‬شعرها كستنائي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أجمل مني بكثير‪ ،‬وهذا واضح في مالمحها‪ .‬كثي ًرا‬
‫وشديد الكثافة والنُّعومة‪ ...‬ما فيه من أحمر يعكس ضوء المشاعل فيتألَّق كالنُّحاس»‪.‬‬
‫تكلَّمت أيضًا عن آريا‪ ،‬ابنتها الصُّ غرى‪ ،‬لكن آريا مفقودة‪ ،‬وعلى األرجح ماتَت‪ ،‬أ َّما سانزا‪ ...‬أقس َمت بِريان‬
‫أكف عن البحث أبدًا‪ .‬سأدف ُع حياتي ثَمنًا إذا لز َم‬ ‫َّ‬ ‫لشبح الليدي كاتلين القلِق‪ :‬سأعث ُر عليها يا سيِّدتي‪ .‬لن‬
‫األمر‪ ،‬سأتخلَّى عن َشرفي وعن أحالمي كلِّها‪ ،‬لكني سأعث ُر عليها‪.‬‬
‫وراء أرض المعركة يمت ُّد الطَّريق موازيًا السَّاحل‪ ،‬بين البحر األخضر الرَّمادي بأمواجه المتالطمة و َخ ِّ‬
‫ط‬
‫تالل الجير المنخفضة‪ .‬ليست بِريان وحدها المسافرة على الطَّريق‪ ،‬فهناك قُرى صيد تنتشر على السَّاحل‬
‫صيَّادون هذا الطَّريق ليأخذوا أسماكهم إلى السُّوق‪ .‬قابلَت بائعة َسمك وبناتها وهن‬ ‫لع َّدة فراسخ‪ ،‬ويَسلُك ال َّ‬
‫عائدات إلى بيتهن وقد حملن السِّالل الفارغة على األكتاف‪ ،‬وبسبب ِدرعها حسبنها فارسًا حتى رأين‬
‫ت فضوليَّة‪ ،‬لكنها سألتهن‪« :‬هل رأيتن بنتًا في الثَّالثة‬ ‫وجهها‪ ،‬ثم را َحت الفتيات يتها َمسن ويَر ُمقنها بنظرا ٍ‬
‫عشرة على الطَّريق؟ بنتًا رفيعة النَّسب بعينين زرقاوين و َشعر كستنائي؟»‪ .‬لقد دفعها السير شادريك إلى‬
‫حاول‪« .‬ربما كانت مسافرةً مع مهرِّج»‪ .‬لم تُ ِحر الفتيات جوابًا غير‬ ‫تو ِّخي الحذر‪ ،‬ولكن لم يزل عليها أن تُ ِ‬
‫هَ ِّز رؤوسهن نفيًا والضَّحك منها من وراء ظَهرها‪.‬‬
‫في القرية األولى جرى الصِّبية حُفاة األقدام إلى جوار فَرسها‪ ،‬وكانت قد اعتم َرت خوذتها متألِّمةً من‬
‫وعرض آخَ ر‬‫َ‬ ‫عرض أحد الصِّبية أن يبيعها المحار‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫رجال‪.‬‬ ‫صيَّادات‪ ،‬فحسبَها اآلخَرون‬ ‫ضحك ال َّ‬
‫وعرض ثالث أخته‪.‬‬ ‫َ‬ ‫السَّرطان‪،‬‬
‫اشت َرت بِريان ثالثة سرطانات من الصَّبي الثَّاني‪ ،‬ولدى خروجها من القرية كان المطر قد بدأ يَسقُط‬
‫والرِّيح تشت ُّد‪ ،‬فألقَت نظرةً صوب البحر مف ِّكرةً‪ :‬ث َّمة عاصفة وشيكة‪ .‬دقَّت قطرات المطر فوالذ خوذتها‬
‫ب في البحر اآلن‪.‬‬‫زال أفضل من أن تكون على قار ٍ‬ ‫ورنَّت في أُذنيها وهي راكبة‪َّ ،‬إال أن هذا ما َ‬
‫شماال وجدَت الطَّريق ينقسم عند كوم ٍة من الحجارة تن ُّم عن كونها أطالل قلع ٍة‬ ‫ً‬ ‫بَعد ساع ٍة من تو ُّغلها‬
‫صغيرة‪ .‬يمضي الفرع األيمن مع السَّاحل ويتعرَّج نحو (الرَّأس المتصدِّع)‪ ،‬وهي منطقة موحشة مألى‬
‫ق التِّالل والحقول والغابات إلى (بِركة‬ ‫بالمستنقعات وأراضي الصَّنوبر القاحلة‪ ،‬والفرع األيسر يش ُّ‬
‫العذارى)‪ .‬كان المطر ينهمر بغزار ٍة أكثر عندئ ٍذ‪ ،‬فترجَّلت بِريان وقادَت فَرسها بعيدًا عن الطَّريق لتجد‬
‫مأوى بين األطالل‪ .‬ما زالَت حدود أسوار القلعة قابلةً للتَّمييز وسط العُلَّيق والحشائش وشجر ال َّدردار‬
‫الب ِّري‪ ،‬لكن األحجار التي ُشيِّدَت بها قدي ًما متناثرة اآلن بين الطَّريقيْن كمكعَّبات األطفال‪ ،‬وإن ظَ َّل جزء‬
‫من الحصن الرَّئيس قائ ًما‪ ،‬أبراجه الثَّالثة من الجرانيت الرَّمادي كاألسوار المهدومة‪ ،‬و ُشرَّافاتها‪ 99‬من‬
‫الحجر الرَّملي األصفر‪ ،‬وإذ تطلَّعت إليها بِريان أدر َكت كنهها وف َّكرت‪ :‬ثالثة تيجان‪ ،‬ثالثة تيجان ذهبيَّة‪.‬‬
‫كانت هذه قلعة عائلة هوالرد‪ ،‬وغالبًا ُولِ َد السير دونتوس هنا‪.‬‬
‫ق َّإال ال ِمفصالت الحديد الصَّدئة‪،‬‬ ‫قادَت الفَرس وسط ال َّدبش إلى مدخل الحصن الرَّئيس‪ .‬من الباب لم يتب َّ‬
‫جاف في ال َّداخل‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫لكن السَّقف ال يزال سلي ًما‪ ،‬والمكان‬
‫ونفضت َشعرها‪ ،‬وكانت تبحث عن حط ٍ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫الجدار وخل َعت خوذتها‬ ‫ربطَت بِريان الفَرس بحامل مشاعل في ِ‬
‫حصان آخَر يقترب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جاف إلشعال نار حين سم َعت صوت‬
‫دف َعتها غريزة ما إلى ال ُّتراجُع بين الظِّالل حيث ال يراها أحد من الطَّريق‪ .‬إنه الطَّريق عينه الذي وق َعت‬
‫عليه في األسر مع السير چايمي‪ ،‬وال تنوي أن تسمح لهذا بالتَّكرار‪.‬‬
‫تبيَّنت أن الرَّاكب رجل صغير الحجم‪ ،‬وما إن رأته ف َّكرت‪ :‬الفأر المجنون‪ ،‬تب َعني بوسيل ٍة ما‪ .‬امت َّدت يدها‬
‫إلى مقبض سيفها‪ ،‬ووجدَت نفسها تتسا َءل إن كان السير شادريك يخالها لُقمةً سائغةً لمجرَّد أنها امرأة‪ .‬لقد‬
‫ارتكب أمين قلعة اللورد جرانديسون الخطأ نفسه من قبل‪ .‬كان اسمه همفري واجستاف‪ ،‬عجوز متكبِّر في‬ ‫َ‬
‫قائال إنه يتوقَّع‬
‫حذر ِبريان ً‬ ‫الخامسة والستِّين له أنف كمنقار الصَّقر ورأس أصلع مبقَّع‪ ،‬ويوم خطبتهما َّ‬
‫منها أن تكون امرأةً قويمةً فور أن يتز َّوجا‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬لن أسمح للسيِّدة زوجتي بأن تعبث وتلهو مرتديةً‬
‫تأديبك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وإال أجبرتِني على‬ ‫دروع ال ِّرجال‪ .‬في هذا ستُطيعينني َّ‬
‫كانت في السَّادسة عشرة آنذاك وليست ال ُّسيوف غريبةً عليها‪ ،‬ولكن خجلى أيضًا على الرغم من براعتها‬
‫الفائقة في السَّاحة‪ ،‬ومع هذا وجدَت بطريق ٍة ما ال َّشجاعة الكافية ألن تقول للسير همفري إنها لن تقبل‬
‫ق على ارتداء‬ ‫رجل قادر على هزيمتها في النِّزال‪ ،‬فارب َّد وجه الفارس العجوز لكنه واف َ‬ ‫ٍ‬ ‫التَّأديب َّإال من‬
‫ِدرعه ليُ َعلِّمها مقام النِّسوة‪ ،‬وتناز َل االثنان بأسلحة المباريات الثَّلمة‪ ،‬فاستخد َمت بِريان هراوةً بال بروزات‪.‬‬
‫يومها كس َرت تَرقوة السير همفري واثنين من ضلوعه واضعةً بهذا نهاية خطبتهما‪ ،‬وكان الرَّجل زوجها‬
‫المنظور الثَّالث واألخير‪ ،‬ولم يص َّر أبوها ثانيةً على زواجها‪.‬‬
‫فعال فلربما تكون على وشك القتال‪ .‬إنها ال تنوي أن تُ ِ‬
‫شارك الرَّجل‬ ‫إذا كان السير شادريك هو من يتعقَّبها ً‬
‫بحثه عن سانزا أو تَترُكه يتبعها إليها‪ .‬إنه يتَّسم بتلك الغطرسة التي تنتاب المهَرة في السِّالح بسهولة‪ ،‬لكن‬
‫حجمه صغير‪ .‬مدى ذراعي أوسع منه‪ ،‬وال بُ َّد أنني أقوى أيضًا‪.‬‬
‫بِريان قويَّة كأكثر الفُرسان‪ ،‬وقد اعتا َد قيِّم السِّالح الذي علَّمها قدي ًما أن يقول إنها أسرع مما يُمكن أن تكون‬
‫أيُّ امرأ ٍة بحجمها‪ ،‬كما أن اآللهة أنع َمت عليها بق َّوة االحتمال أيضًا‪ ،‬وهو ما ع َّده السير جودوين موهبةً‬
‫ثمينةً‪ ،‬فالقتال بال َّسيف وال ُّترس عمل مت ِعب‪ ،‬وكثيرًا ما ينال النَّصر من يتمتَّع ب َجلَ ٍد أكثر‪ .‬علَّمها السير‬
‫جودوين أن تُقاتِل بحذر‪ ،‬أن ت َّدخر طاقتها بينما تَترُك خصومها يستهلكون طاقتهم في الهجمات الضَّارية‪،‬‬
‫يمتك سريعًا خشية أن يُقال‬ ‫قدرك دو ًما‪ ،‬وستجعلهم كبرياؤهم يرغبون في هز ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال لها‪« :‬سيبخس ال ِّرجال‬
‫إن امرأةً أرهقَتهم ود َّوختهم»‪ .‬تعلَّمت بِريان حقيقة تلك المقولة حالما خر َجت إلى العالم‪ ،‬وحتى چايمي‬
‫هاج َمها بتلك الطَّريقة في الغابة قُرب (بِركة العذارى)‪ ،‬وإذا شا َءت اآللهة سيقع الفأر المجنون في الخطأ‬
‫ذاته‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬ربما يكون فارسًا متمرِّ سًا لكنه ليس چايمي النستر‪ ،‬واستلَّت سيفها من ِغمده‪.‬‬
‫لكن الذي توقَّف عند مفت َرق الطَّريق ليس جواد السير شادريك الحربي الكستنائي‪ ،‬وإنما حصان أرقط‬
‫بارتباك مف ِّكرةً‪ :‬مجرَّد صبي‪ ،‬إلى‬
‫ٍ‬ ‫صبي نحيل‪ ،‬ول َّما رأت بِريان الحصان تراج َعت‬ ‫ٌّ‬ ‫عجوز بائس يمتطيه‬
‫لمحت الوجه تحت القلنسوة‪ .‬الصَّبي الذي ارتط َم بي في (وادي الغسق)‪ ،‬إنه هو‪.‬‬ ‫أن َ‬
‫لم يرفع الصَّبي ناظريْه إلى القلعة المتهدِّمة على اإلطالق‪ ،‬بل تطلَّع إلى أحد الطَّريقيْن ثم الثَّاني‪ ،‬وبَعد‬
‫هنيهة تر ُّد ٍد وجَّه الحصان نحو التِّالل وعا َد يتحرَّك‪ ،‬وبينما شاهدَته بِريان يختفي في المطر المنهمر‬
‫تذ َّكرت بغتةً أنها رأت ذلك الصَّبي في (روزبي)‪ .‬إنه يتبعني خلسةً‪ ،‬لكنها لُعبة يستطيع أن يلعبها اثنان‪.‬‬
‫هكذا حلَّت رباط فَرسها وامتطَتها وتحرَّكت وراءه‪.‬‬
‫أبقى الصَّبي عينيه على األرض وهو راكب‪ ،‬يُ َحدِّق إلى الحُفر في الطَّريق وهي تمتلئ بالماء‪ .‬كت َم المطر‬
‫صوت حوافر فَرسها‪ ،‬وال بُ َّد أن قلنسوة الصَّبي لعبَت دورًا أيضًا‪ ،‬فلم يَنظُر وراءه ولو مرَّة‪ ،‬حتى لحقَت‬
‫به بِريان وضربَت حصانه على الكفل بالجانب المسطَّح من سيفها الطَّويل‪ ،‬ليرفع الحصان قائمتيْه‬
‫فرف كجناحيْن على جانبيه‪ .‬سقطَ الصَّبي في الوحل‪ ،‬ثم‬ ‫األماميَّتين ويطير راكبه من فوق متنه ومعطفه يُ َر ِ‬
‫رف َع وجهه وبين أسنانه األوساخ والعُشب البنِّي الميت ليجد بِريان واقفةً فوقه‪.‬‬
‫أدر َكت أنه الصَّبي نفسه دون َش ٍّك وقد تعرَّفت ال ُّد َّمل تحت عينه‪ ،‬فسألَته‪َ « :‬من أنت؟»‪.‬‬
‫يستطع أن يقول َّإال‪« :‬پوه‪ ،‬پوه»‪،‬‬‫ِ‬ ‫تحرَّك فم الصَّبي بال صوت‪ ،‬واتَّسعت عيناه حتى صارتا كبيضتيْن‪ ،‬ولم‬
‫شخش سُترته المعدنيَّة وهو يُ َكرِّر‪« :‬پوه‪ ،‬پوه»‪.‬‬ ‫وارتجفَ لتُخَ ِ‬
‫قالت بِريان‪« :‬ماذا تقول؟»‪ ،‬ووض َعت رأس سيفها على تفَّاحة َحلقه مردفةً‪« :‬أرجوك أخبِرني َمن أنت ولِ َم‬
‫تتبعني»‪.‬‬
‫َدسَّ الصَّبي إصب ًعا في فمه ونق َر ُكتلةً من الطِّين‪ ،‬ثم قال‪« :‬پوه‪-‬پوه‪-‬پود‪ ،‬اسمي‪ ،‬پوه‪-‬پوه‪-‬پودريك‪ ،‬پوه‪-‬‬
‫پاين»‪.‬‬
‫خفضت بِريان سيفها وقد غم َرها التَّعاطُف مع الصَّبي‪ ،‬وتذ َّكرت يو ًما في (بهو المساء) وفارسًا شابًّا بورد ٍة‬ ‫َ‬
‫في يده‪ .‬أحض َر الوردة ليُعطيني إياها‪ .‬أو أن هذا ما أخب َرتها به ِسپتتها‪ .‬لم يكن عليها سوى أن تُ َرحِّب به‬
‫في قلعة أبيها‪ .‬كان في الثَّامنة عشرة‪ ،‬وله َشعر أحمر طويل ينسدل على كتفيه‪ ،‬وكانت هي في الثَّانية‬
‫عشرة‪ ،‬ترتدي فُستانًا يابسًا جديدًا محك ًما على جسدها ويُ َزيِّن صدره العقيق األحمر‪ .‬االثنان كان طولهما‬
‫تستطع أن تَنظُر في عينيه أو تُ َردِّد الكالم البسيط الذي علَّمتها ِسپتتها إياه‪ .‬سير‬
‫ِ‬ ‫واحدًا تقريبًا‪ ،‬إ َّال أنها لم‬
‫رونيت‪ ،‬مرحبًا بك في دار السيِّد والدي‪ .‬يسرُّ ني أن أرى وجهك أخيرًا‪.‬‬
‫ي؟ هل تخدم ڤارس أم الملكة؟»‪.‬‬ ‫سألَت الصَّبي‪« :‬لماذا تتبعني؟ هل قي َل لك أن تتجسَّس عل َّ‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬ال هذا وال تلك‪ ،‬ال أحد»‪.‬‬
‫ق َّدرت بِريان أنه في العاشرة‪ ،‬وإن كانت خائبةً تما ًما في تقدير أعمار األطفال‪ ،‬ولطالما حسبَتهم أصغر من‬
‫ِسنِّهم الفعليَّة‪ ،‬ربما ألنها كانت أكبر حج ًما من ِسنِّها طيلة حياتها‪« ،‬كبيرة على نح ٍو ممسوخ ومسترجلة»‬
‫على َح ِّد تعبير السِّپتة رويل‪ .‬قالت له‪« :‬هذا الطَّريق أخطر من أن يَسلُكه صب ٌّي بمفرده»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس إذا كان ُمرافقًا‪ .‬إنني ُمرافقه‪ُ ،‬مرافق اليد»‪.‬‬
‫أغمدَت بِريان سيفها متسائلةً‪« :‬اللورد تايوين؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫وصحت‪ :‬النِّصف رجل! النِّصف‬ ‫ُ‬
‫قاتلت معه في المعركة‪،‬‬ ‫‪« -‬ال‪ ،‬ليس ذلك اليد‪ ،‬الذي قبله‪ ،‬ابنه‪ .‬لقد‬
‫رجل!»‪.‬‬
‫ُمرافق ال ِعفريت‪ .‬كانت بِريان تجهل أن عنده واحدًا‪ ،‬فتيريون النستر ليس فارسًا‪ .‬من الوارد على ما تعتقد‬
‫أن يكون عنده خادم أو اثنان يُلَبِّيان طلباته‪ ،‬ووصيف وساقية وأحد يُسا ِعده على ارتداء ثيابه‪ ...‬لكن‬
‫ُمرافق؟ «لماذا تتبعني؟ ماذا تُريد؟»‪.‬‬
‫نهض الصَّبي ً‬
‫قائال‪« :‬ألجدها‪ ،‬سيِّدته التي تبحثين عنها‪ .‬بريال قالت لي‪ .‬إنها زوجته‪ ،‬الليدي سانزا ال‬
‫أنك ربما تَعثُرين عليها‪ ،»...‬والت َوت قسماته بأسى مفاجئ‪ ،‬وكرَّر والمطر يسيل على‬
‫فخطر لي ِ‬‫َ‬ ‫بريال‪،‬‬
‫وجهه‪« :‬إنني ُمرافقه‪ ...‬لكنه تر َكني!»‪.‬‬
‫سانزا‬
‫مغن متج ِّول معهم في (وينترفل) نِصف عام‪ .‬كان عجو ًزا مبيضَّ ال َّشعر له‬ ‫َ‬
‫مكث ٍّ‬ ‫ذات م َّر ٍة في طفولتها‬
‫وجنتان ل َّوحتهما الرِّيح‪ ،‬لكنه غنَّى عن الفُرسان والمغا َمرات والحسناوات‪ ،‬ول َّما حانَ وقت رحيله ب َكت‬
‫بالذهاب‪َّ ،‬إال أن اللورد إدارد قال لها برفق‪« :‬الرَّجل غنَّى لنا‬‫سانزا بمرار ٍة وتوسَّلت إلى أبيها َّأال يسمح له َّ‬
‫أعدك‬
‫ِ‬ ‫ك َّل أغنيَّ ٍة يعرفها أكثر من ثالث مرَّات‪ ،‬وال يُمكنني أن أُبقيه هنا ضد إرادته‪ .‬لكن ال داعي لب ِ‬
‫ُكائك‪.‬‬
‫بأن مغنِّين آخَ رين سيأتون»‪.‬‬
‫عام أو أكثر‪ .‬صلَّت سانزا لآللهة السَّبعة في ِسپتها وآللهة شجرة القلوب القديمة‬ ‫ت طيلة ٍ‬‫لكن أحدًا لم يأ ِ‬
‫رسل مطربًا آ َخر شابًّا ووسي ًما‪ ،‬لكن اآللهة لم تُ ِجب‪،‬‬‫سائلةً إياها أن تُعيد العجوز‪ ،‬أو ‪-‬وهذا أفضل‪ -‬أن تُ ِ‬
‫وظ َّل الصَّمت يُ َخيِّم على قاعات (وينترفل)‪.‬‬
‫كان ذلك وهي فتاة صغيرة حمقاء‪ ،‬أ َّما اآلن فهي شابَّة في الثَّالثة عشرة تفتَّحت زهرتها‪ ،‬تمتلئ لياليها ك ُّلها‬
‫صلِّي مستجديةً الصَّمت‪.‬‬ ‫باألغاني‪ ،‬وبالنَّهار تُ َ‬
‫لو كانت (العُش) كسائر القالع لما سم َع غناء الرَّجل الميِّت َّإال ال َّسجَّانون والجرذان‪ ،‬فجُدران ال َّزنازين‬
‫التَّقليديَّة سميكة بما يكفي البتالع األغنيَّات والصَّرخات على َح ِّد سواء‪ ،‬على عكس زنازين السَّماء التي‬
‫لها ِجدار من الهواء‪ ،‬ولذا تنساق كلُّ نغم ٍة يعزفها الرَّجل الميِّت ُح َّرةً لتتر َّدد أصداؤها على مناكب الجبل‬
‫المس َّمى (رُمح العمالق)‪ .‬واألغاني التي يختارها‪ ...‬دائ ًما يُ َغنِّي عن رقصة التَّنانين وعن چونكويل‬
‫ورجال‬
‫ٍ‬ ‫ت آثمة‬
‫ت واغتياال ٍ‬‫ومهرِّجها‪ ،‬عن چيني بنت (الحجر العتيق) وأمير (قلعة اليعاسيب)‪ ،‬عن خيانا ٍ‬
‫ت دامية‪ ،‬يُ َغنِّي عن الحُزن واللَّوعة‪.‬‬
‫معلَّقين من المشانق وانتقاما ٍ‬
‫أينما ذهبَت في القلعة ال تج ُد سانزا مف ًّرا من الموسيقى‪ .‬دو ًما تنجرف من أسفل وتصعد ساللم البُرج‬
‫وتتناول معها ال َعشاء عند الغسق‪ ،‬وتتسلَّل إلى ُغرفة نومها حتى عندما‬ ‫َ‬ ‫الملتفَّة‪ ،‬فتجدها عاريةً في ح َّمامها‪،‬‬
‫تُح ِكم إغالق النَّافذة‪ .‬تأتيها الموسيقى محمولةً على الهواء البارد‪ ،‬وكالهواء تبعث جسدها على القشعريرة‪.‬‬
‫على الرغم من أن الثَّلج لم يَسقُط على (العُش) منذ يوم سقوط الليدي اليسا فاللَّيالي كلُّها هنا قارسة‬
‫البرودة‪.‬‬
‫بشكل ما أغنى‪ ،‬مفعم باأللم‬ ‫ٍ‬ ‫وتظن سانزا أنه أفضل من قبل أيضًا‪ ،‬أنه‬ ‫ُّ‬ ‫ي وعذب‪،‬‬ ‫صوت المغنِّي قو ٌّ‬
‫لرجل شرِّير ِمثله‪ ،‬واضطرَّت إلى أن‬ ‫ٍ‬ ‫والخوف واالشتياق‪ ،‬لكنها ال تفهم لماذا وهبَت اآللهة صوتًا كهذا‬
‫تُ َذ ِّكر نفسها قائلةً‪ :‬كان سيأخذني عنوةً ونحن في (األصابع) لوال أن پيتر كلَّف السير لوثور بالعناية بي‪،‬‬
‫وعزفَ موسيقاه لتطغى على صريخي حين حاولَت الخالة اليسا أن تَقتُلني‪.‬‬
‫لكن هذا لم يجعل سماع الغناء أسهل‪ ،‬حتى إنها قالت للورد پيتر متوسِّلةً‪« :‬أرجوك‪ ،‬أال يُمكنك أن تجعله‬
‫يتوقَّف؟»‪.‬‬
‫أعطيت الرَّجل كلمتي يا حُلوتي»‪ ،‬قالها پيتر بايلش‪ ،‬سيِّد (هارنهال) وسيِّد أراضي (الثَّالوث)‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫كتب ُزهاء مئة‬
‫األعلى واللورد حافظ (العُش) و(وادي آرن)‪ ،‬ورف َع عينيه عن الرِّسالة التي يَكتُبها‪ .‬كان قد َ‬
‫رسال ٍة منذ سقطة الليدي اليسا‪ ،‬ورأت سانزا ُّ‬
‫الطيور تُ َحلِّق من ال ِمغدفة وإليها‪« .‬أف ِّ‬
‫ض ُل أن أتح َّمل غناءه‬
‫على أن أسمع نحيبه»‪.‬‬
‫األفضل أن يُ َغنِّي‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن‪« ...‬أيجب أن يظ َّل يعزف طيلة اللَّيل يا سيِّدي؟ اللورد روبرت ال يستطيع‬
‫النَّوم‪ .‬إنه يبكي‪.»...‬‬
‫قاط َعها پيتر‪ ...« :‬أ َّمه‪ ،‬وال شيء يُمكننا أن نفعله حيال هذا‪ .‬المرأة ماتَت»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه مضيفًا‪« :‬لن يطول‬
‫األمر كثيرًا‪ .‬اللورد نستور سيصعد الجبل غدًا»‪.‬‬
‫التقَت سانزا اللورد نستور رويس م َّرةً من قبل بَعد زفاف پيتر وخالتها‪ .‬رويس هو ُّ‬
‫ولي (ب َّوابات القمر)‪،‬‬
‫القلعة العظيمة القائمة عند سفح الجبل وتَحرُس ال َّدرجات الصَّاعدة إلى (العُش)‪ ،‬وقد نز َل حاضرو ال ِّزفاف‬
‫ضيوفًا عنده ليلةً قبل أن يبدأوا رحلة الصُّ عود‪ .‬ليلتها لم يُ َكلِّف اللورد نستور نفسه النَّظر إليها مرَّتين‪ ،‬لكن‬
‫فكرة مجيئه هنا تُر ِعبها‪ .‬إنه وكيل (الوادي) األعلى أيضًا‪ ،‬تابِع چون آرن والليدي اليسا المؤت َمن‪ .‬قالت‪:‬‬
‫«إنه لن‪ ...‬إنك لن تدع اللورد نستور يرى ماريليون‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ال بُ َّد أن رُعبها ال َح على وجهها‪ ،‬ألن پيتر وض َع ريشة الكتابة‪ ،‬وقال‪« :‬بالعكس‪ ،‬سأصرُّ على أن يراه»‪،‬‬
‫وأشا َر لها بالجلوس على مقع ٍد مجاور له‪ ،‬وتاب َع‪« :‬أنا وماريليون عقدنا اتِّفاقًا‪ .‬من شأن مورد أن يكون‬
‫ت‬ ‫مقنعًا للغاية في الحقيقة‪ ،‬وإذا خيَّب مطربنا العزيز أملنا وغنَّى أغنيَّةً ال نُريد أن نسمعها‪ ،‬فما عل َّ‬
‫ي أنا وأن ِ‬
‫صدِّق؟»‪.‬‬‫َّإال أن نقول إنه كاذب‪َ .‬من تخالين اللورد نستور سيُ َ‬
‫قالت سانزا وهي تتمنَّى لو تتأ َّكد‪« :‬نحن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بالطَّبع‪ ،‬ألن كذبنا سيُفيده»‪.‬‬
‫قطق على نح ٍو مبهج‪ ،‬لكن سانزا ارتجفَت رغم ذلك‪ ،‬وقالت‪« :‬نعم‪،‬‬ ‫كانت ال ُغرفة ال َّشمسيَّة دافئةً والنَّار تُطَ ِ‬
‫لكن‪ ...‬ماذا لو‪.»...‬‬
‫ً‬
‫مواصال‪« :‬ماذا‬ ‫قال پيتر‪« :‬ماذا لو وض َع اللورد نستور ال َّشرف فوق المصلحة؟»‪ ،‬ووض َع ذراعه حولها‬
‫رف اللورد نستور يا حُلوتي‪.‬‬ ‫لو أنه يبغي الحقيقة والعدالة لسيِّدته القتيلة؟»‪ ،‬وأضافَ مبتس ًما‪« :‬إنني أع ُ‬
‫أتتص َّورين أنني سأسم ُح له بإيذاء ابنتي؟»‪.‬‬
‫لست ابنتك‪ ،‬إنني سانزا ستارك ابنة اللورد إدارد والليدي كاتلين ودم (وينترفل)‪ .‬لكنها لم تقل هذا‪ .‬لوال‬ ‫ُ‬
‫قدم في فراغ السَّماء ال َّزرقاء الباردة إلى ميت ٍة حجريَّة ً‬
‫بدال‬ ‫پيتر بايلش لكانت سانزا نفسها التي ه َوت ستَّمئة ٍ‬
‫من اليسا آرن‪ .‬يا لجرأته‪ .‬تتمنَّى سانزا لو أنها تتحلَّى ب َشجاعته‪ ،‬لكنها ال تُريد َّإال أن تعود إلى الفِراش‬
‫نوم عميق‪ .‬إنها لم تنَم ليلةً كاملةً منذ ماتَت اليسا آرن‪« .‬أال يُمكنك أن‬ ‫وتختبئ تحت ِدثارها وتغيب في ٍ‬
‫تقول للورد نستور إنني متوعِّكة‪ ...‬أو‪.»...‬‬
‫شهادتك على موت اليسا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬سيُريد أن يسمع‬
‫‪« -‬سيِّدي‪ ،‬إذا‪ ...‬إذا قال ماريليون الحق‪.»...‬‬
‫كذب؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬تعنين إذا‬
‫ونظر اللورد نستور في عينَي ورأى كم أنا‬ ‫َ‬ ‫كذب‪ ،‬إذا كانت كلمتي ضد كلمته‬ ‫َ‬ ‫كذب؟ نعم‪ ...‬إذا‬ ‫‪َ « -‬‬
‫خائفة‪.»...‬‬
‫ت شيئًا مخيفًا‪ ،‬وسيتأثَّر نستور»‪ ،‬وتفرَّس‬ ‫‪« -‬لن تكون لمحة من الخوف في غير محلِّها يا إليني‪ .‬لقد رأي ِ‬
‫پيتر في عينيها كأنه يراهما للمرَّة األولى‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬إن لك عينَي أ ِّم ِك‪ ،‬عينين صادقتين بريئتين‪،‬‬
‫قليال سيغرق رجال ُكثر في هاتين العينين»‪ .‬لم تد ِر سانزا بِ َم‬ ‫كبحر تُنيره ال َّشمس‪ .‬عندما تكبرين ً‬
‫ٍ‬ ‫زرقاوين‬
‫عليك َّإال أن تحكي للورد نستور الحكاية نفسها التي حكيتِها للورد روبرت»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تر ُّد‪ ،‬وأكم َل هو‪« :‬ما‬
‫صبي صغير سقيم‪ .‬اللورد نستور رجل ناضج‪ ،‬صارم وش َّكاك‪ .‬روبرت ليس قويًّا وال بُ َّد‬ ‫ٍّ‬ ‫روبرت مجرَّد‬
‫من حمايته‪ ،‬حتى من الحقيقة‪ ،‬وكان پيتر قد قال لها مطمئِنًا إن بعض األكاذيب حُب‪ ،‬فذ َّكرته بهذا اآلن‬
‫قائلةً‪« :‬عندما كذبنا على اللورد روبرت كان هذا لنُغنيه عن األلم»‪.‬‬
‫ت (العُش) من الباب نفسه كاليسا»‪ ،‬وعا َد‬ ‫قال پيتر‪« :‬وهذه الكذبة تُغنينا أيضًا عنه‪َّ ،‬‬
‫وإال سنُغا ِدر أنا وأن ِ‬
‫الذهبي وسيشرب ويَطلُب المزيد‪ ،‬هذا وعد»‪.‬‬ ‫يلتقط ريشته مضيفًا‪« :‬سنسقيه األكاذيب ونبيذ (الكرمة) َّ‬
‫أدر َكت سانزا أنه يسقيها األكاذيب أيضًا‪ ،‬وإن كانت أكاذيب مريحةً‪ ،‬وتحسب أن النِّيَّة منها الرَّأفة‪ .‬ليست‬
‫صدِّقها‪...‬‬‫األكاذيب بهذا السُّوء ما دا َمت النِّيَّة منها الرَّأفة‪ .‬ليتها فقط تُ َ‬
‫ال تزال األشياء التي قالتها خالتها قُبَيل سقوطها تُز ِعج سانزا‪ ،‬لكن پيتر وصفَها بالهذيان‪ ،‬وقال‪« :‬زوجتي‬
‫بنيت قلعةً من الثَّلج‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بنفسك»‪ .‬وهو ما رأته سانزا بالفعل‪ .‬كلُّ ما فعلته أني‬ ‫ِ‬ ‫ت هذا‬ ‫كانت مجنونةً وقد رأي ِ‬
‫وأرادَت هي أن تدفعني من (باب القمر)‪ .‬پيتر نجدَني‪ .‬لقد أحبَّ أ ِّمي كثي ًرا‪ ،‬و‪...‬‬
‫ك في هذا؟ لقد أنق َذها‪.‬‬ ‫ويحبُّها؟ كيف يُخالِجها َش ٌّ‬
‫همس صوت في داخلها‪ :‬ال‪ ،‬بل أنق َذ إليني ابنته‪ .‬لكنها سانزا أيضًا‪ ...‬وأحيانًا يتراءى لها أن حضرة اللورد‬ ‫َ‬
‫الحافظ شخصان أيضًا‪ .‬إنه پيتر‪ ،‬حاميها الودود الطَّريف الرَّقيق‪ ،‬لكنه اإلصبع الصَّغير كذلك‪ ،‬اللورد الذي‬
‫ث ويُ َملِّس على لحيته وهو يهمس في أُذن الملكة سرسي‪ ...‬واإلصبع‬ ‫عرفَته في (كينجز الندنج)‪ ،‬يبتسم بخب ٍ‬
‫حاول‬
‫َ‬ ‫الصَّغير ليس صديقها‪ .‬حين جعلَهم چوف يضربونها داف َع عنها ال ِعفريت ال اإلصبع الصَّغير‪ .‬حين‬
‫ال َّدهماء اغتصابها حملَها إلى األمان كلب الصَّيد ال اإلصبع الصَّغير‪.‬‬
‫حين أكرهَها آل النستر على ال َّزواج بتيريون واساها السير جارالن الهُمام ال اإلصبع الصَّغير‪ .‬اإلصبع‬
‫الصَّغير لم يرفع ولو إصبعه الصَّغير ليُسا ِعدها قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬
‫ظننت السير دونتوس وراء األمر‪ ،‬فارسي فلوريان العجوز‬ ‫ُ‬ ‫َّإال عندما أخر َجني‪ .‬هو من فع َل هذا من أجلي‪.‬‬
‫قناع عليه أن يضعه‪ .‬على‬ ‫ٍ‬ ‫ال ِّس ِّكير البائس‪ ،‬لكنه كان پيتر طوال الوقت‪ .‬اإلصبع الصَّغير لم يكن أكثر من‬
‫أن التَّمييز بين الرَّجل والقناع يستعصي على سانزا أحيانًا‪ ،‬ذلك أن اإلصبع الصَّغير وپيتر بايلش متشابهان‬
‫ألقصى درجة‪ .‬ربما كانت لتف َّر من االثنين لو أن هناك مكانًا تذهب إليه‪( .‬وينترفل) احترقَت وهُ ِج َرت‪،‬‬
‫وبران وريكون جثَّتان باردتان‪ ،‬وروب ُغ ِد َر به واغتي َل في (التَّوأمتين) مع السيِّدة والدتهم‪ ،‬وتيريون أُع ِد َم‬
‫بتُهمة قتل چوفري‪ ،‬وإذا عادَت إلى (كينجز الندنج) ستضرب الملكة ُعنقها بدورها‪ ،‬والخالة التي أملَت أن‬
‫بدال من ذلك‪ ،‬وخالها إدميور أسير آل فراي‪ ،‬وع ُّمه السَّمكة السَّوداء تحت‬ ‫تحفظ سالمتها حاولَت قتلها ً‬
‫الحصار في (ريڤر َرن)‪ .‬بتعاس ٍة قالت سانزا لنفسها‪ :‬ال مكان لي َّإال هنا‪ ،‬وال صديق حقيقيًّا َّإال پيتر‪.‬‬
‫ليلتها غنَّى الرَّجل الميِّت (يوم شنقوا روبن األسود) و(دموع األُم) و(أمطار كاستامير)‪ ،‬ثم توقَّف فترةً‪،‬‬
‫ولكن بينما أثق َل الوسن رأس سانزا عا َد الغناء مج َّددًا‪ ،‬وغنَّى الرَّجل (ستَّة أحزان) و(األوراق السَّاقطة)‬
‫أغان حزينة كلُّها‪ .‬ل َّما أغلقَت عينيها رأته في زنزانته السَّماويَّة رابضًا في الرُّ كن بعيدًا عن‬ ‫ٍ‬ ‫و(أليسين)‪.‬‬
‫السَّماء السَّوداء الباردة تحت غطا ٍء من الصُّ وف وي َُوسِّد قيثارته الخشبيَّة صدره‪ .‬يجب َّأال أشفق عليه‪ .‬لقد‬
‫كان مغرورًا قاسيًا‪ ،‬وقريبًا سيموت‪ .‬إنها ال تستطيع إنقاذه‪ ،‬ولماذا قد ترغب في ذلك؟ ماريليون حاو َل أن‬
‫يغتصبها‪ ،‬وپيتر أنق َذ حياتها مرَّتين ال واحدةً‪ .‬بعض األكاذيب يجب أن يُقال‪ .‬لم يُحافِظ على حياتها في‬
‫الحرس الملكي حتى أراقوا‬ ‫(كينجز الندنج) َّإال األكاذيب‪ ،‬ولو لم تكذب على چوفري لضربها رجال َ‬
‫دماءها‪.‬‬
‫بَعد (أليسين) توقَّف المغنِّي ثانيةً لتختطف سانزا ساعة من الرَّاحة‪ ،‬ولكن إذ بدأت خيوط الفَجر األولى تنفذ‬
‫صباح غائم) النَّاعمة تتصاعَد من أسفل‪ ،‬واستيقظَت في الحال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من خصاص نافذتها سم َعت أنغام (ذات‬
‫ُ‬
‫المفت َرض أنها أغنيَّة نسائيَّة‪ ،‬مرثاة تُ َغنِّيها أم في الفَجر التَّالي لمعرك ٍة رهيبة بينما تبحث بين القتلى عن‬
‫جثَّة ابنها الوحيد‪ .‬األُم تُ َغنِّي عن َحرقتها على ابنها الميت‪ ،‬لكن ماريليون حزين على أصابعه‪ ،‬وعلى‬
‫عينيه‪.‬‬
‫طفَت الكلمات من أسفل كالسِّهام‪ ،‬وفي الظَّالم طعنَتها‪.‬‬
‫ي وإلى ديارنا‬ ‫أوه‪ ،‬أيها الفارس الكريم هل رأيت ولدي؟ إن َشعره بنِّي كالكستناء وقد وعدَني بالعودة إل َّ‬
‫التي في (بلدة ونديش) غطَّت سانزا أُذنيها بوساد ٍة محش َّوة بريش اإلوز لتحجب عنهما بقيَّة األغنيَّة‪ ،‬ولكن‬
‫ظت‪ ،‬واللورد نستور رويس يصعد الجبل‪.‬‬ ‫بال جدوى‪ .‬لقد طل َع النَّهار واستيق َ‬
‫الذهبي والخمري الوادي أسفلهم‬ ‫بل َغ الوكيل األعلى ومجموعته (العُش) في أواخر األصيل‪ ،‬وقد صب َغ َّ‬
‫واشت َّدت ال ِّريح‪ ،‬ومعه جا َء ابنه السير ألبار ودستة من الفُرسان وعشرون من الجنود‪ُ .‬غرباء كثيرون ج ًّدا‪.‬‬
‫ق متسائلةً إن كانوا أصدقاء أم أعداء‪.‬‬ ‫تطلَّعت سانزا إلى وجوههم بقل ٍ‬
‫رحَّب پيتر ب ُز َّواره مرتديًا سُترةً من المخمل األسود لها ُك َّمان رماديَّان كسراويله الصُّ وف‪ ،‬فأضفى اللَّون‬
‫الظلمة على عينيه الخضراوين الرَّماديَّتين‪ .‬إلى جواره وقفَ ال ِمايستر كولمون وحول ُعنقه‬ ‫نوعًا معيَّنًا من ُّ‬
‫الطَّويل الرَّفيع ترتخي سلسلته ذات المعادن العديدة‪ ،‬وعلى الرغم من أن ال ِمايستر أطول الرَّجلين قامةً‬
‫بوقار واللورد‬ ‫ٍ‬ ‫فاللورد الحافظ هو من لفتَ األنظار‪ .‬يبدو أنه تخلَّى عن تبسُّمه المعتاد اليوم‪ ،‬فأصغى‬
‫رويس يُقَدِّم الفُرسان الذين رافَقوه‪ ،‬ثم قال‪« :‬مرحبًا بكم أيها السَّادة‪ .‬إنكم تعرفون ال ِمايستر كولمون بالطَّبع‪.‬‬
‫لورد نستور‪ ،‬هل تَذ ُكر ابنتي الطَّبيعيَّة‪ 98‬إليني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بالتَّأكيد»‪ .‬للورد نستور مظهر صارم ورقبة غليظة وصدر عريض‪ ،‬يزحف على رأسه الصَّلع ويَ ِخطُ‬
‫كامال تحيَّةً لها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال َّشيب لحيته‪ ،‬وقد حنى رأسه نِصف بوص ٍة‬
‫قائال‪« :‬كوني فتاةً َّ‬
‫مهذبةً يا‬ ‫انحنَت سانزا بدورها خائفةً أن تنطق فتقول شيئًا خطأ‪ ،‬ثم سحبَها پيتر من يدها ً‬
‫حُلوتي واجلبي اللورد روبرت إلى (القاعة العالية) ليستقبل ضيوفه»‪.‬‬
‫‪« -‬حاضر يا أبي»‪ .‬بدا صوتها رفيعًا مشدودًا‪ ،‬وبينما أسرعَت تصعد ال َّدرج وتَعبُر ال ُّشرفة إلى (بُرج‬
‫القمر) قالت لنفسها‪ :‬صوت كاذبة‪ ،‬صوت مذنبة‪.‬‬
‫ساعدان اللورد روبرت على ارتداء سراويله عندما دخلَت ُغرفة نومه‪ .‬كان سيِّد‬ ‫كانت جرتشل ومادي تُ ِ‬
‫(العُش) يبكي ثانيةً‪ ،‬كما تن ُّم عيناه المحمرَّتان الرَّطبتان وأهدابه اليابسة وأنفه المنتفخ السَّائل‪ ،‬وقد التم َع‬
‫خيط من ال ُمخاط تحت أحد منخريْه ول َّوث ال َّدم شفته السُّفلى حيث عضَّها‪ .‬ف َّكرت سانزا بقنوط‪ :‬يجب َّأال‬
‫صبي من يده وسحبَته من‬ ‫حضر الطَّست‪ ،‬ثم أخ َذت ال َّ‬ ‫يراه اللورد نستور هكذا‪ ،‬وطلبَت من جرتشل أن تُ ِ‬
‫على الفِراش قائلةً‪« :‬هل نا َم ُعصفوري الجميل جيِّدًا ليلة أمس؟»‪.‬‬
‫ُخرجوني لكن‬ ‫ووجدت بابي موصدًا‪ .‬ناديتهم لي ِ‬ ‫ُ‬ ‫أجاب متن ِّشقًا‪« :‬ال‪ ،‬لم أنم إطالقًا يا إليني‪ .‬كان يُ َغنِّي ثانيةً‪،‬‬
‫َ‬
‫ال أحد أتى‪ .‬أحدهم حب َسني في ُغرفتي»‪.‬‬
‫ق شديد‪ ،‬بمنتهى‬ ‫‪« -‬يا لهم من أشرار»‪ .‬غم َست قُماشةً ناعمةً في الماء ال َّدافئ وشرعَت تُنَظِّف وجهه‪ ...‬برف ٍ‬
‫الالزم فربما يبدأ في االرتجاف‪ .‬الصَّبي هَشٌّ ‪ ،‬وصغير‬ ‫منتهى الرِّ فق‪ .‬إذا ح َّكت جسد روبرت بق َّو ٍة أكبر من َّ‬
‫طفاال في الخامسة أكبر منه حج ًما‪.‬‬ ‫للغاية بالنِّسبة إلى ِسنَّه‪ .‬أي نعم هو في الثَّامنة‪ ،‬لكن سانزا عرفَت أ ً‬
‫معك»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ارتع َشت شفة روبرت‪ ،‬وقال‪ُ « :‬‬
‫كنت سآتي ألنام‬
‫أعرف هذا‪ .‬لقد اعتا َد العُصفور الجميل النَّوم إلى جانب أ ِّمه إلى أن تز َّوجت اللورد پيتر‪ ،‬ومنذ موت‬ ‫ُ‬
‫الليدي اليسا عم َد الصَّبي إلى التَّجوال في أنحاء (العُش) بحثًا عن أس َّر ٍة أخرى‪ ،‬وأكثر ما راقَه منها سرير‬
‫ُوصد بابه ليلة البارحة‪ .‬ما كانت لتُمانِع لو أنه ينام‬‫سانزا‪ ...‬ولهذا السَّبب طلبَت من السير لوثور برون أن ي ِ‬
‫ُحاول دو ًما أن يُ َمرِّغ أنفه في ثدييها‪ ،‬ثم إنه غالبًا ما يُبَلِّل الفِراش عندما تُصيبه نوبة الرَّجفة‪.‬‬
‫فقط‪ ،‬لكنه ي ِ‬
‫قالت سانزا وهي تمسح تحت أنفه‪« :‬اللورد نستور صع َد من (ب َّوابات القمر) ليراك»‪.‬‬
‫صةً‪ ،‬واحدةً عن الفارس المجنَّح»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أري ُد أن أراه‪ .‬أري ُد ق َّ‬
‫أوال عليك أن ترى اللورد نستور»‪.‬‬ ‫‪« -‬فيما بع ُد‪ً .‬‬
‫صبي يخاف من لهم‬ ‫قال روبرت‪« :‬اللورد نستور لديه شامة‪ .‬مامي قالت إنه شنيع»‪ .‬إنها تعلم أن ال َّ‬
‫شامات‪.‬‬
‫أعرف أنك تفتقدها‪ .‬اللورد پيتر يفتقدها أيضًا‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫س َّوت سانزا َشعره قائلةً‪ُ « :‬عصفوري الجميل المسكين‪.‬‬
‫أحبَّها ِمثلما تحبُّها تما ًما»‪ .‬تلك أكذوبة‪ ،‬لكن الغرض منها الرَّأفة‪ .‬المرأة الوحيدة التي أحبَّها اللورد پيتر في‬
‫حياته هي أُم سانزا القتيلة‪ ،‬وقد اعترفَ بهذا لليدي اليسا قبل أن يدفعها من (باب القمر) مباشرةً‪ .‬كانت‬
‫ت پيتر ويُغيثني‪ .‬لكن روبرت ليس‬ ‫مجنونةً وخطرةً‪ .‬لقد قتلَت السيِّد زوجها‪ ،‬وكانت لتَقتُلني أيضًا لو لم يأ ِ‬
‫صبي صغير مريض أحبَّ أ َّمه‪.‬‬‫ٍّ‬ ‫في حاج ٍة إلى معرفة ذلك‪ .‬إنه مجرَّد‬
‫أحضري معطفه»‪ .‬المعطف من صوف الحمالن‪ ،‬ناعم‬ ‫ِ‬ ‫قالت‪« :‬هكذا يليق مظهرك باللوردات‪ .‬مادي‪،‬‬
‫ودافئ وأنيق بلونه األزرق السَّماوي الذي أبر َز لون سُترة الصَّبي القشدي‪ ،‬وثبَّتته سانزا على كتفيه‬
‫بخنوع هذه المرَّة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫س فضِّ ي على شكل هالل‪ ،‬ثم أخ َذته من يده فمضى معها‬ ‫بدبُّو ٍ‬
‫بعث دخولها ثانيةً في سانزا القشعريرة‪ .‬إنها‬ ‫َ‬ ‫ظلَّت (القاعة العالية) مغلقةً منذ سق َ‬
‫طت الليدي اليسا‪ ،‬وقد‬
‫تراها طويلةً فخمةً جميلةً‪ ،‬لكنها ال تحبُّ وجودها هنا في هذا المكان ال َّشاحب الذي تسوده البرودة حتى في‬
‫أحسن األوقات‪ ،‬حيث تبدو األعمدة الرَّفيعة كعظم األصابع وتُ َذ ِّكرك العروق ال َّزرقاء في الرُّ خام األبيض‬
‫حامل فضِّ ي على الجُدران فالمشاعل‬ ‫ٍ‬ ‫هرمة‪ .‬على الرغم من اصطفاف خمسين‬ ‫بالعروق في ساق حيزبون ِ‬
‫الموقَدة تقلُّ عن دستة‪ ،‬فرا َحت الظِّالل تتراقَص على األرضيَّة وتحتشد في ك ِّل ر ٍ‬
‫ُكن بينما تر َّددت أصداء‬
‫ُخطواتهم على الرُّ خام وسم َعت سانزا الرِّ يح ترجُّ (باب القمر)‪ ،‬فأخب َرت نفسها‪ :‬يجب َّأال أنظر إليه َّ‬
‫وإال‬
‫اعت َرتني رجفة عنيفة ِمثل روبرت‪.‬‬
‫بمساعدَة مادي أجل َست روبرت فوق كوم ٍة من الوسائد على عرشه المصنوع من خشب الويروود‪ ،‬ثم‬
‫أرسلَت خبرًا بأن حضرة اللورد مستع ٌّد الستقبال ضيوفه‪ ،‬ففت َح حارسان في معطفين من األزرق السَّماوي‬
‫الباب في طرف القاعة القصي‪ ،‬ليقود پيتر الضُّ يوف إلى ال َّداخل على البساط األزرق الطَّويل الممتد بين‬
‫صفَّين من األعمدة البيضاء كالعظام‪.‬‬
‫ت كالصَّرير ولم يَذ ُكر شامته‪ ،‬وعندما سألَه الوكيل األعلى‬
‫ب كيِّس وصو ٍ‬ ‫حيَّا الصَّبي اللورد نستور بأسلو ٍ‬
‫عن السيِّدة والدته س َرت في يدَي روبرت رعشة طفيفة‪ ،‬وقال‪« :‬ماريليون آذى أ ِّمي‪ ،‬ألقاها من (باب‬
‫القمر)»‪.‬‬
‫‪« -‬هل رأى حضرة اللورد هذا بنفسه؟»‪ ،‬سأ َل السير ماروين بلمور‪ ،‬وهو فارس طويل نحيف له َشعر‬
‫بنِّي مح َمر‪ ،‬كان قائد َحرس اليسا إلى أن عيَّن پيتر السير لوثور برون ً‬
‫بدال منه‪.‬‬
‫أجاب الصَّبي‪« :‬إليني رأت‪ ،‬والسيِّد زوج أ ِّمي»‪.‬‬
‫َ‬
‫رمقَها اللورد نستور‪ ،‬ووجدَتهم يَنظُرون إليها‪ ،‬السير ألبار والسير ماروين وال ِمايستر كولمون‪ ،‬الجميع‪.‬‬
‫كانت خالتي لكنها أرادَت أن تَقتُلني‪ ،‬جرَّتني إلى (باب القمر) وحاولَت أن تدفعني منه‪ .‬لم أرغب في تلك‬
‫كنت أبني قلعةً في الثَّلج‪ .‬احتضنَت سانزا نفسها لتمنعها من االرتجاف‪.‬‬
‫ط‪ُ .‬‬ ‫القُبلة قَ ُّ‬
‫قال پيتر بهدوء‪« :‬سا ِمحوها أيها السَّادة‪ ،‬إنها ال تزال ترى ذلك اليوم في الكوابيس‪ .‬ال عجب أنها ال تُطيق‬
‫عليك يا إليني‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ك صعوبة األمر‬ ‫الكالم عنه»‪ ،‬ثم وقفَ وراءها ووض َع يديه بخفَّ ٍة على كتفيها ً‬
‫قائال‪« :‬أدر ُ‬
‫لكن يجب أن يسمع أصدقاؤنا الحقيقة»‪.‬‬
‫كنت مع الليدي اليسا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رأيت‪...‬‬ ‫بحلقها جافًّا مشدودًا لدرجة أن الكالم كا َد يُؤلِمها وهي تقول‪« :‬نعم‪،‬‬‫أحسَّت َ‬
‫عندما‪ ،»...‬وسالَت دمعة على وجنتها فف َّكرت‪ :‬جيِّد‪ ،‬جيِّد أن تنزل مني دمعة‪ ،‬وواصلَت‪ ...« :‬عندما‪...‬‬
‫دف َعها ماريليون»‪ ،‬وح َكت الحكاية ثانيةً وهي تكاد ال تسمع الكلمات التي تدفَّقت منها‪.‬‬
‫صف الحكاية بدأ روبرت يبكي‪ ،‬ومالَت الوسائد على نح ٍو خطر تحته إذ صا َح‪« :‬لقد قتل‬ ‫قبل أن تَبلُغ منت َ‬
‫انتفض رأس الصَّبي بحرك ٍة‬‫َ‬ ‫أ ِّمي‪ .‬أريده أن يطير!»‪ ،‬واشت َّدت رجفة يديه وبدأت ذراعاه ترتجفان أيضًا‪ ،‬ثم‬
‫تصطك وضربَت ذراعاه وساقاه الهواء بضراو ٍة وهو يَصرُخ‪« :‬يطير‪ ،‬يطير‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وراحت أسنانه‬
‫َ‬ ‫عنيفة‬
‫ق ساقطًا عن‬ ‫يطير!»‪ ،‬فأسر َع لوثور برون إلى المنصَّة في الوقت المناسب ليلقف الصَّبي الذي انزل َ‬
‫عرشه‪ ،‬ووراءه بخطو ٍة واحدة ال ِمايستر كولمون‪ ،‬وإن لم يكن هناك ما يُمكنه أن يفعله‪.‬‬
‫جرت النَّوبة مجراها‪ .‬ركلَت إحدى ساقَي روبرت السير‬ ‫عاجزةً كاآلخَ رين‪ ،‬وقفَت سانزا وشاهدَت حتى َ‬
‫ق سبابًا وإن ظَ َّل متم ِّس ًكا بالصَّبي وهو يرتجف ويتشنَّج ويُبَلِّل نفسه‪ ،‬في حين لم‬ ‫لوثور في وجهه‪ ،‬فأطل َ‬
‫ي من زائريهم بكلمة‪ ،‬فاللورد نستور على األقل شه َد تلك النَّوبات من قبل‪ .‬لحظات طويلة مرَّت‬ ‫ينبس أ ٌّ‬
‫قبل أن تهمد تشنُّجات روبرت‪ ،‬بل وبدَت أطول من هذا كذلك‪ ،‬وفي النِّهاية كان اللورد الصَّغير واهنًا‬
‫عاج ًزا حتى عن الوقوف‪ ،‬فقال اللورد پيتر لل ِمايستر‪« :‬األفضل أن تأخذ حضرة اللورد إلى فِراشه وتُ َعلِّق‬
‫حمل برون الصَّبي بين ذراعيه وخر َج به من القاعة‪ ،‬وتب َعه ال ِمايستر كولمون بوج ٍه‬ ‫َ‬ ‫له ال َعلق»‪ .‬هكذا‬
‫متجِّهم‪.‬‬
‫حين تال َشت ُخطوات أقدامهما رانَ صمت تام على قاعة (العُش) العالية‪ ،‬وسم َعت سانزا رياح المساء ُّ‬
‫تئن‬
‫ق شديديْن‪ :‬أيجب أن أحكي الحكاية ثانيةً؟‬ ‫في الخارج وتخمش (باب القمر)‪ ،‬وتساءلَت شاعرةً ببر ٍد وإرها ٍ‬
‫لكن ال بُ َّد أنها أحسنَت حكايتها‪ ،‬ألن اللورد نستور تنحن َح ودمد َم‪« :‬ذلك المغنِّي لم ي ِ‬
‫ُعجبني من البداية‪ .‬لقد‬
‫ُ‬
‫ألححت عليها»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حثثت الليدي اليسا على صرفه‪ ،‬ع َّدة مرَّا ٍ‬
‫ت‬
‫قال پيتر‪« :‬لطالما مددتها بالنَّصائح السَّديدة يا سيِّدي»‪.‬‬
‫صغ‪ ،‬سم َعتني كرهًا على كر ٍه ولم تُ ِ‬
‫صغ»‪.‬‬ ‫َر َّد رويس بتذ ُّمر‪« :‬لكنها لم تُ ِ‬
‫صدِّق أنه أحبَّ زوجته حقًّا‪« :‬سيِّدتي كانت أسرع ثقةً من أن‬ ‫بحنان بالغ كان ليجعل سانزا تُ َ‬
‫ٍ‬ ‫قال پيتر‬
‫يستأهلها هذا العالم‪ .‬لم يكن بمقدور اليسا أن ترى ال َّش َّر في البَشر‪ ،‬بل الخير فقط‪ .‬كان ماريليون يُ َغنِّي‬
‫أعذب األغاني‪ ،‬واعتقدَت أن تلك طبيعته»‪.‬‬
‫قال السير ألبار رويس‪« :‬لقد دعانا بالخنازير»‪ .‬بمالمحه الصَّارمة وكتفيه العريضتيْن يبدو السير ألبار‬
‫ق َشعر وجنتيه األسود الكثيف ليصنع إطارً ا‬ ‫نُسخةً أصغر ِسنًّا من أبيه‪ ،‬وقد حل َ‬
‫ق الفارس ذقنه وإن أطل َ‬
‫كسياج من ال ُّشجيرات حول وجهه التَّقليدي‪« .‬ألَّف أغنيَّةً عن خنزيريْن يرعيان حول ٍ‬
‫جبل ويأكالن فُضالة‬ ‫ٍ‬
‫ك مني‪ ،‬و َر َّد‪ :‬إنها مجرَّد أغنيَّة عن زوجين من‬‫صقر‪ ،‬وبهذا كان يعنينا نحن‪ ،‬لكن حين قلت له هذا ضح َ‬
‫الخنازير أيها الفارس!»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أقسمت أن أقطع لسانه‬ ‫أضافَ السير ماروين بلمور‪« :‬وسخ َر مني كذلك‪ ،‬س َّماني السير جالجل‪ ،‬ول َّما‬
‫هر َع إلى الليدي اليسا واختبأ َ وراء تنُّورتها»‪.‬‬
‫قال اللورد نستور‪« :‬كما تع َّود أن يفعل‪ .‬الرَّجل كان جبانًا‪ ،‬لكن تحيُّز الليدي اليسا له أصابَه بالغطرسة‪ .‬لقد‬
‫صعًا بأحجار القمر»‪.‬‬ ‫ألب َسته كاللوردات‪ ،‬وأهدَت إليه خواتم ذهبيَّةً وحزا ًما مر َّ‬
‫عقَّب فارس على سُترته شموع عائلة واكسلي البيضاء السِّت‪« :‬وحتى صقر اللورد چون المفضَّل‪ ،‬ولكم‬
‫أحبَّ حضرة اللورد ذلك الصَّقر‪ .‬لقد أهداه الملك روبرت إليه»‪.‬‬
‫وضعت نهايةً له‪ .‬اليسا وافقَت على صرفه‪ ،‬ولذا‬ ‫ُ‬ ‫زف َر پيتر بايلش‪ ،‬وقال مؤيِّدًا‪« :‬لم يكن الوضع يليق‪ ،‬وقد‬
‫ي أن أكون معها‪ ،‬لكني لم أتخيَّل قَ ُّ‬
‫ط أن‪ ...‬لو لم أص ِّمم‪ ...‬أنا الذي قتلتها»‪.‬‬ ‫التقَته هنا يومها‪ .‬كان عل َّ‬
‫ف َّكرت سانزا بهلع‪ :‬ال‪ ،‬ال تقل هذا‪ ،‬ال تُخ ِبرهم‪ ،‬ال تفعلها‪ ،‬لكن ألبار رويس هَ َّز رأسه ً‬
‫قائال‪« :‬ال يا سيِّدي‪،‬‬
‫يجب َّأال تلوم نفسك»‪.‬‬
‫ت به أيها اللورد پيتر‪ ،‬دَعونا نَكتُب نهايةً لهذه القصَّة‬ ‫ووافقَه أبوه بقوله‪« :‬المغنِّي هو من فعلَها‪ .‬فلتأ ِ‬
‫المؤسفة»‪.‬‬
‫نان ثابت قال پيتر بايلش‪« :‬كما تشاء يا سيِّدي»‪ ،‬والتفتَ إلى حارسيْه وألقى أمرًا‪ ،‬وجي َء بالمغنِّي من‬ ‫ب َج ٍ‬
‫ال َّزنازين‪ .‬جا َء معه ال َّسجَّان مورد ذو المالمح الوحشيَّة والعينين السَّوداوين الصَّغيرتين والوجه المائل‬
‫طارت إحدى أُذنيه وجزء من وجنته‪ ،‬وإن ظلَّت في جسده أكوام من اللَّحم األبيض‬ ‫َ‬ ‫ال َّشائه‪ .‬في معرك ٍة ما‬
‫وفاحت منه رائحة منفِّرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫الممتقع‪ ،‬وقد ارتدى ثيابًا ال تُ ِ‬
‫ناسب مقاسه‬
‫على النَّقيض بدا ماريليون أقرب إلى األناقة‪ .‬وقد ح َّممه أحدهم وألب َسه سراويل من األزرق السَّماوي‬
‫ضي كان هديَّةً من الليدي اليسا‪ ،‬بينما غطَّى‬ ‫بزنار ف ِّ‬
‫ٍ‬ ‫وسُترةً قصيرةً فضفاضةً ب ُك َّمين منتفخين‪ ،‬مربوطةً‬
‫يديه قُفَّازان من الحرير األبيض‪ ،‬وأغنَت عصابة حريريَّة بيضاء السَّادة الحاضرين عن رؤية منظر‬
‫عينيه‪.‬‬
‫حامال ُكرباجًا‪ ،‬وحين نكزَه ال َّسجَّان في ضلوعه هوى المغنِّي على رُكبته ً‬
‫قائال‪« :‬أتو َّس ُل‬ ‫ً‬ ‫وقفَ مورد وراءه‬
‫مغفرتكم أيها السَّادة»‪.‬‬
‫سألَه اللورد نستور بعبوس‪« :‬هل تعترف بجريمتك؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫لبكيت‪ .‬لقد أحببتها‬ ‫ليال راجفًا هامسًا اآلن وهو يُجيب‪« :‬لو أن لي عينين‬ ‫كان صوت المغنِّي القويُّ الواثق ً‬
‫شاركه فِراشه‪ .‬لم أكن أنوي أن أمسَّ‬ ‫رجل آخَر‪ ،‬أن أعلم أنها تُ ِ‬
‫ٍ‬ ‫كثيرًا‪ ،‬ولم أحتمل أن أراها بين ذراعَي‬
‫ُ‬
‫أعترف لها بعاطفتي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وأوصدت الباب فقط كي ال يُز ِعجنا أحد بينما‬ ‫سيِّدتي الجميلة بأذى‪ ،‬أقس ُم على هذا‪،‬‬
‫لكن الليدي اليسا كانت باردةً للغاية معي‪ ...‬ل َّما قالت لي إنها تحمل طفل اللورد پيتر‪ ...‬تملَّكني الجنون‪.»...‬‬
‫بتر ثالثةً من أصابعه‪ ،‬كال الخنصريْن‬ ‫ح َّدقت سانزا إلى يديه وهو يتكلَّم‪ .‬مادي البدينة زع َمت أن مورد َ‬
‫وبشكل ما بدا إصبعاه الصَّغيرين أكثر تيبُّسًا من البقيَّة بالفعل‪ ،‬لكن من الصَّعب أن تتيقَّن‬
‫ٍ‬ ‫وإحدى ال َّسبَّابتين‪،‬‬
‫في وجود هذين القُفَّازين‪ .‬ربما ال تكون أكثر من قصَّة مختلَقة‪ .‬وما أدرى مادي؟ قال المغنِّي األعمى‪:‬‬
‫ك لي قيثارتي‪ ،‬قيثارتي و‪ ...‬لساني‪ ...‬كي أغنِّي‪ .‬كم كانت الليدي اليسا مولعةً‬ ‫«اللورد پيتر تكرَّم وتر َ‬
‫ي‪.»...‬‬ ‫بأغان َّ‬
‫قال اللورد نستور بغلظة‪ُ « :‬خذوا هذا المخلوق من هنا َّ‬
‫وإال قتلته بنفسه‪ .‬مجرَّد النَّظر إليه يُغثيني»‪.‬‬
‫خاطب پيتر ال َّسجَّان ً‬
‫قائال‪« :‬مورد‪ ،‬أ ِعده إلى زنزانته»‪.‬‬ ‫َ‬
‫ك ماريليون من ياقته بخشونة‪ ،‬وقال له‪« :‬ال مزيد كالم»‪ .‬حين تكلَّم رأت‬ ‫َر َّد مورد‪« :‬نعم سيِّدي»‪ ،‬وأمس َ‬
‫سانزا ‪-‬لدهشتها‪ -‬أن أسنان ال َّسجَّان من َّ‬
‫الذهب‪ ،‬وشاهدَته مع اآلخَ رين وهو يجرُّ المغنِّي ويدفعه نحو الباب‪.‬‬
‫أعلنَ ماروين بلمور عقب خروجهما‪« :‬ال بُ َّد أن يموت هذا الرَّجل‪ .‬كان ينبغي أن يتبع الليدي اليسا من‬
‫(باب القمر)»‪.‬‬
‫أضافَ السير ألبار رويس‪« :‬دون لسانه‪ ،‬دون هذا اللِّسان الكاذب السَّاخر»‪.‬‬
‫قتل من أجل‬
‫ق عليه‪ .‬لقد َ‬ ‫أعرف أني ترفَّ ُ‬
‫قت به كثيرًا‪ .‬الحقيقة أنني أشف ُ‬ ‫ُ‬ ‫بلهج ٍة اعتذاريَّة قال پيتر بايلش‪« :‬‬
‫الحُب»‪.‬‬
‫قال بلمور‪« :‬من أجل الحُب أو الكراهية‪ ،‬ال بُ َّد أن يموت»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال في زنازين السَّماء‪ .‬سوف يُناديه األزرق»‪.‬‬ ‫قال اللورد نستور بفظاظة‪« :‬قريبًا‪ .‬ال أحد يبقى‬
‫أأجاب ماريليون النِّداء أم لم ي ُِجبه فهو وحده يعرف»‪ ،‬وأشا َر ليفتح‬ ‫َ‬ ‫قال پيتر بايلش‪« :‬ربما‪ ،‬لكن سواء‬
‫حارساه الباب في نهاية القاعة‪ ،‬واستطر َد‪« :‬أيها الفُرسان‪ ،‬ال بُ َّد أنكم مت َعبون من صعودكم‪ .‬لقد أعددنا‬
‫أرهم الطَّريق‬ ‫ُغرفًا لكم جميعًا لقضاء اللَّيل‪ ،‬والطَّعام والنَّبيذ في انتظاركم في (القاعة السُّفليَّة)‪ .‬أوزويل‪ِ ،‬‬
‫هال تناولت معي كأسًا من النَّبيذ‬ ‫واحرص على تلبية احتياجاتهم كلِّها»‪ ،‬ثم التفتَ إلى نستور رويس ً‬
‫قائال‪َّ « :‬‬
‫في ُغرفتي ال َّشمسيَّة يا سيِّدي؟ إليني يا حُلوتي‪ ،‬تعالي و ُ‬
‫صبِّي لنا»‪.‬‬
‫كانت نار خافتة مشتعلةً في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة حيث ينتظرهم إبريق من النَّبيذ‪ .‬نبيذ ذهبي من (الكرمة)‪.‬‬
‫ومألَت سانزا كأس اللورد رويس فيما حرَّك پيتر الحطب ب ِم ٍ‬
‫سعر حديدي‪.‬‬
‫جلس اللورد نستور إلى جوار النَّار‪ ،‬وقال لپيتر كأن سانزا ليست موجودةً‪« :‬لن تكون هذه النِّهاية‪ .‬ابن‬ ‫َ‬
‫ع ِّمي ينوي استجواب المغنِّي بنفسه»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬يون البرونزي ال يثق بي»‪.‬‬ ‫دف َع پيتر قطعةً من الحطب جانبًا ً‬
‫‪« -‬إنه يُز ِمع المجيء على رأس ق َّوة‪ ،‬وسينض ُّم إليه سايموند تمپلتون‪ ،‬إياك أن تش َّ‬
‫ك في هذا‪ ،‬والليدي‬
‫واينوود أيضًا كما أخشى»‪.‬‬
‫‪« -‬واللورد بلمور واللورد هنتر ال َّشاب وهورتون ردفورت‪ ،‬وسيجلبون معهم سام ستون القوي وآل‬
‫توليت وآل ِشت وآل كولدووتر وعددًا من آل كوربراي»‪.‬‬
‫‪« -‬أنت واسع االطِّالع‪َ .‬من ِمن آل كوربراي؟ اللورد اليونل؟»‪.‬‬
‫ب ما»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬أخوه‪ .‬السير لين ال يحبُّني لسب ٍ‬
‫قال اللورد نستور بإصرار‪« :‬لين كوربراي رجل خطير‪ .‬ماذا تنوي أن تفعل؟»‪.‬‬
‫َر َّد پيتر‪« :‬وما الذي بإمكاني أن أفعله َّإال التَّرحيب بهم إذا أتوا؟»‪ ،‬وحرَّك ال ِمسعر ليُزكي النَّار أكثر ثم‬
‫وض َعه‪.‬‬
‫‪« -‬ابن ع ِّمي ينوي أن يخلعك من منصب اللورد الحافظ»‪.‬‬
‫رجال‪،‬‬‫ً‬ ‫‪« -‬إذا كان هذا صحيحًا فليس بمقدوري أن أمنعه‪ .‬إنني أحتفظُ بحامي ٍة ال تزيد على العشرين‬
‫وذهب پيتر إلى الصُّ ندوق البلُّوط الموضوع‬ ‫َ‬ ‫واللورد رويس وأصدقاؤه يستطيعون حشد عشرين ألف»‪،‬‬
‫أسفل النَّافذة‪ ،‬وأضافَ وهو يركع أمامه‪« :‬يون البرونزي سيفعل ما يُريد أن يفعله»‪ ،‬ثم فت َح الصُّ ندوق‬
‫وناول اللورد نستور إياه ً‬
‫قائال‪« :‬سيِّدي‪ ،‬هذه أمارة على الحُبِّ الذي كانت سيِّدتي تُ ِكنُّه‬ ‫َ‬ ‫وأخر َج َرقًّا ملفوفًا‬
‫لك»‪.‬‬
‫ق ويقول‪« :‬هذا‪ ...‬هذا غير متوقَّع يا سيِّدي»‪ ،‬وأذهلَها أن ترى في عينيه‬ ‫شاهدَت سانزا رويس يبسط ال َّر َّ‬
‫دموعًا‪.‬‬
‫‪« -‬غير متوقَّع لكنه ليس غير مست َحق‪ .‬لقد ق َّدرتك سيِّدتي أكثر من سائر ح َملة رايتها‪ ،‬وقالت لي إنك‬
‫صخرتها»‪.‬‬
‫قال اللورد نستور بوج ٍه تورَّد‪« :‬صخرتها‪ .‬هي قالت هذا؟»‪.‬‬
‫أجاب پيتر‪« :‬مرارًا»‪ ،‬وأشا َر إلى الورقة مستدر ًكا‪« :‬وها هو ذا ال َّدليل»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪« -‬هذا‪ ...‬يسرُّ ني أن أعرف هذا‪ .‬أعل ُم أن چون آرن كان يُقَدِّر خدمتي‪ ،‬لكن الليدي اليسا‪ ...‬لقد استخفَّت بي‬
‫وخشيت أن‪ ،»...‬وعق َد اللورد نستور حاجبيه مغمغ ًما‪« :‬أرى أنه يحمل خَتم آرن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أتيت أخطبُ ُو َّدها‪،‬‬ ‫حين‬
‫لكن التَّوقيع‪.»...‬‬
‫‪« -‬اليسا قُتِلَت قبل أن تُقَ َّدم لها الوثيقة لتُ َوقِّعها‪ ،‬فوقَّعتها باعتباري اللورد الحافظ‪ .‬أعل ُم أنها كانت لترغب‬
‫في هذا»‪.‬‬
‫ق متابعًا‪« :‬أنت‪ ...‬وف ٌّي يا سيِّدي‪ ،‬نعم‪ ،‬وال تعوزك ال َّشجاعة‪.‬‬ ‫قال اللورد نستور‪« :‬مفهوم»‪ ،‬وطوى ال َّر َّ‬
‫ط‪ .‬آل آرن‬ ‫سيقول بعضهم إن هذه المنحة ال تليق ويلومونك على تقديمها‪ .‬منصب الول ِّي لم يكن متوا َرثًا قَ ُّ‬
‫هُم من شيَّدوا (ب َّوابات القمر) في إبَّان اعتمارهم تاج الصَّقر وحُكمهم ملو ًكا في (الوادي)‪ .‬كانت (العُش)‬
‫مقرَّهم الصَّيفي‪ ،‬لكن مع بدء سقوط الثُّلوج اعتا َد البالط أن ينزل الجبل‪ .‬ستجد َمن يقولون إن (ب َّوابات‬
‫القمر) ال تقلُّ ملكيَّةً عن (العُش)»‪.‬‬
‫علَّق پيتر بايلش‪« :‬لم يَعُد هناك ملك في (الوادي) منذ ثالثمئة سنة»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬حين أتى التَّنانين‪ ،‬لكن حتى بَعدها ظلَّت (ب َّوابات القمر) قلعةً تابعةً لعائلة آرن‪.‬‬
‫أيَّده اللورد نستور ً‬
‫چون آرن نفسه كان ول َّي الب َّوابات في حياة أبيه‪ ،‬وبَعد تولِّيه الحُكم كرَّم أخاه رونل بالمنصب‪ ،‬والحقًا‬
‫دينس ابن ع ِّمه»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد روبرت بال إخوة‪ ،‬وأبناء عمومته بعيدون»‪.‬‬
‫أتمن هذا‪ .‬حين كان اللورد چون يَح ُكم‬
‫َّ‬ ‫ق اللورد نستور على الوثيقة‪ ،‬وقال‪« :‬صحيح‪ .‬لن أقول إنني لم‬ ‫أطب َ‬
‫ُ‬
‫وفعلت ك َّل ما طلبَه مني ولم أسأله‬ ‫البالد بصفته يد الملك وق َع على عاتقي أن أحكم (الوادي) من أجله‪،‬‬
‫بح ِّ‬
‫ق اآللهة!»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫استحققت هذا َ‬ ‫شيئًا لنفسي‪ ،‬لكني‬
‫بارتياح أكثر عال ًما أنك موجود دائ ًما‪ ،‬صديق صدوق‬
‫ٍ‬ ‫قال پيتر‪« :‬استحققته بالفعل‪ ،‬واللورد روبرت ينام‬
‫عند سفح جبله»‪ ،‬ورف َع كأسه مردفًا‪« :‬إذن‪ ...‬لنشرب نخبًا يا سيِّدي‪ .‬في صحَّة آل رويس أولياء (ب َّوابات‬
‫القمر)‪ ...‬اآلن وإلى األبد»‪.‬‬
‫ر َّدد رويس‪« :‬اآلن وإلى األبد‪ ،‬أجل!»‪ ،‬وتقارعَت الكأسان الف ِّ‬
‫ضيَّتان‪.‬‬
‫الذهبي‪ ،‬استأذنَ اللورد نستور في االنصراف‬ ‫طال‪ ،‬بَعد أن فر َغ إبريق نبيذ (الكرمة) َّ‬
‫َ‬ ‫الحقًا‪ ،‬بَعدها بوق ٍ‬
‫ت‬
‫لينض َّم إلى ِرفقة فُرسانه من جديد‪ ،‬وعندئ ٍذ كان النُّعاس يُغالِب سانزا الواقفة بال رغب ٍة َّإال في َّ‬
‫الذهاب إلى‬
‫قائال‪« :‬أترين األعاجيب التي يصنعها الكذب ونبيذ (الكرمة) َّ‬
‫الذهبي؟»‪.‬‬ ‫ك معصمها ً‬ ‫فِراشها‪ ،‬لكن پيتر أمس َ‬
‫لماذا تُريد أن تبكي إذن؟ من الجيِّد أن نستور رويس معهما‪ .‬سألَته‪« :‬أكان كلُّ ما قي َل كذب؟»‪.‬‬
‫أظن أنها قصدَتها كإطراء‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫كنت ال‬ ‫‪« -‬ليس كلَّه‪ .‬كثيرًا ما دعَت اليسا اللورد نستور بالصَّخرة‪ ،‬وإن‬
‫وتع َّودت أن تدعو ابنه ب ُكتلة الطِّين‪ .‬كانت تعلم أن اللورد نستور يَحلُم باالنفراد بحُكم (ب َّوابات القمر)‪ ،‬أن‬
‫وانتوت أن تذهب القلعة إلى‬ ‫َ‬ ‫يكون لورد حقيقةً ال اس ًما فقط‪ ،‬لكن اليسا كانت تَحلُم بإنجاب أبناء آخَرين‬
‫َ‬
‫حدث هنا يا إليني؟»‪.‬‬ ‫ً‬
‫سائال إياها‪« :‬هل تفهمين ما‬ ‫أخي روبرت الصَّغير»‪ ،‬ونهض پيتر‬
‫تر َّددت سانزا بُرهةً‪ ،‬ثم قالت‪« :‬منحت اللورد نستور (ب َّوابات القمر) لتتأ َّكد من دعمه لك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت سألته عن‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكن صخرتنا من آل رويس‪ ،‬أي أنه شديد االعتداد بالنَّفس وسريع الغضب‪ .‬لو‬
‫كضفدع غاضب إلهانتي َشرفه‪ ،‬أ َّما بهذه الطَّريقة‪ ...‬الرَّجل ليس غبيًّا تما ًما‪ ،‬لكن األكاذيب‬
‫ٍ‬ ‫ِسعره النتف َخ‬
‫صدِّق أن اليسا ق َّدرته أكثر من بقيَّة ح َملة رايتها‪ ،‬فأحد‬
‫التي ق َّدمتها له أحلى من الحقيقة‪ .‬إنه يُريد أن يُ َ‬
‫فرع أدنى لعائلة رويس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫هؤالء اآلخَرين يون البرونزي في النِّهاية‪ ،‬ونستور يعي ج ًّدا حقيقة أنه من‬
‫ويرغب في المزيد البنه‪ .‬ال ُّشرفاء يفعلون في سبيل أوالدهم أشياء ما كانوا ليُفَ ِّكروا في فِعلها ألنفسهم‬
‫بتاتًا»‪.‬‬
‫أومأَت برأسها متفهِّمةً‪ ،‬وقالت‪« :‬التَّوقيع‪ ...‬كان يُمكنك أن تجعل اللورد روبرت يُ َوقِّع الوثيقة ويختمها‪،‬‬
‫لكن ً‬
‫بدال من هذا‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬وقَّعتها بنفسي باعتباري اللورد الحافظ‪ .‬لماذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ألن‪ ...‬في حالة إزاحتك أو‪ ...‬أو قتلك‪.»...‬‬
‫لك أن شيئًا كهذا لم يَفُته‪ .‬براعة‬
‫‪ ...« -‬سيُصبِح امتالك اللورد نستور (ب َّوابات القمر) فجأةً مح َّل َشك‪ .‬أؤ ِّكد ِ‬
‫منك أن تلحظي‪ ،‬وإن لم أتوقَّع أق َّل من هذا من ابنتي»‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫لست‬ ‫بفخر شديد باستنتاجها السَّليم‪ ،‬ولو أن فخرها امتز َج بالحيرة‪« .‬لكني‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬أشكرك»‪ ،‬قالت شاعرةً‬
‫ابنتك‪ ،‬ليس حقًّا‪ .‬أعني أنني أتظاه ُر بكوني إليني‪ ،‬لكنك تعلم‪.»...‬‬
‫وض َع اإلصبع الصَّغير إصبعه على شفتيها‪ ،‬وقال‪« :‬أعل ُم ما أعل ُم وتعلمين ما تعلمين‪ .‬األفضل َّأال يُقال‬
‫بعض األشياء يا حُلوتي»‪.‬‬
‫‪« -‬حتى ونحن وحدنا؟»‪.‬‬
‫‪َّ « -‬‬
‫بالذات ونحن وحدنا‪َّ ،‬‬
‫وإال قد يأتي يوم ويَد ُخل خادم ُغرفةً دون تنبيه أو يسمع حارس على الباب شيئًا‬
‫يديك الجميلتين يا عزيزتي؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال ينبغي أن يسمعه‪ .‬هل تُريدين المزيد من الدِّماء على‬
‫رأت وجه ماريليون يسبح في الهواء أمامها وعلى عينيه العصابة الباهتة‪ ،‬ووراءه رأت السير دونتوس‬
‫وسهام النُّ َّشابيَّة مغروسة في جسده‪ .‬هكذا قالت سانزا‪« :‬ال‪ ،‬أرجوك»‪.‬‬
‫ددت لو أقول إننا لسنا في لُعب ٍة يا بنيَّتي‪ ،‬لكنها كذلك بالطَّبع‪ .‬إنها لُعبة العروش»‪.‬‬
‫‪« -‬و ُ‬
‫وأموت‪« .‬أوزويل‪ ...‬سيِّدي‪ ،‬أوزويل َّ‬
‫جذف‬ ‫ُ‬ ‫ط‪ .‬وال ُّلعبة محفوفة بالمخاطر‪ .‬زلَّة واحدة‬ ‫لم أطلب أن ألعب قَ ُّ‬
‫بي من (كينجز الندنج) ليلة هروبي‪ .‬ال بُ َّد أنه يعرف هويَّتي الحقيقيَّة»‪.‬‬
‫قال‪« :‬مؤ َّكد أنه يعرفها إذا كان يملك نِصف ذكاء خروف‪ ،‬والسير لوثور يعرف أيضًا‪ ،‬لكن أوزويل يعمل‬
‫زمن طويل‪ ،‬وبرون كتوم بطبيعته‪ِ .‬كتلبالك يُرا ِقب برون من أجلي‪ ،‬وبرون يُراقِب‬ ‫ٍ‬ ‫في خدمتي منذ‬
‫ت إليني‪ ،‬ويجب أن تكوني‬ ‫قلت إلدارد ستارك َّأال يثق بأحد‪ ،‬لكنه أبى أن يُصغي‪ .‬أن ِ‬ ‫ِكتلبالك‪ .‬ذات م َّر ٍة ُ‬
‫ُمكنك أن تفعلي‬
‫ِ‬ ‫قلبك‪ .‬هل ي‬
‫إليني طوال الوقت»‪ ،‬ووض َع إصبعين على ثديها األيسر متابعًا‪« :‬حتى هنا‪ ،‬في ِ‬
‫قلبك؟»‪.‬‬ ‫ُمكنك أن تكوني ابنتي في ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا؟ هل ي‬
‫‪« -‬إنني‪ .»...‬كادَت تقول‪ :‬ال أدري يا سيِّدي‪ ،‬لكن ذلك ليس ما يُريد أن يسمعه‪ ،‬فقالت لنفسها‪ :‬األكاذيب‬
‫ونبيذ (الكرمة) َّ‬
‫الذهبي‪ ،‬وأجابَته‪« :‬إنني إليني يا أبي‪ ،‬و َمن غيرها؟»‪.‬‬
‫يمينك يا حُلوتي‪ .‬واآلن‬
‫ِ‬ ‫لث َم اللورد اإلصبع الصَّغير وجنتها‪ ،‬وقال‪« :‬بعقلي و َجمال كات سيكون العالم ملك‬
‫إلى الفِراش»‪.‬‬
‫وجدَت سانزا أن جرتشل أشعلَت نارًا في مستوقَدها ونف َشت حشيَّة فِراشها ال ِّريش‪ ،‬فخل َعت ثيابها ودخلَت‬
‫تحت األغطية‪ ،‬وترجَّت في قرارة نفسها‪ :‬لن يُ َغنِّي اللَّيلة في وجود اللورد نستور واآلخَرين في القلعة‪ ،‬لن‬
‫يجرؤ‪ ،‬وأسدلَت جفنيها‪.‬‬
‫ُ‬
‫نسيت أن أقول للسير لوثور‬ ‫هزيع ما من اللَّيل استيقظَت إذ انض َّم إليها روبرت الصَّغير في الفِراش‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وفي‬
‫أن يحبسه ثانيةً‪ .‬لم يكن هناك ما يُمكنها أن تفعله‪ ،‬فط َّوقته بذراعها قائلةً‪ُ « :‬عصفوري الجميل‪ ،‬يُمكنك أن‬
‫تبقى‪ ،‬لكن حاول َّأال تتقلَّب‪ .‬أغلِق عينيك ونَم أيها الصَّغير»‪.‬‬
‫ت أ ِّمي اآلن؟»‪.‬‬‫ق بها ووض َع رأسه بين ثدييها‪ ،‬وسألَها‪« :‬إليني‪ ،‬أأن ِ‬ ‫قال‪« :‬حاضر»‪ ،‬والتص َ‬
‫أجابَته‪ُّ « :‬‬
‫أظن هذا»‪.‬‬
‫ال أذى في أكذوب ٍة النِّيَّة منها الرَّأفة‪.‬‬
‫ابنة الكرا ِكن‬
‫ضجَّت القاعة بصخب رجال هارلو السَّكرانين‪ ،‬كلُّهم من أبناء ُخؤولتها‪ ،‬وكلُّ لورد منهم يُ َعلِّق رايته وراء‬
‫مجموعة الدِّكك التي يجلس عليها رجاله‪ ،‬وقد تطلَّعت آشا جرايچوي إليهم من ال ُّشرفة مف ِّكرةً‪ :‬قِلَّة قليلة‬
‫للغاية‪ ،‬قِلَّة ال تُذ َكر‪ .‬ثالثة أرباع الدِّكك كان شاغرًا‪.‬‬
‫كارل البِكر قال ما مؤ َّداه ال ُخالصة نفسها وهما على متن (الرِّيح السَّوداء) المقبلة من البحر‪ ،‬إذ أحصى‬
‫ت عدد كاف»‪ .‬لم يكن مخطئًا‪،‬‬ ‫السُّفن الطَّويلة الرَّاسية أسفل قلعة خالها‪ ،‬ثم َز َّم فاه معلِّقًا‪« :‬لم يأتوا‪ ،‬أو لم يأ ِ‬
‫مكان مفتوح حيث يُمكن أن يسمعها أفراد طاقمها‪ .‬إنها ال‬ ‫ٍ‬ ‫تستطع أن تُؤَ ِّمن على كالمه في‬
‫ِ‬ ‫َّإال أن آشا لم‬
‫الجلي لل ِعيان‬
‫ِّ‬ ‫تشك في إخالصهم‪ ،‬لكن حتى حديديِّي الميالد يتر َّددون في بذل حياتهم في سبيل قضيَّ ٍة من‬ ‫ُّ‬
‫أنها خاسرة‪.‬‬
‫ضيَّة‪ ،‬وشجرة آل ستونتري‬ ‫أأصدقائي قالئل لهذه ال َّدرجة حقًّا؟ ضمن الرَّايات رأت سمكة آل بوتلي الف ِّ‬
‫الحجريَّة‪ ،‬ولَ ِوياثان آل ڤولمارك األسود‪ ،‬وأناشيط آل ماير‪ .‬أ َّما البقيَّة فمناجل آل هارلو‪ .‬يضع بورموند‬
‫بإطار له شكل ُشرفات الحصن‪ ،‬والفارس أضافَ‬ ‫ٍ‬ ‫منجله على خلفيَّ ٍة زرقاء شاحبة‪ ،‬ومنجل هوثو محاط‬
‫إلى منجليْه الطَّاووسيْن المبهر َجيْن رمز عائلة أ ِّمه‪ ،‬عالوةً على راية سيجفريد ذي ال َّشعر الفضِّي التي‬
‫ضي‬ ‫تُظ ِهر منجليْن متعارضيْن على خلفيَّ ٍة مقسومة ب َمي ٍْل إلى لونين‪ .‬وحده اللورد هارلو على رايته منجل ف ِّ‬
‫خالص على خلفيَّ ٍة بسواد اللَّيل‪ ،‬تما ًما كما كانت تخفق في فَجر ال َّزمان‪ .‬إنه رودريك الملقَّب بالقارئ‪ ،‬سيِّد‬
‫(البروج العشرة) وسيِّد (هارلو)‪ ،‬زعيم عائلة هارلو في (هارلو)‪ ...‬والمفضَّل عندها من بين أشقَّاء أبيها‬
‫وأ ِّمها‪.‬‬
‫كان مقعد اللورد رودريك العالي شاغرًا أيضًا‪ ،‬وقد تقاط َع فوقه منجالن من الفضَّة المطرَّقة‪ ،‬هائالن حتى‬
‫إن واحدًا من العمالقة أنفسهم كان ليجد ُعسرًا في حملهما‪ ،‬لكن تحتهما تستقرُّ الوسائد خاليةً‪ .‬لم تندهش‬
‫ق غير العظام واألطباق المتَّسخة بال ُّدهون‪ .‬اآلن‬ ‫آشا‪ ،‬فالمأدبة انتهَت منذ م َّد ٍة طويلة‪ ،‬وعلى الموائد لم يتب َّ‬
‫ط إلى صُحبة السَّكارى المشاكسين‪.‬‬ ‫ليس هناك في المكان َّإال من يشربون‪ ،‬وخالها رودريك لم يكن مي ًَّاال قَ ُّ‬
‫التفتَت إلى ذات الثَّالث أسنان‪ ،‬امرأة في أرذل العُمر تعمل وكيلةً لخالها منذ كانت تُدعى ذات االثنتي‬
‫عشرة ِسن‪ ،‬وسألَتها‪« :‬خالي مع ُكتبه؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬وهل هناك غيرها؟»‪ .‬المرأة طاعنة في ال ِّسنِّ لدرجة أن أحد السِّپتونات قال في م َّر ٍة إنها حت ًما‬
‫أرض َعت (العجوز)‪ ،‬لكن ذلك كان في عهد التَّسا ُمح مع عقيدة اآللهة السَّبعة على الجُزر‪ .‬اآلن يحتفظ خالها‬
‫بعد ٍد من السِّپتونات في (البروج العشرة)‪ ،‬ليس من أجل خالص روحه وإنما من أجل ال ُكتب‪« .‬مع ال ُكتب‬
‫وبوتلي‪ .‬هو أيضًا كان معه»‪.‬‬
‫ضي على خلفيَّ ٍة خضراء باهتة‪ ،‬وإن لم ت َر آشا‬ ‫راية بوتلي أيضًا معلَّقة في القاعة‪ ،‬سرب من السَّمك الف ِّ‬
‫سفينته (ال َّزعنفة السَّريعة) وسط السُّفن الطَّويلة األخرى‪.‬‬
‫سمعت أن ع ِّمي عين ال ُغراب أغر َ‬
‫ق العجوز ساوان بوتلي»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪« :‬‬
‫‪« -‬أقص ُد اللورد تريستيفر بوتلي»‪.‬‬
‫سأعرف قريبًا‪ .‬لن يكون موقفًا مريحًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تريس‪ .‬تساءلَت ع َّما جرى البن ساوان األكبر هارن‪ .‬ال َش َّ‬
‫ك أني‬
‫إنها لم ت َر تريس بوتلي منذ‪ ...‬ال‪ ،‬يجب َّأال تُس ِهب في التَّفكير في ذلك‪« .‬والسيِّدة أ ِّمي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬في فِراشها في (بُرج األرملة)»‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬وهل هناك مكان غيره؟ األرملة التي استم َّد البُرج منها اسمه هي خالتها الليدي جوينيس‪ ،‬التي أتَت‬
‫ترثي زوجها الذي ماتَ عند (الجزيرة القصيَّة) خالل تمرُّ د بالون جرايچوي األول‪ ،‬ومعلوم أنها قالت‬
‫ألخيها‪« :‬سأبقى حتى ينتهي ِحدادي فقط‪ ،‬مع أن المفت َرض حقًّا أن تكون (البُروج العشرة) لي‪ ،‬ألني‬
‫أكبرك بسبعة أعوام»‪ .‬سنوات طويلة مرَّت منذ ذلك الحين‪ ،‬وظلَّت األرملة في ِحدادها‪ ،‬وبين اآلن واآل َخر‬
‫تُتَمتِم أن القلعة من حقِّها‪ .‬واآلن عند اللورد رودريك أخت أرملة ِشبه مجنون ٍة أخرى تحت سقفه‪ .‬ال عجب‬
‫أنه يسعى إلى العزاء وسط ُكتبه‪ .‬حتى اآلن يَصعُب استيعاب أن الليدي أالنيس السَّقيمة اله َّشة حيَّة بينما‬
‫ً‬
‫مثقال‬ ‫ماتَ زوجها اللورد بالون الذي بدا شديد الق َّوة والصَّالبة‪ .‬عندما أبح َرت آشا إلى الحرب كان قلبها‬
‫ُمازحنا‬
‫أوال‪ .‬اإلله الغريق ي ِ‬ ‫بالهَم‪ ،‬وتخشى أن تموت أ ُّمها قبل عودتها‪ ،‬ولم يَخطُر لها م َّرةً أن أباها سيموت ً‬
‫مزاحًا قاسيًا‪ ،‬لكن البَشر أش ُّد قسوةً‪ .‬عاصفة مفاجئة وحبل مقطوع ألقيا ببالون جرايچوي إلى مصرعه‪ .‬أو‬
‫هكذا يَز ُعمون‪.‬‬
‫ً‬
‫شماال‬ ‫آخر م َّر ٍة رأت أ َّمها كانت حين توقَّفت في (البروج العشرة) لتعبئة المياه العذبة وهي في الطَّريق‬ ‫ِ‬
‫ط بنوع ال َجمال الذي يُثَ ِّمنه المغ ُّنون‪ ،‬لكن لطالما أحبَّت‬ ‫لمها َجمة (ربوة الغابة)‪ .‬لم تتمتَّع أالنيس هارلو قَ ُّ‬
‫ابنتها مالمحها الحا َّدة القويَّة وعينيها الضَّحوكتيْن‪ ،‬على أنها في تلك ال ِّزيارة األخيرة وجدَت الليدي أالنيس‬
‫جالسةً على مقع ٍد مجاور للنَّافذة تحت كوم ٍة من الفرو‪ ،‬تُ َحدِّق إلى البحر‪ ،‬وتَذ ُكر آشا أنها تساءلَت في نفسها‬
‫ضا‪ ،‬ولئن‬ ‫وهي تُقَبِّل وجنتها‪ :‬أهذه أ ِّمي أم شبحها؟ كان ِجلد أ ِّمها رقيقًا كورق الرُّ قوق و َشعرها الطَّويل مبي ًّ‬
‫تبقَّى شيء من الكبرياء في الطَّريقة التي ترفع بها رأسها‪ ،‬فقد بدَت عيناها منطفئتيْن غائمتيْن‪ ،‬واختل َج فمها‬
‫ت بابني الصَّغير؟»‪ .‬كان ثيون في العاشرة من العُمر حينما أُ ِخ َذ رهينةً‬ ‫وهي تسأل عن ثيون قائلةً‪« :‬هل أتي ِ‬
‫إلى (وينترفل)‪ ،‬ويبدو أنه سيظلُّ هكذا دو ًما في مخيِّلة الليدي أالنيس‪ .‬أجابَتها آشا مضط َّرةً‪« :‬ثيون لم يأ ِ‬
‫ت‪.‬‬
‫أبي أرسلَه يُغير على (السَّاحل الحجري)»‪ ،‬فلم تر َّد الليدي أالنيس‪ ،‬بل اكتفَت باإليماء برأسها ببُطء‪ ،‬وإن‬
‫كان الجرح البليغ الذي أصابَتها به كلمات ابنتها جليًّا تما ًما‪.‬‬
‫ي أن أخبِرها بموت ثيون وأغمد في فؤادها خنجرًا آخَ ر‪ .‬ث َّمة س ِّكينان مغروسان هناك بالفعل‪،‬‬ ‫واآلن عل َّ‬
‫ش اسما رودريك ومارون‪ ،‬وكثيرًا ما يُ َم ِّزقان نياط قلب أ ِّمها في جوف اللَّيل‪ .‬قالت آشا‬ ‫وعلى نصليهما نُقِ َ‬
‫لنفسها متعهِّدةً‪ :‬سأراها غدًا‪ .‬لقد قط َعت رحلةً طويلةً مر ِهقةً‪ ،‬وليس بمقدورها أن تُ ِ‬
‫واجه أ َّمها اآلن‪.‬‬
‫خاطبَت ذات الثَّالث أسنان قائلةً‪« :‬يجب أن أتكلَّم مع اللورد رودريك‪ .‬اعتني بأفراد طاقمي بمجرَّد أن‬
‫ينتهوا من تفريغ حمولة (الرِّيح السَّوداء)‪ .‬سيكون معهم أسرى‪ .‬أريدهم أن يناموا في أس َّر ٍة دافئة ويأكلوا‬
‫وجبةً ساخنةً»‪.‬‬
‫ر َّدت العجوز‪« :‬هناك لحم بقري بارد في المطابخ‪ ،‬وخردل في جرَّة حجريَّة كبيرة من (البلدة القديمة)»‪،‬‬
‫وجعلَها ِذكر ذلك الخردل تبتسم‪ ،‬لتلوح ِس ٌّن بنِّيَّة طويلة واحدة متمسِّكة بلثتها‪.‬‬
‫قالت آشا‪« :‬لن يَصلُح هذا‪ .‬رحلتنا كانت شاقَّةً‪ ،‬وأري ُد شيئًا ساخنًا في بطونهم»‪ ،‬ودسَّت إبهامها في الحزام‬
‫المرصَّع بالحديد المحيط ب َوركيها‪ ،‬وأضافَت‪« :‬يجب َّأال يعوز الليدي جلوڤر وصغيريها الطَّعام أو الدِّفء‬
‫أبدًا‪ .‬ضعيهم في بُرج وليس في ال َّزنازين‪ .‬الرَّضيعة مريضة»‪.‬‬
‫‪« -‬الرُّ ضَّع يمرضون طول الوقت‪ ،‬ويموت معظمهم ويَشعُر النَّاس باألسف‪ .‬سأسأ ُل سيِّدي أين أض ُع قوم‬
‫ال ِّذئاب هؤالء»‪.‬‬
‫صته قائلةً بغلظة‪« :‬ستفعلين كما أقولُ‪ ،‬وإذا ماتَت هذه‬ ‫أمس َكت أنف العجوز بين إبهامها وسبَّابتها وقر َ‬
‫فصاحت ذات الثَّالث أسنان بح َّد ٍة ووعدَت بأن تُطيع‪ ،‬إلى أن أطلقَت‬ ‫َ‬ ‫منك»‪،‬‬
‫الرَّضيعة فلن يأسف أحد أكثر ِ‬
‫آشا سراحها وذهبَت إلى خالها‪.‬‬
‫جميل أن تمشي في هذه األروقة من جديد‪ ،‬فلطالما ع َّدت آشا (البروج العشرة) بيتها أكثر من (پايك)‪،‬‬
‫ت‬‫وعندما رأتها أول م َّر ٍة ف َّكرت‪ :‬ليست قلعةً واحدةً وإنما عشر قالع منحشرة معًا‪ .‬ال تزال تَذ ُكر سباقا ٍ‬
‫الهثةً على السَّاللم وبطول مماشي األسوار والجسور المغطَّاة‪ ،‬وصيد األسماك على (الرَّصيف الحجري‬
‫ضتها مستغرقةً في ثروة خالها من ال ُكتب‪َ .‬ج ُّد جدِّه هو من أقا َم القلعة التي تع ُّد‬ ‫الطَّويل)‪ ،‬وأيا ًما وليال َي أم َ‬
‫األجدد على الجُزر‪ ،‬وكان للورد ثيومور هارلو ثالثة أبنا ٍء ماتوا في المهد‪ ،‬وقد ألقى اللَّوم على األقبية‬
‫المغمورة واألحجار الرَّطبة والنَّطرون الفاسد في (بهو هارلو) العريق‪ ،‬أ َّما (البروج العشرة) فأحسن‬
‫تهويةً وأكثر راحةً وأفضل موقعًا‪...‬‬
‫ت منهن‪،‬‬ ‫رجال متقلِّب األطوار كما كانت أيٌّ من زوجاته لتشهد‪ ،‬وقد كانت له ِس ٌّ‬ ‫ً‬ ‫لكن اللورد ثيومور كان‬
‫كلهن متباينات كأبراجه العشرة‪.‬‬
‫(بُرج ال ُكتب) أوسع العشرة‪ ،‬مث َّمن األضالع ومشيَّد بقوالب ضخمة من الحجارة المنحوتة‪ ،‬وساللمه مبنيَّة‬
‫داخل الجُدران السَّميكة‪ .‬صعدَت آشا مسرعةً إلى الطَّابق الخامس حيث ال ُغرفة التي يقرأ فيها خالها‪ .‬ولو‬
‫ب في يده‪ ،‬سواء أكان هذا في‬ ‫أنه ال تو َجد ُغرف ال يقرأ فيها‪ .‬نادرًا ما يُرى اللورد رودريك دون كتا ٍ‬
‫المرحاض أم على سطح سفينته (أغنيَّة البحر) أم في أثناء مقابالته‪ ،‬وكثيرًا ما رأته آشا يقرأ على مقعده‬
‫ُنصت إلى ك ِّل حال ٍة تُط َرح عليه ويُص ِدر حُكمه‪ ...‬ثم ينال قسطًا من‬ ‫العالي تحت المنجليْن الفضِّ يَّين‪ ،‬في ِ‬
‫القراءة بينما يذهب قائد َحرسه لإلتيان بالملت ِمس التَّالي‪.‬‬
‫مائال على منضد ٍة عند نافذة‪ ،‬تُحيط به مخطوطات ربما أتَت من (ڤاليريا) نفسها قبل هالكها‪ ،‬و ُكتب‬ ‫وجدَته ً‬
‫بالجلد ولها مشابك من البرونز والحديد‪ ،‬وعلى جانبيه تشتعل شموع سميكة طويلة كذراع‬ ‫ثقيلة مغلَّفة ِ‬
‫طويال أو قصيرًا‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫رجل في شمعدانات حديديَّة من َّمقة‪ .‬ليس اللورد رودريك هارلو بدينًا أو نحيفًا‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫إجماال‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫قبيحًا أو وسي ًما‪ ،‬وله َشعر بنِّي كعينيه‪ ،‬وإن شابَت اللحية القصيرة المشذبة التي تع َّود العناية بها‪.‬‬
‫يبدو الرَّجل تقليديًّا‪ ،‬وال يُ َميِّزه َّإال حبُّه للكلمة المكتوبة‪ ،‬وهو ما يع ُّده كثيرون ج ًّدا من حديديِّي الميالد تخنُّثًا‬
‫وانحرافًا‪.‬‬
‫أغلقَت الباب وراءها قائلةً‪« :‬خالي‪ ،‬ما القراءة العاجلة التي تجعلك تَترُك ضيوفك بال مضيف؟»‪.‬‬
‫قال‪(« :‬كتاب ال ُكتب المفقودة) لل ِمايستر الرَّئيس ماروين»‪ ،‬ورف َع ناظريْه عن الصَّفحة يَر ُمقها متابعًا‪:‬‬
‫«هوثو أحض َر لي نُسخةً من (البلدة القديمة)‪ .‬إن له ابنةً يُريدني أن أتز َّوجها»‪ ،‬ونق َر اللورد رودريك على‬
‫فر طويل‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬انظُري هنا‪ ،‬ماروين يَز ُعم أنه عث َر على ثالث صفحات من (عالمات‬ ‫الكتاب بظُ ٍ‬
‫وآيات)‪ ،‬الرُّ ؤى التي د َّونتها ابنة إينار تارجاريَن العذراء قبل أن يأتي الهالك (ڤاليريا)‪ .‬هل تعرف الني‬
‫أنك هنا؟»‪.‬‬
‫ِ‬
‫الني هو اسم التَّدليل الذي يُطلِقه على أ ِّمها‪ ،‬ووحده القارئ يدعوها به‪ .‬أجابَت آشا‪« :‬ليس بع ُد‪ .‬دَعها‬
‫رسي وجل َست مستطردةً‪« :‬يبدو أن ذات الثَّالث أسنان فقدَت‬ ‫ٍّ‬ ‫تستريح»‪ ،‬ونقلَت كومةً من ال ُكتب من على ُك‬
‫ِسنَّين أخريَيْن‪ .‬هل تدعوها بذات ال ِّسنِّ الواحدة اآلن؟»‪.‬‬
‫ونظر اللورد رودريك من‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬نادرًا ما أدعوها على اإلطالق‪ .‬تلك المرأة تُخيفني‪ .‬ما السَّاعة اآلن؟»‪،‬‬
‫ت‪ ،‬انتظرنا‬ ‫أناره القمر‪ ،‬ثم أردفَ ‪َ « :‬ح َّل الظَّالم بهذه السُّرعة؟ لم أالحظ‪ .‬لقد تأ َّخر ِ‬
‫النَّافذة إلى البحر الذي َ‬
‫مجيئك منذ أيام»‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقلقت على أسراي‪ ،‬زوجة روبت جلوڤر وطفاله‪ .‬الصُّ غرى ال تزال رضيعةً‪ ،‬ولبن‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬كانت ال ِّريح ضدنا‬
‫ف خالل رحلتنا‪ ،‬فلم أجد خيارًا َّإال الرَّسو ب(الرِّ يح السَّوداء) على (السَّاحل الحجري)‬ ‫الليدي جلوڤر َج َّ‬
‫وبدال من هذا وجدوا عنزةً‪ .‬الفتاة ليست في ص َّح ٍة طيِّبة‪ .‬هل هناك‬ ‫ً‬ ‫مرضعة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وإرسال رجالي للعثور على‬
‫رضع في القرية؟ (ربوة الغابة) مه َّمة ل ُخططي»‪.‬‬ ‫أُم تُ ِ‬
‫متأخرةً كثيرًا»‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ت‬
‫ططك‪ .‬لقد أتي ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬يجب أن تتب َّدل ُخ‬
‫متأخرة وجائعة»‪ ،‬وم َّدت ساقيها الطَّويلتين تحت المنضدة وقلبَت صفحات أقرب كتا ٍ‬
‫ب إليها‪،‬‬ ‫قالت‪ِّ « :‬‬
‫ضرة أحد السِّپتونات عن حرب ميجور المتو ِّحش على جماعة الصَّعاليك‪ ،‬وأضافَت‪« :‬أوه‪ ،‬وظمأى‬ ‫محا َ‬
‫بقرن من ال ِمزر اآلن يا خالي»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أيضًا‪ .‬ال بأس‬
‫قائال‪« :‬تعلمين أنني ال أسم ُح بالطَّعام وال َّشراب في مكتبتي‪ .‬ال ُكتب‪.»...‬‬
‫َز َّم اللورد رودريك شفتيه ً‬
‫أكملَت آشا عبارته ضاحكةً‪ ...« :‬ربما يُصيبها أذى»‪.‬‬
‫قطَّب خالها جبينه‪ ،‬وقال‪« :‬تحبِّين استفزازي حقًّا»‪.‬‬
‫رجال لم أستف َّزه قَ ُّ‬
‫ط‪ ،‬والمفت َرض أنك تعلم هذا جيِّدًا‪ .‬لكن‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫تبدون متض ِّررًا هكذا‪ .‬إنني لم ألتق‬ ‫‪« -‬أوه‪ ،‬ال‬
‫كفى كال ًما عني‪ .‬هل أنت بخير؟»‪.‬‬
‫بعثت إلى (مير) أطلبُ عدسةً تُسا ِعدني على‬ ‫ُ‬ ‫هَ َّز كتفيه مجيبًا‪« :‬بخير بما فيه الكفاية‪ .‬نظري يَضعُف‪.‬‬
‫القراءة»‪.‬‬
‫‪« -‬وكيف حال خالتي؟»‪.‬‬
‫تنهَّد اللورد رودريك‪ ،‬وقال‪« :‬ما زالَت تكبرني بسبع سنوات ومقتنعةً بأن (البروج العشرة) يجب أن تكون‬
‫لها‪ .‬أصب َحت جوينيس كثيرة النِّسيان‪ ،‬لكن هذا ما ال تنساه أبدًا‪ .‬إنها ترثي زوجي الميت بالحرارة نفسها‬
‫كيوم موته‪ ،‬مع أنها ال تتذ َّكر اسمه دائ ًما»‪.‬‬
‫أصال»‪ ،‬وأغلقَت كتاب السِّپتون بق َّو ٍة متسائلةً‪« :‬هل قُ ِت َل‬
‫ً‬ ‫لست واثقةً بأنها كانت تعرف اسمه‬ ‫قالت آشا‪ُ « :‬‬
‫أبي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما تعتقده أ ُّم ِك»‪.‬‬
‫ث َّمة أوقات معيَّنة كان ليُس ِعدها فيها أن تَقتُله بنفسها‪« .‬وما الذي يعتقده خالي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بالون هوى إلى موته عندما انقط َع جسر من الحبال من تحته‪ .‬كانت العاصفة ثائرةً والجسر يتمايَل‬
‫يهز كتفيه مضيفًا‪« :‬أو أن هذا ما قي َل لنا‪ .‬أ ُّم ِك وص َل إليها طائر‬
‫ويتل َّوى مع ك ِّل هبَّة ريح»‪ ،‬وعا َد رودريك ُّ‬
‫من ال ِمايستر ويندامير»‪.‬‬
‫سحبَت آشا خنجرها من ِغمده وطفقَت تُنَظِّف ما تحت أظفارها من وسخ‪ ،‬وقالت‪« :‬يغيب عين ال ُغراب‬
‫ثالثة أعوام ثم يعود يوم موت أبي تحديدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬في اليوم التَّالي كما سمعنا‪( .‬الصَّمت) كانت ال تزال في البحر عندما ماتَ بالون‪ ،‬أو أن هذا ما يُقال‪،‬‬
‫ِّدك في أن عودة يورون‪ ...‬لنقل إنها كانت في حينها»‪.‬‬‫ومع ذلك أؤي ِ‬
‫علَّقت آشا‪« :‬لم أكن ألصفها هكذا»‪ ،‬ثم إنها غر َست رأس خنجرها في المنضدة‪ ،‬وقالت‪« :‬أين سُفني؟! لقد‬
‫أحصيت نحو أربعين من السُّفن الطَّويلة الرَّاسية باألسفل‪ ،‬ليس عددًا يكفي ولو بعض ال َّشيء إلزاحة عين‬ ‫ُ‬
‫ال ُغراب عن ُكرسي أبي»‪.‬‬
‫لك وأل ِّم ِك من حُب‪ .‬عائلة هارلو اجتم َعت‪ ،‬وكذا عائلتا‬ ‫باسمك ألجل ما أك ُّنه ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أرسلت االستدعاءات‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫ستونتري وڤولمارك وبعض عائلة ماير‪.»...‬‬
‫ُ‬
‫رأيت راية بوتلي وحيدةً من (پايك) في القاعة‪ .‬أين سُفن‬ ‫‪« -‬كلُّهم من (هارلو)‪ ...‬جزيرة واحدة من سبع‪.‬‬
‫سولتكليف وأوركوود؟ أين سُفن (ويك القديمة) و(ويك ال ُكبرى)؟»‪.‬‬
‫ق رودريك (كتاب‬
‫‪« -‬بيلور بالكتايد أتى من (بالكتايد) يتشا َور معي وسرعان ما رح َل من جديد»‪ ،‬وأغل َ‬
‫ال ُكتب المفقودة) مضيفًا‪« :‬إنه في (ويك القديمة) اآلن»‪.‬‬
‫‪(« -‬ويك القديمة)؟»‪ .‬كانت آشا تخشى أن يقول إنهم ذهبوا جميعًا إلى (پايك) ليُبايِعوا عين ال ُغراب‪« .‬لماذا‬
‫(ويك القديمة)؟»‪.‬‬
‫ت‪ .‬آرون ذو ال َّشعر الرَّطب دعا إلى انتخاب ملك»‪.‬‬
‫حسبتك سمع ِ‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫ألقَت آشا رأسها إلى الوراء ضاحكةً‪ ،‬ثم قالت‪« :‬ال بُ َّد أن اإلله الغريق َدسَّ سمكةً شائكةً في ُدبر الع ِّم‬
‫آرون‪ .‬انتخاب ملك؟ أهذه ُدعابة أم أنه يعني ما يقول حقًّا؟»‪.‬‬
‫ط منذ غرقَ‪ ،‬ثم إن الرُّ هبان اآلخَرين تب ُّنوا ال َّدعوة؛ بيرون بالكتايد األعمى‬‫‪« -‬ذو ال َّشعر الرَّطب لم يمزح قَ ُّ‬
‫ك الصَّخرة التي يعيش عليها ليُبَ ِّشر بهذا االنتخاب‬ ‫وتارل الغارق ثالثًا‪ ...‬حتى النَّورس الرَّمادي العجوز تر َ‬
‫في أنحاء (هارلو)‪ .‬الرَّبابنة يجتمعون في (ويك القديمة) حاليًّا»‪.‬‬
‫ق عين ال ُغراب على حضور تلك المهزلة المق َّدسة واإلذعان لقرارها؟»‪.‬‬ ‫سألَته آشا مندهشةً‪« :‬هل واف َ‬
‫‪« -‬عين ال ُغراب ال يُطلِعني على قراراته‪ .‬منذ استدعاني إلى (پايك) ألبايعه لم تصلني أخبار من يورون»‪.‬‬
‫انتخاب ملك‪ .‬شيء جديد هذا‪ ...‬أو باألحرى شيء قديم للغاية‪« .‬وع ِّمي ڤيكتاريون؟ ما رأيه في فكرة ذي‬
‫ال َّشعر الرَّطب؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ڤيكتاريون أُعلِ َم بموت ِ‬
‫أبيك‪ ،‬وبانتخاب الملك إياه أيضًا ال ريب‪ ،‬لكني ال أدري أكثر من هذا»‪.‬‬
‫ملك باالنتخاب أفضل من مجيئه بالحرب‪ .‬قالت آشا‪« :‬أعتق ُد أني سأقبِّ ُل قد َمي ذي ال َّشعر الرَّطب‬ ‫مجيء ٍ‬
‫رغم رائحتهما الكريهة وألتقطُ طحالب البحر من بين أصابعهما»‪ ،‬وانتزعَت خنجرها من خشب المنضدة‬
‫ملك لعين!»‪.‬‬ ‫الغمد مضيفةً‪« :‬انتخاب ٍ‬ ‫ودسَّته في ِ‬
‫كنت أراج ُع (تاريخ حديديِّي الميالد) لهايرج‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت أصلِّي َّأال يكون لعينًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬في (ويك القديمة)‪ ،‬وإن‬
‫ق أورون ابن‬ ‫ملك أطل َ‬
‫ٍ‬ ‫آخر م َّر ٍة في انتخاب‬ ‫عندما اجتم َع الملوك الملحيُّون والملوك الصَّخريُّون ِ‬
‫(أوركمونت) رجاله حاملي الفؤوس بينهم واصطبغَت ضلوع ناجا بحُمرة الدِّماء‪ ،‬وبَعد ذلك اليوم الملعون‬
‫عام إلى أن جا َء األنداليُّون»‪.‬‬
‫حك َمت عائلة جرايآيرون غير مختار ٍة طيلة ألف ٍ‬
‫‪« -‬يجب أن تُعيرني كتاب هايرج هذا يا خالي»‪ .‬عليها أن تتعلَّم ك َّل ما يُمكنها عن انتخابات الملوك قبل‬
‫وصولها إلى (ويك القديمة)‪.‬‬
‫َر َّد‪« :‬يُمكنك قراءته هنا‪ .‬إنه قديم وهَش»‪ ،‬وأمعنَ النَّظر إليها عاقدًا حاجبيْه‪ ،‬وقال‪« :‬ال ِمايستر الرَّئيس‬
‫حدث من قبل سيَح ُدث ثانيةً‬
‫َ‬ ‫كتب يقول إن التَّاريخ عجلة‪ ،‬ألن سليقة اإلنسان ال تتغيَّر أبدًا‪ ،‬وإن ما‬ ‫ريجني َ‬
‫لت في طبيعة عين ال ُغراب ف َّكرت في هذه المقولة‪ .‬إن ليورون جرايچوي وقعًا على‬ ‫بالضَّرورة‪ .‬كلَّما تأ َّم ُ‬
‫هاتين األُذنين العجوزين ال يختلف عن أورون جرايآيرون‪ .‬لن أذهب إلى (ويك القديمة)‪ ،‬وال ينبغي ِ‬
‫لك أن‬
‫تذهبي كذلك»‪.‬‬
‫ملك يُعقَد منذ‪ ...‬منذ متى يا خالي؟»‪.‬‬‫ابتس َمت آشا قائلةً‪« :‬ويفوتني أول انتخاب ٍ‬
‫‪« -‬أربعة آالف عام إذا ص َّدقنا هايرج‪ ،‬أو نِصف تلك الم َّدة إذا قبلنا حُجج ال ِمايستر دنستان في (األسئلة)‪.‬‬
‫َّ‬
‫الذهاب إلى (ويك القديمة) لن يُجدي نفعًا‪ .‬ذلك الحُلم بال ُملك جنون في دمنا‪ ،‬وهذا ما قلته ألبيك حين تمرَّد‬
‫أول مرَّة‪ ،‬وكالمي أصدق اآلن مما كان آنذاك‪ .‬إننا في حاج ٍة إلى األرض ال التِّيجان‪ ،‬ومع تنافُس ستانيس‬
‫باراثيون وتايوين النستر على العرش الحديدي أمامنا فُرصة نادرة لتحسين أوضاعنا‪ .‬لنأخذ هذا الجانب‬
‫ملك شكور»‪.‬‬‫أو ذاك ونُعينه على النَّصر بأساطيلنا ونَحصُل على األراضي التي نحتاج إليها من ٍ‬
‫ق هذه الفكرة التَّفكير حالما أجلسُ على ُكرسي حجر اليم»‪.‬‬
‫‪« -‬قد تستح ُّ‬
‫ط أن حك َمت امرأة‬ ‫لكنك لن تُختاري‪ .‬لم يَح ُدث قَ ُّ‬
‫ِ‬ ‫تنهَّد خالها‪ ،‬وقال‪« :‬لن تُريدي أن تسمعي هذا يا آشا‪،‬‬
‫ي‪،‬‬‫حديديِّي الميالد‪ .‬جوينيس تكبرني بسبع سنوات بالفعل‪ ،‬لكن حين ماتَ أبي انتقلَت (البروج العشرة) إل َّ‬
‫ولك ثالثة أعمام»‪.‬‬
‫ت ابنة بالون ال ابنه‪ِ ،‬‬
‫معك‪ .‬أن ِ‬
‫ِ‬ ‫وسيَح ُدث ال ِمثل‬
‫‪« -‬ثالثة أعمام وخال»‪.‬‬
‫‪« -‬ثالثة أعمام َكرا ِكن‪ .‬أنا ال أُح َسب»‪.‬‬
‫‪« -‬أنت محسوب عندي‪ .‬ما دا َم معي خالي سيِّد (البروج العشرة) فمعي (هارلو)»‪ .‬ليست (هارلو) أكبر‬
‫(جُزر الحديد)‪ ،‬لكنها األغنى واألكثر عمارًا بال ُّس َّكان‪ ،‬وسطوة اللورد رودريك ال يُستهان بها‪ .‬ليس لهارلو‬
‫س في (هارلو)‪ ،‬وصحي ٌح أن آل ڤولمارك وستونتري لهم أمالك كبيرة على الجزيرة ويتباهون‬ ‫من مناف ٍ‬
‫بربابن ٍة مشاهير و ُمحاربين أش َّداء من بين ظهرانيهم‪ ،‬لكن حتى أقواهم ينحني تحت رمز المنجل‪ ،‬أ َّما‬
‫زمن طويل وتح َّول أوالدهما إلى‬ ‫ٍ‬ ‫عائلتا كنينج وماير اللتان كانتا عد َّوين لدوديْن في الماضي فقد هُ ِز َمتا منذ‬
‫أتباع‪.‬‬
‫قال اللورد رودريك‪« :‬أبناء عمومتي مدينون لي بالطَّاعة‪ ،‬وفي الحرب تكون سيوفهم وأشرعتهم تحت‬
‫إمرتي‪ ،‬أ َّما في انتخاب الملك‪ ،»...‬وهَ َّز رأسه مستدر ًكا‪« :‬تحت عظام ناجا يقف جميع الرَّبابنة سواسيةً‪.‬‬
‫أشك في هذا‪ ،‬ولكنهم لن يكفوا‪ ،‬وحين يُ َد ِّوي الهتاف لڤيكتاريون أو عين‬ ‫ُّ‬ ‫باسمك‪ ،‬ال‬
‫ِ‬ ‫ربما يهتف بعضهم‬
‫بحري إلى تلك العاصفة‪.‬‬ ‫لك ثانيةً َّأال تُ ِ‬
‫ال ُغراب سينض ُّم بعض َمن يشربون اآلن في قاعتي إلى البقيَّة‪ .‬أقو ُل ِ‬
‫معركتك يائسة»‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪« -‬ال معركة يائسة إلى أن تُخاض‪ .‬ال َّدعوى األفضل دعواي‪ .‬إنني وريثة بالون ومن صُلبه»‪.‬‬
‫ق لالني َّإال ِك‪ .‬سأضر ُم النَّار في (الرِّيح السَّوداء) إذا‬
‫ت طفلةً عنيدةً‪ .‬ف ِّكري في أ ِّم ِك البائسة‪ .‬لم يتب َّ‬
‫‪« -‬ما زل ِ‬
‫لز َم األمر ألُ ِ‬
‫بقيك هنا»‪.‬‬
‫‪« -‬وتجعلني أسب ُح إلى (ويك القديمة)؟»‪.‬‬
‫أبوك كان يتمتَّع بال َّشجاعة أكثر من‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ستكون سباحةً طويلةً باردةً من أجل ٍ‬
‫تاج ال تستطيعين االحتفاظ به‪.‬‬
‫الحكمة‪ .‬لقد نف َع النَّهج القديم جُزرنا حين كنا مملكةً واحدةً صغيرةً من بين كثيرات‪ ،‬لكن غزوة إجون‬
‫ي أمامه‪ ،‬أن النَّهج القديم ماتَ مع هارن األسود وأبنائه»‪.‬‬‫رفض أن يرى الجل َّ‬
‫َ‬ ‫وض َعت نهايةً لذلك‪ .‬بالون‬
‫ضلِّل نفسها‪ ،‬ذلك أن بالون كان أعمى في بعض‬ ‫حاول أن تُ َ‬
‫أعرف هذا»‪ .‬لقد أحبَّت آشا أباها لكنها لم تُ ِ‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫النَّواحي بالفعل‪ .‬رجل ُشجاع لكن حاكم سيِّئ‪« .‬أيعني هذا أن علينا أن نعيش ونموت خد ًما للعرش‬
‫الحديدي؟ إذا كانت هناك صخور إلى ميمنة السَّفينة وعاصفة إلى ميسرتها فالرُّ بَّان الحكيم يختار مسا ًرا‬
‫ثالثًا»‪.‬‬
‫‪« -‬أريني ذلك المسار الثَّالث»‪.‬‬
‫تفكير في عدم الحضور؟ سيكون هذا تاري ًخا‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬سأفع ُل‪ ...‬في انتخاب الملكة‪ .‬خالي‪ ،‬كيف تُفَ ِّكر مجرَّد‬
‫حيًّا‪.»...‬‬
‫ض ُل التَّاريخ ميتًا‪ .‬التَّاريخ الميت مكتوب بالحبر‪ ،‬أ َّما الحي فبال َّدم»‪.‬‬
‫‪« -‬أف ِّ‬
‫‪« -‬أتُريد أن تموت عجو ًزا جبانًا في سريرك؟»‪.‬‬
‫ذهب إلى النَّافذة‬
‫َ‬ ‫قال اللورد رودريك‪« :‬وهل هناك غير هذا؟ ولكن ليس قبل أن أفرغ من القراءة»‪ ،‬ثم‬
‫والدتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مردفًا‪« :‬لم تسألي عن السيِّدة‬
‫كنت خائفةً‪« .‬كيف حالها؟»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ت على هذه الحماقة‪ .‬إنها‬ ‫أنك ستموتين قبلها إذا أصرر ِ‬ ‫‪« -‬أقوى‪ .‬ربما تظلُّ حيَّةً بَعد موتنا جميعًا‪ ،‬ومؤ َّكد ِ‬
‫تأكل أكثر مما كانت عندما أتَت هنا‪ ،‬وكثيرًا ما تنام اللَّيل بطوله»‪.‬‬
‫‪« -‬عظيم»‪ .‬في سنينها األخيرة في (پايك) جافى النَّوم الليدي أالنيس‪ ،‬واعتادَت أن تجوب األروقة‬
‫تعال‬
‫َ‬ ‫ت حاد‪« :‬مارون؟ رودريك‪ ،‬أين أنت؟ ثيون يا صغيري‪،‬‬ ‫ليال بحثًا عن أبنائها‪ ،‬فتُنادي بصو ٍ‬ ‫واألبهاء ً‬
‫ت عديدة شاهدَت آشا بينما أخر َج ال ِمايستر ال َّشظايا من كعبَي أ ِّمها في الصَّباح بَعد أن‬ ‫إلى أ ِّمك»‪ .‬مرَّا ٍ‬
‫عب َرت الجسر الخشبي المتمايل إلى (بُرج البحر) بقدمين حافيتين‪« .‬سأراها في الصَّباح»‪.‬‬
‫‪« -‬ستسأل عن ثيون»‪.‬‬
‫أمير (وينترفل)‪« .‬ماذا قلت لها؟»‪.‬‬
‫أجاب‪« :‬أق َّل القليل‪ .‬لم يكن هناك ما يُقال»‪ ،‬وتر َّدد لحظةً قبل أن يسألها‪« :‬أأن ِ‬
‫ت واثقة بأنه ماتَ ؟»‪.‬‬ ‫َ‬
‫لست واثقةً بشيء»‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫‪« -‬هل وجدتم جثَّةً؟»‪.‬‬
‫ث كثيرة‪ .‬ال ِّذئاب سبقَتنا إلى هناك‪ ...‬ذئاب من النَّوع ذي األربع سيقان‪ ،‬لكنها لم تُب ِد‬‫‪« -‬وجدنا أجزا ًء من جُث ٍ‬
‫مكان ومكسورةً الستخالص ال ُّنخاع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تقديرًا ألقربائها ذوي السَّاقين‪ .‬كانت عظام القتلى متناثرةً في كلِّ‬
‫حدث هناك عصيَّة‪ .‬لقد بدا كأن ال َّشماليِّين قاتَلوا بعضهم بعضًا»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أعترف بأن معرفة ما‬
‫قال اللورد رودريك‪« :‬ال ِغربان تتقاتَل على لحم الموتى ويَقتُل بعضها بعضًا من أجل التهام أعيُنهم»‪،‬‬
‫وح َّدق إلى البحر مشاهدًا تراقُص نور القمر على األمواج‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬كان لنا ملك واحد ثم خمسة‪ ،‬واآلن‬
‫ال أرى َّإال ِغربانًا تتنازَع على جثَّة (وستروس)»‪ ،‬وأغل َ‬
‫ق النَّافذة مضيفًا‪« :‬ال تذهبي إلى (ويك القديمة) يا‬
‫ً‬
‫طويال»‪.‬‬ ‫آشا‪ ،‬ابقي مع أ ِّم ِك‪ .‬أخشى أنها لن تظ َّل معنا‬
‫اعتدلَت آشا في جلستها‪ ،‬وقالت‪« :‬أ ِّمي ربَّتني على أن أكون جريئةً‪ .‬إذا لم أذهب سأقضي بقيَّة حياتي‬
‫ُ‬
‫ذهبت»‪.‬‬ ‫أسائ ُل نفسي ع َّما كان ليَح ُدث لو‬
‫حياتك أقصر من أن تقضيها في التَّساؤل»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت فربما تكون بقيَّة‬‫‪« -‬إذا ذهب ِ‬
‫ُ‬
‫لست جوينيس»‪.‬‬ ‫مر من أن ُكرسي حجر اليم حقِّي‪ .‬إنني‬ ‫‪« -‬ذلك أفضل من أن أظ َّل أشكو ما تبقَّى لي من ُع ٍ‬
‫طعام للسَّراطين عند‬
‫ٍ‬ ‫جعل قولها مالمحه تتقلَّص انزعاجًا‪ ،‬وقال‪« :‬آشا‪ ،‬ابناي الطَّويالن تح َّوال إلى‬ ‫َ‬
‫يك وريثةً ل(البروج العشرة)‪ .‬اقنعي‬ ‫محتمال أن أتز َّوج ثانيةً‪ .‬ابقي وسأس ِّم ِ‬
‫ً‬ ‫(الجزيرة القصيَّة)‪ ،‬وليس‬
‫بهذا»‪.‬‬
‫‪(« -‬البروج العشرة)؟»‪ .‬ليتني أستطي ُع‪« .‬لن يروق هذا أبناء عمومتك؛ الفارس وسيجفريد العجوز وهوثو‬
‫األحدب‪.»...‬‬
‫‪« -‬إن لهم أراضيهم ومقرَّاتهم الخاصَّة»‪.‬‬
‫العطن ينتمي إلى العجوز سيجفريد هارلو ذي ال َّشعر الفضِّ ي‪ ،‬وهوثو‬ ‫ِ‬ ‫صحيح‪( .‬بهو هارلو) الرَّطب‬
‫ُرف على السَّاحل الغربي‪ ،‬والفارس السير هاراس هارلو بالطه‬ ‫األحدب مقرُّ ه في (بُرج البريق) فوق ج ٍ‬
‫في (الحديقة الرَّماديَّة)‪ ،‬وبورموند األزرق يَح ُكم من على ق َّمة (تَل هاريدان)‪ ،‬لكن جميعهم خاضع للورد‬
‫ضي عنده أحفاد‪ ،‬وهوثو عنده‬ ‫رودريك‪ .‬قالت آشا‪« :‬بورموند عنده ثالثة أبناء‪ ،‬وسيجفريد ذو ال َّشعر الف ِّ‬
‫طُموحات‪ .‬كلُّهم يسعون إلى خالفتك‪ ،‬حتى سيجفريد‪ .‬ذلك الرَّجل ينوي أن يعيش إلى األبد»‪.‬‬
‫َر َّد خالها‪« :‬الفارس سيُص ِبح سيِّد (هارلو) من بَعدي‪ ،‬لكنه يستطيع أن يَح ُكم من (الحديقة الرَّماديَّة)‬
‫وسيحميك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بالسُّهولة نفسها‪ .‬قدِّمي للسير هاراس فروض الوالء من أجل القلعة‬
‫ضت مضيفةً‪:‬‬ ‫قالت‪« :‬يُمكنني أن أحمي نفسي‪ .‬إنني كرا ِكن يا خالي‪ ،‬آشا سليلة عائلة جرايچوي»‪ ،‬ونه َ‬
‫ي أبي ال ُكرسيَّك‪ .‬منجالك هذان يبدوان خطريْن‪ ،‬وقد يَسقُط أحدهما ويقطع رأسي‪ .‬ال‪ ،‬سأجلسُ‬ ‫«أري ُد ُكرس َّ‬
‫على ُكرسي حجر اليم»‪.‬‬
‫ب آ َخر يَصرُخ مريدًا الجيفة»‪ ،‬وعا َد يجلس مردفًا‪« :‬اذهبي‪.‬‬ ‫ت مجرَّد ُغرا ٍ‬‫قال اللورد رودريك‪« :‬إذن فأن ِ‬
‫أري ُد أن أعود إلى ماروين وبحثه»‪.‬‬
‫‪« -‬أعلِمني إذا عث َر على صفح ٍة أخرى»‪ .‬خالها هو خالها ولن يتغيَّر أبدًا‪ ،‬لكنه سيأتي إلى (ويك القديمة)‬
‫ب َغضِّ النَّظر عن كالمه‪.‬‬
‫ال بُ َّد أن أفراد طاقمها يتنا َولون طعامهم في القاعة اآلن‪ ،‬وتعلم آشا أن عليها أن تنض َّم إليهم لتتكلَّم عن هذا‬
‫ضا‪،‬‬
‫االجتماع في (ويك القديمة) وما يعنيه لهم‪ .‬سيقف رجالها وراءها راسخين‪ ،‬لكنها ستحتاج إلى البقيَّة أي ً‬
‫أبناء خؤولتها من عائلة هارلو وآل ڤولمارك وآل ستونتري‪ .‬هؤالء َمن يجب أن أكسبهم‪ .‬سينفعها‬
‫انتصارها في (ربوة الغابة) حالما يبدأ رجالها في التَّفا ُخر به‪ ،‬وهي تعرف أنهم سيفعلون‪ .‬يج ُد رجال طاقم‬
‫(الرِّيح السَّوداء) نوعًا منحرفًا من الفخر بمآثر ُربَّانتهم‪ .‬نِصفهم يحبُّها كابن ٍة والنِّصف اآلخَر يُريد أن يفتح‬
‫ساقيها‪ ،‬لكن كال الصَّنفيْن مستع ٌّد للموت من أجلها‪ .‬وأنا من أجلهم‪ ،‬قالت لنفسها وهي تَخرُج من الباب عند‬
‫قاعدة السَّاللم إلى السَّاحة المضاءة بنور القمر‪.‬‬
‫وهناك خر َج ِظ ٌّل من وراء البئر ً‬
‫قائال‪« :‬آشا؟»‪.‬‬
‫معطف من ِجلد‬
‫ٍ‬ ‫رجل في‬
‫ٍ‬ ‫ذهبَت يدها إلى خنجرها من فورها‪ ...‬ثم إن نور القمر ح َّول التَّكوين األسود إلى‬
‫الفقمات‪ .‬شبح آخَر‪« .‬تريس‪ ،‬حسبتني سأجدك في القاعة»‪.‬‬
‫أراك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أردت أن‬‫‪«-‬‬
‫ي جز ٍء مني يا تُرى؟ حسن‪ ،‬هأنذي‪ ،‬بالغة راشدة‪ .‬انظُر كما تشاء»‪.‬‬‫قالت بابتسام ٍة عريضة‪« :‬أ َّ‬
‫دنا منها ً‬
‫قائال‪« :‬امرأة‪ ،‬وجميلة»‪.‬‬
‫امتألَ جسد تريستيفر بوتلي منذ ِ‬
‫آخر م َّر ٍة رأته‪ ،‬ولكن ما زا َل له ال َّشعر األشعث نفسه الذي تَذ ُكره‪ ،‬والعينين‬
‫بحق‪ .‬وتلك مشكلة تريستيفر المسكين‪ ،‬أنه أطيب‬ ‫الواسعتين الصَّادقتين كعيون كالب البحر‪ .‬عينان طيِّبتان َ‬
‫قلبًا من أن يكون من بني (جُزر الحديد)‪ .‬أصب َحت مالمحه وسيمةً‪ .‬في ِ‬
‫صباه ابتُلِ َي تريس بالبثور‪ ،‬وقا َست‬
‫اجتذب كالهما إلى اآلخَر‪.‬‬
‫َ‬ ‫آشا البلوى نفسها‪ ،‬ولع َّل هذا ما‬
‫ُ‬
‫سمعت بما جرى ألبيك»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أسفت ل َّما‬ ‫قالت‪« :‬‬
‫أبيك»‪.‬‬
‫‪« -‬وأنا حزين على ِ‬
‫كادَت تسأله‪ :‬لماذا؟ بالون هو من صرفَ الصَّبي من (پايك) ليغدو ربيب بيلور بالكتايد‪« .‬أصحي ٌح أنك‬
‫اللورد بوتلي اآلن؟»‪.‬‬
‫بسهم مسموم‪ .‬لكني‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬اس ًما على األقل‪ .‬هارن ماتَ عند (خندق كايلن)‪ ،‬أحد شياطين المستنقعات أصابَه‬
‫ق عين ال ُغراب في ُكرسي حجر اليم أغرقَه وجع َل أعمامي ي ِ‬
‫ُقسمون له‬ ‫ال أتسيَّ ُد شيئًا‪ .‬عندما أنك َر أبي َح َّ‬
‫ض َّم نِصف أراضي أبي إلى (األ َجمة الحديديَّة)‪ ،‬ألن اللورد وينش كان أول‬
‫على الوالء‪ ،‬وحتى بَعد ذلك َ‬
‫من يركع له ويدعوه بالملك»‪.‬‬
‫صت على عدم إظهار انزعاجها وهي تقول‪« :‬وينش لم يتح َّل‬ ‫لعائلة وينش نفوذ في (پايك)‪ ،‬لكن آشا حر َ‬
‫ط» ‪.‬‬ ‫ب َشجاعة أبيك قَ ُّ‬
‫قال تريس‪« :‬ع ُّم ِك اشتراه‪( .‬الصَّمت) عادَت بمخازن مكتظَّة بالكنوز؛ دروع وآللئ‪ ،‬زمرُّ د وياقوت‪،‬‬
‫صفِّير بحجم البيض‪ ،‬أجولة من العُملة ثقيلة لدرجة أن ال رجل يستطيع أن يرفعها‪ ...‬عين ال ُغراب يشتري‬
‫رجاال ذات اليمين وذات ال ِّشمال‪ .‬ع ِّمي جرموند يُ َس ِّمي نفسه اللورد بوتلي اآلن‪ ،‬ويَح ُكم في (لوردزپورت)‬ ‫ً‬
‫باعتباره رجل ع ِّم ِك»‪.‬‬
‫قالت له مطم ِئنةً‪« :‬أنت اللورد بوتلي ال َّشرعي‪ .‬بمجرَّد أن أجلس على ُكرسي حجر اليم سأعي ُد أراضي‬
‫أبيك»‪.‬‬
‫إنك امرأة بالغة اآلن‪،‬‬
‫ت‪ .‬األمر ال يعنيني في شيء‪ .‬تبدين رائعة ال َجمال في نور القمر يا آشا‪ِ .‬‬ ‫‪« -‬إذا أرد ِ‬
‫ت فتاةً نحيلةً بوج ٍه مليء بالبثور»‪.‬‬
‫لكني أذك ُر عندما كن ِ‬
‫صبية‬ ‫لماذا يصرُّ ون على ِذكر البثور دو ًما؟ «أذك ُر هذا أيضًا»‪ .‬وإنما ليس بالحنين ذاته ِمثلك‪ .‬من بين ال ِّ‬
‫الخمسة الذين جلبَتهم أ ُّمها إلى (پايك) لتُ َربِّيهم ‪-‬بَعد أن أخ َذ ند ستارك ابنها الحي األخير رهينةً‪ -‬كان تريس‬
‫صبي قبَّلته‪ ،‬لكنه كان أول من يحلُّ أربطة سُترتها ويدسُّ يده المبلَّلة‬
‫ٍّ‬ ‫األقرب إلى آشا في السِّن‪ .‬لم يكن أول‬
‫بال َعرق ليتح َّسس ثدييها الصَّغيريْن‪.‬‬
‫ظت رغبتها‪ ،‬لكن حتى‬ ‫كنت ألسمح له بتحسُّس المزيد لو تجرَّأ كفايةً‪ .‬لقد أزه َرت في أثناء الحرب واستيق َ‬ ‫ُ‬
‫قبل ذلك كانت آشا تحسُّ بالفضول‪ .‬كان موجودًا‪ ،‬كان في ِسنِّي وراغبًا‪ ...‬هذا كلُّ ما في األمر‪ ...‬باإلضافة‬
‫إلى النَّزيف القمري‪ .‬وعلى الرغم من ذلك س َّمته ُحبًّا‪ ،‬إلى أن را َح تريس يتكلَّم عن األبناء الذين ستحملهم‬
‫له‪ ،‬دستة منهم على األقل‪ ...‬أوه‪ ،‬وبعض الفتيات أيضًا‪َّ ،‬إال أنها قالت له مذعورةً‪« :‬ال أري ُد أن أنجب دستةً‬
‫يمض وقت طويل بَعدها حتى ضبطَهما ال ِمايستر كالن يلعبان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من األبناء‪ ،‬أري ُد أن أخوض مغا َمرات»‪ .‬لم‬
‫رس َل تريستيفر بوتلي الصَّغير إلى (بالكتايد)‪.‬‬ ‫وأُ ِ‬
‫مالحًا على سفين ٍة تجاريَّة‬‫نقدت َّ‬
‫ُ‬ ‫ُرسلها‪ .‬في م َّر ٍة‬
‫رفض أن ي ِ‬
‫َ‬ ‫لك رسائل‪ ،‬لكن ال ِمايستر چوزران‬ ‫قال‪ُ « :‬‬
‫كتبت ِ‬
‫يدك»‪.‬‬ ‫ضيًّا ووعدَني بأن يضع الرِّسالة في ِ‬ ‫متَّجهة إلى (لوردزپورت) ً‬
‫أيال ف ِّ‬
‫المالح خدعَك وألقى رسالتك في البحر»‪.‬‬ ‫‪َّ « -‬‬
‫رسائلك كذلك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬هذا ما خشيته‪ .‬إنهم لم يُعطوني‬
‫ُرفَ تريس‪ ،‬ففي ذلك الحين كانت قد بدأت‬ ‫ألني لم أكتب أ َّ‬
‫ي رسائل‪ .‬الحقيقة أنها أحسَّت بالرَّاحة عندما ص ِ‬
‫تَشعُر بالملل من عبثه بصدرها‪ ،‬لكن ذلك ليس بال َّشيء الذي يرغب في سماعه‪ ،‬وهكذا قالت‪« :‬آرون ذو‬
‫ال َّشعر الرَّطب دعا إلى انتخاب ملك‪ .‬هل ستأتي وتتح َّدث نيابةً عني؟»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ويظن أن‬ ‫معك‪ ،‬لكن‪ ...‬اللورد بالكتايد يقول إن انتخاب الملك هذا حماقة خطرة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫‪« -‬سأذهبُ إلى أ ِّ‬
‫ُهاجمهم ويَقتُلهم جميعًا كما فع َل أورون»‪.‬‬
‫ع َّم ِك سي ِ‬
‫إنه مجنون بما يكفي ألن يفعلها‪« .‬إنه ال يملك الق َّوة»‪.‬‬
‫جلب له عشرين سفينةً‬‫َ‬ ‫لكنك تجهلين ق َّوته‪ .‬إنه يجمع ال ِّرجال في (پايك)‪ .‬أوركوود سيِّد (أوركمونت)‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫َّ‬
‫والمالح‬ ‫طويلةً‪ ،‬وچون ماير ذو الوجه المسحوب دستةً‪ .‬لوكاس كود األعسر معهم‪ ،‬وهارن النِّصف هور‪،‬‬
‫األحمر‪ ،‬وكيميت پايك النَّغل‪ ،‬ورودريك المولود ُح ًّرا‪ ،‬وتوروولد ذو السِّن البنِّيَّة‪.»...‬‬
‫قالت آشا التي تعرفهم جميعًا‪« :‬رجال ضئيلو ال َّشأن‪ ،‬أبناء ال َّزوجات الملحيَّات وأحفاد األقنان‪ .‬آل كود‪...‬‬
‫هل تعرف كلماتهم؟»‪.‬‬
‫أوقعوك في شباكهم فستموتين كما لو أنهم من سادة‬ ‫ِ‬ ‫أجاب تريس‪« :‬مع أن ك َّل النَّاس يحتقروننا‪ ...‬لكن إذا‬‫َ‬
‫جلب معه وحو ًشا من ال َّشرق‪ ...‬نعم‪ ،‬وسحرةً أيضًا»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التَّنانين‪ .‬وث َّمة ما هو أسوأ‪ .‬عين ال ُغراب‬
‫‪« -‬لطالما كان ع ِّمي مولعًا بالمسوخ والحمقى‪ .‬كثيرًا ما تشاج َر أبي معه في هذا الصَّدد‪ .‬دَع السَّحرة‬
‫ُغرقهم‪ .‬هل سأحظى بصوتك في انتخاب الملكة يا‬ ‫يبتهلون آللهتهم وسيبتهل ذو ال َّشعر الرَّطب إللهنا وي ِ‬
‫تريس؟»‪.‬‬
‫والدتك بالفعل»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جك يا آشا‪ .‬لقد وافقَت السيِّدة‬
‫رجلك إلى األبد‪ .‬أري ُد أن أتز َّو ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ستحظين بي كلِّي‪ .‬إنني‬
‫استنكار مف ِّكرةً‪ :‬كان يُمكنك أن تسألني ً‬
‫أوال‪ ...‬مع أن الجواب لم يكن ليروقك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كت َمت آهة‬
‫ت‪.»...‬‬
‫بنفسك‪ ،‬وأن ِ‬
‫ِ‬ ‫واص َل هو‪« :‬لم أعد ابنًا ثانيًا‪ .‬إنني اللورد بوتلي ال َّشرعي كما قل ِ‬
‫ت‬
‫‪« -‬ما سأكونه أنا سيتح َّدد في (ويك القديمة)‪ .‬تريس‪ ،‬إننا لم نَعُد طفلين يلعبان وي ِ‬
‫ُحاوالن أن يريا ماذا‬
‫يوضع أين‪ .‬إنك تحسب أنك تُريد أن تتز َّوجني‪ ،‬لكنك ال تُريد حقًّا»‪.‬‬
‫بسواك‪ .‬آشا‪ ،‬أقس ُم بعظام ناجا أنني لم ألمس امرأةً أخرى»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬لكني أري ُد‪ .‬إنني ال أحل ُم‬
‫رجاال أكثر مما أستطي ُع أن أحصي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫لمست‬ ‫‪« -‬اذهب والمس واحدةً إذن‪ ...‬أو اثنتين‪ ،‬أو عشرًا‪ .‬عن نفسي‬
‫َّار أشقر جميل الطَّلعة على‬ ‫بعضهم بشفتَي والمزيد بفأسي»‪ .‬في ِسنِّ السَّادسة عشرة سلَّمت آشا بتولتها لبح ٍ‬
‫ت ستًّا من اللُّغة العاميَّة‪ ،‬لكن «مضا َجعة» كانت واحدةً‬ ‫سفين ٍة تجاريَّة من (لِيس)‪ .‬لم يكن يعرف َّإال كلما ٍ‬
‫بعقل وذهبَت إلى ساحرة غاب ٍة أ َرتها كيف تع ُّد‬‫ٍ‬ ‫منها‪ ،‬الكلمة التي أملَت أن تسمعها تحديدًا‪ .‬بَعدها تصرَّفت‬
‫شاي القمر كي ال ينتفخ بطنها‪.‬‬
‫ً‬
‫سائال‪:‬‬ ‫ك فمه‬‫خلتك ستنتظرين‪ .‬لماذا‪ ،»...‬وفر َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‪...‬‬
‫ق بوتلي إليها كأنه لم يستوعب ما قالته‪ ،‬وقال‪« :‬أن ِ‬ ‫حمل َ‬
‫ت مرغمةً؟»‪.‬‬ ‫«آشا‪ ،‬هل كن ِ‬
‫قت سُترته‪ .‬لست تُريد أن تتز َّوجني‪ ،‬ثِق بكلمتي‪ .‬أنت صب ٌّي طيِّب ولطالما‬ ‫كنت مرغمةً لدرجة أني م َّز ُ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست بنتًا طيِّبةً‪ .‬إذا تز َّوجنا فسرعان ما ستكرهني»‪.‬‬‫ُ‬ ‫كنت كذلك‪ ،‬لكني‬
‫إليك يا آشا»‪.‬‬
‫‪« -‬مستحيل‪ .‬لقد آل َمني االشتياق ِ‬
‫ي امرأ ٍة ويزيد‪،‬‬ ‫قرَّرت أنها سم َعت ما فيه الكفاية‪ .‬أُم مريضة وأب قتيل ووبال من األعمام‪ ،‬كلُّ هذا يكفي أ َّ‬
‫وليست في حاج ٍة إلى جر ٍو أضناه الغرام أيضًا‪ .‬هكذا قالت‪« :‬اذهب إلى ماخور يا تريس وسيُعا ِلجنك هناك‬
‫من هذا األلم»‪.‬‬
‫ُ‬
‫علمت دو ًما‬ ‫ت قدرنا أن نكون معًا يا آشا‪ .‬لقد‬ ‫هَ َّز تريستيفر رأسه نفيًا ً‬
‫قائال‪« :‬ال يُمكنني أبدًا أن‪ ...‬أنا وأن ِ‬
‫ق بيده على عضدها‪.‬‬ ‫أنك ستصيرين زوجتي وأُم أبنائي»‪ ،‬وأطب َ‬ ‫ِ‬
‫ي أبناء‪،‬‬ ‫وإال لن تعيش لتُ ِ‬
‫نجب أ َّ‬ ‫عين كان خنجرها على َحلقه وكلماتها في أُذنيه‪« :‬ارفع يدك َّ‬ ‫وفي غمضة ٍ‬
‫ضت السِّالح قائلةً‪« :‬تُريد امرأةً‪ ،‬ال بأس‪ ،‬سأض ُع واحدةً في فِراشك اللَّيلة‪ .‬تظاهَر‬ ‫اآلن»‪ ،‬ول َّما فع َل خف َ‬
‫ي ثانيةً‪ .‬إنني ملكتك ال زوجتك‪ ،‬تذ َّكر‬
‫بأنها أنا إذا كان هذا سيسرُّ ك‪ ،‬لكن إياك أن تتجرَّأ وتضع يدك عل َّ‬
‫هذا»‪ ،‬وأغمدَت آشا خنجرها وتر َكته واقفًا هناك بقطر ٍة كبيرة من ال َّدم تسيل على ُعنقه‪ ،‬سوداء في نور‬
‫القمر ال َّشاحب‪.‬‬
‫سرسي‬
‫قالت چوسلين سويفت وهي تعقد أربطة فُستان الملكة‪« :‬أوه‪ ،‬أرجو َّأال تجعل اآللهة المطر يَسقُط على‬
‫زفاف الملك»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أحد يُريد المطر»‪ .‬عن نفسها تُريد سرسي ثلوجًا وجليدًا‪ ،‬ريحًا تعوي ورعدًا يرجُّ أحجار (القلعة‬
‫الحمراء) ذاتها‪ ،‬تُريد عاصفةً تُضاهي الثَّورة في داخلها‪ .‬قالت لچوسلين‪« :‬أكثر‪ ،‬أح ِكمي َش َّد األربطة أكثر‬
‫أيتها البلهاء المتملِّقة»‪.‬‬
‫ال ِّزفاف مصدر غضبها الحقيقي‪ ،‬وإن كانت ابنة سويفت بطيئة البديهة تُ َش ِّكل هدفًا أكثر أمنًا تصبُّ عليه‬
‫هذا الغضب‪ .‬قبضة تومن على العرش الحديدي لي َست ُمحكمةً بما يكفي ألن تُق ِدم على إهانة (هايجاردن)‪،‬‬
‫ليس وستانيس باراثيون لم يزل مسيطرًا على (دراجونستون) و(ستورمز إند)‪ ،‬و(ريڤر َرن) مستمرَّة في‬
‫تح ِّديها‪ ،‬والحديديُّون يجوبون البحار كال ِّذئاب‪ .‬هكذا على چوسلين أن تأكل الوجبة التي كانت سرسي تُؤ ِثر‬
‫أن تُقَدِّمها لمارچري تايرل وج َّدتها المتغضِّنة المقيتة‪.‬‬
‫من أجل إفطارها أرسلَت الملكة إلى المطابخ تَطلُب بيضتين مسلوقتين ورغيفًا من ال ُخبز ووعا ًء من‬
‫العسل‪ ،‬لكن حين ق َّشرت أول بيض ٍة ووجدَت في داخلها كتكوتًا داميًا نِصف مكتمل التَّكوين انقلبَت معدتها‪،‬‬
‫وأحضري لي نبي ًذا متب ًَّال ساخنًا»‪ .‬كان البرد في الهواء يَن ُخر عظامها‪ ،‬وما َ‬
‫زال‬ ‫ِ‬ ‫وقالت لسينل‪ُ « :‬خذي هذا‬
‫أمامها يوم طويل كريه‪.‬‬
‫كما أن چايمي لم يُسا ِعد على تحسين مزاجها عندما جا َء مرتديًا األبيض دون أن يحلق لحيته‪ ،‬ليُ َحدِّثها عن‬
‫ً‬
‫رجاال في المطبخ يُراقِبون بينما يع ُّد كلُّ‬ ‫التَّدابير التي اتَّخذها للحيلولة دون تسميم ابنها‪ ،‬فقال‪« :‬سأض ُع‬
‫صنف‪ ،‬وسيصحب رجال السير أدام الخدم وهُم يحملون الطَّعام إلى الموائد ليتأ َّكدوا من عدم التَّال ُعب به‬
‫صنف قبل أن يضع تومن لُقمةً في فمه‪ .‬وإذا لم ينجح شيء من‬ ‫ٍ‬ ‫في الطَّريق‪ ،‬والسير بوروس سيتذ َّوق ك َّل‬
‫هذا سيكون ال ِمايستر باالبار جالسًا في نهاية القاعة ومعه عقاقير مطهِّرة وترياقات لعشرين نوعًا معروفًا‬
‫أعدك بأن تومن سيكون آمنًا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من السُّموم‪.‬‬
‫‪« -‬آمنًا»‪ .‬كان للكلمة مذاق ُم ٌّر على لسانها‪ .‬چايمي ال يفهم‪ ،‬ال أحد يفهم‪ .‬وحدها ميالرا كانت موجودةً في‬
‫زمن طويل‪« .‬تيريون لن‬ ‫ٍ‬ ‫الخيمة لتسمع العجوز ال َّشمطاء تُلقي تهديداتها بنبر ٍة كالنَّعيق‪ ،‬وميالرا ماتَت منذ‬
‫يَقتُل بالوسيلة نفسها مرَّتين‪ ،‬إنه أمكر من أن يفعل ذلك‪ .‬ربما يكون تحت األرضيَّة اآلن تحديدًا‪ ،‬يتنصَّت‬
‫طط لذبح تومن»‪.‬‬ ‫على ك ِّل كلم ٍة يقولها ويُ َخ ِّ‬
‫جدال أن هذا صحيح‪ .‬أيًّا كانت ال ُخطط التي يضعها سيظلُّ صغيرًا قصيرًا‪ ،‬وتومن‬ ‫قال چايمي‪« :‬لنفترض ً‬
‫سيكون محاطًا بخيرة فُرسان (وستروس)‪ .‬رجال ال َحرس الملكي سيحمونه»‪.‬‬
‫س فوق َجدعته‪ ،‬ور َّدت‪« :‬أذك ُر‬ ‫ي ُك ُّم سُترة أخيها الحرير البيضاء وثُبِّتَ بدبُّو ٍ‬ ‫نظ َرت سرسي إلى حيث طُ ِو َ‬
‫كم أحسنَ فُرسانك المغاوير هؤالء حماية چوفري‪ .‬أريدك أن تبقى مع تومن طوال اللَّيل‪ ،‬مفهوم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سأض ُع حارسًا أمام بابه»‪.‬‬
‫أطبقَت على ذراعه قائلةً‪« :‬ال ُحرَّاس‪ ،‬أنت‪ ،‬وداخل ُغرفة نومه»‪.‬‬
‫‪« -‬في حال خروج تيريون من المستوقَد؟ لن يَح ُدث»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما تقوله أنت‪ .‬هل ستُخبِرني بأنك عثرت على جميع األنفاق الخفيَّة وراء هذه الجُدران؟»‪ .‬كالهما‬
‫يعلم أن ذلك مستب َعد‪« .‬لن أسمح لمارچري باالنفراد بتومن ولو لجز ٍء من لحظة»‪.‬‬
‫‪« -‬لن يكونا وحدهما‪ ،‬بنات عمومتها سيكن معهما»‪.‬‬
‫‪« -‬وأنت أيضًا‪ .‬آمرك بهذا باسم الملك»‪.‬‬
‫ش واحد على اإلطالق‪َّ ،‬إال أن آل تايرل أصرُّ وا‪ ،‬وقالت‬ ‫لم تكن سرسي تُريد أن ينام تومن وزوجته في فِرا ٍ‬
‫ملكة األشواك‪« :‬المفت َرض أن ينام ال َّزوج وال َّزوجة معًا حتى إذا لم يفعال ما هو أكثر من النَّوم‪ .‬مؤ َّكد أن‬
‫سرير جاللته يسع اثنين‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫طفلين يستدفئ كالهما باآلخَر في اللَّيل‪ ،‬سيجعلهما هذا أقرب‪.‬‬ ‫أيَّدت الليدي آليري حماتها قائلةً‪« :‬دَعي ال ِّ‬
‫شارك مارچري بنات عمومتها فِراشها‪ ،‬ويُ َغنِّين ويلعبن ويتها َمسن األسرار بَعدما تنطفئ‬ ‫كثيرًا ما تُ ِ‬
‫ال ُّشموع»‪.‬‬
‫ر َّدت سرسي‪« :‬يا للبهجة‪ .‬يُمكنهن االستمرار في هذا بالطَّبع‪ ...‬في (قفص العذراوات)»‪.‬‬
‫قالت الليدي أولينا لليدي آليري‪« :‬أنا واثقة بأن جاللتها تعرف األصلح‪ .‬إنها أُم الصَّبي في النِّهاية‪ ،‬ونحن‬
‫من هذا متأ ِّكدون‪ .‬ال بُ َّد أننا نستطيع االتِّفاق على ليلة ال ِّزفاف على األقل‪ ،‬أليس كذلك؟ ال ينبغي أن ينام‬
‫العريس وعروسه منفصليْن ليلة زفافهما‪ .‬فأل سيِّئ لزواجهما أن يفعال»‪.‬‬
‫مك معنى الفأل السيِّئ‪ ،‬لكنها وجدَت نفسها مرغمةً على أن تقول‪:‬‬ ‫تعهَّدت الملكة في نفسها‪ :‬يو ًما ما سأعلِّ ِ‬
‫«يُمكن لمارچري أن تنام في ُغرفة تومن تلك اللَّيلة فقط‪ ،‬لكن ليس أكثر من ذلك»‪.‬‬
‫جاللتك شديدة الكرم»‪ ،‬وتباد َل الجميع االبتسامات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ر َّدت ملكة األشواك‪« :‬‬
‫كانت أصابع سرسي مغروسةً في ذراع چايمي بق َّو ٍة كفيلة بترك كدما ٍ‬
‫ت وهي تُ ِ‬
‫واصل‪« :‬أري ُد عينين داخل‬
‫تلك ال ُغرفة»‪.‬‬
‫الجماع ليس واردًا ألن تومن صغير للغاية»‪.‬‬
‫‪« -‬لرؤية ماذا؟ خطر ِ‬
‫‪« -‬وأوسيفر پلوم كان ميتًا للغاية‪ ،‬لكن هذا لم يمنعه من إنجاب طفل!»‪.‬‬
‫ال َحت الحيرة على أخيها إذ قال‪َ « :‬من أوسيفر پلوم؟ هل كان أبا اللورد فيليپ أم‪َ ...‬من؟»‪.‬‬
‫أقسم لي أنك‬ ‫جاهال كروبرت‪ .‬عقله ك ُّله كان في يد السَّيف‪َ « .‬‬
‫انس پلوم‪ .‬تذ َّكر فقط ما قلته لك‪ِ .‬‬ ‫ً‬ ‫يكاد يكون‬
‫شرق ال َّشمس»‪.‬‬‫ستبقى إلى جانب تومن حتى تُ ِ‬
‫قال بلهج ٍة تُوحي بأنه يرى مخاوفها بال مبرِّر‪« :‬كما تأمرين‪ .‬أما زل ِ‬
‫ت تنتوين المض َّي في إحراق (بُرج‬
‫اليد)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بَعد المأدبة»‪ .‬إنه الجزء الوحيد من احتفاالت اليوم الذي تعتقد سرسي أنها ستستمتع به‪« .‬السيِّد والدنا‬
‫قُتِ َل في هذا البُرج وال أطي ُ‬
‫ق النَّظر إليه‪ .‬إذا شا َءت اآللهة ستدفع النَّار بعض الجرذان إلى الخروج من‬
‫األنقاض»‪.‬‬
‫د َّور چايمي عينيه ً‬
‫قائال بملل‪« :‬تعنين تيريون»‪.‬‬
‫‪« -‬هو واللورد ڤارس وذلك ال َّسجَّان»‪.‬‬
‫فت جي ًشا صغيرًا بالتَّنقيب فيه بالمعاول والمطارق‪،‬‬ ‫‪« -‬لو كان أيُّهم مختبئًا في البُرج لوجدناه‪ .‬لقد كلَّ ُ‬
‫ت واكتشفنا عشرات الممرَّات الس ِّريَّة»‪.‬‬ ‫وهدمنا جُدرانًا وحطَّمنا أرضيَّا ٍ‬
‫‪« -‬وربما تكون هناك عشرات الممرَّات األخرى»‪ .‬بعض األنفاق الس ِّريَّة وجدوه صغيرًا للغاية‪ ،‬حتى إن‬
‫چايمي لجأ َ إلى عد ٍد من الخدم وصبيان االسطبالت الستكشافها‪ ،‬وأسفر البحث عن ممرٍّ إلى ال َّزنازين‬
‫وبئر حجريَّة تبدو بال قرار‪ ،‬باإلضافة إلى حُجر ٍة مألى بالجماجم والعظام المصفرَّة‪ ،‬وأربعة‬ ‫ٍ‬ ‫السَّوداء‬
‫ضيَّة المعيوبة من عهد الملك ڤسيرس األول‪ ،‬ناهيك بآالف الجرذان‪ ...‬لكن ال‬ ‫أجول ٍة من العُمالت الف ِّ‬
‫تيريون وال ڤارس كانا بينها‪ ،‬وفي النِّهاية أص َّر چايمي على وضع نهاي ٍة للبحث‪ .‬أحد الصِّبية انحش َر في‬
‫ممرٍّ ضيِّق واضطرُّ وا إلى سحبه من قدميه وهو يَصرُخ‪ ،‬وآ َخر سقطَ في بئر سُلَّم وكس َر ساقه‪ ،‬واختفى‬
‫حارسان بينما يستكشفان نفقًا جانبيًّا‪ .‬أقس َم بعض ال ُحرَّاس اآلخَرون أنهم سمعوا صياحهما الخافت عبر‬
‫الجدار لم يجدوا على الجانب اآلخَر َّإال التُّربة والرُّ كام‪« .‬ال ِعفريت‬
‫األحجار‪ ،‬لكن حين هد َم رجال چايمي ِ‬
‫صغير أريب‪ ،‬وربما ال يزال مختبئًا بين الجُدران‪ .‬إذا كان كذلك فستُجبِره النَّار على الخروج»‪.‬‬
‫بق منه َّإال هيكله»‪.‬‬
‫‪« -‬حتى إذا كان تيريون ما زا َل مختبئًا في القلعة فلن يكون في (بُرج اليد)‪ .‬إننا لم نُ ِ‬
‫‪« -‬ليتنا نستطيع أن نفعل ال ِمثل ببقيَّة هذه القلعة الكريهة‪ .‬بَعد الحرب أنوي أن أبني قصرًا جديدًا وراء‬
‫بصرح أبيض بديع تُحيط به الغابات والبساتين ويَبعُد فراسخ‬
‫ٍ‬ ‫النَّهر»‪ .‬لقد حلمت به ليلة أول من أمس‪،‬‬
‫‪64‬‬
‫طويلةً عن (كينجز الندنج) بضوضائها وروائحها المقرفة‪« .‬هذه المدينة مجرور‪ .‬مقابل نِصف جروت‬
‫يُمكنني أن أنقل البالط إلى (النسپورت) وأحكم البالد من (كاسترلي روك)»‪.‬‬
‫‪« -‬تلك حماقة أكبر من إحراق (بُرج اليد)‪ .‬ما دا َم تومن جالسًا على العرش الحديدي ستراه البالد الملك‬
‫ب آ َخر بالعرش ال فرق بينه وبين ستانيس»‪.‬‬
‫الحقيقي‪ ،‬لكن خبِّئيه تحت (الصَّخرة) وسيُصبِح مجرَّد ُمطال ٍ‬
‫قلت إنني أري ُد أن أنقل البالط إلى (النسپورت) وليس إنني سأفعلها حقًّا‪ .‬هل‬
‫بح َّد ٍة قالت الملكة‪« :‬أعي هذا‪ُ .‬‬
‫كنت بطيء الفهم هكذا دو ًما أم أن فقدانك يدك أصابَك بالغباء؟»‪.‬‬
‫ت القلعة حقًّا‬ ‫قائال‪« :‬إذا انتش َر اللَّهب بعيدًا عن نطاق البُرج فربما ينتهي ِ‬
‫بك األمر وقد أحرق ِ‬ ‫تجاهل سؤالها ً‬ ‫َ‬
‫‪61‬‬
‫ت أم لم تقصدي‪ .‬النَّار ال َّشعواء خ َّداعة»‪.‬‬ ‫سواء أقصد ِ‬
‫صنِّع نارًا شعواء طازجةً‪« .‬اللورد هاالين أ َّكد لي أن الپايرومانسرات‬ ‫منذ أسبوعين ورابطة الخيميائيِّين تُ َ‬
‫يستطيعون التَّح ُّكم في النَّار‪ .‬فلت َر (كينجز الندنج) كلُّها اللَّهب‪ ،‬سيكون درسًا ألعدائنا»‪.‬‬
‫كأنك إيرس»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬اآلن تتكلَّمين‬
‫ر َّدت غاضبةً‪« :‬احفظ لسانك أيها الفارس»‪.‬‬
‫‪« -‬أنا أيضًا أحب ِِّك يا أختي الجميلة»‪.‬‬
‫أحببت هذا المخلوق التَّعس يو ًما؟ وهمس صوت آخَر في داخلها مجيبًا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بَعد أن رح َل سألَت نفسها‪ :‬كيف‬
‫صفك اآلخَر‪ ،‬فجاوبَته‪ :‬ربما فيما مضى‪ ،‬لكنه لم يَعُد كذلك‪ .‬لقد أصب َح غريبًا عني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫توأمك‪ِ ،‬ظلَّ ِك‪ ،‬نِ‬
‫ِ‬ ‫كان‬
‫ً‬
‫احتفاال باذ ًخا آخَر‪ ،‬ال سيَّما‬ ‫مقارنةً بزفاف چوفري كان زفاف الملك تومن صغيرًا متواضعًا‪ .‬ال أحد أرا َد‬
‫الملكة‪ ،‬وال أحد أرا َد أن يدفع تكلفته‪ ،‬ال سيَّما آل تايرل‪ ،‬وهكذا اتَّخذ الملك الصَّغير مارچري تايرل زوجةً‬
‫بدال من اآلالف الذين شهدوا قران‬ ‫ضيف ً‬
‫ٍ‬ ‫له في ِسپت (القلعة الحمراء) الملكي‪ ،‬في حضور أق ِّل من مئة‬
‫أخيه بالمرأة نفسها‪.‬‬
‫ب َدت العروس رائقةً مرحةً جميلةً‪ ،‬والعريس ال يزال طفول َّي الوجه ممتلئًا‪ ،‬وقد ر َّدد نذوره بصو ٍ‬
‫ت‬
‫صبياني مرتفع‪ ،‬واعدًا ابنة مايس تايرل المتر ِّملة مرَّتين ب ُحبِّه وإخالصه‪ ،‬فيما ارتدَت مارچري الفُستان‬
‫ذاته الذي ارتدَته يوم زفافها إلى چوفري‪ ،‬بتصميمه الرَّقيق من الحرير العاجي ال َّشفَّاف وشرائط ال ِّزينة‬
‫والآللئ الصَّغيرة‪ .‬أ َّما سرسي نفسها فما زالَت ترتدي األسود عالمةً على رثائها ابنها البِكري‬ ‫َّ‬ ‫المايريَّة‬
‫القتيل‪ .‬ربما يحلو ألرملته أن تضحك وتشرب وتَرقُص وتُزيح ذكرى چوف ب ُر َّمتها من عقلها‪ ،‬لكن أ َّمه لن‬
‫تنساه بهذه البساطة‪.‬‬
‫ف َّكرت سرسي‪ :‬ليس هذا سلي ًما‪ .‬لقد تعجَّلوا ج ًّدا‪ .‬عام‪ ،‬عامان‪ ،‬كان ذلك ليكفي‪ .‬كان على (هايجاردن) أن‬
‫تقنع بالخطبة فقط‪ ،‬وألقَت نظرةً وراءها إلى حيث يقف مايس تايرل بين زوجته وأ ِّمه‪ ،‬وقالت له‪ :‬أنت الذي‬
‫ت قريب‪.‬‬ ‫أجبرتَني على مهزلة ال ِّزفاف هذه يا سيِّدي‪ ،‬ولن أنسى هذا في أ ِّ‬
‫ي وق ٍ‬
‫ل َّما آنَ أوان تبا ُدل المعطفيْن نزلَت العروس على رُكبتيها بحرك ٍة رشيقة أنيقة‪ ،‬وكساها تومن بال َّداهية‬
‫ألبس روبرت سرسي إياها يوم زفافهما‪ ،‬المعطف الذي ِخيطَ وعل‬ ‫َ‬ ‫الثَّقيلة المفصَّلة من قُماش َّ‬
‫الذهب التي‬
‫باراثيون على ظَهره بحبَّات ال َج ْزع‪ .‬أرادَت سرسي أن ترتدي مارچري المعطف الحرير األحمر النَّاعم‬
‫الذي استخد َمه چوفري‪ ،‬وشر َحت آلل تايرل قائلةً‪« :‬إنه المعطف الذي استخد َمه السيِّد والدي حين تز َّوج‬
‫ضتها في هذا أيضًا‪ ،‬وقالت الحيزبون‪« :‬ذلك ال َّشيء القديم؟ إنه‬ ‫السيِّدة والدتي»‪ ،‬لكن ملكة األشواك عار َ‬
‫يبدو لي مهترئًا بعض ال َّشيء‪ ...‬وأجس ُر على أن أقول إنه‪ ...‬منحوس أيضًا‪ .‬وألن يكون الوعل أليق بابن‬
‫الملك روبرت ال َّشرعي؟ في زماني كانت العروس ترتدي ألوان زوجها ال ألوان السيِّدة والدته»‪.‬‬
‫بسبب ستانيس ورسالته القذرة ث َّمة شائعات كثيرة للغاية بالفعل تحوم حول نَسب تومن‪ ،‬فلم تجرؤ سرسي‬
‫ص ِّمم على أن يُلبِس ابنها عروسه معطف النستر القرمزي‪،‬‬ ‫صبِّ المزيد من ال َّزيت على النَّار بأن تُ َ‬‫على َ‬
‫الذهب وال َج ْزع يُف ِعمها بالسُّخط‪ .‬كلَّما‬
‫وهكذا رضخَ ت بقدر ما أمكنَها من كياسة‪ ،‬وإن كان منظر كلِّ هذا َّ‬
‫أعطينا آل تايرل طالَبونا بالمزيد‪.‬‬
‫لدى فروغهما من ترديد النُّذور خطا الملكة والملكة إلى خارج السِّپت ليتلقَّيا التَّهاني‪ ،‬وقال لهما السير اليل‬
‫ت جهوري‪(« :‬وستروس) لها ملكتان اآلن‪ ،‬والصَّغيرة جميلة كالكبيرة»‪ .‬كراكهول هذا‬ ‫كراكهول بصو ٍ‬
‫مأسوف عليه‪ ،‬وقد أرادَت أن تصفعه لحظتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فارس مأفون يُ َذ ِّكر سرسي كثيرًا بزوجها الرَّاحل غير‬
‫حاو َل جايلز روزبي أن يلثم يدها ولم ينجح َّإال في السُّعال على أصابعها‪ ،‬ولث َمها اللورد ردواين على‬
‫وجنتها ومايس تايرل على كلتا الوجنتين‪ ،‬وقال لها ال ِمايستر األكبر پايسل إنها لم تفقد ابنًا بل كسبَت ابنةً‪،‬‬
‫ي من نساء ستوكوورث‪ ،‬وهو ما‬ ‫لكنها على األقل لم تُبت َل بأحضان الليدي تاندا ال َّدامعة‪ ،‬إذ لم تظهر أ ٌّ‬
‫أشع َر الملكة باالمتنان‪.‬‬
‫بين أواخر المهنِّئين كان كيڤان النستر‪ ،‬الذي قالت له الملكة‪« :‬بلغَني أنك ستَترُكنا لتحضر زفافًا آخَر»‪.‬‬
‫‪« -‬الحجر الصُّ لب أجلى الرِّجال المكسورين من (قلعة داري)‪ .‬عروس النسل تنتظرنا هناك»‪.‬‬
‫‪« -‬هل ستنض ُّم إليك السيِّدة زوجتك لحضور ال ِّزفاف؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ما زالَت أراضي النَّهر محفوفةً باألخطار‪ .‬حُثالة ڤارجو هوت طُلقاء‪ ،‬وبريك دونداريون يشنق أبناء‬
‫فراي‪ .‬أصحي ٌح أن ساندور كليجاين انض َّم إليه؟»‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وصل ليلة البارحة من ِسپتري‬
‫َ‬ ‫كيف عرفَ هذا؟ «هكذا يقول بعضهم‪ .‬التَّقارير مرتبكة»‪ .‬كان الطَّائر قد‬
‫المالحات) القريبة تعرَّضت إلى غار ٍة‬ ‫على جزير ٍة عند مصبِّ (الثَّالوث) مباشرةً‪ ،‬واألخبار أن بلدة ( َّ‬
‫صا وحشيًّا يعتمر خوذةً على‬ ‫ضارية من جماع ٍة من الخارجين عن القانون‪ ،‬وي َّدعي بعض النَّاجين أن شخ ً‬
‫واغتصب فتاةً في الثَّانية عشرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫شكل كلب صي ٍد كان بين ال ُمغيرين‪ ،‬ويُفت َرض أنه قت َل دستةً من الرِّجال‬
‫ك أن النسل يتوق إلى القبض على كليجاين واللورد بريك ليسود سالم الملك أراضي النَّهر من‬ ‫«ال َش َّ‬
‫جديد»‪.‬‬
‫ح َّدق السير كيڤان إلى عينيها وهلةً‪ ،‬ثم قال‪« :‬ابني ليس الرَّجل المناسب للتَّعا ُمل مع ساندور كليجاين»‪.‬‬
‫هذا على األقل نتَّفق عليه‪« .‬قد يكون أبوه كذلك»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ما دا َمت خدمتي ليست مطلوبةً في (الصَّخرة)‪.»...‬‬
‫ط ع ُّمها ف َّكيه ً‬
‫ضغ َ‬
‫خدمتك كانت مطلوبةً هنا‪ .‬عيَّنت سرسي داميون النستر ابن ُخؤولتها أمينًا للقلعة في (كاسترلي روك)‪،‬‬
‫خال آخَ ر هو السير داڤن النستر حاك ًما للغرب‪.‬‬‫وابن ٍ‬
‫للعجرفة ثَمنها يا ع َّماه‪« .‬ائتِنا برأس ساندور وأعل ُم أن جاللته سيكون في غاية االمتنان‪ .‬ربما كان الرَّجل‬
‫ب وجيه على ما يبدو»‪.‬‬ ‫يروق چوف‪ ،‬لكنه لطالما أخافَ تومن‪ ...‬ولسب ٍ‬
‫قال السير كيڤان‪« :‬عندما يُسيء الكلب التَّصرُّ ف فاللَّوم على سيِّده»‪ ،‬ثم دا َر على عقبيه وابتع َد‪.‬‬
‫رافقَها چايمي إلى (القاعة الصُّ غرى) حيث يجري تجهيز المأدبة‪ ،‬وبينما يمشيان هم َست له‪« :‬إنني ألومك‬
‫المفترض أن تكون مارچري في ِحدا ٍد على چوفري ال أن‬ ‫َ‬ ‫أنت على كلِّ هذا‪ .‬قلت أن أدعهما يتز َّوجان‪.‬‬
‫ق أنها عذراء‪ .‬رنلي كان له قضيب‪،‬‬ ‫تتز َّوج أخاه‪ ،‬المفت َرض أن تكون غارقةً في األحزان ِمثلي‪ .‬ال أص ِّد ُ‬
‫ِّ‬
‫المقززة ُّ‬
‫تظن‬ ‫أليس كذلك؟ لقد كان أخا روبرت‪ ،‬فمؤ َّكد أنه كان له قضيب‪ .‬إذا كانت تلك الحيزبون العجوز‬
‫أنني سأسم ُح البني ب‪.»...‬‬
‫قاط َعها چايمي بهدوء‪« :‬قريبًا ج ًّدا ستتخلَّصين من الليدي أولينا‪ .‬إنها راحلة إلى (هايجاردن) غدًا»‪.‬‬
‫قالت سرسي التي ال تثق بأيٍّ من وعود آل تايرل‪« :‬هكذا تقول»‪.‬‬
‫َر َّد بإصرار‪« :‬إنها راحلة‪ .‬مايس سيأخذ ِنصف ق َّوات تايرل إلى (ستورمز إند)‪ ،‬والنِّصف الثَّاني عائد إلى‬
‫(المرعى) مع السير جارالن ليأخذ حقَّه في (قلعة المياه الوضَّاءة)‪.‬‬
‫أيام أخرى ولن تتبقَّى في (كينجز الندنج) ورود َّإال مارچري ورفيقاتها و ُحرَّاس قالئل»‪.‬‬‫بضع ٍ‬
‫‪« -‬والسير لوراس‪ ،‬أم أنك نسيت أخاك المحلَّف؟»‪.‬‬
‫‪« -‬السير لوراس فارس في ال َحرس الملكي»‪.‬‬
‫‪« -‬السير لوراس ينتمي إلى آل تايرل لدرجة أنه يتب َّول ماء ورد‪ .‬لم يكن ينبغي أن يُعطى معطفًا أبيض»‪.‬‬
‫أظن أن لوراس سيُبلي بال ًء حسنًا‪ .‬المعطف‬
‫ُّ‬ ‫يستشرني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬لم أكن ألختاره‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكن أحدًا لم‬
‫األبيض يُ َغيِّر الرَّجل حالما يرتديه»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد غيَّرك بالتَّأكيد‪ ،‬وليس إلى األفضل»‪.‬‬
‫قال‪« :‬أنا أيضًا أحب ِِّك يا أختي الجميلة»‪ ،‬وفت َح لها الباب وسا َر معها إلى المائدة العالية حيث مقعدها إلى‬
‫جوار الملك‪ ،‬بينما ستجلس مارچري على جانب تومن اآلخَر في موضع ال َّشرف‪ .‬حين دخلَت الملكة‬
‫متأبِّطةً ذراع الملك الصَّغير تع َّمدت أن تتوقَّف لتلثم سرسي على وجنتيها وتُعانِقها‪ ،‬وبجرأ ٍة برَّاقة كالنُّحاس‬
‫األصفر المصقول قالت الفتاة‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬أشع ُر كأن لي أ ًّما ثانيةً اآلن‪ .‬أدعو اآللهة أن نكون قريبتيْن‬
‫البنك الجميل»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫للغاية ويُ َو ِّحد بيننا ُحبُّنا‬
‫أحببت كال ابنَي»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫قالت مارچري‪« :‬چوفري في صلواتي أيضًا‪ .‬لقد أحببته ُحبًّا َج ًّما مع أني لم أنل فُرصة معرفته»‪.‬‬
‫إنك لم تُريدي َّإال تاجه‪.‬‬
‫ت ال َّزواج بأخيه على هذا النَّحو المخزي‪ِ .‬‬‫كاذبة‪ .‬لو أحببتِه ولو لحظةً لما استعجل ِ‬
‫مقابل نِصف جروت كانت سرسي لتصفع العروس على وجهها المتو ِّرد في مكانها على المنصَّة على‬
‫مرأى من نِصف البالط‪.‬‬
‫على غرار المراسم كانت مأدبة ال ِّزفاف متواضعةً‪ .‬الليدي آليري هي من قا َمت بالتَّرتيبات كلِّها‪ ،‬إذ لم تكن‬
‫لدى سرسي أدنى رغب ٍة في موا َجهة تلك المه َّمة الجسيمة ثانيةً بَعد الطَّريقة التي انتهى بها زفاف چوفري‪.‬‬
‫ق وطبق‪ ،‬فيما عزفَ‬ ‫لم يُقَ َّدم أكثر من سبعة أصناف‪ ،‬وسلَّى برميل ُّ‬
‫الزبدة وفتى القمر الضُّ يوف بين ك ِّل طب ٍ‬
‫الموسيقيُّون وهُم يأكلون‪ ،‬فاستمعوا إلى المزمار والكمنجة والعود والنَّاي والقيثارة السَّامية‪ .69‬المغنِّي‬
‫الوحيد في الحفل كان أحد المفضَّلين عند الليدي مارچري‪ ،‬شاب متأنِّق مختال كالطَّاووس ثيابه كلُّها‬
‫انسحب‪ ،‬فقالت‬
‫َ‬ ‫درجات من الال َز َورْ د ويدعو نفسه بال َّشاعر األزرق‪ ،‬وقد غنَّى عددًا من أغاني الحُبِّ ثم‬
‫كنت أرجو أن أسمع (أمطار كاستامير)»‪.‬‬ ‫ت مسموع‪« :‬يا لها من خيبة أمل‪ُ .‬‬ ‫الليدي أولينا متبرِّمةً بصو ٍ‬
‫نظرت سرسي إلى الحيزبون رأت وجه ماجي الضِّفدعة سابحًا في الهواء أمامها بتجاعيده وبشاعته‬ ‫َ‬ ‫متى‬
‫وحكمته‪ .‬حاولَت أن تُطَمئِن نفسها قائلةً‪ :‬كلُّ العجائز يتشابَهن‪ ،‬هذا كلُّ ما هنالك‪ .‬والحقيقة أن المشعوذة‬
‫ذات الظَّهر المحني لم تكن تُشبِه ملكة األشواك على اإلطالق‪ ،‬ومع ذلك ظَ َّل منظر ابتسامة الليدي أولينا‬
‫كفيال بإعادتها إلى خيمة ماجي من جديد‪ .‬ما زالَت تَذ ُكر رائحتها العابقة بالتَّوابل ال َّشرقيَّة الغريبة‪،‬‬ ‫البغيضة ً‬
‫وطراوة لثة ماجي إذ امتصَّت ال َّدم من إصبعها‪ ،‬وكيف وعدَتها العجوز وال َّدم ال يزال يُبَلِّل شفتيها ويلتمع‬
‫وتسلبك ك َّل ما تعدِّينه عزي ًزا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫منك وأجمل‪ ،‬لتُطيح ِ‬
‫بك‬ ‫عليهما‪ :‬ملكةً ستكونين‪ ،‬إلى أن تأتي أخرى أصغر ِ‬
‫تجاو َزت سرسي تومن ببصرها لتَر ُمق مارچري الجالسة تضحك مع أبيها‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬حُسنها ال بأس‬
‫الفالحين يكن حسناوات في ِس ٍّن معيَّنة‪ ،‬وهن ال يزلن يافعات بريئات‬ ‫به‪ ،‬لكن معظمه شباب‪ .‬حتى بنات َّ‬
‫عفيفات‪ ،‬وأكثرهن لهن نفس العيون البنِّيَّة وال َّشعر البنِّي ِمثلها‪ .‬ال أحد ي َّدعي أنها أجمل مني َّإال وكان‬
‫أحمق‪ .‬غير أن العالم مليء بالحمقى‪ ،‬وكذا بالط ابنها‪.‬‬
‫نهض مايس تايرل ليُبا ِدر برفع األنخاب‪ ،‬فرف َع كأسًا ذهبيَّةً عاليًا وهو يبتسم البنته‬ ‫َ‬ ‫لم يتحسَّن مزاجها عندما‬
‫مدو قال‪« :‬نخب الملك والملكة!»‪ ،‬وتعالى ثُغاء الخرفان وهُي تقرع الكؤوس وتُ َردِّد‪:‬‬ ‫ت ٍّ‬ ‫الحسناء‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫شاركهم ال ُّشرب بينما تتمنَّى في أعماقها لو‬ ‫«الملك والملكة! الملك والملكة!»‪ .‬لم تجد سرسي خيارًا َّإال أن تُ ِ‬
‫أن جميع الضُّ يوف لهم وجه واحد كي تُلقي نبيذها في أعيُنهم وتُ َذ ِّكرهم بأنها هي الملكة الحقيقيَّة‪ .‬الوحيد‬
‫نهض يرفع نخبه وجسده‬ ‫َ‬ ‫الذي بدا أنه يتذ َّكرها على اإلطالق من بين ُمداهني تايرل هو پاكستر ردواين‪ ،‬إذ‬
‫وصاح بمرح‪« :‬نخب ملكتينا! نخب الملكة الصَّغيرة والكبيرة!»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يترنَّح بعض ال َّشيء‪،‬‬
‫ق ذهبي‪ ،‬أ َّما چايمي فأك َل أق َّل منها‪،‬‬ ‫شربَت سرسي ع َّدة كؤوس من النَّبيذ ورا َحت تُ َحرِّ ك طعامها في طب ٍ‬
‫ونادرًا ما حاو َل احتالل مقعده على المنصَّة‪ .‬أدر َكت الملكة أنه متوتِّر ِمثلها تما ًما وهي تُشا ِهده يذرع‬
‫القاعة جيئةً وذهابًا‪ ،‬يُزيح المعلَّقات بيده السَّليمة ليتأ َّكد من أن ال أحد مختبئ خلفها‪ .‬إنها تعلم أن رجال‬
‫النستر حاملي ال ِحراب منتشرون حول المبنى‪ ،‬بينما يَحرُس السير أوزموند ِكتلبالك أحد البابين والسير‬
‫مرين ترانت الثَّاني‪ ،‬وقد وقفَ بالون سوان وراء مقعد الملك ولوراس تايرل وراء مقعد الملكة‪ ،‬وتعلم‬
‫كذلك أن السُّيوف الوحيدة المسموح بها في المأدبة هي تلك التي يحملها رجال ال َحرس الملكي‪.‬‬
‫نظرت إلى تومن‬ ‫َ‬ ‫قالت لنفسها‪ :‬ابني آ ِمن‪ .‬ال أذى يُمكن أن يمسَّه‪ ،‬ليس هنا‪ ،‬ليس اآلن‪ ،‬ورغم ذلك كلَّما‬
‫رأت چوفري يخمش َحلقه‪ ،‬ول َّما بدأ الصَّبي يَسعُل توقَّف قلب الملكة عن الخفقان لحظةً‪ ،‬وفي خض ِّم‬
‫استعجالها بلوغه أوق َعت إحدى الخادمات‪.‬‬
‫طت يد تومن وقبَّلتها مضيفةً‪:‬‬ ‫ق بالقليل من النَّبيذ ال أكثر»‪ ،‬والتق َ‬ ‫طمأنَتها مارچري تايرل قائلةً‪« :‬لقد شر َ‬
‫ت أصغر‪ .‬انظُر‪ ،‬كدت تُخيف السيِّدة والدتك حتى الموت»‪.‬‬ ‫«على حبيبي الصَّغير أن يأخذ رشفا ٍ‬
‫قال تومن بخجل‪ٌ « :‬‬
‫آسف يا أ ِّمي»‪.‬‬
‫كان الموقف يفوق احتمال سرسي‪ ،‬وحين أحسَّت بال ُّدموع تترق َرق في عينيها قالت لنفسها‪ :‬ال يُمكنني أن‬
‫وخرجت إلى الرُّ واق الخلفي‪ ،‬وعندما باتَت بمفردها‬
‫َ‬ ‫أدعهم يرون دموعي‪ ،‬وتحرَّكت ما َّرةً بالسير مرين‬
‫سمحت لنفسها بانتحاب ٍة راجفة‪ ،‬ثم أخرى‪ .‬يُمكن للمرأة أن تبكي‪ ،‬ولكن ليس الملكة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تحت شمع ٍة من ال َّشحم‬
‫عليك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال صوت من ورائها‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬هل أتطفَّ ُل‬
‫صوت امرأ ٍة هو‪ ،‬من َّكه بلكنات ال َّشرق‪ ،‬وللحظ ٍة خشيَت سرسي أن ماجي الضِّ فدعة تُ َكلِّمها من القبر‪ ،‬لكن‬
‫المرأة لم تكن َّإال زوجة ميريويذر‪ ،‬الجميلة داكنة العينين التي تز َّوجها اللورد أورتون في منفاه وأخ َذها‬
‫معه إلى دياره في (الطَّاولة الطَّويلة)‪ .‬سم َعت سرسي نفسها تقول‪« :‬هواء (القاعة الصُّ غرى) فاسد‪ .‬ال ُّدخان‬
‫أدم َع عينَي»‪.‬‬
‫بدال من بيضاء‪،‬‬ ‫طوال‪ ،‬لكنها سمراء ً‬ ‫ً‬ ‫‪« -‬وعينَي أيضًا يا جاللة الملكة»‪ .‬تُضاهي زوجة ميريويذر الملكة‬
‫ً‬
‫منديال أزرق باهتًا‬ ‫َشعرها أسود كريش ال ِغدفان وبشرتها زيتونيَّة وتصغرها بعق ٍد كامل‪ ،‬وقد ق َّدمت للملكة‬
‫ُ‬
‫وأعرف أني سأبكي أنهارًا يوم زفافه»‪.‬‬ ‫من الحرير المؤطَّر بشرائط ال ِّزينة قائلةً‪« :‬إن لي ابنًا أيضًا‪،‬‬
‫أشكرك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مس َحت سرسي وجنتيها وقد أحنقَها أن يرى أحد دموعها‪ ،‬وقالت بجمود‪« :‬‬
‫ضت صوتها مكملةً‪« :‬ث َّمة شيء يجب أن تعرفيه‪.‬‬ ‫قالت المرأة المايريَّة‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬إنني‪ ،»...‬وخف َ‬
‫وصيفتك مرتشية‪ ،‬إنها تُخ ِبر الليدي مارچري بك ِّل شي ٍء تفعلينه»‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪« -‬سينل؟»‪ .‬تل َّوت ثورة مفاجئة في بطن سرسي‪ .‬أال يو َجد من يُمكنها الثِّقة به؟ «أأن ِ‬
‫ت متأ ِّكدة؟»‪.‬‬
‫‪ُ « -‬مري أحدهم بأن يتبعها‪ .‬مارچري ال تلتقيها وجهًا لوج ٍه أبدًا‪ ،‬لكن بنات عمومتها هن ِغدفانها ويحملن‬
‫إليها الرَّسائل‪ .‬أحيانًا إلينور‪ ،‬أحيانًا آال‪ ،‬أحيانًا ِمجا‪.‬‬
‫رجالك‬
‫ِ‬ ‫كلُّهن قريبات من مارچري كأنهن أخواتها‪ .‬إنهن يلتقينها في السِّپت ويتظاهَرن بالصَّالة‪ .‬ضعي أحد‬
‫في ال ُّشرفة غدًا وسيرى سينل تهمس ل ِمجا عند مذبح (العذراء)»‪.‬‬
‫إنك واحدة من رفيقات مارچري‪ ،‬فلِ َم تخونينها؟»‪ .‬لقد تعلَّمت‬ ‫‪« -‬إذا كان هذا صحيحًا فلماذا تُخبِرينني؟ ِ‬
‫سرسي االرتياب وهي ال تزال تجلس على رُكبة أبيها‪ .‬ربما يكون هذا ف ًّخا‪ ،‬كذبةً تزرع الخالف بين األسد‬
‫والوردة‪.‬‬
‫أجابَت المرأة ملقيةً َشعرها األسود إلى الوراء‪« :‬ربما تكون (الطَّاولة الطَّويلة) مقسمةً على الوالء‬
‫ل(هايجاردن)‪ ،‬لكنني من (مير)‪ ،‬ووالئي لزوجي وابني‪ ،‬وال أري ُد َّإال األفضل لهما»‪.‬‬
‫‪« -‬مفهوم»‪ .‬في المم ِّر الضيِّق أفع َم أنف الملكة عطر المرأة األخرى‪ ،‬أريج كال ِمسك هو مزيج من رائحة‬
‫الطموح‪ .‬قالت لنفسها وقد تذ َّكرت فجأةً‪:‬‬ ‫الطَّحالب وال ُّتربة واألزهار الب ِّريَّة‪ ،‬وتحته ش َّمت سرسي رائحة ُّ‬
‫العفريت يضع ال ُّس َّم في كأس چوف ولم تخَ ف أن تتكلَّم‪ .‬وعدَتها قائلةً‪:‬‬
‫لقد شهدَت في محا َكمة تيريون‪ ،‬رأت ِ‬
‫ي فسأقط ُع‬ ‫ت تكذبين عل َّ‬ ‫«سأنظ ُر في هذه المسألة‪ ،‬وإذا كان ما تقولينه صحيحًا فستنالين مكافأةً»‪ .‬وإذا كن ِ‬
‫لسانك وأصاد ُر أراضي زوجك وذهبه أيضًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جاللتك لطيفة‪ ،‬وجميلة أيضًا»‪ ،‬وابتس َمت لتلوح أسنانها البيضاء بين شفتيها‬ ‫ِ‬ ‫قالت الليدي ميريويذر‪« :‬‬
‫الممتلئتين ال َّداكنتين‪.‬‬
‫حين عادَت الملكة إلى (القاعة الصُّ غرى) ألفَت أخاها يمشي جيئةً وذهابًا بتو ُّتر‪ ،‬وقال لها‪« :‬مجرَّد رشف ٍة‬
‫من النَّبيذ جعلته يش َرق‪ ،‬لكنها أفزعَتني أيضًا»‪.‬‬
‫دمد َمت في وجهه‪« :‬بطني مقلوب لدرجة أني ال أستطي ُع األكل‪ ،‬والنَّبيذ مذاقه كال ِمرَّة‪ .‬هذا ال ِّزفاف غلطة»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ال ِّزفاف ضروري‪ .‬الصَّبي في أمان»‪.‬‬
‫أمان أبدًا»‪ ،‬وجا َست بنظرها في القاعة لترى مايس تايرل يضحك‬
‫ٍ‬ ‫قالت‪« :‬أحمق‪ .‬ال أحد يعتمر تاجًا في‬
‫بوجوم مع كأسه‬
‫ٍ‬ ‫وسط فُرسانه‪ ،‬واللورديْن ردواين وروان يتكلَّمان بصو ٍ‬
‫ت خفيض‪ ،‬والسير كيڤان جالسًا‬
‫في نهاية القاعة‪ ،‬بينما يهمس النسل بشي ٍء ما ألحد السِّپتونات‪ ،‬وتتحرَّك سينل بطول المائدة مالئةً كؤوس‬
‫غاب ال ِمايستر األكبر پايسل في النَّوم‪ .‬ف َّكرت بكآبة‪ :‬ال‬
‫َ‬ ‫بنات عمومة العروس بنبي ٍذ أحمر كال َّدم‪ ،‬في حين‬
‫أحد بإمكاني االعتماد عليه‪ ،‬وال حتى چايمي‪ .‬عل َّي أن أزيح ك َّل هؤالء وأحيط الملك بأناسي‪.‬‬
‫الحقًا‪ ،‬بَعدما قُ ِّد َمت الحلويات والمكسَّرات والجُبنة و ُرفِ َعت‪ ،‬بدأت مارچري وتومن الرَّقص‪ ،‬وقد بد َوا على‬
‫طوال‪ ،‬وتومن‬‫ً‬ ‫بقدم ونِصف‬‫قدر ال بأس به من السُّخف وهما يدوران‪ .‬ابنة تايرل تفوق زوجها الصَّغير ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫راقص أخرق في أحسن أحواله‪ ،‬ال يملك أيّا من رشاقة چوفري التِّلقائيَّة‪ ،‬وإن بذ َل قصارى جهده وبدا‬
‫غافال عن الفُرجة التي صن َعها من نفسه‪ ...‬ولم تكد العذراء مارچري تَفرُغ منه حتى انقضَّت عليه بنات‬ ‫ً‬
‫صاحب الجاللة معهن أيضًا‪ .‬ف َّكرت سرسي‬ ‫ِ‬ ‫ت على أن يَرقُص‬ ‫عمومتها واحدةً تلو األخرى مص ِّمما ٍ‬
‫بامتعاض وهي تُشا ِهد‪ :‬سيجعلنه يتعثَّر ويترنَّح ل َّما يَفرُغن منه‪ .‬نِصف البالط سيته َّكم عليه من وراء‬ ‫ٍ‬
‫ظَهره‪.‬‬
‫صت مارچري م َّرةً مع أبيها ثم مع أخيها فارس‬ ‫بينما أخ َذت ك ٌّل من آال وإلينور و ِمجا دورها مع تومن‪ ،‬رق َ‬
‫س‬ ‫ق حول خصره حزا ًما من الورود َّ‬
‫الذهبيَّة وثبَّت معطفه بدبُّو ٍ‬ ‫الزهور‪ ،‬الذي ارتدى الحرير األبيض وأوث َ‬ ‫ُّ‬
‫على شكل ورد ٍة من اليَشب‪ .‬ف َّكرت سرسي وهي تُشا ِهدهما‪ :‬كأنهما توأمان‪ .‬يكبر السير لوراس أخته بعام‪،‬‬
‫ت طبيعيَّة على‬‫لكن كليهما له العينان البنِّيَّتان الواسعتان نفسهما وال َّشعر البنِّي الكثيف الذي ينسدل في حُليقا ٍ‬
‫أكتافهما‪ ،‬وكذا البشرة الملساء التي ال تشوبها شائبة‪.‬‬
‫قدر وافر من البثور سيُ َعلِّمهما شيئًا من التَّواضُع‪ .‬لوراس أطول قامةً وله زغب بنِّي ناعم خفيف على‬
‫وجهه‪ ،‬ومارچري لها جسد امرأة‪ ،‬لكن فيما عدا ذلك فإنهما متشابهان أكثر من سرسي وچايمي‪ ،‬وهو ما‬
‫أثا َر استياءها أيضًا‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة بتشريف فارسها األبيض برقصة؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قط َع توأمها أفكارها بقوله‪« :‬هل تسمح‬
‫حد َجته بنظر ٍة ُمهلكة قائلةً‪« :‬وأتركك تتل َّمسني عبثًا بهذه ال َجدعة؟ ال‪ .‬لكني سأتركك تمأل كأسي‪ ،‬إذا كنت‬
‫تحسب أنك تقدر دون أن تَس ُكب النَّبيذ»‪.‬‬
‫أظن»‪ ،‬وابتع َد وعا َد يدور في أرجاء القاعة‪ ،‬ومألَت هي الكأس بنفسها‪.‬‬ ‫َر َّد‪ُ « :‬معاق ِمثلي؟ ال ُّ‬
‫ضت سرسي أن تَرقُص مع مايس تايرل ثم النسل‪ ،‬ففه َم اآلخَرون التَّلميح ولم يَطلُب أحد آ َخر الرَّقص‬ ‫رف َ‬
‫معها‪ .‬أصدقاؤنا الصَّديقون ولورداتنا المخلصون‪ .‬إنها ال تستطيع الثِّقة بالغربيِّين منهم حتى‪ ،‬ح َملة راية‬
‫أبيها ورجاله المقسمين على الوالء‪ ،‬ال تستطيع إذا كان ع ُّمها ذاته يتآ َمر مع أعدائها‪...‬‬
‫كانت مارچري تَرقُص مع ابنة عمومتها آال‪ ،‬و ِمجا مع السير تاالد الطَّويل‪ ،‬وابنة العمومة األخرى إلينور‬
‫تشرب كأسًا من النَّبيذ مع أوران ووترز‪ ،‬نغل (دريفتمارك) الوسيم‪ .‬ليست هذه أول م َّر ٍة تلحظ الملكة‬
‫الذهبي المائل إلى‬ ‫ضاربتين إلى الرَّمادي وال َّشعر الطَّويل َّ‬ ‫ووترز‪ ،‬ال َّشاب النَّحيل ذي العينين الخضراوين ال َّ‬
‫الفضِّ ي‪ .‬حين رأته للمرَّة األولى كادَت تحسب ألقلِّ من لحظ ٍة أن ريجار تارجاريَن قد عا َد من الرَّماد‪.‬‬
‫قالت لنفسها‪َ :‬شعره السَّبب‪ .‬إنه ليس بنِصف الوسامة التي كانها ريجار‪ ،‬ووجهه ضيِّق للغاية وهناك ذلك‬
‫ق في ذقنه‪ .‬على أن آل ڤيالريون ينحدرون من ُذ ِّريَّ ٍة ڤاليريَّة قديمة‪ ،‬ولبعضهم ال َّشعر المائل إلى الفضِّ ي‬ ‫ال َّش ُّ‬
‫الذي كان لملوك التَّنانين القُدامى‪.‬‬
‫عا َد تومن إلى مقعده ليقضم من كعكة تفَّاح‪ ،‬ونظ َرت الملكة إلى مقعد ع ِّمها لتجده شاغرًا‪ ،‬وأخيرًا وجدَته‬
‫باهتمام بالغ مع ابن مايس تايرل جارالن‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ُكن يتكلَّم‬
‫في ر ٍ‬
‫ع َّم يتكلَّمان؟ ربما يُلَقِّب أهل (المرعى) السير جارالن بالهُمام‪ ،‬لكنها ال تثق به أكثر من مارچري أو‬
‫تنس العُملة القديمة التي اكتشفَها كايبرن تحت وعاء فضالت ال َّسجَّان‪ .‬يد ذهبيَّة من‬ ‫َ‬ ‫لوراس‪ .‬إنها لم‬
‫ي‪ .‬عندما ظه َرت سينل لتمأل كأسها قاو َمت الملكة مضط َّرةً رغبتها‬ ‫(هايجاردن)‪ ،‬ومارچري تتجسَّس عل َّ‬
‫الملحَّة في أن تقبض على رقبتها وتَخنُقها‪ ،‬وقالت لها في سريرتها‪ :‬ال تتظاهَري بالتَّبسُّم لي أيتها الحقيرة‬
‫الخائنة‪ .‬ستتوسَّلين مني الرَّحمة قبل أن أفرغ منك‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة شربَت نبي ًذا بما يكفي اللَّيلة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سم َعت شقيقها چايمي يقول‪ُّ « :‬‬
‫أظن أن‬
‫وشك على السُّقوط‪،‬‬ ‫نهضت بسُرع ٍة جعلَتها تُ ِ‬‫َ‬ ‫الزفاف‪.‬‬‫ال‪ ،‬كلُّ ما في العالم من نبي ٍذ لن يكفي ألن أتح َّمل هذا ِّ‬
‫لكن چايمي أمس َكها من ذراعها وثبَّتها‪ ،‬فانتزعَت ال ِّذراع منه وصفَّقت لتتوقَّف الموسيقى وتَص ُمت‬
‫عال قالت سرسي‪« :‬أيها السَّادة والسيِّدات‪ ،‬أرجو أن تتفضَّلوا وتَخرُجوا معي لنُ ِ‬
‫شعل‬ ‫ت ٍ‬ ‫األصوات‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫وبعصر جديد من السَّالم والرَّخاء لممالكنا السَّبع»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫احتفاال باتِّحاد (هايجاردن) و(كاسترلي روك)‬ ‫ً‬ ‫شمعةً‬
‫مظل ًما كئيبًا وقفَ (بُرج اليد)‪ ،‬تحتلُّ الفتحات الواسعة مكان أبوابه البلُّوط الثَّقيلة ومصاريع نوافذه‪ ،‬لكن‬
‫حتى في خرابه وتجرُّ ده من زينته ظَ َّل مرتفعًا فوق السَّاحة الخارجيَّة‪ ،‬و َم َّر ضيوف ال ِّزفاف في ِظلِّه إذ‬
‫خرجوا من (القاعة الصُّ غرى)‪ .‬حين نظ َرت سرسي إلى أعلى رأت ُشرَّافات البُرج تنهش قمر‬
‫صيَّادين‪ ،66‬وتساءلَت كم يدًا لكم ملك قطنَ في هذا المكان على َم ِّر القرون الثَّالثة المنصرمة‪.‬‬ ‫ال َّ‬
‫على بُعد مئة ياردة من البُرج أخ َذت نفسًا عميقًا لتُوقِف رأسها عن ال َّدوران‪ ،‬وصا َحت‪« :‬لورد هاالين‪،‬‬
‫يُمكنك أن تبدأ!»‪.‬‬
‫قال هاالين الپايرومانسر‪« :‬همممممم»‪ ،‬ول َّوح بالمشعل الذي يحمله‪ ،‬فلقَّم الرُّ ماة على األسوار أقواسهم‬
‫وأطلَقوا دستةً من السِّهام النَّارية عبر النَّوافذ المفتوحة‪.‬‬
‫ت كالفحيح‪ .‬خالل أقلِّ من لحظ ٍة دبَّت الحياة في داخله باألحمر واألصفر‬ ‫وشبَّت النَّار في البُرج بصو ٍ‬
‫والبُرتقالي‪ ...‬واألخضر‪ ،‬أخضر داكن يُن ِذر بالويل‪ ،‬لون ال ِمرَّة واليَشب وبول الپايرومانسرات‪ .‬يُ َس ِّميها‬
‫ض َعت خمسون ج َّر ٍة منها داخل‬ ‫الخيميائيُّون «الما َّدة»‪ ،‬لكن العا َّمة يُطلِقون عليها «النَّار ال َّشعواء»‪ ،‬وقد ُو ِ‬
‫قزم اسمه تيريون النستر‪.‬‬ ‫(بُرج اليد)‪ ،‬باإلضافة إلى الحطب وبراميل القار والسَّواد األعظم من مقتنيات ٍ‬
‫شع َرت الملكة بحرارة اللَّهب األخضر‪ .‬يقول الپايرومانسرات إن أشياء ثالثةً فحسب أش ُّد حرارةً من‬
‫ما َّدتهم‪ :‬لهب التَّنانين والنَّار في باطن األرض وشمس الصَّيف‪.‬‬
‫شهقَت بعض الليديهات عندما ظه َر اللَّهب في النَّوافذ يلعق الجُدران من الخارج كألسن ٍة خضراء طويلة‪،‬‬
‫في حين هلَّل آخَرون ورفعوا األنخاب‪.‬‬
‫ط بذلك االستمتاع الذي‬‫قالت لنفسها‪ :‬جميلة‪ ،‬جميلة كچوفري حين وضعوه بين ذراعَي‪ .‬لم يُش ِعرها رجل قَ ُّ‬
‫أحسَّت به عندما التق َم حلمتها ليرضع‪.‬‬
‫ح َّدق تومن إلى النِّيران بعينين متَّسعتين‪ ،‬مفتونًا بقدر ما هو خائف‪ ،‬إلى أن هم َست مارچري في أُذنه‬
‫بشي ٍء جعلَه يضحك‪ ،‬وبدأ بعض الفُرسان يتراهَنون على الفترة التي سيستغرقها البُرج قبل أن ينهار‪ ،‬بينما‬
‫وقفَ اللورد هاالين يُهَم ِهم لنفسه ويتأر َجح على كعبيه‪.‬‬
‫ف َّكرت سرسي في جميع أيادي الملوك الذين عرفَتهم على َم ِّر السِّنين؛ أوين ميريويذر‪ ،‬وچون كوننجتون‪،‬‬
‫وكارلتون تشيلستد‪ ،‬وچون آرن‪ ،‬وإدارد ستارك‪ ،‬وشقيقها تيريون‪ ...‬وفي أبيها اللورد تايوين النستر‪ ،‬في‬
‫أبيها على وجه الخصوص‪ .‬قالت لنفسها مستمتعةً بالفكرة‪ :‬كلُّهم يحترقون اآلن‪ ،‬موتى ويحترقون جميعًا‬
‫ومعهم مخطَّطاتهم ومؤامراتهم وخياناتهم‪ .‬لقد أتى زماني‪ .‬هذي قلعتي وهذي مملكتي‪.‬‬
‫أصد َر (بُرج اليد) قعقعةً مباغتةً د َّوت بش َّد ٍة لدرجة أن المحادثات جميعها توقَّفت ُدفعةً واحدةً‪ ،‬وتشقَّقت‬
‫ص َّم اآلذان و َر َّج التَّ َّل مثيرًا سحابةً من‬
‫بارتطام َ‬
‫ٍ‬ ‫وحطَّ‬
‫الحجارة وتص َّدعت وهوى جزء من ال ُّشرفة العُليا َ‬
‫ال ُغبار وال ُّدخان‪ ،‬وإذ تدفَّق الهواء الطَّلق من الثَّغرات الجديدة في الحجر تأجَّجت النَّار أكثر واندف َعت إلى‬
‫نكص تومن‪َّ ،‬إال أن مارچري‬ ‫َ‬ ‫أعلى‪ ،‬لتثب ألسنة اللَّهب األخضر في السَّماء ويدور بعضها حول بعض‪.‬‬
‫أمس َكت يده قائلةً‪« :‬انظُر‪ ،‬اللَّهب يَرقُص كما كنا نَرقُص يا حبيبي»‪.‬‬
‫ت أفع َمته ال َّدهشة‪« :‬نعم‪ .‬أ ِّمي‪ ،‬انظُري‪ ،‬اللَّهب يَرقُص»‪.‬‬
‫َر َّد بصو ٍ‬
‫‪« -‬أراه‪ .‬لورد هاالين‪ ،‬كم ستبقى النَّار مشتعلةً؟»‪.‬‬
‫‪« -‬طوال اللَّيل يا موالتي»‪.‬‬
‫قالت أولينا تايرل المستندة إلى ُع َّكازها بين حارسيها ِشمال ويمين‪« :‬شمعة جميلة بالفعل‪ ،‬مضيئة بما يكفي‬
‫ألن نَخلُد إلى النَّوم في أمان على ما ُّ‬
‫أظن‪ .‬العظام العجوز تتعب‪ ،‬وهذان الصَّغيران شهدا إثارةً تكفي هذه‬
‫اللَّيلة‪ .‬حانَ الوقت ألن يذهب الملك والملكة إلى الفِراش»‪.‬‬
‫قالت سرسي‪« :‬نعم»‪ ،‬وأشا َرت إلى چايمي مردفةً‪« :‬حضرة القائد‪ ،‬اصحب جاللته وملكته الصَّغيرة إلى‬
‫فِراشهما إذا سمحت»‪.‬‬
‫ت أيضًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تأمرين‪ .‬وأن ِ‬
‫‪« -‬ال داعي»‪ .‬تحسُّ سرسي بحيويَّ ٍة ال تحتاج معها إلى النَّوم‪ .‬النَّار ال َّشعواء تُطَهِّرها‪ ،‬تحرق غضبها‬
‫وخوفها كلَّه وتمألها بالعزيمة‪« .‬اللَّهب جميل للغاية‪ .‬أري ُد أن أشاهده فترةً»‪.‬‬
‫وحدك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال چايمي بتر ُّدد‪« :‬ال ينبغي أن تكوني‬
‫‪« -‬لن أكون وحدي‪ .‬السير أوزموند يُمكنه أن يبقى ويحميني‪ ،‬أخوك المحلَّف»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال ِكتلبالك‪« :‬إذا كان هذا يسرُّ‬
‫ب شاهَدا النِّيران تستعرُّ ‪.‬‬
‫ر َّدت‪« :‬يسرُّ ني»‪ ،‬وتأبَّطت ذراعه‪ ،‬وجنبًا إلى جن ٍ‬
‫الفارس المل َّوث‬
‫ُّ‬
‫تلتف د َّوامات الرِّيح البليلة السَّريعة‬ ‫اللَّيلة باردة على غير العادة‪ ،‬حتى بالنِّسبة إلى الخريف‪ ،‬وفي األزقَّة‬
‫محرِّكةً أتربة النَّهار‪ .‬ريح شماليَّة مشبَّعة بالبرودة‪ .‬رف َع السير آريس أوكهارت قلنسوته ليُخفي وجهه‪،‬‬
‫فليس في صالحه أن يتعرَّفه أحد‪ .‬قبل أسبوعين ُذبِ َح تاجر في مدينة الظِّل‪ ،‬رجل مسالم أتى (دورن) ألجل‬
‫وبدال من التُّمور وج َد نحبه‪ ،‬وجريرته الوحيدة أنه كان من (كينجز الندنج)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فواكهها‬
‫سيجدني الرَّعاع خص ًما أش َّد بأسًا‪ .‬الحقيقة أنه يكاد ي َُر ِّحب باعتدا ٍء عليه‪ .‬تحرَّكت يده تتحسَّس بخفَّ ٍة مقبض‬
‫السَّيف الطَّويل ِشبه المتواري بين طيَّات مالبسه الكتَّان التي يرتدى طبقتين منها‪ ،‬المعطف الخارجي‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬وال َّداخلي األخف بلونه البُرتقالي‪ .‬الثِّياب الدورنيَّة مريحة‪،‬‬ ‫بخطوطه الفيروزيَّة وصفوف ال ُّشموس َّ‬
‫عاش ليرى ابنه يرتديها‪ .‬إنه من أبناء (المرعى)‪ ،‬والدورنيُّون‬ ‫َ‬ ‫َّإال أن أباه كان لينزعج أيَّما انزعاج لو أنه‬
‫عصور سحيقة كما تشهد المعلَّقات في (السَّنديانة القديمة)‪ .‬ما على آريس َّإال أن يُغ ِلق عينيه‬ ‫ٍ‬ ‫أعداؤه منذ‬
‫بسمو وقد تك َّومت حول قدميه رؤوس مئ ٍة من الدورنيِّين‪ ،‬وورقات‬ ‫ٍّ‬ ‫ليراها؛ اللورد إدجيران السَّخي جالسًا‬
‫ال َّشجر الثَّالث ‪-‬رمز عائلة أوكهارت‪ -‬التي اخترقَتها ِحراب الدورنيِّين في (ممر األمير)‪ ،‬وآلستر يَنفُخ في‬
‫آخر أنفاسه‪ ،‬والسير أوليڤار الملقَّب بالسَّنديانة الخضراء يرتدي أبيض على أبيض‬ ‫بوقه الحربي الفظًا ِ‬
‫ضر إلى جانب التنِّين الصَّغير‪( .‬دورن) ليست مكانًا مالئ ًما أليٍّ من آل أوكهارت‪.‬‬ ‫بينما يُحت َ‬
‫خرج من (صنسپير) ليمشي في أزقَّة مدينة‬ ‫َ‬ ‫الفارس التَّوتُّر متى‬
‫َ‬ ‫أصاب‬
‫َ‬ ‫حتى قبل موت األمير أوبرين‬
‫َّ‬
‫ذهب يَشعُر بأعيُنهم المسلطة عليه‪ ،‬أعيُن دورنيَّة سوداء صغيرة تَر ُمقه بعداو ٍة بيِّنة‪ ،‬وفي كلِّ‬ ‫َ‬ ‫الظِّل‪ .‬أينما‬
‫ُكن يَب ُذل أصحاب الحوانيت قصارى جهدهم لالحتيال عليه‪ ،‬حتى إنه يتسا َءل أحيانًا إن كان سُقاة الحانات‬ ‫ر ٍ‬
‫سحب‬
‫َ‬ ‫صبي ٍة يرتدون األسمال تَرجُمه بالحجارة‪ ،‬إلى أن‬ ‫يَبصُقون في مشروباته‪ .‬في م َّر ٍة را َحت مجموعة ِ‬
‫سيفه فولُّوا األدبار‪ .‬ثم جا َء موت األُفعوان األحمر ليُل ِهب الدورنيِّين أكثر‪ ،‬مع أن ال َّشوارع هدأَت نوعًا منذ‬
‫حبس األمير دوران أفاعي الرِّمال في بُرج‪ ،‬لكن لو ارتدى معطفه األبيض في مدينة الظِّل على الرغم من‬ ‫َ‬
‫جلب ثالثة معاطف بيضاء معه؛ اثنين من الصُّ وف أحدهما خفيف‬ ‫َ‬ ‫هذا فكأنه يدعوهم للهجوم عليه‪ .‬كان قد‬
‫عار دون واح ٍد يتدلَّى من على كتفيه‪.‬‬ ‫والثَّاني ثقيل‪ ،‬وواحدًا من الحرير النَّاعم‪ ،‬واآلن يحسُّ كأنه ٍ‬
‫زلت حارسًا ملكيًّا‪ ،‬حتى من دون معطفى‪ .‬ال بُ َّد أن تحترم‬ ‫ُ‬ ‫قال لنفسه‪ :‬العُري أفضل من الموت‪ .‬إنني ما‬
‫ُّ‬
‫هذا‪ ،‬ال بُ َّد أن أجعلها تفهم‪ .‬ما كان يَج ُدر به قَط أن يَترُك نفسه يتورَّط‪ ،‬لكن المغنِّي قال إن الحُبَّ قمين‬
‫رجل بالبالهة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫بإصابة أ ِّ‬
‫غالبًا تبدو المدينة الواقعة في ِظ ِّل (صنسپير) مهجورةً في قيظ النَّهار‪ ،‬الفترة التي ال يتحرَّك فيها في‬
‫ال َّشوارع المتربة َّإال ال ُّذباب الطَّنَّان‪ ،‬لكن حالما يأتي المساء تدبُّ الحياة في تلك ال َّشوارع‪ .‬سم َع السير‬
‫مكان ما كانت‬
‫ٍ‬ ‫آريس موسيقى خافتةً تتسرَّب من النَّوافذ المز َّودة بفتحات تهوية وهو يمرُّ أسفلها‪ ،‬وفي‬
‫الحراب السَّريع جاعلةً للَّيل نبضًا‪ .‬حيث تلتقي ثالثة أزقَّة أسفل ثاني‬ ‫ق بإيقاع رقصة ِ‬ ‫الطبول اليدويَّة تُ َد ُّ‬ ‫ُّ‬
‫والزيوت‪ ،‬فألقى نظرةً‬ ‫ُّ‬ ‫األسوار الملتفَّة نادَته إحدى بنات الهوى من ُشرف ٍة وليس على جسدها َّإال الجواهر‬
‫سريعةً عليها ثم ثنى كتفيه وواص َل طريقه متو ِّغ ًال وسط أنياب ال ِّريح‪ .‬نحن معشر الرِّ جال ضعاف‪ .‬حتى‬
‫أنبلنا تخونهم أجسادهم‪ .‬ف َّكر في الملك بيلور المبا َرك الذي اعتا َد الصِّيام إلى َح ِّد السُّقوط مغشيًّا عليه‬
‫مدخل مقنطَر يشوي‬ ‫ٍ‬ ‫رجال قصيرًا واقفًا في‬ ‫ً‬ ‫ليُ َر ِّوض ال َّشهوات التي أخزَته‪ .‬أعليه أن يحذو حذوه؟ رأى‬
‫لقط خشبي بينما تَنضُج‪ ،‬وأدم َعت رائحة صلصات الرَّجل‬ ‫قطعًا من لحم الثَّعابين على مستوقَ ٍد ويُقَلِّبها ب ِم ٍ‬
‫الزعاف‪ ،‬باإلضافة‬ ‫النَّفَّاذة عينَي الفارس‪ ،‬الذي سم َع أن أفضل صلصات الثَّعابين يحتوي على قطر ٍة من ُّ‬
‫إلى بذور الخردل وفلفل التَّنانين‪ .‬استهوى الطَّعام الدورني األميرة مارسال بالسُّرعة نفسها التي استهواها‬
‫بها أميرها الدورني‪ ،‬وبين الحين واآل َخر يُ َج ِّرب السير آريس صنفًا إلرضائها‪ ،‬فيسفع الطَّعام فمه ويجعله‬
‫يشهق طالبًا النَّبيذ‪ ،‬ويحرقه خروجه من جسده أكثر من دخوله‪ ،‬لكن أميرته الصَّغيرة تحبُّه‪.‬‬
‫ب في موا َجهة األمير تريستان‪ ،‬تُ َحرِّك قطعًا من َّمقةً على‬ ‫كان قد تر َكها في مسكنها منحنيةً فوق طاولة لع ٍ‬
‫ت من اليَشب والعقيق األحمر والالزَ َورْ د‪ .‬كانت شفتا مارسال الممتلئتان مفترقتيْن بعض ال َّشيء‪ ،‬وقد‬ ‫خانا ٍ‬
‫س تجاري من‬ ‫ضيَّقت عينيها تركي ًزا‪ .‬اللُّعبة اسمها السايڤاس‪ ،‬ووصلَت إلى (بلدة األخشاب) على قاد ٍ‬
‫(ڤوالنتيس)‪ ،‬فنش َرها األيتام بطول ضفاف (ال َّدم األخضر)‪ ،‬ووق َع البالط الدورني في غرامها‪ .‬أ َّما السير‬
‫آريس فيجدها مثيرةً للجنون‪ ،‬فث َّمة عشر قطع مختلفة‪ ،‬ك ٌّل منها لها خصائصها وقُدراتها‪ ،‬والرُّ قعة تتب َّدل‬
‫الالعبيْن لخاناتهم‪ .‬راقَت اللُّعبة األمير تريستان في الحال‪،‬‬ ‫من مبارا ٍة إلى مبارا ٍة اعتمادًا على ترتيب َّ‬
‫وتعلَّمتها مارسال كي تلعب معه‪ .‬إنها لم تَبلُغ الحادية عشرة بع ُد‪ ،‬وخطيبها في الثَّالثة عشرة‪ ،‬لكن على‬
‫الرغم من هذا بدأت تغلبه أكثر فأكثر في الفترة األخيرة‪ ،‬وال يبدو أن تريستان يُمانِع‪ .‬ال يُمكن أن يبدو‬
‫هذان الطِّفالن أكثر اختالفًا؛ هو ببشرته ال َّزيتونيَّة و َشعره األسود المفرود‪ ،‬وهي ببشرتها ال َّشاحبة كالحليب‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬الفاتح والغامق‪ ،‬كالملكة سرسي والملك روبرت‪ .‬يتمنَّى أن تجد مارسال مس َّرةً أكثر‬ ‫و ُخصالتها َّ‬
‫في صبيِّها الدورني مما وجدَت أ ُّمها في زوجها سيِّد أراضي العواصف‪.‬‬
‫أشع َره تركها بالقلق‪ ،‬مع أن المفت َرض أن تكون آمنةً كفايةً داخل القلعة‪ .‬هناك بابان فقط يقودان إلى مسكن‬
‫مارسال في (بُرج ال َّشمس)‪ ،‬وقد عيَّن السير آريس رجلين على كلٍّ منهما‪ ،‬وكلُّهم من َحرس النستر‪ ،‬رجال‬
‫أتوا معهم من (كينجز الندنج)‪ ،‬وإن كان لهم باع في المعارك‪ ،‬ثم إنهم أوفياء حتى النُّخاع‪ .‬ومع مارسال‬
‫وصيفاتها والسِّپتة إجالنتين أيضًا‪ ،‬واألمير تريستان يُرافِقه حارسه ال َّشخصي السير جاسكوين ابن (ال َّدم‬
‫األخضر)‪ .‬قال لنفسه‪ :‬لن يُز ِعجها أحد‪ ،‬وفي غضون أسبوعين سنكون قد رحلنا إلى األمان‪.‬‬
‫الهرم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هذا ما وعدَه به األمير دوران‪ .‬على الرغم من صدمة آريس لمرأى منظر األمير الدورني العاجز‬
‫أستطع أن أراك‬
‫ِ‬ ‫ك في كلمته‪ ،‬وقد قال له مارتل حين أدخَ لوه ُغرفته ال َّشمسيَّة‪ٌ « :‬‬
‫آسف ألني لم‬ ‫فإنه لم يش َّ‬
‫حتى اآلن أو ألتقي األميرة مارسال‪ ،‬لكني واثق بأن ابنتي آريان احتفَت بوجودك هنا في (دورن) أيها‬
‫الفارس»‪.‬‬
‫أجاب راجيًا َّأال تخونه حُمرة الخجل‪« :‬نعم يا سم َّو األمير»‪.‬‬
‫َ‬
‫ُؤسفنا أنك لم ت َر من (دورن) أكثر من (صنسپير)‪،‬‬ ‫‪« -‬أرضنا قاسية وفقيرة‪ ،‬لكنها ال تخلو من المحاسن‪ .‬ي ِ‬
‫لكني أخشى أن ال أنت وال أميرتك ستكونان آمنيْن خارج هذه األسوار‪ .‬نحن الدورنيُّون قوم حارُّ و الدِّماء‪،‬‬
‫ُفرح قلبي أن أؤ ِّكد لك أن أفاعي ال ِّرمال وحدهن الرَّاغبات في‬ ‫غضبتنا سريعة ومغفرتنا بطيئة‪ .‬كان لي ِ‬
‫الحرب‪ ،‬لكني لن أكذب عليك أيها الفارس‪ .‬لقد سمعت رعاياي في ال َّشوارع يُطالِبونني بأن أحشد ِحرابي‪،‬‬
‫وأخشى أن نِصف لورداتي متَّفقون معهم»‪.‬‬
‫واتَت الفارس الجرأة على أن يسأل‪« :‬وأنت يا سم َّو األمير؟»‪.‬‬
‫زمن طويل‬ ‫ٍ‬ ‫إذا كان السُّؤال الفِجُّ قد أسا َء إلى األمير دوران فقد أخفى مشاعره جيِّدًا وهو يُجيب‪« :‬منذ‬
‫علَّمتني أ ِّمي أن المجانين وحدهم يخوضون حروبًا ال يستطيعون االنتصار فيها‪ ،‬لكن سالمنا هذا هَشٌّ ‪...‬‬
‫هَشٌّ كأميرتك»‪.‬‬
‫‪« -‬ال يُؤذي بنتًا صغيرةً َّإال وحش»‪.‬‬
‫قال األمير‪« :‬أختي إليا كانت لها بنت صغيرة اسمها ريينس‪ ،‬وكانت أميرةً أيضًا»‪ ،‬وتنهَّد متابعًا‪َ « :‬من‬
‫يرغبون في طعن األميرة مارسال بالخناجر ال يكنُّون لها ضغينةً ما‪ ،‬تما ًما كالسير آموري لورك عندما‬
‫قت َل ريينس‪ ،‬لو أنه قتلَها حقًّا‪ .‬إنهم يسعون فقط إلى إرغامي على الحرب‪ ،‬فمن سيُ َ‬
‫صدِّق إنكاري إذا قُتِلَت‬
‫مارسال وهي في (دورن) تحت حمايتي؟»‪.‬‬
‫دمت حيًّا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬ال أحد سيمسُّ مارسال بسو ٍء ما‬
‫ُ‬
‫أملت أن يُهَدِّئ‬ ‫رجل واحد أيها الفارس‪ .‬لقد‬
‫ٍ‬ ‫َر َّد دوران مارتل بابتسام ٍة واهية‪« :‬تعهُّد نبيل‪ ،‬لكنك مجرَّد‬
‫حبس بنات أخي العنيدات األمور‪ ،‬لكننا لم نُفلِح َّإال في دفع الصَّراصير إلى االختباء في جحورها‪ .‬ك َّل ليل ٍة‬
‫أسمعها تتها َمس وتشحذ سكاكينها»‪.‬‬
‫يستطع أن‬ ‫ِ‬ ‫لحظتها أدركَ آريس أنه خائف‪ .‬انظُر‪ ،‬يده ترتجف‪ .‬أمير (دورن) مرعوب‪ .‬خذلَه الكالم ولم‬
‫يُ َعلِّق‪.‬‬
‫قال األمير دوران‪« :‬تقبَّل اعتذاري أيها الفارس‪ .‬إنني واهن وفي ص َّح ٍة متدهورة‪ ،‬وأحيانًا‪ ...‬تُت ِعبني‬
‫(صنسپير) بجلبتها وأتربتها وروائحها‪ .‬إنني أنوي العودة إلى (الحدائق المائيَّة) حالما تُتيح لي واجباتي‪،‬‬
‫ووقتها سآخ ُذ األميرة مارسال معي»‪ ،‬وقبل أن يعترض الفارس رف َع األمير يدًا مفاصلها حمراء متورِّمة‪،‬‬
‫وواص َل‪« :‬أنت أيضًا ستذهب‪ ،‬عالوةً على ِسپتتها ووصيفاتها و ُحرَّاسها‪ .‬أسوار (صنسپير) قويَّة‪ ،‬لكن‬
‫أسفلها تقع مدينة الظِّل‪ ،‬وحتى داخل القلعة يجيء المئات ويذهبون بصف ٍة يوميَّة‪.‬‬
‫احتفاال بزواج (دورن) بالعرش‬ ‫ً‬ ‫(الحدائق) مالذي‪ .‬لقد ابتناها األمير مارون كهديَّ ٍة لعروسه ابنة تارجاريَن‬
‫الحديدي‪ .‬الخريف فصل جميل هناك‪ ...‬النَّهارات حارَّة واللَّيالي معتدلة البرودة‪ ،‬والنَّسيم المالح يهبُّ من‬
‫صبيةً وصبايا من أوالد ِعلية القوم‪.‬‬ ‫ً‬
‫أطفاال آخَرين‪ِ ،‬‬ ‫البحر‪ ،‬باإلضافة إلى النَّوافير والمسابح‪ ،‬كما أن هناك‬
‫سيكون لمارسال أصدقاء من ِسنِّها تلعب معهم‪ ،‬لن تَشعُر بالوحدة»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تشاء»‪ .‬دقَّت كلمات األمير في رأسه‪ .‬ستكون آمنةً هناك‪ .‬لماذا إذن أل َّح عليه دوران مارتل َّأال‬
‫يَكتُب ل(كينجز الندنج) بشأن انتقالها؟ األكثر أمنًا لمارسال َّأال يعلم أحد مكانها‪ .‬ووافقَه السير آريس‪ ،‬لكن‬
‫الحرس الملكي‪ ،‬غير أنه رجل واحد فقط رغم ذلك‪ ،‬تما ًما كما قال‬ ‫أكان يملك خيارًا آخَر؟ إنه فارس في َ‬
‫األمير‪.‬‬
‫الزقاق فجأةً على باح ٍة يُنيرها القمر‪ .‬في رسالتها كتبَت‪ :‬بَعد محلِّ صانع ال ُّشموع‪ ،‬ب َّوابة وساللم‬ ‫انفت َح ُّ‬
‫ي أن أطرقه؟‬ ‫ب ال عالمة عليه‪ .‬هل عل َّ‬ ‫خارجيَّة قصيرة‪ .‬دخ َل من الب َّوابة وصع َد ال َّدرجات البالية إلى با ٍ‬
‫سقف واطئ‪ ،‬مضاءة بشمعتين معطَّرتين‬ ‫ٍ‬ ‫بدال من هذا فت َح الباب‪ ،‬ليجد نفسه في ُغرف ٍة واسعة معتمة ذات‬ ‫ً‬
‫الجدار الف َّخاري السَّميك‪ ،‬وتحت ُخفَّيه رأى بُسطًا مايريَّة منقوشةً‪ ،‬ومعلَّقةً على‬ ‫تتذب َذبان في تجويفيْن في ِ‬
‫الحائط‪ ،‬وسريرًا‪.‬‬
‫ت ؟ »‪.‬‬
‫نادى‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬أين أن ِ‬
‫يلتف ثُعبان من َّمق التم َعت حراشفه‬
‫ُّ‬ ‫وخرجت من الظِّ ِّل وراء الباب‪ ،‬على سا ِعدها األيمن‬ ‫َ‬ ‫أجابَت‪« :‬هنا»‪،‬‬
‫والذهبيَّة حين تحرَّكت‪ ،‬وهو كلُّ ما ترتدي‪.‬‬ ‫النُّحاسيَّة َّ‬
‫ي الرَّحيل‪ ،‬لكن عندما رآها تتألَّق في ضوء ال َّشمعتين‬ ‫خبرك بأن عل َّ‬
‫ِ‬ ‫ت َّإال ألُ‬
‫كانت نيَّته أن يقول لها‪ :‬ال‪ ،‬لم آ ِ‬
‫بدا كأنه فق َد القُدرة على النُّطق وأحسَّ ب َحلقه جافًّا كالرِّمال الدورنيَّة‪ .‬صامتًا وقفَ ينهل من مفاتن جسدها؛‬
‫من غور َحلقها‪ ،‬والنَّهديْن المستديريْن ال َّشامخيْن بحلمتيهما ال َّداكنتيْن الكبيرتيْن‪ ،‬واالنحناءات النَّاضرة في‬
‫الخصر وال َوركيْن‪ ...‬وإذا به بوسيل ٍة ما يحتويها وبها تخلع ثيابه‪ ،‬ول َّما بلغَت سُترته التَّحتيَّة أمس َكتها من‬
‫الكتفين وم َّزقت الحرير حتى ُسرَّته‪ ،‬لكن آريس كان قد تجاو َز مرحلة المباالة بالفعل‪ .‬بشرتها ملساء تحت‬
‫أصابعه‪ ،‬دافئة الملمس كالرَّمل في شمس (دورن)‪ .‬رف َع رأسها ووج َد شفتيها‪ ،‬وانفت َح فمها تحت فمه ومألَ‬
‫نهداها كفَّيه‪ ،‬وشع َر بحلمتيها تنتصبان إذ مسَّهما بإبهاميه‪َ .‬شعرها أسود غزير رائحته كزهور األوركيد‪،‬‬
‫رائحة كالتُّربة الخصبة جعلَت انتصابه يكاد ي ِ‬
‫ُوجعه‪.‬‬
‫هم َست المرأة في أُذنه‪« :‬المسني أيها الفارس»‪ ،‬وزحفَت يده على بطنها الصَّغير المستدير إلى البُقعة‬
‫الحُلوة المبتلَّة تحت أيكة ال َّشعر األسود‪ ،‬وتمت َمت هي حين ول َجها بإصبعه‪« :‬نعم‪ ،‬هناك»‪ ،‬وتأ َّوهت‬
‫وسحبَته إلى الفِراش ودف َعته عليه‪« .‬أكثر‪ ،‬أوه‪ ،‬أكثر‪ ،‬نعم‪ ،‬جميل‪ ،‬فارسي‪ ،‬فارسي‪ ،‬فارسي األبيض‬
‫الجميل‪ ،‬نعم‪ ،‬أنت‪ ،‬أنت‪ ،‬أريدك أنت»‪ .‬قادَته يداها إلى داخلها‪ ،‬ثم ط َّوقتا ظَهره مقرِّبتيْن إياه أكثر‪،‬‬
‫وهم َست‪« :‬أعمق‪ ،‬نعم‪ ،‬أوه»‪ .‬حين لفَّت ساقيها حوله شع َر بق َّوتهما التي تُداني الفوالذ‪ ،‬وخد َشت أظفارها‬
‫ظهرها تحته‪ ،‬وبينما فعلَت هذا وجدَت‬ ‫ظَهره وهو يغوص فيها م َّرةً وم َّرةً وم َّرةً‪ ،‬إلى أن صرخَ ت وق َّوست َ‬
‫لذته في داخلها‪ .‬قال الفارس لنفسه‪ :‬يُمكنني أن أموت سعيدًا‬ ‫صتهما إلى أن أفر َغ َّ‬ ‫أصابعها حلمتيه وقر َ‬
‫اآلن‪ ،‬ولفتر ٍة قصيرة أحسَّ بالسَّكينة‪.‬‬
‫ولم يَ ُمت‪.‬‬
‫الذنب والخزي من‬ ‫رغبته كانت عميقةً ال متناهية كالبحار‪ ،‬لكن مع مجيء ال َجزر ارتف َعت صخور َّ‬
‫األعماق بح َّدتها المعهودة‪ .‬أحيانًا تُ َغطِّيها األمواج‪ ،‬لكنها باقية تحت الماء‪ ،‬قاسية‪ ،‬سوداء‪ ،‬زلِقة‪ .‬سأ َل نفسه‪:‬‬
‫إنني فارس في ال َحرس الملكي‪ .‬ما هذا الذي أفعله؟ تدحر َج من فوقها ليتم َّدد مح ِّدقًا إلى السَّقف الذي يمت ُّد‬
‫حائط إلى حائط‪ .‬لم يلحظ هذا من قبل‪ِ ،‬مثلما لم يلحظ المشهد المرسوم على المعلَّقة‬ ‫ٍ‬ ‫صدع كبير فيه من‬
‫ُ‬
‫رأيت‬ ‫ص ِّور نايميريا وسُفنها العشرة آالف‪ .‬لم أكن أرى َّإالها‪ .‬لو أن تنِّينًا أدخ َل رأسه من النَّافذة لما‬
‫الذي يُ َ‬
‫َّإال ثدييها ووجهها وبسمتها‪.‬‬
‫غمغ َمت وهي تُريح رأسها على ُعنقه‪« :‬هناك نبيذ»‪ ،‬ووض َعت يدها على صدره سائلةً‪« :‬أأنت‬
‫عطشان؟»‪.‬‬
‫قال‪« :‬ال»‪ ،‬واعتد َل جالسًا على حافة الفِراش‪ .‬ال ُغرفة ساخنة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا يرتجف‪.‬‬
‫‪« -‬إنك تنزف‪ ،‬خدشتك بق َّوة»‪.‬‬
‫ونهض عاريًا وقال‪« :‬ال‪ ،‬كفى»‪.‬‬
‫َ‬ ‫جفل كأن أصابعها مشتعلة نارًا‪،‬‬
‫حين مسَّت يده َ‬
‫‪« -‬معي بلسم للخدوش»‪.‬‬
‫لكن ال بلسم لعاري‪« .‬الخدوش ال شيء‪ .‬سا ِمحيني يا سيِّدتي‪ ،‬يجب أن أذهب‪.»...‬‬
‫‪« -‬بهذه السُّرعة؟»‪ .‬لها صوت مبحوح رخيم‪ ،‬وفم واسع مخلوق للهمس‪ ،‬وشفتان ممتلئتان يانعتان‬
‫جاهزتان دو ًما للقُبالت‪ ،‬وينسدل َشعرها الفاحم الكثيف على كتفيها العاريتين إلى ق َّمتي نهديها العامريْن‬
‫ق معي اللَّيلة أيها‬
‫ت طبيعيَّة ناعمة‪ ،‬وحتى ال َّشعر على جبل زهرتها ناعم مجعَّد‪« .‬اب َ‬ ‫متج ِّعدًا في حُليقا ٍ‬
‫الفارس‪ .‬ما زالَت عندي أشياء كثيرة أعلِّمك إياها»‪.‬‬
‫منك الكثير بالفعل»‪.‬‬
‫مت ِ‬ ‫‪« -‬تعلَّ ُ‬
‫‪« -‬بدوت مسرورًا كفايةً بال ُّدروس في حينها أيها الفارس‪ .‬أأنت واثق بأنك لست ذاهبًا إلى فِرا ٍ‬
‫ش آ َخر‬
‫عار‪ ،‬س ِّكين في موا َجهة س ِّكين»‪ ،‬وابتس َمت‬‫ٍ‬ ‫بصدر‬
‫ٍ‬ ‫وامرأ ٍة أخرى؟ قُل لي َمن هي‪ .‬سأقاتلها من أجلك‬
‫مردفةً‪« :‬ما لم تكن من أفاعي ال ِّرمال‪ .‬إذا كانت كذلك فيُمكننا أن نتقا َسمك‪ .‬إنني أحبُّ بنات ع ِّمي كثيرًا»‪.‬‬
‫‪« -‬تعلمين أن ال امرأة أخرى لي‪ .‬هناك فقط‪ ...‬الواجب»‪.‬‬
‫استندَت على ِمرفقها لترفع بصرها إليه فتَبرُق عيناها السَّوداوان الواسعتان في ضوء ال َّشمعتين‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫«تلك الحقيرة المجدورة؟ إنني أعرفها؛ جافَّة كالتُّراب بين السَّاقين وتُريق قُبالتها دماءك‪ .‬دَع الواجب ينام‬
‫ق معي اللَّيلة»‪.‬‬
‫وحده هذه المرَّة واب َ‬
‫‪« -‬مكاني في القصر»‪.‬‬
‫أظن أنك تحبُّها أكثر مما تحبُّني‪ .‬الفتاة صغيرة للغاية عليك‪.‬‬‫تنهَّدت معقِّبةً‪« :‬مع أميرتك‪ .‬ستُثير غيرتي‪ُّ .‬‬
‫إنك في حاج ٍة إلى امرأة ال فتاة صغيرة‪ ،‬لكن أستطي ُع أن ألعب دور البريئة إذا كان هذا يُثيرك»‪.‬‬
‫بك أن تقولي تلك األشياء»‪ .‬تذ َّكر أنها دورنيَّة‪ .‬في (المرعى) يقولون إن الطَّعام هو ما يجعل‬‫‪« -‬ال يَج ُدر ِ‬
‫ت خليعات‪ .‬الفلفل الحرِّيف والبهارات الغريبة تُحمي الدِّماء‪ .‬ال‬ ‫الدورنيِّين حا ِّري المزاج ونساءهم ضاريا ٍ‬
‫ُنجب ابنةً أو يتَّخذ لنفسه زوجةً‪،‬‬
‫تستطيع أن تمنع نفسها‪« .‬إنني أحبُّ مارسال كأنها ابنتي»‪ .‬ال يُمكنه أن ي ِ‬
‫وبدال من هذا عنده معطف أبيض ناصع‪« .‬نحن ذاهبون إلى (الحدائق المائيَّة)»‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪« -‬في النِّهاية‪ ،‬مع أن ك َّل شي ٍء يستغرق أربعة أضعاف الوقت المفت َرض مع أبي‪ .‬إذا قال إنه ينوي أن‬
‫يُغا ِدر غدًا فاألكيد أنكم لن تتحرَّكوا قبل أسبوعين كاملين‪.‬‬
‫ستَشعُر بالوحدة في (الحدائق)‪ ،‬أؤ ِّك ُد لك‪ .‬وأين الفارس الباسل ال َّشاب الذي قال إنه يتمنَّى أن يقضي بقيَّة‬
‫حياته بين ذراعَي»‪.‬‬
‫قلت هذا»‪.‬‬ ‫كنت ً‬
‫ثمال عندما ُ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫‪« -‬لم تشرب َّإال ثالثة أكواب من النَّبيذ المخفَّف بالماء»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ارتديت المعطف األبيض‪ .‬لم‬ ‫بك‪ .‬لقد مرَّت عشرة أعوام منذ‪ ...‬إنني لم ألمس امرأةً ِ‬
‫قبلك منذ‬ ‫ثمال ِ‬‫كنت ً‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫ط معنى الحُب‪ ،‬لكني اآلن‪ ...‬خائف»‪.‬‬ ‫أعرف قَ ُّ‬
‫‪« -‬وما الذي يُخيف فارسي األبيض؟»‪.‬‬
‫أخاف على َشرفي و َش ِ‬
‫رفك»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫قالت‪« :‬يُمكنني أن أعتني ب َشرفي»‪ ،‬ومسَّت ثديها بإصبعها مد ِّورةً إياه ببُط ٍء حول حلمتها‪ ،‬وأضافَت‪« :‬وأن‬
‫أعتني َّ‬
‫بلذتي أيضًا إذا لز َم األمر‪ .‬إنني امرأة بالغة»‪.‬‬
‫هي كذلك دون شك‪ .‬رؤيتها هكذا على الفِراش المحش ِّو بال ِّريش‪ ،‬تبتسم تلك االبتسامة الخبيثة وتعبث‬
‫بثديها‪ ...‬أهناك امرأة في العالم لها هاتان الحلمتان الكبيرتان وسُرعة استجابتهما؟ بالكاد يستطيع النَّظر‬
‫َّ‬
‫وتبتال وتلتمعا‪...‬‬ ‫إليهما دون أن يرغب في اإلمساك بهما وأخذهما في فمه إلى أن تنتصبا‬
‫أشا َح بنظره‪ .‬كانت ثيابه ال َّداخليَّة ملقاةً على األرض‪ ،‬وانحنى الفارس يلتقطها‪.‬‬
‫ي‪ .‬أينبغي أن تستعجل ارتداء ثيابك هكذا أيها‬ ‫أظن أنهما تُ َحبِّذان التَّمليس عل َّ‬
‫ُّ‬ ‫قالت‪« :‬يداك ترتعشان‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال وامرأةً‪ ،‬حبيبيْن‪،‬‬ ‫الفارس؟ إنني أفضِّلك كما أنت‪ .‬في الفِراش دون مالبس نكون في أصدق حاالتنا‪،‬‬
‫جسدًا واحدًا‪ ،‬أقرب ما يُمكن الثنين أن يكونا‪ .‬أوث ُر أن أكون لح ًما ود ًما على الحرير والجواهر‪ ،‬وأنت‪...‬‬
‫أنت لست معطفك األبيض أيها الفارس»‪.‬‬
‫صالحك عالوةً على صالحي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال السير آريس‪« :‬لكني كذلك‪ ،‬أنا معطفي‪ ،‬وما بيننا ال بُ َّد أن ينتهي‪ ،‬ألجل‬
‫إذا افتض َح أمرنا‪.»...‬‬
‫‪« -‬سيع ُّدك النَّاس محظوظًا»‪.‬‬
‫رفك؟»‪.‬‬ ‫أبوك وحكى له كيف ل َّو ُ‬
‫ثت َش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذهب أحدهم إلى‬
‫َ‬ ‫‪« -‬سيع ُّدني النَّاس ناقضًا للعهد‪ .‬ماذا لو‬
‫ط إنه أحمق‪ .‬نغل (عطيَّة اآللهة) فَضَّ بكارتي حين كان‬ ‫‪« -‬ألبي خصال سيِّئة كثيرة‪ ،‬لكن أحدًا لم يقل قَ ُّ‬
‫كالنا في الرَّابعة عشرة‪ .‬هل تعلم ما فعلَه أبي عندما سم َع؟»‪ ،‬وض َّمت األغطية في قبضتها وسحبَتها تحت‬
‫ذقنها لتُواري ُعريها‪ ،‬وتاب َعت‪« :‬ال شيء‪ .‬أبي بارع للغاية في فِعل الال شيء‪ ،‬ويُ َس ِّمي هذا تفكيرًا‪ .‬اص ِدقني‬
‫القول أيها الفارس‪ ،‬هل يُقلِقك تلويث َشرفي حقًّا أم َشرفك أنت؟»‪.‬‬
‫َر َّد وقد أل َمه اتِّهامها‪« :‬كالهما‪ ،‬ولذا يجب أن تكون هذه مرَّتنا األخيرة»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما قلته من قبل»‪.‬‬
‫وإال لما ُ‬
‫كنت هنا اآلن‪ .‬ال يُمكنه أن يُخبِرها بهذا ألنها من النِّساء الالئي‬ ‫قلته وعنيته أيضًا‪ ،‬لكني ضعيف‪َّ ،‬‬
‫يحتقرن الضَّعف كما يُ َؤ ِّكد له إحساسه‪ .‬فيها من ع ِّمها أكثر من أبيها‪ .‬التفتَ عنها ووج َد سُترته الحرير‬
‫المخطَّطة تحت ُكرسي‪ ،‬السُّترة التي م َّزقتها حتى ال ُّسرَّة عندما أنزلَتها على ذراعيه‪ .‬قال متذ ِّمرًا‪« :‬إنها‬
‫تالفة‪ .‬كيف أرتديها اآلن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بالعكس‪ .‬لن يرى أحد المزق بمجرَّد أن ترتدي معطفك‪ .‬ربما ترتقها لك أميرتك الصَّغيرة‪ ،‬أم أن عل َّي‬
‫أن أرسل واحدةً جديدةً إلى (الحدائق المائيَّة)؟»‪.‬‬
‫وشعر‬
‫َ‬ ‫نفض السُّترة وارتداها بالعكس‪،‬‬
‫َ‬ ‫ي هدايا»‪ .‬لن يتسبَّب ذلك َّإال في لفت االنتباه‪.‬‬ ‫‪« -‬ال تُرسلي لي أ َّ‬
‫بحريرها باردًا على ِجلده‪ ،‬وإن التصقَت بظَهره حيث خد َشته‪ ،‬لكنها ستكفي إلعادته إلى القصر على‬
‫األقل‪« .‬ال أري ُد َّإال أن أنهي هذه ال‪ ...‬ال‪.»...‬‬
‫ُ‬
‫وبدأت ُّ‬
‫أظن أن ك َّل كالمك عن الحُبِّ كان كذبًا»‪.‬‬ ‫‪« -‬أهذه شهامة أيها الفارس؟ إنك تُؤلِمني‪،‬‬
‫عليك أبدًا‪ .‬قال السير آريس شاعرًا كأنها صف َعته‪« :‬إن لم يكن من أجل الحُبِّ فلِ َم‬
‫ِ‬ ‫ليس بمقدوري أن أكذب‬
‫حلمت به في حياتي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫معك‪ ...‬أكا ُد ال أقوى على التَّفكير‪ِ .‬‬
‫إنك كلُّ ما‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أكون‬ ‫تخلَّ ُ‬
‫يت عن َشرفي ب ُر َّمته؟ حين‬
‫ولكن‪.»...‬‬
‫‪« -‬الكالم هواء‪ .‬إذا كنت تحبُّني فال تَترُكني»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أقسمت‪.»...‬‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫ُ‬
‫شربت شاي القمر‪ ،‬وأنت تعلم أنني ال أستطي ُع أن أتز َّوجك»‪،‬‬ ‫ً‬
‫أطفاال‪ .‬طيِّب‪ ،‬لقد‬ ‫‪َّ « -‬أال تتز َّوج أو تُ ِ‬
‫نجب‬
‫ً‬
‫خليال لي»‪.‬‬ ‫وابتس َمت مردفةً‪« :‬وإن كان يُمكنني أن أقتنع بأن أحتفظ بك‬
‫‪« -‬اآلن تسخرين مني»‪.‬‬
‫‪ً «-‬‬
‫قليال ربما‪ .‬أتحسب أنك الحارس الملكي الوحيد الذي أحبَّ امرأةً؟»‪.‬‬
‫أق َّر مجيبًا‪« :‬لطالما ُو ِج َد رجال كان أسهل عليهم أن يحلفوا األيمان من أن يحفظوها»‪ .‬السير بوروس‬
‫بالونت ليس غريبًا على (شارع الحرير)‪ ،‬والسير پرستون جرينفيلد اعتا َد أن يزور منزل تاجر أجواخ‬
‫ً‬
‫وبدال‬ ‫صاحبه‪ ،‬لكن آريس يَرفُض أن يُخزي إخوته المحلَّفين بالحديث عن تلك النَّقائص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫غاب‬
‫َ‬ ‫معيَّن كلَّما‬
‫ض ِبطَ في الفِراش مع عشيقة مليكه‪ .‬أقس َم إنه حُب‪ ،‬لكنه كلَّفه حياته‬
‫من هذا قال‪« :‬السير تيرانس توين ُ‬
‫س عرفَه العالم»‪.‬‬
‫وجلب انهيار عائلته وموت أنبل فار ٍ‬
‫َ‬ ‫وحياتها‪،‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬وماذا عن لوكامور ال َّشهواني وزوجاته الثَّالث وأطفاله الستَّة عشر؟ تلك األغنية تُ ِ‬
‫ضحكني‬
‫دو ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬الحقيقة ليست بهذه الطَّرافة‪ .‬لم يكن يُ َس َّمى لوكامور ال َّشهواني وهو حي‪ ،‬بل كان اسمه لوكامور‬
‫سترونج‪ ،‬وحياته كلُّها كانت كذبةً‪ .‬حين اكتُ ِشفَ خداعه خصاه إخوته المحلَّفون وأرسلَه الملك العجوز إلى‬
‫ك أولئك األطفال الستَّة عشر لدموعهم‪ .‬لم يكن فارسًا حقيقيًّا‪ ،‬تما ًما ِمثل تيرانس توين‪.»...‬‬ ‫الجدار)‪ ،‬وتُ ِر َ‬
‫( ِ‬
‫س عرفه‬ ‫أزاحت األغطية جانبًا وأنزلَت قدميها على األرض قائلةً‪« :‬والفارس التنِّين؟ تقول إنه أنبل فار ٍ‬ ‫َ‬
‫العالم‪ ،‬ومع ذلك أخ َذ مليكته إلى الفِراش وحبلَت منه»‪.‬‬
‫َر َّد شاعرًا باإلهانة‪« :‬لن أصدِّق ذلك‪ .‬حكاية خيانة األمير إيمون والملكة نييرس ليست أكثر من حكاية‪،‬‬
‫داع»‪،‬‬‫كذبة قالها أخوه عندما أرا َد أن يُزيح ابنه ال َّشرعي محاباةً لنغله‪ .‬إجون لم يُلَقَّب بغير الجدير بال ٍ‬
‫طه حول خصره‪ ،‬ورغم أنه يبدو غريب المنظر وهو يُحيط بال ُّسترة الدورنيَّة‬ ‫ووج َد حزام سيفه ورب َ‬
‫الحرير فقد ذ َّكره ثقل السَّيف الطَّويل والخنجر المألوف بهويَّته‪ ،‬فأعلنَ ‪« :‬لن أجعل النَّاس يتذ َّكرونني‬
‫باعتباري السير آريس غير الجدير‪ ،‬لن أل ِّوث معطفي»‪.‬‬
‫ً‬
‫مماثال‪ .‬لقد ماتَ وأنا‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬ذلك المعطف األبيض األنيق‪ .‬إنك تنسى أن ع ِّمي الكبير ارتدى معطفًا‬
‫ً‬
‫طويال كالبُرج‪ ،‬واعتا َد أن يُدَغ ِدغني حتى تنقطع أنفاسي من الضَّحك»‪.‬‬ ‫صغيرة‪ ،‬لكني أذكره‪ .‬كان‬
‫‪« -‬لم أتشرَّف بمعرفة األمير ليوين‪ ،‬لكن الجميع متَّفقون على أنه كان فارسًا عظي ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬فارسًا عظي ًما له خليلة‪ .‬إنها عجوز اآلن‪ ،‬لكن النَّاس يقولون إنها كانت ذات َج ٍ‬
‫مال نادر في شبابها»‪.‬‬
‫األمير ليوين؟ تلك الحكاية لم يسمعها السير آريس‪ ،‬وقد صد َمته حقًّا‪ .‬خيانة تيرانس توين وخداع لوكامور‬
‫ال َّشهواني مد َّونان في (الكتاب األبيض)‪ ،‬لكن ليست هناك إشارة على اإلطالق المرأ ٍة في صفحة ليوين‬
‫مارتل‪.‬‬
‫واصلَت‪« :‬اعتا َد ع ِّمي أن يُ َر ِّدد دو ًما أن السَّيف في يد الرَّجل هو ما يُ َحدِّد قيمته‪ ،‬وليس الذي بين ساقيه‪،‬‬
‫الورع هذا عن المعاطف المل َّوثة‪ .‬حبُّنا ليس ما ل َّوث َشرفك‪ ،‬بل الوحوش الذين خدمتهم‬ ‫ِ‬ ‫فأعفني من كالمك‬
‫والحيوانات الذين دعوتهم بإخوتك»‪.‬‬
‫طعنَته كلماتها على مقرب ٍة شديدة من الجرح‪ ،‬فقال‪« :‬روبرت لم يكن وح ًشا»‪.‬‬
‫أعترف بأنه لم يكن كچوفري»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد ارتقى عرشه على جُثث األطفال‪ ،‬وإن ُ‬
‫كنت‬
‫طويال وقويًّا بالنِّسبة إلى ِسنِّه‪َّ ،‬إال أن هذا كلُّ ما يُمكن أن يُقال عنه من خير‪ .‬ما‬
‫ً‬ ‫چوفري‪ .‬كان فتى وسي ًما‪،‬‬
‫رب فيها ابنة ستارك المسكينة بأمر الصَّبي‪ ،‬وحين‬ ‫ُخجل السير آريس أن يتذ َّكر المرَّات التي ض َ‬ ‫زا َل ي ِ‬
‫للذهاب مع مارسال إلى (دورن) أشع َل شمعةً ل(ال ُمحارب) ُشكرًا‪« .‬چوفري ماتَ ‪،‬‬ ‫اختا َره تيريون َّ‬
‫ط‪« .‬تومن الملك اآلن‪ ،‬وتومن ليس‬ ‫ال ِعفريت س َّممه»‪ .‬لم يكن يخال القزم قادرًا على جريم ٍة منكرة كهذه قَ ُّ‬
‫كأخيه»‪.‬‬
‫‪« -‬وليس كأخته»‪.‬‬
‫آخر م َّر ٍة رآه السير آريس‬
‫ما تقوله صحيح‪ .‬تومن رجل صغير طيِّب القلب يبذل أقصى جهده دائ ًما‪ ،‬لكن ِ‬
‫كان الصَّبي يبكي على رصيف الميناء‪ ،‬في حين لم تذرف مارسال ولو دمعةً‪ ،‬مع أنها هي التي كانت‬
‫برم ِحلفًا بعُذريَّتها‪ .‬الحقيقة أن األميرة أشجع من أخيها‪ ،‬وأذكى وأكثر ثقةً بنفسها‬
‫مغادرةً بيتها وأهلها لتُ ِ‬
‫كذلك‪ ،‬وبديهتها أسرع ومجا َمالتها أفضل تهذيبًا‪ ،‬وما من شي ٍء يُر ِهبها أبدًا‪ ،‬حتى چوفري نفسه‪ .‬النِّساء‬
‫هن األقوى حقًّا‪ .‬لحظتها لم يكن يُفَ ِّكر في مارسال وحدها‪ ،‬بل في أ ِّمها وأ ِّمه أيضًا‪ ،‬وفي ملكة األشواك‬
‫وأفاعي ال ِّرمال بنات األُفعوان األحمر الحسناوات المميتات‪ ...‬وفي األميرة آريان مارتل‪ ،‬فيها تحديدًا‪ .‬قال‬
‫ت أجش‪« :‬لن أقول إنك مخطئة»‪.‬‬ ‫بصو ٍ‬
‫‪« -‬لن تقول؟ وال يُمكنك أن تقول! مارسال تَصلُح للحُكم أكثر من‪.»...‬‬
‫‪« -‬االبن يسبق االبنة»‪.‬‬
‫ي أن أتخلَّى عن حقوقي ألخ َوي؟»‪.‬‬ ‫فرض هذا؟ إنني وريثة أبي‪ ،‬فهل عل َّ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬لماذا؟! َمن اإلله الذي‬
‫‪« -‬إنك تلوين كالمي‪ .‬لم أقل إطالقًا‪( ...‬دورن) تختلِف‪ .‬لم تكن ل(الممالك السَّبع) ملكة حاكمة قَ ُّ‬
‫ط»‪.‬‬
‫‪« -‬ڤسيرس األول انتوى أن تخلفه ابنته رينيرا‪ ،‬هل تُن ِكر هذا؟ لكن بينما يُحت َ‬
‫ضر الملك قرَّر قائد َحرسه‬
‫الملكي أن يكون األمر غير هذا»‪.‬‬
‫السير كريستون كول‪ .‬كريستون صانع الملوك وض َع األخ في موا َجهة أخيه وجع َل َحرس الملك ينقسمون‬
‫على أنفسهم‪ ،‬لتنشب الحرب الرَّهيبة التي يُ َس ِّميها المغنُّون رقصة التَّنانين‪ .‬بعضهم يَز ُعم أنه تصرَّف بدافع‬
‫الطموح‪ ،‬ألن األمير إجون كان أسهل انقيا ًدا من أخته األكبر العنيدة‪ ،‬في حين يتذرَّع له غيرهم بدوافع‬ ‫ُّ‬
‫ُحاولون أن يُبَر ِهنوا على أنه كان يُدافع عن التَّقاليد األنداليَّة القديمة‪ ،‬وث َّمة قالئل يقولون همسًا‬ ‫أكثر نُ ً‬
‫بال‪ ،‬وي ِ‬
‫إن السير كريستون كان عشيق األميرة رينيرا قبل أن يرتدي المعطف األبيض وأرا َد أن ينتقم من المرأة‬
‫جلب أ ًذى شنيعًا على البالد ودف َع الثَّمن غاليًا‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬
‫َ‬ ‫التي نب َذته‪ .‬قال السير آريس‪« :‬صانع الملوك‬
‫‪« -‬ولكن ربما أرسلَتك اآللهة السَّبعة إلى هنا كي يعدل فارس أبيض ما ميَّله فارس أبيض آخَر‪ .‬إنك تعلم‬
‫أن أبي ينوي أن يأخذ مارسال معه حينما يعود إلى (الحدائق المائيَّة)‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليحميها م َّمن يُريدون إيذاءها»‪.‬‬
‫قالت‪« :‬ال‪ ،‬بل ليُب ِعدها ع َّمن يُريدون تتويجها‪ .‬كان األمير أوبرين األُفعوان ليضع التَّاج على رأسها بنفسه‬
‫ضت متابعةً‪« :‬تقول إنك تحبُّ الفتاة كما لو أنك تحبُّ ابنةً من‬‫عاش‪ ،‬لكن أبي يفتقر إلى ال َّشجاعة»‪ ،‬ونه َ‬
‫َ‬ ‫لو‬
‫دمك‪ ،‬فهل تسمح بأن تُسلَب ابنتك حقوقها وتُس َجن؟»‪.‬‬
‫بضعف‪(« :‬الحدائق المائيَّة) ليست سجنًا»‪.‬‬‫َر َّد محت ًّجا َ‬
‫‪« -‬ألن ال سجن فيه نوافير وأشجار تين‪ ،‬أهذا ما تعتقده؟ لكن بمجرَّد أن تصل الفتاة فلن يُس َمح لها أو لك‬
‫بالمغادَرة‪ .‬هوتا سيحرص على ذلك‪ .‬أنت ال تعرفه ِمثلي‪.‬‬
‫إنه رهيب عندما يُستَثار»‪.‬‬
‫بانزعاج بالغ‪ .‬يقولون إنه‬
‫ٍ‬ ‫عق َد السير آريس حاجبيه‪ .‬لطالما أشع َره القائد النورڤوشي الضَّخم بوجهه النَّديب‬
‫ينام وتلك الفأس إلى جواره‪« .‬ماذا تُريدينني أن أفعل؟»‪.‬‬
‫ضع التَّاج على رأسها»‪.‬‬
‫احم مارسال بحياتك‪ ،‬دافِع عنها‪ ...‬وعن حقوقها‪َ .‬‬ ‫‪« -‬ليس أكثر مما أقسمت عليه‪ِ .‬‬
‫ُ‬
‫حلفت يمينًا!»‪.‬‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫‪« -‬لچوفري ال لتومن»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكن تومن صب ٌّي طيِّب القلب‪ .‬سيكون مل ًكا أفضل من چوفري»‪.‬‬
‫‪« -‬ولكن ليس أفضل من مارسال‪ .‬إنها تحبُّ الصَّبي أيضًا‪ ،‬وأعل ُم أنها لن تسمح بأن يح َّل به أذى‪.‬‬
‫(ستورمز إند) له شرعًا بما أن اللورد رنلي لم يَترُك وريثًا واللورد ستانيس ح ِ‬
‫ُر َم من أمالكه‪ ،‬وبَعد فتر ٍة‬
‫ستنتقل (كاسترلي روك) إليه أيضًا من خالل أ ِّمه‪ .‬سيكون من أعظم اللوردات في البالد‪ ...‬لكن الواجب أن‬
‫تجلس مارسال على العرش الحديدي»‪.‬‬
‫‪« -‬القانون‪ ...‬ال أدري‪.»...‬‬
‫قالت‪« :‬أنا أدري»‪ ،‬ووقفَت أمامه لتَسقُط ُخصالت َشعرها السَّوداء الطَّويلة حتى أسفل ظَهرها‪ ،‬وواصلَت‪:‬‬
‫«إجون التنِّين أنشأ َ ال َحرس الملكي وأيمانه‪ ،‬لكن ما فعلَه ملك يستطيع آخَر أن يعكسه‪ ،‬أو يُ َغيِّره‪ .‬في السَّابق‬
‫الحرس الملكي يخدمون مدى الحياة‪ ،‬لكن چوفري صرفَ السير باريستان ليُ َوفِّر معطفًا لكلبه‪.‬‬ ‫كان رجال َ‬
‫ستُريدك مارسال أن تكون سعيدًا‪ ،‬كما أنها مولعة بي أيضًا‪ ،‬وستُعطينا اإلذن في ال َّزواج إذا طلبنا»‪،‬‬
‫وأراحت وجهها على صدره فبل َغ رأسها أسفل ذقنه‪ ،‬وأضافَت‪« :‬يُمكنك أن‬ ‫َ‬ ‫ووض َعت آريان ذراعيها حوله‬
‫آن واحد إن كان هذا ما تُريده»‪.‬‬
‫تحظى بي وبمعطفك األبيض في ٍ‬
‫إنها تُ َم ِّزقني إربًا‪« .‬تعرفين أنني أريده‪ ،‬لكن‪.»...‬‬
‫قالت بصوتها المبحوح‪« :‬أنا أميرة دورنيَّة‪ ،‬وال يليق أن تجعلني أتو َّس ُل»‪.‬‬
‫اشت َّم السير آريس العطر في َشعرها وشع َر بنبضات قلبها وهي تضغط جسدها إلى جسده الذي بدأ‬
‫ك أنها‬
‫ك لديه أنها تَشعُر باستجابته أيضًا‪ .‬حين وض َع ذراعيه على كتفيها أدر َ‬‫يستجيب لقُربها منه‪ ،‬وال َش َّ‬
‫ترتجف‪ ،‬فسألَها‪« :‬آريان‪ ،‬أميرتي‪ ،‬ما الخطب يا حبيبتي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أيجب أن أقولها أيها الفارس؟ إنني خائفة‪ .‬تقول إنني حبيبتك‪ ،‬ومع ذلك تَرفُضني وأنا في أمسِّ حاجتي‬
‫س يحميني؟»‪.‬‬ ‫إليك‪ .‬أهي جريمة أن أرغب في فار ٍ‬
‫يحمونك‪ ،‬فلِ َم‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫أبيك‬
‫عندك َحرس ِ‬
‫ِ‬ ‫لم يسمعها تتكلَّم بهذه الهشاشة من قبل قَ ُّ‬
‫ط‪ ،‬فقال‪« :‬ال‪ ،‬لكن‬
‫للحظ ٍة بدَت نبرتها أصغر من نبرة مارسال وهي تقول‪َ « :‬حرس أبي هُم من أخشاهم‪َ ،‬حرس أبي هُم من‬
‫جرُّ وا بنات ع ِّمي مكبَّالت بالسَّالسل»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أن ك َّل سُبل الرَّاحة متاحة لهن»‪.‬‬ ‫‪« -‬لم يكن مكبَّالت‪.‬‬
‫أطلقَت ضحكةً مريرةً‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل رأيتهن؟ أتعلم أنه من َعني من رؤيتهن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كن يتكلَّمن عن الخيانة‪ ،‬يُ َحرِّضن على الحرب‪.»...‬‬
‫‪« -‬لوريزا في السَّادسة ودوريا في الثَّامنة‪ ،‬فما الحروب التي حرَّضتا عليها؟ ورغم ذلك سجنَهما أبي مع‬
‫ظروف أخرى‪ ،‬وأبي لم‬‫ٍ‬ ‫أخواتهما‪ .‬أنت رأيته‪ .‬الخوف يجعل األقوياء يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلوها في‬
‫ط‪ .‬آريس يا قلبي‪ ،‬اسمعني ألجل الحُبِّ الذي تقول إنك تكنُّه لي‪ .‬إنني لم أكن مقدامةً كبنات ع ِّمي‬ ‫يكن قويًّا قَ ُّ‬
‫ط ألنني نبتة بذر ٍة أضعف‪ ،‬لكن تايين وأنا قريبتان في السِّن ومنذ طفولتنا ونحن كأختين‪ .‬ليست هناك‬ ‫قَ ُّ‬
‫ي للسَّبب ذاته‪ ...‬مارسال»‪.‬‬ ‫أسرار بيننا‪ .‬إذا كان يُمكن أن تُس َجن هي فال ِمثل ينطبق عل َّ‬
‫ألبوك أن يفعل ذلك أبدًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ال يُمكن‬
‫حاول تزويجي‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫خرجت إلى هذا العالم دون قضيب‪ .‬ع َّدة مرَّا ٍ‬ ‫‪« -‬أنت ال تعرف أبي‪ .‬إنني أخيِّبُ أمله منذ‬
‫طت أسنانهم‪ ،‬ك ٌّل منهم أوضع من سابِقه‪.‬‬‫بمسنِّين سق َ‬
‫صحي ٌح أنه لم يأمرني بال َّزواج بأيِّهم‪ ،‬لكن العروض وحدها تُثبِت كم يبخس قدري»‪.‬‬
‫ت وريثته»‪.‬‬ ‫‪« -‬ومع ذلك أن ِ‬
‫‪« -‬أأنا وريثته حقًّا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد تر َك ِك تَح ُكمين في (صنسپير) ل َّما أخ َذ نفسه إلى (الحدائق المائيَّة)‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ك السير مانفري ابن ع ِّمه أمينًا للقلعة‪ ،‬وريكاسو العجوز األعمى قهرمانًا‪ ،‬و ُوكالء‬
‫‪« -‬أحك ُم؟ ال‪ ،‬بل تر َ‬
‫أمالكه ليجمعوا الضَّرائب والجمارك لتُحصيها خازنته آليس ليديبرايت‪ ،‬ومف َّوضيه ليكونوا عسس مدينة‬
‫الظِّل‪ ،‬وقُضاته ليُ َح ِّكموا في القضايا‪ ،‬وال ِمايستر مايلز ليتعا َمل مع الرَّسائل التي ال تتطلَّب عناية األمير‪،‬‬
‫وفوقهم جميعًا وض َع األُفعوان األحمر‪ .‬تكليفي أنا كان المآدب والحفالت وضيافة ال َّزائرين عوالي المقام‪.‬‬
‫أوبرين اعتا َد أن يزور (الحدائق المائيَّة) مرَّتين ك َّل أسبوعين‪ ،‬أ َّما أنا فاستدعاني أبي مرَّتين في العام‪ .‬إنني‬
‫لست الوريث الذي أرادَه أبي‪ ،‬وقد جع َل هذا واضحًا‪ .‬قوانيننا تُقَيِّده‪ ،‬لكني أعل ُم أنه يُؤثِر أن يخلفه أخي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخوك؟»‪ ،‬ووض َع يده تحت ذقنها ليرفع رأسها ويَنظُر في عينيها‪ ،‬وقال‪« :‬ال يُعقَل ِ‬
‫أنك‬ ‫ِ‬ ‫ر َّدد السير آريس‪« :‬‬
‫تعنين تريستان‪ .‬إنه مجرَّد صبي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعرف الحقيقة‬ ‫أجابَته بنظر ٍة ال تطرف من عينيها الجريئتيْن كنور ال َّشمس‪« :‬ليس تريس‪ ،‬بل كوينتن‪ .‬إنني‬
‫دخلت فيه ُغرفة أبي ال َّشمسيَّة ألعطيه قُبلة المساء ولم أجده‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت في الرَّابعة عشرة‪ ،‬منذ اليوم الذي‬ ‫ُ‬ ‫منذ‬
‫وجدت إلى جوارها‬ ‫ُ‬ ‫ذهبت أطفئها‬‫ُ‬ ‫ك شمعةً مشتعلةً‪ ،‬وحين‬ ‫معت أن أ ِّمي أرسلَت تَطلُبه‪ .‬كان قد تر َ‬‫الحقًا س ُ‬
‫وكتب فيها أبي لكوينتن أن‬ ‫َ‬ ‫رسالةً غير مكتملة‪ ،‬رسالةً إلى أخي كوينتن الذي كان غائبًا في (يرونوود)‪،‬‬
‫يوم ستجلس حيث أجلسُ وتَح ُكم (دورن)‬ ‫عليه أن يفعل ك َّل ما يُمليه عليه ال ِمايستر وقيِّم السِّالح‪ ،‬ألنك ذات ٍ‬
‫ي العقل والجسد»‪ ،‬وسالَت عبرة على َخ ِّد آريان النَّاعم‪ ،‬وتاب َعت‪« :‬كلمات‬ ‫كلَّها‪ ،‬ويجب أن يكون الحاكم قو َّ‬
‫وليالي كثيرةً بَعدها»‪.‬‬
‫َ‬ ‫بكيت حتى غلبَني النَّوم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ط يده‪ .‬لقد وس َمت نفسها في ذاكرتي‪ .‬ليلتها‬ ‫أبي المكتوبة ب َخ ِّ‬
‫ق السير آريس كوينتن مارتل بع ُد‪ ،‬فالصَّبي ربيب اللورد يرونوود منذ نعومة أظفاره‪ ،‬وخد َمه‬ ‫لم يلت ِ‬
‫ُ‬
‫ألردت أن‬ ‫ُ‬
‫كنت أبًا‬ ‫كوصيف ثم ك ُمرافق‪ ،‬بل وحبَّذ أن يُقَلِّده الفُروسيَّة على األُفعوان األحمر‪ .‬ف َّكر‪ :‬لو‬ ‫ٍ‬
‫يخلفني ابني أيضًا‪ ،‬لكنه سم َع األلم في صوتها ويعلم أنه سيفقدها إذا با َح لها بما يُفَ ِّكر فيه‪ .‬هكذا قال‪« :‬ربما‬
‫أخاك على االجتهاد أكثر فحسب»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت طفلةً‪ ،‬وربما قال األمير هذا ليُ َشجِّ ع‬‫ت الفهم‪ .‬لقد كن ِ‬ ‫أسأ ِ‬
‫‪ُّ « -‬‬
‫أتظن هذا؟ أخبِرني إذن‪ ،‬أين كوينتن اآلن؟»‪.‬‬
‫أخبره به أمين‬
‫َ‬ ‫أجاب السير آريس بحذر‪« :‬األمير مع جيش اللورد يرونوود في (طريق العظام)»‪ .‬هذا ما‬ ‫َ‬
‫قلعة (صنسپير) ال َّشيخ لدى وصوله إلى (دورن)‪ ،‬وال ِمايستر ذو اللِّحية الملساء قال الكالم نفسه‪.‬‬
‫على أن آريان خالفَته قائلةً‪« :‬هذا ما يُريد أبي أن نعتقده‪ ،‬لكن لي أصدقا ًء يُخبِرونني بأشياء مختلفة‪ .‬أخي‬
‫عب َر (البحر الضيِّق) في ال ِّس ِّر متن ِّكرًا في هيئة تاجر تقليدي‪ ،‬فلِ َم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬وما أدراني؟ قد يكون هناك مئة سبب»‪.‬‬
‫درك أن الجماعة َّ‬
‫الذهبيَّة فسخَ ت عقدها مع (مير)؟»‪.‬‬ ‫‪« -‬أو سبب واحد‪ .‬هل تُ ِ‬
‫المرتزقة يفسخون العقود طوال الوقت»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫‪« -‬ليس الجماعة َّ‬
‫الذهبيَّة‪ .‬كلمتنا من ذهب‪ .‬هكذا يتباهون منذ أيام الفوالذ األليم‪( .‬مير) على شفا الحرب مع‬
‫(لِيس) و(تايروش)‪ ،‬فلِ َم يفسخون عقدًا يعدهم باألجر الوافر والغنائم الجزيلة؟»‪.‬‬
‫ضت عليهم (لِيس) أو (تايروش) أجرًا أكبر»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما عر َ‬
‫ق أن تفعل هذا أيُّ جماع ٍة ُحرَّة أخرى‪ ،‬فمعظمها يُبَدِّل والءه ولو مقابل نِصف جروت‬ ‫قالت‪« :‬ال‪ .‬أص ِّد ُ‬
‫إضافي‪ ،‬لكن الجماعة َّ‬
‫الذهبيَّة مختلفة‪ .‬إنها أخ َّوة من المنفيِّين وأبناء المنفيِّين يُ َوحِّ دها حُلم الفوالذ األليم‪،‬‬
‫ركب أسالفه مع الفوالذ‬
‫َ‬ ‫الذهب‪ ،‬واللورد يرونوود يعلم هذا ِمثلي تما ًما‪ .‬لقد‬ ‫يُريدون الوطن بقدر ما يُريدون َّ‬
‫ث من ثورات بالكفاير»‪ ،‬وأمس َكت يد السير آريس وشبَّكت أصابعها في أصابعه مردفةً‪:‬‬ ‫األليم في ثال ٍ‬
‫«هل رأيت رمز آل توالند أوالد (تَل األشباح)؟»‪.‬‬
‫ف َّكر لحظةً‪ ،‬ثم قال‪« :‬تنِّين يلتهم ذيله؟»‪.‬‬
‫‪« -‬التنِّين هو ال َّزمن‪ ،‬بال بداي ٍة أو نهاية‪ ،‬وهكذا تتكرَّر الحوادث كلُّها‪ .‬آندرز يرونوود هو كريستون كول‬
‫قائال إن األجدر به هو أن يخلف أبي في الحُكم‪ ،‬إنه ليس من‬ ‫وقد ُولِ َد ثانيةً‪ .‬إنه يهمس في أُذن أخي ً‬
‫الصَّواب أن يركع الرِّ جال للنِّساء‪ ...‬إن آريان على وجه الخصوص ال تَصلُح حاكمةً لكونها عنيدةً لعوبًا»‪،‬‬
‫وألقَت آريان َشعرها إلى الوراء بتح ٍّد مضيفةً‪« :‬إذن فأميرتاك مشتركتان في قضيَّ ٍة واحدة أيها الفارس‪...‬‬
‫س يَز ُعم أنه يحبُّهما لكنه يأبي القتال في سبيلهما»‪.‬‬
‫ومشتركتان أيضًا في فار ٍ‬
‫هوى السير آريس على رُكبته ً‬
‫قائال‪« :‬سأقات ُل‪ .‬مارسال األكبر واألصلح للتَّاج‪َ .‬من سيُدافِع عن حقوقها إن‬
‫ولك يا بهجة القلب‪ .‬أقس ُم أن ال رجل سيسرق حقَّ ِك‬
‫لم يكن حارسها الملكي؟ سيفي وحياتي و َشرفي لها‪ِ ...‬‬
‫لك‪ ،‬فماذا تسألينني؟»‪.‬‬
‫ك ق َّوة تكفي ألن أرفع سيفي‪ .‬أنا ِ‬ ‫ُ‬
‫دمت أمل ُ‬ ‫بالميالد ما‬
‫انحنَت تُقَبِّل شفتيه‪ ،‬وقالت‪« :‬ك َّل شيء‪ ،‬ك َّل شي ٍء يا حبيبي‪ ،‬يا حبيبي الوحيد‪ ،‬يا حبيبي الجميل‪ ،‬وإلى األبد‪.‬‬
‫أوال‪.»...‬‬ ‫لكن ً‬
‫لك»‪.‬‬
‫‪َ « -‬سلي وهو ِ‬
‫‪ ...« -‬مارسال»‪.‬‬
‫بِريان‬
‫متداع‪ ،‬لكن منظره عبر الحقل جع َل ال ُّشعيرات على مؤ ِّخرة ُعنقها تنتصب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫السُّور الحجري قديم‬
‫بسور آخَر يُشبه األول إلى َح ٍّد‬
‫ٍ‬ ‫هنا اختبأ َ الرُّ ماة وقتلوا المسكين كليوس فراي‪ ...‬لكنها بَعد نِصف ميل مرَّت‬
‫ينعطف ويلتوي‪ ،‬واألشجار البنِّيَّة الجرداء تبدو مختلفةً عن‬ ‫ِ‬ ‫كبير‪ ،‬فلم تَ ُعد متأ ِّكدةً‪ .‬الطَّريق المحفَّر‬
‫الخضراء التي تَذ ُكرها‪ .‬هل تجاو َزت البُقعة التي انتز َع فيها السير چايمي سيف ابن ع َّمته من ِغمده؟ أين‬
‫الغابة التي تقاتَال فيها؟ والغدير الذي خاضا في مياهه وتقار َع سيفاهما إلى أن لفتَا انتباه رجال ِرفقة‬
‫ال ُّشجعان إليهما؟ ‪« -‬سيِّدتي‪ ،‬أيتها الفارس»‪ ،‬قال پودريك الذي يبدو أنه ال يعرف أبدًا بِ َم يدعوها‪َ « .‬ع َّم‬
‫تبحثين؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫مررت به م َّرةً‪ ،‬ليس شيئًا ذا بال»‪ .‬آنذاك كان السير چايمي ال يزال يملك كلتا يديه‪ .‬لكم‬ ‫األشباح‪« .‬سور‬
‫احتقرته باستهزائه وابتساماته‪« .‬الزم الهدوء يا پودريك‪.‬‬
‫ربما ما زا َل هناك خارجون عن القانون في هذه الغابة»‪.‬‬
‫تطلَّع الصَّبي إلى األشجار البنِّيَّة العارية واألوراق المبتلَّة والطَّريق الموحل أمامهما‪ ،‬وقال‪« :‬معي سيف‬
‫طويل‪ ،‬أستطي ُع أن أقاتل»‪.‬‬
‫تشك بِريان في َشجاعة الصَّبي‪ ،‬وإنما في تدريبه فحسب‪ ،‬فربما يكون ُمرافقًا ‪-‬اس ًما‬ ‫ُّ‬ ‫ليس ببراع ٍة كافية‪ .‬ال‬
‫على األقل‪ -‬لكن ال ِّرجال الذين رافقَهم عادوا عليه بالضَّرر حقّا‪ً.‬‬
‫ت متقطِّعة وهما في الطَّريق من (وادي الغسق)‪ .‬إنه ينتمي‬ ‫استخلصت بِريان قصَّة الصَّبي منه على فترا ٍ‬ ‫َ‬
‫فرع أدنى من عائلة پاين‪ُ ،‬ذ ِّريَّة فقيرة يعود أصلها إلى أحد أبناء العائلة األصغر‪ ،‬وقد أمضى أبوه‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫شموع تز َّوجها قبل أن يرحل ليموت‬ ‫ٍ‬ ‫وأنجب پودريك من ابنة صانع‬ ‫َ‬ ‫حياته ُمرافقًا ألبناء عمومته األغنى‪،‬‬
‫الحق‬‫في تمرُّ د جرايچوي‪ ،‬وبَعدها تخلَّت عنه أ ُّمه ألحد أبناء العمومة هؤالء وهو في الرَّابعة من العُمر‪ ،‬لتُ ِ‬
‫طفال آخَر في بطنها‪ .‬ال يَذ ُكر پودريك شكلها‪.‬‬ ‫مطربًا متج ِّو ًال وض َع ً‬
‫ب أو أُ ٍّم كان السير سدريك پاين‪ ،‬وإن بدا لبِريان من روايته المتلعثمة أن‬ ‫أقرب ما عرفَ في حياته إلى أ ٍ‬
‫كخادم أكثر من ابن‪ .‬حين استدعَت (كاسترلي روك) راياتها أخ َذه الفارس معه‬ ‫ٍ‬ ‫الرَّجل كان يُعا ِمل پودريك‬
‫ُحارب في جيش اللورد‬ ‫ليعتني بحصانه ويُنَظِّف ِدرعه‪ ،‬ثم قُتِ َل السير سدريك في أراضي النَّهر بينما ي ِ‬
‫تايوين‪.‬‬
‫س متج ِّول بدين اسمه السير لوريمر‬ ‫ق الصَّبي نفسه بخدمة فار ٍ‬ ‫بعيدًا عن الدِّيار ووحيدًا ومفلسًا‪ ،‬ألح َ‬
‫ال ِكرش‪ ،‬كان جز ًءا من فِرقة اللورد ليفورد المكلَّفة بحماية قافلة المؤن‪ ،‬وقد أحبَّ السير لوريمر أن يُ َردِّد‬
‫أن الصِّبية الذين يَحرُسون األطعمة يأكلون أفضل من غيرهم دو ًما‪ ،‬إلى أن ضبطوه ومعه فخذ خنزير‬
‫س للُّصوص‬ ‫مملَّحة سرقَها من مخازن اللورد تايوين الخاصَّة‪ ،‬فاختا َر تايوين النستر أن يشنقه كدر ٍ‬
‫اآلخَرين‪ .‬كان پودريك قد شار َكه اللَّحم ولربما شار َكه المشنقة كذلك‪ ،‬لكن اسمه أنق َذه وتولَّى السير كيڤان‬
‫النستر مسؤوليَّته‪ ،‬وبَعد فتر ٍة أرسلَه يعمل ُمرافقًا لتيريون ابن أخيه‪.‬‬
‫السير سدريك علَّم پودريك أن يسوس الخيول ويتفقَّد حدواتها بحثًا عن الحجارة‪ ،‬والسير لوريمر علَّمه‬
‫المبارزة َّإال ً‬
‫قليال‪ ،‬أ َّما ال ِعفريت فعلى األقل أرسلَه إلى قيِّم سالح (القلعة‬ ‫َ‬ ‫السَّرقة‪ ،‬لكن كليهما لم يُ َدرِّبه على‬
‫الحمراء) حين ذهبا إلى البالط‪َّ ،‬إال أن السير أرون سانتاجار كان بين القتلى خالل فِتنة ال ُخبز‪ ،‬وبهذا كانت‬
‫نهاية تدريب پودريك‪.‬‬
‫قطَّعت بِريان سيفين خشبيَّين من الغصون السَّاقطة كي تُقَيِّم مهارات پودريك‪ ،‬وسرَّها أن تُ ِ‬
‫درك أن الصَّبي‬
‫ً‬
‫ناحال ناقص التَّغذية‪،‬‬ ‫سريع اليد على الرغم من بُطء كالمه‪ ،‬لكنه على الرغم من إقدامه وانتباهه ما زا َل‬
‫وليس قويًّا كفايةً على اإلطالق‪ .‬إذا كان قد نجا حقًّا من معركة (النَّهر األسود) كما ي َّدعي‪ ،‬فالسَّبب الوحيد‬
‫رأيت ُوصفا ًء في نِصف‬ ‫ُ‬ ‫أن أحدًا لم يحسب أن لقتله قيمةً‪ .‬قالت له‪« :‬ربما تدعو نفسك بال ُمرافق‪ ،‬لكني‬
‫ت‬
‫بقروح على يدك وكدما ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِسنِّك يُمكنهم أن يضربوك حتى تسيل دماؤك‪ .‬إذا بقيت معي ستَخلُد إلى النَّوم‬
‫على ذراعك ك َّل ليل ٍة تقريبًا‪ ،‬وسيكون األلم في جسدك المتخ ِّشب بال ًغا حتى إنك بالكاد ستنام‪ .‬لست تُريد‬
‫ذلك»‪.‬‬
‫َر َّد الصَّبي بإصرار‪« :‬بل أريده‪ ،‬أري ُد ذلك‪ ،‬الكدمات والقروح‪ .‬أعني أني ال أريدها‪ ،‬لكني أريدها أيتها‬
‫الفارس‪ ،‬يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫يشتك پودريك البتَّة‪ ،‬وكلَّما ظه َر قرح جديد على يد سيفه‬
‫ِ‬ ‫موف بكلمته‪ ،‬وكذا ِبريان‪ .‬لم‬
‫ٍ‬ ‫حتى اآلن والصَّبي‬
‫ُحسن العناية بحصانيهما أيضًا‪ .‬قالت لنفسها مذ ِّكرةً‪ :‬إنه ليس‬‫أحسَّ بالحاجة إلى أن يُريها إياه بفخر‪ ،‬ثم إنه ي ِ‬
‫لست فارسًا مهما ناداني ب«أيتها الفارس»‪ .‬كانت لتصرفه لوال أن ال مكان‬ ‫ُ‬ ‫ُمرافقًا رغم ذلك‪ ،‬كما أني‬
‫يذهب إليه‪ ،‬وباإلضافة إلى هذا‪ ،‬ومع أن پودريك قال إنه يجهل أين ذهبَت سانزا ستارك‪ ،‬فربما يعلم أكثر‬
‫مما ُّ‬
‫يظن‪ ،‬وربما يَك ُمن مفتاح مه َّمة بِريان في مالحظ ٍة عابرة ِشبه منسيَّة‪.‬‬
‫قال پودريك مشيرًا‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪ ،‬هناك عربة أمامنا»‪.‬‬
‫بدال من الثَّور يكدح رجل‬ ‫رأتها بِريان‪ ،‬عربة خشبيَّة يجرُّ ها عادةً ثور‪ ،‬لها عجلتان وجوانب مرتفعة‪ ،‬لكن ً‬
‫وامرأة على ِمقوديْها ويسحبانها وسط الحُفر في اتِّجاه (بِركة العذارى)‪ُ .‬مزارعان كما يدلُّ منظرهما‪ .‬قالت‬
‫للصَّبي‪« :‬تحرَّك ببُطء‪ .‬قد يحسباننا من الخارجين عن القانون‪ .‬تف َّوه بما هو ضروري فقط وتكلَّم بدماثة»‪.‬‬
‫‪« -‬سأفع ُل أيها الفارس‪ ،‬سأكون دمثًا يا سيِّدتي»‪ .‬يبدو الصَّبي أقرب إلى السُّرور بفكرة أن يحسبه أحدهم‬
‫خارجًا عن القانون‪.‬‬
‫أوضحت بِريان أنهما ال ينويان‬
‫َ‬ ‫بحذر وهما يَ ُخبَّان بحصانيهما مقتربيْن‪ ،‬لكن بمج َّرد أن‬ ‫ٍ‬ ‫راقبَهما ال ُمزارعان‬
‫إيذاءهما تركاها تركب إلى جوارهما‪ ،‬وبينما يشقُّون طريقهم وسط الحقول المختنقة بالحشائش وبحيرات‬
‫الطَّمي اللَّين واألشجار المحروقة المسو َّدة قال لها الرَّجل العجوز بوج ٍه محتقن من مجهود َج ِّر العربة‪:‬‬
‫ضا وفعلوا بها ما فعلوه‪ ،‬لكنها عادَت بَعد المعركة في‬ ‫«كان لدينا ثور لكن ال ِّذئاب سرقوه‪ ،‬وخطفوا ابنتنا أي ً‬
‫(وادي الغسق)‪ ،‬أ َّما الثَّور فلم يَعُد‪ .‬أعتق ُد أن ال ِّذئاب أكلوه»‪.‬‬
‫ضف المرأة شيئًا إلى كالمه‪ .‬إنها تصغره بنحو عشرين عا ًما‪ ،‬ومع أنها لم تقل شيئًا لبِريان فقد تطلَّعت‬ ‫لم تُ ِ‬
‫ت مشابهةً من قبل‪،‬‬ ‫عجال برأسيْن‪ .‬رأَت عذراء (تارث) نظرا ٍ‬ ‫ً‬ ‫إليها بالطَّريقة نفسها التي كانت لتحدج بها‬
‫بعطف فإن معظم النِّساء يتَّسمن بالقسوة نفسها كال ِّرجال‪ .‬ال تدري َمن تُؤلِمها‬ ‫ٍ‬ ‫ولئن عاملَتها الليدي ستارك‬
‫الالذعة كال َّدبابير وضحكاتهن الجافَّة‪ ،‬أم الليديهات ذوات‬ ‫نظراتهن أكثر؛ الفتيات الحسناوات بألسنتهن َّ‬
‫قناع من الكياسة‪ ...‬ونسوة العوام أسوأ من كال النَّوعين‬ ‫ٍ‬ ‫األعيُن الباردة الالتي يُوارين ازدراءهن تحت‬
‫آخر مرَّة‪ ،‬الب َّوابة محطَّمة ونِصف البلدة‬ ‫أحيانًا‪ .‬قالت‪(« :‬بِركة العذارى) كانت خرابًا عندما رأيتها ِ‬
‫محترق»‪.‬‬
‫س‪ ،‬لكنه لورد أشجع من موتون‪ .‬ما زا َل في الغابة خارجون‬ ‫‪« -‬أعادوا بناءها نوعًا‪ .‬تارلي هذا رجل قا ٍ‬
‫وضرب أعناقهم بسيفه الكبير‬
‫َ‬ ‫قبض على أسوأهم‬
‫َ‬ ‫عن القانون‪ ،‬لكن ليس باألعداد نفسها كما من قبل‪ .‬تارلي‬
‫إياه»‪ ،‬ود َّور الرَّجل رأسه وبصقَ‪ ،‬ثم أضافَ ‪« :‬ألم تريا خارجين عن القانون على الطَّريق؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إطالقًا»‪ .‬ليس هذه المرَّة‪ .‬كلَّما ابتعدا عن (وادي الغسق) خال الطَّريق أكثر‪ ،‬وال ُمسافرون الوحيدون‬
‫ملتح كبير الجسد قابَاله يمشي جنوبًا مع نحو‬ ‫ٍ‬ ‫الذين لمحاهم ذابوا في الغابة قبل أن يَبلُغاهم‪ ،‬باستثناء ِسپتون‬
‫أربعين من األتباع متق ِّرحي األقدام‪ .‬الخانات التي مرَّا بها كانت منهوبةً مهجورةً أو ُح ِّولَت إلى مخيَّما ٍ‬
‫ت‬
‫مسلَّحة‪ ،‬والبارحة قابَال إحدى دوريَّات اللورد راندل الحافلة بحاملي النُّ َّشابيَّة والرُّ مح‪ ،‬وقد أحاطَ بهما‬
‫استجوب قائدهم بِريان‪ ،‬لكنه تر َكهما يمضيان في سبيلهما في النِّهاية‪ ،‬وقال لها‪ِ « :‬‬
‫عليك‬ ‫َ‬ ‫الخيَّالة فيما‬
‫باالحتراس يا امرأة‪ .‬ربما ال يكون الرِّ جال الذين تُقابِلينهم بَعدنا أُمناء كفِتيتي‪ .‬لقد عب َر كلب الصَّيد‬
‫(الثَّالوث) بمئ ٍة من المجرمين‪ ،‬ويُقال إنهم يغتصبون ك َّل أنثى في طريقهم ويقطعون أثداءهن ويأخذونها‬
‫غنائم»‪.‬‬
‫أحسَّت بِريان أن واجبها أن تنقل التَّحذير إلى ال ُمزارع وزوجته‪ ،‬وأومأ َ الرَّجل برأسه بينما أخب َرته‪ ،‬لكن‬
‫ق ثانيةً‪ ،‬وقال‪« :‬الكالب وال ِّذئاب واألسود‪ ،‬فليأخذهم (اآلخَرون) جميعًا‪ .‬لن يجرؤ هؤالء‬ ‫حين فرغَت بص َ‬
‫المجرمون على االقتراب من (بِركة العذارى) ما دا َم اللورد تارلي الحاكم هناك»‪.‬‬
‫ضتها في جيش رنلي‪ ،‬ومع أنها ال تستطيع أن تجد في‬ ‫تعرف بِريان اللورد راندل تارلي منذ الفترة التي ق َ‬
‫نفسها القُدرة على أن تحبَّ الرَّجل‪ ،‬فال يُمكنها أن تنسى ال َّدين الذي عليها له أيضًا‪ .‬إذا شا َءت اآللهة سنمرُّ‬
‫من (بِركة العذارى) قبل أن يعرف أني هناك‪ .‬قالت لل ُمزارع‪« :‬البلدة ستُ َر ُّد إلى اللورد موتون حالما ينتهي‬
‫القتال‪ .‬حضرة اللورد تلقَّى عف ًوا من الملك»‪.‬‬
‫رجاال إلى (ريڤر َرن)‬‫ً‬ ‫أرسل‬
‫َ‬ ‫َر َّد الرَّجل ضاح ًكا‪« :‬عف ًوا؟ َع َّم؟ جلوسه على مؤ ِّخرته في قلعته اللَّعينة؟ لقد‬
‫المرتزقة‪ ،‬وظَ َّل حضرة اللورد وراء أسواره‬ ‫ِ‬ ‫للقتال لكنه لم يذهب بنفسه‪ .‬ال ِّذئاب نهبوا البلدة‪ ،‬ثم األُسود‪ ،‬ثم‬
‫في أمان‪ .‬ما كان أخوه ليختبئ هكذا إطالقًا‪ .‬السير مايلز كان شديد الجرأة إلى أن قتلَه روبرت هذا»‪.‬‬
‫أبحث عن أختي‪ ،‬بنت جميلة في الثَّالثة عشرة‪ .‬ربما رأيتها»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مزيد من األشباح‪« .‬إنني‬
‫‪« -‬لم أ َر بناتًا جميالت أو قبيحات»‪.‬‬
‫ال أحد رآها‪ .‬لكن عليها أن تُ ِ‬
‫واصل السُّؤال‪.‬‬
‫تاب َع الرَّجل‪« :‬فتاة موتون بنت‪ ،‬حتى اإلضْ جاع على األقل‪ .‬هذا البيض لزفافها إلى ابن تارلي‪ .‬سيحتاج‬
‫بيض للكعك»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫الطهاة إلى‬
‫وتظن أنه في الثَّامنة أو‬ ‫ُّ‬ ‫‪« -‬صحيح»‪ .‬ابن اللورد تارلي‪ ،‬ديكون الصَّغير سيتز َّوج‪ .‬حاولَت أن تتذ َّكر ِسنَّه‪،‬‬
‫صبي يكبرها بثالث سنوات‪ ،‬ابن اللورد كارون األصغر‪ ،‬وكان‬ ‫ٍّ‬ ‫العاشرة‪ .‬في السَّابعة ُخ ِطبَت بِريان إلى‬
‫خجوال له شامة فوق شفته‪ .‬م َّرةً وحيدةً التقيا‪ ،‬وتلك المرَّة كانت بمنا َسبة خطبتهما‪ ،‬وبَعد عامين ماتَ‬ ‫ً‬ ‫صبيًّا‬
‫عام من‬‫عاش لتز َّوجا في غضون ٍ‬ ‫َ‬ ‫بنوبة البرد نفسها التي أتَت على اللورد والليدي كارون وبناتهما‪ .‬لو‬
‫إزهارها‪ ،‬والختلفَت حياتها كلِّيَّةً‪ .‬ما كانت لتُصبِح هنا اآلن‪ ،‬ترتدي دروع الرِّجال وتحمل سيفًا وتُ ِ‬
‫الحق‬
‫طفال آ َخر‪ .‬ليست هذه‬ ‫رضع ً‬ ‫تلف طفلتها هي بالقِماط وتُ ِ‬ ‫طفلة امرأ ٍة ميتة‪ ،‬وإنما لكانت غالبًا في (التَّغريدة)‪ُّ ،‬‬
‫تبث فيها شيئًا من الرَّاحة أيضًا‪.‬‬ ‫بالفكرة الجديدة على بِريان‪ ،‬ودائ ًما ما تُش ِعرها بشي ٍء من الحُزن‪ ،‬لكنها ُّ‬
‫كانت ال َّشمس ِشبه مختبئ ٍة خلف مجموع ٍة من السُّحب حين خرجوا من بين األشجار المتفحِّمة لي ِ‬
‫ُبصروا‬
‫(بِركة العذارى) أمامهم‪ ،‬وقد ال َحت مياه الخليج العميقة وراءها‪ .‬رأت بِريان على الفور أن ب َّوابة البلدة قد‬
‫فرف راية‬ ‫بُنِيَت من جديد‪ ،‬وعا َد رُماة النُّ َّشابيَّة يمشون فوق األسوار الحجر الورديَّة‪ .‬فوق مبنى الب َّوابة تُ َر ِ‬
‫الذهبي المتواجهان على خلفيَّ ٍة مقسومة إلى ذهبي وقرمزي‪ ،‬وعلى‬ ‫تومن الملكيَّة‪ ،‬الوعل األسود واألسد َّ‬
‫ت أخرى يظهر صيَّاد تارلي‪ ،‬بينما ال ترتفع راية عائلة موتون ذات سمكة السلمون الحمراء َّإال على‬ ‫رايا ٍ‬
‫قلعته فوق تَلِّها‪.‬‬
‫الحرس المسلَّحين بال َمطارد‪ ،65‬تشي شاراتهم بأنهم جنود في جيش‬
‫عند ال َّشبكة الحديديَّة وجدوا دستةً من َ‬
‫ق وخنفسةً زرقاء وسه ًما‬ ‫اللورد تارلي‪ ،‬وإن لم يكن أحد منهم من رجاله‪ .‬رأت قنطوريْن وصاعقة بر ٍ‬
‫أخضر‪ ،‬ولكن ليس صيَّاد (هورن هيل) طويل القدمين‪ .‬على صدر رقيبهم طاووس بهتَ ذيله ال َّزاهي من‬
‫ق صفيرًا‪ ،‬وقال‪« :‬ما هذا؟ بيض؟»‪ ،‬والتقطَ واحدةً‬‫العُرضة ال َّشمس‪ ،‬ول َّما أوقفَ ال ُمزارعان عربتهما أطل َ‬
‫وألقاها في الهواء وتلقَّفها‪ ،‬وأضافَ بابتسام ٍة عريضة‪« :‬سنأخذه»‪.‬‬
‫صاح العجوز بح َّدة‪« :‬بيضنا للورد موتون‪ ،‬لكعك ال ِّزفاف وما إلى ذلك»‪.‬‬
‫َ‬
‫قال الرَّقيب‪« :‬اجعل دجاجاتك تبيض المزيد‪ .‬إنني لم آكل بيضًا منذ نِصف عام‪ .‬هاك‪ ،‬كي ال تقل إنك لم‬
‫ق ثَمنًا»‪ ،‬وألقى حفنةً من البنسات عند قد َمي العجوز‪.‬‬ ‫تتل َّ‬
‫نطقَت ال َّزوجة للمرَّة األولى قائلةً‪« :‬هذا ال يكفي‪ ،‬ال يكفي إطالقًا»‪.‬‬
‫ومقابلك أيضًا‪ .‬ائتوا بها يا أوالد‪ ،‬إنها صغيرة ج ًّدا على هذا‬
‫ِ‬ ‫كاف‪ ،‬مقابل البيض‬
‫ٍ‬ ‫َر َّد الرَّقيب‪« :‬أقو ُل إنه‬
‫العجوز»‪.‬‬
‫الجدار وسحبا المرأة بعيدًا عن العربة وهي تُ ِ‬
‫قاوم‪ ،‬وشاه َد ال ُمزارع بوج ٍه‬ ‫أسن َد حارسان ِمطرديْهما إلى ِ‬
‫مربد لكنه لم يجرؤ على الحركة‪ ،‬أ َّما بِريان فهمزَت فَرسها متقدِّمةً‪ ،‬وقالت‪« :‬أطلِقا سراحها»‪.‬‬
‫جعلَت نبرتها الحارسيْن يتر َّددان لحظةً تملَّصت خاللها زوجة ال ُمزارع من قبضتيهما‪ ،‬وقال أحد اآلخَرين‪:‬‬
‫لسانك يا هذه»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫شأنك‪ .‬احفظي‬
‫ِ‬ ‫«ليس هذا من‬
‫ً‬
‫وبدال من هذا امتشقَت بِريان سيفها‪.‬‬
‫قال الرَّقيب‪« :‬هكذا إذن‪ ،‬فوالذ مجرَّد‪ .‬يبدو أنني أشت ُّم رائحة خارج ٍة عن القانون‪ .‬أتعرفين ما يفعله اللورد‬
‫تارلي بالخارجين عن القانون؟»‪ .‬كان ال يزال ممس ًكا بالبيضة التي أخ َذها من العربة‪ ،‬وانطبقَت يده عليها‬
‫ونَ َّز الصَّفار من بين أصابعه‪.‬‬
‫بالمغتصبين‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وأعرف ما يفعله‬ ‫ُ‬
‫أعرف ما يفعله اللورد تارلي بالخارجين عن القانون‪،‬‬ ‫قالت بِريان‪« :‬‬
‫أيضًا»‪.‬‬
‫وأشار لرجاله باالنتشار لتجد‬
‫َ‬ ‫كانت تأمل أن يُر ِهبهم االسم‪ ،‬لكن الرَّقيب اكتفى بنفض البيض عن أصابعه‬
‫بِريان نفسها محاصرةً بالرُّ ؤوس الفوالذ‪ ،‬وقال لها‪« :‬ماذا كن ِ‬
‫ت تقولين يا هذه؟ ماذا يفعل اللورد تارلي‬
‫بال‪.»...‬‬
‫الجدار)‪ ،‬وأحيانًا هذا‬ ‫‪ ...« -‬بالمغتصبين»‪ ،‬قال صوت أعمق مت ًّما العبارة‪« .‬إنه يخصيهم أو ي ِ‬
‫ُرسلهم إلى ( ِ‬
‫متراخ من مبنى الب َّوابة متمنطقًا بحزام‬
‫ٍ‬ ‫خرج شاب‬‫َ‬ ‫ثم ذاك‪ .‬حضرته يقطع أصابع اللُّصوص أيضًا»‪.‬‬
‫سيف‪ ،‬وقد ارتدى فوق ِدرعه الفوالذ معطفًا كان أبيض ذات يوم‪ ،‬وهنا وهناك ال يزال كذلك‪ ،‬لكن معظمه‬
‫غزال بنِّي ميت ومعلَّق من عو ٍد خشبي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مل َّوث ببُقع العُشب والدِّماء الجافَّة‪ ،‬وعلى صدره رمز‬
‫انغرس في أحشائها‪ .‬قالت بجمود‪« :‬سير هايل»‪.‬‬
‫َ‬ ‫كنصل‬
‫ٍ‬ ‫هو‪ .‬صوته بمثابة لكم ٍة في بطنها‪ ،‬ووجهه‬
‫قال السير هايل هَنت مح ِّذرًا‪« :‬األفضل أن تدعوها تمرُّ يا أوالد‪ .‬هذه بِريان المليحة‪ ،‬عذراء (تارث) التي‬
‫قتلَت الملك رنلي ونِصف َحرس قوس قزح‪ .‬إنها شرسة بقدر ما هي قبيحة‪ ،‬وليس هناك من هو أقبح‬
‫ثور ب ِّري‪ ،‬فلك ُعذر مقبول‪ ،‬أ َّما هي‬
‫منها‪ ...‬ربما باستثنائك أنت يا وعاء البول‪ ،‬لكن أباك كان يُشبِه ُدبر ٍ‬
‫فأبوها نجم المساء سيِّد (تارث)»‪.‬‬
‫وسأل الرَّقيب‪« :‬أال يجب أن نقبض عليها أيها الفارس؟ لقتلها‬
‫َ‬ ‫ضحكَ ال ُحرَّاس‪ ،‬لكنهم أزاحوا َمطاردهم‪،‬‬
‫رنلي؟»‪.‬‬
‫آخرنا‪ ،‬لكننا فِتية تومن األوفياء اآلن»‪،‬‬
‫‪« -‬لماذا؟ رنلي كان متم ِّردًا‪ ،‬تما ًما كما كنا جميعًا متم ِّردين عن ِ‬
‫وأشا َر الفارس لل ُمزارعيْن بالمرور من الب َّوابة ً‬
‫قائال لهما‪« :‬سيُ َسرُّ وكيل حضرة اللورد لرؤية هذا البيض‪.‬‬
‫ستجدانه في السُّوق»‪.‬‬
‫ق العجوز بمفاصل أصابعه على جبهته‪ ،‬وقال‪« :‬أشكرك يا سيِّدي‪ .‬واضح تما ًما أنك فارس حقيقي‪ .‬هيا‬ ‫َد َّ‬
‫يا زوجتي»‪ ،‬وعا َد االثنان يدفعان بأكتافهما العربة التي مرَّت مقعقعةً من الب َّوابة‪.‬‬
‫دخلَت بِريان وراءهما وفي أعقابها پودريك‪ ،‬وف َّكرت عابسةً‪ :‬فارس حقيقي‪ .‬جذبَت ِعنان الفَرس داخل‬
‫ق موحل تقف قُبالته في ُشرفة ماخور ثالث‬ ‫اسطبل تطلُّ على ُزقا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫البلدة‪ ،‬وإلى يسارها رأت أنقاض‬
‫ت ذهبَت إلى بِريان في م َّر ٍة لتسألها إن‬ ‫عاهرات ِشبه عاريات يتها َمسن‪ ،‬وتُشبه إحداهن نوعًا تابعة معسكرا ٍ‬
‫كان ما بين ساقيها أيرًا أم فرجًا‪.‬‬
‫أنك‬
‫حصان رأيته على اإلطالق‪ .‬يُد ِهشني ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قال السير هايل مشيرًا إلى حصان پودريك‪ُّ « :‬‬
‫أظن أن هذا أقبح‬
‫لم تركبيه يا سيِّدتي‪ .‬هل تنوين أن تَش ُكريني على مساعَدتي؟»‪.‬‬
‫س كامل‪ ،‬ور َّدت‪« :‬ذات ٍ‬
‫يوم‬ ‫طوال برأ ٍ‬ ‫ً‬ ‫وثبَت بِريان من فوق فَرسها لتقف أمام السير هايل الذي تفوقه‬
‫التحام جماعي أيها الفارس»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫سأشكرك في‬
‫ت رونيت األحمر؟»‪ .‬ضحكته عميقة رنَّانة على الرغم من وجهه الذي ال‬ ‫سألَها هايل ضاح ًكا‪« :‬كما شكر ِ‬
‫يُ َميِّزه شيء‪ ،‬وجه حسبَته صادقًا يو ًما قبل أن تتعلَّم الحقيقة‪ .‬له َشعر بنِّي أشعث وعينان بلون البُندق وندبة‬
‫صغيرة عند أُذنه اليُسرى‪ ،‬وذقنه مشقوق وأنفه معوج‪ ،‬لكن ضحكاته قويَّة ومتكرِّرة‪.‬‬
‫ُفترض أن تُراقِب الب َّوابة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أال ي َ‬
‫ك أن سيعود برأس كلب الصَّيد‬ ‫ُطارد الخارجين عن القانون‪ .‬ال َش َّ‬‫قال بامتعاض‪« :‬آلن ابن ع ِّمي خر َج ي ِ‬
‫بسببك‪ .‬آم ُل أن تكوني مسرورةً يا‬
‫ِ‬ ‫وقد كلَّل نفسه بال َّزهو والمجد‪ .‬أ َّما أنا فمبتلى بحراسة هذه الب َّوابة‬
‫جميلتي‪َ .‬ع َّم تبحثين؟»‪.‬‬
‫‪« -‬اسطبل»‪.‬‬
‫‪« -‬هناك عند الب َّوابة ال َّشرقية‪ .‬هذا احتر َ‬
‫ق»‪.‬‬
‫كنت مع الملك رنلي حين ماتَ ً‬
‫فعال‪ ،‬لكن شعوذةً ما هي التي‬ ‫ُ‬ ‫أرى هذا‪ .‬قالت‪« :‬ما قلته لهؤالء ال ِّرجال‪...‬‬
‫قتلَته أيها الفارس‪ ،‬أقس ُم بسيفي»‪ ،‬ووض َعت يدها على المقبض متأهِّبةً للقتال إذا نعتَها هَنت بالكذب في‬
‫وجهها‪.‬‬
‫ُمكنك أن تهزمي السير إمون في‬‫ِ‬ ‫ك ب َحرس قوس قزح‪ .‬ربما كان ي‬ ‫الزهور هو من فت َ‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬وفارس ُّ‬
‫ظروف مواتية‪ ،‬فقد كان ُمحاربًا مته ِّورًا ويتعب بسهولة‪ .‬لكن رويس؟ ال‪ .‬السير روبار كان ُمبار ًزا أبرع‬ ‫ٍ‬
‫بارزة» وجود؟ تُرى ما الذي أتى ِ‬
‫بك إلى‬ ‫ت ُمبار ًزا‪ ،‬أليس كذلك؟ هل لكلمة « ُم ِ‬
‫أنك لس ِ‬
‫منك مرَّتين‪ ...‬مع ِ‬
‫ِ‬
‫(بِركة العذارى)؟»‪.‬‬
‫أبحث عن أختي‪ ،‬بنت في الثَّالثة عشرة‪ ،‬لكن السير هايل يعلم أنها بال أخوات‪ ،‬ولذا قالت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫كادَت تقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫أبحث عنه‪ ،‬موجود في مكان اسمه (اإلوزة النَّتنة)»‪.‬‬ ‫«هناك رجل‬
‫حسبت أن بِريان المليحة ال تحتاج إلى الرِّ جال‪( .‬اإلوزة النَّتنة)‪ ،‬اسم على‬
‫ُ‬ ‫قال بابتسام ٍة ال تخلو من قسوة‪« :‬‬
‫أوال لرؤية حضرة‬ ‫لكنك ستأتين معي ً‬ ‫ِ‬ ‫مس َّمى‪ ...‬الجزء الخاص بالنَّتانة على األقل‪ .‬الحانة عند الميناء‪،‬‬
‫اللورد»‪.‬‬
‫رجل للدِّفاع‬
‫ٍ‬ ‫وبصفير واحد من فمه سيهرع مئة‬
‫ٍ‬ ‫ال تخشى بِريان السير هايل‪ ،‬لكنه أحد قادة راندل تارلي‪،‬‬
‫عنه‪ .‬هكذا سألَت‪« :‬هل سيُقبَض عل َّ‬
‫ي؟ » ‪.‬‬
‫قال‪« :‬لماذا؟ لقتل رنلي؟ َمن كان رنلي؟ لقد ب َّدلنا الملوك منذ ذلك الحين‪ ،‬بعضنا مرَّتين‪ .‬ال أحد يعبأ‪ ،‬ال‬
‫أحد يتذ َّكر»‪ ،‬ووض َع يده بخفَّ ٍة على ذراعها مردفًا‪« :‬من هنا إذا سمح ِ‬
‫ت» ‪.‬‬
‫انتزعَت ذراعها قائلةً‪« :‬لك ُشكري إذا لم تلمسني»‪.‬‬
‫َر َّد بابتسام ٍة هازئة‪« :‬ال ُّشكر أخيرًا»‪.‬‬
‫آخر م َّر ٍة كانت البلدة مقفرةً‪ ،‬مكانًا كئيبًا شوارعه خالية وبيوته محترقة‪ ،‬لكن‬ ‫حينما رأت (بِركة العذارى) ِ‬
‫ي باألرض‪ ،‬لتح َّل مح َّل بعضها‬ ‫اآلن تعجُّ ال َّشوارع بالخنازير واألطفال‪ ،‬وأكثر المباني المحترقة ُس ِّو َ‬
‫خضراوات مزروعة ومح َّل غيرها خيام التُّجَّار وسُرادقات الفُرسان‪ .‬رأت بِريان منازل جديدةً تُبنى‪،‬‬
‫وخانًا حجريًّا يرتفع مكان السَّابق الخشبي‪ ،‬وسطحًا جديدًا من ألواح األردواز فوق السِّپت‪ .‬في هواء‬
‫الخريف البارد تر َّددت أصوات المطارق والمناشير‪ ،‬بينما حم َل ال ِّرجال األخشاب في ال َّشوارع ودف َع‬
‫صيَّاد‪ .‬قالت مندهشةً‪:‬‬‫ُع َّمال المحاجر عرباتهم في األزقَّة الموحلة‪ ،‬كثيرون منهم على صدورهم رمز ال َّ‬
‫«الجنود يُعيدون بناء البلدة»‪.‬‬
‫ك أنهم يُفَضِّلون أن يلعبوا النَّرد ويشربوا وينكحوا‪ ،‬لكن اللورد راندل يُؤ ِمن بتكليف العاطلين‬ ‫‪« -‬ال َش َّ‬
‫بالعمل»‪.‬‬
‫بدال من ذلك إلى الميناء المزدحم‪ ،‬حيث سرَّها أن ترى‬ ‫توقَّعت أن يأخذها إلى القلعة‪ ،‬لكن هَنت قادَهما ً‬
‫‪64‬‬
‫التِّجارة عادَت إلى (بِركة العذارى)‪ .‬في المرسى قادس وقاليون وكوج له صاريتان‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫عشرين تقريبًا من قوارب الصَّيد الصَّغيرة‪ ،‬وفي الخليج ال َح المزيد من صيَّادي األسماك‪ .‬حز َمت بِريان‬
‫أمرها‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬إذا لم تُث ِمر زيارة (اإلوزة النَّتنة) شيئًا سأستقلُّ سفينةً‪( .‬بلدة النَّوارس) ال تَبعُد كثيرًا‪،‬‬
‫ق طريقها إلى (الوادي) بسهولة‪.‬‬ ‫ومن هناك يُمكنها أن تش َّ‬
‫وجدوا اللورد تارلي في سوق السَّمك يُقيم العدل‪.‬‬
‫قُرب الماء منصَّة منصوبة يستطيع حضرة اللورد أن يَنظُر من فوقها إلى المتَّهمين‪ ،‬وإلى يساره تمت ُّد‬
‫رجال‪ ،‬وقد تدلَّت منها أربع جُثث‪ ،‬إحداها تبدو جديدةً في حين يقول‬ ‫ً‬ ‫مشنقة طويلة تكفي حبالها عشرين‬
‫منظر الثَّالث األخريات بوضوح إنها هنا منذ ُم َّدة‪ .‬كان ُغراب ينتزع قطعًا من لحم أحد الموتى المتهتِّك‪،‬‬
‫بينما تشتَّتت ال ِغربان األخرى حذرًا من أهل البلدة الذين احتشدوا على أمل أن يتفرَّجوا على أح ٍد يُشنَق‪.‬‬
‫تقاس َم اللورد راندل المنصَّة مع اللورد موتون‪ ،‬وهو رجل شاحب لحيم له مظهر ليِّن‪ ،‬يرتدي سُترةً بيضاء‬
‫الذهب األحمر على شكل‬ ‫وسراويل حمراء‪ ،‬ويُثَبِّت معطفه المصنوع من فرو القاقوم إلى كتفه مشبك من َّ‬
‫صدر من‬
‫ٍ‬ ‫والجلد المق َّوى بال َّزيت المغلي وواقي‬
‫ِ‬ ‫سمكة سلمون‪ .‬أ َّما اللورد تارلي فارتدى الحلقات المعدنيَّة‬
‫الفوالذ الرَّمادي‪ ،‬ومن وراء كتفه اليُسرى بر َز مقبض السَّيف العظيم المس َّمى (آفة القلوب)‪ ،‬مفخرة عائلة‬
‫تارلي‪.‬‬
‫معطف من الخيش وسُتر ٍة ِجلديَّة متَّسخة يتكلَّم حين وصلوا‪ ،‬وسم َعته بِريان يقول‪« :‬لم‬ ‫ٍ‬ ‫كان مراهق في‬
‫أخذت فقط ما تر َكه السِّپتونات عندما هربوا‪ .‬إذا كان عليك أن تقطع إصبعي مقابل‬ ‫ُ‬ ‫أض َّر بأح ٍد يا سيِّدي‪.‬‬
‫هذا فاقطعه»‪.‬‬
‫َر َّد اللورد تارلي بنبر ٍة صارمة‪« :‬العُرف إن يُقطَع للِّص إصبع‪ ،‬لكن َمن يسرق ِمن ِسپت يسرق ِمن‬
‫قائال‪« :‬سبعة أصابع‪ ،‬اترُك اإلبهاميْن»‪.‬‬‫اآللهة»‪ ،‬والتفتَ إلى قائد َحرسه ً‬
‫بوهن كأن أصابعه‬ ‫ٍ‬ ‫ُقاوم وإنما‬
‫قبض عليه ال ُحرَّاس حاول أن ي ِ‬ ‫َ‬ ‫ر َّدد اللِّص بوج ٍه امتق َع‪« :‬سبعة؟!»‪ .‬حين‬
‫تستطع َّإال أن تُفَ ِّكر في السير چايمي وكيف صر َخ عندما هوى أراخ‬ ‫ِ‬ ‫بُتِ َرت بالفعل‪ ،‬وإذ شاهدَته بِريان لم‬
‫زولو على يده‪.‬‬
‫ضيَّة‪ ،‬ول َّما أقس َم‬ ‫التَّالي كان خبَّا ًزا متَّه ًما ب َغشِّ طحينه بنُشارة الخشب‪ ،‬فغرَّمه اللورد راندل خمسة أيائل ف ِّ‬
‫أيل يَنقُصه‪ .‬بَعده حانَ‬ ‫الخبَّاز أنه ال يملك ذلك المبلغ من الفضَّة قضى حضرة اللورد أن يُجلَد ً‬
‫بدال من ك ِّل ٍ‬
‫دور عاهرة مهزولة الجسد سقيمة المالمح متَّهمة بإصابة أربع ٍة من جنود تارلي بالجُدري‪ ،‬فقال تارلي‬
‫آمرًا‪« :‬اغسلوا عورتها بصابون القِ ْلي وألقوا بها في زنزانة»‪.‬‬
‫الزحام بين پودريك والسير هايل‪،‬‬ ‫بينما َج َّر الجنود العاهرة باكيةً أبص َر حضرة اللورد ِبريان على حافة ِّ‬
‫وح بأنه تعرَّفها على اإلطالق‪.‬‬‫وعبس في وجهها لكن نظرته لم تُ ِ‬ ‫َ‬
‫تال العاهرة بحَّار من القاليون‪ ،‬والمتَّ ِهم ق َّواس من حامية اللورد موتون يده مض َّمدة وعلى صدره سمكة‬
‫كنت أغ ُّشه‬‫غرس خنجره في يدي‪ ،‬قال إنني ُ‬ ‫َ‬ ‫خاطب تارلي ً‬
‫قائال‪« :‬بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬هذا الوغد‬ ‫َ‬ ‫سلمون‪ ،‬وقد‬
‫في لعب النَّرد»‪.‬‬
‫وسأل‪« :‬وهل كنت تغشُّ ؟»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أشا َح اللورد تارلي بنظره عن بِريان ليتطلَّع إلى الرَّجلين أمامه‪،‬‬
‫‪« -‬ال يا سيِّدي‪ ،‬ال أغشُّ أبدًا»‪.‬‬
‫ي أن أطلب أن أرى ذلك النَّرد؟»‪.‬‬ ‫ي وسأشنقك‪ .‬هل عل َّ‬‫‪« -‬سأقط ُع إصبعًا جزاء السَّرقة‪ ،‬لكن اكذب عل َّ‬
‫‪« -‬النَّرد؟»‪ .‬نظ َر الق َّواس إلى موتون‪ ،‬لكن حضرة اللورد كان يتطلَّع إلى قوارب الصَّيد‪ ،‬فابتل َع الرَّجل‬
‫الحظ‪ ،‬حقًّا‪ ،‬لكنني‪.»...‬‬
‫أكون‪ ...‬ذلك النَّرد يجلب لي َ‬
‫ُ‬ ‫لُعابه‪ ،‬وقال‪« :‬ربما‬
‫قال تارلي وقد سم َع ما يكفي‪« :‬اقطعوا إصبعه الصَّغير‪ .‬يُمكنه أن يختار اليد‪ .‬وليُ َد َّ‬
‫ق مسمار في كَفِّ‬
‫ونهض مردفًا‪« :‬انتهينا‪ُ .‬خذوا البقيَّة إلى ال َّزنازين‪.‬‬
‫َ‬ ‫اآلخَر»‪،‬‬
‫سأتعام ُل معهم غدًا»‪ ،‬والتفتَ مشيرًا إلى السير هايل بالتَّق ُّدم‪ ،‬فتق َّدمت بِريان بدورها‪ ،‬وقالت عندما وقفَت‬
‫أمام اللورد راندل شاعرةً بأنها في الثَّامنة من العُمر من جديد‪« :‬سيِّدي»‪.‬‬
‫‪« -‬سيِّدتي‪ ،‬إال َم ندين بهذا‪ ...‬ال َّشرف؟»‪.‬‬
‫لت ألبحث عن‪ ...‬عن‪ ،»...‬وتر َّددت باترةً عبارتها‪.‬‬ ‫أجابَت‪« :‬لقد أُ ِ‬
‫رس ُ‬
‫ت اللورد رنلي؟»‪.‬‬ ‫‪« -‬كيف ستَعثُرين عليه إذا كن ِ‬
‫ت ال تعرفين اسمه؟ هل قتل ِ‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫لكنك تركتِه يموت‬
‫ِ‬ ‫ي كما حك َم على أولئك اآلخَرين‪ .‬أخيرًا قال‪« :‬ال‪،‬‬‫وزنَ تارلي الكلمة‪ .‬إنه يَح ُكم عل َّ‬
‫فقط»‪.‬‬
‫لقد ماتَ رنلي بين ذراعيها وأغرقَتها دماؤه المسفوكة‪ ،‬وقد جفلَت بِريان من االتِّهام‪ ،‬وقالت‪« :‬كانت‬
‫شعوذةً‪ .‬إنني لم‪.»...‬‬
‫ط أن ترتدي الحلقات المعدنيَّة أو تحملي‬ ‫عليك قَ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ت استحا َل إلى سوط‪« :‬لم؟! بلى‪ ،‬لم يكن‬ ‫قاط َعها بصو ٍ‬
‫ق اآللهة كلِّها حر ٌّ‬
‫ي بي‬ ‫ب وليس احتفال حصاد‪ .‬ب َح ِّ‬ ‫أبيك‪ .‬إننا في حر ٍ‬
‫ط أن تبرحي دار ِ‬ ‫عليك قَ ُّ‬
‫ِ‬ ‫سيفًا‪ ،‬لم يكن‬
‫أشحنك في سفين ٍة إلى (تارث)»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أن‬
‫خرجت نبرتها بناتيَّةً عاليةً في حين أرادَت أن تكون صُلبةً إذ قالت‪« :‬افعل ذلك وسيكون عليك أن تشرح‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫أسبابك للعرش‪ .‬پودريك‪ ،‬في جرابي ستجد َرقّا‪ .‬اجلبه إلى حضرة اللورد»‪.‬‬
‫ً‬
‫عمال من‬ ‫عمال يخصُّ الملك؟‬ ‫طها عابسًا‪ ،‬وتحرَّكت شفتاه وهو يقرأ‪ ،‬ثم قال‪ً « :‬‬‫تناو َل تارلي الرِّسالة وبس َ‬
‫ي نوع؟»‪.‬‬ ‫أ ِّ‬
‫ي وسأشنقك‪« .‬سسانزا ستارك»‪.‬‬
‫اكذب عل َّ‬
‫أراهن أنها هربَت عائدةً إلى ال َّشمال على أمل أن تجد مال ًذا عند أحد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لعرفت‪.‬‬ ‫‪« -‬لو كانت ابنة ستارك هنا‬
‫ح َملة راية أبيها‪ .‬خي ٌر لها أن تختار الرَّجل الصَّحيح»‪.‬‬
‫سم َعت بِريان نفسها تقول باندفاع‪« :‬ربما تكون قد ذهبَت إلى (الوادي)‪ ،‬إلى أخت أ ِّمها»‪.‬‬
‫مغن ما دف َعها من فوق جبل‪ .‬اإلصبع الصَّغير‬ ‫رمقَها اللورد راندل بازدراء‪ ،‬وقال‪« :‬الليدي اليسا ماتَت‪ٍّ ،‬‬
‫رجاال يركعون لقر ٍد مختال تخطَّى‬
‫ً‬ ‫يسود (الوادي) اآلن‪ ...‬لكنه وضع مؤقَّت‪ .‬لوردات (الوادي) ليسوا‬
‫منزلته وبال مواهب غير َع ِّد النُّقود»‪ ،‬وأعا َد إليها الرِّسالة متابعًا‪« :‬اذهبي حيث شئ ِ‬
‫ت وافعلي ما تُريدين‪...‬‬
‫ق السير‬‫بحماقتك»‪ ،‬ورم َ‬
‫ِ‬ ‫ي ناشدةً العدالة‪ .‬ستكونين قد استحقَق ِ‬
‫ت هذا‬ ‫صبين ال تتطلَّعي إل َّ‬
‫لكن عندما تُغت َ‬
‫قائال‪« :‬وأنت أيها الفارس يُفت َرض أن تكون على ب َّوابتك‪ .‬لقد كلَّفتك بالقيادة هناك‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬ ‫هايل ً‬
‫أجاب السير هايل‪« :‬بلى يا سيِّدي‪ ،‬لكني ف َّك ُ‬
‫رت أن‪.»...‬‬ ‫َ‬
‫ت واسعة‪.‬‬ ‫قاط َعه اللورد تارلي‪« :‬إنك تُفَ ِّكر أكثر من َّ‬
‫الالزم»‪ ،‬وابتع َد ب ُخطوا ٍ‬
‫اليسا تَلي ماتَت‪ .‬وقفَت بِريان تحت المشنقة وفي يدها الوثيقة الثَّمينة‪ ،‬وقد تفرَّق الجمهور وعادَت ال ِغربان‬
‫مغن دف َعها من فوق جبل‪ .‬هل الته َمت ال ِغربان لحم أخت الليدي كاتلين أيضًا؟ قال السير‬ ‫تستأنف وليمتها‪ٍّ .‬‬
‫أريك‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫ت فيُمكنني أن‬ ‫ت (اإلو َّزة النَّتنة) يا سيِّدتي‪ .‬إذا أرد ِ‬
‫هايل‪« :‬ذكر ِ‬
‫‪ُ « -‬عد إلى ب َّوابتك»‪.‬‬
‫رغبتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ق عابرة‪ .‬وجه ال يُ َميِّزه شيء‪ ،‬ليس وجهًا صادقًا‪« .‬إذا كانت هذه‬
‫ال َحت على وجهه نظرة ضي ٍ‬
‫‪« -‬إنها كذلك»‪.‬‬
‫قال‪« :‬كانت مجرَّد لُعب ٍة لتزجية الوقت‪ ،‬لم نقصد أ ًذى»‪ ،‬وتر َّدد قبل أن يُضيف‪« :‬بن ماتَ ‪ ،‬قُتِ َل في معركة‬
‫بجرح كلَّفه نِصف ذراعه»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أصيب‬
‫َ‬ ‫(النَّهر األسود)‪ ،‬وفارو أيضًا‪ ،‬وويل اللَّقلق‪ ،‬ومارك مالندور‬
‫ق هذا‪ ،‬غير أنها تذ َّكرت مالندور جالسًا أمام سُرادقه وعلى‬ ‫أرادَت بِريان أن تقول‪ :‬عظيم‪ ،‬عظيم‪ ،‬لقد استح َّ‬
‫ت مضحكة‪ .‬بِ َم دعَتهم‬ ‫كتفه قرده في بذل ٍة صغيرة من الحلقات المعدنيَّة‪ ،‬وكالهما يرسم على وجهه تعبيرا ٍ‬
‫كاتلين ستارك ليلتها في (جسر العلقم)؟ فُرسان الصَّيف‪ .‬واآلن َح َّل الخريف وها هُم يتساقَطون كأوراق‬
‫ال َّشجر‪...‬‬
‫أدا َرت ظَهرها للسير هايل هَنت‪ ،‬وقالت‪« :‬هل َّم يا پودريك»‪.‬‬
‫تب َعها الصَّبي قائدًا حصانيهما‪ ،‬وتساء َل‪« :‬هل سنبحث عن ذلك المكان؟ (اإلوزة النَّتنة)؟»‪.‬‬
‫خان نقضي فيه‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫سأبحث عنه‪ .‬أنت ستذهب إلى االسطبل عند الب َّوابة ال َّشرقيَّة‪َ .‬سل السَّائس عن‬ ‫‪« -‬أنا‬
‫اللَّيل»‪.‬‬
‫ً‬
‫راكال الحجارة بين الحين‬ ‫قال پودريك‪« :‬حاضر أيتها الفارس‪ ،‬يا سيِّدتي»‪ ،‬وبينما سارا ح َّدق إلى األرض‬
‫واآلخَر‪ ،‬ثم إنه سألَها‪« :‬هل تعرفين مكان اإلو َّزة؟ أعني (اإلو َّزة النَّتنة)»‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫‪« -‬قال إنه سيُرينا‪ ،‬ذلك الفارس‪ ،‬السير كايل»‪.‬‬
‫‪« -‬هايل»‪.‬‬
‫بك أيتها الفارس؟ أعني يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫‪« -‬هايل‪ .‬ماذا فع َل ِ‬
‫الصَّبي متلعثم لكنه ليس غبيًّا‪« .‬في (هايجاردن)‪ ،‬عندما استدعى الملك رنلي راياته‪َ ،‬‬
‫لعب عدد من الرِّ جال‬
‫بي لُعبةً‪ .‬السير هايل أحدهم‪ .‬كانت لُعبةً قاسيةً‪ ،‬مؤذيةً وتخلو من النُّبل»‪ ،‬ثم توقَّفت بِريان وقالت له‪:‬‬
‫«الب َّوابة ال َّشرقيَّة من هنا‪ .‬انتظرني هناك»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تقولين يا سيِّدتي‪ ،‬أيتها الفارس»‪.‬‬
‫ال الفتة تُ َحدِّد مكان (اإلو َّزة النَّتنة)‪ ،‬فاستغرقَت نحو ساع ٍة حتى وجدَت الحانة عند قاعدة ساللم خشبيَّة‬
‫تحت زريبة قصَّاب لحم جيف‪ .‬كان القبو معت ًما وسقفه واطئًا‪ ،‬واختبطَ رأس بِريان في إحدى عوارضه‬
‫حائط‬
‫ٍ‬ ‫ض َعت د َّكة عند‬
‫تناثرت بضعة مقاعد هنا وهناك‪ ،‬و ُو ِ‬ ‫َ‬ ‫إوز في المكان‪ ،‬وقد‬‫ي ٍّ‬ ‫وهي تَد ُخل‪ .‬لم ت َر أ َّ‬
‫طيني‪ ،‬و ُرصَّت موائد هي براميل نبيذ قديمة رماديَّة نخربَها ال ُّدود‪ .‬اشت َّمت ِبريان النَّتانة الموعودة‬
‫ضا‪،‬‬ ‫المتغل ِغلة في ك ِّل شيء‪ ،‬معظمها نبيذ ورطوبة وعفن فِطري‪ ،‬لكن فيها شيئًا من رائحة المراحيض أي ً‬
‫والقليل من رائحة القبور‪.‬‬
‫ُخاطب بعضهم بعضًا بلُغتهم الخشنة من وراء‬ ‫ال َّشاربون الوحيدون في المكان ثالثة بحَّارة تايروشيُّون ي ِ‬
‫ب وقال أحدهم شيئًا أضحكَ اآلخ َريْن‪ .‬كانت‬ ‫لحاهم الخضراء واألرجوانيَّة‪ ،‬وقد تفَّحصوها بأعيُنهم باقتضا ٍ‬
‫لوح من الخشب مرفوع على برميليْن‪ ،‬امرأة شاحبة مستديرة الجسد ويزحف‬ ‫ٍ‬ ‫مالكة الحانة واقفةً وراء‬
‫ً‬
‫وإجماال تبدو كأن اآللهة‬ ‫مئزر متَّسخ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الصَّلع على رأسها‪ ،‬ولها نهدان ضخمان متهدِّالن يتأر َجحان تحت‬
‫عجين نيء‪.‬‬‫ٍ‬ ‫خلقَتها من‬
‫رجل اسمه ديك‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أبحث عن‬ ‫ً‬
‫وبدال منه طلبَت كوبًا من النَّبيذ‪ ،‬وقالت‪« :‬‬ ‫لم تجرؤ بِريان على طلب الماء هنا‪،‬‬
‫الرَّشيق»‪.‬‬
‫أجابَت المرأة‪« :‬ديك كراب‪ ،‬يأتي ك َّل ليل ٍة تقريبًا»‪ ،‬ورمقَت قميص بِريان المعدني وسيفها مضيفةً‪« :‬إذا‬
‫مكان آ َخر‪ .‬ال نُريد متاعب مع اللورد تارلي»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ت تنوين قتله فافعلي ذلك في‬ ‫كن ِ‬
‫ر َّدت‪« :‬أري ُد أن أتكلَّم معه‪ .‬لماذا أوذيه؟»‪ .‬ه َّزت المرأة كتفيها بال جواب‪ ،‬فقالت لها بِريان‪« :‬إذا أشر ِ‬
‫ت‬
‫سأكون شاكرةً»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عليه عندما يأتي‬
‫ي درجة؟»‪.‬‬ ‫‪« -‬شاكرةً أل ِّ‬
‫وض َعت بِريان نجمةً نُحاسيَّةً على اللَّوح الخشبي بينهما‪ ،‬ثم وجدَت مكانًا وسط الظِّالل ترى منه السَّاللم‬
‫بوضوح‪.‬‬
‫جرَّبت النَّبيذ‪ .‬له مذاق زيتي على اللِّسان‪ ،‬وفي الكوب وجدَت شعرةً طافيةً ف َّكرت وهي تُزيلها‪ :‬شعرة‬
‫ضئيلة كأملي في العثور على سانزا‪ .‬لقد طاردَت السير دونتوس بال طائل‪ ،‬وبموت الليدي اليسا لم يَعُد‬
‫زوجك‬
‫ِ‬ ‫أنك مع‬
‫ديارك في (وينترفل) أم ِ‬
‫ِ‬ ‫ت إلى‬
‫ت يا ليدي سانزا؟ هل فرر ِ‬ ‫(الوادي) مال ًذا محت َم ًال‪ .‬أين أن ِ‬
‫الحق الفتاة عبر (البحر الضيِّق) حيث اللُّغة نفسها غريبة عليها‪.‬‬
‫كما يحسب پودريك؟ ال تُريد بِريان أن تُ ِ‬
‫سأبدو كالمسوخ أكثر فأكثر هناك وأنا أزمج ُر وأشي ُر كي يفهمونني‪ .‬سيضحكون مني كما ضحكوا في‬
‫(هايجاردن)‪.‬‬
‫زحفَت الحُمرة على وجنتيها إذ تذ َّكرت‪.‬‬
‫حين ت َّوج رنلي نفسه ركبَت عذراء (تارث) قاطعةً (المرعى) كلَّه لتنض َّم إليه‪ ،‬واستقبلَها الملك بكياس ٍة‬
‫استقباال حا ًّرا‪ ،‬وهيَّأت نفسها‬
‫ً‬ ‫ورحَّب بها في خدمته‪ ،‬ولكن ليس لورداته وفُرسانه‪ .‬لم تكن بِريان تتوقَّع‬
‫للبرودة والسُّخرية والعُدوانيَّة‪ ،‬فكلُّ هذا ألفَته من قبلها‪ .‬ليس ته ُّكم الكثرة ما يُ َحيِّرها ويجرحها‪ ،‬وإنما لُطف‬
‫ط حتى ذهبَت إلى (هايجاردن)‪.‬‬ ‫ُغازلها قَ ُّ‬
‫القِلَّة‪ ،‬ذلك أن عذراء (تارث) ُخ ِطبَت ثالث مرَّات‪َّ ،‬إال أن أحدًا لم ي ِ‬
‫ً‬
‫طوال‪ ،‬وقد أرس َل إليها‬ ‫أولهم كان بن بوشي الكبير‪ ،‬أحد ال ِّرجال القالئل في معسكر رنلي الذين يتجا َوزونها‬
‫ب فضِّ يًّا‪ ،‬لكن السير إدموند أمبروز تف َّوق عليه بدرج ٍة إذ‬ ‫ظف ِدرعها وأهدى إليها قرن شرا ٍ‬ ‫ُمرافقه ليُنَ ِّ‬
‫فغلب االثنين وأعطاها كتابًا زاخرًا بالرُّ سوم‬ ‫َ‬ ‫جلب لها زهورًا وسألَها أن تركب معه‪ ،‬أ َّما السير هايل هَنت‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الجميلة وعشرات الحكايات عن بسالة الفرسان‪ ،‬وأحض َر تفاحًا وجزرًا ألحصنتها وريشةً حريريَّةً زرقاء‬
‫ت ذكيَّة الذعة جعلَتها تبتسم‪ ،‬بل وتدرَّب‬ ‫لخوذتها‪ ،‬وأخب َرها بما يدور في المعسكر من نميم ٍة وألقى تعليقا ٍ‬
‫معها أيضًا ذات يوم‪ ،‬وهو ما عنى لها أكثر من سائر ما فعلَه‪.‬‬
‫ظنَّت أن بسببه بدأ اآلخَرون يُعا ِملونها بكياس ٍة بدورهم‪ .‬بأكثر من الكياسة‪ .‬على المائدة تشاج َر الرِّجال على‬
‫ُناولوها الكعك‪ ،‬وعزفَ السير ريتشارد فارو أغاني‬ ‫مكان إلى جوارها عارضين أن يمألوا كأسها أو ي ِ‬ ‫ٍ‬
‫وجلب لها السير هيو بيزبوري ج َّرةً من العسل «الحُلو كعذراوات‬ ‫َ‬ ‫الحُبِّ على عوده خارج سُرادقها‪،‬‬
‫(تارث)»‪ ،‬وأضح َكها السير مارك مالندور بطرائف قرده الصَّغير الذي أتى بلونيه األبيض واألسود من‬
‫وعرض فارس متج ِّول اسمه ويل اللَّقلق أن يُ َدلِّك كتفيها ليبسط عضالتهما المشدودة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(جُزر الصَّيف)‪،‬‬
‫طته‬ ‫ضتهم جميعًا‪ .‬عندما أمس َكها السير أوين إنشفيلد ذات ليل ٍة وقبَّلها رغ ًما عنها أسق َ‬ ‫ضته بِريان‪ ،‬رف َ‬ ‫ورف َ‬
‫على مؤ ِّخرته في بؤرة نار‪ ،‬وبَعدها تطلَّعت إلى نفسها في المرآة‪ ،‬فرأت وجهها عريضًا من َّم ًشا كبير‬
‫األسنان كما كان دو ًما‪ ،‬وشفتيها كبيرتين وفَ َّكها سمي ًكا‪ .‬يا للقُبح‪ .‬لم تكن تُريد َّإال أن تُصبِح فارسًا وتخدم‬
‫الملك رنلي‪ ،‬لكن اآلن‪...‬‬
‫لم تكن المرأة الوحيدة هناك‪ .‬حتى تابعات المعسكرات كن أجمل منها‪ ،‬وفي القلعة اعتا َد اللورد تايرل أن‬
‫الحسان على أنغام المزمار‬ ‫يُقيم مأدبةً للملك رنلي ك َّل ليل ٍة فيما تَرقُص الفتيات عاليات المقام والليديهات ِ‬
‫والبوق والقيثار‪ .‬متى ألقى عليها فارس غريب مجا َملةً ما أرادَت أن تَصرُخ فيه‪ :‬لماذا تُعا ِملني بلُطف؟!‬
‫ماذا تُريد؟!‬
‫و َح َّل راندل تارلي اللُّغز يوم أرس َل اثنين من جنوده الستدعائها إلى سُرادقه‪ ،‬حيث قال لها إن ابنه الصَّغير‬
‫رسان يضحكون وهُم يضعون على خيولهم سروجها‪ ،‬وأخب َر أباه بما قالوه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ديكون سم َع أربعة فُ‬
‫كانوا متراهنين عليها‪.‬‬
‫أخب َرها بأن ثالثةً من الفُرسان ال َّشباب بدأوا الرَّهان‪ ،‬أمبروز وبوشي‪ ،‬باإلضافة إلى هايل هَنت الذي ينتمي‬
‫رجل يرغب‬
‫ٍ‬ ‫إلى َحرس أهل بيته‪ ،‬لكن إذ انتش َر الخبر في المعسكر انض َّم آخَرون إلى اللُّعبة‪ .‬كان على ك ِّل‬
‫في االنضمام إلى المسابقة أن يدفع تنِّينًا ذهبيًّا‪ ،‬على أن يجني المبلغ اإلجمالي َمن يفضُّ بِكارتها‪.‬‬
‫وضعت نهايةً للُعبتهم‪ .‬بعض هؤالء ال‪ ...‬المتنافسين‪ ...‬بعضهم أقلُّ َشرفًا من غيرهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال لها تارلي‪« :‬لقد‬
‫ت فقط قبل أن يُقَرِّر أحدهم أن ينال غنيمته باإلكراه»‪.‬‬‫والرَّهانات كانت تتزايَد ك َّل يوم‪ .‬كانت مسألة وق ٍ‬
‫قالت مذهولةً‪« :‬إنهم فُرسان‪ ،‬فُرسان منصَّبون»‪.‬‬
‫‪« -‬ورجال ُشرفاء‪ .‬أن ِ‬
‫ت الملومة»‪.‬‬
‫ر َّدت وقد أجفلَها االتِّهام‪« :‬إنني لم‪ ...‬سيِّدي‪ ،‬أنا لم أفعل شيئًا ألشجِّعهم»‪.‬‬
‫وجودك هنا شجَّعهم‪ .‬إذا تصرَّفت امرأة كتابعة معسكرات فال يُمكنها أن تحت َّج على معاملتها كواحدة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫عائلتك على اإلطالق فاخلعي هذه الدِّرع‬
‫ِ‬ ‫تك أو َشرف‬‫ت تحترمين عفَّ ِ‬
‫الجيش ليس مكانًا للفتيات‪ .‬إذا كن ِ‬
‫لك زو ًجا»‪.‬‬‫أبيك أن يجد ِ‬
‫ديارك وتوسَّلي إلى ِ‬
‫ِ‬ ‫وارجعي إلى‬
‫قالت بإصرار‪ُ « :‬‬
‫جئت ألقاتل‪ ،‬ألكون فارسًا»‪.‬‬
‫قال راندل تارلي‪« :‬اآللهة خلقَت الرِّ جال للقتال والنِّساء لحمل األطفال‪ .‬حرب المرأة في فِراش الوالدة»‪.‬‬
‫ث الملبس مهزول القوام‬‫نازال السَّاللم إلى القبو‪ ،‬فنحَّت نبيذها جانبًا بينما دخ َل رجل َر ُّ‬
‫رأت بِريان أحدهم ً‬
‫مدبَّب الوجه له َشعر بنِّي متَّسخ‪ .‬ألقى على البحَّارة التايروشيِّين نظرةً سريعةً وعلى بِريان نظرةً أكثر‬
‫ذهب إلى المشرب‪ ،‬وقال‪« :‬نبيذ‪ ،‬ومن دون بول خيول‪ُ ،‬شكرًا»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫إمعانًا‪ ،‬ثم‬
‫نظ َرت المرأة إلى بِريان وأومأَت برأسها‪ ،‬فنادَت‪« :‬سأشتري لك النَّبيذ مقابل كلم ٍة معك»‪.‬‬
‫وجلس على ال ُكرسي المقابل‬
‫َ‬ ‫ت كثيرة»‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أعرف كلما ٍ‬ ‫تفرَّس الرَّجل فيها بعينين حذرتين‪ ،‬ثم قال‪« :‬كلمة؟‬
‫لها متابعًا‪« :‬أخبِريني أيُّ كلم ٍة تُريد سيِّدتي أن تسمعها وسيقولها ديك الرَّشيق»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أنك خدعت مه ِّرجًا»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫كان الرَّجل الضَّاوي يرتدي سُترةً باهتةً مم َّزقةً انتُ ِزعَت من على صدرها شارة لورد ما‪ ،‬وقد رشفَ من‬
‫نبيذه مف ِّكرًا‪ ،‬قبل أن يقول‪« :‬ربما وربما ال‪ .‬من يُريد أن يعرف؟»‪.‬‬
‫ضيَّةً على البرميل بينهما‪ ،‬على أحد وجهيها رأس روبرت‬ ‫أجابَت‪« :‬الملك روبرت»‪ ،‬ووض َعت قطعةً ف ِّ‬
‫وعلى الثَّاني رمز الوعل‪.‬‬
‫ط العُملة ود َّورها‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬أحبُّ أن أرى مل ًكا يَرقُص‪ ،‬هاي‪-‬نوني هاي‪-‬نوني‬ ‫قال الرَّجل‪« :‬حقًّا؟»‪ ،‬والتق َ‬
‫ِّجك هذا»‪.‬‬
‫رأيت مهر ِ‬‫ُ‬ ‫هاي‪-‬نوني‪-‬هو‪ .67‬ربما‬
‫‪« -‬أكانت معه بنت؟»‪.‬‬
‫أجاب من فوره‪« :‬بنتان»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪« -‬بنتان؟!»‪ .‬هل يُمكن أن تكون الثَّانية آريا؟ ‪« -‬لم أ َر الحُلوتين الصَّغيرتين‪ ،‬لكنه أرا َد رحلةً لثالثة»‪.‬‬
‫‪« -‬رحلة إلى أين؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إلى البَ ِّر اآلخَر من البحر على ما أذك ُر»‪.‬‬
‫‪« -‬هل تَذ ُكر شكله؟»‪.‬‬
‫اختطفَ العُملة التي تدور على سطح المائدة وقد بدأت حر َكتها تتباطأ وجعلَها تختفي مجيبًا‪« :‬مه ِّرج‪،‬‬
‫مهرِّج خائف»‪.‬‬
‫‪« -‬خائف ِم َّم؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬لم يقل‪ ،‬لكن ديك الرَّشيق يعرف رائحة الخوف‪ .‬اعتا َد أن يأتي هنا ك َّل ليل ٍة تقريبًا‪ ،‬يدعو‬‫هَ َّز كتفيه ً‬
‫فشحب وجه‬
‫َ‬ ‫البحَّارة إلى ال َّشراب ويُلقي النِّكات ويُ َغنِّي‪ .‬ثم في ليل ٍة جا َء رجال على صدورهم ال َّ‬
‫صيَّاد‬
‫مواصال‪« :‬تارلي هذا جنوده يجوبون الميناء‬ ‫ً‬ ‫وخرس حتى رحلوا»‪ ،‬ودنا منها أكثر‬
‫َ‬ ‫ِّجك كالحليب‬‫مهر ِ‬
‫غزاال يذهب إلى الغابة‪ ،‬و َمن يُريد سفينةً يذهب إلى الميناء‪.‬‬
‫ً‬ ‫مراقبين ك َّل سفين ٍة آتية أو ذاهبة‪َ .‬من يُريد‬
‫ُ‬
‫فعرضت عليه المساعَدة»‪.‬‬ ‫ِّجك لم يجرؤ‪،‬‬
‫مهر ِ‬
‫ي نوع؟»‪.‬‬
‫‪« -‬مساعَدة من أ ِّ‬
‫‪« -‬النَّوع الذي يُ َكلِّف أكثر من قطعة فضَّة واحدة»‪.‬‬
‫‪« -‬أخبِرني وسأعطيك أخرى»‪.‬‬
‫قال‪« :‬لن َرها»‪ ،‬فوض َعت ُعملةً أخرى على البرميل‪ ،‬ليُ َد ِّورها ويبتسم ويلتقطها مجيبًا‪َ « :‬من ال يستطيع‬
‫أعرف مكانًا يُتاح فيه هذا‪ ،‬مكان خفي»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قلت له إنني‬ ‫َّ‬
‫الذهاب إلى السُّفن يحتاج إلى أن تذهب السُّفن إليه‪ُ .‬‬
‫اقشع َّر ِجلد بِريان على ذراعيها‪ ،‬وقالت‪« :‬وكر مهرِّبين‪ ،‬أرسلت المهرِّ ج إلى مهرِّبين»‪.‬‬
‫َر َّد مقهقهًا‪« :‬هو والبنتان‪ .‬المشكلة فقط أن المكان الذي أرسلته إليه لم تأتِه سفينة منذ فترة‪ ،‬نحو ثالثين‬
‫عندك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫متسائال‪« :‬ما أهميَّة هذا المه ِّرج‬ ‫عا ًما»‪ ،‬و َح َّ‬
‫ك أنفه‬
‫‪« -‬هاتان البنتان أختاي»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟ مسكينتان‪ .‬كانت لي أخت ذات يوم‪ ،‬فتاة نحيلة برُكبتيْن ناتئتيْن‪ ،‬لكن بَعد ذلك نما لها زوج من‬
‫آخر م َّر ٍة رأيتها كانت في طريقها إلى (كينجز الندنج) لتكسب قوتها‬
‫س بين ساقيها‪ِ .‬‬
‫األثداء ودخ َل ابن فار ٍ‬
‫على ظَهرها»‪.‬‬
‫‪« -‬أين أرسلتهم؟»‪.‬‬
‫يهز كتفيه ً‬
‫قائال‪« :‬هذا ال أذكره»‪.‬‬ ‫عا َد ُّ‬
‫دقَّت بِريان المائدة ٍ‬
‫بأيل فضِّ ي آخَر مكرِّرةً‪« :‬أين؟»‪.‬‬
‫دف َع العُملة ناحيتها بسبَّابته‪ ،‬وقال‪« :‬إنه مكان لم يَد ُخله أيل من قبل‪ ...‬لكن تنِّينًا يستطيع»‪.‬‬
‫الذهب‪ ،‬وربما ال‪ .‬الفوالذ أضمن‪ .‬مسَّت بِريان‬ ‫أدر َكت أن الفضَّة لن تستخلص منه الحقيقة‪ .‬ربما يُفلِح َّ‬
‫صرَّتها والتقطَت تنِّينًا ذهبيًّا وض َعته على البرميل‪ ،‬وكرَّرت‪:‬‬‫بدال من هذا دسَّت يدها في ُ‬ ‫خنجرها‪ ،‬لكنها ً‬
‫«أين؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫شماال من‬ ‫اختطفَ الرَّجل األشعث العُملة و َعضَّ عليها‪ ،‬ثم قال‪« :‬جميل‪ ،‬يُ َذ ِّكرني ب(الرَّأس المتصدِّع)‪،‬‬
‫َّيت هناك‪ .‬اسمي ديك كراب‪ ،‬مع أن أكثر‬ ‫دت وترب ُ‬ ‫هنا‪ .‬إنها براري مليئة بالتِّالل والمستنقعات‪ ،‬لكني ُولِ ُ‬
‫القوم يدعونني بديك الرَّشيق»‪.‬‬
‫جاوبه باسمها‪ ،‬وسألَت‪« :‬أين في (الرَّأس المتصدِّع)؟»‪.‬‬ ‫لم تُ ِ‬
‫‪(« -‬قلعة الهمس)‪ .‬مؤ َّكد ِ‬
‫أنك سمعت عن كالرنس كراب»‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫أقدام‬
‫ٍ‬ ‫قلت‪ .‬إن دمه في عروقي‪ .‬كان يَبلُغ ثمانية‬
‫الحت عليه ال َّدهشة‪« :‬السير كالرنس كراب كما ُ‬ ‫قال وقد َ‬
‫صنوبر من األرض بي ٍد واحدة ويُلقيها على بُعد نِصف ميل‪ .‬لم‬ ‫َّ‬
‫يجتث شجرة َ‬ ‫ً‬
‫طوال‪ ،‬وق َّوته هائلة لدرجة أن‬
‫يكن هناك حصان يحتمل ثِقله‪ ،‬فامتطى ثورًا ب ِّريًّا»‪.‬‬
‫‪« -‬ما عالقته بوكر المهرِّبين؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال أخ َذ رأسه معه إلى زوجته‪ ،‬فتُقَبِّل الرَّأس‬ ‫‪« -‬زوجته كانت ساحرة غابة‪ .‬كلَّما قت َل السير كالرنس‬
‫على ال َّشفتين وتُعيده إلى الحياة‪ .‬كانت رؤوس لوردات وسحرة وفُرسان وقراصنة مشاهير‪ ،‬وأحدها كان‬
‫تستطع أن‬
‫ِ‬ ‫رأس ملك (وادي الغسق)‪ .‬تلك الرُّ ؤوس أسدَت لكراب نصائح مفيدة‪ ،‬لكن ألنها رؤوس فقط فلم‬
‫ترفع صوتها‪ ،‬ومع ذلك لم تَص ُمت لحظةً‪ .‬عندما يكون المرء رأسًا فقط فالكالم كلُّ ما لديه لتمضية الوقت‪.‬‬
‫هكذا ُس ِّميَت قلعة كراب (قلعة الهمس)‪ ،‬وما زا َل هذا اسمها مع أنها خربَت منذ ألف عام‪ .‬مكان موحش»‪،‬‬
‫وقلَّب الرَّجل العُملة برشاق ٍة على مفاصل أصابعه مردفًا‪« :‬تنِّين واحد تُصيبه الوحدة‪ ،‬أ َّما عشرة‬
‫تنانين‪.»...‬‬
‫‪« -‬عشرة تنانين ثروة‪ .‬أتحسبني بلهاء؟»‪.‬‬
‫أقودك إلى (قلعة‬
‫ِ‬ ‫أقودك إلى المهرِّج‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ب إلى جانب‪« :‬ال‪ ،‬لكنني أستطي ُع أن‬ ‫َر َّد والعُملة تتراقَص من جان ٍ‬
‫الهمس) يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫لم تَرُق بِريان الطَّريقة التي تتالعَب بها أصابعه بالعُملة َّ‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬ومع ذلك‪« ...‬ستَّة تنانين إذا وجدنا أختي‪،‬‬
‫اثنان إذا وجدنا المهرِّ ج‪ ،‬وال شيء إذا لم نجد شيئًا»‪.‬‬
‫هَ َّز كراب كتفيه ً‬
‫قائال‪« :‬ال بأس بستَّة‪ ،‬ستَّة مبلغ مناسب»‪.‬‬
‫حاول خداعي‪ .‬لن‬‫قب َل بسُرع ٍة بالغة‪ .‬أطبقَت على معصمه قبل أن يدسَّ العُملة في جيبه‪ ،‬وقالت‪« :‬إياك أن تُ ِ‬
‫ت يدي»‪.‬‬‫ك كراب معصمه متمت ًما‪« :‬تبًّا‪ ،‬آلم ِ‬ ‫تجدني لُقمةً سائغةً»‪ ،‬ول َّما أطلقَت سراحه فر َ‬
‫‪« -‬آسفةٌ لهذا‪ .‬أختي بنت في الثَّالثة عشرة‪ ،‬ويجب أن أعثر عليها قبل‪.»...‬‬
‫معك‬
‫ِ‬ ‫أفهمك‪ .‬اعتبريها في ِعداد النَّاجين‪ .‬ديك الرَّشيق‬
‫ِ‬ ‫‪ ...« -‬قبل أن يضع فارس نفسه في فتحتها‪ .‬نعم‪،‬‬
‫ي أن أراه بخصوص حصان»‪.‬‬ ‫اآلن‪ .‬قابِليني أمام الب َّوابة ال َّشرقية عند مطلع الفَجر‪ .‬هناك رجل عل َّ‬
‫سامويل‬
‫بغثيان فظيع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أصاب البحر سامويل تارلي‬
‫َ‬
‫ضا‪،‬‬ ‫ليس السَّبب بالكامل خوفه من الغرق‪ ،‬ولو أن جز ًءا كبيرًا منه كذلك بالفعل‪ ،‬وإنما حركة السَّفينة أي ً‬
‫ويهتز تحت قدميه‪ .‬يوم أب َحروا من (القلعة ال َّشرقيَّة) اعترفَ لداريون‬ ‫ُّ‬ ‫الطَّريقة التي يتمايَل بها السَّطح‬
‫بطن كبير كبطنك أيها القا ِتل‬ ‫ٍ‬ ‫قائال‪« :‬بطني يُصيبه الغثيان بسهولة»‪ ،‬فربَّت المغنِّي على ظَهره و َر َّد‪« :‬مع‬ ‫ً‬
‫فهذا إفراط في الغثيان»‪.‬‬
‫حاو َل سام أن يرسم على وجهه قناعًا من ال َّشجاعة‪ ،‬ألجل خاطر جيلي قبل ك ِّل شيء‪ ،‬فالفتاة لم ت َر بح ًرا‬
‫ت ع َّدة في‬ ‫ق األنفُس بَعد الهرب من (قلعة كراستر) صادَفا بُحيرا ٍ‬ ‫ط‪ .‬ل َّما خاضا الثُّلوج ِ‬
‫بش ِّ‬ ‫في حياتها قَ ُّ‬
‫طريقهما‪ ،‬لكن حتى تلك البُحيرات كانت لها بمثابة أعجوبة‪ .‬بينما ابتعدَت (الطَّائر األسود) عن اليابسة‬
‫را َحت الفتاة ترتجف وسالَت قطرات ال ُّدموع المالحة الكبيرة على وجنتيها‪ ،‬وسم َعها سام تهمس‪« :‬يا‬
‫غاب عن األنظار تما ًما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الجدار) يتضا َءل ويتضا َءل حتى‬ ‫أوال‪ ،‬ثم أخ َذ ( ِ‬ ‫لآللهة»‪ .‬اختفَت (القلعة ال َّشرقيَّة) ً‬
‫كمعطف أسود ُغ ِس َل مرارًا وتكرا ًرا‪ ،‬ووجه‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئ ٍذ كانت الرِّيح قد بدأت تشت ُّد‪ .‬للقلوع لون رمادي باهت‬
‫جيلي كان أبيض ممتقعًا من فرط الخوف‪ ،‬فقال لها سام مبتغيًا طمأنتها‪« :‬هذه سفينة قويَّة‪ ،‬ال داعي‬
‫نظرت إليه فحسب وض َّمت رضيعها إليها أكثر وفرَّت إلى أسفل‪.‬‬ ‫للخوف»‪ ،‬غير أنها َ‬
‫سرعان ما وج َد سام نفسه يتشبَّث بحافة السَّفينة ويُشا ِهد حركة المجاذيف الرَّتيبة‪ ،‬فألفى التَّطلُّع إلى‬
‫جميال‪ ،‬بل وأفضل من النَّظر إلى الماء‪ .‬النَّظر إلى الماء ال يجعله يُفَ ِّكر َّإال‬ ‫ً‬ ‫الطَّريقة التي تتحرَّك بها معًا‬
‫صغره جرَّب السيِّد والده أن يُ َعلِّمه السِّباحة بإلقائه في البِركة التي تطلُّ عليها (هورن‬ ‫في الغرق‪ .‬في ِ‬
‫ت بَعد أن‬ ‫هيل)‪ ،‬فدخلَت المياه أنفه وفمه ورئتيه‪ ،‬والز َمه السُّعال والتَّن ُّفس الممزوج بالصَّفير طيلة ساعا ٍ‬
‫ق أعلى من خصره‪.‬‬ ‫أخر َجه السير هايل‪ ،‬ومنذ ذلك الحين لم يَجسُر على النُّزول في الماء على ُعم ٍ‬
‫(خليج الفقمات) أعمق من خصره كثيرًا‪ ،‬وليس ساكنًا كبِركة األسماك الصَّغيرة عند قلعة أبيه‪ ،‬مياهه‬
‫رماديَّة وخضراء ومتقلِّبة‪ ،‬والسَّاحل المحرَّج باألشجار الذي يمضون بمحاذاته غابة من الصُّ خور‬
‫وال َّد َّوامات‪ .‬حتى إذا استطا َع بوسيل ٍة ما أن يقطع ك َّل تلك المسافة رفسًا وزحفًا فاألرجح أن األمواج ستدفعه‬
‫بحجر ما ويُهَ ِّشم رأسه تهشي ًما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ليرتطم‬
‫قال داريون حين رأى سام واقفًا يتطلَّع عبر الخليج‪« :‬هل تبحث عن عرائس البحر أيها القاتِل؟»‪ .‬ب َشعره‬
‫أخ‬
‫ظالم من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الفاتح وعينيه البندقيَّتين يبدو المغنِّي ال َّشاب الوسيم اآلتي من (القلعة ال َّشرقيَّة) أقرب إلى أمير‬
‫أسود‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪ .‬ال يدري سام َع َّم يبحث أو ماذا يفعل على متن هذه السَّفينة‪ .‬قال لنفسه‪ :‬أنا ذاهب إلى (القلعة)‬
‫بشكل أفضل‪ ،‬لكن الفكرة أصابَته بالضَّجر ال أكثر‪ .‬إنه‬
‫ٍ‬ ‫ألك ِّون سلسلةً وأصبح ِمايستر كي أخدم َحرس اللَّيل‬
‫يلف حول ُعنقه سلسلةً ثقيلةً حلقاتها باردة على ِجلده‪ ،‬ال يُريد أن يَترُك إخوته‬
‫ال يُريد أن يُصبِح ِمايستر ُّ‬
‫ُواجه أباه الذي أرسلَه إلى ( ِ‬
‫الجدار)‬ ‫واألصدقاء الوحيدين الذين عرفَهم طول حياته‪ ،‬وقطعًا ال يُريد أن ي ِ‬
‫ليموت‪.‬‬
‫األمر مختلف مع اآلخَرين‪ ،‬فبالنِّسبة إليهم لل ِّرحلة نهاية سعيدة‪ .‬جيلي ستكون آمنةً في (هورن هيل)‪ ،‬وبينها‬
‫وبين األهوال التي خب َرتها في (الغابة المسكونة) عرض (وستروس) بأكمله‪ .‬باعتبارها خادمةً في قلعة‬
‫ط وهي زوجة‬ ‫عالم رحب لم تَحلُم به قَ ُّ‬
‫ٍ‬ ‫أبيه ستحظى بالدِّفء وحُسن التَّغذية‪ ،‬ستكون جز ًءا صغيرًا من‬
‫اسطبل أو ح َّدادًا‪ ،‬وإذا أبدى الصَّبي جدارةً‬
‫ٍ‬ ‫كراستر‪ ،‬وسترى ابنها ينمو كبيرًا قويًّا ويصير صيَّادًا أو عامل‬
‫بحمل السِّالح فربما يتَّخذه فارس ما ُمرافقًا كذلك‪.‬‬
‫مكان أفضل أيضًا‪ ،‬ومن السَّار أن يُفَ ِّكر سام فيه إذ يقضي ما تبقَّى له من ُع ٍ‬
‫مر‬ ‫ٍ‬ ‫وال ِمايستر إيمون ذاهب إلى‬
‫يستمتع بنسيم (البلدة القديمة) ال َّدافئ ويتناقَش مع ُزمالئه ال ِمايسترات وينقل حكمته إلى ال ُمعاونين‬
‫ق الرَّجل راحته أضعافًا مضاعفةً‪.‬‬ ‫والمبتدئين‪ .‬لقد استح َّ‬
‫حتى داريون سيكون أسعد‪ .‬إنه يَز ُعم دو ًما أنه بريء من تُهمة االغتصاب التي نج َم عنها إرساله إلى‬
‫ُفترض أن يكون في بالط أحد اللوردات ليُ َغنِّي له على ال َعشاء‪ ،‬واآلن‬ ‫الجدار)‪ ،‬ويصرُّ على أن مكانه ي َ‬ ‫( ِ‬
‫رجل اسمه يورن اختفى وأصب َح في ِعداد الموتى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سينال تلك الفُرصة وقد عيَّنه چون مجنِّدًا ليح َّل مح َّل‬
‫الجدار)‬‫مه َّمته أن يجوب (الممالك السَّبع) ويُ َغنِّي عن بأس َحرس اللَّيل‪ ،‬وبين الحين واآلخَر يعود إلى ( ِ‬
‫ب ُدفع ٍة جديدة من المجنَّدين‪.‬‬
‫ستكون الرِّحلة طويلةً مضطربةً وال أحد يُن ِكر ذلك‪ ،‬لكن على األقل تنتظر اآلخَ رين نهاية سعيدة‪ ،‬وهذا‬
‫عزاء سام الذي قال لنفسه‪ :‬إنني ذاهب من أجلهم‪ ،‬من أجل َحرس اللَّيل والنِّهاية السَّعيدة‪ .‬على أنه كلَّما‬
‫تطلَّع إلى البحر أكثر بدا أبرد وأعمق‪.‬‬
‫ضيِّقة التي يشترك فيها ال ُمسافرون تحت‬ ‫ك سام في القمرة ال َّ‬ ‫لكن عدم النَّظر إلى الماء أسوأ وأسوأ‪ ،‬كما أدر َ‬
‫السَّلوقيَّة الخلفيَّة‪ .‬حاو َل أن ينأى بأفكاره عن الهياج في معدته بأن يُ َكلِّم جيلي بينما تُ ِ‬
‫‪69‬‬
‫رضع ابنها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫قرأت كتابًا‬ ‫«هذه السَّفينة ستأخذنا حتى (براڤوس)‪ ،‬وهناك سنجد سفينةً أخرى تحملنا إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫عن (براڤوس) في طفولتي‪ .‬المدينة كلُّها مبنيَّة في هَور على مئة جزير ٍة صغيرة‪ ،‬وعندهم مارد هناك‪،‬‬
‫بدال من الخيول‪ ،‬ويُقَدِّم ممثِّلوهم قصصًا مكتوبةً‬ ‫رجل حجري طوله مئات األقدام‪ .‬إنهم يركبون القوارب ً‬
‫بدال من اختالق المهازل السَّخيفة المعتادة‪ .‬الطَّعام جيِّد ج ًّدا أيضًا‪ ،‬خصوصًا األسماك‪ ،‬ألنهم يصطادون‬ ‫ً‬
‫أيام هناك‬ ‫مختلف أنواع الحلزون والمحار وثعابين الماء الطَّازجة من الهَور‪ .‬المفت َرض أن نقضي بضعة ٍ‬
‫عرض تمثيلي ونأكل المحار»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بين ال ِّرحلتين‪ ،‬وإذا فعلنا فلنذهب لمشاهَدة‬
‫حسب أن ذلك سيُثير حماستها‪ ،‬لكنه كان مخطئًا تما ًما‪ ،‬إذ ح َّدقت جيلي إليه بنظر ٍة فاترة خاوية من بين‬ ‫َ‬
‫ُخصالت َشعرها المتَّسخ‪ ،‬وقالت‪« :‬إذا أردت يا سيِّدي»‪.‬‬
‫سألَها سام‪« :‬ماذا تُريدين أن ِ‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫ر َّدت‪« :‬ال شيء»‪ ،‬والتفتَت عنه ونقلَت ابنها من ٍ‬
‫ثدي إلى اآل َخر‪.‬‬
‫كانت حركة السَّفينة تُقَلِّب ما في معدة سام من البيض واللَّحم المق َّدد وال ُخبز المح َّمر الذي أكلَه قبل بداية‬
‫ال ِّرحلة‪ ،‬وعلى حين غ َّر ٍة لم يَعُد يستطيع البقاء في القمرة لحظةً أخرى‪ ،‬فدف َع نفسه إلى القيام وتسلَّق السُّلَّم‬
‫ليُعطي إفطاره للبحر‪ .‬داه َمه الغثيان بق َّو ٍة شديدة حتى إنه لم يتوقَّف ليُ َعيِّن اتِّجاه هبوب الرِّيح‪ ،‬فتقيَّأ من‬
‫الجانب الخطأ ول َّوث نفسه بالقيء‪ ،‬وعلى الرغم من هذا أحسَّ بتحس ٍُّن كبير بَعدها‪ ...‬ولكن ليس لفتر ٍة‬
‫طويلة‪.‬‬
‫(الطَّائر األسود) أكبر قوادس ال َحرس الثَّالثة‪ُ ( .‬غراب العواصف) و(البرثن) أسرع‪ ،‬كما أخب َر كوتر پايك‬
‫ال ِمايستر إيمون وهُم في (القلعة ال َّشرقيَّة)‪ ،‬لكنهما سفينتان حربيَّتان‪ ،‬طائران كاسران سريعان رشيقان‬
‫المالحون على السَّطح المفتوح‪ ،‬أ َّما (الطَّائر األسود) فخيار أفضل لمياه (البحر الضيِّق)‬ ‫َّ‬ ‫يجلس فيهما‬
‫الهائجة وراء (سكاجوس)‪ .‬قال لهم پايك مح ِّذرًا‪« :‬ث َّمة عواصف منذ فترة‪ .‬عواصف ال ِّشتاء أسوأ‪ ،‬لكن‬
‫عواصف الخريف متكرِّرة»‪.‬‬
‫األيام العشرة األولى كانت هادئةً فيما مخ َرت السَّفينة عباب (خليج الفقمات) دون أن تبتعد عن منظر‬
‫اليابسة إطالقًا‪ ،‬ورغم أن ال َج َّو يَبرُد عندما تهبُّ الرِّيح ففي رائحة الملح في الهواء شيء من ِّشط منعش‬
‫طويال‪ ،‬لكنه لم‬ ‫ً‬ ‫كذلك‪ .‬بالكاد استطا َع سام أن يأكل‪ ،‬وكلَّما أرغ َم نفسه على ابتالع شي ٍء ال يبقى في معدته‬
‫ُعان كثيرًا ب َغضِّ النَّظر عن هذا‪.‬‬ ‫ي ِ‬
‫ويبث فيها ما يستطيع من ابتهاج‪َّ ،‬إال أنه وج َد المه َّمة عسيرةً‪ ،‬فمهما قال‬ ‫َّ‬ ‫حاو َل أن يشحذ ه َّمة جيلي‬
‫ضت أن تصعد إلى السَّطح وفضَّلت أن تبقى قابعةً في الظَّالم مع ابنها‪ .‬ويبدو أن الرَّضيع ال يروقه‬ ‫رف َ‬
‫وجوده على السَّفينة أكثر من أ ِّمه‪ ،‬فحين ال يَصرُخ يتقيَّأ اللَّبن الذي أرض َعته إياه‪ ،‬باإلضافة إلى اإلسهال‬
‫الذي أصابَه ليُلَ ِّوث الفرو الذي تلفُّه به جيلي لتدفئته ويمأل الهواء برائح ٍة بنِّيَّة كريهة‪ ،‬وال يه ُّم كم شمعةً‬
‫معطَّرةً يُش ِعلها سام‪ ،‬فرائحة الخراء ال تزال باقيةً‪.‬‬
‫مالحو (الطَّائر‬ ‫بالذات عندما يُ َغنِّي داريون‪ .‬يعرف َّ‬ ‫يطيب لسام أكثر أن يبقى باألعلى في الهواء الطَّلق‪َّ ،‬‬
‫األسود) المطرب الذي تع َّود أن يُ َغنِّي لهم بينما يُ َج ِّذفون‪ ،‬كما أنه يعرف جميع أغانيهم المفضَّلة؛ منها‬
‫والحماسي ك(الرِّماح‬ ‫ُّ‬ ‫الحزين ك(يوم شنقوا روبن األسود) و(مرثيَّة عروس البحر) و(خريف ُعمري)‪،‬‬
‫الحديد) و(سبعة سيوف لسبعة أبناء)‪ ،‬والخليع ك(عَشاء سيِّدتي) و(زهرتها الصَّغيرة) و(ماجيت كانت فتاةً‬
‫المالحون فيبدو كأن السَّفينة تطير على‬ ‫مرحةً‪ ،‬فتاةً مرحةً كانت)‪ ،‬وحين يُ َغنِّي (الجميلة وال ُّدب) ينض ُّم إليه َّ‬
‫الماء طيرانًا‪ .‬ليس داريون بال ُمبارز الماهر ‪-‬كما يعلم سام منذ أيام تدريبهما تحت إمرة أليسر ثورن‪ -‬لكن‬
‫جميال‪« ،‬عسل مصبوب على رعد» على َح ِّد تعبير ال ِمايستر إيمون ذات مرَّة‪ .‬إنه يعزف على‬ ‫ً‬ ‫له صوتًا‬
‫القيثارة الخشبيَّة والكمنجة أيضًا‪ ،‬بل ويَكتُب أغنياته الخاصَّة‪ ...‬مع أن سام ال يحسبها جيِّدةً إلى هذا ال َحد‪.‬‬
‫ومع ذلك فمن المست َحب عند سام أن يجلس ويُصغي‪ ،‬ولو أن الصُّ ندوق الذي يجلس عليه صُلب كثير‬
‫ذهب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ال َّشظايا‪ ،‬لدرجة أنه يكاد يَشعُر باالمتنان لسُمنة مؤ ِّخرته‪ .‬البدين يحمل معه وسادةً أينما‬
‫ضل ال ِمايستر إيمون أيضًا أن يقضي النَّهار على السَّطح قابعًا تحت كوم ٍة من الفرو ويتطلَّع إلى الماء‪،‬‬ ‫يُفَ ِّ‬
‫قائال‪« :‬إال َم يَنظُر؟ بالنِّسبة إليه الظَّالم هنا وباألسفل في القمرة واحد»‪.‬‬ ‫يوم تساء َل داريون ً‬ ‫وذات ٍ‬
‫سم َعه العجوز‪ .‬رغم أن عينَي إيمون انطفأتا إلى األبد فما زالَت أُذناه تعمالن بكفاء ٍة تا َّمة‪ ،‬وقد قال لهما‬
‫رأيت ك َّل صخر ٍة وشجر ٍة وموجة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مررت من هذا الطَّريق ِ‬
‫آخر م َّر ٍة‬ ‫ُ‬ ‫مذ ِّكرًا‪« :‬إنني لم أولَد أعمى‪ .‬حين‬
‫ً‬
‫مسلسال قبلها‬ ‫ُ‬
‫وأصبحت ِمايستر‬ ‫كنت في الخامسة والثَّالثين‪،‬‬ ‫وشاهدت النَّوارس الرَّماديَّة تُ َحلِّق في أعقابنا‪ُ .‬‬ ‫ُ‬
‫شماال على‬ ‫ً‬ ‫أعرف أن مكاني هنا‪ .‬أرسلَني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت‬ ‫بستَّة عشر عا ًما‪ .‬إج أرادَني أن أعينه على الحُكم‪ ،‬لكني‬
‫الذهبي) وأص َّر على أن يصحبني صديقه السير دنكان إلى (القلعة ال َّشرقيَّة)‪ .‬لم يصل مجنَّد‬ ‫متن (التنِّين َّ‬
‫ملوك مقيَّدين باألصفاد َّ‬
‫الذهبيَّة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ط بتلك األبَّهة منذ أرسلَت نايميريا إلى َحرس اللَّيل ستَّة‬ ‫الجدار) قَ ُّ‬ ‫إلى ( ِ‬
‫أفر َغ إج ال َّزنازين أيضًا كي ال أضط َّر إلى ِحلف اليمين بمفردي‪ .‬س َّماهم َحرس َشرف‪ ،‬وأحدهم لم يكن أق َّل‬
‫من بريندن ريڤرز شخصيًّا‪ ،‬الذي اختي َر فيما بع ُد ليكون حضرة القائد»‪.‬‬
‫عاش منذ مئة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حسبت أنه‬ ‫عين وعين)‪ .‬لكني‬ ‫ٍ‬ ‫أعرف أغنيةً عنه‪ ،‬اسمها (ألف‬ ‫ُ‬ ‫قال داريون‪ُ « :‬غداف ال َّدم؟‬
‫عام»‪.‬‬
‫ق عينيه‬ ‫وسعل وأغل َ‬ ‫َ‬ ‫كنت شابًّا ِمثلك ذات يوم»‪ .‬بدا أن الفكرة أحزنَته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬ك ُّلنا عشنا منذ مئة عام‪ .‬لقد‬
‫تمايل تحت أغطيته‪.‬‬
‫َ‬ ‫وغاب في النَّوم‪ ،‬وكلَّما ه َّزت موجة ما السَّفينة‬ ‫َ‬
‫ت رماديَّة أبحروا‪ ،‬شرقًا وجنوبًا ثم شرقًا من جدي ٍد فيما اتَّسع (خليج الفقمات) من حولهم‪.‬‬ ‫تحت سماوا ٍ‬
‫الرُّ بَّان أخ أشيب له بطن كبرميل ال ِمزر ويرتدي ثيابًا متَّسخةً للغاية وباهتةً لدرجة أن أفراد الطَّاقم لقَّبوه‬
‫بذي األسمال المالحة العجوز‪ .‬نادرًا ما ينبس الرَّجل ببنت شفة‪ ،‬ويُ َع ِّوض نائبه صمته بتلويث الهواء‬
‫المالحون‪ .‬في الصَّباح يأكلون ثريد ال ُّشوفان‪ ،‬وبَعد ُّ‬
‫الظهر‬ ‫بالسِّباب واللَّعنات متى سكنَت الرِّياح أو تل َّكأ َّ‬
‫وليال اللَّحم البقري المملَّح ولحم الضَّأن المملَّح وسمك القُد المملَّح‪ ،‬ويشربون مع وجبتهم‬
‫ً‬ ‫ثريد البازالء‪،‬‬
‫القليل من ال ِمزر‪.‬‬
‫يُ َغنِّي داريون‪ ،‬ويتقيَّأ سام‪ ،‬وتبكي جيلي وتُ ِ‬
‫رضع صغيرها‪ ،‬وينام ال ِمايستر إيمون ويرتجف‪ ،‬وتشت ُّد برودة‬
‫الرِّيح وسُرعتها بمرور ك ِّل يوم‪.‬‬
‫ركب‬‫َ‬ ‫يتجاوز العاشرة عندما‬
‫َ‬ ‫آخر م َّر ٍة أبح َر فيها سام‪ .‬لم يكن‬
‫وعلى الرغم من ك ِّل هذا فالرِّحلة أفضل من ِ‬
‫قاليون اللورد رداوين المس َّمى (ملكة الكرمة)‪ .‬كانت السَّفينة أكبر من (الطَّائر األسود) خمس مرَّات‬
‫بالذهبي واألبيض في نور‬ ‫ومهيبة المنظر‪ ،‬لها ثالثة أشرعة خمريَّة وصفوف من المجاذيف تُو ِمض َّ‬
‫ال َّشمس‪ ،‬وقد احتب َست أنفاس سام انبهارًا بمرآها ترتفع وتنخفض وهُم يتحرَّكون من (البلدة القديمة)‪ ...‬لكن‬
‫أصاب‬ ‫َ‬ ‫آخر ذكرى طيِّبة لديه عن (بوغاز ردواين)‪ ،‬فحينها كما اآلن أصابَه البحر بالغثيان‪ ،‬وبالتَّالي‬ ‫تلك ِ‬
‫هو السيِّد والده باالشمئزاز‪.‬‬
‫وحين بلغوا (الكرمة) تدهو َرت األمور من سي ٍِّئ إلى أسوأ‪ .‬من النَّظرة األولى احتق َر ابنا اللورد ردواين‬
‫صباح وجدا وسيلةً جديدةً لتكليله بالخزي في ساحة التَّدريب‪ .‬في اليوم الثَّالث جعلَه‬ ‫ٍ‬ ‫التَّوأم سام‪ ،‬وك َّل‬
‫ألبس أخوه هوبر إحدى عامالت‬ ‫َ‬ ‫هوراس ردواين يَصرُخ كالخنازير متوس ًِّال الرَّحمة‪ ،‬وفي اليوم الخامس‬
‫أجهش بالبُكاء‪ ،‬ول َّما أفص َحت عن نفسها تفجَّرت‬ ‫َ‬ ‫بسيف خشبي إلى أن‬
‫ٍ‬ ‫المطابخ ِدرعه وتر َكها تضرب سام‬
‫ضحكات جميع ال ُمرافقين وال ُوصفاء وعاملي االسطبالت المد ِّوية‪.‬‬
‫ليلتها قال أبوه للورد ردواين‪« :‬الصَّبي يحتاج إلى القليل من التَّمرُّ س ال أكثر»‪ ،‬لكن مهرِّج ردواين َر َّج‬
‫ور َّد‪« :‬بل يحتاج إلى القليل من الفلفل والقرنفل وتفَّاح ٍة في فمه»‪ ،‬وبَعدها حرَّم اللورد راندل‬ ‫ُخ ْش َخيْشته َ‬
‫على سام أن يأكل التُّفَّاح ما داموا تحت سقف پاكستر ردواين‪ .‬انتابه ُدوار البحر في رحلة العودة إلى‬
‫الدِّيار أيضًا‪ ،‬لكنه كان يحسُّ براح ٍة بالغة للرَّحيل حتى إنه كا َد يُ َرحِّب بطعم القيء في مؤ ِّخرة َحلقه‪.‬‬
‫انتظ َرت أ ُّمه رجوعهم إلى (هورن هيل) لتُخبِره بأن أباه لم يكن ينوي عودته‪ ،‬وقالت له‪« :‬كان هوراس‬
‫بدال منك‪ ،‬في حين كنت ستبقى أنت في (الكرمة) وصيفًا وساقيًا عند اللورد پاكستر‪ ،‬ولو‬ ‫سيأتي معنا ً‬
‫زال سام يَذ ُكر لمسة يد أ ِّمه النَّاعمة إذ مس َحت وجهه من ال ُّدموع بقطع ٍة من‬ ‫سررته لخطبت ابنته»‪ .‬ما َ‬
‫الحرير المبلَّل بلُعابها وهي تُغَم ِغم‪« :‬صغيري المسكين سام‪ ،‬صغيري المسكين المسكين سام»‪.‬‬
‫ف َّكر وهو يتمسَّك بحاجز (الطَّائر األسود) ويُشا ِهد األمواج تتكسَّر على السَّاحل الحجري‪ :‬سيكون جيِّدًا أن‬
‫أراها ثانيةً‪ ،‬بل وربما تفخر بي إذا رأتني في ثيابي السَّوداء‪.‬‬
‫يُمكنني أن أقول لها‪« :‬إنني رجل اآلن يا أ َّماه‪ ،‬وكيل وأخ في َحرس اللَّيل‪ .‬أحيانًا يدعوني إخوتي بسام‬
‫القاتِل»‪ .‬وسيرى أخاه ديكون وأخواته أيضًا‪ .‬يُمكنني أن أقول لهم‪« :‬انظُروا‪ ،‬انظُروا‪ ،‬اتَّضح أنني أصل ُح‬
‫لشيء»‪.‬‬
‫ذهب إلى (هورن هيل) فربما يكون أبوه هناك‪.‬‬
‫َ‬ ‫لكن إذا‬
‫ومال سام من فوق الحاجز وعا َد يقيء‪ ،‬ولكن ليس في اتِّجاه الرِّيح‪ ،‬إذ‬ ‫َ‬ ‫جع َل الخاطر معدته تثور من جديد‪،‬‬
‫ذهب إلى الحاجز الصَّحيح هذه المرَّة‪ .‬لقد بدأ يبرع في التَّقيُّؤ‪.‬‬
‫َ‬
‫أو أن هذا ما كان يحسبه‪ ،‬إلى أن ابتعدَت (الطَّائر األسود) عن اليابسة وتوجَّهت شرقًا عبر الخليج نحو‬
‫سواحل (سكاجوس)‪.‬‬
‫تقع الجزيرة في مدخل (خليج الفقمات)‪ ،‬مساحتها هائلة وجبالها ضخمة وأرضها قاسية وعرة يَس ُكنها‬
‫ق لسام أن قرأ أنهم يَقطُنون بالكهوف والجبال المنعزلة‪ ،‬ويمتطون اليونيكورنات ال َّشعثاء‬ ‫البرابرة‪ .‬سب َ‬
‫الضَّخمة إلى الحرب‪ .‬في ال ُّلغة القديمة كلمة «سكاجوس» معناها «حجر»‪ ،‬ويُ َس ِّمي السكاجوسيُّون أنفسهم‬
‫حجريِّي الميالد‪ ،‬لكن َمن عداهم من أهل ال َّشمال يُ َس ُّمونهم «سكاجيِّين» وال يُ ِكنُّون لهم مو َّدةً‪ .‬قبل مئة ٍ‬
‫عام‬
‫ت من جُنده‪.‬‬ ‫ت وأتى على حياة سيِّد (وينترفل) ومئا ٍ‬ ‫ق إخماد ثورتهم سنوا ٍ‬ ‫فقط تمرَّد السكاجيُّون‪ ،‬واستغر َ‬
‫يقول بعض األغاني إن السكاجيِّين أ َكلة لحوم بَشر‪ ،‬ويُفت َرض أن ُمحاربيهم يأكلون قلوب وأكباد َمن‬
‫يَقتُلون‪ ،‬وفي الماضي السَّحيق أبح َر السكاجوسيُّون إلى جزيرة (سكاين) القريبة وسبوا نساءها وذبَّحوا‬
‫رجالها وأكلوهم على ال َّشاطئ في وليم ٍة استمرَّت أسبوعين كاملين‪ ،‬وحتى اليوم تظلُّ (سكاين) مقفرةً‪.‬‬
‫داريون أيضًا يعرف األغاني‪ ،‬فحين ارتف َعت قِمم (سكاجوس) الرَّماديَّة الكئيبة من البحر انض َّم إلى سام‬
‫عند مقدِّمة السَّفينة‪ ،‬وقال‪« :‬إذا شا َءت اآللهة سنلمح يونيكورن»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا شا َءت اآللهة لن نقترب لتلك ال َّدرجة‪ .‬التَّيَّارات خ َّداعة حول (سكاجوس)‪ ،‬وث َّمة صخور يُمكن أن‬
‫تكسر بدن السَّفينة كقشرة البيضة‪ .‬لكن ال تَذ ُكر هذا لجيلي‪ ،‬إنها خائفة بما فيه الكفاية»‪.‬‬
‫‪« -‬هي وابنها الذي ال ينقطع عن البُكاء‪ .‬ال أدري أيُّهما أكثر صخبًا‪ .‬الوقت الوحيد الذي ال يبكي فيه ل َّما‬
‫تدسُّ حلمتها في فمه‪ ،‬وعندئ ٍذ تشرع هي في البُكاء!»‪.‬‬
‫كان سام قد الح َ‬
‫ظ هذا أيضًا‪ ،‬لكنه قال بكلل‪« :‬ربما يُؤلِمها الرَّضيع‪ .‬إذا كان قد بدأ يُ َسنِّن‪.»...‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أن الهَمج أشجع من هذا»‪.‬‬ ‫بإصبع واحد عازفًا نغمةً ساخرةً‪ ،‬وقال‪« :‬‬ ‫ٍ‬ ‫نق َر داريون على أوتار عوده‬
‫ير جيلي في تلك الحالة المزرية‬ ‫َر َّد سام بإصرار‪« :‬إنها ُشجاعة»‪ ،‬ولو أنه هو نفسه عليه أن يق َّر بأنه لم َ‬
‫من قبل‪ .‬على الرغم من أنها تُخفي وجهها أغلب الوقت وتُحا ِفظ على عتمة القمرة فإنه يرى عينيها‬
‫محمرَّتين دائ ًما وال ُّدموع تُبَلِّل وجنتيها‪ ،‬لكن عندما سألَها ع َّما هنالك اكتفَت بهَ ِّز رأسها وتر َكته يبحث عن‬
‫الجدار) لم تعرف في حياتها َّإال‬
‫اإلجابات بنفسه‪ .‬قال لداريون‪« :‬البحر يُخيفها ال أكثر‪ .‬قبل ذهابها إلى ( ِ‬
‫فرسخ عن المكان الذي ُولِدَت‬
‫ٍ‬ ‫أظن أنها ابتعدَت أكثر من نِصف‬ ‫(قلعة كراستر) والغابة المحيطة بها‪ .‬ال ُّ‬
‫ط إلى أن صادَفنا واحدةً‪ ،‬والبحر‪ ...‬البحر مخيف»‪.‬‬ ‫فيه‪ .‬إنها تعرف الجداول واألنهار‪ ،‬لكنها لم ت َر بُحيرةً قَ ُّ‬
‫‪« -‬اليابسة لم تَ ِغب عن أعيُننا إطالقًا»‪.‬‬
‫‪« -‬لكنها ستغيب»‪ .‬سام أيضًا ال يتطلَّع إلى تلك المرحلة من ال ِّرحلة‪.‬‬
‫‪« -‬مؤ َّكد أن القاتِل ال يخشى القليل من الماء»‪.‬‬
‫قال سام كاذبًا‪« :‬ليس أنا‪ ،‬بل جيلي‪ ...‬قد يُسا ِعد الرَّضيع على النَّوم أن تُ َغنِّي لهما بعض أغاني المهد»‪.‬‬
‫ُ‬
‫لست أطي ُ‬
‫ق الرَّائحة»‪.‬‬ ‫التوى فم داريون اشمئزا ًزا‪ ،‬وقال‪« :‬فقط إذا دسَّت سدادةً في مؤ ِّخرته‪.‬‬
‫في اليوم التَّالي بدأت األمطار وازدا َد البحر تقلُّبًا‪ ،‬فقال سام إليمون‪« :‬األفضل أن ننزل بعيدًا عن البلل»‪،‬‬
‫قائال‪« :‬أحبُّ ال ُّشعور بالمطر على وجهي يا سام‪ ،‬كأنه دموع‪ .‬دعني أبقى فترةً‬ ‫لكن ال ِمايستر الهَ ِرم ابتس َم ً‬
‫ُ‬
‫بكيت»‪.‬‬ ‫قليال أرجوك‪ .‬لقد مضى زمن طويل منذ‬ ‫أطول ً‬
‫إذا أرا َد ال ِمايستر إيمون أن يبقى على السَّطح على الرغم من شيخوخته وهشاشته فال خيار لدى سام َّإال‬
‫صت فيه قطرات‬ ‫ربض بمعطفه الذي غا َ‬ ‫َ‬ ‫جلس إلى جوار الرَّجل ما يَقرُب من ساعة‪ ،‬وقد‬ ‫َ‬ ‫البقاء معه‪ .‬هكذا‬
‫ق عينيه‪،‬‬ ‫المطر النَّاعمة الثَّابتة وتخلَّلته حتى ِ‬
‫الجلد‪ ،‬أ َّما إيمون فبدا أنه يَشعُر به بالكاد‪ .‬تنهَّد العجوز وأغل َ‬
‫قائال لنفسه‪ :‬سيَطلُب مني أن آخذه إلى القمرة قريبًا‪ ،‬ال بُ َّد‬ ‫ودنا سام منه أكثر ليقيه من الرِّيح قدر اإلمكان ً‬
‫أن يفعل‪ ،‬لكن إيمون لم يفعل‪ ،‬وأخيرًا بدأ هزيم الرَّعد يتر َّدد من بعي ٍد ناحية ال َّشرق‪ ،‬ليقول سام مرتعدًا‪:‬‬
‫غاب في النَّوم‪ ،‬فقال وهو‬
‫َ‬ ‫«يجب أن ننزل»‪ .‬لم ي ُِجبه ال ِمايستر إيمون‪ ،‬وعندئ ٍذ فقطَ تبيَّن سام أن العجوز‬
‫يهزه من كتفه برفق‪« :‬أيها ال ِمايستر‪ِ ،‬مايستر إيمون‪ ،‬استيقِظ»‪.‬‬‫ُّ‬
‫حلمت بأني‬ ‫ُ‬ ‫انفتحت عينا إيمون البيضاوان الكفيفتان‪ ،‬وقال والمطر ينهمر على وجنتيه‪« :‬إج؟ إج‪،‬‬ ‫َ‬
‫عجوز»‪.‬‬
‫ط‪ ،‬وقد تشبَّعت مالبس‬ ‫يدر سام ماذا يفعل‪ .‬انحنى ورف َع العجوز وحملَه إلى أسفل‪ .‬لم يصفه أحد بالق َّوة قَ ُّ‬ ‫لم ِ‬
‫ال ِمايستر إيمون السَّوداء بالماء مضا ِعفةً وزنه‪ ،‬ومع ذلك لم يكن أثقل من طفل‪ .‬حين اندف َع إلى القمرة‬
‫وإيمون بين ذراعيه وج َد أن جيلي تر َكت ال ُّشموع كلَّها تنطفئ‪ .‬كان الرَّضيع نائ ًما‪ ،‬وتك َّورت هي على‬
‫ً‬
‫مستعجال إياها‪:‬‬ ‫ت بين طيَّات المعطف األسود الكبير الذي أعطاها سام إياه‪ .‬قال‬ ‫ُكن باكيةً بخفو ٍ‬ ‫نفسها في ر ٍ‬
‫«سا ِعديني‪ ،‬يجب أن نُ َجفِّفه ونُ َدفِّئه»‪.‬‬
‫ضت من فورها‪ ،‬ومعًا خلعا عن ال ِمايستر العجوز ثيابه المبتلَّة ودفناه تحت كوم ٍة من الفرو‪ ،‬لكن ِجلده‬ ‫نه َ‬
‫بجسدك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫إليك‪ ،‬دفِّئيه‬
‫ض ِّميه ِ‬ ‫كان رطبًا باردًا دبق الملمس‪ ،‬فقال سام لجيلي‪« :‬اد ُخلي معه تحت األغطية‪ُ ،‬‬
‫يجب أن تُ َدفِّئيه»‪ .‬أطاعَته في هذا أيضًا دون أن تقول كلمةً وإن ظلَّت تتن َّشق‪ .‬سأ َل سام‪« :‬أين داريون؟‬
‫سندفأ أكثر إذا كنا كلُّنا معًا‪ .‬ينبغي أن يكون هنا أيضًا»‪ .‬كان في الطَّريق إلى أعلى ثانيةً ليجد المغنِّي عندما‬
‫ارتف َعت األرض من تحته ثم ه َوت‪ .‬ولولَت جيلي‪ ،‬وسقطَ فاقدًا توا ُزنه‪ ،‬واستيقظَ الرَّضيع صار ًخا‪.‬‬
‫ُحاول النُّهوض بصعوبة‪ ،‬فألقَت جيلي بين ذراعيه وتشبَّثت به الفتاة‬ ‫وأتَت رجَّة السَّفينة التَّالية بينما ي ِ‬
‫الهمجيَّة بش َّد ٍة مستميتة جعلَته يكاد ال يستطيع التقاط أنفاسه‪ ،‬لكنه قال لها‪« :‬ال تخافي‪ ،‬هذه مغا َمرة فحسب‪.‬‬
‫البنك عنها»‪ .‬لم يُفلِح قوله َّإال في جعلها تغرس أظفارها أكثر في ذراعيه‪ ،‬وارتعدَت‬ ‫ِ‬ ‫يوم ستحكين‬ ‫ذات ٍ‬
‫قلت أزي ُد األمر سو ًءا‪ .‬احتواها بق َّو ٍة وهو يعي على نح ٍو غير‬ ‫واهت َّز جسدها كلُّه من ُعنف نحيبها‪ .‬مهما ُ‬
‫خج ًال‪:‬‬ ‫مريح أن ثدييها ملتصقان بصدره‪ ،‬وعلى الرغم من ُذعره كان هذا كافيًا الستثارته‪ .‬قال لنفسه ِ‬
‫ستَشعُر به‪ ،‬لكن إذا شع َرت جيلي بشي ٍء فإنها لم تُب ِد أمارةً على ذلك‪ ،‬بل تمسَّكت به أكثر‪.‬‬
‫ط‪ ،‬واصطبغَت النَّهارات بالرَّمادي واللَّيالي باألسود‪َّ ،‬إال‬ ‫طت األيام معًا بَعد ذلك‪ .‬لم يروا ال َّشمس قَ ُّ‬ ‫اختل َ‬
‫عندما يُضيء البرق السَّماء فوق ُذرى (سكاجوس)‪ ،‬وجميعهم يتض َّور جوعًا لكن ال أحد يقدر على األكل‪.‬‬
‫المالحين‪ ،‬وجرَّب سام كوبًا منه وتنهَّد إذ أحسَّ بثعابين ساخنة تزحف‬ ‫فت َح الرُّ بَّان برميل نبي ٍذ ناري لتقوية َّ‬
‫وأعجب ال َّشراب داريون أيضًا‪ ،‬ومنذ حينها ال يستفيق َّإال نادرًا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫داخل َحلقه إلى صدره‪،‬‬
‫دارت‬ ‫كطائر رمادي ضخم‪ ،‬وإذ َ‬ ‫ٍ‬ ‫وطار مبتعدًا‬
‫َ‬ ‫ضت‪ ،‬وتم َّزق أحدها من صاريته‬ ‫ارتف َعت القلوع وانخف َ‬
‫س على الصُّ خور‪ ،‬وقد انجرفَ عدد‬ ‫صروا حُطام قاد ٍ‬ ‫(الطَّائر األسود) حول ساحل (سكاجوس) الجنوبي أب َ‬
‫‪68‬‬
‫من أفراد طاقمه إلى ال َّشاطئ‪ ،‬واحتشدَت طيور الرُّ خ والسَّراطين تحتفي بهم على طريقتها‪ .‬دمد َم ذو‬
‫األسمال المالحة العجوز‪« :‬قريبون للغاية‪ .‬نفخة واحدة قويَّة كفيلة بتحطيمنا إلى جوارهم»‪ .‬على الرغم من‬
‫ق األمواج المعتلجة جنوبًا صوب‬ ‫ُسر را َحت السَّفينة تش ُّ‬
‫مالحوه على مجاذيفهم من جديد‪ ،‬وبع ٍ‬ ‫إعيائهم ما َل َّ‬
‫أشكال قاتمة في السَّماء ربما‬ ‫ٍ‬ ‫(البحر الضيِّق)‪ ،‬إلى أن تضاءلَت (سكاجوس) ولم يَعُد يلوح منها َّإال بضعة‬
‫جبال سوداء شاهقة‪ ،‬أو هذا وذاك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تكون رُكا ًما رعديًّا‪ 54‬أو قِمم‬
‫يال سبع من اإلبحار الهادئ في أجوا ٍء صافية‪.‬‬
‫بَعدها مرَّت عليهم أيام ثمانية ول ٍ‬
‫ثم هبَّت عواصف أخرى أسوأ من سابقتها‪.‬‬
‫أكانت ثالث عواصف أم عاصفةً واحدةً تخلَّلتها فترات هدوء؟ لم يعرف سام اإلجابة‪ ،‬وإن حاو َل بكلِّ‬
‫جوارحه أن يكترث‪ ،‬حتى إن داريون صر َخ فيه م َّرةً بينما تلملَموا معًا في القمرة‪« :‬ما الفرق؟!»‪ ،‬فأرا َد‬
‫دمت أف ِّك ُر في هذا فلن أف ِّكر في الغرق أو الغثيان أو رجفة ال ِمايستر‬ ‫ُ‬ ‫سام أن يقول له‪ :‬ال فرق‪ ،‬لكن ما‬
‫أجاب بنبر ٍة كالصَّرير‪« :‬ال فرق‪ ،»...‬لكن الرَّعد طغى على بقيَّة كالمه‪ ،‬وتمايلَت السَّفينة ور َمته‬ ‫َ‬ ‫إيمون‪.‬‬
‫إلى الجانب‪ .‬كانت جيلي تنوح‪ ،‬والرَّضيع يعوي‪ ،‬ومن األعلى بل َغ مسامع سام صوت ذي األسمال المالحة‬
‫العجوز يهدر في طاقمه‪ ،‬الرُّ بَّان األشعث الذي قلَّما يتكلَّم‪.‬‬
‫كم أكرهُ البحر‪ ،‬كم أكرهُ البحر‪ ،‬كم أكرهُ البحر‪ ،‬كم أكرهُ البحر‪ .‬ومضة البرق التَّالية كانت ساطعةً لدرجة‬
‫أنها أضا َءت القمرة من خالل ال ُّشقوق في ألواح الخشب أعالهم‪ .‬هذه سفينة قويَّة متينة‪ ،‬سفينة قويَّة متينة‪،‬‬
‫لست خائفًا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سفينة قويَّة‪ ،‬لن تغرق‪،‬‬
‫خالل واحد ٍة من فترات الهدوء بين عاصفتيْن‪ ،‬وبينما تشبَّث سام ومفاصل أصابعه مبيضَّة بالحاجز راغبًا‬
‫بق َّو ٍة في أن يقيء‪ ،‬سم َع بعضًا من أفراد الطَّاقم يقولون متذ ِّمرين إنهم آلوا إلى هذا الموقف بسبب وجود‬
‫امرأ ٍة على السَّفينة‪ ،‬بل وامرأة همجيَّة أيضًا‪ .‬سم َع أحدهم يقول والرِّيح تشت ُّد مج َّددًا‪« :‬ضاج َعت أباها‪ .‬هذا‬
‫ي شيء‪ .‬سنغرق جميعًا ما لم نتخلَّص منها ومن ذلك المسخ الذي ولدَته»‪.‬‬ ‫أسوأ من ال ِعهر‪ ،‬أسوأ من أ ِّ‬
‫لم يجرؤ سام على موا َجهتهم‪ .‬إنهم رجال قُساة أصالب‪ ،‬أذرُعهم وأكتافهم غلَّظتها سنوات العمل على‬
‫خرجت من القمرة لتقضي حاجتها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حرص على شحذ س ِّكينه َّ‬
‫والذهاب مع جيلي متى‬ ‫َ‬ ‫المجاذيف‪ ،‬لكنه‬
‫بإلحاح من سام بدأ يُ َغنِّي تهويدةً لتهدئة الرَّضيع‪ ،‬لكن‬
‫ٍ‬ ‫حتى داريون لم يقل خيرًا عن الفتاة الهمجيَّة‪ .‬في م َّر ٍة‬
‫ق الجحائم السَّبع اللَّعينة!‬
‫صف البيت األول انفج َرت جيلي في بُكا ٍء عنيف‪ ،‬فقال داريون بح َّدة‪« :‬ب َح ِّ‬ ‫في منت َ‬
‫قليال لتسمعي أغنيَّة؟!»‪.‬‬ ‫ُمكنك أن تنقطعي ً‬
‫ِ‬ ‫أال ي‬
‫ناشدَه سام ً‬
‫قائال‪« :‬اعزف فقط‪ ،‬غَنِّ لها األغنيَّة»‪.‬‬
‫َر َّد داريون‪« :‬ليست تحتاج إلى أغنيَّة‪ ،‬بل إلى الصَّفع على مؤ ِّخرتها‪ ،‬أو ربما إلى أن ينكحها أحد بق َّوة‪.‬‬
‫ب من النَّبيذ‬
‫ابتعد عن طريقي أيها القاتِل»‪ ،‬ودف َع سام جانبًا وخر َج من القمرة ليجد شيئًا من السَّلوى في كو ٍ‬
‫النَّاري مع أخ َّوة َّ‬
‫المالحين الخشنة‪.‬‬
‫عندئ ٍذ كانت األسباب قد تقطَّعت بسام‪ .‬إنه يكاد يعتاد الرَّوائح‪ ،‬لكن بين العواصف وبُكاء جيلي لم ي ِ‬
‫ُراوده‬
‫ت شديد‪« :‬أما من شي ٍء يُمكنك أن تُعطيها‬ ‫النَّوم منذ أيام‪ .‬حين رأى ال ِمايستر إيمون مستيقظًا سألَه بخفو ٍ‬
‫إياه؟ ُعشبًا أو عقَّارًا كي ال تخاف؟»‪.‬‬
‫قال له العجوز‪« :‬ليس صوت الخوف ما تسمع وإنما الحُزن‪ ،‬وليس هناك عقَّار يُداوي هذا‪ .‬دَع دموعها‬
‫تنهمر حتى تنفد يا سام‪ ،‬فال يُمكنك أن تس َّد النَّبع»‪.‬‬
‫مكان دافئ‪ ،‬فلِ َم تحزن؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مكان آمن‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫لم يفهم سام‪ ،‬فسأ َل‪« :‬إنها ذاهبة إلى‬
‫همس العجوز‪« :‬سام‪ ،‬إن لك عينين سليمتين ورغم ذلك ال ترى‪ .‬إنها أُم حزينة على طفلها»‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪« -‬إنه مصاب بالغثيان ال أكثر‪ ،‬كلُّنا مصابون بالغثيان‪ .‬حالما نرسو في (براڤوس)‪.»...‬‬
‫طفل الذي خر َج من جسدها»‪.‬‬ ‫‪ ...« -‬سيظلُّ الرَّضيع ابن داال وليس ال ِّ‬
‫ك ما يرمي إليه إيمون‪ ،‬ثم قال‪« :‬ال يُمكن أن‪ ...‬إنها ال‪ ...‬هو ابنها بالطَّبع‪ .‬ما‬ ‫ق سام وهلةً حتى أدر َ‬ ‫استغر َ‬
‫الجدار) دون ابنها إطالقًا‪ .‬إنها تحبُّه»‪.‬‬ ‫كانت جيلي لتَترُك ( ِ‬
‫‪« -‬لقد أرض َعت االثنين وأحبَّت االثنين‪ ،‬لكن ليس على َح ِّد سواء‪ .‬ال أُم تحبُّ أطفالها جميعًا بال َّدرجة‬
‫نفسها‪ ،‬وال حتى (األُم في األعالي)‪ .‬إنني واثق بأن جيلي لم تَترُك الطِّفل برغبتها‪ .‬ما ألقاه حضرة القائد من‬
‫ت أو وعو ٍد ليس بوسعي َّإال أن أخ ِّمنه‪ ...‬لكن المؤ َّكد أنه وع َد وتو َّعد»‪.‬‬ ‫تهديدا ٍ‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬خطأ‪ ،‬ما كان چون ل‪.»...‬‬
‫توجد خيارات سعيدة يا سام‪ ،‬بل خيارات‬ ‫‪« -‬ما كان چون ليفعل ذلك‪ ،‬أ َّما من فعلَه فحضرة القائد‪ .‬أحيانًا ال َ‬
‫أقلُّ جسامةً من غيرها»‪.‬‬
‫ال خيارات سعيدة‪ .‬ف َّكر سام في ك ِّل ال ِمحن التي َم َّر بها مع جيلي؛ في (قلعة كراستر) ومصرع ال ُّدب‬
‫وأيام من المشي‪ ،‬في الجُثث‬ ‫ٍ‬ ‫وأيام‬
‫ٍ‬ ‫العجوز‪ ،‬في الثَّلج والجليد والرِّياح التي تُ َج ِّمد النُّخاع في العظم‪ ،‬في ٍ‬
‫أيام‬
‫الجدار)‪ ،‬والب َّوابة‬ ‫الجدار)‪ِ ( ،‬‬‫الجدار)‪ِ ( ،‬‬
‫الغدفان‪ ،‬في ( ِ‬
‫الحيَّة في (وايتري)‪ ،‬في ذي اليدين الباردتين وشجرة ِ‬
‫السَّوداء تحت األرض‪ .‬وإال َم أفضى كلُّ ذلك؟ ال خيارات سعيدة وال نهايات سعيدة‪.‬‬
‫طفلين‪،‬‬ ‫لول وينتحب ويرتجف ويتك َّور على نفسه في الرُّ كن ويبكي‪ .‬ب َّدل ال ِّ‬ ‫أرا َد أن يَصرُخ‪ .‬أرا َد أن يُ َو ِ‬
‫ب َّدلهما ليحمي األمير الصَّغير‪ ،‬ليُب ِعده عن نيران الليدي مليساندرا وإلهها األحمر‪ .‬إذا أحرقَت ابن جيلي‬
‫ف َمن سيُبالي؟ ال أحد َّإال جيلي‪ .‬إنه ابن كراستر ال أكثر‪ ،‬مسخ ُولِ َد من زنى المحارم‪ ،‬وليس ابن ملك ما‬
‫اسم حتى‪.‬‬ ‫الجدار‪ .‬ال يَصلُح رهينةً‪ ،‬وال يَصلُح قُربانًا‪ ،‬ال يَصلُح لشيء‪ ،‬بل إنه بال ٍ‬ ‫وراء ِ‬
‫ُفرغ معدته‪ ،‬لكنه وجدَها خاويةً‪ .‬كان اللَّيل قد َح َّل عليهم‪ ،‬ليل‬ ‫بال كلم ٍة صع َد سام مترنِّحًا إلى السَّطح لي ِ‬
‫والمالحون مستريحون على المجاذيف وقد‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫كالزجاج‪،‬‬ ‫ساكن غريب لم يروا مثيله منذ أيام‪ .‬البحر أسود‬
‫غاب واحد أو اثنان منهم في النَّوم في موضعيهما‪ ،‬والرِّيح تدفع األشرعة‪ ،‬وإلى ال َّشمال كوكبة من النُّجوم‬ ‫َ‬
‫رآها سام عالوةً على ال َّرحَّال األحمر الذي يُ َس ِّميه َشعب األحرار (اللِّص)‪ ،‬فف َّكر ببؤس‪ :‬المفت َرض أن‬
‫وجلبت له جيلي والرَّضيع‪ .‬ليست هناك نهايات سعيدة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ساعدت على جعل چون القائد‬ ‫ُ‬ ‫يكون هذا نجمي‪ .‬لقد‬
‫واع أللمه‪ ،‬وقال‪« :‬أيها القاتِل‪ ،‬ليلة حلوة أخيرًا‪ .‬انظُر‪ ،‬النُّجوم بدأت تظهر‪،‬‬ ‫ظه َر داريون إلى جواره غير ٍ‬
‫وقد نرى لمحةً من القمر أيضًا‪ .‬ربما انتهى األسوأ»‪.‬‬
‫بإصبع سمين إلى الظَّالم الحالك‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬هناك»‪ .‬ولم يكد‬‫ٍ‬ ‫َر َّد سام‪« :‬ال»‪ ،‬ومس َح أنفه وأشا َر جنوبًا‬
‫ومض البرق مباغتًا صامتًا ساطعًا يُعمي األعيُن‪ ،‬وألق ِّل من لحظ ٍة توهَّجت السُّحب البعيدة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يتكلَّم حتى‬
‫جبال مك َّومة على جبال‪ ،‬أرجوانيَّة وحمراء وصفراء‪ ،‬أطول من العالم ذاته‪« .‬األسوأ لم ينت ِه‪ ،‬األسوأ في‬
‫بدايته فقط‪ ،‬وليست هناك نهايات سعيدة»‪.‬‬
‫ضاح ًكا قال داريون‪« :‬ب َح ِّ‬
‫ق اآللهة أيها القاتِل‪ ،‬يا لك من جبان»‪.‬‬
‫چايمي‬
‫دخ َل اللورد تايوين النستر المدينة على صهوة جواده‪ِ ،‬درعه المطليَّة بالمينا القرمزي مصقولة برَّاقة‬
‫وخرج منها في عرب ٍة طويلة مكس َّوة بالرَّايات القرمزيَّة‪ ،‬بينما‬
‫َ‬ ‫وتتألَّق فيها الجواهر وال َّزخارف َّ‬
‫الذهب‪،‬‬
‫ت رُفاته‪.‬‬
‫ت صامتات مصاحبا ٍ‬ ‫ت أخوا ٍ‬‫تركب ِس ُّ‬
‫غاد َر الموكب الجنائزي (كينجز الندنج) من (ب َّوابة اآللهة) األوسع واألفخم من (ب َّوابة األسد)‪ ،‬غير أن‬
‫چايمي أحسَّ بخطأ هذا االختيار‪ ،‬فأبوه كان أسدًا وال أحد يُن ِكر ذلك‪ ،‬لكن حتى اللورد تايوين نفسه لم ي َّد ِ‬
‫ع‬
‫األلوهيَّة قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬
‫فرف األعالم القرمزيَّة على رماحهم‪ ،‬وقد‬ ‫ط بعربة اللورد تايوين َحرس َشرف من خمسين فارسًا تُ َر ِ‬ ‫أحا َ‬
‫را َحت الرِّيح تلهو براياتهم جاعلةً رموزهم تتراقَص وتنتفِض‪ ،‬وإذ خَبَّ چايمي بحصانه نحو مقدِّمة‬
‫وثور أحمر‪ ،‬و ِمطرديْن متقاطعيْن‬ ‫ٍ‬ ‫وبسهم أخضر‬ ‫ٍ‬ ‫الموكب َم َّر بخنازير بريَّة و ُغ َريرات‪ 51‬وخنافس‪،‬‬
‫وحربتين متقاطعتين‪ ،‬وقِطِّ أشجار وثمرة فراولة و ُك ِّم سيِّدة ‪ ،‬وأربع شموس متفجِّرة في مربَّعا ٍ‬
‫‪54‬‬
‫ت متباينة‬
‫األلوان‪.‬‬
‫الج َم ْشت على‬‫ارتدى اللورد براكس سُترةً رماديَّةً باهتةً مشرَّطةً بقُماش الفضَّة‪ ،‬وثبَّت فوق قلبه دبُّوسًا من َ‬
‫شكل يونيكورن‪ ،‬ودرَّع اللورد چاست نفسه بالفوالذ األسود‪ ،‬وقد زخرفَت واقي صدره ثالثة رؤوس أُسو ٍد‬
‫ذهبيَّة‪ ،‬وإن كان منظره يشي بأن شائعات موته لم تُبالِغ كثيرًا‪ ،‬إذ تر َكته اإلصابات وفترة السِّجن ِظ ًّال‬
‫حال أفضل وبدا مستع ًّدا للعودة‬ ‫خلص من المعركة في ٍ‬ ‫َ‬ ‫للرَّجل الذي كانه من قبل‪ ،‬أ َّما اللورد بانفورت فقد‬
‫إلى الحرب في الحال‪ .‬كان پلوم يرتدي األرجواني وپرستر األبيض المزر َكش باألسود ومورالند الخمري‬
‫كال منهم وض َع على كتفيه معطفًا من الحرير القرمزي تكري ًما للرَّجل الذي يصحبونه إلى‬ ‫واألخضر‪ ،‬لكن ًّ‬
‫الوطن‪.‬‬
‫وراء اللوردات تحرَّك مئة من رُماة ال ُّن َّشابيَّة وثالثمئة من الجنود ال ُمشاة الذين ينسدل القرمزي من على‬
‫أكتافهم أيضًا‪ ،‬في حين شع َر چايمي في معطفه األبيض و ِدرعه البيضاء بأنه في غير محلِّه في هذا البحر‬
‫األحمر‪.‬‬
‫ق به چايمي في مقدِّمة الرَّكب‪« :‬حضرة القائد‪،‬‬
‫ولم يُهَ ِّون ع ُّمه عليه األمر‪ .‬قال السير كيڤان عندما لح َ‬
‫صاحبة الجاللة لي؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أهناك أمر أخير من‬
‫بإيقاع جنائزيٍّ بطيء موزون‪ ،‬فبدا كأنها تقول‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ق وراءهما‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست هنا من أجل سرسي»‪ .‬بدأت طبلة تد ُّ‬
‫ميت‪ ،‬ميت‪ ،‬ميت‪ُ « .‬‬
‫جئت أودِّعه‪ .‬لقد كان أبي»‪.‬‬
‫‪« -‬وأباها»‪.‬‬
‫فاحص أيدينا‪ .‬سرسي لها‬
‫ِ‬ ‫لست سرسي‪ .‬إن لي لحيةً ولها ثديان‪ .‬إذا كنت ال تزال تخلط بيننا يا ع َّماه‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬أنا‬
‫اثنتان»‪.‬‬
‫يتلذذ بالسُّخرية‪ .‬أعفني من نِكاتك أيها الفارس‪ ،‬فأنا ال أج ُد َّ‬
‫لذةً فيها»‪.‬‬ ‫قال ع ُّمه‪« :‬كالكما َّ‬
‫‪« -‬كما تشاء»‪ .‬الكالم ال يمضي على الوتيرة التي أملتها‪« .‬كانت سرسي لترغب في توديعك بنفسها‪ ،‬لكن‬
‫ت كثيرة ملحَّة»‪.‬‬
‫عليها واجبا ٍ‬
‫َر َّد السير كيڤان ساخرًا‪« :‬كلُّنا كذلك‪ .‬كيف حال مليكك؟»‪ .‬جعلَت نبرته السُّؤال تأنيبًا‪.‬‬
‫أجاب چايمي بلهج ٍة دفاعيَّة‪« :‬بخير‪ .‬بالون سوان يقضي معه الصَّباح‪ .‬إنه فارس صالح ُشجاع»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪« -‬في الماضي كان هذا من نافلة القول عندما يتكلَّم النَّاس ع َّمن يرتدون المعطف األبيض»‪.‬‬
‫ف َّكر چايمي‪ :‬ال رجل يختار إخوته‪ .‬اترُكوا لي فُرصة اختيار رجالي بنفسي وسيعود ال َحرس الملكي عظا ًما‬
‫رجل تُلَقِّبه البالد بقاتِل‬
‫ٍ‬ ‫من جديد‪ .‬لكن دَعه يقولها على المكشوف وستبدو ذريعةً واهيةً‪ ،‬خيالء فارغةً من‬
‫ً‬
‫وبدال من ذلك‬ ‫الملك‪ .‬رجل َشرفه خراء‪ .‬صرفَ چايمي المسألة من ذهنة‪ ،‬فهو لم يأ ِ‬
‫ت ليتجادَل مع ع ِّمه‪،‬‬
‫قال‪« :‬أيها الفارس‪ ،‬عليك أن تُها ِدن سرسي»‪.‬‬
‫‪« -‬أنحن في حرب؟ ال أحد أخب َرني»‪.‬‬
‫تجاهل چايمي التَّعليق‪ ،‬وقال‪« :‬ال ِّشقاق بين النستر والنستر لن يُ َؤدِّي َّإال إلى مساعَدة أعداء عائلتنا»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪« -‬إذا كان هناك ِشقاق فهو ليس من صُنعي‪ .‬سرسي تُريد أن تَح ُكم‪ ،‬ليكن إذن‪ ،‬البالد لها‪ .‬ال أري ُد َّإال أن‬
‫أُت َرك في سالم‪ .‬إن مكاني في (داري) مع ابني‪ .‬ال بُ َّد من ترميم القلعة وزرع األراضي وحمايتها»‪،‬‬
‫قليال يشغل وقتي غير‬ ‫ق السير كيڤان ضحكةً مريرةً قصيرةً‪ ،‬ثم أضافَ ‪« :‬كما أن أختك تر َكت لي ً‬ ‫وأطل َ‬
‫ذلك‪ .‬عل َّي أن أحضر زفاف النسل‪ .‬عروسه صبرها ينفد وهي جالسة تنتظر ذهابنا إلى (داري)»‪.‬‬
‫عروسه األرملة ابنة (التَّوأمتين)‪ .‬كان النسل ابن ع ِّمه راكبًا وراءهما على بُعد عشر ياردات‪ ،‬وقد بدا‬
‫بنظراته الخاوية و َشعره األبيض الجاف أكثر عج ًزا من اللورد چاست‪ .‬أحسَّ چايمي بأصابعه ال َّشبحيَّة‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪ ...‬لقد حاو َل أن يتكلَّم مع‬ ‫تستح ُّكه لمجرَّد مرآه‪ ...‬تُ ِ‬
‫ط‪ ،‬فإذا لم يكن أبوه معه فهناك ِسپتون ما‬ ‫ت أكثر مما يستطيع أن يُحصي‪ ،‬لكنه لم يجده بمفرده قَ ُّ‬ ‫النسل مرَّا ٍ‬
‫ي‪ ،‬لم يقل ما قاله َّإال‬ ‫ُالزمه دو ًما‪ .‬ربما يكون ابن كيڤان‪ ،‬لكن ما في عروقه لبن‪ .‬تيريون كذب عل َّ‬ ‫ي ِ‬
‫ليجرحني‪.‬‬
‫متسائال‪« :‬هل ستبقى في (داري) بَعد ال ِّزفاف؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نحَّى چايمي النسل عن باله‪ ،‬وعا َد يلتفت إلى ع ِّمه‬
‫يشن الغارات في أنحاء (الثَّالوث)‪ .‬أختك تُريد رأسه‪ .‬محت َمل أنه‬ ‫‪« -‬فترةً ربما‪ .‬يبدو أن ساندور كليجاين ُّ‬
‫انض َّم إلى دونداريون»‪.‬‬
‫ق ب( َّ‬
‫المالحات)‪ ،‬وال بُ َّد أن نِصف البالد سم َع أيضًا‪ .‬الغارة كانت استثنائيَّةً في‬ ‫سم َع چايمي بما حا َ‬
‫ُ‬
‫صبن وقُ ِط َعت أثداءهن‪ ،‬واألطفال ُذبِحوا بين أذرُع أ َّمهاتهم‪ ،‬ونِصف البلدة أ ِ‬
‫ضر َم فيه‬ ‫وحشيَّتها؛ النِّساء اغتُ ِ‬
‫ض ُل أن‬ ‫النَّار‪« .‬راندل تارلي في (بِركة العذارى)‪ .‬دَعه يتعا َمل مع الخارجين عن القانون‪ .‬عن نفسي أف ِّ‬
‫تذهب إلى (ريڤر َرن)»‪.‬‬
‫ي بل النسل»‪.‬‬
‫‪« -‬السير داڤن له القيادة هناك‪ ،‬حاكم الغرب‪ .‬ليس هو من يحتاج إل َّ‬
‫ق بنفس إيقاع الطَّبلة‪ ،‬ميت‪ ،‬ميت‪ ،‬ميت‪« .‬خي ٌر لك أن تحتفظ‬
‫‪« -‬كما تقول يا ع َّماه»‪ .‬كان رأس چايمي يد ُّ‬
‫بفُرسانك حولك»‪.‬‬
‫ً‬
‫سائال‪« :‬أهذا تهديد أيها الفارس؟»‪.‬‬ ‫رمقَه ع ُّمه ببرو ٍد‬
‫خطر»‪.‬‬‫قصدت فقط أن‪ ...‬ساندور رجل ِ‬ ‫ُ‬ ‫تهديد؟ َر َّد وقد باغتَته الكلمة‪« :‬إنه تنبيه‪.‬‬
‫ق الخارجين عن القانون والفُرسان اللُّصوص وأنت ال تزال تتبرَّز في قِماطك‪ .‬لن أذهب‬ ‫‪« -‬إنني أشن ُ‬
‫وأواجه كليجاين ودونداريون بنفسي إذا كان هذا ما تخشاه أيها الفارس‪ .‬اشتهاء المجد بك ِّل حماق ٍة ليس من‬
‫خصال جميع أبناء النستر»‪.‬‬
‫أعتق ُّد أنك تتكلَّم عني أنا يا ع َّماه‪« .‬أدام ماربراند يستطيع التَّعا ُمل مع هؤالء المجرمين ِمثلك تما ًما‪ ،‬وكذا‬
‫براكس أو بانفورت أو پلوم أو أيُّ اآلخَرين‪ ،‬لكن ال أحد منهم مناسب ألن يكون يد ٍ‬
‫ملك صالحًا»‪.‬‬
‫‪« -‬أختك تعرف شروطي‪ ،‬وشروطي لم تتغيَّر‪ .‬قُل لها هذا عندما تذهب إلى ُغرفة نومها المرَّة القادمة»‪،‬‬
‫وهم َز السير كيڤان جواده الحربي وهرو َل إلى األمام واضعًا نهايةً مبتورةً لحوارهما‪.‬‬
‫تر َكه چايمي يذهب شاعرًا بيد سيفه المفقودة ترتعش‪ .‬كان يأمل رغم وهن األمل أن سرسي أسا َءت الفهم‬
‫بشكل ما‪ ،‬لكن الواضح أن ذلك خطأ‪ .‬إنه يعلم بأمرنا‪ ،‬بأمر تومن ومارسال‪ ،‬وسرسي تعلم أنه يعلم‪ .‬السير‬ ‫ٍ‬
‫صدِّق چايمي أنها تستطيع أن تُؤذيه بأيِّ وسيلة‪،‬‬ ‫كيڤان ع ُّمهما النستر من أوالد (كاسترلي روك)‪ ،‬وال يُ َ‬
‫ولكن‪...‬‬
‫زمان يَقتُل فيه األبناء آباءهم ما‬ ‫ٍ‬ ‫أكون مخطئًا بشأن سرسي أيضًا؟ في‬‫ُ‬ ‫أخطأت بشأن تيريون‪ ،‬فلِ َم ال‬‫ُ‬ ‫لقد‬
‫ً‬
‫محتمال أن‬ ‫الالزم‪ .‬ولو أن‬ ‫أخ عن األمر بقتل ع ِّمها؟ وهو َع ٌّم مزعج يعرف أكثر من َّ‬ ‫الذي يردع ابنة ٍ‬
‫بدال منها‪ .‬إذا قت َل ساندور كليجاين السير كيڤان فلن تحتاج إلى‬ ‫سرسي تأمل أن يقوم كلب الصَّيد بعملها ً‬
‫رجال صُلبًا‪َّ ،‬إال أنه لم يَعُد شابًّا‪،‬‬
‫ً‬ ‫تلويث يديها بالدِّماء‪ .‬وإذا التقيا فسيَقتُله‪ .‬في الماضي كان كيڤان النستر‬
‫وكلب الصَّيد‪...‬‬
‫ُ‬
‫أردت‬ ‫قائال‪« :‬النسل يا ابن العم‪،‬‬ ‫ق به الموكب‪ ،‬وإذ َم َّر به ابن ع ِّمه وعلى جانبيه ِسپتونان ناداه چايمي ً‬ ‫لح َ‬
‫ُؤسفني َّإال أن واجباتي ال تسمح لي بالحضور»‪.‬‬‫أن أهنِّئك على زواجك‪ .‬ال ي ِ‬
‫صاحب الجاللة محميًّا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬ال بُ َّد أن يظ َّل‬
‫ُ‬
‫فهمت‪.‬‬ ‫‪« -‬وسيكون كذلك‪ .‬لكني أكرهُ أن يفوتني إضْ جاعك‪ .‬إنها زيجتك األولى وزيجتها الثَّانية حسب ما‬
‫ضع أين»‪.‬‬‫أنا واثق بأن سيِّدتي سيسرُّ ها أن تُريك ما الذي يُو َ‬
‫وسپتونَي النسل إلى النَّظر إليه باستنكار‪،‬‬
‫دف َعت المالحظة البذيئة عددًا من اللوردات القريبين إلى الضَّحك ِ‬
‫كزوج أيها‬
‫ٍ‬ ‫أعرف ما يكفي ألن أؤدِّي واجبي‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫متملمال فوق َسرجه‪ ،‬وقال‪« :‬‬ ‫في حين اعتد َل ابن ع ِّمه‬
‫الفارس»‪.‬‬
‫‪« -‬بالضَّبط ما تُريده العروس ليلة زفافها‪ ،‬زوجًا يعرف كيف يُ َؤدِّي واجبه»‪.‬‬
‫زحفَ االحتقان على وجنتَي النسل‪ ،‬وقال‪« :‬إنني أصلِّي من أجلك يا ابن العم‪ ،‬ومن أجل جاللتها أيضً ا‪.‬‬
‫عسى أن تقودها (العجوز) إلى الحكمة وأن يُدافِع عنها (ال ُمحارب)»‪.‬‬
‫قال چايمي‪« :‬ولِ َم تحتاج إلى (ال ُمحارب) وأنا أداف ُع عنها؟»‪ ،‬ودا َر بحصانه ليخفق معطفه األبيض في‬
‫الرِّيح‪ .‬ال ِعفريت كان يكذب‪ .‬سرسي تُؤ ِثر أن تأخذ جثَّة روبرت بين ساقيها على أحمق متديِّن كالنسل‪.‬‬
‫تيريون أيها الوغد الشرِّير‪ ،‬كان يَج ُدر بك أن تكذب بشأن أح ٍد أكثر قابليَّةً للتَّصديق‪.‬‬
‫هرو َل مجتا ًزا عربة جنازة أبيه صوب المدينة التي تلوح من بعيد‪.‬‬
‫ق چايمي النستر طريقه إلى (القلعة الحمراء) فوق‬ ‫بدَت شوارع (كينجز الندنج) أقرب إلى القفر بينما َش َّ‬
‫رحل الجنود الذين كانوا يشغلون أوكار القمار ومحال األكل في المدينة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫(تَل إجون العالي)‪ .‬إلى َح ٍّد كبير‬
‫إذ عا َد جارالن الهُمام بنِصف قُ َّوات تايرل إلى (هايجاردن) وذهبَت السيِّدة والدته وج َّدته معه‪ ،‬في حين‬
‫زحفَ النِّصف اآل َخر جنوبًا مع مايس تايرل وماثيس روان لتطويق (ستورمز إند)‪.‬‬
‫وبالنِّسبة إلى جيش النستر فما زا َل ألفان من ال ُمحاربين المحنَّكين مخيِّمين خارج أسوار المدينة في انتظار‬
‫وصول أسطول پاكستر ردواين ليحملهم عبر (الخليج األسود) إلى (دراجونستون)‪ .‬يبدو أن اللورد‬
‫شماال‪ ،‬أي أن ألفين عدد يكفي ويزيد كما ق َّدرت سرسي‪.‬‬‫ً‬ ‫أبحر‬
‫َ‬ ‫ستانيس تركَ وراءه حاميةً صغيرةً عندما‬
‫باقي الغربيِّين عادوا إلى زوجاتهم وأطفالهم‪ ،‬ليُعيدوا بناء بيوتهم ويزرعوا حقولهم في سبيل حصاد‬
‫محصول أخير‪ .‬قبل أن يُغا ِدروا أخ َذت سرسي تومن في جول ٍة في مخيَّماتهم ليُ َحيُّوا مليكهم الصَّغير‪ .‬لم تب ُد‬
‫ٍ‬
‫ط كما بدَت يومها‪ ،‬على شفتيها ابتسامة وضوء شمس الخريف يلتمع في َشعرها‪ .‬أيًّا كان ما يُمكن‬ ‫جميلةً قَ ُّ‬
‫المرئ أن يقوله عن أخته‪ ،‬فإنها تعرف كيف تجعل الرِّ جال يهيمون بها ُحبًّا عندما تأبه كفايةً بالمحا َولة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حين دخ َل چايمي من ب َّوابة القلعة القى نحو دستتين من الفُرسان يتمرَّنون على الطَّاووس في السَّاحة‬
‫‪59‬‬

‫الخارجيَّة‪ ،‬فقال لنفسه‪ :‬شيء آ َخر لم يَعُد بمقدوري أن أفعله‪ .‬الرُّ مح أثقل وأكثر إرهاقًا من السَّيف‪،‬‬
‫والسُّيوف ثبتَ استعصاء المبا َرزة بها عليه بالفعل‪ .‬ربما يُمكنه أن ي َُجرِّب حمل الرُّ مح بيُسراه‪ ،‬لكن ذلك‬
‫يعني أن ينقل تُرسه إلى ذراعه اليُمنى‪ ،‬وفي النِّزال يكون الخصم دائ ًما إلى اليسار‪ ،‬أي أن تعليق التُّرس‬
‫على ذراعه اليُمنى عديم الجدوى كحلمتين على واقي الصَّدر‪ .‬ف َّكر وهو يترجَّل‪ :‬ال‪ ،‬أيامي في مضمار‬
‫النِّزال انتهَت‪ ...‬لكن على الرغم من هذا توقَّف يُشا ِهد بعض الوقت‪.‬‬
‫دار كيس الرَّمل وارتط َم برأسه‪ ،‬وهوى السير اليل‬ ‫سقطَ السير تاالد الطَّويل من فوق حصانه عندما َ‬
‫كراكهول الملقَّب بالعُفر القوي‪ 56‬على التُّرس بضرب ٍة عنيفة شقَّقته‪ ،‬ثم حطَّم كينوس ابن بلدة (كايس) بقيَّته‪،‬‬
‫ليُ َعلَّق تُرس جديد للسير درموت ابن (الغابة المطيرة)‪ .‬وجَّه المبرت تِرنبري ضربةً عابرةً فحسب‪ ،‬لكن‬
‫ت ُمحكمةً جميعًا‪ ،‬وحطَّم رونيت‬ ‫چون بتلي الحليق وهمفري سويفت وآلن ستاكسپير وجَّهوا ضربا ٍ‬
‫الزهور حصانه وأخزى اآلخَرين كلَّهم‪.‬‬ ‫أصاب الهدف‪ ...‬ثم امتطى فارس ُّ‬ ‫َ‬ ‫كوننجتون األحمر رُمحه إذ‬
‫لطالما آمنَ چايمي بأن فَ َّن ركوب الخيل يُ َمثِّل ثالثة أرباع النِّزال‪ ،‬والسير لوراس يركب ببراع ٍة فائقة‬
‫ويحمل الرُّ مح كأنه ُولِ َد قابضًا عليه‪ ...‬وهو ما يُفَسِّر التَّعبير المتقلِّص دو ًما على وجه أ ِّمه ال ريب‪ .‬يضع‬
‫الرَّأس حيث يُريد أن يضعه بالضَّبط ويتمتَّع بتوا ُزن القِططة‪ .‬ربما لم يكن إسقاطه إياي عن حصاني َح ًّ‬
‫ظا‬
‫مواجهة الصَّبي ثانيةً أبدًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫مؤسف أنه لن ينال فُرصة‬
‫ٌ‬ ‫محضًا‪.‬‬
‫ك الرِّ جال لرياضتهم‪ ،‬ليجد سرسي في ُغرفتها ال َّشمسيَّة في (حصن ميجور)‪ ،‬ومعها تومن وزوجة‬ ‫هكذا تر َ‬
‫اللورد ميريويذر المايريَّة ذات ال َّشعر ال َّداكن‪ ،‬وكان ثالثتهم يضحكون من ال ِمايستر األكبر پايسل‪ ،‬فقال‬
‫چايمي حين دخ َل من الباب‪« :‬هل فاتَتني مزحة طريفة ما؟»‪.‬‬
‫وك ال ُّشجاع يا جاللة الملكة»‪.‬‬ ‫قرق َرت الليدي ميريويذر‪« :‬أوه‪ ،‬انظُري‪ ،‬لقد عا َد أخ ِ‬
‫ظ چايمي أن الملكة ثملة‪ .‬في الفترة األخيرة يبدو أن في متناول سرسي إبريقًا من‬ ‫‪« -‬معظمه عا َد»‪ .‬الح َ‬
‫النَّبيذ طوال الوقت‪ ،‬وهي التي كانت من قبل تَزجُر روبرت باراثيون إلسرافه في ال ُّشرب‪ .‬ال ي ِ‬
‫ُعجبه هذا‪،‬‬
‫ُعجبه‪ .‬قالت‪« :‬أيها ال ِمايستر األكبر‪ ،‬أطلِع حضرة القائد على الخبر من‬
‫لكن ال شيء تفعله أخته هذه األيام ي ِ‬
‫فضلك»‪.‬‬
‫بدا پايسل مرتب ًكا للغاية وهو يقول‪« :‬وص َل إلينا طائر من (ستوكوورث)‪ ،‬الليدي تاندا أرسلَت خبرًا بوضع‬
‫ابنتها لوليس ابنًا قويًّا في ص َّح ٍة طيِّبة»‪.‬‬
‫‪« -‬ولن تُ َخ ِّمن أبدًا االسم الذي أطلقوه على النَّغل الصَّغير يا أخي»‪.‬‬
‫‪« -‬أذك ُر أنهم أرادوا تسميته تايوين»‪.‬‬
‫قلت لفاليس إنني لن أسمح بأن يُطلَق اسم أبينا النَّبيل على ابن حرام أنجبَه‬‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكني نهيتهم عن ذلك‪ُ .‬‬
‫راعي خنازير من خنزير ٍة بلهاء»‪.‬‬
‫طفل‬‫نضحت جبهته المتغضِّ نة عَرقًا‪« :‬الليدي ستوكوورث تُ َؤ ِّكد أن اسم ال ِّ‬
‫َ‬ ‫قال ال ِمايستر األكبر پايسل وقد‬
‫لم يكن من اختيارها‪ ،‬وكتبَت أن زوج لوليس هو من اختا َره‪ ،‬ذلك الرَّجل برون‪ ...‬يبدو أنه‪.»...‬‬
‫ب وهو يُ َجفِّف جبهته‬‫طفل تيريون»‪ ،‬وأومأ َ العجوز برأسه باضطرا ٍ‬ ‫قال چايمي مخ ِّمنًا‪« :‬تيريون‪ ،‬س َّمى ال ِّ‬
‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫ت تبحثين عن تيريون في كلِّ‬
‫هاك يا أختي الجميلة‪ .‬كن ِ‬
‫قائال‪ِ « :‬‬‫ب ُك ِّم ردائه‪ ،‬فضحكَ چايمي رغ ًما عنه ً‬
‫وهو مختبئ في َر ِحم لوليس»‪.‬‬
‫‪« -‬طريف‪ .‬أنت وبرون شديدا الطَّرافة‪ .‬ال َش َّ‬
‫ك أن النَّغل يمتصُّ اللَّبن من أحد ضرعَي لوليس بينما نتكلَّم‪،‬‬
‫المرتزق مبتس ًما لصفاقته»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بينما يُشا ِهد‬
‫وأخيك شبه ما‪ ،‬ربما ُولِ َد مش َّوهًا أو بال أنف»‪ ،‬وأطلقَت‬
‫ِ‬ ‫علَّقت الليدي ميريويذر‪« :‬ربما بين هذا ال ِّ‬
‫طفل‬
‫ضحكةً مبحوحةً‪.‬‬
‫رسل هديَّةً إلى الصَّغير العزيز‪ ،‬أليس كذلك يا تومن؟»‪.‬‬
‫أعلنَت الملكة‪« :‬علينا أن نُ ِ‬
‫‪« -‬يُمكننا أن نُ ِ‬
‫رسل إليه ه َّرةً صغيرةً»‪.‬‬
‫رسل له ِش ً‬
‫بال»‪ ،‬وقالت ابتسامتها‪ :‬ليُ َم ِّزق َحلقه الصَّغير‪.‬‬ ‫قالت الليدي ميريويذر‪« :‬فلنُ ِ‬
‫كنت أف ِّك ُر في هديَّ ٍة من ٍ‬
‫نوع آخَر»‪.‬‬ ‫ر َّدت سرسي‪ُ « :‬‬
‫زوج أُ ٍّم جديد على األرجح‪ .‬يعرف چايمي هذه النَّظرة في عينَي أخته‪ .‬لقد رآها من قبل‪ ،‬أقرب م َّر ٍة كانت‬
‫غمر ضوء النَّار ال َّشعواء األخضر وجوه المشاهدين فلم‬ ‫َ‬ ‫ليلة زفاف تومن حين أحرقَت (بُرج اليد)‪ .‬ساعتها‬
‫ث تتعفَّن‪ ،‬قطيع من الغيالن الطَّروب‪ ،‬لكن بعض الجُثث كان أجمل من غيره‪ .‬حتى في‬ ‫يبدوا َّإال أشبه بجُث ٍ‬
‫الوهج المشؤوم ظلَّت سرسي رائعة ال َجمال‪ ،‬وقد وقفَت واضعةً يدًا على صدرها وافترقَت شفتاها وتألَّقت‬
‫عيناها الخضراوان‪ .‬تبيَّن چايمي أنها تبكي‪ ،‬لكن سواء أكان بُكاؤها ناج ًما عن الحُزن أم النَّشوة فال يدري‪.‬‬
‫أفع َمه المشهد باالنزعاج إذ ذ َّكره بإيرس تارجاريَن وكيف كان الحرق يُهَيِّج شبقه‪ .‬ال يُخفي الملك أسرا ًرا‬
‫عن َحرسه الملكي‪ ،‬وقد كانت العالقة بين إيرس وملكته متوتِّرةً خالل السَّنوات األخيرة من حُكمه‪ ،‬فناما‬
‫ً‬
‫رجال‬ ‫منفصليْن وبذال قصارى جهدهما ليتحاشى ك ٌّل منهما الثَّاني في ساعات اليقظة‪ ،‬لكن متى سلَّم إيرس‬
‫ق يد الصَّولجان والخنجر وقفَ چايمي وچون داري خارج‬ ‫للنَّار كان يأتي الملكة رييال زائر ليلي‪ .‬يوم أحر َ‬
‫ُغرفتها بينما قضى الملك وطره‪ ،‬وسمعا رييال تصيح من وراء الباب البلُّوطي السَّميك‪« :‬إنك تُؤلِمني»‪.‬‬
‫على نح ٍو غريب كان هذا أسوأ من صُراخ اللورد تشيلستد‪ ،‬وأخيرًا وج َد چايمي نفسه مرغ ًما على أن‬
‫يقول‪« :‬لقد أقسمنا على حمايتها أيضًا»‪ ،‬ف َر َّد داري باقتضاب‪« :‬نعم‪ ،‬ولكن ليس منه»‪.‬‬
‫رأى چايمي رييال م َّرةً واحدةً فقط بَعدها في صبيحة اليوم الذي غاد َرت فيه إلى (دراجونستون)‪ .‬كانت‬
‫الملكة ترتدي معطفًا رف َعت قلنسوته وهي تَد ُخل المركبة الملكيَّة التي ستنزل بها (تَل إجون العالي) إلى‬
‫المنتظرة‪ ،‬لكنه سم َع وصيفاتها يتها َمسن عقب رحيلها‪ ،‬ويقلن إن الملكة بدَت كأن وح ًشا افتر َسها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السَّفينة‬
‫خمش فخذيها ومض َغ ثدييها‪ .‬وحش مت َّوج‪.‬‬‫َ‬
‫نصال في حضوره باستثناء سيوف‬ ‫ٍ‬ ‫قُرب النِّهاية أضحى الملك المجنون خ َّوافًا لدرجة أنه حرَّم وجود أ ِّ‬
‫ي‬
‫الذهبي الفضِّي شبكةً تصل إلى خصره‪،‬‬ ‫ال َحرس الملكي‪ ،‬وقد تلبَّدت لحيته واتَّسخت‪ ،‬وصا َر َشعره َّ‬
‫واستحالَت أظفاره إلى مخالب صفراء متشقِّقة طولها تسع بوصات‪ .‬لكن النِّصال ظلَّت تُ َع ِّذبه‪ ،‬تلك التي لم‬
‫يستطع منها فرارًا‪ ،‬نصال العرش الحديدي‪ .‬طيلة الوقت كانت ال ُجلَب والجروح ِشبه المندملة تُ َغطِّي‬ ‫ِ‬
‫ذراعيه وساقيه‪.‬‬
‫تذ َّكر چايمي كلماته بينما يُم ِعن النَّظر إلى وجه سرسي‪ :‬فليكن مل ًكا على العظام المتف ِّحمة واللَّحم المشوي‪،‬‬
‫فليكن مل ًكا على الرَّماد‪ .‬ثم إنه قال‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬هل تسمحين بأن نتكلَّم على انفراد؟»‪.‬‬
‫الذهاب إلى درس اليوم‪ .‬اذهب مع ال ِمايستر األكبر»‪.‬‬ ‫‪« -‬كما ترغب‪ .‬تومن‪ ،‬تأ َّخرت على َّ‬
‫المبارك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬حاضر يا أ َّماه‪ .‬إننا ندرس قصَّة بيلور‬
‫استأذنَت الليدي ميريويذر في االنصراف أيضًا‪ ،‬وقبَّلت الملكة على وجنتيها متسائلةً‪« :‬هل أعود على‬
‫صاحبة الجاللة؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫العشاء يا‬
‫منك كثيرًا إذا لم تفعلي»‪.‬‬
‫‪« -‬سأستا ُء ِ‬
‫يستطع چايمي أن يمنع نفسه من مالحظة الطَّريقة التي تُ َحرِّك بها المايريَّة َوركيها وهي تمشي‪ .‬كلُّ‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫أوال اإلخوة ِكتلبالك‪ ،‬ثم كايبرن‪ ،‬واآلن هي‪.‬‬ ‫تنحنح وقال‪ً « :‬‬‫َ‬ ‫ق الباب وراءها‬ ‫ُخطو ٍة إغراء‪ .‬حين انغل َ‬
‫ش غريبة هذه األيام يا أختي الجميلة»‪.‬‬ ‫تحتفظين بمجموعة وحو ٍ‬
‫أصبحت مولعةً بالليدي تاينا‪ ،‬إنها تُ َسلِّيني»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫عليك لحساب الملكة الصَّغيرة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬إنها واحدة من رفيقات مارچري تايرل‪ .‬ال بُ َّد أنها تتجسَّس‬
‫قالت سرسي‪« :‬طبعًا»‪ ،‬وذهبَت إلى الخوان لتُعيد َملء كأسها‪ ،‬وأردفَت‪« :‬مارچري اهت َّزت طربًا عندما‬
‫طلبت إذنها في أن آخذ تاينا رفيقةً لي‪ .‬كان يجب أن تسمعها‪.‬‬
‫ُ‬
‫لك كما كانت لي‪ .‬يجب أن تأخذيها بالطَّبع! إن معي بنات عمومتي ورفيقاتي األخريات‪.‬‬ ‫ستكون أختًا ِ‬
‫ملكتنا الصَّغيرة ال تُريدني أن أشعر بالوحدة»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا كنت تعلمين أنها جاسوسة فلِ َم أخذتِها؟»‪.‬‬
‫برقَت عينا سرسي ُخبثًا وهي تُجيب‪« :‬مارچري ليست بنِصف َّ‬
‫الذكاء الذي تخاله‪ .‬إنها ال تملك أدنى فكر ٍة‬
‫عن األفعى الفاتنة في أعماق تلك المايريَّة القذرة‪ ،‬بينما أستغلُّ أنا تاينا في إطعام الملكة الصَّغيرة ما أريدها‬
‫أن تعرفه‪ ،‬وبعضه صحيح كذلك‪ ،‬وتاينا تُخبِرني بكلِّ ما تفعله العذراء مارچري»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟ ما الذي تعرفينه عن تلك المرأة؟»‪.‬‬
‫أعرف أنها أُم لها ابن صغير تُريده أن يسمو إلى مكان ٍة عالية في هذا العالم‪ ،‬وستفعل ك َّل ما يلزم‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫لتحرص على تحقُّق ذلك‪ .‬األ َّمهات كلُّهن واحد‪ .‬ربما تكون الليدي ميريويذر أفعى‪ ،‬لكنها بعيدة ك َّل البُعد‬
‫عن الغباء‪ ،‬وتعرف أنها تستطيع االستفادة مني أكثر من مارچري‪ ،‬ولذا تجعل نفسها مفيدةً لي‪ .‬سيُد ِهشك‬
‫أن تسمع األشياء ال َّشائقة التي أخب َرتني بها»‪.‬‬
‫‪« -‬أشياء ِمثل ماذا؟»‪.‬‬
‫جل َست سرسي عند النَّافذة‪ ،‬وقالت‪« :‬هل تعلم أن ملكة األشواك تحتفظ بصندو ٍ‬
‫ق من ال ُّنقود في مركبتها؟‬
‫وطلب ثَمن بضاعته ذهبًا نقدَته إياه بعُملة (هايجاردن)‬
‫َ‬ ‫ق تاجر ما‬ ‫إنه ذهب قديم من قبل الغزوة‪ ،‬فإذا تحام َ‬
‫التي تزن الواحدة منها نِصف واح ٍد من تنانيننا‪َ .‬من التَّاجر الذي يجرؤ على ال َّشكوى من أن السيِّدة والدة‬
‫مايس تايرل غ َّشته؟»‪ ،‬ورشفَت من نبيذها‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل استمتعت برحلتك القصيرة؟»‪.‬‬
‫غيابك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ع ُّمنا علَّق على‬
‫‪« -‬تعليقات ع ِّمنا ال ته ُّمني»‪.‬‬
‫حسني استغالله‪ ،‬إن لم يكن في (ريڤر َرن) أو (الصَّخرة) ففي ال َّشمال‬
‫بإمكانك أن تُ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬المفت َرض أن ته َّم ِك‪.‬‬
‫ضد اللورد ستانيس‪ .‬لطالما اعتم َد أبونا على كيڤان عندما‪.»...‬‬
‫‪« -‬رووس بولتون حاكم ال َّشمال‪ ،‬سيتعا َمل هو مع ستانيس»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد بولتون محبوس تحت (العُنق)‪ ،‬الحديديُّون في (خندق كايلن) يعترضون طريقه إلى ال َّشمال»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال‪ .‬قريبًا سيُزيل ابن بولتون النَّغل هذه العقبة الصَّغيرة‪ ،‬وسيكون مع اللورد بولتون‬ ‫‪« -‬لن يدوم هذا‬
‫المفترض‬
‫َ‬ ‫رجل لدعم قُ َّواته‪ ،‬تحت قيادة هوستين وإينس ابنَي اللورد والدر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مدد من جنود فراي قوامه ألفا‬
‫أن يكفي هذا للتَّعا ُمل مع ستانيس وبضعة آالف من ال ِّرجال المكسورين»‪.‬‬
‫‪« -‬السير كيڤان‪.»...‬‬
‫ً‬
‫مشغوال تما ًما في (داري) بتعليم النسل كيف يمسح مؤ ِّخرته‪ .‬لقد جرَّده موت أبينا من‬ ‫‪ ...« -‬سيكون‬
‫ُحسنان خدمتنا أكثر»‪.‬‬ ‫ً‬
‫رجال عجو ًزا انتهى أمره‪ .‬داڤن وداميون سي ِ‬ ‫َشجاعته وأصب َح‬
‫لكنك ستحتاجين إلى يد‪ .‬إن لم يكن ع َّمنا‬
‫ِ‬ ‫قال چايمي الذي ال يرى ما يعيب ابنَي ُخؤولته‪« :‬ال بأس بهما‪،‬‬
‫ف َمن؟»‪.‬‬
‫قالت أخته ضاحكةً‪« :‬ليس أنت‪ ،‬ال تخف‪ .‬ربما زوج تاينا‪ .‬ج ُّده كان يد إيرس»‪.‬‬
‫رجال دمثًا لكن غير فعَّال في منصبه‪.‬‬
‫ً‬ ‫يد قرن الوفرة‪ .55‬ما زا َل چايمي يَذ ُكر أوين ميريويذر جيِّدًا‪ .‬كان‬
‫«حسب ما أذك ُر فقد أبلى الرَّجل بال ًء رائعًا حتى إن إيرس نفاه وصاد َر أراضيه»‪.‬‬
‫‪« -‬روبرت أعادَها‪ ،‬بعضها على األقل‪ .‬ستسعد تاينا إذا استغ َّل الباقي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫حسبت أنه ُحكم البالد»‪.‬‬ ‫‪« -‬وهل الغرض إسعاد عاهرة مايريَّة؟‬
‫‪« -‬أنا أحك ُم البالد»‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬ولترحمنا اآللهة‪ .‬تحبُّ أخته أن تعتبر نفسها اللورد تايويين بثديين‪ ،‬لكنها مخطئة‪ .‬أبوهما كان‬
‫ُعارضها أحد‪ .‬لقد‬ ‫كنهر جليدي‪ ،‬أ َّما سرسي فنار شعواء خالصة‪ ،‬خصوصًا عندما ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫شديد القسوة والعناد‬
‫تاهَت فرحًا كفتا ٍة صغيرة حين عل َمت أن ستانيس هج َر (دراجونستون) وقد أيقنَت بأنه تخلَّى عن القتال‬
‫الجدار) كانت غضبتها‬ ‫ظهر مج َّددًا عند ( ِ‬
‫َ‬ ‫وصل الخبر من ال َّشمال بأنه‬
‫َ‬ ‫أخيرًا وأبح َر إلى المنفى‪ ،‬لكن حين‬
‫إنك محتاجة إلى ي ٍد قوي‬ ‫تُخيف النَّاظرين‪ .‬إنها ال تفتقر إلى َّ‬
‫الذكاء‪ ،‬لكن يعوزها حُسن التَّقدير والصَّبر‪ِ « .‬‬
‫دك»‪.‬‬‫يُسا ِع ِ‬
‫قالت‪« :‬الحاكم الضَّعيف يحتاج إلى ي ٍد قوي‪ ،‬كما احتا َج إيرس إلى أبينا‪ ،‬لكن الحاكم القوي ال يتطلَّب َّإال‬
‫خاد ًما مطيعًا يُنَفِّذ أوامره»‪ ،‬ود َّورت نبيذها في الكأس متابعةً‪« :‬ربما يَصلُح اللورد هاالين‪ .‬لن يكون أول‬
‫پايرومانسر يشغل منصب يد الملك»‪.‬‬
‫َّتك تعيين أوران ووترز قيِّ ًما للسُّفن»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قتلت السَّابق‪« .‬ث َّمة كالم عن ني ِ‬ ‫نعم‪ .‬لقد‬
‫ي؟»‪ ،‬ول َّما لم ي ُِجب ألقَت سرسي َشعرها إلى الوراء‪ ،‬وقالت‪« :‬ووترز‬ ‫سألَته‪« :‬هل هناك من يتجسَّس عل َّ‬
‫مناسب ج ًّدا للمنصب‪ .‬لقد قضى نِصف حياته على متون السُّفن»‪.‬‬
‫‪« -‬نِصف حياته؟ إنه يبدو في العشرين على األكثر»‪.‬‬
‫‪« -‬في الثَّانية والعشرين‪ ،‬وماذا في هذا؟ أبونا لم يكن قد بل َغ الحادية والعشرين عندما عيَّنه إيرس‬
‫تارجاريَن يدًا‪ .‬حانَ الوقت ألن يُحيط بتومن ُشبَّان ً‬
‫بدال من أولئك المسنِّين المتغضِّنين‪ .‬أوران قوي‬
‫ونشيط»‪.‬‬
‫قوي ونشيط ووسيم‪ ...‬كانت تُ ِ‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪« ...‬پاكستر ردواين‬
‫خيار أفضل‪ .‬إنه يقود أكبر أسطول في (وستروس)‪ ،‬في حين يستطيع أوران ووترز أن يقود قاربًا‪ ،‬بشرط‬
‫أن تبتاعيه له»‪.‬‬
‫لست أري ُد أيًّا من‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬أنت طفل يا چايمي‪ .‬ردواين من ح َملة راية تايرل وابن شقيق أ ِّمه ال َّشنيعة تلك‪.‬‬
‫مخلوقات اللورد تايرل في مجلسي»‪.‬‬
‫‪« -‬تعنين مجلس تومن»‪.‬‬
‫‪« -‬تعلم ما أعنيه»‪.‬‬
‫جيِّدًا ج ًّدا‪« .‬أعل ُم أن أوران ووترز فكرة سيِّئة وهاالين فكرة أسوأ‪ ،‬وبالنِّسبة إلى كايبرن‪َ ...‬‬
‫بح ِّ‬
‫ق اآللهة يا‬
‫سرسي‪ ،‬لقد كان من جماعة ڤارجو هوت‪( ،‬القلعة) جرَّدته من سلسلته!»‪.‬‬
‫جعل نفسه مفيدًا لي ألقصى درجة‪ ،‬كما أنه مخلص‪ ،‬وهذا أكثر مما يُمكن أن‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬الخراف الرَّماديَّة‪ .‬كايبرن‬
‫أقول عن أهلي أنفسهم»‪.‬‬
‫ت في هذا الطَّريق يا أختي الجميلة‪« .‬سرسي‪ِ ،‬‬
‫أنصتي‬ ‫ستلتهم ال ِغربان وليمةً من لحومنا جميعًا إذا استم َرر ِ‬
‫ُ‬
‫لست‬ ‫إنك ترين األقزام في ك ِّل ِظلٍّ وتصنعين من األصدقاء أعدا ًء‪ .‬ال َع ُّم كيڤان ليس عد َّو ِك‪ ،‬أنا‬ ‫فسك‪ِ .‬‬
‫إلى ن ِ‬
‫عد َّو ِك»‪.‬‬
‫ركعت على رُكبتَي أمامك ورفضتني!»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫انقلبَت سحنتها حنقًا‪ ،‬وقالت‪« :‬لقد توس ُ‬
‫َّلت إليك أن تُسا ِعدني‪،‬‬
‫‪« -‬قَسمي‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬لم يردعك عن قتل إيرس‪ .‬الكالم هواء‪ .‬كان بإمكانك أن تحظى بي‪ ،‬لكنك اخترت معطفًا أبيض ً‬
‫بدال‬
‫مني‪ .‬اخرُج»‪.‬‬
‫‪« -‬أختاه‪.»...‬‬
‫سئمت من النَّظر إلى َجدعتك القبيحة هذه‪ .‬اخرُج!»‪ ،‬ولتدفعه إلى المغادَرة بسُرع ٍة‬
‫ُ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫قلت اخرُج‪ .‬لقد‬
‫ألقَت كأس نبيذها نحو رأسه‪ .‬أخطأَت سرسي التَّصويب‪ ،‬لكن چايمي فه َم التَّلميح‪.‬‬
‫َح َّل عليه المساء وهو جالس وحده في الحُجرة المشت َركة ب(بُرج السَّيف األبيض) ومعه كأس من النَّبيذ‬
‫الزهور‬ ‫الدورني األحمر و(الكتاب األبيض)‪ ،‬وكان يقلب الصَّفحات ب َجدعة يده المبتورة حين دخ َل فارس ُّ‬
‫ب على الحائط إلى جوار معطف وحزام چايمي‪ ،‬الذي قال‪:‬‬ ‫وخل َع معطفه وحزامه وعلَّقهما على مشج ٍ‬
‫«رأيتك في السَّاحة اليوم‪ .‬أحسنت الرُّ كوب»‪.‬‬
‫وجلس قُبالته إلى الطَّاولة ذات ال َّشكل‬
‫َ‬ ‫أحسنت وأكثر بالتَّأكيد»‪ ،‬و َ‬
‫صبَّ لنفسه كأسًا‬ ‫ُ‬ ‫َر َّد السير لوراس‪« :‬‬
‫الهاللي‪.‬‬
‫ضعًا ليقول‪ :‬أشك ُر لسيِّدي لُطفه‪ ،‬أو كان حصاني جيِّدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬كان رجل أكثر توا ُ‬
‫وأشار لوراس إلى الكتاب مستطردًا‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬الحصان كان مالئ ًما‪ ،‬وسيِّدي لطيف بقدر ما أنا متواضع»‪،‬‬
‫«اعتا َد اللورد رنلي أن يقول إن ال ُكتب لل ِمايسترات»‪.‬‬
‫رجل ارتدى المعطف األبيض مد َّون هنا»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬هذا الكتاب لنا‪ .‬تاريخ كلِّ‬
‫رسوم أكثر‪ .‬اللورد رنلي كان يملك‬
‫ٍ‬ ‫ض ُل ال ُكتب التي تحتوي على‬‫ألقيت نظرةً عليه‪ .‬التُّروس جميلة‪ .‬أف ِّ‬
‫‪ُ «-‬‬
‫مجموعةً فيها رسوم كفيلة بأن تُعمي السِّپتون الذي يقرأها»‪.‬‬
‫ابتس َم چايمي رغ ًما عنه‪ ،‬وقال‪« :‬ال شيء من هذا هنا أيها الفارس‪ ،‬لكن القصص ستفتح عينيك‪ .‬مفي ٌد لك‬
‫أن تعلم ِسيَر من سبقوك»‪.‬‬
‫‪« -‬أعرفها‪ .‬األمير إيمون الفارس التنِّين‪ ،‬السير رايمان ردواين‪ ،‬القلب الكبير‪ ،‬باريستان الباسل‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬جواين كوربراي‪ ،‬آلن كوننجتون‪ ،‬شيطان (داري)‪ ،‬نعم‪ .‬ال بُ َّد أنك سمعت بلوكامور سترونج‬
‫أيضًا»‪.‬‬
‫أجاب السير لوراس وقد ال َح عليه االستمتاع‪« :‬السير لوكامور ال َّشهواني؟ ثالث زوجات وثالثون ً‬
‫طفال‪،‬‬ ‫َ‬
‫أليس كذلك؟ لقد قطعوا قضيبه‪ .‬هل أغنِّي لك األغنيَّة يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬والسير تيرانس توين؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ضاج َع عشيقة الملك وماتَ صار ًخا‪ .‬ال َّدرس المستفاد أن على من يرتدون السَّراويل البيضاء أن يعقدوا‬
‫أربطتها بإحكام»‪.‬‬
‫‪« -‬وجايلز ذو المعطف الرَّمادي؟ وأوريڤل طليق اليدين؟»‪.‬‬
‫‪« -‬جايلز كان خائنًا وأوريڤل كان جبانًا‪ ،‬رجلين ل َّوثا المعطف األبيض‪ .‬ما الذي يرمي إليه سيِّدي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال شيء‪ .‬ال تَش ُع َرن بإهان ٍة لم تُ َوجَّه أيها الفارس‪ .‬ماذا عن توم كوستاين الطَّويل؟»‪.‬‬
‫هَ َّز لوراس رأسه نفيًا‪.‬‬
‫‪« -‬كان فارسًا في ال َحرس الملكي طيلة ستِّين عا ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬متى كان ذلك؟ إنني لم‪.»...‬‬
‫‪« -‬السير دونل ابن (وادي الغسق) إذن؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت االسم‪ ،‬لكن‪.»...‬‬ ‫‪« -‬ربما‬
‫‪« -‬أديسون هيل؟ البومة البيضاء مايكل مرتينز؟ چيفوري نوركروس؟ كانوا يُلَقِّبونه بالال مستسلم‪.‬‬
‫روبرت فالورز األحمر؟ بِ َم يُمكنك أن تُخبِرني عنهم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬فالورز اسم نغولة‪ ،‬وكذا هيل»‪.‬‬
‫‪« -‬لكن كليهما ترقَّى حتى قا َد ال َحرس الملكي‪ .‬حكايتاهما في الكتاب‪ .‬روالند داركلين هنا أيضًا‪ ،‬أصغر‬
‫ُ‬
‫جئت أنا‪ .‬لقد ُمنِ َح معطفه في ميدان القتال وماتَ‬ ‫رجل خد َم في ال َحرس الملكي على اإلطالق‪ ،‬إلى أن‬
‫ٍ‬
‫خالل ساع ٍة من ارتدائه»‪.‬‬
‫‪« -‬ال يُمكن أنه كان بارعًا إذن»‪.‬‬
‫عاش‪ .‬رجال ُشجعان ُكثر ارتدوا المعطف األبيض‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬كان بارعًا بما فيه الكفاية‪ .‬لقد ماتَ ‪ ،‬لكن مليكه‬
‫لكن أكثرهم طواه النِّسيان»‪.‬‬
‫ق النِّسيان‪ ،‬لكن األبطال سيُذ َكرون دو ًما‪ ،‬األفضل»‪.‬‬
‫‪« -‬أكثرهم استح َّ‬
‫‪« -‬األفضل واألسوأ»‪ .‬أي أن أحدنا سيعيش في األغاني غالبًا‪ .‬أضافَ چايمي وهو يَنقُر على الصَّفحة التي‬
‫كان يقرأها‪« :‬وقالئل م َّمن كانوا مزيجًا من هذا وذاك‪ِ ،‬مثله»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعرف هذا‬ ‫اشرأبَّ السير لوراس بعُنقه ليرى‪ ،‬وقال‪َ « :‬من؟ عشر ُكريات سوداء على خلفيَّ ٍة قرمزيَّة‪ .‬ال‬
‫الرَّمز»‪.‬‬
‫ق (الكتاب األبيض)‬ ‫قال چايمي‪« :‬كان رمز كريستون كول الذي خد َم ڤسيرس األول وإجون الثَّاني»‪ ،‬وأغل َ‬
‫مضيفًا‪« :‬كانوا يُ َس ُّمونه صانع الملوك»‪.‬‬
‫سرسي‬
‫قالت الملكة لنفسها إذ خَرُّ وا راكعين أمامها‪ :‬ثالثة حمقى مأفونين معهم كيس من ِ‬
‫الجلد‪ .‬لم تجد منظرهم‬
‫مش ِّجعًا على اإلطالق‪ .‬لكن هنالك فُرصةً دائ ًما على ما ُّ‬
‫أظن‪.‬‬
‫خاطبَها كايبرن ً‬
‫قائال بهدوء‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬المجلس الصَّغير‪.»...‬‬
‫نزف إليهم خبر موت أحد الخونة»‪ .‬عبر المدينة تترنَّم‬ ‫َّ‬ ‫‪ ...« -‬سينتظر ذهابي على راحتي‪ .‬محت َمل أن‬
‫ق لك يا تيريون‪ .‬سأغمسُ رأسك‬ ‫الحداد‪ ،‬لكن سرسي ف َّكرت‪ :‬ال أجراس ستد ُّ‬ ‫أجراس ( ِسپت بيلور) بلحن ِ‬
‫في القطران وأرمي جسدك المش َّوه للكالب‪ .‬قالت للثَّالثة الرَّاغبين في أن يكونوا لوردات‪« :‬أروني ما‬
‫جلبتموه لي»‪.‬‬
‫أسماال‪ ،‬أحدهم على ُعنقه ُد َّمل وال أحد منهم استح َّم منذ نِصف عام‪.‬‬‫ً‬ ‫نهضوا‪ ،‬ثالثة رجال قباح يرتدون‬
‫ُ‬
‫وجدَت فكرة رفع أمثالهم إلى اللورديَّة طريفةً‪ .‬يُمكنني أن أجلِسهم إلى جوار مارچري في المآدب‪ .‬حين‬
‫َح َّل كبير الحمقى رباط الكيس و َدسَّ فيه يده أفع َمت رائحة العفونة قاعة اجتماعات الملكة كورد ٍة زنخة‪ ،‬ثم‬
‫أخرج رأسًا استحا َل لونه إلى األخضر والرَّمادي ويغصُّ باليرقات‪ .‬رائحته كأبي‪ .‬شهقَت دوركاس‬ ‫َ‬ ‫إنه‬
‫وغطَّت چوسلين فمها وأفرغَت معدتها‪.‬‬
‫نان ثابت‪ ،‬وأخيرًا قالت ضاغطةً أسنانها مع كلِّ كلمة‪« :‬قتلتم القزم الخطأ»‪.‬‬‫تطلَّعت الملكة إلى غنيمتها ب َج ٍ‬
‫تجرَّأ أحد الحمقى على أن يقول‪« :‬ال‪ ،‬إطالقًا‪ ،‬ال بُ َّد أنه هو يا سيِّدتي‪ .‬إنه قزم‪ ،‬انظُري‪ .‬تعفَّن ً‬
‫قليال فقط»‪.‬‬
‫علَّقت سرسي‪« :‬ونبتَ له أنف جديد‪ ،‬بل وأنف منتفخ أيضًا‪ .‬أنف تيريون قُ ِط َع في معركة»‪.‬‬
‫أخبرنا‪ .‬هذا جا َء يمشي متبخترًا بك ِّل جرأة‪،‬‬
‫َ‬ ‫تباد َل ثالثة الحمقى النَّظرات‪ ،‬ثم قال الممسك بالرَّأس‪« :‬ال أحد‬
‫قزم قبيح ما‪ ،‬فحسبنا‪.»...‬‬
‫أضافَ ذو ال ُّد َّمل‪« :‬قال إنه ُعصفور»‪ ،‬وأشا َر إلى الرَّجل الثَّالث متابعًا‪« :‬وأنت قلت إنه يكذب»‪.‬‬
‫أحسَّت الملكة بالغضب لفكرة أنها تر َكت مجلسها الصَّغير ينتظر من أجل هذه المهزلة‪ ،‬وقالت‪« :‬لقد‬
‫ي بي أن آمر بقطع رؤوسكم»‪ .‬لكن إذا فعلَت ذلك فربما يتر َّدد الرَّجل‬ ‫ً‬
‫رجال بريئًا‪ .‬حر ٌّ‬ ‫ضيَّعتم وقتي وقتلتم‬
‫التَّالي ويَترُك ال ِعفريت يفلت‪ ،‬وسرسي لن تسمح بحدوث ذلك حتى لو صن َعت كومةً من جُثث األقزام‬
‫أقدام كاملة‪ .‬هكذا قالت لهم‪« :‬اغرُبوا عن وجهي»‪.‬‬
‫ترتفع عشرة ٍ‬
‫نستميحك العُذر»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال ال ُّد َّمل‪« :‬حاضر يا جاللة الملكة‪،‬‬
‫وسألَها حامل الرَّأس‪« :‬هل تُريدينه؟»‪.‬‬
‫عط السير مرين إياه‪ .‬ال‪ ،‬في الكيس أيها األبله! نعم‪ .‬سير أوزموند‪ ،‬اصحبهم إلى الخارج»‪.‬‬
‫‪« -‬أ ِ‬
‫خر َج ترانت بالرَّأس و ِكتلبالك ب َمن قطعوه‪ ،‬تاركيْن إفطار الليدي چوسلين على األرض ال َّدليل الوحيد على‬
‫س يأتيها به أحدهم‪ .‬على األقل كان‬‫ال ِّزيارة‪ .‬قالت لها الملكة آمرةً‪« :‬نظِّفي هذا في الحال»‪ .‬إنه ثالث رأ ٍ‬
‫طفل قبيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رأس قزم هذه المرَّة‪ .‬السَّابق كان مجرَّد‬
‫قال السير أوزموند مطمئِنًا عندما عا َد‪« :‬سيَعثُر أحدهم على القزم‪ ،‬ال تخافي‪ ،‬وحينها سنفتك به»‪.‬‬
‫ضن ونبرتها النَّاعبة‪ .‬في (النسپورت) كانوا‬ ‫حقًّا؟ ليلة البارحة حل َمت سرسي بالعجوز بلُغدها المتغ ِّ‬
‫يُ َس ُّمونها ماجي الضِّفدعة‪ .‬لو عل َم أبي بما قالَته لي لقط َع لسانها‪.‬‬
‫ط‪ ،‬وال حتى چايمي‪ .‬ميالرا قالت إننا إذا لم نتكلَّم عن النُّبوآت فسننساها‪،‬‬ ‫على أن سرسي لم تُخبِر أحدًا قَ ُّ‬
‫قالت إن النُّبوءة المنسيَّة ال يُمكن أن تتحقَّق‪.‬‬
‫ألبس نفسه‬
‫َ‬ ‫مكان يا جاللة الملكة»‪ .‬كان قد‬ ‫ٍ‬ ‫قال كايبرن‪« :‬عندي ُمخبرون يتقصُّ ون عن ال ِعفريت في كلِّ‬
‫بدال من الرَّمادي‪ ،‬ناصع كمعاطف رجال ال َحرس الملكي‪،‬‬ ‫ردا ًء يُشبه أردية ال ِمايسترات كثيرًا‪ ،‬لكنه أبيض ً‬
‫الذهبي حاشيته و ُك َّميه وياقته العالية اليابسة‪ ،‬وحول خضره وشاح ذهبي‬ ‫وتُ َزيِّن دوائر لولبيَّة من الخيط َّ‬
‫مربوط‪.‬‬
‫«(البلدة القديمة)‪( ،‬بلدة النَّوارس)‪( ،‬دورن)‪ ،‬وحتى ال ُمدن ال ُحرَّة‪ .‬أينما فَ َّر سيَعثُر عليه ها ِمسوي»‪.‬‬
‫يتأرجح‬
‫َ‬ ‫‪« -‬إنك تفترض أنه تركَ (كينجز الندنج)‪ .‬على َح ِّد علمنا قد يكون مختبئًا في ( ِسپت بيلور) اآلن‪،‬‬
‫على حبال األجراس ليصنع هذه الضَّوضاء ال َّشنيعة»‪ ،‬ورس َمت سرسي على وجهها االمتعاض وتر َكت‬
‫دوركاس تُسا ِعدها على ال ُّنهوض قائلةً‪« :‬هل َّم يا سيِّدي‪ ،‬مجلسي ينتظر»‪ ،‬وبينما ينزالن السَّاللم تأبَّطت‬
‫ذراع كايبرن‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل نفَّذت المه َّمة الصَّغيرة التي كلَّفتك بها؟»‪.‬‬
‫طويال‪ .‬إنه رأس كبير ج ًّدا‪ ،‬والخنافس استغرقَت ساعا ٍ‬
‫ت‬ ‫ً‬ ‫آسف ألنها استغرقَت وقتًا‬
‫ٌ‬ ‫‪« -‬نعم يا جاللة الملكة‪.‬‬
‫نت صندوقًا من خشب األبنوس والفضَّة باللُّباد ليكون‬ ‫كثيرة حتى نظَّفته من اللَّحم‪ .‬على سبيل االعتذار بطَّ ُ‬
‫تقديم الجمجمة الئقًا»‪.‬‬
‫‪« -‬كيس من القُماش يَصلُح أيضًا‪ .‬األمير دوران يُريد الرَّأس‪ ،‬ولن يُبالي مقدار ذرَّة بالصُّ ندوق الذي‬
‫يتسلَّمه فيه»‪.‬‬
‫كانت جلجلة األجراس أعلى في السَّاحة‪ ،‬فقالت لنفسها‪ :‬كان مجرَّد ِسپتون أعلى‪ .‬إلى متى علينا أن نتح َّمل‬
‫هذا؟ أي نعم في الرَّنين لحن أكثر من صرخات الجبل قبل أن تَص ُمت‪ ،‬ولكن‪...‬‬
‫َّ‬
‫استشف ما يجول ببالها‪ ،‬فقال‪« :‬األجراس ستَص ُمت عند الغروب يا جاللة الملكة»‪.‬‬ ‫بدا أن كايبرن‬
‫‪« -‬ستكون راحةً عظيمةً‪ .‬كيف عرفت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬المعرفة طبيعة خدمتي»‪.‬‬
‫صدِّق أنه غير قابل لالستبدال‪ .‬كم كنا حمقى‪ .‬حالما أذاعَت الملكة خبر َشغل كايبرن‬ ‫ڤارس جعلَنا جميعًا نُ َ‬
‫منصب الخص ِّي لم يُبَدِّد الهوام المعتادون وقتًا قبل أن يُقَدِّموا أنفسهم له‪ ،‬ليُبا ِدلوا ما لديهم من همسا ٍ‬
‫ت‬
‫بالقليل من المال‪ .‬طوال الوقت كانت الفضَّة ما يُ َحرِّكهم وليس العنكبوت‪ .‬كايبرن سيخدمنا بالكفاءة نفسها‪.‬‬
‫كم تتطلَّع إلى رؤية النَّظرة على وجه پايسل عندما يأخذ كايبرن مكانه‪.‬‬
‫دائ ًما يقف فارس من ال َحرس الملكي على باب قاعة المجلس الصَّغير عندما يجتمع أعضاؤه‪ ،‬واليوم دور‬
‫السير بوروس بالونت‪ ،‬الذي قالت له الملكة ببشاشة‪« :‬سير بوروس‪ ،‬تبدو متو ِّع ًكا للغاية هذا الصَّباح‪.‬‬
‫أهو شيء أكلته ربما؟»‪ .‬كان چايمي قد جعلَه ذ َّواق الملك‪ .‬واجب لذيذ‪ ،‬لكنه مخجل إذا كنت فارسًا‪.‬‬
‫وبالونت يكره واجبه هذا‪ ،‬وقد ارتجفَ لُغده المتدلِّي إذ فت َح لهما الباب‪.‬‬
‫ظ پايسل‪،‬‬ ‫عال أيق َ‬
‫ٍ‬ ‫بت َر المستشارون كالمهم لدى دخولها‪ .‬سع َل اللورد جايلز على سبيل التَّحيَّة بصو ٍ‬
‫ت‬
‫فأباحت سرسي لنفسها ابتسامةً خافتةً للغاية‪ ،‬وقالت‪« :‬أعل ُم أنكم‬ ‫َ‬ ‫ونهض اآل َخرون الفظين المجا َمالت‪،‬‬
‫َ‬
‫ستغفرون لي ُّ‬
‫تأخري أيها السَّادة»‪.‬‬
‫وصولك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جاللتك‪ ،‬ومن دواعي سرورنا أن ننتظر‬
‫ِ‬ ‫َر َّد السير هاريس سويفت‪« :‬نحن هنا لنخدم‬
‫‪« -‬مؤ َّكد أن جميعكم يعرف اللورد كايبرن»‪.‬‬
‫لم يُ َخيِّب ال ِمايستر األكبر پايسل أملها‪ ،‬وقال بوج ٍه كظيم‪« :‬اللورد كايبرن؟! جاللة الملكة‪ ،‬هذا‪ ...‬ال ِمايستر‬
‫أراض أو حيازة لورديَّة‪.»...‬‬
‫ٍ‬ ‫يحلف يمينًا مق َّدسةً بعدم امتالك‬
‫قالت سرسي‪« :‬قلعتكم جرَّدته من سلسلته‪ .‬إن لم يكن ِمايستر فال يُمكن إلزامه بيمين ال ِمايسترات‪ .‬لقد‬
‫ي باللورد أيضًا إذا كنت تَذ ُكر»‪.‬‬
‫دعونا الخص َّ‬
‫اندف َع پايسل يقول‪« :‬هذا الرَّجل‪ ...‬إنه ال يَصلُح‪.»...‬‬
‫‪« -‬ال تُ َكلِّمني عن الصَّالح بَعد المهزلة العفنة التي صنعتها من جثَّة السيِّد والدي»‪.‬‬
‫جاللتك تظنِّين‪ ...‬األخوات الصَّامتات‬
‫ِ‬ ‫رف َع يده المبقَّعة كأنما يردأ عن نفسه ضربةً‪ ،‬وقال‪« :‬ال يُمكن أن‬
‫أزلن أحشاء اللورد تايوين وأعضاءه ال َّداخليَّة وأفرغن دماءه‪...‬‬
‫لقد التزَمنا العناية الكاملة‪ ...‬حشونا الجثَّة باألمالح واألعشاب العطرة‪.»...‬‬
‫شممت نتيجة عنايتك‪ .‬فنون اللورد كايبرن العالجيَّة أنق َذت حياة‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬أوه‪ ،‬أعفني من التَّفاصيل المق ِّززة‪ .‬لقد‬
‫أشك في أنه سيخدم الملك ببراع ٍة أكثر من ذلك الخص ِّي المتزلِّف‪ .‬سيِّدي‪ ،‬هل تعرف زمالءك‬ ‫ُّ‬ ‫أخي‪ ،‬وال‬
‫المستشارين؟»‪.‬‬
‫أجاب كايبرن‪« :‬إذا لم أعرفهم فأنا ُمخبر خائب يا جاللة الملكة»‪ ،‬واتَّخذ مقعدًا بين أورتون ميريويذر‬ ‫َ‬
‫وجايلز روزبي‪.‬‬
‫ً‬
‫رجاال‬ ‫أعضاء مجلسي‪ .‬اقتل َعت سرسي ك َّل ورد ٍة وك َّل مدي ٍن بمعروف لع ِّمها وأخيها‪ ،‬ووض َعت مكانهم‬
‫إخالصهم لها هي‪ ،‬بل وأطلقَت عليهم ألقابًا جديدةً استعا َرتها من ال ُمدن ال ُحرَّة‪ ،‬فلن يكون في البالط‬
‫خازنها‪ ،‬وأوران ووترز ‪-‬نغل‬ ‫ِ‬ ‫«قيِّمون» َّإالها‪ .‬أورتون ميريويذر كبير قُضاتها‪ ،‬وجايلز روزبي‬
‫(دريفتمارك) ال َّشاب الوسيم‪ -‬أميرالها األعلى‪.‬‬
‫ويدها السير هاريس سويفت‪.‬‬
‫رجل ليِّن أصلع خَنوع هو‪ ،‬له لحية صغيرة بيضاء سخيفة تُ َغطِّي ذقنه‪ ،‬وعلى وجه سُترته القطيفة‬
‫الصَّفراء الديك األزرق الصَّغير رمز عائلته مط َّر ًزا بحبَّات الال َز َورْ د‪ ،‬وقد ارتدى فوقها معطفًا من‬
‫المخمل األزرق مزيَّنًا بمئة ي ٍد ذهبيَّة‪ .‬طا َر السير هاريس فرحًا بتكليفه لكونه أكثر بالهةً من أن يعي أنه‬
‫أقرب إلى الرَّهينة من اليد‪ ،‬فابنته زوجة َع ِّم سرسي‪ ،‬وكيڤان يحبُّ زوجته التَّافهة على الرغم من صدرها‬
‫المسطَّح وساقيها الرَّفيعتين كسيقان ال َّدجاج‪ .‬ما دا َم السير هاريس تحت تصرُّ فها فعلى السير كيڤان النستر‬
‫ُعارضها‪ .‬صحي ٌح أن الحم ليس رهينةً مثاليَّةً لكن وقايةً ضعيفةً أفضل من ال شيء‪.‬‬ ‫أن يُفَ ِّكر مرَّتين قبل أن ي ِ‬
‫سألَها أورتون ميريويذر‪« :‬هل سينض ُّم إلينا الملك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ابني يلعب مع ملكته الصَّغيرة‪ .‬في الوقت الرَّاهن فكرته عن ال ُملك أن يضع الختم الملكي على‬
‫األوراق‪ .‬ما زا َل جاللته صغيرًا للغاية على استيعاب شؤون ال َّدولة»‪.‬‬
‫‪« -‬وحضرة القائد الهُمام؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعرف أننا جميعًا سئمنا من منظر تلك ال َجدعة القبيحة‪،‬‬ ‫‪« -‬السير چايمي عند صانع السِّالح يُ َر ِّكب يدًا‪.‬‬
‫ولي أن أضيف أنه سيجد جلستنا هذه مضجرةً كما سيجدها تومن»‪ .‬قهقهَ أوران ووترز لقولها‪ ،‬فف َّكرت‬
‫سرسي‪ :‬جيِّد‪ ،‬كلَّما ضحكوا أكثر ش َّكل چايمي تهديدًا أضعف‪ .‬فليضحكوا‪« .‬هل عندنا نبيذ؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم يا جاللة الملكة»‪ .‬ليس أورتون ميريويذر بالرَّجل الوسيم‪ ،‬بأنفه الكبير و َشعره البُرتقالي المح َمر‬
‫األشعث‪ ،‬لكن الكياسة ال تعوزه أب ًدا‪« .‬عندنا نبيذ أحمر من (دورن) ونبيذ ذهبي من (الكرمة)‪،‬‬
‫وهيپوكراس حُلو ممتاز من (هايجاردن)»‪.‬‬
‫أظن‪ .‬إنني أج ُد الخمور الدورنيَّة رديئةً كالدورنيِّين أنفسهم»‪ ،‬وبينما مألَ ميريويذر‬
‫ُّ‬ ‫‪َّ « -‬‬
‫الذهبي على ما‬
‫كأسها أضافَت سرسي‪« :‬أرى أن نبدأ بهم إذن»‪.‬‬
‫كانت شفتا ال ِمايستر األكبر پايسل ما زالَتا ترتعدان‪ ،‬لكنه وج َد القُدرة على الكالم بوسيل ٍة ما‪ ،‬فقال‪« :‬كما‬
‫كتب أن‬
‫قبض على نغالت أخيه المشاغبات‪ ،‬لكن (صنسپير) لم تزَل تغلي‪ .‬األمير َ‬ ‫َ‬ ‫تأمرين‪ .‬األمير دوران‬
‫ال أمل لديه في تهدئة األوضاع إلى أن يتلقَّى العدالة التي ُو ِع َد بها»‪.‬‬
‫ُشارف نهايته‪ .‬سأرس ُل بالون سوان إلى‬ ‫‪« -‬بالتَّأكيد»‪ .‬كائن مت ِعب هذا األمير‪« .‬انتظاره الطَّويل ي ِ‬
‫(صنسپير) ليُ َوصِّل له رأس جريجور كليجاين»‪ .‬وعلى السير بالون مه َّمة أخرى يُنَفِّذها أيضًا‪ ،‬لكن‬
‫األفضل َّأال تَذ ُكر هذا الجزء‪.‬‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬آه‪ ،‬هل ماتَ إذن؟ السير‬ ‫داعب السير هاريس سويفت لحيته الصَّغيرة المضحكة بسبَّابته وإبهامه‬ ‫َ‬
‫جريجور؟»‪.‬‬
‫أظن هذا يا سيِّدي‪ .‬قي َل لي إن قطع الرَّأس عن الجسد مميت في أغلب‬ ‫أجابَه أوران ووترز بجفاف‪ُّ « :‬‬
‫الحاالت»‪.‬‬
‫تحبُّ سرسي القليل من الظَّرافة بشرط َّأال تكون هدفها‪ ،‬ولذا أيَّدته بابتسامة‪ ،‬وقالت‪« :‬السير جريجور ماتَ‬
‫متأثِّرًا بجراحه‪ ،‬تما ًما كما تنبَّأ ال ِمايستر األكبر پايسل»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬الحربة كانت مس َّممةً‪ ،‬لم يكن باستطاعة أحد أن يُنقِذه»‪.‬‬
‫س ً‬ ‫ق كايبرن بعبو ٍ‬ ‫تنحن َح پايسل ورم َ‬
‫ُ‬
‫دخلت‬ ‫علَّقت الملكة‪« :‬هذا ما قلته من قبل‪ ،‬أذكره جيِّدًا»‪ ،‬والتفتَت إلى يدها تسأله‪َ « :‬ع َّم كنتم تتكلَّمون حين‬
‫يا سير هاريس؟»‪.‬‬
‫‪« -‬العصافير يا جاللة الملكة‪ .‬السِّپتون راينارد يقول إن هناك ُزهاء ألفين في المدينة‪ ،‬والمزيد منهم يصل‬
‫ك َّل يوم‪ .‬قادتهم يُ َردِّدون مواعظ عن الهالك وعبادة ال َّشياطين‪.»...‬‬
‫رشفَت سرسي من النَّبيذ‪ .‬لذيذ ج ًّدا‪« .‬وهو ما كان يجب أن يَح ُدث منذ زمن‪ ،‬أليس كذلك؟ ماذا نُ َس ِّمي ذلك‬
‫عارض العقيدة هذا ال َّشر»‪ .‬كايبرن ‪-‬هذا‬
‫اإلله األحمر الذي يَعبُده ستانيس إن لم يكن شيطانًا؟ المفت َرض أن تُ ِ‬
‫الرَّجل الفطن‪ -‬هو من ذ َّكرها باألمر‪« .‬أخشى أن السِّپتون األعلى الرَّاحل تغاضى عن الكثير‪ .‬الس ُِّّن‬
‫أضعفَت بصره واستنزفَت ق َّوته»‪.‬‬
‫ُفاجئنا موته‪ .‬ال أحد‬ ‫ً‬
‫رجال ه َِر ًما يا جاللة الملكة‪ ،‬ولم يكن ينبغي أن ي ِ‬ ‫ابتس َم كايبرن لپايسل ً‬
‫قائال‪« :‬كان‬
‫ً‬
‫طواال»‪.‬‬ ‫بسالم في فِراشه وقد عاش سنينًا‬
‫ٍ‬ ‫يَطلُب أكثر من أن يموت‬
‫قالت سرسي‪« :‬نعم‪ ،‬لكن علينا أن نأمل أن يكون خليفته أكثر نشا ً‬
‫طا‪ .‬أصدقائي على التَّ ِّل اآلخَر يقولون لي‬
‫إنه سيكون توربرت أو راينارد على األرجح»‪.‬‬
‫عا َد ال ِمايستر األكبر پايسل يتنحنَح‪ ،‬وقال‪« :‬إن لي أصدقا ًء في مجلس القانِتين أيضًا‪ ،‬ويتكلَّمون عن‬
‫السِّپتون أوليدور»‪.‬‬
‫ضا‪ .‬ليلة أمس أول َم لثالثين من مجلس القانِتين‪ ،‬أطع َمهم‬ ‫قال كايبرن‪« :‬وال تستبعدوا ذلك الرَّجل لوشن أي ً‬
‫الخنازير الرَّضيعة وسقاهم نبيذ (الكرمة) َّ‬
‫الذهبي‪ ،‬وبالنَّهار ي ِ‬
‫ُحسن إلى الفقراء بال ُخبز الجامد ليُث ِبت تقواه»‪.‬‬
‫بدا أوران ووترز شاعرًا بالملل كسرسي بالضَّبط من ك ِّل هذه الثَّرثرة عن السِّپتونات‪ .‬حين تراه على‬
‫الذهبي‪ ،‬وعينيه خضراوان مائلتان إلى الرَّمادي في حين‬ ‫مقرب ٍة يتَّضح أن َشعره أقرب إلى الفضِّ ي من َّ‬
‫كانت عينا األمير ريجار أرجوانيَّتين‪ ،‬وعلى الرغم من هذا فال َّشبه‪ ...‬تساءلَت إن كان ووترز يقبل أن‬
‫أعوام فإنه يصبو إليها‪ ،‬وسرسي ترى هذا في الطَّريقة التي‬ ‫ٍ‬ ‫يحلق لحيته من أجلها‪ .‬مع أنه يصغرها بعشرة‬
‫كنت جميلةً ج ًّدا كما قالوا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يَر ُمقها بها‪ ،‬الطَّريقة نفسها التي يَر ُمقها بها ال ِّرجال منذ بدأ ثدياها ينبتان‪ .‬ألني‬
‫صغرها كانت أحيانًا ترتدي‬ ‫ط‪ .‬في ِ‬ ‫جميال أيضًا‪ ،‬ومع ذلك لم يَنظُروا إليه بتلك الطَّريقة قَ ُّ‬
‫ً‬ ‫لكن چايمي كان‬
‫ثياب أخيها على سبيل اللَّهو‪ ،‬ولطالما أذهلَتها المعاملة المختلفة تما ًما التي وجدَتها من النَّاس وهُم يحسبونها‬
‫چايمي‪ .‬حتى اللورد تايوين نفسه‪...‬‬
‫كان پايسل وميريويذر ما زاال يتجادَالن بشأن الرَّجل الجدير بأن يكون السِّپتون األعلى الجديد‪ ،‬فأعلنَت‬
‫باترةً كالمهما‪« :‬أيُّهم يَصلُح‪ ،‬لكن أيًّا كان من يعتمر التَّاج البلَّوري عليه أن يقضي بالحرمان العقائدي على‬
‫ال ِعفريت»‪ .‬كان التزام السِّپتون األعلى السَّابق الصَّمت بخصوص تيريون جليًّا على نح ٍو فاضح‪.‬‬
‫«وبالنِّسبة إلى هؤالء العصافير المتح ِّمسين‪ ،‬فما داموا ال يُ َحرِّضون على الخيانة فهُم مشكلة العقيدة ال‬
‫مشكلتنا»‪.‬‬
‫ضتها نوبة من‬‫تمت َم اللورد أورتون والسير هاريس موافقيْن‪ ،‬أ َّما محا َولة جايلز روزبي أن يفعل ال ِمثل فدح َ‬
‫باشمئزاز إذ سع َل ُكتلةً من البلغم ال َّدامي‪ ،‬وسألَت‪« :‬أيها ال ِمايستر‪ ،‬هل‬
‫ٍ‬ ‫السُّعال‪ ،‬وأشا َحت سرسي بوجهها‬
‫جلبت ال ِّرسالة التي وصلَت من (الوادي)؟»‪.‬‬
‫أجاب پايسل‪« :‬نعم يا جاللة الملكة»‪ ،‬والتقطَ الرِّسالة من بين كومة أوراقه وس َّواها متابعًا‪« :‬إنه أقرب إلى‬ ‫َ‬
‫بيان من رسالة‪ ،‬وقَّعه في (رونستون) ك ٌّل من يون رويس البرونزي والليدي واينوود واللوردات هنتر‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬
‫وردفروت وبلمور‪ ،‬باإلضافة إلى سايموند تمپلتون فارس (النُّجوم التِّسع)‪ .‬كلهم وضعوا أختامهم‪،‬‬
‫ويَكتُبون قائلين‪.»...‬‬
‫‪ ...‬قدرًا ال بأس به من الهُراء‪« .‬يُمكنكم أن تقرأوا الرِّ سالة إذا شئتم أيها السَّادة‪ .‬رويس واآلخَرون يحشدون‬
‫ال ِّرجال أسفل (العُش)‪ ،‬وينوون إزاحة اإلصبع الصَّغير عن منصب اللورد حافِظ (الوادي)‪ ،‬باإلكراه إلى‬
‫لز َم األمر‪ .‬السُّؤال اآلن‪ ،‬هل نسمح بهذا؟»‪.‬‬
‫سألَها هاريس سويفت‪« :‬هل يَطلُب اللورد بايلش مساعَدتنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس بع ُد‪ .‬الواقع أنه ال يبدو قلقًا على اإلطالق‪ .‬في رسالته األخيرة ِذكر عابر للمتم ِّردين قبل أن‬
‫ُناشدني أن أشحن له بضع معلَّقا ٍ‬
‫ت قديمة كانت مل ًكا لروبرت»‪.‬‬ ‫ي ِ‬
‫متسائال‪« :‬وهؤالء اللوردات الذين وقَّعوا البيان‪ ،‬هل يلتمسون من الملك أن‬
‫ً‬ ‫داعب السير هاريس لحية ذقنه‬
‫َ‬
‫يتد َّخل؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫‪« -‬إذن‪ ...‬ربما ليس علينا أن نفعل شيئًا»‪.‬‬
‫ب في (الوادي) سيكون أمرًا مأساويًّا للغاية»‪.‬‬
‫قال پايسل‪« :‬نشوب حر ٍ‬
‫َر َّد أورتون ميريويذر ضاح ًكا‪« :‬حرب؟ اللورد بايلش رجل مسلٍّ ج ًّدا‪ ،‬لكن المرء ال يخوض الحروب‬
‫الوصي على اللورد روبرت الصَّغير ما دا َم (الوادي) يدفع ما‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أشك أن د ًما سيُراق‪ ،‬وهل يه ُّم َمن‬ ‫بال ُّدعابة‪.‬‬
‫عليه من ضرائب؟»‪.‬‬
‫قالت سرسي لنفسها وقد حز َمت أمرها‪ :‬ال‪ .‬الحقيقة أن اإلصبع الصَّغير كان مفيدًا أكثر في البالط‪ .‬كان‬
‫أمل على‬
‫ط‪ .‬هكذا قالت‪« :‬اللورد أورتون أقن َعني‪ِ .‬مايستر پايسل‪ِ ،‬‬ ‫الذهب‪ ،‬ولم يَسعُل قَ ُّ‬
‫موهوبًا في إيجاد َّ‬
‫ت يتَّخذونها إزاء‬
‫ي ترتيبا ٍ‬
‫راض عن أ ِّ‬
‫ٍ‬ ‫لوردات البيان هؤالء َّأال يمسَّ پيتر أذى‪ ،‬وفيما عدا ذلك فالتَّاج‬
‫الحُكم في (الوادي) خالل فترة قصور روبرت آرن»‪.‬‬
‫أمرك يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫هال ناقَشنا األسطول؟ أقلُّ من دست ٍة من سُفننا نجا من جحيم (النَّهر األسود)‪ ،‬وال بُ َّد‬ ‫قال أوران ووترز‪َّ « :‬‬
‫أن نسترجع ق َّوتنا في البحر»‪.‬‬
‫أومأ َ هاريس سويفت برأسه ً‬
‫قائال‪« :‬الق َّوة البحريَّة ضروريَّة للغاية»‪.‬‬
‫سأ َل أورتون ميريويذر‪« :‬هل نستطيع استغالل الحديديِّين؟ أعداء أعدائنا؟ ما الذي قد يَطلُبه ُكرسي حجر‬
‫لحلف؟»‪.‬‬‫اليم منا ثَمنًا ِ‬
‫أجاب ال ِمايستر األكبر پايسل‪« :‬يُريدون ال َّشمال‪ ،‬ووالد ملكتنا النَّبيل وع َد اللورد بولتون بال َّشمال»‪.‬‬
‫َ‬
‫قال ميريويذر‪« :‬مؤسف‪ .‬لكن ال َّشمال كبير ويُمكن تقسيم أراضيه‪ .‬ليس ضروريًّا أن يكون االتِّفاق دائ ًما‪،‬‬
‫صفِّه بمجرَّد تدمير ستانيس»‪.‬‬
‫وربما يقبل بولتون إذا أ َّكدنا له أن ق َّوتنا ستكون في َ‬
‫سمعت أن بالون جرايچوي ماتَ ‪ .‬هل نعرف َمن يَح ُكم الجُزر اآلن؟ هل كان‬ ‫ُ‬ ‫قال السير هاريس سويفت‪« :‬‬
‫للورد بالون ابن؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬ليو؟ ثيو؟»‪.‬‬ ‫سع َل اللورد جايلز‬
‫محتمال أن يكون صديقًا‬
‫ً‬ ‫قال كايبرن‪« :‬ثيون جرايچوي نشأ َ في (وينترفل) ربيبًا إلدارد ستارك‪ ،‬وليس‬
‫لنا»‪.‬‬
‫سمعت أنه قُتِ َل»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال ميريويذر‪« :‬‬
‫َش َّد السير هاريس سويفت لحيته الصَّغيرة‪ ،‬وسأ َل‪« :‬أكان له ابن واحد فقط؟ إخوة‪ ،‬كان هناك إخوة‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟»‪.‬‬
‫ف َّكرت سرسي بضيق‪ :‬كان ڤارس ليعلم‪ ،‬ثم إنها قالت‪« :‬ال أقتر ُح أن نتحالَف مع سرب األسماك البائس‬
‫هذا‪ .‬دورهم سيحين بَعد أن نتعا َمل مع ستانيس‪ .‬إننا نحتاج إلى أسطولنا الخاص»‪.‬‬
‫قال أوران ووترز‪« :‬أقتر ُح أن نبني ُدرمونات جديدة‪ ،‬عشرًا كبداية»‪.‬‬
‫سأ َل پايسل‪« :‬وأنَّى لنا بالتَّكلفة؟»‪.‬‬
‫فخرج منه المزيد من ال ُّلعاب الوردي الذي جفَّفه‬ ‫َ‬ ‫اعتب َر اللورد جايلز السُّؤال دعوةً للسُّعال من جديد‪،‬‬
‫بمنديل مربَّع من الحرير األحمر‪ ،‬ثم إنه استطا َع أن يقول‪« :‬ليس هناك‪ ...‬ال‪ ...‬ليس لدينا‪ ،»...‬قبل أن يبتلع‬
‫ٍ‬
‫السُّعال كالمه‪.‬‬
‫أثبتَ السير هاريس أنه سريع كفايةً في إدراك المعنى على األقل‪ ،‬وقال معترضًا‪« :‬دخول التَّاج لم تكن‬
‫أكبر مما هي اآلن قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬السير كيڤان أخب َرني بهذا بنفسه»‪.‬‬
‫ساعال‪...« :‬المصروفات‪ ...‬ذوو المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة‪.»...‬‬ ‫ً‬ ‫قال اللورد جايلز‬
‫ُحاول أن يقول إن عندنا كثيرين من‬
‫الخازن ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ق لها أن سم َعت اعتراضاته‪« :‬اللورد‬
‫قالت سرسي التي سب َ‬
‫وقليال من َّ‬
‫الذهب»‪ .‬بدأ سُعال روزبي يُضايِقها‪ .‬ربما لم يكن جارث السَّمين بهذا‬ ‫ً‬ ‫ذوي المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة‬
‫السُّوء‪« .‬مع أن دخول التَّاج كبيرة فإنها ال تكفي لتسديد ديون روبرت‪ ،‬وبنا ًء عليه قر ُ‬
‫َّرت أن نُ َؤجِّل دفعنا‬
‫ك أن‬‫المبالغ التي ندين بها للعقيدة المق َّدسة ومصرف (براڤوس) الحديدي حتى نهاية الحرب»‪ .‬ال َش َّ‬
‫لول احتجاجًا ويرغي البراڤوسيُّون ويُزبِدوا في وجهها‪ ،‬لكن وماذا في هذا؟‬ ‫السِّپتون األعلى الجديد سيُ َو ِ‬
‫«المبالغ الموفَّرة ستُستخدَم في بناء أسطولنا الجديد»‪.‬‬
‫جاللتك رشيدة‪ .‬إنه إجراء حكيم‪ ،‬وضروري أيضًا حتى تضع الحرب أوزارها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال اللورد ميريويذر‪« :‬‬
‫أواف ُ‬
‫ق» ‪.‬‬
‫قال السير هاريس‪« :‬وأنا أيضًا»‪.‬‬
‫ت راجف قال پايسل‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬أخشى أن هذا سيُ َسبِّب متاعب أكثر مما تحسبين‪( .‬المصرف‬ ‫وبصو ٍ‬
‫الحديدي)‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬سيظلُّ في (براڤوس)‪ ،‬بعيدًا وراء البحر‪ .‬سينالون ذهبهم أيها ال ِمايستر‪ .‬الالنستر يُ َسدِّد ديونه»‪.‬‬
‫ناعم وهو يقول‪« :‬البراڤوسيُّون عندهم مقولة أيضًا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رنَّت حلقات سلسلة پايسل ذات الجواهر بصو ٍ‬
‫ت‬
‫يقولون‪( :‬المصرف الحديدي) سينال ما له»‪.‬‬
‫‪(« -‬المصرف الحديدي) سينال ما له عندما أقو ُل إنه سيناله‪ ،‬وحتى ذلك الحين سينتظر (المصرف‬
‫الحديدي) باحترام‪ .‬لورد ووترز‪ ،‬اشرع في بناء ُدرموناتك»‪.‬‬
‫‪« -‬ممتاز يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫قلَّب السير هاريس بعض األوراق‪ ،‬ثم قال‪« :‬المسألة التَّالية‪ ...‬وصلَت إلينا رسالة من اللورد فراي يعرض‬
‫فيها عددًا من ال َّدعاوى‪.»...‬‬
‫أراض وتكريم؟ ال بُ َّد أن أ َّمه كانت لها ثالثة أثداء!»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قاط َعته الملكة محت َّدةً‪« :‬كم يُريد هذا الرَّجل من‬
‫قال كايبرن‪« :‬ربما ال يعلم سادتي هذا‪ ،‬لكن في الخ َّمارات ومحال األكل في هذه المدينة من يُلَ ِّمحون إلى‬
‫أن التَّاج كان متواطئًا على نح ٍو ما مع اللورد والدر في جريمته»‪.‬‬
‫حد َجه المستشارون اآلخَرون حائرين‪ ،‬ثم سأ َل أوران ووترز‪« :‬هل تُشير إلى ِّ‬
‫الزفاف األحمر؟»‪ ،‬ور َّدد‬
‫ت مزعج‪ ،‬وسع َل اللورد جايلز‪.‬‬‫السير هاريس‪« :‬جريمته؟»‪ ،‬وتنحن َح پايسل بصو ٍ‬
‫قال كايبرن منبِّهًا‪« :‬هؤالء العصافير يتكلَّمون بجرأ ٍة أكثر من غيرهم بكثير‪ ،‬يقولون إن ال ِّزفاف األحمر‬
‫كان إهانةً لكلِّ شرائع اآللهة والبَشر‪ ،‬وإن من كانت لهم يد فيه ملعونون»‪.‬‬
‫أدر َكت سرسي ما يعنيه بال إبطاء‪ ،‬فقالت‪« :‬مؤ َّكد أن اللورد والدر سيخضع لحُكم (األب) قريبًا‪ .‬إنه طاعن‬
‫في السِّن‪ .‬فليَبصُق العصافير على ذكراه‪ .‬ال عالقة لنا باألمر»‪.‬‬
‫َّ‬
‫يظن هذا»‪،‬‬ ‫قال السير هاريس‪« :‬نعم»‪ ،‬وقال اللورد أورتون‪« :‬نعم»‪ ،‬وقال پايسل‪« :‬ال أحد يُمكنه أن‬
‫وسع َل اللورد جايلز‪.‬‬
‫أيَّدهم كايبرن ً‬
‫قائال‪« :‬القليل من البُصاق على قبر اللورد والدر لن يُز ِعج ال ُّدود‪ ،‬لكن من المفيد أيضًا أن‬
‫الزفاف األحمر‪ .‬بعض رؤوس أبناء فراي سينفع كثيرًا في تهدئة ال َّشمال»‪.‬‬ ‫يُعاقَب أحد على ِّ‬
‫ض ِّحي بذويه أبدًا»‪.‬‬
‫قال پايسل‪« :‬اللورد والدر لن يُ َ‬
‫ر َّدت سرسي متأ ِّملةً‪« :‬صحيح‪ ،‬لكن ربما ال يميل ورثته إلى االعتراض‪ .‬اللورد والدر سيتعطَّف علينا‬
‫ويموت قريبًا كما نأمل‪ ،‬فهل يملك سيِّد (المعبر) الجديد وسيلةً لتخليص نفسه من أنصاف اإلخوة‬
‫المزعجين وأبناء العمومة السَّمجين واألخوات المتآمرات أفضل من إلصاق َّ‬
‫الذنب بهم؟»‪.‬‬
‫قال أوران ووترز‪« :‬بينما ننتظر موت اللورد والدر ث َّمة مسألة أخرى‪ .‬الجماعة َّ‬
‫الذهبيَّة فسخَت عقدها مع‬
‫ُ‬
‫سمعت على أرصفة الميناء من يقولون إن اللورد ستانيس استأج َرهم وسيَعبُر بهم البحر»‪.‬‬ ‫(مير)‪.‬‬
‫الذهبيَّة‪ .‬كم يملك ستانيس من َّ‬
‫الذهب؟»‪.‬‬ ‫سأ َل ميريويذر‪« :‬وكيف سيدفع أجرهم؟ ثلجًا؟ إن اسمها الجماعة َّ‬
‫أجابَت سرسي‪« :‬القليل ج ًّدا‪ .‬اللورد كايبرن تكلَّم مع طاقم القادس المايري الرَّاسي في الخليج‪ ،‬الذي يقول‬
‫الذهبيَّة في طريقها إلى (ڤوالنتيس)‪ .‬إذا كانوا ينتوون عبور البحر إلى (وستروس) فإنهم‬ ‫إن الجماعة َّ‬
‫يتحرَّكون في االتِّجاه الخاطئ»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ربما سئموا من القتال مع الجانب الخاسر»‪.‬‬‫اقتر َح اللورد ميريويذر ً‬
‫أيَّدته الملكة قائلةً‪« :‬هناك هذا السَّبب أيضًا‪ .‬أعمى فقط من يفشل في رؤية أننا في حُكم المنتصرين في‬
‫ُحاصرها آل فراي وداڤن ابن خالي حاكم الغرب‬ ‫ِ‬ ‫حربنا‪ .‬اللورد تايرل يُطَ ِّوق (ستورمز إند)‪ ،‬و(ريڤر َرن) ي‬
‫ق في‬‫بحر مسرعةً بمحاذاة السَّاحل‪ .‬لم يتب َّ‬ ‫الجديد‪ ،‬وسُفن اللورد ردواين عب َرت (مضيق تارث) وتُ ِ‬
‫واجه رسو ردواين‪ .‬قد تَص ُمد القلعة فترةً‪ ،‬لكن ما إن نستولي على‬ ‫(دراجونستون) َّإال قوارب صي ٍد قليلة تُ ِ‬
‫المرفأ سنقطع الحامية عن البحر‪ ،‬وعندها لن يبقى َّإال ستانيس نفسه يُز ِعجنا»‪.‬‬
‫ُحاول أن يعقد ِحلفًا مع الهَمج»‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر األكبر پايسل منبِّهًا‪« :‬إذا ص َّدقنا ما قاله اللورد چانوس فإنه ي ِ‬
‫أعلن اللورد ميريويذر‪« :‬برابرة يرتدون الجلود‪ .‬مؤ َّكد أن اللورد ستانيس يائس حقًّا ما دا َم يسعى إلى‬
‫ف كهذا»‪.‬‬ ‫تحالُ ٍ‬
‫ُواجه رووس بولتون مشكلةً في‬ ‫قالت الملكة موافقةً‪« :‬يائس وأحمق‪ .‬ال َّشماليُّون يكرهون الهَمج‪ ،‬فلن ي ِ‬
‫كسبهم إلى صفوفنا‪ .‬بعضهم انض َّم إلى ابنه النَّغل بالفعل لمساعَدته على إجالء هؤالء الحديديِّين ال ِّذمام من‬
‫نسيت أسماء اآلخَ رين‪ .‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫(خندق كالين) وإخالء الطَّريق لعودة اللورد بولتون‪ .‬أومبر وريزويل‪...‬‬
‫ق على تزويج كلتا حفيدتيه باثنين من أصدقائنا أبناء‬ ‫(الميناء األبيض) على وشك االنضمام إلينا‪ .‬سيِّدها واف َ‬
‫فراي وفتح المرفأ لسُفننا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫حسبت أن ال سُفن عندنا»‪.‬‬‫قال السير هاريس حائرًا‪« :‬‬
‫برجل‬
‫ٍ‬ ‫قال ال ِمايستر األكبر پايسل‪« :‬وايمان ماندرلي حامل راية إدارد ستارك المخلص‪ .‬هل يُمكن أن نثق‬
‫ِمثله؟»‪.‬‬
‫ال أحد جدير بالثِّقة‪« .‬إنه رجل عجوز بدين وخائف‪ ،‬لكنه ما زا َل يُعا ِند في نقط ٍة واحدة‪ ،‬يصرُّ على أنه لن‬
‫يخضع حتى يُعاد وريثه إليه»‪.‬‬
‫سأ َل السير هاريس‪« :‬وهل وريثه عندنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سيكون في (هارنهال) إذا كان حيًّا‪ .‬جريجور كليجاين أس َره»‪ .‬لم يكن الجبل يترفَّق بسُجنائه دائ ًما‪،‬‬
‫رسل للورد ماندرلي رؤوس من قتَلوه‪،‬‬ ‫فأظن أن علينا أن نُ ِ‬
‫ُّ‬ ‫حتى من يستحقُّون فديةً ال بأس بها‪« .‬إذا ماتَ‬
‫مصحوبةً بخالص اعتذارنا»‪ .‬إذا كان رأس واحد يكفي السترضاء أمير (دورن)‪ ،‬فال بُ َّد أن كيسًا من‬
‫ُناسب شماليًّا بدينًا يرتدي ِجلد الفقمات‪.‬‬
‫الرُّ ؤوس ي ِ‬
‫سأ َل پايسل‪« :‬ألن يسعى اللورد ستانيس إلى الفوز بوالء (الميناء األبيض) أيضًا؟»‪.‬‬
‫َ‬
‫بعث لنا برسائله وأجابَها باألعذار‪ .‬ستانيس يُطالِب بسيوف (الميناء‬ ‫‪« -‬أوه‪ ،‬لقد حاو َل‪ .‬اللورد ماندرلي‬
‫يوم عليها أن تُش ِعل شمعةً ل(ال ُمحارب) الذي أخ َذ‬
‫األبيض) وفضَّتها‪ ،‬ومقابلها يعرض‪ ...‬ال شيء»‪ .‬ذات ٍ‬
‫وصل إلينا طائر‬
‫َ‬ ‫ق كثيرًا‪« .‬صبيحة اليوم تحديدًا‬‫حدث العكس لكانت حياتها أش َّ‬ ‫َ‬ ‫رنلي وتركَ ستانيس‪ ،‬فلو‬
‫آخَر‪.‬‬
‫أرسل مهرِّب البصل للتَّعا ُمل مع (الميناء األبيض) نيابةً عنه‪ ،‬فألقى ماندرلي المأفون في زنزان ٍة‬
‫َ‬ ‫ستانيس‬
‫ويسألنا ماذا يفعل به»‪.‬‬
‫ُرسله إلينا هنا كي نستجوبه‪ .‬ربما يعرف الرَّجل الكثير من المعلومات‬ ‫قال اللورد ميريويذر مقترحًا‪« :‬فلي ِ‬
‫القيِّمة»‪.‬‬
‫وقال كايبرن‪« :‬فليَ ُمت‪ .‬سيكون موته درسًا لل َّشماليِّين‪ ،‬يُريهم ما يحلُّ بالخونة»‪.‬‬
‫أمرت اللورد ماندرلي بأن يقطع رأسه في الحال‪ .‬سيكون هذا قمينًا بأن‬ ‫ُ‬ ‫ر َّدت الملكة‪« :‬أتَّف ُ‬
‫ق تما ًما‪ .‬لقد‬
‫يضع نهايةً لفُرص تأييد (الميناء األبيض) ستانيس»‪.‬‬
‫علَّق أوران ووترز مقهقهًا‪« :‬ستانيس سيحتاج إلى ي ٍد جديد‪ .‬فارس اللِّفت ربما؟»‪.‬‬
‫قال السير هاريس سويفت حائرًا‪« :‬فارس لِفت؟ َمن هذا الرَّجل؟ لم أسمع عنه من قبل»‪ ،‬فلم ي ُِحر ووتترز‬
‫رفض اللورد‬
‫َ‬ ‫سأل ميريويذر‪« :‬وماذا لو‬
‫َ‬ ‫جوابًا َّإال بتدوير عينيه في محجريهما استهجانًا‪ ،‬في حين‬
‫ماندرلي؟»‪.‬‬
‫قالت سرسي‪« :‬لن يجرؤ‪ .‬رأس فارس البصل هو العُملة التي عليه أن يشتري بها حياة ابنه»‪ ،‬وابتس َمت‬
‫مردفةً‪« :‬ربما كان العجوز األحمق البدين مخلصًا آلل ستارك على طريقته‪ ،‬لكن مع فَناء ذئاب‬
‫(وينترفل)‪.»...‬‬
‫ت الليدي سانزا»‪.‬‬ ‫جاللتك نسي ِ‬
‫ِ‬ ‫قال پايسل‪« :‬‬
‫أنس تلك ال ِّذئبة الصَّغيرة»‪ ،‬قالت الملكة مغضبةً‪ ،‬رافضةً أن تنطق اسم الفتاة‪« .‬كان‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬بك ِّل تأكي ٍد لم‬
‫وبدال من هذا جعلتها من أهل بيتي‪ .‬لقد‬ ‫ً‬ ‫األحرى بي أن ألقيها في ال َّزنازين السَّوداء باعتبارها ابنة خائن‪،‬‬
‫ً‬
‫جهال بالعالم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وحاولت أن أجعلها أق َّل‬ ‫شار َكتني الدِّفء والمأوى ولعبَت مع أطفالي‪ ،‬وأطعمتها وألبستها‬
‫فكيف ر َّدت لي الجميل؟ ساعدَت على اغتيال ابني‪ .‬حين نَعثُر على ال ِعفريت سنَعثُر على الليدي سانزا‬
‫أيضًا‪ .‬إنها لم تَ ُمت‪ ...‬لكني أعدكم بأني لن أفرغ منها قبل أن أجعلها تُ َغنِّي ل(الغريب) متوسِّلةً قُبلته»‪.‬‬
‫تال كالمها صمت متوتِّر‪ ،‬فسألَت سرسي نفسها بضيق‪ :‬هل ابتلعوا ألسنتهم جميعًا؟ صمتهم يكفي ألن‬
‫تتسا َءل لِ َم تُت ِعب نفسها وتجتمع مع المجلس من األصل‪.‬‬
‫تاب َعت الملكة‪« :‬على ك ِّل حال‪ ،‬ابنة اللورد إدارد الصُّ غرى عند اللورد بولتون‪ ،‬وستتز َّوج ابنه رامزي ما‬
‫ق مطالَبتهما‬‫إن تَسقُط (خندق كايلن)»‪ .‬شريطة أن تلعب الفتاة دورها ببراع ٍة كافية لتوطيد َح ِّ‬
‫وكيل ما دبَّر اإلصبع الصَّغير هويَّتها‬
‫ٍ‬ ‫ب(وينترفل)‪ ،‬فلن يُبالي ابنا بولتون كثيرًا بأنها في الحقيقة ابنة‬
‫ال َّزائفة‪« .‬ما دا َم محتَّ ًما أن يكون في ال َّشمال ستارك فسنُعطيهم ستارك»‪ .‬تر َكت اللورد ميريويذر يُعيد َملء‬
‫الجدار)‪ .‬إخوان َحرس اللَّيل فقدوا عقولهم‬‫كأسها‪ ،‬وواصلَت‪« :‬لكن ث َّمة مشكلة أخرى ظه َرت على ( ِ‬
‫واختاروا ابن ند ستارك النَّغل قائدًا لهم»‪.‬‬
‫ُضف جديدًا‪.‬‬
‫‪« -‬اسمه سنو»‪ ،‬قال پايسل فلم ي ِ‬
‫قالت الملكة‪« :‬لمحته م َّرةً في (وينترفل)‪ ،‬ولو أن آل ستارك بذلوا أقصى جهدهم لمواراته‪ .‬إنه يُشبِه أباه‬
‫كثيرًا»‪ .‬كان نغول زوجها يُشبِهونه أيضًا‪ ،‬وإن تمتَّع روبرت بالكياسة وأبقاهم بعيدًا عن األنظار على‬
‫األقل‪ .‬ذات مرَّة‪ ،‬بَعد تلك الحادثة المؤسفة مع القطَّة‪ ،‬جعج َع قائ ًال شيئًا ما عن اإلتيان بابن ٍة غير شرعيَّة‬
‫إلى البالط‪ ،‬فقالت له‪« :‬افعل ما تشاء‪ ،‬لكنك قد تجد المدينة مكانًا ضا ًّرا بفتا ٍة في طور النُّمو»‪ .‬استعصى‬
‫عليها إخفاء الكدمة التي نالَتها من جرَّاء تلك الكلمات عن چايمي‪ ،‬لكنهم لم يسمعوا المزيد عن تلك النَّغلة‪.‬‬
‫ً‬
‫وبدال من هذا تر َكت المه َّمة‬ ‫وإال لكانت كت َمت أنفاس چون سنو هذا في المهد‪،‬‬ ‫كاتلين تَلي كانت فأرةً‪َّ ،‬‬
‫القذرة لي‪« .‬سنو يشترك مع اللورد إدارد في الجنوح إلى الخيانة أيضًا‪ .‬األب أرا َد أن يُ َسلِّم البالد‬
‫لستانيس‪ ،‬واالبن أعطاه أراضي وقالعًا»‪.‬‬
‫دخل في حروب (الممالك السَّبع)‪ .‬منذ آالف‬ ‫قال پايسل مذ ِّكرًا إياهم‪َ « :‬حرس اللَّيل مقسمون على عدم التَّ ُّ‬
‫السِّنين واإلخوة السُّود يصونون هذا التَّقليد»‪.‬‬
‫كتب لنا مؤ ِّكدًا أن َحرس اللَّيل ال يتد َّخلون‪ ،‬لكن أفعاله تفضح أكاذيبه‪ .‬لقد‬ ‫قالت سرسي‪« :‬حتى اآلن‪ .‬النَّغل َ‬
‫ُناشدنا أن نُرسل إليه أسلحةً‬ ‫أعطى ستانيس الطَّعام والمأوى‪ ،‬ومع ذلك ما زا َل بالصَّفاقة الكافية ألن ي ِ‬
‫ً‬
‫ورجاال»‪.‬‬
‫أعلنَ اللورد ميريويذر‪« :‬مهزلة! ال يُمكن أن نسمح ل َحرس اللَّيل ب َ‬
‫ض ِّم ق َّوتهم إلى اللورد ستانيس»‪.‬‬
‫قال السير هاريس سويفت متَّفقًا‪« :‬يجب أن نُعلِن سنو هذا خائنًا ومتم ِّردًا‪ .‬ال بُ َّد أن يُزيحه اإلخوة السُّود»‪.‬‬
‫أومأ َ ال ِمايستر األكبر پايسل برأسه بتؤدة‪ ،‬وقال‪« :‬أقتر ُح أن نُبلِغ (القلعة السَّوداء) بأننا لن نبعث إليهم‬
‫بمزي ٍد من الرِّ جال حتى يرحل سنو»‪.‬‬
‫رسلوا ال ُّلصوص‬ ‫قال أوران ووترز‪ُ « :‬درموناتنا الجديدة ستحتاج إلى َّ‬
‫مالحين‪ .‬لنُملي على اللوردات أن يُ ِ‬
‫الجدار)»‪.‬‬ ‫ي من اآلن فصاعدًا ً‬
‫بدال من ( ِ‬ ‫ومنتهكي حُرمة األراضي إل َّ‬
‫‪54‬‬
‫قائال بابتسامة‪َ « :‬حرس اللَّيل يُدافِعون عنا جميعًا ضد السناركات والجرامكنات‬ ‫ما َل كايبرن إلى األمام ً‬
‫أيها السَّادة‪ ،‬رأيي أن علينا أن نُسا ِعد إخوتنا السُّود ال ُّشجعان»‪.‬‬
‫رمقَته سرسي بح َّد ٍة متسائلةً‪« :‬ماذا تقول؟»‪.‬‬
‫أجاب اللورد ستانيس التماسهم‪ ،‬فهل يُمكن أن‬ ‫َ‬ ‫وحرس اللَّيل يلتمسون الرِّجال‪ ،‬وقد‬‫‪« -‬ما قلته‪ .‬منذ سنوات َ‬
‫الجدار)‪ ...‬ليرتدوا المعاطف السَّوداء‬ ‫رجل إلى ( ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يفعل الملك تومن ما هو أقل؟ يَج ُدر بجاللته أن ي ِ‬
‫ُرسل مئة‬
‫ظاهريًّا‪ ،‬أ َّما في الحقيقة‪.»...‬‬
‫كنت أعل ُم أني محقَّة حين أردته في‬ ‫أكملَت سرسي العبارة مسرورةً‪ ...« :‬ليقصوا چون سنو عن القيادة»‪ُ .‬‬
‫مجلسي‪ .‬قالت ضاحكةً‪« :‬وهذا ما سنفعله بالضَّبط»‪ .‬إذا كان ذلك النَّغل ابن أبيه حقًّا فلن يرتاب في شيء‪،‬‬
‫ص بالتَّأكيد‪ .‬اترُكوا لي‬ ‫ينغرس النَّصل بين ضلوعه‪« .‬يجب أن يُنَفَّذ هذا بحر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بل وربما يَش ُكرني قبل أن‬
‫ً‬
‫عمال اليوم أيها السَّادة‪،‬‬ ‫بخنجر ال بإعالن‪« .‬أحسنَّا‬
‫ٍ‬ ‫الباقي أيها السَّادة»‪ .‬هكذا ينبغي التَّعا ُمل مع العدو‪،‬‬
‫أشكركم‪ .‬هل من شي ٍء آ َخر؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة‪ .‬أتر َّد ُد في أن أستهلك وقت‬ ‫ِ‬ ‫أجاب أوران ووترز بنبر ٍة اعتذاريَّة‪« :‬شيء واحد أخير يا‬ ‫َ‬
‫المجلس في التَّوافه‪ ،‬لكن هناك كال ًما غريبًا يدور في الميناء في الفترة األخيرة‪ .‬البحَّارة اآلتون من ال َّشرق‬
‫يتكلَّمون عن التَّنانين‪.»...‬‬
‫قاط َعته سرسي‪ ...« :‬والمانتيكورات والسناركات الملتحية أيضًا دون َشك‪ ،‬أليس كذلك؟»‪ ،‬وأطلقَت‬
‫ضت مشيرةً بهذا إلى نهاية‬ ‫ضحكةً قصيرةً مردفةً‪ُ « :‬عد إل َّ‬
‫ي عندما تسمع شيئًا عن األقزام يا سيِّدي»‪ ،‬ونه َ‬
‫االجتماع‪.‬‬
‫المبارك‬
‫َ‬ ‫كانت ريح خريفيَّة عاتية تهبُّ عندما غاد َرت سرسي قاعة المجلس‪ ،‬وال تزال أجراس بيلور‬
‫الحداد في هواء المدينة من بعيد‪ ،‬وفي السَّاحة نحو أربعين من الفُرسان يكرُّ بعضهم على‬
‫تصدح بأغنيَّة ِ‬
‫ق السير بوروس بالونت الملكة إلى مسكنها‪،‬‬ ‫بعض بالسُّيوف والتُّروس مضيفين إلى الصَّخب صخبًا‪ .‬راف َ‬
‫حيث وجدَت الليدي ميريويذر تضحك مع چوسلين ودوركاس‪ ،‬فسألتهن‪« :‬ما الطَّريف لهذه ال َّدرجة؟»‪.‬‬
‫أجابَت تاينا‪« :‬التَّوأمان ردواين‪ ،‬كالهما وق َع في هوى الليدي مارچري‪ .‬من قبل اعتادا أن يتشا َجرا على‬
‫من سيُصبِح سيِّد (الكرمة) التَّالي‪ ،‬أ َّما اآلن فكالهما يرغب في االنضمام إلى ال َحرس الملكي لمجرَّد أن‬
‫يكون قُرب الملكة الصَّغيرة»‪.‬‬
‫ض ِبطَ‬
‫الذكاء في عقولهم»‪ .‬على أنها معلومة مفيدة‪ .‬إذا ُ‬ ‫‪« -‬النَّمش على وجوه آل ردواين أكثر دائ ًما من َّ‬
‫هورور أو سلوبر في الفِراش مع مارچري‪ ...‬تساءلَت سرسي إن كانت الملكة الصَّغيرة تحبُّ النَّمش‪.‬‬
‫«دوركاس‪ ،‬اجلبي السير أوزني ِكتلبالك»‪.‬‬
‫تورَّد وجه دوركاس‪ ،‬وقالت‪« :‬كما تأمرين»‪.‬‬
‫خرجت الفتاة رمقَت تاينا ميريويذر الملكة بنظر ٍة فضوليَّة‪ ،‬وسألَتها‪« :‬لماذا احم َّر وجهها هكذا؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل َّما‬
‫أجابَتها سرسي وقد حانَ دورها في الضَّحك‪« :‬إنه الحُب‪ .‬فارسنا السير أوزني يستهويها»‪ .‬إنه أصغر‬
‫اإلخوة ِكتلبالك‪ ،‬صاحب الوجه الحليق‪ ،‬ومع أن له نفس ال َّشعر األسود واألنف المعقوف واالبتسامة‬
‫العفويَّة كأخيه أوزموند‪ ،‬فعلى إحدى وجنتيه ثالثة خدوش طويلة بفضل واحد ٍة من عاهرات تيريون‪.‬‬
‫عجبها»‪.‬‬‫أظن أن نُدوبه تُ ِ‬
‫« ُّ‬
‫التم َع ال ُخبث في عينَي الليدي ميريويذر ال َّداكنتين وهي تقول‪« :‬بالضَّبط‪ .‬النُّدوب تجعل الرَّجل يبدو‬
‫خطيرًا‪ ،‬والخطر مثير»‪.‬‬
‫ت اللورد أورتون؟‬ ‫قالت الملكة مداعبةً‪« :‬إنك تصدمينني يا سيِّدتي‪ .‬إذا كان الخطر يُثيرك هكذا فلِ َم تز َّوج ِ‬
‫قائال إن بوق الوفرة الذي يُ َزيِّن رايات عائلة‬ ‫كلُّنا نحبُّه‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن‪ .»...‬كان پيتر قد علَّق م َّرةً ً‬
‫ميريويذر يُالئم اللورد أورتون على نح ٍو رائع‪ ،‬بما أن َشعره له لون الجزر وأنفه منتفخ كثمرة شمندر‬
‫وذكاءه يُضاهي وعا ًء من ثريد البازالء‪.‬‬
‫قالت تاينا ضاحكةً‪« :‬سيِّدي يتمتَّع بالوفرة أكثر من الخطر بالفعل‪ ،‬ورغم ذلك‪ ...‬آم ُل أني لن أحطَّ من قدر‬
‫جاللتك‪ ،‬لكني لم أذهب عذراء إلى فِراش أورتون»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نفسي في نظر‬
‫كلكن عاهرات في ال ُمدن ال ُحرَّة‪ ،‬أليس كذلك؟ جيِّد أن تعلم هذا‪ ،‬فربما تتم َّكن من استغالله ذات يوم‪.‬‬
‫«وتُرى من هذا الحبيب الذي كان‪ ...‬مليئًا بالخطر؟»‪.‬‬
‫جاللتك‬
‫ِ‬ ‫ازدادَت بشرة تاينا ال َّزيتونيَّة ُدكنةً إذ تخضَّبت باألحمر‪ ،‬وقالت‪« :‬أوه‪ ،‬لم يكن يجب أن أتكلَّم‪.‬‬
‫ستُحا ِفظين على س ِّري‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫قالت سرسي‪« :‬للرِّ جال ال ُّندوب وللنِّساء األسرار»‪ ،‬وقبَّلتها على وجنتيها مف ِّكرةً‪ :‬سأستخلصُ هذا االسم‬
‫منك قريبًا‪.‬‬
‫ِ‬
‫صرفَت الملكة رفيقاتها حين عادَت دوركاس بالسير أوزني ِكتلبالك‪ ،‬ثم قالت له‪« :‬تعا َل اجلس معي عند‬
‫النَّافذة يا سير أوزني‪ .‬هل تُريد كأسًا من النَّبيذ؟»‪ ،‬وصبَّت واحدةً لنفسها متابعةً‪« :‬معطفك مهترئ‪ .‬أف ِّك ُر‬
‫في أن أضعك في واح ٍد جديد»‪.‬‬
‫‪« -‬ماذا؟ معطف أبيض؟ َمن ماتَ ؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس بع ُد‪ .‬أهذه رغبتك؟ أن تنض َّم إلى أخيك أوزموند في ال َحرس الملكي؟»‪.‬‬
‫جاللتك»‪ ،‬وابتس َم أوزني ابتسامةً عريضةً لتلمع النُّدوب‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أفضلُّ أن أكون حارس الملكة فقط‪ ،‬بَعد إذن‬
‫على وجنته باألحمر‪ ،‬فتحسَّستها سرسي بأناملها قائلةً‪« :‬لسانك جريء أيها الفارس‪ .‬ستجعلني أنسى نفسي‬
‫ثانيةً»‪.‬‬
‫أجاب السير أوزني‪« :‬جيِّد»‪ ،‬والتقطَ يدها وقبَّل أصابعها بخشون ٍة مضيفًا‪« :‬ملكتي الجميلة»‪.‬‬
‫َ‬
‫هم َست الملكة‪« :‬أنت رجل شرِّير‪ ،‬وال أظنُّك فارسًا حقيقيًّا كذلك»‪ ،‬وتر َكته يلمس ثدييها من فوق حرير‬
‫فُستانها‪ ،‬ثم قالت‪« :‬كفى»‪.‬‬
‫أريدك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ال‪ .‬إنني‬
‫‪« -‬لقد نلتني»‪.‬‬
‫ق ذ َّكرها بروبرت‪.‬‬
‫قال‪« :‬م َّرةً فقط»‪ ،‬وأمسكَ ثديها األيسر واعتص َره ب َخ َر ٍ‬
‫س طيِّب‪ .‬لقد أسديتَني صنيعًا ُشجاعًا ونلت مكافأتك»‪ ،‬وم َّشت سرسي أصابعها على‬ ‫‪« -‬ليلة طيِّبة لفار ٍ‬
‫أربطة سراويله وشع َرت به ينتصب‪ .‬سألَته‪« :‬أهذا حصان جديد الذي كنت تمتطيه في السَّاحة صباح‬
‫أمس؟»‪.‬‬
‫صف اللَّيل»‪.‬‬
‫‪« -‬الفَحل األسود؟ أجل‪ .‬هديَّة من أخي أوزفريد‪ .‬أس ِّميه منت َ‬
‫يا لالبتكار!‬
‫ُقارن بركوب ُمهر ٍة صغيرة مف َعمة بالحيويَّة»‪ ،‬ومن َحته‬ ‫قالت‪ُ « :‬مطية رائعة للمعارك‪ ،‬أ َّما لل ُمتعة فال شيء ي َ‬
‫ابتسامةً واعتص َرت َذكره م َّرةً متابعةً‪« :‬اص ِدقني القول‪ ،‬هل تحسب ملكتنا الصَّغيرة جميلةً؟»‪.‬‬
‫ض ُل أن أحظى بامرأة»‪.‬‬ ‫أظن هذا‪ ،‬بالنِّسبة إلى فتاة‪ .‬أف ِّ‬ ‫تراج َع السير أوزني ً‬
‫قائال بحذر‪ُّ « :‬‬
‫هم َست‪« :‬ولِ َم ليس االثنتين؟ اقطُف الوردة الصَّغيرة من أجلي ولن تجدني ناكرةً للجميل»‪.‬‬
‫َر َّد السير أوزني وحرارته تخمد في سراويله‪« :‬الملكة‪ ...‬تعنين مارچري؟ إنها زوجة الملك‪ .‬ألم يكن هناك‬
‫حارس ملكي فق َد رأسه لمضا َجعة زوجة الملك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬منذ عصور»‪ .‬كانت عشيقة الملك ال زوجته‪ ،‬ورأسه ال َّشيء الوحيد الذي لم يفقده‪ .‬إجون مثَّل به قطعةً‬
‫قطعةً وجع َل المرأة تُشا ِهد‪ .‬غير أن سرسي ال تُريده أن يُفَ ِّكر في تلك الحادثة الكريهة الموغلة في القِدم‪،‬‬
‫فقالت‪« :‬تومن ليس إجون غير الجدير‪ .‬ال تخف‪ ،‬سيفعل ما أطلبه منه‪ .‬إنني أنوي أن تفقد مارچري رأسها‬
‫وليس أنت»‪.‬‬
‫جعلَه هذا يتر َّدد لحظةً ويسأل‪« :‬تقصدين بكارتها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬وهذه أيضًا‪ .‬طريف أنها ما زالَت محتفظةً بها»‪ ،‬وعادَت تتحسَّس ندوبه مردفةً‪« :‬ما لم تكن تحسب أن‬
‫مارچري لن تستجيب إلى‪ِ ...‬سحرك»‪.‬‬
‫رمقَها أوزني بنظر ٍة جريحة‪ ،‬وقال‪« :‬إنني أعجبها بما فيه الكفاية بالفعل‪ .‬بنات عمومتها يُعابِثنني بشأن‬
‫آخر م َّر ٍة فعلَت ِمجا ذلك أم َرتهن مارچري بالتَّوقُّف وقالت إن‬
‫أنفي دائ ًما‪ ،‬كم هو كبير وما إلى ذلك‪ ،‬لكن ِ‬
‫ً‬
‫جميال»‪.‬‬ ‫لي وجهًا‬
‫‪« -‬هكذا إذن»‪.‬‬
‫قال الرَّجل بنبر ٍة ملؤها ال َّشك‪« :‬هكذا إذن‪ ،‬لكن أين سأذهبُ إذا كانت‪ ...‬إذا ُ‬
‫كنت‪ ...‬بَعد أن‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬تفعال فعلتكما؟»‪ .‬من َحته سرسي ابتسامةً شائكةً‪ ،‬وأجابَت‪« :‬النَّوم مع الملكة خيانة‪ .‬لن يجد تومن‬
‫الجدار)»‪.‬‬‫خيارًا َّإال إرسالك إلى ( ِ‬
‫ر َّدد مذعورًا‪ِ (« :‬‬
‫الجدار)؟!»‪.‬‬
‫بذلَت ك َّل جهدها لتمنع نفسها من الضَّحك مف ِّكرةً‪ :‬ال‪ ،‬األفضل َّأال أضحك‪ .‬الرِّ جال يكرهون أن يضحك‬
‫وبدال من ذلك قالت‪« :‬المعطف األسود سيتماشى جيِّدًا مع عينيك و َشعرك األسود هذا»‪.‬‬‫ً‬ ‫منهم أحد‪،‬‬
‫الجدار)»‪.‬‬‫‪« -‬ال أحد يعود من ( ِ‬
‫‪« -‬أنت ستعود‪ ،‬وما عليك َّإال أن تَقتُل صبيًّا؟»‪.‬‬
‫‪َ « -‬من؟»‪.‬‬
‫‪« -‬صب ٌّي نغل متواطئ مع ستانيس‪ .‬إنه صغير وأخضر‪ ،‬وسيكون معك مئة رجل»‪.‬‬
‫اشت َّمت رائحة الخوف المنبعثة من ِكتلبالك‪ ،‬وإن كان أكثر غرورًا من أن يعترف بخوفه‪ .‬كلُّ ال ِّرجال‬
‫صبيةً أكثر مما أستطي ُع أن أحصي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قتلت ِ‬ ‫واحد‪ .‬قال بإصرار‪« :‬لقد‬
‫بمجرَّد أن يموت ذلك الصَّبي هل سأنا ُل عفوي من الملك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬العفو باإلضافة إلى لورديَّة»‪ .‬ما لم يَشنُقك إخوة سنو ً‬
‫أوال‪« .‬ال بُ َّد أن يكون للملكة رفيق ال يعرف‬
‫الخوف»‪.‬‬
‫قال‪« :‬اللورد ِكتلبالك؟»‪ ،‬وزحفَت ابتسامة بطيئة على وجهه والتهبَت نُدوبه باألحمر‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬نعم‪،‬‬
‫يروقني وقع الكلمة‪ ،‬لورد من اللوردات‪.»...‬‬
‫ُضاجع ملكةً»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ ...« -‬والئق بأن ي‬
‫الجدار) بارد»‪.‬‬ ‫قطَّب وجهه ً‬
‫قائال‪ِ (« :‬‬
‫ضاجع فتاةً واقتُل صبيًّا وأنا لك‪ .‬هل تملك‬
‫ِ‬ ‫وض َعت سرسي ذراعيها حول ُعنقه‪ ،‬ور َّدت‪« :‬وأنا دافئة‪.‬‬
‫ال َّشجاعة؟»‪.‬‬
‫رجلك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ف َّكر أوزني لحظةً قبل أن يُومئ إيجابًا ويقول‪« :‬أنا‬
‫قليال قبل أن تترا َجع قائلةً‪« :‬يكفي هذا‬
‫قالت‪« :‬أنت رجلي أيها الفارس»‪ ،‬وقبَّلته وجعلَته يتذ َّوق لسانها ً‬
‫اآلن‪ ،‬يجب أن ينتظر الباقي‪ .‬هل ستَحلُم بي اللَّيلة؟»‪.‬‬
‫ت مبحوح‪« :‬أجل»‪.‬‬‫أجاب بصو ٍ‬
‫َ‬
‫سألَته مداعبةً‪« :‬وحين تكون في الفِراش مع مارچري؟ حين تكون في داخلها هل ستَحلُم بي؟»‪.‬‬
‫أقس َم أوزني ِكتلبالك ً‬
‫قائال‪« :‬أجل»‪.‬‬
‫‪« -‬عظيم»‪.‬‬
‫بَعد ذهابه استدعَت سرسي چوسلين لتُ َم ِّشط َشعرها بينما خل َعت حذاءها وتمطَّت كهرَّة‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬إنني‬
‫مخلوقة من أجل هذا‪ .‬أناقة الخطَّة الخالصة أكثر ما يسرُّ ها‪ .‬حتى مايس تايرل نفسه لن يجرؤ على الدِّفاع‬
‫طت متلبِّسةً مع أمثال أوزني ِكتلبالك‪ ،‬ولن يجد ستانيس باراثيون أو چون سنو ما‬ ‫ضب ِ َ‬
‫عن ابنته الغالية إذا ُ‬
‫الجدار)‪ .‬سوف تحرص على أن يكون السير أوزموند هو‬ ‫يدعو إلى التَّسا ُؤل عن سبب إرسال أوزني إلى ( ِ‬
‫من يكتشف أخاه مع الملكة الصَّغيرة‪ ،‬وبهذه الطَّريقة لن يطعن أحد في والء األخوين ِكتلبالك اآلخَريْن‪ .‬لو‬
‫ٌ‬
‫مؤسف أنه ماتَ ‪ ،‬هو وروبرت وچون آرن وإدارد‬ ‫رآني أبي اآلن لما سار َع بالكالم عن تزويجي ثانيةً‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال‪.‬‬ ‫ستارك ورنلي باراثيون‪ ،‬ك ُّلهم ماتوا وما بق َي َّإال تيريون‪ ،‬وليس‬
‫ليلتها استدعَت الملكة الليدي ميريويذر إلى ُغرفة نومها‪ ،‬حيث سألَتها‪« :‬هل تشربين كأسًا من النَّبيذ؟»‪.‬‬
‫أجابَت المايريَّة ضاحكةً‪« :‬واحدةً صغيرةً‪ ،‬واحدةً كبيرةً»‪.‬‬
‫أريدك أن تزوري زوجة ابني غدًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قالت سرسي بينما تضع دوركاس عليها ثياب النَّوم‪« :‬‬
‫‪« -‬الليدي مارچري تسعد لرؤيتي دو ًما»‪.‬‬
‫أعرف»‪ .‬لم يَفُت الملكة أن تلحظ اللَّقب الذي تستخدمه تاينا عند اإلشارة إلى زوجة تومن الصَّغيرة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫شموع من شمع النَّحل إلى ( ِسپت بيلور) إحيا ًء لذكرى السِّپتون األعلى‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أرسلت سبع‬ ‫«قولي لها إنني‬
‫العزيز»‪.‬‬
‫رسل هي سبعًا وسبعين شمعةً كي ال تتف َّوقي عليها»‪.‬‬ ‫ضح َكت تاينا‪ ،‬وقالت‪« :‬إذن فستُ ِ‬
‫أجابَت الملكة باسمةً‪« :‬سأستا ُء كثيرًا إذا لم تفعل‪ .‬أخبِريها أيضًا بأن لها معجبًا س ِّريًّا‪ ،‬فارسًا مفتونًا للغاية‬
‫بجمالها حتى إنه ال يستطيع النَّوم ً‬
‫ليال»‪.‬‬
‫جاللتك أيُّ فارس؟ أيُمكن‬
‫ِ‬ ‫ق المكر في عينَي تاينا الواسعتين ال َّداكنتين وهي تسألها‪« :‬هل لي أن أسأل‬ ‫بر َ‬
‫أنه السير أوزني؟»‪.‬‬
‫ت ذلك؟»‪.‬‬ ‫منك‪َّ .‬‬
‫هال فعل ِ‬ ‫‪« -‬ربما‪ ،‬لكن ال تُقَدِّمي لها االسم طواعيةً‪ ،‬اجعليها تنتزعه ِ‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬إذا كان يسرُّ ِك‪ .‬هذا كلُّ ما أتمنَّى يا‬
‫في الخارج كانت الرِّيح الباردة تشت ُّد‪ .‬ظلَّت االثنتان ساهرتيْن حتى ساع ٍة متأ ِّخرة من الصَّباح‪ ،‬تشربان نبيذ‬
‫واستخلصت منها سرسي اسم حبيبها ال ِّس ِّري‪،‬‬
‫َ‬ ‫الذهبي وتتبادَالن الحكايات‪ .‬سك َرت تاينا تما ًما‬ ‫(الكرمة) َّ‬
‫الذقن إلى‬ ‫رصان له َشعر أسود ينسدل على كتفيه ونُدبة على وجهه من َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الذي كان ُربَّانًا من (مير)‪ ،‬نِصف قُ‬
‫األُذن‪.‬‬
‫ُ‬
‫وجدت نفسي أقو ُل نعم في النِّهاية أي ً‬
‫ضا‪.‬‬ ‫قالت لها المرأة األخرى‪« :‬مئة م َّر ٍة ُ‬
‫قلت له ال وقال نعم‪ ،‬إلى أن‬
‫رجال يُرفَض»‪.‬‬‫ً‬ ‫لم يكن‬
‫أعرف هذا النَّوع»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قالت الملكة بابتسام ٍة ملتوية‪« :‬‬
‫ً‬
‫رجال كهذا يا تُرى؟»‪.‬‬ ‫صاحبة الجاللة‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬هل عرفَت‬
‫أجابَت كاذبةً وهي تُفَ ِّكر في چايمي‪« :‬روبرت»‪.‬‬
‫لكن حين أسدلَت جفنيها كان األخ اآل َخر هو من حل َمت به‪ ،‬وبثالثة الحمقى المأفونين الذين بدأت بهم‬
‫ظت به في وعاء الفضالت‪.‬‬ ‫الجلدي‪ ،‬فطلَته بالبرونز واحتف َ‬
‫يومها‪ .‬في الحُلم أتوها برأس تيريون في الكيس ِ‬
‫الربَّان الحديدي‬
‫دارت (النَّصر الحديدي) حول الرَّأس األرضي ودخلَت الخليج المق َّدس‬ ‫كانت الرِّيح تهبُّ من ال َّشمال فيما َ‬
‫المس َّمى (مهد ناجا)‪.‬‬
‫الح أمامهما ساحل (ويك القديمة) المق َّدس‬ ‫َّ‬
‫الحالق عند مقدِّمة السَّفينة‪ ،‬وقد َ‬ ‫انض َّم ڤيكتاريون إلى نيوت‬
‫أشجار بيضاء عظيمة‪ ،‬ك ٌّل منها‬
‫ٍ‬ ‫والتَّلُّ المعشوشب فوقه‪ ،‬حيث ترتفع ضلوع ناجا من األرض كجذوع‬
‫ً‬
‫طوال‪.‬‬ ‫ُناظر صاري ال ُّدرمونة في العرض ويَبلُغ ِ‬
‫ضعفه‬ ‫ي ِ‬
‫عظام (بهو الملك األشيب)‪ .‬شع َر ڤيكتاريون بما في هذا المكان من ِسحر‪ ،‬وقال متذ ِّكرًا‪« :‬بالون وقفَ‬
‫أسفل هذه العظام حين نصَّب نفسه مل ًكا‪ .‬أقس َم أن يستر َّد لنا ح ِّريَّتنا‪ ،‬ووض َع تارل الغارق ثالثًا تاجًا من‬
‫الخشب المجروف على رأسه‪ ،‬وهتفَ النَّاس‪ :‬بالون! بالون! بالون مل ًكا!»‪.‬‬
‫قال نيوت‪« :‬سيُ َد ِّوي هتافهم باسمك أيضًا»‪.‬‬
‫الحالق ثقته حقًّا‪ .‬بالون كان له ثالثة أبناء‪ ،‬وابنة أحبَّها‬
‫َّ‬ ‫أومأ َ ڤيكتاريون برأسه مؤ ِّمنًا‪ ،‬ولو أنه ال ي ِ‬
‫ُشارك‬
‫كثيرًا‪.‬‬
‫هذا ما قاله لربابنته في (خندق كايلن) حين أوعزوا إليه بأن يُطالِب ب ُكرسي حجر اليم‪ ،‬وقال رالف‬
‫ستونهاوس األحمر‪« :‬أبناء بالون ماتوا‪ ،‬وآشا امرأة‪ .‬لقد كنتَ ذراع أخيك اليُمنى القويَّة‪ ،‬ويجب أن تلتقط‬
‫السَّيف الذي أفلتَه»‪ ،‬لكن عندما ذ َّكرهم ڤيكتاريون بأن بالون أم َره بالدِّفاع عن (الخندق) ضد ال َّشماليِّين قال‬
‫رالف كنينج‪« :‬ال ِّذئاب انكسروا يا سيِّدي‪ .‬ما جدوى أن نكسب هذا المستنقع ونخسر الجُزر؟»‪ ،‬وأضافَ‬
‫ً‬
‫طويال‪ ،‬إنه ال يعرفنا»‪.‬‬ ‫غاب عنا‬‫َ‬ ‫رالف األعرج‪« :‬عين ال ُغراب‬
‫ظ الخاطر غضبةً قديمةً في قلبه‪ ،‬ورغم ذلك‪...‬‬ ‫يورون جرايچوي‪ ،‬ملك الجُزر وال َّشمال‪ .‬أيق َ‬
‫قال لهم ڤيكتاريون‪« :‬الكالم هواء‪ ،‬والهواء الجيِّد الوحيد هو الذي يدفع أشرعتنا‪ .‬هل تُريدونني أن أقاتل‬
‫عين ال ُغراب؟ األخ ضد األخ والحديدي ضد الحديدي؟»‪.‬‬
‫زال يورون أخاه الكبير مهما كان بينهما من ضغائن‪ .‬ما من أح ٍد ملعون كقاتِل األقربين‪.‬‬ ‫ما َ‬
‫لكن ك َّل شي ٍء تغيَّر حين وص َل استدعاء ذي ال َّشعر الرَّطب ودعوته إلى انتخاب الملك‪.‬‬
‫قائال‪ :‬آرون يتكلَّم بصوت اإلله الغريق‪ ،‬وإذا كانت مشيئة اإلله الغريق أن أجلس‬ ‫ذ َّكر ڤيكتاريون نفسه ً‬
‫على ُكرسي حجر اليم‪ ...‬في اليوم التَّالي ولَّى رالف كنينج قيادة (خندق كايلن)‪ ،‬وتحرَّك ب ًّرا صوب (النَّهر‬
‫المحموم) حيث يرسو األسطول الحديدي وسط أحراج القصب وأشجار الصَّفصاف‪ .‬بَعدها أ َّخرهم هياج‬
‫البحر وتقلُّب الرِّياح‪ ،‬لكن سفينةً واحدةً فقط فُقِدَت‪ ،‬وعا َد ڤيكتاريون إلى الوطن‪.‬‬
‫تحرَّكت (الثَّأر الحديدي) و(الثُّبور) على مقرب ٍة وراء (النَّصر الحديدي) بينما تجاو َزت لسان اليابسة‪،‬‬
‫ووراءهما جا َءت (اليد القويَّة) و(الرِّيح الحديد) و(ال َّشبح الرَّمادي) و(اللورد كويلون) و(اللورد ڤيكون)‬
‫ف غير منتظم‬ ‫ص ٍّ‬
‫و(اللورد داجون) والبقيَّة‪ ،‬تسعة أعشار األسطول الحديدي المبحر في تيَّار المساء في َ‬
‫يمت ُّد فراسخ عديدةً إلى الوراء‪ .‬مألَ منظر القلوع ڤيكتاريون جرايچوي بال ِّرضا‪ .‬ال رجل في ال ُّدنيا أحبَّ‬
‫زوجاته كما يحبُّ حضرة الرُّ بَّان القائد سُفنه‪.‬‬
‫كالحراب‪،‬‬‫ِ‬ ‫بصوار مرتفعة‬
‫ٍ‬ ‫تصطف السُّفن الطَّويلة على مدى البصر‬
‫ُّ‬ ‫على شاطئ (ويك القديمة) المق َّدس‬
‫وفي البُقع األعمق من المياه ترسو الغنائم؛ أكواج وقراقير و ُدرمونات ظُفِ َر بها في الغارات أو الحروب‪،‬‬
‫‪57‬‬
‫وتمنعها أحجامها الكبيرة من ال ُّدنو من ال َّشاطئ‪ ،‬وعلى مقدِّماتها ومؤ ِّخراتها وصواريها تخفق رايات‬
‫مألوفة‪.‬‬
‫الحالق عينيه ناظرًا إلى ال َّشاطئ‪ ،‬وتساء َل‪« :‬أهذه (أغنيَّة البحر) سفينة اللورد هارلو؟»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ضيِّق نيوت‬
‫الحالق رجل غليظ البنية له ساقان متق ِّوستان وذراعان طويلتان‪ ،‬لكن بصره لم يَعُد حا ًّدا كما كان في‬ ‫َّ‬
‫شبابه‪ .‬في تلك األيام كان بإمكانه رمي الفأس بمنتهى البراعة‪ ،‬حتى إن النَّاس قالوا إنه يستطيع أن يحلق‬
‫لحيتك بها‪.‬‬
‫ك ُكتبه‪(« .‬أغنيَّة البحر)‪ ،‬نعم‪ .‬وهذه هي (الرَّاعد) سفينة دروم العجوز‪ ،‬وإلى‬ ‫يبدو أن رودريك القارئ تر َ‬
‫جوارها (طيَّار اللَّيل) سفينة بالكتايد»‪ .‬ما زالَت عينا ڤيكتاريون تتمتَّعان بح َّدتهما المعهودة‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من انطواء األشرعة وارتخاء الرَّايات فقد تعرَّف السُّفن كما يليق بحضرة الرُّ بان قائد األسطول الحديدي‪.‬‬
‫ضيَّة) أيضًا‪ .‬ال بُ َّد أنه من أقرباء ساوان بوتلي»‪ .‬سم َع ڤيكتاريون أن عين ال ُغراب أغر َ‬
‫ق‬ ‫«و(ال َّزعنفة الف ِّ‬
‫اللورد بوتلي‪ ،‬كما أن وريثه ماتَ في (خندق كايلن)‪ ،‬لكن هناك إخوةً وأبناء آخَرين أيضًا‪ .‬كم؟ أربعة؟ ال‪،‬‬
‫خمسة‪ ،‬وال أحد منهم عنده سبب يجعله يحبُّ عين ال ُغراب‪.‬‬
‫قان‪ ،‬وأشرعتها ‪-‬المطويَّة اآلن‪-‬‬ ‫ثم إنه رآها‪ .‬للسَّفينة صارية واحدة‪ ،‬بدنها رفيع واطئ وله لون أحمر ٍ‬
‫سوداء كسما ٍء بال نجوم‪ .‬حتى في المرسى تبدو (الصَّمت) قاسيةً سريعةً‪ .‬على مقدِّمتها فتاة حديديَّة سوداء‬
‫تم ُّد أحد ذراعيها‪ ،‬خصرها ممشوق ونهداها عاليان شامخان وساقاها طويلتان رشيقتان‪ ،‬ومن رأسها‬
‫فرف َشعرها الحديد األسود كأن الرِّيح تُطَيِّره‪ ،‬وفي عينيها يلتمع ِعرق اللُّؤلؤ‪ ،‬لكنها بال فم‪.‬‬ ‫يُ َر ِ‬
‫رجال حتى الموت‪ ،‬وزوجةً أيضًا‪ .‬رغم ال َّشيب الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ضرب أربعة‬‫َ‬ ‫انغلقَت قبضتا ڤيكتاريون‪ .‬بهاتين اليدين‬
‫صبيان‪ .‬قاتِل‬ ‫وخطَ َشعره فإنه ال يزال محتفظًا بق َّوته كاملةً‪ ،‬صدره عريض كالثِّيران وبطنه مسطَّح كال ِّ‬
‫األقربين ملعون في أعيُن اآللهة والبَشر‪ .‬هذا ما ذ َّكره به بالون يوم صرفَ عين ال ُغراب إلى البحر‪.‬‬
‫أنزلوا األشرعة‪ ،‬سنتق َّدم بالمجاذيف فقط‪ .‬و ُمر (الثُّبور) و(الثَّأر‬ ‫للحالق‪« :‬إنه هنا‪ِ .‬‬ ‫َّ‬ ‫قال ڤيكتاريون‬
‫الحديدي) بالوقوف بين (الصَّمت) والبحر‪ ،‬ولتُغلِق بقيَّة السُّفن الخليج‪ .‬ال أحد يُغا ِدر َّإال بأمري‪ ،‬سواء أكان‬
‫ً‬
‫رجال أم ُغرابًا»‪.‬‬
‫صروا أشرعتهم‪ ،‬وتر َّدد هتافهم عبر الخليج إذ رف َع األصدقاء واألهل عقائرهم‬ ‫كان َمن على ال َّشاطئ قد أب َ‬
‫ظهرها لم تَص ُدر كلمة واحدة من طاقمها المتنافر من‬ ‫بالتَّحيَّات‪ ...‬لكن صوتًا لم يَخرُج من (الصَّمت)‪ .‬على َ‬
‫البُكم وال ِهجان إذ دنَت (النَّصر الحديدي)‪ ،‬وح َّدق إليه رجال سُود كالقار وآخَ رون قصار مكتنزون‬
‫مشعرون كقِردة (سوثوريوس)‪ .‬وحوش‪.‬‬
‫الذهاب إلى‬ ‫أنزلوا قاربًا‪ ،‬أري ُد َّ‬
‫ألقوا المرساة على بُعد عشرين ياردةً من (الصَّمت)‪ ،‬وقال ڤيكتاريون‪ِ « :‬‬
‫المالحون أماكنهم‪ ،‬ليستق َّر سيفه الطَّويل على أحد َوركيه‬ ‫َّ‬ ‫ق بحزامه فيما أخ َذ‬ ‫ال َّشاطئ»‪ ،‬ثم إنه تمنط َ‬
‫ت من‬ ‫الحالق معطفه المصنوع من تسع طبقا ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وخنجره على الثَّاني‪ .‬حول كتفَي حضرة القائد ثبَّت نيوت‬
‫الذهب والمفصَّل على شكل كرا ِكن عائلة جرايچوي وتتدلَّى ذراعاه حتى حذائه‪ ،‬وقد ارتدى تحته‬ ‫قُماش َّ‬
‫الجلد األسود المق َّوى‪ .‬كان قد اعتا َد ارتداء الحلقات‬ ‫ثقيال من الحلقات المعدنيَّة الرَّماديَّة فوق ِ‬ ‫قميصًا ً‬
‫المعدنيَّة في (موت كايلن) ليل نهار‪ ،‬فاحتمال تيبُّس كتفيه وألم ظَهره أسهل من اإلسهال ال َّدموي‪ ،‬إذ يكفي‬
‫ت قليلة ستجده‬ ‫أن يخدش أحد سهام شياطين المستنقعات المسمومة المرء مجرَّد خدش‪ ،‬وخالل ساعا ٍ‬
‫ت من األحمر والبنِّي‪ .‬سأتعا َم ُل مع شياطين المستنقعات أيًّا‬ ‫يَصرُخ بينما تسيل حياته من بين ساقيه في دفقا ٍ‬
‫كان الفائز ب ُكرسي حجر اليم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تلتف أذرُعه حول وجنتيه‬ ‫اعتم َر ڤيكتاريون خوذةً حربيَّةً سوداء طويلةً‪ ،‬مطرَّقةً على شكل كرا ِكن حديدي‬
‫صار جاه ًزا‪ ،‬فقال لنيوت وهو ينزل على جانب السَّفينة‪« :‬لقد‬
‫َ‬ ‫وتلتقي أسفل فَ ِّكه‪ .‬عندئ ٍذ كان القارب قد‬
‫احرص على وضع حراس ٍة مش َّددة عليها»‪ .‬الكثير يعتمد على هذه‬ ‫ِ‬ ‫وضعت الصَّناديق في عهدتك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الصَّناديق‪.‬‬
‫‪« -‬كما تأمر يا جاللة الملك»‪.‬‬
‫أجابَه ڤيكتاريون بوج ٍه عابس‪ُ « :‬‬
‫لست الملك بع ُد»‪ ،‬ونز َل إلى القارب‪.‬‬
‫وكان آرون ذو ال َّشعر الرَّطب في انتظاره وسط األمواج المتكسِّرة على ال َّشاطئ‪ ،‬وقد علَّق ِقربة الماء‬
‫المالح تحت ذراعه‪ .‬الرَّاهب نحيل طويل ولكن أقصر قامةً من ڤيكتاريون‪ ،‬ويَبرُز أنفه ك َزعنفة سمكة‬
‫قِرش من وجهه المهزول تحت عينين من حديد‪ ،‬وتَبلُغ لحيته خصره‪ ،‬وعندما تهبُّ الرِّيح يصفع َشعره‬
‫الطَّويل المتشابك كالحبال مؤ ِّخرة ساقيه‪ .‬قال والموج األبيض البارد يتكسَّر حول كاحليه‪« :‬أخي‪ ،‬ما ماتَ‬
‫ال يُمكن أن يموت أبدًا»‪.‬‬
‫َر َّد ڤيكتاريون‪« :‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب»‪ ،‬وخل َع خوذته ورك َع لتمأل مياه الخليج حذاءه وتُبَلِّل‬
‫صبَّ آرون خيطًا من الماء المالح على جبهته‪ ،‬وشر َع االثنان في الصَّالة‪ ،‬ول َّما فرغا َ‬
‫سأل‬ ‫سراويله بينما َ‬
‫حضرة القائد ذا ال َّشعر الرَّطب‪« :‬أين أخونا عين ال ُغراب؟»‪.‬‬
‫الذهب‪ ،‬هناك حيث اللَّغط أش ُّد‪ .‬إنه يُحيط نفسه بالكافرين والوحوش‪،‬‬ ‫‪« -‬خيمته تلك المصنوعة من قُماش َّ‬
‫أسوأ من قبل‪ .‬فيه فسدَت دماء أبينا»‪.‬‬
‫‪« -‬ودماء أ ِّمنا أيضًا»‪ .‬يَرفُض ڤيكتاريون أن يتكلَّم عن قتل األقربين هنا في هذا المكان المق َّدس أسفل‬
‫عظام ناجا و(بهو الملك األشيب)‪ ،‬ولكن كم من ليل ٍة حل َم فيها بنفسه يهوي على وجه يورون الباسم بقبض ٍة‬
‫مقفَّزة بالحديد‪ ،‬إلى أن يتشقَّق لحمه وتسيل دماؤه الفاسدة حمراء ح َّرةً‪ .‬إياك أن تفعل ذلك‪ .‬لقد أعطيت‬
‫بالون كلمتك‪ .‬سأ َل أخاه الرَّاهب‪« :‬هل أتى الجميع؟»‪.‬‬
‫‪« -‬جميع من لهم أهميَّة‪ ،‬الرَّبابنة والملوك»‪ .‬في (جُزر الحديد) االثنان سيَّان‪ ،‬ألن ك َّل ُرب ٍ‬
‫َّان ملك على‬
‫ملك ال بُ َّد أن يكون ُربَّانًا‪« .‬هل تنوي المطالَبة بتاج أبينا؟»‪.‬‬
‫سطح سفينته‪ ،‬وك َّل ٍ‬
‫أجاب ڤيكتاريون متخي ًِّال نفسه يجلس على ُكرسي حجر اليم‪« :‬إذا شا َء اإلله الغريق»‪.‬‬ ‫َ‬
‫فأصغ إلى الموج يا أخي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال آرون ذو ال َّشعر الرَّطب وهو يلتفت مبتعدًا‪« :‬سيقول الموج كلمته‪،‬‬
‫‪« -‬أجل»‪ .‬تساء َل كيف سيكون وقع اسمه إذ تهمسه األمواج ويهتف به الرَّبابنة والملوك‪ .‬إذا أتَتني الكأس‬
‫فأنا ذائقها‪.‬‬
‫رجاال من ك ِّل جزيرة‪ ،‬من آل‬ ‫ً‬ ‫كانوا قد ازدحموا يتم ُّنون له التَّوفيق ويتو َّددون إليه‪ ،‬فرأى ڤيكتاريون‬
‫حضر أيضًا آل‬
‫َ‬ ‫بالكتايد وآل تاوني وآل أوركوود وآل ستونتري وآل وينش وكثيرين غيرهم‪ ،‬وقد‬
‫جودبراذر أوالد (ويك القديمة) وآل جودبراذر أوالد (ويك ال ُكبرى) وآل جودبراذر أوالد (أوركمونت)‬
‫جميعًا‪ ،‬باإلضافة إلى آل كود على الرغم من احتقار الجميع لهم‪ ،‬بينما خالطَ آل شيپارد وآل ويڤر وآل نتلي‬
‫طهم آل همبل المتواضعون أيضًا مع أنهم من نسل‬ ‫ت عريقة أبيَّة‪ ،‬بل وخال َ‬ ‫ً‬
‫رجاال من عائال ٍ‬ ‫المتواضعون‬
‫األقنان وال َّزوجات الملحيَّات‪ .‬ربَّت واحد من آل ڤولمارك على ظَهر ڤيكتاريون بق َّوة‪ ،‬و َدسَّ اثنان من آل‬
‫فشرب كثيرًا ومس َح فمه وتر َكهم يحملونه إلى بؤر النَّار ليسمع كالمهم عن الحرب‬ ‫َ‬ ‫سپار قِربة نبي ٍذ في يده‪،‬‬
‫والتِّيجان والغنائم وما ينتظرهم من أمجا ٍد وح ِّريَّة في عهده‪.‬‬
‫نصب رجال األسطول الحديدي خيمةً ضخمةً من قُماش األشرعة فوق خَ طِّ ال َمد‪ ،‬وأقا َم ڤيكتاريون‬ ‫َ‬ ‫ليلتها‬
‫الجديان المشوي وسمك القُد المملَّح والكركند‪ ،‬وجا َء‬ ‫مأدبةً لنِصفمئ ٍة من مشاهير الرَّبابنة‪ ،‬أطع َمهم فيها لحم ِ‬
‫ُبحر فيه األسطول‬ ‫وشرب الماء‪ ،‬في حين تجرَّع الرَّبابنة ِمزرًا يكفي ألن ي ِ‬ ‫َ‬ ‫آرون أيضًا وأك َل السَّمك‬
‫الحديدي‪ .‬وعدَه كثيرون بأصواتهم‪ ،‬منهم فرالج القوي وآلڤن شارپ األريب‪ ،‬وكذا هوثو هارلو األحدب‬
‫ظي في ال َّزواج سيِّئ»‪ .‬زوجته األولى ماتَت‬ ‫عرض عليه ابنته لتكون ملكته‪ ،‬فقال له ڤيكتاريون‪« :‬ح ِّ‬ ‫َ‬ ‫الذي‬
‫في أثناء الوالدة ومن َحته ابنةً جهيضةً‪ ،‬والثَّانية فتكَ بها الجُدري‪ ،‬والثَّالثة‪...‬‬
‫جلب ثالثةً من أبنائه يعرضهم في انتخاب‬ ‫َ‬ ‫قال هوثو بإصرار‪« :‬ال بُ َّد أن يكون للملك وريث‪ .‬عين ال ُغراب‬
‫الملك»‪.‬‬
‫‪« -‬نغول و ِهجان‪ .‬كم ِس ُّن ابنتك هذه؟»‪.‬‬
‫أزهرت حديثًا‪ ،‬و َشعرها بلون العسل‪ .‬ما زا َل ثدياها‬ ‫َ‬ ‫أجاب هوثو‪« :‬اثنا عشر عا ًما‪ ،‬جميلة وخصبة‪،‬‬ ‫َ‬
‫صغيريْن‪ ،‬لكن َوركيها قويَّتان‪ .‬إنها تُشبِه أ َّمها أكثر مني»‪.‬‬
‫ك ڤيكتاريون أن معنى هذا أن الفتاة بال حدب ٍة في ظَهرها‪ ،‬لكن حين حاو َل أن يتص َّورها لم ي َر َّإال‬ ‫أدر َ‬
‫انتحب‪ ،‬وبَعدها حملَها إلى الصُّ خور ليُعطي سراطين‬ ‫َ‬ ‫ال َّزوجة التي قتلَها‪ .‬مع كلِّ ضرب ٍة هوى عليها بها‬
‫البحر إياها‪ .‬قال‪« :‬يسرُّ ني أن ألقي نظرةً على الفتاة حالما أت َّو ُج»‪ .‬كان هذا أقصى ما جرؤَ هوثو على أن‬
‫يأمله‪ ،‬فابتع َد قانعًا‪.‬‬
‫جلس إلى جوار ڤيكتاريون بوجهه النَّاعم الوسيم وقميصه‬ ‫َ‬ ‫على أن إرضاء بيلور بالكتايد أصعب‪ ،‬وقد‬
‫الحمالن المضلَّع باألسود واألخضر‪ ،‬وقد ارتدى فوقه معطفًا من فرو ال َّس ُّمور تُثَبِّته‬ ‫المفصَّل من صوف ِ‬
‫نجمة سُباعيَّة من الفضَّة‪ .‬أمضى الرَّجل ثماني سنوات رهينةً في (البلدة القديمة)‪ ،‬وعا َد منها عابدًا آللهة‬
‫األراضي الخضراء السَّبعة‪ .‬قال اللورد بيلور‪« :‬بالون كان مجنونًا وآرون أكثر جنونًا ويورون األكثر‬
‫هتفت باسمك فهل ستضع نهايةً لهذه الحرب‬ ‫ُ‬ ‫جنونًا على اإلطالق‪ ،‬فماذا عنك يا حضرة القائد؟ إذا‬
‫المجنونة؟»‪.‬‬
‫متسائال‪« :‬هل تُريدني أن أركع؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قطَّب ڤيكتاريون جبينه‬
‫‪« -‬إذا لز َم األمر‪ .‬إننا ال نستطيع الصُّ مود وحدنا أمام (وستروس) كلِّها‪ .‬الملك روبرت أثبتَ هذا وأذاقَنا‬
‫الويل‪ .‬بالون قال إنه يُريد أن يدفع الثَّمن الحديدي لقاء الح ِّريَّة‪ ،‬لكن نساءنا اشترين تيجان بالون باألسرَّة‬
‫الخالية‪ .‬أ ِّمي كانت واحدةً منهن‪ .‬النَّهج القديم ماتَ »‪.‬‬
‫عام سيظلُّ النَّاس يُ َغ ُّنون عن‬
‫‪« -‬ما ماتَ ال يُمكن أن يموت أبدًا‪ ،‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب‪ .‬بَعد مئة ٍ‬
‫بالون المقدام»‪.‬‬
‫ب بك ِّل سرور‪ .‬أعندك أب تُعطيني‬ ‫ُ‬
‫كنت ألبادل ح ِّريَّته تلك بأ ٍ‬ ‫‪« -‬األحرى أن تُ َس ِّميه بالون صانع األرامل‪.‬‬
‫ق بالكتايد نخيرًا ساخرًا وتر َكه‪.‬‬ ‫إياه؟»‪ ،‬ول َّما لم ي ُِجب ڤيكتاريون أطل َ‬
‫قلب اثنان من أبناء جورولد جودبراذر مائدةً في شجار‪،‬‬ ‫ارتف َعت الحرارة داخل الخيمة وامتألَت بال ُّدخان‪َ .‬‬
‫وخس َر ويل همبل رهانًا ترتَّب عليه أن يأكل حذاءه‪ ،‬وعزفَ لينوود تاوني الصَّغير على الكمنجة‪ ،‬بينما‬
‫ورقص كارل‬
‫َ‬ ‫غنَّى رومني ويڤر (الكأس ال َّدامية) و(أمطار من فوالذ) وغيرهما من أغاني ال ُمغيرين‪،‬‬
‫ط في نبيذ رالف‬ ‫طار أحد أصابع إلدريد وسق َ‬ ‫َ‬ ‫البِكر وإلدريد كود رقصة األصابع‪ ،‬فد َّوى الضَّحك عندما‬
‫األعرج‪.‬‬
‫نهض ڤيكتاريون ورآها عند سديلة الخيمة‪ ،‬تهمس بشي ٍء ما في أُذن كارل‬ ‫َ‬ ‫بين الضَّاحكين كانت امرأة‪.‬‬
‫البِكر جعلَه يضحك بدوره‪ .‬كان يأمل أنها ليست بالحماقة الكافية ألن تأتي‪ ،‬غير أن مرآها حدا به إلى‬
‫ت آمر‪« :‬آشا‪ ،‬ابنة أخي»‪.‬‬ ‫االبتسام رغم ذلك‪ ،‬فنادى بصو ٍ‬
‫شقَّت طريقها إلى جانبه وقد بدَت نحيلةً رشيقةً في حذائها العالي الذي بقَّع ِجلده المل ُح وسراويلها الصُّ وف‬
‫الجلديَّة عديمة األكمام التي عقدَت نِصف أربطتها‪ .‬آشا‬ ‫الخضراء وقميصها البنِّي المبطَّن وسُترتها ِ‬
‫جرايچوي طويلة القامة بالنِّسبة إلى امرأة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا شبَّت على أصابع قدميها لتلثم وجنته‬
‫قائلةً‪« :‬ع َّماه‪ ،‬يسرُّ ني أن أراك في انتخاب الملكة»‪.‬‬
‫سفينتك (الرِّيح السَّوداء) على‬
‫ِ‬ ‫ت سكرانة يا ابنة أخي؟ اجلسي‪ .‬لم ألمح‬ ‫َر َّد ضاح ًكا‪« :‬انتخاب الملكة؟ أأن ِ‬
‫ال َّشاطئ»‪.‬‬
‫وقطعت الجزيرة ركوبًا»‪ ،‬وجل َست آشا على ُكرسي‪ ،‬وبال ٍ‬
‫إذن‬ ‫ُ‬ ‫رسوت بها عند قلعة اللورد جودبراذر‬‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫غاب في النَّوم سكران منذ‬‫َ‬ ‫الحالق وشربَت منه‪َّ ،‬إال أن نيوت لم يعترض‪ ،‬إذ كان قد‬ ‫َّ‬ ‫تناولَت نبيذ نيوت‬
‫م َّدة‪« .‬ل َمن القيادة في (الخندق)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬رالف كنينج‪ .‬بموت ال ِّذئب الصَّغير لم يَعُد يقضُّ مضاجعنا َّإال شياطين المستنقعات»‪.‬‬
‫‪« -‬آل ستارك لم يكونوا ال َّشماليِّين الوحيدين‪ .‬العرش الحديدي قلَّد سيِّد (معقل الخوف) حُكم ال َّشمال»‪.‬‬
‫ت ترضعين لبن أ ِّم ِك»‪.‬‬ ‫‪« -‬هل تُلَقِّنينني دروسًا في الحرب؟ إنني أخوضُ المعارك وأن ِ‬
‫ت ما زل ِ‬
‫أضافَت آشا‪« :‬وتخسر المعارك أيضًا»‪ ،‬وأخ َذت رشفةً من النَّبيذ‪.‬‬
‫رجل أن يخسر معركةً في شبابه‬
‫ٍ‬ ‫ال يحبُّ ڤيكتاريون أن يُ َذ ِّكره أحد ب(الجزيرة القصيَّة)‪ ،‬فقال‪« :‬على ك ِّل‬
‫أنك لم تجيئي للمطالَبة بالحُكم»‪.‬‬
‫كي ال يخسر حربًا حين يكبر‪ .‬آم ُل ِ‬
‫ُ‬
‫جئت لهذا؟»‪.‬‬ ‫قالت بابتسام ٍة عابثة‪« :‬وماذا لو أني‬
‫ت بنتًا صغيرةً تسبح عاريةً في البحر وتلعب ب ُدميتها»‪.‬‬
‫رونك عندما كن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬هناك رجال يَذ ُك‬
‫ُ‬
‫ولعبت بالفؤوس أيضًا»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫سأعطيك واحدًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫زوج ال إلى تاج‪ .‬حين أصب ُح مل ًكا‬
‫ٍ‬ ‫قال مق ًّرا‪« :‬نعم‪ ...‬لكن المرأة تحتاج إلى‬
‫ي‪ .‬هل أج ُد لك زوجةً حسناء حين أصب ُح ملكةً؟»‪.‬‬‫‪« -‬يا لحنان ع ِّمي عل َّ‬
‫‪« -‬حظِّي في ال َّزواج سيِّئ‪ .‬منذ متى وأن ِ‬
‫ت هنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬منذ فتر ٍة تكفي ألن أرى أن ذا ال َّشعر الرَّطب أثا َر أكثر مما كان ينتوي‪ .‬دروم يُز ِمع أن يُطالِب بالحُكم‪،‬‬
‫وتارل الغارق ثالثًا ُس ِم َع يقول إن مارون ڤولمارك الوريث ال َّشرعي لذوي النَّسب األسود من العائلة»‪.‬‬
‫‪« -‬ال بُ َّد أن يكون الملك من ال َكرا ِكن»‪.‬‬
‫قالت آشا‪« :‬عين ال ُغراب كرا ِكن‪ .‬األخ الكبير يسبق الصَّغير»‪ ،‬ومالَت آشا دانيةً‪ ،‬وأردفَت‪« :‬لكني ابنة‬
‫الملك بالون ومن صُلبه‪ ،‬ولذا أسب ُ‬
‫ق كليكما‪ .‬اسمعني يا ع َّماه‪.»...‬‬
‫وخفض لينوود تاوني ال َّ‬
‫صغير كمنجته‪ ،‬ود َّور الرِّ جال‬ ‫َ‬ ‫غير أن الصَّمت رانَ فجأةً على المكان‪ .‬سكتَ الغناء‬
‫رؤوسهم‪ ،‬بل وسكنَت جلبة األطباق والسَّكاكين‪.‬‬
‫دستة من الوافدين الجُدد دخلَت خيمة المأدبة‪ ،‬ورأى ڤيكتاريون چون ماير ذي الوجه المسحوب‪،‬‬
‫وتوروولد ذي السِّن البنِّيَّة‪ ،‬ولوكاس كود األعسر‪ ،‬إضافةً إلى جرموند بوتلي الذي عق َد ذراعيه على واقي‬
‫صدره المذهَّب الذي أخ َذه من جثَّة أحد قادة النستر خالل تمرُّ د بالون األول‪ ،‬وقد وقفَ إلى جواره‬
‫َّ‬
‫والمالح األحمر ب َشعره النَّاري‬ ‫أوركوود سيِّد (أوركمونت)‪ ،‬ووارءهما ذو اليد الحجر وكويلون همبل‬
‫المضفور‪ ،‬ومعهم رالف الرَّاعي ورالف ابن (النسپورت) وكارل القِن‪.‬‬
‫وعين ال ُغراب‪ ،‬يورون جرايچوي‪.‬‬
‫قال ڤيكتاريون لنفسه‪ :‬ال يبدو عليه تغيير‪ ،‬يبدو تما ًما كما كان يوم سخ َر مني ورح َل‪ .‬يورون أوسم أبناء‬
‫منتصف اللَّيل دون‬
‫َ‬ ‫اللورد كويلون‪ ،‬ولم تُ َغيِّر ثالثة أعوام في المنفى هذا‪ .‬ما َ‬
‫زال َشعره أسود كالبحر في‬
‫َّ‬
‫المشذبة‪ .‬تُ َغطِّي عين يورون‬ ‫ي لمح ٍة من األبيض‪ ،‬وما زا َل وجهه ناع ًما شاحبًا تحت لحيته الفاحمة‬ ‫أ ِّ‬
‫اليُسرى رُقعة ِجلديَّة سوداء‪ ،‬لكن اليُمنى زرقاء كسماء الصَّيف‪.‬‬
‫ف َّكر ڤيكتاريون‪ :‬عينه الباسمة‪ ،‬وقال‪« :‬عين ال ُغراب»‪.‬‬
‫‪« -‬الملك عين ال ُغراب يا أخي»‪َ ،‬ر َّد يورون مبتس ًما‪ ،‬فبدَت شفتاه داكنتيْن للغاية في ضوء المصابيح‪،‬‬
‫مكدومتيْن مزرقَّتيْن‪.‬‬
‫لكافر‪.»...‬‬
‫ٍ‬ ‫قائال‪« :‬ال ملك َّإال بانتخاب الملك‪ .‬ليس‬
‫نهض ذو ال َّشعر الرَّطب ً‬
‫َ‬
‫قاط َعه يورون‪ ...« :‬أن يجلس على ُكرسي حجر اليم‪ ،‬نعم»‪ ،‬وتطلَّع عبر الخيمة متابعًا‪« :‬يتصادَف أني‬
‫جلست على ُكرسي حجر اليم كثيرًا في الفترة األخيرة ولم يعترض»‪ ،‬والتم َعت عينه الباسمة وهو‬ ‫ُ‬
‫الذهب أعيُنها أحجار‬ ‫ُواصل‪« :‬من يعرف عن اآللهة أكثر مني؟ آلهة خيول وآلهة ناريُّون‪ ،‬آلهة من َّ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫رأيت‬ ‫َ‬
‫كريمة‪ ،‬آلهة منحوتة من خشب األرز وآلهة منحوتة في الجبال وآلهة من هواء‪ ...‬أعرفها جميعًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وسمعت‬ ‫عبادها يضعون على رؤوسها أكاليل ال َّزهر ويسفحون دماء الماعز والثِّيران واألطفال باسمها‪،‬‬
‫اشف ساقي العاجزة‪ ،‬اجعل الفتاة تحبُّني‪ ،‬امنحني ابنًا سلي ًما معافًى‪ ،‬أنقِذني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصَّلوات بعشرات اللُّغات‪.‬‬
‫أثرني‪ ...‬اح ِمني! اح ِمني من أعدائي‪ ،‬اح ِمني من الظَّالم‪ ،‬اح ِمني من المرض في بطني‪ ،‬من سادة‬ ‫أس ِعفني‪ِ ،‬‬
‫قائال‪« :‬كافر؟ آرون‪،‬‬ ‫المرتزقة على بابي‪ ،‬اح ِمني من (الصَّمت)!»‪ ،‬وضحكَ ً‬ ‫ِ‬ ‫الخيول‪ ،‬من النَّ َّخاسين‪ ،‬من‬
‫ُ‬
‫فخدمت عشرة آالف‪.‬‬ ‫رجل إيمانًا في التَّاريخ! تخدم أنت إلهًا واحدًا يا ذا ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬أ َّما أنا‬
‫ٍ‬ ‫إنني أكثر‬
‫ص ُّلون»‪.‬‬
‫من (إيب) إلى (آشاي)‪ ،‬حين يرى النَّاس أشرعتي يُ َ‬
‫الذهب والمسوخ ذات رؤوس الكباش‪،‬‬ ‫صلُّون لألشجار واألصنام َّ‬ ‫رف َع الرَّاهب إصبعًا رفيعًا‪ ،‬وقال‪« :‬إنهم يُ َ‬
‫آلهة زائفة‪.»...‬‬
‫ع في نسوتهم‬ ‫ق دماءهم في البحار وأزر ُ‬ ‫قال يورون‪« :‬بالضَّبط‪ ،‬ولهذه الخطيئة أقتلهم جميعًا‪ ،‬أري ُ‬
‫الصَّارخات بذرتي‪ .‬آلهتهم التَّافهة ال تقوى على صدِّي‪ ،‬فواضح إذن أنها آلهة زائفة‪ .‬إنني أكثر تقوى منك‬
‫شخصيًّا يا آرون‪ .‬ربما عليك أنت أن تركع أمامي طالبًا البَركة»‪.‬‬
‫المالح األحمر ضحكةً صاخبةً لقوله‪ ،‬وحذا اآل َخرون حذوه‪ ،‬في حين قال الرَّاهب‪« :‬حمقى‪ ،‬ما أنتم‬ ‫ق َّ‬‫أطل َ‬
‫َّإال حمقى وأقنان و ُعمي‪ .‬أال ترون الواقف أمامكم؟»‪.‬‬
‫قال كويلون همبل‪« :‬نرى مل ًكا»‪.‬‬
‫ق ذو ال َّشعر الرَّطب على األرض‪ ،‬وخر َج إلى اللَّيل ب ُخطوا ٍ‬
‫ت واسعة‪.‬‬ ‫بص َ‬
‫طال‬
‫َ‬ ‫وحين رح َل التفتَ يورون بعينه الباسمة إلى ڤيكتاريون ً‬
‫قائال‪« :‬حضرة القائد‪ ،‬ألن تُ َحيِّي أخاك الذي‬
‫والدتك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت يا آشا؟ كيف حال السيِّدة‬‫غيابه؟ وال أن ِ‬
‫أجابَت آشا‪« :‬ليست بخير‪ ،‬رجل ما جعلَها أرملةً»‪.‬‬
‫سمعت أن إله العواصف ألقى ببالون إلى حتفه‪َ .‬من هذا الرَّجل الذي قتلَه؟‬
‫ُ‬ ‫هَ َّز يورون كتفيه‪ ،‬وقال‪« :‬‬
‫أخبِريني باسمه يا ابنة أخي ألثأر لنفسي منه»‪.‬‬
‫يوم‬
‫ت غبت عنا‪ ،‬ثم ترجع (الصَّمت) في غضون ٍ‬ ‫قا َمت آشا قائلةً‪« :‬تعرف اسمه ِمثلما أعرفه‪ .‬ثالث سنوا ٍ‬
‫واحد من موت أبي»‪.‬‬
‫سألَها يورون بوداعة‪« :‬هل تتَّهمينني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هل يَج ُدر بي أن أتَّهمك؟»‪ .‬حدَت نبرة آشا الحا َّدة بڤيكتاريون إلى العبوس‪ .‬من الخطر أن يُ َكلِّم المرء‬
‫عين ال ُغراب بهذا األسلوب‪ ،‬حتى والعبث يلتمع في عينه الباسمة‪.‬‬
‫سأ َل عين ال ُغراب حيواناته المدلَّلة‪« :‬هل تأتمر الرِّيح بأمري؟»‪.‬‬
‫قال أوركوود سيِّد (أوركموند)‪« :‬ال يا جاللة الملك»‪.‬‬
‫وقال جرموند بوتلي‪« :‬ال ِّريح ال تأتمر بأمر إنسان»‪.‬‬
‫بحر حيثما شئت وال تُعاني سكونها أبدًا»‪.‬‬ ‫وقال َّ‬
‫المالح األحمر‪« :‬ليتها تأتمر بأمرك‪ .‬كنت لتُ ِ‬
‫رجال ُشجعان‪( .‬الصَّمت) كانت في البحر حين ماتَ بالون‪ .‬إذا كن ِ‬
‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫ت الحقيقة من ثالثة‬ ‫‪« -‬ها قد سمع ِ‬
‫فلك اإلذن في سؤال طاقمي»‪.‬‬ ‫تُ َش ِّككين في كلمة ع ِّم ِك ِ‬
‫‪« -‬طاقمك األخرس؟ نعم‪ ،‬سينفعني هذا حقًّا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫نسيت‪ ،‬ألك‬ ‫ً‬
‫متسائال‪« :‬توروولد‪ ،‬لقد‬ ‫سينفعك أن تتز َّوجي»‪ ،‬وعا َد يلتفت إلى أتباعه‬
‫ِ‬ ‫قال يورون‪« :‬‬
‫زوجة؟»‪.‬‬
‫اكتسب لقبه‪.‬‬
‫َ‬ ‫أجاب توروولد ذو السِّن البنِّيَّة بابتسام ٍة عريضة ليُريهم كيف‬
‫َ‬ ‫‪« -‬زوجتي الوحيدة»‪،‬‬
‫أعلنَ لوكاس كود األعسر‪« :‬أنا أعزب»‪.‬‬
‫ب وجيه‪ .‬كلُّ النِّساء يحتقرن آل كود‪ .‬ال تَنظُر إل َّ‬
‫ي بهذا الحُزن يا لوكاس‪ ،‬فما زالَت لديك‬ ‫قالت آشا‪« :‬لسب ٍ‬
‫يدك ال َّشهيرة»‪ ،‬وصن َعت حركةً بذيئةً بقبضتها‪.‬‬
‫ت‬ ‫را َح كود يسبُّ ويلعن إلى أن وض َع عين ال ُغراب يده على صدره ً‬
‫قائال‪« :‬أهذه لباقة يا آشا؟ لقد جرح ِ‬
‫لوكاس في الصَّميم»‪.‬‬
‫‪« -‬أسهل من جرحه في القضيب‪ .‬إنني أجي ُد رمي الفؤوس كأ ِّ‬
‫ي رجل‪ ،‬لكن عندما يكون الهدف صغيرًا‬
‫هكذا‪.»...‬‬
‫زمج َر چون ماير ذو الوجه المسحوب‪« :‬هذه الفتاة تنسى نفسها‪ .‬بالون تر َكها تعتقد أنها رجل»‪.‬‬
‫ارتكب الغلطة نفسها معك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر َّدت آشا‪« :‬أبوك‬
‫أعطني إياها يا يورون‪ .‬سأصفعها على مؤ ِّخرتها إلى أن تحم َّر ك َشعري»‪.‬‬ ‫قال َّ‬
‫المالح األحمر‪ِ « :‬‬
‫ي األحمر»‪ ،‬وظه َرت في يدها فأس ألقَتها في الهواء‬ ‫وحاول‪ ،‬وبعدئ ٍذ سنُ َس ِّميك الخص َّ‬
‫ِ‬ ‫قالت آشا‪« :‬تعا َل‬
‫والتقطَتها ببراع ٍة متابعةً‪« :‬ها هو ذا زوجي يا ع َّماه‪ .‬على الرَّجل الذي يُريدني أن يتعا َمل معه ً‬
‫أوال»‪.‬‬
‫هوى ڤيكتاريون بقبضته على المائدة صائحًا‪« :‬لن أسمح بإراقة الدِّماء هنا‪ .‬يورون‪ُ ،‬خذ‪ ...‬حيواناتك‬
‫األليفة‪ ...‬واخرُج»‪.‬‬
‫كنت أتطلَّ ُع إلى ترحي ٍ‬
‫ب أكثر دفئًا منك يا أخي‪ .‬إنني أخوك الكبير‪ ...‬وقريبًا مليكك»‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫اغب َّر وجه ڤيكتاريون‪ ،‬وقال‪« :‬حين يقول انتخاب الملك كلمته سنرى من يعتمر تاج الخشب المجروف»‪.‬‬
‫وخرج‬
‫َ‬ ‫قال يورون‪« :‬على هذا نتَّفق»‪ ،‬ورف َع إصبعين إلى الرُّ قعة التي تُ َغطِّي عينه اليُسرى وانصرفَ ‪،‬‬
‫ك لينوود تاوني‬ ‫ظ َّل الصَّمت مخيِّ ًما عقب خروجهم‪ ،‬إلى أن أمس َ‬ ‫ب مهجَّنة‪َ .‬‬ ‫اآلخَرون في أعقابه ككال ٍ‬
‫الصَّغير كمنجته مج َّددًا وعا َد النَّبيذ وال ِمزر يتدفَّقان‪ ،‬وإن ال َح على مجموع ٍة كبيرة من الضُّ يوف أنهم لم‬
‫يعودوا ظمآنين‪ .‬انس َّل إلدريد كود من الخيمة محتضنًا يده ال َّدامية‪ ،‬ثم تب َعه ويل همبل وهوثو هارلو وعدد‬
‫ال بأس به من أبناء جودبراذر‪.‬‬
‫وض َعت آشا يدها على كتف ڤيكتاريون قائلةً‪« :‬ع َّماه‪ ،‬تمشَّ معي إذا سمحت»‪.‬‬
‫ك سُفن‬ ‫كانت الرِّيح تشت ُّد خارج الخيمة‪ ،‬والسَّحاب يجري أمام وجه القمر ال َّشاحب فيبدو كقوادس تندفع لتد َّ‬
‫العدو‪ ،‬وال ُّنجوم قليلة خافتة‪ .‬بطول ال َّشاطئ السُّفن الطَّويلة راسية‪ ،‬صواريها العالية ترتفع كغاب ٍة وسط‬
‫األمواج‪ .‬سم َع ڤيكتاريون صرير أبدانها وهي تستريح على ال ِّرمال‪ ،‬وسم َع صوت انشداد حبالها الحا َّد‬
‫وخفقان الرَّايات عليها‪ ،‬ووراءها في الجزء األعمق من الخليج رأى السُّفن األخرى األكبر تتمايَل في‬
‫كظالل قاتمة يتغلَّفها الضَّباب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مرساها‬
‫قالت آشا إذ سارا معًا على ال َّشاطئ فوق خَ طِّ ال َمد مباشرةً وبعيدًا عن المخيَّمات وبؤر النَّار‪« :‬اص ِدقني‬
‫رحل يورون فجأةً؟»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫القول يا ع َّماه‪ ،‬لماذا‬
‫الذهاب لإلغارة كثيرًا»‪.‬‬ ‫‪« -‬عين ال ُغراب اعتا َد َّ‬
‫ت طويلة»‪.‬‬ ‫‪« -‬لكن ليس لفترا ٍ‬
‫‪« -‬لقد أخ َذ (الصَّمت) إلى ال َّشرق‪ .‬إنها رحلة طويلة»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخذت‬ ‫كنت غائبةً عندما أقل َعت (الصَّمت)‪،‬‬
‫سألت لماذا رح َل وليس أين»‪ ،‬فل َّما لم ي ُِجبها تاب َعت آشا‪ُ « :‬‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫ودرت حول (الكرمة) إلى (األعتاب) ألسرق القليل من الغنائم من القراصنة‬ ‫ُ‬ ‫(الرِّيح والسَّوداء)‬
‫عدت كان يورون قد رح َل وماتَت زوجتك الجديدة»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الاليسينيِّين‪ ،‬وحين‬
‫ي أن أتَّخذ‬
‫‪« -‬كانت مجرَّد زوج ٍة ملحيَّة»‪ .‬إنه لم يمسَّ امرأةً أخرى منذ أعطى سراطين البحر إياها‪ .‬عل َّ‬
‫زوجةً حين أت َّو ُج مل ًكا‪ ،‬زوجةً حقيقيَّةً تكون ملكتي وتحمل لي أبنائي‪ .‬يجب أن يكون للملك وريث‪.‬‬
‫رفض أن يتكلَّم عنها»‪.‬‬
‫َ‬ ‫قالت آشا‪« :‬أبي‬
‫ُ‬
‫رأيت‬ ‫َر َّد‪« :‬ال ينفع المرء الكالم عن أشياء ال يستطيع أحد تغييرها»‪ ،‬واستطر َد وقد سئ َم من الموضوع‪« :‬‬
‫سفينة القارئ»‪.‬‬
‫‪« -‬إخراجه من (بُرج ال ُكتب) تطلَّب ِسحري كلَّه»‪.‬‬
‫إنك امرأة»‪.‬‬
‫لك في الحُكم‪ِ .‬‬
‫آل هارلو يُ َؤيِّدونها إذن‪ .‬ازدا َد وجه ڤيكتاريون عبوسًا‪ ،‬وقال‪« :‬ال أمل ِ‬
‫ضاحكةً قالت آشا‪« :‬ألهذا أخس ُر دو ًما في مسابَقات التَّ ُّ‬
‫بول؟»‪ ،‬ثم إنها أردفَت‪« :‬ع ِّمي‪ ،‬ي ِ‬
‫ُؤسفني أن أقولها‪،‬‬
‫ليال وأنا أشربُ مع الرَّبابنة والملوك وأصغي لما يقولونه‪...‬‬‫لكن ربما تكون مصيبًا‪ .‬منذ أربعة أيام وأربع ٍ‬
‫وما ال يقولونه‪ .‬إن رجالي معي‪ ،‬وكثيرين من آل هارلو‪ ،‬ومعي تريس بوتلي أيضًا وبعض اآلخَرين‪ .‬ال‬
‫يكفون»‪ ،‬وركلَت صخرةً وطيَّرتها لتَسقُط في الماء بين سفينتين طويلتين‪ ،‬وأضافَت‪« :‬أف ِّك ُر في أن أهتف‬
‫باسم ع ِّمي»‪.‬‬
‫لك ثالثةً»‪.‬‬
‫ي عم؟ إن ِ‬ ‫سألَها‪« :‬باسم أ ِّ‬
‫‪« -‬ثالثة أعمام وخال‪ .‬اسمعني يا ع َّماه‪ .‬سأض ُع تاج الخشب المجروف على رأسك بنفسي‪ ...‬إذا وافقت‬
‫على مشا َركة الحُكم»‪.‬‬
‫ً‬
‫معقوال‪ .‬هل تُريد أن تكون ملكتي؟ وج َد ڤيكتاريون نفسه‬ ‫‪« -‬مشا َركة الحُكم؟ كيف؟»‪ .‬المرأة ال تقول كال ًما‬
‫يَنظُر إلى آشا بطريق ٍة جديدة تما ًما‪ ،‬وأحسَّ ب َذكره يتحرَّك‪ ،‬فذ َّكر نفسه ً‬
‫قائال‪ :‬إنها ابنة بالون‪ ،‬وتذ َّكرها وهي‬
‫فتاة صغيرة ترمي الفؤوس على باب‪ .‬عق َد ذراعيه على صدره‪ ،‬وقال‪« :‬ال مكان على ُكرسي حجر اليم إ َّال‬
‫لواحد»‪.‬‬
‫ظهرك وأهمسُ في أُذنك‪ .‬ال ملك يستطيع أن يَح ُكم‬ ‫وسأقف وراءك أحمي َ‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬فليجلس ع ِّمي عليه إذن‪،‬‬
‫جلس التَّنانين على العرش الحديدي كان هناك َمن يُسا ِعدونهم‪ ،‬أيادي الملوك‪ .‬دعني‬ ‫َ‬ ‫وحده‪ .‬حتى عندما‬
‫ُ‬
‫أكون يدك يا ع َّماه»‪.‬‬
‫لم يحتَج ملك للجُزر إلى ي ٍد في تاريخها كلِّه‪ ،‬ناهيك بكون ذلك اليد امرأةً‪ .‬سيسخر مني الرَّبابنة والملوك‬
‫وهُم يشربون‪« .‬لماذا ترغبين في أن تكوني يدي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬لنضع نهايةً لهذه الحرب قبل أن تضع نهايتنا‪ .‬لقد كسبنا ك َّل ما يُمكننا أن نكسبه‪ ...‬ومعرَّضون ألن‬
‫قسم أن‬ ‫أريت الليدي جلوڤر ك َّل كياس ٍة ممكنة‪ ،‬وتُ ِ‬
‫ُ‬ ‫نخسر ك َّل شي ٍء بالسُّرعة نفسها ما لم نعقد ُ‬
‫صلحًا‪ .‬لقد‬
‫سيِّدها سيتفا َوض معي‪ .‬تقول إنه إذا رددنا (ربوة الغابة) و(مربَّع تورين) و(خندق كايلن) فسيتنازَل لنا‬
‫بقليل من‬
‫ٍ‬ ‫ال َّشماليُّون عن (رأس التنِّين البحري) و(السَّاحل الحجري) بأكمله‪ .‬تلك األراضي معمورة‬
‫ال ُّس َّكان‪ ،‬لكنها تفوق مساحة الجُزر مجتمعةً عشر مرَّات‪ .‬سنُ ِ‬
‫برم الصَّفقة بتبا ُدل األسرى‪ ،‬وسيُوافِق كلُّ‬
‫طرف على التَّحالُف مع الثَّاني إذا ما قرَّر العرش الحديدي‪.»...‬‬
‫ٍ‬
‫تستحمقك يا ابنة أخي‪( .‬رأس التنِّين البحري)‬‫ِ‬ ‫قاط َعها ڤيكتاريون مقهقهًا‪ ،‬وقال‪« :‬الليدي جلوڤر هذه‬
‫ي شيء؟ (وينترفل) احترقَت وته َّدمت‪ ،‬وال ِّذئب الصَّغير تحت‬ ‫و(السَّاحل الحجري) لنا بالفعل‪ ،‬فلِ َم نر ُّد أ َّ‬
‫أبوك يَحلُم»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األرض بال رأس‪ .‬سوف ننال ال َّشمال كلَّه كما كان‬
‫‪« -‬عندما تتعلَّم السُّفن الطَّويلة اإلبحار وسط األشجار ربما‪ .‬قد يعلق ُخطَّاف صيَّا ٍد بلَ ِوياثان رمادي‪ ،‬لكن‬
‫اللَّ ِوياثان سيجرُّ ه إلى موته في األعماق ما لم يقطع الحبل‪.‬‬
‫ال َّشمال أوسع من أن نستطيع السَّيطرة عليه‪ ،‬ومليء للغاية بال َّشماليِّين»‪.‬‬
‫قال ڤيكتاريون‪« :‬عودي إلى ُد ِ‬
‫ماك يا ابنة أخي‪ ،‬واترُكي ربح الحروب لل ُمحاربين»‪ ،‬وأراها قبضتيه‬
‫مردفًا‪« :‬إن لي يدين‪ .‬ال أحد يحتاج إلى ثالث»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال يحتاج إلى عائلة هارلو»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أعرف‬ ‫‪« -‬لكني‬
‫ي ابنته لتكون الملكة‪ .‬إذا قبلتها فسأحظى بعائلة هارلو»‪.‬‬
‫عرض عل َّ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬هوثو األحدب‬
‫أدهش قوله آشا التي قالت‪« :‬اللورد رودريك يَح ُكم عائلة هارلو»‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫وسأكون الملك»‪ .‬ما إن قالها بصو ٍ‬ ‫‪« -‬رودريك ليس عنده بنات وإنما ال ُكتب فقط‪ .‬هوثو سيكون خليفته‪،‬‬
‫طويال ج ًّدا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫غاب‬
‫َ‬ ‫عال حتى بدا وقعها واقعيًّا‪« .‬عين ال ُغراب‬
‫ٍ‬
‫امش بين بؤر النَّار إذا جرؤت‬
‫ِ‬ ‫قالت آشا منذرةً‪« :‬بعض الرِّجال يبدو أكبر من حجمه الحقيقي من بُعد‪.‬‬
‫وأنصت‪ .‬إنهم ال يحكون ويتحاكون عن ق َّوتك أو َجمالي ال َّشهير‪ ،‬بل يتكلَّمون عن عين ال ُغراب فحسب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ق‬‫البالد البعيدة التي رآها والنِّساء الالتي اغتصبَهن والرِّجال الذين قتلَهم والمدائن التي نهبَها‪ ،‬وكيف أحر َ‬
‫أسطول اللورد تايوين في (النسپورت)‪.»...‬‬
‫ألقيت المشعل األول على سفينته األُم»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أحرقت أسطول األسد‪ .‬بيدَي هاتين‬ ‫قال بإصرار‪« :‬أنا‬
‫قالت آشا‪« :‬عين ال ُغراب هو من وض َع الخطَّة»‪ ،‬ووض َعت يدها على ذراعه مضيفةً‪« :‬وقت َل زوجتك‬
‫أيضًا‪ ...‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫طفال في بطنها‬ ‫كان بالون قد أم َرهم بعدم اإلتيان على ِذكر تلك المسألة‪ ،‬لكن بالون ماتَ ‪« .‬لقد وض َع‬
‫رفض قتل األقربين تحت سقفه رفضًا قاطعًا‪ ،‬ونفى‬
‫َ‬ ‫وجعلَني أقتلها بنفسي‪ُ .‬‬
‫كنت ألقتله أيضًا لوال أن بالون‬
‫يورون بال عودة‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬ما دا َم بالون حيًّا؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬لقد ر َّكبت لي قرنين‪ .‬لم أملك خيارًا»‪ .‬لو افتض َح األمر لضح َ‬
‫ك النَّاس‬ ‫ق ڤيكتاريون قبضتيه ً‬ ‫رم َ‬
‫ك عين ال ُغراب حين واجهته وقال متب ِّجحًا‪« :‬لقد أتَتني مبتلَّةً راغبةً‪ .‬يبدو أن ڤيكتاريون‬ ‫مني‪ ،‬كما ضح َ‬
‫يستطع أن يبوح لها بذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كبير في كلِّ شي ٍء باستثناء الجزء المهم»‪ .‬لكنه لم‬
‫قالت آشا‪« :‬آسفةٌ لما جرى لك‪ ،‬وأكثر أسفًا لما جرى لها‪ ...‬لكنك ال تَترُك لي اختيارًا َّإال المطالَبة ب ُكرسي‬
‫حجر اليم لنفسي»‪.‬‬
‫ت يا امرأة»‪.‬‬
‫ملكك‪ ،‬فبدِّديها كما شئ ِ‬
‫ِ‬ ‫حياتك‬
‫ِ‬ ‫ُمكنك‪« .‬‬
‫ِ‬ ‫ال ي‬
‫ر َّدت‪« :‬هي كذلك»‪ ،‬وتر َكته‪.‬‬
‫الغريق‬
‫فقط حينما خ َّدر البرد ذراعيه وساقيه تما ًما عا َد آرون جرايچوي أدراجه إلى ال َّشاطئ وارتدى ثيابه‪.‬‬
‫لقد فَ َّر من عين ال ُغراب كأنه ال يزال ذلك ال َّشيء الضَّعيف الذي كانه‪ ،‬لكن حين تكسَّرت األمواج فوق‬
‫رجال أقوى وأصلب‪ .‬ال فاني يُخيفه‪ ،‬وال الظَّالم‬ ‫ً‬ ‫دت ثانيةً من البحر‪،‬‬ ‫رأسه ذ َّكرته بأن ذلك الرَّجل ماتَ ‪ُ .‬ولِ ُ‬
‫ب ينفتح‪ ،‬وصرخة ِمفصل ٍة حديديَّة صدئة‪.‬‬ ‫يُخيفه‪ ،‬وال عظام روحه‪ ،‬تلك العظام الرَّماديَّة العجوز‪ .‬صوت با ٍ‬
‫آخر م َّر ٍة قبل أسبوعين‪ ،‬والتص َ‬
‫ق‬ ‫ق رداؤه إذ سحبَه على جسده والملح ال يزال يُيَبِّسه منذ غسلَه ِ‬ ‫طقط َ‬
‫النَّسيج بصدره المبتل متشرِّ بًا الماء المالح الذي يسيل من َشعره‪ ،‬ثم إن الرَّاهب مألَ قِربته وعلَّقها من كتفه‪.‬‬
‫ت واسعة في الظَّالم عث َر فيه رجل غارق عائد من تلبية نداء الطَّبيعة‪ ،‬فتمت َم‪:‬‬ ‫بينما يقطع ال َّشاطئ ب ُخطوا ٍ‬
‫«ذو ال َّشعر الرَّطب»‪ ،‬ووض َع آرون يده على رأسه وبار َكه وواص َل طريقه‪ .‬بدأت األرض ترتفع تحت‬
‫أصبح‬
‫َ‬ ‫أوال ثم بح َّد ٍة أكثر‪ ،‬ول َّما أحسَّ بالعُشب القصير بين أصابعه عرفَ أن ال َّشاطئ‬ ‫باعتدال ً‬
‫ٍ‬ ‫قدميه‪،‬‬
‫تأن صع َد مصغيًا إلى الموج‪ .‬البحر ال يكلُّ أبدًا‪ ،‬و ِمثله يجب َّأال أك َّل‪.‬‬ ‫وراءه اآلن‪ ،‬وب ٍّ‬
‫أشجار شاحبة ضخمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫على ق َّمة التَّلِّ ترتفع من األرض أربع وأربعون ضلعًا حجريَّةً هائلة الحجم كجذوع‬
‫وجع َل منظرها نبض قلب آرون يتسا َرع‪ .‬ناجا كانت تنِّينة البحر األولى‪ ،‬أعتى التَّنانين التي انشقَّت عنها‬
‫غرق جُزرًا كاملةً في خض ِّم ثورتها‪َّ ،‬إال أن الملك‬ ‫األمواج‪ ،‬وكانت تقتات بلحوم ال َكرا ِكن واللَّ ِوياثانات وتُ ِ‬
‫يكف النَّاس عن التَّعجُّ ب من َشجاعة الملوك‬ ‫َّ‬ ‫حجر كي ال‬‫ٍ‬ ‫األشيب قتلَها وح َّول اإلله الغريق عظامها إلى‬
‫األوائل أبدًا‪ ،‬وصا َرت ضلوع ناجا أعمدة وعوارض قاعته الطَّويلة‪ ،‬تما ًما كما صا َر فَ َّكاها عرشه‪ .‬طيلة‬
‫عام وسبعة حك َم هنا‪ ،‬وهنا اتَّخذ عروس البحر زوجةً له وخطَّط لحروبه ضد إله العواصف‪ ،‬ومن هنا‬ ‫ألف ٍ‬
‫طويال شاحبًا من‬ ‫ً‬ ‫كان سيِّدًا على الملح والحجر‪ ،‬يرتدي ثيابًا من طحالب البحر المجدولة ويعتمر تاجًا‬
‫أسنان ناجا‪.‬‬
‫يستوطنون البحر واليابسة‪ .‬كانت تُ َدفِّئ‬ ‫ِ‬ ‫لكن ذلك كان في فَجر ال َّزمان‪ ،‬حين كان جبابرة البَشر ما زالوا‬
‫القاعة نيران ناجا الحيَّة التي س َّخرها الملك األشيب لخدمته‪ ،‬وعلى جُدرانها تدلَّت معلَّقات مجدولة من‬
‫ضيَّة تسرُّ األعيُن‪ ،‬والته َم ُمحاربو الملك األشيب والئم من فضل البحر على مائد ٍة شكلها‬ ‫بحر ف ِّ‬
‫ٍ‬ ‫طحالب‬
‫راح‪ .‬اآلن‬ ‫ش منحوتة من ِعرق اللُّؤلؤ‪ .‬ورا َح المجد كلُّه‪َ ،‬‬ ‫بحر عظيمة‪ ،‬بينما يجلسون على عرو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كنجمة‬
‫َ‬
‫البَشر أضأل وأعمارهم أقصر‪ .‬أطفأ إله العواصف نيران ناجا بَعد وفاة الملك األشيب‪ ،‬وس ُِرقَت المقاعد‬
‫جلس عليه الملك‬ ‫َ‬ ‫والمعلَّقات‪ ،‬وتعفَّنت السُّقوف والجُدران وزالَت‪ ،‬وحتى عرش األنياب العظيم الذي‬
‫األشيب ابتل َعه البحر‪ ،‬وال يبقى َّإال عظام ناجا لتُ َذ ِّكر الحديديِّين باألعجوبة التي كانت‪.‬‬
‫قال آرون جرايچوي لنفسه‪ :‬وهذا يكفي‪.‬‬
‫في ق َّمة التَّ ِّل تسع درجات منحوتة في الحجر‪ ،‬ومن ورائها تلوح تالل (ويك القديمة) العاصفة‪ ،‬وفي الخلفيَّة‬
‫البعيدة الجبال السَّوداء الموحشة‪ .‬توقَّف آرون حيث كانت الب َّوابة في الماضي‪ ،‬وخل َع سدادة ِقربته وأخ َذ‬
‫ُواجه البحر‪ .‬من البحر ُولِدنا وإلى البحر نعود‪ .‬حتى من هذا االرتفاع‬ ‫رشفةً من الماء المالح‪ ،‬ثم التفتَ ي ِ‬
‫يسمع هدير األمواج الال متناهي ويَشعُر بقُدرة اإلله الكامن في األعماق‪ .‬رك َع آرون على رُكبتيه‪ ،‬وصلَّى‪:‬‬
‫ي قومك‪ ،‬تركوا منازلهم وأكواخهم وقالعهم وحصونهم وأتوا هنا إلى عظام ناجا‪ ،‬من كلِّ‬ ‫قد أرسلت إل َّ‬
‫ق حين يقف أمامهم‪ ،‬والق َّوة‬ ‫الح َّ‬
‫قرية صي ٍد وك ِّل وا ٍد خفي‪ ،‬فامنحهم في هذه السَّاعة الحكمة ليعرفوا الملك َ‬
‫صلِّي طيلة اللَّيل‪ ،‬فعندما يحلُّ فيه اإلله ال يحتاج آرون جرايچوي إلى النَّوم‪ ،‬تما ًما كما‬
‫لينبذوا الباطل‪ .‬ظَ َّل يُ َ‬
‫ال يحتاج إليه الموج أو السَّمك في البحر‪.‬‬
‫أز َجت الرِّيح السَّحاب القاتم بينما تسلَّلت خيوط الضَّوء األولى إلى العالم‪ .‬استحالَت السَّماء من األسود إلى‬
‫ي صخر األردواز‪ ،‬وتح َّول سواد البحر إلى أخضر رمادي‪ ،‬واصطبغَت جبال (ويك القديمة)‬ ‫رماد ِّ‬
‫السَّوداء عبر الخليج بدرجات األخضر المز َرق كأشجار الصَّنوبر الجُندي‪ .‬مع عودة األلوان على استحيا ٍء‬
‫ضيَّة وقمر وينش ال َّدامي وأشجار أوركوود‬ ‫إلى ال ُّدنيا ارتف َعت مئة راي ٍة خفَّاقة‪ ،‬ورأى آرون سمكة بوتلي الف ِّ‬
‫مكان ال َكرا ِكن َّ‬
‫الذهبيَّة‬ ‫ٍ‬ ‫الخضراء ال َّداكنة‪ ،‬عالوةً على أبواق الحرب واللَّ ِوياثانات والمناجل‪ ،‬وفي ك ِّل‬
‫العظيمة‪ .‬تحت الرَّايات بدأ األقنان وال َّزوجات الملحيَّات يتحرَّكون في المكان‪ ،‬يُقَلِّبون الجمر الخامد‬
‫ظفون األسماك إلفطار الرَّبابنة والملوك‪َ .‬مسَّ ضوء الفَجر ال َّشاطئ الحجري‬ ‫ويُعيدونه إلى الحياة‪ ،‬ويُنَ ِّ‬
‫وشاه َد الرَّاهب ال ِّرجال يقومون من نومهم مزيحين أغطيةً من ِجلد الفقمات ويَطلُبون قرن ال ِمزر األول‪،‬‬
‫فقال لهم في نفسه‪ :‬اشربوا وارتووا‪ ،‬فعلينا اليوم أن نعمل عمل اإلله‪.‬‬
‫كان البحر يتحرَّك أيضًا‪ .‬تعاظ َمت األمواج مع اشتداد الرِّيح دافعةً أعمدةً من الرَّذاذ تتكسَّر على أبدان‬
‫ُ‬
‫سأكون معك‬ ‫السُّفن الطَّويلة‪ ،‬فف َّكر آرون‪ :‬اإلله الغريق يستيقظ‪ .‬سم َع صوته يَنبُع من أعماق البحر ً‬
‫قائال له‪:‬‬
‫هنا اليوم يا خادمي القوي األمين‪ .‬ال كافر سيجلس على ُكرسي حجر يَ ِّمي‪.‬‬
‫هناك تحت ضلوع ناجا المق َّوسة وجدَه رجاله الغرقى واقفًا باعتدا ٍد وصرام ٍة و َشعره األسود الطَّويل‬
‫فرف في الرِّيح‪.‬‬‫يُ َر ِ‬
‫سألَه روس‪« :‬هل حانَ الوقت؟»‪ ،‬فأومأ َ آرون برأسه إيجابًا‪ ،‬وقال‪« :‬حانَ الوقت‪ .‬اذهبوا وارفعوا أصوات‬
‫االستدعاء»‪.‬‬
‫التقطَ الرِّ جال الغرقى هراواتهم المصنوعة من الخشب المجروف وطفقوا يضربون بعضها ببعض وهُم‬
‫ضجَّة بطول ال َّشاطئ‪ ،‬مزيج مخيف من الطَّقطقة‬ ‫ُعاودون نزول التَّل‪ ،‬وانض َّم إليهم آخَ رون لتنتشر ال َّ‬ ‫ي ِ‬
‫ق أيضًا‪ ،‬بوم‪-‬بوم‪-‬بوم‪-‬بوم‪-‬بوم‪-‬بوم‪-‬بوم‪-‬بوم‪-‬‬ ‫والقعقعة كأن مئة شجر ٍة تتالطَم بأغصانها‪ .‬بدأت ُّ‬
‫الطبول تد ُّ‬
‫بوم‪-‬بوم‪ ،‬ود َّوى بوق حربي ثم آ َخر‪ ،‬آآآآآآوووووووووووووووووووووووو!‬

‫صنَّاع أشرعة‬ ‫مالحون وموجِّ هو دفَّة‪ُ ،‬‬ ‫ك الرِّ جال بؤر النَّار ليشقُّوا طريقهم إلى (بهو الملك األشيب)؛ َّ‬ ‫تر َ‬
‫صيَّادون بشباكهم‪ ،‬بعضهم معه أقنان وبعضهم معه زوجات ملحيَّات‪،‬‬ ‫وسفَّانون‪ ،‬ال ُمحاربون بفؤوسهم وال َّ‬
‫الالزم إلى األراضي الخضراء رافقَهم ِمايسترات ومغنُّون وفُرسان‪ ،‬فيما‬ ‫وغيرهم م َّمن أبحروا أكثر من َّ‬
‫هالال حول سفح التَّل‪ ،‬ونحو المؤ ِّخرة وقفَ األقنان والنِّساء واألطفال‪ .‬سلكَ الرَّبابنة‬ ‫ً‬ ‫تزاح َم العا َّمة مش ِّكلين‬
‫والملوك المنحدَرات صاعدين‪ ،‬ورأى آرون سيجفري ستونتري بوجهه البشوش وأندريك الال مبتسم‬
‫معطف مهترئ‬ ‫ٍ‬ ‫والفارس السير هاراس هارلو‪ ،‬واللورد بيلور بالكتايد إلى جوار اللورد ستونهاوس في‬
‫من ِجلد الفقمات‪.‬‬
‫طوال باستثناء أندريك‪ ،‬ولئن لم يعتمر خوذته فقد ارتدى ِدرعه كاملةً‬ ‫ً‬ ‫وقفَ أخوه ڤيكتاريون مجاو ًزا الجميع‬
‫الذهبي‪ .‬سيكون ملكنا‪َ .‬من ذا الذي يَنظُر إليه ويُخالِجه ال َّشك؟‬ ‫وتسرب َل بمعطف الكرا ِكن َّ‬
‫وخفض الرِّجال الغرقى هراواتهم‬ ‫َ‬ ‫حين رف َع ذو ال َّشعر الرَّطب يديه المعروقتيْن صمتَت ُّ‬
‫الطبول واألبواق‬
‫أوال كي يُر ِهفوا أسماعهم‪« :‬من البحر ُولِدنا وإلى البحر نعود‬ ‫وسكتَت كلُّ األصوات‪ .‬بهدو ٍء قال آرون ً‬
‫جميعًا‪ .‬في غضبته انتز َع إله العواصف بالون من قلعته وأطا َح به‪ ،‬لكنه اآلن يأكل وليمةً تحت األمواج في‬
‫أبهاء اإلله الغريق المائيَّة»‪ ،‬ورف َع عينيه إلى السَّماء صائحًا‪« :‬ماتَ بالون! ماتَ الملك!»‪.‬‬
‫ر َّدد رجاله الغرقى‪« :‬ماتَ الملك!»‪.‬‬
‫ط بالون‪ ،‬أخي بالون الذي بَ َّر‬ ‫‪« -‬لكن عسى الميت َّأال يموت أبدًا‪ ،‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب‪ .‬سق َ‬
‫بالنَّهج القديم ودف َع الثَّمن الحديدي‪ .‬بالون ال ُّشجاع‪ ،‬بالون المبا َرك‪ ،‬بالون الغارق مرَّتين‪ ،‬الذي استر َّد لنا‬
‫ح ِّريَّتنا وإلهنا‪ .‬ماتَ بالون‪ ...‬لكن مل ًكا حديديًّا سيأتينا ليجلس على ُكرسي حجر اليم ويَح ُكم الجُزر»‪.‬‬
‫ر ُّدوا‪« :‬سيأتينا ملك! سيأتينا ملك!»‪.‬‬
‫ت كرعد األمواج قال آرون‪« :‬سيأتينا‪ ،‬ال بُ َّد أن يأتي‪ ،‬لكن َمن هو؟ َمن سيجلس في مكان بالون؟ َمن‬ ‫بصو ٍ‬
‫آخرهما مردفًا‪َ « :‬من سيكون مل ًكا‬ ‫سيَح ُكم هذه الجُزر المق َّدسة؟ أهو بيننا اآلن؟»‪ ،‬وبسطَ الرَّاهب كفَّيه عن ِ‬
‫علينا؟»‪.‬‬
‫رجل يتطلَّع‬
‫ٍ‬ ‫َر َّد عليه نورس صار ًخا‪ ،‬وبدأ المحتشدون يتحرَّكون في أماكنهم كأنهم يستيقظون من حُلم‪ ،‬كلُّ‬
‫إلى جيرانه ليرى َمن منهم تُواتيه الجرأة على المطالَبة بالتَّاج‪ .‬قال آرون ذو ال َّشعر الرَّطب لنفسه‪ :‬عين‬
‫فعل فهي نهايته‪ .‬لقد قط َع الرَّبابنة والملوك طُرقًا طويلةً‬
‫أوال‪ .‬وإذا َ‬ ‫ال ُغراب لم يكن صبورًا قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬ربما يتكلَّم ً‬
‫ضع أمامهم‪ .‬سيُريدون أن يتذ َّوقوا ويُعايِنوا‪ ،‬قضمة من‬ ‫صنف يو َ‬
‫ٍ‬ ‫من أجل هذه المأدبة‪ ،‬ولن يختاروا أول‬
‫هذا ولُقمة من ذاك‪ ،‬إلى أن يجدوا أكثر من ي ِ‬
‫ُناسبهم‪.‬‬
‫لكن ال بُ َّد أن يورون يعي هذا أيضًا‪ ،‬إذ وقفَ عاقدًا ذراعيه على صدره وسط ُخرسه ووحوشه‪ ،‬ولم ي ُِجب‬
‫نداء آرون َّإال الرِّيح والموج‪.‬‬
‫ت طا َل كرَّر الرَّاهب‪« :‬ال مناص من أن يكون للحديديِّين ملك‪ .‬أسألكم ثانيةً‪َ ،‬من سيكون مل ًكا‬‫وبَعد صم ٍ‬
‫علينا؟»‪.‬‬
‫أتى الجواب من أسفل‪« :‬أنا»‪.‬‬
‫ت خشنة‪ ،‬وأفس َح الرَّبابنة الطَّريق لل ُمطالب‬ ‫في الحال ارتفع هتاف «جيلبرت! جيلبرت مل ًكا!» بأصوا ٍ‬
‫وأنصاره ليصعدوا التَّ َّل ويقفوا إلى جوار آرون أسفل ضلوع ناجا‪.‬‬
‫هذا الذي يُريد أن يكون مل ًكا لورد فارع القامة مهزول الجسد‪ ،‬تبدو عليه سيماء الكآبة وله وجه طويل‬
‫نحيل محلوق بعناية‪ .‬أخ َذ أنصاره الثَّالثة أماكنهم أسفله بدرجتين حاملين سيفه وتُرسه ورايته‪ ،‬وقد بدا‬
‫ص ِّور سفينةً طويلةً‬ ‫عليهم تشابُه معيَّن مع اللورد الطَّويل‪ ،‬فق َّدر آرون أنهم أبناؤه‪ .‬بس َ‬
‫ط أحدهم الرَّاية التي تُ َ‬
‫لناخبي الملك‪« :‬أنا جيلبرت فارويند‪ ،‬سيِّد (المنارة الوحيدة)»‪.‬‬‫س غاربة‪ ،‬وقال اللورد ِ‬ ‫سوداء أمام شم ٍ‬
‫يعرف آرون بعض آل فارويند‪ ،‬وهُم قوم ُغرباء األطوار يملكون أراضي على السَّواحل في أقصى غرب‬
‫(ويك القديمة) والجُزر الصَّغيرة المتفرِّ قة وراءها‪ ،‬صخور صغيرة للغاية يتَّسع معظمها ألُسر ٍة واحد ٍة‬
‫أيام وسط مستعمرات‬ ‫فقط‪ ،‬و(المنارة الوحيدة) أبعدها على اإلطالق‪ ،‬فلكي تَبلُغها عليك اإلبحار ثمانية ٍ‬
‫محيط رمادي مترامي األطراف‪ .‬آل فارويند هناك أغرب أطوارًا من البقيَّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفقمات وسباع البحر في‬
‫‪59‬‬
‫ويُقال إنهم مخلوقات آثمة تُبَدِّل هيأتها فتأخذ شكل سباع البحر واألفظاظ ‪ ،‬وحتى الحيتان الرَّقطاء التي‬
‫تع ُّد ذئاب البحر المائج‪.‬‬
‫أرض بال شتا ٍء أو فاقة‬
‫ٍ‬ ‫أرض عجيبة تقع وراء (بحر الغروب)‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بدأ اللورد جيلبرت حديثه‪ ،‬فتكلَّم عن‬
‫وليس للموت فيها من سُلطان‪ .‬صا َح‪« :‬اجعلوني ملككم وسأقودكم إلى هناك‪ .‬سنبني عشرة آالف سفينة كما‬
‫رجل مل ًكا‬
‫ٍ‬ ‫بحر بشعبنا كلِّه إلى تلك األرض وراء مغرب ال َّشمس‪ ،‬وهناك سيصير كلُّ‬ ‫فعلَت نايميريا ونُ ِ‬
‫وكلُّ زوج ٍة ملكةً»‪.‬‬
‫عيناه‪ ...‬رآهما آرون تتغيَّران‪ ،‬اآلن رماديَّتان‪ ،‬اآلن زرقاوان‪ ،‬متقلِّبتان كالبحر‪ .‬عينان مجنونتان‪ ،‬عينا‬
‫أحمق‪ .‬ال ريب أن الرُّ ؤيا التي يتكلَّم عنها َشرك نصبَه إله العواصف ليستدرج الحديديِّين إلى دمارهم‪.‬‬
‫ناخبي الملك جلود فقمات وأنياب‬ ‫تض َّمنت الهبات التي سكبَها رجال اللورد جيلبرت من الصَّناديق أمام ِ‬
‫أفظاظ وحلقات أذرُع من عظام الحيتان وأبواقًا حربيَّةً مطعَّمةً بالبرونز‪ ،‬وقد تطلَّع الرَّبابنة إليها ثم أشاحوا‬
‫بأنظارهم تاركين ال ِّرجال األدنى شأنًا ينتقون ما يُريدون‪ .‬حين فر َغ األحمق من الكالم وبدأ أنصاره‬
‫يهتفون باسمه لم يُس َمع صوت َّإال آلل فارويند‪ ،‬وليس جميعهم كذلك‪ ،‬وسرعان ما خفتَ هتاف «جيلبرت!‬
‫جيلبرت مل ًكا!» حتى صمتَ ‪.‬‬
‫بإزعاج من فوقهم و َحطَّ فوق أحد ضلوع ناجا بينما عا َد سيِّد (المنارة الوحيدة) ينزل التَّل‪،‬‬‫ٍ‬ ‫صر َخ النَّورس‬
‫وتق َّدم آرون ذو ال َّشعر الرَّطب‪ ،‬وقال‪« :‬ثانيةً أسألكم‪َ ،‬من سيكون مل ًكا علينا؟»‪.‬‬
‫د َّوى صوت عميق معلنًا‪« :‬أنا»‪ ،‬وم َّرةً أخرى أفس َح المتزاحمون الطَّريق‪.‬‬
‫ُح ِم َل المتكلِّم إلى ق َّمة التَّ ِّل على مقع ٍد منقوش من الخشب المجروف فوق أكتاف أحفاده‪ .‬رجل ضخم متهالك‬
‫رطل وزنًا ويُنا ِهز التِّسعين ع ُمرًا ويرتدي معطفًا من ِجلد الفقمات األبيض‪َ ،‬شعره ناصع‬ ‫ٍ‬ ‫يبلغ أربعمئة‬
‫البياض أيضًا‪ ،‬ولحيته المديدة تُ َغطِّيه كأنها دثار من خ َّديه إلى فخذيه مصعِّبةً التَّمييز بينها وبين المعطف‪،‬‬
‫ناضلوا الحتمال وزنه على ال َّدرجات الحجريَّة‬ ‫َ‬ ‫وعلى الرغم من أن أحفاده ضخام أقوياء البنية فقد‬
‫ظ َّل ثالثة منه واقفين أدناه باعتبارهم أنصاره‪.‬‬ ‫المنح ِدرة قبل أن يضعوه أمام (بهو الملك األشيب)‪ ،‬و َ‬
‫اخبون لينحازوا إلى هذا الرَّجل‪ ،‬لكن ال َّدهر عفا عليه‪.‬‬‫ف َّكر آرون‪ :‬قبل ستِّين عا ًما كان النَّ ِ‬
‫ت يُعا ِدل بدنه ضخامةً‪« :‬نعم‪ ،‬أنا! ولِ َم ال؟ و َمن أفضل؟ أنا إريك‬
‫هد َر الرَّجل من حيث يجلس بصو ٍ‬
‫أرهم مطرقتي يا ثورمور»‪.‬‬ ‫آيرونميكر إذا كان العميان ال يرون‪ ،‬إريك العادل‪ ،‬إريك محطِّم السَّنادين‪ِ .‬‬
‫بالجلد القديم ورأسها قالب من الفوالذ‬
‫رف َعها أحد أنصاره ليراها الجميع بحجمها الهائل‪ ،‬مقبضها ملفوف ِ‬
‫بحجم رغيف ال ُخبز‪ .‬قال إريك‪« :‬ال أستطي ُع أن أحصي كم يدًا ح َّولتها إلى عجين بهذه المطرقة‪ ،‬ولكن‬
‫سحقت على سنداني كذلك‪ ،‬لكن هناك أرامل يُمكنهن أن‬ ‫ُ‬ ‫صا ما يُخبِركم‪ .‬وال أدري كم رأسًا‬‫ربما تجدون ل ًّ‬
‫يقلن لكم‪ .‬أستطي ُع أن أحكي لكم عن ك ِّل مآثري في المعارك‪ ،‬لكني في الثَّامنة والثَّمانين ولن أعيش حتى‬
‫أفرغ‪ .‬إذا كانت ال َّشيخوخة تعني الحكمة فليس هناك من هو أكثر حكمةً مني‪ ،‬وإذا كانت الضَّخامة تعني‬
‫الق َّوة فلن تجدوا من هو أقوى مني‪ .‬هل تُريدون مل ًكا له ورثة؟ إن عندي منهم أكثر مما يُمكنني أن أحصي‪.‬‬
‫الملك إريك‪ ،‬نعم‪ ،‬يروقني وقعها‪ .‬هل ُّموا‪ ،‬قولوها معي‪ .‬إريك!‬
‫إريك محطم السنادين!‬
‫إريك مل ًكا!»‪.‬‬
‫وإذ رف َع أحفاده أصواتهم بالهتاف تق َّدم أبناؤهم بصناديق على أكتافهم‪ ،‬وحين قلبوها عند قاعدة ال َّدرجات‬
‫الحجريَّة انهم َر وابل من الفضَّة والبرونز والفوالذ؛ حلقات أذرُع وأطواق وسكاكين وخناجر وفؤوس‪.‬‬
‫اختطفَ بعض الرَّبابنة صفوة القِطع وأضافوا أصواتهم إلى الهتاف المتزايد‪ ،‬لكنه لم يكد يبدأ يتفاقَم حتى‬
‫وبقدم واحدة على ال َّدرجة األدنى‬
‫ٍ‬ ‫شقَّه صوت امرأ ٍة صائحًا‪« :‬إريك!»‪ .‬أفس َح لها ال ِّرجال الطَّريق لتمرَّ‪،‬‬
‫قالت‪« :‬إريك‪ ،‬انهض»‪.‬‬
‫سا َد الصَّمت‪ .‬استمرَّت ال ِّريح في الهبوب والموج في االنكسار على السَّاحل ورا َح بعض الرِّ جال يُهَم ِهم‬
‫في آذان بعض‪ ،‬وح َّدق إريك آيرونميكر الحديد من أعلى إلى آشا جرايچوي ً‬
‫قائال‪« :‬أيتها الفتاة‪ ،‬أيتها الفتاة‬
‫الملعونة ثالثًا‪ ،‬ماذا قل ِ‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫وسأكون أول من يتبعك‪ .‬تُريد التَّاج‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وسأهتف باسمك مع البقيَّة‪ ،‬انهض‬ ‫صا َحت‪« :‬انهض‪ ،‬انهض يا إريك‬
‫نعم‪ ،‬فانهض و ُخذه»‪.‬‬
‫بإحكام على‬
‫ٍ‬ ‫ق الرَّجل الكبير‬
‫ق إريك إليه عابسًا‪ .‬أطب َ‬ ‫ك عين ال ُغراب‪ ،‬فحمل َ‬ ‫الزحام ضح َ‬‫في مكانه في ِّ‬
‫ذراعَي عرش الخشب المجروف‪ ،‬واحم َّر وجهه ثم اسو َّد‪ ،‬وارتجفَت ذراعاه من المجهود‪ ،‬ورأى آرون‬
‫ِعرقًا أزرق ثخينًا ينبض في ُعنقه بينما يُكافِح للنُّهوض‪ .‬للحظ ٍة بدا كأنه على وشك أن يفعلها‪ ،‬لكن قواه‬
‫ُّ‬
‫ينحط على وسادته‪.‬‬ ‫كلَّها َ‬
‫خارت ُدفعةً واحدةً وأطل َ‬
‫ق أنينًا وعا َد‬
‫طأطأ َ الرَّجل الكبير رأسه وهر َم في غمضة عين‪ ،‬وحمله أحفاده نازلين به التَّل‪.‬‬
‫من جدي ٍد صا َح آرون ذو ال َّشعر الرَّطب‪َ « :‬من سيَح ُكم حديديِّي الميالد؟ َمن سيكون مل ًكا علينا؟»‪.‬‬
‫تطلَّع بعض الرِّجال إلى بعض‪ ،‬بعضهم إلى يورون وبعضهم إلى ڤيكتاريون وبعضهم إلى آشا‪ ،‬وتكسَّرت‬
‫وصاح النَّورس م َّرةً أخرى‪ ،‬صرخته كئيبة خشنة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫األمواج خضراء وبيضاء على أبدان السُّفن الطَّويلة‬
‫نادى ابن مرلين‪« :‬اطرح دعواك يا ڤيكتاريون‪ ،‬دَعنا نَفرُغ من هذه المهزلة»‪.‬‬
‫َر َّد ڤيكتاريون النِّداء‪« :‬حين أستع ُّد»‪.‬‬
‫َس َّر هذا آرون‪ .‬األفضل أن ينتظر‪.‬‬
‫التَّالي كان ابن دروم‪ ،‬عجوز آخَر وإن كان ال يُداني إريك في ِه َرمه‪ ،‬فصع َد التَّ َّل على ساقيه وقد استق َّر‬
‫على َوركه سيفه ال َّشهير (المطر األحمر) المطرَّق من الفوالذ الڤاليري في أيام ما قبل الهالك‪ .‬أنصاره‬
‫رجال مرموقون‪ ،‬فابناه دينس ودونل مقاتالن قويَّان‪ ،‬وبينهما أندريك الال مبتسم‪ ،‬الرَّجل العمالق ذو‬
‫خير البن دروم‪.‬‬
‫رجل ِمثله بشير ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال ِّذراعين الغليظتين كجذوع األشجار‪ ،‬الذي يع ُّد تأييد‬
‫قائال‪« :‬مكتوبٌ أين أن ملكنا يجب أن يكون كرا ِكن؟ ما أحقيَّة (پايك) في حُكمنا؟ (ويك‬ ‫بدأ دروم ُخطبته ً‬
‫ال ُكبرى) أكبر الجُزر‪ ،‬و(هارلو) أغناها‪ ،‬و(ويك القديمة) أقدسها‪ .‬حين الته َمت نار التَّنانين الخَ طَّ األسود‬
‫من العائلة ولَّى الحديديُّون ڤيكون جرايچوي عليهم‪ ،‬نعم‪ ...‬لكن باعتباره لورد ال مل ًكا»‪.‬‬
‫بداية موفَّقة‪ .‬سم َع آرون صيحات تأييد‪ ،‬لكنها خفتَت عندما بدأ الرَّجل يحكي عن أمجاد آل دروم‪ ،‬فتكلَّم عن‬
‫دايل ال ُمرعب ورورين ال ُمغير واألبناء المئة الذين أنجبَهم جورموند دروم األب العجوز‪ ،‬واست َّل (المطر‬
‫س مدرَّع بعقله وهراو ٍة خشبيَّة ال أكثر‪ ،‬وتكلَّم‬ ‫األحمر) وحكى لهم كيف أخ َذه هيلمار دروم الماكر من فار ٍ‬
‫ُفن ضاعَت منذ زمن ومعارك نُ ِسيَت من ثمانمئة عام‪ ،‬وبدأ الجمهور يُصاب بالضَّجر‪ .‬تكلَّم وتكلَّم‪ ،‬ثم‬ ‫عن س ٍ‬
‫إنه تكلَّم أكثر‪.‬‬
‫ول َّما فُتِ َحت صناديق دروم رأى الرَّبابنة هدايا الضَّنين التي أتاهم بها‪ ،‬وقال ذو ال َّشعر الرَّطب لنفسه‪ :‬ال‬
‫وصارت حقيقة هذا جليَّةً لألسماع إذ خفتَت هتافات «دروم! دروم! دروم‬ ‫َ‬ ‫أحد اشترى عر ًشا بالبرونز قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬
‫مل ًكا!» وصمتَت‪.‬‬
‫بهدير أصخب من قبل‪ ،‬فف َّكر‪ :‬اآلن‪ ،‬حانَ الوقت‬ ‫ٍ‬ ‫أحسَّ آرون بمعدته تتلبَّك‪ ،‬و ُخيِّ َل إليه أن الموج يتال َ‬
‫طم‬
‫ألن يطرح ڤيكتاريون دعواه‪ .‬م َّرةً أخرى صا َح الرَّاهب‪َ « :‬من سيكون مل ًكا علينا؟»‪ ،‬لكن هذه المرَّة وق َعت‬
‫الزحام‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬تسعة أبناء ُو ِلدوا من صُلب كويلون‬ ‫عيناه السَّوداوان الثَّاقبتان على أخيه في ِّ‬
‫جرايچوي‪ ،‬أحدهم أقوى من سائرهم وال يعرف الخوف»‪.‬‬
‫باركني يا أخي»‪ ،‬ورك َع وحنى رأسه‪ ،‬فخل َع‬ ‫قاب َل ڤيكتاريون نظرته وأومأ َ إيجابًا‪ ،‬وعندما بل َغ الق َّمة قال‪ِ « :‬‬
‫طا من ماء البحر على جبهة أخيه‪ ،‬ثم قال الرَّاهب‪« :‬ما ماتَ ال يُمكن أن‬ ‫صبَّ خي ً‬ ‫آرون سدادة قِربته و َ‬
‫يموت أبدًا»‪ ،‬و َر َّد ڤيكتاريون‪« :‬بل يُب َعث من جدي ٍد أقوى وأصلب»‪.‬‬
‫حين قا َم ڤيكتاريون ارتصَّ أنصاره على درج ٍة أدنى منه؛ رالف األعرج ورالف ستونهاوس األحمر‬
‫الحالق‪ ،‬وكلُّهم ُمحاربون ذائعو الصِّيت‪ .‬رف َع ستونهاوس راية جرايچوي‪ ،‬الكرا ِكن َّ‬
‫الذهبي على‬ ‫َّ‬ ‫ونيوت‬
‫منتصف اللَّيل‪ ،‬وما إن رفرفَت حتى بدأ الرَّبابنة والملوك يهتفون باسم حضرة الرُّ بَّان‬ ‫َ‬ ‫خلفيَّ ٍة سوداء كبحر‬
‫فانتظر ڤيكتاريون حتى سكتوا‪ ،‬ثم قال‪« :‬كلُّكم تعرفونني‪ .‬إذا كنتم تُريدون الكالم المعسول فتطلَّعوا‬ ‫َ‬ ‫القائد‪،‬‬
‫إلى أح ٍد غيري‪ .‬إنني ال أتمتَّ ُع بلسان المغنِّين‪ ،‬بل بفأس‪ ،‬وبهاتين»‪ ،‬ورف َع لهم يديه الضَّخمتين المقفَّزتين‬
‫كنت أ ًخا مخلصًا‪ .‬عندما‬ ‫الحالق فأسه الفوالذيَّة المخيفة‪ .‬تاب َع ڤيكتاريون‪ُ « :‬‬ ‫َّ‬ ‫بالحلقات المعدنيَّة‪ ،‬ورف َع نيوت‬
‫وقدت سُفنه الطَّويلة في معارك عديدة ولم أخسر َّإال‬ ‫ُ‬ ‫تز َّوج بالون أرسلَني أنا إلى (هارلو) آلتي بعروسه‪،‬‬
‫أبحرت أنا إلى (النسپورت) ألحرق ذيل األسد‪ ،‬وفي المرَّة الثَّانية‬ ‫ُ‬ ‫واحدةً‪ .‬أول م َّر ٍة اعتم َر بالون تا ًجا‬
‫أرسلَني أنا ألسلخ ال ِّذئب الصَّغير إذا ما قرَّر أن يعود عاويًا إلى وطنه‪ .‬كلُّ ما ستنالونه مني هو المزيد مما‬
‫نلتم من بالون‪ ،‬وهذا كلُّ ما عندي»‪.‬‬
‫سكب رجاله‬ ‫َ‬ ‫بختام كالمه بدأ أنصاره يصيحون‪« :‬ڤيكتاريون! ڤيكتاريون! ڤيكتاريون مل ًكا!»‪ ،‬وفي األسفل‬
‫ق الرَّبابنة لالستيالء على‬ ‫والذهب والجواهر‪ ،‬ثروة من الغنائم تساب َ‬ ‫شال ٍل من الفضَّة َّ‬ ‫محتويات صناديقه في َّ‬
‫أفضلها بينما يهتفون‪ « :‬ڤيكتاريون! ڤيكتاريون! ڤيكتاريون مل ًكا!»‪.‬‬
‫متسائال في نفسه‪ :‬هل سيتكلَّم اآلن أم يَترُك االنتخاب ينتهي؟ كان أوركوود سيِّد‬ ‫ً‬ ‫راقب آرون عين ال ُغراب‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫(أوركمونت) يهمس في أذن يورون بشي ٍء ما‪.‬‬
‫على أن يورون ليس من وض َع نهايةً للهتاف‪ ،‬وإنما المرأة‪ .‬وض َعت آشا إصبعين في فمها وأطلقَت صفيرًا‬
‫الزبدة‪ ،‬ثم صا َحت‪« :‬ع َّماه! ع َّماه!»‪ ،‬وانحنَت‬ ‫ق الس ِّكين قالبًا من ُّ‬ ‫ق الهرج والمرج كما يش ُّ‬ ‫حا ًّدا صاخبًا َش َّ‬
‫ق نيوت على ذراعها‪ ،‬ولجز ٍء من لحظة راو َد‬ ‫تختطف طوقًا ذهبيًّا ملتويًا وأسرعَت تصعد ال َّدرجات‪ .‬أطب َ‬
‫الحالق وقالت شيئًا‬ ‫َّ‬ ‫آرون األمل في أن ينجح أنصار أخيه في إسكاتها‪َّ ،‬إال أن آشا انتزعَت ذراعها من‬
‫ُفسح لها الطَّريق‪ ،‬وإذ تجاو َزته صمتَ التَّهليل‪ .‬إنها ابنة بالون جرايچوي‪ ،‬والنَّاس‬ ‫لرالف األحمر جعلَه ي ِ‬
‫راغبون في سماعها‪.‬‬
‫قالت آشا لڤيكتاريون‪« :‬لُطف منك أن تجلب تلك الهدايا النتخاب الملكة يا ع ِّمي‪ ،‬لكن ليس هناك ما يدعوك‬
‫واجه الرَّبابنة متابعةً‪« :‬ال أحد أشجع من‬ ‫إلى تدريع نفسك لهذه ال َّدرجة‪ .‬أع ُد بأني لن أوذيك»‪ ،‬والتفتَت تُ ِ‬
‫ي أحد‪ .‬لقد‬ ‫ع ِّمي‪ ،‬وال أحد أقوى‪ ،‬وال أحد أضرى في القتال‪ ،‬ويُمكنه أيضًا أن يع َّد إلى عشرة أسرع من أ ِّ‬
‫رأيته يفعل هذا‪ ...‬ولو أنه يضطرُّ إلى خلع حذائه عندما يع ُّد إلى عشرين»‪ .‬جعلَهم قولها هذا يضحكون‪.‬‬
‫«لكنه بال أبناء‪ ،‬وزوجاته يَ ُمتن‪ .‬عين ال ُغراب أكبر منه ودعواه أقوى‪.»...‬‬
‫المالح األحمر من أسفل‪« :‬نعم!»‪.‬‬ ‫ق َّ‬‫زع َ‬
‫‪« -‬آه‪ ،‬لكن دعواي أقوى وأقوى»‪ ،‬ووض َعت آشا الطَّوق على رأسها بزاوي ٍة عابثة ليلتمع َّ‬
‫الذهب في‬
‫َشعرها ال َّداكن‪ ،‬وأردفَت‪« :‬ال يجوز أن يسبق أخو بالون ابن بالون!»‪.‬‬
‫صاح رالف األعرج‪« :‬أبناء بالون ماتوا وال أرى َّإال ابنته الصَّغيرة!»‪.‬‬
‫َ‬
‫الجلديَّة قائلةً‪« :‬أوهو! ما هذا؟ هل أريكم؟ بعضكم لم َ‬
‫ير‬ ‫ر َّددت آشا‪« :‬ابنته؟»‪ ،‬ودسَّت يدها في سُترتها ِ‬
‫ملك شيء شنيع‪ ،‬أهذا ما تقوله؟ رالف‪ ،‬إنك‬ ‫واحدًا منذ فُ ِطمتم»‪ ،‬وضح َكت مواصلةً‪« :‬وجود ثديين على ٍ‬
‫لست امرأةً عجو ًزا ِمثلك‪ .‬رالف األعرج‪ ...‬أال يُفت َرض أن يكون اسمك‬ ‫ُ‬ ‫على َحق‪ ،‬أنا امرأة‪ ...‬ولو أني‬
‫ُ‬
‫رالف الرَّخو؟»‪ ،‬وسحبَت آشا خنجرًا من بين ثدييها رف َعته معلنةً‪« :‬إنني أم أيضًا‪ ،‬وهذا ابني الرَّضيع! وها‬
‫هُم أوالء أنصاري!»‪ .‬تق َّدموا متجاوزين أنصار ڤيكتاريون الثَّالثة ووقفوا أسفلها؛ كارل البِكر وتريستيفر‬
‫بوتلي والفارس السير هاراس هارلو الذي ال يقلُّ سيفه ( ُغروب) ُشهرةً عن (المطر األحمر) سيف دنستان‬
‫دروم‪« .‬ع ِّمي قال إنكم تعرفونه‪ .‬إنكم تعرفونني أيضًا‪.»...‬‬
‫صاح أحدهم‪« :‬أري ُد أن أعرفك أفضل!»‪.‬‬
‫َ‬
‫ر َّدت آشا‪ُ « :‬عد إلى بيتك واعرف زوجتك»‪ ،‬ثم إنها استدر َكت‪« :‬يقول ع ِّمي إنه سيُعطيكم المزيد مما‬
‫الذهب والمجد‪ ،‬الح ِّريَّة الثَّمينة‪ .‬نعم‪ ،‬بالفعل‪ ،‬هذا ما‬
‫أعطاكم أبي‪ .‬طيِّب‪ ،‬وماذا كان هذا؟ سيقول البعض َّ‬
‫ق بيته حين أتى روبرت؟ كم‬ ‫أعطانا إياه‪ ...‬واألرامل أيضًا كما سيقول لكم اللورد بالكتايد‪ .‬كم منكم احتر َ‬
‫صبَت ابنته وانتُ ِهك ِعرضها؟ القُرى المحروقة والقالع المتهدِّمة‪ ،‬هذا ما نلتموه من أبي‪ ،‬نلتم‬ ‫منكم اغتُ ِ‬
‫الهزيمة‪ .‬ع ِّمي سيُعطيكم المزيد‪ ،‬أ َّما أنا فال»‪.‬‬
‫ت؟ الحياكة؟»‪.‬‬‫سألَها لوكاس كود‪« :‬وماذا ستُعطيننا أن ِ‬
‫ك لنا مملكةً»‪ ،‬وتقاذفَت خنجرها من ي ٍد إلى ي ٍد مردفةً‪« :‬علينا أن نتعلَّم‬ ‫أجابَت‪« :‬أجل يا لوكاس‪ ،‬سأحي ُ‬
‫درسًا من ال ِّذئب الصَّغير الذي انتص َر في ك ِّل معركة‪...‬‬
‫وخس َر ك َّل شيء»‪.‬‬
‫قال ڤيكتاريون باستهجان‪« :‬ال ِّذئب ليس كرا ِكن‪ .‬ما يُطبِق عليه الكرا ِكن ال يُفلِته أبدًا‪ ،‬سواء أكان سفينةً‬
‫طويلةً أم لَ ِوياثان»‪.‬‬
‫‪« -‬وعال َم نُطبِق يا ع َّماه؟ ال َّشمال؟ وما ال َّشمال َّإال فراسخ وفراسخ من الفراسخ والفراسخ بعيدًا عن صوت‬
‫البحر؟ لقد استولينا على (خندق كايلن) و(ربوة الغابة) و(مربَّع تورين)‪ ،‬بل وعلى (وينترفل) ذاتها‪ ،‬فماذا‬
‫جنينا؟»‪ ،‬وأشا َرت آشا فتق َّدم رجالها من طاقم (الرِّيح السَّوداء) حاملين صناديق من البلُّوط والحديد‪ ،‬وقالت‬
‫بينما ُس ِكبَت محتويات أولها‪« :‬أق ِّد ُم لكم ثروة (السَّاحل الحجري)»‪ ،‬وانهم َر سيل من الحصى على‬
‫ال َّدرجات‪ ،‬حصى رمادي وأسود وأبيض صقلَته مياه البحر‪ .‬قالت والصُّ ندوق الثَّاني يُفتَح‪« :‬أق ِّد ُم لكم‬
‫ثروات (ربوة الغابة)»‪ ،‬وتدفَّقت أكواز الصَّنوبر لتتدح َرج وترتطم بأجساد المتزاحمين‪ .‬قالت‪« :‬وأخيرًا‬
‫أق ِّد ُم لكم ذهب (وينترفل)»‪ ،‬ومن الصُّ ندوق الثَّالث سقطَت ثمار اللِّفت األصفر المستديرة الصُّ لبة الكبيرة‬
‫وصاحت‪:‬‬
‫َ‬ ‫كرأس رجل‪ ،‬وحطَّت وسط الحصى وأكواز الصَّنوبر‪ .‬غر َست آشا خنجرها في إحداها‪،‬‬
‫«هارموند شارپ‪ ،‬ابنك هاراج ماتَ في (وينترفل) من أجل هذا»‪ ،‬ونزعَت النَّصل من الثَّمرة وألقَتها إليه‬
‫أظن أن لك أبنا ًء آخَرين‪ .‬إذا كنت ترغب في مبادَلة حياتهم باللِّفت فاهتف باسم ع ِّمي!»‪.‬‬
‫مضيفةً‪ُّ « :‬‬
‫باسمك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫هتفت‬ ‫سألَها هارموند‪« :‬وماذا لو‬
‫أجابَت آشا‪« :‬السَّالم‪ ،‬األرض‪ ،‬النَّصر‪ .‬سأعطيكم (رأس التنِّين البحري) و(السَّاحل الحجري)‪ ،‬تُربة‬
‫ابن صغير قاعةً لنفسه‪ .‬سنكسب ال َّشماليِّين أيضًا‪...‬‬ ‫سوداء وأشجار طويلة وأحجار تكفي ألن يبني كلُّ ٍ‬
‫توجوني في سبيل السَّالم والنَّصر أو ت ِّوجوا‬‫كأصدقاء يقفون معنا ضد العرش الحديدي‪ .‬خياركم بسيط‪ِّ .‬‬
‫ع ِّمي في سبيل المزيد من الحروب والهزائم»‪ ،‬ودسَّت خنجرها في مكانه متسائلةً‪« :‬ماذا تختارون أيها‬
‫الحديديُّون؟»‪.‬‬
‫ق رودريك القارئ وقد ك َّور يديه حول فمه‪« :‬النصر! النَّصر وآشا!»‪.‬‬ ‫زع َ‬
‫ور َّدد اللورد بيلور بالكتايد‪« :‬آشا! آشا ملكة ً!»‪.‬‬
‫وانض َّم رجال طاقم آشا إلى الهتاف مردِّدين‪« :‬آشا! آشا! آشا ملكة ً!»‪ .‬دبدَبوا على األرض بأقدامهم‬
‫ً‬
‫مذهوال‪ .‬تُريد أن تُ َد ِّمر ما بناه أبوها!‬ ‫وهزوا قبضاتهم في الهواء بينما أصغى ذو ال َّشعر الرَّطب‬
‫ُّ‬
‫لكن تريستيفر بوتلي يهتف باسمها‪ ،‬ومعه ُكثر من آل هارلو وبعض آل جودبراذر واللورد مرلين ذو‬
‫الوجه المحتقن‪ ،‬رجال أكثر مما كان الرَّاهب ليتخيَّل‪ ...‬ومن أجل امرأة!‬
‫وهدر رالف األعرج‪« :‬ال لسالم الجُبناء!»‪،‬‬‫َ‬ ‫على أن آخَرين الذوا بالصَّمت أو راحوا يُتَمتِمون لجيرانهم‪،‬‬
‫ول َّوح رالف ستونهاوس األحمر براية جرايچوي مجعجعًا‪« :‬ڤيكتاريون! ڤيكتاريون! ڤيكتاريون!»‪ .‬بدأ‬
‫ال ِّرجال يتدافَعون‪ ،‬وألقى أحدهم كوز صنوبر على رأس آشا‪ ،‬فل َّما انحنَت تتفاداه سقطَ تاجها المرت َجل عن‬
‫ت ُخي َِّل إلى الرَّاهب أنه واقف على ق َّمة كثيب ٍ‬
‫نمل عمالق‪ ،‬وعند قدميه ألف نمل ٍة ثائرة‪.‬‬ ‫رأسها‪ ،‬وللحظا ٍ‬
‫جا َشت الهتافات باس َمي آشا وڤيكتاريون جيئةً وذهابًا‪ ،‬وبدا كأن عاصفةً عاتيةً على شفا ابتالعهم جميعًا‪.‬‬
‫إله العواصف بيننا‪ ،‬يَب ُذر الفِتنة وال ِّشقاق‪.‬‬
‫ق النَّفير الهواء َشقًّا‪.‬‬
‫وكطعنة السَّيف النَّجالء َش َّ‬
‫طال مقامها‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫تهتز كاألوتار في داخله‪ ،‬صيحة‬ ‫ثاقبٌ مفج ٌع صوته‪ ،‬صرخة حارَّة راجفة تجعل عظام المرء‬
‫في هواء البحر الرَّطب‪ ،‬آآآآرريييييييييييييييييييييييييييي!‬

‫التفتَت األعيُن كلُّها نحو الصَّوت‪ .‬كان واحد من ِهجان يورون يَنفُخ في بوق‪ ،‬رجل رهيب الحجم له رأس‬
‫الذهب واليَشب والكهرمان األسود على ذراعيه‪ ،‬وعلى صدره العريض وشم‬ ‫حليق‪ ،‬تلتمع حلقات من َّ‬
‫لطائر ما من الكواسر تَقطُر من براثنه الدِّماء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫آآآآرررييييييييييييييييييييييييييييي!‬
‫طعِّمه حلقات من َّ‬
‫الذهب‬ ‫رجل إذ حملَه بكلتا يديه‪ ،‬وتُ َ‬
‫ٍ‬ ‫البوق الذي يَنفُخ فيه أسود المع ملت ٍو‪ ،‬وأطول من قامة‬
‫األحمر والفوالذ ال َّداكن منقوشة عليها رموز بالڤاليريَّة توهَّجت باألحمر إذ تعاظ َم الصَّوت‪.‬‬
‫آآآآآآآرررييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي!‬

‫ب يُل ِهب اآلذان‪ .‬غطَّى آرون ذو ال َّشعر الرَّطب أُذنيه ودعا اإلله الغريق أن‬ ‫ألم وغض ٍ‬ ‫ٌ‬
‫صوت فظيع‪ ،‬عويل ٍ‬
‫خرسه‪َّ ،‬إال أن الصَّرخة استمرَّت واستمرَّت‪ .‬أرا َد هو أن يَصرُخ‪ :‬إنه‬ ‫يرفع موجةً عارمةً تُهَ ِّشم البوق وتُ ِ‬
‫آخرهما حتى بد َوتا على وشك‬ ‫بوق الجحيم‪ ،‬ولكن ما كان أحد ليسمعه‪ .‬انتف َخت وجنتا الرَّجل الموشوم عن ِ‬
‫ُشارف االنسالخ من ِجلده‬ ‫واختلجت عضالت صدره بطريق ٍة جعلَت الطَّائر يلوح كأنه ي ِ‬ ‫َ‬ ‫االنفجار‪،‬‬
‫بنار بيضاء‪ .‬استم َّر الصَّوت‬
‫وحرف يُو ِمض ٍ‬
‫ٍ‬ ‫سطر‬
‫ٍ‬ ‫عم وكلُّ‬
‫بسطوع ُم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫والتَّحليق‪ ،‬واآلن كانت الرُّ موز متَّقدةً‬
‫واستم َّر واستمرَّ‪ ،‬تتر َّدد أصداؤه بين التِّالل العاصفة من ورائهم وعبر مياه (مهد ناجا) لتُ َد ِّوي وسط جبال‬
‫(ويك القديمة)‪ ،‬واستم َّر واستم َّر واستم َّر حتى مألَ العالم المبت َّل بأَسره‪.‬‬
‫وحين بدا كأن الصَّوت لن يتوقَّف أبدًا توقَّف‪.‬‬
‫ُمسكه من‬ ‫انقط َعت أنفاس نافخ البوق أخيرًا وترنَّح وكا َد يقع‪ ،‬ورأى الرَّاهب أوركوود سيِّد (أوركمونت) ي ِ‬
‫تناول لوكاس كود األعسر منه البوق الذي يتصاعَد منه خيط رفيع من ال ُّدخان‪ ،‬أ َّما‬
‫َ‬ ‫ذراعه ليُثَبِّته‪ ،‬في حين‬
‫من نف َخ فيه فرأى الرَّاهب د ًما وقروحًا على شفتيه‪ ،‬وكان الطَّائر على صدره ينزف أيضًا‪.‬‬
‫صع َد يورون جرايچوي التَّ َّل بتؤد ٍة وأعيُن الجميع عليه‪ ،‬وأعالهم صرخَ النَّوس وصر َخ‪ .‬ف َّكر آرون‪ :‬ليس‬
‫لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليم‪ ،‬لكنه يعلم أن عليه أن يدع أخاه يتكلَّم‪ ،‬فتحرَّكت شفتاه بصال ٍة‬ ‫ٍ‬
‫صامتة‪.‬‬
‫انتحى أنصار آشا وڤيكتاريون جانبًا‪ ،‬وتقهق َر الرَّاهب ُخطوةً وأسن َد يده إلى أحد أحجار ضلوع ناجا‬
‫الخشنة‪ .‬توقَّف عين ال ُغراب على ق َّمة ال َّدرجات أمام باب (بهو الملك األشيب) ورم َ‬
‫ق الرَّبابنة والملوك‬
‫بعينه الباسمة‪ ،‬لكن آرون شع َر بعينه األخرى أيضًا‪ ،‬العين التي يُخفيها‪.‬‬
‫قال يورون جرايچوي‪« :‬أيها الحديدي ُّ ون ‪ ،‬قد سمعتم بوقي‪ ،‬واآلن اسمعوا كالمي‪ .‬أنا أخو بالون‪ ،‬أكبر‬
‫ُ‬
‫أبحرت أبعد منهم‬ ‫أبناء كويلون األحياء‪ ،‬في عروقي دماء اللورد ڤيكون ودماء الكرا ِكن العجوز‪ ،‬لكني‬
‫ط‪ ،‬واحد فقط أبح َر إلى (آشاي) عند‬ ‫ط‪ ،‬واحد فقط لم يركع قَ ُّ‬
‫جميعًا‪ .‬كرا ِكن َح ٌّي واحد لم يعرف الهزيمة قَ ُّ‬
‫ً‬
‫وأهواال تفوق الخيال‪.»...‬‬ ‫(بالد الظِّل) ورأى عجائب‬
‫صاح كارل البِكر نصير آشا ذو الوجه المتو ِّرد‪« :‬إذا كنت تحبُّ (بالد ال ِّ‬
‫ظل) كثيرًا هكذا فعُد إليها»‪.‬‬ ‫َ‬
‫مستكمال‪« :‬أخي الصَّغير يُريد أن يُنهي حرب بالون ويحوز ال َّشمال‪ ،‬وابنة أخي‬ ‫ً‬ ‫تجاهلَه عين ال ُغراب‬
‫والتوت شفتاة ال َّزرقاوان في ابتسامة‪ ،‬وتاب َع‪« :‬آشا تُؤثِر‬‫َ‬ ‫العزيزة تُريد إعطاءنا السَّالم وأكواز الصَّنوبر»‪،‬‬
‫النَّصر على الهزيمة‪ ،‬وڤيكتاريون يرغب في مملك ٍة وليس بضع ياردات تافهة من األرض‪ .‬مني ستنالون‬
‫االثنين‪ .‬تُ َس ُّمونني عين ال ُغراب‪ .‬حسن‪ ،‬و َمن بصره أثقب من ال ُغراب؟ عقب ك ِّل معرك ٍة تأتي ال ِغربان‬
‫ُبصر الموت من بعيد‪ ،‬وأقو ُل لكم اآلن إن‬ ‫بالمئات واآلالف وتلتهم وليمةً من لحم السَّاقطين‪ .‬ال ُغراب ي ِ‬
‫ضر‪ ،‬و َمن يتبعونني سيلتهمون الوالئم ما تبقَّى لهم من ُعمر‪ .‬إننا حديديُّو الميالد‪،‬‬ ‫(وستروس) قاطبةً تُحت َ‬
‫ب يُس َمع فيه صوت الموج‪ .‬أخي يُريدكم أن‬ ‫ب وصو ٍ‬ ‫وفي ماضينا كنا ُغزاةً فاتحين‪ ،‬لنا سطوة على ك ِّل حد ٍ‬
‫تقنعوا بال َّشمال البارد الكئيب‪ ،‬وابنة أخي بما هو أقلُّ ‪ ...‬أ َّما أنا فسأعطيكم (النسپورت) و(هايجاردن)‪،‬‬
‫(الكرمة) و(البلدة القديمة)‪ ،‬أراضي النَّهر و(المرعى)‪( ،‬غابة الملوك) و(الغابة المطيرة)‪( ،‬دورن)‬
‫وتُخومها‪( ،‬جبال القمر) و(وادي آرن)‪( ،‬تارث) و(األعتاب)‪ .‬أقو ُل لكم أن نأخذ ك َّل شيء‪ ،‬أقو ُل أن نأخذ‬
‫ق الرَّاهب مضيفًا‪« :‬وكلُّ هذا ألجل مجد إلهنا الغريق بالطَّبع»‪.‬‬ ‫(وستروس)!»‪ ،‬ورم َ‬
‫ألق ِّل من لحظ ٍة فتنَت جسارة كالمه آرون‪ .‬لقد حل َم ال َّراهب الحُلم نفسه حين رأى المذنَّب األحمر في السَّماء‬
‫ُّ‬
‫نجتث آلهة السِّپتونات السَّبعة وأشجار ال َّشماليِّين‬ ‫أول مرَّة‪ .‬سنكتسح األراضي الخضراء بالنَّار والسَّيف‪،‬‬
‫البيضاء‪...‬‬
‫رف َعت آشا عقيرتها قائلةً‪« :‬هل تركت عقلك في (آشاي) يا عين ال ُغراب؟ إذا كنا ال نستطيع السَّيطرة على‬
‫ال َّشمال ‪-‬ولسنا نستطيع‪ -‬فكيف نظفر بكامل (الممالك السَّبع)؟»‪.‬‬
‫حدث هذا‪ .‬ألم يُ َعلِّم بالون ابنته َّإال القليل عن طبائع الحرب؟ ڤيكتاريون‪ ،‬ابنة أخينا لم تسمع‬ ‫َ‬ ‫ق أن‬‫‪« -‬سب َ‬
‫بإجون الفاتِح على ما يبدو»‪.‬‬
‫صلة الفاتِح بنا؟»‪.‬‬ ‫ً‬
‫متسائال‪« :‬إجون؟ وما ِ‬ ‫عق َد ڤيكتاريون ذراعيه على صدره المدرَّع‬
‫أعرف الحرب ِمثلك تما ًما يا عين ال ُغراب‪ .‬إجون تارجاريَن غزا (وستروس) بالتَّنانين»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قالت آشا‪« :‬‬
‫َر َّد يورون جرايچوي‪« :‬كما سنغزوها نحن‪ .‬البوق الذي سمعتموه وجدته وسط األطالل ال َّداخنة التي كانت‬
‫الذهاب َّإالي‪ .‬لقد سمعتم صوته وشعرتم بق َّوته‪ .‬إنه بوق تنانين‪ ،‬مطعَّم‬ ‫(ڤاليريا)‪ ،‬حيث لم يجرؤ أحد على َّ‬
‫ق مشابهة‬ ‫َّ‬
‫بالذهب األحمر والفوالذ الڤاليري المنقوشيْن بالتَّعاويذ‪ .‬كان سادة التَّنانين القُدامى يَنفُخون في أبوا ٍ‬
‫قبل أن يلتهمهم الهالك‪ ،‬وبهذا البوق أيها الحديديُّون أستطي ُع أن أس ِّخر التَّنانين إلرادتي»‪.‬‬
‫ق يُ َس ِّخر الماعز إلرادتك يا عين ال ُغراب‪ .‬لم تَعُد‬‫أطلقَت آشا ضحكةً عاليةً‪ ،‬وقالت‪« :‬ستجد نفعًا أكثر في بو ٍ‬
‫هناك تنانين»‪.‬‬
‫وأعرف أين أجدها‪ .‬مؤ َّكد أن هذا يستأهل تاجًا من الخشب‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬م َّرةً أخرى تُخطئين يا فتاة‪ .‬هناك ثالثة‪،‬‬
‫المجروف»‪.‬‬
‫صاح لوكاس كود األعسر‪« :‬يورون!»‪.‬‬‫َ‬
‫َّ‬
‫المالح األحمر‪« :‬يورون! عين الغراب! يورون!»‪.‬‬ ‫وهتفَ‬
‫فت َح ال ُخرس وال ِهجان من طاقم (الصَّمت) صناديق يورون وسكبوا هداياه أمام الرَّبابنة والملوك‪ ،‬ثم سم َع‬
‫بالذهب‪ ،‬وهتفَ جورولد جودبراذر أيضًا‪ ،‬وإريك محطِّم‬ ‫الرَّاهب صوت هوثو هارلو يهتف إذ مألَ يديه َّ‬
‫السَّنادين‪« .‬يورون! يورون! يورون!»‪ .‬استحا َل الهتاف إلى هدير‪ « .‬يورون! يورون! عين ال ُغراب!‬
‫يورون مل ًكا!»‪.‬‬
‫زلز َل (تَل ناجا) كأن إله العواصف يرجُّ السَّحاب‪ « .‬يورون! يورون! يورون! يورون! يورون!‬
‫يورون!»‪.‬‬
‫حث آرون ذو ال َّشعر الرَّطب في أعماقه عن ربِّه ولم يكتشف َّإال‬
‫حتى الرَّاهب يُمكن أن تُخا ِمره ال ُّشكوك‪ .‬ب َ‬
‫يستطع أن يسمع َّإال صرخة ِمفصل ٍة حديديَّة صدئة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت باسم أخيه لم‬
‫الصَّمت‪ ،‬وإذ هد َر ألف صو ٍ‬
‫بِريان‬
‫ش جُنده ُخضر رماديُّون‬ ‫شرق (بِركة العذارى) ترتفع التِّالل الوعرة وتنغلق عليهم أشجار الصَّنوبر كجي ٍ‬
‫صامتون‪.‬‬
‫غاب الخليج عن أنظارهم‪ ،‬وإذ‬ ‫َ‬ ‫قال ديك الرَّشيق إن الطَّريق السَّاحلي األقصر واألسهل‪ ،‬ولذا فنادرًا ما‬
‫مضوا تضاءلَت مساحات البلدات والقُرى المطلَّة على السَّاحل وتزايدَت المسافات بينها‪ .‬عند الغروب‬
‫المشترك مع غيره من ال ُمسافرين‪ ،‬في حين‬‫َ‬ ‫خان يقضون فيه اللَّيل‪ ،‬فينام كراب في الفِراش‬ ‫يبحثون عن ٍ‬
‫تأخذ بِريان ُغرفةً لها ولپودريك‪ ،‬وهو ما جع َل ديك الرَّشيق يقول لها‪« :‬أرخص أن ننام كلُّنا في فِرا ٍ‬
‫ش‬
‫سيفك بيننا‪ .‬ديك العجوز شخص وديع وشهم كالفُرسان‪ِ ،‬‬
‫ولك أن تثقي‬ ‫ِ‬ ‫ُمكنك أن تضعي‬ ‫ِ‬ ‫واحد يا سيِّدتي‪ .‬ي‬
‫بأمانته كما تثقين بطول النَّهار»‪.‬‬
‫أصبح أقصر مما كان»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫علَّقت بِريان‪« :‬النَّهار‬
‫ت ال تثقين بوجودي في الفِراش فيُمكنني أن أنام على األرض يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬ربما‪ .‬إذا كن ِ‬
‫‪« -‬ليس على أرض ُغرفتي»‪.‬‬
‫أنك ال تثقين بي إطالقًا»‪.‬‬
‫‪« -‬قد يحسب المرء ِ‬
‫‪« -‬الثِّقة تُكت َسب‪ِ ،‬مثلها ِمثل َّ‬
‫الذهب»‪.‬‬
‫عليك أن تثقي بديك‪ .‬إذا‬
‫ِ‬ ‫قال كراب‪« :‬كما تقولين يا سيِّدتي‪ ،‬لكن في ال َّشمال حيث ينتهي الطَّريق سيكون‬
‫ذهبك ب َح ِّد السَّيف ف َمن سيمنعني؟»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أردت أن آخذ‬
‫‪« -‬إنك ال تملك سيفًا‪ ،‬أ َّما أنا فأمل ُ‬
‫ك» ‪.‬‬
‫أغلقَت الباب بينهما ووقفَت تُصغي حتى تأ َّكدت من ابتعاده‪ .‬مهما كان رشيقًا فديك كراب ليس چايمي‬
‫النستر أو الفأر المجنون‪ ،‬وال حتى همفري واجستاف‪ .‬إنه مهزول سيِّئ التَّغذية‪ ،‬و ِدرعه الوحيدة خوذة‬
‫وبدال من السَّيف يحمل خنجرًا قدي ًما تح َّزز نصله‪ .‬ما دا َمت مستيقظةً فإنه‬ ‫ً‬ ‫قصيرة منبعجة مبرقَشة بالصَّدأ‪،‬‬
‫ال يُ َمثِّل خطرًا‪ .‬قالت لپودريك‪« :‬سيأتي وقت ال نجد فيه خانًا يُؤوينا‪ .‬إنني ال أث ُ‬
‫ق ب ُمرشدنا‪ .‬عندما نُ َخيِّم َّ‬
‫هال‬
‫ي وأنا نائمة؟»‪.‬‬
‫سهرت عل َّ‬
‫قال‪« :‬أبقى مستيقظًا يا سيِّدتي‪ ،‬أيتها الفارس؟»‪ ،‬وف َّكر لحظةً ثم أضافَ ‪« :‬إن معي سيفًا‪ .‬إذا حاو َل كراب‬
‫ُؤذيك سأقتله»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أن ي‬
‫حاول أن تُقاتِله‪ .‬ال أطلبُ َّإال أن تُراقِبه وأنا نائمة وتُوقِظني إذا فع َل شيئًا مريبًا‪.‬‬
‫ر َّدت بصرامة‪« :‬ال‪ ،‬ال تُ ِ‬
‫ستجدني أستيقظُ بسُرعة»‪.‬‬
‫فرغ‬‫بانَت حقيقة كراب في اليوم التَّالي عندما توقَّفوا ل َسقي الخيول‪ .‬ذهبَت بِريان وراء بعض ال ُّشجيرات لتُ ِ‬
‫مثانتها‪ ،‬وبينما أق َعت سم َعت پودريك يقول‪« :‬ماذا تفعل؟ ابت ِعد عنه»‪ ،‬فأنهَت ما تفعله ورف َعت سراويلها‬
‫وعادَت إلى الطَّريق لتجد ديك الرَّشيق يُنَظِّف يديه من الطَّحين‪ .‬أخب َرته‪« :‬لن تجد تنانينَ في جراب‬
‫السَّرج‪.‬‬
‫الجراب المعلَّق من حزامها‪ ،‬والباقي مخبَّأ في جيبيْن مخيطيْن داخل‬ ‫إنني أحتفظُ بذهبي معي»‪ .‬بعضه في ِ‬
‫ثيابها‪ ،‬أ َّما الصُّ رَّة المنتفخة في جراب َسرجها فمليئة بالعُمالت ال ُّنحاسيَّة كبيرها وصغيرها والبنسات‬
‫راوت وال ُّنجوم‪ ...‬والطَّحين األبيض النَّاعم ليجعلها أكثر انتفا ًخا‪ .‬كانت قد اشت َرته‬ ‫وأنصاف البنسات وال َج ِ‬
‫من الطَّاهي في (السُّيوف السَّبعة) صبيحة خروجها من (وادي الغسق)‪.‬‬
‫كنت أنظ ُر‬ ‫ضا أصابعه المل َّوثة بالطَّحين ليُريها أنه ال يحمل سالحًا‪« :‬ديك لم يقصد سو ًءا يا سيِّدتي‪ُ .‬‬ ‫قال ناف ً‬
‫معك التَّنانين التي وعدتِني بها‪ .‬العالم مليء بالكاذبين المتحفِّزين لسرقة ال ُّشرفاء‪ .‬ال أعني‬ ‫ِ‬ ‫ألرى إن كانت‬
‫أنك منهم طبعًا»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قالت بِريان آملةً أنه يُجيد اإلرشاد عن ال ُّلصوصيَّة‪« :‬األفضل أن نستأنف طريقنا»‪ ،‬وعادَت تمتطي‬
‫فَرسها‪.‬‬
‫ت من‬ ‫تع َّود ديك الغناء وهُم راكبون معًا‪ ،‬ولو أنه ال يُ َغنِّي أغنيةً كاملةً أبدًا وإنما مجرَّد مقطوع ٍة من هنا وبي ٍ‬
‫ُحاول أن يجعلها‬ ‫هناك‪ ،‬وقد ارتابَت بِريان في أنه يُريد أن يخطب ُو َّدها ومن ثَ َّم تتخلَّى عن حذرها‪ .‬أحيانًا ي ِ‬
‫وپودريك يُ َغنِّيان معه ولكن بال جدوى‪ ،‬فالصَّبي خجول للغاية ولسانه معقود‪ ،‬و ِبريان ال تُ َغنِّي أبدًا‪ .‬ذات‬
‫ط حقًّا‪،‬‬ ‫ت تُ َغنِّين لرنلي؟»‪ ،‬لكنها لم تُغَنِّ قَ ُّ‬
‫ألبيك؟ أكن ِ‬
‫ِ‬ ‫م َّر ٍة في (ريڤر َرن) سألَتها الليدي كاتلين‪« :‬أكن ِ‬
‫ت تُ َغنِّين‬
‫مع أنها أرادَت‪ ...‬أرادَت‪...‬‬
‫ت عن (الرَّأس المتصدِّع)‪ .‬يقول إن لكلِّ وا ٍد موحش‬ ‫ُتحفهما بحكايا ٍ‬ ‫عندما ال يُ َغنِّي ديك الرَّشيق فإنه يتكلَّم وي ِ‬
‫هناك سيِّده‪ ،‬وال يُ َو ِّحد هؤالء َّإال انعدام ثقتهم بال ُغرباء‪ ،‬ففي عروقهم تتدفَّق دماء البَشر األوائل قانيةً قويَّةً‪.‬‬
‫«األنداليُّون حا َولوا االستيالء على (الرَّأس المتصدِّع) فأرقنا دماءهم في الوديان وأغرقناهم في‬
‫يستطع أبناؤهم الفوز به بالسُّيوف نالَته بناتهم بالقُبالت‪ .‬لقد صاهَروا العائالت التي‬ ‫ِ‬ ‫المستنقعات‪ ،‬لكن ما لم‬
‫لم يستطيعوا إخضاعها‪ ،‬نعم»‪.‬‬
‫حاول آل داركلين ملوك (وادي الغسق) فرض هيمنتهم على (الرَّأس المتصدِّع)‪ ،‬كما حاو َل آل موتون‬ ‫َ‬
‫سادة (بِركة العذارى) أيضًا‪ ،‬والحقًا آل سلتيجار سادة (جزيرة السَّراطين) المتغطرسون‪ ،‬لكن أهل‬
‫ب على اإلطالق‪ ،‬وإذا أُر ِغموا فإنهم‬ ‫ي غري ٍ‬
‫(الرَّأس المتصدِّع) يعرفون مستنقعاتهم وغاباتهم أفضل من أ ِّ‬
‫ُحاولون غزوهم ينشغل بعضهم بقتال‬ ‫يختفون في المغارات المنتشرة في تاللهم‪ ،‬عندما ال يُقاتِلون َمن ي ِ‬
‫حين إلى آخَ ر‬
‫ٍ‬ ‫ثأر وضغائن أعمق وأكثر سوادًا من المستنقعات بين تاللهم‪ .‬من‬ ‫بعض‪ ،‬ألن ما بينهم من ٍ‬
‫ينجح بطل ما في إحالل السَّالم بالمنطقة‪ ،‬لكنه يدوم ما دا َم حيًّا ال أكثر‪ .‬اللورد لوسيفر هاردي كان واحدًا‬
‫من العُظماء‪ ،‬واألخوان برون أيضًا‪ ،‬وأعظم منهم كاسر العظام العجوز‪ ،‬لكن آل كراب أعظمهم كافَّةً‪ ،‬وما‬
‫صدِّق أن بِريان لم تسمع بالسير كالرنس كراب و َمناقبه‪.‬‬ ‫زا َل ديك يَرفُض أن يُ َ‬
‫مكان له أبطاله المحلِّيُّون‪ .‬في دياري يُ َغ ُّنون عن السير جاالدون المورني‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫قالت له‪« :‬ولِ َم أكذبُ ؟ كلُّ‬
‫الفارس المثالي»‪.‬‬
‫َر َّد ساخرًا‪« :‬السير جاال َمن الماذا؟ لم أسمع به من قبل‪ .‬ولِ َم كان مثاليًّا؟»‪.‬‬
‫بسيف‬
‫ٍ‬ ‫سلب (العذراء) نفسها قلبها‪ ،‬فأنع َمت عليه‬ ‫َ‬ ‫بطال شديد البسالة لدرجة أنه‬ ‫‪« -‬السير جاالدون كان ً‬
‫سيف تقليدي أن يص َّد تلك‬ ‫ٍ‬ ‫مسحور داللةً على ُحبِّها‪ .‬كان اسمه (العذراء العادلة)‪ ،‬ولم يكن يُمكن أل ِّ‬
‫ي‬
‫بفخر لكنه لم يُ َج ِّردها َّإال‬
‫ٍ‬ ‫س أن يتح َّمل قُبلتها‪ .‬حم َل السير جاالدون (العذراء العادلة)‬ ‫ي تُر ٍ‬
‫العذراء أو أل ِّ‬
‫قتال كهذا غير عادل»‪.‬‬
‫ي ٍ‬ ‫ً‬
‫رجال فانيًا ألن ق َّوتها تجعل أ َّ‬ ‫رفض أن يُقاتِل بها‬
‫َ‬ ‫ثالث مرَّات‪ ،‬إذ‬
‫وج َد كراب حكايتها هزليَّةً للغاية‪ ،‬وقال‪« :‬الفارس المثالي؟ يبدو أنه كان األحمق المثالي‪ .‬ما المغزى من‬
‫سيف مسحور إذا كان ال يستخدمه أبدًا؟»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حمل‬
‫أجابَت‪« :‬ال َّشرف‪ ،‬المغزى هو ال َّشرف»‪.‬‬
‫بفارسك‬
‫ِ‬ ‫جعلَه ر ُّدها يُط ِلق ضحكةً أعلى ويقول‪« :‬كان السير كالرنس كراب ليمسح مؤ ِّخرته المشعرة‬
‫المثالي يا سيِّدتي‪ .‬لو التقيا لكان رأس إضافي موضوعًا اآلن على الرُّ فوف في (قلعة الهمس) إذا طلب ِ‬
‫ت‬
‫ي أن أستخدم السَّيف‬ ‫ي أن أستخدم السَّيف المسحور‪ ،‬كان عل َّ‬ ‫رأيي‪ ،‬يقول للرُّ ؤوس األخرى‪ :‬كان عل َّ‬
‫اللَّعين!»‪.‬‬
‫غريم يَبلُغ‬
‫ٍ‬ ‫تستطع بِريان أن تمنع ابتسامتها‪ ،‬وقالت‪« :‬ربما‪ ،‬لكن السير جاالدون لم يكن أحمق‪ .‬ضد‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫طوال ويمتطي ثورًا ب ِّريًّا كان ليُ َج ِّرد (العذراء العادلة)‪ .‬يقولون إنه قت َل بها تنِّينًا ذات مرَّة»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثمانية أقدام‬
‫سيف‬
‫ٍ‬ ‫قال ديك الرَّشيق دون أن يبدو عليه تأ ُّثر‪« :‬كاسر العظام العجوز قات َل تنِّينًا أيضًا لكنه لم يحتَج إلى‬
‫ق مؤ ِّخرته»‪.‬‬ ‫مسحور‪ ،‬بل اكتفى بربط ُعنقه على نفسه‪ ،‬وهكذا كلَّما َ‬
‫نفث النَّار أحر َ‬
‫سألَته بِريان‪« :‬وماذا فع َل كاسر العظام حين أتى إجون وأختاه؟»‪.‬‬
‫أرسل أخته إلى‬ ‫َ‬ ‫رمقَها كراب بنظر ٍة جانبيَّة مجيبًا‪« :‬كان قد ماتَ حينئ ٍذ‪ .‬مؤ َّكد أن سيِّدتي تعلم هذا‪ .‬إجون‬
‫(الرَّأس المتصدِّع)‪ ،‬تلك المس َّماة ڤيزينيا‪ .‬كان اللوردات قد سمعوا بنهاية هارن‪ ،‬وألنهم ليسوا حمقى فقد‬
‫رجاال لها وقالت إنهم لن يدينوا بالوالء ل(بِركة العذارى) أو‬ ‫ً‬ ‫وضعوا سيوفهم عند قدميها‪ ،‬فأخ َذتهم الملكة‬
‫(جزيرة السَّراطين) أو (وادي الغسق)‪ ،‬لكن هذا لم يمنع آل سلتيجار المالعين من إرسال رجال إلى‬
‫السَّاحل ال َّشرقي لجني الضَّرائب لسيِّدهم‪ .‬إذا أرس َل عددًا كافيًا يعود إليه بعضهم‪ ...‬وفيما عدا ذلك فنحن ال‬
‫ق قبل أن يُتابِع‪:‬‬ ‫ننحني َّإال لسادتنا والملك‪ ،‬الملك الحقيقي وليس روبرت و َمن هُم على شاكلته»‪ ،‬وبص َ‬
‫«كان هناك رجال من آل كراب وبرون وبوجز مع األمير ريجار في معركة (الثَّالوث)‪ ،‬وفي ال َحرس‬
‫الملكي أيضًا‪ .‬واحد من آل هاردي‪ ،‬وواحد من آل كايڤ‪ ،‬وواحد من آل پايين‪ ،‬وثالثة من آل كراب؛‬
‫كليمنت وروپرت وكالرنس القصير‪ .‬كان طوله ستَّة أقدام‪ ،‬لكنه ما زا َل قصيرًا مقارنةً بالسير كالرنس‬
‫الحقيقي‪ .‬كلُّنا من رجال التنِّين المخلصون في (الرَّأس المتصدِّع) ونواحيها»‪.‬‬
‫شماال وشرقًا‪ ،‬إلى أن لم تَعُد هناك خانات يقضون فيها‬ ‫ً‬ ‫استمرَّت حركة ال ُمسافرين في االنحسار مع تو ُّغلهم‬
‫اللَّيل‪ ،‬وعندئ ٍذ كان طريق الخليج قد أصبح ممتلئًا بالحشائش أكثر من الحُفر‪ .‬ليلتها أووا إلى قرية صيَّادين‪،‬‬
‫ونقدَت بِريان القرويِّين القليل من العُمالت النُّحاسيَّة ليسمحوا لهم بالمبيت في مخزن تبن‪ .‬أخ َذت العُليَّة‬
‫لنفسها ولپودريك‪ ،‬وبَعد صعودهما سحبَت السُّلَّم‪ ،‬فنادى كراب من أسفل‪« :‬إذا تركتِني هنا وحدي فيُمكنني‬
‫واصل‪:‬‬
‫َ‬ ‫معك يا سيِّدتي»‪ ،‬ول َّما تجاهلَته‬
‫ِ‬ ‫أن أسرق حصانيكما بك ِّل سهولة‪ .‬األفضل أن تأخذيهما إلى أعلى‬
‫ت وپودز ستنامان مستريحيْن دافئيْن وديك العجوز المسكين‬ ‫«سيَسقُط المطر اللَّيلة‪ ،‬مطر بارد غزير‪ .‬أن ِ‬
‫أعرف فتاةً‬‫ُ‬ ‫افترش كومةً من التِّبن‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬لم‬‫َ‬ ‫سيبقى هنا يرتجف وحده»‪ ،‬وهَ ِّز رأسه مهمه ًما إذ‬
‫ثلك إطالقًا»‪.‬‬
‫ش َّكاكةً ِم ِ‬
‫تك َّورت بِريان على نفسها تحت معطفها وإلى جوارها پودريك يتثا َءب‪ ،‬وقد أرادَت أن تصيح في كراب‬
‫اعتقدت أن ك َّل الرِّ جال نُبالء كأبي‪ .‬حتى الرِّ جال الذين‬
‫ُ‬ ‫صغري‬ ‫باألسفل قائلةً‪ :‬لم أكن حذرةً دائ ًما‪ .‬في ِ‬
‫أخبَروها كم هي جميلة‪ ،‬كم هي فارعة القامة وبهيَّة وذكيَّة‪ ،‬كم هي رشيقة عندما تَرقُص‪ .‬السِّپتة رويل هي‬
‫والدك‪ .‬ستجدين‬
‫ِ‬ ‫التي رف َعت الغشاوة عن عينيها‪ ،‬وقالت لها‪« :‬ال يقولون تلك األشياء َّإال لينالوا رضا السيِّد‬
‫س انهم َرت له دموعها‪َّ ،‬إال أنه أجداها النَّفع في‬ ‫مرآتك وليس على ألسنة الرِّجال»‪ .‬درس قا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الحقيقة في‬
‫لعب السير هايل وأصدقاؤه لُعبتهم‪ .‬حين بدأ المطر يهطل كانت تُفَ ِّكر‪ :‬على البنت أن‬ ‫َ‬ ‫(هارنهال) عندما‬
‫ً‬
‫طويال‪.‬‬ ‫تكون ش َّكاكةً في هذا العالم َّ‬
‫وإال لن تبقى بنتًا‬
‫في االلتحام الجماعي في (جسر العلقم) بحثَت ع َّمن تو َّددوا إليها وأوس َعتهم ضربًا واحدًا تلو اآلخَر؛ فارو‬
‫وكسرت‬
‫َ‬ ‫وأمبروز وبوشي ومارك مالندور ورايموند نايالند وويل اللَّقلق‪ ،‬ودع َست هاري سوير بحصانها‬
‫آخرهم سلَّمتها (األُم) كوننجتون‪ ،‬وهذه المرَّة‬ ‫خوذة روبن پوتر وخلَّفت على وجهه ندبةً قبيحةً‪ ،‬ول َّما سقطَ ِ‬
‫كان في يد السير رونيت سيف ال وردة‪ ،‬فكانت كلُّ ضرب ٍة ه َوت بها عليه أعذب من القُبالت‪ .‬لوراس‬
‫أصال‪ -‬فقد‬‫ً‬ ‫نظر إليها‬
‫َ‬ ‫آخر من واجهَ غضبتها يومها‪ ،‬ولئن لم يكن م َّمن غازَلوها ‪-‬بل وبالكاد‬ ‫تايرل كان ِ‬
‫ث مجرَّد منظره فيها ق َّوةً‬ ‫كانت على تُرسه ثالث وردات ذهبيَّة في ذلك اليوم‪ ،‬وبِريان تَمقُت الورد‪ ،‬فبَ َّ‬
‫عاتيةً‪.‬‬
‫غابَت في النَّوم حالمةً بالقتال الذي دا َر بينهما‪ ،‬وبالسير چايمي يُثَبِّت معطف قوس قزح حول كتفيها‪.‬‬
‫تواص َل نزول المطر في الصَّباح التَّالي‪ ،‬وبينما أفطروا اقتر َح ديك الرَّشيق أن ينتظروا حتى يتوقَّف‪،‬‬
‫فقالت بِريان‪« :‬ومتى سيتوقَّف؟ غدًا؟ بَعد أسبوعين؟ عندما يحلُّ الصَّيف ثانيةً؟ ال‪ ،‬إن معنا معاطف‪،‬‬
‫وأمامنا فراسخ طويلة نقطعها»‪.‬‬
‫وحل من تحتهم‪ ،‬وما رأوه‬‫ٍ‬ ‫انهم َر المطر طيلة النَّهار‪ .‬سرعان ما استحا َل ال َّدرب الضيِّق الذي يسلكونه إلى‬
‫بساط بنِّي مشبَّع بالماء‪ .‬على الرغم‬
‫ٍ‬ ‫أشجار كان أجرد‪ ،‬وقد ح َّول المطر الثَّابت أوراقها السَّاقطة إلى‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫فشعرت‬
‫َ‬ ‫من بطانة معطف ديك المصنوعة من ِجلد السَّناجب فقد تخلَّله الماء‪ ،‬ورأت بِريان الرَّجل يرتجف‬
‫بال َّشفقة عليه لحظةً‪ .‬واضح أنه لم يأكل جيِّدًا‪ .‬تساءلَت إن كان هناك وكر مهرِّبين أو أطالل اسمها (قلعة‬
‫أفعاال دافِعها اليأس‪ ،‬وربما تكون هذه محا َولةً لالحتيال عليها‪.‬‬
‫ً‬ ‫الهمس) حقًّا‪ .‬الجوعى يقترفون‬
‫قلبَت ال ُّشكوك معدتها‪.‬‬
‫لفتر ٍة بدا كأن َجور المطر الثَّابت هو الصَّوت الوحيد في العالم‪ .‬تق َّدم ديك الرَّشيق ال يلوي على شيء‪،‬‬
‫ب مالحظةً الطريقة التي يحني بها ظَهره كأن ركوبه منكم ًشا على نفسه هكذا سيقيه‬ ‫وراقبَته بِريان من كث ٍ‬
‫َّ‬
‫من البلل‪ .‬هذه المرَّة لم تكن هناك قرية قريبة عندما َح َّل عليهم الظالم‪ ،‬وال حتى شجر يحتمون به‪ ،‬فخيَّموا‬
‫ط ال َمد‪ ،‬لكن على األقل ستحميهم الصُّ خور من‬ ‫مجبَرين وسط الصُّ خور على بُعد خمسين ياردةً فوق خَ ِّ‬
‫ب مجروف‪« :‬األفضل أن نسهر حراسةً اللَّيلة يا‬ ‫الرِّيح‪ .‬قال لها كراب وهي تُعاني إلشعال النَّار في خش ٍ‬
‫مكان كهذا قد يكون هناك هرَّاسون»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سيِّدتي‪ .‬في‬
‫رمقَته بِريان بريب ٍة مردِّدةً‪« :‬هرَّاسون؟»‪.‬‬
‫فسَّر ديك الرَّشيق باستمتاع‪« :‬وحوش‪ ،‬يبدون كالبَشر إلى أن تقتربي منهم‪ ،‬لكن رؤوسهم كبيرة للغاية‬
‫بدال من ال َّشعر عند البَشر‪ .‬لونهم أبيض كبطون السَّمك وبين أصابعهم شباك‪ ،‬وملمسهم‬ ‫ولهم حراشف ً‬
‫كاإلبر‪ .‬بعض النَّاس يقول‬
‫رطب دو ًما ورائحتهم ذفرة ووراء شفاههم الرَّخوة صفوف من األسنان الحا َّدة ِ‬
‫أقدام بين أصابعها شباك مصدرين‬ ‫ٍ‬ ‫صدِّقي ذلك‪ .‬إنهم يمشون على‬ ‫إن البَشر األوائل قتلوهم جميعًا‪ ،‬لكن ال تُ َ‬
‫ليال ليختطفوا األطفال سيِّئي ال ُخلق‪ ،‬فيحتفظون بالفتيات ليتزا َوجوا بهن‪ ،‬لكنهم‬ ‫أصوات هرس‪ ،‬ويأتون ً‬
‫صبية ويُ َم ِّزقون لحمهم بتلك األسنان الخضراء الحا َّدة»‪ ،‬وأعطى پودريك ابتسامةً عريضةً‬ ‫يلتهمون ال ِّ‬
‫مضيفًا‪« :‬يُمكنهم أن يأكلوك يا فتى‪ ،‬يُمكنهم أن يأكلوا لحمك نيئًا»‪.‬‬
‫َمسَّ پودريك سيفه مجيبًا‪« :‬سأقتلهم إذا حا َولوا»‪.‬‬
‫ت فتاةً‬ ‫ً‬
‫متسائال‪« :‬هل كن ِ‬ ‫‪« -‬جرِّب‪ ،‬لك أن تُ َجرِّ ب‪ .‬الهرَّاسون ال يموتون بسهولة»‪ ،‬وغم َز كراب لبِريان‬
‫سيِّئة ال ُخلق يا سيِّدتي؟»‪.‬‬
‫ابتالال من أن يشتعل مهما أصد َر الفوالذ‬ ‫ً‬ ‫كنت حمقاء فحسب‪ .‬وجدَت بِريان الخشب أكثر‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫انبعث القليل من ال ُّدخان من الهشيم‪ ،‬لكن هذا كلُّ شيء‪ ،‬فتخلَّت عنه ممتعضةً وأسندَت‬
‫َ‬ ‫ص َّوان من شرر‪.‬‬ ‫وال َّ‬
‫ظَهرها إلى صخر ٍة وسحبَت معطفها على جسدها واستسل َمت لقضاء ليل ٍة باردة بليلة‪ ،‬ثم را َحت تَحلُم‬
‫بوجب ٍة ساخنة وهي تقضم من شريح ٍة من اللَّحم البقري المملَّح القاسي‪ ،‬بينما حكى ديك الرَّشيق عن المرَّة‬
‫التي قات َل فيها السير كالرنس كراب ملك الهرَّاسين‪ .‬قالت لنفسها معترفةً‪ :‬حكاياته مسلِّية حقًّا‪ ،‬لكن مارك‬
‫مالندور كان مسلِّيًا أيضًا بقِرده الصَّغير‪.‬‬
‫فح َّل عليهم‬‫األمطار أغزر من أن يروا ال َّشمس تغيب والسَّماء أكثر تلبُّدًا بالغيوم من أن يروا القمر يطلع‪َ ،‬‬
‫ُّ‬
‫يغط أيضًا‪،‬‬ ‫اللَّيل حال ًكا بال نجوم‪ .‬نضبَت الحكايات من كراب وخل َد إلى النَّوم‪ ،‬وسرعان ما بدأ پودريك‬
‫ت قريبة من البحر يا‬ ‫وظلَّت بِريان جالسةً مسندةً ظَهرها إلى الصَّخرة‪ ،‬تُصغي إلى األمواج وتتسا َءل‪ :‬أأن ِ‬
‫معك؟ قال إنها رحلة لثالثة‪ .‬هل انض َّم‬ ‫ِ‬ ‫ت في (قلعة الهمس) تنتظرين سفينةً لن تأتي أبدًا؟ َمن‬ ‫سانزا؟ أأن ِ‬
‫ً‬
‫طويال وبِريان مت َعبة‪،‬‬ ‫أختك الصَّغيرة؟ كان يومهم‬ ‫ِ‬ ‫ت على‬ ‫أنك عثر ِ‬ ‫ت والسير دونتوس أم ِ‬ ‫إليك أن ِ‬
‫ال ِعفريت ِ‬
‫وحتى مع جلوسها وظَهرها إلى الصَّخرة والمطر يَسقُط بنعوم ٍة حولها أحسَّت بجفنيها يَثقُالن‪ .‬مرَّتين‬
‫ُنف وهي على قناع ٍة بأن أحدهم كان يميل عليها‪.‬‬ ‫ق بع ٍ‬ ‫غفَت‪ ،‬وفي المرَّة الثَّانية استيقظَت فجأةً وقلبها يد ُّ‬
‫كانت أطرافها متخ ِّشبة وانعق َد معطفها حول كاحليها‪ ،‬فركلَته متملِّصةً منه وقا َمت‪ ،‬لتجد ديك متك ِّورًا على‬
‫نفسه إلى جوار صخرة‪ ،‬مدفونًا في الرِّمال المبتلَّة الثَّقيلة ونائ ًما‪ .‬كان حُل ًما‪ ،‬مجرَّد حُلم‪.‬‬
‫ربما أخطأَت بتخلِّيها عن السير كرايتون والسير إيليفر‪ .‬لقد بد َوا رجليْن صادقيْن‪ .‬ف َّكرت‪ :‬ليت چايمي أتى‬
‫معي‪ ...‬لكن چايمي فارس في ال َحرس الملكي‪ ،‬ومكانه الواجب إلى جوار مليكه‪ .‬ثم إن رنلي هو َمن تُريد‪.‬‬
‫ُ‬
‫وفررت مع الليدي كاتلين‬ ‫ُ‬
‫وأخفقت في هذا أيضًا‪،‬‬ ‫أقسمت على االنتقام له‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأخفقت‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬
‫أقسمت أن أحميه‬
‫لكني خذلتها بدورها‪ .‬تب َّدل اتِّجاه الرِّيح‪ ،‬واآلن يسيل المطر على وجهها‪.‬‬
‫كخيط رفيع من الحصى‪ ،‬وأخيرًا أصب َح هناك إيحاء فقط‬ ‫ٍ‬ ‫في اليوم التَّالي اضمح َّل الطَّريق حتى صا َر‬
‫بوجود طريق‪ ،‬وقُرب انتصاف النَّهار انتهى فجأةً عند سفح جُرف نحتَته الرِّيح‪ .‬أعلى الجُرف ترتفع قلعة‬
‫عابسة فوق األمواج‪ ،‬أبراجها الثَّالثة المعوجَّة بارزة تحت السَّماء الغائمة‪.‬‬
‫سأ َل پودريك‪« :‬أهذه هي (قلعة الهمس)؟»‪.‬‬
‫َر َّد كراب بح َّدة‪« :‬هل تبدو لك كأطالل؟ إنها (عرين داير)‪ ،‬مقرُّ اللورد برون‪ .‬لكن الطَّريق ينتهي هنا‪.‬‬
‫ليس هناك َّإال غابات الصَّنوبر من اآلن فصاعدًا»‪.‬‬
‫جا َست بِريان بنظرها في الجُرف متسائلةً‪« :‬كيف نصعد؟»‪.‬‬
‫أجاب ديك الرَّشيق دائ ًرا بحصانه‪« :‬بسهولة‪ .‬ابقيا على مقرب ٍة من ديك‪ .‬الهرَّاسون يجنحون إلى أخد‬ ‫َ‬
‫المتل ِّكئين»‪.‬‬
‫صدع في الصَّخر‪ ،‬معظمه طبيعي لكن هنا‬ ‫ٍ‬ ‫متوار داخل‬
‫ٍ‬ ‫اتَّضح أن الطَّريق إلى أعلى مم ٌّر حجري متحدِّر‬
‫وهناك درجات منحوتة لتسهيل الصُّ عود‪ .‬أحاطَت بهم من الجانبين جُدران صخريَّة عموديَّة تآكلَت على‬
‫أشكاال عجيبةً أشا َر ديك الرَّشيق‬
‫ً‬ ‫قرون من عصف الرِّيح ورذاذ الماء‪ ،‬وقد اتَّخذت في بعض المواضع‬‫ٍ‬ ‫َم ِّر‬
‫‪58‬‬
‫إلى عد ٍد منها وهُم يصعدون‪« .‬هذا رأس أو َجر ‪ ،‬هل ترينه؟»‪ ،‬وابتس َمت بِريان ل َّما رأته‪ ،‬فأضافَ ‪:‬‬
‫عجوز‬
‫ٍ‬ ‫صغر أبي‪ .‬فوقه هذان ضرعان متدلِّيان كثديَي‬ ‫«وهذا هناك تنِّين حجري‪ .‬الجناح اآلخَر سقطَ في ِ‬
‫شمطاء»‪ ،‬وألقى نظرةً سريعةً وراءه على صدرها‪.‬‬
‫قال پودريك‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪ ،‬هناك خيَّال»‪.‬‬
‫‪« -‬أين؟»‪ .‬ال يو َجد تكوين صخري يُوحي لها بشكل خيَّال‪.‬‬
‫‪« -‬على الطَّريق‪ ،‬ليس خي ًَّاال في الصَّخر‪ ،‬خيال حقيقي يتبعنا‪ ،‬باألسفل»‪.‬‬
‫أشا َر پودريك والت َوت بِريان فوق َسرجها تَنظُر‪ .‬كانوا قد بلغوا ارتفاعًا يُتيح لهم الرُّ ؤية على مدى فراسخ‬
‫طويلة بطول السَّاحل‪ ،‬ورأت الحصان يَسلُك الطَّريق نفسه الذي سلكوه‪ ،‬متخلِّفًا عنهم بميلين أو ثالثة‪ .‬م َّرةً‬
‫أخرى؟ ر َمت ديك الرَّشيق بنظرة َشك‪.‬‬
‫قال كراب‪« :‬ال تَنظُري إل َّي هكذا‪ .‬أيًّا كان فال عالقة له بالعجوز ديك الرَّشيق‪ .‬إنه أحد رجال برون غالبًا‪،‬‬
‫مكان إلى مكان»‪ ،‬ود َّور رأسه وبصقَ‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫عائد من الحروب‪ ،‬أو واحد من المغنِّين الذين يجولون من‬
‫أردفَ ‪« :‬ليس هرَّاسًا‪ ،‬هذا مؤ َّكد‪ .‬نوعهم ال يركب الخيل»‪.‬‬
‫ر َّدت بِريان‪« :‬نعم»‪ .‬على هذا على األقل يتَّفقان‪.‬‬
‫األقدام المئة األخيرة من صعودهم كانت األكثر تح ُّدرًا وخطورةً‪ .‬تحرَّك الحصى المخلخَل تحت حوافر‬
‫أحصنتهم وسقطَ متدحرجًا على الممرِّ الحجري وراءهم‪ ،‬وحين خرجوا من الصَّدع أخيرًا وجدوا أنفسهم‬
‫أسفل سور القلعة‪ ،‬ومن ُشرف ٍة أعالهم ألقى عليهم وجه نظرةً ثم اختفى‪ ،‬فخ َّمنت ِبريان أنه وجه امرأة‪،‬‬
‫قائال‪« :‬برون أكثر ِهر ًما من أن يمشي على األسوار‪ ،‬وأبناؤه وأحفاده‬ ‫وقالت هذا لديك الرَّشيق الذي أيَّدها ً‬
‫ق أحد في ال َّداخل َّإال النِّسوة وربما طفل سائل األنف أو ثالثة»‪.‬‬
‫ذهبوا إلى الحروب‪ .‬لم يتب َّ‬
‫رحل‬
‫َ‬ ‫كان على شفتيها سؤال ُمرشدها عن الملك الذي ناص َره اللورد برون‪ ،‬لكن الجواب لم يَعُد يه ُّم‪ .‬لقد‬
‫أبناؤه‪ ،‬وربما ال يعود بعضهم‪ .‬لن نجد ترحابًا هنا اللَّيلة‪.‬‬
‫ب مسلَّحين‪ .‬قالت لديك‪« :‬تتكلَّم‬ ‫ليس واردًا أن تفتح قلعة مليئة بالمسنِّين والنِّساء واألطفال أبوابها ألغرا ٍ‬
‫عن اللورد برون كأنك تعرفه»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما عرفته في الماضي»‪.‬‬
‫نظ َرت إلى صدر سُترته‪ ،‬إلى الخيوط المحلولة ورُقعة النَّسيج األغمق المهترئة حيث كانت ال َّشارة التي‬
‫انتزعَها‪ .‬دليلها مته ِّرب دون َشك‪ .‬هل يُمكن أن يكون الخيَّال وراءهم أخاه في السِّالح؟ قال ديك مستحثًّا‬
‫واصل الطَّريق قبل أن يبدأ برون يتسا َءل ع َّما نفعله عند أسواره‪ .‬حتى النِّساء‬
‫إياها‪« :‬يَج ُدر بنا أن نُ ِ‬
‫وأشار إلى تالل الحجر الجيري المرتفعة وراء القلعة بمنحدَراتها المشجَّرة‬
‫َ‬ ‫يستطعن إطالق نُ َّشابيَّة لعينة»‪،‬‬
‫مضيفًا‪« :‬ال طريق من اآلن فصاعدًا‪ ،‬فقط الجداول ودروب الفرائس‪ ،‬لكن ال داعي للقلق يا سيِّدتي‪.‬‬
‫ديك الرَّشيق يعرف هذه األنحاء»‪.‬‬
‫وهذا ما تخشاه بِريان‪ .‬كانت الرِّيح تهبُّ على ق َّمة الجُرف‪َّ ،‬إال أنها ال تش ُّم َّإال فَ ًّخا‪ .‬سألَت‪« :‬وماذا عن ذلك‬
‫الخيَّال؟»‪ .‬ما لم يكن حصانه يستطيع السَّير على الموج فسرعان ما سيَبلُغ الق َّمة بدوره‪.‬‬
‫ضلِّله‬ ‫ً‬
‫أصال‪ ،‬وإذا فع َل فسنُ َ‬ ‫‪« -‬ماذا عنه؟ إذا كان أحمق ما من (بِركة العذارى) فربما ال يجد المم َّر اللَّعين‬
‫في الغابة‪ .‬هناك لن يجد طريقًا يتبعنا عليه»‪.‬‬
‫لن يجد َّإال آثارنا فقط‪ .‬تساءلَت بِريان إن كان األسلم أن تُ ِ‬
‫واجه الخيَّال هنا وسيفها في يدها‪ .‬سأبدو في غاية‬
‫متجو ًال أو أحد أبناء اللورد برون‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الحُمق إذا كان مطربًا‬
‫قد يكون كراب محقًّا‪ .‬إذا َ‬
‫ظ َّل وراءنا غدًا سأتعام ُل معه حينها‪ .‬قالت دائرةً بفَرسها نحو الغابة‪« :‬كما‬
‫تشاء»‪.‬‬
‫تضاءلَت قلعة اللورد برون وراء ظهورهم وسرعان ما غابَت عن األنظار‪ ،‬وارتف َع شجر الحارس‬
‫والصَّنوبر الجُندي من حولهم في ك ِّل اتِّجاه‪ِ ،‬حراب شاهقة مكس َّوة باألخضر تطعن السَّماء‪ .‬أرض الغابة‬
‫اإلبر السَّاقطة سميكة كسور قلعة‪ ،‬تتناثَر عليها هنا وهناك أكواز الصَّنوبر‪ ،‬وبدا كأن حوافر‬ ‫طبقة من ِ‬
‫طت األمطار بعض الوقت وانقط َعت ثم عاودَت السُّقوط‪ ،‬لكنهم لم‬ ‫خيولهم ال تُص ِدر صوتًا إذ وطأتها‪ .‬تساق َ‬
‫يَشعُروا بقطر ٍة تقريبًا وسط األشجار‪.‬‬
‫ضت بها تتعرَّج وسط األشجار‪،‬‬ ‫الحركة في الغابة أبطأ كثيرًا‪ .‬قادَت بِريان فَرسها في العتمة الخضراء وم َ‬
‫وقد أدر َكت أن الضَّياع هنا سهل للغاية‪ ،‬فكلُّ اتِّجا ٍه تَنظُر فيه يُشبِه غيره‪ ،‬والهواء نفسه يبدو رماديًّا‬
‫ت مزعج بتُرسها حديث الطِّالء‪،‬‬ ‫وأخضر وساكنًا‪ .‬خد َشت أغصان الصَّنوبر ذراعيها واحت َّكت بصو ٍ‬
‫وشع َرت بالصَّمت الغريب ُّ‬
‫يحز في نفسها أكثر فأكثر مع ك ِّل ساع ٍة تمرُّ ‪.‬‬
‫ت خشن‬ ‫أزع َجت األجواء ديك الرَّشيق أيضًا‪ .‬في أواخر النَّهار والغسق يدنو حاو َل أن يُ َغنِّي‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫كسراويل من الصُّ وف ر َّدد‪« :‬كان هناك ُدب‪ُ ،‬دب‪ُ ،‬دب‪ ،‬ك ُّله أسود وبنِّي ومغطَّى بال َّشعر»‪ ،‬لكن شجر‬
‫ف عن الغناء‪.‬‬ ‫الصَّنوبر تشرَّب صوته كما تشرَّب المطر والرِّيح‪ ،‬وبَعد فتر ٍة قصيرة َك َّ‬
‫قال پودريك‪« :‬كلُّ شي ٍء سيِّئ هنا‪ ،‬هذا مكان سيِّئ»‪.‬‬
‫هذا ما تَشعُر به بِريان أيضًا‪ ،‬لكن لن ينفع أن تق َّر به‪ ،‬فقالت‪« :‬غابة الصَّنوبر مكان كئيب‪ ،‬لكنها في النِّهاية‬
‫مجرَّد غابة‪ .‬ال يو َجد هنا ما نخشاه»‪.‬‬
‫‪« -‬وماذا عن الهرَّاسين؟ والرُّ ؤوس؟»‪.‬‬
‫قال ديك الرَّشيق ضاح ًكا‪« :‬صب ٌّي ذكي»‪.‬‬
‫رمقَته بِريان باستيا ٍء وأجابَت پودريك‪« :‬ليس هناك هرَّاسون وليست هناك رؤوس»‪.‬‬
‫صلِّي أن ديك الرَّشيق صادق ويعلم أين يقودهما‪.‬‬ ‫انخفضت التِّالل‪ ،‬ووجدَت بِريان نفسها تُ َ‬‫َ‬ ‫ارتف َعت التِّالل‪،‬‬
‫ليال أو نهارًا السَّماء رماديَّة مصمتة‬ ‫إنها ليست واثقةً باستطاعتها أن تجد البحر ثانيةً إذا كانت بمفردها‪ً .‬‬
‫ملبَّدة بالغيوم‪ ،‬وال شمس أو نجوم تُعينها على العثور على طريقها‪.‬‬
‫مستنقع أخضر المع‪ .‬في‬ ‫تال ووجدوا أنفسهم على حافة‬ ‫خيَّموا في ساع ٍة مب ِّكرة تلك اللَّيلة‪ ،‬بَعد أن نزلوا ًّ‬
‫ٍ‬
‫صت فيها خيولهم‬ ‫الضَّوء األخضر الرَّمادي بدَت األرض أمامهم صُلبةً كفاية‪ ،‬لكن حين داسوا عليها غا َ‬
‫أرض ثابتة‪ .‬قال لهما كراب مطمئِنًا‪« :‬ال يه ُّم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حتى الكاهل‪ ،‬فداروا مضطرِّين وكافحوا ليشقُّوا طريقًا إلى‬
‫سنصعد التَّ َّل ثانيةً وننزل من طري ٍ‬
‫ق آ َخر»‪.‬‬
‫ومطر متقطِّع‪ ،‬مارِّين‬
‫ٍ‬ ‫لم يختلف اليوم التَّالي‪ .‬ركبوا وسط أشجار الصَّنوبر والمستنقعات تحت سما ٍء قاتمة‬
‫ت أرضيَّة وكهوف وأنقاض معاقل عتيقة اكت َست جُدرانها بالطَّحالب‪ .‬لك ِّل كوم ٍة من األحجار‬ ‫بانهيارا ٍ‬
‫قصَّة‪ ،‬وقد حكاها ديك الرَّشيق جميعًا‪ ،‬وحسب كالمه كان أهل (الرَّأس المتصدِّع) يروون أشجارهم‬
‫بالدِّماء‪ .‬سرعان ما بدأ صبر بِريان ينفد‪ ،‬وأخيرًا قالت له‪« :‬كم تبقَّى؟ ال بُ َّد أننا رأينا ك َّل شجر ٍة في (الرَّاس‬
‫المتصدِّع) بالفعل»‪.‬‬
‫أجاب كراب‪« :‬إطالقًا‪ .‬نحن قريبون‪ .‬انظُري‪ ،‬كثافة األشجار تقلُّ ‪ .‬إننا بالقُرب من (البحر الضيِّق)»‪.‬‬ ‫َ‬
‫ف َّكرت بِريان‪ :‬هذا المهرِّج الذي وعدَني به سيكون انعكاسي في بِرك ٍة على األرجح‪ ،‬وإن بدا لها أن من‬
‫طويال‪ .‬كانت ساقاها متصلِّبتين كالحديد من جرَّاء‬ ‫ً‬ ‫العبث أن تعود أدراجها اآلن بَعد أن قط َعت شوطًا‬
‫ت فقط في اللَّيلة بينما يَحرُسها پودريك‪ .‬إذا كان‬
‫الجلوس على السَّرج‪ ،‬وفي األيام األخيرة نا َمت أربع ساعا ٍ‬
‫أرض يعرفها جيِّدًا‪ .‬ربما‬
‫ٍ‬ ‫ُحاول قتلهما غيلةً فإنها على يقين بأنه سيفعلها هنا على‬‫ديك الرَّشيق ينوي أن ي ِ‬
‫ص له فيه أهل مخادعون ِمثله‪ ،‬أو ربما يقودهما في دوائر فحسب منتظ ًرا أن يلحق‬ ‫يقودهما إلى وكر لصو ٍ‬
‫الخيَّال إياه بهم‪ .‬لم يروا أثرًا للرَّجل منذ رحلوا من عند قلعة اللورد برون‪ ،‬لكن ذلك ال يعني أنه تخلَّى عن‬
‫المطا َردة‪.‬‬
‫في ليل ٍة قالت لنفسها بينما تذرع األرض حول المخيَّم‪ :‬قد أضطرُّ إلى قتله‪ .‬أصابَها الخاطر باالضطراب‪.‬‬
‫لطالما ش َّكك قيِّم السِّالح العجوز الذي درَّبها في تمتُّعها بالصَّالبة الكافية لموا َجهة المعارك‪ ،‬وأكثر من م َّر ٍة‬
‫ي فتاة‪ .‬التَّدريب في‬ ‫خرعة القلب كأ ِّ‬ ‫لكنك ِ‬
‫ِ‬ ‫ذراعيك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال لها السير جودوين‪« :‬تتحلِّين بق َّوة الرِّجال في‬
‫رجل وتري‬ ‫ٍ‬ ‫بسيف مثلوم شيء‪ ،‬وشيء آ َخر أن تُغ ِمدي قد ًما من الفوالذ المشحوذ في أحشاء‬ ‫ٍ‬ ‫السَّاحة‬
‫الحمالن‬ ‫الضَّوء ينطفئ في عينيه»‪ .‬لجعلها أكثر صالبةً أرسلَها السير جودوين إلى ج َّزار أبيها لتذبح ِ‬
‫الذبح كانت‬ ‫كأطفال مرعوبين‪ ،‬ولدى فروغها من َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الحمالن والخنازير‬ ‫والخنازير الرَّضيعة‪ .‬صرخَت ِ‬
‫حرقها‪ .‬على أن ال ُّشكوك‬ ‫طت وصيفتها إياها لتُ ِ‬ ‫ال ُّدموع قد أع َمت بِريان وتل َّوثت ثيابها بالدِّماء لدرجة أنها أع َ‬
‫كنت ُمرافقًا‬ ‫ُ‬ ‫ساور السير جودوين‪ ،‬وقال لها‪« :‬الخنزير خنزير‪ .‬األمر مختلف مع الرِّ جال‪ .‬حين‬ ‫ظلَّت تُ ِ‬
‫صغيرًا في ِسنِّ ِك كان لي صديق قوي سريع رشيق‪ ،‬بطل في السَّاحة‪ ،‬وكنا نعلم جميعًا أنه سيغدو فارسًا‬
‫ورأيت صديقي يُسقِط خصمه على رُكبتيه ويُطَ ِّوح‬ ‫ُ‬ ‫مغوارًا ذات يوم‪ .‬ثم اشتعلَت الحرب في (األعتاب)‪،‬‬
‫بفأسه من يده‪ ،‬لكن عندما كان يُفت َرض أن يُج ِهز عليه تر َّدد أق َّل من لحظة‪ ،‬وفي المعركة اللَّحظة أو دونها‬
‫ُعمر كامل‪ .‬است َّل الرَّجل خنجره ووج َد َشقًّا في ِدرع صديقي‪ .‬ق َّوته‪ ،‬سُرعته‪َ ،‬شجاعته‪ ،‬مهارته التي‬
‫اكتسبَها باالجتهاد‪ ...‬كلُّ هذا كانت قيمته أقلُّ من فسوة‪ ،‬ألنه جف َل من القتل‪ .‬تذ َّكري هذا يا فتاة»‪.‬‬
‫وراحت تشحذ نصله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وعدَت طيفه هناك في غابة الصَّنوبر‪ :‬سأتذ َّكرُ‪ ،‬وجل َست على صخر ٍة وسحبَت سيفها‬
‫سأتذ َّكرُ‪ ،‬وأدعو َّأال أجفل‪.‬‬
‫شرق‪ ،‬لكن عندما استحا َل السَّواد إلى رمادي‬ ‫بز َغ فَجر اليوم التَّالي باردًا غائ ًما مغ ًّما‪ .‬لم يروا ال َّشمس تُ ِ‬
‫صلة الرُّ كوب‪ .‬قا َد ديك الرَّشيق الطَّريق إذ عادوا يخوضون وسط‬ ‫عرفَت بِريان أن الوقت حانَ لموا َ‬
‫األشجار‪ ،‬وتب َعته بِريان على مقرب ٍة بينما تحرَّك پودريك في المؤ ِّخرة على متن حصانه األرقط‪.‬‬
‫فاجأَتهم القلعة دون سابق إنذار‪ .‬في لحظ ٍة كانوا في أعماق الغابة وال شيء يُحيط بهم َّإال أشجار الصَّنوبر‬
‫ميل واحد انتهَت الغابة على‬ ‫والحت ثغرة أمامهم‪ ،‬وبَعد ٍ‬ ‫َ‬ ‫الممت َّدة فراسخ وفراسخ‪ ،‬ثم داروا حول جُلمو ٍد‬
‫حين غرَّة‪ .‬وراءها كانت السَّماء والبحر‪ ...‬وقلعة عتيقة على شفير جُرف‪ ،‬متهدِّمة ومهجورة وتنمو في‬
‫جنباتها الحشائش الكثيفة‪.‬‬
‫أنصتا‪ .‬يُمكنكما أن تسمعا الرُّ ؤوس»‪.‬‬
‫قال ديك الرَّشيق‪ِ « :‬‬
‫فغ َر پودريك فاه ً‬
‫قائال‪« :‬أسمعها»‪.‬‬
‫وسم َعتها بِريان أيضًا‪ ،‬غمغمة خافتة كأنها تنبعث من األرض بقدر ما تأتي من القلعة‪ .‬تعالى الصَّوت مع‬
‫اقترابها من الجُروف‪ ،‬ثم إنها أدر َكت فجأةً أنه صوت البحر‪ ،‬وأن الصُّ خور في األسفل تآكلَت وثقبَها‬
‫كهوف وأنفاق تحت األرض‪ .‬قالت‪« :‬ليست هناك رؤوس‪ .‬ما تسمعه هو‬ ‫ٍ‬ ‫الموج الذي يتدفَّق هادرًا في‬
‫همس األمواج»‪.‬‬
‫‪« -‬األمواج ال تهمس‪ .‬إنها الرُّ ؤوس»‪.‬‬
‫بأحجار قديمة غير مملَّطة ال يتماثَل منها اثنان‪ ،‬والطَّحالب نامية بكثاف ٍة في الصُّ دوع بين‬
‫ٍ‬ ‫القلعة مبنيَّة‬
‫الصُّ خور‪ ،‬واألشجار نابتة من األساسات‪ .‬معظم القالع القديمة يض ُّم أيكة آلهة‪ ،‬أ َّما (قلعة الهمس) فمنظرها‬
‫يشي بأن فيها القليل عدا ذلك‪ .‬قادَت بِريان فَرسها إلى حافة الجُرف حيث تداعى السُّور وتنمو أكوام من‬
‫طت الفَرس بشجر ٍة واقتربَت من شفا الهاوية بقدر ما َ‬
‫أتاحت لها‬ ‫اللَّبالب األحمر السَّام فوق الرُّ كام‪ ،‬ورب َ‬
‫كهف‬
‫ٍ‬ ‫ُرج محطَّم‪ ،‬ولم َحت وراءه مدخل‬ ‫جرأتها‪ ،‬فرأت تحتها بخمسين قد ًما الموج يدور داخل وحول بقايا ب ٍ‬
‫واسع‪.‬‬
‫قال ديك الرَّشيق الذي وقفَ وراءها‪« :‬هذا بُرج المنارة القديم‪ .‬سقطَ وأنا في نِصف ِسنِّ پودز‪ .‬كانت هناك‬
‫ساللم تقود إلى الكهف لكنها سقطَت أيضًا مع انهيار الجُرف‪ ،‬وبَعدها امتن َع المهرِّبون عن الرَّسو هنا‪ .‬في‬
‫وأشار‬
‫َ‬ ‫الماضي كانوا يَد ُخلون الكهف بقواربهم‪ ،‬لكن ذلك انتهى‪ ،‬هل ترين؟»‪ ،‬ووض َع يدًا على ظَهرها‬
‫باألخرى‪.‬‬
‫واقشع َّر ِجلد ِبريان‪ .‬دَفعة واحدة وسأصب ُح في األسفل مع البُرج‪ .‬تراج َعت قائلةً‪« :‬أب ِعد يديك عني»‪.‬‬
‫عق َد كراب حاجبيه‪ ،‬وقال‪ُ « :‬‬
‫كنت فقط‪.»...‬‬
‫‪« -‬ال أبالي بما كنته فقط‪ .‬أين الب َّوابة؟»‪.‬‬
‫يكن ضغينةً‪ ،‬أليس‬ ‫رجال ُّ‬‫ً‬ ‫ِّجك هذا ليس‬‫أجاب‪« :‬النَّاحية األخرى»‪ ،‬وتر َّدد لحظةً ثم قال بتو ُّتر‪« :‬مهر ِ‬ ‫َ‬
‫رت أنه قد يكون غاضبًا من العجوز ديك الرَّشيق بسبب الخريطة التي بِعته‬ ‫س ف َّك ُ‬
‫كذلك؟ أعني‪ ...‬ليلة أم ٍ‬
‫إياها وألني لم أذكر الجزء الخاص بعدم رسو المهرِّبين هنا»‪.‬‬
‫بالذهب الذي ستقبضه أن تر َّد له ما نقدَك إياه ل‪ ...‬لمساعَدتك»‪ .‬ال تتص َّور بِريان أن دونتوس‬ ‫‪« -‬يُمكنك َّ‬
‫هوالرد يُ َش ِّكل تهديدًا‪« .‬هذا إذا كان هنا من األصل»‪.‬‬
‫داروا حول األسوار‪ .‬كانت القلعة مثلَّثةً وفي ك ِّل زاوي ٍة بُرج مربَّع‪ ،‬وقد تعفَّن مصراعا ب َّوابتها تما ًما‪ ،‬فل َّما‬
‫ش َّدت بِريان أحدَهما تشقَّق خشبه وانخل َعت شظاياه الطَّويلة المبتلَّة وانها َر نِصف الب َّوابة عليها‪ .‬رأت مزيدًا‬
‫من العتمة الخضراء في ال َّداخل‪ ،‬إذ اخترقَت الغابة األسوار وابتل َعت الحصن والفِناء‪ ،‬لكن وراء الب َّوابة‬
‫ق في األرض اللَّينة الموحلة‪ .‬صب َغ الصَّدأ الحديد باألحمر‪ ،‬لكنه صم َد‬ ‫ث َّمة شبكة حديديَّة أنيابها غائصة بعُم ٍ‬
‫زمن بعيد»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عندما رجَّته بِريان‪ ،‬فقالت‪« :‬ال أحد استخد َم هذه الب َّوابة منذ‬
‫ط السُّور»‪.‬‬‫قال پودريك مقترحًا‪« :‬أستطي ُع أن أتسلَّق من ناحية الجُرف حيث سق َ‬
‫‪« -‬المخاطرة شديدة‪ .‬األحجار بدَت لي مخلخلةً‪ ،‬واللَّبالب األحمر سام‪ .‬ال بُ َّد من وجود باب جانبي»‪.‬‬
‫ت أسود ضخمة‪ ،‬وقد قُ ِطفَ التُّوت كلُّه وقُ ِط َع‬
‫أجمة تو ٍ‬
‫متوار وراء َ‬‫ٍ‬ ‫وجدوه على جانب القلعة ال َّشمالي‪ِ ،‬شبه‬
‫سبيل إلى الباب‪ .‬أفع َم منظر الغصون المكسورة بِريان بالقلق‪ ،‬وقالت‪« :‬أحدهم‬ ‫ٍ‬ ‫نِصف ال ُّشجيرات إلخالء‬
‫َم َّر من هنا‪ ،‬ومنذ فتر ٍة قريبة»‪.‬‬
‫لك»‪.‬‬ ‫قال كراب‪« :‬المهرِّج وتلكما الفتاتان‪ ،‬كما ُ‬
‫قلت ِ‬
‫سانزا؟ ال تقوى بِريان على التَّصديق‪ .‬حتى س ِّكير منقوع في النَّبيذ كدونتوس هوالرد سيكون أعقل من أن‬
‫ً‬
‫وجال‪ .‬لن تجد ابنة ستارك هنا‪ ...‬لكن عليها‬ ‫يأتي بها إلى هذا المكان القَفر‪ .‬شيء ما في هذه األطالل يمألها‬
‫أن تُلقي نظرةً‪ .‬أحدهم كان هنا‪ ،‬أح ٌد أرا َد أن يختفي عن األعيُن‪ .‬قالت‪« :‬سأدخ ُل‪ .‬كراب‪ ،‬ستأتي معي‪.‬‬
‫پودريك‪ ،‬أريدك أن تَحرُس الخيول»‪.‬‬
‫‪« -‬أري ُد أن آتي أيضًا‪ .‬إنني ُمرافق‪ ،‬أستطي ُع أن أقاتل»‪.‬‬
‫‪« -‬لهذا أريدك أن تبقى هنا‪ .‬قد يكون هناك خارجون عن القانون في هذه الغابة‪ ،‬وينبغي َّأال نَترُك الخيول‬
‫بال حراسة»‪.‬‬
‫ك پودريك صخرةً بحذائه ً‬
‫قائال‪« :‬كما تقولين»‪.‬‬ ‫َح َّ‬
‫انفتح‬
‫َ‬ ‫هكذا دخلَت وسط أ َجمة ال ُّتوت األسود وجذبَت حلقةً حديديَّة صدئةً‪ ،‬فقاو َم الباب الجانبي لحظةً ثم‬
‫بحرك ٍة حا َّدة بينما تَصرُخ ِمفصالته اعتراضًا‪ ،‬وجع َل الصَّوت ال ُّشعيرات على مؤ ِّخرة ُعنقها تنتصب‪.‬‬
‫والجلد المق َّوى أحسَّت كأنها عارية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫استلَّت سيفها‪ ،‬وحتى وهي ترتدي الحلقات المعدنيَّة‬
‫حثَّها ديك الواقف وراءها ً‬
‫قائال‪« :‬هيَّا يا سيِّدتي‪ .‬ماذا تنتظرين؟ كراب العجوز ماتَ منذ ألف عام»‪.‬‬
‫ماذا تنتظر حقًّا؟ قالت بِريان لنفسها إنها تتصرَّف بحُمق‪ .‬الصَّوت ليس َّإال صوت البحر الذي تتر َّدد‬
‫فعال‪،‬‬‫أصداؤه بال نهاي ٍة في الكهوف تحت القلعة‪ ،‬ترتفع وتنخفض مع ك ِّل موجة‪ .‬لكن له وقع الهمس ً‬
‫ي أن‬ ‫وللحظ ٍة كادَت ترى الرُّ ؤوس المستقرِّة على الرُّ فوف يُتَمتِم بعضها لبعض‪ ،‬ويقول أحدها‪ :‬كان عل َّ‬
‫ي أن أستخدم السَّيف المسحور‪.‬‬ ‫أستخدم السَّيف‪ ،‬كان عل َّ‬
‫ي» ‪.‬‬
‫أحضرهما إل َّ‬
‫ِ‬ ‫قالت بِريان‪« :‬پودريك‪ ،‬ث َّمة سيف و ِغمد داخل لفافة نومي‪.‬‬
‫َر َّد الصَّبي‪« :‬حاضر أيتها الفارس‪ ،‬يا سيِّدتي‪ً ،‬‬
‫حاال»‪ ،‬وهر َع يُلَبِّي األمر‪.‬‬
‫يدك‪ ،‬فلِ َم تحتاجين إلى آخَ ر؟»‪.‬‬
‫معك واحدًا في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫متسائال‪« :‬سيف؟ إن‬ ‫ك ديك الرَّشيق وراء أُذنه‬‫َح َّ‬
‫ق َّدمته له بِريان من المقبض مجيبةً‪« :‬هذا لك»‪.‬‬
‫َم َّد كراب يده بتر ُّد ٍد كأن النَّصل سيعضُّ ه‪ ،‬وقال‪« :‬حقًّا؟ الفتاة ال َّش َّكاكة تُعطي ديك العجوز سيفًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬تعرف كيف تستخدمه‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ق‬‫أجاب مختطفًا السَّيف الطَّويل من يدها‪« :‬أنا من آل كراب‪ ،‬في عروقي دماء السير كالرنس»‪ ،‬و َش َّ‬ ‫َ‬
‫منحها ابتسامةً عريضةً‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬السَّيف يصنع اللورد كما يقولون»‪.‬‬ ‫الهواء ثم َ‬
‫ق ديك الرَّشيق صفيرًا لمرأى‬ ‫بحذر بالغ كأنه طفل صغير‪ ،‬وأطل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫حامال (حافِظ العهد)‬ ‫عا َد پودريك پاين‬
‫صفِّ رؤوس األُسود عليه‪ ،‬لكنه ال َذ بالصَّمت حين استلَّت السَّيف وشقَّت به الهواء‪ .‬حتى‬ ‫ال ِغمد المن َّمق و َ‬
‫سيف تقليدي‪ .‬قالت لكراب‪« :‬معي»‪ ،‬ودخلَت بجانبها من الباب وقد حنَت رأسها لتم َّر‬ ‫ٍ‬ ‫صوته أح ُّد من أيِّ‬
‫من تحت القنطرة‪.‬‬
‫ً‬
‫اسطبال‪،‬‬ ‫انفت َح أمامها الفِناء بحشائشه الكثيفة‪ .‬إلى يسارها تقع الب َّوابة الرَّئيسة والهيكل المنهار لما كان‬
‫تَبرُز من نِصف َمرابطه ال ُّشجيرات وتنفذ من القَشِّ البنِّي الجاف الذي يُ َغطِّي سقفه‪ ،‬وإلى يمينها رأت‬
‫ساللم خشبيَّة متعفِّنة تنزل إلى ظُلمة زنزان ٍة أو قب ٍو ما‪ .‬حيث ارتف َع الحصن من قبل كانت اآلن كومة من‬
‫الحجارة المتهدِّمة تنمو عليها الطَّحالب األرجوانيَّة والخضراء‪ ،‬وأرض الفِناء ك ُّلها تفترشها الحشائش‬
‫صفوف مهيبة‪ ،‬ووسطها شجرة‬ ‫ٍ‬ ‫واإلبر التي سقطَت من أشجار الصَّنوبر الجُندي النَّامية في كلِّ مكان في‬ ‫ِ‬
‫غريبة شاحبة‪ ،‬شجرة ويروود رفيعة شابَّة أبيض لونها كثياب فتا ٍة مترهبنة‪ ،‬ومن فروعها المديدة تنبت‬
‫األوراق الحمراء ال َّداكنة‪.‬‬
‫وراء ك ِّل هذا كان فراغ السَّماء والبحر حيث سقطَ السُّور‪...‬‬
‫‪ ...‬وبقايا نار‪.‬‬
‫را َحت الهمسات تقرض أُذنيها بعناد‪ ،‬ورك َعت بِريان إلى جوار بؤرة النَّار والتق َ‬
‫طت عودًا مسو ًّدا وتش َّممته‬
‫ُحاول أن يتدفَّأ ليلة البارحة‪ ،‬أو ربما كان ي ِ‬
‫ُحاول إرسال إشار ٍة إلى سفين ٍة‬ ‫وحرَّكت به الرَّماد‪ .‬أحدهم كان ي ِ‬
‫عابرة‪.‬‬
‫نادى ديك الرَّشيق‪« :‬هالوووووو! هل من أح ٍد هنا؟»‪.‬‬
‫قالت له بِريان‪« :‬صمتًا»‪.‬‬
‫وذهب إلى حيث‬
‫َ‬ ‫َر َّد‪« :‬ربما يكون أحدهم مختبئًا‪ ،‬يُريد أن يُلقي علينا نظرةً قبل أن يكشف عن نفسه»‪،‬‬
‫تنزل السَّاللم تحت األرض وح َّدق إلى الظَّالم مناديًا من جديد‪« :‬هالووووو! هل من أح ٍد باألسفل؟»‪.‬‬
‫رأت بِريان ُشجيرةً تميل‪ ،‬ومن ال َّدغل خر َج رجل تكتَّل عليه الطِّين لدرجة أنه بدا كأن األرض انشقَّت‬
‫عنه‪ .‬كان يحمل سيفًا مكسورًا في يده‪ ،‬لكن وجهه هو ما جعلَها تتر َّدد‪ ،‬العينان الصَّغيرتان والمنخران‬
‫العريضان المسطَّحان‪.‬‬
‫تعرف بِريان هذا األنف‪ ،‬تعرف هاتين العينين‪ .‬كان أصدقاؤه يدعونه بپيج‪.‬‬
‫ثان من فوق حافة البئر دون أن يُص ِدر صوتًا أكثر مما‬ ‫حدث في غمضة عين‪ .‬خر َج رجل ٍ‬ ‫َ‬ ‫كأن ك َّل شي ٍء‬
‫يُص ِدره ثُعبان يزحف على كوم ٍة من أوراق ال َّشجر المبتلَّة‪ ،‬يعتمر خوذةً حديديَّةً قصيرةً ملفوفةً بالحرير‬
‫األحمر المتَّسخ‪ ،‬ويحمل حربةً قصيرةً غليظةً في يده‪ .‬تعرف بِريان هذا الرَّجل أيضًا‪ .‬سم َعت من ورائها‬
‫ط َّل وجه من بين األوراق الحمراء‪ ،‬وكان كراب واقفًا تحت شجرة الويروود‪ ،‬فرف َع رأسه ورأى‬ ‫حفيفًا و َ‬
‫ِّجك»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ها هو ذا مهر ِ‬‫الوجه‪ ،‬ليُنادي بِريان ً‬
‫ت كنهيق الحمير‪ .‬كان يرتدي ثياب المهرِّجين‪ ،‬لكنها‬ ‫ووثب شاجويل من شجرة الويروود مطلقًا ضحكا ٍ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫وبدال من ِمدرس المهرِّ جين‬ ‫باهتة ومتَّسخة تما ًما لدرجة أن لونها اآلن بن ٌّي أكثر من رماديٍّ أو وردي‪،‬‬
‫ُنف‬ ‫يحمل هراوةً ثُالثيَّة الرُّ ؤوس‪ ،‬ثالث ُكرات شائكة مثبَّتة إلى قنا ٍة خشبيَّة بالسَّالسل‪ ،‬وقد هوى بها بع ٍ‬
‫طار‬‫قائال‪« :‬هذا طريف!»‪َ .‬‬ ‫ق شاجويل ً‬ ‫مف ِّجرًا إحدى رُكبتَي كراب في دفق ٍة من ال َّدم والعظم‪ ،‬وإذ سق َ‬
‫ط نع َ‬
‫ك هو يتل َّوى على األرض صار ًخا‬ ‫السَّيف الذي أعطَت ديك إياه من يده واختفى وسط الحشائش‪ ،‬وما انف َّ‬
‫ومتم ِّس ًكا ببقايا رُكبته‪ .‬قال شاجويل‪« :‬أوه‪ ،‬انظُرا‪ ،‬إنه ديك المه ِّرب الذي رس َم لنا الخارطة‪ .‬هل قطعت ك َّل‬
‫هذه المسافة لتر َّد لنا ذهبنا؟»‪.‬‬
‫قال ديك منتحبًا‪« :‬أرجوك‪ ،‬أرجوك ال‪ ،‬ساقي‪.»...‬‬
‫‪« -‬هل تُؤلِمك؟ يُمكنني أن أجعل األلم يتوقَّف»‪.‬‬
‫قالت بِريان‪« :‬دَعه وشأنه»‪.‬‬
‫وصر َخ ديك رافعًا يدين داميتين يقي رأسه‪ ،‬وم َّرةً أخرى د َّور شاجويل ُكرات الهراوة حول رأسه وهوى‬
‫ث‪ ،‬وفي الصَّمت الذي تاله سم َعت‬ ‫صف تما ًما‪ ،‬ليتعالى صوت ته ُّش ٍم مغ ٍ‬ ‫بها على وجه كراب في المنت َ‬
‫بِريان خفقات قلبها المتسارعة‪.‬‬
‫ت ثانيةً يا‬
‫ك وقال‪« :‬أن ِ‬ ‫قال الذي خر َج متسلِّ ًال من البئر‪« :‬شاجز السيِّئ»‪ ،‬ول َّما رأى وجه بِريان ضح َ‬
‫تك؟»‪.‬‬ ‫ت تُ ِ‬
‫طارديننا أم أن وجوهنا الودود أوح َش ِ‬ ‫امرأة؟ هل جئ ِ‬
‫قدم مل ِّوحًا ب ِمدرسه القاتل‪ ،‬وقال‪« :‬أتَت من أجلي‪ .‬إنها تَحلُم بي ك َّل ليل ٍة عندما‬
‫قدم إلى ٍ‬
‫تراقص شاجويل من ٍ‬
‫َ‬
‫المرح!‬
‫ِ‬ ‫تضع أصابعها في فتحتها‪ .‬إنها تُريدني‪ .‬الحصان الكبير افتقدَت حبيبها شاجز‬
‫وأضخ فيها نُطفة المهرِّجين حتى تلد نسخةً صغيرةً مني»‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫سأنكحها من ُدبرها‬
‫قال تيميون بلكنته الدورنيَّة المتشدِّقة‪« :‬عليك أن تستخدم فتحةً مختلفةً ألجل هذا يا شاجز»‪.‬‬
‫َر َّد المهرِّج‪« :‬األفضل أن أستخدم فتحاتها كلَّها إذن على سبيل االحتياط»‪ ،‬وتحرَّك إلى يمينها بينما دا َر‬
‫پيج إلى يسارها مجبرًا إياها على أن تُ َولِّي حافة الجُرف َ‬
‫ظهرها‪.‬‬
‫ف َّكرت بِريان‪ :‬رحلة لثالثة‪ ،‬وقالت لهم‪« :‬أنتم ثالثة فقط»‪.‬‬
‫ذهب إلى حال سبيله بَعد خروجنا من (هارنهال)‪ .‬أورزويك وشرذمته‬ ‫َ‬ ‫هَ َّز تيميون كتفيه مجيبًا‪« :‬ك ُّلنا‬
‫حسب أنه يستطيع الخروج متسلِّ ًال من ( َّ‬
‫المالحات)‪ ،‬أ َّما أنا‬ ‫َ‬ ‫ركبوا جنوبًا إلى (البلدة القديمة)‪ ،‬ورورچ‬
‫نستطع االقتراب من سفينة»‪ ،‬ووازنَ الدورني حربته‬ ‫ِ‬ ‫ورفيقاي فذهبنا إلى (بِركة العذارى)‪ ،‬لكننا لم‬
‫تنز صديدًا‪ .‬أرا َد رورچ‬‫َّتك إياها؟ أُذنه اسو َّدت وبدأت ُّ‬
‫ت بڤارجو بعض ِ‬ ‫أنك فتك ِ‬
‫مواصال‪« :‬هل تعلمين ِ‬‫ً‬
‫وأورزويك الرَّحيل‪ ،‬لكن الكبش قال إن علينا الدِّفاع عن قلعته‪ ،‬إنه سيِّد (هارنهال) وال أحد سيأخذها منه‪.‬‬
‫قالها ولُعابه يسيل بالطَّبع كما كان يَح ُدث دو ًما عندما يتكلَّم‪ .‬سمعنا أن الجبل قتلَه قطعةً قطعةً‪ ،‬يدًا اليوم‬
‫ض ِّمدون ال َجدعات كي ال يموت هوت‪ .‬ا َّدخر كليجاين قضيبه‬ ‫وقد ًما غدًا‪ ،‬بمنتهى البراعة والنَّظافة‪ .‬كانوا يُ َ‬
‫للنِّهاية‪ ،‬لكن طائرًا من (كينجز الندنج) استدعاه فأجهزَ على الكبش ورح َل»‪.‬‬
‫أبحث عن‪ .»...‬كادَت تقول أختي‪ ...« .‬عن مهرِّج»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست هنا من أجلكم‪ .‬إنني‬
‫أعلنَ شاجويل بسعادة‪« :‬أنا مهرِّج»‪.‬‬
‫اندف َعت بِريان تقول‪« :‬المهرِّج الخطأ‪َ .‬من أريده موجود مع فتا ٍة رفيعة النَّسب‪ ،‬ابنة اللورد ستارك سيِّد‬
‫(وينترفل)»‪.‬‬
‫قال تيميون‪« :‬إذن فكلب الصَّيد َمن تُريدين‪ .‬لكنه ليس هنا كذلك‪ ،‬نحن فقط»‪.‬‬
‫‪« -‬ساندور كليجاين؟ ماذا تعني؟»‪.‬‬
‫سمعت فقد كانت في الطَّريق إلى (ريڤر َرن) حين اختطفَها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬هو من عث َر على ابنة ستارك‪ .‬حسب ما‬
‫الكلب الملعون»‪.‬‬
‫(ريڤر َرن)‪ ،‬كانت متَّجهةً إلى (ريڤر َرن)‪ ،‬إلى خالها وع ِّمه‪« .‬وما أدراك؟»‪.‬‬
‫وأرسل رجاله بطول (الثَّالوث)‬
‫َ‬ ‫‪« -‬أخب َرني واحد من جماعة بريك‪ .‬سيِّد البرق يبحث عنها أيضًا‪،‬‬
‫وعرضه يقتفون أثرها‪ .‬صادَفنا ثالثةً منهم بَعد (هارنهال) وانتزعنا الحكاية من أحدهم قبل أن يموت»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما كان يكذب»‪.‬‬
‫مفترق‬
‫َ‬ ‫خان على‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬ربما‪ ،‬لكنه لم يكذب‪ .‬الحقًا سمعنا أن كلب الصَّيد قت َل ثالثةً من رجال أخيه في‬
‫صاحب الخان أقس َم على هذا قبل أن يَقتُله رورچ‪ ،‬والعاهرات كرَّرن‬ ‫ِ‬ ‫الطرق‪ .‬الفتاة كانت معه هناك‪.‬‬‫ُّ‬
‫بحك بالطَّبع‪ ،‬ومع ذلك‪.»...‬‬
‫الكالم نفسه‪ .‬كم كن قبيحات! لسن بقُ ِ‬
‫ُحاول إلهائي‪ ،‬يستغلُّ صوته ألر ِّكز عليه وحده‪ .‬كان پيج يدنو‬ ‫أدر َكت بِريان ما يَح ُدث‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫سمحت لهم‪.‬‬ ‫ووثب شاجويل ُخطوةً صوبها‪ ،‬فتراج َعت مف ِّكرةً‪ :‬سيدفعونني إلى السُّقوط في اله َّوة إذا‬
‫َ‬ ‫بتؤدة‪،‬‬
‫قالت لهم منذرةً‪« :‬ال تقتربوا»‪.‬‬
‫أنفك يا هذه‪ .‬ألن يكون هذا طريفًا؟»‪.‬‬ ‫سأنكحك في ِ‬
‫ِ‬ ‫أعلنَ شاجويل‪ُّ « :‬‬
‫أظن أنني‬
‫وأضافَ تيميون‪« :‬قضيبه صغير للغاية‪ .‬أفلِتي هذا السَّيف األنيق ولربما نترفَّق ِ‬
‫بك يا امرأة‪ .‬نُريد ذهبًا‬
‫ندفع به أجر المهرِّبين‪ ،‬هذا كلُّ شيء»‪.‬‬
‫الذهب ستَترُكوننا نرحل؟»‪.‬‬‫‪« -‬وإذا أعطيتكم َّ‬
‫ضيَّة‬
‫ي عاهر ٍة محترفة‪ ،‬قطعة ف ِّ‬
‫أجرك كأ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ينكحك ثالثتنا‪ .‬سنَنقُ ِ‬
‫دك‬ ‫ِ‬ ‫ابتس َم تيميون مجيبًا‪« :‬نعم‪ ،‬بمجرَّد أن‬
‫بك ما فعلَه الجبل باللورد ڤارجو‪.‬‬‫ونغتصبك على ك ِّل حال ونفعل ِ‬
‫ِ‬ ‫لك ِّل نكحة‪ .‬إ َّما هذا وإ َّما أن نأخذ َّ‬
‫الذهب‬
‫ماذا تختارين؟»‪.‬‬
‫ر َّدت بِريان‪« :‬هذا»‪ ،‬وألقَت نفسها على پيج‪.‬‬
‫أسر َع يرفع سيفه المكسور ليحمي وجهه‪ ،‬ولكن لئن س َّدد النَّصل إلى أعلى س َّددت هي نصلها إلى أسفل‪،‬‬
‫المرتزق‪ .‬ل َّوح پيج بسيفه بشراس ٍة وساقه‬
‫ِ‬ ‫الجلد والصُّ وف والعضالت ليغوص في فخذ‬ ‫و َش َّ‬
‫ق (حافِظ العهد) ِ‬
‫ك بقميصها المعدني قبل أن يحطَّ على ظَهره‪ ،‬وطعنَته ِبريان في َحلقه ود َّورت‬
‫تتداعى من تحته‪ ،‬فاحت َّ‬
‫ضت فيها حربة تيميون خادشةً وجهها‪ ،‬وإذ َ‬
‫سال‬ ‫ودارت في اللَّحظة نفسها التي وم َ‬
‫َ‬ ‫النَّصل بق َّوة‪ ،‬ثم سحبَته‬
‫أخرج‬
‫َ‬ ‫ال َّدم على وجنتها ف َّكرت‪ :‬لم أجفل‪ .‬هل رأيت يا سير جودوين؟ شع َرت بالجرح بالكاد‪ ،‬وبينما‬
‫الدورني حربةً ثانيةً أقصر وأغلظ من األولى قالت له‪« :‬دورك‪ ،‬ألقِها»‪.‬‬
‫ي؟ في هذا موتي كپيج‪ .‬ال‪ .‬نَل منها يا شاجز»‪.‬‬ ‫‪« -‬كي تتفاديها وتنقضِّ ي عل َّ‬
‫أجن النَّزيف القمري جنونها»‪.‬‬
‫قال شاجويل‪« :‬نَل منها أنت‪ .‬هل رأيت ما فعلَته بپيج؟ لقد َّ‬
‫المهرِّج وراءها وتيميون أمامها‪ ،‬ومهما دا َرت سيكون ظَهرها إلى أحدهما‪.‬‬
‫قال تيميون مستحثًّا شاجويل‪« :‬نَل منها ويُمكنك أن تنكح جثَّتها»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬إنك تحبُّني حقًّا»‪ .‬كانت الهراوة ال َّشائكة تدور‪ ،‬وقالت بِريان لنفسها‪ :‬اختاري أحدهما‪ ،‬اختاريه‬
‫واقتُليه بسُرعة‪.‬‬
‫وأصاب شاجويل في رأسه‪ ...‬ولم تتر َّدد بِريان وانقضَّت على تيميون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ثم أتى حجر محلِّقًا من الال مكان‬
‫الدورني أبرع من پيج‪ ،‬لكنه يحمل مجرَّد حرب ٍة قصيرة‪ ،‬أ َّما هي فتحمل سيفًا من الفوالذ الڤاليري‪ .‬دبَّت‬
‫واستحال النَّصل إلى‬
‫َ‬ ‫الحياة في (حافِظ العهد) في يدها‪ ،‬ولم تحسَّ بِريان بحركتها سريعةً هكذا من قبل قَ ُّ‬
‫ط‪،‬‬
‫بترت أُذنه ونِصف وجنته‬ ‫غشاو ٍة رماديَّة في الهواء‪ .‬جر َحها تيميون في كتفها إذ كرَّت عليه‪ ،‬لكنها َ‬
‫وطيَّرت رأس حربته وأغمدَت قد ًما من الفوالذ المتم ِّوج في بطنه عبر حلقات السُّترة المعدنيَّة التي‬
‫يرتديها‪.‬‬
‫ُحاول القتال عندما انتزعَت من بطنه سيفها الذي تخضَّب واقيه العرضي بحُمرة‬ ‫كان تيميون ال يزال ي ِ‬
‫الدِّماء‪ .‬فتَّش مسعورًا في حزامه ورف َع خنجرًا‪ ،‬فقط َعت بِريان يده‪ .‬من أجل چايمي‪ .‬شه َ‬
‫ق الدورني وال َّدم‬
‫يجيش من فمه وينبجس من معصمه‪ ،‬وقال الهثًا‪« :‬ر‬
‫ُحماك يا أ َّمنا‪ .‬أج ِهزي عل َّي‪ ،‬أعيديني إلى (دورن)‬
‫ِ‬
‫أيتها الحقيرة الملعونة»‪.‬‬
‫ونفَّذت بِريان طلبه‪.‬‬
‫وجدَت شاجويل على رُكبتيه ل َّما التفتَت وقد بدا دائ ًخا وهو يتحسَّس األرض بحثًا عن هراوته ال ُّثالثية‬
‫نهض مترنِّ ًحا ارتط َم حجر آ َخر بأُذنه‪ .‬كان پودريك قد تسلَّق السُّور المنهار ويقف محملقًا‬
‫َ‬ ‫ال َّشائكة‪ ،‬وإذ‬
‫لك إنني أستطي ُع‬ ‫وصاح فيها من أعلى‪ُ « :‬‬
‫قلت ِ‬ ‫َ‬ ‫بتجه ٍُّم وسط فروع اللَّبالب وفي يده صخرة جديدة‪،‬‬
‫القتال!»‪.‬‬
‫حاو َل شاجويل أن يزحف مبتع ًدا‪ ،‬وصا َح‪« :‬أستسل ُم‪ ،‬أستسل ُم! يجب َّأال تُؤذي شاجويل العزيز‪ .‬إنني أطرف‬
‫من أن أموت»‪.‬‬
‫‪« -‬لست أفضل من بقيَّتهم‪ .‬لقد سرقت واغتصبت وقتلت»‪.‬‬
‫فعلت هذا‪ ،‬لن أنكر‪ ...‬لكنني أسلِّي الرِّجال ب ُدعاباتي وتوثُّبي‪ ،‬أجعلهم يضحكون»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فعلت هذا‪،‬‬ ‫‪« -‬أوه‪،‬‬
‫‪« -‬وتُبكي النِّساء»‪.‬‬
‫‪« -‬أهذه غلطتي؟ النِّساء ال يملكن ِحسَّ ُدعابة»‪.‬‬
‫خفضت بِريان (حافِظ العهد) قائلةً‪« :‬احفُر قبرًا‪ .‬هناك‪ ،‬تحت الويروود»‪ ،‬وأشا َرت بالسَّيف‪.‬‬
‫َ‬
‫‪« -‬ليس معي جاروف»‪.‬‬
‫‪« -‬لديك يدان»‪ .‬أكثر مما ت َركتُم لچايمي‪.‬‬
‫للغربان»‪.‬‬
‫‪« -‬وما الفائدة؟ اترُكيهما ِ‬
‫الغربان تيميون وپيج‪ .‬القبر لديك الرَّشيق‪ .‬لقد كان من آل كراب‪ ،‬وهذا مكانه»‪.‬‬ ‫‪« -‬فلتأكل ِ‬
‫كانت األرض مبتلَّةً من جرَّاء األمطار‪ ،‬وعلى الرغم من هذا استغر َ‬
‫ق المه ِّرج بقيَّة النَّهار حتى َ‬
‫حفر قب ًرا‬
‫عميقًا كفايةً‪ ،‬ولدى انتهائه واللَّيل يبدأ يتسيَّد السَّماء كانت يداه قد تقرَّحتا وأخ َذتا تنزفان‪ .‬دسَّت بِريان سيفها‬
‫في ِغمده ورف َعت ديك كراب بين ذراعيها وحملَته إلى الحفرة متجنِّبه النَّظر إلى وجهه الخرب‪ ،‬وقالت له‪:‬‬
‫«آسفةٌ ألني لم أثق بك‪ .‬لم أعد أدري كيف أفعل ذلك»‪.‬‬
‫ظهري له‪.‬‬ ‫وبينما رك َعت تضع الجُثمان في القبر ف َّكرت‪ :‬سيُق ِدم المهرِّج على قتلي اآلن و َ‬
‫سم َعت أنفاسه الخشنة قبل أق ِّل من لحظ ٍة من صياح پودريك مح ِّذرًا‪ .‬في يد شاجويل كانت صخرة مح َّززة‪،‬‬
‫وتحت ُك ِّم بِريان خنجرها‪.‬‬
‫والخنجر يغلب الصَّخرة ك َّل م َّر ٍة تقريبًا‪.‬‬
‫وبدال من هذا َّ‬
‫أن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ضربَت ذراعه مزيحةً إياها وغر َست الفوالذ في أحشائه مزمجرةً‪« :‬اضحك»‪،‬‬
‫«اضحك»‪ ،‬كرَّرت وهي تُطبِق على رقبته بي ٍد وتطعنه في بطنه م َّرةً تلو المرَّة‪« .‬اضحك!»‪ .‬ظلَّت تقولها‬
‫وتقولها وتقولها إلى أن احمرَّت يدها حتى المعصم وكادَت رائحة احتضار المهرِّج النتنة تَخنُقها‪ .‬لكن‬
‫شاجويل لم يضحك‪ ،‬والنَّحيب الذي سم َعته بِريان كان نحيبها‪ ،‬ول َّما أدر َكت هذا أفلتَت الخنجر مرتعدةً‪.‬‬
‫عاونَها پودريك على وضع ديك الرَّشيق في حفرته‪ ،‬ولدى فروغهما كان القمر يرتفع في السَّماء‪ .‬فر َكت‬
‫بِريان التُّراب من يديها وألقَت تنِّينين ذهبيَّين فوق القبر‪ ،‬فسألَها پودريك‪« :‬لماذا فعل ِ‬
‫ت هذا يا سيِّدتي‪ ،‬أيتها‬
‫الفارس؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنها المكافأة التي وعدته بها للعثور على المهرِّ ج»‪.‬‬
‫د َّوى الضَّحك من ورائهما‪ ،‬فانتزعَت ِبريان سيفها من ِغمده ودا َرت على عقبيها متوقِّعةً المزيد من‬
‫الممثِّلين ال َّسفَّاحين‪ ...‬لكنها لم ت َر َّإال السير هايل هَنت جالسًا متقاطع السَّاقين على ق َّمة السُّور المتهدِّم‪.‬‬
‫فإنك‬
‫ِ‬ ‫رك المأفون‪ ،‬وفيما عدا ذلك‬ ‫صاح الفارس من أعلى‪« :‬إذا كانت هناك مواخير في الجحيم فسيَش ُك ِ‬ ‫َ‬
‫تُبَدِّدين ذهبًا قيِّ ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬إنني أوفي بوعودي‪ .‬ماذا تفعل هنا؟»‪.‬‬
‫ت عليها‬
‫أتبعك‪ ،‬قال لي أن أعود بسانزا ستارك إلى (بِركة العذارى) إذا عثر ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬اللورد راندل أم َرني بأن‬
‫أمسسك بسوء»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بمعجز ٍة ما‪ .‬ال تخافي‪ ،‬لقد أم َرني َّ‬
‫بأال‬
‫ر َّدت بِريان ساخرةً‪« :‬كأنك تستطيع»‪.‬‬
‫‪« -‬ماذا ستفعلين اآلن يا سيِّدتي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سأغطِّيه»‪.‬‬
‫ُ‬
‫قصدت إزاء الفتاة‪ ،‬الليدي سانزا»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫مكان ما في الطَّريق‬
‫ٍ‬ ‫ف َّكرت بِريان لحظةً‪ ،‬ثم أجابَت‪« :‬كانت ذاهبةً إلى (ريڤر َرن) إذا صد َ‬
‫ق تيميون‪ ،‬وفي‬
‫أخ َذها كلب الصَّيد‪ .‬إذا وجدته‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬سيَقتُ ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫قالت بعناد‪« :‬أو سأقتله‪َّ .‬‬
‫هال ساعدتني على تغطية كراب المسكين أيها الفارس؟»‪.‬‬
‫أجاب السير هايل‪« :‬ال فارس حقيقيًّا يَرفُض طلبًا لهذا ال َجمال»‪ ،‬ونز َل من على السُّور‪ ،‬ومعًا ك َّوما التُّراب‬
‫َ‬
‫فوق جثَّة ديك الرَّشيق بينما ارتف َع القمر أكثر في السَّماء وما فتأَت رؤوس الملوك المنسيِّين تتها َمس‬
‫األسرار تحت األرض‪.‬‬

‫صانعة الملكات‬
‫ضع اآلبار كلُّها تحت حراس ٍة‬ ‫بالذهب‪ ،‬ولذا تو َ‬‫تحت شمس (دورن) الحارقة تُقاس الثَّروة بالمياه كما تُقاس َّ‬
‫بلال هاجرين‬ ‫مكان أكثر ً‬‫ٍ‬ ‫مش َّددة‪ .‬على أن البئر في (شانديستون) جفَّت قبل مئة عام‪ ،‬ورح َل ُحرَّاسها إلى‬
‫معقلهم المتواضع بأعمدته المح َّززة وقناطره الثُّالثيَّة‪ ،‬وبَعدها عادَت ال ِّرمال تزحف على المكان مستر َّدةً‬
‫ما لها‪.‬‬
‫بالذهبي‬‫وصلَت آريان مارتل مع دراي وسيلڤا بينما تميل ال َّشمس إلى المغيب‪ ،‬والغرب لوحة مزدانة َّ‬
‫بلون‬
‫ٍ‬ ‫واألرجواني والسَّحاب يتوهَّج بالقرمزي‪ .‬بدَت األطالل متوهِّجةً أيضًا‪ ،‬إذ برقَت األعمدة السَّاقطة‬
‫الذهبي‬ ‫ظالل الحمراء على األرضيَّات الحجريَّة المتشقِّقة‪ ،‬واستحالَت الرِّمال نفسها من َّ‬ ‫وردي‪ ،‬وزحفَت ال ِّ‬
‫إلى البُرتقالي إلى األرجواني مع خفوت الضَّوء شيئًا فشيئًا‪ .‬كان جارين قد سبقَهم إلى الوصول بساعة‪،‬‬
‫والفارس المس َّمى النَّجم المظلم بيوم‪.‬‬
‫علَّق دراي بينما يُسا ِعد جارين على سقي الخيول‪« :‬المكان جميل هنا»‪ .‬كانوا قد حملوا ماءهم معهم‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من أن جياد الصَّحراء الدورنيَّة سريعة ال تكلُّ ‪ ،‬وتستطيع االستمرار في الع ْدو فراسخ طويلةً بعد أن‬
‫ت هذا المكان؟»‪.‬‬ ‫يُصيب اإلعياء عداها من الخيول‪ ،‬فإنها ال تقوى على ذلك دون ماء‪« .‬كيف عرف ِ‬
‫أجابَت آريان وال ِّذكرى ترسم ابتسامةً على شفتيها‪« :‬ع ِّمي جا َء بي هنا مع تايين وساريال‪ .‬اصطا َد بعض‬
‫األفاعي وأرى تايين الطَّريقة األسلم الستحالب ُّ‬
‫الزعاف منها‪.‬‬
‫ضت الرَّمل عن الصُّ ور الفُسيفساء وأرادَت أن تعرف ك َّل شي ٍء ع َّمن عاشوا‬ ‫ساريال قلبَت الصُّ خور ونف َ‬
‫هنا»‪.‬‬
‫ت أيتها األميرة؟»‪.‬‬ ‫سألَتها سيلڤا الرَّقطاء‪« :‬وماذا فعل ِ‬
‫ت أن ِ‬
‫ً‬
‫طويال صُلبًا عيناه‬ ‫ً‬
‫رجال‬ ‫صا أتى بي هنا لينال مني مناله‪،‬‬ ‫وتظاهرت بأن فارسًا ل ًّ‬
‫ُ‬ ‫جلست إلى جوار البئر‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫استغرقت في‬ ‫سوداوان وينحسر َشعره عن مقدِّمة رأسه‪ .‬قالت وقد أصابَتها ال ِّذكري باالضطراب‪« :‬‬
‫صةً»‪.‬‬
‫جلست مربِّعةً ساقَي عند قد َمي ع ِّمي وناشدته أن يحكي ق َّ‬
‫ُ‬ ‫األحالم‪ ،‬ول َّما غابَت ال َّشمس‬
‫صا عديدةً»‪ .‬جارين أيضًا كان معهم يومها‪ .‬إنه أخو آريان في‬ ‫‪« -‬األمير أوبرين كان يعرف قص ً‬
‫ال ِّرضاعة‪ ،‬وطيلة حياتهما واالثنان متالزمان حتى من قبل أن يتعلَّما المشي‪« .‬أذك ُر أنه حكى عن األمير‬
‫يت على اسمه»‪.‬‬ ‫جارين الذي ُس ِّم ُ‬
‫أضافَ دراي‪« :‬جارين العظيم‪ ،‬أعجوبة (الروين)»‪.‬‬
‫‪« -‬هو ذا‪ ،‬الذي جع َل (ڤاليريا) ترتجف»‪.‬‬
‫قدت رُبع مليون رجل إلى حتفهم فهل سيُ َس ُّمونني چيرولد‬‫ُ‬ ‫قال السير چيرولد‪« :‬ارتجفوا ثم قتلوه‪ .‬إذا‬
‫ق نخيرًا ساخرًا‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬أظنُّني سأبقي النَّجم المظلم‪ ،‬فهو اسمي على األقل»‪ ،‬واست َّل‬ ‫العظيم؟»‪ ،‬وأطل َ‬
‫بحجر زيتي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وجلس على حافة البئر الجافَّة وبدأ يشحذ النَّصل‬
‫َ‬ ‫سيفه الطَّويل‬
‫بحذر مف ِّكرةً‪ :‬نَسبه رفيع كفايةً ألن يكون ً‬
‫أهال لي كزوج‪ .‬سيُ َش ِّكك أبي في سالمة اختياري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫راقبَته آريان‬
‫لكن أطفالنا سيكونون أبهياء كسادة التَّنانين‪ .‬إذا كان هناك رجل أوسم في (دورن) فإنها ال تعرفه‪ .‬للسير‬
‫ك قوي‪ ،‬ويُحافِظ على وجهه حليقًا لكن َشعره الكثيف‬ ‫چيرولد داين أنف معقوف وعظام وجنتين مرتفعة وفَ ٌّ‬
‫صف َخ ٌّ‬
‫ط أسود كاللَّيل‪ .‬لكن فمه قا ٍ‬
‫س‪ ،‬ولسانه‬ ‫كنهر من الجليد الفضِّي‪ ،‬ويقسمه من المنت َ‬
‫ٍ‬ ‫ينسدل حتى ياقته‬
‫نظرت إليهما‬
‫َ‬ ‫أقسى‪ .‬بدَت عيناه سوداوين وهو جالس مح َّددًا بنور ال َّشمس المحتضرة يشحذ فوالذه‪ ،‬لكنها‬
‫من زاوي ٍة أقرب من قبل وتعلم أنهما أرجوانيَّتان‪ .‬أرجوانيَّتان داكنتان‪ ،‬داكنتان وغاضبتان‪.‬‬
‫ال بُ َّد أنه شع َر بتحديقها إليه‪ ،‬إذ رف َع عينيه عن سيفه والقى نظرتها بنظرته وابتس َم‪ ،‬وأحسَّت آريان‬
‫ي أن أجلبه‪ .‬إذا رمقَني بنظر ٍة كهذه في وجود آريس ستُراق الدِّماء‬ ‫بالحرارة تسري في وجهها‪ .‬لم يكن عل َّ‬
‫على ال ِّرمال‪َّ .‬إال أنها تجهل دماء َمن‪ ،‬فالعادة ج َرت على أن رجال ال َحرس الملكي أفضل فُرسان (الممالك‬
‫السَّبع) على اإلطالق‪ ...‬لكن النَّجم المظلم هو النَّجم المظلم‪.‬‬
‫على الرِّمال يشت ُّد البرد في ليالي (دورن)‪ ،‬ولذا جم َع لهم جارين الحطب من فروع األشجار البيضاء التي‬
‫ذبلَت وماتَت منذ مئة سنة‪ ،‬وتولَّى دراي إشعال النَّار وهو يصفر بينما يقدح ال َّشرر بحجر ص َّوان‪.‬‬
‫ما إن َشبَّ اللَّهب في الحطب حتى جلسوا حوله ممرِّرين قِربةً من النَّبيذ الصَّيفي من ي ٍد إلى يد‪ ...‬باستثناء‬
‫النَّجم المظلم الذي يُفَضِّل ُشرب عصير اللَّيمون غير المحلَّى‪.‬‬
‫وسالهم بأجدد الحكايات من (بلدة األخشاب) عند مصبِّ (ال َّدم األخضر)‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مرح‬
‫مزاج ِ‬
‫ٍ‬ ‫كان جارين في‬
‫حيث يأتي أيتام النَّهر للتِّجارة مع القراقير واألكواج والقوادس اآلتية من وراء (البحر الضيِّق)‪ .‬إذا صد َ‬
‫ق‬
‫البحَّارة فال َّشرق يغلي باألعاجيب واألهوال‪ .‬ثورة عبي ٍد في (أستاپور)‪ ،‬وتنانين في (ڬارث)‪ ،‬وطاعون‬
‫أرمد في (يي تي)‪ ،‬وملك قراصن ٍة جديد ظه َر في (جُزر البازيليسق)‪ 44‬و َش َّن غارةً على (بلدة األشجار‬
‫الطَّويلة)‪ ،‬وفي (ڬوهور) أثا َر أتباع الرُّ هبان ال ُحمر شغبًا وحا َولوا إحراق الكبش األسود‪.‬‬
‫الذهبيَّة فسخَ ت عقدها مع (مير) قُبيل دخول المايريِّين الحرب ضد (لِيس)»‪.‬‬ ‫«والجماعة َّ‬
‫قالت سيلڤا مخ ِّمنةً‪« :‬الاليسينيُّون اشتروهم»‪.‬‬
‫عقَّب دراي‪« :‬الاليسينيُّون األذكياء‪ ،‬الاليسينيُّون األذكياء الجُبناء»‪.‬‬
‫الذهبيَّة وراء كوينتن‪« ...‬تحت َّ‬
‫الذهب الفوالذ األليم»‬ ‫لكن آريان تعرف خيرًا عنهم‪ .‬إذا كانت الجماعة َّ‬
‫هتافهم في المعارك‪ .‬ستحتاج إلى الفوالذ األليم وأكثر يا أخي إذا كنت تُفَ ِّكر في تنحيتي‪ .‬آريان محبوبة في‬
‫المرتزقة يُمكنها أن تُ َغيِّر هذا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫(دورن)‪ ،‬أ َّما كوينتن فال يعرفه َّإال قالئل‪ ،‬وال جماعة من‬
‫قا َم السير چيرولد ً‬
‫قائال‪ُّ « :‬‬
‫أظن أني سأذهبُ ألتب َّول»‪.‬‬
‫استحلب األمير أوبرين األفاعي في‬
‫َ‬ ‫قال دراي مح ِّذرًا‪« :‬انتبه لموطئ قدميك‪ .‬لقد َمرَّت فترة طويلة منذ‬
‫هذه األنحاء»‪.‬‬
‫الزعاف يا دالت‪ .‬األفعى التي تلدغني ستندم»‪ ،‬واختفى تحت قنطر ٍة‬ ‫َر َّد السير چيرولد‪« :‬لقد فُ ِط ُ‬
‫مت على ُّ‬
‫مكسورة‪.‬‬
‫حين رح َل تباد َل اآلخَرون نظرةً‪ ،‬وقال جارين برفق‪« :‬اع ُذريني أيتها األميرة‪ ،‬لكن هذا الرَّجل ال‬
‫يروقني»‪.‬‬
‫قال له دراي‪« :‬مؤسف‪ .‬أعتق ُد أنه ِشبه واقع في غرامك»‪.‬‬
‫ر َّدت آريان مذ ِّكرةً إياهم‪« :‬إننا محتاجون إليه‪ .‬ربما نحتاج إلى سيفه‪ ،‬ومؤ َّكد أننا سنحتاج إلى قلعته»‪.‬‬
‫معك فُرسانًا آخَرين‬
‫ِ‬ ‫عقَّبت سيلڤا الرَّقطاء‪(« :‬الصَّومعة العالية) ليست القلعة الوحيدة في (دورن)‪ ،‬ثم إن‬
‫ُّونك للغاية‪ .‬دراي فارس»‪.‬‬ ‫يحب ِ‬
‫ك حصانًا رائعًا وسيفًا ممتا ًزا‪ ،‬وال يفوقني َشجاعةً‪َّ ...‬إال كثيرون في الحقيقة»‪.‬‬ ‫أيَّدها ً‬
‫قائال‪« :‬نعم‪ ،‬وأمل ُ‬
‫قال جارين‪« :‬ع َّدة مئات على األرجح أيها الفارس»‪.‬‬
‫تر َكتهم آريان لمزاحهم‪ .‬دراي وسيلڤا الرَّقطاء ُّ‬
‫أعز أصدقائها عالوةً على تايين ابنة ع ِّمها‪ ،‬وجارين يُعابِثها‬
‫منذ كان كالهما يرضع من ثديَي أ ِّمه‪ ،‬لكنها في هذه اللَّحظة تحديدًا ليست في مزاج مزاح‪ .‬كانت ال َّشمس قد‬
‫غابَت وامتألَت السَّماء بال ُّنجوم‪ .‬كثيرة ج ًّدا‪ .‬أسندَت ظَهرها إلى عمو ٍد مح َّزز وتساءلَت إن كان أخوها‬
‫يتطلَّع إلى ال ُّنجوم نفسها اللَّيلة أينما كان‪ .‬هل ترى النَّجم األبيض يا كوينتن؟ هذا نجم نايميريا المتَّقد‪،‬‬
‫والكوكبة البيضاء كالحليب وراءه سُفنها العشرة آالف‪ .‬لقد با َرت الرِّجال جميعًا في األلق‪ ،‬وكذا سأكو ُن‬
‫ق ميالدي!‬ ‫أنا‪ .‬لن تسلبني َح َّ‬
‫رس َل إلى (يرونوود)‪ ،‬صغيرًا للغاية حسب تعبير أ ِّمهما‪ .‬ليس من تقاليد‬ ‫كان كوينتن حديث ال ِّسنِّ حين أُ ِ‬
‫ط إبعاده‬ ‫ُرسلوا أطفالهم إلى غيرهم ليُ َربُّوهم‪ ،‬والليدي ميالريو لم تغفر لألمير دوران قَ ُّ‬‫النورڤوشيِّين أن ي ِ‬
‫منك‪ ،‬لكن هناك دين دم‪،‬‬ ‫ابنها عنها‪ .‬في م َّر ٍة سم َعت آريان أباها مصادفةً يقول‪« :‬األمر ال يروقني أكثر ِ‬
‫وكوينتن العُملة الوحيدة التي سيقبلها اللورد أورموند»‪.‬‬
‫صنف من اآلباء يُ َسدِّد ديونه بلحمه ودمه؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫صرخَ ت أ ُّمها‪ُ « :‬عملة؟! إنه ابنك! أيُّ‬
‫أجاب دوران مارتل‪« :‬صنف األمراء»‪.‬‬
‫َ‬
‫ال األمير دوران يتظاهَر بأن أخاها مع اللورد يرونوود‪ ،‬لكن أُم جارين رأته في (بلدة األخشاب)‬ ‫ما ز َ‬
‫متن ِّكرًا في هيئة تاجر‪ .‬ألحد رفاقه عين كسول‪ ،‬تما ًما ِمثل كليتوس يرونوود ابن اللورد آندرز ال َّشهواني‪،‬‬
‫وفي صحبتهما ِمايستر أيضًا‪ِ ،‬مايستر ضليع في اللُّغات‪ .‬أخي ليس بال َّذكاء الذي يخاله‪ .‬كان رجل ذكي‬
‫ليُغا ِدر من (البلدة القديمة)‪ ،‬حتى إذا كان ذلك يعني رحلةً أطول في البحر‪ .‬في (البلدة القديمة) كانت فُرصة‬
‫شعر بعضهم بالفضول إزاء سفر‬ ‫َ‬ ‫أن يتعرَّفه أحد ضعيفةً‪ .‬آلريان أصدقاء وسط أيتام (بلدة األخشاب)‪ ،‬وقد‬
‫أمير وابن لورد تحت اسميْن مستعاريْن وسعيهما إلى عبور (البحر الضيِّق)‪ .‬في ليل ٍة تسلَّل أحدهم من نافذ ٍة‬ ‫ٍ‬
‫وعال َج قفل صندوق كوينتن المتين‪ ،‬ووج َد لفائف الرُّ قوق في ال َّداخل‪.‬‬
‫كانت آريان لتدفع ثَمنًا باهظًا كي تعلم أن هذه الرِّحلة الس ِّريَّة عبر (البحر الضيِّق) من صُنع أخيها كوينتن‬
‫وحده‪ ...‬لكن الوثائق التي يحملها مختومة بشمس (دورن) وحربتها‪ .‬لم يجرؤ ابن ع ِّم جارين على كسر‬
‫األختام ليقرأ محتوياتها‪ ،‬ولكن‪...‬‬
‫‪« -‬سم َّو األميرة»‪ ،‬قال السير چيرولد داين إذ وقفَ وراءها‪ ،‬نِصفه في ضوء ال ُّنجوم ونِصفه في الظِّالل‪.‬‬
‫سألَته آريان ب ُخبث‪« :‬كيف كان ُّ‬
‫تبولك؟»‪.‬‬
‫تمثال ربما كان ل(العذراء) قبل أن‬ ‫ٍ‬ ‫قال داين‪« :‬الرِّمال في غاية االمتنان»‪ ،‬ووض َع قدمه على رأس‬
‫تطمس ال ِّرمال مالمحه‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬خط َر لي وأنا أتب َّو ُل أن خطَّ ِ‬
‫تك هذه قد ال تُث ِمر ما تُريدينه»‪.‬‬
‫‪« -‬وما الذي أريده أيها الفارس؟»‪.‬‬
‫أعرف تلك األغنيَّة‪ .‬تُريدين ُّ‬
‫تذوق دماء األسد»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬إطالق سراح أفاعي ال ِّرمال‪ ،‬االنتقام ألوبرين وإليا‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وحقِّي في الميالد‪ .‬أري ُد (صنسپير) ومقعد أبي‪ ،‬أري ُد (دورن)‪« .‬أري ُد العدل»‪.‬‬
‫‪« -‬أسميه كما تشائين‪ .‬تتويج ابنة النستر لفتة فارغة‪ .‬إنها لن تجلس على العرش الحديدي أبدًا‪ ،‬ولن تنالي‬
‫الحرب التي تُريدينها‪ .‬األسد ال يُستفَ ُّز بسهولة»‪.‬‬
‫ي ال ِّشبلين المتبقِّيَيْن تُفَضِّل اللَّبؤة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬األسد ماتَ ‪َ .‬من يدري أ َّ‬
‫ق سيفه ليَبرُق في ضوء النُّجوم بح َّدة األكاذيب‪،‬‬‫قال السير چيرولد‪« :‬ال ِّشبل الذي في عرينها»‪ ،‬وامتش َ‬
‫بنصل من فوالذ»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بتاج من ذهب وإنما‬
‫ٍ‬ ‫وتاب َع‪« :‬هكذا تبدئين حربًا‪ ،‬ليس‬
‫لست قاتِلة أطفال‪« .‬أغ ِمد هذا ال َّشيء‪ .‬مارسال تحت حمايتي‪ ،‬والسير آريس لن يسمح بأن يمسَّ أميرته‬ ‫ُ‬
‫الغالية أذى‪ ،‬وأنت تعلم هذا»‪.‬‬
‫‪« -‬ال يا سيِّدتي‪ .‬ما أعلمه أن آل داين يُقَتِّلون آل أوكهارت منذ آالف السِّنين»‪.‬‬
‫ر َّدت وقد أذهلَتها غطرسته‪« :‬يبدو لي أن آل أوكهارت كانوا يُقَتِّلون آل داين طيلة الفترة نفسها»‪.‬‬
‫رجلك القُدوة يقترب»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬كلُّنا لنا تقاليدنا العائليَّة‪ .‬القمر يطلع‪ ،‬وأرى‬
‫َدسَّ النَّجم المظلم سيفه في ِغمده ً‬
‫بصره ثاقب حقًّا‪ .‬راكب الجواد الحربي الرَّمادي الطَّويل هو السير آريس بالفعل‪ ،‬يخفق معطفه وراء‬
‫بمعطف مز َّود‬
‫ٍ‬ ‫منظر بهي بينما ينطلق على الرِّمال‪ ،‬وقد ركبَت األميرة مارسال وراءه متدثِّرةً‬ ‫ٍ‬ ‫ظَهره في‬
‫بقلنسو ٍة تُخفي ُخصالتها َّ‬
‫الذهبيَّة‪.‬‬
‫ساعدَها السير آريس على ال ُّنزول‪ ،‬وجثا دراي على رُكب ٍة واحدة أمامها ً‬
‫قائال‪« :‬جاللة الملكة»‪.‬‬
‫وقالت سيلڤا الرَّقطاء إذ جثَت إلى جواره‪« :‬موالتي»‪.‬‬
‫رجلك يا مليكتي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وقال جارين راكعًا على كلتا رُكبتيه‪« :‬أنا‬
‫وجلة‪« :‬لماذا يدعونني بجاللة الملكة؟ سير‬ ‫أمس َكت مارسال ذراع السير آريس حائرةً‪ ،‬وسألَته بنبر ٍة ِ‬
‫آريس‪ ،‬ما هذا المكان و َمن هؤالء؟»‪.‬‬
‫طمئِن ال ِّ‬
‫طفلة قائلةً‪« :‬إنهم أصدقائي‬ ‫ألم يُخبِرها بشيء؟ تق َّدمت آريان في د َّوام ٍة من الحرير‪ ،‬وابتس َمت لتُ َ‬
‫األوفياء المخلصون يا جاللة الملكة‪ ...‬ويرغبون في أن يُصبِحوا أصدقاءك أيضًا»‪.‬‬
‫َ‬
‫حدث شيء لتومن؟»‪.‬‬ ‫قالت مارسال‪« :‬األميرة آريان»‪ ،‬واحتضنَتها متسائلةً‪« :‬لماذا يدعونني بالملكة؟ هل‬
‫عرشك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫س أشرار يا جاللة الملكة‪ ،‬وأخشى أنهم تآمروا معه على سرقة‬
‫أجابَتها آريان‪« :‬لقد تورَّط مع أنا ٍ‬
‫قالت الفتاة وقد تضاعفَت حيرتها‪« :‬عرشي؟ تعنين العرش الحديدي؟ لكنه لم يسرقه‪ .‬تومن‪.»...‬‬
‫منك قطعًا‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫‪ ...« -‬أصغر ِ‬
‫‪« -‬أنا أكبره بعام»‪.‬‬
‫صبي صغير ويجب َّأال تلوميه‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫أخوك مجرَّد‬
‫ِ‬ ‫قالت آريان‪« :‬ومعنى هذا أن العرش الحديدي حقُّ ِك‪.‬‬
‫هال منحتِني َشرف تقديمهم؟»‪ ،‬وأمس َكت يد الطِّفلة قائلةً‪:‬‬ ‫فلك أصدقاء‪َّ .‬‬
‫ت ِ‬ ‫مستشاروه هُم السيِّئون‪ ...‬أ َّما أن ِ‬
‫«جاللة الملكة‪ ،‬أق ِّد ُم لك السير آندراي دالت وريث (غابة اللَّيمون)»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة باالسم نفسه»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أصدقائي يُ َس ُّمونني دراي‪ ،‬وسيكون َشرفًا عظي ًما لي أن تدعوني‬
‫بحذر قائلةً‪« :‬حتى أعرفك عل َّ‬
‫ي أن‬ ‫ٍ‬ ‫على الرغم من وجه دراي الصَّريح وابتسامته العفويَّة رمقَته مارسال‬
‫أدعوك بالفارس»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة أيًّا كان االسم الذي تُفَضِّ له»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أنا رجل‬
‫تنحنحت سيلڤا إلى أن قالت آريان‪« :‬اسمحي لي بأن أقدِّم الليدي سيلڤا سانتاجار يا موالتي‪ ،‬سيلڤا الرَّقطاء‬ ‫َ‬
‫صديقتي األعز»‪.‬‬
‫عليك هذا اللَّقب؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سألَت مارسال‪« :‬لماذا يُطلِقون‬
‫أجابَتها سيلڤا‪« :‬بسبب ن َمشي يا جاللة الملكة‪ ،‬مع أنهم يتظاهرون جميعًا بأن السَّبب أني وريثة (الغابة‬
‫الرَّقطاء)»‪.‬‬
‫وحلي ٍة من اليَشب في إحدى أُذنيه‪ ،‬وقالت‬
‫حانَ دور جارين ببنيته الرَّشيقة وبشرته السَّمراء وأنفه الطَّويل ِ‬
‫المرح‪ .‬أ ُّمه كانت ُمرضعتي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫آريان‪« :‬هذا جارين اليتيم‬
‫قالت مارسال‪« :‬آسفةٌ ألنها ماتَت»‪.‬‬
‫َر َّد جارين‪« :‬لم تَ ُمت يا ملكتنا الجميلة»‪ ،‬وابتس َم كاشفًا عن ال ِّسنِّ َّ‬
‫الذهبيَّة التي ابتاعَتها له آريان ً‬
‫بدال من‬
‫التي كس َرتها‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬سيِّدتي تعني أني من أيتام (ال َّدم األخضر)»‪.‬‬
‫ستجد مارسال وقتًا يكفي ألن تتعلَّم تاريخ األيتام في أثناء رحلتها في النَّهر‪ ،‬وهكذا قادَت آريان ملكتها‬
‫أوال في ال َّشجاعة‪ -‬أق ِّد ُم ِ‬
‫لك‬ ‫المقبلة إلى العضو األخير في مجموعتها الصَّغيرة‪ ،‬وقالت‪« :‬أخيرًا ‪-‬ولكن ً‬
‫السير چيرولد داين فارس (ستارفول)»‪.‬‬
‫ق الفتاة ببرود‪ ،‬وقالت‬ ‫جثا السير چيرولد على رُكبته‪ ،‬ولم َع ضوء ال ُّنجوم في عينيه ال َّداكنتين إذ رم َ‬
‫مارسال‪« :‬كان هناك آرثر داين‪ ،‬كان فارسًا في ال َحرس الملكي في عهد الملك المجنون إيرس»‪.‬‬
‫‪« -‬كان سيف الصَّباح‪ .‬لقد ماتَ »‪.‬‬
‫‪« -‬وأنت سيف الصَّباح اآلن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬يدعونني بالنَّجم المظلم‪ .‬إنني ابن اللَّيل»‪.‬‬
‫أنك جائعة‪ .‬معنا تمر وجُبنة وزيتون وعصير ليمون محلَّى‪ ،‬لكن ال‬ ‫سحبَت آريان ال ِّ‬
‫طفلة قائلةً‪« :‬ال بُ َّد ِ‬
‫بك أن تأكلي أو تشربي كثيرًا‪ .‬بَعد راح ٍة قصيرة علينا أن نتحرَّك‪ .‬هنا على الرِّمال األفضل دائ ًما أن‬ ‫يَج ُدر ِ‬
‫ليال قبل أن تطلع ال َّشمس في السَّماء‪ ،‬رفقًا بالخيول»‪.‬‬ ‫نتحرَّك ً‬
‫نفسك‪ .‬من دواعي َشرفي أن تسمحي‬ ‫ِ‬ ‫صاحبة الجاللة‪ ،‬دفِّئي‬
‫ِ‬ ‫أضافَت سيلڤا الرَّقطاء‪« :‬وبالرَّاكبين‪ .‬هل ِّمي يا‬
‫لي بتقديم الطَّعام ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫وبينما قادَت سيلڤا األميرة إلى النَّار وجدَت آريان السير چيرولد وراءها يقول متذ ِّمرًا‪« :‬تاريخ عائلتي‬
‫يعود عشرة آالف عام إلى فَجر ال َّزمان‪ ،‬فلِ َم ال يَذ ُكر النَّاس ِمن آل داين كلِّهم َّإال ابن عمومتي؟»‪.‬‬
‫علَّق السير آريس أوكهارت‪« :‬كان فارسًا عظي ًما»‪.‬‬
‫َر َّد النَّجم المظلم‪« :‬كان سيفه عظي ًما»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬سم َّو األميرة‪ ،‬اسمحي لي بلحظ ٍة على‬ ‫قال السير آريس‪« :‬وقلبه أيضًا»‪ ،‬وأخ َذ آريان من ذراعها ً‬
‫انفراد»‪.‬‬
‫‪« -‬تعا َل»‪ .‬قادَت السير آريس وتو َّغلت به أكثر بين األطالل‪ .‬تحت معطفه يرتدي الفارس سُترةً من قُماش‬
‫الذهب مطرَّزةً بورقات السَّنديان الثَّالث رمز عائلته‪ ،‬وعلى رأسه خوذة فوالذيَّة خفيفة تعلوها ريشة‬ ‫َّ‬
‫مح َّززة ومربوط عليها وشاح أصفر على الطَّريقة الدورنيَّة‪ .‬كان يُمكن أن يحسبه النَّاس فارسًا تقليديًّا لوال‬
‫س في‬ ‫معطفه المفصَّل من الحرير األبيض النَّاصع‪ ،‬شاحب كنور القمر وخفيف كالنَّسيم‪ .‬معطف فار ٍ‬
‫ال َحرس الملكي دون أدنى َشك‪ .‬األحمق النَّبيل‪ .‬سألَته‪« :‬ما الذي تعرفه الطِّفلة؟»‪.‬‬
‫ي أوامر أمليها عليها‬ ‫‪« -‬القليل‪ .‬قبل أن نُغا ِدر (كينجز الندنج) ذ َّكرها خالها بأني حاميها وقال لها إن أ َّ‬
‫الغرض منها الحفاظ على سالمتها‪ .‬هي أيضًا سم َعتهم في ال َّشوارع يهتفون مطالبين بالثَّأر‪ ،‬وتعرف أن‬
‫سؤاال واحدًا»‪،‬‬‫ً‬ ‫هذه ليست لُعبةً‪ .‬الفتاة ُشجاعة وحكمتها تفوق ِسنَّها‪ .‬لقد فعلَت ك َّل ما طلبته منها ولم تُ ِ‬
‫لق‬
‫خفض صوته ً‬
‫قائال‪« :‬هناك أخبار أخرى يجب أن تعرفيها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ك الفارس ذراعها وتلفَّت حوله‪ ،‬ثم‬ ‫وأمس َ‬
‫تايوين النستر ماتَ »‪.‬‬
‫ر َّددت مصدومةً‪« :‬ماتَ ؟»‪.‬‬
‫‪« -‬قتلَه ال ِعفريت‪ .‬الملكة تولَّت الوصاية على العرش»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟»‪ .‬امرأة على العرش الحديدي؟ تف َّكرت آريان في األمر لحظةً ثم قرَّرت أنه في صالحها‪ .‬إذا ألفَ‬
‫لوردات (الممالك السَّبع) حُكم الملكة سرسي فسيكون ركوعهم للملكة مارسال أسهل كثيرًا‪ .‬ثم إن اللورد‬
‫تايوين كان خص ًما خطرًا‪ ،‬وفي غيابه أعداء (دورن) أضعف كثيرًا‪ .‬أوالد النستر يَقتُلون أوالد النستر‪،‬‬
‫رائع‪« .‬وماذا جرى للقزم؟»‪.‬‬
‫عرضت اللورديَّة على من يأتيها برأسه أيًّا كان»‪.‬‬
‫َ‬ ‫هرب‪ .‬سرسي‬
‫َ‬ ‫قال السير آريس‪« :‬‬
‫في ساح ٍة داخليَّة مفروشة بالبالط وتكاد الرِّمال المنجرفة تدفنها دف َع الفارس َ‬
‫ظهر األميرة إلى عمو ٍد‬
‫طال‪ ،‬وكان ليرفع تنُّورتها لوال أن آريان تملَّصت منه ضاحكةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫ليُقَبِّلها ووض َع يده على ثديها‪ .‬قبَّلها بشب ٍ‬
‫ق‬
‫وقالت‪« :‬أرى أن صناعة الملكات تُثيرك أيها الفارس‪ ،‬لكن ال وقت لهذا اآلن‪ .‬الحقًا‪ ،‬أعدك»‪ ،‬ومسَّت‬
‫وجنته متسائلةً‪« :‬هل قابلَتكم مشكلة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬تريستان فقط‪ .‬أرا َد أن يجلس إلى جوار فِراش مارسال ويلعب معها السايڤاس»‪.‬‬
‫أصيب بداء البُقع الحمراء وهو في الرَّابعة‪ .‬المرء يُصاب به م َّرةً فقط في العُمر‪ .‬كان عليك‬
‫َ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫قلت لك إنه‬
‫أن تُذيع أن مارسال مصابة بال َّداء األرمد ليبتعد عنها تما ًما»‪.‬‬
‫أبيك»‪.‬‬
‫‪« -‬الصَّبي ربما‪ ،‬ولكن ليس ِمايستر ِ‬
‫‪« -‬كاليوت‪ .‬هل حاو َل أن يراها؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫وصفت له البُقع الحمراء على وجهها‪ .‬قال إن ال شيء في اإلمكان حتى يجري المرض‬ ‫‪« -‬ليس بَعد أن‬
‫مجراه‪ ،‬وأعطاني ج َّرةً من المرهم لتهدئة الح َّكة»‪.‬‬
‫ال أحد دون العاشرة يموت من البُقع الحمراء أبدًا‪ ،‬لكن من شأن ال َّداء أن يكون مميتًا للكبار‪ ،‬وال ِمايستر‬
‫صغره كما عل َمت آريان حين أصابَها ال َّداء نفسه في الثَّامنة‪« .‬عظيم‪ .‬وماذا عن‬ ‫صب به في ِ‬ ‫كاليوت لم يُ َ‬
‫الوصيفة؟ أهي مقنِعة؟»‪.‬‬
‫ت كثيرات كريمات المحتد‪ .‬مارسال ساعدَتها على‬ ‫‪« -‬من بعيد‪ .‬ال ِعفريت انتقاها لهذا السَّبب من بين فتيا ٍ‬
‫تجعيد َشعرها ورس َمت البُقع على وجهها بنفسها‪ .‬إنهما قريبتان من بعيد‪( .‬النسپورت) تعجُّ بآل الني وآل‬
‫النيت وآل النتل والفروع األدنى من عائلة النستر‪ ،‬و ِنصفهم له ال َّشعر األصفر نفسه‪ .‬الفتاة ترتدي معطف‬
‫نوم مارسال ووجهها ملطَّخ بمرهم ال ِمايستر‪ ...‬كانت لتخدعني أنا نفسي في إضاء ٍة خافتة‪ .‬األصعب كان‬
‫ُ‬
‫فألبست رولدر ِدرعي‬ ‫رجل يأخذ مكاني‪ .‬دايك األقرب إلى طولي لكنه أسمن من َّ‬
‫الالزم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عثوري على‬
‫وقلت له أن يخفض مقدِّمة خوذته‪ .‬إنه أقصر مني بثالث بوصات‪ ،‬لكن ربما ال يلحظ أحد الفرق إذا لم أكن‬ ‫ُ‬
‫هناك ألقف إلى جواره‪.‬‬
‫سيلزم مسكن مارسال على ك ِّل حال»‪.‬‬
‫أيام قليلة فقط‪ ،‬وعندئ ٍذ ستكون األميرة قد ابتعدَت عن متناول أبي»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال نحتاج َّإال إلى ٍ‬
‫متسائال‪« :‬أين؟ حانَ الوقت ألن تُخ ِبريني ببقيَّة خطَّ ِ‬
‫تك‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سحبَها إليه ومرَّغ أنفه في رقبتها‬
‫دف َعته ضاحكةً‪ ،‬وقالت‪« :‬ال‪ ،‬حانَ وقت الرُّ كوب»‪.‬‬
‫كان القمر قد ت َّوج كوكبة (عذراء القمر) عندما خرجوا من أطالل (شانديستون) المغبَّرة الجافَّة متَّجهين‬
‫س رشيقة‪ ،‬وعلى مقرب ٍة تب َعهم‬ ‫جنوبًا وغربًا‪ .‬قادَتهم آريان والسير آريس وبينهما مارسال على متن فَر ٍ‬
‫ركب الفارسان الدورنيَّان في المؤ ِّخرة‪ .‬نحن سبعة‪ .‬أدر َكت آريان هذا وهُم‬ ‫َ‬ ‫جارين مع سيلڤا الرَّقطاء‪ ،‬بينما‬
‫خير لقضيَّتهم‪ .‬سبعة راكبين في طريقهم إلى‬ ‫ٍ‬ ‫راكبون‪ ،‬ولم تكن قد ف َّكرت فيه من قبل‪َّ ،‬إال أنه بدا لها بشير‬
‫يوم سيُ َخلِّدنا جميعًا المغنُّون‪ .‬أرا َد دراي مجموعةً أكبر‪ ،‬لكن ذلك كان ليلفت انتباهًا غير‬ ‫المجد‪ .‬ذات ٍ‬
‫رجل إضافي يُضا ِعف خطر الخيانة‪ .‬أبي علَّمني هذا القدر على األقل‪ .‬حتى في وقت‬ ‫ٍ‬ ‫مرغوب‪ ،‬كما أن ك َّل‬
‫رجال حذرًا يجنح كثيرًا إلى الصَّمت والس ِّريَّة‪ .‬آنَ أوان أن يتخلَّى‬
‫ً‬ ‫تمتُّعه بال َّشباب والق َّوة كان دوران مارتل‬
‫عن األعباء التي تُثقِل كاهله‪ ،‬لكني لن أسمح بإهان ٍة ل َشرفه أو لشخصه‪ .‬ستُعيده إلى حدائقه المائيَّة ليعيش ما‬
‫ُصاحبه كوينتن‪ .‬حالما‬
‫ِ‬ ‫مر محاطًا باألطفال الضَّاحكين وروائح اللَّيمون والبُرتقال‪ .‬نعم‪ ،‬ولي‬ ‫تبقَّى له من ُع ٍ‬
‫ق سراح أفاعي الرِّمال ستحتشد (دورن) أجمعها تحت رايتي‪ .‬ربما يُعلِن آل يرونوود‬ ‫أت ِّو ُج مارسال وأطل ُ‬
‫تأييدهم كوينتن‪ ،‬لكنهم ال يُ َش ِّكلون تهديدًا بمفردهم‪ ،‬وإذا منحوا تومن وآل النستر والءهم فستجعل النَّجم‬
‫المظلم يستأصلهم من جذورهم‪.‬‬
‫قالت مارسال بَعد ع َّدة ساعا ٍ‬
‫ت من الرُّ كوب‪« :‬أنا مت َعبة‪ .‬أما َ‬
‫زال المكان بعيدًا؟ أين نحن ذاهبون؟»‪.‬‬
‫مكان تكونين آمنةً فيه»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫جاللتك إلى‬
‫ِ‬ ‫أجابَها السير آريس مطمئِنًا‪« :‬األميرة آريان تأخذ‬
‫قالت آريان‪« :‬إنها رحلة طويلة‪ ،‬لكنها ستُصبِح أسهل ما إن نَبلُغ (ال َّدم األخضر)‪ .‬سيُقابِلنا بعض قوم‬
‫جارين هناك‪ ،‬أيتام النَّهر‪ .‬إنهم يعيشون على القوارب ويسوقونها في (ال َّدم األخضر) وروافده‪ ،‬يصطادون‬
‫السَّمك ويقطفون الفواكه ويقومون باألعمال الضَّروريَّة»‪.‬‬
‫صاح جارين بمرح‪« :‬نعم‪ ،‬ونُ َغنِّي ونلعب ونَرقُص على الماء‪ ،‬ونعرف الكثير من فنون العالج‪ .‬أ ِّمي‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫أفضل قابلة في (وستروس)‪ ،‬وأبي يستطيع شفاء الثآليل»‪.‬‬
‫سألَت الفتاة‪« :‬كيف تكونون أيتا ًما ولكم أ َّمهات وآباء؟»‪.‬‬
‫فسَّرت آريان قائلةً‪« :‬إنهم الروينار‪ ،‬وأ ُّمهم كانت نهر (الروين)»‪.‬‬
‫قالت مارسال التي لم تفهم‪« :‬حسبتكم أنتم الروينار‪ ،‬أنتم الدورنيُّون أعني»‪.‬‬
‫‪« -‬نحن كذلك جزئيًّا يا جاللة الملكة‪ .‬إن دماء نايميريا في عروقي‪ ،‬وكذا دماء مورس مارتل‪ ،‬اللورد‬
‫الدورني الذي تز َّوجته‪ .‬يوم زفافهما أضر َمت نايميريا النَّار في سُفنها كي يفهم قومها أن ال سبيل للعودة‪.‬‬
‫ُس َّر أغلبهم لرؤية اللَّهب ألن رحلتهم كانت طويلةً شنيعةً قبل وصولهم إلى (دورن)‪ ،‬وفقدوا كثيرين منهم‬
‫بسبب العواصف واألمراض والنَّ َّخاسين‪ .‬على أن بعضهم حزنَ ‪ ،‬أولئك الذين لم يحبُّوا هذه األرض‬
‫الحمراء الجافَّة أو آلهتها السَّبعة‪ ،‬فتمسَّكوا بعاداتهم القديمة وبنوا قوارب من أبدان السُّفن المحروقة‬
‫وأصبحوا أيتام (ال َّدم األخضر)‪ .‬األُم في أغانيهم ليست (األُم) إلهتنا‪ ،‬وإنما (األُم الروين) التي َّ‬
‫غذتهم‬
‫مياهها منذ فَجر ال َّزمان»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أن الروينار لهم إله سُلحفاة»‪.‬‬ ‫قال السير آريس‪« :‬‬
‫وقاتل ملك السَّراطين ليظفر‬
‫َ‬ ‫أجابَه جارين‪« :‬رجل النَّهر العجوز إله أدنى‪ .‬هو أيضًا ُولِ َد من النَّهر األُم‪،‬‬
‫بالهيمنة على ك ِّل ما يحيا تحت المياه الجارية»‪.‬‬
‫غمغ َمت مارسال‪« :‬أوه»‪.‬‬
‫إنك ال‬ ‫أنك ُخض ِ‬
‫ت معارك ضروسًا أيضًا يا جاللة الملكة‪ .‬يُقال ِ‬ ‫قال دراي بأكثر نبراته مرحًا‪« :‬بلغَني ِ‬
‫تُرين أميرنا ال ُّشجاع تيريستان رحمةً على طاولة السايڤاس»‪.‬‬
‫قالت مارسال‪« :‬إنه يرصُّ قطعه بالطَّريقة نفسها دائ ًما‪ ،‬الجبال كلُّها في المقدِّمة واألفيال في الممرَّات‪،‬‬
‫فأرس ُل تنِّينتي لتأكل أفياله»‪.‬‬
‫وصيفتك السايڤاس أيضًا؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سألَها دراي‪« :‬هل تلعب‬
‫حاولت أن أعلِّمها لكنها قالت إن القواعد صعبة للغاية»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬روزاموند؟ ال‪.‬‬
‫سألَتها الليدي سيلڤا‪« :‬أهي من عائلة النستر أيضًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬النستر من (النسپورت) ال (كاسترلي روك)‪َ .‬شعرها لونه ك َشعري‪ ،‬لكنه مفرود ً‬
‫بدال من مجعَّد‪.‬‬
‫روزاموند ال تُشبِهني حقًّا‪ ،‬لكن حين ترتدي ثيابي يظنُّها من ال يعرفوننا أنا»‪.‬‬
‫‪« -‬هل فعلتما هذا من قبل إذن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬نعم‪ .‬لقد تبادَلنا األماكن على متن ( ِمغوار البحر) في الطَّريق إلى (براڤوس)‪ .‬السِّپتة إجالنتين‬
‫صبغَت َشعري بالبنِّي وقالت إنها لُعبة‪ ،‬لكن الغرض كان حمايتي في حال استيالء ع ِّمي ستانيس على‬
‫السَّفينة»‪.‬‬
‫كان واض ًحا أن الفتاة تزداد إرهاقًا‪ ،‬فدعَتهم آريان إلى التَّوقُّف‪ .‬سقوا الخيول ثانيةً واستراحوا قلي ًال وأكلوا‬
‫ق النَّوى‬ ‫الجُبنة والفواكه‪ ،‬واقتس َمت مارسال بُرتقالةً مع سيلڤا الرَّقطاء‪ ،‬بينما أك َل جارين ال َّزيتون وبص َ‬
‫على دراي‪.‬‬
‫كانت آريان تأمل أن يَبلُغوا النَّهر قبل مطلع ال َّشمس‪ ،‬لكنهم بدأوا رحلتهم بَعد الوقت المزمع بفتر ٍة طويلة‪،‬‬
‫ق النَّجم المظلم بها ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ولذا كانوا ما زالوا على متون خيولهم حين اصطبغَت سماء ال َّشرق باألحمر‪ .‬لح َ‬
‫سرع ما لم تكوني تنتوين قتل الفتاة حقًّا‪ .‬ليست معنا خيام‪ ،‬والرِّمال قاسية‬ ‫«أيتها األميرة‪ ،‬يَحسُن أن نُ ِ‬
‫بالنَّهار»‪.‬‬
‫ق على دوابِّهم‪،‬‬ ‫أعرف ال ِّرمال ِمثلك تما ًما أيها الفارس»‪ ،‬ومع ذلك نفَّذت اقتراحه‪ ،‬وهو ما َش َّ‬ ‫ُ‬ ‫قالت له‪« :‬‬
‫لكن خسارة ستَّة أحصنة خير من خسارة أميرة واحدة‪.‬‬
‫سرعان ما بدأت الرِّيح تهبُّ من الغرب ساخنةً جافَّةً ومح َّملةً بحُبيبات الرَّمل‪ .‬سحبَت آريان على وجهها‬
‫لثا ًما من الحرير البرَّاق‪ ،‬من أعلى أخضر باهت ومن أسفل أصفر‪ ،‬وكال اللَّونين مندمج في اآلخَر‪ ،‬وقد‬
‫أضافَت آللئ خضراء صغيرة مزيدًا إلى وزنه وخشخ َشت بنعوم ٍة بينما تركب‪.‬‬
‫أعرف لِ َم تُلَثِّم أميرتي وجهها‪ .‬إذا لم تفعل‬
‫ُ‬ ‫قال السير آريس وهي تُثَبِّت لثامها بصُدغَي خوذتها ال ُّنحاسيَّة‪« :‬‬
‫فسيفوق َجمالها ال َّشمس سطوعًا»‪.‬‬
‫ي بك‬ ‫ضح َكت رغ ًما عنها‪ ،‬وقالت‪« :‬ال‪ ،‬أميرتك تُلَثِّم وجهها لتقي عينيها من الوهج وفمها من ال ِّرمال‪ .‬حر ٌّ‬
‫أن تفعل ال ِمثل أيها الفارس»‪ .‬تساءلَت منذ متى يُنَقِّح فارسها األبيض مجا َملته السَّمجة هذه‪ .‬السير آريس‬
‫صُحبة سارَّة في الفِراش‪ ،‬لكنه وخفَّة الظِّلِّ غريبان‪.‬‬
‫غطَّى رفاقها الدورنيُّون وجوههم ِمثلها‪ ،‬وساعدَت سيلڤا الرَّقطاء األميرة الصَّغيرة على وقاية وجهها من‬
‫يمض وقت طويل قبل أن يسيل ال َعرق على وجهه وتتورَّد‬ ‫ِ‬ ‫ظ َّل عنيدًا‪ ،‬ولم‬ ‫ال َّشمس‪َّ ،‬إال أن السير آريس َ‬
‫قليال وسينشوي في هذه المالبس الثَّقيلة‪ .‬لن يكون األول‪ ،‬ففي القرون‬ ‫بلون وردي‪ .‬فترة أطول ً‬ ‫ٍ‬ ‫وجنتاه‬
‫ش (دورن) من (ممر األمير) تحت الرَّايات الخفَّاقة‪ ،‬فقط ليذوي ك ٌّل منهم‬ ‫المنصرمة دخ َل أكثر من جي ٍ‬
‫قائال‪« :‬رمز عائلة‬ ‫كتب التنِّين الصَّغير ً‬
‫وتشويه الرِّمال الدورنيَّة السَّاخنة‪ .‬في كتابه المتباهي (غزو دورن) َ‬
‫س وحربة‪ ،‬وهما سالحا الدورنيِّين المفضَّالن‪ ،‬لكن بين االثنين ال َّشمس مميتة أكثر»‪.‬‬ ‫مارتل يتك َّون من شم ٍ‬
‫ظ أنهم ال يحتاجون إلى التَّو ُّغل في الرِّمال وإنما إلى قطع مساح ٍة محدودة من األراضي الجافَّة‬ ‫الح ِّ‬
‫لحُسن َ‬
‫صار‬
‫َ‬ ‫لمحت آريان صقرًا يدور بعيدًا أعالهم تحت سما ٍء بال سحاب عل َمت أن األسوأ‬ ‫ال أكثر‪ ،‬ول َّما َ‬
‫وراءهم بالفعل‪ ،‬وسرعان ما صادَفوا شجرةً‪ .‬صحي ٌح أنها ملتوية كثيرة العُقد وأشواكها تُعا ِدل أوراقها ‪-‬‬
‫كك ِّل األشجار التي تنتمي إلى النَّوع المس َّمى شحَّاذ الرِّ مال‪ -‬لكن وجودها يعني أنهم ليسوا بعيدين اآلن عن‬
‫الماء‪.‬‬
‫‪« -‬كدنا نصل يا جاللة الملكة»‪ ،‬قال جارين لمارسال ببشاش ٍة عندما لم َح مزيدًا من شحَّاذي الرِّمال أمامهم‪،‬‬
‫جدول جاف‪ .‬كانت ال َّشمس تهوي عليهم بضرباتها كمطرق ٍة ناريَّة‪ ،‬لكن هذا ال‬ ‫ٍ‬ ‫دغال منها ينمو حول قاع‬ ‫ً‬
‫يه ُّم ما دا َمت رحلتهم قُرب نهايتها‪ .‬توقَّفوا لسقي الخيول م َّرةً أخرى ونهلوا من قِربهم وبلَّلوا لُثمهم‪ ،‬ثم‬
‫فرسخ كانوا يطئون العُشب ال َّشيطاني ويمرُّ ون‬ ‫ٍ‬ ‫عادوا يركبون توطئةً للمرحلة األخيرة‪ ،‬وخالل نِصف‬
‫ط من التِّالل الحجريَّة أصب َح العُشب أكثر اخضيضابًا ونضارةً‪ ،‬وث َّمة بساتين‬ ‫ببساتين ال َّزيتون‪ ،‬ووراء َخ ٍّ‬
‫ق صيحةً‬ ‫ليمون ترويها شبكة من القنوات القديمة‪ .‬كان جارين أول من لم َح النَّهر يلتمع باألخضر‪ ،‬فأطل َ‬
‫ق سابقًا إياهم‪.‬‬
‫وانطل َ‬
‫ذات م َّر ٍة عب َرت آريان مارتل نهر (الماندر) حين ذهبَت مع ثالث ٍة من أفاعي الرِّمال لزيارة أُم تايين‪،‬‬
‫ق أن يُ َس َّمى نه ًرا‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‬ ‫ومقارنةً بذلك المجرى المائي العظيم يكاد (ال َّدم األخضر) ال يستح ُّ‬
‫يبقى شريان الحياة في (دورن)‪ .‬يستم ُّد النَّهر اسمه من لون مياهه الرَّاكدة األخضر ال َّداكن‪ ،‬لكن مع دن ِّوهم‬
‫ط‪ ،‬وقالت لنفسها‪:‬‬ ‫تر آريان منظرًا أجمل من قبل قَ ُّ‬ ‫بالذهبي‪ .‬لم َ‬‫بدا أن نور ال َّشمس يصبغ تلك المياه َّ‬
‫المفت َرض أن يكون الجزء التَّالي بطيئًا وبسيطًا‪ ،‬نتحرَّك في (ال َّدم األخضر) ومنه إلى نهر (ڤايث)‪ ،‬أطول‬
‫مساف ٍة يستطيع القارب أن يقطعها‪ .‬سيمنحها هذا وقتًا يكفي إلعداد مارسال لما سيَح ُدث‪ .‬وراء (ڤايث)‬
‫تشك‬ ‫ُّ‬ ‫تنتظرهم ال ِّرمال العميقة‪ ،‬وسيحتاجون إلى عون (حجر الرَّمل) و(هضبة الجحيم) ليَعبُروها‪ ،‬لكنها ال‬
‫في استعدادهما للمساعَدة‪ .‬لقد تربَّى األُفعوان األحمر في (حجر الرَّمل)‪ ،‬وإالريا ساند خليلة األمير أوبرين‬
‫ابنة اللورد أولر الطَّبيعيَّة‪ ،‬وأربع من أفاعي الرِّمال حفيداته‪ .‬سأت ِّو ُج مارسال في (هضبة الجحيم) وأرف ُع‬
‫راياتي هناك‪.‬‬
‫فرسخ في اتِّجاه المصب‪ ،‬متواريًا تحت الغصون المتدلِّية من صفصاف ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وجدوا القارب على بُعد نِصف‬
‫وغاطسها ال يُذ َكر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صف‬ ‫خضراء ضخمة‪ .‬القوارب التي تُدفَع بالعص ِّي واطئة السَّقف وعريضة من المنت َ‬
‫عادال حقًّا‪.‬‬‫ً‬ ‫استخف بها التنِّين الصَّغير باعتبارها «أكوا ًخا مبنيَّة على أطواف»‪ ،‬ولو أن ذلك ليس‬ ‫َّ‬ ‫وقد‬
‫مطلي‬
‫ٌّ‬ ‫وألوان أ َّخاذة‪ ،‬وقاربهم هذا‬
‫ٍ‬ ‫جميع تلك القوارب باستثناء التي يملكها أفقر اليتامى محلَّى بنقو ٍ‬
‫ش‬
‫بدرجات األخضر‪ ،‬وله ذراع دفَّة خشبيَّة منحوتة على شكل عروس بحر‪ ،‬ومن حواجزه تطلُّ وجوه‬
‫ومؤخرته‬ ‫ِّ‬ ‫العصي والحبال وبرطمانات زيت ال َّزيتون‪ ،‬ومن مقدِّمته‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫تصطف‬ ‫أسماك‪ ،‬وعلى سطحه‬
‫تتأرجح مصابيح حديديَّة‪ .‬غير أن آريان لم ت َر أيًّا من األيتام‪ ،‬وتساءلَت‪ :‬أين الطَّاقم؟ أوقفَ جارين حصانه‬
‫وثب من فوق السَّرج‪« :‬استيقظوا أيها الكسالى‪ .‬ملكتكم هنا وتُريد ترحيبها‬ ‫َ‬ ‫تحت الصَّفصافة‪ ،‬ونادى بينما‬
‫الملكي‪ .‬هل ُّموا‪ ،‬اخرُجوا‪ .‬سنُ َغنِّي ونشرب النَّبيذ المحلَّى‪ .‬فمي جاهز ل‪.»...‬‬
‫حامال فأسه الطَّويلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫وانفت َح باب القارب بعُنف‪ ،‬وإلى ضوء ال َّشمس خر َج آريو هوتا‬
‫وشعرت آريان كأن بلطةً أصابَتها في بطنها‪ .‬لم يكن يُفت َرض أن تكون هذه النِّهاية‪ ،‬لم‬
‫َ‬ ‫توقَّف جارين بح َّدة‪،‬‬
‫آخر وج ٍه ُ‬
‫كنت آم ُل أن أراه»‪ ،‬عل َمت أن عليها أن‬ ‫يكن يُفت َرض أن يَح ُدث هذا‪ .‬ول َّما سم َعت دراي يقول‪ِ « :‬‬
‫احم األميرة‪.»...‬‬
‫تتصرَّف‪ ،‬وصا َحت وهي تثب فوق حصانها من جديد‪« :‬ابتعدوا! سير آريس‪ِ ،‬‬
‫ضت دستة من ال ُحرَّاس‬ ‫ق هوتا سطح القارب بكعب فأسه الطَّويلة‪ ،‬ومن وراء الحواجز المن َّمقة نه َ‬ ‫َد َّ‬
‫وظهر المزيد منهم فوق القمرة‪ ،‬ونادى قائدهم‪« :‬استسلمي يا أميرتي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المسلَّحين ِ‬
‫بالحراب والنُّ َّشابيَّات‪،‬‬
‫باستثنائك والطِّفلة بأمر ِ‬
‫أبيك»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وإال فعلينا أن نَقتُل الجميع‬
‫ظلَّت األميرة مارسال على متن فَرسها بال حراك‪ ،‬وتراج َع جارين بتؤد ٍة عن القارب رافعًا يديه‪َ ،‬‬
‫وح َّل‬
‫دراي حزام سيفه‪ ،‬وصا َح مخاطبًا آريان إذ ارتط َم السَّيف باألرض‪« :‬االستسالم يبدو التَّصرُّ ف األسلم»‪.‬‬
‫ضيًّا في يده‪،‬‬
‫‪« -‬ال!»‪ ،‬صا َح السير آريس أوكهارت ووض َع حصانه بين آريان والنُّ َّشابيَّات وسيفه يلتمع ف ِّ‬
‫وكان قد خل َع تُرسه و َدسَّ ذراعه في األحزمة‪« .‬لن تأخذوها وفي صدري أنفاس تتر َّدد»‪.‬‬
‫ً‬
‫فاعال؟ و َرنَّت ضحكة‬ ‫لم تجد آريان وقتًا َّإال لتقول له دون كالم‪ :‬أيها األحمق المته ِّور‪ ،‬ماذا تحسب نفسك‬
‫النَّجم المظلم إذ قال‪« :‬أأنت أعمى أم غبي يا أوكهارت؟ إنهم كثيرون للغاية‪ .‬اترُك سيفك»‪.‬‬
‫واستحثَّه دراي ً‬
‫قائال‪« :‬افعل كما يقول أيها الفارس»‪.‬‬
‫أرادَت آريان أن تُناديه وتقول‪ :‬لقد وقعنا في األَسر أيها الفارس‪ .‬موتك لن يُ َحرِّرنا‪ .‬إذا كنت تحبُّ أميرتك‬
‫فاستسلم‪ ،‬لكن حين حاولَت أن تتكلَّم احتب َست الكلمات في َحلقها‪.‬‬
‫ضرب حصانه بمهمزيْه َّ‬
‫الذهبيَّين وانقضَّ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رمقَها السير آريس أوكهارت بنظرة اشتيا ٍ‬
‫ق أخيرة‪ ،‬ثم‬
‫ق صوب القارب مباشرةً ومعطفه األبيض يخفق وراءه‪ ،‬ولم ت َر آريان مارتل في حياتها كلِّها شيئًا‬ ‫انطل َ‬
‫ق سهم‬ ‫بهذه ال َّشجاعة أو بهذه الحماقة‪ .‬صرخَ ت‪« :‬الااا!»‪ ،‬لكنها عث َرت على صوتها متأ ِّخرًا ج ًّدا‪ .‬انطل َ‬
‫ق‬ ‫نُ َّشابيَّة ثم آ َخر‪ ،‬وهد َر هوتا بأمر‪ .‬من هذه المسافة القصيرة فكأن ِدرع الفارس األبيض من ورق‪ ،‬فاختر َ‬
‫السَّهم األول تُرسه البلُّوطي الثَّقيل مثبِّتًا إياه إلى كتفه‪ ،‬وكشطَ الثَّاني فوده‪ ،‬في حين أصابَت حربة مقذوفة‬
‫حصانه في الخاصرة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا واص َل الحصان االنقضاض وترنَّح إذ ارتط َم بالمعبر الخشبي‪.‬‬
‫كانت فتاة ما تصيح‪ ،‬فتاة صغيرة حمقاء تصيح‪« :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬أرجوكم‪ ،‬لم يكن يُفت َرض أن يَح ُدث هذا»‪،‬‬
‫ت رفيع حاد من جرَّاء الهلع‪.‬‬ ‫وسم َعت آريان مارسال تَصرُخ أيضًا بصو ٍ‬
‫الحراب‪ .‬رف َع‬ ‫ط اثنان من حاملي ِ‬ ‫ضرب سيف السير آريس الطَّويل ذات اليمين وذات ال ِّشمال‪ ،‬وسق َ‬ ‫َ‬
‫ُحاول إعادة تلقيمها‪ ،‬لكن سهام‬ ‫َّ‬
‫ورفس أحد رُماة ال ُّنشابيَّة في وجهه بينما ي ِ‬
‫َ‬ ‫حصانه قائمتيه األماميَّتين‬
‫ُنف بالغ أسقطَه على سطح القارب‪.‬‬ ‫النُّ َّشابيَّات األخرى انطلقَت لتنغرس في جسم الجواد الحربي الكبير بع ٍ‬
‫وثب آريس أوكهارت مفلتًا‪ ،‬بل واستطا َع الحفاظ على سيفه في يده كذلك‪ ،‬وبصعوب ٍة اعتد َل‬ ‫َ‬ ‫بوسيل ٍة ما‬
‫راكعًا على رُكبتيه إلى جوار حصانه المحتضر‪...‬‬
‫‪ ...‬ووج َد آريو هوتا واقفًا فوقه‪.‬‬
‫رف َع الفارس األبيض سيفه ولكن ببُط ٍء شديد‪ ،‬وبت َرت فأس هوتا الطَّويلة ذراعه تحت الكتف مباشرةً‬
‫ودا َرت ناثرةً الدِّماء‪ ،‬ثم عادَت تُو ِمض بضرب ٍة رهيبة أطا َرت رأس السير آريس وط َّوحت به في الهواء‬
‫ليحطَّ وسط أعواد البوص ويبتلع (ال َّدم األخضر) األحمر بصو ٍ‬
‫ت خافت‪.‬‬
‫طت‪ ،‬لكن ذلك أيضًا ال تَذ ُكره‪ .‬فقط وجدَت نفسها على‬ ‫ال تَذ ُكر آريان أنها ترجَّلت عن حصانها‪ .‬ربما سق َ‬
‫تستطع أن تقول لنفسها َّإال‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬لم‬
‫ِ‬ ‫يديها وقدميها فوق الرِّمال‪ ،‬ترتجف وتنتحب وتقيء عَشاءها‪ ،‬ولم‬
‫كنت حذرةً للغاية‪ .‬سم َعت آريو هوتا يجأر‪« :‬وراءه‪.‬‬ ‫يتأذى أحد‪ ،‬كلُّ شي ٍء كان مخطَّطًا‪ُ ،‬‬
‫يكن يُفت َرض أن َّ‬
‫لول وترتعد‪ ،‬وجهها ال َّشاحب في يديها والدِّماء‬‫إياكم أن يهرب‪ .‬وراءه!»‪ .‬كانت مارسال على األرض تُ َو ِ‬
‫تسيل من بين أصابعها‪ .‬لم تفهم آريان‪ .‬كان بعض ال ِّرجال يهرع ممتطيًا الخيول وبعضهم يُحيط بها‬
‫س أحمر شنيع‪ .‬ال يُمكن أن يكون هذا‬
‫وبرفاقها‪ ،‬لكن ال شيء بدا لها مفهو ًما‪ .‬لقد وق َعت في حُلم‪ ،‬في كابو ٍ‬
‫حقيقيًّا‪.‬‬
‫ك مما أصابَني ً‬
‫ليال من فزع‪.‬‬ ‫سأصحو قريبًا وأضح ُ‬
‫حاول المقاومة‪ ،‬ثم سحبَها أحد ال َحرس بح َّد ٍة لتقف فرأت أنه يرتدي‬ ‫حين قيَّدوا يديها وراء ظَهرها لم تُ ِ‬
‫ألوان أبيها‪ ،‬وانحنى آخَر وانتز َع من حذائها س ِّكينها الذي كان هديَّةً من ابنة ع ِّمها الليدي نيم‪ .‬التقطَه آريو‬
‫أعيدك إلى‬
‫ِ‬ ‫هوتا من الرَّجل‪ ،‬وأعلنَ ودماء آريس أوكهارت تُلَطِّخ وجنتيه وجبهته‪« :‬األمير قال إن عل َّي أن‬
‫ٌ‬
‫آسف يا أميرتي الصَّغيرة»‪.‬‬ ‫(صنسپير)‪.‬‬
‫يت الحذر ال َّشديد‪ .‬كيف‬‫رف َعت آريان وجهًا خطَّطته ال ُّدموع‪ ،‬وسألَت قائد ال َحرس‪« :‬كيف عرفَ ؟ لقد تو َّخ ُ‬
‫أمكنَه أن يعرف؟»‪.‬‬
‫هَ َّز هوتا كتفيه مجيبًا‪« :‬أحدهم وشى‪ ،‬أحدهم يشي دو ًما»‪.‬‬
‫آريا‬
‫ك َّل ليل ٍة قبل النَّوم تُتَمتِم بصالتها لوسادتها‪« :‬السير جريجور‪ ،‬دانسن‪ ،‬راف المعسول‪ ،‬السير إلين‪ ،‬السير‬
‫يوم‬
‫مرين‪ ،‬الملكة سرسي»‪ .‬كانت لتهمس بأسماء آل فراي سادة (المعبر) أيضًا لو أنها تعرفها‪ .‬ذات ٍ‬
‫ُ‬
‫سأعرف‪ ،‬وعندها سأقتلهم جميعًا‪.‬‬
‫ال همسة أكثر خفوتًا من أن تُس َمع في (دار األبيض واألسود)‪ ،‬ولذا سألَها الرَّجل الطيِّب في مرَّة‪« :‬ما تلك‬
‫األسماء التي تهمسين بها ً‬
‫ليال أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬
‫قالت‪ُ « :‬‬
‫لست أهمسُ بأيِّ أسماء»‪.‬‬
‫قليال‪ ،‬وبعضهم عنده كذبة واحدة‬‫‪« -‬كاذبة‪ .‬كلُّ البَشر يكذبون وهُم خائفون‪ .‬بعضهم يكذب كثيرًا وبعضهم ً‬
‫صدِّقونها‪ ...‬ولو أن جز ًءا صغيرًا منهم يعرف دائ ًما أنها ال تزال‬ ‫ً‬
‫طويال إلى أن يكادوا يُ َ‬ ‫كبيرة يُ َردِّدونها‬
‫كذبةً‪ ،‬وهو ما يلوح على وجوههم‪ .‬حدِّثيني عن تلك األسماء»‪.‬‬
‫مضغَت شفتها قائلةً‪« :‬األسماء ال ته ُّم»‪.‬‬
‫َر َّد الرَّجل الطيِّب بإصرار‪« :‬بل ته ُّم‪ .‬أخبِريني أيتها الصَّغيرة»‪.‬‬
‫طردناك‪ ،‬فقالت‪« :‬إنهم أناس أكرههم‪ ،‬أريدهم أن يموتوا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سم َعت لسان حاله يقول‪ :‬أخبِريني َّ‬
‫وإال‬
‫ت كثيرةً كهذه في هذا المكان»‪.‬‬
‫‪« -‬نسمع صلوا ٍ‬
‫أجاب چاڬن هاجار ثالثًا من صلواتها‪ .‬ما كان عل َّ‬
‫ي َّإال أن أهمس‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ق أن‬ ‫ُ‬
‫أعرف»‪ .‬سب َ‬ ‫قالت آريا‪« :‬‬
‫ت إلينا؟ لتتعلَّمي فنوننا كي تَقتُلي َمن تكرهين؟»‪.‬‬
‫واص َل ال َّرجل الطيِّب‪« :‬ألذا أتي ِ‬
‫تدر آريا بِ َم تُجيب‪ ،‬فقالت‪« :‬ربما»‪.‬‬
‫لم ِ‬
‫لك أن تُقَرِّري َمن يعيش و َمن يموت‪ .‬الهديَّة تنتمي إليه هو ذي‬ ‫ت إلى المكان الخطأ‪ .‬ليس ِ‬ ‫‪« -‬إذن فقد أتي ِ‬
‫الوجوه العديدة‪ ،‬وما نحن َّإال ُخ َّدامه المقسمون على تنفيذ إرادته»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه»‪ .‬تطلَّعت آريا إلى التَّماثيل الواقفة عند الجُدران وال ُّشموع الوامضة عند أقدامها‪ ،‬وسألَت‪« :‬أيُّ إل ٍه‬
‫هو؟»‪.‬‬
‫جاوبَها الكاهن المتَّشح باألبيض واألسود‪« :‬إنه هُم جميعًا»‪.‬‬
‫ط‪ ،‬وكذا اللَّقيطة‪ ،‬الفتاة الصَّغيرة ذات العينين الكبيرتين والوجه الضَّاوي التي‬ ‫لم يُخبِرها الرَّجل باسمه قَ ُّ‬
‫تُ َذ ِّكرها بصغير ٍة أخرى اسمها بنت عرس‪ِ .‬مثل آريا تعيش اللَّقيطة تحت المعبد مع ثالث ٍة من ال ُمعاونين‬
‫وخادميْن وطاهي ٍة اسمها أوما‪ .‬تحبُّ أوما الكالم فيما تعمل‪ ،‬غير أن آريا ال تفهم كلمةً تتف َّوه بها‪ ،‬أ َّما‬
‫محني‬
‫ٌّ‬ ‫محجمون عن اإلفصاح بها‪ .‬أحد الخادميْن عجوز للغاية وظَهره‬ ‫ِ‬ ‫اآلخَرون فال أسماء لهم‪ ،‬أو أنهم‬
‫صلِّيان‪.‬‬‫كالقوس‪ ،‬والثَّاني متو ِّرد الوجه وينمو ال َّشعر من أُذنيه‪ ،‬وقد حسبَتهما آريا أبكميْن إلى أن سم َعتهما يُ َ‬
‫ال ُمعاونون أصغر؛ أكبرهم في ِسنِّ أبيها واالثنان اآلخَران ال يُمكن أن يكونا أكبر من سانزا التي كانت‬
‫أختها‪ ،‬ويرتدي ثالثتهم األبيض واألسود أيضًا‪ ،‬لكن أرديتهم بال قلنسوة‪ ،‬وسوداء على اليسار وبيضاء‬
‫عطيَت آريا مالبس الخدم؛ سُترةً قصيرةً من‬ ‫على اليمين‪ ،‬في حين يرتدي الرَّجل الطيِّب واللَّقيطة العكس‪ .‬أُ ِ‬
‫الصُّ وف غير المصبوغ وسراويل فضفاضةً وثيابًا داخليَّةً من الكتَّان‪ ،‬باإلضافة إلى ُخفَّين من القُماش‬
‫لقدميها‪.‬‬
‫ت؟»‪ ،‬فتُجيب‪« :‬ال أحد»‪ .‬تقولها تلك‬ ‫يوم يسألها‪َ « :‬من أن ِ‬ ‫وحده الرَّجل الطيِّب يعرف اللُّغة العاميَّة‪ ،‬وك َّل ٍ‬
‫التي كانت آريا سليلة عائلة ستارك‪ ،‬آريا ال ُمداسة‪ ،‬آريا وجه الحصان‪ ،‬والتي كانت أيضًا آري وبنت‬
‫عرس والكتكوت و ِملحة‪ ،‬وكانت نان السَّاقية‪ ،‬فأرًا رماديًّا‪ ،‬نعجةً‪ ،‬شبح (هارنهال)‪ ...‬لكن ليس حقًّا‪ ،‬ليس‬
‫في أعماق أعماقها‪ .‬هناك هي آريا ابنة (وينترفل)‪ ،‬وليدة اللورد إدارد ستارك والليدي كاتلين‪ ،‬التي كان لها‬
‫في الماضي إخوة يُ َس ُّمون روب وبران وريكون‪ ،‬وأخت اسمها سانزا‪ ،‬وذئبة رهيبة اسمها نايميريا‪ ،‬وأخ‬
‫غير شقيق اسمه چون سنو‪ .‬هناك في ال َّداخل هي شخص ما‪ ...‬لكن تلك ليست اإلجابة التي يرغب فيها‪.‬‬
‫دون لُغ ٍة مشت َركة ال تجد آريا وسيلةً للكالم مع اآلخَرين‪ ،‬لكنها تُصغي إليهم وتُ َكرِّ ر الكلمات التي تسمعها‬
‫مارس عملها‪ .‬مع أن أصغر ال ُمعاونين أعمى فإنه المسؤول عن ال ُّشموع‪ ،‬فيطوف في المعبد‬ ‫لنفسها بينما تُ ِ‬
‫بصر يعرف‬ ‫ٍ‬ ‫ب ُخفَّين ليِّنيْن محاطًا بغمغمة النِّساء المسنَّات الالتي يأتين بصف ٍة يوميَّة للصَّالة‪ ،‬وحتى بال‬
‫رشده‪ ،‬والهواء أكثر دفئًا حيث‬ ‫قائال‪« :‬الرَّائحة تُ ِ‬ ‫دائ ًما أيُّ ال ُّشموع انطفأَ‪ ،‬وهو ما علَّله الرَّجل الطيِّب ً‬
‫تشتعل ال ُّشموع»‪ ،‬وقال آلريا أن تُغلِق عينيها وتُ َجرِّ ب بنفسها‪.‬‬
‫ُفطروا‪ ،‬وفي بعض األيام يقود الرَّجل‬ ‫ُصلُّون راكعين حول البِركة السَّوداء الرَّاكدة قبل أن ي ِ‬ ‫في الفَجر ي َ‬
‫ت معدودة من البراڤوسيَّة‪ ،‬تلك التي لها‬ ‫صالة وفي بعضها تقودها اللَّقيطة‪ .‬ال تعرف آريا َّإال كلما ٍ‬ ‫الطيِّب ال َّ‬
‫المعاني نفسها بالڤاليريَّة الفُصحى‪ ،‬ولذا تتوجَّه بصالتها الخاصَّة إلى اإلله عديد الوجوه‪« .‬السير جريجور‪،‬‬
‫صلِّي في صمت‪ ،‬وإذا كان اإلله عديد‬ ‫دانسن‪ ،‬راف المعسول‪ ،‬السير إلين‪ ،‬السير مرين‪ ،‬الملكة سرسي»‪ .‬تُ َ‬
‫الوجوه إلهًا حقًّا فسيسمعها‪.‬‬
‫يأتي المتعبِّدون (دار األبيض واألسود) ك َّل يوم‪ .‬معظمهم يأتي وحده ويجلس وحده‪ ،‬فيُش ِعلون ال ُّشموع عند‬
‫صلُّون إلى جوار البِركة وأحيانًا يبكون‪ ،‬ويشرب بعضهم من الكوب األسود ويَخلُد إلى‬ ‫مذبح أو آخَر ويُ َ‬
‫ٍ‬
‫النَّوم‪ ،‬لكن عددًا أكبر ال يشرب‪ .‬ليست هناك شعائر أو ترانيم أو أناشيد ثنا ٍء تسرُّ اآللهة‪ ،‬وال يمتلئ المعبد‬
‫أبدًا‪ ،‬لكن بين الفينة والفينة يَطلُب أحد المتعبِّدين أن يرى كاهنًا‪ ،‬فيأخذه الرَّجل الطيِّب أو اللَّقيطة إلى‬
‫المعت َكف في األسفل‪ ،‬لكن ذلك ال يَح ُدث كثيرًا‪.‬‬
‫ثالثون إلهًا مختلفًا يقفون عند الجُدران محاطين باألضواء الخافتة‪ .‬رأت آريا أن المرأة الباكية هي‬
‫المفضَّلة عند النِّساء المسنَّات‪ ،‬بينما يُفَضِّل األثرياء أسد اللَّيل والفُقراء عابر السَّبيل المقلنَس‪ ،‬ويُضيء‬
‫الجنود ال ُّشموع للطِّفل ال َّشاحب باكالون‪ ،‬والبحَّارة للعذراء شاحبة القمر وملك شعب البحار‪ .‬لإلله الغريب‬
‫مقامه هنا أيضًا‪ ،‬ولو أن المتعبِّدين عنده نُدرة‪ ،‬وأكثر الوقت تقف شمعة وحيدة تتذب َذب عند قدميه‪ ،‬لكن‬
‫الرَّجل الطيِّب أخب َرها بأن هذا ال يه ُّم‪ ،‬وقال‪« :‬إن له وجوهًا ع َّدةً وآذانًا ع َّدةً يسمع بها»‪.‬‬
‫الهضبة التي يرتفع فوقها المعبد مألى في باطنها بالممرَّات المنحوتة في الصَّخر‪ .‬في المستوى األول‬
‫حُجيرات نوم الكهنة وال ُمعاونين‪ ،‬وفي الثَّاني تنام آريا والخدم‪ ،‬أ َّما المستوى األدنى فمحرَّم دخوله على‬
‫الجميع باستثناء الكهنة‪ ،‬إذ يض ُّم المعت َكف المق َّدس‪.‬‬
‫عندما ال تعمل آريا تكون لها ح ِّريَّة التَّجوال في األقبية والمخازن‪ ،‬شريطة َّأال تُغا ِدر المعبد أو تنزل إلى‬
‫صدور قديمة غريبة ال َّشكل‬
‫ٍ‬ ‫المستوى الثَّالث‪ .‬وجدَت حُجرةً تمألها األسلحة وال ُّدروع؛ ُخوذ من َّمقة وواقيات‬
‫وحراب طويلة تتَّخذ رؤوسها شكل أوراق ال َّشجر‪ .‬ووجدَت‬ ‫وسيوف طويلة وسكاكين وخناجر ونُ َّشابيَّات ِ‬
‫أكوام من األسمال‬ ‫ٍ‬ ‫أحد األقبية متخ ًما بالمالبس؛ فراء سميك وحرير فاخر بعشرات األلوان إلى جوار‬
‫ضا‪ ،‬وتخيَّلت‬ ‫كريهة الرَّائحة والخيش المهترئ‪ .‬قالت آريا لنفسها بثقة‪ :‬ال بُ َّد أن هناك حُجرا ٍ‬
‫ت فيها كنوز أي ً‬
‫وحباال من َّ‬
‫الآللئ‬ ‫ً‬ ‫الذهب وصُررًا مألى بالعُمالت الفضَّة والياقوت األزرق كالبحر‬ ‫أكداسًا من األطباق َّ‬
‫الخضراء الكبيرة‪.‬‬
‫انتظار يسألها ع َّما تفعله‪ ،‬فقالت له إنها ضلَّت الطَّريق‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يوم وجدَت الرَّجل الطيِّب أمامها على غير‬
‫في ٍ‬
‫أنك ال تُجيدين الكذب‪َ .‬من أن ِ‬
‫ت؟ » ‪.‬‬ ‫‪« -‬كاذبة‪ ،‬واألدهى ِ‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫تنهَّد ً‬
‫قائال‪« :‬كذبة أخرى»‪.‬‬
‫كان ويز ليضربها حتى يُدميها لو ضبطَها متلبِّسةً بالكذب‪ ،‬لكن األمر مختلف في (دار األبيض واألسود)‪.‬‬
‫اعترضت طريقها‪ ،‬لكن أحدًا آخَر لم يرفع يده‬ ‫َ‬ ‫عندما تُسا ِعد في المطبخ تضربها أوما أحيانًا بملعقتها إذا‬
‫عليها‪ .‬ال يرفعون أيديهم َّإال للقتل‪.‬‬
‫انسج َمت آريا مع الطَّاهية بما فيه الكفاية‪ .‬تضع أوما س ِّكينًا في يدها وتُشير إلى بصل ٍة فتُقَطِّعها‪ ،‬تدفعها أوما‬
‫نحو ُكتل ٍة من العجين فتعجنها إلى أن تقول لها الطَّاهية أن تتوقَّف (و«توقَّفي» هي أول كلم ٍة براڤوسيَّة‬
‫طعها إلى شرائح تُ َد ِّورها في المكسَّرات التي تسحقها الطَّاهية‪.‬‬ ‫تعلَّمتها)‪ ،‬تُ ِ‬
‫ناولها أوما سمكةً فتُنَظِّفها وتُقَ ِّ‬
‫وأصداف من جميع‬‫ٍ‬ ‫بأسماك‬
‫ٍ‬ ‫شر َح لها الرَّجل الطيِّب أن المياه ال َمسوس‪ 41‬التي تُحيط ب(براڤوس) تعجُّ‬
‫األنواع‪ ،‬وث َّمة نهر بنِّي بطيء يصبُّ في الهَور من الجنوب ويمضي متع ِّرجًا في مساح ٍة مديدة من البوص‬
‫طينيَّة‪ ،‬ولذا فهنالك وفرة وفيرة دائ ًما من المحار وأُم ال ُخلول وبلح البحر و َسمك‬ ‫والبِرك الم ِّديَّة والسُّهول ال ِّ‬
‫الكراكي والضَّفادع والسَّالحف وسراطين الوحل والسَّراطين الرَّقطاء والسَّراطين المتسلِّقة وثعابين الماء‬
‫الحمراء والسَّوداء والمخطَّطة وأسماك ال ِّشلق ومحار اللُّؤلؤ‪ ،‬وكلُّ هذه األصناف يتكرَّر ظهوره على‬
‫المائدة الخشبيَّة المنقوشة التي يتنا َول عليها خدم اإلله عديد الوجوه وجباتهم‪ .‬في بعض اللَّيالي تُتَبِّل أوما‬
‫السَّمك بملح البحر و َحبِّ الفلفل المكسَّر أو تطهو ثعابين الماء بالثُّوم المفروم‪ ،‬وك َّل فتر ٍة طويلة تُضيف‬
‫قليال من ال َّزعفران أيضًا‪ .‬كان هوت پاي ليحبَّ هذا‪.‬‬ ‫الطَّاهية ً‬
‫ببطن ممتلئ‪ .‬في‬ ‫ٍ‬ ‫ال َعشاء وقتها المفضَّل من اليوم‪ ،‬فقد مضى وقت طويل منذ خلدَت آريا إلى النَّوم ك َّل ليل ٍة‬
‫بعض اللَّيالي يسمح لها الرَّجل الطيِّب بأن تُلقي عليه أسئلةً‪ ،‬فسألَته في م َّر ٍة لماذا يبدو النَّاس الذين يأتون‬
‫سالم دائ ًما‪ .‬في وطنها يخاف النَّاس الموت‪ ،‬وتَذ ُكر كيف بكى ال ُمرافق ذو البثور حين‬ ‫ٍ‬ ‫المعبد هادئين في‬
‫طعنَته في بطنه‪ ،‬وكيف توسَّل السير آموري لورك حين ألقاه الكبش في جُبِّ ال ُّدب‪ ،‬وتَذ ُكر القرية عند‬
‫الذهب‪.‬‬ ‫(عين اآللهة) وصريخ القرويِّين وعويلهم ونحيبهم ما إن يبدأ ال ُمدغ ِدغ في السُّؤال عن َّ‬
‫أجابَها الرَّجل الطيِّب‪« :‬الموت ليس أسوأ شي ٍء في ال ُّدنيا‪ .‬إنه هديَّة اإلله إلينا‪ ،‬نهاية للحاجة واأللم‪ .‬يوم‬
‫ُرسل اإلله عديد الوجوه إلى كلٍّ منا مالك ظُلم ٍة يمضي إلى جوارنا في الحياة‪ ،‬وحين تصير خطايانا‬ ‫نولَد ي ِ‬
‫ومعاناتنا أثقل من أن نستطيع حملها يأخذنا المالك من يدنا ويقودنا إلى أراضي اللَّيل حيث تلتمع النُّجوم‬
‫بال نهاية‪ .‬من يأتون لل ُّشرب من الكوب األسود يبحثون عن مالئكتهم‪ ،‬وإذا كانوا خائفين تُهَدِّئ ال ُّشموع‬
‫تجعلك تُفَ ِّكرين يا صغيرتي؟»‪.‬‬‫ِ‬ ‫روعهم‪ .‬عندما تش ِّمين شموعنا ففي َم‬
‫أرادَت أن تقول‪( :‬وينترفل)‪ .‬أش ُّم الثَّلج وال ُّدخان وإبر الصَّنوبر‪ ،‬أش ُّم االسطبالت‪ ،‬أش ُّم هودور يضحك‬
‫وچون وروب يتبا َرزان في السَّاحة وسانزا تُ َغنِّي عن ليدي جميلة حمقاء ما‪ ،‬أش ُّم السَّراديب حيث يجلس‬
‫الملوك الحجريُّون‪ ،‬أش ُّم ال ُخبز الطَّازج‪ ،‬أش ُّم أيكة اآللهة‪ ،‬أش ُّم ذئبتي‪ ،‬أش ُّم فروها كأنها لم تزل إلى جواري‪،‬‬
‫غير أنها ر َّدت لترى ما سيقوله‪« :‬ال أش ُّم شيئًا»‪.‬‬
‫ت يا آريا يا سليلة عائلة ستارك»‪ .‬ال يدعوها بهذا االسم َّإال‬ ‫بأسرارك إذا شئ ِ‬
‫ِ‬ ‫لك أن تحتفظي‬ ‫‪« -‬كاذبة‪ ،‬لكن ِ‬
‫ُمكنك العودة إلى‬
‫ِ‬ ‫ت منا بع ُد‪ .‬ي‬
‫إنك لس ِ‬
‫أنك تستطيعين مغادَرة هذا المكان‪ِ .‬‬ ‫عندما تُثير استياءه‪« .‬تعرفين ِ‬
‫ت»‪.‬‬ ‫وطنك متى أرد ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫غادرت فال يُمكنني العودة»‪.‬‬ ‫‪« -‬قلت لي إنني إذا‬
‫‪« -‬بالضَّبط»‪.‬‬
‫أحزنَتها الكلمة‪ .‬اعتا َد سيريو أن يقولها أيضًا‪ ،‬كان يقولها طوال الوقت‪ .‬سيريو فورل علَّمها أشغال اإلبرة‬
‫وماتَ من أجلها‪« .‬ال أري ُد أن أرحل»‪.‬‬
‫‪« -‬ابقي إذن‪ ...‬لكن تذ َّكري أن (دار األبيض واألسود) ليست بيتًا لأليتام‪ .‬كلُّ البَشر واجبهم الخدمة تحت‬
‫طاعتك في جميع‬
‫ِ‬ ‫ت‪ ،‬لكن اعلمي أننا سنتطلَّب‬ ‫دوهايرس كما نقولها هنا‪ .‬ابقي إذا شئ ِ‬
‫ِ‬ ‫هذا السَّقف‪ .‬ڤاالر‬
‫فعليك أن ترحلي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت ال تستطيعين التزام الطَّاعة‬
‫األحيان وفي ك ِّل األشياء‪ .‬إذا كن ِ‬
‫‪« -‬أستطي ُع التزام الطَّاعة»‪.‬‬
‫‪« -‬سنرى»‪.‬‬
‫ت أخرى بخالف مساعَدة أوما‪ ،‬فتكنس آريا أرضيَّات المعبد وتُقَدِّم الوجبات وتصبُّ ال َّشراب‬ ‫كلَّفوها بواجبا ٍ‬
‫صباح تسير إلى جوار‬ ‫ٍ‬ ‫فرغ صُرر نقودهم وتُحصي العُمالت الغريبة‪ .‬ك َّل‬ ‫وتفرز أكوام ثياب الموتى وتُ ِ‬
‫الرَّجل الطيِّب بينما يدور في أنحاء المعبد بحثًا ع َّمن ماتوا‪ ،‬فتقول لنفسها متذ ِّكرةً سيريو‪ :‬بصمت الظِّالل‪.‬‬
‫وارب مصرا ًعا لترى إن كان هناك أحدهم ميتًا‬ ‫تحمل مصباحًا بمصاريع حديديَّة سميكة‪ ،‬وعند ك ِّل فجو ٍة تُ ِ‬
‫فيها‪.‬‬
‫صلُّون ساعةً أو يو ًما أو عا ًما‪،‬‬ ‫ليس العثور على الموتى عسيرًا أبدًا‪ .‬إنهم يأتون (دار األبيض واألسود) ويُ َ‬
‫ش من حجر وراء إل ٍه أو آخَر‪ ،‬ويُغلِقون‬ ‫ثم يشربون الماء ال َّداكن الحُلو من البِركة‪ ،‬ويتم َّددون على فِرا ٍ‬
‫أعيُنهم وينامون وال يستيقظون بَعدها أبدًا‪ .‬قال لها الرَّجل الطيِّب‪« :‬هديَّة اإلله عديد الوجوه تتَّخذ عديد‬
‫فاضت‪ ،‬وتجلب آريا‬ ‫َ‬ ‫الصُّ ور‪ ،‬لكنها رفيقة دو ًما هنا»‪ .‬حين يجدان جثَّةً يُ َردِّد صالةً ويتأ َّكد من أن الرُّ وح‬
‫الخادميْن المكلَّفيْن بحمل الموتى إلى األقبية‪ ،‬وهناك يُ َج ِّرد ال ُمعاونون الجُثث من الثِّياب ويُ َغسِّلونها‪،‬‬
‫ضع الثِّياب وال ُّنقود والمقتنيات األخرى في سلَّ ٍة للفرز‪ ،‬ثم تُؤخَ ذ األجساد الميتة الباردة إلى المعت َكف‬ ‫وتو َ‬
‫في األسفل حيث ال ُّدخول متاح للكهنة وحدهم‪ ،‬أ َّما ما يَح ُدث هناك فليس مسمو ًحا آلريا بأن تعرفه‪ .‬في م َّر ٍة‬
‫بينما تتنا َول عشا َءها استحو َذ عليها َش ٌّك رهيب‪ ،‬ووض َعت س ِّكينها وح َّدقت بريب ٍة إلى شريح ٍة من اللَّحم‬
‫األبيض ال َّشاحب‪ ،‬فرأى الرَّجل الطيِّب الرُّ عب على وجهها‪ ،‬وقال لها‪« :‬إنه لحم خنزير أيتها الصَّغيرة‪،‬‬
‫لحم خنزير فقط»‪.‬‬
‫ظف السَّاللم‬ ‫سريرها من الحجر ويُ َذ ِّكرها ب(هارنهال) والسَّرير الذي نا َمت عليه هناك وقت أن كانت تُنَ ِّ‬
‫بدال من القَش‪ ،‬وهو ما جعلَها أكثر تك ُّت ًال من تلك التي اعتادَت النَّوم عليها في‬ ‫بالخرق ً‬‫لويز‪ ،‬وحشيَّته مليئة ِ‬
‫(هارنهال)‪ ،‬لكنها أقلُّ وخ ًزا أيضًا‪ .‬مسمو ٌح لها بالعدد الذي تُريده من األغطية الصُّ وف السَّميكة‪ ،‬منها‬
‫ضيَّة‬ ‫األحمر واألخضر ومربَّع النَّقش‪ ،‬كما أن حُجيرتها لها وحدها‪ ،‬وهناك تحتفظ بكنوزها؛ ال َّشوكة الف ِّ‬
‫والقبَّعة العريضة والقُفَّاز الذي بال أصابع‪ ،‬وكلُّها أشياء أهداها إليها بحَّارة (ابنة المارد)‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫خنجرها وحذائها وحزامها وحصيلتها الصَّغيرة من ال ُّنقود والمالبس التي كانت ترتديها‪...‬‬
‫و(اإلبرة)‪.‬‬
‫على الرغم من أن واجباتها تَترُك لها ً‬
‫قليال من الوقت ألشغال اإلبرة فإنها تتدرَّب متى استطاعَت وتُ ِ‬
‫نازل‬
‫يوم مرَّت اللَّقيطة مصادفةً ورأت آريا في مران المبا َرزة‪ ،‬فلم تقل‬
‫ِظلَّها على ضوء شمع ٍة زرقاء‪ .‬ذات ٍ‬
‫ق الرَّجل الطيِّب آريا إلى حُجيرتها‪ ،‬وقال لها مشيرًا إلى كنوزها‪:‬‬‫الفتاة شيئًا ولكن في اليوم التَّالي سا َ‬
‫عليك أن تتخلَّصي من كلِّ هذه األشياء»‪.‬‬
‫« ِ‬
‫قالت آريا مذعورةً‪« :‬إنها ملكي»‪.‬‬
‫ت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬و َمن أن ِ‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫التقطَ شوكتها الفضَّة‪ ،‬وقال‪« :‬هذه ملك آريا سليلة عائلة ستارك‪ ،‬كلُّ هذا ملكها‪ .‬ال مكان لهذه األشياء هنا‪،‬‬
‫وال مكان لها أيضًا‪ .‬إن اسمها اسم رفيع للغاية‪ ،‬وال مجال هنا للتَّرفُّع‪ .‬إننا خدم»‪.‬‬
‫مجروحةً قالت‪« :‬أنا أخد ُم»‪ .‬لقد أحبَّت هذه ال َّشوكة الفضَّة‪.‬‬
‫لكنك وضعتِها على‬ ‫ِ‬ ‫ت أسما ًء أخرى‪،‬‬ ‫قلبك‪ .‬لقد حمل ِ‬
‫ت ابنة لورد في ِ‬ ‫لكنك ما زل ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬بل تلعبين دور الخادمة‪،‬‬
‫َّ‬
‫أنك تضعين فُستانًا‪ ،‬وتحتها ظلت آريا موجودةً دائ ًما»‪.‬‬ ‫نفسك باالستخفاف نفسه كما لو ِ‬ ‫ِ‬
‫‪« -‬ال أرتدي الفساتين! ال يُمكنك أن تُقاتِل بينما ترتدي فُستانًا سخيفًا!»‪.‬‬
‫ط ًشا للدِّماء؟»‪ ،‬وتنهَّد متابعًا‪:‬‬‫ت ُمبارز براڤو يتبختر في األزقَّة متع ِّ‬ ‫سألَها‪« :‬ولِ َم تُريدين أن تُقا ِتلي؟ هل أن ِ‬
‫روحك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫جسدك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كيانك كلَّه له هو ذي الوجوه العديدة؛‬ ‫ِ‬ ‫عليك أن تهبي‬
‫ِ‬ ‫«قبل أن تشربي من الكوب البارد‬
‫نفسك إلى فِعل ذلك فيجب أن تُغا ِدري هذا المكان»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ال تستطيعين أن تدفعي‬ ‫نفسك‪ .‬إذا كن ِ‬ ‫ِ‬
‫‪« -‬العُملة الحديد‪.»...‬‬
‫طريقك‪ ،‬والتَّكلفة باهظة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عليك أن تدفعي لتَسلُكي‬
‫ِ‬ ‫رحلتك إلى هنا‪ ،‬ومن هنا‬
‫ِ‬ ‫ت بها ثَمن‬
‫‪ ...« -‬دفع ِ‬
‫‪« -‬ال أمل ُ‬
‫ك ذهبًا»‪.‬‬
‫بأكملك‪ .‬البَشر يَسلُكون مختلِف ُّ‬
‫الطرق في وادي ال ُّدموع‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫‪« -‬ما نُقَدِّمه ال يُشترى َّ‬
‫بالذهب‪ .‬التَّكلفة أن ِ‬
‫واآلالم هذا‪ ،‬وطريقنا األصعب‪ ،‬قالئل مخلوقون للمشي فيه‪.‬‬
‫إنه يتطلَّب ق َّوةً نادرةً للجسد والرُّ وح‪ ،‬وقلبًا صُلبًا وطيدًا»‪.‬‬
‫هناك فجوة في الموضع الذي يُفت َرض أن يحتلَّه قلبي‪ ،‬وال مكان آخَ ر أذهبُ إليه‪« .‬إنني قويَّة‪ ،‬قويَّة ِمثلك‪،‬‬
‫إنني صُلبة»‪.‬‬
‫لكنك مخطئة‪ .‬ستجدين خدمةً أق َّل مشقَّةً في‬ ‫ِ‬ ‫لك‪،‬‬‫قال كأنه سم َع أفكارها‪« :‬تعتقدين أن هذا هو المكان الوحيد ِ‬
‫لك إلى‬ ‫عليك َّإال أن تقولي وسنُ ِ‬
‫رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنك تُفَضِّلين أن تكوني محظيَّةً يتغنُّون ب َجمالها؟ ما‬
‫منزل أحد ال ُّتجَّار‪ ،‬أم ِ‬
‫تحف حين تمشين‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫(اللُّؤلؤة السَّوداء) أو (ابنة الغسق)‪ .‬ستنامين على بتالت الورد وترتدين تنانير حريريَّةً‬
‫ت راغبةً في ال َّزواج‬ ‫بكارتك‪ .‬أو إذا كن ِ‬
‫ِ‬ ‫ت طائلةً ويُف ِقرون أنفسهم من أجل دم‬ ‫وسيدفع السَّادة العظام ثروا ٍ‬
‫لك زوجًا‪ ،‬صبيًّا ِحرفيًّا ما أو عجو ًزا غنيًّا أو رحَّال بحار‪ ،‬أيًّا كان ما‬ ‫واألطفال فأخبِريني وسنجد ِ‬
‫تُريدين»‪.‬‬
‫ال تُريد آريا شيئًا من ذلك‪ ،‬ولذا ه َّزت رأسها بصمت‪.‬‬
‫‪« -‬هل تَحلُمين ب(وستروس) إذن أيتها الصَّغيرة؟ (سيِّدة البريق) سفينة لوكو پريستاين سترحل غدًا إلى‬
‫(بلدة النَّوارس) و(كينجز الندنج) و(تايروش)‪ .‬هل نجد ِ‬
‫لك مكانًا عليها؟»‪.‬‬
‫عام مرَّت منذ فرَّت من (كينجز الندنج)‪،‬‬ ‫ُ‬
‫جئت لت ِّوي من (وستروس)!»‪ .‬أحيانًا يبدو كأن ألف ٍ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫حدث البارحة فحسب‪ ،‬لكنها تعلم أنها ال تستطيع العودة‪« .‬سأذهبُ إذا كنت ال تُريدني‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأحيانًا كأن هذا‬
‫لكني لن أذهب إلى هناك»‪.‬‬
‫قادك اإلله عديد الوجوه إلى هنا لتكوني أداته‪ ،‬لكن حين أنظ ُر‬‫ِ‬ ‫قال الرَّجل الطيِّب‪« :‬ما أريده ال يه ُّم‪ .‬ربما‬
‫أنك فتاة‪ .‬كثيرون خدموا اإلله عديد الوجوه على َم ِّر القرون‪ ،‬لكن أق َّل القليل‬‫إليك أرى طفلةً‪ ...‬واألدهى ِ‬ ‫ِ‬
‫من خدمه كن نسا ًء‪ .‬النِّساء يأتين بالحياة إلى ال ُّدنيا‪ ،‬ونحن نجلب هديَّة الموت‪ .‬ال أحد يستطيع أن يفعل هذا‬
‫وذاك»‪.‬‬
‫فعل من قبل بال ُّدودة‪« .‬ال أبالي بهذا»‪.‬‬
‫ُحاول أن يُخيفني ألرحل كما َ‬‫ي ِ‬
‫عينيك الرَّماديَّتين‬
‫ِ‬ ‫ولسانك‪ ،‬سيأخذ‬
‫ِ‬ ‫وأنفك‬
‫ِ‬ ‫عليك أن تُبالي‪ .‬ابقي وسيأخذ اإلله عديد الوجوه أُ ِ‬
‫ذنيك‬ ‫‪ِ « -‬‬
‫وأحالمك و ُحب َِّك‬
‫ِ‬ ‫آمالك‬
‫ِ‬ ‫وعورتك‪ ،‬سيأخذ‬
‫ِ‬ ‫وساقيك‬
‫ِ‬ ‫وقدميك‬
‫ِ‬ ‫يديك‬
‫ِ‬ ‫الحزينتين اللتين رأيتا الكثير‪ ،‬سيأخذ‬
‫وكراهيتك‪َ .‬من ينخرطون في خدمته عليهم التَّخلِّي عن ك ِّل ما يجعلهم هُم‪ .‬هل تستطيعين أن تفعلي ذلك؟»‪،‬‬‫ِ‬
‫ك الرَّجل الطيِّب ذقنها بأصابعه وتطلَّع إلى عينيها سابرًا أغوارهما لدرج ٍة جعلَتها ترتجف‪ ،‬وأردفَ ‪:‬‬ ‫وأمس َ‬
‫أنك تستطيعين»‪.‬‬
‫أظن ِ‬‫«ال‪ ،‬ال ُّ‬
‫ضربَت آريا يده مزيحةً إياها‪ ،‬وقالت‪« :‬أستطي ُع إذا أردت»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما تقوله آريا سليلة عائلة ستارك‪ ،‬آكلة دود القبور»‪.‬‬
‫‪« -‬أستطي ُع التَّخلِّي عن أ ِّ‬
‫ي شي ٍء أريده!»‪.‬‬
‫أشا َر إلى كنوزها ً‬
‫قائال‪« :‬ابدئي بهذه إذن»‪.‬‬
‫ليلتها بَعد ال َعشاء عادَت آريا إلى حُجيرتها وخل َعت ثيابها وهم َست بأسمائها‪ ،‬لكن النَّوم أبى أن يأتيها‪،‬‬
‫بالخرق وهي تَمضُغ شفتها شاعرةً بالفجوة في داخلها حيث كان قلبها‪.‬‬ ‫وظلَّت تتقلَّب على الحشيَّة المليئة ِ‬
‫في جوف اللَّيل قا َمت ثانيةً وارتدَت الثِّياب التي كانت عليها في الطَّريق من (وستروس)‪ ،‬وتمنطقَت بحزام‬
‫سيفها معلِّقة (اإلبرة) على أحد َوركيها وخنجرها على الثَّاني‪ .‬بقبَّعتها العريضة على رأسها وقُفَّازها عديم‬
‫ضيَّة في يدها تحرَّكت صاعدةً السَّاللم بخفَّ ٍة مف ِّكرةً‪ :‬ال مكان‬
‫األصابع المدسوس في حزامها وشوكتها الف ِّ‬
‫هنا آلريا سليلة عائلة ستارك‪ .‬مكان آريا في (وينترفل)‪ ،‬لكن (وينترفل) ضاعَت‪ .‬عندما تَسقُط الثُّلوج‬
‫وتهبُّ الرِّيح البيضاء يَنفُق ال ِّذئب الوحيد بينما ينجو القطيع‪ .‬غير أنها بال قطيع‪ .‬لقد قتلوا قطيعها‪ ،‬قتلَه‬
‫السير إلين والسير مرين والملكة‪ ،‬ول َّما حاولَت أن تُ َك ِّون واحدًا جديدًا فَ َّر أفراده جميعًا؛ هوت پاي‬
‫وجندري ويورن ولومي أخضر اليد‪ ،‬وحتى هاروين الذي كان رجل أبيها‪.‬‬
‫خرجت من الباب إلى اللَّيل‪.‬‬
‫َ‬
‫كدثار‬
‫ٍ‬ ‫إنها المرَّة األولى التي تَخرُج فيها منذ دخلَت المعبد‪ .‬كانت السَّماء غائمةً واألرض يُ َغطِّيها الضَّباب‬
‫رمادي متهتِّك‪ ،‬وإلى يمينها سم َعت تجذيفًا من إحدى القنوات‪ ،‬فف َّكرت‪( :‬براڤوس)‪ ،‬المدينة الس ِّريَّة‪ .‬يبدو‬
‫لها االسم الئقًا للغاية‪ .‬انسلَّت نازلةً السَّاللم المنح ِدرة إلى الرَّصيف المسقوف بينما تدور د َّوامات الضَّباب‬
‫حول قدميها بكثاف ٍة حالَت دون أن ترى الماء‪ ،‬وإن سم َعته يرتطم بنعوم ٍة بالرَّكائز الحجريَّة‪ ،‬ورأت من‬
‫فخطر لها أنها النَّار اللَّيليَّة في معبد الرُّ هبان الحُمر‪.‬‬
‫َ‬ ‫بعي ٍد ضو ًءا يتوهَّج في الغيوم‪،‬‬
‫توقَّفت على حافة الماء وفي يدها ال َّشوكة المصنوعة من الفضَّة الخالصة‪ .‬ليست شوكتي‪ ،‬لقد أهداها إلى‬
‫غاصت فيها‪ .‬بَعدها ألقَت القبَّعة العريضة‬ ‫َ‬ ‫ِملحة‪ .‬ألقَتها إلى أسفل وسم َعت صوت تناثُر المياه الخافت إذ‬
‫نجوم‬
‫ٍ‬ ‫ضيَّة وتسع‬ ‫والقُفَّاز‪ ،‬فهما أيضًا ملك ل ِملحة‪ ،‬ثم إنها أفرغَت محتويات جرابها في كفِّها؛ خمسة أيائل ف ِّ‬
‫راوت‪ .‬نث َرتها جميعًا في الماء‪ ،‬ثم حانَ دور حذائها الذي‬ ‫نُحاسيَّة وبعض البنسات وأنصاف البنسات وال َج ِ‬
‫أحدث الصَّوت األعلى‪ ،‬وبَعده الخنجر الذي أخ َذته من الق َّواس الذي توسَّل من كلب الصَّيد الرَّحمة‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬
‫ألقَت حزام سيفها في القناة‪ ،‬ومعطفها وسُترتها وسراويلها وثيابها ال َّداخليَّة‪.‬‬
‫ألقَت ك َّل شي ٍء باستثناء إبرتها‪.‬‬
‫الجلد ترتجف في الضَّباب‪ ،‬في يدها إبرتها كأنها تهمس لها‬ ‫وقفَت في أقصى الرَّصيف شاحبةً مقشعرَّة ِ‬
‫وتقول‪ :‬اطعنيهم بالطَّرف المدبَّب‪ ،‬وتقول‪ :‬ال تُخبِري سانزا! على النَّصل عالمة ميكن‪ .‬إنه مجرَّد سيف‪.‬‬
‫سيف فهناك مئة تحت المعبد‪ ،‬ثم إن (اإلبرة) أصغر من أن يكون سيفًا حقيقيًّا‪ ،‬بالكاد أكثر‬
‫ٍ‬ ‫احتاجت إلى‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫عال هذه‬
‫ت ٍ‬ ‫من لُعبة‪ .‬لقد كانت فتاةً صغيرةً حمقاء حين صن َعه چون لها‪« .‬إنه مجرَّد سيف»‪ ،‬قالتها بصو ٍ‬
‫المرَّة‪...‬‬
‫‪ ...‬لكنه ليس كذلك‪.‬‬
‫إبرتها روب وبران وريكون‪ ،‬أ ُّمها وأبوها‪ ،‬وحتى سانزا‪ .‬إبرتها جُدران (وينترفل) الرَّماديَّة وضحك‬
‫أهلها‪ .‬إبرتها ثلوج الصَّيف وقِصص العجوز نان وشجرة القلوب بأوراقها الحمراء ووجهها المخيف‬
‫الزجاجيَّة وصوت رياح ال َّشمال إذ ترجُّ مصاريع ُغرفتها‪ .‬إبرتها‬ ‫ورائحة التُّربة ال َّدافئة في الصُّ وبة ُّ‬
‫ابتسامة چون سنو‪ .‬قالت لنفسها متذ ِّكرةً‪ :‬اعتا َد أن ينفش َشعري ويدعوني ب«أختي الصَّغيرة»‪ ،‬وفجأةً‬
‫كانت العبرات تُ ِ‬
‫غرق عينيها‪.‬‬
‫الطرق‬‫ق منها السَّيف عندما أس َرها رجال الجبل‪ ،‬ثم إذا به هناك حين دخلَت الخان على تقاطُع ُّ‬ ‫پوليڤر سر َ‬
‫مع كلب الصَّيد‪ .‬اآللهة أرادَتني أن أحمله‪ .‬ليست اآللهة السَّبعة وال اإلله عديد الوجوه‪ ،‬بل آلهة أبيها‪ ،‬آلهة‬
‫ال َّشمال القديمة‪ .‬فليأخذ اإلله عديد الوجوه البقيَّة‪ ،‬لكن ال يُمكنه أن يأخذ هذا‪.‬‬
‫صف الطَّريق إلى أعلى اهت َّز حجر‬ ‫صعدَت السَّاللم عاريةً كيوم مولدها وقد أطبقَت على إبرتها‪ ،‬وفي منت َ‬
‫تحت قدمها‪ ،‬فرك َعت آريا وحف َرت حول حوافه بأصابعها‪ .‬لم يتحرَّك في البداية‪ ،‬لكنها ثاب َرت مكسِّرةً‬
‫ق أمامها‪.‬‬‫المالط المتفتِّت بأظفارها‪ ،‬إلى أن تحرَّك الحجر أخيرًا‪ ،‬فأنَّت وم َّدت يديها معًا تسحبه‪ ،‬وانفت َح َش ٌّ‬
‫قالت ل(اإلبرة)‪« :‬ستكون آمنًا هنا‪ .‬ال أحد يعرف مكانك غيري»‪ ،‬ودسَّت السَّيف وال ِغمد وراء ال َّدرجة ثم‬
‫أعادَت الحجر إلى موضعه ليبدو كسائر األحجار األخرى من جديد‪ ،‬وبينما واصلَت طريقها إلى أعلى‬
‫يوم قد تحتاج إليه‪ .‬هم َست لنفسها‪« :‬ذات يوم»‪.‬‬ ‫ع َّدت ال َّدرجات لتعلم أين تجد السَّيف ثانيةً‪ .‬ذات ٍ‬
‫لم تُخبِر الرَّجل الطيِّب بما فعلته‪ ،‬لكنه عل َم‪ ،‬وفي اللَّيلة التَّالية أتاها في حُجيرتها بَعد العشاء‪ ،‬وقال‪« :‬تعالي‬
‫واجلسي معي أيتها الصَّغيرة‪ .‬عندي حكاية أو ُّد أن أحكيها ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫سألَته بحذر‪« :‬حكاية ماذا؟»‪.‬‬
‫ت تُريدين أن تكوني منا فاألفضل أن تعرفي َمن نحن وكيف جئنا إلى الوجود‪.‬‬ ‫‪« -‬حكاية بداياتنا‪ .‬إذا كن ِ‬
‫ربما يتها َمس النَّاس عن رجال (براڤوس) عديمي الوجوه‪ ،‬لكننا أقدم من المدينة الس ِّريَّة‪ .‬قبل أن يرتفع‬
‫(المارد) وقبل أن يُميط أوثيرو اللِّثام عن المدينة وقبل تأسيسها كنا نحن‪ .‬لقد أينعنا في (براڤوس) وسط هذا‬
‫الضَّباب ال َّشمالي‪ ،‬لكن جذورنا تعود إلى (ڤاليريا) وعبيدها البائسين الذين كدحوا في المناجم العميقة تحت‬
‫(األربع عشرة ُشعلة) التي كانت تُضيء ليالي المعقل الحُر قدي ًما‪.‬‬
‫جباال حيَّةً عروقها‬
‫ً‬ ‫معظم المناجم مظلم بارد ومحفور في الحجر الميت‪ ،‬لكن (األربع عشرة ُشعلة) كانت‬
‫صخر مصهور وقلوبها من نار‪ ،‬وهكذا كانت مناجم (ڤاليريا) ساخنةً دو ًما‪ ،‬وتزايدَت سخونتها أكثر‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫فأكثر كلَّما ُح ِف َر المزيد من األنفاق في األعماق‪ .‬كان العبيد يك ُّدون في أتون‪ ،‬الصُّ خور حولهم أسخن من أن‬
‫حرق األرض‬ ‫س يَد ُخل صدورهم‪ ،‬وتُ ِ‬ ‫يلمسوها‪ ،‬والهواء يعبق برائحة الكبريت ويسفع رئاتهم مع كلِّ نف ٍ‬
‫باطن أقدامهم وتُقَرِّحها حتى مع انتعالهم أكثر الصَّنادل سماكةً‪.‬‬
‫الذهب كانوا يجدون ً‬
‫بدال منه بُخارًا أو مياهًا تغلي أو صخو ًرا‬ ‫أحيانًا عندما يخترقون ِجدارًا بحثًا عن َّ‬
‫مصهورةً‪ ،‬وبعض األنفاق كان واطئًا للغاية وال يستطيع العبيد الوقوف فيه معتدلين‪ ،‬فكانوا يزحفون أو‬
‫ينحنون‪ .‬وكانت هناك ديدان في تلك ُّ‬
‫الظلمة الحمراء أيضًا»‪.‬‬
‫سألَته مقطِّبةً جبينها‪« :‬ديدان األرض؟»‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬ولكن ً‬
‫بدال من التَّحليق‬ ‫‪« -‬ديدان النَّار‪ .‬يقول بعضهم إنها من جنس التَّنانين‪ ،‬فتلك الدِّيدان تنفث النَّار أي ً‬
‫في السَّماء تنخر الحجارة والتُّربة‪ .‬إذا ص َّدقنا الحكايات القديمة فديدان النَّار كانت تعيش في (األربع عشرة‬
‫ذراعك النَّاحلة هذه‪ ،‬لكنها تنمو إلى أحج ٍام رهيبة‬
‫ِ‬ ‫ُشعلة) من قبل مجيء التَّنانين‪ .‬أصغرها ليس أكبر من‬
‫وال تحبُّ البَشر على اإلطالق»‪.‬‬
‫‪« -‬هل قتلَت العبيد؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كثيرًا ما كان يُعثَر على الجُثث المحروقة والمسو َّدة في األنفاق التي تشقَّقت جُدرانها أو امتألَت‬
‫ق أبلغ وأبلغ‪ .‬كان العبيد يهلكون بالعشرات‬‫تواصل حفر األنفاق في أعما ٍ‬
‫َ‬ ‫بالفتحات‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‬
‫الذهب األحمر واألصفر والفضَّة أثمن من أنفُس العبيد‪ ،‬والعبيد‬‫لكن أسيادهم لم يُبالوا‪ .‬بالنِّسبة إليهم كان َّ‬
‫كانوا رخيصين في المعقل الحُر القديم‪ .‬في الحروب كان الڤاليريُّون يأسرونهم باآلالف‪ ،‬وفي أوقات السَّالم‬
‫كانوا يجعلونهم يتوالَدون‪ ،‬ولو أن أسوأهم فقط كان يُر َسل ليموت في ُّ‬
‫الظلمة الحمراء»‪.‬‬
‫‪« -‬ألم يَثُر العبيد ويُقاتِلوا؟»‪.‬‬
‫قليال منها حقَّق شيئًا‪ .‬سادة التَّنانين في المعقل الحُر‬
‫‪« -‬بعضهم‪ .‬كانت التَّمرُّ دات شائعةً في المناجم‪ ،‬لكن ً‬
‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫القديم كانوا أقوياء في ال َّشعوذة‪ ،‬وكان َمن هُم أدنى منهم يتح ُّدونهم معرِّضين أنفُسهم للخطر‪ .‬أول‬
‫عديم الوجه كان من هؤالء»‪.‬‬
‫اندف َعت آريا تسأل قبل أن تتوقَّف لتُفَ ِّكر‪َ « :‬من كان؟»‪.‬‬
‫أجابَها‪« :‬ال أحد‪ .‬بعضهم يقول إنه كان عبدًا‪ ،‬ويصرُّ غيرهم على أنه كان ابنًا ألحد األسياد مولودًا من‬
‫ق على من يعملون تحت إمرته‪ ،‬لكن الحقيقة أن ال أحد‬ ‫سُالل ٍة نبيلة‪ ،‬بل وهناك من يقول إنه كان ُمشرفًا أشف َ‬
‫يعلم‪ .‬أيًّا كان فقد اعتا َد أن يتحرَّك بين الرَّقيق ويسمع صلواتهم‪ .‬كان أناس من مئة أ َّم ٍة مختلفة يُعانون في‬
‫صلِّي طالبًا ال َّشيء نفسه‪ .‬كانوا يَطلُبون الخالص‬ ‫المناجم‪ ،‬ك ٌّل منهم يدعو ربَّه بلُغته‪ ،‬لكن جميعهم كان يُ َ‬
‫ونهاية األلم‪ ،‬شيء صغير بسيط‪ ،‬لكن آلهتهم لم تُ ِجب واستم َّر عذابهم‪ .‬تساء َل الرَّجل‪ :‬هل آلهتهم كلُّها‬
‫الظلمة الحمراء‪ .‬لكلِّ اآللهة أدواتها‪ ،‬رجال ونساء يخدمونها‬ ‫ص َّماء؟ إلى أن أتَته اإلجابة ذات ليل ٍة في ُّ‬
‫ويُسا ِعدون على تنفيذ إرادتها على األرض‪ .‬لم يكن العبيد يتضرَّعون إلى مئة إل ٍه مختلف كما بدا‪ ،‬وإنما‬
‫إلى إل ٍه واحد له مئة وج ٍه مختلف‪ ...‬والرَّجل كان أداة هذا اإلله‪ .‬في اللَّيلة ذاتها اختا َر أكثر العبيد تعاسةً‪،‬‬
‫ُصلِّي بحرار ٍة أشد من غيره ناشدًا الخالص‪ ،‬وعتقَه من عبوديَّته‪ .‬ليلتها أُ ِ‬
‫عطيَت الهديَّة األولى»‪.‬‬ ‫الذي كان ي َ‬
‫المفترض أن يَقتُل األسياد!»‪.‬‬‫َ‬ ‫تراج َعت آريا قائلةً وقد بدا لها الكالم خاطئًا‪« :‬قت َل العبد؟! كان‬
‫ليوم آخَر‪ ،‬حكاية األفضل أن تطَّلع عليها َمن هي ال‬ ‫‪« -‬الحقًا أعطاهم الهديَّة أيضًا‪ ...‬لكن تلك حكاية ٍ‬
‫ت أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬ ‫ً‬
‫سائال‪« :‬و َمن أن ِ‬ ‫أحد»‪ ،‬وحنى الرَّجل الطيِّب رأسه إلى الجانب‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫‪« -‬كاذبة»‪.‬‬
‫‪« -‬وما أدراك؟ أهو السِّحر؟»‪.‬‬
‫عليك فقط أن‬
‫ِ‬ ‫صدق من الكذب إذا كانت له عينان‪.‬‬ ‫قال‪« :‬ليس ضروريًّا أن يكون اإلنسان ساحرًا ليعرف ال ِّ‬
‫تتعلَّمي قراءة الوجوه‪ .‬انظُري إلى العينين‪ ،‬إلى الفم‪ ،‬والعضالت هنا في رُكن الفَك‪ ،‬وهنا حيث يلتحم العُنق‬
‫الكذابين تطرف أعيُنهم‪ ،‬وبعضهم يُ َحملِق‪ ،‬وبعضهم‬ ‫َّ‬ ‫بالكتفين»‪ ،‬ومسَّها بإصبعين بخفَّ ٍة متابعًا‪« :‬بعض‬
‫ُحاولون إخفاء‬
‫َطون أفواههم قبل أن ينطقوا كذبًا كأنهم ي ِ‬ ‫يُشيح بوجهه‪ ،‬وبعضهم يلعق شفتيه‪ ،‬وكثيرون يُغ ُّ‬
‫خداعهم‪ .‬ث َّمة عالمات أخرى أقلُّ وضوحًا‪ ،‬لكنها موجودة دائ ًما‪ .‬قد تتشابَه ابتسامة زائفة وأخرى صادقة‪،‬‬
‫ُمكنك تمييز الغسق من الفَجر؟»‪.‬‬‫ِ‬ ‫لكنهما مختلفتان كما الغسق والفَجر‪ .‬هل ي‬
‫أومأَت آريا برأسها إيجابًا‪ ،‬مع أنها ليست واثقةً باستطاعتها هذا حقًّا‪.‬‬
‫ُمكنك أن تتعلَّمي رؤية األكاذيب‪ ...‬وبمجرَّد أن تتعلَّمي فلن يأمن ِ‬
‫منك ِسر»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬إذن في‬
‫‪« -‬علِّمني»‪ .‬ستُصبِح ال أحد ما دا َم هذا ما يتطلَّبه األمر‪ .‬إذا كانت ال أحد فلن تكون في داخلها فجوة‪.‬‬
‫فائدتك إذا‬
‫ِ‬ ‫مك»‪ ،‬قال الرَّجل الطيِّب إذ ظه َرت اللَّقيطة خارج بابها‪« .‬بدايةً بلُغة (براڤوس)‪ .‬ما‬ ‫‪« -‬هي ستُ َعلِّ ِ‬
‫غتك‪ ،‬وبهذا ستتعلَّم كلتاكما معًا من األخرى‪ .‬هل ستفعلين‬ ‫ت لُ ِ‬ ‫ت ال تتكلَّمينها أو تفهمينها؟ وستُ َعلِّمينها أن ِ‬ ‫كن ِ‬
‫هذا؟»‪.‬‬
‫أجابَت‪« :‬نعم»‪ ،‬ومنذ تلك اللَّحظة باتَت مبتدئةً في (دار األبيض واألسود)‪ .‬أخذوا منها مالبس الخدم‬
‫بدال منها ردا ًء من األبيض واألسود شديد النُّعومة كالدِّثار األحمر القديم الذي كانت تتغطَّى به‬ ‫وأعطوها ً‬
‫في (وينترفل)‪ ،‬وتحته ارتدَت ثيابًا داخليَّةً من الكتَّان األبيض النَّاعم وسُترةً تحتيَّةً سوداء تدلَّت على جسدها‬
‫متجاوزةً رُكبتيها‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين تقضي واللَّقيطة أوقاتهما معًا في لمس األشياء واإلشارة إليها‪ ،‬وك ٌّل منها تُ ِ‬
‫حاول تعليم‬
‫ُمل‬
‫ت أصعب‪ ،‬ثم ج ٍ‬ ‫ت بسيطة ككوب وشمعة وحذاء‪ ،‬ثم كلما ٍ‬ ‫ت من لُغتها‪ .‬بدأتا بكلما ٍ‬ ‫األخرى بضع كلما ٍ‬
‫ق واحدة حتى ترتعد‪ ،‬وبَعدها أرسلَها‬ ‫كاملة‪ .‬في الماضي اعتا َد سيريو فورل أن يجعلها تقف على سا ٍ‬
‫ورقصت آريا رقصة المياه على فروع األشجار وفي يدها سيف من خشب‪ .‬كلُّ هذه‬ ‫َ‬ ‫طارد القِطط‪،‬‬ ‫تُ ِ‬
‫األشياء كان صعبًا‪ ،‬لكن هذا أصعب‪.‬‬
‫حتى الخياطة كانت أمتع من اللُّغات‪ ،‬قالت لنفسها في ليل ٍة بَعد أن نسيَت نِصف الكلمات التي ظنَّت أنها‬
‫تعلَّمتها وأسا َءت نُطق النِّصف اآل َخر لدرج ٍة أضح َكت اللَّقيطة منها‪ .‬عباراتي معو َّجة كما كانت ُغرزي‪ .‬لو‬
‫بدال من ذلك‪ .‬أغبى‬‫لم تكن الفتاة صغيرةً مهزولةً له َّشمت آريا وجهها السَّخيف‪ ،‬لكنها را َحت تَمضُغ شفتها ً‬
‫من أن أتعلَّم وأغبى من أن أستسلم‪.‬‬
‫تعلَّمت اللَّقيطة ال ُّلغة العاميَّة أسرع‪ ،‬وذات ليل ٍة التفتَت إليها وسألَتها‪َ « :‬من أن ِ‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫أجابَتها آريا بالبراڤوسيَّة‪« :‬ال أحد»‪.‬‬
‫‪« -‬كاذبة‪ .‬يجب أن تكذبي مفضَّل»‪.‬‬
‫ضح َكت آريا قائلةً‪« :‬مفضَّل؟ تعنين أفضل يا حمقاء»‪.‬‬
‫سأريك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أفضل يا حمقاء‪.‬‬
‫في اليوم التَّالي بدأتا لُعبة األكاذيب التي تتبادَل فيها كلتاهما إلقاء األسئلة على األخرى‪ .‬أحيانًا تُجيبان‬
‫حاول التَّفريق بين هذا وذاك‪ .‬بدا أن اللَّقيطة تعرف دائ ًما‪ ،‬أ َّما آريا‬
‫صدقًا وأحيانًا تكذبان‪ ،‬وعلى السَّائلة أن تُ ِ‬
‫فعليها أن تُ َخ ِّمن‪ ،‬وأكثر الوقت يكون تخمينها خاطئًا‪.‬‬
‫عندك؟»‪ ،‬فجاوبَت آريا‪« :‬عشرة»‪ ،‬ورف َعت عشرة‬ ‫ِ‬ ‫في م َّر ٍة سألَتها اللَّقيطة باللُّغة العاميَّة‪« :‬كم عا ًما‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫أصابع‪ .‬ظنُّها أنها ال تزال في العاشرة‪ ،‬ولو أن التَّيقُّن عويص‪ ،‬كما أن البراڤوسيِّين يع ُّدون األيام‬
‫مختلف عن الوستروسيِّين‪ .‬ربما َح َّل يوم ميالدها وانقضى بالفعل‪.‬‬
‫عندك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أومأَت اللَّقيطة برأسها ور َّدت آريا اإليماءة‪ ،‬وبأفضل ما تعرف من البراڤوسيَّة سألَت‪« :‬كم عا ًما‬
‫أ َرتها اللَّقيطة عشرة أصابع‪ ،‬ثم عشرةً أخرى‪ ،‬ثم عشرةً أخرى‪ ،‬ثم ستَّة‪ .‬ظَ َّل وجهها بهدوء المياه الرَّاكدة‪،‬‬
‫ت كاذبة»‪ ،‬فه َّزت‬ ‫وف َّكرت آريا‪ :‬ال يُمكن أن تكون في السَّادسة والثَّالثين‪ ،‬إنها بنت صغيرة‪ .‬قالت لها‪« :‬أن ِ‬
‫اللَّقيطة رأسها نفيًا وأ َرتها ثانيةً‪ 14 :‬و‪ 14‬و‪ 14‬و‪ ،4‬وقالت مقابل ‪ 94‬بالبراڤوسيَّة وجعلَت آريا تُ َردِّدها‪.‬‬
‫أخب َرت الرَّجل الطيِّب بما ا َّدعته اللَّقيطة في اليوم التَّالي‪ ،‬فقال الكاهن مقهقهًا‪« :‬لم تكذب‪َ .‬من تُ َس ِّمينها‬
‫ضت حياتها في خدمة اإلله عديد الوجوه‪ .‬لقد سلَّمته كيانها كلَّه وك َّل ما كان يُمكن أن‬ ‫اللَّقيطة امرأة بالغة ق َ‬
‫تكونه وك َّل ما في داخلها من حيوات»‪.‬‬
‫عضَّت آريا شفتها‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل سأصب ُح ِمثلها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬ما لم تُريدي ذلك‪ .‬السُّموم هي ما جعلَها تبدو كما ترينها»‪.‬‬
‫فرغ اللَّقيطة إبريقًا حجريًّا في مياه البِركة السَّوداء‪.‬‬
‫السُّموم‪ .‬اآلن تفهم‪ .‬ك َّل ليل ٍة بَعد الصَّالة تُ ِ‬
‫حين إلى آخَر يزور غيرهما (دار‬‫ليست اللَّقيطة والرَّجل الطيِّب خاد َمي اإلله عديد الوجوه الوحيديْن‪ ،‬فمن ٍ‬
‫األبيض واألسود)‪ .‬الرَّجل البدين له عينان سوداوان شرستان وأنف معقوف وفم عريض مليء باألسنان‬
‫وصاحب الوجه الصَّارم ال يبتسم أبدًا وعيناه شاحبتان وشفتاه ممتلئتان داكنتان‪ ،‬والوسيم يتغيَّر‬ ‫ِ‬ ‫المصفرَّة‪،‬‬
‫لون لحيته كلَّما رأته ويتغيَّر شكل أنفه أيضًا‪ ،‬لكنه يتحلَّى دو ًما بالوسامة‪ .‬هؤالء الثَّالثة أكثر من يأتون‪،‬‬
‫لكن هنالك آخَ رين‪ِ ،‬مثل ضيِّق العينين واللورد الصَّغير والرَّجل المهزول‪ .‬في م َّر ٍة جا َء البدين وضيِّق‬
‫العينين معًا‪ ،‬فأرسلَت أوما آريا تصبُّ لهما ال َّشراب‪ ،‬وكان الرَّجل الطيِّب قد قال لها‪« :‬عندما ال تصبِّين‬
‫ُمكنك هذا؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كأنك منحوتة من الحجر‪ .‬هل ي‬‫ِ‬ ‫عليك أن تقفي ثابتةً‬
‫ِ‬
‫زمن طويل في‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬نعم»‪ .‬قبل أن تتعلَّمي الحركة يجب أن تتعلَّمي الثَّبات‪ .‬سيريو فورل أوصاها بهذا منذ‬
‫(كينجز الندنج)‪ ،‬ولقد تعلَّمت‪ .‬في (هارنهال) عملَت آريا ساقيةً عند رووس بولتون‪ ،‬الرَّجل الذي يُمكنه أن‬
‫يَسلُخك إذا سكبت نبيذه‪.‬‬
‫عليك أن‬
‫ِ‬ ‫قال الرَّجل الطيِّب‪« :‬عظيم‪ .‬واألفضل أن تكوني عمياء ص َّماء أيضًا‪ .‬ربما تسمعين أشياء‪ ،‬لكن‬
‫تَترُكيها تَد ُخل من أُ ٍ‬
‫ذن وتَخرُج من الثَّانية‪ .‬ال تُ ِ‬
‫نصتي»‪.‬‬
‫سم َعت آريا الكثير والكثير ليلتها‪ ،‬لكن معظمه تقريبًا كان بلُغة (براڤوس)‪ ،‬وبالكاد فه َمت كلمةً من عشر‪.‬‬
‫قالت لنفسها‪ :‬بثبات الحجر‪ ،‬لكنها وجدَت مقاومة التَّثاؤب صعبةً‪ ،‬وقبل نهاية اللَّيل كان ذهنها قد شر َد‬
‫بعيدًا‪ ،‬وإذ وقفَت هناك حاملةً اإلبريق حل َمت بأنها ذئبة تَر ُكض ح َّرةً في غاب ٍة يُنيرها القمر وفي أعقابها‬
‫قطيع عظيم يعوي‪.‬‬
‫في الصَّباح التَّالي سألَت الرَّجل الطيِّب‪« :‬هل الرِّ جال اآلخَرون كهنة كلُّهم؟ أتلك وجوههم الحقيقيَّة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ماذا تحسبين أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬
‫قالت لنفسها‪ :‬ال‪ ،‬وقالت له‪« :‬هل چاڬن هاجار كاهن أيضًا؟ هل تعرف إن كان چاڬن سيعود إلى‬
‫(براڤوس)؟»‪.‬‬
‫ببراء ٍة سألَها‪َ « :‬من؟»‪.‬‬
‫‪« -‬چاڬن هاجار! لقد أعطاني العُملة الحديد»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعرف أحدًا بهذا االسم أيتها الصَّغيرة»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال‬
‫ُ‬
‫عرفت الوسيلة»‪.‬‬ ‫اسم جديد إذا‬
‫‪« -‬سألته كيف يُبَدِّل مالمحه وقال إن هذا ليس أصعب من انتحال ٍ‬
‫‪« -‬حقًّا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هل ستُريني كيف أب ِّد ُل مالمحي؟»‪.‬‬
‫لسانك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأخرجي‬
‫ِ‬ ‫وجنتيك‬
‫ِ‬ ‫ك ذقنها بأصابعه ود َّور رأسها مردفًا‪« :‬انفُخي‬
‫ت»‪ ،‬وأمس َ‬
‫قال‪« :‬إذا أرد ِ‬
‫وأخرجت لسانها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ونفخَت آريا وجنتيها‬
‫المحك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ها قد تب َّدلت م‬
‫أعن هذا‪ .‬چاڬن استخد َم السِّحر»‪.‬‬
‫‪« -‬لم ِ‬
‫‪« -‬كلُّ السِّحر يأتي بتكلفته أيتها الصَّغيرة‪ ،‬وال بُ َّد من سنين من الصَّالة والتَّضحية والدِّراسة إلتقان‬
‫التَّمويه»‪.‬‬
‫ر َّددت مصدومةً‪« :‬سنين؟!»‪.‬‬
‫سهال لفعلَه البَشر كلُّهم‪ .‬يجب أن تمشي قبل أن تجري‪ .‬لِ َم تستخدمين تعويذةً بينما تَصلُح‬
‫ً‬ ‫‪« -‬لو كان ذلك‬
‫حيل الممثِّلين؟»‪.‬‬
‫ي حيل ممثِّلين كذلك»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أعرف أ َّ‬ ‫‪« -‬ال‬
‫وجهك‪ ،‬وجنتاك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لدك عضالت‪ ،‬فتعلَّمي كيف تستخدمينها‪ .‬هذا‬ ‫بقسماتك‪ .‬تحت ِج ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬تمرَّني على التَّال ُعب‬
‫إرادتك‪ .‬الواجب أن تكون‬
‫ِ‬ ‫وجهك دون‬
‫ِ‬ ‫بالظهور على‬‫ُّ‬ ‫تك االبتسام والعبوس‬ ‫شفتاك‪ ،‬أُ ِ‬
‫ذناك‪ .‬يجب َّأال يُبا ِغ ِ‬ ‫ِ‬
‫وجهك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لك وتأتي فقط حين تستدعينها‪ .‬تعلَّمي أن تتح َّكمي في‬ ‫االبتسامة خادمةً ِ‬
‫أرني كيف»‪.‬‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫حاجبيك‪ .‬ال‪ ،‬أعلى»‪ ،‬ففعلَت هذا أيضًا‪« .‬عظيم‪ .‬انظُري كم من‬ ‫ِ‬ ‫وجنتيك»‪ ،‬ففعلَت‪« .‬ارفعي‬
‫ِ‬ ‫قال‪« :‬انفُخي‬
‫طويال‪ ،‬لكن ج ِّربي ثانيةً غدًا‪ .‬ستجدين مرآةً مايريَّة في‬ ‫ً‬ ‫الوقت تستطيعين إبقاءهما هكذا‪ .‬لن يستم َّر هذا‬
‫األقبية‪ .‬تمرَّني أمامها ساعةً ك َّل يوم‪ .‬العينان والمنخران والوجنتان واألُذنان وال َّشفتان‪ ،‬تعلَّمي التَّح ُّكم فيها‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫جميعًا»‪ ،‬وعا َد يض ُّم أصابعه على ذقنها ويسألها‪َ « :‬من أن ِ‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫‪« -‬كذبة‪ ،‬كذبة محزنة أيتها الصَّغيرة»‪.‬‬
‫صباح وك َّل مسا ٍء‬
‫ٍ‬ ‫وجدَت المرآة المايريَّة في اليوم التَّالي‪ ،‬وتع َّودت الجلوس أمامها تتالعَب بقسماتها ك َّل‬
‫وجهك وستستطيعين الكذب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وعلى جانبيها شمعتين‪ .‬تح َّكمي في‬
‫بَعدها بفتر ٍة قصيرة أم َرها الرَّجل الطيِّب بمساعَدة ال ُمعاونين على تجهيز الجُثث‪ ،‬فلم تجد في عملها هذا‬
‫ق عليها ثِقلها‪ ،‬لكن أكثر‬ ‫صعوبةً تُداني تنظيف السَّاللم لويز‪ .‬أحيانًا إذا كانت الجثَّة كبيرةً أو سمينةً يش ُّ‬
‫الموتى عظام قديمة جافَّة تحت جلو ٍد متغضِّنة‪ ،‬وبينما تُ َغسِّلهم آريا تتطلَّع إليهم وتتسا َءل ع َّما دف َعهم إلى‬
‫البِركة السَّوداء‪ .‬تذ َّكرت حكايةً ر َوتها العجوز نان عن األشتية الطَّويلة‪ ،‬وكيف يُعلِن َمن يبلغون من ال ِكبر‬
‫عتيًّا أنهم ذاهبون للصَّيد‪ ،‬وسم َعت العجوز نان تقول‪ :‬فتبكي بناتهم ويُشيح أبناؤهم بوجوههم إلى النَّار‪ ،‬لكن‬
‫ال أحد يمنعهم أو يسألهم عن الفرائس التي ينتوون اقتناصها في الثُّلوج العميقة بينما تعوي الرِّيح الباردة‪.‬‬
‫تساءلَت ع َّما يقوله البراڤوسيُّون العجائز ألبنائهم وبناتهم قبل أن يرحلوا إلى (دار األبيض واألسود)‪.‬‬
‫دا َر القمر ودا َر ثانيةً ولو أن آريا لم ت َره‪ .‬ظلَّت تخدم وتُ َغسِّل الموتى وتتالعَب بقسماتها في المرآة وتتعلَّم‬
‫حاول أن تتذ َّكر أنها ال أحد‪.‬‬
‫البراڤوسيَّة وتُ ِ‬
‫ت تكفي لجعل‬ ‫لكنك تعرفين كلما ٍ‬
‫ِ‬ ‫لهجتك شنيعة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ثم أرس َل الرَّجل الطيِّب يستدعيها ذات يوم‪ ،‬وقال لها‪« :‬‬
‫النَّاس يفهمون ما تُريدينه إلى َح ٍّد ما‪ .‬حانَ الوقت ألن تَترُكينا فترةً‪ .‬الطَّريقة الوحيدة التي ستُجيدين بها‬
‫لُغتنا حقًّا أن تتكلَّميها من الغسق إلى الفَجر‪ .‬يجب أن تُغا ِدري»‪.‬‬
‫سألَته‪« :‬متى؟ إلى أين؟»‪.‬‬
‫ت مرادفات بلح البحر وأُم‬‫‪« -‬اآلن‪ .‬وراء هذه الجُدران ستجدين جُزر (براڤوس) المئة في بحرها‪ .‬لقد تعلَّم ِ‬
‫الخلول والمحار‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫أجابَت‪« :‬نعم»‪ ،‬ور َّددتها بأفضل براڤوسيَّة تقدر عليها‪.‬‬
‫جعلَته أفضل براڤوسيَّة تقدر عليها يبتسم‪ ،‬وقال‪« :‬ال بأس‪ .‬على األرصفة قبل (البلدة الغارقة) ستجدين‬
‫أسماك اسمه بروسكو‪ ،‬رجل صالح يُعاني تعبًا في ظَهره‪ .‬إنه في حاج ٍة إلى فتا ٍة تدفع عربته وتبيع أُم‬
‫ٍ‬ ‫تاجر‬
‫ال ُخلول والمحار وبلح البحر للبحَّارة‪ .‬ستكونين هذه الفتاة‪ ،‬مفهوم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم»‪.‬‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫يسألك بروسكو ف َمن أن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ول َّما‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬لن يَصلُح ذلك خارج هذه ال َّدار»‪.‬‬
‫قالت بَعد تر ُّدد‪« :‬يُمكنني أن أكون ِملحة من ( َّ‬
‫المالحات)»‪.‬‬
‫إنك موسومة بالطَّريقة التي تتكلَّمين بها‪ ،‬ولذا يجب‬
‫« ِملحة معروفة لترنيسيو تيريس ورجال (ابنة المارد)‪ِ .‬‬
‫أن تكوني فتاةً من (وستروس)‪ ...‬لكن فتاة مختلفة على ما ُّ‬
‫أظن»‪.‬‬
‫عضَّت شفتها متسائلةً‪« :‬أيُمكنني أن أكون كات؟»‪.‬‬
‫ف َّكر لحظةً‪ ،‬ثم قال‪« :‬كات‪ ،‬نعم‪( .‬براڤوس) تعجُّ بالقِطط‪ ،‬ولن يلحظ أحد قطَّةً إضافيَّةً‪ .‬أن ِ‬
‫ت كات‪ ،‬يتيمة‬
‫من‪.»...‬‬
‫زارت (الميناء األبيض) مع أبيها مرَّتين‪ ،‬لكن معرفتها ب(كينجز الندنج)‬ ‫َ‬ ‫‪(« -‬كينجز الندنج)»‪ .‬لقد‬
‫أفضل‪.‬‬
‫أبوك كان ُمشرف َّ‬
‫مالحين على متن قادس‪ ،‬ول َّما ماتَت أ ُّم ِك أخ َذ ِك معه إلى البحر‪ ،‬ثم ماتَ‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬بالضَّبط‪.‬‬
‫بدوره ولم يجد ُربَّانه حاجةً ِ‬
‫إليك‪ ،‬فأنزلَ ِك من السَّفينة في (براڤوس)‪ .‬وماذا كان اسم السَّفينة؟»‪.‬‬
‫أجابَت من فورها‪(« :‬نايميريا)»‪.‬‬
‫ليلتها تر َكت (دار األبيض واألسود)‪ ،‬على َوركها األيمن س ِّكين حديدي طويل يُخفيه معطفها المرقَّع‬
‫لمعطف ترتديه فتاة يتيمة أن يكون‪ .‬كان حذاؤها ضيِّقًا على أصابع قدميها وسُترتها‬ ‫ٍ‬ ‫الباهت كما ينبغي‬
‫خفيفةً لدرجة أن الرِّيح تخلَّلتها مباشرةً‪ ...‬لكن (براڤوس) تمت ُّد أمامها‪ ،‬وهواء اللَّيل يعبق بروائح ال ُّدخان‬
‫بفضول وهي تمرُّ وناداها األطفال‬ ‫ٍ‬ ‫والملح واألسماك‪ ،‬والقنوات ملتوية واألزقَّة أكثر التوا ًء‪ .‬رمقَها النَّاس‬
‫يمض وقت طويل قبل أن تتوه في المدينة تما ًما‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت لم تفهمها‪ ،‬ولم‬
‫المتس ِّولون بكلما ٍ‬
‫قط َعت جسرًا حجريًّا تحمله أربع قناطر‪ ،‬ومن منت َ‬
‫صفه رأت صواري السُّفن الرَّاسية في (ميناء راجمان)‪،‬‬
‫وبينما تمشي ترنَّمت‪« :‬السير جريجور‪ ،‬دانسن‪ ،‬راف المعسول‪ ،‬السير إلين‪ ،‬السير مرين‪ ،‬الملكة‬
‫سرسي»‪ .‬بدأ المطر يَسقُط‪ ،‬ورف َعت آريا وجهها لتغسله القطرات شاعرةً بسعاد ٍة بالغة تجعلها ترغب في‬
‫الرَّقص‪ ،‬وأضافَت‪« :‬ڤاالر مورجولِس‪ ،‬ڤاالر مورجولِس‪ ،‬ڤاالر مورجولِس»‪.‬‬
‫إليني‬
‫تدفَّق ضوء ال َّشمس المشرقة من النَّوافذ لتعتدل إليني جالسةً في فِراشها وتتمطَّى‪ ،‬وسم َعتها جرتشل تتحرَّك‬
‫حضر لها معطفها‪ ،‬إذ كان المسكن قد بر َد خالل اللَّيل‪ .‬وما إن يستب َّد بنا ال ِّشتاء سيكون‬
‫ضت في الحال تُ ِ‬‫فنه َ‬
‫الطَّقس أسوأ هنا‪ .‬ال ِّشتاء سيجعل هذا المكان باردًا كمقبرة‪ .‬ارتدَت إليني المعطف وربطَته حول خصرها‬
‫قائلةً‪« :‬النَّار تكاد تنطفئ‪ .‬ضعي المزيد من الحطب إذا سمح ِ‬
‫ت» ‪.‬‬
‫قالت العجوز‪« :‬كما ترغب سيِّدتي»‪.‬‬
‫ض َعت فيها حين كانت الليدي‬ ‫مسكنها في (بُرج العذراء) أوسع وأفخم من ُغرفة النَّوم الصَّغيرة التي ُو ِ‬
‫اليسا حيَّةً‪ ،‬ولها اآلن ُغرفة تبديل مالبس ومرحاض خاصَّان بها‪ ،‬باإلضافة إلى ُشرف ٍة من الحجر األبيض‬
‫وخرجت‬ ‫َ‬ ‫المنحوت تطلُّ على (الوادي)‪ .‬بينما تولَّت جرتشل إذكاء النَّار قط َعت إليني ال ُغرفة حافية القدمين‬
‫إلى ال ُّشرفة‪.‬‬
‫كانت األحجار باردةً تحت قدميها والرِّيح تعوي بشراس ٍة كما تفعل هنا دائ ًما‪ ،‬لكن المنظر جعلَها تنسى ك َّل‬
‫جاعال (الوادي) كلَّه يمت ُّد‬
‫ً‬ ‫هذا بُرهةً‪ .‬يقع (بُرج العذراء) في أقصى شرق أبراج (العُش) الرَّفيعة السَّبعة‪،‬‬
‫أمامها بغاباته ونهوره وحقوله المبهَمة في ضوء الصَّباح‪ ،‬وقد سقطَت أشعَّة ال َّشمس على الجبال جاعلةً‬
‫الذهب الخالص‪.‬‬ ‫إياها تبدو كأنها من َّ‬
‫يا لل َجمال‪ .‬من فوقها تلوح ق َّمة (رُمح العمالق) الملتحفة بالثُّلوج‪ .‬يُقَ ِّزم الجبل الهائل بصخوره وجليده القلعة‬
‫القابعة على منكبه‪ ،‬بينما تتدلَّى ُكتل من الجليد بطول عشرين قد ًما على شفا الجُرف الذي تنهمر عليه‬
‫آخرهما في‬ ‫(دموع أليسا) في الصَّيف‪ ،‬وفوق ال َّش َّالل المتج ِّمد يُ َحلِّق صقر بجناحين أزرقين مبسوطين عن ِ‬
‫ك جناحين أيضًا‪.‬‬ ‫سماء الصَّباح‪ .‬يا ليتني أمل ُ‬
‫قدم‬‫أراحت يديها على الحاجز الحجري وجعلَت نفسها تُلقي نظرةً من فوق الحافة‪ ،‬فرأت تحتها بستِّمئة ٍ‬ ‫َ‬
‫القلعة الفرعيَّة (سماء) وال َّدرجات الحجريَّة المنحوتة في جسم الجبل‪ ،‬الطَّريق الملتف الذي يمرُّ ب(ثلج)‬
‫نازال إلى أرض الوادي‪ ،‬ورأت أيضًا أبراج وحصون (ب َّوابات القمر) صغيرةً كلُعب األطفال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫و(حجر)‬
‫كنمل يزحف من كثيبه‪ .‬لو‬ ‫ٍ‬ ‫وقد بدأ رجال لوردات البيان حول أسوارها يتحرَّكون خارجين من خيامهم‬
‫نمال حقًّا لدهسناهم وسحقناهم‪.‬‬‫كانوا ً‬
‫قبل يومين انض َّم اللورد هنتر اليافع وجنوده إلى اآلخَ رين‪ .‬كان نستور رويس قد أغل َ‬
‫ق (ب َّوابات القمر)‬
‫جلب ك ٌّل من لوردات البيان الستَّة ألف رجل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أمامهم‪ ،‬لكن في حاميته أق َّل من ثالثمئة رجل‪ ،‬في حين‬
‫ُ‬
‫تعرف إليني أسماءهم كما تعرف اسمها‪ :‬بنيدار بلمور سيِّد (األغرودة)‪ ،‬وسايموند تمپلتون فارس (النُّجوم‬
‫التِّسع)‪ ،‬وهورتون ردفورت سيِّد (ردفورت)‪ ،‬وآينا واينوود سيِّدة (السَّنديانة الحديديَّة)‪ ،‬وجيلوود هنتر سيِّد‬
‫(بهو القوس الطَّويل) الذي يُلَقِّبه القاصي وال َّداني باللورد هنتر اليافع‪ ،‬باإلضافة إلى يون رويس‪ ،‬أقواهم‬
‫جميعًا‪ ،‬يون البرونزي المهيب سيِّد (رونستون)‪ ،‬ابن عمومة نستور وزعيم الفرع األعلى من عائلة‬
‫رويس‪ .‬اجتم َع ستَّتهم في (رونستون) بَعد سقطة الليدي اليسا‪ ،‬وهناك تعاهَدوا معًا وتعهَّدوا أن يُدافِعوا عن‬
‫اللورد روبرت و(الوادي) وبعضهم بعضًا‪ .‬لم يَذ ُكر بيانهم اللورد الحافِظ‪ ،‬وإن ور َد فيه كالم عن «سوء‬
‫يوضع له َح ٌّد و«األصدقاء ال َّزائفين والمستشارين األشرار» أيضًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫الحُكم» الذي يجب أن‬
‫هبَّت الرِّيح الباردة ضاربةً ساقيها‪ ،‬فدخلَت لتختار فُستانًا تتنا َول إفطارها فيه‪ .‬كان پيتر قد أعطاها مالبس‬
‫ي شي ٍء حل َمت به‪ ،‬وإن كان‬ ‫زوجته الرَّاحلة‪ ،‬ثروةً من الحرير والسَّاتان والمخمل والفراء أفخر من أ ِّ‬
‫السَّواد األعظم منها كبير المقاس عليها للغاية‪ ،‬إذ امتألَ جسد الليدي اليسا كثيرًا خالل سلسلة الحمل‬
‫واإلمالص واإلجهاض الطَّويلة التي مرَّت بها‪ .‬على أن بعضًا من الفساتين القديمة كان مفص ًَّال لل َّشابَّة‬
‫ناسب مقاس إليني‪ ،‬التي تكاد‬ ‫اليسا تَلي سليلة (ريڤر َرن)‪ ،‬وث َّمة فساتين أخرى استطاعَت جرتشل تعديلها لتُ ِ‬
‫ساقاها في ِسنِّ الثَّالثة عشرة تَبلُغان طول ساقَي خالتها ل َّما كانت في العشرين‪.‬‬
‫هذا الصَّباح لفتَ نظرها فُستان مبرقَش بأحمر وأزرق عائلة تَلي ومبطَّن بفرو السَّناجب‪ ،‬وساعدَتها‬
‫جرتشل على دَسِّ ذراعيها في ال ُك َّمين الواسعين وعقدَت األربطة على ظَهرها‪ ،‬ثم م َّشطت َشعرها وثبَّتته‬
‫بلون داكن ثانيةً‪ ،‬وكانت الصَّبغة التي أعطَتها‬ ‫ٍ‬ ‫بال َّدبابيس‪ .‬ليلة البارحة قبل ذهابها إلى النَّوم صبغَته إليني‬
‫خالتها إياها قد ب َّدلت لون َشعرها الكستنائي الغني بلون َشعر إليني البنِّي المحروق‪ ،‬لكن نادرًا ما يطول‬
‫ُعاود األحمر ال َّزحف على جذوره من جديد‪ .‬وماذا أفع ُل حين تنفد الصَّبغة؟ لقد ُجلِبَت من‬ ‫الوقت قبل أن ي ِ‬
‫(تايروش) وراء (البحر الضيِّق)‪.‬‬
‫في طريقها إلى أسفل لتنا ُول الفطور عادَت ال َّدهشة تُصيب إليني من سكون (العُش)‪ ،‬التي ال تو َجد قلعة‬
‫ت خفيضة كي ال‬ ‫أكثر هدو ًءا منها في (الممالك السَّبع) كلِّها‪ .‬الخدم هنا قليلون ومسنُّون ويتكلَّمون بأصوا ٍ‬
‫َمجر أو فُرسان يتمرَّنون‬ ‫يُز ِعجوا اللورد الصَّغير‪ ،‬وليست هناك خيول على الجبل أو كالب صي ٍد تنبح وتُز ِ‬
‫في السَّاحة‪ ،‬وحتى وقع أقدام ال ُحرَّاس يبدو مكتو ًما وهُم يقطعون األروقة الحجريَّة ال َّشاحبة‪ .‬تسمع إليني‬
‫تئن وتتنهَّد حول البُرج‪ ،‬لكن هذا كلُّ شيء‪ .‬في بداية مجيئها إلى (العُش) كانت تسمع خرير (دموع‬ ‫الرِّيح ُّ‬
‫أليسا) أيضًا‪َّ ،‬إال أن ال َّش َّالل تج َّمد‪ ،‬وقالت جرتشل إنه سيبقى صامتًا حتى الرَّبيع‪.‬‬
‫بفتور في وعا ٍء كبير من الثَّريد‬ ‫ٍ‬ ‫وجدَت اللورد روبرت وحده في (قاعة الصَّباح)‪ ،‬يدفع ملعقةً خشبيَّةً‬
‫ت مسلوقة ولح ًما مق َّددًا»‪.‬‬ ‫أردت ثالث بيضا ٍ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أردت أن آكل البيض‪،‬‬ ‫والعسل‪ ،‬وحين رآها قال متب ِّر ًما‪« :‬‬
‫ليس عندهم بيض أو لحم مق َّدد‪ .‬حاليًّا تحوي صوامع الغالل في (العُش) من ال ُّشوفان وال ُّذرة وال َّشعير ما‬
‫يكفي إلطعامهم عا ًما‪ ،‬لكنهم يعتمدون على الفتاة النَّغلة المس َّماة ميا ستون في إحضار األغذية الطَّازجة من‬
‫الوادي باألسفل‪ ،‬واآلن مع عسكرة لوردات البيان عند سفح الجبل فال سبيل لميا للمرور‪ .‬كان اللورد‬
‫قائال في رسالته‬ ‫بلمور ‪-‬أول من وص َل إلى (ب َّوابات القمر) من الستَّة‪ -‬قد أرس َل ُغدافًا إلى اإلصبع الصَّغير ً‬
‫ُرسل إليه اللورد روبرت‪ .‬إنه ليس حصارًا بع ُد‪ ،‬لكنه‬ ‫إن ال مزيد من الطَّعام سيصعد إلى (العُش) ما لم ي ِ‬
‫أقرب شي ٍء إليه‪.‬‬
‫ضا‬
‫بيض حين تأتي ميا‪ .‬ستجلب بي ً‬ ‫ٍ‬ ‫وعدَت إليني اللورد الصَّغير قائلةً‪« :‬يُمكنك أن تأكل ك َّل ما تُريده من‬
‫و ُزبدةً وش َّما ًما وك َّل األصناف ال َّشهيَّة»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أردت بيضًا اليوم!»‪.‬‬‫قال الصَّبي دون أن يبدو عليه الرِّ ضا‪« :‬‬
‫ر َّدت‪« :‬ليس هناك بيض يا ُعصفوري الجميل‪ ،‬تعلم هذا‪ .‬أرجوك‪ُ ،‬كل ثريدك‪ ،‬إنه لذيذ للغاية»‪ ،‬وأكلَت‬
‫ملعقةً منه‪.‬‬
‫عا َد روبرت يدفع الملعقة في الوعاء لكنه لم يرفعها إلى فمه‪ ،‬وأخيرًا قال‪ُ « :‬‬
‫لست جائعًا‪ .‬أري ُد العودة إلى‬
‫ظللت أسمعه»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سمعت غنا ًء! ال ِمايستر كولمون سقاني نبيذ النَّوم لكني‬
‫ُ‬ ‫الفِراش‪ .‬لم أنم ليلة أمس‪.‬‬
‫وض َعت إليني ملعقتها قائلةً‪« :‬لو كان هناك غناء لسمعته أيضًا‪ .‬لقد رأيت حُل ًما سيِّئًا ال أكثر»‪.‬‬
‫أبوك يقول إنه ماتَ لكنه‬
‫ِ‬ ‫قال وقد اغرورقَت عيناه بال ُّدموع‪« :‬ال‪ ،‬لم يكن حُل ًما‪ .‬ماريليون كان يُ َغنِّي ثانيةً‪.‬‬
‫لم يَ ُمت»‪.‬‬
‫‪« -‬بل ماتَ »‪ .‬أرعبَها أن تسمعه يتكلَّم هكذا‪ .‬سيِّئ كفايةً أنه ضئيل سقيم‪ .‬ماذا لو كان مجنونًا أيضًا؟ «إنه‬
‫يستطع الحياة بَعد ما فعلَه بها‪ ،‬فخطا‬
‫ِ‬ ‫ميت يا ُعصفوري الجميل‪ .‬ماريليون أحبَّ السيِّدة والدتك كثيرًا ولم‬
‫تشك في حقيقة موت المغنِّي‪« .‬لقد ماتَ ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫إلى السَّماء»‪ .‬لم ت َر إليني الجثَّة كما لم ي َرها روبرت‪ ،‬لكنها ال‬
‫حقًّا»‪.‬‬
‫ق النَّوافذ وأض ُع وسادةً على رأسي‪ .‬كان على ِ‬
‫أبيك أن يقطع لسانه‪.‬‬ ‫‪« -‬لكني أسمعه ك َّل ليلة‪ ،‬حتى حين أغل ُ‬
‫رفض»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قلت له أن يقطعه لكنه‬
‫مهذبًا و ُكل ثريدك‪ .‬أرجوك‪ ،‬ألجل‬ ‫َّ‬ ‫لسان ليعترف‪ .‬ناشدَته إليني قائلةً‪ُ « :‬كن صبيًّا‬
‫ٍ‬ ‫كان في حاج ٍة إلى‬
‫خاطري»‪.‬‬
‫صاح روبرت‪« :‬ال أري ُد الثَّريد»‪ ،‬وط َّوح بملعقته عبر القاعة لترتطم بمعلَّق ٍة وترت َّد عنها تاركةً لطخةً من‬ ‫َ‬
‫قمر من الحرير األبيض‪« .‬اللورد يُريد بيضًا!»‪.‬‬ ‫الثَّريد على ٍ‬
‫قال صوت پيتر من ورائهما‪« :‬اللورد سيأكل الثَّريد ويكون شاكرًا»‪.‬‬
‫طر وإلى جواره ال ِمايستر كولمون‪ ،‬الذي قال‪« :‬عليك أن تُصغي إلى‬ ‫التفتَت إليني ورأته في المدخل المقن َ‬
‫حضرة اللورد الحافِظ يا سيِّدي‪ .‬اللوردات ح َملة رايتك يصعدون الجبل ليُقَدِّموا لك فروض الوالء‪،‬‬
‫وستحتاج إلى كامل ق َّوتك»‪.‬‬
‫ك روبرت عينه اليُسرى بمفصل إصبعه‪ ،‬وقال‪« :‬اصرفوهم‪ .‬ال أريدهم‪ .‬إذا أتوا سأجعلهم يطيرون»‪.‬‬
‫فر َ‬
‫قال پيتر‪« :‬إنك تُغريني بأن أفعل ذلك للغاية يا سيِّدي‪ ،‬لكني أخشى أني وعدتهم باألمان‪ ،‬وعلى ك ِّل ٍ‬
‫حال‬
‫فاتَ أوان أن يعودوا أدراجهم‪ .‬ال بُ َّد أنهم بلغوا (حجر) بالفعل»‪.‬‬
‫ولولَت إليني‪« :‬لماذا ال يدعوننا وشأننا؟ إننا لم نمسَّهم بسو ٍء قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬ماذا يُريدون منا؟»‪.‬‬
‫أجاب پيتر مبتس ًما‪« :‬اللورد روبرت فقط‪ ،‬هو و(الوادي)‪ .‬سيكونون ثمانيةً‪ .‬اللورد نستور يقودهم إلى هنا‪،‬‬
‫َ‬
‫ولين كوربراي معهم‪ .‬السير لين ليس بالرَّجل الذي يعزف عن الحضور إذا كانت إراقة الدِّماء وشيكةً»‪.‬‬
‫رجاال في النِّزال بعدد َمن قت َل في المعارك‪ ،‬وتعلم‬ ‫ً‬ ‫لم يُفلِح كالمه في تهدئة مخاوفها‪ .‬لقد قت َل لين كوربراي‬
‫أوال ضد اللورد چون آرن على أبواب (بلدة النَّوارس)‪،‬‬ ‫أنه ظف َر بفُروسيَّته في أثناء ثورة روبرت‪ ،‬إذ قات َل ً‬
‫والحقًا تحت رايته في معركة (الثَّالوث)‪ ،‬حيث قت َل األمير ليوين الدورني الذي كان فارسًا أبيض في‬
‫ال َحرس الملكي‪ .‬قال پيتر إن األمير ليوين كان مثخنًا بالجراح بالفعل حين جرفَه تيَّار المعركة إلى رقصته‬
‫األخيرة مع سيف السير لين المس َّمى (سيِّدة البؤس)‪ ،‬لكنه أضافَ ‪َّ « :‬إال أن تلك ليست نُقطةً تُريدين إثارتها‬
‫مع كوربراي‪ ،‬ف َمن يفعلون سرعان ما ينالون فُرصة سؤال مارتل نفسه عن الحقيقة في دركات الجحيم»‪.‬‬
‫إذا كان نِصف ما سم َعته من َحرس اللورد روبرت صحيحًا فلين كوربراي أخطر من ستَّة لوردات البيان‬
‫ُ‬
‫حسبت آل كوربراي يُ َؤيِّدونك»‪.‬‬ ‫مجتمعين‪ .‬سألَت پيتر‪« :‬لماذا سيأتي؟‬
‫‪« -‬اليونل كوربراي ميَّال ج ًّدا إلى حُكمي‪ ،‬لكن أخاه يَسلُك سبيله الخاص‪ .‬في معركة (الثَّالوث)‪ ،‬عندما‬
‫سقطَ أبوهما جريحًا كان لين هو من التقطَ (سيِّدة البؤس) وقت َل الرَّجل الذي أصابَه‪ ،‬وبينما حم َل اليونل‬
‫المؤخرة قا َد لين هجمةً ضد الدورنيِّين الذين يُهَدِّدون ميسرة روبرت‬ ‫ِّ‬ ‫األب العجوز إلى ال ِمايسترات في‬
‫ك بليوين مارتل‪ ،‬ولذا أسب َغ اللورد كوربراي السَّيف على ابنه األصغر لدى موته‪.‬‬ ‫وحطَّم صفوفهم وفت َ‬
‫اليونل نا َل أراضي أبيه ولقبه وقلعته وماله كلَّه‪ ،‬ومع ذلك ما زا َل يَشعُر بأنه ُسلِ َ‬
‫ب َح َّ‬
‫ق ميالده‪ .‬أ َّما السير‬
‫لين‪ ...‬إنه يحبُّ اليونل بقدر ما يحبُّني‪ .‬لقد أرا َد يد اليسا لنفسه»‪.‬‬
‫قال روبرت بعناد‪« :‬ال أحبُّ السير لين وال أريده هنا‪ .‬اجعله يعود‪ .‬لم أقل إنه يستطيع المجيء‪ ،‬ليس هنا‪.‬‬
‫أ ِّمي قالت إن (العُش) منيعة»‪.‬‬
‫قال پيتر‪« :‬أ ُّمك ماتَت يا سيِّدي‪ ،‬وحتى يوم ميالدك السَّادس عشر أنا حاكم (العُش)»‪ ،‬والتفتَ إلى الخادمة‬
‫أحضري ملعقةً أخرى لحضرة‬ ‫ِ‬ ‫محنيَّة الظَّهر التي تحوم قُرب ساللم المطبخ‪ ،‬وخاطبَها ً‬
‫قائال‪« :‬ميال‪،‬‬
‫اللورد‪ .‬إنه يُريد أن يأكل ثريده»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أريده! أري ُد أن يطير الثَّريد!»‪ .‬هذه المرَّة ط َّوح بالوعاء بما فيه من ثري ٍد وعسل‪ ،‬ليتفاداه پيتر بايلش‬
‫برشاق ٍة وسُرع ٍة ال يتمتَّع بهما ال ِمايستر كولمون‪ ،‬فأصابَه الوعاء الخشبي في صدره مباشرةً وتفجَّرت‬
‫محتوياته إلى أعلى على وجهه وكتفيه‪ .‬ولو َل الرَّجل على نح ٍو ال يليق ب ِمايستر على اإلطالق‪ ،‬في حين‬
‫وطار إبريق من الحليب‬ ‫َ‬ ‫التفتَت إليني تُهَدِّئ اللورد الصَّغير‪ ،‬ولكن متأ ِّخرًا ج ًّدا‪ .‬لقد أصابَته النَّوبة بالفعل‪،‬‬
‫ط فوقه‪ ،‬وأصابَت ساقه إليني في بطنها‬ ‫حاول أن ينهض أوق َع ُكرسيَّه إلى الوراء وسق َ‬ ‫َ‬ ‫إذ ضربَته يده‪ ،‬ول َّما‬
‫ق اآللهة»‪.‬‬ ‫بح ِّ‬
‫بق َّو ٍة أفرغَت الهواء من صدرها‪ ،‬وسم َعت پيتر يقول بامتعاض‪« :‬أوه‪َ ،‬‬
‫ت مهدِّئة‪ ،‬وزحفَت واحدة‬ ‫ل َّوثت ُكتل الثَّريد وجه ال ِمايستر كولمون و َشعره إذ رك َع فوق ُعهدته متمت ًما بكلما ٍ‬
‫منها على خدِّه األيسر كدمع ٍة بنِّيَّة رماديَّة ثقيلة‪ .‬ف َّكرت إليني محاولةً أن تكون متفائلةً‪ :‬ليست النَّوبة سيِّئةً‬
‫كالمرَّة السَّابقة‪ .‬لدى انتهاء الرَّجفة كان حارسان في معطفين ب ُزرقة السَّماء وقميصين معدنيَّين ف ِّ‬
‫ضيَّين قد‬
‫أتيا على إثر استدعاء پيتر‪ ،‬وقال لهما اللورد الحا ِفظ‪ُ « :‬خذاه إلى الفِراش ليُ َعلَّق له ال َعلق»‪ ،‬فحم َل أطولهما‬
‫قامةً الصَّبي بين ذراعيه‪ ،‬وقالت إليني لنفسها‪ :‬أستطي ُع أن أحمله بنفسي‪ .‬إنه ليس أثقل من ُدمية‪.‬‬
‫مكث كولمون لحظةً قبل أن يتبعهما‪ ،‬وقال‪« :‬سيِّدي‪ ،‬ربما األفضل أن تُؤَ جَّل هذه المفا َوضات إلى ٍ‬
‫يوم‬ ‫َ‬
‫آخَر‪ .‬لقد سا َءت نوبات حضرة اللورد منذ موت الليدي اليسا‪ ،‬صا َرت أكثر تكرارًا وأكثر ُعنفًا‪ .‬إنني أعلِّ ُ‬
‫ق‬
‫له ال َعلق متى أجر ُؤ‪ ،‬وأمز ُج له نبيذ النَّوم وحليب الخشخاش لمساعَدته على النَّوم‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬
‫قاط َعه پيتر‪« :‬إنه ينام اثنتي عشرة ساعةً في اليوم‪ ،‬وأحتا ُج إليه مستيقظًا بين الحين واآلخَر»‪.‬‬
‫تال من الثَّريد على األرض‪ ،‬وقال‪« :‬الليدي اليسا اعتادَت‬
‫مرَّر ال ِمايستر أصابعه في َشعره مسقطًا ُك ً‬
‫إرضاع حضرة اللورد متى اهتا َج‪ .‬ال ِمايستر إيبروز يقول بأن لبن األُم فيه الكثير من الخصائص‬
‫الص ِّحيَّة»‪.‬‬
‫‪« -‬أهذه مشورتك أيها ال ِمايستر؟ أن نجد ُمرضعةً لسيِّد (العُش) وحامي (الوادي)؟ متى نفطمه إذن؟ يوم‬
‫زفافه؟ هكذا ينتقل مباشرةً من حلمتَي ُمرضعته إلى حلمتَي زوجته»‪ ،‬وجعلَت ضحكة اللورد پيتر رأيه في‬
‫أظن‪ .‬أقتر ُح أن تجد وسيلةً أخرى‪ .‬الصَّبي مولع بالحلويات‪ ،‬أليس‬‫ُّ‬ ‫هذا جليًّا قبل أن يُضيف‪« :‬ال‪ ،‬ال‬
‫كذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬الحلويات؟»‪.‬‬
‫‪« -‬الحلويات‪ .‬الكعك والفطير‪ ،‬المربَّى والهُالم‪ ،‬أقراص العسل‪ .‬ربما ر َّشة من حُلو الكرى في حليبه‪ ،‬هل‬
‫جرَّبت هذا؟ ر َّشة صغيرة لتهدئته وإيقاف تلك الرَّجفة اللَّعينة»‪.‬‬
‫ر َّدد كولمون‪« :‬ر َّشة؟»‪ ،‬وتحرَّكت تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل إذ ازدر َد ريقه‪ ،‬ثم قال‪« :‬ر َّشة واحدة‬
‫ت متقاربة‪ ،‬نعم‪ ،‬يُمكنني أن أج ِّرب‪.»...‬‬ ‫صغيرة‪ ...‬ربما‪ ،‬ربما‪ .‬ليس الكثير‪ ،‬وليس في أوقا ٍ‬
‫قال اللورد پيتر‪« :‬ر َّشة قبل أن تأتي به للقاء اللوردات»‪.‬‬
‫ت مع كلِّ ُخطوة‪.‬‬ ‫قال ال ِمايستر‪« :‬كما تأمر يا سيِّدي»‪ ،‬وأسر َع مغادرًا وسلسلته ُّ‬
‫ترن بخفو ٍ‬
‫سألَت إليني بَعد خروجه‪« :‬هل تُريد وعا ًء من الثَّريد إلفطارك يا أبي؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬أكرهُ الثَّريد‪ .‬أفضِّ ُل أن أفطر على قُبلة»‪.‬‬
‫رمقَها بعينَي اإلصبع الصَّغير ً‬
‫االبنة الحقيقيَّة ال تأبى على أبيها قُبلةً‪ ،‬وهكذا ذهبَت إليه إليني وقبَّلته‪ ،‬مجرَّد قُبل ٍة سريعة جافَّة على ال َخ ِّد‬
‫تراج َعت بَعدها بالسُّرعة نفسها‪.‬‬
‫ت أخرى‬ ‫لك من‪ ...‬مطيعة‪ .‬حسن‪ ،‬إن عندي واجبا ٍ‬ ‫قال اإلصبع الصَّغير مبتس ًما بفمه ولكن ليس بعينيه‪« :‬يا ِ‬
‫لك بهذه المناسبة‪ .‬قولي للطَّاهي أن يُتَبِّل النَّبيذ األحمر بالعسل وال َّزبيب‪ .‬سيكون ضيوفنا بردانين ظمآنين‬ ‫ِ‬
‫بَعد طول الصُّ عود‪ .‬ستستقبلينهم لدى وصولهم وتُقَدِّمين لهم النَّبيذ وال ُخبز والجُبنة‪ .‬ما نوع الجُبنة المتبقِّي‬
‫عندنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬البيضاء َّ‬
‫الالذعة وال َّزرقاء العفنة»‪.‬‬
‫ثيابك أيضًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬البيضاء‪ ،‬واألفضل أن تُبَدِّلي‬
‫نظ َرت إليني إلى فُستانها بأزرقه ال َّداكن وأحمره القاني الغني‪ ،‬لونَي (ريڤر َرن)‪ ،‬وقالت‪« :‬أهو‪.»...‬‬
‫الالزم! لن يس َّر لوردات البيان منظر ابنتي النَّغلة تتهادى مرتديةً ثياب زوجتي الميتة‪.‬‬ ‫‪« -‬إنه تَلي أكثر من َّ‬
‫رك بأن تتجنَّبي األزرق السَّماوي والقشدي؟»‪.‬‬ ‫ي أن أذ ِّك ِ‬ ‫انتقي شيئًا آخَ ر‪ .‬هل عل َّ‬
‫‪« -‬ال»‪ .‬األزرق السَّماوي والقشدي لونا عائلة آرن‪« .‬قلت إنهم ثمانية‪ ...‬هل يون البرونزي أحدهم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬الوحيد الذي يه ُّم»‪.‬‬
‫شماال لاللتحاق‬ ‫ً‬ ‫ذهب ابنه‬
‫َ‬ ‫قالت مذ ِّكرةً إياه‪« :‬يون البرونزي يعرفني‪ .‬لقد نز َل ضيفًا في (وينترفل) حين‬
‫ب َحرس اللَّيل»‪ .‬كم كانت متيَّمةً بالسير وايمار‪ .‬ما زالَت تَذ ُكره بعض ال َّشيء‪ ،‬لكن ذلك كان منذ ُع ٍ‬
‫مر‬
‫كامل‪ ،‬عندما كانت فتاةً صغيرةً حمقاء‪« .‬ولم تكن تلك المرَّة الوحيدة‪ .‬اللورد رويس رأى‪ ...‬رأى سانزا‬
‫ستارك ثانيةً في (كينجز الندنج) في أثناء دورة مباريات اليد»‪.‬‬
‫أشك في أن رويس رأى هذا الوجه الجميل‪ ،‬لكنه كان وجهًا واحدًا‬ ‫قائال‪« :‬ال ُّ‬ ‫وض َع پيتر إصبعًا تحت ذقنها ً‬
‫الزحام‪ .‬وفي‬ ‫وسط ألف‪ .‬ث َّمة أشياء يهت ُّم بها الرَّجل الذي يُقاتِل في دورة مباريات أكثر من طفل ٍة ما في ِّ‬
‫(وينترفل) كانت سانزا فتاةً صغيرةً كستنائيَّة ال َّشعر‪ ،‬أ َّما ابنتي فطويلة جميلة و َشعرها بنِّي‪ .‬النَّاس يرون ما‬
‫يُريدون أن يروه يا إليني»‪ ،‬وطب َع قُبلةً على أنفها مضيفًا‪« :‬قولي لمادي أن تُش ِعل نارًا في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة‪.‬‬
‫سأستقب ُل لوردات البيان هناك»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس في (القاعة العالية)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ .‬حاشا لآللهة أن يروني قُرب مقعد آل آرن العالي‪ .‬قد يحسبونني أنتوي الجلوس عليه‪ .‬المولود‬
‫بفلقتَي مؤ ِّخر ٍة وضيعتين ِمثلي يجب َّأال يطمح إلى الجلوس على وسائد وثيرة كتلك أبدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬ال ُغرفة ال َّشمسيَّة»‪ .‬كان عليها أن تتوقَّف عند هذا ال َحد‪ ،‬لكن الكالم تدفَّق منها رغ ًما عنها‪« :‬إذا أعطيتهم‬
‫روبرت‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬و(الوادي)؟»‪.‬‬
‫‪(« -‬الوادي) في أيديهم بالفعل»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬أكثره‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن ليس كلَّه‪ .‬إنني محبوب في (بلدة النَّوارس)‪ ،‬وعندي بعض األصدقاء‬
‫األعيان كذلك‪ .‬جرافتون‪ ،‬ليندرلي‪ ،‬اليونل كوربراي‪ ...‬ولو أنهم ليسوا أندادًا للوردات البيان بالفعل‪ .‬وأين‬
‫تُريديننا أن نذهب يا إليني؟ نعود إلى معقلي العظيم في (األصابع)؟»‪.‬‬
‫كانت قد ف َّكرت في هذا من قبل‪ ،‬فأجابَت‪« :‬چوفري من َحك (هارنهال)‪ .‬إنك سيِّدها ال َّشرعي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫احتجت إلى مقرٍّ عظيم ألتز َّوج اليسا‪ ،‬وآل النستر ما كانوا ليمنحوني (كاسترلي روك)»‪.‬‬ ‫‪« -‬اس ًما‪ .‬لقد‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكن القلعة لك»‪.‬‬
‫‪« -‬آه‪ ،‬ويا لها من قلعة‪ .‬قاعات فسيحة وأبراج متهدِّمة وأشباح وتيَّارات هواء عنيفة‪ ،‬تدفئتها عسيرة وإقامة‬
‫حامية فيها مستحيلة‪ ...‬وهناك المسألة الصَّغيرة الخاصَّة باللَّعنة»‪.‬‬
‫‪« -‬اللَّعنات ال تو َجد َّإال في األغاني والقِصص فقط»‪.‬‬
‫ألف أحد أغنيَّةً عن موت جريجور كليجاين بحرب ٍة مسمومة؟ أو عن‬ ‫بدا أنه وج َد ر َّدها طريفًا إذ قال‪« :‬هل َّ‬
‫المرتزق أخ َذ القلعة من السير‬
‫ِ‬ ‫مفصال؟ ذلك‬‫ً‬ ‫ً‬
‫مفصال‬ ‫المرتزق من قبله الذي قطَّع السير جريجور أطرافه‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫سمعت أن الليدي ِونت‬ ‫قزمك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫قت‬ ‫اني‬ ‫َّ‬ ‫والث‬ ‫ُبٌّ‬ ‫د‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬‫قت‬ ‫أحدهما‬ ‫‪.‬‬‫تايوين‬ ‫اللورد‬ ‫من‬ ‫اها‬‫َّ‬ ‫ق‬‫تل‬ ‫الذي‬ ‫لورك‬ ‫آموري‬
‫ماتَت أيضًا‪.‬‬
‫آل لوثستون‪ ،‬آل سترونج‪ ،‬آل هاروواي‪( ...‬هارنهال) أودَت بك ِّل من مسَّها»‪.‬‬
‫أعط اللورد فراي إياها إذن»‪.‬‬
‫‪ِ «-‬‬
‫ضحكَ پيتر‪ ،‬وقال‪« :‬ربما أفعلُ‪ ،‬أو األفضل أن أعطي عزيزتنا سرسي إياها‪ ،‬ولو أنه ال يَج ُدر بي أن أتكلَّم‬
‫ي بضع معلَّقا ٍ‬
‫ت رائعة‪ .‬أليس هذا لُطفًا منها؟»‪.‬‬ ‫عنها بقسو ٍة ألنها أرسلَت إل َّ‬
‫جعلَها ِذكر اسم الملكة تتس َّمر وتقول‪« :‬سرسي ليست لطيفةً‪ .‬إنها تُخيفني‪ .‬إذا عل َمت مكاني‪.»...‬‬
‫طت‪ ،‬هذا إذا لم تُ ِزح نفسها ً‬
‫أوال»‪،‬‬ ‫ت أقرب مما خطَّ ُ‬ ‫‪ ...« -‬فربما أضطرُّ إلى إزاحتها من ال ُّلعبة في وق ٍ‬
‫ضعًا يُمكن أن تكون له إرادته‬ ‫وداعبَها پيتر بابتسام ٍة متابعًا‪« :‬في لُعبة العروش حتى أكثر البيادق توا ُ‬
‫ب يا إليني‪ .‬إنه‬‫ت له‪ .‬احفظي هذا عن ظَهر قل ٍ‬ ‫الخاصَّة‪ ،‬وأحيانًا يَرفُض بعض البيادق أن يتحرَّك كما خطَّط ِ‬
‫عليك واجبات تُ َؤدِّينها؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫درس ما زا َل على سرسي النستر أن تتعلَّمه‪ .‬واآلن أليست‬
‫الالذعة‪،‬‬‫أوال على تتبيل النَّبيذ‪ ،‬ووجدَت قالبًا مناسبًا من ال ُجبنة البيضاء َّ‬ ‫عليها واجبات بالفعل‪ .‬أشرفَت ً‬
‫رجاال أكثر من المتوقَّع‪.‬‬
‫ً‬ ‫بز يكفي عشرين فردًا تح ُّسبًا ألن يجلب لوردات البيان‬ ‫وأم َرت الطَّاهي بخَبز ُخ ٍ‬
‫حالما يأكلون عيشنا وملحنا سيُصبِحون ضيوفنا ولن يُمكنهم إيذاءنا‪ .‬آل فراي ضربوا بجميع قوانين‬
‫رجال ً‬
‫نبيال‬ ‫ً‬ ‫ضيافة عرض الحائط عندما اغتالوا السيِّدة والدتها وأخاها في (التَّوأمتين)‪ ،‬لكنها ال تُ َ‬
‫صدِّق أن‬ ‫ال ِّ‬
‫فعل وضيع كهذا‪.‬‬ ‫كاللورد يون رويس بإمكانه أن ينحدر إلى اقتراف ٍ‬
‫داع إلى فرشها‬ ‫ببساط مايري‪ ،‬وليس هناك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بَعد ذلك ذهبَت إلى ال ُغرفة ال َّشمسيَّة‪ .‬األرضيَّة هناك مغطَّاة‬
‫بالحصائر‪ .‬طلبَت إليني من اثنين من الخدم أن ينصبا الطَّاولة ويجلبا ثمانيةً من المقاعد الثَّقيلة المصنوعة‬
‫والجلد‪ .‬في حال إقامة مأدب ٍة كانت لتضع واحدًا عند رأس الطَّاولة وواحدًا عند قدمها وثالثةً‬ ‫ِ‬ ‫من السَّنديان‬
‫على ك ِّل جانب‪ ،‬لكن هذه ليست مأدبةً‪ ،‬ولذا جعلَت الخادميْن يرصَّان ستَّة مقاعد على أحد الجانبين‬
‫ومقعدين على الجانب اآلخَ ر‪ .‬ال بُ َّد أن لوردات البيان بلغوا (ثلج) اآلن بالفعل‪ .‬الصُّ عود يستغرق أكثر اليوم‬
‫حتى على ظهور البغال‪ ،‬وعلى األقدام يستغرق ع َّدة أيام‪.‬‬
‫شموع جديدة‪ ،‬ولذا بَعد أن‬‫ٍ‬ ‫ربما ينهمك اللوردات في الحديث حتى ساع ٍة متأ ِّخرة من اللَّيل وسيحتاجون إلى‬
‫أشعلَت مادي النَّار أرسلَتها إليني لتجلب ال ُّشموع المعطَّرة التي أهداها اللورد واكسلي إلى الليدي اليسا‬
‫حين سعى إلى الفوز بيدها‪ ،‬ثم إنها عادَت إلى المطبخ لتتأ َّكد من أن النَّبيذ وال ُخبز جاهزان‪ .‬بدا كلُّ شي ٍء‬
‫على ما يُرام‪ ،‬وما زا َل أمامها وقت لتستح َّم وتغسل َشعرها وتُبَدِّل ثيابها‪.‬‬
‫ث َّمة فُستان من الحرير األرجواني توقَّفت عنده لحظةً‪ ،‬وآخَر من المخمل األزرق ال َّداكن مشرَّط بالفضِّ ي‬
‫من شأنه أن يُوقِظ ك َّل ما في عينيها من ألوان‪ ،‬لكنها في النِّهاية تذ َّكرت أن إليني رغم ك ِّل شي ٍء نغلة ويجب‬
‫الحمالن لونه بنِّي داكن وتفصيلته‬ ‫َّأال تتجرَّأ وترتدي شيئًا يفوق مقامها‪ .‬هكذا انتقَت فُستانًا من صوف ِ‬
‫بخيط ذهبي‪ .‬اختا َرته ألنه‬
‫ٍ‬ ‫شجر ونباتات معترشة مطرَّزة‬ ‫ٍ‬ ‫بسيطة‪ ،‬على صدره و ُك َّميه وحاشيته أوراق‬
‫متواضع ومالئم‪ ،‬وإن كان ليس أفخم كثيرًا من فُ ٍ‬
‫ستان ترتديه خادمة‪.‬‬
‫كان پيتر قد أعطاها جميع ُحلِ ِّي الليدي اليسا أيضًا‪ ،‬فجرَّبت ع َّدة قالدات لكنها بدَت مبهرجةً كلُّها‪ ،‬وفي‬
‫الذهب الخريفي‪ ،‬ول َّما جلبَت لها جرتشل مرآة اليسا‬ ‫آخر األمر اختا َرت شريطًا بسيطًا من المخمل بلون َّ‬ ‫ِ‬
‫المفضَّضة بدا اللون مثاليًّا مع َشعر إليني البنِّي القاتم‪ .‬لن يتعرَّفني اللورد رويس أبدًا‪ .‬إنني بالكاد أتعر ُ‬
‫َّف‬
‫نفسي‪.‬‬
‫شاعرةً بجرأ ٍة تُداني جرأة پيتر بايلش‪ ،‬رس َمت إليني ستون ابتسامتها على شفتيها ونزلَت تستقبل الضُّ يوف‪.‬‬
‫(العُش) القلعة الوحيدة في (الممالك السَّبع) التي يقع مدخلها الرَّئيس تحت ال َّزنازين‪ .‬على جانب الجبل‬
‫ترتفع السَّاللم الحجريَّة المنح ِدرة متجاوزةً القلعتين الفرعيَّتين (حجر) و(ثلج)‪ ،‬لكنها تنتهي عند شقيقتهما‬
‫(سماء)‪ ،‬أ َّما األقدام الستُّمئة المتبقِّية من رحلة الصُّ عود فعموديَّة تُج ِبر ال َّزائرين على التَّرجُّ ل عن بغالهم‬
‫واالختيار‪ ،‬فإ َّما أن يركبوا السَّلَّة الخشبيَّة المتأرجحة التي تُستخدَم لرفع المؤن‪ ،‬وإ َّما أن يتسلَّقوا مدخنةً‬
‫ت منحوتة في الصَّخر‪.‬‬ ‫صخريَّةً مستخدمين دعاما ٍ‬
‫اختار اللورد ردفورت والليدي واينوود ‪-‬أكبر لوردات البيان ِسنًّا‪ -‬أن تسحبهم الرَّافعة إلى أعلى‪ ،‬وبَعدها‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫نزلَت السَّلة ثانية للورد بلمور السَّمين‪ ،‬في حين تسلق اللوردات اآلخَرون المدخنة‪ .‬استقبلَتهم إليني في‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أ ِ‬
‫(قاعة الهالل) إلى جوار مستوقَد نار‪ ،‬حيث رحَّبت بهم باسم اللورد روبرت وق َّدمت لهم ال ُخبز والجُبنة‬
‫ضيَّة‪.‬‬ ‫ونبي ًذا متب ًَّال ساخنًا في كؤو ٍ‬
‫س ف ِّ‬
‫كان پيتر قد أعطاها لفافةً من رموز النَّبالة تدرسها لتتعرَّفهم من رموزهم إن لم يكن من وجوههم‪ .‬القلعة‬
‫مشذبة وعينان وديعتان‪ .‬الليدي آنيا‬ ‫َّ‬ ‫الحمراء لردفورت بالطَّبع‪ ،‬وهو رجل قصير القامة له لحية شائبة‬
‫المرأة الوحيدة بين لوردات البيان‪ ،‬وقد ارتدَت معطفًا أخضر داكنًا عليه العجلة المكسورة رمز عائلة‬
‫ضيَّة الستَّة على المعطف األرجواني هي رمز بلمور ذي‬ ‫واينوود مطرَّزةً بالكهرمان األسود‪ .‬األجراس الف ِّ‬
‫البطن الكبير والكتفين المستديرتين واللِّحية الحمراء الضَّاربة إلى الرَّمادي‪ ،‬لحية شنيعة نابتة من ذقنه‬
‫المترهِّل‪ .‬على العكس منه لحية سايموند تمپلتون سوداء مدبَّبة تما ًما‪ ،‬وقد جع َل األنف المعقوف والعينان‬
‫كاسر أنيق‪ ،‬خصوصًا مع سُترته القصيرة‬ ‫ٍ‬ ‫كطائر‬
‫ٍ‬ ‫ال َّزرقاوان الباردتان كالثَّلج فارس (النُّجوم التِّسع) يبدو‬
‫ب ذهبي مائل‪ .‬حيَّرها معطف اللورد هنتر اليافع المصنوع‬ ‫بنجماتها السَّوداء التِّسع المرسومة على صلي ٍ‬
‫سهام فضِّ يَّة منشورة كالمروحة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫من فرو القاقوم إلى أن لم َحت ال َّدبُّوس الذي يُثَبِّته متَّخ ًذا شكل خمسة‬
‫ق َّدرت إليني أن ِسنَّه أقرب إلى الخمسين من األربعين‪ .‬كان أبوه قد حك َم في (بهو القوس الطَّويل) فترةً‬
‫تَقرُب من ستِّين عا ًما‪ ،‬فقط ليموت على نح ٍو مباغت للغاية‪ ،‬حتى إن بعضهم قال هامسًا إن اللورد الجديد‬
‫بولع معيَّن بالعنب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫استعج َل الحصول على إرثه‪ .‬لهنتر وجنتان وأنف بلون التُّفَّاح األحمر‪ ،‬وهو ما يشي‬
‫ُفرغها‪.‬‬
‫صت على إعادة َملء كأسه ما إن ي ِ‬ ‫ولذا حر َ‬
‫دام ببراثنه‪ ،‬ويَبلُغ‬
‫ب أحمر ٍ‬ ‫رجل في المجموعة على صدره ثالثة ِغدفان ك ٌّل منها يقبض على قل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أصغر‬
‫َشعره البنِّي كتفيه بينما تتجعَّد ُخصلة نافرة منه على جبهته‪.‬‬
‫بنظر ٍة حذرة إلى فمه القاسي وعينيه الضَّجرتين قالت إليني لنفسها‪ :‬السير لين كوربراي‪.‬‬
‫طوال‪ ،‬وعلى‬ ‫ً‬ ‫آخرهم ابنا عائلة رويس‪ ،‬اللورد نستور ويون البرونزي‪ .‬يُعا ِدل سيِّد (رونستون) كلب الصَّيد‬ ‫ِ‬
‫رجال أصغر منه ِسنًّا‬
‫ٍ‬ ‫الرغم من شيب َشعره وتجاعيد وجهه فلم يزل اللورد يون يبدو قادرًا على كسر‬
‫ضن إلى سانزا جميع‬ ‫ك ُغصينات ال َّشجر بهاتين اليدين الضَّخمتين الخشنتين‪ .‬أعا َد وجهه الصَّارم المتغ ِّ‬
‫ذكرياتها عنه في (وينترفل)‪ ،‬وتذ َّكرته جالسًا إلى المائدة يتكلَّم بهدو ٍء مع أ ِّمها‪ ،‬وسم َعت صوته الجهوري‬
‫ب‬
‫بظبي وراءه على حصانه‪ ،‬ورأته في السَّاحة وفي يده سيف تدري ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫يتر َّدد على األسوار إذ عا َد من الصَّيد‬
‫خطر‬
‫َ‬ ‫كلل حتى أسقطَه ثم يلتفت ليهزم السير رودريك أيضًا‪ .‬سيتعرَّفني‪ ،‬وكيف ال؟‬ ‫يهوي به على أبيها بال ٍ‬
‫لها أن تُلقي نفسها عند قدميه وتتوسَّل حمايته‪ ،‬لكنها أحج َمت قائلةً لنفسها‪ :‬إنه لم يُقاتِل من أجل روب‪ ،‬فلِ َم‬
‫طت‪ .‬سألَته بخفر‪« :‬لورد رويس‪ ،‬هل تشرب كأسًا من‬ ‫يُقاتِل من أجلي؟ الحرب انتهَت و(وينترفل) سق َ‬
‫النَّبيذ تُ َدفِّئك من البرد؟»‪.‬‬
‫ليون البرونزي عينان رماديَّتان كصخر األردواز‪ِ ،‬شبه متواريتين تحت أكثف حاجبين رأتهما على‬
‫أعرفك يا فتاة؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫متسائال‪« :‬هل‬ ‫اإلطالق‪ ،‬وقد انعقَدا حين نظ َر إليها من أعلى‬
‫أحسَّت إليني كأنها ابتل َعت لسانها‪ ،‬لكن اللورد نستور أنق َذها بردِّه على ابن عمومته بلهجته الفظَّة‪« :‬إليني‬
‫ابنة اللورد الحافظ الطَّبيعيَّة»‪.‬‬
‫ك‬ ‫ً‬
‫مشغوال»‪ ،‬فضح َ‬ ‫قال لين كوربراي بابتسام ٍة خبيثة‪« :‬يبدو أن إصبع اإلصبع الصَّغير الصَّغير كان‬
‫بلمور وأحسَّت إليني بوجنتيها تتخضَّبان بالحُمرة‪.‬‬
‫سألَتها الليدي واينوود‪« :‬كم ِسنُّ ِك أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ولست صغيرةً‪ .‬إنني فتاة‬ ‫‪« -‬أربع‪ ...‬أربع عشرة سنة يا سيِّدتي»‪ .‬للحظ ٍة نسيَت ِس َّن إليني المفت َرضة‪« .‬‬
‫مزهرة»‪.‬‬
‫زهرتك كما آم ُل»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ث فمه تما ًما‪« :‬لكن أحدًا لم يقطف‬ ‫قال اللورد هنتر اليافع وقد أخفى شاربه ال َك ُّ‬
‫قال لين كوربراي كأنها ليست موجودةً‪« :‬ليس بع ُد‪ ،‬لكني أرى أنها ناضجة جاهزة للقطاف قريبًا»‪.‬‬
‫‪« -‬أهذا ما يع ُّد كياسةً في (بيت القلوب)؟»‪ .‬آلنيا واينوود َشعر يزحف عليه ال َّشيب وتجاعيد حول عينيها‬
‫وجلد رخو تحت ذقنها‪ ،‬لكن ال مجال إلخطاء طابع النُّبل فيها‪« .‬الفتاة صغيرة وطيِّبة النَّسب وعانَت ما‬ ‫ِ‬
‫يكفي من أهوال‪ .‬احفظ لسانك أيها الفارس»‪.‬‬
‫َر َّد كوربراي‪« :‬لساني يخصُّ ني وحدي‪ ،‬وعلى حضرة الليدي أن تحرص على حفظ لسانها هي‪ .‬إنني لم‬
‫لك عدد كبير من الموتى»‪.‬‬ ‫طف قَ ُّ‬
‫ط‪ ،‬كما سيُ َؤ ِّكد ِ‬ ‫أعتَد التَّعا ُمل مع التَّوبيخ بلُ ٍ‬
‫أبيك يا إليني‪ .‬كلَّما عجَّلنا بالفروغ من هذا‬
‫ِ‬ ‫التفتَت الليدي واينوود عنه‪ ،‬وقالت‪« :‬األفضل أن تأخذينا إلى‬
‫كان أفضل»‪.‬‬
‫‪« -‬حضرة اللورد الحا ِفظ ينتظركم في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة‪ .‬أرجو أن تتفضَّلوا وتتبعوني»‪ .‬من (قاعة الهالل)‬
‫تظاهر‬
‫َ‬ ‫دفاع‬
‫ٍ‬ ‫قادَتهم صاعدةً السَّاللم الرُّ خام العالية التي تتجا َوز األقبية وال َّزنازين وتمرُّ تحت ثالث فتحات‬
‫لوردات البيان بأنهم ال يرونها‪ ،‬وسرعان ما بدأ بلمور ينفخ ككير الح َّداد‪ ،‬واصطب َغ وجه ردفورت‬
‫بالرَّمادي ك َشعره‪.‬‬
‫رف َع ال ُحرَّاس على ق َّمة السَّاللم ال َّشبكة الحديديَّة لدى وصولهم‪ ،‬وقالت إليني للضُّ يوف‪« :‬تفضَّلوا من هنا‬
‫طر مرورًا بدست ٍة من المعلَّقات البديعة‪ ،‬وكان السير لوثور برون‬ ‫أيها السَّادة»‪ ،‬وقادَتهم عبر الرُّ واق المقن َ‬
‫واقفًا خارج ال ُغرفة ال َّشمسيَّة‪ ،‬ففت َح لهم الباب ثم تب َعهم إلى ال َّداخل‪.‬‬
‫كان پيتر جالسًا إلى الطَّاولة وقُرب يده كأس نبيذ‪ ،‬يقرأ َرقًّا أبيض مج َّعدًا‪ ،‬وإذ دخ َل لوردات البيان رف َع‬
‫وبك أيضًا يا سيِّدتي‪.‬‬
‫قائال‪« :‬مرحبًا بكم أيها السَّادة‪ِ ،‬‬ ‫عينيه ً‬
‫أعرف أن الصُّ عود كان مت ِعبًا‪ .‬تفضَّلوا بالجلوس‪ .‬إليني يا حُلوتي‪ ،‬المزيد من النَّبيذ لضيوفنا النُّبالء»‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪« -‬كما تقول يا أبي»‪ .‬سرَّها أن ترى ال ُّشموع مضاءةً وتش َّم في هواء ال ُغرفة رائحة جوز الطِّيب وغيره‬
‫ب على المقاعد‪ ...‬كلُّهم‬ ‫حضر اإلبريق فيما رتَّب ال َّزائرون أنفسهم جنبًا إلى جن ٍ‬ ‫من التَّوابل النَّفيسة‪ .‬ذهبَت تُ ِ‬
‫باستثناء نستور رويس الذي تر َّدد قبل أن يدور حول الطَّاولة ليأخذ المقعد ال َّشاغر إلى جوار اللورد پيتر‪،‬‬
‫ولين كوربراي الذي وقفَ إلى جوار المستوقَد‪ ،‬لتلتمع الياقوتة ذات شكل القلب في قبيعة سيفه باألحمر إذ‬
‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫دفَّأ يديه فوق النَّار‪ .‬رأته إليني يبتسم للسير لوثور برون‪ ،‬فف َّكرت‪ :‬السير لين وسيم للغاية بالنِّسبة إلى‬
‫عجبني‪.‬‬‫أكبر ِسنًّا‪ ،‬لكن ابتسامته ال تُ ِ‬
‫كنت أقرأُ بيانكم المه َّم هذا‪ .‬مدهش‪ .‬ال ِمايستر الذي كتبَه أيًّا كان يتمتَّع بفصاح ٍة‬‫قائال‪ُ « :‬‬‫استه َّل پيتر الكالم ً‬
‫بالغة‪ .‬ليتكم فقط دعوتموني ألوقِّعه أيضًا»‪.‬‬
‫باغتَهم قوله‪ ،‬و َر َّد بلمور‪« :‬أنت؟ تُ َوقِّع؟»‪.‬‬
‫ي أحد‪ ،‬وال إنسان يحبُّ اللورد روبرت أكثر مني‪ .‬وبالنِّسبة إلى هؤالء‬ ‫‪« -‬أستطي ُع الكتابة بالرِّيشة كأ ِّ‬
‫األصدقاء ال َّزائفين والمستشارين األشرار فهيا بنا نستأصلهم مهما كلَّف األمر‪ .‬إنني معكم قلبًا وقالبًا أيها‬
‫السَّادة‪ .‬أروني أين أوقِّ ُع أرجوكم»‪.‬‬
‫بينما تصبُّ إليني النَّبيذ سم َعت لين كوربراي يُقَهقِه‪ ،‬في حين بدا اآلخَرون حائرين‪ ،‬إلى أن فرق َع يون‬
‫ت من أجل توقيعك‪ ،‬وال ننوي أن نترا َشق معك الكالم أيها‬ ‫رويس البرونزي مفاصل أصابعه‪ ،‬وقال‪« :‬لم نأ ِ‬
‫اإلصبع الصَّغير»‪.‬‬
‫مواربة‪ .‬ماذا‬
‫َ‬ ‫قائال‪« :‬كما ترغبون‪ ،‬لنتكلَّم بال‬
‫ق ً‬ ‫‪« -‬مؤسف‪ .‬إنني أحبُّ الكالم المترا َشق»‪ ،‬وأزا َح پيتر ال َّر َّ‬
‫تُريدون مني أيها السَّادة والسيِّدة؟»‪.‬‬
‫ثبَّت سايموند تمپلتون نظرته ال َّزرقاء الباردة على اللورد الحا ِفظ مجيبًا‪« :‬ال نُريد منك شيئًا‪ ،‬نُريدك أن‬
‫ترحل»‪.‬‬
‫تساء َل پيتر متظاهرًا بال َّدهشة‪« :‬أرحلُ؟ إلى أين؟»‪.‬‬
‫رجل بهذا»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫المفترض أن يكتفي أيُّ‬
‫َ‬ ‫قال اللورد هنتر اليافع‪« :‬التَّاج نصَّبك سيِّدًا على (هارنهال)‪.‬‬
‫صرة‪،‬‬‫وأضافَ اللورد هورتون ردفورت العجوز‪« :‬أراضي النَّهر في حاج ٍة إلى حاكم‪( .‬ريڤر َرن) محا َ‬
‫ب مفتوحة‪ ،‬والخارجون عن القانون يجولون على جانبَي (الثَّالوث)‬ ‫وآل براكن وآل بالكوود في حر ٍ‬
‫ذهب‬
‫َ‬ ‫ي‪-‬قتُلون كما يشاؤون‪ .‬الجُثث غير المدفونة تفترش أرض الرِّيف أينما‬ ‫بح ِّريَّ ٍة مطلقة‪ ،‬يسرقون و َ‬
‫المرء»‪.‬‬
‫ت ملحَّة هنا‪.‬‬‫ي واجبا ٍ‬
‫جذابًا للغاية يا لورد ردفورت‪ ،‬لكن الحقيقة أن عل َّ‬ ‫أجاب پيتر‪« :‬تجعل األمر يبدو َّ‬ ‫َ‬
‫طفال سقي ًما معي في غمار تلك‬ ‫ويجب وضع اللورد روبرت في االعتبار أيضًا‪ .‬هل تُريدونني أن أج َّر ً‬
‫الفوضى؟»‪.‬‬
‫أعلنَ رون رويس‪« :‬حضرة اللورد سيبقى في (الوادي)‪ .‬إنني أنوي أن آخذه معي إلى (رونستون) وأربِّيه‬
‫لكي يصير فارسًا كان چون آرن ليفخر به»‪.‬‬
‫سأ َل پيتر متأ ِّم ًال‪« :‬ولِ َم (رونستون)؟ لِ َم ليس (السَّنديانة الحديديَّة) أو قلعة (ردفورت) أو (بهو القوس‬
‫الطَّويل)؟»‪.‬‬
‫مكان من هذه يَصلُح‪ ،‬وفي الوقت المناسب سيزور حضرة اللورد ًّ‬
‫كال‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬‫قال اللورد بلمور بحزم‪« :‬أ َّ‬
‫منها»‪.‬‬
‫ك قال پيتر‪« :‬حقًّا؟»‪.‬‬
‫بنبر ٍة تشي بال َّش ِّ‬
‫تنهَّدت الليدي واينوود‪ ،‬وقالت‪« :‬لورد پيتر‪ ،‬إذا كنت ترمي إلى إحداث الوقيعة بيننا فوفِّر على نفسك‬
‫الجهد‪ .‬إننا نتكلَّم بصو ٍ‬
‫ت واحد‪ ،‬و(رونستون) تُ ِ‬
‫ناسبنا جميعًا‪.‬‬
‫اللورد يون ربَّى ثالثة أبنا ٍء صالحين‪ ،‬وليس هناك من هو أنسب منه لتربية حضرة اللورد الصَّغير‪ ،‬ثم إن‬
‫ال ِمايستر هليويج أكبر ِسنًّا وأكثر خبرةً بكثير من ِمايسترك كولمون وأقدر على عالج ضعف اللورد‬
‫روبرت‪ .‬في (رونستون) سيتعلَّم الصَّبي فنون الحرب من سام ستون القوي‪ ،‬وال أحد يأمل أن يكون معلِّم‬
‫صبيةً‬ ‫ُرشده السِّپتون لوكوس في أمور الرُّ وح‪ .‬وفي (رونستون) سيجد أيضًا ِ‬ ‫رجال أفضل‪ ،‬وسي ِ‬ ‫ً‬ ‫سالحه‬
‫والمرتزقة الذين يُحيطون به اآلن»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫آخَرين من ِسنِّه‪ ،‬رفاقًا أنسب له من المسنَّات‬
‫قائال‪« :‬حضرة اللورد في حاج ٍة إلى رفاق‪ ،‬ال أخالفكم في هذا‪ ،‬لكن إليني‬ ‫داعب پيتر بايلش لحيته بأصابعه ً‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫طلبت‬ ‫َ‬
‫حدث أن‬ ‫ليست مسنَّةً‪ .‬اللورد روبرت مغرم بابنتي وسيسرُّ ه أن يُخبِركم بهذا بنفسه‪ .‬وبهذه المنا َسبة‪،‬‬
‫ي ابنًا يكون ربيبي‪ .‬كالهما له ابن في ِسنِّ‬ ‫ُرسل ك ٌّل منهما إل َّ‬
‫من اللورد جرافتون واللورد ليندرلي أن ي ِ‬
‫روبرت»‪.‬‬
‫قال لين كوربراي ضاح ًكا‪« :‬جروان ابنا كلبيْن خانعيْن»‪.‬‬
‫‪« -‬يجب أن يكون هناك فتى أكبر في ِرفقة روبرت أيضًا‪ُ ،‬مرافق شاب واعد ً‬
‫مثال‪ ،‬شخص يُع َجب به‬
‫عندك فتى كهذا في‬
‫ِ‬ ‫ُحاول أن يحتذي مثاله»‪ ،‬والتفتَ پيتر إلى الليدي واينوود مخاطبًا إياها‪« :‬إن‬ ‫وي ِ‬
‫ي هارولد هاردينج»‪.‬‬ ‫(السَّنديانة الحديديَّة) يا سيِّدتي‪ .‬ربما تُوافِقين على أن تُ ِ‬
‫رسلي إل َّ‬
‫ر َّدت آنيا واينوود وقد وجدَت قوله طريفًا‪« :‬لورد پيتر‪ ،‬أنت أجرأ لِصٍّ التقيته على اإلطالق»‪.‬‬
‫لست أرغبُ في سرقة الفتى‪ ،‬لكن ينبغي أن يكون هو واللورد روبرت صديقين»‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫ما َل يون رويس البرونزي إلى األمام ً‬
‫قائال‪« :‬مالئم تما ًما أن يُصا ِدق اللورد روبرت الفتى هاري‪،‬‬
‫وسيفعل‪ ...‬في (رونستون) تحت رعايتي‪ ،‬باعتباره ربيبي و ُمرافقي»‪.‬‬
‫أعطنا الصَّبي ولك أن ترحل من (العُش) دون أن يعترض طريقك أحد إلى مق ِّرك‬ ‫وقال اللورد بلمور‪ِ « :‬‬
‫الالئق في (هارنهال)»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ب خفيف‪ ،‬وقال‪« :‬هل تُلَ ِّمح إلى أن أ ًذى سيمسُّني في حال عدم حدوث ذلك يا سيِّدي؟‬ ‫رمقَه پيتر بنظرة تأني ٍ‬
‫ال أستطي ُع التَّفكير في سبب‪ .‬زوجتي الرَّاحلة ارتأَت أن هذا مق ِّري َّ‬
‫الالئق»‪.‬‬
‫قالت الليدي واينوود‪« :‬لورد بايلش‪ ،‬اليسا تَلي كانت زوجة چون آرن وأُم ابنه‪ ،‬وحك َمت هنا باعتبارها‬
‫ي َح ٍّ‬
‫ق‬ ‫الوصيَّة عليه‪ ،‬أ َّما أنت‪ ...‬لنكن صُرحاء‪ ،‬أنت لست من آل آرن واللورد روبرت ليس من دمك‪ .‬بأ ِّ‬
‫حاول أن تَح ُكمنا؟»‪.‬‬‫تُ ِ‬
‫‪« -‬اليسا س َّمتني اللورد الحافِظ على ما أذك ُر»‪.‬‬
‫قال اللورد هنتر اليافع‪« :‬اليسا تَلي لم تكن ابنة (الوادي) حقًّا‪ ،‬ولم يكن لها ال َح ُّ‬
‫ق في إدارة شؤوننا»‪.‬‬
‫ق في إدارة شؤون‬ ‫الح ُّ‬
‫‪« -‬واللورد روبرت؟ هل سيَز ُعم حضرة اللورد أيضًا أن الليدي اليسا لم يكن لها َ‬
‫ابنها؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أملت أن أتز َّوج الليدي اليسا من‬ ‫ظ َّل نستور رويس صامتًا طوال الوقت‪ ،‬لكنه رف َع صوته اآلن ً‬
‫قائال‪« :‬لقد‬ ‫َ‬
‫برح جانبها بالكاد طيلة نِصف‬‫قبل عن نفسي‪ ،‬كما كان يأمل أبو اللورد هنتر وابن الليدي آنيا‪ ،‬وكوربراي َ‬
‫اختارت اللورد‬
‫َ‬ ‫عام‪ .‬لو اختارت أيًّا منا لما جاد َل أحد هنا في حقِّه في أن يكون اللورد الحافِظ‪ ...‬لكنها‬
‫اإلصبع الصَّغير وعهدَت إليه برعاية ولدها»‪.‬‬
‫قال يون البرونزي عابسًا في وجه ول ِّي (ب َّوابات القمر)‪« :‬إنه ولد چون آرن أيضًا يا ابن العم‪ ،‬ومكانه في‬
‫(الوادي)»‪.‬‬
‫قائال‪(« :‬العُش) جزء من (الوادي) تما ًما ك(رونستون)‪ ،‬ما لم يكن أحدهم قد نقلَها»‪.‬‬ ‫تظاهر پيتر بال َّدهشة ً‬
‫َ‬
‫َر َّد اللورد بلمور مغضبًا‪« :‬امزح كما تُريد أيها اإلصبع الصَّغير‪ .‬الصَّبي سيأتي معنا»‪.‬‬
‫طفال قويًّا كما تعلمون‬
‫‪« -‬أكرهُ أن أخيِّب أملكم يا لورد بلمور‪ ،‬لكن ابن زوجتي سيبقى هنا معي‪ .‬إنه ليس ً‬
‫جميعًا‪ ،‬والرِّ حلة ستُن ِهكه ألقصى درجة‪ .‬بصفتي زوج أ ِّمه واللورد الحافِظ ال أستطي ُع أن أسمح بذلك»‪.‬‬
‫تنحن َح سايموند تمپلتون‪ ،‬وقال‪« :‬ك ٌّل منا معه ألف رجل عند سفح الجبل أيها اإلصبع الصَّغير»‪.‬‬
‫‪« -‬مكان رائع لهم»‪.‬‬
‫‪« -‬ويُمكننا استدعاء المزيد إذا دعَت الحاجة»‪.‬‬
‫سألَه پيتر دون أن يلوح في نبرته أدنى خوف‪« :‬هل تُهَدِّدني بالحرب أيها الفارس؟»‪.‬‬
‫قال يون البرونزي‪« :‬سنأخذ اللورد روبرت»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬كلُّ هذا الكالم يُصيبني‬ ‫بدا أنهم بلغوا طريقًا مسدودًا‪ ،‬إلى أن التفتَ لين كوربراي عن النَّار ً‬
‫بالغثيان‪ .‬اإلصبع الصَّغير سيُقنِعكم بخلع ثيابكم ال َّداخليَّة إذا أصغيتم له كفايةً‪ .‬الطَّريقة الوحيدة للتَّعا ُمل مع‬
‫أمثاله الفوالذ»‪ ،‬واست َّل سيفه الطَّويل‪.‬‬
‫لست أحم ُل سيفًا أيها الفارس»‪.‬‬ ‫قائال‪ُ « :‬‬‫بسطَ پيتر يديه ً‬
‫تم َّوج ضوء ال ُّشموع على الفوالذ الرَّمادي كال ُّدخان‪ ،‬ال َّداكن لدرج ٍة ذ َّكرت سانزا بسيف أبيها العظيم‬
‫(جليد)‪ ،‬و َر َّد كوربراي‪« :‬مشكلة سهلة العالج‪ .‬رجلك آكل التُّفَّاح يحمل سيفًا‪ .‬قُل له أن يُعطيك إياه أو‬
‫اسحب هذا الخنجر»‪.‬‬
‫نهض يون رويس البرونزي ً‬
‫قائال‬ ‫َ‬ ‫رأت لوثور برون يم ُّد يده إلى سيفه‪ ،‬لكن قبل أن يتقا َرع النَّصالن‬
‫ضع سيفك في ِغمده أيها الفارس! أأنت كوربراي أم فراي؟ نحن ضيوف هنا»‪.‬‬ ‫بحنق‪َ « :‬‬
‫وز َّمت الليدي واينوود شفتيها قائلةً‪« :‬هذا ال يليق»‪.‬‬
‫ور َّدد اللورد هنتر اليافع‪« :‬أغ ِمد سيفك يا كوربراي‪ .‬إنك تُخزينا جميعًا بتصرُّ فك هذا»‪.‬‬
‫ضع (سيِّدة البؤس) في‬‫وقال اللورد ردفورت موبِّ ًخا بنبر ٍة ألطف‪« :‬هل َّم يا لين‪ ،‬لن يُفيدك هذا إطالقًا‪َ .‬‬
‫ِغمدها»‪.‬‬
‫خرجت تَرقُص رغبَت في قطر ٍة من األحمر»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َر َّد السير لين بعناد‪« :‬سيِّدتي ظمأى‪ .‬كلَّما‬
‫وض َع يون البرونزي نفسه في طريق كوربراي مباشرةً ً‬
‫قائال‪« :‬فلتظ َّل سيِّدتك ظمأى»‪.‬‬
‫ق لين كوربراي نخي ًرا ساخرًا‪ ،‬وقال‪« :‬لوردات البيان‪ .‬كان حريًّا بكم أن تُ َس ُّموا أنفسكم المسنَّات‬ ‫أطل َ‬
‫السِّت»‪ ،‬وعا َد يدسُّ السَّيف القاتم في ِغمده وتر َكهم ما ًّرا بلوثور برون كأنه ليس موجودًا‪ ،‬وسم َعت إليني‬
‫وقع ُخطواته يخفت‪.‬‬
‫تبادلَت آنيا واينوود وهورتون ردفورت نظرةً‪ ،‬وأفر َغ هنتر كأسه في جوفه ورف َعها لتُ َ‬
‫مأل من جديد‪ ،‬بينما‬
‫قال السير سايموند‪« :‬لورد بايلش‪ ،‬أرجو أن تغفر لنا هذا االبتذال»‪.‬‬
‫قال اإلصبع الصَّغير بنبر ٍة زحفَ عليها البرود‪« :‬حقًّا؟ لقد أتيتم به هنا أيها السَّادة»‪.‬‬
‫قال يون البرونزي‪« :‬لم تكن نيَّتنا قَ ُّ‬
‫ط أن‪.»...‬‬
‫‪« -‬أنتم أتيتم به هنا! سيكون من حقِّي تما ًما أن أستدعي َحرسي وألقي القبض عليكم جميعًا»‪.‬‬
‫هَبَّ هنتر واقفًا بع ٍ‬
‫ُنف كا َد يُسقِط اإلبريق من يد إليني‪ ،‬وقال‪« :‬لقد وعدتنا باألمان!»‪.‬‬
‫ي بال َّشرف أكثر من بعض‬ ‫َر َّد پيتر بنبر ٍة غاضبة لم تسمعها في صوته من قبل إطالقًا‪« :‬نعم‪ .‬فلتمتنُّوا لتحلِّ َّ‬
‫أبعدوا جيوشكم عن هذا الجبل‪ ،‬عودوا‬ ‫وسمعت مطالبكم‪ ،‬واآلن اسمعوا مطالبي‪ِ .‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قرأت بيانكم‬ ‫النَّاس‪ .‬لقد‬
‫ُكم بالفعل ولن أنكر هذا‪ ،‬لكنه كان من صُنع اليسا ال‬ ‫إلى دياركم واترُكوا ابني في سالم‪ .‬كان هناك سوء ح ٍ‬
‫صُنعي‪ .‬امنحوني عا ًما واحدًا فقط‪ ،‬وبمساعَدة اللورد نستور أعدكم بأن ال أحد منكم سيجد سببًا لل َّشكوى»‪.‬‬
‫قال بلمور‪« :‬هذا ما تقوله‪ ،‬لكن كيف نثق بك؟»‪.‬‬
‫لست أنا َمن جرَّد فوالذه في أثناء التَّفا ُوض‪ .‬لقد كتبتم عن‬ ‫ُ‬ ‫أهال للثِّقة؟‬
‫لست ً‬‫ُ‬ ‫‪« -‬هل تجرؤ على القول بأنني‬
‫لست ُمحاربًا لكني سأقاتلكم‬ ‫ُ‬ ‫الدِّفاع عن اللورد روبرت بينما تأبون عليه الطَّعام‪ .‬يجب أن ينتهي هذا‪ .‬إنني‬
‫ً‬
‫رجاال أيضًا‪ .‬إذا‬ ‫رسل (كينجز الندنج)‬ ‫إذا لم ترفعوا هذا الحصار‪ .‬هناك لوردات غيركم في (الوادي)‪ ،‬وستُ ِ‬
‫كانت الحرب ما تُريدون فقولوا وستُراق الدِّماء في (الوادي)»‪.‬‬
‫ك تتفتَّح في أعيُن لوردات البيان‪ ،‬وقال اللورد ردفورت بتر ُّدد‪« :‬عام ليس وقتًا‬ ‫رأت إليني زهور ال َّش ِّ‬
‫ً‬
‫طويال‪ .‬ربما‪ ...‬إذا أعطيتنا ضمانات‪.»...‬‬
‫ُشارف نهايته وال بُ َّد أن نُهَيِّئ أنفسنا‬ ‫أيَّدته الليدي واينوود قائلةً‪« :‬ال أحد منا يُريد الحرب‪ .‬الخريف ي ِ‬
‫لل ِّشتاء»‪.‬‬
‫تنحن َح بلمور‪ ،‬وقال‪« :‬في نهاية هذا العام‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬إذا لم أص ِّحح األوضاع في (الوادي) فسأتنحَّى عن منصب اللورد الحافِظ بإرادتي»‪.‬‬
‫ً‬
‫عادال وأكثر»‪.‬‬ ‫عقَّب نستور رويس‪ُّ « :‬‬
‫أظن هذا‬
‫وقال تمپلتون بإصرار‪« :‬يجب َّأال يكون هناك قصاص أو كالم عن الخيانة أو التَّمرُّ د‪ .‬عليك أن تُ ِ‬
‫قسم على‬
‫هذا أيضًا»‪.‬‬
‫قال پيتر‪« :‬يُس ِعدني أن أفعل‪ .‬إنني أرغبُ في األصدقاء ال األعداء‪ .‬سأعفو عنكم جميعًا‪ ،‬كتابةً إذا أردتم‪،‬‬
‫حتى لين كوربراي‪ .‬أخوه رجل صالح‪ ،‬وال داعي إلى تكليل عائل ٍة نبيلة بالعار»‪.‬‬
‫التفتَت الليدي واينوود إلى رفاقها لوردات البيان قائلةً‪« :‬هل نطرح األمر للمشا َورة أيها السَّادة؟»‪.‬‬
‫قال يون البرونزي‪« :‬ال داعي‪ .‬واض ٌح أنه فا َز»‪ ،‬وتفرَّس في پيتر بايلش بعينيه الرَّماديَّتين مردفًا‪« :‬ال‬
‫حسن استغالله يا سيِّدي‪ ،‬فليس من السَّهل‬ ‫يروقني هذا‪ ،‬لكن يبدو أن لك العام الذي تَطلُبه‪ .‬خي ٌر لك أن تُ ِ‬
‫خداعنا جميعًا»‪ ،‬وفت َح الباب بق َّو ٍة عاتية كادَت تخلعه من ِمفصالته‪.‬‬
‫الحقًا أقي َم ما هو أشبه بالمأدبة‪ ،‬وإن اضط َّر پيتر إلى االعتذار إليهم بسبب الطَّعام المتواضع‪ ،‬وجي َء‬
‫ب شديد‪ ،‬في حين تغيَّب يون‬ ‫ولعب دور اللورد الصَّغير بتهذي ٍ‬
‫َ‬ ‫بروبرت في سُتر ٍة من القشدي واألزرق‬
‫البرونزي إذ رح َل بالفعل من (العُش) ليبدأ رحلة النُّزول الطَّويلة التي سبقَه إليها السير لين كوربراي‪،‬‬
‫وظَ َّل الباقون معهم حتى الصَّباح‪.‬‬
‫ليلتها بينما تم َّددت إليني في الفِراش مصغيةً إلى ُعواء الرِّيح في الخارج ف َّكرت‪ :‬لقد سح َرهم‪ .‬ال تدري من‬
‫وراحت تتقلَّب وهو ينهشها كما‬
‫َ‬ ‫جال ببالها حر َمها النَّوم‪،‬‬
‫أين أتى االرتياب الذي انتابها‪ ،‬لكن بمجرَّد أن َ‬
‫ضت وارتدَت ثيابها تاركةً جرتشل ألحالمها‪.‬‬ ‫ينهش الكلب عظمةً‪ ،‬وأخيرًا نه َ‬
‫ُّ‬
‫يخط رسالةً‪ ،‬ول َّما دخلَت عليه سألَها‪« :‬إلين يا حُلوتي‪ ،‬ماذا تفعلين هنا في هذه‬ ‫كان پيتر ال يزال مستيقظًا‬
‫السَّاعة ال ِّ‬
‫متأخرة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬يجب أن أعرف‪ .‬ما الذي سيَح ُدث خالل عام؟»‪.‬‬
‫وض َع ريشته مجيبًا‪« :‬ردفورت وواينوود عجوزان‪ ،‬وربما يموت أحدهما أو كالهما‪ .‬جيلوود هنتر‬
‫سيغتاله إخوته‪ ،‬غالبًا هارالن ال َّشاب الذي رتَّب موت اللورد إيون‪.‬‬
‫أيال‪ .‬بلمور فاسد ويُمكن شراؤه‪ .‬تمپلتون سأصا ِدقه‪ .‬أ َّما يون رويس‬ ‫ت فاسرقي ً‬ ‫كما أقو ُل دائ ًما‪ ،‬إذا سرق ِ‬
‫البرونزي فأخشى أنه سيظلُّ معاديًا‪ ،‬لكن ما دا َم وحده فلن يُ َش ِّكل تهديدًا يُذ َكر»‪.‬‬
‫‪« -‬والسير لين كوربراي؟»‪.‬‬
‫أجاب‪« :‬السير لين سيبقى عد ِّوي اللَّدود‪ ،‬وسيتكلَّم عني بسخري ٍة‬ ‫َ‬ ‫تراقص ضوء ال ُّشموع في عينيه إذ‬
‫َ‬
‫ُشارك بسيفه في ك ِّل مؤامر ٍة س ِّريَّة لإلطاحة بي»‪.‬‬
‫وازدراء مع ك ِّل من يلتقي وي ِ‬
‫هنا استحالَت ريبتها إلى يقين‪ ،‬فقالت‪« :‬وكيف ستُكافِئه على خدمته؟»‪.‬‬
‫بالذهب وال ِغلمان والوعود بالطَّبع‪ .‬السير لين رجل بسيط‬
‫ق اإلصبع الصَّغير ضحكةً عاليةً‪ ،‬وقال‪َّ « :‬‬ ‫أطل َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الذوق يا حُلوتي‪ ،‬ال يحبُّ َّإال الذهب ِ‬
‫والغلمان والقتل»‪.‬‬
‫سرسي‬
‫بشفتين ممطوتتين استيا ًء قال لها الملك‪« :‬أري ُد أن أجلس على العرش الحديدي‪ .‬كن ِ‬
‫ت تدعين چوف يجلس‬
‫عليه دائ ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬چوفري كان في الثَّانية عشرة»‪.‬‬
‫ي!» ‪.‬‬
‫‪« -‬لكنني الملك! العرش ينتمي إل َّ‬
‫سألَته سرسي‪َ « :‬من أخب َرك بهذا؟»‪ ،‬وأخ َذت نفسًا عميقًا كي تعقد دوركاس أربطة فُستانها بمزي ٍد من‬
‫اإلحكام‪ .‬إنها فتاة كبيرة الحجم وأقوى كثيرًا من سينل‪ ،‬وإن كانت أكثر خَرقًا أيضًا‪.‬‬
‫احم َّر وجه تومن‪ ،‬وقال‪« :‬ال أحد أخب َرني»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أحد؟ أبهذا تدعو السيِّدة زوجتك؟»‪ .‬رائحة مارچري تايرل فائحة من هذا العصيان مفعمةً أنف‬
‫ي فلن تَترُك لي خيارًا َّإال استدعاء پايت ليُض َرب حتى ينزف»‪ .‬پايت هو كبش‬
‫الملكة‪« .‬إذا كذبت عل َّ‬
‫فِداء‪ 44‬تومن كما كان لچوفري من قبله‪« .‬أهذا ما تُريده؟»‪.‬‬
‫أجاب الملك بتجهُّم‪« :‬ال»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪َ « -‬من أخب َرك إذن؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬الليدي مارچري»‪ .‬الصَّبي أعقل من أن يدعوها بالملكة في حضور‬ ‫جرجر قدميه على األرض ً‬
‫َ‬
‫أ ِّمه‪.‬‬
‫ي أن أتَّخذ قرارًا فيها‪ ،‬أمورًا أنت أصغر كثيرًا ج ًّدا‬
‫‪« -‬هذا أفضل‪ .‬تومن‪ ،‬إن على عاتقي أمورًا جسيمةً عل َّ‬
‫صبي سخيف يتمل َمل على العرش ورائي ويُ َشتِّت انتباهي باألسئلة‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ولست في حاج ٍة إلى‬ ‫من أن تفهمها‪،‬‬
‫أظن أن مارچري ترى أن عليك حضور اجتماعات مجلسي أيضًا‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الطفوليَّة‪ُّ .‬‬
‫ي أن أتعلَّم أن أكون مل ًكا»‪.‬‬
‫‪« -‬بلى‪ ،‬تقول إن عل َّ‬
‫قالت له سرسي‪« :‬عندما تكبر يُمكنك أن تحضر ك َّل ما تُريد من اجتماعات‪ .‬أعدك بأنها سرعان ما‬
‫ستُصيبك بالملل‪ .‬روبرت كان ينعس في تلك الجلسات»‪ .‬حين كان ي َُج ِّشم نفسه عناء الحضور من األصل‪.‬‬
‫«كان يُفَضِّل الصَّيد والقنص تار ًكا ال ُّشؤون المملَّة للورد آرن العجوز‪ .‬هل تَذ ُكره؟»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد ماتَ ٍ‬
‫بألم في البطن»‪.‬‬
‫‪« -‬صحيح‪ ،‬الرَّجل المسكين‪ .‬ما ُدمت ت َّواقًا إلى التَّعلُّم فربما عليك أن تتعلَّم أسماء جميع ملوك (وستروس)‬
‫ي غدًا»‪.‬‬ ‫واأليدي الذين خدموهم‪ .‬يُمكنك أن تتلوها عل َّ‬
‫َر َّد صاغرًا‪« :‬حاضر يا أ َّماه»‪.‬‬
‫المهذب»‪ .‬الحُكم لها‪ ،‬وال تنوي سرسي أن تتخلَّى عنه قبل أن يَبلُغ تومن ِس َّن الرُّ شد‪ .‬أنا‬ ‫َّ‬ ‫‪« -‬هذا صبيِّي‬
‫ضا يستطيع االنتظار‪ .‬نِصف حياتي قضيته انتظارًا‪ .‬لقد لعبَت دور االبنة المطيعة‬ ‫ُ‬
‫انتظرت‪ ،‬وهو أي ً‬
‫والعروس الخجلى وال َّزوجة المطواعة‪ ،‬وتح َّملت تل ُّمس روبرت جسدها وهو سكران وغيرة چايمي‬
‫وسخرية رنلي وضحكات ڤارس المكبوتة وصرير أسنان ستانيس الال نهائي‪ ،‬وناف َست چون آرن وند‬
‫ستارك وأخاها القزم القاتل الخائن البغيض‪ ،‬وطيلة ك ِّل ذلك الوقت ظلَّت تَ ِعد نفسها بأن أوانها سيأتي‪ .‬إذا‬
‫كانت مارچري تايرل تبغي حرماني ساعتي في ال َّشمس فعلى الحقيرة أن تُعيد النَّظر‪.‬‬
‫أمضت سرسي بقيَّة‬ ‫َ‬ ‫وعلى الرغم من ذلك فما زالَت هذه بدايةً سيِّئةً ليومها الذي لم يتحسَّن بَعدها كثيرًا‪.‬‬
‫الصَّباح مع اللورد جايلز ودفاتره‪ ،‬تُصغي إليه يَسعُل عن النُّجوم واأليائل والتَّنانين‪ ،‬وبَعده وص َل اللورد‬
‫الذهب إلنهائها بالفخامة‬ ‫شارف االكتمال ويَطلُب مزيدًا من َّ‬ ‫ووترز ليُخبِرها بأن ُدرموناتها الثَّالث األولى تُ ِ‬
‫منتصف النَّهار‬
‫َ‬ ‫التي تستحقُّها‪ ،‬ف َس َّر الملكة أن تُلَبِّي طلبه‪ .‬الحقًا توثَّب فتى القمر أمامها فيما تناولَت وجبة‬
‫مع أعضا ٍء من روابط ال ُّتجَّار وأنصتَت إلى شكاواهم من العصافير الذين يتس َّكعون في ال َّشوارع وينامون‬
‫الذهبيَّة في طرد هؤالء العصافير من المدينة‪ .‬كانت‬ ‫في الميادين‪ .‬ربما أحتا ُج إلى استخدام ذوي المعاطف َّ‬
‫تُفَ ِّكر في هذا عندما دخ َل عليها پايسل‪.‬‬
‫صار ال ِمايستر األكبر كثير االعتراض بصور ٍة مبالَغ فيها في اجتماعات المجلس‪ ،‬وفي أثناء‬ ‫َ‬ ‫مؤ َّخرًا‬
‫الجلسة األخيرة اشتكى بش َّد ٍة من الرِّ جال الذين اختا َرهم أوران ووترز لقيادة ُدرموناتها الجديدة‪ .‬يُريد‬
‫يحث پايسل على اللُّجوء إلى ذوي الخبرة‪ ،‬ويصرُّ‬ ‫ُّ‬ ‫لرجال أكثر شبابًا‪ ،‬في حين‬
‫ٍ‬ ‫ووترز أن يُعطي ال ُّسفن‬
‫على أن القيادة ينبغي أن تكون للرَّبابنة الذين نجوا من حريق (النَّهر األسود)‪ ،‬واصفًا إياهم بأنهم «رجال‬
‫محنَّكون أثبَتوا والءهم»‪ ،‬أ َّما سرسي فقالت إنهم مس ُّنون وانحازَ ت إلى اللورد ووترز قائلةً‪« :‬ال َّشيء‬
‫الوحيد الذي أثبتَه هؤالء الرَّبابنة أنهم يُجيدون السِّباحة‪ .‬ال يَج ُدر بأ ُ ٍّم أن تعيش بَعد موت أطفالها وال يَج ُدر‬
‫َّان أن يعيش بَعد غرق سفينته»‪.‬‬ ‫ب ُرب ٍ‬
‫تلقَّى پايسل تبكيتها على مضض‪ ،‬وإن بدا أق َّل مشاكسةً اليوم‪ ،‬بل ونج َح في رسم ابتسام ٍة راجفة على شفتيه‬
‫كذلك إذ خاطبَها معلنًا‪« :‬أخبار سارَّة يا جاللة الملكة‪.‬‬
‫ت به وقط َع رأس فارس البصل رجل اللورد ستانيس»‪.‬‬ ‫وايمان ماندرلي نفَّذ ما أمر ِ‬
‫‪« -‬أهذا أكيد؟»‪.‬‬
‫ق رأس الرَّجل ويداه على أسوار (الميناء األبيض)‪ .‬اللورد وايمان صرَّح بهذا وآل فراي‬ ‫‪« -‬لقد ُعلِّ َ‬
‫يُ َؤ ِّكدونه‪ .‬لقد رأوا الرَّأس هناك وفي فمه بصلة‪ ،‬وأيضًا رأوا اليدين اللتين تُ َميِّز إحداهما أصابعها‬
‫المقصَّرة»‪.‬‬
‫أرسل طائرًا إلى ماندرلي وبلِّغه بأن ابنه سيُعاد إليه في الحال ما دا َم قد برهنَ على‬ ‫قالت سرسي‪« :‬عظيم‪ِ .‬‬
‫إخالصه»‪ .‬قريبًا ستعود (الميناء األبيض) إلى سالم الملك‪ ،‬ورووس بولتون وابنه النَّغل يُ َ‬
‫ضيِّقان الخناق‬
‫على (خندق كايلن) من الجنوب وال َّشمال‪ ،‬وبمجرَّد استيالئهما على القلعة ستنض ُّم ق َّواتهما لطرد الحديديِّين‬
‫ُكسبهما والء ح َملة راية ند ستارك المتبقِّين‬ ‫ضا‪ ،‬ومن شأن هذا أن ي ِ‬ ‫من (مربَّع تورين) و(ربوة الغابة) أي ً‬
‫حين يأتي وقت ال َّزحف ضد اللورد ستانيس‪.‬‬
‫في تلك األثناء أقا َم مايس تايرل في الجنوب مدينةً من الخيام خارج (ستورمز إند)‪ ،‬وث َّمة دستة من‬
‫تأثير يُذ َكر حتى اآلن‪ .‬قالت الملكة لنفسها‬ ‫ٍ‬ ‫المجانيق تضرب أسوار القلعة العمالقة بالحجارة‪ ،‬ولكن بال‬
‫ً‬
‫رجال سمينًا جالسًا على مؤ ِّخرته‪.‬‬ ‫متأ ِّملةً‪ :‬اللورد تايرل ال ُمحارب‪ .‬المفت َرض أن يكون رمزه‬
‫الظهر وص َل المبعوث البراڤوسي الكالح للقائه معها‪ ،‬والذي أرجأَته سرسي أسبوعين وكانت لتُ ِ‬
‫رجئه‬ ‫بَعد ُّ‬
‫عا ًما آ َخر لوال أن اللورد جايلز قال إنه لم يَعُد قادرًا على التَّعا ُمل مع الرَّجل‪ ...‬وإن كانت الملكة قد بدأت‬
‫ي شي ٍء غير السُّعال‪.‬‬‫تتسا َءل إن كان جايلز قادرًا على أ ِّ‬
‫لرجل مزعج‪ .‬صوته أيضًا مزعج‪ ،‬وقد تململَت‬ ‫ٍ‬ ‫قال البراڤوسي إن اسمه نوهو ديميتيس‪ .‬اسم مزعج‬
‫سرسي في جلستها بينما تكلَّم وتكلَّم‪ ،‬متسائلةً كم عليها أن تتح َّمل غطرسته‪ ،‬ومن ورائها يرتفع العرش‬
‫ظالال ملتويةً على األرض‪ .‬وحده الملك أو يده يستطيع الجلوس على‬ ‫ً‬ ‫الحديدي وتُلقي نصاله وبروزاته‬
‫العرش نفسه‪ ،‬ولذا جل َست سرسي عند قاعدته على مقع ٍد من الخشب المذهَّب تك َّومت عليه الوسائد‬
‫القرمزيَّة‪.‬‬
‫الخازن»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حين توقَّف البراڤوسي ليلتقط أنفاسه اغتن َمت الفُرصة قائلةً‪« :‬هذه مسألة تليق أكثر باللورد‬
‫ست مرَّات‪ ،‬فال يفعل َّإال السُّعال‬
‫مت مع اللورد جايلز َّ‬ ‫بدا أن اإلجابة لم تس َّر النَّبيل نوهو إذ قال‪« :‬لقد تكلَّ ُ‬
‫زال غير حاضر»‪.‬‬ ‫الذهب ما َ‬ ‫في وجهي والتَّحجُّ ج يا جاللة الملكة‪ ،‬لكن َّ‬
‫قالت سرسي مقترحةً بعذوبة‪« :‬تكلَّم معه م َّرةً سابعةً‪ .‬الرَّقم ‪ 7‬مق َّدس عند آلهتنا»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أرى أن المزاح يسرُّ‬
‫‪« -‬حين أمز ُح أبتس ُم‪ .‬هل تراني مبتسمةً؟ هل تسمع ضح ًكا؟ أؤ ِّك ُد لك أن النَّاس يضحكون عندما أمز ُح»‪.‬‬
‫‪« -‬الملك روبرت‪.»...‬‬
‫قاط َعته بح َّدة‪ ...« :‬ماتَ ‪( .‬المصرف الحديدي) سينال ذهبه عندما يُخ َمد هذا التَّمرُّ د»‪.‬‬
‫جر َؤ الرَّجل على أن يعبس في وجهها بك ِّل عجرفةً ً‬
‫قائال‪« :‬جاللة الملكة»‪.‬‬
‫قالت سرسي التي تح َّملت ما يكفيها تما ًما اليوم‪« :‬هذا اللِّقاء انتهى‪ .‬سير مرين‪ ،‬اصحب النَّبيل نوهو‬
‫ديميتيس إلى الباب‪ .‬سير أوزموند‪ ،‬يُمكنك أن تصحبني إلى مسكني»‪ .‬سيصل ضيفاها قريبًا‪ ،‬وعليها أن‬
‫تستح َّم وتُبَدِّل ثيابها‪ ،‬ولو أن ال َعشاء المنتظَر يَ ِعد بأن يكون مضجرًا كذلك‪ .‬حُكم مملك ٍة واحدة صعب بما‬
‫فيه الكفاية‪ ،‬ناهيك بسبع ممالك‪.‬‬
‫طويال رشيقًا في ثياب ال َحرس الملكي البيضاء‪ ،‬وحين‬
‫ً‬ ‫ق بها السير أوزموند ِكتلبالك على ال َّدرج‪،‬‬ ‫لح َ‬
‫تأ َّكدت سرسي من وجودهما وحدهما تأبَّطت ذراعه متسائلةً‪« :‬كيف حال أخيك الصَّغير يا تُرى؟»‪.‬‬
‫ال َح االرتباك على السير أوزموند إذ قال‪« :‬آه‪ ...‬بخير‪ ،‬غير أن‪.»...‬‬
‫تر َكت الملكة لمحةً من الغضب تشوب نبرتها وهي تر ُّد‪« :‬غير أن؟ عل َّي أن أعترف بأن صبري على‬
‫أوزني العزيز بدأ ينفد‪ .‬حانَ الوقت ألن يلج تلك ال ُمهرة الصَّغيرة‪ .‬لقد عيَّنته حارسًا شخصيًّا لتومن كي‬
‫المفترض أن يكون قد اقتطفَ الوردة بالفعل‪ .‬هل الملكة‬ ‫َ‬ ‫يوم في صُحبة مارچري‪.‬‬ ‫يقضي وقتًا ك َّل ٍ‬
‫الصَّغيرة معميَّة عن ِسحره؟»‪.‬‬
‫ؤاخذيني»‪ ،‬ومرَّر السير أوزموند أصابعه في‬‫‪ِ « -‬سحره يعمل بكفاءة‪ .‬إنه ِكتلبالك‪ ،‬أليس كذلك؟ أرجو َّأال تُ ِ‬
‫َشعره األسود ال ُّدهني مضيفًا‪« :‬إنها هي المشكلة»‪.‬‬
‫ساور الملكة في السير أوزني‪ .‬ربما هناك رجل آ َخر يروق مارچري‬ ‫‪« -‬وما السَّبب؟»‪ .‬بدأت ال ُّشكوك تُ ِ‬
‫ضل الفتاة أحدًا آخَر؟‬ ‫ضي‪ ،‬أو رجل كبير قوي البنية كالسير تاالد‪« .‬هل تُفَ ِّ‬ ‫أكثر‪ .‬أوران ووترز ب َشعره الف ِّ‬
‫هل يُز ِعجها وجه أخيك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنها تحبُّ وجهه‪ .‬قال لي إنها تحسَّست ندوبه منذ يومين وسألَته عن المرأة التي أصابَته بها‪ .‬لم يقل‬
‫ط إنها امرأة‪ ،‬لكنها عرفَت‪ .‬ربما أخب َرها أحد‪ .‬يقول إنها تلمسه دائ ًما عندما يتكلَّمان‪ ،‬تُ َعدِّل دبُّوس‬ ‫أوزني قَ ُّ‬
‫معطفه وتُ َس ِّوي َشعره وما إلى ذلك‪ ،‬وفي م َّر ٍة في تدريب الرِّماية جعلَته يُريها كيف تحمل القوس الطَّويل‪،‬‬
‫ت أكثر بذاءةً‪ .‬ال‪ ،‬إنها راغبة فيه‪ ،‬هذا‬ ‫فط َّوقها بذراعيه‪ .‬أوزني يحكي لها نكاتًا بذيئةً فتضحك وتر ُّد بنكا ٍ‬
‫واضح‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬
‫استحثَّته سرسي قائلةً‪« :‬ولكن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنه ال ينفرد بها أبدًا‪ .‬الملك معهما أغلب الوقت‪ ،‬وإن لم يكن هو فهناك غيره‪ .‬اثنتان من رفيقاتها تنامان‬
‫معها في فِراشها‪ ،‬اثنتان مختلفتان ك َّل ليلة‪ ،‬واثنتان أخريان تجلبان لها اإلفطار وتُسا ِعدانها على ارتداء‬
‫صلِّي مع ِسپتتها وتقرأ مع بنت عمومتها إلينور وتُ َغنِّي مع بنت عمومتها آال وتخيط مع بنت‬ ‫ثيابها‪ .‬إنها تُ َ‬
‫عمومتها ِمجا‪ ،‬وحين ال تذهب للصَّيد بالصُّ قور مع چانا فوسواي وميري كرين تلعب ( َ‬
‫تعال إلى قلعتي)‬
‫مع ابنة بولوار الصَّغيرة‪ ،‬وال تذهب لركوب الخيل أبدًا دون أن تأخذ حاشيةً من أربعة أو خمسة رفاق‬
‫ودست ٍة على األقل من ال ُحرَّاس‪ ،‬وهناك رجال حولها دو ًما‪ ،‬حتى في (قفص العذراوات)»‪.‬‬
‫‪« -‬رجال‪َ .‬من هُم؟ أخبِرني؟»‪ .‬هذا أفضل من ال شيء وينطوي على احتماالت‪.‬‬
‫هَ َّز السير أوزموند كتفيه مجيبًا‪« :‬مغ ُّنون‪ .‬إنها مغرمة بالمغنِّين والحُواة وأمثالهم‪ ،‬وث َّمة فُرسان يأتون‬
‫للتَّحديق ولهًا إلى بنات عمومتها‪ .‬السير تاالد أسوأهم كما يقول أوزني‪ .‬األبله الكبير ال يدري إن كان يُريد‬
‫إلينور أم آال‪ ،‬لكنه يعرف أنه يُريدها للغاية‪ .‬التَّوأمان ردواين يأتيان لزيارتها أيضًا‪ .‬سلوبر يجلب زهو ًرا‬
‫وفواكه‪ ،‬وهورور تعلَّم العزف على العود‪ .‬حسب كالم أوزني فخنق القِطط يُص ِدر ألحانًا أفضل‪ .‬رجل‬
‫(جُزر الصَّيف) حاضر دائ ًما أيضًا»‪.‬‬
‫الذهب وال ِّرجال السترداد‬ ‫قالت سرسي‪« :‬چاالبار شو؟»‪ ،‬وأطلقَت نخير سخري ٍة مردفةً‪« :‬يتوسَّل منها َّ‬
‫أصل عريق‪ .‬كان بمقدور‬ ‫ٍ‬ ‫وطنه على األرجح»‪ .‬تحت جواهره وريشه ليس شو أكثر من شحَّا ٍذ ينحدر من‬
‫روبرت أن يضع نهايةً إللحاحه ب«ال» واحدة حازمة‪َّ ،‬إال أن فكرة غزو (جُزر الصَّيف) استه َوت زوجها‬
‫الجلف ال ِّس ِّكير‪ .‬ال ريب أنه كان يَحلُم بالنِّساء بنِّيَّات البشرة العاريات تحت المعاطف ال ِّريش وحلماتهن‬
‫بدال من «ال» اعتا َد روبرت أن يقول لشو‪« :‬العام المقبل»‪ ،‬مع أن ذلك العام المقبل‬ ‫السَّوداء كالفحم‪ ،‬ولذا ً‬
‫لم يُقبِل قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬
‫َر َّد السير أوزموند‪« :‬ال أدري إن كان يتوسَّل أم ال يا جاللة الملكة‪ .‬أوزني يقول إنه يُ َعلِّمهم لُغة الصَّيف‪.‬‬
‫ليس أوزني‪ ،‬بل الملك‪ ...‬ال ُمهرة وبنات عمومتها»‪.‬‬
‫قالت الملكة بجفاف‪« :‬الحصان الذي يتكلَّم لُغة الصَّيف يُح ِدث انطباعًا قويًّا‪ .‬قُل ألخيك أن يُحافِظ على ح َّدة‬
‫ِمهمزيْه‪ .‬قريبًا سأج ُد وسيلةً له ليمتطي ال ُمهرة‪ ،‬لك أن تثق بهذا»‪.‬‬
‫‪« -‬سأخبِره يا جاللة الملكة‪ .‬إنه متش ِّوق إلى تلك الرُّ كوبة‪ ،‬ال تحسبي العكس‪ .‬تلك ال ُمهرة حسناء حقًّا»‪.‬‬
‫ي أنا أيها األحمق‪ .‬ال يُريد من مارچري َّإال اللورديَّة التي بين ساقيها‪ .‬على الرغم من ولعها‬ ‫إنه متش ِّوق إل َّ‬
‫بأوزموند فإنه يبدو بطيء الفهم كروبرت أحيانًا‪ .‬آم ُل أن يكون سيفه أسرع من بديهته‪ ،‬فربما يأتي يوم‬
‫يحتاج فيه تومن إليه‪.‬‬
‫كانا يمرَّان في ِظ ِّل أنقاض (بُرج اليد) حين تعالى صوت التَّهليل ليغمرهما‪ .‬عبر السَّاحة كان ُمرافق ما قد‬
‫س َّدد ضربةً إلى الطَّاووس مد ِّورًا ذراعه العرضيَّة‪ ،‬وقد قادَت الهتاف مارچري تايرل ودجاجاتها‪ .‬ف َّكرت‬
‫لطحن ال يُذ َكر‪ .‬كان المرء ليحسب الصَّبي فا َز في دورة مباريات‪ ،‬ثم أذهلَها أن‬ ‫ٍ‬ ‫سرسي‪ :‬جعجعة صاخبة‬
‫ترى أن َمن على متن الجواد الحربي هو تومن مد َّرعًا بالصَّفائح المعدنيَّة المذهَّبة‪.‬‬
‫لم تجد الملكة خيارًا َّإال أن ترسم ابتسامةً على شفتيها وتذهب لترى ابنها‪ ،‬وبلغَته بينما ساعدَه فارس‬
‫الزهور على النُّزول من فوق حصانه‪ .‬كان الصَّبي متقطِّع األنفاس من فرط اإلثارة‪ ،‬ويسأل الجميع‪« :‬هل‬ ‫ُّ‬
‫رأيتم؟ فعلتها كما قال السير لوراس تما ًما‪ .‬هل رأيت يا سير أوزني؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫رأيت‪ .‬منظر جميل»‪.‬‬ ‫أجاب أوزني ِكتلبالك‪« :‬‬
‫َ‬
‫أضافَ السير درموت‪« :‬تُجيد الرُّ كوب أفضل مني يا موالي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫كسرت الرُّ مح أيضًا‪ .‬هل سمعته يا سير لوراس؟»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫الذهب واليَشب تُثَبِّت معطف السير لوراس األبيض عند الكتف‪،‬‬ ‫‪« -‬كأنه هزيم الرَّعد»‪ .‬كانت وردة من َّ‬
‫والرِّيح تُ َم ِّوج ُخصالته البنِّيَّة بأناقة‪« .‬لقد ركبت بمنتهى البراعة‪ ،‬لكن م َّرةً واحدةً ال تكفي‪ .‬عليك أن‬
‫يوم إلى أن تُصبِح كلُّ ضرب ٍة تُ َوجِّهها ثابتةً مستقيمةً ويصير الرُّ مح جز ًءا‬
‫تُ َكرِّرها غدًا‪ .‬يجب أن تركب ك َّل ٍ‬
‫من جسدك ِمثله ِمثل ذراعك»‪.‬‬
‫‪« -‬أري ُد هذا»‪.‬‬
‫قالت له مارچري‪« :‬كنت مجيدًا»‪ ،‬وجثَت على رُكبتها ولث َمت الملك على وجنته ووض َعت ذراعها على‬
‫ت قليلة»‪ ،‬وأيَّدتها بنات‬
‫أظن أن زوجي الباسل سيُسقِطك عن حصانك خالل سنوا ٍ‬ ‫كتفه قائلةً للوراس‪ُّ « :‬‬
‫عمومتها الثَّالث‪ ،‬وبدأت ابنة بولوار المأفونة تتوثَّب مترنِّمةً‪« :‬تومن سيكون البطل‪ ،‬البطل‪ ،‬البطل!»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال بال ًغا»‪.‬‬ ‫قالت سرسي‪« :‬حين يُصبِح‬
‫ت قبَّلها الصَّقيع‪ ،‬وكانت السِّپتة ذات الوجه المجدور أول من يركع‪ ،‬وتب َعها‬ ‫ذبلَت ابتساماتهم كوردا ٍ‬
‫اآلخَرون باستثناء الملكة وأخيها‪.‬‬
‫لم يب ُد على تومن أنه الح َ‬
‫ظ البرودة المفاجئة في الهواء‪ ،‬واندف َع يقول بسعادة‪« :‬هل رأيتِني يا أ ِّمي؟ لقد‬
‫كسرت رُمحي على التُّرس ولم يضربني كيس الرَّمل!»‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪« -‬شاهدتك عبر السَّاحة‪ .‬أحسنت البالء للغاية يا تومن‪ .‬ال أتوقَّ ُع منك ما هو أقل‪ .‬إن النِّزال في دمك‪،‬‬
‫يوم ستسود المضامير ِمثل أبيك»‪.‬‬
‫وذات ٍ‬
‫من َحت مارچري تايرل الملكة ابتسامةً ظا ِهرها الخجل قائلةً‪« :‬ال أحد سيَص ُمد أمامه‪ .‬لكني لم أعرف أن‬
‫فضلك يا جاللة الملكة‪ ،‬ما المباريات التي فازَ‬
‫ِ‬ ‫ت في النِّزال‪ .‬أخبِرينا من‬
‫صاحب إنجازا ٍ‬
‫ِ‬ ‫الملك روبرت كان‬
‫أعرف أن الملك يحبُّ أن يُحيط عل ًما‬‫ُ‬ ‫طهم من فوق خيولهم؟‬ ‫فيها؟ َمن الفُرسان العظام الذين أسق َ‬
‫بانتصارات أبيه»‪.‬‬
‫زحفَ األحمر على ُعنق سرسي‪ .‬لقد أوق َعتها الفتاة في مصيدة‪ .‬الحقيقة أن روبرت باراثيون لم يكن يُبالي‬
‫بالنِّزال في المضامير‪ ،‬وخالل المباريات كان يُفَضِّل االلتحامات الجماعيَّة كثيرًا‪ ،‬حيث يُمكنه أن يطيح في‬
‫س ثلمة أو مطرق ٍة حتى يُدميهم‪ .‬حين تكلَّمت كانت تُفَ ِّكر في چايمي‪ .‬ليس من ديدني أن‬ ‫ال ِّرجال ضربًا بفأ ٍ‬
‫أنسى نفسي‪.‬‬
‫هكذا قالت مرغمةً‪« :‬روبرت فا َز في مباراة (الثَّالوث)‪ ،‬أسقطَ األمير ريجار وس َّماني ملكة الحُبِّ وال َجمال‪.‬‬
‫أنك ال تعرفين هذه القصَّة يا زوجة ابني»‪ ،‬ولم تمنح مارچري فُرصةً لل َّر ِّد إذ قالت‪« :‬سير‬ ‫يُد ِهشني ِ‬
‫امش معي‪ ،‬أري ُد أن أتكلَّم معك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أوزموند‪ ،‬سا ِعد ابني على خلع ِدرعه إذا سمحت‪ .‬سير لوراس‪،‬‬
‫الزهور ما يفعله َّإال أن يمشي في أعقابها كالجرو‪ ،‬وانتظ َرت سرسي حتى أصبحا على‬ ‫لم يجد فارس ُّ‬
‫صاحب هذه الفكرة؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال َّدرجات الملتفَّة لتقول‪« :‬تُرى َمن‬
‫أجاب مضط ًّرا‪« :‬أختي‪ .‬السير تاالد والسير درموت والسير پورتيفر كانوا يتمرَّنون على الطَّاووس‪،‬‬ ‫َ‬
‫صاحب الجاللة دورًا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واقترحت الملكة أن يأخذ‬
‫َ‬
‫يدعوها بهذا اللَّقب ليُضايِقني‪« .‬وماذا فعلت أنت؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ساعدت جاللته على ارتداء ِدرعه وأريته كيف يُ َسدِّد الرُّ مح»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫ضرب كيس الرَّمل رأسه؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ط؟ ماذا لو‬ ‫‪« -‬ذلك الحصان كان كبيرًا عليه للغاية‪ .‬ماذا لو سق َ‬
‫‪« -‬الكدمات وال ِّشفاه ال َّدامية جزء من تكوين الفارس»‪.‬‬
‫بدأت أفه ُم لماذا أصب َح أخوك معاقًا»‪ ،‬فسرَّها مرأى قولها يمسح االبتسامة عن وجهه الوسيم‪،‬‬ ‫قالت‪ُ « :‬‬
‫ق أخي في شرح واجباتك لك أيها الفارس‪ .‬أنت هنا لحماية ابني من أعدائه‪ ،‬أ َّما تدريبه‬ ‫وتاب َعت‪« :‬ربما أخف َ‬
‫على الفُروسيَّة فمسؤوليَّة قيِّم السِّالح»‪.‬‬
‫سالح منذ مقتل أرون سانتاجار‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قال السير لوراس وفي نبرته لمحة لوم‪« :‬ليس في (القلعة الحمراء) قيِّم‬
‫جاللته يكاد يَبلُغ التَّاسعة‪ ،‬وت َّواق إلى التَّعلُّم‪ .‬في ِسنِّه هذه يُفت َرض أن يكون ُمرافقًا‪ ،‬وعلى أحدهم أن‬
‫يُ َعلِّمه»‪.‬‬
‫أحدهم سيُ َعلِّمه‪ ،‬لكنه لن يكون أنت‪ .‬سألَته بعذوبة‪« :‬أخبِرني‪َ ،‬من الذي كنت ُمرافقه؟ اللورد رنلي‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كان لي هذا ال َّشرف»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم هذا ما حسبته»‪ .‬رأت سرسي األواصر القويَّة التي تنعقد بين ال ُمرافقين والفُرسان الذين يخدمونهم‪،‬‬
‫وال تُريد أن تنشأ عالقة مشابهة بين تومن ولوراس تايرل‪ ،‬ففارس ُّ‬
‫الزهور ليس بالرَّجل الذي يحذو أيُّ‬
‫َّرت في هذا‪ .‬في خض ِّم حُكم البالد وخوض الحرب والحُزن على أبي فاتَتني المسألة‬ ‫بي حذوه‪« .‬لقد قص ُ‬ ‫ص ٍّ‬
‫سالح جديد‪ .‬سأصل ُح هذا الخطأ في الحال»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الملحَّة الخاصَّة بتعيين قيِّم‬
‫رجال أمهر مني في‬ ‫ً‬ ‫صاحبة الجاللة‬
‫ِ‬ ‫طت على جبهته ً‬
‫قائال‪« :‬لن تجد‬ ‫أزا َح السير لوراس ُخصلةً بنِّيَّةً سق َ‬
‫القتال بالسَّيف والرُّ مح»‪.‬‬
‫يا لتواضعك‪« .‬تومن موالك ال ُمرافقك‪ .‬ستُقاتِل في سبيله وتموت في سبيله إذا لز َم األمر‪ ،‬وليس أكثر من‬
‫هذا»‪.‬‬
‫تر َكته على الجسر المتحرِّ ك الممتد فوق الخندق الجاف والخوازيق البارزة من قاعه ودخلَت (حصن‬
‫رفضت‬
‫َ‬ ‫ميجور) وحدها‪ ،‬وبينما صع َدت السَّاللم إلى مسكنها سألَت نفسها‪ :‬أين أج ُد قيِّ ًما للسِّالح؟ بَعد أن‬
‫س آ َخر في ال َحرس الملكي‪ ،‬إذ سيكون ذلك بمثابة ٍ‬
‫ملح على‬ ‫السير لوراس ال تستطيع أن تلجأ إلى فار ٍ‬
‫أصبح‬
‫َ‬ ‫ك أنه سيُثير حفيظة (هايجاردن)‪ .‬السير تاالد؟ السير درموت؟ ال بُ َّد من أحد‪ .‬تومن‬ ‫الجرح‪ ،‬وال َش َّ‬
‫مولعًا بحارسه ال َّشخصي الجديد‪ ،‬لكن أوزني أثبتَ أنه أقلُّ مهارةً مما أملَت في مسألة العذراء مارچري‪،‬‬
‫مؤسف أن كلب الصَّيد أصابَه السُّعار‪ .‬لطالما خافَ تومن‬ ‫ٌ‬ ‫ب آخَر ألخيه أوزفريد‪.‬‬ ‫كما أنها تُفَ ِّكر في منص ٍ‬
‫صوت ساندور كليجاين األجش ووجهه المحروق‪ ،‬ولكانت سخرية كليجاين بمثابة التِّرياق المثالي لشهامة‬
‫لوراس تايرل المدا ِهنة‪.‬‬
‫أرون سانتاجار كان دورنيًّا‪ .‬يُمكنني أن أبعث برسال ٍة إلى (دورن)‪ .‬بين (صنسپير) و(هايجاردن) قرون‬
‫من ال َّدم‪ .‬نعم‪ ،‬قد يَصلُح رجل دورني لمتطلَّباتي تما ًما‪ .‬ال بُ َّد من وجود ُمقاتلين بارعين في (دورن)‪.‬‬
‫دخلَت ُغرفتها ال َّشمسيَّة لتجد اللورد كايبرن جالسًا يقرأ على مقع ٍد مجاور للنَّافذة‪ ،‬ول َّما رآها قال‪« :‬بَعد إذن‬
‫جاللة الملكة‪ ،‬معي تقارير»‪.‬‬
‫طويال ومت ِعبًا‪ ،‬فأخبِرني سريعًا»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قالت سرسي‪« :‬المزيد من المؤامرات والخيانة؟ كان يومي‬
‫قائال‪« :‬كما تشائين‪ .‬ث َّمة كالم عن عرض أركون‪( 49‬تايروش) على (لِيس) شروط هدن ٍة‬ ‫ف ً‬ ‫ابتس َم بتعاطُ ٍ‬
‫إلنهاء حرب التِّجارة الحاليَّة بينهما‪ .‬كان أشي َع أن (مير) على وشك دخول الحرب في َ‬
‫صفِّ (تايروش)‪،‬‬
‫ير المايريُّون أنهم يستطيعون‪.»...‬‬ ‫لكن من دون الجماعة َّ‬
‫الذهبيَّة لم َ‬
‫ُحارب بعض ال ُمدن ال ُحرَّة بعضًا‪ ،‬وخياناتهم وتحالُفاتهم الال نهائيَّة‬ ‫‪« -‬ما يراه المايريُّون ال يه ُّمني»‪ .‬دائ ًما ي ِ‬
‫تعني القليل ج ًّدا ل(وستروس)‪« .‬هل لديك أخبار أكثر أه ِّميَّة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ثورة العبيد في (أستاپور) امت َّدت إلى (ميرين) على ما يبدو‪ ،‬وبحَّارة دست ٍة من السُّفن يتكلَّمون عن‬
‫التَّنانين‪.»...‬‬
‫مكان ما‪( .‬ميرين) واقعة في أقصى‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬الهارپيات‪ ،‬في (ميرين) هارپيات»‪ .‬إنها تَذ ُكر هذه المعلومة من‬
‫األرض‪ ،‬شرقًا وراء (ڤاليريا)‪« .‬فليَثُر العبيد‪ .‬لماذا أعبأُ؟ ال عبيد عندنا في (وستروس)‪ .‬أهذا كلُّ ما‬
‫لديك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ث َّمة أخبار من (دورن) قد تجدها صا ِحبة الجاللة أكثر إثارةً لالهتمام‪ .‬األمير دوران سجنَ السير ديمون‬
‫ساند‪ ،‬النَّغل الذي كان ُمرافقًا لألُفعوان األحمر»‪.‬‬
‫‪« -‬أذكره»‪ .‬كان السير ديمون من الفُرسان الذين رافَقوا األمير أوبرين إلى (كينجز الندنج)‪« .‬ماذا‬
‫فع َل؟»‪.‬‬
‫طالب بإطالق سراح بنات األمير أوبرين»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪«-‬‬
‫‪« -‬أحمق»‪.‬‬
‫تاب َع كايبرن‪« :‬هناك أيضًا ابنة فارس (الغابة الرَّقطاء) التي ُخ ِطبَت على نح ٍو غير متوقَّع للورد‬
‫إسترمونت‪ ،‬حسب إفادة أصدقائنا في (دورن)‪ .‬في اللَّيلة نفسها أُ ِ‬
‫رسلَت إلى (الحجر األخضر)‪ ،‬ويُقال إنها‬
‫وإسترمونت تز َّوجا بالفعل»‪.‬‬
‫قالت سرسي مداعبةً ُخصلةً من َشعرها‪« :‬نغل في بطنها يشرح السَّبب‪ .‬كم ِس ُّن العروس الخجلى؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ثالثة وعشرون سنةً يا جاللة الملكة‪ ،‬بينما إسترمونت‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬في السَّبعين على األقل‪ ،‬أعي هذا»‪ .‬آل إسترمونت أصهارها من خالل روبرت‪ ،‬الذي تز َّوج أبوه‬
‫واحدةً منهم في ُخطو ٍة ال يُمكن تفسيرها َّإال بنوبة شهو ٍة أو جنون‪ .‬لدى زواج سرسي بالملك كانت أُم‬
‫عام في المدينة‪ ،‬وبَعدها‬ ‫زمن طويل‪ ،‬وإن حض َر كال أخويها زفافهما وبقيا ِنصف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫روبرت قد رحلَت منذ‬
‫أص َّر روبرت على َر ِّد الجميل بزيارة (إسترمونت)‪ ،‬الجزيرة الجبليَّة الصَّغيرة الواقعة عند (رأس‬
‫ضتهما سرسي في (الحجر األخضر) ‪-‬مقر عائلة‬ ‫الغضب)‪ ،‬وكان األسبوعان الكئيبان الرَّطبان اللذان أم َ‬
‫إسترمونت‪ -‬األطول في شبابها على اإلطالق‪ .‬بمجرَّد النَّظر س َّمى چايمي القلعة «الخراء األخضر»‪،‬‬
‫قضت وقتها في مشاهَدة زوجها الملوكي يصيد ويقنص‬ ‫وسرعان ما ح َذت سرسي حذوه‪ ،‬وفيما عدا ذلك َ‬
‫ويشرب مع خاليْه ويُبَرِّح عددًا كبيرًا من أبناء ال ُخؤولة ضربًا في ساحة (الخراء األخضر)‪.‬‬
‫خال ما أيضًا‪ ،‬أرملة قصيرة مكتنزة ذات نهدين كبيرين كبِطِّيختين ماتَ زوجها وأبوها‬ ‫كانت هناك ابنة ٍ‬
‫عند (ستورمز إند) في أثناء الحصار‪ ،‬وعنها قال روبرت لسرسي‪« :‬أبوها عاملَني بطيبة‪ ،‬وكنا نلعب معًا‬
‫طويال قبل أن يبدأ اللَّعب معها من جديد‪ ،‬وبمجرَّد أن تُغ ِلق سرسي عينيها‬ ‫ً‬ ‫صغرنا»‪ .‬لم يستغرق وقتًا‬‫في ِ‬
‫تع َّود الملك أن يتسلَّل ليُواسي األرملة الوحيدة المسكينة‪ .‬في ليل ٍة جعلَت چايمي يتبعه ليُ َؤ ِّكد شكوكها‪ ،‬ول َّما‬
‫عا َد أخوها سألَها إن كانت تُريده أن يَقتُل روبرت‪ ،‬فأجابَت‪« :‬ال‪ ،‬أري ُد أن أر ِّكب له قرنين»‪ .‬تحبُّ سرسي‬
‫أن تعتقد أن تلك هي اللَّيلة التي حبلَت فيها بچوفري‪.‬‬
‫ُ‬
‫أكترث لهذا؟»‪.‬‬ ‫قالت لكايبرن‪« :‬إلدون إسترمونت تز َّوج فتاةً تصغره بخمسين عا ًما‪ ،‬فلِ َم‬
‫إنك يجب أن تكترثي‪ ...‬لكن ديمون ساند وابنة سانتاجار تلك قريبان من آريان‬ ‫هَ َّز كتفيه ً‬
‫قائال‪« :‬ال أقو ُل ِ‬
‫خطر لي أن على‬
‫َ‬ ‫ابنة األمير دوران‪ ،‬أو أن هذا ما يُشيعه الدورنيُّون‪ .‬ربما ال يعني األمر شيئًا‪ ،‬لكن‬
‫جاللتك أن تعرفي»‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫أعرف‪ .‬هل لديك المزيد؟»‪.‬‬ ‫قالت وقد بدأ صبرها ينفد‪« :‬واآلن‬
‫َر َّد‪« :‬شيء واحد آخَر‪ ،‬مسألة تافهة»‪ ،‬وابتس َم لها معتذرًا وأخب َرها عن عرض ُدمى القى ً‬
‫إقباال كبيرًا من‬
‫عا َّمة المدينة في الفترة األخيرة‪ ،‬عرض تَح ُكم فيه مملكة الحيوان األُسود المتكبِّرة‪« .‬مع تواصُل هذه‬
‫الحكاية المحرِّ ضة على الخيانة تُصبِح األُسود ال ُّدمى أكثر طمعًا وخيال ًء‪ ،‬إلى أن تبدأ في افتراس رعاياها‪،‬‬
‫وحين يعترض الوعل النَّبيل تفترسه األُسود أيضًا وتزأر بأن هذا حقُّها باعتبارها أقوى الحيوانات»‪.‬‬
‫نظر المرء إلى الحكاية من ال َّزاوية السَّليمة فربما يراها‬ ‫َ‬ ‫سألَته سرسي باستمتاع‪« :‬أهذه هي النِّهاية؟»‪ .‬إذا‬
‫س مفيد‪.‬‬
‫كدر ٍ‬
‫‪« -‬ال يا جاللة الملكة‪ .‬في النِّهاية يَخرُج تنِّين من بيض ٍة ويلتهم األُسود كلَّها»‪.‬‬
‫هكذا تنقل النِّهاية عرض ال ُّدمى من خانة اإلهانة البسيطة إلى الخيان ٍة البيِّنة‪ .‬قالت سرسي‪« :‬أغبياء حمقى‪.‬‬
‫ين خشبي َّإال مختل»‪ ،‬وتف َّكرت لحظةً ثم أردفَت‪ِ « :‬‬
‫أرسل بعض هامسيك إلى‬ ‫ُخاطر برأسه من أجل تنِّ ٍ‬
‫ال ي ِ‬
‫تلك العروض واجعلهم يُعايِنون الحاضرين‪ .‬إذا كان أيُّهم من األناس البارزين فأري ُد أن أعرف أسماءهم»‪.‬‬
‫‪« -‬وماذا سيَح ُدث لهم إذا سمح ِ‬
‫ت لي بالسُّؤال؟»‪.‬‬
‫‪« -‬األثرياء منهم سيُ َغرَّمون‪ .‬يكفي نِصف ثرواتهم لتلقينهم درسًا قاسيًا وإعادة َملء خزائننا دون خراب‬
‫بيوتهم‪ .‬األفقر من أن يدفعوا تُفقأ لهم عين لمشاهَدتهم الخيانة‪ ،‬واإلعدام بالفأس لمحرِّ كي ال ُّدمى»‪.‬‬
‫بالذات ستكون‪.»...‬‬‫صاحبة الجاللة باثنين منهم ألجل أغراضي‪ .‬امرأة َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬إنهم أربعة‪ .‬ربما تسمح لي‬
‫قاط َعته الملكة محت َّدةً‪« :‬لقد أعطيتك سينل»‪.‬‬
‫‪« -‬لألسف الفتاة المسكينة‪ ...‬منهَكة تما ًما»‪.‬‬
‫ال يروق سرسي التَّفكير في هذا‪ .‬لقد ذهبَت الفتاة معها دون أن يُخا ِلجها أدنى َشك‪ ،‬متص ِّورةً أنها ستُقَدِّم‬
‫الطَّعام وتصبُّ ال َّشراب‪ ،‬وحتى حين ط َّوق كايبرن معصمها بالسِّلسلة لم يب ُد عليها الفهم‪ .‬ما زالَت ال ِّذكرى‬
‫تُصيب الملكة بالغثيان‪ .‬كانت ال َّزنازين قارسة البرودة‪ ،‬وحتى المشاعل كانت ترتجف‪ ،‬وذلك ال َّشيء‬
‫الكريه كان يَصرُخ في الظَّالم‪« ...‬حسن‪ ،‬يُمكنك أن تأخذ امرأةً‪ُ .‬خذ اثنتين إذا أردت‪ .‬لكني أري ُد األسماء‬
‫ً‬
‫أوال»‪.‬‬
‫قال كايبرن قبل أن ينسحب‪« :‬كما تأمرين»‪.‬‬
‫صت الملكة‬ ‫مالَت ال َّشمس إلى المغيب في الخارج‪ .‬كانت قد دوركاس قد جهَّزت لها ح َّما ًما‪ ،‬وبينما غا َ‬
‫مسرورةً في الماء ال َّدافئ مف ِّكرةً في ما ستقوله لضيفيها على ال َعشاء اقتح َم چايمي الباب وأم َر چوسلين‬
‫ودوركاس بالخروج‪ .‬بدا أخوها مفتقرًا إلى األناقة والنَّظافة وقد فا َحت منه رائحة الخيول إذ دخ َل ومعه‬
‫معك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تومن‪ ،‬وقال لها‪« :‬أختي الجميلة‪ ،‬الملك يَطلُب كلمةً‬
‫كانت ُخصل سرسي َّ‬
‫الذهبيَّة طافيةً في مياه االستحمام والبُخار يُف ِعم ال ُغرفة‪ ،‬وأحسَّت بقطر ٍة من ال َعرق‬
‫تسيل على وجنتها وهي تقول بنبر ٍة شديدة الخطورة من فرط نعومتها‪« :‬تومن‪ ،‬ما األمر اآلن؟»‪.‬‬
‫انكمش على نفسه متراجعًا‪ ،‬في حين قال چايمي‪« :‬جاللته يُريد جواده‬
‫َ‬ ‫يعرف الصَّبي هذه النَّبرة‪ ،‬ولذا‬
‫األبيض غدًا من أجل درس النِّزال»‪.‬‬
‫اعتدلَت جالسةً في الحوض‪ ،‬ور َّدت‪« :‬لن يكون هناك نزال»‪.‬‬
‫َمطَّ تومن شفته السُّفلى ً‬
‫قائال‪« :‬بل سيكون‪ .‬يجب أن أركب ك َّل يوم»‪.‬‬
‫سالح الئقًا ي ِ‬
‫ُشرف على تدريبك»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أعلنَت الملكة‪« :‬وستفعل بمجرَّد أن نُ َعيِّن قيِّم‬
‫سالح الئقًا‪ ،‬أري ُد السير لوراس»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫‪« -‬ال أري ُد قيِّم‬
‫بكالم سخيف عن براعته‬
‫ٍ‬ ‫أعرف أن زوجتك الصَّغيرة مألَت رأسك‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬إنك ترفع شأن ذلك الصَّبي كثيرًا‪.‬‬
‫الفائقة‪ ،‬لكن أوزموند ِكتلبالك فارس أفضل من لوراس ثالث مرَّات»‪.‬‬
‫علَّق چايمي ضاح ًكا‪« :‬ليس أوزموند ِكتلبالك الذي أعرفه»‪.‬‬
‫ي أن آمر السير لوراس بأن يدع السير أوزموند يُسقِطه عن حصانه‪ .‬قد يُفلِح‬ ‫كانت لتَخنُقه لحظتها‪ .‬ربما عل َّ‬
‫ُّ‬
‫ينحط مقامهما‪.‬‬ ‫هذا في وضع َح ٍّد الفتتان تومن به‪ .‬قصقِص ريش الطَّاووس وكلِّل البطل بالعار وفي الحال‬
‫رجال دورنيًّا يُدَرِّ بك‪ .‬الدورنيُّون أفضل ال ُمنازلين في البالد»‪.‬‬
‫ً‬ ‫قالت‪« :‬سأرس ُل ألطلب‬
‫رجال دورنيًّا سخيفًا‪ ،‬بل أري ُد السير لوراس‪ .‬هذا‬ ‫ً‬ ‫حال ال أري ُد‬
‫ٍ‬ ‫قال تومن‪« :‬ال‪ ،‬ليسوا كذلك‪ ،‬وعلى كلِّ‬
‫أمر!»‪.‬‬
‫عا َد چايمي يضحك‪ ،‬فف َّكرت الملكة‪ :‬ال يُسا ِعدني على اإلطالق‪ .‬هل يحسب هذا طريفًا؟ ضربَت الماء‬
‫غاضبةً‪ ،‬وقالت‪« :‬هل عل َّي أن أرسل في استدعاء پايت؟ إنني ال أمتث ُل ألوامرك‪ ،‬أنا أ ُّمك»‪.‬‬
‫َر َّد تومن‪« :‬نعم‪ ،‬لكنني الملك‪ .‬مارچري تقول إن على الجميع طاعة ما يقوله الملك‪ .‬أري ُد أن يُ َجهَّز جوادي‬
‫األبيض غدًا كي يُ َعلِّمني السير لوراس النِّزال‪ .‬أري ُد هُريرةً أيضًا‪ ،‬وال أري ُد أن آكل ال َّشمندر»‪.‬‬
‫تعال هنا»‪ ،‬ول َّما لم يتحرَّك الصَّبي تنهَّدت‬
‫َ‬ ‫كان چايمي ال يزال يضحك‪ ،‬لكن الملكة تجاهلَته قائلةً‪« :‬تومن‪،‬‬
‫وقالت له‪« :‬أأنت خائف؟ يجب َّأال يُبدي الملك خوفًا»‪.‬‬
‫الذهبي‪ ،‬وقالت‪« :‬ملك أم ال‪ ،‬أنت‬ ‫هكذا دنا ابنها من الحوض مطرقًا عينيه‪ ،‬فم َّدت يدها تُ َملِّس على َشعره َّ‬
‫صب ٌّي صغير‪ ،‬والحُكم لي حتى تَبلُغ ِس َّن الرُّ شد‪ .‬سوف تتعلَّم النِّزال‪ ،‬أعدك بهذا‪ ،‬لكن ليس من لوراس‪.‬‬
‫فُرسان ال َحرس الملكي عليهم واجبات أه ُّم من اللَّعب مع طفل‪َ .‬سل حضرة القائد‪ .‬أليس كذلك أيها‬
‫الفارس؟»‪.‬‬
‫أجاب چايمي بابتسام ٍة رفيعة‪« :‬واجبات مه َّمة للغاية‪ .‬ال َّدوران حول أسوار المدينة على سبيل المثال»‪.‬‬
‫َ‬
‫قال تومن وقد بدا على وشك البُكاء‪« :‬هل لي بهُريرة إذن؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫دمت لن أسمع المزيد من الهُراء عن النِّزال‪ .‬هل تعدني بهذا؟»‪.‬‬ ‫أجابَت الملكة‪« :‬ربما‪ ،‬ما‬
‫جرجر قدميه ً‬
‫قائال‪« :‬نعم»‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪« -‬عظيم‪ .‬واآلن اذهب‪ .‬ضيفاي سيصالن قريبًا»‪.‬‬
‫هر َع تومن مغادرًا‪ ،‬لكن قبل أن يَخرُج التفتَ وقال‪« :‬حين أصب ُح الملك وحدي سأح ِّر ُم أكل ال َّشمندر!»‪.‬‬
‫ت‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬أأن ِ‬
‫ِ‬ ‫ق أخوها الباب ب َجدعة يده‪ ،‬ول َّما انفر َد بسرسي سألَها‪« :‬ك ُ‬
‫نت أسأ ُل نفسي يا‬ ‫أغل َ‬
‫سكرانة أم حمقاء فقط؟»‪.‬‬
‫ضربَت الماء م َّرةً أخرى ناثرةً إياه على قدميه‪ ،‬وقالت‪« :‬صُن لسانك َّ‬
‫وإال‪.»...‬‬
‫ق مردفًا‪:‬‬
‫وجلس چايمي واضعًا ساقًا على سا ٍ‬
‫َ‬ ‫وإال ماذا؟ ستُرسلينني لفحص األسوار ثانيةً؟»‪،‬‬‫‪َّ ...« -‬‬
‫ُ‬
‫وألقيت نظرةً على السَّبع ب َّوابات‪ِ .‬مفصالت‬ ‫ُ‬
‫زحفت على كلِّ بوص ٍة منها‬ ‫أسوارك اللَّعينة سليمة‪ .‬لقد‬
‫ِ‬ ‫«‬
‫(الب َّوابة الحديديَّة) صدئة‪ ،‬ويجب استبدال (ب َّوابة الملك) و(ب َّوابة الطَّمي) بَعد أن ه َّشمهما ستانيس ب ِمد َّكاته‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة أن أصدقاءنا من (هايجاردن) داخل‬ ‫ِ‬ ‫األسوار قويَّة كما كانت دو ًما‪ ...‬لكن هل نسيَت‬
‫األسوار ال خارجها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أنسى شيئًا»‪ ،‬ر َّدت عليه مف ِّكرةً في ُعمل ٍة ذهبيَّة معيَّنة على أحد وجهيها يد وعلى الوجه اآلخَر رأس‬
‫وصل‬
‫َ‬ ‫منسي ما‪ .‬كيف تحصَّل سجَّان بائس حقير على ُعمل ٍة كهذه وخبَّأها تحت وعاء فضالته؟ كيف‬ ‫ٍّ‬ ‫ملك‬
‫ٍ‬
‫سالح جديد‪ .‬ستحتاجين‬ ‫ٍ‬ ‫ب قديم من (هايجاردن)؟ ‪« -‬هذه أول م َّر ٍة أسم ُع بتعيين قيِّم‬ ‫رجل كروجن إلى ذه ٍ‬
‫نازل أفضل من لوراس تايرل‪ .‬السير لوراس‪.»...‬‬ ‫ث طويل دقيق عن ُم ٍ‬ ‫إلى بح ٍ‬
‫أعرف السير لوراس وال أريده قُرب ابني‪ .‬األفضل أن تُ َذ ِّكره‬ ‫ُ‬ ‫بت َرت عبارته شاعرةً بماء ح َّمامها يَفتُر‪« :‬‬
‫بواجباته»‪.‬‬
‫‪« -‬إنه يعرف واجباته‪ ،‬وليس هناك من يحمل الرُّ مح أفضل‪.»...‬‬
‫‪« -‬أنت كنت أفضل قبل أن تفقد يدك‪ ،‬والسير باريستان في شبابه‪ ،‬وآرثر داين كان أفضل‪ ،‬واألمير ريجار‬
‫كان نِ ًّدا له‪ .‬كفى ثرثرةً عن ق َّوة ال َّزهرة‪ .‬إنه مجرَّد صبي»‪.‬‬
‫ُعارض السيِّد والدها‪ .‬حين يتكلَّم تايوين النستر كان النَّاس‬ ‫لقد ملَّت معا َرضة چايمي‪ .‬ال أحد كان ي ِ‬
‫يُطيعون‪ ،‬وحين تتكلَّم سرسي يُعطون أنفسهم ح ِّريَّة إعطائها المشورة ومناقَضتها‪ ،‬بل ورفض أوامرها‪ .‬كلُّ‬
‫هذا ألنني امرأة‪ ،‬ألنني ال أستطي ُع قتالهم بالسَّيف‪ .‬لقد احترموا روبرت أكثر مما يحترمونني‪ ،‬وروبرت‬
‫كان س ِّكيرًا أبله‪.‬‬
‫وعاجال‪ .‬في سالف األيام كانت تَحلُم بأن‬
‫ً‬ ‫لن تسمح بهذا‪ ،‬خصوصًا من چايمي‪ .‬يجب أن أخلِّص نفسي منه‪،‬‬
‫يَح ُكما (الممالك السَّبع) جنبًا إلى جنب‪ ،‬لكن چايمي أضحى عائقًا أكثر منه عونًا‪.‬‬
‫ضت سرسي من الحوض لتسيل المياه على ساقيها وتَقطُر من َشعرها‪ ،‬وقالت‪« :‬عندما أري ُد نصيحتك‬ ‫نه َ‬
‫ي أن أرتدي مالبسي»‪.‬‬
‫سأطلبها‪ .‬اترُكني أيها الفارس‪ .‬عل َّ‬
‫ُ‬
‫أعرف‪ .‬وأيُّ مؤامر ٍة هذه تحديدًا؟ إنها كثيرة للغاية وفاتَني بعضها»‪،‬‬ ‫ضيفاك على ال َعشاء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال چايمي‪« :‬‬
‫الذهبي بين ساقيها‪.‬‬‫وسقطَت نظرته على قطرات الماء المتلئلة على ال َّشعر َّ‬
‫ي‪« .‬هل تشتاق إلى ما فقدته يا أخي؟»‪.‬‬ ‫زال راغبًا ف َّ‬
‫ما َ‬
‫لكنك حمقاء‪ ،‬حمقاء ذهبيَّة جميلة»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬أنا أيضًا أحب ُِّك يا أختي الجميلة‪،‬‬‫رف َع عينيه ً‬
‫ت ألطف في (الحجر األخضر) ليلة زرعت چوفري في داخلي‪.‬‬ ‫أوج َعتها كلماته‪ ،‬وف َّكرت‪ :‬وصفتني بكلما ٍ‬
‫وأدارت له ظَهرها وسم َعته يُغا ِدر متل ِّمسًا الباب ب َجدعته بارتباك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قالت له‪« :‬اخرُج»‪،‬‬
‫بينما تأ َّكدت چوسلين من أن ك َّل شي ٍء جاهز لل َعشاء‪ ،‬ساعدَت دوركاس الملكة على ارتداء فُستانها الجديد‪،‬‬
‫خطوط من القطيفة ال َّسوداء‪ ،‬باإلضافة‬
‫ٍ‬ ‫خطوط من الساتان األخضر َّ‬
‫الالمع بالتَّبا ُدل مع‬ ‫ٍ‬ ‫المفصَّل على شكل‬
‫إلى شرائط ال ِّزينة المايريَّة السَّوداء ال َّدقيقة فوق الصَّدر‪ .‬شرائط ال ِّزينة المايريَّة مكلِّفة‪ ،‬لكن من الضروري‬
‫أن تبدو الملكة في أبهى صُورها طوال الوقت‪ ،‬كما أن غسَّاالتها الحقيرات تسبَّبن في انكماش عد ٍد كبير‬
‫ناسبها‪ .‬كانت لتجلدهن الستهتارهن لوال أن تاينا حثَّتها على الرَّأفة‪ ،‬وقالت‬ ‫من فساتينها القديمة فلم تَعُد تُ ِ‬
‫ت رحيمةً»‪ ،‬وهكذا أم َرت سرسي بخصم قيمة الفساتين من أجور‬ ‫لها‪« :‬سيحب ُِّك العوام أكثر إذا كن ِ‬
‫الحلُّ األكثر أناقةً بكثير‪.‬‬
‫الغسَّاالت‪ ،‬وهو َ‬
‫ضيَّةً في يدها‪ ،‬فف َّكرت الملكة مبتسمةً النعكاسها‪ :‬جميل ج ًّدا‪ .‬من السَّار أن تخلع‬ ‫وض َعت دوركاس مرآةً ف ِّ‬
‫الحداد‪ ،‬فاألسود يجعلها تبدو شاحبةً للغاية‪.‬‬ ‫ثياب ِ‬
‫طويال‪ ،‬ودائ ًما تُب ِهجها تاينا بخفَّة دمها‪ .‬لم‬
‫ً‬ ‫مؤسف أنني لن أتنا َول عشائي مع الليدي ميريويذر‪ .‬كان يومها‬ ‫ٌ‬
‫تكن لسرسي صديقة تستمتع بصُحبتها لهذه ال َّدرجة منذ ميالرا هيذرسپون‪ ،‬وميالرا اتَّضح أنها متآمرة‬
‫جشعة في دماغها أفكار تتجا َوز مقامها‪ .‬ال يَج ُدر بي أن أف ِّكر فيها بسوء‪ .‬لقد غرقَت وماتَت‪ ،‬وعلَّمتني َّأال‬
‫أثق بأح ٍد غير چايمي أبدًا‪.‬‬
‫طعا شوطًا ال بأس به في ُشرب الهيپوكراس‬ ‫حين انض َّمت إليهما في ال ُغرفة ال َّشمسيَّة كان ضيفاها قد ق َ‬
‫بالفعل‪ ،‬وعندما الحظَت سرسي اإلبريق نِصف الفارغ قالت لنفسها‪ :‬الليدي فاليس ال تبدو كسمك ٍة فحسب‪،‬‬
‫بل تشرب كواحد ٍة أيضًا‪ .‬صا َحت مقبِّلةً المرأة على وجنتها‪« :‬فاليس العزيزة والسير بالمان ال ُّشجاع‪ ،‬لقد‬
‫فج َعني أن أسمع بما جرى أل ِّم ِك الغالية‪ .‬كيف حال الليدي تاندا؟»‪.‬‬
‫جاللتك أن تسألي‪ .‬ال ِمايستر‬
‫ِ‬ ‫بدَت الليدي فاليس كأنها على وشك اإلجهاش بالبُكاء إذ أجابَت‪« :‬لُطف من‬
‫صلِّي‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬ ‫فرنكن يقول إن السَّقطة حطَّمت َورك أ ِّمي‪ .‬لقد فع َل ما يستطيع‪ ،‬واآلن نُ َ‬
‫صلُّوا كما تشاؤون‪ ،‬لكنها ستموت ال محالة قبل أن يدور القمر‪ .‬النِّساء المسنَّات كتاندا ستوكوورث ال‬
‫سأضيف صلواتي إلى صلواتكم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رك مكسور‪« .‬‬ ‫يتعافين من َو ٍ‬
‫طت من فوق حصانها»‪.‬‬ ‫اللورد كايبرن أخب َرني بأن تاندا سق َ‬
‫َر َّد السير بالمان بيرش‪« :‬حزام َسرجها انفت َ‬
‫ق وهي راكبة‪ .‬كان على عامل االسطبل أن يرى أنه تالف‪ .‬لقد‬
‫ب»‪.‬‬
‫عوقِ َ‬
‫قالت الملكة‪« :‬آم ُل أن العقاب كان شديدًا»‪ ،‬وجل َست مشيرةً لضيفيها بالجلوس بدورهما‪ ،‬واستطردَت‪:‬‬
‫ت مولعةً به»‪.‬‬
‫أنك لطالما كن ِ‬
‫«هل تشربين كأسًا أخرى من الهيپوكراس يا فاليس؟ أذك ُر ِ‬
‫‪« -‬لُطف بالغ ِ‬
‫منك أن تتذ َّكري يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫وكيف أنسى؟ چايمي قال إنها أعجوبة أنك ال تتب َّولينه‪« .‬كيف كانت رحلتكما؟»‪.‬‬
‫أجابَت فاليس بتأفُّف‪« :‬غير مريحة‪ .‬المطر ظَ َّل يَسقُط معظم اليوم‪ .‬ف َّكرنا أن نقضي اللَّيل في (روزبي)‪،‬‬
‫لك أن تثقي بأنه بمجرَّد موت جايلز‬ ‫رفض تضييفنا»‪ ،‬وتن َّشقت متابعةً‪ِ « :‬‬‫َ‬ ‫لكن ربيب اللورد جايلز ال َّشاب‬
‫ُحاول االستيالء على أراضيه ولورديَّته‪ ،‬مع أن‬ ‫سيفرُّ ذلك المأفون وضيع الميالد بذهبه كلِّه‪ ،‬بل وربما ي ِ‬
‫ق أن تنتقل (روزبي) إلينا بَعد موت جايلز‪ .‬السيِّدة أ ِّمي خالة زوجته الثَّانية‪ ،‬وابنة ُخؤول ٍة ثالثة لجايلز‬ ‫الح َّ‬
‫َ‬
‫نفسه»‪.‬‬
‫تساءلَت سرسي في أعماقها‪ :‬هل رمزكم َحمل يا سيِّدتي أم قرد ط َّماع؟ قالت‪« :‬اللورد جايلز يُهَدِّد بالموت‬
‫ت طويلة»‪ ،‬وابتس َمت ببشاش ٍة مردفةً‪« :‬ال َش َّ‬
‫ك أنه‬ ‫منذ عرفته‪ ،‬لكنه ال يزال معنا وآم ُل أن يظ َّل كذلك سنوا ٍ‬
‫سيظلُّ يَسعُل بَعد أن نذهب جميعًا إلى قبورنا»‪.‬‬
‫قال السير بالمان‪« :‬غالبًا سيَح ُدث هذا‪ .‬على أن ربيب روزبي لم يكن الوحيد الذي أزع َجنا يا جاللة الملكة‪.‬‬
‫الجلد‬ ‫ت قذرة بشعة الهيئة تحمل التُّروس ِ‬ ‫لقد قابَلنا عددًا من الهمجيِّين على الطَّريق أيضًا‪ ،‬مخلوقا ٍ‬
‫والفؤوس‪ ،‬بعضها على صدره نجوم مخيطة‪ ،‬نجوم سُباعيَّة مق َّدسة‪ ،‬لكن منظر هؤالء ال ِّرجال أوحى بال َّشرِّ‬
‫رغم ذلك»‪.‬‬
‫أضافَت فاليس‪« :‬أنا واثقة بأنهم كانوا مق َّملين أيضًا»‪.‬‬
‫قالت سرسي‪« :‬يُ َس ُّمون أنفسهم العصافير‪ .‬إنهم وباء يجتاح البالد‪ .‬على السِّپتون األعلى الجديد أن يتعا َمل‬
‫معهم بمجرَّد تتويجه‪ ،‬وإذا لم يفعل فسأتعا َم ُل معهم بنفسي»‪.‬‬
‫صاحب القداسة بع ُد؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سألَتها فاليس‪« :‬هل اختي َر‬
‫أجابَت الملكة مق َّرةً‪« :‬ال‪ .‬كان السِّپتون أوليدور على شفا االختيار إلى أن تب َعه بعض هؤالء العصافير إلى‬
‫ماخور وجرُّ وه عاريًا إلى ال َّشارع‪ .‬يبدو أن لوشن الخيار المرجَّح اآلن‪ ،‬ولو أن أصدقاءنا على التَّ ِّل اآل َخر‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ما زالت تنقصه ليَبلغ العدد المطلوب»‪.‬‬ ‫يقولون إن بضعة أصوا ٍ‬
‫الذهبي»‪.‬‬ ‫رشد المدا َوالت بمصباح الحكمة َّ‬
‫قالت الليدي فاليس بمنتهى الخشوع‪« :‬عسى (العجوز) أن تُ ِ‬
‫محرجة‪ ،‬ولكن‪ ...‬خشية أن تنمو المشاعر‬ ‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬هذه مسألة‬ ‫اعتد َل السير بالمان في مقعده ً‬
‫السيِّئة بيننا‪ ،‬يجب أن تعرفي أن زوجتي الكريمة وأ َّمها لم يكن لهما دور على اإلطالق في تسمية الوليد‬
‫قلت له أن يختار اس ًما أليق للصَّبي‪،‬‬ ‫النَّغل‪ .‬لوليس مخلوقة بسيطة‪ ،‬وزوجها يميل إلى المزاح األسود‪ُ .‬‬
‫ك» ‪.‬‬ ‫فضح َ‬
‫رشفَت الملكة من نبيذها وأمعنَت النَّظر إليه‪ .‬في الماضي كان السير بالمان ُم ً‬
‫نازال بار ًزا‪ ،‬وأحد أوسم‬
‫الفُرسان في (الممالك السَّبع) كذلك‪ ،‬ولئن ما زا َل فوق شفته شارب فاخر فإن التَّق ُّدم في العُمر لم يترفَّق به‪،‬‬
‫فانسحب َشعره األشقر المتم ِّوج‪ ،‬في حين تق َّدم بطنه بعنا ٍد ضاغطًا على سُترته‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬كأداة‪ ،‬يَنقُصه‬ ‫َ‬
‫الكثير‪ ،‬لكن ال بأس به‪« .‬تيريون كان اس ًما ملكيًّا قبل مجيء التَّنانين‪ .‬ال ِعفريت ل َّوثه‪ ،‬لكن ربما ير ُّد الصَّغير‬
‫أعرف أن ال لوم عليكم‪.‬‬‫ُ‬ ‫عاش النَّغل‪« .‬‬
‫َ‬ ‫إلى االسم َشرفه»‪ .‬هذا إذا‬
‫ط‪ ،‬وأنتما‪ ،»...‬وته َّدج صوتها إذ استدر َكت‪« :‬سا ِمحاني‪ ،‬إنني‬ ‫ظ بها قَ ُّ‬
‫الليدي تاندا هي األخت التي لم أح َ‬
‫أعيشُ في خوف»‪.‬‬
‫خوف‬
‫ٍ‬ ‫فت َحت فاليس فاها وأغلقَته‪ ،‬وهو ما جعلَها تبدو كسمك ٍة تحترف الغباء‪ ،‬ور َّددت متسائلةً‪« :‬في‪ ...‬في‬
‫يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫قالت سرسي‪« :‬لم أنم ليلةً بأكملها البتَّة منذ موت چوفري»‪ ،‬وأعادَت َملء الكؤوس بالهيپوكراس مواصلةً‪:‬‬
‫«أيها الصَّديقان‪ ...‬أنتما صديقاي كما آملُ‪ ،‬أليس كذلك؟ وصديقا الملك تومن؟»‪.‬‬
‫أعلنَ السير بالمان‪« :‬ذلك الصَّبي الجميل‪ .‬جاللة الملكة‪ ،‬كلمات عائلة ستوكوورث ذاتها تقول‪ :‬نفخر‬
‫بإخالصنا»‪.‬‬
‫‪« -‬ليت هناك المزيد من أمثالكما أيها الفارس الكريم‪ .‬أقو ُل لكما صدقًا إن شكو ًكا جا َّدةً تُ ِ‬
‫ساورني إزاء‬
‫السير برون فارس (النَّهر األسود)»‪.‬‬
‫تباد َل ال َّزوج وال َّزوجة نظرةً‪ ،‬وقالت فاليس‪« :‬ذلك الرَّجل وقح يا جاللة الملكة‪ ،‬فَظٌّ وسليط اللِّسان»‪.‬‬
‫أضافَ السير بالمان‪« :‬ليس فارسًا حقيقيًّا»‪.‬‬
‫نازل‬‫ابتس َمت سرسي له وحده قائلةً‪« :‬نعم‪ ،‬وأنت فارس يعرف الفُروسيَّة الحقَّة‪ .‬إنني أذك ُر مشاهَدتك تُ ِ‬
‫في‪ ...‬ما دورة المباريات التي قاتلت فيها بك ِّل عظم ٍة أيها الفارس؟»‪.‬‬
‫أجاب مبتس ًما بتواضُع‪« :‬تلك التي كانت في (وادي الغسق) منذ ستَّة أعوام؟ ال‪ ،‬لم تكوني حاضرةً‪َّ ،‬‬
‫وإال‬ ‫َ‬
‫ت ملكة للحُبِّ وال َجمال بك ِّل تأكيد‪ .‬أكانت دورة المباريات التي أقي َمت في (النسپورت) بَعد تمرُّ د‬ ‫ً‬ ‫لتُ ِّوج ِ‬
‫رسان بارعين‪.»...‬‬ ‫ٍ‬ ‫أسقطت فيها ع َّدة فُ‬
‫ُ‬ ‫جرايچوي؟ لقد‬
‫ر َّدت‪« :‬هي بالضَّبط»‪ ،‬ثم تجهَّم وجهها إذ أردفَت‪« :‬ال ِعفريت اختفى ليلة موت أبي تار ًكا سجَّانيْن أمينيْن‬
‫في بِرك ٍة من الدِّماء‪ .‬بعضهم ي َّدعي أنه فَ َّر عابرًا (البحر الضيِّق)‪ ،‬لكني أتساء ُل‪ .‬القزم ماكر‪ .‬ربما ال يزال‬
‫طط للمزيد من االغتياالت‪ ،‬ربما يُخفيه صديق ما»‪.‬‬ ‫كامنًا على مقرب ٍة ويُخَ ِّ‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬برون؟»‪.‬‬ ‫ملَّس السير بالمان على شاربه ال َك ِّ‬
‫ث‬
‫ً‬
‫رجال أرس َل إلى الجحيم بأمر تيريون»‪.‬‬ ‫العفريت دو ًما‪ ،‬و(الغريب) وحده يعلم كم‬
‫‪« -‬لقد كان مخلوق ِ‬
‫قال السير بالمان‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬أعتق ُد أني ُ‬
‫كنت ألالحظ لو أن هناك قز ًما متواريًا في أراضينا»‪.‬‬
‫ر َّدت سرسي‪« :‬أخي صغير الحجم ومخلوق للتَّواري»‪ ،‬وتر َكت يدها ترتجف مواصلةً‪« :‬اسم الطِّفل‬
‫مسألة صغيرة‪ ...‬لكن الوقاحة التي تمرُّ دون عقا ٍ‬
‫ب تستولِد الخيانة‪ ،‬ثم إن كايبرن أخب َرني بأن ذلك الرَّجل‬
‫المرتزقة حوله»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫برون يجمع‬
‫ض َّم أربعة فُرسان إلى أهل بيته»‪.‬‬
‫قالت فاليس‪« :‬لقد َ‬
‫مرتزقة متسلِّقون‬
‫ِ‬ ‫ق السير بالمان نخيرًا ساخرًا‪ ،‬وقال‪« :‬زوجتي تُطري عليهم بوصفهم بالفُرسان‪ .‬إنهم‬ ‫أطل َ‬
‫دون ذ َّر ٍة واحدة من الفُروسية بين أربعتهم»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجاال للقزم‪ ،‬وليُنقِذ (السَّبعة) ابني الصَّغير‪ .‬ال ِعفريت‬ ‫ُ‬
‫خشيت‪ .‬برون يحشد‬ ‫قالت سرسي منتحبةً‪« :‬كما‬
‫سيَقتُله كما قت َل أخاه‪ .‬أيها الصَّديقان‪ ،‬إنني أض ُع َشرفي في أيديكما‪ ...‬لكن ما قيمة َشرف الملكة أمام‬
‫مخاوف األُم؟»‪.‬‬
‫كالمك من هذه ال ُغرفة أبدًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬تكلَّمي يا ص ِ‬
‫احبة الجاللة‪ .‬لن يَخرُج‬ ‫طمأنَها السير بالمان ً‬
‫ُ‬
‫سمعت أن السير‬ ‫م َّدت سرسي يدها عبر المائدة واعتص َرت يده قائلةً‪« :‬س‪ ...‬سأنا ُم مطمئنَّة البال أكثر إذا‬
‫برون أصابَته‪ ...‬أصابَته حادثة‪ ...‬وهو يصطاد ربما»‪.‬‬
‫ف َّكر السير بالمان لحظةً قبل أن يسأل‪« :‬حادثة مميتة؟»‪.‬‬
‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫ال‪ ،‬أري ُد أن يكسر إصبع قدمه الصَّغير‪ .‬عضَّت شفتها كاظمةً غيظها‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬أعدائي في ك ِّل‬
‫وأصدقائي بُله‪ .‬هم َست‪« :‬أتو َّس ُل إليك أيها الفارس‪ ،‬ال تجعلني أقولها‪.»...‬‬
‫ُ‬
‫فهمت»‪.‬‬ ‫قال السير بالمان رافعًا إصبعه‪« :‬‬
‫كانت حبَّة لِفت لتفهم أسرع منك‪« .‬أنت فارس حقيقي‪ ،‬جواب ل ُدعاء أُ ٍّم خائفة»‪ ،‬وقبَّلته سرسي متابعةً‪:‬‬
‫«عجِّل بفِعلها من فضلك‪ .‬برون حوله رجال قالئل اآلن‪ ،‬لكن إذا لم نتصرَّف فمؤ َّكد أنه سيجمع المزيد»‪،‬‬
‫وقبَّلت فاليس‪ ،‬وقالت‪« :‬لن أنسى هذا أبدًا أيها الصَّديقان‪ ،‬يا صديقاي المخلصان في (ستوكوورث)‪ .‬نفخر‬
‫بإخالصنا‪.‬‬
‫لكما كلمتي‪ ،‬سنجد للوليس زوجًا أفضل عند االنتهاء من هذا األمر»‪ .‬من عائلة ِكتلبالك ربما‪« .‬نحن أوالد‬
‫النستر نُ َسدِّد ديوننا»‪.‬‬
‫بالزبدة وال ُخبز السَّاخن وسمك الكراكي المغلَّف باألعشاب‬ ‫كانت البقيَّة المزيد من الهيپوكراس مع ال َّشمندر ُّ‬
‫وضلوع الخنازير الب ِّريَّة‪ .‬باتَت سرسي مغرمةً للغاية بلحم الخنازير الب ِّريَّة منذ موت روبرت‪ ،‬حتى إنها لم‬
‫راحت تتزلَّف إليها وأخ َذ بالمان يتفا َخر بال‬
‫تجد غضاضةً في صُحبتها الحاليَّة‪ ،‬على الرغم من أن فاليس َ‬
‫صف اللَّيل قبل أن تُخَ لِّص نفسها‬‫ف من طبق ال َحساء إلى طبق الحلويات‪ .‬كانت السَّاعة قد تجاوزَ ت منت َ‬ ‫توقُّ ٍ‬
‫ق آخَر‪ ،‬فلم تجد الملكة أن من الحصافة‬ ‫اقترح تقديم إبري ٍ‬
‫َ‬ ‫منهما‪ .‬أثبتَ السير بالمان أنه مولع بال َّشراب حين‬
‫رجال عديم الوجه يَقتُل برون مقابل‬ ‫ً‬ ‫أن تَرفُض‪ ،‬وعندما رحال أخيرًا قالت لنفسها‪ :‬كان يُمكنني أن أستأجر‬
‫نِصف ما أنفقته على الهيپوكراس‪.‬‬
‫نوم عميق‪ ،‬لكن سرسي ألقَت نظرةً عليه قبل أن تذهب إلى فِراشها‪.‬‬ ‫في هذه السَّاعة كان تومن غائبًا في ٍ‬
‫أده َشها أن ترى ثالث هُريرات نائمةً بسكين ٍة إلى جواره‪ ،‬فسألَت السير مرين الواقف خارج ُغرفة النَّوم‬
‫الملكيَّة‪« :‬من أين أتَت تلك القِطط؟»‪.‬‬
‫يستطع أن يُ َحدِّد أيُّها تروقه أكثر»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫صغيرة أعطَتها له‪ .‬كانت ستُعطيه واحدةً فقط لكنه لم‬‫‪« -‬الملكة ال َّ‬
‫ق بطن أ ِّمها وإخراجها منه على ما أعتق ُد‪ .‬محا َوالت مارچري الرَّعناء للغواية مفضوحة‬ ‫أفضل من َش ِّ‬
‫لدرجة تبعث على الضَّحك‪ .‬تومن صغير للغاية على القُبَل ً‬
‫فبدال منها تُعطيه القِطط‪ .‬على أن سرسي تتمنَّى‬
‫لو لم يكن لونها أسود‪ ،‬فالقِطط السَّوداء فأل سيِّئ‪ ،‬كما اكتشفَت ابنة ريجار الصَّغيرة في هذه القلعة ذاتها‪.‬‬
‫لوال ُدعابة الملك المجنون القاسية مع أبي لكانت ابنتي‪ .‬ال بُ َّد أن الجنون هو ما قا َد إيرس إلى رفض ابنة‬
‫اللورد تايوين وأخذ ابنه ً‬
‫بدال منها‪ ،‬بينما ز َّوج ابنه هو بأمير ٍة دورنيَّة واهنة عيناها سوداوان وصدرها‬
‫مسطَّح‪.‬‬
‫ما زالَت ذكرى الرَّفض تعتمل في نفسها بَعد ك ِّل هذه السِّنين‪ .‬ليالي كثيرةً تفرَّجت على األمير ريجار في‬
‫رجال أجمل؟‬ ‫ً‬ ‫ضيَّة بأصابعه الطَّويلة األنيقة‪ .‬هل عرفَ العالم‬ ‫القاعة يعزف على قيثارته ذات األوتار الف ِّ‬
‫صباها‬ ‫لكنه كان أكثر من مجرَّد رجل‪ .‬دماؤه كانت دماء (ڤاليريا) القديمة‪ ،‬دماء التَّنانين واآللهة‪ .‬في ِ‬
‫وعدَها أبوها بأنها ستتز َّوج ريجار‪ .‬آنذاك لم تكن قد تجاوزَت السَّادسة أو السَّابعة‪ ،‬وبينما يبتسم تلك‬
‫ي َّإال سرسي قال لها‪« :‬ال تَذ ُكري األمر ألح ٍد أبدًا يا صغيرتي إلى أن‬ ‫االبتسامة الس ِّريَّة التي لم ي َرها بَشر ٌّ‬
‫ي الكتمان‪ ،‬مع أنها‬‫الخطبة‪ .‬يجب أن يظ َّل هذا ِسرَّنا في الوقت الحالي»‪ .‬وظَ َّل السِّرُّ طَ َّ‬ ‫يُوافِق جاللته على ِ‬
‫بإحكام حول صدره‪ ،‬ول َّما‬
‫ٍ‬ ‫في م َّر ٍة رس َمت نفسها محلِّقةً وراء ريجار على متن تنِّ ٍ‬
‫ين وقد لفَّت ذراعيها‬
‫اكتشفَ چايمي الرَّسم قالت له إنهما الملكة أليسين والملك چهيرس‪.‬‬
‫كانت في العاشرة حين رأت األمير بشحمه ولحمه أخيرًا‪ ،‬في دورة المباريات التي أقا َمها أبوها ترحيبًا‬
‫صبَت منصَّات المتفرِّ جين عند أسوار (النسپورت)‪ ،‬وتر َّددت أصداء هتاف‬ ‫بالملك إيرس في الغرب‪ .‬نُ ِ‬
‫العا َّمة على أسوار (كاسترلي روك) كقصف الرَّعد‪ .‬د َّوى تهليلهم ألبي أعلى مرَّتين من تهليلهم للملك‪،‬‬
‫لكنهم هلَّلوا لألمير ريجار أعلى مما هلَّلوا ألبي مرَّتين‪.‬‬
‫حينئ ٍذ كان ريجار تارجاريَن في السَّابعة عشرة وحديث العهد بالفُروسيَّة‪ ،‬وقد ارتدى ِدرعًا سوداء فوق‬
‫الذهبيَّة عندما خَ بَّ بحصانه إلى مضمار النِّزال‪ ،‬ورفرفَت شرائط طويلة من‬ ‫قميص من الحلقات المعدنيَّة َّ‬ ‫ٍ‬
‫والذهبي والبُرتقالي من خوذته كألسنة اللَّهب‪ .‬سقطَ اثنان من أعمامها أمام رُمحه‪ ،‬عالوةً‬ ‫الحرير األحمر َّ‬
‫على دست ٍة من أفضل ُمنازلي أبيها‪ ،‬زهور الغرب‪ ،‬وفي اللَّيل اعتا َد األمير العزف على قيثارته الف ِّ‬
‫ضيَّة‬
‫لتنهمر دموعها‪ .‬عندما قُ ِّد َمت إليه كادَت سرسي تغرق في أعماق عينيه األرجوانيَّتين الحزينتين‪ ،‬وتَذ ُكر‬
‫ُر َح‪ ،‬لكنني سأشفي جرحه حين نتز َّوج‪ .‬مقارنةً بريجار بدا أخوها الجميل چايمي نفسه‬ ‫أنها ف َّكرت‪ :‬لقد ج ِ‬
‫صبي ِغر‪ ،‬وقالت لنفسها وقد أسك َرتها اإلثارة‪ :‬سيُصبِح األمير زوجي‪ ،‬وعندما يموت الملك العجوز‬ ‫ٍّ‬ ‫مجرَّد‬
‫چنا بينما تُ َس ِّوي‬
‫أفصحت لها ع َّمتها عن تلك الحقيقة قبل دورة المباريات‪ ،‬وقالت لها الليدي ِ‬ ‫َ‬ ‫سأغدو الملكة‪.‬‬
‫طبتك إلى األمير ريجار»‪.‬‬‫ِ‬ ‫فُستانها‪« :‬يجب أن تبدي في غاية ال َجمال‪ ،‬فخالل المأدبة األخيرة ستُعلَن ِخ‬
‫الذهاب إلى خيمة ماجي الضِّ فدعة‪ ،‬لكنها‬ ‫ط على َّ‬ ‫وإال لما كانت قد جرؤَ ت قَ ُّ‬ ‫كم كانت سرسي سعيدةً يومها‪َّ ،‬‬
‫كنت سأصب ُح ملكةً‪ ،‬ولِ َم تخاف الملكة‬ ‫ُ‬ ‫لم تفعلها َّإال لتُبَر ِهن لچاين وميالرا على أن اللَّبؤة ال تخشى شيئًا‪.‬‬
‫عجوز دميمة؟ ال تزال ذكرى النُّبوءة تجعل ِجلدها يقشعرُّ بَعد العُمر الذي انقضى‪ .‬چاين فرَّت من‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫ومكثت أنا‪ .‬تركناها تتذ َّوق دمنا وضحكنا من نُبوءاتها السَّخيفة‬ ‫ُ‬ ‫الخيمة تَصرُخ خوفًا‪ ،‬لكن ميالرا مكثَت‬
‫التي لم يكن أيُّها يُعقَل‪ .‬كانت ستُصبِح زوجة األمير ريجار مهما قالت المرأة‪ .‬لقد وعدَها أبوها‪ ،‬وكلمة‬
‫تايوين النستر من ذهب‪.‬‬
‫بخطبتها إلى‬ ‫ً‬
‫احتفاال ِ‬ ‫ماتَت ضحكتها مع نهاية المباريات‪ .‬ال أقي َمت مأدبة أخيرة وال ارتف َعت األنخاب‬
‫األمير ريجار‪ .‬ال شيء َّإال الصَّمت البارد والنَّظرات الفاترة بين الملك وأبيها‪ .‬الحقًا‪ ،‬بَعدما رح َل إيرس‬
‫وابنه وجميع فُرسانه البواسل إلى (كينجز الندنج)‪ ،‬ذهبَت الفتاة إلى ع َّمتها باكيةً ال تفهم‪ ،‬فأخب َرتها الليدي‬
‫رفض أن يسمعه‪ ،‬وقال له‪ :‬أنت أكفأ خدمي يا تايوين‪ ،‬لكن الرَّجل‬ ‫َ‬ ‫عرض ال ِّزيجة لكن إيرس‬
‫َ‬ ‫أبوك‬
‫چنا‪ِ « :‬‬ ‫ِ‬
‫أبوك‬
‫ِ‬ ‫ت أسدًا يبكي من قبل؟ سيجد‬ ‫دموعك هذه أيتها الصَّغيرة‪ .‬هل رأي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ال يُز ِّوج وريثه بابنة خادمه‪ .‬جففي‬
‫رجال أفضل من ريجار»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رجال آ َخر‪،‬‬ ‫لك‬
‫ِ‬
‫رجال أفضل‪ ،‬بل أعطاني‬ ‫ً‬ ‫لكن ع َّمتها كذبَت وخذلَها أبوها‪ ،‬تما ًما كما يخذلها چايمي اآلن‪ .‬لم يجد أبي‬
‫روبرت‪ ،‬وأين َعت لعنة ماجي كزهر ٍة سا َّمة‪ .‬لو أنها تز َّوجت ريجار كما شا َءت اآللهة لما نظ َر مرَّتين إلى‬
‫ولكنت ملكته وأُ َّم أوالده‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ال ِّذئبة الصَّغيرة‪ .‬ولكان ملكنا اليوم‬
‫لم تغفر سرسي لروبرت قتله قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬
‫َّإال أن األُسود ال تُجيد المغفرة‪ ،‬وهو ال َّدرس الذي سيتعلَّمه السير برون فارس (النَّهر األسود) قريبًا‪.‬‬
‫الجزء الثاني‬
‫بِريان‬
‫أص َّر السير هايل هَنت على أن يأخذوا معهم الرُّ ؤوس‪ ،‬وقال‪« :‬تارلي سيُريدها ليُ َعلِّقها على األسوار»‪.‬‬
‫علَّقت بِريان التي ال تُريد أن تجتاز ظُلمة غابة الصَّنوبر الخضراء ومعها رؤوس الرِّ جال الذين قتلَتهم‪:‬‬
‫«ليس معنا قطران‪ .‬اللَّحم سيتعفَّن‪ .‬اترُكها»‪.‬‬
‫ط الرُّ ؤوس الثَّالثة معًا من َشعرها وعلَّقها من‬
‫رفض اإلصغاء‪ ،‬و َج َّز أعناق الموتى بنفسه ورب َ‬ ‫َ‬ ‫لكن هَنت‬
‫َسرجه‪ ،‬فلم تجد بِريان بُ ًّدا من محاولَة التَّظاهر بأنها غير موجودة‪ ،‬وإن كانت أحيانًا ‪-‬ال سيَّما ً‬
‫ليال‪ -‬تَشعُر‬
‫بأعيُنها الميتة تُ َحدِّق إلى ظَهرها‪ ،‬وفي م َّر ٍة حل َمت بأنها تسمع بعضها يهمس لبعض‪.‬‬
‫مطر السَّماء وفي‬ ‫كانت األجواء باردةً مبتلَّةً في (الرَّأس المتصدِّع) إذ عادوا أدراجهم‪ .‬في بعض األيام تُ ِ‬
‫ط‪ ،‬وحتى عندما يُ َخيِّمون يستعصي عليهم العثور على حط ٍ‬
‫ب‬ ‫بعضها تتو َّعد بالمطر‪ ،‬ولم يَشعُروا بالدِّفء قَ ُّ‬
‫جاف إلشعال النَّار‪.‬‬
‫ُصاحبهم‪ ،‬وقد أك َل ُغراب عينَي شاجويل و َع َّج‬
‫ِ‬ ‫لدى بلوغهم ب َّوابة (بِركة العذارى) كان سرب من ال ُّذباب ي‬
‫رأسا پيج وتيميون باليرقات‪ .‬قبلها بفتر ٍة طويلة تع َّودت بِريان وپودريك الرُّ كوب متقدِّميْن بمئة ياردة لتظ َّل‬
‫رائحة العفَن وراءهما‪ ،‬أ َّما السير هايل فزع َم أنه فق َد حاسَّة ال َّش ِّم تما ًما‪ .‬كلَّما خيَّموا ً‬
‫ليال سألَته بِريان أن‬
‫ُحرق الرُّ ؤوس‪ ،‬لكن هَنت شديد العناد حقًّا‪ .‬على األرجح سيقول اللورد راندل إنه قت َل ثالثتهم بنفسه‪.‬‬ ‫ي ِ‬
‫َّإال أن الفارس تحلَّى بال َّشرف ولم يفعل شيئًا من هذا القبيل‪.‬‬
‫‪« -‬ال ُمرافق المتلعثم ألقى صخرةً»‪ ،‬قال هَنت عندما مث َل مع بِريان أمام تارلي في ساحة قلعة موتون‪ ،‬بَعد‬
‫أن قُ ِّد َمت الرُّ ؤوس إلى رقيب ال ُحرَّاس الذي أُ ِم َر بتنظيفها وغمسها في القطران وتعليقها فوق الب َّوابة‪.‬‬
‫بارزة قا َمت بالباقي»‪.‬‬‫«ال ُم ِ‬
‫ال َح ال َّش ُّك على اللورد راندل إذ سألَه‪« :‬الثَّالثة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بالطَّريقة التي قاتلَت بها كان بإمكانها أن تَقتُل ثالثةً آخَرين»‪.‬‬
‫ت ابنة ستارك؟»‪.‬‬ ‫سألَها تارلي‪« :‬وهل وجد ِ‬
‫‪« -‬ال يا سيِّدي»‪.‬‬
‫ت بهذا؟»‪.‬‬
‫ت بضعة فئران‪ .‬هل استمتع ِ‬ ‫‪ً «-‬‬
‫وبدال من ذلك قتل ِ‬
‫‪« -‬ال يا سيِّدي»‪.‬‬
‫ت إثباته‪ .‬حان الوقت ألن تخلعي هذه الحلقات‬ ‫ِّ‬
‫وأثبت ما أرد ِ‬ ‫ت مذاق ال َّدم‬
‫‪« -‬مؤسف‪ .‬حسن‪ ،‬ها قد جرَّب ِ‬
‫سأضعك‬
‫ِ‬ ‫المعدنيَّة وترتدي ثيابًا الئقةً‪ .‬ث َّمة سُفن في الميناء‪ ،‬ومؤ َّكد أن إحداها ستتوقَّف في (تارث)‪.‬‬
‫عليها»‪.‬‬
‫‪« -‬أشكرك يا سيِّدي‪ ،‬لكن ال»‪.‬‬
‫نَ َّم وجه اللورد تارلي عن أنه ال يرغب في شي ٍء أكثر من أن يغرس خازوقًا في رأسها ويُ َعلِّقه فوق ب َّوابة‬
‫(بِركة العذارى) إلى جوار تيميون وپيج وشاجويل‪ ،‬وبغلظ ٍة سألَها‪« :‬أتنوين االستمرار في هذه الحماقة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أنوي العثور على الليدي سانزا»‪.‬‬
‫قال السير هايل‪« :‬بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬لقد شاهدتها تُقاتِل الممثِّلين‪ .‬إنها أقوى من معظم الرِّ جال‪ ،‬وسريعة‪.»...‬‬
‫قاط َعه تارلي بح َّدة‪« :‬سيفها هو السَّريع‪ .‬هذه طبيعة الفوالذ الڤاليري‪ .‬أقوى من معظم الرِّ جال؟ أجل‪ ،‬إنها‬
‫مسخ‪ُ ،‬محال أن أنكر هذا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫فعلت‪« .‬سيِّدي‪ ،‬ربما يعرف ساندور كليجاين شيئًا عن الفتاة‪ .‬إذا‬ ‫ف َّكرت بِريان‪ :‬لن يحبُّني أمثاله أبدًا مهما‬
‫وجدته‪.»...‬‬
‫‪« -‬كليجاين أصب َح مجر ًما‪ .‬إنه يركب مع جماعة بريك دونداريون اآلن على ما يبدو‪ ،‬وربما ال‪ ،‬الحكايات‬
‫ت من‬‫سرور سأبق ُر بطنيهما وأخر ُج أمعاءهما وأحرقها‪ .‬لقد شنقنا عشرا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫متعدِّدة‪ .‬أريني أين مخبأهما وبك ِّل‬
‫ُضلِّلوننا؛ كليجاين ودونداريون والرَّاهب األحمر‪ ،‬واآلن تلك‬‫الخارجين عن القانون‪ ،‬لكن القادة ما زالوا ي َ‬
‫المرأة قلب الحجر‪ ...‬كيف تعتزمين العثور عليهم بينما ال أستطي ُع أنا؟»‪.‬‬
‫قالت عاجزةً عن إعطائه إجابةً جيِّدةً‪« :‬سيِّدي‪ ،‬إنني‪ ...‬ليس في وسعي َّإال أن أحاول»‪.‬‬
‫ت محظوظةً‬ ‫سأعطيك إياه مع ذلك‪ .‬إذا كن ِ‬
‫ِ‬ ‫ت محتاجةً إلى إذني‪ ،‬لكني‬
‫وثيقتك ولس ِ‬
‫ِ‬ ‫معك‬
‫ِ‬ ‫حاولي إذن‪ .‬إن‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫ُكك كليجاين حيَّةً بَعد أن يَفرُغ‬
‫عنائك أكثر من أوجاع الرُّ كوب‪ ،‬وإن لم يكن فربما يَتر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُصيبك لقاء‬
‫ِ‬ ‫فلن ي‬
‫ب ما»‪.‬‬
‫بطنك نغل كل ٍ‬
‫ِ‬ ‫ُمكنك أن تعودي إلى (تارث) وفي‬ ‫ِ‬ ‫اغتصابك‪ ،‬وعندئ ٍذ ي‬
‫ِ‬ ‫وقطيعه من‬
‫ً‬
‫رجال مع كلب الصَّيد؟»‪.‬‬ ‫تجاهلَت بِريان َر َّده قائلةً‪« :‬بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬كم‬
‫‪« -‬ستَّة أو س ُّتون أو ستُّمئة‪ .‬اإلجابة مرهونة ب َمن تسألين»‪.‬‬
‫كان جليًّا أن راندل تارلي اكتفى من هذه المحادَثة إذ بدأ يلتفت مبتعدًا‪ ،‬لكن بِريان قالت‪« :‬أستأ ِذنك‬
‫و ُمرافقي في كرم ضيافتك حتى‪.»...‬‬
‫بوجودك تحت سقفي»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ت‪ ،‬لكني لن أسمح‬ ‫لك أن تستأ ِذني كما شئ ِ‬
‫‪ِ «-‬‬
‫قائال‪« :‬بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬معلومي أن هذا ال يزال سقف اللورد موتون»‪.‬‬ ‫تق َّدم السير هايل هَنت ً‬
‫حد َج تارلي الفارس بنظر ٍة سا َّمة مجيبًا‪« :‬موتون يملك َشجاعة ال ُّدود‪ .‬لن تُ َكلِّمني عن موتون‪ .‬وبالنِّسبة‬
‫ق عليه‪ .‬بعض الرِّ جال يُرزَ ق‬ ‫أباك رجل صالح‪ ،‬وإذا كان هذا صحيحًا فإنني أشف ُ‬ ‫إلي ِك يا سيِّدتي فيُقال إن ِ‬
‫ثلك‪ .‬عيشي أو موتي يا ليدي بِريان‪ ،‬لكن‬ ‫ت‪ ،‬لكن ال أحد يستح ُّ‬
‫ق أن تح َّل به لعنة ِم ِ‬ ‫أبنا ًء وبعضهم يُر َزق بنا ٍ‬
‫ال تعودي إلى (بِركة العذارى) وهي تحت حُكمي»‪.‬‬
‫فيك‪ ،‬وحاولَت أن تقول له‪« :‬كما‬ ‫يجرحك‪ ،‬ال تدعيه يُؤَ ثِّر ِ‬
‫ِ‬ ‫قالت بِريان لنفسها‪ :‬الكالم هواء‪ ،‬ال يُمكنه أن‬
‫فخرجت هي من السَّاحة شاعرةً كأنها‬ ‫َ‬ ‫تأمر يا سيِّدي»‪ ،‬لكن تارلي رح َل قبل أن تَخرُج منها الكلمات‪،‬‬
‫نائمة‪ ،‬ال تدري أين تذهب‪.‬‬
‫ق بها السير هايل ً‬
‫قائال‪« :‬هناك خانات»‪.‬‬ ‫لح َ‬
‫ه َّزت رأسها دون َرد‪ ،‬فليست راغبةً في الكالم مع هايل هَنت‪.‬‬
‫‪« -‬هل تَذ ُكرين (اإلوزة النَّتنة)؟»‪.‬‬
‫ما زالَت رائحة المكان عالقةً بمعطفها‪« .‬لماذا؟»‪.‬‬
‫صف النَّهار‪ .‬آلن ابن ع ِّمي كان م َّمن أُ ِ‬
‫رسلوا للعثور على كلب الصَّيد‪ .‬سأتكلَّ ُم‬ ‫‪« -‬قابِليني هناك غدًا في منت َ‬
‫معه»‪.‬‬
‫‪« -‬ولِ َم تفعل شيئًا كهذا؟»‪.‬‬
‫ت في ما فش َل فيه آلن سأستطي ُع التَّن ُّدر عليه أعوا ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬ولِ َم ال؟ إذا نجح ِ‬
‫ب أو‬
‫ق خالل نه ٍ‬ ‫لم يكن السير هايل مخطئًا‪ ،‬فما زالَت في (بِركة العذارى) خانات‪َّ ،‬إال أن بعضها احتر َ‬
‫آخره بجُنود جيش اللورد تارلي‪ .‬بَعد الظَّهيرة زا َرتها وپودريك‬ ‫آ َخر ولم يُبنَ ثانيةً بع ُد‪ ،‬والمتبقِّي مكتظٌّ عن ِ‬
‫جميعًا‪ ،‬ولم يجدا في أيٍّ منها أس َّرةً شاغرةً‪.‬‬
‫قال پودريك بينما تنخفض ال َّشمس في الغرب‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪ ،‬هناك سُفن‪ .‬السُّفن فيها أسرَّة‪ ،‬شباك‬
‫نوم أو أسرَّة بدوريْن»‪.‬‬
‫لم يزل رجال اللورد راندل يذرعون أرصفة الميناء بكثافة ال ُّذباب الذي غطَّى رؤوس الممثِّلين ال َّسفَّاحين‬
‫الثَّالثة‪ ،‬لكن رقيبهم تعرَّف بِريان بمجرَّد النَّظر وتر َكها تمرُّ ‪.‬‬
‫صيَّادون المحليُّون يربطون قواربهم مع دن ِّو اللَّيل ويُنادون على ما اصطادوه نهارًا‪ ،‬لكن ما يه ُّمها‬ ‫كان ال َّ‬
‫هو السُّفن الكبيرة التي تَم ُخر مياه (البحر الضيِّق) العاصفة‪.‬‬
‫ُبحر في تيَّار المساء‪،‬‬‫وجدَت نِصف دست ٍة منها راسيةً‪ ،‬وإن رأت قاليونًا اسمه (ابنة المارد) يُلقي حباله لي ِ‬
‫وطافَت مع پودريك بالسُّفن المتبقِّية‪ ،‬فحسبَها ُربَّان (بنت بلدة النَّوارس) عاهرةً وقال لهما إن سفينته ليست‬
‫وعرض عليها صياد إيبنيزي من سفينة صيد حيتان أن يشتري صبيَّها‪ ،‬لكنهما صادَفا حظًّا‬ ‫َ‬ ‫بيت دعارة‪،‬‬
‫أفضل في غيرهما من السُّفن‪ .‬ابتاعَت لپودريك بُرتقالةً على متن (ج َّوال البحر)‪ ،‬وهو كوج وص َل للتَّ ِّو من‬
‫(البلدة القديمة) عن طريق (تايروش) و(پنتوس) و(وادي الغسق)‪ ،‬وقال لها ُربَّانه‪(« :‬بلدة النَّوارس)‬
‫وجهتنا التَّالية‪ ،‬ومن هناك ندور حول (األصابع) إلى (بلدة األخوات) و(الميناء األبيض)‪ ،‬إذا تر َكت لنا‬
‫العواصف الفُرصة‪( .‬الج َّوال) سفينة نظيفة‪ ،‬ليست عليها جرذان كثيرة كأغلب السُّفن‪ ،‬وعندنا بيض طازج‬
‫ً‬
‫شماال؟»‪.‬‬ ‫الذهاب‬‫و ُزبدة ممخوضة حديثًا‪ .‬هل ترغب سيِّدتي في َّ‬
‫‪« -‬ال»‪ .‬ليس بع ُد‪ .‬الفكرة مغرية‪ ،‬ولكن‪...‬‬
‫في طريقهما إلى الرَّصيف التَّالي قال پودريك مجرجرًا قدميه‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪ ،‬ماذا لو عادَت‬
‫سيِّدتي إلى وطنها؟ أعني سيِّدتي األخرى أيتها الفارس‪ ،‬الليدي سانزا»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد أح َرقوا وطنها»‪.‬‬
‫‪« -‬ولو‪ ،‬إن آلهتها هناك‪ ،‬واآللهة ال تموت»‪.‬‬
‫كذب بشأن كلب الصَّيد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أظن أنه‬ ‫اآللهة ال تموت لكن الفتيات يَ ُمتن‪« .‬تيميون كان ً‬
‫قاتال متو ِّح ًشا‪ ،‬لكني ال ُّ‬
‫شماال إلى أن نتأ َّكد‪ .‬ستكون هناك سُفن أخرى»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال يُمكننا أن نذهب‬
‫س تجاري حطَّمته عاصفة اسمه (سيِّدة مير)‪.‬‬ ‫في أقصى شرق الميناء وجدا مأ ًوى لهما اللَّيلة على متن قاد ٍ‬
‫مائال على نح ٍو سيِّئ وقد فق َد صاريته ونِصف طاقمه في العاصفة‪ ،‬لكن ُربَّانه ال يملك المال الكافي‬ ‫كان ً‬
‫إلصالحه‪ ،‬فسرَّه أن يأخذ القليل من البنسات من بِريان ويسمح لها وپود بأن يتقا َسما قمرةً خاليةً‪.‬‬
‫صرير‬
‫ٍ‬ ‫ت استيقظَت بِريان‪ ،‬األولى عندما بدأ المطر يَسقُط‪ ،‬والثَّالثة مع‬ ‫لم تكن ليلتهما مريحةً‪ .‬ثالث مرَّا ٍ‬
‫جعلها تحسب أن ديك الرَّشيق يتسلَّل زاحفًا ليَقتُلها‪ .‬في المرَّة الثَّانية استيقظَت وس ِّكينها في يدها‪ ،‬لكن شيئًا‬
‫لم يكن هنالك‪ ،‬وفي ظالم القمرة الصَّغيرة الضيِّقة استغرقَت لحظةً لتتذ َّكر أن ديك الرَّشيق ماتَ ‪ ،‬وفي‬
‫النِّهاية ل َّما غابَت في النَّوم مج َّددًا حل َمت بالرِّ جال الذين قتلَتهم‪ .‬كانوا يَرقُصون حولها‪ ،‬يسخرون منها‬
‫هوت عليهم بسيفها‪ .‬م َّزقتهم إربًا داميةً‪ ،‬لكنهم ظلُّوا يدورون حولها كالبعوض‪...‬‬ ‫ُحاولون قرصها بينما َ‬
‫وي ِ‬
‫حمل‬
‫َ‬ ‫شاجويل وتيميون وپيج‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن راندل تارلي أيضًا‪ ،‬وڤارجو هوت ورونيت كوننجتون األحمر‪.‬‬
‫رونيت وردةً بأصابعه‪ ،‬وحين ق َّدمها لها بت َرت يده‪.‬‬
‫ق سطح السَّفينة فوق‬ ‫ضت باقي اللَّيل منكمشةً تحت معطفها تُصغي إلى المطر يد ُّ‬ ‫ص َحت تتصبَّب عَرقًا‪ ،‬وق َ‬
‫حين إلى آ َخر سم َعت هزيم رع ٍد بعيد جعلَها تُفَ ِّكر في السَّفينة البراڤوسيَّة‬‫رأسها دقًّا‪ .‬كانت ليلةً ليالء‪ ،‬ومن ٍ‬
‫التي أقل َعت مسا ًء‪.‬‬
‫ظت مالكة الحانة القذرة ونقدَتها ثَمن القليل من السُّجق‬ ‫في اليوم التَّالي عادَت إلى (اإلوزة النَّتنة) وأيق َ‬
‫وال ُخبز المح َّمر ونِصف كوب نبيذ وإبريق من الماء المغلي وكوبين نظيفين‪ .‬زرَّت المرأة عينيها رامقةً‬
‫ت الفتاة الكبيرة التي ذهبَت مع ديك الرَّشيق‪ .‬هل‬ ‫بِريان بينما وض َعت الماء على النَّار‪ ،‬وقالت‪« :‬أن ِ‬
‫َك؟»‪.‬‬‫خدع ِ‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫‪« -‬اغتصبَ ِك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫حصانك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫‪« -‬سر َ‬
‫‪« -‬ال‪ .‬لقد قتلَه خارجون عن القانون»‪.‬‬
‫رت أن ديك‬ ‫ال َح على المرأة الفضول أكثر من الضِّيق وهي تقول‪« :‬خارجون عن القانون؟ لطالما تص َّو ُ‬
‫الجدار)»‪.‬‬‫سيُشنَق أو يُر َسل إلى ( ِ‬
‫أكال ال ُخبز المح َّمر ونِصف السُّجق‪ ،‬وازدر َد پودريك پاين طعامه بالماء المن َّكه بالنَّبيذ‪ ،‬في حين رشفَت‬
‫بِريان ببُط ٍء من النَّبيذ المخفَّف بالماء وتساءلَت عن سبب مجيئها هنا‪ .‬هايل هَنت ليس فارسًا حقيقيًّا‪،‬‬
‫ولست محتاجةً‬ ‫ُ‬ ‫لست محتاجةً إلى عونه وال إلى حمايته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ووجهه الصَّريح مجرَّد قناع ممثِّلين‪ .‬قالت لنفسها‪:‬‬
‫إليه‪ .‬إنه لن يأتي على األرجح‪ .‬قال لي أن أقابله هنا كمزح ٍة أخرى ال أكثر‪.‬‬
‫قائال‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬پودريك»‪ ،‬وتطلَّع إلى الكوبين واألطباق‬ ‫وصل السير هايل ً‬ ‫َ‬ ‫كانت ناهضةً لتُغا ِدر عندما‬
‫ق اآللهة‪ ،‬آم ُل أنكما لم تأكال شيئًا هنا!»‪.‬‬
‫بح ِّ‬‫وبقيَّة السُّجق التي تَبرُد في بِرك ٍة من ال ُّدهن‪ ،‬وقال‪َ « :‬‬
‫ر َّدت بِريان‪« :‬ما أكلناه ال يخصُّ ك‪ .‬هل وجدت ابن ع ِّمك؟ بِ َم أخب َرك؟»‪.‬‬
‫ركب غربًا بمحاذاة (الثَّالوث)»‪.‬‬
‫َ‬ ‫المالحات) يوم الغارة‪ ،‬وبَعدها‬ ‫آخر م َّر ٍة في ( َّ‬
‫‪« -‬ساندور كليجاين ُشو ِه َد ِ‬
‫قالت مقطِّبةً جبينها‪(« :‬الثَّالوث) نهر طويل»‪.‬‬
‫أظن أن كلبنا ابتع َد كثيرًا عن مصبِّه‪ .‬يبدو أن (وستروس) فقدَت ِسحرها في ناظريْه‪،‬‬ ‫‪« -‬أجل‪ ،‬لكني ال ُّ‬
‫وأزاح‬
‫َ‬ ‫وسحب السير هايل لفافةً من ِجلد الخراف من حذائه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ألنه كان يبحث عن سفين ٍة في ( َّ‬
‫المالحات)»‪،‬‬
‫السُّجق جانبًا وبسطَها‪ ،‬فاتَّضح أنها خارطة‪« .‬كلب الصَّيد فتكَ بثالث ٍة من رجال أخيه في الخان القديم عند‬
‫المالحات)‪ ،‬هنا»‪ ،‬ونق َر على ( َّ‬
‫المالحات) بإصبعه متابعًا‪« :‬ربما‬ ‫مفت َرق ُّ‬
‫الطرق‪ ،‬هنا‪ ،‬ثم قا َد الغارة على ( َّ‬
‫يكون عالقًا‪ .‬آل فراي هنا في (التَّوأمتين)‪ ،‬و(داري) و(هارنهال) في الجنوب على ضفَّة (الثَّالوث)‬
‫األخرى‪ ،‬وفي الغرب هناك قتال دائر بين آل بالكوود وآل براكن‪ ،‬واللورد راندل هنا في (بِركة‬
‫العذارى)‪ ،‬و(الطَّريق العالي) الذي يقود إلى (الوادي) مسدود بالثُّلوج‪ ،‬حتى إذا استطا َع تجا ُوز قبائل‬
‫الجبال‪ .‬أين يذهب الكلب إذن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا كان مع دونداريون‪...‬؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس معه‪ ،‬آلن واثق بهذا‪ .‬رجال دونداريون يبحثون عنه أيضًا‪ ،‬وأذاعوا أنهم ينوون شنقه لما ارتكبَه‬
‫في ( َّ‬
‫المالحات)‪ .‬لم يكن لهم دور في ذلك‪ ،‬لكن اللورد راندل يُشيع العكس على أمل أن ينقلب العوام على‬
‫بريك وأخ َّوته‪ .‬إنه لن يقبض على سيِّد البرق أبدًا ما دا َم األهالي يحمونه‪ .‬ثم إن هناك تلك الجماعة األخرى‬
‫التي تقودها المرأة قلب الحجر‪ ...‬عشيقة اللورد بريك وفقًا إلحدى الحكايات‪ .‬يُقال إن آل فراي شنقوها‪،‬‬
‫أصبحت ِمثله ال تموت»‪.‬‬
‫َ‬ ‫لكن دونداريون قبَّلها وأعادَها إلى الحياة‪ ،‬واآلن‬
‫آخر م َّر ٍة في ( َّ‬
‫المالحات) فهذا هو المكان الذي‬ ‫تفحَّصت بِريان الخارطة‪ ،‬وقالت‪« :‬إذا ُشو ِه َد كليجاين ِ‬
‫سنجد فيه أثره»‪.‬‬
‫المالحات) َّإال فارس عجوز مختبئ في قلعته‪ ،‬هذا ما قالَه آلن»‪.‬‬ ‫ق أحد في ( َّ‬ ‫‪« -‬لم يتب َّ‬
‫‪« -‬ولو‪ ،‬إنه مكان نبدأ منه على األقل»‪.‬‬
‫ظهورك بيوم‪ ،‬اسمه ميريبولد‪ُ ،‬ولِ َد في أراضي‬
‫ِ‬ ‫قال السير هايل‪« :‬هناك رجل‪ِ ،‬سپتون دخ َل من ب َّوابتي قبل‬
‫النَّهر ونشأ َ فيها‪ ،‬وخد َم هنا طيلة حياته‪ .‬سيرحل غدًا ليبدأ دورته‪ ،‬ودائ ًما يزور ( َّ‬
‫المالحات)‪ .‬يُمكننا أن‬
‫نذهب معه»‪.‬‬
‫رف َعت بِريان عينيها بح َّد ٍة مردِّدةً‪« :‬نذهب؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أنا ذاهب معكم»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬لن تذهب»‪.‬‬
‫ت وپودريك تستطيعان َّ‬
‫الذهاب حيثما‬ ‫‪« -‬طيِّب‪ ،‬أنا ذاهب مع السِّپتون ميريبولد إلى ( َّ‬
‫المالحات)‪ .‬أن ِ‬
‫تُريدان»‪.‬‬
‫‪« -‬هل أم َرك اللورد تارلي بأن تتبعني ثانيةً؟»‪.‬‬
‫سينفعك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عنك‪ .‬اللورد راندل يرى أن شيئًا من االغتصاب العنيف‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬بل أم َرني باالبتعاد‬
‫‪« -‬لماذا تُريد أن تأتي معي إذن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إ َّما هذا وإ َّما العودة إلى واجب الب َّوابة»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا أم َرك سيِّدك‪.»...‬‬
‫‪« -‬إنه لم يَعُد سيِّدي»‪.‬‬
‫أده َشها هذا‪ ،‬فسألَته‪« :‬تركت خدمته؟»‪.‬‬
‫‪« -‬حضرة اللورد أبلغَني بأنه لم يَعُد محتاجًا إلى سيفي أو إلى وقاحتي‪ ،‬ال فرق‪ .‬من اآلن فصاعدًا‬
‫كنت أتص َّو ُر أننا سننال مكافأةً سخيَّةً إذا عثرنا على سانزا‬
‫س متج ِّول‪ ...‬وإن ُ‬
‫سأستمت ُع بحياة المغا َمرة كفار ٍ‬
‫ستارك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫حلفت يمينًا»‪.‬‬ ‫الذهب واألراضي‪ ،‬هذا كلُّ ما يرى في األمر‪« .‬إنني أنوي إنقاذ الفتاة ال بيعها‪ .‬لقد‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫حلفت»‪.‬‬ ‫‪« -‬وأنا ال أذك ُر أني‬
‫‪« -‬ولذا لن تأتي معي»‪.‬‬
‫شرق ال َّشمس غادَروا‪.‬‬
‫في الصَّباح التَّالي بينما تُ ِ‬
‫كان موكبًا غريبًا؛ السير هايل على جوا ٍد كستنائي‪ ،‬وبِريان على فَرسها الرَّماديَّة الطَّويلة‪ ،‬وپودريك پاين‬
‫على حصانه األرقط التَّعس‪ ،‬وإلى جوارهم يمشي السِّپتون ميريبولد متَّكئًا على نبُّوت ويقود حمارًا صغي ًرا‬
‫وكلبًا كبيرًا‪ .‬على ظَهر الحمار حمولة شديدة الثِّقل لدرجة أن بِريان خشيَت أن ينكسر‪ ،‬وكان السِّپتون‬
‫ميريبولد قد قال لهم عند ب َّوابة (بِركة العذارى)‪« :‬طعام للفقراء والجائعين في أراضي النَّهر؛ بذور‬
‫ومكسَّرات وفواكه مجفَّفة وثريد شوفان وطحين و ُخبز شعير وثالثة قوالب من الجُبنة الصَّفراء من الخان‬
‫عند (ب َّوابة المهرِّجين)‪ ،‬و َسمك قَد مملَّح لي‪ ،‬وضأن مملَّح لكلب‪ ...‬أوه‪ ،‬وملح‪ ،‬وبصل وجزر ولِفت‬
‫أعترف بأنني ضعيف‬ ‫ُ‬ ‫وجواالن من الفاصوليا وأربعة أجولة من ال َّشعير وتسعة أجولة من البُرتقال‪.‬‬
‫آخر ما سأذوقه منه حتى الرَّبيع»‪.‬‬ ‫َّار وأخشى أنه ِ‬ ‫ُ‬
‫حصلت عليه من بح ٍ‬ ‫اإلرادة أمام البُرتقال‪ .‬لقد‬
‫ميريبولد ِسپتون بال ِسپت‪ ،‬يعلو درجةً واحدةً فقط على اإلخوة ال َّش َّحاذين في تدرُّ ج العقيدة الهرمي‪ .‬هناك‬
‫مئات ِمثله‪ ،‬رجال بائسون واجبهم المتواضع أن يمشوا من قري ٍة ضئيلة إلى أخرى ليُ َؤ ُّدوا المراسم المق َّدسة‬
‫ُطعموه ويُؤووه‪ ،‬لكن أكثرهم‬ ‫الزفاف ويغفروا الخطايا‪ .‬معظم َمن يزورهم يُنتظَر منهم أن ي ِ‬ ‫ويُقيموا طقوس ِّ‬
‫طويال دون أن يُثقِل على ُمضيفيه‪ .‬أحيانًا يسمح له‬ ‫ً‬ ‫مكان واح ٍد‬
‫ٍ‬ ‫فقراء ِمثله‪ ،‬ولذا ال يبقى ميريبولد في‬
‫أصحاب الخانات الطَّيِّبون بالمبيت في مطابخهم أو اسطبالتهم‪ ،‬وث َّمة ِسپتري هنا أو معقل هناك بل وبضع‬
‫قالع أيضًا يعلم أنه سيُالقي ترحيبًا فيها‪ ،‬وحين ال يكون هناك مكان من هذه في الجوار ينام تحت شجر ٍة‬ ‫ٍ‬
‫سياج من ال ُّشجيرات‪« .‬في أراضي النَّهر سوج ُشجيرات ممتازة كثيرة‪ .‬أفضلها األقدم‪ .‬ال شيء يفوق‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬
‫ت ُعمره مئة عام‪ .‬داخلها يستطيع المرء أن ينام ِملء جفنيه كأنه في خان‪ ،‬وال يخشى‬ ‫سياج ُشجيرا ٍ‬
‫البراغيث كثيرًا»‪.‬‬
‫بمرح على الطَّريق‪ ،‬لكنه يعرف مئةً من األدعية‬ ‫ٍ‬ ‫ال يقرأ السِّپتون أو يَكتُب‪ ،‬وهو ما اعترفَ لهم به‬
‫الذاكرة‪ ،‬وهذا كلُّ المطلوب في القُرى‪ .‬للرَّجل‬ ‫ويستطيع أن يتلو مقاطع طويلةً من (النَّجمة السُّباعيَّة) من َّ‬
‫ضن ل َّوحته الرِّيح و َشعر شائب كثيف وتجاعيد عند رُكنَي عينيه‪ ،‬وعلى الرغم من حجمه الكبير‬ ‫وجه متغ ِّ‬
‫وطوله الذي يُنا ِهز األقدام الستَّة فإنه يحني ظَهره إلى األمام بينما يمشي بطريق ٍة تجعله أقصر قامةً بكثير‪.‬‬
‫يداه كبيرتان متينتان‪ ،‬ومفاصل أصابعه حمراء وتحت أظفاره وسخ‪ ،‬كما أن له أكبر قدمين رأتهما بِريان‬
‫على اإلطالق‪ ،‬حافيتان وسوداوان وقاسيتان كقرون الغزالن‪.‬‬
‫قال الرَّجل لبِريان‪« :‬لم أنتعل حذا ًء منذ عشرين عا ًما‪ .‬في العام األول كانت في قد َمي قروح أكثر من‬
‫وطأت حجرًا صُلبًا‪ ،‬لكنني صلَّ ُ‬
‫يت وق َّوى (اإلسكاف في‬ ‫ُ‬ ‫األصابع‪ ،‬وكان باطنهما ينزف كالخنازير كلَّما‬
‫األعالي) ِجلدي ومتَّنه»‪.‬‬
‫قال پودريك محت ًّجا‪« :‬ليس هناك إسكاف في األعالي»‪.‬‬
‫باسم آخَر ربما‪ .‬أخبِرني‪َ ،‬من أكثر َمن تحبُّ ِمن اآللهة‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬بل هناك أيها الصَّبي‪ ...‬وإن كنت تدعوه‬
‫السَّبعة؟»‪.‬‬
‫أجاب پودريك بال لحظة تر ُّدد‪(« :‬ال ُمحارب)»‪.‬‬
‫َ‬
‫تنحنحت بِريان‪ ،‬وقالت‪« :‬في (بهو المساء) كان ِسپتون أبي يقول دو ًما إن هناك إلهًا واحدًا»‪.‬‬
‫َ‬
‫ق في اإلشارة إليه‪ ،‬لكن طلسم السَّبعة الذين هُم‬ ‫الح ُّ‬
‫ولك َ‬
‫‪« -‬إله واحد بسبعة وجوه‪ .‬هذا صحيح يا سيِّدتي ِ‬
‫واحد ليس سهل اإلدراك عند البُسطاء‪ ،‬وأنا رجل شديد البساطة‪ ،‬ولذا أتكلَّ ُم عن آله ٍة سبعة»‪ ،‬وعا َد‬
‫ط صبيًّا ال يحبُّ (ال ُمحارب)‪ ،‬لكنني عجوز‪ ،‬وألنني‬ ‫قائال‪« :‬لم أعرف قَ ُّ‬‫ميريبولد يلتفت إلى پودريك ً‬
‫عجوز أحبٌّ (الح َّداد)‪ ،‬فدون عمله َع َّم سيُدافِع (ال ُمحارب)؟ في ك ِّل بلد ٍة وك ِّل قلع ٍة ح َّداد‪ ،‬وهؤالء الح َّدادون‬
‫يصنعون المحاريث التي نحتاج إليها لزراعة محاصيلنا‪ ،‬والمسامير التي نستخدمها لبناء سُفننا‪ ،‬والحدوات‬
‫الالمعة‪ .‬ال أحد يُ َش ِّكك في قيمة الح َّداد‪ ،‬ولذا نُ َس ِّمي أحد‬ ‫لحفظ حوافر خيولنا المخلصة‪ ،‬وسيوف سادتنا َّ‬
‫صيَّاد أو النَّجَّار أو‬
‫آلهتنا السَّبعة هكذا تكري ًما له‪ ،‬لكن كان يُمكن بالسُّهولة نفسها أن نُ َس ِّميه ال ُمزارع أو ال َّ‬
‫اإلسكاف‪ .‬ما يعمل عليه ال يه ُّم‪ ،‬المه ُّم أنه يعمل‪( .‬األب) يَح ُكم و(ال ُمحارب) يُقاتِل و(الح َّداد) يَح ُكم‪ ،‬ومعًا‬
‫يفعلون ك َّل ما هو في صالح اإلنسان‪ِ .‬مثلما (الح َّداد) وجه واحد لأللوهيَّة ف(اإلسكاف) وجه واحد‬
‫ل(الح َّداد)‪ ،‬وهو من سم َع صلواتي وشفى قد َمي»‪.‬‬
‫زعجها بينما كان بإمكانك االحتفاظ بحذائك بالبساطة‬ ‫قال السير هايل بجفاف‪« :‬اآللهة كريمة‪ ،‬ولكن لِ َم تُ ِ‬
‫نفسها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬المشي حافي القدمين كفَّارتي‪ .‬حتى السِّپتونات األتقياء يُمكن أن يكونوا ُخطاةً‪ ،‬وجسدي كان ضعيفًا أيما‬
‫س إذا كان ال َّرجل الوحيد‬ ‫كنت شابًّا ِغ ًّرا‪ ،‬والفتيات‪ ...‬من الممكن أن يبدو ِسپتون ما ً‬
‫نبيال كفار ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ضعف‪.‬‬
‫كنت أتلو عليهن من (النَّجمة السُّباعيَّة)‪ ،‬وأثمر‬
‫ُ‬ ‫ميل واحد عن قريتها‪.‬‬ ‫وارتحل أكثر من ٍ‬
‫َ‬ ‫الذي تعرفه الفتاة‬
‫َّ‬
‫رجال ش ِّريرًا قبل أن أتخلص من حذائي‪ .‬يُخزيني أن أف ِّكر في‬ ‫ً‬ ‫( ِسفر العذراء) أفضل النَّتائج‪ .‬أوه‪ ،‬كم ُ‬
‫كنت‬
‫ك ِّل العذراوات الالئي دنَّستهن»‪.‬‬
‫اعتدلَت بِريان فوق َسرجها بتو ُّت ٍر مف ِّكرةً في المعس َكر أسفل أسوار (هايجاردن) ورهان السير هايل‬
‫ُضاجعها ً‬
‫أوال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واآلخَرين لرؤية َمن يستطيع أن ي‬
‫قال پودريك پاين‪« :‬إننا نبحث عن فتاة‪ ،‬فتاة رفيعة النَّسب في الثَّالثة عشرة لها َشعر كستنائي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫اعتقدت أنكم تبحثون عن بعض الخارجين عن القانون»‪.‬‬‫‪«-‬‬
‫‪« -‬هُم أيضًا»‪.‬‬
‫قال السِّپتون ميريبولد‪« :‬معظم ال ُمسافرين يفعلون ما في وسعهم لتحاشي أمثال هؤالء‪ ،‬ومع ذلك تبحثان‬
‫أنتما عنهم»‪.‬‬
‫قالت بِريان‪« :‬نبحث عن واح ٍد فقط‪ ،‬كلب الصَّيد»‪.‬‬
‫ذوك يا بنيَّتي‪ .‬يُقال إنه يَترُك وراءه أثرًا من األطفال‬
‫أخبرني السير هايل‪ .‬عسي (السَّبعة) أن يُنقِ ِ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬هكذا‬
‫المالحات) المسعور‪ .‬ما الذي يُريده أناس‬ ‫وسمعت من يدعوه بكلب ( َّ‬ ‫ُ‬ ‫المذبوحين والعذراوات المدنَّسات‪،‬‬
‫رجل كهذا؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫صالحون من‬
‫‪« -‬الفتاة التي ذك َرها پودريك قد تكون معه»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟ إذن يجب أن نُ َ‬
‫صلِّي من أجل المسكينة»‪.‬‬
‫قالت بِريان في قرارتها‪ :‬ومن أجلي‪ ،‬صالة من أجلي أيضًا‪َ .‬سل (العجوز) أن ترفع مصباحها وتقودني‬
‫يبث الق َّوة في ذراعي كي أدافع عنها‪ .‬على أن الكالم لم يَخرُج من‬ ‫إلى الليدي سانزا‪ ،‬و َسل (ال ُمحارب) أن َّ‬
‫شفتها‪ ،‬فليست تُريد هايل هَنت أن يسمعه ويسخر من ضعفها األنثوي‪.‬‬
‫ظهر حماره كان تق ُّدمهم بطيئًا طيلة هذا اليوم‪.‬‬ ‫مع سير السِّپتون ميريبولد على قدميه والحمولة الثَّقيلة على َ‬
‫ق أن سل َكته بِريان مع السير چايمي عندما أتيا من‬ ‫لم يأخذوا الطَّريق الرَّئيس غربًا‪ ،‬الطَّريق الذي سب َ‬
‫وبدال من ذلك اتَّجهوا إلى ال َّشمال الغربي‬
‫ً‬ ‫االتِّجاه اآل َخر ليجدا (بِركة العذارى) منهوبةً مألى بالجُثث‪،‬‬
‫ب معوج صغير لدرجة أنه ال يظهر على أيٍّ من خريطتَي ِجلد‬ ‫متَّبعين ساحل (خليج السَّراطين) على در ٍ‬
‫الخراف الثَّمينتين اللتين يحملهما السير هايل‪ .‬على هذا الجانب من (بِركة العذارى) ليس هناك وجود لتالل‬
‫(الرَّأس المتصدِّع) شديدة التَّح ُّدر أو مستنقعاته السَّوداء أو غاباته الصَّنوبريَّة‪ ،‬أ َّما األراضي التي يرتحلون‬
‫فيها فواطئة بليلة‪ ،‬براري من ال ُكثبان الرَّمليَّة والمستنقعات المالحة تحت سما ٍء رحبة يمتزج فيها الرَّمادي‬
‫الظهور بَعد ميل‪ ،‬وتعلم‬‫ُعاود ُّ‬‫باألزرق‪ .‬أحيانًا يختفي الطَّريق وسط أعواد البوص والبِرك الم ِّديَّة‪ ،‬فقط لي ِ‬
‫بِريان أن لوال ميريبولد لضلُّوا الطَّريق ال محالة‪ .‬األرض تحتهم طريَّة في مواضع كثيرة‪ ،‬ولذا يسبقهم‬
‫أشجار‬
‫ٍ‬ ‫ق بنبُّوته ليتأ َّكد من صالبة موطئ أقدامهم‪ ،‬ويمضون دون رؤية أ ِّ‬
‫ي‬ ‫بقاع بعينها ويد ُّ‬
‫ٍ‬ ‫السِّپتون في‬
‫لفراسخ وفراسخ‪ ،‬وما من شي ٍء حولهم َّإال البحر والسَّماء والرِّمال‪.‬‬
‫خطر‬
‫َ‬ ‫وشالالتها ومروجها العالية ووديانها الظَّليلة‪ ،‬وإن‬ ‫َّ‬ ‫شتَّان ما بين هذه األرض و(تارث) بجبالها‬
‫لبِريان أن لهذا المكان َجماله الخاص رغم ذلك‪ .‬مرُّ وا بدست ٍة من النُّهيرات بطيئة التَّيَّار التي تزخر‬
‫بالضَّفادع وصراصير الحقل‪ ،‬وشاهَدوا طيور خطَّاف البحر تُ َحلِّق عاليًا فوق الخليج‪ ،‬وسمعوا طيور ز َّمار‬
‫الرَّمل تصدح من بين ال ُكثبان‪ ،‬وفي م َّر ٍة صادَفوا ثعلبًا جع َل كلب ميريبولد ينبح بضراوة‪.‬‬
‫ت من الطَّمي والقَش‪ ،‬في حين يصطاد آخَرون من‬ ‫وهناك أناس أيضًا‪ ،‬بعضهم يَقطُن وسط البوص في بيو ٍ‬
‫الجلد ويبنون بيوتهم على ركائز خشبيَّة متقلقِلة فوق ال ُكثبان‪ ،‬ويبدو أن‬ ‫الخليج في زوارق صغيرة من ِ‬
‫صف‬ ‫أغلبهم يعيش وحده معتكفًا عن سائر النَّاس‪ .‬يبدون في الغالب قو ًما خجولين منطوين‪ ،‬لكن قُرب منت َ‬
‫وخرجت ثالث نسوة من بين أعواد البوص وأعطين ميريبولد سلَّةً مجدولةً‬ ‫َ‬ ‫النَّهار بدأ الكلب ينبح ثانيةً‪،‬‬
‫كال منهن بُرتقالةً في المقابل‪ ،‬مع أن أُم ال ُخلول منتشرة كالطَّمي في هذه األنحاء‬ ‫مألى بأُم ال ُخلول‪ ،‬فأعطى ًّ‬
‫والبُرتقال نادر نفيس‪ .‬إحدى النِّسوة عجوز للغاية والثَّانية حُبلى منتفخة البطن والثَّالثة فتاة ناضرة جميلة‬
‫كزهر ٍة في الرَّبيع‪ ،‬ول َّما انتحى بهن ميريبولد جانبًا ليسمع خطاياهن قهقهَ السير هايل‪ ،‬وقال‪« :‬يبدو أن‬
‫اآللهة معنا‪ ...‬على األقل (العذراء) و(األُم) و(العجوز)»‪ ،‬فال َحت على پودريك دهشة بالغة حدَت ببِريان‬
‫إلى أن تشرح له أنهن مجرَّد ثالث نساء من أهل المستنقعات‪.‬‬
‫يوم من الرُّ كوب‬ ‫الحقًا حين استأنَفوا رحلتهم التفتَت إلى السِّپتون قائلةً‪« :‬هؤالء النَّاس ال يَبعُدون أكثر من ٍ‬
‫عن (بِركة العذارى)‪ ،‬لكن القتال لم يمسَّهم»‪.‬‬
‫الجلديَّة‪ ،‬وأفضل‬ ‫‪« -‬ألنهم يملكون القليل مما يُ َمسُّ يا سيِّدتي‪ .‬كنوزهم األصداف والحجارة وال َّزوارق ِ‬
‫أسلحتهم سكاكين من الحديد الصَّدئ‪ .‬يُولَدون ويعيشون ويحبُّون ويموتون‪ .‬إنهم يعلمون أن اللورد موتون‬
‫يَح ُكم أراضيهم‪ ،‬لكن قالئل منهم رأوه‪ ،‬و(ريڤر َرن) و(كينجز الندنج) وغيرهما مجرَّد أسماء بالنِّسبة‬
‫إليهم»‪.‬‬
‫قالت بِريان‪« :‬ومع ذلك يعرفون اآللهة‪ .‬هذا عملك في رأيي‪ .‬منذ متى تجول في أراضي النَّهر؟»‪.‬‬
‫ق كلبه نباحًا عاليًا‪« .‬من (بِركة العذارى) إلى‬ ‫أجاب السِّپتون‪ ،‬وأطل َ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬قريبًا سيت ُّم تجوالي أربعين عا ًما»‪،‬‬
‫ُ‬
‫أعرف‬ ‫كنت ال أ َّدعي أنني‬‫ُ‬ ‫عام وكثيرًا ما تطول عن هذا‪ ،‬وإن‬ ‫(بِركة العذارى) تستغرق جولتي نِصف ٍ‬
‫أعرف بلدات األسواق والمعاقل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫(الثَّالوث)‪ .‬إنني أبص ُر قالع اللوردات العظام من بعي ٍد فقط‪ ،‬لكني‬
‫والقُرى األصغر من أن تكون لها أسماء‪ ،‬وسُوج ال ُّشجيرات والتِّالل‪ ،‬وال ُغدران التي يشرب منها‬
‫وأعرف ُّ‬
‫الطرق التي يَسلُكها العا َّمة‪ ،‬ال ُّدروب الموحلة‬ ‫ُ‬ ‫العطاشى‪ ،‬والكهوف التي يستطيعون أن يأووا إليها‪،‬‬
‫ي خريط ٍة من ورق الرُّ قوق»‪ ،‬وقهقهَ مضيفًا‪« :‬يَج ُدر بي أن أعرف‪ .‬لقد‬ ‫المتع ِّرجة التي ال تظهر على أ ِّ‬
‫ميل منها عشر مرَّات»‪.‬‬‫وطأَت قدماي ك َّل ٍ‬
‫الطرق الخلفيَّة‪ ،‬والكهوف مكان مثالي الختباء المطا َردين‪ .‬جعلَت لمحة من االرتياب‬ ‫المجرمون يَسلُكون ُّ‬
‫بِريان تتسا َءل عن قدر معرفة السير هايل بهذا الرَّجل‪« .‬ال بُ َّد أنها حياة مفعمة بالوحدة أيها السِّپتون»‪.‬‬
‫قال ميريبولد‪(« :‬السَّبعة) معي دو ًما‪ ،‬ولد َّ‬
‫ي خادمي المخلص‪ ،‬وكلب أيضًا»‪.‬‬
‫سألَه پودريك پاين‪« :‬ألكلبك اسم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬مؤ َّكد‪ ،‬لكنه ليس كلبي‪ ،‬ليس هذا»‪.‬‬
‫رطل على األقل‪ ،‬لكنه ودود‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫نب َح الكلب وهزه َز ذيله‪ .‬إنه مخلوق ضخم أشعث‪ ،‬يزن مئة‬
‫سأ َل پودريك‪« :‬إلى َمن ينتمي إذن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إلى نفسه بالطَّبع‪ ،‬وإلى اآللهة‪ .‬أ َّما اسمه فلم يُخبِرني به‪ ،‬ولذا أدعوه بكلب»‪.‬‬
‫ب اسمه كلب‪ ،‬وقد ف َّكر في هذا فترةً‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪« -‬أوه»‪ .‬كان واضحًا أن پودريك يجهل ماذا يقول عن كل ٍ‬
‫صغري‪ ،‬س َّميته هيرو»‪.‬‬
‫«كان عندي كلب في ِ‬
‫‪« -‬وهل كان اس ًما على مس َّمى؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كان ماذا؟»‪.‬‬
‫‪ً «-‬‬
‫بطال»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬لكنه كان كلبًا مطيعًا‪ .‬لقد ماتَ »‪.‬‬
‫ت عصيبة كهذه‪ .‬ال ذئب أو خارج‬ ‫الطرق‪ ،‬حتى في أوقا ٍ‬ ‫قال السِّپتون‪« :‬كلب يُحافِظ على سالمتي على ُّ‬
‫عن القانون يَجسُر على إزعاجي ما دا َم كلب إلى جانبي»‪ ،‬وعق َد حاجبيه مردفًا‪« :‬ال ِّذئاب أصب َحت شنيعةً‬
‫قطيع رأيته‬
‫ٍ‬ ‫في اآلونة األخيرة‪ .‬في أماكن بعينها خي ٌر للمرء أن يجد شجرةً ينام فوقها‪ .‬في حياتي كلِّها أكبر‬
‫كانت ذئابه أق َّل من دستة‪ ،‬لكن القطيع العظيم الذي يجوب أراضي (الثَّالوث) اآلن تعداده بالمئات»‪.‬‬
‫سألَه السير هايل‪« :‬هل رأيت تلك ال ِّذئاب بنفسك؟»‪.‬‬
‫ليال أكثر من مرَّة‪ .‬أصوات كثيرة للغاية‪ ...‬صوت‬ ‫عفيت من ذلك وليحمني (السَّبعة)‪ ،‬لكني سمعتها ً‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬أ ُ‬
‫وداعب‬
‫َ‬ ‫قتل دستةً من ال ِّذئاب من قبل»‪،‬‬
‫يُ َخثِّر دماء المرء في عروقه ويجعل كلب نفسه يرتعد‪ ،‬مع أنه َ‬
‫لك إنها شياطين‪ .‬يقولون إن القطيع تقوده ذئبة وحشيَّة‬ ‫رأس الكلب ناف ًشا َشعره‪ ،‬وتاب َع‪« :‬ستجدين َمن يقول ِ‬
‫بظلٍّ شبحي‪ ،‬شرسة وشهباء وضخمة‪ ،‬ويقولون إنها معروفة بافتراس الثِّيران الب ِّريَّة بمفردها‪ ،‬وإن‬ ‫أشبه ِ‬
‫ُحاول اعتالءها وال تلتهم َّإال لحم‬ ‫بي ِ‬‫ي ذئ ٍ‬‫ال فَ َّخ أو َشرك يُقَيِّدها‪ ،‬وإنها ال تخاف الفوالذ أو النَّار وتَقتُل أ َّ‬
‫البَشر»‪.‬‬
‫قال السير هايل هَنت ضاح ًكا‪« :‬ها قد فعلتها أيها السِّپتون‪ ،‬اآلن عينا پودريك المسكين متَّسعتان كأنهما‬
‫بيضتان مسلوقتان»‪.‬‬
‫ق كلب نباحًا‪.‬‬ ‫َر َّد پودريك ساخطًا‪« :‬غير صحيح»‪ ،‬وأطل َ‬
‫ليلتها أقاموا مخيَّ ًما باردًا وسط ال ُكثبان‪ .‬أرسلَت بِريان پودريك يمشي على السَّاحل ويبحث عن خش ٍ‬
‫ب‬
‫مجروف إلشعال النَّار‪ ،‬لكنه عا َد خاوي الوفاض والطَّمي يُ َغطِّي ساقيه حتى الرُّ كبتين‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ابتعد عن الطَّمي يا بُنَي‪ .‬الطَّمي ال يحبُّ ال ُغرباء‪ ،‬وإذا مشيت في المكان‬
‫نصحه السِّپتون ميريبولد ً‬ ‫َ‬
‫ق ويبتلعك»‪.‬‬ ‫الخطأ سينش ُّ‬
‫قال پودريك بإصرار‪« :‬إنه طمي فحسب»‪.‬‬
‫قال الرَّجل‪« :‬إلى أن يمأل فمك ويبدأ ال َّزحف داخل أنفك‪ .‬عندئ ٍذ هو الموت»‪ ،‬وابتس َم ليكسر ح َّدة كالمه‬
‫صا من البُرتقال يا بُنَي»‪.‬‬‫مردفًا‪« :‬امسح الطَّمي وتعا َل ُكل ف ًّ‬
‫طروا على َسمك القُ ِّد والمزيد من فصوص البُرتقال‪ ،‬ووا َ‬
‫صلوا‬ ‫كان اليوم التَّالي مزيدًا من األشياء نفسها‪ .‬أف َ‬
‫شرق ال َّشمس تما ًما‪ ،‬من ورائهم سماء ورديَّة ومن أمامهم سماء أرجوانيَّة‪ .‬قا َد كلب‬ ‫طريقهم قبل أن تُ ِ‬
‫الطَّريق متش ِّم ًما ك َّل ُكتل ٍة من البوص ومتوقِّفًا بين الفينة والفينة ليتب َّول على إحداها‪ ،‬وقد بدا أنه يعرف‬
‫ق صياح طيور خطَّاف البحر الرَّاجف هواء الصَّباح مع تدفُّق مياه‬ ‫الطَّريق ِمثل ميريبولد بالضَّبط‪ ،‬و َش َّ‬
‫ال َمد‪.‬‬
‫ت على‬ ‫صف النَّهار توقَّفوا في قري ٍة ضئيلة هي األولى التي صادَفوها‪ ،‬حيث ترتفع ثمانية بيو ٍ‬ ‫قُرب منت َ‬
‫الجلديَّة‪ ،‬لكن النِّساء واألطفال‬
‫جدول صغير‪ .‬كان ال ِّرجال يصطادون في زوارقهم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ركائز خشبيَّة فوق‬
‫الطقوس غف َر لهم‬ ‫صلُّوا‪ ،‬وعقب ُّ‬ ‫مدالة من الحبال وتج َّمعوا حول السِّپتون ميريبولد ليُ َ‬‫نزلوا على ساللم َّ‬
‫وجواال من الفاصوليا واثنتين من بُرتقاالته الثَّمينة‪.‬‬
‫ً‬ ‫خطاياهم‪ ،‬ثم تر َكهم بَعد أن أعطاهم القليل من اللِّفت‬
‫عندما عادوا إلى الطَّريق قال السِّپتون‪« :‬خي ٌر لنا أن نُ َعيِّن حراسةً اللَّيلة أيها األصدقاء‪ .‬أهل القرية قالوا‬
‫رجال مكسورين يتسلَّلون حول ال ُكثبان غرب بُرج المراقبة القديم»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إنهم رأوا ثالثة‬
‫ً‬
‫محتمال أن يُز ِعجوا‬ ‫بارزتنا العزيزة‪ .‬ليس‬ ‫ابتس َم السير هايل ً‬
‫قائال‪« :‬ثالثة فقط؟ ثالثة بمثابة العسل عند ُم ِ‬
‫قو ًما مسلَّحين»‪.‬‬
‫قال السِّپتون‪« :‬ما لم يكونوا يتض َّورون جوعًا‪ .‬في هذه المستنقعات طعام‪ ،‬ولكن فقط لمن يعرف أين‬
‫يبحث‪ ،‬أ َّما هؤالء الرِّ جال فأغراب‪ ،‬ناجون من معرك ٍة أو أخرى‪.‬‬
‫إذا دنوا منا فأرجوك أيها الفارس أن تَترُكهم لي»‪.‬‬
‫‪« -‬وماذا ستفعل معهم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سأُط ِعمهم‪ ،‬سأسألهم أن يعترفوا بخطاياهم كي أغفرها لهم‪ ،‬وأدعوهم إلى المجيء معنا إلى (جزيرة‬
‫الهدوء)»‪.‬‬
‫َر َّد هايل هَنت‪« :‬كأنك تدعوهم إلى ذبحنا ونحن نائمون‪ .‬اللورد راندل له سُبل أفضل للتَّعا ُمل مع ال ِّرجال‬
‫المكسورين‪ ...‬الفوالذ والحبال»‪.‬‬
‫تساء َل پودريك‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪ ،‬هل الرَّجل المكسور خارج عن القانون؟»‪.‬‬
‫بشكل ما»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أجابَت بِريان‪« :‬‬
‫قائال‪« :‬األمر ليس بهذه البساطة‪ .‬الخارجون عن القانون أنواعهم كثيرة كثرة‬ ‫ضها السِّپتون ميريبولد ً‬ ‫ناق َ‬
‫الطيور‪ .‬ز َّمار الرَّمل ونورس البحر كالهما له جناحان‪ ،‬لكنهما مختلفان‪ .‬يحبُّ المطربون الغناء عن‬ ‫أنواع ُّ‬
‫ال ِّرجال الصَّالحين الذين أُر ِغموا على الخروج عن القانون لقتال أحد اللوردات األشرار‪ ،‬لكن معظم‬
‫الخارجين عن القانون أقرب إلى كلب الصَّيد المفترس هذا من سيِّد البرق‪ .‬إنهم سفلة يُ َحرِّ كهم الجشع‬
‫ويُلَ ِّوثهم الحقد‪ ،‬يستخفُّون باآللهة وال يكترثون َّإال ألنفسهم‪ .‬أ َّما ال ِّرجال المكسورون فيستحقُّون شفقتنا أكثر‪،‬‬
‫ميل واحد عن البيت‬ ‫ولو أنهم ال يقلُّون خطرًا‪ .‬كلُّهم تقريبًا أوالد عوام‪ ،‬قوم بُسطاء لم يبتعدوا أكثر من ٍ‬
‫ب مهترئة‬ ‫الذي ُولِدوا فيه‪ ،‬إلى أن يحين يوم ويأتي أحد اللوردات ليأخذهم إلى الحرب‪ .‬بأحذي ٍة بالية وثيا ٍ‬
‫ق مسنون‪ ،‬أو مطرق ٍة‬ ‫منجل أو معز ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يسيرون تحت راياته‪ ،‬وفي أغلب األحيان ال يكون سالحهم أفضل من‬
‫لجلد‪ .‬يسير اإلخوة مع إخوتهم واألبناء مع آبائهم‬ ‫بشريط من ا ِ‬
‫ٍ‬ ‫حجر على عصا‬‫ٍ‬ ‫صنعوها بأنفسهم بربط‬
‫ب متش ِّوقة حالمين باألعاجيب التي‬ ‫واألصدقاء مع أصدقائهم‪ .‬لقد سمعوا األغاني والقِصص‪ ،‬فيذهبون بقلو ٍ‬
‫ب ومجد‪ .‬تبدو لهم الحرب مغا َمرةً رائعةً‪ ،‬أعظم ما سيشهده أكثرهم في‬ ‫سيرونها وبما سيكسبون من ذه ٍ‬
‫حياته‪ ...‬ثم يذوقون طعم المعركة‪ .‬بالنِّسبة إلى بعضهم يكفي هذا المذاق الواحد لكسرهم‪ ،‬في حين يستمرُّ‬
‫ت إلى أن يعجزوا عن إحصاء المعارك التي قاتَلوا فيها‪ ،‬لكن حتى الرَّجل الذي نجا من مئة‬ ‫آخَرون سنوا ٍ‬
‫قتال يُمكن أن ينكسر في القتال الواحد بَعد المئة‪ .‬يُشا ِهد اإلخوة إخوتهم يموتون‪ ،‬ويفقد اآلباء أبناءهم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ُحاولون إعادة أحشائهم إلى بطونهم التي بق َرتها فأس‪ ،‬يرون اللورد الذي‬ ‫ويرى األصدقاء أصدقاءهم ي ِ‬
‫قادَهم يُقتَل‪ ،‬ويسمعون غيره يصيح أنهم رجاله اآلن‪ .‬يُصابون بجرح‪ ،‬وقبل أن يندمل يُصابون بآخَر‪،‬‬
‫كاف أبدًا‪ ،‬وأحذيتهم تتفسَّخ من طول السَّير‪ ،‬وثيابهم مم َّزقة تتعفَّن‪ ،‬ونِصفهم يتبرَّز في‬
‫ٍ‬ ‫وليس هناك طعام‬
‫سراويله من جرَّاء ُشرب المياه الفاسدة‪ .‬إذا أرادوا حذا ًء جديدًا أو معطفًا أثقل أو ربما خوذةً قصيرةً صدئةً‬
‫فعليهم أن يخلعوها عن جثَّة‪ ،‬وال يمضي وقت طويل قبل أن يبدأوا في سرقة األحياء أيضًا‪ ،‬فيسرقون من‬
‫س يُشبِهون كثيرًا َمن كانوا‪ ،‬يذبحون خرافهم ويسطون على‬ ‫األهالي الذين يُقاتِلون في أراضيهم‪ ،‬من أنا ٍ‬
‫يوم من‬‫دجاجهم‪ ،‬ومن هنا تفصلهم ُخطوة قصيرة فقط عن اختطاف بناتهم أيضًا‪ .‬ثم يتطلَّعون حولهم في ٍ‬
‫ُدركوا أن أهلهم وأصدقاءهم جميعًا لم يعودوا هناك‪ ،‬أنهم يُقاتِلون إلى جوار ُغربا ٍء تحت راي ٍة‬ ‫األيام لي ِ‬
‫يتعرَّفونها بالكاد‪ .‬ال يعرفون أين هُم اآلن وال كيف يرجعون إلى ديارهم‪ ،‬واللورد الذي يُقاتِلون من أجله‬
‫يجهل أسماءهم‪ ،‬لكن ها هو ذا يزعق فيهم أن يتَّخذوا تشكيلهم ويُ َك ِّونوا صفًّا من الحراب والمناجل‬
‫والمعازق المسنونة‪ ،‬أن يثبتوا‪ ...‬ثم ينقضُّ عليهم الفُرسان‪ ،‬رجال بال وجو ٍه مدرَّعون بالفوالذ‪ ،‬ويمأل هدير‬
‫هجمتهم الحديديَّة العالم‪ ...‬وعندئ ٍذ ينكسر الرَّجل؛ يستدير ويَهرُب‪ ،‬أو يزحف مبتعدًا بَعدها فوق جُثث‬
‫خاطر عن الوطن‪ ،‬والملوك‬ ‫ِ‬ ‫القتلى‪ ،‬أو ينسلُّ تحت جُنح الظَّالم ويجد مكانًا يختبئ فيه‪ .‬ما عا َد في عقله‬
‫واللوردات واآللهة ال قيمة لهم عنده تزيد على قيمة فخ ٍذ من اللَّحم الفاسد ستُبقيه على قيد الحياة يو ًما آخَر‪،‬‬
‫يوم إلى يوم‪ ،‬من وجب ٍة‬‫غرق مخاوفه بضع ساعات‪ .‬الرَّجل المكسور يحيا من ٍ‬ ‫أو قِرب ٍة من النَّبيذ التَّالف قد تُ ِ‬
‫ت كهذه يجب أن يحذر‬ ‫حيوان من إنسان‪ .‬الليدي بِريان ليست مخطئةً‪ .‬في أوقا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى وجبة‪ ،‬أقرب إلى‬
‫ال ُمسافرون الرِّجال المكسورين ويخافوهم‪ ...‬لكن يجب أن يُشفِقوا عليهم أيضًا»‪.‬‬
‫حين فر َغ السِّپتون ميريبولد من الكالم رانَ صمت مهيب على مجموعتهم الصَّغيرة‪ .‬سم َعت بِريان هفيف‬
‫مكان ما أبعد طائر غ َّواص يصيح‪ ،‬وسم َعت كلب يلهث‬ ‫ٍ‬ ‫الرِّيح في ُكتل ٍة من الصَّفصاف القصير‪ ،‬وفي‬
‫ت وهو يتوثَّب إلى جوار السِّپتون وحماره وقد تدلَّى لسانه من فمه‪.‬‬
‫بخفو ٍ‬
‫امت َّد الهدوء وامت َّد‪ ،‬إلى أن قالت أخيرًا‪« :‬في أ ِّ‬
‫ي ِس ٍّن أخذوك إلى الحرب؟»‪.‬‬
‫ق يُقال‪ ،‬لكن إخوتي كلَّهم‬‫والح ُّ‬
‫َ‬ ‫أجاب ميريبولد‪« :‬لم أكن أكبر من صبي ِِّك هذا‪ ،‬صغيرًا للغاية على القتال‬ ‫َ‬
‫كانوا ذاهبين ولم أُ ِرد أن يَترُكوني وحدي‪ .‬قال ويالم إنه يُمكنني أن أكون ُمرافقه‪ ،‬ولو أن ويل لم يكن‬
‫مطبخ سرقَه من الخان‪ .‬لقد ماتَ في (األعتاب) دون أن يضرب‬ ‫ٍ‬ ‫ق مسلَّح بس ِّكين‬
‫فارسًا‪ ،‬بل مجرَّد سا ٍ‬
‫ضربةً واحدةً‪.‬‬
‫ق بتُهمة‬‫ال ُح َّمى أجهزَ ت عليه وعلى أخي روبن‪ .‬أوين ماتَ بهراو ٍة فلقَت رأسه‪ ،‬وصديقه چون المجدور ُشنِ َ‬
‫االغتصاب»‪.‬‬
‫سألَه السير هايل هَنت‪« :‬حرب ملوك التِّسع بنسات؟»‪.‬‬
‫أجن بنسًا‪ .‬لكنها كانت حربًا‪ ،‬كانت حربًا حقًّا»‪.‬‬
‫أر مل ًكا أو ِ‬
‫‪« -‬هكذا أطلَقوا عليها‪ ،‬مع أني لم َ‬
‫سامويل وقفَ سام أمام النَّافذة يتأر َجح على كعبيه بعصبيَّ ٍة ويُشا ِهد البصيص األخير من نور ال َّشمس‬
‫ف من السُّقوف المدبَّبة‪ ،‬وبكآب ٍة قال لنفسه‪ :‬ال بُ َّد أنه سك َر ثانيةً‪ ،‬أو قاب َل فتاةً أخرى‪ .‬ال‬ ‫ص ٍّ‬
‫يختفي وراء َ‬
‫يدري هل يسبُّ ويلعن أم يبكي‪ .‬المفروض أن داريون أخوه‪ .‬اطلُب منه أن يُ َغنِّي وال أحد أفضل منه‪ ،‬لكن‬
‫ي شي ٍء آ َخر‪...‬‬‫اطلُب منه أن يفعل أ َّ‬
‫مرسال أصابع رماديَّةً تزحف على جُدران المباني المصطفَّة على ضفَّة القناة‬ ‫ً‬ ‫بدأ ضباب المساء يرتفع‬
‫ت أيضًا سمعتِه»‪.‬‬ ‫القديمة‪ ،‬وقال سام‪« :‬لقد وع َد بأنه سيعود‪ .‬أن ِ‬
‫رمقَته جيلي بعينين منتفختيْن مؤطَّرتيْن باألحمر‪ ،‬وقد تدلَّى َشعرها على وجهها متشاب ًكا متَّس ًخا‪ ،‬فبدَت‬
‫كحيوان ح ِذر يختلس النَّظر من داخل دغل‪ .‬أيام ع َّدة مرَّت منذ شعروا بحرارة النَّار‪ ،‬لكن الفتاة الهمجيَّة‬ ‫ٍ‬
‫تحبُّ الجثوم قُرب المستوقَد‪ ،‬كأن لمحةً من الدِّفء ال تزال عالقةً بالرَّماد البارد‪ .‬قالت له هامسةً كي ال‬
‫تُوقِظ الرَّضيع‪« :‬إنه ال يحبُّ البقاء معنا‪ ،‬المكان حزين هنا‪ .‬يحب البقاء حيث النَّبيذ واالبتسامات»‪.‬‬
‫مكان َّإال هنا‪( .‬براڤوس) مألى بالخانات والحانات والمواخير‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ٍ‬ ‫ف َّكر سام‪ :‬نعم‪ ،‬والنَّبيذ في ك ِّل‬
‫وعجوز‬
‫ٍ‬ ‫وجبان بدين‬
‫ٍ‬ ‫داريون يُؤثِر النَّار وكوبًا من النَّبيذ المتبَّل على ال ُخبز البائت وصُحبة امرأ ٍة باكية‬
‫مريض‪ ،‬ف َمن يلومه؟ أنا ألومه‪ .‬قال إنه سيعود قبل ال َّشفق‪ ،‬قال إنه سيجلب لنا نبي ًذا وطعا ًما‪.‬‬
‫آمال رغم خيبة األمل أن يرى المغنِّي مسرعًا بالعودة‪ .‬كان الظَّالم يحلُّ على‬ ‫نظر من النَّافذة ً‬ ‫َ‬ ‫م َّرةً أخرى‬
‫المدينة الس ِّريَّة ويتسلَّل إلى األزقَّة والقنوات‪ .‬قريبًا سيُغلِق أهل (براڤوس) الطَّيِّبون مصاريع نوافذهم‬
‫ُنزلون مزاليج أبوابهم‪ ،‬فاللَّيل ينتمي إلى ُمبارزي البراڤو والمحظيَّات‪ .‬ف َّكر سام بمرارة‪ :‬أصدقاء داريون‬ ‫وي ِ‬
‫ُحاول أن يَكتُب أغنيَّةً عن محظيَّ ٍة اسمها ِظل القمر‬ ‫الجُدد‪ .‬في الفترة األخيرة ال يتكلَّم داريون َّإال عنهم‪ ،‬وي ِ‬
‫سم َعته يُ َغنِّي إلى جوار (بِركة القمر) وجا َزته بقُبلة‪ .‬قال له سام‪« :‬كان واجبك أن تَطلُب الفضَّة‪ .‬إننا‬
‫الذهب‬‫محتاجون إلى النُّقود ال القُبالت»‪ ،‬لكن المغنِّي اكتفى باالبتسام مجيبًا‪« :‬بعض القُبالت أثمن من َّ‬
‫األصفر أيها القاتِل»‪.‬‬
‫ُغضبه‪ ،‬فال يُفت َرض أن يُ َؤلِّف داريون األغاني عن المحظيَّات‪ ،‬وإنما ينبغي له أن يُ َغنِّي عن‬ ‫هذا أيضًا ي ِ‬
‫الجدار) و َشجاعة َحرس اللَّيل‪ .‬كان چون يأمل أن تنجح أغانيه في إقناع عد ٍد من ال ُّشبَّان بارتداء األسود‪،‬‬ ‫( ِ‬
‫بدال من ذلك يُ َغنِّي داريون عن القُبالت َّ‬
‫الذهبيَّة وال َّشعر الفضِّ ي وال ِّشفاه الحمراء المتو ِّردة‪ ،‬وال أحد‬ ‫لكن ً‬
‫أبدًا يرتدي أسود َحرس اللَّيل من أجل ال ِّشفاه الحمراء المتو ِّردة‪.‬‬
‫ضا فينفجر في العويل‪ ،‬ويزعق داريون فيه أن يَص ُمت‪ ،‬وتنتحب جيلي‪،‬‬ ‫أحيانًا يُوقِظ غناؤه الرَّضيع أي ً‬
‫ويندفع المغنِّي مغادرًا ويغيب أيا ًما‪« .‬كلُّ هذا البُكاء يجعلني أري ُد أن أصفعها‪ ،‬وأكا ُد ال أستطي ُع النَّوم من‬
‫نحيبها»‪.‬‬
‫كا َد سام يقول‪ :‬كنت لتنتحب أيضًا لو كان لك ابن وفقدته‪ .‬ليس في مقدوره أن يلوم جيلي على حُزنها‪ ،‬لكنه‬
‫يلوم چون سنو ويتسا َءل متى استحا َل قلبه إلى حجر‪.‬‬
‫فأجاب‬
‫َ‬ ‫في م َّر ٍة ألقى هذا السُّؤال تحديدًا على ال ِمايستر إيمون حين نزلَت جيلي إلى القناة تجلب لهم ما ًء‪،‬‬
‫العجوز‪« :‬حين رفعته إلى القيادة»‪.‬‬
‫زال جزء من سام ال يُريد أن‬ ‫حتى اآلن وهو يتعفَّن هنا في هذه ال ُغرفة الباردة تحت إفريز السَّطح‪ ،‬ما َ‬
‫فعل ما يعتقده ال ِمايستر إيمون‪ .‬لكن ال بُ َّد أنها الحقيقة‪َّ ،‬‬
‫وإال فلِ َم تبكي جيلي بال انقطاع؟ ما‬ ‫صدِّق أن چون َ‬ ‫يُ َ‬
‫ُ‬
‫زلت جبانًا‬ ‫رضع من ثدييها‪ ،‬لكنه ال يملك َشجاعة السُّؤال ويخشى الجواب‪ .‬ما‬ ‫عليه َّإال أن يسألها ابن َمن تُ ِ‬
‫يا چون‪.‬‬
‫ذهب في هذا العالم الفسيح الز َمته مخاوفه‪.‬‬
‫َ‬ ‫أينما‬
‫ق (المارد) نفير المساء عبر‬
‫هدير عميق على سقوف (براڤوس) كهزيم رع ٍد بعيد إذ أطل َ‬ ‫ٍ‬ ‫تر َّددت أصداء‬
‫الهَور‪ .‬كان الصَّوت صاخبًا لدرج ٍة أيق َ‬
‫ظت الرَّضيع‪ ،‬ليُوقِظ عويله ال ِمايستر إيمون بدوره‪ ،‬وبينما ذهبَت‬
‫بوهن على السَّرير الضيِّق ً‬
‫قائال‪« :‬إج؟‬ ‫ٍ‬ ‫انفتحت عينا العجوز وتحرَّك‬
‫َ‬ ‫جيلي إلى الصَّغير لتُلقِمه ثديها‬
‫المكان مظلم‪ .‬لماذا هذا الظَّالم ال َّدامس؟»‪.‬‬
‫ألنك أعمى‪ .‬منذ وصلوا إلى (براڤوس) وعقل إيمون يتوه أكثر فأكثر‪ .‬في بعض األيام ال يعرف أين هو‪،‬‬
‫وفي بعضها يَشرُد ذهنه وهو يقول شيئًا ما ويهيم في الكالم عن أبيه أو أخيه‪ .‬قال سام لنفسه مذ ِّكرًا‪ :‬إنه في‬
‫المئة واالثنين من العُمر‪ .‬غير أن الرَّجل كان في ال ِّسنِّ نفسها في (القلعة السَّوداء) ولم يَتُه عقله هناك قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬
‫قال مضط ًّرا‪« :‬هذا أنا‪ ،‬سامويل تارلي‪ ،‬وكيلك»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬سام‪ ،‬نعم‪ ،‬وهذه (براڤوس)‪ .‬سا ِمحني يا سام‪.‬‬ ‫وأغمض عينيه وفت َحهما ً‬
‫َ‬ ‫ق ال ِمايستر إيمون شفتيه‬
‫لع َ‬
‫هل أتى الصَّباح؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪ ،‬وتحسَّس سام جبهة العجوز‪ ،‬ليجد ِجلده مبلَّ ًال بال َعرق وملمسه بارد رخو‪ ،‬عالوةً على أن ك َّل نف ٍ‬
‫س‬
‫بصفير خافت‪« .‬إنه اللَّيل أيها ال ِمايستر‪ .‬كنت نائ ًما»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يلفظه يَخرُج منه مصحوبًا‬
‫طويال ج ًّدا‪ .‬المكان بارد»‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫نمت‬
‫وصاحب الخان يَرفُض إعطاءنا المزيد إلى أن ندفع ثَمنه»‪ .‬إنها المرَّة‬ ‫ِ‬ ‫َر َّد سام‪« :‬ليس عندنا حطب‪،‬‬
‫ي أن أشتري حطبًا‬ ‫الرَّابعة أو الخامسة التي يُقال فيها الكالم ذاته‪ ،‬وك َّل م َّر ٍة يُ َوبِّخ سام نفسه ً‬
‫قائال‪ :‬كان عل َّ‬
‫عاقال وأحافظ على دفئه‪.‬‬‫ً‬ ‫ي أن أكون‬ ‫بالنُّقود‪ ،‬كان عل َّ‬
‫عالج من (بيت األيدي الحمراء)‪ ،‬رجل طويل شاحب‬ ‫ض ٍة على ُم ٍ‬ ‫آخر ما معهم من ف َّ‬ ‫ً‬
‫وبدال من ذلك ب َّدد ِ‬
‫بخطوط د َّوامة من األحمر واألبيض‪ .‬لم يَحصُلوا بالفضَّة على أكثر من نِصف قنين ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫يرتدي ثيابًا مطرَّزةً‬
‫من نبيذ النَّوم‪ ،‬وقال البراڤوسي بنبر ٍة لم تفتقِر إلى الرِّفق‪« :‬قد يُسا ِعد هذا على تسهيل الرَّحيل عليه»‪،‬‬
‫وأجاب‪« :‬إن عندي مراهم وعقاقير‬ ‫َ‬ ‫فسألَه سام إن كان يستطيع أن يفعل المزيد‪ ،‬لكن الرَّجل هَ َّز رأسه نفيًا‪،‬‬
‫ت وسمو ًما وك َّمادات‪ ،‬وأستطي ُع أن أعطيه دوا ًء مسه ًِّال للبطن أو أعلِّق له ال َعلق‪ ...‬لكن‬ ‫وأنقعةً وصبغا ٍ‬
‫لماذا؟ ال عَلقة ستر ُّد إليه شبابه‪ .‬هذا رجل ه َِرم‪ ،‬والموت في رئتيه‪ .‬اسقِه هذا ودَعه ينام»‪.‬‬
‫ونا َم العجوز طيلة اللَّيل وطيلة النَّهار‪ ،‬وإن كان اآلن يُكافِح لالعتدال جالسًا‪ ،‬ويقول‪« :‬يجب أن نذهب إلى‬
‫ال ُّسفن»‪.‬‬
‫أصاب ال ِمايستر إيمون بر ٌد في‬‫َ‬ ‫السُّفن م َّرةً أخرى‪ .‬رغ ًما عنه قال له سام‪« :‬إنك أضعف من أن تَخرُج»‪.‬‬
‫أثناء رحلتهم في البحر وكمنَ في صدره‪ ،‬ولدى بلوغهم (براڤوس) كان واهنًا لدرجة أنهم حملوه ً‬
‫حمال إلى‬
‫فطلب داريون أكبر أسرَّة الخان‪ ،‬وحصلوا على‬ ‫َ‬ ‫ضة‪،‬‬ ‫ال َّشاطئ‪ .‬حينئ ٍذ كانت ال تزال معهم ُ‬
‫صرَّة منتفخة بالف َّ‬
‫صاحب الخان على أن يَنقُدوه ثَمن هذا العدد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واح ٍد يتَّسع لثمانية‪ ،‬فأص َّر‬
‫قائال‪« :‬غدًا نذهب إلى الميناء‪ .‬يُمكنك أن تستعلم ع َّما تُريد وتعرف ما السَّفينة التَّالية المبحرة إلى‬ ‫وعدَه سام ً‬
‫(البلدة القديمة)»‪ .‬حتى في الخريف تظلُّ (براڤوس) مينا ًء مزدح ًما‪ ،‬وبمجرَّد أن يستر َّد ال ِمايستر إيمون ما‬
‫الذهاب‪ .‬األصعب‬ ‫يكفي من طاق ٍة للسَّفر فلن يجدوا مشكلةً في العثور على سفين ٍة تأخذهم إلى حيث يُريدون َّ‬
‫أمل لهم أن تكون السَّفينة من (الممالك السَّبع)‪ .‬سفينة تجاريَّة من (البلدة‬ ‫أن يدفعوا تكلفة رحلتهم‪ ،‬وأفضل ٍ‬
‫زال يحتفي بالرِّ جال الذين‬ ‫َ‬ ‫القديمة) ربما‪ ،‬لبحَّارتها أقارب في َحرس اللَّيل‪ .‬ال بُ َّد أن بعض النَّاس ما‬
‫الجدار)‪.‬‬
‫يَحرُسون ( ِ‬
‫حلمت ب(البلدة القديمة) يا سام‪ُ .‬‬
‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫صف َرت أنفاس ال ِمايستر إيمون وهو يقول‪(« :‬البلدة القديمة)‪ ،‬نعم‪ .‬لقد‬
‫شابًّا من جدي ٍد وكان معي أخي إج وذلك الفارس الكبير الذي يخدمه‪ .‬كنا نشرب في الخان القديم الذي‬
‫يُقَدِّمون فيه خمر التُّفَّاح القويَّة للغاية»‪ .‬حاو َل ثانيةً أن ينهض‪ ،‬لكنه ألفى المجهود أقوى منه‪ ،‬وبَعد لحظةً‬
‫عا َد يتم َّدد‪ ،‬وقال‪« :‬السُّفن‪ .‬سنجد اإلجابة هناك‪ ،‬بخصوص التَّنانين‪ .‬أحتا ُج إلى المعرفة»‪.‬‬
‫قطق في المستوقَد‪« .‬أأنت جائع أيها‬ ‫ط ِ‬‫ال‪ ،‬ما تحتاج إليه هو الطَّعام والدِّفء‪ ،‬تحتاج إلى معد ٍة ممتلئة ونار تُ َ‬
‫ال ِمايستر؟ تبقَّى لدينا القليل من ال ُخبز والجُبنة»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس اآلن يا سام‪ ،‬الحقًا حين أصب ُح أقوى»‪.‬‬
‫‪« -‬كيف ستُصبِح أقوى ما لم تأكل؟»‪ .‬لم يأكل أيُّهم الكثير في البحر منذ (سكاجوس)‪ .‬طوال طريقهم عبر‬
‫(البحر الضيِّق) استب َّدت بهم عواصف الخريف‪ ،‬تهبُّ أحيانًا من الجنوب مصحوبةً بالرَّعد والبرق‬
‫واألمطار السَّوداء التي تنهمر أيا ًما بال انقطاع‪ ،‬وأحيانًا من ال َّشمال باردةً كئيبةً تنفذ ريحها العاتية إلى‬
‫عظام المرء‪ .‬في م َّر ٍة اشت َّد البرد على نح ٍو غير مسبوق‪ ،‬حتى إن سام استيقظَ ليجد السَّفينة كلَّها مغلَّفةً‬
‫بجلي ٍد أبيض يلتمع كاللُّؤلؤ‪ .‬كان الرُّ بَّان قد أنز َل الصَّاري وربطَه على السَّطح ليُك ِمل ال ِّرحلة بالمجاذيف‬
‫فقط‪ ،‬ولدى رؤيتهم (المارد) أخيرًا لم يكن أحدهم يأكل‪.‬‬
‫لكن حالما صاروا آمنين على ال َّشاطئ وج َد سام معدته تَصرُخ جوعًا‪ِ ،‬مثله ِمثل داريون وجيلي‪ ،‬وحتى‬
‫الصَّغير بدأ يرضع بشراه ٍة أكثر‪ ،‬أ َّما إيمون‪...‬‬
‫صاحب‬
‫ِ‬ ‫قال سام للعجوز‪« :‬ال ُخبز بائت‪ ،‬لكن يُمكنني أن أتوسَّل القليل من المرق من المطبخ لتُ َغ ِّمسه به»‪.‬‬
‫س بارد العينين ويرتاب في هؤالء األغراب السُّود تحت سقفه‪ ،‬لكن الطَّاهي أكثر ُو ًّدا‪.‬‬ ‫الخان رجل قا ٍ‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬لكن هل لي برشف ٍة من النَّبيذ؟»‪.‬‬
‫ليس لديهم نبيذ‪ .‬كان داريون قد وع َد بابتياع القليل منه بما سيجنيه من غنائه‪ .‬قال سام‪« :‬سنشرب النَّبيذ‬
‫فيما بَعد‪ .‬عندنا ماء‪ ،‬لكنه ليس الماء النَّظيف»‪ .‬الماء النَّظيف يأتي من فوق قناطر القناة القرميد العظيمة‬
‫يضخ األثرياء ماءها إلى منازلهم‪ ،‬في حين يمأل الفُقراء‬ ‫ُّ‬ ‫التي يُ َس ِّميها البراڤوسيُّون نهر المياه العذبة‪ ،‬والتي‬
‫دالءهم وسُطولهم من النَّوافير العا َّمة‪ .‬كان سام قد أرس َل جيلي لتجلب القليل منه ناسيًا أن الفتاة الهمجيَّة‬
‫ق صغيرة‪ .‬أخافَتها المتاهة الحجريَّة‬ ‫عا َشت حياتها كلَّها في حدود (قلعة كراستر) دون أن ترى ولو بلدة سو ٍ‬
‫المس َّماة (براڤوس) بجُزرها وقنواتها وخل ِّوها من العُشب وال َّشجر وامتالئها بال ُغرباء الذين يُ َحدِّثونها‬
‫ت ال تفهمها—أخافَتها لدرجة أنها فقدَت الخارطة وسرعان ما تاهَت‪ ،‬ووجدَها سام تبكي عند قد َمي‬ ‫بكلما ٍ‬
‫زمن بعيد‪ .‬قال لل ِمايستر إيمون‪« :‬ليس عندنا َّإال ماء القناة‪ ،‬لكن الطَّاهي غاله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بحر ماتَ منذ‬
‫ٍ‬ ‫تمثال أمير‬
‫نوم أيضًا إذا كنت تُريد المزيد منه»‪.‬‬
‫هناك نبيذ ٍ‬
‫ُ‬
‫وحلمت بما فيه الكفاية‪ .‬ال بأس بماء القناة‪ .‬سا ِعدني من فضلك»‪.‬‬ ‫‪« -‬لقد ُ‬
‫نمت‬
‫ق ساع َد سام العجوز على االعتدال ورف َع كوبًا إلى شفتيه الجافَّتين المشقَّقتين‪ ،‬وعلى الرغم من هذا‬ ‫برف ٍ‬
‫غرقني»‪ ،‬وارتجفَ‬ ‫ت سع َل وقال‪« :‬كفى‪ ،‬ستُ ِ‬ ‫انسكب نِصف الماء على صدر ال ِمايستر‪ ،‬وبَعد بضع رشفا ٍ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬لماذا ال ُغرفة باردة هكذا؟»‪.‬‬ ‫بين ذراعَي سام‬
‫ضعف األُجرة ألجل ُغرف ٍة مز َّودة بمستوقَد‪،‬‬ ‫صاحب الخان ِ‬‫ِ‬ ‫‪« -‬لم يَعُد لدينا حطب»‪ .‬كان داريون قد نق َد‬
‫لكن ال أحد منهم كان يعلم أن الحطب باهظ الثَّمن هنا لهذه ال َّدرجة‪ ،‬فاألشجار ال تنمو في (براڤوس) َّإال في‬
‫ساحات وحدائق ِعلية القوم‪ ،‬كما أن البراڤوسيِّين يأبون قطع شجر الصَّنوبر الذي يُ َغطِّي الجُزر النَّائية‬
‫وبدال من هذا يأتون بالحطب بالقوارب‬ ‫ً‬ ‫ريح تقيهم العواصف‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫المحيطة بالهَور العظيم ويعمل كحواجز‬
‫بدال من الخيول‪ .‬ما كان‬ ‫عبر النَّهر والهَور‪ .‬حتى الرَّوث مكلِّف هنا‪ ،‬فالبراڤوسيُّون يستخدمون القوارب ً‬
‫شيء من هذا ليه َّم لو أنهم رحلوا إلى (البلدة القديمة) وفق الخطَّة‪ ،‬لكن مع مرض ال ِمايستر إيمون ال َّشديد‬
‫ثبتَت استحالة ذلك‪ ،‬إذ إن رحلةً أخرى في البحر كفيلة بالقضاء عليه‪.‬‬
‫زحفَت يد إيمون على األغطية بحثًا عن ذراع سام‪ ،‬وقال له‪« :‬يجب أن نذهب إلى الميناء يا سام»‪.‬‬
‫‪« -‬حين تُص ِبح أقوى»‪ .‬ليس العجوز في حال ٍة تُتيح له أن ي ِ‬
‫ُواجه الرَّذاذ المالح والرِّيح البليلة على الواجهة‬
‫المائيَّة‪ ،‬و(براڤوس) كلُّها واجهة مائيَّة‪ .‬إلى ال َّشمال (الميناء األرجواني)‪ ،‬حيث ترسو السُّفن التِّجاريَّة‬
‫البراڤوسيَّة أسفل قباب وأبراج (قصر أمير البحر)‪ ،‬وإلى الغرب (ميناء راجمان) المزدحم بالسُّفن من‬
‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫ال ُمدن ال ُحرَّة األخرى و(وستروس) و(إيبن) وبلدان ال َّشرق البعيدة المحفوفة باألساطير‪ ،‬وفي ك ِّل‬
‫آخَر تنتشر األرصفة الصَّغيرة ومراسي العبَّارات والمرافئ ال َّرماديَّة القديمة التي يربط صيَّادو األسماك‬
‫والرُّ وبيان والسَّراطين مراكبهم عندها بَعد العمل في السُّهول الطِّينيَّة ومصبَّات النَّهر‪« .‬سيكون المجهود‬
‫شديدًا عليك»‪.‬‬
‫قال إيمون بإلحاح‪« :‬اذهب ً‬
‫بدال مني إذن واجلب لي أحدًا رأى تلك التَّنانين»‪.‬‬
‫َر َّد سام وقد أفز َعته الفكرة‪« :‬أنا؟ أيها ال ِمايستر‪ ،‬إنها مجرَّد قصَّة‪ ،‬قصَّة بحَّارة»‪ .‬داريون الملوم على هذا‬
‫أيضًا‪ ،‬إذ اعتا َد المغنِّي أن يعود إليهم بمختلِف أنواع الحكايات العجيبة من الحانات والمواخير‪ ،‬لكنه لسوء‬
‫الحظِّ كان ً‬
‫ثمال عندما سم َع حكاية التَّنانين وال يتذ َّكر تفاصيلها‪« .‬ربما اختلقَها داريون ب ُر َّمتها‪ .‬هذا ما يفعله‬ ‫َ‬
‫المغنُّون‪ ،‬يُلَفِّقون الحكايات»‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر إيمون‪« :‬نعم‪ ،‬لكن ربما يحوي أكثر األغاني شطوحًا في الخيال لمحةً من الحقيقة‪ .‬اعثُر على‬
‫تلك الحقيقة من أجلي يا سام»‪.‬‬
‫أعرف القليل فقط من الڤاليريَّة الفُصحى‪ ،‬وعندما يُ َكلِّمونني‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬لن أدري َمن أسأ ُل أو كيف أسأله‪ .‬إنني‬
‫ت أكثر مني‪ ،‬وما إن تُصبِح أقوى‪.»...‬‬ ‫بالبراڤوسيَّة ال أفه ُم ِنصف ما يقولون‪ .‬أنت تتكلَّم لُغا ٍ‬
‫‪« -‬متى سأصب ُح أقوى يا سام؟ أخبِرني»‪.‬‬
‫‪« -‬قريبًا‪ ،‬إذا استرحت وأكلت‪ .‬حين نصل إلى (البلدة القديمة)‪.»...‬‬
‫قاط َعه العجوز‪« :‬إنني لن أرى (البلدة القديمة) ثانيةً أبدًا‪ ،‬أعل ُم هذا اآلن»‪ ،‬وأحك َم قبضته على ذراع سام‬
‫سأكون مع إخوتي‪ .‬بعضهم ربطَتني بهم األيمان وبعضهم ربطَني به ال َّدم‪ ،‬لكنهم كانوا‬ ‫ُ‬ ‫متابعًا‪« :‬قريبًا‬
‫ط أن العرش سينتقل إليه‪ ،‬لكنه انتق َل‪ ،‬ور َّدد كثيرًا أن هذا عقابه على‬ ‫إخوتي جميعًا‪ .‬وأبي‪ ...‬إنه لم يحسب قَ ُّ‬
‫الضَّربة التي أودَت بحياة أخيه‪ .‬أدعو اآللهة أنه وج َد في الموت السَّالم الذي لم يعرفه قَ ُّ‬
‫ط في الحياة‪.‬‬
‫أرض بعيد ٍة رائعة نضحك‬ ‫ٍ‬ ‫السِّپتونات يترنَّمون عن راح ٍة جميلة‪ ،‬عن تخلِّينا عن همومنا واالرتحال إلى‬
‫آخر ال َّزمان‪ ...‬لكن ماذا لو لم يكن ألرض النُّور والعسل تلك وجود؟ وماذا‬ ‫ونحبُّ ونلتهم الوالئم فيها حتى ِ‬
‫الجدار المس َّمى الموت؟»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫والظلمة واآلالم وراء ِ‬ ‫لو لم يكن هناك َّإال البرد‬
‫ضر‪ .‬إنك مريض فحسب‪ ،‬والمرض سينقضي»‪.‬‬ ‫إنه خائف‪« .‬لستَ تُحت َ‬
‫حلمت‪ ...‬في جوف اللَّيل يسأل المرء ما ال يجرؤ عليه في ضوء النَّهار من‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬ليس هذه المرَّة يا سام‪ .‬لقد‬
‫ي َّإال سؤال واحد في السنَّوات األخيرة‪ .‬لماذا تأخذ اآللهة عينَي وق َّوتي ومع‬ ‫أسئلة‪ ،‬وبالنِّسبة إل َّي لم يتب َّ‬
‫ق لد َّ‬
‫شيخ منت ٍه ِمثلي عندها؟»‪ ،‬وارتع َشت أصابع إيمون‬ ‫ٍ‬ ‫ي بالحياة الطَّويلة مج َّمدًا منسيًّا؟ ما فائدة‬ ‫ذلك تَح ُكم عل َّ‬
‫ُ‬
‫زلت أذك ُر»‪.‬‬ ‫بالجلد المبقَّع‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬إنني أذك ُر يا سام‪ ،‬ما‬ ‫ت رفيعة مغلَّفة ِ‬ ‫ال َّشبيهة ب ُغصينا ٍ‬
‫سألَه سام الذي لم يفهم‪« :‬تَذ ُكر ماذا؟»‪.‬‬
‫همس إيمون‪« :‬التَّنانين‪ ،‬بليَّة عائلتي ومجدها»‪.‬‬ ‫َ‬
‫آخر التَّنانين ماتَ قبل أن تُولَد‪ ،‬فكيف تَذ ُكرها؟»‪.‬‬
‫‪ِ «-‬‬
‫زلت أذك ُر األحمر‪ .‬أرى ظاللها‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬إنني أراها في أحالمي يا سام‪ ،‬أرى نج ًما أحمر ينزف في السَّماء‪ .‬ما‬
‫ضا حلموا بالتَّنانين وقتلَتهم‬ ‫على الثَّلج وأسم ُع خفقان أجنحتها ِ‬
‫الجلديَّة وأشع ُر بأنفاسها السَّاخنة‪ .‬إخوتي أي ً‬
‫ت نِصف منسيَّة‪ ،‬وأمامنا أعاجيب‬ ‫أحالمهم جميعًا بال استثناء‪ .‬سام‪ ،‬إننا نقف راجفين على حافة نبوءا ٍ‬
‫إلنسان َح ٍّي في استيعابها‪ ...‬أو‪.»...‬‬
‫ٍ‬ ‫وأهوال ال أمل‬
‫‪« -‬أو؟»‪.‬‬
‫وأغمض عينيه‬
‫َ‬ ‫ض ر »‪،‬‬
‫‪ ...« -‬أو ال»‪ ،‬وقهقهَ إيمون بخفوت‪ ،‬وأردفَ ‪« :‬أو أنني عجوز محموم يُحت َ‬
‫ط‪ .‬لم يكن‬‫الجدار) قَ ُّ‬
‫ي أن أترك ( ِ‬ ‫قائال‪« :‬ما كان عل َّ‬‫البيضاوين بإرهاق‪ ،‬ثم أجب َرهما على االنفتاح من جدي ٍد ً‬
‫الجدار)‪ ...‬لكن‬ ‫بإمكان اللورد سنو أن يعلم‪ ،‬لكن كان حريًّا بي أنا أن أرى‪ .‬النَّار تُذوي‪ ،‬أ َّما البرد فيحفظ‪ِ ( .‬‬
‫أوان العودة فاتَ ‪.‬‬
‫ُحرم غنيمته‪ .‬أيها الوكيل‪ ،‬لقد خدمتني بإخالص‪ ،‬فأ ِّد هذه المه َّمة‬ ‫(الغريب) منتظر خارج بابي ولن ي َ‬
‫ال ُّشجاعة األخيرة من أجلي‪ .‬اذهب إلى السُّفن يا سام واعرف ك َّل ما تستطيع عن تلك التَّنانين»‪.‬‬
‫سحب سام ذراعه من قبضة العجوز بهدوء‪ ،‬وقال‪« :‬سأفع ُل ما ُدمت تُريد هذا‪ .‬إنني فقط‪ .»...‬ال يدري ماذا‬ ‫َ‬
‫يقول غير هذا‪ .‬ال أستطي ُع أن أرفض طلبه‪ .‬يُمكنه أن يبحث عن داريون أيضًا عند أرصفة ومراسي (ميناء‬
‫أوال ونذهب إلى السُّفن معًا‪ ،‬ول َّما نعود سيكون معنا طعام ونبيذ وحطب‪ .‬سنُش ِعل‬ ‫راجمان)‪ .‬سأج ُد داريون ً‬
‫دمت ذاهبًا‪ .‬جيلي ستكون هنا‪ .‬جيلي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬حسن‪ ،‬سأذهبُ اآلن ما‬ ‫نهض ً‬ ‫َ‬ ‫نارًا ونأكل وجبةً ساخنةً شهيَّةً‪.‬‬
‫نزلي مزالج الباب بَعد خروجي»‪( .‬الغريب) منتظر خارج الباب‪.‬‬ ‫أ ِ‬
‫أومأَت جيلي برأسها ضا َّمةً الصَّغير إلى صدرها وال ُّدموع تترق َرق في عينيها‪ .‬ستبكي ثانيةً‪ .‬هذا يفوق‬
‫ب على الحائط إلى جوار البوق المكسور الذي أعطاه چون‬ ‫احتماله حقًّا‪ .‬كان حزام سيفه معلَّقًا من مشج ٍ‬
‫وخرج من الباب‬‫َ‬ ‫ق به‪ ،‬ثم وض َع معطفه الصُّ وف األسود على كتفيه المستديرتين‪،‬‬ ‫إياه‪ ،‬فاختطفَه وتمنط َ‬
‫ب ُخطى متثاقلة ونز َل السُّلَّم الذي صرَّت درجاته الخشبيَّة تحت وطأة وزنه‪ .‬للخان بابان أماميَّان‪ ،‬أحدهما‬
‫شارع والثَّاني على قناة‪ ،‬فخر َج سام من األول ليتجنَّب القاعة العا َّمة‪ ،‬حيث من المؤ َّكد أن يراه‬ ‫ٍ‬ ‫ينفتح على‬
‫صاحب الخان ويَر ُمقه بالعبوس الذي ي َّدخره للنُّزالء الذين يَم ُكثون بَعد زوال التَّرحاب بهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أشعر سام باالمتنان‪ .‬أحيانًا يكسو‬
‫َ‬ ‫في الهواء برودة‪ ،‬لكن اللَّيلة ليست كثيفة الضَّباب كأكثر اللَّيالي‪ ،‬وهو ما‬
‫الضَّباب األرض بكثاف ٍة تحول دون أن يرى المرء قدميه‪ ،‬وفي م َّر ٍة فصلَته ُخطوة واحدة عن السُّقوط في‬
‫إحدى القنوات‪.‬‬
‫صباه قرأ سام تاريخ (براڤوس) وحل َم بأن يزورها يو ًما‪ .‬أرا َد أن يرى (المارد) يرتفع صار ًما مهيبًا من‬ ‫في ِ‬
‫ب أُفعواني ما ًّرا بالقصور والمعابد‪ ،‬ويُشا ِهد ُمبارزي البراڤو يَرقُصون‬ ‫ُبحر في القنوات بقار ٍ‬ ‫البحر‪ ،‬وي ِ‬
‫صار هنا بالفعل فال شيء يرغب فيه أكثر‬ ‫َ‬ ‫رقصة الماء وتُو ِمض نصالهم في ضوء النُّجوم‪ ،‬لكن اآلن وقد‬
‫من الرَّحيل إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫الطرقات المرصوفة بالحصى صوب (ميناء راجمان)‪،‬‬ ‫فرف في الرِّ يح قط َع ُّ‬ ‫ومعطف يُ َر ِ‬
‫ٍ‬ ‫بقلنسو ٍة مرفوعة‬
‫ظ َّل حزام سيفه يُهَدِّد بالسُّقوط حول كاحليه‪ ،‬فاضط َّر إلى َشدِّه إلى أعلى ك َّل م َّد ٍة بينما يمضي‪ .‬التز َم‬ ‫وقد َ‬
‫المشي في ال َّشوارع الصَّغيرة المظلمة‪ ،‬حيث تقلُّ احتماالت أن يلتقي أحدًا‪َّ ،‬إال أن ك َّل قطَّ ٍة مرَّت به جعلَت‬
‫قلبه يخفق بعُنف‪ ...‬و(براڤوس) تعجُّ بال ِقطط‪ .‬يجب أن أعثر على داريون‪ .‬إنه رجل في َحرس اللَّيل‪ ،‬أخي‬
‫المحلَّف‪ .‬معًا سنتوصَّل إلى ما يُمكننا أن نفعله‪ .‬ال ِمايستر إيمون خا َرت قُواه‪ ،‬وجيلي كانت لتضيع هنا حتى‬
‫من دون األسى الذي يَغ ُمرها‪ ،‬لكن داريون‪ ...‬ال يَج ُدر بي أن أسيء به الظَّن‪ .‬ربما يكون جري ًحا ولهذا‬
‫ق ما في بِرك ٍة من ال َّدم‪ ،‬أو طافيًا على وجهه في إحدى‬ ‫السَّبب لم يرجع‪ ،‬وربما يكون ميتًا‪ ،‬منطرحًا في ُزقا ٍ‬
‫القنوات‪ .‬في اللَّيل يمشي ُمبارزو البراڤو متبخترين في أنحاء المدينة بثيابهم المبرقشة المبهرجة‪ ،‬ساعين‬
‫ب‬
‫ب وبعضهم دون سب ٍ‬ ‫ي سب ٍ‬ ‫إلى إثبات براعتهم في القتال بالسُّيوف الرَّفيعة التي يحملونها‪ .‬بعضهم يُقاتِل أل ِّ‬
‫على اإلطالق‪ ،‬وداريون طليق اللِّسان سريع الغضب‪ ،‬خصوصًا عندما يشرب‪ .‬ليس معنى أنه يستطيع‬
‫الغناء عن المعارك أنه قادر بالضَّرورة على خوضها‪.‬‬
‫تقع أفضل الحانات والخانات والمواخير قُرب (الميناء األرجواني) و(بِركة القمر)‪ ،‬غير أن داريون يُفَضِّ ل‬
‫(ميناء راجمان)‪ ،‬حيث فُرصة أن يتكلَّم ال َّزبائن اللُّغة العاميَّة أكبر‪ .‬بدأ سام بحثه في (خان ثُعبان الماء‬
‫ق لداريون أن غنَّى فيها‪ ،‬لكنه لم يَعثُر عليه في‬ ‫المالح األسود) و(موروجو)‪ ،‬وكلُّها أماكن سب َ‬ ‫األخضر) و( َّ‬
‫أيِّها‪ .‬خارج (بيت الضَّباب) كانت ع َّدة قوارب أُفعوانيَّة مربوطةً في انتظار ال َّزبائن‪ ،‬وحاو َل سام أن يسأل‬
‫المالحين إن كانوا قد رأوا مطربًا يرتدي السَّواد‪ ،‬لكن ال أحد منهم فه َم ڤاليريَّته الفُصحى‪ .‬إ َّما هذا وإ َّما أنهم‬ ‫َّ‬
‫يختارون َّأال يفهموا‪ .‬ألقى سام نظرةً داخل الخ َّمارة القذرة تحت قنطرة (جسر نابو) الثَّانية التي تتَّسع بالكاد‬
‫لعشرة أفراد‪ ،‬ولم يكن داريون أحدهم‪ ،‬ثم جرَّب (خان المنبوذين) و(دار القناديل السَّبعة)‪ ،‬ثم الماخور‬
‫المس َّمى (ال َمقططة)‪ ،‬حيث تلقَّى نظرات االرتياب لكن ال عون على اإلطالق‪.‬‬
‫بينما يُغا ِدر كا َد يرتطم بشابَّيْن واقفيْن تحت مصباح (ال َمقططة) األحمر‪ ،‬أحدهما داكن ال َّشعر والثَّاني‬
‫آسف‪ ،‬لكنني ال أفهمك»‪ ،‬وبدأ يبتعد عنهما‬ ‫أشقره‪ ،‬وقد قال األول شيئًا ما بالبراڤوسيَّة‪ ،‬ف َر َّد سام مضط ًّرا‪ٌ « :‬‬
‫خائفًا‪ .‬في (الممالك السَّبع) يكسو النُّبالء أنفسهم بالمخمل والحرير والسَّميت من مئة لون‪ ،‬بينما يرتدي‬
‫الفالحون والعا َّمة الصُّ وف غير المصبوغ والخيش البنِّي الباهت‪ ،‬أ َّما في (براڤوس) فالعكس بالعكس‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فيمشي ُمبارزو البراڤو مختالين كالطَّواويس مداعبين سيوفهم‪ ،‬بينما يرتدي األعيان الرَّمادي الفاحم‬
‫واألرجواني واألزرق القاتم كاألسود واألسود الحالك كليل ٍة بال قمر‪.‬‬
‫‪« -‬صديقي تيرو يقول إن بدانتك تقلب معدته»‪ ،‬قال ُمبارز البراڤو األشقر‪ ،‬الذي يرتدي سُترةً مقسومةً‬
‫صدِّع رأسه»‪ .‬كان‬ ‫مخمل أخضر وقُماش فضَّة‪« .‬صديقي تيرو يقول إن صلصلة سيفك تُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫طوليًّا إلى‬
‫ُخاطب سام باللُّغة العاميَّة‪ ،‬أ َّما اآلخَر‪ ،‬البراڤو أسود ال َّشعر الذي يرتدي السُّترة الخمريَّة المو َّشاة تحت‬
‫ي ِ‬
‫معطف أصفر ويبدو أن اسمه تيرو‪ ،‬فألقى تعليقًا ما بالبراڤوسيَّة جع َل صديقه األشقر يضحك ويقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫«صديقي تيرو يقول إنك ترتدي ثيابًا أعلى من مقامك‪ .‬أأنت أحد اللوردات العظام لترتدي األسود؟»‪.‬‬
‫أرا َد سام أن يَهرُب‪ ،‬لكن إذا فع َل فعلى األرجح سيتعثَّر في حزامه بينما يجري‪ .‬قال لنفسه‪ :‬ال تلمس سيفك‪.‬‬
‫كالم يسترضيهما‪ ،‬فلم‬ ‫مجرَّد إصبع على المقبض قمين بأن يعتبره أحدهما دعوةً للنِّزال‪ .‬حاو َل التَّفكير في ٍ‬
‫يَخرُج منه َّإال‪ُ « :‬‬
‫لست‪.»...‬‬
‫وخرجت‬
‫َ‬ ‫قائال‪« :‬ليس لورد‪ .‬إنه في َحرس اللَّيل أيها األحمقان‪ ،‬من (وستروس)»‪،‬‬ ‫تد َّخل صوت طُفولي ً‬
‫فتاة صغيرة إلى الضَّوء دافعةً عربة يد مألى بالطَّحالب البحريَّة‪ ،‬مخلوقة بائسة نحيلة تنتعل حذا ًء كبي ًرا‬
‫ولها َشعر أشعث متَّسخ‪ .‬أخب َرت ُمبارزَ ي البراڤو‪« :‬هناك واحد آخَر في (الميناء السَّعيد) يُ َغنِّي لزوجة‬
‫البحَّار»‪ ،‬ولسام قالت‪« :‬إذا سألَك أيُّ براڤو َمن أجمل امرأ ٍة في العالم فقُل إنها العندليب َّ‬
‫وإال تح َّداك للنِّزال‪.‬‬
‫بعت محاري كلَّه»‪.‬‬‫هل تشتري أُم الخلول؟ لقد ُ‬
‫أجاب سام‪« :‬ليس معي مال»‪.‬‬
‫َ‬
‫قال البراڤو األشقر ساخ ًرا‪« :‬ليس معه مال»‪ ،‬فابتس َم صديقه فاحم ال َّشعر ابتسامةً عريضةً‪ ،‬وقال شيئًا‬
‫وأعطه معطفك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بالبراڤوسيَّة ترج َمه األشقر‪« :‬صديقي تيرو بردان‪ُ .‬كن صديقنا البدين الكريم‬
‫وإال طلبا حذاءك بَعده وسرعان ما ستجد نفسك عاريًا»‪.‬‬‫قالت فتاة العربة‪« :‬ال تفعل هذا أيضًا َّ‬
‫ُغرقونها في القنوات»‪.‬‬
‫ت مزعج ي ِ‬‫خاطبَها البراڤو األشقر منذرًا‪« :‬ال ِقطط الصَّغيرة التي تموء بصو ٍ‬
‫ر َّدت الفتاة‪« :‬ليس إذا كان لها مخالب»‪ ،‬وفجأةً ظه َر في يدها اليُسرى س ِّكين نصله رفيع كقوامها‪ ،‬فقال‬
‫المدعو تيرو شيئًا لصديقه األشقر‪ ،‬ثم ابتع َد االثنان مقهقهيْن‪.‬‬
‫أشكرك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال سام للفتاة بَعد رحيلهما‪« :‬‬
‫اختفى س ِّكينها‪ ،‬وقالت‪« :‬إذا حملت سيفًا ً‬
‫ليال فمعنى هذا أنك قابل للتَّحدِّي‪ .‬هل أردت أن تُقاتِلهما؟»‪.‬‬
‫كصرير أجفلَه‪« :‬ال!»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫خرجت الكلمة من سام‬‫َ‬
‫أر أ ًخا أسود ِمثلك من قبل»‪ ،‬وأشا َرت إلى العربة مضيفةً‪:‬‬ ‫سألَته الفتاة‪« :‬أأنت في َحرس اللَّيل حقًّا؟ لم َ‬
‫الجدار)؟»‪.‬‬ ‫«يُمكنك أن تأكل أُم ال ُخلول المتبقِّية‪ .‬لقد سا َد الظَّالم ولن يبتاعها أحد‪ .‬هل ستُ ِ‬
‫بحر إلى ( ِ‬
‫أجاب سام‪« :‬إلى (البلدة القديمة)»‪ ،‬وأخ َذ واحدةً من أُم ال ُخلول المخبوزة والته َمها بنهم‪ ،‬ثم قال‪« :‬نحن بين‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫سفينتين اآلن»‪ .‬وج َد أم ال ُخلول لذيذةً‪ ،‬فأك َل أخرى‪.‬‬
‫ُزعجون أحدًا ال يحمل سيفًا أبدًا‪ ،‬حتى فروج ال ُّنوق الحمقى ِمثل تيرو وأوربيلو»‪.‬‬ ‫‪ُ « -‬مبارزو البراڤو ال ي ِ‬
‫ت؟»‪.‬‬
‫‪َ « -‬من أن ِ‬
‫ُ‬
‫كنت أحدًا من قبل ولم أ ُعد كذلك‪ .‬يُمكنك أن تدعوني‬ ‫الذفرة تفوح منها‪« :‬ال أحد‪.‬‬ ‫قالت ورائحة السَّمك َّ‬
‫بكات إذا أردت‪َ .‬من أنت؟»‪.‬‬
‫إنك تتكلَّمين العاميَّة»‪.‬‬
‫‪« -‬سامويل سليل عائلة تارلي‪ِ .‬‬
‫المالحين على متن (نايميريا)‪ .‬قتلَه براڤو ألنه قال إن أ ِّمي أجمل من العندليب‪ ،‬ليس‬ ‫‪« -‬أبي كان ُمشرف َّ‬
‫واحدًا من فروج النُّوق الذين التقيت اثنين منهم‪ُ ،‬مبارز براڤو حقيقي‪ .‬في ٍ‬
‫يوم ما سأذبحه‪ .‬قال الرُّ بَّان إن‬
‫صغار وأنزلَني‪ ،‬وبَعدها أخ َذني بروسكو إلى بيته وأعطاني‬ ‫(نايميريا) ليست في حاج ٍة إلى البنات ال ِّ‬
‫عربةً»‪ ،‬ورف َعت عينيها إليه متسائلةً‪« :‬ما السَّفينة التي سترحلون عليها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬دفعنا ثَمن رحلة على (الليدي أوشانورا)»‪.‬‬
‫ضيَّقت الفتاة عينيها ب َش ٍّك قائلةً‪« :‬لقد رحلَت‪ .‬ألم تعلم؟ غاد َرت منذ أيام طويلة»‪.‬‬
‫كان سام ليُجيب‪ :‬أعل ُم‪ .‬هو وداريون وقفا على الرَّصيف يُشا ِهدان مجاذيفها ترتفع وتنخفض بينما تش ُّ‬
‫ق‬
‫رجال أشجع لدف َعه‬‫ً‬ ‫طريقها نحو (المارد) والبحر المفتوح‪ ،‬وقال المغنِّي‪« :‬طيِّب‪ ،‬انتهينا إذن»‪ .‬لو كان سام‬
‫في الماء‪ .‬حين يتعلَّق األمر بإقناع الفتيات بخلع ثيابهن يَقطُر من لسان داريون ال َّشهد‪ ،‬لكن بوسيل ٍة ما في‬
‫حاول إقناع البراڤوسي بانتظارهم‪ ،‬لكن الرَّجل قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قمرة الرُّ بَّان وق َع عبء الكالم على كاهل سام وحده إذ‬
‫انتظرت العجوز ثالثة أيام كاملةً‪ .‬إن مخازني ممتلئة ورجالي ن َكحوا زوجاتهم وو َّدعوهن‪ .‬بكم أو دونكم‬ ‫ُ‬ ‫«‬
‫الجزر»‪.‬‬
‫سترحل (الليدي) مع َ‬
‫متوس ًِّال قال سام‪« :‬أرجوك‪ ،‬أيام إضافيَّة قليلة‪ ،‬ال أطلبُ سوى هذا‪ ،‬كي يستر َّد ال ِمايستر إيمون ق َّوته»‪.‬‬
‫زار الخان في اللَّيلة السَّابقة ليرى ال ِمايستر إيمون بنفسه‪ ،‬فقال‪« :‬ق َّوته كلُّها خا َرت‪ .‬إنه‬
‫كان الرُّ بَّان قد َ‬
‫عجوز ومريض وال أريده أن يموت على متن (الليدي)‪ .‬ابقوا معه أو اترُكوه‪ ،‬ال فرق عندي‪ .‬أنا مبح ٌر»‪.‬‬
‫بأمان‬
‫ٍ‬ ‫رفض أن ير َّد ثَمن الرِّحلة الذي نقدوه إياه بالفعل‪ ،‬الفضَّة التي كان يُفت َرض أن تأخذهم‬‫َ‬ ‫األسوأ أنه‬
‫إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫«لقد استأجرتم أفضل قمراتي‪ ،‬وهي موجودة في انتظاركم‪ .‬إذا اخترتم َّأال تشغلوها فليس هذا ذنبي‪ .‬لماذا‬
‫أتح َّم ُل الخسارة؟»‪.‬‬
‫قال سام لنفسه محزونًا‪ :‬لكنا قد بلغنا (وادي الغسق) اآلن بالفعل‪ ،‬بل وربما (پنتوس) أيضًا لو ترفَّقت بنا‬
‫الرِّياح‪.‬‬
‫ت مغنِّيًا‪.»...‬‬
‫أنك رأي ِ‬
‫ت ِ‬ ‫لكن شيئًا من هذا لن يه َّم فتاة العربة‪ ،‬فقال لها‪« :‬ذكر ِ‬
‫‪« -‬في (الميناء السَّعيد)‪ .‬سيتز َّوج زوجة البحَّار»‪.‬‬
‫‪« -‬يتز َّوج؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنها تُ ِ‬
‫ضاجع َمن يتز َّوجونها فقط»‪.‬‬
‫‪« -‬أين هذا (الميناء السَّعيد)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬قُبالة (سفينة الممثِّلين)‪ .‬يُمكنني أن أدلَّك على الطَّريق»‪.‬‬
‫أعرف الطَّريق»‪ .‬سبقَت لسام رؤية (سفينة الممثِّلين)‪ .‬ال يُمكن لداريون أن يتز َّوج!‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫لقد حلفَ اليمين!‬
‫«يجب أن أذهب»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال على حجارة الرَّصف ال َّزلقة‪ ،‬وسرعان ما را َح يلهث ومعطفه األسود‬ ‫ركض سام‪ .‬كان الطَّريق‬ ‫َ‬
‫ك حزام سيفه بينما يَر ُكض‪.‬‬‫بإزعاج وراءه‪ ،‬وقد أمس َ‬
‫ٍ‬ ‫الكبير يخفق‬
‫رمقَه القالئل الذين صادفَهم بنظرات الفضول‪ ،‬ورف َعت قطَّة عجيزتها وهسه َست في وجهه‪ ،‬ولدى بلوغه‬
‫السَّفينة كان يترنَّح‪.‬‬
‫الزقاق وج َد (الميناء السَّعيد)‪ ،‬وما إن دخ َل سام بوج ٍه محتقن وأنفاس متقطِّعة حتى ط َّوقت امرأة‬‫قُبالتها في ُّ‬
‫ُ‬
‫لست هنا ألجل هذا»‪ .‬قالت شيئًا بالبراڤوسيَّة‪ ،‬ف َر َّد سام بالڤاليريَّة‬ ‫عوراء ُعنقه بذراعيها‪ ،‬فقال لها‪« :‬ال‪.‬‬
‫الفُصحى‪« :‬ال أتكلَّ ُم تلك اللُّغة»‪ .‬في المكان شموع مضاءة ونار مشتعلة في المستوقَد‪ ،‬وأحدهم يعزف على‬
‫طت العوراء ثدييها إلى صدره‪،‬‬ ‫ب أحمر بأي ٍد متشابكة‪ .‬ضغ َ‬‫الكمنجة‪ ،‬ورأى فتاتين تَرقُصان حول راه ٍ‬
‫فصا َح‪« :‬ال تفعلي هذا!‬
‫ُ‬
‫لست هنا ألجل هذا!»‪.‬‬
‫َر َّن صوت داريون المألوف ً‬
‫قائال‪« :‬سام!‬
‫يانا‪ ،‬دعيه‪ ،‬هذا سام القاتِل‪ ،‬أخي المحلَّف!»‪.‬‬
‫أزاحت العوراء ذراعيها وإن أبقَت يدًا على ذراعه‪ ،‬ونادَت إحدى الرَّاقصتيْن قائلةً‪« :‬يُمكنه أن يَقتُلني إذا‬ ‫َ‬
‫تظن أنه سيَترُكني ألمس سيفه؟»‪ .‬وراءهما قاليون أرجواني مرسوم على‬ ‫ُّ‬ ‫أرا َد»‪ ،‬وسألَت األخرى‪« :‬هل‬
‫الحائط‪ ،‬طاقمه نساء ينتعلن أحذيةً ترتفع حتى الفخذ وال يرتدين شيئًا آ َخر‪ ،‬وفي أحد األركان ث َّمة بحَّار‬
‫موضع آ َخر امرأة أكبر ِسنًّا‬
‫ٍ‬ ‫ويغط من تحت لحيته القرمزيَّة الضَّخمة‪ ،‬وفي‬ ‫ُّ‬ ‫تايروشي غائب عن الوعي‬
‫رجل عمالق من (جُزر الصَّيف) يرتدي الرِّ يش األسود‬ ‫ٍ‬ ‫ذات نهدين عظيمين تلعب البالطات مع‬
‫والقرمزي‪ ،‬وفي مركز كلِّ هذا يجلس داريون مم ِّر ًغا أنفه في رقبة المرأة الجالسة في ِحجره مرتديةً‬
‫معطفه األسود‪.‬‬
‫والتق السيِّدة زوجتي»‪َ .‬شعره رمل وعسل‪ ،‬وابتسامته‬ ‫ِ‬ ‫تعال‬
‫َ‬ ‫بلسان أثقلَته الخمر‪« :‬أيها القاتِل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫نادى المغنِّي‬
‫كالزبدة حين أغنِّي‪ .‬كيف أقاو ُم هذا الوجه؟»‪ ،‬وقبَّل أنفها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يت لها أغاني الحُب‪ .‬النِّساء يَ ُذبن‬
‫دافئة‪« .‬غنَّ ُ‬
‫ضت الفتاة رأى سام أنها عارية تحت المعطف‪،‬‬ ‫وتاب َع‪« :‬أعطي سام قُبلةً يا زوجتي‪ ،‬إنه أخي»‪ .‬ل َّما نه َ‬
‫وقال داريون ضاح ًكا‪« :‬إياك أن تعبث بجسد زوجتي أيها القاتِل‪ ،‬لكن إذا أردت واحدةً من أخواتها فتفضَّل‪.‬‬
‫أظن»‪.‬‬ ‫زال معي مال يكفي على ما ُّ‬ ‫ما َ‬
‫مال كان يُمكن أن تشتري به لنا طعا ًما‪ ،‬مال كنا لنشتري به حطبًا ليتدفَّأ ال ِمايستر إيمون‪« .‬ماذا فعلت؟ ال‬
‫يُمكنك أن تتز َّوج‪ .‬لقد حلفت اليمين ِمثلي‪ .‬يُمكن أن يقطعوا رأسك من أجل هذا»‪.‬‬
‫‪« -‬إننا متز ِّوجان لليل ٍة واحدة فقط أيها القاتِل‪ .‬حتى في (وستروس) ال أحد يقطع رأسك من أجل هذا‪ .‬ألم‬
‫تذهب إلى (بلدة المناجذ) ولو مرَّة لتُنَقِّب عن الكنوز ال َّدفينة؟»‪.‬‬
‫احتقنَ وجه سام‪ ،‬وقال‪« :‬نعم‪ ،‬ال يُمكنني أبدًا أن‪.»...‬‬
‫‪« -‬وماذا عن فتاتك الهمجيَّة؟ ال بُ َّد أنك ضاجعتها م َّرةً أو ثالثًا‪ .‬كلُّ تلك اللَّيالي في الغابة تحت معطفك‪ ،‬ال‬
‫ط»‪ ،‬ول َّوح داريون بيده نحو مقع ٍد مردفًا‪« :‬اجلس أيها القاتِل‪ُ .‬خذ كوبًا من‬ ‫تقل لي إنك لم تضعه فيها قَ ُّ‬
‫النَّبيذ‪ُ ،‬خذ عاهرةً‪ُ ،‬خذ االثنين»‪.‬‬
‫قال سام الذي ال يُريد كوبًا من النَّبيذ‪« :‬لقد وعدتني بالعودة قبل ال َّشفق‪ ،‬بأن تجلب نبي ًذا وطعا ًما»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬هي زوجتي ال أنت‪ .‬ما ُدمت‬ ‫ك ً‬ ‫َر َّد داريون‪« :‬أهكذا قتلت (اآلخَر)؟ بتوبيخه حتى الموت؟»‪ ،‬وضح َ‬
‫لن تشرب نخب زواجي فغا ِدر»‪.‬‬
‫ظ ويُريد أن يسمع ما يُقال عن تلك التَّنانين‪ .‬إنه يتكلَّم عن ال ُّنجوم‬‫‪« -‬تعا َل معي‪ .‬ال ِمايستر إيمون استيق َ‬
‫النَّازفة والظِّالل البيضاء واألحالم و‪ ...‬إذا عرفنا المزيد عن تلك التَّنانين فربما يُريحه هذا‪ .‬سا ِعدني»‪.‬‬
‫‪« -‬غدًا‪ ،‬ليس ليلة زفافي»‪ ،‬ودف َع داريون نفسه إلى الوقوف‪ ،‬وأخ َذ عروسه من يدها وبدأ يتحرَّك نحو‬
‫السَّاللم ساحبًا إياها‪.‬‬
‫قائال‪« :‬لقد وعدت يا داريون‪ ،‬وحلفت اليمين‪ .‬المفروض أنك أخي»‪.‬‬ ‫اعترض سام طريقه ً‬‫َ‬
‫‪« -‬في (وستروس)‪ .‬هل يبدو لك أننا في (وستروس)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال ِمايستر إيمون‪.»...‬‬
‫ضر‪ .‬هذا ما قاله ال ُمعالج المخطَّط الذي ب َّددت عليه فضَّتنا‪ُ .‬خذ فتاةً أو‬
‫بفم قسا‪ ...« :‬يُحت َ‬
‫قاط َعه داريون ٍ‬
‫فسد زفافي»‪.‬‬‫ارحل يا سام‪ .‬إنك تُ ِ‬
‫ت معي»‪.‬‬
‫قال سام‪« :‬سأذهبُ ‪ ،‬لكنك آ ٍ‬
‫وفرغت من األسود»‪ ،‬وانتز َع داريون معطفع من على جسد عروسه العاري‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فرغت منك‬ ‫‪« -‬ال‪ ،‬لقد‬
‫ألق هذه الخرقة على العجوز وربما تُ َدفِّئه أكثر ً‬
‫قليال‪ .‬لن أحتاج إليها‪.‬‬ ‫قائال‪« :‬هاك‪ِ .‬‬ ‫ورماه في وجه سام ً‬
‫قريبًا سأرف ُل في المخمل‪ ،‬والعام القادم سأكون مرتديًا الفراء وآك ُل‪.»...‬‬
‫وضربَه سام‪.‬‬
‫لم يُفَ ِّكر‪ .‬ارتف َعت يده وتك َّورت قبضته وارتط َمت بفم المغنِّي‪ ،‬ليُطلِق داريون سبابًا وتَصرُخ زوجته‬
‫العارية‪ ،‬وألقى سام نفسه على المغنِّي وأسقطَه على ظَهره فوق مائد ٍة واطئة‪ .‬االثنان قريبان في ُّ‬
‫الطول‪،‬‬
‫لكن سام يفوقه وزنًا مرَّتين‪ ،‬وهذه المرَّة على األقل هو أكثر غضبًا من أن يخاف‪ .‬لك َم المغنِّي في وجهه‬
‫ق شفته‪،‬‬‫وراح يهوي على كتفيه بقبضتيه‪ ،‬ول َّما أمسكَ داريون معصميه نط َحه سام برأسه و َش َّ‬ ‫َ‬ ‫وبطنه‪،‬‬
‫مكان ما كان رجل يضحك وامرأة تسبُّ وتلعن‪ ،‬وبدا أن‬ ‫ٍ‬ ‫فتخلَّى المغنِّي عن معصميه وضربَه في أنفه‪ .‬في‬
‫طأ‪ ،‬كأنهما ُذبابتان سوداوان تخوضان في قطع ٍة من الكهرمان‪ ...‬ثم َج َّر أحدهم سام من‬ ‫حركة ال ِعراك تتبا َ‬
‫فضرب هذا ال َّشخص أيضًا‪ ،‬ثم هوى شيء على رأسه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فوق صدر المغنِّي‪،‬‬
‫بَعدها لم يَشعُر َّإال بنفسه في الخارج طائرًا في الضَّباب‪ ،‬وألقلِّ من لحظ ٍة رأى المياه السَّوداء تحته‪ ،‬ثم‬
‫ارتف َعت القناة ولط َمته على وجهه‪.‬‬
‫وغاص سام كالحجر‪ ،‬كالجُلمود‪ ،‬كالجبل‪.‬‬
‫َ‬
‫دخ َل الماء عينيه وأنفه قات ًما باردًا مالحًا‪ ،‬ول َّما حاو َل أن يصيح مستغيثًا ابتل َع المزيد‪ ،‬ورا َح يَرفُس ويشهق‬
‫منقلبًا والفقاقيع تتفجَّر من أنفه‪ .‬قال لنفسه‪ :‬اسبح‪ ،‬اسبح‪ .‬لس َع الملح عينيه عندما فت َحهما وأعماهما‪ ،‬وبرزَ‬
‫س بي ٍد واحدة بينما تح َّسست الثَّانية ِجدار‬
‫وضرب الماء بيأ ٍ‬
‫َ‬ ‫رأسه من السَّطح لحظةً َعبَّ خاللها الهواء‬
‫يستطع اإلمساك بها‪ ...‬وعا َد يغوص‪.‬‬
‫ِ‬ ‫القناة‪ ،‬لكنه وج َد الحجارة زلقةً لزجةً ولم‬
‫ك حول‬ ‫ق حزام سيفه على ساقيه واشتب َ‬ ‫أحسَّ سام بالبرودة على ِجلده مع نفاذ المياه من ثيابه‪ ،‬وانزل َ‬
‫ً‬
‫وبدال‬ ‫ً‬
‫محاوال العثور على طريق العودة إلى السَّطح‪،‬‬ ‫وبهلع أسود أعمى قال لنفسه‪ :‬سأغر ُ‬
‫ق‪ .‬تل َّوى‬ ‫ٍ‬ ‫كاحليه‪،‬‬
‫ق‪ .‬تحرَّك شيء تحت يده الضَّاربة بهياج‪،‬‬ ‫من هذا لط َمه قاع القناة على وجهه‪ .‬إنني مقلوب‪ ،‬إنني أغر ُ‬
‫ثُعبان ماء أو سمكة انزلقَت بين أصابعه‪ .‬ال يُمكن أن أموت‪ .‬ال ِمايستر إيمون سيموت من غيري‪ ،‬ولن يعود‬
‫لجيلي أحد‪ .‬يجب أن أسبح‪ ،‬يجب أن‪...‬‬
‫ط ِّوقه من تحت ذراعيه وحول صدره‪ ،‬وأول ما خط َر له‬ ‫سم َع شيئًا ضخ ًما يرتطم بالماء‪ ،‬وشع َر بشي ٍء ما يُ َ‬
‫كان‪ :‬ثُعبان الماء‪ ،‬الثُّعبان ط َّوقني‪ ،‬سيسحبني إلى أسفل‪.‬‬
‫ق اآللهة‪ ،‬لقد‬ ‫ُ‬
‫غرقت‪ ،‬أوه‪ ،‬بح ِّ‬ ‫وآخر فكر ٍة دا َرت بباله كانت‪ :‬لقد‬
‫فت َح فمه ليَصرُخ فابتل َع المزيد من الماء‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫غرقت‪.‬‬
‫ق على بطنه بقبضتين ضخمتين‪.‬‬ ‫ظهره ورجل (جُزر الصَّيف) األسود الكبير يد ُّ‬ ‫حين فت َح عينيه كان على َ‬
‫ق‪ .‬كان ًّ‬
‫مبتال عن‬ ‫بدال من الكلمات خر َج منه الماء وشه َ‬ ‫حاو َل سام أن يَصرُخ‪ :‬توقَّف‪ ،‬إنك تُؤلِمني‪ ،‬لكن ً‬
‫ق المزيد من الماء من‬ ‫آخره ويرتعد على األرض في بِرك ٍة من الماء‪ .‬لك َمه الرَّجل في بطنه ثانيةً وانبث َ‬ ‫ِ‬
‫أنفه‪ ،‬وقال سام الهثًا‪« :‬توقَّف‪ ،‬لم أغرق‪ ،‬لم أغرق»‪.‬‬
‫ش كثير‪ .‬الماء أفس َد‬‫ما َل ُمنقذه األسود الضَّخم عليه والماء يَقطُر منه‪ ،‬وقال‪« :‬نعم‪ .‬أنت مدين لزوندو بري ٍ‬
‫معطف زوندو األنيق»‪.‬‬
‫رأى سام صحَّة هذا في ريشات المعطف المبتلَّة المتَّسخة الملتصقة بكتفَي األسود الضَّخمتين‪ ،‬وقال‪« :‬لم‬
‫أكن أقصد‪.»...‬‬
‫ق الرَّجل على سُترة‬‫المفترض أن يطفو السِّمان»‪ ،‬وأطب َ‬
‫َ‬ ‫‪ ...« -‬أن تسبح؟ زوندو رأى‪ .‬تلويح كثير ج ًّدا‪.‬‬
‫سام بقبض ٍة سوداء هائلة وسحبَه موقِّفًا إياه‪ ،‬وقال‪« :‬زوندو وكيل ُربَّان على (ريح القرفة)‪ .‬لُغا ٍ‬
‫ت كثيرة‬
‫يتكلَّم بعض ال َّشيء‪ .‬في ال َّداخل يضحك زوندو لرؤيتك تَل ُكم المغنِّي‪ .‬وزوندو يسمع»‪ ،‬واتَّسعت ابتسامة‬
‫بيضاء على وجهه إذ أضافَ ‪« :‬زوندو يعرف هذه التَّنانين»‪.‬‬
‫چايمي‬
‫كنت آم ُل أنك سئمت من هذه اللِّحية ال َّشنيعة‪ .‬كلُّ هذا ال َّشعر يجعلك تُشبِه روبرت»‪ .‬كانت أخته قد نب َذت‬
‫‪ُ «-‬‬
‫وبدال منها ارتدَت فُستانًا بلون اليَشب األخضر له ُك َّمان من شرائط ال ِّزينة المايريَّة‬ ‫ً‬ ‫ثياب الحداد‪،‬‬
‫المفضَّضة‪ ،‬وط َّوقت ُعنقها بسلسل ٍة ذهبيَّة تتدلَّى منها زمرُّ دة بحجم بيضة حمامة‪.‬‬
‫‪« -‬لحية روبرت كانت سوداء‪ ،‬لحيتي أنا ذهبيَّة»‪.‬‬
‫ضيَّة؟»‪ ،‬ونتفَت شعرةً من تحت ذقنه‪ ،‬شعرةً شائبةً رف َعتها قائلةً‪« :‬األلوان كلُّها‬ ‫سألَته سرسي‪« :‬ذهبيَّة أم ف ِّ‬
‫صرت شبحًا للرَّجل الذي كنته‪ ،‬شيئًا باهتًا عاج ًزا‪ ،‬وشاحبًا للغاية أيضًا‪ ،‬دائ ًما‬ ‫تتسرَّب منك يا أخي‪ .‬لقد ِ‬
‫تلبس األبيض»‪ ،‬ونق َرت ال َّشعرة بطرف إصبعها مضيفةً‪« :‬أفضِّ لك مرتديًا القرمزي َّ‬
‫والذهبي»‪.‬‬
‫بشرتك العارية‪ .‬يُريد أن يُقَبِّلها‪ ،‬أن يحملها إلى‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫تتألأل على‬ ‫لك مو َّشاةً بنور ال َّشمس وقطرات الماء‬
‫ض ِ‬‫وأف ِّ‬
‫معك‬
‫ِ‬ ‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وفتى القمر‪« ...‬سأعق ُد‬ ‫ُغرفة نومها ويُلقيها على الفِراش‪ ...‬كانت تُ ِ‬
‫أمرك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫صفقةً‪ .‬أعفيني من هذا الواجب وسأض ُع الموسى تحت‬
‫ساومني؟‬ ‫تقلَّص فمها‪ .‬كانت تشرب النَّبيذ المتبَّل السَّاخن وتتض َّوع منها رائحة جوز الطِّيب‪« .‬هل تتجرَّأ وتُ ِ‬
‫ي أن أذ ِّكرك بأنك أقسمت على الطَّاعة؟»‪.‬‬ ‫أعل َّ‬
‫ُ‬
‫أقسمت على حماية الملك‪ ،‬ومكاني إلى جانبه»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫ُرسلك»‪.‬‬
‫‪« -‬مكانك أينما ي ِ‬
‫ت‪ ،‬وحماقة‪ .‬لماذا تُقَلِّدين داڤن حُكم الغرب إذا كن ِ‬
‫ت‬ ‫فعلتك أن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬تومن يختم ك َّل ورق ٍة تضعينها أمامه‪ .‬هذه‬
‫ال تثقين به؟»‪.‬‬
‫جل َست سرسي على مقع ٍد أسفل النَّافذة‪ ،‬وسألَت چايمي المتطلِّع إلى أطالل (بُرج اليد) المسو َّدة وراءها‪:‬‬
‫«ما الذي يُنَفِّرك هكذا من مه َّمتك أيها الفارس؟ هل فقدت َشجاعتك مع يدك؟»‪.‬‬
‫أقسمت لليدي ستارك َّأال أرفع السِّالح ضد آل ستارك أو تَلي ثانيةً أبدًا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫شخص مخمور قطعته وعلى ُعنقك سيف مصلت»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬وعد‬
‫‪« -‬كيف أداف ُع عن تومن إن لم أكن معه؟»‪.‬‬
‫ي تُرس‪ ...‬ولو أنني ال‬ ‫‪« -‬بهزيمة أعدائه‪ .‬لطالما قال أبونا إن ضربة السَّيف السَّريعة دفاع أفضل من أ ِّ‬
‫أنك ُر أن معظم ضربات السُّيوف يحتاج إلى يد‪ ،‬لكن حتى األسد ال ُمعاق يُمكن أن يُثير الخوف‪ .‬أري ُد‬
‫ُص ِّحح األوضاع في (هارنهال)‪ .‬إننا في‬ ‫(ريڤر َرن)‪ ،‬أري ُد برايندن تَلي سجينًا أو ميتًا‪ ،‬وعلى أحدهم أن ي َ‬
‫حاج ٍة ماسَّة إلى وايليس ماندرلي‪ ،‬بفرض أنه ال يزال حيًّا وأسيرًا‪ ،‬لكن الحامية لم تر َّد على أيٍّ من‬
‫ِغدفاننا»‪.‬‬
‫قائال‪َ « :‬من في (هارنهال) رجال جريجور‪ .‬الجبل كان يُفَضِّلهم قساةً وحمقى‪ .‬على األرجح‬ ‫ذ َّكرها چايمي ً‬
‫دفانك برسائلها»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أكلوا ِغ‬
‫‪« -‬لهذا سأ ُرسلك‪ .‬ربما يأكلونك أيضًا يا أخي ال ُّشجاع‪ ،‬لكنني واثقة بأنك ستُصيبهم بعُسر الهضم»‪ ،‬وس َّوت‬
‫سرسي تنُّورتها مردفةً‪« :‬أري ُد أن يقود السير أوزموند ال َحرس الملكي في غيابك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت ذاهبًا ال‬ ‫لك‪ .‬إذا‬ ‫‪ ...‬كانت تُ ِ‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪« ...‬الخيار ليس ِ‬
‫محالة فسيتولَّى السير لوراس القيادة هنا ً‬
‫بدال مني»‪.‬‬
‫‪« -‬أهذه مزحة؟ أنت تعرف شعوري نحو السير لوراس»‪.‬‬
‫‪« -‬لو لم تُ ِ‬
‫رسلي بالون سوان إلى (دورن)‪.»...‬‬
‫أهال للثِّقة‪ .‬الثُّعبان األحمر ناص َر تيريون‪ ،‬هل نسيت؟‬
‫‪« -‬أحتا ُج إلى وجوده هناك‪ .‬أولئك الدورنيُّون ليسوا ً‬
‫لن أترك ابنتي تحت رحمتهم‪ ،‬ولن أترك لوراس تايرل يقود ال َحرس الملكي»‪.‬‬
‫‪« -‬السير لوراس أكثر رجولةً من السير أوزموند ثالث مرَّات»‪.‬‬
‫‪« -‬أفكارك عن الرُّ جولة تغيَّرت بعض ال َّشيء يا أخي»‪.‬‬
‫ثدييك باشتها ٍء كالسير‬
‫ِ‬ ‫قال چايمي شاعرًا بغضبته تتصاعَد‪« ،‬صحيح‪ ،‬السير لوراس ال يُ َحملِق إلى‬
‫أوزموند‪ ،‬لكنني ال أف ِّك ُر في‪.»...‬‬
‫‪« -‬ف ِّكر في هذه»‪ ،‬ولط َمته سرسي على وجهه‪.‬‬
‫حاول چايمي أن يص َّد اللَّطمة‪ ،‬وقال‪« :‬أرى أنني في حاج ٍة إلى لحي ٍة أثقل تُلَ ِّ‬
‫طف تربيت مليكتي»‪ .‬يُريد‬ ‫لم يَ ِ‬
‫أن ينتزع فُستانها من عليها ويُ َح ِّول ضرباتها إلى قُبالت‪.‬‬
‫لقد فعلَها من قبل‪ ،‬عندما كانت له يدان سليمتان‪.‬‬
‫قالت الملكة بعينين من الجليد األخضر‪« :‬خي ٌر لك أن تذهب أيها الفارس»‪.‬‬
‫‪ ...‬النسل وأوزموند ِكتلبالك وفتى القمر‪...‬‬
‫‪« -‬أأنت أصم عالوةً على عاهتك؟ ستجد الباب وراءك أيها الفارس»‪.‬‬
‫أمرك»‪ ،‬ودا َر على عقبيه وتر َكها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َر َّد چايمي‪« :‬‬
‫بصدر رحب أبدًا‪ ،‬وهو يعلم هذا‪ .‬ربما‬
‫ٍ‬ ‫المعارضة‬
‫َ‬ ‫مكان ما‪ .‬سرسي ال تتلقَّى‬
‫ٍ‬ ‫ال بُ َّد أن اآللهة تضحك في‬
‫ُغضبه مجرَّد منظرها‪.‬‬ ‫كانت كلمات أر ُّ‬
‫ق لتجعلها تستجيب‪ ،‬لكن في الفترة األخيرة ي ِ‬
‫جزء منه سيُ َسرُّ لوضع (كينجز الندنج) وراءه‪ .‬إنه ال يُطيق صُحبة ال ُمرائين والبُله المحيطين بسرسي‪،‬‬
‫«المجلس الوضيع» كما يُ َس ُّمونهم في (جُحر البراغيث) وفق كالم أدام ماربراند‪ .‬ثم إن كايبرن‪ ...‬ربما أنق َذ‬
‫الرَّجل حياته‪ ،‬لكنه ال يزال من الممثِّلين ال َّسفَّاحين‪ ،‬وقد قال چايمي لسرسي منذرًا‪« :‬رائحة األسرار العفنة‬
‫تفوح من كايبرن»‪ ،‬فر َّدت عليه ضاحكةً‪« :‬كلُّنا لنا أسرارنا يا أخي»‪.‬‬
‫‪ ...‬كانت تُ ِ‬
‫ضاجع النسل وأوزموند ِكتلبالك وربما فتى القمر أيضًا‪...‬‬
‫أربعون فارسًا و ِمثلهم من ال ُمرافقين كانوا ينتظرونه خارج اسطبالت (القلعة الحمراء)‪ِ ،‬نصفهم من‬
‫الغربيِّين المقسمين على الوالء لعائلة النستر‪ ،‬واآل َخرون كانوا أعدا ًء حتى فتر ٍة قريبة قبل أن يُصبِحوا‬
‫أصدقا ًء مشكو ًكا فيهم‪ .‬سيحمل السير درموت ابن (الغابة المطيرة) عَلم تومن‪ ،‬ورونيت كوننجتون األحمر‬
‫راية ال َحرس الملكي البيضاء‪ ،‬في حين سيتقا َسم واحد من كلٍّ من آل پايپر وپايچ وپكلدون َشرف ُمرافقة‬
‫نصحه َسمنر كراكهول ذات‬‫َ‬ ‫ضع أصدقاءك وراء ظَهرك وأعداءك أمام ناظريْك»‪ .‬هكذا‬ ‫حضرة القائد‪َ « .‬‬
‫يوم‪ ...‬أم أن أباه َمن قالها؟ حصان ركوبه كستنائي غني بالحُمرة‪ ،‬وجواده الحربي فَحل رمادي مطهَّم‪.‬‬
‫سنوات طويلة مرَّت منذ س َّمى چايمي أيًّا من خيوله‪ ،‬إذ رأى كثيرًا منها يموت في المعارك‪ ،‬وهذا أصعب‬
‫على النَّفس عندما تكون للخيل أسماء‪ ،‬لكن حين بدأ ابن پايپر يدعو حصانيْه بأونَر وجلوري‪ ،‬ضحكَ‬
‫چايمي وأجازَ االسمين‪ .‬على جلوري كسوة بلون النستر القرمزي‪ ،‬وعلى أونَر أبيض ال َحرس الملكي‪،‬‬
‫ك چوزمين پكلدون زمام الثَّاني بينما امتطاه السير چايمي‪ .‬ال ُمرافق نحيل كالحربة‪ ،‬طويل‬ ‫وقد أمس َ‬
‫ال ِّذراعين والسَّاقين‪ ،‬وله َشعر بنِّي كالفئران ووجنتان ينبت منهما ال َّزغب النَّاعم‪ ،‬ويرتدي معطف النستر‬
‫القرمزي‪ ،‬لكن على سُترته نجمات عائلته األرجوانيَّة العشر المصفوفة على خلفيَّ ٍة صفراء‪ .‬سألَه الصَّبي‪:‬‬
‫«هل ستُريد يدك الجديدة يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ضعها يا چايمي‪ ،‬ل ِّوح بها للعا َّمة وامنحهم حكايةً يحكونها‬ ‫ً‬ ‫استحثَّه السير كينوس الكايسي‬
‫ألطفالهم»‪.‬‬
‫أظن»‪ .‬لن يُري الجماهير كذبةً من ذهب‪ .‬فليروا العاهة‪ ،‬فليروا ال ُمعاق‪« .‬لكن لك ح ِّريَّة أن تُ َع ِّوضهم‬ ‫‪« -‬ال ُّ‬
‫ودار‬
‫َ‬ ‫لوح بكلتا يديك وارفُس بقدميك أيضًا إذا أردت»‪ ،‬ولمل َم چايمي ال ِعنان بيُسراه‬ ‫يا سير كينوس‪ِّ .‬‬
‫بالحصان‪ ،‬ونادي بينما اتَّخذ الباقون تشكيلهم‪« :‬پاين‪ ،‬ستركب إلى جواري»‪.‬‬
‫صا قدي ًما من‬ ‫ق السير إلين پاين طريقه إلى چايمي باديًا كال َّشحَّاذين وسط األبَّهة المحيطة‪ ،‬وقد ارتدى قمي ً‬ ‫َش َّ‬
‫ي شعارات نَبالة‪،‬‬ ‫الحلقات المعدنيِّة الصَّدئة فوق سُتر ٍة متَّسخة من ِ‬
‫الجلد المق َّوى‪ .‬ال يحمل الرَّجل أو دابَّته أ َّ‬
‫طيه‪ .‬بوجهه الكئيب وعينيه الغائصتين‬ ‫طالء الذي كان يُ َغ ِّ‬
‫صعِّب معرفة لون ال ِّ‬ ‫بال مكسَّر لدرج ٍة تُ َ‬
‫وتُرسه ٍ‬
‫ونظرتهما الخاوية كان المرء ليحسب السير إلين الموت نفسه‪ ...‬وهو ال َّدور الذي لعبَه أعوا ًما‪.‬‬
‫لكنه لم يَعُد كذلك‪ .‬السير إلين هو نِصف الثَّمن الذي طلبَه چايمي كي يبتلع أمر مليكه الصَّبي باعتباره قائد‬
‫ال َحرس الملكي المطيع‪ ،‬والنِّصف الثَّاني هو السير أدام ماربراند‪ .‬قال ألخته إنه محتاج إليهما‪ ،‬ولم‬
‫َّ‬
‫والجالد‬ ‫صبا چايمي‪،‬‬ ‫عارضه سرسي‪ .‬إنها في الغالب مسرورة لخالصها منهما‪ .‬السير أدام صديق ِ‬ ‫تُ ِ‬
‫الصَّامت كان ينتمي إلى أبيهما إن كان ينتمي إلى أيِّ أحد‪ .‬كان پاين قائد َحرس يد الملك حين ُس ِم َع يقول‬
‫بزه ٍو إن اللورد تايوين هو َمن يَح ُكم (الممالك السَّبع) ويُملي على الملك إيرس ما يفعله‪ ،‬وألجل هذا قط َع‬
‫إيرس تارجاريَن لسانه‪.‬‬
‫ق العُفر القوي بصوته الجهوري‪« :‬افتحوا البو َّ ابة!»‪.‬‬ ‫قال چايمي‪« :‬افتحوا الب َّوابة»‪ ،‬فزع َ‬
‫اصطف ألوف في ال َّشوارع‬
‫َّ‬ ‫حين خر َج مايس تايرل من (ب َّوابة الطَّمي) على وقع الطَّبل والكمنجات‬
‫س مرفوعة وأرج ٍُل تد ُّ‬
‫ق‬ ‫صبية صغار إلى المسيرة ماشين إلى جوار جنود تايرل برؤو ٍ‬ ‫لتحيَّته‪ ،‬وانض َّم ِ‬
‫األرض‪ ،‬بينما ر َمت أخواتهم القُبالت من النَّوافذ‪.‬‬
‫ليس األمر هكذا اليوم‪ .‬صا َحت بعض العاهرات داعيات إياهم وهُم يمرُّ ون‪ ،‬ونادى بائع فطير ٍ‬
‫لحم على‬
‫بضاعته‪ ،‬وفي (ميدان األساكفة) كان ُعصفوران رثَّا الثِّياب يَخطُبان في ع َّدة مئا ٍ‬
‫ت من العا َّمة داعين‬
‫بالهالك على الكافرين وعبدة ال َّشياطين‪ .‬أفس َح المتزاحمون الطَّريق للمسيرة‪ ،‬ورمقَهم العُصفوران‬
‫عجبهم رائحة الورد لكنهم ال يحبُّون األُسود‪ .‬من‬ ‫ت فاترة‪ ،‬فعلَّق چايمي‪« :‬تُ ِ‬ ‫واألساكفة على َح ِّد سواء بنظرا ٍ‬
‫الحكمة أن تأخذ أختي هذا بعين االعتبار»‪ .‬لم ير َّد السير إلين‪ ،‬فقال لنفسه‪ :‬الرَّفيق ال ِمثالي لرحل ٍة طويلة‪.‬‬
‫سأستمت ُع بمحادَثاتي معه‪.‬‬
‫كان الجزء األكبر من ق َّوته في انتظاره خارج أسوار المدينة؛ السير أدام ماربراند مع جنوده‪ ،‬والسير‬
‫ستفون سويفت مع قافلة األمتعة‪ ،‬والسير بونيفر ال َّ‬
‫صالح ورجاله األتقياء المئة‪ ،‬ورُماة سارسفيلد الرَّاكبون‪،‬‬
‫وال ِمايستر چوليان بأربعة أقفاص مليئة بال ِغدفان‪ ،‬ومئتان من الخيول الثَّقيلة تحت قيادة السير فليمنت‬
‫براكس‪.‬‬
‫آخر ما يحتاجون إليه في‬ ‫إجماال‪ ،‬على أن األعداد ِ‬‫ً‬ ‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫بشكل عام‪ ،‬أقل من ألف‬
‫ٍ‬ ‫ليس جي ًشا جرَّارًا‬
‫طائر‬
‫ٍ‬ ‫آخر‬‫ُحاصر القلعة بالفعل‪ ،‬وث َّمة ق َّوة أكبر من رجال فراي أيضًا‪ِ .‬‬
‫ِ‬ ‫(ريڤر َرن)‪ ،‬فأحد جيوش النستر ي‬
‫المحاصرين يجدون صعوبةً في إطعام أنفُسهم‪ ،‬إذ استولى برايندن تَلي على‬ ‫ِ‬ ‫جا َءهم ل َّمحت رسالته إلى أن‬
‫ما في األراضي المحيطة بالكامل قبل أن ينسحب وراء أسواره‪ .‬ولو أنه لم يكن هناك كثير يستولي عليه‪.‬‬
‫مما رأى چايمي في أراضي النَّهر ال يكاد يتبقَّى حقل لم ي َ‬
‫ُحرق أو بلدة لم تُنهَب أو فتاة لم يُنتهَك ِعرضها‪.‬‬
‫رسلني أختي الجميلة ألت َّم العمل الذي بدأه آموري لورك وجريجور كليجاين‪ .‬تر َكت الفكرة في فمه‬ ‫واآلن تُ ِ‬
‫مذاقًا مريرًا‪.‬‬
‫ت كهذا‪،‬‬‫ق آخَر في وق ٍ‬ ‫على هذه المقربة من (كينجز الندنج) يع ُّد (طريق الملوك) أكثر أمنًا من أ ِّ‬
‫ي طري ٍ‬
‫وعلى الرغم من ذلك أرس َل چايمي ماربراند وك َّشافته الستطالع الطَّريق‪ ،‬وقال‪« :‬روب ستارك أخ َذني‬
‫على حين غرَّة في (الغابة الهامسة)‪ ،‬ولن يَح ُدث ذلك ثانيةً أبدًا»‪.‬‬
‫حصان من جديد‪ ،‬وقد ارتدى‬ ‫ٍ‬ ‫بوضوح لوجوده على صهوة‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬لك كلمتي»‪ .‬يبدو ماربراند مستري ًحا‬
‫عدو أكثر من دست ٍة من‬
‫ٍّ‬ ‫َّ‬
‫بدال من صوف َحرس المدينة الذهبي‪« .‬إذا دنا أيُّ‬‫معطف عائلته الرَّمادي ال ُّدخاني ً‬
‫الفراسخ فستعرف بوجوده قبلها»‪.‬‬
‫ت صغار‬ ‫كان چايمي قد أعطى أوامر مش َّددةً بعدم خروج أح ٍد من الصَّفِّ دون إذنه‪ ،‬فلوال هذا سيجد لوردا ٍ‬
‫يَشعُرون بالملل فيتسابَقون في الحقول ويُ َشتِّتون قُطعان الماشية ويدعسون المحاصيل‪ .‬ما زالَت هناك أبقار‬
‫وخراف قُرب المدينة‪ ،‬وتفَّاح على األشجار وتوت في األ َجمات‪ ،‬وسنابل ُذرة وشوفان وقمح شتوي في‬
‫ت أبعد لن تكون األمور‬ ‫الحقول‪ ،‬وعربات يد وعربات تجرُّ ها الثِّيران على الطَّريق‪ ،‬لكن على مسافا ٍ‬
‫ورديَّةً هكذا‪.‬‬
‫يكاد چايمي يحسُّ بالقناعة وهو راكب على رأس الجيش وإلى جواره السير إلين الصَّامت‪ .‬ال َّشمس دافئة‬
‫على ظَهره والرِّياح تُدا ِعب َشعره كأصابع امرأة‪ ،‬ول َّما هرو َل ليو پايپر الصَّغير إليه ب ِملء خوذ ٍة من التُّوت‬
‫األسود أك َل چايمي حفنةً وقال للصَّبي أن يتقا َسم الباقي مع ُزمالئه ال ُمرافقين والسير إلين پاين‪.‬‬
‫وجلده المق َّوى‪ ،‬ال يَص ُدر منه صوت‬ ‫يبدو پاين مرتاحًا في صمته ِمثلما يرتاح في قميصه المعدني الصَّدئ ِ‬
‫َّإال طقطقة حوافر حصانه المخصي وصلصلة سيفه في ِغمده كلَّما ع َّدل نفسه فوق َسرجه‪ .‬على الرغم من‬
‫وجهه المجدور الكئيب وعينيه الباردتين كالجليد على بُحير ٍة في ال ِّشتاء يَشعُر چايمي بأن الرَّجل مسرور‬
‫لمجيئه‪ .‬قال لنفسه مذ ِّكرًا‪ :‬لقد منحته الخيار‪ .‬كان بإمكانه أن يَرفُض ويبقى َّ‬
‫جالد الملك‪.‬‬
‫زفاف من روبرت باراثيون لوالد عروسه‪ ،‬وظيفةً تدرُّ‬ ‫ٍ‬ ‫كان تعيين السير إلين في منصب عدالة الملك هديَّة‬
‫دخال بال جُه ٍد تعويضًا لپاين عن اللِّسان الذي فقدَه في خدمة عائلة النستر‪ .‬عم َل الرَّجل سيَّافًا ممتا ًزا‪ ،‬ولم‬ ‫ً‬
‫تاج إلى ضرب ٍة ثانية‪ ،‬كما أن هناك شيئًا في صمته يُوقِع الخوف في القوب‪.‬‬ ‫ط ونادرًا ما اح َ‬ ‫ُفسد إعدا ًما قَ ُّ‬
‫ي ِ‬
‫قلَّما بدا عدالة ٍ‬
‫ملك مناسبًا لمنصبه تما ًما‪.‬‬
‫حين قرَّر چايمي أن يأخذه سعى إليه في مسكنه في طرف البُرج المس َّمى (مشية الخونة)‪ .‬ينقسم الطَّابق‬
‫العُلوي من البُرج القصير نِصف المستدير إلى زنازين السُّجناء الذين يتطلَّبون نوعًا من الرَّاحة‪ ،‬األسرى‬
‫من الفُرسان وصغار اللوردات الذين ينتظرون دفع فديتهم أو مبادَلتهم‪ ،‬ويقع مدخل ال َّزنازين الحقيقيَّة في‬
‫ثان من الخشب الرَّمادي المشقَّق‪ ،‬وتض ُّم الطَّوابق‬ ‫ب ٍ‬ ‫ب من الحديد المطرَّق وبا ٍ‬ ‫الطَّابق األرضي‪ ،‬وراء با ٍ‬
‫جالد‪ ،‬ولكن‬ ‫األخرى ُغرفًا مخصَّصةً لرئيس ال َّسجَّانين واللورد قيِّم االعترافات وعدالة الملك‪ .‬األخير َّ‬
‫ً‬
‫مسؤوال أيضًا عن ال َّزنازين ورجالها‪.‬‬ ‫جرى العُرف على أن يكون‬
‫ولهذه المه َّمة تحديدًا لم يكن السير إلين پاين مناسبًا على اإلطالق‪ ،‬فبما أنه ال يقرأ أو يَكتُب أو يتكلَّم‪ ،‬تركَ‬
‫السير إلين إدارة ال َّزنازين لمرؤوسيه‪ ،‬وهُم قالئل‪ .‬على أن البالد لم تعرف قيِّ ًما لالعترافات منذ عهد‬
‫وآخر رئيس سجَّانين كان تاجر أقمش ٍة اشترى الوظيفة من اإلصبع الصَّغير خالل حُكم‬ ‫دايرون الثَّاني‪ِ ،‬‬
‫ارتكب غلطة التَّآ ُمر مع عد ٍد‬
‫َ‬ ‫ك أن الرَّجل أحسنَ االنتفاع من منصبه بضعة أعوام‪ ،‬إلى أن‬ ‫روبرت‪ .‬ال َش َّ‬
‫من األغنياء الحمقى اآلخَرين على إعطاء ستانيس العرش الحديدي‪ .‬كانوا يُ َس ُّمون أنفسهم رجال القرون‪،‬‬
‫ق چوف في رؤوسهم قرونًا قبل أن يرميهم بالمنجنيق من فوق أسوار المدينة‪ ،‬وهكذا وق َع فتح باب‬ ‫ف َد َّ‬
‫ال َّزنازين لچايمي على عاتق رينيفر لونجووترز‪ ،‬رئيس ُمشرفي ال َّسجَّانين ذي الظَّهر المحني الذي يُس ِهب‬
‫على نح ٍو ممل في ادِّعاء أن في عروقه «قطرة من دماء التَّنانين»‪ .‬قادَه الرَّجل صاعدًا السَّاللم الضيِّقة‬
‫المنحوتة داخل الجُدران إلى حيث يَس ُكن السير إلين پاين منذ خمسة عشر عا ًما‪.‬‬
‫كانت رائحة الطَّعام المتعفِّن تُف ِعم ال ُغرفة‪ ،‬والحصير يعجُّ بالحشرات‪ ،‬وإذ دخ َل چايمي كا َد يتعثَّر في جرذ‪.‬‬
‫رأى سيف پاين العظيم مستق ًّرا على طاول ٍة إلى جانب مشح ٍذ وقطع ٍة لزجة من القُماش المزيَّت‪ .‬ال تشوب‬
‫تناثرت أكوام الثِّياب المتَّسخة‬
‫َ‬ ‫الفوالذ شائبة‪ ،‬ويلتمع َح ُّده باألزرق في الضَّوء ال َّشاحب‪ ،‬لكن فيما عدا ذلك‬
‫يستطع‬
‫ِ‬ ‫على األرض‪ ،‬وقِطع الحلقات المعدنيَّة وال ُّدروع الملقاة هنا وهناك مبقَّعة بالصَّدأ األحمر‪ ،‬ولم‬
‫چايمي إحصاء آنية النَّبيذ المكسورة‪ .‬الرَّجل ال يعبأ َّإال بالقتل‪ ،‬قال لنفسه بينما خر َج السير إلين من ُغرفة‬
‫طلب مني أن‬‫َ‬ ‫صاحب الجاللة‬
‫ِ‬ ‫خاطب الرَّجل ً‬
‫قائال‪« :‬‬ ‫َ‬ ‫نوم تفوح منها رائحة أوعية الفضالت الطَّافحة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أستر َّد أراضي نهره‪.‬‬
‫أريدك معي‪ ...‬إذا كنت تطيق التَّخلِّي عن ك ِّل هذا»‪.‬‬
‫جاوبَه الصَّمت‪ ،‬ونظرة طويلة بعينين ال تطرفان‪ ،‬لكن قُبيل أن يلتفت ليُغا ِدر أومأ َ پاين برأسه موافقًا‪.‬‬
‫ق چايمي رفيقه مف ِّكرًا‪ :‬وها هو ذا راكب معي‪ .‬ربما لم يزل هناك أمل لكلينا‪.‬‬ ‫رم َ‬
‫ليلتها خيَّموا أسفل قلعة عائلة هايفورد القائمة فوق تلِّها‪ .‬مع ميل ال َّشمس إلى المغيب ارتف َعت مئة خيمة عند‬
‫سفح التَّل على ضفاف الجدول الجاري إلى جواره‪ ،‬وعيَّن چايمي الحراسة بنفسه‪ .‬ال يتوقَّع متاعب على‬
‫حسب نفسه آمنًا في (أوكسكروس) أيضًا‪ ،‬واألفضل َّأال‬ ‫َ‬ ‫هذا القُرب من المدينة‪ ،‬لكن ع َّمه ستافورد‬
‫ُجازف‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫حين وصلَت ال َّدعوة من أعلى ألن يتنا َول ال َعشاء مع أمين قلعة الليدي هايفورد‪ ،‬أخ َذ چايمي معه السير‬
‫إلين باإلضافة إلى السير أدام ماربراند والسير بونيفر هاستي ورونيت كوننجتون األحمر والعُفر‬
‫ي أن أضع اليد»‪.‬‬ ‫وصغار اللوردات‪ ،‬وقبل أن يصعد قال لپِك‪ُّ « :‬‬
‫أظن أن عل َّ‬ ‫ومجموع ٍة أخرى من الفُرسان ِ‬
‫الذهب‪ ،‬يُحاكي تكوينها يدًا حقيقيَّةً بش َّدة‪ ،‬ومرصَّعة بأظفار من‬ ‫جلبَها الصَّبي في الحال‪ .‬اليد مطرَّقة من َّ‬
‫ِعرق اللُّؤلؤ‪ ،‬وأصابعها الخمسة نِصف مغلق ٍة بحيث تُحيط بساق الكأس‪ .‬قال لنفسه بينما أحك َم الصَّبي عقد‬
‫األربطة التي تُثَبِّتها إلى َجدعته‪ :‬ال أستطي ُع القتال لكني أستطي ُع أن أشرب‪ .‬عندما ر َّكبها صانع السِّالح‬
‫الذهبيَّة من اآلن فصاعدًا يا سيِّدي»‪.‬‬ ‫على معصم چايمي أول م َّر ٍة قال له مؤ ِّكدًا‪« :‬سيدعوك النَّاس بذي اليد َّ‬
‫كان مخطئًا‪ .‬سبأقى قاتِل الملك إلى أن أموت‪.‬‬
‫ط چايمي كأس نبي ٍذ‬ ‫الذهبيَّة محطَّ العديد من تعليقات اإلعجاب خالل ال َعشاء‪ ،‬على األقل حتى خب َ‬ ‫كانت اليد َّ‬
‫عجبك لهذه ال َّدرجة فابتُر‬ ‫وأسقطَها‪ ،‬وعندها تم َّكن منه حنقه‪ ،‬وقال لفليمنت براكس‪« :‬إذا كانت اليد اللَّعينة تُ ِ‬
‫يد سيفك و ُخذها»‪.‬‬
‫بَعدها سكتَ الكالم عن يده تما ًما‪ ،‬واستطا َع أن يشرب القليل من النَّبيذ في سالم‪.‬‬
‫تنتمي سيِّدة القلعة إلى عائلة النستر بال َّزواج‪ ،‬وهي طفلة ممتلئة ال تزال تتعلَّم المشي ُز ِّو َجت بتايرك ابن‬
‫ضت على الضُّ يوف ألجل استحسانهم‪،‬‬ ‫ع ِّمه قبل أن تت َّم العام‪ .‬حسب األصول جي َء بالليدي إرميساند و ُع ِر َ‬
‫الذهب عليه رمز عائلة هايفورد ‪-‬ال َّشبكة الخضراء المائلة والخَ ُّ‬
‫ط‬ ‫وقد ألبَسوها فُستانًا صغيرًا من قُماش َّ‬
‫انفجرت الصَّغيرة في البُكاء‪ ،‬وبال إبطا ٍء‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مشغوال بحبَّات اليَشب‪ .‬لكن سرعان ما‬ ‫المم َّوج األخضر الباهت‪-‬‬
‫حملَتها ُمرضعتها إلى الفِراش‪.‬‬
‫سأل أمين القلعة‪« :‬أال تو َجد أخبار عن اللورد تايرك؟»‪.‬‬ ‫بينما يُقَ َّدم طبق َسمك الترويت َ‬
‫‪« -‬إطالقًا»‪ .‬اختفى تايرك النستر في أثناء ال َّشغب في (كينجز الندنج) وقت أن كان چايمي نفسه أسيرًا في‬
‫(ريڤر َرن)‪ ،‬وبافتراض وجوده على قيد الحياة فقد بل َغ الصَّبي الرَّابعة عشرة‪.‬‬
‫علَّق السير أدام ماربراند وهو يُزيل شوك سمكته‪ُ « :‬‬
‫قدت بحثًا بنفسي بأمر اللورد تايوين‪ ،‬لكني لم أجد‬
‫ق الغوغاء‬‫آخر م َّر ٍة ُشو ِهد الصَّبي كان على متن حصانه حين اختر َ‬ ‫أكثر مما وجدَه بايووتر من قبلي‪ِ .‬‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬لكن بَعدها‪ ...‬لقد ُعثِ َر على حصانه من دون الرَّاكب‪ .‬على األرجح سحبوه‬ ‫صفوف ذوي المعاطف َّ‬
‫حدث‪ ،‬فأين الجثَّة؟ الغوغاء تركوا الجُثث األخرى‪ ،‬فلِ َم ليس هو‬ ‫َ‬ ‫من فوقه وقتلوه‪ ،‬لكن إذا كان هذا ما‬
‫أيضًا؟»‪.‬‬
‫ق فديةً ضخمةً»‪.‬‬ ‫ي النستر يستح ُّ‬‫قال العُفر‪« :‬قيمته أعلى حيًّا‪ .‬أ َّ‬
‫طلب فديةً بتاتًا‪ .‬الصَّبي اختفى ببساطة»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َر َّد ماربراند‪« :‬ال َشك‪ ،‬لكن ال أحد‬
‫قال وخ َرقًا بمرور‬ ‫شرب ثالثة كؤوس نبيذ‪ ،‬ويَشعُر بيده َّ‬
‫الذهبيَّة تزداد ثِ ً‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬الصَّبي ماتَ »‪ .‬كان چايمي قد‬
‫ك ِّل لحظة‪ .‬سينفعني ُخطَّاف بالقدر نفسه‪« .‬إذا تبيَّنوا َمن قتلوا فال ريب أنهم ألقوه في النَّهر خشية غضبة‬
‫أبي‪ .‬إنهم يعرفون مذاقها في (كينجز الندنج)‪ .‬اللورد تايوين كان يُ َسدِّد ديونه دائ ًما»‪.‬‬
‫أيَّده العُفر ً‬
‫قائال‪« :‬دائ ًما»‪ ،‬وبهذا انتهى الكالم في الموضوع‪.‬‬
‫لكن الحقًا‪ ،‬وهو وحده في ُغرفة البُرج التي أنزَ لوه فيها اللَّيلة‪ ،‬وج َد چايمي نفسه يتسا َءل‪ .‬تايرك خد َم الملك‬
‫الذهب ومميتةً أكثر من‬ ‫روبرت ك ُمرافق جنبًا إلى جنب النسل‪ ،‬ومن شأن المعرفة أن تكون أثمن من َّ‬
‫الخنجر‪ .‬عندئ ٍذ ف َّكر في ڤارس مبتس ًما وتفوح منه رائحة ال ُخزامى‪ .‬كان للخص ِّي ُمخبرون وجواسيس في‬
‫سهال عليه للغاية أن يُ َرتِّب الختطاف تايرك وسط البلبلة‪ ...‬بفرض أنه عرفَ‬ ‫ً‬ ‫جميع أنحاء المدينة‪ ،‬ولكان‬
‫باندالع شغب الرَّعاع مسبقًا‪ .‬وڤارس كان يعرف ك َّل شيء‪ ،‬أو أنه أرادَنا أن نعتقد هذا‪ ،‬لكنه لم يُ َح ِّذر‬
‫سرسي من ال َّشغب‪ ،‬وال نز َل إلى الرَّصيف لوداع مارسال‪.‬‬
‫فت َح النَّافذة ليَشعُر بالبرودة تتو َّغل في اللَّيل‪ ،‬والتم َعت يده في ضوء القمر ال ُمحاق ال َّشاحب‪ .‬ال تَصلُح لخنق‬
‫ب أحمر‪ .‬يُريد أن‬ ‫المخصيِّين لكنها ثقيلة بما فيه الكفاية لتهشيم ذلك الوجه الباسم اللَّزج وتحويله إلى خرا ٍ‬
‫يضرب أحدًا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫يحتك‬ ‫َّ‬
‫الجالد وتب َعه‪،‬‬ ‫فنهض‬
‫َ‬ ‫عث َر چايمي على السير إلين يشحذ سيفه العظيم‪ ،‬وقال له‪« :‬حانَ الوقت»‪،‬‬
‫الجلد المشقَّق بال َّدرجات الحجريَّة العالية بينما ينزالن‪ .‬ينفتح مستودَع السِّالح على ساح ٍة صغيرة‪،‬‬ ‫حذاؤه ِ‬
‫وهناك وج َد تُرسين وخوذتين قصيرتين وسيفَي مباريات مثلوميْن‪ ،‬ناو َل پاين أحدهما وحم َل الثَّاني بيُسراه‬
‫الذهبيَّة منحنية بما يكفي لإلمساك باألحزمة لكن ال يُمكنها‬ ‫الجلديَّة‪ .‬أصابعه َّ‬
‫و َدسَّ اليُمنى في أحزمة تُرسه ِ‬
‫يستطع حمل التُّرس بإحكام‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اإلطباق عليها‪ ،‬فلم‬
‫لنر َمن نحن اآلن»‪.‬‬‫قال چايمي‪« :‬كنتَ فارسًا ذات يوم‪ ،‬وأنا كذلك‪َ .‬‬
‫ضا عليه من فوره‪ .‬كانت مهارة پاين صدئةً كقميصه‬ ‫رف َع السير إلين سيفه ر ًّدا‪ ،‬وتحرَّك چايمي منق ًّ‬
‫اعترضها بتُرسه‪ .‬رقصا تحت‬
‫َ‬ ‫قابل ك َّل ضرب ٍة بسيفه أو‬
‫َ‬ ‫المعدني‪ ،‬وق َّوته ليست مفرطةً كبِريان‪ ،‬لكنه‬
‫ال ُمحاق والنَّصالن المثلومان يُ َردِّدان أغنيَّتهما الفوالذيَّة‪ ،‬وقن َع الفارس الصَّامت بترك چايمي يقود الرَّقصة‬
‫أصاب چايمي‬
‫َ‬ ‫انتقل من الدِّفاع إلى الهجوم‬
‫َ‬ ‫بعض الوقت‪ ،‬لكنه بدأ أخيرًا ير ُّد الضَّربة بالضَّربة‪ ،‬وحالما‬
‫ت س َّددها إلى خوذته‪ ،‬وانتزعَت أخرى تُرسه‬ ‫ق رأسه بضربا ٍ‬ ‫ت َد َّ‬
‫على فخذه وكتفه وسا ِعده‪ ،‬وثالث مرَّا ٍ‬
‫من ذراعه اليُمنى وكادَت تُ َم ِّزق األحزمة التي تربط يده َّ‬
‫الذهبيَّة ب َجدعته‪ .‬حين خفضا سيفيهما كان مكدو ًما‬
‫قائال‪« :‬سنَرقُص ثانيةً‪ ،‬غدًا وبَعد غد‪ .‬ك َّل‬
‫زال تما ًما وصفا رأسه‪ .‬وع َد السير إلين ً‬ ‫جريحًا‪ ،‬لكن أثر النَّبيذ َ‬
‫يوم سنَرقُص إلى أن أجيد القتال بيُسراي كما ُ‬
‫كنت أجيده بيُمناي»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ك چايمي أنه يضحك‪ ،‬والتوى شيء ما في أعماقه‪.‬‬ ‫وأصدر طقطقةً‪ ،‬وبَعد لحظ ٍة أدر َ‬
‫َ‬ ‫فت َح السير إلين فمه‬
‫ليال‪ ،‬لكن‬‫في الصَّباح لم يتجرَّأ أحد اآلخَرين ويَذ ُكر كدماته‪ ،‬ويبدو أن أحدًا منهم لم يسمع أصوات المبا َرزة ً‬
‫لدى نزولهم التَّ َّل إلى المعس َكر أفص َح ليو پايپر الصَّغير عن السُّؤال الذي لم يَجسُر الفُرسان وصغار‬
‫اللوردات على إلقائه‪ ،‬ف َر َّد عليه چايمي بابتسام ٍة عريضة‪« :‬عندهم فتيات شبِقات في عائلة هايفورد‪ .‬هذه‬
‫لدغات حُب يا فتى»‪.‬‬
‫أيام من المطر‪ ،‬لكن الرِّيح والماء لم يصنعا‬ ‫يوم آ َخر مشرق قويُّ الرِّيح َم َّر عليهم‪ ،‬تب َعه يوم غائم ثم ثالثة ٍ‬
‫ً‬
‫منعزال‬ ‫شماال على (طريق الملوك)‪ .‬ك َّل ليل ٍة يجد چايمي مكانًا‬ ‫ً‬ ‫ظ الرَّكب على سُرعة تق ُّدمه‬ ‫فرقًا‪ ،‬وحاف َ‬
‫خان‬
‫اسطبل بينما تفرَّج عليهما بغل أعور‪ ،‬وفي قبو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليجني المزيد من لدغات الحُب‪ ،‬وهكذا تبا َرزا داخل‬
‫ق منها َّإال هيكلها المسو ُّد‪ ،‬وعلى جزير ٍة مشجَّرة‬ ‫وسط براميل النَّبيذ وال ِمزر‪ ،‬وفي حظير ٍة حجريَّة لم يتب َّ‬
‫قطق بنعوم ٍة على خوذتيهما وتُرسيهما‪.‬‬ ‫حقل مفتوح والمطر يُطَ ِ‬ ‫جدول ضحل‪ ،‬وفي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫للذهاب في غزواته اللَّيليَّة‪ ،‬لكنه ليس بالحماقة التي تجعله يخال اآلخَرين يُ َ‬
‫صدِّقونها‪.‬‬ ‫ق چايمي األعذار َّ‬ ‫اختل َ‬
‫مؤ َّكد أن أدام ماربراند يعرف ما يفعله‪ ،‬وال بُ َّد أن بعض غيره من القادة خ َّمنوه‪ ،‬لكن ال أحد ذك َر هذا على‬
‫لسان فليس هناك ما يدعو چايمي إلى خشية أن يعرف أحد كم‬ ‫ٍ‬ ‫مسمع منه‪ ...‬وبما أن ال َّشاهد الوحيد بال‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫فاشال‪.‬‬ ‫أصب َح قاتِل الملك ُمبار ًزا‬
‫ب وصوب‪ .‬في الحقول التي ينبغي أن يَنضُج فيها القمح الخريفي‬ ‫سرعان ما ال َحت آثار الحرب في ك ِّل حد ٍ‬
‫خال من‬
‫ٍ‬ ‫تنمو الحشائش واألشواك وال ُّشجيرات الكثيفة بارتفاع رأس الحصان‪ ،‬و(طريق الملوك)‬
‫ال ُمسافرين‪ ،‬وال ِّذئاب تَح ُكم العالم المت َعب من الغسق إلى الفَجر‪ .‬أكثر الحيوانات حذ ٌر بما يكفي لالحتفاظ‬
‫هوج َم وقُتِ َل عندما ترجَّل الرَّجل ليتب َّول‪ ،‬فأعلنَ السير‬
‫ِ‬ ‫بمساف ٍة بينه وبينهم‪ ،‬لكن حصان أحد ك َّشافة ماربراند‬
‫بونيفر الصَّالح بوجهه الصَّارم الحزين‪« :‬ال حيوان يتمتَّع بهذه الجرأة‪ .‬تلك شياطين في فرو ذئاب‪ ،‬أُ ِ‬
‫رسلَت‬
‫لتُعاقِبنا على آثامنا»‪.‬‬
‫قال چايمي الواقف فوق بقايا الحيوان المسكين‪« :‬ال بُ َّد أنه كان حصانًا آث ًما للغاية إذن»‪ ،‬وأم َر بتقطيع بقيَّة‬
‫الجثَّة وتمليح اللَّحم‪ ،‬فربما يحتاجون إليه‪.‬‬
‫مكان اسمه (قرن الخنزيرة) وجدوا فارسًا عجو ًزا متين البنيان يُ َس َّمى السير روچر هوج قابعًا بعنا ٍد في‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫الفالحين‪ .‬السير روچر رجل كبير الحجم‬ ‫بُرجه مع ستَّة جنود وأربع ٍة من رُماة النُّ َّشابيَّة ونحو عشرين من َّ‬
‫غزير ال َّشعر كالخنازير‪ ،‬واقتر َح السير كينوس أنه ربما يكون ابنًا مفقودًا آلل كراكهول‪ ،‬بما أن رمزهم‬
‫خنزير ب ِّري مخطَّط‪ ،‬وقد بدا أن العُفر يعتقد هذا‪ ،‬إذ أمضى ساعةً يستجوب السير روچر عن أسالفه‬
‫بمنتهى الج ِّديَّة‪.‬‬
‫أ َّما چايمي فاهت َّم أكثر بما لدى الرَّجل أن يقوله عن ال ِّذئاب‪ ،‬فأخب َره الفارس العجوز‪« :‬وا َجهنا متاعب من‬
‫جماع ٍة من ذئاب النَّجمة البيضاء إياهم‪ .‬كانوا يتش َّممون أثرك يا سيِّدي لكننا طردناهم‪ ،‬ودفنَّا ثالثةً منهم‬
‫ؤاخذني‪ .‬كان على تُرس قائدهم مانتيكور»‪.‬‬ ‫عند حقل اللِّفت‪ .‬قبلهم جا َء قطيع من األُسود اللَّعينة‪ ،‬ال تُ ِ‬
‫فسَّر چايمي‪« :‬السير آموري لورك‪ .‬السيِّد والدي أم َره باإلغارة على أراضي النَّهر»‪.‬‬
‫َر َّد السير روچر بق َّوة‪« :‬التي لسنا جز ًءا منها‪ .‬إنني ُ‬
‫أدين بالوالء لعائلة هايفورد‪ ،‬والليدي إرميساند تحني‬
‫رفض‬
‫َ‬ ‫هامتها الصَّغيرة ل(كينجز الندنج)‪ ،‬أو أنها ستفعل عندما تتعلَّم المشي‪ .‬أخبرته بهذا‪ ،‬لكن لورك‬
‫اإلصغاء‪ ،‬وذب َح نِصف خرافي وثالثًا من الماعز الحلوب الممتازة‪ ،‬وحاو َل أن يشويني في بُرجي‪ ،‬لكن‬
‫جُدراني من الحجر المصمت وسُمكها ثمانية أقدام‪ ،‬فرح َل شاعرًا بالملل بَعد أن خمدَت ناره‪ .‬الحقًا أتَت‬
‫ت ال بأس‬ ‫ُ‬
‫حصلت على بضع فروا ٍ‬ ‫ال ِّذئاب ذات السِّيقان األربع وأكلَت الخراف التي تر َكها لي المانتيكور‪.‬‬
‫بها على سبيل التَّعويض‪ ،‬لكن الفرو ال يُشبِع الجائعين‪ .‬ماذا نفعل يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫أجاب چايمي‪« :‬ازرعوا وص ُّلوا من أجل حصا ٍد أخير»‪ .‬ليست إجابةً مفعمةً باألمل‪ ،‬لكنها الوحيدة التي‬ ‫َ‬
‫لديه‪.‬‬
‫في اليوم التَّالي عبروا النُّهير الذي يُ َعيِّن الحدود بين األراضي المدينة بالوالء ل(كينجز الندنج) وتلك‬
‫المدينة به ل(ريڤر َرن)‪ .‬رج َع ال ِمايستر چوليان إلى خريط ٍة ثم أعلنَ أن هذه التِّالل تابعة لألخوين وود‪،‬‬
‫مبني من التُّربة‬
‫ٌّ‬ ‫وهما فارسان من ُم َّالك األراضي مقسمان على الوالء ل(هارنهال)‪ ...‬لكن مقرَّهم هُم‬
‫ق منه َّإال العوارض المتفحِّمة‪.‬‬
‫والخشب‪ ،‬ولم يتب َّ‬
‫ي من قومهم‪ ،‬وإن كان عدد من الخارجين عن القانون أوى إلى القبو األدنى‬ ‫لم يظهر األخوان وود أو أ ٌّ‬
‫معطف قرمزي‪ ،‬لكن چايمي شنقَه مع الباقين‪ .‬أحسَّ‬ ‫ٍ‬ ‫تحت حصن األخ الثَّاني‪ ،‬وقد ارتدى أحدهم أسمال‬
‫الذهبيَّة حقًّا‪ ،‬ذي‬
‫بالرَّاحة‪ .‬هذه هي العدالة‪ .‬اجعلها عادةً يا النستر وربما يأتي يوم ويدعوك النَّاس بذي اليد َّ‬
‫اليد َّ‬
‫الذهبيَّة العادل‪.‬‬
‫باتَ العالم أكثر اكفهرارًا مع دن ِّوهم من (هارنهال)‪ ،‬وركبوا تحت سما ٍء رماديَّة ملبَّدة وإلى جوار ميا ٍه‬
‫قديمة تلتمع بالبرد كصفائح الفوالذ المطرَّق‪ .‬وج َد چايمي يتسا َءل إن كانت بِريان قد سبقَته إلى المرور من‬
‫هذا الطَّريق‪ .‬إذا حسبَت أن سانزا ستارك توجَّهت إلى (ريڤر َرن)‪ ...‬لو قابَلوا ُمسافرين غيرهم لتوقَّف‬
‫عر كستنائي أو واحدةً كبيرةً قبيحةً لها وجه يُ َخثِّر الحليب‪،‬‬
‫وسأ َل إن كان أحدهم قد صادفَ فتاةً جميلةً ب َش ٍ‬
‫لكن ال أحد على ُّ‬
‫الطرق َّإال ال ِّذئاب‪ ،‬وليست في ُعوائها إجابة‪.‬‬
‫عبر مياه البُحيرة الرَّماديَّة كالقصدير ظه َرت أبراج حماقة هارن األسود أخيرًا‪ ،‬خمسة أصابع ملتوية من‬
‫حاول بلوغ عَنان السَّماء‪ .‬على الرغم من تنصيب اإلصبع الصَّغير سيِّدًا على‬ ‫الحجارة السَّوداء المش َّوهة تُ ِ‬
‫(هارنهال) فال يبدو أنه متعجِّل على احتالل مقرِّه الجديد‪ ،‬وهكذا وق َع على كاهل چايمي النستر أن «يُ َس ِّوي‬
‫األمور» في (هارنهال) في طريقه إلى (ريڤر َرن)‪.‬‬
‫ك لديه في أن األمور في حاج ٍة إلى تسوية‪ .‬كان جريجور كليجاين قد انتز َع القلعة الهائلة الكئيبة من‬ ‫وال َش َّ‬
‫الممثِّلين ال َّسفَّاحين قبل أن تستدعيه سرسي إلى (كينجز الندنج)‪ ،‬ومؤ َّكد أن رجال الجبل ما زالوا متناثرين‬
‫في ال َّداخل بال هدف‪ ،‬لكنهم ليسوا مهيَّئين لمه َّمة إعادة سالم الملك إلى (الثَّالوث)‪ .‬السَّالم الوحيد الذي نالَه‬
‫أحد من شرذمة السير جريجور هو سالم القبر‪.‬‬
‫وأمر‬
‫َ‬ ‫ف چايمي رجاله أمامها‬ ‫كان ك َّشافة السير أدام قد بلَّغوهم بأن ب َّوابة (هارنهال) مغلقة وموصدة‪ ،‬ف َ‬
‫ص َّ‬
‫السير كينوس الكايسي بالنَّفخ في بوق هيروك األسود الملتوي المط َّوق َّ‬
‫بالذهب القديم‪.‬‬
‫وانفتحت الب َّوابة ببُطء‪ .‬أسوار‬
‫َ‬ ‫ت على األسوار سمعوا أنين ال ِمفصالت الحديد‬ ‫حين تر َّددت ثالث دفقا ٍ‬
‫حماقة هارن األسود سميكة للغاية‪ ،‬حتى إن چايمي َم َّر من تحت دست ٍة من فتحات الدِّفاع قبل أن يَخرُج‬
‫فجأةً إلى ضوء ال َّشمس في السَّاحة التي و َّدع فيها الممثِّلين ال َّسفَّاحين قبل فتر ٍة ليست بالطَّويلة‪ .‬كانت‬
‫يئز حول جثَّة حصان‪.‬‬ ‫الحشائش تنبت من األرض الصُّ لبة‪ ،‬وال ُّذباب ُّ‬
‫خرجت حفنة من أتباع السير جريجور من األبراج وشاهَدوه يترجَّل‪ ،‬رجال قُساة األعيُن قُساة األفواه عن‬ ‫َ‬
‫آخرهم‪ .‬ال بُ َّد أن يكونوا كذلك ليركبوا في صُحبة الجبل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كرفقة ال ُّشجعان‪ ،‬وقد اندف َع جندي‬
‫أفضل ما يُمكن أن يُقال عن رجال جريجور إنهم ليسوا كريهين عنيفين ِ‬
‫أشيب منهم يقول‪« :‬فتح َّل بي اللَّعنة‪ ،‬إنه چايمي النستر‪ .‬إنه قاتِل الملك التَّعس يا أوالد‪ .‬فلتنكني حربة!»‪.‬‬
‫سألَه چايمي‪َ « :‬من أنت؟»‪.‬‬
‫ق في يديه ومس َح بهما وجنتيه‪ ،‬كأن‬
‫قال الرَّجل‪« :‬سيِّدنا كان يدعوني بفم الخراء‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي»‪ ،‬وبص َ‬
‫ً‬
‫مقبوال أكثر‪.‬‬ ‫هذا سيجعل منظره‬
‫‪« -‬بديع‪ .‬هل أنت القائد هنا؟»‪.‬‬
‫طعام يكفي إلطعام‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬أنا؟ تبًّا‪ ،‬ال يا سيِّدي‪ ،‬فلتنكني حربة لعينة»‪ .‬في لحية المدعو فم الخراء فُتات‬
‫الحامية بأكملها‪ .‬ضحكَ چايمي رغ ًما عنه‪ ،‬فاعتب َر الرَّجل هذا تشجيعًا‪ ،‬وكرَّر‪« :‬فلتنكني حربة لعينة»‪،‬‬
‫وبدأ يضحك بدوره‪.‬‬
‫قال چايمي إللين پاين‪« :‬سمعتَ الرَّجل‪ِ .‬جد حربةً طويلةً جيِّدةً و ُدسَّها في ُدبره»‪.‬‬
‫ال يحمل السير إلين حرابًا‪ ،‬لكن َس َّر چون بتلي الحليق أن يُلقي إليه واحدةً‪ ،‬ليَبتُر فم الخراء ضحكاته‬
‫قائال‪« :‬أب ِعد هذا ال َّشيء اللَّعين عني»‪.‬‬
‫السَّكرانة ً‬
‫قال چايمي‪« :‬احزم أمرك‪ .‬ل َمن القيادة هنا؟ هل عيَّن السير جريجور أمينًا للقلعة؟»‪.‬‬
‫أجابَه رجل آخَ ر‪« :‬پوليڤر‪ ،‬لكن كلب الصَّيد قتلَه يا سيِّدي‪ ،‬هو وال ُمدغ ِدغ‪ ،‬باإلضافة إلى صب ِّي سارسفيلد»‪.‬‬
‫كلب الصَّيد م َّرةً أخرى‪« .‬أأنت واثق بأنه كان ساندور؟ هل رأيتموه»‪.‬‬
‫صاحب الخان أخب َرنا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ليس نحن يا سيِّدي‪.‬‬
‫الطرق يا سيِّدي»‪ .‬المتكلِّم رجل أصغر ِسنًّا له َشعر رملي‪ ،‬ويضع‬ ‫مفترق ُّ‬
‫َ‬ ‫حدث هذا في الخان على‬ ‫‪َ «-‬‬
‫حول ُعنقه سلسلة العُمالت التي كانت مل ًكا لڤارجو هوت؛ ُعمالت من عشرات المدائن البعيدة‪ ،‬ذهب‬
‫صاحب الخان أقس َم أن جانب‬ ‫ِ‬ ‫وفضَّة ونُحاس وبرونز‪ ،‬مربَّعة ومد َّورة ومثلَّثة‪ ،‬وحلقات وقِطع من العظم‪« .‬‬
‫فالح يرتدي ثيابًا رثَّةً‪.‬‬
‫وجه الرَّجل محترق‪ ،‬وقالت عاهراته الكالم نفسه‪ .‬كان مع ساندور صب ٌّي ما‪ ،‬ابن َّ‬
‫قيل لنا إنهما م َّزقًا پولي وال ُمدغ ِدغ إربًا وركبا نحو (الثَّالوث)»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجاال في أعقابهما؟»‪.‬‬ ‫‪« -‬هل أرسلتم‬
‫تجهَّم وجه فم الخراء كأن الفكرة في َح ِّد ذاتها مؤلمة‪ ،‬وقال‪« :‬ال يا سيِّدي‪ ،‬فلنُنَك جميعًا‪ ،‬لم نُ ِ‬
‫رسل أحدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬عندما يُصاب الكلب بالسُّعار يُذبَح»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ذلك الخراء پولي لم أحبَّه قَ ُّ‬
‫ط‪ ،‬والكلب كان أخا سيِّدنا‪ ،‬ف‪.»...‬‬ ‫ك الرَّجل فمه ً‬ ‫فر َ‬
‫ُواجه كلب الصَّيد يجب أن يكون‬
‫قائال‪« :‬نحن سيِّئون يا سيِّدي‪ ،‬لكن َمن ي ِ‬ ‫صاحب سلسلة العُمالت ً‬ ‫ِ‬ ‫تد َّخل‬
‫مجنونًا»‪.‬‬
‫تطلَّع إليه چايمي مف ِّكرًا‪ :‬أجرأ من البقيَّة وليس سكران كفم الخراء‪« .‬كنتم خائفين منه»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أقول إننا كنا خائفين يا سيِّدي‪ ،‬بل إننا تركناه ل َمن هُم أفضل منا‪ ،‬ألح ٍد ِمثل سيِّدنا‪ ،‬أو ِمثلك»‪.‬‬
‫ِمثلي حينما كانت لي يدان‪ .‬ال يُخا ِدع چايمي نفسه‪ .‬اآلن يستطيع ساندور أن يفتك به في لحظات‪« .‬ألك‬
‫اسم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬رافورد‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي‪ .‬يدعونني براف»‪.‬‬
‫مفترق‬
‫َ‬ ‫‪« -‬راف‪ ،‬اجمع الحامية في (قاعة المئة مستوقَد)‪ .‬وأسراكم أيضًا‪ ،‬أري ُد أن أراهم‪ .‬وعاهرات‬
‫الطرق كذلك‪ .‬أوه‪ ،‬وهوت‪ .‬أحزنَني أن أسمع بموته‪ ،‬وأري ُد أن أرى رأسه»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫حين أتوه به ألفى شفتَي الكبش مقطوعتين‪ ،‬باإلضافة إلى أُذنيه ومعظم أنفه‪ ،‬وكانت ال ِغربان قد الته َمت‬
‫ي مكان‪ ،‬حبل ال َّشعر السَّخيف الذي‬ ‫ظ َّل تعرُّ فه كهوت ممكنًا‪ ،‬إذ كان چايمي ليعرف لحيته في أ ِّ‬ ‫عينيه‪ ،‬وإن َ‬
‫ق على جمجمة الڬوهوري َّإال ِقطع يابسة من‬ ‫ذقن مدبَّب بطول قدمين‪ ،‬لكن فيما عدا هذا لم يتب َّ‬ ‫يتدلَّى من ٍ‬
‫اللَّحم‪ .‬سأ َل چايمي‪« :‬أين بقيَّته؟»‪.‬‬
‫خفض فم الخراء بصره‪ ،‬وغمغ َم‪« :‬تعفَّن يا سيِّدي‪ ،‬وأُ ِك َل»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لم يرغب أحد في إخباره‪ ،‬وفي النِّهاية‬
‫قال رافورد‪« :‬أحد األسرى كان يتوسَّل الطَّعام دائ ًما‪ ،‬فقال سيِّدنا أن نُط ِعمه لحم الكبش المشوي‪ .‬لم يكن‬
‫في جسد الڬوهوري لحم كثير‪ ،‬وقط َع سيِّدنا يديه وقدميه ً‬
‫أوال‪ ،‬ثم ذراعيه وساقيه»‪.‬‬
‫أضافَ فم الخراء‪« :‬البدين اللَّعين حص َل على أغلبه يا سيِّدي‪ ،‬لكن سيِّدنا قال أن نحرص على أن يذوق‬
‫جميع األسرى اللَّحم‪ ،‬وهوت أيضًا‪ ،‬لحم نفسه‪ .‬كان ريق ابن العاهرة يجري عندما نُط ِعمه وال ُّدهن يسيل‬
‫على لحيته الرَّفيعة هذه»‪.‬‬
‫ت سم َعها أول م َّر ٍة في طفولته في (كاسترلي‬ ‫كال كلبيك أصابَه السُّعار يا أبي‪ .‬وج َد نفسه يتذ َّكر حكايا ٍ‬
‫شرف على والئم من‬ ‫أحواض مألى بالدِّماء وتُ ِ‬
‫ٍ‬ ‫روك)‪ ،‬عن الليدي لوثستون المجنونة التي كانت تستح ُّم في‬
‫اللَّحم البَشري في هذه القلعة َّ‬
‫بالذات‪.‬‬
‫بوسيل ٍة ما فق َد االنتقام مذاقه الحُلو‪ ،‬فقال چايمي لپِك‪ُ « :‬خذ هذه وألقِها في البُحيرة»‪ ،‬ورماها له ثم التفتَ‬
‫قائال‪« :‬إلى أن يحين الوقت ويأتي اللورد پيتر ليتَّخذ مقرَّه‪ ،‬سيتولَّى السير بونيفر هاستي‬‫ُواجه الحامية ً‬ ‫ي ِ‬
‫قيادة (هارنهال) باسم التَّاج‪َ .‬من يرغب منكم في االنضمام إليه فلينض َّم إذا قبلَه‪ ،‬والبقيَّة ستركب معي إلى‬
‫(ريڤر َرن)»‪.‬‬
‫تطلَّع بعض رجال الجبل إلى بعض‪ ،‬ثم قال أحدهم‪« :‬إن لنا دينًا‪ .‬سيِّدنا وعدَنا‪ ،‬قال إننا سننال مكافآت‬
‫سخيَّة»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬كالمه بالضَّبط‪ :‬مكافآت سخيَّة ل َمن يركبون معي»‪ ،‬وبدأ دستة من اآل َخرين‬‫وافقَه فم الخراء ً‬
‫يُتَمتِمون مؤيِّدين‪.‬‬
‫رجل يبقى معي هنا سيَحصُل على قطع ٍة من األرض يعمل فيها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫رف َع السير بونيفر يده المقفَّزة ً‬
‫قائال‪« :‬كلُّ‬
‫وقطع ٍة ثانية عندما يتز َّوج‪ ،‬وثالثة عند مولد طفله األول»‪.‬‬
‫قال فم الخراء بح َّدة‪« :‬أرض يا سيِّدي؟ بول على هذا!‬
‫لو أردنا أن نعزق ال ُّتربة اللَّعينة لبقينا في ديارنا‪ ،‬ال تُ ِ‬
‫ؤاخذني أيها الفارس‪ .‬سيِّدنا قال مكافآت سخيَّة‪ ،‬أي‬
‫الذهب»‪.‬‬‫َّ‬
‫قال چايمي‪« :‬إذا كانت لديكم شكوى فاذهبوا إلى (كينجز الندنج) واعرضوها على أختي الجميلة»‪،‬‬
‫قائال‪« :‬سأرى األسرى اآلن‪ ،‬بدايةً بالسير وايليس ماندرلي»‪.‬‬
‫والتفتَ إلى رافورد ً‬
‫سألَه رافورد‪« :‬أهو السَّمين؟»‪.‬‬
‫تحك لي قصَّة حزينةً عن موته َّ‬
‫وإال سيَح ُدث ال ِمثل لكم جميعًا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬آم ُل هذا بش َّدة‪ ،‬وال‬
‫آمال راودَته في العثور على شاجويل أو پيج أو زولو في ال َّزنازين‪ ،‬إذ يبدو أن رجال ِرفقة‬ ‫ٍ‬ ‫خابَت كلُّ‬
‫آخرهم‪ .‬من قوم الليدي ِونت تبقَّى ثالثة فحسب؛ الطَّاهي الذي َ‬
‫فتح‬ ‫ال ِّشجعان قد تخلُّوا عن ڤارجو هوت عن ِ‬
‫محني الظَّهر اسمه بن ذو اإلبهام األسود‪ ،‬وفتاة اسمها پيا‬ ‫ُّ‬ ‫سالح‬
‫ٍ‬ ‫الب َّوابة الجانبيَّة للسير جريجور‪ ،‬وصانع‬
‫آخر مرَّة‪ .‬أحدهم كس َر أنفها وحطَّم ِنصف أسنانها‪ ،‬ول َّما رأته‬ ‫لم تَعُد جميلةً كما كانت حين رآها چايمي ِ‬
‫الفتاة ارت َمت على قدميه باكيةً متمسِّكةً بساقيه بق َّو ٍة جنونيَّة‪ ،‬إلى أن سحبَها العُفر عنه‪.‬‬
‫ُؤذيك اآلن»‪ ،‬لكن قوله لم يُفلِح َّإال في جعل بُكائها يتصاعَد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قال لها چايمي‪« :‬ال أحد سي‬
‫القى ال ُّسجناء اآلخَرون معاملةً أفضل‪ .‬كان السير وايليس ماندرلي بينهم‪ ،‬ومعه ع َّدة شماليِّين عوالي المقام‬
‫أس َرهم الجبل راكب الخيول في أثناء القتال في مخاضات (الثَّالوث)‪ ،‬رهائن مفيدون يستحقُّون فديةً كبيرةً‪،‬‬
‫ث الثِّياب أشعث ال َّشعر‪ ،‬وبعضهم لديه كدمات حديثة وأسنان مكسورة وأصابع مفقودة‪ ،‬لكن‬ ‫كلُّهم متَّسخ َر ُّ‬
‫تساءل چايمي إن كانت لدى أيِّهم أدنى فكرة ع َّما‬
‫َ‬ ‫جروحهم مغسولة مض َّمدة‪ ،‬وال أحد منهم يُعاني الجوع‪.‬‬
‫كانوا يأكلونه‪ ،‬وقرَّر أن من األفضل َّأال يسأل‪.‬‬
‫ق في أح ٍد منهم تح ٍّد‪ ،‬ال سيَّما السير وايليس السَّمين بلحيته الكثَّة وعينيه الفاترتين ولُغده ال َّشاحب‬ ‫لم يتب َّ‬
‫ضع على متن سفين ٍة‬ ‫المتدلِّي‪ ،‬وحين أخب َره چايمي بأن هناك من سيصطحبه إلى (بِركة العذارى) كي يو َ‬
‫إلى (الميناء األبيض)‪َ ،‬خ َّر السير وايليس على رُكبتيه على األرض وانفج َر في بُكا ٍء أعلى وأطول من پيا‪،‬‬
‫رجال إلعادته إلى الوقوف على قدميه‪ .‬قال چايمي لنفسه‪ :‬لحم كبش مشوي كثير‬ ‫ٍ‬ ‫وتطلَّب األمر أربعة‬
‫ً‬
‫أهواال أكثر من‬ ‫أمقت هذه القلعة‪ .‬في أعوامها الثَّالثمئة شهدَت (هارنهال)‬ ‫ُ‬ ‫ق اآللهة‪ ،‬لكم‬ ‫بح ِّ‬
‫للغاية‪َ .‬‬
‫(كاسترلي روك) خالل ثالثة آالف عام‪.‬‬
‫أم َر چايمي بإشعال النَّار في (قاعة المئة مستوقَد)‪ ،‬وأرس َل الطَّاهي مسرعًا إلى المطبخ ليع َّد وجبةً ساخنةً‬
‫ي شي ٍء َّإال لحم الكباش»‪.‬‬‫قائال له‪« :‬أ َّ‬ ‫لرجاله ً‬
‫صيَّادين) مع السير بونيفر هاستي‪ ،‬وهو رجل نحيل وقور ينزع إلى تتبيل كالمه‬ ‫تناو َل عَشاءه في (قاعة ال َّ‬
‫ب ِذكر اآللهة السَّبعة‪« .‬ال أري ُد أيًّا من أتباع السير جريجور»‪ ،‬أعلنَ الرَّجل وهو يُقَطِّع حبَّة ُك َّمثرى ذابلةً‬
‫ِمثله‪ ،‬كأنما يحرص على َّأال يُبَقِّع عصيرها المعدوم سُترته األرجوانيَّة التي ال تشوبها شائبة‪ ،‬والمطرَّز‬
‫عليها ال َّشريط المائل رمز عائلته‪« .‬لن أسمح بوجود ُخطا ٍة أمثالهم في خدمتي»‪.‬‬
‫‪« -‬اعتا َد ِسپتوني أن يقول إن ك َّل البَشر ُخطاة»‪.‬‬
‫َر َّد السير بونيفر‪« :‬لم يكن مخطئًا‪ ،‬لكن ث َّمة خطايا أكثر سوادًا من غيرها‪ ،‬ورائحتها أكثر عفنًا في أنوف‬
‫(السَّبعة)»‪.‬‬
‫إذن ف ِمثل أخي الصَّغير ال أنف لك‪َّ ،‬‬
‫وإال لجعلَت خطاياي حبَّة ال ُك َّمثرى هذه تس ُّد َحلقك‪« .‬ليكن‪ ،‬سأريحك‬
‫ُرسلهم‬
‫لغرض آخَر فيُمكنه أن ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫من شرذمة جريجور»‪ .‬يستطيع دائ ًما أن يستفيد من ال ُمقاتلين‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫لصعود السَّاللم ً‬
‫أوال إذا اضط َّر إلى اقتحام (ريڤر َرن)‪.‬‬
‫قال السير بونيفر بإلحاح‪ُ « :‬خذ العاهرة أيضًا‪ .‬أنت تعرفها‪ ،‬تلك الفتاة من ال َّزنازين»‪.‬‬
‫آخر م َّر ٍة كان هنا أرس َل كايبرن الفتاة إلى فِراشه معتقدًا أن هذا سيسرُّ ه‪ ،‬لكن پيا التي أتوا بها من‬
‫‪« -‬پيا»‪ِ .‬‬
‫ال َّزنازين مخلوقة مختلفة عن تلك الحُلوة البسيطة الضَّحوك التي دسَّت نفسها تحت أغطيته‪ .‬ارتكبَت الفتاة‬
‫ت أرا َد فيه السير جريجور الهدوء‪ ،‬فحطَّم الجبل أسنانها بقبضته المقفَّزة بالحلقات‬ ‫غلطة الكالم في وق ٍ‬
‫المعدنيَّة وكس َر أنفها الجميل الصَّغير أيضًا‪ ،‬وال ريب أنه كان ليفعل بها ما هو أسوأ لو لم تستد ِعه سرسي‬
‫ُواجه حربة األُفعوان األحمر‪ .‬لن يبكيه چايمي‪ .‬قال للسير بونيفر‪« :‬پيا مولودة في‬ ‫إلى (كينجز الندنج) لي ِ‬
‫هذه القلعة‪ .‬إنها البيت الوحيد الذي تعرفه»‪.‬‬
‫‪« -‬إنها نبع فساد‪ .‬ال أريدها قُرب رجالي تتميَّع ب‪ ...‬بمفاتنها»‪.‬‬
‫‪« -‬أعتق ُد أن أيام ميوعتها ولَّت‪ ،‬لكن ما ُدمت تجدها منفِّرةً لهذه ال َّدرجة فسآخذها»‪ .‬يُمكنه أن يُ َش ِّغلها‬
‫غسَّالةً‪ُ .‬مرافقوه ال يُمانِعون أن يَنصُبوا خيمته ويسوسوا حصانيه ويُنَظِّفوا ِدرعه‪ ،‬لكنهم يجدون واجب‬
‫سأل چايمي‪« :‬هل تستطيع السَّيطرة على (هارنهال) بأتقيائك المئة فقط؟»‪.‬‬ ‫غسل ثيابه ال يليق بال ِّرجال‪َ .‬‬
‫رجال في معركة (النَّهر األسود)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المفت َرض أن يكون اسمهم األتقياء الستَّة وثمانون‪ ،‬إذ فقدوا أربعة عشر‬
‫لكن مؤ َّكد أن السير بونيفر سيُ َع ِّوض النَّقص حالما يَعثُر على مجنَّدين يرى فيهم الورع المطلوب‪.‬‬
‫ُّ‬
‫سيبث الق َّوة في أذرُعنا»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال أتوقَّ ُع متاعب‪( .‬العجوز) ستُنير طريقنا و(ال ُمحارب)‬
‫أو سيزور (الغريب) جماعتكم المؤمنة كلَّها‪ .‬ال يدري چايمي َمن بالضَّبط أقن َع سرسي بتعيين السير بونيفر‬
‫أمينًا للقلعة في (هارنهال)‪ ،‬لكن رائحة أورتون ميريويذر تفوح من األمر‪ .‬إنه يَذ ُكر بشي ٍء من الغموض‬
‫أن هاستي خد َم َج َّد ميريويذر‪ ،‬كما أن كبير القُضاة ذو ال َّشعر البُرتقالي كالجزر من النَّوع األبله السَّاذج بما‬
‫يكفي ألن يعتقد أن أحدًا ملقَّبًا ب«الصَّالح» هو عينه ال َّدواء الذي تحتاج إليه أراضي النَّهر لتندمل جراحها‬
‫التي خلَّفها رووس بولتون وڤارجو هوت وجريجور كليجاين‪.‬‬
‫لكن ربما ال يكون مخطئًا‪ .‬ينحدر هاستي من أراضي العواصف‪ ،‬أي أن ال أصدقاء له أو أعداء على‬
‫ضفاف (الثَّالوث)‪ ،‬ال ضغائن يدفع ثَمنها أو ديون يُ َسدِّدها أو أصحاب يُكافِئهم‪ ،‬والرَّجل يقظ وعادل‬
‫ي جنو ٍد في (الممالك السَّبع)‪ ،‬ويصنعون منظرًا‬ ‫ومطيع‪ ،‬ورجاله األتقياء الستَّة وثمانون منضبطون كأ ِّ‬
‫رائعًا عندما يدورون بخيولهم المخصيَّة الرَّماديَّة الطَّويلة ويرمحون بها‪ .‬في م َّر ٍة قال اإلصبع الصَّغير‬
‫مازحًا إن السير بونيفر خصى رجاله أيضًا بالتَّأكيد‪ ،‬فسُمعتهم ناصعة ال يرقى إليها ال َّشك‪.‬‬
‫ساورت چايمي ال ُّشكوك في جنو ٍد مصدر ُشهرتهم خيولهم المطهَّمة ال األعداء الذين‬ ‫َ‬ ‫وعلى الرغم من هذا‬
‫أظن‪ ،‬لكن هل يستطيعون القتال؟ على َح ِّد علمه لم يُ َكلِّلوا أنفسهم بالعار‬ ‫قتلوهم‪ .‬يُجيدون الصَّالة على ما ُّ‬
‫في معركة (النَّهر األسود)‪ ،‬لكنهم لم يتميَّزوا كذلك‪ .‬السير بونيفر نفسه كان فارسًا واعدًا في شبابه‪َّ ،‬إال أن‬
‫شيئًا ما َح َّل به‪ ،‬هزيمةً أو وصمةً أو مناوشةً وشيكةً مع الموت‪ ،‬وبَعدها قرَّر أن النِّزال خيالء فارغة‬
‫وتخلَّى عن رُمحه إلى األبد‪.‬‬
‫لكن ال بُ َّد من الحفاظ على (هارنهال)‪ ،‬وبيلور فتحة ال َّشرج هذا هو الرَّجل الذي اختا َرته سرسي للحفاظ‬
‫عليها‪ .‬قال للسير بونيفر مح ِّذرًا‪« :‬هذه القلعة سيِّئة السُّمعة‪ ،‬وعن جدارة‪ .‬يُقال إن هارن وأبناءه ما زالوا‬
‫ليال مشتعلين نارًا‪ ،‬و َمن يَنظُرون إليهم يشبُّ فيهم اللَّهب»‪.‬‬
‫يمشون في طُرقاتها ً‬
‫أخاف األشباح‪ .‬مكتوب في (النَّجمة السُّباعيَّة) أنه ليس بإمكان األرواح والجُثث الحيَّة والعائدين من‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬ال‬
‫الموت أذيَّة األتقياء ما داموا مدرَّعين بإيمانهم»‪.‬‬
‫‪« -‬درِّع نفسك باإليمان إذن كما شئت‪ ،‬لكن ارت ِد الحلقات المعدنيَّة والفوالذ أيضًا‪ .‬كلُّ من يتولَّى القيادة في‬
‫هذه القلعة يؤول إلى نهاي ٍة سيِّئة؛ الجبل‪ ،‬والكبش‪ ،‬وحتى أبي‪.»...‬‬
‫ً‬
‫رجاال متديِّنين ِمثلنا‪( .‬ال ُمحارب) يُدافِع عنا‪ ،‬والعون‬ ‫‪« -‬أرجو أن تَع ُذرني لقولي هذا‪ ،‬لكنهم لم يكونوا‬
‫قريب دو ًما إذا ه َّددنا عد ٌّو ما‪ .‬ال ِمايستر چوليان سيبقى مع ِغدفانه‪ ،‬واللورد النسل قريب في (داري) مع‬
‫الحق ونُ َد ِّمر ك َّل َمن يجوبون هذه األنحاء‬
‫يطر على (بِركة العذارى)‪ .‬معًا سنُ ِ‬ ‫حاميته‪ ،‬واللورد راندل يُ َس ِ‬
‫من الخارجين عن القانون‪ ،‬وفور الفروغ من هذا سيقود (السَّبعة) األهالي الطيِّبين معيدين إياهم إلى قُراهم‬
‫ليَحرُثوا ويزرعوا ويُعيدوا البناء»‪.‬‬
‫َمن لم يَقتُلهم الكبش على األقل‪ .‬وض َع چايمي أصابعه َّ‬
‫الذهبيَّة حول ساق كأسه‪ ،‬وقال‪« :‬إذا وق َع أحد من‬
‫ي خبرًا في الحال»‪ .‬ربما اختطفَ (الغريب) الكبش قبل أن يَبلُغه‬ ‫رجال هوت في أيديكم أريدك أن تُ ِ‬
‫رسل إل َّ‬
‫چايمي‪ ،‬لكن زولو البدين ال يزال طليقًا‪ ،‬وكذا شاجويل ورورچ وأورزويك الوفي والباقون‪.‬‬
‫‪« -‬لتُ َع ِّذبهم وتَقتُلهم؟»‪.‬‬
‫أظن أنك كنت لتُسا ِمحهم لو أنك في مكاني؟»‪.‬‬
‫‪ُّ « -‬‬
‫‪« -‬إذا أخلَصوا التَّوبة عن ذنوبهم‪ ...‬نعم‪ ،‬سأتقبَّلهم جميعًا كإخوة وأصلِّي معهم قبل أن أرسلهم إلى قُرمة‬
‫الجالد‪ .‬الخطايا قابلة لل ُغفران‪ ،‬والجرائم تستوجب العقاب»‪ ،‬وشبَّك هاستي أصابعه أمامه بطريق ٍة ذ َّكرت‬ ‫َّ‬
‫چايمي على نح ٍو غير مريح بأبيه‪ ،‬وتساء َل‪« :‬إذا وا َجهنا ساندور كليجاين فماذا تُريدني أن أفعل؟»‪.‬‬
‫أرسله لينض َّم إلى أخيه الحبيب واش ُكر اآللهة ألنها خلقت سبع جحائم‪ ،‬فواحدة فقط‬ ‫ص ِّل بحرارة واهرب‪ِ « .‬‬ ‫َ‬
‫ال تكفي الحتواء كال األخوين كليجاين»‪ ،‬ودف َع نفسه إلى القيام بغير راح ٍة مضيفًا‪« :‬بريك دونداريون‬
‫بحبل حول‬
‫ٍ‬ ‫مسألة أخرى‪ .‬إذا قبضت عليه فاحتفظ به حتى أعو ُد‪ .‬سأري ُد أن أسوقه إلى (كينجز الندنج)‬
‫ُعنقه وأجعل السير إلين يقطع رأسه حيث يراه نِصف أهل البالد»‪.‬‬
‫‪« -‬والرَّاهب المايري الذي يركب معه؟ يُقال إنه يَن ُشر عقيدته الباطلة في ك ِّل مكان»‪.‬‬
‫‪« -‬اقتُله أو قبِّله أو َ‬
‫ص ِّل معه‪ ،‬كما ترغب»‪.‬‬
‫‪« -‬ال رغبة لد َّ‬
‫ي في تقبيل الرَّجل يا سيِّدي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أستأئذن‬ ‫ك أنه سيقول ال ِمثل عنك»‪ ،‬واستحالَت ابتسامته إلى تثاؤب‪ ،‬فأردفَ ‪« :‬اع ُذرني‪،‬‬ ‫قال چايمي‪« :‬ال َش َّ‬
‫منك في االنصراف إن لم يكن لديك اعتراض»‪.‬‬
‫صلِّي‪.‬‬
‫َر َّد هاستي‪« :‬إطالقًا يا سيِّدي»‪ .‬مؤ َّكد أنه يُريد أن يُ َ‬
‫يُريد چايمي أن يُقاتِل أحدًا‪ .‬نز َل ال َّدرجات اثنتين في المرَّة خارجًا إلى هواء اللَّيل البارد الجاف‪ .‬في السَّاحة‬
‫المضاءة بالمشاعل كان ال ُعفر والسير فليمنت براكس يتقاتَالن وسط حلق ٍة من الجنود المشجِّ عين‪ .‬وقال‬
‫لنفسه‪ :‬ال ريب أن السير اليل سيغلب براكس‪ .‬يجب أن أعثر على السير إلين‪ .‬في أصابعه تلك الحاجة إلى‬
‫القتال من جديد‪.‬‬
‫قادَته ُخطاه بعيدًا عن الضَّوء والضَّوضاء‪ ،‬و َم َّر من تحت الجسر المغطَّى وعبر (ساحة الحجر المصهور)‬
‫قبل أن يعي أين يتَّجه‪.‬‬
‫مصباح يغمر نوره البارد ال َّشاحب المدرَّجات الحجريَّة العالية‪ .‬يبدو أن‬
‫ٍ‬ ‫مع دن ِّوه من جُبِّ ال ُّدبِّ رأى وهج‬
‫أحدهم سبقَني إلى هنا‪ .‬الجُبُّ مكان ال بأس به للرَّقص‪ ،‬وربما توقَّع السير إلين مجيئه‪.‬‬
‫ملتح متين يرتدي سُترةً طويلةً حمراء وبيضاء ويُ َزيِّنها‬‫ٍ‬ ‫لكن الفارس الواقف عند الجُبِّ أكبر حج ًما‪ ،‬رجل‬
‫الجرافِن‪ .‬كوننجتون‪ .‬ماذا يفعل هنا؟ في األسفل كانت جثَّة ال ُّدبِّ ال تزال ملقاةً ِشبه مدفون ٍة في‬ ‫اثنان من َ‬
‫ق منها َّإال العظم والفرو المتهتِّك‪ .‬أحسَّ چايمي بال َّشفقة على الحيوان تعتصر قلبه‪ ،‬وقال‬ ‫الرَّمل‪ ،‬وإن لم يتب َّ‬
‫أعرف أنها قلعة‬ ‫ُ‬ ‫لنفسه‪ :‬على األقل ماتَ في المعركة‪ ،‬ثم إنه نادى‪« :‬سير رونيت‪ ،‬هل ضللت طريقك؟‬
‫كبيرة»‪.‬‬
‫رقص ال ُّدبُّ مع تلك التي ليست جميلةً»‪ .‬كانت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أردت أن أرى أين‬ ‫رف َع رونيت األحمر مصباحه ً‬
‫قائال‪« :‬‬
‫ضوء كأنها متَّقدة‪ ،‬واشت َّم چايمي رائحة الخمر في أنفاسه‪« .‬أصحي ٌح أن الفتاة قاتلَته‬ ‫لحيته تلتمع في ال َّ‬
‫عاريةً؟»‪.‬‬
‫متسائال كيف أضيفَت هذه التَّفصيلة إلى القصَّة‪« :‬عاريةً؟ ال‪ .‬الممثِّلون ألبَسوها فُستانًا ورديًّا من‬
‫ً‬ ‫أجاب‬
‫َ‬
‫الحرير ووضعوا في يدها سيف مباريات‪ .‬أرا َد الكبش أن يكون موتها « ُمثَلِّيًا»‪ ،‬لكن فيما عدا هذا‪.»...‬‬
‫قال كوننجتون ضاح ًكا‪« :‬كان منظر بِريان عاريةً ليجعل ال ُّدبَّ يفرُّ مفزوعًا»‪.‬‬
‫لكن چايمي لم يضحك‪ ،‬وقال‪« :‬تتكلَّم عن الليدي كأنك تعرفها»‪.‬‬
‫كنت خطيبها»‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫فاجأَه هذا‪ .‬لم تَذ ُكر بِريان ِخطبةً قَ ُّ‬
‫ط‪« .‬أبوها رتَّب لها زيجةً‪.»...‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أن الفتاة قبيحة وأخبرته بهذا‪ ،‬لكنه قال إن ك َّل النِّساء‬ ‫‪« -‬ثالث مرَّات‪ .‬أنا الثَّاني‪ .‬فكرة أبي‪ُ .‬‬
‫كنت قد‬
‫واحد عندما تنطفئ ال ُّشموع»‪.‬‬
‫يتواجه عليها اثنان من ال َجرافِن على خلفيَّ ٍة من‬
‫َ‬ ‫‪« -‬أبوك»‪ .‬ح َّدق چايمي إلى سُترة رونيت األحمر التي‬
‫األحمر واألبيض‪ .‬ال َجرافِن الرَّاقصة‪« .‬كان‪ ...‬شقيق يد الملك الرَّاحل‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ابن ع ِّمه‪ .‬لم يكن للورد چون إخوة»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم»‪ .‬عادَت إليه ال ِّذكريات كلُّها‪ .‬كان چون كوننجتون صديق األمير ريجار‪ ،‬ول َّما فش َل ميريويذر ً‬
‫فشال‬
‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫يستطع أحد العثور على األمير ريجار‪ ،‬لجأ َ إيرس إلى أفضل‬
‫ِ‬ ‫ذريعًا في احتواء ثورة روبرت ولم‬
‫بَعده ورف َع كوننجتون إلى اليدويَّة‪ ،‬لكن الملك المجنون اعتا َد أن يقطع أيديه‪ ،‬وقط َع اللورد چون بَعد‬
‫معركة األجراس مج ِّردًا إياه من ألقابه وأراضيه وثروته‪ ،‬وأرسلَه عبر (البحر الضيِّق) ليقضي بقيَّة حياته‬
‫ظ َّل الرَّجل يشرب حتى ماتَ ‪ .‬أ َّما ابن الع ِّم ‪-‬أبو رونيت األحمر‪ -‬فقد انض َّم إلى‬ ‫في المنفى‪ ،‬وسرعان ما َ‬
‫الثَّورة و ُكوفئ ب(وكر ال َجرافِن) بَعد معركة (الثَّالوث)‪ ،‬لكنه لم يحصل َّإال على القلعة‪ ،‬إذ استحو َذ روبرت‬
‫الذهب وأسب َغ السَّواد األعظم من أراضي كوننجتون على مؤيِّدين أكثر حماسةً‪.‬‬ ‫على َّ‬
‫رجل ِمثله لكانت عذراء (تارث) ثمرةً شهيَّةً بالفعل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫السير رونيت يمتلك أراضي محدودةً ال أكثر‪ ،‬وأل ِّ‬
‫ي‬
‫سألَه چايمي‪« :‬ولِ َم لم تتز َّوجا؟»‪.‬‬
‫طوال‪ ،‬خنزيرة‬ ‫ً‬ ‫وجدت الفتاة تُنا ِهزني‬
‫ُ‬ ‫ذهبت إلى (تارث) ورأيتها‪ .‬إنني أكبرها بستَّة أعوام‪ ،‬لكني‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫ترتدي الحرير‪ ،‬ولو أن أكثر الخنزيرات له أثداء أكبر‪ .‬ل َّما حاولَت أن تتكلَّم كادَت تختنق بلسانها‪ .‬أعطيتها‬
‫أراهن أن ال ُّدبَّ كان له‬
‫ُ‬ ‫وقلت لها إنها لن تنال غيرها مني»‪ ،‬ونظ َر كوننجتون إلى الجُبِّ متابعًا‪« :‬‬ ‫ُ‬ ‫وردةً‬
‫َشعر أقل من تلك المسخ‪ ،‬و‪.»...‬‬
‫الذهبيَّة الفارس اآلخَر في فمه بق َّو ٍة أسقطَته على المدرَّجات‪ ،‬ووق َع مصباحه وتحطَّم‬ ‫لك َمت يد چايمي َّ‬
‫وتناث َر زيته المشتعل‪« .‬إنك تتكلَّم عن ليدي رفيعة النَّسب أيها الفارس‪ .‬اد ُعها باسمها‪ ،‬اد ُعها ب ِبريان»‪.‬‬
‫زحفَ كوننجتون على يديه ورُكبتيه مبتعدًا عن اللَّهب المنتشر‪ ،‬وقال‪« :‬بِريان‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي»‪ ،‬وبص َ‬
‫ق‬
‫ُكتلةً من ال َّدم عند قدم چايمي‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬بِريان المليحة»‪.‬‬
‫سرسي‬
‫ببُط ٍء صعدوا (تَل ڤيزينيا)‪ ،‬وإذ ك َّدت الخيول متحرِّكةً إلى أعلى أسندَت الملكة ظَهرها إلى وساد ٍة قرمزيَّة‬
‫أفسحوا الطَّريق‪ ،‬أخلوا ال َّشارع‪،‬‬
‫منتفخة‪ ،‬ومن الخارج أتى صوت السير أوزموند ِكتلبالك يصيح‪ِ « :‬‬
‫لصاحبة الجاللة الملكة!»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أفسحوا الطَّريق‬
‫ِ‬
‫كانت الليدي ميريويذر تقول‪« :‬مارچري محاطة بصُحب ٍة مثيرة حقًّا‪ .‬عندنا حُواة وممثِّلون و ُشعراء‬
‫ومحرِّكو ُدمى‪.»...‬‬
‫استحثَّتها سرسي سائلةً‪« :‬ومغ ُّنون؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كثيرون يا جاللة الملكة‪ .‬هاميش ذو القيثارة يُ َغنِّي لها م َّرةً ك َّل أسبوعين‪ ،‬وفي بعض األماسي يُ َسلِّينا‬
‫أالريك اآليزيني‪ ،‬لكن ال َّشاعر األزرق مطربها المفضَّل»‪.‬‬
‫سمعت أن هناك‬ ‫ُ‬ ‫تَذ ُكر سرسي ال َّشاعر من زفاف تومن‪ .‬شابٌّ وسيم الطَّلعة‪ .‬هل ث َّمة شيء واعد هنا؟ «‬
‫رجاال آخَرين‪ ،‬فُرسانًا ورجال حاشية‪ ،‬معجبين‪ .‬أخبِريني بالحقيقة يا سيِّدتي‪ ،‬هل تحسبين أن مارچري ال‬ ‫ً‬
‫تزال بِكرًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما تقوله يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما تقوله هي‪ ،‬فماذا تقولين أن ِ‬
‫ُ‬
‫ساعدت‬ ‫يترقرق في عينيها السَّوداوين‪« :‬حين تز َّوجت اللورد رنلي في (هايجاردن)‬ ‫َ‬ ‫أجابَت تاينا والمكر‬
‫ُ‬
‫رأيت‬ ‫رجال حسن البنيان‪ ،‬ومفع ًما بال َّشهوة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫على خلع مالبسه من أجل اإلضْ جاع‪ .‬حضرة اللورد كان‬
‫ال َّدليل على هذا عندما ألقيناه في فِراش ال ِّزفاف حيث انتظ َرته عروسه العارية كيوم مولدها ببشر ٍة محمرَّة‬
‫خجال تحت األغطية الخفيفة‪ .‬السير لوراس حملَها على السَّاللم بنفسه‪ .‬ربما تقول مارچري إن ال ِّزيجة لم‬ ‫ً‬
‫لك أن ما بين ساقيه لم يكن مت َعبًا‬ ‫ط في ُشرب النَّبيذ خالل المأدبة‪ ،‬لكنني أؤ ِّك ُد ِ‬ ‫تت َّم‪ ،‬إن اللورد رنلي أفر َ‬
‫آخر مرَّة»‪.‬‬‫على اإلطالق ل َّما رأيته ِ‬
‫ت فِراش ال َّزوجيَّة في الصَّباح التَّالي؟ هل نزفَت؟»‪.‬‬ ‫سألَتها سرسي‪« :‬هل رأي ِ‬
‫‪« -‬لم ي َر أحد المالءة يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫الفالحين ينزفن كالخنازير ليلة‬‫مؤسف‪ .‬على أن غياب المالءة ال َّدامية يعني القليل في َح ِّد ذاته‪ .‬بنات َّ‬
‫زفافهن حسب ما سم َعت‪ ،‬لكن ذلك ال ينطبق بال َّدرجة نفسها على العذراوات كريمات المحتد كمارچري‬
‫تايرل‪ .‬يُقال إن بنات اللوردات يفقدن ُعذريَّتهن من جرَّاء ركوب الخيل أكثر من ال َّزواج‪ ،‬ومارچري‬
‫اعتادَت الرُّ كوب منذ تعلَّمت المشي‪« .‬بلغَني أن للملكة الصَّغيرة معجبين بين فُرسان بيتنا‪ .‬التَّوأمان ردواين‬
‫والسير تاالد‪ ...‬أخبِريني‪ ،‬ومن أيضًا؟»‪.‬‬
‫ه َّزت الليدي ميريويذر كتفيها قائلةً‪« :‬السير المبرت‪ ،‬األحمق الذي يُ َخبِّئ عينه السَّليمة برُقعة‪ ،‬بايارد‬
‫نوركروس‪ ،‬كورتناي جرينهيل‪ ،‬األخوان وودرايت‪ ،‬أحيانًا پورتيفر وغالبًا لوكانتين‪ .‬أوه‪ ،‬وال ِمايستر‬
‫األكبر پايسل زائر متكرِّر»‪.‬‬
‫ص َّح هذا فسيندم‪َ « .‬من‬‫‪« -‬پايسل؟ حقًّا؟»‪ .‬هل هج َرت ال ُّدودة العجوز الخرفة األسد إلى الوردة؟ إن َ‬
‫أيضًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬رجل (جُزر الصَّيف) ذو المعطف الرِّيش‪ .‬كيف أنساه ببشرته السَّوداء كالحبر؟ هناك آخَرون يأتون‬
‫خاطب جديد‬
‫ِ‬ ‫ليتو َّددوا إلى بنات عمومتها‪ .‬إلينور موعودة البن أمبروز لكنها تحبُّ المغا َزلة‪ ،‬و ِمجا يأتيها‬
‫ُ‬
‫سمعت كال ًما عن زواجها بأخي الليدي بولوار‪ ،‬لكن إذا‬ ‫ً‬
‫عامال في المطبخ‪.‬‬ ‫ك َّل أسبوعين‪ .‬في م َّر ٍة قبَّلت‬
‫كان ل ِمجا االختيار بنفسها فستُفَضِّل مارك مالندور‪ ،‬إنني واثقة»‪.‬‬
‫ضح َكت سرسي‪ ،‬وقالت‪« :‬فارس الفراشات الذي فق َد ذراعه في معركة (النَّهر األسود)؟ ما جدوى نِصف‬
‫رجل؟»‪.‬‬
‫‪ِ « -‬مجا تراه محبَّبًا‪ .‬لقد سألَت الليدي مارچري أن تُسا ِعدها على العثور على قر ٍد له»‪.‬‬
‫أصاب هذه البالد الجنون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر َّددت الملكة‪« :‬قرد»‪ .‬ال تدري ماذا تقول عن هذا‪ .‬عصافير وقرود‪ .‬حقًّا‬
‫«وماذا عن فارسنا ال ُّشجاع السير لوراس؟ كم يزور أخته؟»‪.‬‬
‫أجابَت الليدي تاينا‪« :‬أكثر من ك ِّل اآلخَرين»‪ ،‬وعقدَت حاجبيها لتظهر تجعيدة ضئيلة بين عينيها ال َّداكنتين‪،‬‬
‫صباح وك َّل مسا ٍء يزورها‪ ،‬ما لم يُعيقه واجبه‪ .‬أخوها مخلص لها‪ ،‬ويتشا َركان ك َّل شي ٍء‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫وتاب َعت‪« :‬ك َّل‬
‫أوه‪ .»...‬للحظ ٍة بدَت المايريَّة كأنها مصدومة‪ ،‬ثم اتَّسعت ابتسامة على وجهها‪ ،‬وقالت‪« :‬خط َرت لي فكرة‬
‫شرِّيرة للغاية يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫لنفسك‪ .‬العصافير منتشرون على التَّل‪ ،‬وكلُّنا يعلم كم يبغض العصافير‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬يُستح َسن أن تحتفظي بها‬
‫ال َّشر»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أنهم يبغضون الماء والصَّابون أيضًا يا جاللة الملكة»‪.‬‬ ‫‪«-‬‬
‫صاحب القداسة األعلى»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ربما يحرم اإلكثار من الصَّالة المرء حاسَّة ال َّشم‪ .‬سأحرصُ على سؤال‬
‫قالت الليدي تاينا والسَّتائر القرمزيَّة الحرير تتأر َجح‪« :‬أورتون قال لي إن السِّپتون األعلى ال اسم له‪ .‬أهذا‬
‫صحيح؟ في (مير) كلُّنا لنا أسماء»‪.‬‬
‫أجابَت الملكة‪« :‬أوه‪ ،‬كان له اسم من قبل‪ .‬ك ُّلهم كذلك»‪ ،‬ول َّوحت بيدها باستهان ٍة مضيفةً‪« :‬حتى السِّپتونات‬
‫أبناء العائالت النَّبيلة يُع َرفون فقط بأسمائهم األولى حالما يحلفون اليمين‪ ،‬وعندما يترقَّى أحدهم إلى مقام‬
‫أصبح‬
‫َ‬ ‫السِّپتون األعلى يتخلَّى عن هذا االسم أيضًا‪ .‬تقول العقيدة إنه لم يَعُد في حاج ٍة إلى ٍ‬
‫اسم بَشري‪ ،‬إذ‬
‫تج ُّسدًا لآللهة»‪.‬‬
‫‪« -‬وكيف تُ َميِّزون بين ِسپتون أعلى وغيره؟»‪.‬‬
‫ُمكنك دائ ًما‬
‫ِ‬ ‫ق السَّمين‪ ،‬أو العجوز الذي ماتَ في نومه‪ .‬ي‬ ‫عليك أن تقولي‪ :‬السَّمين‪ ،‬أو الذي سب َ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬بصعوبة‪.‬‬
‫ت‪ ،‬لكن استخدامها يُضايِقهم‪ ،‬يُ َذ ِّكرهم بأنهم ُولِدوا بَشرًا‬
‫أن تتوصَّلي إلى األسماء التي ُولِدوا بها إذا أرد ِ‬
‫عاديِّين‪ ،‬وال يحبُّون هذا»‪.‬‬
‫‪« -‬السيِّد زوجي يقول لي إن هذا السِّپتون األعلى ُولِد وتحت أظفاره الوسخ»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما أرتابُ فيه‪ .‬كقاعد ٍة يرفع مجلس القانِتين واحدًا من أفراده‪ ،‬لكن ث َّمة استثناءات»‪ .‬كان ال ِمايستر‬
‫اختير حجَّار بسيط لمنصب‬ ‫َ‬ ‫بتفصيل ممل‪« .‬في عهد الملك بيلور المبا َرك‬
‫ٍ‬ ‫األكبر پايسل قد أخب َرها بالتَّاريخ‬
‫أشكاال في غاية ال َجمال من الحجارة لدرجة أن بيلور اعتق َد أنه (الح َّداد) وقد‬ ‫ً‬ ‫السِّپتون األعلى‪ .‬كان ينحت‬
‫ُولِ َد من جدي ٍد في هيئ ٍة بَشريَّة‪ .‬لم يكن الرَّجل يقرأ أو يَكتُب أو يتذ َّكر كلمات أبسط األدعية»‪ .‬ما َ‬
‫زال‬
‫صبي في الثَّامنة إلى‬
‫ٌّ‬ ‫البعض يَز ُعم أن يد بيلور س َّمم الرَّجل ليُعفي البالد من اإلحراج‪« .‬بَعد موته ُرفِ َع‬
‫بإيعاز من الملك بيلور‪ ،‬وأعلنَ جاللته أن الصَّبي يصنع المعجزات‪ ،‬ولو أن يديه‬ ‫ٍ‬ ‫المنصب‪ ،‬م َّرةً أخرى‬
‫ال َّشافيتين الصَّغيرتين لم تنجحا في إنقاذ بيلور نفسه وقت صيامه األخير»‪.‬‬
‫أطلقَت الليدي ميريويذر ضحكةً‪ ،‬وقالت‪« :‬في الثَّامنة؟ ربما يستطيع ابني أن يُصبِح السِّپتون األعلى إذن‪.‬‬
‫إنه يكاد يَبلُغ السَّابعة»‪.‬‬
‫صلِّي كثيرًا؟»‪.‬‬
‫سألَتها الملكة‪« :‬هل يُ َ‬
‫‪« -‬يُفَضِّل اللَّعب بالسُّيوف»‪.‬‬
‫‪« -‬صب ٌّي حقيق ٌّي إذن‪ .‬هل يعرف أسماء اآللهة السَّبعة جميعًا؟»‪.‬‬
‫‪ُّ « -‬‬
‫أظن هذا»‪.‬‬
‫تشك سرسي في أن وجود عد ٍد ما من الصِّبية الذين بإمكانهم تكريم التَّاج‬ ‫ُّ‬ ‫‪« -‬سأضعه في االعتبار»‪ .‬ال‬
‫البلَّوري أكثر من المأفون الذي اختا َر مجلس القانِتين أن يهبه له‪ .‬هذا ما ينتج عن ترك الحمقى والجُبناء‬
‫يَح ُكمون أنفسهم‪ .‬المرَّة القادمة سأختار لهم سيِّدهم‪ .‬وربما ال تتأ َّخر المرَّة القادمة كثيرًا إذا استم َّر السِّپتون‬
‫األعلى الجديد في إزعاجها‪ ،‬فليس عند يد بيلور كثير يُلَقِّن سرسي النستر إياه في ِمثل هذه األمور‪.‬‬
‫لصاحبة الجاللة!»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أفسحوا الطَّريق‬ ‫كان السير أوزموند ِكتلبالك يزعق‪« :‬أخلوا ال َّشارع! ِ‬
‫طأ‪ ،‬وهو ما يعني أنهم دنوا من ق َّمة التَّل‪ .‬قالت سرسي لليدي ميريويذر‪« :‬يَج ُدر‬ ‫بدأت حركة الهودج تتبا َ‬
‫ابنك هذا إلى البالط‪ .‬ستَّة أعوام ليست ِسنًّا صغيرةً ج ًّدا‪ .‬تومن محتاج إلى ِ‬
‫صبي ٍة آخَرين‬ ‫ِ‬ ‫بك أن تجلبي‬‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ابنك أحدهم؟»‪ .‬حسب ما تَذكر لم يكن لچوفري صديق مقرَّب من ِسنِّه قَط‪ .‬كان الصَّبي‬ ‫حوله‪ ،‬فلِ َم ال يكون ِ‬
‫طت في البئر‪ .‬أي نعم كان‬ ‫المسكين وحيدًا دو ًما‪ .‬في طفولتي كان عندي چايمي‪ ...‬وميالرا‪ ،‬إلى أن سق َ‬
‫چوف مغر ًما بكلب الصَّيد‪ ،‬لكنها لم تكن صداقةً‪ ،‬بل كان يبحث عن األب الذي لم يجده في روبرت‪ .‬قد‬
‫يكون أخ في التَّربية ما يحتاج إليه تومن بالضَّبط لفطامه عن مارچري ودجاجاتها‪ .‬ومع الوقت ربما‬
‫صباه ند ستارك‪ .‬أحمق‪ ،‬لكنه أحمق مخلص‪ ،‬وتومن سيحتاج إلى‬ ‫يُصبِحان قريبيْن قُرب روبرت وصديق ِ‬
‫أصدقا ٍء مخلصين لحماية ظَهره‪.‬‬
‫جاللتك لطيفة‪ ،‬لكن راسل لم يعرف بيتًا َّإال (الطَّاولة الطَّويلة)‪ ،‬وأخشى أن يضيع في هذه المدينة‬ ‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫العظيمة»‪.‬‬
‫بت عليه‪ .‬حين أرسلَني أبي إلى‬ ‫علَّقت الملكة‪« :‬في البداية‪ ،‬لكن سرعان ما سيتغلَّب على ذلك ِمثلما تغلَّ ُ‬
‫بكيت وثا َر چايمي‪ ،‬إلى أن أجل َستني ع َّمتي في (الحديقة الحجريَّة) وأفه َمتني أنه ليس هناك َمن‬ ‫ُ‬ ‫البالط‬
‫ضا سيَعثُر على‬ ‫ابنك أي ً‬
‫تخشاك‪ِ .‬‬
‫ِ‬ ‫ت لبؤة‪ ،‬وعلى ك ِّل ال َّدواب األدنى أن‬
‫أخشاه في (كينجز الندنج)‪ .‬قالت‪ :‬أن ِ‬
‫طفلك الوحيد‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫منك حيث تستطيعين رؤيته ك َّل يوم‪ .‬إنه‬ ‫َشجاعته‪ .‬مؤ َّكد ِ‬
‫أنك تُريدينه قريبًا ِ‬
‫‪« -‬في الوقت الحالي‪ .‬السيِّد زوجي سأ َل اآللهة أن تَر ُزقنا ٍ‬
‫بابن آ َخر في حال‪.»...‬‬
‫أعرف»‪ .‬ف َّكرت سرسي في چوفري وهو يخمش ُعنقه‪ .‬في لحظاته األخيرة نظ َر إليها بضراع ٍة يائسة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫وأوقفَت ذكرى مباغتة قلبها عن الخفقان؛ قطرة من ال َّدم األحمر تُهَس ِهس في لهب شمعة‪ ،‬وصوت مشؤوم‬
‫يتكلَّم عن التِّيجان واألكفان‪ ،‬عن الموت على يدَي الڤالونڬار‪.‬‬
‫خارج الهودج كان السير أوزموند يزعق بشي ٍء ما وير ُّد عليه أحدهم زاعقًا‪ ،‬ثم توقَّف الهودج بحرك ٍة‬
‫حا َّدة‪ ،‬وهد َر ِكتلبالك‪« :‬أأنتم موتى جميعًا؟ ابتعدوا عن الطَّريق اللَّعين!»‪.‬‬
‫أزاحت الملكة رُكن السِّتار‪ ،‬وأشا َرت إلى السير مرين ترانت متسائلةً‪« :‬ما المشكلة؟»‪.‬‬ ‫َ‬
‫كان السير مرين يرتدي ِدرعًا بيضاء تحت معطفه‪ ،‬وقد علَّق خوذته وتُرسه من َسرجه‪ .‬أجابَها‪:‬‬
‫«العصافير يا جاللة الملكة‪ .‬إنهم مخيِّمون في ال َّشوارع‪ .‬سنجعلهم ينزاحون»‪.‬‬
‫ب آخَر»‪ ،‬وأفلتَت سرسي السِّتار قائلةً‪« :‬هذا‬
‫‪« -‬افعلوا هذا ولكن برفق‪ .‬ال أري ُد أن أجد نفسي وسط شغ ٍ‬
‫سُخف»‪.‬‬
‫يأتيك السِّپتون األعلى بنفسه‪ ،‬وهؤالء‬ ‫ِ‬ ‫قالت الليدي ميريويذر مؤيِّدةً‪« :‬نعم يا جاللة الملكة‪ .‬كان ينبغي أن‬
‫العصافير الحُقراء‪.»...‬‬
‫ُباركهم‪ ،‬ومع ذلك يَرفُض مبا َركة الملك»‪ .‬تعلم أن المبا َركة طقس فارغ‪ ،‬لكن‬ ‫‪« -‬إنه يُط ِعمهم ويُ َدلِّلهم وي ِ‬
‫للطقوس والمراسم سطوة في أعيُن الجاهلين‪ .‬إجون الفاتِح نفسه ح َّدد تاريخ بداية مملكته بيوم مرخَ ه‬ ‫ُّ‬
‫بالزيوت المق َّدسة في (البلدة القديمة)‪« .‬إ َّما أن يخضع ذلك الرَّاهب التَّافه وإ َّما سيتعلَّم أنه‬
‫السِّپتون األعلى ُّ‬
‫ال يزال إنسانًا ضعيفًا»‪.‬‬
‫الذهب‪ ،‬إنه ينوي اإلمساك عن مبا َركة الملك إلى أن يستأنف التَّاج‬ ‫‪« -‬أورتون يقول إن ما يُريده حقًّا هو َّ‬
‫دفع ديونه»‪.‬‬
‫‪« -‬ستَحصُل العقيدة على ذهبها ما إن يح َّل السَّالم»‪ .‬السِّپتون توربرت والسِّپتون راينارد تفهَّما أزمتها‬
‫تما ًما‪ ...‬على عكس البراڤوسي المأفون الذي أل َّح على اللورد جايلز المسكين بال رحمة‪ ،‬إلى أن أُ ِخ َذ إلى‬
‫فِراشه وهو يَسعُل د ًما‪ .‬كان من الضَّروري أن نبني تلك السُّفن‪ .‬ال تستطيع سرسي االعتماد على (الكرمة)‬
‫في شأن ق َّوتها البحريَّة‪ ،‬فآل ردواين قريبون للغاية من آل تايرل‪ ،‬وهي محتاجة إلى ق َّوتها الخاصَّة في‬
‫البحر‪.‬‬
‫بضعف مجاذيف (مطرقة الملك‬ ‫بحر ِ‬ ‫ستمنحها ال ُّدرمونات التي ترتفع في النَّهر هذا‪ .‬سفينة القيادة ستُ ِ‬
‫طلب أوران إذنها في تسميتها (اللورد تايوين)‪ ،‬فقبلَت سرسي مسرورةً‪ ،‬وتتطلَّع إلى أن‬ ‫َ‬ ‫روبرت)‪ ،‬وقد‬
‫تسمع النَّاس يتكلَّمون عن أبيها باعتباره أنثى‪ .‬إحدى السُّفن األخرى ستُ َس َّمى (الجميلة سرسي)‪ ،‬وستحمل‬
‫تمثال مقدِّم ٍة مذهَّبًا منحوتًا بحيث يُحاكي مالمحها بينما ترتدي الحلقات المعدنيَّة وتعتمر خوذة األسد‬
‫وتحمل حربةً‪ .‬ستتبعها (چوفري ال ُّشجاع) و(الليدي چوانا) و(اللَّبؤة) إلى البحر‪ ،‬باإلضافة إلى (الملكة‬
‫الذهبيَّة) و(اللورد رنلي) و(الليدي أولينا) و(األميرة مارسال)‪ .‬ارتكبَت الملكة خطأ‬ ‫مارچري) و(الوردة َّ‬
‫إخبار تومن بأنه يستطيع تسمية السُّفن الخمس األخيرة‪ ،‬والحقيقة أنه اختا َر اسم (فتى القمر) إلحداها‪،‬‬
‫قائال إن الرِّ جال قد ال يرغبون في الخدمة على متن سفين ٍة مس َّماة على اسم‬‫وفقط حين علَّق اللورد أوران ً‬
‫مضض بتكريم أخته ً‬
‫بدال من ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مهرِّج‪ ،‬قب َل الصَّبي على‬
‫قالت لتاينا‪« :‬إذا كان هذا السِّپتون الوضيع يحسب أنه سيجعلني أشتري مبا َركة تومن فسيتعلَّم واقع األشياء‬
‫لقطيع من الرُّ هبان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قريبًا»‪ .‬ال تنوي الملكة أن تنصاع‬
‫بشكل مباغت لدرج ٍة رجَّت جسد سرسي‪ ،‬فقالت‪« :‬أوه‪ ،‬لم يَعُد هذا يُطاق»‪ ،‬ومالَت إلى‬ ‫ٍ‬ ‫توقَّف الهودج ثانيةً‬
‫الخارج فرأت أنهم بلغوا ق َّمة (تَل ڤيزينيا)‪ .‬أمامها ال َح ( ِسپت بيلور الكبير) بقُبَّته المهيبة وبروجه السَّبعة‬
‫البرَّاقة‪ ،‬لكن بينها وبين درجاته الرُّ خام بحر كئيب من البَشر مسم ِّري البشرة البسي األسمال متَّسخي‬
‫األجساد‪.‬‬
‫ف َّكرت متن ِّشقةً‪ :‬عصافير‪ ،‬ولو أن ال ُعصفور تفوح منه رائحة ٍ‬
‫عفن ونتانة كهذه‪.‬‬
‫جلب لها تقارير بأعدادهم‪ ،‬لكن السَّماع بها شيء ورؤيتها رأي‬ ‫َ‬ ‫ارتاعَت سرسي للمنظر‪ .‬كان كايبرن قد‬
‫العين شيء مختلف‪ .‬في السَّاحة يُ َخيِّم المئات‪ ،‬وفي الحدائق مئات أكثر‪ ،‬تُف ِعم بؤر نيرانهم الهواء بال ُّدخان‬
‫والرَّوائح المنفِّرة‪ ،‬وتُلَ ِّوث خيامهم الخيش وأكواخهم الحقيرة المبنيَّة بالطَّمي وفُضالة األخشاب األرضيَّة‬
‫الرُّ خام العريقة‪ ،‬بل ويتلملَمون بال ِمثل على السَّاللم أمام باب (السِّپت الكبير) ال َّشاهق‪.‬‬
‫حال ذهبيًّا كمعطفه‪ .‬أوزفريد أوسط‬‫عا َد السير أوزموند إليها خببًا‪ ،‬وإلى جواره يركب السير أوزفريد فَ ً‬
‫اإلخوة ِكتلبالك‪ ،‬وأكثر من أخويه هدو ًءا وجنوحًا إلى العبوس عن االبتسام‪ .‬وأقسى كذلك إذا صدقَت‬
‫الجدار)‪.‬‬‫ي أن أرسله إلى ( ِ‬ ‫الحكايات‪ .‬ربما كان عل َّ‬
‫رجال أكبر ِسنًّا «متم ِّرسًا في أمور الحرب» لقيادة ذوي المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أرا َد ال ِمايستر األكبر پايسل‬
‫واتَّفق معه كثيرون من مستشاريها اآلخَ رين‪ ،‬فقالت لهم‪« :‬السير أوزفريد متمرِّس بما فيه الكفاية»‪ ،‬لكن‬
‫الجراء المزعجة‪ .‬يكاد صبرها على پايسل ينفد عن‬ ‫كقطيع من ِ‬
‫ٍ‬ ‫ُخرسهم‪ .‬ينبحون في وجهي‬ ‫حتى هذا لم ي ِ‬
‫اعترض الرَّجل على إرسالها إلى (دورن) طالبةً قيِّم سالح‪ ،‬بزعم أن شيئًا كهذا قد‬ ‫َ‬ ‫آخره‪ .‬بك ِّل سفاه ٍة‬
‫ِ‬
‫يُسيء إلى آل تايرل‪ ،‬وعندها سألَته مته ِّكمةً‪« :‬ولِ َم تحسبني أفع ُل هذا؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة‪ .‬أخي يستدعي المزيد من ذوي المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أستميحك العُذر يا‬
‫ِ‬ ‫قال السير أوزموند‪« :‬‬
‫سنفتح طريقًا‪ ،‬ال تخافي»‪.‬‬
‫ي وقت‪ .‬سأواص ُل على قد َمي»‪.‬‬ ‫‪« -‬ليس لد َّ‬
‫أرجوك يا جاللة الملكة‪ ،‬أنا خائفة منهم‪ .‬إنهم مئات‪ ،‬ومتَّسخون للغاية»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أمس َكت تاينا ذراعها قائلةً‪« :‬‬
‫منك أن تُلقي ً‬
‫باال‬ ‫ِ‬ ‫طب َعت سرسي قُبلةً على وجنتها‪ ،‬وقالت‪« :‬اللَّيث ال يخشى العُصفور‪ ...‬لكن لُطف‬
‫أنك تحبِّينني كثيرًا يا سيِّدتي‪ .‬سير أوزموند‪ ،‬سا ِعدني على النُّزول من فضلك»‪.‬‬ ‫لسالمتي‪ .‬أعل ُم ِ‬
‫ُناسبه‪ .‬اليوم ترتدي فُستانًا أبيض مش َّرطًا بقُماش َّ‬
‫الذهب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الرتديت ما ي ِ‬ ‫عرفت أني سأضطرُّ إلى المشي‬ ‫ُ‬ ‫لو‬
‫آخر م َّر ٍة وض َعته الملكة على جسدها كانت منذ ع َّدة أعوام‪ ،‬واآلن تجده‬
‫فيه تخريم لكن ال يعوزه االحتشام‪ِ .‬‬
‫صف على نح ٍو غير مريح‪ .‬خاطبَت رجالها قائلةً‪« :‬سير أوزموند‪ ،‬سير مرين‪ ،‬ستصحباني‪.‬‬ ‫ضيِّقًا من المنت َ‬
‫سير أوزفريد‪ ،‬احرص على سالمة هودجي»‪ .‬بعض العصافير يبدو ضاويًا غائص العينين بما فيه الكفاية‬
‫اللتهام خيولها‪.‬‬
‫بينما شقَّت طريقها في زحام المع ِدمين ما َّرةً ببؤر نيرانهم وعرباتهم ومساكنهم البائسة‪ ،‬وجدَت الملكة‬
‫نفسها تتذ َّكر م َّرةً سابقةً ازدح َم فيها النَّاس في هذه السَّاحة‪.‬‬
‫يوم زفافها إلى روبرت باراثيون جا َء آالف يهتفون لهما‪ .‬ارتدَت كلُّ النِّساء أفضل ثيابهن وحم َل نِصف‬
‫ق الجمهور هديرًا‬ ‫ال ِّرجال أطفالهم على أكتافهم‪ ،‬ول َّما خر َجت من السِّپت ويدها في يد الملك ال َّشاب أطل َ‬
‫فهمس روبرت في أُذنها‪« :‬يحب ِ‬
‫ُّونك للغاية يا سيِّدتي‪ .‬انظُري‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مد ِّويًا من شأنه أن يُس َمع في (النسپورت)‪،‬‬
‫الوجوه كلُّها مبتسمة»‪ .‬في هذه اللَّحظة الواحدة العابرة كانت سعيدةً في زواجها‪ ...‬إلى أن وق َع ناظراها‬
‫مصادفةً على چايمي‪ ،‬وتَذ ُكر أنها ف َّكرت لحظتها‪ :‬ال‪ ،‬ليس كلُّ الوجوه يا سيِّدي‪.‬‬
‫ال أحد يبتسم اآلن‪ .‬النَّظرات التي يرميها بها العصافير فاترة كئيبة عدوانيَّة‪ ،‬وقد أفسحوا لها الطَّريق على‬
‫بالعصي والسُّيوف‬
‫ِّ‬ ‫مضض‪ .‬لو كانوا عصافير حقًّا لطيَّرتهم صيحة‪ .‬مئة من ذوي المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة‬
‫ت قصير‪ .‬هذا ما كان اللورد تايوين ليفعله‪ .‬كان‬ ‫والهراوات يستطيعون طرد هؤالء الغوغاء خالل وق ٍ‬
‫بدال من المشي وسطهم‪.‬‬ ‫ليدعسهم ً‬
‫حين رأت ما فعلوه ببيلور المبا َرك وق َع األسف في قلب الملكة الرَّقيق‪ .‬التِّمثال المرمر العظيم الذي يرتفع‬
‫عام مغطَّى حتى الخصر بكوم ٍة من العظم والجماجم‪ ،‬وبعض الجماجم ما زالَت‬ ‫مبتس ًما في السَّاحة منذ مئة ٍ‬
‫وراح ال ُّذباب ُّ‬
‫يطن‬ ‫َ‬ ‫لحم عالقةً به‪ ،‬وقد َحطَّ ُغراب على واحد ٍة من هذه ليستمتع بوليمته اليابسة الجافَّة‪،‬‬
‫رُقع ٍ‬
‫جبل من الجيف؟»‪.‬‬ ‫في ك ِّل مكان‪ .‬سألَت الجمع‪« :‬ما هذا؟ هل تُريدون دفن بيلور المبا َرك تحت ٍ‬
‫از خشبي‪ ،‬وقال‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬هذه عظام مؤمنين ومؤمنات قُتِلوا‬ ‫ق واحدة متَّكئًا على ُع َّك ٍ‬ ‫تق َّدم رجل بسا ٍ‬
‫وسپتوات‪ ،‬وإخوة بنيُّون ورماديُّون و ُخضر‪ ،‬وأخوات بيضاوات وزرقاوات‬ ‫ِ‬ ‫إليمانهم‪ِ ،‬سپتونات‬
‫ق وبعضهم بُقِ َر بطنه‪ .‬السِّپتات نُ ِهبَت والفتيات وأ َّمهاتهن اغتصبهن الكافرون وعبدة‬ ‫ورماديَّات‪ .‬بعضهم ُشنِ َ‬
‫ال َّشياطين‪ .‬حتى األخوات الصَّامتات تعرَّضن للتَّحرُّ ش‪( .‬األُم في األعالي) تَصرُخ لوعةً‪ .‬لقد جلبنا عظامهم‬
‫من جميع أنحاء البالد لتشهد على كرب العقيدة المق َّدسة»‪.‬‬
‫شع َرت سرسي بثِقل النَّظرات المسلَّطة عليها‪ ،‬وبرصان ٍة أجابَت‪« :‬سيعرف الملك بهذه البشاعات‬
‫ُشارككم تومن غضبتكم‪ .‬هذا عمل ستانيس وساحرته الحمراء‪ ،‬وعمل ال َّشماليِّين الهمجيِّين عابدي‬ ‫وسي ِ‬
‫األشجار وال ِّذئاب»‪ ،‬ورف َعت صوتها مضيفةً‪« :‬أيها القوم الكرام‪ ،‬ستنالون ثأر موتاكم!»‪.‬‬
‫هلَّل قالئل‪ ،‬ولكن قالئل فحسب‪ ،‬وقال ذو السَّاق الواحدة‪« :‬ال نَطلُب ثأرًا لموتانا وإنما الحماية لألحياء‪،‬‬
‫وللسِّپتات واألماكن المق َّدسة»‪.‬‬
‫دمد َم جلف ضخم على جبهته نجمة سُباعيَّة مرسومة‪« :‬يجب أن يُدافِع العرش الحديدي عن العقيدة‪ .‬الملك‬
‫الذي ال يحمي شعبه ليس مل ًكا على اإلطالق»‪ ،‬فارتف َعت همهمات التَّأييد من حوله‪ ،‬وكان أحدهم بالنَّزق‬
‫ُمسك معصم السير مرين ويقول‪« :‬آن أوان أن يتخلَّى جميع الفُرسان المحلَّفين عن سادتهم‬ ‫الكافي ألن ي ِ‬
‫ال ُّدنيويِّين ويُدافِعوا عن عقيدتنا المق َّدسة‪ .‬قِف معنا أيها الفارس إذا كنت تحبُّ (السَّبعة)»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬اترُكني»‪.‬‬‫انتز َع السير مرين يده ً‬
‫قالت سرسي‪« :‬أسمعكم‪ .‬ابني صغير‪ ،‬لكنه يحبُّ (السَّبعة) ُحبًّا ج ًّما‪ .‬ستحظون بحمايته وحمايتي أيضًا»‪.‬‬
‫لم يقتنِع الكبير ذو النَّجمة على جبهته‪ ،‬وقال‪(« :‬ال ُمحارب) سيُدافِع عنا‪ ،‬وليس ذلك الملك الصَّبي البدين»‪.‬‬
‫بحر‬
‫ٍ‬ ‫َم َّد مرين ترانت يده إلى سيفه‪ ،‬لكن سرسي أثنَته عن هذا قبل أن يستلَّه‪ .‬إن معها فارسيْن ال أكثر في‬
‫من العصافير‪ ،‬كما أنها ترى عصيًّا ومناجل ونبابيت وهراوات وع َّدة فؤوس‪ .‬قالت‪« :‬لن أسمح بسفك‬
‫الدِّماء في هذا المكان المق َّدس أيها الفارس»‪ .‬لماذا الرِّجال جميعهم أطفال؟ اقتُله وسيُ َم ِّزقنا البقيَّة تمزيقًا‪.‬‬
‫الزحام إلى درجات السِّپت‬ ‫صاحب القداسة األعلى ينتظرنا»‪ .‬لكن إذ خطَت وسط ِّ‬ ‫ِ‬ ‫«كلُّنا أطفال (األُم)‪ .‬هيا‪،‬‬
‫والجلد المق َّوى بال َّزيت‬ ‫ِ‬ ‫تق َّدمت جماعة من المسلَّحين لتحول بينها وبين الباب‪ .‬يرتدون الحلقات المعدنيَّة‬
‫الحراب وبعضهم السُّيوف الطَّويلة‪ ،‬في حين‬ ‫المغلي‪ ،‬وهنا وهناك قِطعة منبعجة من ِدرع‪ ،‬ويحمل بعضهم ِ‬
‫َّ‬
‫ت حمراء على سُتراتهم البيضاء الطويلة‪ ،‬وبلغَت الوقاحة باثنين‬ ‫يُفَضِّل أكثرهم الفؤوس‪ ،‬وقد خاطوا نجما ٍ‬
‫ُقاطعا حربتيهما ويس َّدا طريقها‪.‬‬
‫منهم أن ي ِ‬
‫سألَتهم‪« :‬أهكذا تستقبلون ملكتكم؟ أين راينارد وتوربرت؟»‪ .‬ليس من عادة هذين االثنين أن يُفَ ِّوتا فُرصة‬
‫تملُّقها‪ ،‬ودائ ًما يركع توربرت على رُكبتيه ويغسل قدميها على نح ٍو استعراضي‪.‬‬
‫أعرف ع َّمن تتكلَّمين‪ ،‬لكن إذا كانا من رجال‬ ‫ُ‬ ‫قال واحد ممن يحملون النَّجمة الحمراء على سُتراتهم‪« :‬ال‬
‫العقيدة فال بُ َّد أن اآللهة احتا َجت إلى خدماتهما»‪.‬‬
‫ُغضبهما أن يعلما أنكم‬
‫قالت سرسي‪« :‬السِّپتون راينارد والسِّپتون توربرت من مجلس القانِتين‪ ،‬وسي ِ‬
‫أعقتموني‪ .‬هل تمنعونني من دخول ِسپت بيلور المق َّدس؟»‪.‬‬
‫بك هنا يا جاللة الملكة‪ ،‬لكن على رجليك أن يَترُكا حزاميهما‪ .‬ليس‬
‫أجابَها شيخ بكتفين محنيَّتين‪« :‬مرحبًا ِ‬
‫مسموحًا باألسلحة في ال َّداخل بأمر السِّپتون األعلى»‪.‬‬
‫الحرس الملكي ال يتخ ُّلون عن سيوفهم حتى في حضرة الملك»‪.‬‬ ‫‪« -‬فُرسان َ‬
‫ُّ‬
‫المسن‪« :‬في بيت الملك الكلمة للملك‪ ،‬لكن هذا بيت اآللهة»‪.‬‬ ‫َر َّد الفارس‬
‫ت أقرب مما يحبُّ ‪.‬‬‫محني الظَّهر آلهته خالل وق ٍ‬
‫ُّ‬ ‫احتقنَ وجهها‪ .‬كلمة واحدة لمرين ترانت وسيلقى ال َّشيخ‬
‫لكن ليس هنا‪ ،‬ليس اآلن‪ .‬قالت لفار َسي ال َحرس الملكي باقتضاب‪« :‬انتظراني»‪ ،‬ووحدها صعدَت السَّاللم‪.‬‬
‫الحراب حربتيهما‪ ،‬ودف َع اثنان آخَران مصراعَي الباب باألكتاف لينفتحا مصدريْن قعقعةً‬ ‫سحب حاملَي ِ‬
‫َ‬
‫عظيمةً‪.‬‬
‫في (بهو القناديل) وجدَت عشرين من السِّپتونات راكعين‪ ،‬ولكن ليس للصَّالة‪ .‬كانت معهم دالء من الماء‬
‫والصَّابون ويمسحون األرض‪ .‬دف َعت ثيابهم الخيش وصنادلهم سرسي إلى اعتقادهم عصافير‪ ،‬إلى أن رف َع‬
‫أحدهم رأسه‪ ،‬لترى وجهه المح َمر كالبنجر والقروح المفتوحة النَّازفة في يديه‪ .‬خاطبَها الرَّجل ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫«جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫صدِّق ما تراه‪« :‬السِّپتون راينارد؟ ماذا تفعل على رُكبتيك؟»‪.‬‬ ‫قالت وهي تكاد ال تُ َ‬
‫ظف األرض»‪ .‬المتكلِّم أقصر قامةً من الملكة بع َّدة بوصات‪ ،‬ورفيع كعصا المق َّشة‪« .‬العمل صورة‬ ‫‪« -‬يُنَ ِّ‬
‫حامال فُرشاةً خشنةً‪ ،‬وقال‪« :‬جاللة الملكة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ونهض الرَّجل‬
‫َ‬ ‫من صُور العبادة‪ ،‬ويُرضي (الح َّداد) للغاية»‪،‬‬
‫حضورك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كنا ننتظر‬
‫بإحكام وراء رأسه‪ ،‬وعلى الرغم من أن رداءه‬ ‫ٍ‬ ‫ومشذبة بعناية‪ ،‬و َشعره معقود‬ ‫َّ‬ ‫لحية الرَّجل بنِّيَّة شائبة‬
‫يحك األرض‪ ،‬لكن تحت رُكبتيه‬ ‫ُّ‬ ‫نظيف فإنه مهترئ ومرتوق‪ ،‬وكان قد ش َّمر ُك َّميه حتى ال ِمرفقيْن بينما‬
‫القُماش مبت ٌّل تما ًما‪ .‬له وجه مدبَّب وعينان غائصتان بنِّيَّتان كالطَّمي‪ ،‬ورأت سرسي قدميه فقالت لنفسها‬
‫صاحب القداسة‬
‫ِ‬ ‫وجلدهما يابس‪« .‬أنت‬ ‫مشدوهةً‪ :‬حافيتان‪ .‬ثم إنهما شنيعتان أيضًا‪ ،‬صُلبتان قاسيتان ِ‬
‫األعلى؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نحن كذلك»‪.‬‬
‫أبانا‪ ،‬امنحني الق َّوة‪ .‬تعلم الملكة أن عليها أن تركع‪ ،‬لكن األرض مبتلَّة بالمياه المتَّسخة والصَّابون‪ ،‬وليست‬
‫راغبةً في إتالف فُستانها‪ .‬تطلَّعت إلى المسنِّين على رُكبهم‪ ،‬وقالت‪« :‬ال أرى صديقي السِّپتون توربرت»‪.‬‬
‫‪« -‬السِّپتون توربرت محت َجز في صومعة توبة ويقتات بال ُخبز والماء‪ .‬من اإلثم أن يكون رجل ما بدينًا‬
‫هكذا بينما يتض َّور نِصف البالد جوعًا»‪.‬‬
‫ليوم واحد‪ ،‬فتر َكته يرى غضبها إذ قالت‪« :‬أهكذا تُ َحيِّيني؟ بفُرشا ٍة يَقطُر منها الماء‬
‫تح َّملت سرسي ما يكفي ٍ‬
‫في يدك؟ هل تعرف َمن أنا؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة الملكة الوصيَّة على عرش (الممالك السَّبع)‪ ،‬لكن مكتوب في (النَّجمة‬ ‫ِ‬ ‫ت‬
‫أجاب الرَّجل‪« :‬أن ِ‬
‫َ‬
‫السُّباعيَّة) أنه كما يحني اإلنسان رأسه لسادته‪ ،‬والسَّادة لملوكهم‪ ،‬فعلى الملوك والملكات حني رؤوسهم‬
‫للسَّبعة الذين هُم واحد»‪.‬‬
‫هل يقول لي أن أركع؟ إذا كان األمر هكذا فهو ال يعرفها جيِّدًا‪« .‬كان المفت َرض أن تُقابِلني على السَّاللم‬
‫في أبهى صور ٍة وعلى رأسك التَّاج البلَّوري»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس لدينا تاج يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫والذهب المغزول»‪.‬‬ ‫ر َّدت بوج ٍه ازدا َد جهامةً‪« :‬السيِّد والدي أهدى إلى سلفك تاجًا نادر ال َجمال من البلَّور َّ‬
‫طعام في‬
‫ٍ‬ ‫قال السِّپتون األعلى‪« :‬ولهذه الهديَّة نَذ ُكره بالخير في صلواتنا‪ ،‬لكن الفُقراء في حاج ٍة إلى‬
‫الذهب والبلَّور على رأسنا‪ .‬ذلك التَّاج بي َع‪ ،‬وكذا جميع التِّيجان األخرى في‬‫بطونهم أكثر مما نحتاج إلى َّ‬
‫الذهب وقُماش الفضَّة‪ .‬الصُّ وف يَصلُح لتدفئة‬ ‫خزائننا‪ ،‬إضافةً إلى خواتمنا وأرديتنا المصنوعة من قُماش َّ‬
‫ق (السَّبعة) الخراف»‪.‬‬‫المرء بالقدر ذاته‪ .‬لهذا خل َ‬
‫يا لجنونه المطبق‪ .‬ال بُ َّد أن أعضاء مجلس القانِتين كانوا مجانين أيضًا إذ رقَّوا مخلوقًا كهذا‪ ...‬مجانين أو‬
‫ت كانت تفصل السِّپتون لوشن‬ ‫مرعوبين من المتس ِّولين على أبوابهم‪ .‬هامسو كايبرن ا َّدعوا أن تسعة أصوا ٍ‬
‫عن التَّرقية حين انفت َحت تلك األبواب‪ ،‬وتدفَّق العصافير إلى (السِّپت الكبير) حاملين قائدهم على أكتافهم‬
‫والفؤوس في أيديهم‪.‬‬
‫صاحب‬
‫ِ‬ ‫ح َّدقت إلى الرَّجل الصَّغير بنظر ٍة جليديَّة متسائلةً‪« :‬أهناك مكان نستطيع الكالم فيه على انفراد يا‬
‫القداسة؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ناو َل السِّپتون األعلى أحد القانِتين فُرشاته مجيبًا‪« :‬تفضَّلي واتبعيني يا‬
‫قادَها عبر الباب ال َّداخلي إلى صحن السِّپت وتر َّددت أصدقاء ُخطاهما على األرضيَّة الرُّ خام‪ ،‬وقد طفا‬
‫الهباء في أشعَّة الضَّوء المل َّون المتسلِّلة من ُزجاج القُبَّة العظيمة المطلي بالرَّصاص‪ ،‬وعطَّر البَخور‬
‫تتألأل ألف شمعة‪ ،‬ول(العذراء)‬ ‫َ‬ ‫الهواء‪ ،‬وإلى جوار المذابح السَّبعة تألَّقت ال ُّشموع كالنُّجوم‪ .‬ل(األُم)‬
‫نحوها‪ ،‬لكن يُمكنك أن تُحصي ال ُّشموع المضاءة ل(الغريب) على أق ِّل من عشرة أصابع‪.‬‬
‫بل َغ غزو العصافير قلب السِّپت‪ .‬أمام (ال ُمحارب) تركع دستة من الفُرسان المتج ِّولين متَّسخي الملبس‪،‬‬
‫ُبارك السُّيوف التي ك َّوموها عند قدميه‪ ،‬وعند مذبح (األُم) يقود ِسپتون مئةً من‬ ‫يتضرَّعون إليه أن ي ِ‬
‫العصافير في الصَّالة‪ ،‬بعيدة أصواتهم كالموج على ال َّساحل‪ .‬قا َد السِّپتون األعلى سرسي إلى حيث ترفع‬
‫(العجوز) مصباحها‪ ،‬ول َّما رك َع أمام مذبحها لم تجد خيارًا َّإال الرُّ كوع إلى جواره‪ ،‬لكن من الرَّحمة أن هذا‬
‫أمتن لهذا على األقل‪.‬‬‫ي أن َّ‬ ‫السِّپتون األعلى ال يجنح إلى اإلطناب في الصَّالة كسلفه السَّمين‪ُّ .‬‬
‫أظن أن عل َّ‬
‫صاحب القداسة األعلى القيام حين فر َغ من الصَّالة‪ ،‬ويبدو أن عليهما أن يتشا َورا راكعيْن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُحاول‬
‫لم ي ِ‬
‫صاحب القداسة‪ ،‬هؤالء العصافير يُخيفون أهل‬ ‫ِ‬ ‫رجل وضيع‪« .‬‬‫ٍ‬ ‫ف َّكرت وقد وجدَت هذا طريفًا‪ :‬حيلة من‬
‫المدينة‪ .‬أريدهم أن يرحلوا»‪.‬‬
‫‪« -‬وأين يذهبون يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫ي منها يَصلُح‪« .‬إلى حيث جاءوا كما أتص َّو ُر»‪.‬‬
‫ث َّمة سبع جحائم‪ ،‬أ ٌّ‬
‫ضعًا‬ ‫ضعًا وشيوعًا بين ُّ‬
‫الطيور‪ ،‬هُم أكثر النَّاس توا ُ‬ ‫‪« -‬لقد جاءوا من ك ِّل مكان‪ِ .‬مثل العُصفور األكثر توا ُ‬
‫وشيوعًا»‪.‬‬
‫المبارك؟ إنهم يُ َدنِّسون السَّاحة‬
‫َ‬ ‫إنهم شائعون بالفعل‪ ،‬على هذا نتَّفق‪« .‬هل رأيت ما فعلوه بتمثال بيلور‬
‫بخنازيرهم وماعزهم وفضالتهم»‪.‬‬
‫‪« -‬غسل الفضالت أسهل من غسل الدِّماء يا جاللة الملكة‪ .‬إذا ُدنِّ َست السَّاحة فقد دنَّسها اإلعدام الذي تَ َّم‬
‫هنا»‪.‬‬
‫هل يجرؤ على إلقاء ند ستارك في وجهي؟ «كلُّنا آسفون لهذا‪ .‬چوفري كان صغيرًا وال يتمتَّع بحكم ٍة‬
‫المبارك‪ ...‬لكن دَعنا ال ننسى أن‬ ‫َ‬ ‫مكان آخَ ر احترا ًما لبيلور‬
‫ٍ‬ ‫كافية‪ .‬كان يجب قطع رأس اللورد ستارك في‬
‫الرَّجل كان خائنًا»‪.‬‬
‫‪« -‬الملك بيلور عفا ع َّمن تآ َمروا ضده»‪.‬‬
‫حبس أخواته الالتي كانت جريرتهن الوحيدة َجمالهن‪ .‬أول م َّر ٍة سم َعت سرسي هذه الحكاية‬ ‫َ‬ ‫الملك بيلور‬
‫انفجر باكيًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ذهبَت إلى ُغرفة تيريون الرَّضيع وقر َ‬
‫صته حتى‬
‫أجبرت نفسها على االبتسام قائلةً‪« :‬والملك تومن‬
‫َ‬ ‫كان حريًّا بي أن أكتم أنفاسه وأدسَّ جوربي في فمه‪.‬‬
‫سيعفو عن العصافير أيضًا ما إن يرحلوا إلى ديارهم»‪.‬‬
‫ُ‬
‫اعتدت‬ ‫‪« -‬أكثرهم فق َد داره‪ .‬المعاناة في ك ِّل مكان‪ ...‬والحُزن والموت‪ .‬قبل مجيئي إلى (كينجز الندنج)‬
‫وسرت من ك ِّل واحد ٍة إلى التَّالية‬
‫ُ‬ ‫التَّجوال بين عشرات القُرى األصغر من أن يكون لها ِسپتونها الخاص‪،‬‬
‫مقي ًما طقوس ال ِّزفاف وغافرًا خطايا ال ُخطاة ومس ِّميًا المواليد‪ .‬تلك القُرى لم يَعُد لها وجود يا جاللة الملكة‪،‬‬
‫والحشائش واألشواك تنمو حيث كانت الحدائق ال ُمزهرة‪ ،‬وعظام الموتى ملقاة على قارعة الطَّريق»‪.‬‬
‫‪« -‬الحرب شيء فظيع‪ .‬هذه البشاعات من صُنع ال َّشماليِّين واللورد ستانيس ورجاله عبدة ال َّشياطين»‪.‬‬
‫ت من األُسود انته َكت حُرمتهم‪ ...‬وعن كلب الصَّيد الذي كان‬ ‫‪« -‬بعض عصافيري يتكلَّمون عن جماعا ٍ‬
‫واغتصب فتاةً في الثَّانية عشرة‪ ،‬طفلةً بريئةً موعودةً‬
‫َ‬ ‫بسپتون مسن‬ ‫ك ِ‬ ‫رجلكم الوفي‪ .‬في ( َّ‬
‫المالحات) فت َ‬
‫للعقيدة‪ .‬كان يرتدي ِدرعه بينما يغتصبها‪ ،‬وم َّزقت حلقاته المعدنيَّة لحمها الغَضَّ وسحقَه‪ ،‬ول َّما فر َغ منها‬
‫تر َكها لرجاله الذين قطعوا أنفها وثدييها»‪.‬‬
‫رجل سبقَت له خدمة عائلة النستر‪ .‬ساندور كليجاين خائن‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬ال يُمكن تحميل جاللة الملك مسؤوليَّة كلِّ‬
‫متوحِّش‪ .‬لماذا تحسبني صرفته من خدمتنا؟ إنه يُقاتِل لحساب المجرم بريك دونداريون اآلن‪ ،‬وليس الملك‬
‫تومن»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تقولين‪ ،‬لكن يجب َّأال نُغفِل هذا ال ُّسؤال‪ ...‬أين كان فُرسان الملك عندما جرى هذا؟ ألم ي ِ‬
‫ُقسم‬
‫يوم على العرش الحديدي نفسه أن التَّاج سيُدافِع عن العقيدة دو ًما ويحميها؟»‪.‬‬ ‫چهيرس ال ُمصلح ذات ٍ‬
‫ال تدري سرسي بِ َم أقس َم چهيرس ال ُمصلح‪ ،‬لكنها قالت متَّفقةً‪« :‬صحيح‪ ،‬وبار َكه السِّپتون األعلى ومرخَ ه‬
‫ُبارك كلُّ ِسپتون أعلى جديد الملك‪ ...‬ومع ذلك‬ ‫جرت العادة على أن ي ِ‬ ‫ُّ‬
‫بالزيوت المق َّدسة باعتباره الملك‪ .‬لقد َ‬
‫تَرفُض مبا َركة الملك تومن»‪.‬‬
‫جاللتك مخطئة‪ .‬نحن لم نَرفُض»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫ت»‪.‬‬
‫‪« -‬لكنك لم تأ ِ‬
‫‪« -‬لم ت َِحن ساعة القطاف بع ُد»‪.‬‬
‫أأنت راهب أم ُخضري؟ «وما الذي يُمكن أن يجعلها‪ ...‬تحين؟»‪ .‬إذا جر َؤ على ِذكر َّ‬
‫الذهب سأتعام ُل معه‬
‫طفال ورعًا في الثَّامنة يعتمر التَّاج البلَّوري‪.‬‬
‫تعاملت مع سابقه وأج ُد ً‬
‫ُ‬ ‫كما‬
‫‪« -‬البالد مألى بالملوك‪ ،‬ولتُعلي العقيدة واحدًا فوق البقيَّة يجب أن نكون واثقين‪ .‬قبل ثالثمئة عام‪ ،‬عندما‬
‫حبس السِّپتون األعلى نفسه في (السِّپت النَّجمي) في (البلدة القديمة)‬
‫َ‬ ‫رسا إجون الفاتِح عند هذا التَّ ِّل تحديدًا‪،‬‬
‫ناوئ إجون‬ ‫ليال دون غذا ٍء َّإال ال ُخبز والماء‪ ،‬وحين خر َج أعلنَ أن العقيدة لن تُ ِ‬ ‫وصلَّى سبعة أيام وسبع ٍ‬
‫وأختيه‪ ،‬ألن (العجوز) رف َعت مصباحها وأ َرته المستقبَل‪ .‬لو رف َعت (البلدة القديمة) السِّالح ضد التنِّين‬
‫ق الخراب وال َّدمار ب(البُرج العالي) و(القلعة) و(السِّپت النَّجمي)‪ .‬اللورد هايتاور كان‬ ‫الحترقَت‪ ،‬ولحا َ‬
‫رجال متديِّنًا‪ ،‬ول َّما سم َع النُّبوءة أبقى ق َّواته في دياره وفت َح ب َّوابات المدينة إلجون لدى وصوله‪ ،‬ومر َخ‬ ‫ً‬
‫ي أن أفعل ما فعلَه السِّپتون األعلى قبل ثالثمئة عام‪،‬‬ ‫بالزيوت السَّبعة‪ .‬عل َّ‬‫صاحب القداسة األعلى الفاتِح ُّ‬ ‫ِ‬
‫ي أن أصلِّي وأصوم»‪.‬‬ ‫عل َّ‬
‫ليال؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سبعة أيام وسبع ٍ‬
‫‪« -‬مهما تطلَّب األمر»‪.‬‬
‫ف َّكرت سرسي وهي تتحرَّق شوقًا إلى صفعه على وجهه الرَّصين‪ :‬أستطي ُع مساعَدتك على الصِّيام‪،‬‬
‫بطعام إلى أن تقول اآللهة كلمتها‪ .‬قالت له‬‫ٍ‬ ‫ُرج ما وأحرص على َّأال يأتيك أحد‬ ‫أستطي ُع أن أحبسك في ب ٍ‬
‫مذ ِّكرةً‪« :‬هؤالء الملوك ال َّزائفون يعتنقون أديانًا باطلةً‪ .‬ملكنا تومن يُدافِع عن العقيدة المق َّدسة»‪.‬‬
‫صبن ويرفعن أصواتهن‬ ‫‪« -‬ومع ذلك تُح َرق السِّپتات وتُس َرق في ك ِّل مكان‪ ،‬وحتى األخوات الصَّامتات اغتُ ِ‬
‫صاحبة الجاللة عظام وجماجم إخوتنا المؤمنين؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الملتاعة إلى السَّماء‪ .‬هل رأت‬
‫ر َّدت مرغمةً‪« :‬رأيتها‪ .‬امنح تومن البَركة وسيضع نهايةً لهذه االنتهاكات»‪.‬‬
‫أخ شحَّاذ؟ هل‬ ‫الطرق مع كلِّ ٍ‬ ‫ُرسل فارسًا يمشي على ُّ‬ ‫‪« -‬وكيف سيفعل ذلك يا جاللة الملكة؟ هل سي ِ‬
‫رجاال لحماية ِسپتواتنا من ال ِّذئاب واألُسود؟»‪.‬‬
‫ً‬ ‫سيُعطينا‬
‫صاحب الجاللة في حاج ٍة إلى ك ِّل رجل»‪ .‬ال نيَّة لدى‬‫ِ‬ ‫سأتظاه ُر بأنك لم تَذ ُكر األُسود‪« .‬البالد في حرب‪.‬‬
‫سرسي في تبديد ق َّوة تومن بإرسال رجاله للعب دور ال ُمرضعات مع العصافير أو حراسة الفروج‬
‫صلِّي نِصفهن طلبًا لالغتصاب‪« .‬عصافيرك يحملون هراوا ٍ‬
‫ت‬ ‫المتغضِّنة أللف ِسپتة كئيبة‪ .‬على األرجح يُ َ‬
‫وفؤوسًا‪ .‬فليُدافِعوا عن أنفسهم»‪.‬‬
‫بمرسوم منه لم تَعُد العقيدة تحمل‬
‫ٍ‬ ‫صاحبة الجاللة بالتَّأكيد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬قوانين الملك ميجور تَحظُر ذلك كما تعلم‬
‫السُّيوف»‪.‬‬
‫ضه ميجور المتو ِّحش قبل ثالثمئة عام؟ ً‬
‫بدال من أخذ‬ ‫‪« -‬تومن الملك اآلن ال ميجور»‪ .‬لِ َم تُبالي بما فر َ‬
‫السُّيوف من أيدي المؤمنين كان عليه استغاللها في تحقيق مآربة‪.‬‬
‫أشا َرت إلى (ال ُمحارب) الواقف فوق مذبحه الرُّ خامي األحمر‪ ،‬وسألَت‪« :‬ما هذا الذي يحمله؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنه سيف»‪.‬‬
‫‪« -‬هل نس َي كيف يستخدمه؟»‪.‬‬
‫‪« -‬قوانين ميجور‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬قابلة لإللغاء»‪ ،‬قالتها وتر َكت القول يسبح في الهواء منتظرةً أن يلتقط السِّپتون األعلى ُّ‬
‫الطعم‪.‬‬
‫عام من‬‫ولم يُ َخيِّب الرَّجل ظنَّها‪ ،‬وقال‪« :‬ميالد ُمناضلي العقيدة من جديد‪ ...‬ستكون هذه إجابةً لثالثمئة ٍ‬
‫ال ُّدعاء يا جاللة الملكة‪ .‬سيرفع (ال ُمحارب) سيفه ثانيةً ويُطَهِّر هذه البالد األثيمة من شرورها‪ .‬إذا سم َح لي‬
‫مؤمن في (الممالك‬‫ٍ‬ ‫صاحب الجاللة بإحياء جماعتَي السَّيف والنَّجمة العريقتيْن المبا َركتيْن فسيعرف كلُّ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫السَّبع) يقينا أنه موالنا الشرعي ال َحق»‪.‬‬
‫حرصت على عدم إبداء لهفتها‪ ،‬وقالت‪« :‬تكلَّمت منذ ٍ‬
‫قليل عن العفو يا‬ ‫َ‬ ‫رائع أن تسمع هذا‪ ،‬لكن سرسي‬
‫صاحب القداسة األعلى‪ .‬في هذه األوقات العصيبة سيكون الملك تومن ممتنًّا للغاية إذا وجدت وسيلةً للعفو‬ ‫ِ‬
‫عن ديون التَّاج‪ .‬على َح ِّد علمي نحن مدينون للعقيدة بنحو تسعمئة ألف تنِّين»‪.‬‬
‫‪« -‬تسعمئة ألف وس ُّتمئة وأربعة وسبعون‪ ،‬ذهب من شأنه إطعام الجياع وإعادة بناء ألف ِسپت»‪.‬‬
‫الذهب أم إبطال قوانين ميجور التي عفا عليها ال َّزمن؟»‪.‬‬‫سألَته الملكة‪« :‬هل تُريد َّ‬
‫ف َّكر السِّپتون األعلى لحظةً‪ ،‬ثم قال‪« :‬كما ترغبين‪ .‬سنعفو عن هذا ال َّدين‪ ،‬وسينال الملك تومن البَركة‪.‬‬
‫سيصحبني أبناء ال ُمحارب إليه متألِّقين بمجد عقيدتهم‪ ،‬بينما يذهب عصافيري للدِّفاع عن الضُّ عفاء‬
‫والمساكين في البالد‪ ،‬مولودين من جدي ٍد كجماعة الصَّعاليك القديمة»‪.‬‬
‫ضت الملكة وس َّوت تنُّورتها قائلةً‪« :‬سآم ُر بتجهيز األوراق‪ ،‬وسيُ َوقِّعها جاللته ويضع عليها الختم‬ ‫نه َ‬
‫الملكي»‪ .‬إذا كان هناك جزء من ال ُملك يحبُّه تومن فهو اللَّعب بختمه‪.‬‬
‫قال السِّپتون األعلى‪« :‬فليحمه (السَّبعة) وعسى أن يطول حُكمه»‪ ،‬وشبَّك أصابعه ورف َع عينيه إلى السَّماء‪،‬‬
‫وأردفَ ‪« :‬فليرتجف األشرار!»‪.‬‬
‫تستطع سرسي أن تمنع نفسها من االبتسام‪ .‬ما كان السيِّد والدها نفسه ليُبلي‬ ‫ِ‬ ‫هل تسمع يا لورد ستانيس؟ لم‬
‫بال ًء أحسن‪ .‬بضرب ٍة واحدة خلَّصت (كينجز الندنج) من وباء العصافير وأ َّمنت بَركة تومن وخفَّضت نحو‬
‫مليون تنِّين من ديون التَّاج‪ .‬كان قلبها ي َُحلِّق تحليقًا إذ سم َحت للسِّپتون األعلى باصطحابها عائدةً إلى (بهو‬
‫القناديل)‪.‬‬
‫ط بأبناء ال ُمحارب أو جماعة الصَّعاليك‪ ،‬فشر َحت‬ ‫شار َكتها الليدي ميريويذر ابتهاجها‪ ،‬مع أنها لم تسمع قَ ُّ‬
‫لها سرسي قائلةً‪« :‬تاريخهم يرجع إلى ما قبل غزوة إجون‪.‬‬
‫أبناء ال ُمحارب كانوا جماعةً من الفُرسان الذين تنازَلوا عن أراضيهم وذهبهم وأق َسموا على تكريس‬
‫ضعًا ولو أن أعدادهم كانت أكبر‬ ‫ً‬
‫رجاال أكثر توا ُ‬ ‫لصاحب القداسة األعلى‪ .‬الصَّعاليك‪ ...‬كانوا‬‫ِ‬ ‫سيوفهم‬
‫الطرق‬ ‫بدال من اآلنية‪ .‬اعتادوا أن يجوبوا ُّ‬ ‫كثيرًا‪ ،‬نوعًا من اإلخوة ال َّشحَّاذين ولكن يحملون الفؤوس ً‬
‫ويصطحبوا ال ُمسافرين من ِسپت إلى ِسپت وبلدة إلى بلدة حاملين شارة النَّجمة السُّباعيَّة‪ ،‬أحمر على‬
‫ضيَّةً‬
‫أبيض‪ ،‬فس َّماهم العا َّمة ال ُّنجوم‪ .‬أ َّما أبناء ال ُمحارب فارتدوا معاطف بألوان قوس قزح ودروعًا ف ِّ‬
‫قمصان من ال َّشعر‪ ،‬وكانت في قبيعة سيف كلٍّ منهم بلَّورة على شكل نجمة‪ .‬هؤالء كانوا‬ ‫ٍ‬ ‫مزخرفةً فوق‬
‫السُّيوف‪ .‬مؤمنون‪ ،‬متنسِّكون‪ ،‬متعصِّبون‪ ،‬مشعوذون‪ ،‬قتَلة تنانين‪ ،‬صيَّادوا شياطين‪ ...‬الحكايات عنهم‬
‫عديدة‪ ،‬لكن جميعها متَّفق على أنهم كانوا ال يُبارون في كراهيتهم لك ِّل أعداء العقيدة المق َّدسة»‪.‬‬
‫قالت الليدي ميريويذر وقد فه َمت في الحال‪« :‬أعداء كاللورد ستانيس ومشعوذته الحمراء ً‬
‫مثال؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫برميال من الهيپوكراس ونشرب‬ ‫ر َّدت سرسي‪« :‬نعم‪ ،‬بالفعل»‪ ،‬وقهقهَت كفتا ٍة صغيرة‪ ،‬وقالت‪« :‬هل نفتح‬
‫نخب حميَّة أبناء ال ُمحارب في طريقنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نخب حميَّة أبناء ال ُمحارب وعبقريَّة الملكة الوصيَّة على العرش! نخب سرسي األولى!»‪.‬‬
‫طاف في الهواء في طريق العودة‬
‫ٍ‬ ‫كان الهيپوكراس حُل ًوا لذي ًذا كانتصار سرسي‪ ،‬وبدا هودج الملكة كأنه‬
‫عبر المدينة‪.‬‬
‫لكن عند سفح (تَل إجون العالي) صادفَت مارچري تايرل وبنات عمومتها العائدات من ركوب الخيل‪،‬‬
‫ول َّما وق َعت عيناها على الملكة الصَّغيرة قالت سرسي لنفسها بضيق‪ :‬تُز ِعجني في ك ِّل مكان‪.‬‬
‫الزهور‬ ‫سالال من ُّ‬‫ً‬ ‫وراء مارچري طابور طويل من أفراد حاشيتها‪ُ ،‬حرَّاس وخدم يحمل كثيرون منهم‬
‫فركب ال ُمرافق الطَّويل الهزيل آلن أمبروز إلى‬ ‫َ‬ ‫كال من بنات عمومتها أحد المعجبين‪،‬‬‫النَّاضرة‪ ،‬وقد الز َم ًّ‬
‫جوار خطيبته إلينور‪ ،‬والسير تاالد مع آال الخجول‪ ،‬ومقطوع ال ِّذراع مارك مالندور مع ِمجا الممتلئة‬
‫وصاحب التَّوأمان ردواين اثنتين من رفيقات مارچري األخريات‪ ،‬ميريديث كرين وچانا‬ ‫َ‬ ‫الضَّحوك‪،‬‬
‫ض َّم چاالبار شو نفسه إلى الرَّكب أيضًا‪ ،‬باإلضافة‬ ‫فوسواي‪ .‬وض َعت كلُّ النِّساء في شعورهن ُّ‬
‫الزهور‪ ،‬و َ‬
‫إلى السير المبرت تِرنبري بالرُّ قعة على عينه‪ ،‬والمغنِّي الوسيم المعروف باسم ال َّشاعر األزرق‪.‬‬
‫الزهور‪ .‬بدا‬ ‫الحرس الملكي الملكة الصَّغيرة‪ ،‬وبالطَّبع هو فارس ُّ‬ ‫ُصاحب فارس من َ‬ ‫ِ‬ ‫وبالطَّبع ال بُ َّد أن ي‬
‫ُحاول ثانيةً أن يُ َد ِّرب‬
‫بالذهبي‪ .‬على الرغم من أنه لم ي ِ‬ ‫السير لوراس متألِّقًا في ِدرعه البيضاء المنقوشة َّ‬
‫تومن على السِّالح فما زا َل الملك الصَّغير يقضي أوقاتًا طويلةً للغاية معه‪ ،‬وكلَّما عا َد الصَّبي بَعد أن‬
‫صةً جديدةً عن شي ٍء قاله السير لوراس أو فعلَه‪.‬‬‫أمضى األصيل مع زوجته الصَّغيرة حكى ق َّ‬
‫حيَّتهم مارچري عندما التقى الرَّكبان وركبَت إلى جوار هودج الملكة‪ .‬كانت وجنتاها متو ِّردتين‪ ،‬وحُليقات‬
‫ريح خفيفة‪ .‬قالت لهم‪« :‬كنا نقطف زهور‬ ‫ٍ‬ ‫انتظام على كتفيها‪ ،‬تُ َحرِّكها مجرَّد نفخة‬
‫ٍ‬ ‫َشعرها البنِّيَّة تنسدل بال‬
‫الخريف من (غابة الملوك)»‪.‬‬
‫أعرف أين كنتم‪ُ .‬مخبروها مفلحون للغاية في إطالعها على ك ِّل حركات مارچري وسكناتها‪ .‬فتاة ملول‬ ‫ُ‬
‫أيام بأكملها تمرُّ دون أن تَخرُج للرُّ كوب‪ .‬أحيانًا يركبون‬ ‫للغاية ملكتنا الصَّغيرة هذه‪ .‬نادرًا ما تَترُك ثالثة ٍ‬
‫أحيان أخرى تأخذ حاشيتها عبر‬ ‫ٍ‬ ‫على طريق (روزبي) لصيد األصداف واألكل على شاطئ البحر‪ ،‬وفي‬
‫النَّهر لقضاء األصيل في الصَّيد بالصُّ قور‪ .‬الملكة الصَّغيرة مولعة بركوب القوارب أيضًا‪ ،‬واإلبحار جيئةً‬
‫صلِّي في ( ِسپت بيلور)‪،‬‬ ‫وذهابًا في (النَّهر األسود) بال وجه ٍة بعينها‪ ،‬ول َّما يع ُز إليها اإليمان تُغا ِدر القلعة لتُ َ‬
‫ثم إنها زبونة عند دست ٍة من الخيَّاطات‪ ،‬ومعروفة جيِّدًا وسط صاغة المدينة‪ ،‬بل ومعروفة أيضًا بزيارة‬
‫سوق السَّمك عند (ب َّوابة الطَّمي) لتُلقي نظرةً على صيد اليوم‪ .‬أينما ذهبَت يتزلَّف إليها العا َّمة‪ ،‬والليدي‬
‫انقطاع تتص َّدق على المتس ِّولين وتشتري الفطير‬ ‫ٍ‬ ‫مارچري تفعل ك َّل ما في إمكانها لتُل ِهب حماستهم‪ .‬بال‬
‫السَّاخن من عربات الخبَّازين وتُوقِف حصانها لتتكلَّم مع عوام التُّجَّار‪.‬‬
‫لو كان األمر بيدها لجعلَت تومن يفعل ك َّل تلك األشياء أيضًا‪ .‬طوال الوقت تدعوه إلى المجيء معها‬
‫الذهاب‪ ،‬وقد وافقَت الملكة‬ ‫ودجاجاتها في مغامراتهن‪ ،‬وطوال الوقت يتوسَّل الصَّبي إلى أ ِّمه لتأذن له في َّ‬
‫أثمر‬
‫ت إضافيَّة في ِرفقة مارچري‪ .‬كأن هذا َ‬ ‫بضع مرَّات‪ ،‬ولو فقط لتسمح للسير أوزني بقضاء بضع ساعا ٍ‬
‫شيئًا‪ .‬أوزني خيَّب آمالي تما ًما‪ .‬سألَت سرسي ابنها‪« :‬هل تَذ ُكر يوم أبح َرت أختك إلى (دورن)؟ هل تَذ ُكر‬
‫ُعواء الرَّعاع في طريق عودتنا إلى القلعة؟ والحجارة واللَّعنات؟»‪.‬‬
‫ص َّم الملك أُذنيه عن سماع صوت العقل‪ ،‬وقال‪« :‬إذا اختلطنا بالعا َّمة‬ ‫لكن بفضل الملكة الصَّغيرة َ‬
‫فسيحبُّوننا أكثر»‪.‬‬
‫ذ َّكرته قائلةً‪« :‬الرَّعاع أحبُّوا السِّپتون األعلى السَّمين لدرجة أنهم م َّزقوه إربًا رغم قدسيَّته»‪ ،‬لكن قولها لم‬
‫حاول بكلِّ وسيل ٍة أن‬ ‫يوم تُ ِ‬
‫أراهن أن هذا ما أرادَته مارچري بالضَّبط‪ .‬كلُّ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُفض َّإال إلى وجوم تومن‪.‬‬‫ي ِ‬
‫ليستشف ال َّدسائس المتوارية تحت ابتساماتها‪ ،‬لكن تومن أكثر سذاجةً‪ .‬ف َّكرت‬ ‫َّ‬ ‫تسرقه مني‪ .‬كان چوفري‬
‫الذهب التي وجدَها كايبرن‪ :‬كانت تعلم أن چوف أقوى من أن تحتال عليه‪ ،‬وألجل أن يكون‬ ‫متذ ِّكرة العُملة َّ‬
‫لعائلة تايرل أمل في الحُكم كان يجب أن يُزاح‪ .‬عا َد إلى ذاكرتها فجأةً أن مارچري وج َّدتها ال َّشنيعة خطَّطتا‬
‫ذات م َّر ٍة لتزويج سانزا ستارك بويالس أخي الملكة الصَّغيرة ال ُمعاق‪ ،‬وقد أحبطَ اللورد تايوين هذا‬
‫المخطَّط باستباق آل تايرل وتزويج سانزا بتيريون‪ ،‬لكن الرَّابط موجود‪ .‬قالت لنفسها مفزوعةً وقد َحطَّ‬
‫عليها اإلدراك‪ :‬كلُّهم متآمرون معًا‪ .‬آل تايرل رشوا ال َّسجَّانين إلطالق سراح تيريون وهرَّبوه على‬
‫(الطَّريق الوردي) لينض َّم إلى عروسه البغيضة‪ .‬ال بُ َّد أنهما آمنان اآلن في (هايجاردن)‪ ،‬مختبئان وراء‬
‫جدار من الورود‪.‬‬‫ٍ‬
‫ت معنا يا‬ ‫بينما صعدوا منحدَر (تَل إجون العالي) واصلَت المتآمرة الصَّغيرة ثرثرتها قائلةً‪ِ « :‬‬
‫ليتك أتي ِ‬
‫والزهور في كلِّ‬‫ُّ‬ ‫جاللة الملكة‪ .‬كنا لنقضي وقتًا رائعًا معًا‪ .‬األشجار متَّشحة َّ‬
‫بالذهبي واألحمر والبُرتقالي‪،‬‬
‫مكان‪ ،‬والكستناء أيضًا‪ .‬شوينا القليل في طريق العودة»‪.‬‬
‫الزهور‪ .‬إن عندي مملكةً أحكمها»‪.‬‬ ‫ي وقت للرُّ كوب في الغابة وقطف ُّ‬ ‫قالت سرسي‪« :‬ليس لد َّ‬
‫ر َّدت مارچري‪« :‬واحدة فقط يا جاللة الملكة؟ و َمن يَح ُكم السِّت األخريات؟»‪ ،‬وأطلقَت ضحكةً مرحةً‬
‫أشاركك‬
‫ِ‬ ‫أعرف العبء الذي تحملينه‪ .‬يَج ُدر ِ‬
‫بك أن تدعيني‬ ‫ُ‬ ‫قصيرةً‪ ،‬وأردفَت‪« :‬آم ُل أن تغفري لي مزحتي‪.‬‬
‫ألعينك‪ .‬سيضع هذا ح ًّدا لك ِّل الكالم ال َّدائر عن تنافُسنا على‬ ‫ِ‬ ‫إياه‪ .‬ال بُ َّد من وجود أشياء يُمكنني فِعلها‬
‫الملك»‪.‬‬
‫ط ولو لحظةً»‪.‬‬ ‫مبتسمةً قالت سرسي‪« :‬أهذا ما يقولون؟ حماقة‪ .‬إنني لم أع َّد ِك منافِسة قَ ُّ‬
‫لم يب ُد على الفتاة أنها أدر َكت ما في ردِّها من استخفاف‪ ،‬وقالت‪« :‬يسرُّ ني للغاية أن أسمع هذا‪ .‬يجب أن‬
‫أعرف أن جاللته سيحبُّ هذا‪ .‬ال َّشاعر األزرق يُ َغنِّي لنا‪ ،‬والسير تاالد‬
‫ُ‬ ‫ت وتومن المرَّة القادمة‪.‬‬
‫تأتي معنا أن ِ‬
‫أرانا كيف نُقاتِل بالنَّبابيت على غرار العوام‪ .‬الغابة جميلة للغاية في الخريف»‪.‬‬
‫ُناشدها طوال الوقت أن‬ ‫ضا»‪ .‬في سنوات زواجهما األولى كان روبرت ي ِ‬ ‫‪« -‬زوجي الرَّاحل أحبَّ الغابة أي ً‬
‫أتاحت لها رحالته قضاء الوقت مع چايمي‪ .‬نهارات من‬ ‫تذهب معه للصَّيد‪ ،‬لكن سرسي اعتذ َرت دو ًما‪ ،‬إذ َ‬
‫ُجازفان‪ ،‬ف(القلعة الحمراء) مألى باألعيُن واآلذان دو ًما‪ ،‬ولم‬ ‫ذهب وليالت من فضَّة‪ .‬ال َش َّ‬
‫ك أنهما كانا ي ِ‬
‫يكونا متأ ِّكدين متى قد يعود روبرت‪ ،‬لكن بوسيل ٍة ما جع َل الخطر أوقاتهما معًا تبدو أكثر إثارةً مرارًا‪ .‬قالت‬
‫للملكة الصَّغيرة مح ِّذرةً‪« :‬ولو أن ال َجمال من شأنه أن يُخفي خطرًا مميتًا أحيانًا‪ .‬روبرت فق َد حياته في‬
‫الغابة»‪.‬‬
‫جاللتك أن تخافي‬
‫ِ‬ ‫من َحت مارچري السير لوراس ابتسامةً أخويَّةً عذبةً مفعمةً بالحنان‪ ،‬وقالت‪« :‬لُطف من‬
‫ي‪ ،‬لكن أخي يحميني جيِّدًا»‪.‬‬
‫عل َّ‬
‫عشرات المرَّات ألحَّت سرسي على روبرت قائلةً‪ :‬اذهب للصَّيد‪ ،‬أخي يحميني جيِّدًا‪ .‬تذ َّكرت ما قالَته تاينا‬
‫قبال‪ ،‬وتفجَّرت من بين شفتيها ضحكة‪.‬‬ ‫ً‬
‫جاللتك جميلة للغاية‪َّ .‬‬
‫هال أشركتِنا في ال ُّدعابة؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ابتس َمت لها الليدي مارچري بفضول‪ ،‬وقالت‪« :‬ضحكة‬
‫ر َّدت الملكة‪« :‬ستشتركون فيها‪ ،‬هذا وعد»‪.‬‬
‫ال ُمغير‬
‫ق ِمد ُّكها المياه الخضراء المتالطمة نحو‬ ‫دقَّت طبول المعركة و(النَّصر الحديدي) تتق َّدم مسرعةً‪ ،‬يش ُّ‬
‫فرف الورود؛ من كلٍّ‬‫السَّفينة األصغر حج ًما التي تدور أمامهم ومجاذيفها تضرب البحر وعلى راياتها تُ َر ِ‬
‫من المقدِّمة والمؤ ِّخرة ترتفع وردة بيضاء على خلفيَّ ٍة حمراء بشكل ال ِم َجنِّ ‪ ،‬وفوق صاريتها وردة ذهبيَّة‬
‫ُنف أفق َد ِنصف رجال فِرقة االقتحام‬ ‫على خلفيَّ ٍة خضراء كالنَّجيل‪ .‬ارتط َمت (النَّصر الحديدي) بجانبها بع ٍ‬
‫كلحن أ َّخاذ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ت تر َّدد في أُذني القائد‬
‫توا ُزنهم‪ ،‬وانقص َمت المجاذيف وتشظَّت بصو ٍ‬
‫ظهره‪ ،‬فتراج َعت الورود‬ ‫الذهبي يخفق وراء َ‬ ‫وحطَّ على السَّطح األدنى ومعطفه َّ‬‫وثب من فوق الحاجز َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫البيضاء كدأب ال ِّرجال ال َّدائم لدى مرأى ڤيكتاريون جرايچوي مسلحًا مد َّرعًا وقد توارى وجهه تحت خوذة‬
‫وحرابًا وفؤوسًا‪ ،‬غير أن تسعةً من ك ِّل عشر ٍة ال تحميهم دروع‪ ،‬والعاشر ال‬ ‫الكرا ِكن‪ .‬كانوا يحملون سيوفًا ِ‬
‫رجاال حديديِّين‪ ،‬ما زالوا يخافون‬ ‫ً‬ ‫قميص من الحلقات المعدنيَّة المخيطة‪ .‬هؤالء ليسوا‬‫ٍ‬ ‫يرتدي أكثر من‬
‫الغرق‪.‬‬
‫صاح أحدهم‪« :‬نلوا منه! إنه بمفرده!»‪.‬‬
‫َ‬
‫وهد َر ڤيكتاريون مجيبًا‪« :‬هلم ُّ وا! تعالوا واقتُلوني إن استطعتم!»‪.‬‬
‫التف ُمحاربو الورود حوله‪ ،‬في أيديهم الفوالذ الرَّمادي وفي أعيُنهم ال ُّذعر‪ ،‬محسوسٌ‬ ‫َّ‬ ‫ب‬
‫من ك ِّل صو ٍ‬
‫انهال بضرباته شاطرًا ذراع الرَّجل األول من‬
‫َ‬ ‫ماال ويمينًا‬ ‫ملموسٌ خوفهم لدرجة أنه تذ َّوقه على لسانه‪ِ .‬ش ً‬
‫عند ال ِمرفق وفالقًا كتف الثَّاني‪ ،‬ودفنَ الثَّالث رأس فأسه في خشب تُرس ڤيكتاريون الصَّنوبري اللَّيِّن‪،‬‬
‫حاول النُّهوض‪.‬‬
‫َ‬ ‫فهوى به على وجه األحمق طارحًا إياه أرضًا‪ ،‬وقتلَه ل َّما‬
‫لوحي الكتفين‪ ،‬فأحسَّ كأن أحدًا‬ ‫ُحاول انتزاع فأسه من قفص القتيل الصَّدري وخزَته حربة بين َ‬ ‫بينما ي ِ‬
‫ظهره‪ ،‬ودا َر ڤيكتاريون على عقبيه وهوى بفأسه على رأس حامل الحربة شاعرًا بتأثير‬ ‫لط َمه على َ‬
‫ق الفوالذ الخوذة وال َّشعر والجمجمة‪ .‬ترنَّح الرَّجل لحظةً أو أقلَّ‪ ،‬ثم انتز َع القائد‬ ‫الصَّدمة في ذراعه إذ َش َّ‬
‫بأطراف مرتخية على سطح السَّفينة وهي تبدو سكرانة أكثر من ميتة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ك الجثَّة تَسقُط‬‫الحديدي فوالذه وتر َ‬
‫عندها كان رجاله الحديديُّون قد تبعوه إلى سطح السَّفينة الطَّويلة المحطَّمة‪ .‬سم َع وولف ذا األُذن الواحدة‬
‫الحالق يُلقي‬ ‫َّ‬ ‫صدئ‪ ،‬ورأى نيوت‬ ‫يُطلِق ُعوا ًء وهو يبدأ العمل‪ ،‬ولم َح راجنور پايك في قميصه المعدني ال َّ‬
‫رجال آخَر وآخَر‪ ،‬وكان ليَقتُل ثالثًا‬
‫ً‬ ‫دارت في الهواء وأصابَت أحد الخصوم في صدره‪ .‬قت َل ڤيكتاريون‬ ‫فأسًا َ‬
‫أوال‪ ،‬فجأ َر مخاطبًا إياه‪« :‬أحسنت الق ْتلة!»‪.‬‬
‫على التَّوالي‪ ،‬لكن راجنور أرداه ً‬
‫حين التفتَ باحثًا عن ضحيَّة فأسه التَّالية أبص َر الرُّ بَّان اآلخَر عبر سطح السَّفينة‪ ،‬سُترته البيضاء الطَّويلة‬
‫مل َّوثة بال َّدم الطَّازج والمتخثِّر‪َّ ،‬إال أن ڤيكتاريون ميَّز الرَّمز على صدره‪ ،‬الوردة البيضاء على ال ِم َجنِّ‬
‫األحمر‪ ،‬وقد حم َل تُرسه الرَّمز نفسه على خلفيَّ ٍة بيضاء مؤطَّرة بشكل ُشرفات الحصن‪ .‬ناداه الرُّ بَّان‬
‫الحديدي عبر المقتلة بينهما‪« :‬أنت! أنت يا حامل الوردة! أأنت سيِّد (تُرس الجنوب)؟»‪.‬‬
‫وأجاب‪« :‬ابنه ووريثه‪ ،‬السير تالبرت سيري‪ .‬و َمن‬
‫َ‬ ‫رف َع الرُّ بَّان اآلخَر مقدِّمة خوذته ليظهر وجهه الحليق‪،‬‬
‫أنت أيها الكرا ِكن؟»‪.‬‬
‫َر َّد ڤيكتاريون‪« :‬موتك»‪ ،‬وانقضَّ عليه‪.‬‬
‫وثب سيري يُجابِهه رافعًا سيفه الفوالذي المطرَّق في قلعة‪ ،‬وقد جعلَه الفارس ال َّشاب يُ َغنِّي‪ .‬كانت ضربته‬
‫َ‬
‫األولى منخفضةً وتلقَّاها ڤيكتاريون على فأسه‪ ،‬وأصابَت الثَّانية الرُّ بَّان الحديدي على خوذته قبل أن يرفع‬
‫ضها تُرس سيري لتتطايَر شظايا الخشب وتنش َّ‬
‫ق الوردة‬ ‫تُرسه‪ ،‬فر َّدها بضرب ٍة جانبيَّة من فأسه اعتر َ‬
‫ت حاد عذب‪ .‬هوى السَّيف الطَّويل على فخذه م َّرةً واثنتين وثالثًا صار ًخا مع‬ ‫بالطول بصو ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫البيضاء‬
‫احتكاكه بفوالذ ِدرعه‪ ،‬فقال الرُّ بَّان الحديدي لنفسه‪ :‬الصَّبي سريع‪ ،‬وهوى بتُرسه على وجه سيري دافعًا‬
‫إياه إلى التَّراجُع مترنِّحًا إلى الحاجز‪ ،‬ثم رف َع ڤيكتاريون فأسه واضعًا ثِقله كلَّه وراء ضربتها ليفلق جسد‬
‫وانغرس رأس الفأس في الحاجز الخشبي‬ ‫َ‬ ‫الصَّبي من العُنق إلى ملتقى الفخذين‪ ،‬لكن سيري دا َر متملِّصًا‪،‬‬
‫مطيِّرًا ال َّشظايا‪ ،‬ول َّما حاو َل ڤيكتاريون انتزاعه وجدَه عالقًا‪ ...‬وتحرَّك ظَهر السَّفينة تحت قدميه وسقطَ على‬
‫رُكبته‪.‬‬
‫ألقى السير تالبرت تُرسه المه َّشم وس َّدد ضربةً بسيفه الطَّويل‪ ،‬وكان تُرس ڤيكتاريون قد التوى جزئيًّا حين‬
‫ص َّد النَّصل بقبض ٍة من حديد‪ ،‬ليتحطَّم فوالذ قُفَّازه المقعَّر وتسري في ذراعه طعنة من األلم جعلَته‬ ‫سقطَ‪ ،‬ف َ‬
‫يئن‪ ،‬لكنه ظَ َّل متشبِّثًا‪ ،‬وقال‪« :‬أنا أيضًا سريع يا فتى»‪ ،‬وانتز َع السَّيف من يد الفارس وألقاه في البحر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫اتَّسعت عينا السير تالبرت‪ ،‬وغمغ َم‪« :‬سيفي‪.»...‬‬
‫قائال‪« :‬اذهب واعثُر عليه»‪ ،‬وألقاه من فوق الحاجز في‬
‫ط َّوق ڤيكتاريون رقبة الصَّبي بقبضته ال َّدامية ً‬
‫المياه الملطَّخة بالدِّماء‪.‬‬
‫ُحاول‬
‫من َحه هذا فترة راح ٍة ليُ َح ِّرر فأسه من الخشب‪ .‬كانت الورود البيضاء تترا َجع أمام السَّيل الحديدي‪ ،‬ي ِ‬
‫بعضها الفرار إلى قلب السَّفينة ويَصرُخ بعضها متوس ًِّال الرَّحمة‪ .‬شع َر ڤيكتاريون بال َّدم ال َّدافئ يسيل على‬
‫والجلد والفوالذ المقعَّر‪ ،‬لكن هذا ال شيء‪ .‬حول الصَّارية رأى مجموعةً‬ ‫ِ‬ ‫أصابعه تحت الحلقات المعدنيَّة‬
‫كتف في حلقة‪ ،‬فف َّكر‪ :‬هؤالء القالئل رجال على األقل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُواصلون القتال كتفًا إلى‬ ‫ملت َّزةً من الخصوم ي ِ‬
‫ق بفأسه على تُرسه وانقضَّ عليهم‪.‬‬ ‫يُؤثِرون الموت على االستسالم‪ ،‬و َد َّ‬
‫لم يخلق اإلله الغريق ڤيكتاريون جرايچوي للقتال بالكلمات في انتخاب الملك‪ ،‬وال لمغالَبة األعداء الخفيِّين‬
‫ض َع على هذه األرض لكي يفعله‪ ،‬ألن يقف مد َّرعًا‬ ‫ت بال نهاية‪ ،‬أ َّما هذا فهو ما ُو ِ‬ ‫المتسلِّلين في مستنقعا ٍ‬
‫عمال الموت مع ك ِّل ضربة‪.‬‬ ‫بالفوالذ وفي يده فأس حمراء يَقطُر منها ال َّدم‪ُ ،‬م ً‬
‫صفصاف‪ .‬ال نصل يُمكنه النَّفاذ من‬ ‫صبه بأذى كأنها غصون َ‬ ‫من األمام والخلف ها َجموه‪ ،‬لكن سيوفهم لم تُ ِ‬
‫ِدرع ڤيكتاريون جرايچوي الثَّقيلة‪ ،‬وال أعطى هو ُغرماءه فُرصة العثور على نقاط الضَّعف عند المفاصل‬
‫ُهاجمه ثالثة رجال‪ ،‬أو أربعة‪ ،‬أو خمسة‪ ،‬ال فرق‪ .‬واحدًا تلو‬ ‫الجلد وحلقات المعدن‪ .‬فلي ِ‬ ‫حيث ال يقيه َّإال ِ‬
‫غريم سلَّط ڤيكتاريون ثورته على‬ ‫ٍ‬ ‫اآلخَر قتلَهم مؤتمنًا فوالذه على حمايته من اآلخَرين‪ ،‬وإذ سقطَ كلُّ‬
‫التَّالي‪.‬‬
‫رجل واجهَه ح َّداد‪ ،‬فللرَّجل كتفان ضخمتان كأكتاف كالثِّيران وإحداهما مفتولة العضالت‬ ‫ٍ‬ ‫ال بُ َّد أن ِ‬
‫آخر‬
‫أكثر من الثَّانية بكثير‪ .‬ليست ِدرعه أكثر من سُتر ٍة ِجلديَّة مرصَّعة بالحديد وقبَّعة من ِ‬
‫الجلد المق َّوى‪،‬‬
‫والضَّربة الوحيدة التي س َّددها أكملَت دمار تُرس ڤيكتاريون‪ ،‬لكن الضَّربة التي َر َّد بها القائد شط َرت رأسه‬
‫نِصفين‪ .‬ليتني أستطي ُع التَّعا ُمل مع عين ال ُغراب بهذه البساطة‪ .‬حين انتز َع رأس فأسه ثانيةً انفج َر رأس‬
‫وتناثرت العظام والدِّماء وخاليا ال ُم ِّخ في ك ِّل مكان‪ ،‬وسقطَت الجثَّة إلى األمام على ساقيه‪ ،‬وف َّكر‬ ‫َ‬ ‫الح َّداد‪،‬‬
‫ڤيكتاريون وهو يُ َخلِّص نفسه من الرَّجل الميت‪ :‬فاتَ أوان توسُّل الرَّحمة‪.‬‬
‫صار زلقًا تحت قدميه‪ ،‬وأكوام الموتى والمحتضرين على ك ِّل جانب‪ .‬ألقى‬ ‫َ‬ ‫عندئ ٍذ كان سطح السَّفينة قد‬
‫الحالق يقول من جانبه‪« :‬حضرة القائد‪ ،‬النَّصر لنا»‪.‬‬ ‫تُرسه و َعبَّ الهواء‪ ،‬وسم َع َّ‬
‫حولهم من ك ِّل جه ٍة امتألَ البحر بالسُّفن‪ ،‬بعضها يحترق وبعضها يغرق وبعضها تحطَّم تما ًما‪ ،‬وبين أبدانها‬
‫المياه زاخرة بالجُثث والمجاذيف المكسورة والرِّ جال المتمسِّكين بالحُطام‪ ،‬ومن بعي ٍد نِصف دست ٍة من سُفن‬
‫الجنوبيِّين الطَّويلة تهرع صوب نهر (الماندر)‪ .‬فليذهبوا ويحكوا الحكاية‪ .‬ما إن يُ َولِّي الرَّجل األدبار ويف َّر‬
‫ً‬
‫رجال‪.‬‬ ‫من المعركة ال يعود‬
‫مالحيه على َحلِّ أربطة‬ ‫كانت عيناه تُؤلِمانه من ال َعرق الذي سا َل فيهما خالل القتال‪ .‬ساعدَه اثنان من َّ‬
‫خوذة الكرا ِكن ليرفعها‪ ،‬وجفَّف ڤيكتاريون جبهته مدمد ًما‪« :‬الفارس‪ ،‬فارس الوردة البيضاء‪ .‬هل سحبَه أحد‬
‫ق فديةً ال بأس بها‪ ،‬من أبيه إذا نجا اللورد سيري من المعركة‪ ،‬وإن‬ ‫من الماء؟»‪ .‬الصَّبي ابن لورد ويستح ُّ‬
‫لم يكن فمن ول ِّي أمره في (هايجاردن)‪.‬‬
‫ط في الماء‪ ،‬وعلى األرجح غرقَ‪ ،‬فقال‬ ‫على أن أحدًا من رجاله لم ي َر ما جرى للفارس بَعد أن سق َ‬
‫ڤيكتاريون‪« :‬عسى أن ينعم كما قات َل في أبهاء اإلله الغريق المائيَّة»‪.‬‬
‫خوف ويَد ُخلون‬ ‫ٍ‬ ‫مع أن أهل (جُزر التُّروس) يقولون عن أنفسهم إنهم بحَّارة‪ ،‬فإنهم يجتازون البحر في‬
‫المعارك مرتدين ثيابًا خفيفةً خشية الغرق‪ ،‬أ َّما سيري ال َّشاب فمختلف‪ .‬رجل ُشجاع‪ ،‬يكاد يكون حديديًّا‪.‬‬
‫واختار دستةً من الرِّ جال لطاقمها‪ ،‬ثم عا َد يصعد إلى سطح سفينته‬ ‫َ‬ ‫أعطى راجنور پايك السَّفينة المأسورة‬
‫الحالق‪« :‬ج ِّردوا األسرى من السِّالح وال ُّدروع وض ِّمدوا جراحهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫(النَّصر الحديدي)‪ ،‬حيث قال لنيوت‬
‫وألقوا المحتضرين في البحر‪ .‬إذا توسَّل أحدهم الرَّحمة فاذبحوه»‪ .‬ال يَشعُر ڤيكتاريون َّإال باالحتقار نحو‬
‫أمثالهم‪ ،‬فالمفت َرض أن خيرًا لهم أن يغرقوا في مياه البحر من الدِّماء‪« .‬أري ُد إحصاء السُّفن التي ظفرنا بها‬
‫وجميع الفُرسان وصغار اللوردات الذين أسرناهم‪ ،‬وأري ُد راياتهم كذلك»‪.‬‬
‫بطش بهم وقت أن‬ ‫َ‬ ‫يوم سيُ َعلِّقها في قاعته‪ ،‬وعندما يشيخ ويتم َّكن منه الوهن سيتذ َّكر ك َّل األعداء الذين‬ ‫ذات ٍ‬
‫كان يتمتَّع بق َّوته و ُعنفوانه‪.‬‬
‫َر َّد نيوت بابتسام ٍة واسعة‪« :‬كما تأمر‪ .‬إنه انتصار عظيم»‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬انتصار عظيم لعين ال ُغراب وسحرته‪ .‬سيهتف الرَّبابنة اآل َخرون باسم أخيه من جدي ٍد عندما تَبلُغ‬
‫األنباء (تُرس السَّنديان)‪ .‬لقد سح َرهم يورون بلسانه المعسول وعينه الباسمة وض َّمهم إلى قضيَّته بغنائم من‬
‫عشرات البلدان البعيدة؛ ذهب وفضَّة‪ ،‬ودروع من َّمقة وسيوف مق َّوسة بقبائع مذهَّبة وخناجر من الفوالذ‬
‫هول عتيقة من‬ ‫ٍ‬ ‫وقطط رقطاء‪ ،‬ومانتيكورات من اليَشب وتماثيل أبي‬ ‫ٍ‬ ‫نمور مخطَّطة‬
‫ٍ‬ ‫الڤاليري‪ ،‬وجلود‬
‫(ڤاليريا)‪ ،‬وصناديق من جوز الطِّيب والقرنفل وال َّزعفران‪ ،‬وأنياب من العاج وقرون يونيكورنات‪ ،‬وريش‬
‫أخضر وبُرتقالي وأصفر من (جُزر الصَّيف)‪ ،‬ولفائف من الحرير النَّاعم والسَّميت البرَّاق‪ ...‬لكن ك َّل هذا‬
‫ال يُذ َكر مقارنةً بما أعطاهم إياه اآلن‪ .‬اآلن أعطاهم الغزو وأصبحوا له بال رجعة‪ .‬تر َكت الفكرة مذاقًا ُم ًّرا‬
‫ق‬
‫متكاسال في قلعة‪ .‬لقد سر َ‬ ‫ً‬ ‫على لسانه‪ .‬هذا انتصاري أنا ال انتصاره‪ .‬أين هو؟ في (تُرس السَّنديان) يجلس‬
‫ق عرشي‪ ،‬واآلن يسرق مجدي‪.‬‬ ‫زوجتي وسر َ‬
‫الطَّاعة من طباع ڤيكتاريون جرايچوي ومفطور عليها‪ .‬خالل نشأته في ِظلِّ إخوته وقبل بلوغه مبلغ‬
‫ص في كلِّ ما فعلَه‪ ،‬والحقًا بَعد مولد أبناء بالون تقبَّل مع مرور الوقت حقيقة أنه‬ ‫ال ِّرجال تب َع بالون بإخال ٍ‬
‫سيركع لهم أيضًا عندما يحلُّ أحدهم مح َّل أبيه على ُكرسي حجر اليم‪َّ .‬إال أن اإلله الغريق استدعى بالون‬
‫وأبناءه إلى أبهائه المائيَّة‪ ،‬واآلن ال يستطيع ڤيكتاريون أن يدعو يورون بالملك دون أن يذوق المرارة في‬
‫َحلقه‪.‬‬
‫وذهب إلى‬‫َ‬ ‫الرِّيح منعشة‪ ،‬وعطشه يتأجَّج‪ .‬دائ ًما يشتهي النَّبيذ بَعد المعركة‪ ،‬وهكذا سلَّم نيوت سطح السَّفينة‬
‫أسفل‪ ،‬وفي قمرته الضيِّقة في المؤ ِّخرة وج َد المرأة السَّمراء مبتلَّةً وجاهزةً‪ .‬ربما أح َمت المعركة دماءها‬
‫أيضًا‪ .‬أخ َذها مرَّتين متتاليتين بال استراحة‪ ،‬ول َّما فرغا كان ال َّدم يُلَطِّخ ثدييها وفخذيها وبطنها‪ ،‬لكنه دمه هو‬
‫النَّازف من الجرح البليغ في يده‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعترف‬ ‫غسلَته له السَّمراء بالخَ ِّل المغلي‪ ،‬وبينما تركع إلى جواره قال ڤيكتاريون‪« :‬الخطَّة كانت موفَّقةً‪،‬‬
‫بهذا‪( .‬الماندر) مفتوح لنا اآلن كما كان من قديم»‪ .‬إنه نهر خامل‪ ،‬واسع وبطيء الجريان ومليء بأخطار‬
‫غصون األشجار السَّاقطة واالمتدادات الرَّمليَّة المرتفعة‪ ،‬وهكذا ال يجرؤ معظم مراكب البحر على‬
‫اإلبحار فيه بَعد (هايجاردن)‪ ،‬لكن السُّفن الطَّويلة بغواطسها المسطَّحة بإمكانها اإلبحار في اتِّجاه التَّيَّار‬
‫حتى (جسر العلقم)‪ .‬في سالف ال َّزمن اعتا َد حديديُّو الميالد خوض النَّهر بجرأ ٍة واإلغارة على جانبيه‬
‫وعلى روافده‪ ...‬إلى أن سلَّح ملوك األراضي الخضراء صيَّادي الجُزر األربع الصَّغيرة عند مصبِّ‬
‫(الماندر) وس َّموها تُروسه‪.‬‬
‫عام مرَّا‪ ،‬لكن في أبراج المراقبة على شواطئ الجُزر الوعرة ما زا َل المس ُّنون يقفون حراسةً حتى‬ ‫ألفا ٍ‬
‫ُشعل هؤالء العجائز نيران مناراتهم ويثب النِّداء من تَلٍّ إلى تَلٍّ ومن‬ ‫اآلن‪ ،‬وعند أول بادر ٍة للسُّفن الطَّويلة ي ِ‬
‫صيَّادون النَّار مضطرمةً في البقاع‬ ‫جزير ٍة إلى جزيرة‪ .‬خوف! أعداء! ُمغيرون! ُمغيرون! حين يرى ال َّ‬
‫العالية يضعون شباكهم ومحاريثهم جانبًا ويحملون السُّيوف والفؤوس‪ ،‬ويهرع سادتهم من قالعهم وفي‬
‫صُحبتهم فُرسانهم وجنودهم‪ ،‬وتُ َد ِّوي أبواق الحرب عبر الماء من (التُّرس األخضر) و(التُّرس الرَّمادي)‬
‫و(تُرس السَّنديان) و(تُرس الجنوب)‪ ،‬وتَخرُج سُفنهم الطَّويلة من أحواضها الحجريَّة المغطَّاة بالطَّحالب‬
‫بطول ال ُّشطآن‪ ،‬تُو ِمض مجاذيفها بينما تحتشد في المضايق إلغالق (الماندر) ومطا َردة ال ُمغيرين وسياقتهم‬
‫إلى حتفهم‪.‬‬
‫والمالح األحمر يخوضان (الماندر) بدست ٍة من السُّفن‬ ‫َّ‬ ‫كال من توروولد ذي السِّن البنِّيَّة‬ ‫أرس َل يورون ًّ‬
‫الطَّويلة السَّريعة كي يندفع لوردات (جُزر التُّروس) إلى مطا َردتهما‪ ،‬ولدى وصول الق َّوة األساسيَّة من‬
‫أسطوله لم تَعُد هناك َّإال حفنة من ال ُمقاتلين المتبقِّين للدِّفاع عن الجُزر نفسها‪ .‬أتى الحديديُّون مبحرين في‬
‫تيَّار المساء‪ ،‬ليُخفيهم وهج ال َّشمس الغاربة عن أعيُن المسنِّين في أبراج المراقبة حتى يفوت األوان‪ .‬كانت‬
‫الرِّياح تهبُّ من ورائهم ِمثلما ظلَّت منذ إقالعهم من (ويك القديمة)‪ ،‬وقد س َرت عبر األسطول همسات‬
‫تقول إن سحرة يورون لعبوا دورًا كبيرًا في هذا‪ ،‬إن عين ال ُغراب استرضى إله العواصف بقرابين ال َّدم‪،‬‬
‫جرت العادة؟ رسا‬ ‫وإال كيف كان ليَجسُر على التَّو ُغل غربًا هكذا ً‬
‫بدال من اإلبحار بمحاذاة السَّاحل كما َ‬ ‫َّ‬
‫حديديُّو الميالد بسُفنهم الطَّويلة على األرصفة الحجريَّة وتدفَّقوا منها في الغسق األرجواني والفوالذ يَبرُق‬
‫في أيديهم‪ .‬عندئ ٍذ كانت المنارات قد أضيئَت في البقاع العالية‪ ،‬ولكن في وجود قالئل يحملون السِّالح‪.‬‬
‫سقطَت (التُّرس الرَّمادي) و(التُّرس األخضر) و(تُرس الجنوب) قبل شروق ال َّشمس‪ ،‬بينما ظلَّت (تُرس‬
‫السَّنديان) صامدةً طول نِصف النَّهار‪ ،‬وحين تخلَّى رجال (جُزر التُّروس) عن مطا َردتهم توروولد‬
‫والمالح األحمر وعادوا أدراجهم وجدوا األسطول الحديدي ينتظرهم عند مصبِّ (الماندر)‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ض ِّمد يده بالكتَّان‪« :‬كلُّ شي ٍء جرى كما قال يورون‪ .‬ال بُ َّد أن سحرته رأوا هذا»‪ .‬إن‬ ‫قال للسَّمراء وهي تُ َ‬
‫رجاال أغرابًا فُظعاء‪ ،‬لكن عين ال ُغراب‬ ‫ً‬ ‫باح له كويلون همبل همسًا‪،‬‬ ‫معه ثالثةً على متن (الصَّمت)‪ ،‬كما َ‬
‫استعبدَهم‪ .‬واص َل ڤيكتاريون بإصرار‪« :‬لكنه ما زا َل محتاجًا إل َّي لخوض المعارك‪ .‬ال بأس بالسَّحرة‪ ،‬لكن‬
‫ق قبضته‬ ‫جعل ال َخلُّ ألم جرحه أسوأ من قبل‪ ،‬فدف َع السَّمراء جانبًا وأغل َ‬ ‫َ‬ ‫الحروب تُربَح بال َّدم والفوالذ»‪.‬‬
‫أحضري لي نبي ًذا»‪.‬‬
‫بسحن ٍة مكفهرَّة‪ ،‬وقال‪ِ « :‬‬
‫زلت قاتِل أقربين؟ ال يخشى ڤيكتاريون‬ ‫ُ‬ ‫شرب في الظَّالم مف ِّكرًا في أخيه‪ .‬إذا لم أوجِّه الضَّربة بيدي أفما‬
‫َ‬
‫إنسانًا‪ ،‬لكن لعنة اإلله الغريق تبعث على التَّر ُّدد‪ .‬إذا جندلَه أحد غيري بأمري فهل تُلَ ِّوث دماؤه يدَي أنا؟‬
‫مكان ما في (جُزر الحديد)‪ ،‬ال يزال يأمل‬
‫ٍ‬ ‫كان آرون ذو ال َّشعر الرَّطب ليعرف الجواب‪ ،‬لكن الرَّاهب في‬
‫س من بُعد مئة‬‫رجل برمية فأ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أن يُ َجيِّش الحديديِّين ضد ملكهم المت َّوج لت ِّوه‪ .‬نيوت يُمكنه أن يحلق لحية‬
‫ياردة‪ ،‬وال أحد من ِهجان يورون يقوى على الصُّ مود ضد وولف ذي األُذن الواحدة أو أندريك الال مبتسم‪.‬‬
‫بإمكان أيِّهم أن يفعلها‪ ...‬لكن ما يستطيع الرَّجل أن يفعله شيء وما يقبل أن يفعله شيء مختلف‪ ،‬وهو ما‬
‫يعلمه ڤيكتاريون‪.‬‬
‫قائال‪« :‬تجديف يورون سيستجلب غضبة اإلله الغريق علينا جميعًا‪ .‬يجب أن‬ ‫في (ويك القديمة) تنبَّأ آرون ً‬
‫نُوقِفه يا أخي‪ .‬إننا ما زلنا من دم بالون‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ضا‪ .‬األمر ال يروقني أكثر منك‪ ،‬لكن يورون الملك‪ .‬االنتخاب الذي دعوت أنت‬ ‫َر َّد ڤيكتاريون‪« :‬وهو أي ً‬
‫إليه رف َعه‪ ،‬وبنفسك وضعت تاج الخشب المجروف على رأسه!»‪.‬‬
‫خاطر‬
‫ٍ‬ ‫وضعت التَّاج على رأسه‪ ،‬وعن طيب‬ ‫ُ‬ ‫قال الرَّاهب والماء يَقطُر من طحالب البحر في َشعره‪« :‬‬
‫سأنتزعه من عليه وأضعه على رأسك ً‬
‫بدال منه‪ .‬أنت الوحيد القوي بما فيه الكفاية لمقاتَلته»‪.‬‬
‫قال ڤيكتاريون متذ ِّمرًا‪« :‬اإلله الغريق رف َعه‪ ،‬فلنَترُك اإلله الغريق يطيح به»‪.‬‬
‫رماه آرون بنظر ٍة ُمهلكة‪ ،‬تلك النَّظرة المعروفة بتسميم اآلبار وجعل النِّساء عواقر‪ ،‬وقال‪« :‬ليس اإلله من‬
‫تكلَّم‪ .‬يورون معروف باالحتفاظ بالسَّحرة والمشعوذين البغيضين على سفينته الحمراء‪ .‬لقد ألقوا تعويذةً‬
‫بيننا كي ال نسمع البحر‪ .‬الرَّبابنة والملوك أسك َرهم الكالم عن التَّنانين»‪.‬‬
‫‪« -‬أسك َرهم الكالم وأخافَهم ذلك البوق‪ .‬أنت سمعت الصَّوت الذي خر َج منه‪ .‬ال يه ُّم‪ ،‬يورون مليكنا»‪.‬‬
‫أعلنَ الرَّاهب‪« :‬ليس مليكي‪ .‬اإلله الغريق يُعين الجسورين ال َمن يتوارون في بطون سُفنهم حين تثور‬
‫ي أن أتولَّى هذه‬
‫العاصفة‪ .‬ما ُدمت لن تُ َح ِّرك ساكنًا إلزاحة عين ال ُغراب من على ُكرسي حجر اليم‪ ،‬فعل َّ‬
‫المه َّمة بنفسي»‪.‬‬
‫‪« -‬كيف؟ إنك ال تملك سُفنًا وال يتبعك جنود»‪.‬‬
‫ي صوتي‪ ،‬واإلله معي‪ .‬ق َّوتي ق َّوة البحر‪ ،‬ق َّوة ال أمل لعين ال ُغراب في التَّصدِّي لها‪.‬‬
‫َر َّد الرَّاهب‪« :‬إن لد َّ‬
‫ربما تتكسَّر األمواج على الجبل‪ ،‬لكنها تظلُّ تأتي موجةً عقب موجة‪ ،‬وفي النِّهاية ال يتبقَّى من الجبل‬
‫ويفترشه إلى األبد»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال َّشامخ َّإال الحصى‪ ،‬وسرعان ما ينجرف الحصى ويغوص إلى قرار البحر‬
‫دمد َم ڤيكتاريون‪« :‬حصى؟ أنت مجنون إذا كنت تحسب أنك ستطيح بعين ال ُغراب بالكالم عن الموج‬
‫والحصى»‪.‬‬
‫قال ذو ال َّشعر الرَّطب‪« :‬حديديُّو الميالد سيكونون الموج‪ ،‬ليس العُظماء والسَّادة وإنما البُسطاء الذين‬
‫يفلحون األرض ويصطادون من البحر‪ .‬الرَّبابنة والملوك رفعوا يورون‪ ،‬لكن العا َّمة سيُسقِطونه‪ .‬سأذهبُ‬
‫إلى (ويك ال ُكبرى)‪ ،‬إلى (هارلو)‪ ،‬إلى (أوركمونت)‪ ،‬إلى (پايك) ذاتها‪ .‬في ك ِّل بلد ٍة وقري ٍة سيسمعونني‪.‬‬
‫لكافر أن يجلس على ُكرسي حجر اليم!»‪ ،‬وهَ َّز رأسه األشعث وعا َد يَخرُج ليغيب في اللَّيل‪ ،‬وحين‬ ‫ٍ‬ ‫ليس‬
‫أشرقَت ال َّشمس في اليوم التَّالي كان آرون ذو ال َّشعر الرَّطب قد اختفى من (ويك القديمة)‪ ،‬وحتى رجاله‬
‫الغرقى لم يعرفوا مكانه‪ ،‬وقالوا إن عين ال ُغراب اكتفى بالضَّحك حين عل َم‪.‬‬
‫لكن على الرغم من غياب الرَّاهب ظلَّت تحذيراته الملحَّة في عقل ڤيكتاريون‪ ،‬الذي وج َد نفسه يستعيد ما‬
‫قاله له بيلور بالكتايد أيضًا‪« .‬بالون كان مجنونًا وآرون أكثر جنونًا ويورون األكثر جنونًا على‬
‫اإلطالق»‪ .‬حاو َل اللورد ال َّشاب اإلبحار إلى دياره بَعد انتخاب الملك رافضًا أن يقبل يورون مواله‪ ،‬لكن‬
‫ق الخليج‪ ،‬وعادة الطَّاعة متج ِّذرة في ڤيكتاريون جرايچوي‪ ،‬ويورون يعتمر‬ ‫األسطول الحديدي كان قد أغل َ‬
‫تاج الخشب المجروف‪ ،‬وهكذا استولِ َي على (طيَّار اللَّيل) وأُ ِخ َذ اللورد بالكتايد إلى الملك مكب ًَّال بالسَّالسل‪،‬‬
‫طع إلطعام آلهة األراضي الخضراء السَّبعة التي كان يَعبُدها‪.‬‬ ‫ثم قطَّعه بُكم يورون و ِهجانه إلى سبعة ِق ٍ‬
‫مكافأةً على خدمته المخلصة‪ ،‬من َح الملك حديث التَّتويج ڤيكتاريون المرأة السَّمراء التي أخ َذها من سفينة‬
‫ن َّخاسين كانت متَّجهةً إلى (لِيس)‪ ،‬فقال ألخيه بازدراء‪« :‬ال أري ُد شيئًا من فُضالتك»‪ ،‬لكن ل َّما قال عين‬
‫ال ُغراب إنها ستموت إن لم يأخذها ضعفَت مقا َومته‪ .‬لسانها مقطوع‪ ،‬لكنها فيما عدا هذا سليمة‪ ،‬ثم إنها‬
‫جميلة أيضًا‪ ،‬بشرتها بنِّيَّة كخشب السَّاج المزيَّت‪ ،‬غير أنه عندما يَنظُر إليها يجد نفسه أحيانًا يتذ َّكر المرأة‬
‫ً‬
‫رجال‪.‬‬ ‫األولى التي من َحه أخوه إياها لتصنع منه‬
‫أحضري لي‬ ‫أرا َد ڤيكتاريون أن يستعمل السَّمراء م َّرةً أخرى‪ ،‬لكنه لم يجد في نفسه القُدرة‪ ،‬فقال لها‪ِ « :‬‬
‫قِربة نبي ٍذ أخرى ثم اخرُجي»‪ ،‬وحين عادَت بقِرب ٍة من النَّبيذ األحمر ال ُمر صع َد بها القائد إلى السَّطح‬
‫صبَّ البقيَّة في البحر ألجل كلِّ من ماتوا‪.‬‬ ‫شرب نِصف القِربة و َ‬ ‫َ‬ ‫ليتن َّشق هواء البحر النَّظيف‪.‬‬
‫ظلَّت (النَّصر الحديدي) راسيةً عند مصبِّ (الماندر) ساعات‪ ،‬وبينما أبح َر الجزء األكبر من األسطول‬
‫ظ ڤيكتاريون بكلٍّ من (الثُّبور) و(اللورد داجون) و(الرِّيح الحديد)‬ ‫الحديدي إلى (تُرس السَّنديان) احتف َ‬
‫و(لعنة العذراء) حوله لحراسة المؤ ِّخرة‪ .‬سحبوا النَّاجين من البحر وشاهَدوا (اليد القويَّة) تغرق ببُطء‪،‬‬
‫يجرُّ ها إلى أسفل حُطام السَّفينة التي د َّكتها‪ ،‬ولدى غيابها تحت الماء بل َغ ڤيكتاريون اإلحصاء الذي طلبَه‪،‬‬
‫ُفن وأس َر ثماني وثالثين‪ .‬قال لنيوت‪« :‬ال بأس‪ .‬إلى المجاذيف‪ ،‬سنعود إلى (بلدة‬ ‫ست س ٍ‬ ‫وعرفَ أنه فق َد َّ‬
‫اللورد هيويت)»‪.‬‬
‫مالحوه نحو (تُرس السَّنديان)‪ ،‬وعا َد الرُّ بَّان الحديدي إلى قمرته مج َّددًا‪ ،‬حيث قال للسَّمراء‪:‬‬ ‫جذف َّ‬‫َّ‬
‫«يُمكنني أن أقتله‪ ،‬ولو أنه إثم عظيم أن يَقتُل المرء مليكه‪ ،‬وإثم أعظم أن يَقتُل أخاه»‪ ،‬وقطَّب جبينه مردفًا‪:‬‬
‫«كان على آشا أن تُعطيني صوتها»‪ .‬كيف أملَت أن تكسب الرَّبابنة والملوك بأكواز الصَّنوبر واللِّفت؟ في‬
‫ض َع تاج الخشب المجروف على‬ ‫عروقها دماء بالون‪ ،‬لكنها تظلُّ امرأةً‪ .‬فرَّت آشا بَعد انتخاب الملك‪ .‬ليلة ُو ِ‬
‫رأس يورون ذابَت هي وطاقمها‪ ،‬وفي أعماق ڤيكتاريون جزء صغير مسرور لهذا‪ .‬إذا احتفظَت الفتاة‬
‫بعقلها فستتز َّوج أحد لوردات ال َّشمال وتحيا معه في قلعته بعيدًا عن البحر ويورون عين ال ُغراب‪.‬‬
‫نادى أحد رجال الطَّاقم‪(« :‬بلدة اللورد هيويت) يا حضرة القائد»‪.‬‬
‫نهض ڤيكتاريون‪ .‬كان النَّبيذ قد خفَّف نبض األلم في يده‪ .‬ربما يجعل ال ِمايستر الذي يخدم هيويت يُلقي‬ ‫َ‬
‫لسان من اليابسة‪ ،‬ورأى قلعة اللورد‬ ‫ٍ‬ ‫نظرةً عليها إذا لم يكن قد قُتِ َل‪ .‬عا َد إلى السَّطح بينما يدورون حول‬
‫ضعفها مساحةً‪ .‬بَعد الميناء‬ ‫هيويت مستق َّرةً فوق الميناء فذ َّكرته ب(لوردزپورت)‪ ،‬مع أن هذه البلدة تَبلُغ ِ‬
‫الذهبي‪ ،‬في حين ترسو مئات‬ ‫يخوض نحو عشرين من السُّفن الطَّويلة المياه وعلى ذيولها يتل َّوى الكرا ِكن َّ‬
‫رصيف حجري ث َّمة ثالثة أكواج عظيمة ودستة من‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى بطول األرصفة مربوطةً بالحبال‪ ،‬وعند‬
‫األكواج األصغر تُ َح َّمل بالغنائم والمؤن‪ .‬أم َر ڤيكتاريون بأن تُلقي (النَّصر الحديدي) مرساتها‪ ،‬وقال‬
‫لرجاله‪« :‬جهِّزوا لي قاربًا»‪.‬‬
‫ب كما تشهد األبواب المحطَّمة‬ ‫بدَت البلدة هادئةً على نح ٍو غريب مع اقترابهم‪ .‬معظم المحال والمنازل نُ ِه َ‬
‫حرقَ‪ ،‬وفي ال َّشوارع تتناثَر الجُثث‪ ،‬ك ٌّل منها يتحلَّق حوله سرب‬ ‫ُ‬
‫والنَّوافذ المه َّشمة‪ ،‬لكن وحده السِّپت أ ِ‬
‫الطيور السَّوداء‬‫صغير من ِغربان الجيف‪ .‬را َحت مجموعة من النَّاجين العابسين تتح َّرك بينها طاردةً ُّ‬
‫وملقيةً الموتى على ظَهر عرب ٍة ليُؤ َخذوا إلى المدافن‪ ،‬وهو ما أفع َم ڤيكتاريون باالزدراء‪ ،‬فال ولد حقيقيًّا‬
‫وإال فكيف سيَعثُر على أبهاء اإلله الغريق المائيَّة لينعم‬ ‫للبحر يرغب في أن يتعفَّن في باطن األرض‪َّ ،‬‬
‫بالمأكل والمشرب أبد ال َّدهر؟ من بين السُّفن التي مرُّ وا بها (الصَّمت)‪ .‬انجذبَت نظرة ڤيكتاريون إلى تمثال‬
‫المقدِّمة الحديدي‪ ،‬الفتاة عديمة الفم ذات ال َّشعر الذي يُهَف ِهف في الرِّيح وال ِّذراع الممدودة‪ ،‬وقد بدا كأن‬
‫طه عين‬‫ي امرأ ٍة أخرى‪ ،‬إلى أن خا َ‬‫عينيها المصنوعتين من ِعرق اللُّؤلؤ تتبعانه‪ ،‬فقال لنفسه‪ :‬كان لها فم كأ ِّ‬
‫ال ُغراب وأغلقَه‪.‬‬
‫ظ مجموعةً من النِّساء واألطفال المصفوفين على متن أحد األكواج العظيمة‪،‬‬ ‫مع دن ِّوهم من ال َّشاطئ الح َ‬
‫بعضهم يداه مقيَّدتان وراء ظَهره‪ ،‬وحول أعناقهم جميعًا حبال من ال ِقنَّب‪َ .‬‬
‫سأل الرِّ جال الذين ساعَدوا على‬
‫ربط القارب‪َ « :‬من هؤالء؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أرامل وأيتام‪ ،‬سيُباعون كعبيد»‪.‬‬
‫‪« -‬يُباعون؟»‪ .‬ليس في (جُزر الحديد) عبيد‪ ،‬بل أقنان فقط‪ ،‬والقِ ُّن ملزَم بالخدمة لكنه ليس مل ًكا لسيِّده‪،‬‬
‫بالذهب أبدًا‪،‬‬‫ويُولَد أطفاله أحرارًا شريطة أن يُعطَوا لإلله الغريق‪ ،‬ثم إن األقنان ال يُشتَرون أو يُباعون َّ‬
‫وإال فال أقنان له على اإلطالق‪ .‬قال متب ِّر ًما‪« :‬المفت َرض أن‬‫فعلى الرَّجل أن يدفع الثَّمن الحديدي مقابلهم َّ‬
‫يكونوا أقنانًا أو زوجا ٍ‬
‫ت ملحيَّات»‪.‬‬
‫َر َّد الرَّجل‪« :‬هذا أمر الملك»‪.‬‬
‫ضعاف دو ًما‪ .‬أقنان أو عبيد‪ ،‬ال فرق‪ .‬رجالهم لم يستطيعوا‬ ‫الحالق‪« :‬األقوياء يأخذون من ال ِّ‬ ‫َّ‬ ‫قال نيوت‬
‫الدِّفاع عنهم‪ ،‬واآلن أصبحوا لنا لنفعل بهم ما نشاء»‪.‬‬
‫كان ليقول‪ :‬ليس هذا النَّهج القديم‪ ،‬ولكنه لم يجد وقتًا‪ ،‬إذ سبقَته أخبار انتصاره واحتش َد ال ِّرجال حوله‬
‫فزمجر‪« :‬جرأة‬
‫َ‬ ‫يُقَدِّمون له التَّهاني‪ .‬تر َكهم ڤيكتاريون يُدا ِهنونه‪ ،‬إلى أن بدأ أحدهم يُثني على جرأة يورون‪،‬‬
‫بحر بعيدًا عن اليابسة كي ال تَبلُغ كلمة عن مجيئنا هذه الجُزر القابعة أمامنا‪ ،‬لكن عبور نِصف‬ ‫حقًّا أن نُ ِ‬
‫ينتظر ر ًّدا بل تحرَّك شاقًّا طريقه في ِّ‬
‫الزحام وصع َد إلى القلعة‪.‬‬ ‫العالم لصيد التَّنانين شيء آخَ ر»‪ ،‬ولم ِ‬
‫قلعة اللورد هيويت صغيرة لكن قويَّة‪ ،‬أسوارها سميكة وب َّوابتها المصنوعة من السَّنديان المد َّعم بالحديد‬
‫تستدعي إلى ال ِّذهن رمز عائلته العريق‪ ،‬ال ِم َج َّن السَّندياني المطعَّم بالحديد على خلفيَّ ٍة من األزرق واألبيض‬
‫المتم ِّوجيْن‪ .‬على أن كرا ِكن عائلة جرايچوي هو ما يخفق فوق األبراج ذات السُّطوح الخضراء اآلن‪،‬‬
‫الحراب والفؤوس‪،‬‬ ‫ووجدوا الب َّوابة العظيمة محروقةً محطَّمةً‪ ،‬وفي ال ُّشرفات يمشي الحديديُّون حاملين ِ‬
‫باإلضافة إلى بعض ِهجان يورون‪.‬‬
‫في السَّاحة وج َد ڤيكتاريون جورولد جودبراذر ودروم العجوز يتكلَّمان بهدو ٍء مع رودريك هارلو‪ .‬أطل َ‬
‫ق‬
‫الحالق صيحةً هازئةً لمرآهم‪ ،‬ونادى‪« :‬أيها القارئ‪ ،‬لماذا الوجه العابس؟ هواجسك كانت بال ٍ‬
‫داع‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫نيوت‬
‫النَّصر لنا‪ ،‬ولنا الغنائم!»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬تعني هذه الصُّ خور؟ أربعتها معًا أصغر من (هارلو)‪ .‬لم نَفُز َّإال ببعض‬ ‫َز َّم اللورد رودريك فمه ً‬
‫األحجار واألشجار وال ُحلِ ِّي ال َّرخصية‪ ،‬وعداوة عائلة تايرل»‪.‬‬
‫قال نيوت ضاح ًكا‪« :‬الورود؟ وما الوردة التي بإمكانها إيذاء َكرا ِكن األعماق؟ لقد سلبناهم تُروسهم‬
‫وحطَّمناها تحطي ًما‪َ .‬من يحميهم اآلن؟»‪.‬‬
‫الحالق‪ ،‬وعندها قد تتعلَّم أن‬ ‫َّ‬ ‫َر َّد القارئ‪(« :‬هايجاردن)‪ .‬قريبًا ستحتشد ق َّوات (المرعى) كلُّها ضدنا أيها‬
‫لبعض الورود أشوا ًكا من فوالذ»‪.‬‬
‫أومأ َ دروم برأسه موافقًا وقد استقرَّت يده على مقبض سيفه (المطر األحمر)‪ ،‬وقال‪« :‬اللورد تارلي يحمل‬
‫السَّيف العظيم (آفة القلوب) المصنوع من الفوالذ الڤاليري‪ ،‬ودائ ًما يقود طليعة جيش اللورد تايرل»‪.‬‬
‫ت‪ .‬سآخ ُذ سيفه لنفسي ِمثلما أخ َذ سلفك (المطر األحمر)‪ .‬فليأتوا‬ ‫قال ڤيكتاريون وقد اشتعلَت غضبته‪« :‬فليأ ِ‬
‫جميعًا ويجلبوا آل النستر معهم أيضًا‪ .‬ربما تكون لألسد السَّطوة على اليابسة‪ ،‬لكن في البحر للكرا ِكن‬
‫السِّيادة المطلقة»‪ .‬يُمكنه أن يتخلَّى عن نِصف أسنانه لقاء فُرص ٍة لتجربة فأسه ضد قاتِل الملك أو فارس‬
‫ُّ‬
‫الزهور‪.‬‬
‫هذا هو نوع المعارك الذي يفهمه‪ .‬قاتِل األقربين ملعون عند اآللهة والبَشر‪ ،‬لكن ال ُمحارب مكرَّم موقَّر‪.‬‬
‫قال القارئ‪« :‬ال تخف يا حضرة القائد‪ ،‬سيأتون‪ .‬جاللته يتمنَّى هذا‪َّ ،‬‬
‫وإال فلِ َم أم َرنا بترك ِغدفان هيويت‬
‫تُ َحلِّق؟»‪.‬‬
‫قليال للغاية‪ .‬إن دماءك حليب»‪ ،‬لكن القارئ تظاه َر بأنه لم يسمع‪.‬‬‫قال نيوت‪« :‬تقرأ كثيرًا للغاية وتُقاتِل ً‬
‫كانت في القاعة مأدبة صاخبة عندما دخ َل ڤيكتاريون‪ ،‬يحتشد حديديُّو الميالد على الموائد يشربون‬
‫ويتصايَحون ويتدافَعون ويتباهون بقتالهم ومآثرهم وما سلبوه‪ ،‬وقد تحلَّى كثيرون منهم بالغنائم‪ ،‬فارتدى‬
‫لوكاس كود األعسر وكويلون همبل معطفين من المعلَّقات التي انتزعاها من على الحوائط‪ ،‬ووض َع‬
‫جرموند بوتلي ِعقدًا من اللُّؤلؤ والعقيق األحمر فوق واقي صدره المذهَّب الذي كان ألحد قادة النستر‪،‬‬
‫وتحرَّك أندريك الال مبتسم مترنِّحًا ومط ِّوقًا بكلٍّ من ذراعيه امرأةً‪ ،‬وعلى الرغم من أنه ظَ َّل غير مبتسم‬
‫صحاف المصنوعة من ال ُخبز الجامد البائت كان الرَّبابنة يأكلون من‬ ‫ً‬
‫وبدال من ال ِّ‬ ‫فعلى أصابعه كلِّها خواتم‪،‬‬
‫ق من الفضَّة الخالصة‪.‬‬‫أطبا ٍ‬
‫لمواجهة السُّفن الطَّويلة فيما‬
‫َ‬ ‫الحالق غضبًا إذ تطلَّع حوله‪ ،‬وقال‪« :‬ي ِ‬
‫ُرسلنا عين ال ُغراب‬ ‫َّ‬ ‫ارب َّد وجه نيوت‬
‫يأخذ رجاله القالع والقُرى ويستولون على الغنائم والنِّساء‪.‬‬
‫ك لنا؟»‪.‬‬
‫ماذا تر َ‬
‫‪« -‬المجد لنا»‪.‬‬
‫الذهب أفضل»‪.‬‬‫‪« -‬ال بأس بالمجد‪ ،‬لكن َّ‬
‫قائال‪« :‬عين ال ُغراب يقول إننا سننال (وستروس) كلَّها‪( .‬الكرمة)‪( ،‬البلدة القديمة)‪،‬‬
‫هَ َّز ڤيكتاريون كتفيه ً‬
‫(هايجاردن)‪ ...‬هناك ستجد َّ‬
‫الذهب‪ .‬لكن كفى كال ًما‪ ،‬إنني جائع»‪.‬‬
‫ً‬
‫وبدال‬ ‫ق ال َّدم كان ڤيكتاريون ليتَّخذ مقعدًا على المنصَّة‪ ،‬لكنه ال يرغب في األكل مع يورون ومخلوقاته‪،‬‬ ‫ب َح ِّ‬
‫من هذا اختا َر مكانًا إلى جوار رالف األعرج ُربَّان (اللورد كويلون)‪.‬‬
‫قال له األعرج‪« :‬نصر عظيم يا حضرة القائد‪ ،‬نصر يستح ُّ‬
‫ق لورديَّة‪ .‬المفت َرض أن تنال إحدى الجُزر»‪.‬‬
‫اللورد ڤيكتاريون‪ ،‬أجل‪ ،‬ولِ َم ال؟ ربما ال يحظى ب ُكرسي حجر اليم‪ ،‬لكن ذلك أفضل من ال شيء‪.‬‬
‫كان هوثو هارلو جالسًا قُبالتهما على الطَّاولة ينهش اللَّحم من على عظمة‪ ،‬ثم إنه ألقاها جانبًا وما َل إلى‬
‫قائال‪« :‬الفارس سينال (التُّرس الرَّمادي)‪ ،‬هل سمعت؟»‪.‬‬ ‫األمام ً‬
‫أجاب ڤيكتاريون‪« :‬ال»‪ ،‬وتطلَّع عبر القاعة إلى حيث يجلس السير هاراس هارلو يشرب النَّبيذ من كأ ٍ‬
‫س‬ ‫َ‬
‫ذهبيَّة‪ .‬الفارس رجل مديد القامة‪ ،‬له وجه طويل وقسمات صارمة‪« .‬لماذا يمنح يورون أحدًا ِمثله‬
‫جزيرةً؟»‪.‬‬
‫رف َع هوثو كأسه الفارغة لتمألها له شابَّة شاحبة في فُ ٍ‬
‫ستان من المخمل األزرق وشرائط ال ِّزينة المذهَّبة‪،‬‬
‫غرس رايته عند القلعة وتح َّدى آل جريم أن ي ِ‬
‫ُواجهوه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وقال‪« :‬الفارس استولى على (جريمستن) بنفسه‪،‬‬
‫فتح َّداه أحدهم‪ ،‬ثم آخر وآخر‪ ،‬وقتلَهم جميعًا‪ ...‬أو ما يَقرُب من هذا‪ ،‬اثنان منهم استسلَما‪ .‬حين سقطَ الرَّجل‬
‫ً‬
‫مواصال‪:‬‬ ‫السَّابع حز َم ِسپتون اللورد جريم أمره وأعلنَ أن اآللهة قالت كلمتها وسلَّم القلعة»‪ ،‬وضحكَ هوثو‬
‫ق صدره بكأسه‪،‬‬ ‫«سيصير سيِّد (التُّرس الرَّمادي)‪ ،‬وهنيئًا له بها‪ .‬في غيابه أصب ُح أنا وريث القارئ»‪ ،‬و َد َّ‬
‫وأضافَ ‪« :‬هوثو األحدب‪ ،‬سيِّد (هارلو)»‪.‬‬
‫‪« -‬تقول سبعة؟»‪ .‬تساء َل ڤيكتاريون في قرارة نفسه كيف يُمكن أن يُبلي سيف الفارس المس َّمى ( ُغروب)‬
‫غلب هاراس هارلو‬ ‫َ‬ ‫ط‪ ،‬وإن كان قد‬ ‫رجال يحمل سيفًا من الفوالذ الڤاليري قَ ُّ‬
‫ً‬ ‫في موا َجهة فأسه‪ .‬إنه لم يُقاتِل‬
‫صغره كان هارلو صديقًا صدوقًا لرودريك أكبر أبناء بالون‪ ،‬الذي ماتَ عند‬ ‫صباهما‪ .‬في ِ‬ ‫ت ع َّدة في ِ‬
‫مرَّا ٍ‬
‫أسوار (سيجارد)‪.‬‬
‫دام وغير تام االستواء‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫ثيران مشوي‪ٍ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫المأدبة جيِّدة‪ ،‬أفضل ما فيها النَّبيذ‪ ،‬وهناك أيضًا لحم‬
‫ط محشو ودالء من السَّراطين الطَّازجة‪ .‬لم يغب عن عينَي حضرة الرُّ بَّان القائد أن الخادمات يرتدين‬ ‫بَ ٍّ‬
‫مالبس مترفةً من الصُّ وف والمخمل‪ ،‬وفي البداية حسبهن مسا ِعدات طبَّاخ في ثياب الليدي هيويت‬
‫طاب لعين ال ُغراب أن يجعلهن‬ ‫َ‬ ‫ورفيقاتها‪ ،‬إلى أن أخب َره هوثو بأنهن الليدي هيويت ورفيقاتها أنفسهن‪ ،‬إذ‬
‫يُقَدِّمن الطَّعام ويصبَّن ال َّشراب‪ .‬هناك ثمانية منهن؛ حضرة الليدي نفسها التي ال تزال حسناء على الرغم‬
‫تتراوح أعمارهن من الخامسة والعشرين إلى العاشرة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫من امتالء قوامها‪ ،‬وسبعة أخريات أصغر منها‪،‬‬
‫بناتها وزوجات أبنائها‪.‬‬
‫صة مرتديًا أفخر ثيابه التي تحمل رمز وألوان‬ ‫اللورد هيويت نفسه جالس في مكانه المعتاد على المن َّ‬
‫عائلته‪ ،‬لكن ذراعيه وساقيه مقيَّدة إلى مقعده‪ ،‬وث َّمة حبَّة فجل بيضاء ضخمة مدسوسة بين أسنانه لمنعه من‬
‫الكالم‪ ...‬ولو أنه يرى ويسمع‪ .‬اتَّخذ عين ال ُغراب موضع ال َّشرف إلى يمين حضرة اللورد‪ ،‬وقد جل َست فتاة‬
‫صدر في السَّابعة أو الثَّامنة عشرة في ِحجره حافية القدمين منفوشة ال َّشعر واضعةً‬ ‫حسناء عامرة ال َّ‬
‫ذراعيها حول ُعنقه‪ .‬سأ َل ڤيكتاريون الرِّ جال المحيطين به‪َ « :‬من هذه؟»‪.‬‬
‫أجابَه هوثو ضاح ًكا‪« :‬ابنة حضرة اللورد النَّغلة‪ .‬قبل استيالء يورون على القلعة كانت مرغمةً على خدمة‬
‫اآلخَرين على المائدة وأكل وجباتها مع الخدم»‪.‬‬
‫وض َع يورون شفتيه ال َّزرقاوين على َحلقها‪ ،‬فقهقهَت الفتاة وهم َست بشي ٍء ما في أُذنه‪ ،‬ليبتسم ويُقَبِّل َحلقها‬
‫ثانيةً‪ .‬كانت العالمات الحمراء تُ َغطِّي بشرتها البيضاء حيث قبَّلها‪ ،‬وتصنع قالدةً ورديَّةً حول رقبتها‬
‫عال هذه المرَّة‪ ،‬ثم إنه َد َّ‬
‫ق المائدة‬ ‫ت ٍ‬ ‫وكتفيها‪ .‬همسة أخرى في األُذن دف َعت عين ال ُغراب إلى الضَّحك بصو ٍ‬
‫قائال‪« :‬سيِّداتي الكريمات‪ ،‬فاليا قلقة على فساتينكن‬ ‫بكأسه آمرًا بالصَّمت‪ ،‬ونادى خادماته رفيعات النَّسب ً‬
‫األنيقة وال تُريدها أن تتَّسخ بال ُّدهون والنَّبيذ واألصابع القذرة التي تتحسَّسكن‪ ،‬ألني وعدتها بأن تختار‬
‫ثيابها من أصونتكن بَعد المأدبة‪ .‬األفضل أن تخلعنها إذن»‪.‬‬
‫حسب أن‬‫َ‬ ‫د َّوى الضَّحك الهادر في أنحاء القاعة الكبيرة‪ ،‬واحتقنَ وجه اللورد هيويت لدرجة أن ڤيكتاريون‬
‫رأسه سينفجر‪ .‬لم تجد النِّساء خيارًا َّإال الطَّاعة‪ ،‬وب َكت أصغرهن ً‬
‫قليال لكن أ َّمها وا َستها وحلَّت األربطة‬
‫على ظَهر فُستانها‪ ،‬وبَعدها تابعن الخدمة كما من قبل وتحرَّكن بين الموائد بأباريق النَّبيذ ل َملء الكؤوس‬
‫ت اآلن‪.‬‬
‫الفارغة‪ ،‬مع فرق أنهن يفعلن هذا عاريا ٍ‬
‫ف َّكر القائد متذ ِّكرًا ال َّزوجة التي سالَت دموعه وهو يضربها‪ :‬يذلُّ هيويت كما ذلَّني من قبل‪ .‬يعلم أن أهل‬
‫(التُّروس األربعة) يتز َّوج بعضهم بعضًا غالبًا ِمثل حديديِّي الميالد‪ ،‬وربما تكون واحدة من هؤالء‬
‫الخادمات العاريات زوجة السير تالبرت سيري‪ .‬أن تَقتُل عد َّوك شيء وأن تُهين َشرفه شيء آخَر‪ .‬ك َّور‬
‫ڤيكتاريون قبضته وقد تل َّوثت يده بدماء جرحه التي تغلغلَت في كتَّان ال ِّ‬
‫ضمادة‪.‬‬
‫على المنصَّة دف َع يورون مومسه جانبًا ووقفَ فوق المائدة‪ ،‬فبدأ الرَّبابنة يدقُّون الموائد بالكؤوس واألرض‬
‫باألقدام هاتفين‪« :‬يورون! يورون! يورون! يورون!»‪ ،‬كأنه انتخاب الملك ثانيةً‪.‬‬
‫ق منها‪ ،‬لُقيمة ال‬
‫أقسمت أن أعطيكم (وستروس)‪ ،‬وهاكم أول مذا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫حين هدأت الجلبة قال عين ال ُغراب‪« :‬‬
‫أكثر‪ ...‬لكننا سنأكل الوليمة قبل أن يح َّل اللَّيل!»‪ .‬على الجُدران تتوهَّج المشاعل وضَّاءةً‪ ،‬وكذا هو بشفتيه‬
‫ال َّزرقاوين وعينه ال َّزرقاء وجسده كلِّه‪« .‬ما يُط ِبق عليه الكرا ِكن ال يُفلِته‪ .‬هذه ال ُجزر كانت لنا من قبل‪،‬‬
‫رجال أقوياء للحفاظ عليها‪ ،‬فانهض أيها السير هاراس هارلو‬ ‫ٍ‬ ‫واآلن عادَت لنا من جديد‪ ...‬لكننا نحتاج إلى‬
‫نهض الفارس مريحًا يده على قبيعة سيفه ( ُغروب) المصنوعة من أحجار‬ ‫َ‬ ‫سيِّد (التُّرس الرَّمادي)»‪.‬‬
‫القمر‪ ،‬وتاب َع يورون‪« :‬انهض يا أندريك الال مبتسم سيِّد (تُرس الجنوب)»‪ ،‬فدف َع أندريك امرأته جانبًا‬
‫كجبل يرتفع على حين غ َّر ٍة من البحر‪« .‬انهض يا مارون ڤولمارك سيِّد (التُّرس األخضر)»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهَبَّ واقفًا‬
‫َّ‬
‫الحالق‬ ‫فنهض ڤولمارك الصَّبي الحليق ذو الستَّة عشر عا ًما باديًا كأنه سيِّد األرانب‪« .‬وانهض يا نيوت‬ ‫َ‬
‫سيِّد (تُرس السَّنديان)»‪.‬‬
‫اكت َست نظرة نيوت بالحذر كأنه يخشى أن يكون مرمى ُدعاب ٍة قاسية‪ ،‬وتساء َل‪« :‬أنا لورد؟»‪.‬‬
‫َّ‬
‫والمالح األحمر‬ ‫كان ڤيكتاريون يتوقَّع أن يمنح عين ال ُغراب اللورديَّات لمخلوقاته‪ِ ،‬مثل ذي اليد الحجر‬
‫همس‪ :‬هدايا‬
‫َ‬ ‫ولوكاس كود األعسر‪ .‬حاو َل أن يقول لنفسه‪ :‬على الملك أن يكون سخيًّا‪َّ ،‬إال أن صوتًا مختلفًا‬
‫يورون مسمومة‪ .‬ل َّما د َّور الخاطر في رأسه رأى األمر بوضوح‪ .‬الفارس كان وريث القارئ المختار‪،‬‬
‫وأندريك الال مبتسم ذراع دنستان دروم اليُمنى القويَّة‪ ،‬وڤولمارك صب ٌّي غرير لكن دماء هارن األسود في‬
‫َّ‬
‫والحالق‪...‬‬ ‫عروقه من خالل أ ِّمه‪،‬‬
‫قائال‪« :‬ارفُض!»‪.‬‬
‫أمس َكه ڤيكتاريون من سا ِعده ً‬
‫رمقَه نيوت كأن صوابه طا َر‪ ،‬و َر َّد‪« :‬أرفضُ ؟ األراضي واللورديَّة؟ هل سترفعني أنت إلى مصاف‬
‫اللوردات؟»‪ ،‬وانتز َع ذراعه وقا َم يتنعَّم بهتاف الهاتفين‪.‬‬
‫واآلن يسرق رجالي‪.‬‬
‫وصاح‪:‬‬
‫َ‬ ‫نادى الملك يورون الليدي هيويت طالبًا كأسًا جديدةً من النَّبيذ‪ ،‬ثم إنه رف َعها عاليًا فوق رأسه‪،‬‬
‫«أيها الرَّبابنة والملوك‪ ،‬ارفعوا كؤوسكم لسادة (التُّروس األربعة)!»‪.‬‬
‫عدو‪ .‬أحدهم قال له هذا في مرَّة‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫شرب ڤيكتاريون مع البقيَّة مف ِّكرًا‪ :‬ال خمر بحالوة الخمر المأخوذة من‬‫َ‬
‫يوم سأشربُ نبيذك يا عين ال ُغراب وآخ ُذ ك َّل ما تع ُّده عزي ًزا‪ .‬لكن هل من شي ٍء‬ ‫أبوه أو أخوه بالون‪ .‬ذات ٍ‬
‫يع ُّده يورون عزي ًزا؟ كان الملك يقول‪« :‬غدًا نستع ُّد لإلبحار من جديد‪ .‬أعيدوا َملء براميلنا بمياه الينابيع‪،‬‬
‫برميل من لحم األبقار وك َّل ما نستطيع أن نحمل من الماعز والخراف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جوال من الحبوب وك َّل‬
‫ٍ‬ ‫و ُخذوا ك َّل‬
‫الجرحى الذين ما زالوا يتمتَّعون بعافي ٍة تكفي لتحريك المجاذيف سي َُج ِّذفون‪ ،‬وسيظلُّ الباقون هنا للمساعَدة‬
‫والمالح األحمر بالمزيد من المؤن‪ .‬ستفوح من‬ ‫َّ‬ ‫على ِحفظ هذه الجُزر لسادتها الجُدد‪ .‬قريبًا سيعود توروولد‬
‫سُفننا روائح الخنازير وال َّدجاج الكريهة في الطَّريق شرقًا‪ ،‬لكننا سنعود بالتَّنانين»‪.‬‬
‫سم َع ڤيكتاريون صوت اللورد رودريك يقول‪« :‬متى؟ متى سنعود يا جاللة الملك؟ بَعد عام؟ ثالثة أعوام؟‬
‫كامال‪ ،‬والخريف َح َّل»‪ ،‬وتق َّدم القارئ مع ِّددًا المخاطر كلَّها‪« :‬القوادس‬
‫ً‬ ‫خمسة؟ تنانينك تلك تَبعُد عنا عال ًما‬
‫فرسخ من ال َّد َّوامات والجُروف والمياه‬
‫ٍ‬ ‫جاف مقفر‪ ،‬أربعمئة‬ ‫ٌّ‬ ‫تَحرُس (بوغاز ردواين)‪ .‬السَّاحل الدورني‬
‫الضَّحلة الخفيَّة‪ ،‬وبالكاد بُقعة تَصلُح لرس ٍو آمن‪ .‬وبَعد هذا تنتظر (األعتاب) بعواصفها وأوكار القراصنة‬
‫الاليسينيِّين والمايريِّين‪ .‬إذا أبح َرت ألف سفينة فربما تَبلُغ ثالثمئة الجانب البعيد من (البحر الضيِّق)‪ ...‬ثم‬
‫ماذا؟ (لِيس) لن تُ َرحِّ ب بنا‪ ،‬وال (ڤوالنتيس)‪ .‬أين ستجد الماء العذب والطَّعام؟ أول عاصف ٍة نُ ِ‬
‫واجهها‬
‫ستُ َشتِّتنا وتَنثُرنا عبر نِصف العالم»‪.‬‬
‫تالعبَت ابتسامة على شفتَي يورون ال َّزرقاوين إذا قال‪« :‬أنا العاصفة يا سيِّدي‪ ،‬العاصفة األولى واألخيرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أبحرت في (بحر ال ُّدخان)‬ ‫ت أطول من هذه وأخطر مرارًا‪ .‬هل نسيت؟ لقد‬ ‫ُ‬
‫أخذت (الصَّمت) في رحال ٍ‬ ‫لقد‬
‫ُ‬
‫ورأيت (ڤاليريا)»‪.‬‬
‫رجل حاضر يعلم أن السُّلطة المطلقة ال تزال للهالك في (ڤاليريا)‪ .‬هناك تغلي مياه البحر ذاته وينبعث‬ ‫ٍ‬ ‫كلُّ‬
‫َّار يرى ولو لمحةً من جبال (ڤاليريا) النَّاريَّة‬‫ي بح ٍ‬‫منها ال ُّدخان‪ ،‬واليابسة تجتاحها ال َّشياطين‪ ،‬ويُقال إن أ َّ‬
‫ذهب إلى هناك وعا َد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ترتفع فوق الموج سرعان ما تحيق به ميتة شنعاء‪ ،‬لكن عين ال ُغراب‬
‫بمنتهى الهدوء سألَه القارئ‪« :‬حقًّا؟»‪.‬‬
‫اختفَت ابتسامة يورون ال َّزرقاء‪ ،‬وفي السُّكون الذي خيَّم قال‪« :‬أيها القارئ‪ ،‬خي ٌر لك أن تُبقي أنفك مدسوسًا‬
‫في ُكتبك»‪.‬‬
‫ت جهوري‪« :‬أخي‪ ،‬إنك لم تُ ِجب أسئلة هارلو»‪.‬‬ ‫فنهض ً‬
‫قائال بصو ٍ‬ ‫َ‬ ‫شع َر ڤيكتاريون بالتَّوتُّر في القاعة‪،‬‬
‫هَ َّز يورون كتفيه‪ ،‬وقال‪« :‬أسعار العبيد ترتفع‪ .‬سنبيع عبيدنا في (لِيس) و(ڤوالنتيس)‪ .‬مقابلهم باإلضافة‬
‫إلى ما أخذناه من هنا من غنائم سيكون معنا ذهب يكفي لشراء المؤن»‪.‬‬
‫َّار‬ ‫سألَه القارئ‪« :‬أنحن ن َّخاسون اآلن؟ ومن أجل ماذا؟ تنانين ال أحد هنا رآها؟ هل سنُ ِ‬
‫طارد وهم بح ٍ‬
‫سكران إلى أطراف األرض؟»‪.‬‬
‫وصاح‬
‫َ‬ ‫استدرَّت كلماته همهمات التَّأييد‪ .‬رف َع رالف األعرج صوته ً‬
‫قائال‪(« :‬خليج النَّ َّخاسين) بعيد للغاية»‪،‬‬
‫كويلون همبل‪« :‬وقريب للغاية من (ڤاليريا)»‪ ،‬وقال فرالج القوي‪(« :‬هايجاردن) قريبة‪ .‬رأيي أن نبحث‬
‫بحر عبر العالم و(الماندر) مفتوح‬ ‫الذهب!»‪ ،‬وأضافَ آلڤن شارپ‪« :‬لماذا نُ ِ‬ ‫عن التَّنانين هناك‪ ،‬التَّنانين َّ‬
‫أمامنا؟»‪ ،‬وهَبَّ رالف ستونهاوس األحمر معلنًا‪(« :‬البلدة القديمة) أغنى‪ ،‬و(الكرمة) أغنى وأغنى‪ .‬أسطول‬
‫ردواين بعيد‪ ،‬وما علينا َّإال أن نم َّد يدنا لنقطف أينع ثمر ٍة في (وستروس)»‪.‬‬
‫قال الملك وقد بدَت عينه سوداء أكثر من زرقاء‪« :‬ثمرة؟ ال يسرق الثِّمار بينما يستطيع االستيالء على‬
‫البُستان كلِّه َّإال جبان»‪.‬‬
‫ك عين ال ُغراب صيحاتهم‬ ‫قال رالف األحمر‪« :‬نُريد (الكرمة)»‪ ،‬وسرى الهتاف بين ال ِّرجال اآلخَرين‪ ،‬فتر َ‬
‫وثب من فوق المائدة وأخ َذ المومس من ذراعها وسحبَها خارجًا من القاعة‪.‬‬ ‫تغمره‪ ،‬ثم َ‬
‫هرب كالكالب‪ .‬لم تَعُد سيطرة يورون على ُكرسي حجر اليم تبدو محكمةً كما كانت قبل دقائق قليلة‪ .‬لن‬ ‫َ‬
‫خشيت‪ .‬الفكرة لذيذة لدرجة أن ڤيكتاريون‬ ‫ُ‬ ‫يتبعوه إلى (خليج النَّ َّخاسين)‪ .‬ربما ليسوا كالبًا حمقى كما‬
‫الحالق ليُريه أنه ال يحسده على لورديَّته‪ ،‬حتى إذا جا َءت‬ ‫َّ‬ ‫فشرب كأسًا مع‬
‫َ‬ ‫اضط َّر إلى ازدرادها بالنَّبيذ‪،‬‬
‫من يد يورون‪.‬‬
‫بوهج‬
‫ٍ‬ ‫كانت ال َّشمس قد غربَت في الخارج وتو َّغل الظَّالم وراء األسوار‪ ،‬لكن في ال َّداخل تُضيء المشاعل‬
‫بُرتقالي ضارب إلى الحُمرة ويتكاثفَ ُدخانها تحت عوارض السَّقف كسحاب ٍة رماديَّة‪ .‬بدأ السَّكرانون‬
‫يَرقُصون رقصة األصابع‪ ،‬وفي لحظ ٍة ما قرَّر لوكاس كود األعسر أنه راغب في إحدى بنات اللورد‬
‫هيويت‪ ،‬وأخ َذها هناك على مائد ٍة بينما صرخَت أخواتها وانت َحبن‪.‬‬
‫صبي في العاشرة له َشعر‬ ‫ٌّ‬ ‫شع َر ڤيكتاريون بتربيت ٍة على كتفه‪ .‬كان أحد ِهجان يورون واقفًا وراءه‪،‬‬
‫كالصُّ وف وبشرة بلون الطَّمي قال له‪« :‬أبي يُريد أن يتكلَّم معك»‪.‬‬
‫رجال كبير الحجم وقادرًا على ُشرب الكثير من النَّبيذ فقد‬ ‫ً‬ ‫قا َم ڤيكتاريون بال ثبات‪ .‬على الرغم من كونه‬
‫الالزم بالفعل‪ .‬ضربتها حتى الموت بيدَي‪ ،‬لكن عين ال ُغراب هو من قتلَها عندما ول َجها‪ .‬لم‬ ‫شرب أكثر من َّ‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫أملك خيارًا‪ .‬تب َع الصَّبي النَّغل من القاعة وصع َد وراءه ساللم حجريَّة ملتفة‪ ،‬ومع صعودهما خفتَت‬
‫أصوات االغتصاب والمرح الصَّاخب‪ ،‬إلى أن لم يَعُد هناك َّإال صوت احتكاك نعالهما بالحجر‪.‬‬
‫عالوةً على ابنته النَّغلة أخ َذ عين ال ُغراب ُغرفة نوم اللورد هيويت أيضًا‪ ،‬ول َّما دخ َل ڤيكتاريون كانت الفتاة‬
‫ت خافت‪ ،‬في حين وقفَ يورون عند النَّافذة يشرب من كأ ٍ‬
‫س‬ ‫وتغط بصو ٍ‬‫ُّ‬ ‫متمدِّدةً عاريةً على الفِراش‬
‫الجلديَّة الحمراء وال شيء‬ ‫ضيَّة‪ ،‬وقد ارتدى معطف فرو ال َّس ُّمور الذي أخ َذه من بالكتايد ورُقعة عينه ِ‬ ‫ف ِّ‬
‫أستطع‪ ...‬أو أن هذا ما‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫استيقظت لم‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫حلمت بأنني أستطي ُع الطيران‪ ،‬وحين‬ ‫صباي‬
‫قائال‪« :‬في ِ‬‫غيرهما‪ .‬أعلنَ ً‬
‫كذب؟»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قاله ال ِمايستر‪ .‬لكن ماذا لو أنه‬
‫فعمها روائح النَّبيذ وال َّدم‬
‫كان ڤيكتاريون يش ُّم رائحة البحر ال َّداخلة من النَّافذة المفتوحة مع أن ال ُغرفة تُ ِ‬
‫والجنس‪ ،‬وساع َد الهواء المالح البارد على صفاء دماغه إذ سأ َل‪« :‬ماذا تعني؟»‪.‬‬
‫ُواجهه‪ ،‬والت َوت شفتاه ال َّزرقاوان المكدومتان في ابتسام ٍة صغيرة وهو يُجيب‪« :‬ربما‬ ‫التفتَ يورون ي ِ‬
‫ُرج شاهق؟»‪.‬‬ ‫نستطيع الطَّيران كلُّنا‪ .‬كيف سنعرف ما لم نقفز من ب ٍ‬
‫هبَّت الرِّيح من النَّافذة محرِّ كةً معطفه‪ ،‬وكان في ُعريه شيء ما فاحش مزعج‪« .‬ال أحد يدري ما يقدر على‬
‫فِعله حقًّا ما لم يجرؤ على القفز»‪.‬‬
‫‪« -‬ها هي النَّافذة‪ ،‬اقفز»‪ .‬ال يملك ڤيكتاريون صبرًا على هذا‪ ،‬كما أن يده الجريحة تُؤلِمه‪« .‬ماذا تُريد؟»‪.‬‬
‫‪« -‬العالم»‪ .‬في عين يورون يلتمع نور النَّار‪ .‬عينه الباسمة‪« .‬هل تشرب كأسًا من نبيذ اللورد هيويت؟ ال‬
‫عدو مهزوم»‪.‬‬
‫خمر بحالوة الخمر المأخوذة من ٍّ‬
‫ط نفسك»‪.‬‬‫أجاب ڤيكتاريون‪« :‬ال»‪ ،‬وأشا َح بنظره مضيفًا‪َ « :‬غ ِّ‬
‫َ‬
‫نسيت أن رجالي الحديديِّين قوم ضآل‬ ‫ُ‬ ‫جلس يورون و َش َّد معطفه ليُ َغطِّي عورته‪ ،‬وقال‪ُ « :‬‬
‫كنت قد‬ ‫َ‬
‫مزعجون‪ .‬أري ُد أن آتيهم بالتَّنانين فيزعقون طالبين العنب»‪.‬‬
‫‪« -‬العنب حقيقي ملموس ويستطيع المرء أن يلتهم ما يشاء منه‪ ،‬ثم إن عصيره حُلو ويُصنَع منه النَّبيذ‪ .‬ما‬
‫الذي تصنعه التَّنانين؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫حملت بيضة تنِّ ٍ‬
‫ين بيدي هذه يا‬ ‫أجاب عين ال ُغراب‪« :‬الويل»‪ ،‬ورشفَ من كأسه الفضَّة‪ ،‬وتاب َع‪« :‬في م َّر ٍة‬
‫َ‬
‫أخي‪ .‬ذلك السَّاحر المايري أقس َم أنه يستطيع أن تجعلها تفقس إذا أمهلته عا ًما وأعطيته ك َّل ما يتطلَّب من‬
‫يمض!»‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مللت أعذاره قتلته‪ ،‬وبينما رأى أحشاءه تنزلق بين أصابعه قال‪ :‬لكن عا ًما لم‬ ‫ُ‬ ‫ذهب‪ .‬حين‬
‫ك مردفًا‪« :‬هل تعلم أن كراجورن ماتَ ؟»‪.‬‬
‫وضح َ‬
‫‪َ « -‬من؟»‪.‬‬
‫‪« -‬الرَّجل الذي نف َخ في بوق التَّنانين‪ .‬حين فت َح ال ِمايستر صدره وج َد رئتيه متفحِّمتين مسو َّدتين كالسُّخام»‪.‬‬
‫أرني بيضة التنِّين هذه»‪.‬‬ ‫مرتجفًا قال ڤيكتاريون‪ِ « :‬‬
‫‪« -‬رميتها في البحر في خالل إحدى نوبات غضبي»‪ ،‬وهَ َّز يورون كتفيه متابعًا‪« :‬يبدو لي أن القارئ‬
‫الالزم فلن يستطيع التَّماسُك طيلة تلك المسافة‪ .‬الرِّ حلة طويلة ج ًّدا‬
‫ليس مخطئًا‪ .‬إذا كان األسطول أكبر من َّ‬
‫وخطيرة ج ًّدا‪ ،‬وال أمل َّإال ألفضل سُفننا وأطقمنا في اإلبحار إلى (خليج النَّ َّخاسين) ثم اإلياب‪ ،‬األسطول‬
‫الحديدي»‪.‬‬
‫ف َّكر ڤيكتاريون‪ :‬األسطول الحديدي لي‪ ،‬لكنه لم يقل شيئًا‪.‬‬
‫مألَ عين ال ُغراب كأسين بنبي ٍذ أسود غريب قوامه ثخين كالعسل‪ ،‬وقال‪« :‬اشرب معي يا أخي‪ ،‬تذ َّوق هذا»‪،‬‬
‫و َم َّد يده لڤيكتاريون بإحدى الكأسين‪.‬‬
‫ب يبدو ال َّشراب أقرب إلى‬ ‫التقطَ ڤيكتاريون الكأس التي لم يُقَدِّمها يورون وتش َّمم محتوياتها بارتياب‪ .‬من قُر ٍ‬
‫األزرق من األسود‪ ،‬وله منظر زيتي خاثر ورائحة كاألسماك المتعفِّنة‪ .‬جرَّب رشفةً صغيرةً بصقَها من‬
‫فوره‪ ،‬وقال‪« :‬شراب كريه‪ .‬هل تُريد أن تُ َس ِّممني؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫مواصال‪« :‬صبغة المساء‪ ،‬خمر ال َّدجَّالين‪.‬‬ ‫َر َّد يورون‪« :‬أري ُد أن أفتح عينيك»‪ ،‬وجر َع من كأسه‪ ،‬ثم ابتس َم‬
‫استوليت على قاليون معيَّن من (ڬارث)‪ ،‬باإلضافة إلى القليل من القرنفل وجوز‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫برميال منها عندما‬ ‫ُ‬
‫وجدت‬
‫الطِّيب وأربعين لفَّةً من الحرير األخضر وأربعة دجَّالين حكوا حكايةً تُثير االهتمام‪ .‬أحدهم تجرَّأ على‬
‫وأطعمت الثَّالثة اآلخَرين إياه‪ .‬في البدء رفضوا أكل لحم صديقهم‪ ،‬لكن حين استب َّد بهم‬ ‫ُ‬ ‫تهديدي فقتلته‬
‫الجوع غيَّروا رأيهم‪ .‬البَشر لحم»‪.‬‬
‫بالون كان مجنونًا وآرون أكثر جنونًا ويورون األكثر جنونًا على اإلطالق‪ .‬كان ڤيكتاريون يلتفت ليُغا ِدر‬
‫عندما قال عين ال ُغراب‪« :‬يجب أن تكون للملك زوجة تمنحه ورثةً‪ .‬إنني في حاج ٍة إليك يا أخي‪ .‬هل تذهب‬
‫ي بحبيبتي؟»‪.‬‬ ‫إلى (خليج النَّ َّخاسين) وتعود إل َّ‬
‫تك َّورت قبضتا ڤيكتاريون وسقطَت قطرة دما ٍء على األرض إذ قال في قرارته‪ :‬كانت لي حبيبة ذات ٍ‬
‫يوم‬
‫أجاب أخاه‪« :‬إن لك أبنا ًء»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فعلت بها‪.‬‬ ‫أيضًا‪ .‬يَج ُدر بي أن أبرِّ حك ضربًا وأطعمك للسَّراطين كما‬
‫‪ِ « -‬هجان نغول‪ ،‬أبناء العاهرات والنَّائحات»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد خرجوا من جسدك»‪.‬‬
‫‪« -‬وكذا محتويات وعاء فضالتي‪ .‬ال أحد منهم يَصلُح للجلوس على ُكرسي حجر اليم‪ ،‬ناهيك بالعرش‬
‫الحديدي‪ .‬ال‪ ،‬إنني محتاج إلى امرأ ٍة مختلفة كي أنجب وريثًا يليق به (هو)‪ .‬حين يتز َّوج الكرا ِكن التنِّينة يا‬
‫أخي فليحذر العالم ك ُّله»‪.‬‬
‫تساء َل ڤيكتاريون مقطِّبًا جبينه‪« :‬أيُّ تنِّينة؟»‪.‬‬
‫آخر سُاللتها‪ .‬يقولون إنها أجمل امرأ ٍة في العالم‪ ،‬إن َشعرها ذهب وفضَّة وعينيها َج َم ْشت‪ ...‬لكنك لست‬‫‪ِ «-‬‬
‫َّ‬
‫مضط ًّرا إلى تصديق كلمتي يا أخي‪ .‬اذهب إلى (خليج النَّ َّخاسين) واطلع على َجمالها بنفسك وارجع إل َّ‬
‫ي‬
‫بها»‪.‬‬
‫سألَه ڤيكتاريون‪« :‬ولِ َم أفع ُل ذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ألجل الحُب‪ ،‬ألجل الواجب‪ ،‬ألن مليكك أم َرك»‪ ،‬وقهقهَ يورون مضيفًا‪« :‬وألجل ُكرسي حجر اليم‪ .‬إنه‬
‫يوم سوف يتبعك أبناؤك ال َّشرعيُّون»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تبعت بالون‪ ...‬وذات ٍ‬ ‫لك حالما أرتقي العرش الحديدي‪ .‬ستتبعني كما‬
‫ظ في‬ ‫الح ِّ‬ ‫ُنجب الرَّجل ابنًا شرعيًّا يجب أن تكون له زوجة أ ً‬
‫وال‪ ،‬وڤيكتاريون سيِّئ َ‬ ‫أبنائي‪ .‬ولكن لكي ي ِ‬
‫ال َّزواج‪ .‬قال لنفسه مذ ِّكرًا‪ :‬هدايا يورون مسمومة‪ ،‬ومع ذلك‪...‬‬
‫‪« -‬الخيار لك يا أخي‪ِ .‬عش قِنًّا أو ُمت مل ًكا‪ .‬هل تَجسُر على الطَّيران؟ ما لم تقفز فلن تعرف أبدًا»‪،‬‬
‫والتم َعت السُّخرية في عين يورون الباسمة إذ أردفَ ‪« :‬أم أنني أح ِّملك ما ال طاقة لك به؟ اإلبحار بَعد‬
‫(ڤاليريا) مخيف حقًّا»‪.‬‬
‫وفتح يده ليجد راحتها مبلَّلةً‬
‫َ‬ ‫َر َّد ڤيكتاريون‪« :‬سأبح ُر باألسطول الحديدي إلى الجحيم إذا لز َم األمر»‪،‬‬
‫بالدِّماء‪ ،‬وتاب َع‪« :‬سأذهبُ إلى (خليج النَّ َّخاسين)‪ ،‬أجل‪ ،‬وسأج ُد تلك التنِّينة وأرج ُع بها»‪ .‬ولكن ليس من‬
‫أجلك‪ .‬لقد سرقت زوجتي وهتكت ِعرضها‪ ،‬ولذا سأظف ُر بامرأتك‪ ،‬أجمل نساء العالم‪ ،‬لي أنا‪.‬‬
‫چايمي‬
‫حرث من جدي ٍد بَعد أن ُج ِّرفَت المحاصيل المحروقة‪ ،‬وأبلغَه ك َّشافة‬ ‫عادَت الحقول خارج أسوار (داري) تُ َ‬
‫السير أدام برؤية نسو ٍة في األخاديد يقتلعن الحشائش‪ ،‬في حين تُ َمهِّد مجموعة من الثِّيران أرضًا جديدةً‬
‫لل ِّزراعة على حافة غاب ٍة قريبة‪ ،‬وقد وقفَت دستة من ال ِّرجال الملتحين حاملي الفؤوس حراسةً عليها فيما‬
‫تعمل‪.‬‬
‫لدى بلوغ چايمي وركبه القلعة كانوا قد فرُّ وا جميعًا إلى ما وراء األسوار‪ ،‬ووج َد (داري) مغلقةً في وجهه‬
‫ِمثل (هارنهال) من قبلها‪ ،‬فف َّكر‪ :‬استقبال بارد من لحمي ودمي‪ .‬قال آمرًا‪« :‬أطلِق النَّفير»‪ ،‬فخل َع السير‬
‫ق الرَّاية‬ ‫انتظر چايمي ر ًّدا من القلعة رم َ‬
‫َ‬ ‫كينوس الكايسي بوق هيروك من على كتفه ونف َخ فيه‪ ،‬وبينما‬
‫الخافقة بالبنِّي والقرمزي فوق حصن ابن ع ِّمه األمامي‪ .‬يبدو أن النسل اختا َر تقسيم رايته إلى أربعة‬
‫ت على ك ِّل اثنين منها أسد النستر وحارث داري‪ ،‬ورأى چايمي يد ع ِّمه في هذا كما رآها في اختيار‬ ‫مربَّعا ٍ‬
‫ك أن‬ ‫أطاح األنداليُّون بالبَشر األوائل والحُكم في هذه األنحاء لعائلة داري‪ ،‬وال َش َّ‬
‫َ‬ ‫عروس النسل‪ .‬منذ‬
‫السير كيڤان ارتأى أن المه َّمة ستكون أيسر على ابنه إذا رآه َّ‬
‫الفالحون استمرارًا للسُّاللة القديمة‪ ،‬يَح ُكم هذه‬
‫مرسوم ملكي‪ .‬المفت َرض أن يكون كيڤان يد تومن‪ .‬هاريس سويفت‬ ‫ٍ‬ ‫ق المصاهَرة باألحرى من‬ ‫بح ِّ‬
‫األراضي َ‬
‫رجل تافه‪ ،‬وأختى حمقاء إذا كانت تعتقد غير هذا‪.‬‬
‫انفتحت ب َّوابة القلعة ببُطء‪ ،‬وقال چايمي للعُفر‪« :‬ليست عند ابن ع ِّمي مساحة إليواء ألف رجل‪ .‬سننصب‬ ‫َ‬
‫المعس َكر عند السُّور الغربي‪ .‬أري ُد حفر الخنادق وغرس الخوازيق في محيطنا‪ .‬ما زالَت هناك جماعات‬
‫من الخارجين عن القانون في هذه المنطقة»‪.‬‬
‫‪« -‬سيكونون مجانين بالتَّأكيد إذا ها َجموا ق َّوةً كق َّوتنا»‪.‬‬
‫‪« -‬مجانين أو يتض َّورون جوعًا»‪ .‬إلى أن تُصبِح لديه فكرة أفضل عن هؤالء الخارجين عن القانون‬
‫ُجازف باالستهانة بدفاعاته‪ .‬كرَّر‪« :‬خنادق وخوازيق»‪ ،‬ثم هم َز أونَر نحو‬ ‫وق َّوتهم ال ينوي چايمي أن ي ِ‬
‫حامال الوعل واألسد الملكيَّ ْين‪ ،‬والسير هيوجو ڤانس براية‬‫ً‬ ‫الب َّوابة‪ ،‬وإلى جواره يركب السير درموت‬
‫ال َحرس الملكي‪ .‬كان چايمي قد كلَّف رونيت األحمر بمه َّمة توصيل وايليس ماندرلي إلى (بِركة العذارى)‪،‬‬
‫كي ال يضط َّر إلى رؤية وجهه ثانيةً أبدًا‪.‬‬
‫ي الذي وجدَه لها پِك‪ ،‬وقد سم َعها چايمي تقول‪« :‬كأنها قلعة لُعبة»‪،‬‬ ‫مع ُمرافقيه تركب پيا الحصان المخص َّ‬
‫فح َّدث نفسه متأ ِّم ًال‪ :‬الفتاة لم تعرف بيتًا َّإال (هارنهال)‪.‬‬
‫كلُّ قلع ٍة في البالد ستبدو لها صغيرةً‪ ،‬باستثناء (الصَّخرة)‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ال يجب أن تَح ُكمي ب(هارنهال)‪ .‬هارن األسود بناها‬ ‫َر َّد چوزمين پكلدون عليها بالكالم نفسه ً‬
‫بضخام ٍة غير عاديَّة»‪ ،‬وأصغَت پيا بإذعان فتا ٍة في الخامسة تتلقَّى ال ُّدروس من ِسپتتها‪ .‬ليست َّإال هذا‪ ،‬فتاة‬
‫يظن چايمي‬‫ُّ‬ ‫صغيرة في جسد امرأة‪ ،‬على جسدها النُّدوب وفي نفسها الخوف‪ .‬على أن پِك مفتون بها‪ .‬ال‬
‫أظن أن هناك‬ ‫أن الصَّبي عرفَ امرأةً من قبل‪ ،‬وپيا ال تزال حسناء بما فيه الكفاية ما دا َم فمها مغلقًا‪ .‬ال ُّ‬
‫ُضاجعها‪ ،‬بشرط أن تكون راغبةً‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أ ًذى في أن ي‬
‫ق عندما أم َر چايمي إلين پاين‬ ‫في (هارنهال) حاو َل أحد رجال الجبل اغتصاب الفتاة‪ ،‬وبدا منده ًشا بصد ٍ‬
‫ظ َّل يُ َردِّد‪« :‬لقد استعملتها مئة م َّر ٍة من قبل‪ ،‬مئة مرَّة يا سيِّدي‪ ،‬كلُّنا‬
‫بقطع رأسه‪ ،‬وإذ أرغَموه على الرُّ كوع َ‬
‫استعملناها»‪ .‬حين ق َّدم السير إلين الرَّأس لپيا بَعدها ابتس َمت كاشفةً حُطام أسنانها‪.‬‬
‫أي ٍد كثيرة تداولَت (داري) في أثناء القتال‪ ،‬واحترقَت قلعتها م َّرةً ونُ ِهبَت مرَّتين على األقل‪ ،‬وإن يبدو أن‬
‫ق مصراعان جديدان للب َّوابة من ألواح‬ ‫ضيِّع وقتًا قبل ال ُّشروع في تصحيح األوضاع‪ .‬هكذا ُعلِّ َ‬ ‫النسل لم يُ َ‬
‫حرقَ‪ ،‬كما استُب ِدلَت‬ ‫ُ‬
‫السَّنديان الخام المد َّعمة بالحديد‪ ،‬واآلن يُبنى اسطبل جديد في مكان القديم الذي أ ِ‬
‫السَّاللم الصَّاعدة إلى الحصن ومصاريع نوافذ كثيرة‪ .‬ما زالَت األحجار المسو َّدة تشي بالبقاع التي لعقَتها‬
‫ألسنة اللَّهب‪ ،‬لكنها ستبهت مع مرور الوقت وسقوط األمطار‪.‬‬
‫داخل القلعة يذرع رُماة ال ُّن َّشابيَّة ال ُّشرفات‪ ،‬بعضهم يرتدي المعاطف القرمزيَّة وخوذات األسد‪ ،‬وبعضهم‬
‫يرتدي أزرق ورمادي عائلة فراي‪َ .‬خبَّ چايمي في السَّاحة ليف َّر ال َّدجاج من تحت حوافر أونَر‪ ،‬وثغَت‬
‫فالحون مسلَّحون‪ ،‬منهم من يحمل المناجل ومنهم‬ ‫ت باهتة‪ .‬لم يَفُته أنهم َّ‬ ‫الخراف وحد َجه َّ‬
‫الفالحون بنظرا ٍ‬
‫رجال ملتحين‬‫ٍ‬ ‫حاملو الهراوات والمعاول مدبَّبة الرُّ ؤوس‪ ،‬وهناك من يحملون فؤوسًا أيضًا‪ ،‬كما لم َح ع َّدة‬
‫طت على سُتراتهم الرَّثَّة المتَّسخة نجوم سُباعيَّة حمراء‪ .‬المزيد من العصافير المالعين‪ .‬من أين يأتي‬ ‫خي َ‬
‫كلُّ هؤالء؟ لم ي َر أثرًا لع ِّمه كيڤان أو النسل‪ ،‬ولم يَخرُج لتحيَّته َّإال ِمايستر يخفق رداؤه الرَّمادي حول‬
‫قائال‪« :‬حضرة القائد‪ ،‬شرَّفت (داري) بهذه‪ ...‬ال ِّزيارة غير المتوقَّعة‪.‬‬ ‫ساقيه النَّاحلتين‪ ،‬وقد خاطبَه الرَّجل ً‬
‫أرجو أن تَع ُذرنا لعدم استعدادنا‪ .‬ظننَّا أنك في طريقك إلى (ريڤر َرن)»‪.‬‬
‫ريڤررن) ستنتظر‪ .‬وإذا تصادفَ أن ينتهي الحصار قبل‬ ‫َ‬ ‫َر َّد چايمي كاذبًا‪« :‬كانت (داري) في طريقي»‪( .‬‬
‫أن يَبلُغ القلعة فسيُعفى من االضطرار إلى حمل السِّالح ضد آل تَلي‪ .‬ترجَّل وناو َل أحد ُع َّمال االسطبل‬
‫متسائال‪« :‬هل سأج ُد ع ِّمي هنا؟»‪ .‬لم يَذ ُكر االسم‪ ،‬فالسير كيڤان الع ُّم األوحد الذي تبقَّى له‪ِ ،‬‬
‫آخر‬ ‫ً‬ ‫زمام أونَر‬
‫أبناء تايتوس النستر األحياء‪.‬‬
‫رحل بَعد ِّ‬
‫الزفاف»‪ ،‬و َش َّد سلسلته كأنها ضاقَت على ُعنقه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أجاب ال ِمايستر‪« :‬ال يا سيِّدي‪ .‬السير كيڤان‬
‫َ‬
‫وتاب َع‪« :‬أعل ُم أن اللورد النسل سيُ َسرُّ لرؤيتك و‪ ...‬وجميع فُرسانك البواسل‪ ،‬لكن ي ِ‬
‫ُؤسفني أن أعترف بأن‬
‫(داري) ال تستطيع إطعام هذا العدد الكبير»‪.‬‬
‫‪« -‬إن معنا مؤننا‪َ .‬من أنت؟»‪.‬‬
‫شرف على‬ ‫‪« -‬ال ِمايستر أوتومور‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي‪ .‬الليدي آميري رغبَت في التَّرحيب بك بنفسها‪ ،‬لكنها تُ ِ‬
‫تجهيز مأدب ٍة على شرفك‪ ،‬وتتمنَّى أن تتم َّكن وكبار فُرسانك وقادتك من االنضمام إلينا على المائدة هذا‬
‫المساء»‪.‬‬
‫‪« -‬نُ َرحِّب بوجب ٍة ساخنة بالتَّأكيد‪ .‬األيام الماضية كانت باردةً مطيرةً»‪ ،‬وتطلَّع چايمي عبر السَّاحة إلى‬
‫وجوه العصافير الملتحين مف ِّكرًا‪ :‬كثيرون ج ًّدا‪ ،‬ورجال فراي كثيرون ج ًّدا أيضًا‪« .‬أين أج ُد الحجر‬
‫الصُّ لب؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بلغَتنا أنباء عن وجود خارجين عن القانون على ضفَّة (الثَّالوث) األخرى‪ ،‬فأخ َذ السير هاروين خمسة‬
‫فُرسان وعشرين من الرُّ ماة وخر َج يتعا َمل معهم»‪.‬‬
‫‪« -‬واللورد النسل؟»‪.‬‬
‫صلِّي‪ .‬حضرة اللورد أم َرنا بعدم إزعاجه أبدًا في أثناء الصَّالة»‪.‬‬ ‫‪« -‬ي ُ َ‬
‫هو والسير بونيفر سينسجمان معًا‪« .‬ليكن»‪ .‬الحقًا سيجد الوقت الكافي للحديث مع ابن ع ِّمه‪« .‬اصحبني‬
‫إلى مسكني واجعلهم يجلبون لي حوض استحمام»‪.‬‬
‫نزلك في (حصن الحارث)‪ .‬سأريك الطَّريق»‪.‬‬ ‫‪« -‬بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬سنُ ِ‬
‫نزل وسرسي هنا ضيفين مرَّتين‪،‬‬ ‫ق أن َ‬ ‫أعرف الطَّريق»‪ .‬ليست هذه القلعة غريبةً على چايمي‪ ،‬إذ سب َ‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫األولى في الطَّريق إلى (وينترفل) والثَّانية في طريق العودة إلى (كينجز الندنج)‪ .‬على الرغم من صغر‬
‫ي خان‪ ،‬وعند النَّهر ث َّمة بقاع جيِّدة للصَّيد‪ ،‬وروبرت باراثيون لم يعزف قَ ُّ‬
‫ط‬ ‫مساحة القلعة فإنها أكبر من أ ِّ‬
‫عن استغالل كرم ضيافة رعاياه‪.‬‬
‫وج َد چايمي الحصن كما يَذ ُكره‪ ،‬وبينما قط َع به ال ِمايستر رواقًا علَّق‪« :‬الجُدران ال تزال عاريةً»‪.‬‬
‫يوم بالمعلَّقات‪ ،‬مشاهد تُ َعبِّر عن الورع وال ِبر»‪.‬‬
‫قال أوتومور‪« :‬اللورد النسل يأمل أن يُ َغطِّيها ذات ٍ‬
‫باذال قصارى جهده كي ال يضحك‪ :‬الورع وال ِبر‪ .‬كانت الجُدران عاريةً في زيارته‬ ‫ر َّدد في سريرته ً‬
‫األولى أيضًا‪ ،‬وأشا َر تيريون إلى مربَّعات الحجارة األغمق حيث كانت المعلَّقات من قبل‪ .‬استطا َع السير‬
‫رايمون أن يُزيل المعلَّقات ولكن ليس اآلثار التي تر َكتها‪ .‬الحقًا رشا ال ِعفريت أحد خدم داري بحفن ٍة من‬
‫ضيَّة من أجل مفتاح القبو الذي يحوي المعلَّقات المفقودة‪ ،‬وقد أرى چايمي إياها على ضوء‬ ‫األيائل الف ِّ‬
‫شمع ٍة وقد ارتس َمت على شفتيه ابتسامة عريضة‪ .‬كانت الصُّ ور المنسوجة لجميع ملوك عائلة تارجاريَن‬
‫أخبرت روبرت فلربما يجعلني أنا سيِّد‬ ‫ُ‬ ‫من إجون األول إلى إينس الثَّاني‪ ،‬وقال القزم بضحك ٍة خافتة‪« :‬إذا‬
‫(داري)»‪.‬‬
‫قا َد ال ِمايستر أوتومور چايمي إلى ق َّمة الحصن‪ ،‬حيث قال‪« :‬إنني واثق بأنك ستكون مستريحًا هنا يا سيِّدي‪.‬‬
‫ث َّمة مرحاض لتلبية نداء الطَّبيعة‪ ،‬ونافذتك تطلُّ على أيكة اآللهة‪ُ .‬غرفة نومك مجاورة ل ُغرفة حضرة‬
‫الليدي‪ ،‬وبينهما حُجيرة خادمة»‪.‬‬
‫‪« -‬كان هذا مسكن اللورد داري»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم يا سيِّدي»‪.‬‬
‫‪« -‬ابن ع ِّمي في غاية اللُّطف‪ .‬لم أكن أريد إخراج النسل من ُغرفة نومه»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد النسل ينام في السِّپت»‪.‬‬
‫ينام مع (األُم) و(العذراء) في حين أن له زوجة دافئة وراء الباب؟ ال يدري چايمي هل يضحك أم يبكي‪.‬‬
‫صلِّي لكي ينتصب قضيبه‪ .‬في (كينجز الندنج) ال َكت األلسنة شائعةً عن أن جراح النسل تر َكته‬ ‫ربما يُ َ‬
‫ُحاول‪ .‬لن يُح ِكم ابن ع ِّمه سيطرته على هذه األراضي‬ ‫عاقال كفايةً وي ِ‬
‫ً‬ ‫ي به أن يكون‬ ‫عاج ًزا‪ .‬ولو‪ ،‬حر ٌّ‬
‫ُنجب ابنًا من زوجته المنتمية نصفيًّا إلى عائلة داري‪ .‬بدأ النَّدم ي ِ‬
‫ُراود چايمي على النَّزوة‬ ‫الجديدة إلى أن ي ِ‬
‫التي دف َعته إلى المجيء هنا‪.‬‬
‫شك َر أوتومور وذ َّكره بالح َّمام وأم َر پِك باصطحابه إلى الخارج‪.‬‬
‫بدال من‬ ‫تغيَّرت ُغرفة نوم اللورد منذ زيارته األخيرة‪ ،‬وليس لألفضل‪ .‬األرض يُ َغطِّيها الحصير القديم ً‬
‫البساط المايري الفاخر‪ ،‬واألثاث كلُّه جديد بسيط‪ .‬كان سرير السير رايمون داري يسع ستَّة أفراد‪ ،‬وله‬
‫ستائر بنِّيَّة من المخمل وأعمدة من خشب السَّنديان منقوشة عليها نباتات متسلِّقة وأوراق شجر‪ ،‬أ َّما سرير‬
‫النسل فحشيَّة من القَشِّ المتكتِّل موضوعة أسفل النَّافذة حيث يضمن أن يُوقِظه أول خيوط النَّهار‪ .‬ال ريب‬
‫ُ‬
‫ق أو ُحطِّ َم أو س ِ‬
‫ُرقَ‪ ،‬ومع ذلك‪...‬‬ ‫حر َ‬
‫أن السَّرير اآلخَر قد أ ِ‬
‫جلب ِپك‬
‫َ‬ ‫حين وص َل حوض االستحمام خل َع ليو الصَّغير حذاء چايمي وساعدَه على َح ِّل يده َّ‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬بينما‬
‫بخجل وهي تنفض سُترته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجاريت الماء ووجدَت له پيا ثيابًا نظيفةً يرتديها على ال َعشاء‪ .‬رمقَته الفتاة‬
‫ووج َد چايمي نفسه يلحظ على نح ٍو غير مريح انحناءات َوركيها وثدييها تحت فُستانها الخيش البنِّي‪،‬‬
‫رجل ما‬
‫ٍ‬ ‫ليتذ َّكر األشياء التي هم َست له بها في (هارنهال) ليلة أرسلَها كايبرن إلى فِراشه‪ .‬أحيانًا وأنا مع‬
‫ق عينَي وأتخيَّ ُل أنك أنت فوقي‪.‬‬ ‫أغل ُ‬
‫شع َر باالمتنان لعُمق الحوض الذي أخفى إثارته‪ ،‬وإذ نز َل في المياه السَّاخنة تذ َّكر ح َّما ًما آ َخر‪ ،‬ذلك الذي‬
‫تقاس َمه مع بِريان‪ .‬كان محمو ًما واهنًا من جرَّاء ما فق َد من دماء‪ ،‬ود َّورت الحرارة رأسه فوج َد نفسه يقول‬
‫أشيا ًء كان أفضل َّأال تُقال‪ ،‬أ َّما هذه المرَّة فال ُعذر له‪ .‬تذ َّكر قَسمك‪ .‬پيا أصلح لفِراش تيريون من فِراشك‪.‬‬
‫ُمكنك أن تَترُكينا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أحضر لي صابونًا وفُرشاةً يابسةً»‪ ،‬ولپيا قال‪« :‬ي‬‫قال لپِك‪ِ « :‬‬
‫ر َّدت مغطِّيةً فمها كي تُخفي أسنانها المكسورة‪« :‬حاضر يا سيِّدي‪ ،‬شك ًرا يا سيِّدي»‪.‬‬
‫خرجت سأ َل چايمي ِپك‪« :‬هل تُريدها؟»‪ ،‬ول َّما احم َّر وجه ال ُمرافق كالبنجر قال له‪« :‬إذا قبلَتك ف ُخذها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حين‬
‫نغال في بطنها»‪ .‬لقد‬ ‫ي في أنها ستُ َعلِّمك أشياء ستجدها نافعةً ليلة زفافك‪ ،‬وليس محت َم ًال أن تزرع ً‬ ‫ك لد َّ‬ ‫ال َش َّ‬
‫فت َحت پيا ساقيها ل ِنصف رجال جيش أبيها ولم تحبل‪ ،‬وعلى األرجح الفتاة عاقر‪« .‬لكن إن ضاجعتها‬
‫فتلطَّف بها»‪.‬‬
‫ف يا سيِّدي؟ كيف‪ ...‬كيف يُمكنني أن‪.»...‬‬ ‫‪« -‬أتلطَّ ُ‬
‫‪« -‬كلمات حُلوة‪ ،‬لمسات رقيقة‪ .‬لست تُريد أن تتز َّوجها‪ ،‬لكن ما دا َمت معك في الفِراش فعا ِملها كأنها‬
‫عروسك»‪.‬‬
‫أومأ َ الصَّبي برأسه‪ ،‬وقال‪« :‬سيِّدي‪ ،‬إنني‪ ...‬أين يُمكنني أن أفعل ذلك معها؟ ليس هناك مكان أبدًا ل‪...‬‬
‫ل‪.»...‬‬
‫أكم َل چايمي قوله‪ ...« :‬لتكونا وحدكما؟»‪ ،‬وابتس َم ابتسامةً واسعةً مردفًا‪« :‬سنغيب ع َّدة ساعات على‬
‫العشاء‪ .‬القَشُّ يبدو متكتِّ ًال لكن يُفت َرض أن يكون مناسبًا»‪.‬‬
‫اتَّسعت عينا ِپك‪ ،‬وسألَه‪« :‬سرير حضرة اللورد؟»‪.‬‬
‫ي بأحدهم أن يستغ َّل‬ ‫‪« -‬ستَشعُر كأنك لورد عن نفسك عندما تَفرُغ‪ ،‬إذا كانت پيا تعرف ما تفعله»‪ .‬وحر ٌّ‬
‫تلك الحشيَّة القَش البائسة‪.‬‬
‫حينما نز َل لحضور المأدبة ليلتها كان چايمي النستر يرتدي سُترةً ضيِّقةً من المخمل األحمر المشرَّط‬
‫ط يده َّ‬
‫الذهبيَّة إلى‬ ‫الذهب‪ ،‬ووض َع حول رقبته سلسلةً ذهبيَّةً مطعَّمةً بالماسات السَّوداء‪ ،‬وقد رب َ‬ ‫بقُماش َّ‬
‫َجدعته أيضًا بَعد تلميعها وصقلها حتى تألَّقت‪ .‬ليس هذا بالمكان المالئم الرتداء ثيابه البيضاء‪ ،‬فواجبه‬
‫ينتظره في (ريڤر َرن)‪ ،‬بينما بعثَته حاجة أكثر سوادًا على المجيء هنا‪.‬‬
‫ال يُقال عن قاعة (داري) ال ُكبرى إنها ُكبرى َّإال على سبيل المجا َملة‪ ،‬إذ تتزا َحم فيها الموائد من ِج ٍ‬
‫دار إلى‬
‫ِجدار‪ ،‬وعوارض السَّقف مسو َّدة من ال ُّدخان‪ .‬وضعوا چايمي على المنصَّة إلى يمين مقعد النسل ال َّشاغر‪،‬‬
‫جلس سأ َل‪« :‬ألن ينض َّم إلينا ابن ع ِّمي على ال َعشاء؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبينما‬
‫أجابَت زوجة النسل‪« :‬سيِّدي يُفَضِّل الصِّيام‪ .‬إنه حزين ألقصى َح ٍّد على السِّپتون األعلى المسكين»‪.‬‬
‫الليدي آميري فتاة طويلة السَّاقين عامرة الصَّدر قويَّة البنية‪ ،‬تَبلُغ من العُمر نحو الثَّامنة عشرة‪ ،‬ويبدو من‬
‫منظرها أنها تتمتَّع بالصِّ َّحة‪ ،‬وإن كان وجهها المدبَّب الممصوص يُ َذ ِّكر چايمي بكليوس ابن ع َّمته الرَّاحل‬
‫مأسوف عليه‪ ،‬الذي بدا دو ًما أشبه بابن عرس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫غير‬
‫ث له وجه ابن عرس من‬ ‫ُ‬
‫ظننت إذن‪ .‬المفت َرض أن ينشغل ابن ع ِّمه بإنجاب وري ٍ‬ ‫صيام؟ إنه أكثر حُمقًا مما‬
‫ال ِّ‬
‫بدال من تجويع نفسه حتى الموت‪ .‬تساء َل ع َّما كان السير كيڤان ليقوله عن حماسة ابنه‬ ‫زوجته األرملة ً‬
‫المستج َّدة هذه‪ .‬أهذا هو السَّبب وراء رحيل ع ِّمه المتعجِّل؟ بينما يتنا َولون َحساء الفاصوليا واللَّحم المق َّدد‬
‫ح َكت الليدي آميري لچايمي عن زوجها األول الذي قتلَه السير جريجور كليجاين عندما كان آل فراي ما‬
‫َّلت إليه َّأال يذهب‪ ،‬لكن عزيزي پايت كان شديد ال َّشجاعة‬
‫ُحاربون في صفوف روب ستارك‪« .‬توس ُ‬ ‫زالوا ي ِ‬
‫وأقس َم أنه سيكون الرَّجل الذي يَقتُل الوحش‪ .‬أرا َد أن يصنع اس ًما عظي ًما لنفسه»‪.‬‬
‫كلُّنا كذلك‪« .‬حين ُ‬
‫كنت ُمرافقًا ُ‬
‫قلت لنفسي إنني سأكون الرَّجل الذي يَقتُل الفارس الباسم»‪.‬‬
‫سألَته حائرةً‪« :‬الفارس الباسم؟ َمن هو؟»‪.‬‬
‫وضعفه في الجنون‪« .‬خارج عن القانون ماتَ منذ زمن‪ ،‬ليس أحدًا يه ُّم‬ ‫ِ‬ ‫صباي‪ ،‬نِصفه في الحجم‬ ‫جبل ِ‬
‫حضرة الليدي»‪.‬‬
‫ارتع َشت شفتها وسالَت ال ُّدموع من عينيها البنِّيَّتين‪ ،‬فقالت امرأة أكبر ِسنًّا‪« :‬أرجو أن تَع ُذر ابنتي‪ ،‬إنها ال‬
‫تزال حزينةً على أبيها»‪ .‬كانت الليدي آميري قد جلبَت معها ُزهاء عشرين من آل فراي إلى (داري)‪ ،‬أختًا‬
‫وع ًّما ونِصف ع ٍّم وعددًا من أبناء وبنات العمومة‪ ،‬باإلضافة إلى أ ِّمها المولودة في (داري)‪.‬‬
‫الذهب‬ ‫باكيةً قالت آميري‪« :‬المجرمون قتَلوه‪ .‬لم يذهب أبي َّإال لدفع فدية پيتر ذي ال َّدمامل‪ .‬أحض َر لهم َّ‬
‫الذي طلبوه‪ ،‬لكنهم علَّقوه على ك ِّل حال»‪.‬‬
‫أبوك لم يكن الفتةً»‪ ،‬والتفتَت إلى چايمي قائلةً‪« :‬أعتق ُد أنك كنت تعرفه‬ ‫ِ‬ ‫قالت الليدي ماريا‪« :‬شنَقوه يا آمي‪،‬‬
‫أيها الفارس»‪.‬‬
‫وصل چايمي كان‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬كالنا كان ُمرافقًا في (كراكهول)»‪ .‬لن يتمادى ويَز ُعم أنهما كانا صديقيْن‪ .‬حين‬
‫ي‪« .‬لقد‬ ‫ميريت فراي بلطجي القلعة الذي يفرض سيطرته على الصِّبية األصغر ِسنًّا‪ .‬ثم حاو َل البلطجة عل َّ‬
‫خطر بباله‪ .‬ميريت كان بطيئًا وأخرق وأحمق‪ ،‬لكنه لم‬ ‫َ‬ ‫كان‪ ...‬قويًّا للغاية»‪ .‬هذا هو الثَّناء الوحيد الذي‬
‫يفتقر إلى الق َّوة إطالقًا‪.‬‬
‫قالت الليدي آميري متن ِّشقةً‪« :‬لقد قاتَلتما أخ َّوة غابة الملوك معًا‪ .‬اعتا َد أبي أن يحكي لي»‪.‬‬
‫أباك اعتا َد أن يتباهى ويكذب‪« .‬صحيح»‪ .‬أكبر إسهامات فراي في القتال كان اإلصابة بعدوى‬ ‫تعنين أن ِ‬
‫ت والسَّماح لنفسه بالوقوع في أَسر الظَّبية البيضاء‪ .‬آنذاك وس َمت ملكة‬ ‫الجُدري من تابعة معس َكرا ٍ‬
‫مؤخرته برمزها قبل أن تُعيده إلى َسمنر كراكهول لقاء فدية‪ ،‬وطيلة أسبوعين لم‬ ‫ِّ‬ ‫الخارجين عن القانون‬
‫ك في أن الحديد الملتهب آل َمه بقدر السُّخرية التي انهالَت‬ ‫يستطع ميريت الجلوس‪ ،‬وإن كان چايمي قد َش َّ‬ ‫ِ‬
‫ت على وجه األرض‪ .‬ط َّوق كأس نبيذه بيده‬ ‫عليه من ُزمالئه ال ُمرافقين فور عودته‪ .‬الصِّبية أقسى مخلوقا ٍ‬
‫قائال‪« :‬لذكرى ميريت»‪ .‬أسهل عليه أن يشرب نخب الرَّجل من أن يتكلَّم عنه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬ورف َعها ً‬
‫بَعد النَّخب كفَّت الليدي آميري عن البُكاء وتح َّول حديث المائدة إلى ال ِّذئاب‪ ،‬تحديدًا النَّوع ذي األقدام‬
‫األربع‪ .‬زع َم السير دانويل فراي إن هناك أعدادًا أكبر منها اآلن مما يتذ َّكر ج ُّده نفسه‪ ،‬وقال‪« :‬لم تَعُد‬
‫وغرس‬
‫َ‬ ‫تعرف خوفًا من البَشر‪ .‬قُطعان منها هاج َمت قافلة أمتعتنا ونحن في الطَّريق من (التَّوأمتين)‪،‬‬
‫رُماتنا سهامهم في نحو دست ٍة منها قبل أن تف َّر البقيَّة»‪ ،‬ف َر َّد السير أدام ماربراند معترفًا بأن ركبهم واجهَ‬
‫متاعب مشابهةً في الطَّريق من (كينجز الندنج)‪.‬‬
‫ر َّكز چايمي على الطَّعام أمامه‪ ،‬مقطِّعًا ال ُخبز بيده اليُسرى وممس ًكا بيُمناه كأس النَّبيذ بحرك ٍة خرقاء‪ .‬شاه َد‬
‫أدام ماربراند يجتذب الفتاة الجالسة إلى جواره‪ ،‬وستفون سويفت يُعيد خوض معركة (كينجز الندنج)‬
‫بال ُخبز والمكسَّرات والجزر‪ ،‬بينما َش َّد السير كينوس خادمةً وأجل َسها في ِحجره وحثَّها على التَّمليس على‬
‫بوقه‪ ،‬وسلَّى السير درموت عددًا من ال ُمرافقين بحكايات تطواف الفُرسان في (الغابة المطيرة)‪ .‬في موض ٍع‬
‫أغمض عينيه‪ ،‬فف َّكر چايمي‪ :‬يُفَ ِّكر في غوامض الحياة ربما‪ ،‬أو أنه‬ ‫َ‬ ‫أبعد على المائدة كان هيوجو ڤانس قد‬
‫زوجك‪...‬‬
‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬الخارجون عن القانون الذين قتلوا‬‫صنف وصنف‪ .‬عا َد يلتفت إلى الليدي ماريا ً‬ ‫ٍ‬ ‫يغفو بين‬
‫أهُم من جماعة اللورد بريك؟»‪.‬‬
‫ط َشعر الليدي ماريا فإنها ال تزال امرأةً حسناء‪ ،‬وقد أجابَته‪« :‬هذا ما‬ ‫على الرغم من ال َّشيب الذي وخ َ‬
‫حسبناه في البداية‪ .‬القتَلة تفرَّقوا حين غادَروا (الحجر العتيق)‪ .‬تعقَّب اللورد ڤايپرن مجموعةً منهم إلى‬
‫(السُّوق القصيَّة) لكنه فق َد أثرهم هناك‪ ،‬وقا َد والدر األسود قنَّاصين وكالب صي ٍد إلى (مستنقع هاج)‬
‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫الفالحون رؤيتهم‪ ،‬لكن عند استجوابهم بغلظ ٍة غيَّروا أقوالهم وتكلَّموا عن‬ ‫مطاردًا اآلخَ رين‪ .‬أنك َر َّ‬
‫بعين واحدة وآخَر يرتدي معطفًا أصفر‪ ...‬وعن امرأ ٍة تُخفي مالمحها تحت قلنسوة معطفها»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪« -‬امرأة؟»‪ .‬كان ليحسب أن الظَّبية البيضاء علَّمت ميريت أن يظ َّل بمنأى عن الخارجات عن القانون‪.‬‬
‫«كانت هناك امرأة مع أخ َّوة غابة الملوك أيضًا»‪.‬‬
‫سمعت بها»‪ ،‬قالت الليدي ماريا‪ ،‬فيما قالت نبرتها‪ :‬وكيف ال وقد تر َكت وسمها على زوجي؟ «الظَّبية‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫البيضاء كانت شابَّةً جميلةً حسب ما يُقال‪ ،‬أ َّما تلك المرأة المقلنَسة فال هذا وال ذاك‪َّ .‬‬
‫الفالحون يُؤَ ِّكدون أن‬
‫وجهها مم َّزق مليء بالنُّدوب ونظرة عينيها مريعة‪ ،‬وي َّدعون أنها تقود الخارجين عن القانون»‪.‬‬
‫قال چايمي الذي يجد هذا عصيًّا على التَّصديق‪« :‬تقودهم؟ بريك دونداريون والرَّاهب األحمر‪.»...‬‬
‫أت َّمت الليدي ماريا عبارته بنبر ٍة واثقة‪ ...« :‬لم يرهما أحد»‪.‬‬
‫قال العُفر‪« :‬دونداريون ماتَ ‪ .‬الجبل أغم َد س ِّكينًا في عينه‪ ،‬ومعنا رجال رأوا هذا بأنفُسهم»‪.‬‬
‫عقَّب أدام ماربراند‪« :‬هذه حكاية واحدة‪ .‬سيقول لك آخَ رون إن اللورد بريك ال يُقتَل»‪.‬‬
‫لفَّت الليدي آميري ُخصلةً من َشعرها حول إصبعها قائلةً‪« :‬السير هاروين يقول إن تلك الحكايات كاذبة‪.‬‬
‫لقد وعدَني برأس اللورد بريك‪ .‬إنه شهم للغاية»‪ ،‬وعلى الرغم من دموعها تخضَّب وجهها بالحُمرة‪.‬‬
‫استعا َد چايمي في ذاكرته الرَّأس الذي أعطى پيا إياه‪ ،‬وفي اآلن نفسه كا َد يسمع أخاه الصَّغير يُقَهقِه‪ .‬كان‬
‫ت منتقاة عن هاروين پلوم‬ ‫الزهور؟ وكان ليقول بضع كلما ٍ‬ ‫تيريون ليسأل‪ :‬ماذا جرى إلعطاء النِّساء ُّ‬
‫أيضًا‪ ،‬ولو أن «شهم» ليست واحدةً منها‪ .‬أخوا پلوم رجالن كبيران لحيمان لكلٍّ منهما ُعنق ثخين ووجه‬
‫متو ِّرد‪ ،‬وكالهما صاخب ش ِبق سريع الضَّحك سريع الغضب سريع ال ُغفران‪ ...‬أ َّما هاروين فصنف مختلف‬
‫من آل پلوم‪ ،‬صموت قاسي العينين ال يعرف السَّماح‪ ،‬كما أنه مميت وفي يده مطرقة‪ .‬إنه رجل صالح‬
‫ق چايمي الليدي آميري بنظر ٍة متفرِّسة‪.‬‬ ‫ً‬
‫رجال يُ َحبُّ ‪ .‬مع أن‪ ...‬رم َ‬ ‫لقيادة الحامية‪ ،‬لكنه ليس‬
‫جا َء الخدم بطبق سمك الكراكي النَّهري المخبوز باألعشاب والمكسَّرات المفرومة‪ ،‬فتذ َّوقته زوجة النسل‬
‫أمرت بتقديم الحصَّة األولى لچايمي‪ ،‬وبينما يضعون السَّمك أمامه مالَت من فوق‬ ‫وأبدَت استحسانها‪ ،‬ثم َ‬
‫الذهبيَّة قائلةً‪« :‬أنت تستطيع أن تَقتُل اللورد بريك يا سير چايمي كما قتلت ذلك‬ ‫مكان زوجها لتمسَّ يده َّ‬
‫ق وسا ِعدنا على التَّغلُّب على اللورد بريك وكلب‬ ‫الفارس المبتسم‪ .‬أرجوك يا سيِّدي‪ ،‬أتو َّس ُل إليك‪ ،‬اب َ‬
‫الصَّيد»‪ ،‬ومسَّدت أصابعها ال َّشاحبة أصابعه َّ‬
‫الذهبيَّة‪.‬‬
‫هل تحسبني أشع ُر بهذا؟ «سيف الصَّباح هو من قت َل الفارس الباسم يا سيِّدتي‪ ،‬السير آرثر داين‪ ،‬فارس‬
‫وسحب چايمي يده َّ‬
‫الذهبيَّة والتفتَ إلى الليدي ماريا مخاطبًا إياها‪« :‬إلى أين تعقَّب والدر‬ ‫َ‬ ‫أفضل مني»‪،‬‬
‫األسود تلك المرأة ذات القلنسوة ورجالها؟»‪.‬‬
‫طت رائحتهم ثانيةً شمال (مستنقع هاج)‪ .‬ي ِ‬
‫ُقسم أنه لم يكن وراءهم‬ ‫أجابَته المرأة األكبر ِسنًّا‪« :‬كالبه التق َ‬
‫يوم حين اختفوا في (العُنق)»‪.‬‬ ‫بأكثر من نِصف ٍ‬
‫أعلنَ السير كينوس بمرح‪« :‬فليتعفَّنوا هناك‪ .‬إذا شا َءت اآللهة ستبتلعهم الرِّمال المتح ِّركة أو تلتهمهم‬
‫األُسود الزواحف‪.»46‬‬
‫قال السير دانويل فراي‪« :‬أو يأخذهم أ َكلة الضَّفادع‪ .‬لن يُد ِهشني أن يُؤوي أهل المستنقعات الخارجين عن‬
‫القانون»‪.‬‬
‫قالت الليدي ماريا‪« :‬ليتهم الوحيدون‪ .‬بعض لوردات النَّهر متواطئ مع رجال اللورد بريك أيضًا»‪.‬‬
‫تن َّشقت ابنتها‪ ،‬وقالت‪« :‬والعا َّمة أيضًا‪ .‬السير هاروين يقول إنهم يُ َخبِّؤونهم ويُط ِعمونهم‪ ،‬ول َّما يسألهم أين‬
‫ذهبوا يكذبون‪ .‬يكذبون على سادتهم!»‪.‬‬
‫حضَّها العُفر ً‬
‫قائال‪« :‬اقطعوا ألسنتهم إذن»‪.‬‬
‫ت إذن‪ .‬إذا أردتم مساعَدتهم فعليكم أن تجعلوهم يحبُّونكم‪.‬‬ ‫قال چايمي‪« :‬حظًّا سعيدًا في الحصول على إجابا ٍ‬
‫هذا ما فعلَه آرثر داين حين خرجنا لقتال أخ َّوة غابة الملوك؛ نق َد العا َّمة ثَمن الطَّعام الذي أكلناه‪ ،‬وأطل َع‬
‫ق قطع عد ٍد معيَّن من‬ ‫وكسب لهم َح َّ‬
‫َ‬ ‫الملك إيرس على مظالمهم‪ ،‬ووسَّع مساحات الرَّعي حول قُراهم‪ ،‬بل‬
‫األشجار ك َّل عام وصيد بعض غزالن الملك في الخريف‪ .‬أهل الغابة تطلَّعوا إلى توين ليُنقِذهم‪ ،‬لكن السير‬
‫آرثر فع َل من أجلهم أضعاف ما كانت األخ َّوة لتأمل أن تفعله‪ ،‬وكسبَهم إلى صفِّنا‪ ،‬وبَعدها كانت البقيَّة‬
‫سهلةً»‪.‬‬
‫قالت الليدي ماريا‪« :‬حضرة القائد يتكلَّم بحكمة‪ .‬لن نتخلَّص من هؤالء المجرمين أبدًا ما لم يحبَّ العا َّمة‬
‫النسل كما أحبُّوا أبي وجدِّي من قبل»‪.‬‬
‫ق چايمي مكان ابن ع ِّمه الخالي مف ِّكرًا‪ :‬غير أن النسل لن يربح حبَّهم بالصَّالة أبدًا‪.‬‬‫رم َ‬
‫مطَّت الليدي آميري شفتيها قائلةً‪« :‬سير چايمي‪ ،‬أتو َّس ُل إليك َّأال تتخلَّى عنا‪ .‬إن زوجي في حاج ٍة إليك‬
‫زمن مخيف حقًّا‪ .‬في بعض اللَّيالي أكا ُد ال أستطي ُع النَّوم من خوفي»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكذلك أنا‪ .‬نحن في‬
‫‪« -‬مكاني مع الملك يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫قتال آخَر‪ ،‬ولو أن اللورد بريك لن‬ ‫قال العُفر‪« :‬أنا سآتي‪ .‬حالما نَفرُغ من (ريڤر َرن) سأكون متش ِّوقًا إلى ٍ‬
‫نحيال و ِغ ًّرا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫معطف أنيق‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يَص ُمد أمامي‪ .‬إنني أذكره في دورات المباريات السَّابقة‪ .‬كان فتى وسي ًما في‬
‫قال السير آروود فراي ال َّشاب‪« :‬كان هذا قبل أن يموت‪ .‬العا َّمة يقولون إن الموت غيَّره‪ .‬يُمكنك أن تَقتُله‬
‫رجال في‬ ‫ً‬ ‫جال كهذا؟ وهناك كلب الصَّيد أيضًا‪ .‬لقد قت َل عشرين‬ ‫لكنه لن يبقى ميتًا‪ .‬كيف تَقتُل ر ً‬
‫( َّ‬
‫المالحات)»‪.‬‬
‫خان بدينًا ربما‪ ،‬عشرين خاد ًما يبولون في سراويلهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صاحب‬
‫ِ‬ ‫قهقهَ العُفر بق َّوة‪ ،‬وقال‪« :‬قت َل عشرين‬
‫عشرين أ ًخا شحَّا ًذا مسلَّحين باآلنية‪ .‬ليس عشرين فارسًا‪ ،‬ليس أنا»‪.‬‬
‫عاث كليجاين‬ ‫َ‬ ‫المالحات)‪ .‬الرَّجل اختبأ َ وراء أسواره بينما‬ ‫َر َّد السير آروود بإصرار‪« :‬ث َّمة فارس في ( َّ‬
‫وكالبه المسعورة تدميرًا في بلدته‪ .‬إنك لم ت َر األشياء التي فعلَها أيها الفارس‪ ،‬أنا رأيتها‪ .‬حين بلغَت‬
‫نظن أن‬‫خرجت مع السير هاريس هاي وأخيه دونل وخمسين من الرُّ ماة وال ُمشاة‪ .‬كنا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫األخبار (التَّوأمتين)‬
‫المالحات) َّإال القلعة‪ ،‬وكان السير‬ ‫ق في ( َّ‬ ‫اللورد بريك هو من فع َل هذا وأملنا أن نجد أثره لنقتفيه‪ .‬لم يتب َّ‬
‫رفض فتح ب َّوابته‪ ،‬وخاطبَنا بال َّزعيق من فوق أسواره باألعلى‪ .‬البقيَّة‬ ‫َ‬ ‫كوينسي العجوز مرعوبًا لدرجة أنه‬
‫صدِّقوا‬ ‫ق المباني وقتَّل ال ُّس َّكان وغاد َر ضاح ًكا‪ .‬النِّساء‪ ...‬لن تُ َ‬
‫عظام ورماد‪ ،‬البلدة بأكملها‪ .‬كلب الصَّيد أحر َ‬
‫ما فعلَه ببعض النِّساء‪ .‬لن أتكلَّم عن هذا على المائدة‪ .‬مجرَّد مرآه َ‬
‫أثار غثياني»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بكيت عندما‬ ‫قالت الليدي آميري‪« :‬لقد‬
‫رشفَ چايمي من نبيذه‪ ،‬وسأ َل‪« :‬وما الذي يجعلكم واثقين بأنه كلب الصَّيد؟»‪ .‬ما يصفونه أقرب إلى أفعال‬
‫س صُلب‪ ،‬لكن أخاه الكبير هو الوحش الحقيقي في عائلة‬ ‫جريجور من ساندور‪ .‬صحي ٌح أن ساندور قا ٍ‬
‫كليجاين‪.‬‬
‫قال السير آروود‪« :‬هناك من رأوه‪ .‬ليس من السَّهل َّأال يتعرَّف المرء خوذته إياها أو ينساها‪ ،‬وث َّمة من‬
‫نجوا ليحكوا ما جرى؛ الفتاة التي اغتصبَها‪ ،‬وبعض الصِّبية الذين تواروا‪ ،‬وامرأة وجدناها حبيسةً تحت‬
‫صيَّادون الذين شاهَدوا المجزرة من قواربهم‪.»...‬‬ ‫عارض ٍة متفحِّ مة‪ ،‬وال َّ‬
‫َ‬
‫حدث‬ ‫قالت الليدي آميري بخفوت‪« :‬ال تصفها بالمجزرة‪ ،‬إنها إهانة للج َّزارين ال ُّشرفاء في ك ِّل مكان‪ .‬ما‬
‫حيوان رهيب في هيئ ٍة بَشريَّة»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫المالحات) من صُنع‬ ‫في ( َّ‬
‫هذا زمن الحيوانات‪ ،‬األُسود وال ِّذئاب والكالب الغاضبة‪ ،‬زمن ال ِغدفان و ِغربان الجيف‪.‬‬
‫ي محنتكما‪ .‬لكما كلمتي‪ ،‬ما‬ ‫قائال‪« :‬عمل آثم‪ .‬ليدي ماريا‪ ،‬ليدي آميري‪ ،‬لقد أثَّرت ف َّ‬
‫عا َد العُفر يمأل كأسه ً‬
‫لمالحقة كلب الصَّيد وأقتله من أجلكما‪ .‬الكالب ال تُخيفني»‪.‬‬
‫َ‬ ‫إن تَسقُط (ريڤر َرن) سأعو ُد‬
‫المفت َرض أن يُخيفك هذا الكلب‪ .‬كال الرَّجلين كبير الحجم قويٌّ‪َّ ،‬إال أن ساندور كليجاين أسرع كثيرًا‪،‬‬
‫ويُقاتِل بشراس ٍة ال يقوى اليل كراكهول على مضاهاتها‪.‬‬
‫على أن الليدي آميري قالت مفتونةً‪« :‬أنت فارس حقيقي يا سير اليل لمساعَدتك ليدي في محن ٍة ِمثلي»‪.‬‬
‫الذهب إلى كأسه فأسقطَها‪ ،‬ليتشرَّب مفرش المائدة الكتَّاني‬ ‫ع نفسها بالفتاة على األقل‪َ .‬م َّد چايمي يده َّ‬
‫لم تد ُ‬
‫تظاهر رفاقه جميعًا بأنه لم يلحظوا‪ .‬قال لنفسه‪ :‬إنها كياسة المائدة‬ ‫َ‬ ‫النَّبيذ‪ ،‬وبينما اتَّسعت بُقعة األحمر‬
‫نهض على حين غ َّر ٍة ً‬
‫قائال‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬أرجو أن‬ ‫َ‬ ‫العالية‪ ،‬لكن مذاقها في فمه لم يختلف عن مذاق ال َّشفقة‪.‬‬
‫تَع ُذريني»‪.‬‬
‫بدا االنزعاج على الليدي آميري‪ ،‬وقالت‪« :‬هل ستَترُكنا؟ ما زلنا سنأكل لحم الغزالن‪ ،‬وهناك ديوك‬
‫محش َّوة بالكرفس والفِطر»‪.‬‬
‫ك أنهما صنفان شهيَّان‪ ،‬لكني لن أستطيع أن آكل لُقمةً أخرى‪ .‬يجب أن أرى ابن ع ِّمي»‪ ،‬وحنى‬ ‫‪« -‬ال َش َّ‬
‫چايمي رأسه وتر َكهم لطعامهم‪.‬‬
‫كان الرِّ جال يأكلون في السَّاحة أيضًا‪ ،‬وقد تحلَّق العصافير حول دست ٍة من بؤر النَّار لتدفئة أيديهم من برد‬
‫وينز منها ال ُّدهن فوق النَّار‪ .‬ال بُ َّد أنهم مئة على األقل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫قطق‬
‫ط ِ‬‫الغسق ومتابَعة أصابع السُّجق السَّمينة التي تُ َ‬
‫أفواه معدومة القيمة‪ .‬تساء َل چايمي عن مخزون السُّجق لدى النسل وكيف ينوي إطعام العصافير حين‬
‫محصوال يحصدونه‪ .‬في هذا الوقت المتأ ِّخر من‬ ‫ً‬ ‫ينفد‪ .‬بحلول ال ِّشتاء ستجدهم يأكلون الجرذان‪ ،‬ما لم يجدوا‬
‫الخريف فُرصة حصا ٍد آ َخر ضعيفة‪.‬‬
‫وج َد ِسپت القلعة في الجناح ال َّداخلي‪ ،‬مبنى سُباعي الجوانب بال نوافذ‪ ،‬نِصفه من الخشب وبابه الخشبي‬
‫منقوش وسطحه مغطَّى بالبالط‪ .‬على ال َّدرجات يجلس ثالثة من العصافير‪ ،‬وقد نهضوا مع اقتراب‬
‫چايمي‪ ،‬وسألَه أحدهم‪« :‬أين أنت ذاهب يا سيِّدي؟»‪ .‬هو أصغر الثَّالثة‪ ،‬لكن لحيته األكبر‪.‬‬
‫‪« -‬إلى ال َّداخل؟»‪.‬‬
‫ُصلِّي»‪.‬‬
‫‪« -‬حضرة اللورد في ال َّداخل‪ ،‬ي َ‬
‫‪« -‬حضرة اللورد ابن ع ِّمي»‪.‬‬
‫قال ُعصفور آخَر‪ ،‬رجل أصلع ضخم فوق عينه رسم لنجم ٍة سُباعيّة‪« :‬إذن فلست تُريد إزعاج ابن ع ِّمك‬
‫في أثناء صالته يا سيِّدي»‪.‬‬
‫‪« -‬اللورد النسل يسأل (األب في األعالي) الهداية»‪ ،‬قال العُصفور الثَّالث الحليق‪ ،‬الذي حسبَه چايمي‬
‫شكل وقميصًا من الحلقات المعدنيَّة الصَّدئة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫أسماال بال‬ ‫أوال‪ ،‬لكن صوتها أخب َره بأنها امرأة ترتدي‬‫صبيًّا ً‬
‫صلِّي ألجل أرواح السِّپتون األعلى وك ِّل من ماتوا»‪.‬‬
‫«ي ُ َ‬
‫أجابَها چايمي‪« :‬سيظلُّون موتى غدًا‪( .‬األب في األعالي) لديه وقت أطول مني‪ .‬هل تعرفون َمن أنا؟»‪.‬‬
‫َر َّد الكبير ذو العين المنجَّمة‪« :‬لورد ما»‪.‬‬
‫وقال الصَّغير ذو اللِّحية الكبيرة‪ُ « :‬معاق ما»‪.‬‬
‫وقالت المرأة‪« :‬قاتِل الملك‪ ،‬لكننا لسنا ملو ًكا وإنما مجرَّد صعاليك‪ ،‬وال يُمكنك ال ُّدخول ما لم يقل حضرة‬
‫اللورد أن تَد ُخل»‪ ،‬ورف َعت هراوةً مدبَّبةً ورف َع الصَّغير فأسًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت في‬ ‫بسالم أيها األصدقاء‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫انفت َح الباب من ورائهم‪ ،‬وقال النسل برفق‪« :‬دعوا ابن ع ِّمي يمرُّ‬
‫انتظاره»‪.‬‬
‫وانزا َح العصافير في الحال‪.‬‬
‫هزاال مما كان في (كينجز الندنج)‪ ،‬ثم إنه حافي القدمين ويرتدي سُترةً قصيرةً تقليديَّةً‬
‫ً‬ ‫يبدو النسل أكثر‬
‫ق ق َّمة رأسه ونبتَ زغب‬ ‫من الصُّ وف غير المصبوغ تجعله يبدو أقرب إلى متس ِّو ٍل من لورد‪ ،‬وكان قد حل َ‬
‫لحيته بعض ال َّشيء‪ ،‬ولو أن من الصَّعب أن يع َّد ما على وجهه زغبًا‪ ،‬خصوصًا أنه ال يتماشى مع ال َّشعر‬
‫األبيض حول أُذنيه‪.‬‬
‫قال چايمي ل َّما صارا وحدهما داخل السِّپت‪« :‬هل فقدت عقلك يا ابن العم؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫عثرت على إيماني»‪.‬‬ ‫‪« -‬أوث ُر أن أقول إنني‬
‫‪« -‬أين أبوك؟»‪.‬‬
‫هال صلَّيت معي يا چايمي؟»‪.‬‬
‫قائال‪َّ « :‬‬
‫أجاب النسل‪« :‬رحل‪ .‬لقد تشا َجرنا»‪ ،‬ورك َع أمام مذبح أبيه اآلخَر ً‬ ‫َ‬
‫‪« -‬هل سيُعطيني (األب) يدًا جديدةً إذا صلَّ ُ‬
‫يت جيِّدًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬لكن (ال ُمحارب) سيُعطيك ال َّشجاعة‪ ،‬و(الح َّداد) الق َّوة‪ ،‬و(العجوز) الحكمة»‪.‬‬
‫‪« -‬إنني محتاج إلى يد»‪ .‬فوق المذابح المنحوتة ترتفع اآللهة السَّبعة ويلتمع خشبها ال َّداكن في ضوء‬
‫ال ُّشموع‪ ،‬وفي الهواء رائحة بَ ٍ‬
‫خور خفيفة‪« .‬هل تنام هنا؟»‪.‬‬
‫ُرسل لي (السَّبعة) رؤًى»‪.‬‬
‫مذبح مختلف وي ِ‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬ك َّل ليل ٍة أنا ُم عند‬
‫كان بيلور المبا َرك يرى ر ًؤى أيضًا‪ .‬خصوصًا عندما يصوم‪« .‬متى أكلت ِ‬
‫آخر مرَّة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إيماني الغذاء الوحيد الذي يلزمني»‪.‬‬
‫‪« -‬اإليمان كالثَّريد‪ ،‬أفضل بالحليب والعسل»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ارتكبت من خطايا‪ ،‬وألجل هذا قتلتني»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حلمت بأنك ستأتي‪ .‬في الحُلم كنت تعرف الذي فعلته وما‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫المبارك حتى الموت؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬األرجح أنك ستَقتُل نفسك بك ِّل هذا الصِّيام‪ .‬ألم يَصُم بيلور‬
‫ريح شاردة كفيلة بإطفائها‪ .‬الموت‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬ما حيواتنا َّإال لهب شموع‪ ،‬كما تقول (النَّجمة السُّباعيَّة)‪ ،‬مجرَّد هبَّة‬
‫ليس بعيدًا أبدًا في هذا العالم‪ ،‬وث َّمة سبع جحائم تنتظر ال ُخطاة الذين لم يتوبوا عن خطاياهم‪َ .‬‬
‫ص ِّل معي يا‬
‫چايمي»‪.‬‬
‫فعلت فهل ستأكل وعا ًء من الثَّريد؟»‪ .‬لم ي ُِجبه ابن ع ِّمه‪ ،‬فزفر چايمي‪ ،‬وقال‪« :‬حريٌّ بك أن تنام مع‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬إذا‬
‫ابن في عروقه دماء داري إذا أردت االحتفاظ بهذه القلعة»‪.‬‬
‫زوجتك ال (العذراء)‪ .‬إنك في حاج ٍة إلى ٍ‬
‫أرد َّإال أن‪ ،»...‬وارتجفَ مردفًا‪« :‬فليحمني‬
‫أردها‪ ،‬لم ِ‬
‫قال النسل‪« :‬كومة حجار ٍة باردة لم أطلبها ولم ِ‬
‫ُ‬
‫أردت أن أكون أنت»‪.‬‬ ‫(السَّبعة)‪ ،‬لكني‬
‫ضحكَ چايمي رغ ًما عنه‪ ،‬وقال‪« :‬أنا أفضل من بيلور المق َّدس‪( .‬داري) محتاجة إلى أس ٍد يا ابن ع ِّمي‪،‬‬
‫وكذا زوجتك الصَّغيرة ابنة فراي‪ .‬كلَّما أتى أحدهم على ِذكر الحجر الصُّ لب ابت َّل ما بين ساقيها‪ .‬إذا لم تكن‬
‫قد ضاج َعته بع ُد فستفعل قريبًا»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا كانت تحبُّه فأتمنى أن يجد كالهما المس َّرةً في اآلخَ ر»‪.‬‬
‫‪« -‬ال يَج ُدر باألسد أن يكون له قرنان‪ .‬لقد تز َّوجت الفتاة»‪.‬‬
‫دت بعض الكلمات وأعطيتها معطفًا أحمر‪ ،‬ولكن إلرضاء أبي فحسب‪ .‬ال ِّزيجة تتطلَّب أن تت َّم في‬ ‫‪« -‬ر َّد ُ‬
‫ط‪ ،‬وحال تتويجه‬ ‫كزوج وزوج ٍة قَ ُّ‬
‫ٍ‬ ‫الفِراش‪ .‬الملك بيلور اضط َّر إلى ال َّزواج بأخته داينا‪ ،‬لكنهما لم يعيشا‬
‫اعتزَلها»‪.‬‬
‫حال ليس‬ ‫ٍ‬ ‫أعرف ما يكفي من التَّاريخ ألدرك هذا‪ .‬على كلِّ‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬كان أصلح للبالد أن يُغلِق عينيه وينكحها‪.‬‬
‫المبارك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫واردًا أن يحسبك أحد كبيلور‬
‫س نقيَّة و ُشجاعة وبريئة لم تمسَّها شرور العالم‪ .‬أ َّما أنا فآثم‪،‬‬
‫س نادرة‪ ،‬نف ٍ‬ ‫صاحب نف ٍ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬صحيح‪ .‬لقد كان‬
‫ي كثير أكفِّ ُر عنه»‪.‬‬ ‫ولد َّ‬
‫ُ‬
‫قتلت ملكي»‪.‬‬ ‫وض َع چايمي يده على كتف ابن ع ِّمه‪ ،‬وقال‪« :‬ماذا تعرف عن اآلثام يا ابن ع ِّمي؟ لقد‬
‫‪« -‬ال ُّشجاع يَقتُل بالسَّيف‪ ،‬والجبان بقِربة نبيذ‪ .‬كالنا قاتِل ٍ‬
‫ملك أيها الفارس»‪.‬‬
‫‪« -‬روبرت لم يكن مل ًكا حقًّا‪ ،‬بل وقد يقول بعضهم إن الوعل فريسة األسد الطَّبيعيَّة»‪ .‬كان چايمي يَشعُر‬
‫ضا‪ ،‬إذ يرتدي النسل قميصًا من ال َّشعر تحت سُترته‪.‬‬ ‫بالعظم البارز تحت ِجلد ابن ع ِّمه‪ ...‬وبشي ٍء آ َخر أي ً‬
‫«ماذا فعلت غير هذا ويتطلَّب تكفيرًا؟ أخبِرني؟»‪.‬‬
‫طأطأ َ ابن ع ِّمه رأسه وال ُّدموع تجري على وجنتيه‪.‬‬
‫وكانت هذه ال ُّدموع ك َّل اإلجابة التي أرادَها چايمي‪ ،‬الذي قال‪« :‬قتلت الملك ثم نكحت الملكة»‪.‬‬
‫‪« -‬لم يَح ُدث قَ ُّ‬
‫ط‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬أن نِمت مع أختي الجميلة؟»‪ .‬قُلها‪ ،‬قُلها!‬
‫ُ‬
‫أفرغت منيِّي في‪ ...‬في‪.»...‬‬ ‫‪« -‬لم يَح ُدث قَ ُّ‬
‫ط أني‬
‫‪ ...« -‬فَرجها؟»‪.‬‬
‫‪ ...« -‬في رحمها‪ .‬إنها ليست خيانةً ما لم تُ ِ‬
‫فرغ المن َّي في ال َّداخل‪ .‬لقد واسيتها بَعد موت الملك‪ .‬كنت أنت‬
‫ب وجيه‪ .‬لقد جعلَني أخونها»‪.‬‬
‫أسيرًا وأبوك في ميدان المعركة وأخوك‪ ...‬كانت تخشاه‪ ،‬ولسب ٍ‬
‫‪« -‬حقًّا؟»‪ .‬النسل والسير أوزموند وكم غيرهما؟ هل قال فتى القمر على سبيل االستهزاء؟ «هل‬
‫أكرهتها؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أردت أن أحميها»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال! لقد أحببتها‪،‬‬
‫أردت أن تكون أنا‪ .‬أحسَّ بأصابعه ال َّشبحيَّة تستح ُّكه‪ .‬يوم أتَته أخته في (بُرج السَّيف األبيض) تتوسَّل إليه‬
‫رفض وقالت متبجِّ حةً إنها كذبَت عليه ألف مرَّة‪ ،‬لكن چايمي‬ ‫َ‬ ‫أن يتبرَّأ من قَسمه ‪ -‬يومها ضح َكت بَعد أن‬
‫اعتب َرها محاولةً رعناء إليالمه كما آل َمها‪ .‬ربما كان هذا ال َّشيء الحقيقي الوحيد الذي قالَته لي‪.‬‬
‫لحم ضعيف يا چايمي‪ .‬لم يَنتُج عن خطيئتنا‬ ‫ق من ٍ‬ ‫قائال‪« :‬ال تُسئ الظَّ َّن بالملكة‪ .‬كلُّ مخلو ٍ‬
‫ناشدَه النسل ً‬
‫أذى‪ ،‬ال‪ ...‬ال نغول»‪.‬‬
‫تساءل ع َّما سيقوله ابن ع ِّمه إذا اعترفَ له‬
‫َ‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬نادرًا ما يَنتُج النُّغول عن إفراغ المن ِّي على البطن»‪.‬‬
‫بخطاياه هو‪ ،‬بالخيانات الثَّالث التي س َّمتها سرسي چوفري وتومن ومارسال‪.‬‬
‫ي أن أسامحها»‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫كنت غاضبًا من جاللتها بَعد المعركة‪ ،‬لكن السِّپتون األعلى قال إن عل َّ‬
‫لصاحب القداسة األعلى‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬إذن فقد اعترفت بخطاياك‬
‫ً‬
‫رجال صالحًا»‪.‬‬ ‫‪« -‬لقد صلَّى معي عندما ُ‬
‫كنت جريحًا‪ .‬كان‬
‫إنه رجل ميت‪ ،‬دقُّوا له األجراس بالفعل‪ .‬تساء َل إن كانت لدى ابن ع ِّمه فكرة ع َّما قد تُث ِمره كلماته‪.‬‬
‫«النسل‪ ،‬أنت أحمق كبير»‪.‬‬
‫سألت (األب في األعالي) أن‬ ‫ُ‬ ‫وضعت حماقتي ورائي أيها الفارس‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫قال النسل‪« :‬لست مخطئًا‪ ،‬لكني‬
‫يُريني السَّبيل‪ ،‬وقد فع َل‪ .‬سأتخلَّى عن هذه اللورديَّة وهذه ال َّزوجة‪ .‬هنيئًا للحجر الصُّ لب بهما إذا أرا َد‪ .‬غدًا‬
‫سأعو ُد إلى (كينجز الندنج) وأتعهَّد بسيفي للسِّپتون األعلى الجديد و(السَّبعة)‪ .‬إنني أنوي حلفان اليمين‬
‫واالنضمام إلى أبناء ال ُمحارب»‪.‬‬
‫علَّق چايمي الذي لم يفهم ما قالَه الصَّبي‪« :‬أبناء ال ُمحارب محظورون منذ ثالثمئة عام»‪.‬‬
‫‪« -‬السِّپتون األعلى الجديد أحياهم‪ ،‬وأرس َل يستدعي الفُرسان الجديرين ليتعهَّدوا بأنفُسهم وسيوفهم لخدمة‬
‫(السَّبعة)‪ .‬جماعة الصَّعاليك ستعود ثانيةً أي ً‬
‫ضا»‪.‬‬
‫‪« -‬ولِ َم يسمح العرش الحديدي بهذا؟»‪ .‬يَذ ُكر چايمي أن أحد ملوك تارجاريَن األوائل كاف َح أعوا ًما لقمع‬
‫الجماعتين العسكريَّتين‪ ،‬وإن كان قد نس َي َمن‪ .‬ميجور ربما‪ ،‬أو چهيرس األول‪ .‬كان تيريون ليعرف‪.‬‬
‫ق‪ .‬سأريك الرِّسالة إذا أردت»‪.‬‬ ‫كتب ً‬
‫قائال إن الملك تومن واف َ‬ ‫صاحب القداسة األعلى َ‬‫‪ِ «-‬‬
‫‪« -‬حتى إذا كان هذا صحيحًا‪ ...‬أنت أسد من أوالد (الصَّخرة)‪ ،‬لورد! إن لك زوجةً وقلعةً وأراض َي تُدافِع‬
‫عنها ورعايا تحميهم‪ ،‬وإذا شا َءت اآللهة سيكون لك أبناء من دمك يخلفونك‪ .‬لماذا تَهجُر ك َّل هذا من أجل‪...‬‬
‫من أجل يمين؟»‪.‬‬
‫سألَه النسل‪« :‬لماذا هجرت أنت ما كان لك؟»‪.‬‬
‫لعب ال َّشرف‬
‫َ‬ ‫كان چايمي ليُجيب‪ :‬من أجل ال َّشرف‪ ،‬من أجل المجد‪ ،‬ولكن لكانت إجابته كاذبةً‪ .‬أي نعم‬
‫والمجد دورًا‪َّ ،‬إال أن الجزء األكبر من حافزه كان سرسي‪.‬‬
‫ص ِّل لتعرف‬
‫فرَّت ضحكة من بين شفتيه‪ ،‬وقال‪« :‬هل تهرع إلى السِّپتون األعلى أم إلى أختي الجميلة؟ َ‬
‫صلِّ كثيرًا»‪.‬‬
‫اإلجابة يا ابن ع ِّمي‪َ ،‬‬
‫هال صلَّيت معي يا چايمي؟»‪.‬‬ ‫‪َّ « -‬‬
‫تطلَّع إلى اآللهة في جوانب السِّپت؛ إلى (األُم) المألى بالرَّحمة‪ ،‬و(األب) الصَّارم في حُكمه‪ ،‬و(ال ُمحارب)‬
‫المستقرَّة يده على سيفه‪ ،‬وإلى (الغريب) وسط الظِّالل‪ ،‬يتوارى وجهه نِصف اإلنساني تحت قلنسوة‬
‫حسبت نفسي (ال ُمحارب) وسرسي (العذراء)‪ ،‬لكنها كانت (الغريب) طيلة الوقت‪ ،‬تُخفي وجهها‬ ‫ُ‬ ‫معطفه‪.‬‬
‫الحقيقي عن بصري‪.‬‬
‫نسيت الكلمات كلَّها»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ص ِّل من أجلي إذا أردت‪ .‬لقد‬
‫قال البن ع ِّمه‪َ « :‬‬
‫فرفون على ال َّدرج عندما خر َج چايمي إلى اللَّيل‪ ،‬فقال لهم‪« :‬أشكركم‪ .‬أشع ُر‬
‫كان العصافير ما زالوا يُ َر ِ‬
‫بأني أكثر إيمانًا بكثير اآلن»‪.‬‬
‫وذهب ووج َد السير إلين وزوجين من السُّيوف‪.‬‬
‫َ‬
‫ساحة القلعة مليئة باألعيُن واآلذان‪ ،‬ولتحاشيها سعيا إلى أيكة اآللهة‪ .‬ال يو َجد عصافير هناك‪ ،‬فقط سكينة‬
‫افترش األرض بساط من أوراق ميتة سحقَتها‬ ‫َ‬ ‫األشجار الجرداء التي تخدش فروعها السَّوداء السَّماء‪ ،‬وقد‬
‫أقدامهما‪.‬‬
‫قائال‪« :‬هل ترى هذه النَّافذة أيها الفارس؟ كانت هذه ُغرفة نوم رايمون داري‪ ،‬حيث نا َم‬ ‫أشا َر چايمي بسيفه ً‬
‫روبرت خالل رحلة عودتنا من (وينترفل)‪ .‬ال بُ َّد أنك تَذ ُكر أن ابنة ند ستارك هربَت بَعد أن هاج َمت ذئبتها‬
‫طع يد الفتاة‪ ،‬العقوبة القديمة لضرب أحد ذوي ال َّدم الملكي‪ ،‬فقال لها روبرت إنها‬ ‫چوف‪ .‬أرادَت أختي أن تُق َ‬
‫شرب روبرت‪ .‬بَعد‬
‫َ‬ ‫متوحِّشة مجنونة‪ ،‬وقضيا نِصف اللَّيلة في ال ِّشجار‪ ...‬أو أن سرسي تشاج َرت في حين‬
‫نوم عميق على‬ ‫يغط في ٍ‬‫وراح ُّ‬
‫َ‬ ‫صف اللَّيل استدعَتني الملكة إلى داخل ال ُغرفة‪ ،‬وكان الملك قد فق َد وعيه‬‫منت َ‬
‫سألت أختي إن كانت تُريدني أن أحمله إلى الفِراش‪ ،‬فقالت لي أن أحملها هي إلى الفِراش‬ ‫ُ‬ ‫البساط المايري‪.‬‬
‫وخل َعت ثوبها‪ ،‬وأخذتها هناك على فِراش رايمون داري بَعد أن خطونا فوق روبرت‪ .‬لو استيقظَ جاللته‬
‫ملك يموت بسيفي‪ ...‬لكنك تعرف تلك القصَّة‪ ،‬أليس كذلك؟»‪،‬‬ ‫لقتلته في مكانه في لحظتها‪ ،‬ولما كان أول ٍ‬
‫وضرب ُغصن شجر ٍة شاطرًا إياه ِنصفين‪ ،‬وتاب َع‪« :‬بينما أضاج ُع سرسي صا َحت‪ :‬أري ُد‪ .‬ظننتها تُريدني‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أنا‪ ،‬لكن َمن أرادَته كان ابنة ستارك‪ ،‬إ َّما مش َّوهة وإ َّما ميتة»‪ .‬يا لألشياء التي أفعلها من أجل الحُب‪.‬‬
‫عثرت عليها ً‬
‫أوال‪.»...‬‬ ‫ُ‬ ‫«تصادفَ أن عث َر رجال ستارك على الفتاة قبلي‪ ،‬لكن لو‬
‫وأصدر‬
‫َ‬ ‫ب سوداء مظلمة كروح چايمي‪،‬‬
‫في ضوء المشعل بدَت آثار الجُدري على وجه السير إلين كثقو ٍ‬
‫الرَّجل صوت الطَّقطقة إياه‪.‬‬
‫ف َّكر چايمي النستر‪ :‬يضحك مني‪ ،‬وقال بح َّدة‪« :‬على َح ِّد علمي ربما تكون قد ضاجعت أختي أيضًا أيها‬
‫الوغد المجدور‪ .‬حسن‪ ،‬أغلِق فمك اللَّعين واقتُلني إن استطعت»‪.‬‬
‫بِريان‬
‫ميل من السَّاحل‪ ،‬حيث يتَّسع ثغر‬ ‫يرتفع السِّپتري فوق جزير ٍة منبثقة من قلب الماء على بُعد نِصف ٍ‬
‫(الثَّالوث) الواسع أكثر فأكثر ليُقَبِّل (خليج السَّراطين)‪ .‬حتى من ال َّشاطئ يبدو ازدهارها جليًّا؛ منحدَراتها‬
‫أسماك وأعالها طاحونة هواء تدور ريشاتها المصنوعة من‬ ‫ٍ‬ ‫مغطَّاة بالحقول المدرَّجة‪ ،‬وأسفلها بِرك‬
‫الخشب وقُماش األشرعة ببُط ٍء في نسيم الخليج‪ ،‬ورأت بِريان خرافًا ترعى على جانب التَّ ِّل ولقالق‬
‫تخوض في المياه الضَّحلة حول مرسى العبَّارة‪.‬‬
‫ضفَّة األخرى‪ .‬سيَعبُر بنا اإلخوة غدًا‬ ‫شماال عبر الخليج‪َّ (« :‬‬
‫المالحات) على ال ِّ‬ ‫ً‬ ‫قال السِّپتون ميريبولد مشيرًا‬
‫في تيَّار الصَّباح‪ ،‬ولو أنني متوجِّس خيفةً مما سنجده هناك‪.‬‬
‫نواجهه‪ .‬اإلخوة عندهم دائ ًما عظم يستغنون عنه لكلب»‪ .‬مع قوله‬ ‫ِ‬ ‫لنستمتع بوجب ٍة شهيَّة ساخنة قبل أن‬
‫األخير نب َح كلب وهزه َز ذيله‪.‬‬
‫كانت المياه التي تفصل الجزيرة عن السَّاحل تنحسر بسُرع ٍة مع ال َجزر‪ ،‬تاركةً مساحةً شاسعةً من السُّهول‬
‫الذهب في شمس األصيل‪ .‬ح َّكت بِريان‬ ‫ت من َّ‬ ‫الطِّينيَّة َّ‬
‫الالمعة التي تنتشر فيها البِرك الم ِّديَّة المتأللئة كعُمال ٍ‬
‫س ودفَّأت ال َّشمس بشرتها‪.‬‬
‫مؤ ِّخرة ُعنقها حيث لدغَتها حشرة‪ ،‬وكانت قد رف َعت َشعرها وثبَّتته بدبُّو ٍ‬
‫سأ َل پودريك‪« :‬لماذا يُ َس ُّمونها (جزيرة الهدوء)؟»‪.‬‬
‫‪َ « -‬من يَقطُنون هنا تائبون يسعون إلى التَّكفير عن ذنوبهم عن طريق التَّأ ُّمل والصَّالة والصَّمت‪ .‬فقط األخ‬
‫الكبير ونُظَّاره مسموح لهم بالكالم‪ ،‬وال ُّنظَّار يتكلَّمون يو ًما واحدًا فقط من ك ِّل سبعة»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أنهن بال ألسنة»‪.‬‬ ‫قال پودريك‪« :‬األخوات الصَّامتات ال يتكلَّمن أبدًا‪.‬‬
‫كنت في ِسنِّك أسم ُع األ َّمهات ي ُِخفن بناتهن بهذه الحكاية‪ ،‬لكنها لم‬ ‫ُ‬ ‫ابتس َم السِّپتون ميريبولد‪ ،‬وقال‪« :‬منذ‬
‫بصل ٍة اآلن‪ .‬نذر الصَّمت فِعل الغرض منه التَّوبة‪ ،‬تضحية نُثبِت بها‬ ‫تمت لها ِ‬‫بصل ٍة آنذاك وال ُّ‬ ‫َّ‬
‫تمت للحقيقة ِ‬
‫ت أشبه بأن يعتزل رجل‬ ‫انكبابنا على عبادة (السَّبعة في األعالي)‪ .‬أن يأخذ األخرس على نفسه نذر صم ٍ‬
‫نازال به المنحدَر‪ ،‬وأشا َر لهم بأن يتبعوه مستطردًا‪« :‬إذا أردتم النَّوم‬ ‫ً‬ ‫بال ساقين الرَّقص»‪ ،‬وقا َد حماره‬
‫سقف اللَّيلة فعليكم أن تترجَّلوا وتَعبُروا األوحال معي‪ .‬نُ َس ِّميه طريق اإليمان‪ .‬وحدهم المؤمنون‬ ‫ٍ‬ ‫تحت‬
‫يستطيعون عبوره بأمان‪ ،‬أ َّما اآلثمون فتبتلعهم الرِّمال المتحرِّكة أو يغرقون عندما يتدفَّق ال َم ُّد‪ .‬آم ُل أن ال‬
‫أحد منكم آثم‪ .‬ومع ذلك أنصحكم باالنتباه إلى موطئ أقدامكم‪ .‬امشوا حيث أمشي فقط وستَبلُغون الجانب‬
‫اآلخَر»‪.‬‬
‫لم يكن بمقدور بِريان َّأال تلحظ أن طريق اإليمان معوجٌّ‪ ،‬فعلى الرغم من أن الجزيرة ترتفع إلى شمال‬
‫وبدال من‬ ‫ً‬ ‫شرق البُقعة التي تحرَّكوا منها على ال َّشاطئ‪ ،‬لم يتَّجه السِّپتون ميريبولد صوبها في َخطِّ مستقيم‪،‬‬
‫انهرس الطَّمي البنِّي اللَّين‬
‫َ‬ ‫هذا تحرَّك شرقًا نحو مياه الخليج األعمق التي تَبرُق باألزرق والفضِّ ي من بعيد‪.‬‬
‫بين أصابع قدميه‪ ،‬وفي أثناء سيره كان يتوقَّف بين الفينة والفينة ويجسُّ الطَّريق أمامه بنبُّوته‪ ،‬وقد ظَ َّل‬
‫كلب يمشي في أعقابه متش ِّم ًما ك َّل صخر ٍة وصدف ٍة و ُكتل ٍة من طحالب البحر‪ ،‬ممتنعًا هذه المرَّة عن استباقهم‬
‫أو الحيد عن الطَّريق‪.‬‬
‫ط اآلثار الذي يرسمه الكلب والحمار ورجل الدِّين‪ ،‬ووراءها‬ ‫ص على االلتزام ب َخ ِّ‬ ‫تحرَّكت بِريان بحر ٍ‬
‫پودريك ثم السير هايل‪ .‬بَعد أن قطعوا مئة ياردة انعطفَ ميريبولد بغتةً إلى الجنوب فكا َد ظَهره يُصبِح إلى‬
‫السِّپتري مباشرةً‪ ،‬وقد واص َل السَّير في هذا االتِّجاه مئة ياردة أخرى قائدًا إياهم بين بِركتين م ِّديَّتين‬
‫قرصه سرطان بمخالبه‪ ،‬ثم اندل َع قتال قصير لكن عنيف‬ ‫َ‬ ‫ضحلتين‪َ .‬دسَّ كلب فمه في إحداهما ونب َح عندما‬
‫قبل أن يعود الكلب متوثِّبًا وقد ابت َّل جسمه وتل َّوث بالوحل وبين ف َّكيه السَّرطان‪.‬‬
‫الذهاب إلى هناك؟ يبدو أننا نمشي في كلِّ‬‫نادى السير هايل من ورائهم مشيرًا إلى السِّپتري‪« :‬ألسنا نُريد َّ‬
‫اتِّجا ٍه ما عدا نحوه»‪.‬‬
‫َر َّد السِّپتون ميريبولد بنبر ٍة ملحَّة‪« :‬اإليمان‪ .‬آ ِمن وثابِر واتبع وسنجد السَّالم الذي نسعى إليه»‪.‬‬
‫من ك ِّل جه ٍة حولهم تلتمع األرض المسطَّحة المبتلَّة المرقَّشة بعشرات درجات األلوان‪ .‬الطَّمي بنِّي داكن‬
‫الذهبي أيضًا‪ ،‬وصخورًا منتصبةً حمراء‬ ‫للغاية لدرجة أنه يكاد يبدو أسود‪ ،‬لكن هناك رُقعًا من الرَّمل َّ‬
‫ورماديَّةً‪ ،‬وشبا ًكا من الطَّحالب البحريَّة السَّوداء والخضراء‪ .‬في ال ِبرك الم ِّديَّة تتحرَّك اللَّقالق تاركةً آثار‬
‫أقدامها في ك ِّل مكان‪ ،‬وتجري السَّراطين مسرعةً على سطوح المياه الضَّحلة‪ ،‬بينما تُف ِعم الهواء روائح‬
‫ت كالفرقعة المصحوبة‬ ‫مضض بصو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الملح والعفَن‪ ،‬وتمتصُّ األرض أقدامهم وال تَترُكها تتحرَّر َّإال على‬
‫بتنهيد ٍة بليلة‪ .‬انعطفَ السِّپتون ميريبولد م َّرةً أخرى وأخرى وأخرى‪ ،‬لتمتلئ آثار قدميه بالماء تَ َّو أن يخطو‬
‫ميال ونِصفًا‬
‫أصبحت األرض أكثر صالبةً وبدأت ترتفع تحت أقدامهم أخيرًا كانوا قد قطعوا ً‬ ‫َ‬ ‫مبتعدًا‪ ،‬وحين‬
‫على األقل‪.‬‬
‫رجال في انتظارهم وهُم يتسلَّقون الحجارة المكسَّرة التي تُطَ ِّوق ساحل الجزيرة‪ ،‬يرتدون ثياب‬ ‫ٍ‬ ‫كان ثالثة‬
‫يلف كالهما وشا ًحا‬ ‫اإلخوة ذات األكمام الواسعة والقالنس المدبَّبة بلونيها البنِّي والرَّمادي‪ ،‬ومنهما اثنان ُّ‬
‫من الصُّ وف حول نِصف وجهه السُّفلي أيضًا‪ ،‬فال يلوح منه َّإال العينان‪ .‬األخ الثَّالث هو من تكلَّم مناديًا‪:‬‬
‫أهال بك وبرفاقك أيضًا»‪.‬‬ ‫«السِّپتون ميريبولد‪ .‬مضى ما يَقرُب من عام‪ً .‬‬
‫قائال‪« :‬هل لنا في التماس كرم ضيافتكم ليلةً؟»‪.‬‬ ‫ونفض ميريبولد الوحل عن قدميه ً‬‫َ‬ ‫هزه َز كلب ذيله‪،‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬بالطَّبع‪ .‬سنتنا َول يخنة السَّمك هذا المساء‪ .‬هل ستحتاجون إلى العبَّارة في الصَّباح؟»‪.‬‬
‫أجاب ميريبولد‪« :‬إن لم نكن نُثقِل عليكم»‪ ،‬والتفتَ إلى رفاقه‪ ،‬وقال‪« :‬األخ ناربرت من نُظَّار الجماعة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ولذا فمسموح له بالكالم يو ًما واحدًا من ك ِّل سبعة‪ .‬أيها األخ‪ ،‬هؤالء القوم الطيِّبون ساعَدوني في الطَّريق‪.‬‬
‫السير هايل فارس هُمام من (المرعى)‪ ،‬والصَّبي هو پودريك پاين الذي أصب َح من الغربيِّين منذ فتر ٍة‬
‫قريبة‪ ،‬وهذه هي الليدي بِريان المعروفة بعذراء (تارث)»‪.‬‬
‫توقَّف األخ ناربرت فجأةً‪ ،‬وغمغ َم‪« :‬امرأة»‪.‬‬
‫ضته قائلةً‪« :‬نعم أيها األخ‪ .‬أليست عندكم نساء هنا؟»‪.‬‬
‫خل َعت بِريان دبُّوس َشعرها ونف َ‬
‫َر َّد ناربرت‪« :‬ليس في الوقت الرَّاهن‪ .‬النِّساء الالئي يَ ُزرننا يأتيننا مريضات أو جريحات أو حوامل‪ .‬لقد‬
‫يستطع ال ِمايسترات أنفُسهم‬
‫ِ‬ ‫ك (السَّبعة) أخانا الكبير بيدين شافيتين‪ ،‬وعليهما تعافى رجال كثيرون لم‬ ‫بار َ‬
‫عالجهم‪ ،‬ونسوة كثيرات أيضًا»‪.‬‬
‫ً‬
‫حامال»‪.‬‬ ‫لست مريضةً أو جريحةً أو‬
‫‪ُ «-‬‬
‫قال السِّپتون ميريبولد‪« :‬الليدي بِريان فتاة ُمحاربة‪ ،‬تُ ِ‬
‫طارد كلب الصَّيد»‪.‬‬
‫ال َحت ال َّدهشة على ناربرت‪ ،‬وتساء َل‪« :‬حقًّا؟ أل ِّ‬
‫ي غاية؟»‪.‬‬
‫مسَّت بِريان مقبض (حا ِفظ العهد) مجيبةً‪« :‬نهايته»‪.‬‬
‫إنك‪ ...‬قويَّة بالنِّسبة إلى امرأة‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن‪ ...‬ربما عل َّ‬
‫ي أن‬ ‫تفرَّس النَّاظر في مالمحها ً‬
‫قائال‪ِ « :‬‬
‫آخذك إلى األخ الكبير‪ .‬ال بُ َّد أنه رآكم تَعبُرون األوحال‪ .‬تعالوا»‪.‬‬
‫مطلي بالجير األبيض له سقف‬
‫ِّ‬ ‫اسطبل‬
‫ٍ‬ ‫قادَهم ناربرت في ممرٍّ مفروش بالحصى وعبر بُستان تفَّ ٍ‬
‫اح إلى‬
‫مدبَّب من القَش‪ ،‬حيث قال لهم‪« :‬يُمكنكم أن تَترُكوا حيواناتكم هنا‪ .‬سيحرص األخ جيالم على إطعامها‬
‫وسقائها»‪.‬‬
‫خال‪ .‬في أحد طرفيه نِصف دست ٍة من البغال يرعاها أخ صغير متق ِّوس‬ ‫ٍ‬ ‫أكثر من ثالثة أرباع االسطبل‬
‫السَّاقين خ َّمنت بِريان أنه جيالم‪ ،‬وفي الطَّرف األقصى‪ ،‬بعيدًا تما ًما عن الحيوانات األخرى‪ ،‬جواد أدهم‬
‫ورفس باب مربطه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ضخم د َّوى صهيله حين سم َع أصواتهم‬
‫ُناول األخ جيالم ِعنان حصانه‪ ،‬وقال‪« :‬دابَّة فارهة»‪.‬‬ ‫ب وهو ي ِ‬ ‫حد َج السير هايل الفَحل الكبير بنظرة إعجا ٍ‬
‫ُرسلون لنا ِمحنًا‪ .‬ربما يكون فارهًا‪ ،‬لكن دريفتوود‬ ‫تنهَّد األخ ناربرت معلِّقًا‪(« :‬السَّبعة) ي ِ‬
‫ُرسلون لنا نِع ًما وي ِ‬
‫رفس األخ راوني وكس َر قصبة ساقه في‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ُولِ َد في الجحيم من غير ريب‪ .‬عندما حا َولنا ربطه بمحرا ٍ‬
‫موضعين‪ .‬كنا نأمل أن يُ َحسِّن اإلخصاء مزاجه األسود‪ ،‬ولكن‪َّ ...‬‬
‫هال أريتهم أيها األخ جيالم؟»‪.‬‬
‫وضمادة مل َّوثة بال َّدم تحتلُّ‬
‫أنز َل األخ جيالم قلنسوته‪ ،‬ليلوح من تحتها َشعره األشقر وق َّمة رأسه المحلوقة ِ‬
‫مكان أُذنه‪.‬‬
‫ق پودريك‪ ،‬وسأ َل‪« :‬الحصان قض َم أُذنك؟!»‪.‬‬ ‫شه َ‬
‫ُ‬
‫كنت آلخذ‬ ‫أومأ َ جيالم برأسه إيجابًا وعا َد يُ َغطِّي رأسه‪ ،‬وقال له السير هايل‪« :‬سا ِمحني أيها األخ‪ ،‬لكني‬
‫حامال مق ًّ‬
‫صا»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫األُذن األخرى لو اقتربت مني‬
‫وهب‬
‫َ‬ ‫عجب ال ُّدعابة األخ ناربرت‪ ،‬الذي قال‪« :‬أنت فارس يا سيِّدي‪ ،‬ودريفتوود دابَّة أحمال‪( .‬الح َّداد)‬ ‫لم تُ ِ‬
‫ك أن األخ الكبير ينتظركم»‪.‬‬ ‫الخيل للبَشر إلعانتهم على أشغالهم»‪ ،‬والتفتَ مضيفًا‪« :‬تفضَّلوا معي‪ .‬ال َش َّ‬
‫طينيَّة‪ ،‬ولتسهيله رف َع اإلخوة ساللم‬ ‫وجدوا المنحدَر أش َّد ارتفاعًا مما بدا من النَّاحية األخرى من السُّهول ال ِّ‬
‫يوم طويل من الجلوس فوق السَّرج ُسرَّت‬ ‫خشبيَّةً تتعرَّج يمينًا ويسارًا على جانب التَّ ِّل وبين البنايات‪ .‬بَعد ٍ‬
‫بِريان لفُرصة فرد قدميها‪.‬‬
‫َطون رؤوسهم بالقالنس ويرتدون البنِّي‬ ‫مرُّ وا بدست ٍة من إخوة الجماعة في طريقهم إلى أعلى‪ ،‬رجال يُغ ُّ‬
‫ت فضوليَّة لدى مرآهم وإن لم ينبسوا بكلمة تحيَّ ٍة واحدة‪ ،‬أحدهم يقود بقرتين‬ ‫والرَّمادي رمقوهم بنظرا ٍ‬
‫حلوبيْن نحو حظير ٍة واطئة سقفها من النَّجيل‪ ،‬بينما يعمل آ َخر على ممخضة ُزبدة‪ .‬على المنحدَرات‬
‫دفن فيها أخ أكبر‬ ‫صبيان يسوقون األغنام‪ ،‬وفي مستوى أعلى من هذا مرُّ وا بساحة ٍ‬ ‫األعلى رأوا ثالثة ِ‬
‫بوضوح من الطَّريقة التي يتحرَّك بها أنه أعرج‪ ،‬وإذ ط َّوح‬
‫ٍ‬ ‫حج ًما من بِريان يكدح في حفر قبر‪ ،‬وقد بدا‬
‫مجراف من التُّربة الحجريَّة من فوق كتفه تناث َر القليل على أقدامهم‪ ،‬وقال األخ ناربرت مؤنِّبًا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب ِملء‬
‫ذهب‬
‫َ‬ ‫فخفض حفَّار القبور رأسه‪ ،‬ول َّما‬
‫َ‬ ‫«تو َّخى الحذر أكثر‪ ،‬التُّراب كان سيَد ُخل فم السِّپتون ميريبولد»‪،‬‬
‫ك أُذنه‪.‬‬
‫إليه كلب يتش َّممه أفلتَ مجرافه و َح َّ‬
‫قال ناربرت مف ِّسرًا‪« :‬إنه مبتدئ»‪.‬‬
‫سألَه السير هايل بينما استأنَفوا صعود السَّاللم الخشب‪« :‬ل َمن القبر؟»‪.‬‬
‫‪« -‬األخ كليمنت‪ ،‬عسى (األب) أن يَح ُكم عليه بالعدل»‪.‬‬
‫سأ َل پودريك پاين‪« :‬هل كان متق ِّد ًما في السِّن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا كنت تع ُّد الثَّامنة واألربعين تق ُّد ًما في السِّن‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن ليست ال ِّسن ما قتلَه‪ ،‬بل ماتَ بالجروح التي‬
‫المالحات)‪ .‬كان قد أخ َذ القليل من بِتعنا إلى السُّوق هناك يوم هاج َم الخارجون عن القانون‬ ‫أصيب بها في ( َّ‬ ‫َ‬
‫البلدة»‪.‬‬
‫سألَت بِريان‪« :‬كلب الصَّيد؟»‪.‬‬
‫رفض الكالم‪ ،‬وقال الهجَّام إنه‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬واحد آ َخر‪ ،‬لكنه يُعا ِدله توحُّ ًشا‪ .‬لقد قط َع لسان كليمنت المسكين عندما‬
‫ليس في حاج ٍة إليه ما دا َم قد أخ َذ على نفسه نذر الصَّمت‪ .‬األخ الكبير سيعرف المزيد‪ .‬إنه يحتفظ بأسوأ‬
‫األخبار من الخارج لنفسه كي ال يُقلِق سكينة السِّپتري‪ .‬كثيرون من إخوتنا جاءوا هنا للهرب من أهوال‬
‫العالم وليس لإلسهاب في التَّفكير فيها‪ .‬لم يكن األخ كليمنت الوحيد الجريح منا‪ ،‬فث َّمة جراح ال تتب َّدى‬
‫لألعيُن»‪ ،‬وأشا َر األخ ناربرت إلى يمينهم‪ ،‬واستطر َد‪« :‬هناك كرمتنا الصَّيفيَّة‪ .‬العنب صغير والذع‪ ،‬لكننا‬
‫نصنع منه نبي ًذا صالحًا لل ُّشرب‪ ،‬ونصنع ِمزرنا الخاص أيضًا‪ ،‬كما أن البِتع وخمر ال ُّتفَّاح اللذين نُنتِجهما‬
‫ذائعا الصِّيت»‪.‬‬
‫سألَته بِريان‪« :‬ألم تمسَّكم الحرب هنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس هذه الحرب وال ُّشكر ل(السَّبعة)‪ .‬صلواتنا تحمينا»‪.‬‬
‫أضافَ السِّپتون ميريبولد‪« :‬وال َم ُّد وال َجزر أيضًا»‪ ،‬ونب َح كلب مؤيِّدًا‪.‬‬
‫بسور من الحجارة غير المملَّطة يُحيط بمجموع ٍة من المباني الكبيرة؛ الطَّاحونة التي تصرُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ق َّمة التَّ ِّل مت َّوجة‬
‫ريشاتها مع دورانها‪ ،‬والمساكن التي ينام فيها اإلخوة‪ ،‬والقاعة العا َّمة التي يتنا َولون فيها وجباتهم‪،‬‬
‫الزجاج المطلي بالرَّصاص‪ ،‬وباب مصراعاه‬ ‫باإلضافة إلى ِسپت خشبي للصَّالة والتَّأ ُّمل له نوافذ من ُّ‬
‫الكبيران منقوش عليهما شكال (األُم) و(األب)‪ ،‬وبُرج سُباعي الجوانب على ق َّمته ممشى‪ ،‬ووراءه حديقة‬
‫يجتث منها إخوة أكبر ِسنًّا الحشائش‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫خضراوات‬
‫ب خشبي في جانب التَّل‪ ،‬فتساء َل السير هايل‬ ‫الز َّوار دائرًا حول شجرة كستناء إلى با ٍ‬ ‫قا َد األخ ناربرت ُّ‬
‫منده ًشا‪« :‬كهف بباب؟»‪.‬‬
‫دين وج َد طريقه إلى هنا أقا َم في‬ ‫قائال‪« :‬يُ َس َّمى (حُفرة المتنسِّكين)‪ .‬أول رجل ٍ‬ ‫ابتس َم السِّپتون ميريبولد ً‬
‫ال َّداخل وصن َع أعاجيب دف َعت آخَرين إلى اإلتيان واالنضمام إليه‪ .‬يقولون إن ذلك كان منذ ألفي عام‪ ،‬أ َّما‬
‫زمن الحق»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ض َع في‬
‫الباب ف ُو ِ‬
‫ب وتتر َّدد فيه أصداء تقاطُر‬ ‫ربما كانت (حُفرة المتن ِّسكين) مكانًا مظل ًما رطبًا قبل ألفي عام‪ ،‬أرضه من تُرا ٍ‬
‫طي البُسط‬ ‫ف دافئ مريح‪ ،‬تُ َغ ِّ‬
‫المياه‪ ،‬لكنه لم يَعُد كذلك‪ ،‬فالكهف الذي دخلَته بِريان ورفاقها تح َّول إلى معت َك ٍ‬
‫الصُّ وف أرضه والمعلَّقات جُدرانه‪ ،‬وتش ُّع فيه ال ُّشموع الطَّويلة ضو ًءا يكفي ويزيد‪ .‬األثاث غريب لكن‬
‫بسيط؛ طاولة طويلة ود َّكة وصندوق وع َّدة رفوف مألى بال ُكتب ومقاعد‪ ،‬كلُّها مصنوع من األخشاب‬
‫بلون ذهبي عميق‬ ‫ٍ‬ ‫صارت تلتمع‬
‫َ‬ ‫صقِلَت حتى‬ ‫المجروفة ذات األشكال المتنافرة‪ ،‬وإن نُ ِّسقَت معًا ببراع ٍة و ُ‬
‫في ضوء ال ُّشموع‪.‬‬
‫ليس األخ الكبير كما توقَّعته بِريان‪ .‬بدايةً‪ ،‬ال يبدو من مظهره أن لقب «الكبير» يَصلُح له‪ ،‬فبينما لإلخوة‬
‫اآلخَرين الذين ينتزعون الحشائش في الحديقة أكتاف وظهور ال ِّرجال األكبر ِسنًّا المحنيَّة‪ ،‬يقف هو‬
‫رجل في ريعان ال َّشباب‪ ،‬كما أن وجهه ليس بالوجه الحنون الطيِّب‬ ‫ٍ‬ ‫منتصب القامة طويلها ويتحرَّك بنشاط‬
‫الذي توقَّعت أن يكون ل ُمعالج‪ ،‬فرأسه كبير مربَّع‪ ،‬وعيناه ثاقبتان‪ ،‬وأنفه أحمر مليء بالعروق‪ ،‬ومع أن ق َّمة‬
‫طي ف َّكه الثَّقيل‪.‬‬
‫رأسه جرداء ف َشعره كثيف كالذي يُ َغ ِّ‬
‫رجل مخلوق لكسر العظام من تجبيرها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ف َّكرت عذراء (تارث)‪ :‬يبدو أقرب إلى‬
‫ت واسعة ليُعانِق السِّپتون ميريبولد ويُ َربِّت على كلب‪ ،‬ثم أعلنَ ‪« :‬يوم سعيد دو ًما‬ ‫تق َّدم األخ الكبير ب ُخطوا ٍ‬
‫قائال‪« :‬والوجوه‬ ‫عندما يُ َشرِّفنا صديقانا ميريبولد وكلب بزيار ٍة أخرى»‪ ،‬والتفتَ إلى ضيوفه اآلخَرين ً‬
‫الجديدة مرحَّب بها دائ ًما‪ ،‬إننا نرى القليل منها»‪.‬‬
‫جلس على ال ِّد َّكة‪ .‬على عكس ناربرت لم يب ُد األخ الكبير منزعجًا من‬ ‫َ‬ ‫أ َّدى ميريبولد المجا َمالت المعتادة ثم‬
‫أخبره السِّپتون بسبب مجيئها والسير هايل‪ ،‬ولم ير َّد َّإال‬
‫َ‬ ‫جنس بِريان‪ ،‬لكن ابتسامته تذبذبَت وخفتَت حين‬
‫َّ‬
‫المحالة‬ ‫قائال‪« :‬ال بُ َّد أنكم ظمآنون‪ .‬تفضَّلوا‪ ،‬اشربوا القليل من خمر تفَّاحنا‬
‫ب«مفهوم»‪ ،‬قبل أن يلتفت ً‬
‫ب من الخشب المجروف ال يتشابَه منها‬ ‫صبَّ لهم بنفسه في أكوا ٍ‬ ‫لتغسلوا حلوقكم من ُغبار الطَّريق»‪َ .‬‬
‫اثنان‪ ،‬ول َّما أثنَت عليها بِريان قال لها‪« :‬سيِّدتي شديدة ال ُّلطف‪ .‬ال نفعل أكثر من تقطيع الخشب وتلميعه‪ .‬إننا‬
‫في نعم ٍة هنا‪ .‬حيث يلتقي النَّهر بالخليج تتصا َرع التَّيَّارات فتدفع إلينا أشياء غريبةً عجيبةً كثيرةً نجدها على‬
‫شواطئنا‪ .‬الخشب المجروف أقلُّها‪ .‬لقد وجدنا كؤوسًا من الفضَّة وأوعيةً من الحديد وأجولةً من الصُّ وف‬
‫ت صدئة وسيوفًا المعةً‪ ...‬أجل‪ ،‬وعثرنا على ياقوت أيضًا»‪.‬‬ ‫ت من الحرير وخوذا ٍ‬ ‫ولفافا ٍ‬
‫أثا َر هذا اهتمام السير هايل‪ ،‬فسأ َل‪« :‬ياقوت ريجار؟»‪.‬‬
‫دارت على بُعد فراسخ عديدة من هنا‪ ،‬لكن النَّهر صبور ال يت َعب‪ .‬عثرنا‬ ‫‪« -‬ربما‪َ .‬من يدري؟ المعركة َ‬
‫ت وننتظر السَّابعة»‪.‬‬ ‫على ِّ‬
‫ست حبَّا ٍ‬
‫طين تحت أصابعه‪« :‬الياقوت أفضل من العظام‪ .‬ليست‬ ‫عقَّب السِّپتون ميريبولد وهو يَفرُك قدمه ليتق َّشر ال ِّ‬
‫كلُّ هدايا النَّهر تسرُّ ‪ .‬اإلخوة الكرام ينتشلون الموتى من الماء أيضًا؛ األبقار والغزالن الغارقة‪ ،‬والخنازير‬
‫الميتة التي تنتفخ فتَبلُغ ِنصف حجم الحصان‪ ،‬أجل‪ ،‬والجُثث البَشريَّة أيضًا»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬جُثث كثيرة هذه األيام‪ .‬حفَّار القبور ال يعرف الرَّاحة‪ .‬رجال من أراضي النَّهر‬ ‫تنهَّد األخ الكبير ً‬
‫ومن الغرب ومن ال َّشمال‪ ،‬كلُّهم تجرفهم المياه إلينا‪ ،‬الفُرسان والخدم على َح ِّد سواء‪ .‬ندفنهم جنبًا إلى جنب‪،‬‬
‫ستارك والنستر‪ ،‬بالكوود وبراكن‪ ،‬فراي وداري‪ .‬هذا هو الواجب الذي يَطلُبه النَّهر منا لقاء هداياه‪،‬‬
‫طفال صغيرًا‪ .‬تلك أقسى الهدايا ط ًّرا»‪،‬‬‫ً‬ ‫ونُ َؤدِّيه بأفضل ما نستطيع‪ .‬لكننا نجد امرأةً أحيانًا‪ ...‬أو أسوأ‪،‬‬
‫والتفتَ إلى السِّپتون ميريبولد‪ ،‬وقال‪« :‬آم ُل أن لديك الوقت إلبرائنا من خطايانا‪ .‬منذ قت َل ال ُمغيرون‬
‫السِّپتون بينيت العجوز لم يأتنا أحد لسماع اعترافاتنا»‪.‬‬
‫آخر م َّر ٍة ُزرتكم فيها»‪َ .‬‬
‫نبح‬ ‫ُ‬
‫كنت آم ُل أن ذنوبكم هذه المرَّة أفضل من ِ‬ ‫قال ميريبولد‪« :‬سأج ُد وقتًا‪ ،‬وإن‬
‫كلب‪ ،‬فأردفَ ‪« :‬أترى؟ لقد أصابَت كلب نفسه بالملل»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ظننت أن ال أحد يستطيع الكالم‪ .‬ليس ال أحد‪ ،‬وإنما اإلخوة‪،‬‬‫ال َحت الحيرة على پودريك پاين‪ ،‬الذي قال‪« :‬‬
‫اإلخوة اآل َخرون وليس أنت»‪.‬‬
‫أجابَه األخ الكبير‪« :‬مسموح لنا بالخروج عن الصَّمت عند االعتراف‪ .‬من العسير الكالم عن الخطايا‬
‫باإلشارات واإليماءات»‪.‬‬
‫أحرقوا السِّپت في ( َّ‬
‫المالحات)؟»‪.‬‬ ‫سألَه هايل هَنت‪« :‬هل َ‬
‫المالحات) باستثناء القلعة‪ .‬الفرق أنها مبنيَّة من‬‫اختفَت ابتسامة الرَّجل‪ ،‬وقال‪« :‬أح َرقوا ك َّل شي ٍء في ( َّ‬
‫الحجر‪ ...‬ولو أنها لم تنفع البلدة في شي ٍء كأنها مبنيَّة من الورق‪ .‬وق َع على عاتقي أن أعالج بعض النَّاجين‬
‫صيَّادون إل َّي عبر الخليج بَعد أن همدَت النَّار ووجدوا الرَّسو آمنًا‪ .‬ث َّمة امرأة بائسة‬ ‫الذين جلبَهم ال َّ‬
‫أعفيك من ِذكر هذه األهوال‪...‬‬
‫ِ‬ ‫إنك ترتدين دروع ال ِّرجال‪ ،‬فلن‬ ‫صبوها مرارًا‪ ،‬وثدياها‪ ...‬سيِّدتي‪ِ ،‬‬ ‫اغت َ‬
‫ُ‬
‫استطعت من أجلها مع أنه‬ ‫ُ‬
‫فعلت ما‬ ‫أكال‪ ،‬كأن من فعل بها هذا‪ ...‬وحش كاسر‪.‬‬‫ثدياها ُم ِّزقا ونُ ِهشا وأُ ِكال ً‬
‫آخر أنفاسها لم تصبَّ أسوأ لعناتها على َمن اغتصبوها أو على الوحش الذي الته َم لحمها‬ ‫قليل‪ ،‬وبينما تلفظ ِ‬
‫وجلس‬
‫َ‬ ‫ي‪ ،‬بل على السير كوينسي كوكس الذي أوص َد أبوابه عندما دخ َل الخارجون عن القانون البلدة‪،‬‬ ‫الح َّ‬
‫في األمان وراء أسواره الحجريَّة في حين صر َخ قومه وماتوا»‪.‬‬
‫قال السِّپتون ميريبولد برفق‪« :‬السير كوينسي رجل عجوز‪ ،‬أبناؤه وزوجا ابنتيه الوحيدتين بعيدون أو‬
‫موتى‪ ،‬وأحفاده ما زالوا صغارًا‪ .‬ماذا كان ليفعل وهو رجل واحد ضد كثيرين؟»‪.‬‬
‫ُحاول‪ ،‬أن يموت‪ .‬عجو ًزا كان أم شابًّا‪ ،‬الفارس الحقيقي ي ِ‬
‫ُقسم على حماية من‬ ‫ف َّكرت بِريان‪ :‬كان يُمكنه أن ي ِ‬
‫هُم أضعف منه‪ ،‬أو يموت وهو ي ِ‬
‫ُحاول‪.‬‬
‫ك أن السير كوينسي سيسألك المغفرة عندما‬ ‫قال األخ الكبير للسِّپتون ميريبولد‪« :‬كالم صحيح وحكيم‪ .‬ال َش َّ‬
‫أستطع»‪ ،‬ووض َع كوب الخشب المجروف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المالحات)‪ .‬يسرُّ ني أنك هنا إلعطائه إياها‪ ،‬فأنا لم‬‫تَعبُر إلى ( َّ‬
‫صلِّي ألرواح‬
‫هال أتيتم معي إلى السِّپت لنُ َ‬‫ق قريبًا‪ .‬أيها األصدقاء‪َّ ،‬‬ ‫ونهض مستطردًا‪« :‬جرس ال َعشاء سيُ َد ُّ‬
‫َ‬
‫المالحات) الطيِّبين قبل أن نجلس ونتقا َسم الطَّعام وال َّشراب؟»‪.‬‬ ‫أهل ( َّ‬
‫أجاب ميريبولد‪« :‬يسرُّ نا هذا»‪ ،‬ونب َح كلب‪.‬‬
‫َ‬
‫كان عَشاؤهم في السِّپتري أغرب وجب ٍة شهدَتها بِريان في حياتها‪ ،‬وإن لم تكن سيِّئةً على اإلطالق‪ .‬الطَّعام‬
‫الزبدة الطَّازجة‪ ،‬وعسل من خاليا نحل‬ ‫تقليدي غير أنه شه ٌّي للغاية؛ أرغفة من ال ُخبز السَّاخن‪ ،‬وآنية من ُّ‬
‫شرب السِّپتون ميريبولد‬‫َ‬ ‫السِّپتري‪ ،‬ويخنة غنيَّة بالسَّراطين وبلح البحر وثالثة أنواع على األقل من السَّمك‪.‬‬
‫والسير هايل البِتع الذي يصنعه اإلخوة وأعلنا أنه ممتاز‪ ،‬في حين قن َعت هي وپودريك بالمزيد من خمر‬
‫التُّفَّاح الحُلوة‪ .‬ولم تكن الوجبة كئيبةً كذلك‪ ،‬إذ ر َّدد ميريبولد صالةً قبل تقديم الطَّعام‪ ،‬وبينما أك َل اإلخوة‬
‫الجالسون إلى الموائد الطَّويلة األربع عزفَ لهم أحدهم على القيثارة السَّامية مالئًا القاعة باألنغام الهادئة‬
‫العذبة‪ ،‬ول َّما أذنَ األخ الكبير للمغنِّي في تنا ُول وجبته تباد َل األخ ناربرت وناظر آخَر القراءة من (النَّجمة‬
‫السُّباعيَّة)‪.‬‬
‫صبية في ِسنِّ پودريك أو‬ ‫مع ختام القراءة كانت األطباق قد رف َعها المبتدئون المكلَّفون بالخدمة‪ ،‬أكثرهم ِ‬
‫رجاال بالغين أيضًا‪ ،‬منهم حفَّار القبور الكبير الذي صادَفوه بينما يصعدون التَّ َّل وله تلك‬
‫ً‬ ‫أصغر‪ ،‬لكن هناك‬
‫طلب األخ الكبير من ناربرت أن يُري‬ ‫َ‬ ‫المشية الخرقاء المتمايلة كأنه نِصف مشلول‪ .‬لدى فروغ القاعة‬
‫پودريك والسير هايل سريريهما في المساكن‪ ،‬وقال لهما‪« :‬آم ُل أنكما ال تُمانِعان في اقتسام حُجير ٍة واحدة‪.‬‬
‫ليست واسعةً‪ ،‬لكنكما ستجدانها مريحةً»‪.‬‬
‫قال پودريك‪« :‬أري ُد البقاء مع الفارس‪ ،‬أعني سيِّدتي»‪.‬‬
‫َر َّد األخ ناربرت‪« :‬ما تفعله أنت والليدي بِريان في الخارج بينكما وبين (السَّبعة)‪ ،‬لكن على (جزيرة‬
‫ف واحد ما لم يكونا متز ِّوجيْن»‪.‬‬
‫الهدوء) ال ينام رجل وامرأة تحت سق ٍ‬
‫قال األخ الكبير‪« :‬عندنا بعض األكواخ المتواضعة المخصَّصة للنِّساء الالتي يَ ُزرننا‪ ،‬سواء أكن نبيالت أم‬
‫أريك‬
‫ِ‬ ‫قرويَّات‪ .‬إنها ال تُستخدَم كثيرًا‪ ،‬لكننا نُحافِظ على نظافتها وجفافها‪ .‬ليدي بِريان‪ ،‬هل تسمحين لي بأن‬
‫الطَّريق؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ُ ،‬شكرًا‪ .‬پودريك‪ ،‬اذهب مع السير هايل‪ .‬إننا ضيوف اإلخوة المؤمنين‪ ،‬وتحت سقفهم تسري‬
‫قواعدهم»‪.‬‬
‫تقع أكواخ النِّساء في الجانب ال َّشرقي من الجزيرة‪ ،‬وتطلُّ على مساح ٍة شاسعة من األوحال ومياه (خليج‬
‫السَّراطين) البعيدة‪ .‬المكان أكثر برودةً ووعورةً هنا من الجانب اآلخَر المحجوب‪ ،‬والتَّلُّ أكثر تح ُّدرًا‪،‬‬
‫والطَّريق يتعرَّج بين الحشائش والنَّباتات الب ِّريَّة والصُّ خور التي نحتَتها الرِّيح واألشجار ال َّشائكة الملتوية‬
‫حمل األخ الكبير مصبا ًحا ليُضيء طريقهم إلى أسفل‪ ،‬وعند أحد المنعطفات‬ ‫َ‬ ‫المتعلِّقة بعنا ٍد بجانب التَّل‪.‬‬
‫وأشار‬
‫َ‬ ‫المالحات) من هنا‪ ،‬عبر الخليج‪ ،‬هناك»‪،‬‬ ‫ُمكنك أن تري أنوار ( َّ‬ ‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬في اللَّيالي الصَّافية ي‬
‫توقَّف ً‬
‫إلى البُقعة التي يعنيها‪.‬‬
‫قالت بِريان‪« :‬ليس هناك شيء»‪.‬‬
‫صيَّادون أنفُسهم رحلوا‪ ،‬القالئل المحظوظون الذين كانوا في الماء عندما أتى‬ ‫ق َّإال القلعة‪ .‬ال َّ‬
‫‪« -‬لم يتب َّ‬
‫ال ُمغيرون وشاهَدوا بيوتهم تحترق وسمعوا الصَّريخ والبُكاء يتر َّددان عبر الميناء خائفين من الرَّسو‬
‫بقواربهم‪ ،‬وحين رسوا أخيرًا ذهبوا لدفن أهاليهم وأصدقائهم‪ .‬ما الذي تبقَّى لهم في ( َّ‬
‫المالحات) َّإال العظام‬
‫ت أخرى»‪ ،‬وأشا َر األخ الكبير بمصباحه‬ ‫وال ِّذكريات المريرة؟ لقد نزحوا إلى (بِركة العذارى) أو بلدا ٍ‬
‫ط‪ ،‬لكن السُّفن اعتادَت الرَّسو هناك بين‬ ‫المالحات) من المواني المه َّمة قَ ُّ‬
‫قائال‪« :‬لم تكن ( َّ‬
‫وواص َل النُّزول ً‬
‫س أو كوج يحملهم عبر (البحر الضيِّق)‪،‬‬ ‫الحين واآل َخر‪ .‬هذا ما أرادَه ال ُمغيرون‪ ،‬كانوا يبحثون عن قاد ٍ‬
‫أفرغوا غضبهم ويأسهم في أهل البلدة‪ .‬إنني أتساء ُل يا سيِّدتي‪ ...‬عال َم تأملين أن‬ ‫وعندما لم يجدوا واحدًا َ‬
‫تَعثُري هناك؟»‪.‬‬
‫أجابَته‪« :‬فتاة‪ ،‬بنت رفيعة النَّسب في الثَّالثة عشرة‪ ،‬لها وجه جميل و َشعر كستنائي»‪.‬‬
‫ت قال الرَّجل‪« :‬سانزا ستارك‪ .‬هل تعتقدين أن تلك المسكينة مع كلب الصَّيد؟»‪.‬‬ ‫بخفو ٍ‬
‫مرتزقًا من ِرفقة ال ُّشجعان‪ً ،‬‬
‫قاتال‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬الدورني قال إنها كانت في طريقها إلى (ريڤر َرن)‪ .‬تيميون‪ ،‬كان‬
‫كذب بشأن هذا‪ .‬قال إن كلب الصَّيد اختطَفها وفَ َّر بها»‪.‬‬
‫َ‬ ‫أظن أنه‬ ‫ومغتصبًا َّ‬
‫كذابًا‪ ،‬لكني ال ُّ‬ ‫ِ‬
‫‪« -‬مفهوم»‪ .‬انعطفَ الطَّريق م َّرةً أخرى وإذا باألكواخ أمامهما‪ .‬األخ الكبير ذ َكر أنها متواضعة‪ ،‬وهي‬
‫نحل مبنيَّة من الحجارة‪.‬‬
‫كذلك بالفعل‪ ،‬إذ تبدو كأنها خاليا ٍ‬
‫صف‬ ‫قال مشيرًا إلى أقربها‪« :‬هنا»‪ ،‬وهو الكوخ الوحيد الذي يتصاعَد ال ُّدخان من فتحة التَّهوية في منت َ‬
‫سقفه‪ .‬اضطرَّت بِريان إلى طأطأة رأسها حين دخلَت كي ال يصطدم رأسها بالعارضة‪ ،‬وفي ال َّداخل وجدَت‬
‫أرضيَّةً من ال ُّتربة وسريرًا من القَشِّ وأغطيةً من الفرو وحوض ماء وإبريقًا من خمر التُّفَّاح والقليل من‬
‫جلس األخ الكبير على أحدهما ووض َع‬ ‫َ‬ ‫نار صغيرة‪ ،‬باإلضافة إلى مقعدين صغيرين‬ ‫ال ُخبز والجُبنة وبؤرة ٍ‬
‫قليال؟ أشع ُر أن علينا أن نتكلَّم»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬هل تسمحين بأن أبقى ً‬
‫المصباح ً‬
‫قالت بِريان‪« :‬إذا أردت»‪ ،‬وخل َعت حزام سيفها وعلَّقته على المقعد الثَّاني‪ ،‬ثم جل َست مربِّعةً ساقيها على‬
‫السَّرير‪.‬‬
‫طاردين ال ِّذئبة الخطأ يا سيِّدتي‪.‬‬
‫أنك لم تفهميه‪ .‬إنك تُ ِ‬ ‫قال األخ الكبير‪« :‬ذلك الدورني لم يكذب‪ ،‬لكني أخشى ِ‬
‫إدارد ستارك كانت له بنتان‪ ،‬واألخرى هي َمن فَ َّر بها كلب الصَّيد‪ ،‬الصَّغيرة»‪.‬‬
‫بفم مفغور‪ ،‬ثم قالت‪« :‬آريا ستارك؟ أأنت واثق؟ أخت الليدي سانزا حيَّة؟»‪.‬‬ ‫حملقَت إليه بِريان مذهولةً ٍ‬
‫‪« -‬آنذاك‪ ،‬أ َّما اآلن‪ ...‬فال أدري‪ .‬ربما كانت بين األطفال الذين قُ ِتلوا في ( َّ‬
‫المالحات)»‪.‬‬
‫ين في بطنها‪ .‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ستكون هذه قسوةً ال تُطاق‪« .‬ربما‪ ...‬بمعنى أنك لست واثقًا؟»‪.‬‬ ‫أحسَّت بكالمه كس ِّك ٍ‬
‫صاحبته‬
‫ِ‬ ‫الطرق‪ ،‬ذلك الذي كانت‬‫مفترق ُّ‬
‫َ‬ ‫ق به أن الفتاة كانت مع ساندور كليجاين في الخان عند‬ ‫‪« -‬ما أث ُ‬
‫المالحات)‪ ،‬لكن بَعدها‪...‬‬‫العجوز ماشا ه ِدل قبل أن يَشنُقها األُسود‪ ،‬وواثق بأنهما كانا في طريقهما إلى ( َّ‬
‫ال‪ ،‬ال أدري أين هي أو إن كانت حيَّةً حتى‪ .‬على أن هناك شيئًا واحدًا أعرفه‪ ...‬الرَّجل الذي تُ ِ‬
‫طاردينه‬
‫ماتَ »‪.‬‬
‫صد َمها هذا أيضًا‪ ،‬وتساءلَت‪« :‬كيف ماتَ ؟»‪.‬‬
‫عاش‪ ،‬بالسَّيف»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬كما‬
‫‪« -‬أتعرف هذا يقينًا؟»‪.‬‬
‫ت‪ .‬لقد غطَّيته بالحجارة لئال ينبش أ َكلة الجيف‬ ‫أخبرك بموضع قبره إذا أرد ِ‬‫ِ‬ ‫‪« -‬دفنته بنفسي‪ .‬يُمكنني أن‬
‫ووضعت خوذته فوق كومة الرُّ كام ألعلِّم مثواه األخير‪ .‬كان هذا خطأ ً فادحًا‪ ،‬إذ عث َر ُمسافر آ َخر‬ ‫ُ‬ ‫جُثمانه‬
‫المالحات) لم يكن ساندور كليجاين‪ ،‬ولو أنه‬ ‫ب وقتَّل في ( َّ‬
‫على عالمتي وأخ َذها لنفسه‪ .‬الرَّجل الذي اغتص َ‬
‫ال يقلُّ خطورةً‪ .‬أراضي النَّهر مألى بأمثاله من حيوانات الجيف‪ .‬لن أدعوهم بال ِّذئاب‪ ،‬فال ِّذئاب أنبل من‬
‫أعرف َّإال القليل عن هذا الرَّجل ساندور كليجاين‪ .‬كان حارس‬ ‫ُ‬ ‫أظن‪ .‬ال‬ ‫ُّ‬ ‫هذا‪ ...‬والكالب كذلك على ما‬
‫األمير چوفري ال َّشخصي لع َّدة سنوات‪ ،‬وحتى هنا كنا نسمع بأفعاله خيرها وشرِّها‪ .‬إذا كان نِصف ما‬
‫رجال آث ًما يسخر من اآللهة والبَشر على َح ِّد‬ ‫ً‬ ‫روح مريرة َّ‬
‫معذبة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صاحب‬‫ِ‬ ‫سمعناه فقط صحيحًا فقد كان‬
‫ُغرق ألمه في‬‫وشرب لي ِ‬
‫َ‬ ‫سواء‪ .‬لقد خدم لكنه لم يجد فخرًا في خدمته‪ ،‬وقات َل لكنه لم يعرف بهجة النَّصر‪،‬‬
‫وارتكب خطايا عديدةً لكنه لم يس َع إلى ال ُغفران‪،‬‬
‫َ‬ ‫بحر من النَّبيذ‪ .‬لم ي ُِحبَّ أو يُ َحبَّ ‪ ،‬دافعه الوحيد الكراهية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وفي حين حل َم غيره بالحُبِّ أو الثراء أو المجد كان هذا الرَّجل ساندور كليجاين يَحلم بقتل أخيه‪ ،‬خطيئة‬
‫تغذى به والوقود الذي أبقى ناره مشتعلةً‪.‬‬ ‫أرتجف‪ ،‬لكنها كانت ال َّزاد الذي َّ‬
‫ُ‬ ‫شنيعة يجعلني مجرَّد الكالم عنها‬
‫عاش هذا المخلوق الحزين‬ ‫َ‬ ‫على الرغم من خل ِّوه من النُّبل كان أمل رؤية دماء أخيه على سيفه ك َّل ما‬
‫الغاضب من أجله‪ ...‬وحتى ذلك لم ينَله عندما طعنَ األمير أوبرين الدورني السير جريجور بحرب ٍة‬
‫مسمومة»‪.‬‬
‫قالت بِريان‪« :‬تتكلَّم كأنك تُشفِق عليه»‪.‬‬
‫أنك رأيتِه في النِّهاية‪ .‬لقد وجدته عند (الثَّالوث) وقد‬
‫ت لتُشفِقي عليه أيضًا لو ِ‬ ‫ُ‬
‫أشفقت عليه بالفعل‪ ،‬وكن ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫ً‬
‫وبدال من‬ ‫اجتذبَني إليه صُراخ ألمه‪ ،‬وتوسَّل إل َّي أن أعطيه هديَّة الرَّحمة‪ ،‬لكني مقس ٌم على عدم القتل ثانيةً‪،‬‬
‫غسلت جبهته المتَّقدة بماء النَّهر وأعطيته نبي ًذا يشربه وك َّمادةً لجرحه‪ ،‬لكن جهودي كانت أق َّل من‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫حال أسود كبيرًا في االسطبل‪ .‬كان‬ ‫ت فَ ً‬
‫الالزم وفاتَ أوانها‪ .‬كلب الصَّيد ماتَ هناك بين ذراعَي‪ .‬ربما رأي ِ‬ ‫َّ‬
‫هذا جواده الحربي سترينچر‪ .‬اسم فيه تجديف على اآللهة‪.‬‬
‫نُفَضِّل أن نُ َس ِّميه دريفتوود بما أننا وجدناه عند النَّهر كالخشب المجروف‪ .‬أخشى أن له طبيعة سيِّده‬
‫السَّابق»‪.‬‬
‫الحصان‪ .‬لقد رأته وسم َعته يَرفُس‪ ،‬لكنها لم تفهم‪ .‬خيول الحرب مدرَّبة على الرَّفس وال َعضِّ ‪ ،‬وفي المعارك‬
‫تع ُّد سال ًحا كالرِّجال الذين يمتطونها‪ِ .‬مثل كلب الصَّيد‪.‬‬
‫قالت بقُنوط‪« :‬األمر صحيح إذن‪ ،‬ساندور كليجاين ماتَ »‪.‬‬
‫أحصيت أربعةً‬
‫ُ‬ ‫ت صغيرة يا بنيَّتي‪ .‬لقد‬ ‫قال األخ الكبير‪« :‬لقد استرا َح»‪ ،‬وصمتَ لحظةً قبل أن يُر ِدف‪« :‬أن ِ‬
‫ُ‬
‫كنت فارسًا‬ ‫شك أن تعلمي أنني‬ ‫أفوقك ِسنًّا مرَّتين على ما ُّ‬
‫أظن‪ .‬هل سيُد ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأربعين يوم ميالد‪ ...‬أي أنني‬
‫ذات يوم؟»‪.‬‬
‫س من رجل دين»‪ .‬يبوح بهذا صدره وكتفاه وف ُّكه المربَّع السَّميك‪« .‬لماذا‬ ‫‪« -‬ال‪ ،‬إنك تبدو أقرب إلى فار ٍ‬
‫تخلَّيت عن الفُروسيَّة؟»‪.‬‬
‫بت على المعارك منذ يوم‬ ‫ط‪ .‬أبي كان فارسًا‪ ،‬وكذا أبوه من قبله‪ ،‬وجميع إخوتي‪ .‬تد َّر ُ‬ ‫‪« -‬لم أختَرها قَ ُّ‬
‫رأيت نصيبي منها ولم أكلِّل نفسي بالعار‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قرَّروا أنني كبير بما فيه الكفاية ألن أحمل سيفًا خشبيًّا‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬
‫أردت أن‬ ‫أخذت بعضهن قسرًا‪ .‬كانت هناك فتاة‬ ‫ُ‬ ‫لت نفسي بالعار‪ ،‬ألني‬ ‫كانت لي نساء أيضًا‪ ،‬وفي هذا كلَّ ُ‬
‫كنت ابن أبي الثَّالث ولم أملك أرضًا أو ثروةً أقدِّمها‬
‫أتز َّوجها‪ ،‬ابنة صُغرى ألحد اللوردات الصِّغار‪ ،‬لكني ُ‬
‫رجال حزينًا‪ ،‬عندما ال أقات ُل أسكرُ‪ ،‬حياتي مسطورة‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كنت‬ ‫ً‬
‫إجماال‬ ‫لها‪ ...‬فقط سيفي وحصاني وتُرسي‪.‬‬
‫باألحمر‪ ،‬بال َّدم والنَّبيذ»‪.‬‬
‫سألَته بِريان‪« :‬ومتى تغيَّرت؟»‪.‬‬
‫كنت أقات ُل في سبيل األمير ريجار‪ ،‬ولو أنه لم يعرف اسمي قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬ال‬ ‫ُ‬ ‫ت في معركة (الثَّالوث)‪.‬‬ ‫«حين ِم ُّ‬
‫بدال من الوعل‪،‬‬ ‫ب َّإال أن اللورد الذي خدمته خدم لورد يخدم لورد قرَّر تأييد التنِّين ً‬ ‫إخبارك بسب ٍ‬
‫ِ‬ ‫أستطي ُع‬
‫لكنت على الجانب اآلخَر من النَّهر‪ .‬كانت المعركة داميةً‪ .‬أغاني المطربين تُريدنا أن‬ ‫ُ‬ ‫ولو قرَّر العكس‬
‫صدِّق أنها كانت كلُّها بين ريجار وروبرت المتصارعيْن في الغدير من أجل المرأة التي ي َّدعي كالهما‬ ‫نُ َ‬
‫بسهم في الفخذ وبآخَر في‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أصبت‬ ‫ُ‬
‫وكنت منهم‪.‬‬ ‫رجاال غيرهما قاتَلوا أيضًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لك أن‬ ‫محبَّته لها‪ ،‬لكني أؤ ِّك ُد ِ‬
‫حصان آخَر‪ ،‬فلم‬
‫ٍ‬ ‫زلت أذك ُر لهفتي على العثور على‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واصلت القتال‪ .‬ما‬ ‫القدم‪ ،‬وقُتِ َل حصاني تحتي لكني‬
‫حصان ال أعو ُد فارسًا‪ .‬هذا هو ال َّشيء الوحيد الذي جا َل ببالي في‬ ‫ٍ‬ ‫ماال لشراء واحد‪ ،‬ودون‬ ‫أكن أملك ً‬
‫ت‪ :‬حصان!‬ ‫سمعت حوافر وراء ظَهري وف َّكر ُ‬ ‫ُ‬ ‫الحقيقة‪ ،‬ولم أ َر الضَّربة التي أسقطَتني‪.‬‬
‫ً‬
‫وبدال من ذلك‬ ‫طني في النَّهر‪ ،‬حيث كان يُفت َرض أن أغرق‪،‬‬ ‫لكن قبل أن ألتفت ارتط َم شيء برأسي وأسق َ‬
‫أفقت ألجد نفسي على (جزيرة الهدوء)‪ .‬قال لي األخ الكبير إن ال َم َّد جرفَني إليهم عاريًا كيوم مولدي‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬
‫أستطي ُع أن أتص َّور َّإال أن أحدًا وجدَني في المياه الضَّحلة فجرَّدني من ِدرعي وحذائي وسراويلي قبل أن‬
‫بدأت حياتي الثَّانية بالطَّريقة ذاتها‪ .‬بَعدها‬
‫ُ‬ ‫يدفعني إلى المياه األعمق‪ ،‬ولذا أحسبُ أن من المالئم أنني‬
‫أمضيت األعوام العشرة التَّالية في صمت»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قالت بِريان‪« :‬مفهوم»‪ .‬ال تدري لِ َم يحكي لها ك َّل هذا أو إن كان هناك شيء آخَر يُمكنها أن تر َّد به‪.‬‬
‫فدعك من‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬حقًّا؟»‪ ،‬وما َل األخ الكبير واضعًا يديه الكبيرتين على رُكبتيه‪ ،‬وتاب َع‪« :‬إذا كان هذا صحي ًحا‬
‫حال لم تكن سانزا ستارك معه من األصل‪ .‬وبالنِّسبة إلى الوحش‬ ‫ٍ‬ ‫مه َّمتك هذه‪ .‬كلب الصَّيد ماتَ ‪ ،‬وعلى كلِّ‬
‫الذي يعتمر خوذته فسيقع ويُشنَق‪ .‬الحروب تكاد تضع أوزارها‪ ،‬وهؤالء الخارجون عن القانون لن‬
‫ُالحقهم من (بِركة العذارى)‪ ،‬ووالدر فراي من‬ ‫يستطيعوا العيش في زمن السَّالم‪ .‬راندل تارلي ي ِ‬
‫ورع مؤ َّكد أنه سيُعيد األمور إلى نصابها ال َّسليم في‬‫(التَّوأمتين)‪ ،‬وث َّمة لورد شاب جديد في (داري)‪ ،‬رجل ِ‬
‫لك ديارًا‪ ،‬وهذا أكثر مما يستطيع كثيرون أن يقولوا في هذه األيام‬ ‫ديارك يا بنيَّتي‪ .‬إن ِ‬
‫ِ‬ ‫أراضيه‪ .‬عودي إلى‬
‫سيفك‬
‫ِ‬ ‫نبيال ال ريب أنه يحب ُِّك‪ .‬ف ِّكري في حُزنه إذا لم ترجعي إليه‪ .‬ربما يأخذون إليه‬ ‫لك أبًا ً‬
‫السَّوداء‪ .‬ثم إن ِ‬
‫سقوطك‪ ،‬بل وربما يُ َعلِّقهما في بهوه ويتطلَّع إليهما بفخر‪ ...‬لكن إذا سأل ِته فإنني أعل ُم أنه‬ ‫ِ‬ ‫وت ُ ِ‬
‫رسك بَعد‬
‫لك إنه يُؤثِر أن تكون معه ابنته الحيَّة ال تُرسها المحطَّم»‪.‬‬ ‫سيقول ِ‬
‫اغرورقَت عينا بِريان بال ُّدموع‪ ،‬وقالت‪« :‬ابنته‪ .‬هذا ما يستحقُّه‪ ،‬ابنة تُ َغنِّي له وتَن ُشر البهجة في بهوه‬
‫ق حين كان في الثَّامنة‬ ‫ق ابنًا أيضًا‪ ،‬ابنًا قويًّا شه ًما يُ َكرِّم اسمه‪ .‬جاالدون غر َ‬
‫وتحمل له أحفاده‪ .‬ويستح ُّ‬
‫وكنت في الرَّابعة‪ ،‬وأليسين وآريان ماتَتا في المهد‪ .‬أنا الولد الوحيد الذي سم َحت له اآللهة بالبقاء‪ ،‬المسخ‬ ‫ُ‬
‫الذي ال يَصلُح ألن يكون ابنًا أو ابنةً»‪ .‬لحظتها انصبَّ كلُّ شي ٍء من بين شفتَي بِريان وتدفَّق كال َّدم األسود‬
‫والخطبات‪ ،‬رونيت األحمر ووردته‪ ،‬اللورد رنلي يَرقُص معها‪ ،‬الرَّهان على بتولتها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من جرح؛ الخيانات‬
‫ال ُّدموع المريرة التي ذرفَتها ليلة تز َّوج مليكها مارچري تايرل‪ ،‬االلتحام الجماعي في (جسر العلقم)‪،‬‬
‫ظلُّ في سُرادق الملك‪ ،‬موت رنلي بين ذراعيها‪( ،‬ريڤر َرن)‬ ‫معطف قوس قزح الذي تاهَت به فخرًا‪ ،‬ال ِّ‬
‫والليدي كاتلين‪ ،‬ال ِّرحلة في (الثَّالوث)‪ ،‬مبا َرزة چايمي في الغابة‪ ،‬الممثِّلون ال َّسفَّاحون‪ ،‬چايمي يصيح‪:‬‬
‫صفِّير‪ ،‬چايمي في الحوض في (هارنهال) والبُخار يتصاعَد من جسده‪ ،‬مذاق دم ڤارجو هوت حين قض َمت‬
‫أُذنه‪ ،‬جُبُّ ال ُّدب‪ ،‬وثبة چايمي إلى ال ِّرمال‪ ،‬الرِّ حلة الطَّويلة إلى (كينجز الندنج)‪ ،‬سانزا ستارك‪ ،‬العهد الذي‬
‫أخ َذته على نفسها لچايمي‪ ،‬العهد الذي أخ َذته على نفسها لليدي كاتلين‪( ،‬حا ِفظ العهد)‪( ،‬وادي الغسق)‬
‫و(بِركة العذارى)‪ ،‬ديك الرَّشيق و(الرَّأس المتصدِّع) و(قلعة الهمس)‪ ،‬الرِّ جال الذين قتلَتهم‪...‬‬
‫أنهَت كالمها قائلةً‪« :‬يجب أن أعثر عليها‪ .‬ث َّمة آخَ رون يبحثون عنها‪ ،‬وكلُّهم يسعى إلى القبض عليها وبيع‬
‫ُ‬
‫وعدت چايمي‪.‬‬ ‫الملكة إياها‪ .‬يجب أن أعثر عليها ً‬
‫أوال كما‬
‫ُ‬
‫أموت وأنا أحاو ُل»‪.‬‬ ‫لقد س َّمى السَّيف (حافِظ العهد)‪ .‬يجب أن أحاول أن أنقذها‪ ...‬أو‬
‫سرسي‬
‫‪« -‬ألف سفينة!»‪ .‬كان َشعر الملكة الصَّغيرة منفو ًشا أشعث‪ ،‬وجع َل ضوء المشاعل وجنتاها تبدوان‬
‫متو ِّردتين كأنها أتَت لت ِّوها من حضن رجل‪« .‬جاللة الملكة‪ ،‬يجب ال َّر ُّد عليهم بعُنف!»‪ .‬رنَّت كلمتها‬
‫األخيرة على عوارض السَّقف وتر َّدد صداها في قاعة العرش الفسيحة‪.‬‬
‫الذهبي والقرمزي العالي عند قاعدة العرش الحديدي‪ ،‬أحسَّت سرسي بال َّش ِّد يزداد في‬ ‫جالسةً على مقعدها َّ‬
‫ُعنقها‪ ،‬وف َّكرت‪ :‬يجب‪ .‬تتجرَّأ وتقول لي يجب‪ .‬كم تتوق إلى صفع ابنة تايرل على وجهها‪ .‬حر ٌّ‬
‫ي بها أن‬
‫وبدال من ذلك تقلُّ حياءها وتُخبِر ملكتها ال َّشرعيَّة بما عليها أن‬
‫ً‬ ‫تكون على رُكبتيها تتوسَّل مني العون‪،‬‬
‫تفعله‪.‬‬
‫قال السير هاريس سويفت الهثًا‪« :‬ألف سفينة؟ مؤ َّكد أن هناك خطأ ً‪ .‬ليس في البالد لورد يملك ألف‬
‫سفينة»‪.‬‬
‫ضعف العدد‪ ،‬أو أن ح َملة راية اللورد تايرل‬ ‫قائال‪« :‬أحمق مرعوب ما أحصى ِ‬ ‫أيَّده أورتون ميريويذر ً‬
‫يكذبون علينا ويُهَ ِّولون أعداد العد ِّو كي ال نحسبهم متهاونين»‪.‬‬
‫منتصف‬
‫َ‬ ‫الجدار الخلفي ِظ َّل العرش الحديدي الطَّويل ال َّشائك حتى‬ ‫يُلقي ضوء المشاعل المثبَّتة على ِ‬
‫المسافة إلى الباب‪ ،‬بينما يغيب طرف القاعة البعيد في الظَّالم‪ ،‬وال تَشعُر سرسي َّإال بالظِّالل كأنها تنغلق‬
‫مكان وأصدقائي معدومو الفائدة‪ .‬ما عليها َّإال أن تُلقي نظرةً على مستشاريها‬ ‫ٍ‬ ‫عليها أيضًا‪ .‬أعدائي في كلِّ‬
‫لتعلم هذا‪.‬‬
‫وحدهما اللورد كايبرن وأوران ووترز يبدوان مستيقظيْن‪ ،‬في حين يقف اآلخَرون مش َّوشين مرتبكين بَعد‬
‫ق ُرسل مارچري أبوابهم وأيقَظوهم من النَّوم‪ .‬في الخارج اللَّيل أسود ساكن‪ ،‬والمدينة والقلعة نائمتان‪،‬‬ ‫أن َد َّ‬
‫وهنا يبدو بوروس بالونت ومرين ترانت نائميْن أيضًا ولكن على أقدامهما‪ ،‬وحتى أوزموند ِكتلبالك‬
‫يتثا َءب‪.‬‬
‫الزهور‪ .‬كان واقفًا وراء أخته الصَّغيرة‪ِ ،‬ظ ٌّل شاحب يستريح على َوركه‬ ‫لكن ليس لوراس‪ ،‬ليس فارس ُّ‬
‫سيف طويل‪.‬‬
‫قائال‪« :‬نِصف عدد السُّفن ما زا َل يعني أنها خمسمئة يا سيِّدي‪.‬‬‫َر َّد أوران ووترز على أورتون ميريويذر ً‬
‫أسطول بهذا الحجم»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فقط (الكرمة) تملك ق َّوةً كافيةً في البحر لموا َجهة‬
‫سألَه السير هاريس‪« :‬وماذا عن ال ُّدرمونات الجديدة؟ سُفن الحديديِّين الطَّويلة ال يُمكن أن تَص ُمد أمام‬
‫ُدرموناتنا بالتَّأكيد‪( .‬مطرقة الملك روبرت) أقوى سفين ٍة حربيَّة في (وستروس) بأَسرها»‪.‬‬
‫قال ووترز‪« :‬كانت كذلك‪( .‬الجميلة سرسي) ستكون نظيرتها حالما تكتمل‪ ،‬و(اللورد تايوين) سيكون‬
‫ضعف االثنتين‪ .‬لكن نِصف السُّفن فقط جاهز‪ ،‬وال واحدة منها طاقمها كامل‪ ،‬وحتى عندئ ٍذ ستظلُّ‬ ‫حجمها ِ‬
‫األعداد ضدنا إلى َح ٍّد كبير‪ .‬السَّفينة الطَّويلة التَّقليديَّة صغيرة الحجم مقارنةً بقوادسنا‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكن‬
‫الحديديِّين لديهم سُفن أكبر أيضًا‪( .‬الكرا ِكن العظيم) سفينة اللورد بالون وسُفن األسطول الحديدي الحربيَّة‬
‫مبنيَّة للمعارك ال الغارات‪ ،‬وتُضاهي قوادسنا األق َّل شأنًا في السُّرعة والق َّوة‪ ،‬وأكثرها أطقُمه وربابنته‬
‫أفضل‪ .‬الحديديُّون يقضون حياتهم كلَّها في البحر»‪.‬‬
‫كان على روبرت أن يُطَهِّر (جُزر الحديد) بَعدما تمرَّد بالون جرايچوي عليه‪ .‬لقد حطَّم أسطولهم وأحر َ‬
‫ق‬
‫بلداتهم واقتح َم قلعتهم‪ ،‬لكن بَعد أن أرك َعهم سم َح لهم بال ُّنهوض من جديد‪ .‬كان عليه أن يصنع جزيرةً أخرى‬
‫ُفترض أن يملكها الملوك‬‫ط باإلرادة التي ي َ‬‫من جماجمهم‪ .‬هذا ما كان أبوها ليفعله‪ ،‬لكن روبرت لم يتمتَّع قَ ُّ‬
‫ليحفظ السَّالم في البالد‪ .‬قالت‪« :‬الحديديُّون لم يَجسُروا على اإلغارة على (المرعى) منذ كان داجون‬
‫جرايچوي جالسًا على ُكرسي حجر اليم‪ .‬لماذا يفعلون هذا اآلن؟ ما الذي شجَّعهم؟»‪.‬‬
‫قال كايبرن الواقف مخبِّئًا يديه داخل ُك َّميه‪« :‬ملكهم الجديد‪ ،‬أخو اللورد بالون الملقَّب بعين ال ُغراب»‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر األكبر پايسل‪ِ « :‬غربان الجيف تُقيم والئمها من لحم الموتى والمحتضرين وال تُ ِ‬
‫هاجم‬
‫ُتخم اللورد يورون معدته َّ‬
‫بالذهب والغنائم‪ ،‬لكن حالما نتحرَّك ضده‬ ‫الحيوانات السَّليمة المعافاة‪ .‬نعم‪ ،‬سي ِ‬
‫سيرجع إلى پايك كديدن اللورد داجون في عصره»‪.‬‬
‫ُهاجمون بك ِّل هذه الق َّوة‪ .‬ألف سفينة!‬
‫قالت مارچري تايرل‪« :‬أنت مخطئ‪ .‬ال ُمغيرون ال ي ِ‬
‫اللورد هيويت واللورد تشستر قُتِال‪ ،‬وكذا ابن اللورد سيري ووريثه‪ .‬سيري نفسه فَ َّر إلى (هايجاردن) بما‬
‫تبقَّى له من سُفن‪ ،‬واللورد جريم سجين في قلعته‪ .‬ويالس يقول إن الملك الحديدي نصَّب أربعة لوردات‬
‫جُددًا من رجاله ً‬
‫بدال منهم»‪.‬‬
‫ك الدِّفاع عن (المرعى) بين يدَي ابنه‬ ‫ويالس‪ ،‬العاجز‪ .‬هو الملوم على هذا‪ .‬ذلك األبله مايس تايرل تر َ‬
‫التَّعس الضَّعيف‪« .‬الرِّ حلة من (جُزر الحديد) إلى (التُّروس) طويلة‪ .‬كيف قط َعت ألف سفينة ك َّل تلك‬
‫المسافة دون أن يراها أحد؟»‪.‬‬
‫أجابَت مارچري‪« :‬ويالس يعتقد أنهم لم يتحرَّكوا بمحاذاة السَّاحل‪ ،‬بل ابتعدوا عن اليابسة وتو َّغلوا في‬
‫(بحر الغروب)‪ ،‬ثم عادوا وانقضُّ وا من الغرب»‪.‬‬
‫رجاال في أبراج الحراسة‪ ،‬واآلن يخشى أن نعلم هذا‪ .‬الملكة الصَّغيرة تختلق‬ ‫ً‬ ‫األرجح أن العاجز لم يضع‬
‫األعذار ألخيها‪ .‬أحسَّت سرسي بجفاف فمها‪ ،‬فقالت لنفسها‪ :‬أري ُد كأسًا من نبيذ (الكرمة) َّ‬
‫الذهبي‪ .‬إذا كانت‬
‫ُخطوة الحديديِّين التَّالية أن يأخذوا (الكرمة) فربما يُصيب العطش البالد كلَّها ع َّما قريب‪« .‬قد تكون‬
‫عرض أخوه واحدًا على ستانيس»‪.‬‬‫َ‬ ‫عرض على أبي ِحلفًا‪ ،‬وربما‬
‫َ‬ ‫لستانيس يد في هذا‪ .‬بالون جرايچوي‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬وما الذي يجنيه اللورد ستانيس من‪.»...‬‬ ‫قطَّب پايسل جبينه‬
‫مرتزقته أجورهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬يجني موطئًا آ َخر لقدمه‪ ،‬وهناك الغنائم أيضًا‪ .‬ستانيس يحتاج إلى َّ‬
‫الذهب ليَنقُد‬
‫وباإلغارة على الغرب يأمل أن يصرف انتباهنا عن (دراجونستون) و(ستورمز إند)»‪.‬‬
‫جاللتك أن‬
‫ِ‬ ‫أومأ َ اللورد ميريويذر برأسه‪ ،‬وقال‪« :‬تشتيت انتباه‪ .‬ستانيس أمكر مما حسبنا‪ .‬ذكا ٌء من‬
‫تستشفِّي حيلته»‪.‬‬
‫قال پايسل‪« :‬اللورد ستانيس يُكافِح لكسب ال َّشماليِّين إلى صفوفه‪ ،‬وإذا صاد َ‬
‫ق الحديديِّين فال أمل له‪.»...‬‬
‫لرجل عليم ِمثله أن يكون بهذا الغباء‪« :‬ال َّشماليُّون لن يقبلوه‪ .‬اللورد‬
‫ٍ‬ ‫قاط َعته سرسي متسائلةً كيف يُمكن‬
‫ماندرلي قط َع رأس فارس البصل ويديه كما أ َّكد لنا آل فراي‪ ،‬وث َّمة نِصف دستة من اللوردات ال َّشماليِّين‬
‫عدو عد ِّوي صديقي‪ .‬إلى من إذن يلجأ ستانيس َّإال أعداء‬ ‫ُّ‬ ‫اآلخَرين الذين انض ُّموا إلى اللورد بولتون‪.‬‬
‫ال َّشمال من الحديديِّين والهَمج؟ لكن إذا كان يحسب أنني سأق ُع في الفَ ِّخ فهو أكثر منك حُمقًا»‪ ،‬وعادَت‬
‫تلتفت إلى الملكة الصَّغيرة قائلةً‪(« :‬جُزر التُّروس) تنتمي إلى (المرعى)‪.‬‬
‫جريم وسيري والبقيَّة مقسمون على الوالء ل(هايجاردن)‪ ،‬وعلى (هايجاردن) أن تر َّد على هذا العُدوان»‪.‬‬
‫قالت مارچري تايرل‪(« :‬هايجاردن) ستر ُّد‪ .‬ويالس أرس َل خبرًا إلى اليتون هايتاور في (البلدة القديمة)‬
‫ليحرص على تشديد دفاعاته‪ ،‬وجارالن يحشد ال ِّرجال السترداد الجُزر‪ ،‬لكن الجزء األكبر من ق َّوتنا مع‬
‫أبي‪ .‬يجب أن نبعث له برسال ٍة في (ستورمز إند) على الفور»‪.‬‬
‫‪« -‬ونرفع الحصار؟»‪ .‬ال تروق سرسي وقاحة مارچري‪ .‬تقول لي على الفور‪ .‬هل تحسبني وصيفتها؟ «ال‬
‫نجح في صرف انتباهنا عن‬
‫َ‬ ‫ي في أن اللورد ستانيس سيُ َسرُّ لهذا‪ .‬ألم تُصغي يا سيِّدتي؟ إذا‬ ‫َش َّ‬
‫ك لد َّ‬
‫(دراجونستون) و(ستورمز إند) إلى تلك الصُّ خور‪.»...‬‬
‫صاحبة الجاللة إنها صخور؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫شهقَت مارچري‪ ،‬وقالت‪« :‬صخور؟ هل قالت‬
‫جاللتك‪ ،‬من تلك الصُّ خور المزعومة يُهَدِّد‬
‫ِ‬ ‫الزهور يده على كتف أخته ً‬
‫قائال‪« :‬بَعد إذن‬ ‫وض َع فارس ُّ‬
‫الحديديُّون (الكرمة) و(البلدة القديمة)‪ ،‬ف ِمن معاقل (التُّروس) يستطيع ال ُمغيرون اإلبحار في (الماندر) إلى‬
‫كاف من ال ِّرجال بإمكانهم تهديد (هايجاردن) نفسها»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قلب (المرعى) ذاته كما اعتادوا قدي ًما‪ ،‬وبعد ٍد‬
‫قالت الملكة بمنتهى البراءة‪« :‬حقًّا؟ إذن على أخويك ال ُّشجاعيْن طردهم من على تلك الصُّ خور‪ ،‬وسريعًا»‪.‬‬
‫ُفن كافية؟ ويالس وجارالن يقدران على حشد‬‫قال السير لوراس‪« :‬كيف تقترح الملكة أن يفعال ذلك بال س ٍ‬
‫وضعف هذا العدد خالل دورة قمر‪ ،‬لكنهم ال يستطيعون المشي‬ ‫عشرة آالف رجل في غضون أسبوعين‪ِ ،‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫على الماء يا‬
‫فرسخ من السَّاحل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ذ َّكرته سرسي قائلةً‪(« :‬هايجاردن) تستقرُّ أعلى (الماندر)‪ .‬أنتم وأتباعكم تملكون ألف‬
‫أليس هناك صيَّادون؟ أال تو َجد قوارب نُزهة أو عبَّارات أو قوادس نهريَّة أو زوارق؟»‪.‬‬
‫أجاب السير لوارس‪« :‬هناك الكثير»‪.‬‬
‫َ‬
‫ش عبر مساح ٍة صغيرة من المياه في رأيي»‪.‬‬ ‫‪« -‬إذن فمن المفت َرض أن يكفي هذا لحمل جي ٍ‬
‫‪« -‬وعندما تنقضُّ السُّفن الطَّويلة على أسطولنا البائس بينما يقطع تلك «المساحة الصَّغيرة من المياه»‪ ،‬فما‬
‫صاحبة الجاللة أن نفعله عندها؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الذي تُريدنا‬
‫الذهب أيضًا‪ .‬لكم إذني في استئجار قراصن ٍة من وراء (البحر الضيِّق)»‪.‬‬ ‫اغرقوا‪(« .‬هايجاردن) تملك َّ‬
‫َر َّد لوارس باحتقار‪« :‬تعنين قراصنةً من (مير) و(لِيس)؟ حُثالة ال ُمدن ال ُحرَّة؟»‪.‬‬
‫وقح كأخته‪ .‬قالت بعذوب ٍة سا َّمة‪« :‬من المؤسف أن علينا جميعًا التَّعا ُمل مع الحُثالة بين الحين واآلخَر‪ .‬هل‬
‫لديك فكرة أفضل؟»‪.‬‬
‫‪« -‬وحدها (الكرمة) تملك السُّفن الكافية الستعادة مصبِّ (الماندر) من الحديديِّين وحماية أخ َوي من سُفنهم‬
‫رسلي إلى (دراجونستون) وتأمري اللورد ردواين باإلبحار‬ ‫جاللتك أن تُ ِ‬
‫ِ‬ ‫الطَّويلة خالل العبور‪ .‬أتو َّس ُل إلى‬
‫في الحال»‪.‬‬
‫كاف ألن يتوسَّل‪ .‬يملك پاكستر ردواين مئتي سفين ٍة حربيَّة وخمسة أضعافها من‬ ‫ٍ‬ ‫بعقل‬
‫ٍ‬ ‫على األقل يتمتَّع‬
‫القراقير وأكواج النَّبيذ والقوادس التِّجاريَّة وسُفن صيد الحيتان‪ ،‬على أن ردواين مخيِّم عند أسوار‬
‫(دراجونستون)‪ ،‬والجزء األكبر من أسطوله مشغول بنقل الرِّ جال عبر (الخليج األسود) من أجل الهجوم‬
‫على معقل الجزيرة‪ ،‬والبقيَّة تجوب (خليج السُّفن الغارقة) إلى الجنوب‪ ،‬حيث يحول وجودها وحده دون‬
‫إمداد (ستورمز إند) بالمؤن من البحر‪.‬‬
‫قال أوران ووتيز متميِّ ًزا غيظًا من اقتراح السير لوراس‪« :‬إذا أبح َرت سُفن اللورد ردواين فكيف ننقل‬
‫المؤن إلى رجالنا في (دراجونستون)؟ دون قوادس (الكرمة) كيف نستمرُّ في حصار (ستورمز إند)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬يُمكن استئناف الحصار الحقًا بَعد‪.»...‬‬
‫قاط َعته سرسي‪(« :‬ستورمز إند) أعلى قيمة مئة مرَّة من (التُّروس)‪ ،‬و(دراجونستون)‪ ...‬ما دا َمت‬
‫(دراجونستون) في يدَي ستانيس باراثيون فستبقى سيفًا مصلتًا على رقبة ابني‪ .‬سنسمح للورد ردواين‬
‫ضت الملكة قائلةً‪« :‬هذا االجتماع انتهى‪ .‬أيها ال ِمايستر األكبر‬
‫وأسطوله باإلبحار عند سقوط القلعة»‪ ،‬ونه َ‬
‫پايسل‪ ،‬أري ُد كلمةً معك»‪.‬‬
‫ُلم ما من شبابه‪ ،‬لكن قبل أن يقوم تق َّدم لوراس تايرل ب ُخطى سريعة‬ ‫ظه بح ٍ‬‫جفل العجوز كأن صوتها أيق َ‬ ‫َ‬
‫لدرجة أن الملكة تراج َعت مذعورةً‪ ،‬وكانت على وشك أن تصيح في السير أوزموند أن يُدافِع عنها عندما‬
‫قائال‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬اسمحي لي باالستيالء على (دراجونستون)»‪.‬‬ ‫الزهور على رُكبته أمامها ً‬ ‫جثا فارس ُّ‬
‫ارتف َعت يد أخته إلى فمها‪ ،‬وقالت‪« :‬لوراس‪ ،‬ال»‪.‬‬
‫تجاه َل السير لوراس منا َشدتها‪ ،‬وتاب َع‪« :‬تجويع (دراجونستون) حتى تخضع سيستغرق نِصف ٍ‬
‫عام كما‬
‫ملكك خالل أسبوعين ولو‬
‫ِ‬ ‫صاحبة الجاللة‪ .‬ستكون القلعة‬
‫ِ‬ ‫ينوي اللورد پاكستر أن يفعل‪ .‬كلِّفيني بالقيادة يا‬
‫ُ‬
‫اضطررت إلى أن أهدمها بيدَي»‪.‬‬
‫فصح لها عن ُخطط اللورد‬
‫ال أحد أعطى سرسي هديَّة بهذه الحالوة منذ هرعَت إليها سانزا ستارك لتُ ِ‬
‫إدارد‪ ،‬فقالت وقد سرَّتها رؤية وجه مارچري الذي امتق َع‪َ « :‬شجاعتك تحبس أنفاسي يا سير لوراس‪ .‬لورد‬
‫ووترز‪ ،‬هل أيُّ ال ُّدرمونات الجديدة صالح لإلبحار؟»‪.‬‬
‫‪(« -‬الجميلة سرسي) يا جاللة الملكة‪ .‬إنها سفينة سريعة‪ ،‬وقويَّة ِمثل سميَّتها الملكة»‪.‬‬
‫الزهور إلى (دراجونستون) على الفور‪ .‬سير لوراس‪ ،‬القيادة‬ ‫‪« -‬رائع‪ .‬فلتحمل (الجميلة سرسي) فارس ُّ‬
‫لك‪ِ .‬عدني بأنك لن ترجع قبل أن تكون (دراجونستون) لتومن»‪.‬‬
‫ونهض‪.‬‬
‫َ‬ ‫َر َّد‪« :‬سأفعلها يا جاللة الملكة»‪،‬‬
‫ً‬
‫باسال»‪ ،‬ولكن إ َّما أن‬ ‫لك أ ًخا‬
‫لث َمته سرسي على كلتا وجنتيه‪ ،‬ولث َمت أخته أيضًا وهم َست لها‪« :‬إن ِ‬
‫مارچري لم تجد الكياسة لتر َّد وإ َّما أن الخوف سلبَها القُدرة على الكالم‪.‬‬
‫كانت ساعات ع َّدة ال تزال تفصلهم عن الفَجر عندما خر َجت سرسي من باب الملك وراء العرش‬
‫بمشعل ويمشي كايبرن إلى جوارها‪ ،‬في حين َج َّد پايسل السَّير ليلحق‬ ‫ٍ‬ ‫الحديدي‪ ،‬يتق َّدمها السير أوزموند‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬ال ُّشبَّان يُبا ِلغون في جراءتهم وال يُفَ ِّكرون أبدًا َّإال في أمجاد‬
‫ِ‬ ‫بهم‪ ،‬وقال الهثًا‪« :‬بَعد إذن‬
‫المعركة وليس في أخطارها‪ .‬السير لوراس‪ ...‬خطَّته هذه محفوفة بالمخاطر‪ .‬مجرَّد الهجوم على أسوار‬
‫(دراجونستون)‪.»...‬‬
‫‪َ ...« -‬شجاعة بالغة»‪.‬‬
‫‪َ ...« -‬شجاعة‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬
‫رجل يَبلُغ ال ُّشرفات»‪ .‬وربما أول َمن يَسقُط‪ .‬النَّغل‬ ‫ٍ‬ ‫الزهور سيكون أول‬ ‫أشك في أن فارس ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست‬
‫ت غريرًا وإنما قاتل مخضرم‪ ،‬وإن شا َءت‬ ‫المجدور الذي تر َكه ستانيس للدِّفاع عن قلعته ليس بطل مباريا ٍ‬
‫اآللهة فسيُعطي السير لوراس النِّهاية المجيدة التي يبدو أنه يُريدها‪ .‬بفرض أن الفتى لن يغرق في الطَّريق‪.‬‬
‫وانهمر المطر األسود مدرارًا طيلة ساعات‪ .‬أولن يكون ذلك‬ ‫َ‬ ‫ليلة البارحة هبَّت عاصفة أخرى عاتية‪،‬‬
‫محزنًا؟ الغرق نهاية تقليديَّة‪ .‬السير لوراس يشتهي المجد كما يشتهي ال ِّرجال الحقيقيُّون النِّساء‪ ،‬وأقلُّ ما‬
‫تستطيع اآللهة فِعله أن تمنحه ميتةً تليق باألغاني‪.‬‬
‫حدث للفتى في (دراجونستون) فالملكة الفائزة‪ .‬إذا أخ َذ لوراس القلعة فتلك ضربة موجعة‬ ‫َ‬ ‫لكن مهما‬
‫ق فستحرص على أن يتح َّمل‬ ‫لستانيس ويستطيع أسطول ردواين اإلبحار لموا َجهة الحديديِّين‪ ،‬وإذا أخف َ‬
‫ً‬
‫محموال على تُرسه مغطّى بال َّدم‬‫ً‬ ‫نصيب األسد من اللَّوم‪ .‬ال شيء يُفقِد البطل بريقه كالفشل‪ .‬وإذا عا َد‬
‫والمجد فسيكون السير أوزني موجودًا لمواساة أخته في فجيعتها‪.‬‬
‫لم تَعُد سرسي قادرةً على كتمان الضَّحكة‪ ،‬ومن بين شفتيها تفجَّرت لتتر َّدد على جُدران الرُّ واق‪.‬‬
‫مرتخ‪ ،‬وسألَها‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬لماذا‪ ...‬لماذا تضحكين؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ح َّدق ال ِمايستر األكبر پايسل إليها ٍ‬
‫بفم‬
‫أجابَت مضط َّرةً‪« :‬كي ال أبكي‪ .‬إن قلبي يتفجَّر ُحبًّا للسير لوراس وإقدامه»‪.‬‬
‫تر َكت ال ِمايستر األكبر على السَّاللم الملتفَّة مف ِّكرةً بحسم‪ :‬لم يَعُد لهذا الرَّجل نفع البتَّة‪ .‬يبدو أن پايسل ال‬
‫اعترض على التَّفاهُم الذي‬
‫َ‬ ‫يفعل شيئًا في الفترة األخيرة َّإال ابتالءها بالتَّحذير واالعتراض‪ ،‬حتى إنه‬
‫توصَّلت إليه مع السِّپتون األعلى‪ ،‬محملقًا إليها بعينين منطفئتين دامعتين حين أم َرته بإعداد األوراق‬
‫بترت سرسي كالمه قائلةً بحزم‪« :‬عهد الملك ميجور‬ ‫الضَّروريَّة ومثرثرًا عن التَّاريخ السَّحيق‪ ،‬إلى أن َ‬
‫انتهى وكذلك مراسيمه‪ .‬اآلن عهد الملك تومن وعهدي»‪ .‬كان األفضل لي أن أتركه يضمحلُّ في ال َّزنازين‬
‫السَّوداء‪.‬‬
‫ط السير‬ ‫ط ِّوق (حصن ميجور)‪« :‬إذا سق َ‬ ‫قال اللورد كايبرن وهُم يَعبُرون فوق الخندق الجاف الذي يُ َ‬
‫س آخَر جدير بال َحرس الملكي»‪.‬‬ ‫صاحبة الجاللة إلى فار ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لوراس فستحتاج‬
‫أيَّدته قائلةً‪« :‬يجب أن يكون أحدًا فائقًا‪ ،‬أحدًا شابًّا وسريعًا وقويًّا يُنسي تومن السير لوراس تما ًما‪ .‬ال بأس‬
‫ً‬
‫رجال كهذا؟»‪.‬‬ ‫بشي ٍء من البسالة‪ ،‬لكن يجب َّأال يمتلئ عقله باألفكار الحمقاء‪ .‬هل تعرف‬
‫نوع آخَر‪ .‬ما يفتقر إليه من البسالة سير ُّده عشرة‬ ‫ٍ‬ ‫نصير من‬
‫ٍ‬ ‫أجاب كايبرن‪« :‬لألسف ال‪ ،‬لكنني أف ِّك ُر في‬ ‫َ‬
‫رجل حي سيستطيع الصُّ مود‬ ‫ٍ‬ ‫أسرارك‪ ،‬وما من‬
‫ِ‬ ‫أعداءك ويحفظ‬
‫ِ‬ ‫ابنك ويَقتُل‬
‫أضعاف باإلخالص‪ .‬سيحمي ِ‬
‫أمامه»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما تقوله أنت‪ .‬الكالم هواء‪ .‬في الوقت المناسب يُمكنك اإلفصاح عن رجلك المثالي هذا وسنرى إن‬
‫كان كما وعدت»‪.‬‬
‫تألأل االستمتاع في عينَي اللورد كايبرن وهو يقول‪« :‬سيُ َغ ُّنون عنه‪ ،‬أقس ُم لك‪ .‬هل لي أن أسأل عن‬ ‫َ‬
‫الدِّرع؟»‪.‬‬
‫طلبت ما أخبرتَني به‪ .‬صانع السِّالح يحسبني مجنونةً‪ ،‬يُ َؤ ِّكد لي أن ال رجل بالق َّوة الكافية للحركة‬‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫والقتال بكلِّ هذا المعدن الثَّقيل»‪ ،‬ورمقَت سرسي ال ِمايستر منزوع السِّلسلة‪ ،‬وأردفَت‪ِ « :‬‬
‫حاول أن تخدعني‬
‫وستموت صار ًخا‪ .‬ال بُ َّد أنك تعي ذلك»‪.‬‬
‫‪« -‬دائ ًما يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫‪« -‬عظيم‪ .‬ال تقل المزيد في هذا الصَّدد»‪.‬‬
‫‪« -‬الملكة حكيمة‪ .‬هذه الجُدران لها آذان»‪.‬‬
‫‪« -‬صحيح»‪ .‬أحيانًا في اللَّيل تسمع سرسي أصواتًا خافتةً‪ ،‬حتى في مسكنها ذاته‪ ،‬فتقول لنفسها‪ :‬إنها فئران‬
‫داخل الجُدران ال أكثر‪.‬‬
‫إلى جوار فِراشها وجدَت شمعةً مشتعلةً‪ ،‬لكن نار المستوقَد انطفأَت وال ضوء آ َخر‪ ،‬ثم إن ال ُغرفة باردة‬
‫أيضًا‪ .‬خل َعت سرسي فُستانها تاركةً إياه يتك َّوم على األرض ودخلَت تحت األغطية‪ ،‬وعلى الجانب اآلخَ ر‬
‫من الفِراش تحرَّكت تاينا وغمغ َمت بنعومة‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬ما السَّاعة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ساعة البومة»‪.‬‬
‫على الرغم من أن سرسي تنام غالبًا بمفردها فإنها لم تحبَّ هذا قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬أقدم ذكرياتها عن اقتسام الفِراش مع‬
‫چايمي حين كان كالهما صغيرًا للغاية وال أحد يستطيع التَّمييز بينهما‪ ،‬والحقًا بَعد الفصل بينهما عرفَت‬
‫سلسلةً من وصيفات الفِراش والرَّفيقات‪ ،‬أكثرهن فتيات من ِسنِّها‪ ،‬بنات فُرسان بيت أبيها وح َملة رايته‪،‬‬
‫ضتها‪ ،‬وقليالت بقين م َّدةً طويلةً‪ .‬غادرات صغيرات جميعهن‪ ،‬مخلوقات باكية‬ ‫لكن وال واحدة منهن أر َ‬
‫ليال في‬
‫تكف عن حكاية القِصص ومحا َولة الحيلولة بيني وبين چايمي‪ .‬ومع ذلك مرَّت عليها ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫مضجرة ال‬
‫أعماق (الصَّخرة) السَّوداء كانت لتُ َرحِّ ب فيها بدفئهن إلى جوارها‪ .‬الفِراش الخالي فِراش بارد‪.‬‬
‫ال سيَّما هنا‪ .‬هذه ال ُغرفة باردة‪ ،‬وزوجها الملوكي المأفون ماتَ تحت هذه المظلَّة تحديدًا‪ .‬روبرت باراثيون‬
‫األول‪ ،‬عسى َّأال يأتي ٍ‬
‫ثان أبدًا‪ .‬رجل بليد س ِّكير غاشم‪ .‬فليتر َّدد بُكاؤه في دركات الجحيم‪ .‬تاينا تُ َدفِّئ الفِراش‬
‫حاول أبدًا أن تفتح ساقَي سرسي باإلكراه‪ ،‬وفي الفترة األخيرة تُ ِ‬
‫شارك‬ ‫أفضل من روبرت كثيرًا‪ ،‬وال تُ ِ‬
‫الملكة فِراشها أكثر من زوجها اللورد ميريويذر‪ ،‬وال يبدو أن أورتون يُمانِع‪ ...‬أو يُمانِع لكنه أعقل من أن‬
‫يبوح بهذا‪.‬‬
‫أجدك»‪ ،‬غمغ َمت الليدي ميريويذر وهي تعتدل جالسةً وتستند إلى الوسائد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ولم‬‫قلقت حين استيقظ ُ‬‫‪ُ «-‬‬
‫ب ما؟»‪.‬‬‫وقد تشاب َكت األغطية حول خصرها‪« .‬هل من خط ٍ‬
‫ُبحر السير لوراس إلى (دراجونستون) ليظفر بالقلعة‬ ‫أجابَت سرسي‪« :‬ال‪ ،‬كلُّ شي ٍء على ما يُرام‪ .‬غدًا سي ِ‬
‫ويُطلِق أسطول ردواين ويُثبِت رجولته لنا جميعًا»‪ .‬ح َكت للمايريَّة ك َّل ما جرى في ِظلِّ العرش الحديدي‬
‫المتقلقل‪ ،‬ثم قالت‪« :‬من دون أخيها ال ُّشجاع ملكتنا الصَّغيرة تكاد تكون عاريةً‪ .‬إن معها ُحرَّاسها بالتَّأكيد‪،‬‬
‫لكني أرس ُل قائدهم هنا وهناك في أنحاء القلعة‪ .‬إنه رجل ثرثار على سُترته الطَّويلة سنجاب‪ ،‬والسَّناجب‬
‫تفرُّ من األُسود‪ .‬ليس باستطاعته تحدِّي العرش الحديدي»‪.‬‬
‫ت كثيرة في‬ ‫قالت الليدي ميريويذر مح ِّذرةً‪« :‬مارچري حولها رجال مسلَّحون آخَرون‪ .‬لقد ك َّونت صداقا ٍ‬
‫البالط‪ ،‬وهي وبنات عمومتها الصَّغيرات لهن معجبون جميعًا»‪.‬‬
‫ر َّدت سرسي‪« :‬ال يُقلِقني قليلون من خاطبي ال ُود‪ ،‬أ َّما الجيش المعس ِكر عند (ستورمز إند)‪.»...‬‬
‫‪« -‬ماذا تنوين أن تفعلي يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫أنك ال تُفَ ِّكرين في إطالع‬
‫وجدَت سرسي السُّؤال مباشرًا على نح ٍو ال يروقها‪ ،‬فقالت‪« :‬لماذا تسألين؟ آم ُل ِ‬
‫ملكتنا الصَّغيرة المسكينة على تأ ُّمالتي الفارغة»‪.‬‬
‫لست تلك الفتاة سينل»‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪« -‬مستحيل‪ .‬أنا‬
‫ال ترغب سرسي في التَّفكير في سينل‪ .‬لقد ر َّدت فضلي بالخيانة‪ .‬سانزا ستارك فعلَت ال ِمثل‪ ،‬ومن قبلها‬
‫صباهن‪ .‬لم أكن ألدخل تلك الخيمة إطالقًا لوالهما‪ ،‬لم أكن‬ ‫ميالرا هيذرسپون وچاين فارمان السَّمينة في ِ‬
‫ت ثقتي يا تاينا‪ .‬لن أجد‬‫سأحزن كثيرًا إذا ُخن ِ‬
‫ُ‬ ‫بتذوق غدي في قطر ٍة من ال َّدم‪« .‬‬ ‫ألسمح لماجي الضِّ فدعة ُّ‬
‫إياك‪ ،‬لكني أعل ُم أنني سأبكي»‪.‬‬ ‫خيارًا َّإال إعطاء اللورد كايبرن ِ‬
‫عليك َّإال أن تقولي وسأسلِّ ُم نفسي إلى‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فعلت فما‬ ‫أعطيك سببًا للبُكاء أبدًا يا جاللة الملكة‪ ،‬وإذا‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬لن‬
‫أخدمك بأيِّ وسيل ٍة تَطلُبين»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كايبرن‪ .‬أري ُد فقط أن أكون قريبةً ِ‬
‫منك‪ ،‬أن‬
‫‪« -‬وما المكافأة التي تتوقَّعينها لقاء هذه الخدمة؟»‪.‬‬
‫دك»‪ ،‬واعتدلَت على جانبها وبشرتها ال َّزيتونيَّة تلتمع في ضوء‬‫ُسعدني فقط أن أس ِع ِ‬
‫قالت تاينا‪« :‬ال شيء‪ .‬ي ِ‬
‫ال َّشمعة‪ .‬ثدياها أكبر من ثديَي الملكة وتُ َكلِّلهما حلمتان سوداوان كبيرتان‪ .‬إنها أصغر مني‪ ،‬وثدياها لم يبدآ‬
‫في االرتخاء بع ُد‪ .‬تساءلَت سرسي كيف ستَشعُر إذا قبَّلت امرأةً أخرى‪ ،‬ليس بخفَّ ٍة على الوجنة على سبيل‬
‫الكياسة كما تفعل بنات األعيان‪ ،‬وإنما على ال َّشفتين مباشرةً‪ ،‬وشفتا تاينا ممتلئتان للغاية‪ .‬تساءلَت عن‬
‫شعورها إذا مصَّت هاتين الحلمتين‪ ،‬إذا م َّددت المايريَّة على ظَهرها وفت َحت ساقيها واستعملَتها استعمال‬
‫الرَّجل للمرأة‪ ،‬استعمال روبرت لها حين كان يسكر دون أن تستطيع إزاحته من فوقها بيديها أو بفمها‪.‬‬
‫كانت تلك أسوأ اللَّيالي ط ًّرا‪ ،‬عندما تتم َّدد تحته عاجزةً بينما يقضي وطره منها وقد فا َحت منه رائحة النَّبيذ‬
‫ورا َح يخور كالخنازير الب ِّريَّة‪ .‬عادةً كان يتدح َرج من فوقها ويغيب في النَّوم ما إن يَفرُغ ويتعالى غطيطه‬
‫تجف نُطفته على فخذيها‪ ،‬وبَعدها كانت تَشعُر باأللم دائ ًما‪ ،‬تتوجَّع بين ساقيها ويتوجَّع ثدياها من‬ ‫َّ‬ ‫قبل أن‬
‫هرسه إياهما‪ .‬المرَّة الوحيدة التي جعلَها تبتلُّ كانت ليلة زفافهما‪.‬‬
‫في بداية زواجهما كان روبرت وسي ًما كفايةً‪ ،‬طويل القامة قويًّا متين البنيان‪ ،‬لكن َشعره أسود غزير‪،‬‬
‫كثيف على صدره وخشن حول عانته‪ .‬أحيانًا عندما يلجها كانت الملكة تُفَ ِّكر‪ :‬الرَّجل الخطأ عا َد من معركة‬
‫(الثَّالوث)‪ .‬في السَّنوات القليلة األولى‪ ،‬وقت أن اعتا َد أن يعتليها أكثر‪ ،‬كانت تُغلِق عينيها وتتظاهَر بأنه‬
‫تستطع التَّظاهُر بأنه چايمي ألنه كان مختلفًا للغاية وغير مألوف‪ ،‬وحتى رائحته ذاتها خطأ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ريجار‪ ،‬إذ لم‬
‫ط‪ .‬مع مجيء الصَّباح لم يكن يتذ َّكر شيئًا‪ ،‬أو هكذا أرادَها أن‬ ‫بالنِّسبة إلى روبرت لم تَح ُدث تلك اللَّيالي قَ ُّ‬
‫تعتقد‪ .‬ذات م َّر ٍة في عام زواجهما األول أعربَت سرسي عن استيائها في الصَّباح التَّالي‪ ،‬وقالت شاكيةً‪:‬‬
‫«لقد آلمتَني»‪ ،‬فال َح عليه الخجل‪ ،‬وبنبر ٍة عابسة واجمة قال‪« :‬لم يكن هذا أنا يا سيِّدتي‪ ،‬بل النَّبيذ‪ .‬إنني‬
‫ض ِبطَ يسرق كعكات التُّفَّاح من المطبخ‪ .‬وليزدرد روبرت اعترافه َم َّد‬ ‫أشربُ الكثير من النَّبيذ»‪ ،‬كأنه طفل ُ‬
‫يده إلى قرن ال ِمزر‪ ،‬وإذ رف َعه إلى فمه حطَّمت قرنها هي على وجهه بق َّو ٍة كس َرت قطعةً من إحدى أسنانه‪،‬‬
‫التحام جماعي‪ ،‬فقالت لنفسها‪ :‬لم يكذب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ت في أثناء مأدبة سم َعته يقول لخادم ٍة إنه كس َر ِسنَّه في‬ ‫وبَعد سنوا ٍ‬
‫التحام جماعي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫زواجنا كان كالقتال في‬
‫ليال‪ .‬كانت ترى هذا في عينيه‪ ،‬لكن‬ ‫على أن البقيَّة كلَّها أكاذيب‪ .‬إنها مقتنعة بأنه كان يَذ ُكر ما يفعله بها ً‬
‫ُواجه خزيه‪ .‬في أعماقه كان روبرت باراثيون جبانًا‪ .‬مع الوقت قلَّت‬ ‫األسهل أن ي َّدعي النِّسيان من أن ي ِ‬
‫هجماته عليها‪ ،‬فخالل العام األول تع َّود أن يأخذها م َّرةً ك َّل أسبوعين على األقل‪ ،‬وقُرب النِّهاية لم يَعُد‬
‫سرف فيها في‬ ‫آجال كانت تأتي دائ ًما ليلة يُ ِ‬‫وعاجال أم ً‬‫ً‬ ‫يأخذها ولو م َّرةً في العام‪ ،‬لكنه لم يتوقَّف تما ًما‪،‬‬
‫ال ُّشرب ويرغب في مما َرسة حقوقه‪ .‬ما كلَّله بالعار في نور النَّهار من َحه ال ُمتعة تحت جُنح الظَّالم‪.‬‬
‫ت بخير؟»‪.‬‬ ‫وجهك نظرة غريبة‪ .‬هل أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫قالت تاينا ميريويذر‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬على‬
‫ت صديقة طيِّبة يا تاينا‪ .‬لم أح َ‬
‫ظ بصديق ٍة طيِّبة‬ ‫كنت فقط‪ ...‬أتذ َّك ُر‪ .‬أن ِ‬
‫أجابَت شاعرةً بالجفاف في َحلقها‪ُ « :‬‬
‫منذ‪.»...‬‬
‫قاط َعتها دقَّات قويَّة على الباب‪.‬‬
‫نوم وذهبَت ترى َمن‬‫ثانيةً؟ جعلَها إلحاح ال َّدقَّات ترتجف‪ .‬هل هاج َمتنا ألف سفينة أخرى؟ ارتدَت معطف ٍ‬
‫إزعاجك يا جاللة الملكة‪ ،‬لكن الليدي ستوكوورث في‬ ‫ِ‬ ‫الطَّارق‪ ،‬فوجدَته حارسًا قال لها‪« :‬اغفري لي‬
‫لقاءك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األسفل تَطلُب‬
‫خلدت إلى النَّوم‪ ،‬قُل لها إن أهل‬
‫ُ‬ ‫قالت سرسي بح َّدة‪« :‬في هذه السَّاعة؟ هل فقدَت فاليس عقلها؟ قُل لها إنني‬
‫أمضيت نِصف اللَّيل مستيقظةً‪ .‬سأراها غدًا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(التُّروس) يُ َذبَّحون‪ ،‬قُل لها إنني‬
‫ت تفهمين ما أعنيه»‪.‬‬ ‫َر َّد الحارس بتر ُّدد‪« :‬بَعد إذن جال ِ‬
‫لتك‪ ،‬إنها‪ ...‬إنها ليست في حال ٍة جيِّدة‪ ،‬إذا كن ِ‬
‫افترضت أن فاليس هنا لتُخ ِبرها بأن برون ماتَ ‪ .‬قالت‪« :‬ليكن‪ .‬عل َّ‬
‫ي أن أرتدي‬ ‫َ‬ ‫عقدَت سرسي حاجبيها‪ .‬لقد‬
‫ثيابي‪ُ .‬خذها إلى ُغرفتي ال َّشمسيَّة واجعلها تنتظر»‪ .‬عندما بدأت الليدي ميريويذر تنهض لتذهب معها‬
‫من َعتها الملكة قائلةً‪« :‬ال‪ ،‬ابقي‪ .‬على واحد ٍة منا على األقل أن تظفر بالقليل من الرَّاحة‪ .‬لن أتأ َّخر»‪.‬‬
‫وجدَت وجه الليدي فاليس مكدو ًما متو ِّر ًما وعينيها محمرَّتين من ال ُّدموع‪ ،‬وشفتها السُّفلي مشقوقةً وثيابها‬
‫ق اآللهة‪ ،‬ماذا‬ ‫متَّسخةً مم َّزقةً‪ ،‬فقالت سرسي إذ أشا َرت لها بدخول ُغرفتها ال َّشمسيَّة وأغلقَت الباب‪« :‬ب َح ِّ‬
‫لوجهك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫حدث‬
‫ُحماك يا أ َّمنا‪ ،‬لقد‪ ...‬لقد‪،»...‬‬
‫ِ‬ ‫ت راجف‪« :‬قتلَه! ر‬ ‫لم يب ُد على فاليس أنها سم َعت السُّؤال‪ ،‬وقالت بصو ٍ‬
‫وانها َرت باكية وجسدها كلُّه يرتعد‪.‬‬
‫ِّئك‪ .‬نعم‪ ،‬اشربي‬ ‫صبَّت سرسي كأسًا من النَّبيذ وأخ َذتها إلى المرأة الباكية قائلةً‪« :‬اشربي هذا‪ ،‬النَّبيذ سيُهَد ِ‬
‫أكثر‪ُ .‬كفِّي عن البُكاء وأخبِريني ماذا تفعلين هنا»‪.‬‬
‫تطلَّب األمر بقيَّة اإلبريق كي تستطيع سرسي أخيرًا استخالص الحكاية الحزينة من الليدي فاليس‪ ،‬وبَعد‬
‫تدر هل تضحك أم تثور‪ .‬ر َّددت‪« :‬نزال فردي»‪ .‬أما من أح ٍد في (الممالك السَّبع) يُمكنني‬ ‫أن عرفَتها لم ِ‬
‫االعتماد عليه؟ أأنا الوحيدة في (وستروس) التي تملك شيئًا من العقل؟ «تقولين لي إن السير بالمان تح َّدي‬
‫نزال فردي؟!»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫برون في‬
‫‪« -‬قال إن المسألة ستكون بببسيطةً‪ ،‬قال إن الرُّ مح سالح الففارس‪ ،‬وإن ببرون ليس فارسًا حقيقيًّا‪ .‬بالمان‬
‫قال إنه سيُسقِطه من فوق حصانه ويُج ِهز عليه وهو مذمذمذهول على األرض»‪.‬‬
‫كتب شهادة وفاته بنفسه‪.‬‬ ‫برون ليس فارسًا حقيقيًّا‪ ،‬هذا صحيح‪ .‬برون قاتِل عر َكته المعارك‪ .‬زوجك القميئ َ‬
‫«خطَّة رائعة‪ .‬هل لي أن أعلم كيف فشلَت؟»‪.‬‬
‫غرس رُمحه في صدر ححححصان بالمان المسكين‪ .‬بالمان‪ ...‬انسحقَت ساقاه عندما سق َ‬
‫ط‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬ببرون‬
‫الحصان فوقه‪ .‬كان صُراخه يُثير ال َّشفقة‪.»...‬‬
‫طلبت منكما أن تُ َرتِّبا لحادثة صيد‪ .‬سهم طائش‪ ،‬سقطة‬ ‫ُ‬ ‫المرتزقة ال يعرفون ال َّشفقة‪« .‬‬ ‫ِ‬ ‫كانت سرسي لتقول‪:‬‬
‫رجل ما في الغابة‪ ،‬لكن وال واحدة منها‬ ‫ٍ‬ ‫من فوق حصان‪ ،‬خنزير ب ِّري غاضب‪ ...‬الوسائل ع َّدة لموت‬
‫تتض َّمن الرِّماح!»‪.‬‬
‫حاولت أن أهرع إلى بالمان ضربَني برون في‪ ...‬في‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫بدا على فاليس أنها لن تسمعها إذ واصلَت‪« :‬ل َّما‬
‫سائال ال ِمايستر فرنكن أن يأتي ويُعالِجه‪ ،‬لكن‬ ‫ً‬ ‫في وجهي! لقد جع َل زوجي يعترف‪ .‬بالمان كان يَصرُخ‬
‫لمرتزق‪ ...‬لقد‪ ...‬لقد‪ ...‬لقد‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫ا‬
‫عجب سرسي هذه الكلمة‪« .‬مؤ َّكد أن السير بالمان ال ُّشجاع صانَ لسانه»‪.‬‬ ‫‪« -‬يعترف؟»‪ .‬ال تُ ِ‬
‫غرس خنجرًا في عينه وقال لي إن عل َّي أن أغادر (ستوكوورث) قبل مغيب ال َّشمس َّ‬
‫وإال‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬برون‬
‫ُ‬
‫أمرت بالقبض‬ ‫ي من رجاله‪ .‬عندما‬ ‫أصابَني ال ِمثل‪ ،‬قال إنه سيُ َد ِّورني على الحاحاحاحامية إذا أرادَني أ ٌّ‬
‫ي أن أفعل ما يقوله اللورد ستوكوورث‪ .‬دعاه باللورد‬ ‫على برون قال أحد فُرسانه بوقاح ٍة إن عل َّ‬
‫ستوكوورث!»‪ ،‬وأطبقَت الليدي فاليس على يد الملكة متابعةً‪« :‬يجب أن تُعطيني فُرسانًا يا جاللة الملكة‪،‬‬
‫مئة فارس! ورُماة أيضًا الستعادة القلعة‪( .‬ستوكوورث) لي! إنهم لم يسمحوا لي بجمع مالبسي حتى! قال‬
‫برون إنها مالبس زوجته اآلن‪ ،‬كلُّ مالبسي الححرير والمخمل»‪.‬‬
‫ُ‬
‫طلبت‬ ‫مشكالتك اآلن‪ .‬سحبَت الملكة أصابعها من قبضة المرأة األخرى الرَّطبة‪ ،‬وقالت‪« :‬‬ ‫ِ‬ ‫أسمالك أقلُّ‬
‫ِ‬
‫وبدال من هذا سكبتما عليها ج َّرةً من النَّار ال َّشعواء‪ .‬هل‬
‫ً‬ ‫منكما أن تُخ ِمدا شمعةً للمساعَدة على حماية الملك‪،‬‬
‫ذك َر األحمق بالمان اسمي؟ قولي لي إنه لم يفعل»‪.‬‬
‫لعقَت فاليس شفتيها قائلةً‪« :‬كان‪ ...‬كان يتألَّم‪ ،‬ساقاه انكس َرتا‪ .‬برون قال إنه سيتعا َمل معه برحمة‪ ،‬ولكن‪...‬‬
‫ماذا سيَح ُدث ألأأمي المسكينة؟»‪.‬‬
‫أظن أنها ستموت‪« .‬ماذا تحسبين؟»‪ .‬ربما ماتَت الليدي تاندا بالفعل‪ ،‬فبرون ال يبدو من الرِّ جال الذين‬‫ُّ‬
‫يبذلون جهدًا في رعاية امرأ ٍة عجوز مكسورة ال َورك‪.‬‬
‫‪« -‬يجب أن تُسا ِعديني‪ .‬أين أذهبُ ؟ ماذا أفعلُ؟»‪.‬‬
‫زوجك الرَّاحل‪ .‬ال‬
‫ِ‬ ‫ُمكنك أن تتز َّوجي فتى القمر‪ ،‬إنه أقرب في التَّهريج إلى‬
‫ِ‬ ‫كادَت سرسي تقول‪ :‬ربما ي‬
‫ب على أعتاب (كينجز الندنج) اآلن‪ .‬هكذا قالت‪« :‬األخوات الصَّامتات ي َُرحِّ بن‬ ‫تستطيع المجازَفة بحر ٍ‬
‫باألرامل دو ًما‪ .‬إن حياتهن حياة هادئة‪ ،‬حياة من الصَّالة والتَّأ ُّمل واألعمال الصَّالحة‪ ،‬ويمنحن األحياء‬
‫المواساة والموتى السَّالم»‪.‬‬
‫وال يتكلَّمن‪ .‬ال يُمكنها أن تَترُك المرأة تجوب (الممالك السَّبع) ناشرةً الحكايات الخطرة‪.‬‬
‫جاللتك‪ .‬نفخر‬
‫ِ‬ ‫َّإال أن فاليس ص َّمت أُذنيها عن كلمة العقل‪ ،‬وقالت‪« :‬كلُّ ما فعلناه فعلناه في خدمة‬
‫ت‪.»...‬‬ ‫بإخالصنا‪ .‬لقد قل ِ‬
‫قاط َعتها سرسي‪« :‬أذك ُر»‪ ،‬وأجب َرت نفسها على االبتسام مردفةً‪« :‬ستبقين هنا معنا يا سيِّدتي إلى أن يحين‬
‫ت مت َعبة وسقيمة‬‫ُعينك على النَّوم‪ .‬أن ِ‬
‫لك كأس نبي ٍذ أخرى‪ ،‬سي ِ‬‫قلعتك‪ .‬دعيني أصبُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت ونستطيع استرداد‬
‫القلب‪ ،‬هذا واضح‪ .‬عزيزتي المسكينة فاليس‪ .‬نعم‪ ،‬اشربي»‪.‬‬
‫بينما عملَت ضيفتها على اإلبريق ذهبَت سرسي إلى الباب ونادَت وصيفتيها‪ .‬قالت لدوركاس أن تجد لها‬
‫اللورد كايبرن وتأتي به في الحال‪ ،‬وأرسلَت چوسلين سويفت إلى المطابخ قائلةً‪« :‬أحضري ُخب ًزا وجُبنةً‬
‫لحم وبعض التُّفَّاح‪ ،‬ونبي ًذا أيضًا‪ .‬إننا ظمآنتان»‪.‬‬‫وفطيرة ٍ‬
‫س أخرى حينئ ٍذ وبدأ رأسها يميل على‬ ‫وص َل كايبرن قبل الطَّعام‪ ،‬وكانت فاليس قد تجرَّعت ثالث كؤو ٍ‬
‫صدرها‪ ،‬وإن ظلَّت تنتبه من ٍ‬
‫حين إلى آخَر وتنتحب‪ .‬انت َحت الملكة بكايبرن جانبًا وأخب َرته بحماقة بالمان‪،‬‬
‫ثم إنها قالت‪« :‬ال يُمكنني أن أترك فاليس تَن ُشر الحكايات في المدينة‪ .‬لقد أفقدَها الحُزن صوابها‪ .‬أما زلت‬
‫محتاجًا إلى امرأ ٍة من أجل‪ ...‬عملك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم يا جاللة الملكة‪ .‬محرِّ كات ال ُّدمى استُ ِ‬
‫نزفن تما ًما»‪.‬‬
‫‪ُ « -‬خذها إذن وافعل بها ما شئت‪ ،‬لكن ما إن تنزل إلى ال َّزنازين السَّوداء‪ ...‬هل عل َّي أن أقول المزيد؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬مفهوم»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ال يا‬
‫ر َّدت الملكة‪« :‬عظيم»‪ ،‬وعادَت ترسم االبتسامة على وجهها قائلةً‪« :‬عزيزتي فاليس‪ ،‬ال ِمايستر كايبرن‬
‫دك على الرَّاحة»‪.‬‬
‫هنا‪ .‬سيُسا ِع ِ‬
‫قالت فاليس بإبهام‪« :‬أوه‪ ،‬أوه‪ ،‬جيِّد»‪.‬‬
‫ق الباب وراءهما صبَّت سرسي لنفسها كأسًا أخرى‪ ،‬وقالت‪« :‬إنني محاطة باألعداء والبُله»‪ .‬ال‬ ‫حين انغل َ‬
‫تستطيع حتى الثِّقة بلحمها ودمها‪ ،‬وال بچايمي الذي كان نِصفها اآلخَر‪ .‬كان يُفت َرض أن يكون سيفي‬
‫إزعاج محدود‬
‫ٍ‬ ‫وتُرسي‪ ،‬ذراعي اليُمنى القويَّة‪ .‬لماذا يصرُّ على مضايَقتي؟ برون ليس أكثر من مصدر‬
‫ط أنه يُؤوي ال ِعفريت‪ ،‬ثم إن أخاها الصَّغير ال َّشائه أذكى من أن يسمح للوليس بإطالق‬ ‫حقًّا‪ .‬إنها لم تعتقد قَ ُّ‬
‫أشارت‬‫َ‬ ‫اسمه على نغلها المأفون عال ًما أن ذلك سيجتلب عليها غضبة الملكة بك ِّل تأكيد‪ .‬الليدي ميريويذر‬
‫المرتزق نفسه‪ ،‬وتستطيع سرسي أن تتخيَّله‬ ‫ِ‬ ‫إلى هذا وكانت محقَّةً‪ .‬من ِشبه األكيد أن اإلهانة من صُنع‬
‫ضن المتو ِّرد يرضع من أحد ضرعَي لوليس الممتلئين وفي يده كأس من النَّبيذ‬ ‫يُشا ِهد ابن زوجته المتغ ِّ‬
‫وعلى وجهه ابتسامة صفيقة‪ .‬ابتسم كما تشاء أيها السير برون‪ ،‬فقريبًا ستَصرُخ‪ .‬استمتع بزوجتك البلهاء‬
‫رسل لوراس‬ ‫وقلعتك المسروقة بينما تستطيع‪ .‬عندما يحين الوقت سأسحقك كأنك ُذبابة‪ .‬ربما عليها أن تُ ِ‬
‫تايرل ليسحقه إذا عا َد بوسيل ٍة ما حيًّا من (دراجونستون)‪ .‬كم سيكون هذا لذي ًذا‪ .‬إذا شا َءت اآللهة سيَقتُل‬
‫كالهما اآل َخر على غرار السير آريك والسير إريك‪ .‬وبالنِّسبة إلى (ستوكوورث)‪ ...‬ال‪ ،‬لقد سئ َمت التَّفكير‬
‫في (ستوكوورث)‪.‬‬
‫كانت تاينا قد عادَت تغيب في النَّوم حين رج َعت الملكة إلى ال ُغرفة ورأسها يدور‪ .‬نبيذ كثير ج ًّدا ونوم قليل‬
‫أخبار مزعجة كهذه‪ .‬على األقل إيقاظي ممكن‪ .‬كان سُكر روبرت‬ ‫ٍ‬ ‫ج ًّدا‪ .‬ليس ك َّل ليل ٍة تستيقظ مرَّتين على‬
‫ليمنعه من ال ُّنهوض‪ ،‬ناهيك بالحُكم‪ ،‬ولوق َع على كاهل چون آرن أن يتعا َمل مع كلِّ هذا‪ .‬يسرُّ ها أن تعتقد‬
‫أنها ملك أفضل من روبرت‪.‬‬
‫بدأت السَّماء خارج النَّافذة تُنير بالفعل‪ ،‬وجل َست سرسي على الفِراش إلى جوار الليدي ميريويذر مصغيةً‬
‫إلى أنفاسها الهادئة تُشا ِهد ثدييها يرتفعان وينخفضان‪.‬‬
‫الخطر فاحم ال َّشعر الذي ال يقبل الرَّفض؟ إنها واثقة تما ًما‬
‫ِ‬ ‫هل تَحلُم ب(مير)؟ أم بحبيبها ذي ال ُّندبة‪ ،‬الرَّجل‬
‫بأن تاينا ال تَحلُم باللورد أورتون‪.‬‬
‫وض َعت سرسي يدها على ثدي المرأة األخرى‪ ،‬بنعوم ٍة في البداية‪ ،‬تكاد ال تلمسه‪ ،‬تَشعُر بدفئه تحت كفِّها‬
‫ق ثم حرَّكت أنملة إبهامها بخفَّ ٍة على الحلمة ال َّداكنة‬‫وبجلده األملس كالساتان‪ ،‬ثم إنها اعتص َرته برف ٍ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الكبيرة‪ ،‬جيئة وذهابًا وجيئة وذهابًا إلى أن شع َرت بها تنتصب‪ ،‬ول َّما رف َعت عينيها وجدَت عينَي تاينا‬
‫بك هذا؟»‪.‬‬ ‫مفتوحتين‪ ،‬فسألَتها‪« :‬هل ي ِ‬
‫ُعج ِ‬
‫أجابَت الليدي ميريويذر‪« :‬نعم»‪.‬‬
‫صت سرسي الحلمة جاذبةً إياها بش َّد ٍة والويةً إياها بين أصابعها‪.‬‬
‫‪« -‬وهذا؟»‪ ،‬وقر َ‬
‫إنك تُؤلِمينني»‪.‬‬
‫أطلقَت المايريَّة شهقة ألم‪ ،‬وقالت‪ِ « :‬‬
‫شربت إبريقًا على ال َعشاء وآخَر مع األرملة ستوكوورث‪ .‬كان يجب أن أشرب‬
‫ُ‬ ‫قالت‪« :‬إنه النَّبيذ فحسب‪.‬‬
‫ألهدِّئها»‪ ،‬ول َوت حلمة تاينا األخرى وش َّدتها إلى أن شهقَت‪ ،‬فأضافَت‪« :‬أنا الملكة‪ ،‬وأري ُد أن أمارس‬
‫حقوقي»‪.‬‬
‫‪« -‬افعلي ما تشائين»‪َ .‬شعر تاينا أسود ك َشعر روبرت‪ ،‬حتى بين ساقيها‪ ،‬وعندما مسَّتها هناك وجدَت‬
‫أرجوك استم ِّري يا موالتي‪ ،‬افعلي‬ ‫ِ‬ ‫ال َّشعر مبلَّ ًال تما ًما بينما كان َشعر روبرت خشنًا جافًّا‪ .‬قالت المايريَّة‪« :‬‬
‫ملكك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ما تشائين بي‪ ،‬أنا‬
‫ولكن ما فعلَته كان بال جدوى‪ .‬أيًّا كان ما شع َر به روبرت في اللَّيالي التي أخ َذها فيها لم تَشعُر به هي‪ ،‬لم‬
‫تجد ُمتعةً‪ ...‬أ َّما تاينا فوجدَت‪ .‬حلمتاها ماستان سوداوان‪ ،‬وفَرجها زلق ساخن‪ .‬كان روبرت ليحب َِّك‪ ...‬لم َّدة‬
‫ساعة‪ .‬وض َعت الملكة إصبعًا في المستنقَع المايري‪ ،‬ثم آخَر‪ ،‬وحرَّكتهما إلى ال َّداخل والخارج متابعةً في‬
‫اسمك بصعوبة‪.‬‬‫ِ‬ ‫داخلك كان ليتذ َّكر‬
‫ِ‬ ‫ُفرغ َّ‬
‫لذته في‬ ‫سريرتها‪ :‬لكن حالما ي ِ‬
‫سهال مع امرأ ٍة ِمثلما كان دو ًما مع روبرت‪ ،‬وف َّكرت واضعةً إصبعًا ثالثًا في‬ ‫أرادَت أن ترى إن كان األمر ً‬
‫(مير)‪ :‬عشرة آالف من أطفالك ماتوا في كفِّي يا جاللة الملك‪.‬‬
‫ق أطفالك من على وجهي وأصابعي واحدًا تلو اآلخَر‪ ،‬ك َّل أولئك األمراء‬ ‫ُ‬
‫كنت ألع ُ‬ ‫ُّ‬
‫تغط في النَّوم‬ ‫بينما‬
‫كنت آك ُل ورثتك‪ .‬ارتعدَت تاينا وشهقَت قائلةً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ال َّشاحبين اللَّزجين‪ .‬أخذت حقوقك يا سيِّدي‪ ،‬لكن في الظالم‬
‫شيئًا ما بلُغ ٍة أجنبيَّة‪ ،‬ثم ارتعدَت ثانيةً وق َّوست ظَهرها وصرخَ ت‪ ،‬فف َّكرت الملكة‪ :‬كأن أحدًا يُ َم ِّزقها إربًا‪،‬‬
‫ق جسد المايريَّة من الخصر إلى العُنق‪.‬‬ ‫خنزير ب ِّري تش ُّ‬
‫ٍ‬ ‫وللحظ ٍة تر َكت نفسها تتخيَّل أن أصابعها أنياب‬
‫وبال جدوى‪.‬‬
‫ي َّ‬
‫لذ ٍة َّإال مع چايمي‪.‬‬ ‫لم تَشعُر سرسي بأ ِّ‬
‫عك؟»‪،‬‬ ‫حين حاولَت أن تسحب يدها أمس َكتها تاينا ولث َمت أصابعها قائلةً‪« :‬ملكتي الجميلة‪ ،‬كيف أمتِّ ِ‬
‫وحرَّكت يدها على جانب سرسي ومسَّتها بين السَّاقين مضيفةً‪« :‬أخبِريني بما تُريدين مني يا حبيبتي»‪.‬‬
‫أجابَت سرسي‪« :‬اترُكيني»‪ ،‬وتدحر َجت مبتعدةً وسحبَت األغطية على جسدها مرتجفةً‪ .‬كان الفَجر يَب ُزغ‬
‫وقريبًا سيأتي الصَّباح ويُنسى كلُّ هذا‪.‬‬
‫كأن شيئًا لم يكن‪.‬‬
‫چايمي‬
‫ق هواء الغسق األزرق السَّاكن‪ ،‬فهَبَّ چوزمين پكلدون على قدميه بال‬ ‫أصد َرت األبواق دويًّا نُحاسيًّا َش َّ‬
‫إبطا ٍء وهر َع يلتقط حزام سيف سيِّده‪.‬‬
‫ف َّكر چايمي‪ :‬غريزة الصَّبي يقظة‪ ،‬وقال له‪« :‬الخارجون عن القانون ال يَنفُخون في األبواق ليُعلِنوا عن‬
‫مجيئهم‪ .‬لن أحتا ُج إلى سيفي‪ .‬هذا ابن خالي‪ ،‬حاكم الغرب»‪.‬‬
‫خرج من خيمته‪ ،‬نِصف دست ٍة من الفُرسان وأربعون من الجنود والرُّ ماة‬ ‫َ‬ ‫كان الخيَّالة يترجَّلون عندما‬
‫الرَّاكبين‪ ،‬ول َّما رأى چايمي هد َر رجل أشعث يرتدي الحلقات المعدنيَّة المذهَّبة ومعطفًا من فرو الثَّعالب‪:‬‬
‫مهزوال للغاية‪ ،‬وترتدي األبيض! وأطلقت لحيتك أيضًا!»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫«چايمي! تبدو‬
‫ث على‬ ‫ب مقارنةً بلبدتك يا ابن الخال»‪ .‬تلتحم لحية السير داڤن المنتفشة مع شاربه ال َك ِّ‬ ‫‪« -‬هذه؟ مجرَّد زغ ٍ‬
‫جانبَي وجهه بكثافة األحراش‪ ،‬ومعًا يلتحمان بال َّدغل األصفر المتشابك فوق رأسه‪ ،‬والذي ضغطَته الخوذة‬
‫مكان ما وسط ك ِّل هذا ال َّشعر يَك ُمن أنف أفطس وعينان ج ِذلتان بلون البندق‪« .‬هل سر َ‬
‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫التي يخلعها‪ .‬في‬
‫أحد الخارجين عن القانون موساك؟»‪.‬‬
‫أقسمت َّأال أقصَّ‬
‫ُ‬ ‫أجاب‪« :‬‬
‫َ‬ ‫ي السِّحنة ِمثله‪ ،‬فلداڤن النستر نبرة مستكينة غريبة‪ ،‬وقد‬ ‫رجل أسد ِّ‬
‫ٍ‬ ‫بالنِّسبة إلى‬
‫أوال وسلبَني انتقامي»‪ ،‬وناو َل أحد‬ ‫َشعري حتى أثأر ألبي‪ ،‬لكن ال ِّذئب الصَّغير نا َل من كارستارك ً‬
‫ً‬
‫طويال‬ ‫ال ُمرافقين خوذته ومرَّر أصابعه في َشعره الذي س َّواه الفوالذ الثَّقيل‪ ،‬وتاب َع‪« :‬أحبُّ أن يكون َشعري‬
‫بعض ال َّشيء‪ .‬اللَّيل أصب َح أش َّد برودةً‪ ،‬والقليل من النُّمو على الوجه يُسا ِعد على تدفئته‪ ،‬أجل‪ ،‬ثم إن الع َّمة‬
‫قائال‪« :‬خفنا عليك بَعد‬ ‫ك چايمي من ذراعيه ً‬ ‫چنا اعتادَت أن تقول دو ًما إن لي ذقنًا كقالب القرميد»‪ ،‬وأمس َ‬ ‫ِ‬
‫نهش ُعنقك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّهيب‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫ستارك‬ ‫ذئب‬ ‫أن‬ ‫سمعنا‬ ‫)‪.‬‬ ‫الهامسة‬ ‫الغابة‬ ‫(‬
‫‪« -‬وهل ذرفت ال َّدمع المرير من أجلي يا ابن الخال؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نِصف (النسپورت) رثى لك‪ ،‬النِّصف األنثوي»‪ ،‬وانتقلَت نظرة السير داڤن إلى َجدعة چايمي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«األمر صحيح إذن‪ ،‬األوغاد بتروا يد سيفك»‪.‬‬
‫ي واحدة جديدة من َّ‬
‫الذهب‪ .‬ث َّمة إيجابيَّات كثيرة في كون المرء بي ٍد واحدة‪ .‬اآلن أشربُ أق َّل خشية أن‬ ‫‪« -‬لد َّ‬
‫ع إلى َحكِّ مؤ ِّخرتي في البالط»‪.‬‬‫أسكب النَّبيذ‪ ،‬ونادرًا ما أنز ُ‬
‫ك ابن خاله‪ ،‬وتساء َل‪« :‬أهي كاتلين‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬صحيح‪ .‬ربما عل َّي أن أجعلهم يقطعون يدي أيضًا»‪ ،‬وضح َ‬
‫ستارك من قط َعتها؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫مواصال‪« :‬هذه‬ ‫ق‬
‫‪« -‬ڤارجو هوت»‪ .‬من أين تأتي هذه الحكايات؟ قال السير داڤن‪« :‬الڬوهوري؟»‪ ،‬وبص َ‬
‫رفض وقال إن بعض المهام يليق‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سأبحث له عن اإلمدادات لكنه‬ ‫له ولك ِّل رفاقه ال ُّشجعان‪ُ .‬‬
‫قلت ألبيك إنني‬
‫باألُسود‪ ،‬أ َّما اإلمدادات فاألفضل تركها للكباش والكالب»‪.‬‬
‫يعلم چايمي أن هذه كلمات اللورد تايوين تحديدًا‪ ،‬بل ويكاد يسمع صوت أبيه يقولها‪« .‬اد ُخل يا ابن الخال‪.‬‬
‫يجب أن نتكلَّم»‪.‬‬
‫أشعل النَّار في المستوقَدات وبثَّت جمراتها المتوهِّجة باألحمر الحرارة في خيمة چايمي‪.‬‬
‫َ‬ ‫كان جاريت قد‬
‫ً‬
‫شكال‬ ‫خل َع السير داڤن معطفه وألقاه إلى ليو الصَّغير‪ ،‬وسألَه بخشونة‪« :‬أأنت من آل پايپر يا فتى؟ إن لك‬
‫أعجف»‪.‬‬
‫‪« -‬أنا ليو پايپر‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي»‪.‬‬
‫التحام جماعي ذات مرَّة‪ .‬األحمق األعجف شع َر بالمهانة حين سألته إن‬
‫ٍ‬ ‫هزمت أخاك اللَّعين في‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫كانت هذه أخته التي تَرقُص عاريةً على تُرسه»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا رمز عائلتنا‪ .‬ليست لنا أخت»‪.‬‬
‫هويت بضرب ٍة‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬مؤسف‪ .‬رمزكم له ثديان جميالن‪ ،‬لكن َمن الرَّجل الذي يختبئ وراء امرأ ٍة عارية؟ كلَّما‬
‫شعرت بالخسَّة»‪.‬‬‫ُ‬ ‫على تُرس أخيك‬
‫در بملعقة‪ ،‬وقال چايمي لداڤن ضاح ًكا‪« :‬كفى‪ ،‬دعه وشأنه‪ .‬أري ُد أن‬ ‫كانت پيا تُتَبِّل لهما النَّبيذ وتُقَلِّبه في قِ ٍ‬
‫أل َّم بما سأجده في (ريڤر َرن)»‪.‬‬
‫هَ َّز ابن خاله كتفيه مجيبًا‪« :‬الحصار مستم ٌّر‪ .‬السَّمكة السَّوداء جالس داخل القلعة ونحن جالسون خارجها‬
‫َّ‬
‫يشن تَلي‬ ‫وجلس على ُكرسي متابعًا‪« :‬ينبغي أن‬ ‫َ‬ ‫في معس َكراتنا‪ .‬مسألة مملَّة للغاية إذا أردت الحقيقة»‪،‬‬
‫غارةً ليُ َذ ِّكرنا جميعًا بأننا ما زلنا في حرب‪ .‬سيكون لُطفًا منه أن يُ َخلِّصنا من بعض أبناء فراي أيضًا‪.‬‬
‫البثور‬
‫َ‬ ‫رايمان كبداية‪ .‬إنه سكران أغلب الوقت‪ .‬أوه‪ ،‬وإدوين‪ .‬ليس بليدًا كأبيه لكنه مفعم بالكراهية كما يُف ِعم‬
‫القيح‪ .‬وكذا عزيزنا السير إمون‪ ...‬ال‪ ،‬اللورد إمون وليحمنا (السَّبعة)‪ ،‬يجب َّأال ننسى لقبه الجديد‪ ...‬سيِّد‬
‫(ريڤر َرن) ال يفعل شيئًا َّإال محا َولة إخباري بكيفيَّة إدارة الحصار‪ ،‬يُريدني أن أستولي على القلعة دون أن‬
‫أتلفها‪ ،‬بما أنها مقرُّ لورديَّته الجديد»‪.‬‬
‫سأ َل چايمي پيا‪« :‬هل سخنَ النَّبيذ؟»‪.‬‬
‫أجابَت الفتاة مغطِّيةً فمها‪« :‬نعم يا سيِّدي»‪.‬‬
‫ق َّدم پِك النَّبيذ على صحف ٍة ذهبيَّة‪ ،‬وخل َع السير داڤن قُفَّازه ثم تناو َل كأسًا ً‬
‫قائال‪ُ « :‬شكرًا يا فتى‪َ .‬من أنت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬چوزمين پكلدون‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي»‪.‬‬
‫قال چايمي‪« :‬پِك من أبطال معركة (النَّهر األسود)‪َ ،‬‬
‫قتل فارسيْن وأس َر اثنين غيرهما»‪.‬‬
‫‪« -‬ال بُ َّد أنك أخطر مما تبدو يا فتى‪ .‬أهذه لحية أم أنك نسيت غسل وجهك من الوسخ؟ زوجة ستانيس‬
‫باراثيون لها شارب أكثف من هذا‪ .‬كم ِسنُّك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬خمسة عشر عا ًما أيها الفارس»‪.‬‬
‫قال السير داڤن ساخرًا‪« :‬أتعرف أفضل ما في األبطال يا چايمي؟ كلُّهم يموتون مب ِّكرًا ويَترُكون لبقيَّتنا‬
‫قائال له‪« :‬امألها ثانيةً وسأدعوك بالبطل أيضًا‪ .‬إنني ظمآن»‪.‬‬‫مزيدًا من النِّساء»‪ ،‬وألقى كأسه لل ُمرافق ً‬
‫رف َع چايمي كأسه بيُسراه ورشفَ منها لينتشر الدِّفء في صدره‪ ،‬وقال‪« :‬كنت تتكلَّم عن أبناء فراي الذين‬
‫تُريد موتهم؛ رايمان وإدوين وإمون‪.»...‬‬
‫قال داڤن‪« :‬وابن العاهرة والدر ريڤرز‪ .‬يكره أنه نغل ويكره ك َّل من ليسوا كذلك‪ .‬لكن السير پروين يبدو‬
‫ً‬
‫رجال طيِّبًا‪ ،‬ال بأس باإلبقاء عليه‪ ،‬وعلى النِّساء أيضًا‪.‬‬
‫سمعت أنني سأتز َّو ُج إحداهن‪ .‬ربما كان حريًّا بأبيك أن يستشيرني بشأن هذه ال ِّزيجة بالمنا َسبة‪ .‬كان أبي‬
‫ُ‬
‫يتَّفق مع پاكستر ردواين قبل (أوكسكروس)‪ ،‬هل تعلم هذا؟ ردواين له ابنة حسناء َمهرها ٍ‬
‫غال‪.»...‬‬
‫َر َّد چايمي ضاح ًكا‪« :‬دسميرا؟ هل تحبُّ النَّمش؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا كان خياري بين بنات فراي والنَّمش‪ ...‬نِصف فتيات اللورد والدر يُشبِهن بنات عرس»‪.‬‬
‫رأيت عروس النسل في (داري)»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬نِصفهن فقط؟ اش ُكر بختك السَّعيد إذن‪ .‬لقد‬
‫‪« -‬آمي الب َّوابة‪ ،‬لترحمنا اآللهة‪ .‬لم أصدِّق أن النسل اختا َرها‪ .‬ما خطب ذلك الصَّبي؟»‪.‬‬
‫أجاب چايمي‪« :‬أصب َح متديِّنًا‪ ،‬لكن ليس هو من اختا َرها‪ .‬أُم الليدي آميري من عائلة داري‪ ،‬وارتأى ع ُّمنا‬
‫َ‬
‫أنها ستُسا ِعد النسل على كسب رعايا (داري)»‪.‬‬
‫‪« -‬كيف؟ بمضا َجعتهم؟ هل تعرف لماذا يُلَقِّبونها بآمي الب َّوابة؟ ألنها ترفع شبكتها الحديديَّة لك ِّل فار ٍ‬
‫س يمرُّ‬
‫ق له خوذةً بقرنين»‪.‬‬ ‫سالح يد ُّ‬
‫ٍ‬ ‫بها‪ .‬خي ٌر لالنسل أن يجد صانع‬
‫‪« -‬لن يكون ذلك ضروريًّا‪ .‬ابن ع ِّمنا ذاهب إلى (كينجز الندنج) ليحلف اليمين كأحد رجال السِّپتون‬
‫األعلى المسلَّحين»‪.‬‬
‫ما كانت دهشة أكبر لتلوح على وجه السير داڤن لو أن چايمي قال له إن النسل قرَّر أن يُصبِح قردًا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫سمعت ما دا َمت قد دف َعت الصَّبي‬ ‫«حقّا؟ أنت تُ ِ‬
‫مازحني‪ .‬ال بُ َّد أن آمي الب َّوابة أكثر شبهًا ببنات عرس مما‬
‫إلى هذا!»‪.‬‬
‫حين استأذنَ چايمي في االنصراف من الليدي آميري كانت تبكي بهدو ٍء انفضاض زواجها بينما تسمح‬
‫للسير اليل كراكهول بمواساتها‪ ،‬لكن دموعها لم تُز ِعجه نِصف إزعاج النَّظرات القاسية على وجوه‬
‫أقاربها الواقفين في السَّاحة‪ .‬قال لداڤن‪« :‬آم ُل أنك ال تنوي أن تحلف يمينًا بدورك يا ابن خالي‪ .‬آل فراي‬
‫حسَّاسون عندما يتعلَّق األمر باتِّفاقات ال َّزواج‪ ،‬وأكرهُ أن نُ َخيِّب أملهم ثانيةً»‪.‬‬
‫ق السير داڤن نخيرًا هازئًا‪ ،‬وقال‪« :‬سأتز َّو ُج بنت عرس وأضاجعها‪ ،‬ال تقلق‪ ،‬إنني أعل ُم ما جرى‬ ‫أطل َ‬
‫لروب ستارك‪ .‬لكن مما أخب َرني به إدوين فاألفضل لي أن أختار واحدةً لم تُز ِهر بع ُد‪َّ ،‬‬
‫وإال فغالبًا سأج ُد‬
‫افترش آمي الب َّوابة‪ ،‬وأكثر من ثالث مرَّات‪ .‬ربما يُفَسِّر هذا تديُّن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أراهن أنه‬ ‫والدر األسود قد سبقَني إليها‪.‬‬
‫النسل ومزاج أبيه»‪.‬‬
‫‪« -‬رأيت السير كيڤان؟»‪.‬‬
‫رفض‬
‫َ‬ ‫‪« -‬نعم‪َ .‬م َّر بنا هنا في طريقه إلى الغرب‪ .‬سألته أن يُعيننا على االستيالء على القلعة‪ ،‬لكن كيڤان‬
‫أقسمت له أنني لم أطلب قَ ُّ‬
‫ط‬ ‫ُ‬ ‫تما ًما‪ .‬طيلة الوقت الذي أمضاه هنا كان عابسًا‪ ،‬يتكلَّم بكياس ٍة كافية لكن باردة‪.‬‬
‫يكن لي ضغينةً‪ ،‬وإن لم تقل نبرته‬ ‫أن أكون حاكم الغرب‪ ،‬أن ذلك ال َّشرف ينبغي أن يكون له‪ ،‬فأعلنَ أنه ال ُّ‬
‫كنت محتاجًا إلى نصيحته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هذا على اإلطالق‪ .‬بق َي ثالثة أيام وبالكاد قال لي ثالث كلمات‪ .‬ليته ظَ َّل معنا‪.‬‬
‫وما كان أصدقاؤنا أبناء فراي ليجرؤوا على إزعاج السير كيڤان كما يُز ِعجونني»‪.‬‬
‫قال چايمي‪« :‬أخبِرني»‪.‬‬
‫نصب رايمان فراي مشنقةً‪ ،‬وك َّل ٍ‬
‫يوم‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬أري ُد أن أفعل‪ ،‬لكن أين أبدأُ؟ بينما أبني ال ِمد َّكات وأبراج الحصار‬
‫عند الفَجر يأتي بإدميور تَلي ويضع أنشوطةً حول ُعنقه ويُهَدِّد بشنقه ما لم تستسلم القلعة‪ ،‬لكن السَّمكة‬
‫ُنزلون اللورد إدميور ثانيةً‪ .‬هل تعلم أن زوجته‬ ‫السَّوداء ال يُلقي ً‬
‫باال لهذه المسرحيَّة‪ ،‬ومع حلول المساء ي ِ‬
‫حامل؟»‪.‬‬
‫لم يكن چايمي يعلم هذا‪« .‬إدميور ضاج َعها بَعد ِّ‬
‫الزفاف األحمر؟»‪.‬‬
‫بصل ٍة لبنات عرس بتاتًا‪،‬‬ ‫الزفاف األحمر‪ .‬روزلين صغيرة حسناء‪ ،‬ال ُّ‬
‫تمت ِ‬ ‫ُضاجعها في أثناء ِّ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬بل كان ي‬
‫صلِّي إلنجاب فتاة»‪.‬‬
‫والغريب أنها مولعة بإدميور‪ .‬پروين قال لي إنها تُ َ‬
‫تأ َّمل چايمي في هذا لحظةً‪ ،‬ثم قال‪« :‬ما إن يُولَد إلدميور ابن لن يعود اللورد والدر محتاجًا إلى إدميور‬
‫نفسه»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا رأيي أيضًا‪ .‬ع ُّمنا الكريم إم‪ ...‬آه‪ ،‬اللورد إمون باألحرى‪ ...‬يُريد أن يُشنَق إدميور في الحال‪ .‬وجود‬
‫ُناشدني أن أجعل السير‬ ‫سيِّد من آل تَلي ل(ريڤر َرن) يكاد يُ َكدِّره بقدر احتمال مولد واح ٍد آخَ ر‪ .‬ك َّل ٍ‬
‫يوم ي ِ‬
‫رايمان يُ َعلِّق تَلي من رقبته‪ ،‬وال أدري كيف أقنعه‪ .‬وفي تلك األثناء يش ُّد اللورد جاون وسترلينج ُك ِّمي‬
‫اآلخَر‪ .‬السيِّدة زوجته مع السَّمكة السَّوداء داخل القلعة‪ ،‬باإلضافة إلى ثالثة من أوالده ذوي األنوف‬
‫ق آل فراي إدميور‪ .‬إحداهم ملكة ال ِّذئب الصَّغير»‪.‬‬ ‫السَّائلة‪ ،‬ويخشى حضرة اللورد أن يَقتُلهم تَلي إذا شن َ‬
‫ظن چايمي أنه التقى چاين وسترلينج من قبل‪ ،‬وإن كان ال يتذ َّكر شكلها‪ .‬ال بُ َّد أنها رائعة ال َجمال ما دا َمت‬ ‫ي ُّ‬
‫أطفاال‪ ،‬إنه ليس سمكةً سوداء لتلك‬ ‫ً‬ ‫استحقَّت مملكةً كاملةً‪ .‬قال البن خاله مؤ ِّكدًا‪« :‬السير برايندن لن يَقتُل‬
‫ڤررن) بع ُد‪« .‬حدِّثني عن تجهيزاتك يا ابن الخال»‪.‬‬ ‫ال َّدرجة»‪ .‬اآلن بدأ يستوعب سبب عدم سقوط (ري َ‬
‫‪« -‬إننا نُطَ ِّوق القلعة‪ .‬السير رايمان ورجال فراي معس ِكرون شمال (الجُلمود)‪ ،‬وجنوب (الفرع األحمر)‬
‫يجلس اللورد إمون مع السير فورلي پرستر وفلول جيشك القديم‪ ،‬باإلضافة إلى لوردات النَّهر الذين‬
‫ي ما يمنع أن أقول إنهم مجموعة كئيبة‪ ،‬صالحون للوجوم في‬ ‫انض ُّموا إلينا بَعد ال ِّزفاف األحمر‪ .‬ليس لد َّ‬
‫خيامهم ولكن ليس أكثر من هذا‪ .‬معس َكري أنا بين النَّهرين‪ ،‬قُبالة الخندق وب َّوابة (ريڤر َرن) الرَّئيسة‪ .‬لقد‬
‫ألقينا سلسلةً عبر (الفرع األحمر) في اتِّجاه المجرى‪ .‬مانفريد ياو وراينارد روتيجر مسؤوالن عن الدِّفاع‬
‫عنها كي ال يهرب أحد بالقارب‪ ،‬وأعطيتهما شبا ًكا أيضًا للصَّيد‪ ،‬فهذا يُسا ِعد على إطعامنا»‪.‬‬
‫‪« -‬هل نستطيع تجويع القلعة؟»‪.‬‬
‫وأجاب‪« :‬السَّمكة السَّوداء طر َد جميع األفواه عديمة الجدوى من القلعة واقتل َع‬
‫َ‬ ‫هَ َّز السير داڤن رأسه نفيًا‪،‬‬
‫ك َّل نبت ٍة تُؤ َكل في الرِّيف المحيط‪ .‬إن معه مؤنًا تكفي إلطعام الرِّ جال والخيول طيلة عامين»‪.‬‬
‫‪« -‬وبالنِّسبة إلى مؤننا نحن؟»‪.‬‬
‫كنت ال أدري كيف سنُط ِعم الخيول‪ .‬آل فراي ينقلون‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬ما دا َمت في النَّهرين أسماك فلن نجوع‪ ،‬وإن‬
‫الطَّعام والعلف من (التَّوأمتين)‪ ،‬لكن السير رايمان ي َّدعي أن ما لديهم ليس كافيًا القتسامه معنا‪ ،‬ولذا فعلينا‬
‫طعام ال يرجعون‪ .‬بعضهم‬ ‫ٍ‬ ‫رسلهم للعثور على‬ ‫الحصول على إمداداتنا بأنفُسنا‪ .‬نِصف ال ِّرجال الذين أُ ِ‬
‫يتهرَّب‪ ،‬وغيرهم نجدهم يتعفَّنون تحت األشجار وحول أعناقهم حبال»‪.‬‬
‫‪« -‬صادَفنا بعضهم أول من أمس»‪ .‬وجدَهم ك َّشافة أدام ماربراند مسودِّي الوجوه مشنوقين من شجرة تفَّاح‪،‬‬
‫وقد ُج ِّردَت الجُثث من ثيابها تما ًما و ُدسَّت تفَّاحة في فم كلٍّ منها‪ .‬ال أحد منهم كانت في جسده جروح‪،‬‬
‫وواضح أنهم استسلَموا‪ ،‬وقد أشع َل هذا غضبة العُفر القوي الذي أقس َم على االنتقام ال َّدامي من كلِّ َمن يُ َعلِّق‬
‫رجاال ُمحاربين هكذا ليموتوا كالخنازير‪.‬‬ ‫ً‬
‫قال السير داڤن عندما حكى له چايمي‪« :‬ربما فعلَها خارجون عن القانون وربما ال‪ .‬ما زالَت هناك‬
‫أظن أن قلوبهم ال‬ ‫جماعات من ال َّشماليِّين في هذه األنحاء‪ ،‬وربما رك َع لوردات (الثَّالوث) هؤالء‪ ،‬لكنني ُّ‬
‫تزال‪ ...‬ذئبيَّةً»‪.‬‬
‫ق چايمي ُمرافقيْه الصَّغيرين اللذين يحومان قُرب المستوقَدات متظاهريْن بأنهما ال يسمعان‪ .‬ليويس‬ ‫رم َ‬
‫پايپر وجاريت پايچ كالهما من أبناء لوردات النَّهر‪ ،‬وقد أمسى چايمي مولعًا باالثنين ويكره أن يُعطي‬
‫السير إلين إياهما‪« .‬الحبال تُوحي بأن هذا عمل دونداريون»‪.‬‬
‫‪« -‬سيِّد البرق ليس الوحيد الذي يعرف كيف يعقد أنشوطةً‪ .‬ال تجعلني أتكلَّ ُم عن اللورد بريك‪ .‬إنه هنا‪ ،‬إنه‬
‫رجاال لمطا َردته يتب َّخر كقطرات النَّدى‪ .‬لوردات النَّهر‬ ‫ً‬ ‫هناك‪ ،‬إنه في ك ِّل مكان‪ ،‬لكن حين تُ ِ‬
‫رسل‬
‫يوم تسمع أنه ماتَ ‪ ،‬وفي‬ ‫ك في هذا‪ ،‬رغم أنه من لوردات (ال ُّتخوم) المالعين‪ .‬في ٍ‬ ‫يُسا ِعدونه‪ ،‬إياك أن تش َّ‬
‫نيران مشتعلة‬
‫ٍ‬ ‫مواصال‪« :‬ك َّشافتي يُبلِغونني بمشاهَدة‬
‫ً‬ ‫التَّالي يقولون إنه ال يُقتَل»‪ ،‬ووض َع السير داڤن كأسه‬
‫مكان حولنا‪ .‬ثم إن هناك‬
‫ٍ‬ ‫ليال‪ .‬يظنُّون أنها إشارات‪ ...‬كأن هناك حلقةً من ال ُمراقبين في ك ِّل‬
‫في البقاع العالية ً‬
‫نيرانًا في القُرى أيضًا‪ .‬إله جديد ما‪.»...‬‬
‫ال‪ ،‬بل إله قديم‪« .‬ثوروس مع دونداريون‪ ،‬ذلك الرَّاهب المايري البدين الذي اعتا َد أن يشرب مع‬
‫الذهبيَّة على الطَّاولة‪ ،‬فمسَّها چايمي وشاه َد ذهبها يلتمع في ضوء المستوقَدات الخافت‬ ‫روبرت»‪ .‬كانت يده َّ‬
‫مردفًا‪« :‬سنتعا َمل مع دونداريون إذا اضطررنا‪ ،‬لكن يجب أن يأتي السَّمكة السَّوداء ً‬
‫أوال‪ .‬ال بُ َّد أنه يعلم أن‬
‫قضيَّته خاسرة‪ .‬هل حاولت التَّفا ُوض معه؟»‪.‬‬
‫فظهر السَّمكة‬
‫َ‬ ‫ركب إلى القلعة ِشبه سكران ورف َع عقيرته ملقيًا التَّهديدات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬السير رايمان حاو َل‪،‬‬
‫غرس سه ًما في كفل حصان‬ ‫َ‬ ‫رجل كريه‪ ،‬ثم‬
‫ٍ‬ ‫السَّوداء في ال ُّشرفة فقط ليقول إنه لن يُبَدِّد كال ًما حسنًا على‬
‫ُ‬
‫كنت أنا داخل‬ ‫كدت أبلِّ ُل سراويلي‪ .‬لو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وضحكت بق َّو ٍة لدرجة أنني‬ ‫رايمان‪ ،‬فأسقطَه الحصان في الوحل‬
‫بت السَّهم إلى حنجرة رايمان الكاذبة»‪.‬‬‫القلعة لص َّو ُ‬
‫أتفاوضُ معه‪ .‬إنني أنوي أن أعرض عليه‬ ‫َ‬ ‫َر َّد چايمي بابتسام ٍة خفيفة‪« :‬سأض ُع واقيًا على ُعنقي عندما‬
‫شروطًا سخيَّةً»‪ .‬إذا استطا َع إنهاء هذا الحصار دون إراقة دما ٍء فلن يقول أحد إنه حم َل السِّالح ضد عائلة‬
‫تَلي‪.‬‬
‫أشك في أن الكالم سيُجدي نفعًا‪ .‬يجب أن نقتحم القلعة»‪.‬‬ ‫كنت ُّ‬‫بالمحاولة يا سيِّدي‪ ،‬وإن ُ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬هنيئًا لك‬
‫ت ما ليس ببعيد كان چايمي ليحضَّ على التَّصرُّ ف نفسه بال تر ُّدد‪ .‬إنه يعلم أنه ال يستطيع البقاء هنا‬ ‫في وق ٍ‬
‫عامين كاملين حتى يُ َج ِّوع السَّمكة السَّوداء ويُر ِغمه على االستسالم‪ .‬قال للسير داڤن‪« :‬أيًّا كان ما سنفعله‬
‫فعلينا أن نتعجَّل‪ .‬إن مكاني في (كينجز الندنج) مع الملك»‪.‬‬
‫قال ابن خاله‪« :‬أجل‪ .‬مؤ َّكد أن أختك محتاجة إليك‪ .‬لماذا صرفَت كيڤان؟ حسبتها ستجعله يد الملك»‪.‬‬
‫رفض اليدويَّة»‪ .‬لم يكن أعمى ِمثلما ُ‬
‫كنت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫ممتن لهذا ال َّشرف بالطَّبع‪ ،‬لكن ع َّمنا في‬
‫ٌّ‬ ‫‪« -‬المفت َرض أن يكون كيڤان حاكم الغرب‪ ،‬أو أنت‪ .‬ال أنك ُر أنني‬
‫ضعف ِسنِّي وأكثر خبرةً بالقيادة‪ .‬آم ُل أنه يعلم أنني لم أطلب هذا إطالقًا»‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪« -‬إنه يعلم»‪.‬‬
‫‪« -‬وكيف حال سرسي؟ جميلة كالعادة؟»‪.‬‬
‫كالذهب القشرة‪ .‬ليلة البارحة حل َم بأنه ضبطَها تُ ِ‬
‫ضاجع فتى القمر‪،‬‬ ‫‪« -‬متألِّقة»‪ .‬مخادعة‪« .‬ذهبيَّة»‪ .‬زائفة َّ‬
‫فعل جريجور كليجاين بالمسكينة پيا‪ .‬في أحالمه لچايمي‬ ‫الذهبيَّة كما َ‬‫فقتل المهرِّ ج وحطَّم أسنان أخته بيده َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ب لكنها تعمل بكفاءة الثانية تما ًما‪« .‬كلما عجَّلنا بالفروغ من مسألة (ريڤر َرن)‬‫دو ًما يدان‪ ،‬إحداهما من ذه ٍ‬
‫َّلت بالعودة إلى سرسي»‪.‬‬‫عج ُ‬
‫أ َّما ماذا سيفعل حينها فال يدري‪.‬‬
‫تكلَّم مع ابن خاله ساعةً أخرى قبل أن يستأذن حاكم الغرب في االنصراف‪ ،‬ول َّما غاد َر ر َّكب چايمي يده‬
‫َّ‬
‫الذهبيَّة وارتدى معطفه البنِّي ليتم َّشى بين الخيام‪.‬‬
‫الحقيقة أنه يحبُّ هذه الحياة‪ ،‬ويَشعُر براح ٍة أكبر كثيرًا وسط الجنود في الميدان من البالط‪ ،‬ورجاله يبدون‬
‫عرض عليه ثالثة من رُماة النُّ َّشابيَّة نصيبًا من أرن ٍ‬
‫ب ب ِّري‬ ‫َ‬ ‫مرتاحين معه أيضًا‪ .‬عند واحد ٍة من بؤر النَّار‬
‫طلب فارس شابٌّ نصيحته في أفضل وسيل ٍة للدِّفاع عن نفسه ضد مطرق ٍة حربيَّة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اصطادوه‪ ،‬وعند أخرى‬
‫وعلى ضفَّة النَّهر شاه َد غسَّالتيْن تتنا َزالن في المياه الضَّحلة فوق أكتاف جنديَّيْن‪ .‬كانت الفتاتان نِصف‬
‫بمعطف مطويٍّ بينما تُ َشجِّعهما دستة من‬
‫ٍ‬ ‫ثملتين نِصف عاريتين‪ ،‬تضحكان وتضرب كلتاهما األخرى‬
‫ال ِّرجال‪ .‬راهنَ چايمي بنجم ٍة نُحاسيَّة على ال َّشقراء التي تركب راف المعسول‪ ،‬وخس َرها عندما سق َ‬
‫ط‬
‫االثنان وسط البوص‪.‬‬
‫على ضفَّة النَّهر األخرى تعوي ال ِّذئاب‪ ،‬وتهبُّ الرِّيح متخلِّلةً مجموعةً من أشجار الصَّفصاف جاعلةً‬
‫ونهض‬
‫َ‬ ‫أغصانها تتل َّوى وتتها َمس‪ .‬وج َد چايمي السير إلين پاين يشحذ سيفه العظيم‪ ،‬فقال له‪« :‬هيَّا»‪،‬‬
‫الفارس الصَّامت وعلى شفتيه ابتسامة رفيعة‪ .‬إنه مستمتع بهذا‪ ،‬يطيب له أن يمتهنني ك َّل ليلة‪ ،‬بل وقد‬
‫يسرُّ ه أكثر أن يَقتُلني‪ .‬يحبُّ أن يعتقد أنه يتحسَّن‪ ،‬لكن التَّحسُّن بطيء وليس بال ثَمن‪ ،‬فتحت الفوالذ‬
‫والجلد المق َّوى جسد چايمي النستر لوحة من الجروح والنُّدوب والكدمات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والصُّ وف‬
‫اعترض حارس طريقهما وهما يقودان حصانيهما إلى خارج المعس َكر‪ ،‬فربَّت چايمي على كتف الرَّجل‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ق يقظا‪ .‬ث َّمة ذئاب في الجوار»‪.‬‬ ‫بيده َّ‬
‫الذهبيَّة ً‬
‫قائال‪« :‬اب َ‬
‫ركبا في االتِّجاه المعاكس بمحاذاة (الفرع األحمر) نحو أطالل قري ٍة محترقة مرَّا بها هذا األصيل‪ ،‬وهناك‬
‫صف اللَّيل وسط الحجارة المسو َّدة والجمرات القديمة الباردة‪ .‬لفتر ٍة قصيرة كان التَّ ُّ‬
‫فوق‬ ‫رقصا رقصة منت َ‬
‫لچايمي‪ ،‬وسم َح لنفسه بأن يحسب أن مهارته القديمة تعود إليه‪ ،‬وربما تكون اللَّيلة ليلة ذهاب پاين إلى‬
‫فِراشه مكدو ًما ُمد ًمى‪.‬‬
‫وكأن السير إلين سم َع أفكاره‪ .‬بحرك ٍة كسول تفادى ضربة چايمي األخيرة و َك َّر عليه بهجم ٍة مضا َّدة دف َعته‬
‫ق حذاؤه من تحته في الوحل‪ ،‬فانتهى به األمر على رُكبتيه‪ ،‬سيف الفارس‬ ‫دفعًا إلى النَّهر‪ ،‬حيث انزل َ‬
‫الصَّامت على َحلقه وسيفه هو ضائع وسط أعواد البوص‪ .‬في نور القمر تبدو آثار الجُدري على وجه پاين‬
‫كبيرةً كف َّوهات البراكين‪ ،‬وأصد َر الرَّجل صوت الطَّقطقة إياه الذي ربما يكون ضحكةً‪ ،‬وحرَّك سيفه إلى‬
‫أعلى على ُعنق چايمي إلى أن استق َّر رأسه بين شفتيه‪ ،‬وعندئ ٍذ فقط تراج َع وأغم َد فوالذه‪.‬‬
‫الذهبيَّة‪ :‬كان خيرًا لي أن أتح َّدى راف المعسول وعلى‬ ‫قال چايمي لنفسه وهو ينفض الطَّمي عن يده َّ‬
‫ظهري عاهرة‪ .‬جزء منه يُريد انتزاع هذا ال َّشيء والتَّطويح به في النَّهر‪ .‬يده بال جدوى‪ ،‬ويُسراه ليست‬ ‫َ‬
‫أفضل كثيرًا‪ .‬كان السير إلين قد عا َد إلى الحصانين تار ًكا إياه ينهض بنفسه‪ .‬على األقل لم تزل لي قدمان‪.‬‬
‫رصر الرِّيح بين الفروع العارية في الغابة البنِّيَّة الجرداء‬ ‫ص ِ‬ ‫كان اليوم األخير من رحلتهم باردًا عاصفًا‪ ،‬تُ َ‬
‫وتُجبِر أعواد البوص على االنحناء بش َّد ٍة بطول (الفرع األحمر)‪ ،‬وعلى الرغم من ارتدائه معطف ال َحرس‬
‫ركب إلى جوار داڤن ابن خاله‪ .‬في‬ ‫َ‬ ‫الملكي ال ِّشتوي الصُّ وف شع َر چايمي بأسنانها الحديديَّة تنهش جسده إذ‬
‫صروا (ريڤر َرن) ترتفع على الرَّأس األرضي الضيِّق حيث يتالقى (الجُلمود)‬ ‫ت متأ َّخر من األصيل أب َ‬ ‫وق ٍ‬
‫غمر‬
‫َ‬ ‫و(الفرع األحمر)‪ .‬تبدو قلعة آل تَلي كسفين ٍة حجريَّة عظيمة مقدِّمتها موجَّهة صوب المصب‪ ،‬وقد‬
‫الذهبي األحمر أسوارها المبنيَّة بالحجر الرَّملي فبدَت أعلى وأغلظ مما يَذ ُكر چايمي‪ ،‬فف َّكر بكآبة‪:‬‬ ‫الضَّوء َّ‬
‫لن تت َّم هذه المه َّمة بسهولة‪.‬‬
‫رفض السَّمكة السَّوداء اإلصغاء فلن يجد خيارًا َّإال الحنث في قَسمه لكاتلين ستارك‪ ،‬فقَسمه لملكه يأتي‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫ً‬
‫أوال‪.‬‬
‫المحاصرين كما وصفَ ابن خاله تما ًما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وج َد السِّلسلة عبر النَّهر والمعس َكرات الثَّالثة الكبيرة لجيش‬
‫معس َكر السير رايمان فراي شمال (الجُلمود) هو األوسع مساحةً واألقلُّ تنظي ًما‪ ،‬وفوق الخيام ترتفع مشنقة‬
‫رماديَّة ضخمة بحجم ال ِمقذاف‪ ،‬وعلى منصَّتها يقف شبح وحيد يُحيط بعُنقه حبل‪ .‬إدميور تَلي‪ .‬أحسَّ چايمي‬
‫بطعن ٍة من ال َّشفقة في قلبه‪ .‬أن يجعلوه يقف هكذا يو ًما وراء يوم بتلك األنشوطة حول ُعنقه‪ ...‬األفضل أن‬
‫يقطعوا رأسه ويَفرُغوا من األمر‪.‬‬
‫وراء المشنقة تنتشر فوضى الخيام وبؤر النَّار‪ .‬كان صغار لوردات وفُرسان آل فراي قد نصبوا‬
‫سُرادقاتهم براح ٍة في اتِّجاه المنبع بعيدًا عن حُفر المراحيض‪ ،‬وفي اتِّجاه المصبِّ زرائب وعربات يد‬
‫وعربات ثيران‪ .‬قال السير داڤن‪« :‬السير رايمان ال يُريد أن يُصيب الملل فتيته‪ ،‬فيُعطيهم عاهرات‬
‫مغن! ع َّمتنا جلبَت وات ذا االبتسامة‬ ‫ٍّ‬ ‫وحصل لنفسه على‬
‫َ‬ ‫ومصا َرعة ديوك وصيد الخنازير الب ِّريَّة‪ ،‬بل‬
‫صدِّق‪ ،‬فكان على رايمان أن يكون له مغنِّيه الخاص أيضًا‪ .‬أال‬ ‫البيضاء من (النسپورت)‪ ،‬صدِّق أو ال تُ َ‬
‫يُمكننا االكتفاء ب َس ِّد النَّهر وإغراقهم جميعًا يا ابن الع َّمة؟»‪.‬‬
‫رأى الرُّ ماة يتحرَّكون وراء ال ُّشرَّافات في ُشرفات القلعة وفوقهم تخفق رايات عائلة تَلي‪ ،‬سمكة الترويت‬
‫الجريئة على خلفيَّتها المخطَّطة باألحمر واألزرق‪ .‬على أن أطول أبراج القلعة يعلوه علم مختلف‪ ،‬علم‬
‫كنت ُمرافقًا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رأيت (ريڤر َرن)‬ ‫أبيض طويل يُ َزيِّنه ذئب ستارك الرَّهيب‪ .‬قال چايمي البن خاله‪« :‬أول م َّر ٍة‬
‫أخضر كعُشب الصَّيف‪ .‬أرسلَني العجوز َسمنر كراكهول ألوصِّل رسالةً أ َّكد أنه ال يستطيع أن يأتمن عليها‬
‫ُغدافًا‪ ،‬فأبقاني اللورد هوستر أسبوعين بينما يُفَ ِّكر مليًّا في الرَّد‪ ،‬وأجل َسني إلى جوار ابنته اليسا عند كلِّ‬
‫وجبة»‪.‬‬
‫‪« -‬ال عجب أنك انض َممت إلى ال َحرس الملكي‪ُ .‬‬
‫كنت ألفعل ال ِمثل»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬اليسا لم تكن مخيفةً لهذه ال َّدرجة»‪ .‬الحقيقة أنها كانت فتاةً حسناء رقيقةً لها غ َّمازتان و َشعر‬
‫بلسان معقود وبين الحين واآلخَر القهقهة‪ ،‬ليس فيها‬ ‫ٍ‬ ‫كستنائي طويل‪ .‬وإن كانت خانعةً‪ ،‬تميل إلى الصَّمت‬
‫لصبي ما‬
‫ٍّ‬ ‫ب واحد من نار سرسي‪ .‬بدَت أختها الكبيرة أكثر إثارةً لالهتمام‪ ،‬ولو أنها كانت موعودةً‬ ‫لسان له ٍ‬
‫من ال َّشمال هو وريث (وينترفل)‪ ...‬لكن في تلك ال ِّسنِّ لم تكن أيُّ فتا ٍة لتُثير نِصف اهتمام چايمي بشقيق‬
‫تجاهل‬
‫َ‬ ‫هوستر ال َّشهير الذي نا َل المجد في أثناء قتاله ملوك البنسات التِّسعة في (األعتاب)‪ .‬على المائدة‬
‫اليسا المسكينة وأل َّح على برايندن تَلي أن يحكي له عن ميليز الوحش واألمير األبنوسي‪ .‬وقتها كان السير‬
‫ُ‬
‫وكنت أصغر من پِك‪.‬‬ ‫برايندن أصغر مني اآلن‪،‬‬
‫تقع أقرب مخاض ٍة عبر (الفرع األحمر) في اتِّجاه المنبع‪ ،‬وليَبلُغوا معس َكر السير داڤن كان عليهم أن يمرُّ وا‬
‫من معس َكر إمون فراي بسُرادقات لوردات النَّهر الذين ركعوا وقُ ِبلوا من جدي ٍد في سالم الملك‪ .‬الح َ‬
‫ظ‬
‫چايمي رايات اليتشستر وڤانس وروت وجودبروك‪ ،‬وجوز بلُّوط آل سمولفورد وعذراء اللورد پايپر‬
‫الرَّاقصة‪ ،‬لكن الرَّايات التي لم ي َرها هي ما أثا َرت اهتمامه‪ .‬ال أثر لنسر ماليستر الفضِّ ي‪ ،‬أو لحصان‬
‫صفصافة رايجر‪ ،‬أو ثُعبانَي پايچ المضفوريْن معًا‪ .‬جميع هؤالء ج َّددوا والءهم للعرش‬ ‫براكن األحمر‪ ،‬أو َ‬
‫ت لالنضمام إلى الحصار‪ .‬يعلم چايمي أن آل براكن يُقاتِلون آل بالكوود‪،‬‬ ‫الحديدي‪َّ ،‬إال أن أحدًا منهم لم يأ ِ‬
‫أ َّما الباقون‪...‬‬
‫أصدقاؤنا الجُدد ليسوا أصدقا ًء على اإلطالق‪ ،‬إخالصهم ضحل‪ .‬ال بُ َّد من الظَّفر ب(ريڤر َرن)‪ ،‬وقريبًا‪.‬‬
‫طال الحصار تشجَّع متم ِّردون آخَرون على شاكلة تايتوس بالكوود‪.‬‬ ‫كلَّما َ‬
‫ق السير كينوس الكايسي دفقةً من بوق هيروك‪ .‬هذا كفيل بإخراج السَّمكة السَّوداء إلى‬ ‫عند المخاضة أطل َ‬
‫ال ُّشرفات‪ .‬قا َد السير هيوجو والسير درموت چايمي عبر النَّهر خائضيْن في المياه البنِّيَّة المحمرَّة الموحلة‬
‫وقد رفعا راية ال َحرس الملكي البيضاء وراية وعل وأسد تومن لتخفقا في الرِّيح‪ ،‬وتب َعتهم بقيَّة الرَّكب بال‬
‫إبطاء‪.‬‬
‫حصار جديد‪ ،‬وقد وقفَ بُرجان‬‫ٍ‬ ‫تر َّددت أصوات المطارق الخشبيَّة في معس َكر النستر حيث يرتفع بُرج‬
‫َك د َّوار مصنوع من جذع‬ ‫آخَران مكتمليْن وك ٌّل منهما نِصف مغطَّى ِ‬
‫بجلد الخيل الخام‪ ،‬وبينهما يستقرُّ ِمد ٌّ‬
‫سقف خشبي‪ .‬يبدو أن ابن خالي لم يتوانَ في عمله‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شجر ٍة وله رأس مق َّوى بالنَّار ومعلَّق بالسَّالسل تحت‬
‫سألَه پِك‪« :‬أين تُريد خيمتك يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫الذهبيَّة ‪-‬مع أنها ليست مناسبةً لهذا‪ -‬وأضافَ ‪« :‬المؤن هناك‪،‬‬ ‫‪« -‬هناك‪ ،‬فوق هذا المرتفَع»‪ ،‬وأشا َر بيده َّ‬
‫خطوط الخيول هناك‪ .‬سنستخدم المراحيض التي تكرَّم ابن خالي بحفرها لنا‪ .‬سير أدام‪ ،‬افحص محيطنا‬
‫ضعف»‪ .‬ال يتوقَّع چايمي هجو ًما‪ ،‬لكنه لم يتوقَّع (الغابة الهامسة) كذلك‪.‬‬ ‫ي نقاط َ‬
‫مالحظة أ ِّ‬
‫َ‬ ‫واحرص على‬
‫سألَه داڤن‪« :‬هل أستدعي بنات عرس لمجلس الحرب؟»‪.‬‬
‫وأشار إلى چون بتلي الحليق ً‬
‫قائال‪« :‬ارفع راية‬ ‫َ‬ ‫أجاب چايمي‪« :‬ليس قبل أن أتكلَّم مع السَّمكة السَّوداء»‪،‬‬
‫َ‬
‫سالم واحمل رسالةً إلى القلعة‪ .‬بلِّغ السير برايندن تَلي أنني أرغبُ في الحديث معه مع أول خيوط الضَّوء‬
‫ٍ‬
‫غدًا‪ .‬سأذهبُ إلى حافة الخندق وأقابله على الجسر المتحرِّك»‪.‬‬
‫ال َح االنزعاج على پِك‪ ،‬وقال‪« :‬سيِّدي‪ ،‬الرُّ ماة يُمكنهم أن‪.»...‬‬
‫ي سُرعة‪.‬‬‫قائال‪« :‬لن يفعلوا‪ .‬انصُبوا خيمتي وارفعوا رايتَي»‪ .‬وسنرى من يأتي جريًا وبأ ِّ‬ ‫ترجَّل چايمي ً‬
‫فذهب ِپك يُسا ِعدها‪ .‬في الفترة‬
‫َ‬ ‫حاول إشعال النَّار في فحم المستوقَد‪،‬‬ ‫ً‬
‫طويال‪ .‬كانت پيا تُ ِ‬ ‫لم يتطلَّب األمر‬
‫األخيرة كثيرًا ما يَخلُد چايمي إلى النَّوم على صوت جماعهما في رُكن الخيمة‪ .‬بينما يحلُّ جاريت مشابك‬
‫ت جهير‪« :‬وصلت أخيرًا؟»‪ .‬كانت تحتلُّ الباب‬ ‫واقي ساقيه انفت َحت الخيمة‪ ،‬وقالت ع َّمة چايمي بصو ٍ‬
‫بالكامل‪ ،‬وقد ح َّدق زوجها ابن فراي من ورائها‪« .‬تأ َّخرت‪ .‬ألن تُعانِق ع َّمتك السَّمينة العجوز؟»‪ ،‬وفت َحت‬
‫ذراعيها فلم تَترُك له خيارًا َّإال عناقها‪.‬‬
‫چنا النستر امرأةً متناسقة الجسد يبدو نهداها دو ًما على وشك الخروج من صدارها‪ ،‬أ َّما‬ ‫في شبابها كانت ِ‬
‫اآلن فال َّشكل الوحيد الذي يتَّخذه جسدها هو المربَّع‪ ،‬ولها وجه عريض أملس و ُعنق كعمو ٍد وردي غليظ‬
‫وثديان هائالن‪ ،‬وفي بدنها لحم يكفي لصُنع اثنين من زوجها‪ .‬احتضنَها چايمي بطاع ٍة وانتظ َر أن تَقرُص‬
‫وبدال منه طب َعت قُبلةً ناعمةً مبتلَّةً على‬
‫ً‬ ‫أُذنه كما تع َّودت أن تفعل طيلة حياته‪ ،‬لكنها أحج َمت عن ذلك اليوم‪،‬‬
‫كلٍّ من وجنتيه‪ ،‬ثم قالت‪« :‬آسفةٌ لخسارتك»‪.‬‬
‫ي يد جديدة مصنوعة من َّ‬
‫الذهب»‪ ،‬وأراها إياها‪.‬‬ ‫َر َّد‪« :‬لد َّ‬
‫الذهب أيضًا؟ تايوين الخسارة التي قصدتها»‪.‬‬‫چنا بح َّدة‪« :‬جميل‪ .‬هل سيصنعون لك أبًا من َّ‬‫قالت الليدي ِ‬
‫عصبي ال ِّ‬
‫طباع له‬ ‫ٌّ‬ ‫أعلنَ زوجها‪« :‬رجل كتايوين النستر ال يأتي َّإال م َّرةً ك َّل ألف عام»‪ .‬إمون فراي رجل‬
‫ثقيال لو ارتدى ثيابًا مبتَّلةً والحلقات المعدنيَّة‪ ،‬لكنه أشبه بعو ٍد من البوص‬
‫يدان متوتِّرتان‪ ،‬ولكان وزنه ً‬
‫يرتدي الصُّ وف وليس له ذقن يُذ َكر‪ ،‬وهو عيب جعلَه بروز تفَّاحة َحلقه يبدو أكثر سخافةً‪ .‬قبل بلوغه‬
‫الثَّالثين كان ِنصف َشعره قد سقطَ‪ ،‬واآلن وهو في الستِّين تبقَّت له ُشعيرات محدودة‪.‬‬
‫چنا بَعد أن صرفَ چايمي پيا و ُمرافقيه‪« :‬بلغَتنا حكايات عجيبة في الفترة األخيرة‪ .‬المرء يكاد‬ ‫قالت الليدي ِ‬
‫ي أن تيريون قت َل تايوين أم أن هذا افتراء أذاعَته أختك؟»‪.‬‬ ‫صدِّق‪ .‬أحقيق ٌ‬
‫ال يدري ماذا يُ َ‬
‫‪« -‬حقيقي»‪ .‬كان وزن يده ال َّذهب قد بدأ يُضايِقه‪ ،‬فبدأ يحلُّ األحزمة التي تُثَبِّتها إلى معصمه‪.‬‬
‫قال السير إمون‪« :‬أن يرفع االبن يده ضد أبيه‪ ...‬عمل وحشي‪ .‬هذه أيام سوداء في (وستروس)‪ .‬إنني‬
‫أخشى علينا جميعًا بَعد رحيل اللورد تايوين»‪.‬‬
‫ص َّر‬
‫چنا‪« :‬كنت تخشى علينا جميعًا وهو موجود»‪ ،‬وأرا َحت عجيزتها الكبيرة على أحد الكراسي‪ ،‬ف َ‬ ‫ر َّدت ِ‬
‫تحت وزنها على نح ٍو مزعج‪ ،‬واستطردَت‪« :‬حدِّثنا عن ابننا كليوس وطريقة موته يا ابن أخي»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬هاج َمنا خارجون عن القانون وشتَّتهم السير كليوس‪،‬‬ ‫آخر األحزمة ووض َع يده جانبًا ً‬ ‫َح َّل چايمي ِ‬
‫لكن هذا كلَّفه حياته»‪ .‬أتَته األكذوبة بسهولة‪ ،‬ورأى أنها سرَّتهما بالفعل‪.‬‬
‫قلت هذا‪ ،‬ال َّشجاعة في دمه»‪ .‬عندما يتكلَّم السير إمون تلتمع على شفتيه رغوة‬ ‫‪« -‬كان فتى ُشجاعًا‪ ،‬لطالما ُ‬
‫ورديَّة باهتة من جرَّاء التَّبغ ال ُم ِّر الذي يحبُّ أن يَمضُغه‪.‬‬
‫المفترض أن يُدفَن رُفاته تحت (الصَّخرة) في (قاعة األبطال)‪ .‬أين قبره؟»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫چنا‪« :‬‬ ‫أعلنَت الليدي ِ‬
‫أجاب كاذبًا‪:‬‬
‫َ‬ ‫لغربان الجيف‪.‬‬ ‫ال قبر له‪ .‬الممثِّلون ال َّسفَّاحون جرَّدوا جثَّته من ك ِّل شي ٍء وتركوا لحمه وليمةً ِ‬
‫«إلى جوار جدول‪ .‬عندما تضع هذه الحرب أوزارها سأج ُد المكان وأرسله إلى الوطن»‪ .‬الرُّ فات هو‬
‫الرُّ فات‪ ،‬وما أسهل العثور عليه هذه األيام‪.‬‬
‫قال اللورد إمون‪« :‬هذه الحرب‪ ،»...‬وتنحن َح لتتحرَّك تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل‪ ،‬وتاب َع‪« :‬ال بُ َّد أنك‬
‫رأيت آالت الحصار‪ ،‬ال ِمد َّكات والمقاذيف واألبراج‪ .‬لن يَصلُح هذا يا چايمي‪ .‬داڤن يُريد هدم أسواري‬
‫وتحطيم ب َّوابتي‪ ،‬يتكلَّم عن القار المشتعل وإحراق القلعة‪ ،‬قلعتي!»‪ ،‬و َدسَّ يده في ُك ِّمه وأخر َج َرقًّا رف َعه‬
‫مواصال‪« :‬إن معي المرسوم الموقَّع من الملك‪ ،‬من تومن‪ .‬انظُر‪ ،‬ها هو ذا الختم الملكي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫في وجه چايمي‬
‫أطالل محترقة»‪ .‬قالت زوجته‬ ‫ٍ‬ ‫الوعل واألسد‪ .‬أنا سيِّد (ريڤر َرن) ال َّشرعي‪ ،‬ولن أسمح بتحويلها إلى‬
‫محت َّدةً‪« :‬أوه‪ ،‬ضع هذا ال َّشيء السَّخيف جانبًا‪ .‬ما دا َم السَّمكة السَّوداء داخل (ريڤر َرن) يُمكنك أن تمسح‬
‫مؤ ِّخرتك بهذه الورقة التي لم تنفعنا بشيء»‪ .‬على الرغم من كونها من آل فراي طيلة خمسين عا ًما تظلُّ‬
‫چنا إلى َح ٍّد كبير ابنة النستر‪ .‬ابنة النستر كبيرة الحجم للغاية‪« .‬چايمي سيُ َسلِّمك القلعة»‪.‬‬ ‫الليدي ِ‬
‫قال السير إمون‪« :‬بالتَّأكيد‪ .‬سير چايمي‪ ،‬ثقة السيِّد والدك بي كانت في محلِّها‪ ،‬سترى‪ .‬إنني أنوي أن أكون‬
‫عادال مع أتباعي الجُدد‪ .‬بالكوود وبراكن وچيسون ماليستر وڤانس وپايپر‪ ،‬كلُّهم سيتعلَّمون أن‬ ‫ً‬ ‫حاز ًما لكن‬
‫إمون فراي مولى عادل‪ ...‬وأبي أيضًا‪ ،‬نعم‪ .‬إنه سيِّد (المعبر)‪ ،‬لكنني أنا سيِّد (ريڤر َرن)‪ .‬صحيح أن واجب‬
‫االبن أن يُطيع أباه‪ ،‬لكن على حا ِمل الرَّاية أن يُطيع مواله»‪.‬‬
‫ق اآللهة‪« .‬أنت لست مواله أيها الفارس‪ .‬اقرأ الوثيقة‪ .‬لقد ُمنِحت (ريڤر َرن) وأراضيها ودخولها ال‬‫بح ِّ‬
‫أوه‪َ ،‬‬
‫أكثر‪ ،‬لكن پيتر بايلش هو سيِّد أراضي (الثَّالوث) األعلى‪.‬‬
‫(ريڤر َرن) ستخضع لحُكم (هارنهال)»‪.‬‬
‫لم يس َّر ر ُّده اللورد إمون‪ ،‬فقال محت ًّجا‪(« :‬هارنهال) خراب‪ ،‬مسكونة وملعونة‪ ،‬وبايلش‪ ...‬إنه ع َّداد ُعملة‪،‬‬
‫ليس لورد حقيقيًّا‪ ،‬ميالده‪.»...‬‬
‫‪« -‬إذا لم تكن راضيًا عن هذه التَّرتيبات فاذهب إلى (كينجز الندنج) واطرح األمر على أختي الجميلة»‪ .‬ال‬
‫ك لديه في أن سرسي ستلتهم إمون فراي حيًّا وتُ َسلِّك أسنانها بعظامه‪ .‬ما لم تكن مشغولةً بمضا َجعة‬ ‫َش َّ‬
‫أوزموند ِكتلبالك‪.‬‬
‫هال خرجت تش ُّم‬ ‫چنا نخيرًا ساخرًا‪ ،‬وقالت‪« :‬ال داعي إلزعاج جاللتها بهذا الهراء‪ .‬إم‪َّ ،‬‬ ‫أطلقَت الليدي ِ‬
‫الهواء؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أش ُّم الهواء؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أو تب َّول إذا أردت‪ .‬أنا وابن أخي لدينا أمور عائليَّة نتناقَش فيها»‪.‬‬
‫احتقنَ وجه اللورد إمون‪ ،‬وقال‪« :‬نعم‪ ،‬المكان دافئ هنا‪ .‬سأنتظ ُر في الخارج يا سيِّدتي‪ .‬أيها الفارس»‪،‬‬
‫وخرج من الخيمة‪.‬‬
‫َ‬ ‫وطوى حضرة اللورد وثيقته وانحنى لچايمي‬
‫ليس احتقار إمون فراي عسيرًا‪ .‬لقد وص َل إلى (كاسترلي روك) في ِسنِّ الرَّابعة عشرة ليتز َّوج لبؤةً‬
‫وچنا لعبَت‬ ‫قلب معدته على سبيل هديَّة ال ِّزفاف‪ِ .‬‬
‫يكبَرها مرَّتين‪ .‬اعتا َد تيريون أن يقول إن اللورد تايوين َ‬
‫بوجوم في حين تتبادَل زوجته‬ ‫ٍ‬ ‫جلس خاللها إمون يعبث بطعامه‬
‫َ‬ ‫دورًا أيضًا‪ .‬يَذ ُكر چايمي مآدب كثيرةً‬
‫س جالس إلى يسارها وتتخلَّل محادَثاتهما انفجارات الضَّحك المد ِّوي‪ .‬لكنها‬ ‫ي فار ٍ‬ ‫المزاح البذيء مع أ ِّ‬
‫أنجبَت لفراي أربعة أبناء‪ ،‬أو على األقل تقول إنهم أبناؤه‪ .‬ال أحد في (كاسترلي روك) يملك َشجاعة‬
‫التَّلميح إلى غير هذا‪ ،‬ال سيَّما السير إمون‪.‬‬
‫لم يكد الرَّجل يُغا ِدر حتى د َّورت السيِّدة زوجته عينيها في محجريهما باستيا ٍء قائلةً‪« :‬زوجي وسيِّدي‪ .‬في َم‬
‫كان أبوك يُفَ ِّكر حين قلَّده سيادة (ريڤر َرن)؟»‪.‬‬
‫أبنائك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أظن أنه كان يُفَ ِّكر في‬
‫‪ُّ « -‬‬
‫عاقال وتعلَّم مني ال‬ ‫ً‬ ‫‪« -‬أنا أيضًا أف ِّك ُر فيهم‪ .‬إم سيكون لورد سيِّئًا للغاية‪ .‬ربما يُبلي تاي بال ًء أحسن إذا كان‬
‫من أبيه»‪ ،‬وتلفَّتت ع َّمته متسائلةً‪« :‬هل عندك نبيذ؟»‪.‬‬
‫عليك أن تبقي في‬ ‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬ماذا تفعلين هنا يا سيِّدتي؟ كان‬‫صبَّ لها بي ٍد واحدة ً‬ ‫وج َد چايمي إبريقًا و َ‬
‫(كاسترلي روك) حتى ينتهي القتال»‪.‬‬
‫‪« -‬ما إن سم َع إم بأنه أصب َح من اللوردات أص َّر على أن يأتي في الحال ويتسلَّم مقرَّه»‪ ،‬وجرعَت الليدي‬
‫چنا من نبيذها ومس َحت فمها ب ُك ِّمها‪ ،‬ثم قالت‪« :‬كان على أبيك أن يمنحنا (داري)‪ .‬كليوس تز َّوج واحدةً من‬ ‫ِ‬
‫بنات الحارث كما تَذ ُكر‪ ،‬وأرملته الثَّكلى غاضبة ألن ابنيها لم يُمنَحا أراضي السيِّد والدها‪ .‬آمي الب َّوابة‬
‫تنتمي إلى عائلة داري من جانب أ ِّمها فحسب‪ ،‬وچاين أرملة ابني خالتها‪ ،‬أخت الليدي ماريا ال َّشقيقة»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬أخت أصغر‪ ،‬ثم إن تاي سيحظى ب(ريڤر َرن)‪ ،‬غنيمة أعظم من (داري)»‪.‬‬ ‫ذ َّكرها چايمي ً‬
‫‪« -‬غنيمة مسمومة‪ .‬سُاللة ال ُّذكور في عائلة داري بادَت‪ ،‬أ َّما في عائلة تَلي فال‪ .‬ذلك األبله السير رايمان‬
‫يضع أنشوطةً حول ُعنق إدميور لكنه يأبي أن يَشنُقه‪ ،‬وث َّمة سمكة ترويت تنمو في بطن روزلين فراي‪ .‬لن‬
‫يأمن أحفادي في (ريڤر َرن) أبدًا ما دا َم وريث من آل تَلي حيًّا»‪.‬‬
‫يعلم چايمي أنها ليست مخطئةً‪ ،‬فقال‪« :‬إذا أنجبَت روزلين فتاةً‪.»...‬‬
‫رت في هذا‪َّ .‬إال أن احتمال أن تلد‬ ‫‪ ...« -‬فيُمكنها أن تتز َّوج تاي‪ ،‬شريطة أن يقبل اللورد والدر‪ .‬نعم‪ ،‬ف َّك ُ‬
‫صبيًّا قائم بالقدر نفسه‪ ،‬وسيُ َعقِّد قضيبه الصَّغير األمور‪.‬‬
‫وإذا خر َج السير برايندن حيًّا من هذا الحصار فربما تجده مي ًَّاال إلى أخذ (ريڤر َرن) باسمه‪ ...‬أو باسم‬
‫روبرت آرن الصَّغير»‪.‬‬
‫يَذ ُكر چايمي روبرت الصَّغير في (كينجز الندنج)‪ ،‬ال يزال يرضع من ثديَي أ ِّمه في ِسنِّ الرَّابعة‪« .‬آرن لن‬
‫ُنجب‪ ،‬وما حاجة سيِّد (العُش) إلى (ريڤر َرن)؟»‪.‬‬ ‫يعيش حتى ي ِ‬
‫الذهب إلى أخرى؟ البَشر جشعون‪ .‬كان على تايوين أن يمنح كيڤان‬ ‫رجل يملك ج َّرةً من َّ‬‫ٍ‬ ‫‪« -‬ما حاجة‬
‫كنت ألقول له هذا لو كلَّف نفسه عناء سؤالي‪ ،‬لكن منذ متى يستشير أبوك أحدًا‬ ‫ُ‬ ‫(ريڤر َرن) وإم (داري)‪.‬‬
‫في شي ٍء َّإال كيڤان؟»‪ ،‬وأطلقَت ع َّمته تنهيدةً عميقةً‪ ،‬وأضافَت‪« :‬ال ألو ُم كيڤان على رغبته في مقرٍّ أكثر‬
‫أمنًا البنه‪ ،‬إنني أعرفه جيِّدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬شتَّان بين ما يرغب فيه كيڤان وما يرغب فيه النسل»‪ .‬أخب َرها بقرار النسل أن يتخلَّى عن زوجته‬
‫ت ال تزالين راغبةً في‬ ‫وأراضيه ولورديَّته من أجل القتال في سبيل العقيدة المق َّدسة‪ ،‬ثم قال‪« :‬إذا كن ِ‬
‫(داري) فاكتُبي لسرسي واعرضي عليها األمر»‪.‬‬
‫چنا بكأسها استهانةً‪ ،‬وقالت‪« :‬ال‪ ،‬فاتَ أوان هذا‪ .‬إم يخال أنه سيَح ُكم أراضي النَّهر‪،‬‬ ‫ل َّوحت الليدي ِ‬
‫أظن أنه كان علينا أن نتوقَّع هذا منذ زمن‪ .‬الحياة لحماية السِّپتون األعلى ال تختلف عن الحياة‬ ‫والنسل‪ُّ ...‬‬
‫غضب تايوين عندما وضعت في رأسك أن‬ ‫َ‬ ‫لحماية الملك رغم ك ِّل شيء‪ .‬أخشى أن كيڤان سيغضب كما‬
‫بدال من‬‫الحرس الملكي‪ .‬على األقل سيبقى مارتن وريثًا لكيڤان‪ .‬يُمكنه أن يُ َز ِّوجه آمي الب َّوابة ً‬ ‫تخدم في َ‬
‫النسل‪ ،‬ليحمنا (السَّبعة) جميعًا»‪ ،‬وعادَت تتنهَّد ثم قالت‪« :‬وعلى ِذكر (السَّبعة)‪ ،‬لِ َم تسمح سرسي للعقيدة‬
‫بحمل السِّالح مج َّددًا؟»‪.‬‬
‫هَ َّز چايمي كتفيه مجيبًا‪« :‬أنا واثق بأن لديها أسبابًا»‪.‬‬
‫چنا‪« :‬أسبابًا؟»‪ ،‬وأطلقَت صوتًا بذيئًا‪ ،‬وأردفَت‪« :‬خي ٌر لنا أن تكون أسبابًا وجيهةً‪ .‬السُّيوف‬ ‫ر َّددت الليدي ِ‬
‫عارضه‪ ،‬ول َّما ماتَ‬‫بحذر مع العقيدة كي ال تُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والنُّجوم أزعَجوا آل تارجاريَن أنفُسهم‪ .‬الفاتِح ذاته تعام َل‬
‫إجون وتمرَّد اللوردات على ابنيه كانت كلتا الجماعتين في قلب هذا التَّمرُّ د‪ .‬اللوردات األكثر تديُّنًا أيَّدوهم‪،‬‬
‫وكثيرون من العوام‪ ،‬وأخيرًا اضط َّر الملك ميجور إلى وضع مكافأ ٍة على رؤوسهم‪ ،‬فدف َع تنِّينًا مقابل رأس‬
‫ضيًّا مقابل فروة رأس كلِّ صُعلوك‪ ،‬إذا ُ‬
‫كنت أذك ُر‬ ‫ك ِّل واح ٍد من أبناء ال ُمحارب لم يرجع عن تمرُّ ده‪ً ،‬‬
‫وأيال ف ِّ‬
‫التَّاريخ الذي تعلَّمته‪ .‬قُتِ َل آالف‪ ،‬لكن آالف غيرهم ظلُّوا يجوبون البالد بتح ٍّد‪ ،‬إلى أن قت َل العرش الحديدي‬
‫ق الملك چهيرس على العفو عن ك ِّل من يتخلَّى عن القتال»‪.‬‬ ‫ميجور وواف َ‬
‫ُ‬
‫نسيت أغلب هذا»‪.‬‬ ‫قال معترفًا‪« :‬‬
‫ر َّدت ع َّمته‪« :‬أنت وأختك»‪ ،‬وأخ َذت جرعةً أخرى من النَّبيذ‪ ،‬وسألَته‪« :‬أصحي ٌح أن أباك كان مبتس ًما فوق‬
‫تابوته؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كان يتعفَّن فوق تابوته‪ ،‬وجع َل هذا فمه يلتوي»‪.‬‬
‫‪« -‬أهذا كلُّ ما هنالك؟»‪ .‬بدا إن اإلجابة أحزنَتها‪« .‬يقول كثيرون إن تايوين لم يبتسم قَ ُّ‬
‫ط‪ ،‬لكنه ابتس َم حين‬
‫تز َّوج أ َّمك‪ ،‬وحين جعلَه إيرس يده‪ .‬ول َّما انها َر (بهو تاربك) على رأس تلك الحقيرة المتآمرة الليدي إيلين‪،‬‬
‫رأيت هذا بعينَي‪ .‬أنت وسرسي كنتما‬ ‫ُ‬ ‫قال تايج إنه ابتس َم حينها أيضًا‪ ...‬وابتس َم يوم مولدك يا چايمي‪،‬‬
‫متو ِّرديْن مثاليَّيْن ومتماثليْن‪ ...‬باستثناء بين السَّاقين طبعًا‪ .‬يا لرئاتكما القويَّة!»‪.‬‬
‫قال چايمي بابتسام ٍة واسعة‪« :‬اسمعوا زئيرنا‪ .‬يَنقُص أن تقولي لي إنه أحبَّ الضَّحك كثيرًا أيضًا»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬تايوين لم يكن يثق بالضَّحك‪ .‬لقد سم َع كثيرين يضحكون من جدِّك»‪ ،‬وقطَّبت ع َّمته جبينها‬
‫مستطردةً‪« :‬أؤ ِّك ُد لك أن مهزلة الحصار هذه ما كانت لتسرَّه‪.‬‬
‫كيف تنوي أن تضع ح ًّدا لها اآلن وقد أصبحت هنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سأتفا َوضُ مع السَّمكة السَّوداء»‪.‬‬
‫‪« -‬لن ينجح هذا»‪.‬‬
‫‪« -‬أنوي أن أعرض عليه شروطًا جيِّدةً»‪.‬‬
‫‪« -‬ال ُّشروط تتطلَّب الثِّقة‪ .‬آل فراي اغتالوا ضيوفًا تحت سقفهم‪ ،‬وأنت‪ ...‬ال أقص ُد إساءةً يا حبيبي‪ ،‬لكنك‬
‫قتلت مل ًكا معيَّنًا أقسمت على حمايته»‪.‬‬
‫مزاج‬
‫ٍ‬ ‫خرجت نبرته أكثر خشونةً مما انتوى‪ ،‬لكنه ليس في‬‫َ‬ ‫‪« -‬وسأقت ُل السَّمكة السَّوداء إذا لم يستسلم»‪.‬‬
‫يسمح بإلقاء إيرس تارجاريَن في وجهه‪.‬‬
‫أكون عجو ًزا بدينةً‪ ،‬لكن ما في رأسي ُمخ ال جُبنة يا چايمي‪ ،‬وكذا‬
‫ُ‬ ‫سألَته بته ُّكم‪« :‬كيف؟ بلسانك؟ ربما‬
‫السَّمكة السَّوداء‪ .‬التَّهديدات الفارغة لن تُثَبِّط ه َّمته»‪.‬‬
‫‪« -‬وبِ َم تنصحين؟»‪.‬‬
‫ه َّزت كتفيها ببُطء‪ ،‬وقالت‪« :‬إم يُريد أن يُقطَع رأس إدميور‪ ،‬وربما يكون محقًّا على سبيل التَّغيير‪ .‬السير‬
‫رايمان جعلَنا أضحوكةً بمشنقته إياها‪ .‬عليك أن تُري السير برايندن أن لتهديداتك أنيابًا»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما يُقَ ِّوي قتل إدميور عزيمة السير برايندن»‪.‬‬
‫ط‪ .‬كان بإمكان هوستر تَلي أن يُخبِرك بهذا»‪،‬‬ ‫‪« -‬العزيمة شيء لم يفتقر إليه برايندن السَّمكة السَّوداء قَ ُّ‬
‫چنا ما تبقَّى من النَّبيذ في جوفها‪ ،‬وأردفَت‪« :‬طيِّب‪ ،‬لن أجرؤ أبدًا على إخبارك بكيفيَّة‬ ‫وأفرغَت الليدي ِ‬
‫أعرف منزلتي‪ ...‬على عكس أختك‪ .‬أصحي ٌح أن سرسي أحرقَت (القلعة‬ ‫ُ‬ ‫خوض الحروب‪ ،‬إنني‬
‫الحمراء)؟»‪.‬‬
‫‪(« -‬بُرج اليد) فقط»‪.‬‬
‫حرق اليد‪ .‬هاريس سويفت؟! إذا كان‬ ‫د َّورت ع َّمته عينيها‪ ،‬وقالت‪« :‬كان خيرًا لها أن تُبقي على البُرج وتُ ِ‬
‫هناك رجل جديرًا برمزه فهو السير هاريس‪ .‬وجايلز روزبي‪ ،‬ليحمنا (السَّبعة)‪ ،‬حسبته ماتَ منذ زمن‪.‬‬
‫ميريويذر‪ ...‬أبوك تع َّود دعوة جدِّه بال ُمقهقه‪ ،‬أريدك أن تعلم‪ .‬قال تايوين إن ال َّشيء الوحيد الذي يَصلُح له‬
‫ميريويذر هو القهقهة ل ُدعابات الملك‪ .‬حضرة اللورد ظَ َّل يُقِهقِه حتى نُفِ َي على ما أذك ُر‪ .‬سرسي وض َعت‬
‫ورجال وضيعًا في ال َحرس الملكي‪ ،‬وسم َحت للعقيدة بالتَّسلُّح‪ ،‬والبراڤوسيُّون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نغال ما في المجلس أيضًا‪،‬‬
‫يُطالِبون بسداد ما لهم من ديون في جميع أنحاء (وستروس)‪ .‬ما كان شيء من هذا ليَح ُدث لو أنها تحلَّت‬
‫بالعقل وجعلَت ع َّمك كيڤان اليد»‪.‬‬
‫رفض المنصب»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬السير كيڤان‬
‫چنا‬
‫رفض أن يقولها»‪ ،‬ورس َمت الليدي ِ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬هذا ما قاله‪ ،‬لكنه لم يَذ ُكر السَّبب‪ .‬أشياء كثيرة لم يقلها‪،‬‬
‫االمتعاض على مالمحها‪ ،‬وتاب َعت‪« :‬لطالما فع َل كيڤان ما يُطلَب منه‪ ،‬وليس من طباعه أن يُولي الواجب‬
‫ظَهره‪ .‬في األمر شيء ما خطأ‪ ،‬باستطاعتي أن أش َّمه»‪.‬‬
‫‪« -‬قال إنه مت َعب»‪ .‬وقالت سرسي وهما واقفان عند نعش أبيهما إنه يعرف بأمرهما‪.‬‬
‫أظن أنه ح ُّقه‪ .‬كان صعبًا على كيڤان أن يعيش حياته كلَّها في ِظلِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ز َّمت ع َّمته شفتيها قائلةً‪« :‬مت َعب؟‬
‫ً‬
‫طويال أسود‪ ،‬واضط َّر ك ٌّل منهم إلى المعاناة‬ ‫تايوين‪ ،‬صعبًا على إخوتي جميعًا‪ .‬الظِّلُّ الذي ألقاه تايوين كان‬
‫ط أن يُضاهي أباك‪،‬‬ ‫يستطع قَ ُّ‬
‫ِ‬ ‫حتى يجد بصيصًا من ال َّشمس لنفسه‪ .‬تايجت حاو َل أن يستق َّل بذاته‪ ،‬لكنه لم‬
‫وأفضى هذا إلى جعله أكثر غضبًا مع مرور السِّنين‪ .‬أ َّما جيريون فاكتفى بالسُّخرية‪ .‬كان أفضل له أن‬
‫يسخر من اللُّعبة من أن يلعبها ويخسر‪ .‬لكن كيڤان رأى طبائع األمور مب ِّكرًا‪ ،‬فصن َع لنفسه مكانًا إلى جانب‬
‫أبيك»‪.‬‬
‫ت؟»‪.‬‬‫سألَها چايمي‪« :‬وأن ِ‬
‫كنت أميرة أبي الغالية‪ ...‬وأميرة تايوين أيضًا‪ ،‬إلى أن خيَّبت أمله‪ ،‬وأخي لم يتعلَّم‬
‫‪« -‬لم تكن لُعبةً للفتيات‪ُ .‬‬
‫جئت ألقوله ولن آخذ المزيد‬ ‫ُ‬ ‫ضت ع َّمته مستطردةً‪« :‬لقد ُ‬
‫قلت ما‬ ‫أن يحبَّ مذاق خيبة األمل إطالقًا»‪ ،‬ونه َ‬
‫من وقتك‪ .‬افعل ما كان تايوين ليفعله»‪.‬‬
‫سم َع چايمي نفسه يسألها‪« :‬هل أحببتِه؟»‪.‬‬
‫كنت في السَّابعة حينما أقن َع والدر فراي السيِّد والدي بإعطاء إم‬ ‫حد َجته ع َّمته بنظر ٍة غريبة‪ ،‬وقالت‪ُ « :‬‬
‫يدي‪ ،‬ابنه الثَّاني وليس وريثه حتى‪ .‬أبي نفسه كان ابنًا ثالثًا‪ ،‬واإلخوة الصِّغار يشتهون رضا إخوتهم‬
‫ب أفضل من إرضائه‪ .‬أُعلِنَت خطبتي في‬ ‫األكبر‪ .‬فراي استشع َر نُقطة الضَّعف تلك فيه‪ ،‬ولم يقبل أبي لسب ٍ‬
‫وخرج األسد األحمر غاضبًا من القاعة‪ ،‬أ َّما‬ ‫َ‬ ‫أثناء مأدب ٍة حض َرها نِصف الغرب‪ ،‬وضح َكت إيلين تاربك‬
‫شحب‬
‫َ‬ ‫اآلخَرون فانعقدَت ألسنتهم‪ .‬وحده تايوين جر َؤ على االعتراض على ال ِّزيجة‪ .‬كان صبيًّا في العاشرة‪.‬‬
‫وارتعش والدر فراي»‪ ،‬وابتس َمت مواصلةً‪« :‬كيف يُمكنني َّأال أحبَّه بَعد‬ ‫َ‬ ‫وجه أبي حتى أصب َح كالحليب‪،‬‬
‫ُ‬
‫استمتعت كثيرًا بصُحبة الرَّجل الذي صا َره‪ ...‬لكن‬ ‫وافقت على ك ِّل ما فعلَه أو‬
‫ُ‬ ‫هذا؟ لكن هذا ال يعني أنني‬
‫وزفرت متسائلةً‪َ « :‬من‬‫َ‬ ‫صغره»‪،‬‬ ‫أخ كبير يحميها‪ ،‬وتايوين كان كبيرًا حتى في ِ‬ ‫ك َّل فتا ٍة صغيرة تحتاج إلى ٍ‬
‫سيحمينا اآلن؟»‪.‬‬
‫قبَّلها چايمي على وجنتها‪ ،‬وقال‪« :‬لقد خلَّف ابنًا»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬وهذا أخشى ما أخشاه في الحقيقة»‪.‬‬
‫أده َشه تعليقها الغريب‪ ،‬فسألَها‪« :‬وماذا تخشين؟»‪.‬‬
‫قالت جاذبةً أُذنه‪« :‬چايمي يا عزيزي‪ ،‬أنا أعرفك منذ كنت ترضع من ثديَي چوانا‪ .‬إنك تبتسم كجيريون‬
‫وإال ما كنت لترتدي هذا المعطف‪ ...‬لكن تيريون هو ابن‬ ‫وتُقاتِل كتايج‪ ،‬وفيك القليل من كيڤان أيضًا‪َّ ،‬‬
‫عام ال يُ َكلِّمني‪ .‬ال ِّرجال حمقى كبار‬
‫قلت هذا ذات م َّر ٍة في وجه أبيك فقضى نِصف ٍ‬ ‫تايوين ال أنت‪ُ .‬‬
‫صاخبون حقًّا‪ ،‬حتى َمن يجود بهم ال َّدهر ك َّل ألف ٍ‬
‫عام»‪.‬‬
‫قطَّة القنوات‬
‫ظت قبل شروق ال َّشمس في ال ُغرفة الصَّغيرة تحت اإلفريز‪ ،‬التي تتقا َسمها مع ابنتَي بروسكو‪.‬‬
‫استيق َ‬
‫كات أول من يصحو دو ًما‪ .‬تحت األغطية مع تاليا وبريا دافئ مريح‪ ،‬وباستطاعتها أن تسمع أنفاسهما‬
‫الهادئة المنتظمة‪ ،‬وحين تحرَّكت واعتدلَت جالسةً تبحث عن ُخفَّيها تمت َمت بريا بشكوى ناعسة وانقلبَت‬
‫على جانبها‪ .‬اقشع َّر ِجلد كات من جرَّاء البرد المنبعث من الجُدران الحجر الرَّماديَّة‪ ،‬فأسرعَت ترتدي‬
‫ثيابها في الظَّالم‪ ،‬وبينما تضع سُترتها على جسدها فت َحت تاليا عينيها‪ ،‬وقالت لها‪« :‬كات‪ ،‬كوني طيِّبةً‬
‫واجلبي لي ثيابي»‪ .‬تاليا فتاة خرقاء‪ ،‬جسدها ِجلد على عظم و ِمرفقاها بارزان‪ ،‬ودائ ًما تشتكي من البرد‪.‬‬
‫راحت‬‫أحضرت لها كات مالبسها فارتدَتها تحت األغطية‪ ،‬ومعًا سحبَتا األخت الكبيرة من الفِراش وقد َ‬ ‫َ‬
‫بريا تُهَم ِهم بالتَّهديدات النَّاعسة‪.‬‬
‫حين نزلَت ثالثتهن السُّلَّم من ال ُغرفة الواقعة تحت اإلفريز كان بروسكو وابناه قد خرجوا بالفعل إلى‬
‫ُسرعن ِمثلما يفعل ك َّل صباح‪،‬‬ ‫ق بروسكو في الفتيات أن ي ِ‬ ‫القارب في القناة الصَّغيرة وراء المنزل‪ .‬زع َ‬
‫وساع َد ابناه تاليا وبريا على ركوب القارب‪ ،‬أ َّما كات فمه َّمتها أن تح َّل الحبل الذي يربطه بالدِّعامة‪ ،‬ثم‬
‫تُلقي الحبل لبريا وتدفع القارب مبعدةً إياه عن المرسى بحذائها‪ .‬بدأ كال ابنَي بروسكو التَّجذيف بالعصا‪،‬‬
‫وج َرت كات ووثبَت فوق الفجوة التي أخ َذت تتَّسع بين المرسى والقارب‪.‬‬
‫ت طويل بينما يمضي بهم بروسكو وابناه في عتمة ما‬ ‫بَعدها لم يَعُد هناك ما تفعله َّإال الجلوس والتَّثاؤب لوق ٍ‬
‫قبل الفَجر عبر شبك ٍة من القنوات الصَّغيرة‪ .‬يبدو هذا النَّهار نادرًا‪ ،‬معتدل البرودة صافيًا ساطعًا‪ ،‬بينما‬
‫المعتاد أن (براڤوس) ال تعرف َّإال ثالثة أنواع فقط من الطَّقس‪ .‬الضَّباب سيِّئ‪ ،‬والمطر أسوأ‪ ،‬والمطر‬
‫المتج ِّمد األسوأ‪ ،‬لكن ك َّل فتر ٍة طويلة يأتي صباح يطلع فيه الفَجر ورديًّا وأزرق ويكون هواؤه منع ًشا‬
‫أيام تحبُّها كات‪.‬‬
‫مالحًا‪ ،‬وتلك أكثر ٍ‬
‫حين بلغوا المجرى المائي العريض المستقيم المس َّمى (القناة الطَّويلة) انعطفوا جنوبًا نحو سوق األسماك‪،‬‬
‫حاول أن تتذ َّكر تفاصيل حُلمها‪ .‬م َّرةً أخرى أحل ُم بأنني‬ ‫قاوم التَّثاؤب وتُ ِ‬‫وقد جل َست كات مربِّعةً ساقيها تُ ِ‬
‫ذئبة‪ .‬أكثر ما تَذ ُكره الرَّوائح؛ األشجار والتُّربة وإخوتها في القطيع والخيول والغزالن والبَشر‪ ،‬ك ٌّل منها‬
‫الالذعة التي ال تختلف أبدًا‪ .‬في بعض اللَّيالي تكون أحالم ال ِّذئاب‬ ‫غير األخرى‪ ،‬ورائحة الخوف القويَّة َّ‬
‫شديدة الجالء لدرجة أنها تظلُّ تسمع ُعواء إخوتها حتى وهي تستيقظ‪ ،‬وفي م َّر ٍة زع َمت بريا أنها كانت‬
‫َمجر في نومها وتتل َّوى تحت األغطية‪ ،‬فحسبَتها كذبةً سخيفةً إلى أن قالت تاليا الكالم نفسه‪.‬‬ ‫تُز ِ‬
‫أخب َرت الفتاة نفسها‪ :‬ال يَج ُدر بي أن أحلم أحالم ال ِّذئاب‪ .‬إنني اآلن قطَّة ال ذئبة‪ ،‬قطَّة القنوات‪ .‬أحالم ال ِّذئاب‬
‫تنتمي إلى آريا سليلة عائلة ستارك‪ ،‬ولكن على الرغم من ك ِّل محا َوالتها ما زالَت ال تستطيع تخليص نفسها‬
‫من آريا‪ .‬ال فرق بين نومها تحت المعبد أو في ال ُغرفة الصَّغيرة تحت اإلفريز مع ابنتَي بروسكو‪ ،‬فلم تزل‬
‫ليال‪ ...‬وأحيانًا أحالم أخرى أيضًا‪.‬‬ ‫طاردها ً‬ ‫أحالم ال ِّذئاب تُ ِ‬
‫أحالم ال ِّذئاب هي الجيِّدة‪ ،‬ففيها تكون سريعةً قويَّةً‪ ،‬تنقضُّ على فرائسها وفي أعقابها قطيعها‪ .‬الحُلم اآلخَ ر‬
‫أرض يباب مألى باألوحال‬ ‫ٍ‬ ‫بدال من أربع وتمشي متعثِّرةً في‬ ‫هو ما تكرهه‪ ،‬الحُلم الذي لها فيه ساقان ً‬
‫ب يُعيقها عن‬ ‫مطر السَّماء في ذلك الحُلم وتسمع صُراخ أ ِّمها‪ ،‬لكن وح ًشا برأس كل ٍ‬ ‫والدِّماء والنِّيران‪ .‬دائ ًما تُ ِ‬
‫الذهاب إلنقاذها‪ .‬في ذلك الحُلم تبكي دو ًما كأنها فتاة صغيرة مذعورة‪ .‬القِطط ال تبكي أبدًا‪ ،‬وال تبكي‬ ‫َّ‬
‫ُلم سخيف‪.‬‬ ‫ال ِّذئاب‪ .‬إنه مجرَّد ح ٍ‬
‫أخ َذت (القناة الطَّويلة) قارب بروسكو إلى أسفل قباب (قصر الحقيقة) النُّحاسيَّة الخضراء وأبراج عائلتَي‬
‫پرستاين وآنتاريون الطَّويلة المربَّعة‪ ،‬قبل أن يم َّر من إحدى قناطر نهر المياه العذبة الرَّماديَّة الهائلة إلى‬
‫ق من النَّهار‬ ‫ت الح ٍ‬‫المنطقة المعروفة باسم (بلدة الغرين)‪ ،‬حيث المباني أصغر حج ًما وأقلُّ فخامةً‪ .‬في وق ٍ‬
‫ستختنق القناة بالقوارب األفعوانيَّة والصَّنادل‪ ،‬لكن اآلن في ظُلمة ما قبل الفَجر ال يتحرَّك في المجرى‬
‫المائي غيرهم تقريبًا‪ .‬يحبُّ بروسكو أن يصل إلى سوق األسماك قبل أن يهدر (المارد) معلنًا شروق‬
‫ال َّشمس ويتر َّدد صوته المد ِّوي عبر الهَور خافتًا بعيدًا ولكن مسموعًا بما فيه الكفاية إليقاظ المدينة النَّائمة‪.‬‬
‫عندما ربطَ بروسكو وابناه القارب عند سوق األسماك كان المكان يعجُّ بباعة ال ِّرنجة وأسماك القُد والمحار‬
‫ت عالية‬ ‫ُساوم بعضهم بعضًا بأصوا ٍ‬ ‫والطهاة وبائعات ال ُخردة وبحَّارة القوادس‪ ،‬ي ِ‬ ‫ُّ‬ ‫وأُم ال ُخلول‪ ،‬وبال ُوكالء‬
‫ب ملقيًا نظرةً على األصداف بأنواعها‪،‬‬ ‫ب إلى قار ٍ‬‫سار بروسكو من قار ٍ‬ ‫َ‬ ‫بينما يفحصون صيد الصَّباح‪.‬‬
‫طق طَق‪.‬‬ ‫طق‪« .‬هذا»‪َ .‬‬ ‫طق َ‬ ‫قفص بعصاه‪ ،‬ويقول‪« :‬هذا‪ ،‬نعم»‪َ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫برميل أو‬
‫ٍ‬ ‫وبين الحين واآلخَر يَنقُر على‬
‫طق‪ .‬قلَّما يتكلَّم بروسكو‪ ،‬وتقول تاليا إن أباها يبخل بكالمه كما يبخل بنقوده‪ .‬المحار‬ ‫«ال‪ ،‬ليس هذا‪ .‬هذا»‪َ .‬‬
‫وأُم ال ُخلول والسَّراطين وبلح البحر والحلزونات وأحيانًا القريدس‪ ...‬يشتري بروسكو ك َّل شي ٍء حسب ما‬
‫نقر عليها إلى القارب‪ ،‬فبروسكو‬ ‫يبدو األفضل هذا اليوم‪ ،‬وعلى اآلخَرين حمل األقفاص والبراميل التي َ‬
‫يُعاني أل ًما في ظَهره وال يستطيع أن يحمل شيئًا أثقل من دور ٍ‬
‫ق من ال ِمزر البنِّي‪.‬‬
‫دائ ًما تفوح من كات رائحة السَّمك والملح لدى بدء رحلة عودتهم إلى البيت‪ ،‬لكنها اعتادَتها تما ًما حتى إنها‬
‫لم تَعُد تش ُّمها تقريبًا‪ ،‬كما أنها ال ترى ما يعيبها في هذا العمل‪ ،‬وعندما تُؤلِمها عضالتها من الرَّفع أو‬
‫برميل تقول لنفسها إن ق َّوتها تزداد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يتوجَّع ظَهرها من وزن‬
‫بمجرَّد تحميل جميع البراميل واألقفاص على القارب دف َعه بروسكو من جدي ٍد وعا َد بهم ابناه إلى (القناة‬
‫الطَّويلة)‪ ،‬في حين جل َست بريا وتاليا عند المقدِّمة تتها َمسان‪ .‬تعلم كات أنهما تتكلَّمان عن فتى بريا الذي‬
‫تتسلَّق إلى سطح المنزل لتُقابِله بَعد خلود أبيها إلى النَّوم‪.‬‬
‫حين أرسلَها إلى المدينة قال لها الرَّجل الطيِّب آمرًا‪« :‬تعلَّمي ثالثة أشياء جديدة قبل أن تعودي إلينا»‪،‬‬
‫ت جديدة من البراڤوسيَّة‪ ،‬وأحيانًا تعود‬ ‫وهذا ما تفعله دائ ًما‪ .‬أحيانًا ال يكون ما تتعلَّمه أكثر من ثالث كلما ٍ‬
‫ت من البحَّارة عن األشياء الغريبة العجيبة الحادثة في العالم الواسع البليل حول (براڤوس)‪ ،‬عن‬ ‫بحكايا ٍ‬
‫ت جديدة أو ثالث أحاجي جديدة أو‬ ‫َّ‬
‫الحروب وأمطار الضَّفادع والتَّنانين الوليدة‪ .‬أحيانًا تتعلم ثالث ُدعابا ٍ‬
‫حيل هذه التِّجارة أو غيرها‪ ،‬وك َّل فترةً طويلة تعرف ِس ًّرا ما‪.‬‬
‫قرن كامل كما‬ ‫ظ َّل ِس ًّرا طيلة ٍ‬
‫ب وأقنع ٍة وهمسات‪ ،‬وجودها ذاته َ‬ ‫(براڤوس) مدينة من األسرار‪ ،‬مدينة ضبا ٍ‬
‫تعلَّمت الفتاة‪ ،‬وموقعها ظَ َّل خفيًّا ثالثة أضعاف هذه الم َّدة‪ .‬قال لها الرَّجل الطيِّب‪« :‬ال ُمدن التِّسع ال ُحرَّة‬
‫بنات (ڤاليريا) التي كانت‪ ،‬لكن (براڤوس) طفلتها النَّغلة التي فرَّت من البيت‪ .‬نحن شعب هجين‪ ،‬أوالد‬
‫الرَّقيق والعاهرات وال ُّلصوص‪ ،‬وأتى أسالفنا من عشرات البلدان إلى هذا المالذ ليهربوا من سادة التَّنانين‬
‫الذين استعبَدوهم‪ ،‬ومعهم أتى عشرات اآللهة‪ ،‬لكن هناك إلهًا واحدًا يشتركون فيه جميعًا»‪.‬‬
‫‪« -‬هو ذو الوجوه العديدة»‪.‬‬
‫‪« -‬واألسماء العديدة‪ .‬في (ڬوهور) هو الكبش األسود‪ ،‬وفي (يي تي) أسد اللَّيل‪ ،‬وفي (وستروس) الغريب‪.‬‬
‫ضياء أم أُم القمر أم اإلله‬
‫كلُّ البَشر ينحنون له في النِّهاية‪ ،‬سواء أكانوا يَعبُدون اآللهة السَّبعة أم إله ال ِّ‬
‫مكان ما من العالم قوم يحيون إلى األبد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الغريق أم الرَّاعي األعظم‪ .‬كلُّ البَشر ينتمون إليه‪َّ ...‬‬
‫وإال لكان في‬
‫هل تعرفين قو ًما يحيون إلى األبد؟»‪.‬‬
‫فتُجيب الفتاة‪« :‬ال‪ .‬كلُّ البَشر ي ِ‬
‫ُدركهم الموت»‪.‬‬
‫دو ًما تجد كات الرَّجل الطيِّب في انتظارها حينما تعود إلى المعبد فوق الهضبة ليلة اسوداد القمر‪ ،‬ودو ًما‬
‫يسألها‪« :‬ما الذي تعلَّمتِه ولم تكوني تعلمينه ل َّما تركتِنا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أعل ُم ما يضعه بِڬو الضَّرير في الصَّلصة الحارَّة التي يستخدمها مع محاره‪ .‬أعل ُم أن الممثِّلين في‬
‫(القنديل األزرق) سيعرضون (سيِّد المالمح األليمة) وأن الممثِّلين في (السَّفينة) ينوون ال َّر َّد ب(سبعة‬
‫مالحين سكارى)‪ .‬أعل ُم أن بائع ال ُكتب لوثو لورنل ينام في منزل الرُّ بَّان التَّاجر موريدو پرستاين متى‬ ‫َّ‬
‫خر َج الرُّ بَّان التَّاجر النَّبيل إلى رحل ٍة في البحر‪ ،‬ومتى عادَت سفينته (الثَّعلبة) إلى الوطن غاد َر لوثو»‪.‬‬
‫ت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬جيِّد أن تعلمي هذه األشياء‪ .‬و َمن أن ِ‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫عليك أن‬
‫ِ‬ ‫أعرفك جيِّدًا‪ .‬اذهبي ونامي أيتها الصَّغيرة‪ ،‬فغدًا‬
‫ِ‬ ‫ت كات قطَّة القنوات‪ ،‬إنني‬
‫‪« -‬تكذبين‪ .‬أن ِ‬
‫تخدمي»‪.‬‬
‫أيام من ك ِّل ثالثين‪ .‬عندما يسو ُّد القمر ال تكون أحدًا‪،‬‬‫‪« -‬كلُّ البَشر واجبهم الخدمة»‪ .‬وهذا ما تفعله ثالثة ٍ‬
‫مجرَّد خادم ٍة لإلله عديد الوجوه ترتدي األبيض واألسود‪ .‬تمشي إلى جوار الرَّجل الطيِّب في الظَّالم‬
‫العطر حاملةً مصباحها الحديد‪ ،‬وتُ َغسِّل الموتى وتفرز ثيابهم وتُحصي مالهم‪ ،‬وأحيانًا تعود إلى مساعَدة‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫أوما في المطبخ مقطعة الفِطر األبيض الكبير ونازعة أشواك السَّمك‪ ...‬لكن فقط حين يسو ُّد القمر‪ ،‬أ َّما بقيَّة‬
‫الوقت فهي فتاة يتيمة تنتعل حذا ًء مم َّزقًا أكبر من قدميها وترتدي معطفًا بنِّيًّا مهترئ الحاشية‪ ،‬وتصيح‪:‬‬
‫«بلح بحر وحلزون وأُم ال ُخلول!» بينما تدور بعربتها في (ميناء راجمان)‪.‬‬
‫تعلم أن القمر سيكون أسود اللَّيلة‪ ،‬فليلة أمس لم يكن أكثر من شظي ٍة صغيرة في السَّماء‪ ،‬وما إن يراها‬
‫الرَّجل الطيِّب سيسألها‪« :‬ما الذي تعلَّم ِته ولم تكوني تعلمينه ل َّما تركتِنا؟»‪ .‬أعل ُم أن بريا ابنة بروسكو تلتقي‬
‫فتًى على السَّطح عندما ينام أبوها‪ .‬تاليا تقول إن بريا تَت ُركه يتحسَّسها مع أنه مجرَّد جرذ سُطوح‪،‬‬
‫والمفت َرض أن جميع جرذان السُّطوح لصوص‪ .‬على أن هذا شيء واحد‪ ،‬وستحتاج كات إلى شيئين‬
‫آخَريْن‪ ،‬لكنها ليست قلقةً‪ ،‬فعند السُّفن أشياء جديدة تتعلَّمها طيلة الوقت‪.‬‬
‫حين عادوا إلى المنزل ساعدَت كات ابنَي بروسكو على تفريغ القارب من البضائع‪ ،‬وقسَّم بروسكو وابنتاه‬
‫ت من الطَّحالب البحريَّة‪ ،‬ثم قال بروسكو للفتيات كما‬‫ت ورصُّ وها على طبقا ٍ‬ ‫األصداف على ثالث عربا ٍ‬
‫يفعل ك َّل صباح‪ُ « :‬عدن عندما تبعن ك َّل شيء»‪ ،‬وخر َجت ثالثتهن يُنادين على الصَّيد‪ .‬ستذهب بريا‬
‫بعربتها إلى (الميناء األرجواني) لتبيع ما معها للبحَّارة البراڤوسيِّين الذين ترسو سُفنهم هناك‪ ،‬وتاليا إلى‬
‫األزقَّة المحيطة ب(بِركة القمر) أو تدور بين المعابد على (جزيرة اآللهة)‪ ،‬في حين اتَّجهت كات إلى‬
‫أيام من ك ِّل عشرة‪.‬‬
‫(ميناء راجمان) كما تفعل تسعة ٍ‬
‫وحدهم البراڤوسيُّون من (البلدة الغارقة) و(قصر أمير البحر) مسموح لهم باستخدام (الميناء األرجواني)‪،‬‬
‫ضعًا واضطرابًا‬ ‫أ َّما السُّفن اآلتية من ال ُمدن الثَّمان أخوات (براڤوس) فتستخدم (ميناء راجمان) األكثر توا ُ‬
‫واتِّسا ًخا‪ ،‬كما أنه أعلى صخبًا أيضًا‪ ،‬إذ يزدحم البحَّارة والتُّجَّار من عشرات البالد على أرصفته وفي‬
‫مكان تحبُّه كات في (براڤوس)‪ ،‬إذ تحلو لها‬ ‫ٍ‬ ‫أزقَّته مختلطين ب َمن يخدمونهم ويحتالون عليهم‪ .‬إنه أكثر‬
‫الضَّوضاء والرَّوائح الغريبة ورؤية السُّفن التي وصلَت مساء أمس ومعرفة تلك التي أقل َعت‪ .‬يروقها‬
‫المجعجعون بأصواتهم الجهوريَّة وشواربهم المصبوغة‪ ،‬والاليسينيُّون ال ُّشقر‬
‫ِ‬ ‫البحَّارة أيضًا؛ التايروشيُّون‬
‫ُحاولون دو ًما بخس أسعارها‪ ،‬لكنها تُفَضِّل بني (جُزر الصَّيف) ببشرتهم الملساء القاتمة كخشب‬ ‫الذين ي ِ‬
‫السَّاج‪ ،‬الذين يرتدون معاطف من ال ِّريش األحمر واألخضر واألصفر ويركبون سُفنًا بجعيَّةً رائعةً طويلة‬
‫الصَّواري بيضاء القلوع‪.‬‬
‫ومالحين من قراقير (البلدة القديمة)‪ ،‬والقوادس التِّجاريَّة من‬ ‫َّ‬ ‫وأحيانًا تُقابِل وستروسيِّين أيضًا‪ ،‬بحَّارةً‬
‫(وادي الغسق) و(كينجز الندنج) و(بلدة النَّوارس)‪ ،‬وأكواج النَّبيذ كبيرة البطون من (الكرمة)‪ .‬تعرف كات‬
‫ال ُمرادفات البراڤوسيَّة لبلح البحر والحلزون وأُم ال ُخلول‪ ،‬غير أنها تُنادي على بضاعتها في (ميناء‬
‫راجمان) بلُغة التِّجارة‪ ،‬لُغة األرصفة والمراسي وحانات البحَّارة‪ ،‬وهي فوضى خشنة من الكلمات والجُمل‬
‫ت ع َّدة تصحبها إشارات وإيماءات أكثرها مهين‪ ،‬وتلك أكثر ما يروق كات‪.‬‬ ‫من لغا ٍ‬
‫صف بقضيب الحمار أو فرج النَّاقة‪« .‬ربما لم‬ ‫رجل يُضايِقها من شأنه أن يرى التِّينة أو يسمع نفسه يُو َ‬ ‫ٍ‬ ‫أيُّ‬
‫أعرف فرج النَّاقة حين أش ُّمه»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أ َر ناقةً من قبل‪ ،‬لكنني‬
‫ُغضب قول كهذا أحدهم‪ ،‬لكنها تكون جاهزةً بس ِّكينها الرَّفيع الذي تُحافِظ على ح َّدته‬ ‫ك َّل فترةً طويلة ي ِ‬
‫أصيل في (الميناء السَّعيد) بينما‬‫ٍ‬ ‫ال َّشديدة وتعرف كيف تستخدمه أيضًا‪ ،‬كما أراها روجو األحمر ذات‬
‫ق كيس نقو ٍد‬ ‫خرجه عندما تحتاج إليه‪ ،‬وكيف تش ُّ‬ ‫ينتظر فروغ النا‪ .‬علَّمها روجو كيف تُخَ بِّئه في ُك ِّمها وتُ ِ‬
‫صاحبها‪ .‬مفيد أن تتعلَّم هذا ‪-‬كما أ َّكد الرَّجل‬
‫ِ‬ ‫بنعوم ٍة وسُرع ٍة تُسقِطان منه العُمالت كلَّها قبل أن يلحظ‬
‫ليال حين يَخرُج ُمبارزو البراڤو وجرذان السُّطوح‪.‬‬ ‫الطيِّب نفسه‪ -‬ال سيَّما ً‬
‫صنَّاع حبال و ُمصلحو أشرعة‬ ‫ت على األرصفة‪ ،‬وأصدقاؤها عتَّالون وممثِّلون و ُ‬ ‫ك َّونت كات صداقا ٍ‬
‫وأصحاب حانات وخ َّمارون وخبَّازون وشحَّاذون وعاهرات‪ .‬منها يشترون أُم ال ُخلول والحلزون‪ ،‬ولها‬
‫حاول أن تتكلَّم‬
‫يحكون قِصصًا حقيقيَّةً عن (براڤوس) وأكاذيب عن حيواتهم‪ ،‬ويضحكون من نُطقها عندما تُ ِ‬
‫وبدال من ذلك تُريهم التِّينة وتقول لهم إنهم فروج نوق‪ ،‬وهو ما‬ ‫ً‬ ‫البراڤوسيَّة‪ ،‬لكنها ال تدع هذا يُز ِعجها أبدًا‪،‬‬
‫يجعل ضحكهم يُ َد ِّوي أكثر‪ .‬علَّمها جايلورو دوثار أغاني بذيئةً‪ ،‬وأخب َرها أخوه جايلينو بأفضل البقاع لصيد‬
‫ت من (أغنيَّة الروين) و(الفا ِتح‬ ‫ثعابين الماء‪ ،‬وأراها ممثِّلو (السَّفينة) كيف يقف البطل ولقَّنوها خطابا ٍ‬
‫وعرض عليها كويل ‪-‬الرَّجل الصَّغير حزين العينين الذي يُ َؤلِّف‬ ‫َ‬ ‫وزوجتاه) و(سيِّدة التَّاجر ال َّشبقة)‪،‬‬
‫المسرحيَّات الهزليَّة البذيئة ل(السَّفينة)‪ -‬أن يُ َعلِّمها كيف تُقَبِّل النِّساء‪ ،‬لكن تاجانارو لط َمه بسمكة قُد ووض َع‬
‫ُخرجها من أُذنيه‬ ‫نهايةً لهذا‪ ،‬بينما علَّمها كوزومو الحاوي خفَّة اليد‪ .‬يستطيع كوزومو أن يبتلع الفئران وي ِ‬
‫قائال‪« :‬إنه ال ِّسحر»‪ ،‬فتر ُّد كات‪« :‬ال‪ ،‬الفأر كان في ُك ِّمك طوال الوقت‪ .‬لقد رأيته يتحرَّك»‪.‬‬ ‫ً‬
‫«محار وأُم ال ُخلول وحلزون» الكلمات السِّحريَّة‪ ،‬وكك ِّل الكلمات السِّحريَّة الجيِّدة فمن شأنها أن تأخذها إلى‬
‫ُفن من (لِيس) و(البلدة القديمة) و(ميناء إيبن) وباعَت محارها‬ ‫مكان تقريبًا‪ .‬لقد صعدَت إلى متون س ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫أ ِّ‬
‫على سطوحها‪ ،‬وفي بعض األيام تمرُّ بعربتها على بروج األثرياء وتعرض أُم ال ُخلول المخبوزة على‬
‫حاول‬
‫َ‬ ‫ال َحرس الواقفين على األبواب‪ ،‬وفي م َّر ٍة نادَت على بضاعتها على درجات (قصر الحقيقة)‪ ،‬ول َّما‬
‫بائع متج ِّول آخَر أن يَطرُدها قلبَت عربته وبعث َرت محاره على األرض‪.‬‬
‫يشتري منها مأمورو الجمارك في (المرفأ المربَّع)‪ ،‬وكذا مج ِّذفو (البلدة الغارقة) الذين تَبرُز قبابهم‬
‫وأبراجهم المغمورة من مياه الهَور الخضراء‪ ،‬وفي م َّر ٍة عندما أرق َد النَّزيف القمري بريا في فِراشها دف َعت‬
‫لمالحي قارب نُزهة أمير البحر المغطَّى‬ ‫كات عربتها إلى (الميناء األرجواني) لبيع السَّراطين والقريدس َّ‬
‫أيام أخرى تتَّبع نهر المياه العذبة إلى (بِركة القمر)‪،‬‬
‫من أقصاه إلى أقصاه برسوم الوجوه الضَّاحكة‪ ،‬وفي ٍ‬
‫َّ‬
‫حيث تبيع ل ُمبارزي البراڤو المختالين في حريرهم المخطط وح َملة المفاتيح والقُضاة الذين يرتدون‬
‫المعاطف البنِّيَّة والرَّماديَّة الباهتة‪ ،‬لكنها دو ًما تعود إلى (ميناء راجمان)‪.‬‬
‫صاحت الفتاة دافعةً عربتها على األرصفة‪« .‬بلح بحر وقريدس‬ ‫َ‬ ‫«محار وأُم الخلول وحلزون!»‪،‬‬
‫وحلزون!»‪ .‬جا َءت قطَّة بُرتقاليَّة متَّسخة تمشي وراءها وقد اجتذبَها الصِّياح‪ ،‬وبَعد مساف ٍة ظه َرت قطَّة‬
‫ثانية‪ ،‬واحدة رماديَّة حزينة ممرَّغة باألوساخ ذيلها قصير‪ .‬تحبُّ القِطط رائحة كات‪ ،‬وفي بعض األيام تجد‬
‫دستةً منها ماشيةً وراءها قبل مغيب ال َّشمس‪ .‬من حين إلى آخَر تُلقي لها كات محارةً وتُشا ِهد لترى َمن‬
‫يظفر بها‪ ،‬وقد الحظَت أن أكبر ال ِقططة حج ًما نادرًا ما يربح‪ ،‬وغالبًا تذهب الغنيمة إلى ال ِقطط األصغر‬
‫ط آ َخر‬‫طها المفضَّل عجوز له أُذن مقضومة يُ َذ ِّكرها بقِ ٍّ‬ ‫األسرع بنحولها وشراستها وجوعها‪ِ .‬مثلي‪ .‬قِ ُّ‬
‫يوم في (القلعة الحمراء)‪ .‬ال‪ ،‬كانت تلك فتاةً ما أخرى ليست أنا‪.‬‬ ‫مطاردته ذات ٍ‬
‫َ‬ ‫اعتادَت‬
‫رأت كات أن سفينتين من التي كانت هناك البارحة رحلَتا‪ ،‬لكن خمسًا جديدات جئن‪ ،‬هي قرقور صغير‬
‫اسمه (القرد النُّحاسي)‪ ،‬وسفينة صيد حيتان إيبنيزيَّة تفوح منها روائح القطران وال َّدم وزيت الحيتان‪،‬‬
‫وكوجان باليان من (پنتوس)‪ ،‬وقادس أخضر رشيق من (ڤوالنتيس القديمة)‪ .‬توقَّفت كات عند قدم ك ِّل لوح‬
‫عبور تُنادي على أُم ال ُخلول والمحار‪ ،‬م َّرةً بلُغة التِّجارة وم َّرةً بعاميَّة (وستروس)‪ .‬سبَّها أحد أفراد الطَّاقم‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫مدو أخافَ قِططها‪ ،‬وسألها أحد المالحين الپنتوشيِّين كم تريد مقابل‬ ‫ت ٍّ‬ ‫على سفينة صيد الحيتان بصو ٍ‬
‫ً‬
‫المحارة التي بين ساقيها‪ ،‬لكنها وجدَت حظّا أفضل عند السُّفن األخرى‪ ،‬والته َم مساعد ُربَّان على متن‬
‫قتل القراصنة الاليسينيُّون الرُّ بَّان عندما حا َولوا‬
‫القادس األخضر نِصف دست ٍة من المحار وحكى لها كيف َ‬
‫االستيالء على سفينتهم قُرب (األعتاب)‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬كان ذلك الوغد سان ومعه (ابن األُم العجوز)‬
‫وسفينته الكبيرة (ڤاليريان)‪ .‬لقد فررنا منهم‪ ،‬ولكن بالكاد»‪.‬‬
‫اتَّضح أن القرقور الصَّغير (القرد النُّحاسي) من (بلدة النَّوارس)‪ ،‬وقد سع َد طاقمه الوستروسي للكالم مع‬
‫أح ٍد باللُّغة العاميَّة‪ .‬سألَها أحدهم ع َّما أفضى بفتا ٍة من (كينجز الندنج) إلى بيع بلح البحر على أرصفة‬
‫المواني في (براڤوس)‪ ،‬فقصَّت عليهم حكايتها‪ ،‬وقال لها واحد آخَ ر‪« :‬سنبقى هنا أربعة أيام وأربع ٍ‬
‫ليال‬
‫طويلة‪ .‬أين يجد المرء القليل من التَّسلية؟»‪.‬‬
‫مالحين سكارى)‪ ،‬وهناك عراك ثعابين الماء في‬ ‫أخب َرتهم كات‪« :‬الممثِّلون في (السَّفينة) سيُقَدِّمون (سبعة َّ‬
‫الذهاب عند (بِركة القمر) حيث يتنا َزل‬ ‫(القبو المرقَّط) عند ب َّوابة (البلدة الغارقة)‪ ،‬أو إذا أردتم فيُمكنكم َّ‬
‫ُمبارزو البراڤو ً‬
‫ليال»‪.‬‬
‫قال بحَّار آ َخر‪« :‬نعم‪ ،‬ال بأس بهذا‪ ،‬لكن ما يُريده وات حقًّا هو امرأة»‪.‬‬
‫‪« -‬أفضل العاهرات في (الميناء السَّعيد)‪ ،‬حيث ترسو (السَّفينة)»‪ ،‬وأشا َرت في اتِّجاه المكان‪ .‬بعض‬
‫عاهرات أرصفة المواني متوحِّشات‪ ،‬وأحيانًا ال يدري البحَّارة اآلتون لت ِّوهم من البحر من منهن كذلك‪.‬‬
‫سڤرون أسوأهن‪ ،‬ويقول الجميع إنها سرقَت وقتلَت دستةً من ال ِّرجال ودحر َجت جُثثهم إلى القنوات لتُط ِعم‬
‫ثعابين الماء‪ ،‬واالبنة ال ِّس ِّكيرة ليِّنة العريكة عندما تكون مفيقةً فقط وليس حين تشرب‪ ،‬وچاين القُرحة في‬
‫الحقيقة رجل‪« .‬اسألوا عن ِمري‪ .‬اسمها الحقيقة ميرالين‪ ،‬لكن الك َّل يدعوها ب ِمري‪ ،‬وهي مرحة حقًّا»‪.‬‬
‫تشتري ِمري دستةً من المحار كلَّما ذهبَت كات إلى الماخور وتتقا َسمه مع فتياتها‪ ،‬ويتَّفق الجميع على طيبة‬
‫قلبها‪« ،‬ثم إن لي أكبر ثديين في (براڤوس) كلِّها»‪ ،‬كما يحلو ل ِمري نفسها أن تتباهى‪.‬‬
‫فتياتها أيضًا لطيفات؛ بِثاني الخجول وزوجة البحَّار‪ ،‬ويانا ذات العين الواحدة التي ترى مستقبَلك في قطر ٍة‬
‫من ال َّدم‪ ،‬والنا الصَّغيرة الحسناء‪ ،‬وحتى آسادورا اإليبنيزيَّة ذات ال َّشارب‪ .‬ربما ال يكن جميالت حقًّا‪،‬‬
‫لكنهن يترفَّقن بها‪ .‬أ َّكدت كات لرجال (القرد النُّحاسي) قائلةً‪« :‬كلُّ العتَّالين يذهبون إلى (الميناء السَّعيد)‪.‬‬
‫ُبحرون بها»‪.‬‬
‫ُفرغن أحمال من ي ِ‬ ‫ُفرغون أحمال السُّفن وفتياتي ي ِ‬
‫ِمري تقول‪ :‬الفتيان ي ِ‬
‫‪« -‬وماذا عن العاهرات الممتازات الالتي يُ َغنُّون عنهن؟»‪ ،‬سألَها أصغر القِردة‪ ،‬صب ٌّي أحمر ال َّشعر من َّمش‬
‫الوجه ال يُمكن أن تزيد ِسنُّه على السَّادسة عشرة‪« .‬أهن جميالت كما يقولون؟ أين أج ُد واحدةً منهن؟»‪.‬‬
‫نظ َر إليه رفاقه البحَّارة وضحكوا‪ ،‬وقال أحدهم‪« :‬بح ِّ‬
‫ق الجحائم السَّبع يا فتى‪ ،‬ربما يستطيع الرُّ بَّان أن‬
‫يَحصُل لنفسه على محظيَّة‪ ،‬لكن فقط إذا با َع السَّفينة اللَّعينة‪ .‬هذا النَّوع من الفروج للوردات وأمثالهم وليس‬
‫لنا»‪.‬‬
‫محظيَّات (براڤوس) شهيرات في جميع أنحاء العالم‪ ،‬يُ َغنِّي عنهن المطربون‪ ،‬ويُغ ِدق عليهن الصَّاغة‬
‫الحرفيُّون َشرف أن يكن زبائنهم‪ ،‬ويدفع األمراء ال ُّتجَّار أسعارًا فلكيَّةً‬ ‫صنَّاع الجواهر بالهدايا‪ ،‬ويتوسَّل ِ‬ ‫و ُ‬
‫كي يتأبَّطن أذرعهم في الحفالت والمآدب وعروض الممثِّلين‪ ،‬ويَقتُل بعض ُمبارزي البراڤو بع ً‬
‫ضا‬
‫ب أو في طريقها إلى‬ ‫باسمهن‪ .‬أحيانًا بينما تدفع عربتها بطول القنوات تلمح كات إحداهن ما َّرةً في قار ٍ‬
‫ُبحرون بها إلى مواعيدها‪ .‬ال َّشاعرة في‬ ‫ق ما‪ .‬لكلِّ محظيَّ ٍة صندلها الخاص وخدمها الذين ي ِ‬ ‫أمسيَّ ٍة مع عشي ٍ‬
‫وظلُّ القمر ال ترتدي َّإال األبيض والفضِّي‪ ،‬وملكة البحار ال تُرى أبدًا من دون وصيفاتها‬ ‫يدها كتاب دو ًما‪ِ ،‬‬
‫صفِّفن َشعرها‪ .‬كلُّ محظيَّ ٍة أروع‬ ‫عرائس البحر‪ ،‬أربع عذراوات في ريعان اإلزهار يحملن ذيل فُستانها ويُ َ‬
‫ماال من األخرى‪ ،‬وحتى الليدي الملثَّمة جميلة‪ ،‬وإن كان من تتَّخذهم ُع َّشاقًا فقط يرون وجهها‪.‬‬ ‫َج ً‬
‫بعت ثالثة حلزونات لمحظيَّة‪ .‬نادَتني وهي تنزل من صندلها»‪ .‬كان بروسكو قد ش َّدد‬ ‫قالت كات للبحَّارة‪ُ « :‬‬
‫أوال‪ ،‬لكن المرأة ابتس َمت لها ونقدَتها أجرها‬ ‫ي محظيَّ ٍة ما لم تُبا ِدرها المحظيَّة بالكالم ً‬ ‫عليها َّأال تُ ِ‬
‫خاطب أ َّ‬
‫ضةً تفوق قيمة الحلزونات بعشرة أضعاف‪.‬‬ ‫ف َّ‬
‫‪َ « -‬من هي؟ ملكة الحلزونات؟»‪.‬‬
‫أجابَتهم‪« :‬اللُّؤلؤة السَّوداء»‪ .‬ت َّدعي ِمري أن اللُّؤلؤة السَّوداء أشهر المحظيَّات جميعًا‪ ،‬وقالت المرأة لكات‪:‬‬
‫وأنجب‬
‫َ‬ ‫«إنها سليلة التَّنانين‪ .‬اللُّؤلؤة السَّوداء األولى كانت ملكةً قُرصانةً اتَّخذها أمير وستروسي عشيقةً‬
‫كبرت لتُصبِح محظيَّةً‪ ،‬ثم تب َعتها ابنتها وابنة ابنتها‪ ،‬وهكذا دواليك حتى اللُّؤلؤة السَّوداء الحاليَّة‪.‬‬
‫منها ابنةً َ‬
‫لك يا كات؟»‪.‬‬
‫ماذا قالت ِ‬
‫معك صلصة حارَّة أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ر َّدت الفتاة‪« :‬قالت‪ :‬سآخ ُذ ثالثة حلزونات‪ ،‬وسألَتني‪ :‬هل‬
‫ت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬وماذا قل ِ‬
‫المفترض أن تكون معي صلصة حارَّة‪ .‬بِڬو‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬ال يا سيِّدتي‪ ،‬وال تُناديني بالصَّغيرة‪ ،‬إن اسمي كات‪.‬‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫معه‪ ،‬ويبيع ثالثة أضعاف ما يبيعه بروسكو من المحار»‪.‬‬
‫ح َكت كات عن اللُّؤلؤة السَّوداء للرَّجل الطيِّب أيضًا‪ ،‬وقالت له‪« :‬اسمها الحقيقي بيليجير أوثيريس»‪ .‬كان‬
‫هذا واحدًا من األشياء الثَّالثة التي تعلَّمتها‪.‬‬
‫قال الكاهن برفق‪« :‬صحيح‪ .‬أ ُّمها كانت بيلونارا‪ ،‬لكن ال ُّلؤلؤة السَّوداء األولى كان اسمها بيليجير أيضًا»‪.‬‬
‫ً‬
‫وبدال من ذلك سألَتهم عن أخبار‬ ‫على أن كات تعرف أن رجال (القرد ال ُّنحاسي) لن يأبهوا السم أُ ِّم محظيَّة‪،‬‬
‫(الممالك السَّبع) والحرب‪.‬‬
‫أجاب أحدهم ضاح ًكا‪« :‬الحرب؟ أيُّ حرب؟ ليست هناك حرب»‪.‬‬ ‫َ‬
‫وقال آخَر‪« :‬ليس في (بلدة النَّوارس) وليس في (الوادي)‪ .‬اللورد الصَّغير أبقانا بمنأى عنها ِمثلما فعلَت‬
‫أ ُّمه»‪.‬‬
‫ِمثلما فعلَت أ ُّمه‪ .‬سيِّدة (الوادي) أخت أ ِّمها‪« .‬الليدي اليسا‪ .‬هل‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬ماتَت؟»‪ ،‬أنهى الفتى ذو النَّمش الممتلئ رأسه بالمحظيَّات سؤالها‪« .‬نعم‪ ،‬قتلَها مغنِّيها»‪.‬‬
‫ط‪ .‬رف َعت كات عربتها ودف َعتها بعيدًا عن‬ ‫‪« -‬أوه»‪ .‬ال يعني األمر لي شيئًا‪ .‬قطَّة القنوات لم تكن لها خالة قَ ُّ‬
‫(القرد النُّحاسي) لتهت َّز على حجارة الرَّصف‪ ،‬ونادَت‪« :‬محار وأُم ال ُخلول وحلزون! محار وأُم ال ُخلول‬
‫ُفرغون حمولة كوج النَّبيذ الكبير اآلتي من‬ ‫ُ‬
‫وحلزون!»‪ .‬باعَت أكثر ما معها من أم ال ُخلول للعتَّالين الذين ي ِ‬
‫(الكرمة)‪ ،‬والبقيَّة لل ِّرجال الذين يُصلِحون قادسًا تجاريًّا من (مير) د َّكته العواصف‪.‬‬
‫ظهره إلى دعام ٍة إلى جوار كاسو ملك‬ ‫على مساف ٍة أبعد على الرَّصيف وجدَت تاجانارو جالسًا مسندًا َ‬
‫تهز زعنفته‪ .‬استحثَّها تاجانارو ً‬
‫قائال‬ ‫الفقمات‪ ،‬وابتا َع منها ال َّرجل بعض بلح البحر‪ ،‬ونب َح كاسو وتر َكها ُّ‬
‫شريك جديد منذ‬‫ٍ‬ ‫وهو يمتصُّ بلح البحر من الصَّدف‪« :‬تعالي واعملي معي يا كات»‪ .‬إنه يبحث عن‬
‫سأنقدك أجرًا أكثر من بروسكو ولن تكون رائحتك‬ ‫ِ‬ ‫غر َست االبنة ال ِّس ِّكيرة س ِّكينها في يد ناربو الصَّغير‪« .‬‬
‫كالسَّمك»‪.‬‬
‫ر َّدت‪« :‬كاسو يحبُّ رائحتي»‪ ،‬ونب َح ملك الفقمات كأنه موافق‪« .‬ألم تتحسَّن يد ناربو؟»‪.‬‬
‫ال ال يستطيع استخدام أصابعه؟‬ ‫قال تاجانارو متذ ِّمرًا بين بلحتين‪« :‬ثالثة من أصابعه ال تنثني‪ .‬ما فائدة ن َّش ٍ‬
‫ناربو كان بارعًا في النَّشل وليس كذلك في اختيار العاهرات»‪.‬‬
‫صا‪« .‬ماذا‬ ‫‪ِ « -‬مري تقول ال ِمثل»‪ .‬شع َرت كات بالحُزن‪ .‬لقد أحبَّت ناربو الصَّغير على الرغم من كونه ل ًّ‬
‫سيفعل؟»‪.‬‬
‫مالحين‬ ‫يظن أن إصبعين كافيان لهذا‪ ،‬وأمير البحر يبحث دائ ًما عن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪« -‬يقول إنه سيعمل على مجذاف‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬ال يا ناربو‪ ،‬هذا البحر أبرد من عذراء وأقسى من عاهرة‪ .‬أفضل لك أن تقطع يدك وتتس َّول‪.‬‬ ‫جُدد‪ُ .‬‬
‫كاسو يعرف أنني مح ٌّ‬
‫ق‪ ،‬أليس كذلك يا كاسو؟»‪.‬‬
‫نب َح كلب البحر وابتس َمت كات‪ ،‬وألقَت له حلزونًا آخَر قبل أن تذهب في حال سبيلها‪.‬‬
‫جلس عدد من‬‫َ‬ ‫آخره عندما بلغَت كات (الميناء السَّعيد) قُبالة مرسى (السَّفينة)‪ ،‬وقد‬ ‫كان النَّهار قُرب ِ‬
‫الممثِّلين أعلى السَّفينة الضَّخمة المائلة يُ َمرِّرون قِربة نبي ٍذ من ي ٍد إلى يد‪ ،‬لكن حين رأوا عربة كات نزلوا‬
‫مالحين سكارى)‪ ،‬فهَ َّز چوس المكتئب رأسه‬ ‫ليشتروا بعض المحار‪ .‬سألَتهم عن أخبار عرض (سبعة َّ‬
‫مجيبًا‪« :‬كوينس ضبطَ آالڬو في الفِراش مع سلوي أخيرًا‪ ،‬وتبار َز االثنان بسيفَي ممثِّلين ثم تركانا‪ .‬يبدو‬
‫مالحين سكارى فقط اللَّيلة»‪.‬‬‫أننا سنكون خمسة َّ‬
‫المالحيْن بالسُّكر‪ .‬أنا عن نفسي قادر على هذا»‪.‬‬ ‫أعلنَ ميرملو‪« :‬سنَب ُذل قصارى جهدنا لنُ َع ِّوض غياب َّ‬
‫أخب َرتهم كات‪« :‬ناربو الصَّغير يُريد أن يكون َّ‬
‫مالحًا‪ .‬إذا حصلتهم عليه تُصبِحون ستَّةً»‪.‬‬
‫قال لها چوس‪« :‬األفضل أن تذهبي إلى ِمري‪ .‬تعلمين كيف تكون عندما ال تأكل المحار»‪.‬‬
‫ضتين تُصغي إلى داريون الذي يعزف على‬ ‫لكن حين دخلَت كات الماخور وجدَت ِمري جالسةً بعينين مغم َ‬
‫الذهبي الطَّويل الجميل‪ .‬أغنيَّة حُبٍّ سخيفة‬‫ضفِّر َشعر النا َّ‬
‫قيثارته الخشبيَّة‪ .‬كانت يانا موجودةً أيضًا‪ ،‬تُ َ‬
‫أخرى‪ .‬دائ ًما تتوسَّل النا إلى المطرب أن يُ َغنِّي لها أغاني الحُبِّ السَّخيفة‪ .‬إنها أصغر العاهرات ِسنًّا‪ ،‬في‬
‫الرَّابعة عشرة فقط‪ ،‬وتعلم كات أن ِمري تَطلُب مقابلها ثالثة أضعاف ما تَطلُبه ثَمنًا للفتيات األخريات‪.‬‬
‫مختاال‪ ،‬يرمي النا بنظرات ال َّشهوة بينما تتراقَص أصابعه على‬ ‫ً‬ ‫أغضبَتها رؤية داريون الجالس هناك‬
‫أوتار القيثارة‪ .‬تُ َس ِّميه العاهرات المغنِّي األسود‪ ،‬مع أن السَّواد يكاد يغيب عنه تما ًما اآلن‪ ،‬فبالمال الذي‬
‫يجنيه من غنائه ح َّول ال ُغراب نفسه إلى طاووس‪ .‬اليوم يرتدي معطفًا مترفًا من المخمل المبطَّن بالفرو‬
‫وسُترةً مخطَّطةً باألبيض واألرجواني الفاتح وسراويل ُمبارزي البراڤو المبرقشة‪ ،‬لكنه يملك معطفًا‬
‫الذهب‪ .‬األسود الوحيد في ثيابه حذاؤه‪،‬‬ ‫ضا‪ ،‬وواحدًا من المخمل الخمري المبطَّن بقُماش َّ‬ ‫حريريًّا أي ً‬
‫ضقت ذرعًا بالظَّالم»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وسم َعته كات يقول لالنا إنه ألقى البقيَّة كلَّها في قناة‪ ،‬وأعلنَ ‪« :‬لقد‬
‫ُرج سخيف ألن أميرها السَّخيف ماتَ ف َّكرت‬ ‫بينما يُ َغنِّي داريون عن ليدي سخيفة ألقَت نفسها من فوق ب ٍ‬
‫المفترض أن تذهب الليدي وتَقتُل من قتَلوا أميرها وأن يكون المغنِّي على‬ ‫َ‬ ‫الفتاة‪ :‬إنه رجل في َحرس اللَّيل‪.‬‬
‫الجدار)‪ .‬مع بداية تر ُّدد داريون إلى (الميناء السَّعيد) كادَت آريا تسأله أن يأخذها معه وهو عائد إلى‬ ‫( ِ‬
‫(القلعة ال َّشرقيَّة)‪ ،‬ثم إنها سم َعته يُخبِر بِثاني بأنه لن يعود أبدًا‪ ،‬ويقول‪« :‬أسرَّة صُلبة و َسمك قُد مملَّح‬
‫مالك‪ .‬كيف‬ ‫الجدار)‪ .‬ثم إن (القلعة ال َّشرقيَّة) ليست فيها واحدة بنِصف َج ِ‬ ‫وحراسة بال نهاية‪ ،‬هذا هو ( ِ‬
‫أتركك؟»‪ .‬سم َعته كات يقول الكالم نفسه لالنا‪ ،‬ولواحد ٍة من عاهرات (ال َمقططة)‪ ،‬بل وللعندليب‬ ‫ِ‬ ‫يُمكنني أن‬
‫ليلة غنَّى في (دار القناديل السَّبعة)‪.‬‬
‫ضحك عاهرات ِمري‪ ،‬وتقول يانا إن الصَّبي السَّمين‬ ‫كنت هنا يوم ضربَه السَّمين‪ .‬ما زالَت الحادثة تُ ِ‬ ‫ليتني ُ‬
‫احم َّر كالبنجر كلَّما لم َسته‪ ،‬لكن حين بدأ يُثير المتاعب جعلَتهم ِمري يجرُّ ونه إلى الخارج ويُلقونه في القناة‪.‬‬
‫كانت كات تُفَ ِّكر في الصَّبي السَّمين وتتذ َّكر إنقاذها إياه من تيرو وأوربيلو عندما وجدَت زوجة البحَّار إلى‬
‫َمغم بنعوم ٍة بعاميَّة (وستروس)‪« :‬يُ َغنِّي أغاني جميلةً‪ .‬ال بُ َّد أن اآللهة تحبُّه ما دا َمت أنع َمت‬ ‫جوارها تُغ ِ‬
‫عليه بهذا الصَّوت وهذا الوجه الوسيم»‪.‬‬
‫ف َّكرت آريا‪ :‬إنه وسيم الوجه وقبيح القلب‪ ،‬لكنها لم تقلها‪ .‬في م َّر ٍة تز َّوج داريون زوجة البحَّار التي ال‬
‫ت في اللَّيلة‪ ،‬وغالبًا ما يُ َؤدِّي‬
‫ضاجع َّإال من يتز َّوجونها‪ .‬أحيانًا يشهد (الميناء السَّعيد) ثالثة أو أربعة زفافا ٍ‬ ‫تُ ِ‬
‫الطقوس‪ ،‬وإن لم يكن هو فإيوستس الذي كان في الماضي ِسپتون‬ ‫الرَّاهب األحمر البشوش ال ِّس ِّكير إزيلينو ُّ‬
‫في ( ِسپت ما وراء البحر)‪ ،‬وفي حال غياب الرَّاهب والسِّپتون تهرع إحدى العاهرات إلى (السَّفينة) لتأتي‬
‫بأحد الممثِّلين‪ .‬دائ ًما تَز ُعم ِمري أن الممثِّلين رُهبان أفضل من الرُّ هبان‪ ،‬خصوصًا ميرملو‪.‬‬
‫ال ِّزفافات صاخبة مرحة وتتدفَّق فيها أنهار النَّبيذ‪ ،‬وكلَّما تمرُّ كات في أثناء أحدها بعربتها تصرُّ زوجة‬
‫البحَّار على أن يبتاع زوجها الجديد بعض المحار لتقويته من أجل إتمام ال ِّزيجة‪ .‬إنها فتاة طيِّبة ضحوك‪،‬‬
‫وإن خط َر لكات أن فيها شيئًا من الحُزن أيضًا‪.‬‬
‫تقول العاهرات األخريات إن زوجة البحَّار تزور (جزيرة اآللهة) في أيام إيناع زهرتها وتعرف ك َّل اآللهة‬
‫المقيمة هناك‪ ،‬بما فيها تلك التي نسيَتها (براڤوس)‪ .‬يقلن إنها تذهب للصَّالة من أجل زوجها األول‪ ،‬زوجها‬
‫الحقيقي الذي ضا َع في البحر حين كانت فتاةً في ِسنِّ النا‪ ،‬وقالت يانا العوراء التي تعرفها منذ فتر ٍة أطول‬
‫ُرسل الرِّيح لتدفع إليها بحبيبها القديم‪ ،‬لكنني أصلِّي‬ ‫من األخريات‪ُّ « :‬‬
‫تظن أنها إذا وجدَت اإلله السَّليم فسي ِ‬
‫قت هذا في دمها‪.‬‬‫َّأال يَح ُدث هذا أبدًا‪ .‬لقد ماتَ حبيبها وتذ َّو ُ‬
‫إذا عا َد إليها فسيعود جثَّةً»‪.‬‬
‫كانت أغنيَّة داريون في نهايتها أخيرًا‪ ،‬وإذ تال َشت النَّغمات األخيرة في الهواء تنهَّدت النا ووض َع المغنِّي‬
‫وجذب الفتاة إلى ِحجره‪ ،‬وما إن بدأ يُدَغ ِدغها حتى رف َعت كات صوتها قائلةً‪« :‬معي محار إذا‬‫َ‬ ‫قيثارته جانبًا‬
‫أحضري‬‫ِ‬ ‫فانفتحت عينا ِمري من فورها‪ ،‬وقالت‪« :‬عظيم‪ .‬هاتيه أيتها الصَّغيرة‪ .‬يانا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كان أحد يُريد»‪،‬‬
‫ال ُخبز والخل»‪.‬‬
‫صرَّة ممتلئة بالنُّقود وعربة خالية َّإال من الملح والطَّحالب‬
‫حين خر َجت كات من (الميناء السَّعيد) ومعها ُ‬
‫خرج معها داريون أيضًا‪ ،‬إذ‬ ‫َ‬ ‫ف من الصَّواري‪.‬‬ ‫كانت ال َّشمس الحمراء المنتفخة عالقةً في السَّماء وراء َ‬
‫ص ٍّ‬
‫كان قد وع َد بالغناء في الخان المس َّمى (ثُعبان الماء األخضر) هذا المساء‪ ،‬كما قال لها وهما يمشيان جنبًا‬
‫يت هناك أعو ُد بالفضَّة‪ ،‬وفي بعض اللَّيالي يحضر ربابنة و ُم َّالك»‪.‬‬ ‫إلى جنب‪ ،‬وأضافَ متباهيًا‪« :‬كلَّما غنَّ ُ‬
‫شارع خلفي ملت ٍو وقد بدأت الظِّالل تستطيل‪ ،‬وواص َل داريون‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عبرا الجسر الصَّغير وشقَّا طريقهما في‬
‫«قريبًا سأغنِّي في (الميناء األرجواني)‪ ،‬وبَعده في (قصر أمير البحر)»‪ .‬كانت عربة كات تُقَعقِع على‬
‫ُ‬
‫أكلت ال ِّرنجة مع العاهرات‪ ،‬لكن‬ ‫حجارة الرَّصف مصدرةً موسيقاها الخاصَّة‪ ،‬والمغنِّي يُتابَع‪« :‬البارحة‬
‫عام سآك ُل السَّراطين اإلمبراطوريَّة مع المحظيَّات»‪.‬‬ ‫خالل ٍ‬
‫حدث ألخيك؟ ذلك السَّمين‪ ،‬هل وج َد سفينةً ذاهبةً إلى (البلدة القديمة)؟ قال إنه كان من‬ ‫َ‬ ‫قالت كات‪« :‬ماذا‬
‫ُبحر على متن (الليدي أوشانورا)»‪.‬‬ ‫المفت َرض أن ي ِ‬
‫ُصغ»‪ ،‬والتم َع‬
‫قلت لسام أن يَترُك العجوز‪ ،‬لكن األحمق البدين لم ي ِ‬ ‫‪« -‬كلُّنا كذلك‪ .‬إنه أمر اللورد سنو‪ُ .‬‬
‫ضوء ال َّشمس الغاربة األخير في َشعر داريون إذ أضافَ ‪« :‬فاتَ أوان ذلك»‪.‬‬
‫قالت كات إذ خط َوا إلى عتمة ُزقا ٍ‬
‫ق صغير ملت ٍو‪« :‬بالضَّبط»‪.‬‬
‫لدى عودتها إلى منزل بروسكو كان ضباب المساء يحتشد فوق القناة الصَّغيرة‪ .‬ركنَت عربتها ووجدَت‬
‫صرَّة النُّقود على الطَّاولة أمامه‪ ،‬ثم إنها وض َعت الحذاء أيضًا‪.‬‬
‫بروسكو في حُجرته‪ ،‬وبق َّو ٍة وض َعت ُ‬
‫ربَّت بروسكو على الصُّ رَّة‪ ،‬ثم قال‪« :‬عظيم‪ ،‬لكن ما هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬حذاء»‪.‬‬
‫قال بروسكو‪« :‬العثور على األحذية الجيِّدة صعب‪ ،‬لكن هذا صغير للغاية على قد َمي»‪ ،‬ورف َع فردةً و َز َّر‬
‫عينيه يتفحَّصها‪.‬‬
‫‪« -‬القمر سيكون أسود اللَّيلة»‪.‬‬
‫صبَّ العُمالت ليُحصيها مضيفًا‪:‬‬ ‫َر َّد بروسكو‪« :‬خي ٌر ِ‬
‫لك أن تذهبي للصَّالة إذن»‪ ،‬وأزا َح الحذاء جانبًا و َ‬
‫دوهايرس»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫«ڤاالر‬
‫ڤاالر مورجولِس‪.‬‬
‫ارتف َع الضَّباب من كلِّ جه ٍة حولها بينما تقطع شوارع (براڤوس)‪ ،‬ولدى دخولها من مصراع باب (دار‬
‫األبيض واألسود) المنحوت من خشب الويروود كانت ترتجف بعض ال َّشيء‪ .‬شموع قليلة مشتعلة هذا‬
‫المساء‪ ،‬يتذب َذب لهبها كال ُّشهب‪ ،‬وفي الظَّالم كلُّ اآللهة ُغرباء‪.‬‬
‫في األقبية حلَّت معطف كات المهترئ وخل َعت سُترة كات البنِّيَّة ذفرة الرَّائحة وركلَت حذاء كات المبقَّع‬
‫بالملح وتجرَّدت من ثياب كات ال َّداخليَّة‪ ،‬ثم استح َّمت بالماء واللَّيمون لتغسل عن جسدها رائحة قطَّة‬
‫ق َشعرها بوجنتيها لم‬ ‫خرجت وقد نظَّفت نفسها بالصَّابون وفر َكت ِجلدها حتى تورَّد والتص َ‬ ‫َ‬ ‫القنوات‪ ،‬وحين‬
‫تَعُد كات موجودةً‪ .‬ارتدَت ثوبًا نظيفًا وانتعلَت ُخفَّين ناعمين من القُماش‪ ،‬ثم ذهبَت إلى المطبخ لتَطلُب‬
‫القليل من الطَّعام من أوما‪ .‬كان الكهنة وال ُمعاونون قد أكلوا بالفعل‪ ،‬لكن الطَّاهية أبقَت لها قطعةً من َسمك‬
‫بنهم وغسلَت الطَّبق‪ ،‬ثم ذهبَت‬
‫القُد المح َّمر اللَّذيذ والقليل من اللِّفت األصفر المهروس‪ .‬الته َمت طعامها ٍ‬
‫عاون اللَّقيطة على إعداد عقاقيرها‪.‬‬
‫تُ ِ‬
‫أغلب دورها إحضار ما تَطلُبه اللَّقيطة‪ ،‬فتصعد سُلَّ ًما لتجد األعشاب وأوراق األشجار‪ .‬قالت لها اللَّقيطة‬
‫وهي تطحن القليل منها في الهاون‪« :‬حُلو الكرى ألطف السُّموم‪ .‬بضع حبَّات تجعل نبضات القلب السَّريعة‬
‫طأ وتُوقِف اليد عن االرتجاف وتجعل المرء يَشعُر بالهدوء والق َّوة‪ .‬ر َّشة واحدة تمنح المرء ليلةً من‬ ‫تتبا َ‬
‫النَّوم العميق بال أحالم‪ ،‬وثالث ر َّشات تجلب النَّوم الذي ال ينتهي أبدًا‪ .‬الطَّعم حُلو للغاية‪ ،‬ولذا فمن األفضل‬
‫َّ‬
‫المحالة بالعسل‪.‬‬ ‫استخدامه في الكعك والفطائر والخمور‬
‫ُمكنك أن تش ِّمي رائحته الحُلوة»‪ ،‬وتر َكتها تتش َّمم ثم أرسلَتها تصعد السُّلَّم لتجد قارورةً ُزجاجيَّةً‬ ‫ِ‬ ‫هاك‪ ،‬ي‬
‫ِ‬
‫طعم أو رائحة‪ ،‬ومن ثَ َّم إخفاؤه أسهل‪ .‬يُ َس ُّمونه دموع لِيس‪ ،‬ويُ َذ َّوب في‬ ‫ٍ‬ ‫حمراء‪« .‬هذا ُس ٌّم أقسى‪ ،‬لكنه بال‬
‫النَّبيذ أو الماء ليجعل أمعاء المرء ومعدته تتآ َكل ويَقتُله كأنه مرض في هذه األعضاء‪ .‬تش َّمميه»‪ ،‬فتن َّشقت‬
‫آريا ولم تش َّم شيئًا‪ .‬ثم إن اللَّقيطة وض َعت ال ُّدموع جانبًا وفت َحت ج َّرةً حجريَّةً منتفخةً قائلةً‪« :‬هذا المعجون‬
‫جنون عنيف في‬ ‫ٍ‬ ‫متبَّل بدماء البازيليسق‪ ،‬يُعطي اللَّحم المطبوخ رائحةً مشهِّيةً‪ ،‬لكن إذا أُ ِك َل أفضى إلى‬
‫ق دماء البازيليسق»‪.‬‬ ‫ُهاجم األسد إذا ذا َ‬
‫اإلنسان والحيوان‪ .‬ستجدين الفأر ي ِ‬
‫مضغَت آريا شفتها متسائلةً‪« :‬هل يَصلُح مع الكالب؟»‪.‬‬
‫أجابَت اللَّقيطة‪« :‬مع ك ِّل حيوان حار الدِّماء»‪ ،‬وصف َعتها‪.‬‬
‫ت هذا؟»‪.‬‬‫رف َعت يدها إلى وجهها شاعرةً بال َّدهشة أكثر من األلم‪ ،‬وقالت‪« :‬لماذا فعل ِ‬
‫‪« -‬آريا سليلة عائلة ستارك هي َمن تَمضُغ شفتها متى ف َّكرت‪ .‬هل أن ِ‬
‫ت آريا سليلة عائلة ستارك؟»‪.‬‬
‫ر َّدت غاضبةً‪« :‬أنا ال أحد‪َ .‬من أن ِ‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫وكنت وريثة أبي النَّبيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫دت طفلةً وحيدةً في عائل ٍة عريقة‬ ‫لم تتوقَّع أن تُجيبها اللَّقيطة‪ ،‬لكنها فعلَت‪ُ « .‬ولِ ُ‬
‫كنت في السَّادسة تز َّوج أبي ثانيةً‪ ،‬وعاملَتني زوجته الجديدة‬ ‫ُ‬ ‫صغري وال أذكرها‪ ،‬وحين‬ ‫ماتَت أ ِّمي في ِ‬
‫بطيب ٍة إلى أن أنجبَت ابنةً من لحمها ودمها‪ ،‬وعندها أرادَتني أن أموت كي ترث ابنتها ثروة أبي‪ .‬كانت‬
‫وبدال من ذلك‬‫ً‬ ‫لتسعى إلى عطيَّة اإلله عديد الوجوه‪ ،‬ولكنها لم تتح َّمل التَّضحية التي كان ليَطلُبها منها‪،‬‬
‫خطر لها أن تُ َس ِّممني بنفسها‪ .‬تر َكني ال ُّس ُّم كما ترينني اآلن لكنني لم أ ُمت‪ ،‬ول َّما أخب َر ال ُمعالجون في (بيت‬
‫َ‬
‫وأجاب هو ذو‬
‫َ‬ ‫األيدي الحمراء) أبي بما فعلَته جا َء هنا وق َّدم قُربانًا‪ ،‬عارضًا ثروته بأكملها ومعها أنا‪،‬‬
‫الوجوه العديدة ُدعاءه وجي َء بي إلى المعبد ألخدم‪ ،‬وتلقَّت زوجة أبي الهديَّة»‪.‬‬
‫بحذر سائلةً‪« :‬أهذه حكاية حقيقيَّة؟»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫تفرَّست آريا فيها‬
‫‪« -‬فيها حقيقة»‪.‬‬
‫‪« -‬وأكاذيب أيضًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هناك نقيض للحقيقة‪ ،‬وهناك مبالَغة»‪.‬‬
‫كانت تُراقِب وجه اللَّقيطة طيلة الوقت وهي تحكي قِصَّتها‪َّ ،‬إال أن أمارةً لم تظهر على وجه الفتاة األخرى‪.‬‬
‫أبيك وليس كلَّها»‪.‬‬ ‫قالت لها‪« :‬اإلله عديد الوجوه أخ َذ ثُلثَي ثروة ِ‬
‫‪« -‬بالضَّبط‪ ،‬هذه هي المبالَغة»‪.‬‬
‫فقرصت وجنتها‪ ،‬وقالت لنفسها‪:‬‬
‫َ‬ ‫ارتس َمت على وجه آريا ابتسامة عريضة‪ ،‬ثم إنها أدر َكت أنها تبتسم‬
‫وجهك‪ .‬ابتسامتي خادمتي‪ ،‬ويجب أن تأتي بأمري فقط‪« .‬وما الكذبة؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تح َّكمي في‬
‫ُ‬
‫كذبت بشأن الكذب»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال كذبة‪ .‬لقد‬
‫‪« -‬حقًّا؟ أم ِ‬
‫أنك تكذبين اآلن؟»‪.‬‬
‫لكن قبل أن تُجيبها اللَّقيطة دخ َل الرَّجل الطيِّب الحُجرة مبتس ًما‪ ،‬وقال‪ُ « :‬عد ِ‬
‫ت إلينا»‪.‬‬
‫‪« -‬القمر أسود»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ .‬ما األشياء الثَّالثة الجديدة التي تعلَّمتِها ولم تكوني تعلمينها ل َّما تركتِنا؟»‪.‬‬
‫كادَت تقول‪ :‬أعل ُم ثالثين شيئًا جديدًا‪ ،‬وأجابَت‪« :‬ثالثة من أصابع ناربو الصَّغير ال تنثني‪ ،‬ويُريد أن يُصبِح‬
‫َّ‬
‫مالحًا»‪.‬‬
‫‪« -‬جيِّد أن تعلمي هذا‪ .‬وماذا أيضًا؟»‪.‬‬
‫استرج َعت أحداث يومها في رأسها‪ ،‬ثم قالت‪« :‬كوينس وآالڬو تشا َجرا وتركا (السَّفينة)‪ ،‬لكني ُّ‬
‫أظن أنهما‬
‫سيعودان»‪.‬‬
‫‪« -‬تظنِّين فقط أم تعلمين؟»‪.‬‬
‫أظن فقط»‪ .‬الممثِّلون يحتاجون إلى كسب رزقهم كغيرهم‪،‬‬
‫قالت مضط َّرةً على الرغم من يقينها‪ُّ « :‬‬
‫وكوينس وآالڬو ال يَصلُحان كفايةً ل(القنديل األزرق)‪.‬‬
‫قال الرَّجل الطيِّب‪« :‬بالضَّبط‪ .‬وال َّشيء الثَّالث؟»‪.‬‬
‫هذه المرَّة أجابَت بال تر ُّدد‪« :‬داريون ماتَ ‪ ،‬المغنِّي األسود الذي ينام في (الميناء السَّعيد)‪ .‬كان مته ِّربًا من‬
‫َحرس اللَّيل في الحقيقة‪ .‬أحدهم ذب َحه وألقاه في القناة‪ ،‬لكنه احتفظَ بحذائه»‪.‬‬
‫‪« -‬العثور على األحذية الجيِّدة صعب»‪.‬‬
‫قالت محاولةً الحفاظ على جمود مالمحها‪« :‬بالضَّبط»‪.‬‬
‫‪« -‬تُرى من فع َل هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬آريا سليلة عائلة ستارك»‪ .‬كانت تُراقِب عينيه وفمه وعضالت ف ِّكه‪.‬‬
‫ت؟ » ‪.‬‬
‫غادرت (براڤوس)‪َ .‬من أن ِ‬
‫َ‬ ‫‪« -‬تلك الفتاة؟ حسبتها‬
‫‪« -‬ال أحد»‪.‬‬
‫قائال‪َ « :‬حلقي جاف‪ .‬أسدي لي صنيعًا واجلبي لي كوبًا من النَّبيذ وحليبًا‬ ‫َر َّد‪« :‬تكذبين»‪ ،‬والتفتَ إلى اللَّقيطة ً‬
‫دافئًا لصديقتنا آريا التي رج َعت إلينا على غير توقُّع»‪.‬‬
‫في طريقها عبر المدينة تساءلَت آريا ع َّما سيقوله الرَّجل الطيِّب عندما تُخبِره بأمر داريون‪ .‬ربما يغضب‬
‫منها‪ ،‬أو ربما يُ َسرُّ ألنها أعطَت المغنِّي هديَّة اإلله عديد الوجوه‪.‬‬
‫عشرات المرَّات د َّورت هذا الحديث في مخيِّلتها كممثِّ ٍل في مسرحيَّة‪ ،‬لكن ما لم يَخطُر لها هو الحليب‬
‫ال َّدافئ! حين وص َل الحليب شربَته آريا‪ ،‬وكانت له رائحة محروقة بعض ال َّشيء وخلَّف في فمها مذاقًا ُم ًّرا‪.‬‬
‫واجبك أن تخدمي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال لها الرَّجل الطيِّب‪« :‬اذهبي إلى النَّوم اآلن أيتها الصَّغيرة‪ .‬غدًا‬
‫ليلتها حل َمت من جدي ٍد بأنها ذئبة‪ ،‬لكن حُلمها هذا كان مختلفًا عن األحالم األخرى‪ .‬في هذا الحُلم لم يكن لها‬
‫ت على ضفاف قنا ٍة متربِّصةً‬ ‫وراحت تمضي وحيدةً‪ ،‬تجري فوق أسطُح المباني وتمشي بصم ٍ‬ ‫َ‬ ‫قطيع‪،‬‬
‫بظالل في الضَّباب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ول َّما استيقظَت في الصَّباح التَّالي وجدَت نفسها عمياء‪.‬‬
‫سامويل‬
‫(ريح القرفة) سفينة بجعيَّة من (بلدة األشجار الطَّويلة) في (جُزر الصَّيف)‪ ،‬حيث الرِّ جال سُود والنِّساء‬
‫لعوبات واآللهة ذاتها غريبة‪ ،‬وليس على المتن ِسپتون يقودهم في صالة الجنازة‪ ،‬فوق َعت المه َّمة على‬
‫مكان ما عند ساحل (دورن) الجنوبي المتل ِّ‬
‫ظي بال َّشمس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عاتق سامويل تارلي في‬
‫ارتدى سام ثيابه السَّوداء الثَّقيلة من أجل التَّأبين‪ ،‬على الرغم من حرارة األصيل ورطوبته وغياب نفحات‬
‫ً‬
‫رجال صال ًحا»‪...‬‬ ‫الرِّيح َّإال ً‬
‫قليال‪ .‬استه َّل كالمه ً‬
‫قائال‪« :‬كان‬
‫ً‬
‫رجال عظي ًما‪ .‬كان ِمايستر من‬ ‫لكن ما إن خر َجت الكلمات من فمه حتى عل َم أنها خطأ‪« .‬ال‪ ،‬بل كان‬
‫بطل ماتَ في‬
‫ٍ‬ ‫(القلعة)‪ ،‬مسل َس ًال ومحلَّفًا‪ ،‬وأ ًخا في َحرس اللَّيل شيمته اإلخالص‪ .‬حين ُولِ َد أطلَقوا عليه اسم‬
‫طويال ج ًّدا فحياته لم تكن أق َّل بطولةً‪ .‬لم يكن هناك رجل أكثر منه حكمةً أو‬
‫ً‬ ‫عاش‬
‫َ‬ ‫ريعان ال َّشباب‪ ،‬ومع أنه‬
‫الجدار) دستةً من القادة الذين أتوا وذهبوا خالل سنين خدمته‪ ،‬لكنه كان موجودًا‬ ‫حنانًا أو طيبةً‪ .‬لقد عرفَ ( ِ‬
‫لملوك أيضًا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫دو ًما ليُسديهم النَّصيحة‪ ،‬بل وكان ناصحًا‬
‫كان بإمكانه أن يكون هو نفسه مل ًكا‪ ،‬لكن ل َّما عرضوا عليه التَّاج قال إن عليهم أن يُعطوه ألخيه الصَّغير‪.‬‬
‫ك أنه ال يقدر على‬ ‫تترقرق في عينيه‪ ،‬فأدر َ‬ ‫َ‬ ‫رجال يُمكنه أن يفعل شيئًا كهذا؟»‪ .‬أحسَّ سام بالعبرات‬ ‫ً‬ ‫كم‬
‫طويال‪ ،‬وخت َم بقوله‪« :‬كان من دم التنِّين‪ ،‬لكن نيرانه همدَت‪ .‬كان إيمون تارجاريَن‪ ،‬واآلن‬ ‫ً‬ ‫االستمرار‬
‫انتهَت حراسته»‪.‬‬
‫تمت َمت جيلي بَعده وهي تُهَز ِهز ال َّرضيع بين ذراعيها‪« :‬واآلن انتهَت حراسته»‪ ،‬ور َّددت كوچا مو‬
‫الكلمات بلُغة (وستروس) العاميَّة ثم كرَّرتها بلُغة الصَّيف لزوندو وأبيها وبقيَّة الطَّاقم المجت ِمع‪ .‬طأطأ َ سام‬
‫عال عنيف لدرج ٍة ه َّزت جسده كلَّه‪ ،‬فذهبَت جيلي إليه ووقفَت إلى جواره‬ ‫رأسه وانفج َر في البُكاء‪ ،‬نحيبه ٍ‬
‫تاركةً إياه يبكي على كتفها‪ ،‬وقد اغرورقَت عيناها بال ُّدموع أيضًا‪.‬‬
‫بحر أزرق عميق بعيدًا تما ًما عن‬ ‫ٍ‬ ‫الهواء رطب دافئ ساكن تما ًما‪ ،‬و(ريح القرفة) طافية على صفحة‬
‫ق بشي ٍء ما بلُغة الصَّيف‪،‬‬ ‫اليابسة‪ .‬قال زوندو‪« :‬سام األسود قال كلمات جيِّدة‪ .‬اآلن نشرب لحياته»‪ ،‬وزع َ‬
‫ببرميل من الرَّم المتبَّل إلى مؤ ِّخرة السَّفينة‪ ،‬وفُتِ َح ليشرب الحاضرون كوبًا في ذكرى التنِّين العجوز‬ ‫ٍ‬ ‫فجي َء‬
‫الكفيف الذي لم يعرفه الطَّاقم َّإال فترةً قصيرةً‪ ،‬لكن بني (جُزر الصَّيف) يُ َوقِّرون المسنِّين ويحتفون‬
‫بموتاهم‪.‬‬
‫لم يشرب سام الرَّم من قبل‪ ،‬ووج َد ال َّشراب غريبًا مس ِكرًا‪ ،‬حُل ًوا في البداية لكنه يترك على اللِّسان مذاقًا‬
‫ناريًّا لس َع فمه‪ .‬كم هو مت َعب‪ .‬كلُّ عضل ٍة في جسده تُؤلِمه‪ ،‬وث َّمة آالم أخرى في مواضع لم يكن يعلم أن فيها‬
‫الجلد حيث انفت َحت‬ ‫طيهما قروح جديدة ورُقع لزجة رطبة من ِ‬ ‫عضالت‪ ،‬ورُكبتاه متخ ِّشبتان‪ ،‬ويداه تُ َغ ِّ‬
‫القروح القديمة‪ ،‬وإن كان يبدو أن ال َّشراب والحُزن معًا يُزيحان ألمه‪ .‬قال لجيلي بينما يرشفان من الرَّم‬
‫فوق سلوقيَّة (ريح القرفة) العالية‪« :‬لو استطعنا فقط أن نأخذه إلى (البلدة القديمة) فلربما أنق َذه رؤساء‬
‫ُ‬
‫أملت‪.»...‬‬ ‫ُ‬
‫حسبت‪...‬‬ ‫ال ِمايسترات‪ُ .‬معالجو (القلعة) هُم األفضل في (الممالك السَّبع) كلِّها‪ .‬لفتر ٍة‬
‫في (براڤوس) بدا تماثُل إيمون لل ِّشفاء ممكنًا‪ ،‬و ُخي َِّل إلى سام أن حديث زوندو عن التَّنانين يكاد يُعيد‬
‫ط‪ .‬كان‬ ‫بحث عن فتا ٍة قَ ُّ‬
‫َ‬ ‫العجوز إلى طبيعته‪ .‬ليلتها أك َل ك َّل لُقم ٍة وض َعها سام أمامه‪ ،‬وقال‪« :‬ال أحد‬
‫اعتقدت أنه ريجار‪ ...‬ال ُّدخان كان من الحريق الذي الته َم (قلعة الصَّيف) يوم‬ ‫ُ‬ ‫الموعود أميرًا ال أميرة‪.‬‬
‫صغره‪ ،‬وإن باتَ الحقًا على قناع ٍة‬ ‫ُشاركني اعتقادي في ِ‬ ‫مولده‪ ،‬والملح من دموع من بكوا الموتى‪ .‬كان ي ِ‬
‫بأن النُّبوءة تتحقَّق في ابنه ال فيه هو‪ ،‬ذلك أن مذنَّبًا ُشو ِه َد فوق (كينجز الندنج) ليلة حبلَت إليا بإجون‪،‬‬
‫وريجار كان واثقًا بأن النَّجم النَّازف ما هو َّإال مذنَّب‪ .‬كم كنا حمقى إذ ِخلنا أنفُسنا آيةً في الحكمة! الخطأ‬
‫ناجم عن التَّرجمة‪ .‬التَّنانين ليست ذكورًا أو إناثًا‪ ،‬وقد رأى بارث حقيقة هذا‪ ،‬وإنما هكذا لحظةً وهكذا‬
‫لحظةً‪ ،‬كاللَّهب دائمة التَّق ُّلب‪ .‬اللُّغة ضلَّلتنا جميعًا طيلة ألف عام‪ .‬دنيرس هي الموعودة المولودة وسط‬
‫الملح وال ُّدخان‪ ،‬والتَّنانين تُثبِت هذا»‪ .‬بدا أن مجرَّد الكالم عنها يجعله أقوى‪« .‬يجب أن أذهب إليها‪ ،‬يجب!‬
‫أعوام فقط»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كنت أصغر عشرة‬‫ليتني ُ‬
‫كان العجوز عاقد العزم حتى إنه صع َد على لوح العبور إلى متن (ريح القرفة) على قدميه بَعد أن اتَّفق‬
‫سام على رحلتهم‪ .‬قبلها كان سام قد أعطى زوندو سيفه و ِغمده بالفعل‪ ،‬تعويضًا لوكيل الرُّ بَّان الكبير عن‬
‫المعطف ال ِّريش الذي تلفَ حين نجدَه من الغرق‪ .‬ال َّشيء الوحيد ذو القيمة الذي تبقَّى لهم بَعدها هو ال ُكتب‬
‫التي أتوا بها من أقبية (القلعة السَّوداء)‪ ،‬وقد تخلَّى سام عنها بكآبة‪ ،‬و َر َّد عندما سألَه زوندو عن سبب‬
‫عبوسه‪« :‬كان المفت َرض أن نأخذها إلى (القلعة)»‪ ،‬ول َّما ترج َم الوكيل ر َّده ضحكَ الرُّ بَّان‪ ،‬ثم قال له زوندو‬
‫مترج ًما‪« :‬ڬاهورو مو يقول إن الرِّ جال الرَّماديِّين سيحصلون على هذه ال ُكتب‪ ،‬لكن الفرق أنهم سيشترونها‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ضة جيِّدة مقابل الكتب التي ليست عندهم‪ ،‬وأحيانا الذهب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اآلن من ڬاهورو مو‪ .‬ال ِمايسترات يدفعون ف َّ‬
‫األحمر واألصفر»‪.‬‬
‫رفض وشر َح أنه عار عظيم أن يتخلَّى أيُّ ِمايستر عن‬ ‫َ‬ ‫أرا َد الرُّ بَّان سلسلة إيمون أيضًا‪َّ ،‬إال أن سام‬
‫قبل ڬاهورو مو‪ ،‬ولدى إبرام االتِّفاق لم‬ ‫سلسلته‪ ،‬واضط َّر زوندو إلى تكرار هذا الجزء ثالث مرَّات حتى َ‬
‫يَعُد سام يملك َّإال حذاءه وثيابه السَّوداء ومالبسه التَّحتيَّة والبوق المكسور الذي وجدَه چون عند (قبضة‬
‫البَشر األوائل)‪ .‬قال لنفسه‪ :‬لم أملك الخيار‪ .‬لم نكن نستطيع البقاء في (براڤوس)‪ ،‬وما لم نلجأ إلى السَّرقة‬
‫أو ال ِّشحاذة فلم يكن هناك سبيل آخَر لدفع ثَمن الرِّحلة‪ .‬كان ليع َّد التَّكلفة رخيصةً حتى إذا دفعوا ثالثة‬
‫أمان إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬ ‫أضعاف لو أنهم فقط نجحوا في أخذ ال ِمايستر إيمون ب ٍ‬
‫ريح من ق َّوة العجوز ومعنويَّاته‪ .‬في‬ ‫ٍ‬ ‫غير أن ال ِّرحلة إلى الجنوب كانت عاصفةً‪ ،‬وخص َمت كلُّ هبَّة‬
‫طلب أن يأخذه سام إلى السَّطح ليرسم له صورةً للمدينة بكلماته‪ ،‬لكنها كانت ِ‬
‫آخر م َّر ٍة يبرح فيها‬ ‫َ‬ ‫(پنتوس)‬
‫فِراش الرُّ بَّان‪ ،‬وسرعان بَعدها ما بدأ عقله يتوه من جديد‪ ،‬ولدى مرور (ريح القرفة) ب(البُرج النَّازف)‬
‫ً‬
‫وبدال‬ ‫ف عن الكالم عن محا َولة العثور على سفين ٍة تحمله شرقًا‪،‬‬ ‫لتَد ُخل ميناء (تايروش) كان إيمون قد َك َّ‬
‫من ذلك تح َّول كالمه إلى (البلدة القديمة) ورؤساء ال ِمايسترات في (القلعة)‪ ،‬وقال‪« :‬يجب أن تُخبِرهم يا‬
‫سام‪ ،‬يجب أن تُخبِر رؤساء ال ِمايسترات‪ ،‬يجب أن تجعلهم يفهمون‪ .‬ال ِّرجال الذين كانوا في (القلعة) وقت‬
‫ط‪ .‬رسائلي‪ ...‬ال بُ َّد أنهم حسبوها في‬ ‫وجودي هناك ماتوا منذ خمسين عا ًما‪ .‬أولئك اآلخَرون لم يعرفوني قَ ُّ‬
‫فشلت في إقناعهم به‪ .‬أخبِرهم يا سام‪ ...‬أخبِرهم‬ ‫ُ‬ ‫شيخ فق َد عقله‪ .‬يجب أن تُقنِعهم بما‬
‫ٍ‬ ‫(البلدة القديمة) هذيان‬
‫الجدار)‪ ...‬الجُثث الحيَّة وال ُمشاة البِيض والبرد ال َّزاحف‪.»...‬‬ ‫بالوضع على ( ِ‬
‫قائال‪« :‬سأفعلُ‪ ،‬سأض ُّم صوتي إلى صوتك أيها ال ِمايستر‪ .‬كالنا سيُخبِرهم‪ ،‬نحن االثنان معًا»‪.‬‬ ‫وعدَه سام ً‬
‫َر َّد العجوز‪« :‬ال‪ ،‬يجب أن تُخبِرهم أنت‪ .‬أخبِرهم‪ .‬ال ُّنبوءة‪ ...‬حُلم أخي‪ ...‬الليدي مليساندرا أسا َءت تفسير‬
‫العالمات‪ .‬ستانيس‪ ...‬ستانيس في عروقه القليل من دماء التنِّين‪ ،‬نعم‪ ،‬وأخواه أيضًا‪ .‬رايل ابنة إج‬
‫الصَّغيرة‪ ،‬ورثوها عن طريقها‪ ...‬أُم أبيهم‪ ...‬اعتادَت أن تُناديني بالعم ال ِمايستر في طفولتها‪ .‬تذ َّك ُ‬
‫رت هذا‬
‫صدِّق شيئًا‪َّ ،‬‬
‫بالذات مليساندرا‬ ‫أردت أن‪ ...‬كلُّنا نخدع أنفُسنا عندما نُريد أن نُ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فسمحت لنفسي باألمل‪ ...‬ربما‬
‫أظن‪ .‬السَّيف ليس سلي ًما‪ ،‬يجب أن تعلم هذا‪ ...‬ضوء بال حرارة‪...‬‬ ‫على ما ُّ‬
‫الظلمات أكثر يا سام‪.‬‬ ‫ضوء ال َّزائف َّإال أن يتو َّغل بنا في ُّ‬
‫ِسحر فارغ‪ ...‬السَّيف ليس سلي ًما‪ ،‬وال يُمكن لل َّ‬
‫دنيرس أملنا‪ .‬أخبِرهم بهذا في (القلعة)‪ ،‬اجعلهم يُصغون‪.‬‬
‫ُ‬
‫عشت‬ ‫ُرسلوا إليها ِمايستر‪ .‬ال بُ َّد من نُصح دنيرس وتعليمها وحمايتها‪ .‬طيلة هذه األعوام‬ ‫يجب أن ي ِ‬
‫ت في السِّن‪.‬‬‫وراقبت‪ ،‬ثم يأتي اليوم المنتظَر وقد طعن ُ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وانتظرت‬
‫إنني أحتض ُر يا سام»‪ .‬سالَت ال ُّدموع من عينَي إيمون البيضاوين مع هذا االعتراف‪ ،‬وتاب َع‪« :‬ال يُفت َرض‬
‫ظالم دامس‪ ،‬فلِ َم أخشى‬ ‫ٍ‬ ‫أن يُخيف الموت عجو ًزا ِمثلي‪ ،‬لكنه يُخيفني‪ .‬أليس هذا سخيفًا؟ إنني أعيش في‬
‫الظَّالم؟ ورغم ذلك ال أستطي ُع َّإال أن أتسا َءل ع َّما سيأتي عندما يتسرَّب الدِّفء كلُّه من جسدي‪ .‬هل سأحتف ُل‬
‫الذهبي كما يقول السِّپتونات؟ هل سأتكلَّ ُم مع إج ثانيةً وأج ُد داريون سلي ًما سعيدًا‬ ‫إلى األبد في بهو (األب) َّ‬
‫وأسم ُع أختَي تُ َغنِّيان ألطفالهما؟ ماذا لو كانت الحقيقة عند سادة الخيول؟ هل سأركبُ في سماء اللَّيل إلى‬
‫األبد على صهوة جوا ٍد من لهب؟ أم سأعو ُد ثانيةً إلى وادي اآلالم هذا؟ َمن يدري حقًّا؟ َمن اجتا َز ِجدار‬
‫الموت ليرى؟ فقط الجُثث الحيَّة‪ ،‬ونحن نعلم ماهيتها‪ ،‬نحن نعلم»‪.‬‬
‫لم يجد سام َّإال القليل ليقوله ر ًّدا‪ ،‬لكنه واسى العجوز قدر المستطاع‪ ،‬ثم جا َءت جيلي بَعدها وغنَّت له أغنيَّةً‬
‫بال معنى تعلَّمتها من بعض زوجات كراستر األخريات‪ ،‬لكنها جعلَت العجوز يبتسم وساعدَته على الخلود‬
‫إلى النَّوم‪.‬‬
‫ت أطول في النَّوم أكثر من اليقظة‪ ،‬وقد‬ ‫آخر أيامه الجيِّدة‪ ،‬وبَعدها قضى العجوز فترا ٍ‬ ‫كان هذا واحدًا من ِ‬
‫تم َّدد تحت كوم ٍة من األغطية الفرو في قمرة الرُّ بَّان‪ .‬أحيانًا كان يُتَمتِم في نومه‪ ،‬وحين يستيقظ يَطلُب سام‬
‫بإصرار إن عليه أن يُخبِره بشيء‪ ،‬لكن في أغلب األحيان كان ينسى ما أرا َد أن يقوله لدى وصول‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫قائال‬
‫أحالم لكنه لم يَذ ُكر الحالم‪ ،‬وتكلَّم عن شمع ٍة‬
‫ٍ‬ ‫سام‪ ،‬وحتى حينما يتذ َّكر كان كالمه مرتب ًكا مش َّو ًشا‪ .‬تكلَّم عن‬
‫ت ال تفقس‪ ،‬وقال إن أبا الهول هو األحجية ال صانِع األحاجي (أيًّا كان‬ ‫ُزجاجيَّة غير قابل ٍة لإلشعال وبيضا ٍ‬
‫حرقَت كتاباته في عهد بيلور‬ ‫ُ‬
‫ب للسِّپتون بارث الذي أ ِ‬ ‫وطلب من سام أن يقرأ له من كتا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ما يعنيه ذلك)‪،‬‬
‫المبا َرك‪ ،‬وفي م َّر ٍة استيقظَ باكيًا وولو َل‪« :‬ال بُ َّد أن تكون للتنِّين ثالثة رؤوس‪ ،‬لكني أكثر ه َر ًما ووهنًا من‬
‫أن أكون أحدها‪ .‬كان يجب أن أكون معها ألريها الطَّريق‪ ،‬لكن جسدي خانَني»‪.‬‬
‫إذ شقَّت (ريح القرفة) طريقها عبر (األعتاب) صا َر ال ِمايستر إيمون ينسى اسم سام أكثر الوقت‪ ،‬وأحيانًا‬
‫حسبَه أحد إخوته الموتى‪.‬‬
‫أعلى السَّلوقيَّة بَعد رشف ٍة أخرى من الرَّم قال لسام لجيلي‪« :‬كان أضعف من أن يحتمل رحلةً طويلةً كهذه‪.‬‬
‫كان على چون أن يتوقَّع هذا‪ .‬إيمون كان ُعمره مئةً واثنين عام‪ ،‬وما كان يجب إرساله إلى البحر على‬
‫أعوام أخرى»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عاش عشرة‬ ‫َ‬ ‫اإلطالق‪ .‬لو ظَ َّل في (القلعة ال َّسوداء) فلربما‬
‫الجدار) تعرض جيلي عن‬ ‫فرسخ من ( ِ‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬أو لكانت المرأة الحمراء قد أحرقَته»‪ .‬حتى هنا على بُعد ألف‬
‫لفظ اسم الليدي مليساندرا‪« .‬لقد أرادَت دم الملوك من أجل نيرانها‪ .‬ڤال كانت تعلم هذا‪ ،‬وكذا اللورد سنو‪،‬‬
‫مكث هناك‬ ‫َ‬ ‫ك ابني في مكانه‪ .‬ال ِمايستر إيمون نا َم ولم يص ُح ثانيةً‪ ،‬لكن لو‬ ‫ولذا جعالني آخ ُذ ابن داال وأتر ُ‬
‫ألحرقَته»‪.‬‬
‫زال سيحترق‪ .‬الفرق أن عل َّي أنا أن أفعلها اآلن‪ .‬اعتا َد آل تارجاريَن دو ًما إطعام النَّار‬ ‫ف َّكر سام ببؤس‪ :‬ما َ‬
‫ض َع جُثمان إيمون‬ ‫بموتاهم‪ ،‬لكن ڬاهورو مو لم يسمح بإشعال محرقة جنازة على متن (ريح القرفة)‪ ،‬ف ُو ِ‬
‫برميل من َرم التُّوت األسود لحفظه حتى تَبلُغ السَّفينة (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫خشيت أن يُسقِطه لكنه لم يفعل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫واصلَت جيلي‪« :‬في اللَّيلة السَّابقة لموته سألَني أن أتركه يحمل الصَّبي‪.‬‬
‫بل هزهزَه ودندنَ له أغنيَّةً‪ ،‬ورف َع ابن داال يده و َمسَّ وجهه و َش َّد شفته بطريق ٍة جعلتني أحسبه يُؤلِمه‪ ،‬لكن‬
‫ك فقط»‪ ،‬وملَّست على يد سام مردفةً‪« :‬يُمكننا أن نُ َس ِّمي الصَّغير ِمايستر إذا أردت‪ ،‬عندما‬ ‫العجوز ضح َ‬
‫يكبَر‪ ،‬ليس اآلن‪ ،‬لكن يُمكننا هذا»‪.‬‬
‫‪ِ « -‬مايستر ليس اس ًما‪ ،‬لكن يُمكننا أن نُ َس ِّميه إيمون»‪.‬‬
‫ف َّكرت جيلي لحظةً‪ ،‬ثم قالت‪« :‬داال ولدَته في أثناء المعركة بينما تُ َغنِّي السُّيوف حولها‪ .‬يجب أن يكون هذا‬
‫اسمه‪ ،‬إيمون وليد المعركة‪ ،‬إيمون أغنيَّة الفوالذ»‪.‬‬
‫ُعجب أبي نفسه‪ ،‬اسم ُمحارب‪ .‬في النِّهاية الصَّبي ابن مانس رايدر وحفيد كراستر‪ ،‬وليس في‬ ‫اسم ربما ي ِ‬
‫عروقه قطرة من دماء سام الجبانة‪« .‬نعم‪ ،‬ليكن هذا اسمه»‪.‬‬
‫وعدَته قائلةً‪« :‬عندما يَبلُغ الثَّانية وليس قبل هذا»‪.‬‬
‫ق ك َّل هذه الم َّدة حتى أدر َ‬
‫ك أن الرَّضيع ليس‬ ‫خطر لسام أن يسأل‪« :‬أين الصَّبي؟»‪ .‬بين الرَّم واألسى استغر َ‬
‫َ‬
‫مع جيلي‪.‬‬
‫طلبت منها أن تأخذه ً‬
‫قليال»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬مع كوچا‪.‬‬
‫‪« -‬أوه»‪ .‬كوچا مو ابنة الرُّ بَّان‪ ،‬أطول قامةً من سام وممشوقة القوام كالحربة ولها بشرة ملساء كالكهرمان‬
‫األسود المصقول‪ .‬تقود الفتاة رُماة السَّفينة الحُمر أيضًا‪ ،‬وتحمل قوسًا مزدوج المنحنى من خشب القلب‬
‫الذهبي بإمكانها أن تُطلِق منه السِّهام حتى مسافة أربعمئة ياردة‪ ،‬وحين هاج َمهم القراصنة في (األعتاب)‬ ‫َّ‬
‫أردَت سهام كوچا دستةً منهم في حين سقطَت سهام سام في الماء‪ .‬ال َّشيء الوحيد الذي تحبُّه كوچا أكثر من‬
‫قوسها هو هزهزَة ابن داال على رُكبتها والغناء له بلُغة الصَّيف‪ ،‬وقد أصب َح األمير الهمجي محبوب جميع‬
‫رجل على اإلطالق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬‫نساء الطَّاقم‪ ،‬ويبدو أن جيلي تأتمنهن عليه كما لم تأتمن أ َّ‬
‫قال سام‪« :‬هذا لُطف من كوچا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫فخشيت أنها مسخ أو وحش ما‪،‬‬ ‫كنت أخافها في البداية‪ .‬إنها سوداء ج ًّدا وأسنانها كبيرة وبيضاء ج ًّدا‪،‬‬
‫‪ُ «-‬‬
‫لكنها ليست كذلك‪ .‬إنها طيِّبة وأحبُّها»‪.‬‬
‫أعرف هذا»‪ .‬الرَّجل الوحيد الذي عرفَته جيلي معظم حياتها كان كراستر المخيف‪ ،‬أ َّما بقيَّة عالمها‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫فإناث‪ .‬الرِّ جال يُخيفونها والنِّساء ال‪ .‬إنه يفهم هذا‪ .‬في (هورن هيل) كان سام يُفَضِّ ل صُحبة الفتيات أيضً ا‬
‫وعاملَته أخواته بطيبة‪ ،‬وعلى الرغم من أن الفتيات األخريات كن يسخرن منه أحيانًا فتجاهُل الكلمات‬
‫صبية القلعة‪ .‬حتى هنا واآلن على متن (ريح‬ ‫القاسية كان أسهل من الضَّربات واللَّطمات التي تلقَّاها من ِ‬
‫القرفة) يَشعُر سام باالرتياح لكوچا مو أكثر من أبيها‪ ،‬ولو أن السَّبب ربما يكون أنها تتح َّدث العاميَّة وال‬
‫يتح َّدثها هو‪.‬‬
‫هم َست جيلي‪« :‬وأحبُّك أيضًا يا سام‪ .‬وأحبُّ هذا ال َّشراب‪ ،‬إن مذاقه كالنَّار»‪.‬‬
‫انخفضت في‬ ‫َ‬ ‫فذهب سام إلى البرميل ومألَهما ثانيةً‪ .‬رأى أن ال َّشمس‬ ‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬شراب يليق بتنِّين‪ .‬فر َغ كوباهما‬
‫الغرب وتض َّخمت إلى ثالثة أضعاف حجمها‪ ،‬وقد جع َل نورها الضَّارب إلى الحُمرة وجه جيلي يبدو‬
‫الجدار)‪ ،‬وبَعدها لم يكن‬ ‫ضبًا باألحمر‪ .‬شربا كوبًا لكوچا مو وواحدًا البن داال وواحدًا البن جيلي على ( ِ‬ ‫مخ َّ‬
‫هناك مف ٌّر من أن يشربا كوبين إليمون سليل عائلة تارجاريَن‪ ،‬ثم قال سام متن ِّشقًا‪« :‬عسى (األب) أن يَح ُكم‬
‫ق َّإال‬
‫عليه بالعدل»‪ .‬كانت ال َّشمس قد أوش َكت على الغياب تما ًما حين فرغا من ال ِمايستر إيمون‪ ،‬ولم يتب َّ‬
‫ق طويل في السَّماء‪ .‬قالت جيلي إن ال َّشراب يجعل السَّفينة‬ ‫ط أحمر رفيع يتوهَّج في األُفق الغربي ك َش ٍّ‬ ‫َخ ٌّ‬
‫تميد بها‪ ،‬فساعدَها سام على نزول السُّلَّم إلى مسكن النِّساء تحت المقدِّمة‪.‬‬
‫ث َّمة مصباح معلَّق داخل باب القمرة مباشرةً‪ ،‬وقد اصطد َم رأسه به وهو يَد ُخل‪ ،‬فقال‪« :‬آو!»‪ ،‬وقالت‬
‫ُرحت؟ دعني أري»‪ ،‬ومالَت عليه‪...‬‬ ‫جيلي‪« :‬هل ج ِ‬
‫‪ ...‬وقبَّلته على فمه‪.‬‬
‫َّ‬
‫وتحالن‬ ‫ُ‬
‫حلفت اليمين‪ ،‬لكن يديها كانتا تش َّدان معطفه األسود‬ ‫ووج َد سام نفسه يُقَبِّلها أيضًا‪ .‬قال لنفسه‪ :‬لقد‬
‫قائال‪« :‬ال يُمكننا»‪َّ ،‬إال أن جيلي ر َّدت‪« :‬بل يُمكننا»‪ ،‬وم َّرةً أخرى غطَّت‬ ‫أربطة سراويله‪ ،‬فقط َع القُبلة ً‬
‫ق سام طعم الرَّم على لسان جيلي‪ ،‬وإذا بثدييها عاريان‬ ‫ثغره بثغرها‪ .‬من حولهما دا َرت (ريح القرفة)‪ ،‬وذا َ‬
‫حلفت اليمين‪ ،‬لكن إحدى حلمتيها وجدَت طريقها إلى ما بين شفتيه‪ .‬كانت‬ ‫ُ‬ ‫ويتحسَّسهما‪ .‬ثانيةً قال لنفسه‪ :‬لقد‬
‫ورديَّة منتصبةً‪ ،‬وحين مصَّها مألَ لبنها فمه ممتزجًا بمذاق الرَّم‪ ،‬ولم يتذ َّوق سام في حياته كلِّها شيئًا بهذا‬
‫فلست أفضل من داريون‪ ،‬لكنه يَشعُر بمتع ٍة أعجزَته عن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فعلت هذا‬ ‫ال َجمال أو الحالوة أو الرَّوعة‪ .‬ف َّكر‪ :‬إذا‬
‫التَّوقُّف‪ .‬وفجأةً كان َذكره خارج سراويله منتصبًا كساري ٍة ورديَّة غليظة‪ ،‬يبدو سخيفًا للغاية حتى إن سام‬
‫كان ليضحك‪ ،‬لكن جيلي دف َعته على ظَهره فوق سريرها القَش ورف َعت تنُّورتها حول فخذيها وأنزلَت‬
‫نفسها عليه مطلقةً آهةً ناعمةً‪ ،‬وكان هذا أفضل وأفضل من حلمتيها‪ ،‬وقال سام لنفسه شاهقًا‪ :‬إنها مبتلَّة‬
‫ط أن امرأةً يُمكن أن تبت َّل هكذا هناك‪ .‬هم َست منزلقةً إلى أعلى وأسفل‪« :‬أنا زوجتك‬ ‫للغاية‪ .‬لم أعرف قَ ُّ‬
‫ُ‬
‫حلفت اليمين‪،‬‬ ‫ُ‬
‫حلفت اليمين‪،‬‬ ‫ُمكنك أن تكوني زوجتي‪ ،‬لقد‬
‫ِ‬ ‫اآلن»‪ ،‬وتأ َّوه سام وقال في أعماقه‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ال ي‬
‫لكن الكلمة الوحيدة التي بد َرت منه هي «نعم»‪.‬‬
‫بَعدها غابَت في النَّوم مط ِّوقةً إياه بذراعيها ورأسها على صدره‪ .‬يحتاج سام إلى النَّوم أيضًا‪ ،‬لكنه ثمل‬
‫بالرَّم ولبن األُم وجيلي‪ .‬يعلم أن عليه أن يعود إلى سريره المعلَّق في قمرة الرِّ جال‪ ،‬غير أنه شعور رائع‬
‫وبشكل ما ال يقوى على الحركة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن تلتصق به هكذا‪،‬‬
‫ويتطارحون الغرام‪ .‬بنو‬ ‫َ‬ ‫دخ َل آخَرون القمرة‪ ،‬رجال ونساء‪ ،‬وسم َعهم يُقَبِّل بعضهم بعضًا ويضحكون‬
‫مكان ما منذ فتر ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫الحداد‪ ،‬ير ُّدون على الموت بالحياة‪ .‬قرأ سام هذا في‬ ‫(جُزر الصَّيف)‪ ،‬هكذا يُعلِنون ِ‬
‫طويلة‪ ،‬ويتسا َءل إن كانت جيلي تعرفه‪ ،‬إن كانت كوچا مو قد أخب َرتها بما تفعله‪.‬‬
‫خرجني‬ ‫تنسَّم عبير َشعرها وح َّدق إلى المصباح المتأرجح باألعلى مف ِّكرًا‪( :‬العجوز) نفسها ال تستطيع أن تُ ِ‬
‫ُ‬
‫غرقت‬ ‫بأمان من هذا المأزق‪ .‬أفضل ما يستطيع أن يفعله اآلن أن ينس َّل مبتعدًا ويُلقي نفسه في البحر‪ .‬إذا‬ ‫ٍ‬
‫رجال أفضل ليس جبانًا بدينًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حنثت بقَسمي‪ ،‬وستجد جيلي لنفسها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أخزيت نفسي و‬ ‫فلن يعلم أحد أبدًا أنني‬
‫ظ َّل‬‫ظ في اليوم التَّالي في سريره المعلَّق في قمرة الرِّ جال على صوت زوندو يجأر بشأن الرِّ يح‪ ،‬و َ‬ ‫استيق َ‬
‫وكيل الرُّ بَّان يزعق‪« :‬الرِّيح تهبُّ ! الرِّيح تهبُّ ! استيقِظ واعمل يا سام األسود! الرِّيح تهبُّ !»‪ .‬ما يفتقر إليه‬
‫نهض سام من سريره وشع َر بالنَّدم في‬ ‫َ‬ ‫زوندو من مفردات عاميَّة (وستروس) يُ َع ِّوضه بصوته الجهوري‪.‬‬
‫ليال‪ ،‬ويحسُّ كأنه على وشك التَّقيُّؤ‪.‬‬ ‫الحال‪ .‬رأسه كأنه سينفلِق‪ ،‬وأحد القروح في َكفِّه انفت َح ً‬
‫يستطع سام َّإال أن يرتدي ثيابه السَّوداء بصعوبة‪ .‬وجدَها على األرض تحت‬ ‫ِ‬ ‫لكن زوندو بال رحمة‪ ،‬ولم‬
‫ق روائح الملح والبحر‬ ‫السَّرير المعلَّق في كوم ٍة رطبة‪ ،‬وتش َّممها ليرى مدى سوء رائحتها‪ ،‬فاستنش َ‬
‫والقطران واألشرعة المبتلَّة والعفَن الفِطري والفاكهة واألسماك و َرم التُّوت األسود‪ ،‬وتوابل غريبةً‬
‫وأخشابًا عجيبةً‪ ،‬وقدرًا وفيرًا من عَرق جسده الجاف‪ ،‬لكن في مالبسه رائحة جيلي أيضًا‪ ،‬رائحة َشعرها‬
‫ب جاف ثقيل‪ ،‬إذ بدأ‬ ‫النَّظيفة ورائحة لبنها الحُلوة‪ ،‬ولذا ارتداها مسرورًا‪ .‬كان ليدفع ثَمنًا كبيرًا مقابل جور ٍ‬
‫نوع ما من الفِطر ينمو بين أصابع قدميه‪.‬‬
‫لم يكن صندوق ال ُكتب كافيًا على اإلطالق كثَمن رحل ٍة ألربعة من (براڤوس) إلى (البلدة القديمة)‪ ،‬على أن‬
‫ق ڬاهورو مو على أن يأخذهم على المتن شريطة‬ ‫(ريح القرفة) تُعاني نقصًا في األيدي العاملة‪ ،‬وهكذا واف َ‬
‫قائال إن ال ِمايستر إيمون ضعيف للغاية والصَّبي ما زا َل رضيعًا‬ ‫أن يعملوا في الطَّريق‪ ،‬ول َّما احت َّج سام ً‬
‫وجيلي مرعوبة من البحر‪ ،‬ضحكَ زوندو و َر َّد‪« :‬سام األسود رجل كبير بدين‪ ،‬سام األسود سيعمل‬
‫ألربعة»‪.‬‬
‫ُحاول رغم ذلك‪ ،‬فيُنَظِّف سطح‬ ‫ُّ‬
‫يشك في قيامه بعمل فر ٍد واحد جيِّد‪ ،‬لكنه ي ِ‬ ‫الحقيقة أن سام أخرق لدرجة أنه‬
‫ويلف الحبال‪ ،‬ويصطاد الجرذان‪ ،‬ويرتق القلوع‬ ‫ُّ‬ ‫السَّفينة ويح ُّكه بالحجارة‪ ،‬ويسحب سالسل الرَّسو‪،‬‬
‫المم َّزقة‪ ،‬ويس ُّد الثَّغرات في الخشب بالقطران المغلي‪ ،‬وينزع أشواك السَّمك ويُقَطِّع الفواكه للطَّاهي‪.‬‬
‫حاول‪ ،‬كما أنها أبرع منه في لَفِّ حبال األشرعة‪ ،‬وإن كان منظر المياه الخالية يجعلها تُغلِق‬ ‫ضا ت ُ ِ‬ ‫وجيلي أي ً‬
‫حين إلى حين‪.‬‬
‫عينيها من ٍ‬
‫ق أطول‬ ‫يكف عن ال َّد ِّ‬
‫َّ‬ ‫جيلي‪ ،‬ماذا أفع ُل مع جيلي؟ هذا النَّهار طويل لزج‪ ،‬وجعلَه رأس سام الذي لم‬
‫شغل نفسه بالحبال واألشرعة والواجبات األخرى التي كلَّفه بها زوندو‪ ،‬وحاو َل َّأال يَترُك عينيه‬ ‫َ‬ ‫وأطول‪.‬‬
‫ُواجه‬ ‫َّ‬
‫تخونانه وتذهبان إلى برميل الرَّم الذي يحوي جثة ال ِمايستر إيمون‪ ...‬أو إلى جيلي‪ .‬ال يستطيع أن ي ِ‬
‫الفتاة الهمجيَّة اآلن بَعد ما فعاله ليلة البارحة‪.‬‬
‫حين تصعد إلى السَّطح ينزل‪ ،‬حين تذهب إلى األمام يذهب إلى الخلف‪ ،‬حين تبتسم له يُشيح بوجهه شاع ًرا‬
‫بالتَّعاسة‪ .‬كان يَج ُدر بي أن أثب في البحر وهي نائمة‪.‬‬
‫كنت جبانًا دو ًما‪ ،‬لكني لم أكن حانثًا بالقَسم حتى اآلن‪.‬‬
‫لقد ُ‬
‫وجرن‪،‬‬‫ِ‬ ‫لو لم يَ ُمت ال ِمايستر إيمون لسألَه سام ماذا يفعل‪ .‬لو كان چون سنو على متن السَّفينة‪ ،‬أو حتى پيپ‬
‫بدال منهم هناك زوندو‪ .‬لن يفهم زوندو ما أقوله‪ ،‬أو إذا فه َم لقال لي أن أنكح الفتاة ثانيةً‪.‬‬ ‫للجأ َ إليهم‪ ،‬لكن ً‬
‫«ينكح» هي أول كلم ٍة تعلَّمها زوندو من اللُّغة العاميَّة‪ ،‬ومغرم بقولها ج ًّدا‪.‬‬
‫ظه أن (ريح القرفة) سفينة كبيرة‪ ،‬أ َّما على متن (الطَّائر األسود) فكانت جيلي لتلحق به‬ ‫من حُسن َح ِّ‬
‫حاصره في غضون لحظات‪ .‬في (الممالك السَّبع) تُ َس َّمى مراكب أهل ( ُجزر الصَّيف) السُّفن البجعيَّة‪،‬‬ ‫وت ُ ِ‬
‫لقلوعها البيضاء المنتفخة وتماثيل مقدِّماتها التي يتَّخذ أكثرها أشكال طيور‪ .‬على الرغم من كبر أحجامها‬
‫تركب السُّفن البجعيَّة األمواج برشاق ٍة تخصُّ ها وحدها من دون الفُلك‪ ،‬وما دا َمت تدفعها ريح سريعة قويَّة‬
‫ي قادس‪ ،‬وإن كانت تعجز تما ًما عند سكون األجواء‪ ...‬ثم إن على السَّفينة‬ ‫تستطيع (ريح القرفة) أن تسبق أ َّ‬
‫مواضع ع َّدة يستطيع أن يختبئ فيها الجبان‪.‬‬
‫قائال‪« :‬سام األسود‬ ‫ق زوندو على ياقته ً‬ ‫حوص َر سام أخيرًا‪ .‬كان ينزل سُلَّ ًما عندما أطب َ‬
‫ِ‬ ‫قُرب نهاية عمله‬
‫يأتي مع زوندو»‪ ،‬وجرَّه عبر سطح السَّفينة وألقاه عند قد َمي كوچا مو‪.‬‬
‫بعيدًا إلى ال َّشمال يلوح سديم غامض منخفض في األُفق‪ ،‬وقد أشا َرت كوچا إليه قائلةً‪« :‬هذا ساحل‬
‫(دورن)‪ .‬رمال وصخور وعقارب‪ ،‬وال بُقعة صالحة للرَّسو بطول مئة فرسخ‪ .‬يُمكنك أن تسبح إلى هناك‬
‫إذا أردت ثم تمشي إلى (البلدة القديمة)‪ .‬عليك أن تقطع الصَّحراء ال َّشاسعة وتتسلَّق بعض الجبال وتسبح في‬
‫(التورنتين)‪ ،‬أو يُمكنك أن تذهب إلى جيلي»‪.‬‬
‫ت تفهمين‪ .‬ليلة أمس‪.»...‬‬
‫‪« -‬لس ِ‬
‫‪ ...« -‬كرَّمتما ميتكما واآللهة التي خلقَتكما‪ .‬زوندو فع َل ال ِمثل‪ .‬كان الطِّفل معي‪ ،‬ولوال هذا لكنت معه‪ .‬أنتم‬
‫معشر الوستروسيِّين تصمون الغرام بالعار‪ .‬ليس في الغرام عار‪ .‬إذا كان سپتوناتكم يقولون هذا فال بُ َّد أن‬
‫آلهتكم شياطين‪ .‬في جُزرنا نفهم أكثر منكم‪ .‬اآللهة وهبَت لنا سيقانًا نجري بها وأنوفًا نش ُّم بها وأيادي نتل َّمس‬
‫ونتحسَّس بها‪ .‬ما اإلله المتو ِّحش المجنون الذي يُعطي المرء عينين ويقول له إن عليه أن يُغلِقهما حتى‬
‫يموت وال يَنظُر أبدًا إلى ما في العالم من َجمال؟ إله وحش‪ ،‬شيطان من الظَّالم»‪ ،‬ووض َعت كوچا يدها بين‬
‫ضا‪ ،‬من أجل‪ ...‬ما الكلمة الوستروسيَّة؟»‪.‬‬ ‫ساقَي سام مضيفةً‪« :‬اآللهة وهبَت لك هذا لسب ٍ‬
‫ب أي ً‬
‫ساعدَها زوندو ً‬
‫قائال‪« :‬النِّكاح!»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬من أجل النِّكاح‪ ،‬لإلمتاع وإنجاب األطفال‪ .‬ال عار في هذا»‪.‬‬
‫حلفت يمينًا‪ .‬لن أتَّخذ لنفسي زوجةً أو أنجب أوالدًا‪ُ .‬‬
‫قلت هذه الكلمات»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قال سام متراجعًا‪« :‬لقد‬
‫‪« -‬جيلي تعرف الكلمات التي قلتها‪ .‬إنها طفلة في بعض النَّواحي‪ ،‬لكنها ليست عمياء‪ ،‬تعلم لِ َم ترتدي‬
‫األسود وسبب ذهابك إلى (البلدة القديمة)‪ ،‬وتعلم أنها ال تستطيع االحتفاظ بك‪ .‬إنها تُريدك فترةً قصيرةً ال‬
‫أكثر‪ .‬لقد فقدَت أباها وزوجها وأ َّمها وأخواتها‪ ،‬فقدَت بيتها وعالمها‪ .‬ليس عندها اآلن َّإالك والصَّغير‪،‬‬
‫فاذهب إليها أو اسبح»‪.‬‬
‫ق سام السَّديم الذي يُ َعلِّم السَّاحل البعيد بيأ ٍ‬
‫س عال ًما أنه ال يستطيع أن يسبح هذه المسافة‪.‬‬ ‫رم َ‬
‫ي أمير ٍة أو ابنة‬ ‫ذهب إلى جيلي‪ ،‬وقال لها‪« :‬ما فعلناه‪ ...‬لو أنني أستطي ُع ال َّزواج لفض ِ‬
‫َّلتك على أ ِّ‬ ‫َ‬ ‫وهكذا‬
‫ُ‬
‫وقلت‬ ‫ُ‬
‫ذهبت مع چون إلى الغابة‬ ‫ُ‬
‫حلفت اليمين يا جيلي‪،‬‬ ‫زلت ُغرابًا‪ .‬لقد‬
‫ُ‬ ‫أعيان‪ ،‬لكنني ال أستطي ُع‪ .‬إنني ما‬
‫الكلمات أمام شجرة قلوب»‪.‬‬
‫قالت جيلي ماسحةً ال ُّدموع عن وجنتيه‪« :‬األشجار تَحرُسنا‪ ،‬في الغابة ترى ك َّل شيء‪ ...‬لكن ال تو َجد‬
‫أشجار هنا‪ .‬فقط الماء يا سام‪ ،‬فقط الماء»‪.‬‬
‫سرسي‬
‫النَّهار بارد غائم بليل‪ .‬طيلة الصَّباح هطلَت األمطار بال انقطاع‪ ،‬وحتى عندما توقَّفت أخيرًا بَعد الظَّهيرة‬
‫ينقشع ولم يروا ال َّشمس م َّرةً‪ .‬طقس رديء لهذه ال َّدرجة تكفَّل بثبط الملكة الصَّغيرة‬ ‫ِ‬ ‫رفض السَّحاب أن‬
‫َ‬
‫قضت النَّهار‬ ‫وبدال من ركوب الخيل مع دجاجاتها وحاشيتهن من ال َحرس والمعجبين َ‬ ‫ً‬ ‫نفسها عن الخروج‪،‬‬
‫كلَّه في (قفص العذراوات) مع ال َّدجاجات في االستماع إلى غناء ال َّشاعر األزرق‪.‬‬
‫لم يكن نهار سرسي أفضل كثيرًا‪ ،‬ثم َح َّل المساء‪ .‬إذ استحالَت السَّماء من الرَّمادي إلى األسود أخبَروها‬
‫بأن (الجميلة سرسي) عادَت محمولةً على تيَّار المساء‪ ،‬وبأن أوران ووترز في الخارج يَطلُب مقابلَتها‪.‬‬
‫سم َحت له الملكة بال ُّدخول في الحال‪ ،‬وما كا َد يخطو إلى ُغرفتها ال َّشمسيَّة حتى عل َمت أنه يحمل نبأ ً سا ًّرا‪،‬‬
‫لك يا جاللة الملكة»‪.‬‬‫وبابتسام ٍة عريضة قال لها‪(« :‬دراجونستون) ِ‬
‫أعرف أن تومن سيُ َسرُّ أيضًا‪ .‬معنى هذا‬ ‫ُ‬ ‫طت يديه ولث َمته على الخ َّدين‪ ،‬ثم قالت‪« :‬‬ ‫ر َّدت‪« :‬رائع»‪ ،‬والتق َ‬
‫داف جديد‬ ‫أننا نستطيع إطالق أسطول اللورد ردواين وطرد الحديديِّين من (التُّروس)»‪ .‬مع وصول ك ِّل ُغ ٍ‬
‫تبدو األخبار اآلتية من (المرعى) أكثر مدعاةً للقلق‪ ،‬فمن الواضح أن الحديديِّين ليسوا قانعين بصخورهم‬
‫ت قويَّة على ضفاف (الماندر) وتمادوا إلى َح ِّد مها َجمة (الكرمة) والجُزر األصغر‬ ‫الجديدة‪ ،‬إذ ش ُّنوا غارا ٍ‬
‫التي تُحيط بها‪ .‬لم يكن آل ردواين قد أبقوا أكثر من دست ٍة من السُّفن الحربيَّة في مياههم‪ ،‬وك ُّلها ُحطِّ َم أو‬
‫غرقَ‪ ،‬واآلن ث َّمة تقارير تقول إن ذلك الرَّجل المجنون الذي يُ َس ِّمي نفسه يورون عين ال ُغراب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أ ِس َر أو أ ِ‬
‫رسل سُفنًا طويلةً عبر (النَّهر الهامس) نحو (البلدة القديمة) نفسها‪.‬‬ ‫يُ ِ‬
‫أخب َرها اللورد ووترز‪« :‬اللورد پاكستر كان يُ َح ِّمل المؤن من أجل رحلة العودة عندما أقل َعت (الجميلة‬
‫سرسي)‪ ،‬وأتص َّو ُر أن أسطوله األساسي في البحر بالفعل اآلن»‪.‬‬
‫س أفضل من اليوم»‪ ،‬وسحبَت ووترز ليجلس على‬ ‫قالت الملكة‪« :‬لنأمل أن يتمتَّعوا برحل ٍة سريعة وطق ٍ‬
‫مقعد النَّافذة إلى جوارها‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل ندين بال ُّشكر للسير لوراس على هذا النَّصر؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأجاب‪« :‬هذا ما سيقوله بعضهم يا‬
‫َ‬ ‫اختفَت ابتسامته‪،‬‬
‫بفضول متسائلةً‪« :‬بعضهم ولكن ليس أنت؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رمقَته‬
‫قال ووترز‪« :‬لم أ َر فارسًا أشجع منه‪ ،‬لكنه ح َّول ما كان يُمكن أن يكون نصرًا بال دما ٍء إلى مذبحة‪ .‬لقد‬
‫ماتَ ما يُقرُب من ألف رجل‪ ،‬أكثرهم من رجالنا‪ ،‬وليسوا جميعًا مجرَّد جنو ٍد تقليديِّين يا جاللة الملكة‪ ،‬بل‬
‫منهم فُرسان ولوردات صغار‪ ،‬األفضل واألشجع»‪.‬‬
‫‪« -‬والسير لوراس نفسه؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سيُصبِح األول بَعد األلف‪ .‬لقد حملوه إلى داخل القلعة بَعد المعركة‪ ،‬لكن إصاباته بليغة وفق َد دما ًء كثيرةً‬
‫لدرجة أن ال ِمايسترات يَرفُضون أن يُ َعلِّقوا له ال َعلق»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬هذا محزن‪ .‬قلب تومن سينكسر‪ .‬إنه معجب للغاية بفارس ُّ‬
‫الزهور الباسل»‪.‬‬
‫قال أميرالها‪« :‬والعا َّمة أيضًا‪ .‬في أنحاء البالد كلِّها ستبكي الفتيات حين يموت لوراس»‪.‬‬
‫تعلم الملكة أنه ليس مخطئًا‪ .‬يوم أبح َر السير لوراس احتش َد ثالثة آالف من العا َّمة عند (ب َّوابة الطَّمي)‬
‫ُفض المنظر َّإال إلى إفعام نفسها باالزدراء‪.‬‬
‫لتوديعه‪ ،‬ولم ي ِ‬
‫أرادَت أن تَص ُرخ فيها قائلةً إنهم خراف‪ ،‬أن تُخبِرهم بأن ك َّل ما سينالونه منه لن يتجا َوز ابتسامةً ووردةً‪،‬‬
‫س في (الممالك السَّبع) وابتس َمت فيما ق َّدم له تومن سيفًا محلًّى بالجواهر‬ ‫ً‬
‫وبدال من ذلك أعلنَته أشجع فار ٍ‬
‫يحمله في المعركة‪ .‬عانقَه الملك أيضًا‪ ،‬وإن لم يكن هذا الجزء من ترتيب سرسي‪ ،‬لكنه لم يَعُد يه ُّم‪،‬‬
‫ضر ‪.‬‬ ‫وبإمكانها أن تكون كريمةً‪ .‬لوراس تايرل يُحت َ‬
‫أم َرته سرسي قائلةً‪« :‬أخبِرني‪ .‬أري ُد أن أعرف ك َّل ما حدث‪ ،‬من البداية إلى النِّهاية»‪.‬‬
‫كانت ال ُغرفة قد أظل َمت لدى فروغه من ال ِّرواية‪ ،‬فأشعلَت الملكة بعض ال ُّشموع وأرسلَت دوركاس إلى‬
‫المطابخ لتجلب لهما القليل من ال ُخبز والجُبنة مع اللَّحم البقري المسلوق بالفجل الحار‪ ،‬وبينما تنا َوال ال َعشاء‬
‫ُ‬
‫فلست أري ُد أن‬ ‫بشكل سليم‪...« .‬‬‫ٍ‬ ‫طلبَت من أوران أن يحكي الحكاية ثانيةً كي تتذ َّكرها بجميع تفاصيلها‬
‫تسمع غاليتنا مارچري هذا الخبر من غريب‪ .‬سأخبرها بنفسي»‪.‬‬
‫جاللتك في غاية ال ُّلطف»‪ .‬ابتسامة خبيثة‪ .‬الحقيقة أن أوران ال يُشبِه األمير ريجار‬ ‫ِ‬ ‫قال ووترز مبتس ًما‪« :‬‬
‫بالقدر الذي حسبَته في البداية‪ .‬إن له َشعرًا أشبه به‪ ،‬ولكن كذا نِصف العاهرات في (ليس) إذا صدقَت‬
‫رجال‪ ،‬أ َّما هذا فصب ٌّي ماكر ال أكثر‪ ،‬غير أنه مفيد على طريقته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الحكايات‪ .‬ريجار كان‬
‫حاول أن تفهم قواعد لُعب ٍة جديدة ما من‬ ‫وجدَت مارچري في (قفص العذراوات) تشرب النَّبيذ وتُ ِ‬
‫تأخر السَّاعة أدخلَها ال ُحرَّاس في الحال‪ ،‬وخاطبَت‬ ‫(ڤوالنتيس) مع بنات عمومتها الثَّالث‪ .‬على الرغم من ُّ‬
‫أخوك‬
‫ِ‬ ‫مارچري قائلةً‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬األفضل أن تسمعي الخبر مني‪ .‬أوران عا َد من (دراجونستون)‪.‬‬
‫بطل»‪.‬‬
‫عرفت هذا»‪ .‬لم تَلُح دهشة على مارچري‪ .‬ولِ َم تندهش؟ لقد توقَّعت هذا منذ اللَّحظة التي توسَّل‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬لطالما‬
‫لوراس فيها القيادة‪ .‬لكن لدى انتهاء سرسي من القصَّة كانت ال ُّدموع تلتمع على وجه الملكة الصَّغيرة‪.‬‬
‫الزهور رأى تق ُّدم العمل بطيئًا‬ ‫«ردواين جع َل ُع َّمال مناجم يَحفُرون نفقًا تحت سور القلعة‪ ،‬لكن فارس ُّ‬
‫والدك في (التُّروس)‪ .‬اللورد ووترز يقول إنه َ‬
‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫للغاية‪ .‬ال ريب أنه كان يُفَ ِّكر في معاناة قوم السيِّد‬
‫رفض أمين قلعة اللورد ستانيس عرضه تسوية‬ ‫َ‬ ‫يوم من تولِّيه القيادة‪ ،‬بَعد أن‬
‫بالهجوم خالل أقلِّ من نِصف ٍ‬
‫َك ب َّوابة القلعة‪ ،‬ويقولون‬‫الحصار بالنِّزال الفردي بينهما‪ .‬كان لوراس أول من يَعبُر الثَّغرة عندما حطَّم ال ِمد ُّ‬
‫داخال فم التنِّين مباشرةً وقد ارتدى األبيض ول َّوح ب ُكرته ال َّشائكة حول رأسه مقتِّ ًال ذات اليمين‬ ‫ً‬ ‫ق‬
‫إنه انطل َ‬
‫وذات اليسار»‪.‬‬
‫عندئ ٍذ كانت ِمجا تايرل تبكي جهرًا‪ ،‬وسألَت‪« :‬كيف ماتَ ؟ َمن قتلَه؟»‪.‬‬
‫بسهم في الفخذ وآخَ ر في الكتف‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫أصيب‬
‫َ‬ ‫لرجل واحد‪ .‬السير لوراس‬ ‫ٍ‬ ‫أجابَت سرسي‪« :‬هذا ال َّشرف ليس‬
‫لكنه واص َل القتال ببسال ٍة على الرغم من ال َّدم السَّائل منه‪.‬‬
‫أعفيك من معرفة أسوأ ما‬
‫ِ‬ ‫أصيب بضرب ٍة من هراوة كس َرت بعض ضلوعه‪ ،‬ثم‪ ...‬ال‪ ،‬أري ُد أن‬
‫َ‬ ‫بَعدها‬
‫َ‬
‫حدث»‪.‬‬
‫قالت مارچري‪« :‬أخبِريني‪ ،‬هذا أمر»‪.‬‬
‫أمر؟ صمتَت سرسي وهلةً‪ ،‬ثم قرَّرت أن تتغاضى عن هذا‪ ،‬وقالت‪« :‬ال ُمدافِعون تقهقَروا إلى الحصن‬
‫ال َّداخلي ما إن سقطَ السُّور‪ ،‬وقا َد لوراس الهجوم هناك أيضًا‪.‬‬
‫لقد غ َمروه بال َّزيت المغلي»‪.‬‬
‫امتق َع وجه الليدي آال حتى صا َر كالطَّباشير‪ ،‬وهرعَت تُغا ِدر ال ُغرفة‪.‬‬
‫واصلَت سرسي‪« :‬ال ِمايسترات يفعلون ك َّل ما باإلمكان كما أ َّكد لي اللورد ووترز‪ ،‬لكنني أخشى أن حروق‬
‫أخيك فادحة»‪ ،‬وأخ َذت مارچري بين ذراعيها تُواسيها مضيفةً‪« :‬لقد أنق َذ البالد»‪ ،‬ول َّما قبَّلت الملكة‬ ‫ِ‬
‫الصَّغيرة على وجنتها تذ َّوقت ملوحة دموعها‪ ،‬ثم أردفَت‪« :‬سي ِ‬
‫ُدرج چايمي جميع مآثره في (الكتاب‬
‫األبيض)‪ ،‬وسيُ َغنِّي المطربون عنه أللف عام»‪.‬‬
‫تملَّصت مارچري من حضنها بع ٍ‬
‫ُنف كا َد يُسقِط سرسي‪ ،‬وقالت‪« :‬االحتضار ليس موتًا»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬لكن ال ِمايسترات يقولون‪.»...‬‬
‫‪« -‬االحتضار ليس موتًا!»‪.‬‬
‫أعفيك من‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أردت فقط أن‬ ‫‪«-‬‬
‫أعرف ما تُريدين‪ .‬اخرُجي»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫ست ليلة ماتَ چوفري‪ .‬حنَت سرسي رأسها ووجهها قناع من الكياسة الباردة‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫اآلن تعلمين ِب َم أح َس ُ‬
‫ُزنك»‪.‬‬
‫سأتركك لح ِ‬
‫ِ‬ ‫أجلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫«ابنتي العزيزة‪ ،‬إنني حزينة للغاية من‬
‫تغط چوسلين‬ ‫ُّ‬ ‫تستطع النَّوم‪ ،‬وبينما‬
‫ِ‬ ‫لم تظهر الليدي ميريويذر ليلتها‪ ،‬وجفا جنب سرسي عن الفِراش ولم‬
‫سويفت إلى جوارها ف َّكرت‪ :‬لو رآني اللورد تايوين اآلن لعرفَ أن له وريثًا‪ ،‬وريثًا جديرًا ب(الصَّخرة)‪.‬‬
‫قريبًا ستذرف مارچري ال ُّدموع المريرة التي كان عليها أن تذرفها من أجل چوفري‪ ،‬وربما يبكي مايس‬
‫حال أكثر من تشريف السير لوراس‬ ‫عطه سببًا لخصامها‪ ،‬فما الذي فعلَته على ك ِّل ٍ‬ ‫تايرل أيضًا‪ ،‬لكنها لم تُ ِ‬
‫طلب القيادة جاثيًا على رُكبته على مرأى من نِصف البالط‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بثقتها؟ لقد‬
‫ً‬
‫مثيال‪.‬‬ ‫مكان ما وأشيِّع له جنازةً لم تشهد لها (كينجز الندنج)‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫تمثاال في‬ ‫ي أن أبني له‬ ‫عندما يموت عل َّ‬
‫سيروق هذا العوام‪ ،‬وتومن أيضًا‪ .‬بل وربما يَش ُكرني مايس أيضًا‪ ،‬ذلك المسكين‪ .‬وبالنِّسبة إلى السيِّدة‬
‫والدته فإذا شا َءت اآللهة سيَقتُلها الخبر‪.‬‬
‫أمضت اللَّيل في‬‫َ‬ ‫ق رأته سرسي منذ سنوات‪ ،‬وسرعان ما ظه َرت تاينا واعترفَت بأنها‬ ‫كان هذا أجمل شرو ٍ‬
‫مواساة مارچري ورفيقاتها وشار َكتهن ال ُّشرب والبُكاء وحكاية القِصص عن لوراس‪ ،‬وإذ ارتدَت الملكة‬
‫ثيابها من أجل البالط قالت لها‪« :‬مارچري ما زالَت مقتنعةً بأنه لن يموت‪ .‬إنها تنوي إرسال ِمايسترها‬
‫صلِّين طلبًا لرحمة (األُم)»‪.‬‬
‫الخاص للعناية به‪ ،‬وبنات عمومتها يُ َ‬
‫الزهور‬‫قالت سرسي‪« :‬أنا أيضًا سأصلِّي‪ .‬غدًا تعالي معي إلى ( ِسپت بيلور) وسنُش ِعل مئة شمع ٍة لفارس ُّ‬
‫ت»‪ .‬إنه‬ ‫أحضري لي تاجي‪ ،‬التَّاج الجديد إذا سمح ِ‬ ‫ِ‬ ‫الباسل»‪ ،‬ثم التفتَت إلى وصيفتها قائلةً‪« :‬دوركاس‪،‬‬
‫الذهب المغزول الباهت المرصَّع ُّ‬
‫بالزمرُّ ذ الذي يَبرُق حين تُدير رأسها‪.‬‬ ‫أخف من القديم‪ ،‬مصنوع من َّ‬ ‫ُّ‬
‫قال السير أوزموند عندما أدخلَته چوسلين‪« :‬هناك أربعة أتوا بشأن ِ‬
‫العفريت هذا الصَّباح»‪.‬‬
‫أدهش هذا الملكة على نح ٍو سار‪ .‬ث َّمة سلسلة متواصلة من ال ُمخبرين الذين يأتون إلى (القلعة‬
‫َ‬ ‫‪« -‬أربعة؟»‪.‬‬
‫يوم واحد عدد غير معتاد‪.‬‬‫ت عن تيريون‪ ،‬لكن أربعةً في ٍ‬ ‫الحمراء) زاعمين أن لديهم معلوما ٍ‬
‫لك»‪.‬‬ ‫أجاب أوزموند‪« :‬أجل‪ .‬أحدهم معه رأس ِ‬ ‫َ‬
‫أوال‪ُ .‬خذه إلى ُغرفتي ال َّشمسيَّة»‪ .‬أرجو َّأال يكون هناك خطأ هذه المرَّة‪ ،‬أرجو أن أنال ثأري‬
‫‪« -‬سأراه ً‬
‫أخي ًرا ليَرقُد چوفري في سالم‪ .‬يقول السِّپتونات إن الرَّقم ‪ 7‬مق َّدس عند اآللهة‪ ،‬وربما يكون هذا الرَّأس‬
‫السَّابع ال َّدواء الذي تبتغيه روحها‪.‬‬
‫اتَّضح أن الرَّجل تايروشي قصير ممتلئ يُبَلِّل وجهه ال َعرق‪ ،‬وله ابتسامة متملِّقة لزجة ذ َّكرتها بڤارس‪،‬‬
‫ُعجب الرَّجل سرسي بمجرَّد النَّظر‪ ،‬لكنها مستع َّدة‬‫ولحية مشعَّبة مصبوغة بالوردي واألخضر‪ .‬لم ي ِ‬
‫للتَّغاضي عن عيوبه إذا كان رأس تيريون داخل هذا الصُّ ندوق الذي يحمله بالفعل‪ .‬الصُّ ندوق من خشب‬
‫ت متسلِّقةً وأزها ًرا‪ ،‬وله ِمفصالت وأقفال من َّ‬
‫الذهب‬ ‫ُص ِّور نباتا ٍ‬
‫ش من العاج ي َ‬ ‫األَزر المزخ َرف بنق ٍ‬
‫األبيض‪ ،‬منظره جميل حقًّا‪ ،‬لكن الملكة ال تكترث َّإال لما قد يكون في داخله‪ .‬إنه كبير كفايةً على األقل‪.‬‬
‫شخص صغير ناقص النُّمو‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رأس تيريون كان كبيرًا على نح ٍو شاذ بالنِّسبة إلى‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬أرى أن ما يُحكى عن َجمال ِك صادق‪ .‬حتى وراء‬ ‫ِ‬ ‫انحنى التايروشي بش َّد ٍة مغمغ ًما‪« :‬‬
‫إليك‬ ‫ُسنك والحُزن الذي يُ َم ِّزق ِ‬
‫قلبك المرهف‪ .‬ال أحد يستطيع أن يُعيد ِ‬ ‫(البحر الضيِّق) سمعنا عن براعة ح ِ‬
‫أللمك»‪ ،‬ووض َع يده على صُندوقه مضيفًا‪ِ « :‬‬
‫أتيتك‬ ‫ِ‬ ‫لك على األقل بلس ًما‬ ‫ابنك ال ُّشجاع‪ ،‬لكن أملي أن أقدِّم ِ‬
‫ِ‬
‫ڤالونڬارك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أتيتك برأس‬
‫ِ‬ ‫بالعدالة‪،‬‬
‫بعثَت الكلمة الڤاليريَّة القديمة رعدةً في جسدها‪ ،‬وإن استشع َرت وخز األمل أيضًا‪ ،‬وأعلنَت‪ِ « :‬‬
‫العفريت لم‬
‫يَعُد أخي‪ ،‬إن كان كذلك من األصل‪ ،‬ولن أنطق اسمه‪.‬‬
‫لقد كان اس ًما ساميًا ذات يوم‪ ،‬قبل أن يُلَ ِّوثه»‪.‬‬
‫ملك ودماء أب‪ .‬يقول‬
‫‪« -‬في (تايروش) ندعوه بذي اليدين الحمراوين للدِّماء السَّائلة من بين أصابعه‪ ،‬دماء ٍ‬
‫بعضهم إنه قت َل أ َّمه أيضًا مم ِّزقًا رحمها بمخالبه ليَخرُج»‪.‬‬
‫يا للهُراء‪« .‬صحيح‪ .‬إذا كان رأس ال ِعفريت في هذا الصُّ ندوق فسأرفعك إلى اللورديَّة وأهبُ لك أراضي‬
‫خصبةً وقالعًا»‪ .‬األلقاب أرخص من التُّراب‪ ،‬وأراضي النَّهر مألى بالقالع المتهدِّمة الواقفة في ُعزلتها‬
‫ولنر»‪.‬‬
‫َ‬ ‫حقول مهجورة وقُرى محروقة‪« .‬إن بالطي ينتظرني‪ .‬افتح الصُّ ندوق‬ ‫ٍ‬ ‫وسط‬
‫قزم مستق ًّرا على طبق ٍة‬
‫فت َح التايروشي الصُّ ندوق بحرك ٍة مسرحيَّة وتراج َع مبتس ًما‪ ،‬وفي ال َّداخل كان رأس ٍ‬
‫من المخمل األزرق النَّاعم يَنظُر إليها‪.‬‬
‫ُ‬
‫بالغت في األمل‪،‬‬ ‫ألقَت سرسي نظرةً طويلةً‪ ،‬ثم قالت وفي فمها مذاق مرير‪« :‬هذا ليس أخي»‪ُّ .‬‬
‫أظن أنني‬
‫خصوصًا بَعد لوراس‪ .‬اآللهة ليست بذلك الكرم أبدًا‪« .‬هذا الرَّجل عيناه بنِّيَّتان‪ .‬تيريون كانت له عين‬
‫سوداء وعين خضراء»‪.‬‬
‫ُ‬
‫فسمحت لنفسي باستبدالهما‬ ‫أخيك‪ ...‬تعفَّنتا بعض ال َّشيء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬العينان‪ ،‬بالضَّبط‪ ...‬جاللة الملكة‪ ،‬عينا‬
‫بالزجاج‪ ...‬لكن لونه خطأ كما تقولين»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫لم يُفلِح قوله َّإال في زيادة حنقها‪ ،‬ور َّدت‪« :‬ربما تكون عينا رأسك من ُّ‬
‫الزجاج‪ ،‬أ َّما عيناي أنا فال‪ .‬في‬
‫‪45‬‬
‫َ‬
‫حدث‬ ‫ضعف ِسنِّ أخي! ماذا‬ ‫راجل أشبه بال ِعفريت من هذا المخلوق‪ .‬إنه أصلع وفي ِ‬‫(دراجونستون) َك ِ‬
‫ألسنانه؟»‪.‬‬
‫انكمش الرَّجل من الغضب في صوتها‪ ،‬وقال‪« :‬كان لديه طقم ممتاز من األسنان َّ‬
‫الذهبيَّة يا جاللة الملكة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ُؤسفني‪.»...‬‬
‫لكننا‪ ...‬ي ِ‬
‫اوال التقاط أنفاسه بينما‬ ‫ي بي أن آمر بإعدامه خنقًا‪ .‬فلي ِ‬
‫ُنازع مح ً‬ ‫‪« -‬أوه‪ ،‬لم تأسف بع ُد‪ ،‬لكنك ستفعل»‪ .‬حر ٌّ‬
‫يسو ُّد وجهه ِمثل ابني الجميل‪ .‬كانت الكلمات على شفتيها بالفعل‪.‬‬
‫ت أنه بال أنف‪.»...‬‬
‫جاللتك الحظ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬خطأ غير مقصود‪ .‬كلُّ األقزام متشابهون‪ ،‬و‪ ...‬ال بُ َّد أن‬
‫‪« -‬إنه بال أنف ألنك قطعته!»‪.‬‬
‫صا َح‪« :‬ال!»‪ ،‬لكن جبهته المتصبِّبة عَرقًا و َشت بكذب إنكاره‪.‬‬
‫آخر أحمق‬ ‫ر َّدت سرسي‪« :‬نعم»‪ ،‬وتسلَّلت عذوبة سا َّمة إلى نبرتها إذ أردفَت‪« :‬على األقل ف َّكرت في هذا‪ِ .‬‬
‫حال يبدو لي أنك مدين لهذا القزم بأنف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاول إقناعي بأن ساحرًا متج ِّو ًال أنبتَه من جديد‪ .‬على كلِّ‬
‫َ‬ ‫جا َءني‬
‫عائلة النستر تُ َسدِّد ديونها‪ ،‬وكذا ستفعل أنت‪ .‬سير مرين‪ُ ،‬خذ هذا المحتال إلى كايبرن»‪.‬‬
‫أخ َذ السير مرين ترانت التايروشي من يده وسحبَه وهو ال يزال يصيح محت ًّجا‪ ،‬وحين خرجا التفتَت‬
‫وأدخل الثَّالثة اآلخَرين‬
‫ِ‬ ‫سرسي إلى أوزموند ِكتلبالك قائلةً‪« :‬سير أوزموند‪ ،‬أب ِعد هذا ال َّشيء عن نظري‬
‫الذين ي َّدعون معرفتهم بمكان ال ِعفريت»‪.‬‬
‫‪« -‬حاضر يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫لكن لألسف اتَّضح أن ثالثة الم َّدعين ليسوا ذوي جدوى أكثر من التايروشي‪ .‬قال أحدهم إن ال ِعفريت‬
‫مختبئ في ماخور ب(البلدة القديمة) ويخدم الرِّجال بفمه‪ ،‬وهي صورة طريفة لكن سرسي لم تُ َ‬
‫صدِّقها‬
‫لحظةً‪ .‬الثَّاني زع َم أنه رأى القزم في عرض ممثِّلين في (براڤوس)‪ ،‬والثَّالث أ َّكد أن تيريون أصب َح ناس ًكا‬
‫كال منهم بالوعد نفسه‪« :‬إذا تفضَّلت بقيادة‬ ‫في أراضي النَّهر ويعيش فوق تَلِّ مسكون ما‪ .‬أجابَت الملكة ًّ‬
‫مجموع ٍة من فُرساني ال ُّشجعان إلى هذا القزم فستتلقَّى مكافأةً سخيَّةً‪ ،‬شريطة أن يكون ال ِعفريت حقًّا‪ ...‬وإن‬
‫ُرسلونهم لمطا َردة األشباح‪ .‬قد تفقد‬ ‫لم يكن هو‪ ...‬إن فُرساني ال صبر لهم على الخداع أو الحمقى الذين ي ِ‬
‫لسانك»‪ ،‬وبهذه السُّرعة فق َد الثَّالثة ثقتهم فجأةً وقال ك ٌّل منهم إنه ربما رأى قز ًما آخَ ر ما‪.‬‬
‫اجتاح‬
‫َ‬ ‫آخر ال ُمخبرين‪« :‬هل‬ ‫لم تكن سرسي تُ ِ‬
‫درك أن هناك أقزا ًما كثيرين هكذا‪ ،‬وقالت متذ ِّمرةً مع خروج ِ‬
‫هؤالء الوحوش المش َّوهون العالم؟ كم يُمكن أن يكون عددهم؟»‪.‬‬
‫جاللتك إلى البالط؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قالت الليدي ميريويذر‪« :‬أقل مما كان‪ .‬هل لي ب َشرف اصطحاب‬
‫شأن واحد‪ .‬حُكم‬ ‫أصاب في ٍ‬‫َ‬ ‫ُمكنك احتمال الملل‪ .‬روبرت كان أحمق في معظم األشياء‪ ،‬لكنه‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬إذا كان ي‬
‫المملكة عمل مت ِعب»‪.‬‬
‫جاللتك مثقلةً بالهموم‪ .‬رأيي أن تَهرُبي وتلعبي وتَترُكي سماع االلتماسات المت ِعبة ليد‬ ‫ِ‬ ‫ُحزنني أن أرى‬
‫‪« -‬ي ِ‬
‫الملك‪ .‬يُمكننا أن نتن َّكر في هيئة خادمتين ونقضي اليوم وسط العا َّمة ونسمع ما يقولونه عن سقوط‬
‫أعرف الخان الذي يُ َغنِّي فيه ال َّشاعر األزرق حين ال يكون في حضور الملكة‬ ‫ُ‬ ‫(دراجونستون)‪ .‬إنني‬
‫وأعرف قب ًوا معيَّنًا يُ َح ِّول فيه ساحر الرَّصاص إلى ذهب والماء إلى نبيذ والفتيات إلى فِتية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الصَّغيرة‪،‬‬
‫رجال ليلةً؟»‪.‬‬
‫ً‬ ‫جاللتك أن تكوني‬
‫ِ‬ ‫ربما يُلقي تعاويذه علينا‪ .‬هل يُ َسلِّي‬
‫بدال من اسم تومن‪ .‬قالت‬ ‫رجال لحكمت هذه البالد باسمي ً‬ ‫ً‬ ‫رجال ألردت أن أكون چايمي‪ ،‬لو ُ‬
‫كنت‬ ‫ً‬ ‫لو ُ‬
‫كنت‬
‫ت شرِّيرة إلغرائي هكذا‪ ،‬لكن أيُّ ملك ٍة أنا إذا‬ ‫عالمةً ما تُريد تاينا أن تسمعه‪« :‬بشرط أن تبقي امرأةً‪ .‬أن ِ‬
‫تركت مملكتي بين يدَي هاريس سويفت الرَّاجفتين؟»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫جاللتك دءوب للغاية»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مطَّت تاينا شفتيها قائلةً‪« :‬‬
‫ر َّدت سرسي‪« :‬نعم‪ ،‬ومع نهاية اليوم سأند ُم على هذا»‪ ،‬وتأبَّطت ذراع الليدي ميريويذر مضيف ٍة‪:‬‬
‫«هل ِّمي»‪.‬‬
‫كأمير منفي‪ ،‬لكن على الرغم من مظهره الفاخر في‬‫ٍ‬ ‫كان چاالبار شو أول الملتمسين يومها كما يليق بمقامه‬
‫ت الرَّجل َّإال ليشحذ‪ .‬تر َكته سرسي كعادته يلتمس الرِّ جال والسِّالح السترداد‬
‫معطفه الرِّيش ال َّزاهي لم يأ ِ‬
‫(وادي ال َّزهرة ال َّزرقاء)‪ ،‬ثم قالت‪« :‬جاللته يخوض حربًا بالفعل أيها األمير چاالبار‪ ،‬وليس عنده رجال‬
‫يستغني عنهم لحربك اآلن‪ .‬ربما العام المقبل»‪ .‬هكذا أجابَه روبرت دو ًما‪ .‬العام المقبل ستقول له‪« :‬لن‬
‫يَح ُدث»‪ ،‬لكن ليس اليوم‪ .‬إن (دراجونستون) لها‪.‬‬
‫ي بيضات‬ ‫جا َء اللورد هاالين من رابطة الخيميائيِّين ليَطلُب اإلذن لپايرومانسراته في محا َولة إفقاس أ ِّ‬
‫تنانين تظهر في (دراجونستون) ما دا َمت الجزيرة قد عادَت آمنةً إلى األيدي الملكيَّة‪ ،‬فقالت له الملكة‪« :‬لو‬
‫كانت بيضات كهذه تبقَّت لباعها ستانيس ليُنفِق على تمرُّ ده»‪ ،‬وإن أحج َمت عن إضافة أنها خطَّة جنونيَّة‪.‬‬
‫آخر تنانين آل تارجاريَن انتهَت كلُّ المحا َوالت المشابهة بالموت أو المصائب أو المهانة‪.‬‬ ‫ق ِ‬
‫منذ نف َ‬
‫مثلَت أمامها مجموعة من ال ُّتجَّار الذين توسَّلوا إلى العرش أن يتوسَّط لهم عند مصرف (براڤوس)‬
‫قروض جديدة‪ .‬قالت‬ ‫ٍ‬ ‫الحديدي‪ ،‬فالبراڤوسيُّون يُطالِبون بسداد ال ُّديون واجبة ال َّدفع ويَرفُضون منح أ ِّ‬
‫ي‬
‫الذهبي‪ .‬ربما تستطيع أن‬ ‫سرسي لنفسها‪ :‬نحن محتاجون إلى مصرفنا الخاص‪ ،‬مصرف (النسپورت) َّ‬
‫تفعل ذلك عندما تُ َؤ ِّمن عرش تومن‪ ،‬أ َّما في الوقت الرَّاهن فليس بإمكانها َّإال أن تقول للتُّجَّار أن ير ُّدوا‬
‫ل ُمرابيِّي (براڤوس) مالهم‪.‬‬
‫وص َل وفد العقيدة بقيادة صديقها القديم السِّپتون راينارد‪ ،‬وقد رافقَه ستَّة من أبناء ال ُمحارب عبر المدينة‪.‬‬
‫معًا يصنعون سبعةً‪ ،‬وهو رقم مق َّدس مب ِّشر بالخير‪ ،‬وهكذا يفعل السِّپتون األعلى ‪-‬أو العُصفور األعلى كما‬
‫سيوف مخطَّطة بألوان العقيدة السَّبعة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لقَّبه فتى القمر‪ -‬ك َّل شي ٍء بالسَّبعات‪ .‬يتمنطق الفُرسان بأحزمة‬
‫طراز‬
‫ٍ‬ ‫ويُ َزيِّن البلَّور قبائع سيوفهم الطَّويلة وريشات خوذاتهم العظيمة‪ ،‬ويحملون تُروسًا لوزيَّة ال َّشكل من‬
‫لم يَعُد شائعًا منذ غزوة إجون عليها شعار لم يُ َر في (الممالك السَّبع) منذ قرون؛ سيف بألوان قوس قزح‬
‫س أتوا بالفعل ليتعهَّدوا بحيواتهم وسيوفهم ألبناء ال ُمحارب‬ ‫يلتمع على خلفيَّ ٍة مظلمة‪ .‬ما يَقرُب من مئة فار ٍ‬
‫أسكرتهم اآللهة جميعًا‪ .‬من كان ليتخيَّل أن في البالد ك َّل‬‫َ‬ ‫ِطبقًا لتقارير كايبرن‪ ،‬ومزيد منهم يجيء ك َّل يوم‪.‬‬
‫هذه األعداد؟ أكثرهم فُرسان حراسة وفُرسان متج ِّولون‪ ،‬لكن منهم كريمي المحتد كذلك‪ ،‬من أبناء أصغر‬
‫ولوردات صغار ومسنِّين يبتغون التَّوبة عن خطايا قديمة‪ ...‬ثم إن هناك النسل أيضًا‪ .‬لقد حسبَت أن‬
‫أخبرها بأن المغفَّل ابن ع ِّمها تخلَّى عن قلعته وأراضيه وزوجته وعا َد إلى المدينة‬ ‫َ‬ ‫كايبرن يمزح عندما‬
‫لينض َّم إلى جماعة أبناء ال ُمحارب النَّبيلة العظيمة‪ ،‬لكن ها هو ذا مع الحمقى المتديِّنين بالفعل‪.‬‬
‫ال يروق سرسي هذا على اإلطالق‪ ،‬وال يسرُّ ها استمرار تش ُّدد العُصفور األعلى ونُكرانه على اإلطالق‪.‬‬
‫سألَت السِّپتون راينارد‪« :‬أين السِّپتون األعلى؟ لقد استدعيته هو»‪.‬‬
‫وطلب مني أن أخبر‬
‫َ‬ ‫صاحب القداسة األعلى أرسلَني ً‬
‫بدال منه‬ ‫ِ‬ ‫انتح َل السِّپتون راينارد نبرةً آسفةً مجيبًا‪« :‬‬
‫جاللتك بأن اآللهة أرسلَته يُكافِح ال ُّشرور»‪.‬‬
‫ِ‬
‫يظن أن الصَّالة على العاهرات ستُعيد إليهن‬ ‫ُّ‬ ‫‪« -‬كيف‪ .‬بالتَّبشير بالعفَّة في (شارع الحرير)؟ هل‬
‫عذريَّتهن؟»‪.‬‬
‫َر َّد راينارد‪« :‬أجسادنا ش َّكلها أبونا وأ ُّمنا اإللهان كي يتزا َوج َّ‬
‫الذكر واألنثى إلنجاب أوال ٍد شرعيِّين‪ .‬من‬
‫الرَّذيلة واإلثم أن تبيع النِّساء أعضاءهن المق َّدسة بالمال»‪.‬‬
‫لربما كان هذا الرَّأي المح َّمل بالتَّقوى أكثر إقناعًا لو أن الملكة ال تعلم أن للسِّپتون راينارد صديقا ٍ‬
‫ت‬
‫ك أنه قرَّر أن ترديده تغريد العُصفور األعلى أفضل من‬ ‫ماخور ب(شارع الحرير)‪ .‬ال َش َّ‬ ‫ٍ‬ ‫معيَّنات في ك ِّل‬
‫حاول أن تعظني‪ .‬أصحاب المواخير يشتكون‪ ،‬ولهم ال َحق»‪.‬‬ ‫تنظيف األرضيَّات‪ .‬قالت له‪« :‬ال تُ ِ‬
‫‪« -‬إذا تكلَّم اآلثمون فلِ َم يُصغي إليهم الصَّالحون؟»‪.‬‬
‫ر َّدت الملكة بال موا َربة‪« :‬هؤالء اآلثمون يُ َغ ُّذون الخزانة الملكيَّة‪ ،‬ببنساتهم ندفع أجور ذوي المعاطف‬
‫الذهبيَّة ونبني القوادس للدِّفاع عن سواحلنا‪ .‬ويجب وضع التِّجارة في االعتبار أيضًا‪ .‬إذا خلَت (كينجز‬ ‫َّ‬
‫صاحب القداسة األعلى‬
‫ِ‬ ‫الندنج) من المواخير فستذهب السُّفن إلى (وادي الغسق) أو (بلدة النَّوارس)‪.‬‬
‫وعدَني بالسَّالم في شوارعي‪ ،‬وال ِعهر يُسا ِعد على ِحفظ السَّالم‪ .‬العا َّمة المحرومون من العاهرات يجنحون‬
‫صاحب القداسة األعلى من اآلن فصاعدًا بالصَّالة في السِّپت حيث ينتمي»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى االغتصاب‪ .‬فليلتزم‬
‫بدال منه ظه َر ال ِمايستر األكبر پايسل بوج ٍه مربد‬ ‫توقَّعت الملكة أن تسمع من اللورد جايلز أيضًا‪ ،‬لكن ً‬
‫ُحزنني أن أقول إن اللورد‬ ‫ونبر ٍة اعتذاريَّة يُخبِرها بأن روزبي أوهى من أن يبرح فِراشه‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬ي ِ‬
‫جايلز سيلحق بأسالفه النُّبالء قريبًا‪ .‬عسى (األب) أن يَح ُكم عليه بالعدل»‪.‬‬
‫ي مج َّددًا‪ .‬قالت بتبرُّ م‪:‬‬
‫ُحاول مايس تايرل والملكة الصَّغيرة فرض جارث السَّمين عل َّ‬ ‫إذا ماتَ روزبي فسي ِ‬
‫«اللورد جايلز مصاب بهذا السُّعال منذ سنين ولم يَقتُله‪ .‬لقد ظَ َّل يَسعُل خالل نِصف حُكم روبرت وطيلة‬
‫ُحتضر اآلن فالسبب الوحيد أن أحدًا يُريد موته»‪.‬‬
‫َ‬ ‫حُكم چوفري‪ .‬إذا كان ي‬
‫مذهوال‪ ،‬وقال‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬ممن قد يُريد موت اللورد جايلز؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ق ال ِمايستر األكبر پايسل إليها‬
‫حمل َ‬
‫‪« -‬وريثه ربما»‪ .‬أو الملكة الصَّغيرة‪« .‬امرأة ما نب َذها في الماضي»‪ .‬مارچري ومايس وملكة األشواك‪ ،‬لِ َم‬
‫ال؟ جايلز في طريقهم‪« .‬عد ٌّو قديم‪ ،‬عد ٌّو جديد‪ ،‬أنت»‪.‬‬
‫سقيت حضرة اللورد مسه ًِّال للبطن‬
‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬ججاللة الملكة تمزح‪ .‬لقد‪ ...‬لقد‬ ‫امتق َع وجه العجوز‪ ،‬وتلعث َم ً‬
‫قت له ال َعلق وعالجته بالك َّمادات واألنقعة‪ ...‬ال َّرذاذ يُريحه بعض ال َّشيء‪ ،‬وحُلو الكرى يُ َخفِّف ُعنف‬‫وعلَّ ُ‬
‫سُعاله‪ ،‬لكنني أخشى أن قِطعًا من الرِّئتين تَخرُج مع ال َّدم اآلن»‪.‬‬
‫‪« -‬ب َغضِّ النَّظر عن هذا‪ ،‬ستعود إلى اللورد جايلز وتُبلِغه بأني ال أسم ُح له بالموت»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫انحنى پايسل بجمو ٍد ً‬
‫قائال‪« :‬كما تأمر‬
‫رحل جميعهم‬‫َ‬ ‫س أكثر إثارةً للملل من سابِقه‪ .‬ليلتها‪ ،‬بَعد أن‬ ‫جا َء المزيد منهم‪ ،‬والمزيد‪ ،‬والمزيد‪ ،‬كلٌّ ملتم ٍ‬
‫ُ‬ ‫أخيرًا وجل َست تتنا َول عَشا ًء بسيطًا مع ابنها قالت له‪« :‬تومن‪ ،‬عندما تُ َ‬
‫صلِّي قبل النَّوم اش ُكر (األم)‬
‫طفال‪ .‬ال ُملك عمل شاق‪ ،‬وأؤ ِّك ُد لك أنك لن تحبَّه‪ .‬إنهم يَنقُرونك كسر ٍ‬
‫ب من ال ِغربان‪،‬‬ ‫و(األب) ألنك ما زلت ً‬
‫ك ٌّل منهم يرغب في قطع ٍة من لحمك»‪.‬‬
‫قال تومن بنبر ٍة حزينة‪« :‬حاضر يا أ َّماه»‪ .‬كان قد بلغَها أن الملكة الصَّغيرة أخب َرته بما جرى للسير‬
‫لوراس‪ ،‬وقال السير أوزموند إن الصَّبي بكى‪ .‬إنه صغير‪ .‬حين يَبلُغ ِس َّن چوف سيكون قد نس َي شكل‬
‫معك إلى البالط ك َّل ٍ‬
‫يوم ألنصت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لوراس‪ .‬واص َل ابنها‪« :‬لكني ال أمان ُع أن يَنقُروني‪ .‬المفت َرض أن أذهب‬
‫مارچري تقول‪.»...‬‬
‫الالزم‪ .‬مقابل نِصف جروت سيسرُّ ني أن أقطع لسانها»‪.‬‬ ‫بح َّد ٍة قاط َعته سرسي‪ ...« :‬أكثر من َّ‬
‫إياك أن‬ ‫صاح تومن فجأةً وقد احتقنَ وجهه المستدير الصَّغير‪ِ « :‬‬
‫إياك أن تقولي هذا! دعي لسانها وشأنه‪ِ ،‬‬ ‫َ‬
‫ت» ‪.‬‬
‫تلمسيها‪ .‬أنا الملك ال أن ِ‬
‫ح َّدقت إليه مشدوهةً‪ ،‬وقالت‪« :‬ماذا قلت؟»‪.‬‬
‫عليك أن‬
‫ِ‬ ‫لك بإيذاء مارچري‪ ،‬لن أسمح‪ .‬أح ِّر ُج‬
‫ت‪ .‬لن أسمح ِ‬
‫‪« -‬أنا الملك‪ ،‬أنا من آم ُر بقطع األلسنة ال أن ِ‬
‫تفعلي ذلك»‪.‬‬
‫أمس َكته سرسي من أُذنه وجرَّته صار ًخا إلى الباب حيث يقف السير بوروس بالونت حراسةً‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ت بپايت‪ .‬أري ُد أن يجلد تومن‬ ‫نسي نفسه‪ .‬من فضلك ُخذه إلى مسكنه وائ ِ‬ ‫َ‬ ‫«سير بوروس‪ ،‬جاللة الملك‬
‫عترض بكلم ٍة واحدة‬
‫َ‬ ‫رفض جاللته أو ا‬
‫َ‬ ‫الصَّبي بنفسه هذه المرَّة‪ ،‬وأن يستم َّر حتى تنزف فلقتا مؤ ِّخرته‪ .‬إذا‬
‫فاستد َع كايبرن وقُل له أن يقطع لسان پايت ليتعلَّم جاللته ثَمن قلَّة األدب»‪.‬‬
‫نف َخ السير بوروس رامقًا الملك بارتباك‪ ،‬وقال‪« :‬كما تأمرين‪ .‬تعا َل معي يا جاللة الملك إذا سمحت»‪.‬‬
‫مع حلول اللَّيل على (القلعة الحمراء) أوقدَت چوسلين نارًا في مستوقَد الملكة بينما أشعلَت دوركاس‬
‫ال ُّشموع إلى جوار الفِراش‪ .‬فت َحت سرسي النَّافذة طلبًا لنسمة هواء‪ ،‬فرأت أن السُّحب عادَت تحتشد مواريةً‬
‫النُّجوم‪ ،‬وتمت َمت دوركاس‪« :‬ليلة مظلمة يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫ينطرح لوراس تايرل محروقًا‬ ‫ِ‬ ‫ف َّكرت‪ :‬نعم‪ ،‬لكن ليست بظُلمة (قفص العذراوات) أو (دراجونستون) حيث‬
‫ينزف‪ ،‬أو في ال َّزنازين السَّوداء تحت القلعة‪ .‬ال تدري الملكة لِ َم خط َر لها هذا بَعد أن عز َمت على عدم‬
‫التَّفكير في فاليس ثانيةً‪ .‬نزال فردي‪ .‬كان على فاليس أن تكون أعقل من أن تتز َّوج مه ِّرجًا ِمثله‪ .‬األخبار‬
‫من (ستوكوورث) أن الليدي تاندا ماتَت ببر ٍد في الصَّدر أفضى إليه َوركها المكسور‪ ،‬وأُعلِنَت لوليس‬
‫البلهاء سيِّدةً على (ستوكوورث) والسير برون سيِّدها‪ .‬تاندا ماتَت وجايلز يموت‪ .‬جيِّد أن فتى القمر لم يزل‬
‫ُر َم البالطُ المهرِّجين بالكامل‪ .‬ابتس َمت الملكة إذ أرا َحت رأسها على الوسادة‪ ،‬وقالت لنفسها‪:‬‬ ‫وإال ح ِ‬‫معنا َّ‬
‫لثمت وجنتها تذ َّو ُ‬
‫قت الملح في دموعها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حين‬
‫ت يرتدين المعاطف البنِّيَّة وحيزبون لها لُغد وخيمة تعبق برائحة الموت‪.‬‬‫رأت حُل ًما قدي ًما فيه ثالث فتيا ٍ‬
‫سقف مدبَّب طويل‪ ،‬ولم تُ ِرد سرسي أن تَد ُخلها ِمثلما لم تُ ِرد وهي في‬ ‫ٍ‬ ‫كانت خيمة الحيزبون قاتمةً ذات‬
‫تستطع التَّراجُع‪ .‬في الحُلم كن ثالثًا كما كن في الواقع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العاشرة‪ ،‬لكن الفتاتين األخريَيْن كانتا تُراقِبانها ولم‬
‫تخلَّفت چاين فارمان السَّمينة عن رفيقتيها كما فعلَت دو ًما‪ ،‬وإنها ألعجوبة أن الفتاة قط َعت ك َّل هذا ال َّشوط‬
‫بنوع من َّمش من الحُسن‪ .‬بَعد أن‬‫ٍ‬ ‫معهما من األصل‪ ،‬أ َّما ميالرا هيذرسپون فكانت أكبر ِسنًّا وأجرأ وتتحلَّى‬
‫تسلَّلن من أسرَّتهن وارتدين معاطف من الخيش ورفعن قلنسواتها عب َرت الفتيات الثَّالث مضمار النِّزال‬
‫وسعين إلى العرَّافة‪ .‬كانت ميالرا قد سم َعت الخادمات يتها َمسن عن قُدرتها على إلقاء اللَّعنات على المرء‬
‫أو جعله يقع في الحُبِّ واستدعاء ال َّشياطين والتَّنبُّؤ بالمستقبَل‪.‬‬
‫ت بحماس ٍة تُكافئ خوفهن‪،‬‬ ‫ت الهمس شاعرا ٍ‬ ‫ت طائشات‪ ،‬يمضين متبادال ٍ‬ ‫في الواقع كانت الفتيات مبهورا ٍ‬
‫لكن الحُلم كان مختلفًا‪ .‬في الحُلم كانت السُّرادقات مظلمةً‪ ،‬والفُرسان والخدم الذين م َررن بهم من ضباب‪.‬‬
‫جالَت الفتيات فترةً طويلةً قبل أن يجدن خيمة الحيزبون‪ ،‬وحين بلغنَها كانت المشاعل كلُّها تتذب َذب توطئةً‬
‫ت يتها َمسن‪ ،‬فحاولَت أن تقول لهن‪ُ :‬عدن‪ ،‬ارحلن‪ ،‬ال شيء‬ ‫لالنطفاء‪ .‬شاهدَت سرسي ثالثتهن متالصقا ٍ‬
‫لكن هنا‪َّ ،‬إال أن صوتًا لم يَخرُج منها رغم أن فاها تحرَّك‪.‬‬
‫سبقَت ابنة اللورد تايوين رفيقتيها إلى ال ُّدخول من سديلة الخيمة‪ ،‬تتبعها ميالرا وراءها مباشرةً‪ ،‬وفي‬
‫النِّهاية چاين فارمان التي حاولَت االختباء وراء األخريَيْن كعادتها ال َّدائمة‪ .‬في ال َّداخل أفع َمت هواء الخيمة‬
‫الرَّوائح؛ القرفة وجوز الطِّيب‪ ،‬والفلفل أحمره وأبيضه وأسوده‪ ،‬وحليب اللَّوز والبصل‪ ،‬والقرنفل وحشيشة‬
‫اللَّيمون وال َّزعفران الثَّمين‪ ،‬وتوابل أخرى أغرب وأندر‪ .‬الضَّوء الوحيد كان ينبعث من مستوقَ ٍد حديدي‬
‫على شكل رأس بازيليسق‪ ،‬ضوء أخضر خافت جع َل حوائط الخيمة تبدو باردةً ميتةً تتعفَّن‪ .‬هل كانت تبدو‬
‫تستطع سرسي أن تتذ َّكر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هكذا في الواقع أيضًا؟ لم‬
‫في الحُلم كانت المشعوذة نائمةً كما وجدنها في الواقع‪ ،‬وأرادَت الملكة أن تصيح‪ :‬دَعنها وشأنها‪ .‬أيتها‬
‫لسان لم يكن بمقدورها َّإال أن تُشا ِهد الفتاة‬
‫ٍ‬ ‫الحمقاوات الصَّغيرات‪ ،‬إياكن وإيقاظ مشعوذ ٍة نائمة‪ ،‬لكن بال‬
‫تنتزع معطف العرَّافة وتَر ُكل فِراشها قائلةً‪« :‬استيقظي‪ ،‬نُريد قراءة طالعنا»‪.‬‬
‫حين فت َحت ماجي الضِّفدعة عينيها أطلقَت چاين فارمان صريرًا مرعوبًا وفرَّت من الخيمة مندفعةً إلى‬
‫اللَّيل في الخارج من جديد‪ .‬چاين الصَّغيرة البدينة الحمقاء الجبانة‪ ،‬شاحبة الوجه مكتنزة خائفة من ك ِّل ِظل‪.‬‬
‫لكنها كانت الحكيمة بيننا‪ .‬ما زالَت چاين تعيش على (الجزيرة القصيَّة)‪ ،‬وقد تز َّوجت أحد ح َملة راية أخيها‬
‫اللورد وأنجبَت دستةً من األطفال‪.‬‬
‫كانت عينا المرأة صفراويْن وتُحيط بهما قشرة شي ٍء كريه‪ .‬في (النسپورت) أشي َع أنها كانت شابَّةً جميلةً‬
‫عندما عا َد بها زوجها من ال َّشرق مع شحن ٍة من التَّوابل‪ ،‬لكن ال َّزمن وال َّش َّر تركا آثارهما عليها‪ .‬كانت‬
‫ضر‪ ،‬وقد سقطَت أسنانها جميعًا وتدلَّى ثدياها حتى‬ ‫ضن مخ َ‬ ‫قصيرةً ممتلئةً‪ ،‬في وجهها ثآليل ولها لُغد متغ ِّ‬
‫رُكبتيها‪ .‬إذا وقفت قريبًا منها فبإمكانك أن تش َّم رائحة المرض‪ ،‬لكن حين فت َحت فمها كانت ألنفاسها رائحة‬
‫غريبة قويَّة كريهة‪ ،‬وبهمس ٍة مبحوحة قالت للفتاتين‪« :‬ار َحال»‪.‬‬
‫قالت لها سرسي الصَّغيرة‪« :‬جئنا ألجل قراءة طالعنا»‪.‬‬
‫نعبَت العجوز ثانيةً‪« :‬ار َحال»‪.‬‬
‫أنك ترين الغَد‪ .‬نُريد فقط أن نعرف الرَّجلين اللذين سنتز َّوجهما»‪.‬‬
‫قالت ميالرا‪« :‬سمعنا ِ‬
‫وم َّرةً ثالثةً نعبَت ماجي‪« :‬ار َحال»‪.‬‬
‫ولو كان للملكة لسان لصرخَت‪ :‬أص ِغيا إليها‪ .‬ما زالَت فُرصة الهرب سانحةً‪ .‬اهرُبا أيتها الحمقاوان!‬
‫ُ‬
‫ذهبت إلى السيِّد والدي‬ ‫وإال‬ ‫وض َعت الفتاة ذات ال ُخصالت َّ‬
‫الذهبيَّة يديها على َوركيها قائلةً‪« :‬اقرئي طالعنا َّ‬
‫لوقاحتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لدك‬
‫وجعلته يأمر ب َج ِ‬
‫أرجوك‪ ،‬أخبرينا بمستقبلنا فقط ثم سنرحل»‪.‬‬‫ِ‬ ‫وأضافَت ميالرا متوسِّلةً‪« :‬‬
‫تمت َمت ماجي بصوتها العميق الرَّهيب‪« :‬بعض َمن هنا بال مستقبَل»‪ ،‬ثم إنها سحبَت معطفها حول كتفيها‬
‫وأشا َرت إلى الفتاتين باالقتراب‪ ،‬وقالت‪« :‬أقبِال إذن ما ُدمتما لن تر َحال‪ .‬أنتما حمقاوان‪ .‬نعم‪ ،‬أقبِال‪ ،‬يجب‬
‫أن أذوق دمكما»‪.‬‬
‫ظت على رباطة جأشها‪ ،‬فاللبؤة ال تخاف الضِّ فدعة مهما كانت عجو ًزا‬ ‫شحب وجه ميالرا لكن سرسي حاف َ‬
‫َ‬
‫وبدال من ذلك أخ َذت الخنجر الذي‬ ‫ً‬ ‫قبيحةً‪ .‬كان عليها أن ترحل‪ ،‬كان عليها أن تُصغي‪ ،‬كان عليها أن تفرَّ‪،‬‬
‫ناولَتها ماجي إياه ومرَّرت النَّصل الحديدي الملتوي على أنملة إبهامها‪ ،‬ثم فعلَت ال ِمثل مع ميالرا‪.‬‬
‫ارتعش فم ماجي الخالي من‬ ‫َ‬ ‫في الخيمة الخضراء المعتمة بدا ال َّدم أقرب إلى األسود من األحمر‪ ،‬وقد‬
‫يدك»‪ ،‬فل َّما فعلَت سرسي امتصَّت العرَّافة ال َّدم من إصبعها بلث ٍة ليِّنة‬ ‫ناوليني ِ‬‫األسنان لمرآه‪ ،‬وهم َست‪ِ « :‬‬
‫طفل حديث الوالدة‪ ،‬وال تزال الملكة تَذ ُكر كم كان فمها غريبًا باردًا‪.‬‬
‫كلثة ٍ‬
‫بك إجاباتي‪َ .‬سلي أو ارحلي»‪.‬‬ ‫لك ثالثة أسئلة‪ .‬لن تُ ِ‬
‫عج ِ‬ ‫ما إن شربَت الحيزبون حتى قالت‪ِ « :‬‬
‫عقال من أن تخاف‪.‬‬ ‫ف َّكرت الملكة الحالمة‪ :‬ارحلي‪ ،‬الزمي الصَّمت واهرُبي‪ ،‬لكن الفتاة كانت أق َّل ً‬
‫سألَت‪« :‬متى سأتز َّو ُج األمير؟»‪.‬‬
‫‪« -‬لن تتز َّوجيه أبدًا‪ ،‬ستتز َّوجين الملك»‪.‬‬
‫التوت مالمحها حيرةً‪ ،‬وطيلة سنوا ٍ‬
‫ت بَعدها فسَّرت الكالم بأنها لن تتز َّوج ريجار‬ ‫تحت ُخصالتها َّ‬
‫الذهبيَّة َ‬
‫َّإال بَعد موت أبيه إيرس‪.‬‬
‫ُ‬
‫سأكون الملكة؟»‪.‬‬ ‫سألَت سرسي الصَّغيرة‪« :‬لكنني‬
‫منك‬
‫ِ‬ ‫التم َع الحقد في عينَي ماجي الصَّفراوين إذ أجابَت‪« :‬ملكةً ستكونين‪ ،‬إلى أن تأتي أخرى أصغر‬
‫وتسلبك ك َّل ما تعدِّينه عزي ًزا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأجمل‪ ،‬لتُطيح ِ‬
‫بك‬
‫ومض الغضب على وجه الفتاة‪ ،‬وقالت‪« :‬إذا حاولَت سأجع ُل أخي يَقتُلها»‪ .‬حتى في ذلك الحين لم تتوقَّف‬ ‫َ‬
‫زال لها سؤال أخير‪ ،‬لمحة أخرى من حياتها اآلتية‪ ،‬وهكذا سألَت‪« :‬هل سأنجبُ‬ ‫تلك الطِّفلة العنيدة‪ ،‬فما َ‬
‫ً‬
‫أطفاال؟»‪.‬‬ ‫والملك‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬أجل‪ .‬ستَّة عشر له وثالثة ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫وجدَت سرسي الجواب بال معنى‪ .‬كان إبهامها يُؤلِمها حيث جر َحته ودمها يَقطُر على البساط‪ .‬أرادَت أن‬
‫تَطلُب تفسيرًا‪ ،‬لكنها فرغَت من أسئلتها‪.‬‬
‫قك دموعك‬ ‫غر ِ‬‫على أن العجوز لم تَفرُغ منها‪ ،‬وتاب َعت‪« :‬ذهبيَّةً ستكون تيجانهم وذهبيَّةً أكفانهم‪ ،‬وحين تُ ِ‬
‫جيدك األبيض ال َّشاحب بيديه ويَخنُ ِ‬
‫قك حتى الموت»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سيُطَ ِّوق الڤالونڬار‬
‫كذابة وضفدعة مغطَّاة بالثَّآليل‬‫ت َّ‬
‫الذهبيَّة التي لم تفهم النُّبؤة‪« :‬ما هو الڤالونڬار؟ وحش ما؟ أن ِ‬‫قالت الفتاة َّ‬
‫ق أن‬ ‫ق كلمةً مما تقولين‪ .‬هيا بنا يا ميالرا‪ ،‬إنها ال تستح ُّ‬ ‫وهمجيَّة عجوز كريهة الرَّائحة‪ ،‬وال أص ِّد ُ‬
‫نسمعها»‪.‬‬
‫ر َّدت صديقتها بإصرار‪« :‬إن لي ثالثة أسئلة أيضًا»‪ ،‬ول َّما ش َّدتها سرسي من ذراعها تملَّصت وعادَت‬
‫تلتفت إلى ال َّشمطاء سائلةً باندفاع‪« :‬هل سأتز َّو ُج چايمي؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫أصال‪ .‬آنذاك‬ ‫ف َّكرت الملكة شاعرةً بالغضب منها حتى اآلن‪ :‬أيتها البلهاء‪ ،‬چايمي ال يدري أن ِ‬
‫لك وجودًا‬
‫كان أخوها يعيش فقط للسُّيوف والكالب والخيول‪ ...‬ومن أجلها‪ ،‬توأمته‪.‬‬
‫موتك هنا اللَّيلة أيتها‬
‫ِ‬ ‫كارتك سيفضُّ ها ال ُّدود‪ .‬إن‬
‫ِ‬ ‫رجل غيره‪ .‬بِ‬
‫ٍ‬ ‫أجابَت ماجي‪« :‬ليس چايمي وال أ َّ‬
‫ي‬
‫الصَّغيرة‪ .‬هل تش ِّمين أنفاسها؟ إنها دانية للغاية»‪.‬‬
‫أنفاسك»‪ .‬على الطَّاولة قُرب ِمرفقها كان برطمان فيه عقَّار‬ ‫ِ‬ ‫قالت سرسي‪« :‬األنفاس الوحيدة التي نش ُّمها‬
‫ثخين ما‪ ،‬فاختطفَته وألقَته في عينَي العجوز‪ .‬في عالم الواقع صرخَ ت الحيزبون فيهما بلُغ ٍة أجنبيَّة غريبة‬
‫خيوط من‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫مستحيال إلى‬ ‫وذاب‬
‫َ‬ ‫ما وصبَّت عليهما لعناتها إذ فرَّتا من الخيمة‪ ،‬لكن في الحُلم تب َّدد وجهها‬
‫ق منه َّإال عينان صفراوان ضيِّقتان‪ ،‬عينا الموت‪.‬‬ ‫الضَّباب الرَّمادي‪ ،‬ثم لم يتب َّ‬
‫جيدك بيديه‪ ،‬لكنه لم يكن صوت العجوز‪ ،‬وبرزَت اليدان من‬ ‫ِ‬ ‫سم َعت الملكة َمن يقول‪ :‬سيُ َ‬
‫ط ِّوق الڤالونڬار‬
‫غيوم حُلمها والتفَّتا حول ُعنقها‪ ،‬يدان غليظتان قويَّتان يطفو فوقهما وجهه النَّاظر إليها شزرًا بعينيه غير‬
‫المتماثلتين‪ .‬حاولَت الملكة أن تصيح‪ :‬ال‪ ،‬لكن ي َدي القزم انغر َستا أكثر في لحم رقبتها خانقتيْن مقا َومتها‪،‬‬
‫خرج من ابنها‪ ،‬صوت‬ ‫َ‬ ‫ورا َحت تَر ُكل وتَصرُخ بال طائل‪ ،‬وسرعان ما صا َرت تُص ِدر الصَّوت ذاته الذي‬
‫س يلفظها چوف في ُدنياه‪.‬‬ ‫آخر أنفا ٍ‬‫صاحب ِ‬
‫َ‬ ‫االمتصاص الرَّفيع ال َّشنيع الذي‬
‫ُنف م َّزقه واعتدلَت جالسةً‬‫ظت شاهقةً في الظَّالم لتجد دثارها معقودًا حول ُعنقها‪ ،‬فانتزعَته سرسي بع ٍ‬ ‫استيق َ‬
‫تلهث‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬حُلم‪ ،‬حُلم قديم ودثار معقود‪ ،‬هذا كلُّ ما هنالك‪.‬‬
‫وبدال منها تنام إلى جوارها دوركاس‪ .‬ه َّزتها سرسي من‬ ‫ً‬ ‫هذه اللَّيلة أيضًا تقضيها تاينا مع الملكة الصَّغيرة‪،‬‬
‫كتفها بخشون ٍة قائلةً‪« :‬استيقِظي واعثُري على پايسل‪.‬‬
‫ضت دوركاس ِشبه نائم ٍة ونزلَت من الفِراش‬ ‫أحضريه في الحال»‪ ،‬فنه َ‬ ‫ِ‬ ‫أظنُّه سيكون مع اللورد جايلز‪.‬‬
‫لتقطع ال ُغرفة مترنِّحةً وتبحث عن ثيابها‪ ،‬وقد احت َّكت قدماها الحافيتان بالحصائر‪.‬‬
‫س محني‪ ،‬يطرف بعينيه ثقيلتَي‬ ‫عصور دخ َل ال ِمايستر األكبر پايسل يجرُّ قدميه ووقفَ أمامها برأ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بَعد‬
‫ُقاوم التَّثاؤب‪ ،‬ويبدو كأن وزن سلسلة ال ِمايستر الضَّخمة حول ُعنقه المتهدِّل يسحبه سحبًا إلى‬ ‫الجفنين وي ِ‬
‫األرض‪ .‬كان پايسل عجو ًزا طيلة معرفة سرسي به‪ ،‬ولكنه شه َد زمنًا تمتَّع فيه بالبهاء أيضًا‪ ،‬إذ تع َّود‬
‫ارتداء األقمشة الفاخرة وأحاطَ به طابع من الجالل وميَّزته كياسة منقطعة النَّظير‪ ،‬ومن َحته لحيته البيضاء‬
‫الهائلة سمت الحكمة‪َّ ...‬إال أن تيريون حل َ‬
‫ق لحيته‪ ،‬وما نبتَ منها من جدي ٍد يُثير ال َّشفقة‪ ،‬مجرَّد رُقع قليلة من‬
‫ً‬
‫رجال وإنما أطالل‬ ‫الجلد الوردي الرَّخو تحت ذقنه المتدلِّي‪ .‬ليس هذا‬ ‫ال َّشعر الهَشِّ ال تُخفي َّإال القليل من ِ‬
‫رجل‪ .‬ال َّزنازين السَّوداء سلبَته ما فيه من ق َّوة‪ ،‬هي وموسى القزم‪.‬‬
‫باد َرته سرسي سائلةً‪« :‬كم ِس ُّنك؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أربعة وثمانون عا ًما‪ ،‬بَعد إذن‬
‫رجال أصغر»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫كنت أفضِّ ُل‬
‫كنت في الثَّانية واألربعين فقط عندما استدعاني مجمع ال ِمايسترات‪ .‬كايث كان في‬ ‫ق شفتيه ً‬
‫قائال‪ُ « :‬‬ ‫لع َ‬
‫الثَّمانين حين اختاروه‪ ،‬وإليندور كان في التَّاسعة والثَّمانين‪.‬‬
‫عام من ترقيته‪ ،‬وخلفَهما ميريون في ِسنِّ السَّادسة‬ ‫كالهما سحقَته أعباء المنصب وماتَ في غضون ٍ‬
‫طلب الملك إجون من (القلعة) أن‬ ‫َ‬ ‫والستِّين‪ ،‬لكنه ماتَ بالبرد في طريقه إلى (كينجز الندنج)‪ ،‬وبَعدها‬
‫ملك خدمته»‪.‬‬
‫رجال أصغر‪ ،‬فكان أول ٍ‬ ‫ً‬ ‫تُ ِ‬
‫رسل‬
‫وتومن سيكون األخير‪« .‬أحتا ُج إلى عقَّ ٍ‬
‫ار منك‪ ،‬شيء يُسا ِعدني على النَّوم»‪.‬‬
‫‪« -‬كأس من النَّبيذ قبل النَّوم غالبًا ما‪.»...‬‬
‫‪« -‬إنني أشربُ النَّبيذ أيها األبله القميء‪ .‬أري ُد شيئًا أقوى‪ ،‬شيئًا ال يجعلني أحل ُم»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة ال تُريد أن تَحلُم؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫صاحبة‪...‬‬
‫‪ِ «-‬‬
‫ي أن آمر كايبرن‬ ‫قلت لت ِّوي؟ هل وهنَت أُذناك كقضيبك؟ أيُمكنك أن تصنع لي عقَّارًا كهذا أم أن عل َّ‬‫‪« -‬ماذا ُ‬
‫فشل آ َخر لك؟»‪.‬‬
‫بتصحيح ٍ‬
‫لتدخل كايبرن‪ .‬نوم بال أحالم‪ .‬ستَحصُلين على عقَّ ِ‬
‫ارك»‪.‬‬ ‫لتدخل هذا ال‪ُّ ...‬‬
‫داع ُّ‬ ‫‪« -‬ال‪ ،‬ليس هناك ٍ‬
‫قالت‪« :‬عظيم‪ .‬يُمكنك أن تذهب»‪ ،‬لكن إذ التفتَ نحو الباب استوقفَته متسائلةً‪« :‬شيء آخَ ر‪ .‬ما الذي تُ َدرِّسه‬
‫(القلعة) بخصوص التَّنبُّؤ؟ هل التَّكهُّن بالغد ممكن؟»‪.‬‬
‫تر َّدد العجوز‪ ،‬وتحسَّست يده صدره بحرك ٍة عفويَّة كأنها أرادَت التَّمليس على اللِّحية التي زالَت‪ ،‬وبتؤد ٍة‬
‫ر َّدد‪« :‬هل التَّكهُّن بالغد ممكن؟»‪ ،‬ثم إنه قال‪« :‬ربما‪ .‬ث َّمة تعاويذ معيَّنة في ال ُكتب القديمة‪ ...‬لكن ربما على‬
‫جاللتك أن تسألي‪ :‬هل ينبغي التَّكهُّن بالغد؟ وعلى هذا أر ُّد بال‪ .‬خي ٌر لإلنسان أن يظ َّل بعض األبواب‬ ‫ِ‬
‫مغلقًا»‪.‬‬
‫احرص على إغالق بابي عندما تَخرُج»‪ .‬كان يَج ُدر بها أن تعلم أن إجابته ستكون عديمة الفائدة ِمثله‪.‬‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫في الصَّباح التَّالي تناولَت إفطارها مع تومن‪ ،‬وقد بدا الصَّبي خاضعًا للغاية‪ .‬واضح إذن أن َجلده پايت آتى‬
‫أُكله‪ .‬أكال البيض المقل َّ‬
‫ي وال ُخبز المح َّمر واللَّحم المق َّدد والقليل من البُرتقال ال َّدموي الذي وص َل حديثًا على‬
‫سفين ٍة من (دورن)‪ .‬صاحبَت ابنها هُريراته‪ ،‬وإذ توثَّبت ولعبَت حول قدميه أحسَّت سرسي بشي ٍء من‬
‫التَّحسُّن‪.‬‬
‫دمت حيَّةً‪ .‬ستَقتُل نِصف لوردات (وستروس) وعا َّمتها كافَّةً إذا كان ذلك ما يتطلَّبه‬ ‫ُ‬ ‫ال أذى سيمسُّ تومن ما‬
‫الحفاظ على سالمته‪ .‬بَعد األكل قالت للصَّبي‪« :‬اذهب مع چوسلين»‪ ،‬ثم إنها أرسلَت تستدعي كايبرن‪ ،‬ول َّما‬
‫جا َء سألَته‪« :‬أما زالَت الليدي فاليس حيَّةً؟»‪.‬‬
‫‪« -‬حيَّة‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن ربما ال تكون‪ ...‬مستريحةً»‪.‬‬
‫غمغ َمت سرسي‪« :‬مفهوم»‪ ،‬وف َّكرت بُرهةً قبل أن تُر ِدف‪« :‬هذا الرَّجل برون‪ ...‬ال أستطي ُع أن أقول إن‬
‫عجبني‪ .‬إن ق َّوته كلَّها مستم َّدة من لوليس‪ ،‬فإذا كشفنا عن أختها الكبيرة‪.»...‬‬
‫عدو بهذا القُرب تُ ِ‬
‫فكرة وجود ٍّ‬
‫قال كايبرن‪« :‬لألسف أخشى أن الليدي فاليس لم تَعُد قادرةً على حُكم (ستوكوورث)‪ ،‬أو على إطعام نفسها‬
‫مت الكثير منها‪ ،‬لكن ال ُّدروس لم تكن بال مقابل‪ .‬آم ُل أنني لم أتجا َوز‬‫حتى‪ .‬يسرُّ ني أن أقول إنني تعلَّ ُ‬
‫جاللتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تعليمات‬
‫‪« -‬نعم»‪ .‬أيًّا كان ما انت َوته فقد فاتَ أوانه‪ ،‬وال جدوى من إطالة التَّفكير فيه‪ .‬األفضل أن تموت‪ ،‬فليست‬
‫واصل الحياة من دون زوجها‪ .‬على الرغم من سذاجته بدَت الحمقاء مغرمةً به‪« .‬ث َّمة مسألة‬ ‫تُريد أن تُ ِ‬
‫رأيت حُل ًما مخيفًا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أخرى‪ .‬ليلة أمس‬
‫‪« -‬شيء يُصيب البَشر كلَّهم من ٍ‬
‫حين إلى آخَر»‪.‬‬
‫‪« -‬الحُلم يخصُّ ساحرةً ُزرتها في طفولتي»‪.‬‬
‫‪« -‬ساحرة غابات؟ أكثرهن غير مؤذيات‪ ،‬يعرفن القليل من العالج باألعشاب والقبالة‪ ،‬لكن فيما عدا‬
‫هذا‪.»...‬‬
‫الذهاب إليها من أجل التَّمائم والعقاقير‪ .‬كانت أُ َّم‬ ‫‪« -‬كانت أكثر من ذلك‪ .‬نِصف أهل (النسپورت) اعتادوا َّ‬
‫اجر في ال َّشرق‪ .‬قال‬ ‫أحد اللوردات الصِّغار‪ ،‬تاجر ثري رقَّاه جدِّي‪ ،‬وقد وجدَها أبو هذا اللورد بينما يُت ِ‬
‫احتاجت إليها كانت بين فخذيها‪ .‬لم‬ ‫َ‬ ‫بعضهم إنها ألقَت عليه تعويذةً‪ ،‬مع أن األرجح أن التَّعويذة الوحيدة التي‬
‫ً‬
‫طويال غريبًا‪ ،‬لكن العا َّمة تع َّودوا‬ ‫تكن بشعة الخلقة دائ ًما‪ ،‬أو هكذا قالوا‪ .‬ال أذك ُر اسمها‪ .‬كان اس ًما شرقيًّا‬
‫دعوتها بماجي»‪.‬‬
‫‪« -‬مايجي؟»‪.‬‬
‫دم من إصبعك وتُخبِرك بما يُ َخبِّئه مستقبَلك»‪.‬‬
‫طق؟ كانت المرأة تمتصُّ قطرة ٍ‬ ‫‪« -‬أهكذا يُن َ‬
‫‪« -‬السِّحر ال َّدموي أكثر أنواع ال َّشعوذة سوادًا‪ ،‬ويقول بعضهم إنه األقوى كذلك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ضحكت منها‪،‬‬ ‫قالت سرسي التي ال تُريد أن تسمع هذا‪« :‬هذه المايجي تنبَّأت بأشياء معيَّنة‪ .‬في البدء‬
‫لكنها‪ ...‬تنبَّأت بموت واحد ٍة من رفيقات فِراشي‪ .‬وقت النُّبوءة كانت الفتاة في الحادية عشرة‪ ،‬في ص َّح ٍة‬
‫بئر وغرقَت»‪ .‬توسَّلت ميالرا إليها‬ ‫ممتازة ك ُمهرة وآمنةً في (الصَّخرة)‪ ،‬لكنها سقطَت بَعد فتر ٍة قصيرة في ٍ‬
‫حدث فسرعان ما سننساه‪ ،‬وعندها‬ ‫َ‬ ‫َّأال تتكلَّما أبدًا ع َّما سمعتاه تلك اللَّيلة في خيمة المايجي‪ .‬إذا لم نتكلَّم ع َّما‬
‫ُلم سيِّئ رأيناه‪ .‬األحالم السيِّئة ال تتحقَّق أبدًا‪ .‬كانت كلتاهما صغيرةً‪ ،‬فبدا الكالم أقرب إلى‬ ‫سيكون مجرَّد ح ٍ‬
‫الحكمة‪.‬‬
‫جك يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫زع ِ‬ ‫طفولتك؟ أهذا ما يُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ت حزينةً على صديقة‬ ‫سألَها كايبرن‪« :‬أما زل ِ‬
‫‪« -‬ميالرا؟ ال‪ .‬إنني أذك ُر شكلها بالكاد‪ .‬غير أن‪ ...‬المايجي عل َمت كم ً‬
‫طفال سأنجبُ ‪ ،‬وعل َمت بأمر نغول‬
‫ت من إنجابه أولهم عل َمت‪ .‬لقد وعدَتني بأنني سأصي ُر ملكةً‪ ،‬لكنها قالت إن ملكةً أخرى‬ ‫روبرت‪ ،‬قبل سنوا ٍ‬
‫ستأتي‪ .»...‬أصغر وأجمل‪ ...« .‬ملكةً أخرى ستسلبني ك َّل ما أحبُّ »‪.‬‬
‫‪« -‬وترغبين في تحاشي تح ُّقق هذه النُّبوءة؟»‪.‬‬
‫ي شيء‪« .‬أهذا ممكن؟»‪.‬‬ ‫أكثر من أ ِّ‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬نعم‪ .‬ال تش ِّكي في هذا أبدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬كيف؟»‪.‬‬
‫جاللتك تعرف الجواب»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ُّ « -‬‬
‫أظن أن‬
‫كنت أعرفه طيلة الوقت‪ ،‬حتى في الخيمة‪« .‬إذا حاولَت سأجع ُل أخي يَقتُلها»‪.‬‬
‫وهي تعرفه بالفعل‪ُ .‬‬
‫َّإال أن معرفة ما عليها أن تفعله شيء ومعرفة كيف تفعله شيء آخَر‪ .‬إنها ال تستطيع االعتماد على چايمي‪.‬‬
‫أفضل الحلول أن يفتك بها مرض مفاجئ‪ ،‬لكن اآللهة نادرًا ما تكون بذلك الكرم‪ .‬كيف إذن؟ س ِّكين؟‬
‫مسن في نومه ال‬ ‫ٌّ‬ ‫وسادة؟ كوب من آفة القلوب؟ كلُّ هذه الخيارات يتض َّمن مشكالت‪ .‬حين يموت رجل‬
‫يُفَ ِّكر أحد في األمر مرَّتين‪ ،‬لكن العثور على فتا ٍة في السَّادسة عشرة ميتةً في فِراشها سيُفضي بك ِّل تأكي ٍد‬
‫تتعذر إجابتها‪ ،‬ثم إن مارچري ال تنام بمفردها أبدًا‪ ،‬وحتى مع احتضار السير لوراس ما زا َل‬ ‫َّ‬ ‫إلى أسئل ٍة‬
‫َّ‬
‫ال َحرس المسلحون حولها ليل نهار‪.‬‬
‫سيف ح َّدان‪ .‬الرِّ جال أنفُسهم الذين يَحرُسونها يُمكن استغاللهم في اإلطاحة بها‪ .‬يجب أن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫لكن لك ِّل‬
‫ال َّدليل دام ًغا لدرجة َّأال يجد السيِّد والد مارچري ذاته خيارًا غير الموافَقة على إعدامها‪ ،‬ولن يكون ذلك‬
‫سهال‪ .‬ليس واردًا أن يعترف ُع َّشاقها عالمين أن معنى هذا قطع رؤوسهم مع رأسها‪ ،‬ما لم‪...‬‬ ‫ً‬
‫ُبارز أحد التَّوأمين ردواين في السَّاحة‪ .‬ال تدري أيُّهما‪ ،‬إذ‬
‫في اليوم التَّالي وجدَت الملكة أوزموند ِكتلبالك ي ِ‬
‫ط من التَّمييز بينهما‪ .‬شاهدَت المبا َرزة فترةً‪ ،‬ثم نادَت السير أوزموند‪ ،‬وقالت له‪« :‬تمشَّ معي‬ ‫لم تتم َّكن قَ ُّ‬
‫س‬
‫ي فار ٍ‬ ‫ت من أ ِّ‬
‫ي ابن ل ِكتلبالك أفضل ثالث مرَّا ٍ‬‫واص ِدقني القول‪ .‬ال أري ُد زه ًوا فار ًغا أو كال ًما عن أن أ َّ‬
‫آخَر‪ .‬الكثير يعتمد على إجابتك‪ .‬أخوك أوزني‪ ،‬ما مدى براعته في استخدام السَّيف؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنه بارع‪ .‬لقد رأيتِه‪ .‬ليس قويًّا ِمثلي أو ِمثل أوزفريد‪ ،‬لكنه سريع القتل»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا دعَت الحاجة‪ ،‬فهل يستطيع أن يهزم السير بوروس بالونت؟»‪.‬‬
‫ق السير أوزموند ضحكةً مكتومةً‪ ،‬وقال‪« :‬بوروس ال ِكرش؟ كم ِسنُّه؟ أربعون عا ًما؟ خمسون؟ إنه‬ ‫أطل َ‬
‫نِصف ثمل نِصف الوقت‪ ،‬وبدين حتى وهو مفيق‪ .‬إذا كان يستسيغ القتال من قبل فلم يَعُد يفعل‪ .‬أجل يا‬
‫ارتكب بوروس‬
‫َ‬ ‫جاللة الملكة‪ ،‬إذا كان قتل السير بوروس مطلوبًا فأوزني كفيل بهذا بسهولة‪ .‬لماذا؟ هل‬
‫خيانةً ما؟»‪.‬‬
‫أجابَت‪« :‬ال»‪ ،‬لكن أوزني ارتكبَها‪.‬‬
‫بِريان‬
‫ميل من مفت َرق ُّ‬
‫الطرق‪.‬‬ ‫صادَفوا أولى الجُثث على بُعد ٍ‬
‫كان الرَّجل يتأر َجح من فرع شجر ٍة ميتة ما زا َل جذعها المتفحِّم يحمل ندوب صاعقة البرق التي قتلَتها‪،‬‬
‫وقد أ َّدت ال ِغربان عملها في وجهه‪ ،‬والته َمت ال ِّذئاب وليمةً من لحم ساقيه حيث تتدلَّيان قُرب األرض‪ ،‬فلم‬
‫ق أسفل الرُّ كبتين َّإال العظم واألسمال‪ ...‬باإلضافة إلى فردة حذا ٍء ممضوغة تما ًما ويكاد يُ َغطِّيها الطَّمي‬‫يتب َّ‬
‫والعفَن‪.‬‬
‫سأ َل پودريك‪« :‬ما هذا الذي في فمه؟»‪.‬‬
‫اضطرَّت بِريان إلى استجماع أطراف َشجاعتها لتُلقي نظرةً‪ .‬وجه الرَّجل رمادي وأخضر وفظيع‪ ،‬وفمه‬
‫مفتوح منتفخ إذ َدسَّ أحدهم صخرةً بيضاء مح َّززةً بين أسنانه‪ ،‬صخرةً أو‪...‬‬
‫قال السِّپتون ميريبولد‪« :‬إنه ملح»‪.‬‬
‫صروا الجثَّة الثَّانية‪ .‬كان آكلو الجيف قد سحبوها أرضًا‪ ،‬وما تبقَّى منها مبعثَر على‬
‫بَعد خمسين ياردةً أب َ‬
‫بال مربوط حول فرع شجرة دَردار‪ .‬كانت بِريان لتم َّر بها دون أن تلحظ‪ ،‬لوال أن كلب‬ ‫حبل ٍ‬‫األرض تحت ٍ‬
‫ووثب بين الحشائش ليتش َّممها من كثب‪.‬‬
‫َ‬ ‫التقطَ رائحتها‬
‫ق بالكلب‪ ،‬ثم عا َد بخوذ ٍة قصيرة ال تزال تحوي‬ ‫سأ َل السير هايل‪« :‬ماذا وجدت يا كلب؟»‪ ،‬وترجَّل ولح َ‬
‫جمجمة الميت باإلضافة إلى القليل من الدِّيدان والخنافس‪ ،‬وأعلن‪« :‬فوالذ جيِّد‪ ،‬ليس منبجعًا لهذه ال َّدرجة‪،‬‬
‫ولو أن األسد فق َد رأسه‪ .‬پود‪ ،‬هل تُريد خوذةً؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس هذه‪ ،‬إن فيها دودًا»‪.‬‬
‫‪« -‬يُمكنك أن تغسلها من ال ُّدود يا فتى‪ .‬إنك شديد الحساسيَّة كالبنات»‪.‬‬
‫قالت له بِريان عابسةً‪« :‬إنها كبيرة عليه للغاية»‪.‬‬
‫‪« -‬سيَكبُر حتى تُ ِ‬
‫ناسبه»‪.‬‬
‫قال پودريك‪« :‬ال أريدها»‪ ،‬فهَ َّز السير هايل كتفيه وألقى الخوذة ذات ريشة األسد المكسورة وسط‬
‫وذهب يرفع ساقه على ال َّشجرة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الحشائش‪ ،‬ونب َح كلب‬
‫مدالة من أشجار ال ُمران وجار الماء وال َّزان والبَتولة واألَرز‬ ‫ث َّ‬‫بَعد ذلك لم تكد مئة ياردة تمرُّ بال جُث ٍ‬
‫رجل حول رقبته‬ ‫ٍ‬ ‫وال َّدردار‪ ،‬ومن أشجار الصَّفصاف العجوز ال َّز ِغبة وأشجار الكستناء المهيبة‪ .‬كلُّ‬
‫رجل فمه محش ٌّو بالملح‪ .‬يرتدي بعضهم معاطف رماديَّة أو زرقاء‬ ‫ٍ‬ ‫أنشوطة معلَّقة من ٍ‬
‫حبل من القِنَّب‪ ،‬وكلُّ‬
‫لون وآ َخر‪ ،‬وعلى صدور بعضهم‬ ‫أو قرمزيَّة‪ ،‬وإن أبهتَتها ال َّشمس واألمطار لدرج ٍة تُ َ‬
‫صعِّب التَّمييز بين ٍ‬
‫صنوبر وورقة َسنديان‬ ‫شارات مخيطة‪ ،‬ورأت بِريان فؤوسًا وسها ًما وع َّدة أسماك سلمون وشجرة َ‬
‫خنزير ب ِّري ونِصف دست ٍة من الرِّماح ال ُّثالثيَّة‪ .‬رجال مكسورون‪ ،‬فلول عشرة‬ ‫ٍ‬ ‫وخنافس وديو ًكا ورأس‬
‫ش أو أكثر‪ ،‬فُضالة اللوردات‪.‬‬ ‫جيو ٍ‬
‫ملتح‪ ،‬وبعضهم شاب وبعضهم عجوز‪ ،‬وبعضهم قصير وبعضهم طويل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعض الموتى أصلع وبعضهم‬
‫وبعضهم بدين وبعضهم نحيل‪ ،‬لكن مع انتفاخ الجُثث وتآ ُكل الوجوه وتعفُّنها يتشابَه الجميع‪ .‬على مشانق‬
‫ب ما‪ ،‬وإن نسيَت اسمه‪.‬‬ ‫األشجار كلُّ البَشر إخوة‪ .‬قرأت بِريان هذه المقولة في كتا ٍ‬
‫أعرب ع َّما أد َركوه جميعًا إذ قال‪« :‬هؤالء هُم الرِّ جال الذين أغاروا على ( َّ‬
‫المالحات)»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هايل هَنت هو من‬
‫قال ميريبولد الذي كان صديق ِسپتون البلدة ال َّشيخ‪« :‬عسى (األب) أن يَح ُكم عليهم بالعذاب»‪.‬‬
‫ال ته ُّم هُويَّاتهم بِريان بقدر ما يه ُّمها َمن شنقَهم‪ .‬يُقال إن األنشوطة وسيلة اإلعدام المثاليَّة عند بريك‬
‫دونداريون وجماعته من الخارجين عن القانون‪ ،‬وإذا كان َمن يُ َس َّمى سيِّد البرق شانقهم حقًّا فربما يكون‬
‫قريبًا‪.‬‬
‫هال حثثنا ال ُخطى؟ ال َّشمس موشكة على الغروب‪،‬‬ ‫نب َح كلب‪ ،‬فتلفَّت السِّپتون ميريبولد حوله بتجهُّم‪ ،‬وقال‪َّ « :‬‬
‫وأشك أن الموت جعلَهم ألطف‬ ‫ُّ‬ ‫رجاال قُساةً خطرين في حياتهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ليال‪ .‬هؤالء كانوا‬‫والجُثث صُحبة رديئة ً‬
‫معشرًا»‪.‬‬
‫علَّق السير هايل‪« :‬أخالِفك الرَّأي‪ .‬إنهم بالضَّبط النَّوع الذي يُ َحسِّن الموت طباعه كثيرًا»‪ ،‬على أنه هم َز‬
‫حصانه وتحرَّك بسُرع ٍة أكبر‪.‬‬
‫على مساف ٍة أبعد بدأت األشجار تقلُّ ‪ ،‬ولكن ليس الجُثث‪ .‬أفس َحت الغابة الطَّريق للحقول الموحلة وفروع‬
‫الغربان صارخةً مع دن ِّو ال ُمسافرين ثم عادَت تستقرُّ على الجُثث ما‬ ‫ال َّشجر للمشانق‪ ،‬وحلَّقت سحابات من ِ‬
‫رجاال أشرارًا‪ ،‬وعلى الرغم من هذا أحزنَها المشهد‪ .‬أرغ َمت‬ ‫ً‬ ‫إن مرُّ وا‪ .‬ذ َّكرت بِريان نفسها قائلةً‪ :‬كانوا‬
‫وخطر لها أنها تعرَّفت بعض َمن رأتهم في‬ ‫َ‬ ‫رجل بدوره باحثةً عن وجو ٍه تألفها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نفسها على النَّظر إلى كلِّ‬
‫(هارنهال)‪َّ ،‬إال أن حالتهم جعلَت التَّيقُّن عسيرًا‪ .‬ال أحد من المشنوقين يعتمر خوذةً على شكل رأس كلب‪،‬‬
‫ت من شتَّى األنواع‪ ،‬وإن ُج ِّر َد أكثرهم من األسلحة وال ُّدروع واألحذية قبل‬ ‫لكن قلَّةً منهم تعتمر خوذا ٍ‬
‫إعدامهم‪.‬‬
‫عندما سأ َل پودريك عن اسم الخان الذي يأملون قضاء اللَّيل فيه‪ ،‬انتهزَ السِّپتون ميريبولد الفُرصة بحماس ٍة‬
‫‪-‬ربما ليصرف تفكيرهم عن ال ُحرَّاس المريعين على جانب الطَّريق‪ -‬وقال‪« :‬يُ َس ِّميه بعضهم (الخان‬
‫ت من السِّنين‪ ،‬ولو أن الخان الموجود حاليًّا بُنِ َي في عهد چهيرس‬ ‫القديم)‪ .‬ث َّمة خان كان قائ ًما هناك ع َّدة مئا ٍ‬
‫ق (طريق الملوك)‪ ،‬ويُقال إن چهيرس وملكته اعتادا النَّوم هناك خالل رحالتهما‪،‬‬ ‫األول‪ ،‬الملك الذي َش َّ‬
‫س‬‫وهكذا ظَ َّل المكان معروفًا فترةً باسم (خان التَّاجيْن) تكري ًما لهما‪ ،‬إلى أن شيَّد أحد أصحابه بُرج جر ٍ‬
‫اشتغل‬
‫َ‬ ‫س ُمعاق اسمه چون ه ِدل الفارع‬ ‫وغيَّر االسم إلى (خان قارع الجرس)‪ .‬بَعدها انتق َل المكان إلى فار ٍ‬
‫في الحدادة حين تق َّدمت به الس ُِّّن ولم يَعُد يقوى على القتال‪ ،‬فصن َع الفتةً جديدةً للسَّاحة‪ ،‬تنِّينًا ثُالثي الرُّ ؤوس‬
‫طت‬ ‫قطع ُر ِب َ‬
‫ٍ‬ ‫من الحديد األسود علَّقه من ساري ٍة خشبيَّة‪ .‬كان التنِّين كبير الحجم لدرجة أنه تك َّون من ع َّدة‬
‫مكان باسم (التنِّين‬
‫ٍ‬ ‫ويرن‪ ،‬فاشته َر الخان في ك ِّل‬‫ُّ‬ ‫لصل‬ ‫ص ِ‬‫معًا بالحبال واألسالك‪ ،‬وحين تهبُّ الرِّيح كان يُ َ‬
‫الرنَّان)»‪.‬‬
‫سأ َل پودريك‪« :‬أما زالَت الفتة التنِّين موجودةً؟»‪.‬‬
‫أجاب السِّپتون ميريبولد‪« :‬ال‪ .‬عندما تق َّدم ابن الح َّداد في ال ِّسنِّ بدوره تمرَّد ابن نغل إلجون الرَّابع على‬ ‫َ‬
‫أخيه ال َّشرعي واتَّخذ لرمزه تنِّينًا أسود‪ .‬وقتها كانت هذه األراضي تنتمي إلى اللورد داري‪ ،‬وكان حضرة‬
‫لالفتة‬ ‫اللورد مخلصًا للملك ألقصى درجة‪ ،‬فأغضبَه منظر التنِّين األسود وقط َع السَّارية الخشب وحطَّم ا َّ‬
‫ت كثيرة جرفَت المياه أحد رؤوس التنِّين إلى (جزيرة الهدوء)‪ ،‬ولو أن‬ ‫وألقاها في النَّهر‪ .‬بَعدها بسنوا ٍ‬
‫صاحب الخان الفتةً أخرى‪ ،‬ونس َي النَّاس التنِّين وأصبحوا‬ ‫ِ‬ ‫حُمرة الصَّدأ كانت قد صبغَته عندئ ٍذ‪ .‬لم يُ َعلِّق‬
‫يدعون المكان ب(خان النَّهر)‪ .‬آنذاك كان (الثَّالوث) يتدفَّق أسفل الباب الخلفي‪ ،‬ونِصف ال ُغرف كان مبنيًّا‬
‫فوق المياه مباشرةً‪ .‬يقولون إن الضُّ يوف كان بإمكانهم صيد أسماك الترويت من نوافذ ُغرفهم بالصَّنانير‪.‬‬
‫كان هناك مرسى عبَّارة أيضًا‪ ،‬ليستطيع الضُّ يوف العبور إلى (بلدة اللورد هاروواي) و(األسوار‬
‫البيضاء)»‪.‬‬
‫شماال وغربًا‪ ...‬ليس نحو النَّهر بل بعيدًا عنه»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قالت بِريان‪« :‬لقد تركنا (الثَّالوث) في الجنوب وركبنا‬
‫‪« -‬أجل يا سيِّدتي‪ .‬مجري النَّهر تب َّدل‪ .‬كان هذا منذ سبعين عا ًما‪ ،‬أم أنها ثمانين؟ وقتها كان َج ُّد العجوز‬
‫ماشا ه ِدل يملك المكان‪ ،‬وهي َمن ح َكت لي تاريخه كلَّه‪.‬‬
‫امرأة طيِّبة ماشا‪ ،‬مولعة بالتَّبغ ال ُمرِّ وكعك العسل‪ .‬عندما ال تكون عندها ُغرفة شاغرة لي كانت تَترُكني‬
‫ط دون أن تُعطيني ُخب ًزا وجُبنةً وبعض الكعكات البائتة»‪.‬‬ ‫أنام إلى جوار المستوقَد‪ ،‬ولم تُ َودِّعني قَ ُّ‬
‫صاحبة الخان اآلن؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سألَه پودريك‪« :‬أهي‬
‫حاول أحد أبناء إخوتها إعادة فتح الخان من جديد‪ ،‬لكن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سمعت أن بَعد رحيلهم‬ ‫‪« -‬ال‪ .‬لقد شنقَها األُسود‪.‬‬
‫جلب الرَّجل‬
‫َ‬ ‫ت زبائن كثيرون‪.‬‬ ‫الطرق محفوفًا باألخطار‪ ،‬فلم يأ ِ‬ ‫الحروب جعلَت سفر العا َّمة على ُّ‬
‫سمعت أن أحد اللوردات قتلَه أيضًا»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عاهرات‪ ،‬لكن حتى هذا لم ينفعه‪.‬‬
‫خان من شأنه أن يكون خط ًرا‬ ‫ط أن امتالك ٍ‬ ‫رس َم السير هايل تعبيرًا ساخرًا على وجهه‪ ،‬وقال‪« :‬لم أتخيَّل قَ ُّ‬
‫مميتًا هكذا»‪.‬‬
‫َر َّد السِّپتون ميريبولد‪« :‬الخطر أن تكون من أوالد العا َّمة وقت أن يلعب اللوردات لُعبة العروش‪ ،‬أليس‬
‫كذلك يا كلب؟»‪ ،‬فنب َح الكلب مؤيِّدًا‪.‬‬
‫سأ َل پودريك‪« :‬إذن هل للخان اسم اآلن؟»‪.‬‬
‫أخبرني بأن اثنتين من بنات إخوة ماشا ه ِدل أعادَتا فتح‬
‫َ‬ ‫مفترق ُّ‬
‫الطرق‪ .‬األخ الكبير‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬العا َّمة يُ َس ُّمونه خان‬
‫المكان لل َّزبائن»‪ ،‬ورف َع السِّپتون نبُّوته مضيفًا‪« :‬بمشيئة اآللهة سيكون ال ُّدخان المرتفع من وراء المشنوقين‬
‫من مداخن الخان»‪.‬‬
‫قال السير هايل‪« :‬يُمكنهم أن يُ َس ُّموا المكان خان المشانق!»‪.‬‬
‫حجر‬
‫ٍ‬ ‫الطرق الموحلة‪ ،‬وجُدرانه و ُشرفاته ومداخنه من‬ ‫اسم الخان كبير‪ ،‬يرتفع ثالثة طوابق فوق ُّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫بأ ِّ‬
‫ب شبحي تحت السَّماء الرَّماديَّة‪.‬‬ ‫أبيض ناعم يلتمع بشحو ٍ‬
‫الجناح الجنوبي مشيَّد فوق دعائم خشبيَّة ثقيلة أعلى مساح ٍة غائصة مشقَّقة من الحشائش والعُشب البنِّي‬
‫بسور‬
‫ٍ‬ ‫بسقف من القَشِّ وبُرج جرس ملحقان بالجانب ال َّشمالي‪ ،‬والمكان كلُّه محاط‬ ‫ٍ‬ ‫الميت‪ ،‬وث َّمة اسطبل‬
‫واطئ من حجار ٍة بيضاء مكسَّرة تنمو عليها الطَّحالب بكثافة‪.‬‬
‫المالحات) لم يجدوا َّإال الموت وال َّدمار‪ .‬لدى وصول بِريان ورفاقها‬ ‫ُحرقه أحد‪ .‬في ( َّ‬ ‫على األقل لم ي ِ‬
‫بالعبَّارة من (جزيرة الهدوء) كان النَّاجون قد هربوا والموتى ُووروا التُّراب‪ ،‬لكن جثَّة البلدة نفسها تبقى‬
‫متفحِّمةً لم تُدفَن‪ ،‬ما زالَت في الهواء رائحة ال ُّدخان‪ ،‬ويكاد صياح النَّوارس المحلِّقة باألعلى يكون بَشريًّا‬
‫أطفال ضاعوا من أهاليهم‪ .‬حتى القلعة بدَت كئيبةً مهجورةً‪ .‬رماديَّة هي كرماد البلدة المحيطة‬ ‫ٍ‬ ‫كأنه نواح‬
‫بسور ومشيَّد بحيث يطلُّ على الميناء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حصن مربَّع محاط‬
‫ٍ‬ ‫بها‪ ،‬وتتك َّون من‬
‫بإحكام إذ قادوا دوابَّهم من العبَّارة‪ ،‬وال شيء يتحرَّك في ال ُّشرفات‬ ‫ٍ‬ ‫وجدَت بِريان واآلخَرون المكان مغلقًا‬
‫ق األمر رُبع ساع ٍة من نباح كلب وطرْ ق السِّپتون ميريبولد الب َّوابة األماميَّة بنبُّوته قبل‬ ‫َّإال الرَّايات‪ ،‬واستغر َ‬
‫أن تظهر امرأة من فوقهم لتسألهم ع َّما يُريدون‪.‬‬
‫مطر‪ ،‬ورف َع ميريبولد صوته مجيبًا‪« :‬أنا ِسپتون من العقيدة‬ ‫عندئ ٍذ كانت العبَّارة قد رحلَت وبدأت السَّماء تُ ِ‬
‫يا سيِّدتي الكريمة‪ ،‬وهؤالء ُمسافرون ُشرفاء‪ .‬نسألكم المأوى من المطر ومكانًا إلى جوار النَّار اللَّيلة»‪.‬‬
‫الطرق إلى الغرب‪ .‬ال نُريد أغرابًا‬ ‫على أن منا َشدته لم تُ َؤثِّر في المرأة‪ ،‬ور َّدت‪« :‬أقرب خان عند مفت َرق ُّ‬
‫هنا‪ ،‬ارحلوا»‪ ،‬وما إن غابَت لم تُفلِح صلوات ميريبولد أو نباح كلب أو سباب السيل هايل في إعادتها‪،‬‬
‫سقف صنعوه من الغصون المجدولة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وفي النِّهاية أمضوا اللَّيل في الغابة تحت‬
‫ق خافتًا لكن ثابتًا وله‬ ‫لكن في خان مفت َرق ُّ‬
‫الطرق حياة‪ .‬حتى قبل بلوغهم الب َّوابة سم َعت بِريان صوت ال َّد ِّ‬
‫رنين فوالذي‪.‬‬
‫صاحب الخان القديم يصنع تنِّينًا حديديًّا آخَ ر»‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال السير هايل‪« :‬ورشة‪ .‬إ َّما أن عندهم ح َّدادًا وإ َّما أن شبح‬
‫وهم َز حصانه مضيفًا‪« :‬آم ُل أن عندهم طبَّا ًخا شبحًا أيضًا‪ .‬دجاجة مشويَّة ناضجة كفيلة بجعل ك ِّل شي ٍء‬
‫على ما يُرام»‪.‬‬
‫ساحة الخان بحر من األوحال البنِّيَّة التي مصَّت حوافر خيولهم‪ .‬رنين الفوالذ أعلى هنا‪ ،‬ورأت بِريان‬
‫ثيران لها عجلة مكسورة‪ .‬رأت أحصنةً في‬ ‫ٍ‬ ‫القصي وراء عربة‬
‫ِّ‬ ‫وهج الورشة األحمر عند طرف االسطبل‬
‫االسطبل أيضًا‪ ،‬وصبيًّا صغيرًا يتأر َجح على سلسلة المشنقة البالية الصَّدئة التي ترتفع فوق السَّاحة‪ ،‬وقد‬
‫ت في ُشرفة الخان األماميَّة يُشا ِهدنه‪ .‬أصغرهن العارية ال تتجا َوز العامين‪ ،‬وأكبرهن ‪-‬التي‬‫وقفَت أربع فتيا ٍ‬
‫تَبلُغ التَّاسعة أو العاشرة‪ -‬تقف ضا َّمةً الصَّغيرة بذراعيها حمايةً‪.‬‬
‫أسرعن ونادين أُ َّمكن»‪.‬‬ ‫ناداهن السير هايل ً‬
‫قائال‪« :‬أيتها الفتيات‪ِ ،‬‬
‫وثب الصَّبي من السِّلسلة وهر َع إلى االسطبل‪ ،‬في حين وقفَت الفتيات األربع متملمالت‪ ،‬وبَعد وهل ٍة قالت‬ ‫َ‬
‫إحداهن‪« :‬ليست لنا أ َّمهات»‪ ،‬وأضافَت أخرى‪« :‬كانت لي واحدة لكنهم قتَلوها»‪ ،‬ثم تق َّدمت أكبر األربعة‬
‫دافعةً الصَّغيرة وراءها‪ ،‬وسألَت‪َ « :‬من أنتم؟»‪.‬‬
‫‪ُ « -‬مسافرون ُشرفاء نبحث عن مأوى‪ .‬اسمي بِريان‪ ،‬وهذا هو السِّپتون ميريبولد المعروف في أراضي‬
‫النَّهر‪ ،‬والصَّبي هو ُمرافقي پودريك پاين‪ ،‬والفارس هو السير هايل هَنت»‪.‬‬
‫بحذر ال تتحلَّى به َّإال طفلة في العاشرة‪ ،‬ثم‬
‫ٍ‬ ‫توقَّفت ال َّدقَّات فجأةً‪ ،‬وتطلَّعت إليهم الفتاة الواقفة في ال ُّشرفة‬
‫قالت‪« :‬أنا ويلو‪ .‬هل تُريدون أس َّرةً؟»‪.‬‬
‫صاحبة الخان؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ترجَّل السير هايل مجيبًا‪« :‬أس َّرةً و ِمزرًا وطعا ًما ساخنًا‪ .‬هل أن ِ‬
‫ت‬
‫ه َّزت رأسها نفيًا‪ ،‬وقالت‪« :‬إنها أختي چاين‪ ،‬لكنها ليست هنا‪ .‬ليس عندنا ما نأكله َّإال لحم الخيل‪ ،‬وال تو َجد‬
‫عاهرات إذا كنتم قد جئتم من أجلهن‪ ،‬أختي طردَتهن‪ .‬لكن عندنا أس َّرةً‪ ،‬بعضها محشو بال ِّريش لكن أغلبها‬
‫بالقَش»‪.‬‬
‫قال السير هايل‪« :‬وك ُّلها تَس ُكنه البراغيث ال َشك»‪.‬‬
‫‪« -‬هل معكم مال تدفعون به؟ فضَّة؟»‪.‬‬
‫ضحكَ السير هايل‪ ،‬وقال‪« :‬فضَّة؟ للمبيت ليلةً وفخذ حصان؟ هل تُ ِ‬
‫حاولين سرقتنا أيتها الصَّغيرة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ستدفعون بالفضَّة‪ ،‬أو يُمكنكم النَّوم في الغابة مع الموتى»‪ ،‬ورمقَت ويلو الحمار وما على َ‬
‫ظهره من‬
‫براميل و ُحزَم متسائلةً‪« :‬أهذا طعام؟ أين حصلتهم عليه؟»‪.‬‬
‫أجاب ميريبولد‪(« :‬بِركة العذارى)»‪ ،‬ونب َح كلب‪.‬‬
‫َ‬
‫سأ َل السير هايل‪« :‬أتستجوبون ضيوفكم جميعًا بهذه الطَّريقة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال يأتينا ضيوف كثيرون منذ بدأت الحرب‪ .‬أكثر َمن على الطَّريق هذه األيام عصافير أو أسوأ»‪.‬‬
‫ر َّدت بِريان‪« :‬أسوأ؟»‪.‬‬
‫صبي من االسطبل‪« :‬لصوص وقُطَّاع طُرق»‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫قال صوت‬
‫والتفتَت بِريان فرأت شبحًا‪.‬‬
‫رنلي‪ .‬ال ضربة من مطرق ٍة كانت لتُرديها بهذه الق َّوة‪ .‬شهقَت‪« :‬سيِّدي؟»‪.‬‬
‫ِّدك؟ إنني مجرَّد ح َّداد»‪.‬‬ ‫أزا َح الصَّبي ُخصلةً نافرةً من ال َّشعر األسود عن عينيه ً‬
‫قائال‪« :‬سي ِ‬
‫رجال في الحادية والعشرين‪ .‬هذا‬ ‫ً‬ ‫تبيَّنت بِريان أنه ليس رنلي حقًّا‪ .‬رنلي ميت‪ ،‬رنلي ماتَ بين ذراعَي‬
‫زار (تارث) أول مرَّة‪ .‬ال‪ ،‬أصغر‪.‬‬ ‫مجرَّد صبي‪ .‬صب ٌّي يُشبِه رنلي عندما َ‬
‫نحيال ممشوقًا‪ ،‬أ َّما هذا الصَّبي فله الكتفان الثَّقيلتان وال ِّذراع‬ ‫ً‬ ‫فَ ُّكه مربَّع أكثر وحاجباه أكثف‪ .‬رنلي كان‬
‫اليُمنى مفتولة العضالت التي كثيرًا ما تُرى في الح َّدادين‪.‬‬
‫عار تحته‪ ،‬ويُ َغطِّي زغب داكن وجنتيه وذقنه‪ ،‬و َشعره ُكتلة سوداء‬ ‫ٍ‬ ‫طويال لكن صدره‬‫ً‬ ‫يرتدي مئزرًا ِجلديًّا‬
‫حرص دو ًما على غسله‬ ‫َ‬ ‫غزيرة تنمو متجاوزةً أُذنيه‪َ .‬شعر الملك رنلي كان أسود فاح ًما كهذا‪ ،‬لكنه‬
‫بشريط‬
‫ٍ‬ ‫وتمشيطه وتصفيفه‪ .‬أحيانًا كان يُقَصِّره وأحيانًا يَترُكه ينسدل على كتفيه أو يربطه وراء رأسه‬
‫ط ملبَّدًا أو مبلَّ ًال بال َعرق‪ .‬وعلى الرغم من أن لون عينيه كان هذا األزرق العميق‬ ‫ذهبي‪ ،‬لكنه لم يكن قَ ُّ‬
‫نفسه‪ ،‬فإنهما كانتا دائ ًما دافئتين مرحِّبتين ضاحكتين‪ ،‬في حين تنضح عينا الصَّبي بالغضب واالرتياب‪.‬‬
‫رأى السِّپتون ميريبولد هذا أيضًا‪ ،‬فقال‪« :‬ال نقصد أ ًذى يا فتى‪ .‬وقت امتالك ماشا ه ِدل هذا الخان كانت‬
‫تُط ِعمني كعك العسل دو ًما‪ ،‬وأحيانًا تُعطيني فِرا ًشا إذا لم يكن المكان ممتلئًا»‪.‬‬
‫َر َّد الصَّبي‪« :‬لقد ماتَت‪ ،‬األُسود شنَقوها»‪.‬‬
‫قال السير هايل هَنت‪« :‬يبدو أن ال َّشنق الرِّياضة المفضَّلة هذه األيام‪ .‬ليتني أمل ُ‬
‫ك أرضًا في هذه األنحاء‪.‬‬
‫كنت ألزرع القِنَّب وأبيع الحبال وأجني ثروةً»‪.‬‬
‫ُ‬
‫عمومتك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أقاربك وأوالد‬
‫ِ‬ ‫وأخواتك؟‬
‫ِ‬ ‫إخوتك‬
‫ِ‬ ‫سألَت بِريان الفتاة ويلو‪« :‬هؤالء األطفال‪ ،‬أهُم‪...‬‬
‫قالت ويلو محدِّقةً إليها بنظر ٍة تحفظها عن ظَهر قلب‪« :‬ال‪ ،‬إنهم فقط‪ ...‬ال أدري‪ ...‬أحيانًا يأتي بهم‬
‫العصافير‪ ،‬وهناك آخَرون يأتون من تلقاء أنفُسهم‪ .‬ما دم ِ‬
‫ت امرأةً فلِ َم ترتدين ثياب الرِّجال؟»‪.‬‬
‫ونار‬
‫ٍ‬ ‫ش جاف‬‫أجابَها السِّپتون ميريبولد‪« :‬الليدي بِريان فتاة ُمحاربة في مه َّمة‪ ،‬لكنها تحتاج اآلن إلى فِرا ٍ‬
‫تتدفَّأ بها‪ ،‬ونحن أيضًا‪ .‬عظامي العجوز تُنبِئني بأن المطر سي ِ‬
‫ُعاود السُّقوط قريبًا‪ .‬هل عندكم ُغرف لنا؟»‪.‬‬
‫قال الصَّبي الح َّداد‪« :‬ال»‪ ،‬وقالت الفتاة ويلو‪« :‬نعم»‪.‬‬
‫تباد َل االثنان نظرةً‪ ،‬ثم دبدبَت ويلو بقدمها قائلةً‪« :‬إن معهم طعا ًما يا جندري‪ .‬الصِّ غار جائعون»‪ ،‬وأطلقَت‬
‫فخرج مزيد من األطفال كأنما بفعل السِّحر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صفيرًا‬
‫وظهرت صبايا كامنات في‬
‫َ‬ ‫صبيان ُشعث ال َّشعر يرتدون األسمال خارجين من تحت ال ُّشرفة‪،‬‬ ‫زحفَ ِ‬
‫حمل بعضهم نُ َّشابيَّات ملقَّمة جاهزة لإلطالق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫النَّوافذ المطلَّة على السَّاحة‪ ،‬قد‬
‫قال السير هايل‪« :‬يُمكنهم تسميته خان ال ُّن َّشابيَّة»‪.‬‬
‫ف َّكرت بِريان‪ :‬خان اليتامى اسم أجدر‪.‬‬
‫ضع هذه الصَّخرة‪ ،‬إنهم لم يأتوا ألذيَّتنا‪ .‬تانسي‪،‬‬
‫قالت ويلو‪« :‬وات‪ ،‬سا ِعدهم على ربط الخيول‪ .‬ويل‪َ ،‬‬
‫أسرعا بإحضار حطب للنَّار‪ .‬چون پني‪ ،‬سا ِعد السِّپتون على إنزال الحمولة‪ .‬سآ ُخذهم إلى ُغرفهم»‪.‬‬
‫پايت‪ِ ،‬‬
‫رف متجاورة في كلٍّ منها فِراش بحشيَّ ٍة من الرِّيش ووعاء فضالت ونافذة‪ ،‬وفي‬ ‫في النِّهاية أخذوا ثالث ُغ ٍ‬
‫ُغرفة بِريان مستوقَد أيضًا‪ ،‬فدف َعت بضعة بنسات إضافيَّة من أجل الحطب‪ .‬بينما تفتح النَّافذة سألَها‬
‫رفتك أم ُغرفة السير هايل؟»‪ ،‬فأجابَته‪« :‬لسنا في (جزيرة الهدوء)‪ .‬يُمكنك أن‬ ‫پودريك‪« :‬هل سأنا ُم في ُغ ِ‬
‫تنام معي»‪ .‬في اليوم التَّالي تنوي أن يتحرَّك االثنان وحدهما‪ .‬السِّپتون ميريبولد سيتَّجه إلى (نوتن)‬
‫و(ريڤربند) و(بلدة اللورد هاروواي)‪ ،‬لكن بِريان ال ترى جدوى من أن تتبعه فترةً أطول‪ .‬إن معه كلب‬
‫رفيقًا‪ ،‬واألخ الكبير أقن َعها بأنها لن تجد سانزا ستارك على ضفاف (الثَّالوث)‪« .‬أنوي أن أستيقظ قبل‬
‫شروق ال َّشمس والسير هايل ال يزال نائ ًما»‪ .‬لم تُسا ِمحه بِريان على (هايجاردن)‪ ...‬وكما قال هَنت بنفسه‪،‬‬
‫ُقسم على شي ٍء بخصوص سانزا‪.‬‬ ‫إنه لم ي ِ‬
‫‪« -‬أين سنذهب أيتها الفارس؟ أعني يا سيِّدتي؟»‪.‬‬
‫الطرق حرفيًّا‪ ،‬المكان الذي يتقاطَع فيه (طريق الملوك)‬ ‫ال تملك بِريان إجابةً جاهزةً‪ .‬إنهما عند مفت َرق ُّ‬
‫و(الطَّريق العالي) وطريق النَّهر معًا‪( .‬الطَّريق العالي) يأخذهما شرقًا عبر الجبال إلى (وادي آرن)‪ ،‬حيث‬
‫كانت خالة سانزا تَح ُكم حتى موتها‪ ،‬وإلى الغرب طريق النَّهر الذي يمضي بمحاذاة (الفرع األحمر) إلى‬
‫صر وإن كان حيًّا‪ ،‬أو يُمكنهما أن يَسلُكا (طريق الملوك) إلى ال َّشمال ويمرَّا‬
‫(ريڤر َرن) وع ِّم أ ِّم سانزا المحا َ‬
‫ب(التَّوأمتين) إلى منطقة (العُنق) بمستنقعاتها ومياهها اآلسنة‪ ،‬وإذا استطاعَت أن تجد وسيلةً الجتياز‬
‫يطر عليها اآلن فسيأخذهما (طريق الملوك) حتى (وينترفل) نفسها‪.‬‬ ‫(خندق كايلن) و َمن يُ َس ِ‬
‫أو يُمكنني أن أسلك (طريق الملوك) إلى الجنوب‪ ،‬أن أعود خلسةً إلى (كينجز الندنج) وأعترف بفشلي‬
‫ي األخ الكبير‪ .‬فكرة مريرة‪،‬‬ ‫للسير چايمي وأعيد إليه سيفه‪ ،‬ثم أجد سفينةً تحملني إلى (تارث) كما أوع َز إل َّ‬
‫يحن إلى (بهو المساء) وأبيها‪ ،‬وث َّمة جزء آ َخر يتسا َءل إن كان چايمي سيُواسيها إذا ب َكت‬ ‫لكن جز ًءا منها ُّ‬
‫على كتفه‪ .‬هذا ما يُريده الرِّ جال‪ ،‬أليس كذلك؟ نسا ًء رقيقات الحاشية مهيضات الجناح يحتجن إلى حمايتهم؟‬
‫سألتك أين سنذهب»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪،‬‬
‫لنتناول ال َعشاء»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬إلى القاعة العا َّمة‬
‫كانت القاعة العا َّمة تعجُّ باألطفال‪ .‬حاولَت بِريان أن تُحصيهم‪ ،‬لكنهم ال يقفون ثابتين ولو لحظةً‪ ،‬فع َّدت‬
‫بعضهم مرَّتين أو ثالثًا وبعضهم لم تع َّده على اإلطالق‪ ،‬وفي النِّهاية استسل َمت‪ .‬كانوا قد دفعوا الموائد معًا‬
‫صفوف طويلة‪ ،‬والصِّبية األكبر ِسنًّا يجرُّ ون الدِّكك بصعوب ٍة من المؤ ِّخرة‪« .‬األكبر ِسنًّا»‬ ‫ٍ‬ ‫مك ِّونين ثالثة‬
‫معناها أنهم في العاشرة أو الثَّانية عشرة‪ .‬جندري أقربهم إلى الرُّ جولة‪ ،‬لكن ويلو هي َمن تصيح باألوامر‬
‫كأنها ملكة في قلعتها واألطفال اآلخَرون خدمها فحسب‪.‬‬
‫لو أنها رفيعة النَّسب لكانت القيادة من صفاتها الطَّبيعيَّة واإلذعان من طباع البقيَّة‪ .‬تساءلَت بِريان إن كانت‬
‫ويلو أكثر مما تبدو‪ .‬الفتاة أصغر ِسنًّا ومالمحها أكثر تقليديَّةً من أن تكون سانزا ستارك‪ ،‬لكنها في ال ِّسنِّ‬
‫المناسبة ألن تكون األخت الصَّغيرة‪ ،‬وحتى الليدي كاتلين نفسها قالت إن آريا تفتقر إلى َجمال أختها‪.‬‬
‫َشعرها بنِّي‪ ،‬عيناها بنِّيَّتان‪ ،‬نحيلة‪ ...‬أيُمكن أن تكون هي؟ تَذ ُكر بِريان أن َشعر آريا ستارك بنِّي‪ ،‬لكنها‬
‫المالحات)؟ في‬ ‫ليست متأ ِّكدةً من لون عينيها‪ .‬بنِّي وبنِّي‪ ،‬أليس كذلك؟ أيُمكن أن يتَّضح أنها لم تَ ُمت في ( َّ‬
‫ت من ال َّشحم وقالت للفتيات أن‬ ‫الخارج يتالشى ضوء النَّهار‪ ،‬وفي ال َّداخل جعلَتهم ويلو يُش ِعلون أربع شمعا ٍ‬
‫يُحافِظن على تأجُّ ج نار المستوقَد‪ .‬ساع َد الصِّبية پودريك پاين على إنزال حمولة الحمار ودخلوا حاملين‬
‫ذهب السِّپتون ميريبولد إلى‬‫َ‬ ‫َسمك القُد المملَّح والضَّأن والخضراوات والمكسَّرات وقوالب الجُبنة‪ ،‬في حين‬
‫المطبخ ليتولَّى إعداد الثَّريد‪ ،‬وقال ألحد الصِّبية الصِّ غار‪« :‬لألسف نف َد بُرتقالي‪ ،‬وأخشى أنني لن أرى‬
‫صصت‬ ‫اعتصرت واحدةً وامت َ‬‫َ‬ ‫بُرتقالةً أخرى قبل الرَّبيع‪ .‬هل أكلت البُرتقال من قبل يا بُنَي؟ هل‬
‫قائال‪« :‬سأجلبُ لك واحدةً إذن عندما يأتي‬ ‫نفش السِّپتون َشعره ً‬ ‫َ‬ ‫عصيرها؟»‪ ،‬فل َّما هَ َّز الطِّفل رأسه نفيًا‬
‫الرَّبيع إذا كنت صبيًّا طيِّبًا وساعدتني على تقليب الثَّريد»‪.‬‬
‫خل َع السير هايل حذاءه ليُ َدفِّئ قدميه عند النَّار‪ ،‬وحين جل َست بِريان إلى جواره أشا َر برأسه إلى طرف‬
‫قائال‪« :‬ث َّمة بُقع دم هناك على األرض حيث يتش َّمم كلب‪ .‬لقد نُظِّفَت لكن ال َّدم تخلَّل الخشب‬ ‫القصي ً‬ ‫ِّ‬ ‫القاعة‬
‫وال يُمكن الخالص منه»‪.‬‬
‫ذ َّكرته قائلةً‪« :‬هذا هو الخان الذي قت َل فيه ساندور كليجاين ثالثةً من رجال أخيه»‪.‬‬
‫آخرهم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬صحيح‪ ،‬ولكن َمن يدري إن كانوا أول َمن ماتوا هنا‪ ...‬أو ِ‬
‫‪« -‬أأنت خائف من أطفال قالئل؟»‪.‬‬
‫ف األطفال بالقِماط ويُ َعلَّقوا على الحائط إلى‬
‫‪« -‬أربعة قالئل‪ ،‬عشرة كثرة‪ ،‬وهؤالء حشد‪ .‬المفت َرض أن يُلَ َّ‬
‫أن تنبت للفتيات أثداء ويبدأ الفِتية حالقة ذقونهم»‪.‬‬
‫‪« -‬أشع ُر باألسف من أجلهم‪ .‬كلُّهم فقدوا أ َّمهاتهم وآباءهم‪ ،‬وبعضهم رآهم يُقتَلون»‪.‬‬
‫نسيت أنني أكلِّ ُم امرأةً‪ .‬إن ِ‬
‫لك قلبًا ليِّنًا كثريد السِّپتون‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫باستخفاف ً‬
‫قائال‪« :‬‬ ‫ٍ‬ ‫د َّور هَنت عينيه في محجريهما‬
‫ً‬
‫بارزتنا أم تتوق إلى إنجاب األطفال؟ ما ترغبين فيه حقّا هو رضيع‬ ‫ُ‬
‫مكان ما في أعماق ُم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أيُمكن أن في‬
‫أنك تحتاجين إلى‬ ‫ُ‬
‫سمعت ِ‬ ‫ثدييك»‪ ،‬وابتس َم السير هايل ابتسامةً عريضةً مضيفًا‪« :‬‬ ‫ِ‬ ‫جميل متو ِّرد يرضع من‬
‫رجل ألجل هذا‪ ،‬ويُفَضَّل أن يكون زوجًا‪ .‬لِ َم ال يكون أنا؟»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪« -‬إذا كنت ما زلت تأمل أن تفوز برهانك‪.»...‬‬
‫رجاال تز َّوجوا البلهاوات‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫عرفت‬ ‫ت‪ ،‬ابنة اللورد سلوين الحيَّة الوحيدة‪ .‬لقد‬ ‫‪« -‬ما أري ُد الفوز به أن ِ‬
‫أعترف بهذا‪ ،‬لكنني أتمتَّ ُع‬
‫ُ‬ ‫لست رنلي باراثيون‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والرَّضيعات في سبيل غنائم بعُشر مساحة (تارث)‪.‬‬
‫بفضيلة وجودي على قيد الحياة‪ .‬ربما يقول بعضهم إنها فضيلتي الوحيدة‪ .‬ال َّزواج سينفع كلينا‪ ،‬األراضي‬
‫أنجبت نغلةً‬
‫ُ‬ ‫لك أنني قادر‪ .‬لقد‬ ‫لك»‪ ،‬ول َّوح هَنت بيده نحو األطفال مردفًا‪« :‬أؤ ِّك ُد ِ‬ ‫لي وقلعة مألى بهؤالء ِ‬
‫ذهبت لزيارتها سكبَت أ ُّمها عل َّي‬ ‫ُ‬ ‫آخر م َّر ٍة‬
‫أبتليك بها‪ِ .‬‬
‫ِ‬ ‫واحدةً على األقل على َح ِّد علمي‪ .‬ال تقلقي‪ ،‬لن‬
‫الحساء»‪.‬‬ ‫ً‬
‫مرجال من َ‬
‫قالت واألحمر يزحف على ُعنقها‪« :‬أبي في الرَّابعة والخمسين فقط‪ ،‬ليس أكبر من ال َّزواج ثانيةً وإنجاب‬
‫ابن من زوجته الجديدة»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫راهنت على ما‬ ‫ُ‬ ‫أبوك ثانيةً‪ ،‬وإذا كانت زوجته خصيبةً‪ ،‬وإذا أنجبَت ابنًا‪ .‬لقد‬ ‫ِ‬ ‫طرة‪ ...‬إذا تز َّوج‬‫‪« -‬هذه مخا َ‬
‫هو أسوأ»‪.‬‬
‫مارس ألعابك مع واحد ٍة غيري أيها الفارس»‪.‬‬ ‫‪« -‬وخسرت الرَّهان‪ِ .‬‬
‫ط‪ .‬حالما تفعلين سيتغيَّر رأيك‪ .‬في الظَّالم ستكونين جميلةً كأيِّ‬
‫‪« -‬تقول هذا الفتاة التي لم تلعب مع أح ٍد قَ ُّ‬
‫شفتيك مخلوقتان للقُبالت»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫امرأ ٍة أخرى‪ .‬إن‬
‫‪« -‬إنهما شفتان‪ .‬ال ِّشفاه كلُّها واحدة»‪.‬‬
‫راشك‬
‫ِ‬ ‫رفتك اللَّيلة وسأنسلُّ إلى فِ‬
‫نزلي مزالج باب ُغ ِ‬ ‫قال هَنت بمرح‪« :‬وكلُّ ال ِّشفاه مخلوقة للقُبالت‪ .‬ال تُ ِ‬
‫لك حقيقة ما أقوله»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأثبت ِ‬
‫ونهضت مبتعدةً عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر َّدت بِريان‪« :‬وإذا فعلت فستُغا ِدر مخصيًّا»‪،‬‬
‫متجاهال الفتاة الصَّغيرة التي تحبو عاريةً على المائدة‪ ،‬سأ َل السِّپتون ميريبولد إن كان يُمكنه أن يقود‬ ‫ً‬
‫األطفال في صالة‪ ،‬فأجابَت ويلو باإليجاب رافعةً الصَّغيرة قبل أن تَبلُغ الثَّريد‪ ،‬وهكذا حنوا رؤوسهم معًا‬
‫جلس عاقدًا‬
‫َ‬ ‫وشكروا (األب) و(األُم) على نعمتهما‪ ...‬جميعهم باستثناء الصَّبي الح َّداد فاحم ال َّشعر‪ ،‬الذي‬
‫ظت‪ ،‬وبَعد الصَّالة‬‫صلُّون‪ .‬ليست بِريان الوحيدة التي الح َ‬ ‫ذراعيه على صدره يُ َحدِّق إليهم عابسًا فيما يُ َ‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬أال تحبُّ اآللهة يا بُنَي؟»‪.‬‬ ‫تطلَّع السِّپتون ميريبولد عبر المائدة‬
‫وخرج دون لُقمة طعام‪.‬‬
‫َ‬ ‫ونهض فجأةً مستطردًا‪« :‬عندي عمل»‪،‬‬
‫َ‬ ‫قال جندري‪« :‬ليس آلهتكم»‪،‬‬
‫سأ َل هايل هَنت‪« :‬هل يحبُّ إلهًا آخَر؟»‪.‬‬
‫ضياء»‪.‬‬
‫ت رفيع أجاب صب ٌّي هزيل في السَّادسة أو نحوها‪« :‬إله ال ِّ‬
‫بصو ٍ‬
‫ضربَته ويلو بملعقة‪ ،‬وقالت‪« :‬بن ذو الفم الكبير‪ ،‬هناك طعام‪ ،‬عليك أن تأكله ال أن تُز ِعج ضيوفنا‬
‫بكالمك»‪.‬‬
‫انقضَّ األطفال على ال َعشاء كما تنقضُّ ال ِّذئاب على غزال ٍة جريحة‪ ،‬يتشا َجرون على َسمك القُد ويُ َم ِّزقون‬
‫طويال‪ .‬قن َعت بِريان‬‫ً‬ ‫ُخبز ال َّشعير ويَنثُرون الثَّريد في ك ِّل مكان‪ ،‬وحتى قالب الجُبنة الضَّخم لم ين ُج منهم‬
‫بالسَّمك وال ُخبز والجزر‪ ،‬بينما أطع َم السِّپتون ميريبولد كلب لُقمتين مقابل كلِّ لُقم ٍة لنفسه‪ .‬في الخارج بدأ‬
‫المطر يَسقُط‪ ،‬وفي ال َّداخل طقطقَت النَّار ومألَت القاعة العا َّمة أصوات المضغ وضرب ويلو األطفال‬
‫لرجل ما‪ ،‬صب ِّي الح َّداد‬
‫ٍ‬ ‫يوم ستُصبِح هذه الفتاة زوجةً مخيفةً‬ ‫قائال‪« :‬ذات ٍ‬ ‫بملعقتها‪ .‬علَّق السير هايل ً‬
‫المسكين على األرجح»‪.‬‬
‫‪« -‬المفت َرض أن يأخذ إليه أحدهم القليل من الطَّعام قبل أن ينفد»‪.‬‬
‫ت أحدهم»‪.‬‬‫‪« -‬أن ِ‬
‫بمنديل مربَّع‪ ،‬ول َّما‬
‫ٍ‬ ‫لفَّت شريحةً من الجُبنة ورغيفًا من ال ُخبز وتفَّاحةً مجفَّفةً وقطعتين من َسمك القُد المقلي‬
‫نهض پودريك ليتبعها إلى الخارج قالت له أن يجلس ويأكل‪ ،‬وأضافَت‪« :‬لن أتأ َّخر»‪.‬‬ ‫َ‬
‫صهل‬
‫َ‬ ‫كان المطر ينهمر بغزار ٍة على السَّاحة‪ ،‬فغطَّت بِريان الطَّعام بطيَّ ٍة من معطفها‪ ،‬وإذ مرَّت باالسطبل‬
‫بعض الخيول‪ ،‬فقالت لنفسها‪ :‬هي أيضًا جائعة‪.‬‬
‫سيف كأنه يتمنَّى لو أنه‬
‫ٍ‬ ‫الجلد‪ ،‬يهوي بالمطرقة على‬ ‫وجدَت جندري في ورشته عاري الجذع تحت مئزره ِ‬
‫عد ٌّو‪ ،‬وقد سقطَ َشعره المبلَّل عن ِ‬
‫آخره بال َعرق على جبهته‪.‬‬
‫راقبَته فترةً مف ِّكرةً‪ :‬إن له عينَي رنلي و َشعره ولكن ليس بنيانه‪ .‬اللورد رنلي كان أقرب إلى الرَّشاقة من‬
‫صاحب الق َّوة ال َّشهيرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫انفتال العضالت‪ ...‬على عكس أخيه روبرت‬
‫لم ي َرها جندري واقفةً هناك حتى توقَّف يمسح جبهته‪ ،‬فسألَها‪« :‬ماذا تُريدين؟»‪.‬‬
‫وفتحت المنديل ليرى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أحضرت لك عَشاءك»‪،‬‬ ‫أجابَت‪« :‬‬
‫ُ‬
‫أردت طعا ًما ألكلت»‪.‬‬ ‫‪« -‬لو‬
‫‪« -‬على الح َّداد أن يأكل ليُحافِظ على ق َّوته»‪.‬‬
‫ت أ ِّمي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أأن ِ‬
‫قالت واضعةً الطَّعام‪« :‬ال‪َ .‬من أ ُّمك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ولِ َم تُريدين أن تعرفي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أنت مولود في (كينجز الندنج)»‪ .‬لكنته تجعلها واثقةً بهذا‪.‬‬
‫فهسهس الفوالذ‬
‫َ‬ ‫حوض من ماء األمطار ليُطفئ ناره‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وغمس السَّيف في‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬أنا وكثيرون غيري»‪،‬‬
‫السَّاخن غاضبًا‪.‬‬
‫سألَته بِريان‪« :‬كم ِسنُّك؟ أما زالَت أ ُّمك حيَّةً؟ وأبوك‪َ ،‬من كان؟»‪.‬‬
‫َر َّد‪« :‬تُلقين أسئلةً كثيرةً»‪ ،‬ووض َع سيفه مضيفًا‪« :‬أ ِّمي ماتَت وأبي لم أعرفه قَ ُّ‬
‫ط» ‪.‬‬
‫‪« -‬أنت نغل إذن»‪.‬‬
‫اعتب َر كالمها إهانةً‪ ،‬وقال حانقًا‪« :‬أنا فارس‪ .‬هذا السَّيف سيكون لي ما إن أفرغ منه»‪.‬‬
‫لماذا يعمل فارس في ورشة حدادة؟ «إن لك َشعرًا أسود وعينين زرقاوين‪ ،‬و ُولِدت في ِظلِّ (القلعة‬
‫الحمراء)‪ .‬ألم يُ َعلِّق أحد على وجهك من قبل؟»‪.‬‬
‫كوجهك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬وما عيب وجهي؟ إنه ليس قبيحًا‬
‫‪« -‬ال بُ َّد أنك رأيت الملك روبرت في (كينجز الندنج)»‪.‬‬
‫الذهبيَّة دفعونا‬‫قائال‪« :‬أحيانًا‪ ،‬في المباريات من بعيد‪ ،‬وم َّرةً في ( ِسپت بيلور)‪ .‬ذوو المعاطف َّ‬
‫هَ َّز كتفيه ً‬
‫كنت ألعبُ قُرب (ب َّوابة الطَّمي) وهو عائد من الصَّيد‪ .‬كان سكران تما ًما‬
‫فسح له الطَّريق‪ .‬في م َّر ٍة أخرى ُ‬ ‫لن ُ ِ‬
‫وكا َد يدعسني بحصانه‪ .‬كان س ِّكيرًا بدينًا‪ ،‬لكن مل ًكا أفضل من ابنيه»‪.‬‬
‫ليسا ابنيه‪ .‬ستانيس قال الحقيقة يوم التقى رنلي‪ .‬چوفري وتومن لم يكونا ابنَي روبرت قَ ُّ‬
‫ط‪ ،‬أ َّما هذا‬
‫عال هائج‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫الصَّبي‪ ...‬بدأت بِريان تتكلَّم قائلةً‪« :‬اسمعني‪َّ ،»...‬إال أنها سم َعت كلب ينبح بصو ٍ‬
‫ت‬
‫«أحدهم قادم»‪.‬‬
‫قال جندري بال مباالة‪« :‬أصدقاء»‪.‬‬
‫ي نوع؟»‪ ،‬وذهبَت إلى باب الورشة تُلقي نظرةً عبر المطر‪.‬‬ ‫سألَته بِريان‪« :‬أصدقاء من أ ِّ‬
‫هَ َّز كتفيه مجيبًا‪« :‬ستلتقينهم قريبًا»‪.‬‬
‫ف َّكرت بِريان إذ دخ َل أول الخيَّالة السَّاحة خائضًا في ِبرك الوحل‪ :‬ربما ال أري ُد أن ألتقيهم‪ .‬تحت طقطقة‬
‫المطر ونباح الكلب سم َعت الصَّلصلة الخافتة الصَّادرة من سيوفهم وقمصانهم المعدنيَّة أسفل معاطفهم‬
‫المهترئة‪ ،‬وع َّدتهم واحدًا تلو اآلخَر‪ .7 ،4 ،6 ،4 .‬و َشت الطَّريقة التي يركب بها بعضهم بكونهم جرحى‪،‬‬
‫دام ويترنَّح تحت ِثقل‬
‫آخرهم الضَّخم الذي يُعا ِدل اثنين من اآلخَرين معًا في الحجم‪ ،‬حصانه منهَك ٍ‬ ‫ثم جا َء ِ‬
‫را ِكبه‪ .‬كان الخيَّالة جميعهم يرفعون قلنسواتهم لتقيهم من جلدات المطر‪ ،‬جميعهم باستثنائه هو‪ ،‬فال َح وجهه‬
‫العريض الحليق ال َّشاحب كالدِّيدان ووجنتاه المستديرتان اللتان تُ َغطِّيهما القروح المفتوحة‪.‬‬
‫حب َست بِريان أنفاسها واستلَّت (حافِظ العهد)‪ ،‬وف َّكرت جافلةً خوفًا‪ :‬كثيرون للغاية‪ ،‬عددهم كبير ج ًّدا‪ ،‬ثم‬
‫سيف و ِدرع‪ .‬هؤالء ليسوا أصدقا ًء‪ ،‬ليسوا أصدقاء‬ ‫ٍ‬ ‫ت خفيض‪« :‬جندري‪ ،‬ستحتاج إلى‬ ‫إنها قالت بصو ٍ‬
‫أحد»‪.‬‬
‫حامال مطرقته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قال الصَّبي‪« :‬ع َّم تتكلَّمين؟»‪ ،‬وجا َء يقف إلى جوارها‬
‫سط َع البرق في الجنوب بينما يترجَّل الخيَّالة‪ ،‬ولنِصف لحظ ٍة استحا َل الظَّالم إلى نهار‪ ،‬لتلتمع فأس‬
‫باألزرق الفضِّي ويتوهَّج الضَّوء على القمصان المعدنيَّة وال ُّدروع‪ ،‬وتحت قلنسوة الخيَّال القائد القاتمة‬
‫لم َحت بِريان خط ًما حديديًّا وصفَّين من األسنان الفوالذ‪ ،‬فم كل ٍ‬
‫ب يُ َز ِ‬
‫مجر‪.‬‬
‫رأى جندري أيضًا الخوذة‪ ،‬فقال‪« :‬هو»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس هو‪ ،‬بل خوذته»‪ .‬حاولَت بِريان أن تمنع الخوف من التَّسلُّل إلى صوتها‪ ،‬لكنها وجدَت فمها جافًّا‬
‫كالتُّراب‪ .‬إن لديها تخمينًا ال بأس به على اإلطالق بخصوص من يعتمر خوذة كلب الصَّيد‪ .‬ف َّكرت‪:‬‬
‫األطفال‪.‬‬
‫وصاحت الفتاة في الوافدين لكن الرَّعد هز َم‬
‫َ‬ ‫وخرجت ويلو إلى المطر رافعةً نُ َّشابيَّةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫انفت َح باب الخان بق َّو ٍة‬
‫في السَّاحة طاغيًا على كالمها‪ ،‬وإذ خفتَ سم َعت بِريان َمن يعتمر خوذة كلب الصَّيد يقول‪« :‬أطلِقي عل َّي‬
‫وأجعلك تأكلينهما»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عينيك‬
‫ِ‬ ‫وأنكحك بها‪ ،‬ثم سأقتل ُع‬
‫ِ‬ ‫سه ًما وسأدسُّ هذه النُّ َّشابيَّة في كس ِ‬
‫ِّك‬
‫دف َع الغضب في صوت الرَّجل ويلو إلى التَّرا ُجع ُخطوةً مرتجفةً‪ ،‬وثانيةً ف َّكرت بِريان بيأس‪ :‬سبعة‪ .‬تعلم أن‬
‫ال فُرصة لها في التَّغ ُّلب على سبعة‪ .‬ال فُرصة وال خيار‪.‬‬
‫خرجت إلى المطر حاملةً (حافِظ العهد)‪ ،‬وقالت‪« :‬دعوها وشأنها‪ .‬إذا أردتم أن تغتصبوا أحدًا فجرِّبوني»‪.‬‬ ‫َ‬
‫وصدر‬
‫َ‬ ‫آن واحد‪ .‬ضحكَ أحدهم‪ ،‬وقال آخَ ر شيئًا بلُغ ٍة تجهلها بِريان‪،‬‬ ‫التفتَ إليها الخارجون عن القانون في ٍ‬
‫انفجر الرَّجل الذي يعتمر‬
‫َ‬ ‫من الضَّخم ذي الوجه األبيض العريض هسيسسسسسسسسسس مح َّمل بال ِغل‪ ،‬ثم‬
‫حصانك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إنك أقبح مما أذك ُر‪ .‬أوث ُر أن أغتصب‬ ‫خوذة كلب الصَّيد ضاح ًكا‪ ،‬وقال‪ِ « :‬‬
‫قال أحد الجرحى‪« :‬األحصنة‪ ،‬هذا ما نُريد‪ ،‬أحصنة جديدة والقليل من الطَّعام‪ .‬هناك خارجون عن القانون‬
‫ُطاردوننا‪ .‬أعطونا أحصنتكم وسنذهب‪ ،‬لن نُؤذيكم»‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫قائال‪« :‬تبًّا لهذا‪ .‬أري ُد أن أقطع ساقيها‬‫اختطفَ المجرم معتمر خوذة كلب الصَّيد فأسًا حربيَّةً من َسرجه ً‬
‫اللَّعينتين‪ .‬سأضعها على َجدعتيهما لتُشا ِهدني أغتصبُ فتاة النُّ َّشابيَّة»‪.‬‬
‫قالت بِريان باستهزاء‪« :‬بماذا؟ شاجويل قال إنهم بتروا َذكرك مع أنفك»‪.‬‬
‫أرادَت أن تستف َّزه‪ ،‬ونج َحت‪.‬‬
‫ركض نحوها‪ ،‬في حين ظَ َّل اآلخَرون في‬ ‫َ‬ ‫جائرًا بال َّشتائم انقضَّ عليها‪ ،‬تَنثُر قدماه ماء البِرك األسود إذ‬
‫أماكنهم ليتفرَّجوا على العرض كما أملَت أن يفعلوا‪ .‬وقفَت بِريان ثابتةً كالحجر تنتظر‪ .‬السَّاحة مظلمة‪،‬‬
‫ُهاجمني‪ .‬بمشيئة اآللهة سيزلُّ ويَسقُط‪.‬‬
‫والوحل زلِق تحت األقدام‪ .‬األفضل أن أتركه ي ِ‬
‫ق (حافِظ العهد) الهواء‬ ‫ولم تشأ اآللهة‪ ،‬لكن سيفها كان جاه ًزا‪ .‬خمس ُخطوات‪ ،‬أربع ُخطوات‪ ،‬اآلن‪ ،‬وفل َ‬
‫ق نصلها أسماله وقميصه المعدني في اللَّحظة نفسها‬ ‫مرتفعًا يص ُّد انقضاضته‪ ،‬وارتط َم الفوالذ بالفوالذ إذ َش َّ‬
‫فالتوت إلى الجانب وس َّددت ضربةً أخرى إلى صدره بينما تترا َجع‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هوت فيها فأسه‪،‬‬‫التي َ‬
‫لينكحك أيتها الحقيرة!»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إياك‬
‫ِ‬ ‫وتب َعها متعثِّرًا ينزف ويهدر ثائرًا‪« :‬عاهرة! مسخ! حقيرة! سأعطي كلبي‬
‫ومض البرق‪ .‬ال تحمل بِريان تُرسًا‬‫َ‬ ‫ضي كلَّما‬
‫س قاتلة‪ِ ،‬ظلٌّ أسود غاشم يصطبِغ بالف ِّ‬ ‫دا َرت فأسه في أقوا ٍ‬
‫تص ُّد به الضَّربات‪ ،‬وال تستطيع َّإال التَّم ُّلص منه مندفع ٍة في هذا االتِّجاه أو ذاك لتتفادى رأس الفأس الهاوي‬
‫عليها‪.‬‬
‫طت كتفها‬ ‫ق كعبها في الوحل وكادَت تَسقُط‪ ،‬لكنها استعادَت توا ُزنها بوسيل ٍة ما‪ ،‬ولو أن الفأس كش َ‬ ‫م َّرةً انزل َ‬
‫اليُسرى مخلِّفةً حريقًا من األلم‪ .‬صا َح أحد اآلخَرين‪« :‬أصبت الحقيرة!»‪ ،‬وقال آخَ ر‪« :‬لن َر كيف ستَرقُص‬
‫اآلن»‪.‬‬
‫صت بِريان شاعرةً بالرَّاحة الكتفائهم بالمشاهَدة‪ .‬أفضل لها أن يُشا ِهدوا من أن يتد َّخلوا‪ ،‬فليس‬ ‫ورق َ‬
‫بمقدورها أن تُقاتِل سبعةً بمفردها على الرغم من إصابات واح ٍد أو اثنين منهم‪ .‬السير جودوين العجوز في‬
‫قدرك دو ًما‪ ،‬وستجعلهم كبرياؤهم يرغبون‬
‫ِ‬ ‫قبره منذ سنين‪ ،‬لكنها سم َعته يهمس في أُذنها‪ :‬سيبخس الرِّجال‬
‫زيمتك سريعًا خشية أن يُقال إن امرأةً أرهقَتهم ود َّوختهم‪ .‬اترُكيهم يستهلكون طاقتهم في الهجمات‬ ‫ِ‬ ‫في ه‬
‫طاقتك‪ .‬انتظري وراقبي يا فتاة‪ ،‬انتظري وراقبي‪ .‬وانتظ َرت بِريان‪ ،‬وشاهدَت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الضَّارية بينما ت َّدخرين‬
‫تتحرَّك إلى الجانب‪ ،‬ثم إلى الخلف‪ ،‬ثم إلى الجانب ثانيةً‪ ،‬تُ َسدِّد ضربةً إلى وجهه‪ ،‬إلى ساقيه‪ ،‬إلى ذراعيه‪،‬‬
‫واآلن صا َرت ضرباته أبطأ إذ ثقلَت فأسه‪ ،‬ودف َعته بِريان إلى ال َّدوران ليكون المطر في عينيه ثم أسرعَت‬
‫تترا َجع ُخطوتين‪ ،‬ورف َع فأسه م َّرةً أخرى العنًا و َك َّر عليها‪ ،‬وانزلقَت قدمه في الوحل‪...‬‬
‫‪ ...‬ووثبَت تُقابِله وكلتا يديها على مقبض سيفها‪ .‬وض َعته انقضاضته المباشرة عند رأس السَّيف بالضَّبط‪،‬‬
‫ق من‬ ‫وغاص في أحشائه وانبث َ‬
‫َ‬ ‫والجلد والمزيد من القُماش‪،‬‬‫ِ‬ ‫وانغرس (حافِظ العهد) في القُماش والمعدن‬
‫َ‬
‫ك بعموده الفقري‪ .‬سقطَت فأسه من أصابع ارتخَت‪ ،‬وتصاد َم االثنان‬ ‫ظَهره مصدرًا صوتًا خشنًا إذ احت َّ‬
‫ليضرب وجه بِريان خوذة رأس الكلب وتَشعُر ببرودة المعدن المبتل على وجنتها‪ .‬سا َل المطر على الفوالذ‬
‫لمحت األلم والخوف وال ُّذهول الخالص عبر فتحتَي الرُّ ؤية‪ .‬هم َست‬ ‫أنهارًا‪ ،‬وحين سط َع البرق من جدي ٍد َ‬
‫له‪« :‬صفِّير»‪ ،‬ود َّورت نصلها بقسو ٍة أرسلَت في جسده الرَّعدة‪ ،‬وتراخى وزنه الثَّقيل عليها‪ ،‬و ُدفعةً واحدةً‬
‫أصب َح ما تحتضنه هناك تحت المطر األسود جثَّةً‪ .‬تراج َعت وتر َكته يَسقُط‪...‬‬
‫‪ ...‬وارتط َم بها العضَّاض صار ًخا‪.‬‬
‫ْهور من الصُّ وف المبت ِّل واللَّحم األبيض كالحليب‪ ،‬يرفعها في الهواء ثم يرميها على األرض‬ ‫سقطَ عليها كتَي ٍ‬
‫داخال أنفها وعينيها‪ .‬أفرغَت الصَّدمة ك َّل ما في صدرها من‬ ‫ً‬ ‫بمنتهى العُنف لتحطَّ في بِرك ٍة ويتناثَر الماء‬
‫ت حاد‪ ،‬ولم تجد وقتًا َّإال لتقول‪« :‬ال»‪ ،‬قبل أن يَسقُط فوقها‬ ‫وضرب رأسها حجرًا ِشبه مدفون بصو ٍ‬ ‫َ‬ ‫هواء‪،‬‬
‫ليغوص بها وزنه أكثر في الوحل‪ .‬امت َّدت إحدى يديه إلى َشعرها تسحب رأسها إلى الخلف‪ ،‬واألخرى إلى‬
‫ُعنقها‪ .‬لم تجد (حافِظ العهد) معها إذ أفلتَته قبضتها‪ ،‬وال تملك َّإال يديها تص ُّده بهما‪ ،‬لكن حين لك َمته في‬
‫وأجاب لكمتها مهسهسًا في وجهها‪.‬‬‫َ‬ ‫وجهه فكأنها لك َمت ُكرةً من العجين األبيض المبتل‪،‬‬
‫ضربَته م َّرةً أخرى وأخرى وأخرى بكعب يدها في عينه‪ ،‬فبدا كأنه ال يَشعُر بضرباتها‪ .‬خم َشت معصميه‪،‬‬
‫لكنه أحك َم قبضته عليها مع أن الدِّماء سالَت من الجروح التي خلَّفتها أظفارها‪ .‬إنه يسحقها‪ ،‬يَخنُقها‪ .‬دف َعت‬
‫كتفيه‪ ،‬لكنه ثقيل كالحصان‪ ،‬زحزحته مستحيلة‪ .‬عندما حاولَت أن تضربه برُكبتها بين ساقيه لم تنجح َّإال‬
‫ق العضَّاض صوتًا كقباع الخنازير وم َّزق ُخصلةً من َشعرها‪.‬‬ ‫في إصابة بطنه‪ ،‬وأطل َ‬
‫وراحت أصابعها تَحفُر تحت لحمه الخانق‬ ‫َ‬ ‫خنجري‪ .‬تشبَّثت بِريان بالخاطر بيأس‪ .‬دسَّت يدها بينهما‬
‫ق العضَّاض كلتا يديه على ُعنقها وبدأ يضرب‬ ‫الكريه‪ ،‬تبحث وتبحث إلى أن وجدَت المقبض أخيرًا‪ .‬أغل َ‬
‫ضت بوسيل ٍة ما‬ ‫ومض البرق مج َّددًا‪ ،‬هذه المرة داخل جمجمتها‪ ،‬لكن أصابعها انقب َ‬ ‫َ‬ ‫رأسها باألرض‪.‬‬
‫وجذبَت الخنجر من ِغمده‪ .‬اعتالؤه إياها هكذا يحول دون أن ترفع النَّصل وتطعنه به‪ ،‬فسحبَته بق َّو ٍة على‬
‫ت أعلى‪ ،‬وتخلَّى عن‬ ‫هسهس العضَّاض ثانيةً بصو ٍ‬
‫َ‬ ‫بطنه بالعرض‪ ،‬وتفجَّر شيء دافئ بليل بين أصابعها‪.‬‬
‫رقبتها فقط ليَل ُكمها في وجهها‪ ،‬وسم َعت ِبريان عظا ًما تته َّشم وأعماها األلم لحظةً‪ .‬عندما حاولَت أن تش َّ‬
‫ق‬
‫لحمه بخنجرها ثانيةً انتزعَه من يدها وهوى برُكبته على سا ِعدها كاسرًا إياه‪ ،‬ثم عا َد يُطبِق على ُعنقها‬
‫ُحاول اجتثاثه من كتفيها‪.‬‬
‫وي ِ‬
‫ُقارع الفوالذ‪،‬‬
‫سم َعت بِريان كلب ينبح وال ِّرجال يصيحون حولها‪ ،‬وبين قصفات الرَّعد سم َعت الفوالذ ي ِ‬
‫فف َّكرت‪ :‬السير هايل‪ ،‬السير هايل انض َّم إلى القتال‪ ،‬لكن ك َّل هذا بدا بعيدًا ال يه ُّم‪ .‬عالمها اآلن يقتصر على‬
‫مال عليها أكثر‪ ،‬تفوح من‬
‫سال المطر على قلنسوته إذ َ‬ ‫َ‬ ‫اليدين اللتين تُطَ ِّوقان ُعنقها والوجه الذي فوقها‪.‬‬
‫أنفاسه رائحة بغيضة كالجُبنة العفِنة‪.‬‬
‫مشتعال نارًا والعاصفة وراء عينيها تُعميها والعظام يطحن بعضها بعضًا في داخلها‪َ .‬‬
‫فغر‬ ‫ً‬ ‫كان صدر بِريان‬
‫ساع مستحيل‪ ،‬ورأت أسنانه الصَّفراء المعو َّجة المدبَّبة‪ ،‬ول َّما انغلقَت على لحم وجنتها‬ ‫العضَّاض فاه باتِّ ٍ‬
‫اللَّدن شع َرت بها بالكاد‪ ،‬وأحسَّت بد َّوام ٍة تحملها غائصةً في الظَّالم‪ .‬ال يُمكن أن أموت اآلن‪ ،‬ما زا َل هناك‬
‫ي أن أفعله‪.‬‬ ‫شيء عل َّ‬
‫ق وابتس َم ابتسامةً عريضةً ثم عا َد يغرس أسنانه المدبَّبة‬ ‫انتز َع العضَّاض فمه المليء بالدِّماء واللَّحم‪ ،‬وبص َ‬
‫ق فيها‬ ‫في لحمها‪ ،‬وهذه المرَّة مضغَه وابتل َعه‪ .‬قالت لنفسها مدركةً ما يفعله‪ :‬إنه يأكلني‪َّ ،‬إال أن طاقةً لم تتب َّ‬
‫شعرت كأنها طافية فوق نفسها‪ ،‬تُشا ِهد هذا الرُّ عب كأنه يَح ُدث المرأ ٍة أخرى‪ ،‬لفتا ٍة حمقاء حسبَت‬ ‫َ‬ ‫لت ُ ِ‬
‫قاومه‪.‬‬
‫نفسها فارسًا‪ .‬سينتهي األمر قريبًا‪ ،‬وعندها لن يه َّم إذا أكلَني‪ .‬ألقى العضَّاض رأسه إلى الوراء فاتحًا فمه‬
‫لسان طبيعي‪ ،‬وقد را َح ينزلق خارجًا‬ ‫ٍ‬ ‫ليعوي‪ ،‬ثم أخر َج لسانه‪ ،‬لسانًا مدبَّبًا يَقطُر منه ال َّدم‪ ،‬أطول من أ ِّ‬
‫ي‬
‫مبتال المعًا‪ ،‬منظره قبيح شنيع‪ ،‬وقُبيل أن يطويها الظَّالم ف َّكرت ِبريان‪ :‬لسانه طوله قدم‬ ‫ًّ‬ ‫من فمه أحمر‬
‫كامل‪ ،‬يكاد يُشبِه السَّيف‪.‬‬
‫چايمي‬
‫والذهب‪ ،‬وقميصه المعدني‬ ‫لل َّدبُّوس الذي يُثَبِّت معطف السير برايندن تَلي شكل سمك ٍة سوداء من السَّبج َّ‬
‫ي كئيب‪ ،‬ومعه يرتدي قُفَّازين وصفائح تقي ساقيه ورُكبتيه و ُعنقه وكتفيه‪ ،‬جميعها من الفوالذ‬ ‫رماد ٌّ‬
‫األسود‪ ،‬وليس منها ما هو حالك كالنَّظرة على وجهه إذ انتظ َر چايمي النستر عند طرف الجسر المتحرِّك‪،‬‬
‫وحده على صهوة جوا ٍد كستنائي يكسوه األحمر واألزرق‪.‬‬
‫هذا الرَّجل ال يحبُّني‪ .‬لتَلي وجه صخري عميق التَّجاعيد ل َّوحته ال ِّريح تحت َشعره ال َّشائب اليابس‪ ،‬لكن‬
‫ت عن ملوك البنسات التِّسع ذات يوم‪.‬‬ ‫زال يرى الفارس العظيم الذي فتنَ ُمرافقًا صغيرًا بحكايا ٍ‬ ‫چايمي ما َ‬
‫طقطقَت حوافر أونَر على ألواح الجسر المتح ِّرك‪ ،‬وعلى متنه چايمي الذي ف َّكر مليًّا في ارتداء ِدرعه‬
‫َّ‬
‫الذهبيَّة أم البيضاء في هذا اللِّقاء‪ ،‬وفي النِّهاية اختار سُترةً من ِ‬
‫الجلد ومعطفًا قرمزيًّا‪.‬‬
‫توقَّف على بُعد ياردة من السير برايندن وحنى رأسه للعجوز‪ ،‬فقال تَلي‪« :‬قاتِل الملك»‪.‬‬
‫اختياره أن يكون هذا اللَّقب أول ما يَخرُج من فمه يقول الكثير‪ ،‬غير أن چايمي عز َم على تمالُك أعصابه‪،‬‬
‫وأجاب‪« :‬السَّمكة السَّوداء‪ ،‬أشكرك لمجيئك»‪.‬‬
‫َ‬
‫قال السير برايندن‪« :‬أفترضُ أنك أتيت لتفي بقَسمك البنة أخي‪ .‬أذك ُر أنك وعدت كاتلين بإعادة ابنتيها‬
‫مقابل ح ِّريَّتك»‪ ،‬وتقلَّص فمه مضيفًا‪« :‬لكنني ال أرى الفتاتين‪ .‬أين هما؟»‪.‬‬
‫أيجب أن يجعلني أقولها؟ «ليستا معي»‪.‬‬
‫‪« -‬مؤسف‪ .‬هل ترغب في استئناف حبسك إذن؟ ما زالَت زنزانتك القديمة متاحةً‪ ،‬وفرشنا حصائر جديدةً‬
‫على األرض»‪.‬‬
‫ووضعتم دل ًوا جديدًا أتب َّر ُز فيه أيضًا ال َشك‪« .‬أشكر لك مراعاتك أيها الفارس‪ ،‬لكن أخشى أن عل َّ‬
‫ي أن‬
‫أرفض‪ .‬أفضِّ ُل راحة سُرادقي»‪.‬‬
‫‪« -‬بينما تستمتع كاتلين براحة قبرها؟»‪.‬‬
‫كان ليقول‪ :‬لم تكن لي يد في موت الليدي كاتلين‪ ،‬وابنتاها اختفَتا قبل أن أصل إلى (كينجز الندنج)‪ ،‬وكان‬
‫على لسانه أن يَذ ُكر بِريان والسَّيف الذي أعطاها إياه‪ ،‬لكن السَّمكة السَّوداء كان يرميه بالنَّظرة عينها التي‬
‫أتيت أتكلَّ ُم‬
‫رماه بها إدارد ستارك لحظة أن رآه على العرش الحديدي ودماء الملك المجنون على سيفه‪ُ « .‬‬
‫عن األحياء ال الموتى‪ ،‬ع َّمن ال داعي لموتهم لكنهم سيموتون‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬ما لم أسلِّمكم (ريڤر َرن)‪ .‬هل ستُهَدِّد بشنق إدميور اآلن؟»‪ .‬تحت حاجبيه الكثيفين كانت عينا تَلي‬
‫أظن أن‬ ‫ُّ‬ ‫فعلت‪ ،‬فاشنُقوه وافرُغوا من األمر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حجرًا وهو يقول‪« :‬ابن أخي محكوم عليه بالموت مهما‬
‫ُ‬
‫سئمت من رؤيته عليها»‪.‬‬ ‫إدميور سئ َم من الوقوف على هذه المشنقة كما‬
‫نجحت فقط في جعل السَّمكة‬ ‫َ‬ ‫رايمان فراي أحمق كبير‪ .‬واضح تما ًما أن تمثيليَّته مع إدميور والمشنقة‬
‫السَّوداء يتعنَّت أكثر‪« .‬إنك تحتجز الليدي سيبل وسترلينج وثالثةً من أوالدها‪ .‬سأعي ُد ابن أخيك مقابلهم»‪.‬‬
‫‪« -‬كما أعدت ابنتَي الليدي كاتلين؟»‪.‬‬
‫لم يسمح چايمي لنفسه بأن يُستفَ َّز‪ ،‬وقال‪« :‬امرأة عجوز وثالثة أطفال لقاء سيِّدك‪ ،‬هذه صفقة أفضل من أيِّ‬
‫شي ٍء كنت تأمله»‪.‬‬
‫ابتس َم السير برايندن بقسو ٍة ً‬
‫قائال‪« :‬لست تفتقر إلى الجرأة يا قاتِل الملك‪ ،‬لكن إبرام الصَّفقات مع الحانثين‬
‫في أيمانهم كالبناء على ال ِّرمال المتح ِّركة‪ .‬كان على كات أن تكون أعقل من أن تثق بأمثالك»‪.‬‬
‫كا َد چايمي يقول‪ :‬لقد وثقَت بتيريون‪ .‬ال ِعفريت أيضًا خدعَها‪ ،‬لكنه َر َّد‪« :‬وعودي لليدي كاتلين كانت تحت‬
‫تهديد السَّيف»‪.‬‬
‫‪« -‬وقَسمك إليرس؟»‪.‬‬
‫صلة إليرس بهذا‪ .‬هل ستُبا ِدل أوالد وسترلينج بإدميور؟»‪.‬‬‫أجاب شاعرًا بأصابعه ال َّشبحيَّة تختلِج‪« :‬ال ِ‬
‫َ‬
‫وأقسمت على الحفاظ على سالمتها‪ .‬لن أسلِّمها إلى آل فراي ليَشنُقوها»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬ال‪ .‬مليكي ائتمنَني على ملكته‬
‫‪« -‬الفتاة نالَت عف ًوا‪ .‬لن يمسَّها سوء‪ ،‬لك كلمتي»‪.‬‬
‫ً‬
‫أصال؟»‪.‬‬ ‫قال السير برايندن‪« :‬كلمة َشرف؟»‪ ،‬ورف َع حاجبه مضيفًا‪« :‬هل تعرف ما ال َّشرف‬
‫حصان‪« .‬سأقس ُم لك على ما تشاء»‪.‬‬
‫‪« -‬اعفِني يا قاتِل الملك»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا ما أري ُد أن أفعله‪ِ .‬‬
‫أنزل راياتك وافتح ب َّوابتك وسأمن ُح رجالك حياتهم‪َ .‬من يرغب منهم في البقاء في‬
‫كنت أطلبُ أن يُ َسلِّموا‬
‫ُ‬ ‫(ريڤر َرن) وخدمة اللورد إمون فليفعل‪ ،‬وللباقين أن يذهبوا حيث يُريدون‪ ،‬وإن‬
‫أسلحتهم ودروعهم»‪.‬‬
‫ُهاجمهم «الخارجون عن القانون»؟ إنك لن تجرؤ‬ ‫‪« -‬تُرى ما المسافة التي سيقطعونها وهُم ُع َّزل قبل أن ي ِ‬
‫على السَّماح لهم باالنضمام إلى اللورد بريك‪ ،‬وكالنا يعلم هذا‪ .‬هل ستستعرضونني في (كينجز الندنج)‬
‫ألموت ِمثل إدارد ستارك؟»‪.‬‬
‫بحرس اللَّيل‪ .‬نغل ند ستارك القائد على ( ِ‬
‫الجدار) اآلن»‪.‬‬ ‫‪« -‬سأسم ُح لك بااللتحاق َ‬
‫قائال‪« :‬أهذا أيضًا من ترتيب أبيك؟ أذك ُر أن كاتلين لم تثق بهذا الصَّبي قَ ُّ‬
‫ط‬ ‫ضيَّق السَّمكة السَّوداء عينيه ً‬
‫ُ‬
‫سأموت دافئًا‬ ‫كما لم تثق بثيون جرايچوي‪ ،‬ويبدو أنها كانت محقَّةً بشأن االثنين‪ .‬ال أيها الفارس‪ ،‬ال ُّ‬
‫أظن‪.‬‬
‫بَعد إذنك وفي يدي سيف تسيل عليه دماء األُسود الحمراء»‪.‬‬
‫ي أن أقتحمها‪ .‬سيموت مئات»‪.‬‬ ‫‪« -‬دماء تَلي حمراء أيضًا‪ .‬إذا لم تُ َسلِّم القلعة فعل َّ‬
‫‪« -‬مئات من رجالي وآالف من رجالك»‪.‬‬
‫آخرها»‪.‬‬
‫‪« -‬ستهلك الحامية عن ِ‬
‫أعرف هذه األغنيَّة‪ .‬هل تُ َغنِّيها على لحن (أمطار كاستامير)؟ رجالي يُؤثِرون الموت واقفين يُقاتِلون‬
‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫على أن يموتوا راكعين بفأس َّ‬
‫الجالد»‪.‬‬
‫الحوار ال يمضي على ما يُرام إطالقًا‪« .‬ال جدوى من هذا التَّحدِّي أيها الفارس‪ .‬الحرب انتهَت وماتَ ذئبكم‬
‫الصَّغير»‪.‬‬
‫انتهاك لجميع شرائع الضِّيافة»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬اغتي َل في‬
‫‪« -‬هذا عمل فراي ال عملي»‪.‬‬
‫‪« -‬س ِّمه كما تشاء‪ ،‬لكن رائحة تايوين النستر تفوح منه»‪.‬‬
‫يستطع چايمي أن يُن ِكر هذا‪ ،‬وقال‪« :‬أبي أيضًا ماتَ »‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫‪« -‬عسى (األب) أن يَح ُكم عليه بالعدل»‪.‬‬
‫استطعت بلوغ روب ستارك في (الغابة الهامسة) لقتلته‪ ،‬لكن بعض الحمقى‬ ‫ُ‬ ‫يا لها من فكر ٍة مريعة‪« .‬لو‬
‫اعت َرضوا طريقي‪ .‬هل يه ُّم كيف ماتَ الصَّبي؟ إنه ما زا َل ميتًا‪ ،‬ومعه ماتَت مملكته»‪.‬‬
‫‪« -‬ال بُ َّد أنك أعمى عالوةً على عاهتك أيها الفارس‪ .‬ارفع عينيك وسترى أن ال ِّذئب الرَّهيب ال يزال يخفق‬
‫فوق جُدراننا»‪.‬‬
‫طت‪ ،‬وكذا (سيجارد) و(بِركة العذارى)‪ ،‬وآل براكن ركعوا‬ ‫‪« -‬لقد رأيته‪ ،‬يبدو وحيدًا‪( .‬هارنهال) سق َ‬
‫ُحاصرون تايتوس بالكوود في (شجرة ال ِغدفان)‪ .‬پايپر‪ ،‬ڤانس‪ ،‬موتون‪ ،‬جميع ح َملة رايتكم استسلَموا ولم‬ ‫وي ِ‬
‫ضعف أعدادكم»‪.‬‬ ‫ق َّإال (ريڤر َرن)‪ .‬إن معنا عشرين ِ‬‫يب َ‬
‫ضعفًا من الطَّعام‪ .‬ما أخبار مؤنكم يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫ضعفًا من الرِّ جال تعني عشرين ِ‬
‫‪« -‬عشرون ِ‬
‫‪« -‬تكفي ألن نبقى هنا حتى نهاية ال َّزمن إذا لز َم األمر‪ ،‬بينما تتض َّورون أنتم جوعًا وراء أسواركم»‪ .‬نط َ‬
‫ق‬
‫چايمي الكذبة بك ِّل ما استطا َع من جراء ٍة متمنِّيًا َّأال تخونه مالمحه‪.‬‬
‫تنطل على السَّمكة السَّوداء الذي قال‪« :‬حتى نهاية زمنكم ربما‪ .‬مؤننا وفيرة‪ ،‬ولو أنني أخشى‬‫ِ‬ ‫على أنها لم‬
‫أننا لم نَترُك الكثير في الحقول لل َّزائرين»‪.‬‬
‫‪« -‬نستطيع اإلتيان بالطَّعام من (التَّوأمتين)‪ ،‬أو عبر التِّالل من الغرب إذا دعَت الحاجة»‪.‬‬
‫س شريف ِمثلك»‪.‬‬ ‫‪« -‬كما تقول‪ُ .‬محال أن أش ِّكك في كلمة فار ٍ‬
‫أغضب التَّه ُّكم في نبرته چايمي‪ ،‬فقال‪« :‬هناك طريقة أسرع لتسوية المسألة‪ .‬نزال فردي‪ ،‬نصيري ضد‬ ‫َ‬
‫نصيرك»‪.‬‬
‫كنت أتساء ُل متى ستَبلُغ هذه النُّقطة‪َ .‬من سيكون؟ العُفر؟ أدام ماربراند؟‬ ‫قال السير برايندن ضاح ًكا‪ُ « :‬‬
‫والدر فراي األسود؟»‪ ،‬وما َل إلى األمام مضيفًا‪« :‬ولِ َم ال يكون النِّزال بيننا نحن أيها الفارس؟»‪.‬‬
‫قتاال رائعًا في الماضي‪ ،‬حكايةً يُ َغنِّي عنها المغنُّون‪« .‬عندما أطلقَت الليدي كاتلين سراحي‬ ‫لكان ذلك ً‬
‫جعلَتني أقس ُم على عدم حمل السِّالح ضد آل ستارك أو تَلي ثانيةً»‪.‬‬
‫‪« -‬قَسم مالئم للغاية أيها الفارس»‪.‬‬
‫ارب َّد وجهه‪ ،‬وسأ َل‪« :‬هل تنعتني بالجُبن؟»‪.‬‬
‫أجاب السَّمكة السَّوداء‪« :‬ال‪ ،‬أنعتك بالعجز»‪ ،‬وأشا َر برأسه إلى يد چايمي َّ‬
‫الذهبيَّة مردفًا‪« :‬كالنا يعلم أنك‬ ‫َ‬
‫ال تستطيع القتال بهذه»‪.‬‬
‫وهمس صوت في داخله‪ :‬هل تُفَرِّ ط في حياتك من أجل الكبرياء؟ «ربما يقول بعضهم‬ ‫َ‬ ‫َر َّد‪« :‬إن لي يدين»‪،‬‬
‫ُ‬
‫فزت‬ ‫إن معاقًا وعجو ًزا ن َّدين مثاليَّيْن‪ .‬حلَّني من قَسمي لليدي كاتلين وسأواجهك سيفًا بسيف‪ .‬إذا‬
‫ف(ريڤر َرن) لنا‪ ،‬وإذا قتلتني فسنرفع الحصار»‪.‬‬
‫الذهبي منك واقتالع قلبك‬ ‫عا َد السير برايندن يضحك‪ ،‬وقال‪« :‬على الرغم من ترحيبي بفُرصة أخذ سيفك َّ‬
‫األسود به‪ ،‬فوعودك بال قيمة‪ .‬لن أجني شيئًا من موتك َّإال متعة قتلك‪ ،‬ولن أخاطر بحياتي في سبيل ذلك‪...‬‬
‫طرة محدودة»‪.‬‬ ‫مع أنها مخا َ‬
‫وإال لكان استلَّه‪ ،‬ولو لم يقتله السير برايندن ألرداه الرُّ ماة على‬
‫ظ چايمي أنه ال يحمل سيفًا‪َّ ،‬‬‫من حُسن َح ِّ‬
‫شروط يُمكن أن تقبلها؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫األسوار بك ِّل تأكيد‪« .‬هل من أ ِّ‬
‫قال السير برايندن‪« :‬منك؟»‪ ،‬وهَ َّز كتفيه مجيبًا‪« :‬ال»‪.‬‬
‫‪« -‬لماذا خرجت تتكلَّم معي إذن؟»‪.‬‬
‫أردت أن أرى َجدعتك هذه وأسمع ما لديك من ذرائع تُبَرِّر بها أحدث‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬الحصار مم ٌّل لدرج ٍة مميتة‪.‬‬
‫أملت‪ .‬دائ ًما تُخَ يِّب األمل يا قاتِل الملك»‪ ،‬ودا َر السَّمكة السَّوداء بحصانه وخَ بَّ‬
‫ُ‬ ‫جرائمك‪ ،‬لكنها أوهى مما‬
‫ق في‬ ‫عائدًا إلى (ريڤر َرن)‪ ،‬ونزلَت ال َّشبكة الحديديَّة بَعد دخوله بسُرع ٍة وانغر َست أطرافها المدبَّبة بعُم ٍ‬
‫األرض الموحلة‪.‬‬
‫د َّور چايمي رأس أونَر استعدادًا لرحلة العودة الطَّويلة إلى خطوط حصار جيش النستر وقد شع َر باألعيُن‬
‫المسلَّطة عليه‪ ،‬أعيُن رجال تَلي في ال ُّشرفات وأعيُن رجال فراي عبر النَّهر‪ .‬إن لم يكونوا ُعميًا فال بُ َّد أنهم‬
‫مين‬
‫رأوه يُلقي عرضي في وجهي‪ .‬ال مناص من اقتحام القلعة‪ .‬طيِّب‪ ،‬ما أسهل أن يحنث قاتِل الملك في ي ٍ‬
‫رجل يتسلَّق إلى ال ُّشرفات‪ .‬وبيدي َّ‬
‫الذهبيَّة‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى‪ .‬مزيد من الخراء في ال َّدلو‪ .‬قرَّر چايمي أن يكون أول‬
‫سأكون أول من يموت على األرجح‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫ك ليو الصَّغير لجام حصانه فيما ساعدَه پِك على ال ُّنزول‪ ،‬فسأ َل نفسه‪ :‬أيحسبونني عاج ًزا‬ ‫في المعس َكر أمس َ‬
‫لدرجة احتياجي إلى َمن يُعينني على التَّرجُّ ل؟ سألَه السير داڤن ابن خاله‪« :‬كيف أبليت يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫أصاب كفل حصاني بسهم‪ ،‬لكن فيما عدا هذا لم يُ َميِّزني الكثير عن السير رايمان»‪ ،‬وتجهَّم‬
‫َ‬ ‫‪« -‬ال أحد‬
‫چايمي مضيفًا‪« :‬واآلن ال مف َّر من أن يزداد (الفرع األحمر) حُمرةً»‪ .‬لُم نفسك على هذا أيها السَّمكة‬
‫ت كثيرة‪« .‬اجمع مجلس الحرب‪ .‬السير أدام والعُفر وفورلي پرستر‪ ،‬ولوردات‬ ‫السَّوداء‪ .‬لم تَترُك لي خيارا ٍ‬
‫النَّهر أيضًا‪...‬‬
‫واألصدقاء أوالد فراي‪ ،‬السير رايمان واللورد إمون وأيًّا كان من يُريدون حضوره»‪.‬‬
‫اجتمعوا سريعًا‪ .‬جا َء اللورد پايپر وكال اللوردين ڤانس للكالم نيابةً عن لوردات (الثَّالوث) الثَّائبين الذين‬
‫سيُختبَر والؤهم خالل فتر ٍة قصيرة‪ ،‬في حين مثَّل الغرب ك ٌّل من السير داڤن والعُفر القوي وأدام ماربراند‬
‫وفورلي پرستر‪ ،‬وانض َّم إليهم اللورد إمون فراي وزوجته‪ ،‬وقد اتَّخذت الليدي ِ‬
‫چنا ُكرسيَّها بنظر ٍة تتح َّدى‬
‫رجل هناك أن يحت َّج على وجودها‪ ،‬فلم يفعل أحد‪ .‬أرس َل آل فراي والدر ريڤرز المس َّمى والدر النَّغل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أ َّ‬
‫ي‬
‫ومعه إدوين أكبر أبناء السير رايمان‪ ،‬وهو رجل شاحب ناحل له أنف مضغوط و َشعر داكن هزيل‪ .‬تحت‬
‫الحمالن يرتدي إدوين سُترةً ممتازة التَّفصيل من ِجلد العجول الرَّمادي مزيَّنة‬ ‫معطف أزرق من صوف ِ‬ ‫ٍ‬
‫بزخارف لولبيَّة من َّمقة‪ ،‬وقد أعلنَ ‪« :‬سأتح َّد ُ‬
‫ث نيابةً عن عائلة فراي‪ .‬أبي متوعِّك هذا الصَّباح»‪.‬‬
‫ق السير داڤن نخيرًا ساخرًا‪ ،‬وقال‪« :‬أهو سكران أم يَشعُر بالغثيان فحسب من نبيذ ليلة البارحة؟»‪.‬‬
‫أطل َ‬
‫قال إدوين الذي له فم البُخالء القاسي الخبيث‪« :‬لورد چايمي‪ ،‬أيجب أن أتح َّمل هذه الجالفة؟»‪.‬‬
‫سألَه چايمي‪« :‬أهذا صحيح؟ هل أبوك سكران؟»‪.‬‬
‫ق السير إلين پاين الواقف عند سديلة الخيمة بقميصه المعدني الصَّدئ وسيفه البارز‬ ‫َز َّم فراي شفتيه ورم َ‬
‫من وراء كتفه النَّحيلة‪ ،‬ثم قال‪« :‬إنه‪ ...‬أبي معتلُّ البطن يا سيِّدي‪ .‬النَّبيذ يُسا ِعده على الهضم»‪.‬‬
‫چنا‪.‬‬
‫ك العُفر وقهقهَت الليدي ِ‬‫علَّق السير داڤن‪« :‬ال بُ َّد أن ما يهضمه ماموث لعين إذن»‪ ،‬فضح َ‬
‫قال چايمي‪« :‬كفى‪ .‬هناك قلعة علينا أن نظفر بها»‪ .‬أوقات اجتماع أبيه بمجلسه كان يَترُك قادته يتكلَّمون‬
‫أوال‪ ،‬وقد انتوى أن يحذو حذوه‪ ،‬فسألَهم‪« :‬كيف نتصرَّف؟»‪.‬‬‫ً‬
‫أجاب اللورد إمون فراي بإلحاح‪« :‬نَشنُق إدميور تَلي كبداية‪ .‬سيُ َعلِّم هذا السير برايندن أننا نعني ما نقول‪.‬‬
‫َ‬
‫إذا أرسلنا رأس السير إدميور إلى ع ِّمه فربما يدفعه هذا إلى االستسالم»‪.‬‬
‫‪« -‬برايندن السَّمكة السَّوداء ال يُدفَع إلى شي ٍء بهذه البساطة»‪ ،‬قال كاريل ڤانس سيِّد (استراحة عابري‬
‫يستطع أن‬
‫ِ‬ ‫السَّبيل) ذو المالمح الكئيبة‪ ،‬الذي تُ َغطِّي وحمة قانية نِصف ُعنقه وجانب وجهه‪« .‬أخوه نفسه لم‬
‫يدفعه إلى فِراش ال َّزوجيَّة»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬يجب أن نقتحم األسوار كما أقو ُل من البداية‪ .‬أبراج حصار‪ ،‬ساللم‪،‬‬‫هَ َّز السير داڤن رأسه األشعث ً‬
‫ك نخترق به الب َّوابة‪ ،‬هذا ما نحتاج إليه»‪.‬‬‫ِم َد ٌّ‬
‫قال العُفر‪« :‬سأقو ُد الهجوم‪ .‬نجعل السَّمكة يذوق الفوالذ والنَّار‪ ،‬هذا رأيي»‪.‬‬
‫َر َّد اللورد إمون باستهجان‪« :‬هذه أسواري‪ ،‬وهذه ب َّوابتي التي تُريدون اختراقها»‪ ،‬وأخر َج وثيقته من ُك ِّمه‬
‫مضيفًا‪« :‬الملك تومن نفسه من َحني‪.»...‬‬
‫قاط َعه إدوين فراي بح َّدة‪« :‬كلُّنا رأينا ورقتك يا ع ِّمي‪ .‬لِ َم ال تُري السَّمكة السَّوداء إياها على سبيل‬
‫التَّغيير؟»‪.‬‬
‫رسل‬ ‫عمال داميًا‪ .‬أقتر ُح أن ننتظر ليلةً يغيب فيها القمر ونُ ِ‬
‫ً‬ ‫قال أدام ماربراند‪« :‬اقتحام األسوار سيكون‬
‫دستةً من رجالنا المنتقين عبر النَّهر بقار ٍ‬
‫ب مكتوم المجاذيف‪.‬‬
‫يُمكنهم أن يتسلَّقوا األسوار بالحبال والخطاطيف ويفتحوا الب َّوابة من ال َّداخل‪ .‬سأقودهم بنفسي إذا أرا َد‬
‫المجلس»‪.‬‬
‫أعلنَ النَّغل والدر ريڤرز‪« :‬حماقة‪ .‬السير برايندن ليس بالرَّجل الذي تنطلي عليه تلك الحيل»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬السَّمكة السَّوداء هو العقبة‪ .‬إن ريشة خوذته سمكة سوداء تجعل تمييزه من بعي ٍد‬ ‫أيَّده إدوين فراي ً‬
‫سهال‪ .‬أقتر ُح أن نُقَرِّب أبراج الحصار من القلعة ونمألها بالرُّ ماة ونتظاهَر بالهجوم على الب َّوابة‪ ،‬وسيدفع‬ ‫ً‬
‫رام سهامه بالفضالت ويجعل تلك الخوذة هدفه‪ .‬ما‬ ‫هذا السير برايندن إلى ال ُّشرفات بخوذته‪ .‬فليُلَ ِّوث كلُّ ٍ‬
‫إن يموت السير برايندن حتى تُصبِح (ريڤر َرن) لنا»‪.‬‬
‫َر َّد اللورد إمون بنبر ٍة حا َّدة‪« :‬لي‪( ،‬ريڤر َرن) لي!»‪.‬‬
‫أشك في كونها‬‫ُّ‬ ‫ازدادَت وحمة اللورد كاريل قتامةً‪ ،‬وقال‪« :‬هل ستكون الفضالت مساهَمتك يا إدوين؟ ال‬
‫ُس ًّما ً‬
‫قاتال»‪.‬‬
‫ق الطَّاولة بقبضته مردفًا‪:‬‬ ‫ق ميتةً أنبل‪ ،‬وأنا من سيُعطيه إياها»‪ ،‬و َد َّ‬ ‫قال العُفر‪« :‬السَّمكة السَّوداء يستح ُّ‬
‫ك بالعجوز»‪.‬‬ ‫نزال فردي‪ .‬ليكن بالهراوة ال َّشائكة أو الفأس أو السَّيف الطَّويل‪ ،‬ال فرق‪ ،‬سأفت ُ‬ ‫ٍ‬ ‫«سأتح َّداه في‬
‫قائال‪« :‬ولِ َم يتنازَل ويقبل التَّحدِّي أيها الفارس؟ ماذا سيجني من ٍ‬
‫قتال كهذا؟‬ ‫خاطبَه السير فورلي پرستر ً‬
‫صدِّقه هو‪ .‬النِّزال الفردي لن يُث ِمر شيئًا»‪.‬‬‫ق ذلك‪ ،‬ولن يُ َ‬ ‫هل سنرفع الحصار إذا فا َز؟ ال أص ِّد ُ‬
‫ُ‬
‫أعرف برايندن تَلي منذ كنا ُمرافقيْن معًا في خدمة اللورد داري‪.‬‬ ‫قال نوربرت ڤانس سيِّد (أترانتا)‪« :‬إنني‬
‫ث معه وأحاو ُل أن أجعله يفهم موقفه اليائس»‪.‬‬‫بَعد إذنكم أيها السَّادة‪ ،‬دعوني أذهبُ وأتح َّد ُ‬
‫َر َّد اللورد پايپر‪« :‬إنه يفهمه جيِّدًا»‪ .‬للرَّجل قامة قصيرة وجسد ممتلئ وساقان مق َّوستان و َشعر أحمر ثائر‪،‬‬
‫الجلي بينهما‪« .‬الرَّجل ليس غبيًّا يا نوربرت‪ .‬إن له عينين‪...‬‬
‫ُّ‬ ‫وهو أبو أحد ُمرافقي چايمي كما يشي ال َّشبه‬
‫وعقال أكبر من أن يستسلم ألمثال هذين»‪ ،‬ول َّوح بيده بفظاظ ٍة نحو إدوين فراي ووالدر ريڤرز‪.‬‬ ‫ً‬
‫غاضبًا قال إدوين‪« :‬إذا كان اللورد پايپر يُلَ ِّمح إلى‪.»...‬‬
‫كرجل صادق‪ ،‬لكن ماذا تعرف أنت عن الصَّادقين؟ إنك‬ ‫ٍ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست أل ِّم ُح يا فراي‪ ،‬بل أقو ُل ما أعني مباشرةً‬
‫ومال‬
‫َ‬ ‫ي فراي»‪،‬‬ ‫كذاب كجميع ذويك‪ .‬أحبِّ ُذ أن أشرب كوبًا من البول على الثِّقة بكلمة أ ِّ‬‫ابن عرس خائن َّ‬
‫أجبني‪ .‬ماذا فعلتم بابني؟ لقد كان ضيفًا في زفافكم اللَّعين»‪.‬‬ ‫پايپر عبر المائدة متابعًا‪« :‬أين مارك؟ ِ‬
‫قال إدوين‪« :‬وسيظلُّ ضيفنا المكرَّم إلى أن تُثبِت والءك لجاللة الملك تومن»‪.‬‬
‫‪« -‬خمسة فُرسان وعشرون جُنديًّا ذهبوا مع مارك إلى (التَّوأمتين)‪ .‬أهُم ضيوفكم أيضًا يا فراي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بعض الفُرسان ربما‪ .‬اآلخَرون نالوا ما استحقُّوا‪ .‬خي ٌر لك أن تصون لسانك الخائن يا پايپر‪ ،‬ما لم تكن‬
‫تُريد أن يرجع إليك وريثك ِقطعًا»‪.‬‬
‫بسيف‬
‫ٍ‬ ‫ط‪ ،‬وهَبَّ پايپر بجسده الصَّغير مزمجرًا‪« :‬قُل هذا مج َّددًا‬‫ف َّكر چايمي‪ :‬لم يَح ُدث هذا في مجلس أبي قَ ُّ‬
‫في يدك يا فراي‪ ،‬أم أنك تُقاتِل بالفضالت فقط؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬إدوين ليس رجل قتال‪ ...‬لكنني‬ ‫نهض والدر ريڤرز ً‬ ‫َ‬ ‫شحب وجه إدوين الممصوص‪ ،‬وإلى جواره‬ ‫َ‬
‫كذلك يا پايپر‪ .‬إذا كان لديك المزيد من التَّعليقات فاخرُج معي وألقِها»‪.‬‬
‫قال چايمي‪« :‬هذا مجلس حرب وليس حربًا‪ .‬فليجلس كالكما»‪ ،‬ول َّما لم يتحرَّك أحدهما صا َح‪« :‬اآلن!»‪.‬‬
‫جلس والدر ريڤرز‪ ،‬أ َّما اللورد پايپر فلم يخَف بهذه السُّهولة‪ ،‬وهمه َم بشتيم ٍة ما ثم خر َج من الخيمة‬
‫َ‬
‫ً‬
‫ت واسعة‪ ،‬فسأ َل السير داڤن چايمي‪« :‬هل أرس ُل وراءه رجاال يجرُّ ونه ويعودون به يا سيِّدي؟»‪.‬‬ ‫ب ُخطوا ٍ‬
‫أرسل السير إلين‪ .‬لسنا محتاجين َّإال إلى رأسه»‪.‬‬
‫قال إدوين فراي‪ِ « :‬‬
‫قائال‪« :‬اللورد پايپر تكلَّم بدافع الحُزن‪ .‬مارك ابنه البِكر‪ ،‬والفُرسان الذين‬
‫التفتَ كاريل ڤانس إلى چايمي ً‬
‫ذهبوا معه إلى (التَّوأمتين) أبناء إخوة وعمومة جميعًا»‪.‬‬
‫علَّق إدوين فراي‪« :‬تعني أنهم خونة ومتم ِّردون»‪.‬‬
‫حد َجه چايمي بنظر ٍة باردة‪ ،‬وقال «(التَّوأمتان) انض َّمتا إلى قضيَّة ال ِّذئب الصَّغير أيضًا‪ ،‬ثم ُخنتموه‪ ،‬وهو‬
‫ما يجعل خيانتكم أفدح من خيانة پايپر مرَّتين»‪ .‬استمت َع بمرأى ابتسامة إدوين الرَّفيعة تَذبُل وتموت‪ ،‬وقال‬
‫احتملت ما يكفي من النَّصائح اليوم‪ ،‬ثم أعلنَ ‪« :‬انتهينا‪ِ .‬‬
‫راجعوا استعداداتكم أيها السَّادة‪ .‬سنَهجُم مع‬ ‫ُ‬ ‫لنفسه‪:‬‬
‫أول خيوط الضَّوء»‪.‬‬
‫كانت ال ِّرياح تهبُّ من ال َّشمال عندما غاد َر القادة الخيمة‪ .‬حتى هنا تتناهى إلى أنف چايمي رائحة معس َكر‬
‫فراي النَّتنة على ضفَّة (الجُلمود) األخرى‪ ،‬وعبر الماء يقف إدميور تَلي بسحن ٍة مكفهرَّة فوق المشنقة‬
‫الرَّماديَّة الطَّويلة وحول رقبته حبل‪.‬‬
‫آخر المغادرين‪ ،‬وفي أعقابها زوجها إمون الذي قال معترضًا‪« :‬سيِّدي‪ ،‬هذا الهجوم على‬ ‫كانت ع َّمته ِ‬
‫مق ِّري‪ ...‬يجب َّأال تُنَفِّذه»‪ ،‬وازدر َد لُعابه لتتحرَّك تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل‪ ،‬وتاب َع‪« :‬يجب َّأال تفعلها‪.‬‬
‫إنني‪ ...‬إنني أمنعك»‪ .‬كان يَمضُغ التَّبغ ال ُم َّر ثانيةً كما تن ُّم الرَّغوة الورديَّة الملتمعة على شفتيه‪« .‬القلعة‬
‫ملكي‪ .‬إن معي الوثيقة الموقَّعة من الملك‪ ،‬من تومن الصَّغير‪ .‬أنا سيِّد (ريڤر َرن) ال َّشرعي و‪.»...‬‬
‫چنا‪« :‬لست كذلك ما دا َم إدميور تَلي حيًّا‪ .‬إنه ضعيف القلب والعقل‪ ،‬أعل ُم هذا‪ ،‬لكنه َح ٌّي وال‬ ‫قاط َعته الليدي ِ‬
‫يزال يُ َش ِّكل خطرًا‪ .‬ماذا تنوي أن تفعل يا چايمي؟»‪.‬‬
‫السَّمكة السَّوداء الخطر ال إدميور‪« .‬اترُكي إدميور لي‪ .‬سير اليل‪ ،‬سير إلين‪ ،‬تعاليا معي من فضلكما‪.‬‬
‫حانَ الوقت ألن أزور تلك المشنقة»‪.‬‬
‫(الجُلمود) أعمق وأسرع جريانًا من (الفرع األحمر)‪ ،‬وأقرب مخاض ٍة تَبعُد ع َّدة فراسخ في اتِّجاه المنبع‪.‬‬
‫كانت العبَّارة قد تحرَّكت حاملةً والدر ريڤرز وإدوين فراي لت ِّوها عندما وص َل چايمي ورفيقاه إلى النَّهر‪،‬‬
‫ق السير إلين في الماء‪.‬‬ ‫وإذ انتظروا عودتها أخب َرهم چايمي بما يُريد‪ ،‬وبص َ‬
‫ضت تابعة معس َكرات سكرانة على العُفر أن تُ َمتِّعه‬ ‫ضفَّة ال َّشماليَّة عر َ‬
‫نزل ثالثتهم من العبَّارة على ال ِّ‬ ‫حين َ‬
‫بفمها‪ ،‬فقال السير اليل دافعًا إياها نحو السير إلين‪« :‬متِّعي صديقي»‪ ،‬وضاحكةً أخ َذت المرأة ُخطوةً لتُقَبِّل‬
‫پاين على فمه‪ ،‬ثم إنها رأت عينيه وانسحبَت منكمشةً على نفسها‪.‬‬
‫الممرَّات بين بؤر النَّار من الطَّمي البنِّي الخام المختلط بروث الخيل‪ ،‬وتحمل آثار الحوافر واألحذية على‬
‫ب رأى چايمي بُر َجي عائلة فراي التَّوأمين على الرَّايات والتُّروس‪ ،‬أزرق على‬ ‫َح ِّد سواء‪ ،‬وفي كلِّ صو ٍ‬
‫‪44‬‬
‫مقسمة على الوالء ل(المعبر)‪ ،‬كبَلَشون عائلة إرينفورد‬ ‫ِ‬ ‫ت أدنى شأنًا‬ ‫رمادي‪ ،‬ومعهما رموز عائال ٍ‬
‫ومذراة عائلة هاي و ُغصينات نبتة الدِّبق الثَّالث رمز عائلة كارلتون‪ .‬لم يم َّر وصول قاتِل الملك مرور‬
‫الكرام‪ ،‬إذ توقَّفت عجوز تبيع الخنازير الصَّغيرة من سلَّ ٍة تُ َحدِّق إليه‪ ،‬وجثا فارس له وجه ِشبه مألوف على‬
‫رُكبته‪ ،‬واستدا َر جُنديَّان يتب َّوالن في حُفر ٍة يَنظُران فبلَّل كالهما اآل َخر‪ ،‬وناداه أحدهم‪« :‬سير چايمي»‪ ،‬لكنه‬
‫واص َل طريقه دون أن يلتفت‪.‬‬
‫رجال بذل أقصى جهده ليَقتُلهم في (الغابة الهامسة) حيث قات َل آل فراي تحت راية ذئب‬ ‫ٍ‬ ‫حوله لم َح وجوه‬
‫الذهبيَّة المعلَّقة إلى جانبه ثقيلةً‪.‬‬‫روب ستارك الرَّهيب‪ ،‬وشع َر بيده َّ‬
‫سُرادق رايمان فراي المستطيل هو األكبر واألوسع في المعس َكر‪ ،‬وتتَّخذ جُدرانه الرَّماديَّة المصنوعة من‬
‫ت مخيطة معًا لتُشبِه األحجار‪ ،‬بينما تُحاكي ق َّمتاه (التَّوأمتين)‪ .‬أبعد ما يكون‬ ‫قُماش القنَّب شكل مربَّعا ٍ‬
‫التَّو ُّعك‪ ،‬كان السير رايمان يستمتع بوقته‪ ،‬إذ ُس ِم َعت من داخل الخيمة ضحكات امرأ ٍة ثملة ممتزجةً بأنغام‬
‫مغن‪ .‬سأتعام ُل معك الحقًا أيها الفارس‪ .‬كان والدر ريڤرز واقفًا أمام خيمته‬ ‫أوتار قيثار ٍة خشبيَّة وصوت ٍّ‬
‫بألوان معكوسة‪ ،‬وث َّمة شريط أحمر مائل إلى‬ ‫ٍ‬ ‫المتواضعة يتكلَّم مع جُنديَّين‪ ،‬يحمل تُرسه رمز عائلة فراي‬
‫عبس النَّغل حين رأى چايمي‪ ،‬فقال لنفسه‪ :‬يا لها من نظر ٍة باردة ش َّكاكة‪ .‬هذا الرَّجل‬ ‫َ‬ ‫اليسار على البُرجين‪.‬‬
‫أخطر من أيٍّ من إخوته ال َّشرعيِّين‪.‬‬
‫الحراب عند قاعدة ساللمها‪ ،‬وقال‬‫أقدام عن األرض‪ ،‬وقد وقفَ اثنان من حاملي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ترتفع المشنقة عشرة‬
‫أحدهما لچايمي‪« :‬ال تستطيع أن تصعد دون إذن السير رايمان»‪.‬‬
‫ي أن أخطو فوق‬ ‫ربَّت چايمي على مقبض سيفه ً‬
‫قائال‪« :‬هذا يقول إنني أستطي ُع‪ .‬السُّؤال اآلن‪ ،‬هل عل َّ‬
‫جثَّتك؟»‪.‬‬
‫وانزا َح الرَّجالن‪.‬‬
‫فوق المشنقة يقف سيِّد (ريڤر َرن) رامقًا ال ُك َّوة األفقيَّة تحته‪ ،‬قدماه سوداوان مغلَّفتان بالطَّمي وساقاه‬
‫عاريتان‪ ،‬ويرتدي صُدرةً حريريَّةً متَّسخةً يلوح عليها أحمر وأزرق عائلة تَلي‪ ،‬وتُحيط بعُنقه أنشوطة من‬
‫ق شفتيه الجافَّتين المشقَّقتين‪ ،‬وغمغ َم بدهشة‪:‬‬
‫القنَّب‪ .‬لدى سماع ُخطوات چايمي رف َع إدميور رأسه ولع َ‬
‫«قاتِل الملك؟»‪ ،‬ول َّما رأى السير إلين اتَّسعت عيناه‪ ،‬وقال‪« :‬السَّيف أفضل من الحبل‪ .‬افعلها يا پاين»‪.‬‬
‫قال چايمي‪« :‬كما سمعت اللورد تَلي يا سير إلين‪ ،‬افعلها»‪.‬‬
‫سحب الفارس الصَّامت سيفه العظيم‪ ،‬سيفه الطَّويل الثَّقيل المتناهي في الح َّدة بقدر ما يسمح‬ ‫َ‬ ‫بكلتا يديه‬
‫الفوالذ التَّقليدي‪ .‬تحرَّكت شفتا إدميور المشقَّقتان بال صوت‪ ،‬وإذ رف َع السير إلين النَّصل أغل َ‬
‫ق عينيه‪،‬‬
‫ووض َع پاين ثِقله كلَّه وراء الضَّربة‪.‬‬
‫سمعوا من يصيح‪« :‬ال! توقَّف! ال!»‪ ،‬وظه َر إدوين فراي الهثًا يقول‪« :‬أبي قادم بأقصى سُرعة‪ .‬چايمي‪،‬‬
‫يجب‪.»...‬‬
‫خاطبني ب«سيِّدي» يا فراي‪ ،‬وخي ٌر لك أن تتجنَّب استخدام «يجب» في أ ِّ‬
‫ي كالم‬ ‫ُناسبني أكثر أن تُ ِ‬‫‪« -‬ي ِ‬
‫تُ َو ِّجهه إل َّ‬
‫ي» ‪.‬‬
‫ت ثقيلة وفي صُحبته بغ ٌّي َشعرها بلون القَشِّ سكرانة ِمثله‪،‬‬ ‫صع َد السير رايمان ساللم المشنقة ب ُخطوا ٍ‬
‫أربطة فُستانها من األمام لكن أحدهم حلَّها حتى ال ُّسرَّة‪ ،‬فتدلَّى نهداها الكبيران الثَّقيالن وظه َرت حلمتاها‬
‫بانحراف دائرة رفيعة من البرونز المطرَّق منقوشة عليها‬‫ٍ‬ ‫البنِّيَّتان الكبيرتان‪ ،‬وقد استقرَّت على رأسها‬
‫حروف بأبجديَّ ٍة قديمة وتَبرُز منها سيوف سوداء صغيرة‪ .‬حين رأت المرأة چايمي ضح َكت‪ ،‬وقالت‪َ « :‬من‬
‫بح ِّ‬
‫ق الجحائم السَّبع؟»‪.‬‬ ‫هذا َ‬
‫َر َّد چايمي بكياس ٍة باردة‪« :‬حضرة قائد ال َحرس الملكي‪ .‬السُّؤال نفسه ِ‬
‫لك يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫ُ‬
‫لست سيِّدةً‪ ،‬أنا الملكة»‪.‬‬ ‫‪« -‬سيِّدتك؟‬
‫‪« -‬سيُد ِهش أختي أن تسمع هذا»‪.‬‬
‫قالت‪« :‬اللورد رايمان ت َّوجني بنفسه»‪ ،‬وه َّزت َوركيها الكبيرين مضيفةً‪« :‬أنا ملكة العاهرات»‪.‬‬
‫ال‪ ،‬أختي الجميلة تحمل هذا اللَّقب أيضًا‪.‬‬
‫أخيرًا استطا َع السير رايمان أن يتكلَّم‪ ،‬فقال‪« :‬اخرسي أيتها القذرة‪ ،‬اللورد چايمي ال يُريد أن يسمع هُراء‬
‫ي لحيم‪ ،‬ومن أنفاسه‬‫مومس»‪ .‬ابن فراي هذا رجل غليظ البنية عريض الوجه صغير العينين وذقنه طر ٌّ‬
‫تفوح رائحة النَّبيذ والبصل‪.‬‬
‫سألَه چايمي بهدوء‪« :‬هل تصنع الملكات يا سير رايمان؟ غباء‪ ،‬غباء ال يقلُّ ع َّما تفعله باللورد إدميور»‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأمرت ببناء هذه المشنقة‬ ‫قلت له إن إدميور سيموت ما لم تستسلم القلعة‪،‬‬ ‫رت السَّمكة السَّوداء‪ُ ،‬‬ ‫‪« -‬لقد َّ‬
‫حذ ُ‬
‫ت فارغة‪ .‬في (سيجارد) فع َل ابني ال ِمثل مع پاتريك ماليستر‬ ‫ألريهم أن السير رايمان فراي ال يُلقي تهديدا ٍ‬
‫رفض‪ ،‬ف‪.»...‬‬‫َ‬ ‫واستسل َم اللورد چيسون‪ ،‬ولكن‪ ...‬السَّمكة السَّوداء رجل بارد‪ .‬لقد‬
‫‪ ...« -‬فشنقت اللورد إدميور؟»‪.‬‬
‫احتقنَ وجه الرَّجل‪ ،‬وقال‪« :‬السيِّد جدِّي‪ ...‬إذا شنقناه فسنخسر رهينتنا أيها الفارس‪ .‬هل ف َّكرت في هذا؟»‪.‬‬
‫ت ليس مستع ًّدا لتنفيذها‪ .‬هَب أنني ه َّددتك بالضَّرب ما لم تخرس ثم تكلَّمتَ ‪،‬‬‫‪« -‬فقط األحمق يُلقي تهديدا ٍ‬
‫فماذا تحسبني سأفعلُ؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أيها الفارس‪ ،‬أنت ال تف‪.»...‬‬
‫وضربَه چايمي‪ .‬كانت الضَّربة بظَهر يده َّ‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬لكنها دف َعت السير رايمان إلى التَّعثُّر إلى الوراء ساق ً‬
‫طا‬
‫بين ذراعَي عاهرته‪ ،‬ثم قال چايمي‪« :‬إن لك رأسًا سمينًا يا سير رايمان‪ ،‬و ُعنقًا غليظًا أيضًا‪ .‬سير إلين‪،‬‬
‫بكم ضربة يُمكنك أن تقطع هذا العُنق؟»‪.‬‬
‫رف َع السير إلين يده واضعًا إصبعًا واحدًا على أنفه‪.‬‬
‫ضحكَ چايمي‪ ،‬وقال‪« :‬خيالء فارغة‪ .‬أقو ُل إنها ثالث ضربات»‪.‬‬
‫َخ َّر رايمان فراي على رُكبتيه ً‬
‫قائال‪« :‬لم أفعل شيئًا‪.»...‬‬
‫ُ‬
‫أعرف»‪.‬‬ ‫‪َّ ...« -‬إال ال ُّشرب ونكاح العاهرات‪،‬‬
‫‪« -‬أنا وريث (التَّوأمتين)‪ .‬ال يُمكنك‪.»...‬‬
‫حذرتك من الكالم»‪ ،‬وشاه َد وجه الرَّجل يمتقِع مف ِّكرًا‪ :‬س ِّكير وأبله وجبان‪ .‬خي ٌر آلل‬ ‫قاط َعه چايمي‪« :‬لقد َّ‬
‫فراي أن يموت هذا قبل اللورد والدر َّ‬
‫وإال انتهى أمرهم‪.‬‬
‫«يُمكنك االنصراف أيها الفارس»‪.‬‬
‫‪« -‬االنصراف؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كما سمعتني‪ ،‬ارحل»‪.‬‬
‫‪« -‬ولكن‪ ...‬أين أذهبُ ؟»‪.‬‬
‫احرص على عدم وجودك في المعس َكر عند شروق ال َّشمس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬إلى الجحيم أو إلى الوطن‪ ،‬كما تُفَ ِّ‬
‫ضل‪.‬‬
‫يُمكنك أن تأخذ ملكة العاهرات معك‪ ،‬ولكن ليس تاجها هذا»‪ ،‬ثم التفتَ چايمي عن السير رايمان إلى ابنه‬
‫قائال‪« :‬إدوين‪ ،‬إنني أسلِّمك قيادة أبيك‪ِ .‬‬
‫حاول َّأال تكون غبيًّا ِمثله»‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪« -‬لن يكون هذا عسيرًا يا سيِّدي»‪.‬‬
‫الذهبيَّة مستطردًا‪« :‬سير‬‫أرسل خبرًا إلى اللورد والدر‪ .‬التَّاج يَطلُب جميع سُجنائه»‪ ،‬ول َّوح چايمي بيده َّ‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫اليل‪ ،‬اجلبه»‪.‬‬
‫كان إدميور تَلي قد تهاوى على وجهه فوق المشنقة حينما قط َع سيف السير إلين الحبل‪ ،‬الذي ظلَّت قطعة‬
‫مدالة من األنشوطة المحيطة برقبته‪ ،‬فش َّدها العُفر ليُوقِفه على قدميه‪ ،‬ثم قال ضاح ًكا‬ ‫منه طولها قدم َّ‬
‫بسخرية‪« :‬سمكة ب ِمق َود‪ ،‬منظر لم أ َره من قبل قَ ُّ‬
‫ط» ‪.‬‬
‫أفس َح لهم رجال فراي الطَّريق‪ ،‬وكانت مجموعة من اآلخَرين قد ازدح َمت عند قاعدة المشنقة‪ ،‬منها دستة‬
‫رجال يحمل قيثارةً خشبيَّةً‪ ،‬فقال‬
‫ً‬ ‫ظ چايمي‬ ‫ت مختلفة من الفوضى‪ ،‬والح َ‬ ‫من تابعات المعس َكرات على درجا ٍ‬
‫له‪« :‬أنت‪ ،‬أيها المغنِّي‪ ،‬تعا َل معي»‪.‬‬
‫رف َع الرَّجل قبَّعته ً‬
‫قائال‪« :‬أمر سيِّدي»‪.‬‬
‫لم يلفظ أحد كلمةً فيما ساروا إلى العبَّارة وفي أثرهم مغنِّي السير رايمان‪ ،‬لكن إذ تحرَّكوا مبتعدين عن‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬لماذا؟!»‪.‬‬ ‫ق إدميور تَلي على ذراع چايمي‬ ‫ضفَّة (الجُلمود) نحو الجانب الجنوبي أطب َ‬
‫ق لي ُعملة َّإالك‪« .‬اعتبِرها هديَّة زفاف»‪.‬‬
‫الالنستر يُ َسدِّد ديونه‪ ،‬ولم تتب َّ‬
‫رمقَه إدميور بعينين حذرتين‪ ،‬ور َّدد‪« :‬هديَّة‪ ...‬زفاف؟»‪.‬‬
‫‪« -‬قي َل لي إن زوجتك حسناء‪ .‬ال بُ َّد أن تكون كذلك كي تُ ِ‬
‫ضاجعها في أثناء اغتيال أختك وملكك»‪.‬‬
‫ق إدميور شفتيه‪ ،‬وقال‪« :‬لم أعرف‪ .‬كان خارج ال ُغرفة عازفو كمنجة‪.»...‬‬
‫لع َ‬
‫‪« -‬والليدي روزلين كانت تُلهيك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫حسبت‬ ‫‪« -‬إنها‪ ...‬لقد جعلوها تفعلها‪ ،‬اللورد والدر واآلخَرون‪ .‬روزلين لم تُ ِرد أن‪ ...‬لقد ب َكت‪ ،‬لكنني‬
‫السَّبب‪.»...‬‬
‫ي امرأ ٍة تبكي»‪.‬‬‫‪« -‬منظر َذكرك الهائل؟ نعم‪ ،‬إنني واثق بأن شيئًا كهذا سيجعل أ َّ‬
‫‪« -‬إنها تحمل طفلي»‪.‬‬
‫ال‪ ،‬بل إن ما ينمو في بطنها موتك‪.‬‬
‫في سُرادقه صرفَ چايمي السير اليل والسير إلين‪ ،‬لكنه أبقى على المغنِّي ً‬
‫قائال‪« :‬ربما أحتا ُج إليك بَعد‬
‫ت‪ .‬پِك‪ ،‬نبيذ للورد‬‫سخن ما ًء لح َّمام ضيفي‪ .‬پيا‪ِ ،‬جدي له ثيابًا نظيفةً‪ ،‬ال شيء عليه أسد إذا سمح ِ‬ ‫قليل‪ .‬ليو‪ِّ ،‬‬
‫تَلي‪ .‬أأنت جائع يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫ك لم يبرح عينيه‪.‬‬ ‫أومأ َ إدميور برأسه إيجابًا‪ ،‬لكن ال َّش َّ‬
‫رسي بينما استح َّم تَلي الذي زالَت القذارة عن جسده في سحابا ٍ‬
‫ت سوداء‪ ،‬وقال له‪:‬‬ ‫ٍّ‬ ‫استق َّر چايمي على ُك‬
‫«بَعد أن تأكل سيصحبك رجالي إلى (ريڤر َرن)‪ ،‬وما يَح ُدث عندئ ٍذ يتوقَّف عليك»‪.‬‬
‫‪« -‬ماذا تعني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ع ُّمك رجل عجوز‪ُ .‬شجاع‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن أفضل سنين حياته انقضى‪ .‬خير ما يأمله السَّمكة السَّوداء اآلن‬
‫ميتة مشرِّفة‪ ...‬أ َّما أنت فما زالَت أمامك سنوات يا إدميور‪.‬‬
‫أنت سيِّد عائلة تَلي ال َّشرعي ال هو‪ ،‬والمفت َرض أن يُطيعك ع ُّمك‪ .‬مصير (ريڤر َرن) بين يديك»‪.‬‬
‫ق إليه إدميور مر ِّددًا‪« :‬مصير (ريڤر َرن)‪.»...‬‬‫حمل َ‬
‫‪« -‬سلِّم القلعة ولن يموت أحد‪ .‬يستطيع رعاياك الرَّحيل في سالم أو البقاء لخدمة اللورد إمون‪ ،‬وسيُس َمح‬
‫ضا إذا كان‬ ‫رجل من الحامية يختار االنضمام إليه‪ .‬أنت أي ً‬‫ٍ‬ ‫بحرس اللَّيل مع ك ِّل‬‫للسير برايندن بااللتحاق َ‬
‫الذهاب إلى (كاسترلي روك) باعتبارك أسيري وتستمتع بك ِّل سُبل الرَّاحة‬ ‫الجدار) يستهويك‪ ،‬أو يُمكنك َّ‬
‫( ِ‬
‫التي تليق برهين ٍة بمنزلتك‪ .‬سأرس ُل زوجتك إليك إذا أردت‪ ،‬وإذا أنجبَت صبيًّا فسيخدم عائلة النستر‬
‫كوصيف و ُمرافق‪ ،‬وعندما ينال الفُروسيَّة سنهب له بعض األراضي‪ .‬وإذا أنجبَت روزلين بنتًا فسأحرصُ‬
‫سراح مشروط‬‫ٍ‬ ‫على أن يكون َمهرها الئقًا عندما تَبلُغ ِس َّن ال َّزواج‪ .‬أنت نفسك من الممكن أن تنال إطالق‬
‫ما إن تنتهي الحرب‪ ،‬وما عليك َّإال تسليم القلعة»‪.‬‬
‫متسائال‪« :‬وإذا لم أسلِّمها؟»‪.‬‬
‫ً‬ ‫رف َع إدميور يديه من الحوض وشاه َد الماء يجري بين أصابعه‬
‫أيجب أن تجعلني أقولها؟ كانت پيا واقفةً عند سديلة الخيمة حاملةً ثيابًا‪ ،‬وكان ُمرافِقوه والمغنِّي يُصغون‬
‫أيضًا‪ .‬فليسمعوا‪ ،‬فليسمع العالم ك ُّله‪ ،‬ال يه ُّم‪ .‬أرغ َم چايمي نفسه على االبتسام‪ ،‬وقال‪« :‬لقد رأيت أعدادنا يا‬
‫ألقيت األمر فسيُلقي ابن خالي جسرًا على‬ ‫ُ‬ ‫إدميور‪ ،‬رأيت السَّاللم واألبراج والمقاذيف والمد َّكات‪ .‬إذا‬
‫طم ب َّوابتكم‪ .‬مئات سيموتون‪ ،‬أكثرهم من رجالكم‪ .‬موجة الهجوم األولى ستتك َّون من ح َملة‬ ‫خندقكم وي َُح ِّ‬
‫رايتكم السَّابقين‪ ،‬وهكذا سيبدأ يومكم بقتل آباء وإخوة ال ِّرجال الذين ماتوا في سبيلكم في (التَّوأمتين)‪.‬‬
‫فلست أعاني نقصًا فيهم‪ ،‬وسيتبعهم جنودي الغربيُّون عندما تنفد‬ ‫ُ‬ ‫الموجة الثَّانية ستكون من رجال فراي‪،‬‬
‫سهام رُماتكم ويصير فُرسانكم عاجزين عن رفع سيوفهم من فرط اإلنهاك‪ .‬ثم ل َّما تَسقُط القلعة سيُقتَل كلُّ‬
‫َمن فيها‪ ،‬ستُذبَح حيواناتكم وتُ َد َّمر أيكة آلهتكم وتحترق حصونكم وأبراجكم‪ .‬سأهد ُم أسواركم وأح ِّو ُل‬
‫غ لن يعرف أحد أن قلعةً كانت قائمةً هناك ذات يوم»‪،‬‬ ‫مجرى (الجُلمود) ليغمر األطالل‪ ،‬وحين أفر ُ‬
‫ونهض چايمي مضيفًا‪« :‬قد تضع زوجتك مولودها قبل ذلك‪ .‬أتوقَّ ُع أنك ستُريد طفلك‪ ،‬وسأرسله إليك حين‬ ‫َ‬
‫يُولَد‪ ...‬بالمنجنيق»‪.‬‬
‫جلس إدميور في حوضه‪ ،‬وض َّمت پيا المالبس إلى صدرها‪ ،‬و َش َّد المغنِّي وترًا في‬ ‫َ‬ ‫تال الصَّمت كالمه‪.‬‬
‫قيثارته‪ ،‬وفرَّغ ليو الصَّغير رغيفًا من ال ُخبز البائت ليصنع طبقًا متظاهرًا بأنه لم يسمع‪ .‬بالمنجنيق‪ .‬لو أن‬
‫ع َّمته هنا اآلن فهل كانت لتص َّر على أن تيريون هو ابن تايوين؟ أخيرًا عث َر إدميور تَلي على صوته‪،‬‬
‫وقال‪« :‬يُمكنني أن أخرج من هذا الحوض وأقتلك حيث تقف يا قا ِتل الملك»‪.‬‬
‫َر َّد چايمي‪« :‬يُمكنك أن تُ ِ‬
‫حاول»‪ ،‬فل َّما لم يتحرَّك إدميور قال‪« :‬سأتركك تستمتع بطعامك‪ .‬أيها المغنِّي‪َ ،‬سلِّ‬
‫ضيفنا بينما يأكل‪ .‬مؤ َّكد أنك تعرف األغنيَّة»‪.‬‬
‫‪« -‬أغنيَّة األمطار إياها؟ أجل يا سيِّدي‪ ،‬أعرفها»‪.‬‬
‫بدا أن إدميور رأى الرَّجل للمرَّة األولى‪ ،‬وقال‪« :‬ال‪ ،‬ليس هو‪ .‬أب ِعده عني»‪.‬‬
‫قال چايمي‪« :‬إنها مجرَّد أغنيَّة‪ ،‬وال يُمكن أن يكون صوته بهذا السُّوء»‪.‬‬
‫سرسي‬
‫عام أخرى خالل اللَّيالي الثَّالث‬ ‫كان ال ِمايستر األكبر پايسل عجو ًزا منذ عرفَته‪ ،‬وإن يبدو كأنه شا َخ مئة ٍ‬
‫يستطع النُّهوض من‬ ‫ِ‬ ‫ق الرَّجل أبديَّةً ليركع ثانيًا رُكبتيه المتيبِّستين أمامها‪ ،‬ول َّما فع َل لم‬‫الماضية‪ .‬استغر َ‬
‫جدي ٍد إلى أن سحبَه السير أوزموند بق َّو ٍة ووقَّفه‪.‬‬
‫ظ سُعالته األخيرة»‪.‬‬ ‫تمعَّنت فيه سرسي باستيا ٍء قائلةً‪« :‬اللورد كايبرن أبلغَني بأن اللورد جايلز لف َ‬
‫بذلت أفضل ما في وسعي ألخفِّف عنه َسكرات الموت»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬نعم يا جاللة الملكة‪ .‬لقد‬
‫قالت الملكة‪« :‬حقًّا؟»‪ ،‬والتفتَت إلى الليدي ميريويذر تسألها‪« :‬ألم أقل إنني أري ُد روزبي حيًّا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بلى يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫‪« -‬سير أوزموند‪ ،‬ماذا تَذ ُكر عن تلك المحادَثة؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬كلُّنا سمعنا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت ال ِمايستر األكبر پايسل بإنقاذ الرَّجل يا‬
‫أنك أمر ِ‬
‫‪ِ «-‬‬
‫ُ‬
‫فعلت ك َّل ما في اإلمكان إلنقاذ الرَّجل‬ ‫انفت َح فم پايسل وانغلقَ‪ ،‬ثم قال‪« :‬يجب أن تعلم موالتي أنني‬
‫المسكين»‪.‬‬
‫‪« -‬كما فعلت مع چوفري؟ ومع أبيه زوجي الحبيب؟ روبرت كان من أقوى ال ِّرجال في (الممالك السَّبع)‪،‬‬
‫ضا‬ ‫ك أنك كنت لتَقتُل ند ستارك أي ً‬ ‫خنزير ب ِّري‪ .‬أوه‪ ،‬ودعنا ال ننسى چون آرن‪ .‬ال َش َّ‬
‫ٍ‬ ‫ومع ذلك فقدته بسبب‬
‫لو تركته لك فترةً أطول‪ .‬أخبِرني أيها ال ِمايستر‪ ،‬هل تعلَّمت في (القلعة) أن تتنصَّل من مسؤوليَّاتك وتختلق‬
‫الحُجج؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫خدمت‬ ‫الهرم وقد أجفلَته نبرتها‪« :‬ال أحد كان يستطيع أن يفعل المزيد يا جاللة الملكة‪ .‬لقد‪ ...‬لقد‬
‫ِ‬ ‫َر َّد الرَّجل‬
‫دو ًما بإخالص»‪.‬‬
‫‪« -‬عندما أ َشرت على الملك إيرس أن يفتح ب َّواباته عند اقتراب جيش أبي‪ ،‬أكانت تلك فكرتك عن الخدمة‬
‫بإخالص؟»‪.‬‬
‫أسأت التَّقدير‪.»...‬‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬هذا‪ ...‬لقد‬
‫‪« -‬أكانت تلك نصيحةً سديدةً؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة تعلم‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬مؤ َّكد أن‬
‫‪« -‬ما أعلمه أنك كنت أق َّل نفعًا من فتى القمر عندما ُس ِّم َم ابني‪ ،‬ما أعلمه أن التَّاج في حاج ٍة ماسَّة إلى‬
‫الخازن ماتَ »‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الذهب واللورد‬
‫قائال‪« :‬س‪ ...‬سأصن ُع قائمةً بالرِّ جال الصَّالحين لشغل مكان‬ ‫المسن الجزء األخير من ردِّها ً‬ ‫ُّ‬ ‫انته َز األحمق‬
‫اللورد جايلز في المجلس»‪.‬‬
‫قالت سرسي التي وجدَت اقتراحه طريفًا‪« :‬قائمة‪ .‬يُمكنني أن أتخيَّل نوع القائمة التي ستم ُّدني بها‪ ،‬قائمة‬
‫بال ُّشيوخ والحمقى الجشعين وجارث السَّمين»‪ ،‬وز َّمت شفتيها مضيفةً‪« :‬إنك تقضي أوقاتًا طويلةً في‬
‫صُحبة الليدي مارچري في الفترة األخيرة»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬نعم‪ ،‬إنني‪ ...‬الملكة مارچري مضطربة للغاية بسبب السير لوراس‪ ،‬وأز ِّو ُد جاللتها بعقاقير النَّوم‬
‫و‪ ...‬أنواع أخرى من األدوية»‪.‬‬
‫‪« -‬ال ريب‪ .‬أخبِرني‪ ،‬هل ملكتنا الصَّغيرة هي من أم َرتك بقتل اللورد جايلز؟»‪.‬‬
‫جاللتك‬
‫ِ‬ ‫اتَّسعت عينا ال ِمايستر األكبر پايسل حتى صا َرتا كبيضتين مسلوقتين‪ ،‬وقال‪« :‬ققتل؟ ال يُعقَل أن‬
‫تعتقدين‪ ...‬لقد ماتَ بالسُّعال‪ ،‬أقس ُم بك ِّل اآللهة أنني‪...‬‬
‫تكن ضغينةً للورد جايلز‪ .‬لماذا ترغب الملكة مارچري في‪.»...‬‬ ‫جاللتها ال يُمكن أن‪ ...‬إنها لم َّ‬
‫ش؟ روزبي كان يعترض‬ ‫‪ ...« -‬موته؟ لتزرع وردةً أخرى في مجلس تومن بالتَّأكيد‪ .‬أأنت أعمى أم مرت ٍ‬
‫طريقها فوض َعته في قبره‪ ...‬وأنت تستَّرت عليها»‪.‬‬
‫لك أن اللورد جايلز ماتَ بالسُّعال‪ .‬لطالما كان إخالصي للتَّاج‬
‫بفم يرتعش‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬أقس ُم ِ‬‫َر َّد الرَّجل ٍ‬
‫والبالد‪ ...‬وععائلة النستر»‪.‬‬
‫بهذا التَّرتيب؟ كان خوف پايسل صريحًا ملموسًا‪ .‬لقد نض َج بما فيه الكفاية‪ .‬حان الوقت العتصار الثَّمرة‬
‫ي؟ ال تُ ِ‬
‫حاول اإلنكار‪ .‬لقد بدأت تتراقَص‬ ‫وتذوق عصيرها‪« .‬إذا كنت مخلصًا كما ت َّدعي فلماذا تكذب عل َّ‬ ‫ُّ‬
‫حول العذراء مارچري قبل ذهاب السير لوراس إلى (دراجونستون)‪ ،‬فاعفِني من المزيد من حكاياتك‬
‫الخياليَّة عن رغبتك في مواساة زوجة ابننا في حُزنها‪ .‬لماذا تتر َّدد إلى (قفص العذراوات) بهذه الكثرة؟‬
‫المضجرة‪ .‬هل تَخطُب ُو َّد ِسپتتها ذات الوجه المجدور إياها؟‬
‫ِ‬ ‫مؤ َّكد أن السَّبب ليس أحاديث مارچري‬
‫تُدا ِعب الليدي بولوار الصَّغيرة؟ هل تلعب لحسابها دور الجاسوس وتُخبِرها بما أفعله لتستغلَّه في‬
‫مكايدها؟»‪.‬‬
‫ُقسم على الخدمة‪.»...‬‬
‫‪« -‬إنني‪ ...‬إنني أطي ُع‪ .‬ال ِمايستر ي ِ‬
‫ُقسم على خدمة البالد»‪.‬‬
‫‪« -‬ال ِمايستر األكبر ي ِ‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬إنها‪ ...‬إنها الملكة‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬يا‬
‫‪« -‬أنا الملكة»‪.‬‬
‫‪« -‬أعني‪ ...‬أنها زوجة الملك‪ ،‬و‪.»...‬‬
‫أعرف َمن هي‪ .‬ما أري ُد أن أعرفه هو سبب حاجتها إليك‪ .‬هل زوجة ابننا مريضة؟»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫ر َّدد‪« :‬مريضة؟»‪ ،‬و َش َّد العجوز ال َّشيء الذي يُ َس ِّميه لحيةً‪ ،‬رُقع ال َّشعر األبيض الخفيف النَّابت من اللُّغد‬
‫الوردي المتهدِّل تحت ذقنه‪ ،‬وقال‪« :‬لليست مريضةً يا جاللة الملكة‪ ،‬ليس بالضَّبط‪ .‬إن قَسمي يمنعني من‬
‫اإلفصاح‪.»...‬‬
‫‪« -‬قَسمك لن يكون مصدر عزا ٍء كبير في ال َّزنازين السَّوداء‪ .‬سأسم ُع منك الحقيقة أو أكبِّلك بالسَّالسل»‪.‬‬
‫والدك‪ ،‬وصديقًا ِ‬
‫لك في مسألة‬ ‫ِ‬ ‫إليك‪ ...‬لقد ُ‬
‫كنت رجل السيِّد‬ ‫قائال بضراعة‪« :‬أتو َّس ُل ِ‬‫َخ َّر پايسل على رُكبتيه ً‬
‫اللورد آرن‪ .‬لن أحتمل البقاء في ال َّزنازين‪ ،‬ليس ثانيةً‪.»...‬‬
‫‪« -‬لماذا تستدعيك مارچري؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنها ترغب في‪ ...‬إنها‪ ...‬إنها‪.»...‬‬
‫‪« -‬قُلها!»‪.‬‬
‫جف َل هامسًا‪« :‬شاي القمر‪ ،‬شاي القمر من أجل‪.»...‬‬
‫وحاول أن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أعرف في َم يُستخدَم شاي القمر»‪ .‬هكذا إذن‪« .‬ليكن‪ .‬انهض على هاتين القدمين الواهنتين‬ ‫‪«-‬‬
‫ق وقتًا َ‬
‫طال حتى أم َرت السير أوزموند‬ ‫ُسر لكنه استغر َ‬ ‫ً‬
‫رجال»‪ .‬حاو َل پايسل ال ُّنهوض بع ٍ‬ ‫تتذ َّكر كيف تكون‬
‫مضط َّرةً بأن يسحبه ثانيةً‪ ،‬ثم قالت‪« :‬بالنِّسبة إلى اللورد جايلز فال ريب أن (األب في األعالي) سيَح ُكم‬
‫عليه بالعدل‪.‬‬
‫ألم يَترُك أوالدًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أوالد من صُلبه‪ ،‬لكن هناك ربيبًا‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬ليس من دمه»‪ ،‬ول َّوحت سرسي بيدها متجاهلةً هذا‪ ،‬وأردفَت‪« :‬جايلز كان يعرف بحاجتنا الملحَّة‬
‫أخبرك برغبته في ترك ك ِّل أراضيه وثروته لتومن»‪ .‬سيُسا ِعد ذهب روزبي على‬ ‫َ‬ ‫ك أنه‬ ‫إلى َّ‬
‫الذهب‪ .‬ال َش َّ‬
‫إنعاش خزائنهم‪ ،‬ويُمكنها أن تهب قلعة (روزبي) وأراضيها ألحد رجالها مكافأةً على خدمته الوفيَّة‪ .‬اللورد‬
‫ووترز ربما‪.‬‬
‫منذ فتر ٍة وأوران يُلَ ِّمح إلى حاجته إلى مقر‪ ،‬فدون مقرٍّ ليست لورديَّته َّإال لقبًا فار ًغا‪ .‬تعلم سرسي أن عينه‬
‫الالزم هنا‪ ،‬أ َّما (روزبي) فأنسب لمولده ومنزلته‪.‬‬ ‫على (دراجونستون)‪ ،‬لكن طموحه أكبر من َّ‬
‫كان پايسل يقول‪« :‬اللورد جايلز أحبَّ جاللة الملك ُحبًّا ج ًّما‪ ،‬ولكن‪ ...‬ربيبه‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬سيتفهَّم بالتَّأكيد ما إن يسمعك تتكلَّم عن أمنيَّة اللورد جايلز األخيرة‪ .‬اذهب ونفِّذ هذا»‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر األكبر پايسل‪« :‬كما تأمر جاللة الملكة»‪ ،‬وكا َد يتعثَّر في ثوبه مع استعجاله الخروج‪.‬‬
‫أغلقَت الليدي ميريويذر الباب وراءه‪ ،‬ثم التفتَت إلى الملكة قائلةً‪« :‬شاي القمر‪ .‬يا لحماقتها‪ .‬لماذا تفعل شيئًا‬
‫كهذا وتُ ِ‬
‫خاطر بنفسها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬الملكة الصَّغيرة لها رغبات تومن أصغر من أن يُشبِعها»‪ .‬هذا الخطر قائم دو ًما عندما تتز َّوج امرأة‬
‫ط‪ ،‬لكني أرفضُ أن أصدِّق هذا‪.‬‬ ‫طفال‪ .‬وقائم أكثر إذا كانت أرملةً‪ .‬ربما تَز ُعم أن رنلي لم يمسَّها قَ ُّ‬
‫بالغة ً‬
‫ب واحد‪ ،‬أ َّما العذراوات فال يحتجن إليه على اإلطالق‪« .‬مارچري‬ ‫النِّساء ال يشربن شاي القمر َّإال لسب ٍ‬
‫خانَت ابني‪ .‬إن لها عشيقًا‪ .‬هذه خيانة ُعظمى عقوبتها الموت»‪ .‬أملها اآلن أن تعيش أُم مايس تايرل‬
‫ال َّشمطاء المتغضِّنة لتشهد المحا َكمة‪ .‬بإصرارها على زواج تومن ومارچري في الحال حك َمت الليدي‬
‫ي أن أجد عدالة‬ ‫الجالد‪« .‬چايمي أخ َذ السير إلين پاين معه‪ُّ .‬‬
‫أظن أن عل َّ‬ ‫َّ‬ ‫أولينا على وردتها الغالية بسيف‬
‫ملك جديدًا يقطع رأسها»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اقترح أوزموند ِكتلبالك بابتسام ٍة واسعة تلقائيَّة‪« :‬سأفعلها أنا‪ .‬مارچري لها ُعنق جميل‪ ،‬صالح ألن يَبتُره‬
‫َ‬
‫سيف حاد بسهولة»‪.‬‬
‫قالت تاينا‪« :‬نعم‪ ،‬لكن لتايرل جي ًشا عند (ستورمز إند) وآخَر في (بِركة العذارى)‪ .‬هُم أيضًا يحملون سيوفًا‬
‫حا َّدةً»‪.‬‬
‫صرة بالورود‪ .‬وهذا مزعج حقًّا‪ .‬إنها لم تزل محتاجةً إلى مايس تايرل وإن لم يكن إلى ابنته‪ .‬حتى‬ ‫أنا محا َ‬
‫هزيمة ستانيس على األقل‪ ،‬ثم لن أحتاج إلى أح ٍد منهم‪.‬‬
‫لكن كيف تُ َخلِّص نفسها من االبنة دون أن تفقد األب؟ قالت‪« :‬الخيانة هي الخيانة‪ ،‬لكن يجب أن نُبَر ِهن‬
‫عليها‪ ،‬وأن يكون البُرهان ملموسًا أكثر من شاي القمر‪ .‬إذا ثبتَت خيانتها فعلى السيِّد والدها نفسه أن يُدينها‬
‫َّ‬
‫وإال أصب َح عارها عاره»‪.‬‬
‫مض َغ ِكتلبالك طرف شاربه ً‬
‫قائال‪« :‬يجب أن نضبطهما متلبِّسيْن بفعلتهما»‪.‬‬
‫‪« -‬كيف؟ إنها نُصب أعيُن كايبرن ليل نهار‪ ،‬وخدمها يأخذون مالي وال يأتوننا بغير التَّفاهات‪ ،‬لكن أحدًا لم‬
‫ي َر عشيقها هذا‪ .‬اآلذان خارج بابها تسمع غنا ًء وضح ًكا ونميمةً‪ ،‬ال شيء مفيدًا»‪.‬‬
‫قالت الليدي ميريويذر‪« :‬مارچري أمكر من أن تُضبَط بهذه السُّهولة‪ .‬إن نساءها أسوار قلعتها‪ ،‬ينَمن معها‬
‫صلِّين معها ويقرأن معها ويَ ِخطن معها‪ ،‬وعندما ال تَخرُج لركوب الخيل أو الصَّيد‬ ‫ويُلبِسنها ثيابها ويُ َ‬
‫بالصُّ قور تلعب (تعا َل إلى قلعتي) مع أليسين بولوار الصَّغيرة‪ ،‬وفي حضور الرِّ جال تكون معها ِسپتتها أو‬
‫بنات عمومتها»‪.‬‬
‫خطرت لها بغتةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫قالت الملكة بإصرار‪« :‬ال بُ َّد أنها تُ َخلِّص نفسها من دجاجاتها أحيانًا»‪ ،‬ثم إن فكرةً‬
‫فأضافَت‪« :‬ما لم تكن رفيقاتها جز ًءا من األمر أيضًا‪ ...‬ليس جميعهن ربما ولكن بعضهن»‪.‬‬
‫قالت تاينا بريبة‪« :‬بنات العمومة؟ ثالثتهن أصغر من الملكة وأكثر براءةً»‪.‬‬
‫‪« -‬فاجرات متن ِّكرات في عفَّة العذارى‪ ،‬وهو ما يجعل خطاياهن صادمةً أكثر‪ .‬سيُ َكلِّل أسماءهن العار»‪.‬‬
‫زوجك كبير قُضاتي‪ .‬يجب أن يتنا َول كالكما ال َعشاء‬
‫ِ‬ ‫فجأةً تكاد الملكة تتذ َّوق مالمح الخطَّة‪« .‬تاينا‪ ،‬السيِّد‬
‫بحر إلى‬ ‫يعن لمارچري أن تعود إلى (هايجاردن) أو تُ ِ‬‫سارع بالتَّنفيذ قبل أن َّ‬ ‫معي اللَّيلة تحديدًا»‪ .‬عليها أن تُ ِ‬
‫خنزير ب ِّري لنا‪ ،‬وبالطَّبع‬
‫ٍ‬ ‫(دراجونستون) لتقف مع أخيها الجريح على باب الموت‪« .‬سآم ُر ُّ‬
‫الطهاة بشواء‬
‫يجب أن نستمع إلى الموسيقى لتُسا ِعدنا على الهضم»‪.‬‬
‫لم تتوانَ تاينا عن إدراك التَّلميح‪ ،‬فقالت‪« :‬موسيقى‪ ،‬بالتَّأكيد»‪.‬‬
‫زوجك ورتِّبي مجيء المغنِّي‪ .‬سير أوزموند‪ ،‬ال تذهب‪ ،‬هناك تفاصيل كثيرة‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬اذهبي وأخبِري السيِّد‬
‫نتكلَّم عنها‪ .‬سأحتا ُج إلى كايبرن أيضًا»‪.‬‬
‫لألسف اتَّضح أن المطابخ تفتقر إلى الخنازير الب ِّريَّة في الوقت الحالي‪ ،‬وال وقت يكفي إلرسال صيَّادين‬
‫الطهاة إحدى خنزيرات القلعة وق َّدموا لهم لحمها متب ًَّال بالقرنفل ومسقًّى‬ ‫فبدال من ذلك ذب َح ُّ‬‫إلى الغابة‪ً ،‬‬
‫بالعسل والكرز المجفَّف‪ .‬ليست الوجبة التي أرادَتها سرسي‪ ،‬لكنها تدبَّرت أمرها بها‪ ،‬وبَعدها أكلوا التُّفَّاح‬
‫تلذذت الليدي تاينا بك ِّل قضمة‪ ،‬على عكس أورتون ميريويذر الذي‬ ‫الالذعة‪َّ .‬‬
‫المخبوز مع الجُبنة البيضاء َّ‬
‫ط في ال َّشراب وظَ َّل‬ ‫ظَ َّل وجهه المستدير شاحبًا مبقَّعًا بالبثور من طبق المرق إلى طبق الجُبنة‪ ،‬وأفر َ‬
‫يختلس النَّظرات إلى المغنِّي‪.‬‬
‫أخيرًا قالت سرسي‪« :‬مؤسف للغاية رحيل اللورد جايلز‪ ،‬ولو أنني ُّ‬
‫أظن أن أحدًا منا لن يفتقد سُعاله»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬نعم‪ُّ ،‬‬
‫أظن هذا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ألرسلت أستدعي پيتر بايلش‪،‬‬ ‫خاز ٍن جديد‪ .‬لو لم تكن األوضاع مضطربةً في (الوادي)‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬سنحتاج إلى‬
‫ولكن‪ ...‬أف ِّك ُر في تجربة السير هاريس في المنصب‪ .‬ال يُمكن أن يُبلي بال ًء أسوأ من جايلز‪ ،‬وعلى األقل ال‬
‫يَسعُل»‪.‬‬
‫قالت تاينا‪« :‬السير هاريس يد الملك»‪.‬‬
‫َّاال فيه‪« .‬آن أوان أن يكون لتومن يد أقوى»‪.‬‬ ‫السير هاريس رهينة‪ ،‬وحتى هذا ليس فع ً‬
‫قائال‪« :‬أقوى‪ ،‬بالتَّأكيد»‪ ،‬وتر َّدد لحظةً قبل أن يسأل‪َ « :‬من‪.»...‬‬
‫رف َع اللورد أورتون عينيه عن كأسه ً‬
‫ك أن استبدال تايوين‬ ‫‪« -‬أنت يا سيِّدي‪ .‬إن اليدويَّة في دمك‪ .‬ج ُّدك َح َّل مح َّل أبي نفسه كيد إيرس»‪ .‬ال َش َّ‬
‫رجال في شتاء العُمر عندما‬ ‫ً‬ ‫النستر بأوين ميريويذر كان أشبه باستبدال جوا ٍد حربي بحمار‪ ،‬لكن أوين كان‬
‫ت بالنَّتائج المنشودة‪ ،‬أ َّما حفيده فأصغر‪ ،‬و‪ ...‬وله زوجة قويَّة‪ .‬مؤسف أن تاينا ال‬ ‫رقَّاه إيرس‪ ،‬وديعًا لم يأ ِ‬
‫يُمكن أن تشغل منصب يد الملك‪ .‬إنها تفوق زوجها رجولةً ثالث مرَّات‪ ،‬ثم إنها مصدر تسلي ٍة أفضل‬
‫كثيرًا‪ ،‬لكنها مولودة في (مير)‪ ،‬عالوةً على كونها أنثى‪ ،‬ولذا فال مف َّر من االكتفاء بأورتون‪« .‬ال َش َّ‬
‫ك لد َّ‬
‫ي‬
‫في أنك أقدر من السير هاريس»‪ .‬محتويات وعاء فضالتي أقدر من السير هاريس‪« .‬هل تُوافِق على‬
‫الخدمة؟»‪.‬‬
‫ي َشرفًا عظي ًما»‪.‬‬
‫جاللتك تُسبِغين عل َّ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أنا‪ ...‬نعم‪ ،‬بالطَّبع‪.‬‬
‫باقتدار في منصب كبير القُضاة يا سيِّدي‪ ،‬وستستمرُّ في فِعل‬ ‫ٍ‬ ‫َشرفًا أعظم مما تستأ ِهل‪ .‬قالت‪« :‬لقد خدمتني‬
‫هذا خالل‪ ...‬األوقات العصيبة التي تنتظرنا»‪ ،‬ول َّما رأت أن ميريويذر أدركَ ما تُنَ ِّوه به التفتَت الملكة‬
‫تبتسم للمغنِّي قائلةً‪« :‬وأنت أيضًا يجب أن تُكافَأ على األغاني الجميلة التي غنَّيتها لنا بينما نأكل‪ .‬لقد أنع َمت‬
‫عليك اآللهة بموهب ٍة رائعة»‪.‬‬
‫جاللتك أن تقولي هذا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫انحنى المغنِّي مجيبًا‪« :‬لُطف من‬
‫قالت سرسي‪« :‬ليس لُطفًا بل مجرَّد شهاد ٍة بالحقيقة‪ .‬تاينا قالت لي إنك تُ َس َّمى ال َّشاعر األزرق»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪ .‬حذاء المطرب من ِجلد العجول اللَّيِّن‪ ،‬وسراويله من الصُّ وف األزرق النَّاعم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬نعم يا‬
‫الالمع‪ ،‬بل ويَصبُغ َشعره‬‫والسُّترة التي يرتديها من الحرير األزرق الباهت المشرَّط بالساتان األزرق َّ‬
‫باألزرق أيضًا على غرار أهل (تايروش)‪ ،‬و َشعره هذا طويل مجعَّد ينسدل على كتفيه وتفوح منه رائحة‬
‫تشي بأنه مغسول بماء الورد‪ .‬ماء ور ٍد أزرق ال ريب‪ .‬على األقل له أسنان بيضاء‪ .‬أسنانه نضيدة وليس‬
‫فيها اعوجاج على اإلطالق‪.‬‬
‫‪« -‬أليس لك اسم آخَر؟»‪.‬‬
‫لصبي من‬
‫ٍّ‬ ‫صغري كان اسمي وات‪ .‬اسم ال بأس به‬
‫أجاب‪« :‬في ِ‬
‫َ‬ ‫اصطبغَت وجنتاه بشي ٍء من الوردي إذ‬
‫ٍّ‬
‫بمغن»‪.‬‬ ‫األرياف‪ ،‬لكنه أق َّل جدارةً‬
‫لعينَي ال َّشاعر األزرق لون عينَي روبرت ذاته‪ ،‬ولهذا السَّبب وحده كرهَته‪« .‬من السَّهل أن أرى سبب‬
‫كونك مغنِّي الليدي مارچري األثير»‪.‬‬
‫‪« -‬جاللة الملكة لطيفة‪ ،‬تقول إنني أمتِّعها»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه‪ ،‬إنني واثقة‪ .‬هل لي أن أرى عودك؟»‪.‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪ .‬تحت كياسته كانت لمحة خافتة من التَّوتُّر‪ ،‬وإن ناولَها عوده على الرغم‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬كما تأمر‬
‫من هذا‪ ،‬فال أحد يَرفُض للملكة طلبًا‪.‬‬
‫داعبَت سرسي وترًا وابتس َمت للنَّغمة‪ ،‬ثم قالت‪« :‬صوت جميل وحزين كالحُب‪ .‬أخبِرني يا وات‪ ...‬أول‬
‫م َّر ٍة أخذت مارچري إلى الفِراش‪ ،‬أكان هذا قبل زواجها بابني أم بَعده؟»‪.‬‬
‫جاللتك مغلوطة‪ .‬أقس ُم لك أنني لم‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫للحظ ٍة لم يب ُد أنه فه َم‪ ،‬ول َّما فع َل اتَّسعت عيناه‪ ،‬وقال‪« :‬معلومات‬
‫صا َحت سرسي‪« :‬كاذب!»‪ ،‬وضربَت المغنِّي في وجهه بالعود بق َّو ٍة فجَّرت الخشب إلى شظايا‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫استدع َحرسي و ُخذ هذا المخلوق إلى ال َّزنازين»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫«لورد أورتون‪،‬‬
‫قال أورتون ميريويذر بوج ٍه بلَّله عَرق الخوف‪« :‬هذه ال‪ ...‬أوه‪ ،‬المخزاة‪ ...‬كيف جر َؤ على إغواء‬
‫الملكة؟»‪.‬‬
‫حدث‪ ،‬لكنه يظلُّ خائنًا‪ .‬فليُغَنِّ للورد كايبرن»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪« -‬أخشى أن العكس‬
‫امتق َع وجه ال َّشاعر األزرق‪ ،‬وقال وال َّدم يَقطُر من شفته حيث م َّزقها العود‪« :‬ال‪ ،‬إنني لم‪ ،» ...‬ول َّما أطب َ‬
‫ق‬
‫ُحماك يا أ َّمنا‪ ،‬ال!»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ميريويذر على ذراعه صر َخ‪« :‬ر‬
‫لست أُ َّمك»‪.‬‬
‫قالت له سرسي‪ُ « :‬‬
‫يمض وقت طويل حتى‬
‫ِ‬ ‫حتى في ال َّزنازين السَّوداء لم تنَل منه َّإال اإلنكار والتَّضرُّ ع واالسترحام‪ ،‬ولم‬
‫سالَت الدِّماء على ذقنه من أسنانه المحطَّمة وبلَّل سراويله ال َّزرقاء ال َّداكنة ثالث مرَّات‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫ك ِّل هذا أص َّر الرَّجل على أكاذيبه‪.‬‬
‫سألَت سرسي‪« :‬أيُمكن أنه المغنِّي الخطأ؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كلُّ شي ٍء ممكن يا جاللة الملكة‪ .‬ال تخافي‪ ،‬سيعترف الرَّجل قبل أن تنتهي اللَّيلة»‪ .‬هنا في ال َّزنازين‬
‫خاطب ال َّشاعر األزرق ً‬
‫قائال بنبر ٍة رفيقة مهمومة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫يرتدي كايبرن الصُّ وف الخشن ومئزر ح َّدا ٍد ِجلديًّا‪ ،‬وقد‬
‫«أعتذ ُر إذا عاملَك ال ُحرَّاس بخشونة‪ .‬إنهم يفتقرون إلى الكياسة لألسف‪ .‬لسنا نُريد منك َّإال الحقيقة»‪.‬‬
‫الجدار الحجري البارد بق َّوة‪« :‬لقد ُ‬
‫قلت الحقيقة»‪.‬‬ ‫قال المغنِّي منتحبًا والقيود الحديديَّة تُثَبِّته إلى ِ‬
‫ت في ضوء المشاعل‪،‬‬ ‫ُمسك بيده موسًى تلتمع حافتها بخفو ٍ‬ ‫‪« -‬ونحن نعرف أنك لم تقلها»‪ .‬كان كايبرن ي ِ‬
‫صار عاريًا َّإال من حذائه األزرق طويل العُنق‪ ،‬ووجدَت سرسي‬ ‫َ‬ ‫وبها قطَّع ثياب ال َّشاعر األزرق إلى أن‬
‫مرأى ال َّشعر البنِّي بين ساقيه طريفًا‪ .‬قالت آمرةً‪« :‬أخبِرنا كيف كنت تُ َرفِّه عن الملكة الصَّغيرة»‪.‬‬
‫وعزفت‪ .‬ستُخبِرك رفيقاتها‪ .‬إنهن معها طوال الوقت‪ ،‬بنات‬ ‫ُ‬ ‫يت‪ ،‬هذا كلُّ شيء‪ ،‬غنَّ ُ‬
‫يت‬ ‫‪« -‬لم‪ ...‬لقد غنَّ ُ‬
‫عمومتها»‪.‬‬
‫‪« -‬وكم منهن واقَعت؟»‪.‬‬
‫أرجوك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬وال واحدة‪ .‬إنني مجرَّد مغ ٍّن‪.‬‬
‫قال كايبرن‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬ربما غنَّى هذا المسكين فقط لمارچري بينما تستضيف ُع َّشاقًا آخَرين»‪.‬‬
‫يت‪ ،‬غنَّ ُ‬
‫يت فقط‪.»...‬‬ ‫‪« -‬ال‪ ،‬أرجوك‪ .‬إنها لم‪ ...‬لقد غنَّ ُ‬
‫قائال‪« :‬هل تأخذ حلمتيك في فمها عندما تتطا َرحان الغرام؟»‪،‬‬ ‫مرَّر اللورد كايبرن يده على صدر المغنِّي ً‬
‫ط واحدةً بسبَّابته وإبهامه ولواها متابعًا‪« :‬بعض ال ِّرجال يستمتع بهذا‪ ،‬حلماتهم حسَّاسة كالنِّساء»‪،‬‬ ‫والتق َ‬
‫ضت الموسى وصر َخ المغنِّي‪ ،‬وعلى صدره ذرفَت عين حمراء مبتلَّة ال َّدم‪.‬‬ ‫ووم َ‬
‫شع َرت سرسي بالغثيان‪ ،‬وأرا َد جزء منها أن تُغلِق عينيه‪ ،‬أن تُشيح بوجهها‪ ،‬أن تضع ح ًّدا لهذا‪ ،‬لكنها‬
‫الملكة وهذه خيانة‪ .‬ما كان اللورد تايوين ليُشيح بوجهه‪.‬‬
‫في النِّهاية حكى ال َّشاعر األزرق قصَّة حياته كلَّها منذ يوم ميالده األول‪ .‬كان أبوه متعهِّد تموين سُفن ونشأ‬
‫صباه أنه أكثر مهارةً في صُنع األعواد من البراميل‪ ،‬ول َّما بل َغ‬ ‫الحرفة‪ ،‬لكنه اكتشفَ في ِ‬ ‫وات على هذه ِ‬
‫وجاب ِنصف أنحاء‬ ‫َ‬ ‫هرب لينض َّم إلى فرق ٍة من الموسيقيِّين سم َع أداءهم في مهرجان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الثَّانية عشرة‬
‫(المرعى) قبل مجيئه (كينجز الندنج) على أمل أن يجد حظوةً في البالط‪.‬‬
‫قائال‪« :‬حظوة؟ أهكذا تُ َس ِّميها النِّساء اآلن؟ أخشى أنك وجدت قدرًا كبيرًا للغاية منها يا‬ ‫قهقهَ كايبرن ً‬
‫صديقي‪ ...‬ومن الملكة الخطأ‪ .‬الملكة الحقيقيَّة تقف أمامك»‪.‬‬
‫عاش وات حياةً طويلةً مثمرةً‪ ،‬يُ َردِّد أغانيه‬ ‫َ‬ ‫نعم‪ .‬تلوم سرسي مارچري تايرل على هذا‪ .‬لوالها فلربما‬
‫ُضاجع راعيات الخنازير وبنات ال ُمزارعين‪ .‬تآ ُمرها أرغ َمني على هذا‪ .‬لقد ل َّوثتني بخيانتها‪.‬‬ ‫وي ِ‬
‫قبل مطلع الفَجر كانت الدِّماء تمأل حذاء المغنِّي األزرق طويل العُنق‪ ،‬وأخب َرهما كيف تُدا ِعب مارچري‬
‫ت أخرى يُ َغنِّي لها فيما تُشبِع شهواتها مع‬
‫نفسها بينما تُشا ِهد بنات ُعمومتها يُ َمتِّعنه بأفواههن‪ ،‬وفي أوقا ٍ‬
‫ق آخَرين‪ .‬سألَت الملكة‪َ « :‬من هُم؟»‪ ،‬فذك َر المأفون وات أسماء السير تاالد الطَّويل والمبرت تِرنبري‬
‫ُع َّشا ٍ‬
‫وچاالبار شو والتَّوأمين ردواين وأوزني ِكتلبالك وهيو كليفتون‪ ...‬وفارس ُّ‬
‫الزهور‪.‬‬
‫أثار هذا استياءها‪ .‬إنها ال تجرؤ على تلويث اسم بطل معركة (دراجونستون)‪ ،‬ثم إن ال أحد يعرف السير‬ ‫َ‬
‫ُصدِّق هذا‪ .‬كذلك‪ ،‬ال يُمكن أن يكون التَّوأمان ردواين جز ًءا من األمر‪ ،‬فدون (الكرمة)‬ ‫لوراس سي َ‬
‫وأسطولها ال أمل للبالد في الخالص من يورون عين ال ُغراب ورجاله الحديديِّين المالعين‪« .‬لست تلفظ َّإال‬
‫رجال رأيتهم في مسكنها‪ .‬نُريد الحقيقة!»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أسماء‬
‫‪« -‬الحقيقة»‪ .‬نظ َر إليها وات بالعين ال َّزرقاء الواحدة التي تر َكها له كايبرن‪ ،‬وبقبقَت الدِّماء من الفتحات‬
‫أسأت التَّذ ُّكر»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫التي كانت أسنانه تحتلُّها‪ ،‬وقال‪« :‬ربما‪...‬‬
‫‪« -‬لم يكن لهوراس وهوبر دور في األمر‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بلى‪ ،‬ليس هما»‪.‬‬
‫‪« -‬وبالنِّسبة إلى السير لوراس فأنا واثقة بأن مارچري تُ َج ِّشم نفسها عنا ًء كبيرًا إلخفاء ما تفعله عن‬
‫أخيها»‪.‬‬
‫اختبأت تحت الفِراش حين أتى السير لوراس لزيارتها‪ .‬قالت لي‪ :‬يجب َّأال‬‫ُ‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬اآلن أذك ُر‪ .‬في م َّر ٍة‬
‫يعرف أبدًا»‪.‬‬
‫ض ُل هذه األغنيَّة على األخرى»‪ .‬فلتَترُك اللوردات الكبار خارج األمر‪ ،‬هذا أفضل‪ .‬أ َّما اآلخَرون‪...‬‬ ‫‪« -‬أف ِّ‬
‫منفي‪ ،‬وكليفتون الوحيد المذكور من َحرس‬ ‫ٌّ‬ ‫السير تاالد كان فارسًا متج ِّو ًال من قبل‪ ،‬وچاالبار شو شحَّاذ‬
‫أعرف أنك مرتاح أكثر اآلن وقد قلت الحقيقة‪ .‬عليك أن‬ ‫ُ‬ ‫الملكة الصَّغيرة‪ .‬وأوزني أساس المسألة كلِّها‪« .‬‬
‫تتذ َّكرها عندما تَمثُل مارچري للمحا َكمة‪ .‬إذا بدأت تكذب ثانيةً‪.»...‬‬
‫‪« -‬لن أفعل‪ ،‬سأقو ُل الحقيقة‪ ،‬وبَعدها‪.»...‬‬
‫احرص على‬ ‫‪« -‬سيُس َمح لك باالنضمام إلى َحرس اللَّيل‪ ،‬لك كلمتي»‪ ،‬والتفتَت سرسي إلى كايبرن قائلةً‪ِ « :‬‬
‫تنظيف جروحه وتضميدها‪ ،‬واسقِه حليب الخشخاش لتخفيف األلم»‪.‬‬
‫جاللتك شديدة اللُّطف»‪ ،‬وأسق َ‬
‫ط الموسى ال َّدامية في دل ٍو من الخل‪ ،‬وقال‪« :‬ربما تتسا َءل‬ ‫ِ‬ ‫َر َّد كايبرن‪« :‬‬
‫ذهب شاعرها»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مارچري أين‬
‫‪« -‬المغ ُّنون يروحون ويأتون‪ ،‬إنهم شهيرون بهذا»‪.‬‬
‫صعدَت سرسي درجات ال َّزنازين السَّوداء الحجريَّة القاتمة الهثةً‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬يجب أن أستريح‪.‬‬
‫الحصول على الحقيقة عمل مض ٍن‪ ،‬كما أنها تخشى ال ُخطوة التَّالية‪ .‬ال بُ َّد أن أكون قويَّةً‪ .‬ال أفع ُل ما أفعله‬
‫نبوءتك أيتها العجوز‪ .‬ربما أكبَ ُر‬
‫ِ‬ ‫َّإال في سبيل تومن والبالد‪ .‬مؤسف أن ماجي الضِّفدعة ماتَت‪ .‬بو ٌل على‬
‫ط‪ ،‬وقريبًا ستموت‪.‬‬ ‫الملكة الصَّغيرة ِسنًّا‪ ،‬لكنها لم تكن أجمل مني قَ ُّ‬
‫كانت الليدي ميريويذر منتظرةً في ُغرفة نومها‪ .‬ما زا َل اللَّيل حال ًكا‪ ،‬أقرب إلى الفَجر من الغسق‪،‬‬
‫وچوسلين ودوركاس كلتاهما نائمة‪ ،‬ولكن ليس تاينا التي سألَتها‪« :‬أكان األمر شنيعًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬لن تتص َّوري‪ .‬أحتا ُج إلى النَّوم لكن أخشى أن أحلم»‪.‬‬
‫ملَّست تاينا على َشعرها قائلةً‪« :‬كلُّ هذا من أجل تومن»‪.‬‬
‫ر َّدت سرسي‪« :‬أعل ُم‪ ،‬أعل ُم أنه كذلك»‪ ،‬وارتجفَت مردفةً‪َ « :‬حلقي جاف‪ .‬كوني حُلوةً و ُ‬
‫صبِّي لي ً‬
‫قليال من‬
‫النَّبيذ»‪.‬‬
‫مشيئتك‪ .‬ال أبغي َّإال أن ألبِّيها»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬إذا كانت هذه‬
‫كاذبة‪ .‬إنها تعلم ما تبغيه تاينا‪ .‬ليكن إذن‪ .‬ما دا َمت المرأة مفتونةً بها فسيُسا ِعدها افتتانها على ضمان‬
‫ق هذا بضع قُبالت‪ .‬ليست أسوأ من أكثر الرِّجال‪ .‬على‬ ‫عالم زاخر بالخيانة يستح ُّ‬ ‫إخالصها وزوجها‪ ،‬وفي ٍ‬
‫األقل خطر الحمل منها غير وارد‪.‬‬
‫ساعدَها النَّبيذ ولكن ليس كفايةً‪ ،‬وإذ وقفَت الملكة في النَّافذة حاملةً كأسها قالت متذ ِّمرةً‪« :‬أشع ُر بأنني‬
‫مل َّوثة»‪.‬‬
‫ظت دوركاس وچوسلين وأرسلَتهما‬ ‫قالت الليدي ميريويذر‪« :‬االستحمام كفيل بعالج هذا يا جميلتي»‪ ،‬وأيق َ‬
‫تجلبان ما ًء ساخنًا‪ ،‬وبينما مألَتا الحوض ساعدَت الملكة على خلع ثيابها‪ ،‬فحلَّت أربطة فُستانها بأصابع‬
‫رشيقة وأنزلَته عن كتفيها برفق‪ ،‬ثم إنها خل َعت فُستانها بدورها وتر َكته يتك َّوم على األرض‪.‬‬
‫ظهرها بين ذراعَي تاينا‪ ،‬وقالت للمايريَّة‪« :‬ال بُ َّد‬ ‫نزلَت االثنتان في الحوض معًا‪ ،‬وتم َّددت سرسي على َ‬
‫يوم إلى السِّپت ليَطلُبا من اآللهة‬ ‫من إعفاء تومن من معرفة أسوأ التَّفاصيل‪ .‬ما زالَت مارچري تأخذه ك َّل ٍ‬
‫ض ا‪.‬‬ ‫أن تشفي أخاها»‪ .‬ال يزال السير لوراس متشبِّثًا بالحياة على نح ٍو مزعج‪« .‬إنه مغرم ببنات عمومتها أي ً‬
‫ق عليه أن يفقدهن جميعًا»‪.‬‬ ‫سيش ُّ‬
‫اقترحت الليدي ميريويذر قائلةً‪« :‬ربما ال تكون ثالثتهن مذنبات‪ ،‬ربما لم تشترك واحدة منهن مع‬ ‫َ‬
‫األخريات‪ .‬إذا أخزاها وأغثاها ما رأته‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬فربما يُمكن إقناعها بال َّشهادة على البقيَّة‪ .‬نعم‪ ،‬ممتاز‪ ،‬لكن أيُّهن البريئة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬آال»‪.‬‬
‫‪« -‬الخجول؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هكذا تبدو‪ ،‬لكن فيها ُخبثًا أكثر من الخجل‪ .‬اترُكيها لي يا جميلتي»‪.‬‬
‫‪« -‬بك ِّل سرور»‪ .‬اعتراف ال َّشاعر األزرق وحده لن يكفي أبدًا‪ ،‬إذ إن دأب المغنِّين أن يكسبوا رزقهم‬
‫بالكذب‪ ،‬لكن آال تايرل ستُسا ِعدها كثيرًا إذا استطاعَت تاينا أن تجعلها تعترف‪« .‬السير أوزني أي ً‬
‫ضا‬
‫سيعترف‪ ،‬ويجب إفهام اآلخَرين أن من خالل االعتراف وحده يُمكنهم أن ينالوا عفو الملك َّ‬
‫والذهاب إلى‬
‫الجدار)»‪ .‬سيجد چاالبار شو الحقيقة َّ‬
‫جذابةً‪ ،‬ولو أنها أقلُّ ثقةً باآلخَ رين‪ ،‬وإن كان كايبرن يُجيد اإلقناع‪...‬‬ ‫( ِ‬
‫كان الفَجر يَب ُزغ على (كينجز الندنج) عندما خر َجتا من الحوض وقد ابيضَّت بشرة الملكة وتجعَّدت من‬
‫انغمارها الطَّويل في الماء‪ .‬قالت لتاينا‪« :‬ابقي معي‪ ،‬ال أري ُد أن أنام وحدي»‪ ،‬ثم إنها ر َّددت ُدعا ًء قبل أن‬
‫تَد ُخل تحت األغطية‪ ،‬تُنا َشد (األُم) األحالم الطيِّبة‪.‬‬
‫على أن ُدعاءها كان مضيعةً ألنفاسها‪ ،‬فكالمعتاد ص َّمت اآللهة آذانها‪ .‬حل َمت سرسي بأنها في ال َّزنازين‬
‫بدال من المغنِّي‪ .‬كانت‬ ‫الجدار ً‬‫السَّوداء من جديد‪ ،‬لكن الفرق هذه المرَّة أنها هي المقيَّدة بالسَّالسل إلى ِ‬
‫العفريت حلمتيها بأسنانه‪ ،‬وقالت له متوسِّلةً‪« :‬أرجوك‪،‬‬ ‫عاريةً وال َّدم يَقطُر من طرفَي ثدييها حيث م َّزق ِ‬
‫ضا كان عاريًا‪،‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬ليس أطفالي‪ ،‬ال تُؤذي أطفالي»‪ ،‬لكن تيريون اكتفى بالنَّظر إليها شزرًا‪ .‬هو أي ً‬
‫يُ َغطِّي جسده َشعر خشن يجعله يبدو أقرب إلى قر ٍد من إنسان‪ ،‬وقال لها‪« :‬سترينهم يُتَ َّوجون وسترينهم‬
‫ين ساخن‪.‬‬‫يموتون»‪ ،‬ثم أخ َذ ثديها النَّازف في فمه وبدأ يمصُّ ‪ ،‬وسرى األلم فيها كس ِّك ٍ‬
‫ُ‬
‫صرخت؟ آسفة»‪.‬‬ ‫ظت مرتعدةً بين ذراعَي تاينا‪ ،‬وقالت‪« :‬حُلم سيِّئ‪ .‬هل‬ ‫استيق َ‬
‫‪« -‬في نور النَّهار تتح َّول األحالم إلى تُراب‪ .‬أهو القزم م َّرةً أخرى؟ لماذا يُخيفك ذلك الرَّجل الصَّغير‬
‫السَّخيف هكذا؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أردت أن أعرف َمن سأتز َّوجُ‪ ،‬لكنها قالت‪.»...‬‬ ‫‪« -‬سيَقتُلني‪ .‬إنها نبوءة منذ ُ‬
‫كنت في العاشرة‪.‬‬
‫‪َ « -‬من قالت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬المايجي»‪ .‬تدفَّقت منها الحكاية وهي ال تزال تسمع ميالرا هيذرسپون تقول مص َّرةً إن امتناعهما عن‬
‫الكالم عن النُّبوءة سيحول دون تحقُّقها‪ .‬لكنها لم تَص ُمت في البئر‪ ،‬بل صا َحت وصرخَ ت‪« .‬تيريون هو‬
‫الڤالونڬار‪ .‬هل تستخدمون هذه الكلمة في (مير)؟ إنها ڤاليريَّة فُصحى‪ ،‬تعني األخ الصَّغير»‪ .‬كانت قد‬
‫سألَت السِّپتة سارانيال عن الكلمة بَعد غرق ميالرا‪.‬‬
‫ت‬ ‫التقطَت تاينا يدها وملَّست عليها قائلةً‪« :‬كانت امرأةً مفعمةً بال ُكره‪ ،‬عجو ًزا مريضةً قبيحةً‪ ،‬وكن ِ‬
‫ت أن ِ‬
‫ت إنها عا َشت في (النسپورت)‪ ،‬أي أنها سم َعت بالتَّأكيد بمولد‬ ‫صغيرةً جميلةً مفعمةً بالحياة والكبرياء‪ .‬قل ِ‬
‫جرحك بلسان‬
‫ِ‬ ‫لمقامك‪ ،‬فس َعت إلى‬
‫ِ‬ ‫ضربك بيدها نظرًا‬
‫ِ‬ ‫القزم وكيف قت َل أ َّم ِك‪ .‬تلك المخلوقة لم تَجسُر على‬
‫الحيَّة»‪.‬‬
‫صدِّق هذا‪« .‬لكن ميالرا ماتَت كما قالت ال ُّنبوءة‪ ،‬ولم أتز َّوج األمير‬ ‫أهذا ممكن؟ كم تُريد سرسي أن تُ َ‬
‫ريجار‪ ،‬وچوفري‪ ...‬القزم قت َل ابني أمام عينَي»‪.‬‬
‫جميال قويًّا‪ ،‬وال أذى سيمسُّه أبدًا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫لك آخَر‬
‫قالت الليدي ميريويذر‪« :‬ابن واحد‪ ،‬لكن ِ‬
‫صدِّق‪ .‬في نور النَّهار تتح َّول األحالم إلى‬ ‫دمت على قيد الحياة»‪ .‬مجرَّد القول جعلَها تُ َ‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬مستحيل ما‬
‫تُراب‪ ،‬نعم‪ .‬في الخارج تسطع شمس الصَّباح متخلِّلةً سدي ًما من السَّحاب‪ ،‬وخر َجت سرسي من تحت‬
‫األغطية قائلةً‪« :‬سأفط ُر مع الملك هذا الصَّباح‪ .‬أري ُد أن أرى ابني»‪ .‬ال أفع ُل ما أفعله َّإال في سبيله‪.‬‬
‫ساعدَها تومن على استعادة رباطة جأشها‪ .‬لم تحسَّ به غاليًا نفيسًا من قبل كهذا الصَّباح إذ را َح يُثَرثِر عن‬
‫هُريراته وهو يصبُّ العسل على قطع ٍة من ال ُخبز األسمر السَّاخن‪ ،‬وقال لها‪« :‬السير پاونس اصطا َد فأرًا‪،‬‬
‫لكن الليدي ويسكرز سرقَته منه»‪.‬‬
‫ط بهذه العذوبة أو البراءة‪ .‬كيف يأمل أن يقوى على حُكم هذه البالد القاسية؟ تُريد األُم في داخلها‬ ‫لم أكن قَ ُّ‬
‫وإال الته َمه العرش الحديدي ال محالة‪ .‬قالت له‪:‬‬ ‫أن تحميه‪ ،‬والملكة في داخلها تعلم أن عليه أن يصير أقوى َّ‬
‫«على السير پاونس أن يتعلَّم أن يُدافِع عن حقوقه‪ .‬في هذا العالم يقع الضُّ عفاء ضحايا لألقوياء طوال‬
‫الوقت»‪.‬‬
‫ف َّكر الملك في قولها وهو يلعق العسل من على أصابعه‪ ،‬ثم قال‪« :‬ل َّما يعود السير لوراس سأتعلَّ ُم القتال‬
‫بالرُّ مح والسَّيف وال ُكرة ال َّشائكة ِمثله»‪.‬‬
‫قالت الملكة‪« :‬ستتعلَّم القتال ولكن ليس من السير لوراس‪ .‬إنه لن يعود يا تومن»‪.‬‬
‫صلِّي من أجله‪ ،‬نسأل (األُم) أن ترحمه و(ال ُمحارب) أن يُعطيه الق َّوة‪.‬‬‫‪« -‬مارچري تقول إنه سيعود‪ .‬نحن نُ َ‬
‫إلينور تقول إن هذه أصعب معارك السير لوراس»‪.‬‬
‫الظهر مع‬ ‫الذهبيَّة التي تُ َذ ِّكرها كثيرًا بچوف‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل ستقضي بَعد ُّ‬
‫ملَّست على َشعره‪ ،‬على ال ُخصل َّ‬
‫زوجتك وبنات عمومتها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس اليوم‪ .‬قالت إن عليها أن تصوم وتُطَهِّر نفسها»‪.‬‬
‫تصوم وتُطَهِّر نفسها‪ ...‬أوه‪ ،‬من أجل عيد (العذراء)‪ .‬لقد مرَّت سنوات منذ كان على سرسي االحتفال بهذا‬
‫العيد الدِّيني تحديدًا‪ .‬تز َّوجت ثالث مرَّات وال تزال تُريدنا أن نعتقد أنها بِكر‪ .‬سترتدي الملكة الصَّغيرة ثيابًا‬
‫بيضاء محتشمةً وتقود دجاجاتها إلى ( ِسپت بيلور) لتُضيء ال ُّشموع البيضاء الطَّويلة عند قد َمي (العذراء)‬
‫وتُ َعلِّق أكاليل من الرَّقوق حول ُعنقها المق َّدس‪ .‬بعض دجاجاتها على األقل‪ .‬في عيد (العذراء) تُمنَع‬
‫األ َّمهات واألرامل والعاهرات على َح ِّد سواء من دخول السِّپتات‪ ،‬وكذا الرِّ جال‪ ،‬خشية تدنيس ترانيم‬
‫البراءة المق َّدسة‪ .‬وحدهن العذراوات مسموح لهن‪...‬‬
‫قلت شيئًا خطأ ً يا أ ِّمي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هل ُ‬
‫قبَّلت سرسي جبهة ابنها‪ ،‬وقالت‪« :‬بل قلت شيئًا في غاية الحكمة يا عزيزي‪ .‬واآلن اذهب والعب مع‬
‫قِططك»‪.‬‬
‫بَعدها استدعَت السير أوزني ِكتلبالك إلى ُغرفتها ال َّشمسيَّة‪ ،‬فجا َء متبخترًا يتصبَّب عَرقًا من التَّدريب في‬
‫السَّاحة‪ ،‬وبينما جثا أمامها جرَّدها من مالبسها بنظراته كما يفعل دو ًما‪.‬‬
‫‪« -‬انهض أيها الفارس وتعا َل اجلس إلى جواري‪ .‬لقد أسديتَني صنيعًا ُشجاعًا من قبل‪ ،‬لكن اآلن لد َّ‬
‫ي مه َّمة‬
‫لك تتطلَّب صالبةً أكثر»‪.‬‬
‫لك»‪.‬‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬وأنا لد َّ‬
‫ي شيء صُلب ِ‬
‫ر َّدت‪« :‬يجب أن نُرجئ ذلك»‪ ،‬ومرَّرت أناملها بخفَّ ٍة على ندوب وجهه متابعةً‪« :‬أتَذ ُكر العاهرة التي‬
‫أصابَتك بهذه النُّدوب؟ سأعطيك إياها عندما تعود من ( ِ‬
‫الجدار)‪.‬‬
‫هل تحبُّ هذا؟»‪.‬‬
‫ت»‪.‬‬
‫أريدك أن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫أوال عليك أن تعترف بخيانتك‪ .‬من شأن ترك خطايا المرء تتعفَّن في‬‫كانت إجابته الصَّحيحة‪ ،‬فقالت‪ً « :‬‬
‫أعرف أن الحياة مع ما اقترفت صعبة عليك‪ ،‬وحانَ الوقت ألن تُ َخلِّص نفسك من‬
‫ُ‬ ‫داخله أن يُ َس ِّمم روحه‪.‬‬
‫عارك»‪.‬‬
‫قلت ألوزني إن مارچري تُعابِثني فقط‪ ،‬وال تَترُكني أفع ُل أكثر‬
‫بدا أوزني حائرًا إذ قال‪« :‬عاري؟ لقد ُ‬
‫من‪.»...‬‬
‫بت َرت سرسي عبارته‪« :‬شهامة منك أن تحميها‪ ،‬لكنك فارس أنبل من أن تُ ِ‬
‫واصل الحياة مع جريمتك‪ .‬ال‪،‬‬
‫يجب أن تأخذ نفسك إلى ( ِسپت بيلور الكبير) اللَّيلة تحديدًا وتتكلَّم مع السِّپتون األعلى‪ .‬حين تكون ذنوب‬
‫صاحب القداسة األعلى نفسه إنقاذه من عذاب الجحيم‪ .‬أخبِره كيف كنت‬ ‫ِ‬ ‫المرء بهذا السَّواد ال يستطيع َّإال‬
‫ضاجع مارچري وبنات عمومتها»‪.‬‬ ‫تُ ِ‬
‫سائال‪« :‬ماذا؟ بنات عمومتها أيضًا؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ق إليها‬‫حمل َ‬
‫أجابَت وقد حز َمت أمرها‪ِ « :‬مجا وإلينور فقط وليس آال»‪ .‬هذه التَّفصيلة الصَّغيرة ستجعل القصَّة أكثر‬
‫قابليَّةً للتَّصديق‪« .‬آال اعتادَت الجلوس باكيةً تتوسَّل إلى األخريات أن يتوقَّفن عن المعصية»‪.‬‬
‫‪ِ « -‬مجا وإلينور فقط أم مارچري أيضًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬مارچري أيضًا بكلِّ تأكيد‪ .‬إنها وراء األمر ب ُر َّمته»‪.‬‬
‫أخب َرته بكلِّ ما تُفَ ِّكر فيه‪ ،‬وإذ أنصتَ أوزني زحفَ الفهم بتؤد ٍة على وجهه‪ ،‬ول َّما فرغَت قال‪« :‬بَعد أن‬
‫تقطعي رأسها أري ُد أن أنال تلك القُبلة التي لم تمنحني إياها»‪.‬‬
‫‪« -‬لك أن تنال ك َّل ما ترغب من قُبل»‪.‬‬
‫الجدار)؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ثم ( ِ‬
‫‪« -‬لفتر ٍة قصيرة‪ .‬تومن ملك غفور»‪.‬‬
‫ك أوزني وجنته النَّديبة ً‬
‫قائال‪« :‬عادةً عندما أكذبُ بخصوص امرأ ٍة أقو ُل أنا إنني لم أضاجعها وتصرُّ هي‬ ‫َح َّ‬
‫جحيم ما لهذا‪ ،‬إلى‬
‫ٍ‬ ‫أظن أن المرء يذهب إلى‬ ‫على العكس‪ .‬هذا‪ ...‬إنني لم أكذب على ِسپتون أعلى من قبل! ُّ‬
‫واحد ٍة من الجحائم السيِّئة»‪.‬‬
‫آخر ما توقَّعته من أحد اإلخوة ِكتلبالك هو التَّقوى‪« .‬هل تَرفُض أن تُطيعني؟»‪.‬‬‫انده َشت الملكة‪ِ .‬‬
‫الذهبي‪« :‬ال‪ .‬المسألة أن أفضل األكاذيب يحوي شيئًا من الحقيقة‪ ...‬إنها‬ ‫قال أوزني متح ِّسسًا َشعرها َّ‬
‫ضاجعت ملكةً‪.»...‬‬
‫ُ‬ ‫ت تُريدينني أن أعترف بأنني‬‫تُعطيها نكهةً إن جازَ التَّعبير‪ ،‬وأن ِ‬
‫ً‬
‫طويال بالفعل وهناك الكثير على المحك‪ .‬ال أفع ُل‬ ‫كادَت تصفعه على وجهه‪ ...‬كادَت‪ ،‬لكنها قط َعت شو ً‬
‫طا‬
‫ما أفعله َّإال في سبيل تومن‪ .‬د َّورت رأسها والتق َ‬
‫طت يدَي السير أوزني ولث َمت أصابعه الصُّ لبة الخشنة من‬
‫حمل السُّيوف‪ .‬روبرت كانت يداه كهاتين‪.‬‬
‫أعطني‬‫ِ‬ ‫ت مبحوح هم َست‪« :‬ال أري ُد أن يُقال إنني جعلتك تكذب‪.‬‬ ‫ط َّوقت سرسي ُعنقه بذراعيها‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫ساعةً ثم قابِلني في ُغرفة نومي»‪.‬‬
‫قال أوزني‪« :‬انتظَرنا بما فيه الكفاية»‪ ،‬و َدسَّ أصابعه في صدر فُستانها و َش َّده مم ِّزقًا الحرير بصو ٍ‬
‫ت‬
‫مرتفع حتى إن سرسي خشيَت أن نِصف قاطني (القلعة الحمراء) سمعوه‪ ،‬ثم إنه أضافَ ‪« :‬اخلعي البقيَّة‬
‫ُمكنك االحتفاظ بالتَّاج‪ .‬إنني أحب ُِّك بالتَّاج»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قبل أن أم ِّزقها أيضًا‪ ،‬لكن ي‬
‫األميرة في البُرج‬
‫ٌ‬
‫سجن مترف‪.‬‬ ‫سجنها‬
‫وجدَت آريان في هذا سُلوانًا‪ ،‬فلِ َم يُ َج ِّشم أبوها نفسه ك َّل هذا العناء ويُ َوفِّر لها جميع وسائل الرَّاحة في‬
‫محبسها لو أنه حك َم عليها بالموت ميتة الخونة؟ مئة م َّر ٍة قالت لنفسها‪ :‬ال يُمكن أنه ينوي أن يَقتُلني‪ .‬القسوة‬
‫ليست من طباعه‪ .‬أنا دمه ونسله‪ ،‬وريثته‪ ،‬ابنته الوحيدة‪ .‬إذا لز َم األمر ستُلقي نفسها على عجلتَي مقعده‬
‫المتح ِّرك وتعترف بغلطتها وتتوسَّل ُغفرانه‪ ،‬وستبكي أيضًا‪ ،‬وحين يرى ال ُّدموع تسيل على وجهها‬
‫سيُسا ِمحها‪.‬‬
‫لكنها ال تحسُّ بالثِّقة نفسها بقُدرتها على أن تُسا ِمح نفسها‪.‬‬
‫آسرها قائلةً‪« :‬آريو‪ ،‬لم أُ ِرد قَ ُّ‬
‫ط‬ ‫خالل الرِّ حلة الطَّويلة الجافَّة من (ال َّدم األخضر) إلى (صنسپير) استجدَت ِ‬
‫أن يُصيب الفتاة أذى‪ ،‬صدِّقني»‪ ،‬فلم ير َّد هوتا َّإال بزمجرة‪ ،‬وشع َرت آريان بغضبه‪ .‬لقد فلتَ منه النَّجم‬
‫المظلم‪ ،‬العضو األخطر على اإلطالق في مجموعتها الصَّغيرة من المتآمرين‪ ،‬ضلَّل ُمطارديه جميعًا‬
‫واختفى في الصَّحراء العميقة والدِّماء تُلَ ِّوث سيفه‪.‬‬
‫صغري‪ ،‬ودائ ًما حميتني كما حميت‬ ‫قالت آريان والفراسخ تمرُّ ‪« :‬أنت تعرفني أيها القائد‪ ،‬تعرفني منذ ِ‬
‫السيِّدة والدتي منذ جئت معها من (نورڤوس ال ُكبرى) لتكون حارسها في هذا البلد الغريب‪ .‬إنني محتاجة‬
‫إلى مساعَدتك‪ .‬لم تكن نيَّتي أن‪.»...‬‬
‫آسف‪ ،‬لكن ألميري‬‫ٌ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫َّتك ال ته ُّم يا أميرتي الصَّغيرة‪ ،‬فقط ما فعل ِ‬
‫قاط َعها آريو هوتا بمالمح من حجر‪« :‬ني ِ‬
‫األمر وعلى هوتا الطَّاعة»‪.‬‬
‫الزجاج المطليَّة بالرَّصاص في (بُرج ال َّشمس)‪،‬‬ ‫توقَّعت آريان أن يأخذها إلى مقعد أبيها العالي تحت القُبَّة ُّ‬
‫بدال من ذلك أخ َذها هوتا إلى (بُرج الحربة)‪ ،‬ووض َعها تحت وصاية ريكاسو قهرمان أبيها والسير‬ ‫لكن ً‬
‫مانفري مارتل أمين القلعة‪ .‬قال لها األول‪« :‬أرجو أن تُسا ِمحي عجو ًزا أعمى ِمثلي على عدم الصُّ عود‬
‫معك أيتها األميرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫سيصحبك إليها السير مانفري‬
‫ِ‬ ‫هاتان السَّاقان ال تَصلُحان لتسلُّق ال َّدرجات الكثيرة‪ .‬ث َّمة ُغرفة مجهَّزة ِ‬
‫لك‬
‫لتنتظري استدعاء األمير»‪.‬‬
‫ضا؟»‪ .‬افترقَت آريان عن جارين ودراي والبقيَّة بَعد‬ ‫‪« -‬تعني غضبة األمير‪ .‬هل سيُحبَس أصدقائي هنا أي ً‬
‫ورفض هوتا أن يُخبِرها بما سيَح ُدث لهم‪ ،‬ولم يقل بخصوص هذه المسألة َّإال‪« :‬القرار‬ ‫َ‬ ‫القبض عليهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫لألمير»‪ .‬على أن السير مانفري كان أكثر تعا ُونًا‪ ،‬فأجابَها‪« :‬لقد أ ِخذوا إلى (بلدة األخشاب) وسيُنقَلون‬
‫بالسَّفينة إلى (جاستون جراي) إلى أن يُقَرِّر األمير دوران مصيرهم»‪.‬‬
‫(جاستون جراي) قلعة قديمة متهدِّمة قابعة على صخر ٍة في (بحر دورن)‪ ،‬معتقَل كئيب مخيف ال يُر َسل‬
‫إليه َّإال أسوأ المجرمين ليتعفَّنوا ويموتوا‪ .‬قالت آريان مشدوهةً‪« :‬هل ينوي أبي أن يَقتُلهم؟! إنهم لم يفعلوا‬
‫ما فعلوه َّإال محبَّةً لي‪ .‬إذا كان أبي يُريد ال َّدم فليكن دمي»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تقولين أيتها األميرة»‪.‬‬
‫‪« -‬أري ُد أن أتكلَّم معه»‪.‬‬
‫حسب»‪ ،‬وأخ َذها من ذراعها وساقَها صاعدًا السَّاللم‪ ،‬إلى أعلى وأعلى حتى‬ ‫َ‬ ‫قال السير مانفري‪« :‬هكذا‬
‫تقطَّعت أنفاسها‪ .‬يرتفع (بُرج الحربة) مئةً وخمسين قد ًما‪ ،‬وتقع زنزانتها قُرب الق َّمة‪ .‬رمقَت آريان ك َّل با ٍ‬
‫ب‬
‫مرَّا به متسائلةً إن كانت إحدى أفاعي الرِّ مال حبيسةً في ال َّداخل‪.‬‬
‫وص َد استكشفَت آريان بيتها الجديد‪ .‬ال ُغرفة واسعة جيِّدة التَّهوية‪ ،‬وال تفتقر إلى سُبل‬ ‫ق بابها وأُ ِ‬
‫بَعد أن أُغلِ َ‬
‫الرَّاحة‪ ،‬فعلى األرض بُسط مايريَّة‪ ،‬وث َّمة نبيذ أحمر تشربه و ُكتب تقرأها‪ ،‬وفي أحد األركان تستقرُّ طاولة‬
‫والجزع ‪-‬ولو أن ال أحد هنالك يلعب معها إذا أرادَت أن تلعب‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫طع منحوتة من العاج‬
‫سايڤاس من َّمقة بقِ ٍ‬
‫وهناك أيضًا فِراش بحشيَّ ٍة من ال ِّريش‪ ،‬ومرحاض بمقع ٍد من الرُّ خام تُ َعطِّره سلَّة مألى باألعشاب‪ ،‬كما أن‬
‫شرق من وراء البحر‪ ،‬وتُتيح لها‬ ‫خالبة‪ ،‬إذ تطلُّ على ال َّشرق نافذة ترى منها ال َّشمس تُ ِ‬ ‫المناظر من هنا َّ‬
‫أخرى أن تَنظُر إلى (بُرج ال َّشمس) باألسفل‪ ،‬باإلضافة إلى األسوار الملتفَّة و(الب َّوابة ال ُّثالثيَّة)‪.‬‬
‫ق االستكشاف وقتًا أق َّل مما كانت لتقضيه في عقد أربطة صندلها‪ ،‬لكنه نج َح على األقل في الحيلولة‬ ‫استغر َ‬
‫دون انهمار دموعها فترةً‪ .‬وجدَت آريان حوضًا وإبريقًا من الماء الفاتر وغسلَت يديها ووجهها‪ ،‬لكن مهما‬
‫فر َكت نفسها فلن يُمكنها تنظيفها من الحُزن‪ .‬آريس‪ ،‬فارسي األبيض‪ .‬مألَت ال ُّدموع عينيها‪ ،‬وفجأةً‬
‫انفجرت في البُكاء و َر َّج النَّحيب جسدها كلَّه َر ًّجا‪ .‬تذ َّكرت كيف شقَّت فأس هوتا الثَّقيلة لحمه وعظمه‪،‬‬ ‫َ‬
‫وكيف طا َر رأسه ودا َر في الهواء‪ .‬لماذا فعلتها؟ لماذا فرَّطت في حياتك؟ لم أقل لك أن تفعلها‪ ،‬لم أرغب‬
‫ُ‬
‫أردت‪...‬‬ ‫ُ‬
‫أردت‪...‬‬ ‫ُ‬
‫أردت فقط‪...‬‬ ‫في هذا‪،‬‬
‫ليلتها ب َكت حتى النَّوم‪ ...‬للمرَّة األولى وإن لم تكن األخيرة‪ .‬حتى في أحالمها لم تجد سال ًما‪ .‬حل َمت بآريس‬
‫أوكهارت يُ َمسِّد جسدها‪ ،‬يبتسم لها‪ ،‬يقول لها إنه يحبُّها‪ ...‬لكن طيلة الوقت كانت السِّهام منغرسةً فيه وتبكي‬
‫ُدرك أن هذا كابوس حتى في أثنائه‪ ،‬وأخب َرت‬ ‫جروحه د ًما محيلةً أبيضه إلى أحمر‪ .‬جزء منها كان ي ِ‬
‫األميرة نفسها‪ :‬كلُّ هذا سيختفي حين يطلع الصُّ بح‪ ،‬لكن الصُّ بح طل َع وهي ال تزال في زنزانتها‪ ،‬وال يزال‬
‫ط‪ ،‬لم أُ ِرده‪ .‬لم تكن نيَّتي أن يمسَّ الفتاة سوء‪ ،‬لم أُ ِرد لها َّإال أن‬
‫السير آريس ميتًا‪ ،‬ومارسال‪ ...‬لم أُ ِرد هذا قَ ُّ‬
‫تكون ملكةً‪ .‬لو لم نتعرَّض للخيانة‪...‬‬
‫غضبها‪ ،‬ولقد تشبَّثت آريان بهذا الغضب وأز َكت به النَّار في‬ ‫قال هوتا إن أحدهم وشى‪ ،‬ولم تزَل ال ِّذكرى تُ ِ‬
‫قلبها‪ .‬الغضب أفضل من ال ُّدموع‪ ،‬أفضل من األسى‪ ،‬أفضل من النَّدم‪ .‬أحدهم وشى‪ ،‬أحد وثقَت به‪ ،‬ومن‬
‫الحرس‪ ،‬وال َّدم الذي سا َل على‬ ‫جرَّاء هذا ماتَ آريس أوكهارت‪ ،‬قتلَته همسة الخائن كما قتلَته فأس قائد َ‬
‫وجه مارسال من صُنع الخائن أيضًا‪ .‬أحدهم وشى‪ ،‬أحد أحبَّته‪ ،‬وهذا أبلغ الجروح قاطبةً‪.‬‬
‫وجدَت صندوقًا من خشب األَرز مليئًا بثيابها عند قدم الفِراش‪ ،‬فخل َعت مالبسها التي وسَّخها السَّفر ونا َمت‬
‫بها ثم ارتدَت أكثر ِغالل ٍة كاشفة وجدَتها‪ ،‬خيوطًا من الحرير تُ َغطِّي ك َّل شي ٍء وال تُخفي شيئًا‪ .‬ربما يُعا ِملها‬
‫األمير دوران كأنها طفلة‪َّ ،‬إال أنها تأبى أن تلبس ثياب طفلة‪ ،‬وتعلم أن ما ترتديه سيُز ِعج أباها حين يأتي‬
‫ي أن أزحف وأبكي فلينزعج هو أيضًا‪.‬‬ ‫يُ َوبِّخها على الهرب بمارسال‪ ،‬بل وتعتمد على هذا‪ .‬إذا كان عل َّ‬
‫صف النَّهار‪ .‬سألَتهم‪:‬‬ ‫توقَّعت أن يأتيها اليوم‪ ،‬لكن حين انفت َح الباب أخيرًا لم يظهر َّإال خدمها بوجبة منت َ‬
‫«متى أرى أبي؟»‪ ،‬لكن أحدًا لم ي ُِجبها‪ .‬ق َّدموا لها جديًا مشويًّا باللَّيمون والعسل‪ ،‬ومعه ورق عنب محش ًّوا‬
‫بخليط من ال َّزبيب والبصل وعيش ال ُغراب وفلفل التنِّين الحرِّيف‪ .‬في طريقهم إلى (جاستون جراي) يأكل‬ ‫ٍ‬
‫لست جائعةً‪ُ .‬خذوا هذا وائتوني باألمير‬ ‫أصدقاء آريان بسكويت السُّفن واللَّحم البقري المملَّح‪ ،‬فقالت‪ُ « :‬‬
‫ت أبوها‪ ،‬وبَعد م َّد ٍة أضعفَ الجوع تصميمها‪ ،‬فجل َست وأكلَت‪.‬‬ ‫دوران»‪ ،‬لكنهم تركوا الطَّعام ولم يأ ِ‬
‫دارت في بُرجها م َّرةً وثالثًا وتسعًا‪ ،‬وجل َست إلى طاولة السايڤاس‬ ‫ما إن أكلَت آريان لم تجد ما تفعله‪َ .‬‬
‫فيال بفتور‪ ،‬واسترا َحت على المقعد المجاور للنَّافذة وحاولَت أن تقرأ كتابًا إلى أن تش َّوشت‬ ‫وحرَّكت ً‬
‫الكلمات وأدر َكت أنها تبكي مج َّددًا‪ .‬آريس أيها العزيز‪ ،‬فارسي األبيض‪ ،‬لماذا فعلتها؟ كان يجب أن‬
‫احتبس في فمي‪ .‬أيها األحمق ال ُّشجاع‪ ،‬لم تكن نيَّتي أن تموت‪ ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫حاولت أن أقول لك لكن الكالم‬ ‫ُ‬ ‫تستسلم‪.‬‬
‫ق اآللهة‪ ،‬تلك الصَّغيرة‪...‬‬ ‫لمارسال أن‪ ...‬أوه‪ ،‬ب َح ِّ‬
‫في النِّهاية عادَت إلى فِراشها‪ .‬كان العالم قد أظل َم‪ ،‬وال شيء تفعله َّإال النَّوم‪ .‬أحدهم وشى‪ ،‬أحدهم وشى‪.‬‬
‫صدِّق أن أحدهم قد‬ ‫جارين ودراي وسيلڤا الرَّقطاء أصدقاء طفولتها‪ ،‬أع َّزاء عندها كابنة ع ِّمها تايين‪ ،‬وال تُ َ‬
‫انقلب بسيفه على المسكينة‬ ‫َ‬ ‫يشي بها‪ ...‬لكن هكذا ال يتبقَّى َّإال النَّجم المظلم فقط‪ ،‬وإذا كان هو الخائن فلِ َم‬
‫بدال من أن نُتَ ِّوجها‪ .‬هذا ما قاله في (شانديستون)‪ ،‬قال إنني هكذا سأنا ُل الحرب‬ ‫مارسال؟ أرا َد أن نَقتُلها ً‬
‫انقلب بسيفه على‬
‫َ‬ ‫التي أريدها‪ .‬لكن ال يُعقَل أن داين الخائن‪ .‬إذا كان السير چيرولد ال ُّس َّم في العسل حقًّا‪ ،‬فلِ َم‬
‫بالذنب على شهوته؟‬ ‫مارسال؟ أحدهم وشى‪ .‬أيُمكن أنه السير آريس؟ هل تغلَّب إحساس الفارس األبيض َّ‬
‫هل أحبَّ مارسال أكثر منها وخانَ أميرته الجديدة تكفيرًا عن خيانته أميرته القديمة؟ هل أحسَّ بالعار مما‬
‫فعلَه لدرجة أنه فضَّل التَّفريط في حياته على ضفاف (ال َّدم األخضر) على العيش وموا َجهة الخزي؟ أحدهم‬
‫ت في اليوم التَّالي وال التَّالي‪،‬‬ ‫وشى‪ .‬حين يأتي أبوها يراها ستعرف َمن‪ .‬على أن األمير دوران لم يأ ِ‬
‫حاول أن تقرأ‪ ،‬لكن ال ُكتب‬ ‫وتُ ِر َكت األميرة وحدها تذرع ال ُغرفة وتبكي وتلعق جراحها‪ .‬في ساعات النَّهار تُ ِ‬
‫ش‪،‬‬ ‫التي تركوها لها مملَّة َح َّد الموت؛ ُكتب تاريخ قديمة ثقيلة‪ ،‬و ُكتب جغرافيا وخرائط مز َّودة بحوا ٍ‬
‫ودراسة جافَّة كالتُّراب عن قوانين (دورن)‪ ،‬ونُسخة من (النَّجمة السُّباعيَّة) و( ِسيَر السِّپتونات العُال)‪،‬‬
‫ومجلَّد ضخم عن التَّنانين جعلَها بوسيل ٍة ما أق َّل تشويقًا من َسمندل الماء‪.‬‬
‫كانت آريان لتدفع ثَمنًا باهظًا لقاء نُسخ ٍة من (عشرة آالف سفينة) أو (أحباب الملكة نايميريا)‪ ،‬لقاء أيِّ‬
‫شي ٍء يشغل بالها ويجعلها تَهرُب من بُرجها ساعةً أو ساعتين‪ ،‬لكنهم حرموها تلك التَّسلية‪.‬‬
‫والزجاج المل َّون باألسفل حيث يجلس‬ ‫ُّ‬ ‫عليها فقط أن تَنظُر من نافذتها لترى القُبَّة العظيمة المبنيَّة َّ‬
‫بالذهب‬
‫أبوها قلِقًا‪ .‬قريبًا سيستدعيني‪.‬‬
‫الز َّوار الوحيدون المسموح بدخولهم عليها خدمها؛ بورس ب َشعر ف ِّكه القصير الخشن‪ ،‬وتيموث الطَّويل‬ ‫ُّ‬
‫وسدرا الصَّغيرة الحسناء‪ ،‬وبيالندرا العجوز التي كانت رفيقة‬ ‫الذي يش ُّع اعتدادًا‪ ،‬واألختان مورا وميلي‪ِ ،‬‬
‫ُفرغون وعاء الفضالت تحت مرحاضها‪ ،‬لكن‬ ‫فِراش أ ِّمها‪ .‬يأتونها بالوجبات‪ ،‬ويُبَدِّلون أغطية سريرها‪ ،‬وي ِ‬
‫ُخاطبها‪ .‬عندما تَطلُب مزيدًا من النَّبيذ يذهب تيموث ويجلبه‪ ،‬وإذا رغبَت في أكل ٍة مفضَّلة ‪-‬‬ ‫ال أحد منهم ي ِ‬
‫التِّين أو ال َّزيتون أو الفلفل المحشو بالجُبنة‪ -‬فما عليها َّإال أن تُخبِر بيالندرا فتُلَبِّي طلبها‪ .‬تأخذ مورا وميلي‬
‫استحمام وتغسل ِسدرا‬
‫ٍ‬ ‫مالبسها المتَّسخة وتعودان بها نظيفةً طيِّبة الرَّائحة‪ ،‬وك َّل يومين يأتونها بحوض‬
‫الصَّغيرة الخجول ظَهرها بالصَّابون وتُ َم ِّشط َشعرها‪.‬‬
‫َّإال أن أحدًا منهم ال ينبس لها ببنت شفة‪ ،‬وال يتعطَّفون عليها حتى بإخبارها بما يجري في العالم خارج‬
‫يوم سألَت بورس‪« :‬هل قبضوا على النَّجم المظلم؟ أما زالوا‬ ‫قفصها المبني بالحجر الرَّملي‪ .‬في ٍ‬
‫ُطاردونه؟»‪ ،‬لكن الرَّجل أوالها ظَهره وابتعدَ‪ ،‬فصا َحت فيه آريان بح َّدة‪« :‬هل أصابَك الصَّمم؟ ارجع‬ ‫ي ِ‬
‫ب ينغلِق‪.‬‬
‫وأجبني‪ ،‬هذا أمر»‪ ،‬لكن جوابه الوحيد كان صوت با ٍ‬ ‫ِ‬
‫ط أن يُصيبها األذى»‪.‬‬ ‫حدث لألميرة مارسال؟ لم أقصد قَ ُّ‬ ‫َ‬ ‫يوم آخَر حاولَت ثانيةً قائلةً‪« :‬تيموث‪ ،‬ماذا‬ ‫في ٍ‬
‫آخر م َّر ٍة رأت األميرة األخرى كانت في طريق العودة إلى (صنسپير)‪ .‬كانت مارسال أضعف من أن‬ ‫ِ‬
‫ض ِّم َد رأسها بالحرير حيث جر َحها النَّجم المظلم واتَّقدت عيناها‬ ‫تركب حصانًا فوضعوها في هودج‪ ،‬وقد ُ‬
‫الخضراوان بال ُح َّمى‪« .‬قُل لي إنها لم تَ ُمت‪ ،‬أتو َّس ُل إليك‪ .‬ما الضَّرر من معرفتي؟ أخبِرني كيف حالها»‪،‬‬
‫غير أن تيموث امتن َع عن اإلجابة‪.‬‬
‫ت أ ِّمي يو ًما فأشفِقي على ابنتها المسكينة وأخبِريني متى‬ ‫أيام قالت آريان‪« :‬بيالندرا‪ ،‬إذا أحبب ِ‬ ‫وبَعد بضعة ٍ‬
‫أرجوك»‪ ،‬لكن بيالندرا أيضًا فقدَت لسانها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أرجوك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ينوي أبي أن يأتي ويراني‪،‬‬
‫أهذه فكرة أبي عن التَّعذيب؟ ليس الحديد السَّاخن أو ال ِمخلعة وإنما ‪-‬ببساطة‪ -‬الصَّمت؟ لم يُد ِهشها أن ينحو‬
‫دوران مارتل هذا النَّحو حتى إنها ضح َكت رغ ًما عنها‪.‬‬
‫عف ال أكثر‪ .‬قرَّرت أن تستمتع بالهدوء‪ ،‬أن تستغ َّل الوقت في التَّعافي‬ ‫ض ٍ‬ ‫فطنًا بينما يتصرَّف ب َ‬ ‫يظن نفسه ِ‬ ‫ُّ‬
‫و َش ِّد أزر نفسها استعدادًا لما سيأتي‪.‬‬
‫وبدال من ذلك جعلَت نفسها تُفَ ِّكر في أفاعي‬ ‫ً‬ ‫تعلم أن ال جدوى من اإلسهاب في التَّفكير في السير آريس‪،‬‬
‫بالذات تايين‪ .‬تحبُّ آريان بنات ع ِّمها النَّغالت جميعهن‪ ،‬من أوبارا العنيفة صعبة المراس إلى‬ ‫الرِّمال‪َّ ،‬‬
‫لوريزا أصغرهن التي تَبلُغ السَّادسة فحسب‪ ،‬ولكنها أحبَّت تايين أكثر من األخريات دو ًما‪ ،‬األخت الجميلة‬
‫ط‪ .‬لم تكن األميرة قريبةً من أخويها‪ ،‬بما إن كوينتن غائب في (يرونوود) منذ سنين‬ ‫ظ بها قَ ُّ‬‫التي لم تح َ‬
‫وتريستان صغير للغاية‪ .‬ال‪ ،‬لطالما كانت هي وتايين‪ ،‬ومعهما جارين ودراي وسيلڤا الرَّقطاء‪ .‬أحيانًا كانت‬
‫قحم نفسها حيث ال تنتمي‪ ،‬لكن أغلب الوقت كانت‬ ‫حاول ساريال دو ًما أن تُ ِ‬ ‫نيم تنض ُّم إليهم في لعبهم‪ ،‬وتُ ِ‬
‫صُحبتهم من خمسة‪ .‬في مسابح ونوافير (الحدائق المائيَّة) لعبوا‪ ،‬وتعلَّمت هي وتايين القراءة معًا‪ ،‬وركوب‬
‫وسكرت االثنتان معًا‪ .‬كانتا‬ ‫َ‬ ‫الخيل معًا‪ ،‬والرَّقص معًا‪ ،‬ول َّما كانتا في العاشرة سرقَت آريان إبريق نبيذ‬
‫ضا لوال أن هياج دراي جعلَه‬ ‫ي‪ ،‬وكان يُمكن أن تتقا َسما رجلهما األول أي ً‬ ‫تتقا َسمان الطَّعام والسَّرير وال ُحلِ َّ‬
‫يقذف على أصابع تايين لحظة أن سحبَت َذكره من سراويله‪ .‬يداها خطرتان‪ .‬جعلَتها ال ِّذكرى تبتسم‪.‬‬
‫كلَّما ف َّكرت األميرة في بنات ع ِّمها افتقدَتهن أكثر‪ .‬على َح ِّد علمي ربما يكن تحتي مباشرةً‪ .‬ليلتها جرَّبت‬
‫ق على األرضيَّة بكعب صندلها‪ ،‬وحين لم ي ُِجبها أحد مالَت من النَّافذة ونظ َرت إلى أسفل‪ ،‬فرأت‬ ‫آريان ال َّد َّ‬
‫ت هنا؟‬ ‫نوافذ أخرى أصغر من نافذتها‪ ،‬بعضها ليس أوسع من فتحة رماية‪ .‬نادَت‪« :‬تايين! تايين‪ ،‬هل أن ِ‬
‫ضت األميرة نِصف اللَّيل مطلَّةً من النَّافذة‬ ‫أوبارا؟ نيم؟ هل تسمعنني؟ إالريا؟ هل من أحد؟ تايين؟»‪ .‬ق َ‬
‫ت في‬ ‫تُنادي حتى بُ َّح صوتها‪ ،‬لكن ال أحد أجابَها‪ ،‬وأخافَها هذا ألقصى َحد‪ .‬لو كانت أفاعي ال ِّرمال مسجونا ٍ‬
‫(بُرج الحربة) لسمعنَها بالتَّأكيد‪ ،‬فلِ َم لم ي ُِجبن؟ إذا آذاهن أبي فلن أسامحه أبدًا أبدًا‪.‬‬
‫مضي أسبوعين على هذا المنوال شارفَ صبرها على النَّفاد‪ ،‬وقالت لبورس بأقوى نبر ٍة آمرة لديها‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫بَعد‬
‫«سأتكل ُم مع أبي اآلن‪ .‬ستأخذني إليه»‪ ،‬فلم يأخذها إليه‪ ،‬وقالت لتيموث‪« :‬أنا مستع َّدة لرؤية األمير»‪ ،‬لكنه‬ ‫َّ‬
‫التفتَ عنها كأنه لم يسمع‪ .‬في الصَّباح التَّالي كانت آريان منتظرةً إلى جوار الباب عندما انفت َح‪ ،‬واندف َعت‬
‫الجدار‪ ،‬لكن ال َحرس أم َسكوها قبل أن تبتعد‬ ‫متجاوزةً بيالندرا ليتحطَّم طبق البيض المتبَّل الذي تحمله على ِ‬
‫ثالث ياردات‪ .‬هُم أيضًا تعرفهم‪ ،‬لكنهم ص ُّموا آذانهم عن توسُّالتها وجرُّ وها إلى زنزانتها راكلةً محاولةً‬
‫التَّملُّص‪.‬‬
‫قرَّرت آريان أن عليها أن تكون أكثر مكرًا‪ .‬أفضل آمالها ِسدرا‪ ،‬فالفتاة صغيرة غريرة ساذجة‪ ،‬وتَذ ُكر‬
‫األميرة أن جارين تباهى بمضا َجعتها م َّرةً‪ .‬هكذا‪ ،‬وقت ح َّمامها التَّالي‪ ،‬وبينما تغسل ِسدرا ظَهرها‬
‫أنك مأمورة بعدم الكالم معي‪ ،‬لكن ال أحد‬ ‫بالصَّابون‪ ،‬بدأت تتكلَّم عن ك ِّل شي ٍء وال شيء‪ ،‬وقالت‪« :‬أعل ُم ِ‬
‫معك»‪ .‬تكلَّ َمت عن َح ِّر النَّهار وما تناولَته اللَّيلة السَّابقة على ال َعشاء وكيف أصب َحت‬ ‫ِ‬ ‫أم َرني بعدم الكالم‬
‫كال من بناته كي ال يكن عزالوات أبدًا‪،‬‬ ‫بيالندرا المسكينة بطيئةً متخ ِّشبة الحركة‪ .‬لقد سلَّح األمير أوبرين ًّ‬
‫لكن سالح آريان مارتل الوحيد مكرها‪ ،‬ولذا ابتس َمت وتو َّددت ولم تَطلُب من ِسدرا شيئًا في المقابل‪ ،‬ال‬
‫كلمة وال إيماءة‪.‬‬
‫في اليوم التَّالي على ال َعشاء عادَت تُثَرثِر فيما ق َّدمت الفتاة الطَّعام‪ ،‬وهذه المرَّة دبَّرت ذريعةً للكالم عن‬
‫بخجل وكادَت تَس ُكب النَّبيذ الذي تصبُّه‪ .‬هكذا إذن؟ خالل‬
‫ٍ‬ ‫جارين‪ ،‬ولدى سماع اسمه رف َعت ِسدرا عينيها‬
‫ح َّمامها التَّالي تكلَّمت عن أصدقائها المسجونين‪ ،‬خصوصًا جارين‪ ،‬وقالت للخادمة‪« :‬هو أكثر َمن أخشى‬
‫عليه‪ .‬األيتام أحرار بالسَّليقة‪ ،‬يعيشون للتَّجوال‪.‬‬
‫جارين يحتاج إلى ضوء ال َّشمس والهواء الطَّلق‪ .‬إذا حبسوه في زنزان ٍة حجريَّة رطبة فكيف يعيش؟ لن‬
‫ضت من‬‫يحتمل عا ًما في (جاستون جراي)»‪ .‬لم تر َّد ِسدرا‪ ،‬لكن آريان رأت شحوب وجهها عندما نه َ‬
‫الحوض‪ ،‬وكانت الفتاة تعتصر اإلسفنجة بق َّو ٍة جعلَت الصَّابون يسيل على البساط المايري‪.‬‬
‫أيام أخرى وح َّمامان إضافيَّان قبل أن تصير الفتاة لها‪ .‬بَعد أن رس َمت‬ ‫وعلى الرغم من هذا مرَّت أربعة ٍ‬
‫آريان صورةً حيَّةً لجارين يُلقي نفسه من نافذة زنزانته ليذوق الح ِّريَّة م َّرةً أخيرةً قبل أن يموت—بَعدها‬
‫أرجوك ال تَت ُركيه يموت»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أرجوك‪ ،‬يجب أن تُسا ِعديه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هم َست ِسدرا أخيرًا‪« :‬‬
‫دمت حبيسةً هنا‪ .‬أبي يَرفُض أن يراني‪ .‬أن ِ‬
‫ت الوحيدة التي‬ ‫ُ‬ ‫ر َّدت هامسةً‪« :‬ال يُمكنني أن أفعل شيئًا ما‬
‫تستطيع إنقاذ جارين‪ .‬هل تحبِّينه؟»‪.‬‬
‫أساعدك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هم َست ِسدرا بخجل‪« :‬نعم‪ .‬لكن كيف‬
‫ت‪ ...‬من أجل جارين؟»‪.‬‬ ‫ت هذا؟ َّ‬
‫هال خاطر ِ‬ ‫ُمكنك أن تُهَرِّبي رسالةً مني‪َّ .‬‬
‫هال فعل ِ‬ ‫ِ‬ ‫قالت األميرة‪« :‬ي‬
‫اتَّسعت عينا ِسدرا وأومأَت برأسها إيجابًا‪.‬‬
‫رسله؟ الوحيد من رفاقها في المؤامرة الذي فَ َّر من‬‫ف َّكرت آريان بظفر‪ :‬اآلن عندي ُغداف‪ ،‬لكن إلى َمن أُ ِ‬
‫شباك أبيها هو النَّجم المظلم‪ ،‬لكن من الوارد بش َّدة أن السير چيرولد قد سقطَ بالفعل‪ ،‬وإن لم يكن فمؤ َّكد أنه‬
‫هرب من (دورن)‪ .‬بَعده خط َرت لها أُم جارين وأيتام (ال َّدم األخضر)‪ .‬ليس هُم‪ ،‬ال‪ .‬يجب أن يكون أحدًا ذا‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫سُلط ٍة حقيقيَّة‪ ،‬أحدًا لم يلعب دورًا في مؤامرتنا ولكن ربما يكون لديه سبب للتَّعاطف معنا‪ .‬ف َّكرت في‬
‫منا َشدة أ ِّمها‪ ،‬لكن الليدي ميالريو بعيدة في (نورڤوس)‪ ،‬ثم إن األمير دوران لم ي ِ‬
‫ُصغ إلى السيِّدة زوجته‬
‫منذ سنوات‪ .‬وال هي أصغَت إليه‪ .‬إنني محتاجة إلى لورد‪ ،‬إلى واح ٍد عظيم بما يكفي إلرغام أبي على‬
‫إطالق سراحي‪.‬‬
‫صاحب ال َّدم الملكي وسيِّد (يرونوود) وحاكم (الطَّريق الحجري)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أقوى لوردات (دورن) آندرز يرونوود‪،‬‬
‫لكن آريان أعقل من أن تَطلُب العون من الرَّجل الذي ربَّى أخاها كوينتن‪ .‬ال‪ .‬السير ديزيل دالت أخو دراي‬
‫ُعارض أميره‪ ،‬كما أن قُدرة فارس (غابة اللَّيمون)‬ ‫تطلَّع في الماضي إلى ال َّزواج بها‪ ،‬لكنه أوفى من أن ي ِ‬
‫على تخويف لورد صغير ال تعني أنه يملك ق َّوة التَّأثير على أمير (دورن)‪ .‬ال‪ .‬وال َّشيء نفسه ينطبق على‬
‫أبي سيلڤا الرَّقطاء‪ .‬ال‪ .‬قرَّرت آريان أخيرًا أن لها أملين حقيقيَّين اثنين؛ هارمن أولر سيِّد (هضبة الجحيم)‬
‫وفرانكلين فاولر سيِّد (قلعة السَّماء) وحاكم (ممر األمير)‪.‬‬
‫يقول ال َمثل الدورني‪ :‬نِصف آل أولر أنصاف مجانين‪ ،‬والنِّصف اآلخَر أسوأ‪ .‬إالريا ساند ابنة اللورد‬
‫هارمن الطَّبيعيَّة‪ ،‬وهي وصغيراتها حبيسات مع بقيَّة أفاعي الرِّمال‪.‬‬
‫أغضب اللورد هارمن‪ ،‬وآل أولر خطرون عند الغضب‪ .‬ربما أخطر من َّ‬
‫الالزم‪ .‬واألميرة ال‬ ‫َ‬ ‫ال بُ َّد أن هذا‬
‫ترغب في تعريض المزيد من األنفُس إلى الخطر‪.‬‬
‫ط مع آندرز يرونوود‪ ،‬فبين‬ ‫قد يكون اللورد فاولر خيا ًرا أسلم‪ .‬الرَّجل ملقَّب بالصَّقر العجوز‪ ،‬ولم يتَّفق قَ ُّ‬
‫بدال من آل يرونوود في حرب نايميريا‪،‬‬ ‫العائلتين ضغائن منذ ألف عام‪ ،‬منذ انحا َز آل فاولر إلى آل مارتل ً‬
‫والتَّوأمان فاولر صديقان شهيران لليدي نيم أيضًا‪ ،‬ولكن ما وزن هذا عند الصَّقر العجوز؟ تحيَّرت آريان‬
‫أيل فضِّي»‪،‬‬ ‫أعط الرَّجل الذي يُ َسلِّمك هذه الرِّسالة مئة ٍ‬‫أيا ًما بينما تُ َجهِّز رسالتها الس ِّريَّة‪ .‬بدأتها بقولها‪ِ « :‬‬
‫فبهذا تضمن توصيل ال ِّرسالة‪ .‬كتبَت مكانها وتوسَّلت النَّجدة‪ ،‬وأضافَت‪« :‬لن أنسى من يُنقِذني من هذه‬
‫ي‪ .‬ما لم يكن األمير دوران قد‬ ‫ال ِّزنزانة أيًّا كان عندما أتز َّو ُج»‪ .‬وهذا كفيل بجعل األبطال يهرعون إل َّ‬
‫حر َمها الميراث فإنها تظلُّ وريثة (صنسپير) ال َّشرعيَّة‪ ،‬أي أن َمن يتز َّوجها سيَح ُكم (دورن) إلى جوارها‬
‫ضهم أبوها عليها‬ ‫صلِّي أن يكون منقذها أصغر من المسنِّين الذين عر َ‬ ‫ذات يوم‪ .‬ليس بإمكان آريان َّإال أن تُ َ‬
‫آخرهم قالت له‪« :‬أري ُد زوجًا لم تَسقُط أسنانه»‪.‬‬ ‫رفضت ِ‬ ‫َ‬ ‫على َم ِّر السِّنين‪ .‬حين‬
‫ق خشية إثارة شكوك سجَّانيها‪ ،‬فخطَّت آريان رسالتها على هامش صفح ٍة قط َعتها‬ ‫لم تجرؤ على طلب ور ٍ‬
‫من (النَّجمة السُّباعيَّة)‪ ،‬ووض َعتها في يد ِسدرا يوم الح َّمام التَّالي قائلةً لها‪« :‬ث َّمة مكان مجاور ل(الب َّوابة‬
‫سافر متَّجه إلى (ممر األمير)‬ ‫الثُّالثيَّة) تأخذ منه القوافل المؤن قبل عبور ال ِّرمال العميقة‪ .‬اعثُري على ُم ٍ‬
‫أيل فضِّ ي إذا وض َع هذه ال ِّرسالة في يد اللورد فاولر»‪.‬‬‫وعديه بمئة ٍ‬
‫خبَّأت ِسدرا الرِّسالة في صدر فُستانها‪ ،‬وقالت‪« :‬سأفعلُ‪ ،‬سأج ُد أحدًا قبل مغيب ال َّشمس أيتها األميرة»‪.‬‬
‫ت» ‪.‬‬
‫‪« -‬عظيم‪ .‬غدًا أخبِريني ماذا فعل ِ‬
‫بدال منها مورا‬ ‫لكن الفتاة لم ترجع في اليوم التَّالي وال الذي تاله‪ ،‬ول َّما حانَ موعد استحمام آريان أتَت ً‬
‫وميلي ومألَتا حوضها وغسلَتا ظَهرها وم َّشطتا َشعرها‪.‬‬
‫تفسير‬
‫ٍ‬ ‫طت‪ .‬هل من‬ ‫سألَتهما األميرة‪« :‬هل ِسدرا مريضة؟»‪ ،‬فلم تُجيبا‪ ،‬ولم يَجُل بخاطرها َّإال أنها ُ‬
‫ضب ِ َ‬
‫آخَر؟ ليلتها نا َمت بالكاد خشية ما قد يَح ُدث‪.‬‬
‫بدال من أبيها‪ .‬واضح أنها ال‬ ‫في الصَّباح التَّالي عندما جا َءها تيموث بإفطارها طلبَت أن ترى ريكاسو ً‬
‫تستطيع إجبار األمير دوران على رؤيتها‪ ،‬لكن مؤ َّكد أن مجرَّد قهرمان لن يتجاهَل استدعاء وريثة‬
‫(صنسپير) ال َّشرعيَّة‪.‬‬
‫لكنه فع َل‪ ،‬وحين رأت تيموث المرَّة التَّالية سألَته‪« :‬هل أخبرت ريكاسو بما قُلته؟ هل أخبرته بأنني أحتا ُج‬
‫إليه؟»‪ ،‬فل َّما لم ي ُِجبها الرَّجل اختطفَت آريان إبريق النَّبيذ وسكبَته على رأسه‪ ،‬وتراج َع الخادم مغمورًا‬
‫طط لتزويجي‬ ‫باألحمر ووجهه قناع من الكرامة الجريحة‪ .‬أبي ينوي أن يَترُكني هنا أتعفَّ ُن‪ ،‬أو أنه يُخَ ِّ‬
‫بعجوز أحمق مق ِّزز وسيَترُكني حبيسةً حتى اإلضْ جاع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يوم ستتز َّوج واحدًا من كبار اللوردات من اختيار أبيها‪ ،‬وتعلَّمت‬ ‫ترعرعَت آريان مارتل متوقِّعة أنها ذات ٍ‬
‫أن لهذا تحيا األميرات‪ ...‬ولو أن أحدًا ال يُن ِكر أن ع َّمها أوبرين كانت له وجهة نظ ًر مختلفة‪ ،‬إذ قال‬
‫األُفعوان األحمر لبناته‪« :‬إذا أردتن ال َّزواج فتز َّوجن‪ ،‬وإن لم يكن فنِلن ال ُمتعة حيث تجدنها‪ ،‬فليس منها في‬
‫غاصب فال‬ ‫ِ‬ ‫هذا العالم َّإال القليل‪ .‬لكن أوصيكن بحُسن االختيار‪ .‬إذا وجدَت إحداكن نفسها مع أحمق أو‬
‫ي ألخلِّصها منه‪ .‬لقد أعطيتكن األدوات التي تُتيح لكن أن تفعلن هذا بأنفُسكن»‪.‬‬ ‫أريدها أن تتطلَّع إل َّ‬
‫على أن الح ِّريَّة التي سم َح بها األمير أوبرين لنغالته لم يكن فيها نصيب لوريثة األمير دوران ال َّشرعيَّة‪.‬‬
‫يجب أن تتز َّوج آريان‪ ،‬وقد قبلَت هذا‪ .‬كانت تعلم أن دراي يُريدها‪ ،‬وكذا أخوه ديزيل فارس (غابة‬
‫اللَّيمون)‪ ،‬وديمون ساند أقد َم على طلب يدها بالفعل‪َّ ،‬إال أن ديمون نغل‪ ،‬واألمير دوران لم ي ُِردها أن‬
‫تتز َّوج دورنيًّا‪.‬‬
‫وقبلَت آريان هذا أيضًا‪ .‬في أحد األعوام جا َء أخو الملك روبرت لزيارتهم وبذلَت ك َّل ما في وسعها‬
‫إلغرائه‪ ،‬لكنها كانت فتاةً صغيرةً وبدا أن محا َوالتها مع اللورد رنلي أثا َرت حيرته أكثر من إلهاب رغبته‪.‬‬
‫ريڤررن) وتلتقي وريثه‪ ،‬أشعلَت شمعةً ل(العذراء) ُشكرًا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫طلب هوستر تَلي أن تذهب إلى (‬ ‫َ‬ ‫الحقًا‪ ،‬حين‬
‫رفض ال َّدعوة‪ .‬كانت األميرة لتضع ويالس تايرل نفسه في االعتبار على الرغم من‬ ‫َ‬ ‫لكن األمير دوران‬
‫الذهاب رغ ًما عنه بمساعَدة‬ ‫ُرسلها إلى (هايجاردن) لتلتقيه‪ ،‬فحاولَت َّ‬
‫ساقه الكسيحة‪ ،‬لكن أباها أبى أن ي ِ‬
‫قبض عليهما في (ڤايث) وأعادَهما‪ ،‬وفي العام نفسه حاو َل األمير دوران أن‬ ‫َ‬ ‫تايين‪َّ ...‬إال أن األمير أوبرين‬
‫يخطبها لبن بيزبوري‪ ،‬وهو لورد بسيط في الثَّمانين من العُمر على األقل‪ ،‬أعمى وسقطَت أسنانه‪.‬‬
‫تُوفِّ َي بيزبوري بَعد بضعة أعوام‪ ،‬وواساها هذا بعض ال َّشيء في محنتها الحاليَّة‪ ،‬فال يُمكن إجبارها على‬
‫ال َّزواج به ما دا َم قد ماتَ ‪ ...‬كما أن سيِّد (المعبر) تز َّوج مج َّددًا‪ ،‬ولذا فهي آمنة منه أيضًا‪ .‬لكن إلدن‬
‫إسترمونت ما زا َل حيًّا أعزب‪ ،‬وكذلك اللورد روزبي واللورد جرانديسون‪ .‬يُدعى جرانديسون بذي اللِّحية‬
‫غاب في النَّوم بين‬
‫َ‬ ‫ال َّشائبة‪ ،‬لكن حين التقَته كانت لحيته قد صا َرت ناصعة البياض‪ ،‬وفي مأدبة االستقبال‬
‫طبقَي السَّمك واللَّحم‪ .‬تح َّداها جارين أن تربط ُعقدةً في لحيته دون أن تُوقِظه لكن آريان امتن َعت‪ ،‬إذ بدا‬
‫رجال طيِّبًا‪ ،‬أق َّل شكوى من إسترمونت وأفضل ص َّحةً من روزبي‪ ،‬غير أنها ما كانت لتتز َّوجه‬ ‫ً‬ ‫جرانديسون‬
‫أبدًا‪ .‬حتى لو وقفَ هوتا ورائي بفأسه‪.‬‬
‫ت أحد يتز َّوجها في اليوم التَّالي أو التَّالي‪ ،‬وال عادَت ِسدرا‪ .‬حاولَت آريان الظَّفر بمورا وميلي‬ ‫لم يأ ِ‬
‫بالطَّريقة نفسها ولكن بال طائل‪ .‬ربما هناك أمل إذا استطاعَت أن تتكلَّم مع إحداهما بمفردها‪ ،‬لكن األختين‬
‫معًا ِجدار مصمت‪.‬‬
‫واآلن تكاد األميرة تُ َر ِّحب بلمس ٍة من الحديد السَّاخن أو ليل ٍة على ال ِمخلعة‪ ،‬فالوحدة على وشك إصابتها‬
‫ي‪ ،‬ويُؤثِر أن يسجنني وينسى أنني كان لي‬ ‫اقتر ُ‬
‫فت‪ ،‬لكن حتى هذا يأباه عل َّ‬ ‫َّ‬
‫الجالد لما َ‬ ‫ق فأس‬ ‫بالجنون‪ .‬أستح ُّ‬
‫ُّ‬
‫يخط بيانًا بتسمية أخيها كوينتن وريث (دورن)‪.‬‬ ‫وجود يو ًما‪ .‬تساءلَت إن كان ال ِمايستر كاليوت‬
‫واحدًا تلو اآلخَر مرَّت األيام‪ ،‬أيام طويلة كثيرة لدرجة أن آريان لم تَعُد تدري منذ متى وهي حبيسة‪،‬‬
‫ووجدَت نفسها تقضي أوقاتًا أطول وأطول في الفِراش‪ ،‬إلى أن بلغَت َح َّد عدم القيام منه على اإلطالق َّإال‬
‫لقضاء حاجتها‪ .‬كلُّ وجب ٍة يجلبها الخدم ال تُ َمسُّ حتى تَبرُد‪ ،‬وتنام آريان وتصحو وتنام ثانيةً وتصحو‬
‫صلِّي ل(األُم) طالبةً الرَّحمة ول(ال ُمحارب) طالبةً ال َّشجاعة‪ ،‬ثم‬ ‫ق يحول دونها والنُّهوض‪ .‬تُ َ‬ ‫شاعرةً بإرها ٍ‬
‫تعود إلى النَّوم‪ .‬تحلُّ وجبات طازجة مح َّل القديمة وال تزال ال تأكلها‪ ،‬وفي م َّر ٍة أحسَّت فيها بالق َّوة على‬
‫غير العادة حملَت الطَّعام إلى النَّافذة ور َمته في السَّاحة كي ال يُغريها بأكله‪ ،‬فأرهقَها المجهود وعادَت إلى‬
‫ً‬
‫كامال‪.‬‬ ‫يوم‬
‫الفِراش ونا َمت نِصف ٍ‬
‫الطفولة‪« :‬أميرتي الصَّغيرة‪،‬‬ ‫ثم أتى يوم وه َّزتها يد خشنة من كتفها تُوقِظها‪ ،‬وقال صوت تعرفه منذ ُّ‬
‫ثيابك‪ .‬األمير يَطلُ ِ‬
‫بك»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫انهضي وارتدي‬
‫ُخاطبها! ابتس َمت آريان ناعسةً‪ .‬جميل أن ترى هذا‬ ‫كان آريو هوتا صديقها القديم وحاميها واقفًا فوقها‪ ،‬وي ِ‬
‫الوجه بتجاعيده وندوبه وتسمع الصَّوت العميق الغليظ واللَّكنة النورڤوشيَّة الثَّقيلة‪ .‬سألَته‪« :‬ماذا فعلتم‬
‫بسدرا؟»‪.‬‬‫ِ‬
‫عليك أن تغتسلي وتأكلي»‪.‬‬‫ِ‬ ‫أجاب هوتا‪« :‬األمير أرسلَها إلى (الحدائق المائيَّة)‪ ،‬سيُخبِرك بهذا‪ ،‬لكن ً‬
‫أوال‬ ‫َ‬
‫ضعف هُرير ٍة وليدة‪ ،‬وقالت له‪« :‬قُل لمورا‬ ‫ال بُ َّد أنها تبدو في حال ٍة مزرية‪ .‬نه َ‬
‫ضت آريان من الفِراش ب َ‬
‫وميلي أن تُ َجهِّزا ح َّما ًما‪ ،‬واجعل تيموث يجلب لي طعا ًما‪ .‬ال شيء ً‬
‫ثقيال‪ ،‬القليل من ال َحساء البارد وال ُخبز‬
‫والفاكهة»‪.‬‬
‫قال هوتا‪« :‬حاضر»‪ ،‬وفي حياتها لم تسمع آريان صوتًا أعذب‪.‬‬
‫قليال من الجُبنة والفواكه وشربَت‬‫انتظ َر القائد في الخارج بينما اغتسلَت آريان وصفَّفت َشعرها وأكلَت ً‬
‫القليل من النَّبيذ لتُهَدِّئ معدتها‪ .‬إنني خائفة‪ ،‬للمرَّة األولى في حياتي أشع ُر بالخوف من أبي‪ .‬أضح َكها‬
‫اختارت فُستانًا من الكتَّان العاجي على‬
‫َ‬ ‫الخاطر حتى خر َج النَّبيذ من أنفها‪ .‬ل َّما حانَ وقت ارتداء مالبسها‬
‫كرم وعناقيد عنب أرجوانيَّة‪ ،‬ولم تضع ُحلِيًّا‪ .‬يجب أن أكون‬ ‫ٍ‬ ‫ُك َّميه وصدره زخرفة على شكل فروع‬
‫إنسان ثانيةً أبدًا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وإال فربما ال أسم ُع صوت‬ ‫محتشمةً متواضعةً مبديةً النَّدم‪ ،‬يجب أن ألقي نفسي على قدميه َّ‬
‫كان الغسق قد َح َّل عندما استع َّدت للخروج‪ .‬حسبَت آريان أن هوتا سيقودها إلى (بُرج ال َّشمس) لتسمع حُكم‬
‫بدال من ذلك إلى ُغرفة األمير ال َّشمسيَّة‪ ،‬حيث وجدا دوران مارتل جالسًا إلى طاولة‬ ‫أبيها‪ ،‬لكنه أخ َذها ً‬
‫الجزع بيديه‬‫ْ‬ ‫بفيل من‬
‫ٍ‬ ‫سايڤاس‪ ،‬وقد أرا َح ساقيه النِّقرسيَّتيْن على مسن ٍد مز َّود بوسائد ورا َح يتالعَب‬
‫حال رأته عليها‪ ،‬وجهه شاحب منتفخ ومفاصله ملتهبة لدرجة‬ ‫المحمرَّتين المتورِّمتين‪ .‬بدا األمير في أسوأ ٍ‬
‫ينفطر من أجله‪ ...‬وعلى الرغم من هذا لم‬ ‫ِ‬ ‫أن مجرَّد النَّظر إليها آل َمها‪ .‬رؤيته هكذا جعلَت قلب آريان‬
‫وبدال من ذلك قالت‪« :‬أبي»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تستطع أن تبعث نفسها على الرُّ كوع والتَّوسُّل كما َ‬
‫انتوت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حين رف َع رأسه يَنظُر إليها رأت عينيه ملبَّدتين باأللم‪ ،‬فتساءلَت آريان في نفسها‪ :‬هل النِّقرس السَّبب أم أنا؟‬
‫زرت (ڤوالنتيس) م َّرةً في طريقي إلى‬ ‫ُ‬ ‫تمتم واضعًا فيله‪« :‬قوم ُغرباء ماكرون هؤالء الڤوالنتينيُّون‪ .‬لقد‬
‫ق والدِّببة تَرقُص على ال َّدرجات‪ .‬آريو‬ ‫التقيت ميالريو أول مرَّة‪ .‬كانت األجراس تد ُّ‬ ‫ُ‬ ‫(نورڤوس)‪ ،‬حيث‬
‫يَذ ُكر هذا اليوم»‪.‬‬
‫صت الدِّببة ودقَّت األجراس‪ ،‬وارتدى األمير األحمر َّ‬
‫والذهبي‬ ‫َر َّد آريو هوتا بصوته العميق‪« :‬أذكره‪ .‬رق َ‬
‫والبُرتقالي‪ ،‬وسألَتني سيِّدتي عن هُويَّة هذا الرَّجل المتألِّق»‪.‬‬
‫ابتس َم األمير دوران بشحوب‪ ،‬وقال‪« :‬اترُكنا أيها القائد»‪.‬‬
‫ق هوتا األرض بكعب فأسه ودا َر على عقبيه وانصرفَ ‪ ،‬ول َّما صا َر االثنان وحدهما قال أبوها‪« :‬أمرتهم‬ ‫َد َّ‬
‫بوضع طاولة سايڤاس في ُغ ِ‬
‫رفتك»‪.‬‬
‫نفسك‪ .‬أحيانًا‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ومع َمن كان يُفت َرض أن ألعب؟»‪ .‬لماذا يتكلَّم عن لُعبة؟ هل أفقدَه النِّقرس صوابه؟ ‪« -‬مع‬
‫معرفتك باللُّعبة يا آريان؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األفضل أن تدرسي اللُّعبة قبل أن تلعبيها‪ .‬ما مدى‬
‫‪« -‬أعرفها بما يكفي ألن ألعبها»‪.‬‬
‫قال‪« :‬ولكن ليس بما يكفي ألن تربحي‪ .‬لقد أحبَّ أخي القتال في َح ِّد ذاته‪ ،‬لكني ال أخوضُ َّإال األلعاب التي‬
‫أستطي ُع أن أربحها»‪ ،‬وتفرَّس في وجهها م َّدةً طالَت قبل أن يُر ِدف‪« :‬لماذا؟ أخبِريني يا آريان‪ ،‬أخبِريني‬
‫لماذا»‪.‬‬
‫‪« -‬من أجل َشرف العائلة»‪ .‬أغضبَتها نبرة أبيها الحزينة المتخاذلة الضَّعيفة‪ ،‬وأرادَت أن تزعق فيه‪ :‬أنت‬
‫المفترض أن تثور ثورتك!‬
‫َ‬ ‫أمير!‬
‫ذهب إلى (كينجز الندنج) ً‬
‫بدال منك وقتلوه!»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ت‪ .‬أخوك‬ ‫«خنوعك يُخزي (دورن) بأَسرها يا أب ِ‬
‫ُ‬
‫أغمضت عينَي»‪.‬‬ ‫أعرف هذا؟ أوبرين معي كلَّما‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬أتظنِّين أنني ال‬
‫قالت جالسةً قُبالة أبيها إلى طاولة السايڤاس‪« :‬يقول لك أن تفتحهما ال َشك»‪.‬‬
‫لك بالجلوس»‪.‬‬
‫‪« -‬لم أسمح ِ‬
‫استدع هوتا إذن واجعله يجلدني لوقاحتي‪ .‬أنت أمير (دورن)‪ ،‬تستطيع أن تفعل ذلك»‪ ،‬ومسَّت إحدى‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫قِطع السايڤاس‪ ،‬الحصان الثَّقيل‪ ،‬وسألَته‪« :‬هل قبضتم على السير چيرولد؟»‪.‬‬
‫رجل في‬
‫ٍ‬ ‫ت حمقاء عندما جعلتِه جز ًءا من خطَّ ِ‬
‫تك‪ .‬النَّجم المظلم أخطر‬ ‫هَ َّز رأسه نفيًا‪ ،‬وقال‪« :‬ليتنا فعلنا‪ .‬كن ِ‬
‫(دورن)‪ ،‬وكالكما آذانا بش َّدة»‪.‬‬
‫سألَته آريان متخ ِّوفةً من اإلجابة‪« :‬مارسال‪ ،‬هل‪.»...‬‬
‫فارسك األبيض‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ ...« -‬ماتَت؟ ال‪ ،‬ولو أن النَّجم المظلم بذ َل أفضل ما لديه ليَقتُلها‪ .‬األعيُن كلُّها كانت على‬
‫جفل من حصانه في اللَّحظة األخيرة‪َّ ،‬‬
‫وإال‬ ‫َ‬ ‫حدث بالضَّبط‪ ،‬لكن يبدو أن حصانها‬ ‫َ‬ ‫ولذا فال أحد متأ ِّكد مما‬
‫لكان قد قط َع ق َّمة رأس الفتاة‪ .‬الضَّربة التي أصابَتها شقَّت خ َّدها حتى العظم وبت َرت أُذنها اليُمنى‪ .‬استطا َع‬
‫ال ِمايستر كاليوت إنقاذ حياتها‪ ،‬لكن ال ك َّمادة أو َشربة من شأنها عالج وجهها‪ .‬كانت ربيبتي يا آريان‪،‬‬
‫ت َشرفنا جميعًا»‪.‬‬‫ألخيك وتحت حمايتي‪ .‬لقد لطَّخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مخطوبة‬
‫قالت آريان بإصرار‪« :‬لم تكن نيَّتي أن يمسَّها أذى‪ .‬لو لم يتد َّخل هوتا‪.»...‬‬
‫بدال من أُذنها»‪.‬‬‫ت مارسال ملكةً لبدء تمرُّ ٍد ضد أخيها‪ ،‬وكانت لتفقد حياتها ً‬ ‫ت قد ت َّوج ِ‬
‫‪ ...« -‬لكن ِ‬
‫‪« -‬فقط إذا خسرنا»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا؟ تعنين عندما‪( .‬دورن) أقلُّ بل ٍد مأهول بال ُّس َّكان في (الممالك السَّبع)‪ .‬لقد َس َّر التنِّين الصَّغير أن‬
‫يُهَ ِّول أعدادنا حين ألَّف كتابه ليُضفي على غزوته مزيدًا من المجد‪ ،‬وسرَّنا أن نروي البذرة التي زرعَها‬
‫ي باألميرة أن تعرف الحقيقة‪ .‬ال َّشجاعة‬ ‫وندع أعداءنا يتص َّورون أننا أقوى مما نحن في الواقع‪ ،‬لكن الحر َّ‬
‫ب ضد العرش الحديدي وحدها‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫بديل رديء لألعداد‪ ،‬وال أمل ل(دورن) في االنتصار في حر ٍ‬
‫سأل‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُعطها األمير فُرصةً لإلجابة إذ‬ ‫أوصلتِنا إليه بالفعل‪ .‬أتَشعُرين بالفخر؟»‪ ،‬ولم ي ِ‬ ‫َ‬ ‫ربما يكون هذا ما‬
‫بك يا آريان؟»‪.‬‬
‫«ماذا أفع ُل ِ‬
‫بجرح غائر‪ ،‬فقالت‪« :‬ما تفعله دائ ًما‪ ،‬ال شيء»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أرا َد جزء منها أن يقول‪ :‬سا ِمحني‪ ،‬لكن كالمه أصابَها‬
‫ي ابتالع غضبي»‪.‬‬ ‫إنك تُ َ‬
‫صعِّبين عل َّ‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫تكف عن االبتالع إذن َّ‬
‫وإال اختنقت به»‪ ،‬ول َّما لم ير َّد األمير قالت‪« :‬أخبِرني كيف‬ ‫َّ‬ ‫ر َّدت‪« :‬األفضل أن‬
‫علمت بخطَّتي»‪.‬‬
‫‪« -‬أنا أمير (دورن)‪ ،‬النَّاس يسعون إلى حظوتي»‪.‬‬
‫أحدهم وشى‪« .‬كنت تعلم ومع ذلك تركتنا نرحل بمارسال‪ ،‬فلِ َم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كانت هذه غلطتي‪ ،‬وثبتَ أنها غلطة فادحة‪ .‬أن ِ‬
‫ت ابنتي يا آريان‪ ،‬الفتاة الصَّغيرة التي اعتادَت أن تهرع‬
‫رك ضدي صعبًا‪ ،‬وكان يجب أن أعرف الحقيقة»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وجدت تصديق تآ ُم ِ‬ ‫جرحت رُكبتها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ي إذا‬
‫إل َّ‬
‫‪« -‬واآلن تعرفها‪ .‬أري ُد أن أعرف َمن أبل َغ عني»‪.‬‬
‫مكانك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫كنت ألريد ال ِمثل لو أنني في‬
‫‪« -‬هل ستُخبِرني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال أستطي ُع التَّفكير في سب ٍ‬
‫ب يدفعني إلى ذلك»‪.‬‬
‫‪« -‬أتحسب أنني ال أقدر على اكتشاف الحقيقة وحدي؟»‪.‬‬
‫عليك َّأال تثقي بأح ٍد منهم‪ ...‬والقليل من الرِّيبة‬
‫ِ‬ ‫حاولي‪ ،‬ولكن حتى ذلك الحين‬ ‫لك أن تُ ِ‬
‫قال األمير دوران‪ِ « :‬‬
‫شيء مفيد لألميرات»‪ ،‬وزف َر مضيفًا‪« :‬خيَّب ِ‬
‫ت أملي يا آريان»‪.‬‬
‫‪« -‬هكذا يقول ال ُغراب لل ُغداف‪ .‬إنك تُخَ يِّب أملي منذ سنوات يا أبي»‪ .‬لم تكن تقصد أن تُ ِ‬
‫خاطبه بهذه‬
‫انسكب منها رغ ًما عنها‪ .‬ها قد قلتها‪.‬‬
‫َ‬ ‫الفظاظة‪ ،‬لكن الكالم‬
‫أعرف‪ .‬أنا شديد ال ُخنوع والضَّعف والحرص‪ ،‬متساهل للغاية مع أعدائنا‪ .‬على ِ‬
‫أنك في حاج ٍة إلى شي ٍء‬ ‫ُ‬ ‫‪«-‬‬
‫بك أن تتوسَّلي مغفرتي ً‬
‫بدال من محا َولة استفزازي أكثر»‪.‬‬ ‫من هذا التَّساهُل تحديدًا كما يبدو لي‪ .‬األحرى ِ‬
‫‪« -‬ال أطلبُ التَّساهُل َّإال مع أصدقائي»‪.‬‬
‫‪« -‬يا لنُ ِ‬
‫بلك»‪.‬‬
‫‪« -‬ما فعلوه كان بدافع محبَّتهم لي‪ ،‬وال يستحقُّون الموت في (جاستون جراي)»‪.‬‬
‫أطفال حمقى‪ ،‬لكنها‬
‫ٍ‬ ‫رفاقك في المؤامرة أكثر من‬
‫ِ‬ ‫أوافقك‪ .‬باستثناء النَّجم المظلم لم يكن‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬يتصادَف أنني‬
‫وأصدقاؤك ارتكبتم خيانةً‪ .‬كان بإمكاني أن أضرب‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫لم تكن مجرَّد مباراة سايڤاس غير مؤذية‪ .‬أن ِ‬
‫أعناقهم»‪.‬‬
‫‪« -‬كان بإمكانك لكنك لم تفعل‪ .‬داين ودالت وسانتاجار‪ ...‬ال‪ ،‬لست تجرؤ على ُمعاداة تلك العائالت»‪.‬‬
‫رسل إلى (نورڤوس) ليخدم السيِّدة‬ ‫دعك من هذا حاليًّا‪ .‬السير آندراي أُ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ما أجرؤ عليه ال تتخيَّلينه‪ ...‬لكن‬
‫وأخذت ً‬
‫ماال ورهائن من أهله األيتام‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والدتك ثالثة أعوام‪ .‬جارين سيقضي العامين التَّاليين في (تايروش)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ق عقابًا مني‪ ،‬لكنها في ِسنِّ الزواج‪ ،‬وأرسلَها أبوها إلى (الحجر األخضر) لتتز َّوج‬ ‫الليدي سيلڤا لم تتل َّ‬
‫اختار مصيره والقاه ب َشجاعة‪ .‬فارس في ال َحرس‬ ‫َ‬ ‫اللورد إسترمونت‪ .‬وبالنِّسبة إلى آريس أوكهارت فقد‬
‫ت معه؟!»‪.‬‬ ‫الملكي‪ ...‬ماذا فعل ِ‬
‫‪« -‬ضا َجعته يا أبي‪ .‬أنت أمرتني بتسلية ضيوفنا الكرام على ما أذك ُر»‪.‬‬
‫احتقنَ وجهه‪ ،‬وسألَها‪« :‬أهذا كلُّ ما تطلَّبه األمر؟»‪.‬‬
‫قلت له إن مارسال ستسمح لنا بال َّزواج فور تتويجها‪ .‬لقد أرادَني زوجةً له»‪.‬‬
‫‪ُ «-‬‬
‫ت في منعه من الحنث في يمينه»‪.‬‬
‫بأنك تفاني ِ‬
‫قال أبوها‪« :‬إنني واثق ِ‬
‫ق إغراؤها السير آريس ِنصف عام‪ ،‬وعلى الرغم من ادِّعائه أنه‬ ‫هذه المرَّة احتقنَ وجهها هي‪ .‬لقد استغر َ‬
‫عرفَ نسا ًء أخريات قبل انخراطه في ال َحرس الملكي فالطَّريقة التي تصرَّف بها لم تن َّم عن هذا إطالقًا‪.‬‬
‫لذته على فخذها بينما تقوده إلى‬ ‫لمساته كانت خرقاء‪ ،‬وقُبالته متوتِّرةً‪ ،‬وأول م َّر ٍة في الفِراش معًا أفر َغ َّ‬
‫همس فيها‪« :‬ال يَج ُدر بنا أن‬
‫َ‬ ‫داخلها بيدها‪ .‬األسوأ أن الخزي الته َمه التها ًما‪ ،‬ولو نالَت تنِّينًا ذهبيًّا ك َّل م َّر ٍة‬
‫أمال في إنقاذي أم فعلَها للفِرار مني‬ ‫نفعل هذا»‪ ،‬لصا َرت أثرى من آل النستر‪ .‬هل انقضَّ على آريو هوتا ً‬
‫وغسل عاره بدمائه؟ سم َعت نفسها تقول‪« :‬لقد أحبَّني وماتَ من أجلي»‪.‬‬
‫ت وبنات ع ِّم ِك أردتن الحرب‪ ،‬وقد تنلن رغبتكن‪ .‬ث َّمة‬ ‫‪« -‬إذا كان هذا صحيحًا فربما يكون أول كثيرين‪ .‬أن ِ‬
‫ي برأس الجبل‪.‬‬ ‫فارس آخَر في ال َحرس الملكي يدنو من (صنسپير) بينما نتكلَّم‪ .‬السير بالون سوان قادم إل َّ‬
‫أيام في الصَّيد والقنص على‬ ‫ح َملة رايتي يُ َعطِّلونه ليكسبوا لي بعض الوقت‪ .‬آل وايل جعلوه يقضي ثمانية ٍ‬
‫(طريق العظام)‪ ،‬واللورد يرونوود احتفى به أسبوعين كاملين حين خر َج من الجبال‪ .‬في الوقت الرَّاهن‬
‫ت على َشرفه‪ ،‬ول َّما يصل إلى (تَل األشباح) سيجد‬ ‫هو في (الرَّبوة)‪ ،‬حيث رتَّبت الليدي چورداين مباريا ٍ‬
‫آجال سيَبلُغ السير بالون (صنسپير)‪ ،‬وحين يفعل‬ ‫عاجال أو ً‬‫ً‬ ‫فوق عليها‪ .‬لكن‬ ‫الليدي توالند عازمةً على التَّ ُّ‬
‫سيتوقَّع أن يرى األميرة مارسال‪ ...‬والسير آريس أخاه المحلَّف‪ .‬ماذا نقول له يا آريان؟ هل أخبِره بأن‬
‫ط على ساللم زلقة؟ ربما كان السير آريس في (الحدائق المائيَّة)‬ ‫أوكهارت ماتَ في حادثة صي ٍد أم سق َ‬
‫ق على الرُّ خام وصد َم رأسه وغرقَ؟»‪.‬‬ ‫وانزل َ‬
‫حاول أن‬
‫َ‬ ‫قالت آريان‪« :‬ال‪ .‬قُل إنه ماتَ مدافعًا عن أميرته الصَّغيرة‪ ،‬قُل للسير بالون إن النَّجم المظلم‬
‫عترض السير آريس طريقه وأنق َذ حياتها»‪ .‬هكذا ينبغي أن يموت فُرسان ال َحرس الملكي‪ ،‬تضحيةً‬ ‫َ‬ ‫يَقتُلها فا‬
‫قتل آل النستر‬
‫يشك السير بالون كما شككت أنت حين َ‬ ‫ُّ‬ ‫بحياتهم في سبيل من أق َسموا على حمايتهم‪« .‬ربما‬
‫أختك وطفليها‪ ،‬لكنه لن يجد ً‬
‫دليال‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬حتى يتكلَّم مع مارسال‪ ،‬أم أن على ال ِّ‬
‫طفلة ال ُّشجاعة أن تتعرَّض لحادث ٍة مأساويَّة أيضًا؟ معنى ذلك‬
‫الحرب‪ .‬ال كذبة ستُنقِذ (دورن) من غضبة الملكة إذا ماتَت ابنتها وهي في عنايتي»‪.‬‬
‫قالت آريان لنفسها وقد أدر َكت الموقف‪ :‬إنه محتاج إل َّي‪ .‬لهذا أرس َل يستدعيني‪.‬‬
‫‪« -‬يُمكنني أن أُملي على مارسال ما تقوله‪ ،‬ولكن لِ َم أفع ُل ذلك؟»‪.‬‬
‫تم َّوج الغضب على وجه أبيها إذ قال‪« :‬إنني أح ِّذ ِ‬
‫رك يا آريان‪ ،‬لقد نف َد صبري»‪.‬‬
‫المبارك‪ ،‬أ َّما مع دمك‬
‫َ‬ ‫بحلم بيلور‬
‫ي؟»‪ .‬ليست هذه عادته‪« .‬مع اللورد تايوين وآل النستر تعا َملت ِ‬
‫‪« -‬عل َّ‬
‫فال»‪.‬‬
‫عملت على إسقاط تايوين النستر منذ يوم أخبَروني بما جرى إلليا‬ ‫ُ‬ ‫والحلم‪ .‬لقد‬
‫ِ‬ ‫إنك تخلطين بين الصَّبر‬
‫‪ِ «-‬‬
‫س لديه قبل أن أقتله‪ ،‬لكن يبدو أن ابنه القزم سلبَني تلك المسرَّة‪،‬‬ ‫وطفليها‪ .‬كان أملي أن أج ِّرده من كلِّ نفي ٍ‬
‫صلبه‪ .‬على‬ ‫قليال من العزاء في حقيقة أنه ماتَ ميتةً قاسيةً على يدَي الوحش الذي أنجبَه من ُ‬ ‫ولو أنني أج ُد ً‬
‫حماقتك إلى حرب»‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ك ِّل حال‪ ،‬اللورد تايوين يعوي في الجحيم‪ ...‬وآالف سيلحقون به قريبًا إذا استحالَت‬
‫وك َّشر أبوها كأن مجرَّد نُطق الكلمة ي ِ‬
‫ُوجعه‪ ،‬وسألَها‪« :‬أهذا ما تُريدين؟»‪.‬‬
‫قالت األميرة رافضةً أن يُر ِهبها‪« :‬أري ُد إطالق سراح بنات ع ِّمي‪ ،‬أري ُد الثَّأر ألبيهم‪ ،‬أري ُد حقوقي»‪.‬‬
‫حقوقك؟!»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫‪(« -‬دورن)»‪.‬‬
‫ت متش ِّوقة لهذه ال َّدرجة للخالص مني؟»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أموت‪ .‬أأن ِ‬ ‫‪« -‬ستَحصُلين على (دورن) عندما‬
‫ُحاول الخالص مني منذ أعوام»‪.‬‬
‫ت‪ .‬أنت َمن ي ِ‬
‫ي أن أسألك السُّؤال ذاته يا أب ِ‬
‫‪« -‬عل َّ‬
‫‪« -‬غير صحيح»‪.‬‬
‫‪« -‬حقًّا؟ َّ‬
‫هال سألنا أخي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬تريستان؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كوينتن!»‪.‬‬
‫‪« -‬ماذا عنه؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أين هو؟»‪.‬‬
‫‪« -‬مع جيش اللورد يرونوود على (طريق العظام)»‪.‬‬
‫ذهب إلى (لِيس)»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫يرف لك جفن حتى‪ .‬كوينتن‬ ‫ُ‬
‫أعترف بهذا‪ .‬لم‬ ‫‪« -‬أنت تُجيد الكذب يا أبي‪،‬‬
‫رأسك؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ما الذي وض َع هذه الفكرة في‬
‫‪« -‬صديق أخب َرني»‪ .‬هي أيضًا تستطيع االحتفاظ بأسرارها‪.‬‬
‫أخوك لم يذهب إلى (لِيس)‪ ،‬أقس ُم بال َّشمس والحربة واآللهة السَّبعة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لك كلمتي‪،‬‬
‫كذب‪ِ .‬‬
‫َ‬ ‫صديقك‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫ذهب إلى (مير) إذن؟ أو (تايروش)؟ أعل ُم أنه في‬
‫َ‬ ‫لكن آريان ال تنخدع بهذه البساطة‪ ،‬وهكذا قالت‪« :‬هل‬
‫المرتزقة لسرقة حقِّي ال َّشرعي»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مكان ما وراء (البحر الضيِّق)‪ ،‬يستأجر‬
‫ٍ‬
‫ِّفك يا آريان‪ .‬المفت َرض أن يكون كوينتن هو من يتآ َمر‬ ‫ارب َّد وجه أبوها‪ ،‬وقال‪« :‬هذا االرتياب ال يُ َشر ِ‬
‫طفل أصغر من أن يفهم احتياجات (دورن)‪ .‬آندرز يرونوود‬ ‫ٍ‬ ‫ضدي‪ .‬لقد صرفته من البالط وهو مجرَّد‬
‫أخوك وفيًّا مطيعًا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كان أبًا له أكثر مني‪ ،‬ومع ذلك يظلُّ‬
‫ضله ولطالما فعلت‪ .‬إنه يُشبِهك ويُفَ ِّكر ِمثلك‪ ،‬وتنوي أن تُعطيه (دورن)‪ .‬ال تُ ِ‬
‫حاول‬ ‫‪« -‬ولِ َم ال؟ إنك تُفَ ِّ‬
‫يوم ستجلس‬ ‫قرأت رسالتك»‪ .‬ما زالَت الكلمات مشتعلةً كالنَّار في ذاكرتها‪« .‬كتبت له‪ :‬ذات ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنكار‪ ،‬لقد‬
‫َّ‬
‫حيث أجلسُ وتَح ُكم (دورن) كلها‪ .‬أخبِرني يا أبي‪ ،‬متى قرَّرت أن تحرمني ميراثي؟ يوم ُولِ َد كوينتن أم يوم‬
‫فعلت ألجعلك تكرهني هكذا؟»‪ .‬على الرغم من غضبها كانت في عينَي آريان دموع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫دت؟ ماذا‬ ‫ُولِ ُ‬
‫ت ال تفهمين»‪.‬‬ ‫ت رقيق للغاية مح َّمل باألسى‪« :‬لم أكرهك قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬آريان‪ ،‬أن ِ‬ ‫قال األمير بصو ٍ‬
‫‪« -‬هل تُن ِكر أنك كتبت تلك الرِّسالة؟»‪.‬‬
‫ت فكانت لد َّ‬
‫ي‬ ‫‪« -‬ال‪ .‬كان هذا في بداية ذهاب كوينتن إلى (يرونوود)‪ .‬نعم‪ ،‬كانت نيَّتي أن يخلفني‪ ،‬أ َّما أن ِ‬
‫ُخطط أخرى ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫قالت ساخرةً‪« :‬أوه‪ ،‬نعم‪ ،‬ويا لها من ُخطط‪ .‬جايلز روزبي‪ ،‬بن بيزبوري األعمي‪ ،‬جرانديسون ذو اللِّحية‬
‫أعرف أن واجبي أن أنجب وريثًا‬ ‫ُ‬ ‫عطه فُرصةً لل َّر ِّد إذ واصلَت‪« :‬‬ ‫ال َّشائبة‪ .‬هذه هي ُخططك!»‪ ،‬ولم تُ ِ‬
‫ي كانت مهينةً‪.‬‬ ‫كنت ألتز َّوج وبك ِّل سرور‪ ،‬لكن ال ِّزيجات التي عرضتها عل َّ‬ ‫ُ‬ ‫أنس هذا البتَّة‪.‬‬
‫ل(دورن) ولم َ‬
‫كلُّ واحد ٍة منها بمثابة بصقة‪ .‬إذا أحببتَني حقًّا فلِ َم تعرضني على والدر فراي؟!»‪.‬‬
‫ت ِسنًّا معيَّنةً‬
‫لك زوجًا حالما بلغ ِ‬ ‫أنك ستَرفُضينه‪ .‬كان يجب أن يراني النَّاس أحاو ُل أن أجد ِ‬ ‫ُ‬
‫علمت ِ‬ ‫‪« -‬ألنني‬
‫ت موعودةً يا آريان»‪.‬‬ ‫ً‬
‫رجال تقبلينه‪ .‬لقد كن ِ‬ ‫عليك‬
‫ِ‬ ‫خشية إثارة ال ُّشكوك‪ ،‬لكني لم أجرؤ على أن أعرض‬
‫ط‪.»...‬‬‫موعودة؟ ح َّدقت إليه آريان مندهشةً‪ ،‬وقالت‪« :‬ماذا تعني؟ أهذه كذبة أخرى؟ لم تَذ ُكر قَ ُّ‬
‫كنت أنوي أن أخبرك حين تكبَرين‪ ...‬حين تَبلُغين‪ ،‬ولكن‪.»...‬‬ ‫بر َم س ًّرا‪ُ .‬‬ ‫ُ‬
‫‪« -‬االتِّفاق أ ِ‬
‫‪« -‬أنا في الثَّالثة والعشرين‪ ،‬امرأة بالغة منذ سبع سنوات»‪.‬‬
‫طبيعتك‪ ...‬بالنِّسبة ِ‬
‫إليك‬ ‫ِ‬ ‫حمايتك فقط‪ .‬آريان‪ ،‬إن‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫طويال فالسَّبب كان‬ ‫عنك الحقيقة‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حجبت‬ ‫ُ‬
‫أعرف‪ .‬إذا‬ ‫‪«-‬‬
‫ليال‪ .‬جارين ثرثار ككلِّ األيتام‪،‬‬ ‫ت مثيرة تهمسين بها لجارين وتايين في الفِراش ً‬ ‫األسرار مجرَّد حكايا ٍ‬
‫وتايين ال تُخفي شيئًا عن أوبارا والليدي نيم‪ ،‬وإذا عل َمتا‪ ...‬أوبارا مغرمة بالنَّبيذ‪ ،‬ونيم قريبة للغاية من‬
‫أستطع أن أجازف»‪.‬‬‫ِ‬ ‫التَّوأمين فاولر‪ ،‬ول َمن كان التَّوأمان ليبوحا بالسِّر؟ لم‬
‫كنت مخطوبةً طيلة هذه األعوام؟»‪.‬‬ ‫كنت موعودةً‪َ « .‬من هو؟ ل َمن ُ‬ ‫شع َرت بالحيرة واالرتباك‪ .‬موعودة‪ُ ،‬‬
‫‪« -‬ال يه ُّم‪ ،‬لقد ماتَ »‪.‬‬
‫رك مكسور أم البرد أم‬ ‫بو ٍ‬‫ضاعفَ هذا حيرتها مرا ًرا‪ ،‬وقالت‪« :‬المسنُّون ضُعفاء للغاية‪ .‬كيف ماتَ ؟ َ‬
‫النِّقرس؟»‪.‬‬
‫الذهب المصهور‪ .‬نحن األمراء نرسم ُخططنا بعناي ٍة ثم تُ َحطِّمها اآللهة»‪،‬‬ ‫در من َّ‬‫أجاب األمير دوران‪« :‬بقِ ٍ‬ ‫َ‬
‫أعطيك كلمتي إذا كان ما زا َل لها‬ ‫ِ‬ ‫ب مردفًا‪(« :‬دورن) ستكون ِ‬
‫لك‪ ،‬إنني‬ ‫ول َّوح بيده المحمرَّة الملتهبة بتع ٍ‬
‫أخوك كوينتن فعليه أن يَسلُك دربًا أصعب»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عندك‪ ،‬أ َّما‬
‫ِ‬ ‫معنى‬
‫ضقت ذرعًا باألسرار‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رمقَته آريان ب َش ٍّك قائلةً‪« :‬وما هذا الطَّريق؟ ما الذي تُخفيه؟ ليُنقِذني (السَّبعة)‪ ،‬لقد‬
‫أموت إلى جوار بنات ع ِّمي»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واستدع هوتا وفأسه ودعني‬ ‫ِ‬ ‫أخبِرني بالبقيَّة يا أبي‪ ...‬أو َس ِّم كوينتن وريثك‬
‫َر َّد أبوها عابسًا‪« :‬هل تعتقدين حقًّا أنني أستطي ُع إيذاء بنات أخي؟ أوبارا ونيم وتايين ال يعوزهن شيء َّإال‬
‫الح ِّريَّة‪ ،‬وإالريا وبناتها مقيمات بسعاد ٍة في (الحدائق المائيَّة)‪ .‬دوريا تمشي هنا وهناك مسقطةً البُرتقال من‬
‫يمض زمن طويل‬ ‫ِ‬ ‫األشجار ب ُكرتها ال َّشائكة‪ ،‬وإليا وأوبال أصب َحتا رُعب المسابح»‪ ،‬وتنهَّد ثم واص َل‪« :‬لم‬
‫ت أن تركبي على كتفَي فتا ٍة أكبر ِسنًّا‪ ...‬فتاة طويلة لها َشعر أصفر‬ ‫ت تلعبين في تلك المسابح‪ .‬اعتد ِ‬ ‫منذ كن ِ‬
‫خفيف‪.»...‬‬
‫‪« -‬چاين فاولر‪ ،‬أو أختها چينيلين»‪ .‬مرَّت أعوام منذ ف َّكرت آريان في هذا‪« .‬أوه‪ ،‬وفرايني‪ .‬كان أبوها‬
‫ح َّدادًا و َشعرها بنِّيًّا‪ .‬لكن جارين كان رفيقي المفضَّل‪ .‬ال أحد استطا َع هزيمتنا وأنا راكبة على كتفيه‪ ،‬حتى‬
‫نيم وتلك الفتاة التايروشيَّة ذات ال َّشعر األخضر»‪.‬‬
‫أرسلك إلى (تايروش)‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬تلك الفتاة التايروشيَّة ذات ال َّشعر األخضر كانت ابنة األركون‪ .‬كان يُفت َرض أن‬
‫سرقت أحدًا آخَر‬‫ُ‬ ‫خطيبك س ًّرا‪ ،‬لكن أ َّم ِك ه َّددتني بإيذاء نفسها إذا‬
‫ِ‬ ‫بدال منها لتخدمي األركون كساقي ٍة وتلتقي‬ ‫ً‬
‫من أطفالها‪ ،‬ولم‪ ...‬لم أق َو على أن أفعل ذلك بها»‪.‬‬
‫ذهب كوينتن إلى (تايروش) إذن؟ ليتو َّدد إلى ابنة األركون خضراء ال َّشعر؟»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حكايته تزداد غرابةً‪« .‬هل‬
‫أخوك‬
‫ِ‬ ‫ت بوجود كوينتن خارج البالد‪.‬‬ ‫قائال‪« :‬يجب أن أعرف كيف عرف ِ‬ ‫التقطَ أبوها إحدى قِطع السايڤاس ً‬
‫ذهب مع كليتوس يرونوود وال ِمايستر ِكدري وثالثة من أفضل فُرسان اللورد يرونوود ال ُّشبَّان في رحل ٍة‬ ‫َ‬
‫ذهب ليجلب لنا بُغية قلوبنا»‪.‬‬‫َ‬ ‫طويلة محفوفة بالمخاطر ربما ال يجد في نهايتها ترحيبًا‪ .‬لقد‬
‫ضيَّقت عينيها متسائلةً‪« :‬وما بُغية قلوبنا؟»‪.‬‬
‫أجاب‪« :‬الثَّأر‪ ،‬العدالة»‪ ،‬و َدسَّ األمير دوران التنِّين‬
‫َ‬ ‫ت خافت كأنه يخشى أن أحدًا يتنصَّت عليهما‬ ‫بصو ٍ‬
‫الجزع في كفِّها بيده الملتهبة‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬النَّار وال َّدم»‪.‬‬
‫ْ‬ ‫المنحوت من‬
‫إليني‬
‫د َّورت الحلقة الحديديَّة ودف َعت الباب صانعةً فرجةً صغيرةً ال أكثر‪ ،‬وقالت‪ُ « :‬عصفوري الجميل‪ ،‬هل‬
‫تسمح لي بال ُّدخول؟»‪.‬‬
‫أجابَتها جرتشل العجوز وهي تَفرُك يديها‪« :‬احذري يا سيِّدتي‪ ،‬حضرة اللورد ألقى ال ِمايستر بوعاء‬
‫الفضالت»‪.‬‬
‫ت النَّوافذ وأسدل ِ‬
‫ت السَّتائر؟ هل‬ ‫ت يا مادي‪ ،‬هل أغلق ِ‬
‫عندك عمل؟ وأن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬ليس هناك ما يُلقيني به إذن‪ .‬أليس‬
‫غطَّي ِ‬
‫ت األثاث كلَّه؟»‪.‬‬
‫ر َّدت مادي‪« :‬نعم يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫قالت إليني‪« :‬األفضل أن تتأ َّكدي»‪ ،‬ودخلَت ُغرفة النَّوم المظلمة مردفةً‪« :‬هذه أنا يا ُعصفوري الجميل»‪.‬‬
‫دك؟»‪.‬‬
‫ت وح ِ‬ ‫تن َّشق أحدهم في الظَّالم‪ ،‬وسألَها‪« :‬أأن ِ‬
‫‪« -‬نعم يا سيِّدي»‪.‬‬
‫ت فقط»‪.‬‬
‫‪« -‬اقتربي إذن‪ ،‬أن ِ‬
‫أغلقَت إليني الباب بإحكام‪ .‬فلتتنصَّت مادي وجرتشل كما تُريدان‪ ،‬لكن الباب من خشب السَّنديان المصمت‬
‫وسُمكه أربع بوصات‪ ،‬ولن تس َمعا شيئًا‪ .‬ال بأس‪ ،‬فلئن كانت جرتشل تصون لسانها فمادي تَن ُشر النَّميمة بال‬
‫حياء‪.‬‬
‫سألَها الصَّبي‪« :‬هل أرسلَ ِك ال ِمايستر كولمون؟»‪.‬‬
‫سمعت أن سيِّدي متوعِّك»‪ .‬بَعد حادثة وعاء الفضالت هر َع ال ِمايستر إلى السير لوثور‬ ‫ُ‬ ‫أجابَت كاذبةً‪« :‬ال‪،‬‬
‫برون‪ ،‬ثم جا َءها الفارس ً‬
‫قائال‪« :‬إذا أقن َعته سيِّدتي بالقيام من الفِراش فلن أضط َّر إلى جرِّه منه عنوةً»‪.‬‬
‫قالت لنفسها‪ :‬ال يُمكننا أن نسمح بهذا‪ .‬حين يُعا َمل روبرت بخشون ٍة فغالبًا ما تُصيبه نوبة الرَّجفة‪ .‬سألَت‬
‫حضر توتًا وقشدةً أو القليل من ال ُخبز ال َّدافئ‬
‫اللورد الصَّغير‪« :‬أأنت جائع يا سيِّدي؟ هل أرس ُل مادي تُ ِ‬
‫والزبدة؟»‪ .‬متأ ِّخرًا ج ًّدا تذ َّكرت أن ال خبز دافئًا عندهم‪ ،‬فالمطابخ أُغلِقَت بالفعل واألفران باردة‪ .‬إذا أ َّدى‬
‫ُّ‬
‫ق‪.‬‬‫إشعال فُرن إلى نهوض روبرت من الفِراش فاألمر يستح ُّ‬
‫ُمكنك أن تقرأي لي إذا‬
‫ِ‬ ‫قال اللورد الصَّغير بنبر ٍة مشا ِكسة حا َّدة‪« :‬ال أري ُد طعا ًما‪ .‬سأبقى في الفِراش اليوم‪ .‬ي‬
‫ت» ‪.‬‬
‫أرد ِ‬
‫بسبب السَّتائر الثَّقيلة المسدَلة على النَّوافذ كانت ال ُغرفة مظلمةً كأنه اللَّيل‪ ،‬فقالت إليني‪« :‬الظَّالم شديد هنا‪،‬‬
‫نسي ُعصفوري الجميل ما سنفعله اليوم؟»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ال يَصلُح للقراءة‪ .‬هل‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬لكنني لن أذهب‪ .‬أري ُد أن أبقى في الفِراش‪ .‬اقرأي لي عن الفارس المجنَّح»‪.‬‬
‫الفارس المجنَّح هو السير آرتيس آرن‪ ،‬وتقول األسطورة إنه طر َد البَشر األوائل من (الوادي) وطا َر إلى‬
‫صقر ضخم ليَقتُل ملك َ‬
‫الجرافِن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق َّمة (رُمح العمالق) على متن‬
‫ب ويستطيع حكايتها بحذافيرها‬ ‫ص ٍة عن مغامراته‪ ،‬وروبرت الصَّغير يحفظها كلَّها عن َ‬
‫ظهر قل ٍ‬ ‫هناك مئة ق َّ‬
‫الذاكرة‪ ،‬لكنه يحبُّ أن تُق َرأ له رغم ذلك‪ .‬قالت إليني للصَّبي‪« :‬يجب أن نذهب يا عزيزي‪ ،‬لكني أعدك‬ ‫من َّ‬
‫بأن أقرأ لك حكايتين عن الفارس المجنَّح عندما نصل إلى (ب َّوابات القمر)»‪.‬‬
‫َر َّد من فوره‪« :‬ثالث حكايات»‪ .‬مهما عرضت عليه يرغب روبرت دو ًما في المزيد‪.‬‬
‫‪« -‬ثالث حكايات‪ .‬هل لي أن أدع ال َّشمس تَد ُخل؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬الضَّوء يُؤلِم عينَي‪ .‬تعالي إلى الفِراش يا إليني»‪.‬‬
‫لكنها ذهبَت إلى النَّافذة رغم ذلك‪ ،‬دائرةً حول وعاء الفضالت المحطَّم الذي تش ُّمه أفضل مما تراه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫آخرها‪ ،‬فقط بما يكفي لرؤية وجه ُعصفوري الجميل»‪.‬‬ ‫«لن أفتحها عن ِ‬
‫قال متن ِّشقًا‪« :‬ليكن»‪.‬‬
‫إصبع وربطَتها‪ ،‬لتسبح ذرَّات‬
‫ٍ‬ ‫السَّتائر من القطيفة ال َّزرقاء‪ ،‬وقد أزا َحت إحداها مسافةً ال تربو على طول‬
‫التُّراب في عمو ٍد من ضوء ال َّشمس‪ ،‬وتلوح ألواح ُزجاج النَّافذة الصَّغيرة ذات ال َّشكل الماسي المكتسية‬
‫بالصَّقيع‪ .‬مس َحت إليني إحداها بكعب يدها بما يكفي لرؤية ُزرقة السَّماء الصَّافية ونصوع األبيض على‬
‫جانب الجبل‪.‬‬
‫بمعطف من الجليد‪ ،‬وق َّمة (رُمح العمالق) باألعلى مدفونة بال ُّثلوج الكثيفة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫(العُش) متدثِّرة‬
‫حين التفتَت كان روبرت آرن جالسًا مسندًا ظَهره إلى الوسائد ويَنظُر إليها‪ .‬سيِّد (العُش) وحامي (الوادي)‪.‬‬
‫تحت الخصر يُ َغطِّيه دثار من الصُّ وف‪ ،‬وفوقه ال يرتدي شيئًا‪ ،‬صب ٌّي شاحب َشعره طويل كالفتيات‪.‬‬
‫لروبرت ذراعان وساقان طويلة نحيلة وصدر ليِّن مقعَّر وبطن صغير وعينان محمرَّتان دامعتان دو ًما‪ .‬ال‬
‫حيلة له في هذا‪.‬‬
‫لقد ُولِ َد صغيرًا سقي ًما‪« .‬تبدو قويًّا للغاية هذا الصَّباح يا سيِّدي»‪ .‬يحبُّ الصَّبي أن يُقال له كم هو قوي‪.‬‬
‫حضران ما ًء ساخنًا لالستحمام؟ ستدعك مادي ظَهرك وتغسل َشعرك لتذهب‬ ‫«هل أجع ُل مادي وجرتشل تُ ِ‬
‫بمظهر نظيف يليق بك كلورد‪ .‬أن يكون هذا لطيفًا؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في رحلتك‬
‫‪« -‬ال‪ .‬أنا أكرهُ مادي‪ .‬إن لها ثُؤلولةً على عينها وتدعكني بش َّد ٍة تُؤلِمني‪ .‬مامي لم تُؤلِمني بينما تُ َح ِّممني‬
‫قَ ُّ‬
‫ط» ‪.‬‬
‫‪« -‬سأقو ُل لمادي َّأال تدعك ُعصفوري الجميل بش َّدة‪ .‬عندما تستح ُّم وتنتعش ستتحسَّن»‪.‬‬
‫‪ُ «-‬‬
‫قلت ال ح َّمام‪ .‬رأسي يُؤ ِلمني للغاية»‪.‬‬
‫‪« -‬هل أحض ُر لك قُماشةً دافئةً تضعها على جبهتك؟ أو كوبًا من نبيذ النَّوم؟ القليل فقط‪ .‬ميا ستون تنتظرنا‬
‫في (سماء) وستستاء إذا نِمت وتركتها منتظرةً‪ .‬أنت تعلم كم تحبُّك»‪.‬‬
‫َر َّد روبرت‪« :‬أنا ال أحبُّها‪ .‬إنها فتاة البغال ال أكثر»‪ ،‬وتن َّشق متابعًا‪« :‬ال ِمايستر كولمون وض َع شيئًا كريهًا‬
‫رفض‪ ،‬حتى عندما أمرته! أنا‬‫َ‬ ‫قلت له إنني أري ُد الحليب الحُلو لكنه‬ ‫في حليبي ليلة أمس‪ ،‬لقد تذ َّوقته‪ُ .‬‬
‫اللورد‪ ،‬وعليه أن يفعل ما أقوله له‪ .‬ال أحد يفعل كما أقو ُل»‪.‬‬
‫‪« -‬سأتكلَّ ُم معه‪ ،‬لكن فقط إذا نهضت من الفِراش‪ .‬الطَّقس جميل في الخارج يا ُعصفوري الجميل وال َّشمس‬
‫ساطعة‪ ،‬يوم مثالي لنزول الجبل‪ .‬البغال منتظرة في (سماء) مع ميا‪.»...‬‬
‫ارتعش فمه وبدا كأنه سيجهش بالبكاء إذ قال‪« :‬أكرهُ تلك البغال ورائحتها الكريهة‪ .‬في م َّر ٍة حاو َل واحد أن‬‫َ‬
‫دمت هنا‪( .‬العُش) منيعة!»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يعضَّني! قولي لميا تلك إنني سأبقى هنا‪ .‬ال أحد يستطيع أن يُؤذيني ما‬
‫‪« -‬و َمن قد يرغب في إيذاء ُعصفوري الجميل؟ لورداتك وفُرسانك يهيمون بك والعا َّمة يهتفون باسمك»‪.‬‬
‫إنه خائف‪ ،‬وله َحق‪ .‬منذ سقطَت السيِّدة والدته والصَّبي معرضٌ عن مجرَّد الوقوف في ال ُّشرفة‪ ،‬وخطورة‬
‫ي أحد‪ .‬كان قلب إليني بين قدميها حين صعدَت مع‬ ‫الطَّريق من (العُش) إلى (ب َّوابات القمر) كفيلة بإرهاب أ ِّ‬
‫الليدي اليسا واللورد پيتر‪ ،‬والجميع متَّفقون على أن النُّزول أكثر إرعابًا ألنك تَنظُر إلى أسفل طيلة‬
‫رسان ُشجعان امتق َعت وجوههم وبلَّلوا أنفُسهم على الجبل‪ .‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫الوقت‪ ،‬وميا تحكي عن لوردات عظام وفُ‬
‫أحد منهم كان مبتلًى بداء الرَّجفة‪.‬‬
‫ق على قمم الجبل‪ ،‬وقد‬ ‫زال الخريف البثًا‪ ،‬لكن ال ِّشتاء أطب َ‬
‫على أن التَّل ُّكؤ لن ينفع‪ .‬على أرض الوادي ما َ‬
‫نجوا بالفعل من ثالث عواصف ثلجيَّة وعاصف ٍة أخري جليديَّة أحالَت القلعة إلى بلَّور منذ أسبوعين‪ .‬ربما‬
‫تكون (العُش) منيعةً‪ ،‬لكنها ستُصبِح مسدودةً أيضًا ع َّما قريب‪ ،‬والطَّريق إلى أسفل يزداد خطورةً ك َّل يوم‪.‬‬
‫ق هنا باألعلى َّإال دستة منهم للعناية باللورد روبرت‪.‬‬ ‫أكثر خدم القلعة وجنودها غادَروا بالفعل‪ ،‬ولم يتب َّ‬
‫قالت برفق‪ُ « :‬عصفوري الجميل‪ ،‬النُّزول سيكون سا ًّرا للغاية‪ ،‬سترى‪ .‬السير لوثور سيكون معنا‪ ،‬وميا‬
‫أيضًا‪ .‬بغالها صعدَت ونزلَت هذا الجبل ألف مرَّة»‪.‬‬
‫قلت لك إن واحدًا حاو َل أن يعضَّني وأنا صغير»‪.‬‬ ‫َر َّد بإصرار‪« :‬أكرهُ البغال‪ ،‬إنها بغيضة‪ُ .‬‬
‫تعلم إليني أن روبرت لم يتعلَّم الرُّ كوب كما ينبغي‪ .‬البغال أو الخيول أو الحمير‪ ،‬ال فرق‪ ،‬كلُّها عنده‬
‫وحوش مخيفة ال تختلف عن التَّنانين أو ال َجرافِن‪ .‬لقد جي َء به إلى (الوادي) ل َّما كان في السَّادسة‪ ،‬وقد‬
‫ركب مو ِّسدًا رأسه بين ثديَي أ ِّمه المليئيْن باللَّبن‪ ،‬ومنذ ذلك الحين لم يبرح (العُش) م َّرةً‪.‬‬
‫َ‬
‫لكن عليهم أن يذهبوا قبل أن يُغلِق الجليد القلعة تما ًما‪ ،‬فال أحد يدري إلى متى سيستمرُّ الطَّقس الصَّحو‪.‬‬
‫لست ُشجاعةً‬‫ُ‬ ‫وسأكون راكبةً وراءك مباشرةً‪ .‬إنني مجرَّد فتاة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قالت إليني‪« :‬ميا ستمنع البغال من ال َعضِّ ‪،‬‬
‫أو قويَّةً ِمثلك‪ .‬إذا كان باستطاعتي أن أفعلها فمؤ َّكد أنك تستطيع أيضًا يا ُعصفوري الجميل»‪.‬‬
‫ً‬
‫واصال‪:‬‬ ‫ظهر يده م‬ ‫قال اللورد روبرت‪« :‬أستطي ُع أن أفعلها‪ ،‬لكنني أختا ُر َّأال أفعل»‪ ،‬ومس َح أنفه السَّائل ب َ‬
‫شعرت بتحسُّن‪ .‬اليوم بارد للغاية في الخارج‬ ‫ُ‬ ‫«قولي لميا إنني سأبقى في الفِراش‪ .‬ربما أنز ُل غدًا إذا‬
‫حضر لنا قُرص عسل‪.‬‬ ‫ُمكنك أن تشربي الحليب الحُلو أيضًا‪ ،‬وسأقو ُل لجرتشل أن تُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورأسي يُؤلِمني‪ .‬ي‬
‫سننام ونتبادَل القُبالت ونلعب‪ ،‬وستقرأين لي عن الفارس المجنَّح»‪.‬‬
‫وعدت‪ ...‬حين نَبلُغ (ب َّوابات القمر)»‪ .‬يكاد صبر إليني ينفد‪ ،‬وقالت لنفسها‬ ‫ُ‬ ‫ت كما‬‫‪« -‬سأفعلُ‪ ،‬ثالث حكايا ٍ‬
‫وإال سنكون فوق مستوى ال ُّثلوج عند الغروب‪« .‬اللورد نستور يُ َجهِّز مأدبةً‬ ‫مذ ِّكرةً‪ :‬يجب أن نذهب َّ‬
‫للتَّرحيب بك‪َ ،‬حساء فِطر ولحم غزالن وكعكات‪ .‬لست تُريد تخييب أمله‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هل ستكون كعكات ليمون؟»‪ .‬يحبُّ اللورد روبرت كعكات اللَّيمون‪ ،‬ربما ألن إليني تحبُّها‪.‬‬
‫‪« -‬كعكات ليمون ليمونيَّة ك ُّلها ليمون‪ ،‬ويُمكنك أن تأكل منها كما ِشئت»‪.‬‬
‫‪« -‬مئة؟ هل يُمكنني أن آكل مئةً؟»‪.‬‬
‫قالت‪« :‬إذا أردت»‪ ،‬وجل َست على طرف الفِراش وملَّست على َشعره النَّاعم الطَّويل مف ِّكرةً‪َ :‬شعره جميل‬
‫أصيب روبرت‬
‫َ‬ ‫حقًّا‪ .‬اعتادَت الليدي اليسا تمشيطه بنفسها ك َّل ليل ٍة وقصِّ ه عندما يطول‪ ،‬لكن بَعد سقوطها‬
‫فأمرهم پيتر بأن يَترُكوا َشعره ينمو‪ .‬لفَّت إليني ُخصلةً‬ ‫َ‬ ‫بنوبات رجف ٍة عنيفة متى دنا منه أحدهم بمقص‪،‬‬
‫حول إصبعها متسائلةً‪« :‬واآلن هل ستقوم من الفِراش وتَترُكنا نُلبِسك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أري ُد مئة كعكة ليمون وخمس حكايات!»‪.‬‬
‫مؤخرتك مئة مرَّة وألطمك على وجهك خمس مرَّات‪ .‬لم تكن لتجرؤ على التَّصرُّ ف‬ ‫ِّ‬ ‫أري ُد أن أصفعك على‬
‫بهذه الطَّريقة لو كان پيتر هنا‪ .‬الحقيقة أن اللورد الصَّغير يخشى زوج أُ ِّمه لدرج ٍة ال بأس بها‪ .‬أرغ َمت‬
‫إليني نفسها على االبتسام قائلةً‪« :‬كما يرغب سيِّدي‪ ،‬لكن ال شيء من هذا قبل أن تغتسل وترتدي ثيابك‬
‫وتبدأ النُّزول‪.‬‬
‫بحزم من يده وسحبَته من الفِراش‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫هيا قبل أن يم َّر الصَّباح»‪ ،‬وأمس َكته‬
‫صبي صغير‬ ‫ٍّ‬ ‫لكن قبل أن تستدعي الخادمتين ط َّوقها العُصفور الجميل بذراعيه النَّاحلتين وقبَّلها‪ .‬كانت قُبلة‬
‫أغلقت عينَي فيُمكنني التَّظاهُر بأنه فارس ُّ‬
‫الزهور‪ .‬ذات م َّر ٍة‬ ‫ُ‬ ‫خرقاء‪ ،‬وكلُّ ما يفعله روبرت آرن أخرق‪ .‬إذا‬
‫أعطى السير لوراس سانزا ستارك وردةً حمراء‪ ،‬لكنه لم يُقَبِّلها‪ ...‬وال أحد من آل تايرل سيُقَبِّل إليني ستون‬
‫أبدًا‪.‬‬
‫على الرغم من َجمالها فإنها في النِّهاية ابنة حرام‪.‬‬
‫إذ مسَّت شفتا الصَّبي شفتيها وجدَت نفسها تُفَ ِّكر في قُبل ٍة أخرى‪ ،‬وال تزال تَذ ُكر كيف شع َرت حين انضغطَ‬
‫فمه القاسي على فمها‪ ،‬وقد أتى سانزا في الظَّالم بينما تمأل النِّيران الخضراء السَّماء‪ .‬أخ َذ أغنيَّةً وقبلة‬
‫ُ ً‪47‬‬

‫ولم يَترُك لي َّإال معطفًا داميًا‪.‬‬


‫ال يه ُّم‪ .‬ذلك ال َّزمن انتهى‪ ،‬وكذا سانزا‪.‬‬
‫أبعدَت إليني اللورد الصَّغير قائلةً‪« :‬كفى‪ .‬يُمكنك أن تُقَبِّلني ثانيةً عندما نصل إلى (ب َّوابات القمر)‪ ،‬بشرط‬
‫أن تفي بكلمتك»‪.‬‬
‫كانت مادي وجرتشل منتظرتين في الخارج‪ ،‬ومعهما ال ِمايستر كولمون الذي غس َل َشعره من الفضالت‬
‫وب َّدل رداءه‪ ،‬وظه َر أيضًا تيرانس وجايلز ُمرافقا روبرت اللذان بإمكانهما دو ًما أن يش َّما رائحة المتاعب‪.‬‬
‫احرصا على َّأال‬‫ِ‬ ‫أحضرا ما ًء ساخنًا لح َّمامه لكن‬
‫ِ‬ ‫قالت إليني للخادمتين‪« :‬اللورد روبرت أقوى اآلن‪.‬‬
‫يسفعه‪ ،‬وال تش َّدا َشعره في أثناء تمشيط ُعقده ألنه يكره هذا»‪.‬‬
‫ق أحد ال ُمرافقيْن ضحكةً ِشبه مكتومة‪ ،‬إلى أن قالت‪« :‬تيرانس‪ ،‬جهِّز ثياب ركوب حضرة اللورد وأثقل‬ ‫أطل َ‬
‫معاطفه‪ .‬جايلز‪ ،‬يُمكنك تنظيف وعاء الفضالت المكسور»‪.‬‬
‫َر َّد جايلز جرافتون بامتعاض‪ُ « :‬‬
‫لست عاملة نظافة»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخبرت لوثور برون»‪ ،‬ثم قط َع الرُّ واق مع إليني‬ ‫قال ال ِمايستر كولمون‪« :‬افعل كما تأمر الليدي إليني َّ‬
‫وإال‬
‫إنك قادرة على التَّعا ُمل معه»‪،‬‬
‫لك يا سيِّدتي‪ِ .‬‬ ‫ُّ‬
‫لتدخ ِ‬ ‫ٌّ‬
‫ممتن‬ ‫ونز َل معها السَّاللم الملتفَّة‪ ،‬حيث قال لها‪« :‬أنا‬
‫ت معه؟»‪.‬‬ ‫ت رجفةً وأن ِ‬‫وتر َّدد لحظةً قبل أن يسألها‪« :‬هل الحظ ِ‬
‫أمسكت يده‪ ،‬هذا كلُّ شيء‪ .‬يقول إنك وضعت شيئًا كريهًا في‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬كانت أصابعه ترتجف بعض ال َّشيء حين‬
‫حليبه»‪.‬‬
‫ُ‬
‫وضعت‬ ‫ر َّدد كولمون‪« :‬شيئًا كريهًا؟»‪ ،‬وح َّدق إليها وتحرَّكت تفَّاحة َحلقه إلى أعلى وأسفل‪ ،‬ثم أردفَ ‪« :‬‬
‫فقط‪ ...‬هل ينزف من أنفه؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫ت إذ أومأ َ برأسه النَّابت من رقبته الطَّويلة‬ ‫غمغ َم‪« :‬جيِّد‪ ،‬هذا جيِّد»‪ ،‬وصلصلَت حلقات سلسلته بخفو ٍ‬
‫الرَّفيعة لدرج ٍة سخيفة‪ ،‬وقال‪« :‬النُّزول‪ ...‬سيِّدتي‪ ،‬قد يكون األضمن أن أخلط لحضرة اللورد القليل من‬
‫حليب الخشخاش‪ .‬هكذا تستطيع ميا ستون أن تربطه على ظَهر أكثر بغالها ثباتًا بينما يغيب في السُّبات»‪.‬‬
‫حذرها أبوها‬‫كجوال من ال َّشعير»‪ .‬إليني متيقِّنة من هذا‪ ،‬إذ َّ‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬ال يُمكن أن ينزل سيِّد (العُش) جبله مربوطًا‬
‫من أن يدعوا مبلغ هشاشة روبرت وجُبنه يغدو معرفةً مشاعًا‪ .‬ليته هنا‪ ،‬كان ليعلم ماذا نفعل‪.‬‬
‫غير أن پيتر بايلش بعيد على الجانب اآلخَر من (الوادي)‪ ،‬يحضر زفاف اللورد اليونل كوربراي‪ ،‬وهو‬
‫أرمل تجاو َز األربعين من العُمر وبال أطفال‪ ،‬وسيتز َّوج ابنةً قويَّة البنية في السَّادسة عشرة ألحد تُجَّار‬
‫(بلدة النَّوارس) األغنياء‪ .‬رتَّب پيتر ال ِّزيجة بنفسه‪ ،‬ويُقال إن َمهر العروس باهظ‪ ،‬وال بُ َّد أنه كذلك بالفعل‬
‫بما أنها من أوالد العا َّمة‪ .‬سيحضر أتباع كوربراي ال ِّزفاف‪ ،‬باإلضافة إلى اللوردات واكسلي وجرافتون‬
‫وليندرلي‪ ،‬وبعض اللوردات الصِّغار والفُرسان ُم َّالك األراضي‪ ...‬واللورد بلمور الذي تصال َح مع أبيها‬
‫في الفترة األخيرة‪ ،‬في حين من المتوقَّع أن يتجنَّب لوردات البيان اآلخَرون ال ِّزفاف‪ ،‬ولذا فحضور پيتر‬
‫ضروري‪.‬‬
‫بأمان إلى سفح الجبل على عاتقها‬
‫ٍ‬ ‫تعي إليني ك َّل هذا جيِّدًا‪ ،‬لكن معناه وقوع عبء إنزال العُصفور الجميل‬
‫هي‪.‬‬
‫اسق حضرة اللورد كوبًا من الحليب الحُلو‪ ،‬سيمنعه من االرتجاف خالل رحلة ال ُّنزول»‪.‬‬
‫قالت لل ِمايستر‪ِ « :‬‬
‫شرب واحدًا قبل أقل من ثالثة أيام»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َر َّد كولمون معترضًا‪« :‬لقد‬
‫‪« -‬وأرا َد آ َخر ليلة البارحة‪ ،‬لكنك رفضت»‪.‬‬
‫أخبرت اللورد الحافِظ‪ ،‬ر َّشة واحدة من حُلو‬
‫ُ‬ ‫ت تفهمين يا سيِّدتي‪ .‬كما‬
‫يمض‪ .‬لس ِ‬‫ِ‬ ‫‪« -‬ألن وقتًا كافيًا لم‬
‫الكرى مع الحليب تمنع الرَّجفة‪ ،‬لكن الجسد ال يتخلَّص منه‪ ،‬ومع الوقت‪.»...‬‬
‫ط من فوق الجبل‪ .‬لو أن أبي هنا فأنا واثقة بأنه كان‬ ‫‪« -‬الوقت لن يه َّم إذا أصابَت حضرة اللورد نوبة وسق َ‬
‫ليقول لك أن تُحافِظ على هدوء اللورد روبرت بأيِّ ثَمن»‪.‬‬
‫‪« -‬إنني أحاو ُل يا سيِّدتي‪ ،‬لكن النَّوبات تزداد ُعنفًا‪ ،‬ودمه خفيف للغاية حتى إنني لم أ ُعد أجرؤ على أن‬
‫أعلِّق له ال َعلق‪ .‬حُلو الكرى‪ ...‬أأن ِ‬
‫ت واثقة بأنه لم ينزف من أنفه؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كان يتن َّشق‪ ،‬لكنني لم َ‬
‫أر د ًما»‪.‬‬
‫‪« -‬يجب أن أتكلَّم مع اللورد الحافِظ‪ .‬هذه المأدبة‪ ...‬تُرى أ ِمن الحكمة أن يحضرها بَعد مجهود ال ُّنزول؟»‪.‬‬
‫طمأنَته قائلةً‪« :‬لن تكون مأدبةً كبيرةً‪ .‬أربعون ضيفًا على األكثر‪ .‬اللورد نستور وأهل بيته وفارس الب َّوابة‬
‫وبضع لوردات أدنى شأنًا وحاشيتهم‪.»...‬‬
‫‪« -‬تعلمين أن اللورد روبرت ال يحبُّ ال ُغرباء‪ ،‬وسيكون هناك ُشرب وضوضاء‪ ...‬وموسيقى‪ .‬الموسيقى‬
‫تُخيفه»‪.‬‬
‫قالت مصحِّ حةً‪« :‬الموسيقى تُهَدِّئه‪ ،‬خصوصًا القيثارة السَّامية‪ .‬ما ال يُطيقه هو الغناء منذ قت َل ماريليون‬
‫حدث حقًّا‬
‫َ‬ ‫أُ َّمه»‪ .‬نطقَت إليني هذه الكذبة مرارًا لدرجة أنها تتذ َّكر الموقف هكذا أغلب الوقت بالفعل‪ ،‬أ َّما ما‬
‫ُلم سيِّئ يُقلِق منامها أحيانًا‪« .‬اللورد نستور لن يسمح بالغناء خالل المأدبة‪ .‬ستكون هناك‬ ‫فلم يَعُد أكثر من ح ٍ‬
‫نايات وكمنجات فحسب للرَّقص»‪ .‬ماذا تفعل عندما يبدأ عزف الموسيقى؟ سؤال مزعج لقلبها ع َّدة إجابات‬
‫عنه‪ .‬سانزا تحبُّ الرَّقص‪ ،‬لكن إليني‪« ...‬اسقِه كوبًا من الحليب الحُلو قبل أن نذهب وآ َخر في أثناء المأدبة‬
‫ولن تقع متاعب»‪.‬‬
‫عام على‬ ‫قال‪« :‬ليكن»‪ ،‬وعندما توقَّفا عند قاعدة السَّاللم أضافَ ‪« :‬لكن يجب أن يكون األخير لم َّدة ِنصف ٍ‬
‫األقل»‪.‬‬
‫وخرجت تقطع السَّاحة‪ .‬تعلم إليني أن‬
‫َ‬ ‫ر َّدت‪« :‬يَحسُن أن تقترح هذا على اللورد الحافِظ»‪ ،‬وفت َحت الباب‬
‫كولمون ال يُريد َّإال األفضل ل ُعهدته‪ ،‬لكن األفضل لروبرت الصَّبي واألفضل للورد آرن ليسا ال َّشيء ذاته‬
‫دو ًما‪ .‬هذا ما قاله پيتر وهذه هي الحقيقة‪ .‬لكن ال ِمايستر كولمون مهت ٌّم بالصَّبي فقط‪ ،‬أ َّما أنا وأبي فعلى‬
‫كاهلنا هموم أكبر‪.‬‬
‫ب من البلَّور من ال ُّشرفات واألبراج‪( .‬العُش) مبنيَّة‬ ‫يكسو الثَّلج القديم السَّاحة‪ ،‬وتتدلَّى ُكتل الجليد ِ‬
‫كحرا ٍ‬
‫بأحجار بيضاء ناعمة‪ ،‬وقد جعلَها غطاء ال ِّشتاء أكثر بياضًا‪ .‬جميلة للغاية‪ ،‬منيعة للغاية‪ .‬ليس بمقدورها أن‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫الحرس والخدم كانت القلعة تبدو خالية كمقبرة‪ ،‬وبدَت‬ ‫تحبَّ هذا المكان مهما حاولَت‪ .‬حتى قبل رحيل َ‬
‫عال‪ ،‬وحتى‬ ‫ت ٍ‬ ‫كذلك أكثر بَعد رحيل پيتر بايلش‪ .‬ال أحد يُ َغنِّي هنا منذ ماريليون‪ ،‬وال أحد يضحك بصو ٍ‬
‫اآللهة نفسها صامتة‪ .‬في (العُش) ِسپت لكن ال ِسپتون‪ ،‬وأيكة آلهة لكن ال شجرة قلوب‪ .‬كثي ًرا تُفَ ِّكر‪ :‬ال‬
‫ُّ‬
‫تهف بال‬ ‫أدعية تُجاب هنا‪ ،‬وإن كانت أحيانًا تَشعُر بوحد ٍة تحدو بها إلى المحا َولة‪ .‬ال يُجيبها هنا َّإال الرِّ يح‪،‬‬
‫نهاي ٍة حول األبراج البيضاء الرَّفيعة السَّبعة وترجُّ (باب القمر) متى هبَّت‪ .‬وسيكون الوضع أسوأ في‬
‫ال ِّشتاء‪ .‬في ال ِّشتاء سيكون هذا سجنًا أبيض باردًا‪.‬‬
‫ومع ذلك تكاد فكرة الرَّحيل تُخيفها ِمثلما تُخيف روبرت‪ ،‬والفرق أنها تُجيد إخفاء خوفها‪ .‬قال أبوها إن ال‬
‫ُخجل في ال ُّشعور بالخوف‪ ،‬إن الخجل يأتي فقط من إبدائه‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬كلُّ البَشر يتعايَشون مع‬ ‫شيء ي ِ‬
‫الخوف»‪ .‬ليست إليني واثقةً بأنها تعتقد ذلك‪ ،‬فال شيء يُخيف پيتر بايلش‪ .‬لم يقل هذا َّإال ليُ َشجِّعني‪ .‬عليها‬
‫أن تكون ُشجاعةً في األسفل‪ ،‬حيث فُرصة افتضاح أمرها أكبر كثيرًا ج ًّدا‪ .‬كان أصدقاء پيتر في البالط قد‬
‫العفريت وسانزا ستارك‪ ،‬وقد ذ َّكرت نفسها وهي تنزل سُلَّ ًما‬ ‫رجاال يبحثون عن ِ‬ ‫ً‬ ‫أبلَغوه بإرسال الملكة‬
‫حجريًّا متجلِّدًا‪ :‬سأفق ُد رأسي إذا اكتشفوا هُويَّتي‪ .‬يجب أن أكون إليني طيلة الوقت‪ ،‬قلبًا وقالبًا‪.‬‬
‫وجدَت لوثور برون في ُغرفة الرَّافعات يُسا ِعد مورد ال َّسجَّان واثنين من الخدم على َرصِّ صناديق‬
‫المالبس ولفائف األقمشة في ستَّة دال ٍء ضخمة من خشب السَّنديان‪ ،‬ك ٌّل منها يتَّسع لثالثة رجال‪ .‬الرَّافعات‬
‫وإال فعليك أن تنزل‬‫ذات السَّالسل أسهل وسيل ٍة لبلوغ القلعة الفرعيَّة (سماء) الواقعة أسفلهم بستِّمئة قدم‪َّ ،‬‬
‫المدخنة الحجريَّة الطَّبيعيَّة من القبو التَّحتي‪ .‬أو تُغا ِدر كما غاد َر ماريليون والليدي اليسا من قبله‪.‬‬
‫سألَها السير لوثور‪« :‬هل قا َم الصَّبي؟»‪.‬‬
‫‪« -‬إنه يستح ُّم‪ .‬سيكون مستع ًّدا خالل ساعة»‪.‬‬
‫فخرجت كلُّ كلم ٍة منه‬
‫َ‬ ‫‪« -‬لنأمل هذا‪ .‬ميا لن تنتظر بَعد انتصاف النَّهار»‪ .‬ليست في ُغرفة الرَّافعات تدفئة‪،‬‬
‫مصحوبةً بالبُخار‪.‬‬
‫‪« -‬ستنتظر‪ ،‬يجب أن تنتظر»‪.‬‬
‫أظن أنها تُفَضِّل تركنا جميعًا نموت جوعًا‬ ‫‪« -‬ال تكوني متأ ِّكدةً هكذا يا سيِّدتي‪ .‬الفتاة نفسها نِصف بغلة‪ُّ .‬‬
‫قبل أن تُ َعرِّ ض حيواناتها للخطر»‪ .‬ابتس َم حين قال هذا‪ ،‬فف َّكرت‪ :‬دائ ًما يبتسم عندما يتكلَّم عن ميا ستون‪.‬‬
‫ميا أصغر كثيرًا من السير لوثور‪ ،‬لكن حين كان أبو إليني يتوسَّط في زواج اللورد كوربراي وابنة التَّاجر‬
‫أخب َرها بأن الفتيات ال َّشابَّات يكن أسعد دائ ًما مع الرِّ جال األكبر‪ ،‬وقال‪« :‬البراءة والخبرة تصنعان زيجةً‬
‫مثاليَّةً»‪.‬‬
‫تساءلَت إليني عن رأي ميا في السير لوثور‪ .‬بأنفه العريض وف ِّكه المربَّع و َشعره الصُّ وفي األشيب ال يُمكن‬
‫وصف برون بالوسامة‪ ،‬لكنه ليس قبيحًا كذلك‪ .‬وجه تقليدي لكنه صادق‪ .‬على الرغم من تقليده الفُروسيَّة‬
‫فالسير لوثور وضيع المولد للغاية‪ .‬في ليل ٍة أخب َرها بأنه قريب آلل برون أوالد (الغور البنِّي)‪ ،‬وهُم عائلة‬
‫ذهبت إليهم عندما ماتَ أبي‪ ،‬لكنهم ازدروني‬ ‫ُ‬ ‫قديمة من الفُرسان من (الرَّأس المتصدِّع)‪ ،‬وبا َح لها ً‬
‫قائال‪« :‬‬
‫لست من دمهم»‪ .‬لم يقل ما جرى بَعدها‪ ،‬وذك َر فقط أنه تعلَّم ك َّل ما يعرفه عن السِّالح بالطَّريقة‬ ‫ُ‬ ‫وقالوا إنني‬
‫الصَّعبة‪ .‬إنه رجل هادئ حين يكون مفيقًا‪ ،‬لكنه ال يفتقر إلى الق َّوة‪ .‬وپيتر يقول إنه مخلص ويثق به كثي ًرا‪.‬‬
‫تحسب إليني أن برون زوج ال بأس به لفتا ٍة نغلة كميا ستون‪ .‬ربما كان األمر ليختلف لو أن أباها اعترفَ‬
‫بها‪ ،‬لكنه لم يفعل‪ ،‬ومادي تقول إنها ليست عذراء أيضًا‪.‬‬
‫التقطَ مورد سوطه وهوى بضربة‪ ،‬وتحرَّك أول زوجين من الثِّيران بتثاقُ ٍل في دائر ٍة لتدور الرَّافعة‪،‬‬
‫وانحلَّت السِّلسلة مصلصلةً إذ احت َّكت بالحجر‪ ،‬وتأرج َح ال َّدلو السَّنديان إذ بدأ نزوله الطَّويل إلى (سماء)‪.‬‬
‫ثيران مسكينة‪ .‬قبل أن يُغا ِدر مورد سيذبحها ويَترُكها للصُّ قور‪ ،‬وما يتبقَّى منها عند إعادة فتح (العُش)‬
‫سيُشوى من أجل مأدبة الرَّبيع‪ ،‬هذا إذا لم يفسد‪ .‬ت َّدعي جرتشل العجوز أن مخزونًا وافرًا من اللَّحم المتج ِّمد‬
‫بربيع من الرَّخاء‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ي ِعد‬
‫قال السير لوثور‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬األفضل أن تعلمي أن ميا لم تصعد وحدها‪ .‬الليدي ميراندا معها»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه»‪ .‬لِ َم تصعد الجبل لمجرَّد أن تنزله ثانيةً؟ ميراندا رويس ابنة اللورد نستور‪ ،‬وكانت غائبةً في المرَّة‬
‫الوحيدة التي زا َرت فيها سانزا (ب َّوابات القمر) في الطَّريق إلى أعلى مع الليدي اليسا واللورد پيتر‪ ،‬لكنها‬
‫زمن طويل‪ ،‬ولذا تتولَّى الليدي ميراندا‬ ‫ٍ‬ ‫سم َعت الكثير عنها من جنود وخادمات (العُش)‪ .‬ماتَت أ ُّمها منذ‬
‫بكثير من غيابها‪ ،‬وقد نبَّه پيتر إليني ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أعمال قلعة أبيها‪ ،‬ويُشاع أن وجودها يجعل المكان أكثر نشاطًا‬
‫فعليك بالحذر‪ .‬إنها تحبُّ لعب دور البلهاء‬ ‫ِ‬ ‫آجال ستلتقين ميراندا رويس‪ ،‬وعندما تفعلين‬ ‫عاجال أو ً‬ ‫ً‬ ‫«‬
‫لسانك في حضورها»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المرحة‪ ،‬لكنها في أعماقها أمكر من أبيها‪ .‬صوني‬
‫سأصونه‪ ،‬لكني لم أتوقَّع أن أفعل بهذه السُّرعة‪« .‬سيفرح روبرت»‪ .‬الصَّبي يحبُّ ميراندا رويس‪« .‬بَعد‬
‫إذنك أيها الفارس‪ ،‬يجب أن أنهي حزم أغراضي»‪ .‬وحدها صعدَت ال َّدرج إلى ُغرفتها للمرَّة األخيرة‪.‬‬
‫وصدَت وأُس ِدلَت ستائرها و ُغطِّ َي األثاث‪ ،‬وقد نُقِ َل بعض حاجياتها بالفعل و ُخ ِّزنَت البقيَّة‪.‬‬ ‫كانت النَّوافذ قد أُ ِ‬
‫ب من الكتَّان ال َّشفَّاف‬‫تقرَّر أن تبقى جميع مالبس الليدي اليسا المفصَّلة من الحرير والسَّميت‪ ،‬وكذا كلُّ ثو ٍ‬
‫والمخمل الفاخر والتَّطريز الفخم وشرائط ال ِّزينة المايريَّة‪ .‬هناك باألسفل على إليني أن ترتدي ثيابًا‬
‫متواضعةً تليق بفتا ٍة متواضعة‪ .‬ال يه ُّم‪ .‬لم أجرؤ على ارتداء أفضل الثِّياب هنا أيضًا‪.‬‬
‫كانت جرتشل قد خل َعت مالءات الفِراش ووض َعت عليه بقيَّة مالبسها‪ .‬تحت ت ُّنورتها ترتدي إليني بالفعل‬
‫الحمالن‬ ‫طويال من الصُّ وف مع طبقتين من الثِّياب ال َّداخليَّة‪ ،‬واآلن أضافَت سُترةً من صوف ِ‬ ‫ً‬ ‫جوربًا‬
‫حاك مطلي بالمينا كان هديَّةً من پيتر‪.‬‬ ‫س على شكل طائر ُم ٍ‬ ‫ومعطفًا من الفرو مز َّودًا بقلنسوة ثبَّتته بدبُّو ٍ‬
‫الجلد المبطَّن بالفرو يتماشيان مع حذائها‪ ،‬ول َّما‬ ‫وشاح أيضًا‪ ،‬ودسَّت يديها في قُفَّازين من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لفَّت ُعنقها ب‬
‫ارتدَت ك َّل شي ٍء أحسَّت كأنها بدينة مكس َّوة بالفرو ك ُدبٍّ صغير‪.‬‬
‫ذ َّكرت نفسها قائلةً‪ :‬على الجبل سيكون هذا من دواعي سروري‪ .‬ألقَت نظرةً أخيرةً على ال ُغرفة قبل أن‬
‫كنت آمنةً هنا‪ ،‬لكن باألسفل‪...‬‬ ‫تَخ ُرج مف ِّكرةً‪ُ :‬‬
‫بصبر نافد مع لوثور برون ومورد‪ .‬ال بُ َّد‬
‫ٍ‬ ‫حين عادَت إليني إلى ُغرفة الرَّافعات وجدَت ميا ستون منتظرةً‬
‫الجلد التي‬ ‫أنها صعدَت في ال َّدلو لترى ما يُؤَ ِّخرنا‪ .‬على الرغم من نحولها تبدو ميا متينةً كسراويل الرُّ كوب ِ‬
‫قميص من الحلقات المعدنيَّة المفضَّضة‪ ،‬ولها َشعر أسود كجناح ال ُغداف‪ ،‬قصير وأشعث‬ ‫ٍ‬ ‫ترتديها تحت‬
‫تظن أنها تقطعه بالخنجر ال المقص‪ .‬أفضل مالمح ميا عيناها ال َّزرقاوان الكبيرتان‪ .‬من‬ ‫ُّ‬ ‫لدرجة أن إليني‬
‫الممكن أن تبدو حسناء إذا ارتدَت ثياب الفتيات‪ .‬وجدَت إليني نفسها تتسا َءل إن كان السير لوثور يحبُّها‬
‫والجلد أم يَحلُم بها مرتديةً الحرير وشرائط ال ِّزينة‪ .‬تحبُّ ميا أن تقول إن أباها‬ ‫ِ‬ ‫أكثر وهي ترتدي الحديد‬
‫كان كب ًشا وأُ َّمها بومةً‪ ،‬لكن إليني سم َعت القصَّة الحقيقيَّة من مادي‪ ،‬واآلن تَنظُر إليها مف ِّكرةً‪ :‬نعم‪ ،‬هاتان‬
‫ك فيه مع رنلي‪.‬‬ ‫عيناه‪ ،‬ولها َشعره أيضًا‪ ،‬ال َّشعر األسود الكثيف الذي اشتر َ‬
‫سألَتها النَّغلة‪« :‬أين هو؟»‪.‬‬
‫‪« -‬حضرة اللورد يستح ُّم ويرتدي ثيابه»‪.‬‬
‫ُسرع‪ .‬الطَّقس يزداد برودةً‪ ،‬أال تَشعُرين به؟ يجب أن نتجا َوز (ثلج) قبل غروب ال َّشمس»‪.‬‬
‫‪« -‬يجب أن ي ِ‬
‫‪« -‬ما مدى سوء الرِّيح؟»‪.‬‬
‫وأزاحت ُخصلةً نافرةً عن عينها‬ ‫َ‬ ‫ر َّدت ميا‪« :‬يُمكن أن تكون أسوأ‪ ...‬وستكون كذلك بَعد هبوط الظَّالم»‪،‬‬
‫مضيفةً‪« :‬إذا قضى وقتًا أطول في االستحمام فسنبقى حبيسين هنا طيلة ال ِّشتاء وال شيء نأكله َّإال بعضنا‬
‫بعضًا»‪.‬‬
‫تدر إليني ِب َم تر ُّد‪ ،‬لكن لحُسن ال َحظِّ أعفاها وصول روبرت آرن‪ ،‬وقد ارتدى اللورد الصَّغير المخمل‬ ‫لم ِ‬
‫صفِّير ومعطفًا أبيض من فرو الدِّببة‪ ،‬ورف َع ك ٌّل من ُمرافِقيْه أحد‬ ‫األزرق السَّماوي وسلسلةً من َّ‬
‫الذهب وال َّ‬
‫طرفيه وراءه كي ال يجرَّه على األرض‪ .‬اصطحبَهم ال ِمايستر كولمون مرتديًا معطفًا رماديًّا خفيفًا مبطَّنًا‬
‫بفرو ال َّسناجب‪ ،‬ولحقَت بهم جرتشل ومادي‪.‬‬
‫جبنَ روبرت ل َّما شع َر بال ِّريح على وجهه‪ ،‬وإن حا َل وقوف تيرانس وجايلز وراءه دونه والفِرار‪ ،‬وسألَته‬
‫هال نزلت معي يا سيِّدي؟»‪.‬‬ ‫ميا‪َّ « :‬‬
‫ف َّكرت إليني‪ :‬لهجتها جافَّة للغاية‪ .‬كان يَج ُدر بها أن تُ َحيِّيه بابتسام ٍة وتقول له كم يبدو قويًّا ُشجاعًا‪.‬‬
‫قال اللورد روبرت‪« :‬أري ُد إليني‪ .‬لن أذهب مع غيرها»‪.‬‬
‫‪« -‬ال َّدلو يسع ثالثةً»‪.‬‬
‫رائحتك سيِّئة كالبغال»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أري ُد إليني فقط‪ .‬أن ِ‬
‫ت‬
‫تعبير على وجهها‪« :‬كما ترغب»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ر َّدت ميا بال‬
‫بسالل من الخيزران‪ ،‬وبعضها بالدِّالء السَّنديان القويَّة التي يفوق أكبرها‬ ‫ٍ‬ ‫بعض سالسل الرَّافعات مربوط‬
‫طوال وتُحيط بأضالعه البنِّيَّة ال َّداكنة حلقات من الحديد تُثَبِّتها معًا‪ ،‬وعلى الرغم من هذا كان قلبها‬ ‫ً‬ ‫إليني‬
‫بين قدميها إذ التقطَت يد روبرت وساعدَته على ال ُّدخول‪ .‬ما إن انغلقَت ال ُك َّوة وراءهما أحاطَ بهما الخشب‬
‫ق َّإال أعالهم مفتوحًا‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬هكذا أفضل‪ ،‬فال يُمكننا النَّظر إلى أسفل‪ .‬تحتهما‬ ‫ب ولم يب َ‬
‫من ك ِّل جان ٍ‬
‫قدم كاملة من السَّماء‪ ،‬وللحظ ٍة وجدَت نفسها تتسا َءل كم من الوقت‬ ‫ليس هناك َّإال (سماء) والسَّماء‪ ،‬ستُّمئة ٍ‬
‫آخر فكر ٍة تدور بخلدها إذ اندف َع الجبل إلى أعلى يستقبلها‪.‬‬ ‫ق سقوط هذه المسافة خالتها وماذا كانت ِ‬ ‫استغر َ‬
‫ال‪ ،‬يجب َّأال أف ِّكر في هذا‪ ،‬يجب!‬
‫ك باألرض ثم يتدلَّى ُح ًّرا‪.‬‬ ‫ق السير لوثور‪« :‬هيا!»‪ ،‬ودف َع أحدهم ال َّدلو بق َّو ٍة ليتأر َجح ويميل ويحت َّ‬ ‫زع َ‬
‫ت مضطربة‬ ‫ق الهواء وصلصلة السِّلسلة‪ ،‬ثم بدأ ال َّدلو ينزل بهما بحركا ٍ‬ ‫سم َعت إليني ُكرباج مورد يش ُّ‬
‫ق أكثر‪ .‬رأت وجه روبرت شاحبًا وعينيه منتفختين‪ ،‬لكن يديه ظلَّتا ثابتتين‪ .‬تقلَّصت‬ ‫متشنِّجة ً‬
‫أوال ثم برف ٍ‬
‫عسل من أسفل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫(العُش) من فوقهما‪ ،‬وجعلَت زنازين السَّماء في المستويات األدنى القلعة تبدو كقُرص‬
‫عسل من الجليد‪ ،‬قلعة من الثَّلج‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فف َّكرت إليني سامعةً صفير الرِّيح حول ال َّدلو‪ :‬قُرص‬
‫قدم أصابَت ال َّدلو هبَّة مباغتة جعلَته يميل إلى الجانب ود َّورته في الهواء‪ ،‬ثم صد َمته بق َّو ٍة‬ ‫بَعد نزولهما مئة ٍ‬
‫بوجه الجبل الصَّخري لتنهال عليهما شظايا الجليد والثَّلج ويص َّر السَّنديان‪.‬‬
‫ق روبرت وتشبَّث بها دافنًا وجهه بين ثدييها‪ ،‬فقالت إليني شاعرةً به يرتجف‪« :‬سيِّدي ُشجاع‪ .‬أنا خائفة‬ ‫شه َ‬
‫للغاية حتى إنني أكا ُد أعج ُز عن الكالم‪ ،‬أ َّما أنت فال»‪.‬‬
‫شع َرت به يومئ برأسه‪ ،‬وقال لصدرها بفخر‪« :‬الفارس المجنَّح كان ُشجاعًا‪ ،‬وأنا كذلك‪ .‬إنني من آل‬
‫آرن»‪.‬‬
‫هال تمسَّك بي ُعصفوري الجميل بق َّوة؟»‪ ،‬ولو أن الصَّبي كان متم ِّس ًكا به بش َّد ٍة بالفعل لدرجة أنها‬ ‫سألَته‪َّ « :‬‬
‫تستطيع التقاط أنفاسها بالكاد‪.‬‬
‫صال الطَّريق المباشر إلى (سماء) باألسفل‪.‬‬ ‫ت»‪ ،‬وعلى هذه الحال وا َ‬ ‫همس‪« :‬إذا أرد ِ‬
‫َ‬
‫حين انفت َحت ُك َّوة ال َّدلو ليَخرُجا داخل القلعة الفرعيَّة ف َّكرت إليني‪ :‬وصف هذا المكان بالقلعة كوصف بِرك ٍة‬
‫دار هاللي ال َّشكل من الحجارة القديمة غير‬ ‫على أرض المرحاض بالبُحيرة‪ .‬ليست (سماء) أكثر من ِج ٍ‬
‫كهف كبير‪ .‬في ال َّداخل مخازن واسطبالت وقاعة طويلة طبيعيَّة‬ ‫ٍ‬ ‫المملَّطة يحتوي إفري ًزا صخريًّا ومدخل‬
‫والدِّعامات المنحوتة التي تقود إلى (العُش)‪ ،‬وفي الخارج تتناثَر على األرض الحجارة والجالميد‬
‫قدم باألعلى تبدو‬ ‫ت من التُّربة المك َّومة‪ .‬على ارتفاع ستِّمئة ٍ‬
‫الجدار على منحدَرا ٍ‬ ‫المكسورة‪ ،‬ويُمكن صعود ِ‬
‫(العُش) صغيرةً للغاية حتى إنها تستطيع إخفاءها بيدها‪ ،‬لكن بعيدًا باألسفل يمت ُّد (الوادي) ذهبيًّا وأخضر‪.‬‬
‫بغال مع اثنين من سائقي البغال والليدي ميراندا رويس‪ ،‬وقد اتَّضح‬ ‫داخل القلعة الفرعيَّة ينتظرهم عشرون ً‬
‫أن ابنة اللورد نستور قصيرة ممتلئة في ِسنِّ ميا ستون‪ ،‬ولكن لئن كانت ميا نحيلةً متينة البنيان فميراندا‬
‫ليِّنة الجسد وطيِّبة الرَّائحة‪ ،‬ولها َوركان عريضان وخصر ثخين ونهدان عامران‪ ،‬وتصنع ُخصلها‬
‫وفم صغير وعينين بنِّيَّتين مرحتين‪ .‬حين خر َج روبرت‬ ‫الكستنائيَّة الغزيرة إطارًا حول وجنتين مستديرتين ٍ‬
‫بحذر من ال َّدلو رك َعت في رُقع ٍة من الثَّلج ولث َمت يده وخ َّديه‪ ،‬وقالت‪« :‬كم كبرت يا سيِّدي!»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫قال روبرت مسرورًا‪« :‬حقّا؟»‪.‬‬
‫ضت نافضةً الثَّلج عن ت ُّنورتها‪ ،‬وبينما عا َد ال َّدلو‬‫ر َّدت الليدي كاذبةً‪« :‬قريبًا ستصير أطول مني»‪ ،‬ونه َ‬
‫أنك جميلة‪ ،‬واآلن أرى‬ ‫سمعت ِ‬‫ُ‬ ‫يرتفع إلى (العُش) خاطبَت إليني قائلةً‪« :‬وال بُ َّد ِ‬
‫أنك ابنة اللورد الحافِظ‪ .‬لقد‬
‫صحَّة هذا»‪.‬‬
‫انحنَت إليني‪ ،‬وقالت‪« :‬لُطف من سيِّدتي أن تقول هذا»‪.‬‬
‫ضح َكت الفتاة األكبر ِسنًّا قائلةً‪« :‬لُطف؟ اللُّطف ممل‪ .‬إنني أطم ُح إلى اإلثارة‪ .‬يجب أن تُ ِ‬
‫فصحي لي عن‬
‫أدعوك بإليني؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أسرارك كلِّها في الطَّريق إلى أسفل‪ .‬هل تسمحين لي بأن‬
‫ِ‬
‫لكنك لن تنالي مني أسرارًا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا أرد ِ‬
‫‪« -‬أنا «سيِّدتي» في (ب َّوابات القمر)‪ ،‬لكن هنا على الجبل تستطيعين دعوتي براندا‪ .‬كم ِسنُّ ِك يا إليني؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أربعة عشر عا ًما يا سيِّدتي»‪ .‬كانت قد قرَّرت أن تكون إليني ستون أكبر من سانزا ستارك‪.‬‬
‫ت بريئةً يا إليني؟»‪.‬‬
‫كنت بريئةً‪ .‬أما زل ِ‬
‫كنت في الرَّابعة عشرة‪ .‬كم ُ‬
‫عام مرَّت منذ ُ‬ ‫‪« -‬راندا‪ .‬كأن مئة ٍ‬
‫بك‪ ...‬نعم‪ ،‬بالطَّبع»‪.‬‬
‫تورَّد وجهها‪ ،‬وقالت‪« :‬ال يَج ُدر ِ‬
‫نفسك للورد روبرت؟ أم أن هناك ُمرافقًا غيورًا يَحلُم‬
‫ِ‬ ‫سألَتها الليدي ميراندا مداعبةً‪« :‬ت َّدخرين‬
‫بمحاسنك؟»‪.‬‬
‫ِ‬
‫أجابَت إليني‪« :‬ال»‪ ،‬في حين قال روبرت‪« :‬إنها صديقتي‪ .‬ليس لتيرانس وجايلز أن يناالها»‪.‬‬
‫ق على كوم ٍة من الثَّلج المتجلِّد‪ ،‬وخر َج ال ِمايستر كولمون مع‬ ‫وحطَّ برف ٍ‬ ‫ثان قد وص َل َ‬
‫عندئ ٍذ كان دلو ٍ‬
‫ال ُمرافقيْن تيرانس وجايلز‪ ،‬ثم وص َل الثَّالث بمادي وجرتشل مع ميا ستون‪ .‬لم تُبَدِّد الفتاة النَّغلة وقتًا قبل أن‬
‫تتولَّى القيادة‪ ،‬وقالت لسائقَي البغال اآلخَ ريْن‪« :‬لسنا نُريد أن نعلق هنا على الجبل‪ .‬سآخ ُذ اللورد روبرت‬
‫ورفاقه‪ .‬أوسي‪ ،‬ستنزل بالسير لوثور واآلخَرين‪ ،‬لكن اترُكني أسبقك بساعة‪ .‬كاروت‪ ،‬أنت المسؤول عن‬
‫بغل ستركب اليوم يا سيِّدي؟»‪.‬‬
‫ي ٍ‬ ‫الصَّناديق واألقفاص»‪ ،‬والتفتَت إلى روبرت آرن متسائلةً‪« :‬أ َّ‬
‫‪« -‬كلُّها كريه الرَّائحة‪ .‬سأركبُ الرَّمادي ذا األُذن المقضومة‪ .‬أري ُد أن تركب إليني معي‪ ،‬وميراندا أيضًا»‪.‬‬
‫ظهر بغلك‪ .‬في الهواء رائحة ثلج»‪.‬‬ ‫‪« -‬ليكن‪ ،‬أينما اتَّسع الطَّريق كفايةً‪ .‬هل َّم يا سيِّدي‪ ،‬لنضعك على َ‬
‫م َّر نِصف ساع ٍة آ َخر قبل أن يستع ُّدوا للتَّحرُّ ك‪ ،‬ول َّما امتطى جميعهم البغال ألقَت ميا ستون أمرًا حاز ًما‬
‫ففت َح اثنان من جنود (سماء) الب َّوابة‪ .‬قادَتهم ميا إلى الخارج ووراءها مباشرةً اللورد روبرت متدثِّرًا‬
‫بمعطف فرو الدِّببة‪ ،‬وتب َعتهما إليني وميراندا رويس‪ ،‬ثم جرتشل ومادي‪ ،‬ثم تيرانس ليندرلي وجايلز‬
‫بغال ثانيًا مح َّم ًال بصناديق األعشاب والعقاقير‪.‬‬
‫جرافتون‪ ،‬وفي النِّهاية ال ِمايستر كولمون الذي يقود ً‬
‫الجدار تهبُّ الرِّيح بح َّدة‪ ،‬إذ إنهم فوق مستوى األشجار هنا ومكشوفون لعوامل التَّعرية‪ .‬أحسَّت إليني‬ ‫وراء ِ‬
‫اج من ورائها ودف َعت هبَّة مفاجئة قلنسوتها‪.‬‬ ‫باالمتنان الرتدائها ثيابًا ثقيلةً‪ ،‬وقد را َح معطفها يخفق بإزع ٍ‬
‫ضح َكت‪ ،‬لكن أمامها ببضع ياردات رأت اللورد روبرت يتوتَّر‪ ،‬وقال‪« :‬الطَّقس بارد للغاية‪ .‬يَج ُدر بنا أن‬
‫نعود وننتظر أن يدفأ»‪.‬‬
‫قالت له ميا‪« :‬سيكون أدفأ على أرض الوادي يا سيِّدي‪ .‬سترى حين نصل»‪.‬‬
‫َر َّد روبرت‪« :‬ال أري ُد أن أرى»‪ ،‬لكن ميا لم تُ ِعره انتباهًا‪.‬‬
‫طريقهم سلسلة متع ِّرجة من ال َّدرجات الحجريَّة المنحوتة في جانب الجبل‪ ،‬لكن البغال تحفظ ك َّل بوص ٍة‬
‫فصول ال تُحصى ج َّمدتها وأذابَتها مرا ًرا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫منه‪ ،‬وقد َس َّر هذا إليني‪ .‬هنا وهناك الحجارة محطَّمة من ضغط‬
‫وعلى جانبَي الطَّريق تكسو الصُّ خور رُقع الثَّلج البيضاء لدرج ٍة تُعمي‪ .‬ال َّشمس ساطعة والسَّماء زرقاء‪،‬‬
‫وباألعلى صقور تدور راكبةً الرِّيح‪.‬‬
‫بدال من النُّزول إلى أسفل مباشرةً‪ .‬سانزا‬ ‫تلتف ال َّدرجات جيئةً وذهابًا ً‬ ‫ُّ‬ ‫هنا حيث الجُرف شديد التَّح ُّدر‬
‫ستارك صعدَت الجبل لكن إليني ستون تنزله‪ .‬وجدَت الخاطر غريبًا‪ .‬تَذ ُكر أن في رحلة الصُّ عود نبَّهتها ميا‬
‫إلى إبقاء عينيها على الطَّريق أمامها‪ ،‬وقالت‪« :‬انظُري إلى أعلى ال أسفل»‪ ...‬لكن ذلك ليس ممكنًا في‬
‫أثناء النُّزول‪.‬‬
‫ي‪ .‬على أن ذلك بدا كشي ٍء تفعله الفتاة‬ ‫يُمكنني أن أغلق عينَي‪ .‬البغل يعرف الطَّريق وليس محتا ًجا إل َّ‬
‫الخائفة سانزا‪ ،‬أ َّما إليني فامرأة أكبر ِسنًّا وتتحلَّى ب َشجاعة ال ُّنغول‪.‬‬
‫طابور فردي‪ ،‬لكن بَعد فتر ٍة اتَّسع الطَّريق بما يكفي لركوب اثنين جنبًا إلى جنب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في البداية تحرَّكوا في‬
‫مارسان أشغال اإلبرة مع ِسپتتهما‪« :‬جا َءتنا‬ ‫فلحقَت بها ميراندا رويس‪ ،‬وببساط ٍة قالت كأنهما جالستان تُ ِ‬
‫كتب أن اليونل كوربراي‬ ‫أبيك‪ .‬يقول إنه في طريق العودة‪ ،‬ويأمل أن يرى ابنته العزيزة قريبًا‪َ .‬‬ ‫رسالة من ِ‬
‫يبدو مسرورًا بعروسه‪ ،‬وأكثر سرورًا بال َمهر‪ .‬آم ُل أن يتذ َّكر اللورد اليونل َمن يأخذ منهما إلى الفِراش‪.‬‬
‫الزفاف مع فارس (ال ُّنجوم التِّسع) لدهشة الجميع»‪.‬‬ ‫اللورد پيتر يقول إن الليدي واينوود حض َرت مأدبة ِّ‬
‫انخفض من ستَّ ٍة إلى ثالثة‪ .‬يوم نز َل پيتر بايلش‬‫َ‬ ‫‪« -‬آنيا واينوود؟ حقًّا؟»‪ .‬يبدو إذن أن عدد لوردات البيان‬
‫الجبل كان واثقًا بكسب سايموند تمپلتون إلى صفِّه‪ ،‬ولكن ليس الليدي واينوود‪ .‬سألَت‪« :‬أهناك المزيد؟»‪.‬‬
‫أخبار من العالم الخارجي مهما كانت بسيطةً تافهةً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫(العُش) مكان موحش للغاية‪ ،‬وإليني متش ِّوقة إلى أ ِّ‬
‫مكان َّإال هنا‪( .‬ريڤر َرن)‬‫ٍ‬ ‫أبيك‪ ،‬لكن طيورًا أخرى وصلَت إلينا‪ .‬الحرب مستمرَّة في كلِّ‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬ليس من‬
‫استسل َمت‪ ،‬لكن (دراجونستون) و(ستورمز إند) ما زالَتا صامدتيْن متمسِّكتيْن باللورد ستانيس»‪.‬‬
‫صراع»‪.‬‬ ‫‪« -‬كانت حكمة من الليدي اليسا أن تُبقينا خارج ال ِّ‬
‫من َحتها ميراندا ابتسامةً خبيثةً صغيرةً‪ ،‬وقالت‪« :‬نعم‪ ،‬سيِّدتنا الكريمة كانت آيةً في الحكمة»‪ ،‬واعتدلَت في‬
‫جلستها مردفةً‪« :‬أيجب أن تكون البغال نحيلةً سيِّئة المزاج؟ ميا ال تُط ِعمها كفايةً‪ .‬ركوب البغال السَّمينة‬
‫ت أن هناك ِسپتون أعلى جديدًا؟ أوه‪ ،‬و َحرس اللَّيل لهم قائد صبي اآلن‪ ،‬ابن نغل ما‬
‫مريح أكثر‪ .‬هل علم ِ‬
‫إلدارد ستارك»‪.‬‬
‫اندف َعت تسأل مندهشةً‪« :‬چون سنو؟»‪.‬‬
‫أظن»‪.‬‬‫‪« -‬سنو؟ نعم‪ ،‬ال بُ َّد أن اسمه سنو على ما ُّ‬
‫أخ غير شقيق‪ ،‬ومع ذلك‪ ...‬بَعد موت روب وبران وريكون ال يبقى‬ ‫لم تُفَ ِّكر في چون منذ دهر‪ .‬إنه مجرَّد ٍ‬
‫لها إخوة َّإال چون سنو‪ .‬واآلن أنا نغلة أيضًا‪ِ ،‬مثله تما ًما‪.‬‬
‫جميال أن أراه م َّرةً أخرى‪ .‬لكن بالطَّبع ال يُمكن أن يَح ُدث ذلك أبدًا‪ ،‬فإليني ستون ليس لها‬
‫ً‬ ‫أوه‪ ،‬كم سيكون‬
‫إخوة شرعيُّون أو غير شرعيِّين‪.‬‬
‫تاب َعت ميراندا رويس غير مدرك ٍة ما يجول ببالها‪« :‬ابن عمومتنا يون البرونزي أقا َم التحا ًما جماعيًّا في‬
‫(رونستون)‪ ،‬واحدًا صغيرًا لل ُمرافقين فحسب‪ .‬كان الغرض أن يفوز به هاري الوريث‪ ،‬وقد فع َل»‪.‬‬
‫‪« -‬هاري الوريث؟»‪.‬‬
‫أظن أن علينا أن ندعوه بالسير هاري اآلن‪ .‬يون البرونزي‬ ‫‪« -‬ربيب الليدي واينوود‪ ،‬هارولد هاردينج‪ُّ .‬‬
‫قلَّده الفُروسيَّة»‪.‬‬
‫‪« -‬أوه»‪ .‬شع َرت إليني بالحيرة‪ .‬لماذا يكون ربيب الليدي واينوود وريثها؟ إن لها أبنا ًء من ُذ ِّريَّتها‪ ،‬أحدهم‬
‫فارس (الب َّوابة ال َّدامية) السير دونل‪َّ .‬إال أنها لم ترغب في أن تبدو حمقاء‪ ،‬فاكتفَت بقول‪« :‬أتمنَّى أن يُثبِت‬
‫جدارته بالفُروسيَّة»‪.‬‬
‫قالت الليدي ميراندا ساخرةً‪« :‬أتمنَّى أن يُصاب بالجُدري‪ .‬إن له ابنةً نغلةً من إحدى بنات العوام‪ .‬كان السيِّد‬
‫ضت تما ًما‪ .‬ال أدري إن كانت قد وجدَتني غير‬ ‫والدي يأمل أن يُ َز ِّوجني هاري‪ ،‬لكن الليدي واينوود رف َ‬
‫فعال‪ .‬كان لي واحد‬ ‫زوج آخَر ً‬ ‫ٍ‬ ‫وزفرت مضيفةً‪« :‬إنني في حاج ٍة إلى‬
‫َ‬ ‫الئقة أم السَّبب َمهري فحسب»‪،‬‬
‫لكنني قتلته»‪.‬‬
‫سألَتها إليني مصدومةً‪« :‬حقًّا؟!»‪.‬‬
‫أنك تعرفين ما يَح ُدث في فِراش ال َّزوجية‪ ،‬أليس‬ ‫«أوه‪ ،‬نعم‪ ،‬لقد ماتَ فوقي‪ ،‬في داخلي في الحقيقة‪ .‬آم ُل ِ‬
‫كذلك؟»‪.‬‬
‫ف َّكرت في تيريون وفي كلب الصَّيد وقُبلته وأومأَت برأسها إيجابًا‪ ،‬ثم قالت‪« :‬ال بُ َّد أن هذا كان فظيعًا يا‬
‫سيِّدتي‪ ،‬أن يموت‪ ،‬أعني هناك‪ ...‬بينما‪ ...‬بينما‪.»...‬‬
‫ناهيك بافتقاره إلى الكياسة‪ .‬إنه‬
‫ِ‬ ‫‪ ...« -‬ينكحني؟»‪ ،‬وه َّزت ميراندا كتفيها قائلةً‪« :‬كان هذا مزعجًا بالتَّأكيد‪،‬‬
‫طفال في داخلي حتى‪ .‬المسنُّون نُطفتهم ضعيفة‪ ،‬وهأنذي أرملة لكن مستع َملة‬ ‫لم يتح َّل بلُطف أن يزرع ً‬
‫بالكاد‪ .‬كان يُمكن أن يجد هاري زوجةً أسوأ بكثير‪ ،‬وأتص َّو ُر أنه سيفعل‪ .‬على األرجح ستُ َز ِّوجه الليدي‬
‫واينوود إحدى حفيداتها أو حفيدات يون البرونزي»‪.‬‬
‫قالت إليني متذ ِّكرةً تحذير پيتر‪« :‬كما تقولين يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫ُمكنك أن تقوليها‪ .‬ران‪-‬دا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬راندا‪ .‬هيا‪ ،‬ي‬
‫‪« -‬راندا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ضاجعت ذلك الفتى‬ ‫أنك ستحسبينني فاسقةً‪ ،‬لكنني‬ ‫ُ‬
‫أعرف ِ‬ ‫إليك‪.‬‬
‫ي أن أعتذر ِ‬ ‫‪« -‬هذا أفضل‪ .‬أخشى أن عل َّ‬
‫ً‬
‫جميال ويستطيع أن يفعل أحلى األشياء بأصابعه‪ .‬ما‬ ‫الوسيم ماريليون‪ .‬لم أكن أعل ُم أنه وحش‪ .‬كان غناؤه‬
‫عرفت أنه سيدفع الليدي اليسا من (باب القمر)‪ .‬إنني ‪-‬كمبدأ‪ -‬ال أضاج ُع‬ ‫ُ‬ ‫كنت آلخذه إلى الفِراش إطالقًا لو‬
‫ُ‬
‫ت أجمل مني‪ ،‬لكن ثديَي أكبر‪.‬‬ ‫الوحوش»‪ ،‬وتفرَّست ميراندا في وجه إليني وصدرها‪ ،‬وتاب َعت‪« :‬أن ِ‬
‫ت‬‫ال ِمايسترات يقولون إن األثداء الكبيرة ال تدرُّ لبنًا أكثر من الصَّغيرة‪ ،‬لكنني ال أصدِّق هذا‪ .‬هل عرف ِ‬
‫رضع ٍة بثديين صغيرين من قبل؟ ثدياك كبيران بالنِّسبة إلى فتا ٍة في ِسنِّ ِك‪ ،‬لكن ما داما ثديَي نغلة فلن‬ ‫ُم ِ‬
‫أشغل بالي بهما»‪ ،‬ودنَت أكثر ببغلها سائلةً‪« :‬هل تعلمين أن عزيزتنا ميا ليست بِكرًا؟»‪.‬‬
‫تعلم‪ .‬ذات م َّر ٍة حين جلبَت لهم ميا المؤن من أسفل هم َست لها مادي البدينة بالسِّر‪« .‬مادي أخب َرتني»‪.‬‬
‫تك‪ .‬إن لها ف ًما كبيرًا كفخذيها‪ ،‬وفخذاها هائلتان! مايكل ردفورت هو من فعلَها معها‪ .‬كان‬ ‫‪« -‬طبعًا أخب َر ِ‬
‫ُمرافق لين كوربراي وقتها‪ُ ،‬مرافقًا حقيقيًّا وليس كالجلف الذي يُرافِق السير لين اآلن ويقولون إنه قبلَه في‬
‫بارز شاب في (الوادي) كلِّه‪ ،‬وشه ًما‪ ...‬أو أن هذا ما حسبَته‬ ‫سبيل المال فحسب‪ .‬مايكل كان أفضل ُم ٍ‬
‫ُعطه خيارًا‪،‬‬‫المسكينة ميا إلى أن تز َّوج واحدةً من بنات يون البرونزي‪ .‬إنني واثقة بأن اللورد هورتون لم ي ِ‬
‫ق ميا»‪.‬‬ ‫زال تصرُّ فًا قاسيًا في َح ِّ‬
‫لكنه ما َ‬
‫قالت إليني‪« :‬السير لوثور مغرم بها»‪ ،‬ورمقَت فتاة البغال التي تسبقهما بعشرين درج ٍة مضيفةً‪« :‬أكثر من‬
‫مغرم»‪.‬‬
‫رف َعت ميراندا حاجبًا متسائلةً‪« :‬لوثور برون؟ هل تعرف؟»‪ ،‬ولم تنتظر جوابًا‪ ،‬وأردفَت‪« :‬ال أمل لهذا‬
‫المسكين‪ .‬أبي حاو َل تزويج ميا لكنها تَرفُضهم جميعًا‪ .‬إنها نِصف بغلة»‪.‬‬
‫ظ بصديق ٍة تتبادَل معها القيل‬ ‫رغ ًما عنها وجدَت إليني نفسها تحسُّ بال ُو ِّد نحو الفتاة األخرى‪ .‬إنها لم تح َ‬
‫والقال منذ چين پوول المسكينة‪ .‬سألَت الفتاة التي تكبَرها ِسنًّا وتبدو عليمةً بالعالم‪« :‬هل تظنِّين أن السير‬
‫والجلد أم يَحلُم بها ترفل في الحرير والمخمل؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لوثور يحبُّها كما هي في الحلقات المعدنيَّة‬
‫‪« -‬إنه رجل‪ ،‬أي أنه يَحلُم بها عاريةً»‪.‬‬
‫حاول أن تجعل وجهي يتورَّد ثانيةً‪.‬‬ ‫تُ ِ‬
‫إنك تتخضَّبين بدرج ٍة جميلة من الوردي حقًّا‪ .‬عندما‬ ‫ال بُ َّد أن الليدي ميراندا سم َعت أفكارها‪ ،‬إذ قالت‪ِ « :‬‬
‫أبوك ال َّزواج‬
‫ِ‬ ‫يتورَّد وجهي أبدو كتفَّاحة‪ ،‬لكنه لم يتورَّد منذ سنوات»‪ ،‬ومالَت عليها متسائلةً‪« :‬هل ينوي‬
‫ثانيةً؟»‪.‬‬
‫وبشكل ما وتَّرتها الفكرة‪ ،‬ووجدَت نفسها تتذ َّكر التَّعبير على وجه اليسا‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬أبي؟»‪ .‬لم تُفَ ِّكر إليني في ذلك‪،‬‬
‫آرن إذ ه َوت من (باب القمر)‪.‬‬
‫قالت ميراندا‪« :‬ك ُّلنا نعلم كم كان مخلصًا لليدي اليسا‪ ،‬ولكن ال يجوز أن يظ َّل حزينًا عليها إلى األبد‪ .‬إنه‬
‫أظن أنه يستطيع اختيار َمن يشاء من نِصف عذارى‬ ‫ُّ‬ ‫في حاج ٍة إلى زوج ٍة شابَّة حسناء تغسل أحزانه‪.‬‬
‫كنت أتمنَّى لو أن له اس ًما أفضل‬‫زوج أفضل من لوردنا الحافِظ الجريء؟ وإن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫(الوادي) النَّبيالت‪ ،‬فهل من‬
‫ي درجة؟ هل تعرفين؟»‪.‬‬ ‫من اإلصبع الصَّغير‪ .‬صغير أل ِّ‬
‫عا َد وجهها يتورَّد‪ ،‬وقالت‪« :‬إصبعه؟ ال‪ ...‬إنني لم‪.»...‬‬
‫عليك‬
‫ِ‬ ‫أطلقَت الليدي ميراندا ضحكةً صاخبةً دف َعت ميا ستون إلى النَّظر إليهما من فوق كتفها‪ ،‬وقالت‪« :‬ال‬
‫يا إليني‪ ،‬إنني واثقة بأنه كبير بما فيه الكفاية»‪.‬‬
‫مرُّ وا من تحت قنطر ٍة نحتَتها الرِّيح‪ ،‬حيث تتدلَّى ُكتل الجليد من الحجارة ال َّشاحبة ويَقطُر منها الماء عليهم‪.‬‬
‫قدم أو أكثر‪ ،‬فتراج َعت ميراندا مرغمةً وسلَّمت‬ ‫على الجانب اآلخَر يضيق الطَّريق وينحدر بح َّد ٍة لمئة ٍ‬
‫إليني القيادة لبغلها‪ ،‬ودف َعتها ش َّدة انحدار هذه المرحلة من الرِّحلة إلى التَّشبُّث ب َسرجها بق َّوة‪ .‬ال َّدرجات هنا‬
‫أصبحت تُحاكي سلسلةً من التَّجاويف الحجريَّة‬ ‫َ‬ ‫متآكلة بفعل حدوات كلِّ البغال التي وطأَتها‪ ،‬إلى أن‬
‫بالذهبي في شمس األصيل‪.‬‬ ‫الضَّحلة التي يمأل الماء قيعانها ملتمعًا َّ‬
‫إنه ماء اآلن‪ ،‬لكن مع حلول الظَّالم سيتح َّول كلُّه إلى جليد‪ .‬انتبهَت إليني إلى أنها تحبس أنفاسها فأطلقَتها‪.‬‬
‫وشك ميا ستون واللورد روبرت على بلوغ الق َّمة الصَّخريَّة المستدقَّة التي يستوي عندها المنحدَر من‬ ‫اآلن تُ ِ‬
‫جديد‪ ،‬فحاولَت أن تَنظُر إليهما وإليهما فقط قائلةً لنفسها‪ :‬لن أسقط‪ ،‬بغل ميا سيَعبُر بي‪ .‬صد َحت الرِّيح من‬
‫ً‬
‫كامال‪.‬‬ ‫ق ُعمرًا‬ ‫حولها وهي تنزل متخبِّطةً درجةً درجةً‪ ،‬وبدا لها كأن هذا الجزء استغر َ‬
‫وفجأةً صا َرت في قاع المنحدَر مع ميا واللورد الصَّغير المنكمش تحت ق َّم ٍة صخريَّة مح َّززة‪ .‬أمامهم يمت ُّد‬
‫ِسناد حجري مرتفع ضيِّق يكسوه الجليد‪ ،‬وإذ سم َعت إليني الرِّيح تَصرُخ وشع َرت بها تش ُّد معطفها تذ َّكرت‬
‫هذه البُقعة من رحلة الصُّ عود‪ ،‬وقد أخافَتها حينئ ٍذ وتُخيفها اآلن‪ .‬كانت ميا تقول للورد روبرت بنبر ٍة مرحة‪:‬‬
‫«إنه أوسع مما يبدو‪ ،‬عرضه ياردة وطوله ليس أكثر من ثمان ياردات‪ ،‬هذا ال شيء»‪.‬‬
‫ر َّدد روبرت‪« :‬ال شيء»‪ ،‬وكانت يده ترتجف‪.‬‬
‫أوه‪ ،‬ال‪ ،‬أرجوك‪ ،‬ليس هنا‪ ،‬ليس اآلن‪.‬‬
‫أوال ثم أعو ُد ألعبر بك»‪ ،‬لكن اللورد‬‫‪« -‬األفضل أن نقود البغال مترجِّلين‪ .‬بَعد إذن سيِّدي سأعب ُر ببغلي ً‬
‫ظ َّل يُ َحدِّق إلى السِّناد الضيِّق بعينيه المحمرَّتين‪ ،‬فوعدَته ميا قائلةً‪« :‬لن أتأ َّخر يا‬
‫روبرت لم ي ُِجب و َ‬
‫سيِّدي»‪ ،‬وإن ش َّكت إليني في أن الصَّبي سم َعها من األصل‪.‬‬
‫خرجت النَّغلة ببغلها من تحت الق َّمة المستدقَّة أطبقَت عليها الرِّيح بأسنانها‪ ،‬وارتف َع معطفها يتل َّوى‬‫َ‬ ‫حين‬
‫ويُ َرف ِرف في الهواء‪ ،‬وترنَّحت ميا وبدا ألق ِّل من لحظ ٍة أن الرِّيح ستُلقيها في الهاوية‪ ،‬لكنها استعادَت‬
‫توا ُزنها بوسيل ٍة ما وواصلَت طريقها‪.‬‬
‫أمس َكت إليني يد روبرت المقفَّزة لتمنعه من االرتجاف‪ ،‬وقالت‪ُ « :‬عصفوري الجميل‪ ،‬إنني خائفة‪ِ .‬‬
‫أمسك‬
‫يدي وسا ِعدني على العبور‪ .‬أعل ُم أنك لست خائفًا»‪.‬‬
‫رمقَها ببؤبؤيْن كثُقبين داكنين في عينين متَّسعتين مبيضَّتين كالبيض‪ ،‬وقال‪ُ « :‬‬
‫لست خائفًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس أنت‪ .‬أنت فارسي المجنَّح أيها السير العُصفور الجميل»‪.‬‬
‫همس روبرت‪« :‬الفارس المجنَّح كان يستطيع الطَّيران»‪.‬‬
‫َ‬
‫ر َّدت‪« :‬أعلى من الجبال»‪ ،‬واعتص َرت يده‪.‬‬
‫كانت الليدي ميراندا قد انض َّمت إليهما عند الق َّمة المستدقَّة‪ ،‬ول َّما رأت ما يَح ُدث ر َّددت‪« :‬كان يستطيع‬
‫الطَّيران حقًّا»‪.‬‬
‫قال اللورد روبرت‪« :‬السير العُصفور الجميل»‪ ،‬وأدر َكت إليني أنها ال تستطيع انتظار رجوع ميا‪ ،‬وهكذا‬
‫ساعدَت الصَّبي على التَّرجُّ ل‪ ،‬وبيدين متعانقتين خرجا إلى السِّناد الحجري العاري بمعطفين يخفقان‬
‫ويتل َّويان من ورائهما‪ ،‬ال يُحيط بهما َّإال الهواء الفارغ والسَّماء‪ ،‬وعلى الجانبين األرض بعيدة بعيدة‪،‬‬
‫وتحت أقدامهما جليد وحجارة مكسَّرة تنتظر أن يتعثَّر فيها أحدهم ويلتوي كاحله‪ .‬كانت ال ِّريح تعوي‬
‫بشراسة‪ ،‬فف َّكرت سانزا‪ :‬كأنه صوت ذئب‪ ،‬ذئب شبحي جبَّار كالجبال‪.‬‬
‫ثم إذا بهما على الجانب اآلخَر‪ .‬ضح َكت ميا ستون ورف َعت الصَّبي محتضنةً إياه‪ ،‬فقالت لها إليني‪:‬‬
‫صدع‬
‫ٍ‬ ‫ت تظنين هذا لكنه يستطيع»‪ .‬وجدا مكانًا له في‬ ‫«احترسي‪ ،‬يُمكنه أن يُؤذيك عندما يُلَ ِّوح بأطرافه‪ .‬لس ِ‬
‫انقضت الرَّجفة‪ ،‬فيما عادَت ميا لمساعَدة‬ ‫َ‬ ‫في الصَّخر يقيه من الرِّيح الباردة‪ ،‬واعتنَت إليني به حتى‬
‫اآلخَرين على العبور‪.‬‬
‫بغاال جديدةً في انتظارهم‪ ،‬ووجبةً ساخنةً من يخنة الماعز والبصل‪ .‬أكلَت إليني مع ميا‬ ‫في (ثلج) وجدوا ً‬
‫ت ُشجاعة عالوةً على ح ِ‬
‫ُسنك»‪.‬‬ ‫وميراندا‪ ،‬وقالت لها الثَّانية‪« :‬أن ِ‬
‫ُ‬
‫كنت ألقوى‬ ‫كنت خائفةً‪ .‬ال ُّ‬
‫أظن أنني‬ ‫ُ‬ ‫لست ُشجاعةً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جعلَت المجا َملة وجهها يتورَّد مج َّددًا‪ ،‬وقالت‪« :‬ال‪،‬‬
‫ت تَسقُطين»‪.‬‬‫على العبور دون اللورد روبرت»‪ ،‬والتفتَت إلى ميا ستون قائلةً‪« :‬كد ِ‬
‫ت مخطئة‪ .‬إنني ال أسقطُ أبدًا»‪.‬‬ ‫ر َّدت ميا التي نز َل َشعرها على وجنتها مخفيًا عينها‪« :‬أن ِ‬
‫رأيتك‪ .‬ألم تكوني خائفةً؟»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت‪ .‬لقد‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫قلت كد ِ‬
‫طويال كالسَّماء‬ ‫ً‬ ‫رجال يُلقيني في الهواء وأنا صغيرة للغاية‪ ،‬يقف‬ ‫ً‬ ‫ه َّزت ميا رأسها نفيًا مجيبةً‪« :‬أذك ُر‬
‫ويُلقيني عاليًا ج ًّدا فأشع ُر كأنني أطيرُ‪ ،‬وكالنا يضحك‪ ،‬يضحك بق َّو ٍة لدرجة أنني أكا ُد ال أستطي ُع التقاط‬
‫أنفاسي‪ ،‬وأخيرًا يتعالي ضحكي حتى إنني أبلِّ ُل ثيابي‪ ،‬فيجعله هذا يضحك أكثر وأكثر‪ .‬لم أشعر بالخوف‬
‫وأزاحت َشعرها النَّافر متابعةً‪« :‬وفي‬ ‫َ‬ ‫أعرف أنه سيكون موجودًا دو ًما ليلتقطني»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكنت‬ ‫ط بينما يُلقيني‪،‬‬ ‫قَ ُّ‬
‫ً‬
‫رجال‪،‬‬ ‫ُكونك‪ .‬لكن الجبل ليس‬ ‫ِ‬ ‫يوم لم يَعُد موجودًا‪ .‬ال ِّرجال يأتون ويذهبون‪ ،‬يكذبون أو يموتون أو يَتر‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫ق ببغالي ولن أسقط»‪ ،‬ووض َعت يدها على صخر ٍة محززة‬ ‫ق بأبي وأث ُ‬ ‫والحجارة ابنة الجبل‪ .‬إنني أث ُ‬
‫طويال وأش ُّم رائحة عاصفة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ضت مستطردةً‪« :‬أنهيا طعامكما‪ .‬ما زا َل طريقنا‬ ‫ونه َ‬
‫بدأت الثُّلوج تَسقُط لدى خروجهم من (حجر)‪ ،‬أكبر وأدنى القالع الفرعيَّة الثَّالث التي تُدافِع عن الطَّريق‬
‫واقترحت الليدي ميراندا أن يعودوا أدراجهم ويقضوا اللَّيل في‬ ‫َ‬ ‫إلى (العُش)‪ .‬كان الغسق ينتشر وقتها‪،‬‬
‫رفضت قائلةً‪« :‬ربما يكون ُعمق الثُّلوج خمسة‬ ‫َ‬ ‫(حجر) ثم يستأنفوا النُّزول مع شروق ال َّشمس‪َّ ،‬إال أن ميا‬
‫واصل الطَّريق‪ .‬سنتحرَّك‬ ‫أقدام عندها‪ ،‬وستكون ال َّدرجات خ َّداعةً حتى بالنِّسبة إلى البغال‪ .‬األفضل أن نُ ِ‬
‫ببُطء»‪.‬‬
‫وقد كان‪ .‬أسفل (حجر) ال َّدرجات أعرض وأقلُّ انحدارًا‪ ،‬تتخلَّل أشجار الصَّنوبر والحارس الطَّويلة التي‬
‫جذر وصخر ٍة في الطَّريق إلى‬ ‫ٍ‬ ‫تكسو منحدَرات (رُمح العمالق) السُّفلى‪ ،‬كما يبدو أن بغال ميا تعرف ك َّل‬
‫أسفل‪ ،‬وكلُّ ما تنساه ال َّدواب تتذ َّكره الفتاة‪.‬‬
‫صروا أضواء (ب َّوابات القمر) من خالل الثَّلج المتساقط‪ ،‬وكانت‬ ‫كان نِصف اللَّيل قد َم َّر بالفعل عندما أب َ‬
‫وغاب‬
‫َ‬ ‫المرحلة األخيرة من رحلتهم األكثر هدو ًءا وسال ًما‪ .‬سقطَ الثَّلج بوتير ٍة ثابتة مغلِّفًا العالم باألبيض‪،‬‬
‫العُصفور الجميل في النَّوم فوق َسرجه ورا َح يتمايَل إلى األمام والخلف مع حركة بغله‪ ،‬وحتى الليدي‬
‫ُمكنك أن‬‫ِ‬ ‫ميراندا بدأت تتثا َءب وتشتكي من اإلرهاق‪ ،‬وقالت إلليني‪« :‬جهَّزنا مساكن لكم جميعًا‪ ،‬لكن ي‬
‫شاركيني فِراشي اللَّيلة‪ .‬إنه يسع أربعة»‪.‬‬ ‫تُ ِ‬
‫‪« -‬سيكون هذا من دواعي َشرفي يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫شاركني‬ ‫لست أري ُد َّإال الخلود إلى النَّوم‪ ،‬لكن عادةً عندما تُ ِ‬‫ُ‬ ‫نفسك محظوظةً ألنني مت َعبة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬راندا‪ .‬اعتبري‬
‫الفتيات الفِراش فعليهن أن يدفعن ضريبة الوسادة ويُخبِرنني باألشياء المثيرة التي فعلنَها»‪.‬‬
‫‪« -‬وماذا لو لم يفعلن أشياء مثيرةً؟»‪.‬‬
‫ت بالطَّبع‪ .‬إنني‬
‫أجابَت ميراندا‪« :‬عليهن إذن أن يعترفن باألشياء المثيرة التي ي ُِردن أن يفعلنها‪ .‬ليس أن ِ‬
‫أرى عفَّ ِ‬
‫تك بمجرَّد النَّظر إلى وجنتيك المتو ِّردتين هاتين وعينيك ال َّزرقاوين الكبيرتين»‪ ،‬وعادَت تتثا َءب‪،‬‬
‫قدميك دافئتان‪ .‬أكرهُ رفيقات الفِراش باردات األقدام»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ثم أضافَت‪« :‬آم ُل أن‬
‫حين وصلوا إلى قلعة أبيها أخيرًا كانت الليدي ميراندا قد أخ َذها الوسن أيضًا وإليني تَحلُم بالفِراش قائلةً‬
‫لنفسها‪ :‬سيكون فِرا ًشا بحشيَّ ٍة من الرِّيش‪ ،‬ناع ًما ودافئًا ووثيرًا وعليه كومة من األغطية الفرو‪ .‬سأرى حُل ًما‬
‫جميال ول َّما أستيقظُ سأسم ُع كالبًا تنبح ونسوةً يتبادَلن النَّميمة عند البئر وسيوفًا تصلُّ في السَّاحة‪ ،‬والحقًا‬
‫ً‬
‫صياح والضَّحك بَعد صمت (العُش) المميت‪.‬‬ ‫ستُقام مأدبة فيها موسيقى ورقص‪ .‬كم ُّ‬
‫تحن إلى ال ِّ‬
‫لكن بينما ترجَّل الرَّاكبون عن بغالهم خر َج أحد ُحرَّاس پيتر من الحصن ً‬
‫قائال لها‪« :‬ليدي إليني‪ ،‬اللورد‬
‫انتظارك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الحافِظ في‬
‫سألَته مبغوتةً‪« :‬هل عادَ؟»‪.‬‬
‫‪« -‬في المساء‪ .‬ستجدينه في البُرج الغربي»‪.‬‬
‫السَّاعة أدنى إلى الفَجر من الغسق وأكثر أهل القلعة نيام‪ ،‬ولكن ليس پيتر بايلش الذي وجدَته إليني جالسًا‬
‫رجال ال تعرفهم‪ .‬نهضوا جميعًا لدى‬ ‫ٍ‬ ‫قطق ويشرب النَّبيذ المتبَّل السَّاخن مع ثالثة‬ ‫نار تُطَ ِ‬
‫إلى جوار ٍ‬
‫أباك»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬إليني‪ ،‬تعالي وقبِّلي ِ‬ ‫دخولها‪ ،‬وابتس َم لها پيتر بدف ٍء ً‬
‫عانقَته بطاع ٍة وطب َعت قُبلةً على خدِّه‪ ،‬ثم قالت‪« :‬آسفةٌ لتطفُّلي يا أبي‪ .‬لم يُخبِرني أحد بأن معك رفاقًا»‪.‬‬
‫ت تتطفَّلين أبدًا يا حُلوتي‪ُ .‬‬
‫كنت أحكي لهؤالء الفُرسان الكرام لت ِّوي عن ابنتي المطيعة»‪.‬‬ ‫‪« -‬لس ِ‬
‫قال فارس شاب أنيق ينسدل َشعره األشقر الكثيف متجاو ًزا كتفيه‪« :‬مطيعة وجميلة»‪.‬‬
‫‪« -‬أجل»‪ ،‬قال الفارس الثَّاني‪ ،‬وهو رجل متين البنيان له لحية كثَّة وخطَها ال َّشيب وأنف أحمر منتفخ تلوح‬
‫ُزرقة عروقه المكسورة ويدان خشنتان كبيرتان كأفخاذ الخنازير‪« .‬لم تَذ ُكر هذا الجزء يا سيِّدي»‪.‬‬
‫كنت ألفعل ال ِمثل لو كانت ابنتي‪ ،‬تحديدًا في وجود أمثالنا من األجالف»‪ ،‬قال الفارس الثَّالث ذو القامة‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫القصيرة والقوام النَّحيل واالبتسامة المعوجَّة واألنف المدبَّب وال َّشعر البُرتقالي الثَّائر‪.‬‬
‫حسبت ثالثتكم فُرسانًا باسلين»‪.‬‬‫ُ‬ ‫ضح َكت إليني‪ ،‬وقالت مداعبةً‪« :‬أأنتم أجالف؟‬
‫قال پيتر‪« :‬هُم فُرسان‪ ،‬أ َّما بسالتهم فما زا َل عليهم إثباتها‪ ،‬لكن لنأمل خيرًا‪ .‬اسمحي لي بتقديم السير‬
‫بايرون والسير مورجارث والسير شادريك‪ .‬أيها الفُرسان‪ ،‬هذه إليني ابنتي الطَّبيعيَّة شديدة َّ‬
‫الذكاء‪ ...‬والتي‬
‫يجب أن أتح َّدث معها إذا تفضَّلتم وسمحتم لنا»‪.‬‬
‫انحنى الفُرسان الثَّالثة وانس َحبوا‪ ،‬ولو أن الطَّويل األشقر لث َم يدها قبل أن يُغا ِدر‪ ،‬ثم سألَت إليني بَعدما‬
‫ق الباب‪« :‬فُرسان متج ِّولون؟»‪.‬‬ ‫انغل َ‬
‫رأيت أن األفضل أن يُحيط بنا المزيد من المسلَّحين‪ .‬األيام تزداد إثارةً لالهتمام يا‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬فُرسان جائعون‪.‬‬
‫حُلوتي‪ ،‬وعندما تُثير األيام اهتمام المرء فال شيء اسمه اإلسراف في الحماية‪( .‬ملك البحار) رج َعت إلى‬
‫(بلدة النَّوارس)‪ ،‬وأوزويل العجوز عا َد ببضع حكايات»‪.‬‬
‫لم تسأله عن كنه تلك الحكايات‪ ،‬فلو أرادَها پيتر أن تعلم ألخب َرها‪ .‬قالت‪« :‬لم أتوقَّع عودتك بهذه السُّرعة‪.‬‬
‫إنني مسرورة ألنك أتيت»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ك وجهها بيديه وقبَّلها على شفتيها‬ ‫كنت ألخ ِّمن هذا من قُ ِ‬
‫بلتك»‪ ،‬وجذبَها إليه وأمس َ‬ ‫َر َّد‪« :‬ما ُ‬
‫«هذه هي القُبلة التي تقول للمرء‪ :‬مرحبًا بعودتك‪.‬‬
‫احرصي على هذا المرَّة القادمة»‪.‬‬
‫ِ‬
‫قالت شاعرةً بالحُمرة تصبغ وجهها‪« :‬نعم يا أبي»‪.‬‬
‫صدِّقي نِصف ما يجري في (كينجز الندنج) يا ُحلوتي‪.‬‬ ‫قال وقد قرَّر التَّغاضي عن قُبلتها الفاترة‪« :‬لن تُ َ‬
‫عت أن‬‫سرسي تزلُّ من حماق ٍة إلى أخرى بمساعَدة مجلسها المك َّون من الصُّ ِّم والبُله والعُمي‪ .‬لطالما توقَّ ُ‬
‫أملت أن أحظى‬ ‫ُ‬ ‫ط أن تفعلها بهذه السُّرعة! أمر مزعج حقًّا‪ .‬لقد‬ ‫تُفقِر البالد وتُ َد ِّمر نفسها‪ ،‬لكنني لم أخال قَ ُّ‬
‫بأربعة أو خمسة أعوام ألزرع بعض البذور وأترك بعض الثِّمار يَنضُج‪ ،‬لكن اآلن‪ ...‬من الجيِّد أنني َّ‬
‫أتغذى‬
‫ً‬
‫طويال‬ ‫على الفوضى‪ .‬أخشى أن القدر القليل من السَّالم والنِّظام اللذين تر َكهما لنا الملوك الخمسة لن يدوما‬
‫في ِظ ِّل الملكات الثَّالث»‪.‬‬
‫ر َّددت حائرةً‪« :‬الملكات الثَّالث؟»‪.‬‬
‫جلبت لفتاتي الغالية هديَّةً»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وبدال من ذلك ابتس َم ً‬
‫قائال‪« :‬‬ ‫ً‬ ‫اختار پيتر َّأال يُفَ ِّسر‪،‬‬
‫َ‬
‫تساوى سرور إليني بدهشتها‪ ،‬وسألَته‪« :‬أهو فُستان؟»‪ .‬كانت قد سم َعت أن في (بلدة النَّوارس) خيَّاطا ٍ‬
‫ت‬
‫بارعات‪ ،‬كما أنها سئ َمت من ارتداء الثِّياب التَّقليديَّة‪.‬‬
‫‪« -‬شيء أفضل‪ .‬خ ِّمني ثانيةً»‪.‬‬
‫‪« -‬جواهر؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال جوهرة تُداني َجمال عينَي ابنتي»‪.‬‬
‫‪« -‬ليمون؟ هل عثرت على ليمون؟»‪ .‬لقد وعدَت العُصفور الجميل بكعك اللَّيمون‪ ،‬وكعك اللَّيمون يتطلَّب‬
‫ليمونًا‪.‬‬
‫لك على زيجة»‪.‬‬ ‫فقت ِ‬ ‫سحبَها پيتر بايلش من يدها وأجل َسها في ِحجره ً‬
‫قائال‪« :‬اتَّ ُ‬
‫‪« -‬زيجة‪ .»...‬شع َرت ب َحلقها يضيق‪ .‬إنها ال تُريد ال َّزواج ثانيةً‪ ،‬ليس اآلن‪ ،‬وربما أبدًا‪ُ « .‬‬
‫لست‪ ...‬ال يُمكنني‬
‫أن أتز َّوج‪ .‬أبي‪ ،‬إنني‪ ،»...‬ورمقَت إليني الباب لتستوثق من إغالقه‪ ،‬ثم هم َست‪« :‬إنني متز ِّوجة بالفعل‪،‬‬
‫أنت تعرف هذا»‪.‬‬
‫وض َع پيتر إصبعًا على شفتيها يُس ِكتها‪ ،‬وقال‪« :‬القزم تز َّوج ابنة ند ستارك ال ابنتي‪ ،‬لكن ب َغضِّ النَّظر عن‬
‫عليك‬
‫ِ‬ ‫هذا‪ ،‬هذه مجرَّد خطبة‪ ،‬أ َّما ال َّزواج فعليه أن ينتظر إلى أن ينتهي أمر سرسي وتتر َّمل سانزا‪ ،‬ثم إن‬
‫أن تلتقي الفتى وتحظي بقبوله‪ .‬الليدي واينوود لن تجعله يتز َّوج رغم إرادته‪ ،‬وقد ش َّددت على هذا بمنتهى‬
‫الحزم»‪.‬‬
‫تساءلَت إليني عاجزةً عن التَّصديق‪« :‬الليدي واينوود؟ لماذا تُ َز ِّوج أحد أبنائها ب‪ ...‬ب‪.»...‬‬
‫ت ابنة اللورد الحافِظ‪ ،‬ال تنسي‪ .‬واينوود عائلة عريقة للغاية وأبيَّة للغاية‪ ،‬وإن لم تكن‬ ‫‪...« -‬نغلة؟ بدايةً أن ِ‬
‫بدأت شراء ديونها‪ .‬على أن هذا ال يعني أن الليدي آنيا قد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اكتشفت عندما‬ ‫بالثَّراء الذي يحسبه المرء‪ ،‬كما‬
‫الذهب‪ ،‬أ َّما إذا كان ربيبًا‪ ...‬هاري ال َّشاب مجرَّد ابن عمومة‪ ،‬وال َمهر الذي عرضته على‬ ‫تبيع ابنًا لها مقابل َّ‬
‫خاطر بإغضاب‬ ‫ضه اليونل كوربراي لت ِّوه‪ .‬كان يجب أن يكون كذلك كي تُ ِ‬ ‫حضرة الليدي أكبر من الذي قب َ‬
‫ت موعودة لهاري هاردينج يا حُلوتي‪ ،‬شريطة أن تظفري‬ ‫فسد ُخططه‪ .‬أن ِ‬ ‫يون البرونزي‪ ،‬ألن هذه ال ِّزيجة تُ ِ‬
‫عليك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بقلبه الغرير‪ ...‬وهو ما لن يستعصي‬
‫أخبرتها به ميراندا عنه على الجبل‪ ،‬ثم قالت‪« :‬لقد قُلِّ َد‬
‫َ‬ ‫‪« -‬هاري الوريث؟»‪ .‬حاولَت إليني أن تتذ َّكر ما‬
‫الفُروسيَّة‪ ،‬وله بنت نغلة من فتا ٍة من العا َّمة»‪.‬‬
‫ك أن هاري يُجيد اإلغواء‪َ .‬شعره رملي ناعم وعيناه‬ ‫‪« -‬وطفل آخَ ر في الطَّريق من واحد ٍة أخرى‪ .‬ال َش َّ‬
‫زرقاوان عميقتان وتظهر غ َّمازتاه حين يبتسم‪ ،‬ويُقال لي إنه شهم للغاية أيضًا»‪ ،‬وداعبَها پيتر بابتسام ٍة‬
‫متابعًا‪« :‬نغلة أو غير نغلة يا حُلوتي‪ ،‬عندما تُعلَن الخطبة ستكونين محطَّ حسد ك ِّل فتا ٍة من النُّبالء في‬
‫(الوادي)‪ ،‬وبعض بنات أراضي النَّهر و(المرعى) أيضًا»‪.‬‬
‫حائرةً سألَته إليني‪« :‬لماذا؟ السير هارولد‪ ...‬كيف يكون وريث الليدي واينوود؟ أليس لها أبناء من دمها؟»‪.‬‬
‫أجاب پيتر‪« :‬ثالثة‪ ،‬وبنات وأحفاد أيضًا»‪.‬‬
‫َ‬
‫سألَته إليني ورائحة النَّبيذ في أنفاسه تتناهى إلى أنفها ممتزجةً بجوز الطِّيب والقرنفل‪« :‬ألن يسبقوا هاري؟‬
‫ال أفه ُم»‪.‬‬
‫أنصتي»‪ ،‬والتقطَ پيتر يدها ومرَّر إصبعه بخفَّ ٍة على راحتها مردفًا‪« :‬اللورد چاسپر آرن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬ستفهمين‪.‬‬
‫أنجب ثالثة أوالد‪ ،‬ابنين وبنتًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫لنبدأ به‪ .‬إنه أبو چون آرن‪ ،‬وقد‬
‫فورث (العُش) واللورديَّة‪ ،‬وتز َّوجت أخته آليس السير إليس واينوود ع ُّم الليدي واينوود‬ ‫َ‬ ‫كان چون األكبر‪،‬‬
‫الحاليَّة»‪ ،‬وارتس َم االمتعاض على وجهه إذ تاب َع‪« :‬إليس وآليس‪ ،‬أليس هذا طريفًا؟ ابن اللورد چاسپر‬
‫ُعاشرها َّإال م َّر ٍة أو مرَّتين قبل أن يموت‬
‫األصغر‪ ،‬السير رونل آرن‪ ،‬تز َّوج فتاةً من عائلة بلمور‪ ،‬لكنه لم ي ِ‬
‫ش آ َخر في ُغرف ٍة‬
‫ضر رونل المسكين في فِرا ٍ‬ ‫بمرض في البطن‪ .‬كان ابنه إلبرت يُولَد في فِرا ٍ‬
‫ش بينما يُحت َ‬ ‫ٍ‬
‫ت منتبهة يا حُلوتي؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أأن‬ ‫‪.‬‬‫مجاورة‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬كان هناك چون وآليس ورونل‪ ،‬لكن رونل ماتَ »‪.‬‬
‫ً‬
‫أطفاال‪ ،‬ولذا ظَ َّل إلبرت ابن‬ ‫‪« -‬عظيم‪ .‬واآلن‪ ،‬چون آرن تز َّوج ثالث مرَّات‪ ،‬لكن أول زوجتين لم تُ ِ‬
‫نجبا له‬
‫ُمارس واجباته ال َّزوجيَّة مع آليس التي وض َعت ً‬
‫طفال‬ ‫ت طويلة‪ .‬في تلك األثناء كان إليس ي ِ‬ ‫أخيه وريثه سنوا ٍ‬
‫ت وصبيًّا عزي ًزا واحدًا اسمه هو اآلخَ ر چاسپر‪ ،‬ثم ماتَت وقد‬ ‫ك َّل عام‪ ،‬وأنجبَت له تسعة أوالد‪ ،‬ثماني فتيا ٍ‬
‫غافال عن الجهود البطوليَّة التي بُ ِذلَت من أجل المجيء به إلى الحياة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خارت قُواها‪ .‬كان چاسپر الصَّبي‬‫َ‬
‫ك الجُدري باثنتين من أخواته تار ًكا َّ‬
‫ست‬ ‫َّ‬
‫وفي ِسنِّ الثالثة رف َسه حصان في رأسه‪ ،‬وبَعدها بفتر ٍة قصيرة فت َ‬
‫أخوات‪ .‬ال ُكبرى تز َّوجت السير دينس آرن‪ ،‬ابن عموم ٍة بعيد لسادة (العُش)‪ .‬لعائلة آرن فروع ع َّدة مبعثرة‬
‫هنا وهناك في (الوادي)‪ ،‬ك ُّلها يتحلَّى بالكبرياء ويعوزه المال‪ ،‬باستثناء فرع آرن في (بلدة النَّوارس) الذي‬
‫تمتَّع أوالده بالعقل وتز َّوجوا تُجَّارًا‪ .‬إنهم أغنياء لكنهم يفتقرون إلى الطِّباع الحميدة‪ ،‬ولذا ال يتكلَّم أحد‬
‫عنهم‪ .‬كان السير دينس ينحدر من أحد الفروع الفخور الفقيرة‪ ...‬لكنه كان ُم ً‬
‫نازال ذائع الصِّيت أيضً ا‬
‫ووسي ًما و ُشجاعًا وينضح كياسةً‪ ،‬وتمتَّع كذلك باسم آرن السِّحري الذي جعلَه زوجًا مثاليًّا ألكبر فتيات‬
‫َ‬
‫حدث أن‬ ‫أصاب إلبرت سوء‪ ،‬وما‬
‫َ‬ ‫واينوود‪ .‬هكذا يكون أوالدهم من آل آرن وورثة (الوادي) التَّالين إذا‬
‫أصاب إلبرت‪ .‬هل تعرفين هذه القصَّة؟»‪.‬‬‫َ‬ ‫الملك المجنون إيرس‬
‫تعرفها‪« .‬الملك المجنون قتلَه»‪.‬‬
‫ك السير دينس زوجته الحُبلى ابنة واينوود ليذهب إلى الحرب‪ .‬ماتَ دينس في‬ ‫‪« -‬بالفعل‪ ،‬وسرعان ما تر َ‬
‫معركة األجراس بجُرع ٍة مفرطة من ال َّشجاعة وضربة فأس‪ ،‬وحين أبلَغوا زوجته بموته ماتَت بدورها من‬
‫الحُزن وتب َعها ابنها حديث الوالدة بَعد فتر ٍة قصيرة‪ .‬ال يه ُّم‪ .‬كان چون آرن قد حص َل لنفسه على زوج ٍة‬
‫شابَّة في أثناء الحرب‪ ،‬زوج ٍة يثق بخصوبتها‪ .‬إنني واثق بأن أمله كان كبيرًا‪ ،‬لكن كلينا يعلم أن ك َّل ما نالَه‬
‫من اليسا كان اإلجهاض واإلمالص و ُعصفورنا الجميل المسكين‪.‬‬
‫قتل شقيقتيها‪،‬‬ ‫وهو ما يُعيدنا إلى بنات إليس وآليس الخمس المتبقِّيات‪ .‬ال ُكبرى ش َّوهها الجُدري الذي َ‬
‫مرتزق‪ ،‬فطردَها السير إليس وانض َّمت إلى األخوات الصَّامتات بَعد‬ ‫ِ‬ ‫فأصب َحت ِسپتة‪ .‬واحدة أخرى أغواها‬
‫أن ماتَ نغلها في بطنها‪ .‬الثَّالثة تز َّوجت سيِّد (جزيرة التَّلَّين) لكن اتَّضح أنها عاقر‪ .‬الرَّابعة كانت في‬
‫طريقها إلى أراضي النَّهر لتتز َّوج واحدًا ما من أبناء عائلة براكن عندما اختطفَتها قبيلة الرِّ جال‬
‫المحروقين‪ .‬هكذا تبقى الصُّ غرى التي تز َّوجت فارسًا من ُم َّالك األراضي في خدمة آل واينوود‪ ،‬وأنجبَت‬
‫له ابنًا س َّمته هارولد ثم ماتَت»‪ ،‬ود َّور پيتر يدها وطب َع قُبلةً خفيفةً على معصمها‪ ،‬وسألَها‪« :‬أخ ِبريني إذن‬
‫يا حُلوتي‪ ،‬ما الذي يجعل هاري الوريث إذن؟»‪.‬‬
‫اتَّسعت عيناها‪ ،‬وقالت‪« :‬إنه ليس وريث الليدي واينوود‪ ،‬بل وريث روبرت‪ .‬إذا ماتَ روبرت‪.»...‬‬
‫قاط َعها پيتر مق ِّوسًا حاجبه‪« :‬عندما يموت روبرت‪ُ .‬عصفورنا الجميل ال ُّشجاع صب ٌّي سقيم بش َّدة‪ .‬إنها‬
‫ت ال أكثر‪ .‬عندما يموت روبرت يُصبِح هاري الوريث اللورد هارولد حامي (الوادي) وسيِّد‬ ‫مسألة وق ٍ‬
‫(العُش)‪ .‬ح َملة راية چون آرن لن يحبُّوني أبدًا‪ ،‬وال روبرت السَّخيف الرَّاجف‪ ،‬لكنهم سيحبُّون صقرهم‬
‫عرك الكستنائي الطَّويل مرتديةً معطف‬ ‫الصَّغير‪ ...‬وحين يجتمعون معًا لحضور زفافه وتَخرُجين ب َش ِ‬
‫س في (الوادي)‬ ‫عذرا ٍء لونه أبيض ورمادي ومطرَّز على ظَهره ال ِّذئب ال َّرهيب‪ ...‬عندها سيتعهَّد كلُّ فار ٍ‬
‫لك يا عزيزتي سانزا‪ ...‬هاري‪ ،‬و(العُش)‪ ،‬و(وينترفل)‪.‬‬ ‫بسيفه ليستر َّد لك حقَّ ِك بالميالد‪ .‬هذه إذن هداياي ِ‬
‫ق هذا قُبلةً أخرى؟»‪.‬‬ ‫أال يستح ُّ‬
‫بِريان‬
‫ف المطر عن الهطول‪َّ ،‬إال أن العالم‬ ‫قالت لنفسها‪ :‬هذا حُلم ش ِّرير‪ ،‬لكن إذا كان حُل ًما فلِ َم األلم الممضُّ ؟ َك َّ‬
‫ثقيال كقميصها المعدني‪ ،‬والحبل الذي يُ َكبِّل رُسغيها متشبِّع تما ًما بالماء الذي‬ ‫بأكمله بليل‪ .‬تَشعُر بمعطفها ً‬
‫جعلَه أضيق وأضيق‪ ،‬ومهما د َّورت يديها ال تستطيع تخليص نفسها منه‪ .‬ال تفهم َمن قيَّدها ولِ َم‪ ،‬وحاولَت‬
‫أن تسأل الظِّالل فلم تُ ِجبها‪ .‬ربما لم تسمعها‪ ،‬ربما ال تكون حقيقيَّةً من األصل‪ .‬تحت طبقات الصُّ وف المبت ِّل‬
‫والحلقات المعدنيَّة التي بدأ الصَّدأ يأكلها بشرتها ملتهبة محمومة‪ ،‬وتتسا َءل بِريان إن كان كلُّ هذا حُل ًما‬
‫محضًا تم َّخضت عنه ال ُح َّمى‪.‬‬
‫انطرحت على وجهها فوق عجيزته كأنها جوال من‬ ‫َ‬ ‫طته‪ ،‬وقد‬ ‫تحتها حصان‪ ،‬وإن كانت ال تَذ ُكر أنها امت َ‬
‫ق مع كلِّ‬ ‫ال ُّشوفان وقُيِّ َد رُسغاها وكاحالها معًا‪ .‬الهواء رطب‪ ،‬واألرض مستترة بالضَّباب‪ ،‬ورأسها يد ُّ‬
‫ُخطوة‪ ،‬وتسمع أصواتًا لكنها ال ترى َّإال التُّربة تحت حوافر الحصان‪ .‬في داخلها أشياء مكسورة‪ ،‬وتحسُّ‬
‫وبدم لزج على وجنتها‪ ،‬وكلُّ ر َّج ٍة أو ر َّد ٍة تطعن ذراعها وتُش ِعل فيها األلم‪ .‬تسمع پودريك‬ ‫ٍ‬ ‫بوجهها متورِّ ًما‬
‫مكان بعيد‪ ،‬ما بر َح يُ َردِّد‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬أيتها الفارس‪ ،‬سيِّدتي‪ ،‬أيتها الفارس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يُناديها كما لو أنه في‬
‫سيِّدتي»‪ .‬صوته خافت عص ٌّي على السَّمع‪ ،‬وفي النِّهاية لم تَعُد تسمع َّإال الصَّمت‪.‬‬
‫ُواجهها‪ ،‬ضخم‬ ‫حل َمت بنفسها في (هارنهال)‪ ،‬في جُبِّ ال ُّدبِّ من جديد‪ ،‬وهذه المرَّة كان العضَّاض َمن ي ِ‬
‫أصلع أبيض كالدِّيدان‪ ،‬وفي وجنتيه القروح المفتوحة‪ .‬عاريًا انقضَّ عليها‪ ،‬يُ َدلِّك ُعضوه ويصرُّ بأسنانه‬
‫المدبَّبة‪ ،‬وفرَّت منه بِريان صائحةً‪« :‬سيفي‪( ،‬حافِظ العهد)‪ ،‬أرجوكم»‪ ،‬لكن المتفرِّجين لم يُجيبوا‪ .‬كان‬
‫رنلي هناك‪ ،‬ومعه ديك الرَّشيق وكاتلين ستارك‪ ،‬وأتى شاجويل وپيج أيضًا‪ ،‬والجُثث المشنوقة من‬
‫ق‬‫األشجار بوجناتها الغائصة وألسنتها المنتفخة ومحاجر عيونها الخالية‪ .‬ولولَت بِريان رُعبًا لمرآها‪ ،‬وأطب َ‬
‫العضَّاض على ذراعها وش َّدها إليه وقض َم قطعةً من وجهها‪ ،‬وسم َعت نفسها تصرُخ‪« :‬چايمي‪ ،‬چايمي!»‪.‬‬
‫وجع‪ ،‬واأللم يتَّقد في ذراعها‬ ‫حتى في أعماق الحُلم الز َمتها اآلالم‪ .‬وجهها ينبض‪ ،‬وكتفها تنزف‪ ،‬وأنفاسها تُ ِ‬
‫كالبرق‪.‬‬
‫صا َحت طالبةً ِمايستر‪ ،‬فأجابَها صوت فتاة‪« :‬ليس هناك ِمايستر‪ ،‬فقط أنا»‪.‬‬
‫ت رفيعة النَّسب في الثَّالثة عشرة لها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي‪ .‬تمت َمت‪« :‬سيِّدتي؟‬ ‫ُ‬
‫أبحث عن بنت‪ ،‬بن ٍ‬
‫ليدي سانزا؟»‪.‬‬
‫ضحكَ رجل‪ ،‬وقال‪« :‬تظ ُّن ِك سانزا ستارك»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال‪ ،‬ستموت»‪.‬‬ ‫‪« -‬ال يُمكنها أن تستم َّر هكذا‬
‫‪« -‬ويقلُّ عدد األُسود واحدًا‪ .‬لن أبكيها»‪.‬‬
‫أوال أنه السِّپتون ميريبولد‪ ،‬لكن الكلمات خطأ‪ .‬اللَّيل مظل ٌم ومفع ٌم‬
‫ُصلِّي فخط َر لها ً‬
‫سم َعت بِريان أحدهم ي َ‬
‫باألهوال‪ ،‬وكذلك األحالم‪.‬‬
‫ويتالصق‪ ،‬واألرض ليِّنة‬
‫َ‬ ‫في غاب ٍة موحش ٍة يركبون‪ ،‬مكان مظلم صامت رطب يتراصُّ فيه شجر الصَّنوبر‬
‫تحت حوافر الحصان‪ ،‬واآلثار التي تَترُكها وراءها تمتلئ بالدِّماء‪ .‬إلى جوارها يركب اللورد رنلي وديك‬
‫كراب وڤارجو هوت‪ ،‬ومن َحلق رنلي يسيل ال َّدم‪ ،‬ومن أُذن الكبش المم َّزقة ُّ‬
‫ينز القيح‪ .‬سألَت بِريان‪« :‬أين‬
‫سنذهب؟ إلى أين تأخذونني؟»‪ ،‬ولم ي ُِجبها أحد‪ .‬وكيف يُجيبون؟ إنهم موتى جميعًا‪ .‬أيعني هذا أنها ميتة‬
‫أيضًا؟ كان اللورد رنلي يسبقها‪ ،‬مليكها الباسم الجميل يقودها عبر األشجار‪ ،‬ورف َعت بِريان عقيرتها تقول‬
‫ط‪ .‬ف َّكرت‪:‬‬ ‫أصال‪ ،‬فرنلي لم يكن يعبس قَ ُّ‬
‫ً‬ ‫له كم تحبُّه‪ ،‬لكن حين التفتَ يَر ُمقها عابسًا رأت أنه ليس رنلي‬
‫لطالما ابتس َم لي‪ ...‬ولو أن‪...‬‬
‫حائر قال رنلي‪« :‬يا للبرودة»‪ ،‬وتحرَّك ِظلٌّ ال يُلقيه رجل‪ ،‬وتدفَّقت دماء سيِّدها الجميل من‬ ‫ٍ‬ ‫س‬
‫ت هام ٍ‬ ‫بصو ٍ‬
‫رجال دافئًا‪َّ ،‬إال أن دماءه باردة كالجليد‪ .‬ليس هذا حقيقيًّا‪ ،‬إنه‬
‫ً‬ ‫غرق يديها‪ .‬كان‬‫فوالذ واقي ُعنقه األخضر لتُ ِ‬
‫حُلم سيِّئ آ َخر‪ ،‬وقريبًا سأصحو‪.‬‬
‫توقَّف حصانها فجأةً‪ ،‬وأطبقَت عليها أي ٍد خشنة‪ .‬رأت خيوط ضوء األصيل األحمر تتخلَّل غصون شجرة‪،‬‬
‫ً‬
‫ورجاال يتحرَّكون على مقرب ٍة منها‬ ‫وحصانًا يبحث بسنابكه وسط األوراق الميتة عن ثمارها السَّاقطة‪،‬‬
‫رجال وربما أكثر‪ .‬لم تتعرَّف بِريان وجوههم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ت خفيضة‪ ،‬عشرة رجال أو اثني عشر‬ ‫ويتكلَّمون بأصوا ٍ‬
‫وكانت على األرض وظَهرها يستند إلى جذع شجرة‪.‬‬
‫قال صوت الفتاة‪« :‬اشربي هذا يا سيِّدتي»‪ ،‬ورف َعت كوبًا إلى شفتيها‪ .‬كان المذاق قويًّا كريهًا‪ ،‬فبصقَت‬
‫أرجوك‪ ،‬ماء»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بِريان ما شربَته‪ ،‬وقالت‪« :‬ماء‪،‬‬
‫دك على احتمال األلم‪ ،‬أ َّما هذا فسيُسا ِعد‪ ...‬بعض ال َّشيء»‪ ،‬وعادَت ترفع‬ ‫ر َّدت الفتاة‪« :‬الماء لن يُسا ِع ِ‬
‫الكوب إلى شفتيها‪.‬‬
‫وقطر على صدرها‪ ،‬ول َّما فر َغ الكوب أعادَت الفتاة مأله من‬ ‫َ‬ ‫سال النَّبيذ على ذقنها‬
‫َ‬ ‫حتى ال ُّشرب يُؤلِم‪.‬‬
‫قِربة‪ ،‬وجرعَت بِريان النَّبيذ حتى لفظَته رغ ًما عنها‪ ،‬وقالت‪« :‬كفى»‪.‬‬
‫ضلوعك تص َّدع‪ ،‬اثنان وربما ثالثة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ذراعك مكسورة وبعض‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬أكثر‪ .‬إن‬
‫‪« -‬العضَّاض»‪ ،‬قالت بِريان متذ ِّكرةً ثِقله فوقها وكيف ارتط َمت رُكبته بصدرها‪.‬‬
‫‪« -‬أجل‪ ،‬وحش حقيقي»‪.‬‬
‫تذ َّكرت ك َّل شيء؛ البرق من فوق والطَّمي من تحت‪ ،‬ورنين قطرات المطر الخافت على فوالذ خوذة كلب‬
‫الصَّيد األسود‪ ،‬والق َّوة الغاشمة في يدَي العضَّاض‪ .‬فجأةً لم تَعُد تحتمل قيودها وحاولَت التَّملُّص من الحبل‪،‬‬
‫بإحكام شديد‪ ،‬وعلى الحبل دم جاف‪ .‬سألَت‬‫ٍ‬ ‫ُفض َّإال إلى إيالمها أكثر‪ .‬معصماها مقيَّدان‬
‫غير أن هذا لم ي ِ‬
‫مرتعدةً‪« :‬هل ماتَ ؟ العضَّاض‪ ،‬هل ماتَ ؟»‪ .‬اآلن تَذ ُكر أسنانه تُ َم ِّزق لحم وجهها‪ ،‬وفكرة أنه ال يزال طليقًا‬
‫مكان ما تجعلها تُريد أن تَصرُخ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يتنفَّس في‬
‫لقك»‪.‬‬ ‫غرس رأس حرب ٍة في مؤ ِّخرة ُعنقه‪ .‬اشربي يا سيِّدتي َّ‬
‫وإال صبَبته في َح ِ‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬ماتَ ‪ .‬جندري‬
‫ُ‬
‫أبحث عن بنت»‪ .‬كادَت تقول‪ :‬أختي‪« .‬بنت رفيعة النَّسب‬ ‫وشربَت بِريان‪ ،‬وبين رشفتين هم َست‪« :‬إنني‬
‫في الثَّالثة عشرة لها عينان زرقاوان و َشعر كستنائي»‪.‬‬
‫‪ُ «-‬‬
‫لست هي»‪.‬‬
‫نعم‪ .‬ترى بِريان هذا‪ .‬الفتاة نحيلة لدرجة أنها تبدو كأنها تُعاني جوعًا مزمنًا‪ ،‬وتجدل َشعرها البنِّي في‬
‫ضفيرة‪ ،‬ونظرة عينيها أكبر من ِسنِّها‪َ .‬شعر بنِّي وعينان بنِّيَّتان ومالمح تقليديَّة‪ .‬إنها ويلو لكن أكبر بستَّة‬
‫صاحبة الخان»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت األخت‪،‬‬
‫أعوام‪« .‬أن ِ‬
‫زرَّت الفتاة عينيها مجيبةً‪« :‬ربما‪ .‬ماذا لو أنني هي؟»‪.‬‬
‫وقرقرت معدتها فخشيَت أن تتقيَّأ‪.‬‬
‫َ‬ ‫اسمك؟»‪،‬‬
‫ِ‬ ‫سألَتها بِريان‪« :‬ما‬
‫‪« -‬ه ِدل‪ِ ،‬مثل ويلو‪ ،‬چاين ه ِدل»‪.‬‬
‫ي‪ .‬الحبل يكشط ِجلد معص َمي ويُدميهما»‪.‬‬
‫أرجوك‪ ،‬أشفِقي عل َّ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬چاين‪ ،‬حلِّي وثاقي‪،‬‬
‫‪« -‬ليس مسموحًا لي‪ .‬ستبقين مقيَّدةً حتى‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬حتى تقفين أمام سيِّدتي»‪ .‬كان رنلي واقفًا وراء الفتاة‪ ،‬يُزيح َشعره األسود عن عينيه‪ .‬ليس رنلي‪،‬‬
‫جرائمك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ريدك أن تدفعي ثَمن‬
‫ِ‬ ‫بل جندري‪« .‬سيِّدتي تُ‬
‫‪« -‬سيِّدتي»‪ .‬كان النَّبيذ يُدير رأسها ويجعل التَّفكير صعبًا‪« .‬قلب الحجر‪ .‬أهي َمن تعني؟»‪ .‬إنها المرأة التي‬
‫ذك َرها اللورد راندل في (بِركة العذارى)‪« .‬الليدي قلب الحجر؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بعضهم يدعوها بهذا وبعضهم بأسماء أخرى؛ األخت الصَّامتة‪ ،‬أُم القسوة‪ ،‬ال َّشنَّاقة»‪.‬‬
‫ال َّشنَّاقة‪ .‬حين أغلقَت بِريان عينيها رأت الجُثث تتأر َجح من الفروع البنِّيَّة الجرداء بوجو ٍه مسو َّدة منتفخة‪،‬‬
‫وفجأةً استب َّد بها خوف عارم‪ ،‬وقالت‪« :‬پودريك‪ُ ،‬مرافقي‪ ،‬أين پودريك؟ واآلخَرون‪ ...‬السير هايل‬
‫والسِّپتون ميريبولد وكلب‪ .‬ماذا فعلتم بكلب؟»‪.‬‬
‫تباد َل جندري والفتاة نظرةً‪ ،‬وكاف َحت بِريان لتنهض‪ ،‬واستطاعَت أن ترفع رُكبةً واحدةً قبل أن يميد بها‬
‫ت الكلب يا سيِّدتي»‪.‬‬ ‫ت التي قتل ِ‬ ‫العالم‪ ،‬وقُبيل أن تبتلعها ُّ‬
‫الظلمة سم َعت جندري يقول‪« :‬أن ِ‬
‫واجه كالرنس كراب‪ .‬كان ضخ ًما شرسًا‬ ‫ثم إذا بها في (قلعة الهمس) من جديد‪ ،‬تقف بين األطالل وتُ ِ‬
‫ويمتطي ثورًا ب ِّريًّا َشعره أكثر شعثًا منه‪ ،‬ورا َح الحيوان يضرب األرض ببراثنه بغض ٍ‬
‫ب حافرًا فيها‬
‫أخاديد عميقةً‪ .‬لكراب أسنان مدبَّبة‪ ،‬ول َّما م َّدت يدها إلى سيفها تمتشقه وجدَت ال ِغمد خاليًا‪ ،‬وإذ انقضَّ السير‬
‫عدال‪ .‬إنها ال تستطيع القتال دون سيفها السِّحري‪ ،‬السَّيف الذي أعطاها‬ ‫كالرنس صا َحت‪« :‬ال!»‪ .‬ليس هذا ً‬
‫السير چايمي إياه‪ ،‬وفكرة أن تخذله كما خذلَت اللورد رنلي تجعلها تُريد االنفجار في البُكاء‪« .‬سيفي‪،‬‬
‫أرجوكم‪ ،‬يجب أن أجد سيفي»‪.‬‬
‫أعلنَ صوت‪« :‬تُريد سيفها»‪.‬‬
‫‪« -‬وأنا أري ُد أن تمصَّ لي سرسي النستر قضيبي‪ ،‬وماذا في هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬چايمي س َّماه (حافِظ العهد)‪ ،‬أرجوكم!»‪َّ .‬إال أن األصوات لم تُ ِ‬
‫صغ‪ ،‬و َك َّر كالرنس كراب عليها كالرَّعد‬
‫وغاصت بِريان في ظُلم ٍة أعمق‪.‬‬
‫َ‬ ‫وأطا َح برأسها‪،‬‬
‫ب ظالل‪ ،‬رجال يُخفون‬ ‫ب ورأسها يتوسَّد ِحجر أحدهم وحولهما من كلِّ جان ٍ‬ ‫حل َمت بنفسها مم َّددةً في قار ٍ‬
‫والجلد ويَسلُكون بهما نهرًا يكسوه الضَّباب بمجاذيف‬ ‫ِ‬ ‫وجوههم بالقلنسوات ويرتدون الحلقات المعدنيَّة‬
‫مكتومة‪ .‬كانت ملتهبةً تتصبَّب عَرقًا‪ ،‬ولكن بوسيل ٍة ما ترتجف أيضًا‪ .‬الضَّباب مليء بالوجوه‪ ،‬وهم َست‬
‫ضفاف‪ :‬المليحة‪ ،‬لكن البوص َر َّد‪ :‬المسخ‪ ،‬المسخ‪ .‬ارتع َشت بِريان‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫أشجار الصَّفصاف على ال ِّ‬
‫«أس ِكتوها‪ ،‬فليُس ِكتها أحد»‪.‬‬
‫ظت المرَّة التَّالية كانت چاين ترفع كوبًا من ال َحساء السَّاخن إلى فمها‪ .‬مرق بصل‪ .‬شربَت منه‬ ‫عندما استيق َ‬
‫ما استطاعَت‪ ،‬إلى أن احتب َست قطعة من الجزر في َحلقها وكادَت تَخنُقها‪ ،‬وكان السُّعال عذابًا‪ .‬قالت الفتاة‪:‬‬
‫«تمهَّلي»‪.‬‬
‫ت مصحوب بالصَّفير‪« :‬جندري‪ ،‬يجب أن أتكلَّم مع جندري»‪.‬‬ ‫قالت بصو ٍ‬
‫صغار ليحميهم»‪.‬‬‫‪« -‬لقد عا َد أدراجه عند النَّهر يا سيِّدتي‪ ،‬رج َع إلى ورشته‪ ،‬إلى ويلو وال ِّ‬
‫ال أحد يستطيع حمايتهم‪ .‬بدأت تَسعُل ثانيةً‪ ،‬فقال أحدهم‪« :‬آه‪ ،‬اترُكيها تختنق ووفِّري لنا الحبل»‪ ،‬وتحرَّك‬
‫بحزام مطعَّم بالحديد‪ ،‬ومن‬
‫ٍ‬ ‫أحد الظِّالل ودف َع الفتاة جانبًا‪ .‬رأته يرتدي الحلقات المعدنيَّة الصَّدئة ويتمنطَق‬
‫ق بكتفيه معطف أصفر ضخم متَّسخ ومشبَّع بالماء‪ ،‬ومن‬‫َوركيه يتدلَّى سيف طويل وخنجر‪ ،‬وقد التص َ‬
‫ب من الفوالذ يُ َك ِّشر عن أنيابه‪.‬‬
‫هاتين الكتفين يرتفع رأس كل ٍ‬
‫وأنَّت بِريان‪ ،‬وقالت‪« :‬ال! ال‪ ،‬أنت ميت‪ ،‬لقد قتلتك»‪.‬‬
‫كنت ألفعلها اآلن لوال أن سيِّدتي ترغب‬ ‫ُ‬ ‫ك كلب الصَّيد‪ ،‬و َر َّد‪« :‬العكس هو الصَّحيح‪ .‬أنا َمن سيَقتُ ِ‬
‫لك‪.‬‬ ‫ضح َ‬
‫رؤيتك مشنوقةً»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫نظرت إلى الفتاة چاين مف ِّكرةً‪ :‬إنها أصغر من أن تكون بهذه القسوة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مشنوقة‪ .‬زلزلَتها الكلمة خوفًا‪.‬‬
‫وشهقَت قائلةً لها‪« :‬العيش والملح‪ .‬الخان‪ ...‬السِّپتون ميريبولد أطع َم األطفال‪ ...‬لقد أكلنا عي ًشا وملحًا مع‬
‫أختك‪.»...‬‬
‫ِ‬
‫ق الضِّيافة يعني الكثير منذ عادَت سيِّدتي من ال ِّزفاف‪ .‬بعض المتدلِّين عند النَّهر‬ ‫قالت الفتاة‪« :‬لم يَعُد َح ُّ‬
‫حسبوا أنفُسهم ضيوفًا أيضًا»‪.‬‬
‫وقال كلب الصَّيد‪« :‬ونحن حسبنا شيئًا آخَر‪ .‬أرادوا أس َّرةً فأعطيناهم األشجار»‪.‬‬
‫بعين واحدة يعتمر خوذةً مستديرةً صدئةً‪« :‬عندنا أشجار أكثر من األسرَّة‪ ،‬دائ ًما عندنا‬ ‫ٍ‬ ‫أضافَ ِظ ٌّل آخَر‬
‫أشجار أكثر»‪.‬‬
‫الجلد‬‫الجلد بال فتحتين للرُّ ؤية‪ ،‬وكت َم ِ‬ ‫ل َّما حانَ وقت التَّحرُّ ك مج َّددًا وضعوا على رأسها غطا ًء من ِ‬
‫ظ َّل مذاق البصل على لسانها الذعًا كمعرفتها بفشلها‪ .‬ينوون شنقي‪ .‬ف َّكرت في‬ ‫األصوات المحيطة بها‪َ .‬‬
‫چايمي وفي سانزا وفي أبيها في (تارث)‪ ،‬وامتنَّت لوجود الغطاء على وجهها إذ أخفى ال ُّدموع المترقرقة‬
‫في عينيها‪ .‬بين الحين واآلخَر تسمع الخارجين عن القانون يتكلَّمون دون أن تُ َميِّز ما يقولونه‪ ،‬وبَعد فتر ٍة‬
‫سلَّمت نفسها إلى اإلنهاك وحركة حصانها البطيئة الرَّتيبة‪.‬‬
‫طرة رأت ال َّشمس‬ ‫هذه المرَّة حل َمت بنفسها في الوطن في (بهو المساء)‪ .‬من نوافذ بهو أبيها الطَّويلة المقن َ‬
‫كنت آمنةً‪.‬‬
‫كنت آمنةً هنا‪ُ ،‬‬ ‫تبدأ رحلة المغيب‪ ،‬وقالت لنفسها‪ُ :‬‬
‫الذهب واألهلَّة الفضَّة‪.‬‬‫كانت ترتدي الحرير المطرَّز‪ ،‬فُستانًا أزرق وأحمر مربَّع النَّقش تُ َزيِّنه ال ُّشموس َّ‬
‫جميال‪ ،‬أ َّما عليها هي فال‪ .‬كانت في الثِّانية عشرة‪ ،‬خرقاء متوتِّرةً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫على بدن فتا ٍة أخرى كان ليبدو فُستانًا‬
‫تنتظر لقاء الفارس ال َّشاب الذي اتَّفق أبوها على زواجها به‪ ،‬الفتى الذي يكبَرها بستَّة أعوام ومن المؤ َّكد‬
‫بطال بعيد الصِّ يت ذات يوم‪ .‬كم تخشى مجيئه‪ .‬ثدياها صغيران للغاية‪ ،‬ويداها وقدماها كبيرة‬ ‫أنه سيُصبِح ً‬
‫ينفك ينفر‪ ،‬وفي البُقعة الغائرة إلى جوار أنفها بثرة‪.‬‬ ‫للغاية‪ ،‬و َشعرها ال ُّ‬
‫ُعطيك وردةً»‪ ،‬لكن الوردة ال جدوى منها‪ ،‬ال يُمكنها أن تحتمي بوردة‪ .‬ما تُريده‬ ‫ِ‬ ‫وعدَها أبوها ً‬
‫قائال‪« :‬سي‬
‫سيف‪( .‬حافِظ العهد)‪ .‬يجب أن أعثر على الفتاة‪ ،‬يجب أن أعثر على َشرفه‪.‬‬
‫ت واسعة‪ .‬حاولَت أن تُ َحيِّيه كما أُملِ َي عليها‪ ،‬فقط لتتدفَّق‬ ‫أخيرًا انفت َح الباب ودخ َل خطيبها بهو أبيها ب ُخطوا ٍ‬
‫الدِّماء من فمها‪ .‬كانت قد قض َمت لسانها بينما تنتظر‪ ،‬وبصقَته عند قد َمي الفارس ال َّشاب ورأت االشمئزاز‬
‫منك»‪ ،‬وألقى الوردة في‬ ‫رأيت خنازير أجمل ِ‬ ‫ُ‬ ‫على مالمحه‪ .‬بنبر ٍة ساخرة قال لها‪« :‬بِريان المليحة‪ .‬لقد‬
‫وجهها‪ ،‬وإذ ابتع َد تم َّوجت ال َجرافِن على معطفه وتش َّوشت واستحالَت إلى أُسود‪ .‬أرادَت أن تصيح‪ :‬چايمي!‬
‫ي! َّإال أن لسانها كان على األرض إلى جوار الوردة تُلَطِّخه الدِّماء‪.‬‬ ‫چايمي‪ُ ،‬عد إل َّ‬
‫واستيقظَت بِريان فجأةً تلهث‪.‬‬
‫سرير من القَشِّ‬
‫ٍ‬ ‫تدر أين هي‪ .‬الهواء بارد ثقيل ويعبق بروائح التُّربة وال ُّدود والعفَن‪ ،‬وهي مستلقية على‬ ‫لم ِ‬
‫تحت كوم ٍة من جلود الغنم‪ ،‬فوق رأسها صخور ومن الجُدران تَبرُز جذور‪ ،‬والضَّوء الوحيد في المكان‬
‫شمع ذائب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ينبعث من شمع ٍة من ال َّشحم يتصاعَد ُدخانها وتُحيط بها بِركة‬
‫ً‬
‫طويال من‬ ‫وبدال منها ترتدي اآلن قميصًا‬ ‫ً‬ ‫أزاحت األغطية‪ ،‬ورأت أن أحدهم جرَّدها من ثيابها و ِدرعها‪،‬‬ ‫َ‬
‫مغسوال حديثًا‪ .‬كان سا ِعدها مثبَّتًا بجبير ٍة ومربوطًا بالكتَّان‪ ،‬وأحسَّت بأحد جانبَي‬
‫ً‬ ‫الصُّ وف البنِّي‪ ،‬خفيفًا لكن‬
‫طي وجنتها وف ِّكها وأُذنها‪ .‬العضَّاض‪...‬‬ ‫وجهها ًّ‬
‫مبتال يابسًا‪ ،‬ول َّما مسَّته وجدَت ضمادةً رطبةً تُ َغ ِّ‬
‫س خفيف كالهواء‪ ،‬وتساءلَت‪« :‬هل من أح ٍد هنا؟»‪.‬‬ ‫ضت بِريان على قدمين من ماء وبرأ ٍ‬ ‫نه َ‬
‫تحرَّك شيء ما في إحدى الفجوات الظَّليلة وراء ال َّشمعة‪ ،‬رجل عجوز أشيب يرتدي األسمال‪ .‬سق َ‬
‫طت‬
‫كنت‬ ‫ك عينيه ً‬
‫قائال‪« :‬ليدي بِريان؟ لقد أفزعتِني‪ُ .‬‬ ‫األغطية التي التحفَ بها إلى األرض‪ ،‬واعتد َل جالسًا وفر َ‬
‫أحل ُم»‪.‬‬
‫ال‪ُ ،‬‬
‫كنت أنا الحالمة‪« .‬ما هذا المكان؟ أهذه زنزانة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كهف‪ .‬كالجرذان علينا أن نهرع إلى جحورنا حين تَخرُج الكالب تتش َّمم آثارنا‪ ،‬والكالب تزداد عددًا‬
‫ب طويل قديم كان لوناه أبيض وورديًّا‪ ،‬و َشعره طويل شائب‬ ‫ك َّل يوم»‪ .‬يرتدي الرَّجل بقايا مهترئةً لثو ٍ‬
‫ت جائعة؟ هل تستطيعين أن تشربي‬ ‫متلبِّد‪ ،‬ويُ َغطِّي زغب خشن ِجلد وجنتيه وذقنه المتهدِّل‪ .‬سألَها‪« :‬أأن ِ‬
‫كوبًا من الحليب بال قيء؟ ربما القليل من ال ُخبز والعسل؟»‪.‬‬
‫‪« -‬أري ُد مالبسي وسيفي»‪ .‬دون قميصها المعدني تَشعُر كأنها عارية‪ ،‬وتُريد (حافِظ العهد) إلى جانبها‪.‬‬
‫صي قدميها‪،‬‬ ‫أرني طريق الخروج»‪ .‬أرض الكهف تُراب وحجارة‪ ،‬خشنة تحت أخم َ‬ ‫«طريق الخروج‪ِ ،‬‬
‫ظالال غريبةً‪ ،‬فف َّكرت‪ :‬أرواح القتلى‬
‫ً‬ ‫وحتى اآلن تَشعُر بال ُّدوار كأنها طافية‪ .‬كان الضَّوء المتذبذب يُلقي‬
‫ت وصدوعًا وشرو ًخا‪ ،‬لكن ال سبيل‬ ‫ُّ‬
‫التفت أنظ ُر إليها‪ .‬في كلِّ ناحي ٍة ترى فجوا ٍ‬ ‫تَرقُص حولي‪ ،‬تختبئ كلَّما‬
‫إلى معرفة الطَّريق الذي يأخذها إلى الخارج‪ ،‬أو الطَّريق الذي يتو َّغل بها في الكهف أكثر أو يقودها إلى‬
‫نهاي ٍة مسدودة‪ .‬كلُّها أسود كالقار‪.‬‬
‫الجلد‪ ،‬لكنها رقيقة على نح ٍو‬
‫جبهتك يا سيِّدتي؟»‪ .‬يده نديبة يابسة ِ‬
‫ِ‬ ‫سألَها سجَّانها‪« :‬هل تسمحين بأن أتحسَّس‬
‫ت من َّكه بلكنات ال ُمدن ال ُحرَّة‪« :‬زالَت ال ُح َّمى‪ .‬عظيم‪ .‬حتى البارحة كان ملمس‬ ‫غريب‪ ،‬وقد أعلن بصو ٍ‬
‫نفقدك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لدك كأنه مشتعل نارًا‪ ،‬وخشيَت چاين أن‬ ‫ِج ِ‬
‫‪« -‬چاين‪ .‬الفتاة الطَّويلة؟»‪.‬‬
‫الطول يا سيِّدتي‪ .‬يدعونها بچاين الفارعة‪ .‬هي التي جب َرت‬ ‫ضاهيك في ُّ‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬هي بالضَّبط‪ ،‬ولو أنها ال تُ‬
‫وجهك أيضًا‪ ،‬غسلَت الجروح‬ ‫ِ‬ ‫ي ِمايستر‪ .‬لقد بذلَت ك َّل ما استطاعَت لعالج‬ ‫ذراعك وض َّمدته ببراعة أ ِّ‬‫ِ‬
‫بال ِمزر المغلي لتُوقِف التَّعفُّن‪ ،‬لكن رغم ذلك‪ ...‬عضَّة اإلنسان شيء قذر‪ .‬إنني واثق بأنها كانت السَّبب في‬
‫وجهك لن‬
‫ِ‬ ‫ال ُح َّمى»‪ ،‬و َمسَّ األشيب وجهها المض َّمد مردفًا‪« :‬اضطررنا إلى قطع القليل من اللَّحم‪ .‬أخشى أن‬
‫ً‬
‫جميال»‪.‬‬ ‫يعود‬
‫ط‪« .‬أتعني ال ُّندوب؟»‪.‬‬ ‫لم يكن كذلك قَ ُّ‬
‫وجنتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬سيِّدتي‪ ،‬ذلك المخلوق مض َغ نِصف‬
‫جفلَت بِريان رغ ًما عنها‪ .‬حين سألَت السير جودوين أن يُ َعلِّمها القتال بالسَّيف قال لها مح ِّذرًا‪ :‬كلُّ فار ٍ‬
‫س‬
‫يحمل ندوب المعارك‪ .‬أهذا ما تُريدين يا بنيَّتي؟ على أن قيِّم السِّالح العجوز كان يقصد إصابات السُّيوف‪،‬‬
‫وما كان ليتوقَّع أسنان العضَّاض المدبَّبة مطلقًا‪« .‬لماذا تَجبُرون عظامي وتغسلون جروحي إذا كنتم‬
‫تنتوون شنقي؟»‪.‬‬
‫ت‬ ‫إنك قاتل ِ‬
‫قيل لي ِ‬‫ونقل بصره إلى ال َّشمعة كأنه لم يَعُد يُطيق النَّظر إليها‪ ،‬وتاب َع‪َ « :‬‬ ‫َ‬ ‫قال‪« :‬لماذا حقًّا؟»‪،‬‬
‫الطرق‪ .‬كانت تعليماته أن يبقى قريبًا متواريًا‪ ،‬وأن‬ ‫مفترق ُّ‬
‫َ‬ ‫ب َشجاع ٍة عند الخان‪ .‬لم يكن يَج ُدر بليم أن يَترُك‬
‫المالحات)‬ ‫يأتي في الحال إذا رأى ال ُّدخان يتصاعَد من المدخنة‪ ...‬لكن حين بلغَه خبر برؤية كلب ( َّ‬
‫الحق تلك المجموعة منذ فتر ٍة‬ ‫شماال بمحاذاة (الفرع األخضر) ابتل َع ُّ‬
‫الطعم‪ .‬كنا نُ ِ‬ ‫ً‬ ‫ق طريقه‬ ‫المسعور يش ُّ‬
‫ُدرك أن الممثِّلين‬ ‫طويلة ج ًّدا‪ ...‬ومع ذلك كان عليه أن يكون أكثر حيطةً‪ .‬هكذا َم َّر نِصف ٍ‬
‫يوم قبل أن ي ِ‬
‫جدوال إلخفاء آثارهم وداروا من ورائه‪ ،‬ثم ضا َع منه المزيد من الوقت في ال َّدوران حول فِرق ٍة‬ ‫ً‬ ‫استخدَموا‬
‫لوالك لما وج َد ليم ورجاله في الخان َّإال الجُثث عندما عادوا‪ .‬لهذا ض َّمدت چاين‬ ‫ِ‬ ‫من فُرسان فراي‪.‬‬
‫رف وفي سبيل أفضل الغايات»‪.‬‬ ‫ت هذه الجروح ب َش ٍ‬ ‫جروحك ربما‪ .‬أيًّا كان ما فعلتِه غير هذا فقد كسب ِ‬
‫ِ‬
‫أيًّا كان ما فعلتِه غير هذا‪« .‬وما الذي تحسبونني فعلته؟ َمن أنتم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬كنا رجال الملك حين بدأنا‪ ،‬لكن رجال الملك يحتاجون إلى ملك‪ ،‬ونحن ال ملك لنا‪ .‬كنا إخوةً أيضًا‪ ،‬لكن‬
‫أخ َّوتنا انفص َمت ُعراها‪ .‬الحقيقة أنني أجه ُل َمن نحن أو إال َم نتَّجه‪ .‬ال أدري َّإال أن الطَّريق مظلم‪ ،‬والنِّيران‬
‫لم تُ ِرني ما يقبع في نهايته»‪.‬‬
‫رأيت الجُثث على فروع األشجار‪ .‬ر َّددت بِريان‪« :‬النِّيران»‪ ،‬وفجأةً فه َمت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أعرف ما في نهايته‪ .‬لقد‬
‫فقالت‪« :‬أنت الرَّاهب المايري‪ ،‬السَّاحر األحمر»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬الم َّدعي الوردي بمعنى أدق‪ .‬أنا (ثوروس) الذي كان‬‫خفض عينيه إلى ثوبه المهترئ وابتس َم بكآب ٍة ً‬
‫َ‬
‫من (مير)‪ ،‬نعم‪ ...‬راهب سيِّئ وساحر أسوأ»‪.‬‬
‫‪« -‬أنت تركب مع دونداريون سيِّد البرق»‪.‬‬
‫‪« -‬البرق يسطع ويخفت ثم ينطفئ تما ًما‪ ،‬وكذا البَشر‪ .‬لقد انطفأَت نار اللورد بريك في هذا العالم‪ ،‬واآلن‬
‫يقودنا ِظلٌّ أكثر جهامةً في مكانه»‪.‬‬
‫‪« -‬كلب الصَّيد؟»‪.‬‬
‫َز َّم الرَّاهب شفتيه مجيبًا‪« :‬كلب الصَّيد ماتَ و ُدفِنَ »‪.‬‬
‫‪« -‬لقد رأيته في الغابة»‪.‬‬
‫‪« -‬حُلم ُح َّمى يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫‪« -‬قال إنه سيَشنُقني»‪.‬‬
‫آخر مرَّة؟ مؤ َّكد أنك تتض َّورين جوعًا»‪.‬‬ ‫ت ِ‬ ‫‪« -‬حتى األحالم تكذب‪ .‬سيِّدتي‪ ،‬متى أكل ِ‬
‫أدر َكت أنها كذلك حقًّا‪ ،‬وأحسَّت بخواء معدتها‪ ،‬فقالت‪« :‬الطَّعام‪ ...‬سأرحِّبُ بالطَّعام‪ُ ،‬شكرًا»‪.‬‬
‫أوال‪ .‬انتظري هنا»‪ ،‬وأشع َل ثوروس ً‬
‫فتيال من شمع ٍة‬ ‫‪« -‬وجبة إذن‪ .‬اجلسي‪ .‬سنتكلَّم أكثر‪ ،‬لكن الوجبة ً‬
‫إفريز صخري‪ ،‬ووجدَت بِريان نفسها بمفردها في الكهف الصَّغير‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذائبة واختفى في فجو ٍة سوداء تحت‬
‫سالح ليَصلُح؛ عصا أو هراوة أو خنجر‪ ،‬لكنها لم‬ ‫ٍ‬ ‫لكن إلى متى؟ ذرعَت المكان باحثةً عن سالح‪ .‬كان أيُّ‬
‫تجد َّإال الصُّ خور‪ .‬ناسبَت إحداها يدها تما ًما‪ ...‬ثم إنها تذ َّكرت (قلعة الهمس) وما جرى لشاجويل حين‬
‫بحجر ضد س ِّكين‪ ،‬ول َّما سم َعت ُخطوات الرَّاهب العائدة تر َكت الصَّخرة تَسقُط على أرض‬ ‫ٍ‬ ‫حاو َل القتال‬
‫الكهف وجل َست من جديد‪.‬‬
‫حمض والعسل كلُّه نف َد‪.‬‬
‫َ‬ ‫آخر حليبنا‬ ‫حامال ُخب ًزا وجُبنةً ووعا ًء من اليخنة‪ ،‬وقال لها‪ٌ « :‬‬
‫آسف‪ِ ،‬‬ ‫ً‬ ‫رج َع ثوروس‬
‫الطَّعام أصب َح شحيحًا‪ ،‬لكن هذا سيُشبِ ِ‬
‫عك»‪.‬‬
‫كانت اليخنة باردةً مليئةً بال ُّدهون وال ُخبز جامدًا والجُبنة أكثر جمودًا‪ ،‬وفي حياتها كلِّها لم تتذ َّوق ِبريان شيئًا‬
‫بهذه اللَّذاذة‪ .‬سألَت الرَّاهب بينما تمسح ثُمالة اليخنة بال ُخبز‪« :‬هل رفاقي هنا؟»‪.‬‬
‫وذهب في حال سبيله‪ .‬لم يكن الرَّجل مؤذيًا‪ .‬اآلخَران هنا‪ ،‬ينتظران الحُكم»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ق سراحه‬ ‫‪« -‬السِّپتون أُط ِل َ‬
‫قطَّبت وجهها قائلةً‪« :‬الحُكم؟ پودريك پاين مجرَّد صبي»‪.‬‬
‫‪« -‬يقول إنه ُمرافق»‪.‬‬
‫‪« -‬أنت تعرف كم يحبُّ الصِّبية التَّباهي»‪.‬‬
‫قتل كذلك»‪.‬‬
‫قاتل في معرك ٍة باعترافه‪ ،‬بل ويقول إنه َ‬
‫‪ُ « -‬مرافق ال ِعفريت‪ .‬لقد َ‬
‫‪« -‬إنه صبي‪ .‬أشفِقوا عليه»‪.‬‬
‫مكان ما في‬
‫ٍ‬ ‫أشك في أن الرَّأفة والرَّحمة والمغفرة ما زا َل لها وجود في‬ ‫ُّ‬ ‫قال ثوروس‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬ال‬
‫(الممالك السَّبع)‪ ،‬لكن ال تتطلَّعي إليها هنا‪ .‬هذا كهف ال معبد‪ .‬حين يُرغَم النَّاس على المعيشة كالجرذان‬
‫في الظَّالم تحت األرض فسرعان ما تنفد منهم ال َّشفقة كما ينفد الحليب والعسل»‪.‬‬
‫‪« -‬والعدالة؟ أيُمكن العثور عليها في كهف؟»‪.‬‬
‫ب ً‬
‫قائال‪« :‬العدالة‪ .‬إنني أذك ُر العدالة‪ .‬كان لها مذاق سار‪ .‬العدالة كانت بُغيتنا وقت أن‬ ‫ابتس َم ثوروس بشحو ٍ‬
‫وأبطاال‪ ...‬لكن بعض الفُرسان قلبه مظل ٌم‬
‫ً‬ ‫قادَنا بريك‪ ،‬أو هكذا أخبَرنا أنفسنا‪ .‬كنا رجال الملك‪ ،‬فُرسانًا‬
‫ومفع ٌم باألهوال يا سيِّدتي‪ .‬الحرب تُحيلنا جميعًا إلى وحوش»‪.‬‬
‫‪« -‬هل تقول إنكم وحوش؟»‪.‬‬
‫رجاال صالحين حين‬ ‫ً‬ ‫ت الوحيدة المثخنة بالجراح يا ليدي بِريان‪ .‬بعض إخوتي كانوا‬ ‫‪« -‬أقو ُل إننا بَشر‪ .‬لس ِ‬
‫بدأنا‪ ،‬وبعضهم كانوا‪ ...‬لنقل إنهم كانوا أق َّل صالحًا‪ .‬ولو أن هناك من يقولون إن بداية الرَّجل ال ته ُّم‪ ،‬وإنما‬
‫ونهض الرَّاهب مردفًا‪« :‬أخشى أن وقتنا معًا‬ ‫َ‬ ‫أظن أن ال َّشيء نفسه ينطبق على النِّساء»‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫نهايته فقط‪.‬‬
‫انتهى‪ .‬إنني أسم ُع إخوتي قادمين‪ .‬سيِّدتنا تَطلُ ِ‬
‫بك»‪.‬‬
‫مشعل يتذب َذب في الممر‪ ،‬وقالت‪« :‬ذكرت أنها ذهبَت إلى (السُّوق‬ ‫ٍ‬ ‫سم َعت بِريان وقع أقدامهم ورأت ضوء‬
‫القصيَّة)»‪.‬‬
‫‪« -‬بالفعل‪ ،‬وعادَت ونحن نائمون‪ .‬إنها ال تنام أبدًا»‪.‬‬
‫قالت لنفسها‪ :‬لن أخاف‪ ،‬لكن أوان ذلك فاتَ بالفعل‪ ،‬فوعدَت نفسها‪ :‬لن أدعهم يرون خوفي‪.‬‬
‫الجلد‪ ،‬وقد تعرَّفت أحدهم‪،‬‬ ‫أتاها أربعة‪ ،‬رجال قُساة وجوههم ت ِعبة يرتدون الحلقات والصَّفائح المعدنيَّة و ِ‬
‫األعور الذي رأته في أحالمها‪.‬‬
‫ت بالطَّعام؟ أتمنَّى‬
‫قائال‪« :‬هل استمتع ِ‬ ‫كان أكبر األربعة حج ًما يرتدي معطفًا أصفر رثًّا متَّس ًخا‪ ،‬وخاطبَها ً‬
‫آخر وجب ٍة ستأكلينها»‪ .‬له َشعر بنِّي ولحية وعضالت مفتولة وأنف انكس َر والتح َم على نح ٍو سيِّئ‪.‬‬ ‫هذا‪ .‬إنها ِ‬
‫أعرف هذا الرَّجل‪ ،‬وقالت له‪« :‬أنت كلب الصَّيد»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ف َّكرت بِريان‪:‬‬
‫أظن أنني هو بما أن سيِّدتي قتلَت‬ ‫ساع كاشفًا منظر أسنانه المعوجَّة النَّخرة ال َّشنيع‪ ،‬و َر َّد‪ُّ « :‬‬‫ابتس َم باتِّ ٍ‬
‫ق‪.‬‬
‫السَّابق»‪ ،‬ود َّور رأسه وبص َ‬
‫قتلت‪ .‬لقد أخ َذ الخوذة من على قبر‬
‫ُ‬ ‫قالت متذ ِّكرة وميض البرق والوحل تحت قدميها‪« :‬رورچ هو َمن‬
‫كليجاين وأنت سرقتها من جثَّته»‪.‬‬
‫‪« -‬لم أسمعه يعترض»‪.‬‬
‫رجل ميت؟ هل انحدَرنا لهذه ال َّدرجة؟»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ق ثوروس فزعًا‪ ،‬وسأ َل‪« :‬أهذا صحيح؟ خوذة‬
‫شه َ‬
‫أجابَه الرَّجل الكبير عابسًا‪« :‬إنه فوالذ جيِّد»‪.‬‬
‫قال الرَّاهب األحمر‪« :‬ال شيء جيِّدًا في هذه الخوذة أو في الرَّجلين اللذين اعتادا اعتمارها‪ .‬ساندور‬
‫رجال َّ‬
‫معذبًا‪ ،‬ورورچ وح ًشا في هيئة إنسان»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كليجاين كان‬
‫‪ُ «-‬‬
‫لست ِمثلهما»‪.‬‬
‫‪« -‬لماذا تُري العالم وجههما إذن؟ هذا وجه شرس شائه مزمجر‪ ...‬أهذا َمن تُريد أن تكون يا ليم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬منظرها سيُخيف أعدائي»‪.‬‬
‫‪« -‬منظرها يُخيفني أنا»‪.‬‬
‫قال ذو المعطف األصفر‪« :‬أغ ِمض عينيك إذن»‪ ،‬ثم ل َّوح بيده بح َّد ٍة مستطردًا‪ِ « :‬‬
‫أحضروا العاهرة»‪.‬‬
‫قاوم بِريان‪ .‬إنهم أربعة وهي واهنة وجريحة وعارية تحت القميص الصُّ وف الطَّويل‪ .‬اضطرَّت إلى‬ ‫لم تُ ِ‬
‫حني ُعنقها كي ال يختبط رأسها بالسَّقف إذ ساقوها في الممرِّ المتعرِّج‪ ،‬ثم ارتف َع الطَّريق أمامهم بح َّد ٍة‬
‫كهف أكبر مليء بالخارجين عن القانون‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وانعطفَ مرَّتين قبل أن يَخرُجوا إلى‬
‫صف األرضيَّة حُفرة نار يصبغ ُدخانها الهواء باألزرق‪ ،‬وقد تلمل َم الرِّ جال قُرب النَّار مدفِّئين‬ ‫في منت َ‬
‫أنفُسهم من برد الكهف‪ ،‬ووقفَ آخَرون عند الحوائط أو جلسوا مربِّعين السِّيقان على أس َّر ٍة من القَش‪ .‬رأت‬
‫أطفال يختلسون النَّظر من وراء تنانير أ َّمهاتهم‪ .‬الوجه الوحيد الذي تعرَّفته بِريان‬
‫ٍ‬ ‫نسا ًء أيضًا‪ ،‬بل وبضعة‬
‫هو وجه چاين ه ِدل الفارعة‪.‬‬
‫صدع في الصَّخر‪ ،‬ووراءها تجلس امرأة ترتدي‬ ‫ٍ‬ ‫على الجانب اآلخَر من الكهف طاولة منصوبة في‬
‫الرَّمادي وتُخفي قلنسوة معطفها وجهها‪ ،‬وفي يدها تاج هو دائرةً رفيعة من البرونز الذي تَبرُز منه سيوف‬
‫حديديَّة صغيرة‪ ،‬وكانت المرأة تتفرَّس فيه وتتحسَّس أصابعها النِّصال كأنها تختبر ح َّدتها‪ ،‬وتحت القلنسوة‬
‫تلتمع عيناها‪.‬‬
‫الرَّمادي لون األخوات الصَّامتات‪ ،‬وصيفات (الغريب)‪.‬‬
‫أحسَّت بِريان بالقشعريرة تسري على عمودها الفقري‪ ،‬وقالت لنفسها‪ :‬قلب الحجر‪.‬‬
‫قال الرَّجل الكبير‪« :‬ها هي ذي يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫أضافَ األعور‪« :‬أجل‪ ،‬عاهرة قاتِل الملك»‪.‬‬
‫سألَت جافلةً‪« :‬لماذا تنعتني بهذا؟»‪.‬‬
‫كأصدقائك أوالد النستر»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لصرت ثريًّا‬
‫ُ‬ ‫ضيًّا ك َّل م َّر ٍة نطق ِ‬
‫ت فيها اسمه‬ ‫نلت ً‬
‫أيال ف ِّ‬ ‫‪« -‬لو ُ‬
‫‪« -‬كان هذا مجرَّد‪ ...‬لستم تفهمون‪.»...‬‬
‫قال الكبير ضاح ًكا‪« :‬حقًّا؟ ُّ‬
‫أظن أننا نفهم تما ًما‪ .‬رائحة األُسود فائحة ِ‬
‫منك أيتها السيِّدة»‪.‬‬
‫‪« -‬غير صحيح»‪.‬‬
‫تق َّدم واحد آخَ ر من الخارجين عن القانون‪ ،‬رجل أصغر ِسنًّا يرتدي سُترةً من ِجلد األغنام مبقَّعةً بال َّشحم‪،‬‬
‫سحب السَّيف‬
‫َ‬ ‫وفي يده (حا ِفظ العهد)‪ ،‬وقد قال بلكن ٍة يكسوها صقيع ال َّشمال‪« :‬هذا يقول إنه صحيح»‪ ،‬ثم‬
‫تموجات النَّصل الحمراء والسَّوداء‬ ‫من ِغمده ووض َعه أمام الليدي قلب الحجر‪ .‬في ضوء بؤرة النَّار بدَت ُّ‬
‫كأنها تتحرَّك‪ ،‬لكن المرأة ذات المعطف الرَّمادي سلَّطت نظراتها على القبيعة وحدها‪ ،‬على رأس األسد‬
‫َّ‬
‫الذهبي ذي العينين الياقوت المتألِّقتين كنجمتين حمراوين‪.‬‬
‫وسحب من ُك ِّمه َرقًّا وض َعه إلى جوار السَّيف مضيفًا‪« :‬الورقة‬
‫َ‬ ‫قال ثوروس المايري‪« :‬هناك هذه أيضًا»‪،‬‬
‫تحمل ختم الملك الصَّبي وتقول إن حاملها مكلَّف منه»‪.‬‬
‫وض َعت الليدي قلب الحجر السَّيف وقرأت ال ِّرسالة‪.‬‬
‫لهدف وجيه‪ .‬السير چايمي حلفَ يمينًا لكاتلين ستارك‪.»...‬‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫عطيت السَّيف‬ ‫قالت بِريان‪« :‬لقد أُ‬
‫قاط َعها الكبير ذو المعطف األصفر‪« :‬ال بُ َّد أن هذا كان قبل أن يذبحها أصدقاؤه‪ .‬ك ُّلنا يعرف قاتِل الملك‬
‫وأيمانه»‪.‬‬
‫ف َّكرت بِريان‪ :‬ال فائدة‪ .‬ال شيء أقوله سيُقنِعهم‪َّ ،‬إال أنها اندف َعت رغم ذلك تقول‪« :‬لقد وع َد الليدي كاتلين‬
‫ُ‬
‫أبحث عن الليدي سانزا‪.»...‬‬ ‫بابنتيها‪ ،‬لكن لدى بلوغنا (كينجز الندنج) كانتا قد رحلَتا‪ .‬چايمي أرسلَني‬
‫ت ستفعلين بها؟»‪.‬‬‫ت على الفتاة فماذا كن ِ‬‫سألَها ال َّشمالي ال َّشاب‪« :‬وإذا عثر ِ‬
‫مكان آمن»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬أحميها‪ ،‬آخذها إلى‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬أين؟ زنزانة سرسي؟»‪.‬‬ ‫ضحكَ الكبير‬
‫‪« -‬ال»‪.‬‬
‫صدِّق أن آل النستر يُعطون أعداءهم سيوفًا‬ ‫ُفترض أن نُ َ‬
‫إنك كاذبة‪ .‬هل ي َ‬
‫ت‪ .‬السَّيف يقول ِ‬ ‫‪« -‬أن ِكري كما شئ ِ‬
‫أنك تحملين الورقة‬ ‫ُّ‬
‫وأظن ِ‬ ‫أرادك أن تُخفي الفتاة عن توأمته؟‬
‫ِ‬ ‫بالذهب والياقوت؟ أن قاتِل الملك‬ ‫مرصَّعةً َّ‬
‫رفيقيك‪ ،»...‬والتفتَ‬
‫ِ‬ ‫المذيَّلة بختم الملك الصَّبي تح ُّسبًا ألن تحتاجي إلى مسح مؤ ِّخ ِ‬
‫رتك بها؟ ثم إن هناك‬
‫الكبير وأشا َر‪ ،‬فانشقَّت صفوف الخارجين عن القانون وجي َء بأسيرين آخَريْن‪ ،‬وقال لليدي قلب الحجر‪:‬‬
‫العفريت يا سيِّدتي‪ ،‬واآلخَر واحد ملعون من فُرسان راندل تارلي اللَّعين»‪.‬‬ ‫«الصَّبي كان ُمرافق ِ‬
‫تلقَّى هايل هَنت ضربًا مبرِّ حًا لدرجة أنها كادَت ال تتعرَّف وجهه المتورِّم‪ ،‬وإذ دفعوه تعثَّر وكا َد يَسقُط‪،‬‬
‫لكن پودريك أمس َكه من ذراعه‪ ،‬ول َّما رأى الصَّبي بِريان قال ببؤس‪« :‬أيتها الفارس‪ ،‬أعني يا سيِّدتي‪ ،‬أنا‬
‫ٌ‬
‫آسف»‪.‬‬
‫ر َّدت بِريان‪« :‬ليس هناك ما تأسف له»‪ ،‬والتفتَت إلى قلب الحجر قائلةً‪« :‬أيًّا كانت الخيانة التي تحسبينني‬
‫ارتكبتها يا سيِّدتي فلم يكن لپودريك والسير هايل دور فيها»‪.‬‬
‫ق عشرين من رجالنا‪ ،‬وآنَ أوان أن‬ ‫قال األعور‪« :‬إنهما أسدان‪ ،‬وهذا يكفي‪ .‬أقو ُل أن يُشنَقا‪ .‬تارلي شن َ‬
‫نشنق أحدًا من رجاله»‪.‬‬
‫ُ‬
‫عرضت‬ ‫من َح السير هايل بِريان ابتسامةً منطفئةً‪ ،‬وقال‪« :‬سيِّدتي‪ ،‬كان حريًّا ِ‬
‫بك أن تتز َّوجيني عندما‬
‫ُ‬
‫سأموت فقيرًا»‪.‬‬ ‫أنك ستموتين عذراء وأنني‬
‫عليك‪ ،‬واآلن أخشى ِ‬‫ِ‬
‫قالت بِريان بضراعة‪« :‬أطلِقوا سراحهما»‪.‬‬
‫لم تُ ِجب المرأة ذات المعطف الرَّمادي‪ ،‬بل أمعنَت النَّظر إلى السَّيف والورقة والتَّاج البرونز والحديد‪،‬‬
‫بإحكام كأنها تُريد أن تَخنُق نفسها‪ ،‬لكنها ً‬
‫بدال من‬ ‫ٍ‬ ‫وأخيرًا رف َعت يدها تضعها تحت ف ِّكها وأمس َكت رقبتها‬
‫ذلك تكلَّمت‪ ...‬صوتها متقطِّع‪ ،‬مكسور‪َّ ،‬‬
‫معذب‪ ،‬ويبدو كأنه يَخرُج من َحلقها ال فمها‪ ،‬جزء منه نعيب‪ ،‬جزء‬
‫منه صفير‪ ،‬جزء منه خشخشة الموت‪ .‬لُغة الملعونين‪.‬‬
‫قالت بِريان‪« :‬ال أفه ُم‪ .‬ماذا قالت؟»‪.‬‬
‫سيفك هذا»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أجاب ال َّشمالي ال َّشاب ذو السُّترة ِ‬
‫الجلد‪« :‬سألَت عن اسم‬ ‫َ‬
‫‪(« -‬حا ِفظ العهد)»‪.‬‬
‫هسه َست المرأة من بين أصابعها‪ ،‬عيناها حُفرتان حمراوان متَّقدتان في الظِّالل‪ ...‬وتكلَّمت ثانيةً‪.‬‬
‫عليك أن تُ َس ِّميه ناقِض العهد‪ ،‬إنه مصنوع للخيانة والغيلة‪ .‬تُ َس ِّميه الصَّديق الغادر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬تقول ال‪ ،‬تقول إن‬
‫ثلك»‪.‬‬
‫ِم ِ‬
‫ُ‬
‫غدرت؟»‪.‬‬ ‫‪« -‬ب َمن‬
‫قال ال َّشمالي‪« :‬بها‪ .‬أيُمكن أن سيِّدتي نسيَت أنها أقس َمت على خدمتها؟»‪.‬‬
‫ث َّمة امرأة واحدة أقس َمت لها عذراء (تارث) على الخدمة‪ ،‬فقالت‪« :‬مستحيل‪ .‬لقد ماتَت»‪.‬‬
‫ضيافة يعنيان الكثير كالسَّابق»‪.‬‬ ‫وح ُّ‬
‫ق ال ِّ‬ ‫تمت َمت چاين ه ِدل الفارعة‪« :‬ما عا َد الموت َ‬
‫جاف متقصِّ ف‬‫ٌّ‬ ‫خفضت الليدي قلب الحجر قلنسوتها وحلَّت الوشاح الصُّ وف الرَّمادي عن وجهها‪َ .‬شعرها‬ ‫َ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أبيض كالعظم‪ ،‬وجبهتها مزيج من األخضر والرَّمادي ومبقعة بشروخ التحلل البنِّيَّة‪ ،‬ولحم وجهها شرائط‬
‫متهتِّكة من عينيها إلى ف ِّكها‪ ،‬بعض شقوقه عليه قشرة من الدِّماء الجافَّة‪ ،‬وبعضها مفتوح يكشف الجمجمة‬
‫من تحته‪.‬‬
‫أملس ناع ًما‪ .‬مألَت ال ُّدموع عينَي بِريان‪ ،‬وقالت‪« :‬ليدي كاتلين؟‬ ‫َ‬ ‫وجهها‪ ،‬وجهها كان قويًّا وسي ًما‪ِ ،‬‬
‫وجلدها‬
‫إنك ُم ِّ‬
‫ت» ‪.‬‬ ‫قالوا‪ ...‬قالوا ِ‬
‫قال ثوروس المايري‪« :‬إنها ميتة‪ .‬آل فراي شقُّوا َحلقها من األُذن إلى األُذن‪ .‬حين وجدناها على ضفَّة‬
‫طويال ج ًّدا كان قد‬
‫ً‬ ‫ي هاروين أن أعطيها قُبلة الحياة‪ ،‬لكن وقتًا‬ ‫النَّهر كانت ميتةً منذ ثالثة أيام‪ .‬توسَّل إل َّ‬
‫بدال مني وانتق َل لهب الحياة إليها‬ ‫رفضت أن أفعلها ثانيةً‪ ،‬فوض َع اللورد بريك شفتيه على شفتيها ً‬ ‫ُ‬ ‫مضى‪.‬‬
‫منه‪ ،‬و‪...‬‬
‫نهضت!»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ضياء‪ ،‬لقد‬
‫ضت‪ .‬فليحمنا إله ال ِّ‬
‫نه َ‬
‫ط‪ ،‬قُل لها هذا‪ .‬أقس ُم باآللهة السَّبعة‪،‬‬ ‫زلت أحل ُم؟ أهذا كابوس آخَر ول َّدته أسنان العضَّاض؟ «لم أخنها قَ ُّ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫أقس ُم بسيفي»‪.‬‬
‫ق الطَّويل الفظيع في ُعنقه‪،‬‬ ‫وض َع ال َّشيء الذي كان كاتلين ستارك يده على َحلقه ثانيةً وض َّمت أصابعه ال َّش َّ‬
‫عليك‬
‫ِ‬ ‫وخرج منه المزيد من الكلمات المخنوقة‪ ،‬ثم قال ال َّشمالي لبِريان‪« :‬تقول إن الكالم هواء‪ ،‬تقول إن‬ ‫َ‬
‫إخالصك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إثبات‬
‫‪« -‬كيف؟»‪.‬‬
‫عهدك لها إذن»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بسيفك‪ .‬تُ َس ِّمينه (حافِظ العهد)؟ سيِّدتي تقول أن تحفظي‬
‫ِ‬ ‫‪«-‬‬
‫‪« -‬ماذا تُريد مني؟»‪.‬‬
‫قال الكبير‪« :‬تُريد ابنها حيًّا أو َمن قتلوه موتى‪ .‬تُريد أن تُط ِعم ال ِغربان كما فعلوا في ِّ‬
‫الزفاف األحمر‪ ،‬آل‬
‫فراي وآل بولتون‪ ،‬نعم‪ .‬هؤالء سنُعطيها العدد الذي ترغبه منهم‪ .‬كلُّ المطلوب ِ‬
‫منك چايمي النستر»‪.‬‬
‫ت تفهمين‪ .‬چايمي‪ ...‬لقد أنق َذني من‬ ‫چايمي‪ .‬كان االسم س ِّكينًا يتل َّوى في بطنها‪« .‬ليدي كاتلين‪ ،‬إنني‪ ...‬لس ِ‬
‫ووثب في جُبِّ ال ُّدبِّ وهو أعزل‪ ...‬أقس ُم‬
‫َ‬ ‫االغتصاب حين أس َرنا الممثِّلون ال َّسفَّاحون‪ ،‬والحقًا عا َد من أجلي‬
‫الزفاف‬ ‫لعب دورًا في ِّ‬ ‫أبحث عن سانزا ألحميها‪ ،‬وال يُمكن أنه َ‬ ‫ُ‬ ‫لك أنه لم يَعُد الرَّجل الذي كانه‪ .‬لقد أرسلَني‬ ‫ِ‬
‫األحمر»‪.‬‬
‫ً‬
‫جدوال‬ ‫وخرجت منها الكلمات مخشخشةً مخنوقةً مكسورةً‪ ،‬تتدفَّق‬ ‫َ‬ ‫انغر َست أصابع الليدي كاتلين في َحلقها‪،‬‬
‫ت‬ ‫عليك أن تختاري‪ُ .‬خذي السَّيف واقتُلي قاتِل الملك َّ‬
‫وإال ُشنِق ِ‬ ‫ِ‬ ‫باردًا كالجليد‪ ،‬ثم قال ال َّشمالي‪« :‬تقول إن‬
‫كخائنة‪ .‬تقول إ َّما السَّيف وإ َّما األنشوطة‪ .‬تقول اختاري‪ ،‬فهيا اختاري»‪.‬‬
‫تذ َّكرت بِريان حُلمها وانتظارها في بهو أبيها الرَّجل الذي كانت ستتز َّوجه‪ .‬في الحُلم قط َعت لسانها‬
‫طت نفسًا مهت ًّزا‪ ،‬وقالت‪« :‬لن أختار»‪.‬‬ ‫بأسنانها‪ .‬وكان فمي مليئًا بال َّدم‪ .‬التق َ‬
‫ت كالنَّعيب‪.‬‬ ‫رانَ صمت طويل‪ ،‬ثم تكلَّمت الليدي قلب الحجر ثانيةً‪ ،‬وهذه المرَّة فه َمت بِريان ما قالته بصو ٍ‬
‫كانتا كلمتين ال أكثر‪« :‬اشنُقوهم جميعًا»‪.‬‬
‫قال الكبير‪« :‬كما تأمرين يا سيِّدتي»‪.‬‬
‫عادوا يُقَيِّدون رُسغَي بِريان بالحبال وساقوها من الكهف صاعدين مم ًّرا حجريًّا متع ِّرجًا إلى السَّطح‪ .‬رأت‬
‫مندهشةً أن الصَّباح طل َع في الخارج‪ ،‬وقد تخلَّلت خيوط ضوء الفَجر ال َّشاحب األشجار‪ .‬أشجار كثيرة ج ًّدا‬
‫ينتقون منها‪ .‬لن يضطرُّ وا إلى أخذنا بعيدًا‪.‬‬
‫بإحكام‬
‫ٍ‬ ‫صفصاف ٍة ملتوية وض َع الخارجون عن القانون أنشوطةً حول ُعنقها وش ُّدوها‬ ‫ولم يفعلوا‪ .‬تحت َ‬
‫وألقوا طرف الحبل اآلخَر من فوق أحد الفروع‪ .‬أعطوا هايل هَنت وپودريك پاين شجرتَي دَردار‪ ،‬وكان‬
‫قائال إنه سيَقتُل چايمي النستر‪ ،‬لكن كلب الصَّيد لط َمه على وجهه فأخر َسه‪ .‬كان قد‬ ‫السير هايل يصيح ً‬
‫آللهتك فاآلن الوقت‬‫ِ‬ ‫اعتم َر الخوذة ثانيةً‪ ،‬وقال لها‪« :‬إذا كانت هناك جرائم تُريدين االعتراف بها‬
‫المناسب»‪.‬‬
‫أرسلوا پودريك مع رُفاتي إلى‬ ‫صفِّير‪ِ .‬‬‫ط‪ .‬سيدفع أبي فديته‪( .‬تارث) تُ َس َّمى جزيرة ال َّ‬ ‫‪« -‬پودريك لم يُؤذيكم قَ ُّ‬
‫ضةً‪ ،‬أيًّا كان ما تُريدون»‪.‬‬ ‫(بهو المساء) وستنالون صفِّيرًا وف َّ‬
‫يستطع فليذهب‬
‫ِ‬ ‫أبوك إعادتهما لي؟ إن لم‬
‫ِ‬ ‫ي زوجتي وابنتي‪ .‬هل يستطيع‬ ‫قال كلب الصَّيد‪« :‬أري ُد أن تعود إل َّ‬
‫جوارك وستنهش ال ِّذئاب عظامكما»‪.‬‬‫ِ‬ ‫إلى الجحيم إذن‪ .‬سيتعفَّن الصَّبي إلى‬
‫سألَه األعور‪« :‬هل تنوي أن تَشنُق الحقيرة يا ليم أم تَقتُلها بكالمك؟»‪.‬‬
‫ُمسكه ً‬
‫قائال‪« :‬لن َر إن كانت تُجيد الرَّقص»‪ ،‬و َش َّد‬ ‫اختطفَ كلب الصَّيد طرف الحبل من الرَّجل الذي ي ِ‬
‫الحبل‪.‬‬
‫شع َرت بِريان بالقِنَّب يضيق منغر ًسا في ِجلدها دافعًا ذقنها إلى أعلى‪ .‬كان السير هايل يلعنهم بأطايب‬
‫األلفاظ‪ ،‬ولكن ليس الصَّبي‪ ،‬إذ لم يرفع پودريك عينيه عن األرض‪ ،‬حتى عندما افترقَت قدماه عنها‪ .‬إذا‬
‫كان هذا حُل ًما آخَر فحانَ الوقت ألن أصحو‪ ،‬وإن لم يكن فهذه ساعة مماتي‪ .‬لم ت َر َّإال پودريك واألنشوطة‬
‫حول ُعنقه الرَّفيع ورعشة ساقيه‪ .‬انفت َح فمها‪ ،‬وكان پودريك يَر ُكل‪ ،‬يختنق‪ ،‬يموت‪ .‬امتصَّت بِريان الهواء‬
‫س بينما يَخنُقها الحبل خنقًا‪ ،‬تتألَّم كما لم تتألَّم من قبل قَ ُّ‬
‫ط‪.‬‬ ‫بيأ ٍ‬
‫ثم إنها صرخَ ت بكلمة‪.‬‬
‫سرسي‬
‫ُ‬
‫أراهن أنها‬ ‫باستنكار دائم‪ .‬ف َّكرت سرسي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫السِّپتة مويل عجوز شمطاء مالمحها حا َّدة كالفأس وفمها مزموم‬
‫كالجلد المق َّوى‪ .‬يصحب المرأة ستَّة من فُرسان‬ ‫ِ‬ ‫ال تزال محتفظةً بغشاء بِكارتها‪ ،‬ولو أنه اآلن يابس صُلب‬
‫السِّپتون األعلى الذين يحملون التُّروس ذات ال َّشكل اللَّوزي‪ ،‬المزيَّنة بسيف قوس قزح رمز جماعتهم‬
‫الوليدة من جديد‪.‬‬
‫قالت سرسي الجالسة عند قاعدة العرش الحديدي مرتديةً الحرير األخضر وشرائط ال ِّزينة َّ‬
‫الذهبيَّة‪« :‬أيتها‬
‫الزمرُّ د يلتمع على‬‫صاحب القداسة األعلى بأننا مستاءون منه‪ .‬إنه يتع َّدى حدوده»‪ .‬كان ُّ‬ ‫ِ‬ ‫السِّپتة‪ ،‬أخبِري‬
‫الذهبي‪ ،‬وأعيُن البالط والمدينة عليها‪ ،‬وهي تعتزم أن تُريهم وجه ابنة اللورد‬ ‫أصابعها وفي َشعرها َّ‬
‫أوال أن نَرقُص‬ ‫تايوين‪ .‬مع بلوغ هذه المهزلة نهايتها سيعلمون أن لهم ملكةً حقيقيَّةً واحدةً فقط‪ .‬لكن علينا ً‬
‫ونَرقُص وال نُفَ ِّوت ُخطوةً‪« .‬الليدي مارچري زوجة ابني المخلصة الرَّقيقة‪ ،‬رفيقته وشريكة حياته‪ .‬لم يكن‬
‫ق في أن يضع يدًا عليها أو يحتجزها وبنات عمومتها الصَّغيرات العزيزات‬ ‫لصاحب القداسة األعلى ال َح ُّ‬‫ِ‬
‫علينا جميعًا‪ .‬أطالبكم بإطالق سراحهن»‪.‬‬
‫صاحب القداسة األعلى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جاللتك إلى‬
‫ِ‬ ‫لم يهت َّز التَّعبير الصَّارم على وجه السِّپتة مويل‪ ،‬وقالت‪« :‬سأنق ُل كالم‬
‫ُؤسفني أن أقول إن إطالق سراح الملكة الصَّغيرة ورفيقاتها ليس ممكنًا إلى أن وما لم تَثبُت‬ ‫لكن ي ِ‬
‫براءتهن»‪.‬‬
‫عليك َّإال أن تَنظُري إلى وجوههن الجميلة لتري كم هن بريئات»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬براءتهن؟ ما‬
‫‪« -‬كثيرًا ما يُخفي الوجه الجميل قلبًا مليئًا بالخطايا»‪.‬‬
‫ً‬
‫متسائال‪« :‬ما الجُرم الذي اتُّ ِه َمت به أولئك الصَّغيرات‬ ‫تكلَّم اللورد ميريويذر من مكانه على طاولة المجلس‬
‫و َمن اتَّهمهن؟»‪.‬‬
‫أجابَت السِّپتة‪ِ « :‬مجا تايرل وإلينور تايرل متَّهمتان بالفِسق والخالعة والتَّآ ُمر على ارتكاب الخيانة‬
‫العُظمى‪ ،‬وآال تايرل متَّهمة بشهادة عارهما والتَّستُّر عليه‪ .‬الملكة مارچري متَّهمة بكلِّ هذا أيضًا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ال ِّزنى والخيانة العُظمى»‪.‬‬
‫وض َعت سرسي يدها على صدرها قائلةً‪« :‬أخبِريني َمن يَن ُشر هذه االفتراءات عن زوجة ابني! ال أص ِّد ُ‬
‫ق‬
‫كلمةً من هذا‪ .‬ابني الغالي يحبُّ الليدي مارچري بك ِّل قلبه‪ ،‬وال يُمكن أن تكون قاسيةً خ َّداعةً هكذا»‪.‬‬
‫بيتك‪ .‬السير أوزني ِكتلبالك اعترفَ بمعرفته الحميمة بالملكة للسِّپتون األعلى‬ ‫ِ‬ ‫‪« -‬الم َّدعي فارس من أهل‬
‫نفسه أمام مذبح (األب)»‪.‬‬
‫وأشاح ال ِمايستر األكبر پايسل بوجهه‪ ،‬وامتألَ الهواء بالطَّنين‬ ‫َ‬ ‫ق هاريس سويفت‬ ‫على طاولة المجلس شه َ‬
‫ف من اللوردات‬ ‫كأن في قاعة العرش ألف دبُّور‪ .‬بدأت بعض الليديهات في ال ُّشرفة ينسحبن‪ ،‬يتبعهن َ‬
‫ص ٌّ‬
‫الذهبيَّة يَخرُجون‪ ،‬لكن الملكة كانت قد أملَت‬ ‫والفُرسان الصِّغار من مؤ ِّخرة القاعة‪ .‬تر َكهم ذوو المعاطف َّ‬
‫على السير أوزفريد أن يُ َسجِّ ل أسماء ك ِّل َمن يف َّر‪ .‬فجأةً لم يَعُد عبير وردة تايرل أ َّخا ًذا كما كان‪.‬‬
‫قالت الملكة‪« :‬ال أنك ُر أن السير أوزني شابٌّ له شهواته‪ ،‬لكنه فارس مخلص رغم هذا‪ .‬إذا قال إنه ضال ٌع‬
‫في‪ ...‬ال‪ ،‬مستحيل‪ .‬مارچري عذراء!»‪.‬‬
‫صاحب القداسة األعلى‪ .‬غشاء بِكارتها مفضوض‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نزوال عند رغبة‬ ‫ً‬ ‫‪« -‬ليست عذراء‪ .‬لقد فحصتها بنفسي‬
‫ستُ َؤ ِّكد السِّپتة آجالنتين والسِّپتة ميليسنت هذا‪ ،‬عالوةً على نستيريكا ِسپتة الملكة مارچري‪ ،‬التي احتُ ِج َزت‬
‫في صومعة توبة بسبب ال َّدور الذي لعبَته في عار الملكة‪ .‬فحصنا الليدي ِمجا والليدي إلينور أي ً‬
‫ضا‪،‬‬
‫ووجدنا بِكارة االثنتين مفضوضةً»‪.‬‬
‫تعالى طنين ال َّدبابير لدرجة أن الملكة استطاعَت سماع أفكارها بالكاد‪ .‬أتمنَّى أن الملكة الصَّغيرة وبنات‬
‫عمومتها استمتَعن برحالت ركوب الخيل‪.‬‬
‫ضرب اللورد ميريويذر الطَّاولة بقبضته ً‬
‫قائال‪« :‬الليدي مارچري حلفَت أيمانًا مق َّدسةً تُ َؤ ِّكد ُعذريَّتها‬ ‫َ‬
‫لصاحبة الجاللة ووالدها الرَّاحل‪ ،‬وهناك شهود كثيرون على هذا‪ ،‬كما شه َد اللورد تايرل أيضًا على‬ ‫ِ‬
‫براءتها‪ ،‬باإلضافة إلى الليدي أولينا التي نعلم جميعًا أنها فوق مستوى ال ُّشبهات‪ .‬هل تُريدوننا أن نُ َ‬
‫صدِّق أن‬
‫ك َّل هؤالء كذبوا علينا؟»‪.‬‬
‫ر َّدت السِّپتة مويل‪« :‬ربما ُخ ِدعوا أيضًا يا سيِّدي‪ ،‬ليست عندي بيِّنة على هذا‪ .‬أستطي ُع فقط أن أقسم على‬
‫ُ‬
‫فحصت الملكة»‪.‬‬ ‫صحَّة ما اكتشفته بنفسي حين‬
‫كانت صورة هذه الحيزبون العجوز المتجهِّمة تضع أصابعها المتغضِّنة في فرج مارچري الوردي‬
‫صاحب القداسة‬
‫ِ‬ ‫الصَّغير طريفةً لدرجة أن سرسي كادَت تضحك‪ .‬قالت‪« :‬إننا مصرُّ ون على أن يسمح‬
‫ت في صحَّة هذه المطاعن‪ .‬أيها ال ِمايستر األكبر پايسل‪،‬‬ ‫األعلى ل ِمايستراتنا بفحص زوجة ابني للبَ ِّ‬
‫ستصحب السِّپتة مويل إلى ِسپت المحبوب بيلور وترجع إلينا بحقيقة بتولة مارچري»‪.‬‬
‫كان لون وجه پايسل يُحاكي الحليب الخاثر‪ ،‬فف َّكرت الملكة‪ :‬في اجتماعات المجلس ال يَص ُمت األحمق‬
‫ت يفقد القُدرة على الكالم‪ .‬ثم إن العجوز‬ ‫العجوز المأفون أب ًدا‪ ،‬لكن اآلن عندما أريده أن يلفظ بضع كلما ٍ‬
‫ُحزنني أن أقول‬
‫داع ألن أفحص‪ ...‬أعضاءها الحميمة‪ .‬ي ِ‬ ‫راجف قال‪« :‬ليس هناك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬
‫ق أخيرًا‪ ،‬وبصو ٍ‬‫نط َ‬
‫إن‪ ...‬الملكة مارچري ليست بِكرًا‪ .‬لقد طلبَت مني أن أع َّد لها شاي القمر‪ ،‬ليس م َّرةً بل ع َّدة مرَّات»‪.‬‬
‫الهدير الذي تب َع قوله كان ما أملَته سرسي النستر بالضَّبط‪.‬‬
‫حتى دقَّات الحاجب الملكي بعصاه على األرض لم تُفلِح في إسكات الصَّخب‪ ،‬وتر َكته الملكة يغمرها بضع‬
‫ضت بمالمح حجريَّة وأم َرت ذوي‬ ‫ت مستطعمةً خزي الملكة الصَّغيرة‪ ،‬ول َّما طا َل م َّدةً كافيةً نه َ‬ ‫لحظا ٍ‬
‫الذهبيَّة بإخالء القاعة‪ ،‬وقالت لنفسها بجذل‪ :‬انتهى أمر مارچري تايرل‪ .‬أحاطَ بها فُرسانها‬ ‫المعاطف َّ‬
‫البِيض إذ خر َجت من باب الملك وراء العرش الحديدي؛ بوروس بالونت ومرين ترانت وأوزموند‬
‫آخر الباقين من رجال ال َحرس الملكي في المدينة‪.‬‬ ‫ِكتلبالك‪ِ ،‬‬
‫كان فتى القمر واقفًا وراء الباب ممس ًكا ُخ ْش َخيْشته ويُ َحملِق إلى الفوضى بعينيه المستديرتين الكبيرتين‪.‬‬
‫ربما يكون مه ِّرجًا‪ ،‬لكنه صادق في تهريجه‪ .‬كان على ماجي الضِّ فدعة أن ترتدي ثياب المهرِّ جين أيضًا‬
‫لجهلها بالغد‪ .‬تدعو سرسي اآللهة أن المحتالة العجوز تَصرُخ في قرار الجحيم‪ .‬الملكة األصغر التي تنبَّأت‬
‫انطوت صفحتها‪ ،‬وإذا كان يُمكن أن تخيب هذه النُّبوءة فالبقيَّة أيضًا ستخيب‪ .‬ال أكفان ذهبيَّة‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫بمجيئها‬
‫نعيقك الحاقد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ڤالونڬار‪ .‬أخيرًا تحر ُ‬
‫َّرت من‬
‫تب َعها باقي أعضاء مجلسها الصَّغير إلى الخارج‪ ،‬وقد بدا هاريس سويفت دائ ًخا وتعثَّر عند الباب وكا َد‬
‫يَسقُط لوال أن أوران ووترز أمس َكه من ذراعه‪ ،‬وحتى أورتون ميريويذر ال َح عليه التَّوتُّر إذ قال‪« :‬العا َّمة‬
‫شغوفون بالملكة الصَّغيرة‪ .‬لن يَترُكوا شيئًا كهذا يمرُّ مرور الكرام‪ .‬أخشى ما قد يَح ُدث يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫ق بقيَّة ُدرموناتنا‪ .‬منظرها في‬
‫صاحبة الجاللة‪ ،‬سأطل ُ‬
‫ِ‬ ‫ق‪ .‬بَعد إذن‬ ‫قال اللورد ووترز‪« :‬اللورد ميريويذر مح ٌّ‬
‫(النَّهر األسود) وراية الملك تومن تخفق فوقها سيُ َذ ِّكر المدينة ب َمن يَح ُكم هنا‪ ،‬باإلضافة إلى الحفاظ على‬
‫سالمتها إذا بدأ الغوغاء ال َّشغب من جديد»‪.‬‬
‫ك أوران البقيَّة بال ِذكر‪ .‬حالما تَخرُج ال ُّدرمونات إلى الماء ستستطيع منع مايس تايرل من العودة بجيشه‬ ‫تر َ‬
‫عبر النَّهر‪ ،‬تما ًما كما من َع تيريون ستانيس من قبل‪ .‬ليست ل(هايجاردن) ق َّوة خاصَّة بها في هذا الجانب‬
‫من (وستروس)‪ ،‬ويعتمد آل تايرل على أسطول ردواين العائد في الوقت الرَّاهن إلى (الكرمة)‪.‬‬
‫أعلنَت الملكة‪ُ « :‬خطوة سديدة‪ .‬إلى أن تم َّر هذه العاصفة أري ُد أن تُ َجهَّز سُفنك بأطقُمها وتَخرُج إلى النَّهر»‪.‬‬
‫كان وجه السير هاريس سويفت شاحبًا مخض ًَّال بال َعرق حتى إنه بدا على وشك فقدان الوعي إذ قال‪« :‬حين‬
‫يَبلُغ الخبر اللورد تايرل لن تكون لغضبته حدود‪.‬‬
‫ستسيل الدِّماء في ال َّشوارع‪.»...‬‬
‫ي بك أن تتَّخذ دودةً رم ًزا لك أيها الفارس‪.‬‬ ‫قالت سرسي لنفسها متأ ِّملةً‪ :‬فارس ال َّدجاجة الصَّفراء‪ .‬حر ٌّ‬
‫الالزم‪ .‬إذا كان مايس تايرل ال يستطيع الهجوم على (ستورمز إند)‪ ،‬فكيف‬ ‫بالنِّسبة إليك ال َّدجاج أشجع من َّ‬
‫تخاله يَجسُر على مها َجمة اآللهة؟ ل َّما فر َغ من ثرثرته قالت‪« :‬يجب َّأال يَبلُغ األمر َح َّد إراقة الدِّماء‪.‬‬
‫سأذهبُ إلى ( ِسپت بيلور) ألتكلَّم مع الملكة مارچري والسِّپتون األعلى‪ .‬أعل ُم أن تومن يحبُّ االثنين‪ ،‬وال‬
‫ريب أنه سيرغب في أن أقيم السَّالم بينهما»‪.‬‬
‫ربَّت السير هاريس على جبهته ب ُك ِّمه المخملي مجفِّفًا عَرقه‪ ،‬وقال‪« :‬السَّالم؟ إذا كان السَّالم ممكنًا‪ ...‬هذه‬
‫َشجاعة بالغة ِ‬
‫منك»‪.‬‬
‫قالت الملكة‪« :‬ربما يكون ضروريًّا أن تُعقَد محا َكمة ما تدحض هذه االفتراءات واألكاذيب الوضيعة‬
‫وتُري العالم أن مارچري بالبراءة التي نعرفها عنها حقًّا»‪.‬‬
‫قال ميريويذر‪« :‬أجل‪ ،‬لكن ربما يرغب السِّپتون األعلى في محا َكمة الملكة بنفسه كما اعتادَت العقيدة‬
‫محا َكمة النَّاس قدي ًما»‪.‬‬
‫هذا ما آمله‪ .‬ليس واردًا أن تَنظُر محكمة كتلك بعين العطف إلى الملكة الخائنة التي َ‬
‫فتحت ساقيها للمغنِّين‬
‫ودنَّست طقوس (العذراء) المق َّدسة لتُواري عارها‪« .‬المه ُّم أن نكتشف الحقيقة‪ ،‬إنني واثقة بأننا جميعًا‬
‫متَّفقون على هذا‪ .‬واآلن أيها السَّادة أرجو أن تَع ُذروني‪ ،‬يجب أن أذهب ألرى ابني‪ ،‬فال ينبغي أن يكون‬
‫ت كهذا»‪.‬‬ ‫وحده في وق ٍ‬
‫كان تومن يصطاد القِطط حين عادَت أُ ُّمه إليه‪ .‬تحبُّ الهُريرات مطا َردة الفأر الذي صن َعته له دوركاس من‬
‫بخيط طويل في طرف صنَّار ٍة قديمة‪ ،‬وال يحبُّ الصَّبي شيئًا أكثر من جرِّه على‬ ‫ٍ‬ ‫قُصاصات الفرو ورب َ‬
‫طته‬
‫األرض بينما تتوثَّب هُريراته محاولةً الظَّفر به‪ .‬بدَت عليه ال َّدهشة عندما رف َعته سرسي بين ذراعيها وقبَّلته‬
‫على جبهته‪ ،‬وسألَها‪« :‬لماذا تُقَبِّلينني يا أ َّماه؟ ولِ َم تبكين؟»‪.‬‬
‫أرادَت أن تقول له‪ :‬ألنك آ ِمن‪ ،‬ألن ال أذى سيُصيبك أبدًا‪« .‬أنت مخطئ‪ .‬األسد ال يبكي أبدًا»‪ .‬سيكون هناك‬
‫وقت فيما بَعد إلخباره بأمر مارچري وبنات عمومتها‪.‬‬
‫«ث َّمة أذون أريدك أن تُ َوقِّعها»‪.‬‬
‫ألجل خاطر الملك لم تضع الملكة األسماء على أذون االعتقال‪ ،‬فذيَّلها تومن بتوقيعه خاليةً وضغطَ ختمه‬
‫في ال َّشمع ال َّدافي بسعاد ٍة كعادته‪ ،‬وبَعدها صرفَته سرسي مع چوسلين سويفت‪.‬‬
‫يجف الحبر الذي كتبَت به سرسي األسماء بنفسها؛ السير تاالد الطَّويل‬
‫ُّ‬ ‫وص َل السير أوزفريد ِكتلبالك بينما‬
‫وچاالبار شو وهاميش ذو القيثارة وهيو كليفتون ومارك مالندور وبايارد نوركروس والمبرت تِرنبري‬
‫ريفي معيَّن اسمه وات ويدعو نفسه بال َّشاعر األزرق‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫وهوراس ردواين وهوبر ردواين‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫بحذر من الكلمات كأنها صراصير تزحف على‬ ‫ٍ‬ ‫‪« -‬كثيرون ج ًّدا»‪ ،‬قال السير أوزفريد مقلِّبًا األذون‬
‫الورق‪ .‬ال أحد من اإلخوة ِكتلبالك يقرأ‪.‬‬
‫الذهبيَّة‪ ،‬عدد يكفي للقبض على عشرة على ما ُّ‬
‫أظن‪.‬‬ ‫‪« -‬عشرة‪ .‬تحت قيادتك ستَّة آالف من ذوي المعاطف َّ‬
‫َ‬
‫حدث هذا فال‬ ‫ربما فَ َّر بعض األذكياء منهم بالفعل إذا تناهَت األخبار إلى مسامعهم في الوقت المناسب‪ .‬إن‬
‫احرص على‬ ‫ِ‬ ‫ُحاول مقا َومتكم‪.‬‬
‫يه ُّم‪ ،‬سيجعلهم غيابهم يبدون مذنبين أكثر‪ .‬السير تاالد ساذج نوعًا وربما ي ِ‬
‫عدم موته قبل أن يعترف‪ ،‬وال تُؤذي أيًّا من اآلخَرين‪ .‬قد يكون بينهم أبرياء»‪ .‬من المهم للغاية أن تجد‬
‫المحكمة التَّوأمين ردواين متَّهميْن زورًا‪ ،‬إذ سيُبَر ِهن هذا على عدل األحكام الصَّادرة على اآل َخرين‪.‬‬
‫قال السير أوزفريد‪« :‬سنقبض عليهم جميعًا قبل شروق ال َّشمس يا جاللة الملكة»‪ ،‬وتر َّدد لحظةً قبل أن‬
‫يُر ِدف‪« :‬هناك زحام خارج باب ( ِسپت بيلور)»‪.‬‬
‫ي نوع؟»‪ .‬أيُّ شيء غير متوقَّع يُثير فيها غريزة الحذر‪ ،‬وتذ َّكرت ما قاله اللورد ووترز‬ ‫‪« -‬زحام من أ ِّ‬
‫عن ال َّشغب‪ .‬لم أضع ر َّدة فعل العا َّمة في االعتبار‪ .‬مارچري كانت حيوانتهم األليفة‪« .‬كم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬مئة أو نحوها‪ .‬يزعقون مطالبين السِّپتون األعلى باإلفراج عن الملكة الصَّغيرة‪ .‬يُمكننا أن نَطرُدهم إذا‬
‫ت» ‪.‬‬ ‫أرد ِ‬
‫‪« -‬ال‪ ،‬دَعهم يزعقون إلى أن تُبَ َّح أصواتهم‪ .‬زعيقهم لن يُ َؤثِّر على العُصفور‪ .‬إنه ال يُصغي َّإال إلى‬
‫صاحب القداسة األعلى سخرية قدريَّة معيَّنة‪ ،‬إذ رف َعه‬
‫ِ‬ ‫اآللهة»‪ .‬في تخييم الرَّعاع الغاضبين على عتبة باب‬
‫رعاع مشابهون إلى اعتمار التَّاج البلَّوري‪ .‬الذي باعَه من فوره‪« .‬العقيدة لها فُرسانها اآلن‪ ،‬فليُدافِعوا هُم‬
‫عن ال ِّسپت‪ .‬أوه‪ ،‬وأغلِق ب َّوابات المدينة أيضًا‪ .‬ال أحد يَد ُخل (كينجز الندنج) أو يَخرُج منها دون إذني إلى‬
‫أن تُ َس َّوى هذه المسألة تما ًما»‪.‬‬
‫ذهب يجد أحدًا يقرأ له األذون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صاحبة الجاللة»‪ ،‬وانحنى ثم‬
‫ِ‬ ‫قال السير أوزفريد‪« :‬كما تأمرين يا‬
‫انهار هاميش ذو القيثارة عندما‬
‫َ‬ ‫لدى غروب ال َّشمس يومها كان المتَّهمون بالخيانة جميعًا رهن االعتقال‪.‬‬
‫وأمرت‬
‫َ‬ ‫الذهبيَّة قبل أن يقهره اآلخَرون‪،‬‬ ‫أتوا يقبضون عليه‪ ،‬وجر َح تاالد الطَّويل ثالثةً من ذوي المعاطف َّ‬
‫مسكن مريح في بُرج وإرسال البقيَّة إلى ال َّزنازين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫سرسي بوضع التَّوأمين ردواين في‬
‫أخب َرها كايبرن حين أتى لزيارتها ليلتها‪« :‬هاميش يُعاني صعوبةً في التَّن ُّفس ويَطلُب ِمايستر»‪.‬‬
‫ر َّدت‪« :‬قُل له إن واحدًا سيذهب إليه ما إن يعترف»‪ ،‬وف َّكرت لحظةً ثم أضافَت‪« :‬إنه أكبر ِسنًّا من أن‬
‫ً‬
‫رجاال آخَرين‪.‬‬ ‫يكون واحدًا من ال ُع َّشاق‪ ،‬لكن ال َش َّ‬
‫ك أن مارچري جعلَته يعزف ويُ َغنِّي لها بينما تستضيف‬
‫سنحتاج إلى تفاصيل»‪.‬‬
‫‪« -‬سأعينه على تذ ُّكرها يا جاللة الملكة»‪.‬‬
‫في اليوم التَّالي ساعدَتها الليدي تاينا ميريويذر على ارتداء ثيابها من أجل زيارتهما الملكة الصَّغيرة‪ ،‬وقد‬
‫قالت لها سرسي‪« :‬ال شيء مترفًا أو زاهي األلوان‪ .‬األنسب أن أرتدي شيئًا محتش ًما داكنًا للسِّپتون األعلى‪.‬‬
‫غالبًا سيجعلني أصلِّي معه»‪ ،‬وفي النِّهاية انتقَت فُستانًا من الصُّ وف النَّاعم كساها من الرَّقبة إلى الكاحليْن‪،‬‬
‫بخيط ذهبي يُ َخفِّف جهامة خطوطه بعض‬ ‫ٍ‬ ‫على صدره و ُك َّميه القليل من فروع الكرم الصَّغيرة المطرَّزة‬
‫ال َّشيء‪ .‬األفضل أن لونه البنِّي سيُسا ِعد على إخفاء الوسخ إذا رك َعت‪.‬‬
‫ت‪ ،‬لكن تو َّخي الحذر‬ ‫«بينما أواسي زوجة ابني ستتكلَّمين مع بنات عمومتها الثَّالث‪ .‬اربحي آال إذا استطع ِ‬
‫في ما تقولين‪ .‬ربما ال تكون اآللهة الوحيدة التي تسمعكما»‪.‬‬
‫ي معرك ٍة هو الذي يسبقها مباشرةً في أثناء انتظار بدء المعمعة‪.‬‬ ‫لطالما قال چايمي إن أصعب جز ٍء من أ ِّ‬
‫وابل من‬‫ٍ‬ ‫حين خر َجت سرسي رأت السَّماء غائمةً كئيبةً‪ ،‬ول َّما كانت ال تستطيع المجا َزفة بالتَّعرُّ ض إلى‬
‫المطر ودخول ( ِسپت بيلور) مبتلَّةً ملطَّخةً باألوساخ فقد قرَّرت ركوب الهودج‪ .‬لحراستها أخ َذت عشرةً‬
‫من رجال النستر وبوروس بالونت‪ ،‬بَعد أن قالت للسير أوزموند‪« :‬ربما ال يملك دهماء مارچري َّ‬
‫الذكاء‬
‫الكافي للتَّمييز بين ِكتلبالك وآخَر‪ ،‬وال يُمكنني أن أدعك ترفع سالحك ضد العوام‪ .‬األفضل أن تبقى بعيدًا‬
‫عن األنظار فترةً»‪.‬‬
‫ك مفاجئ‪ ،‬وقالت بخفوت‪« :‬هذه المحا َكمة‪ ،‬ماذا لو‬ ‫إذ شقَّتا طريقهما عبر (كينجز الندنج) خام َر تاينا َش ٌّ‬
‫طالبَت مارچري بحسم براءتها من ذنبها عن طريق النِّزال؟»‪.‬‬
‫داعبَت ابتسامة شفتَي سرسي‪ ،‬وأجابَت‪« :‬باعتبارها الملكة فال بُ َّد من أن يُدافِع عن َشرفها أحد رجال‬
‫طفل في (وستروس) يعلم أن األمير إيمون الفارس التنِّين ناص َر أخته الملكة نييرس‬ ‫ٍ‬ ‫ال َحرس الملكي‪ .‬كلُّ‬
‫في موا َجهة اتِّهامات السير مورجيل‪ ...‬لكن مع إصابة السير لوراس فأخشى أن دور األمير إيمون سيقع‬
‫على عاتق أحد إخوته المحلَّفين»‪ ،‬وه َّزت كتفيها مواصلةً‪« :‬لكن َمن؟ السير آريس والسير بالون بعيدان‬
‫في (دورن)‪ ،‬وچايمي في (ريڤر َرن)‪ ،‬والسير أوزموند شقيق الرَّجل الذي يتَّهمها‪ ،‬وهكذا ال يتبقَّى َّإال‪...‬‬
‫أوه‪َ ،‬ويلي‪.»...‬‬
‫قالت الليدي تاينا ضاحكةً‪« :‬بوروس بالونت ومرين ترانت»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم‪ ،‬والسير مرين متوعِّك منذ فترة‪ .‬ذ ِّكريني بأن أقول له هذا عندما نعود إلى القلعة»‪.‬‬
‫إنك رهيبة حين‬
‫إليك أبدًا‪ِ .‬‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬سأفع ُل يا جميلتي»‪ ،‬والتقطَت تاينا يدها وقبَّلتها مردفةً‪« :‬آم ُل َّأال أسيء‬
‫تُستَثارين»‪.‬‬
‫بابنك إلى البالط؟ اسمه راسل‪ ،‬أليس كذلك؟‬‫ِ‬ ‫‪« -‬كلُّ أُ ٍّم تفعل ال ِمثل لحماية أطفالها‪ .‬متى تنتوين المجيء‬
‫يُمكنه أن يتمرَّن مع تومن»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعرف‪ ...‬لكن األمور مضطربة للغاية اآلن‪ ،‬وخط َر لي أن االنتظار أفضل إلى‬ ‫‪« -‬سيتح َّمس الصَّبي لهذا‪،‬‬
‫أن يم َّر الخطر»‪.‬‬
‫أرسلي خبرًا إلى (الطَّاولة الطَّويلة) وقولي لراسل أن يحزم أفضل سُتراته وسيفه الخشبي‪.‬‬
‫‪« -‬ع َّما قريب‪ِ .‬‬
‫صديق صغير جديد هو بالضَّبط ما سيُعين تومن على نسيان خسارته بَعد أن يطير رأس مارچري»‪.‬‬
‫نزلَتا من الهودج تحت تمثال بيلور المبا َرك‪ ،‬و ُسرَّت الملكة لرؤية السَّاحة نظيفةً من العظام والقذارة‪.‬‬
‫ق قول السير أوزفريد‪ ،‬فال ِّزحام ليس شديدًا أو فوضويًّا كزحام العصافير‪ ،‬وقد وقفَ المحتشدون في‬ ‫صد َ‬
‫ف من السِّپتونات المبتدئين حاملين‬ ‫ص ٌّ‬ ‫ت صغيرة يَر ُمقون باب (السِّپت الكبير) بوجوم‪ ،‬حيث يقف َ‬ ‫مجموعا ٍ‬
‫النَّبابيت‪ .‬ال فوالذ‪ .‬ليست واثقةً إن كانت هذه حكمةً بالغةً أم بالهةً مفرطةً‪.‬‬
‫ُحاول أحد اعتراض طريقهما‪ ،‬وانزا َح لهما العا َّمة والمبتدئون إذ مرَّتا‪ ،‬وبمجرَّد دخولهما استقبلَهما‬ ‫لم ي ِ‬
‫ثالثة من الفُرسان في (بهو القناديل)‪ ،‬يرتدي ك ٌّل منهم معطف أبناء ال ُمحارب ذي ألوان قوس قزح‪ .‬قالت‬
‫لهم سرسي‪« :‬أنا هنا لرؤية زوجة ابني»‪.‬‬
‫حضورك‪ .‬أنا السير ثيودان الصَّادق‪ ،‬المعروف سابقًا‬‫ِ‬ ‫صاحب القداسة األعلى كان يتوقَّع‬
‫ِ‬ ‫أجابَها أحدهم‪« :‬‬
‫صاحبة الجاللة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫باسم السير ثيودان ِولز‪ .‬أرجو أن تتفضَّلي معي يا‬
‫صلِّي عند مذبح (األب)‪ ،‬ولم يقطع صالته لدى‬ ‫كان العُصفور األعلى على رُكبتيه كالعادة‪ ،‬هذه المرَّة يُ َ‬
‫قائال‪« :‬جاللة‬‫نهض وانحنى لها ً‬ ‫َ‬ ‫بصبر يكاد ينفد حتى فر َغ‪ ،‬وعندها فقط‬ ‫ٍ‬ ‫اقتراب الملكة‪ ،‬بل جعلَها تنتظر‬
‫الملكة‪ ،‬هذا يوم حزين»‪.‬‬
‫اختارت أن تتَّبع أسلوبًا حلي ًما‬
‫َ‬ ‫‪« -‬حزين للغاية‪ .‬هل لنا اإلذن في الكالم مع مارچري وبنات عمومتها؟»‪.‬‬
‫رجل ِمثله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫متواضعًا‪ ،‬فهذا أكثر ما يَصلُح مع‬
‫صلِّي معًا»‪.‬‬
‫ت‪ .‬تعالي إل َّي بَعدها يا بنيَّتي‪ .‬يجب أن نُ َ‬
‫‪« -‬إذا أرد ِ‬
‫الملكة الصَّغيرة حبيسة أعلى أحد أبراج (السِّپت الكبير) الرَّفيعة‪ ،‬زنزانتها طولها ثمانية أقدام وعرضها‬
‫ستَّة‪ ،‬وال أثاث فيها َّإال سرير من القَشِّ ود َّكة للصَّالة‪ ،‬باإلضافة إلى إبريق ماء ونُسخ ٍة من (النَّجمة‬
‫السُّباعيَّة) وشمع ٍة لقراءتها على ضوئها‪ ،‬والنَّافذة الوحيدة ليست أوسع كثيرًا من فتحة رماية‪.‬‬
‫وجدَت سرسي مارچري حافيةً ترتجف‪ ،‬ترتدي ثوبًا من الخيش على غرار األخوات المبتدئات‪ ،‬و َشعرها‬
‫كنت أرتدي‬‫متشابك وقدماها متَّسختان‪ .‬ما إن صا َرتا وحدها قالت لها الملكة الصَّغيرة‪« :‬لقد أخذوا ثيابي‪ُ .‬‬
‫ي وجرَّدوني‬ ‫فُستانًا من الحرير العاجي صدره مزيَّن بآللئ المياه العذبة‪ ،‬لكن السِّپتوات وضعن أيديهن عل َّ‬
‫من ثيابي كلِّها‪ .‬فعلن ال ِمثل مع بنات عمومتي أيضًا‪ِ .‬مجا دف َعت إحداهن وسط ال ُّشموع وأشعلَت النَّار في‬
‫شحب وجهها كالحليب ومن َعها خوفها من مجرَّد البُكاء»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ثوبها‪ ،‬لكنني أخشى على آال‪ .‬لقد‬
‫‪« -‬الصَّغيرة المسكينة»‪ .‬ليست في المكان مقاعد‪ ،‬فجل َست سرسي إلى جوار الملكة الصَّغيرة على‬
‫سريرها‪ ،‬وقالت‪« :‬الليدي تاينا ذهبَت تتكلَّم معها لتجعلها تعلم أنها لم تُ َ‬
‫نس»‪.‬‬
‫وفصل ك َّل واحد ٍة منا عن األخريات‪ .‬إلى أن‬ ‫َ‬ ‫قالت مارچري مغتاظةً‪« :‬إنه يَرفُض أن يَترُكني أراهن حتى‪،‬‬
‫كنت أرغب في‬ ‫ُ‬ ‫ت لم يكن مسموحًا لي ب ُز َّوار َّإال السِّپتوات‪ .‬واحدة منهن تأتي ك َّل ساع ٍة لتسألني إن‬
‫جئ ِ‬
‫ُ‬
‫اعترفت للسِّپتة‬ ‫االعتراف بفسوقي‪ .‬حتى النَّوم حرمنَني إياه‪ ،‬ويُوقِظنني ويُطالِبن باعترافي‪ .‬ليلة البارحة‬
‫أونال برغبتي في خزق عينيها»‪.‬‬
‫بذنبك بالتَّأكيد‪« .‬إنهن‬
‫ِ‬ ‫أنك لم تفعلي‪ .‬كان إعماء ِسپتة عجوز مسكينة ً‬
‫كفيال بإقناع العُصفور األعلى‬ ‫ٌ‬
‫مؤسف ِ‬
‫عمومتك بالطَّريقة نفسها»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يستجوبن بنات‬
‫ُ‬
‫أعرف‬ ‫‪« -‬عليهن اللَّعنة إذن‪ ،‬فليذهبن إلى الجحائم السَّبع‪ .‬آال رقيقة خجول‪ .‬كيف يفعلن بها هذا؟ و ِمجا‪...‬‬
‫أن ضحكتها صاخبة كعاهر ٍة على أرصفة الميناء‪ ،‬لكنها ما زالَت بنتًا صغيرةً في قلبها‪ .‬إنني أحبُّهن وهن‬
‫يحبَّنني‪ .‬إذا كان هذا العُصفور يُريد أن يجعلهن يكذبن بشأني‪.»...‬‬
‫‪« -‬أخشى أنهن متَّهمات أيضًا‪ ،‬ثالثتهن»‪.‬‬
‫امتق َع وجه مارچري‪ ،‬وقالت‪« :‬بنات عمومتي؟ آال و ِمجا بالكاد أكبر من طفلتين‪ .‬جاللة الملكة‪ ،‬هذا‪ ...‬هذا‬
‫خرجيننا من هنا؟»‪.‬‬‫قُبح‪ .‬هل ستُ ِ‬
‫أمر فُرسانه الجُدد بحراستكن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صاحب القداسة األعلى‬‫ِ‬ ‫ت مفعم باألسى‪« :‬ليتني أقد ُر‪.‬‬ ‫ر َّدت بصو ٍ‬
‫الذهبيَّة وتدنيس هذا المكان المق َّدس بالقتل»‪ ،‬والتقطَت سرسي يدَي‬ ‫ي إرسال ذوي المعاطف َّ‬ ‫لتحريركن عل َّ‬
‫جمعت ك َّل من ذك َر السير أوزني أنهم ُع َّش ِ‬
‫اقك‪ .‬إنني‬ ‫ُ‬ ‫مارچري متابعةً‪« :‬لكنني لم أضيِّع الوقت ُسدًى‪ .‬لقد‬
‫ُقسمون عليها في محا َك ِ‬
‫متك»‪.‬‬ ‫ببراءتك وي ِ‬
‫ِ‬ ‫لصاحب القداسة األعلى‬
‫ِ‬ ‫واثقة بأنهم سيشهدون‬
‫كان في نبرة الفتاة خوف حقيقي اآلن وهي تقول‪« :‬محا َكمتي؟ أيجب أن تكون هناك محا َكمة؟»‪.‬‬
‫براءتك دونها؟»‪ ،‬واعتص َرت يد مارچري مطمئِنةً‪ ،‬وأردفَت‪« :‬من حقِّ ِك أن‬
‫ِ‬ ‫قالت سرسي‪« :‬كيف ستُثبِتين‬
‫عنك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الحرس الملكي مقسمون على الدِّفاع‬ ‫تُقَرِّري نوع المحا َكمة بالطَّبع‪ِ .‬‬
‫إنك الملكة‪ ،‬وفُرسان َ‬
‫فه َمت مارچري في الحال‪ ،‬فقالت‪« :‬محا َكمة بالنِّزال؟ لكن لوراس مصاب‪َّ ،‬‬
‫وإال لكان‪.»...‬‬
‫‪« -‬إن له ستَّة إخوان»‪.‬‬
‫ح َّدقت مارچري إليها‪ ،‬ثم سحبَت يديها قائلةً‪« :‬أهذه مزحة؟ بوروس جبان‪ ،‬ومرين عجوز وبطيء‪،‬‬
‫وأخوك ُمعاق‪ ،‬واآل َخران في (دورن)‪ ،‬وأوزموند من عائلة ِكتلبالك اللَّعينة‪ .‬لوراس له أخوان ال ستَّة‪ .‬ما‬ ‫ِ‬
‫ُناصرني جارالن»‪.‬‬ ‫دا َمت المحا َكمة بالنِّزال فأري ُد أن ي ِ‬
‫‪« -‬السير جارالن ليس ُعض ًوا في ال َحرس الملكي‪ .‬عندما يكون َشرف الملكة مثار خالف يفرض القانون‬
‫والعُرف أن يكون نصيرها من سبعة الملك المحلَّفين‪ .‬أخشى أن السِّپتون األعلى سيصرُّ »‪ .‬سأحرصُ على‬
‫هذا‪.‬‬
‫لم تر َّد مارچري في الحال‪ ،‬لكن عينيها البنِّيَّتين ضاقَتا َش ًّكا‪ ،‬وأخيرًا قالت‪« :‬بالونت أو ترانت‪ ،‬ال مف َّر من‬
‫بك هذا‪ ،‬أليس كذلك؟ أوزني ِكتلبالك يستطيع تمزيق أيِّهما إربًا»‪.‬‬ ‫أن يكون النَّصير أحدهما‪ .‬سي ِ‬
‫ُعج ِ‬
‫لست أري ُد َّإال‪.»...‬‬
‫ُ‬ ‫ت مخطئة في حقِّي يا ابنتي‪.‬‬
‫تظاهرت سرسي باأللم قائلةً‪« :‬أن ِ‬
‫َ‬ ‫ق الجحائم السَّبع‪.‬‬ ‫ب َح ِّ‬
‫ابنتك وال ُّشكر لآللهة‪ .‬اترُكيني»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫لست‬ ‫وحدك‪ .‬لن تكون له زوجة ال تكرهينها أبدًا‪ .‬وأنا‬
‫ِ‬ ‫لك‬
‫ابنك‪ِ ،‬‬
‫‪ِ ...« -‬‬
‫إنك تتكلَّمين بحماقة‪ .‬أنا هنا لمساع ِ‬
‫َدتك فقط»‪.‬‬ ‫‪ِ «-‬‬
‫َّنك إلى‬
‫منك أن ترحلي‪ .‬هل ستجعلينني أنادي سجَّاناتي ليجر ِ‬ ‫طلبت ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬لمساعَدتي على َّ‬
‫الذهاب إلى قبري‪.‬‬
‫الخارج أيتها الحقيرة الش ِّريرة المتآمرة الكريهة؟»‪.‬‬
‫لك ما قلتِه»‪ .‬هنا‪ ،‬كما في‬ ‫ُخيفك بش َّدة‪ .‬سأغف ُر ِ‬
‫ِ‬ ‫لمل َمت سرسي ت ُّنورتها بكرامة‪ ،‬ور َّدت‪« :‬ال بُ َّد أن الموقف ي‬
‫مكانك‪ .‬ال ِمايستر األكبر‬
‫ِ‬ ‫كنت ألخاف أيضًا لو أنني في‬ ‫البالط‪ ،‬ال يدري المرء إن كان أحدهم يتنصَّت‪ُ « .‬‬
‫ُ‬
‫لطلبت من (العجوز)‬ ‫مكانك يا سيِّدتي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كنت في‬ ‫بتزويدك بشاي القمر‪ ،‬وال َّشاعر األزرق‪ ...‬لو‬
‫ِ‬ ‫پايسل أق َّر‬
‫أنك قد تصيرين في حاج ٍة ماسَّة إلى االثنتين قريبًا»‪.‬‬ ‫الحكمة ومن (األُم) رحمتها‪ .‬أخشى ِ‬
‫اصطحبَت أربع ِسپتوات ذابالت الملكة إذ نزلَت ساللم البُرج‪ ،‬وقد بدَت ك ٌّل من الحيزبونات أوهن من‬
‫صلن الطَّريق إلى أسفل في قلب (تَل ڤيزينيا)‪ ،‬وانتهَت ال َّدرجات تحت‬ ‫األخرى‪ .‬حين بلغن األرض وا َ‬
‫ف من المشاعل المتذبذبة ردهةً طويلةً‪.‬‬ ‫ص ٌّ‬
‫األرض بمساف ٍة طويلة‪ ،‬حيث يُضيء َ‬
‫ت صغيرة سُباعيَّة الجوانب‪ُ ،‬غرفة تقليديَّة‬ ‫وجدَت السِّپتون األعلى منتظرًا إياها في ُغرفة اجتماعا ٍ‬
‫متواضعة جُدرانها الحجريَّة عارية من الطِّالء وفيها طاولة خشبيَّة غير متقنة الصُّ نع وثالثة مقاعد ود َّكة‬
‫صالة‪ .‬على الجُدران نُقِ َشت وجوه (السَّبعة)‪ ،‬وقد ع َّدت سرسي النُّقوش بدائيَّةً قبيحةً‪ ،‬ولو أن فيها ق َّوةً‬
‫الجزع وال َملَكيت وحجارة القمر الصَّفراء‪ ،‬والتي‬ ‫ْ‬ ‫معيَّنةً‪ ،‬خصوصًا في األعيُن الكرويَّة المصنوعة من‬
‫بشكل ما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تبعث الحياة في الوجوه‬
‫ت مع الملكة»‪.‬‬ ‫قال السِّپتون األعلى‪« :‬تكلَّم ِ‬
‫قاو َمت الرَّغبة في أن تقول‪ :‬أنا الملكة‪ ،‬ور َّدت‪« :‬نعم»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ونلت المغفرة‪ .‬لكن ال‬ ‫ُ‬
‫ارتكبت ذنوبًا‬ ‫‪« -‬كلُّ البَشر يرتكبون ال ُّذنوب‪ ،‬حتى الملوك والملكات‪ .‬أنا نفسي‬
‫مغفرة دون اعتراف‪ ،‬والملكة تَرفُض أن تعترف»‪.‬‬
‫‪« -‬ربما تكون بريئةً»‪.‬‬
‫‪« -‬ليست بريئةً‪ .‬السِّپتوات الموقَّرات فحصنها ويشهدن بانفضاض غشاء بِكارتها‪ .‬لقد شربَت شاي القمر‬
‫لتَقتُل ثمرة ِزناها في رحمها‪ ،‬وث َّمة فارس أقس َم على سيفه بمعرفته الحميمة بها وباثنتين من بنات‬
‫رجال ُكثر‪ ،‬منهم الوضيع ومنهم عالي المقام»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عمومتها‪ .‬يقول إن آخَرين عا َشروها أيضًا‪ ،‬وذك َر أسماء‬
‫الذهبيَّة أخذوهم جميعًا إلى ال َّزنازين‪ .‬واحد فقط خض َع لالستجواب حتى اآلن‪ ،‬مطرب‬ ‫‪« -‬ذوو المعاطف َّ‬
‫اسمه ال َّشاعر األزرق‪ .‬وما قاله مزعج‪ .‬على الرغم من هذا أدعو اآللهة أن تَثبُت براءة زوجة ابني عند‬
‫صاحب‬ ‫ِ‬ ‫مثولها للمحا َكمة»‪ ،‬وتر َّددت سرسي لحظةً‪ ،‬ثم قالت‪« :‬تومن يحبُّ ملكته الصَّغيرة كثيرًا يا‬
‫القداسة‪ ،‬وأخشى أن يكون إصدار حُكم عادل عليها من قِبله أو قِبل لورداته صعبًا‪ .‬ربما األفضل أن تتولَّى‬
‫العقيدة المحا َكمة؟»‪.‬‬
‫سلب ميجور المتوحِّ ش‬ ‫َ‬ ‫صاحبة الجاللة‪ .‬كما‬‫ِ‬ ‫خطرت لي الفكرة ذاتها يا‬ ‫َ‬ ‫شبَّك العُصفور األعلى يديه ً‬
‫قائال‪« :‬‬
‫العقيدة سيوفها حر َمنا چهيرس ال ُمصلح موازين العدل‪ ،‬لكن من يَصلُح حقًّا للحُكم على ملك ٍة َّإال (السَّبعة في‬
‫األعالي) والمقسمون على خدمتهم على األرض؟ ستتولَّى محكمة موقَّرة من سبعة قُضا ٍة القضيَّة‪ ،‬ثالثة من‬
‫جنسك األنثوي‪ ،‬عذراء وأُم وعجوز‪َ .‬من أجدر منهن بالحُكم على آثام النِّساء؟»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ق في المطالَبة بإثبات ذنبها أو براءتها بمحا َكم ٍة‬ ‫ك أن لمارچري ال َح َّ‬ ‫‪« -‬سيكون هذا أفضل‪ ،‬لكن ال َش َّ‬
‫بالنِّزال‪ ،‬وفي تلك الحالة يجب أن يكون نصيرها من َحرس تومن السَّبعة»‪.‬‬
‫الحرس الملكي يخدمون ك ُمناصرين شرعيِّين للملك والملكة منذ عهد إجون الفاتِح‪ .‬صوت التَّاج‬ ‫‪« -‬فُرسان َ‬
‫والعقيدة واحد في هذه المسألة»‪.‬‬
‫دفنَت سرسي وجهها بين يديها متظاهرةً بالحُزن‪ ،‬ول َّما رف َعت رأسها ثانيةً التم َعت عبرة في عينها‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫أعرف أن تومن كان ليَش ُكرك لو أنه هنا‪ .‬أنا‬ ‫ُ‬ ‫ق تام‪.‬‬ ‫«هذه أيام حزينة بالفعل‪ ،‬لكن يسرُّ ني أن أجدنا على وفا ٍ‬
‫وأنت يجب أن نَعثُر على الحقيقة معًا»‪.‬‬
‫‪« -‬سنفعل»‪.‬‬
‫‪« -‬يجب أن أرجع إلى القلعة‪ .‬بَعد إذنك سآخ ُذ السير أوزني ِكتلبالك معي‪ .‬سيُريد أعضاء المجلس الصَّغير‬
‫استجوابه وسماع اتِّهاماته بأنفُسهم»‪.‬‬
‫َر َّد السِّپتون األعلى‪« :‬ال»‪.‬‬
‫مجرَّد كلمة‪ ،‬كلمة واحدة صغيرة‪ ،‬غير أنها بمثابة ماء مثلَّج قذفَه في وجهها‪ .‬ح َّدقت إليه وقد اهت َّزت ثقتها‬
‫مكان آ ِمن‪ ،‬أعدك»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫قليال‪ ،‬وقالت‪« :‬سنحتجز السير أوزني في‬
‫سأريك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مكان آ ِمن هنا‪ .‬تعالي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬إنه محت َجز في‬
‫والجزع‪ ،‬وس َرت في جسدها رعدة‬ ‫ْ‬ ‫شع َرت سرسي بأعيُن (السَّبعة) تَر ُمقها‪ ،‬أعيُن من اليَشب وال َملَكيت‬
‫خوف مباغتة باردة كالجليد‪ ،‬لكنها قالت لنفسها‪ :‬أنا الملكة‪ ،‬ابنة اللورد تايوين‪ ،‬وبتر ُّد ٍد تب َعته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ب حديديٍّ ثقيل‪ ،‬وأخر َج السِّپتون األعلى‬ ‫لم يكن السير أوزني بعيدًا‪ .‬توقَّفا عند ُغرف ٍة مظلمة مغلَقة ببا ٍ‬
‫عدك يا جاللة الملكة»‪.‬‬ ‫الجدار ليُضيء ال ُغرفة من ال َّداخل ً‬
‫قائال‪« :‬بَ ِ‬ ‫مشعال من على ِ‬‫ً‬ ‫مفتاحًا والتقطَ‬
‫في ال َّداخل كان أوزني ِكتلبالك معلَّقًا عاريًا من السَّقف‪ ،‬يتأر َجح من سلسلتين حديديَّتين ثقيلتين‪ ،‬مجلودًا‬
‫طع الجروح على ساقيه ومؤ ِّخرته‪.‬‬ ‫ظهره وكتفيه كلَّه وتتقا َ‬
‫تكاد ضربات السَّوط تكشف لحم َ‬
‫لم تحتمل الملكة النَّظر إليه‪ ،‬والتفتَت إلى السِّپتون األعلى قائلةً‪« :‬ماذا فعلتم؟!»‪.‬‬
‫‪« -‬سعينا إلى معرفة الحقيقة بك ِّل ج ِّديَّة»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد قال الحقيقة‪ ،‬أتاك بإرادته ال ُحرَّة واعترفَ بخطاياه»‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال‬ ‫ُ‬
‫سمعت‬ ‫صاحبة الجاللة‪ ،‬لكن نادرًا ما‬
‫ِ‬ ‫رجال كثيرين يا‬
‫ٍ‬ ‫سمعت اعترافات‬ ‫ُ‬ ‫‪« -‬نعم‪ ،‬فع َل هذا‪ .‬لقد‬
‫مسرورًا بذنوبه لهذه ال َّدرجة»‪.‬‬
‫‪« -‬لقد جلدتموه!»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخبرت السير أوزني‪ .‬إنني ناد ًرا‬ ‫بامرئ أن يستغني عن ضربات السِّياط كما‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬ال توبة دون ألم‪ .‬ال يَج ُدر‬
‫ما أشع ُر بقُربي من اإلله كما أشع ُر حين أُجلَ ُد تكفيرًا عن خطاياي‪ ،‬ولو أن أسوأ خطاياي ليس بسواد‬
‫خطاياه»‪.‬‬
‫قالت متلعثمةً‪« :‬للكنك تُبَ ِّشر برحمة (األُم)‪.»...‬‬
‫‪« -‬وسيتذ َّوق السير أوزني هذا اللَّبن العذب في العالم اآلخَر‪ .‬مكتوب في (النَّجمة السُّباعيَّة) إن اآللهة تغفر‬
‫ال ُّذنوب كلَّها ولكن ال بُ َّد من عقاب المرء على ما يقترفه من جرائم‪ .‬أوزني ِكتلبالك مذنب بالخيانة والقتل‪،‬‬
‫وعقوبة الخيانة الموت»‪.‬‬
‫إنه مجرَّد راهب‪ ،‬ال يُمكنه أن يفعل هذا‪« .‬ليس للعقيدة أن تَح ُكم على أح ٍد بالموت مهما كانت جريرته»‪.‬‬
‫ببُط ٍء ر َّدد السِّپتون األعلى الكلمات وازنًا إياها‪« :‬مهما كانت جريرته»‪ ،‬ثم أردفَ ‪« :‬الغريب يا جاللة‬
‫الملكة أنه كلَّما أخلصنا في َجلد السير أوزني تغيَّرت جرائره‪ .‬اآلن يُريدنا أن نُ َ‬
‫صدِّق أنه لم يلمس مارچري‬
‫تايرل بتاتًا‪ ،‬أليس كذلك يا سير أوزني؟»‪.‬‬
‫الجدار)‪ ،‬لقد‬
‫ق شفتيه المتورِّمتين‪ ،‬وقال‪ِ (« :‬‬ ‫فت َح أوزني ِكتلبالك عينيه‪ ،‬ول َّما رأى الملكة واقفةً أمامه لع َ‬
‫الجدار)»‪.‬‬
‫وعدتِني ب( ِ‬
‫قالت سرسي‪« :‬إنه مجنون‪ ،‬قُدتموه إلى الجنون»‪.‬‬
‫حازم واضح‪« :‬سير أوزني‪ ،‬هل لك معرفة حميمة بالملكة؟»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ت‬
‫سأ َل السِّپتون األعلى بصو ٍ‬
‫وأجاب‪« :‬أجل‪ ،‬هذه الملكة‪ ،‬هي الملكة التي نكحتها‪ ،‬التي‬
‫َ‬ ‫ت إذ تل َّوى أوزني‪،‬‬‫صلصلَت القيود بخفو ٍ‬
‫ُ‬
‫دخلت وهو نائم وخنقته بالوسادة»‪.‬‬ ‫أرسلَتني لقتل السِّپتون األعلى السَّابق‪ .‬لم يكن له َحرس‪.‬‬
‫ودا َرت سرسي على عقبيها تجري‪.‬‬
‫صفور عجوز وهي اللَّبؤة ابنة (الصَّخرة)‪ .‬دف َعته جانبًا‬ ‫ٍ‬ ‫حاول السِّپتون األعلى اإلمساك بها‪ ،‬لكنه مجرَّد ُع‬
‫َ‬
‫ت صاخب‪.‬‬ ‫واندف َعت من الباب صافقةً إياه وراءها بصو ٍ‬
‫الذهبيَّة وأوزموند‬‫األخوان ِكتلبالك‪ ،‬أحتا ُج إلى األخوين ِكتلبالك‪ .‬سأرس ُل أوزفريد بذوي المعاطف َّ‬
‫بال َحرس الملكي‪ ،‬وما إن يُ َحرِّروه سيُن ِكر أوزني ك َّل شي ٍء وأخلِّصُ نفسي من هذا السِّپتون األعلى كما‬
‫ضت السِّپتوات المسنَّات األربع طريقها ومدَدن أيديهن المتغضَّنة محاوال ٍ‬
‫ت‬ ‫صت من سلفه‪ .‬اعتر َ‬ ‫تخلَّ ُ‬
‫القبض عليها‪ ،‬لكنها أسقطَت إحداهن على األرض وخم َشت أخرى على وجهها واستطاعَت بلوغ السَّاللم‪.‬‬
‫صف الطَّريق إلى أعلى تذ َّكرت تاينا ميريويذر وتعثَّرت الهثةً‪ .‬ليُنقِذني (السَّبعة)‪.‬‬
‫في منت َ‬
‫تاينا تعرف ك َّل شيء‪ .‬إذا أخذوها أيضًا وجلدوها‪...‬‬
‫تستطع االبتعاد أكثر من هذا‪ .‬هناك نسوة ينتظرنها‪ ،‬المزيد من‬ ‫ِ‬ ‫ج َرت حتى صحن السِّپت لكنها لم‬
‫السِّپتوات واألخوات الصَّامتات أيضًا‪ ،‬أكثر شبابًا من ال َّشمطاوات األربع باألسفل‪ .‬صا َحت متراجعةً‪« :‬أنا‬
‫وضعن أيديهن‬‫َ‬ ‫ً‬
‫وبدال من ذلك‬ ‫الملكة‪ .‬سأقط ُع رؤوسكن لهذا‪ ،‬سأقط ُع رؤوسكن جميعًا‪ .‬اترُكنني أمرُّ »‪،‬‬
‫عليها‪ .‬ج َرت سرسي إلى مذبح (األُم)‪َّ ،‬إال أنهن أم َسكن بها هناك‪ ،‬نحو عشرين منهن‪ ،‬وج َررنها راكلةً‬
‫ت صامتات بينما جرَّدتها ِسپتة اسمها‬ ‫على ساللم البُرج من جديد‪ ،‬وداخل زنزانتها ثبَّتتها ثالث أخوا ٍ‬
‫سكوليرا من ك ِّل ما تلبسه‪ ،‬بما فيه ثيابها ال َّداخليَّة‪ ،‬وألقَت لها ِسپتة أخرى ثوبًا من الخيش‪ .‬ظلَّت الملكة‬
‫تَصرُخ فيهن‪« :‬ال يُمكنكن أن تفعلن هذا‪ .‬إنني من آل النستر‪ .‬اترُكنني‪ .‬سيَقتُلكن أخي‪ ،‬سيشقُّكن چايمي من‬
‫الحلق إلى الفرج‪ .‬اترُكنني! أنا الملكة!»‪.‬‬
‫َ‬
‫صلِّي»‪ ،‬قبل أن يَترُكنها عاريةً في ال ِّزنزانة الباردة الموحشة‪.‬‬
‫قالت السِّپتة سكوليرا‪« :‬على الملكة أن تُ َ‬
‫ليست سرسي خانعةً كمارچري تايرل لترتدي الثَّوب الحقير وتستسلم للسِّجن‪ .‬سأعلِّمهن معنى حبس األسد‬
‫في قفص‪ .‬م َّزقت الثَّوب مئة قطعة‪ ،‬والتقطَت إبريق الماء وه َّشمته على الحائط‪ ،‬ثم فعلَت ال ِمثل بوعاء‬
‫ق الباب بقبضتيها‪ُ .‬حرَّاسها باألسفل في السَّاحة‪ ،‬عشرة من رجال‬ ‫ت أحد بدأت تد ُّ‬ ‫الفضالت‪ ،‬فل َّما لم يأ ِ‬
‫النستر والسير بوروس بالونت‪ .‬حالما يسمعون سيأتون إلطالق سراحي‪ ،‬وسأجرُّ العُصفور األعلى‬
‫الملعون إلى (القلعة الحمراء) مكب ًَّال بالسَّالسل‪.‬‬
‫عند الباب وعند النَّافذة صرخَت وركلَت وع َوت حتى بُ َّح صوتها‪ ،‬ولم ير َّد عليها أحد‪ ،‬ولم يأ ِ‬
‫ت يُنقِذها أحد‪.‬‬
‫بدأت ال ِّزنزانة تُظلِم وتزداد برودةً‪ ،‬وأخ َذت سرسي ترتجف‪ .‬كيف يَترُكنني هكذا دون نار؟ إنني ملكتهن‪.‬‬
‫بدأ النَّدم يُسواِرها على تمزيق الثَّوب الخيش‪ .‬على السَّرير القَشِّ في الرُّ كن دثار من الصُّ وف البنِّي الخفيف‬
‫يمض وقت طويل‬ ‫ِ‬ ‫الخشن‪ ،‬لكنه كلُّ ما لديها‪ ،‬وقد انكم َشت سرسي على نفسها تحته لتُوقِف رجفتها‪ ،‬ولم‬
‫نوم مرهَق‪.‬‬
‫قبل أن تغيب في ٍ‬
‫ظت في زنزان ٍة سوداء كالقار لتجد امرأةً قبيحةً ضخمةً تركع إلى جوار‬ ‫تهزها‪ ،‬واستيق َ‬
‫ثم إذا بي ٍد ثقيلة ُّ‬
‫ت إلطالق سراحي؟»‪.‬‬ ‫ت؟ هل جئ ِ‬ ‫السَّرير حاملةً شمعةً‪ .‬سألَتها الملكة‪َ « :‬من أن ِ‬
‫اعترافك بالقتل وال ِّزنى»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جئت أسم ُع‬ ‫‪« -‬أنا السِّپتة أونال‪،‬‬
‫إياك أن تلمسيني‪ ،‬ابتعدي»‪.‬‬
‫رأسك‪ِ .‬‬
‫ِ‬ ‫ضربَت سرسي يدها مزيحةً إياها‪ ،‬وقالت‪« :‬سأقط ُع‬
‫ضت المرأة قائلةً‪« :‬جاللة الملكة‪ ،‬سأعو ُد بَعد ساعة‪ .‬ربما تكونين مستع َّدةً لالعتراف حينها»‪.‬‬ ‫نه َ‬
‫ساعة تلو السَّاعة تلو السَّاعة‪ .‬هكذا مرَّت على سرسي النستر أطول ليل ٍة في حياتها باستثناء ليلة زفاف‬
‫صياح لدرجة أنها تبتلع ريقها بصعوبة‪ ،‬وبرودة ال ِّزنزانة تُ َج ِّمد‪ .‬كانت‬ ‫چوفري‪َ .‬حلقها مسحوج من فرط ال ِّ‬
‫ُكن لتتب َّول وتُشا ِهد البول يسيل على األرض‪.‬‬ ‫قد حطَّمت وعاء الفضالت‪ ،‬فاضطرَّت إلى القرفصة في ر ٍ‬
‫تهزها وتسألها إن كانت تُريد االعتراف بخطاياها‪.‬‬ ‫كلَّما أغلقَت عينيها تجد أونال فوق رأسها من جديد‪ُّ ،‬‬
‫لم يجلب لها النَّهار راحةً‪ .‬مع شروق ال َّشمس أتَتها السِّپتة مويل بوعا ٍء من عصيد ٍة رماديَّة مسيخة‪ ،‬فألقَته‬
‫سرسي على رأسها‪ ،‬لكن حين أتينَها بإبريق ما ٍء جديد لم يَترُك لها عطشها ال َّشديد خيارًا َّإال ال ُّشرب‪ ،‬ول َّما‬
‫ب آخَر رمادي رقيق زنِخ الرَّائحة تناولَته وغطَّت به ُعريها‪ ،‬وليلتها عندما عادَت مويل أكلَت‬ ‫أتينَها بثو ٍ‬
‫ال ُخبز والسَّمك وطلبَت نبي ًذا‪ ،‬لكن نبي ًذا لم يظهر‪ ،‬فقط السِّپتة أونال في زيارتها المحسوبة بالسَّاعة تسأل‬
‫الملكة إن كانت مستع َّدةً لالعتراف‪.‬‬
‫بينما بدأت شريحة السَّماء الرَّفيعة خراج نافذتها تُظلِم ثانيةً تساءلَت سرسي في قرارة نفسها‪ :‬كيف يَح ُدث‬
‫صدِّق أن يتخلَّى األخوان ِكتلبالك عن شقيقهما‪ .‬وأعضاء‬ ‫ت أحد ينتزعني من هنا؟ ال تُ َ‬ ‫هذا؟ لِ َم لم يأ ِ‬
‫ً‬
‫رجاال‬ ‫مجلسها‪ ،‬ماذا يفعلون؟ رعاديد وخونة‪ .‬حين أخر ُج من هنا سآم ُر بضرب أعناقهم جميعًا وأج ُد‬
‫أفضل يحلُّون محلَّهم‪.‬‬
‫ت يومها ترامى إلى مسامعها صياح بعيد من السَّاحة‪ ،‬لكن الرَّعاع كانوا يهتفون باسم مارچري‬
‫ثالث مرَّا ٍ‬
‫ال اسمها‪.‬‬
‫قُرب فَجر اليوم التَّالي فيما تلعق سرسي ما تبقَّى من الثَّريد في قاع الوعاء انفت َح باب ال ِّزنزانة بال سابق‬
‫خل اللورد كايبرن‪ .‬بذلَت أقصى جهدها كي ال تُلقي نفسها بين ذراعيه‪ ،‬وهم َست‪« :‬كايبرن‪ ،‬أوه‪،‬‬ ‫إنذار ود َ‬
‫يا لآللهة‪ ،‬كم أنا سعيدة لرؤية وجهك‪ُ .‬خذني إلى البيت»‪.‬‬
‫‪« -‬لن يُس َمح بذلك‪ .‬ستَمثُلين أمام محكم ٍة موقَّرة من سبعة قُضاة بتُهم االغتيال والخيانة وال ِّزنى»‪.‬‬
‫كانت سرسي مرهَقةً للغاية حتى إن الكالم بدا لها فار ًغا في البداية‪ ،‬وقالت‪« :‬تومن‪ .‬أخبِرني بأمر ابني‪،‬‬
‫أال يزال الملك؟»‪.‬‬
‫بسالم وخير‪ ،‬آ ِمن وراء جُدران (حصن ميجور) ويحميه ال َحرس الملكي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صاحبة الجاللة‪ .‬إنه‬
‫ِ‬ ‫‪« -‬بلى يا‬
‫عنك وعن ملكته الصَّغيرة‪ .‬لم يُخبِره أحد بع ُد ب‪ ...‬ب‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫لكنه يَشعُر بالوحدة واالضطراب‪ ،‬ويسأل‬
‫‪ ...« -‬أزمتي؟ وماذا عن مارچري؟»‪.‬‬
‫مت ال َّشاعر األزرق إلى السِّپتون األعلى وفقًا‬ ‫ضا أمام القُضاة أنفُسهم‪ .‬لقد سلَّ ُ‬ ‫‪« -‬ستَمثُل للمحا َكمة أي ً‬
‫مكان ما باألسفل‪ .‬ها ِمسوي أخبروني بأنهم يجلدونه‪ ،‬لكنه حتى اآلن يُ َغنِّي‬ ‫ٍ‬ ‫ألوامرك‪ .‬إنه هنا اآلن في‬
‫ِ‬
‫األغنيَّة الجميلة نفسها التي لقَّنَّاه إياها»‪.‬‬
‫بذهن خ ِدر من جرَّاء الحاجة إلى النَّوم‪ :‬األغنيَّة الجميلة نفسها‪ .‬وات‪ ،‬اسمه الحقيقي وات‪ .‬إذا شا َءت‬ ‫ٍ‬ ‫ف َّكرت‬
‫سبيل إلى دحض شهادته‪« .‬أين فُرساني؟ السير‬ ‫ٍ‬ ‫اآللهة سيموت وات بضربات ال ُكرباج تار ًكا مارچري بال‬
‫أوزفريد‪ ...‬السِّپتون األعلى سيَقتُل أخاه أوزني‪ .‬ال بُ َّد أن يتحرَّك ذوو المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة‪.»...‬‬
‫‪« -‬لم يَعُد أوزفريد ِكتلبالك يقود َحرس المدينة‪ .‬الملك نحَّاه من منصبه وعيَّن قائد (ب َّوابة التنِّين) في مكانه‪،‬‬
‫اسمه همفري ووترز»‪.‬‬
‫كانت سرسي منهَكةً للغاية‪ ،‬وال شيء من هذا له معنى‪« .‬لماذا َ‬
‫فعل تومن هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬اللَّوم ليس على الصَّبي‪ .‬حين يضع مجلسه مرسو ًما أمامه يُ َذيِّله بتوقيعه ويمهَره بختمه»‪.‬‬
‫فعل هذا؟ أنت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬مجلسي‪َ ...‬من‪َ ...‬من َ‬
‫الخصي في‬
‫ِّ‬ ‫فت من المجلس لألسف‪ ،‬لكنهم يسمحون لي باالستمرار في العمل مع هامسي‬ ‫ُر ُ‬
‫‪« -‬لقد ص ِ‬
‫الوقت الحالي‪ .‬البالد يَح ُكمها السير هاريس سويفت وال ِمايستر األكبر پايسل‪ ،‬وقد أر َسال ُغدافًا إلى‬
‫(كاسترلي روك) داعيَيْن ع َّم ِك إلى العودة إلى البالط وتولِّي الوصاية على العرش‪ .‬إذا كان سيقبل‬
‫ُسرع‪ .‬مايس تايرل تخلَّى عن حصار (ستورمز إند) ويزحف على المدينة بجيشه‪ ،‬وراندل‬ ‫فاألفضل أن ي ِ‬
‫تارلي في الطَّريق من (بِركة العذارى) أيضًا»‪.‬‬
‫ق اللورد ميريويذر على هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هل واف َ‬
‫‪« -‬ميريويذر استقا َل من منصبه في المجلس وفَ َّر عائدًا إلى (الطَّاولة الطَّويلة) مع زوجته التي كانت أول‬
‫جاللتك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من أبلَغنا نبأ‪ ...‬االتِّهامات‪ ...‬ضد‬
‫‪« -‬تركوا تاينا تذهب إذن»‪ .‬هذا أفضل شي ٍء سم َعته منذ قال السِّپتون األعلى لها ال‪ .‬كان يُمكن أن تَح ُكم‬
‫جلب أطقُمها إلى اليابسة فسيكون معه رجال‬ ‫َ‬ ‫تاينا عليها بالهالك‪« .‬وماذا عن اللورد ووترز؟ سُفنه‪ ...‬إذا‬
‫يكفون ل‪.»...‬‬
‫لتك الحاليَّة النَّهر رف َع اللورد ووترز قلوعه وأنز َل مجاذيفه وأخ َذ‬
‫‪« -‬بمجرَّد أن بلغَت أخبار أزمة جال ِ‬
‫أسطوله إلى البحر‪ .‬السير هاريس يخشى أنه ينوي االنضمام إلى اللورد ستانيس‪ ،‬وپايسل يعتقد أنه مبحر‬
‫إلى (األعتاب) ليكون قُرصانًا»‪.‬‬
‫‪« -‬كلُّ ُدرموناتي الجميلة»‪ .‬كادَت سرسي تضحك‪« .‬اعتا َد أبي أن يقول إن النُّغول مخادعون بالفطرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ضعت يا كايبرن»‪.‬‬ ‫أصغيت إليه»‪ ،‬وارتجفَت مضيفةً‪« :‬لقد‬
‫ُ‬ ‫ليتني‬
‫ونصيرك‬
‫ِ‬ ‫براءتك بالنِّزال‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ق في إثبات‬‫الح ُّ‬
‫لجاللتك َ‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫مواصال‪« :‬ما زا َل األمل باقيًا‪.‬‬ ‫ط يدها‬‫َر َّد‪« :‬ال»‪ ،‬والتق َ‬
‫ت األمر فقط‪.»...‬‬ ‫لرجل في (الممالك السَّبع) بأ َسرها في الصُّ مود أمامه‪ .‬إذا ألقي ِ‬
‫ٍ‬ ‫جاهز يا موالتي‪ .‬ال أمل‬
‫هذه المرَّة ضح َكت‪ .‬كان األمر طريفًا‪ ،‬طريفًا على نح ٍو رهيب‪ ،‬طريفًا على نح ٍو بشع‪« .‬اآللهة تُحيل آمالنا‬
‫و ُخططنا جميعًا إلى ُدعابات‪ .‬لي نصير ال يقوى رجل على هزيمته لكنني ممنوعة من استخدامه‪ .‬أنا الملكة‬
‫يا كايبرن‪ ،‬وليس ألح ٍد أن يُدافِع عن َشرفي َّإال أخ محلَّف في ال َحرس الملكي»‪.‬‬
‫أنصحك‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫ماتَت االبتسامة على وجه كايبرن‪ ،‬وقال‪« :‬مفهوم‪ .‬إنني حائر يا جاللة الملكة‪ ،‬وال أدري بِ َم‬
‫حتى في حالة اإلرهاق والخوف هذه تعلم الملكة أنها ال تستطيع ائتمان محكم ٍة من العصافير على‬
‫مصيرها‪ ،‬وال يُمكنها االعتماد على ُّ‬
‫تدخل السير كيڤان بَعد ما قي َل بينهما في لقائهما األخير‪ .‬يجب أن تكون‬
‫محا َكمةً بالقتال‪ ،‬ال سبيل آخَر‪« .‬كايبرن‪ ،‬ألجل ُحبِّك لي أت َّوس ُل إليك أن تبعث برسال ٍة من أجلي‪ِ .‬‬
‫أرسل‬
‫فأرسل خي ًَّاال‪ .‬يجب أن تُرسل إلى أخي في (ريڤر َرن)‪ .‬أخبِره بما جرى‬
‫ِ‬ ‫تستطع‬
‫ِ‬ ‫ُغدافًا إن استطعت‪ ،‬وإن لم‬
‫واكتُب‪ ...‬اكتُب‪.»...‬‬
‫‪« -‬نعم يا جاللة الملكة؟»‪.‬‬
‫لعقَت شفتيها مرتعدةً‪ ،‬ثم قالت‪َ « :‬‬
‫تعال في الحال‪ .‬سا ِعدني‪ .‬أنقِذني‪ .‬إنني محتاجة إليك اآلن كما لم أحتَج‬
‫إليك من قبل قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬أحبُّك‪ ،‬أحبُّك‪ ،‬أحبُّك‪ .‬تعا َل في الحال»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تأمرين‪« .‬أحبُّك» ثالث مرَّات؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ثالث مرَّات»‪ .‬يجب أن تُ َؤثِّر فيه‪« .‬سيأتي‪ ،‬أعل ُم أنه سيأتي‪ ،‬يجب أن يأتي‪ .‬چايمي أملي الوحيد»‪.‬‬
‫وخسر‪.»...‬‬
‫َ‬ ‫ت؟ السير چايمي فق َد يد سيفه‪ .‬إذا ناص َر ِك‬
‫قال كايبرن‪« :‬موالتي‪ ،‬هل‪ ...‬نسي ِ‬
‫‪ ...‬فسنُغا ِدر هذا العالم معًا كما جئناه معًا‪« .‬لن يخسر‪ ،‬ليس چايمي‪ ،‬ليس وحياتي على المحك»‪.‬‬
‫چايمي‬
‫تالعب بنا!»‪،‬‬
‫َ‬ ‫كان سيِّد (ريڤر َرن) الجديد غاضبًا إلى َح ِّد االرتجاف وهو يقول‪« :‬لقد ُخ ِدعنا‪ ،‬هذا الرَّجل‬
‫وتطاي َر اللُّعاب الوردي من فمه إذ أشا َر بإصبعه إلى إدميور تَلي متابعًا‪« :‬سأقط ُع رأسه! أنا الحاكم في‬
‫(ريڤر َرن)‪ ،‬مرسوم الملك يقول إنني‪.»...‬‬
‫قاط َعته زوجته‪« :‬إمون‪ ،‬حضرة القائد على دراي ٍة بمرسوم الملك‪ ،‬السير إدميور على دراي ٍة بمرسوم‬
‫الملك‪ُ ،‬ع َّمال االسطبالت على دراي ٍة بمرسوم الملك»‪.‬‬
‫طع رأسه!»‪.‬‬‫‪« -‬أنا اللورد‪ ،‬وأري ُد أن يُق َ‬
‫ي جريمة؟»‪ .‬على الرغم من هزاله يبدو إدميور أكثر وقارًا من إمون فراي‪ ،‬وقد ارتدى سراويل‬ ‫‪« -‬بأ ِّ‬
‫وانتعل حذا ًء من‬
‫َ‬ ‫زرقاء ومعطفًا مبطَّنًا من الصُّ وف األحمر على صدره تطريز لسمكة الترويت الواثبة‪،‬‬
‫ُ‬
‫فعلت ك َّل المطلوب‬ ‫َّ‬
‫وشذب لحيته الحمراء بعناية‪« .‬لقد‬ ‫َّ‬
‫وهذبه‬ ‫الجلد األسود‪ ،‬وغس َل َشعره الكستنائي‬ ‫ِ‬
‫مني»‪.‬‬
‫لم يكن چايمي النستر قد نا َم منذ فت َحت (ريڤر َرن) ب َّوابتها‪ ،‬وأحسَّ برأسه يد ُّ‬
‫ق إذ قال‪« :‬أوه؟ ال أذك ُر أنني‬
‫ُ‬
‫طلبت منك أن تَترُك السير برايندن يَهرُب»‪.‬‬
‫‪« -‬طلبت مني أن أسلِّم القلعة ال ع ِّمي‪ .‬لماذا أُال ُم إن كان رجالك هُم من تركوه ينسلُّ من بين صفوفهم؟»‪.‬‬
‫رض اإلجابة چايمي‪ ،‬وسأ َل مبديًا حنقه‪« :‬أين هو؟»‪ .‬لقد فتَّش رجاله (ريڤر َرن) ثالث مرَّات ولم‬ ‫ِ‬ ‫لم تُ‬
‫يجدوا للسير برايندن تَلي أثرًا‪.‬‬
‫‪« -‬لم يَذ ُكر لي أين سيذهب»‪.‬‬
‫‪« -‬وأنت لم تسأله‪ .‬كيف خر َج؟»‪.‬‬
‫أجاب إدميور مبتس ًما‪« :‬السَّمك يعوم‪ ،‬حتى السَّمك األسود»‪.‬‬
‫َ‬
‫أسنان مفقودة كفيلة بوضع َح ٍّد‬
‫ٍ‬ ‫الذهبيَّة‪ ،‬فبضع‬ ‫راودَت چايمي رغبة شديدة في أن يَل ُكمه في فمه بيده َّ‬
‫مر سجينًا يبدو إدميور تَلي مسرورًا للغاية‬ ‫رجل سيقضي ما تبقَّى له من ُع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫البتساماته هذه‪ .‬بالنِّسبة إلى‬
‫‪49‬‬
‫قائال‪« :‬عندنا تحت (كاسترلي روك) دياميس تنضغط على جسد المرء بضيق ب َّز ٍة‬ ‫بنفسه‪ .‬هكذا خاطبَه ً‬
‫مدرَّعة‪ ،‬ال يُمكنك أن تدور فيها أو تجلس أو تمد يدك إلى قدميك حين تبدأ الجرذان تقضم أصابعهما‪ .‬هل‬
‫ترغب في إعادة النَّظر في هذه اإلجابة؟»‪.‬‬
‫بتكريم يليق بمقامي»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اختفَت ابتسامة إدميور‪ ،‬وقال‪« :‬لقد أعطيتني كلمتك بأنني سأُعا َم ُل‬
‫َر َّد چايمي‪« :‬وهكذا ستُعا َمل‪ .‬فُرسان أنبل منك ماتوا متوجِّعين في تلك ال َّدياميس‪ ،‬وع َّدة لوردات عظام‬
‫كنت أذك ُر ما تعلَّمته من التَّاريخ‪ .‬يُمكن لزوجتك أن تنزل بالدِّيماس المجاور‬
‫بملك أو اثنين إن ُ‬
‫ٍ‬ ‫أيضًا‪ ،‬ناهيك‬
‫فلست أرغبُ في التَّفريق بينكما»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لك إذا أردت‪،‬‬
‫قال إدميور عابسًا‪« :‬لقد خر َج عو ًما حقًّا»‪ .‬للرَّجل عينا أخته كاتلين ال َّزرقاوان‪ ،‬وفيهما يرى چايمي‬
‫آخرها‪ ،‬نحو‬‫االزدراء نفسه الذي رآه من قبل في عينيها‪« .‬رفعنا شبكة (ب َّوابة الماء) الحديديَّة‪ ،‬ليس عن ِ‬
‫أقدام فقط‪ ،‬ما يكفي لترك ثغر ٍة تحت الماء بينما تظلُّ الب َّوابة تبدو مغلقةً‪ .‬ع ِّمي سبَّاح قوي‪ ،‬وبَعد‬
‫ٍ‬ ‫ثالثة‬
‫َّ‬
‫حلول الظالم خر َج من تحت ال َّشبكة»‪.‬‬
‫نهر‬
‫ضجرون وسمكة سوداء في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قمر و ُحرَّاس‬‫وسب َح من تحت السِّلسلة بالطَّريقة نفسها ال ريب‪ .‬ليلة بال ٍ‬
‫أسود يحملها التَّيَّار بهدو ٍء نحو المصبِّ ‪ .‬لو سم َع روتيجر أو ياو أو أحد رجالهما المياه تتناثَر لعزوا‬
‫الصَّوت إلى سمكة ترويت أو سُلحفاة‪ .‬كان إدميور قد انتظ َر أغلب النَّهار قبل أن ي ِ‬
‫ُنزل راية ذئب ستارك‬
‫الرَّهيب داللةً على االستسالم‪ ،‬ومع فوضى تسليم القلعة لم يعرف چايمي أن السَّمكة السَّوداء ليس ضمن‬
‫األسرى َّإال صباح اليوم التَّالي‪.‬‬
‫ذهب إلى النَّافذة وتطلَّع إلى النَّهر الذي تتألأل أشعَّة ال َّشمس على صفحته في هذا النَّهار الخريفي الصَّحو‪،‬‬
‫َ‬
‫وف َّكر‪ :‬ربما يكون السَّمكة السَّوداء قد ابتع َد عشرة فراسخ بالفعل‪.‬‬
‫قال إمون فراي بإصرار‪« :‬يجب أن تَعثُروا عليه»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أرسلت كالب صي ٍد وصيَّادين يقتفون أثره بالفعل»‪ .‬يقود‬ ‫َر َّد چايمي بثق ٍة ال يَشعُر بها‪« :‬سنَعثُر عليه‪ .‬لقد‬
‫السير أدام ماربراند البحث على ضفَّة النَّهر الجنوبيَّة‪ ،‬ويقوده السير درموت ابن (الغابة المطيرة) على‬
‫ال َّشماليَّة‪ .‬كان چايمي قد ف َّكر في االستعانة بلوردات النَّهر أيضًا‪ ،‬لكن األرجح أن يُسا ِعد ڤانس وپايپر و َمن‬
‫إجماال ال يرى ً‬
‫أمال‪ ،‬لكنه قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫هُم على شاكلتهما السَّمكة السَّوداء على الهرب ً‬
‫بدال من تقييده باألصفاد‪.‬‬
‫ُراوغنا بعض الوقت لكنه سيظهر في النِّهاية»‪.‬‬ ‫«ربما ي ِ‬
‫‪« -‬وماذا لو حاو َل أن يأخذ قلعتي؟»‪.‬‬
‫الالزم في الحقيقة‪ ،‬لكن اللورد إمون ينزع إلى القلق‬ ‫‪« -‬إن معك حاميةً قوامها مئتا رجل»‪ .‬حامية أكبر من َّ‬
‫بفائض من‬
‫ٍ‬ ‫ك السَّمكة السَّوداء (ريڤر َرن) مز َّودةً‬‫واجهه مشكلة في إطعامها‪ ،‬إذ تر َ‬ ‫دو ًما‪ .‬على األقل لن تُ ِ‬
‫أشك في أنه سيعود»‪ .‬ما لم يكن على‬ ‫ُّ‬ ‫المؤن‪ ،‬تما ًما كما ا َّدعى‪« .‬بَعد ما تج َّشمه السير برايندن كي يَترُكنا‬
‫ُّ‬
‫يشك فيه هو نيَّة السَّمكة السَّوداء استكمال القتال‪.‬‬ ‫رأس جماع ٍة من الخارجين عن القانون‪ .‬ما ال‬
‫فأضرم فيه النَّار وارجع‬ ‫ِ‬ ‫چنا لزوجها‪« :‬هذا مقرُّ ك وعليك الحفاظ عليه‪ .‬إن لم تكن تستطيع هذا‬ ‫قالت الليدي ِ‬
‫إلى (الصَّخرة)»‪.‬‬
‫ك اللورد إمون فمه ليُلَطِّخ التَّبغ ال ُمرُّ يده باألحمر اللَّزج‪ ،‬وقال‪« :‬بالتَّأكيد‪( .‬ريڤر َرن) لي‪ ،‬وال أحد‬ ‫فر َ‬
‫چنا من ال ُغرفة ال َّشمسيَّة‪.‬‬‫وحدج إدميور تَلي بنظرة ريب ٍة أخيرة بينما سحبَته الليدي ِ‬
‫َ‬ ‫سيأخذها مني أبدًا»‪،‬‬
‫ل َّما صارا وحدهما سأ َل چايمي إدميور‪« :‬هل من شي ٍء آخَر ترغب في إخباري به؟»‪.‬‬
‫قال تَلي‪« :‬هذه ُغرفة أبي ال َّشمسيَّة‪ِ .‬من هنا حك َم أراضي النَّهر بالعقل والعدل‪ .‬كان يحبُّ الجلوس عند تلك‬
‫النَّافذة‪ .‬اإلضاءة جيِّدة هناك‪ ،‬ومتى رف َع ناظريْه عن عمله كان يرى النَّهر‪ ،‬ول َّما تتعب عيناه كان يجعل‬
‫بنيت قلعةً من القوالب الخشب مع اإلصبع الصَّغير‪ ،‬هناك إلى جوار الباب‪ .‬لن تعلم‬ ‫ُ‬ ‫كات تقرأ له‪ .‬في م َّر ٍة‬
‫أبدًا كم تُغثيني رؤيتك في هذه ال ُغرفة يا قاتِل الملك‪ ،‬لن تعلم أبدًا كم أحتقرك»‪.‬‬
‫لكنه مخطئ في هذا‪ .‬قال چايمي‪« :‬لقد احتق َرني رجال أفضل منك يا إدميور»‪ ،‬ونادى أحد ال َحرس وأم َره‬
‫واحرص على إطعامه»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫قائال‪ُ « :‬خذ حضرة اللورد إلى بُرجه‬
‫وخرج سيِّد (ريڤر َرن) صامتًا‪ .‬غدًا سيبدأ رحلته غربًا‪ ،‬وسيقود السير فورلي پرستر حراسته المؤلَّفة من‬ ‫َ‬
‫رجل منهم عشرون فارسًا‪ .‬يَحسُن أن أضاعف هذا العدد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مئة‬
‫الذهبي)‪ .‬ال يُريد چايمي أن يضط َّر إلى أَسر‬
‫ُحاول اللورد بريك تحرير إدميور قبل أن يَبلُغوا (النَّاب َّ‬ ‫قد ي ِ‬
‫تَلي للمرَّة الثَّالثة‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت‬ ‫ً‬
‫متسائال‪ :‬أين أذهبُ لو‬ ‫ط خريطة (الثَّالوث) وس َّواها بيده َّ‬
‫الذهبيَّة‬ ‫عا َد إلى مقعد هوستر تَلي والتق َ‬
‫قائال‪« :‬حضرة القائد‪ ،‬الليدي وسترلينج وابنتها‬ ‫ً‬ ‫ظهر حارس عند الباب المفتوح‬ ‫َ‬ ‫السَّمكة السَّوداء؟‬
‫منتظرتان في الخارج كما أمرت»‪.‬‬
‫تختف الفتاة أيضًا‪ .‬كانت چاين وسترلينج ملكة‬
‫ِ‬ ‫أدخلهما»‪ .‬على األقل لم‬
‫أزا َح چايمي الخريطة‪ ،‬وقال‪ِ « :‬‬
‫روب ستارك‪ ،‬الفتاة التي كلَّفته ك َّل شيء‪ ،‬وإذا كان في بطنها ذئب فهي أخطر من السَّمكة السَّوداء‪.‬‬
‫ال تبدو چاين خطرةً‪ .‬فتاة غضَّة هي‪ ،‬ال تتجا َوز الخامسة أو السَّادسة عشرة من العُمر‪ ،‬وتبدو أقرب إلى‬
‫ال َخرق من الرَّزانة‪ ،‬ولها َوركان قويَّان وثديان بحجم تفَّاحتين و َشعر بنِّي ضارب إلى الحُمرة وعينا ظبي ٍة‬
‫ق خسارة مملك ٍة من أجلها‪ .‬رأى‬ ‫بنِّيَّتان رقيقتان‪ .‬حسناء كفايةً بالنِّسبة إلى طفلة‪ ،‬لكنها ليست فتاةً تستح ُّ‬
‫لك؟»‪.‬‬
‫حدث ِ‬ ‫َ‬ ‫جرح على جبهتها تُخفيها ُخصلة من َشعرها جزئيًّا‪ ،‬فسألَها‪« :‬ماذا‬ ‫ٍ‬ ‫وجهها منتف ًخا وقشرة‬
‫أشاحت الفتاة بوجهها‪ ،‬وقالت أُ ُّمها بحزم‪« :‬ال شيء»‪ .‬المرأة صارمة المالمح‪ ،‬ترتدي فُستانًا من المخمل‬ ‫َ‬
‫ضت التَّخلي عن التَّاج الذي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫األخضر وتُحيط بعُنقها الطويل الرَّفيع قالدة من األصداف الذهبيَّة‪« .‬رف َ‬
‫حاولت أن آخذه منها قاو َمتني الطِّفلة العنيدة»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أعطاها المتم ِّرد إياه‪ ،‬وحين‬
‫لك َحق‪ .‬روب جعلَهم يصنعونه من أجلي‪ .‬لقد أحبَبته!»‪.‬‬ ‫قالت چاين باكيةً‪« :‬كان ِملكي‪ .‬لم يكن ِ‬
‫إياك وهذا»‪ ،‬ثم‬ ‫اعترض طريق الليدي سيبل وقال لها مح ِّذرًا‪ِ « :‬‬ ‫َ‬ ‫رف َعت أُ ُّمها يدها تصفعها‪ ،‬لكن چايمي‬
‫كحيوان خائف‪ ،‬في حين جل َست أُ ُّمها بجمو ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫أردفَ ‪« :‬فلتجلس كلتاكما»‪ ،‬فانكم َشت الفتاة على مقعدها‬
‫رافعةً رأسها باعتداد‪ .‬سألَهما‪« :‬هل تشربان نبي ًذا؟»‪ ،‬فلم تُ ِجب الفتاة‪ ،‬أ َّما أُ ُّمها فقالت‪« :‬ال‪ُ ،‬شك ًرا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعترف‬ ‫لخسارتك‪ .‬الصَّبي كان ُشجاعًا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫آسف‬ ‫غمغ َم چايمي‪« :‬كما تُريدين»‪ ،‬والتفتَ إلى الفتاة ً‬
‫قائال‪ٌ « :‬‬
‫عليك‪ ...‬هل تحملين طفله يا سيِّدتي؟»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بهذا‪ .‬ث َّمة سؤال يجب أن ألقيه‬
‫ك ذراعها‪ ،‬وبينما‬ ‫هبَّت چاين من مقعدها‪ ،‬وكانت لتهرع هاربةً من ال ُغرفة لوال أن الحارس على الباب أمس َ‬
‫طلب مني السيِّد‬
‫َ‬ ‫حامال‪ ،‬لقد تيقَّ ُ‬
‫نت من هذا كما‬ ‫ً‬ ‫قاو َمت ابنتها محاولةً اإلفالت أجابَت الليدي سيبل‪« :‬ليست‬
‫والدك»‪.‬‬
‫أومأ َ چايمي برأسه‪ .‬لم يكن تايوين النستر بالرَّجل الذي يُغفِل تفصيلةً كهذه‪ .‬قال للحارس‪« :‬اترُك الفتاة‪.‬‬
‫فرغت منها في الوقت الحالي»‪ ،‬وإذ أسرعَت چاين تنزل السَّاللم تطلَّع إلى أُ ِّمها‪ ،‬وقال‪« :‬عائلة وسترلينج‬ ‫ُ‬
‫ِّب سيِّدًا على (كاستامير)‪ .‬ماذا تُريدين منا غير هذا؟»‪.‬‬
‫وأخوك رولف نُص َ‬
‫ِ‬ ‫نالَت العفو‪،‬‬
‫‪« -‬السيِّد والدك وعدَني بزيج ٍة الئقة لچاين وأختها الصَّغيرة‪ ،‬وع َد بأن يكون زوج كلٍّ منهما من اللوردات‬
‫أو ورثتهم ال األبناء األصغر أو فُرسان أهل بيتهم»‪.‬‬
‫من اللوردات أو ورثتهم‪ ،‬بالتَّأكيد‪ .‬وسترلينج عائلة عريقة فخور‪ ،‬لكن الليدي سيبل نفسها وليدة عائلة‬
‫َّار نا َسبوا َمن هُم أعلى منهم مقا ًما‪ .‬كانت ج َّدتها عرَّافةً ِشبه مجنون ٍة من‬
‫سپايسر‪ ،‬وتنحدر من ذ ِّريَّة تُج ٍ‬
‫ال َّشرق على ما يَذ ُكر‪ ،‬وآل وسترلينج فُقراء‪ .‬في مسار األحداث الطَّبيعي لكان األبناء األصغر أفضل ما‬
‫تأمله ابنتا سيبل سپايسر‪ ،‬لكن ج َّرةً كبيرةً من ذهب النستر كفيلة بجعل أرملة متم ِّر ٍد ميت َّ‬
‫جذابةً ألحد‬
‫اللوردات‪ .‬قال چايمي‪« :‬ستَحصُلين على ال ِّزيجتين‪ ،‬لكن يجب أن تنتظر چاين سنتين كاملتين قبل أن‬
‫تتز َّوج ثانيةً»‪ .‬إذا تز َّوجت الفتاة من جدي ٍد بَعد فتر ٍة قصيرة وأنجبَت ابنًا فمن المحتَّم أن يتها َمس بعض‬
‫النَّاس قائلين إن ال ِّذئب الصَّغير هو األب‪.‬‬
‫ذ َّكرته الليدي وسترلينج قائلةً وفي نبرتها لمحة من التَّأنيب‪« :‬إن لي ابنين أيضًا‪ .‬روالم معي‪ ،‬لكن راينالد‬
‫بالذهاب على‬‫سمحت له َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عرفت ما سيَح ُدث هناك لما‬ ‫وذهب مع المتم ِّردين إلى (التَّوأمتين)‪ .‬لو‬
‫َ‬ ‫كان فارسًا‬
‫اإلطالق‪ .‬لم يكن راينالد يعلم شيئًا عن‪ ...‬التَّفاهُم مع السيِّد والدك‪ .‬ربما يكون أسيرًا في (التَّوأمتين)»‪.‬‬
‫أو ربما يكون ميتًا‪ .‬لم يكن والدر فراي ليعلم بأمر هذا «التَّفاهُم» أيضًا‪« .‬سأستعل ُم عنه‪ .‬إذا كان السير‬
‫راينالد أسيرًا فسندفع فديته»‪.‬‬
‫س من (كاسترلي روك)‪ .‬قال إن راينالد سينال منه چوي‬ ‫‪« -‬السيِّد والدك ذك َر ترتيب زيج ٍة له أيضًا‪ ،‬بعرو ٍ‬
‫إذا سا َر كلُّ شي ٍء كما نأمل»‪.‬‬
‫حتى من القبر ما زالَت يدا اللورد تايوين الميتتان تُ َحرِّكاننا جميعًا‪« .‬چوي ابنة ع ِّمي الرَّاحل جيريون‬
‫ت‪ ،‬لكن على ال َّزواج أن ينتظر‪ .‬چوي كانت في التَّاسعة أو العاشرة‬ ‫الطَّبيعيَّة‪ .‬يُمكن عقد الخطبة إذا أرد ِ‬
‫آخر مرَّة»‪.‬‬
‫عندما رأيتها ِ‬
‫بدَت الليدي سيبل كأنها ابتل َعت ليمونةً وهي تقول‪« :‬ابنته الطَّبيعيَّة؟! أتُريد ابنًا لعائلة وسترلينج أن يتز َّوج‬
‫نغلةً؟!»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس أكثر مما أري ُد أن تتز َّوج چوي ابن حقير ٍة متآمرة خائنة‪ .‬إنها تستح ُّ‬
‫ق أفضل»‪ .‬كان ليُس ِعد چايمي‬
‫لحظتها أن يَخنُق المرأة بقالدة األصداف المحيطة بعُنقها‪.‬‬
‫منك يا سيِّدتي‪.‬‬
‫عشر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫چوي طفلة رقيقة وإن كانت وحيدةً‪ ،‬وكان أبوها ع َّم چايمي األثير‪ِ « .‬‬
‫ابنتك برقبة‬
‫ستُغا ِدرون مع إدميور والسير فورلي غدًا‪ ،‬وحتى ذلك الحين خي ٌر لك أن تَغرُبي عن وجهي»‪ ،‬وزع َ‬
‫ق‬
‫آخرهما‪ .‬تساء َل چايمي رغ ًما عنه عن قدر ما‬ ‫مناديًا حارسًا‪ ،‬وذهبَت الليدي سيبل بشفتين مزمومتين عن ِ‬
‫رحل إدميور وآل‬ ‫َ‬ ‫عرفَه اللورد جاون عن تآ ُمر زوجته‪ .‬وما قدر ما نعرفه نحن الرِّجال أبدًا؟ حين‬
‫ذهب معهم أربعمئة رجل‪ ،‬ففي اللَّحظة األخيرة قرَّر چايمي مضاعَفة الحراسة م َّرةً أخرى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وسترلينج‬
‫ثور على سُترته‬ ‫أميال ليتح َّدث مع السير فورلي پرستر‪ .‬على الرغم من وجود رأس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وركب معهم بضعة‬ ‫َ‬
‫صل ٍة للثِّيران‪ ،‬فهو رجل قصير نحيل‬ ‫ي ِ‬ ‫الطَّويلة وقرنين على خوذته ال يبدو على السير فورلي أنه ُّ‬
‫يمت بأ ِّ‬
‫خان من‬
‫ٍ‬ ‫صاحب‬
‫ِ‬ ‫خشن‪ ،‬وبأنفه الضيِّق ورأسه األصلع ولحيته البنِّيَّة المنقَّطة بالرَّمادي يبدو أقرب إلى‬
‫فارس‪ .‬قال له چايمي مذ ِّكرًا‪« :‬لسنا نعرف مكان السَّمكة السَّوداء‪ ،‬لكن إذا استطا َع تحرير إدميور‬
‫فسيفعل»‪.‬‬
‫أجاب‪« :‬لن يَح ُدث يا سيِّدي‪ .‬سيسبقنا الك َّشافة في‬‫َ‬ ‫كأكثر أصحاب الخانات ليس السير فورلي بأحمق‪ ،‬وقد‬
‫رجال للبقاء مع تَلي ليل نهار‪ ،‬أفضل رجالي من‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫انتقيت عشرة‬ ‫صن معس َكراتنا ً‬
‫ليال‪.‬‬ ‫أثناء ال َّزحف وسنُ َح ِّ‬
‫رُماة القوس الطَّويل‪ .‬إذا حا َد قد ًما واحدًا عن الطَّريق سيُطلِقون عليه سها ًما يكفي ريشها لجعل أُ ِّمه نفسها‬
‫تحسبه إو َّزةً»‪.‬‬
‫‪« -‬عظيم»‪ .‬يُ َحبِّذ چايمي أن يصل تَلي إلى (كاسترلي روك) سال ًما‪َّ ،‬إال أن موته أفضل من هربه‪.‬‬
‫«األفضل أن تضع بعض الرُّ ماة قُرب ابنة اللورد جاون أيضًا»‪.‬‬
‫قال السير فورلي منده ًشا‪« :‬ابنة جاون؟ إنها‪.»...‬‬
‫‪ ...« -‬أرملة ال ِّذئب الصَّغير‪ ،‬وأخطر مرَّتين من إدميور إذا هربَت منا»‪.‬‬
‫‪« -‬كما تقول يا سيِّدي‪ ،‬سنضعها تحت المراقَبة»‪.‬‬
‫ريڤررن)‪ .‬أومأ َ له اللورد جاون‬
‫َ‬ ‫اضط َّر چايمي إلى المرور خببًا بآل وسترلينج في طريق العودة إلى (‬
‫أصال‪ .‬كانت األرملة راكبةً‬
‫ً‬ ‫بتجه ٍُّم إذ رآه‪ ،‬لكن الليدي سيبل رمقَته بعينين من جليد‪ ،‬في حين لم ت َره چاين‬
‫بعينين ُمطرقتين‪ ،‬وقد رف َعت قلنسوة معطفها الذي تلوح من تحت طيَّاته الثَّقيلة ثياب أنيقة لكن مم َّزقة‪.‬‬
‫الحداد‪ .‬ال يُمكن أن هذا َس َّر أُ َّمها‪ .‬وج َد نفسه يتسا َءل إن كانت سرسي ستش ُّ‬
‫ق‬ ‫م َّزقتها بنفسها عالمةً على ِ‬
‫فُستانها إذا أتاها نبأ موته ذات يوم‪.‬‬
‫لم يَعُد إلى القلعة مباشرةً‪ ،‬بل عب َر (الجُلمود) م َّرةً أخرى ليزور إدوين فراي ويُنا ِقش معه نقل سُجناء جدِّه‬
‫وراح ح َملة راية‬
‫َ‬ ‫ت من استسالم (ريڤر َرن)‪،‬‬ ‫الكبير‪ .‬كان جيش فراي قد بدأ يحلُّ معس َكراته خالل ساعا ٍ‬
‫اللورد والدر و ُمحاربوه غير النِّظاميِّين يقتلعون الخوازيق من األرض استعدادًا للرَّحيل‪ .‬رأى رجال فراي‬
‫الباقين يحلُّون معس َكرهم أيضًا‪ ،‬لكن إدوين كان مع ع ِّمه النَّغل في سُرادق الثَّاني‪.‬‬
‫وج َد االثنين مائليْن فوق خارط ٍة يتجادَالن بانفعال‪ ،‬لكنهما بترا كالمهما لدى دخول چايمي‪ ،‬وقال ريڤرز‬
‫بكياس ٍة باردة‪« :‬حضرة القائد»‪ ،‬لكن إدوين اندف َع يقول‪« :‬دم أبي على يديك أيها الفارس»‪.‬‬
‫أدهش هذا چايمي بعض ال َّشيء‪ ،‬وتساء َل‪« :‬كيف؟»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪« -‬أنت الذي أرسلته إلى الدِّيار‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫كان على أحدهم أن يفعل‪« .‬هل وق َع للسير رايمان سوء؟»‪.‬‬
‫ق مع مجموعته كلِّها‪ .‬الخارجون عن القانون ها َجموهم على بُعد فرسخيْن من‬‫قال والدر ريڤرز‪ُ « :‬شنِ َ‬
‫(السُّوق القصيَّة)»‪.‬‬
‫‪« -‬دونداريون؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هو أو ثوروس أو تلك المرأة قلب الحجر»‪.‬‬
‫قطَّب چايمي وجهه‪ .‬رايمان فراي كان أبله وجبانًا وس ِّكيرًا‪ ،‬وليس واردًا أن يفتقده أحد كثيرًا‪َّ ،‬‬
‫بالذات أهله‬
‫ً‬
‫طويال‪ .‬ولو‪...‬‬ ‫من آل فراي‪ .‬إذا كانت عينا إدوين الجافَّتان قرينةً فحتى أبناؤه أنفُسهم لن يحزنوا عليه‬
‫هؤالء الخارجون عن القانون يزدادون جراءةً ما داموا قد شنقوا وريث اللورد والدر على بُعد أق ِّل من ٍ‬
‫يوم‬
‫ً‬
‫رجال كان مع السير رايمان؟»‪.‬‬ ‫من (التَّوأمتين)‪« .‬كم‬
‫أجاب ريڤرز‪« :‬ثالثة فُرسان ودستة من الجنود‪ .‬كأنهم كانوا يعرفون أنه عائد إلى (التَّوأمتين) بحراس ٍة‬ ‫َ‬
‫خفيفة»‪.‬‬
‫أراهن أن ألخي يدًا في هذا‪ .‬لقد سم َح للخارجين عن القانون بالهرب بَعد أن قتلوا‬ ‫ُ‬ ‫التوى فم إدوين‪ ،‬وقال‪« :‬‬
‫ميريت وپيتر‪ ،‬وهذا هو السَّبب‪ .‬بموت أبينا ال يتبقَّى َّإالي بين والدر األسود و(التَّوأمتين)»‪.‬‬
‫قال والدر ريڤرز‪« :‬ال دليل لديك على هذا»‪.‬‬
‫أعرف أخي»‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪ُ «-‬‬
‫لست محتاجًا إلى دليل‪ ،‬إنني‬
‫َر َّد ريڤرز بإصرار‪« :‬أخوك في (سيجارد)‪ .‬أنَّى له بأن يعرف بعودة السير رايمان إلى (التَّوأمتين)؟»‪.‬‬
‫أجاب إدوين بمرارة‪« :‬أحدهم أبلغَه‪ .‬إن له جواسيسه في معس َكرنا‪ ،‬لك أن تثق بهذا»‪.‬‬
‫َ‬
‫وأنت لك جواسيسك في (سيجارد)‪ .‬يعرف چايمي أن العداوة بين إدوين ووالدر األسود عميقة‪ ،‬لكنه ال‬
‫يُبالي مقدار ذ َّر ٍة بخالفة أيِّهما لجدِّهما األكبر في سيادة (المعبر)‪.‬‬
‫قال بنبر ٍة جافَّة‪« :‬إذا سمحتما لي بالتَّط ُّفل عليكما في حُزنكما‪ ،‬ث َّمة أمور أخرى علينا تسويتها‪ .‬لدى‬
‫عودتكما إلى (التَّوأمتين) أرجو منكما إبالغ اللورد والدر بأن الملك تومن يَطلُب جميع األسرى الذين‬
‫أخذتموهم في ال ِّزفاف األحمر»‪.‬‬
‫َر َّد السير والدر عابسًا‪« :‬هؤالء األسرى قيِّمون أيها الفارس»‪.‬‬
‫‪« -‬لم يكن جاللته ليَطلُبهم لو أنهم بال قيمة»‪.‬‬
‫تباد َل فراي وريڤرز نظرةً‪ ،‬ثم قال إدوين‪« :‬سيتوقَّع السيِّد جدِّي تعويضًا عن هؤالء األسرى»‪.‬‬
‫وسيناله ما إن تنبت لي يد جديدة‪ .‬قال بكياسة‪« :‬ك ُّلنا لنا تو ُّقعاتنا‪ .‬أخ ِبرني‪ ،‬هل السير راينالد وسترلينج بين‬
‫هؤالء األسرى؟»‪.‬‬
‫تتغذى عليه في قاع (الفرع األخضر)»‪.‬‬ ‫قال إدوين هازئًا‪« :‬فارس األصداف؟ ستجد األسماك َّ‬
‫خرج رجالنا لقتل ال ِّذئب الرَّهيب‪ .‬طالبَه والن بسيفه فسلَّمه‬
‫َ‬ ‫أضافَ والدر ريڤرز‪« :‬كان في السَّاحة عندما‬
‫ق سراح الوحش من‬ ‫بإذعان‪ ،‬لكن حين بدأ رُماة ال ُّن َّشابيَّة إطالق سهامهم على ال ِّذئب انتز َع فأس والن وأطل َ‬
‫بسهم في كتفه وآ َخر في بطنه‪ ،‬ومع ذلك استطا َع بلوغ‬ ‫ٍ‬ ‫أصيب‬
‫َ‬ ‫ال َّشبكة التي ألقوها عليه‪ .‬والن يقول إنه‬
‫أعلى السُّور وإلقاء نفسه في النَّهر»‪.‬‬
‫ك أثرًا من ال َّدم على السَّاللم»‪.‬‬
‫قال إدوين‪« :‬تر َ‬
‫سأ َل چايمي‪« :‬هل عثرتم على جثَّته بَعدها؟»‪.‬‬
‫‪« -‬عثرنا على ألف جثَّة بَعدها‪ .‬بَعدما يقضون بضعة ٍ‬
‫أيام في مياه النَّهر يبدون متشابهين جميعًا»‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمعت ال ِمثل عن المشنوقين»‪ ،‬ثم انصرفَ ‪.‬‬ ‫علَّق چايمي‪« :‬‬
‫ق من معس َكر فراي َّإال ال ُّذباب وروث الخيول ومشنقة السير رايمان المرتفعة‬ ‫بحلول الصَّباح التَّالي لم يتب َّ‬
‫بكآب ٍة على ضفَّة (الجُلمود)‪ .‬أرا َد ابن خاله أن يعرف ماذا يفعل بها وبمع َّدات الحصار التي بناها‪ ،‬ال ِمد َّكات‬
‫والسَّالحف‪ 48‬واألبراج والمجانيق‪ ،‬واقتر َح داڤن أن يجرُّ وا ك َّل هذا إلى (شجرة ال ِغدفان) الستخدامه هناك‪،‬‬
‫ُضرم النَّار في ك ِّل شي ٍء بدايةً بالمشنقة‪ ،‬وأضافَ ‪« :‬أنوي أن أتعامل مع اللورد‬ ‫لكن چايمي قال له أن ي ِ‬
‫تايتوس بنفسي‪ .‬لن يتطلَّب األمر أبراج حصار»‪.‬‬
‫ابتس َم داڤن ابتسامةً عريضةً من تحت لحيته الكثَّة‪ ،‬وقال‪« :‬نزال فردي يا ابن الع َّمة؟ ال يبدو هذا ً‬
‫عدال‪.‬‬
‫تايتوس شيخ طاعن في السِّن»‪.‬‬
‫شيخ طاعن في ال ِّسنِّ له يدان‪.‬‬
‫ك به پاين‬‫ليلتها تقات َل مع السير إلين ثالث ساعات‪ .‬كانت واحدةً من أفضل لياليه‪ ،‬فلو كان قتالهما حقيقيًّا لفت َ‬
‫ت على األقل‪ ،‬وفي بعض اللَّيالي يكون األمر أسوأ‪ .‬أعلنَ چايمي‪:‬‬ ‫ست مرَّا ٍ‬ ‫مرَّتين‪ ،‬أ َّما المعتاد فأن يموت َّ‬
‫استمررت على هذا المنوال سنةً أخرى فربما أصير ببراعة پِك»‪ ،‬فأصد َر السير إلين صوت‬ ‫ُ‬ ‫«إذا‬
‫الطَّقطقة إياه الذي يعني أنه يضحك‪« .‬هل َّم‪ ،‬لنشرب المزيد من نبيذ هوستر تَلي األحمر الممتاز»‪.‬‬
‫أمسى النَّبيذ جز ًءا من طقوسهما اللَّيليَّة‪ .‬السير إلين نديم ال َّشراب المثالي‪ ،‬إذ ال ي ِ‬
‫ُقاطعه أبدًا أو يُخالِفه أو‬
‫صا طويلةً ال غاية منها‪ .‬كلُّ ما يفعله هو ال ُّشرب واإلنصات‪.‬‬ ‫ت أو يحكي قِص ً‬ ‫يشتكي أو يَطلُب خدما ٍ‬
‫ي بي أن أقطع ألسنة أصدقائي جميعًا‪ ،‬وأهلى أيضًا‪ .‬كم ستكون‬ ‫قال چايمي بينما يمأل كأسيهما‪« :‬حر ٌّ‬
‫سرسي الصَّامتة رائعةً‪ ،‬ولو أنني سأفتق ُد لسانها حين أقبِّلها»‪ ،‬ورشفَ من النَّبيذ األحمر القاني‪ .‬كان حُل ًوا‬
‫قويًّا‪ ،‬وقد دفَّأه إذ ابتل َعه‪« .‬ال أذك ُر متى بدأنا التَّقبيل‪ ،‬لكنه كان بريئًا في البداية‪ ،‬ثم لم يَعُد كذلك»‪ ،‬وأفر َغ‬
‫باقي النَّبيذ في جوفه ووض َع كأسه جانبًا مضيفًا‪« :‬أخب َرني تيريون ذات م َّر ٍة بأن أكثر العاهرات ال يُقَبِّلن‬
‫ُضاجعنك حتى العمى‪ ،‬لكنك لن تَشعُر بشفاههن على شفتيك أبدًا‪ .‬هل تحسب أن أختي‬ ‫ِ‬ ‫زبائنهن‪ ،‬قال إنهن ي‬
‫ي أن‬ ‫أظن أنه يليق بي أن أقتل أخي المحلَّف‪ .‬عل َّ‬
‫تُقَبِّل ِكتلبالك؟»‪ .‬لم ي ُِجب السير إلين‪ ،‬فتاب َع چايمي‪« :‬ال ُّ‬
‫الجدار)‪ .‬هذا ما فعلوه بلوكامور ال َّشهواني‪ .‬بالطَّبع ربما ال يتقبَّل ِكتلبالك اإلخصاء‬ ‫رسله إلى ( ِ‬ ‫أخصيه وأُ ِ‬
‫ببساطة‪ ،‬ويجب وضع أخويه في االعتبار أيضًا‪ ،‬فاإلخوة خطرون أحيانًا‪ .‬بَعد أن أعد َم إجون غير الجدير‬
‫بذل إخوة توين قصارى جهدهم لقتله‪ ،‬ولكن بفضل الفارس التنِّين لم‬ ‫السير تيرانس توين لنومه مع عشيقته َ‬
‫يكن قصارى جهدهم كافيًا‪ ،‬وإن لم يكن للتَّواني في المحا َولة‪ .‬كلُّ هذا مد َّون في (الكتاب األبيض)‪ ،‬كلُّ‬
‫شي ٍء باستثناء ما أفعله بسرسي»‪.‬‬
‫مرَّر السير إلين يده على َحلقه‪.‬‬
‫قتلت أُ َّمه سيكرهني‪ ...‬وستجد زوجته‬
‫ُ‬ ‫قال چايمي‪« :‬ال‪ .‬تومن فق َد أخاه والرَّجل الذي يحسبه أباه‪ .‬إذا‬
‫لصبِّ هذه الكراهية في مصلحة (هايجاردن)»‪.‬‬ ‫الصَّغيرة الجميلة وسيلةً َ‬
‫ابتس َم السير إلين بطريق ٍة لم تَرُق چايمي‪ ،‬فقال لنفسه‪ :‬ابتسامة قبيحة وروح قبيحة‪ ،‬وقال للرَّجل‪« :‬إنك‬
‫تتكلَّم كثيرًا»‪.‬‬
‫أجاب‪:‬‬
‫َ‬ ‫في اليوم التَّالي رج َع السير درموت ابن (الغابة المطيرة) خاوي الوفاض‪ ،‬ولدى سؤاله ع َّما وجدَه‬
‫خرجت من الظَّالم‬ ‫َ‬ ‫«ال ِّذئاب‪ ،‬مئات من تلك الحيوانات اللَّعينة»‪ .‬بسبب ال ِّذئاب فق َد حارسيْن عندما‬
‫والجلد المق َّوى‪ ،‬ولم يُخيفا الوحوش على اإلطالق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لتفترسهما‪« .‬رجالن مسلَّحان يرتديان الحلقات المعدنيَّة‬
‫قبل أن يموت چايت قال إن القطيع تقوده ذئبة هائلة الحجم‪ ،‬ذئبة رهيبة على َح ِّد تعبيره‪ .‬هاج َمت ال ِّذئاب‬
‫الملعونة صفوف خيولنا أيضًا وقتلَت جوادي المفضَّل»‪.‬‬
‫ليال بإبعادها»‪ ...‬ولو أنه يتسا َءل‪ .‬هل يُمكن أن‬ ‫قال چايمي‪« :‬ربما تتكفَّل حلقة من النَّار حول معس َكركم ً‬
‫الطرق؟ ذئاب أو ال ذئاب‪،‬‬ ‫مفترق ُّ‬
‫َ‬ ‫تكون ذئبة السير درموت الرَّهيبة ال ِّذئبة نفسها التي نه َشت چوفري قُرب‬
‫خيوال جديدةً ومزيدًا من ال ِّرجال في الصَّباح التَّالي الستئناف البحث عن برايندن تَلي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخ َذ السير درموت‬
‫بَعد ظُهر اليوم نفسه أتى لوردات (الثَّالوث) چايمي يَطلُبون إذنه في العودة إلى أراضيهم‪ ،‬ومن َحهم إياه‪.‬‬
‫قائال‪« :‬ستُدفَع فدية جميع األسرى»‪.‬‬ ‫أرا َد اللورد پايپر أن يعرف ما سيَح ُدث البنه مارك‪ ،‬فوعدَه چايمي ً‬
‫إذ غاد َر لوردات أراضي النَّهر تخلَّف كاريل ڤانس ليقول‪« :‬لورد چايمي‪ ،‬يجب أن تذهب إلى (شجرة‬
‫فشكره چايمي‬ ‫َ‬ ‫ال ِغدفان)‪ .‬تايتوس لن يستسلم أبدًا ما دا َم چونوس على أبوابه‪ ،‬لكنني أعل ُم أنه سيركع لك»‪،‬‬
‫على نصيحته‪.‬‬
‫كان العُفر القوي الرَّاحل التَّالي‪ ،‬وقد أرا َد العودة إلى (داري) ليُقا ِتل الخارجين عن القانون كما وعدَ‪،‬‬
‫وقال‪« :‬لقد قطعنا نِصف البالد اللَّعينة‪ ،‬ومن أجل ماذا؟ كي تجعل إدميور تَلي يُبَلِّل سراويله؟ ال أغنيَّة في‬
‫هذا‪ .‬أري ُد أن أقاتل!‬
‫أري ُد كلب الصَّيد يا چايمي‪ ،‬هو أو لورد (ال ُّتخوم)»‪.‬‬
‫‪« -‬رأس كلب الصَّيد لك إذا استطعت أن تقطعه‪ ،‬لكن عليك أن تقبض على بريك دونداريون حيًّا كي يُؤخَ ذ‬
‫إلى (كينجز الندنج)‪ .‬يجب أن يراه ألف من النَّاس يموت َّ‬
‫وإال فلن يظ َّل ميتًا»‪ ،‬فدمد َم العُفر معترضًا لكنه‬
‫رحل مع ُمرافقه وجنوده‪ ،‬باإلضافة إلى چون بتلي الحليق الذي قرَّر أن‬ ‫َ‬ ‫ق في النِّهاية‪ ،‬وفي اليوم التَّالي‬
‫واف َ‬
‫مطا َردة الخارجين عن القانون خير من العودة إلى زوجته ال َّشهيرة بدمامتها‪ ،‬والتي يُفت َرض أن لها اللِّحية‬
‫التي يفتقر إليها بتلي‪.‬‬
‫آخرهم أنهم ال يعلمون شيئًا عن ُخطط‬ ‫ما زا َل على چايمي أن يتعا َمل مع الحامية‪ ،‬وقد أقس َم رجالها عن ِ‬
‫ذهب‪ .‬قال إمون فراي بإلحاح‪« :‬كاذبون»‪ ،‬لكن چايمي ال يحسب هذا‪ ،‬و َر َّد‪« :‬إذا لم‬ ‫َ‬ ‫السير برايندن أو أين‬
‫چنا إخضاع عد ٍد من ال ِّرجال‬ ‫فاقترحت الليدي ِ‬
‫َ‬ ‫تُطلِع أحدًا على ُخططك فال يُمكن أن يخونك أحد»‪،‬‬
‫بسالم إذا استسل َم»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وعدت إدميور بأن تُغا ِدر الحامية‬
‫ُ‬ ‫رفض ً‬
‫قائال‪« :‬لقد‬ ‫َ‬ ‫لالستجواب‪ ،‬لكنه‬
‫قالت ع َّمته‪« :‬وكانت هذه شهامة منك‪ ،‬لكن ما نحتاج إليه هنا هو الق َّوة وليس ال َّشهامة»‪.‬‬
‫بشكل ما ال يحسب چايمي أن ال ِمايسترات سيخلطون بينه‬ ‫ٍ‬ ‫َسلي إدميور عن شهامتي‪َ ،‬سليه عن المنجنيق‪.‬‬
‫وبين األمير إيمون الفارس التنِّين حين يُ َد ِّونون سيرته‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك يحسُّ بقناع ٍة عجيبة‪ .‬الحرب‬
‫ك أن (ستورمز إند) ستلحق بها ع َّما قريب‪،‬‬ ‫وشك على وضع أوزارها‪( .‬دراجونستون) سقطَت وال َش َّ‬ ‫تُ ِ‬
‫الجدار)‪ ،‬فلن يحبُّه ال َّشماليُّون أبدًا أكثر مما أحبَّه لوردات أراضي العواصف‪ ،‬وإذا لم‬ ‫وهنيئًا لستانيس ب( ِ‬
‫يبطش به رووس بولتون فسيُ َد ِّمره ال ِّشتاء‪.‬‬
‫ولقد قا َم بدوره هنا في (ريڤر َرن) دون أن أن يحمل ال ِّسالح ضد آل ستارك أو تَلي‪ ،‬وما إن يَعثُر على‬
‫السَّمكة السَّوداء سيكون ُح ًّرا في العودة إلى (كينجز الندنج) حيث ينتمي‪ .‬مكاني مع مليكي‪ ،‬مع ابني‪ .‬تُرى‬
‫ب أم‬ ‫هل يُريد تومن أن يعرف ذلك؟ من شأن الحقيقة أن تُ َكلِّف الصَّبي عرشه‪ .‬هل تُؤثِر أن تحظى بأ ٍ‬
‫صدِّقه‬‫رسي يا فتى؟ يتمنَّى چايمي لو يعرف الجواب‪ .‬إنه يحبُّ وضع ختمه على األوراق حقًّا‪ .‬ربما ال يُ َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُك‬
‫الصَّبي من األصل طبعًا‪ ،‬إذ ستقول سرسي إنه يكذب‪ .‬أختي الجميلة المخادعة‪ .‬عليه أن يجد طريقةً‬
‫النتزاع تومن من براثنها قبل أن يتح َّول إلى چوفري آخَر‪ ،‬وبينما يفعل هذا عليه أن يجد للصَّبي مجلسًا‬
‫صغيرًا جديدًا أيضًا‪ .‬إذا أزي َحت سرسي فربما يُوافِق السير كيڤان على أن يكون يد تومن‪ .‬وإن لم يقبل فال‬
‫بأس‪( ،‬الممالك السَّبع) ال تفتقر إلى الرِّ جال القادرين‪ .‬فورلي پرستر اختيار جيِّد‪ ،‬أو روالند كراكهول‪،‬‬
‫رجل غير غربي إلرضاء آل تايرل فماثيس روان متاح دائ ًما‪ ...‬أو حتى پيتر‬ ‫ٍ‬ ‫وإذا دعَت الحاجة إلى‬
‫ضعًا من أن يُهَدِّد أيًّا من كبار‬ ‫بايلش‪ .‬اإلصبع الصَّغير وديع بقدر ما هو ذكي‪ ،‬لكن مولده أكثر توا ُ‬
‫اللوردات‪ ،‬إذ إن ال جُند تحت إمرته‪ .‬اليد المثالي‪.‬‬
‫بطعام يكفي‬
‫ٍ‬ ‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫رحلَت حامية تَلي في الصَّباح التَّالي بَعد تجريدها من ال ِّسالح وال ُّدروع‪ ،‬وقد ُس ِم َح لك ِّل‬
‫ثالثة أيام والثِّياب على ظَهره‪ ،‬بَعد حلفه يمينًا مغلَّظةً بعدم رفع السِّالح ضد اللورد إمون أو عائلة النستر‬
‫أبدًا‪.‬‬
‫چنا‪« :‬إذا كنت محظوظًا فربما يصون رجل واحد من ك ِّل عشرة يمينه»‪.‬‬ ‫قالت الليدي ِ‬
‫رجال على عشرة‪ ،‬فلربما كان العاشر قا ِتلي»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬جيِّد‪ .‬أفضِّ ُل أن أواجه تسعة‬
‫‪« -‬سيَقتُلك التِّسعة اآلخَرون بالسُّرعة نفسها»‪.‬‬
‫‪« -‬أفضل من أن أموت في الفِراش»‪ .‬أو في المرحاض‪.‬‬
‫جرل ‪-‬قيِّم سالح اللورد هوستر العجوز‪-‬‬ ‫اختار رجالن َّأال يرحال مع اآلخَرين‪ .‬فضَّل السير دزموند ِ‬ ‫َ‬
‫جرل‪« :‬هذه القلعة‬ ‫َّ‬
‫ارتداء أسود َحرس الليل‪ ،‬وكذا السير روبن رايجر قائد ال َحرس في (ريڤر َرن)‪ ،‬وقال ِ‬
‫بيتي منذ أربعين عا ًما‪ .‬تقول إن لي ح ِّريَّة الرَّحيل‪ ،‬ولكن إلى أين؟ إنني أكبر ِسنًّا وأكثر بدانةً من أن أصير‬
‫فارسًا متج ِّو ًال‪ ،‬لكنهم ي َُرحِّبون بالرِّ جال دو ًما على ( ِ‬
‫الجدار)»‪.‬‬
‫على الرغم من انزعاجه البالغ قال چايمي‪« :‬كما ترغبان»‪ ،‬وسم َح للرَّجلين باالحتفاظ بأسلحتهما‬
‫ودروعهما‪ ،‬وكلَّف دستةً من رجال جريجور كليجاين باصطحابهما إلى (بِركة العذارى)‪ .‬عه َد إلى رافورد‬
‫احرص على بلوغ األسيريْن (بِركة العذارى) دون أن يُصيبهما أذى‪،‬‬ ‫الملقَّب بالمعسول بالقيادة‪ ،‬وقال له‪ِ « :‬‬
‫وإال لبدا ما فعلَه السير جريجور بالكبش ك ُدعاب ٍة مرحة مقارنةً بما سأفعله بك»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫مرَّت أيام أخرى‪ ،‬وجم َع اللورد إمون (ريڤر َرن) كلَّها في السَّاحة‪ ،‬قوم اللورد إدميور وقومه‪ ،‬وكلَّمهم لما‬
‫ت عن المت َّوقع منهم اآلن وقد صا َر سيِّدهم وموالهم‪ ،‬مل ِّوحًا بين الحين واآلخَ ر‬ ‫يَقرُب من ثالث ساعا ٍ‬
‫واجم وسقطَ عليهم جميعًا مطر‬ ‫ٍ‬ ‫بورقته فيما أصغى ُع َّمال االسطبالت والخادمات والح َّدادون بصم ٍ‬
‫ت‬
‫خفيف‪.‬‬
‫كان المغنِّي مع المنصتين‪ ،‬هذا الذي أخ َذه چايمي من السير رايمان فراي‪ ،‬وقد وجدَه واقفًا تحت با ٍ‬
‫ب‬
‫مفتوح حيث ال يُبَلِّله المطر‪ .‬قال الرَّجل‪« :‬كان جديرًا بحضرة اللورد أن يحترف الغناء‪ .‬هذه ال ُخطبة أطول‬
‫من أغنيَّ ٍة شعبيَّة من (ال ُّتخوم)‪ ،‬وال أظ ُّنه توقَّف يلتقط أنفاسه»‪.‬‬
‫ك چايمي رغ ًما عنه‪ ،‬وقال‪« :‬اللورد إمون ليس في حاج ٍة إلى التَّنفُّس ما دا َم يستطيع المضغ‪ .‬هل‬ ‫ضح َ‬
‫ستُ َؤلِّف أغنيَّةً عن هذه ال ُخطبة؟»‪.‬‬
‫‪« -‬واحدةً طريفةً‪ ،‬سأس ِّميها (كالم مع األسماك)»‪.‬‬
‫باال من قبل‪ .‬إنه صغير الحجم‪ ،‬ويرتدي‬ ‫ُلق چايمي للرَّجل ً‬
‫مسمع من ع َّمتي»‪ .‬لم ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫‪« -‬فقط ال تُ َغنِّيها على‬
‫الجلد البنِّي‪ ،‬وله أنف‬
‫بقطع من ِ‬
‫ٍ‬ ‫سراويل خضراء باليةً وسُترةً مهترئةً لونها األخضر أفتح درجةً ومرقَّعة‬
‫طويل حاد وابتسامة واسعة طليقة‪ ،‬وينسدل َشعره البنِّي الخفيف حتى ياقته ملبَّدًا متَّس ًخا‪ .‬في الخمسين من‬
‫العُمر على األقل‪ ،‬مطرب متج ِّول أكلَت عليه الحياة وشربَت‪ .‬سألَه چايمي‪« :‬ألم تكن رجل السير رايمان‬
‫ل َّما وجدتك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬لم َّدة أسبوعين فقط»‪.‬‬
‫‪ُ «-‬‬
‫كنت ألحسبك رحلت مع آل فراي»‪.‬‬
‫قال المغنِّي مشيرًا برأسه إلى اللورد إمون‪« :‬هذا من آل فراي‪ ،‬وهذه القلعة تبدو مكانًا لطيفًا مريحًا لقضاء‬
‫ُ‬
‫كنت أستطي ُع‬ ‫فخطر لي أن أرى إن‬ ‫َ‬ ‫ال ِّشتاء‪ .‬وات ذو االبتسامة البيضاء عا َد إلى دياره مع السير فورلي‪،‬‬
‫ُ‬
‫أعرف‬ ‫الظَّفر بمكانه‪ .‬وات يتمتَّع بتلك النَّبرة العالية العذبة التي ال أمل ألمثالي في مضاهاتها‪ ،‬لكنني‬
‫ضعف ما يعرفه من األغاني البذيئة‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فاحرص على أن‬‫ِ‬ ‫عجب ع َّمتي للغاية‪ .‬إذا كنت تأمل أن تقضي ال ِّشتاء هنا‬
‫قال چايمي‪« :‬هذا كفيل بجعلك تُ ِ‬
‫يس َّر غناؤك الليدي ِ‬
‫چنا‪ ،‬فهي المه َّمة»‪.‬‬
‫‪« -‬وليس أنت؟»‪.‬‬
‫ً‬
‫طويال»‪.‬‬ ‫‪« -‬مكاني مع الملك‪ .‬لن أمكث هنا‬
‫أعرف أغاني أفضل من (أمطار كاستامير)‪ .‬كان يُمكنني أن أغنِّي‬
‫ُ‬ ‫ُؤسفني أن أسمع هذا يا سيِّدي‪ .‬إنني‬
‫‪« -‬ي ِ‬
‫لك‪ ...‬أوه‪ ،‬أغاني من شتَّى األصناف»‪.‬‬
‫‪« -‬مرَّة أخرى‪ .‬ما اسمك؟»‪.‬‬
‫رف َع المغنِّي قبَّعته مجيبًا‪« :‬توم ابن (الجداول السَّبعة)‪ ،‬بَعد إذن سيِّدي‪ ،‬لكن أكثر النَّاس يدعونني بتوم أبي‬
‫السَّبعات»‪.‬‬
‫ً‬
‫جميال يا توم يا أبا السَّبعات»‪.‬‬ ‫‪« -‬غنا ًء‬
‫ليلتها حل َم چايمي بنفسه في ( ِسپت بيلور) الكبير‪ ،‬ما زا َل واقفًا يَحرُس جثَّة أبيه‪ .‬كان السِّپت ساكنًا مظل ًما‬
‫إلى أن بر َزت امرأة من قلب الظِّالل وم َشت الهوينى نحو النَّعش‪ ،‬فسألَها‪« :‬أختاه؟»‪.‬‬
‫غير أنها لم تكن سرسي‪ .‬كانت مسربلةً بالرَّمادي‪ ،‬أختًا صامتةً تُخفي قلنسوة ولثام مالمحها‪ ،‬لكنه رأى‬
‫ضوء ال ُّشموع المنعكس في بِركتي عينيها الخضراوين‪ .‬قال‪ « :‬أيتها األخت‪ ،‬ماذا تُريدين مني؟»‪،‬‬
‫وتر َّددت أصداء كلمته األخيرة في جنبات السِّپت‪ ،‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬مني‪-‬‬
‫مني‪.‬‬
‫لست أختك يا چايمي»‪ ،‬ورف َعت يدًا شاحبةً ناعمةً وأنزلَت قلنسوتها متسائلةً‪« :‬هل نسيتني؟»‪.‬‬ ‫ر َّدت‪ُ « :‬‬
‫ً‬
‫طويال مضى‪...‬‬ ‫كيف أنسى أحدًا لم أعرفه قَ ُّ‬
‫ط؟ احتب َست الكلمات في َحلقه‪ .‬إنه يعرفها بالفعل‪ ،‬لكن زمنًا‬
‫ق يو ًما؟»‪ .‬عيناها خضراوان‪ ،‬و َشعرها ذهب‬ ‫‪« -‬هل ستنسى السيِّد والدك أيضًا؟ تُرى هل عرفته َ‬
‫بح ٍّ‬
‫مغزول‪ ،‬وال يستطيع تخمين ِسنَّها‪ .‬في الخامسة عشرة أو الخمسين‪ .‬ارتقَت ال َّدرجات لتقف إلى جوار‬
‫النَّعش قائلةً‪« :‬لم يتح َّمل قَ ُّ‬
‫ط أن يضحك منه النَّاس‪ .‬هذا أكثر شي ٍء كرهَه»‪.‬‬
‫ت؟»‪ .‬يجب أن يسمعها تقولها‪.‬‬
‫‪َ « -‬من أن ِ‬
‫‪« -‬السُّؤال هو َمن أنت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬هذا حُلم»‪.‬‬
‫احص يديك يا صغيري»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قالت‪« :‬أهو كذلك؟»‪ ،‬وابتس َمت مضيفةً‪« :‬‬
‫بإحكام على مقبض سيفه‪ ،‬واحدة فقط‪« .‬في أحالمي لي يدان اثنتان دو ًما»‪ .‬رف َع‬ ‫ٍ‬ ‫واحدة‪ .‬يد واحدة مطبقة‬
‫قادر على االستيعاب إلى قُبح عاهته‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ذراعه اليُمنى وح َّدق غير‬
‫‪« -‬ك ُّلنا يَحلُم بما ال يستطيع أن يحظى به‪ .‬تايوين حل َم بأن يصير ابنه فارسًا عظي ًما وتصير ابنته ملكةً‪ ،‬حل َم‬
‫بأن يكونا قويَّين ُشجاعين جميلين ال يضحك منهما أحد أبدًا»‪.‬‬
‫‪« -‬أنا فارس‪ ،‬وسرسي ملكة»‪.‬‬
‫سالَت دمعة على وجنة المرأة‪ ،‬وعادَت ترفع قلنسوتها وأولَته ظَهرها‪ .‬ناداها چايمي‪ ،‬لكنها كانت تبتعد‬
‫بالفعل‪ ،‬تهمس تنُّورتها بتهويد ٍة إذ تكنس األرض بنعومة‪.‬‬
‫زمن طويل ً‬
‫فعال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أرا َد أن يصيح‪ :‬ال تَترُكيني‪ ،‬لكنها ‪-‬بالطَّبع‪ -‬تر َكتهم منذ‬
‫أزاح األغطية ب َجدعة يد سيفه‪ ،‬ورأى أن نار‬ ‫َ‬ ‫ظ في الظَّالم مرتجفًا ليجد ال ُغرفة باردةً كالجليد‪ .‬بق َّو ٍة‬
‫استيق َ‬
‫المستوقَد همدَت والنَّافذة انفت َحت‪ .‬قط َع ال ُغرفة دامسة الظَّالم ليُغلِق مصراعيها‪ ،‬لكن حين بلغَها دا َست قدمه‬
‫مبتال‪ ،‬فتراج َع چايمي مذعو ًرا لحظةً‪ ،‬وأول ما جا َل بباله أن هذا دم‪ ،‬ولكن لما كان ال َّدم بهذه‬ ‫الحافية شيئًا ًّ‬
‫البرودة‪.‬‬
‫كان الثَّلج ينجرف من النَّافذة‪.‬‬
‫بدثار أبيض خفيف يزداد‬ ‫ٍ‬ ‫آخرهما‪ ،‬ورأى السَّاحة باألسفل مغطَّاةً‬ ‫بدال من إغالق المصراعين فت َحهما عن ِ‬ ‫ً‬
‫ت ودف َع الهواء‬‫سُم ًكا بينما يُشا ِهد‪ ،‬وقد اكت َست ُشرَّافات ال ُّشرفات بالبياض أيضًا‪ .‬سقطَت نُدف الثَّلج بصم ٍ‬
‫بعضها من النَّافذة ليذوب على وجهه‪ ،‬وفي هذه اللَّحظة استطا َع چايمي أن يرى أنفاسه‪.‬‬
‫ثلوج في أراضي النَّهر‪ .‬ما دا َم الثَّلج يَسقُط هنا فمن الوارد أنه يَسقُط على (النسپورت) و(كينجز الندنج)‬
‫أيضًا‪ .‬ال ِّشتاء يزحف على الجنوب ونِصف مخازننا خا ٍو على عروشه‪ .‬إذا كانت هناك محاصيل غير‬
‫محصودة في الحقول حتى اآلن فهي هالكة‪ .‬ال مزيد من ال َّزرع وال أمل في حصا ٍد أخير‪ .‬وج َد نفسه‬
‫يتسا َءل ع َّما سيفعله أبوه إلطعام البالد‪ ،‬قبل أن يتذ َّكر أن تايوين النستر ماتَ ‪.‬‬
‫حين بز َغ الصُّ بح كان الثَّلج عميقًا تغوص فيه القدم حتى الكاحل‪ ،‬وأعمق في أيكة اآللهة حيث تراك َم تحت‬
‫األشجار‪ .‬عا َد ال ُمرافقون و ُع َّمال االسطبالت وال ُوصفاء النُّبالء إلى طفولتهم من جدي ٍد متأثِّرين بالتَّعويذة‬
‫البيضاء الباردة‪ ،‬وخاضوا حربًا ب ُكرات الثَّلج في السَّاحات وال ُّشرفات‪ ،‬وسم َعهم چايمي يضحكون‪ .‬في‬
‫يمض عليه زمن طويل كان ليصنع ُكرات الثَّلج مع أفضلهم ليرمي تيريون بها عندما يمرُّ أو يضع‬ ‫ِ‬ ‫ت لم‬‫وق ٍ‬
‫واحدةً في ظَهر فُستان سرسي‪ .‬لكنك تحتاج إلى يدين لتصنع ُكرة ٍ‬
‫ثلج جيِّدة‪.‬‬
‫ق أحدهم الباب‪ ،‬فقال‪« :‬انظُر َمن الطَّارق يا پِك»‪.‬‬ ‫َد َّ‬
‫كان ِمايستر (ريڤر َرن) العجوز‪ ،‬يحمل رسالةً بيده المتغضِّنة‪ ،‬وقد بدا وجه ڤايمان شاحبًا كالثُّلوج‬
‫وصل ُغداف أبيض من (القلعة)‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أعرف‪،‬‬ ‫المتساقطة‪ .‬قال چايمي‪« :‬‬
‫ال ِّشتاء هنا»‪.‬‬
‫سمحت لنفسي بأن‪ ...‬لم أكن أعرف‪ ،»...‬وناولَه‬ ‫ُ‬ ‫َر َّد ال ِمايستر‪« :‬ال يا سيِّدي‪ ،‬الرِّسالة من (كينجز الندنج)‪.‬‬
‫الرِّسالة‪.‬‬
‫قرأها چايمي وهو جالس على ال ُكرسي المجاور للنَّافذة مغمورًا بضوء الصَّباح األبيض البارد‪ .‬كانت‬
‫تعال في الحال‪ .‬سا ِعدني‪ .‬أنقِذني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كلمات كايبرن مقتضبةً وفي الصَّميم‪ ،‬وكلمات سرسي محمومةً ملتهبةً‪.‬‬
‫إنني محتاجة إليك اآلن كما لم أحتَج إليك من قبل قَ ُّ‬
‫ط‪ .‬أحبُّك‪ ،‬أحبُّك‪ ،‬أحبُّك‪ .‬تعا َل في الحال‪.‬‬
‫ت طالَت تساء َل ال ِمايستر‪:‬‬ ‫كان ڤايمان يحوم قُرب الباب‪ ،‬وشع َر چايمي بپِك يَرقُبه أيضًا‪ ،‬وبَعد فترة صم ٍ‬
‫«هل يرغب سيِّدي في الرَّد؟»‪.‬‬
‫ثلج على الورقة‪ ،‬وإذ ذابَت بدأ الحبر يتلطَّخ‪ ،‬ثم عا َد چايمي يطوي الرِّسالة بك ِّل ما تُتيح يده‬ ‫حطَّت رُقاقة ٍ‬
‫وناول پِك إياها مجيبًا‪« :‬ال‪ ،‬ألقِها في النَّار»‪.‬‬
‫َ‬ ‫الواحدة من إحكام‪،‬‬
‫سامويل‬
‫حذروهم في (تايروش)‪ ،‬وجدوا (بوغاز ردواين) يعجُّ‬ ‫أخطر مرحل ٍة من الرِّ حلة كانت األخيرة‪ .‬تما ًما كما َّ‬
‫نهب‬
‫َ‬ ‫بالسُّفن الطَّويلة‪ .‬في غياب الق َّوة األساسيَّة ألسطول (الكرمة) على الجانب اآل َخر من (وستروس)‪،‬‬
‫الحديديُّون (مرفأ ريام) واستولوا على (بلدة العنب) و(ميناء نجم البحر)‪ ،‬مستخدمين إياهما كقاعدتين‬
‫القتناص السُّفن المتَّجهة إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫ت ُشو ِهدَت السُّفن الطَّويلة من منصَّة المراقبة‪َّ ،‬إال أن اثنتين منها كانتا وراءهم بمساف ٍة طويلة‬ ‫ثالث مرَّا ٍ‬
‫وسرعان ما سبقَتهما (ريح القرفة)‪ ،‬أ َّما الثَّالثة فظه َرت قُرب الغروب لتعترض سبيلهم إلى (النَّهر‬
‫صروا مجاذيفها ترتفع وتنخفض ماخضةً المياه ال ُّنحاسيَّة ومحيلةً لونها إلى األبيض‪،‬‬ ‫الهامس)‪ ،‬ول َّما أب َ‬
‫الذهبي‪ ،‬والتي يُمكنها‬‫أرسلَت كوچا مو رُماتها إلى أعلى بأقواسهم العظيمة المصنوعة من خشب القلب َّ‬
‫الطقسوس الدورنيَّة نفسها‪.‬‬‫إطالق السِّهام على مدى أبعد وإصابة األهداف بدقَّ ٍة أكبر من أقواس خشب ُّ‬
‫ق سام‬ ‫انتظ َرت كوچا حتى دخلَت السَّفينة الطَّويلة حيِّز المئتي ياردة قبل أن تُلقي أمر اإلطالق‪ ،‬وأطل َ‬
‫وابل واحد‪ ،‬وانحرفَت‬
‫ٍ‬ ‫سهامه مع اآلخَرين‪ ،‬لكنه يحسبها بلغَت الهدف هذه المرَّة‪ .‬لم يتطلَّب األمر أكثر من‬
‫السَّفينة الطَّويلة إلى الجنوب بحثًا عن فريس ٍة أكثر وداعةً‪.‬‬
‫كانت السَّماء تتَّشح ب ُزرقة الغسق العميقة إذ دخلوا (النَّهر الهامس)‪ ،‬وقد وقفَت جيلي عند المقدِّمة حاملةً‬
‫الرَّضيع وتتطلَّع إلى قلع ٍة قائمة فوق الجُروف‪ ،‬فأخب َرها سام‪« :‬إنها (األبراج الثَّالثة)‪ ،‬مقرُّ عائلة‬
‫كوستاين»‪ .‬مرسومةً على خلفيَّ ٍة من نجوم المساء بينما تتذب َذب أضواء المشاعل في نوافذها‪ ،‬تصنع القلعة‬
‫شارف على االنتهاء‪.‬‬‫منظرًا مبهرًا‪ ،‬وإن أحزنَ سام ألن رحلتهم تُ ِ‬
‫قالت جيلي‪« :‬عالية للغاية»‪.‬‬
‫‪« -‬انتظري حتى تري (البُرج العالي)»‪.‬‬
‫ففتحت جيلي سُترتها وألق َمته ثديها‪ ،‬وبينما أرض َعته ابتس َمت وملَّست على َشعره البنِّي‬ ‫بدأ طفل داال يبكي‪َ ،‬‬
‫النَّاعم‪ .‬ف َّكر سام‪ :‬أصب َحت تحبُّه ِمثلما أحبَّت اآلخَر الذي تر َكته‪ .‬يأمل أن تحنو اآللهة على كال الطِّفلين‪.‬‬
‫كان الحديديُّون قد تو َّغلوا في مياه (النَّهر الهامس) المحميَّة‪ ،‬وبحلول الصَّباح إذ استمرَّت (ريح القرفة) في‬
‫طريقها إلى (البلدة القديمة) بدأت ترتطم بالجُثث الطَّافية المحمولة إلى البحر‪ .‬بعض الجُثث عليه جماعات‬
‫ب حين أزع َجها مرور السَّفينة البجعيَّة بأطوافها المنتفخة ال َّشنيعة‪ ،‬وعلى‬ ‫من ال ِغربان طا َرت متذ ِّمرةً بصخ ٍ‬
‫وتناثرت المراكب المحطَّمة في المياه الضَّحلة‬ ‫َ‬ ‫ضفاف ظه َرت الحقول المحروقة والقُرى المتفحِّمة‪،‬‬ ‫ال ِّ‬
‫وعلى االمتدادات الرَّمليَّة المرتفعة‪ ،‬األشيع بينها السُّفن التِّجاريَّة وقوارب الصَّيد‪ ،‬لكنهم رأوا سُفنًا طويلةً‬
‫مهجورةً أيضًا‪ ،‬وحُطام ُدرمونتيْن كبيرتين‪ ،‬وقد احترقَت إحداهما حتى َخطِّ الماء وال َحت في جانب الثَّانية‬
‫فجوة كبيرة حيث ُد َّ‬
‫ك بدنها‪.‬‬
‫ت طويل»‪.‬‬
‫قال زوندو‪« :‬معركة هنا‪ .‬ليس من وق ٍ‬
‫‪َ « -‬من المخبول الذي يُغير على هذه المقربة من (البلدة القديمة)؟»‪.‬‬
‫مؤخرتها تتدلَّى بقايا راية مهترئة ملطَّخة‬
‫ِّ‬ ‫أشا َر زوندو إلى سفين ٍة طويلة ِشبه غارقة في المياه الضَّحلة‪ ،‬من‬
‫تاج من الحديد‬ ‫يره سام من قبل على اإلطالق؛ عين حمراء بؤبؤها أسود تحت ٍ‬ ‫بالسُّخام‪ ،‬وعليها رمز لم َ‬
‫سأل سام‪« :‬راية َمن هذه؟»‪ ،‬لكن زوندو هَ َّز كتفيه داللةً على جهله‪.‬‬ ‫األسود يحمله ُغرابان‪َ .‬‬
‫خرج قادس حربي من‬ ‫َ‬ ‫طل َع النَّهار التَّالي باردًا ضبابيًّا‪ ،‬وبينما تمرُّ (ريح القرفة) بقرية صي ٍد منهوبة أخرى‬
‫الضَّباب متَّجهًا صوبهم بتؤدة‪ .‬تحمل السَّفينة اسم (القنَّاصة) مكتوبًا بالطِّالء وراء تمثال مقدِّم ٍة لفتاة‬
‫ممشوقة القوام ترتدي أوراق ال َّشجر وتُلَ ِّوح بحربتها مهدِّدةً‪ .‬بَعد لحظ ٍة ظه َر قادسان أصغر حج ًما على‬
‫جانبيها كزوجين متماثلين من كالب الصَّيد يتحرَّكان في أعقاب سيِّدهما‪ ،‬وتنفَّس سام الصُّ عداء لمرأى أسد‬
‫ووعل الملك تومن على القوادس الثَّالث فوق بُرج (البلدة القديمة) األبيض المدرَّج بق َّمته النَّاريَّة‪.‬‬
‫ب من‬ ‫ُربَّان (القنَّاصة) رجل طويل القامة يرتدي معطفًا رماديًّا كال ُّدخان حاشيته على شكل ألسنة له ٍ‬
‫تبادل‬
‫َ‬ ‫الساتان األحمر‪ ،‬وقد حاذى (ريح القرفة) بقادسه ورف َع مجاذيفه وصا َح أنه قادم إلى متنها‪ ،‬وبينما‬
‫رُماته ورُماة كوچا مو النَّظرات عبر مساحة الماء الضيِّقة عب َر الرَّجل مع نِصف دست ٍة من الفُرسان وحيًّا‬
‫وطلب أن يرى مخازنه‪ ،‬فتشاو َر األب واالبنة فترةً وجيزةً ثم وافَقا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ڬاهورو مو بإيماء ٍة من رأسه‬
‫ُؤسفني أن يتعرَّض ال ُّنزهاء لفظاظ ٍة كهذه‪ ،‬لكنها خي ٌر من‬ ‫بَعد انتهاء التَّفتيش قال الرُّ بَّان‪« :‬تقبَّلوا اعتذاري‪ .‬ي ِ‬
‫دخول الحديديِّين (البلدة القديمة)‪ .‬قبل أسبوعين فقط استولى بعض هؤالء األوغاد المالعين على سفين ٍة‬
‫تجاريَّة من (تايروش) في البوغاز‪ ،‬وقتلوا رجالها وارتدوا ثيابهم واستخدموا األصباغ التي وجدوها‬
‫لتلوين لحاهم بعشرات األلوان‪ .‬ما إن يجتازوا األسوار كانوا ينتوون إشعال النَّار في الميناء وفتح الب َّوابة‬
‫ضت طريقهم‪ .‬زوجة‬ ‫من ال َّداخل بينما نُكافِح الحريق‪ ،‬وكانت خطَّتهم لتنجح لوال أن (سيِّدة البُرج) اعتر َ‬
‫يستطع أحد‬ ‫ِ‬ ‫وكيل ُربَّانها تايروشيَّة‪ ،‬فل َّما رأى اللِّحي الخضراء واألرجوانيَّة حيَّاهم بلُغة (تايروش)‪ ،‬ولم‬
‫منهم أن ير َّد عليه»‪.‬‬
‫قال سام مفزوعًا‪« :‬ال يُمكن أنهم ينوون اإلغارة على (البلدة القديمة)!»‪.‬‬
‫أغار حديديُّو الميالد أينما‬
‫َ‬ ‫قائال‪« :‬هؤالء ليسوا مجرَّد ُمغيرين‪ .‬لطالما‬ ‫بفضول ً‬
‫ٍ‬ ‫رمقَه ُربَّان (القنَّاصة)‬
‫الذهب ويختطفون الفتيات ثم يرحلون‪ ،‬لكن نادرًا‬ ‫ُهاجمون على حين غ َّر ٍة من البحر ويسرقون َّ‬ ‫استطاعوا‪ ،‬ي ِ‬
‫ما يزيد عدد سُفنهم الطَّويلة على واحد ٍة أو اثنتين‪ ،‬وال يزيد أبدًا على ستَّة‪ .‬اآلن تبتلينا مئات من سُفنهم التي‬
‫بحر من (جُزر التُّروس) وبعض الصُّ خور المحيطة ب(الكرمة)‪ .‬لقد استولوا على (السَّرطان الحجري)‬ ‫تُ ِ‬
‫و(جزيرة الخنازير) و(قصر عروس البحر)‪ ،‬وث َّمة أوكار أخرى لهم على (صخرة الحدوة) و(مهد‬
‫النُّغول)‪ .‬دون أسطول اللورد ردواين نفتقر إلى السُّفن الكافية لردعهم»‪.‬‬
‫ي كآل النستر‪ ،‬وتحت إمرته ثالثة‬ ‫اندف َع سام يقول‪« :‬وماذا يفعل اللورد هايتاور؟ اعتا َد أبي أن يقول إنه ثر ٌّ‬
‫أضعاف سيوف ح َملة راية (هايجاردن) اآلخَرين»‪.‬‬
‫قال الرُّ بَّان‪« :‬وأكثر إذا جنَّد ُكناسة ال َّشوارع‪ ،‬لكن السُّيوف ال تَصلُح في موا َجهة الحديديِّين ما لم يكن‬
‫حاملوها يمشون على الماء»‪.‬‬
‫‪« -‬ال بُ َّد أن يفعل (البُرج العالي) شيئًا!»‪.‬‬
‫حبس نفسه على ق َّمة بُرجه مع العذراء المجنونة ويستشير ُكتب التَّعاويذ‪ .‬ربما‬ ‫َ‬ ‫‪« -‬بالتَّأكيد‪ .‬اللورد اليتون‬
‫يستطيع أن يحشد جي ًشا من األعماق‪ ...‬وربما ال‪ .‬بيلور يبني القوادس‪ ،‬وجونثور مسؤول عن الميناء‪،‬‬
‫ذهب إلى (لِيس) الستئجار القراصنة‪ .‬إذا استطا َع الظَّفر‬ ‫َ‬ ‫وجارث يُدَرِّ ب المجنَّدين الجُدد‪ ،‬وهمفري‬
‫بأسطول مناسب من العاهرة أخته فربما نشرع في ال َّر ِّد على الحديديِّين بال ِمثل‪ ،‬لكن حتى ذلك الحين‬ ‫ٍ‬
‫فأفضل ما في وسعنا أن نحمي النَّهر وننتظر أن تُطلِق الملكة الحقيرة في (كينجز الندنج) سراح أسطول‬
‫اللورد پاكستر»‪.‬‬
‫صد َمت المرارة في نبرة الرُّ بَّان سام بقدر ما صد َمته أقواله‪ ،‬وبينما ابتعدَت (القنَّاصة) وأختاها ف َّكر‪ :‬إذا‬
‫كال من (البلدة القديمة) و(الكرمة) فستنهار البالد بأكملها‪.‬‬ ‫خس َرت (كينجز الندنج) ًّ‬
‫تالل كثيفة الغابات على‬ ‫ٍ‬ ‫جعلَه هذا يتسا َءل إن كانت (هورن هيل) آمنةً حقًّا‪ .‬أراضي عائلة تارلي تقع وسط‬
‫فرسخ شمال شرق (البلدة القديمة) وبعيدًا عن أيِّ ساحل‪ ،‬وهكذا يُفت َرض أن تكون بمنأى تما ًما عن‬ ‫ٍ‬ ‫بُعد مئة‬
‫متنا َول الحديديِّين والسُّفن الطَّويلة‪ ،‬حتى مع غياب أبيه الذي يُقاتِل في أراضي النَّهر والحراسة الخفيفة‬
‫ك أن ال ِّذئب الصَّغير اعتق َد أن ال َّشيء نفسه ينطبق على (وينترفل) حتى اللَّيلة التي تسلَّق‬ ‫على القلعة‪ .‬ال َش َّ‬
‫المارق أسواره‪ .‬ال يستطيع سام احتمال فكرة أنه ربما قط َع بجيلي وصغيرها ك َّل هذا الطَّريق‬ ‫ِ‬ ‫فيها ثيون‬
‫الطَّويل ليحميهما من األذى‪ ،‬فقط ليتخلَّى عنهما في غمار الحرب‪.‬‬
‫صارعه طيلة ما تبقَّى من الرِّ حلة ويتسا َءل ماذا يفعل‪ .‬قد يُمكنه إبقاء جيلي معه في‬ ‫ِ‬ ‫ُصارع شكوكه وتُ‬ ‫ِ‬ ‫ظ َّل ي‬
‫(البلدة القديمة)‪ ،‬فأسوار المدينة أقوى كثيرًا من أسوار قلعة أبيه‪ ،‬وهناك آالف يُدافِعون عنها‪ ،‬على عكس‬
‫القِلَّة التي ال بُ َّد أن اللورد راندل تر َكها في (هورن هيل) عندما زحفَ على (هايجاردن) لتلبية استدعاء‬
‫مكان ما‪ ،‬ذلك أن (القلعة) ال تسمح للمبتدئين باالحتفاظ‬ ‫ٍ‬ ‫ولي أمره‪ .‬لكن إذا أبقاها فعليه أن يُخفيها في‬ ‫اللورد ِّ‬
‫بقيت مع جيلي فترةً أطول فكيف سأج ُد القُدرة‬ ‫ُ‬ ‫ت أو خليالت‪ ،‬ليس جهارًا على األقل‪ .‬ثم إنني إذا‬ ‫بزوجا ٍ‬
‫حلفت اليمين‪ .‬إذا تهر ُ‬
‫َّبت فسأدف ُع‬ ‫ُ‬ ‫على تركها؟ عليه أن يَترُكها‪ ...‬إ َّما هذا وإ َّما أن يتهرَّب من خدمته‪ .‬لقد‬
‫الثَّمن برأسي‪ ،‬وكيف يُسا ِعد شيء هكذا جيلي؟ ف َّكر في أن يتوسَّل إلى كوچا مو وأبيها أن يأخذا الفتاة‬
‫الهمجيَّة معهما إلى (جُزر الصَّيف)‪ .‬على أن ذلك الطَّريق له أخطاره أيضًا‪ ،‬فحينما ترحل (ريح القرفة)‬
‫ظ‪ .‬ماذا لو‬ ‫الح ُّ‬
‫من (البلدة القديمة) فعليها أن تَعبُر (بوغاز ردواين) ثانيةً‪ ،‬وهذه المرَّة ربما ال يُحالِفها َ‬
‫خمدَت الرِّيح ووج َد طاقم السَّفينة نفسه عاج ًزا عن الحركة؟ إذا صحَّت الحكايات التي سم َعها فستُختطَف‬
‫جيلي ويجعلون منها قِنَّةً أو زوجةً ملحيَّةً‪ ،‬وعلى األرجح سيرمون الرَّضيع في البحر خالصًا من إزعاجه‪.‬‬
‫ً‬
‫وخيوال‬ ‫أخيرًا حز َم سام أمره‪ .‬يجب أن تكون (هورن هيل)‪ .‬ما إن نَبلُغ (البلدة القديمة) سأستأج ُر عربةً‬
‫وآخذها إلى هناك بنفسي‪ .‬بهذه الطَّريقة يُمكنه االستيثاق من دفاعات القلعة وحاميتها‪ ،‬وإذا لم ي ِ‬
‫ُعجبه أيُّ‬
‫شي ٍء يراه أو يسمعه فسيعود أدراجه بجيلي إلى (البلدة القديمة)‪.‬‬
‫صباح بار ٍد رطب كثيف الضَّباب لدرجة أن منارة (البُرج العالي) الجزء‬ ‫ٍ‬ ‫وصلوا إلى (البلدة القديمة) ذات‬
‫الوحيد المرأي من المدينة‪ .‬عبر الميناء تمت ُّد سلسلة رابطةً دستتين من السُّفن الثَّقيلة النَّخرة‪ ،‬ووراءها‬
‫ف من السُّفن الحربيَّة التي تقودها ثالث ُدرمونات كبيرة وسفينة قيادة اللورد هايتاور الهائلة‬ ‫مباشرةً َ‬
‫ص ٌّ‬
‫ذات السُّطوح األربعة المس َّماة ( َشرف البلدة القديمة)‪ .‬ثانيةً خض َعت (ريح القرفة) للتَّفتيش‪ ،‬وهذه المرَّة‬
‫كان جونثور ابن اللورد اليتون هو من صع َد إلى متنها مرتديًا معطفًا من قُماش الفضَّة وب َّزةً رماديَّة من‬
‫فذهب‬
‫َ‬ ‫درس السير جونثور في (القلعة) سنينًا ع َّدةً ويُجيد لُغة الصَّيف‪،‬‬
‫َ‬ ‫الصَّفائح المعدنيَّة المطليَّة بالمينا‪.‬‬
‫مع ڬاهورو مو إلى قمرة الرُّ بَّان ليتشا َورا على انفراد‪.‬‬
‫أوال (القلعة) ألقدِّم لهم رسائل چون وأخبِرهم بوفاة‬ ‫استغ َّل سام هذا الوقت في شرح نيَّاته لجيلي‪ ،‬وقال‪ً « :‬‬
‫تأخذك عربة‬
‫ِ‬ ‫ُرسلون عربةً لنقل جُثمانه‪ .‬ثم سأرتِّبُ ألن‬ ‫أظن أن رؤساء ال ِمايسترات سي ِ‬ ‫ال ِمايستر إيمون‪ُّ .‬‬
‫ت ممكن‪ ،‬لكن ربما ال يكون هذا قبل‬ ‫تجرُّ ها الخيول إلى أ ِّمي في (هورن هيل)‪ .‬سأعو ُد في أسرع وق ٍ‬
‫الغد»‪.‬‬
‫للح ِّ‬
‫ظ‪.‬‬ ‫طته قُبلةً َ‬ ‫ر َّددت‪« :‬الغد»‪ ،‬وأع َ‬
‫أخيرًا خر َج السير جونثور وأعطى إشارةً بفتح السِّلسلة كي تدخل (ريح القرفة) إلى المرسى‪ ،‬وانض َّم سام‬
‫إلى كوچا مو وثالث ٍة من رُماتها قُرب لوح العبور بينما ربطَ بنو (جُزر الصَّيف) السَّفينة وقد عادوا يتألَّقون‬
‫في معاطفهم الرِّيش التي ال يرتدونها َّإال على اليابسة‪ ،‬فشع َر وهو واقف إلى جوارهم بانعدام هندامه وقد‬
‫ارتدى سراويله السَّوداء الفضفاضة ومعطفه الباهت وانتع َل حذاءه المبقَّع بالملح‪ .‬سأ َل كوچا‪« :‬كم ستبقون‬
‫في المرسى؟»‪.‬‬
‫‪« -‬يومين أو عشرة‪َ ،‬من يدري؟ ما سيستغرقه إفراغ مخازننا وملؤها ثانيةً»‪ ،‬وأضافَت كوچا بابتسام ٍة‬
‫واسعة‪« :‬ويجب أن يزور أبي ال ِمايسترات الرَّماديِّين أيضًا‪ .‬إن معه ُكتبًا يبيعهم إياها»‪.‬‬
‫‪« -‬هل يُمكن أن تبقى جيلي على المتن حتى أرجع؟»‪.‬‬
‫أجابَت‪« :‬يُمكن لجيلي أن تبقى كما شا َءت»‪ ،‬ووك َزت سام بإصبعها في بطنه مردفةً‪« :‬إنها ال تأكل كثيرًا‬
‫كبعض النَّاس»‪.‬‬
‫كنت»‪ .‬تكفَّلت بهذا الرِّحلة جنوبًا‪ ،‬كلُّ نوبات الحراسة وال‬ ‫ُ‬ ‫َر َّد بلهج ٍة دفاعيَّة‪« :‬لم أ ُعد بالبدانة نفسها كما‬
‫شيء يُؤ َكل َّإال الفواكه واألسماك‪ ،‬وأهل (جُزر الصَّيف) يحبُّون الفواكه واألسماك‪.‬‬
‫وذهب ك ٌّل منهم في حال سبيله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫نازال اللَّوح‪ ،‬لكن بمجرَّد أن أصبحوا على اليابسة افت َرقوا‬ ‫تب َع سام الرُّ ماة ً‬
‫يأمل أنه ما زا َل يَذ ُكر كيف يصل إلى (القلعة)‪ ،‬ف(البلدة القديمة) متاهة‪ ،‬وال وقت لديه لضالل الطَّريق‪.‬‬
‫جعلَت رطوبة النَّهار حجارة الرَّصف مبتلَّةً زلقةً تحت قدميه واألزقَّة ملتحفةً بالضَّباب والغموض‪ ،‬وقد‬
‫تحاشاها سام قدر اإلمكان والتز َم الطَّريق الذي يمضي متم ِّع ًجا بمحاذاة (نهر البِتع) في قلب المدينة‬
‫بدال من سطح سفين ٍة يتمايَل‪ ،‬لكن المشي‬ ‫أرض ثابتة تحت قدميه من جدي ٍد ً‬ ‫ٍ‬ ‫القديمة‪ .‬أحسَّ بالسُّرور لوجود‬
‫أصابَه باالضطراب رغم ذلك‪ ،‬إذ شع َر باألعيُن تَنظُر إليه من ال ُّشرفات والنَّوافذ وتُراقبِه من المداخل‬
‫المظلمة‪ .‬على متن (ريح القرفة) كان يعرف ك َّل وجه‪ ،‬أ َّما هنا فكلَّما التفتَ يرى غريبًا آخَر‪ .‬األدهى فكرة‬
‫أن يراه أحد يعرفه‪ ،‬فاللورد راندل معروف في (البلدة القديمة) لكن أهلها ال يحبُّونه كثيرًا‪ .‬ال يدري سام‬
‫أيُّهما أسوأ‪ ،‬أن يتعرَّفه أحد أعداء السيِّد والده أم أحد أصدقائه‪ ،‬وهكذا رف َع قلنسوة معطفه و َج َّد ال ُخطى‪.‬‬
‫على جانبَي ب َّوابة (القلعة) تمثاالن أخضران شامخان ألبي الهول وأُم الهول‪ ،‬لكلٍّ منهما جسم أسد وجناحا‬
‫نسر وذيل أفعى‪ ،‬وبَعدهما تقع (دار الكتَبة) التي يأتيها أهل (البلدة القديمة) بحثًا عن ُمعاونين يَكتُبون‬
‫أكشاك مفتوحة ينتظرون ال َّزبائن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّجرين في‬‫جلس عدد من ال ُمعاونين الض ِ‬ ‫َ‬ ‫وصاياهم ويقرأون رسائلهم‪ ،‬وقد‬
‫أكشاك أخرى تُباع ال ُكتب وتُشتَرى‪ ،‬فتوقَّف سام عند واح ٍد يبيع الخرائط وراج َع خارطةً مرسومةً باليد‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫ل(القلعة) ليتحقَّق من الطَّريق األقصر إلى (بهو القهرمان)‪.‬‬
‫يتفرَّع الطَّريق حيث يمتطي تمثال الملك دايرون األول حصانه الحجري الطَّويل رافعًا سيفه في اتِّجاه‬
‫ك سام الفرع األيسر‬ ‫(دورن)‪ ،‬وقد جث َم نورس على رأس التنِّين الصَّغير واثنان آخَران على نصله‪ .‬سل َ‬
‫الذي يمضي بحذاء النَّهر‪ ،‬وعند (مرسى الب َّكائين) شاه َد اثنين من ال ُمعاونين يُسا ِعدان عجو ًزا على ركوب‬
‫باك ال‬‫ب سيحمله في رحل ٍة قصيرة إلى (الجزيرة ال َّدامية)‪ ،‬وبَعده ركبَت أُم شابَّة بين ذراعيها رضيع ٍ‬ ‫قار ٍ‬
‫خاض ُمساعد طا ٍه ما في المياه الضَّحلة تحت المرسى يجمع الضَّفادع‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يكبَر ابن جيلي كثيرًا‪ ،‬في حين‬
‫كنت في ِسنِّهم‪ .‬لو‬ ‫ُ‬ ‫ي أن آتي هنا حين‬ ‫وهر َع طابور طويل من المبتدئين الصِّغار نحو السِّپتري‪ .‬كان عل َّ‬
‫وتظاهر أبي بأن ديكون ابنه الوحيد‪ُّ .‬‬
‫أشك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الختفيت وسط المبتدئين اآلخَرين‬ ‫هربت واتَّ ُ‬
‫خذت اس ًما مستعارًا‬ ‫ُ‬
‫ُطاردني بال هوادة‪ ،‬ولكن‬ ‫في أنه كان ليُ َج ِّشم نفسه عناء البحث عني ما لم آخذ بغلةً أركبها‪ .‬عندها كان لي ِ‬
‫من أجل البغلة فقط‪.‬‬
‫خارج (بهو القهرمان) كان الموجِّهون يُثَبِّتون ُمعاونًا أكبر ِسنًّا إلى هيكل تشهير‪ ، 74‬وشر َح أحدهم السَّبب‬
‫حدج‬
‫َ‬ ‫قائال‪« :‬يسرق الطَّعام من المطابخ»‪.‬‬ ‫لل ُمعاونين المنتظرين رجم السَّجين بالخضراوات الفاسدة ً‬
‫جميعهم سام بنظرات الفضول إذ َم َّر بهم ب ُخطى سريعة ومعطفه األسود منتفخ من ورائه كشراع السَّفينة‪.‬‬
‫وراء الباب وج َد به ًوا أرضيَّته حجريَّة ونوافذه عالية مقنطَرة‪ ،‬يجلس في أقصاه رجل ذو وج ٍه ممصوص‬
‫دفتر بريشته‪ ،‬ورغم أنه يرتدي ثياب ال ِمايسترات الرَّماديَّة فال تُحيط‬
‫ٍ‬ ‫ص ٍة مرتفعة يُ َد ِّون شيئًا ما في‬
‫على من َّ‬
‫طاب يومك»‪.‬‬ ‫بعُنقه سلسلة‪ .‬تنحن َح سام‪ ،‬وحيَّاه ً‬
‫قائال‪َ « :‬‬
‫ُعجبه إذ قال‪« :‬رائحة المبتدئين تفوح منك»‪.‬‬
‫رف َع الرَّجل عينيه وبدا أن ما رآه ال ي ِ‬
‫وأخرج الرَّسائل التي أعطاه چون سنو إياها متابعًا‪ُ « :‬‬
‫جئت من‬ ‫َ‬ ‫َر َّد سام‪« :‬آم ُل أن أكون منهم قريبًا»‪،‬‬
‫الجدار) مع ال ِمايستر إيمون‪ ،‬لكنه ماتَ خالل ال ِّرحلة‪ .‬إذا كان يُمكن أن أتكلَّم مع القهرمان‪.»...‬‬
‫( ِ‬
‫‪« -‬اسمك؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سامويل‪ ،‬سامويل تارلي»‪.‬‬
‫َخطَّ الرَّجل االسم في دفتره ول َّوح بريشته نحو د َّك ٍة عند الحائط‪ ،‬وقال‪« :‬اجلس‪ .‬سنُناديك حين نُريدك»‪.‬‬
‫وجلس سام على ال ِّد َّكة‪.‬‬
‫َ‬
‫جا َء آخَرون وذهبوا‪ .‬سلَّم بعضهم رسائل وغاد َروا‪ ،‬وتكلَّم بعضهم مع الرَّجل على المنصَّة ثم ُس ِم َح لهم‬
‫بال ُّدخول من الباب ورائه وصعدوا سُلَّ ًما ملتفًّا‪ ،‬وانض َّم آخَرون إلى سام على ال ِّد َّكة في انتظار مناداة‬
‫نهض‬
‫َ‬ ‫أسمائهم‪ .‬عد ٌد م َّمن نُودوا أتى بعده‪ ،‬وهو ِشبه متأ ِّكد من هذا‪ ،‬وبَعد تكراره للمرَّة الرَّابعة أو الخامسة‬
‫ً‬
‫طويال؟»‪.‬‬ ‫ً‬
‫سائال الرَّجل‪« :‬هل سأظلُّ منتظرًا‬ ‫سام وقط َع البهو‬
‫‪« -‬القهرمان رجل مه ٌّم»‪.‬‬
‫الجدار)!»‪.‬‬ ‫ً‬
‫طويال من ( ِ‬ ‫قطعت طريقًا‬
‫ُ‬ ‫‪« -‬لقد‬
‫قليال»‪ ،‬ول َّوح الرَّجل بالرِّ يشة مضيفًا‪« :‬إلى ال ِّد َّكة هناك‪ ،‬تحت‬
‫‪« -‬إذن فال مشكلة في أن تنتظر فترةً أطول ً‬
‫النَّافذة»‪.‬‬
‫عا َد سام إلى ال ِّد َّكة‪ ،‬ومرَّت ساعة أخرى‪ .‬وص َل آخَرون وتكلَّموا مع الرَّجل على المنصَّة وانتظروا دقائق‬
‫قليلةً ثم دخلوا‪ ،‬ولم يُ َكلِّف الحاجب نفسه مجرَّد النَّظر إلى سام طوال هذا الوقت‪ .‬انقش َع الضَّباب في الخارج‬
‫مع مرور النَّهار الثَّقيل البطيء وتسلَّل نور ال َّشمس ال َّشاحب من النَّوافذ‪ ،‬ووج َد سام نفسه يتفرَّج على‬
‫وداعب قرحًا مفتوحًا في راحة يده‪ ،‬ثم إنه‬ ‫َ‬ ‫تثاءب م َّرةً ثم أخرى‪،‬‬
‫َ‬ ‫ذرَّات ال ُغبار تَرقُص في خيوط الضَّوء‪.‬‬
‫أرج َع رأسه إلى الوراء وأسب َل جفنيه‪.‬‬
‫ك أنه‬‫ال بُ َّد أنه غفا‪ ،‬فإذا بالحاجب الجالس على المنصَّة يُنادي اس ًما‪ ،‬فهَبَّ سام واقفًا ثم عا َد يجلس ل َّما أدر َ‬
‫ليس اسمه‪.‬‬
‫وإال ظللت جالسًا هنا ثالثة أيام‪ .‬ماذا يفعل َحرس‬ ‫قال صوت من جواره‪« :‬عليك أن ترشو لوركاس ببنس َّ‬
‫اللَّيل في (القلعة)؟»‪.‬‬
‫المتكلِّم شاب نحيل مشيق وسيم‪ ،‬يرتدي سراويل من ِجلد الظِّباء وسُترةً ِجلديَّةً خضراء ضيِّقةً مطعَّمةً‬
‫بالحديد‪ ،‬وله بشرة بلون ال ِمزر البنِّي الفاتح و َشعر أسود قصير ينسحب عند مقدِّمة رأسه فوق عينيه‬
‫السَّوداوين الكبيرتين‪.‬‬
‫َر َّد سام‪« :‬حضرة القائد يُ َر ِّمم القالع المهجورة ويُعيد فتحها‪ .‬نحتاج إلى المزيد من ال ِمايسترات للعناية‬
‫بال ِغدفان‪ ...‬هل قلت بنسًا؟»‪.‬‬
‫أيل فضِّ ي سيحملك لوركاس إلى القهرمان باألعلى على ظَهره‪ .‬إنه ُمعاون منذ‬ ‫‪« -‬بنس واحد يكفي‪ .‬مقابل ٍ‬
‫خمسين عا ًما ويكره المبتدئين‪ ،‬تحديدًا المبتدئين أبناء النُّبالء»‪.‬‬
‫‪« -‬وما أدراك بأنني من أبناء النُّبالء؟»‪.‬‬
‫‪« -‬بالطَّريقة نفسها التي تدري بها أنني ِنصف دورني»‪ .‬قيلَت اإلجابة بابتسام ٍة ولكن ٍة دورنيَّة خفيفة‪.‬‬
‫َدسَّ سام يده في جيبه يبحث عن بنس‪ ،‬وقال‪« :‬أأنت مبتدئ؟»‪.‬‬
‫‪ُ « -‬معاون‪ .‬اسمي أليراس‪ ،‬لكن بعضهم يدعوني بأبي الهول»‪.‬‬
‫هَ َّز االسم سام‪ ،‬وقال باندفاع‪« :‬أبو الهول األحجية ال صانِع األحاجي‪ .‬هل تعرف معنى هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ال‪ .‬أهذه أحجية؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعرف‪ .‬أنا سامويل تارلي‪ ،‬سام»‪.‬‬ ‫‪« -‬ليتني‬
‫‪ً «-‬‬
‫أهال بك‪ .‬وما شأن سامويل تارلي عند ال ِمايستر الرَّئيس ثيوبولد؟»‪.‬‬
‫سألَه سام حائرًا‪« :‬أهو القهرمان؟ ال ِمايستر إيمون قال إن اسمه نورن»‪.‬‬
‫‪« -‬لم يَعُد كذلك منذ قمرين‪ .‬هناك واحد جديد ك َّل سنة‪ ،‬يشغل المنصب باالقتراع من بين رؤساء‬
‫سحب ال ِمايستر الرَّئيس‬
‫َ‬ ‫طله عن عمله الحقيقي‪ .‬هذا العام‬ ‫ال ِمايسترات‪ .‬أكثرهم يع ُّده واجبًا ال يُش َكر عليه يُ َع ِّ‬
‫بدال منه‪ .‬إنه رجل‬ ‫والجريڤ الحجر األسود‪ ،‬لكن عقل والجريڤ يتوه كثيرًا‪ ،‬فتط َّوع ثيوبولد بقضاء م َّدته ً‬
‫فَظٌّ لكنه صالح‪ .‬هل قلت ال ِمايستر إيمون؟»‪.‬‬
‫‪« -‬نعم»‪.‬‬
‫‪« -‬إيمون تارجاريَن؟»‪.‬‬
‫‪« -‬في السَّابق‪ .‬أكثرنا كان يدعوه بإيمون فقط‪ .‬لقد تُوفِّ َي خالل الرِّ حلة إلى الجنوب‪ .‬كيف تعرفه؟»‪.‬‬
‫رجل في (وستروس)‪ ،‬وشه َد تاري ًخا‬‫ٍ‬ ‫‪« -‬وكيف ال؟ إنه لم يكن أكبر ِمايستر على قيد الحياة فقط‪ ،‬بل أكبر‬
‫أكثر مما تعلَّم ال ِمايستر الرَّئيس پيرستان في حياته كلِّها‪ .‬كان ليحكي لنا الكثير والكثير عن عهد أبيه وع ِّمه‪.‬‬
‫هل تعلم كم كان ُعمره؟»‪.‬‬
‫عام واثنان»‪.‬‬
‫‪« -‬مئة ٍ‬
‫‪« -‬وماذا كان يفعل في البحر في ِسنِّه تلك؟»‪.‬‬
‫متسائال كم يَج ُدر به أن يقول‪ .‬أبو الهول األحجية ال صانِع األحاجي‪ .‬أيُمكن أن‬ ‫ً‬ ‫تأ َّمل سام السُّؤال وهلةً‬
‫ً‬
‫محتمال‪ .‬بتر ُّد ٍد بدأ يشرح‪« :‬حضرة القائد سنو صرفَه‬ ‫ال ِمايستر إيمون كان يعني أبا الهول هذا؟ ال يبدو ذلك‬
‫بارتباك عن الملك ستانيس ومليساندرا اآلشايِيَّة ناويًا أن يكتفي بهذا القدر‪ ،‬لكن‬
‫ٍ‬ ‫إلنقاذ حياته»‪ ،‬ثم إنه تح َّدث‬
‫شيئًا قا َد إلى آخَر ووج َد نفسه يحكي عن مانس رايدر والهَمج ودماء الملوك والتَّنانين‪ ،‬وقبل أن يدري ما‬
‫يجري تدفَّقت البقيَّة كلُّها منه‪ ...‬الجُثث الحيَّة على (قبضة البَشر األوائل)‪( ،‬اآلخَ ر) على حصانه الميت‪،‬‬
‫اغتيال ال ُّدب العجوز في (قلعة كراستر)‪ ،‬جيلي وهروبهما‪( ،‬وايتري) وپول الصَّغير‪ ،‬ذو اليدين الباردتين‬
‫وال ِغدفان‪ ،‬انتخاب چون قائدًا‪( ،‬الطَّائر األسود)‪ ،‬داريون‪( ،‬براڤوس)‪ ،‬التَّنانين التي رآها زوندو في‬
‫همس به ال ِمايستر إيمون قُرب النِّهاية‪ .‬أحج َم فقط عن ِذكر األسرار التي‬‫َ‬ ‫(ڬارث)‪( ،‬ريح القرفة) وكلُّ ما‬
‫قائال‪« :‬دنيرس هي‬‫أقس َم أن يحفظها إزاء بران ستارك ورفاقه وتبديل چون سنو الطِّفلين‪ ،‬وخت َم حكايته ً‬
‫رسل إليها ِمايستر في الحال ليعود بها إلى (وستروس) قبل‬ ‫األمل الوحيد‪ .‬إيمون قال إن على (القلعة) أن تُ ِ‬
‫فوات األوان»‪.‬‬
‫ُقاطعه أبدًا‪ ،‬وحين فر َغ سام‬
‫باهتمام شديد‪ ،‬يُ َحدِّق بين الحين واآلخَر لكن ال يضحك أو ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫أصغى أليراس‬
‫ق بي ٍد بنِّيَّة نحيلة‪ ،‬وقال‪« :‬وفِّر بنسك يا سام‪ .‬لن يُ َ‬
‫صدِّق ثيوبولد نِصف هذا الكالم‪ ،‬لكن‬ ‫َمسَّ سا ِعده برف ٍ‬
‫صدِّقونه‪َّ .‬‬
‫هال أتيت معي؟»‪.‬‬ ‫هناك آخَرين قد يُ َ‬
‫‪« -‬أين؟»‪.‬‬
‫‪« -‬للكالم مع أحد رؤساء ال ِمايسترات»‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر إيمون‪ :‬يجب أن تُخبِرهم يا سام‪ ،‬يجب أن تُخبِر رؤساء ال ِمايسترات‪ ،‬وهكذا َر َّد سام‪:‬‬
‫«ليكن»‪ .‬يُمكنه أن يعود إلى القهرمان غدًا وفي يده بنس‪« .‬هل سنبتعد كثيرًا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ليس المكان بعيدًا‪( ،‬جزيرة ال ِغدفان)»‪.‬‬
‫بال بالضِّ فَّة ال َّشرقيَّة‪،‬‬
‫ب لبلوغ (جزيرة ال ِغدفان)‪ ،‬إذ يربطها جسر متحرِّك خشبي ٍ‬ ‫لم يحتاجا إلى ركوب قار ٍ‬
‫وبينما عبرا فوق مجرى (نهر البِتع) البطيء قال له أليراس‪(« :‬ال ِمغدفة) أقدم مباني القلعة‪ .‬يُقال إنها كانت‬
‫في عصر األبطال معقل لورد قُرصان استق َّر هنا ليسطو على السُّفن التي تَد ُخل النَّهر»‪.‬‬
‫بدال من الرُّ ماة‪ .‬هذا‬ ‫رأى سام الطَّحالب والنَّباتات المعترشة تُ َغطِّي الجُدران‪ ،‬وال ِغدفان تذرع ال ُّشرفات ً‬
‫الجسر المتحرِّ ك لم يُرفَع منذ سنين عصيَّة على الحُسبان‪.‬‬
‫داخل القلعة األجواء معتمة مائلة إلى البرودة‪ ،‬وفي السَّاحة شجرة ويروود عتيقة تحتلُّها منذ بدأ بناء هذه‬
‫األحجار‪ ،‬تكسو الوجه المنقوش على جذعها الطَّحالب األرجوانيَّة الثَّقيلة نفسها التي تتدلَّى من فروعها‬
‫تحف‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ق حمراء ال تزال‬ ‫بقاع أخرى بضع أورا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال َّشاحبة‪ ،‬وقد بدا نِصف غصونها ميتًا‪ ،‬وإن ظه َرت في‬
‫هناك تحبُّ ال ِغدفان الجثوم‪ ،‬وال َّشجرة مألى بها‪ ،‬وث َّمة المزيد منها في النَّوافذ المقنطَرة باألعلى وفي كلِّ‬
‫ضرب أحدها الهواء بجناحيه فوقهما وسم َع‬ ‫َ‬ ‫أنحاء السَّاحة‪ ،‬وعلى األرض تتناثَر فضالتها‪ .‬إذ قطعا السَّاحة‬
‫الغدفان األخرى ينعب لبعض‪ .‬قال له أليراس‪« :‬مسكن ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ في البُرج‬ ‫سام بعض ِ‬
‫الغربي‪ ،‬تحت ال ِمغدفة البيضاء‪ .‬ال ِغدفان البيضاء والسَّوداء تتشا َجر كأهل (دورن) و(التُّخوم) ولذا يُفَرِّقون‬
‫بينها»‪.‬‬
‫تساء َل سام‪« :‬هل سيفهم ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ ما أخبِره به؟ قلت إن عقله يتوه كثيرًا»‪.‬‬
‫أجاب أليراس‪« :‬تمرُّ عليه أيام جيِّدة وأخرى سيِّئة‪ ،‬لكنك لست ذاهبًا لرؤية والجريڤ»‪ ،‬وفت َح باب البُرج‬
‫َ‬
‫ال َّشمالي وبدأ يصعد ال َّدرج‪ ،‬وتب َعه سام سامعًا الخفقات والتَّمتمات من أعلى‪ ،‬وهنا وهناك صرخةً غاضبةً‬
‫كأن ال ِغدفان تشتكي من إقالق راحتها‪.‬‬
‫بتركيز إلى‬
‫ٍ‬ ‫عند ق َّمة السَّاللم يجلس شاب أشقر شاحب في ِسنِّ سام خارج با ٍ‬
‫ب من السَّنديان والحديد‪ ،‬يُ َحدِّق‬
‫لهب شمع ٍة بعينه اليُمنى‪ ،‬وقد توا َرت اليُسرى تحت ُخصل ٍة من ال َّشعر األشقر المائل إلى الرَّمادي‪ .‬سألَه‬
‫أليراس‪« :‬ع َّم تبحث؟ قدرك؟ حتفك؟»‪.‬‬
‫التفتَ األشقر عن ال َّشمعة طارفًا بعينيه‪ ،‬وقال‪« :‬عن النِّساء العاريات‪َ .‬من هذا؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سام‪ ،‬مبتدئ جديد جا َء للقاء المشعوذ»‪.‬‬
‫ي شيء؛ الكالب السَّوداء والدورنيِّين‬‫قال األشقر متذ ِّمرًا‪« :‬لم تَعُد (القلعة) كما كانت‪ .‬هذه األيام تقبل أ َّ‬
‫كنت أحسبُ‬‫ورُعاة الخنازير وال ُمعاقين ومعتلِّي العقول‪ ،‬واآلن هذا الحوت الذي يتردي األسود‪ .‬وأنا الذي ُ‬
‫والذهبي‪ ،‬ومالمحه‬‫َّ‬ ‫اللَّ ِوياثانات رماديَّةً»‪ .‬من على أحد كتفيه تنسدل حرملة قصيرة مخطَّطة باألخضر‬
‫س‪.‬‬
‫وسيمة للغاية‪ ،‬ولو أن عينيه خبيثتان وفمه قا ٍ‬
‫قائال‪« :‬ليو تايرل»‪ .‬مجرَّد لفظ االسم أشع َره كأنه ال يزال صبيًّا في‬ ‫يعرف سام هذا ال َّشاب‪ ،‬وقد خاطبَه ً‬
‫السَّابعة على وشك أن يُبَلِّل ثيابه ال َّداخليَّة‪« .‬أنا سام من (هورن هيل)‪ ،‬ابن اللورد راندل تارلي»‪.‬‬
‫ت‪ ،‬أم أن هذا ما‬ ‫قال ليو‪« :‬حقًّا؟»‪ ،‬ورمقَه بنظر ٍة أخرى‪ ،‬ثم أردفَ ‪« :‬أظ ُّنك هو‪ .‬أبوك قال لنا جميعًا إنك ُم َّ‬
‫كان يأمله فقط؟»‪ ،‬وأضافَ بابتسام ٍة واسعة‪« :‬أما زلت جبانًا؟»‪.‬‬
‫وخضت معارك‪ ،‬ويُلَقِّبونني بسام‬ ‫ُ‬ ‫الجدار)‬
‫ذهبت وراء ( ِ‬ ‫ُ‬ ‫أجاب سام كاذبًا‪« :‬ال»‪ .‬هكذا أم َره چون‪« .‬لقد‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫القاتِل»‪ .‬ال يدري لِ َم قالها‪ ،‬لكن الكلمات تدفقت منه رغ ًما عنه‪.‬‬
‫انفتح الباب من ورائه‪ ،‬ودمد َم الرَّجل الواقف على عتبته‪« :‬اد ُخل أيها القاتل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ضحكَ ليو‪ ،‬لكن قبل أن ير َّد‬
‫وأنت أيضًا يا أبا الهول‪ ،‬اآلن»‪.‬‬
‫قال أليراس‪« :‬سام‪ ،‬هذا هو ال ِمايستر الرَّئيس ماروين»‪.‬‬
‫حول ُعنق ماروين الغليظ سلسلة من ع َّدة معادن‪ ،‬لكن فيما عدا هذا يبدو الرَّجل أقرب إلى بلطجي ميناء‬
‫من ِمايستر‪ ،‬فرأسه كبير للغاية بالنِّسبة إلى بدنه‪ ،‬والطَّريقة التي يَبرُز بها إلى األمام من بين كتفيه‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ف ِّكه العريض‪ ،‬تجعله يبدو كأنه على وشك اجتثاث رأس أحدهم من رقبته‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫قامته القصيرة وقوامه الممتلئ فله صدر عريض وكتفان قويَّتان‪ ،‬وبطن مستدير صُلب كالحجر يضغط‬
‫بدال من ثياب ال ِمايسترات‪ .‬من أنفه ومنخريه ينبت ال َّشعر األبيض‬ ‫الجلديَّة التي يرتديها ً‬
‫على أربطة سُترته ِ‬
‫الخشن الثَّائر‪ ،‬وله جبهة ناتئة وأنف انكس َر أكثر من مرَّة‪ ،‬ويُبَقِّع التَّبغ ال ُمرُّ أسنانه باألحمر‪ ،‬ويداه أكبر‬
‫يدين رآهما سام على اإلطالق‪.‬‬
‫حين تر َّدد سام أطبقَت إحدى هاتين اليدين على ذراعه وش َّدته عبر الباب إلى ُغرف ٍة مستديرة واسعة مكتظَّة‬
‫أكوام ترتفع أربعة أقدام‪.‬‬‫ٍ‬ ‫بال ُكتب والمخطوطات المتناثرة على الطَّاوالت والمرصوصة على األرض في‬
‫مرجل‬
‫ٍ‬ ‫تُ َغطِّي المعلَّقات الباهتة والخرائط المهترئة الجُدران الحجريَّة‪ ،‬وفي المستوقَد نار مشتعلة تحت‬
‫نُحاسي تفوح منه رائحة شي ٍء محروق‪ .‬بعيدًا عن هذا ينبعث الضَّوء الوحيد في المكان من شمع ٍة سوداء‬
‫صف ال ُغرفة‪.‬‬
‫طويلة في منت َ‬
‫ضوء ال َّشمعة ساطع على نح ٍو مزعج‪ ،‬وث َّمة شيء عجيب فيها‪ ،‬إذ إن لهبها ال يتذب َذب‪ ،‬حتى عندما صف َ‬
‫ق‬
‫ال ِمايستر الرَّئيس ماروين الباب بق َّو ٍة طيَّرت األوراق الموضوعة على الطَّاولة القريبة‪ .‬ثم إن للضَّوء تأثي ًرا‬
‫كالذهب‪ ،‬واألحمر استحا َل إلى‬ ‫غريبًا على األلوان كذلك‪ ،‬فاألبيض ناصع كالثَّلج الطَّازج‪ ،‬واألصفر يتألَّق َّ‬
‫ب في العالم‪ .‬وج َد سام نفسه يُ َحملِق إلى ال َّشمعة‪.‬‬ ‫لهب‪ ،‬لكن الظِّالل سوداء حالكة لدرجة أنها تبدو كثقو ٍ‬
‫طولها ثالثة أقدام‪ ،‬ورفيعة كالسَّيف‪ ،‬ومح َّززة ملتوية‪ ،‬وسوادها المع‪ .‬قال سام‪« :‬أهذا‪.»...‬‬
‫‪ُ ...« -‬زجاج بُركاني»‪ ،‬قال الرَّجل اآلخَر في ال ُغرفة‪ ،‬شاب شاحب لحيم له كتفان مستديرتان ويدان‬
‫طريَّتان وعينان ضيِّقتان‪ ،‬وتُلَ ِّوث رداءه بُقع الطَّعام‪.‬‬
‫ق ال َّشمعة السَّوداء لحظةً‪ ،‬ثم أردفَ ‪« :‬يشتعل‬
‫قال ال ِمايستر الرَّئيس ماروين‪« :‬س ِّمه ُزجاج التنِّين»‪ ،‬ورم َ‬
‫ولكن ال يُستهلَك»‪.‬‬
‫سألَه سام‪« :‬ما الذي يُ َغ ِّذي اللَّهب؟»‪.‬‬
‫قائال‪« :‬وما الذي يُ َغ ِّذي نيران التَّنانين؟ كلُّ السِّحر الڤاليري جذوره ضاربة في‬
‫رسي ً‬‫ٍّ‬ ‫جلس ماروين على ُك‬
‫َ‬
‫ال َّدم أو النار‪ .‬كان بإمكان سحرة المعقل الحُر أن يروا عبر الجبال والبحار والصَّحاري بواحد ٍة من هذه‬‫َّ‬
‫الزجاجيَّة‪ ،‬وكانوا يجلسون أمامها ويَد ُخلون أحالم المرء ويمنحونه ر ًؤى ويُ َكلِّم بعضهم بع ً‬
‫ضا‬ ‫ال ُّشموع ُّ‬
‫ُّ‬
‫أتظن هذا مفيدًا أيها القاتِل؟»‪.‬‬ ‫ونِصف العالم يفصل بينهم‪.‬‬
‫‪« -‬لن نعود في حاج ٍة إلى ال ِغدفان»‪.‬‬
‫قال ال ِمايستر الرَّئيس‪« :‬بَعد المعارك فقط»‪ ،‬وق َّشر ورقةً من حزم ٍة من التَّبغ ال ُمرِّ ودسَّها في فمه وشر َع‬
‫يمضغها مستطردًا‪« :‬أخ ِبرني بك ِّل ما قلته ألبي الهول الدورني‪.‬‬
‫أعرف الكثير منه بالفعل‪ ،‬ولكن ربما فاتَني بعض التَّفاصيل الصَّغيرة»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إنني‬
‫رجال يُرفَض له طلب‪ .‬تر َّدد سام لحظةً‪ ،‬ثم عا َد يحكي حكايته فيما أصغى ماروين وأليراس‬ ‫ً‬ ‫ليس هذا‬
‫والمبتدئ اآلخَ ر‪ ،‬ثم قال‪« :‬ال ِمايستر إيمون اعتق َد أن نبوءةً تتحقَّق في دنيرس تارجاريَن‪ ...‬هي وليس‬
‫ستانيس أو األمير ريجار أو األمير الصَّغير الذي ه َّشموا رأسه على ِجدار»‪.‬‬
‫أعرف هذه ال ُّنبوءة»‪ ،‬ود َّور رأسه وبص َ‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫نجم ينزف‪.‬‬ ‫قال ماروين‪« :‬سيُولَد وسط الملح وال ُّدخان تحت ٍ‬
‫ُكتلةً من البلغم األحمر على األرض‪ ،‬ثم واص َل‪« :‬وال أث ُ‬
‫ق بها‪.‬‬
‫كتب جورجان ابن (جيس القديمة) أن ال ُّنبوءة ِمثلها ِمثل مرأ ٍة مخادعة‪ ،‬تأخذ ُعضوك في فمها وتأخذ‬ ‫قدي ًما َ‬
‫تأوهاتك إلى صريخ‪.‬‬ ‫أنت تتأ َّوه استمتاعًا مف ِّكرًا كم أن هذا جميل ممتع رائع‪ ...‬ثم تنغلق أسنانها وتستحيل ُّ‬
‫ك تبغه ً‬
‫قليال‪ ،‬ثم أضافَ ‪« :‬ومع‬ ‫قال جورجان إن تلك طبيعتها‪ ،‬إن النُّبوءة ستقضم ُعضوك ك َّل مرَّة»‪ ،‬وال َ‬
‫ذلك‪.»...‬‬
‫وقفَ أليراس إلى جوار سام ً‬
‫قائال‪« :‬كان إيمون ليذهب إليها لو تمتَّع بالق َّوة‪ .‬أرادَنا أن نُ ِ‬
‫رسل إليها ِمايستر‬
‫ينصحها ويحميها ويُعيدها آمنةً إلى الوطن»‪.‬‬
‫هَ َّز ماروين كتفيه‪ ،‬وقال‪« :‬حقًّا؟ لع َّل من الخير إذن أنه ماتَ قبل أن يَبلُغ (البلدة القديمة)‪َّ ،‬‬
‫وإال فربما‬
‫اضطرَّت الخراف الرَّماديَّة إلى قتله‪ ،‬وكان ذلك ليُز ِعج أع َّزاءنا العجائز المساكين»‪.‬‬
‫سأ َل سام مصدو ًما‪« :‬قتله؟ لماذا؟»‪.‬‬
‫َر َّد ماروين‪« :‬لو أخبرتك فربما يضطرُّ ون إلى قتلك أيضًا»‪ ،‬وابتس َم ابتسامةً بشعةً لتسيل ُعصارة التَّبغ‬
‫آخر مرَّة؟ قتَلة التَّنانين األشاوس‬‫ال ُم ِّر الحمراء من بين أسنانه‪ ،‬وقال‪َ « :‬من تحسبه قت َل التَّنانين كلَّها ِ‬
‫ق ثم تاب َع‪« :‬العالم الذي تبنيه (القلعة) ال مكان فيه للسِّحر أو التَّنبُّؤ أو‬ ‫المسلَّحون بالسُّيوف؟»‪ ،‬وبص َ‬
‫الجدار) في‬ ‫ال ُّشموع ُّ‬
‫الزجاجيَّة‪ ،‬ناهيك بالتَّنانين‪َ .‬سل نفسك لماذا ُس ِمح إليمون تارجاريَن بتبديد حياته على ( ِ‬
‫حين كان الواجب أن ي َُرقَّى إلى ِمايستر رئيس‪ .‬دماؤه السَّبب‪ .‬لم يستطيعوا أن يثقوا به أكثر مما يستطيعون‬
‫الثِّقة بي»‪.‬‬
‫سألَه أليراس أبو الهول‪« :‬ماذا ستفعل؟»‪.‬‬
‫‪« -‬سآخ ُذ نفسي إلى (خليج النَّ َّخاسين) ً‬
‫بدال من إيمون‪ .‬السَّفينة البجعيَّة التي حملَت القاتِل كفيلة بتلبية‬
‫رسل رجلها على قادس‪ .‬إذا كانت الرِّ ياح مواتيةً فسأسبقه إلى‬ ‫ك أن الخراف الرَّماديَّة ستُ ِ‬ ‫حاجتي‪ .‬ال َش َّ‬
‫ُ‬
‫كنت‬ ‫ق ماروين سام مقطِّبًا وجهه‪ ،‬وقال‪« :‬أنت‪ ...‬أنت عليك أن تبقى وتُ َك ِّون سلسلتك‪ .‬لو‬ ‫دنيرس»‪ ،‬ورم َ‬
‫الجدار)»‪ ،‬والتفتَ إلى المبتدئ ال َّشاحب‬ ‫مكانك لفعلتها سريعًا‪ .‬سيأتي وقت تكون فيه حاجة إليك على ( ِ‬
‫قائال‪ِ « :‬جد حُجيرةً جافَّةً للقاتِل‪ .‬سينام هنا ويُسا ِعدك على العناية ِ‬
‫بالغدفان»‪.‬‬ ‫ً‬
‫متلعث ًما قال سام‪« :‬لللكن‪ ...‬رؤساء ال ِمايسترات اآلخَرون‪ ...‬القهرمان‪ ...‬ماذا أقو ُل لهم؟»‪.‬‬
‫‪« -‬قُل لهم كم هُم حُكماء صالحون‪ ،‬قُل لهم إن إيمون أم َرك بوضع نفسك في أيديهم‪ ،‬قُل لهم إنك حلمت‬
‫يوم تكوين السِّلسلة وخدمة الصالح العام‪ ،‬إن الخدمة أرفع َشرف والطَّاعة أسمى‬ ‫دو ًما بأن تستطيع ذات ٍ‬
‫فضيلة‪ .‬لكن ال تقل شيئًا عن النُّبوءة أو التَّنانين ما لم تكن تحبُّ ال ُّس َّم في طعامك»‪ ،‬واختطفَ ماروين‬
‫اعتن به يا أبا الهول»‪.‬‬
‫قائال‪ِ « :‬‬‫بإحكام ً‬
‫ٍ‬ ‫ب قُرب الباب وربطَه‬‫معطفًا ِجلديًّا متَّس ًخا من على مشج ٍ‬
‫َر َّد أليراس‪« :‬سأفع ُل»‪ ،‬لكن ال ِمايستر الرَّئيس كان قد خر َج بالفعل‪ ،‬وسمعوا حذاءه يد ُّ‬
‫ق السَّاللم‪.‬‬
‫ذهب؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫سأ َل سام حائرًا‪« :‬أين‬
‫ً‬
‫رجال يُؤ ِمن بتضييع الوقت»‪ ،‬وابتس َم مستطردًا‪« :‬عندي‬ ‫أجابَه أليراس‪« :‬إلى الميناء‪ .‬المشعوذ ليس‬
‫اعتراف‪ .‬لقاؤنا لم يكن صُدفةً يا سام‪ .‬المشعوذ أرسلَني أللحقك قبل أن تتكلَّم مع ثيوبولد‪ .‬كان يعلم‬
‫بمجيئك»‪.‬‬
‫‪« -‬كيف؟»‪.‬‬
‫الزجاجيَّة‪ ،‬فح َّدق سام إلى اللَّهب الباهت الغريب لحظةً‪ ،‬ثم طرفَ بعينيه‬‫أشا َر أليراس برأسه إلى ال َّشمعة ُّ‬
‫وأشا َح ببصره‪ .‬كان الظَّالم يحلُّ خارج النَّافذة‪.‬‬
‫قال ال َّشاب ال َّشاحب‪« :‬ث َّمة حُجيرة نوم شاغرة تحت حُجيرتي في البُرج الغربي‪ ،‬وفيها ساللم تقود إلى‬
‫منظر جيِّد ل(نهر البِتع)‪ .‬هل‬
‫ٍ‬ ‫مسكن والجريڤ مباشرةً‪ .‬إذا كان نعيب ال ِغدفان ال يُز ِعجك فإنها تطلُّ على‬
‫ُناسبك هذا؟»‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫مكان ما على ك ِّل حال‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ُّ « -‬‬
‫أظن»‪ .‬عليه أن ينام في‬
‫‪« -‬سأجلبُ لك بعض األغطية الصُّ وف‪ .‬الجُدران الحجريَّة تَبرُد ً‬
‫ليال‪ ،‬حتى هنا»‪.‬‬
‫‪« -‬أشكرك»‪ .‬في هذا ال َّشاب ال َّشاحب اللَّحيم شيء ما ال يروقه‪ ،‬لكن سام ال يرغب في أن يبدو فظًّا‪،‬‬
‫فأضافَ ‪« :‬اسمي ليس القاتِل حقًّا‪ .‬أنا سام‪ ،‬سامويل تارلي»‪.‬‬
‫قال اآلخَر‪« :‬أنا پايت‪ ،‬كفتى الخنازير»‪.‬‬
‫الجدار‪...‬‬
‫في تلك األثناء على ِ‬
‫مهال‪ ،‬انتظر لحظةً‪ ،‬انتظر لحظةً‪ ،‬انتظر لحظةً!‬
‫ال بُ َّد أن بعضكم يقول اآلن‪ً « :‬‬
‫أين داني والتَّنانين؟ أين تيريون؟ لقد رأينا چون سنو بالكاد‪ .‬ال يُمكن أن يكون هذا ك َّل شيء‪.»...‬‬
‫بالطَّبع ال‪ .‬هناك المزيد في الطَّريق‪ ،‬كتاب آ َخر بحجم هذا الكتاب‪.‬‬
‫ت‬
‫ت وصفحا ٍ‬ ‫ُ‬
‫كتبت الكثير عنها‪ ،‬صفحا ٍ‬ ‫أنس أن أكتب عن ال َّشخصيَّات األخرى‪ .‬بالعكس تما ًما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لم‬
‫زلت أكتبُ حين اتَّضح لي أن ال ِّرواية أصب َحت أطول‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ما‬ ‫فصوال والمزيد من الفصول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وصفحات‪،‬‬
‫ُ‬
‫دنوت من النِّهاية بع ُد‪ .‬لحكاية القصَّة التي أري ُد أن أحكيها كان‬ ‫ب واحد‪ ...‬ولم أكن قد‬ ‫من أن تُن َشر في كتا ٍ‬
‫ي أن أقسم الكتاب إلى اثنين‪.‬‬ ‫عل َّ‬
‫ُ‬
‫أطلت‬ ‫صف وأنهي بعبارة «يُتبَع»‪ ،‬لكن كلَّما‬ ‫ي وأشطره عند المنت َ‬ ‫أبسط طريق ٍة لفِعل ذلك أن آخذ ما لد َّ‬
‫شعرت بأن األصلح للقارئ أن يكون كتابًا يحكي القصَّة الكاملة ل ِنصف ال َّشخصيَّات ً‬
‫بدال‬ ‫ُ‬ ‫التَّفكير في هذا‬
‫َّرت أن أسلك هذا السَّبيل‪.‬‬‫من نِصف قصَّة كلِّ ال َّشخصيَّات‪ ،‬وهكذا قر ُ‬
‫تيريون وچون وداني وستانيس ومليساندرا وداڤوس سيوورث وجميع ال َّشخصيَّات التي تحبُّونها أو تحبُّون‬
‫أن تكرهوها سيعودون العام المقبل ‪-‬كما آم ُل بش َّدة‪ -‬في «رقصة مع التَّنانين»‪ ،‬وهو الكتاب الذي سيُ َر ِّكز‬
‫الجدار) وعبر البحر‪ ،‬تما ًما كما ر َّكز الكتاب الحالي على (كينجز الندنج)‪.‬‬‫على األحداث على ( ِ‬
‫چورچ ر‪ .‬ر‪ .‬مارتن‬
‫يونيو‪/‬حزيران ‪5002‬‬
‫ُملحق (‪)1‬‬
‫الملوك وبالط ك ٍّل منهم‬
‫الملكة الوصيَّة على العرش‬

‫سرسي النستر األولى‪ ،‬أرملة (الملك روبرت باراثيون األول)‪ ،‬الملكة األُم‪ ،‬حامية البالد‪ ،‬سيِّدة كاسترلي‬
‫روك‪ ،‬الملكة الوصيَّة على العرش‪،‬‬
‫‪ -‬أوالد الملكة سرسي‪:‬‬
‫‪( -‬الملك چوفري باراثيون األول)‪ ،‬ماتَ مسمو ًما في مأدبة زفافه‪ ،‬صبي في الثَّانية عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬األميرة مارسال باراثيون‪ ،‬فتاة في التَّاسعة‪ ،‬ربيبة األمير دوران مارتل في صنسپير‪،‬‬
‫‪ -‬الملك تومن باراثيون األول‪ ،‬ملك صبي في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬قِططه‪ ،‬السير پاونس‪ ،‬الليدي ويسكرز‪ ،‬بوتس‪،‬‬
‫‪ -‬شقيقا الملكة سرسي‪:‬‬
‫‪ -‬السير چايمي النستر‪ ،‬توأمها‪ ،‬لقبه قاتل الملك‪ ،‬قائد ال َحرس الملكي‪،‬‬
‫‪ -‬تيريون النستر ولقبه العفريت‪ ،‬متَّهم ومدان باغتيال الملك وقتل األقربين‪،‬‬
‫‪ -‬پودريك پاين‪ُ ،‬مرافق تيريون‪ ،‬صبي في العاشرة‪،‬‬
‫‪ -‬أعمام وأخوال الملكة سرسي وأوالدهم‪:‬‬
‫‪ -‬السير كيڤان النستر‪ ،‬ع ُّمها‪،‬‬
‫‪ -‬السير النسل‪ ،‬ابن السير كيڤان‪ُ ،‬مرافق الملك روبرت وعشيق سرسي سابقًا‪ ،‬نُص َ‬
‫ِّب سيِّدًا على داري‬
‫حديثًا‪،‬‬
‫ريڤررن‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪( -‬ويلم)‪ ،‬ابن السير كيڤان‪ ،‬قُتِ َل في‬
‫‪ -‬مارتن‪ ،‬ابن السير كيڤان‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫‪ -‬چاني‪ ،‬ابنة السير كيڤان‪ ،‬فتاة في الثَّالثة‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي چنا النستر‪ ،‬ع َّمة سرسي‪ ،‬زوجة إمون فراي‪،‬‬
‫چنا‪ ،‬قتلَه الخارجون عن القانون‪،‬‬
‫‪( -‬السير كليوس فراي)‪ ،‬ابن ِ‬
‫‪ -‬السير تايوين فراي‪ ،‬يُ َس َّمى تاي‪ ،‬ابن كليوس‪،‬‬
‫‪ -‬ويلم فراي‪ ،‬ابن كليوس‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫چنا الثَّاني‪،‬‬
‫‪ -‬السير اليونل فراي‪ ،‬ابن الليدي ِ‬
‫چنا‪ ،‬قُتِ َل في ريڤر َرن‪،‬‬
‫‪( -‬تيون فراي)‪ ،‬ابن ِ‬
‫چنا‪ ،‬وصيف في كاسترلي روك‪،‬‬
‫‪ -‬والدر فراي ولقبه والدر األحمر‪ ،‬أصغر أبناء الليدي ِ‬
‫‪ -‬تايرك النستر‪ ،‬ابن ع ِّم سرسي الرَّاحل تايجت‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي إرميساند هايفورد‪ ،‬زوجة تايرك ال ِّ‬
‫طقلة‪،‬‬
‫‪ -‬چوي هيل‪ ،‬ابنة جيريون ع ِّم الملكة سرسي المفقود النَّغلة‪ ،‬فتاة في الحادية عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬سيرينا النستر‪ ،‬ابنة ستافورد خال سرسي الرَّاحل‪،‬‬
‫‪ -‬مارييل النستر‪ ،‬ابنة ستافورد خال سرسي الرَّاحل وأخت سيرينا‪،‬‬
‫‪ -‬السير داڤن النستر‪ ،‬ابن خالها ستافورد‪،‬‬
‫‪ -‬السير داميون النستر‪ ،‬ابن خؤولة بعيد‪ ،‬زوج شيرا كراكهول‪،‬‬
‫‪ -‬السير لوشن النستر‪ ،‬ابنهما‪،‬‬
‫‪ -‬النا‪ ،‬ابنتهما‪ ،‬زوجة اللورد آنتاريو چاست‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي مارجو‪ ،‬ابن خؤولة أبعد‪ ،‬زوجة اللورد تايتوس پيك‪،‬‬
‫صغير‪:‬‬
‫‪ -‬مجلس الملك تومن ال َّ‬
‫‪( -‬اللورد تايوين النستر)‪ ،‬يد الملك‪،‬‬
‫‪ -‬السير چايمي النستر‪ ،‬قائد ال َحرس الملكي‪،‬‬
‫‪ -‬السير كيڤان النستر‪ ،‬قيِّم القوانين‪،‬‬
‫‪ -‬ڤارس ولقبه الخصي‪ ،‬ولي الهامسين‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر األكبر پايسل‪ ،‬مستشار ومعالج‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد مايس تايرل‪ ،‬اللورد ماثيس روان‪ ،‬اللورد پاكستر ردواين‪ ،‬مستشارون‪،‬‬
‫‪َ -‬حرس تومن الملكي‪:‬‬
‫‪ -‬السير چايمي النستر‪ ،‬القائد‪،‬‬
‫‪ -‬السير مرين ترانت‪،‬‬
‫‪ -‬السير بوروس بالونت‪ ،‬أُعفِ َي من منصبه ثم أعي َد إليه‪،‬‬
‫‪ -‬السير بالون سوان‪،‬‬
‫‪ -‬السير أوزموند كتلبالك‪،‬‬
‫‪ -‬السير لوراس تايرل‪ ،‬فارس ُّ‬
‫الزهور‬
‫‪ -‬السير آريس أوكهارت‪ ،‬مع األميرة مارسال في دورن‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت سرسي في كينجز الندنج‪:‬‬
‫‪ -‬الليدي چوسلين سويفت‪ ،‬رفيقتها‪،‬‬
‫‪ -‬سينل ودوركاس‪ ،‬رفيقتاها في الفِراش وخادمتاها‪،‬‬
‫‪ -‬لوم‪ ،‬لستر األحمر‪ ،‬هوك ولقبه ساق الحصان‪ ،‬ذو األذن القصيرة‪ ،‬پوكنز‪ُ ،‬حرَّاس‪،‬‬
‫‪ -‬الملكة مارچري‬
‫‪ -‬الملكة مارچري سليلة عائلة تايرل‪ ،‬فتاة في ال َّسادسة عشرة‪ ،‬أرملة الملك چوفري باراثيون األول ومن‬
‫قبله اللورد رنلي باراثيون‪،‬‬
‫‪ -‬بالط مارچري في كينجز الندنج‪:‬‬
‫‪ -‬مايس تايرل‪ ،‬سيِّد هايجاردن‪ ،‬أبوها‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي آليري سليلة عائلة هايتاور‪ ،‬أ ُّمها‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي أولينا تايرل‪ ،‬ج َّدتها‪ ،‬أرملة مسنَّة لقبها ملكة األشواك‪،‬‬
‫‪ -‬آريك وإريك‪ ،‬حارسا الليدي أولينا‪ ،‬توأمان طولهما سبعة أقدام لقبهما شمال ويمين‪،‬‬
‫‪ -‬السير جارالن تايرل‪ ،‬أخو مارچري ولقبه الهمام‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي ليونيت‪ ،‬زوجته‪ ،‬سليلة عائلة فوسواي‪،‬‬
‫الزهور‪ ،‬أخ محلَّف في ال َحرس الملكي‪،‬‬
‫‪ -‬السير لوراس تايرل‪ ،‬أصغر إخوتها‪ ،‬فارس ُّ‬
‫‪ -‬رفيقات مارچري‪:‬‬
‫‪ -‬بنات عمومتها‪ ،‬مجا وآال وإلينور تايرل‪،‬‬
‫‪ -‬خطيب إلينور‪ ،‬آلن أمبروز‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي أليسين بولوار‪ ،‬فتاة في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬ميريديث كرين‪ ،‬أو ميري‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي تاينا ميريويذر‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي آليس جريسفورد‪،‬‬
‫‪ -‬السپتة نستيريكا‪ ،‬أخت في العقيدة‪،‬‬
‫‪ -‬پاكستر ردواين‪ ،‬سيِّد الكرمة‪،‬‬
‫‪ -‬ابناه التَّوأمان‪ ،‬السير هوراس والسير هوبر‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر باالبار‪ ،‬معالجه ومستشاره‪،‬‬
‫‪ -‬ماثيس روان‪ ،‬سيِّد البُستان َّ‬
‫الذهبي‪،‬‬
‫‪ -‬السير ويالم ويذرز‪ ،‬قائد َحرس مارچري‪،‬‬
‫‪ -‬هيو كليفتون‪ ،‬حارس شاب وسيم‪،‬‬
‫‪ -‬السير پورتيفر وودرايت وأخوه السير لوكانتين‪،‬‬
‫‪ -‬بالط سرسي في كينجز الندنج‪:‬‬
‫‪ -‬السير أوزفريد كتلبالك والسير أوزني كتلبالك‪ ،‬أخوان أصغر للسير أوزموند ِكتلبالك‪،‬‬
‫بجرح مسموم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ضر متألِّ ًما‬
‫‪ -‬السير جريجور كليجاين ولقبه الجبل راكب الخيول‪ ،‬يُحت َ‬
‫‪ -‬السير أدام ماربراند‪ ،‬قائد َحرس المدينة في كينجز الندنج «ذوو المعاطف َّ‬
‫الذهبيَّة»‪،‬‬
‫‪ -‬چاالبار شو‪ ،‬أمير وادي ال َّزهرة الحمراء‪ ،‬منفي من جُزر الصَّيف‪،‬‬
‫‪ -‬جايلز روزبي‪ ،‬سيِّد روزبي‪ ،‬مصاب بسُعال مزمن‪،‬‬
‫‪ -‬أورتون ميريويذر‪ ،‬سيِّد الطَّاولة الطَّويلة‪،‬‬
‫‪ -‬تاينا‪ ،‬زوجته‪ ،‬امرأة من مير‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي تاندا ستوكوورث‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي فاليس‪ ،‬ابنتها ال ُكبرى ووريثتها‪،‬‬
‫‪ -‬السير بالمان بيرش‪ ،‬زوج الليدي فاليس‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي لوليس‪ ،‬ابنتها الصُّ غرى‪ ،‬حُبلى وضعيفة العقل‪،‬‬
‫مرتزق سابق‪،‬‬‫ِ‬ ‫‪ -‬السير برون فارس النهر األسود‪ ،‬زوج الليدي لوليس‪،‬‬
‫‪( -‬شاي)‪ ،‬تابعة معس َكرات تخدم كرفيقة فِراش لوليس‪ ،‬ماتَت خنقًا في فِراش اللورد تايوين‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر فرنكن‪ ،‬في خدمة الليدي تاندا‪،‬‬
‫‪ -‬السير إلين پاين‪ ،‬عدالة الملك‪َّ ،‬‬
‫جالد‪،‬‬
‫‪ -‬رينيفر لونجووترز‪ ،‬رئيس ُمشرفي ال َّسجَّانين في زنازين القلعة الحمراء‪،‬‬
‫‪ -‬روجن‪ُ ،‬مشرف سجَّانين في ال َّزنازين السَّوداء‪،‬‬
‫صاحب حكمة من رابطة الخيميائيِّين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬اللورد هاالين الپايرومانسر‪،‬‬
‫‪ -‬نوهو ديميتيس‪ ،‬مبعوث من مصرف براڤوس الحديدي‪،‬‬
‫‪ -‬كايبرن‪ ،‬نِكرومانسر‪ِ ،‬مايستر سابق من القلعة‪ ،‬الحقًا ُعضو في ِرفقة ال ُّشجعان‪،‬‬
‫‪ -‬فتى القمر‪ ،‬المهرِّج الملكي‪،‬‬
‫‪ -‬پايت‪ ،‬صبي في الثَّامنة‪ ،‬كبش فداء الملك تومن‪،‬‬
‫‪ -‬أورموند ابن البلدة القديمة‪ ،‬عازف القيثارة والمغنِّي الملكي‪،‬‬
‫‪ -‬السير مارك مالندور‪ ،‬الذي فق َد قردًا ونِصف ذراع في معركة النَّهر األسود‪،‬‬
‫‪ -‬أوران ووترز‪ ،‬نغل دريفتمارك‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد أليساندر ستيدمون ولقبه عاشق البنسات‪،‬‬
‫‪ -‬السير رونيت كوننجتون ولقبه رونيت األحمر‪ ،‬فارس وكر ال َجرافِن‪،‬‬
‫‪ -‬السير المبرت ترنبري‪ ،‬السير درموت ابن الغابة المطيرة‪ ،‬السير تاالد ولقبه الطويل‪ ،‬السير بايارد‬
‫نوركروس‪ ،‬السير بونيفر هاستي ولقبه الصالح‪ ،‬السير هيوجو ڤانس‪ ،‬فُرسان مقسمون على الوالء للعرش‬
‫الحديدي‪،‬‬
‫‪ -‬السير اليل كراكهول ولقبه ال ُعفر القوي‪ ،‬السير آلن ستاكسپير‪ ،‬السير چون بتلي ولقبه چون الحليق‪،‬‬
‫السير ستفون سويفت‪ ،‬السير همفري سويفت‪ ،‬فُرسان مقسمون على الوالء لكاسترلي روك‪،‬‬
‫‪ -‬چوزمين پكلدون‪ُ ،‬مرافق ومن أبطال معركة النَّهر األسود‪،‬‬
‫‪ -‬جاريت پايچ وليو پايپر‪ُ ،‬مرافقان ورهينتان‪،‬‬
‫‪ -‬أهل كينجز الندنج‪:‬‬
‫‪ -‬ال ّسپتون األعلى‪ ،‬أبو المؤمنين وصوت اآللهة السَّبعة على األرض‪ ،‬رجل عجوز واهن‪،‬‬
‫‪ -‬ال ّسپتون توربرت‪ ،‬السّپتون راينارد‪ ،‬السّپتون لوشن‪ ،‬السّپتون أوليدور‪ ،‬أعضاء في مجلس القانِتين‪،‬‬
‫يخدمون اآللهة السَّبعة في ِسپت بيلور الكبير‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتة مويل‪ ،‬السّپتة آجالنتين‪ ،‬السّپتة هيلسنت‪ ،‬السّپتة أونال‪ ،‬عضوات في مجلس القانِتين‪ ،‬يخدمن‬
‫اآللهة السَّبعة في ِسپت بيلور الكبير‪،‬‬
‫‪« -‬العصافير»‪ ،‬أكثر البَشر تواضعًا‪ ،‬مخلصون في إيمانهم‪،‬‬
‫‪ -‬شاتايا‪ ،‬مالكة ماخور مكلِّف‪،‬‬
‫‪ -‬أاليايا‪ ،‬ابنتها‪،‬‬
‫‪ -‬دانسي‪ ،‬ماري‪ ،‬من فتيات شاتايا‪،‬‬
‫‪ -‬رايال‪ ،‬خادمة‪ ،‬خد َمت الليدي سانزا ستارك حديثًا‪،‬‬
‫‪ -‬توبهو موت‪ ،‬من أساتذة الحدادة‪،‬‬
‫‪ -‬هاميش ذو القيثارة‪ ،‬مطرب مسن‪،‬‬
‫‪ -‬أالريك اآليزيني‪ ،‬مطرب كثير التَّجوال‪،‬‬
‫‪ -‬وات‪ ،‬مطرب يُطلِق على نفسه لقب الشاعر األزرق‪،‬‬
‫‪ -‬السير ثيودان ولز‪ ،‬فارس متديِّن‪ُ ،‬ع ِرفَ الحقًا باسم السير ثيودان الصالح‪.‬‬
‫راية الملك تومن عبارة عن وعل باراثيون المت َّوج‪ ،‬أسود على ذهبي‪ ،‬وأسد النستر‪ ،‬ذهبي على‬
‫قرمزي‪ ،‬يتصا َرعان‪.‬‬
‫الجدار‬
‫الملك على ِ‬

‫ضياء النَّاري‪ ،‬وهو قلب أحمر محاط باللَّهب البرتقالي على خلفيَّ ٍة صفراء‪ ،‬وفي داخل‬‫اتَّخذ ستانيس لرايته رمز قلب إله ال ِّ‬
‫بلون أسود‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫القلب وعل باراثيون المت َّوج‬

‫ستانيس باراثيون األول‪ ،‬االبن الثَّاني للورد ستفون باراثيون والليدي كاسانا سليلة عائلة إسترمونت‪ ،‬سيِّد‬
‫دراجونستون‪ ،‬يُ َس ِّمي نفسه ملك وستروس‪،‬‬
‫‪ -‬الملكة سيليس سليلة عائلة إسترمونت‪ ،‬زوجته‪ ،‬حاليًّا في القلعة ال َّشرقيَّة على البحر‪،‬‬
‫‪ -‬األميرة شيرين‪ ،‬ابنتهما‪ ،‬فتاة في السَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬ذو الوجه المرقع‪ ،‬مه ِّرج شيرين األبله‪،‬‬
‫‪ -‬إدريك ستورم‪ ،‬ابن أخيه النَّغل‪ ،‬ابن الملك روبرت من الليدي ديلينا فلورنت‪ ،‬صبي في الثَّانية عشرة‪،‬‬
‫على متن پرندوس المجنون في البحر الضيِّق‪.‬‬
‫‪ -‬السير أندرو إسترمونت‪ ،‬ابن خال الملك ستانيس‪ ،‬من رجال الملك‪ ،‬يقود ُحرَّاس إدريك‪،‬‬
‫‪ -‬السير چيرالد جاور‪ ،‬لويس ولقبه الس ّماك‪ ،‬السير تريستون ابن هضبة تالي‪ ،‬أومر بالكبري‪ ،‬من رجال‬
‫الملك ُحرَّاس إدريك وحُماته‪،‬‬
‫سوداء‪:‬‬
‫‪ -‬بالط ستانيس في القلعة ال َّ‬
‫‪ -‬الليدي مليساندرا اآلشايية ولقبها المرأة الحمراء‪ ،‬من راهبات راهلور إله الضِّياء‪،‬‬
‫الجدار‪ ،‬أسير ومحكوم عليه بالموت‪،‬‬
‫‪ -‬مانس رايدر‪ ،‬ملك ما وراء ِ‬
‫اسم بع ُد‪« ،‬األمير الهمجي»‪،‬‬
‫‪ -‬ابن رايدر من زوجته (داال)‪ ،‬وليد بال ٍ‬
‫‪ -‬جيلي‪ُ ،‬مرضعته‪ ،‬فتاة همجيَّة‪،‬‬
‫اسم بع ُد‪ ،‬من أبيها (كراستر)‪،‬‬
‫‪ -‬ابنها‪ ،‬وليد آخَر بال ٍ‬
‫‪ -‬السير ريتشارد هورپ‪ ،‬السير چاستن ماسي‪ ،‬السير كاليتون سوجز‪ ،‬السير جودفري فارنج ولقبه قاتل‬
‫العمالقة‪ ،‬اللورد هاروود فل‪ ،‬السير كورليس پني‪ ،‬من رجال الملكة وفُرسانها‪،‬‬
‫‪ -‬دڤان سيوورث وبريان فارنج‪ُ ،‬مرافقان ملكيَّان‪،‬‬
‫‪ -‬بالط ستانيس في القلعة الشَّرقيَّة‪:‬‬
‫‪ -‬السير داڤوس سيوورث ولقبه فارس البصل‪ ،‬سيِّد الغابة المطيرة‪ ،‬أميرال البحر الضيِّق‪ ،‬يد الملك‪،‬‬
‫‪ -‬السير آكسل فلورنت‪ ،‬عم الملكة سيليس‪ ،‬أبرز رجال الملكة‪،‬‬
‫‪ -‬ساالدور سان‪ ،‬من لِيس‪ ،‬قُرصان‪ُ ،‬ربَّان ڤاليريان وأسطول من القوادس‪،‬‬
‫‪ -‬حامية ستانيس في دراجونستون‪:‬‬
‫‪ -‬السير روالند ستورم ولقبه نغل التغريدة‪ ،‬من رجال الملك‪ ،‬أمين القلعة في دراجونستون‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر پايلوس‪ ،‬معالج ومعلِّم ومستشار‪،‬‬
‫‪« -‬سجان الثريد» و«سجان الشلق»‪ ،‬سجَّانان‪،‬‬
‫‪ -‬اللوردات المقسمون على الوالء لدراجونستون‪:‬‬
‫‪ -‬مونتريس ڤيالريون‪ ،‬سيِّد ال َم ِّد وال َجزر وحاكم دريفتمارك‪ ،‬صبي في السَّادسة‪،‬‬
‫‪ -‬دورام بار إمون‪ ،‬سيِّد الرَّأس الحاد‪ ،‬صبي في الخامسة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬حامية ستانيس في ستورمز إند‪:‬‬
‫‪ -‬السير جيلبرت فارنج‪ ،‬أمين القلعة في ستورمز إند‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد إلوود ميدوز‪ ،‬نائب السير جيلبرت‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر چورن‪ ،‬مستشار السير جيلبرت ومعالجه‪،‬‬
‫‪ -‬اللوردات المقسمون على الوالء لستورمز إند‪:‬‬
‫‪ -‬إلدون إسترمونت‪ ،‬سيِّد الحجر األخضر‪ ،‬خال الملك ستانيس‪ ،‬خال أبي الملك تومن الكبير‪ ،‬صديق ح ِذر‬
‫لالثنين‪،‬‬
‫‪ -‬السير إيمون‪ ،‬ابن اللورد إلدون ووريثه‪ ،‬مع الملك تومن في كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪ -‬السير آلن‪ ،‬ابن السير إيمون‪ ،‬أيضًا مع الملك تومن في كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪ -‬السير لوماس‪ ،‬أخو اللورد إلدون‪ ،‬خال الملك ستانيس ومناصره في ستورمز إند‪،‬‬
‫‪ -‬السير أندرو‪ ،‬ابن السير لوماس‪ ،‬يحمي إدريك ستورم في البحر الضيِّق‪،‬‬
‫‪ -‬لستر موريجن‪ ،‬سيِّد ُعش ال ِغربان‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد لوكوس تشيترينج ولقبه لوكوس الصغير‪ ،‬شاب في السَّادسة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬داڤوس سيوورث‪ ،‬سيِّد الغابة المطيرة‪،‬‬
‫‪ -‬ماريا‪ ،‬زوجته‪ ،‬ابنة نجَّار‪،‬‬
‫‪( -‬دايل و آالرد و ماثوس و ماريك)‪ ،‬أبناؤهما األربعة األكبر‪ ،‬فقداهم في معركة النَّهر األسود‪،‬‬
‫‪ -‬دڤان‪ُ ،‬مرافق مع الملك ستانيس في القلعة السَّوداء‪،‬‬
‫‪ -‬ستانيس‪ ،‬صبي في العاشرة‪ ،‬مع الليدي ماريا في رأس الغضب‪،‬‬
‫‪ -‬ستفون‪ ،‬صبي في السَّادسة‪ ،‬مع الليدي ماريا في رأس الغضب‪،‬‬
‫الجزر والشَّمال‬
‫ملك ُ‬

‫راية آل جرايچوي عبارة عن كراكن ذهبي على خلفيَّ ٍة سوداء‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬نحن ال نزرع»‪.‬‬
‫عاش في عصر األبطال‪ ،‬وتقول عنه األساطير إنه لم يَح ُكم‬ ‫َ‬ ‫ينحدر آل جرايچوي من الملك األشيب الذي‬
‫الجُزر الغربيَّة فحسب‪ ،‬بل البحر نفسه كذلك وتز َّوج عروس بحر‪ .‬آلالف السِّنين ش َّكل ُمغيرو جُزر الحديد‬
‫ت‬ ‫ق عليهم ضحاياهم لقب «الرِّ جال الحديديِّين» رُعبًا مقي ًما عبر البحار‪ ،‬فقد أب َحروا لمسافا ٍ‬ ‫‪-‬الذين أطل َ‬
‫بعيد ٍة حتى ميناء إيبن وجُزر الصَّيف‪ ،‬وتباهوا بشراستهم في المعارك و ُحرِّياتهم المق َّدسة‪ .‬كان لكلِّ واحد ٍة‬
‫من ُجزر الحديد «ملك ملحي» و«ملك صخري»‪ ،‬وكان هؤالء ينتخبون ملك الجُزر األعلى من بينهم‪ ،‬إلى‬
‫ض َي‬‫أن جع َل الملك أورون انتقال العرش بالوراثة عندما اغتا َل بقيَّة الملوك أثناء اجتماعهم لالنتخاب‪ ،‬ثم قُ ِ‬
‫عام عندما اكتس َح األنداليُّون جُزر الحديد‪ ،‬وصاه َر آل جرايچوي الغزاة‬ ‫على ساللة أورون كلها بَعد ألف ٍ‬
‫فعل عدد من سادة الجُزر اآلخَرين‪.‬‬
‫كما َ‬
‫ت تجاوزَت جُزر الحديد نفسها بكثير‪ ،‬وأقاموا ممالك كاملةً على‬ ‫ط الملوك الحديديُّون سيطرتهم لمسافا ٍ‬‫بس َ‬
‫اليابسة بالسَّيف والنَّار‪ ،‬حتى إن الملك كوريد كان يتفا َخر بأن أوامره تسري «حيثما يش ُّم النَّاس المياه‬
‫المالحة أو يسمعون تالطُم األمواج»‪ .‬في القرون التَّالية فق َد أبناء كوريد الكرمة والبلدة القديمة وجزيرة‬
‫الدِّببة ومساحةً‬
‫كبيرةً من السَّاحل الغربي‪ ،‬ومع ذلك ظ َّل الملك هارن األسود مسيطرًا على األراضي الواقعة بين الجبال‬
‫منح‬
‫من العُنق وحتى النهَّر األسود خالل حروب الغزو‪ ،‬لكن بَعد مصرعه مع أبنائه في سقوط هارنهال َ‬
‫إجون تارجاريَن أراضي النهَّر لعائلة تَلي‪ ،‬وسم َح للوردات جُزر الحديد الناَّجين بإحياء تقليدهم القديم‬
‫واختيار من يَح ُكمهم‪ ،‬فاختاروا اللورد ڤيكون جرايچوي ابن پايك‪.‬‬
‫ق أن قا َد بالون جرايچوي سيِّد جُزر الحديد تمرُّ دًا على العرش الحديدي‪ ،‬أخمدَه الملك روبرت باراثيون‬ ‫سب َ‬
‫األول وإدارد ستارك سيِّد وينترفل‪ ،‬لكن في خض ِّم الفوضى التي تب َعت موت روبرت نصَّب اللورد بالون‬
‫نفسه مل ًكا ثانيةً وأرس َل سُفنه الطَّويلة تُ ِ‬
‫هاجم ال َّشمال‪.‬‬
‫(بالون جرايچوي)‪ ،‬تاسع من يحمل هذا االسم منذ الملك األشيب‪ ،‬ملك جُزر الحديد وال َّشمال‪ ،‬ملك الملح‬
‫والصَّخر‪ ،‬ابن رياح البحر‪ ،‬سيِّد حصاد پايك‪ ،‬ماتَ ساقطًا من ٍ‬
‫عل‪،‬‬
‫‪ -‬أرملة الملك بالون‪ ،‬الملكة أالنيس سليلة عائلة هارلو‪،‬‬
‫‪-‬أوالدهما‪:‬‬
‫‪( -‬رودريك)‪ ،‬قُتِ َل خالل تمرُّ د بالون األول‪،‬‬
‫‪( -‬مارون)‪ ،‬قُتِ َل خالل تمرُّ د بالون األول‪،‬‬
‫‪ -‬آشا‪ ،‬ابنتهما‪ُ ،‬ربَّان الرِّيح السَّوداء وغازية ربوة الغابة‪،‬‬
‫المارق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ثيون‪ ،‬يُ َس ِّمي نفسه أمير وينترفل‪ ،‬يُ َس ِّميه ال َّشماليُّون ثيون‬
‫‪-‬إخوة الملك بالون األشقَّاء وغير األشقَّاء‪:‬‬
‫‪(-‬هارلون)‪ ،‬ماتَ بال َّداء األرمد في شبابه‪،‬‬
‫‪(-‬كوينتون)‪ ،‬ماتَ في طفولته‪،‬‬
‫‪(-‬دونل)‪ ،‬ماتَ في طفولته‪،‬‬
‫‪-‬يورون ولقبه عين الغراب‪ُ ،‬ربَّان الصَّمت‪،‬‬
‫‪-‬ڤيكتاريون‪ ،‬الرُّ بان قائد األسطول الحديدي‪ ،‬سيِّد النَّصر الحديدي‪،‬‬
‫بجرح بليغ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪(-‬يوريجون)‪ ،‬ماتَ‬
‫‪-‬آرون‪ ،‬من رُهبان اإلله الغريق‪،‬‬
‫‪-‬روس ونورچن‪ ،‬اثنان من ُمعاونيه‪« ،‬الرِّجال الغرقى»‪،‬‬
‫‪(-‬روبن)‪ ،‬ماتَ في طفولته‪،‬‬
‫‪-‬أهل بيت الملك بالون في پايك‪:‬‬
‫‪-‬المايستر ويندامير‪ ،‬معالج ومستشار‪،‬‬
‫‪-‬هيليا‪ ،‬راعية القلعة‪،‬‬
‫‪ُ -‬محاربو الملك بالون والمقسمون له‪:‬‬
‫‪-‬داجمر ولقبه ذو الفك المفلوق‪ُ ،‬ربَّان ثُمالة البحر‪ ،‬يقود الحديديِّين في مربَّع تورين‪،‬‬
‫‪-‬ذو السن الزرقاء‪ُ ،‬ربَّان سفينة طويلة‪،‬‬
‫مالحان و ُمحاربان‪،‬‬ ‫‪-‬أولر وسكايت‪َّ ،‬‬
‫‪-‬المطالبون ب ُكرسي حجر اليَم في انتخاب الملك في ويك القديمة‪:‬‬
‫جيلبرت فارويند‪ ،‬سيِّد المنارة الوحيدة‪،‬‬
‫‪ -‬أنصار جيلبرت‪ :‬أبناؤه جايلز ويجون ويون‪،‬‬
‫إريك آيرونميكر ولقبه محطم السنادين وإريك العادل‪ ،‬عجوز‪ُ ،‬ربَّان و ُمغير ذائع الصِّيت سابقًا‪،‬‬
‫‪ -‬أنصار إريك‪ :‬أحفاده أوريك وثورمور وداجون‪،‬‬
‫دنستان دروم‪ ،‬دروم الكبير‪ ،‬اليد العظميَّة‪ ،‬سيِّد ويك القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬أنصار دنستان‪ :‬ابناه دينس ودونل‪ ،‬وأندريك الال مبتسم‪ ،‬رجل عمالق‪،‬‬
‫آشا جرايچوري‪ ،‬ابنة بالون جرايچوي الوحيدة‪ُ ،‬ربَّان الرِّيح السَّوداء‪،‬‬
‫‪ -‬أنصار آشا‪ :‬كارل البكر‪ ،‬تريستيفر بوتلي‪ ،‬السير هاراس هارلو‪،‬‬
‫‪ -‬ربابنة آشا وداعموها‪ :‬اللورد رودريك هارلو‪ ،‬اللورد بيلور بالكتايد‪ ،‬اللورد ملدريد مرلين‪ ،‬هارموند‬
‫شارپ‪ ،‬ڤيكتاريون جرايچوي‪ ،‬أخو بالون جرايچوي‪ ،‬سيِّد النَّصر الحديدي‪ ،‬الرُّ بان قائد األسطول‬
‫الحديدي‪،‬‬
‫‪ -‬أنصار ڤيكتاريون‪:‬‬
‫رالف ستونهاوس األحمر‪ ،‬رالف األعرج‪ ،‬نيوت الحالق‪،‬‬
‫‪ -‬ربابنة ڤيكتاريون وداعموه‪:‬‬
‫‪-‬هوثو هارلو‪ ،‬آلڤن شارپ‪ ،‬فرالج القوي‪ ،‬رومني ويڤر‪ ،‬ويل همبل‪ ،‬لينوود تاوني الصغير‪ ،‬رالف كنينج‪،‬‬
‫مارون ڤولمارك‪ ،‬جورولد جودبراذر‪،‬‬
‫‪ -‬طاقم سفينة ڤيكتاريون‪:‬‬
‫وولف ذو األذن الواحدة‪ ،‬راجنور پايك‪،‬‬
‫‪ -‬رفيقة ڤيكتاريون في الفِراش امرأة سمراء خرساء بال لسان‪ ،‬هديَّة من أخيه يورون‪،‬‬
‫يورون جرايچوي ولقبه عين الغراب‪ ،‬أخو بالون جرايچوي‪ُ ،‬ربَّان الصَّمت‪،‬‬
‫‪ -‬أنصار يورون‪:‬‬
‫‪ -‬جرموند بوتلي‪ ،‬اللورد أوركوود سيد أوركمونت‪ ،‬دونور سولتكليف‪،‬‬
‫‪ -‬ربابنة يورون وداعموه‪:‬‬
‫‪ -‬توروولد ذو السن البنية‪ ،‬چون ماير ذو الوجه المسحوب‪ ،‬رودريك المولود حرا‪ ،‬المالح األحمر‪،‬‬
‫لوكاس كود األعسر‪ ،‬كويلون همبل‪ ،‬هارن النصف هور‪ ،‬كيميت پايك النغل‪ ،‬ذو اليد الحجر‪ ،‬رالف‬
‫الراعي‪ ،‬رالف سليل لوردزپورت‪،‬‬
‫‪ -‬طاقم سفينة يورون‪:‬‬
‫‪ -‬كراجورن‪،‬‬
‫‪-‬ح َملة راية بالون‪ ،‬لوردات ُجزر الحديد‪:‬‬
‫في پايك‪:‬‬
‫‪( -‬ساوان بوتلي)‪ ،‬سيِّد لوردزپورت‪ ،‬أغرقَه يورون عين ال ُغراب‪،‬‬
‫‪ -‬تريستيفر‪ ،‬ابنه الثَّاني ووريثه ال َّشرعي‪ ،‬طردَه ع ُّمه‪،‬‬
‫‪ -‬سايموند و هارلون و ڤيكون و بيناريون‪ ،‬أبناؤه األصغر‪ ،‬مطرودون أيضًا‪،‬‬
‫ب سيِّدًا على لوردزپورت‪،‬‬ ‫‪ -‬جرموند‪ ،‬أخوه‪ ،‬نُ ِّ‬
‫ص َ‬
‫‪ -‬ابنا جرموند‪ ،‬بالون و كويلون‪،‬‬
‫‪ -‬سارجون و لوسيمور‪ ،‬أخوا ساوان غير ال َّشقيقين‪،‬‬
‫‪ -‬وكس‪ ،‬صبي أخرس في الثَّانية عشرة‪ ،‬ابن سارجون النَّغل‪ُ ،‬مرافق ثيون جرايچوي‪،‬‬
‫‪ -‬والدون وينش‪ ،‬سيِّد غابة الحديد‪،‬‬
‫في هارلو‪:‬‬
‫‪ -‬رودريك هارلو ولقبه القارئ‪ ،‬سيِّد هارلو‪ ،‬سيِّد البروج العشرة‪ ،‬زعيم عائلة هارلو في هارلو‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي جوينيس‪ ،‬أخته الكبيرة‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي أالنيس‪ ،‬أخته الصَّغيرة‪ ،‬أرملة الملك بالون جرايچوي‪،‬‬
‫‪ -‬سيجفريد هارلو ولقبه سيجفريد ذو الشعر الفضي‪ ،‬ع ُّمه الكبير‪ ،‬سيِّد بهو هارلو‪،‬‬
‫‪ -‬هوثو هارلو ولقبه هوثو األحدب‪ ،‬مقرُّ ه بُرج البريق‪ ،‬ابن عمومة‪،‬‬
‫‪ -‬السير هاراس هارلو ولقبه الفارس‪ ،‬فارس الحديقة الرَّماديَّة‪ ،‬ابن عمومة‪،‬‬
‫‪ -‬بورموند هارلو ولقبه بورموند األزرق‪ ،‬سيِّد تَل هاريدان‪ ،‬ابن عمومة‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية اللورد رودريك والمقسمون له‪:‬‬
‫‪ -‬مارون ڤولمارك‪ ،‬سيِّد ڤولمارك‪،‬‬
‫‪ -‬ماير‪ ،‬ستونتري‪ ،‬كنينج‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت اللورد رودريك‪:‬‬
‫‪ -‬ذات الثالث أسنان‪ ،‬وكيلته‪ ،‬امرأة عجوز‪،‬‬
‫في بالكتايد‪:‬‬
‫‪ -‬بيلور بالكتايد‪ ،‬سيِّد بالكتايد‪ُ ،‬ربَّان طيَّار اللَّيل‪،‬‬
‫‪ -‬بن بالكتايد األعمى‪ ،‬من رُهبان اإلله الغريق‪،‬‬
‫في ويك القديمة‪:‬‬
‫‪ -‬دنستان دروم‪ ،‬دروم الكبير‪ُ ،‬ربَّان الرَّاعد‪،‬‬
‫‪ -‬نورن جودبراذر‪ ،‬سيِّد الحجر المه َّشم‪،‬‬
‫‪ -‬ستونهاوس الكبير‪،‬‬
‫‪ -‬تارل ولقبه تارل الغارق ثالث ً ا‪ ،‬من رُهبان اإلله الغريق‪،‬‬
‫في ويك ال ُكبرى‪:‬‬
‫‪ -‬جورولد جودبراذر‪ ،‬سيِّد هامرهورن‪،‬‬
‫‪ -‬أبناؤه‪ ،‬جرايدون وجورموند وجران‪ ،‬توائم‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتاه‪ ،‬جايزال وجوين‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر مورنميور‪ ،‬معلِّم ومعالج ومستشار‪،‬‬
‫‪ -‬تريستون فارويند‪ ،‬سيِّد رأس الفقمات‪،‬‬
‫‪ -‬سپار الكبير‪،‬‬
‫‪ -‬ابنه ووريثه‪ ،‬ستيفاريون‪،‬‬
‫‪ -‬ملدريد مرلين‪ ،‬سيِّد بلدة الحصى‪،‬‬
‫في أوركمونت‪:‬‬
‫‪ -‬أوركوود سيد أوركمونت‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد تاوني‪،‬‬
‫في ُجرف الملح‪:‬‬
‫‪ -‬اللورد دونور سولتكليف‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد سندرلي‪،‬‬
‫والصخور األصغر‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫الجزر‬
‫في ُ‬
‫‪ -‬جيلبرت فارويند‪ ،‬سيِّد المنارة الوحيدة‪،‬‬
‫‪ -‬النورس الرمادي العجوز‪ ،‬من رُهبان اإلله الغريق‪.‬‬
‫ملحق (‪)5‬‬
‫عائالت أخرى صغيرة وكبيرة‬
‫عائلة آرن‬

‫لون أزرق سماوي‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬سامون كالشَّرف»‪.‬‬


‫راية آل آرن عبارة عن قم ٍر وصق ٍر أبيضين على خلفيَّ ٍة ذات ٍ‬
‫تنحدر عائلة آرن من ملوك الجبال والوادي‪ ،‬وهي واحدة من أقدم وأنقى سُالالت النُّبالء األنداليِّين‪ .‬لم‬
‫شارك عائلة آرن في حرب الملوك الخمسة‪ ،‬واحتفظَت بق َّواتها للدِّفاع عن وادي آرن‪.‬‬ ‫تُ ِ‬
‫روبرت آرن‪ ،‬سيِّد العُش‪ ،‬حامي الوادي‪ ،‬س َّمته أ ُّمه حاكم ال َّشرق ال َّشرعي‪ ،‬صبي سقيم في الثَّامنة‪ ،‬يُ َس َّمى‬
‫أحيانًا العُصفور الجميل‪،‬‬
‫‪ -‬أ ُّمه‪( ،‬الليدي اليسا سليلة عائلة تَلي)‪ ،‬أرملة اللورد چون آرن‪ ،‬ماتَت مدفوعةً من باب القمر‪،‬‬
‫‪ -‬زوج أ ِّمه‪ ،‬پيتر بايلش ولقبه اإلصبع الصغير‪ ،‬سيِّد هارنهال‪ ،‬سيِّد الثَّالوث األعلى‪ ،‬اللورد حافِظ الوادي‪،‬‬
‫‪ -‬إليني ستون‪ ،‬ابنة اللورد پيتر الطَّبيعيَّة‪ ،‬فتاة في الثَّالثة عشرة‪ ،‬هُويَّتها الحقيقيَّة سانزا ستارك‪،‬‬
‫مرتزق في خدمة اللورد پيتر‪ ،‬قائد َحرس العُش‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬السير لوثور برون‪،‬‬
‫‪ -‬أوزويل‪ ،‬جُندي عجوز في خدمة اللورد پيتر‪ ،‬يُ َس َّمى أحيانًا كتلبالك‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت اللورد روبرت في ال ُعش‪:‬‬
‫‪ -‬ماريليون‪ ،‬مطرب شاب وسيم أثير عند الليدي اليسا ومتَّهم بقتلها‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر كولمون‪ ،‬مستشار ومعالج ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬مورد‪ ،‬سجَّان غاشم له أسنان من َّ‬
‫الذهب‪،‬‬
‫‪ -‬جرتشل ومادي وميال‪ ،‬خادمات‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية اللورد روبرت‪ ،‬لوردات الوادي‪:‬‬
‫‪ -‬اللورد نستور رويس‪ ،‬وكيل الوادي األعلى وأمين قلعة ب َّوابات القمر‪،‬‬
‫‪ -‬السير ألبار‪ ،‬ابن اللورد نستور ووريثه‪،‬‬
‫‪ -‬ميراندا وتُ َس َّمى راندا‪ ،‬ابنة اللورد نستور‪ ،‬أرملة بَعد زيجة قصيرة‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت اللورد نستور‪:‬‬
‫‪ -‬السير ماروين بلمور‪ ،‬قائد ال َحرس‪،‬‬
‫‪ -‬ميا ستون‪ ،‬سائقة وراعية بغال‪ ،‬ابنة الملك روبرت باراثيون األول النَّغلة‪،‬‬
‫‪ -‬أوسي وكاروت‪ ،‬سائقا بغال‪،‬‬
‫‪ -‬اليونل كوربراي‪ ،‬سيِّد بيت القلوب‪،‬‬
‫‪ -‬السير لين كوربراي‪ ،‬أخوه ووريثه‪ ،‬حامل السَّيف ال َّشهير سيِّدة البؤس‪،‬‬
‫‪ -‬السير لوكاس كوربراي‪ ،‬أخوه األصغر‪،‬‬
‫‪ -‬چون ليندرلي‪ ،‬سيِّد غابة الثَّعابين‪،‬‬
‫‪ -‬تيرانس‪ ،‬ابنه ووريثه‪ُ ،‬مرافق شاب‪،‬‬
‫‪ -‬إدموند واكسلي‪ ،‬فارس ويكندن‪،‬‬
‫‪ -‬چيرولد جرافتون‪ ،‬سيِّد بلدة النَّوارس‪،‬‬
‫‪ -‬جايلز‪ ،‬ابنه األصغر‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫‪ -‬تريستون سندرالند‪ ،‬سيِّد الثَّالث أخوات‪،‬‬
‫‪ -‬جودريك دورل‪ ،‬سيِّد األخت العذبة‪،‬‬
‫‪ -‬روالند لونجثورپ‪ ،‬سيِّد األخت الطَّويلة‪،‬‬
‫‪ -‬أليساندور تورنت‪ ،‬سيِّد األخت الصَّغيرة‪،‬‬
‫‪ -‬لوردات البيان‪ ،‬ح َملة راية عائلة آرن المتضافرون دفاعًا عن اللورد روبرت‪:‬‬
‫‪ -‬يون رويس ولقبه يون البرونزي‪ ،‬سيِّد رونستون‪ ،‬من الفرع الرَّئيس لعائلة رويس‪،‬‬
‫‪ -‬السير أندار‪ ،‬ابن يون البرونزي الحي الوحيد‪ ،‬وريث رونستون‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت يون البرونزي‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر هليويج‪ ،‬معلِّم ومعالج ومستشار‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتون لوكوس‪،‬‬
‫‪ -‬السير سامويل ستون ولقبه سام ستون القوي‪ ،‬قيِّم السِّالح‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية يون البرونزي والمقسمون له‪:‬‬
‫‪ -‬رويس كولدووتر‪ ،‬سيِّد غدير الماء البارد‪،‬‬
‫‪ -‬السير دامون شفت‪ ،‬فارس بُرج النَّوارس‪،‬‬
‫‪ -‬أوثور توليت‪ ،‬سيِّد الوادي الرَّمادي‪،‬‬
‫‪ -‬آنيا واينوود‪ ،‬سيِّدة السَّنديانة الحديديَّة‪،‬‬
‫‪ -‬السير مورتون‪ ،‬ابنها األكبر ووريثها‪،‬‬
‫‪ -‬السير دونل‪ ،‬ابنها الثَّاني‪ ،‬فارس الب َّوابة‪،‬‬
‫‪ -‬واالس‪ ،‬ابنها األصغر‪،‬‬
‫‪ -‬هارولد هاردينج‪ ،‬ربيبها‪ُ ،‬مرافق شاب يُ َس َّمى غالبًا هاري الوريث‪،‬‬
‫‪ -‬بنيدار بلمور‪ ،‬سيِّد األغرودة‪،‬‬
‫‪ -‬السير سايموند تمپلتون‪ ،‬فارس النُّجوم التِّسع‪،‬‬
‫‪( -‬إيون هنتر)‪ ،‬سيِّد بهو القوس الطَّويل‪ ،‬ماتَ قريبًا‪،‬‬
‫‪ -‬السير جيلوود‪ ،‬ابن اللورد إيون األكبر ووريثه‪ ،‬اآلن يُ َس َّمى اللورد هنتر اليافع‪،‬‬
‫‪ -‬السير إيوستس‪ ،‬ابن اللورد إيون الثَّاني‪،‬‬
‫‪ -‬السير هارالن‪ ،‬ابن اللورد إيون األصغر‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت اللورد هنتر اليافع‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر ويالمن‪ ،‬مستشار ومعالج ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬هورتون ردفورت‪ ،‬سيِّد ردفورت‪ ،‬تز َّوج ثالث مرَّات‪،‬‬
‫‪ -‬السير چاسپر‪ ،‬السير كرايتون‪ ،‬السير چون‪ ،‬أبناؤه‪،‬‬
‫‪ -‬السير مايكل‪ ،‬ابنه األصغر‪ ،‬فارس مستجد‪ ،‬زوج يسيال رويس ابنة رونستون‪،‬‬
‫‪ُ -‬زعماء قبائل جبال القمر‪:‬‬
‫‪ -‬شاجا بن دولف زعيم الغربان الحجرية‪ ،‬حاليًّا يقود جماعةً في غابة الملوك‪،‬‬
‫‪ -‬تيميت بن تيميت‪ ،‬زعيم الرجال المحروقين‪،‬‬
‫‪ -‬تشال بنت تشيك‪ ،‬زعيمة اآلذان السوداء‪،‬‬
‫‪ -‬كراون بن كالور‪ ،‬زعيم إخوة القمر‪.‬‬
‫عائلة فلورنت‬

‫ب يط ُّل برأسه من حلق ٍة من ُّ‬


‫الزهور‪.‬‬ ‫رمز عائلة فلورنت عبارة عن ثعل ٍ‬
‫آل فلورنت أوالد قلعة المياه الوضَّاءة من ح َملة راية عائلة تايرل‪ ،‬على الرغم من أسبقيَّة حقِّهم في‬
‫دم بينهم وبين عائلة جارندر التي حك َم ملوكها المرعى قدي ًما‪ .‬لدى اندالع‬ ‫هايجاردن استنادًا إلى صلة ٍ‬
‫حرب الملوك الخمسة تب َع اللورد آلستر فلورنت آل تايرل في إعالنهم تأييد الملك رنلي‪ ،‬لكن أخاه السير‬
‫اختار الملك ستانيس‪ ،‬الذي خد َمه أعوا ًما كأمين القلعة في دراجونستون‪ ،‬وقد كانت سيليس ابنة‬ ‫َ‬ ‫آكسل‬
‫أخيهما وما زالَت ملكة ستانيس‪ .‬بَعد موت رنلي عند ستورمز إند انض َّم آل فلورنت لستانيس بق َّوتهم كلِّها‪،‬‬
‫وهُم أول من يفعل هذا من ح َملة راية رنلي‪ .‬نصَّب ستانيس اللورد آلستر يدًا له‪ ،‬وأعطى أخا زوجته السير‬
‫إمري فلورنت قيادة أسطوله‪ ،‬وفي معركة النَّهر األسود ضا َع كال األسطول والسير إمري‪ ،‬و َع َّد الملك‬
‫ستانيس جهود اللورد آلستر للتَّفا ُوض على السَّالم خيانةً‪ ،‬وأعطى الرَّاهبة الحمراء مليساندرا إياه لتُ ِ‬
‫حرقه‬
‫كقُربان لراهلور‪.‬‬
‫(آلستر فلورنت)‪ ،‬سيِّد قلعة المياه الوضَّاءة‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬الليدي ميالرا‪ ،‬سليلة عائلة كرين‪،‬‬
‫‪ -‬أوالدهما‪:‬‬
‫‪ -‬أليكاين‪ ،‬وريث قلعة المياه الوضَّاءة‪،‬‬
‫‪ -‬ميليسا‪ ،‬زوجة اللورد راندل تارلي‪،‬‬
‫‪ -‬ريا‪ ،‬زوجة اللورد اليتون هايتاور‪،‬‬
‫‪ -‬أخواه‪:‬‬
‫‪ -‬السير آكسل‪ ،‬أمين قلعة دراجونستون‪،‬‬
‫‪( -‬السير ريام)‪ ،‬ماتَ حين سق َ‬
‫ط من فوق حصان‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة السير ريام‪ ،‬الملكة سيليس‪ ،‬زوجة الملك ستانيس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن السير ريام األكبر ووريثه‪( ،‬السير إمري)‪،‬‬
‫‪ -‬ابن السير ريام الثَّاني‪ ،‬السير إرن‪،‬‬
‫‪ -‬السير كولين‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة السير كولين‪ ،‬ديلينا‪ ،‬زوجة السير هوسمان نوركروس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ديلينا‪ ،‬إدريك ستورم‪ ،‬ابن غير شرعي للملك روبرت‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ديلينا‪ ،‬آلستر نوركروس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ديلينا‪ ،‬رنلي نوركروس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كولين‪ ،‬المايستر أومر‪ ،‬في خدمة أوك القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كولين‪ ،‬ميريل‪ُ ،‬مرافِق في الكرمة‪،‬‬
‫‪ -‬أخته‪ ،‬رايلين‪ ،‬زوجة ريتشارد كرين‪.‬‬
‫عائلة فراي‬

‫ومقسمون على الوالء‬


‫ِ‬ ‫يتمتَّع آل فراي بالق َّوة والثَّراء وعد ٍد وفير من األوالد‪ ،‬وهُم ح َملة راية عائلة تَلي‬
‫قاتل روبرت باراثيون ريجار تارجاريَن في‬ ‫لريڤر َرن‪ ،‬وإن كانوا ال يلتزمون دائ ًما بأداء واجبهم‪ ،‬فحين َ‬
‫معركة الثَّالوث لم يصل رجال فراي َّإال بَعد انتهاء القتال‪ ،‬ومنذ ذلك الحين لقَّب هوستر تَلي اللورد والدر‬
‫ق روب ستارك على‬ ‫باللورد فراي الممتل ِّكئ‪ .‬لم يُوافِق اللورد فراي على دعم روب ستارك َّإال بَعد أن واف َ‬
‫خطبة واحد ٍة من بناته أو حفيداته‪ ،‬ووع َد بأن يتز َّوجها حين تنتهي الحرب‪ ،‬ثم عندما تز َّوج چاين وسترلينج‬
‫بدال من ذلك تآم َر آل فراي مع رووس بولتون واغتالوا ال ِّذئب الصَّغير وأتباعه في الحادثة التي صا َرت‬ ‫ً‬
‫معروفةً باسم ال ِّزفاف األحمر‪.‬‬
‫والدر فراي‪ ،‬سيِّد المعبر‪،‬‬
‫‪ -‬من زوجته األولى‪( ،‬الليدي پيرا) سليلة عائلة رويس‪:‬‬
‫‪ -‬السير ستڤرون‪ ،‬وريث التَّوأمتين‪،‬‬
‫بمرض مزمن‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬زوجته (كورينا سوان)‪ ،‬ماتَت‬
‫‪ -‬ابن ستڤرون األكبر‪ ،‬السير رايمان‪،‬‬
‫‪ -‬ابن رايمان‪ ،‬إدوين‪ ،‬زوج چانيس هنتر‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة إدوين‪ ،‬والدا‪ ،‬فتاة في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن رايمان‪ ،‬والدر‪ ،‬لقبه والدر األسود‪،‬‬
‫‪ -‬ابن رايمان‪( ،‬پيتر)‪ ،‬لقبه پيتر ذو الدمامل‪ ،‬زوج ميليندا كارون‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة پيتر‪ ،‬پيرا‪ ،‬فتاة في الخامسة‪،‬‬
‫طت من على حصان‪،‬‬ ‫‪ -‬زوجته (چين ليدن)‪ ،‬ماتَت حين سق َ‬
‫‪ -‬ابن ستڤرون‪( ،‬إجون)‪ ،‬أبله ملقَّب بذي الجالجل‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ستڤرون‪( ،‬مايجل)‪ ،‬ماتَت أثناء الوضع‪،‬‬
‫‪ -‬السير دافين ڤانس‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة مايجل‪ ،‬ماريان‪ ،‬عذراء‪،‬‬
‫‪ -‬ابن مايجل‪ ،‬والدر ڤانس‪ُ ،‬مرافِق فارس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن مايجل‪ ،‬پاتريك ڤانس‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته (مارسال واينوود)‪ ،‬ماتَت أثناء الوضع‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ستڤرون‪ ،‬والتون‪ ،‬زوج ديانا هاردينج‪،‬‬
‫‪ -‬ابن والتون‪ ،‬ستفون‪ ،‬لقبه الحلو‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة والتون‪ ،‬والدا‪ ،‬لقبها والدا الحسناء‪،‬‬
‫‪ -‬ابن والتون‪ ،‬برايان‪ُ ،‬مرافِق فارس‪،‬‬
‫چنا سليلة عائلة النستر‪،‬‬
‫‪ -‬السير إمون‪ ،‬زوج ِ‬
‫‪ -‬ابن إمون‪( ،‬السير كليوس)‪ ،‬زوج چين داري‪ ،‬قتله الخارجون عن القانون قُرب ِبركة العذارى‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كليوس‪ ،‬تايوين‪ُ ،‬مرافِق فارس في الحادية عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كليوس‪ ،‬ويلم‪ ،‬وصيف في آشمارك‪،‬‬
‫‪ -‬ابن إمون‪ ،‬السير اليونل‪ ،‬زوج ميليسا كراكهول‪،‬‬
‫‪ -‬ابن إمون‪( ،‬تيون)‪ ،‬قتلَه ريكارد كارستارك وهو أسير في ريڤر َرن‪،‬‬
‫‪ -‬ابن إمون‪ ،‬والدر‪ ،‬لقبه والدر األحمر‪ ،‬وصيف في كاسترلي روك‪،‬‬
‫‪ -‬السير إينس‪ ،‬زوج (تيانا وايلد)‪ ،‬ماتَت أثناء الوضع‪،‬‬
‫‪ -‬ابن إينس‪ ،‬إجون وليد الدم‪ ،‬خارج عن القانون‪،‬‬
‫‪ -‬ابن إمون‪ ،‬ريجار‪ ،‬زوج چين بيزبوري‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ريجار‪ ،‬روبرت‪ ،‬صبي في الثَّالثة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ريجار‪ ،‬والدا‪ ،‬فتاة في العاشرة‪ ،‬لقبها والدا البيضاء‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ريجار‪ ،‬چونوس‪ ،‬صبي في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬پريان‪ ،‬زوجة السير ليزلين هاي‪،‬‬
‫‪ -‬ابن پِريان‪ ،‬السير هاريس هاي‪،‬‬
‫‪ -‬ابن هاريس‪ ،‬والدر هاي‪ ،‬صبي في الرَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن پِريان‪ ،‬السير دونل هاي‪،‬‬
‫‪ -‬ابن پِريان‪ ،‬السير آلين هاي‪ُ ،‬مرا ِفق فارس‪،‬‬
‫‪ -‬من زوجته الثَّانية‪( ،‬الليدي كايرينا) سليلة عائلة سوان‪:‬‬
‫‪ -‬السير چارد‪ ،‬ابنهما األكبر‪ ،‬زوج (آليس فراي)‪،‬‬
‫‪ -‬ابن چارد‪( ،‬السير تايتوس)‪ ،‬زوج زوي بلينتري‪ ،‬قتلَه ساندور كليجاين خالل ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة تايتوس‪ ،‬زيا‪ ،‬فتاة في الرَّابعة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن تايتوس‪ ،‬زاكري‪ ،‬صبي في الثَّانية عشرة‪ ،‬يتدرَّب في ِسپت البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة چارد‪( ،‬كايرا)‪ ،‬زوجة جارس جودبروك‪ ،‬قُتِلَت خالل ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كايرا‪ ،‬والدر جودبروك‪ ،‬صبي في التَّاسعة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة تايتوس‪ ،‬چين جودبروك‪ ،‬فتاة في السَّادسة‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتون لوسيون‪ ،‬يخدم في ِسپت بيلور الكبير في كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪ -‬من زوجته الثَّالثة‪( ،‬الليدي أماري) سليلة عائلة كراكهول‪:‬‬
‫‪ -‬السير هوستين‪ ،‬ابنهما األكبر‪ ،‬زوج بيلينا هاويك‪،‬‬
‫‪ -‬ابن هوستين‪ ،‬السير آروود‪ ،‬زوج رييال رويس‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة آروود‪ ،‬رييال‪ ،‬فتاة في الخامسة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنا آروود التَّوأم‪ ،‬أندرو وآلين‪ ،‬في الثَّالثة‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي اليثين‪ ،‬زوجة اللورد لوشياس ڤايپرن‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اليثين‪ ،‬إليانا‪ ،‬زوجة السير چون وايلد‪،‬‬
‫‪ -‬ابن إليانا‪ ،‬ريكارد وايلد‪ ،‬في الرَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن اليثين‪ ،‬السير ديمون ڤايپرن‪،‬‬
‫‪ -‬سايموند‪ ،‬زوج بيثاريوس البراڤوسيَّة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن سايموند‪ ،‬أليساندر‪ٍّ ،‬‬
‫مغن‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة سايموند‪ ،‬آلكس‪ ،‬فتاة في السَّابعة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن سايموند‪ ،‬برادامار‪ ،‬صبي في العاشرة‪ ،‬نشأ في براڤوس ربيبًا للتَّاجر أورو تندايريس‪،‬‬
‫‪ -‬السير دانويل‪ ،‬زوج واينافري ِونت‪،‬‬
‫‪ُ ( -‬ولِ َد أبناؤهما إ َّما موتى أو ماتوا في المهد)‪،‬‬
‫‪( -‬ميريت)‪ ،‬زوج ماريا داري‪ ،‬ماتَ شنقًا في الحجر العتيق‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ميريت‪ ،‬آميري‪ ،‬تُ َس َّمى آمي‪ ،‬أرملة في السَّادسة عشرة‪ ،‬كانت زوجة (السير پايت فارس الفرع‬
‫األزرق‪ ،‬قتلَه السير جريجور كليجاين)‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ميريت‪ ،‬والدا‪ ،‬لقبها والدا السمينة‪ ،‬فتاة في الخامسة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ميريت‪ ،‬ماريسا‪ ،‬فتاة في الثَّالثة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ميريت‪ ،‬والدر‪ ،‬لقبه والدر الصغير‪ ،‬صبي في الثَّامنة‪ ،‬ينشأ في وينترفل كربيب الليدي كاتلين‬
‫ستارك‪،‬‬
‫‪( -‬السير چريمي)‪ ،‬مات غرقًا‪ ،‬كان زوج كارولي واينوود‪،‬‬
‫‪ -‬ابن چريمي‪ ،‬ساندور‪ ،‬صبي في الثَّانية عشرة‪ُ ،‬مرافِق السير دونل واينوود‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة چريمي‪ ،‬سينثيا‪ ،‬فتاة في التَّاسعة‪ ،‬ربيبة الليدي آنيا واينوود‪،‬‬
‫‪ -‬السير رايموند‪ ،‬زوج بيوني بيزبوري‪،‬‬
‫‪ -‬ابن رايموند‪ ،‬روبرت‪ ،‬في السَّادسة عشرة‪ ،‬يتدرَّب في قلعة البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن رايموند‪ ،‬مالوين‪ ،‬في الخامسة عشرة‪ ،‬يتدرَّب لدى خيميائي في لِيس‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتا رايموند التَّوأم‪ ،‬سيرا وسارا‪ ،‬فتاتان في الرَّابعة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة رايموند‪ ،‬سرسي‪ ،‬في السَّادسة‪ ،‬لقبها النحلة الصغيرة‪،‬‬
‫‪ -‬من زوجته ال َّرابعة‪( ،‬الليدي أليسا) سليلة عائلة بالكوود‪:‬‬
‫‪ -‬لوثار‪ ،‬ابنهما األكبر‪ ،‬لقبه لوثار الكسيح‪ ،‬زوج ليونال ليفورد‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة لوثار‪ ،‬تايسين‪ ،‬فتاة في السَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة لوثار‪ ،‬والدا‪ ،‬فتاة في الرَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة لوثار‪ ،‬إمبريلي‪ ،‬فتاة في الثَّانية‪،‬‬
‫‪ -‬السير چاموس‪ ،‬زوج سالي پايچ‪،‬‬
‫‪ -‬ابن چاموس‪ ،‬لقبه والدر الكبير‪ ،‬صبي في الثَّامنة‪ ،‬ينشأ في وينترفل كربيب الليدي كاتلين ستارك‪،‬‬
‫‪ -‬ابنا چاموس التَّوأم‪ ،‬ديكون وماثوس‪ ،‬في الخامسة‪،‬‬
‫‪ -‬السير والن‪ ،‬زوج سيلوا پايچ‪،‬‬
‫‪ -‬ابن والن‪ ،‬هوستر‪ ،‬صبي في الثَّانية عشرة‪ُ ،‬مرافِق السير ديمون پايچ‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة والن‪ ،‬ماريان‪ ،‬تُ َس َّمى مري‪ ،‬فتاة في الحادية عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي موريا‪ ،‬زوجة السير فليمنت براكس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن موريا‪ ،‬روبرت براكس‪ ،‬في التَّاسعة‪ ،‬ينشأ كوصيف في كاسترلي روك‪،‬‬
‫‪ -‬ابن موريا‪ ،‬والدر براكس‪ ،‬صبي في السَّادسة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن موريا‪ ،‬چون براكس‪ ،‬صبي في الثَّالثة‪،‬‬
‫‪ -‬تايتا‪ ،‬لقبها تايتا العذراء‪ ،‬في التَّاسعة والعشرين‪،‬‬
‫‪ -‬من زوجته الخامسة‪( ،‬الليدي ساريا) سليلة عائلة ِونت‪:‬‬
‫‪ -‬ال أوالد‪،‬‬
‫سادسة‪( ،‬الليدي بثاني) سليلة عائلة روزبي‪:‬‬
‫‪ -‬من زوجته ال َّ‬
‫‪ -‬السير پروين‪ ،‬ابنهما األكبر‪،‬‬
‫بجرح أصابه خالل ِّ‬
‫الزفاف األحمر‪ ،‬زوج چيانا‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬السير (بنفري)‪ ،‬ابن اللورد والدر السَّادس عشر‪ ،‬ماتَ‬
‫فراي‪ ،‬ابنة عمه‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة بنفري‪ ،‬دال‪ ،‬لقبها دال الصماء‪ ،‬في الثَّالثة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن بنفري‪ ،‬أوزموند‪ ،‬صبي في الثَّانية‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر ويالمن‪ ،‬يخدم في قلعة القوس الطَّويل‪،‬‬
‫‪ -‬أوليڤار‪ُ ،‬مرافِق في خدمة روب ستارك‪،‬‬
‫‪ -‬روزلين‪ ،‬فتاة في السَّادسة عشرة‪،‬‬
‫سابعة‪( ،‬الليدي أنارا) سليلة عائلة فارنج‪:‬‬
‫‪ -‬من زوجته ال َّ‬
‫‪ -‬أروين‪ ،‬فتاة في الرَّابعة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬وندل‪ ،‬ابنهما األكبر‪ ،‬صبي في الثَّالثة عشرة‪ ،‬ينشأ في سيجارد كوصيف‪،‬‬
‫‪ -‬كولمار‪ ،‬موعود بالخدمة في العقيدة‪ ،‬في السَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬والتير‪ ،‬يُ َس َّمى تير‪ ،‬صبي في العاشرة‪،‬‬
‫‪ -‬إلمار‪ ،‬خطيب آريا ستارك‪ ،‬صبي في التَّاسعة‪،‬‬
‫‪ -‬شيري‪ ،‬فتاة في السَّادسة‪،‬‬
‫‪ -‬من زوجته الثَّامنة‪( ،‬الليدي چويئيوس) سليلة عائلة إرينفورد‪:‬‬
‫‪ -‬ال أوالد بع ُد‪،‬‬
‫ت مختلفات‪:‬‬
‫‪ -‬أوالد اللورد والدر غير الشَّرعيِّين من أ َّمها ٍ‬
‫‪ -‬والدر ريڤرز‪ ،‬لقبه والدر النغل‪،‬‬
‫‪ -‬ابن والدر النَّغل‪ ،‬السير إيمون ريڤرز‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة والدر النَّغل‪ ،‬والدا ريڤرز‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر ملويس‪ ،‬يخدم في روزبي‪،‬‬
‫‪ -‬چين ريڤرز‪ ،‬مارتن ريڤرز‪ ،‬رايجر ريڤرز‪ ،‬رونل ريڤرز‪ ،‬ميالرا ريڤرز‪ ،‬آخَرون‪.‬‬
‫عائلة هايتاور‬

‫رمز عائلة هايتاور بُرج أبيض مد َّرج مت َّوج بالنَّار على خلفيَّة بلون الدُّخان‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬نُنير الطَّريق»‪.‬‬
‫آل هايتاور أوالد البلدة القديمة من أعرق عائالت وستروس ال ُكبرى وأكثرها إبا ًء‪ ،‬وتنحدر أصولهم من‬
‫البَشر األوائل‪ .‬قدي ًما كانوا ملو ًكا يَح ُكمون البلدة القديمة واألنحاء المحيطة بها منذ فَجر العصور‪ ،‬ورحَّبوا‬
‫بدال من مقا َومتهم‪ ،‬والحقًا خضعوا لملوك المرعى متخلِّين عن تيجانهم وإن احتفظوا بجميع‬ ‫باألنداليِّين ً‬
‫امتيازاتهم العتيقة‪ .‬على الرغم من سطوتهم وثرائهم الفاحش لطالما فضَّل لوردات البُرج العالي التِّجارة‬
‫عامال أساسيًّا في إنشاء‬
‫ً‬ ‫على القتال‪ ،‬ونادرًا ما لعبوا دورًا كبيرًا في حروب وستروس‪ .‬كان آل هايتاور‬
‫القلعة وما زالوا يحمونها حتى اليوم‪ ،‬ولحصافتهم ورقيِّهم كانوا دو ًما رُعاةً للعلم والعقيدة‪ ،‬ويُقال إن بع ً‬
‫ضا‬
‫معيَّنًا منهم اشتغ َل أيضًا في الخيمياء والپايرومانسي والنِّكرومانسي وغيرها من فنون السِّحر‪.‬‬
‫اليتون هايتاور‪ ،‬صوت البلدة القديمة‪ ،‬سيِّد المرفأ‪ ،‬سيِّد البُرج العالي‪ ،‬حامي القلعة‪ ،‬منارة الجنوب‪ ،‬يُ َس َّمى‬
‫شيخ البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي ريا سليلة عائلة هايتاور‪ ،‬زوجته الرَّابعة‪،‬‬
‫‪ -‬أكبر أبناء اللورد اليتون ووريثه‪ ،‬السير بيلور ولقبه بيلور البشوش‪ ،‬زوج روندا روان‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اللورد اليتون‪ ،‬مالورا ولقبها العذراء المجنونة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اللورد اليتون‪ ،‬آليري‪ ،‬زوجة اللورد مايس تايرل‪،‬‬
‫‪ -‬ابن اللورد اليتون‪ ،‬السير جارث ولقبه الفوالذ الرمادي‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اللورد اليتون‪ ،‬دينيس‪ ،‬زوجة السير دزموند ردواين‪،‬‬
‫‪ -‬ابنها‪ ،‬دينس‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اللورد اليتون‪ ،‬اليال‪ ،‬زوجة السير چون كوپس‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اللورد اليتون‪ ،‬أليسين‪ ،‬زوجة اللورد آرثر أمبروز‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة اللورد اليتون‪ ،‬لينيس‪ ،‬زوجة اللورد چورا مورمونت‪ ،‬واآلن كبيرة محظيَّات تريجار أورمولن في‬
‫لِيس‪،‬‬
‫‪ -‬ابن اللورد اليتون‪ ،‬السير جونثور‪ ،‬زوج چاين فوسواي من فرع عائلة فوسواي األخضر‪،‬‬
‫‪ -‬ابن اللورد اليتون األصغر‪ ،‬السير همفري‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية اللورد اليتون‪:‬‬
‫‪ -‬تومن كوستاين‪ ،‬سيِّد األبراج الثَّالثة‪،‬‬
‫‪ -‬أليسين بولوار‪ ،‬سيِّدة التَّاج األسود‪ ،‬فتاة في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬مارتن مالندور‪ ،‬سيِّد ال ُّنجود‪،‬‬
‫‪ -‬وارن بيزبوري‪ ،‬سيِّد ربوة العسل‪،‬‬
‫‪ -‬برانستون كاي‪ ،‬سيِّد بهو عبَّاد ال َّشمس‪،‬‬
‫‪ -‬أهل البلدة القديمة‪:‬‬
‫‪ -‬إما‪ ،‬ساقية في الرِّيشة وال َّدورق‪ ،‬حيث النِّساء شبقات وخمر التُّفَّاح قويَّة للغاية‪،‬‬
‫‪ -‬روزي‪ ،‬ابنتها‪ ،‬فتاة في الخامسة عشرة ستتكلَّف بِكارتها تنِّينًا ذهبيًّا‪،‬‬
‫‪ -‬رؤساء ال ِمايسترات في القلعة‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس نورن‪ ،‬قهرمان العام الحالي‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من معدن اإللكتروم‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس ثيوبولد‪ ،‬قهرمان العام المقبل‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من الرَّصاص‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس إيبروز‪ ،‬المعالج‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من الفضَّة‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس ماروين ولقبه ماروين المشعوذ‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من الفوالذ الڤاليري‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس پيرستان‪ ،‬المؤ ِّرخ‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من النُّحاس‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس ڤايلين ولقبه الخل‪ ،‬الفلكي‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من البرونز‪،‬‬
‫الذهب األصفر‪،‬‬‫‪ -‬المايستر الرئيس ريام‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من َّ‬
‫‪ -‬المايستر الرئيس والجريڤ‪ ،‬عجوز تائه العقل‪ ،‬خاتمه وصولجانه وقناعه من الحديد األسود‪،‬‬
‫‪ -‬جاالرد‪ ،‬كاستوس‪ ،‬زارابلو‪ ،‬بنيدكت‪ ،‬جاريزون‪ ،‬نايموس‪ ،‬سيثريس‪ ،‬ويليفر‪ ،‬مولوس‪ ،‬هارودون‪،‬‬
‫جايني‪ ،‬أجريڤان‪ ،‬أوكلي‪ ،‬ك ُّلهم رؤساء ِمايسترات‪،‬‬
‫‪ِ -‬مايسترات و ُمعاونو ومبتدئو القلعة‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر جورمون‪ ،‬يخدم غالبًا في مكان والجريڤ‪،‬‬
‫‪ -‬آرمن ويُ َس َّمى المعاون‪ُ ،‬معاون في سلسلته أربع حلقات‪،‬‬
‫‪ -‬أليراس ولقبه أبو الهول‪ُ ،‬معاون في سلسلته ثالث حلقات‪ ،‬ق َّواس بارع‪،‬‬
‫‪ -‬روبرت فراي‪ ،‬في السَّادسة عشرة‪ُ ،‬معاون في سلسلته حلقتان‪،‬‬
‫‪ -‬لوركاس‪ُ ،‬معاون في سلسلته تسع حلقات‪ ،‬في خدمة القهرمان‪،‬‬
‫‪ -‬ليو تايرل ولقبه ليو الكسول‪ ،‬مبتدئ من ال ُّنبالء‪،‬‬
‫بقدم معوجَّة‪،‬‬
‫‪ -‬موالندر‪ ،‬مبتدئ مولود ٍ‬
‫‪ -‬پايت‪ ،‬يعتني ب ِغدفان ال ِمايستر الرَّئيس والجريڤ‪ ،‬مبتدئ غير واعد‪،‬‬
‫‪ -‬روون‪ ،‬مبتدئ صغير‪.‬‬
‫عائلة النستر‬

‫راية آل النستر عبارة عن أس ٍد ذهبي على خلفيَّ ٍة قرمزيَّة‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬اسمعوا زئيري»‪.‬‬
‫يبقى آل النستر أوالد كاسترلي روك أقوى المؤيِّدين لدعوى الملك تومن للعرش الحديدي‪ ،‬ويأتي نَسبهم‬
‫عاش في عصر األبطال‪ ،‬وقد جعلَهم ذهب كاسترلي روك‬ ‫َ‬ ‫من جهة اإلناث من الن األريب‪ ،‬ال ُمحتال الذي‬
‫والنَّاب َّ‬
‫الذهبي أثرى العائالت ال ُكبرى‪.‬‬
‫(تايوين النستر)‪ ،‬سيِّد كاسترلي روك‪ ،‬حامي النسپورت‪ ،‬حاكم الغرب‪ ،‬يد الملك‪ ،‬قتلَه ابنه القزم في‬
‫مرحاضه‪،‬‬
‫‪ -‬أوالد اللورد تايوين‪:‬‬
‫‪ -‬سرسي‪ ،‬توأمة چايمي‪ ،‬اآلن سيِّدة كاسترلي روك‪،‬‬
‫‪ -‬چايمي‪ ،‬توأم سرسي ولقبه قاتل الملك‪،‬‬
‫‪ -‬تيريون ولقبه العفريت‪ ،‬قزم وقاتِل أقربين‪،‬‬
‫‪ -‬إخوة اللورد تايوين وأوالدهم‪:‬‬
‫‪ -‬السير كيڤان النستر‪ ،‬زوج دورنا سليلة عائلة سويفت‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي چنا‪ ،‬زوجة إمون فراي‪ ،‬اآلن سيِّد ريڤر َرن‪،‬‬
‫چنا األكبر‪( ،‬السير كليوس فراي)‪ ،‬زوج چاين سليلة عائلة داري‪ ،‬قتلَه الخارجون عن القانون‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ِ‬
‫‪ -‬ابن كليوس الكبير‪ ،‬السير تايوين فراي ويُ َس َّمى تاي‪ ،‬اآلن وريث ريڤر َرن‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كليوس الثَّاني‪ ،‬ويلم فراي‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫چنا الثَّاني‪ ،‬السير اليونل فراي‪،‬‬ ‫‪ -‬ابن ِ‬
‫چنا الثَّالث‪( ،‬تيون فراي)‪ ،‬قُتِ َل وهو أسير في ريڤر َرن‪،‬‬‫‪ -‬ابن ِ‬
‫چنا األصغر‪ ،‬والدر فراي ولقبه والدر األحمر‪ ،‬وصيف في كاسترلي روك‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ِ‬
‫چنا‪،‬‬
‫‪ -‬وات ذو االبتسامة البيضاء‪ ،‬مطرب في خدمة الليدي ِ‬
‫‪ -‬السير تايجت النستر‪ ،‬ماتَ بالجُدري‪،‬‬
‫‪ -‬تايرك‪ ،‬ابن تايجت‪ ،‬مفقود ويُخشى أنه ماتَ ‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي إرميساند هايفورد‪ ،‬زوجة تايرك ال ِّ‬
‫طفلة‪،‬‬
‫‪( -‬جيريون النستر)‪ ،‬مفقود في البحر‪،‬‬
‫‪ -‬چوي هيل‪ ،‬ابنة جيريون النَّغلة‪ ،‬فتاة في الحادية عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬أهل اللورد تايوين المق َّربون َ‬
‫اآلخرون‪:‬‬
‫‪( -‬السير ستافورد النستر)‪ ،‬ابن عم اللورد تايوين وأخو زوجته‪ ،‬قُتِ َل في معركة أوكسكروس‪،‬‬
‫‪ -‬سيرينا و مارييل‪ ،‬ابنتا ستافورد‪،‬‬
‫‪ -‬السير داڤن النستر‪ ،‬ابن ستافورد‪،‬‬
‫‪ -‬السير داميون النستر‪ ،‬ابن عم‪ ،‬زوج شيرا كهراكهول‪،‬‬
‫‪ -‬ابنهما‪ ،‬السير لوشن‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتهما‪ ،‬النا‪ ،‬زوجة آنتاريو چاست‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي مارجو‪ ،‬ابنة عمومة‪ ،‬زوجة اللورد تايتوس پيك‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت اللورد تايوين في كاسترلي روك‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر كرايلن‪ ،‬معالج ومعلِّم ومستشار‪،‬‬
‫‪ -‬ڤايالر‪ ،‬قائد ال َحرس‪،‬‬
‫‪ -‬السير بنيدكت بلوم‪ ،‬قيِّم السِّالح‪،‬‬
‫‪ -‬وات ذو االبتسامة البيضاء‪ ،‬مطرب‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية ومقسمون على الوالء‪ ،‬لوردات الغرب‪:‬‬
‫‪ -‬دامون ماربراند‪ ،‬سيِّد آشمارك‪،‬‬
‫‪ -‬السير أدام ماربراند‪ ،‬ابنه ووريثه‪ ،‬قائد َحرس المدينة في كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪ -‬روالند كراكهول‪ ،‬سيِّد كراكهول‪،‬‬
‫‪ -‬أخو روالند‪( ،‬السير برتون)‪ ،‬قتلَه الخارجون عن القانون‪،‬‬
‫‪ -‬ابن روالند ووريثه‪ ،‬السير تايبولت‪،‬‬
‫‪ -‬ابن روالند‪ ،‬السير اليل ولقبه العفر القوي‪،‬‬
‫‪ -‬ابن روالند األصغر‪ ،‬السير مرلون‪،‬‬
‫‪ -‬سيباستون فارمان‪ ،‬سيِّد الجزيرة القصيَّة‪،‬‬
‫‪ -‬چاين‪ ،‬أخته‪ ،‬زوجة السير جاريث كليفتون‪،‬‬
‫‪ -‬تايتوس براكس‪ ،‬سيِّد وادي القرون‪،‬‬
‫‪ -‬السير فليمنت براكس‪ ،‬أخوه ووريثه‪،‬‬
‫‪ -‬كوينتن بانفورت‪ ،‬سيِّد بانفورت‪،‬‬
‫‪ -‬السير هاريس سويفت‪ ،‬حمو السير كيڤان‪،‬‬
‫‪ -‬ابن السير هاريس‪ ،‬السير ستفون سويفت‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة السير ستفون‪ ،‬چوانا‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة السير هاريس‪ ،‬شيرل‪ ،‬زوجة السير ملوين سارسفيلد‪،‬‬
‫‪ -‬ريچينارد إسترن‪ ،‬سيِّد ويندهول‪،‬‬
‫‪ -‬جاون وسترلينج‪ ،‬سيِّد الجُرف‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬الليدي سيبل سليلة عائلة سپايسر‪،‬‬
‫ب حديثًا سيِّدًا على كاستامير‪،‬‬ ‫‪ -‬أخوها‪ ،‬السير رولف سپايسر‪ ،‬نُ ِّ‬
‫ص َ‬
‫‪ -‬ابن ع ِّمها‪ ،‬السير سامويل سپايسر‪،‬‬
‫‪ -‬أوالدهما‪:‬‬
‫‪ -‬السير راينالد وسترلينج‪،‬‬
‫‪ -‬چاين‪ ،‬أرملة روب ستارك‪،‬‬
‫‪ -‬إلينا‪ ،‬فتاة في الثَّانية عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬روالم‪ ،‬صبي في التَّاسعة‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد سلموند ستاكسپير‪،‬‬
‫‪ -‬ابنه‪ ،‬السير ستفون ستاكسپير‪،‬‬
‫‪ -‬ابنه الثَّاني‪ ،‬السير آلن ستاكسپير‪،‬‬
‫‪ -‬تيرانس كنينج‪ ،‬سيِّد كايس‪،‬‬
‫‪ -‬السير كينوس الكايسي‪ ،‬فارس في خدمته‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد آنتاريو چاست‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد روبن مورالند‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي أليسين ليفورد‪،‬‬
‫‪ -‬لويس ليدن‪ ،‬سيِّد الوكر العميق‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد فيليپ پلوم‪،‬‬
‫‪ -‬أبناؤه‪ ،‬السير دنيس پلوم‪ ،‬السير پيتر پلوم‪ ،‬السير هاروين پلوم ولقبه الحجر الصلب‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد جاريسون پرستر‪،‬‬
‫‪ -‬السير فورلي پرستر‪ ،‬ابن ع ِّمه‪،‬‬
‫‪ -‬السير جريجور كليجاين ولقبه الجبل راكب الخيول‪،‬‬
‫‪ -‬ساندور كليجاين‪ ،‬أخوه‪،‬‬
‫‪ -‬السير لورنت لورك‪ ،‬فارس من ُم َّالك األراضي‪،‬‬
‫‪ -‬السير جارث جرينفيلد‪ ،‬فارس من ُم َّالك األراضي‪،‬‬
‫‪ -‬السير اليموند ڤيكاري‪ ،‬فارس من ُم َّالك األراضي‪،‬‬
‫‪ -‬السير راينارد روتيجر‪ ،‬فارس من ُم َّالك األراضي‪،‬‬
‫‪ -‬السير مانفريد ياو‪ ،‬فارس من ُم َّالك األراضي‪،‬‬
‫‪ -‬السير تايبولت هيذرسپون‪ ،‬فارس من ُم َّالك األراضي‪،‬‬
‫‪( -‬ميالرا هيذرسپون)‪ ،‬ابنته‪ ،‬غرقَت في ٍ‬
‫بئر وهي ربيبة في كاسترلي روك‪.‬‬
‫عائلة مارتل‬

‫س حمراء تخترقها حربة ذهبيَّة‪ ،‬وكلماتهم «ال ننحني‪ ،‬ال نخضع‪ ،‬ال ننكسر»‪.‬‬
‫راية عائلة مارتل عبارة عن شم ٍ‬
‫آخر الممالك السَّبع التي أقس َمت على الوالء للعرش الحديدي‪ .‬يُ َميِّز النَّسب والعادات والتَّاريخ‬
‫كانت دورن ِ‬
‫شارك دورن فيها‪ .‬بَعد‬ ‫الدورنيِّين عن سائر الممالك األخرى‪ ،‬وحين اندل َعت حرب الملوك الخمسة لم تُ ِ‬
‫خطبة مارسال باراثيون لألمير تريستان أعلنَت صنسپير تأييدها الملك چوفري واستدعَت راياتها‪.‬‬
‫دوران نايميروس مارتل‪ ،‬سيِّد صنسپير‪ ،‬أمير دورن‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬ميالريو‪ ،‬من مدينة نورڤوس ال ُحرَّة‪،‬‬
‫‪ -‬أوالدهما‪:‬‬
‫‪ -‬األميرة آريان‪ ،‬وريثة صنسپير‪،‬‬
‫‪ -‬جارين‪ ،‬أخو آريان في الرِّ ضاعة‪ ،‬من أيتام ال َّدم األخضر‪،‬‬
‫‪ -‬األمير كوينتن‪ ،‬فارس مستجد‪ ،‬ربيب منذ ُّ‬
‫الطفولة للورد يرونوود سيِّد يرونوود‪،‬‬
‫‪ -‬األمير تريستان‪ ،‬خطيب مارسال باراثيون‪،‬‬
‫‪ -‬أخوا األمير دوران‪:‬‬
‫صبَت وقُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج‪،‬‬ ‫‪( -‬األميرة إليا)‪ ،‬اغتُ ِ‬
‫‪( -‬ريينس تارجارين)‪ ،‬ابنتها الصَّغيرة‪ ،‬قُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪( -‬إجون تارجارين)‪ ،‬رضيع‪ ،‬قُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪( -‬األمير أوبرين) ولقبه األفعوان األحمر‪ ،‬قتلَه السير جريجور كليجاين في محا َكم ٍة بالنِّزال‪،‬‬
‫‪ -‬إالريا ساند‪ ،‬خليلة األمير أوبرين‪ ،‬ابنة اللورد هارمن أولر الطَّبيعيَّة‪،‬‬
‫‪ -‬أفاعي الرمال‪ ،‬بنات أوبرين النَّغالت‪:‬‬
‫‪ -‬أوبارا‪ ،‬في الثَّامنة والعشرين‪ ،‬ابنة أوبرين من عاهرة في البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬نايميريا ولقبها الليدي نيم‪ ،‬في الخامسة والعشرين‪ ،‬ابنة أوبرين من امرأ ٍة نبيلة من ڤوالنتيس‪،‬‬
‫‪ -‬تايين‪ ،‬في الثَّالثة والعشرين‪ ،‬ابنة أوبرين من ِسپتة‪،‬‬
‫‪ -‬ساريال‪ ،‬في التَّاسعة عشرة‪ ،‬ابنته من تاجرة‪ُ ،‬ربَّان قُبلة ال ِّريش‪،‬‬
‫‪ -‬إليا‪ ،‬في الرَّابعة عشرة‪ ،‬ابنته من إليا ساند‪،‬‬
‫‪ -‬أوبال‪ ،‬في الثَّانية عشرة‪ ،‬ابنته من إليا ساند‪،‬‬
‫‪ -‬دوريا‪ ،‬في الثَّامنة‪ ،‬ابنته من إليا ساند‪،‬‬
‫‪ -‬لوريزا‪ ،‬في السَّادسة‪ ،‬ابنته من إليا ساند‪،‬‬
‫‪ -‬بالط األمير دوران في الحدائق المائيَّة‪:‬‬
‫‪ -‬آريو هوتا‪ ،‬من نورڤوس‪ ،‬قائد ال َحرس‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر كاليوت‪ ،‬مستشار ومعالج ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬نحو ستِّين من األطفال من علية القوم والعا َّمة‪ ،‬أبناء وبنات لوردات وفُرسان وأيتام وتُجَّار وحرفيِّين‬
‫َّ‬
‫وفالحين‪ ،‬أربَّاؤه‪،‬‬
‫‪ -‬بالط األمير دوران في صنسپير‪:‬‬
‫‪ -‬األميرة مارسال باراثيون‪ ،‬ربيبته‪ ،‬خطيبة األمير تريستان‪،‬‬
‫‪ -‬السير آريس أوكهارت‪ ،‬حارس مارسال ال َّشخصي‪،‬‬
‫‪ -‬روزاموند النستر‪ ،‬رفيقة فِراش مارسال ووصيفتها‪ ،‬ابنة عمومة بعيدة‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتة إجالنتين‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر مايلز‪ ،‬مستشار ومعالج ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬ريكاسو‪ ،‬قهرمان صنسپير‪ ،‬عجوز كفيف‪،‬‬
‫‪ -‬السير مانفري مارتل‪ ،‬أمين القلعة في صنسپير‪،‬‬
‫الخازن‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬الليدي آليس ليديبرايت‪ ،‬اللورد‬
‫‪ -‬السير جاسكوين ابن ال َّدم األخضر‪ ،‬حارس األمير تريستان ال َّشخصي‪،‬‬
‫‪ -‬بورس و تيموث‪ ،‬خادمان في صنسپير‪،‬‬
‫‪ -‬بيالندرا و سدرا واألختان مورا و ميلي‪ ،‬خادمات في صنسپير‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية األمير دوران‪ ،‬لوردات دورن‪:‬‬
‫صاحب ال َّدم الملكي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬آندرز يرونوود‪ ،‬سيِّد يرونوود‪ ،‬حاكم الطَّريق الحجري‪،‬‬
‫‪ -‬السير كليتوس‪ ،‬ابنه‪ ،‬معروف بعينه الكسول‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر كدري‪ ،‬معالج ومستشار ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬هارمن أولر‪ ،‬سيِّد هضبة الجحيم‪،‬‬
‫‪ -‬إالريا ساند‪ ،‬ابنته الطَّبيعيَّة‪،‬‬
‫‪ -‬السير أولويك أولر‪ ،‬أخوه‪،‬‬
‫‪ -‬ديلون أليريون‪ ،‬سيِّدة عطيَّة اآللهة‪،‬‬
‫‪ -‬السير ريون‪ ،‬ابنه ووريثه‪،‬‬
‫‪ -‬السير ديمون ساند‪ ،‬ابن ريون الطَّبيعي‪ ،‬نغل عطيَّة اآللهة‪،‬‬
‫‪ -‬داجوس مانوودي‪ ،‬سيِّد مقبرة الملك‪،‬‬
‫‪ -‬مورس و ديكون‪ ،‬ابناه‪،‬‬
‫‪ -‬السير مايلز‪ ،‬أخوه‪،‬‬
‫‪ -‬الرا بالكمونت‪ ،‬سيِّدة بالكمونت‪،‬‬
‫‪ -‬چينيسا‪ ،‬ابنتها ووريثتها‪،‬‬
‫‪ -‬پيروس‪ ،‬ابنها‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫‪ -‬نايمال‪ ،‬سيِّدة تل األشباح‪،‬‬
‫‪ -‬كوينتن كورجايل‪ ،‬ابن حجر الرَّمل‪،‬‬
‫‪ -‬السير چوليان‪ ،‬ابنه األكبر ووريثه‪،‬‬
‫‪ -‬السير أرون‪ ،‬ابنه الثَّاني‪،‬‬
‫‪ -‬السير ديزيل دالت‪ ،‬فارس غابة اللَّيمون‪،‬‬
‫‪ -‬السير آندراي‪ ،‬أخوه ووريثه ويُ َس َّمى دراي‪،‬‬
‫‪ -‬فرانكلين فاولر‪ ،‬سيِّد قلعة السَّماء‪ ،‬لقبه الصقر العجوز‪ ،‬حاكم ممر األمير‪،‬‬
‫‪ -‬چاين و چينيلين‪ ،‬ابنتاه التَّوأم‪،‬‬
‫‪ -‬السير سايمون سانتاجار‪ ،‬فارس الغابة الرَّقطاء‪،‬‬
‫‪ -‬سيلڤا‪ ،‬ابنته ووريثته‪ ،‬تُ َس َّمى سيلڤا الرقطاء بسبب نمشها‪،‬‬
‫‪ -‬إدريك داين‪ ،‬سيِّد ستارفول‪ُ ،‬مرافق‪،‬‬
‫‪ -‬السير چيرولد داين ولقبه النجم المظلم‪ ،‬فارس الصَّومعة العالية‪ ،‬ابن ع ِّمه وحامل رايته‪،‬‬
‫‪ -‬تريبور چورداين‪ ،‬سيِّد الرَّبوة‪،‬‬
‫‪ -‬ميريا‪ ،‬ابنته ووريثته‪،‬‬
‫‪ -‬تريموند جارجالن‪ ،‬سيِّد ساحل الملح‪،‬‬
‫‪ -‬دايرون ڤايث‪ ،‬سيِّد ال ُكثبان الحمراء‪.‬‬
‫عائلة ستارك‬

‫راية آل ستارك عبارة عن ِذئب رهيب رمادي على خلفيَّ ٍة بيضاء ثلجيَّة‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬الشِّتاء قادم»‪.‬‬
‫يعود نَسب آل ستارك إلى براندون البنَّاء وملوك ال ِّشتاء القُدامى‪ ،‬وآلالف السِّنين ح َكموا من مقرِّهم في‬
‫ُقسم على الوالء إلجون‬ ‫كملوك في ال َّشمال‪ ،‬إلى أن اختا َر تورين ستارك ‪-‬ال َملك الذي رك َع‪ -‬أن ي ِ‬‫ٍ‬ ‫وينترفل‬
‫بدال من ُموا َجهته في المعركة‪ .‬حين أعد َم الملك چوفري اللورد إدارد ستارك تخلَّى ال َّشماليُّون عن‬ ‫التنِّين ً‬
‫والئهم للعرش الحديدي وأعلنوا روب ابن اللورد إدارد مل ًكا في ال َّشمال‪ ،‬وخالل حرب الملوك الخمسة‬
‫انتص َر روب في ك ِّل معاركه‪ ،‬لكن آل فراي وآل بولتون خانوه واغتالوه في التَّوأمتين في زفاف خاله‪.‬‬
‫(روب ستارك)‪ ،‬الملك في ال َّشمال‪ ،‬ملك الثَّالوث‪ ،‬سيِّد وينترفل‪ ،‬أكبر أبناء اللورد إدارد ستارك والليدي‬
‫الزفاف األحمر‪،‬‬ ‫كاتلين سليلة عائلة تَلي‪ ،‬شاب في السَّادسة عشرة يُ َس َّمى الذئب الصغير‪ ،‬اغتي َل في ِّ‬
‫‪( -‬جراي ويند)‪ ،‬ذئبه الرَّهيب‪ ،‬قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬إخوته األشقَّاء‪:‬‬
‫‪ -‬سانزا‪ ،‬أخته‪ ،‬زوجة تيريون النستر‪،‬‬
‫‪( -‬ليدي)‪ ،‬ذئبتها الرَّهيبة‪ ،‬قُتِلَت في قلعة داري‪،‬‬
‫‪ -‬آريا‪ ،‬فتاة في الحادية عشرة‪ ،‬مفقودة ويُعتقَد أنها ماتَت‪،‬‬
‫‪ -‬نايميريا‪ ،‬ذئبتها الرَّهيبة‪ ،‬تجوب أراضي النَّهر‪،‬‬
‫‪ -‬براندون ويُ َس َّمى بران‪ ،‬طفل ُمعاق في التَّاسعة‪ ،‬وريث وينترفل‪ ،‬يُعتقَد أنه ماتَ ‪،‬‬
‫‪ -‬سمر‪ ،‬ذئبه الرَّهيب‪،‬‬
‫وحماته‪:‬‬
‫‪ -‬رفاق بران ُ‬
‫‪ -‬ميرا ريد‪ ،‬فتاة في السَّادسة عشرة‪ ،‬ابنة اللورد هاوالند ريد سيِّد قلعة المياه الرَّماديَّة‪،‬‬
‫‪ -‬چوچن ريد‪ ،‬أخوها‪ ،‬في الثَّالثة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬هودور‪ ،‬عامل اسطبل بسيط العقل‪ ،‬طوله سبعة أقدام‪،‬‬
‫‪ -‬ريكون‪ ،‬طفل في الرَّابعة‪ ،‬يُعتقَد أنه ماتَ ‪،‬‬
‫‪ -‬شاجيدوج‪ ،‬ذئبه الرَّهيب‪ ،‬أسود وشرس‪،‬‬
‫‪ -‬رفيقة ريكون‪ ،‬أوشا‪ ،‬همجيَّة أسيرة سابقة في وينترفل‪،‬‬
‫‪ -‬أخوه النَّغل غير ال َّشقيق‪ ،‬چون سنو‪ ،‬أخ في َحرس اللَّيل‪،‬‬
‫‪ -‬جوست‪ ،‬ذئب چون الرَّهيب‪ ،‬أبيض وصامت‪،‬‬
‫‪ -‬المقسمون لروب على الوالء‪:‬‬
‫‪( -‬دونل لوك‪ ،‬أوين نوري‪ ،‬داسي مورمونت‪ ،‬السير وندل ماندرلي‪ ،‬روبن فلينت)‪ ،‬قُتِلوا في ال ِّزفاف‬
‫األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬هالس مولين‪ ،‬قائد ال َحرس‪ ،‬ينقل رُفات اللورد إدارد ستارك إلى وينترفل‪،‬‬
‫‪ -‬چاكس‪ ،‬كوينت‪ ،‬شاد‪َ ،‬حرس‪،‬‬
‫‪ -‬أعمام وأخوال روب‪:‬‬
‫‪ -‬بنچن ستارك‪ ،‬أصغر أعمامه‪ ،‬فُقِ َد في جول ٍة وراء ِ‬
‫الجدار ويُعتقَد أنه ماتَ ‪،‬‬
‫‪( -‬اليسا آرن)‪ ،‬خالته‪ ،‬سيِّدة العُش‪ ،‬زوجة اللورد چون آرن‪ ،‬ماتَت سقوطًا من ٍ‬
‫عل‪،‬‬
‫‪ -‬ابنهما‪ ،‬روبرت آرن‪ ،‬سيِّد العُش وحامي الوادي‪ ،‬صبي سقيم‪،‬‬
‫‪ -‬إدميور تلي‪ ،‬سيِّد ريڤر َرن‪ ،‬خاله‪ ،‬أُ ِس َر في ِّ‬
‫الزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي روزلين سليلة عائلة فراي‪ ،‬عروس إدميور‪،‬‬
‫‪ -‬السير برايندن تَلي ولقبه السمكة السوداء‪ ،‬ع ُّم أ ِّمه‪ ،‬أمين القلعة في ريڤر َرن‪،‬‬
‫صغير‪ ،‬لوردات الشَّمال‪:‬‬ ‫‪ -‬ح َملة راية ِّ‬
‫الذئب ال َّ‬
‫المارق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬رووس بولتون‪ ،‬سيِّد معقل الخوف‪،‬‬
‫بمرض في البطن‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪( -‬دومريك)‪ ،‬ابنه ال َّشرعي ووريثه‪ ،‬ماتَ‬
‫‪ -‬رامزي بولتون (رامزي سنو سابقًا)‪ ،‬ابن رووس الطَّبيعي ويُ َس َّمى نغل بولتون‪ ،‬أمين القلعة في معقل‬
‫الخوف‪،‬‬
‫‪ -‬والدر فراي ووالدر فراي ويُ َس َّميان والدر الصغير و والدر الكبير‪ُ ،‬مرافقا رامزي‪،‬‬
‫‪( -‬ريك)‪ ،‬جُندي معروف برائحته الكريهة‪ ،‬قُتِ َل في أثناء انتحاله شخصيَّة رامزي‪،‬‬
‫‪« -‬آريا ستارك»‪ ،‬أسيرة اللورد رووس‪ ،‬فتاة زائفة مخطوبة لرامزي‪،‬‬
‫‪ -‬والتون ولقبه ذو الساقين الفوالذ‪ ،‬قائد َحرس رووس‪،‬‬
‫‪ -‬بث كاسل‪ ،‬كايرا‪ ،‬تورنيپ‪ ،‬پاال‪ ،‬باندي‪ ،‬شايرا‪ ،‬پاال‪ ،‬العجوز نان‪ ،‬نسوة من وينترفل أسيرات في معقل‬
‫الخوف‪،‬‬
‫‪ -‬چون أومبر ولقبه چون الكبير‪ ،‬سيِّد المستوقَد األخير‪ ،‬أسير في التَّوأمتين‪،‬‬
‫‪( -‬چون) ولقبه چون الصغير‪ ،‬ابن چون الكبير ووريثه‪ ،‬قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬مورس ولقبه آكل الغراب‪ ،‬عم چون الكبير‪ ،‬أمين القلعة في المستوقَد األخير‪،‬‬
‫‪ -‬هوثر ولقبه باقر العاهرة‪ ،‬عم چون الكبير‪ ،‬أيضًا أمين القلعة في المستوقَد األخير‪،‬‬
‫‪( -‬ريكارد كارستارك)‪ ،‬سيِّد كارهولد‪ ،‬قُ ِط َع رأسه الرتكابه الخيانة وقتل األسرى‪،‬‬
‫‪( -‬إدارد)‪ ،‬ابنه‪ ،‬قُتِ َل في الغابة الهامسة‪،‬‬
‫‪( -‬تورين)‪ ،‬ابنه‪ ،‬قُتِ َل في الغابة الهامسة‪،‬‬
‫‪ -‬هاريون‪ ،‬ابنه‪ ،‬أسير في بِركة العذارى‪،‬‬
‫‪ -‬آليس‪ ،‬ابنة اللورد ريكارد‪ ،‬فتاة في الخامسة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ع ُّم ريكارد‪ ،‬أرنولف‪ ،‬أمين القلعة في كارهولد‪،‬‬
‫‪ -‬جالبارت جلوڤر‪ ،‬سيِّد ربوة الغابة‪ ،‬أعزب‪،‬‬
‫‪ -‬روبت جلوڤر‪ ،‬أخوه ووريثه‪،‬‬
‫‪ -‬زوجة روبت‪ ،‬سيبل سليلة عائلة لوك‪،‬‬
‫‪ -‬طفالهما‪:‬‬
‫‪ -‬جاون‪ ،‬صبي في الثَّالثة‪،‬‬
‫‪ -‬إرينا‪ ،‬رضيعة‪،‬‬
‫‪ -‬ربيب جالبارت‪ ،‬الرنس سنو‪ ،‬ابن (اللورد هالس هورنوود) الطَّبيعي‪ ،‬صبي في الثَّالثة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬هاوالند ريد‪ ،‬سيِّد قلعة المياه الرَّماديَّة‪ ،‬من شعب المستنقعات‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬چيانا‪ ،‬من شعب المستنقعات‪،‬‬
‫‪ -‬طفالهما‪:‬‬
‫‪ -‬ميرا‪ ،‬صيَّادة شابَّة‪،‬‬
‫‪ -‬چوچن‪ ،‬صبي موهوب البصيرة الخضراء‪،‬‬
‫‪ -‬وايمان ماندرلي‪ ،‬سيِّد الميناء األبيض‪ ،‬شديد البدانة‪،‬‬
‫‪ -‬السير وايليس ماندرلي‪ ،‬ابنه األكبر ووريثه‪ ،‬بدين ج ًّدا‪ ،‬أسير في هارنهال‪،‬‬
‫‪ -‬زوجة وايليس‪ ،‬ليونا سليلة عائلة وولفيلد‪،‬‬
‫‪ -‬واينافريد‪ ،‬ابنتهما‪ ،‬فتاة في التَّاسعة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬وايال‪ ،‬ابنتهما‪ ،‬فتاة في الخامسة عشرة‪،‬‬
‫‪( -‬السير وندل ماندرلي)‪ ،‬ابنه الثَّاني‪ ،‬قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬السير مارلون ماندرلي‪ ،‬ابن ع ِّمه‪ ،‬قائد الحامية في الميناء األبيض‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر ثيومور‪ ،‬مستشار ومعالج ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬مج مورمونت‪ ،‬سيِّدة جزيرة الدِّببة‪،‬‬
‫‪( -‬داسي)‪ ،‬ابنتها ال ُكبرى ووريثتها‪ ،‬قُ ِتلَت في ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬أليسين‪ ،‬اليرا‪ ،‬چوريل‪ ،‬ليانا‪ ،‬بناتها‪،‬‬
‫‪( -‬چيور مورمونت)‪ ،‬أخوها‪ ،‬قائد َحرس اللَّيل‪ ،‬اغتالَه رجاله‪،‬‬
‫‪ -‬السير چورا مورمونت‪ ،‬ابن اللورد چيور‪ ،‬سيِّد جزيرة الدِّببة ال َّشرعي سابقًا‪ ،‬فارس مدان ومنفي‪،‬‬
‫‪( -‬السير هلمان تولهارت)‪ ،‬سيِّد مربَّع تورين‪ ،‬قُتِ َل في وادي الغسق‪،‬‬
‫‪( -‬بنفريد)‪ ،‬ابنه ووريثه‪ ،‬قتلَه الحديديُّون على السَّاحل الحجري‪،‬‬
‫‪ -‬إدارا‪ ،‬ابنته‪ ،‬أسيرة في مربَّع تورين‪،‬‬
‫‪( -‬ليوبولد)‪ ،‬أخوه‪ ،‬قُتِ َل في وينترفل‪،‬‬
‫‪ -‬زوجة ليوبود‪ ،‬بيرينا سليلة عائلة هورنوود‪ ،‬أسيرة في مربَّع تورين‪،‬‬
‫‪ -‬ابناهما براندون وبيرين‪ ،‬أيضًا أسير في مربَّع تورين‪،‬‬
‫‪ -‬رودريك ريزويل‪ ،‬سيِّد ال ُغدران‪،‬‬
‫‪ -‬باربري داستن‪ ،‬ابنته‪ ،‬سيِّدة بلدة الرَّوابي‪ ،‬أرملة (اللورد ويالم داستن)‪،‬‬
‫‪ -‬هاروود ستاوت‪ ،‬من أتباعه‪ ،‬لورد صغير من بلدة الرَّوابي‪،‬‬
‫‪( -‬بثاني بولتون)‪ ،‬ابنته‪ ،‬زوجة اللورد رووس بولتون الثَّانية‪ ،‬ماتَت بال ُح َّمى‪،‬‬
‫‪ -‬روچر ريزويل‪ ،‬ريكارد ريزويل‪ ،‬رووس ريزويل‪ ،‬أبناء عمومته وح َملة رايته المشاكسون‪،‬‬
‫‪( -‬كالي سروين)‪ ،‬سيِّد سروين‪ ،‬قُتِ َل في وينترفل‪،‬‬
‫‪ -‬چونل‪ ،‬أخته‪ ،‬عذراء في الثَّانية والثَّالثين‪،‬‬
‫‪ -‬لييسا فلينت‪ ،‬سيِّدة قلعة األرملة‪،‬‬
‫‪ -‬أوندرو لوك‪ ،‬سيِّد القلعة العتيقة‪ ،‬عجوز‪،‬‬
‫‪ -‬هيوجو وول ولقبه الدلو الكبير‪ ،‬زعيم عشيرته‪،‬‬
‫‪ -‬بارندون نوري ولقبه النوري‪ ،‬زعيم عشيرته‪،‬‬
‫‪ -‬تورين ليدل ولقبه الليدل‪ ،‬زعيم عشيرته‪.‬‬
‫عائلة تَلي‬

‫متموجة من األزرق واألحمر‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬العائلة‪ ،‬الواجب‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫ضيَّة واثبة على خلفيَّ ٍة‬
‫راية آل تَلي عبارة عن سمكة ترويت ف ِّ‬
‫الشَّرف»‪.‬‬
‫كان اللورد إدمين تَلي سيِّد ريڤر َرن من أوائل لوردات النَّهر الذين أق َسموا على الوالء إلجون الفاتِح‪،‬‬
‫وكافأه إجون المظفَّر بتنصيبه حاك ًما على جميع أراضي نهر الثَّالوث‪.‬‬
‫إدميور تلي‪ ،‬سيِّد ريڤر َرن‪ ،‬أُ ِخ َذ أسيرًا في أثناء زفافه وسجين لدى آل فراي‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي روزلين سليلة عائلة فراي‪ ،‬عروس إدميور ال َّشابَّة‪،‬‬
‫‪( -‬الليدي كاتلين ستارك)‪ ،‬أخته‪ ،‬أرملة اللورد إدارد ستارك سيِّد وينترفل‪ ،‬قُتِلَت في ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪( -‬الليدي اليسا آرن)‪ ،‬أخته‪ ،‬أرملة اللورد چون آرن سيِّد الوادي‪ ،‬ماتَت مدفوعةً من العُش‪،‬‬
‫‪ -‬السير برايندن تلي ولقبه السمكة السوداء‪ ،‬ع ُّم إدميور‪ ،‬أمين القلعة في ريڤر َرن‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيت اللورد إدميور في ريڤر َرن‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر ڤايمان‪ ،‬مستشار ومعالج ومعلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬السير دزموند جرل‪ ،‬قيِّم السِّالح‪،‬‬
‫‪ -‬السير روبن رايجر‪ ،‬قائد ال َحرس‪،‬‬
‫‪ -‬ليو الطويل‪ ،‬إلوود‪ ،‬دلپ‪َ ،‬حرس‪،‬‬
‫‪ -‬أوثيرايدس واين‪ ،‬وكيل ريڤر َرن‪،‬‬
‫‪ -‬ح َملة راية إدميور‪ ،‬لوردات الثَّالوث‪:‬‬
‫‪ -‬تايتوس بالكوود‪ ،‬سيِّد شجرة ال ِغدفان‪،‬‬
‫‪( -‬لوكاس)‪ ،‬ابنه‪ ،‬قُتِ َل في ال ِّزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬چونوس براكن‪ ،‬سيِّد السِّياج الحجري‪،‬‬
‫‪ -‬جيسون ماليستر‪ ،‬سيِّد سيجارد‪ ،‬سجين في قلعته‪،‬‬
‫‪ -‬پاتريك‪ ،‬ابنه‪ ،‬سجين مع أبيه‪،‬‬
‫‪ -‬السير دينس ماليستر‪ ،‬ع ُّم اللورد جيسون‪ ،‬رجل في َحرس اللَّيل‪،‬‬
‫‪ -‬كليمنت پايپر‪ ،‬سيِّد قلعة العذراء الورديَّة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنه ووريثه‪ ،‬السير مارك پايپر‪ ،‬أُ ِخ َذ أسيرًا في ِّ‬
‫الزفاف األحمر‪،‬‬
‫‪ -‬كاريل ڤانس‪ ،‬سيِّد استراحة عابِري السَّبيل‪،‬‬
‫‪ -‬ابنته ال ُكبرى ووريثته‪ ،‬ليان‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتاه الصَّغيرتان‪ ،‬ريالتا و إمفيريا‪،‬‬
‫‪ -‬نوربرت ڤانس‪ ،‬سيِّد أترانتا األعمى‪،‬‬
‫‪ -‬ابنه األكبر ووريثه‪ ،‬السير رونالد ڤانس ولقبه السيئ‪،‬‬
‫‪ -‬أبناؤه األصغر‪ ،‬السير هيوجو‪ ،‬السير إليري‪ ،‬السير كيرث‪ ،‬المايستر چون‪،‬‬
‫‪ -‬ثيومار سمولوود‪ ،‬سيِّد بهو البلُّوط‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬الليدي راڤيال سليلة عائلة سوان‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتهما‪ ،‬كاريلين‪،‬‬
‫‪ -‬ويليام موتون‪ ،‬سيِّد بِركة العذارى‪،‬‬
‫‪ -‬شيال ونت‪ ،‬سيِّدة هارنهال المنحَّاة‪،‬‬
‫‪ -‬السير ويليس وود‪ ،‬فارس في خدمتها‪،‬‬
‫‪ -‬السير هالمون پايچ‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد اليموند جودبروك‪.‬‬
‫عائلة تايرل‬

‫بلون أخضر كال ُعشب‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬ننمو بق َّوة»‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫راية آل تايرل عبارة عن ورد ٍة ذهبيَّة على خلفيَّ ٍة‬
‫صع َد آل تايرل إلى السُّلطة ك ُوكالء لملوك المرعى‪ ،‬الذين ض َّمت أمالكهم السُّهول الخصبة في الجنوب‬
‫الغربي من تخوم دورن والنَّهر األسود وحتى سواحل بَحر الغروب‪ .‬يأتي نَسب آل تايرل من جهة اإلناث‬
‫ُّ‬
‫والزهور واستغ َّل‬ ‫من جارث جرينهاند‪َ ،‬ملك البَشر األوائل البُستاني الذي ارتدى تاجًا من أوراق ال َّشجر‬
‫آخر ملوك عائلة جاردنر‪ -‬في‬ ‫خصوبة األرض وزرعَها حتى ازده َرت‪ ،‬وعندما ماتَ الملك ِمرن التَّاسع ‪ِ -‬‬
‫معركة حقل النِّيران‪ ،‬سلَّم وكيله هارلن تايرل قلعة هايجاردن إلى إجون الفاتِح وأقس َم له على الوالء‪،‬‬
‫فمن َحه إجون القلعة وحُكم المرعى‪.‬‬
‫أعلن اللورد مايس تايرل تأييده الملك رنلي في بداية حرب الملوك الخمسة وز َّوجه ابنته مارچري‪ ،‬وبَعد‬
‫موت رنلي تحالفَت هايجاردن مع عائلة النستر‪ ،‬و ُخ ِطبَت مارچري للملك چوفري‪.‬‬
‫مايس تايرل‪ ،‬سيِّد هايجاردن‪ ،‬حاكم ال َجنوب‪ ،‬حافِظ ال ُّتخوم‪ ،‬عاهل المرعى األعلى‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬الليدي أليري‪ ،‬سليلة عائلة هايتاور من البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬أبناؤهما‪:‬‬
‫‪ -‬ويالس‪ ،‬االبن األكبر‪ ،‬وريث هايجاردن‪،‬‬
‫‪ -‬السير جارالن‪ ،‬لقبه الهُمام‪ ،‬االبن الثَّاني‪،‬‬
‫‪ -‬زوجته‪ ،‬الليدي ليونيت‪ ،‬سليلة عائلة فوسواي‪،‬‬
‫الزهور‪ ،‬االبن األصغر‪ ،‬أخ محلَّف في ال َحرس الملكي‪،‬‬
‫‪ -‬السير لوراس‪ ،‬فارس ُّ‬
‫‪ -‬مارچري‪ ،‬ابنتهما‪ ،‬فتاة في الرَّابعة عشرة من العُمر‪،‬‬
‫‪ -‬رفيقات مارچري‪:‬‬
‫‪ -‬بنات عمومتها مجا وآال و إلينور‪،‬‬
‫‪ -‬خطيب إلينور‪ ،‬آلن أمبروز‪ُ ،‬مرافِق‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي أليسين بولوار‪ ،‬فتاة في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬ميريديث كرين‪ ،‬تُ َس َّمى ميري‪،‬‬
‫‪ -‬تاينا المايرية‪ ،‬زوجة اللورد أورتون ميريويذر‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي آليس جريسفورد‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتة نستيريكا‪ ،‬أخت في العقيدة‪،‬‬
‫‪ -‬أ ُّمه األرملة‪ ،‬الليدي أولينا‪ ،‬سليلة عائلة ردواين‪ ،‬لقبها َملكة األشواك‪،‬‬
‫‪ -‬أختاه‪:‬‬
‫‪ -‬مينا‪ ،‬زوجة پاكستر ردواين‪ ،‬سيِّد الكرمة‪،‬‬
‫‪ -‬أوالدهما‪:‬‬
‫‪ -‬السير هوراس ردواين‪ ،‬توأم هوبر‪ ،‬يُ َس َّمى هورور سُخريةً‪،‬‬
‫‪ -‬السير هوبر ردواين‪ ،‬توأم هوراس‪ ،‬يُ َس َّمى سلوبر سُخريةً‪،‬‬
‫‪ -‬دسميرا ردواين‪ ،‬فتاة في السَّادسة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬چانا‪ ،‬زوجة السير چون فوسواي‪،‬‬
‫‪ -‬أعمامه وأوالدهم‪:‬‬
‫‪ -‬أخو أبيه‪،‬جارث‪ ،‬لقبه السمين‪ ،‬وكيل هايجاردن‪،‬‬
‫‪ -‬ابناه غير ال َّشرعيَّين‪ ،‬جارس وجارت فالورز‪،‬‬
‫‪ -‬السير مورين‪ ،‬قائد َحرس البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن مورين‪( ،‬السير لوثور)‪ ،‬زوج الليدي إلين نوريدچ‪،‬‬
‫‪ -‬ابن لوثور‪ ،‬السير ثيودور‪ ،‬زوج الليدي ليا ِسري‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ثيودور‪ ،‬إلينور‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ثيودور‪ ،‬لوثور‪ُ ،‬مرافِق‪،‬‬
‫‪ -‬ابن لوثور‪ ،‬المايستر مدويك‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة لوثور‪ ،‬أولين‪ ،‬زوجة السير ليو بالكبار‪،‬‬
‫‪ -‬ابن مورين‪ ،‬ليو‪ ،‬لقبه ليو الكسول‪،‬‬
‫‪ -‬أخو أبيه‪،‬المايستر جورمون‪ ،‬دارس في القلعة في البلدة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ع ِّمه‪(،‬السير كوينتن)‪ ،‬ماتَ في آشفورد‪،‬‬
‫‪ -‬ابن كوينتن‪ ،‬السير أوليمر‪ ،‬زوج الليدي اليسا ميدوز‪،‬‬
‫‪ -‬ابنا أوليمر‪ ،‬رايموند و ريكارد‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة أوليمر‪ ،‬مجا‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ع ِّمه‪،‬المايستر نورموند‪ ،‬في خدمة التَّاج األسود‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ع ِّمه‪(،‬السيرڤيكتور)‪ ،‬قتلَه الفارس الباسم رجل أخ َّوة غابة الملوك‪،‬‬
‫‪ -‬ابنة ڤيكتور‪ ،‬ڤيكتاريا‪ ،‬تز َّوجت (اللورد چون بولوار)‪ ،‬ماتَت ب ُح َّمى صيفيَّة‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتهما‪،‬الليدي أليسين بولوار‪ ،‬فتاة في الثَّامنة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن ڤيكتور‪،‬السير ليو‪ ،‬تز َّوج الليدي آليس بيزبوري‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتا ليو‪،‬آال و ليونا‪،‬‬
‫‪ -‬أبناء ليو‪،‬اليونل و لوكاس و لورنت‪،‬‬
‫‪ -‬أهل بيته في هايجاردن‪:‬‬
‫‪ -‬المايستر لوميس‪ ،‬مستشار‪ُ ،‬معالِج‪ ،‬معلِّم‪،‬‬
‫‪ -‬إيجون ڤيرويل‪ ،‬قائد ال َحرس‪،‬‬
‫‪ -‬السير ڤورتيمر كرين‪ ،‬قيِّم السِّالح‪،‬‬
‫‪ -‬برميل الزبدة‪ ،‬ن َّكات ومهرِّج مفرط البدانة‪،‬‬
‫‪ -‬اللوردات ح َملة رايته‪:‬‬
‫‪ -‬راندل تارلي‪ ،‬سيِّد هورن هيل‪،‬‬
‫‪ -‬پاكستر ردواين‪ ،‬سيِّد الكرمة‪،‬‬
‫‪ -‬أروين أوكهارت‪ ،‬سيِّدة السَّنديانة القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬ماثيس روان‪ ،‬سيِّد البُستان َّ‬
‫الذهبي‪،‬‬
‫‪ -‬آلستر فلورنت‪ ،‬سيِّد قلعة المياه الوضَّاءة‪ ،‬متم ِّرد يدعم ستانيس باراثيون‪،‬‬
‫‪ -‬اليتون هايتاور‪ ،‬صوت البلدة القديمة وسيِّد المرفأ‪،‬‬
‫‪ -‬أورتون ميريويذر‪ ،‬سيِّد الطَّاولة الطَّويلة‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد آرثر أمبروز‪.‬‬
‫والمقسمون له‪:‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬فُرسانه‬
‫‪ -‬السير مارك مولندور‪ُ ،‬ش َّل في معركة النَّهر األسود‪،‬‬
‫‪ -‬السير چون فوسواي‪ ،‬من فرع ال ُّتفَّاحة الخضراء من عائلة فوسواي‪،‬‬
‫‪ -‬السير تانتون فوسواي‪ ،‬من فرع ال ُّتفَّاحة الحمراء من عائلة فوسواي‪.‬‬
‫ملحق (‪)3‬‬
‫متم ِّردون ومجرمون‬
‫عوام وإخوة محلَّفون‬
‫لوردات صغار ومتج ِّولون وعا َّمة‬
‫‪ -‬السير كرايتون لونجبو والسير إيليفر المفلس‪ ،‬فارسان متج ِّوالن وبطالن‪،‬‬
‫‪ -‬هيبالد‪ ،‬تاجر جبان بخيل‪،‬‬
‫متجول في خدمة هيبالد‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬السير شادريك ابن الوادي الظليل ولقبه الفأر المجنون‪ ،‬فارس‬
‫‪ -‬بريان وتُ َس َّمى عذراء تارث وبريان المليحة‪ ،‬عذراء في مه َّمة‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد سلوين نجم المساء‪ ،‬سيِّد تارث‪ ،‬أبوها‪،‬‬
‫‪( -‬بن بوشي الكبير)‪ ،‬السير هايل هنت‪ ،‬السير مارك مالندور‪ ،‬السير إدموند أمبروز‪( ،‬السير ريتشارد‬
‫فارو)‪( ،‬ويل اللقلق)‪ ،‬السير هيو بيزبوري‪ ،‬السير رايموند‬
‫خاطبو ُو َّدها السَّابقون‪،‬‬
‫نايالند‪ ،‬هاري سوير‪ ،‬السير أوين إنشفيلد‪ ،‬روبن پوتر‪ِ ،‬‬
‫‪ -‬رينفريد ريكر‪ ،‬سيِّد وادي الغسق‪،‬‬
‫ق واحدة في خدمته‪ ،‬أمين قلعة التَّبَّة في وادي الغسق‪،‬‬
‫‪ -‬السير روفوس ليك‪ ،‬فارس بسا ٍ‬
‫‪ -‬ويليام موتون‪ ،‬سيِّد بِركة العذارى‪،‬‬
‫‪ -‬إلينور‪ ،‬ابنته ال ُكبرى ووريثته‪ ،‬في الثَّالثة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬راندل تارلي‪ ،‬سيِّد هورن هيل‪ ،‬يقود ق َّوات الملك تومن على ضفاف الثَّالوث‪،‬‬
‫‪ -‬ديكون‪ ،‬ابنه ووريثه‪ُ ،‬مرافق صغير‪،‬‬
‫‪ -‬السير هايل هنت‪ ،‬فارس في خدمة عائلة تارلي‪،‬‬
‫‪ -‬السير آلن هنت‪ ،‬ابن عم السير هايل‪ ،‬أيضًا في خدمة عائلة تارلي‪،‬‬
‫‪ -‬ديك كراب ولقبه ديك الرشيق‪ ،‬من آل كراب أوالد الرَّأس المتصدِّع‪،‬‬
‫‪ -‬إيوستس برون‪ ،‬سيِّد عرين داير‪،‬‬
‫‪ -‬بينارد برون‪ ،‬فارس الغور البنِّي‪ ،‬ابن ع ِّمه‪،‬‬
‫‪ -‬السير روچر هوج‪ ،‬فارس قرن الخنزيرة‪،‬‬
‫سپتون ميريبولد‪ِ ،‬سپتون حافي القدمين‪،‬‬
‫‪ -‬ال ّ‬
‫‪ -‬كلبه‪ ،‬كلب‪،‬‬
‫‪ -‬األخ الكبير‪ ،‬من جزيرة الهدوء‪،‬‬
‫‪ -‬األخ ناربرت‪ ،‬األخ جيالم‪ ،‬األخ راوني‪ ،‬إخون تائبون على جزيرة الهدوء‪،‬‬
‫‪ -‬السير كوينسي كوكس‪ ،‬فارس َّ‬
‫المالحات‪،‬‬
‫‪ -‬في خان مفت َرق ال ُّ‬
‫طرق‪:‬‬
‫‪ -‬چاين هدل ولقبها چاين الفارعة‪ ،‬فتاة طويلة شابَّة في الثَّامنة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬ويلو‪ ،‬أختها‪ ،‬تُعاقِب بالضَّرب بالملعقة‪،‬‬
‫‪ -‬تانسي‪ ،‬پايت‪ ،‬چون پني‪ ،‬بن‪ ،‬أيتام في الخان‪،‬‬
‫‪ -‬جندري‪ ،‬صبي ح َّداد وابن غير شرعي للملك روبرت باراثيون األول‪ ،‬يجهل أصله‪،‬‬
‫‪ -‬في هارنهال‪:‬‬
‫‪ -‬رافورد ولقبه راف المعسول‪ ،‬فم الخراء‪ ،‬دانسن‪ ،‬من رجال الحامية‪،‬‬
‫‪ -‬بن ذو اإلبهام األسود‪ ،‬ح َّداد وصانع سالح‪،‬‬
‫‪ -‬پيا‪ ،‬خادمة كانت حسناء‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر چوليان‪ ،‬معالج ومعلِّم ومستشار‪،‬‬
‫‪ -‬في داري‪:‬‬
‫‪ -‬الليدي آميري فراي ولقبها آمي البوابة‪ ،‬أرملة شهوانيَّة شابَّة مخطوبة لالنسل النستر‪،‬‬
‫‪ -‬أُم الليدي آميري‪ ،‬الليدي ماريا سليلة عائلة داري‪ ،‬أرملة ميريت فراي‪،‬‬
‫‪ -‬أخت الليدي آميري‪ ،‬ماريسا‪ ،‬فتاة في الثَّالثة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬السير هاروين پلوم ولقبه الحجر الصلب‪ ،‬قائد الحامية‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر أوتومور‪ ،‬معالج ومعلِّم ومستشار‪،‬‬
‫‪ -‬في خان ال َّرجل ال َّراكع‪:‬‬
‫صاحبة الخان‪ ،‬طاهية وقابلة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬شارنا‪،‬‬
‫‪ -‬زوجها وتُ َس ِّميه زوجي‪،‬‬
‫‪ -‬الصبي‪ ،‬من يتامى الحرب‪،‬‬
‫‪ -‬هوت پاي‪ ،‬ابن خبَّاز يتيم‪.‬‬
‫خارجون عن القانون‬
‫ورجال مكسورون‬
‫ست مرَّات‪،‬‬‫(بريك دونداريون)‪ ،‬سيِّد المرفأ األسود السَّابق‪ ،‬قُتِ َل َّ‬
‫‪ -‬إدريك داين‪ ،‬سيِّد ستارفول‪ ،‬صبي في الثَّانية عشرة‪ُ ،‬مرافق اللورد بريك‪،‬‬
‫‪ -‬القناص المجنون من السِّپت الحجري‪ ،‬حليفه أحيانًا‪،‬‬
‫مرتزق تايروشي‪ ،‬صديقه غير الموثوق به‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ذو اللحية الخضراء‪،‬‬
‫رام من تُخوم دورن‪،‬‬
‫‪ -‬آنجاي القواس‪ٍ ،‬‬
‫‪ -‬ميريت ابن بلدة القمر‪ ،‬واتي الطحان‪ ،‬مج فتاة المستنقعات‪ ،‬چون ابن قرية نوتن‪ ،‬خارجون عن القانون‬
‫في جماعته‪،‬‬
‫الليدي قلب الحجر‪ ،‬امرأة تُخفي مالمحها‪ ،‬تُ َس َّمى أحيانًا أُم القسوة واألخت الصَّامتة وال َّشنَّاقة‪،‬‬
‫‪ -‬ليم ويُ َس َّمى ليم ذو المعطف الليموني‪ ،‬جُندي سابق‪،‬‬
‫‪ -‬ثوروس المايري‪ ،‬راهب أحمر‪،‬‬
‫‪ -‬هاروين‪ ،‬ال َّشمالي ابن هالن‪ ،‬خد َم اللورد إدارد ستارك سيِّد وينترفل سابقًا‪،‬‬
‫‪ -‬چاك المحظوظ‪ ،‬رجل مطلوب‪ ،‬تَنقُصه عين‪،‬‬
‫‪ -‬توم ابن الجداول السبعة‪ ،‬مطرب سيِّئ السُّمعة‪ ،‬لقبه توم سبعة أوتار و توم أبو السبعات‪،‬‬
‫‪ -‬لوك الراجح‪ ،‬نوتش‪ ،‬مودچ‪ ،‬ديك الحليق‪ ،‬خارجون عن القانون‪،‬‬
‫ساندور كليجاين ولقبه كلب الصيد‪ ،‬حارس الملك چوفري ال َّشخصي سابقًا‪ ،‬ثم أخ محلَّف في ال َحرس‬
‫ضر على ضفَّة الثَّالوث‪،‬‬ ‫الملكي‪ُ ،‬شو ِه َد ِ‬
‫آخر م َّر ٍة محمو ًما يُحت َ‬
‫مرتزقة ألثغ‪ ،‬قتلَه السير جريجور كليجاين في‬ ‫ِ‬ ‫(ڤارجو هوت)‪ ،‬من مدينة ڬوهور ال ُحرَّة‪ ،‬لقبه الكبش‪ ،‬قائد‬
‫هارنهال‪،‬‬
‫ضا باسم الممثِّلين ال َّ‬
‫سفَّاحين‪:‬‬ ‫‪ -‬رجاله في ِرفقة الشُّجعان‪ ،‬جماعة المرت ِزقة المعروفة أي ً‬
‫‪ -‬أورزويك ولقبه الوفي‪ ،‬نائبه‪،‬‬
‫‪ ( -‬السّپتون أوت)‪ ،‬شنقَه اللورد بريك دونداريون‪،‬‬
‫‪ -‬تيميون الدورني‪ ،‬زولو السمين‪ ،‬رورچ‪ ،‬العضاض‪ ،‬پيج‪ ،‬شاجويل المهرج‪ ،‬توج چوث اإليبنيزي‪،‬‬
‫مشتَّتون وهاربون‪،‬‬
‫‪ -‬في ماخور التُّفَّاحة في ال ِّ‬
‫سپت الحجري‪:‬‬
‫‪ -‬تانسي‪ ،‬مالكة المكان حمراء ال َّشعر‪،‬‬
‫‪ -‬آليس‪ ،‬كاس‪ ،‬النا‪ ،‬چايزين‪ ،‬هيلي‪ ،‬بال‪ ،‬بعض خوخاتها‪،‬‬
‫‪ -‬في بهو الب ُّلوط‪ ،‬مقر عائلة سمولوود‪:‬‬
‫‪ -‬الليدي راڤيال‪ ،‬من عائلة سوان سابقًا‪ ،‬زوجة اللورد ثيومار سمولوود‪،‬‬
‫‪ -‬هنا وهناك‪:‬‬
‫مسن خَ َّ‬
‫ف عقله‪ ،‬هز َم السير ماينارد عند الجسر ذات مرَّة‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫‪ -‬اللورد اليموند اليتشستر‪ ،‬رجل‬
‫‪ -‬وكيله ال َّشاب‪ ،‬ال ِمايستر روون‪،‬‬
‫‪ -‬شبح القلب العالي‪،‬‬
‫‪ -‬سيِّدة األوراق‪،‬‬
‫‪ -‬السِّپتون في ساليدانس‪.‬‬
‫إخوة َحرس اللَّيل المحلَّفون‬
‫چون سنو‪ ،‬نغل وينترفل‪ ،‬قائد َحرس اللَّيل الثَّامن والتِّسعون بَعد التِّسعمئة‪،‬‬
‫‪ -‬جوست‪ ،‬ذئبه الرَّهيب األبيض‪،‬‬
‫‪ -‬وكيله‪ ،‬إديسون توليت ولقبه إد الكئيب‪،‬‬
‫رجال القلعة السوداء‪:‬‬
‫‪ -‬بنچن ستارك‪ ،‬الج َّوال األول‪ ،‬مفقود منذ فتر ٍة طويلة ويُعتقَد أنه ماتَ ‪،‬‬
‫‪ -‬السير وينتون ستاوت‪ ،‬ج َّوال مسن تائه العقل‪،‬‬
‫‪ -‬كدچ ذو العين البيضاء‪ ،‬بدويك ولقبه العمالق‪ ،‬ماثار‪ ،‬دايوين‪ ،‬جارث جرايفيذر‪ ،‬أولمر ابن غابة‬
‫الملوك‪ ،‬إلرون‪ ،‬پايپر ويُ َس َّمى پيپ‪ ،‬جرن ولقبه الثور‪ ،‬برنار ويُ َس َّمى برنار األسود‪ ،‬جودي‪ ،‬تيم ستون‪،‬‬
‫چاك بولوار األسود‪ ،‬جيوف ولقبه السنجاب‪ ،‬بن الملتحي‪ ،‬ج َّوالة‪،‬‬
‫‪ -‬باون مارش‪ ،‬قيِّم ال ُوكالء‪،‬‬
‫‪ -‬هوب ذو الثالثة أصابع‪ ،‬وكيل وكبير ُّ‬
‫الطهاة‪،‬‬
‫بذراع واحدة‪ ،‬قتلَه ماج الجبَّار عند الب َّوابة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪( -‬دونال نوي)‪ ،‬ح َّداد وصانع سالح‬
‫‪ -‬أوين ولقبه الجحش‪ ،‬تيم المتهته‪ ،‬كوچن‪ ،‬دونل هيل ولقبه دونل المرح‪ ،‬ليو األعسر‪ ،‬چيرن‪ ،‬ويك‬
‫المهزول‪ُ ،‬وكالء‪،‬‬
‫‪ -‬أوثيل يارويك‪ ،‬البنَّاء األول‪،‬‬
‫‪ -‬ذو النعل الواحد‪ ،‬هالدر‪ ،‬آلبت‪ ،‬كجز‪ ،‬بنَّائون‪،‬‬
‫‪ -‬كونواي و جورن‪ ،‬مجنِّدان متج ِّوالن‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتون سالدور‪ ،‬رجل دين س ِّكير‪،‬‬
‫‪ -‬السير أليسر ثورن‪ ،‬قيِّم السِّالح السَّابق‪،‬‬
‫‪ -‬اللورد چانوس سلينت‪ ،‬قائد َحرس المدينة السَّابق في كينجز الندنج‪ ،‬سيِّد هارنهال لفتر ٍة وجيزة‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر إيمون (تارجارين)‪ ،‬معالج ومستشار‪ ،‬عجوز كفيف في المئة واالثنين من العُمر‪،‬‬
‫‪ -‬وكيل إيمون‪ ،‬كاليداس‪،‬‬
‫‪ -‬وكيل إيمون‪ ،‬سامويل تارلي‪ ،‬بدين ومحب للقراءة‪،‬‬
‫‪ -‬إميت الحديدي‪ ،‬من رجال القلعة ال َّشرقيَّة سابقًا‪ ،‬قيِّم السِّالح‪،‬‬
‫‪ -‬هارث ولقبه الجواد‪ ،‬التَّوأمان أرون و إمريك‪ ،‬ساتان‪ ،‬روبن النطاط‪ ،‬مجنَّدون تحت التَّدريب‪،‬‬
‫رجال برج الظالل‪:‬‬
‫‪ -‬السير دينس ماليستر‪ ،‬قائد القلعة‪،‬‬
‫‪ -‬وكيله و ُمرافقه‪ ،‬واالس ماسي‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر مولين‪ ،‬معالج ومستشار‪،‬‬
‫‪( -‬كورين ذو النصف يد)‪ ،‬كبير الج َّوالة‪ ،‬قتلَه چون سنو وراء ِ‬
‫الجدار‪،‬‬
‫‪ -‬إخوان بُرج الظِّالل‪:‬‬
‫‪( -‬المرافق دالبريدچ‪ ،‬إيجن)‪ُ ،‬مرافقان‪ ،‬قُ ِتال في الممر الصَّادح‪،‬‬
‫‪ -‬ثعبان الحجر‪ ،‬ج َّوال‪ ،‬مفقود في الممر الصَّادح‪،‬‬
‫رجال القلعة الشرقية على البحر ‪،‬‬
‫‪ -‬كوتر پايك‪ ،‬قائد القلعة‪،‬‬
‫‪ -‬المايستر هارميون‪ ،‬معالج ومستشار‪،‬‬
‫‪ -‬ذو األسمال المالحة العجوز‪ُ ،‬ربَّان الطَّائر األسود‪،‬‬
‫‪ -‬السير جلندون هيويت‪ ،‬قيِّم السِّالح‪،‬‬
‫‪ -‬إخوان القلعة الشَّرقيَّة‪:‬‬
‫‪ -‬داريون‪ ،‬وكيل ومطرب‪،‬‬
‫في قلعة كراستر (الخونة)‪:‬‬
‫‪ -‬ديرك‪ ،‬الذي قت َل مضيفه كراستر‪،‬‬
‫قتل قائده اللورد مورمونت‪،‬‬
‫‪ -‬أولو األبتر‪ ،‬الذي َ‬
‫‪ -‬جارث جرينواي‪ ،‬ماوني‪ ،‬جروبز‪ ،‬آالن ابن روزبي‪ ،‬ج َّوالة سابقون‪،‬‬
‫‪ -‬كارل ذو القدم المعوجة‪ ،‬أوس اليتيم‪ ،‬بيل المتمتم‪ُ ،‬وكالء سابقون‪.‬‬
‫ال َهمج أو شعب األحرار‬
‫الجدار‪ ،‬أسير في القلعة السَّوداء‪،‬‬
‫مانس رايدر‪ ،‬ملك ما وراء ِ‬
‫‪( -‬داال)‪ ،‬زوجته‪ ،‬ماتَت في أثناء الوضع‪،‬‬
‫اسم بع ُد‪،‬‬
‫‪ -‬ابنهما حديث الوالدة‪ ،‬وليد المعركة‪ ،‬بال ٍ‬
‫‪ -‬ڤال‪ ،‬أخت داال الصَّغيرة‪« ،‬األميرة الهمجيَّة»‪ ،‬أسيرة في القلعة السَّوداء‪،‬‬
‫‪ُ -‬زعماء ال َهمج وقادتهم‪:‬‬
‫‪( -‬هارما) ولقبها رأس الكلب‪ ،‬قُتِلَت عند ِ‬
‫الجدار‪،‬‬
‫‪ -‬هاليك‪ ،‬أخوها‪،‬‬
‫‪ -‬سيد العظام ولقبه ذو القميص المخشخش سُخريةً‪ ،‬قائد فرق ٍة حربيَّة‪ ،‬أسير في القلعة السَّوداء‪،‬‬
‫‪( -‬إيجريت)‪ ،‬زوجة حربة شابَّة‪ ،‬حبيبة چون سنو‪ ،‬قُتِلَت خالل الهجوم على القلعة السَّوداء‪،‬‬
‫‪ -‬رايك‪ ،‬لقبه ذو الحربة الطويلة‪ ،‬من فرقته‪،‬‬
‫‪ -‬راجوايل‪ ،‬الينل‪ ،‬من فرقته‪،‬‬
‫‪( -‬ستير)‪ ،‬ماجنَر ثِن‪ ،‬قُتِ َل خالل الهجوم على القلعة السَّوداء‪،‬‬
‫‪ -‬سيجورن‪ ،‬ابن ستير‪ ،‬ماجنَر ثِن الجديد‪،‬‬
‫ضا‬
‫‪ -‬تورموند‪ ،‬ملك البِتع في البهو القاني‪ ،‬ألقابه بلية العماليق‪ ،‬المهذار‪ ،‬نافخ البوق‪ ،‬و كاسر الجليد‪ ،‬وأي ً‬
‫قبضة الرعد‪ ،‬زوج الدببة‪ ،‬كليم اآللهة‪ ،‬و أبو الجيوش‪،‬‬
‫‪ -‬أبناؤه‪ ،‬توريج الطويل‪ ،‬تورويند المروض‪ ،‬دورموند‪ ،‬درين‪ ،‬وابنته‪ ،‬موندا‪،‬‬
‫‪( -‬أورل ولقبه أورل النسر)‪ ،‬مبدِّل ِجلدة قتلَه چون سنو في الممر الصَّادح‪،‬‬
‫‪ -‬ماج مار تون دوه ويج ‪ ،‬لقبه ماج الجبار‪ ،‬ملك العمالقة‪،‬‬
‫‪ -‬ڤارامير‪ ،‬لقبه ست جلود‪ ،‬سيِّد لثالثة ذئاب وقِطِّ ِظلٍّ و ُدبِّ ثلوج‪،‬‬
‫‪ -‬البكاء‪ُ ،‬مغير وقائد فرقة حربيَّة‪،‬‬
‫‪( -‬ألفين قاتل الغربان)‪ ،‬قتلَه كورين ذو النِّصف يد رجل َحرس اللَّيل‪،‬‬
‫‪( -‬چارل)‪ُ ،‬مغير شاب‪ ،‬حبيب ڤال‪ ،‬ماتَ سقوطًا من على ِ‬
‫الجدار‪،‬‬
‫‪ -‬جريج التيس‪ ،‬إروك‪ ،‬كورت‪ ،‬بودچر‪ ،‬دل‪ ،‬بثرة الكبير‪ ،‬دان القنبي‪ ،‬هنك ذو الدفة‪ ،‬لن‪ ،‬توفينجر‪ ،‬ذو‬
‫اإلبهام الحجري‪ ،‬هجَّانة‪،‬‬
‫(كراستر)‪ ،‬سيِّد قلعة كراستر الذي ال يركع ألحد‪،‬‬
‫‪ -‬جيلي‪ ،‬ابنته وزوجته‪،‬‬
‫اسم بع ُد‪،‬‬
‫‪ -‬ابنها حديث الوالدة‪ ،‬بال ٍ‬
‫‪ -‬ديا‪ ،‬فيرني‪ ،‬نال‪ ،‬ثالث من زوجاته التِّسع عشرة‪.‬‬
‫ملحق (‪)4‬‬
‫وراء البحر الضيِّق‬
‫الملكة وراء البحر‬

‫أحمر ذي ثالثة رؤوس ‪-‬يَر ُمز إلجون وأختيه‪ -‬على خلفيَّ ٍة سوداء‪ ،‬وكلماتهم‪« :‬النَّار‬
‫َ‬ ‫راية آل تارجاريَن عبارة عن تنِّين‬
‫والدَّم»‪.‬‬
‫دنيرس تارجارين األولى‪ ،‬كاليسي الدوثراكي‪ ،‬تُ َس َّمى دنيرس وليدة العاصفة‪ ،‬التي لم تحترق‪ ،‬أم التنانين‪،‬‬
‫آخر من تبقَّى من أوالد الملك إيرس تارجاريَن الثَّاني وأرملة الدوثراكي كال دروجو‪،‬‬‫ِ‬
‫‪ -‬تنانينها النَّامون‪ :‬دروجون‪ ،‬ڤسيريون‪ ،‬ريجال‪،‬‬
‫‪َ -‬حرسها الملكي‪:‬‬
‫‪ -‬السير چورا مورمونت‪ ،‬سيِّد جزيرة الدِّببة السَّابق‪ ،‬منفي إلتجاره بالرَّقيق‪،‬‬
‫‪ -‬چوجو‪ ،‬كو وخيَّال دم‪ ،‬السَّوط‪،‬‬
‫‪ -‬آجو‪ ،‬كو وخيَّال دم‪ ،‬القوس‪،‬‬
‫‪ -‬راكارو‪ ،‬كو وخيَّال دم‪ ،‬األراخ‪،‬‬
‫‪ -‬بلواس القوي‪ ،‬عبد خص ٌّي سابق في حلبات القتال بميرين‪،‬‬
‫ُّ‬
‫المسن‪ ،‬آرستان‪ ،‬لقبه ذو اللحية البيضاء‪ ،‬رجل من وستروس‪،‬‬ ‫‪ُ -‬مرافِقه‬
‫‪ -‬وصيفتاها‪:‬‬
‫‪ -‬إيري‪ ،‬فتاة من الدوثراكي‪ ،‬في الرَّابعة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬چيڬوي‪ ،‬فتاة من الدوثراكي‪ ،‬في الخامسة عشرة‪،‬‬
‫‪ -‬جروليو‪ُ ،‬ربَّان الكوج العظيم بالريون‪َّ ،‬‬
‫مالح في خدمة إليريو موپاتيس‪،‬‬
‫‪ -‬أهلها ال َّراحلون‪:‬‬
‫‪( -‬ريجار)‪ ،‬أخوها‪ ،‬أمير دراجونستون ووريث العرش الحديدي‪ ،‬قتلَه روبرت باراثيون في معركة‬
‫الثَّالوث‪،‬‬
‫‪( -‬ريينس)‪ ،‬ابنة ريجار من إليا الدورنيَّة‪ ،‬قُتِلَت خالل نهب كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪( -‬إجون)‪ ،‬ابن ريجار من إليا الدورنيَّة‪ ،‬قُتِ َل خالل نهب كينجز الندنج‪،‬‬
‫‪( -‬ڤسيرس)‪ ،‬س َّمى نفسه الملك ڤسيرس الثَّالث‪ ،‬لقبه الملك الشحاذ‪ ،‬قُتِل في ڤايس دوثراك على يد كال‬
‫دروجو‪،‬‬
‫‪( -‬دروجو)‪ ،‬زوجها‪ ،‬كال الدوثراكي العظيم‪ ،‬لم يُهزَم قَ ُّ‬
‫ط في معركة‪ ،‬ماتَ متأثِّرًا بجرح‪،‬‬
‫‪( -‬رييجو)‪ ،‬ابن دنيرس وكال دروجو الجهيض‪ ،‬قُتِ َل في الرَّحم على يد ميري ماز دور‪،‬‬
‫‪ -‬أعداؤها المعروفون‪:‬‬
‫‪ -‬كال پونو‪ ،‬كو دروجو السَّابق‪،‬‬
‫‪ -‬كال چهاڬو‪ ،‬كو دروجو السَّابق‪،‬‬
‫‪ -‬ماجو‪ ،‬خيَّال دمه‪،‬‬
‫‪ -‬خالدو ڬارث‪ ،‬جماعة من ال َّدجَّالين‪،‬‬
‫‪ -‬پيات پري‪ ،‬دجَّال ڬارثيني‪،‬‬
‫‪ -‬الرجال اآلسفون‪ ،‬جماعة من المغتالين الڬارثينيِّين‪،‬‬
‫‪ -‬تحالُفاتها غير المضمونة في الماضي والحاضر‪:‬‬
‫‪ -‬زارو زون داڬسوس‪ ،‬أمير تاجر من كارث‪،‬‬
‫‪ -‬كويث‪ ،‬آسرة ظالل مقنَّعة من آشاي‪،‬‬
‫‪ -‬إليريو موپاتيس‪ ،‬ماچستر من مدينة پنتوس ال ُحرَّة‪ ،‬رتَّب زواج دنيرس بكال دروجو‪،‬‬
‫‪ -‬في أستاپور‪:‬‬
‫‪ -‬ڬرازنس مو نوڬلوز‪ ،‬تاجر رقيق ثري‪،‬‬
‫‪ -‬أَمته‪ ،‬ميسانداي‪ ،‬فتاة في العاشرة‪ ،‬من شعب ناث المسالم‪،‬‬
‫‪ -‬جرازدان مو أولهور‪ ،‬تاجر رقيق عجوز فاحش الثَّراء‪،‬‬
‫‪ -‬عبده‪ ،‬كليون‪ ،‬ج َّزار وطبَّاخ‪،‬‬
‫‪ -‬الدودة الرمادي‪ ،‬خص ٌّي من المطهَّرين‪،‬‬
‫‪ -‬في يونكاي‪:‬‬
‫‪ -‬جرازدان مو إراز‪ ،‬مبعوث ونبيل‪،‬‬
‫‪ -‬ميرو البراڤوسي‪ ،‬لقبه نغل المارد‪ ،‬قائد األبناء الثَّانين‪ ،‬جماعة ُحرَّة‪،‬‬
‫مرتزق مختلط النَّسب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬بن پلوم البني‪ ،‬رقيب في األبناء الثَّانين‪،‬‬
‫مرتزق جيسكاري‪ ،‬قائد ِغربان العاصفة‪ ،‬جماعة ُحرَّة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬پرندال نا غزن‪،‬‬
‫مرتزق ڬارثيني‪ ،‬قائد ِغربان العاصفة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬سالور األصلع‪،‬‬
‫مرتزق تايروشي مبه َرج‪ ،‬قائد ِغربان العاصفة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬داريو نهاريس‪،‬‬
‫‪ -‬في ميرين‪:‬‬
‫‪ -‬أوزناك زو پال‪ ،‬بطل من المدينة‪.‬‬
‫تسري دماء التنِّين في عروق آل تارجاريَن الذين ينحدرون من كبار لوردات معقل ڤاليريا الحُر القديم‪،‬‬
‫ويتب َّدى ميراثهم في جمالهم األ َّخاذ (الذي يقول بعض الناس إنه غير بَشري)‪ ،‬واألعيُن ذات اللَّون‬
‫الذهبي الفضِّي أو األبيض كالپالتين‪ .‬فَ َّر أسالف إجون التنيِّن‬ ‫األرجواني أو النِّيلجي أو البنفسجي‪ ،‬وال َّشعر َّ‬
‫من هالك ڤاليريا والفوضى والمذابح التي تب َعته واستقرُّ وا في دراجونستون‪ ،‬الجزيرة الصَّخريَّة الواقعة‬
‫أبحر إجون مع أختيه لغزو ال َممالك السَّبع‪.‬‬
‫َ‬ ‫في الب َحر الضيقِّ‪ ،‬ومن هناك‬
‫للحفاظ على ال َّدم ال َملكي وصيانة نقائه‪ ،‬غالبا ً ما اتَّبع آل تارجاريَن التقَّليد الڤاليري القديم وز َّوجوا األخ‬
‫وأنجب أبنا ًء من كلتيهما‪.‬‬
‫َ‬ ‫أخته‪ ،‬وقد تز َّوج إجون نفسه أختيه‬
‫في براڤوس‬
‫فيريجو آنتاريون‪ ،‬أمير بحر براڤوس‪،‬‬
‫‪ -‬ڬارو ڤولنتين‪ُ ،‬مبارز براڤوس األول‪ ،‬حارسه‪،‬‬
‫‪ -‬بيليجير أوثيريس ولقبها اللؤلؤة السوداء‪ ،‬محظيَّة من سُاللة الملكة القرصانة ذات االسم نفسه‪،‬‬
‫‪ -‬الليدي الملثمة‪ ،‬ملكة البحار‪ ،‬ظاللقمر‪ ،‬ابنة الغسق‪ ،‬العندليب‪ ،‬الشاعرة‪ ،‬محظيَّات شهيرات‪،‬‬
‫‪ -‬ترنيسيو تيريس‪ ،‬الرُّ بَّان التَّاجر مالك القاليون ابنة المارد‪،‬‬
‫‪ -‬يوركو ودينيو‪ ،‬ابناه‪،‬‬
‫‪ -‬موريدو پرستاين‪ ،‬الرُّ بَّان التَّاجر مالك الثَّعلبة‪،‬‬
‫‪ -‬لوثو لورنل‪ ،‬تاجر ُكتب ومخطوطات قديمة‪،‬‬
‫‪ -‬إزيلينو‪ ،‬راهب أحمر س ِّكير‪،‬‬
‫‪ -‬السّپتون إيوستس‪ ،‬معزول ومطرود‪،‬‬
‫‪ -‬تيرو و أوربيلو‪ُ ،‬مبارزا براڤو‪،‬‬
‫‪ -‬بڬو الضرير‪ ،‬تاجر أسماك‪،‬‬
‫‪ -‬بروسكو‪ ،‬تاجر أسماك‪،‬‬
‫‪ -‬ابنتاه‪ ،‬تاليا و بريا‪،‬‬
‫‪ -‬ميرالين وتُ َس َّمى مري‪ ،‬مالكة الميناء السَّعيد‪ ،‬ماخور قُرب ميناء راجمان‪،‬‬
‫‪ -‬زوجة البحار‪ ،‬عاهرة في الميناء السَّعيد‪،‬‬
‫‪ -‬النا‪ ،‬ابنتها‪ ،‬عاهرة صغيرة‪،‬‬
‫‪ -‬بثاني الخجول‪ ،‬يانا العوراء‪ ،‬آسادورا اإليبنيزية‪ ،‬من عاهرات الميناء السَّعيد‪،‬‬
‫‪ -‬روجو األحمر‪ ،‬جايلورو دوثار‪ ،‬جايلينو دوثار‪ ،‬مؤلِّف يُدعى كويل‪ ،‬كوزومو الحاوي‪ ،‬من ُمرتادي‬
‫الميناء السَّعيد‪،‬‬
‫‪ -‬تاجانارو‪ ،‬ن َّشال ولص في الميناء‪،‬‬
‫‪ -‬كاسو‪ ،‬ملك الفقمات‪ ،‬كلب بحر مدرَّب‪،‬‬
‫‪ -‬ناربو الصغير‪ ،‬شريكه أحيانًا‪،‬‬
‫‪ -‬ميرملو‪ ،‬چوس المكتئب‪ ،‬كوينس‪ ،‬آالڬو‪ ،‬سلوي‪ ،‬ممثِّلون يعملون ك َّل ليلة في السَّفينة‪،‬‬
‫‪ -‬سڤرون‪ ،‬عاهرة قاتلة‪،‬‬
‫‪ -‬االبنة السكيرة‪ ،‬عاهرة متقلِّبة المزاج‪،‬‬
‫‪ -‬چاين القرحة‪ ،‬عاهرة غير موثوق بجنسها‪،‬‬
‫‪ -‬الرجل الطيب‪ ،‬اللقيطة‪ ،‬خادمان لإلله عديد الوجوه في دار األبيض واألسود‪،‬‬
‫‪ -‬أوما‪ ،‬طاهية المعبد‪،‬‬
‫‪ -‬الرجل الوسيم‪ ،‬الرجل البدين‪ ،‬اللورد الصغير‪ ،‬ذو الوجه الصارم‪ ،‬ضيق العينين‪ ،‬الرجل المهزول‪ ،‬خدم‬
‫س ِّريُّون لذي الوجوه العديدة‪،‬‬
‫‪ -‬آريا سليلة عائلة ستارك‪ ،‬فتاة تحمل ُعملةً من الحديد‪ ،‬معروفة أيضًا بأسماء آري و نان و بنت عرس و‬
‫الكتكوت و ملحة و كات‪،‬‬
‫‪ -‬ڬاهورو مو‪ ،‬من بلدة األشجار الطَّويلة في جُزر الصَّيف‪ُ ،‬ربَّان ريح القرفة‪،‬‬
‫‪ -‬كوچا مو‪ ،‬ابنته‪ ،‬رامية حمراء‪،‬‬
‫‪ -‬زوندو دورو‪ ،‬وكيل ُربَّان على متن ريح القرفة‪.‬‬
‫شُكر وتقدير‬
‫كان هذا الكتاب مصيبةً‪.‬‬
‫صاحبات األنفُس ال ُّشجاعة‪ ،‬محرِّراتي‪ :‬نيتا توبليب وچوي‬ ‫ِ‬ ‫م َّرةً أخرى أتو َّجهُ ب ُشكري وتقديري إلى‬
‫وبالذات آن لزلي جرويل لنصائحها وروحها المرحة وصبرها البالغ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫تشامبرلين وچين چونسون‪،‬‬
‫كال من‬ ‫بشكل خاص ًّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُّشكر أيضًا لقُرَّائي على رسائلهم اللَّطيفة المشجِّعة‪ ،‬وعلى صبرهم كذلك‪ .‬أحيِّي‬
‫لودي ذي القبضات الثَّالث‪ ،‬وپود األرنب ال َّشيطاني‪ ،‬وتريبال وداچ الملكين التَّافهين‪ ،‬وكارس العذبة بنت‬
‫الجدار‪ ،‬والنستر قاتِل السَّناجب‪ ،‬وبقيَّة أخ َّوة الال رايات‪ ،‬تلك الرِّ فقة ال ِّس ِّكيرة ِشبه المجنونة من الفُرسان‬ ‫ِ‬
‫ال ُّشجعان والليديهات الجميالت‪ ،‬الذين يُقيمون أفضل الحفالت خالل المهرجان العالمي للخيال العلمي عا ًما‬
‫ق النَّفير أيضًا إلليو وليندا اللذين يبدو أنهما يعرفان الممالك السَّبع أفضل‬ ‫عام بَعد عام‪ .‬ودعوني أطل ُ‬ ‫بَعد ٍ‬
‫مما أعرفها ويُسا ِعدانني على اتِّساق التَّفاصيل‪ .‬إن موقعهما وفهرسهما عن وستروس مسرَّة وأعجوبة‪.‬‬
‫بحار أكثر ملوحةً‪ ،‬وساج ووكر على ال َعلق وال ُح َّمى‬ ‫ٍ‬ ‫و ُشكرًا إلى والتر چون ويليامز على قيادتي عبر‬
‫والعظام المكسورة‪ ،‬وپاتي نيجل على ال «‪ »HTML‬وتدوير التُّروس ونشر أخباري بسُرعة‪ ،‬وإلى ميلندا‬
‫سنودجراس ودانييل إبراهام لخدماتهما التي تع َّدت حدود الواجب‪ .‬إنني ال أتق َّد ُم َّإال بالقليل من العون من‬
‫أصدقائي‪.‬‬
‫ق پاريس التي كانت موجودةً في األيام الجيِّدة والسيِّئة ومع ك ِّل صفحة‪ .‬كلُّ ما يُمكن أن‬ ‫وال كلمات تُ َوفِّي َح َّ‬
‫يُقال إنني لم أكن ألستطيع غناء هذه األغنيَّة من دونها‪.‬‬
‫ترجم‬
‫كلمة ال ُم ِ‬
‫قد يبدو غريبًا أن تجد كلمة ال ُمترجم في نهاية الكتاب ال بدايته‪ ،‬لكن هذا الجزء من السِّلسلة غير معتاد في‬
‫وجدت أن‬‫ُ‬ ‫ح ِّد ذاته‪ ،‬ول َّما كانت هناك معلومات عن ال ِّرواية ربما يرغب القارئ العربي في معرفتها‪ ،‬فقد‬
‫إيرادها في البداية سيحرق عددًا من األحداث ويُفسد ما ارتأى المؤلِّف أن يَترُكه للنِّهاية‪ ،‬وهكذا فض ُ‬
‫َّلت أن‬
‫أذكرها هنا لمن يُريد االطِّالع عليها بَعد الفروغ من قراءة النَّص‪.‬‬
‫طط لكلِّ‬‫يقول چورچ ر‪ .‬ر‪ .‬مارتن إن ال ُكتَّاب في رأيه نوعان؛ األول يُ َشبِّهه بالمهندس المعماري حين يُ َخ ِّ‬
‫شي ٍء مسبقًا قبل ال ُّشروع في بناء المنزل‪ ،‬فيعرف كم ُغرفةً سيض ُّم وطراز السَّطح وأماكن األسالك‬
‫ق أول مسمار‪.‬‬ ‫كامال للبناء كلِّه قبل أن تُصبَّ األساسات ويُد َّ‬‫ً‬ ‫والمواسير في الجُدران‪ ،‬أي أن هناك تصمي ًما‬
‫النَّوع الثَّاني هو البُستاني الذي يَحفُر في األرض حُفرةً ويغرس فيها بذرةً ويسقيها عال ًما نوعها وما إن‬
‫كانت بذرة فانتازيا أم غموض أم غيرهما‪ ،‬لكن مع بروز النَّبتة من التُّربة واستمراره في سقيها ال يدري‬
‫غصون وأوراق‪ ،‬ويكتشف هذا شيئًا فشيئًا مع نم ِّوها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫البُستاني كم سيكون فيها من‬
‫ينتمي مارتن في كتابته ال ِّروائيَّة إلى النَّوع الثَّاني‪ ،‬وأكبر دليل على هذا في ما يخصُّ «أغنيَّة ال َجليد‬
‫صةً قصيرةً حين جالَت بباله للمرَّة األولى في صيف عام ‪ ،1881‬ثم بدأ‬ ‫حسب الفكرة تَصلُح ق َّ‬‫َ‬ ‫والنَّار» أنه‬
‫يستكشفها أكثر فأكثر فوجدَها تَصلُح لثُالثيَّة ال ِّروايات الملحميَّة التي كان يرغب في كتابتها منذ سنوات‬
‫عمله في هوليوود‪ ،‬وبَعدها «كب َرت الحكاية» كما قال مستعيرًا مقولة تولكين عن تجربته المشابهة حين بدأ‬
‫يكتب «سيِّد الخواتم»‪ ،‬فتح َّولت الثُّالثيَّة إلى ُخماسيَّة ثم إلى سُداسيَّة‪ ،‬وفي النِّهاية إلى سُباعيَّة‪.‬‬
‫نُ ِش َرت «وليمة لل ِغربان» في أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ ،4445‬بَعد خمسة أعوام وشهرين من الجزء السَّابق‪،‬‬
‫وقد نج َم هذا عن تغيُّر خطَّة مارتن في أثناء الكتابة‪ .‬في البداية كانت نيَّته أن يُط ِلق على الكتاب الرَّابع‬
‫عنوان «رقصة مع التَّنانين»‪ ،‬وأن تبدأ األحداث بَعد خمس سنوات من «عاصفة السُّيوف»‪ ،‬وكان من‬
‫أسبابه أن تكون ال َّشخصيَّات الصَّغيرة قد تق َّدمت في العُمر بعض ال َّشيء‪ ،‬على أن مارتن اكتشفَ خالل‬
‫عمليَّة الكتابة نفسها أن هذا سيقوده إلى االعتماد أكثر من َّ‬
‫الالزم على‬
‫عام أو نحوه من‬ ‫االسترجاع )‪ )Fkashback‬في سبيل حكاية ما جرى في تلك السَّنوات الخمس‪ ،‬وبَعد ٍ‬
‫مواصال األحداث من حيث‬ ‫ً‬ ‫الكتابة قرَّر أن يتخلَّى عن جز ٍء كبير من المكتوب ويبدأ من جديد‪ ،‬هذه المرَّة‬
‫انتهَت في «عاصفة السُّيوف»‪ ،‬وقد أعلنَ قراره هذا في المهرجان ال َّدولي للخيال العلمي بفيالدلفيا في‬
‫‪.4441‬‬
‫فصل أو‬
‫ٍ‬ ‫عالوةً على هذا‪ ،‬كان مارتن قد بدأ يُقَدِّم أحداثًا من وجهات نظر شخصيَّات جديدة ال تظهر َّإال في‬
‫فصال تمهيديًّا وق َع في مئتين وخمسين صفحة‪َّ ،‬إال أنه حذفَ معظمه الحقًا وو َّزع ما‬ ‫ً‬ ‫كتب‬
‫َ‬ ‫اثنين‪ ،‬ثم إنه‬
‫أخبر‬
‫َ‬ ‫ك قُرب اكتمالها أنها أطول كثيرًا من «عاصفة السُّيوف»‪ ،‬ول َّما‬ ‫تبقَّى على أحداث ال ِّرواية‪ ،‬التي أدر َ‬
‫اقترح صديقه المؤلِّف دانيِل إبراهام أن يقسمها حسب‬ ‫َ‬ ‫طلب منه أن يقسمها جزأين‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫ناشره بهذا‬
‫ال َّشخصيَّات واألماكن‪ ،‬بحيث يتلو الكتاب التَّالي أيضًا أحداث الجزء الثَّالث مباشرةً مع شخصيَّات أخرى‬
‫مقبوال‪ ،‬وإن أ َّدى إلى المزيد من التَّأخير في النَّشر من أجل‬ ‫ً‬ ‫وفي أماكن مختلفة‪ ،‬وهو ما وجدَه مارتن‬
‫تنسيق األحداث بين الكتابيْن‪.‬‬
‫تع ُّد «وليمة لل ِغربان» أول جزء من السِّلسلة يصل إلى قائمة النيويورك تايمز لألعلى مبيعًا‪ ،‬وقد ُر ِّش َحت‬
‫كأفضل رواية لجائزتَي «هيوجو» و«كويل» وجائزة الفانتازيا البريطانيَّة في عام ‪ ،4444‬وتُرج َمت حتى‬
‫اآلن إلى أكثر من عشرين لُغة‪.‬‬
‫غاب السَّواد األعظم من‬
‫َ‬ ‫أ َّما في مسلسل »‪ »Game of Thrones‬القتبَس من «أغنيَّة ال َجليد والنَّار» فقد‬
‫بشكل مختلف كثيرًا‪.‬‬‫ٍ‬ ‫الكتاب عن األحداث‪ ،‬وما تبقَّى قُ ِّد َم على ال َّشاشة‬
‫كمترجم‪ ،‬كانت قراءة روايات «أغنيَّة ال َجليد والنَّار» والمتعة ال َّشديدة الذي وجدتها فيها هي الفيصل في‬ ‫ِ‬
‫اتِّخاذ قرار ترجمتها إلى العربيَّة‪ ،‬وهذه التَّرجمة التي بين يديك اآلن هي نتاج عمل شهور طويلة مر ِهقة‬
‫شكل ممكن‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لتقديم عالم چورچ مارتن المعقَّد وشخصيَّاته المتشابكة للقارئ العربي بأفضل‬
‫المؤلِّف‬
‫چورچ ر‪ .‬ر‪ .‬مارتن‬

‫عشر سنوات قضاها چورچ ريتشارد رايموند مارتن في العمل في هوليوود‪ ،‬واشترك خاللها في كتابة‬
‫وإنتاج عدد من المسلسالت التليفزيونية المعروفة في عقد الثمانينات‪ ،‬منها ‪"Beauty and the‬‬
‫"‪Beast‬و "‪ ، "The Twilight Zone‬لكن مع مجيء العام ‪ 1886‬كان مارتن قد ضاق ذرعًا برفض‬
‫القائمين على االستوديوهات الكبيرة المستمر للمشاريع التي يقدمها لهم لإلنتاج في التليفزيون أو السينما ‪-‬‬
‫بزعم أن األفكار التي يطرحها شديدة الضخامة وستتكلف مبالغ كبيرة ج ًّدا ال قِبل لهم بإنفاقها‪ -‬وقال إنه‬
‫اكتفى تما ًما من القيود التي تفرضها التكاليف على اإلنتاج‪ ،‬ومن ثم قدرة الشاشة على تقديم ما يرغب فيه‬
‫حقًّا على المستوى المطلوب‪ ،‬بينما يستطيع على الصفحة المطبوعة أن يحكي كل ما يريده من قصص‬
‫بكل التفاصيل التي تتفتق عنها مخيلته النشطة‪ .‬هكذا اتخذ مارتن القرار بأن يترك العمل في هوليوود‬
‫ويعود إلى تأليف الكتب وتقديم أفكاره كلها فيها‪ ،‬حيث ال توجد عقبات إنتاجية أو مالية تعوقه عن بناء‬
‫العوالم الضخمة التي يتخيلها وتقديمها بأدق وأصغر تفاصيلها‪.‬‬
‫ُولد مارتن في سبتمبر ‪ 1869‬في والية نيو چرسي ألب من أصول إيطالية يعمل في تفريغ وتحميل‬
‫البضائع على السفن وأم من أصول أيرلندية‪ ،‬وفي عائلة تملك جذورًا إنجليزية وألمانية وفرنسية‪ ،‬وهو ما‬
‫يفسر شغفه الشديد بالتاريخ األوروبي‪ ،‬خصوصًا حقبة العصور الوسطى التي استلهم منها الكثير في‬
‫كتاباته‪ .‬يقول مارتن إن طفولته كلها كانت تتلخص في الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى المنزل‪ ،‬ومشاهدة‬
‫السفن التي تتوافد على ميناء نيوآرك من جميع أنحاء العالم من نافذة غرفته الصغيرة‪ ،‬واضعًا قائمة‬
‫بأعالم الدول التي يراها ويحلم بأن يزورها ذات يوم‪ ،‬وكان هذا ما شجعه على القراءة بنهم شديد على‬
‫سبيل زيارة تلك الدول في خياله‪ ،‬قبل أن يتجه إلى الكتابة في سن صغيرة‪ ،‬حيث بدأ يبيع القصص التي‬
‫يكتبها ألطفال الحي مقابل بنس للقصة‪ ،‬وأحيانًا ما كان يقرأ عليهم هذه القصص كذلك‪.‬‬
‫ظل مارتن شغوفًا بالقراءة والكتابة‪ ،‬وخالل دراسته الثانوية أضاف قصص الكومكس إلى هواياته‪ ،‬حتى‬
‫صارت لديه مجموعة ضخمة منها‪ ،‬وهو ما شجعه على كتابتها كذلك‪ ،‬وفي سنة ‪ 1874‬اشترت مجلة‬
‫عمل احترافي يُنشر له على اإلطالق‪ .‬ثم التحق‬ ‫ٍ‬ ‫« »‪Galaxy‬منه واحدة من تلك القصص‪ ،‬لتصبح أول‬
‫مارتن بجامعة نورثوسترن في والية إلينوي ليحصل على درجتي البكالوريوس والليسانس في الصحافة‪،‬‬
‫وخالل دراسته الجامعية كان من النشطاء المعارضين لحرب ڤيتنام‪.‬‬
‫عمل مارتن أستا ًذا للصحافة في الجامعة لفترة واصل فيها نشر قصصه ومقاالته في الصحف والمجالت‬
‫المختلفة‪ ،‬وأخيرًا في سنة ‪ 1874‬نشر مجموعته القصصية األولى «أغنية ليا» التي فازت بجائزة‬
‫« ‪ »Locus Poll‬كأفضل مجموعة قصصية لهذا العام‪ ،‬ثم في العام التالي نشر روايته األولى بعنوان‬
‫«موت الضياء» التي رُشحت لجائزتي »‪ »Hugo‬و »‪ » British Fantasy Award‬كأفضل رواية‪،‬‬
‫وتُرجمت إلى تسع لغات‪.‬‬
‫مع حلول سنة ‪ 1878‬كان مارتن قد تفرغ للكتابة تما ًما‪ ،‬وواصل نشر مجموعاته القصصية ورواياته‪،‬‬
‫التي تضمنت «أغاني النجوم والظالل» و«التنين الجليدي» و«في األراضي المفقودة»‪ ،‬ليحصد المزيد‬
‫من الجوائز األدبية المرموقة عن أعماله المختلفة‪ ،‬والتي بلغ عددها حتى اآلن ‪ 41‬جائزة بخالف‬
‫الترشيحات‪ ،‬غير أن روايته الرابعة التي نشرها سنة ‪ 1899‬بعنوان «المعركة األخيرة» القت ً‬
‫فشال ذريعًا‬
‫في المبيعات على الرغم من إشادة النقاد بها‪ ،‬حتى أنه قال إنه «د َّمر مسيرته المهنية كروائي في ذلك‬
‫الحين»‪ .‬لكن سرعان ما تعافى مارتن من هذه العقبة واتجه إلى العمل في هوليوود‪ ،‬وفي اآلن نفسه واصل‬
‫كتابة القصص والروايات‪ ،‬لتبلغ حصيلته منها حتى اآلن ‪ 19‬رواية ومجموعة قصصية ال تتضمن سلسلته‬
‫األشهر «أغنية الجليد والنار» والكتب األخرى التي تدور أحداثها في عالمها‪.‬‬
‫يقول مارتن إن تركه لهوليوود كان من أفضل القرارات التي اتخذها في حياته‪ ،‬ويقرُّ بأن هوليوود كانت‬
‫كفيلة بتدمير سلسلة «أغنيَّة الجليد والنار» تما ًما لو كان قدمها لألستوديوهات الكبيرة لتحولها إلى سلسلة‬
‫بدال من شبكة »‪ »HBO‬التي حولتها إلى مسلسل «‪»Game of Thrones‬‬ ‫أفالم سينمائية ضخمة‪ً ،‬‬
‫والذي يعمل عليه كمشرف ومنتج تنفيذي وشارك في كتابة عدد من أهم حلقاته‪ ،‬وإن توقف عن الكتابة‬
‫للمسلسل بعد موسمه الرابع‪ ،‬ويعيش حاليًّا في والية نيو مكسيكو مع زوجته الثانية پاريس متفر ًغا لكتابة‬
‫الجزئين السادس والسابع من سلسلته‪ ،‬واللذين ينتظرهما القراء في جميع أنحاء العالم على أحر من الجمر‪.‬‬
‫المترجم هشام فهمي‬

‫وعمل مترج ًما وكاتبًا في عد ٍد من الصُّ حف‬


‫َ‬ ‫درس األدب اإلنجليزي والترَّجمة في جامعة اإلسكندرية‪،‬‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والمجالت والمواقع‪ ،‬وترج َم عددًا من األعمال ل ُكتاب عالميِّين‪ ،‬منها «الهوبيت» لتولكين‪« ،‬فرانكنشتاين»‬
‫لماري ِشلي‪ »1649« ،‬لستيڤن كينج‪« ،‬الناجي األخير» و«أغنية المهد» لتشاك پوالنك‪ ،‬و«المحيط في‬
‫نهاية ال َّدرب» لنيل جايمان‪ ،‬و«حرب الفن» لستيڤن پرسفيلد‪.‬‬
‫موقع المترجم‪:‬‬
‫‪www.hishamfahmy.com‬‬
‫شُكر من المترجم‬
‫امتنان أعج ُز عن وصفه لل َّشجرة العطرة الليدي ريندا الوكيل‪ُ .‬شكرًا على ال َّدعم المعنوي والعملي قبل‬
‫مثلك محظوظ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وطيلة شهور العمل على هذا الكتاب‪َ .‬من يَكتُب أو يُت ِ‬
‫َرجم وله قارئة‬
‫و ُشكر خاص ج ًّدا لألصدقاء من حول العالم في "‪"SchwiftySquwad‬على مساعَداتهم في الصُّ عوبات‬
‫اللُّغويَّة وشرح وجهات النَّظر المختلفة في بعض األحداث ومناقَشتها وتحليلها‪ ،‬وهو ما ساه َم كثيرًا في‬
‫شكل ممكن‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إخراج التَّرجمة بأفضل‬
‫المترجم ترجمته إلى أحد‪ ،‬فهذه أمور‬
‫ِ‬ ‫ظرين واألكاديميِّين مسألة أحقيَّة إهداء‬‫َّرت أن أترك للمن ِّ‬
‫وأخيرًا‪ ،‬قر ُ‬
‫ال تشغلنا كثيرًا هنا في وستروس‪ ،‬وعن نفسي أحبُّ أن أهدي هذه التَّرجمة إلى روح الرَّاحل الجميل‬
‫مت منه الكثير والكثير‪ ،‬ودو ًما ُ‬
‫كنت به أسع ُد وله قلبي يطرب‪.‬‬ ‫الدكتور أحمد خالد توفيق‪ ،‬الرَّجل الذي تعلَّ ُ‬
‫الفهرس‬
‫مكتبة (‪1...................................................................)Telegram Network‬‬
‫‪5 ................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪....‬‬ ‫اهداء‬
‫‪4................................................................‬‬
‫‪......................‬‬ ‫الجزء األول‬
‫‪14.. ................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪44.. ................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫النَّبي‬
‫‪94‬‬
‫‪........................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫قائد ال َحرس‬
‫‪65................................................................‬‬
‫‪........................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪59. ................................................................‬‬
‫‪.........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪45................................................................‬‬
‫‪........................‬‬ ‫سامويل‬
‫‪77‬‬
‫‪...........................‬‬
‫‪... ................................................................‬‬ ‫آريا‬
‫‪94................................................................‬‬
‫‪........................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪88 ................................................................‬‬
‫‪........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪114................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪144................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫سانزا‬
‫‪199‬‬
‫‪.......................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫ابنة الكرا ِكن‬
‫‪166‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪156‬‬
‫‪....................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الفارس المل َّوث‬
‫‪145................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪179‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سامويل‬
‫‪194................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪185‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪448‬‬
‫‪...................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الربَّان الحديدي‬
‫‪418................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫الغريق‬
‫‪448................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪469‬‬
‫‪...................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫صانعة الملكات‬
‫‪456. ................................................................‬‬
‫‪...........................‬‬ ‫آريا‬
‫‪447 ................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫إليني‬
‫‪494‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪485‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫الجزء الثاني‬
‫‪484................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪917................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪991‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪966................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫ال ُمغير‬
‫‪959................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪974................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪994‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪981................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪646‬‬
‫‪.......................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫قطَّة القنوات‬
‫‪615‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سامويل‬
‫‪644‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪695................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪667................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪659‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪648‬‬
‫‪.................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫األميرة في البُرج‬
‫‪694 ................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫إليني‬
‫‪544................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫بِريان‬
‫‪511‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سرسي‬
‫‪549................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬ ‫چايمي‬
‫‪596‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫سامويل‬
‫‪566‬‬
‫‪.............................‬‬
‫‪... ................................‬‬ ‫الجدار‪...‬‬
‫في تلك األثناء على ِ‬
‫‪564‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫ُملحق (‪)1‬‬
‫‪564‬‬
‫‪...............................‬‬
‫‪..... ................................‬‬ ‫الملكة الوصيَّة على العرش‬
‫‪551‬‬
‫‪................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الجدار‬‫الملك على ِ‬
‫‪559‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪..............‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫ملك الجُزر وال َّشمال‬
‫‪559‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫ملحق (‪)5‬‬
‫‪559‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫عائلة آرن‬
‫‪541‬‬
‫‪.....................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة فلورنت‬
‫‪549‬‬
‫‪........................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة فراي‬
‫‪549‬‬
‫‪.....................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة هايتاور‬
‫‪574‬‬
‫‪.......................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة النستر‬
‫‪576‬‬
‫‪.......................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة مارتل‬
‫‪577‬‬
‫‪......................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة ستارك‬
‫‪591‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫عائلة تَلي‬
‫‪599‬‬
‫‪........................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫عائلة تايرل‬
‫‪594‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫ملحق (‪)9‬‬
‫‪594‬‬
‫‪.........‬‬ ‫ومتجولون وعا َّمة‬
‫ِّ‬ ‫متمرِّ دون ومجرمون عوام وإخوة محلَّفون لوردات صغار‬
‫‪599‬‬
‫‪.....................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫خارجون عن القانون ورجال مكسورون‬
‫‪584‬‬
‫‪...............................‬‬
‫‪..... ................................‬‬ ‫إخوة َحرس اللَّيل المحلَّفون‬
‫‪584‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪.........‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الهَمج أو شعب األحرار‬
‫‪589‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫ملحق (‪)6‬‬
‫‪589‬‬
‫‪................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الملكة وراء البحر‬
‫‪587‬‬
‫‪..........................‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫ُشكر وتقدير‬
‫‪589‬‬
‫‪.........................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫ترجم‬
‫كلمة ال ُم ِ‬
‫‪444‬‬
‫‪...............................‬‬
‫‪..... ................................‬‬ ‫المؤلِّف چورچ ر‪ .‬ر‪ .‬مارتن‬
‫‪444‬‬
‫‪................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫المترجم هشام فهمي‬
‫‪449‬‬
‫‪....................‬‬
‫‪................................‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫ُشكر من المترجم‬

‫‪1‬البِتع هو نبيذ العسل‪( .‬المترجم)‪.‬‬


‫‪4‬ال َعلَقات كائنات طفيليَّة تُشبِه الدِّيدان وتمتصُّ الدِّماء‪ ،‬وبدأ استخدامها قبل ألفي عام بغرض تطهير الجسد من ال َّدم الفاسد‬
‫بعمليَّة كانت تُع َرف بتعليق ال َعلق‪ ،‬باإلضافة إلى الحفاظ على ال َّدم من التَّجلُّط في أثناء الجراحة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫يستغرق فترةً أقصر حتى يختمر‪ ،‬ومذاقه غير ُمر‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪9‬ال ِمزر نوع من البيرة‬
‫‪6‬الحرملة رداء قصير واسع يُحيط بالعُنق ومفتو ح من األمام‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪5‬الدِّرواس كلب قبيح ال َّشكل شديد الضَّخامة يُستخدَم في الصَّيد والحراسة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ُمارس في أوروپا حتى من َعه البرلمان‬ ‫ضع فيها الجرذان لتَقتُلها الكالب‪ ،‬وكان هذا النَّشاط ي َ‬
‫حلبة الجرذان منطقة مغلقة تو َ‬
‫صف القرن التَّاسع عشر‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫البريطاني في منت َ‬
‫ُّ‬
‫ظهر في أوروپا خالل العصور ال ُوسطى‪ ،‬فكان القِن يُجبَر على خدمة السَّادة والعمل في‬ ‫َ‬ ‫‪7‬القِنانة وضع اجتماعي واقتصادي‬
‫أراضيهم وقالعهم مقابل المأوى والملبس والحماية‪ ،‬وهو االختالف بينه وبين العبد‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تلتف حول السُّفن‬ ‫‪9‬الكرا ِكن وحش بحري أسطوري عمالق يظهر على سطح البحر كجزيرة‪ ،‬وله أذرع أخطبوطيَّة طويلة‬
‫وت ُ ِ‬
‫غرقها‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫الظروف غير المواتية‪،‬‬ ‫‪8‬القادس نوع من ال ُّسفن المز َّودة بمجاذيف‪ ،‬يتمي َّز ببدنه الطَّويل الرَّفيع‪ ،‬والقدرة على المالحة في ُّ‬
‫واستُخ ِدم في الحرب والتِّجارة والقرصنة‪( .‬المترجم)‪.‬‬

‫‪14‬اللَّ ِوياثان وحش بحري أسطوري هائل الحجم‪ ،‬له سبعة رؤوس‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪11‬عندما تعرق الخيول نتيجةً للمجهود ال َّشديد‪ ،‬تَخرُج من مسا ِّمها ما َّدة رغويَّة يتسبَّب بروتين معيَّن في إفرازها‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪14‬الحرير الرَّملي نوع خشن من الحرير يُنَعَّم بفركه بالرَّمل‪ ،‬ويُسا ِعد على عدم ارتفاع حرارة الجسد في األجواء الحارَّة‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫‪19‬ال ُّدرمونة من السُّفن الحربيَّة ذات األشرعة والمجاذيف‪ ،‬تتميَّز بسُرعتها وحجمها الكبير وقُدرتها على حمل عد ٍد كبير من‬
‫الرِّ جال‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪16‬السَّميت نسيج حريري شديد الفخامة مضلَّع الحبكة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪15‬حليب الخشخاش مشروب حقيقي ذو أصل اسكندنافي‪ ،‬مخدِّر ومس ِّكن لأللم‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪14‬القاقوم حيوان ثديي ينتمي إلى فصيلة العرسيَّات‪ ،‬وهو من أخطر حيوانات هذه الفصيلة على الرغم من لُطف شكله‬
‫وجماله‪ ،‬وله فرو يُستخدم في صناعة المالبس الفاخرة‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪17‬الهيپوكراس مشروب ص ِّحي يُ َع ُّد من النَّبيذ المخلوط بال ُّس َّكر والتَّوابل‪ ،‬وعادةً ما يتض َّمن القرفة‪ ،‬ابتك َره أب‪.‬‬
‫‪19‬الجملون هو الجزء األعلى من المثلَّث‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ت من‬ ‫الرِّ جال المكسورون هُم المجنَّدون إلزاميًّا الذين يتهرَّبون من الخدمة وال يعودون إلى ديارهم‪ ،‬وإنما يُ َك ِّونون عصابا ٍ‬
‫الخارجين عن القانون‪ ،‬وفي عالم الواقع ظه َر المصطلح قدي ًما في أيرلندا وسكوتلندا وصفًا لمن يتخلُّون عن والئهم لقبائلهم‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫‪44‬الصَّنوبر الجُندي والحارس شجرتان من ابتكار المؤلِّف‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪41‬حشيشة الدِّينار نبات عُشبي مع ِّمر تَد ُخل زهرته في صناعة البيرة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪44‬ال ِّذئب الرَّهيب حيوان حقيقي منقرض كان يقطن األمريكتين قبل عشرة آالف سنة‪( .‬المترجم)‪.‬قراط و ُس ِّم َي نسبةً إليه‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫‪49‬القنطور مخلوق أسطوري نِصفه السُّفلي حصان والعُلوي إنسان‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪46‬األُشنة كائنات تعايُشيَّة تتك َّون من ترافُق بين الطَّحالب الخضراء أو الجراثيم ال َّزرقاء والفطريَّات‪ ،‬وتنمو على األبنية‬
‫القديمة والقبور‪ ،‬ولذا يُطلَق على ساحات المقابر هذا االسم‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫قفص كبير بمثابة عُش لطيور ال ُغداف‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪45‬ال ِمغدفة عبارة عن‬
‫بحر بصفَّين أو ثالثة من المجاذيف‪ ،‬وكانت تع ُّد أكبر سُفن األسطول‬ ‫القاليون سفينة أكبر من القادس‪ ،‬أشرعتها مربَّعة وتُ ِ‬
‫‪44‬‬

‫العثماني‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪47‬ال َمزغل كلمة فارسيَّة األصل بمعنى منفذ‪ ،‬وهو عبارة عن فتحة ضيِّقة في ِجدار الحصن إللقاء الحجارة وال َّزيت المغلي‬
‫والقار وخالفه من أدوات الدِّفاع‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪49‬الهَور بُحيرة ضحلة تتَّصل بمياه البحر وتُحيط بها اليابسة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪48‬العرَّادة ضرب من المنجنيق تُق َذف به األحجار والسِّهام الكبيرة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪94‬شعيرة السَّهر طقس ديني ترجع أصوله إلى اليهوديَّة واستم َّر مع المسيحيَّة‪ ،‬وينصُّ على أن يقف شخص أو أكثر حراسةً‬
‫على الميت تكري ًما له لم َّدة معيَّنة‪ ،‬غالبًا من تمت ُّد من التَّأبين وحتى ال َّدفن‪ .‬في ِملَّة اآللهة السَّبعة في عالم الرواية يُ َؤدِّي هذه‬
‫ال َّشعيرة الفُرسان أيضًا كجز ٍء من طقوس تنصيبهم‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪91‬الپايرومانسر كلمة يونانيَّة تعني) كاهن النَّار(‪ ،‬وكانت تُستخدَم قدي ًما لإلشارة إلى ك ِّل من يحترف فَ َّن التَّعامل مع النَّار‬
‫لمختلف األغراض‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪94‬المانتيكور في األساطير الفارسيَّة حيوان له رأس إنسان وجسم أسد وجناحان كالوطواط وثالثة صفوف من األسنان‬
‫الحا َّدة كسمكة القِرش‪ .‬أ َّما في عالم الرواية فيُطلَق على حشر ٍة لها رأس شبيه باإلنسان وذيل شائك مق َّوس مليء بالسُّم‪،‬‬
‫وتستطيع أن تطوي أجنحتها كالجعران‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪99‬في عالم الرِّواية ساعة ال ِّذئب هي الفترة األش ُّد حلكةً من اللَّيل‪ ،‬تسبقها ساعة البومة وتأتي بَعدها ساعة العندليب‪ ،‬ثم الفَجر‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫‪96‬الموظ أحد أنواع األيائل‪ ،‬له عُنق قوي وقرنان جريديَّان‪ ،‬ويألف العيش في الغابات والمستنقعات‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪95‬الجريفين مخلوق أسطوري له جسم أسد ورأس وجناحا عُقاب‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪94‬اليونيكورن مخلوق أسطوري عبارة عن حصان له قرن واحد ويتمتَّع بقدرات سحريَّة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫لوح خشبي وتُ َش ُّد أطرافه بالحبال حتى تتف َّكك‬‫ال ِمخلعة آلة تعذيب تعود إلى العصور القديمة‪ ،‬بحيث يُربَط ال َّشخص على ٍ‬
‫مفاصله وتتم َّزق عضالته‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪99‬ال ُّشرَّافات هي ال َّزوائد الحجريَّة التي تُبنى وبينها فراغات على قمم األبراج واألسوار والحصون‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪98‬الطِّفل الطَّبيعي مصطلح من القرون ال ُوسطى يُطلَق على األوالد غير ال َّشرعيِّين‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪64‬الجروت عُملة كانت متداولةً قدي ًما في إنجلترا وأيرلندا وسكوتلندا‪ ،‬وتُساوي أربعة بنسات‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪61‬تُع َرف النَّار ال َّشعواء في عالم الواقع باسم نار اإلغريق‪ ،‬وهي سائل حارق سريع االشتعال تكرَّر استخدامه في المعارك‬
‫البحريَّة قدي ًما‪ ،‬وال أحد يعرف مك ِّوناته على وجه الدقَّة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫ً‬
‫معادال للكنيسة في عالم الواقع‪ ،‬فالسِّپتري يُعا ِدل ال َّدير‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫‪64‬إذا كان السِّپت‬
‫‪69‬آلة موسيقيَّة من خيال المؤلِّف‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫صيَّادين هو أول قمر مكتمل يتلو قمر الحصاد في فترة االعتدال الخريفي‪ ،‬وغالبًا يطلع في شهر‬ ‫‪66‬في عالم الواقع قمر ال َّ‬
‫سبتمبر أو أكتوبر ويكون لونه بُرتقاليًّا القترابه ال َّشديد من األُفق‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫ال ِمطرد سالح قديم يتألَّف من رأس حرب ٍة ورأس فأ ٍ‬
‫‪65‬‬
‫س مثبَّتين في القناة نفسها‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪64‬الكوج سفينة لها شراع واحد مربَّع عادةً وأحيانًا شراعان‪ ،‬وتُبنى من خشب البلُّوط‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪67‬كلمة بال معنى كانت تُستخدَم كثيرًا في األغاني ال َّشعبيَّة في العصر اإلليزابيثي في إنجلترا‪ ،‬وقد وردَت في إحدى أغنيات‬
‫مسرحيَّة (جعجعة بال طحن) لشيكسپير‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪69‬كانت السُّفن القديمة‪ ،‬خصوصًا الحربي منها‪ ،‬تُ َجه َّز ببناءيْن محصَّنين في المقدِّمة والمؤخرة‪ ،‬يُطلق على كلٍّ منهما‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫َسلوقيَّة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪68‬الرُّ خ طائر أسود صغير من الغرابيَّات‪ ،‬ويختلف عن طائر الرُّ خ الخرافي المذكور في أساطير اإلغريق‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪54‬الرُّ كام الرَّعدي نوع من السَّحاب يتش َّكل على نح ٍو عمودي كثيف ويحمل المطر ويتزا َمن مع هبوب العواصف الرَّعديَّة‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬

‫‪51‬ال ُغ َرير حيوان من أ َكلة اللُّحوم من فصيلة العرسيَّات‪ ،‬تجمع هيئته بين الكلب وال َّس ُّمور‪ ،‬وله قوائم سوداء قصيرة‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫ص َّور دون بقيَّة الفُستان داللةً على عادة فصل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫وإنجلترا‪،‬‬ ‫وسكوتلندا‬ ‫فرنسا‬ ‫في‬ ‫القديمة‬ ‫بالة‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫شعارات‬ ‫من‬ ‫ِّدة‬ ‫‪ُ 54‬كم السي‬
‫دليال على المحاباة قبل نزولهم إلى مضامير النِّزال‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫السيِّدات أكمامهن وإعطائها للفُرسان ً‬
‫‪59‬الطَّاووس مجسَّم على شكل إنسان يدور على محور‪ ،‬يُستخدَم في التَّدريب على النِّزال‪ ،‬وعادةً ما يُثَبَّت تُرس في إحدى‬
‫يديه‪ ،‬وفي الثَّانية سيف أو رُمح غير حاد أو كيس رمل‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪56‬العُفر نوع من الخنازير البرِّ يَّة الضَّارية‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫آخره ُّ‬
‫بالزهور‬ ‫قرن الوفرة رمز إقطاعي قديم‪ ،‬تعود أصوله إلى األساطير اإلغريقيَّة‪ ،‬وهو عبارة عن قرن مليء عن ِ‬
‫والفاكهة والحلوى وغيرها مما يدلُّ على الوفرة والخصوبة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪54‬السنارك والجرام ِكن مخلوقان خياليَّان يرد ذكرهما في الحكايات ال َّشعبيَّة في (وستروس)‪ ،‬األول وحش ليس له وصف‬
‫مح َّدد‪ ،‬والثَّاني يُقال إنه يُ َحقِّق األماني بالسِّحر‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪57‬القرقور سفينة ضخمة تحمل آالت الحرب والمؤن والعتاد‪ ،‬وتتَّسع لعد ٍد كبير من المجذفين والب َّحارة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫ظ حيوان بحري شبيه بالفقمة‪ ،‬يتميَّز بشاربه الكثيف وفمه العريض الذي يَخرُج منه زوجان من األنياب العاجيَّة الحا َّدة‪.‬‬ ‫‪59‬الفَ ُّ‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫صف بضخامة البدن والرَّأس وغزارة ال َّشعر والنَّهم الوحشي والق َّوة البدنيَّة‬ ‫األو َجر كائن أسطوري شبيه بالغول‪ ،‬يُو َ‬
‫أوال في الحكايات ال َّشعبيَّة الفرنسيَّة‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫الخارقة‪ ،‬وقد ظه َر ً‬
‫الزعاف‪ ،‬ويُقال إنه ملك األفاعي‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫‪44‬البازيليسق مخلوق زاحف أسطوري‪ ،‬يتميَّز بالقدرة على القتل ب ُس ِّمه ُّ‬
‫ُ‬
‫‪41‬المياه ال َمسوس هي المياه األملح من المياه العذبة واألعذب من المياه المالحة‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫بدال من صغار العائالت الملكيَّة في أوروپا في الفترة بين نهاية‬ ‫‪44‬كبش الفِداء كان صبيًّا يتلقَّى العقاب َجلدًا أو ضربًا ً‬
‫صناعيَّة‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫العصور ال ُوسطى وبداية الثَّورة ال ِّ‬
‫‪49‬األركون كلمة يونانيَّة قديمة تعني حرفيّا «الحاكم»‪ ،‬وإن كانت قد استخ ِد َمت مع عد ٍد مختلف من أصحاب المناصب‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الرَّسميَّة وكبار التُّجَّار في روما القديمة واإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة‪ ،‬كما استخد َمها العرب لإلشارة إلى العظيم من ال ُّدهقان‬
‫الفُرس‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪46‬األُسود ال َّزواحف االسم الذي يُطلِقه الوستروسيُّون على التَّماسيح التي تعيش في المستنقعات‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫ت ع َّدة‪ ،‬وباألخص على الجُدران الخارجيَّة‬ ‫راجل مخلوقات أسطوريَّة ذات مظهر مش َّوه مخيف مص َّورة في منحوتا ٍ‬ ‫ال َك ِ‬
‫لعد ٍد من كنائس العصور ال ُوسطى‪ ،‬حيث تتَّخذ شكل ميزاب ناتئ‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫ُعرف أيضًا باسم مالك الحزين‪( .‬المترجم)‪.‬‬ ‫البَلَشون طائر طويل السَّاقين شهير بصوته العذب‪ ،‬وي َ‬
‫أجاب بأن سانزا‬
‫َ‬ ‫‪47‬الواقع أن تلك القُبلة التي س َّماها القرَّاء «الال قُبلة» لم تَحدُث‪ ،‬ولدى سؤال المؤلِّف عن هذا التَّناقُض‬
‫راوية ال يُعت َمد عليها في هذه الحالة‪ ،‬وأنه يَترُك التَّفسير للقارئ كما يراه‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫ضيق ال يُمكن الوصول إليها َّإال من فتحة في السَّقف‪ ،‬وكانت شائعة االستخدام في‬ ‫‪49‬الدِّيماس زنزانة تعذيب رأسيَّة شديدة ال ِّ‬
‫قالع القرون ال ُوسطى‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫السُّلحفاة واحدة من أنظمة الوقاية في الحروب القديمة‪ ،‬يرفعها الجنود فوق رؤوسهم في أثناء الهجوم على ب َّوابات القالع‬
‫أو ال ُمدن لحمايتهم من السِّهام وغيرها‪ ،‬على غرار صدفة السُّلحفاة‪( .‬المترجم)‪.‬‬

‫‪74‬هيكل التَّشهير أداة كانت تُستخدَم منذ العصور ال ُوسطى وخالل عصر النَّهضة للعقاب البدني‪ ،‬عبارة عن ألواح خشبيَّة‬
‫كبيرة مثبَّتة معًا بحيث يعجز المقيَّد إليها عن تحريك قدميه‪ ،‬وأحيانًا كانت توضع قيود لليدين والرَّأس أيضًا‪( .‬المترجم)‪.‬‬

You might also like