You are on page 1of 5

‫اخلير والشر‬

‫إن ال**ناس ك**ثيراً م**ا ي**ختلفون ف**ي ن**ظره**م إل**ى الش**يء ال**واح**د )م**ن ح**يث احل**كم‬
‫األخ*الق*ي( ف*منهم م*ن ي*راه خ*يراً وم*نهم م*ن ي*راه ش*راً‪ ،‬ب*ل ال*شخص ال*واح*د ق*د ي*رى‬
‫الش*يء خ*يراً ف*ي آن ث*م ي*راه ش*را ف*ي آن آخ*ر‪ ،‬ف*ما ه*ذا امل*قياس ال*ذي مب*راع*ات*ه ن*صدر‬
‫هذا احلكم؟‬

‫ل*م ي*تفق ال*علماء ب*خصوص م*ا ي*سمى امل*قياس األخ*الق*ي‪ ،‬ب*ل ت*عددت ف*يه امل*ذاه*ب وم*ن‬
‫أهمها‪:‬‬

‫)‪ : ( Hedonism‬وق **ال أص **حاب ه **ذا امل **ذه **ب إن‬ ‫م **ذه **ب ال **سعادة ‪-‬‬
‫ال*سعادة ه*ي ال*غاي*ة األخ*يرة ل*لحياة‪ ،‬وه*ي ال*تي حت*رك ج*ميع ال*ناس ل*لعمل‪ ،‬وال*سعادة‬
‫ال**تي ي**عنيها ه**نا أص**حاب ه**ذا امل**ذه**ب ه**ي )حت**صيل ال**لذة وجت**نب األل**م(‪ ،‬ف**ال**عمل‬
‫ي*قييم بحس*ب ك*مية ال*لذة ال*تي ي*نتجها‪ ،‬ف*يقال‪ :‬إن ه*ذا ال*عمل خ*ير وذاك ش*ر ألن‬
‫األول ينتج من اللذة أكثر من األلم‪ ،‬والثاني ينتج أمل ًا أكثر من اللذة‪.‬‬

‫ول*كن إذا ق*لنا‪ :‬إن ال*سعادة ه*ي ال*غاي*ة ال*وح*يدة‪ ،‬وأن*ها ه*ي امل*قياس ال*ذى ن*قيس ب*ه‬
‫العمل لنعرف أخير هو أم شر‪ ،‬فسعادة من نريد؟‪.‬‬

‫هناك مذهبان للقائلني بالسعادة وهما‪:‬‬


‫م **ذه **ب ال **سعادة ال **شخصية ‪ ،( Egoistic Hedonism )-‬وه **و‬
‫ال**قائ**ل‪ :‬اإلن**سان ي**نبغي أن ي**طلب أك**بر ل**ذة ل**شخصة‪ ،‬وي**جب أن ي**وج**ه أع**مال**ه‬
‫ل*لحصول ع*ليها‪ .‬وم*ن أك*بر زع*ماء ه*ذا امل*ذه*ب ف*ي ال*عصور ال*قدمي*ة “أب*يقور”‪ ،‬وف*ي‬
‫ال*عصور احل*دي*ثة ”ه*وب*ز” ال*فيلسوف اإلجن*ليزي ف*كان ي*رى أن اإلن*سان مخ*لوق وف*ي‬
‫طبيعته حبه نفسه‪ ،‬والعمل إلسعادها‪.‬‬

‫‪،(Utilitarianism ) -‬‬ ‫‪ -‬مذهب السعادة العامة أو مذهب املنفعة‬


‫وه*و ال*قائ*ل‪ :‬إن م*ا ي*نبغي أن ي*طلبه اإلن*سان ف*ي احل*ياة ل*يس س*عادت*ه ال*شخصية‪ ،‬وإمن*ا‬
‫ي*نبغي أن ي*طلب أك*بر س*عادة ل*لناس‪ ،‬ع*ندم*ا ن*ري*د احل*كم ع*لى ع*مل ب*أن*ه خ*ير أو ش*ر‬
‫ي*جب أن ن*نظر ف*يما ي*نتجه ال*عمل م*ن ال*لذائ*ذ واآلالم ال ل*لعام*ل ن*فسه ب*ل ل*كل ال*ناس‪،‬‬
‫ب*ل ول*كل ح*يوان ي*تلذذ أو ي*تأل*م م*ن ه*ذا ال*عمل‪ ،‬ف*إن رج*حت ل*ذات*ه آالم*ه ف*خير وإن‬
‫رج*حت آالم*ه ل*ذات*ه فش*ر‪ ،‬وم*ن أك*بر دع*ات*ه ال*فيلسوف اإلجن*ليزي ب*نتام‪ ،‬وال*فيلسوف‬
‫وجون ستوارت ميل‪.‬‬

‫ول**م يس**لم أص**حاب م**ذه**ب ال**سعادة )س**واء ال**شخصية أو ال**عام**ة( م**ن ال**كثير م**ن‬
‫االعتراضات التي ترد عليه‪.‬‬

‫أو احل*اس*ة ‪ ،( Intuition ) -‬وه*و ال*قائ*ل‬ ‫م*ذه*ب ال*لقان*ة أو ال*بصيرة‬ ‫‪-‬‬


‫‪ :‬أن ف*ي ك*ل إن*سان ق*وة غ*ري*زي*ة ب*اط*نة‪ ،‬ب*ها مي*يز ب*ني اخل*ير والش*ر مبج*رد ال*نظر‪،‬‬
‫وه**ذا امل**ذه**ب ه**و األق**رب ل**لتصور ال**دي**ني‪ ،‬وق**ال ب**ه م**ن ال**فالس**فة األق**دم**ني‬
‫ال*رواق*يون وه*م أت*باع زي*نون ف*ليسوف ي*ون*ان*ي‪ ،‬ف*ي ال*عصور احل*دي*ثة “ك*ان*ت”‬
‫ف*قد ك*ان ي*رى أن ع*قل اإلن*سان ه*و أس*اس األخ*الق‪ ،‬وت*عرض ه*ذا امل*ذه*ب أي*ضاً‬
‫للنقد‪.‬‬

‫أم**ا ب**النس**بة ل**لمقياس األخ**الق**ي م**ن وج**هة ن**ظر ف**لسفة األخ**الق‬ ‫‪-‬‬
‫اإلس**الم**ية‪ ،‬ف**إن ال**دك**تور مح**مد ع**بد اهلل دراز ف**ي ك**تاب**ه ال**نفيس “ دس**تور‬
‫األخ*الق ف*ي ال*قرآن”‪ ،‬ق*دم ط*رح ي*جيب ع*ن ه*ذا ال*سؤال‪ ،‬وه*و أن احل*اس*ة اخل*لقية‬
‫ان*بعاث داخ*لي ف*طري‪ ،‬وأن ال*قان*ون األخ*الق*ي ق*د ط*بع ف*ي ال*نفس اإلن*سان*ية م*نذ‬
‫ن*شأت*ها‪ ،‬ق*ال ت*عال*ى‪} :‬ون*فس وم*ا س*واه*ا ‪،‬ف*أل*همها ف*جوره*ا وت*قواه*ا{‪ ،‬ف*اإلن*سان‬
‫ال*عادي يس*تطيع أن مي*يز‪ ،‬إل*ى ح*د م*ا‪ ،‬ف*ي ك*ل م*ا ي*قوم ب*ه م*ن م*ن أن*واع الس*لوك‪،‬‬
‫ب*ني م*ا ه*و خ*ير‪ ،‬وم*ا ه*و ش*ر‪ ،‬وب*ني م*ا ه*و م*حاي*د ال ي*نفع وال ي*ضر‪ ،‬وال ي*قتصر‬
‫األم**ر ف**قط ع**لى امل**عرف**ة ب**ل إن مظه**ر ال**فعل احل**سن أو ال**فعل ال**قبيح ي**ثير ف**ينا‬
‫مشاعر مختلفة فنمتدح بعض أنواع السلوك‪ ،‬ونستهجن بعضها اآلخر‪.‬‬

‫غ**ير أن ه**ذا ال**قان**ون األخ**الق**ي امل**طبوع ف**ينا ن**اق**ص وغ**ير ك**اف‪ ،‬ف**ال**عادة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال*وراث*ة‪ ،‬وأث*ر ال*بيئة‪ ،‬وامل*صال*ح امل*باش*رة تفس*د ن*وازع*نا ال*تلقائ*ية‪ ،‬وت*لقي أن*واع*اً‬
‫م**ن ال**ظالل ع**لى ن**ور ب**صيرت**نا ال**فطري**ة‪ ،‬وك**ذل**ك ش**واغ**ل احل**ياة ف**ي ال**دن**يا‬
‫تس*توع*ب اجل*زء األك*بر م*ن ن*شاط*نا ال*واع*ي‪ ،‬وإن*نا ع*ند مم*ارس*ة األخ*الق ف*ي أح*سن‬
‫ال**ظروف امل**الئ**مة ن**واج**ه ص**عوب**ة رئيس**ية‪ :‬وه**ي أن ال**ضمير إذا اق**تصر ع**لى‬
‫م*صادره ال*فطري*ة وح*ده*ا‪ ،‬وج*د ن*فسه ع*اج*زاً‪ ،‬ف*ي غ*ال*ب األح*يان‪ ،‬ع*ن أن ي*قدم‬
‫ف*ي ج*ميع ال*ظروف ق*اع*دة ذات ط*اب*ع “ع*ام” تس*تأث*ر ب*اع*تراف اجل*ميع‪ .‬وع*نده*ا‬
‫جن*د أن ال*يقني األخ*الق*ي ق*د ت*رك م*كان*ه ل*الح*تماالت وال*تردد وامل*تاه*ات ك*ما ه*و‬
‫احلال في نظريات األخالق الفلسفية‪.‬‬

‫وه**ذا ه**و الس**بب ال**ذي م**ن أج**له ب**عث اهلل ف**ي ال**ناس‪ ،‬م**ن ح**ني ألخ**ر‪ ،‬ن**فوس *اً‬ ‫‪-‬‬
‫م**تميزة م**لهمة ب**ال**وح**ي ال**رب**ان**ي‪ ،‬وتس**تطيع ع**لى م**دى ال**تاري**خ اإلن**سان**ي أن‬
‫ت*ضطلع ب*رس*ال*ة إي*قاظ ال*ضمائ*ر‪ ،‬وإزال*ة ال*غشاوة ع*ن ال*نور ال*فطري ال*ذي أودع*ه‬
‫اهلل ف*ينا‪ ،‬وه*ذه ال*نفرس امل*صطفاة‪ ،‬ب*تعال*يمها ال*دق*يقة ال*تي ت*لقنها ل*لناس‪ ،‬ت*عمل‬
‫ع*لى ح*صر االخ*تالف*ات ب*ينهم ب*النس*بة ل*تقدي*ر احل*كم األخ*الق*ي ف*ي أض*يق ن*طاق‬
‫مم*كن‪ ،‬وه*كذا يج*د ال*نور ال*فطري م*ا ي*كمله وي*قوي*ه م*ن وح*ي ال*نور اإلله*ي } ن*ور‬
‫على نور{‪.‬‬

‫وال م*كان ل*ألخ*الق ب*دون اإلمي*ان ب*احل*قيقة األخ*الق*ية ك*حقيقة ق*ائ*مة ب*ذات*ها ت*سمو‬ ‫‪-‬‬
‫ع**لى ال**فرد‪ ،‬وت**فرض ن**فسها ع**ليه ب**غض ال**نظر ع**ن ل**ذت**ه وأه**وائ**ه وم**صاحل**ه‬
‫ورغباته‪.‬‬

‫)اع*مل وغ*اي*تك اهلل وح*ده(‪ ،‬وه*ذه ه*ي ال*قضية ال*تي م*ا زال ال*قرآن ي*ردده*ا ف*ي‬ ‫‪-‬‬
‫م*واض*ع م*ختلفة‪ ،‬وب*نفس األل*فاظ ت*قري*باً‪ ،‬ف*لم ي*رد ف*ي ال*قرآن م*طلقاً ه*ذا ال*تعبير‬
‫ال**غائ**ي‪ ):‬اف**عل ه**ذا م**ن أج**ل ذاك(‪ ،‬مم**ا م**وض**وع**ه امل**باش**ر امل**نفعة‪ ،‬ش**خصية أو‬
‫ع*ام*ة‪ ،‬حس*ية أو م*عنوي*ة‪ ،‬أم*ا اخل*ير احمل*سوس ف*ليس ه*ناك ن*ص ي*قترح*ه ال ه*دف*اً‬
‫م*بدئ*ياً وال ت*كميلياً‪ ،‬إن اخل*ير األخ*الق*ي‪ ،‬ال*ذي ينش*ده ال*فالس*فة ب*وص*فه أع*لى‬
‫ال*درج*ات‪ ،‬وذل*ك م*ثل ال*كمال ال*ذات*ي‪ ،‬وال*تضحية م*ن أج*ل اآلخ*ري*ن‪ ،‬ه*ذا اخل*ير‬
‫األخ*الق*ي ال ي*برز ف*ي ال*قرآن ع*لى مس*توى ال*نية إال ك*قيمة م*ن ال*درج*ة ال*ثان*ية‪،‬‬
‫كإضافة خاضعة للمبدأ األسمى‪ ،‬أال وهو‪) :‬رضوان اهلل العلي األعلي(‪.‬‬

You might also like