Professional Documents
Culture Documents
الخير والشر
الخير والشر
إن ال**ناس ك**ثيراً م**ا ي**ختلفون ف**ي ن**ظره**م إل**ى الش**يء ال**واح**د )م**ن ح**يث احل**كم
األخ*الق*ي( ف*منهم م*ن ي*راه خ*يراً وم*نهم م*ن ي*راه ش*راً ،ب*ل ال*شخص ال*واح*د ق*د ي*رى
الش*يء خ*يراً ف*ي آن ث*م ي*راه ش*را ف*ي آن آخ*ر ،ف*ما ه*ذا امل*قياس ال*ذي مب*راع*ات*ه ن*صدر
هذا احلكم؟
ل*م ي*تفق ال*علماء ب*خصوص م*ا ي*سمى امل*قياس األخ*الق*ي ،ب*ل ت*عددت ف*يه امل*ذاه*ب وم*ن
أهمها:
) : ( Hedonismوق **ال أص **حاب ه **ذا امل **ذه **ب إن م **ذه **ب ال **سعادة -
ال*سعادة ه*ي ال*غاي*ة األخ*يرة ل*لحياة ،وه*ي ال*تي حت*رك ج*ميع ال*ناس ل*لعمل ،وال*سعادة
ال**تي ي**عنيها ه**نا أص**حاب ه**ذا امل**ذه**ب ه**ي )حت**صيل ال**لذة وجت**نب األل**م( ،ف**ال**عمل
ي*قييم بحس*ب ك*مية ال*لذة ال*تي ي*نتجها ،ف*يقال :إن ه*ذا ال*عمل خ*ير وذاك ش*ر ألن
األول ينتج من اللذة أكثر من األلم ،والثاني ينتج أمل ًا أكثر من اللذة.
ول*كن إذا ق*لنا :إن ال*سعادة ه*ي ال*غاي*ة ال*وح*يدة ،وأن*ها ه*ي امل*قياس ال*ذى ن*قيس ب*ه
العمل لنعرف أخير هو أم شر ،فسعادة من نريد؟.
ول**م يس**لم أص**حاب م**ذه**ب ال**سعادة )س**واء ال**شخصية أو ال**عام**ة( م**ن ال**كثير م**ن
االعتراضات التي ترد عليه.
أم**ا ب**النس**بة ل**لمقياس األخ**الق**ي م**ن وج**هة ن**ظر ف**لسفة األخ**الق -
اإلس**الم**ية ،ف**إن ال**دك**تور مح**مد ع**بد اهلل دراز ف**ي ك**تاب**ه ال**نفيس “ دس**تور
األخ*الق ف*ي ال*قرآن” ،ق*دم ط*رح ي*جيب ع*ن ه*ذا ال*سؤال ،وه*و أن احل*اس*ة اخل*لقية
ان*بعاث داخ*لي ف*طري ،وأن ال*قان*ون األخ*الق*ي ق*د ط*بع ف*ي ال*نفس اإلن*سان*ية م*نذ
ن*شأت*ها ،ق*ال ت*عال*ى} :ون*فس وم*ا س*واه*ا ،ف*أل*همها ف*جوره*ا وت*قواه*ا{ ،ف*اإلن*سان
ال*عادي يس*تطيع أن مي*يز ،إل*ى ح*د م*ا ،ف*ي ك*ل م*ا ي*قوم ب*ه م*ن م*ن أن*واع الس*لوك،
ب*ني م*ا ه*و خ*ير ،وم*ا ه*و ش*ر ،وب*ني م*ا ه*و م*حاي*د ال ي*نفع وال ي*ضر ،وال ي*قتصر
األم**ر ف**قط ع**لى امل**عرف**ة ب**ل إن مظه**ر ال**فعل احل**سن أو ال**فعل ال**قبيح ي**ثير ف**ينا
مشاعر مختلفة فنمتدح بعض أنواع السلوك ،ونستهجن بعضها اآلخر.
غ**ير أن ه**ذا ال**قان**ون األخ**الق**ي امل**طبوع ف**ينا ن**اق**ص وغ**ير ك**اف ،ف**ال**عادة، -
وال*وراث*ة ،وأث*ر ال*بيئة ،وامل*صال*ح امل*باش*رة تفس*د ن*وازع*نا ال*تلقائ*ية ،وت*لقي أن*واع*اً
م**ن ال**ظالل ع**لى ن**ور ب**صيرت**نا ال**فطري**ة ،وك**ذل**ك ش**واغ**ل احل**ياة ف**ي ال**دن**يا
تس*توع*ب اجل*زء األك*بر م*ن ن*شاط*نا ال*واع*ي ،وإن*نا ع*ند مم*ارس*ة األخ*الق ف*ي أح*سن
ال**ظروف امل**الئ**مة ن**واج**ه ص**عوب**ة رئيس**ية :وه**ي أن ال**ضمير إذا اق**تصر ع**لى
م*صادره ال*فطري*ة وح*ده*ا ،وج*د ن*فسه ع*اج*زاً ،ف*ي غ*ال*ب األح*يان ،ع*ن أن ي*قدم
ف*ي ج*ميع ال*ظروف ق*اع*دة ذات ط*اب*ع “ع*ام” تس*تأث*ر ب*اع*تراف اجل*ميع .وع*نده*ا
جن*د أن ال*يقني األخ*الق*ي ق*د ت*رك م*كان*ه ل*الح*تماالت وال*تردد وامل*تاه*ات ك*ما ه*و
احلال في نظريات األخالق الفلسفية.
وه**ذا ه**و الس**بب ال**ذي م**ن أج**له ب**عث اهلل ف**ي ال**ناس ،م**ن ح**ني ألخ**ر ،ن**فوس *اً -
م**تميزة م**لهمة ب**ال**وح**ي ال**رب**ان**ي ،وتس**تطيع ع**لى م**دى ال**تاري**خ اإلن**سان**ي أن
ت*ضطلع ب*رس*ال*ة إي*قاظ ال*ضمائ*ر ،وإزال*ة ال*غشاوة ع*ن ال*نور ال*فطري ال*ذي أودع*ه
اهلل ف*ينا ،وه*ذه ال*نفرس امل*صطفاة ،ب*تعال*يمها ال*دق*يقة ال*تي ت*لقنها ل*لناس ،ت*عمل
ع*لى ح*صر االخ*تالف*ات ب*ينهم ب*النس*بة ل*تقدي*ر احل*كم األخ*الق*ي ف*ي أض*يق ن*طاق
مم*كن ،وه*كذا يج*د ال*نور ال*فطري م*ا ي*كمله وي*قوي*ه م*ن وح*ي ال*نور اإلله*ي } ن*ور
على نور{.
وال م*كان ل*ألخ*الق ب*دون اإلمي*ان ب*احل*قيقة األخ*الق*ية ك*حقيقة ق*ائ*مة ب*ذات*ها ت*سمو -
ع**لى ال**فرد ،وت**فرض ن**فسها ع**ليه ب**غض ال**نظر ع**ن ل**ذت**ه وأه**وائ**ه وم**صاحل**ه
ورغباته.
)اع*مل وغ*اي*تك اهلل وح*ده( ،وه*ذه ه*ي ال*قضية ال*تي م*ا زال ال*قرآن ي*ردده*ا ف*ي -
م*واض*ع م*ختلفة ،وب*نفس األل*فاظ ت*قري*باً ،ف*لم ي*رد ف*ي ال*قرآن م*طلقاً ه*ذا ال*تعبير
ال**غائ**ي ):اف**عل ه**ذا م**ن أج**ل ذاك( ،مم**ا م**وض**وع**ه امل**باش**ر امل**نفعة ،ش**خصية أو
ع*ام*ة ،حس*ية أو م*عنوي*ة ،أم*ا اخل*ير احمل*سوس ف*ليس ه*ناك ن*ص ي*قترح*ه ال ه*دف*اً
م*بدئ*ياً وال ت*كميلياً ،إن اخل*ير األخ*الق*ي ،ال*ذي ينش*ده ال*فالس*فة ب*وص*فه أع*لى
ال*درج*ات ،وذل*ك م*ثل ال*كمال ال*ذات*ي ،وال*تضحية م*ن أج*ل اآلخ*ري*ن ،ه*ذا اخل*ير
األخ*الق*ي ال ي*برز ف*ي ال*قرآن ع*لى مس*توى ال*نية إال ك*قيمة م*ن ال*درج*ة ال*ثان*ية،
كإضافة خاضعة للمبدأ األسمى ،أال وهو) :رضوان اهلل العلي األعلي(.