You are on page 1of 31

‫مجلة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬مخبر الجنوب الجزائري للبحث في التاريخ والحضارة اإلسالمية‬

‫جامعة غرداية ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬


‫‪E: 2588-1787 / P: 1653 - 3653‬‬
‫‪/http://rawafid.univ-ghardaia.dz‬‬

‫قراءة يف كتابات املناضل أحمد عيل مهساس‬


‫بخصوص مؤتمر وادي الصومام‬

‫أ‪ :‬بكار الدمهة‪ /‬جامعة غرداية‬


‫‪Email :dahma01@gmail.com‬‬
‫بوسليم‪ /‬جامعة غرداية‬
‫أ‪.‬د‪ :‬صالح َ‬
‫‪Email :salahboussalim@yahoo.fr‬‬

‫ملخص‬
‫أسالت نتائج ومقررات مؤمتر وادي الصومام ‪ 02‬أوت ‪6591‬م‪ ،‬الكثري من احلرب يف تلك‬
‫وأججت العديد من اخلالفات والرصا عات بني بعض‬
‫الفرتة احلرجة من تاريخ الثورة التحريرية‪ّ ،‬‬
‫قادة الثورة‪ ،‬وخاصة بني عنارص الوفد اخلارجي ومجاعة الداخل‪ .‬هلذا سنحاول يف هذا املقال‪ ،‬تقديم‬
‫قراءة يف كتابات املناضل أمحد عيل مهساس بخصوص مؤمتر وادي الصومام‪ ،‬ألنه كان يرى بأن‬
‫انعقاد هذا املؤمتر كان رضورة وحتمية ملحة؛ بسبب املشاكل والنقائص التي بدأت تظهر بشكل‬
‫واضح عىل مستوى كافة امليادين التنظيمية واهليكلية للثورة‪ ،‬و ُيعد انعقاد املؤمتر حسب العديد من‬
‫الباحثني واملعارصين لألحداث‪ ،‬حدثا تأسيسيا هاما‪ ،‬وحمطة تارخيية بارزة وهامة‪ ،‬دفعت بالثورة‬
‫التحريرية نحو حتقيق االستقالل والنرص‪.‬‬
‫الكلامت الدالة‪ :‬مؤمتر وادي الصومام‪ ،‬أمحد مهساس‪ ،‬هياكل الثورة‪ ،‬الثورة اجلزائرية‪ ،‬قرارات‬
‫املؤمتر‪.‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪It seems that the results and decisions of the Conference of the‬‬
‫‪Valley of the Sawmam 20 or 1956, I have asked a lot of ink at that‬‬
‫‪critical period of the history of the editorial revolution It has fuelled‬‬
‫‪many differences and conflicts between some of the leaders of the‬‬
‫‪revolution, especially between the elements of the external delegation‬‬
‫‪and the Community of the interior. This is why we will try in this‬‬
‫‪article to provide a reading in the writings of the activist Ahmed Ali‬‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫‪Mahsas about the conference of Wadi al-Sawmam, the latter who felt‬‬
‫‪that this Conference was an urgent necessity and imperative, because‬‬
‫‪of the problems and shortcomings That began to manifest itself in the‬‬
‫‪level of all the organizational and structural fields of the revolution,‬‬
‫‪and therefore the convening of the conference according to many‬‬
‫‪scholars and contemporaries of events an important constitutive event‬‬
‫‪and a landmark milestone and important pushed the editorial‬‬
‫‪revolution towards achieving independence and victory‬‬
‫‪Key words: The conference of the Sawmam Valley, Ahmed‬‬
‫‪Mahsas, the structures of the revolution, the Algerian revolution, the‬‬
‫‪decisions of the Conference‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ُيعد تاريخ العرشين من شهر أوت سنة ‪6591‬م‪ ،‬من بني املحطات التارخيية‬
‫الكربى التي شهدهتا الثورة اجلزائرية‪ ،‬حيث كان منطلقا ملرحلة جديدة من مسار‬
‫وأججت‬
‫الثورة‪ ،‬وقد أسالت نتائج ومقررات املؤمتر الكثري من احلرب لدى الباحثني‪ّ ،‬‬
‫العديد من اخلالفات بني أقطاب احلركة الوطنية وصانعي أحداث الثورة‪ .‬وكتب يف‬
‫هذا الشأن املناضل والقيادي البارز أمحد عيل مهساس(‪)1‬؛ بخصوص قرارات املؤمتر‬
‫ما ييل‪ " :‬كانت فكرة انعقاد مؤمتر وادي الصومام بعد اندالع الثورة مطروحة وخمتمرة‬

‫(‪ )1‬أمحد مهساس ويف بعض املراجع حمساس واملعروف أيضا بـ‪ :‬علي مهساس‪ ،‬وهو من مواليد بودواو بومرداس‬
‫يوم ‪ 71‬نوفمرب ‪ 7291‬سياسي ومناضل سابق يف حزب الشعب اجلزائري ‪ PPA‬يف الفرتة ‪7291-7291‬‬
‫أحد أهم أعضاء املنظمة اخلاصة ‪ ، OS‬تم إلقاء القبض عليه مباشرة على إثر اكتشاف املنظمة يوم ‪ 71‬مارس‬
‫‪ 7211‬استطاع الفرار من السجن بطريقة بطولية رفقة قائد املنظمة زميله أمحد بن بله يف ماي ‪ 7219‬ليلتحق‬
‫ابخلارج ويصبح من أوائل العناصر اليت ستشكل فيما بعد ما يعرف ابلوفد اخلارجي ابلقاهرة‪ ،‬وبعد اندالع الثورة‬
‫أصبح مكلفا مبلف مجع السالح ونقله إىل اجلزائر عرب ليبيا وتونس‪ .‬وبعد االستقالل تم تعيينه وزيراً للفالحة‪ ،‬وبعد‬
‫احلركة التصحيحية ‪ 72‬جوان ‪ 7291‬أصبح من أعضاء جملس الثورة‪ ،‬ولكن سرعان ما اختلف مع النظام اجلديد‬
‫متحصل على‬
‫م‬ ‫وخرج من اجلزائر‪ .‬له العديد من املؤلفات‪ ،‬أمهها كتاب‪ :‬احلركة الثورية يف اجلزائر ‪،7219-7279‬‬
‫شهادة الدكتوراه‪ ،‬تويف ابجلزائر عن عمر يناهز ‪ 21‬سنة يوم ‪ 99‬فيفري ‪ 9171،‬للمزيد أكثر ينظر‪ :‬الطاهر‬
‫جبلي‪ :‬اإلمداد ابلسالح خالل الثورة اجلزائرية ‪ ،7299-7219‬طبعة خاصة‪ ،‬دار األمة للطباعة والتوزيع‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،9171 ،‬ص ص ‪.911-122‬‬
‫‪221‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫يف أذهان مسريي الثورة اجلزائرية‪ ،‬منذ اندالعها‪ ،‬وما إن اجتازت الثورة سنتها األوىل‬
‫حتى أصبح عقد املؤمتر رضورة وحتمية ال جدال فيها أمام النجاح الباهر الذي ح ّققته‬
‫الثورة عىل مجيع األصعدة‪)1( " .‬‬

‫فعقد املؤمتر‪ ،‬أصبح رضورة حسب رأي املناضل والقيادي البارز أمحد مهساس‪،‬‬
‫وخاصة بعد أن بدأت تظهر بعض النقائص يف جماالت عدّ ة هيكلية وتنظيمية‬
‫وسياسية‪ ،‬كام شهدت املرحلة التي سبقت انعقاد املؤمتر التحاق العديد من فئات‬
‫الشعب اجلزائري وعنارص بارزة من أحزاب واجتاهات احلركة الوطنية اجلزائرية‬
‫بصفوف الثورة‪.‬‬
‫فبقدر ما صاغ املؤمتر عدّ ة حلول للمشاكل التي كانت تعاين منها الثورة يف‬
‫بدايتها‪ ،‬فقد تس ّبب كذلك باملقابل يف خلق وإثارة العديد من اخلالفات والرصاعات‬
‫الداخلية بني القادة ؟؟‪ ،‬واملعروف عن املؤمتر‪ ،‬أنه قد تس ّبب يف إفراز حالة شديدة من‬
‫االنشقاق واالصطفاف الداخيل عىل مستوى القيادة‪ ،‬وخاصة بني عنارص الوفد‬
‫اخلارجي ومجاعة الداخل‪ ،‬فهناك من القادة من رفض نتائج املؤمتر رفضا قاطعا‬
‫واعتربها خروجا وانحرافا عن مبادئ الثورة التي وردت يف بيان أول نوفمرب‪6591‬‬
‫؟؟‪.‬‬
‫وللتذكري‪ ،‬فإن سلطات االحتالل ملا اندلعت الثورة ألقت القبض وبرسعة عىل‬
‫أغلب مسؤويل حركة انتصار احلريات الديمقراطية ‪ M.T.L.D‬ظن ًا منها بأن احلركة‬
‫قامت بمناورة االنشقاق(‪،)2‬من أجل التغطية عن التحضريات التي انتهت باندالع‬

‫(‪ )1‬جملد انصر‪ :‬أحاديث مع أمحد علي مهساس أحد مهندسي ثورة التحرير‪ ،‬تقدمي حممد عباس‪ ،‬ط‪ ،7‬دار‬
‫اخلليل القامسي للنشر والتوزيع‪ ،‬املسيلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،9171 ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬شهدت حركة انتصار احلرايت الدميقراطية حالة من التفكك والتمزق واالنشقاق بني عناصرها قبيل اندالع‬
‫الثورة التحريرية‪ ،‬فأصبحت احلركة تضم تيارين تيار مصايل متعصب ألفكار مصايل احلاج وتيار مركزي الداعي‬
‫إلصالح أجهزة احلركة اإلدارية والسياسية‪ ،‬ويف خضم هذا الصراع والتنافس على املناصب والسلطة داخل احلركة‬
‫ظهر تيار اثلث من الشباب املتحمس للعمل املسلح فأسس اللجنة الثورية للوحدة والعمل وقام ابلتحضريات اليت‬
‫انتهت ابندالع الثورة التحريرية يوم الفاتح نوفمرب ‪ 7219‬للمزيد ينظر‪ ،‬عيسى كشيدة ‪ :‬مهندسو الثورة‪ ،‬ط‪،7‬‬
‫دار الشهاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،9111 ،‬ص ص ‪.11-91‬‬
‫‪223‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫الثورة‪ ،‬ولكن بعد التحريات والتحقيق مع أوئلك املسؤولني‪ ،‬تبني للسلطات بأن من‬
‫قاموا بتفجري الثورة هم كتلة حمايدة فجرت الثورة لتضع اجلميع أمام أمر الواقع‪،‬‬
‫ولكي يتحمل اجلميع املسؤولية‪ .‬وهلذا مل يكن أمام هؤالء القادة من خيار سوى‬
‫االنضامم لصفوف الثورة أو الوقوف ضدها‪.‬‬
‫لكن إطالق رساح أوئلك الذين يتميز معظمهم بنوع من االعتدال‪ ،‬كان اهلدف‬
‫منه هو حماولة احتواء الثورة بافتكاكها من البداية عن مفجرهيا أصحاب التوجه‬
‫الثوري الراديكايل(‪ ،)1‬فقد كان هاجس املعتدلني هو الرغبة يف احتواء الثورة‪ ،‬وهلذا‬
‫عندما علم هؤالء املعتدلون بفكرة انعقاد مؤمتر الصومام سارعوا إىل التحضري له‬
‫وشجعوا السيد عبان رمضان(‪ )2‬عىل امليض يف جعل املؤمتر حقيقة جمسدة عىل أرض‬
‫الواقع كون رمضان عبان يف نظرهم كان هو األكثر طموح ًا إىل الزعامة لذا رأوا يف‬
‫شخصه ضالتهم لتحقيق أهدافهم البعيدة‪.‬‬
‫كان من األخطاء الكبرية التي وقع فيها املناضل حممد بوضياف(‪ )3‬والتي مكّنت‬
‫لتيار السيد عبان رمضان من االنفراد بالساحة الداخلية هي عدم التزام السيد حممد‬

‫(‪ )1‬جملد انصر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫(‪ )2‬من مواليد ‪ 91‬جوان ‪ 7291‬بقرية األربعاء إيرثن القريبة من مدينة تيزي وزو وسط عائلة ميسورة احلال‪،‬‬
‫واصل عبان دراسته بثانوية البليدة وحتصل على شهادة البكالوراي سنة ‪ ،7297‬شغل فيما بعد ككاتب عام ببلدية‬
‫شلغوم العيد‪ ،‬وأثناء احلرب العاملية الثانية كان من اجملندين يف صفوف اجليش الفرنسي برتبة ضابط صف‪ ،‬اخنرط‬
‫يف صفوف حزب الشعب اجلزائري وشارك يف مظاهرات ‪ 1‬ماي ‪ ، 7291‬أصبح عضوا يف املنظمة اخلاصة‪ ،‬بعد‬
‫أتسيسها وألقي عليه القبض على إثر اكتشافها وحكم عليه ابلسجن ملدة ست سنوات‪ ،‬أطلق سراحه يف جانفي‬
‫‪ ،7211‬ليلتحق مباشرة ابلثورة بعد اتصاله ابملناضل عمر أوعمران‪ ،‬ت تكليفه بتنظيم اجلزائر العاصمة ولعب دوراً‬
‫كبريا يف اإلعداد ملؤمتر الصومام‪ ،‬وكان صاحب األولوايت‪ ،‬اغتيل يف النهاية ابملغرب يوم ‪ 91‬ديسمرب ‪7211‬‬
‫للمزيد ينظر‪ :‬الطاهر جبلي‪ :‬اإلمداد ابلسالح ‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬من مواليد سنة ‪ 7272‬بقرية أوالد ماضي بوالية املسيلة‪ ،‬اشتغل بعد مرحلة التعليم مبصاحل الضرائب مبدينة‬
‫جيجل‪ ،‬انضم إىل صفوف حزب الشعب اجلزائري مث حركة انتصار احلرايت الدميقراطية‪ ،‬أصبح فيما بعد عضواً‬
‫ابرزاً يف املنظمة اخلاصة مسؤوالً على القطاع القسنطيين‪ ،‬حوكم غيابياً على إثر اكتشاف املنظمة اخلاصة ويف سنة‬
‫‪ 7211‬التحق بفرنسا لتنظيم شؤون احلركة هناك وبعد عودته للجزائر ساهم يف أتسيس اللجنة الثورية للوحدة‬
‫والعمل مارس ‪ 7219‬وكان من بني أعضاء جمموعة االثنان والعشرين‪ ،‬ت اعتقاله يف حادثة اختطاف الطائرة ‪99‬‬
‫أكتوبر ‪ ، 7219‬بعد االستقالل عارض نظام احلكم وأسس حزب الثورة االشرتاكية يف جوان ‪ 7291‬تعرض‬
‫للسجن والنفي إىل اجلنوب اجلزائري‪ ،‬غادر البالد إىل املغرب واستقر هناك‪ ،‬وبعد استقالة الرئيس الشاذيل بن‬
‫‪225‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫بوضياف باملهمة التي كان مكلف ًا هبا من البداية‪ ،‬وهي مسألة التنسيق بني الداخل‬
‫واخلارج يف شؤون الثورة‪ ،‬ويف هذا الصدد يقول أمحد عيل مهساس‪ " :‬فلام ّذكرت ُه‬
‫يقصد بوضياف بمهمته ونحن باملغرب األقىص قال يل من يريد تسيري الثورة من‬
‫الداخل فهو جمنون وحني ظهر عبان عىل الساحة وبدأ يترصف كأنه قائد الثورة حينها‬
‫استيقظ بوضياف من غفوته‪)1( ".‬‬

‫وبالعودة إىل مسألة املؤمتر‪ ،‬يواصل أمحد مهساس قائالً‪ ..." :‬أمام اقرتاب موعد‬
‫املؤمتر ُو ّجهت الدعوات إىل السادة أمحد بن بلة"(‪،)2‬وحممد خيرض(‪ ،)3‬اللذان انتقال إىل‬

‫جديد استدعاه ضباط اجليش الشعيب الوطين ليشغل منصب رئيس اجلمهورية ‪،‬ويف يوم ‪ 92‬جوان ‪ 7229‬من‬
‫نفس السنة ت اغتياله؟ للمزيد ينظر‪ :‬الطاهر جبلي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪111‬‬
‫(‪ )1‬جملد انصر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫(‪ )2‬ولد يف ‪ 91‬ديسمرب ‪ 7279‬ب مدينة مغنية ابلغرب اجلزائري من أسرة فالحية اتبع دراسته بثانوية تلمسان‬
‫واخنرط فيما بعد يف حزب الشعب اجلزائري كما كان من املشاركني يف احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وبعد انتفاضة ‪11‬‬
‫ماي ‪ 7291‬اخنرط يف صفوف حركة انتصار احلرايت الدميقراطية‪ ،‬وعندما أتسست املنظمة اخلاصة أصبح من أهم‬
‫عناصرها وكان من املخططني لعملية السطو على بريد وهران يف أفريل ‪ .7292‬و يف هناية سنة ‪ ،7292‬أصبح‬
‫رئيساً للمنظمة اخلاصة بعد إزاحة السيد حسني آيت أمحد عن رائستها بسبب األزمة الرببرية‪ ،‬أل مقي عليه القبض‬
‫وحكم معليه ابلسجن ملدة مخسة سنوات‪ ،‬ويف مارس ‪ 7219‬استطاع أمحد بن‬ ‫على إثر اكتشاف املنظمة اخلاصة م‬
‫بلة رفقة زميله أمحد علي مهساس الفرار من سجن البليدة‪ ،‬وبعد فراره من السجن التحق ابلوفد اخلارجي ابلقاهرة‪،‬‬
‫شارك يف أتسيس والتحضري للثورة وبعد اندالع الثورة أصبح عضواً ابرزاً يف الوفد اخلارجي ُمكلف ابجلانب‬
‫العسكري وخاصة قضية جلب وتزويد الثورة ابلسالح‪ ،‬اُعتقل يف حادثة اختطاف الطائرة يف ‪ 99‬أكتوبر ‪،7219‬‬
‫وأُطلق سراحه بعد وقف إطالق النار مارس ‪ ،7299‬عارض احلكومة املؤقتة اجلزائرية آنذاك واليت كان يقودها بن‬
‫يوسف بن خدة‪ ،‬انتخب سنة ‪ 7291‬كرئيس للجمهورية مث تم عزله على إثر انقالب ‪ 72‬جوان ‪،7291‬‬
‫واعتقل ملدة ‪ 72‬عاما مث أفرج عنه الرئيس الشاذيل بن جديد‪ .‬تويف يوم ‪ 77‬أفريل‪ ، 9177‬للمزيد ينظر الطاهر‬
‫جبلي‪ :‬اإلمداد ابلسالح ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.191-112‬‬
‫(‪ )3‬من مواليد سنة ‪ 7279‬ينحدر من عائلة ريفية من مدينة بسكرة‪ ،‬زاول دراسته مبسقط رأسه قبل أن يضطر‬
‫يغادر الدراسة من أجل إعالة عائلته ‪ ،‬يف سنة ‪ 7219‬اخنرط يف حزب جنم مشال إفريقيا مث يف حزب الشعب‬
‫اجلزائري بعد أن أتسس سنة ‪ ،7211‬وأصبح انئباً يف الربملان بعد أتسيس حركة انتصار احلرايت الدميقراطية‬
‫سنة ‪ ، 7299‬اهتمته سلطات االحتالل بتورطه يف حادثة السطو على بريد وهران وذلك ابستعمال سيارته يف نقل‬
‫ومترير األموال‪ ،‬رفض تسليم نفسه عندما طلبت منه احلركة ذلك وفر إىل اخلارج حنو القاهرة وأصبح من أهم عناصر‬
‫الوفد اخلارجي منذ سنة ‪ ،7217‬اعتقل يف حادثة اختطاف الطائرة يف ‪ 99‬أكتوبر ‪ ،7219‬وعند ما أتسست‬
‫احلكومة اجلزائرية املؤقتة أصبح عضواً شرفياً يف تشكيلتها‪ ،‬اُغتيل بعد االستقالل بسبب معارضته لنظام احلكم يف‬
‫العاصمة اإلسبانية مدريد يوم ‪ 19‬جانفي ‪ ،7291‬للمزيد ينظر عاشور شريف ‪ :‬قاموس الثورة اجلزائرية ‪-7219‬‬
‫‪ ،7299‬ترمجة عامل خمتار ‪ ،‬دار القصبة ‪ ،‬اجلزائر‪.9111،‬‬
‫‪226‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫بوعدها‪ ،‬فلام‬ ‫احلدود الليبية؛ وفق االتفاق املربم مع مجاعة الداخل‪ ،‬لكن اجلامعة مل ت‬
‫وصل أمحد بن بلة رفقة زميله إىل املكان املتفق عليه مل جيدوا أحد ًا هناك يف انتظارهم‬
‫فعادوا عرب إيطاليا بعد أن انتظروا لعدة أيام ‪.)1(" ...‬‬
‫أما بخصوص املشاركة‪ ،‬يقول أمحد مهساس‪ ":‬أما أنا وحممد بوضياف فلم تصلنا‬
‫الدعوة وكان لدينا يقني بأهنم تعمدوا تغييبنا عن قصد"‪ ،‬فحسب رأيه كان اهلدف هو‬
‫عزل وتفريق القادة احلقيقيني بوضعهم عىل اهلامش‪ ،‬فقد حاول البعض منهم إجهاض‬
‫الثورة من البداية فام أن خرجوا من السجون(‪ )2‬يف ربيع سنة ‪ 6599‬حتى سارعوا‬
‫واتصلوا بنا ونحن يف القاهرة‪ ،‬هكذا يقول أمحد مهساس كان ذلك بإيعاز من سلطات‬
‫بن‬ ‫االحتالل؛ هبدف البدء يف التفاوض‪ ،‬كان من هؤالء صالح الونيش وبن يوس‬
‫خدة‪ ،‬اللذان طلبا منا إيفاد السيد حممد خيرض إىل سان ريمو بإيطاليا لعرض عليه‬
‫الفكرة‪ ،‬وللبدء يف التفاوض فرفضنا ذلك أنا وأمحد بن بلة والعريب بن مهيدي وحممد‬
‫بوضياف‪ .‬وبد ً‬
‫ال عن ذلك قررنا أن نرسل إليهام السيد أمحد بن بلة الذي التقى هبام يف‬
‫إيطاليا بالفعل‪ ،‬وقالوا له بأهنام موفدان من طرف السلطات الفرنسية التي تريد‬
‫التفاوض معهم برشط أن تكون جبهة التحرير الوطني غري حارضة يف العملية‪،‬‬
‫وكشفوا له بأن عبان رمضان معهام يف املبادرة؟ فام كان من بن بلة إال أن رفض املبادرة‬
‫رفض ًا قاطع ًا‪ ،‬وملا فشلت حماولتهم تلك جاؤوا بمبادرة وطرح آخر حينام اجتمعوا يف‬
‫القاهرة وعقدوا ما ُيسمى باملؤمتر الوطني اجلزائري‪ ،‬الذي شارك فيه العلامء وبعض‬
‫النواب وعنارص من احلركة الوطنية اجلزائرية ‪ ،M.N.A‬وكان حممد خيرض معهم‪،‬‬

‫(‪ )1‬جملد انصر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫(‪ )2‬مع اندالع الثورة اعتقدت سلطات االحت الل أن من قام بتفجري الثورة هم عناصر وقيادات من حركة انتصار‬
‫احلرايت الدميقراطية‪ K‬وهلذا أقدمت على اعتقال الكثري منهم‪ K‬وخاصة أتباع التيار املركزي‪ ،‬ولكن بعد أن‬
‫اكتشفت أبن ليست هلم عالقة ابلثورة أطلقت سراحهم يف ربيع سنة ‪ 7211‬للمزيد ينظر ‪ :‬عمار بوحوش‪:‬‬
‫التاريخ السياسي للجزائر من البداية إىل غاية ‪،7299‬دار البصائر‪ ،‬اجلزائر‪،9171 ،‬ص ‪،199‬و ينظر كذلك ‪:‬‬
‫حممد العريب الزبريي ‪ :‬اتريخ اجلزائر املعاصر دراسة‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪،9179،‬ج‪ ،9‬ص‪ ،99‬و ينظر كتابه‬
‫املوسوم بـ‪ :‬الثورة يف عامها األول‪.‬‬
‫‪225‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫وحينام علمنا بذلك رفضنا الفكرة رفض ًا قاطع ًا‪ ،‬ألن ذلك يعترب يف نظرنا انحراف ًا عن‬
‫مبادئ بيان أول نوفمرب ‪.)1(6591‬‬
‫يواصل أمحد عيل مهساس روايته قائالً‪ " :‬طلبت من القيادة أن أذهب إىل‬
‫العاصمة الستخالف القائد رابح بيطاط عىل رأس املنطقة الرابعة بعد اعتقاله‪ ،‬لكن‬
‫بحجة رضورة الذهاب إىل املرشق للوقوف عىل قضية‬ ‫طلبي(‪)2‬‬ ‫اجلامعة رفضوا‬
‫ومسألة الدعم وتوريد السالح‪،‬وبسبب الفراغ الذي خلفه اعتقال رابح بيطاط ترسب‬
‫بن خدة وسعد‬ ‫عبان إىل النظام والقيادة عىل غرار أشخاص آخرين أمثال بن يوس‬
‫يواصل مهساس يقول ‪ ":‬عندما تم رفض طلبي طلبنا من العريب بن‬ ‫دحلب"(‪)3‬‬

‫رابح بيطاط عىل رأس املنطقة الرابعة قلنا له سلم مسؤولياتك يف‬ ‫مهيدي بأن خيل‬
‫وهران إىل نائبك عبد احلفيظ بوصوف واذـهب أنـت إىل العاصمة‪ .‬وهلذا عندما انعقد‬
‫مؤمتر الصومام مل يكن بن مهيدي يمثل املنطقة اخلامسة وهران الغائبة عن املؤمتر بل‬
‫كان يمثل املنطقة الرابعة؟‬
‫تم إعالمنا بتاريخ املؤمتر ولكنهم خطفوا املؤمتر منا للتمكني‬
‫يقول مهساس إنه" ّ‬
‫ألنفسهم وفرض أمر الواقع(‪ ... )4‬املؤمتر كله مل يعجبنا ألنه كان مزور؟‪،‬جاءت مجاعة‬
‫من الذين فاهتم قطار الثورة سنة ‪ 6591‬من املركزيني واألحزاب األخرى التي كانت‬
‫عكس اجتاه الثورة وأرادوا تنحية املفجرين األوائل الذين أصبحوا يف نظرهم‬ ‫تق‬
‫متطرفني ومتعصبني ‪ ...‬مل حيرض املؤمتر قادة املنطقة األوىل األوراس ومل حيرض كذلك‬
‫قادة القاعدة الرشقية الناممشة التي مل تكن منطقة يف احلقيقة ولكن كانت قاعدة متصلة‬
‫بمعظم املناطق األوىل والثانية والثالثة والرابعة مكلفة بتوفري السالح و التنسيق مع‬
‫اخلارج" (‪.. )5‬‬

‫(‪ )1‬جملد انصر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫(‪ )2‬الذين رفضوا هم مجاعة اخلارج حممد بوضياف وأمحد بن بلة والعريب بن مهيدي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مهساس أمحد‪ :‬سباق مع القدر قصة مذكرات‪ ،‬إعداد الصحفي مصطفى دالع‪ ،‬بدون رقم طبع‪ ،‬دار‬
‫اخللدونية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،9171 ،‬ص ‪.21‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪221‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫وبخصوص عدد املشاركني يف املؤمتر‪ ،‬يقول أمحد مهساس حرض املؤمتر املزعوم‬
‫مخسة عنارص فقط؟ وهم عمر أوعمران وخلرض بن طوبال وكريم بلقاسم والعريب بن‬
‫مهيدي وعبان رمضان‪ ،‬ثم يطرح تساؤل‪ :‬هل يمكن تسميته بمثل هذا التمثيل‬
‫مؤمترا ً؟ وخاصة إذا علمنا بأن املواثيق والنصوص التي أفرزها املؤمتر عفوا ً اللقاء مل‬
‫تكن من صنع احلارضين ؟‪ .‬وهذا حسب ترصيح السيد خلرض بن طوبال الذي قال يف‬
‫هذا الشأن‪ " :‬أحرض عبان رمضان أوراقا وطلب منا اإلمضاء عليها فأمضينا رغم أننا‬
‫مل نشارك يف صياغتها"(‪.)1‬‬
‫ويف احلقيقة كانت هناك جلنة تعمل حتت ترصف عبان رمضان هي التي تكفلت‬
‫بصياغة القرارات واملواثيق كان أغلب عنارصها من املناوئني للثورة يف البداية؟ كان‬
‫عىل رأس هؤالء السيد عامر أوزقان األمني العام السابق للحزب الشيوعي اجلزائري‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد يقول مهساس جاؤوا بوثيقة مناقضة لبيان أول نوفمرب الذي كانت‬
‫مرجعيته واضحة وأصيلة‪ ،‬وهي العروبة واإلسالم‪ ،‬أما وثيقة الصومام فقد أمهلت‬
‫وحذفت هذا األساس ووضعت القاهرة وموسكو وواشنطن هي املرجعية؟‬
‫وبخصوص املناطق التي شاركت يف املؤمتر‪ ،‬يقول أمحد مهساس مل تشارك يف‬
‫املؤمتر املنطقة األوىل األوراس وال املنطقة اخلامسة وهران وال فيدرالية جبهة التحرير‬
‫الوطني بفرنسا وال حتى املنطقة الرابعة التي كان قائدها الفعيل الضابط حممد بوقرة؟‬
‫ثم يقول مل يكن هناك مؤمتر؟ بل عبارة عن عملية تزوير واضحة بعد أن تم إقصاؤنا‬
‫ألننا كنا نمثل التيار العرويب اإلسالمي‪ .‬ويواصل املناضل مهساس قائالً‪ " :‬كانت‬
‫مجاعة عبان رمضان يف الداخل تُروج عني أنا بالذات إشاعات من حني إىل آخر فتارة‬
‫يتهمونني بأنني أفضل منطقة األوراس يف قضية السالح عن باقي املناطق األخرى‬
‫وتارة يتهموننا بالعجز عن أداء مهامي املتمثلة يف توفري السالح والتنسيق مع الداخل‪،‬‬
‫وتارة يروجون عنا إشاعات بأننا نأمتر بـأوامـر املـرصييـن وهذا غريب للغاية؟ كلـها‬
‫ادعاءات خمالفة وجمانبـة للـواقع واحلقيقة يشهد بذلك جنود الداخل ذاهتم فام من‬

‫(‪ )1‬جملد انصر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪228‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫منطقة طلبت السالح إال وفرناه هلا "(‪ .)1‬لقد كان عبان رمضان حسب رأي مهساس‬
‫ألعوبة يف يد جمموعة من حمرتيف السياسة استغلوه لقضاء مآرهبم وملا اصطدم مع‬
‫خمططاهتم غيبوه هنائي ًا‪.‬‬
‫‪ -0‬مآخذ السيد أمحد عيل مهساس عىل املؤمتر‪:‬‬
‫أفرز املؤمتر حسب تصور السيد مهساس قرارات ومبادئ يف غاية اخلطورة؛‬
‫وهي ما اعتربها‬ ‫العسكري(‪)2‬‬ ‫كفكرة أسبقية الداخل عن اخلارج‪ ،‬والسيايس عىل‬
‫مهساس بدعة وتراجع عن مبادئ الفكر الثوري السائد آنذاك‪ .‬يقول كنا نخوض‬
‫الكفاح دون مسميات‪ ،‬فكل مسؤول سيايس هو يف نفس الوقت عسكري‪ ،‬كام أننا‬
‫نؤمن بأن الكفاح ليس له حدود؟‪ .‬وفيام يتعلق بالسيايس والعسكري‪ ،‬فقد كانت‬
‫جتربتنا داخل املنظمة اخلاصة )‪ )OS‬قد فرضت علينا عدم التفريق بينهام(‪ .)3‬أما فيام‬
‫يتعلق بتنظيم اجليش‪ ،‬فقد ادعى املؤمترون بأهنم عرصيون وتقدميون أرادوا هيكلة‬
‫جيش عرصي برتب وضباط‪ ،‬فهذا األمـر قـد فـكرنا فيـه من قـبل بـل ورشعنا يف تطبيقه‬
‫وجتسيده؛ فحني أنشأنا القاعدة الرشقية أعطينا األوامر رسمي ًا لتكوين أربعة فرق‬
‫عرصية‪ ،‬كان من ضمنها الفرقة التي كان يرشف عليها الرئيس املرحوم الشاذيل بن‬
‫جديد‪ ،‬ونجحنا يف ذلك وهيكلنا ثالثة فرق هيكلة جيدة تراعي ظروف الكفاح‬
‫وحرب العصابات؛ أي تتشكل حني الرضورة‪ ،‬ثم ختتفي عىل خالف ما جاء يف‬
‫قرارات املؤمتر التي طالبت برضورة تشكيل فرق ووحدات قتالية كبرية فيالق وكأهنم‬
‫يف حياة عادية ‪ .‬وبسبب هذه االنحرافات‪ ،‬يقول السيد أمحد مهساس‪ ،‬كان لزام ًا علينا‬
‫أن نتحرك لتصويب األخطاء‪ ،‬وكنا نأمل أن تتم معاجلة األمر بود ويف رسية تامة فطلبنا‬
‫منهم يف البداية عدم نرش وثائق املؤمتر حتى نتـدارك األمـر ونـخرج فـي النهايـة بوثـيقـة‬
‫تـحقــق اإلجـامع الوطـني بـدون إقـصاء ألي طـرف وباملقابل نعلن بأننا سامهنا وشاركنا‬

‫(‪)1‬نفسه‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫)‪ (2‬مسعود عثماين‪ :‬من اغتال بن بولعيد‪ ،‬ط‪ ،7‬دار اهلدى للطباعة و النشر‪ ،‬عني ميلة‪ ،‬اجلزائر‪9171 ،‬ص‬
‫ص ‪.911-911‬‬
‫(‪ )3‬جملد انصر ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪221‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫يف صياغة القرارات لكن اجلامعة يف الداخل رفضوا هذا املقرتح وتعمدوا نرش الوثيقة‬
‫بدون مراجعة يف جريدة املجاهد(‪ .)1‬ثم يقول مهساس‪ ":‬حينها توجهت إىل ليبيا‬
‫والتقيت هناك بأمحد بن بلة وقلت له لقد حان الوقت لنضـع حـد ًا هلـؤالء وإذا تركنا‬
‫األمر وختلينا عن مسؤولياتنا فإن الثورة ستفشـل؟ واتفقنا عىل رسم خطة إلجهاض‬
‫وإسقاط تلك القرارات‪ ،‬وذلك بالتنسيق مع مفجري الثورة املعارضني مثلنا‬
‫واملتواجدين يف تونس واجلزائر‪ ،‬يقول مهساس يف هذا الشأن كنا يف تونس أمام‬
‫خيارين إما تنظيم معارضة مسلحة ضد مجاعة عبان رمضان وجلنة التنسيق والتنفيذ‬
‫وإما نرتك الوضع كام هو ويبقى الشقاق قائ ًام بني الطرفني كام هو قائم بيننا وبني جناح‬
‫مصايل احلركة الوطنية اجلزائرية‪ .)2( "M.N.A‬وبالفعل انطلقنا يف التحضريات من‬
‫تونس لتقويم املسار ووجهنا دعوات إىل كل من حممد بوضياف وحممد خيرض‬
‫وحسني آيت أمحد لالنضامم إلينا‪ ،‬ولكن حادثة اختطاف الطائرة يف‪ 00‬أكتوبر ‪6591‬‬
‫حالت دون ذلك‪.‬‬
‫والالفت لالنتباه‪ ،‬أنه يف اجتامع املجلس الوطني للثورة اجلزائرية بالقاهرة يف‬
‫شهر أوت سنة ‪ 6591‬تغري كل ءيء ‪،‬حيث تم اختاذ مواق مضادة متام ًا لقرارات‬
‫مؤمتر الصومام من طرف احلارضين الذين قرروا إلغاء مجيع قرارات املؤمتر؛ أين وجد‬
‫عبان رمضان نفسه هناك وحيد ًا وبدون سند‪ ،‬فقد ختلت عنه جمموعته وزمرته بعد أن‬
‫تأكّدت من عدم قدرهتا عىل جتسيد وتطبيق قرارات الصومام عىل أرض الواقع‪ ،‬وذلك‬
‫وتسارع األحداث فواقع الثورة آنذاك وظروف القادة الذين‬ ‫بسبب تغري الظروف‬
‫أصبح معظمهم يف اخلارج شكّل عائقا وصعوبة يف تطبيق ومسايرة تلك القوانني‬
‫واللوائح الصارمة املنبثقة عن املؤمتر‪ .‬يقول أمحد مهساس أنه مل حيرض االجتامع السابق‬
‫الذكر الذي حرضه عبان رمضان عىل مضض‪ ،‬والذي بفعل نتائجه أصبح هذا األخري‬
‫شبه معزول مما جعله ينتقد وبشدة تلك القرارات التي متخضت عن االجتامع‪ ،‬بل‬

‫(‪ )1‬ت نشر الوثيقة يف جريدة اجملاهد يف العدد الصادر بتاريخ ‪ 17‬نوفمرب ‪ 7219‬مبناسبة الذكرى الثانية الندالع‬
‫الثورة التحريرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مهساس أمحد‪ :‬سباق القدر‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪210‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫ذهب ألكثر من ذلك عندما أخذ هياجم ترصفات العقداء اخلمسة (‪ ()1‬بصورة علنية‬
‫يف اخلارج الذين بدورهم اهتموه بالتشويش وبتعطيل أعامل اللجنة و املجلس باخلارج‬
‫فأخذوا حيذرونه وينذرونه‪ ،‬ولكن الرجل بقي صامدا وثابت عىل مواقفه‪ ،‬مما دفع‬
‫بأوئلك القادة إىل اختاذ قرار ًا خطري وجريء وهو إسكات صوت الرجل الذي أصبح‬
‫يشكل يف نظرهم عائق حقيقي أمام طموحاهتم القيادية‪ ،‬وهذا ما وقع بالفعل يوم ‪01‬‬
‫ديسمرب ‪ 6591‬باملغرب‪ ،‬بحيث أسدل الستار عىل أحد أهم القضايا الشائكة يف تاريخ‬
‫الثورة املتصاعدة وذلك بتصفية الرجل (‪.)2‬‬
‫‪-3‬أمهية املؤمتر يف سياق أحداث الثورة‪:‬‬
‫بن خدة مؤمتر الصومام حدث ًا تأسيسيا؛ بفعل ما متخض‬ ‫يعترب السيد بن يوس‬
‫عنه من نتائج ومقررات والتي يعود الفضل يف طرحها وجتسيدها ‪-‬حسب رأيه‪-‬إىل‬
‫واملصمم عىل انجاز‬
‫ّ‬ ‫السيد عبان رمضان‪ ،‬الذي يصفه بالرجل احلازم والصارم‬
‫وإنجاح املؤمتر‪ .‬يقول بن يوس كنت رفقة األخوة عبان وبن مهيدي نشكل ثالوثا‬
‫مهمته تنظيم منطقة اجلزائر العاصمة(‪ ،)3‬يواصل بن خدة يقول يف البداية ال يمكن‬
‫معرفة وإدراك املغزى من احلدث إال إذا وضعناه يف سياقه التارخيي فام هو هذا‬
‫السياق؟‬
‫وبالعودة إىل الوراء‪ ،‬وبالضبط إىل االجتامع التارخيي األخري الذي مجع قادة‬
‫ومهندسو الثورة بتاريخ ‪ 03‬أكتوبر ‪ 6591‬بالرايس محيدو بولوغني حالي ًا يف اجلزائر‬
‫العاصمة تقرر بعد وضع اللمسات األخرية لتفجري الثورة وتوزيع املهام عقد اجتامع‬
‫شهر جانفي سنة ‪ ،6599‬من أجل تقييم‬ ‫آخر يكون يف املستقبل يف حدود منتص‬
‫املرحلة األوىل من عمر الثورة واستدراك النقائص واهلفوات املصاحبة للبداية‪ ،‬ولكن‬

‫(‪ )1‬العقداء اخلمسة هم‪ :‬حممود الشريف وكرمي بلقاسم‪ ،‬وخلضر بن طوابل‪ ،‬وعبد احلفيظ بوصوف‪ /‬وعمر أو‬
‫عمران للمزيد ينظر‪ :‬صاحل بلحاج‪ :‬أزمات جبهة التحرير الوطين وصراع السلطة ‪ ،7291-7219‬ط‪ ،7‬دار‬
‫قرطبة‪ ،‬اجلزائر‪ ،9119،‬ص‪.71‬‬
‫(‪ )2‬جملد انصر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.719‬‬
‫(‪ )3‬ابن يوسف بن خدة‪ :‬شهادات ومواقف‪ ،‬ط‪ ،7‬دار النعمان للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،9119 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪212‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫ظروف احلرب وانقطاع االتصاالت واستشهاد واعتقال بعض القادة حال دون ذلك‬
‫االجتامع(‪.)1‬‬
‫وقد أعطى انضامم عبان رمضان إىل الثورة بعد إطالق رساحه من السجن‬
‫الفرنيس يف شهر جانفي سنة ‪ 6599‬دفعا قويا للجبهة وللعمل املسلح‪ ،‬فالرجل اختذ‬
‫من البداية من مدينة اجلزائر العاصمة مقرا ً له وإلدارته اجلديدة؛ رفقة ك ً‬
‫ال من كريم‬
‫بلقاسم والعريب بن مهيدي‪ ،‬وحتولت العاصمة بفعل حضور هؤالء إىل مركز حقيقي‬
‫إلدارة الثورة حتت سلطة عبان رمضان احلازمة‪ ،‬وكان عبان حيرر ويصدر املنشورات‬
‫والقرارات بصيغة األوامر والنواهي ويرسلها إىل اجلهات األخرى‪ ،‬و التي كان شعاره‬
‫دوما هو أن حترير اجلزائر لن حيدث إال إذا كان هناك عم ً‬
‫ال مجاعي تشارك فيه كافة‬
‫فئات الشعب اجلزائري بكل مكوناته السياسية(‪ )2‬؟‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬فلقد أثمرت جهود عبان يف هذا املسعى‪ ،‬حيث استطاع يف وقت وجيز‬
‫أن يصنع موجة وعي حقيقية يف أوساط النخب السياسية اجلزائرية‪ ،‬وكان ذلك يف‬
‫سنة ‪ 6599‬وربيع سنة ‪ ،6591‬وهي الفرتة التي انضمت‬ ‫الفرتة املمتدة ما بني خري‬
‫فيها معظم االجتاهات السياسية واإلصالحية يف اجلزائر للثورة(‪ ،)3‬من مركزيني‬
‫ونواب مجاعة االحتاد الديمقراطي للبيان اجلزائري الذي كان يتزعمه فرحات عباس‪،‬‬
‫هذا األخري الذي قام بحل حزبه من القاهرة يف أفريل سنة ‪ ،6591‬والتحق بصفوف‬
‫الثورة من هناك‪ ،‬وكذا مكتب مجعية العلامء املسلمني اجلزائريني الذي أصدر بيانا يف‬
‫جريدة البصائر يوم ‪ 21‬جانفي ‪ 6591‬ساند فيه الثورة بشكل مبارش ورصيح‪.‬‬

‫(‪ )1‬حالت عدة ظروف دون انعقاد اللقاء بني القادة كاشتداد احلرب وانقطاع االتصاالت واستشهاد بعض‬
‫القادة‪ ،‬أمثال ديدوش مراد ‪ 71‬جانفي ‪ ،7211‬واعتقال مصطفى بن بولعيد فيفري ‪ ،7211‬ورابح بيطاط يف‬
‫مارس ‪ ،7211‬وخروج حممد بوضياف إىل اخلارج‪ ،‬كلها أسباب حالت دون انعقاده‪.‬‬
‫(‪ )2‬عمار بوحوش‪ :‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،7299‬ط خ‪ ،‬دار البصائر للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اجلزائر‪ 9171‬ص ص‪119-117‬‬
‫(‪ )3‬حممد حلسن غيدي‪ :‬مؤمتر الصوصام وتطور ثورة التحرير اجلزائرية ‪ 7299-7219‬ط‪ ،1‬دار هومة‪ ،‬للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،9119‬ص ص‪.119-711‬‬
‫‪211‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫ويف هناية املطاف‪ ،‬أفرزت هذه االسرتاتيجية الوحدوية التي عمل عىل‬
‫حتقيقها عبان رمضان نتيجة هامة وملموسة بحيث اتسعت القاعـدة الشعبية والسياسية‬
‫للجبهة وخاصة بعد تأسيس االحتاد العام للطلبة املسلمني اجلزائريني )‪UGEMA‬‬
‫)يف شهر جويلية سنة ‪ 6599‬وتأسيس االحتاد العام للعامل اجلزائريني يف )‪)UGTA‬‬
‫يف ‪ 01‬فيفري ‪ ،6591‬واالحتاد العام للتجار (‪ (UGCA‬يف سبتمرب من نفس‬
‫السنة(‪.)1‬‬

‫‪-1‬سري أشغال املؤمتر‪:‬‬


‫انتظر القادة الذين حرضوا إىل مؤمتر الصومام جميء ممثيل املنطقة األوىل األوراس‬
‫وعنارص الوفد اخلارجي‪ ،‬لكن االنتظار طال ومل حيرض هؤالء الذين عجزوا عام قام به‬
‫السيد العريب بن مهيدي الذي استطاع الدخول إىل أرض الوطن عائد ًا من القاهرة‪.‬‬
‫وخالل اللقاءات التمهيدية التي سبقت جلسات املؤمتر‪ ،‬بدأت تظهر بعض اخلالفات‬
‫بني احلارضين‪ ،‬وكان عمريوش أول من أبدى استياؤه من ترصفات عبان رمضان‬
‫األبوية‪ ،‬وكان عبان حسب عمريوش يترصف وكأنه سيد املؤمتر وهو نفس االستياء‬
‫الذي أبداه السيد خلرض بن طوبال نائب قائد منطقة الشامل القسنطيني الذي قال‪":‬‬
‫يبدو أن مجاعة العاصمة قد شكلوا مسبق ًا قيادة مخاسية وجاءوا بنا إىل هنا لكي نصادق‬
‫عىل قراراهتم‪ ".‬وبعد تنقية األجواء من التشنجات واخلالفات التي ظهرت من‬
‫البداية‪ ،‬اتفق اجلميع عىل فتح أشغال املؤمتر يوم ‪ 02‬أوت ‪ 6591‬بحضور املناطق‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫ونائبه خلرض بن طوبال ومصطفى بن عودة وعىل‬ ‫املنطقة الثانية‪ :‬زيغود يوس‬
‫كايف وحسني رويبح وإبراهيم مزهودي‪.‬‬
‫املنطقة الثالثة‪ :‬كريم بلقاسم وحممدي سعيد وعمريوش آيت محودة وأقايس‪.‬‬
‫املنطقة الرابعة‪ :‬حرض عنها عمر أوعمران وصادق دهيليس ويس أحممد بوقرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن يوسف بن خدة‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪213‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫املنطقة اخلامسة‪ :‬العريب بن مهيدي رئيس املؤمتر بينام غابت املنطقة األوىل والوفد‬
‫اخلارجي وفيدرالية فرنسا أما السيد عبان رمضان‪ ،‬فقد كان حضوره كسيايس‪ ،‬يمثل‬
‫املنطقة املستقلة اجلزائر العاصمة مع مجلة ُمرافقه (‪.)1‬‬
‫وقد تطرق املؤمترون إىل ّعدة نقاط تنظيمية وسياسية وعسكرية ختص الثورة‪.‬‬
‫وعندما طرحوا مبدأ األولويات ومسألة عضوية بعض املركزيني واملعتدلني بصفة‬
‫عامة يف املناصب القيادية‪ ،‬ظهر اخلالف مرة ثانية بني احلضور‪ ،‬بحيث تدخل عبان‬
‫رمضان مدافعا عن املركزيني قائالً‪ " :‬ال جيب أن نعطي األولوية للعسكريني فقط‬
‫جيب أن يكون املركزيني ممثلني كذلك يف اللجنة التنفيذية واملجلس الوطني للثورة‪" .‬‬
‫(‪ )2‬وقد عارض السيد عمر أوعمران هذا الطرح معارضة شديدة ورفض فكرة عبان‬
‫رفض ًا قاطع ًا‪ ،‬كام عارض فكرة اختيار اجلزائر العاصمة كمقر للجنة التنفيذ والتنسيق‬
‫واعتبارها منطقة مستقلة عن املنطقة الرابعة التي كان قائدا عليها يف تلك الفرتة(‪. )3‬‬
‫وكان عم ر أوعمران يعتقد بأن فتح الباب أمام الفئات الربجوازية سيؤدي يف النهاية‬
‫إىل اعتامد احللول املرحلية والتفاوضية مع فرنسا‪ ،‬لكن تدخل بن مهيدي بصفته رئيس‬
‫املؤمتر حسم األمر عندما قال‪ ":‬لن نسمح أبد ًا بظهور قوة ثالثة بإمكاهنا التفاوض مع‬
‫فرنسا من دون جبهة التحرير الوطني" (‪.)4‬‬
‫وبإقرار أولوية السيايس عىل العسكري‪ ،‬والداخل عىل اخلارج‪ ،‬متكن عبان‬
‫رمضان من التقدم نحو الصدارة‪ ،‬لكن مدة انتصاره مل تدم طويالً‪ ،‬إذ بعد ذلك بسنة‬
‫تقريب ًا متكّن العسكريون من إفشال حماولته عندما فرضوا منطق القوة وكرسوا هنائي ًا‬
‫مبدأ تبعية السيايس إىل العسكري يف شؤون احلكم والقيادة‪ .‬وعندما نراعي ظروف‬
‫الثورة يف تلك الفرتة‪ ،‬نجد بأن املبدأين من حيث املنطق والواقع كانا رضوريني وإن مل‬

‫(‪ )1‬عبد القادر محيد‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.771‬أمحد عبيد‪ :‬التماثل واالختالف يف حركات التحرر املغاربية‬
‫(اجلزائر‪ ،‬تونس‪ ،‬املغرب)‪ ،‬ط‪ ،7‬دار ابن الندمي للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر ‪،9171‬ص ص ‪.799-797‬‬
‫(‪)2‬عبد القادر محيد‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.777‬‬
‫(‪ )3‬طاهر جبلي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪.779 ،‬‬
‫‪215‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫خيفيا حقيقة طموحات السيد عبان رمضان الساعي لالنفراد بالسلطة العليا للجبهة‪.‬‬
‫ويبدو أن مهمة عبان رمضان مل تكن بالسهلة‪ ،‬لكن الظروف التي انعقد فيها املؤمتر‬
‫مكّنته من مترير مرشوعه بسهولة‪ ،‬ألن الوفد اخلارجي املعارض كان غائب ًا وقادة‬
‫الداخل من العسكريني كانوا تقريبا خاضعني بشكل أو بآخر إىل اثنان من القادة‬
‫التارخييني‪ ،‬ومها العريب بن مهيدي وكريم بلقاسم اللذين استفاد عبان من سكوهتام‬
‫ومسايرهتام ألشغال املؤمتر‪ ،‬فتمكّن عبان بفضلهام مترير تصوراته وخمططاته السياسية‬
‫والعسكرية (‪.)1‬‬
‫ويبدو أن عبان رمضان خرج منترصا ً يف النهاية‪ ،‬فام أقرته الوثيقة من برنامج‬
‫سيايس للجبهة ومبادئ تنظيمية وأجهزة قيادية جاءت كلها مطابقة لتصوراته‪ ،‬لكن‬
‫النجاح الذي ح ّققه مل يكن مطلق ًا‪ ،‬نظرا ً للمعارضة التي وقفت يف وجه ولقيها أثناء‬
‫جلسات املناقشة‪ .‬وبالرغم من أن رئيس املؤمتر كان العريب بن مهيدي وهو من هو‪،‬‬
‫إال أن البعض رفـض كـل مـا جـاء فـي املؤمتر‪ ،‬فعىل سبيل املثال أمحد بن بلة وعبد‬
‫احلفيظ بوصوف الغائبان أعلنا رصاحة معارضتهام الشديدة لكل نتائج املؤمتر‪ ،‬وكان‬
‫أمحد بن بلة عىل وجه اخلصوص مستعد ًا للمواجهة إن اقتىض األمر‪ ،‬ولذلك أرسل‬
‫مساعده وذراعه األيمن أمحد مهساس إىل تونس وليبيا لتنظيم جبهة املقاومة ضد‬
‫أعضاء جلنة التنسيق والتنفيذ‪ ،‬بحيث استطاع هذا األخري ويف وقت وجيز أن يربط‬
‫اتصاالته مع الداخل‪ ،‬وخاصة بالعنارص الغاضبة بالوالية األوىل األوراس وبالقاعدة‬
‫الرشقية الناممشة بسوق أهراس الرافضني للمؤمتر وملا متخض عنه من قرارات (‪.)2‬‬
‫ولكن وصول مبعوث جلنة التنسيق والتنفيذ إىل تونس السيد عمر أوعمران‪ ،‬حال‬
‫دون إمتام التحضريات لتشكيل جبهة داخلية معارضة‪ ،‬مما اضطر أمحد مهساس إىل‬
‫مغادرة تونس باجتاه سويرسا خوف ًا عىل نفسه بعد أن تلقى هتديدات بتصفيته‪ .‬ويف هذه‬
‫األثناء غادر مهساس تونس‪ ،‬بعد أن سلم كل مهامه إىل املبعوث عمر أوعمران ؟‬

‫(‪ )1‬صاحل بلحاج‪ :‬أزمات جبهة التحرير الوطين وصراع السلطة ‪ ،7291-7219‬ط‪ ،7‬دار قرطبة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،9119 ،‬ص ‪.79‬‬
‫(‪ )2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪216‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫سنة ‪6591‬‬ ‫وبعد هذا النجاح الذي أحرزته جلنة التنسيق‪ ،‬يمكن القول بأن خري‬
‫شهد تتوجيا وانتصار ًا سياسي ًا كبريا ً لطموحات عبان‪ ،‬فقد متكن الرجل الغائب عن‬
‫أول نوفمرب سنة ‪ 6591‬بسبب السجن من االرتقاء إىل القمة يف غضون سنتني تقريبا‬
‫من اندالع الثورة (‪ .)1‬ويذكر عيل كايف يف مذكراته أن خلرض بن طوبال كان قد ندّ د‬
‫رصح قائال‪ " :‬إن له طموحات وحتى‬
‫بوضعية وسلوكات عبان رمضان الذي ّ‬
‫عالقات مشبوهة مع الطرف الفرنيس"(‪)2‬‬

‫‪-9‬حماولة لنقد األحداث‪:‬‬


‫إن الكتـابة أو احلـديث عن مؤتـمر الصومام مـن منطلق ذايت؛ ودون معطيات‬
‫ووثائق كافية يؤدى يف هناية املطاف إىل الكثري من التشويش والغموض يف دراسة هذه‬
‫املرحلة املهمة من تاريخ الثورة‪ ،‬وخاصة إذا علمنا بأن الوثيقة التي أفرزها املؤمتر بعد‬
‫أن صادق عليها مجيع احلـارضون شكّلت املرجـعية اإليديولوجية األساسية التي‬
‫ستنطلق منها الثورة هلدم النظام واإلرث االستعامري الثقيل يف اجلزائر‪ .‬فقد كان عقد‬
‫املؤمتر رغم ما قيل حوله رضورة لتقييم املرحلة املقطوعة من عمر الثورة‪ ،‬ورضورة‬
‫لوضع إسرتاتيجية مستقبلية ملواصلة الكفاح املسلح‪ .‬كام كان رضورة أملتها الظروف‬
‫واحلتمية التارخيية من أجل تزويد مصالح الثورة بقيادات وطنية عالية الكفاءة‪ .‬وهو‬
‫يف حقيقة األمر‪ ،‬لقد كان مؤمتر الصومام انتصار حقيقي للثورة اجلزائرية‪ ،‬ولـكن‬
‫بعـض املسؤوليـن اجلزائريني وغريهم‪ ،‬وخاصة املتواجدين باخلارج رأوا فيه خروج ًا‬
‫وانحراف ًا عن مسار الثورة حسب اعتقادهم‪ ،‬فعىل سبيل املثال أكّد ضابط املخابرات‬
‫تقرر عنه حمطة‬
‫املرصية فتحي الديب(‪ ،)3‬بأن السيد أمحد بن بلة كان يرى يف املؤمتر وما ّ‬

‫(‪ )1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.79‬‬


‫‪)2(Ali kafi,Du militant Politique au dirigeant militaire :mémoires 1946-‬‬
‫‪1962.Alger :Casbah Edition,2002,P99..‬‬
‫‪ 3‬يف كتابه‪ :‬مجال عبد الناصر وثورة اجلزائر‪ ،‬دار املستقبل العريب‪ ،‬القاهرة ‪ ،7219‬ينظر أيضا‪ :‬حممد العريب‬
‫الزبريي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.771-779‬‬
‫‪215‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫حولت مسار الثورة وانحرفت هبا انحراف ًا كبريا ً‪ ،‬حيث أرجع أمحد بن‬
‫تارخيية خطرية ّ‬
‫بلة سبب معارضته للمؤمتر إىل ما يأيت‪:‬‬
‫‪ -‬اعرتاض الواليات الرشقية والغربية التي تغيبت عن املؤمتر وأن هذا الغياب‬
‫سيؤدي إىل حجب السالح عن الواليات الداخلية من أجل إرغامها عىل الرتاجع عن‬
‫قرارات املؤمتر؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬النتائج التي جاء هبا املؤمتر مل حتظ بإمجاع حتى احلارضون يف املؤمتر‪ ،‬وـهذا ما‬
‫سيـؤدي إىل احـتمـال نشـوب رصاع داخـيل بيـن األخـوة األشقـاء‪ ،‬وخاصة مع انتشار‬
‫نغمة سيايس وعسكري يف أوساط جيش التحرير الوطني(‪ .)1‬ويرى السيد أمحد بن بلة‬
‫عىل املناصب واملواقع والسلطة‪،‬‬ ‫بأن املؤمتر قد تسبب يف ميالد رصاع داخيل عني‬
‫ولكن الرصاع يف احلقيقة بدأ بإيعاز من أمحد بن بلة نفسه ؟‪ .‬وهذا بإمجاع أغلب‬
‫الباحثني يف املوضوع ولوال وقوع حادث اختطاف الطائرة يوم ‪00‬أكتوبر‪،6591‬‬
‫والتي كان عىل متنها هو ورفاقه لوقعت مشاكل وعراقيل وتصدعات داخل اجلبهة‬
‫الداخلية للثورة‪ ،‬قد تتسبب يف عرقلة الثورة بالكامل وذلك بإدخاهلا يف مسار ونفق‬
‫مسدود‪.‬‬
‫وكانت قضية التمثيل يف األجهزة القيادية للثورة أكثر القضايا إشكاالً وحم ً‬
‫ال‬
‫للنزاع واالختالف بني املؤمترين‪ ،‬فحسب ترصيح السيد خلرض بن طوبال‪ ،‬فإن معظم‬
‫املشاركني يف املؤمتر كانوا يطالبون بأن تكون القيادة من اإلطارات األساسية التي‬
‫سامهت يف تفجري الثورة من املتشبعني بأدبيات مدرسة حزب الشعب اجلزائر‬
‫‪ ،P.P.A‬حتى يضمنوا احلفاظ عىل اخلط الراديكايل للثورة حتى النهاية‪.‬‬
‫ولكن الق ّلة الفاعلة من احلارضين يف املؤمتر كانوا عىل عكس ذلك‪ ،‬فقد كانوا‬
‫يرون بأن الثـورة قد دخلت إىل مرحلة ثانية وتوسعت وصارت تضم يف صفوفها فئات‬
‫وعنارص سياسية متعددة وخمتلفة املشارب‪ .‬فكان حسب رأهيم عىل القادة األوائل‬
‫أخذ ذلك بعني االعتبار‪ ،‬ولكن الذي فات تلك القلة الفاعلة الوافدة عىل الثورة هو‬

‫(‪ )1‬حممد العريب الزبريي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.777‬‬


‫‪211‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫أهنم قبلوا رشوط اجلبهة حلظة انضاممهم للثورة‪ ،‬وهي رضورة التخيل عن مرجعياهتم‬
‫وأصوهلم اإليديولوجية والسياسية السابقة والتي كانوا قد تبنوهنا من قبل(‪ .)1‬وكانت‬
‫هذه النقطة األخرية واخلطرية مع فكرة مبدأ أولوية السيايس عىل العسكري حمل‬
‫اختالف ونقد شديدين من قبل بعض القادة التارخييني‪ ،‬العتقادهم بأن عبان رمضان‬
‫وبقية األعضاء الذين صاغوا وثيقة الصومام كانوا كلهم يردون احتواء الثورة‬
‫الذكر جاء مقرونا بمبدأ آخر وهو أولوية‬ ‫والسيطرة عليها‪ ،‬وخاصة أن املبدأ السال‬
‫الداخل عىل اخلارج‪ ،‬وكان من أسباب إرصار عبان رمضان ومجاعته عىل هذين‬
‫املبدأين أنه كان يرى برضورة وإلزامية التفاوض مع العدو عىل االستقالل؛ وفق‬
‫إطالق النار‪ .‬وقد وصل الرجل هو ومجاعته إىل قناعة‬ ‫رشوط مع ّينة تنتهي بوق‬
‫مفادها أن االنتصار العسكري عىل واحدة من أكرب القوى االستعامرية يف العامل‬
‫األطليس يكاد يكون مستحيالً‪.‬‬ ‫واملدعومة بقوة احلل‬
‫أما بخصوص مبدأ أولوية الداخل عىل اخلارج‪ ،‬فإن معظم القادة قد أقروه ألهنم‬
‫ال من اخلارج‪ ،‬وألن الشهيد‬‫أصبحوا يروا برضورة االعتامد عىل النفس والداخل؛ بد ً‬
‫العريب بن مهيدي كان قد قدّ م تقريرا ً يف هذا الشأن لعبان رمضان جاء فيه وبرصاحة أن‬
‫مرص ومندوبية اجلبهة باخلارج ال يمكن االعتامد عليهام يف قضية جلب السالح‪ ،‬ألن‬
‫املندوبية حسب اطالعه كانت منقسمة عىل نفسها وأفرادها يتنافسون عىل الزعامة‬
‫فقط‪ ،‬ونحن يف الداخل نواجه العدو واملصري (‪.)2‬‬
‫كام ركّز عبان رمضان يف حماولته لفرض سيطرته عىل القادة احلارضين يف املؤمتر‬
‫عىل مبدأ مهامجة اخلصوم املتوقعني منذ البداية‪ ،‬فكان من حني آلخر ‪-‬أثناء جلسات‬
‫املناقشة‪-‬يوجـه انتقاداته الـالذعـة للبعض ممن يسعى إلضعافه وإضعاف موق‬
‫السياسيني‪ .‬ومن بني هذه االنتقادات عىل سبيل املثال انتقاده لترصفات وسلوكيات‬
‫عمريوش القاسية مع سكان ضفاف وادي الصومام‪ ،‬بل ذهب إىل أكثر من ذلك‪،‬‬
‫عندما حاول منع عمريوش من حضور جلسات املؤمتر‪ ،‬مما آثار غضب هذا األخري‬

‫(‪ )1‬حممد العريب الزبريي‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫(‪)2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪218‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫لدرجة أنه فكر يف تصفيته كونه يتعمد اإلنقاص من قيمة العسكريني‪ ،‬كام هاجم عبان‬
‫رمضان كذلك الشهيد زيغود يوس ونائبه خلرض بن طوبال‪ ،‬ورد عليه هذا األخري‬
‫لست مستعد ًا لتلقي وأخذ الدروس من السياسيني الذين‬
‫بعن ‪ ،‬عندما قال له‪ " :‬أنا ُ‬
‫يردون حرب ًا عىل مقاسهم‪ ،)1("...‬وهلذا عندما انتهت أشغال املؤمتر وقفل الشهيد‬
‫يوس زيغود راجع ًا من أجل تأدية املهمة التي كُل هبا وهي الذهاب لتسوية مشاكل‬
‫فقد‬ ‫األوراس قال قولته الشهرية " االستقالل عىل األبواب ولكن الثورة لألس‬
‫انحرفت" (‪)2‬‬

‫يقول العقيد عيل كايف يف مذكراته؛ بشأن ما ورد من قرارات يف مؤمتر الصومام‪،‬‬
‫كرس مبدأ أولوية السيايس عىل العسكري والداخل‬
‫أن السيد عبان رمضان هو من ّ‬
‫عىل اخلارج‪ ،‬وكان هدفه من وراء ذلك هو هتميش القادة احلقيقيني للثورة ويف طليعة‬
‫قرب منـه املساـلمني واملعتدلني‪،‬‬
‫هؤالء صناع أول نوفمرب سنة ‪ .6591‬وباملقابل ّ‬
‫فعبان هو من اقرتح السيد عباس فرحات‪ ،‬والشيخ عباس بن الشيخ احلسني‬
‫عيل كايف بأن مبدأ أولوية‬ ‫كعضويني أساسيني يف جملس الوطني للثورة(‪ .)3‬ويضي‬
‫السيايس عىل العسكري تس ّبب يف رشخ كبري وأليم يف صفوف الثورة وهو املبدأ الذي‬
‫مل يرد يف بيان أول نوفمرب سنة ‪ ،6591‬فأصبح هناك من يقـول أنـا من جـيش التحرـري‬
‫الوطني وآخـر يقـول أنـا من جبهة التحرير الوطني وبسبب هذا القرار كادت أن‬
‫تتصدع اجلبهة الثورية يف الداخل‪ ،‬فهناك من قادة الداخل من أعلن والؤه لطرف عىل‬
‫حساب الطرف اآلخر(‪. )4‬‬
‫تعمقت اخلالفات أكثر بني الداخل واخلارج‪ ،‬وازدادت‬
‫وبعد انعقاد املؤمتر‪ّ ،‬‬
‫درجة التنافس والتسابق عىل السلطة‪ ،‬وعادت االنقسامات واخلالفات التي كانت‬

‫(‪ )1‬حممد العريب الزبريي ‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫(‪ )2‬حممد صغري هاليلي ‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫(‪ )3‬علي كايف ‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.719‬‬
‫(‪)4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪211‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫سائدة ومتأصلة قبل اندالع الثورة‪ ،‬وظهرت مراكز قوى جديدة كادت أن تنحرف‬
‫بمسار الثورة‪.‬‬
‫ويبدو أن سبب حتامل عيل كايف عىل قرارات املؤمتر وعىل عبان رمضان‪ ،‬يعود إىل‬
‫تلك الصدمة النفسية التي تعرض هلا؛ بسبب إبعاده عن جلسات املؤمتر يف آخر حلظة‪،‬‬
‫الذي طلب منه العودة إىل‬ ‫وذلك بسبب األمر الذي صدر عن قائده زيغود يوس‬
‫تراب املنطقة الثانية الشامل القسنطيني‪ ،‬من أجل استقبال شحنة سالح التي كانت يف‬
‫يكون عيل كايف قد‬ ‫طريقها إىل تراب املنطقة‪ .‬وبعودته امتثاال ألمر قائده زيغود يوس‬
‫فوت عىل نفسه فرصة حضور املؤمتر‪ ،‬وخاصة أن الشحنة التي رجع من أجلها مل‬
‫ّ‬
‫تصل؟‬
‫وجهها عيل كايف تصب بشكل غري مبارش يف ص‬
‫وكانت معظم االنتقادات التي ّ‬
‫املعارضة التي بدأت تتشكل باخلارج بعد انتهاء جلسات املؤمتر وترسب نتائجه‬
‫للخارج‪ ،‬واعترب كل من أمحد بن بلة وأمحد عيل مهساس املؤمتر املنعقد يف بالد‬
‫القبائل؛ بمثابة مؤامرة قبائلية ضد األمة العربية اإلسالمية؟ (‪ ، )1‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬
‫املشوشة التي كانت ترتكز يف القاعدة الرشقية‬
‫ّ‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فقد وجدت العنارص‬
‫الناممشة باملنطقة األوىل(األوراس) ضالتها وغطاءها السيايس يف األزمة ويف موق‬
‫الوفد اخلارجي من قرارات املؤمتر‪ ،‬فتجاوبت هذه الوحدات مع طموحات السيد‬
‫أمحد بن بلة‪ ،‬والسيد أمحد عيل مهساس‪ ،‬اللذان راحا بدورمها يبحثان عن أنصار‬
‫ومؤيدين هلام يف الداخل؛ هبدف التأثري عىل سري القيادة اجلديدة املنبثقة عن املؤمتر (‪.)2‬‬
‫وهلذا انتقل أمحد عيل مهساس إىل القاعدة الرشقية بسوق أهراس وإىل حدود الوالية‬
‫األوىل األوراس وراح هناك يشنّع عن أصحاب مبادرة الصومام ويشيع أخبار‬
‫مفادها‪ ،‬بأن الثورة قد استولت عليها العنارص القبائلية مو ّظف ًا يف ذلك النعرة العرقية‬
‫واجلهوية املقيتة إلذكاء النزاع والرصاع‪ ،‬بل ذهب إىل أكثر من ذلك عندما دعا‬

‫(‪ )1‬سعيد سعدي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫(‪ )2‬مسعود عثماين‪ :‬من اغتال بن بولعيد‪ ،‬ط‪ ،7‬دار اهلدى للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،9171 ،‬ص ‪.711‬‬

‫‪230‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫مهساس إىل عقد اجتامع أو مؤمتر موازي ملؤمتر الصومام عىل احلدود الرشقية تشارك‬
‫فيه العنارص والقيادات املعارضة‪.‬‬
‫وبالفعـل انعـقـد االجـتامع يوم ‪ 69‬ديسمرب ‪ 6591‬وشارك فيه عن الوالية األوىل‬
‫(منطقة األوارس) بعض القادة املحسوبني عن املشوشني‪ ،‬أمثال مسعود عاييس‪،‬‬
‫ورشيط األزهر‪ ،‬والباهي شوشان‪ ،‬وعمر بن بولعيد‪ ،‬وعبد اهلل بلهوشات‪ ،‬وبلعيد‬
‫حوده وعامر بوقالزة‪ ،‬حيث أرصت هذه العنارص عىل مواقفها املعارضة‪ ،‬كام حاولت‬
‫جلنة التنسيق والتنفيذ فيام بعد حماورهتم يف حماولة منها إلقناعهم من أجل الرجوع‬
‫فاستدعت هؤالء القادة امليدانيني إىل تونس وهكذا انتقل كل من مسعود‬ ‫للص‬
‫عاييس‪ ،‬وعمر بن بولعيد‪ ،‬وأمحد عزوي إىل تونس‪.‬‬
‫وبغض النظر عن أسلوب احلوار الذي ساد جلسات النقاش بفعل احلامس‬
‫واالنفعال وعدم الثقة املتبادلة‪ ،‬فإن عنارص اللجنة قد اكتشفوا وملسوا ما هلؤالء من‬
‫نزعة إىل التمرد وقلة االنضباط واالنقياد‪ ،‬مما دفع بأتباع جلنة التنسيق والتنفيذ يف‬
‫تونس إىل اعتقال وسجن أمحد عزوي األكثر محاس ًا والذي استطاع بفضل عالقاته‬
‫هناك الفرار من السجن وااللتحاق بمقر قيادته برتاب الوالية األوىل األوراس‪ .‬ومن‬
‫هناك وعىل الفور بعث برسالة إىل ممثيل جلنة التنسيق والتنفيذ املتواجدين بالعاصمة‬
‫جاء فيها ما ييل‪ ":‬إن كانت حركتكم يمثلها أمثال هؤالء يقصد الذين اعتقلوه العقيد‬
‫مصطفي بن عودة والعقيد عمر أوعمران الذين حتادثنا معهم يف مدينة تونس‪ ،‬فإننا لن‬
‫نلتقي بعد اليوم إال عىل قمم اجلبال وإن احلوار بيننا لن يكون إال بلغة الرصاص الذي‬
‫سترتدد أصداؤه يف جبال األوراس(‪".)1‬‬
‫إىل هذا احلد وصل االنسداد بني الفصائل املنشقة يف رشق البالد والقيادة‬
‫الرشعية املنبثقة عن املؤمتر غاب التعقل وأسلوب احلوار وساد منطق القوة والعن‬
‫واملواجهة وهنا طبعا تظهر بصامت ودور أمحد بن بلة وأمحد عيل مهساس يف تعميق‬
‫اخلالف واألزمة بني األخوة املتصارعني‪ ،‬كان النقد موجها وبقوة إىل ما أفـرزه مؤمتر‬

‫(‪ )1‬حممد زروال‪ :‬إشكالية القيادة‪ ،‬ص‪ ،121‬وينظر أيضا مسعود عثماين‪ :‬من اغتال بن بولعيد‪ ،‬ص ‪.711‬‬
‫‪232‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫الصومام من قرارات وال سيام ما يتعلق بنظام األولويات‪ .‬وبالرغم من أن هناك عدة‬
‫قراءات هلذه الرتتيبات السياسية‪ ،‬غري أن هؤالء الطاعنني يف القرارات كانت هلم‬
‫وجهة نظر واحدة‪ ،‬وهي أن هذه القرارات قد مست بكرامتهم وأجحفت يف حقهـم‪،‬‬
‫وـهم القـادة والسادة املعروفني يف وقت املعارك الضارية‪ .‬ويف حماولة لدحض‬
‫ادعاءات من تسببوا يف مثل هذه الرصاعات واخلالفات‪ ،‬وهم يف الغالب من أعضاء‬
‫الوفد اخلارجي‪ ،‬ونخص بالذكر السيد أمحد بن بلة‪ ،‬والسيد أمحد عيل مهساس‪ ،‬يمكن‬
‫القول بأن إدعاءاهتام بخصوص صعوبة اخرتاق احلدود والدخول إىل اجلزائر هي‬
‫إدعاءات غري دقيق ألن السيد العريب بن مهيدي كان هو كذلك متواجد بالقاهرة يف‬
‫الوقت الذي استدعاهم فيه عبان رمضان للدخول ولكنه استطاع الدخول وبسهولة‬
‫حيـث شـارك فـي املؤتـمر بـل تـرأس جـلساتـه كـممـثل للـمنطقـة اخلامسة وـهران‬
‫وحضور بن مهيدي يكفي لدحض ادعاءات بن بلة ورفقاؤه بعدم القدرة عىل‬
‫الدخول(‪ ،)1‬ال ءيء كان يمنع ممثيل القاهرة من الدخول إىل البالد فلامذا امتنعوا عن‬
‫ذلك إذن ؟‪ ،‬هل جيب أن نتغاىض عن ذكر الوقائع التارخيية إلجياد تفسري أو تقديم‬
‫فرضيات عن أسباب غياب أمحد بن بلة ورفقاؤه عن وقائع املؤمتر؟‬
‫ويف سبيل فهم هذه املرحلة احلرجة من تاريخ الثورة‪ ،‬البد من حماولة فهم‬
‫األسباب العميقة التي حركت األحداث‪ ،‬فلنفرض جدال أن عبان رمضان كان ال‬
‫يرغب يف حضور أمحد بن بلة للمؤمتر رغم الرسائل التي كان يرسلها عبان إىل الوفد‬
‫اخلارجي من أجل مشاركتهم يف املؤمتر؟ فلامذا لـم حيضـر أمحد بن بلة أذن وهو القائد‬
‫التارخيي البارز؟‪ .‬قد يكون السبب يف عدم دخول أمحد بن بلة هو خشيته من املحاسبة‬
‫والنقد الذي كان ينتظره من قبل قادة الداخل وعىل رأسهم عبان رمضان الذي كان‬
‫غاضب ًا ومستا ًء من ختاذل الوفد اخلارجي يف مسألة توفري وإمداد الثورة بالسالح‬
‫والذخرية احلربية‪ .‬هل نعترب هذا جمرد ختمني وافرتاض؟ قد يكون ذلك‪ ،‬وخاصة إذا‬
‫علمنا بأن الرسائل بينهام كانت حتمل الكثري من التهم و العتاب‪ ،‬وقد بلغ احلقد مبلغ ًا‬

‫(‪ )1‬مسعود عثماين‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.791‬‬


‫‪231‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫خطريا ً بينهام بعد انعقاد املؤمتر‪ ،‬والدليل عىل ذلك تلك الرسالة التي ّ‬
‫وجهها أمحد بن‬
‫بلة بتاريخ ‪ 01‬أفريل ‪ 6591‬إىل كل من كريم بلقاسم‪ ،‬وخلرض بن طوبال‪ ،‬وعبد‬
‫احلفيظ بوصوف‪ ،‬والتي هنّأهم فيها بطريقة غري مبارشة عن اغتيال عبان‪،‬والتي جاء‬
‫فيها ما يأيت‪" :‬ال يسعنا إذن إال أن نشجعكم عىل امليض قدما يف طريق التطهري هذا‪،‬‬
‫باملرصاد لكل من‬ ‫فمن واجبنا مجيعا إذا أردنا أن ننقذ الثورة وجزائر الغد أن نق‬
‫حياول التشويش ‪ ،‬جيب أن ال نتسامح يف جمال التطهري "(‪.)1‬‬
‫وكان بن بلة من قبل يف خالف مع رفقاؤه يف القاهرة‪ ،‬وكان االختالف واخلصام‬
‫أشد يف ربيع ‪ 6591‬بني بن بلة وبن مهيدي‪ ،‬ويبدو أن سبب اخلالفات هو متاطل‬
‫جمموعة اخلارج يف إدخال السالح إىل الداخل‪ ،‬مما اضطر بن مهيدي للسفر إىل هناك‬
‫يفرس عدم حضور بن بلة‬
‫ملعرفة األسباب التي تعيق إرسال األسلحة ؟‪ ،‬وهذا ما قد ّ‬
‫املؤمتر‪ ،‬وخاصة إذا علمنا بأن املسألة الرئيسية التي أخذت حصة األسد يف مناقشات‬
‫املؤمتر كانت قضية تنظيم الثورة وجلب السالح واملال‪ ،‬وهي من أهم مهام بن بلة‬
‫الرئيسية يف اخلارج(‪.)2‬‬
‫ويمكن أن نعترب أرضية مؤمتر واد الصومام‪ ،‬إنام جاءت لتُك ّمل ولتثري ما ورد يف‬
‫بيان أول نوفمرب سنة ‪ ،6591‬ألن هذه الوثيقة قد تك ّفلت بدعم الكفاح املسلح برؤية‬
‫سياسية وطنية واضحة‪ ،‬وإذا كانت أرضية الصومام مل تكرر ما ورد يف بيان أول‬
‫نوفمرب من أن اهلدف األول للثورة هو اسرتجاع السيادة وإعادة بناء الدولة اجلزائرية‬
‫يف شكلها اجلمهوري واالجتامعي يف إطار املبادئ اإلسالمية‪ ،‬فإهنا مل تتعرض بالنقد‬
‫ألية واحدة من النقاط التي وردت يف البيان‪ ،‬وهذا يعني بأن الوثيقة قد تبنّت كل ما‬
‫جاء يف بيان نوفمرب‪.‬‬
‫أما عن املسؤولني الذين صاغوا أرضية مؤمتر الصومام‪ ،‬فإذا استثنينا السيد عامر‬
‫أو زقان‪ ،‬فإن معظمهم كانوا متشبعني باإليديولوجية الوطنية حلزب الشعب‬

‫(‪ .)1‬معمر خالفة‪ :‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 99‬وينظر كذلك‪ :‬حممد حريب‪ :‬أرشيف الثورة اجلزائرية‪ ،‬منشورات جون‬
‫أفريك‪ ،‬ص‪.719‬‬
‫(‪ )2‬معمر خالفة‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪233‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫بيان أول‬ ‫اجلزائري‪ ،‬فهناك الكثري من الذين يعتقدون بأن وثيقة الصومام ختال‬
‫إطالق النار‪ ،‬ويلصقون هذا‬ ‫نوفمرب فيام يتعلق بشكل نظام احلكم بعد وق‬
‫االنحراف املزعوم بالسيد عبان رمضان ومن معه‪ ،‬عىل أساس أهنم كانوا ضد نظام‬
‫اجلمهورية اجلزائرية الديمقراطية االجتامعية يف إطار املبادئ اإلسالمية‪ ،‬ولكن من‬
‫يتأمل يف الوثيقة جيد أهنا انطلقت من بيان أول نوفمرب مبارشة‪ ،‬وركّزت عىل نقطتني‬
‫أساسيتني‪ ،‬ومها (‪:)1‬‬
‫‪ -‬إثراء بيان أول نوفمرب ‪.6591‬‬
‫‪ -‬تعيني قيادة عليا تناط إليها مهمة ومسؤولية مواصلة الكفاح وتسيري شؤون‬
‫الثورة من أجل اسرتجاع السيادة الوطنية املسلوبة‪.‬‬
‫تضمنت بكثري من الدقة والتفاصيل تقييم املرحلة‬
‫ّ‬ ‫فالوثيقة تعترب ميثاقا وطنيا‪،‬‬
‫السابقة من حياة الثورة وآفاقها املستقبلية وآفاق املجتمع اجلزائري بعد اسرتجاع‬
‫السيادة‪ ،‬باإلضافة إىل تنظيم خمتل جوانب الكفاح‪ .‬وإذا رجعنا قلي ً‬
‫ال إىل الوراء‪،‬‬
‫فاجلزائر يف نظر الكثري من املثقفني الفرنسيني مل تعرف االستقالل يف تارخيها ومل يكن‬
‫فيها شعب موحد وكانت ال تستطيع العيش بدون مساعدة ووصاية أجنبية‪ .‬أما‬
‫سكاهنا‪ ،‬فهـم عبارة عن أجناس وقبائل خمتلفة ومتنافرة ومتناحرة فيام بينها(‪ .)2‬وقد‬
‫ظ ّلت هذه النظرية االستعامرية سائدة ومنترشة‪ ،‬وخاصة بعدما تبناها احلزب الشيوعي‬
‫الفرنيس الذي ظل يدافع عنها يف فرتة األربعينيات‪ ،‬فمعظم تدخالت األمني العام‬
‫للحزب الشيوعي الفرنيس موريس توريز كانت تؤكّد عىل ذلك‪ .‬وحسب هذا التصور‬
‫السطحي الساذج؛ وبحكم أهنا مل تكن موجودة (يعني اجلزائر) فال حيق ألبنائها أن‬
‫يموتوا من أجلها أومن أجل بعثها‪ ،‬وهذا ما أكّده أحد أبناء اجلزائر السيد فرحات‬
‫عباس‪ ،‬قبل أن ينضج سياسي ًا عندما قال يف ترصيح له نرشته صحيفة الوئام يوم ‪03‬‬
‫فيفري ‪ )3( 6531‬جاء فيه ما ييل‪ " :‬لو اكتشفت األمة اجلزائرية لكنت وطني ًا دون أن‬

‫(‪ )1‬حممد العريب الزبريي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.97‬‬


‫(‪)2‬املرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪99‬‬
‫(‪ )3‬عمار بوحوش‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.912‬‬
‫‪235‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫أخجل ‪ ...‬لكني لن أموت من أجل الوطن اجلزائري‪ ،‬ألنه بكل بساطة غري موجود‬
‫إنني مل أعثر عليه لقد سألت التاريخ واستنطقت األحياء واألموات وزرت املقابر ومل‬
‫أجد من يعرف ذلك ‪)1( " .‬‬

‫ويف نفس السياق كتب بيار مونتانيون (‪ )Pierre Montagnons‬ما ييل‪" :‬أن‬
‫فحص وتأمل ألفي سنة من تاريخ املغرب األوسط جيعلنا نؤكد عجز الشعب‬
‫اجلزائري عن بناء أمة وإنشاء حضارة‪ ،‬لقد تساءل املؤرخون حول ذلك فلم جيدوا أثرا ً‬
‫للدولة اجلزائرية وال لثقافتها خاصة التي تتميز بمؤلفاهتا األدبية وآثارها الفنية‪ ،‬إن‬
‫تاريخ اجلزائر فارغ مثل أرضها التي ليس فيها سوى آثار اآلخرين‪ ،")2( .‬وهلذا يرى يف‬
‫ضم اجلزائر إداري ًا إىل الرتاب الفرنيس أمرا ً طبيعي للغاية (‪.)3‬‬
‫وأمام هذه املوجة اهلائلة من التزيي ‪ ،‬كان عىل اجلبهة أن تعمل عىل اسرتجاع‬
‫السيادة واالستقالل الوطني املسلوب‪ ،‬وألجل ذلك أكّدت وثيقة الصومام عىل أن‬
‫الكفاح املسلح سيبقى مستمرا ً حتى يتم االعرتاف بام يأيت‪:‬‬
‫‪ -‬بالشعب اجلزائري شعب ًا واحدا ال يتجزأ‪.‬‬
‫‪ -‬االعرتاف بالسيادة الوطنية عىل كافة الرتاب اجلزائري‪.‬‬
‫‪ -‬االعرتاف بجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد ورشعي للشعب اجلزائري‪.‬‬
‫وهلذا كانت احلاجة ماسة ملثل عقد مؤمتر الصومام‪ ،‬وملثل الوثيقة املنبثقة عنه‪،‬‬
‫فقادة اجلبهة كانوا يشعرون باحلاجة إىل تنسيق وهيكلة اجلبهة التي بدأت تترضر بسبب‬
‫غياب أرضية سياسية هذا من جهة‪ ،‬واستقاللية املناطق من جهة أخرى‪ .‬ولكن‬
‫ترصفات عبان رمضان ومواقفه املعاندة والصلبة التي ظهر هبا أثناء املؤمتر جلبت له‬
‫املتاعب والكراهية من طرف الثالوث القوي املتحكم يف مفاصل الثورة من اخلارج‪.‬‬
‫تم استدراجه إىل الفخ الذي نُصب له باملغرب أين لقي حتفه‪ .‬وبعد غياب‬
‫وهكذا ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر جريدة الوفاق أو الوائم‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 91‬فيفري ‪.7219‬‬


‫(‪ )2‬حممد العريب الزبريي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املرسوم امللكي الفرنسي الصادر بتاريخ ‪ 99‬جويلية ‪.7191‬‬

‫‪236‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫عبان رمضان عن الساحة ظهرت بعد ذلك شخصية أخرى قوية يف الداخل وهو‬
‫العقيد عمريوش آيت محودة (قائد الوالية الثالثة القبائل الكربى)‪ ،‬والذي كان يرغب‬
‫هو اآلخر يف السيطرة عىل القيادة يف الداخل ُبوقوفه يف وجه االنحرافات التي وقعت‬
‫فيها احلكومة اجلزائرية املؤقتة‪ ،‬وكان الرجل يلح عىل رضورة دخول كل من هم‬
‫باخلارج إىل اجلزائر‪ ،‬ماعدا السيد رئيس احلكومة‪ ،‬ولكن الرجل هو اآلخر سقط‬
‫شهيدا يوم ‪ 05‬مارس ‪ 6595‬رفقة قائد الوالية السادسة الصحراء العقيد يس‬
‫احلواس‪ ،‬ومها يف طريقهام إىل تونس من أجل تسوية اخلالفات واملشاكل التي كانت‬
‫تتخبط فيها القيادة باخلارج(‪.)1‬‬

‫وبالرجوع إىل موضوع املؤمتر‪ ،‬فإن من حق الذين شاركوا يف أشغاله أو عايشوا‬


‫احلدث أن يعربوا قوالً أو كتابة عن مواقفهم وأن يدلوا بآرائهم يف املوضوع‪ .‬ولكن‬
‫عليهم يف نفس الوقت أن يدركوا أن مواقفهم وأرائهم ليست بالرضورة صحيحة‪،‬‬
‫يتكونان حسب قدرة صاحبهام عىل فهم الواقع وتقديره‪ ،‬وهي‬ ‫ألن الرأي واملوق‬
‫من شخص إىل آخر حسب اإلمكانيات الفكرية والثقافية لكل إنسان‪.‬‬ ‫قدرة ختتل‬
‫وبعد اختطاف طائرة الوفد اخلارجي يوم ‪ 00‬أكتوبر ‪ ،6591‬أصبح السيد كريم‬
‫بلقاسم يتضايق من طموحات السيد عبان رمضان إىل درجة أنه ندم عىل تعيينه عىل‬
‫مستوى اجلزائر العاصمة كمسؤول بل راح حيمله مسؤولية فشل معركة اجلزائر أمام‬
‫الكوست وماسو‪ ،‬فبعد اختطاف طائرة الوفد واستشهاد السيد العريب بن مهيدي‬
‫أصبح كريم يرى يف نفسه هو املؤهل لقيادة الثورة ألنه هو الوحيد الذي بقي من‬
‫الزعامء التارخييني عىل قيد احلياة (‪.)2‬‬
‫وبعد إرضاب الثامنية أيام الشهرية وتدهور األوضاع األمنية يف العاصمة‪ ،‬بحيث‬
‫قررت حينها‬
‫أصبحت الظروف غري مواتية لعمل أعضاء جلنة التنسيق والتنفيذ ‪ّ CCE‬‬
‫املجموعة مغادرة اجلزائر العاصمة باجتاه تونس‪ ،‬وقد اختذ القرار من قبل القادة‬

‫(‪ )1‬دانيال قريان‪ :‬عندما تثور اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،7‬دار التنوير للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،9179 ،‬ص‪.799‬‬
‫(‪ )2‬حممد صغري هاليلي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫‪235‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫اخلمسة‪ ،‬ولكن يف حلظة الرحيل كانوا أربعة‪ ،‬وتم إلقاء القبض عىل العريب بن مهيدي‬
‫يوم ‪ 03‬فيفري ‪ 6591‬ليقتل بعد ذلك يف السجـن بعـد أيـام قـالئل من اعتقالـه لـيلـة ‪21‬‬
‫مارس ‪.6591‬‬
‫وحتـسب ًا لـكـل طارئ‪ ،‬وحـرصا عىل سالمة البقية قرر األربعة أن يتفرقوا؛ فعبـان‬
‫وسعد اجتها غرب ًا نحو املغرب األقىص‪ ،‬وكريم بلقاسم وبن خدة اجتها رشق ًا نحو‬
‫سنة ‪ 6591‬بتونس بعد أن التحق هبم ك ً‬
‫ال من خلرض‬ ‫تونس والتقى األربعة يف صي‬
‫بن طوبال وعبد احلفيظ بوصوف‪ ،‬هذا األخري القادم من تراب الوالية اخلامسة‪ ،‬ويف‬
‫تونس عكفت املجموعة لإلعداد والتحضري الجتامع املجلس الوطني للثورة(‪.)1‬‬

‫والحظ كل من العقيد عبد احلفيظ بوصوف والعقيد خلرض بن طوبال اللذان كانا‬
‫موجودين يف تونس حالة التنافس الشديدة بني السيد عبان رمضان والسيد كريم‬
‫بلقاسم‪ ،‬فقررا البقاء معهام يف اخلارج ملشاركتهام القيادة‪ .‬وبالتدريج بدأ الرصاع يأخذ‬
‫ال أخرى بني العسكريني الذين كان يقودهم الثالثي كريم بلقاسم وعبد احلفيظ‬ ‫أشكا ً‬
‫بوصوف وخلرض بن طوبال والسياسيني الذين كانوا بدورهم يساندون عبان رمضان‬
‫بن خدة‪ ،‬وفرحات عباس‪ ،‬وعبد احلميد مهري‪ ،‬والدكتور أمحد أمني‬ ‫كبن يوس‬
‫الدباغني‪.‬‬

‫وبالقاهرة حتديد ًا‪ّ ،‬‬


‫تم االنقالب عىل قرارات مؤمتر الصومام الواحد تلوى اآلخر‪،‬‬
‫حيث تم إلغاء فكرة األولويات‪ ،‬ولفرض سلطة العسكريني تم التوسيع يف عضوية‬
‫جلنة التنسيق والتنفيذ‪ .‬ويف املجلس الوطني للثورة‪ ،‬ولكن عبان رفض بشدة أن‬
‫ُجيهض مرشوعه ويغتال طموحه هبذا الشكل الرسيع‪ ،‬فراح هيدد ويتوعد خصومه من‬
‫العسكريون قائالً‪ " :‬أبدً لن نسمح باألغلبية للعسكريني حتى ال يصبحوا إقطاعيني‬
‫جدد‪ ، " .‬واستغـل عبـان منصبه اجلديـد يف جريدة املجاـهد‪ ،‬وأخذ يشنع ويندد متهام‬
‫إياـهم بالقـصور والضحالـة الثقافـية وبالـغباء السـيايس‪ .‬ويقال أن عبان أسمع كريم‬

‫(‪ )1‬صاحل بلحاج‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬


‫‪231‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫بلقاسم ما ال يرضيه بعد أن أقىص هذا األخري عبان من املهام القيادية بتكليفه‬
‫اإلرشاف عىل جريدة املجاهد فقط‪.‬‬
‫وقد بدأ عبان يف القاهرة هيدّ د خصومه بنية العودة إىل اجلزائر‪ ،‬من أجل التشهري‬
‫بأساليبهم وترصفاهتم غري املسؤولة واملنحرفة عن مبادئ أول نوفمرب أمام قادة‬
‫يف‬ ‫مصممني عىل ترسيخ سلطتهم التي وق‬
‫ّ‬ ‫الداخل‪ ،‬بينام كان العقداء اخلمسة‬
‫طريقها عبان‪ ،‬و هكذا تفاقمت األزمة بينهام برسعة وازدادت حدة وأصبح عبان ال‬
‫حيرض جلسات جلنة التنسيق والتنفيذ اجلديدة يف اخلارج‪ ،‬مما جعل العقداء يوجهون له‬
‫إنذار ًا عن طريق زمالئه السياسيني يف اللجنة أمثال فرحات ومهري واألمني‬
‫الدباغني‪ ،‬لكن الرجل بقي مصمامً وصامد ًا عىل مواقفه‪ ،‬وهذا ما جعل العقداء‬
‫يقررون تصفيته هنائي ًا (‪.)1‬‬
‫وإلمتام املهمة التي استقر عليها العقداء‪ ،‬تم إبالغ عبان ‪-‬الذي كان متواجدا‬
‫بتونس خالل تلك الفرتة‪-‬بأن قضية مهمة تنتظره يف املغرب األقىص‪ ،‬قيل له بأن كتيبة‬
‫من قوات جيش التحرير الوطني املرابطة عىل احلدود اجلزائرية املغربية‪ ،‬قد تم‬
‫جتريدها من سالحها من طرف القوات اجليش املغربية‪ ،‬والبد أن تتدخل لتسوية‬
‫القضية مع امللك املغريب حممد اخلامس‪ .‬وقد قبل عبان مضان القيام باملهمة واجته‬
‫يوم ‪ 01‬ديسمرب ‪ 6591‬نحو مدينة تطوان‬ ‫رفقة كريم بلقاسم والعقيد حممود الرشي‬
‫املغربية عن طريق روما ومدريد‪ ،‬وكان يف انتظارهم عىل أرضية املطار بمدينة تطوان‬
‫يوم ‪ 01‬ديسمرب العقيد عبد احلفيظ بوصوف؛ رفقة اثنان من عنارص أمنه وحترك‬
‫اجلميع عىل متن سيارة من احلجم الكبرية رباعية الدفع؛ باجتـاه مدينة طنجـة‪ .‬ويف‬
‫الطريق انحرفت هبم السيارة لتسلك طريق ًا غري معبدة باجتـاه إحدى املزارع‪ ،‬وعند‬
‫وصول السيارة أمام املزرعة أرغم العنرصين املرافقني للعقيد بوصوف عبان رمضان‬
‫عىل اخلروج من السيارة وقاما بسحبه بالقوة إىل داخل املزرعة‪ ،‬بينام عاد الثالثي‬
‫أدراجهم باجتاه فيال قريبة من املزرعة‪،‬‬ ‫بوصوف‪ ،‬وكريم بلقاسم‪ ،‬وحممود الرشي‬

‫(‪ )1‬صاحل بلحاج‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.99‬‬


‫‪238‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫حيث كانت تنتظرهم هناك مائدة العشاء جاهزة‪ .‬ويف هناية األمسية عاد العنرصان‬
‫ليخربا بوصوف بأن عبان يف الغرفة املجاورة‪ ،‬حينها ذهب اجلميع إىل الغرفة فوجدوا‬
‫عبان ممدد ًا عىل الرسير ومن دون حركة كان احلبل الذي شنق به ما زال ملفوفا حول‬
‫عنقه(‪.)1‬وعندما انترش خرب اغتيال عبان رشعت الصحافة الفرنسية يف استغالل‬
‫احلدث‪ ،‬بينام رتّب العقداء الثالثة رواية مفادها أن عبان رمضان سقط يف ميدان‬
‫الرشف وجاء اخلرب يف صحيفة املجاهد الصادرة بتاريخ ‪ 05‬ماي ‪6591‬؛ أي بعد‬
‫مخسة أشهر من حادثة االغتيال‪.‬‬
‫يقول الرائد خلرض بورقعة عن عبان رمضان الذي التقى به ذات مرة عىل سفوح‬
‫جبال الرشيعة بغابة مورفة؛ قال خاطبنا عبان بكلمة ما فتئت متخر ذاكريت منذ عقود‬
‫مـن الزمـن قـال رمحه اهلل‪" :‬إن قوة الثورة ال تكمن يف السالح فقط وال يف نوعـيتـه وال‬
‫فـي شجـاعـة الـرجـال‪ ،‬بــل تـكـمـن أسـاسـ ًا يف قـوة التنـظيـم واالنضباط‪.)2( " .‬‬
‫‪-1‬نتائج مؤمتر الصومام‪:‬‬
‫يقول خلرض بن طوبال؛ بخصوص افتتاح املؤمتر وسري أشغاله‪ ،‬وهو أحد‬
‫األعضاء الـمشاركيـن األساسيني يف املؤمتـر ما ييل‪ " :‬رشعنا يف العمل من يوم الثالثـاء‬
‫‪ 61‬أوت وانتهينا من االجتامعات املوسعة يوم ‪ 02‬أوت لتبدأ االجتامعات املصغرة‬
‫عىل مستوى القيادة التي اتفقت وصادقت عىل صيغ املقررات األخرية يوم ‪ 03‬أوت‬
‫‪ .)3( " .. 6591‬يقول وبعد رشح األسباب التي دعت إىل االجتامع‪ ،‬وبعد تـقديـم‬
‫الـتقارير اخلاصة عـن كـل منطـقـة مـن املناطق اخلـمسة‪ .‬وبعـد أخـذ ورد وجلسات‬
‫ومناقشات ساخنة دامت لعدة أيام‪ ،‬نستطيع أن نستخلص أـهم نتائـج وقرارات املؤمتر‬
‫يف النقاط اآلتية‪:‬‬

‫(‪)1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫(‪ )2‬خلضر بورقعة‪ :‬شاهد على اغتيال الثورة‪ ،‬ط‪ ،9‬دار األمة للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )3‬خلضر بن طوابل‪(( :‬ذكرايت عن أحداث ‪91‬أوت ‪ ،))7211‬يف جملة أول نوفمرب‪ ،‬العدد ‪،7221 ،711‬‬
‫ص‪.97‬‬
‫‪231‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫تقسيم البالد إىل ستة واليات‪ ،‬بإضافة الوالية السادسة الصحراء وأصبحت‬ ‫‪-6‬‬

‫كل والية متكونة من عدة مناطق وحتت كل منطقة عدة نواحي‪ ،‬ويف كل ناحية عدة‬
‫قسامت‪ ،‬وكل قسمة تضم جمموعة من املجالس الشعبية البلدية الرسية التابعة للجبهة‬
‫وعىل رأس كل والية ضابط برتبة عقيد‪.‬‬
‫ختضع مسألة القيادة ملبدأ اإلرادة اجلامعية عىل مستوى الوالية وعىل مستوى‬ ‫‪-0‬‬

‫القيادة العامة العليا للثورة وقائد الوالية يمثل السلطة احلقيقية للجبهة يساعده يف‬
‫ذلك ثالثة ضباط نواب برتبة رائد‪.‬‬
‫جاءت القرارات يف اجلانب العسكري بمبدأ توحيد النظام العسكري‬ ‫‪-3‬‬

‫وضبط الرتب وتقسيم وحدات جيش التحرير الوطني إىل أفواج وفـرق وكتائـب‬
‫وفيالق مع حتديد أجور أفراد جيش التحرير حسب رتبهم‪.‬‬
‫يف اجلانب السيايس تناولت القرارات التنظيم السيايس وبينت مهام‬ ‫‪-1‬‬

‫املحافظني السياسيني ومهام املجالس الشعبية‪.‬‬


‫تأسيس وتشكيل اهليئات واملؤسسات احلاكمة للثورة‪ ،‬كاملجلس الوطني‬ ‫‪-9‬‬

‫اآلخر مستخل ‪،‬‬ ‫للثورة والذي تشكل من ‪ 31‬عضوا منهم ‪ 61‬عضوا دائم والنص‬
‫وجلنة التنسيق والتنفيذ التي تشكّلت من مخسة أفراد هلم حق وسلطة املراقبة عىل‬
‫األجهزة السياسية والعسكرية األخرى(‪.)1‬‬
‫أما فيام خيص العالقة بني جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني‪،‬‬ ‫‪-1‬‬

‫فقد تبنى املؤمتر إعطاء حق األولوية للسيايس عىل العسكري‪ ،‬وفيام خيص العالقة بني‬
‫الداخل واخلارج‪ ،‬فقد تقرر إعطاء األولوية للداخل عىل اخلارج مع مراعاة مبدأ‬
‫التشارك يف اإلدارة والتسيري‪.‬‬

‫(‪ )1‬حيي بوعزير‪ :‬ثورات القرن العشرين‪ ،‬دار البصائر للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،9112،‬ص ص‪.711-719‬عبد‬
‫الوهاب خليف‪ :‬اتريخ احلركة الوطنية من االحتالل إىل االستقالل‪ ،‬ط‪ ،7‬دار طليطلة‪ ،‬احملمدية اجلزائر‪،9112 ،‬‬
‫ص‪.911‬‬
‫‪250‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬
‫مجلَّة روافد للبحوث و الدراسات ‪ /‬العدد الخامس ( ديسمبر ‪ 1028‬م )‬

‫تشكيل حماكم مدنية وعسكري تتكفل بالقضايا املطروحة بعيدا عن املحاكم‬ ‫‪-1‬‬

‫الفرنسية االستعامرية(‪.)1‬‬
‫وحاصل القول‪ ،‬فإن حب الزعامة هو الذي كان حيرك مهنديس املؤمتر‪ ،‬والذي‬
‫عزز من طموح هؤالء‪ ،‬هو رغبتهم يف ركوب قطار التفاوض مع فرنسا‪ ،‬ألن فرنسا يف‬
‫ّ‬
‫السنوات األوىل من الثورة ناورت عن طريق إيفاد مبعوثني للتفاوض مع الثوار‪ ،‬إذ‬
‫كانت تروج ملا يسمى بـ "الصداقة املوضوعية"‪ ،‬فظنوا اعتقادا منهم بأن فرنسا‬
‫أصبحت يف حاجة ماسة إىل مفاوض‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك الدور الفرنيس يف إحداث‬
‫الشقاق داخل صفوف الثورة‪ ،‬وقد متكّنت إىل حد ما من رضب الصفوف واستحداث‬
‫طرفني‪ ،‬ولوال وعي املجاهدين األوفياء لكان الشقاق بإمكانه أن يؤدي إىل هناية‬
‫الثورة وإجهاضها‪.‬‬
‫وعىل العموم‪ ،‬فقد م ّثل مؤمتر الصومام التارخيي منعطفا حاسام يف مسار احلركة‬
‫كرس‬ ‫الوطنية‪ ،‬ألنه نجح يف وضع تأسيس جديد وتنظيم دقيق للثورة التحريرية‪ ،‬كام ّ‬
‫شموليتها وضمن استمراريتها‪ ،‬باإلضافة إىل أنه ح ّقق االنتقال من القيادة الفردية إىل‬
‫القيادة اجلامعية‪ ،‬من خالل تأسيس املجلس الوطني للثورة اجلزائرية‪ ،‬وإنشاء جلنة‬
‫التنسيق والتنفيذ التي كانت بمثابة السلطة التنفيذية‪ .‬وخرج املؤمترون بوثيقة سياسية‬
‫هامة‪ ،‬شكّلت ميثاق ًا ومنهج ًا سياسي ًا سارت عليه الثورة التحريرية بمفهومها الواسع‬
‫والشامل‪ ،‬وليست حرب ًا فقط‪ ،‬كام كانت تُروج لذلك الدعاية االستعامرية‪ ،‬وهي ثورة‬
‫تنشد اسرتجاع السيادة بتحرير األرض واملواطن من خم ّلفات اإلرث االستعامري‪،‬‬
‫وتضمن وتُشيع احلرية واملساواة بني املواطنني دون متييز عرقي أو ديني‪.‬‬

‫(‪ )1‬حممد حلسن زغيدي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.711-799‬‬


‫‪252‬‬ ‫سليم‬
‫أ‪ .‬بكار الدهمة ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬صالح بو َ‬

You might also like