You are on page 1of 39

‫جميع حقوق امللكية األدبية والفنية محفوظة‬

‫مينع طبع أو تصويـر أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب‬


‫كامال أو مجزأ أو تسجيله عىل أرشطة كاسيط أو إدخاله‬
‫عىل الكمبيوتر أو برمجته عىل أسطوانات ضوئية أو نرشه‬
‫رقميا عىل األنرتنت إال مبوافقة النارش خطيا‪.‬‬
‫األفكار الواردة يف هذا الكتاب تعرب عن رأي صاحبها وال تعكس موقف المركز‬
‫كما يتحمل الكاتب وحده مسؤولية أي خرق لحقوق الملكية الفكرية للغير‬

‫كتاب جماعي دراسات فقهية في قضايا املعامالت التجارية واملالية املعاصرة‬


‫تنسيق وتقديم‪ :‬الدكتورعبد اإلاله بالقاري‬
‫الناشر‪ :‬مركزفاطمة الفهرية لألبحاث والدراسات (مفاد)‬
‫ردم ـ ـ ـ ــك‪ISBN : 978-9920-576-24-6 :‬‬
‫الطبعة األولى‪1444 :‬هـ ‪2023 /‬م‬
‫التدقيق واإلخراج الفني‪www.islamanar.com :‬‬
‫كتاب جماعي‬
‫دراسات فقهية في قضايا‬
‫المعامالت التجارية‬
‫والمالية المعاصرة‬

‫تنسيق وتقديم‬
‫الدكتور عبد اإلاله بالقاري‬
‫رئيس قسم العلوم الشرعية ‪ -‬مركزفاطمة الفهرية لألبحاث والدراسات (مفاد)‬
‫جميع الحقوق محفوظة © للنارش‪:‬‬
‫مركز فاطمة الفهرية لألبحاث والدراسات ‪ -‬مفاد ‪-‬‬
‫‪mafadcenter@gmail.com‬‬
‫‪www.mafad.islamanar.com‬‬

‫كتاب جامعي‬
‫دراسات فقهية يف قضايا املعامالت التجارية واملالية‬
‫املعارصة‬
‫تنسيق وتقديم‪:‬‬
‫الدكتور عبد اإلاله بالقاري‬

‫لجنة التحكيم العلمي للكتاب‬

‫‪ -‬الدكتورأحمد اإلدري�سي ‪ -‬مركز فاطمة ‪ -‬الدكتور عبد اللطيف أيت عمي ‪-‬‬
‫جامعة القا�ضي عياض ‪ -‬مراكش ‪ -‬املغرب‪.‬‬ ‫الفهرية لألبحاث والدراسات ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور أحمد العمراني ‪ -‬جامعة ‪ -‬الدكتورمحمد جعواني ‪ -‬املركز العلمي‬
‫للنظر املقاصدي في القضايا املعاصرة ‪-‬‬ ‫محمد الخامس الرباط ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫ي ‪ -‬األكاديمية املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتورعبد اإلاله بالقار‬
‫الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سال ‪ -‬الدكتور محمد الطريباق اليدري ‪-‬‬
‫األكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة‬ ‫القنيطرة ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫طنجة تطوان الحسيمة ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور عبد الحليم محمد أيت‬
‫امجوض ‪ -‬املركز الجهوي ملهن التربية ‪ -‬الدكتور محمد الناسك ‪ -‬مركز ابن‬
‫والتكوين لجهة البيضاء سطات ‪ -‬املغرب‪ .‬النفيس للدراسات واألبحاث ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور عبد العالي العبا�سي ‪ -‬جامعة ‪ -‬الدكتورمحمد نافع ‪ -‬جامعة السلطان‬
‫السلطان املولى سليمان ‪ -‬بني مالل ‪ -‬املغرب‪ .‬املولى سليمان ‪ -‬بني مالل ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور عبد العزيز القاسح ‪ -‬جامعة ‪ -‬الدكتورنشيد رشيد ‪ -‬جامعة السلطان‬
‫املولى سليمان ‪ -‬بني مالل ‪ -‬املغرب‪.‬‬ ‫عبد املالك السعدي ‪ -‬تطوان ‪ -‬املغرب‪.‬‬
6
‫‪7‬‬

‫ّ‬
‫نظم الفقه اإلسالمي عالقة اإلنسان‬
‫وسواه‪ ،‬كما نظم عالقة‬‫بربه الذي خلقه ّ‬
‫اإلنسان بأخيه اإلنسان وبأسرته وبيئته‬
‫وباملجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وكذا عالقة‬
‫الدولة املسلمة بغيرها من الدول األخرى‬
‫في حال الحرب والسلم‪ ،‬لذلك جاء الشرع‬
‫الحكيم متسما بخصائص الكمال والتوازن‬
‫والشمول لكل مناحي الحياة بغية إسعاد‬
‫اإلنسانية في العاجل واآلجل‪.‬‬
‫وقد جرى عمل الفقهاء عموما على‬
‫تقسيم الفقه اإلسالمي إلى قسمين عظيمين‪،‬‬
‫اختص أولهما بفقه العبادات‪ ،‬وهو مجموع‬
‫األحكام التي شرعت لتنظيم صلة العبد بربه‬
‫عز وجل من صالة وصيام وزكاة وحج ملن‬

‫تقديم‪:‬‬
‫استطاع إليه سبيال‪ ،‬وهي قربات يتقرب بها‬
‫العبد من مواله سبحانه فرضا ونفال‪ ،‬مما ال‬
‫يختلف باختالف األزمنة واألمكنة‪ ،‬ولذلك‬
‫بينها الرسول صلى هللا عليه وسلم أكمل بيان‬
‫بأقواله وأفعاله‪.‬‬
‫والقسم الثاني اهتم بفقه املعامالت‪،‬‬
‫ويراد به مجموع األحكام التي تنظم عالئق‬
‫الناس الناشئة عن املعامالت فيما بينهم‬
‫تجارية كانت أو مالية‪ ،‬بغية تنظيم شؤون‬
‫املجتمع في كل ما تدعو إليه الحاجة؛ بحيث‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪8‬‬

‫تحقق لهذا املجتمع الحياة اإلنسانية الفاضلة‪ ،‬كالبيع واإلجارة والهبة والحوالة واالستصناع‬
‫والكفالة واملضاربة واملرابحة والشركة واملزارعة والقرض والرهن والصرف والسلم والوديعة‬
‫والوكالة ونحوها من األبواب التي تندرج ضمن املعامالت بين املكلفين أفرادا ومؤسسات‪.‬‬
‫إن باب املعامالت في زمننا املعاصر وما يعرفه من مستجدات تجارية وإشكاالت مالية ال‬
‫اب‬ ‫يخرج في استمداد أحكامه واستنباطها عن األصول الشرعية‪ ،‬قال تعالى َّ(ما َف َّر ْط َنا في َ‬
‫الكت ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ً ّ ُ ّ َ ْ َ ُ ً َ َ ْ َ ً‬ ‫من َ‬
‫�ض ْي ٍء) (األنعام‪ ،)38 :‬وقال سبحانه (ونزلنا عليك ال ِكتاب ِتبيانا ِلك ِل �ضي ٍء وهدى ورحمة‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َوبشرى ِلل ُم ْس ِل ِمين) (النحل‪ ،)89 :‬وفي الحديث عن إمامنا مالك رحمه هللا أنه بلغه أن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬تركت فيكم أمرين‪ ،‬لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كتاب هللا وسنة‬
‫نبيه"‪.1‬‬
‫فاملتعين على الفقيه اعتبار النصوص الشرعية ذات الصلة باملعامالت‪ ،‬وإعادة استثمارها‬
‫طبقا للقواعد األصولية في االستدالل واالستنباط‪ ،‬ذلك أن تعظيم االهتمام بالنصوص‬
‫الشرعية على الوجه األمثل يف�ضي إلى إصابة الحق وتحصيل املصالح الدينية والدنيوية‪،‬‬
‫لذلك نص الزرك�ضي رحمه هللا أن على فقيه النفس ذي امللكة الصحيحة تتبع ألفاظ الوحيين؛‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬واستخراج املعاني منهما‪ ،‬ومن جعل ذلك دأبه وجدها مملوءة‪ ،‬وورد البحر‬
‫ً‬
‫الذي ال ينزف‪ ،‬وإن تقصير الفقيه في اعتبار النصوص أو التساهل في التعويل عليها جمعا‬
‫ً‬
‫لشواهدها ودراسة ملعانيها واستنباطا ألحكامها يقت�ضي اإلخالل بالحكم الشرعي املتعلق‬
‫ثم يحصل من الفساد الديني والدنيوي‬ ‫باملعامالت املستجدة تجارية كانت أم مالية‪ ،‬ومن ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بحسب ذلك التقصير واإلخالل‪ ،‬فقلما تعوز النصوص الشرعية من يكون خبيرا بها وبدالالتها‬
‫عبر الشافعي رحمه هللا تعالى عن هذا املعنى حين أشار أنه من عرف كتاب‬ ‫على األحكام‪ ،‬وقد ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هللا نصا واستنباطا استحق اإلمامة في الدين‪ ،‬كما أن الرجوع إلى تراثنا الفقهي الزاخر في باب‬
‫ّ‬
‫املعامالت من مدخلي التنقيح واإلفادة يشكل زادا فقهيا عظيما للفقهاء والباحثين‪ ،‬وأساسا‬
‫متينا يتوسل به إلى درك أحكام فقهية في الباب‪ ،‬بل يمكن أن يكون هذا التراث الفقهي العظيم‬
‫بعد استيعابه ونخله وتمييز صحيحه من سقيمه وغثه من سمينه أساسا ومرقاة نحو بناء‬
‫فقه معاصر للمعامالت التجارية واملالية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ موطأ مالك‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب النهي عن القول بالقدر‪ ،‬رقم‪3 :‬‬
‫‪9‬‬ ‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬
‫ً ً‬
‫ولقد نجح الفقهاء املعاصرون نجاحا كبيرا في ترشيد املعامالت التجارية واملالية املعاصرة؛‬
‫من خالل أعمال البنوك وشركات التمويل وشركات االستثمار بأنواعها وشركات التأمين؛ مما‬
‫جدد اإليمان بصالحية الشريعة اإلسالمية الغراء وقدرتها على استيعاب مستجدات املعامالت‬
‫وح َمل العديد من املؤسسات املالية على اإلفادة‬ ‫املالية املعاصرة بصورة علمية وعملية‪ ،‬بل َ‬
‫َ‬
‫والسير في ركاب الفقه اإلسالمي وق ْف ِو آثاره واألخذ بتطبيقاته في املعامالت املالية املعاصرة‪،‬‬
‫هذا إلى جانب التزايد املضطرد والتوسع امللحوظ في أعداد املؤسسات املالية اإلسالمية‪ ،‬وحجم‬
‫رؤوس األموال املتداولة فيها مما يبشر بصحوة اقتصادية إسالمية شاملة‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن هذه التحوالت املتسارعة نحو األخذ بمبادئ فقه املعامالت التجارية واملالية محليا‬
‫ً‬
‫وعامليا لتتطلب من الفقهاء املعاصرين ضرورة تفعيل هذا الفقه وتجديد أدواته املعاصرة‪،‬‬
‫بحيث يكون قادرا على استيعاب تلك التطورات املتسارعة على الصعيدين التجاري واملالي‬
‫بمختلف القطاعات املصرفية واملالية واالستثمارية والتأمينية‪ ،‬وفي ظل التطورات املطردة‬
‫إلجراءات العقود وتعقيد العمليات في األسواق املالية الحديثة‪.‬‬
‫ويجدر التنبيه إلى أن سمات الفردية التي تطغى عموما على باب املعامالت املالية في الفقه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالمي قديما جعلت منه فقها بسيطا يحتل موقعا متواضعا من حيث السعة واملحتوى من‬
‫بين أبواب الفقه األخرى‪ ،‬بيد أن ما استجد في العصر الحديث على واقع فقه املعامالت التجارية‬
‫واملالية املعاصرة من سمات املؤسسية والتعقيد والتداخل والتنوع والتعدد في صيغ التمويل‬
‫واالستثمار‪ ،‬وكذا التعقيد في آليات التبادل التجاري بين األفراد واملؤسسات والجماعات‪ ،‬إلى‬
‫جانب الثورة التقنية التي ألقت بظاللها على العمل التجاري ووسائله وأساليبه؛ كل ذلك ّأدى‬
‫إلى تضخم التقاسيم واألنواع‪ ،‬واملسائل والفروع املندرجة تحت نطاق فقه املعامالت التجارية‬
‫واملالية املعاصرة‪ ،‬وأمام هذا التركيب في املعامالت املعاصرة‪ ،‬نرى أن تخصيص بعص هذه‬
‫املعامالت التجارية واملالية املعاصرة بالدراسة العلمية والبحث الفقهي له أهميته القصوى‪ ،‬إذ‬
‫املعامالت تختلف من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى أخرى‪ ،‬مما يتعين على أهل العلم في كل زمان‬
‫النظر فيها وبيان مراد الشارع في كل صورة من صورها ومسألة من مسائلها حسبما يتفق مع‬
‫مصالح الناس ويساير أعرافهم املنضبطة بقواعد الشرع الحكيم‪.‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪10‬‬

‫وقد ارتأينا في مركز فاطمة الفهرية لألبحاث والدراسات أن نسهم في اإلجابة عن مجموعة‬
‫من اإلشكاالت الفقهية في باب املعامالت التي لها راهنيتها وملحاحيتها في الواقع الذي نعيشه‪،‬‬
‫وذلك من خالل إعداد هذا السفر املبارك املوسوم بـ‪" :‬دراسات فقهية في قضايا املعامالت‬
‫التجارية واملالية املعاصرة"‪ ،‬وهو ثمرة جهد جماعي شارك فيه نخبة من الخبراء والباحثين‬
‫األكاديميين‪.‬‬
‫جاء الكتاب في ثالثة محاور كبرى‪ ،‬اهتم املحور األول ببيان نظام العقود في اإلسالم‪،‬‬
‫وخصص املحور الثاني لبسط بعض التطبيقات املعاصرة للمعامالت املالية والتجارية‪ ،‬وفي‬
‫املحور األخير انصب الحديث عن بعض الخدمات املصرفية والعقود التمويلية‪ ،‬وهكذا ضم‬
‫ّ‬
‫محكما‪.‬‬ ‫الكتاب بين دفتيه سبعة عشر بحثا فقهيا‬
‫يعد إضافة علمية نوعية في فقه املعامالت‬ ‫ونحسب أن هذا الجهد العلمي الجماعي ّ‬
‫واملالية املعاصرة‪ ،‬فهو من إعداد باحثين متخصصين في الباب‪ ،‬كما أضفى التحكيم العلمي‬
‫على الدراسات الفقهية التي ّ‬
‫ضمنت الكتاب قوة في النظر وإحكاما في املنهج والتوثيق‪.‬‬
‫جزى هللا خيرا كل من أسهم في إعداد هذا الكتاب مركزا وكتبة‪ ،‬كما أسأله ّ‬
‫جل شأنه أن‬
‫ينفع به الباحثين وطالب العلم‪ ،‬وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم‪.‬‬
‫اللهم ارزقنا السداد في القول‪ ،‬والرشد في الفعل‪ ،‬والصواب والتوفيق في األمر كله‪ ،‬وصلى‬
‫هللا وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫وكتبه عبد رّبه عبد اإلاله بن محمد بالقاري عفا هللا عنه‬
‫رئيس قسم العلوم الشرعية‬
‫مركز فاطمة الفهرية لألبحاث والدراسات (مفاد)‬
‫في‪ :‬سال بتاريخ ‪ 21‬ذو القعدة ‪1443‬ه‬
‫‪11‬‬

‫المحور األول‪:‬‬

‫دراسات في نظام العقود في اإلسالم‬


‫‪173‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫تناول البحث جملة من أهم القواعد‬


‫الفقهية التي اعتمدها علماء مالكية‬
‫املغرب األق�ضى في التأصيل الجتهاداتهم‬
‫القواعد الفقهية الحاكمة‬
‫والتعليل الختياراتهم وآرائهم الفقهية‬
‫للمعامالت المالية لدى علماء‬
‫في نوازل املعامالت ال سيما املالية منها‪،‬‬
‫في فقه العمليات‪ ،‬مع اإلشارة إلى بعض‬ ‫المغرب‬
‫تطبيقاتها في فقه العمليات‪ .‬وقد حاول‬
‫‪-‬نماذج مختارة من فقه‬
‫البحث اإلجابة على عدة أسئلة‪ ،‬أهمها‪ :‬ما‬
‫ْ‬
‫(الم ْج َر َيات) المغربي‪ -‬أهم القواعد الفقهية الخاصة املعتمدة في‬ ‫العمليات ُ‬
‫اجتهادات علماء املغرب في نوازل املعامالت‬
‫املالية في فقه العمليات؟‪ ،‬وقد جمع البحث‬
‫بين الجانب النظري والجانب التطبيقي‪،‬‬ ‫د‪ .‬بدرادلين الزييت‬
‫حيث تم استحضار نماذج تطبيقية من‬
‫باحث يف ادلراسات الفقهية املقارنة املسائل والنوازل الفقهية املختلفة في مجال‬
‫املعامالت املالية في فقه العمليات املغربي‪،‬‬
‫مدير جملة نوموس للفقه والقانون‬
‫مستخدما في ذلك املنهج االستقرائي من‬
‫والقضاء ‪-‬املغرب‬
‫أجل جمع أهم القواعد الفقهية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى املنهجين الوصفي والتحليلي‪ .‬وخلص‬ ‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬
‫القواعد الفقهية‪ ،‬املعامالت املالية‪ ،‬فقه البحث إلى حقيقة وهي قدرة علماء املغرب‬
‫على طرح التجديد الفقهي في املعامالت‬
‫العمليات‪ ،‬ما جرى به العمل‪ ،‬علماء املغرب‬
‫املالية املبني على التجديد في أثر القواعد‬
‫األق�ضى‪.‬‬
‫الفقهية التي صاغوا فيها املقاصد الشرعية‬
‫مثل العرف واملصلحة العامة؛ إضافة إلى‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪174‬‬

‫ضرورة استيعاب هاته القواعد استيعابا مصلحيا ومقاصديا من أجل حسن تنزيلها على‬
‫واقعنا املعاصر املليء باملعامالت املالية املستجدة والطارئة والتي في حاجة إلى اجتهاد مقاصدي‬
‫مصلحي‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫لقد تميز فقهاء وعلماء املغرب األق�ضى بإنتاجهم الفقهي التطبيقي الذي ُيجيب على‬
‫الوقائع املستجدة واآلنية التي ُّ‬
‫تمس جوانب مختلفة من حياة أفراد املجتمع‪ ،‬وابتعادهم عن‬
‫ّ‬
‫العملية وبما يعرض لهم من نوازل‬ ‫الفقه النظري املحض؛ ذلك أنهم اهتموا بأمور الناس‬
‫ومستجدات اهتماما فائقا؛ وهم بعملهم هذا أعطوا الدليل القاطع على أن الفقه املالكي‬
‫ٌ‬
‫فقه اجتماعي‪ ،‬ومرن‪ ،‬وواقعي‪ ،‬قابل للتطور‪ ،‬ومساير لصيرورة املجتمع وأسئلته الشرعية‬
‫ّ ُ َ‬
‫ولعل امل َتت ِّب َع الجتهاداتهم واختياراتهم الفقهية ال سيما في مجال املعامالت‬ ‫واالجتماعية والوقتية‪.‬‬
‫بشكل عام‪َّ ،‬يت ِض ُح له جليا الجانب التفاعلي بينهم وبين محيطهم املجتمعي في كل األحداث‬
‫أسس العلماء املغاربة أجوبتهم‬ ‫النازلة واألمور املستجدة والطارئة‪ .‬كباقي علماء املذهب‪ ،‬فقد َّ‬
‫الفقهية لنوازل املعامالت على أصول وقواعد فقهية كبرى‪ ،‬باعتبا ها ً‬
‫طريقا استدالليا مذهبيا‪،‬‬ ‫ر‬
‫َّ‬
‫مرنة ونطاق استخدامها متسع‪.‬‬ ‫مستخدمين أدوات وآليات منضبطة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ضم قاعدة‬ ‫ْ‬
‫العمليات‪/‬املج َرَيات الذي َّ‬ ‫ومن عملهم هذا تركوا لنا نتاجا فقهيا زاخرا ُي ْع َرف بفقه‬
‫ُ‬
‫ما جرى به العمل‪ ،‬ومبادئ استداللية أصيلة ت ِع ُين الفقيه املجتهد واملفتي والقا�ضي على‬
‫تكييف نازلة ما ليستجيب لحاجات املجتمع املتسمة باالتساع والتنامي‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫أس ُسوا عليها أحكامهم وهم ُين ِتجون‬ ‫أساسا بالقواعد الفقيهة التي َّ‬ ‫مقصد هذه الورقة يتعلق‬
‫املستجد في مجال املعامالت املالية‪ ،‬مع العلم أن املوضوع‬
‫ِ‬ ‫هذا الكم الزاخر من الفقه العملي‬
‫واسع األطراف ال تستوعبه هاته الورقة‪ ،‬لكن كما يقال ما ال يدرك كله ال يترك جله‪ ،‬وامليسور‬
‫ال يسقط باملعسور‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫إشكالية البحث وتساؤالته‬

‫تتجلى إشكالية البحث في أن علماء املغرب اعتنوا بالوقائع املعاصرة التي كانت تحدث في‬
‫مجتمعهم وذلك بالبحث عن تكييف فقهي وشرعي لها مستندين في ذلك على قواعد فقهية‬
‫كلية‪.‬‬
‫ويتفرع عن هذه اإلشكالية األسئلة التالية‪:‬‬
‫ما أهم القواعد الفقهية الخاصة املعتمدة في اجتهادات علماء املغرب في نوازل املعامالت‬
‫املالية في فقه العمليات؟‬
‫كيف تعامل علماء مالكية املغرب معها؟‬
‫كيف أثرت تلك القواعد على األحكام الشرعية املتعلقة باملعامالت املالية وجعلتها مراعية‬
‫للتغير والتطور الذي يساير العصر؟‬
‫أهداف البحث‬

‫يهدف البحث إلى‪:‬‬


‫‪ -‬ذكر جملة من القواعد الفقهية الكبرى وكذلك املتفرعة عنها املستخدمة في فقه‬
‫العمليات‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز قدرة فقهاء مالكية املغرب األق�ضى على طرح التجديد الفقهي في املعامالت املالية‬
‫املبني على التجديد في أثر تلك القواعد الفقهية مثل العرف‪ ،‬والعادة‪ ،‬واملصلحة الحاجية على‬
‫األحكام الشرعية للعقود واملعامالت املالية‪.‬‬
‫منهجية البحث وخطته‬

‫فسيخصص‬ ‫ترتكز هذه الورقة على جانب نظري‪ ،‬وآخر تطبيقي‪ ،‬فأما الجانب النظري ُ‬
‫لضبط بعض مفاهيم املوضوع‪ ،‬واستقراء أهم القواعد الفقهية؛ وأما الجانب التطبيقي‪،‬‬
‫فسيعرض نماذج تطبيقية في املعامالت املالية من فقه العمليات؛ معتمدا املنهج االستقرائي‪،‬‬
‫واملنهج الوصفي‪ ،‬ثم التحليلي‪ ،‬وفق العناصر التالية‪:‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪176‬‬

‫ُ‬
‫امل ْج َرَي ْ‬
‫ات‬ ‫أوال‪ :‬ضبط املفاهيم‪ :‬القواعد الفقهية‪ ،‬فقه العمليات‪/‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهم القواعد الفقهية املؤطرة للمعامالت املالية عند علماء املغرب‬
‫ثالثا‪ :‬نماذج تطبيقية مختارة من كتب فقه العمل في نوازل املعامالت املالية‬
‫رابعا‪ :‬خاتمة‪ ،‬تضمنت أهم الخالصات والنتائج املتوصل إليها‬

‫أوال‪ :‬ضبط المفاهيم‬

‫‪ - 1‬مفهوم القواعد الفقهية‬

‫أ ‪ -‬في المعاجم اللغوية‪:‬‬

‫ّ ّ‬ ‫ُ َْ‬
‫لكنها كلها تدور حول استعمال واحد وهو أساس‬ ‫تطلق القاعدة في اللغة على عدة معان‪،‬‬
‫ال�ضئ وأصله؛ جاء في لسان العرب‪" :‬القاعدة‪ :‬أصل األس‪ ،‬والقواعد‪ :‬األساس‪ ،‬وقواعد البيت‬
‫أساسه"‪ ،1‬وجمعها قواعد‪ .‬وقد جاءت بهذا املعنى في القرآن الكريم‪ ،‬قال هللا عز وجل‪( :‬وإذ يرفع‬
‫إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) (البقرة‪ ،)127 :‬فاملقصود بالقواعد في اآلية األساس‪.‬‬
‫وفي هذا يقول العالمة محمد الروكي‪" :‬املعنى العام الذي تدور حوله كل االستعماالت اللغوية‬
‫لكلمة "قاعدة"‪ :‬هو األصل واألساس‪ ،‬سواء كان ذلك في الحسيات أو في املعنويات‪ ،‬كقواعد‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقواعد العلم‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬ومن ثم فإن قواعد الفقه لن تخرج عن هذا املعنى العام؛‬
‫ّ‬
‫وجزئياته املتعددة التي ال تتناهى"‪ 2.‬ويضيف قائال‪:‬‬ ‫فهي أصوله وأسسه التي تنبني عليها فروعه‬
‫"وهكذا فاملعنى اللغوي العام للقاعدة هو األصل واألساس الذي ينبني عليه غيره‪ .‬ومن ثم كان‬
‫‪3‬‬
‫معنى قواعد الفقه أسسه التي تنبني عليها فروعه وجزئياته ومسائله"‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين‪ .‬لسان العرب‪ ،‬مادة قعد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1414 ،3‬هـ‪.361/3 ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلسالمي من خالل كتاب اإلشراف ف على مسائل الخالف للقا�ضي عبد الوهاب‬ ‫(‪ )2‬الروكي‪ ،‬محمد‪ .‬قواعد الفقه‬
‫البغدادي‪ ،‬دار القلم – دمشق‪ ،‬مجمع الفقه اإلسالمي – جدة‪ ،‬ط ‪1419 ،1‬ه‪ 1998/‬م‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫(‪ )3‬الروكي‪ ،‬محمد‪ .‬نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختالف الفقهاء‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫بالرباط‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪1414 ،1‬ه‪1994/‬م‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪177‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫ب ‪ -‬في اصطالح الفقهاء‬

‫عرفها الحموي بقوله‪" :‬والقاعدة عند الفقهاء غيرها عند النحاة واألصوليين‪ ،‬إذ هي عند‬
‫الفقهاء حكم أكثري ال كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه"‪ 1.‬فقد نفى الحموي‬
‫االطراد عن القاعدة الفقهية وأثبت لها األكثرية‪ ،‬في حين نجد من املعاصرين من يثبت لها‬
‫االطراد كمصطفى الزرقاء الذي عرفها بقوله‪" :‬أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية‬
‫تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها"‪ 2.‬وبعد إيراده لعدة‬
‫َ‬
‫تعاريف للمتقدمين وبعض املعاصرين‪ ،‬ومناقشتها‪ ،‬وانتقاد بعضها‪ ،‬خلص العالمة الروكي إلى‬
‫تعريفه‪ ،‬قائال‪ :‬القاعدة‪" :‬حكم كلي مستند إلى دليل شرعي‪ ،‬مصوغ صياغة تجريدية محكمة‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫منطبق على جزئياته على سبيل االطراد أو األغلبية"‪.‬‬

‫العمليات‪/‬الم ْج َر َي ْ‬
‫ات‬ ‫ُ‬ ‫‪ - 2‬فقه‬

‫َْ‬
‫ُيطل ُق مصطلح "العمليات" أو "املجريات" في أوساط علماء املغرب األق�ضى على الكتب التي‬
‫تجمع مسائل وقواعد فقهية في مجال املعامالت واألسرة التي جرى بها العمل افتاء وقضاء‪( ،‬أي‬
‫األحكام االجتهادية التي أفتى بها العلماء املجتهدون أو حكم بها القضاة لرجحانها عندهم مراعاة‬
‫لعرف‪ ،‬أو لتحقيق مصلحة‪ ،‬أو دفع مفسدة واطرد العمل بذلك عند الفقهاء)‪ ،‬ومن ذلك كتب‬
‫المية الزقاق وشروحه‪ ،‬وكتب العمل اإلقليمي وشروحه مثل العمل الفا�ضي وشروحه‪ ،‬والعمل‬
‫الرباطي وشروحه‪ ،‬والعمل املطلق وشروحه‪.‬‬
‫وأخذا بهذا االعتبار ُع ّ ِرف ما جرى به العمل بأنه‪" :‬األخذ بقول ضعيف في القضاء والفتوى‬
‫‪4‬‬
‫من عالم يوثق به‪ ،‬في زمن من األزمان ومكان من األمكنة‪ ،‬لتحقيق مصلحة أو درء مفسدة"‪.‬‬

‫(‪ )1‬أحمد‪ ،‬شهاب الدين الحموي الحنفي‪ .‬غمز عيون البصائر شرح كتاب األشباه والنظائر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ‪1985/‬م‪.51/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬الزرقاء‪ ،‬مصطفى‪ .‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪1425 ،2‬ه‪1989/‬م‪.965/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬الروكي‪ ،‬محمد‪ .‬نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختالف الفقهاء‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫(‪ )4‬بن بيه‪ ،‬عبدهللا‪ .‬صناعة الفتوى وفقه األقليات‪ ،‬منشورات الرابطة املحمدية‪1433 ،‬هـ‪2112/‬م‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪178‬‬

‫ٌ‬ ‫َ‬
‫اجتهاد مبني على قول ضعيف مقابل‬ ‫نستخلص من هذا التعريف أن ما جرى به العمل‬
‫قول مشهور أو راجح في املذهب املالكي من عالم أهال لالجتهاد ملوجب يوجب ذلك‪ ،‬إما مراعاة‬
‫للعوائد واألعراف أو تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة‪ ،‬مع اطراد العمل بذلك القول من مجتهد‬
‫آخر‪ .‬يقول العالمة الحجوي‪" :‬فيعمد بعض القضاة إلى الحكم بقول مخالف ‪-‬للقول‪ -‬املشهور‬
‫‪-‬في املذهب‪ -‬لدرء املفسدة‪ ،‬أو لخوف فتنة‪ ،‬أو جريان عرف في األحكام التي مستندها العرف‪،‬‬
‫أو نوع من املصلحة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فيأتي من بعده‪ ،‬ويقتدي به ما دام املوجب الذي ألجله‬
‫خالف املشهور في مثل تلك البلد‪ ،‬وذلك الزمن‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫مبني على أصول في املذهب املالكي‪ ،‬فإذا‬
‫كان العمل بالضعيف لدرء مفسدة فهو على أصل مالك في سد الذرائع‪ ،‬أو جلب مصلحة‪ ،‬فهو‬
‫‪1‬‬
‫على أصله في املصالح املرسلة‪ ،‬وكذلك الشأن بالنسبة للعرف"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهم القو اعد الفقهية المؤطرة للمعامالت المالية في فقه‬


‫العمليات لدى علماء المغرب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املعامالت املالية عند علماء وفقهاء املالكية عموما على قواعد ومبادئ شرعية‬ ‫تعتم ُد‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كبرى تحكمها وتجعلها موافقة للشرع من جهة وضامنة لحقوق املتعاملين من جهة ثانية‪.‬‬
‫وبدون مراعاة لهذه القواعد واملبادئ الشرعية في املعامالت املالية يكون التعامل غير منتج‬
‫لثمرته املرجوة‪ ،‬املتمثلة أساسا في استقرار املعامالت وحفظ حقوق الجانبين املتعاملين‬
‫ُّ‬
‫يشذوا عن سابقيهم‬ ‫املتعاقدين‪ .‬وعلى نفس النهج سار علماء مالكية املغرب األق�ضى الذين لم ِ‬
‫فأخذوا تلك القواعد واملبادئ وقاموا بتنزيل أحكامهم االجتهادية الجديدة عليها التي اقتضتها‬
‫نوازل طارئة في مجال املال في واقعهم املعاش وجعلوها مراعية لتطور املعامالت املستجدة في‬
‫مبي ِن َين أن األحكام الفقهية االجتهادية ليست جامدة‪ ،‬بل إنها تتغير بتطور الزمان‬
‫عصرهم‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫وتغيره بحسب ما تقتضيه مصلحة العباد والبالد‪ .‬وباعتمادهم على هاته القواعد الكلية قاموا‬
‫باجتهادات عظيمة في عصرهم فأنتجوا فقها وتراثا زاخرا يدل على قدرتهم على االجتهاد املذهبي‪.‬‬
‫ومن أعظم ما يدل على باعهم في ذلك هو إنتاجهم لفقه تطبيقي يعرف بفقه العمل سواء كان‬
‫مختصا بمنطقة ما (العمل اإلقليمي) كفاس مثال‪ ،‬أو غير مقيد بمنطقة (العمل املطلق)‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحجوي‪ ،‬محمد‪ .‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1419‬هـ‪1995/‬م‪.465/2 ،‬‬
‫‪179‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫ً‬
‫ص ّ ِر ُحون عادة بالقواعد التي استندوا إليها في اجتهاداتهم وآرائهم‬ ‫ورغم أنهم كانوا ال ُي َ‬
‫ًّ‬
‫املخالفة ملشهور املذهب باعتبار أن ما جرى به العمل ُي َع ُّد أصال استدالليا مستقال بنفسه‬
‫املتفحص للتطبيقات الفقهية في باب املعامالت املالية‪ ،‬يجد أنهم اعتمدوا في‬ ‫ّ‬ ‫عندهم‪ ،‬فإن‬
‫ِ‬
‫تعليالتهم الختياراتهم الفقهية على مجموعة من القواعد الفقهية َّ‬
‫املقررة في املذهب‪ .‬وبما أنه ال‬
‫ُ َ‬
‫األمر أن ن ْع ِرض أهم القواعد الفقهية‬ ‫يمكن اإلحاطة بكل تلك القواعد الفقهية‪ ،‬فقد استقر‬
‫التي كان عليها مدار اجتهاداتهم وآرائهم الفقهية وفتاويهم وأحكامهم القضائية‪ .‬وبعد ُّ‬
‫تتبع‬
‫ص َر الكالم على ذكر أمهات‬ ‫املسائل الفقهية املتعلقة باملعامالت في كتب العمليات‪ ،‬ظهر أن ُي ْق َت َ‬
‫ّ‬
‫القواعد الفقهية املعتمدة في نوازل املعامالت املالية‪ ،‬والتي في الحقيقة كلها تتصل اتصاال‬
‫مباشرا أو غير مباشر باملقاصد الشرعية‪ ،‬وباملصالح الحاجية‪ ،‬وبالعادات وأعراف الناس وما‬
‫َّ‬
‫يجري في بلدانهم ويقصد على ألسنتهم‪ .‬وقد نظمت هذه القواعد في ثالث مجموعات كبرى‪:‬‬
‫مجموعة ترجع إلى اعتبار العوائد واألعراف‪ ،‬ومجموعة ترجع إلى اعتبار القصود والنيات‪،‬‬
‫وأخرى ترجع إلى اعتبار املصالح واملقاصد الحاجية‪.‬‬

‫قواعد إعمال العادة والعرف‬


‫ُ‬ ‫‪-1‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُت َ‬


‫والعوائد أصال من األصول االستنباطية عند اإلمام مالك التي استند إليها‬ ‫عتب ُر األعراف‬
‫ُ‬
‫في اجتهادا ِته الفقهية‪ ،‬وتبعه على ذلك تالمذته من بعده فاتخذوا ذلك أساسا ملذهبه‪ ،‬ثم باقي‬
‫ّ‬
‫ممر األزمنة‪ .‬وعلى مناولهم سار فقهاء مالكية املغرب األق�ضى فاعتمدوا‬
‫فقهاء املذهب على ِ‬
‫األعراف والعوائد‪ ،‬وأداروا عليها ً‬
‫كثيرا من املسائل واألحكام‪ ،‬جاعلين اعتبار العادة والعرف‬
‫وتحكيمهما من األسس التي بنوا عليها اجتهاداتهم واختياراتهم الفقهية بصفة عامة‪ ،‬ذكر‬ ‫ِ‬
‫الشنقيطي في "مراقي السعود" في شأن اعتبار تحكيم العرف‪:‬‬
‫ْ‬
‫الوطر‬
‫ُْ‬
‫يجل ُب‬
‫ُ‬
‫وأن ما َيش ُّق‬ ‫الض َر ْر‬ ‫ُ‬
‫الفقه على رفع َّ‬ ‫س‬‫قد ُأ ِ ّس َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ُ ُ‬ ‫َّ‬
‫الع ْرف‪...‬‬ ‫ُي َحك ـ ـ ـ ـ ـ َـم‬ ‫فع القط ِع بالشك وأن‬ ‫ونف ـ ـ ـ ِـي ر ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وعلق على قوله‪( :‬وأن ُي َحك َم العرف)‪" :‬يعني أن القاعدة الرابعة هي أن "العادة محكمة"‪،‬‬
‫واألحكام املبنية على العوائد تتبدل بتبدل العوائد ويدخل في هذه القاعدة تخصيص عمومات‬
‫ألفاظ الناس في األيمان واملعامالت وتقييد مطلقها بالعرف فال يجوز لحاكم وال مفت أن يحكم‬
‫أو يفتي في لفظة حتى يعلم معناها في عرف ذلك البلد‪ ،‬ولذا قالوا‪ :‬الجمود على النصوص أبدا‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪180‬‬

‫َ‬ ‫‪ّ 1‬‬


‫ويؤك ُد مكانة العرف عند مالكية‬
‫ِ‬ ‫ضالل وإضالل؛ وهذه القاعدة محيطة بكثير من الفقه"‪.‬‬
‫ُ ‪2‬‬
‫املغرب األق�ضى ما ذكره العالمة التاودي بقوله‪" :‬إذا جرى العرف ب�ضيء صار هو األصل"‪.‬‬
‫"إن حمل الناس على أعرافهم وعوائدهم ومقاصدهم واجب‪ ،‬والحكم‬ ‫وذكر العالمة التسولي‪َّ :‬‬
‫ّ‬ ‫الزيغ َ‬ ‫ْ‬
‫والج ْو ِر"‪ 3.‬والبن أبي كف املحجوبي قوله‪:‬‬ ‫عليهم بخالف ذلك من ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫تع َم ُل‬ ‫األمور فهي فيه‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫تدخل‬ ‫فيه‬
‫ِ‬ ‫العادة‬ ‫ما‬ ‫وكل‬
‫ّ‬
‫معلقا على البيت‪" :‬يعني أن كل ما تدخل فيه العادة من األحكام الشرعية فهي عاملة‬ ‫يقول ِ‬
‫صصه إن كان عاما‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫فيه‪ ،‬أي عادة العوام القولية أو الفعلية‪ ،‬أي محكمة فيه‪ُ ،‬تخ ّ‬
‫وتقيده إن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫‪4‬‬
‫كان مطلقا‪ ،‬وت َب ِّي ُنه إن كان مجمال"‪.‬‬
‫"وقبل ُ‬‫ُ‬
‫مثله في بيع ال قرض"‪ ،‬وظاهر‬ ‫أجل ِ‬ ‫يقول العالمة الدردير معلقا على قول خليل‪:‬‬
‫املصنف (الشيخ خليل) أنه ال ينظر للعرف‪ ،‬ولو كان العرف عدم التأجيل؛ وليس كذلك‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ف على ما إذا لم‬‫إذ العمل بالعرف أصل من أصول املذهب‪ ،‬فينبغي أن يحمل كالم املص ِن ِ‬
‫يجر العرف ب�ضئ"‪ 5.‬وفي جواب للعالمة العبدو�ضي‪" :‬ينبغي للمفتي أن ينظر إلى مقاصد الناس‬
‫قت�ضى مخاطبتهم فيبني عليها الحكم‪ ،‬ويرتب عليها الجواب‪ ،‬وكل من ينظر إلى الروايات‬ ‫ُوم َ‬
‫فيفتي فيما تختلف فيه األحكام باختالف املقاصد والعوائد فقد أخطأ"‪ 6.‬والبن منظور قوله‪:‬‬
‫ً‬
‫"ينبغي للمشاور في مسألة أن يحضر عند ذلك أمورا يبني عليها فتواه‪ ،‬ويجعلها أصال يرجع إليه‬
‫أبدا فيما يستحضره في ذلك‪ ،‬منها‪ :‬مراعاة العوائد في أحوال الناس وأقوالهم وأزمانهم لتجري‬
‫األحكام عليها من النصوص املنقولة عن األئمة"‪ 7.‬كما أن األحكام التابعة لألعراف والعوائد‬

‫الس ُعود‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.272-271/2 .‬‬‫(‪ )1‬الشنقيطي‪ ،‬عبدهللا بن إبراهيم العلوي‪ .‬نشر البنود على مراقي ّ‬
‫(‪ )2‬التاودي‪ ،‬محمد‪ .‬هامش البهجة في شرح التحفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪1418 ،1‬ه‪1998/‬م‪،‬‬
‫‪.150/2‬‬
‫(‪ )3‬التسولي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبد السالم‪ .‬البهجة في شرح التحفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1418‬ه‪1998/‬م‪.101/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الوالتي يحيى‪ ،‬محمد‪ .‬إيصال السالك في أصول اإلمام مالك‪ ،‬اعتناء‪ :‬عبدالكريم قبول‪ ،‬دار الرشاد الحديثة‪-‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،2‬ص ‪.68‬‬
‫(‪ )5‬الدسوقي‪ ،‬محمد بن أحمد بن عرفة‪ .‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬و د‪.‬ت‪.454/3 .‬‬
‫(‪ )6‬الونشري�ضي‪ ،‬أحمد‪ .‬املعيار املعرب والجامع املغرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عثمان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،‬‬
‫ط ‪2011 ،1‬م‪.297/5 ،‬‬
‫(‪ )7‬الونشري�ضي‪ ،‬أحمد‪ .‬املعيار املعرب ‪.367/6‬‬
‫‪181‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫تتغير بتغير تلك األعراف والعوائد‪ ،‬ذكر العالمة القرافي‪" :‬إن إجراء األحكام التي مدركها العوائد‬
‫مع تغير تلك العوائد خالف اإلجماع وجهالة في الدين‪ ،‬بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد‪،‬‬
‫يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة املتجددة‪ ،‬وليس هذا تجديدا لالجتهاد‬
‫من املقلدين حتى يشترط فيه أهلية االجتهاد‪ ،‬بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها‪،‬‬
‫فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد"؛‪ 1‬ويقول أيضا‪" :‬وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى‬
‫على طول األيام‪ ،‬ومهما سقط أسقطه‪ ،‬وال تجمد على النقول في الكتب طول عمرك‪ ،‬بل إذا‬
‫ُ‬
‫مستفت من غير إقليمك يستفتيك ال ت ْج ِره على عرف بلدك‪ ،‬واسأله عن عرف بلده‬ ‫ٍ‬ ‫جاءك‬
‫وأجره عليه‪ ،‬وافته به دون عرف بلدك أو املقرر في كتبك‪ ،‬فهذا هو الحق الواضح‪ ،‬والجمود‬
‫‪2‬‬
‫على املنقوالت أبدا ضالل في الدين‪ ،‬وجهل بمقاصد علماء املسلمين والسلف املاضيين"‪.‬‬
‫يقول سيدي عبدالرحمن الفا�ضي في العمل الفا�ضي‪:‬‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫اف في ُ‬
‫نفي‬ ‫بانتفائها‬ ‫لكن‬ ‫الحكم‬ ‫الفتيا وفي‬ ‫واعتب ِر األعر‬
‫ِ‬

‫ونقل عمر الجيدي أبياتا لألغاللي يقول فيها‪:‬‬


‫وكل ما ُي ْب َنى على ُ‬
‫ُّ‬
‫البـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـدور‬
‫معه وجودا عدما مثل ُ‬ ‫الع ـ ـ ـ ـ ْـرف يدور‬
‫فيما جرى عرف به‪ ،‬بل منه تب‬ ‫فاحذر جمودك على ما في الكتب‬
‫إلى الع ـ ـ ـ ـ ـ ــوائد لها فجام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬ ‫وكل ما في الش ـ ـ ـ ــرع فهو تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابع‬
‫‪3‬‬
‫تعين الحكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم به إذا بدت"‪.‬‬ ‫فما اقتضته عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة تج ـ ـ ـ ـ ــددت‬

‫دليل على ُي ْس ِر الشريعة ورعايتها ملصالح الناس ورفع الحرج‬ ‫ُ‬


‫واعتبار األعراف والعوائد ٌ‬
‫عنهم‪ ،‬وإعمال لروح التشريع‪ ،‬يقول ابن قيم الجوزية في إعالم املوقعين‪" :‬ويعد تغير الفتوى‬
‫بحسب األمكنة واألحوال والعوائد معنى عظيم النفع ومظهرا من مظاهر التخفيف ورفع‬

‫(‪ )1‬القرافي‪ ،‬أحمد‪ .‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام‪ ،‬اعتناء‪ :‬عبدالفتاح أبوغدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪،‬‬
‫حلب‪-‬سوريا‪ ،‬ط ‪1995 ،2‬م‪.218 ،‬‬
‫(‪ )2‬القرافي‪ ،‬أحمد‪ .‬الفروق أنوار البروق في أنواء الفروق‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل منصور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪1998/‬م‪.322/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الجيدي‪ ،‬عمر‪ .‬العرف والعمل في املذهب املالكي‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬املحمدية‪-‬املغرب‪1404 ،‬ه‪1982 /‬م‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪182‬‬

‫الحرج على الناس‪ ،‬وبسبب الجهل به يقع غلط عظيم على الشريعة يوجب من الحرج واملشقة‬
‫‪1‬‬
‫والتكليف ما ال سبيل إليه‪ ،‬ال�ضئ الذي يتنافى والشريعة التي هي في أعلى رتب املصالح"‪.‬‬
‫ومن أمهات قواعد إعمال العوائد واألعراف املبثوثة في كتب فقه العمليات‪،‬‬
‫قاعدة‪( :‬العادة محكمة أو العادة معتبرة)‪ .‬هذه القاعدة من القواعد الخمس الكبرى التي‬
‫فروع الفقه تنحصر فيها‪.‬‬
‫ومن القواعد املتفرعة على هذه القاعدة والتي ُ‬
‫نجدها كثيرا في كتب العمليات‪ ،‬وهي بألفاظ‬
‫أخرى‪ ،‬منها قولهم‪:‬‬
‫قاعدة‪( :‬األحكام املرتبة على العوائد تدور معها كيف ما دارت وتبطل معها إذا بطلت)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬األحكام املرتبة على العوائد تتبع العوائد وتتغير عند تغيرها)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬انتقال العوائد يوجب انتقال األحكام)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬ال ينكر تغير األحكام بتغير األزمان)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد‪ ،‬يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما‬
‫تقتضيه العادة املتجددة)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬أحكام األقضية والفتوى تتبع عوائد الزمان وأهلها)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬اعتبار العرف في الحكم والفتيا في كل أمر مدركه العادة‪ ،‬فإن الحكم فيه يتغير‬
‫بتغيرها)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬انتقال العوائد يوجب انتقال األحكام)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬التعيين بالعرف كالتعيين بالنص)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬الثابت عادة كالثابت نصا)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬املعروف عرفا كاملشروط شرطا)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن قيم الجوزي‪ ،‬أبو عبد هللا شمس الدين محمد‪ .‬إعالم املوقعين‪.13/3 ،‬‬
‫‪183‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫قاعدة‪( :‬العرف والغالب يخصص العام ويقيد املطلق)‪.‬‬


‫قاعدة‪( :‬املسمى العرفي مقدم على املسمى اللغوي)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬العرف القولي مخصص للعموم اللفظي)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬يحمل مقت�ضى اللفظ على العرف والعادة)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬من له عرف وعادة في لفظ إنما يحمل لفظه على عرفه)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬كل من له عرف يحمل كالمه على عرفه)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬اإلذن العرفي كاإلذن اللفظي)‪.‬‬

‫‪ - 2‬قواعد إعمال القصود والنيات في العقود والمعامالت المالية (فقه‬


‫المقاصد والنيات)‬

‫تعتبر القواعد التي تنص على إعمال القصود والنيات في العقود واملعامالت املالية من‬
‫أهم القواعد التي استند إليها علماء مالكية املغرب في تعليالتهم لألحكام املقررة في النوازل‬
‫املالية‪ .‬ومن أهم قواعد إعمال القصود والنيات املقررة في باب العقود واملعامالت املالية‪:‬‬

‫قاعدة‪( :‬األمور تبع لمقاصدها أو األمور بمقاصدها)‪.‬‬

‫وهي من القواعد الخمس املتفق عليها بين فقهاء املذاهب السنية الكبرى‪ ،‬تستند إلى لفظ‬
‫الحديث (إنما األعمال بالنيات)‪ .‬وتندرج تحتها مجموعة من القواعد املقررة في فقه العلميات‪،‬‬
‫من أهمها‪:‬‬

‫قاعدة‪( :‬العبرة في العقود للمقاصد والمعاني ال لأللفاظ والمباني)‪.‬‬

‫تقت�ضي القاعدة بأن يوافق اللفظ ملقصد ونية وعرف املتعاقدين‪ ،‬فإذا لم يكن األمر‬
‫كذلك بأن خالفت ألفاظ العقود ملا يقصده أحد املتعاقدين فال عبرة بها‪ .‬ذكر ابن الشاط‪":‬ال‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪184‬‬

‫تترتب األحكام الشرعية في العبادات واملعامالت إال على النيات واملقاصد"‪ 1.‬واملقاصد تشمل‬
‫أعراف وعادة الناس "املرادة في اصطالح تخاطبهم‪ ،‬فإنها معتبرة في تعيين جهة العقود‪ ،‬فقد‬
‫‪2‬‬
‫صرح الفقهاء بأنه يحمل كالم كل إنسان على لغته وعرفه وإن خالفت لغة الشرع وعرفه"‪.‬‬
‫فت ْج ِني عليه وعلى الشريعة‪،‬‬‫يقول ابن القيم‪" :‬وإياك أن ُتهمل قصد املتكلم ونيته وعرفه‪َ ،‬‬
‫ُْ‬
‫واملقر والناذر والعاقد ما لم ُيلزمه هللا ورسوله به‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وتنسب إليها ما هي بريئة منه‪ ،‬وتل ِز َم الحالف‬
‫دت‪ ،‬ونصف الفقيه يقول‪ :‬ما قلت"‪ .3‬وهكذا فإن النيات واملقاصد‬ ‫ففقيه النفس يقول‪ :‬ما أ َ‬
‫ر‬
‫يؤثران في صحة العقود واملعامالت املالية وفساده‪.‬‬
‫من القواعد األخرى في الفقه العملي‪ ،‬قولهم‪:‬‬
‫قاعدة‪( :‬إذا اجتمع القصد والداللة القولية أو الفعلية ترتب الحكم)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬االعتبار في العقود واألفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬االعتبار في العقود بنيات أصحابها ومقاصدهم وإن خالفت ظواهر ألفاظهم)‪.‬‬

‫‪ - 3‬قواعد إعمال المصالح والمقاصد الحاجية ودفع المفاسد وتقليلها‬

‫من أهم القواعد املثبتة في الفقه العملي‪ ،‬القواعد التي تراعي املصالح الحاجية للناس‬
‫ومقاصد الشريعة‪ .‬واملصالح الحاجية يحتاجها الناس النتظام أمرهم وتسهيل حياتهم من‬
‫حيث التوسعة ورفع الضيق والحرج؛ وهي حجة عند فقهاء املالكية‪ .‬قال اإلمام الشاطبي‪:‬‬
‫َ‬
‫"وأما الحاجيات‪ ،‬فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق املؤدي في الغالب‬
‫ُ‬
‫الحرج واملشقة‪،‬‬ ‫اع دخل على املكلفين‬‫إلى الحرج واملشقة الالحقة بفوت املطلوب‪ ،‬فإذا لم ُت َر َ‬
‫ولكنه ال يبلغ مبلغ الفساد العادي املتوقع في املصالح العامة؛ وهي جارية في العبادات‪،‬‬
‫والعادات‪ ،‬والجنايات؛ وفي املعامالت كالقراض‪ ،‬واملساقاة‪ ،‬والسلم‪ ،‬وإلغاء التوابع في العقد‬

‫(‪ )1‬ابن الشاط‪ ،‬أحمد‪ .‬إدرار الشروق على أنواء الفروق‪ ،‬مطبوع بهامش الفروق للقرافي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.253/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬الزرقاء‪ ،‬مصطفى‪ .‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬اعتناء‪ :‬مصطفى الزرقا‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪1409 ،2‬ه‪1989/‬م‪،‬‬
‫ص ‪.55‬‬
‫(‪ )3‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬أبو عبد هللا شمس الدين محمد‪ .‬إعالم املوقعين ‪.54-53/3‬‬
‫‪185‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫على املتبوعات؛ كثمرة الشجر‪ ،‬ومال العبد‪ 1"...‬وفي شأن األخذ بقاعدة املصلحة في املعامالت‬
‫املالية نجد في فقه العمليات قواعد تنص على ذلك‪ ،‬منها قولهم‪:‬‬
‫قاعدة‪( :‬الفتوى تدور مع املصلحة حيث دارت)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬مراعاة املصلحة الكلية الحاجية)‪.‬‬
‫ومن القواعد املقررة في باب املصالح واملقاصد الحاجية في كتب الفقه العملي قواعد‬
‫الضرورة‪ ،‬من أمهاتها‪:‬‬
‫قاعدة (ال ضرر وال ضرار) أهم قاعدة في هذا الباب‪ ،‬وهي من القواعد الفقهية الخمس‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأ ْد ِر َج تحتها قواعد أخرى ال تقل أهمية؛ منها‪:‬‬
‫قاعدة‪( :‬الضرر يزال)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬الضرورة تقدر بقدرها)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬الضرر ال يزال بالضرر)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬الضرورات تبيح املحظورات)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬الضرر يدفع بقدر اإلمكان)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬األصل في املنافع اإلذن وفي املضار املنع)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬يعامل املضار بنقيض قصده)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬درء املفاسد مقدم على جلب املصالح)‪.‬‬
‫ويندرج أيضا تحت هذه املجموعة قواعد الغرر اليسير‪ ،‬وكتب الفقه العملي مشحونة‬
‫بالفتاوى املبنية عليها؛ أهمها‪:‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن مو�ضى بن محمد اللخمي‪ .‬املوافقات في أصول الشريعة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪1425 ،1‬ه‪2004/‬م‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪186‬‬

‫قاعدة‪( :‬الغرر اليسير مغتفر)‪.‬‬


‫قاعدة‪( :‬ما ال يمكن االحتراز عنه فهو عفو)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬كثير الغرر يبطل العقود‪ ،‬ويسيره معفو عنه)‪.‬‬
‫قاعدة‪( :‬الغرر الكثير يفسد العقود دون يسيره)‪.‬‬
‫ويندرج أيضا في قواعد املصالح واملقاصد الحاجية‪:‬‬
‫قاعدة سد الذرائع‪،‬‬
‫وقاعدة‪ :‬األصل بقاء ما كان على ما كان (االستصحاب)‪،‬‬
‫واالستحسان‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا لننتقل إلى الجانب التطبيقي لهاته القواعد في النقطة املوالية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نماذج تطبيقية مختارة من فقه العمليات في نوازل المعامالت‬
‫المالية‬

‫ليس القصد هنا االستقراء التام لتطبيقات هاته القواعد وإنما التمثيل دون توسع ببيان؛‬
‫ألن تطبيقاتها في الفقه العملي كثيرة جدا ال يمكن حصرها في هذه الورقة‪ .‬كما أنني في هذه‬
‫النماذج لن أشتغل بالتفاصيل بل سأذهب مباشرة إلى قول علماء مالكية املغرب األق�ضى في‬
‫املسألة‪.‬‬
‫‪ - 1‬نماذج تطبيقية في باب البيوع‬

‫‪ - 1 - 1‬مثال تطبيقي مبني على إعمال العمل والعرف‬

‫مسألة جواز بيع الدين دون حضور المدين (قلب الرهن)‬

‫ً‬
‫حاضرا وأن‬ ‫لقد جعل املالكية شروطا لجواز بيع الدين والتي منها أن يكون الغريم (املدين)‬
‫يقر به‪ ،‬كما أشار إلى ذلك ابن عاصم في تحفة الحكام بقوله‪:‬‬
‫‪187‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫‪1‬‬
‫الث َم ْن‬ ‫وتعجيل‬
‫ِ‬ ‫بالد ْي ِن‬ ‫َّ‬
‫أقر‬ ‫من‬ ‫ور‬ ‫ْ‬
‫وإنما يجوز مع حض ِ‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أن يكون الدين طعاما‪ ،‬وأن يباع بغير جنسه‪ ،‬وأن ال يقصد بالبيع‬
‫ضرر املديان‪ ،‬وأن يكون الثمن نقدا‪.‬‬
‫وقد نظم هذه الشروط مجموعة العالمة ميارة فقال‪:‬‬
‫مقر ال امترا‬ ‫ّ‬ ‫حضور مديان‬ ‫شروط بيع الدين ستة ترى‬
‫ٍ‬
‫‪2‬‬
‫ثمنه وال ع ـ ـ ـ ــداوة يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد‬ ‫وبيعه بغير جنسه ونق ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫وفائدة اشتراط حضور املدين ‪-‬كما نبه على ذلك السجلما�ضي في شرحه على العمل‬
‫‪3‬‬
‫الفا�ضي‪ -‬ليعلم حاله من غنى أو فقر‪.‬‬
‫لكن أجاز فقهاء مالكية املغرب األق�ضى دون غيرهم جواز بيع الدين دون حضور املدين‬
‫إعماال ملا جرى به العمل والعرف بين الناس في زمنهم في هاته الصورة التي يصطلحون عليها‬
‫بقلب الرهن أو بمسألة شراء الدين‪ .‬وإلى هاته املسألة أشار التسولي في شرحه على التحفة‪:‬‬
‫"جرى العمل ببيع دين الغائب من غير حضوره وال إقراره في املسألة امللقبة عند العامة اليوم‬
‫بقلب الرهن وهي أن يكون بيد إنسان رهن في دين مؤجل فيحتاج إلى دينه قبل األجل فيبيعه‬
‫بما يباع به ولو مع غيبة راهنه‪ ،‬ويحل املشتري للدين محل بائعه في حوز الرهن واملنفعة إن‬
‫‪4‬‬
‫كانت املنفعة جعلت له والبيع للرهن بالتفويض الذي جعل للمرتهن البائع للدين وغير ذلك"‪.‬‬
‫وإلى هذا أشار صاحب العمل الفا�ضي‪:‬‬
‫ما وسموه اآلن بقلب الرهن‬ ‫الدين‬ ‫وشاع من صور بيع‬
‫به يجوز أن يبي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعه كما‬ ‫بما‬ ‫يبيع دينه امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤجل‬
‫نقدا مع الشروط جوز بيعه‬ ‫بسلعة‬ ‫إن كان عينا دينـ ـ ــه‬
‫بائعه في كل ما له حص ـ ـ ــل‬ ‫محل‬ ‫وحل مشتر بذا الدي ــن‬

‫(‪ )1‬التسولي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبدالسالم‪ .‬البهجة على شرح التحفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪2017 ،‬م‪،‬‬
‫‪.78/2‬‬
‫(‪ )2‬ميارة الفا�ضي‪ ،‬محمد‪ .‬شرح ميارة على تحفة الحكام في نكت العقود واألحكام‪ ،‬اعتناء‪ :‬عبد اللطيف حسن‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪2000/‬م‪.520/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬السجلما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي ‪ 100/1‬طبعة حجرية‪1317 .‬ه‪.‬‬
‫(‪ )4‬التسولي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبدالسالم‪ .‬البهجة في شرح التحفة‪.80/2 ،‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪188‬‬

‫ينتق ـ ـ ـ ــل‬ ‫كذاك‬ ‫الدين‬ ‫لبائع‬ ‫ومنفعته‬ ‫رهنه‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ــوز‬ ‫من‬

‫هاته الصورة من املعامالت املالية توضح بشكل جلي كيف أن علماء مالكية املغرب‬
‫األق�ضى خالفوا مشهور املذهب وهو حضور املدين وإقراره وساروا إلى العمل بمقابله ملوجب‬
‫العرف بين الناس في زمنهم في هاته الصورة‪.‬‬

‫‪ .2.1‬نماذج تطبيقية مبنية على إعمال قو اعد المصالح الحاجية ودفع‬


‫المفاسد وتقليلها‬

‫أ ‪ -‬مثال تطبيقي مبني على المصلحة العامة‬

‫مسألة الرد بالعيب في الدواب‬

‫من املعلوم أن العيوب املوجودة في املبيع مطلقا ‪-‬من الدواب أو من غيرها‪ -‬وقت التبايع‬
‫موجبة للرد عند فقهاء املالكية متى تم اكتشافها واالطالع عليها من طرف املشتري دون تحديد‬
‫ّ‬
‫االطالع على عيب من العيوب يجوز القيام به سواء بعد شهر أو‬ ‫بمدة زمنية معينة‪ ،‬فمتى تم ِ‬
‫أكثر‪.‬‬
‫لكن فقهاء املالكية املتأخرين استثنوا من املسألة إذا كان املبيع من الدواب‪ ،‬حيث قرروا‬
‫بأن الدواب ال يردها املشتري بعيب قديم اطلع عليه بعد تمام الشهر ومضيه ابتداء من يوم‬
‫الشراء ولو أثبت قدم العيب بشهادة البياطرة؛ وبهذا جرى العمل بفاس‪ ،‬كما أشار إلى ذلك‬
‫صاحب العمل الفا�ضي‪:‬‬
‫بالعيب ال ترد فافهم النصوص‬ ‫وبعد شهر الدواب بالخصوص‬

‫وعلق عليه شارحه العالمة السجلما�ضي‪" :‬والذي جرى به العمل بفاس أن الدواب ال‬
‫يردها املشتري بعيب يقوم به بعد الشهر من يوم الشراء‪ ،‬ولو أثبت قدمه بشهادة البياطرة على‬
‫‪1‬‬
‫حسب اجتهادهم ودليل معرفتهم"‪.‬‬

‫(‪ )1‬السجلما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي‪ ،110/1 ،‬طبعة حجرية ‪1317‬ه‪.‬‬
‫‪189‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫ومستندهم في ذلك فتوى اإلمام العبدو�ضي كما ذكر غير واحد من العلماء‪ ،‬منهم اإلمام‬
‫سيدي علي بن هارون الذي قال في جواب له‪ :‬فالذي أفتى به شيخ الجماعة سيدي أبو محمد‬
‫عبد هللا العبدو�ضي عدم الرجوع وتلقاه قضاتنا وفقهاؤنا بالقبول لقلة أمان البياطرة والناس‪،‬‬
‫َ‬
‫يشتري الرجل الدابة ويسخرها‪ ،‬وينهكها ويق�ضي بها َوط َره ثم يلطم بها وجه صاحبها وذلك صواب‬
‫إن شاء هللا‪ 1.‬وملا سئل اإلمام القوري على صحة ما نقل عن العبدو�ضي من أنه كان يفتي بعدم‬
‫الرد بعد شهر‪ ،‬أجاب "بأنه كان يفتي بذلك‪ ،‬ووجهه وهللا أعلم‪ ،‬كون الحيوان سريع التغير ال‬
‫‪2‬‬
‫يكاد يبقى على حالة واحدة‪ ،‬وكون البياطرة جهلة قليلي الدين‪ ،‬راعى الشيخ املصلحة العامة"‪.‬‬
‫ووجه املصلحة في جواز املعاملة هو الحفاظ على مصالح الناس من املتالعبين للحفاظ على‬
‫‪3‬‬
‫استقرار املعامالت‪ ،‬وتقليل النزاع ورفع الشغب‪ ،‬وسدا لذريعة احتيال النخاسين‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مثال تطبيقي مبني على قواعد الضرورات ودرء المفاسد‬

‫مسألة نفوذ بيع المضغوط ولزومه‬

‫مما جرى به العمل هو لزوم بيع املضغوط ونفوذه‪ ،‬كما أشار إلى ذلك صاحب العمل‬
‫الفا�ضي بقوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫وط له ُنفوذ ‪---‬‬
‫وبيع مضغ ٍ‬
‫واملضغوط هو املحبوس في مال يبيع متاعه فيه‪ .‬قال ابن هالل‪ :‬املضغوط هو املأخوذ‬
‫بغرم مال قهرا يضيق عليه بشدة وتعذيب؛ وبهذا افترق حكم الجبر على البيع واملضغوط‬
‫شرعا‪ .‬والقول بلزوم بيع املضغوط وإمضائه هو مقابل القول املشهور بغير اللزوم‪ .‬وسبب‬
‫العدول إلى الحكم االستثنائي هو مراعاة لقاعدة‪" :‬يجوز في الضرورة ما ال يجوز في غيرها"‪ ،‬وهي‬
‫هنا ضرورة حفظ النفس‪ ،‬وقاعدة‪" :‬حفظ النفوس مقدم على حفظ األموال"‪ ،‬وقاعدة‪" :‬درء‬
‫املفاسد مقدم على جلب املصالح"‪ ،‬باإلضافة إلى تغير الظروف والبيئة والسياق الذي نزل فيه‬
‫الحكم حيث انتشرت ظاهرة الضغط فكان ال بد من درء مفاسد هذه الظاهرة بالحكم باللزوم‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق ‪.110/1‬‬


‫(‪ )2‬الوزاني‪ ،‬املهدي‪ .‬النوازل الصغرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬لبنان ‪.29/3 ،2014‬‬
‫(‪ )3‬السجلما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي‪.110/1 ،‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪190‬‬

‫وإمضاء البيع‪ .‬قال العالمة ابن رحال املعداني‪" :‬وجرى العمل بم�ضي بيع املضغوط‪ ،‬وهو الذي‬
‫ينبغي العمل به‪ ،‬وهو الذي يليق بأحوال الناس في هذه األزمنة‪ ،‬وإال تعذر فكاك الناس مع‬
‫ََ‬
‫ابتلى بهذا‬ ‫كثرة هذا‪ ،‬بل كما في البرزلي عن السيوري أن في مضيه مصلحة ومعونة ولكن من‬
‫َ‬
‫ف ِهم"‪ 1.‬وذكر ابن هالل‪ :‬أن بم�ضي بيع املضغوط ولزومه أفتى بعض الشيوخ الذين أدركتهم من‬
‫الفاسيين‪ ،‬والتلمسانيين‪ ،‬والغرناطيين رحمهم هللا في قضية نزلت بفاس‪ ،‬وكان شيخنا القوري‬
‫‪2‬‬
‫خالفهم وأفتى باملشهور وأخر عن الفتوى بسبب ذلك‪.‬‬

‫ج ‪ -‬مثاالن تطبيقيان إلعمال قواعد دفع الضرر ودرء المفاسد‬

‫مسألة إلحاق العيب المتوسط بالكثير في األصول‬

‫من األحكام االستثنائية التي جرى بها العمل في املغرب التسوية بين العيب املتوسط‬
‫والعيب الكثير في األصول مثل الدار‪ ،‬أي أن ملشتري األصول الخيار بين رد املبيع أو أن يمسكه‬
‫إذا وجد به عيبا متوسطا مثل صداع في حائط‪ ،‬وليس له الرجوع بقيمة العيب كحكم من اطلع‬
‫على العيب الكثير‪ ،‬وإلى هذا أشار صاحب العمل الفا�ضي‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫لح ْق‬
‫فيما من العيب األصول قد َ‬
‫ِ‬ ‫ِلحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـق‬ ‫َ‬
‫املتو ِ ّس ِط‬ ‫وبالكثير‬
‫ِ‬
‫وبهذا كان يفتي العالمة ابن سودة رحمه هللا‪ ،‬قال العالمة عبدالرحمن الفا�ضي في شرحه‬
‫ملنظومته العمل الفا�ضي‪ :‬وقال شيخنا أبو عبد هللا ابن سودة‪ :‬ليس هذا الحكم عندنا بفاس‬
‫ُّ َ‬
‫‪5‬‬
‫ولكننا نلحق املتوسط بالكثير فال يغتفر إال القليل كالش ْرفات‪ 4‬يجدها متهدمة‪.‬‬
‫أما القول املشهور في املذهب فيق�ضي بأن العيب املتوسط في األصول ال يوجب الرد‬
‫للمشتري‪ ،‬وإنما يوجب له املطالبة بقيمة العيب فقط‪ ،‬كما أشار إلى ذلك املتحف‪:‬‬
‫كالعيب عن صدع جدار بين‬ ‫وإن يك ــن ينقص بعض الثمن‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪.212/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن هالل‪ ،‬ابراهيم‪ .‬الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير‪ .282/1 ،‬طبعة حجرية ‪1318‬ه‪.‬‬
‫(‪ )3‬السلجما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي ‪.112/1‬‬
‫(‪ )4‬هي وحدات هندسية متكررة تحيط بأعلى املباني في العمارة اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )5‬السجلما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي ‪.447‬‬
‫‪191‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫تعينا‬ ‫الذي‬ ‫العيب‬ ‫بقيم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫فاملشتري له الرج ـ ـ ـ ــوع ها هنا‬

‫وسبب العدول عن القول املشهور إلى هذا الحكم االستثنائي هو ما اقتضته املصلحة التي‬
‫تق�ضي بدفع الضرر الذي قد يلحق بالبائع عن طريق التضييق عليه من طرف املشتري‪ ،‬كما‬
‫ذكر املواق‪" :‬ملا صار العيب اليسير يعني املتوسط في الدور ال يلزم الرد به‪ ،‬ويحكم للمبتاع أن‬
‫يرجع بالقيمة‪ ،‬انفتح بسبب هذا باب الترخيص في الدين‪ ،‬تجد الرجل بعد الشراء يفتش عيوبا‬
‫لينحط له بذلك �ضيء من الثمن‪ ،‬مع اغتباطه باملبيع وقد يعطاه ربح فيه"‪ 1.‬فهذا النص يبين‬
‫أنه ملا كان العيب املتوسط في األصول ال يوجب الرد‪ ،‬استغل ذلك قليلوا الديانة فبالغوا في‬
‫التفتيش عن العيوب من أجل الحط من ثمن البيع والتضييق على البائع في املطالبة باألعواض‬
‫عن العيوب‪ ،‬مع رغبتهم في االحتفاظ باملبيع‪ ،‬وهذا ألحق ضررا بالبائع‪ ،‬فتعين إلحاق العيب‬
‫املتوسط بالعيب الكثير سدا لذريعة التضييق على البائع‪ ،‬وقطعا لكل ضرر قد يترتب على‬
‫العمل بالقول املشهور‪.‬‬

‫مسألة بيع الزبل‬

‫القول املشهور في هذه املسألة عدم جواز بيع الزبل بناء على أن من شرط املعقود عليه‬
‫أن يكون طاهرا‪ ،‬يقول الحطاب‪" :‬واعلم أن القول باملنع هو الجاري على أصل املذهب في املنع‬
‫‪4‬‬
‫من بيع النجاسات‪ 2.‬قال العالمة بهرام‪ :‬واملشهور منع بيعه"‪ 3.‬التسولي‪ :‬ممنوعة على املشهور‪.‬‬
‫لكن الذي جرى به العمل في املغرب قضاء وإفتاء هو جواز بيعه للضرورة‪.‬؛ قال صاحب‬
‫وقد جرى عملهم في الزبل على ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواز بيعه للزبل‬ ‫العمل املطلق‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ورخصوا في الزبل للض ـ ـ ـ ــرورة‬ ‫وفي تحفة الحكام‪ :‬ونجس صفقته محظـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬

‫(‪ )1‬املواق‪ ،‬محمد بن يوسف‪ .‬التاج واإلكليل ‪.346-345/6‬‬


‫(‪ )2‬الحطاب الرعيني‪ ،‬محمد‪ .‬مواهب الجلیل في شرح مختصر خليل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ه‪1992/‬م‪.261/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬الدميري‪ ،‬بهرام بن عبد هللا بن عبد العزیز‪ .‬الشامل في فقه اإلمام مالك‪ ،‬تحقیق‪ :‬أحمد بن عبد الكریم نجیب‪،‬‬
‫مركز نجیبویه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1429 ،1‬هـ‪2008/‬م‪.520/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬التسولي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبدالسالم‪ .‬البهجة في شرح التحفة‪.15/ 2 ،‬‬
‫(‪ )5‬املصدر السابق‪.15/ 2 ،‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪192‬‬

‫‪1‬‬
‫وقال الزرقاني‪ :‬وهو الذي به العمل عندنا للضرورة‪.‬‬
‫والسبب الدافع إلى هذا الحكم االستثنائي هو مراعاة املصلحة ألجل الضرورة؛ ألن الناس‬
‫يحتاجونه ألعمالهم اليومية‪ ،‬ومن القواعد أن "الحاجة تنزل منزلة الضرورة"‪ ،‬و"الضرورات‬
‫تبيح املحظورات"‪ ،‬باإلضافة إلى أن ذلك فيه رفع للحرج ودفع للمشقة التي يقتضيها القول‬
‫بمنعه مع أن من القواعد إذا ضاق األمر اتسع‪.‬‬
‫‪ - 2‬نماذج تطبيقية في باب اإلجارة واألكرية وما في معنى ذلك‬

‫أ ‪ -‬مثال تطبيقي مبني على العرف‬

‫‪ -‬تضمين الراعي المشترك‬

‫األصل أن الراعي املشترك أمين ال ضمان عليه جريا على املشهور في املذهب؛ سواء أكان‬
‫مشتركا أم خاصا‪ .‬لكن جرى العمل عند املتأخرين بخالف املشهور‪ ،‬وهو تضمين الراعي املشترك‬
‫استحسانا ومراعاة للعرف واملصلحة والتهمة‪ ،‬ذكر صاحب العمل الفا�ضي أن الضمان مما‬
‫جرى به العمل‪:‬‬
‫ألحقه بالصانع في الغرم تعي‬ ‫ضمان راع غنم الناس رعي‬
‫ومما ُيلحظ في هذه املسألة أن الدافع إلى العدول عن املشهور في املذهب إلى القول‬
‫بتضمينه‪ ،‬هو لحظ املصلحة العامة الكلية‪ ،‬وهي حفظ أموال الناس من التلف‪ ،‬وخصوصا ملا‬
‫َ َّ‬
‫فسدت الذمم وقلت الديانة وانخرمت األمانة في الناس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مثال تطبيقي مبني على المصلحة الكلية الحاجية‬

‫‪ -‬أجرة الدالل في األسواق‬

‫من املسائل التي جرى بها العمل في املغرب أن يعطي الناس سلعتهم للدالل يصيح عليها‬
‫ويشهرها في وقت بيعها املعتاد لها بذلك السوق مثل ما بين الظهر والعصر ونحو ذلك‪ ،‬فإن تم‬
‫البيع استحق األجرة كاملة ولو في أول الوقت وإن لم يبع فال �ضئ له‪ .‬وهذه املعاملة مركبة من‬

‫(‪ )1‬الزرقاني‪ ،‬عبد الباقي بن یوسف بن أحمد بن محمد‪ .‬شرح الزرقاني‪ ،‬على مختصر سیدي خلیل‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمیة‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط ‪1،1422‬هـ ‪2002 /‬م‪ ،‬ج‪ / 5 :‬ص‪.29 :‬‬
‫‪193‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫الجعل من حيث أن السمسار ال يستحق شيئا إال بتمام العمل‪ ،‬واإلجارة من حيث الدخول‬
‫على التأجيل وإن لم يصرحا بذلك‪ .‬وأصول املذهب املالكي تقت�ضي عدم جواز هذه املعاملة‬
‫نظرا ألن الثمن غير معلوم وكذلك العمل‪ .‬وقد روعي في جواز هذه املعاملة الضرورة التي تعد‬
‫من القواعد املرعية في املذهب‪.‬‬
‫يقول صاحب العمل الفا�ضي‪:‬‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫الج َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالة‬ ‫مع‬ ‫األ ْج َر ِة‬ ‫من‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداللة‬ ‫أجرة‬ ‫و ُر ِك َب ْت‬

‫ج ‪ -‬مثال تطبيقي مبني على قواعد الغرر اليسير مغتفر والمصلحة الكلية‬
‫الحاجية‬

‫‪ -‬مسألة خلط الزيتون عند العصر في المعصرة وخلط األلبان‬

‫األصل في هذه املسألة املنع ملا فيها من الغرر واملزابنة الختالف الزيتون في قدر ما يخرج منه‬
‫من الزيت‪ ،‬إذ ال يدرى من قبض من الشركاء مثل حقه أو أقل أو أكثر وذلك ربا‪ ،‬ولكن استثني‬
‫من هذا األصل هذه املسألة لضرورة احتياج الناس إلى ذلك مراعاة للمصلحة الكلية الحاجية‬
‫التي ال غنى للناس عنها‪ .‬قال صاحب العمليات الفاسية‪:‬‬
‫للتحري‬ ‫بالنسبة‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيت‬ ‫والخلط للزيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون عند العصر‬
‫الحاجات‬ ‫لرخصة الكلي ذي‬ ‫ومثلها جبن اللب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان آت‬

‫ويلحق بهذه املسألة ما جرى عليه العمل باشتراك الناس في اللبن الستخراج الجبن كما بين‬
‫الناظم رحمه هللا‪ .‬ذكر صاحب املعيار أن ابن سراج سئل عن الرجلين يشتركان في عقد اللبن‬
‫جبنا ويقتسمانه‪ ،‬فأجاب بقوله‪" :‬املسألة تجري على الخالف في خلط الجلجالن والزيتون في‬
‫املعصرة‪ ،‬والذي يترجح وهللا أعلم جوازها للحاجة‪ ،‬ويقسم الجبن على حسبه"‪ 1.‬ويدخل في هذا‬
‫الباب أيضا مسألة اشتراك األقارب والجيران والرفقاء في عجن الخبز وطبخ اللحم ثم يقتسمون‬
‫ذلك أو يأكلونه من دون اقتسام بينهم‪ .‬فهذه املسألة وإن كان األصل فيها عدم الجواز ملا في ذلك‬
‫من الغرر واملزابنة فإن العلماء قد أجازوا مثل ذلك "في طعام ُّ‬
‫الرفقاء واألقارب والجيران إذا‬

‫(‪ )1‬الونشري�ضي‪ ،‬أحمد‪ .‬املعيار املعرب ‪.274/4‬‬


‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪194‬‬

‫جمعوا أطعمتهم في العجن والطبخ وغيرهما بقصد اإلعانة واالرتفاق في رفع مؤن االشتغال أو‬
‫شبه ذلك؛ ألن جمعه تسهيل وتيسير وتعاون ال يقصد بمثله الربا وال املزابنة‪ ،‬فصح أن يغتفر‬
‫‪1‬‬
‫الغرر أو الربا اليسيرين"‪.‬‬
‫وحاصل املسألة أن علماء مالكية املغرب األق�ضى خالفوا األصل في هذه املسائل وهو املنع‬
‫مراعاة ألصل الضرورة ومراعاة للمصلحة الكلية الحاجية؛ ولذا قال صاحب العمل الفا�ضي‪:‬‬
‫"لرخصة الكلي ذي الحاجات"‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬خاتمة‬

‫بعد الدراسة النظرية والتطبيقية ملوضوع القواعد الفقهية املؤطرة للمعامالت املالية لدى‬
‫ُ‬
‫علماء املغرب ‪-‬نماذج مختارة من فقه العمليات (امل ْج َرَيات) املغربي‪ -‬أسجل في هذه الخاتمة‬
‫أبرز النتائج املتوصل إليها في هذا املقال‪:‬‬
‫اعتناء علماء مالكية املغرب األق�ضى بالوقائع املعاصرة التي كانت تحدث في مجتمعهم‪،‬‬
‫وبأمور الناس العملية‪.‬‬
‫قدرة علماء املغرب على طرح التجديد الفقهي في املعامالت املالية املبني على التجديد في‬
‫أثر القواعد الفقهية التي صاغوا فيها املقاصد الشرعية مثل العرف واملصلحة العامة‪.‬‬
‫تميزهم بقوة العلم ودقة التحقيق في مجال االجتهاد املذهبي‪.‬‬
‫انفراد علماء املغرب األق�ضى بما يسمى بفقه العمليات املبني على االجتهاد املصلحي‬
‫بالعرف وما جرى به العمل‪.‬‬
‫معرفتهم الكبيرة بأهمية فقه الوقائع في عملية االجتهاد‪ ،‬وموازنتهم بين املصالح واملفاسد‪،‬‬
‫ومراعاتهم للمقاصد أثناء تطبيق األحكام الشرعية‪.‬‬
‫التفاتهم إلى أعراف الناس املستقرة‪ ،‬وعادتهم الجارية عند تنزيل األحكام الشرعية التي‬
‫يكون مبناها على أساس العرف والعمل‪.‬‬

‫(‪ )1‬السجلما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي ‪.149/1‬‬


‫‪195‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫وفرة القواعد الفقهية في فقه العمليات املغربي الضابطة للمعامالت املالية‪ ،‬والتي ال زالت‬
‫في حاجة إلى استخراج ودراسة نظرية وتطبيقية‪.‬‬
‫أمهات القواعد الفقهية املعتمدة في باب املعامالت املالية عند علماء مالكية املغرب في‬
‫فقه العمليات هي‪ :‬قاعدة العادة محكمة أو العادة معتبرة‪ ،‬وقاعدة األمور بمقاصدها‪ ،‬وال‬
‫ضرر وال ضرار‪ ،‬وقاعدة الضرورات تبيح املحظورات‪ ،‬وقاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة‪،‬‬
‫وقاعدة املصلحة الكلية الحاجية‪ ،‬وقاعدة سد الذرائع واالستحسان‪ ،‬وقاعدة الغرر اليسير‬
‫معفو عنه‪.‬‬
‫ضرورة استيعاب هاته القواعد الفقهية استيعابا مقاصديا‪ ،‬وحسن تنزيلها على واقعنا‬
‫املعاصر املليء بالنوازل واملستجدات الطارئة في املعامالت املالية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‬

‫ابن الشاط‪ ،‬أحمد‪ .‬إدرار الشروق على أنواء الفروق‪ ،‬مطبوع بهامش الفروق للقرافي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد‪ .‬إعالم املوقعين عن رب العاملين‪ ،‬اعتناء‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن‬
‫حسن‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ط ‪1463 ،1‬ه‪.‬‬
‫ابن رحال املعداني‪ ،‬الحسن‪ .‬كشف القناع عن تضمين الصناع‪ ،‬تحقیق‪ :‬محمد أبو‬
‫األجفان‪ ،‬الدار التونسیة للنشر تونس‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬جمال الدين‪ .‬لسان العرب‪ ،‬مادة قعد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1414 ،3‬هـ‪.‬‬
‫ابن هالل‪ ،‬إبراهيم‪ .‬الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير‪ ،‬طبعة حجرية ‪1318‬ه‪.‬‬
‫الزرقاء الحلبي‪ ،‬مصطفى‪ .‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪1425‬ه‪1989/‬م‪.‬‬
‫أحمد‪ ،‬شهاب الدين الحموي الحنفي‪ .‬غمز عيون البصائر شرح كتاب األشباه والنظائر‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ‪1985/‬م‪.‬‬
‫دراسات فقهية يف قضايا المعامالت التجارية والمالية المعاصرة‬ ‫‪196‬‬

‫بن بيه‪ ،‬عبدهللا‪ .‬صناعة الفتوى وفقه األقليات‪ ،‬منشورات الرابطة املحمدية‪،‬‬
‫‪1433‬هـ‪2112/‬م‪.‬‬
‫التاودي‪ ،‬محمد‪ .‬هامش البهجة في شرح التحفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‬
‫‪1418 ،1‬ه‪1998/‬م‪.‬‬
‫التسولي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبد السالم‪ .‬البهجة على شرح التحفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫التسولي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبد السالم‪ .‬البهجة في شرح التحفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪1418 ،1‬ه‪1998/‬م‪.‬‬
‫الجيدي‪ ،‬عمر‪ .‬العرف والعمل في املذهب املالكي‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬املحمدية‪-‬املغرب‪،‬‬
‫‪1404‬ه‪1982 /‬م‪.‬‬
‫الحجوي‪ ،‬محمد‪ .‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط ‪1419 ،1‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫الحطاب الرعيني‪ ،‬محمد‪ .‬مواهب الجلیل في شرح مختصر خليل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1412‬ه‪1992/‬م‪.‬‬
‫الدسوقي‪ ،‬محمد بن أحمد بن عرفة‪ .‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬و د‪.‬ت‪.‬‬
‫الدميري‪ ،‬بهرام بن عبد هللا بن عبد العزیز‪ .‬الشامل في فقه اإلمام مالك‪ ،‬تحقیق‪ :‬أحمد‬
‫بن عبد الكریم نجیب‪ ،‬مركز نجیبویه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1429 ،1‬هـ‪2008/‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلسالمي من خالل كتاب اإلشرا ف على مسائل الخالف‬ ‫الروكي‪ ،‬محمد‪ .‬قواعد الفقه‬
‫للقا�ضي عبد ّ‬
‫الوهاب البغدادي‪ ،‬دار القلم – دمشق‪ ،‬مجمع الفقه اإلسالمي – جدة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1419‬ه‪1998/‬م‪.‬‬
‫الروكي‪ ،‬محمد‪ .‬نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختالف الفقهاء‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانيةبالرباط‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪1414 ،1‬ه‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم‬

‫الزرقاء‪ ،‬مصطفى‪ .‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬اعتناء‪ :‬مصطفى الزرقا‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ط ‪1409 ،2‬ه‪1989/‬م‪.‬‬
‫السجلما�ضي‪ ،‬أبو القاسم محمد‪ .‬شرح العمل الفا�ضي‪ ،‬طبعة حجرية‪1317 .‬ه‪.‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم‪ .‬املوافقات في أصول الشريعة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪.2005 ،1‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم‪ .‬املوافقات في أصول الشريعة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪1425 ،1‬ه‪2004/‬م‪.‬‬
‫الس ُعود‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الشنقيطي‪ ،‬عبدهللا بن إبراهيم العلوي‪ .،‬نشر البنود على مراقي ّ‬

‫الزرقاني‪ ،‬عبد الباقي‪ .‬شرح الزرقاني على مختصر سیدي خلیل‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪،‬‬
‫بيروت لبنان‪ ،‬ط ‪1،1422‬هـ‪2002/‬م‪.‬‬
‫القرافي‪ ،‬أحمد‪ .‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام‪ ،‬اعتناء‪ :‬عبدالفتاح أبوغدة‪ ،‬مكتب‬
‫املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪-‬سوريا‪ ،‬ط ‪1995 ،2‬م‪.‬‬
‫القرافي‪ ،‬أحمد‪ .‬الفروق أنوار البروق في أنواء الفروق‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل منصور‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬د‪.‬ط‪1418 ،‬هـ‪1998/‬م‪.‬‬
‫ميارة الفا�ضي‪ ،‬محمد‪ .‬شرح ميارة على تحفة الحكام في نكت العقود واألحكام‪ ،‬اعتناء‪:‬‬
‫عبد اللطيف حسن عبدالرحمن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬
‫الوزاني‪ ،‬املهدي‪ .‬النوازل الصغرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬لبنان ‪.2014‬‬
‫الوالتي يحيى‪ ،‬محمد‪ .‬إيصال السالك في أصول اإلمام مالك‪ ،‬اعتناء‪ :‬عبدالكريم قبول‪،‬‬
‫دار الرشاد الحديثة‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪.2006 ،2‬‬
‫الونشري�ضي‪ ،‬أحمد‪ .‬املعيار املعرب والجامع املغرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عثمان‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط ‪2011 ،1‬م‪.‬‬
198
‫‪473‬‬

‫المحتويات‬
‫تقديم‪7 .......................................................................................:‬‬
‫المحور األول‪ :‬دراسات يف نظام العقود يف اإلسالم ‪11 ...........................................‬‬
‫مفهوم نظام العقود يف اإلسالم‪ :‬عقد البيع أنموذجا ‪ -‬العاقل المودن ‪ -‬المغرب‪13 ..............‬‬
‫القواعد الناظمة للمعامالت المالية من خالل كتاب المقدمات الممهدات البن رشد الجد ‪ -‬رضوان‬
‫العمراين ـ المغرب ‪29 ..........................................................................‬‬
‫الضوابط الفقهية المنظمة للعمل الوقفي‪ -‬د‪ .‬مصطفى بوهبوه ‪ -‬المغرب‪55 ....................‬‬
‫" مقاصد الشرع يف النهي عن البيوع الفاسدة وتطبيقاهتا الفقهية" ‪ -‬د‪.‬حميد رمضان الصغير ‪ -‬المغرب‬
‫‪79 ............................................................................................‬‬
‫المعقود عليه يف الفقه اإلسالمي‪ -‬د‪ .‬محمد جعواين ـ المغرب‪113 ...............................‬‬
‫القواعد الفقهية الحاكمة للمعامالت المالية لدى علماء المغرب ‪-‬نماذج مختارة من فقه العمليات‬
‫ات) المغربي‪-‬د‪ .‬بدرالدين الزيتي ‪ -‬المغرب ‪173 ......................................‬‬ ‫(الم ْج َر َي ْ‬
‫ُ‬
‫القرض الحسن وأثره االجتماعي التكافلي من منظور عالل الفاسي رحمه اهلل ‪ -‬الدكتور الميلود‬
‫بنحميمي ‪ -‬المغرب‪199 ........................................................................‬‬
‫تنبيه األمة على حكم زكاة السهمة تأليف الشيخ سيدي محمد الراضي بن إدريس الكناين (ت ‪1385‬‬
‫هـ)‪ -‬إبراهيم بنقدور ‪ -‬المغرب ‪219 ............................................................‬‬
‫المحور الثاين‪ :‬قضايا تطبيقية يف المعامالت التجارية والمالية المعاصرة ‪239 .....................‬‬
‫بعض المعامالت المستثناة من اإلجارة المجهولة‪ :‬دراسة فقه ّية أصول ّية ‪ -‬د‪ .‬عبد الحميد الراقي‪-‬‬
‫أبوظبي ‪241 .....................................................................................‬‬
‫قاعدة‪" :‬لألجل حصة من الثمن" وتطبيقاهتا يف البنوك التشاركية المغربية‪ :‬بيع المرابحة أنموذجا‪-.‬د‪:‬‬
‫محمد أيت دخيل ـ المغرب ‪257 ................................................................‬‬
‫أثر تنزيل بيع االستجرار يف الخدمات الدفعية والمالية‪-‬الدكتور كريم البزور ـ المغرب‪283 .......‬‬
‫'مفهوم البدائل الشرعية يف المعامالت المالية معاملتا البيع عرب الوسائل الحديثة ودارت أنموذجا'‬
‫‪-‬يوسف باقوشي ـ المغرب ‪307 ................................................................‬‬
‫االجتهاد التنزيلي وتطبيقاته يف المعامالت المالية المعاصرة (( بيع المرابحة واإلجارة المنتهية بالتمليك‬
‫نموذجين)) ‪ -‬د‪.‬عبد الحليم محمد أيت أمجوض ‪ -‬المغرب ‪331 ...............................‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬قضايا يف الخدمات المصرفية والعقود التمويلية‪365 .............................‬‬
‫التمويل اإلسالمي؛ ضوابط شرعية ومعايير مالية ‪ -‬اقتصادية ‪ -‬الدكتور أحمد اإلدريسي ‪ -‬المغرب‬
‫‪367 ............................................................................................‬‬
‫الصكوك المالية المعاصرة األحكام والضوابط الشرعية ‪-‬الباحث توفيق الفناين ‪ -‬المغرب‪387‬‬
‫مسؤولية البنوك التشاركية يف تمويل منافع الخدمات‪ - .‬حميد خالد ‪-‬المغرب ‪411 ..............‬‬
‫آليات الحكامة الجيدة للبنوك التشاركية ‪ -‬محمد أجرد ‪ -‬المغرب ‪439 ..........................‬‬
474

You might also like