Professional Documents
Culture Documents
The Development of the Architectural Decorative Art in Algeria During The Ottoman era " Constantine' Mosques as a Model" ولفآ يعماجلا زكرملا ، رئازجلا ،
The Development of the Architectural Decorative Art in Algeria During The Ottoman era " Constantine' Mosques as a Model" ولفآ يعماجلا زكرملا ، رئازجلا ،
:الملخص
يهدف هذا البحث إلى رصد أهم مظاهر التطور الفني الزخرفي الذي شهدته الجزائر
لما حملته هذه الفترة من مستجدات على األصعدة السياسية،خالل العهد العثماني
ومن خالل،واالقتصادية واالجتماعية وانعكاس واضح على الجانب الثقافي والفنون والعمارة
تتضح أهم معالم هذا التطور المتعلقة أساسا-مساجد مدينة قسنطينة- النماذج المختارة
إلى،بوفود بعض الطرز والتقنيات الزخرفية األجنبية التي لم تكن تعرفها الجزائر من قبل
جانب استمرار بعض التقاليد المحلية التي كانت معروفة في الفن المغربي قبل العهد
. وبدرجة أقل نسجل بعض مظاهر االبتكار،العثماني
. التطور، العهد العثماني، قسنطينة، المسجد، الفنون الزخرفية:الكلمات المفتاحية
Abstract:
The present research aims to shed light on the most important
manifestations of the decorative art development in Algeria during the Ottoman
era, which reflected on all aspects: political, economic and social, and a clear
reflection on the cultural side, arts and architecture fileds.
And through the selected models - The mosques in the city of Constantine –
The most important features of this development are mainly related to the
existence of some foreign styles and decorative techniques, which were not
known before, as well as the continuation of some local traditions that were
known before the Ottoman Empire, and to a lesser extent, we record some
manifestations of innovation.
Keywords: Decorative Art; Mosque; Constantine; Ottoman Period;
Development.
___________________________________
.1مقدمة:
بالتزامن والتحول السياسي واإلداري الكبير الذي عرفته الجزائر بانضمامها للسلطان
العثماني خالل القرن (00م) ،عرفت أيضا تحوالت عميقة في مختلف المجاالت :اجتماعيا
اقتصاديا وثقافيا ،وقد شهدت العمارة والفنون حظها من هذا التحول ،إذ أن المستجدات على
األوضاع السابقة واالنفتاح الذي كانت تعيشه الجزائر قد أدى إلى دخول مجموعة من
التأثيرات الثقافية والفنية ،وهو ما يمكن رصده في المخلفات المعمارية العائدة لهذه الفترة
ومقارنتها مع ما كان سائدا في المغرب األوسط –أي الجزائر-قبل العهد العثماني.
تعد مدينة قسنطينة عاصمة "بايلك الشرق" أحد أهم المدن الجزائرية خالل العهد
العثماني ،والتي ال نكاد نجزم بتاريخ التواجد التركي الفعلي بها ،والغالب أنه كان في النصف
الثاني من القرن (00م) ،وقد عرفت المدينة خالل هذا العهد ما يمكن وصفه بعملية تطوير
عمراني باعتبار أن جزءا كبي ار من معالم المدينة كان قائما من قبل كما يشهد عليه "الجامع
الكبير" العائد للفترة الحمادية (0ه00/م) ،وقد بلغ هذا التطوير أوجه في عهد صالح باي
(0070-0010ه0020-0000/م) ،ومن أهم معالم هذه المرحلة نجد :مجمع الكتاني المكون
من جامع ومدرسة ،والجامع األخضر ،وجامع سوق الغزل ،باإلضافة إلى القصر الذي بناه
آخر دايات قسنطينة أحمد باي (0000-0020ه0121-0100/م).
وبالنظر للحركة العمرانية التي عرفتها المدينة وبالنظر لكون المساجد أكثر المعالم
التي حظيت باالهتمام ،حيث اجتهد مؤسسوها في تشييدها وزخرفتها ،وبالنظر أيضا لما
ظلت تحظى به من عناية وتقديس تتضح أهمية هذا الموضوع ،إذ أن هذه المساجد تعد
نموذجا يعكس بصدق أكبر حال األوضاع المعمارية والفنية بالجزائر خالل العهد العثماني
وما استجد عليها وما استمر فيها من تقاليد مغربية سابقة ،وبالتالي رصد مظهر من مظاهر
التعبير الثقافي والجمالي والذوق العام الذي طبع الجزائر خالل العهد العثماني ،وذلك انطالقا
522
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
من اإلشكالية التالية :ما هي أهم سمات فن الزخرفة العمائرية بالجزائر خالل العهد العثماني
التي تظهر في مساجد مدينة قسنطينة؟
ويهدف هذا البحث باإلضافة إلى اإلجابة على اإلشكالية السابقة إلى رصد وتحليل
المواضيع الزخرفية وعناصرها وتصنيفها إلى المحلية واألجنبية الوافدة والمبتكرة ،معتمدين في
ذلك على مالحظاتنا الميدانية التي سجلناها من زياراتنا لهذه المساجد ومقارنتها بما كان
دارجا في الفترات السابقة ،وهو ما يدخل في مجال تخصصنا البحثي األكاديمي في العمارة
والفن العثماني بالجزائر.
الزخرفة اإلسالمية:
.2تطور ّ
تعرف الزخرفة عند الكثير من مؤرخي الفن وعلى رأسهم المستشرقين على أنها( :ذلك
العنصر الفني الذي يضاف إلى اإلنتاج أو يدخل عليه ألغراض التجميل) ، 0فرغم أنها عادة
ما تتماشى والطرز أو الموضوعات التي تنتمي إليها المنتجات الفنية أو المعمارية باعتبارها
أحد وجوهها إال أنها ال تعد عنص ار جوهريا منها أو من غرضها واستخداماتها ،وعليه فهي
تتخذ ألهداف تجميلية ال أكثر.
غير أن هذا التعريف قد ال ينطبق تماما على الزخرفة في الفن اإلسالمي ،على
اعتبار أن هذه األخيرة لم تكن مجرد إضافة كمالية لغرض إشباع الرغبات والقضاء على
الفراغ ،بل تعدت ذلك بما لها من مغاز وأهداف ،كالتذكير بالتوحيد والتعبير وتغيير مظهر
المادة الطبيعية ،باإلضافة إلى األهداف الجمالية التي تشترك فيها الزخرفة اإلسالمية مع
الفنون الزخرفية األخرى ،0فكثي ار ما جسد الفنان المسلم تحفه البالغة الجمال على خامات
رخيصة في الوقت الذي كان بإمكانه استخدام المواد الثمينة ،0ويعتبر فن الزخرفة اإلسالمي
فنا تطبيقيا يشمل جميع المجاالت والمنتجات بما فيها العمارة ،وينفذ على مختلف الخامات
523
د.توامة نعناعة
وهو ما يثبت براعة الفنان المسلم في التعامل واستغالل المادة على أحسن وجه واعطائها
خصائص جمالية جديدة.
تقوم الزخرفة اإلسالمية في عمومها على العناصر النباتية والهندسية والكتابية العربية
وأحيانا نجد العناصر اآلدمية والحيوانية المحورة عن طبيعتها ،حيث يتجنب الفنان المسلم
التماثيل وتصوير الكائنات الحية على طبيعتها تماشيا وتعاليم الشريعة اإلسالمية ،كما أنها
زخرفة تنبذ الفراغ وتسعى لشغله ،ويمكن القول إنه على الرغم من وضوح مظاهر التطور
والتنوع في الفنون الزخرفية اإلسالمية في األقطار والفترات المختلفة فإنها في الوقت نفسه
تعد ذات معالم موحدة ،إذ أنه من الس هل جدا التعرف على أي معلم أو طراز من طرز الفن
اإلسالمي.
وبالتفصيل في تطور الزخرفة اإلسالمية فيمكن التأكيد على أنها ومنذ ظهورها دخلت
في ديناميكية تطور مستمرة ،وهو ما يمكن رصده مع كل كيان سياسي وفي كل حيز
جغرافي أو كرونولوجي أو عرقي ،بداية بالعهد "األموي" أين كان التأثر الواضح بالفنون
"الهلنستية" و"الرومانية" ،واستخدام العناصر الهندسية الشبكية والمجدولة جنبا إلى جنب مع
عناصر "األكانتس" Acanthusوالمراوح النخيلية وأوراق العنب ،وخالل العهد "العباسي"
تمايزت واتضحت شخصية الفن اإلسالمي في "طرز سامراء الثالثة" التي انتشرت في كل
أنحاء العالم اإلسالمي ،2حيث انطالقا من هذه األسس وانطالقا من اإلرث المحلي الذي
تمتلكه كل منطقة عرفت كل األقاليم اإلسالمية خصوصيتها في مجال الزخرفة من دون أن
تفقد ارتباطها ودالالتها التي توحدها مع بقية الفنون الزخرفية اإلسالمية.
بالوصول إلى العهد العثماني فقد تميزت الزخرفة في البداية باستمرارية للتقاليد
السلجوقية ،ثم أخذت تبتعد رويدا رويدا عن هذه األخيرة جانحة إلى المملكة النباتية وتحديدا
524
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
الزهرية القادمة من "الشرق األقصى" و"إيران" ،لتتحول الزخارف النباتية إلى طابع مميز
للزخرفة العثمانية ،0التي ظلت تتغذى من مصادر أخرى إضافة إلى موروث القبائل
"التركمانية" الخاص ،فنجد تأثيرات "بيزنطية" أو أوروبية بعد فتح "القسطنطينية" (0200م)،
وكذلك "مصرية" و"أندلسية-مغربية" قادمة من "تونس" و"الجزائر" و"ليبيا" ،وقد تم جمع كل
هذه المؤثرات واعادة إخراجها في صورة تجسد طراز الفن الزخرفي العثماني الذي سيعاد
تصديره لمختلف الواليات.
بالحديث عن الزخرفة العمائرية فمن الواضح التفوق العثماني في هذا المجال ،من
حيث االستخدام الغزير واالعتماد على األلوان بدل النحت ،ومن خالل استخدام البالطات
الخزفية التي احتلت صدارة المشهد في الزخارف المعمارية العثمانية ،وقد كانت تجسد عليها
العناصر نفسها المجسدة على الصناعات الفنية األخرى ،تحديدا العناصر النباتية على
غ ارر :األزهار الطبيعية أو المحورة مثل "القرنفل" Dianthusو"الاللة Lotusأو "التوليب"
Tulipaو"زهرة كف السبع" Rosaceaeو"الحوذان" Ranunculusو"الورد" ،واألشجار على
رأسها شجرة "السرو" ،)Cupressus( Serviباإلضافة للعناصر المورقة وفق أسلوب
"األرابيسك" العثماني المسمى محليا في "تركيا" ب"بالرومي" ،Romiوالذي يتميز بسمات
خاصة على غرار أشكال البراعم المحورة الشبيهة برؤوس العصافير ،إلى جانب بعض
العناصر "الصينية" والعناصر الهندسية و"المقرنصات" . Stalactites
وتجدر اإلشارة إلى أن الزخرفة اإلسالمية في المساجد قد اتسمت بااللت ازم الكبير
بخصوصيات ومعالم الفن اإلسالمي وعلى رأسها البعد التام عن تجسيد العناصر الحية
اآلدمية أو الحيوانية ،ويتفق مؤرخو الفن والدارسون للفن اإلسالمي على رد ذلك إلى االلتزام
بتعاليم الشريعة اإلسالمية -تحديدا تلك المستمدة من اإلشارات الواضحة أو التفسيرات
المحتملة لألحاديث النبوية الشريفة 0-والتي انعكست بصورة متباينة على اإلنتاج الفني
525
د.توامة نعناعة
الزخرفي اإلسالمي حسب الطرز الفنية ،الفترات ،المناطق ،وخاصة المجاالت واألماكن التي
تحوي الزخارف ،فعلى الرغم من أننا نجد العديد من النماذج الزخرفية اإلسالمية التي استخدم
فيها الفنان عناصر حية آدمية أو حيوانية إلى أن هذه الظاهرة غابت كليا عن المساجد.
المتشابكة الشديدة التحوير ،وتتعدد العناصر النباتية المستخدمة في الزخرفة اإلسالمية حيث
إنها سايرت تطور الفن اإلسالمي ،وكما هو معروف بلغت حدا كبي ار من االنتشار والتنوع
خالل العهد العثماني الذي تعد من أهم سماته.
وتعد الزخارف النباتية من أهم العناصر الزخرفية التي نجدها في مساجد قسنطينة
العائدة للفترة العثمانية ،وعلى رأسها نجد "األرابيسك" الذي يبرز بقوة في جامع سوق الغزل
حيث يشمل مساحات واسعة ،من ضمنها القباب والمنبر الخشبي وواجهة المحراب الجصية
أين تخللته أزهار "الاللة" أو "التوليب" (ينظر :شكل .)0
وكما هو معروف فإن األزهار من أهم العناصر الزخرفية المميزة للطراز العثماني ،وقد
كان حضورها قويا في مساجد قسنطينة وأحيانا ذا صبغة خاصة ،على غرار زهرة "التوليب"
أو "الالله" التي نجدها في محراب جامع سوق الغزل ،حيث نفذت في واجهة المحراب بشكل
قريب من الواقع وفق األسلوب المحلي المتمثل في الحفر على الجص ،وكان حضورها قويا
أيضا في واجهة وتجويف محراب جامع الكتاني ،إذ أنها جاءت بشكل مميز جدا ،بسبب
أسلوب التنفيذ الذي كان وفق الحفر المائل ،وهو ما أكسبها خطوطا مستقيمة وزوايا وأعطاها
أشكاال هندسية وأحيانا أشكاال شبيهة برؤوس العصافير (ينظر :شكل.)0
وتعد زهرة "القرنفل" أحد األشكال الزخرفية الشائعة في الزخرفة العثمانية ،والتي كان
حضورها في مساجد قسنطينة مقتص ار على البالطات الخزفية المستوردة ،وفيما غابت زهرة
"الرمان" الشهيرة عند العثمانيين باسم "الجلنار" ،(Punica Granatum) Gülnarوأزهار الورد
باعتبار أن تلك التي نجدها بمنبر الجامع األخضر مستحدثة ،حضرت زهرة "دوار الشمس"
في طاقية محراب الجامع األخضر وجوسق منبره وفي منبر جامع سوق الغزل ،باإلضافة
لألزهار الصغيرة على غرار تلك التي تزين منبر جامع الكتاني الرخامي ،ناهيك عن أشكال
زهرية أخرى يصعب التعرف عليها والبراعم.
527
د.توامة نعناعة
تعتبر أوراق "األكانتس" من أبرز العناصر الزخرفية في منبر جامع الكتاني وجوسق
منبر الجامع األخضر الذي تعلوه كوز الصنوبر ،دون أن ننسى المراوح واألوراق واألغصان
التي غالبا ما كانت تشكل ضمن لوحات "األرابيسك" المورقة (ينظر :شكل .)0
ونسجل استخدام شجرة "السرو" على الجص كما هو الحال في قباب جامع سوق
الغزل ومنبره وفي القبة التي تتقدم محراب جامع الكتاني ،ونجد الفواكه والثمار في بالطات
محراب الجامع الكتاني حيث تبرز فاكهة "الرمان" إضافة إلى أكواز الصنوبر التي تزين
جوسق منبر الجامع األخضر وبعض تيجان األعمدة.
2.3المواضيع الهندسية:
من المعروف أن العناصر الهندسية تعتبر من أقدم األشكال الزخرفية التي استخدمها
اإلنسان وقد شاع استخدامها في مختلف الحضارات والطرز الفنية ،غير أنها أخذت ميزتها
المتفردة واألكثر جمالية في الفن اإلسالمي بما ال يقارن مع مكانتها في الطرز األخرى
حيث استخدمت جل األشكال الهندسية القاعدية من دوائر ومثلثات ومربعات وخطوط ،وطور
الفنان المسلم مهاراته الرياضية في خضم تطويره وابداعه ألشكال "األطباق النجمية" المعقدة.
ومن أكثر األشكال الهندسية التي تزين مساجد قسنطينة خالل العهد العثماني نجد
"المعينات" التي غالبا ما شكلت أرضيات للزخارف األخرى بالتحديد النباتية أو أطرتها ،مثلما
هو الحال في واجهات وطاقيات المحاريب ،وتعد العناصر النجمية أبرز األشكال الهندسية
المثيرة لالهتمام في مساجد "قسنطينة" ،حيث تبرز في القبة التي تتقدم محراب جامع سوق
الغزل وفي كل من طاقية محرابي جامع الكتاني وجامع سوق الغزل على هيأة نصف طبق
528
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
نجمي يؤطر الحشوات النباتية الجصية ،باإلضافة إلى بعض األشكال النجمية الصغيرة التي
تتوزع في أشرطة محراب جامع الكتاني (ينظر :شكل .)2
و"الخراطيش" النصوص الكتابية التي نجدها بكل من منبري وتؤطر "الجامات"
الجامع األخضر والكتاني وبالشريط الكتابي الموجود أسفل طاقية محراب جامع الكتاني،
إضافة إلى السالسل والضفائر على غرار تلك التي نجدها بمنبر ومحراب جامع سوق
الغزل ،كما تنتشر عناصر أخرى متنوعة كالسداسيات واألشباه المنحرفة التي غالبا ما تشكل
تشبيكات زخرفية مثلما نجده في كل من واجهة محراب جامع الكتاني ومنبر جامع سوق
الغزل.
بالنسبة إلى العناصر المعمارية فنجد على رأسها أشكال العقود واألقواس في المحاريب
والمنابر ذات األشكال المختلفة ،كالنصف دائرية والمتجاوزة ،والمتجاوزة المنكسرة والمفصصة
إضافة إلى األشكال المقرنصة في جوسق منبر جامع سوق الغزل.
529
د.توامة نعناعة
استمرار استعمال مادة "الجص" كمادة تنفذ عليها الزخارف كما هو الحال في المحاريب
والقباب وكذا بعض األجزاء من الجدران ،إضافة إلى استمرار استخدام الخشب كما هو
الحال في كل من منبري جامع سوق الغزل والجامع األخضر.
وبخصوص تقنيات وأساليب الزخرفة فقد استمرت تقاليد النقش السابقة على كل من
الخشب والجص ،ال سيما على هذا األخير أعيد إحياء تقليد الحفر الغائر المائل كما هو
الحال في محراب جامع الكتاني ،وهي تقينة النقش التي كانت معروفة وشائعة في "المغرب
اإلسالمي".
أما بخصوص المواضيع الزخرفية وعناصرها فقد سجلنا استمرار كل من طراز
"األرابيسك" أو "التوريق" أو "الرقش العربي" التي تعد من أهم ابتكارات الفنان المسلم تحديدا
في "طرز سامراء" ،المدفوع بالعقيدة اإلسالمية التي تكره التصوير وبكراهيته للفراغ ،فراح
يحور األشكال الزخرفية في تشابك يصعب تحديد بدايته ونهايته من الفروع واألغصان
المتداخلة والتي قد تتخللها عناصر كتابية أو هندسية ،وقد شهدت هذه الزخارف تطو ار كبي ار
في المغرب واألندلس بلغ أوجه خالل الفن المرابطي المتأثر بالفن األندلسي ،ومن ثم تم
الزياني والمريني ،ووفاء لهذه التقاليد استمرت زخارف "األرابيسك" في تزيين
توارثها في الفن ّ
العمائر الجزائرية خالل العهد العثماني ،والتي غالبا ما كان يتم تنفيذها على مادة "الجص"
تماما كما كان شائعا في الفترات السابقة ،وهو ما الحظناه في مساجد مدينة قسنطينة ال
سيما في قباب جامع سوق الغزل ومحراب هذا األخير ومحراب جامع الكتاني ،إضافة
الستخدامه على الخشب كما هو الحال في منبر جامع سوق الغزل.
وتعد الزخارف الهندسية عموما أحد مظاهر استمرار التقاليد المحلية ،فسواء تعلق
األمر بتلك األشكال البسيطة كالخطوط والمعينات والسالسل أو تلك األكثر تعقيدا كاألطباق
النجمية ،فكلها أشكال نجد لها مثيل في فنون المغرب عموما قبل الفترة العثمانية ،وعلى
531
د.توامة نعناعة
غرار بقية األقاليم اإلسالمية فقد تطورت عناصر "الطبق النجمي" في المغرب عبر مختلف
الفترات وصوال إلى الفترة المرينية (القرن 0هـ00/م) ،وبلغت أوجها خالل القرن (1هـ02/م)
حيث نفذت على الجص بمسطحات مستوية أو مقعرة متدرجة بين البسيطة واألكثر تعقيدا
غير أنها جميعا تتكون من نجمة مركزية تتعدد فروعها المحيطة بها وتتنوع ،وذلك بتعدد
رؤوس النجمة بين خمسة وستة وثمانية واثني عشر رأسا ،2والتي نفذت في العادة على
الجص بمناطق االنتقال وواجهات المحاريب ،وخاصة على الخزف.
على مستوى الزخارف الرمزية فإن أكثر ما يثير االنتباه هو استمرار شكل الصدفة
التي تشكل طاقية تجويف المحراب كما الحظناه بكل من محرابي الجامع األخضر والمدرسة
الكتانية ،في تجسيد يطابق تماما ما جاء عليه محراب الجامع الكبير بمدينة قسنطينة العائد
إلى الفترة الحمادية (القرن 0ه00/م) ،وهو ما ينطبق على األشكال "الصدفية" التي تزين
الحنايا الركنية أسفل مربعات القباب.
532
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
Ceramic coversلم تكن معروفة أبدا قبل العهد العثماني على غرار تكسية تجويف
المحراب بالبالطات الخزفية كما هو الحال في كل من مح ارب جامع الكتاني والجامع
األخضر.
ويعد "الرخام" أيضا أحد المواد التي شاع استخدامها في الجزائر خالل العهد العثماني
وقد صنع منه منبر جامع الكتاني ،وهو األمر الذي لم يكن معروفا قبل العهد العثماني،
حيث يعد الخشب المادة الوحيدة التي صنعت منها منابر "المغرب األوسط".
بالنسبة إلى األساليب والتقنيات الزخرفية وتحديدا بالنسبة إلى تلك الوافدة تعد "التغشية
بالبالطات الخزفية" أبرز األساليب التي تبرز مظاهر التأثير العثماني ،كما نسجل بدرجات
قليلة ومتفاوتة وجود أسلوب التلوين والتذهيب الذي لمحناه في المنابر وبعض المحاريب.
بخصوص العناصر الزخرفية فإن أهم ما يمكن تسجيله ضمن مظاهر التأثيرات الوافدة
واذا ما استثنينا تلك العناصر المنفذة على البالطات الخزفية والمنبر الرخامي وكلها مستوردة
جاهزة من الخارج ،فإنه يمكن القول إن زهرة "الاللة" المنفذة بأسلوب واقعي في واجهة محراب
جامع سوق الغزل أو بأسلوب محور هندسي في محراب جامع الكتاني تعد أبرز تلك
المظاهر وتأت ي في الطليعة ،إضافة إلى تكرار تجسيد شجرة "السرو" بصورة معزولة في
بعض أجزاء منبر سوق الغزل مثال ،أو بصورة أكثر وضوحا في بعض القباب ،أما بالنسبة
إلى العناصر الزهرية الشبيهة ب"دوار الشمس" أو "األقحوان" فإنه ال يمكن الجزم بكونها
مظه ار من مظاهر التأثير باعتبارها أشكاال زهرية عامة ،أو باعتبارها شبيهة ببعض األشكال
الزهرية البسيطة التي شاع استخدامها في زخارف المغرب األوسط قبل العهد العثماني.
533
د.توامة نعناعة
534
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
الشكل :4نصف طبق نجمي في طاقية محراب جامع سوق الغزل والجامع الكتاني
535
د.توامة نعناعة
.5خاتمة:
تبدو التأثيرات الفنية في مساجد مدينة قسنطينة واضحة وعميقة كما أنها مندمجة
ومتناغمة مع التقاليد المحلية السابقة ،ومن مثال ذلك استخدام عناصر زخرفية نباتية وافدة
بأسلوب محلي على مستوى المحاريب والمنابر مثال ،تماما كما حدث مع زهرة الاللة التي
جسدت بالحفر المائل على الجص في محراب الجامع الكتاني مما أعطاها شكال محو ار
تحوير هندسيا خاصا ،كما نالحظ أيضا بعض المؤشرات أو المظاهر التي توحي بوجود نوع
ا
من اإلبداع خالل هذه الفترة والذي أفضى إلى إنتاج عناصر وأشكال زخرفية جديدة ال يمكن
تصنيفها ضمن اإلطار المحلي وال الوافد.
لقد عرفت المظاهر الفنية الزخرفية بالجزائر خالل العهد العثماني تطو ار كبي ار وزخما
لم يسبق أن بلغته ،نتيجة للتنوع الكبير في أشكال العناصر الزخرفية المستخدمة ،والتي كان
استخدامها بالجزائر ألول مرة خالل هذه الفترة؛ وهذا الزخم مضافا إليه سيادة العناصر
النباتية وكذا ألنواع هذه العناصر المستخدمة ،بالخصوص الزهرية منها ،هو تعبير مباشر
وصريح عن تأثيرات أجنبي ة وافدة ،والتي سمحت للجزائر بدخول نطاق سيادة الفن العثماني
دون التخلي التام عن بعض المظاهر الزخرفية التي تذكرنا بانتمائها الفني المغربي ،من دون
536
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
أن ننسى عامل اإلبداع الذي تجسد أوال حين مزج الفنان الجزائري ما بين العناصر األجنبية
والمغربية في اللوحة الزخرفية الواحدة ،ثم حينما طورت العناصر الزخرفية المعروفة في
الفترات السابقة وأعطيت مظه ار مختلفا ،غير أن السعي إلى ابتكار عناصر جديدة ال تنتمي
ألي من التأثيرات الوافدة أو المحلية يبدو قليال.
صورة :2الجامع الكتاني -بيت الصالة صورة :1جامع سوق الغزل-بيت الصالة
537
د.توامة نعناعة
538
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
-0للمزيد حول هذا الموضوع وموقف الشريعة اإلسالمية من زخرفة المساجد ،ينظر :خير الدين
وانلي ،المسجد في اإلسالم ،أحكامه ،آدابه ،بدعه ،ط ،0.عمان ،األردن ،المكتبة االسالمية،
0202ه ،صص00-00 .؛ ينظر أيضا :إ براهيم بن صالح الخضيري ،أحكام المساجد في
الشريعة اإلسالمية ،المجلد األول ،الرياض ،دار الفضيلة للنشر0200 ،ه0770/م ،ص-000 .
000؛ ينظر أيضا :ا لقاضي كامي محمد بن إبراهيم األدرنوي الحنفي ،رياض القاسمين أو فقه
العمران اإلسالمي ،ترجمة وتحقيق مصطفى أحمد بن حموش ،دمشق ،دار البشائر للطباعة
والنشر والتوزيع0200 ،هـ0777 /م ،ص.000 .
-0وهذا حسب التحقيق الذي قام به األستاذ دحدوح ،ينظر :عبد القادر دحدوح ،مدينة قسنطينة خالل
العهد العثماني ،دراسة عمرانية أثرية ،رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ،اآلثار اإلسالمية ،إشراف
خيرة بن بلة ،معهد اآلثار ،جامعة الج ازئر 0707-0772 ،0م ،صص.000-002 .
-1ياسين عبد الناصر ،الرمزية الدينية في الزخرفة اإلسالمية ،القاهرة ،مكتبة زهراء الشرق،0770 ،
ص.00 .
-2لمعلومات أكثر عن العناصر واألطباق النجمية الشائعة في الفن المغربي ورسمها ،ينظر:
P. Ricard, Pour comprendre l’art musulman dans l’Afrique du nord et en Espagne,
Paris, Bibliothèque du tourisme, Hachette, 1924, p. 175-177.
-قائمة المراجع:
-األلفي (أبو صالح) ،الفن اإلسالمي ،أصوله فلسفته ومدارسه ،ط ،0.القاهرة ،دار
المعارف ،د .ت.
-بركات محمد (مراد) ،اإلسالم والفنون ،الشارقة ،دار الثقافة واإلعالم0770 ،م.
-الحداد (إسماعيل) ،المجمل في اآلثار والحضارة اإلسالمية ،القاهرة ،مكتبة زهراء الشرق،
د .ت.
-الخضيري (إبراهيم بن صالح) ،أحكام المساجد في الشريعة اإلسالمية ،المجلد األول،
الرياض ،دار الفضيلة للنشر0200 ،ه0770/م.
540
تطور فن الزخرفة المعمارية بالجزائر خالل العهد العثماني "مساجد قسنطينة أنموذجا"
-دحدوح (عبد القادر) ،مدينة قسنطينة خالل العهد العثماني ،دراسة عمرانية أثرية ،رسالة
مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ،اآلثار اإلسالمية ،إشراف خيرة بن بلة ،معهد اآلثار ،جامعة
الجزائر 0707-0772 ،0م.
-عبد الفتاح مطاوع (حنان) ،الفنون اإلسالمية اإليرانية والتركية ،ط ،0اإلسكندرية ،دار
الوفاء لدنيا الطباعة والنشر0707،م.
-عبد الناصر (ياسين) ،الرمزية الدينية في الزخرفة اإلسالمية ،القاهرة ،مكتبة زهراء الشرق،
0770م.
-الفاروقي (إسماعيل) ،الفاروقي (لمياء لوس) ،أطلس الحضارة اإلسالمية ،ترجمة عبد
الفتاح لؤلؤة ،الرياض ،المعهد العالمي للفكر اإلسالمي0202 ،هـ0221 /م.
-القاضي كامي األدرنوي الحنفي (محمد بن إبراهيم) ،رياض القاسمين أو فقه العمران
اإلسالمي ،ترجمة وتحقيق مصطفى أحمد بن حموش ،دمشق ،دار البشائر للطباعة والنشر
والتوزيع0200 ،هـ0777 /م.
-وانلي (خير الدين) ،المسجد في االسالم ،أحكامه ،آدابه ،بدعه ،ط ،٣عمان األردن،
المكتبة االسالمية0202 ،ه.
- Ricard P., pour comprendre l’art musulman dans l’Afrique du nord et en
Espagne, Paris, Bibliothèque du tourisme, Hachette, 1924.
541