Professional Documents
Culture Documents
1444هـ
الحمد هلل رب العاملين ،والصالة والسالم على املبعوث رحمة للعاملين ،محمد بن عبد هللا
وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
وبعد
ال شك أن من أهم االنتقادات على املصرفية اإلسالمية في تعامالتها اليوم هو التوسع في
عمليات التورق أو ما يسمى املرابحة بالسلع ،وال يختلف املصرفيون أنه لوال تطوير عقد املرابحة لآلمر
بالشراء لم يكن بإمكان املصرفية اإلسالمية أن تقف على قدميها وأن تكون قادرة على منافسة البنوك
التقليدية ،والتطويرات التي وردت على عقد املرابحة لم تخالف في الحقيقة املتطلبات الشرعية ،وهذا
املنهج في التطوير حري بأن نستفيد منه في تطبيقات أخرى ،فالتورق اليوم أصبح العمود الفقري لعمل
املصارف اإلسالمية ،ولذا تم اقتراح تطوير عقد املضاربة بما يجعله مناسبا لعمليات التمويل خاصة
للشركات ،تقليال من االعتماد على التورق لوحده.
وموضوع هذه الورقة هو تطوير عقد املضاربة ،ومن املعلوم أنه في عصرنا الحاضر تطورت
طبيعة شركة املضاربة تبعا لتطوير املنتجات واملتطلبات املصرفية ،مما يستوجب إمعان النظر عند
تنزيل القواعد العامة ألحكام املضاربة وتحقيق مناطها في الصور املعاصرة ،مع مراعاة العرف والعادة
واملصلحة أثر املستجدات في تحقيق مناط بعض األحكام
وقد جاء في خطاب االستكتاب من قبل إدارة املصرفية اإلسالمية للبنك العربي الوطني،
مناقشة عدد من املسائل ،حاول الباحث دراستها بالقدر املمكن في هذه الوريقات ،وأنبه إلى أن املسألة
الرئيسة في ذلك هي إمكانية ضمان رأس املال ،والتي تعتبر النقطة األساس والتحدي األكبر عند تطوير
منتج تمويل قائم على صيغة املضاربة.
وهللا أسأل أن يوفقني لتقديم ما ينفع القارئ والسامع.
| 2ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
تمهيد:
ً ً
املضاربة عند الفقهاء هي :أن يدفع املالك إلى العامل ماال ليتجر فيه ،ويكون الربح مشتركا بينهما
بحسب ما شرطا .وأما الخسارة فهي على رب املال وحده ،وال يتحمل العامل املضارب من الخسران
ً
شيئا وإنما هو يخسر عمله وجهده.
وهي نوع من أنواع الشركات ،وتسمى القراض في لغة أهل الحجاز ،وقد اتفق أئمة املذاهب على
جواز املضاربة بأدلة من القرآن والسنة واإلجماع والقياس ،وأنها مستثناة من الغرر واإلجارة املجهولة.
من القرآن :فقوله تعالى{ :وآخرون يضربون في األرض يبتغون من فضل هللا}( )1واملضارب:
يضرب في األرض يبتغي من فضل هللا عز وجل ،وقوله سبحانه{ :فإذا قضيت الصالة فانتشروا في األرض
وابتغوا من فضل هللا}( ،)2فهذه اآليات بعمومها تتناول إطالق العمل في املال باملضاربة.
ّ
ومن السنة :أدلة عديدة منها ما روى ابن ماجه عن صهيب رض ي هللا عنه أن النبي صلى هللا
عليه وسلم قال« :ثالث فيهن البركة :البيع إلى أجل ،واملقارضة ،وخلط البر بالشعير للبيت ال للبيع(.)3
واستدلوا باإلجماع بما روي عن جماعة من الصحابة أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة ولم ينكر
ً
عليهم أحد ،فكان إجماعا(.)4
وأقوى هذه األدلة هو اإلجماع ،قال ابن حزم في مراتب اإلجماع" :كل أبواب الفقه لها أصل من
ً
الكتاب أو السنة حاشا القراض ،فما وجدنا له أصال فيهما البتة ،ولكنه إجماع صحيح مجرد ،والذي
ّ
نقطع به أنه كان في عصره صلى هللا عليه وسلم ،فعلم به وأقره ،ولوال ذلك ملا جاز" ( .)5وقال شيخ
اإلسالم ابن تيمية" :املضاربة جوزها الفقهاء كلهم اتباعا ملا جاء فيها عن الصحابة ،مع أنه ال يحفظ
والهدف من ذكر ذلك هو بيان أنه ليس في القراض أحكام قطعية الثبوت بل هي محل اجتهاد
ونظر ،ومن خالل ما سبق يتبين أن كثيرا من أحكام املضاربة التي ذكرها الفقهاء استندوا فيها إلى العرف
العملي واملصلحة ولم تكن أحكاما ثابتة بنص القرآن أو السنة ،األمر الذي يجب أن يتبعه أي دارس
لعقد املضاربة ،فما كان متماشيا مع العرف واملصلحة وال يخالف قواعد الشريعة فيجب أن يكون
جائزا وما خالف ذلك كان فاسدا ،وهللا أعلم.
يقصد بضمان رأس املال االلتزام بسالمته كله أو سالمته إلى حد معين ،وأما الحماية فهو اتخاذ
اإلجراءات التي تحمي رأس املال دون التزام بسالمته ،فحماية رأس املال يختلف عن ضمانه من ثالث
جهات:
األولىّ :
أن الحمايـة بذل عناية ،وأما الضمان فهو التزام بغاية؛ فالحماية يقصد منها بذل
األسباب لوقايـة رأس املال من النقصان ،ثم قد تتحقق تلك الغاية ،وهي سالمة رأس املال ،وقد ال
تتحقق ،وأما الضمان فاملقصود منه االلتزام بالنتيجة ،وهي تحمل أي نقص يكون في رأس املال ،سواء
أكان النقص بسبب قصور في األخذ باألسباب ،أم لم يكن لقصور فيها.
الثانية :أن األصـل في ضمان العامل رأس املال املنع على قول األغلبية؛ ألن املال مضمون على
مالكه ،وهو رب املال ،وال يضمن العامل إال في حال تعديـه أو تفريطه؛ وأما حماية املال فاألصل فيها
الوجوب؛ إذ يجب على العامل أن يحمي رأس املال من التلف والخسارة؛ ألنه مؤتمن عليه.
الثالثةّ :
أن الحماية بمفهومها األعم قد يدخل فيها معنى الضمان ،فمن الوسائل التي يلجأ إليها
البعض لحماية رأس املال تضمين العامل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وبذلك تكون العالقة بين الحماية والضمان بهذا االعتبار عالقة عموم وخصوص مطلق؛ أي
ّ
أن الحماية أعم مطلقا من الضمان)1( .
( )1انظر :حماية رأس املال ،د .يوسف الشبيلي ،ضمن أبحاث في قضايا مالية معاصرة ،من إصدارات اللجنة الشرعية
ببنك البالد ،ص 371-370
| 5ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
المسألة الثانية :ضمان المضارب رأس المال المضاربة
وهذه املسألة هي لب هذا البحث ،فعلى القول بتحريم ضمان رأس مال املضاربة ال يمكن أن
تكون صور التمويل باملضاربة منافسة للتمويل باملرابحة ،وبالنظر إلى الواقع فإنه ال يمكن بأي حال
من األحوال أن تقبل املصارف العمل بمنتج ال يضمن رأس املال في صيغ التمويل ،فاألصل أن املقصد
هو إنشاء مديونية على العميل ،وال يمكن ذلك إذا لم يكن رأس املال مضمونا ،وقبل الخوض في تفصيل
البدائل املقترحة القائمة على املضاربة ،ال بد من بيان مسألة ضمان املضارب رأس مال املضاربة.
اختلف الفقهاء في اشتراط الضمان على املضارب على قولين:
القول األول :أن اشتراط الضمان على املضارب والشريك شرط باطل .وقال بهذا الحنفية في
املعتمد عندهم( ،)1واملالكية( ،)2والشافعية( ،)3وهو املذهب عند الحنابلة( ،)4ونقل هذا القول عن
جماعة من السلف والحسن البصري والثوري والنخعي واألوزاعي وإسحاق( .)5وهو قرار مجمع الفقه
اإلسالمي الدولي( ،)6وبه أخذت املعايير الشرعية الصادرة من هيئة املحاسبة واملراجعة للمؤسسات
املالية اإلسالمية()7
القول الثاني :صحة تضمين املضارب بالشرط أو بالعرف أو بالتراض ي ،وهو القول الذي
انتصر له الشيخ املحقق الدكتور نزيه حماد في بحثه املشهور "مدى صحة تضمين يد األمانة بالشرط
()1انظر :البحر الرائق ( ،)٧/٢٧٤رد املحتار على الدر املختار ( ،)5/664مجمع الضمانات ( ،)1/163تبيين الحقائق
(.)۳/۳۱۸
( )2انظر :بداية املجتهد ( ،)٢/٢٣٨الذخيرة ( ،)٥/٥٠٧حاشية الدسوقي ( ،)٣/٥١٩جواهر اإلكليل (.)٢/٢٥٧
( )3روضة الطالبين ( ،)431-4/400فتح العزيز بشرح الوجيز ( ،)۱۱/۱۷۱املجموع شرح املهذب (.)٢٠/٣٢٣
( )4انظر :املغني ( ،)٧/١٧٦املقنع ومعه الشرح الكبير واإلنصاف ( ،)15/91اإلقناع ( ،)2/452دقائق أولي النهي شرح
املنتهى (.)٣/٥٥٩
( )5انظر :اإلشراف على مذاهب العلماء ( ،)٦/٣٥٠املغني ( ،)٧/١٧٦نيل األوطار ( .)6/38انظر :املغني (.)٧/١٧٦
( )6قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي رقم .)4/5( 30
( )7املعيار الشرعي رقم ( )5بشأن الضمانات.
| 6ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
في الفقه اإلسالمي" ،وبحثه "حلول اإلشكاالت الشرعية في مستجدات عقد املضاربة" ( ،)1وأشار
فضيلته إلى أن هذا القول هو رأي جماعة من الفقهاء وذكر أنها رواية مرجوحة في مذهب الحنفية،
وقول ابن بشير من املالكية ،ونسب لإلمام أحمد رواية بجواز ذلك ،وهو قول قتادة وعثمان البتي وعبيد
هللا العنبري ،ونقله في الحاوي عن داود الظاهري ،وبه قال الصنعاني ،وانتصر لهذا القول الشوكاني في
السيل الجرار(.)2
واستدل أصحاب القول األول بجمع من األدلة من أهمها:
الدليل األول :أن اشتراط الضمان على املضارب مخالف ملقتض ى الشرع ،إذ جاءت الشريعة
بأن تكون يد املضارب يد أمانة.
ويناقش بأنه لم يثبت دليل من الكتاب والسنة على تحريم اشتراط الضمان على املضارب أو
تضمينه بموجب العرف أو املصلحة بل وحتى الشرط ،بل فيما ذكر أصحاب القول الثاني من أدلة
تدل على أن مثل هذا االشتراط جائز شرعا.
الدليل الثاني :أن اشتراط ضمان رأس املال في املضاربة يحولها إلى قرض مضمون ،والعبرة في العقود
باملقاصد واملعاني(.)3
ولعل هذا الدليل هو املستند الرئيس ألصحاب هذا القول ،فإن تضمين املضارب بأي سبب
يجعل رأس مال املضاربة قرضا مضمونا وفي حال الربح تكون قرضا جر نفعا ،وهو الدليل الذي
استندت عليه املعايير الشرعية أليوفي.
( )1انظر :مدى صحة تضمين يد األمانة بالشرط في الفقه اإلسالمي ،د .نزيه حماد ،وحلول اإلشكاالت الشرعية في
مستجدات عقد املضاربة ،بحث مقدم في ندوة مستقبل العمل املصرفي اإلسالمي الثانية عشرة ،تنظيم البنك األهلي،
.2019
( )2انظر :املغني ،وسبل السالم ،ونيل األوطار ،و مدى صحة تضمين يد األمانة بالشرط ،نزيه حماد ،ص،398-396
وينظر التركيب في الصكوك اإلسالمية ،د .فيصل الشمري ص ،215-200وأشار إلى أنه ذهب بعض املعاصرين إلى
جواز تضمين املضارب واألمناء ولو بدون شرط؛ منهم :الدكتور سامي حمود ،والدكتور مصطفى قطب سانو،
والشيخ بدر املتولي عبد الباسط.
( )3انظر :مستندات املعيار الشرعي بشأن الضمانات.
| 7ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
ويناقش ،بأن املجيزين ال يجوزون ضمان الربح ،بل فقط ضمان رأس املال وبالتالي تختلف
صورته عن صورة القرض الربوي ،كما أنه يوجد في الشرع أسباب عديدة تنقلب بها يد األمانة إلى يد
ضمان ،ولم يدل في كتاب هللا وال سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم ما يمنع من ذلك.
الدليل الثاني :اتفاق الفقهاء من املذاهب األربعة على عدم صحة اشتراط الضمان على
املضارب مثله مثل سائر األمناء ،وقد نقل االتفاق عدد من أهل العلم ،منهما ابن عبد البر والباجي وابن
رشد ،فصار القول بخالف ذلك مخالف لإلجماع.
ويناقش بعد التسليم باإلجماع ،بل كما سبق في نسبة القول الثاني أن الخالف وقع قبل
االتفاق ،بل من نسب لهم االتفاق قد روي عنهم خالفه ومن ذلك ،ما ذكره املغني عن اإلمام أحمد حين
سئل عن ضمان ما لم يجب ضمانه هل يصيره الشرط مضمونا ،فأجاب :املسلمون على شروطهم ،قال
ابن قدامة" :وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه ،ووجوبه بشرطه"(.)1
الدليل الثالث :مما استدل به شيخنا الدكتور :أسيد الكيالني ،في تعقيب له :أن الشرط
مخالف لعموم األحاديث والقواعد الشرعية مثل الخراج بالضمان ،والغنم بالغرم ،ولم يرد ما
يخصص هذا العموم برب املال في املضاربة أو يستثنيه من ذلك.
ويناقش بالتسليم بأن األصل في عقود األمانات عدم الضمان ،لكن إذا رض ي الشخص بإيجاب
الضمان بالشرط على نفسه فإنه يلزمه؛ ألنه أوجب على نفسه بالشرط ما لم يكن واجبا عليه بدونه،
والتراض ي هو املناط في تحليل أموال العباد ،فلم يكن الشرط مخالفا لنص أو قاعدة متفق على العمل
بها ،كما يناقش بما سيرد من أدلة القول الثاني.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بجواز تضمين املضارب بالشرط أو العرف أو املصلحة بعد أدلة من أهمها:
الدليل األول :لم يثبت في ش يء من نصوص الكتاب والسنة ما ينهض حجة على كون يد األمانة
ال تضمن ما يتلف في حوزتها من غير تعد أو تفريط .ومن تمسك بأن األمانة ال تضمن إال بتعد أو تفريط
استدل بأمرين:
( )1حلول اإلشكاالت الشرعية في مستجدات عقد املضاربة املصرفي ،أ.د .نزيه حماد ،بحث مقدم إلى ندوة مستقبل
العمل املصرفي اإلسالمي الثانية عشرة ،جدة ،تنظيم البنك األهلي السعودي (البنك األهلي التجاري) ،ص 17
( )2األشباه والنظائر ،ص.85
| 10ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
إلى أصل املنتجات التمويلية التي نرغب في استخدام املضاربة فيها نجد أن جميعها تقوم على أن يكون
العميل ضامنا للمال ،وبالتالي فهو عرف يمكن االستناد إليه.
ومما يمكن القول به أنه يصح تضمين العامل في املضاربة النظر للمصلحة ،فاملصلحة سبب
من أسباب تضمين األمين ،والناظر في املدونات الفقهية يرى أن الفقهاء السابقين عند تضمينهم
الصناع أو األجير املشترك استندوا إلى املصلحة فاألصل في الصناع أنهم مؤتمنون على ما في أيديهم ،ال
يضمنون بغير التعدي والتفريط ،لكن ضمنهم الفقهاء للمصلحة وللضرورة.
جاء في تبيين الحقائق" :تضمين األجير املشترك كان نوع استحسان عندهما صيانة ألموال
الناس؛ ألنه يتقبل األعمال من خلق كثير رغبة في كثرة األجرة ،وقد يعجز عن القيام بها فيقعد عنده
ً
طويال ،فيجب عليه الضمان إذا هلكت بما يمكن التحرز عنه؛ حتى ال يتوانى في حفظها"()1
وقال ابن رشد" :األصل في الصناع أنه ال ضمان عليهم ألنهم أجراء ،وإنما ضمنوا ملصلحة
العامة"(.)2
ضمنفاألمر مبني على املصلحة والضرورة وقد روي عن علي بن أبي طالب رض ي هللا عنه أنه ّ
َ
الناس إال ذلك" ( ،)3قال الشاطبي" :إن الخلفاء الراشدين رض ي هللا الغسال والصباغ ،وقال" :ال يصلح
عنهم قضوا بتضمين الصناع ،قال علي رض ي هللا عنه« :ال يصلح الناس إال ذاك".
ً
وبناء على ما سبق فإنه يمكن االستنباط بأن اشتراط املصارف وشركات التمويل ضمان رأس
ٌ ٌ
صحيح ما دام أن املضارب قد قبل الشرط .يؤيد املال على املضارب في صور التمويل باملضاربة ،شرط
حاالت ،منها ما هو متفق عليه بين الفقهاء
ٍ ذلك ما سبق ذكره من أن يد األمانة تتحول إلى يد ضمان في
اختالف بينهم كالعمل بالعرف واملصلحة .وال شك أن املحافظة
ٍ كالتعدي والتفريط ،ومنها ما هو محل
على أموال الناس من ضمن املصالح الشرعية املعتبرة ،خاصة إذا نظرنا أن املصرف قد ال يكون مدركا
لتفاصيل عمل املتمول ،وتقتصر مراجعته له على قوائمه املالية وتدفقاته النقدية دون إدراكه لطبيعة
تعقيدات نشاط العميل خاصة عندما يكون نشاط العميل نشاطا نادرا مميزا ،إضافة إلى ما سبق فإن
ومما سبق يتبين أنه يمكن القول بتضمين املضارب رأس املال في املضاربة تخريجا على جواز
تضمين يد األمانة بالشرط أو العرف أو املصلحة ،إال أن الباحث قد ال يرجح في املسألة هنا ويترك بيان
الرأي املختار عند االنتهاء من املسائل األخرى في البحث.
وهللا أعلم.
( )1ينظر :مدى صحة تضمين يد األمانة بالشرط ،نزيه حماد.406-403 ،
| 12ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
المسألة الث الثة :حكم استحقاق نصيب رب المال من الربح قبل سالمة رأس المال
(اشتراط أن يكون ربح رب المال من اإلجمالي وليس من صافي الربح)
في بعض صور التمويل باملضاربة يشترط املمول أن يكون ربحه من اإلجمالي وليس من الصافي،
خشية أال يحقق العميل ربحا صافيا ،أو على األقل ليضمن املمول أن يحصل على ربحه كامال قبل حتى
سالمة رأس املال.
واملراد بمجمل الربح :هو إجمالي الناتج من الربح في املنشأة وال يلحق به أي من الخصومات
املصرفية أو العمومية وغالبا تكون طريقته املبيعات ناقصا تكلفة البضاعة فقط ،وأما صافي الربح
فهو عبارة عن األرباح التي تأتي بعد خصم املصاريف اإلدارية والعمومية واإلهالكات ومصاريف التمويل
والضرائب ،وتكون طريقة حسابه غالبا :إجمالي اإليرادات ناقصا إجمالي املصروفات.
وبذلك يتبين أن اشتراط أن يكون لرب املال الربح من اإلجمالي وليس من الصافي فيه محاولة
لضمان الربح ،وهو أمر زائد عن ضمان رأس املال ،وقد سبق في املسألة الثانية بيان أن القائلين بجواز
ضمان رأس املال في معرض إجابتهم على أن ذلك ال يجعل من عقد املضاربة شبيها بالقرض الربوي قد
قالوا بأن الضمان مقتصر على رأس املالي دون الزيادة ،فإذا أضفنا إلى ذلك الضمان محاولة ضمان
الربح كذلك باشتراط الربح من اإلجمالي أصبحت صورة املضاربة شبيهة شبها قويا بالقرض الربوي،
ويظهر أن هذا من تركيب العقود التي ال تخلو من محذور شرعي.
كذلك فإن اشتراط الربح من اإلجمالي فيه احتمال كبير النقطاع الربح وهو األمر ممنوع منه
اتفاقا في املضاربة ،جاء في "معيار توزيع الربح في الحسابات االستثمارية على أساس املضاربة" "وال يجوز
أن يحدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من رأس املال ألحد الطرفين أو بأي طريقة تؤدي إلى عدم اشتراك
الطرفين في الربح"()1
وصدر عن املجمع الفقهي اإلسالمي في دورته الرابعة عشرة شعبان 1415ه 21/1/1995م،
قرار نص على" :ال يجوز في املضاربة أن يحدد املضارب لرب املال مقدارا ً
معينا من الربح؛ ألن هذا يتنافى
وصورة املسألة أن يقوم البنك بتمويل عميله باملضاربة وال يربط الربح برأس مال املضاربة بل
يشترط أن له نصيبا مشاعا من كامل ربح الشركة ،فمثال لو أن العميل أخذ تمويال من البنك بصيغة
املضاربة بمبلغ مقداره مليون ريال ،وكان حجم نشاطه 100مليون ،فإن البنك يشترط أن له من الربح
على كامل املحفظة نسبة %10مثال ،ويتنازل عما يزيد عن نسبة مثال %3من رأي ماله وهو املليون.
وكما سبق فإن هدف املصارف من مثل هذه الشروط هو محاولة ضمان تحقيق الربح والذي
من الناحية املحاسبية يعتبر ربحا على التمويل (الفائدة على القرض إذا قارنا باملصرفية التقليدية)،
فالذي يظهر أن مثل هذا االشتراط ال يؤدي إلى انقطاع في الربح وال إلى ضمان الربح املمنوع شرعا فقد
ال تحقق الشركة أصال صافي الربح ،وبذلك تكون هذه املسألة مختلفة عن املسألة السابقة ،مع بيان
أن مثل هذه األرباح تبقى في مجال التوقع وليس الضمان.
| 15ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
المسألة الخامسة :نقل عبء اإلثبات إلى المضارب
األصل في املنازعات تصديق قول املضارب بنفي أسباب الضمان عنه ،ومطالبة رب املال بإقامة
البينة على تعدي املضارب أو تفريطه ،قال ابن عبد البر " :املقارض أمين مقبول قوله فيما يدعيه من
ضياع املال وذهابه والخسارة فيه ،إال أن يتبين كذبه"( .)1فهل إعمال هذا األصل عام في كل الصور ،أم
يجوز االنتقال عنه.
بالنظر إلى أقوال الفقهاء يتبين أنهم استندوا في تصديق قول املضارب فيما يدعيه من نفي
سبب الضمان إلى عدة أمور من أهمها:
األول :أن رب املال قد رض ي أمانته ،ومقتض ى ذلك تصديق قوله.
الثاني :أن دعوى رب املال خالف األصل ،ألن األصل عدم وقوع التعدي والتفريط ،والعامل
منكر ،واملنكر ال يكلف عبء اإلثبات(.)2
بالنظر إلى واقع الحال فإنه يتبين أن هذا األصل املشار له قد يضعف ،وبالتالي يقوى جانب
املدعي وهو رب املال ،فإذا اقترن بحال املضاربة دالئل أو قرائن ترجح وقوع التعدي
أو التفريط فهل يكون ذلك بمثابة دليل على عدم صدق املضارب املتمسك باألصل؟
لقد قرر الفقهاء في مواضع عديدة أن من قال قوله على خالف الظاهر فهو املطالب بالبينة،
فإن قيل كيف يقيم املضارب بينة على نفي وقوع التعدي والتفريط ،إذ ال يمكن إقامة البينة على النفي،
فالجواب :أن طائفة من الفقهاء يصح عندهم إقامة البينة على النفي شرط أن يكون النفي محصورا
ويحيط به علم البينة ،وذلك ممكن في صور املضاربة املعاصرة من خالل التقارير املالية وتقارير األداء،
كذلك فأصبح غالب ما يطلب من املضارب إثباته بنفي التعدي والتفريط هو أمر وجودي ال عدمي،
كإثبات وقوع الخسائر ،أو الظرف الطارئ ،وقيامه ببذل الجهد املطلوب منه .وعليه فيمكن القول أنه
يصح نقل عبء اإلثبات إلى املضارب في صور معينة يكون فيها ظاهر الحال مع رب املال ،ومن ذلك عند
| 18ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى
الترجيح في المسائل السابقة والرأي المختار
سبق أن ّبين الباحث في التمهيد في هذه الورقة أن الفقهاء استقر رأيهم على أن العمل في
املضاربة على ما جرى به العرف واملصلحة ولم يخالف دليال شرعيا ،ولذلك تغيرت أحكام املتأخرين
عن أحكام املتقدمين ،ويؤكد ذلك ما قال ابن عابدين في رسالته" :اعلم أن املتأخرين الذين خالفوا
املنصوص في كتب املذهب لم يخالفوه إال لتغير الزمان والعرف ،وعلمهم أن صاحب املذهب لو كان في
زمنهم لقال بما قالوه"(.)1
والهدف من هذه الورقة هو محاولة ابتكار صيغة باملضاربة تناسب تمويل الشركات ،ولو قلنا
بالجمع بين كل رخصة قيلت في أحكام املضاربة لخرجنا بصيغة ال تختلف عن القرض الربوي البحت،
وعليه يمكن القول بالتفصيل التالي:
أوال :القول بضمان رأس املال في املضاربة مطلقا خاصة ضمان رأس املال حتى في حال ثبوت
عدم التعدي والتفريط قد يكون بعيدا عن العدل ومقتض ى يد األمانة ،ويمكن القول أنه في بعض
الصور التي يكون فيها نشاط العميل ذو طبيعة خاصة ليست معتادة في تمويالت املصارف واتفق البنك
مع العميل على أن يكون الضمان على العميل فيتجه القول بجواز ذلك في حاالت محدودة ،لكن ليس
على عمومه ،وكما سبق فإن مناط تحليل أموال العباد هو التراض ي ،والناظر في صور بعض عقود
التمويل يتبين له فعال أنه ال يمكن للمصرف مهما كان أن يدرك تفصيل وطبيعة نشاط العميل ،فإن
كان في مثل تلك الحاالت يرغب العميل في أن يتمول من البنك فال يبقى لدى املصرف خيار سوى
التمويل باملرابحة ،وعليه يمكن في مثل هذه الحاالت بالتراض ي اشتراط ضمان رأس املال على العميل،
وتمويله باملضاربة.
ثانيا :الحل املقترح هو اشتراط نقل عبء إثبات عدم وجود التعدي والتفريط إلى العميل
(املضارب) على وجه يكون مقبوال للبنك ،بحيث يشترط في العقد أن اإلثبات الذي يقدمه العميل يكون
من حق البنك بعد دراسته قبوله أو رفضه ،ويلتزم العميل بتعويض البنك في حال رأى البنك أن ما
قدمه العميل ال يكفي إلثبات عدم تعديه او تفريطه ،فيمكن أن يقوم البنك بتمويل العميل ويجعل
( )1األصل أن يكون الربح في املضاربة على الشيوع بين العامل ورب املال ،وال يجوز تحديد الربح في املضاربة ،أو اشتراط
ما يؤدي إلى انقطاع الربح ،فهل في التعبير عن الربح كنسبة مئوية من رأس املال مخالفة لهذه األحكام؟ قد يبدو للوهلة
األولى أن األمر كذلك؛ ألن األصل أن يعبر عن نصيب رب املال كنسبة شائعة من الربح ،كأن يقال
النصف أو الثلث أو نحو ذلك ،إال أن التعبير عنه كنسبة من رأس املال ال يعني التخلي عن الطريقة الشرعية في
قسمة الربح على الشيوع ،وإنما كل ما في األمر أن القسمة تجري بالطريقة املشروعة ،فإذا قيل أن الربح املتوقع من
مال قدره 100.000ريال وأن حصة رب املال من الربح هي 40 هذا االستثمار هو 10.000ريال وتمثل % 10على رأس ٍ
،%معنى ذلك أنه يحصل من ذلك الربح املتحقق على 4000ريال ،وتمثل نسبة إلى رأس ماله قدرها ،% 4فليس هناك
ما يمنع ،واألمر كذلك ،أن يعلن البنك أن الربح املتوقع في حسابات املضاربة هو %4ولكنها تبقى في مجال التوقع
وليس الضمان .ينظر :حلول اإلشكاالت الشرعية في مستجدات عقد املضاربة املصرفي ،د .محمد علي القري ،بحث
مقدم إلى ندوة مستقبل العمل املصرفي اإلسالمي الثانية عشرة ،البنك األهلي.
| 20ت ط و ي ر ع ق د ا ل م ض ا ر ب ة ،ن د و ة أ ع م ا ل ا ل م ص ر ف ي ة ا إل س ال م ي ة ا أل و ل ى