You are on page 1of 66

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي‬

‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬

‫قسم‪ :‬التاريخ‬

‫صورة المجتمع األندلسي عند الرحالة والجغرافيين على عهد األمويين‬


‫(‪138‬ه‪756،‬م‪422/‬ه‪1032،‬م)‬
‫ابن حوقل أنموذجا‬
‫العهد األموي ابن حوقل أنموذجا‪.‬‬
‫مذكرة مقدمة الستكمال شهادة ماستر أكاديمي في التاريخ‬
‫تخصص‪:‬تاريخ الغرب اإلسالمي في العصر الوسيط‬
‫إشراف األستاذ‪:‬‬ ‫من إعداد الطلبة‪:‬‬
‫حميد زيدور‬ ‫علي حويج‬
‫محي الدين غيالني‬
‫نوقشت المذكرة علنا يوم‪2023/06/08:‬‬

‫أمام اللجنة المكونة من األساتذة ‪:‬‬

‫الصفة‬ ‫الجامعة‬ ‫الرتبة العلمية‬ ‫االسم واللقب‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة الشهيد حمة لخضر‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫علي شعوة‬
‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة الشهيد حمة لخضر‬ ‫أستاذ مساعد أ‬ ‫حميد زيدور‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة الشهيد حمة لخضر‬ ‫أستاذ مساعد أ‬ ‫واعظ نويوة‬
‫السنة الدراسية‪2022-2023 :‬‬
‫بسم اهلل الرحمان الرحيم‬

‫‪I‬‬
‫شكر وتقديـ ـ ـ ـ ــر‬
‫نشكر اهلل سبحانه ونحمده وتعالى على نعمه وتوفيقه لنا إلنجازنا هذا العمل‬

‫كما نتوجه بالشكر والعرفان ألستاذنا الفاضل " زيدور حميد " الذي كان بمثابة األخ والصديق والمرشد‬

‫والناصح‪ ،‬حيث لم يبخل علينا بنصائحه وتوجيهاته القيِّمة‬

‫رغم كثرة التزاماته ومشاغله‬

‫كما ال يفوتنا أن نوجه شكرنا وفائق امتناننا إلى أستاذة كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية خاصة قسم‬
‫التاريخ وكل من قدم لنا يد العون والمساعدة سواء من قريب أو من بعيد‬

‫‪II‬‬
‫اإلهداء‬

‫إلى من أهدوا لنا حياة الحرية والكرامة‪...‬وطلبوا الشهادة لتوهب لنا الحياة‬
‫إلى من سقوا بدمائهم الزكية هذه األرض المباركة بكل صفاء وخلدوا ذكراهم بأروع صور التضحية‬
‫والشجاعة واإليمان باهلل‬

‫‪ ...‬أهدي هذا العمل‬

‫‪...‬إلى أمي الغالية‪ ،‬وإلى والدي العزيز " صالح" رحمه اهلل‪ ،‬وإلى أبنائي احمد صالح وأساور الذهب وكل‬
‫العائلة وإلى جميع األصدقاء وكل من يعرف علي ومن أحببناهم في اهلل‪.‬‬

‫حويج علي‬

‫‪III‬‬
‫اإلهداء‬
‫إلى من أهدوا لنا حياة الحرية والكرامة‪...‬وطلبوا الشهادة لتوهب لنا الحياة‬
‫إلى من سقوا بدمائهم الزكية هذه األرض المباركة بكل صفاء وخلدوا ذكراهم بأروع صور التضحية والشجاعة واإليمان باهلل‬

‫‪ ...‬أهدي هذا العمل‬

‫إلى من أضاءت لنا درب الحياة بنور األخالق والتربية الفاضلة‪:‬‬

‫‪...‬إلى أمي الغالية‪ ،‬إلى والدي العزيز " عبد القادر " رحمه اهلل‪ ،‬وإلى كل أفراد عائلتي وإلى جميع األصدقاء وزمالء العمل‬
‫والدراسة ومن أحببناهم في اهلل‪.‬‬

‫غيالني محي الدين‬

‫‪IV‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫شكر وتقديـ ـ ـ ـ ــر ‪II .....................................................................................‬‬
‫اإلهداء ‪IV ...........................................................................................‬‬
‫فهرس احملتويات ‪V ....................................................................................‬‬
‫قائمة املختصرات ‪VI ..................................................................................‬‬
‫امللخص ‪VII .........................................................................................‬‬
‫مقدمة ‪ ............................................................................................‬أ‪-‬د‬
‫الفصل األول‪ :‬الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬
‫أوال‪ :‬أدب الرحالت وتطوره عند العرب ‪6 ................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أغراض ودوافع الرحالت عند العرب واملسلمني ‪8 .....................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬مناذج ملشاهري الرحالة واجلغرافيني العرب واملسلمني يف القرن الرابع هجري ‪12 ...........................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬إبن حوقل وكتاب صورة األرض‬
‫أوال‪ :‬سرية وحياة إبن حوقل ‪20 .........................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أمهية ومكانة إبن حوقل يف الفكر اجلغرايف ‪22 .......................................................‬‬
‫ثالثا التعريف بكتاب صورة األرض وأهم مصادره ‪24 ......................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬
‫أوال‪:‬السلطة احلاكمة والنظام احلريب يف األندلس من خالل صورة األرض ‪32 .................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬احلياة اإلجتماعية واإلقتصادية يف األندلس من خالل صورة األرض ‪37 ................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬دوافع النظرة السلبية البن حوقل حول السلطة والنظام احلريب األندلسي ‪41 .............................‬‬
‫خامتة ‪45 .............................................................................................‬‬
‫قائمة املالحق ‪48 .....................................................................................‬‬
‫املصادر واملراجع ‪54 ...................................................................................‬‬

‫‪V‬‬
‫قائمة المختصرات‬
‫االختصار‬ ‫الكلمة‬
‫ط‬ ‫الطبعة‬
‫ج‬ ‫الجزء‬
‫ص‬ ‫الصفحة‬
‫تر‬ ‫ترجمة‬
‫تح‬ ‫تحقيق‬
‫ع‬ ‫العدد‬
‫مج‬ ‫المجلد‬

‫‪VI‬‬
‫الملخص‬

‫تناولنا يف هذه الدراسة موضوع صورة اجملتمع األندلسي عند الرحالة واجلغرافيني يف العهد‬
‫األموي( ‪138‬ه‪756،‬م‪422/‬ه‪1032،‬م ) من خالل كتاب (صورة األرض) البن حوقل ‪،‬حيث‬
‫قدمنا يف البداية عرضا ألهم الدوافع واألغراض املسامهة والدافعة للرتحال والسفر‪ ،‬مع ذكر أهم النماذج‬
‫من الرحالة واجلغرافيني الذين إشتهروا وذاع صيتهم يف القرن الرابع اهلجري (العاشر امليالدي) والذين‬
‫إعتمدوا يف تدوين مصنفاهتم على املشاهدة واملعاينة خالل رحالهتم‪ ،‬وتكتسي هذه النصوص املصدرية‬
‫أمهية كربى لكل باحث يف جمال الفكر اجلغرايف والعمراين واحلضاري وخمتلف جوانب احلياة السياسية‬
‫واإلجتماعية والسياسية والدينية والثقافية‪ ،‬ويعترب الرحالة املشرقي إبن حوقل البغدادي الذي طاف‬
‫األقاليم اإلسالمية قرابة ثالثني سنة ونقل جتاربه ومشاهداته وأهم احملطات اليت زارها وعاش بني أهلها‬
‫من أمههم ‪،‬والذي ختم رحلته بتدوين مصنفه (صورة األرض) ‪،‬الذي يعد من أبرز املؤلفات اهلامة يف‬
‫الفكر اجلغرايف العريب واإلسالمي ‪ ،‬وكان من بني احملطات اليت زارها إبن حوقل وأقام فيها وضمنها يف‬
‫جزء من كتابه هذا بالد األندلس على عهد اخلالفة األموية زمن حكم اخلليفة عبد الرمحان الناصر‪،‬‬
‫وكان البن حوقل نظرة ورؤية خاصة عن جمتمعها وأهلها وسلطتها ‪،‬رأي إنفرد به عن غريه ‪،‬تربز من‬
‫خالله دوافعه وميوالته الشخصية واليت ميكن إستنتاجها من خالل حتليل بعض نصوص كتابه (صورة‬
‫األرض )‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬اجملتمع األندلسي ‪ -‬الرحالة ‪ -‬اجلغرافيني ‪ -‬عهد األمويني ‪ -‬ابن حوقل‬

‫‪VII‬‬
Summary

In this study, we dealt with the subject of one of the images


of the Andalusian society among travelers and geographers in the
Umayyad era (138 AH / 422 AH). through the book (The Image of the
Earth) by Ibn Hawqal, through which we tried at the beginning to
present the most important motives and purposes contributing and
driving travel and travel with mentioning the most important models of
travelers And the geographers who became famous and became famous
in the fourth century AH (tenth AD) who relied on observation and
inspection during their travels in codifying their works. Hawqal al-
Baghdadi, who toured the Islamic regions for nearly thirty years,
conveyed his experiences and observations, and the most important
stations he visited and lived among its people. Part of his book, Bilad al-
Andalus, the era of the Umayyad caliphate, the era of the caliph Abd al-
Rahman al-Nasser, who had a special view and vision about its society,
its people, and its authority.

Keywords: Andalusian society - travelers - geographers - the era of the


Umayyads - Ibn Hawqal.

VIII
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫مبجـرد ااعــك لكلمــة األنــدلس يتبــادر إل ذهنـك وقلبــك ذلــك الشــعور الــذي كلـه أســى وحــزن وحســرة علــى‬
‫إنفالت أحد أهم ركائز الدولة اإلسالمية بتلك البسـاطة والسـهولة‪ ،‬والـيت كانـمت متثـل مركـز إشـعاع حضـاري يف كافـة‬
‫اجملاالت ‪،‬خاصة يف عصرها الذهيب عهد اخلالفة األمويـة يف األنـدلس حيـث كانـمت لـل إسـتقطاب مجيـع البشـر مـن‬
‫كافة مناطق العامل ‪،‬مبختلف أجناسهم ومستوياهتم وكانمت مفتوحة أمام اجلميع وقصـدها الرحالـة واجلغرافيـون ودونـوا‬
‫وكتبـ ـ ـوا مش ـ ــاهدهتم وجت ـ ــار م ومعايش ـ ــتهم للمجتم ـ ــع األندلس ـ ــي‪ ،‬يف نص ـ ــوص ومؤلف ـ ــات فتح ـ ــمت ا فـ ـ ـاق املعرفي ـ ــة‬
‫وإستقصمت العادات البشرية‪ ،‬ودونمت املشاهدات والتجارب‪ ،‬وإقتحممت احلدود السياسـية‪ ،‬وراـمت حـدود اخلـرائ‬
‫اجلغرافي ــة ‪،‬فكان ــمت ه ــذه النص ــوص مص ــدرا مهم ــا لت ــاري األن ــدلس اإلجتم ــاعي والسياس ــي واإلقتص ــادي والثق ــايف‬
‫والــديي‪ ،‬وكــان هلــا دور حضــاري يف تطــوير خمتلــف العلــوم ‪،‬كمــا شــكلمت مصــدرا مهمــا يف الــرد علــى كتابـات علمــاء‬
‫الغــرب الــذين حــاولوا طمــس هــذا الــدور وحتجيمــه‪ ،‬وكــان مــن بــني الرحالــة الــذين وفــدوا علــى األنــدلس و أقــاموا فيهــا‬
‫فرتة من الزمن‪ ،‬الرحالة القادم من املشرق اإلسالمي ابن حوقل النصييب البغدادي ‪ ،‬الـذي دون رحلتـه إل األنـدلس‬
‫ضــمن مصــنفه (صــورة األرض) ‪ ،‬ويف هــذا الســياق متحــور موضــوع دراســتنا املعنــون ب ـ‪ :‬صــورة المجتمــع األندلســي‬
‫عند الرحالة والجغرافيين في العهد األموي(‪138‬ه‪756،‬م ‪422/‬ه‪1032،‬م) إبن حوقل أنموذجا‪.‬‬
‫دواعي اختيار الموضوع‬
‫‪-‬تقصى مدى صحة احلقائق اليت نقلها إبن حوقل يف حديثه عن األندلس وجمتمعها‪.‬‬
‫‪ -‬لاولة إبراز مسامهة دور الرحالة يف إثراء الرتاث العـريب اإلسـالمي باملعـارف اجلغرافيـة املتعـددة الـيت ميكـن إسـتغالل‬
‫مادهتا إجتماعيا وسياسيا ودينيا وإقتصاديا‪.‬‬
‫‪ -‬امليول الشخصية ملوضوع الرحالت واجلغرافيا وكل ما تعلق بتاري األندلس‪.‬‬
‫إشكالية الموضوع‬
‫لإلحاطة مبوضوع الدراسة من كل اجلوانب إرتأينا طرح اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫مـا هـي الصـورة الـيت نقلهـا إبــن حوقـل عـن اجملتمـع األندلسـي خـالل العهــد األمـوي باعتبـاره رحالـة قـادم مـن املشــرق‬
‫اإلسالمي وخارج عن املغرب اإلسالمي وإطاره املذهيب؟‬
‫ولإلجابة عن هاته اإلشكالية طرحنا التساؤالت التالية‪:‬‬
‫‪-‬ما هي دوافع وأغراض الرحالت عند العرب واملسلمني؟‬

‫أ‬
‫مقدمة‬
‫‪-‬ما هي أهم املصادر اليت أخذ عنها إبن حوقل أثناء تدوين مصنفه؟‬
‫‪-‬م ــا ه ــو س ــبب حتام ــل إب ــن حوق ــل عل ــى أه ــل األن ــدلس وه ــل م ــا ذك ــره عـ ـن اجملتم ــع األندلس ــي كانـ ـمت آراء‬
‫موضوعية أم ذاتية؟‬
‫ولإلجابة على إشكالية الدراسة إتبعنا اخلطة التالية ‪:‬‬
‫تناولنــا يف الفصــل األول التعريــف باجلغرافيــا والــرحالت عنــد العــرب واملســلمني‪ ،‬مــن خــالل أدب ال ــرحالت‬
‫وأهــم دوافعــه وأغراضــه ‪،‬مث ذكرنــا بعــض النمــاذج مــن الرحالــة العــرب واملســلمني الــذين ذاع صــيتهم يف القــرن الراب ـع‬
‫اهلجري العاشر ميالدي ‪،‬أمـا الفصـل الثـاين تناولنـا فيـه التعريـف بنمـوذج الدراسـة إبـن حوقـل وقـراءة يف سـريته وحياتـه‬
‫وأمهيته يف الفكر اجلغرايف‪ ،‬مث التعريف بكتـاب (صـورة األرض )وأهـم املصـادر الـيت إعتمـد عليهـا ‪،‬أمـا الفصـل األخـري‬
‫مت فيـه التطــرق ودراســة اجملتمــع األندلســي مــن خــالل رؤيــة ابـن حوقــل وتبيــان دوافــع احلكـم الســليب إلبــن حوقــل علــى‬
‫السلطة األموية واجليش األندلسي ‪،‬وأخريا خامتة البحث وفيها حوصلة لنتيجة الدراسة ‪.‬‬
‫أمــا املــنهج املتبــع يف هــذه الدراســة فقــد تنــوع بــني املــنهج التــار ي املبـ علــى الســرد والتحليــل ‪،‬باإلضــافة إل املــنهج‬
‫املقارن الذي قارنا فيه بعـض النصـوص املصـدرية ‪،‬إضـافة إل تفكيـك نـص ابـن حوقـل مـن حيـث الذاتيـة واملوضـوعية‬
‫وكل هذا يتناسب مع طبيعة موضوع الدراسة ‪.‬‬
‫وخالل إجناز هذا البحث صادفتنا بعض الصعوبات واليت متثلمت يف‪:‬‬
‫‪-‬جل املصادر واملراجع أخذت عن بعضها الـبعض ممـا أدى إل تشـابه وتكـرار املـادة العلميـة املتضـمنة فيهـا‬
‫مما إضطرنا إل كثرة اإلقتباس يف هذه الدراسة خاصة يف الفصل األول ‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‬
‫يوجد بعض الدراسات ذات صلة مبوضوع الدراسة نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬مقال حتمت عنوان األندلس من خالل كتاب صورة األرض ل ـ عبد الواحد ذو النون طه‪ ،‬جملة املؤرخ‬
‫العريب‪ ،‬ع‪ 23،‬بغداد ‪.1983‬‬

‫ب‬
‫مقدمة‬
‫أما املصادر واملراجع املعتمدة يف إجناز هذه الدراسة نذكر منها ‪:‬‬
‫كتاب (صورة األرض) طبعة مكتبة احلياة بريوت ‪ 1992 ،‬البن حوقل كمصدر رئيسي يف إجناز هذه‬
‫الدراسة خاصة اجلزء الذي تطرق فيه إل املوضوع اخلاص بزيارته لألندلس وما نقله عنها والذي دونه يف قرابة‬
‫تسعة صفحات حسب طبعة هذا الكتاب ‪.‬‬
‫باإلضافة إل الطبعة األول كتاب صورة األرض طبعة ليدن ‪.1873‬‬
‫كتاب( المسالك والممالك) لإلصطخري وقد إختص كتابه يف مواضيع اجلغرافيا اإلقليمية لبلدان العامل‬
‫اإلسالمي‪،‬حيث درس اإلصطخرى هذه البلدان بالتفصيل‪،‬باعتبارها مركز العامل‪،‬وقد قسم اإلصطخرى العامل‬
‫اإلسالمي إل أقاليم ومناطق واسعة‪،‬ورسم لكل إقليم إسالمي خريطة‪.‬‬

‫واعتمدنا كذلك على كتاب( مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي خاصة اجلزء الثاين منه‬
‫والذي حتدث فيه عن اجلغرافيا والرحالت‪ ،‬وقدم فيه دراسة جغرافية لبالد الشام ومصر واليمن واحلجاز‬
‫واملغرب والعراق وخراسان وفارس وخوزستان واهلند والصني وبالد الروم‪،‬كما حتدث عن األديان ويُعد هذا‬
‫الكتاب من أهم كتب اجلغرافيا عند املسلمني‪.‬‬
‫باإلضافة إل املقدسي وكتابه (أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم) وقد مجع مادة كتابه هذا أثناء‬
‫تاجرا على دراية بأحوال الناس واألقاليم‪،‬وكان منهجه يف هذا الكتاب‬
‫رحالته يف البالد اإلسالمية‪،‬فقد كان ً‬
‫هو حترى الدقة قدر اإلمكان وما إتفق عليه العلماء‪ ،‬أما ماإختلفوا فيه فقد إستبعده‪ .‬وقد حتدث املقدسى عن‬
‫الديار اإلسالمية فق ‪.‬‬
‫أما املراجع اليت إعتمدنا عليها يف اجناز هذه الدراسة كانمت كثرية ونذكر أمهها ‪:‬‬
‫كتاب (تاريخ األدب الجغرافي العربي) للمستشرق الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي قام برتمجته إل‬
‫العربية األديب السوداين صالح الدين عثمان هاشم‪ ،‬يعد أفضل ماكتب‪ ،‬يف موضوع األدب اجلغرايف باعتباره‬
‫موسوعة حقيقية دقيقة مليئة باملعلومات والسري‪ ،‬والتحليالت لواحد من فنون الكتابة اليت كان هلا دور أساسي يف‬
‫إحياء الرتاث العريب اإلسالمي و احلضارة اإلسالمية ككل‪.‬‬

‫فؤاد قنديل وكتابه (أدب الرحالت في التراث العربي )والذي يهتم بكل ماتركه الرحالة العرب يف‬
‫سجلوه يف أدب الرحلة‪ ،‬وما دونوه من تأمالت ومشاهدات‬ ‫رحالهتم‪ ،‬وما شاهدوه من عجائب وغرائب‪ ،‬وما ّ‬
‫ومالحظات‪ ،‬وما قدمته آداب الرحلة من طاقة قصصية عظيمة‪ ،‬ويستعرض يف كتابه هذا التعريف بأهم الرحالة‬

‫ج‬
‫مقدمة‬
‫ومصنفاهتم بداية من القرن الثالث اهلجري ال غاية القرن الثامن اهلجري وإعتمدنا عليه بشكل خاص يف تقدمي‬
‫ترمجة ألهم الرحالة يف القرن الرابع اهلجري ‪.‬‬

‫ويف األخري ميكن القول أنه مت االعتماد بشكل خاص وقدر اإلمكان على كتب ومصنفات الرحالت واجلغرافيا‬
‫وذلك لطبيعة موضوع الدراسة ‪.‬‬

‫د‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬


‫أوال‪ :‬أدب الرحلة وتطوره عند العرب والمسلمين‬

‫ثانيا‪ :‬أغراض ودوافع الرحالت عند العرب والمسلمين‬

‫ثالثا‪ :‬نماذج لمشاهير الرحالة العرب في القرن الرابع هجري‬


‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬

‫دأب اإلنسان منذ أن خلقه اهلل تعال على اإلرحتال والسـفر ‪،‬وذلـك كسـلو إنسـاين عرفتـه البشـرية بأشـكال‬
‫وأمنـاط خمتلفـة وكانـمت الغايــة يف أغلـب األحيـان مــن أجـل البحـث عــن الكـأل والـرزق والــرتويح علـى الـنفس‪ ،‬واهلــروب‬
‫من األوبئـة واحلـروب أو حـ اإلستكتشـاف وطلـب العلـوم ‪،‬ويقـول أبـو احلسـن املسـعودي‪ ... :‬لـيس مـن لـزم جهـة‬
‫وطنه وقنع مبا ع إليه من األخبار من إقليمه كمـن قسـم عمـره علـى قطـع األقطـار ووزع بـني أيامـه تقـاذف األسـفار‬
‫‪1‬‬
‫واستخرج كل دقيق من معدنه وإثار كل نفيس من مكمنه‪....‬‬

‫أوال‪ :‬أدب الرحالت وتطوره عند العرب‬

‫ه ــو أدب يق ــوم عل ــى الس ــرد القصص ــي‪ ،‬ك ــي في ــه ص ــاحب الرحل ــة مش ــاهداته وإنطباعات ــه ع ــن ال ــبالد ال ــيت‬
‫يزورهـا‪ ،‬ويقـوم علــى وصـف كــل مـا لــه عالقـة باجملتمعـات مــن عـادات النــاس‪ ،‬وتقاليـدهم وأمنــاط عيشـهم‪ ،‬وتفكــريهم‬
‫وسلوكياهتم وهلجاهتم ولغة تواصلهم ومهنهم وكل ما يتعلق باحلياة اليوميـة‪ ،‬وكمـا يسـرد مراحـل رحلتـه مرحلـة مرحلـة‪،‬‬
‫وح ما تعرض له من أخطار ومشاكل ‪ ،‬ومن شروط أدب الرحالت دقة املالحظة‪ ،‬وحتـري احلقيقـة وسـهولة الروايـة‬
‫وحسن الوصف واإلبداع فيه ومجيع هذه الصفات البد أن تتوفر يف الرحالة‪.2‬‬

‫شــهدت الرحلــة يف القــرن الرابــع اهلجــري إزدهــارا مل تشــهده مــن قبــل مــن خــالل تلــك املؤلفــات واملصـنفات الــيت‬
‫ألفــمت ودونــمت يف هــذا القــرن بــاختالف مواضــيعها يف األدب أو اجلغرافي ــا أو املوس ــوعات ومل يعــد الرحالــة يهتم ــون‬
‫بالرحالت فق ويكتفون ا‪ ،‬بل صاروا يدونون النصوص لينقلـوا أخبـار البلـدان واألمـاكن الـيت زاروهـا لغـريهم‪ ،‬وهنـا‬
‫ظهر مـا يعـرف مبـدونات املسـالك واملمالـك‪. 3‬ويـدخل يف صـنف الـرحالت اجلغرافيـة عـدد كبـري مـن املؤلفـات خاصـة‬
‫يف القرن الرابع اهلجري الذي متيز بظهور عدد كبري من الرحالة من أشهرهم‪:‬‬

‫‪ -‬اإلصطخري صاحب كتاب (املسالك واملمالك) وكتاب (األقاليم)‪.‬‬


‫‪ -‬املسعودي‪ ،‬صاحب كتاب (مروج الذهب ومعادن اجلوهر)وله عديد املؤلفات األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬إبن حوقل الذي زار األقاليم اإلسالمية ودون ما شاهده يف كتابه (صورة األرض) ‪.‬‬

‫‪ 1‬حسني لمد فهيم ‪،‬أدب الرحالت ‪،‬عامل املعرفة ‪،‬سلسلة كتب ثقافية يصدرها اجمللس الوطي للثقافة والفنون وا داب ‪،‬الكويمت‪،‬جانفي ‪،1978‬ص ‪.06‬‬
‫‪ 2‬فواز الشعار‪ ،‬املوسوعة الثقافية العامة‪ ،‬األدب العريب‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،1999 ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪ 3‬ناصر عبد الرزاق املواين‪،‬الرحلة يف األدب العريب‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النشر للجامعات املصرية مكتبة الوفاء‪ ،‬القاهرة ‪ ،1995،‬ص ‪.75‬‬

‫‪6‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪ -‬لمد املقدسي صاحب كتاب (أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم)‪.‬‬
‫وكانــمت كتابــاهتم ذات طــابع جغـرايف وتــار ي وقــد متيــزوا عــن غــريهم ــذه املصــنفات اجلغرافيــة‪ ،‬وهــذا مــا جعــل‬
‫الكثري من املستشرقني يهتمون ا ومن بينهم املستشرق الروسي إغناطيوس يوليانوفيتش كراتشكوفسكي والذي يعد‬
‫من أهم املتخصصني بدراسـة احلضـارة العربيـة اإلسـالمية يف جوانبهـا املختلفـة ‪،‬مـن خـالل مـا أورده ودونـه يف مصـنفه‬
‫اجلغ ـرايف إعتمــادا علــى نصــوص الرحالــة واجلغ ـرافيني العــرب ‪،‬واــى كتابــه‪(:‬تاري األدب اجلغ ـرايف العــريب ) والــذي مت‬
‫نشــره عــام ‪1957‬م وفيــه عــرض مفصــل للجغرافيــا العربيــة منــذ ظهــور التصــورات اجلغرافي ــة عنــد العــرب إل ظه ــور‬
‫الفروع اجلغرافية األخرى مثل اجلغرافية الوصفية‪ ،‬والرحالت‪ ،‬واجلغرافية البحرية العامة واإلقليمية واجلغرافيا البشرية‪.1‬‬

‫‪ 1‬إغناطيوس يوليانوفيتش كراتشكوفسكي‪،‬تاري األدب اجلغرايف‪ ،‬تر‪ :‬صالح الدين عثمان هاشم‪ ،‬ج‪ ،1‬جامعة الدول العربية‪ ،‬موسكو‪ ،1957 ،‬ص ‪.215-208‬‬

‫‪7‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬أغراض ودوافع الرحالت عند العرب والمسلمين‬

‫تعــددت الــرحالت واختلفــمت دوافعهــا وأغراضــها بــاختالف أصــحا ا حيــث كــان لكــل رحال ـة دوافــع وغاي ـات‬
‫حفزت ـه للقيــام برحلتــه ‪،‬كمــا قــام الكثــري مــن الرحالــة بتــدوين مشــاهداته وجتاربــه يف خمتلــف املنــاطق الــيت زارهــا ‪،‬ولق ـد‬
‫حــث ديننــا اإلســالمي علــى اإلرحتــال وشــجع النــاس عليــه‪ ،‬كونــه يعــود علــيهم مبنــافع يف حي ـاهتم العلميــة والعمليــة‪،‬‬
‫والدينيــة‪ ،‬وه ـو ي ـرتب إرتباطــا وثيقــا بالــدوافع الكثــرية ال ـيت تــدفع اإلنســان إل القي ـام بالرحلــة‪ ،‬وميكــن حتديــد أغ ـراض‬
‫ودوافع الرحلة يف النقاط التالية‪:‬‬

‫أ‪-‬دوافع دينية وتعليمية‬

‫دواف ــع ديني ــة‪ :‬تع ــد م ــن ال ــدوافع املهم ــة واألساس ــية ال ــيت حتف ــز املس ــلم عل ــى اإلرحت ــال خاص ــة ناحي ــة ب ــالد املش ــرق‬
‫اإلس ــالمي‪ ،‬م ــن أج ــل أداء مناس ــك احل ــج ال ــذي أت ــاح للح ــاج أو املعتم ــر مش ــاهدة من ــاطق خمتلف ــة والتع ــرف عل ــى‬
‫جمتمعات متعددة‪ ،‬وقد عمل البعض على تدوين وكتابة مشاهداته ومالحظاته أثناء رحلته إل احلج‪.1‬‬

‫لقــد مثــل الــذهاب إل أداء مناســك احلــج فرصــة للــبعض مــن وصــف رحلــتهم وتســجيل مالحظ ـاهتم‪ ،‬حيــث‬
‫يركب احلجـيج الـدروب الطويلـة يف اجتـاه مكـة املكرمـة واملدينـة املنـورة ومـن حـق احلـاج علـى سـلفه أن يصـف لـه خـري‬
‫الطــرق مــن أجــل الوصــول إل األمــاكن املقدســة ويشــرح لــه مــا ميكــن أن يتعــرض لــه مــن خمــاطر ومصــاعب ليتغلــب‬
‫عليها‪ ،‬أو ح من خالل تبليغ أويل األمر على ما جيب إصالحه من الطرق وتوفري الراحة واألمن للحجاج‪.2‬‬

‫كان للحج األثر الواضح يف تشـجيع الـرحالت‪ ،‬حيـث أوجـب علـى املسـلمني أن يسـافروا مـن أقاصـي األرض‬
‫إل مكة لزيارهتا والتعرف على مهد النبوة‪.3‬‬

‫باإلضــافة إل رحلــة احلــج‪ ،‬شــكل اإلرحتــال مــن أجــل الــدعوة إل اهلل أو زيــارة قــرب النــيب صــلى اهلل عليــه وســلم‪،‬‬
‫واملزارات الدينية مثل قبور األنبياء والصحابة واألولياء طلبا للمغفرة دافعا مهما للرحلة‪.4‬‬

‫‪ 1‬عبد الرمحان محيدة‪ ،‬أعالم اجلغرافيني العرب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1،1984‬ص‪.52‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 3‬امحد أبو سعد‪ ،‬أدب الرحالت وتطوره يف األدب العريب‪ ،‬دار الشرق‪ ،‬بريوت‪ ،1961،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 4‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحلة يف الرتاث العريب‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ،2002 ،2‬ص ‪.19‬‬

‫‪8‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫دوافـع طلــب العلــم‪ :‬لقـد حــث اإلسـالم علــى طلــب العلـم فارحتــل النـاس إل خمتلــف احلواضـر واملراكــز التعليميــة‪،‬‬
‫مــن األنــدلس إل رــارى ومــن بغــداد إل قرطبــة‪ ،‬ومــن منابعــه األصــلية يف مكــة املكرمــة واملدينــة املنــورة للمشــاركة يف‬
‫حلقات الوعظ وجمالس العلم‪ ،‬بغية التزود مبختلف العلوم وأخذها من أفواه الشيوخ ومالقاة العلماء‪.1‬‬

‫مــن األغـراض والــدوافع العلميــة أيضــا التوجــه إل خمتلــف املنــاطق ألخــذ العلــوم خاصــة إذا ذاع صــيمت أبنــاء هــذه‬
‫امل ــدن واش ــتهروا يف جم ــال م ــن جم ــاالت العل ــوم املختلف ــة ‪،‬كالفق ــه والط ــب واهلندس ــة‪ ،‬العم ــارة وغريه ــا‪ ،‬وت ــذكر كت ــب‬
‫احلــديث والســري أن مــن الفقهــاء والعلمــاء مــن كــان يقطــع القفــار ويعــرب األ ــار طلبــا حلــديث نبــوي اــع بــه‪ ،‬أو جملــرد‬
‫التحقق من كلمة فيه‪.2‬‬

‫وجيمــع علمــاء املســلمني علــى جـواز ومشــروعية اإلرحتــال مــن أجــل طلــب العلــم ‪،‬حيـث كــان الطــالب يتعرضــون‬
‫للمشــقة والتعــب ويتكبــدون الصــعاب يف ســبيل طلــب العلــم مــن مناهلــه ومصــادره األصــلية ‪،‬عل ــى أيــدي مش ــاهري‬
‫الرجال ‪.3‬‬

‫يشري إبن خلدون إل أن الرحلـة ال بـد منهـا يف طلـب العلـم واكتسـاب الفوائـد والكمـال وضـرورة لقـاء املشـاي‬
‫ومباشــرة الرجــال لألخــذ مــنهم خمتلــف العلــوم وا داب ‪ ،‬حيــث يفســر ب ـأن الرحلــة متكــن الطالــب مــن لقــاء شــيوخ‬
‫كثـريين إذ يقــول إبــن خلــدون‪ .. :‬أن الرحلــة يف طلــب العلــوم ولقــاء املشــيخة مزيــد كمــال يف الــتعلم والســبب يف ذلــك أن‬
‫البشر يأخـذون معـارفهم وأخالقهـم ومـا ينتحلـون بـه مـن املـذاهب والفضـائل تـارة علمـا وتعليمـا وإلقـاء وتـارة لاكـاة وتلقينـا‬
‫باملباشرة إال أن حصول امللكات عن املباشرة والتلقني أشد استحكاما وأقوى رسوخا فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول‬
‫امللكات ‪.4 ....‬‬

‫‪ 1‬عبد الرمحان محيدة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫‪ 2‬فوائد قنديل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 3‬لمد منري مرسي‪ ،‬الرتبية اإلسالمية أصوهلا وتطورها يف البالد العربية‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬دط ‪1987 ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون عبد الرمحان‪ ،‬كتاب العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف أيام العرب والعجم والرببر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكرب‪،‬راجع سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر لطباعة والنشر‬
‫والتوزيع ‪،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،3‬ج‪ ،1‬ص ‪.541‬‬

‫‪9‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ب‪ -‬دوافع إقتصادية وسياسية‬

‫دوافع إقتصادية‪ :‬لقـد سـاهم الرحالـة يف تنشـي احلركـة اإلقتصـادية وذلـك مـن خـالل التجـارة وجبايـة اخلـراج ونظـام‬
‫الربي ــد‪ ،‬حي ــث محلـ ـوا معه ــم خمتل ــف الس ــلع والبض ــائع إل املن ــاطق ال ــيت يزور ــا ويرحتل ــون إليه ــا ع ــرب خمتل ــف الط ــرق‬
‫واملســالك التجاريــة املعروفــة يف ذلــك الوقــمت‪ ،‬وقــد أشــارت بعــض النقــود وا ثــار الــيت إكتشــفها البــاحثون أثــر هــؤالء‬
‫التجار يف تلك املناطق‪.1‬‬

‫بعد إتساع رقعة العامل اإلسالمي أصبح بإمكان التاجر النشي أن يتنقل بـني مدينـة وأخـرى‪ ،‬يشـرتي ويبيـع دون‬
‫عوائـق أو حـواجز متنعـه‪ ،‬حـامال معـه خمتلـف السـلع والبضــائع حيـث يتعـرف التـاجر علـى أهـل البلـد و ـرب أحـواهلم‪،2‬‬
‫كمــا كــان التجــار علــى معرفــة بــالطرق والــبالد أل ــم كــانوا كثــريو التجـوال والرتحــال وهــذا مــا جعــل الكثــري مــن النــاس‬
‫يلجأ إليهم ملعرفة الطرق‪.3‬‬

‫كم ـا يعتــرب اهلــروب مــن غــالء املعيشــة واإلفتقــار دافعــا للرحلــة والســعي حبثــا ع ـن وفــرة العمــل والتجــارة واإلرت ـزاق‬
‫وسعة العيش‪ ،‬ومن بني الرحالة والتجار العرب الذي قام بعدة رحالت ناحية الشرق األقصى الصني واهلنـد سـليمان‬
‫التــاجر حيــث كتــب عــن هــذه البلــدان الــيت زارهــا عــام (‪ 235‬ه‪807/‬م) ويعــد كتابــه شــاهدا علــى فضــل الرحالــة‬
‫والتجار يف تزويد قراءهم العرب باملعلومات ووصف لطرق ومسالك البلدان اليت زاروها‪.4‬‬

‫دوافــع سياســية‪ :‬متثلــمت يف الوفــود والســفارات الــيت يرســلها احلكــام وامللــو مــن أجــل مهمــات تتعلــق بشــؤون احلــرب‬
‫والســلم وح ـ الفــتح والغــزو ومناقشــة بعــض القضــايا وتوطيــد العالقــات فيمــا بيــنهم أو ح ـ التخفــي والتســرت وراء‬
‫السياحة والتجارة ولكن ألغراض دعائية وسياسية‪.5‬‬

‫‪ 1‬أمحد أبو سعد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 19‬‬


‫‪ 2‬نقوال زيادة‪ ،‬اجلغرافية والرحالت عند العرب‪ ،‬الشركة العاملية للكتاب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دط‪ ، 1987 ،‬ص ‪.147‬‬
‫‪ 3‬جورج غريب‪ ،‬أدب الرحلة‪ ،‬تار ه وأعالمه‪ ،‬دار الثقافة بريوت‪ ،‬ط ‪ ،1979 ،3‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 4‬مجال أفندي‪ ،‬اجلغرافيا عند املسلمني‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1982، 1‬ص ‪.141‬‬
‫‪ 5‬فؤاد قنديل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪10‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ج‪ -‬دوافع سياحية وصحية‬

‫دوافــع ســياحية‪ :‬النزعــة الفطريــة عنــد العــرب للبحــث وحــب اإلطــالع واإلستكشــاف ‪ ...‬رغبــة يف الطـواف نفســه‬
‫والســفر لذاتــه وحــب التنقــل وتغيــري األج ـواء واملنــاظر وجتديــد الــدماء باملشــاهدة واملغــامرة ومعرفــة اجلديــد مــن خلــق‬
‫الطبيعة والبشر‪ ،‬واكتساب اخلربة باملسالك والطبـائع وقـد تكـون لتعـرف املعـامل الشـهرية كا ثـار واملنـارات واألبـراج أو‬
‫الكهوف والغرائب والعجائب‪ 1 ...‬فكانمت السياحة يف أرجاء األرض والنزهة يف البلدان ومما شـجع علـى السـياحة‬
‫أيضا شعور العريب بأنه يف بلده مادام يف ديار عربية وإسالمية ‪.2‬‬

‫دواف ــع ص ــحية‪ :‬ومتثل ــمت غالب ــا يف البح ــث ع ــن الت ــداوي واهل ــروب م ــن اجملاع ــات واألوبئ ــة واجل ـوائح ‪...‬كالس ــفر‬
‫للعالج واإلستشـفاء‪ ،‬أو إراحـة الـنفس مـن ألـوان العنـاء‪ ،‬و ليصـها مـن الكـدر كاإلرحتـال إل املنـاطق الريفيـة واوهـا‪،‬‬
‫وقد يكون هربا من وباء أو طاعون أو تلوث‪.3 ...‬‬

‫‪ 1‬فؤاد قنديل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫‪ 2‬عبد الرمحان محيدة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ 3‬فؤاد قنديل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪11‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬نماذج لمشاهير الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين في القرن الرابع هجري‬

‫لقــد كــان القــرن الراب ـع اهلجــري (العاشــر مــيالدي) مــن أحفــل القــرون بأخبــار الرحالــة العــرب وجتــواهلم يف خمتلــف‬
‫األقطــار‪ ،‬ففيــه وصــلوا إل شـواط أمريكــة وتوغلـوا يف بــالد الــروس وتنقلـوا يف العــامل اإلســالمي شـرقه وغربــه‪ ،‬وحتـدثوا‬
‫عن التجارب واملشاهدات والعـادات والتقاليـد ‪،‬وخمـالطتهم لسـكان تلـك املنـاطق مـن خـالل رحالهتـم يف مؤلفـات مل‬
‫يــزل بعضــها ح ـ اليــوم دليــل املــؤرخ والباحــث ومرجع ـا مــن أهــم املراجــع عــن البلــدان الــيت زاروهــا‪ ،‬ومل يعــد الرحالــة‬
‫يهتمون بالرحالت فق ‪ ،‬ويكتفون ا‪ ،‬بل صاروا يدونو ا لينقلوا أخبـار البلـدان واألمـاكن الـيت زاروهـا لغـريهم وفيمـا‬
‫يلي ذكر لبعض رحالة وجغرافيي القرن الرابع اهلجري‪:‬‬

‫أ‪ :‬اإلصطخري وكتاب المسالك والممالك‬

‫‪ -‬اإلصـطخري‪ :‬يعـد االصـطخري أحـد كبـار الرحالـة واجلغـرافيني العـرب الـذين بـرزوا يف القـرن الرابـع اهلجـري حيــث‬
‫جاب ا فاق وارحتل إل خمتلف األمصار قرابة ربع قرن‪.‬‬

‫هو أبو إسحاق إبراهيم بـن لمـد الفارسـي اإلصـطخري‪ ،‬ويقـال لـه الكرخـي‪1.‬عـاش مبدينـة إصـطخر املوجـودة يف‬
‫إيـران مث إنتقـل إل مدينـة بغــداد كعـادة أبنـاء الفـرس لتلقــي العلـوم فيهـا‪2،‬وكـان اإلصــخري ـب السـفر واإلرحتـال ألنــه‬
‫الســبيل األول لإلســتزادة و ــل املعــارف وحتصــيل خمتلــف العلــوم والســياحة والرياضــة وجتديــد العقــل والوجـدان‪ ،‬حيــث‬
‫زار معظــم الــبالد اإلســالمية بعــد أن هــاجر مــن بــالده لظــروف سياســية ويعــد اإلصــطخري أحــد اجلغ ـرافيني الــذين‬
‫مجع ـوا مــادهتم العلميــة عــن طريــق املشــاهدة مبعاينــة األمــاكن اجلغرافيــة ووصــفها إضــافة إل مــا ق ـرأه يف مصــنفات مــن‬
‫سبقه‪ .‬وقد طاف بالداً كثرية مبتدئاً بديار العرب‪ ،‬من اخلليج إل احملي األطلسي كما زار بعض بـالد اهلنـد‪ ،‬إضـافة‬
‫إل بالد فارس موطنه األصلي‪ ،‬اليت علمها جيدا ودليل ذلك عندما قام بوصـف مـد ا وأحيائهـا وحصـو ا وأ ارهـا‬
‫وحبارها بالتفصيل‪.3‬‬

‫‪ 1‬خري الدين الزركلي‪،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليني ‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،4‬ج‪ ،2002 ،1‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 2‬فؤاد قنديل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ 3‬إبن سعيد املغريب‪ ،‬كتاب جلغرافيا‪ ،‬ط‪ ،1‬تح‪ :‬إااعيل العريب‪ ،‬املكتب التجاري لطباعة والنشر‪،‬بريوت‪ ،1970، ،‬ص ‪.38‬‬

‫‪12‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪-‬كتاب المسالك والممالك‬

‫يتضـح مــن خـالل الكتــاب الـذي ألفــه اإلصـطخري حتــمت عنـوان (املســالك واملمالـك) أنــه كـان مــن أحسـن مــا‬
‫كتــب يف العصــر الوســي ‪ ،‬وذلــك لكثــرة اخل ـرائ الــيت إســتعملها لإليضــاح ومــا أورده يف كتابــه مــن معلومــات تتعلــق‬
‫باحلدود واملسافات وطرق املواصالت وذكره لتفاصيل تتعلق باحلياة اإلجتماعية واإلقتصـادية يف خمتلـف األقطـار الـيت‬
‫زارهــا‪ ،‬وقســم العــامل اإلســالمي إل عش ـرين إقليمــا ‪،1‬وقــد إعتمــد اإلصــطخري يف تــأليف كتابــه هــذا بنــاءا علــى مــا‬
‫شــاهده وعايشــه خــالل رحالتــه وعلــى مــا نقلــه عــن كتــاب صــور األقــاليم أليب زيــد البلخــي وصــحح الكثــري ممـا جــاء‬
‫فيه‪.2‬‬

‫إلتقــى اإلصــطخري مــع إبــن حوقــل يف عــام (‪ 340‬ه‪951/‬م) وكــان مــل معــه نســخة مــن كتــاب املســالك‬
‫واملمالك‪ ،‬وعرض عليه بعض مالحظاته عن الكتـاب فكلفـه اإلصـطخري بتصـحيحه وتنقيحـه خاصـة بـاجلزء املتعلـق‬
‫مبصر وبالد املغرب‪.3‬‬

‫مت نشر كتاب (املسالك واملمالك) لإلصطخري أول مرة عام ‪1839‬م من طـرف د‪ .‬مـولر خمتصـر عـن نسـخة‬
‫خمطوطة لعام (‪ 690‬ه‪1291/‬م)‪ .‬نقلها مولر ووضع هلا مقدمة بالالتينيـة‪4‬مث أعـاد نشـره املستشـرق دي خـوي عـام‬
‫(‪1287‬ه‪1870/‬م) يف لي ــدن ولن ــدا‪ ،‬ومت ــمت إع ــادة طباعت ــه بالص ــور م ــرة أخ ــرى الع ــام (‪ 1246‬ه‪1830/‬م)‪.‬‬
‫حقــق الــدكتور املصــري لمــد جــابر عبــد العــال احليــي الكتــاب عــام (‪1381‬ه‪1961/‬م) ومت نشــره مــن طــرف وزارة‬
‫الثقافة املصرية بالقاهرة‪.5‬‬

‫‪ 1‬أبو إسحاق بن لمد االصطخري‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬مطبعةبريل‪ ،‬ليدن ‪،‬هولندا‪ ، 1927 ،‬ص‪. 03‬‬
‫‪ 2‬زكي لمد حسن‪ ،‬الرحالة املسلمون يف العصور الوسطى‪ ،‬دار الرائد العريب‪،‬بريوت‪ ،1980،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 3‬ابن سعيد املغريب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 4‬فؤاد قنديل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ 5‬علي بن عبد اهلل الرفاعي‪ ،‬ررواد علم اجلغرافيا يف احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬مكتبة التوبة‪ ،‬اململكة العربية السعودية ‪ 1410،‬ه‪ ،‬ص ‪.103‬‬

‫‪13‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ب‪ :‬المسعودي وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر‬

‫‪ -‬المسعودي‪ :‬هو علي بن حسني بن علي أبو احلسن‪ ،‬ويك أبـو احلسـن ينتهـي نسـبه إل الصـحايب اجلليـل عبـد‬
‫اهلل بــن مســعود‪ ،‬ومــن هنــا جــاءت التســمية باملســعودي‪،1‬ولــد العــام (‪287‬ه‪900/‬م) مبدينــة بغــداد ‪،‬نش ـأ وترعــرع‬
‫فيهـا‪ ،2‬كــان ملمــا بـالرتاث األديب لعصــره ومبختلــف نـواحي العلـوم‪ ،‬مث إرحتــل جيــوب األقطـار واملــدن للســياحة ولطلــب‬
‫العلــم ومجــع احلقــائق‪ ،‬واإلتصــال املباشــر مــع خمتلــف طبقــات اجملتمــع‪ ،‬والــيت علــى ض ـوئها دون كتبــه وأخبــار رحالتــه‬
‫وكانمت له عشرات املصنفات‪،3‬كما عرف عنه إستقصـائه عـن األحـداث التار يـة وكـل مـا تعلـق باجلغرافيـة ‪ ،‬إعتمـادا‬
‫علــى الرواي ـات الش ــفاهية وت ــدقيق املالحظ ــة‪ ، .‬فك ــان يف ك ــل م ــرة يس ــتويف فيه ــا معلومات ــه يق ــوم بت ــدوينها وإع ــادة‬
‫تنقيحهــا مــن جديــد ‪ ،‬فيحــذف منهــا غــري املوثــق‪ ،‬لــذا متيــزت مصــنفاته بالدقــة واألصــالة واألمانــة العلميــة وذلــك مــن‬
‫خالل حرصـه الشـديد علـى نقـل احلقيقـة والواقـع ‪ ،‬وتفـوق بـذلك علـى كثـري مـن الرحالـة الـذين كـانوا يـدونون كـل مـا‬
‫يسمعونه من روايات وأساطري وخرافات دون حتقيق‪.4‬‬

‫قــام املســعودي بــرحلتني األول عـام (‪ 309‬ه ‪921/‬م)‪ ،‬والــيت كانــمت باجتــاه بــالد الفــرس حيــث إســتقر مبدينــة‬
‫إصــطخر‪ ،‬مث توجــه منهــا إل اهلنــد والصــني شــرقا واحملــي اهلنــدي مث إنتقــل إل مدغشــقر وعمــان‪ ،‬أمــا الرحلــة الثانيــة‬
‫كان ــمت ع ــام (‪314‬ه‪ 926 /‬م) وتع ــرف فيه ــا عل ــى من ــاطق م ــا وراء النه ــر وأذريبج ــان والش ــام وفلس ــطني وآس ــيا‬
‫الصغرى مث إستقر مبدينة الفسطاط مبصر عام (‪331‬ه ‪ 942 /‬م )‪.5‬‬

‫‪ 1‬الزركلي مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.277‬‬


‫‪ 2‬علي بن عبد اهلل الرفاعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ 3‬كارتشكوفسكي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ 4‬علي بن عبد اهلل الرفاعي ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ص ‪.115 114‬‬
‫‪ 5‬جورج غريب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪14‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر‪:‬‬

‫ألــف املســعودي عش ـرات الكتــب ويعــد كتــاب (مــروج الــذهب ومعــادن اجلــوهر) مــن أشــهرها‪ ،‬حيــث أن الباحــث‬
‫واملطالع بني نصوص ثنايا هذا الكتـاب يتعجـب مـن كثـرة املعلومـات الـواردة فيـه‪ ،‬وعلـى مـا إشـتمل مـن األخبـار الـيت‬
‫هلا عالقة بالتاري واجلغرافيا واحلكام واألمراء وامللو وكل ما تعلق بتاري الشعوب‪.1‬‬

‫إنتهــى املســعودي مــن مجــع وترتيــب وتصــنيف كتــاب (مــروج الــذهب ومعــادن اجلــوهر) ســنة (‪ 336‬ه ‪947 /‬‬
‫م)‪ ،‬مث أعاد ضبطه وتنقيحه مرة أخرى سـنة (‪ 345‬ه‪956/‬م)‪ ،2‬وطبـع الكتـاب يف جـزئني‪ ،‬تطـرق اجلـزء األول إل‬
‫أخبار ومعلومات تتعلق باخلليقة وقصص األنبياء والرسل وتـاري األمـم والشـعوب القدميـة‪ ،‬ونقـل عـاداهتم ومـذاهبهم‬
‫وأخالطهــم وأمــزجتهم مث حتــدث عــن ظهــور اإلســالم حـ مقتــل اخلليفــة عثمــان رضــي اهلل عنــه‪ .‬أمــا اجلــزء الثــاين فقــد‬
‫مشل تاري العامل اإلسالمي بدايـة مـن خالفـة علـى رضـي اهلل عنـه إل عهـد اخلليفـة العباسـي املطيـع ألمـر اهلل (‪336‬‬
‫ه ‪ 947 /‬م )‪.3‬‬

‫قام املستشرق الفرنسي بارنيـه دي مسـينا بنقلـه إل اللغـة الفرنسـية بـني سـنيت ‪1861‬م‪ 1877-‬م يف جملـدان‪،‬‬
‫وكــان قبلــه املستشــرق اإلجنليــزي مربجــر قــد متكــن مــن طبــع اجلــزء األول باإلجنليزيــة ســنة ‪ 1841‬م‪ ،‬مث قــام املصــري‬
‫لمد لي الدين عبد احلميد بتحقيقه وقدممت دار الشعب املصرية بالقـاهرة طبعـة مـن كتـاب مـروج الـذهب ومعـادن‬
‫اجلوهر سنة ‪ 1967‬م‪.4‬‬

‫‪ 1‬علي بن عبد اهلل الرفاعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117‬‬


‫‪ 2‬فواد قنديل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ 3‬أبو حسن بن علي املسعودي‪ ، ،‬مروج الذهب ومعادن اجلوهر ‪ ،‬ج‪ ،1‬ن املكتبة العصرية‪،‬بريوت‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫‪ 4‬فواد قنديل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫‪15‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ج‪ :‬المقدسي وكتابه أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم‬

‫‪-‬المقدســي‪ :‬يعتــرب أحــد أبــرز جغرافيـي القــرن الرابــع اهلجــري (العشــر املــيالدي) واشــتهر بعــدة أاــاء منهــا املقدســي‬
‫والبشــاري وإاــه الكامــل مشــس الــدين أبــو عبــد اهلل‪ 1‬لمــد بــن أمحــد بــن أيب بكــر البنــاء املقدســي البشــاري‪، 2‬عــرف‬
‫بالبنــاء نســبة إل جــده الــذي إشــتهر بالبنــاء يف مدينــة عكــة وكــان مولــد املقدســي عــام (‪ 335‬ه‪ 946 /‬م) يف بيــمت‬
‫املقدس‪.3‬‬

‫يق ــول املقدس ــي يف كتاب ــه أحس ــن التقاس ــيم يف معرف ــة األق ــاليم ‪ ....‬ولق ــد اي ــمت بس ــتة وثالث ــني اا ــا دعي ــمت‬
‫وخوطبـمت ـا مثـل مقدسـي وفلسـطيي ومصـري ومغـريب وخراسـاين وسـلمي ومقـري وفقيـه وصـويف وويل وعابـد وزاهـد‬
‫وسياح ووراق وجملد وتاجر ومذكر وإمام وخطيب وغريب وعراقي وبغدادي وشامي وحليفي ومتـؤدب ‪ .....‬وذلـك‬
‫لكثــرة البلــدان الــيت زارهــا و املواضــيع واجملــالس واملناســبات الــيت شــاركها مــع خمتلــف اجملتمعــات الــيت عــاش بينهــا وكــان‬
‫القصــد وراء هــذه األاــاء الكثــرية املخالطــة واإلنــدماج داخــل اجملتمــع ودراســة أحوالــه اإلجتماعيــة واإلقتصــادية عــن‬
‫كثب‪.4‬‬

‫عــاش املقدســي صــباه وشــبابه يف مدينــة القــدس مث إرحتــل إل مدينــة العلــم والعلمــاء بغــداد ‪،‬مــن أجــل الدراســة‬
‫والتــزود مبختلــف العلــوم ومالزمــة دور الكتــب واإلطــالع عليهــا خاصــة كتــب الــرحالت واألســفار واجلغرافيــا ‪،‬مث بــدأ‬
‫العمــل علــى مراجعــة مــا ألــف يف بعــض كتــب اجلغرافيــا‪،5‬مثــل البلخــي وإبــن فقيــه ووجــد أن كتابــاهتم كانــمت تــتم عــن‬
‫طريق نقل الروايات من طرف الغرباء والتجار ‪،‬فعزم على زيارة األقـاليم واألمصـار اإلسـالمية دون بـالد الكفـر‪ ،‬وألن‬
‫اجلغرافيــا حســب رأي املقدســي تتطلــب التجربــة واملشــاهدة ‪،‬ومعايشــة أف ـراد اجملتمــع أح ـواهلم وعــاداهتم وتقاليــدهم‬

‫‪ 1‬كارتشكوفسكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.209‬‬


‫‪ 2‬الزركلي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.312‬‬
‫‪ 3‬علي بن عبد اهلل الرفاعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫‪ 4‬مشس الدين أىب عبد اهلل لمد املقدسى ‪ ،‬أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم‪ ،‬ط‪،3‬مكتبة مدبويل القاهرة‪ ،1991، ،‬ص ص ‪44 43‬‬
‫‪ 5‬امحد أبو سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬

‫‪16‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ومناســباهتم وليســمت بالقيــاس‪ ،‬وقــام بتقســيم العــامل اإلســالمي إل أربعــة عشــر إقليمــا ســبعة أقــاليم للعجــم وســبعة‬
‫أقاليم للعرب‪.1‬‬

‫‪ -‬كتاب (أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم)‬

‫إمتاز املقدسي بكثرة مالحظاته وسعة نظره وكان شديد احلرص على التعرف عن البالد وسكا ا فاسـتطاع وهـو‬
‫يف عمر األربعني أن يؤلف كتابه املعروف (أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم)‪.2‬‬

‫يقــول يف مقدمــة كتابــه ‪...‬مــامت ليجمــع الكتــاب إال بعــد جــواليل يف البلــدان ودخــويل يف أقــاليم اإلســالم ولقــائي‬
‫العلم ــاء وخ ــدميت املل ــو وجمالس ــيت القض ــاة ودرس ــي عل ــى الفقه ــاء وخم ــالطيت الزه ــاد واملتص ــوفني وحض ــوري جم ــالس‬
‫القصاص واملذكرين مع لزوم التجارة يف كل بلد ‪.3 ....‬‬

‫ميكن تقسيم كتابه إل ثالثة أجزاء إعتمادا على املصادر اليت نقل منها‪:‬‬

‫_ ما شاهده والحظه بنفسه وعايشه يف خمتلف األقاليم اليت زارها ‪.‬‬

‫_ ما اعه من أناس ذوي ثقة وأعاد التثبمت والتحقق منه ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ما وجده مكتوبا من نصوص ودون يف الكتب السابقة وعمل على التحقق منه‪.4‬‬

‫قام املقدسي يف كتابه (أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم) بذكر األقاليم اإلسالمية وما فيها من البحار‬
‫والبحريات واأل ار‪ ،‬ووصف أمصارها املشهورة ومد ا املذكورة‪،‬ومنازهلا املسكونة‪ ،‬وطرقها املستعملة‪ ،‬وعناصر‬
‫العقاقري وا الت‪ ،‬واملعادان واألسواق‪،‬وإختالف أهل البلدان يف الكالم واللهجات واأللوان واألعراق‪،‬واملذاهب‬
‫واملكاييل واألوزان‪ ،‬والنقود واملعامالت املالية‪،‬واملأكوالت واملشروبات وكل ما تعلق حبياهتم اليومية‪.‬‬

‫‪ 6‬املقدسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬


‫‪ 1‬كارتشكوفسكي‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫‪ 2‬املقدسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 3‬مجال أفندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.133‬‬

‫‪17‬‬
‫الرحالت والجغرافيا عند العرب والمسلمين‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫وجد كتاب أحسن التقاسـيم يف معرفـة األقـاليم يف نسـختني النسـخة األول الـيت كانـمت عـام (‪ 375‬ه‪985 /‬‬
‫م) والــيت أهــدها املؤلــف إل ســلطان آل ساســان يف شــرق إيـران أمــا النســخة الثانيــة والــيت أعــاد املقدســي كتابتهــا عــام‬
‫(‪378‬ه ‪ 988 /‬م) أه ــدها إل الف ــاطميني‪ ،‬وتوج ــد الي ــوم النس ــختني األول بإس ــطنبول واألخ ــرى بربل ــني ومت نش ــر‬
‫الكتــاب أول مــرة عــام ‪ 1906‬م مــن طــرف املستشــرق دي خويــه والــذي مت طبعــه يف ليــدن ولنــدا‪ ،‬وكانــمت آخــر‬
‫الطبعات عام ‪1991‬م‪ ،‬واليت قاممت بنشرها مطبعة مدبويل بالقاهرة دون حتقيق‪.1‬‬

‫‪ 1‬فواد قنديل ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ص ‪.272 271‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫إبن حوقل وكتابه صورة األرض‬


‫أوال‪ :‬سيرة وحياة إبن حوقل‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية ومكانة إبن حوقل في الفكر الجغرافي‬

‫ثالث‪ :‬التعريف بكتاب صورة األرض وأهم مصادره‬


‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬إبن حوقل وكتاب صورة األرض‬

‫أوال‪ :‬سيرة وحياة إبن حوقل‬

‫هــو أبــو القاســم لمــد بــن علــي البغــدادي أحــد أشــهر الرحالــة واجلغـرافيني يف القــرن الرابــع اهلجــري وهــو رحالــة‬
‫وتــاجر‪1،‬ويعــرف بــابن حوقــل النصــييب املوصــلي‪ ،‬مولــده كــان يف مدينــة بغــداد ومل حتــدد املصــادر واملراجــع تار ــا ملولــده‬
‫وميكــن العثــور علــى إشــارات تــرجح أن مولــده كــان أواخــر القــرن الثالــث اهلجــري‪ ،‬مــن خــالل كتــاب (صــورة األرض)‬
‫وذلك يف معرض حديثه عـن بـالد الشـام وخراجهـا ‪،‬حيـث يقـول ورأيـمت ارتفـاع الشـام ومـا يف ضـمنها مـن األعمـال‬
‫واألجنــاد والــيت أقــف علــه مــن مجاعــة علــي بــن عيســى ولمــد بــن ســلمان لســنة ســمت وتســعني ومــائتني وســنة ســمت‬
‫وثالمثائــة مــن مجيــع وجوههــا إل حقــوق بيــمت املــال ومــا يلــزم لــه مــن التوابــع دون أرزاق العمــال تســعة وثالثــون ألــف‬
‫درهــم ‪ 2‬مث إرحتــل إل مدينــة املوصــل وعــاش فيهــا وامــتهن التجــارة مث غادرهــا إل عاصــمة اخلالفــة مدينــة بغــداد‪،‬‬
‫وكان منذ صغره مولعا ومهتما مبطالعـة كتـب البلـدان واجلغرافيـا والـرحالت‪3،‬فعـزم علـى أن يضـع كتابـا يف اجلغرافيـا ال‬
‫يأخذه من أفواه الناس وال مما قرأه وإمنا يأخذه مما شاهده والحظه وعاشه مع جمتمعات العامل اإلسالمي‪.4‬‬

‫غادر إبن حوقـل مدينـة بغـداد يـوم اخلمـيس السـابع مـن شـهر رمضـان عـام (‪ 331‬ه‪942/‬م) رغبـة يف دراسـة‬
‫الشعوب والبلدان واإلرتزاق من التجارة‪ ،‬فطـاف العـامل اإلسـالمي شـرقه وغربـه‪ ،‬وعـاش إبـن حوقـل فـرتة مـن الـزمن يف‬
‫قرطبــة أيــام حكــم عبــد الرمحــان الناصــر‪ ،‬أي عصــر إزدهــار اخلالفــة األمويــة يف األنــدلس‪ ،5‬وممــا زاد حبــه وإهتمامــه‬
‫باجلغرافيا والرحالت إلتقائه باإلصطخري عام (‪ 340‬ه‪951/‬م) علـى أرجـح األقـوال وهـو مـل نسـخة مـن كتـاب‬
‫اإلصطخري فطلب منه تنقيحه وتصحيح بعض املعلومات الواردة فيـه‪6‬وقـد ذكـر إبـن حوقـل هـذا اللقـاء حيـث يقـول‬
‫ولقــد لقيــمت أبــا إســحاق الفارســي وقــد صــور هــذه الصــورة ألرض الســند فخلطهــا وصــور فــارس فجوزهــا وقــد كنــمت‬
‫صــورت أذربيجــان الــيت يف هــذه الصــفحة فاستحســنها واجلزيــرة فاســتنجادها‪ ،‬وأخــرج الــيت ملصــر فاســدة‪ ،‬وللمغــرب‬

‫‪ 1‬خري الدين الزركلي ‪،‬مصدر سابق ‪،‬ج‪،5‬ص ‪.111‬‬


‫‪ 2‬ابن حوقل ‪ ،‬صورة األرض‪،‬مكتبة احلياة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دط ‪،1991 ،‬ص ص ‪.173 172‬‬
‫‪ 3‬عبد الرمحان محيدة ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.210‬‬
‫‪ 4‬شوقي ضيف ‪ ،‬الرحالت ‪ ،‬ط ‪،4‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 5‬ابن حوقل‪، ،‬املصدر السابق ص ص ‪.11 10‬‬
‫‪ 6‬كرتشكوفسكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.201‬‬

‫‪20‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫ـلحمت منــه‬
‫ـللمتف فأصـ ُ‬
‫ـرت يف مولـد و أثــر ‪ ،‬وأنــا أســألك إصــالح كتـايب هــذا حيـث ضـ ُ‬
‫أكثرهـا خطــأ‪ .‬وقــال‪ :‬قــد نظـ ُ‬
‫غري ٍ‬
‫شكل وعزوته إليه‪. 1‬‬ ‫َ‬

‫إشــتهر إبــن حوقــل عــن معاصـريه وســابقيه يف جمــال رســم اخلـرائ حيــث متكــن مــن رســم اخلـرائ بشــكل دقيــق‬
‫وأصبحمت له نظريـات وآراء خمتلفـة كانـمت نتيجـة رحالتـه املتكـررة الـيت دامـمت قرابـة ثالثـني سـنة يف منـاطق خمتلفـة مـن‬
‫العامل اإلسالمي‪.2‬‬

‫إختلفمت الروايات يف ذكر تاري وفاة إبن حوقل ‪،‬حيث يذكر كل من إااعيـل باشـا البغـدادي يف كتابـه هديـة‬
‫الع ــارفني‪ ،‬وح ــاجي خليف ــة يف كتاب ــه كش ــف الظن ــون ع ــن أس ــامي الكت ــب والفن ــون أن ت ــاري وفات ــه ك ــان يف ح ــدود‬
‫(‪350‬ه ‪961/‬م) باألنـدلس‪ ،3‬وهــذا تـاري جانــب الصـحة والصـواب ألن إبـن حوقــل صـرح بنفســه أنـه زار صــقلية‬
‫ســنة ( ‪362‬ه‪972/‬م)‪ ،‬أي أن وفاتــه كانــمت بعــد هــذا التــاري ‪ ،‬أمــا عمــر رضــا كحالــة يف معجــم املـؤلفني يقــول أن‬
‫وفات ــه كان ــمت س ــنة (‪367‬ه‪977/‬م) ‪،‬وجن ــد الزركل ــي ص ــاحب كت ــاب األع ــالم ي ــرى بـ ـأن ت ــاري وفات ــه ك ــان بع ــد‬
‫(‪367‬ه‪977/‬م)‪ ،‬يف بغداد وهو التاري األقرب إل الصواب‪.4‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.284‬‬


‫‪ 2‬علي بن عبد اهلل الرفاعي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 3‬إااعيل باش البغدادي ‪ ،‬هدية العارفني أااء املؤلفني وآثار املصنفني ‪،‬مج ‪ ،2‬وكالة املعارف اجلليلة‪ ،‬إستانبول‪ ،1955،‬ص‪/43‬حاجي خليفة ‪،‬كشف الظنون عن أسامي الكتب‬
‫والفنون‪ ،‬دار إحياء الرتا ث العريب ‪،‬بريوت ‪ ،‬ص ‪.1664‬‬
‫‪ 4‬عمر رضا كحالة ‪،‬معجم املؤلفني ‪،‬ج ‪ ،11‬مطبعة الرتقي ‪ ،‬دمشق ‪ ،1960 ،‬ص ‪.05‬‬

‫‪21‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهمية ومكانة إبن حوقل في الفكر الجغرافي‬

‫إن املعلومات اجلغرافيـة الـيت أوردهـا إبـن حوقـل كانـمت يف غايـة األمهيـة‪ ،‬حيـث قـدم صـورة خمتلفـة عـن تلـك الـيت‬
‫كانمت موجودة عند سابقيه يف جمال الرحالت واجلغرافيا وذلك من خـالل اجملهـود الكبـري الـذي بذلـه بنفسـه إعتمـادا‬
‫على التحليل واملقارنة ولاولة التعمق يف نقـل الوقـائع والتجربـة اخلاصـة‪ ،‬باإلضـافة إل لاولـة فهـم أوجـه اإلختالفـات‬
‫املوجودة لدى خمتلف الشعوب والبلدان اليت زارها‪ ،‬ودعم ذلك باخلرائ اليت راها لألقاليم اإلسالمية‪.1‬‬

‫متثلمت أمهيـة إبـن حوقـل يف جمـال الفكـر اجلغـرايف مـن خـالل تـأثر العديـد مـن الكتـاب واجلغـرافيني سـواء يف عصـره‬
‫أو ح يف العصر احلديث باملـادة العلميـة واملعلومـات اجلغرافيـة الـيت توصـل إليهـا‪ ،‬وسـوف نـذكر بعـض النمـاذج الـيت‬
‫أخذت واقتبسمت وردت على كتابات إبن حوقل‪.‬‬

‫‪ 1-‬يــاقوت احلمــوي (ت‪626‬ه‪1238/‬م) صــاحب كتــاب (معجــم البلــدان) والــذي إقتــبس مــن إبــن حوقــل‬
‫واحدا وعشرين نصا‪ ،‬أغلبها املتعلق مبناطق املغرب وقام بتلخيص ما كتبه إبن حوقل عن صقلية‪.‬‬
‫‪ 2 -‬إبن سعيد املغـريب (ت‪685‬ه‪1290/‬م) ولـه كتـاب املغـرب يف حلـى املغـرب حيـث كانـمت لـه وجهـة نظـر‬
‫خاصــة فيمــا يتعلــق بكتابــات إبــن حوقــل عــن أهــل األنــدلس عصــر اخلالفــة األمويــة‪ ،‬ووصــفه لفرســا ا بــاجل‬
‫والضعف وقام بالرد عليه‪.2‬‬

‫أمــا يف العصــر احلــديث جنــد كــل مــن إغنــاطيوس كرتشكوفســكي صــاحب كتــاب (تــاري األدب اجلغ ـرايف)‬
‫يقول جيب اإلعرتاف بأن إبـن حوقـل هـو اخلبـري األول يف جمـال اجلغرافيـا يف عصـره وبصـفة خاصـة معلوماتـه الـيت‬
‫أوردها عن بلدان املغرب ‪.3‬‬

‫‪ 1‬بن قربة صاحل ‪ ،‬تاري اجلزائر يف العصر الوسي من خالل املصادر ‪ ،‬املركز الوطي للبحث يف احلركة الوطنية وثورة أول نوفمرب ‪ ،1954‬اجلزائر‪ ،2007،‬ص ص‪.203 202‬‬
‫‪ 2‬سعد عبود اار‪ ،‬إبن حوقل دراسة تار ية يف كتابه صورة األرض‪ ،‬ط‪ ،1‬متوز للنشر والتوزيع ‪ ،‬دمشق ‪ ، 2016 ،‬ص ص‪.71 68‬‬
‫‪ 3‬كراشكوفسكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪. 204‬‬

‫‪22‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫يقول أندريه ميكيل يف كتابه (جغرافيا دار اإلسالم البشـرية) أن إبـن حوقـل هـو وريـث اإلصـطخري وصـنفه‬
‫رفق ــة املقدس ــي كأح ــد أه ــم م ــن رتبـ ـوا ودون ـوا كت ــب املس ــالك واملمال ــك‪ ،‬وذل ــك م ــن خ ــالل حرص ــهم الش ــديد‬
‫وعنــايتهم اخلاصــة يف البحــث علــى جتديــد آخــر املعلومــات املتعلقــة مبختلــف األقــاليم اإلســالمية‪ ،‬وإســتدل علــى‬
‫‪1‬‬
‫ذلك باملدة اليت إستغرقها إبن حوقل يف تدوين كتابه ومصنفه اليت قاربمت عشرين سنة‪.‬‬
‫أما صاحب كتاب (أدب الرحلة) فـؤاد قنـديل يـرى أن مـا توصـل إليـه إبـن حوقـل يف عصـره وزمانـه مـن مـادة‬
‫علمي ــة‪ ،‬واألس ــلوب وامل ــنهج ال ــذي إتبع ــه يف س ــرده ووص ــفه للمعلوم ــات جعل ــه يتف ــوق عل ــى أس ــاليب الرحال ــة‬
‫املتــأخرين‪ ،‬وذلــك إلســتطاعة أي قــارط أو مطلــع علــى كتــاب (صــورة األرض) إدرا مــدى البســاطة والســهولة‬
‫‪2‬‬
‫واإلحاطة الكاملة بش اجلوانب واملواضيع ألي مدينة يزورها‪.‬‬

‫‪ 1‬أندريه ميكيل‪ ،‬جغرافية دار اإلسالم البشرية ح منتصف القرن احلادي عشر‪ ،‬تر‪ :‬إبراهيم خوري‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪ .1983 ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ 2‬فؤاد قنديل ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.245‬‬

‫‪23‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫ثالثا التعريف بكتاب صورة األرض وأهم مصادره‬

‫‪-1‬كتاب صورة األرض‬

‫إن املصنف الذي كتبـه إبـن حوقـل يعتـرب مـن أهـم املصـادر اجلغرافيـة الـيت صصـمت يف ميـدان املسـالك واملمالـك يف‬
‫القــرن الرابــع اهلجــري العاشــر املــيالدي‪ ،‬وقــد ورد يف بعــض طبعــات هــذا الكتــاب وصــف لــه ‪ :‬ه ـذا كتــاب املســالك‬
‫واملمالك واملفاوز واملهالك وذكر األقاليم والبلدان على مر الدهور واألزمان‪.‬‬

‫ورد إس ــم ه ــذا الكت ــاب يف كث ــري م ــن املص ــادر ال ــيت إعتم ــدت علي ــه باس ــم املس ــالك واملمال ــك‪ ،‬أم ــا الطبع ــة ال ــيت‬
‫إعتمدنا عليها يف الدراسة كانـمت بعنـوان صـورة األرض الصـادرة عـن دار مكتبـة احليـاة‪ ،‬بـريوت سـنة ‪1992‬م‪ ،‬والـيت‬
‫تضم ‪ 432‬صفحة وكانمت دون حتقيق‪. 1‬‬

‫لقـد ســاهم املستشــرق دي خــوي بعمــل كبــري مــن أجـل حتقيــق هــذا الكتــاب وكانــمت أول طبعاتــه الــيت مت نشــرها‬
‫ســنة ‪1873‬م يف ليــدن إعتمــادا علــى النســخة املوجــودة يف خزانــة أكســفورد ونســخة خزانــة لنــدن‪ ،2‬وقــام املستشــرق‬
‫كرميــرز بنشــر الطبعــة الثانيــة للكتــاب مبطبعــة بريــل يف ليــدن ســنة ‪1938‬م ‪،‬وقــد إعتمــد بصــورة خاصــة علــى نــص‬
‫النسخة املوجودة يف خزانة السراي بإستانبول وعلى صورها‪ ،‬كما أنه قابل نص الطبعـة األول – طبعـة دي خـوي ‪-‬‬
‫وبعــض املصــادر األخــرى‪ ،‬فــتمكن بعــد بعــض مــن التــدقيقات واملقــابالت مــن نشــر طبعــة متقنــة فيهــا وافــر التحقيــق‪،‬‬
‫وحتتوي على كل ما هو موجود ا ن من مادة كتاب ابن حوقل‪.3‬‬

‫كانمت هنا طبعات جزئية هلذا الكتاب خصصمت لبعض األقاليم اإلسالمية اليت ذكرها إبـن حوقـل‪ ،‬مثـل تلـك‬
‫اليت تتعلق بصقلية مع ترمجة فرنسية سنة ‪1845‬م‪ ،‬والقسم الذي يتعلق بعـراق العجـم واملـرتجم إل الالتينيـة يف سـنة‬
‫‪1822‬م‪.4‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪.06 05‬‬


‫‪ 2‬إااعيل العريب ‪ ،‬املدن املغربية ‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ 3‬إبن حوقل ‪ ،‬صورة األرض ‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬طبعة ليدن ‪ ،1873‬ص‪.03‬‬
‫‪ 4‬إااعيل العريب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪24‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫إن الطريقة الـيت إعتمـدها إبـن حوقـل يف تقـدمي وإجنـاز مصـنفه كانـمت وفـق اإلطـار أو املـنهج الـذي راـه واختطـه‬
‫لنفسه‪ ،‬يف التعريف واحلديث علـى مـا توصـل إليـه خـالل رحلتـه الطويلـة إل بلـدان العـامل اإلسـالمي‪ ،‬ويـذكر أن هـذا‬
‫التبويب والرتتيب‪ ،‬كان جمرد تنظيم وفق ويصفها بقوله‪:‬‬

‫قد عملمت لـه كتـايب هـذا بصـفة أشـكال األرض ومقـدارها يف الطـول والعـرض وأقـاليم البلـدان ول ّـل الغـامر منهـا‬
‫والعم ـران مــن مجيــع بــالد اإلســالم بتفصــيل مــد ا وتقســيم مــا تفـ ّـرد باألعمــال اجملموعــة إليهــا ‪ ،‬ومل أقصــد األقــاليم‬
‫السبعة اليت عليها قسمة األرض أل ّن الصورة اهلنديّة اليت بالقوذيـان إن كانـمت صـحيحة فكثـرية التخلـي وقـد جعلـمت‬
‫لكـ ّـل قطعــة أفردهتــا تصــويرا وشــكال كــى موضــع ذلــك اإلقلــيم مثّ ذكــرت مــا ــي بــه مــن األمــاكن والبقــاع ومــا يف‬
‫أضـعافها مـن املـدن واألصـقاع ومـا هلـا مـن القـوانني واالرتفـاع ومـا فيهـا مـن األ ـار والبحـار ومـا تـاج ال معرفتـه مـن‬
‫جوامع ما يشتمل عليه ذلك اإلقليم من وجوه األموال واجلبايـات واألعشـار واخلراجـات واملسـافات يف الطرقـات ومـا‬
‫يتفرد به امللو الساسة وأهل املروات والسادة من مجيع الطبقات‪. 1‬‬
‫فيه من اجملالب والتجارات إذ ذلك علم ّ‬

‫قسم إبن حوقل كتابه إل قسمني‪:‬‬

‫‪-1‬القسم األول‪ :‬يضم كل من املقدمة والـيت ذكـر فيهـا بصـفة عامـة طبيعـة األرض و أهـم العوامـل واألسـباب الـيت‬
‫دفعت ــه وش ــجعته عل ــى الت ــأليف مث تط ــرق إل الص ــعوبات واملخ ــاطر ال ــيت واجهت ــه أثن ــاء رحالت ــه إل خمتل ــف البل ــدان‬
‫اإلســالمية حيــث يقــول ولــيعلم أن األســباب احملرضــة علــى تأليفــه املقتضــية لعملــه اللــذة باإلصــابة يف املقصــد واحملبــة‬
‫للظفر بإبانة كل بلد والذكر اجلميل من أهل التحصيل يف كل مشهد‪. 2‬‬

‫مث إبتدأ مستعرضا مالمح البلدان اليت زارها بـدءا بـديار العـرب اجلزيـرة العربيـة وذلـك ملـا متثلـه مـن مكانـة سـامية‬
‫يف نفــوس املســلمني لوجــود احلــرمني فيهــا مث يــذكر حبــر فــارس – احملــي اهلنــدي _ والــذي يضــم البحــر األمحــر وحبــر‬
‫العرب وحبر عدن واخلليج العريب مث تطرق إل وصف بالد املغرب واألندلس وصقلية مث ذكر مصر والسـودان والشـام‬
‫وحتدث عن حبر الروم وأرض اجلزيرة وذكر يف آخر هذا القسم بلده العراق‪.‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪25‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪ -2‬القســم الثــاين‪ :‬خصــص القســم الثــاين مــن كتابــه لــذكر بــالد الشــرق اإلســالمي حيــث حتــدث فيــه عــن بــالد‬
‫خوزستان‪ ،‬وفارس‪ ،‬وكرمان‪ ،‬واهلند‪ ،‬وأرمينية‪ ،‬وأذربيجـان‪ ،‬وطربسـتان‪ ،‬وحبـر اخلـزر‪ ،‬وسجسـتان‪ ،‬وخراسـان‪ ،‬وبـالد مـا‬
‫وراء النهر مستعرضا املسافات وخصائص كل مدينة واأل ار املتواجدة فيها‪.1‬‬

‫‪ -2‬أهم مصادر كتاب صورة األرض‬

‫إعتمــد إبــن حوقــل يف تــأليف مصــنفه علــى مصــادر متنوعــة غلــب عليهــا أســلوب الدراســة امليدانيــة عــن طريــق‬
‫التجربة واملشاهدة‪ ،‬واليت أتاحمت له إكمـال بعـض النقـائص للمعلومـات الـيت أخـذها عـن سـابقيه والتثبـمت منهـا ومـن‬
‫أجل احلصول على معارف علمية وجغرافية جديدة غـري متـوفرة يف املصـادر السـابقة باإلضـافة إل مقابلـة األشـخاص‬
‫واإلستماع منهم واإلطالع على بعض كتب سابقيه يف جمال الرحلة واجلغرافيا لذلك ميكن تقسيم املصادر الـيت اخـذ‬
‫منها إل قسمني‪:‬‬

‫أ‪ -‬الرحلة والمشاهدة‬

‫أدر إبــن حوقــل دور التجربــة الفرديــة للتأكــد مــن صــحة األحــداث‪ ،‬ونقــل وتــدقيق املعلومــات وضــرورة الرحلــة‬
‫واملشــاهدة‪ ،‬واملالحظــة عــن قــرب لكــل مــا تعلــق باملعلومــات الشــفوية‪ ،‬أو املدونــة يف الكتــب‪ ،‬ألن أفضــل مــا تقدمــه‬
‫الرحلة هي تلك املادة العلمية اجلديدة املعاصرة لألمـاكن الـيت زارهـا‪ ،‬وهنـا إشـارات عديـدة يف كتـاب صـورة األرض‬
‫يذكرها إبن حوقل شاهدها وحضرها شخصيا ونذكر منها‪:‬‬

‫حضوره شخصيا عقد ضمان اخلراج لبعض األقاليم واملدن لذلك كانمت معلوماته دقيقة لكل مـا تعلـق باجلانـب‬
‫املايل والتجارة والضرائب وجبايات البالد‪.‬‬

‫شــاهد بنفس ــه يف ب ــالد املغ ــرب التعام ـل بالص ــكو املالي ــة وال ــيت كان ــمت موج ــودة يف ذل ــك ال ــزمن حي ــث يق ــول‪:‬‬
‫لمـد بـن أىب سـعدون بأودغشـمت وشـهد عليـه العـدول بـإثنني وأربعـني ألـف‬
‫‪....‬ولقد رأيمت ص ّكا كتب بدين علـى ّ‬
‫دينار‪…2‬‬

‫‪ 1‬فؤاد قنديل‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.232 231‬‬


‫‪ 2‬إبن حوقل‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫‪26‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫وعنـد زيارتـه لصـقلية شـاهد ظـاهرتني كانتـا متالزمتـني تقريبـا مهـا كثـرة املسـاجد وكثـرة املعلمـني‪ ،‬فعـرف أن يف بلـرم ‪1‬مـا‬
‫يزيــد علــى مــائيت مســجد‪ ،‬حيــث أنــه مل يــر مثــل هــذا العــدد يف بلــد مــن البلــدان الكبــار وال اــع بــه إال فيمــا يتــذاكره‬
‫أهــل قرطبــة‪ .‬قــال‪ :‬ولقــد كنــمت واق ًفــا ذات يــوم ــا يف ج ـوار دار أيب لمــد القفصــي الفقيــه الوثــائقي‪ ،‬فرأيــمت مــن‬
‫مســجده يف مقــدار رميــة ســهم اــو عشــرة مســاجد يــدركها بصــري‪ ،‬ومنهــا شــيء جتــاه شــيء وبينهــا طريــق‪ ".‬يتحــدث‬
‫أرث مــا رأيتــه ــا وأغثّــه مســة معلّمــني يف مكتــب واحــد‪ ،‬يعلّمــون فيــه الصــبيان‬
‫عــن املعلمــني يف صــقلية يقــول‪ :‬من ّ‬
‫شــركاء متشاكســون علــى بــاب عــني شــفاء يرأســهم شــي يعــرف بامللطــاط جــبس ضــبس أشــقر أزرق مــن أقــدم النــاس‬
‫على شهادة زور وولدان له ورجل يعرف بابن الوداىن وآخر يدعى بأخى رجاء على مراتب يف شركتهم‪. 2‬‬

‫تعجب إبن حوقل من كثرة املساجد بصقلية مقارنة مبساحتها وقار ا مبدينـة قرطبـة‪.... :‬ومل أر هلـذه العـ ّدة مـن‬
‫املســاجد مبكــان وال بلــد مــن البلــدان الكبــار الــيت تســتول علــى ضــعف مســاحتها شــبها وال اعــمت مــن ي ّدعيــه ّإال مــا‬
‫يتذاكره أهل قرطبة من أ ّن ا مس مائة مسجد ومل أقف على حقيقة ذلك من قرطبة‪. ...3‬‬

‫‪ 1‬بلرم ‪ :‬وهي أعظم مدينة يف جزيرة صقلية يف حبر املغرب على شاط البحر‪ ،‬قال إبن حوقل ‪:‬بلرم مدينة كبرية سورها شاهق منيع مبي من حجر وجامعها كان بيعة وفيها هيكل‬
‫عظيم‪.‬‬
‫‪ 2‬إبن حوقل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص‪.115‬‬

‫‪27‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫ب‪ -‬الروايات الشفوية والكتب العامة‬

‫متثــل القســم الثــاين مــن املصــادر الــيت إعتمــد عليه ـا إبــن حوقــل يف أخــذ معلوماتــه ع ـرب خمتلــف املنــاطق واملــدن‬
‫اإلسالمية اليت زارها‪ ،‬وأولئـك األشـخاص مبختلـف طبقـاهتم الـذين إلتقـى ـم سـواء صـدفة‪ ،‬أو تعمـد وطلـب لقـائهم‬
‫عن طريق املقابلة والتحدث معهم ولاورهتم‪ ،‬من خالل طرح األسئلة علـيهم والتأكـد مـن صـحة روايـاهتم‪ ،‬ممـا جعلـه‬
‫ال يرتدد يف إضافتها إل مصنفه بعد أن يتحقق من صدق قائلها‪.‬‬

‫وقــد أشــار إبــن حوقــل إل ذلــك يف مقدمــة كتابــه ووضــحها حيــث يقــول وكنــمت إذا لقيــمت الرجــل الــذي أظنــه‬
‫صــادقاً‪ ،‬وأخالــه مبــا أســأله عنــه خبـرياً‪ ،‬فأجــده عاملـاً عنــد إعــادة اخلــرب الــذي أعتقــد فيــه صــدقه‪ ،‬وقــد حفظــمت نســقه‪،‬‬
‫ـرب الــذي ألتمســه‬
‫وتأملــمت طرقــه ووصــفه‪ ،‬وأكثــر ذلــك بــاطالً‪ ،‬وأرى احلــاكي بــأكثر مــا حكــاه جــاهالً‪ ،‬مث أعــاوده اخلـ َ‬
‫الذكر‪ ،‬ليسمع الذي استوصفته‪ ،‬وأطالع معه ما صدر مع غريه يف ذلك بعد رؤيـة‪ ،‬وأمجـع بينهـا وبـني حكايـة ثالـث‬
‫و َ‬
‫بالعدل والسوية‪. 1‬‬

‫أما الشخصيات اليت أخذ عنها واع منها إبن حوقل وأشار هلا يف كتابه كانمت كثرية وسوف نذكر مناذج منها‪:‬‬

‫‪-1‬أبــو إســحاق عبــد اهلل املعــروف‪ :‬صــاحب الصــك بأودغشــمت اــع منــه الكثــري مــن املعلومــات حــول قبائــل الرببــر‬
‫حيث كان عددهم قرابة ثالثة أالف بيـمت وذلـك لكثـرة بطـو م وأفخـاذهم وقبـائلهم وتـوغلهم يف الـرباري وانتشـارهم‬
‫يف الصحاري‪.2‬‬

‫‪-2‬أبو احلارث فحل بن فالح اللهيصي الكتامي‪ :‬اع منه إبن حوقل أخبار البالد الدينية واإلجتماعية وحدثـه عـن‬
‫املعلمني وكثرهتم مع قلة منفعتهم يف صقلية‪.3‬‬

‫‪-3‬أبــو علــي ســعيد‪ :‬أخــذ عنــه إبــن حوقــل واــع منــه عــن العــادات والتقاليــد الغريبــة لــدى الرببــر الــيت كانــمت موجــودة‬
‫مبنطقة سطيف وقبيلة كتامة وعن بعض العادات السيئة اليت فرضها أبو عبد اهلل الداعي على أهل املنطقة‪.4‬‬

‫أما الكتب العامة اليت أخذ منها فقد أشار إل أصحا ا مع مؤلفاهتم ضمن مصنفه وكتابه ونذكر منها‪:‬‬

‫‪.283‬‬ ‫‪ 1‬إبن حوقل‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‬


‫‪ 2‬نفسه‪،‬ص‪.97‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪28‬‬
‫ابن حوقل وكتابه صورة األرض‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪ -‬يوسف بن إبراهيم الكاتب صاحب كتاب (أخبار األطباء)‪.‬‬

‫‪-‬عمر بن شبه صاحب كتاب (البصرة)‪.‬‬

‫‪-‬عمرو بن حبر اجلاح صاحب كتاب (البلدان)‪.‬‬

‫‪-‬كتاب أبو الفرج قدامة وكتاب اجليهاين وكتاب أيب القاسم الكعيب‪.‬‬

‫‪-‬كتاب املسالك واملمالك لإلصطخري‪.‬‬

‫وجند بعض الكتب األخـرى الـيت أخـذ وإقتـبس منهـا إبـن حوقـل ومل يشـر إليهـا ومل يـذكر أصـحا ا‪ ،‬وميكـن القـول‬
‫ب ـ ـأن الكت ـ ــب ال ـ ــيت أخ ـ ــذ منه ـ ــا إب ـ ــن حوق ـ ــل تنوع ـ ــمت ب ـ ــني اجلغرافي ـ ــا والت ـ ــاري وتل ـ ــك اخلاص ـ ــة باحلي ـ ــاة اإلجتماعي ـ ــة‬
‫واإلقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية‪.1‬‬

‫‪ 1‬حسام جنم الدين الشمري ‪ ،‬املنهج اجلغرايف عند إبن حوقل ‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬جامعة ديايل ‪ ،‬العراق ‪ ، 2014،‬ص ص ‪.92 91‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة‬


‫األرض‬
‫أوال‪ :‬السلطة والنظام الحربي في األندلس من خالل صورة األرض‬

‫ثانيا‪ :‬الحياة اإلجتماعية واإلقتصادية في األندلس من خالل صورة األرض‬

‫ثالثا‪ :‬دواعي وأسباب النظرة السلبية البن حوقل حول السلطة والجيش األندلسي‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬

‫تكــاد تتفــق جــل الكتابــات والدراســات التار يــة واجلغرافيــة الــيت تناولــمت تــاري األنــدلس فــرتة احلكــم األمــوي‬
‫وخاصة يف عهد عبد الرمحن الناصر الذي أعلـن قيـام اخلالفـة األمويـة باألنـدلس سـنة ( ‪ 316‬ه‪928/‬م ) إل غايـة‬
‫ســقوطها ســنة ( ‪422‬ه‪1031/‬م )‪ ،‬إســتطاعة هــذا الرجــل القــوي الشخصــية أن جيعــل مــن األنــدلس دولــة مزدهــرة‬
‫يشهد هلا و يعرتف ا العدو قبل الصديق حيث قويمت شوكتها ‪،‬وعم فيهـا األمـن واإلزدهـار وبلغـمت يف عهـده ذروة‬
‫القوة واإلستقرار‪ 1‬وأصبحمت تنعم بثراء ونشاط إقتصادي ال حدود لـه‪ ،‬وجعـل مـن قرطبـة عاصـمة متكنـمت مـن فـرض‬
‫وجودهـا بـني عواصـم العـامل وأصـبحمت قبلــة لكـل باحـث عـن اإلسـتقرار والعلــم ورغـد العـيش‪ ،‬كمـا اسـتطاع أيضــا أن‬
‫يوفــق يف شــن معــار وحــروب ناجحــة ضــد أعدائـه وأن يقــف نــدا ضــد التهديــد الشــيعي الفــاطمي القــادم مــن العــدوة‬
‫املغربية بل تعدى ذلك بنقل ميدان احلرب إل عقر دارهم والتفوق عليهم بريا وحبريا‪.2‬‬

‫بينمـا جنـد يف املقابـل بعـض املصـادر كانـمت هلـا نظـرة مغـايرة وخمتلفـة عـن األنـدلس فـرتة اخلالفـة األمويـة مثـل اجلــزء‬
‫الذي كتبه الرحالة إبن حوقل عن األندلس من خالل كتابـه صـورة األرض‪ ،‬وبصـفة خاصـة السـلطة احلاكمـة والنظـام‬
‫احلريب‪ ،‬مما يدفعنا لطرح العديد من التساؤالت عـن الـدوافع الـيت جعلـمت إبـن حوقـل ينظـر إل األنـدلس بعـني تلـف‬
‫عــن غــريه‪ ،‬وعليــه ســنتطرق يف هــذا الفصــل إل أهــم دوافــع إبــن حوقــل وحتليلهــا وتبيــان مــدى صــحة مــا أورده عنهــا‬
‫خاصة وأننا جنده يعرتف بالقوة واإلزدهار الذي وصلمت إليه األندلس يف اجلانبني اإلقتصادي واإلجتماعي‪.‬‬

‫‪ 1‬أمحد خمتار العبادي‪ ،‬يف التاري العباسي والفاطمي‪ ،‬د ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ 2‬إبراهيم بيضون‪ ،‬الدولة العربية يف إسبانية من الفتح ح سقوط اخلالفة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار النهضة العربية‪،1986 ،‬بريوت ‪،‬ص‪.277‬‬

‫‪31‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أوال‪:‬السلطة الحاكمة والنظام الحربي في األندلس من خالل صورة األرض‬

‫تـزامن دخــول إبــن حوقــل إل األنــدلس يف فــرتة حكـم اخلليفــة عبــد الرمحــان الناصــر أوائــل ســنة(‪ 337‬ه‪948/‬م)‬
‫وعــاش فيهــا إل بــدايات حكــم اخلليفــة احلكــم املستنصــر والـذي كانــمت فيــه األنــدلس علــى أوجهــا حضــاريا وسياســيا‬
‫وإجتماعيا وإقتصاديا ومن كل اجلوانب ح أصبحمت قرطبة عاصـمة اخلالفـة األمويـة مـن أعظـم مـدن العـامل آنـذا ‪،‬‬
‫لكننا جند إبن حوقل يقلل من شأن السـلطة احلاكمـة ويـتهم اجملتمـع األندلسـي بـاجل ويتعجـب مـن عـدم طمـوحهم‬
‫وصغر عقوهلم بل ويستغرب كيف إستطاعمت األندلس احملافظـة علـى إسـتقالهلا ومل تضـم إل دار اخلالفـة مـن جديـد‬
‫‪1‬حيــث يقــول ‪... :‬ومــن أعجــب أح ـوال هــذه اجلزيــرة بقاؤهــا علــى مــن ه ـي يف يــده مــع صــغر أحــالم أهلهــا وضــعة‬
‫نفوســهم ونقــص عقــوهلم وبعــدهم مــن البــأس والشــجاعة والفروســيّة والبســالة ولقــاء الرجــال ومـراس األجنــاد واألبطــال‬
‫وعلم موالينا عليهم السالم‪.2 ...‬‬

‫أمــا اجلــيش األندلســي والنظــام احلــريب فقــد وصــفه إبــن حوقــل بعيــدا عــن الفروســية والشــجاعة واملــروءة وحــاول‬
‫اإلستهانة واإلسـتخفاف والتقليـل مـن عـددهم والـذي ال يتعـدى حسـب رأي إبـن حوقـل مسـة أالف فـارس ويرجـع‬
‫سبب ذلك لكو م ليسوا يف حاجة إليه مـع اإلكتفـاء بسـكان الثغـور ملواجهـة أي خطـر بـل يـذكر أن غالبيـة حـرو م‬
‫ومعاركهم كانمت تتم عن طريق احليلة واخلداع واملكر‪.‬‬

‫حيــث يقــول إبــن حوقــل ‪...‬ولــيس جليوشــهم حــالوة يف العــني لســقوطهم عــن أســباب الفروســيّة وقوانينهــا وإن‬
‫شجعمت أنفسهم ومرنوا بالقتـال فـإ ّن أكثـر حـرو م تتص ّـرف علـى الكيـد واحليلـة ومـا رأيـمت وال رأى غـريى ـا إنسـانا‬
‫ق ـ ّ جــرى علــى فــرس فــاره أو بــرذون هجــني ‪3‬ورجــاله يف الركــابني وال يســتطيعون ذلــك وال بلغ ـ عــن أحــد مــنهم‬
‫خلوفهم السقوط وبقاء الرجـل يف الركـاب علـى قـوهلم وهـم يفرسـون علـى األعـراء مـن اخليـل ومـا أطبقـمت قـ ّ جريـدة‬
‫لمــد وال مـن سـبقه مــن آلـه وآبائـه علــى مسـة آلـف فـارس ممـّـن يقـبض رزقـه و ــتم عليـه ديوانـه ألنـّـه‬
‫عبـد الـرمحن بـن ّ‬
‫عدو عليه سـواهم وقلّمـا‬
‫العدو ومن جياوره من الروم وال ّ‬
‫مكفى املؤونة بأهل الثغور من أهل جزيرته ما ينوبه من كيد ّ‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬ليفي بروفنسال‪ ،‬حضارة العرب يف األندلس‪ ،‬تر‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ،‬مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت (د ت)‪،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 2‬إبن حوقل ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫ِ‬
‫‪ 3‬برذون هجني‪ :‬يُطلق على غري العريب من اخليل والبغال‪ ،‬من الفصيلة اخليلية‪ ،‬عظيم اخل ْلقة‪ ،‬غليظ األعضاء‪ ،‬قوي األرجل‪ ،‬عظيم احلوافر ‪.‬واجلمع ‪:‬براذين‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫يكـرتث ــم‪ ،‬ورّمبــا طرقــه يف بعــض األحــايني مراكــب الـروس والــرت البجناكيّــة وقــوم يف مجلــتهم مــن الصــقالبة والبلغــار‬
‫‪1‬‬
‫فينكوا يف أعماله ورّمبا انصرفوا خاسرين خائبني‪..‬‬

‫إن التحامــل الواضــح واإلهتــام الصـريح الــذي أطلقــه إبــن حوقــل علــى حكــام األنــدلس وأهلهــا وفرســا ا ونظامهــا‬
‫احلريب‪ ،‬يفتح باب التأويالت و التشـكيك يف األغـراض الـيت دفعـمت بـابن حوقـل الـدخول والتواجـد باألنـدلس‪ ،‬والـيت‬
‫كانمت يف الظاهر من أجل اإلرتزاق والتجارة الـيت كـان جيـول العـامل مـن أجلهـا وبـدا هـذا التحامـل واضـحا وجليـا مـن‬
‫خ ــالل تل ــك األوص ــاف ال ــيت وص ــفها وذكره ــا ع ـن اجملتم ــع األندلس ــي و الس ــلطة احلاكم ــة وعل ــى الفرس ــان واجل ــيش‬
‫األندلســي وســنحاول يف آخــر هــذا الفصــل الوقــوف والتطــرق ألهــم األســباب والــدوافع الــيت دفعــمت إبــن حوقــل هلــذا‬
‫احلكم املتحيز والسليب جتاه أهل األندلس وحكامها وجيشها‪ .‬بينما جند اإلستثناء يف وصـفه لكـل مـا تعلـق باجلانـب‬
‫اإلقتصادي واإلجتماعي من خالل ما وصلمت له االندلس من جمد وتفوق حضاري‪.‬‬

‫قام املؤرخ األندلسي على إبن سعيد بالرد على إهتام إبـن حوقـل حلكـام األنـدلس ونظامهـا احلـريب وتعجـب مـن‬
‫تعم ــد ذك ــر ق ــول إب ــن حوق ــل لل ــرد‬
‫إزدرائ ــه أله ــل بل ــده ولاول ــة اإلس ــتخفاف ــم وق ــد دون ذل ــك يف كتاب ــه حي ــث ّ‬
‫عليــه‪ :‬مل أر بــدا مــن إثبــات هــذا الفصــل وإن كــان علــى أهــل بلــدي فيــه مــن الظلــم والتعصــب مــا ال فــى‪ ،‬ولســان‬
‫احلــال يف الــرد أنطــق مــن لســان البالغــة‪ ،‬وليــمت شــعري إذ ســلب أهــل هــذه اجلزيــرة العقــول وا راء واهلمــم والشــجاعة‬
‫فمن الذين دبروها بـررائهم وعقـوهلم مـع مراصـدة أعـدائها اجملـاورين هلـا مـن مسـمائة سـنة ونيـف؟ ومـن الـذين محوهـا‬
‫ببســالتهم مــن األمــم املتصــلة ــم يف داخلهــا وخارجهــا اــو ثالثــة أشــهر علــى كلمــة واحــدة يف نصــرة الصــليب؟ وإين‬
‫ألعجــب منــه إذ كــان يف زمــان قــد دلفــمت فيــه عبــاد الصــليب إل الشــام واجلزيــرة وعــاثوا كــل العبــث يف بــالد الشــام‬
‫حيــث اجلمهــور والقبــة العظمــى‪ ،‬حـ أ ــم دخل ـوا مدينــة حلــب‪ ،‬ومــا أدرا ؟ وفعل ـوا فيهــا مــا فعل ـوا‪ ،‬وبــالد اإلســالم‬
‫متصــلة ــا مــن كــل جهــة‪ ،‬إل غــري ذلــك ممــا هــو مســطور يف كتــب الت ـواري ‪ ،‬ومــن أعظــم ذلــك وأشــده أ ــم كــانوا‬
‫يتغلبون على احلصن من حصون اإلسالم اليت يتمكنون ا من بسائ بالدهـم‪ ،‬فيسـبون ويأسـرون‪ ،‬فـال جتتمـع مهـم‬
‫امللــو اجملــاورة علــى حســم الــداء يف ذلــك‪ ،‬وقــد يســتعني بــه بعضــهم علــى بعــض‪ ،‬فيــتمكن مــن ذلــك الــداء الــذي ال‬

‫‪ 1‬إبن حوقل ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪.109 108‬‬

‫‪33‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫ـب‪ ،‬وقــد كانــمت جزيــرة األنــدلس يف ذلــك الزمــان بالضــد مــن الــبالد الــيت تــر وراء ظهــره‪ ،‬وذلــك موجــود يف تــاري‬
‫يُطـ ّ‬
‫ابن حيان وغريه وإمنا كانمت الفتنة بعد ذلك‪ .‬األعالم بينة والطريق واضح‪.1 ....‬‬

‫عنــدما تطــرق إبــن حوقــل إل اجلــيش األندلســي صــرح ب ـأن عــدد فرســان هــذا اجلــيش ال يتعــدى مســة أالف‬
‫فــارس‪ ،‬ومــن املالحــظ أن هــذا العــدد قليــل مقارنــة بدولــة حبجــم األنــدلس يف عصــرها الــذهيب‪ ،‬حيــث يــذكر املــؤرخ‬
‫األندلسي الشهري إبن حيان القـرطيب أن مـا تقدمـه بعـض كـور األنـدلس‪ 2‬مـن الفرسـان مـا يتجـاوز ويفـوق عـدده سـتة‬
‫وعش ـرين ألــف وثالثــة عشــر ألــف فــارس هــذا دون العاصــمة قرطبــة‪ ،‬كمــا ذكــر إبــن لســان الــدين اخلطيــب صــاحب‬
‫كتاب (اإلحاطة يف أخبار غرناطة ) يف معرض حديثه ووصفه للتنظيمات والرتتيبات اليت كانـمت قائمـة لـدى اجلـيش‬
‫األندلسي من كيفية خروجهم للغزو واجلهاد وح رتبهم ومقـدار مسـتحقاهتم املاليـة‪ ،3‬تصـر ا ينـايف ويعـارض كـالم‬
‫إبن حوقل‪ ،‬وقد وضع إبن سعيد املغريب مقارنة بني اجلـيش األندلسـي وجـيش اخلالفـة اإلسـالمية يف املشـرق يف تلـك‬
‫الفــرتة عنــدما كانــمت تتعــرض مــدن اخلالفــة إل التحرشــات واهلجومــات مــن طــرف الصــليبني والبي ـزنطيني ومتكن ـوا مــن‬
‫دخــول حلــب إال أنــه يالحــظ علــى كــالم إبــن ســعيد نوعــا مــن احلــدة والــتحمس الزائــد املبــالغ فيــه يف الــرد علــى إبــن‬
‫حوقل ‪.‬‬

‫وان نرى حسب إطالعنا أن ما ذكره كل من إبن حيان األندلسي وإبـن اخلطيـب أقـرب إل الصـواب ممـا قالـه‬
‫إبــن حوقــل رص ـوص الســلطة األمويــة والنظــام احلــريب يف األنــدلس‪ .4‬وبالتــايل يكــون مــا كتبــه إبــن حوقــل ق ـد جانــب‬
‫احلقيقــة والصـواب‪ ،‬ألن األنــدلس يف عهــد الناصــر إســتطاعمت أن تفــرض وجودهـا وهيمنتهــا داخليــا وخارجيــا ومتكــن‬
‫عبــد الرمحــان الناصــر بفضــل سياســته مــن إمــاد والقضــاء علــى تلــك التمــردات والتحرشــات الــيت تظهــر يف كــل مــرة‬
‫والتصــدي هلا‪،‬حيــث متكــن مــن القضــاء علــى أحــد أهــم احلركــات املناوئــة واإلنفصــالية داخليــا وهــي ثــورة عمــر بــن‬
‫حفصــون‪ ،5‬والــيت كــادت أن تقضــي علــى التواجــد األمــوي يف األنــدلس‪ ،‬حيــث دامــمت ثورتــه وعاصــرت أربعــة حكــام‬

‫‪ 1‬أمحد بن لمد املقري التلمساين ‪ ،‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ‪،‬تح‪ :‬إحسان عباس ‪ ،‬مج ‪ ،1‬دار صادر‪ ، 1968 ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ 2‬كور األندلس ‪ :‬الكورة كل صقع يشتمل على عدة قرى‪ ،‬والبد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو ر جيمع إاها‪ ،‬ذلك إسم الكورة وقسممت األندلس إداريا إل كور ( مجع كورة‬
‫) على او ما كان متبع يف مصر والشام يف صدر اإلسالم ‪ ،‬وكورة لفظه يونانية األصل ) ‪ ( Curia‬وكانمت تقابل كلمة ‪ Pagarchie‬يف النظام البيزنطي ‪ ،‬أنظر سامل بن عبد اهلل‬
‫اخللف ‪ ،‬نظم حكم األمويني ورسومهم يف األندلس ‪،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.318‬‬
‫‪ 3‬ذو النون طه ‪ ،‬صورة األندلس من خالل صورة األرض ‪ ،‬جملة املؤرخ العريب ‪،‬ع ‪ ، 23‬بغداد‪ ،1983 ،‬ص ص‪. 111 110‬‬
‫‪ 4‬نفسه ص ‪.112‬‬
‫‪ 5‬عمر بن حفصون ‪ :‬هو عمر بن حفصون إبن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش بن أذفونش القس‪ ،‬وينتمي عمر بن حفصون ألسرة من املولَّدين قوطيَّة األصل‪ ،‬فجده األعلى‬
‫وقمت الفتح هو القس ألفونسو‪ ،‬وأول من أسلم ِمن أسرته هو جدُّه الرابع جعفر‪ ، ،‬أحد أشهر معارضي ُسلطة الدولة األمويَّة يف األندلس ‪ ،‬أنظر‪ :‬طه عبد املقصود عبد احلميد عبية‪،‬‬
‫موجز تاري األندلس من الفتح إل سقوط غرناطة‪ ،‬كلية دار العلوم ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ ،‬ص‪.80‬‬

‫‪34‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أم ــويني ‪،‬ومت القض ــاء عليه ــا س ــنة ( ‪ 306‬ه‪919/‬م )‪ ،1‬كم ــا ق ــام بالتص ــدي لك ــل خط ــر خ ــارجي لتم ــل وذل ــك‬
‫بتــدعيم جــيش الثغــور وت ـأمني جــيش احلــدود مــع املمالــك املســيحية يف الشــمال‪ ،‬ومــن أشــهر ق ـواد الثغــور يف عهــد‬
‫األمويني غالب بن عبد الرمحن الناصري‪ ،2‬فهو الذي يف سـنة ( ‪ 335‬ه‪946/‬م ) قـام برتمـيم حصـون مدينـة سـامل‬
‫بعد أن خربمت‪ ،‬ومتكن يف سنة ( ‪342‬ه‪953/‬م ) من الزحف على إحـدى املمالـك املسـيحية املتمـردة يف الشـمال‬
‫وهــي مملكــة قشــتالة‪ ،‬وانتصــر علــيهم‪ ،‬واســتمر يف قيــادة الثغــر األوسـ إل زمــن احلكــم املستنصــر(‪350‬ه‪367/‬ه)‪،‬‬
‫وملا علم عبد الرمحـان الناصـر بأمهيـة املـدن العسـكرية واحلصـون والـيت متثـل سـدا منيعـا ضـد أي خطـر لتمـل إنتشـرت‬
‫وكثــرت هــذه املــدن العســكرية يف عهــده ونــذكر منهــا املدينــة الــيت بنيــمت عــام (‪318‬ه‪930/‬م) بــالقرب مــن مدينــة‬
‫طليطلة وااها مدينـة الفـتح‪ ،‬وكانـمت هـذه املـدن العسـكرية تضـم خمتلـف تنظيمـات اجلـيش مـن فرسـان وقـواد وتكـون‬
‫حتمت إدارة أحد الوزراء‪.3‬‬

‫كــذلك لعبــمت هــذه املــدن دورا مهمــا يف صــد اخلطــر القــادم مــن العــدوة املغربيــة ولاولــة التوســع الفــاطمي وذلــك‬
‫بتقدمي املساعدات والدعم لبعض األمراء يف العدوة املغربية مثل موسى بن مكناس أمري األدارسـة يف فـاس ولمـد بـن‬
‫خــزر الزنــايل‪ ،4‬وتوطــدت عالقــات الدولــة األمويــة يف عهــد عبــد الرمح ــان الناص ــر مــع الدولــة البيزنطيــة خاصــة مــع‬
‫اإلمرباطــور قســطنطني الســابع‪ ،5‬فقــد كانــمت عالقــات جيــدة ويتضــح ذلــك مــن خــالل اإلنســجام الواضــح يف ش ـ‬
‫اجملاالت حـ احلربيـة منهـا‪ ،‬وذلـك مـن أجـل مواجهـة اخلطـر الفـاطمي القـادم مـن اجلنـوب حيـث قـام الناصـر بإنشـاء‬
‫دور لصــناعة الســفن احلربيــة يف املــدن الســاحلية مثــل املريــة وطرطوشــة واجلزيــرة اخلض ـراء ومتكــن مــن جتهيــز أســطول‬
‫حبري يضم مئة وعشرين مركب وبتعداد سبعة آالف رجل ومقاتل‪.6‬‬

‫خالصــة م ــا ميك ــن قولــه إن عه ــد اخلليف ــة عبــد الرمح ــان الناص ــر(‪300‬ه‪350 -‬ه) والــذي دام مس ــني س ــنة‬
‫إستطاع خالهلا هذا األخري أن يرجع لألندلس هيبتها داخليا وخارجيا ومتكن من توحيد الـبالد وتكـوين جـيش قـوي‬
‫قضى به علـى التمـردات واحلركـات املناوئـة يف الـداخل وصـد كـل خطـر خـارجي سـواء يف الـرب أو يف البحـر وشـهدت‬
‫األن ــدلس عل ــى عه ــده إس ــتقرارا سياس ــيا وعس ــكريا وحـ ـ م ــذهيب‪ ،‬إس ــتمال ب ــه العدي ــد م ــن املراس ــالت والبعث ــات‬

‫‪ 1‬إبراهيم بيضون ‪ ،‬ص ص ‪.281 280‬‬


‫‪ 2‬غالب الناصري ‪ :‬ويعرف بذو السيفني أبو متام غالب بن عبد الرمحن الناصري صاحب مدينة سامل والثغر األدىن وشي موايل بي أمية وفارس األندلس‬
‫‪ 3‬سامل بن عبد اهلل اخللف ‪ ،‬ص ‪640‬‬
‫‪ 4‬جمهول ‪ ،‬مفاخر الرببر ‪ ،‬تح‪:‬عبد القادر بوباية‪ ،‬دار أيب رقراق‪ ،‬املغرب‪ ، 2005 ،‬ص ‪94‬‬
‫‪ 5‬قسطنطني السابع ‪:‬وهو إ بن اإلمرباطور البي زنطي ليو السادس احلكيم عاش ملدة ‪ 54‬سنة‪ ،‬وحكم اإلمرباطورية البيزنط ية منذ سنة ‪913‬م ‪.‬‬
‫‪ 6‬إبن حيان القرطيب‪ ،‬املقتبس ‪،‬ج‪ ، 5‬املعهد اإلسباين للثقافة كلية ا داب ‪ ،‬الرباط‪ ،‬مدريد‪ ،1989 ،‬ص ص ‪313 312‬‬

‫‪35‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الدبلوماسية لطلب الود والصلح والدعم من السـلطة األمويـة يف األنـدلس الـيت وصـلمت يف هـذا العهـد إل ذروة القـوة‬
‫واإلستقرار بفضل قوة شخصيته ‪.‬‬

‫يقــول لمــد عبــد اهلل عنــان نقــال عــن املستشــرق دوزي ‪ ..‬إن ذلــك الرجــل احلكــيم النابــه‪ ،‬الــذي إســتأثر مبقاليــد‬
‫احلكم‪ ،‬وأسس وحدة األمة‪ ،‬ووحدة السلطة معاً‪ ،‬وشاد بواسطة معاهداته نوعاً مـن التـوازن السياسـي‪ ،‬والـذي إتسـع‬
‫تســاله الفيــاض ألن يــدعو إل نصــحه رجــاال مــن غــري املســلمني‪ ،‬ألجــدر بــأن يعتــرب قرينـاً مللــو العصــر احلــديث‪ ،‬ال‬
‫خليفة من خلفاء العصور الوسطى‪.1 ..‬‬

‫‪ 1‬عنان لمد عبد اهلل ‪ ،‬دولة اإلسالم يف األندلس‪ ،‬ج‪ ،1‬ط ‪ ،4‬مكتبة اخلاجني ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1997 ،‬ص‪.463‬‬

‫‪36‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحياة اإلجتماعية واإلقتصادية في األندلس من خالل صورة األرض‬

‫وهنا يستوقفنا كـالم إبـن حوقـل عنـدما يـذكر احليـاة اإلجتماعيـة واإلقتصـادية يف األنـدلس واملنـاقض متامـا لكالمـه‬
‫عندما تطرق للجانبني اإلداري واحلريب‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل اإلشادة مبا وصـلمت إليـه الـبالد فـرتة اخلالفـة األمويـة‬
‫مــن حالــة الرخــاء وســعة العــيش وعمــارة بيــمت املــال والرقــي والتقــدم‪ ،‬مقــدما بــذلك تفاصــيل مهمــة عــن حالــة اجملتمــع‬
‫األندلسي يف تلك الفرتة‪.‬‬

‫عنــدما تطــرق إبــن حوقــل إل اجلانــب اإلجتمــاعي وصــف حالــة النــاس املعيشــية الــيت كانــمت ســائدة حيــث عــم‬
‫الــرخص يف الــبالد وتــوفرت وكثــرت الســلع وأصــبح اجملتمــع األندلســي يف ســعة مــن العــيش والتــنعم رـريات البلــد علــى‬
‫خمتلف طبقات اجملتمع سواء اخلاصـة أو العامـة وأرجـع إبـن حوقـل ذلـك لقلـة مـؤ م وصـالح بالدهـم وقلـة التكـاليف‬
‫لدى احلكام وعدم خشيته مـن عـدو ينصـب هللكتـه مـع وفـرة األمـوال وعمـارة اخلـزائن وكثـرة جبايـات البلـد كـل ذلـك‬
‫إنعكــس بشــكل إجيــايب علــى البلــد فــارتفع املســتوى املعيشــي للبلــد وزاد مــن حالــة الرخــاء والرفــاه لــدى النــاس‪،1‬ومــن‬
‫العادات اإلجتماعية اليت كانمت تدل على سعة العيش والرزق مما ذكر إبن حوقل عن أهل قرطبة الذين كـانوا يركبـون‬
‫احليوانات الفارهة ويتفاخرون ا السيما البغال املمتـازة اجمللوبـة مـن مدينـة ميورقـة وال يـذهب أحـدهم إل السـوق إال‬
‫‪2‬‬
‫راكبا على دابة فارهة‪.‬‬

‫كما حتدث إبن حوقل عن العمران وكثرة البنايات واملرافق الضرورية للحيـاة اإلجتماعيـة والـيت كانـمت موجـودة يف‬
‫ش املـدن التابعـة لألنـدلس مـن عمـارات وأسـواق ومحامـات ومسـاجد‪ ،‬مث ينفـرد إبـن حوقـل بوصـف العاصـمة قرطبـة‬
‫واليت شبهها بعاصمة اخلالفة العباسـية بغـداد مـن كثـرة املرافـق املوجـودة فيهـا والـيت كانـمت مرتبـة ومنظمـة وذكـر املدينـة‬
‫اجلديدة الزهراء‪ 3‬اليت تقع بالقرب من العاصمة قرطبة واليت دام بناءها قرابـة أربعـني سـنة‪ ،‬وممـا يعـزز الصـلة القويـة بـني‬
‫السلطة واجملتمع األندلسي أنـه عنـد إكتمـال بنـاء مدينـة الزهـراء أمـر اخلليفـة بـأن ينـادى يف األسـواق واألمـاكن العامـة‬
‫يف مجيع مناطق األندلس أنه من يريد البناء بـالقرب مـن مدينـة الزهـراء لـه مـن املعونـة أربعمئـة درهـم فكثـرت البنايـات‬
‫اجملاورة للزهراء وكادت أن تتصل مبدينة قرطبة ويذكر إبن حوقـل أنـه بعـد اإلنتقـال إل مقـر احلكـم اجلديـد يف الزهـراء‬

‫‪ 1‬إبن حوقل ‪،‬املصدر السابق ‪،‬ص‪.109‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ 3‬الزهراء‪:‬من أهم آثار عبد الرمحن الناصر املعمارية‪ ،‬بنيمت على مسافة ‪ 08‬كم مشال غريب العاصمة قرطبة على سفح جبل العروس ‪ ،‬أنظر املقري التلمساين‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬مج‪،1‬‬
‫ص ص ‪.524 523‬‬

‫‪37‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أعيــد مــرة أخــرى إل مدينــة قرطبــة وذلــك بســبب التشــاؤم مــن كثــرة مــوت الرجــال وكثــرة ســرقة الــذخائر الثمينــة الــيت‬
‫‪1‬‬
‫حلمت بالعاصمة اجلديدة مدينة الزهراء ‪.‬‬

‫كذلك حتدث إبـن حوقـل عـن اإلزدهـار اإلقتصـادي الـذي شـهدته األنـدلس عنـدما تطـرق لـذكر إحصـائية ماليـة‬
‫مهم ـة ونــاذرة عــن واردات األم ـوال يف عصــر اخلليفــة عبــد الــرمحن الناصــر‪ ،‬وحاصــل لديــه ممــا مجعــه مــن أم ـوال مــا مل‬
‫ينقص عن مائيت ألف دينار ووصل سنة (‪ 340‬ه ‪951/‬م) إل قرابة عشـرين مليـون دينـار‪ ،‬دون مـا يف خزائنـه مـن‬
‫املتــاع واحللــي املصــو وآل ـة املراكــب‪ ،‬ومــا يتحمــل بــه امللــو مــن القنيــة املصــوغة‪ ،‬واســتمرت مــداخيل األم ـوال مــن‬
‫جبايــات وضـرائب إل أن تضــاعفمت يف عهــد إبنــه احلكــم املستنصــر ووصــلمت إل أكثــر مــن أربعــني مليــون دينــار‪ 2‬وال‬
‫ميكــن مقارنتهــا إال بتلــك الــيت كانــمت موجــودة يف املشــرق لــدى احلمــدانيني بــاحلي األرســتقراطي بالرصــافة يف مدينــة‬
‫حلب‪ ،3‬وكانمت خزائن الدولة األموية مقسمة إل ثالث أنواع‪:‬‬

‫‪-‬خزانة بيمت مال املسلمني ‪.‬‬

‫‪-‬اخلزانة اخلاصة باألسرة األموية يف األندلس ‪.‬‬

‫‪-‬اخلزانة العامة للدولة‪.‬‬

‫وكانــمت متتــاز هــذه اخل ـزائن بتســيري لكــم وبنظــام دقيــق مــن خــالل ضــب وتســجيل ال ـواردات واملصــروفات وخمتلــف‬
‫‪4‬‬
‫النفقات‪.‬‬

‫وذكر إبن حوقل التبادل التجاري الذي كان قائمـا بـني األنـدلس مـع كافـة البلـدان خاصـة اإلسـالمية‪ ،‬مـن خـالل‬
‫وصــفه للطــرق واملســالك الــيت كانــمت تنطلــق مــن قرطبــة ومــن كافــة املــدن‪ ،‬ويــذكر أهــم الســلع والبضــائع واملنتجــات الــيت‬
‫‪5‬‬
‫كانمت تصدر ناحية الشرق خاصة مصر مثل املالبس املطرزة واألصواف واألصبا واللبود املغربية‪.‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 3‬بروفنسال ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 4‬سامل بن عبد اهلل اخللف ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.362‬‬
‫‪ 5‬اللبود املغربية‪ ،‬وهو بساط مصنوع من الصوف املمتاز ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫يقول إبـن حوقـل‪... :‬وهلم مـن الصـوف واألصـبا فيـه وفيمـا يعـانون صـبغة بـدائع حبشـائش ـتص باألنـدلس‪ ،‬تضـع‬
‫ــا اللبــود املغربيــة املرتفعــة الثمينــة واحلريــر ومــا يؤثرونــه مــن أل ـوان اخلــز والقــزّ ‪ ،‬وجيلــب منهــا الــديباج‪ ،‬ومل يســاومهم يف‬
‫أعمــاهلم لبــودهم أهــل بلــد علــى وجــه األرض‪ ،‬ورمبــا عمــل لســلطا م لبــود ثالثينيــة يقــوم اللبــد منه ـا باخلمســني والســتني‬
‫‪1‬‬
‫دينارا‪...‬‬

‫كما حتدث بصـفة خاصـة عـن ثـروة البغـال الـيت كانـمت جتلـب مـن مدينـة ميورقـة والـيت كانـمت تشـتهر برتبيـة املواشـي‬
‫وذلـك أل ـا معدومـة اجلـوائح وقليلـة ا فــات ولـيس فيهـا عاهـة وال وحـش يــؤذيهم أمـا أسـعار البغـال فتجـاوزت مســمائة‬
‫دينــار وكانــمت متتــاز حبســن الســري واملشــي مــع عظــم اخللــق واأللـوان الصــافية والشــعور الدهنيــة والصــحة علــى مــدى األيــام‬
‫‪2‬‬
‫والصرب على الكد والعسف‪.‬‬

‫ذكر إبن حوقل كذلك جتارة الرقيق والعبيد وكانمت األنـدلس قبلـة ملعظـم اجلـواري والعبيـد واخلـدم خاصـة مـا يعـرف‬
‫بالصـقالبة‪ ،‬والــذين كـان هلــم دور هــام يف احليـاة اإلجتماعيــة واحليـاة السياســية خاصــة يف عهـد احلكــم املستنصــر‪ ،‬ويف‬
‫أحــداث األنــدلس إل غايــة ســقوط اخلالفــة األمويــة عــام ( ‪422‬ه ‪ 1030 /‬م) والــذين جــيء ــم يف الغالــب مــن‬
‫طرف القبائل اجلرمانية وجلبهم التجار اليهود وأشار إبن حوقل إل مصدر آخر للصقالبة مـن منـاطق البحـر األسـود‬
‫وجليقيـ ــة وإفرجن ـ ـه‪ .‬ولألنـ ــدلس دور مهـ ــم يف جتـ ــارة الصـ ــقالبة اخلصـ ــيان‪3‬وظهـ ــر ذلـ ــك واضـ ــحا يف التبـ ــادل التجـ ــاري‬
‫لألندلس حيث كانمت أسواقها تعـرف رواجـا يف هـذا اجملـال علـى عهـد الدولـة األمويـة‪ ،‬كمـا كانـمت املـوان األندلسـية‬
‫مراكز مهمة رصوص هذا النوع من التجارة ‪ ،‬ويذهب إبن حوقل إل أبعد من ذلك بقوله‪ :‬ومجيـع مـن علـى وجـه‬
‫األرض من الصقالبة اخلصيان فمـن جلـب األنـدلس أل ـم عنـد قـر م منهـا صـون‪ ،‬ورغـم صـفة املبالغـة املوجـودة يف‬
‫هذا النص يف كثرة جتارة الرقيق والعبيد الصقالبة من طرف األندلسيني إال أن ابن حوقـل كـان لقـا يف اتسـاع جتـارهتم‬
‫للرقيق وهو الذي اطلع من خالل جتواله يف تلـك األمـاكن علـى واقـع األسـواق األندلسـية وسـلعها بضـائعها التجاريـة‬
‫وهو اخلبري يف ميدان التجارة‪.4‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 109‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ 3‬الصقالبة اخلصيان ‪:‬هم جزء من اجملتمع األندلسي أشهرهم (فائق وجؤذر) كانوا من طبقة العبيد واخلدم ميلئون أسواق النخاسة وموجودون يف قصور امللو واألمراء واخللفاء والنبالء‬
‫ورجال الدين وأصحاب األموال واملزارعني وهم الذين أقتطع جزء مهم من أعضاءهم اجلسدية من طرف التجار اليهود ويتم إستغالل هؤالء يف القصور كخدم ذوي مالمح ولاسن‬
‫عند األمراء واألغنياء كرجال ميتازون باجلمال والرباعة والقوة واإلنصراف إل اخلدمة دون غريها من شؤون احلياة األخرى‪.‬أنظر ‪:‬لمد عبداهلل عنان ‪،‬تراجم إسالمية شرقية وأندلسية‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،1970 ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ 4‬إبن حوقل ‪ ،‬املصدر السابق ‪،‬ص ‪.106‬‬

‫‪39‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫لقد أنصف إبن حوقل إل حد بعيد فيما نقله ودونه عن اجلانب اإلجتمـاعي واإلقتصـادي للمجتمـع األندلسـي يف‬
‫عهد الدولة األموية‪ ،‬ويعد ما كتبه إبن حوقل مصدرا هاما لكل باحث يف احلياة اإلقتصـادية واإلجتماعيـة بـذكره خمتلـف‬
‫املوارد اليت سامهمت يف اإلزدهار اإلقتصادي لألندلس وانعكسمت على احلياة العامة للمجتمع األندلسي يف تلك الفرتة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬دوافع النظرة السلبية البن حوقل حول السلطة والنظام الحربي األندلسي‬

‫إن التحامــل الواضــح واإلهتامــات وجههــا إبــن حوقــل ألهــل األنــدلس وســلطتها احلاكمــة‪ ،‬أرجعــه الــبعض إل ميولــه‬
‫السياسية وتعاطفه مع الدولة الفاطمية‪ ،‬بل يذكر البعض أنه تشيع وانتسـب للفـاطميني وناصـرهم وأصـبح داعيـة هلـم‪،1‬‬
‫وكانمت املعلومات اليت نقلها رصوص األندلس مبثابة التقرير املفصل الذي رفعه إل حكام الدولـة الفاطميـة‪ ،‬مـن أجـل‬
‫إغرائهم لغزو األندلس‪.‬‬

‫ويتضــح هــذا عنــد البحــث يف كتــاب (صــورة األرض) إذ جنــد بعــض العبــارات الــيت تشــري إل ذلــك التعــاطف مــع‬
‫الفاطميني الذي أشرنا له سـابقا‪ ،‬فعنـدما دخـل إبـن حوقـل مدينـة املهديـة وحتـدث عـن حركـة صـاحب احلمـار أبـو يزيـد‬
‫بــن خملــد بــن كيــداد ق ـال ‪..‬وكــان أول اــس أظلهــا أبــو يزيــد خملــد بــن كيــداد وخروجــه بــاملغرب علــى أهلهــا وا الــمت‬
‫‪2‬‬
‫ويقــول يف موضــع آخــر وكــان أبــو يزيــد خملــد بــن كيــداد‬ ‫املنــاحس عليهــا إل ا ن وقــد بقــي ــا بعــض رمــق ‪...‬‬
‫لمد بن عبيد اهلل عليه السالم من أهـل ااطـة ومـن فـراعنتهم قتـل خلـيال صـاحب ديـوان‬
‫اإلباضي اخلارج على القائم ّ‬
‫املغرب وميسورا اخلادم صاحب جيش املغرب واتّسـق لـه مـن الظلـم والعـدوان مـا جعـل اهلل بغيـه نكـاال عليـه‪ 3 ...‬ومـن‬
‫املعلـوم أن أيب يزيـد خملــد بـن كيـداد كانــمت لـه عالقـات جيــدة مـع عبـد الرمحــان الناصـر حـاكم األنــدلس وكـان يـدعوا لــه‬
‫وتبادل معه الرسائل وكان ربه بكل أخبار املغرب وحربه مع الفاطميني‪.4‬‬

‫وعندما يذكر حكام الدولية العبيدية الفاطمية يرافقها بعبارات التشريف مثل‪:‬‬

‫‪ -‬املنصور عليه السالم‪.‬‬


‫‪ -‬موالنا األمري املنصور بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬موالينا عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ -‬القائم لمد بن عبد اهلل عليه السالم‪.‬‬

‫‪ 1‬شوقي ضيف ‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪ 2‬إبن حوقل ‪ ،‬ص ص ‪.74 73‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ 4‬ليلى أمحد جنار ‪ ،‬العالقات بني املغرب واألندلس يف عهد عبد الرمحان الناصر‪ ،‬رسالة ماجستري يف التاري اإلسالمي ‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة‬
‫املكرمة‪1402(،‬ه‪1403/‬ه‪1982،‬م‪1983/‬م) ص ‪.203‬‬

‫‪41‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫بينمــا جنــده متعصــبا وحاقــدا علــى األمــويني وسياســتهم وحضــارهتم وحكــامهم فعبــد الــرمحن الناصــر أشــهر‬
‫حكام األندلس‪ ،‬ال ينال عنده ال لقب أمري وال ملك وال خليفة وال أي شيء مـن ألفـاا التشـريف‪ ،‬وقلـل مـن‬
‫شـأنه كأنـه أقـل مـن رجـل عــادي يف نظـره وعنـد دخولـه إل األنـدلس وصـفه بــالقيم ـا‪ ،‬حيـث يقـول إبـن حوقــل‬
‫‪ :‬ودخلتهــا يف أول ســنة ســبع ثالثــني وثالمثائــة والقــيم ــا أبــو املطــرف عبــد الرمحــان بــن لمــد بــن عبــد اهلل بــن‬
‫‪1‬‬
‫لمد بن عبد الرمحان بن احلكم بن هشام بن عبد الرمحان بن معوية ابن هشام بن عبد امللك بن مروان ‪...‬‬

‫كل هذه العبارات مل في ميول وتعاطف إبن حوقل مع الدولة الفاطمية ومـن غـري املسـتبعد أن يكـون تواجـده‬
‫باألنــدلس إضــافة إل التجــارة واإلرت ـزاق مــن أجــل مهمــة نقــل تفاصــيل ومعلومــات هامــة ع ـن اجملتم ـع األندلســي‬
‫ونظامها احلريب واإلداري حلكام الدولة الفاطمية باملغرب‪.‬‬

‫وقد ذهب إل تأييد هذا الرأي كل من‪:‬‬

‫‪ -‬كارتشكوفســكي صــاحب كتــاب ( تــاري األدب اجلغ ـرايف العــريب ) حيــث يقــول‪ ....... :‬وتــربز امليــول السياســية‬
‫البن حوقل من وقـمت خـر جليـة للعيـان ومـن الطريـف يف هـذا الشـأن موقفـه مـن أمـويي األنـدلس فهـو يقـدم لنـا‬
‫يف مصــنفه صــورة لألنــدلس مــن أدق الصــور يف العصــر األمــوي ويــرى أن ابــن حوقــل جاسوســا للفــاطميني بــال‬
‫‪2‬‬
‫ريب ‪.‬‬
‫‪ -‬وي ـذكر زكــي لمــد حســن نقــال عــن املستشــرق اهلولنــدي دوزي يف كتابــه (تــاري إســالم إســبانيا) أن إبــن حوقــل‬
‫كـان عينـاً للفــاطميني ويعمـل حلسـا م يف األنــدلس‪ ،‬وال شـك أن يكـون قــد نـال حظـوهتم عنــدما كـان بيــنهم يف‬
‫بــالد املغــرب‪ ،‬فســهلوا لــه شــؤون رحلتــه وجتارتــهف وقــد متخضــمت هــذه العالقــة عــن تبــادل الثقــة‪ ،‬فوجــدوا فيــه خــري‬
‫‪3‬‬
‫مثال للدعاية‪ ،‬ملذهبهم الفاطمي‪.‬‬
‫ويقــول لمــود علــي مكــي يف كتابــه (التشــيع يف األنــدلس) ‪ ...‬إن اإلهتمــام املبــالغ فيــه مــن طــرف إبــن حوقــل‬ ‫‪-‬‬
‫وذلــك مــن خــالل تســجيل امل ـوارد املاليــة‪ ،‬واألنشــطة اإلقتصــادية ووصــفه للطــرق واملســالك البحريــة والربيــة‪ ،‬مث‬
‫‪4‬‬
‫يتطرق لوصف جهاز احلكم واجليش األندلسي لاولة منه إلقناع الفاطميني بغزو األندلس‪. ...‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل ‪،‬املصدر السابق ‪،‬ص ‪.104‬‬


‫‪ 2‬كراتشكوفسكي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 3‬زكي لمد حسن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 41‬‬
‫اية الدولة األموية‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص ‪. 52‬‬ ‫‪ 4‬لمود علي مكي ‪ ،‬التشيع يف األندلس منذ الفتح ح‬

‫‪42‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أمــا ليفــي بروفنســال صــاحب كتــاب (حضــارة العــرب يف األنــدلس)‪ ،‬يــذكر أنـه مــن احملتمــل أن يكــون إبــن حوقــل‬
‫‪1‬‬
‫عينا للعباسيني أو الفاطميني ألنه زار األندلس يف عهد الناصر وعاش فيها‪.‬‬

‫والقول الراجح أن إبن حوقل كان متعاطفـا مـع الفـاطميني ومواليـا هلـم ومؤيـدا لسياسـتهم ومـذهبهم‪ ،‬أل ـم عنـد‬
‫قيام دعوهتم عملوا على نشر جواسيسهم يف ش األقاليم اإلسالمية‪ ،‬وراء التسرت من أجل التجـارة أو طلـب العلـم أو‬
‫الســياحة الصــوفية‪ ،‬ولكــن الغايــة مــن ذلــك اإلســتطالع علــى أحـوال تلــك البلــدان ومعرفــة أدق التفاصــيل مــن مــداخيل‬
‫البلـد ودراسـة نظمهــا السياسـية واإلقتصــادية والدينيـة ومنــاطق الضـعف فيهـا‪ ،‬وأهــم الـدعاة الــذين تواجـدوا يف األنــدلس‬
‫أبو يسر الرياضي وإبن هارون البغدادي‪ ،‬ولكن جناحهم كان لدودا جدا وذلك بسبب قوة السـلطة األمويـة‪ ،‬ومتسـك‬
‫أهل البلد مبذهبهم السي‪ ،‬ومل يتمكنوا من ضم إال بعـض رجـال الفكـر والتصـوف‪ ،2‬وكـذلك عمـر بـن حفصـون الـذي‬
‫كــان يــدعوا للخليفــة عبيــد اهلل املهــدي يف منــابر مســاجده‪ ،‬والــذي أمــده بالــذخائر والســالح القادمــة مــن املغــرب‪ ،‬مــع‬
‫إرســال داعيــني يقومــان بتحريضــه بالتمســك والطاعــة والــوالء للفــاطميني‪ ،‬إال أن إبــن حفصــون كــان غرضــه مــن الــوالء‬
‫‪3‬‬
‫للخليفة الفاطمي نكاية يف األمويني ليس إال‪ ،‬ودليل ذلك عند إرجاعه للداعيني الفاطميني إل املغرب‪.‬‬

‫إن إنفراد إبن حوقل برأيه املخالف غن غريه من الرحالة واجلغرافيني فيما ـص جـانيب السـلطة واجلـيش األندلسـي‬
‫خــالل العهــد األمــوي‪ ،‬ميكــن إرجاعــه إل دوافــع ذاتيــة وأخــرى موضــوعية كانــمت ظــاهرة يف كتابــه صــورة األرض‪ 4‬حيــث‬
‫نستنتجها من النصني التالني‪:‬‬

‫حضـ علـى‬
‫النص األول الذي برزت فيه موضوعية إبـن حوقـل كـان يف مقدمـة كتابـه والـذي يقـول فيـه كـان ممّـا ّ‬
‫أىن مل أزل ح حـال الصـبوة شـغفا بقـراءة كتـب املسـالك متطلّعـا إل كيفيّـة‬ ‫تأليفه وحثّ على تصنيفه وجـذب ال راـه ّ‬
‫كميّــة وقــوع ذلــك ح اهلمــم والرســوم واملعــارف‬
‫البــني بــني املمالــك يف الســري واحلقــائق وتبــاينهم ح املــذاهب والطرائــق و ّ‬
‫والعلوم واخلصوص والعموم وترعرعمت فقرأت الكتـب اجلليلـة املعروفـة والتواليـف الشـريفة املوصـوفة فلـم أقـرأ ح املسـالك‬
‫كتابــا مقنعــا ومــا رأيــمت فيهــا راــا متبعــا فــدعاين ذلــك ال تــأليف هــذا الكتــاب واســتنطاقي فيــه وجوهــا مــن القــول‬

‫‪ 1‬ليفي بروفنسال ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.44‬‬


‫‪ 2‬لمود علي مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 28، 24‬‬
‫‪ 3‬امحد خمتار العبادي ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ 4‬ناصر عبد الرزاق املوايف ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.160‬‬

‫‪43‬‬
‫صورة المجتمع األندلسي من خالل كتاب صورة األرض‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫واخلطاب وأعاني عليه تواصل السفر وانزعاجي عن وطي مع ما سبق به القـدر السـتيفاء الـرزق واألثـر والشـهوة لبلـو‬
‫‪1‬‬
‫الوطر ‪...‬‬

‫أما النص الثاين والذي ظهرت فيه ذاتية إبن حوقل يقول فيه وكان أكثر ما حداىن على هـذا الكتـاب وتأليفـه‬
‫أىن كنــمت ح حــال احلداثــة شــغفا بأخبــار البلــدان والوقــوف علــى حــال األمصــار كثــري اإلســتعالم‬
‫علــى هــذه الصــورة ّ‬
‫واإلســتخبار ملســافرة الن ـواحي ووكــالء التّجــار وق ـرأت الكتــب املؤلّفــة فيهــا وكنــمت إذا لقيــمت الرجــل الــذي أظنّــه صــادقا‬
‫وتأملــمت طرقــه‬
‫وأخالــه مبــا أســأله عنــه خبـريا عاملــا فأجــد عنــد إعــادة اخلــرب الــذي أعتقــد فيــه صــدقه وقــد حفظــمت نســقه ّ‬
‫ووصــفه أكثــر ذلــك بــاطال وأرى احلــاكي بــأكثر مــا حكــاه جــاهال مثّ أعــاوده اخلــرب الــذي ألتســمه منــه والــذكر ليســمع‬
‫الـذي إستوصـفته وأطــالع معـه مـا صــدر مـع غـريه ح ذلــك بعـد رؤيـة وأمجــع بينهمـا وبـني حكايــة ثالـث بالعـدل والســويّة‬
‫ـالقوة عل ــى األس ــفار ورك ــوب‬
‫أحس ــه ح نفس ــى ب ـ ّ‬
‫فتتن ــافر األقـ ـوال وتتن ــاح احلكاي ــات وك ــان ذل ــك داعي ــة إل م ــا كن ــمت ّ‬
‫األخطــار ولبّــة تصــوير املــدن وكيفيّــة مواقــع األمصــار وجتــاور األقــاليم واألصــقاع‪ ،‬وكــان ال يفــارقي كتــاب إبــن خرداذبــه‬
‫األوالن ق ــد ل ــزم أن أس ــتغفر اهلل م ــن محلهم ــا‬
‫وكت ــاب اجليه ــاىنّ وت ــذكرة أىب الف ــرج قدام ــة ب ــن جعف ــر‪ ،‬وإذا الكتاب ــان ّ‬
‫ـوخى العلــوم النافعــة والســنن الواجبــة‪ ،‬ولقيــمت أبــا إســحاق الفارســي وقــد صـ ّـور هــذه‬
‫وإشــتغايل مــا عمــا يلــزمي مــن تـ ّ‬
‫فجودهـا وكنــمت قـد ص ّـورت أذربيجـان الــيت ح هـذه الصـفحة فاستحســنها‬
‫الصـورة ألرض السـند فخلطهـا وصـ ّـور فـارس ّ‬
‫واجلزيــرة فاســتجادها وأخــرج الــيت ملصــر فاســدة وللمغــرب أكثرهــا خطــأ وقــال قــد نظــرت ح مولــد وأثــر وأنــا أســألك‬
‫‪2‬‬
‫إصالح كتايب‬

‫فهنا جند إبن حوقل يف هذا النص قد أشار إل تعارض أقوال اجلغرافيني يف وصفهم وتصويرهم لألمصار والبلدان‬
‫‪،‬مع كثرة اخلطأ وفساد الصورة وقد ضرب مثال مبصر واملغرب ‪،‬بينما عند وصفه لألندلس يف كتابه (صورة األرض)‬
‫يف ميداين السلطة واجليش ‪،‬شذ رأيه عن بقية الرحالة واجلغرافيني وواقع األندلس املزدهر يف تلك الفرتة وهذا ما يظهر‬
‫بوضوح دوافعه الذاتية‪.‬‬

‫‪ 1‬إبن حوقل ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪ 2‬إبن حوقل‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ص ‪.284 283‬‬

‫‪44‬‬
‫خامتة‬
‫خامتة‬

‫لقــد إمتــازت كتــب ومؤلفــات الــرحالت واجلغرافيــة لــدى العــرب يف القــرن الرابــع اهلجــري مبوســوعية املعلومــات‬
‫الواردة فيها‪ ،‬واليت مشلمت معلومات قيمة ودقيقة يف ش اجملـاالت اجلغرافيـة ‪،‬والتار يـة والسياسـية واحلضـارية والدينيـة‬
‫واإلجتماعيــة ‪،‬وذلــك إعتمــادا علــى املشــاهدة واملالحظــة واملعاينــة واإلستقصــاء‪ ،‬و يُعــد كتــاب صــورة األرض البــن‬
‫حوقــل مــن أهــم النصــوص املصــدرية باعتبــاره مــن املصــادر اجلغرافيــة املهمــة يف العصــر الوس ـي الــيت قــدممت معطيــات‬
‫مهمة عن األقاليم اإلسالمية خالل القـرن الرابـع اهلجـري (‪10‬م)‪ ،‬ومل يكتـف إبـن حوقـل مبـا ورد عنـد مـن سـبقه مـن‬
‫جغ ـرافيني ورحالــة‪ ،‬بــل إنــه نــزل إل امليــدان‪ ،‬وقــام برحلــة طويلــة حــول البلــدان إســتمرت أزيــد مــن ثالثــني عامــا بــني‬
‫خمتلــف األقطــار اإلســالمية‪ ،‬وقــام بوصــف املنــاطق الــيت زارهــا وصــفاً مفص ـالً بنــاءا علــى مشــاهداته وإعتمــادا عل ــى‬
‫جمموعة مصادر خمتلفة‪.‬‬

‫إ ــذ إب ــن حوق ــل م ــن التج ــارة وس ــيلة لك ــي جي ــوب الع ــامل‪ ،‬لك ــن ال ــبعض مح ــل علي ــه هتم ــة التجس ــس لص ــاحل‬
‫الفــاطميني‪ ،‬فقــد كــان يقــوم عمــع املعلومــات عــن املنــاطق الــيت يزورهــا‪ ،‬وت ـزامن ذل ـك مــع ظهــور وإنتشــار املــذهب‬
‫الشيعي يف بالد املغرب ‪،‬خاصة عندما إرحتل إل األندلس‪ ،‬وعاش فيها فرتة من الزمن يف عهد اخلالفـة األمويـة‪ ،‬غـري‬
‫أن ذلك مل مينع إبن حوقل من تقدمي إشارات ومعلومات إنفرد ا عن غريه من الرحالة واجلغرافيني‪ ،‬كمـا هـو الشـأن‬
‫عنـدما قــدم وصـفاً لــبالد األنــدلس و ملسـالكها‪ ،‬وطرقهــا‪ ،‬ومـد ا‪ ،‬موضــحا أمهيتهــا اإلقتصـادية والتجاريــة وأســهب يف‬
‫تعداد ثرواهتا‪ .‬كما أشار إل بعض خصائصها الطبيعية والبشرية‪.‬‬

‫إن إلصــاق هتمــة جتســس إبــن حوقــل لصــاحل الفــاطميني والــيت أوردهتــا بعــض املصــادر واملراجــع ‪،‬جــاءت مـن أجــل‬
‫التقليل مما تركه هذا األخري مـن مـادة علميـة مصـدرية هامـة يف تـاري الشـعوب‪ ،‬وحضـارهتا وجعلـوا رحلتـه ذات أبعـاد‬
‫سياسية ومذهبية‪ ،‬ومل تكن هنـا أدلـة واضـحة تـدل علـى البعـد السياسـي واملـذهيب الـذي جـاء مـن أجلـه إبـن حوقـل‬
‫إل األنــدلس‪ ،‬ألن رحلتــه يف الغالــب كانــمت للتجــارة واإلرتـزاق ومل جيمــل دخولــه لألنــدلس طــابع التســرت‪ ،‬فقــد كانــمت‬
‫األندلس يف العهد األموي خاصة فرتة حكم عبد الرمحان الناصر قبلة جلميع الناس من خمتلـف منـاطق العـامل وكانـمت‬
‫مفتوحة للجميع ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫خامتة‬
‫وتبقى الصورة اليت نقلها إبن حوقل عن اجملتمع األندلسي هي إحدى الصور العديدة‪ ،‬اليت كانمت موجودة يف‬
‫املصادر آنذا ‪ ،‬ومل تكن تعي بالضرورة الصورة الواقعية ‪ ،‬ألنه غالبا ما حتمل هذه املصادر نصوصا دعائية من أجل‬
‫رفع وتعظيم جهة ما على حساب جهة أخرى ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫املالحق‬

‫قائمة المالحق‬
‫الملحق رقم (‪ :)1‬خريطة األقاليم عند ابن حوقل‬

‫الملحق رقم (‪ :)2‬خريطة أهم المدن التي زارها ابن حوقل‬

‫الملحق رقم (‪ :)3‬مقاطع رحلة ابن حوقل‬

‫الملحق رقم (‪:)4‬صورة ديار العرب والعراق للمقدسي‬

‫الملحق رقم (‪:)5‬صورة للعالم _االصطخري‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫املالحق‬
‫الملحق رقم ( ‪ :)1‬خريطة األقاليم عند ابن حوقل‬

‫حسام جنم الدين عبد الشمري ‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.30،‬‬

‫‪49‬‬
‫املالحق‬
‫الملحق رقم (‪:)2‬خريطة أهم المدن التي زارها ابن حوقل‬

‫حسام جنم الدين عبد الشمري ‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.157‬‬

‫‪50‬‬
‫املالحق‬

‫الملحق رقم (‪:)3‬مخطط رحلة ابن حوقل‬

‫حسام جنم الدين عبد الشمري ‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.45،‬‬

‫‪51‬‬
‫املالحق‬
‫الملحق رقم (‪:)4‬صورة ديار العرب والعراق للمقدسي‬

‫حسني مؤنس ‪،‬أطلس تاري اإلسالم‪،‬ط‪،1‬الزهراء لإلعالم العريب‪،‬القاهرة‪،1987،‬ص ‪.14‬‬

‫‪52‬‬
‫املالحق‬
‫الملحق رقم (‪:)5‬صورة للعالم _االصطخري‪.‬‬

‫حسني مؤنس ‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.12‬‬

‫‪53‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أوال‪ :‬المصادر‬
‫‪ .1‬إبن خلدون عبد الرمحان‪ ،‬كتاب العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف أيام العرب والعجم والرببر ومـن عاصـرهم مـن‬
‫ذوي السلطان األكرب‪ ،‬راجعه سهيل زكار‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪. 2006 ،‬‬
‫‪ .2‬إبن حوقل أبو القاسم لمد بن علي‪ ،‬صورة األرض‪ ،‬ط‪ ، 4‬مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪.1992 ،‬‬
‫‪ .3‬إبن حوقل أبو القاسم لمد بن علي ‪ ،‬صورة األرض ‪ ،‬ط‪ ،2‬طبعة ليدن ‪1873‬‬
‫‪ .4‬إبــن ســعيد املغــريب‪ ،‬كتــاب اجلغرافيــاط‪،1‬تــح‪ :‬إااعيــل العــريب‪ ،‬املكتــب التجــاري للطباعــة والنشــر‪،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.1970‬‬
‫‪ .5‬اإلصطخري أبو إسحاق بن لمد‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬مطبعة بريل‪،‬ليدن‪،‬هولندا‪.1927،‬‬
‫‪ .6‬إبن حيان القرطيب‪،‬املقتبس‪،‬املعهد االسباين للثقافة كلية ا داب ‪ ،‬الرباط‪ ،‬مدريد‪.1989 ،‬‬
‫‪ .7‬الزركلي خري الدين‪،‬األعالم‪ ،‬ط ‪،11‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت‪.2002 ،‬‬
‫‪ .8‬املقدســي مشــس الــدين أيب عبــد اهلل لمــد ‪ ،‬أحســن التقاســيم يف معرفــة األقــاليم ‪ ،‬مكتبــة مــدبويل‪،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪. 1999 ، 3‬‬
‫‪ .9‬املسعودي أبو احلسن بن علي‪ ،‬مروج الذهب ومعادن اجلوهر‪ ،‬املكتبة العصرية‪،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .10‬جمهول‪ ،‬مفاخر الرب‪،‬تح‪ :‬عبد القادر بوباية‪ ،‬دار أيب رقراق‪،‬املغرب‪.2005،‬‬
‫‪ - .11‬أمحــد بــن لمــد املقــري التلمســاين ‪ ،‬نفــح الطيــب مــن غصــن األنــدلس الرطيــب ‪،‬تــح‪ :‬إحســان عبـاس ‪،‬‬
‫دار صادر‪1968 ،‬‬

‫ثانيا‪ :‬المراجع‬

‫‪ .1‬أمحد أبو سعيد‪ ،‬أدب الرحالت وتطوره يف األدب العريب‪ ،‬دار الشرق بريوت‪.1961،‬‬
‫‪ .2‬إبراهيم بيضون‪ ،‬الدولة العربية يف إسبانيا من الفتح ح سقوط اخلالفة‪،‬ط‪ ،3‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪.1986‬‬
‫‪ .3‬إااعيل العريب‪ ،‬املدن املغربية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫‪ .4‬أندريه ميكيل‪ ،‬جغرافية دار اإلسالم البشرية‪ ،‬ح منتصف القرن احلادي عشر‪ ،‬قسمان‪ ،‬ترمجة إبراهيم‬
‫خوري (منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق ‪.)1983‬‬
‫‪ .5‬ليفي بروفنسال‪ ،‬حضارة العرب يف األندلس‪ ،‬تر‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ،‬مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت (د ت)‬
‫‪ .6‬إااعيل باش البغدادي‪ ،‬هدية العارفني أااء املؤلفني وآثار املصنفني‪،‬مج‪ ،‬وكالة املعارف‬
‫اجلليلة‪،‬إستانبول‪.1955،‬‬
‫‪ .7‬مجال أفندي‪ ،‬اجلغرافيا عند املسلمني‪،‬ط‪ 1‬دار الكتاب اللبناين‪.1982،‬‬
‫‪ .8‬جورج غريب‪ ،‬أدب الرحلة تار ه وأعالمه‪،‬ط‪ ،3‬دار الثقافة‪،‬بريوت‪.1979،‬‬
‫‪ .9‬بن قربة صاحل‪ .‬تاري اجلزائر يف العصر الوسي من خالل املصادر‪ ،‬املركز الوطي للبحث يف احلركة الوطنية‬
‫وثورة أول نوفمرب ‪، 1954‬اجلزائر‪.2007،‬‬
‫‪ .10‬حاجي خليفة‪ ،‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬بريوت‪.1999،‬‬
‫‪ .11‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحلة يف الرتاث العريب‪،‬ط‪ 2‬الدار العربية للكتاب‪،‬القاهرة‪.2002،‬‬
‫‪ .12‬فواز الشعار‪ ،‬األدب العريب‪ ،‬املوسوعة الثقافية العامة‪،‬‬
‫‪ .13‬زكي لمد لاسن‪ ،‬الرحالة املسلمون يف العصور الوسطى‪ ،‬دار الرائد العريب‪،‬بريوت‪.1980 ،‬‬
‫‪ .14‬إغناطيوس يوليانوفيتش كراتشكوفسكي‪ ،‬تاري األدب اجلغرايف العريب‪ ،‬ترمجة صالح الدين عثمان‬
‫هاشم‪ ،‬اإلدارة الثقافية عامعة الدول العربية‪ ،‬القاهرة ‪.1963‬‬
‫‪ .15‬كمال بن لمد الريامي‪ ،‬مشاهري الرحالة العرب‪،‬ط‪ ،1‬دار كنوز للنشر والتوزيع‪،‬القاهرة‪. 2013،‬‬
‫‪ .16‬سعد عبود اار‪،‬ابن حوقل دراسة تار ية يف كتابه صورة األرض‪،‬ط‪ ،1‬متوز للنشر والتوزيع‪،‬دمشق‪،‬‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ .17‬شوقي ضيف ‪ ،‬الرحالت‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ .18‬عبد املقصود عبد احلميد عبية‪ ،‬موجز تاري األندلس من الفتح إل سقوط غرناطة‪ ،‬كلية دار العلوم ‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪.‬‬

‫‪ .19‬ليلى أمحد جنار ‪ ،‬العالقات بني املغرب واألندلس يف عهد عبد الرمحان الناصر‪ ،‬رسالة ماجستري يف‬
‫التاري اإلسالمي ‪،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة املكرمة‪1402(،‬ه‪1403/‬ه‪1982،‬م‪1983/‬م)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫‪ .20‬لمد منري مرسي‪ ،‬الرتبية اإلسالمية أصوهلا وتطورها يف البالد العربية‪ ،‬دار املعارف‪.1987،‬‬
‫‪ .21‬أمحد خمتار العبادي ‪،‬يف التاري العباسي والفاطمي ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .22‬عبد الرمحان محيدة‪ ،‬أعالم اجلغرافيني العرب‪ ،‬ط‪ ، 4‬دار الفكر‪،‬دمشق ‪.1980،‬‬
‫‪ .23‬علي بن عبد اهلل الرفاعي‪ ،‬رواد علم اجلغرافيا يف احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬مكتبة التوبة‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ 1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .24‬عمر رضا كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني‪،‬مطبعة الرتقي‪،‬دمشق‪.1960،‬‬
‫‪ .25‬لمد عبداهلل عنان ‪،‬دولة اإلسالم يف األندلس‪،‬ط ‪،4‬مكتبة اخلاجني القاهرة ‪.1997‬‬
‫‪ .26‬لمد عبداهلل عنان ‪،‬تراجم إسالمية شرقية وأندلسية‪،‬ط‪2‬منكتبةاخلاجني‪،‬القاهرة‪.1970،‬‬
‫اية الدولة األموية‪،‬ط‪،1‬مكتبة الثقافة‬ ‫‪ .27‬لمود علي مكي ‪ ،‬التشيع يف األندلس منذ الفتح ح‬
‫الدينية‪،‬القاهرة‪.2004 ،‬‬
‫‪ .28‬حسني مؤنس ‪،‬أطلس تاري اإلسالم‪،‬ط‪،1‬الزهراء لإلعالم العريب‪،‬القاهرة‪.1987،‬‬
‫‪ .29‬نقوال زيادة‪ ،‬اجلغرافية والرحالت عند العرب‪ ،‬الشركة العاملية للكتاب‪،‬بريوت‪.1987،‬‬
‫‪ .30‬سامل بن عبد اهلل اخللف‪ ،‬نظم حكم األمويني ورسومهم يف األندلس‪،‬ط‪ ،1‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪. 2003‬‬
‫‪ .31‬عبد الواحد ذو النون طه ‪،‬األندلس من خالل كتاب صورة األرض ‪،‬املؤرخ العرب ‪ ،‬ع ‪، 23‬‬
‫بغداد‪.1983،‬‬

‫‪56‬‬

You might also like