You are on page 1of 95

‫اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ‬

‫وزارة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ‬

‫‪UNIVERSITÉ BADJI MOKHTAR - ANNABA‬‬


‫‪BADJI MOKHTAR - ANNABA UNIVERSITY‬‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺟﻲ ﻣﺨﺘﺎر – ﻋﻨﺎﺑ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ‬

‫سانية و جتماعية‬ ‫ال لية‪ :‬العلوم‬


‫القسم‪ :‬الفلسفة‬
‫اﳌيدان‪ :‬العلوم سانية و جتماعية‬
‫الشعبة‪ :‬علوم جتماعية ‪ -‬ﻓلسفة‬
‫التخصص‪ :‬ﻓلسفة ﺗطبيقية‬

‫مذكرة‬

‫مقدمة استكماﻻ ﳌتطلبات نيل ش ادة اﳌاس‬

‫اﳌوضوع‪:‬‬
‫الحرية والضرورة اﻹلهية عند سبينوزا‬

‫إشراف‪ :‬ب وال ج ال‬ ‫إع اد‪ :‬ن لي ن‬

‫ﻟﺠﻨﺔ اﻟمﻨاقشﺔ‪:‬‬
‫رئ سا‬ ‫ا امعة با مختار ‪-‬عﻨابة‪-‬‬ ‫أستاذ مساعد –أ‪-‬‬ ‫أحسن ما ع‬
‫مﺸرﻓا‬ ‫ا امعة با مختار ‪-‬عﻨابة‪-‬‬ ‫أستاذ محاضر ـ ب‬ ‫بروال جمال‬
‫ممتحﻨا‬ ‫ا امعة با مختار ‪-‬عﻨابة‪-‬‬ ‫أستاذ مساعد –أ‪-‬‬ ‫خلفاوي حياة‬

‫اﻟسﻨﺔ اﻟﺠامعيﺔ‪2022/2021 :‬‬


‫اﻟملخص‬
‫اﻟملخص‬

‫اﻹﻫـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺪاء‬
‫وكفى والصﻼة على اﳊبيب اﳌصطفى وأﻫلﻪ وﻣﻦ وﰱ أﻣﺎ ﺑﻌد‪:‬‬ ‫اﳊمد‬

‫الذي وفقنﺎ لتتمﲔ ﻫذه اﳋطوة ﰲ ﻣسﲑتنﺎ الدراسية‬ ‫اﳊمد‬

‫ﲟذكﺮتنﺎ ﻫذه ﲦﺮة اﳉﻬد والنﺠﺎح ﺑفﻀلﻪ تﻌﺎﱃ ﻣﻬداة إﱃ‪:‬‬

‫ﻣﻦ أفﻀلﻬﺎ على ﻧفسﻲ وﱂ ﻻ فلقد ﺿﺤﺖ ﻣﻦ أﺟلﻲ وﱂ تدﺧﺮ ﺟﻬدا ﰲ سبيﻞ إسﻌﺎدي على الدوام‬

‫*أﻣﻲ اﳊﺒﻴﺒﺔ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ*‬


‫اﱃ ﻗﺮة عيﲏ ‪ ،‬ﺻﺎﺣب الوﺟﻪ الطيب و اﻷفﻌﺎل اﳊسنة فلﻢ ﻳبﺨﻞ على ﻃيلة ﺣيﺎتﻪ‬
‫*أﰊ اﻟﻌﺰﻳﺰ*‬
‫إﱃ ﻧبض ﻗلﱯ أﺧتﺎي الﻌزﻳز ن )أﻣﺎل و ﺳﻬﻴﻠﺔ(‬
‫وأﺑنﺎء أﺧﱵ اﳉميلتﲔ )إﺳﻼم وﺳﻠﲔ(‬

‫إﱃ سندي وأﻣﲏ وعزﰐ )ﺑﺪر اﻟﺪﻳﻦ و ﺳﻔﻴﺎن(‬

‫اﱃ روح ﺧﺎلﱵ الﻐﺎلية ) دﻳﺔ(‬

‫ﻦ ﻧﻌﻢ الﺮفيقﺎت ﰲ ﲨيع اﻷﻣور )ﳒﺎة‪،‬ﺻﱪﻳﻨﺔ ‪ ،‬ﻧﺮﳝﺎن وإﻛﺮام(‬ ‫اﱃ ﺻدﻳقﺎﰐ الﻼﰐ اشﻬد ﳌﻦ‬

‫وﻻ ﻳنبﻐﻲ أن أﻧسى أسﺎتذﰐ ﳑﻦ كﺎن ﳍﻢ الدور اﻷكﱪ ﰲ ﻣدي ﳌﻌلوﻣﺎت القيمة‪.‬‬

‫نب ــــــــــــــﲇ نــــــــــــﺪى‬


‫اﻟملخص‬

‫"رب أوزﻋﻨﻲ أن أﺷﻜﺮ ﻧﻌﻤﺘﻚ اﻟﺘﻲ أﻧﻌﻤﺖ ﻋﻠﻲ وﻋﻠﻰ واﻟﺪي وأن أﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﺗﺮﺿﺎﻩ وأدﺧﻠﻨﻲ‬
‫ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدك اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ " س رة ال ل ‪ ،‬اﻷ ة ‪19‬‬

‫ا على ف له وت ام نع ه‬ ‫ح ا‬ ‫رب العال‬ ‫ال‬


‫ال ه ا الع ل‪،‬‬ ‫أن وفق ا ﻹن از واس‬
‫ع ال ضا ‪.‬‬ ‫ول ال‬ ‫إذا رض‬ ‫ح ى ت ضى ول ال‬ ‫ل ال‬
‫ل لﻸس اذ‬ ‫ل والع فان ال‬ ‫ال‬ ‫ن ق م ال‬
‫"ب وال ج ال"‬
‫ائح ال اصلة‬ ‫أش ف على ه ه ال راسة ل ا ق مه ل ا م اﻹرشادات وال‬ ‫ال‬
‫ك ل إلى أع اء ل ة ال اق ة ال ق ة ال ي ق ل ا وت ل ا ع اء‬
‫ق اءتها وم اق ها‪.‬‬
‫أو ع ‪.‬‬ ‫ةم ق‬ ‫إلى ل م ساع نا في إن از ه ه ال‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫إن اﳊﺮﻳة ﻣطلب إﻧسﺎﱐ على ﻣﺮ التﺎرﻳﺦ‪ ،‬فﻬﻲ ليسﺖ وليدة عصﺮ اﳊﺎﺿﺮ أو اﳊدﻳﺚ‪ ،‬ﺑﻞ أن ﺟذورﻫﺎ ﺿﺎرﺑة‬
‫ﰲ عمﻖ التﺎرﻳﺦ اﻹﻧسﺎﱐ‪ ،‬ﳑﺎ ﺟﻌﻞ ﻣنﻬﺎ ﻣوﺿوعﺎ للدراسﺎت الفلسفية والسيﺎسية على ﺣد سواء‪ ،‬وذلﻚ ﻣﻦ ﻣنطلﻖ‬
‫أن اﳊﺮﻳة ﻣﻦ أﻫﻢ الﻌواﻣﻞ اﻷسﺎسية الﱵ تُﺸﻌﺮ اﻹﻧسﺎن ﺑوﺟوده وكينوﻧتﻪ ﻣﻦ ﺟﻬة‪ ،‬و ستقﻼليتﻪ ﻣﻦ ﺟﻬة أﺧﺮى‬
‫فﺎﻹﻧسﺎن عتبﺎره كﺎﺋﻦ ﻃموح‪ ،‬ﻳسﻌى داﺋمﺎ إﱃ ﲢقيﻖ اﻷفﻀﻞ‪ ،‬أو إن ﺻﺢ التﻌبﲑ ﻳسﻌى ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أوﰐ ﻣﻦ ﻗوة‬
‫لتﺤقيﻖ كمﺎلﻪ الوﺟودي‪ ،‬وﻳﻬدف داﺋمﺎ إﱃ الﻌيﺶ ﰲ سﻌﺎدة‪ ،‬ﳑﺎ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ السﻌﺎدة اﻹﻧسﺎﻧية ﻫنﺎ ﻣﺮﻫوﻧة ﺑتوفﺮ شﺮط‬
‫اﳊﺮﻳة‪ ،‬وﻣﻦ ﲦة ﳝﻜننﺎ القول ن ا تمﻌﺎت السيﺎسية ﻣنذ القدم تسﻌى ﺟﺎﻫدة ﻗصد التﺤﺮر ﻣﻦ ﳐتلﻒ القيود‬
‫اﳌفﺮوﺿة عليﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻷﻧﻈمة السيﺎسية اﳌستبدة‪ ،‬ﺑدعوى ﲢقيﻖ اﻷﻣﻦ واﻻستقﺮار‪ ،‬كﻞ ﻫذا سﺎﻫﻢ ﰲ تﻐذﻳة‬
‫الﻌصيﺎن الﺸﻌﱯ للسلطة السيﺎسية القﺎﺋمة‪.‬‬

‫وﻫذا كﺎن ﲟﺜﺎﺑة ﻧقطة ﺑداﻳة اﳌﺸﺮوع السيﺎسﻲ عند" روخ سبينوزا وذلﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﳏﺎولتﻪ ﻹعﺎدة اﻻعتبﺎر‬
‫للﺤﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬وﺟﻌلﻬﺎ وسيلة لتﺤقيﻖ غﺎ ت وأﻫداف الدولة ﻣﻦ ﺟﻬة‪ ،‬وﲢقيﻖ التقدم واﻻزدﻫﺎر على اﳌستوى‬
‫الفﺮدي واﻻﺟتمﺎعﻲ‪ ،‬وﻗد كﺎن سبينوزا ﰲ ﲝﺜﻪ السيﺎسﻲ‪ ،‬ﻳطمﺢ لتﺤقيﻖ ﳎتمع راﻗﻲ وﻣزدﻫﺮ‪ ،‬ﺑدعوى ﺟﻌﻞ الدولة‬
‫أداة ﳊمﺎﻳة اﳊﺮ ت الفﺮدﻳة ﺑﻜﻞ أﻧواعﻬﺎ‪ :‬السيﺎسية والدﻳنية واﻷﺧﻼﻗية وﺣﱴ الفﻜﺮﻳة‪ ،‬وﻣﻦ ﻫنﺎ كﺎﻧﺖ دعوتﻪ اﳌلﺤة‬
‫إﱃ ﺿﺮورة تقوﻳض تلﻚ الفلسفﺎت الﻜﻼسيﻜية الﱵ كﺎﻧﺖ تدعو إﱃ ﺿﺮورة ﳑﺎرسة السلطة السيﺎسية لقوة والقﻬﺮ‬
‫ﻗصد ﲢقيﻖ أﻣنﻬﺎ واستقﺮارﻫﺎ وﺿمﺎن إستمﺮارﻳتﻬﺎ ‪ .‬فﺎلنسﻖ السيﺎسﻲ عند سبينوزا ﻣبﲏ على ﲪﺎﻳة الدولة أو السلطة‬
‫السيﺎسية ﳊقوق اﻷفﺮاد وﺣﺮ ﻢ وإلﻐﺎء تبﻌيتﻬﻢ لنﻈﺎم سيﺎسﻲ ﻣﻌﲔ‪.‬‬

‫ولقد عﱪ" سبينوزا "عﻦ ﻣﺸﻜلة اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية ﰲ كتﺎﺑيﻪ " رسﺎلة ﰲ الﻼﻫوت والسيﺎسة " وكتﺎب" علﻢ‬
‫اﻷﺧﻼق"‪ ،‬ﲝيﺚ ﻳصور لنﺎ أن اﻹﻧسﺎن ﻧﻪ ﻻ ﻳستطيع الﻌيﺶ إﻻ ﰲ ﻇﻞ اﳉمﺎعة الﱵ تﻜون ﰲ ﺣد ذا ﺎ ﺧﺎﺿﻌة‬
‫للقواﻧﲔ‪ ،‬وﻫذه اﻷﺧﲑة أو السلطة السيﺎسية ﺣسب" سبينوزا "ﻻ تتﻌﺎرض ﻣع اﳊﺮ ت الفﺮدﻳة و ﻳقدم لنﺎ الدولة على‬
‫أ ﺎ ﲤﺜﻞ وﺣدة ﳝﺎرس فيﻬﺎ اﻷفﺮاد ﳐتلﻒ ﺣقوﻗﻬﻢ الطبيﻌية واﳌدﻧية‪ ،‬أو الفﻀﺎء الذي ﻣﻦ ﺧﻼلﻪ ﳝﻜﻦ لﻸفﺮاد ﳑﺎرسة‬
‫إراد ﻢ والتفﻜﲑ ﺑﻜﻞ ﺣﺮﻳة‪.‬‬

‫كﺎﻧﺖ ﻣسﺄلة اﳊﺮﻳة ﻗﻀية ﺟوﻫﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا الﱵ دارت كلﻬﺎ ﺣول ﻧسﻖ ﻣتميز لﻀﺮورة واﳊتمية الﱵ‬
‫تسﲑ وفﻖ ﻗواﻧﲔ الطبيﻌة أو ﷲ‪ ،‬ﺣيﺚ ﻻ شﻲء ﻳسﲑ دون إرادة إﳍية‪ ،‬فلقد عﱪ سبينوزا عﻦ رغبتﻪ ﰲ فﻬﻢ إﻧفﻌﺎﻻت‬
‫النﺎس ﺑلﻐة علمية ﰲ كتﺎﺑﻪ " علﻢ اﻷﺧﻼق ﻣﺆﻳدا لدليﻞ اﳍندسﻲ " ‪ ،‬ولﻜﻦ ﳏﺎولة فﻬمﻬﺎ كﺎن ﻣﻦ أﺟﻞ السيطﺮة‬
‫عليﻬﺎ وﲢقيﻖ السﻌﺎدة‪ ،‬داﺧﻞ ﻧسﻖ ﲢﻜمﻪ الﻀﺮورة واﳊتمية ﰲ كﻞ ذرة ﻣنﻪ ‪.‬إن ﻧقطة البداﻳة اﻷسﺎسية ﰲ فلسفتﻪ‬

‫أ‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫اﻷﺧﻼﻗية ﻫﻲ إدراك اﻻرتبﺎﻃﺎت ﺑﲔ الطبيﻌة ﺑوﺟﻪ عﺎم ‪.‬فﻜﻞ إﻧسﺎن عنده ﻫو ﺟزء ﺻﻐﲑ ﻣﻦ ﻧﻈﺎم عﺎم ﰲ الطبيﻌة‪،‬‬
‫وﻫو ﺑذلﻚ ﻧسﻖ ﻣﻦ تﻌقيد داﺧلﻲ عﻈيﻢ للﻐﺎﻳة لﻪ ﺧﺎﺻية ﳑيزة ﻣﻦ الوﺣدة والتوازن‪ ،‬وﻫو ﰲ تفﺎعﻞ داﺋﻢ ﻣع غﲑه ﻣﻦ‬
‫النﺎس وﻣع ﺑقية أﺟزاء الطبيﻌة‪.‬‬

‫ﻫذه التفﺎعﻼت أو اﻻﺣتﻜﺎكﺎت اﳌستمﺮة ﺑﲔ اﳌﺮء وغﲑه ﲤيﻞ إﱃ ﻗلب توازﻧﻪ ﰲ ﻫذا اﻻﲡﺎه أو ذاك‪ ،‬تبﻌﺎ‬
‫لطبيﻌة النسﻖ الذي ﳚمع ﻧوع ﳏدد ﻣﻦ الﻌﻼﻗﺎت الﱵ تﺮﺑﻂ اﻹﻧسﺎن ﺑﻐﲑه ﻣﻦ أﺟزاء الطبيﻌة ﰲ ﳊﻈة ﻣﻌينة ‪.‬لﻜﻦ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼل ﻃﺮح سبينوزا لفﻜﺮة اﳊﺮﻳة عنده‪ ،‬ﻳتبﺎدر لنﺎ أﻧنﺎ لنﺎ ﳒد ﻣﱪر للﺠزاء اﻷﺧﻼﻗﻲ داﺧﻞ ﻫذا النسﻖ الذي ﲢﻜمﻪ‬
‫اﳊتمية اﳌطلقة وﻻ ﳎﺎل للﺤﺮﻳة فيﻪ إﻻ ﰲ إﻃﺎر ﻣﺎ ﻳقتﻀيﻪ ﻫذا النﻈﺎم الﻌﺎم‪.‬‬

‫إن سبينوزا ﰲ ﻧسقﻪ السيﺎسﻲ‪ ،‬ﺣﺎول أن ﻳنﻈﺮ تمع سيﺎسﻲ ليﱪاﱄ‪ ،‬تسﻌى ﻣﻦ ﺧﻼلﻪ الدولة إﱃ ﲢقيﻖ غﺎ ﺎ‪،‬‬
‫واعتبﺎر ﰲ ﺣد ذا ﺎ ﻣقوم ﻣﻦ ﻣقوﻣﺎت اﳊﺮﻳة‪ ،‬وﻫذه اﻷﺧﲑة شﺮط ﻹستمﺮارﻳتﻬﺎ وﺿمﺎن وﺟودﻫﺎ‪ ،‬وكﺄن الﻌﻼﻗة ﺑﲔ‬
‫السلطة الزﻣنية أو السيﺎسية و اﳊﺮﻳة عﻼﻗة تﻜﺎفﺌية وتﺸﺎرﻃية‪ .‬ﺣيﺚ ﳒد أن ﺿمﺎن استمﺮارﻳة وﺟود الدولة ﻣﺮﻫون‬
‫ﺑﺸﺮط اﳊﺮﻳة‪ ،‬والﻌﻜﺲ غﲑ ﺻﺤيﺢ أي أﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ ﲢقيﻖ ﺣﺮﻳة اﻷفﺮاد إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل وﺟود سلطة سيﺎسية‪ ،‬وأي‬
‫ﺧلﻞ ذﻳﻦ الﺸﺮﻃﲔ ﻳنﺠﺮ عنﻪ أزﻣﺎت سيﺎسية‪.‬‬

‫ﳑﺎ سبﻖ ﳝﻜننﺎ ﻃﺮح اﻹشﻜﺎلية التﺎلية‪ :‬ﻛﻴف ﳝكﻦ ﲢقﻴق اﳌوازﻧﺔ وا ﺎﻧسﺔ ﺑﲔ اﳊﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﳍﻴﺔ؟‪.‬‬

‫وﻗد تﺮتب عﻦ ﻫذه اﻹشﻜﺎلية التسﺎؤﻻت الفﺮعية التﺎلية‪:‬‬

‫‪ -‬ﻣﺎ ﻫو التصور اﻷﻧطولوﺟﻲ لفﻜﺮة اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية عند سبينوزا؟‪.‬‬


‫‪ -‬ﻣﺎ ﻫو البﻌد اﻻﺟتمﺎعﻲ والسيﺎسﻲ لفﻜﺮة اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية عند سبينوزا؟‪.‬‬

‫ولﻺﺟﺎﺑة على اﻹشﻜﺎلية‪ ،‬اعتمد على ﺧطة شﺎﻣلة تستوﰲ شﺮوط الﻌمﻞ ﺑﻜﻞ ﺟزﺋيﺎتﻪ‪ ،‬ﺣيﺚ ﺟﺎء تقسيﻢ‬
‫البﺤﺚ إﱃ ﻣقدﻣة وﺛﻼث فصول وﺧﺎﲤة‪ ،‬على النﺤو التﺎﱄ‪:‬‬

‫اﳌقﺪﻣﺔ‪ ،‬عﺮفﺖ فيﻬﺎ ﳌوﺿوع‪ ،‬ﻃﺮﺣﺖ فيﻬﺎ اﻹشﻜﺎلية وﺧطة البﺤﺚ وﻣنﻬﺠية واﳘية اﳌوﺿوع ودوافع البﺤﺚ‬
‫والدراسﺎت السﺎﺑقة والصﻌو ت‪.‬‬

‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‪ ،‬وﺟﺎء ﺑﻌنوان "اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة ﻗبﻞ سبينوزا" وﻗد تنﺎولنﺎ فيﻪ ﻣبﺤﺜﲔ‪ ،‬اﳌبﺤﺚ اﻷول ﺑﻌنوان اﳊﺮﻳة‬
‫والﻀﺮورة ﰲ الفﻜﺮ اليو ﱐ ﺣيﺚ ﻗﺸنﺎ فيﻪ السيﺎق التﺎرﳜﻲ للﺤﺮﻳة لنموذﺟﲔ ﻣﻦ الفﻼسفة ﰲ الفﱰة اليو ﻧية ﳘﺎ‬

‫ب‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫أفﻼﻃون وأرسطو ﳌﺎ ﳍمﺎ ﺛﲑ ﰲ ا تمع اﻹغﺮﻳقﻲ‪ ،‬وﰲ اﳌبﺤﺚ الﺜﺎﱐ تنﺎولﺖ ﳕوذج ﰲ الﻌصور الوسطى ﺣيﺚ‬
‫أشﺮت إﱃ رؤﻳة القدﻳﺲ أوغسطﲔ كمفﻜﺮ ﻣسيﺤﻲ ﻳﺆﻣﻦ ن اﳊﺮﻳة أﻫﻢ ﻣﺎ ﳝلﻜﻪ الفﺮد‪ ،‬ﰒ أوﺿﺤنﺎ ﻣﻌﲎ اﳊﺮﻳة ﰲ‬
‫الفﻜﺮ اﻹسﻼﻣﻲ ﺑصفة عﺎﻣة‪ ،‬وﰲ اﳌبﺤﺚ الﺜﺎلﺚ تنﺎولنﺎ فﻜﺮة اﳊﺮﻳة ﻣع ﳕوذﺟﲔ ﻣﻦ الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ ﳘﺎ دﻳﻜﺎرت‬
‫وﺟون لوك والﱵ أﺧذت ﻃﺎﺑع أﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﲢﺮﻳﺮ اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ سلطة البﺎ والﻜنيسة‪.‬‬

‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﱐ‪ ،‬وعنو ه ﲟوﻗﻒ سبينوزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜلة اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية‪ ،‬وتنﺎولنﺎ فيﻪ ﻣبﺤﺜﲔ‪ ،‬اﳌبﺤﺚ اﻷول ﺑﻌنوان‬
‫ﻣبدأ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة روخ سبينوزا ﺣيﺚ اﻧطلقنﺎ ﻣﻦ فﻜﺮة ﲢول سبينوزا ﻣﻦ الﻀﺮورة إﱃ اﳊﺮﻳة‪ ،‬ﰒ عﺮض ﳎموعة‬
‫اﻷسﺲ الﱵ اﻧطلﻖ ﻣنﻬﺎ سبينوزا ﰲ ﺑنﺎء فﻜﺮة اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفتﻪ‪ ،‬أﻣﺎ اﳌبﺤﺚ ﱐ فﻜﺎن ﺑﻌنوان الﻀﺮورة اﻹﳍية ﰲ‬
‫فلسفة روخ سبينوزا اﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ عﺮض ﻣوﻗع ﻫذه الفﻜﺮة ﰲ فلسفتﻪ وتسليﻂ الﻀوء على اﻷسﺲ الﱵ تقوم عليﻬﺎ‬
‫ﻫذه الﻀﺮورة‪ ،‬أﻣﺎ اﳌبﺤﺚ الﺜﺎلﺚ فﻜﺎن ﺑﻌنوان ﻣسﺄلة القيمة اﻷﺧﻼﻗية ﰲ فلسفة سبينوزا ﺑﲔ اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة‪ ،‬وﻗد‬
‫تطﺮﻗﺖ فيﻪ إﱃ القيﻢ اﻷﺧﻼﻗية واﳌﻌﺮفة لفلسفة سبينوزا ‪،‬إﺿﺎفة إﱃ اﻹﻧسﺎن وﻗواﻧﲔ الطبيﻌة واﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية عند‬
‫سبينوزا ‪،‬كمﺎ تنﺎولﺖ فيﻪ ﻣبدأ السيطﺮة على اﻻﻧفﻌﺎﻻت عند سبينوزا واﺧﲑا اﳋﲑ والﺸﺮ ﰲ فلسفتﻪ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬فﻜﺎن ﲢﺖ عنوان فلسفة سبينوزا ﰲ ﻣيزان النقد والتقييﻢ وﻗد ﺿمنﺎه ﻣبﺤﺜﲔ اﳌبﺤﺚ اﻷول‬
‫ﺧصصنﺎه ﳌيﺆﻳدو فلسفة سبينوزا‪ ،‬وﻫو عبﺎرة عﻦ اﻣتداد لفلسفة سبينوزا ﰲ الفلسفﺎت الﻼﺣقة وعند ﳎموعة ﻣﻦ‬
‫الفﻼسفة ﻣﻦ ﺑينﻬﻢ ﻫيﻐﻞ‪ ،‬اﳒلز‪ ،‬فﺨتﻪ‪ ،‬رﻳنﺎن وفولتﲑ‪ ،‬أﻣﺎ اﳌبﺤﺚ الﺜﺎﱐ فقد ﺧصصنﺎه ﳌنتقدي فلسفة سبينوزا وﳝﺜﻞ‬
‫أراء ﳎموعة ﻣﻦ الفﻼسفة والذﻳﻦ تﻌﺎرﺿﺖ أفﻜﺎرﻫﻢ ﻣع أفﻜﺎره وﻣﻦ ﺑﲔ ﻫﺆﻻء الفﻼسفة ليبنتز‪ ،‬راﻳﺸنبﺎخ‪ ،‬ﻫيوم وﷴ‬
‫إﻗبﺎل‪.‬‬

‫وأﺧﲑا اﳋﺎﲤة الﱵ أدرﺟﺖ فيﻬﺎ ﳎمﻞ ﻧتﺎﺋﺞ البﺤﺚ‪.‬‬

‫ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ اﻟﺪراﺳﺔ‪:‬‬

‫اعتمد ﰲ ﻫذا البﺤﺚ على اﳌنﻬﺞ التﺤليلﻲ التﺎرﳜﻲ والذي ﻳقوم على تقسيﻢ وﲡزﺋة الﻈواﻫﺮ واﳌﺸﻜﻼت البﺤﺜية‬
‫إﱃ الﻌنﺎﺻﺮ اﻷولية الﱵ تﻜو ﺎ لتسﻬيﻞ عملية الدراسة دف التوﺿيﺢ وﺿبﻂ التصورات وإﺑﺮاز ﻣﺎ ﻳﻜمﻦ ﰲ ﻧﻈﺮ ت‬
‫الفﻼسفة اﳌﺨتلفة وﻣﻌﺎﳉة اﳌﺸﻜﻼت اﳊﺎﺿﺮة ﰲ ﺿوء النﻈﺮ ت السﺎﺑقة وتوﺿيﺢ النﻈﺮ ت إﱃ اﺑسﻂ ﻗﻀﺎ ﻫﺎ‬
‫واﳍدف ﻣﻦ ﻫذا الوﺻول إﱃ أفﻀﻞ ﺣلول ﳌﺸﻜلة البﺤﺚ‪.‬‬

‫أﳘﻴﺔ اﻟﺪراﺳﺔ‪:‬‬

‫ج‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫تﻜمﻦ أﳘية الدراسة ﰲ كون أن اﳌوﺿوع واﻗﻌﻲ‪ ،‬ﻳتﻌلﻖ ﳊيﺎة اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬كمﺎ ﻳتﻌلﻖ ﲟسﺄلة اﳌصﲑ اﻹﻧسﺎﱐ‪.‬‬
‫فموﺿوع اﳊﺮﻳة لﻪ ﻗيمة كﱪى ﰲ سيﺲ الفﻜﺮ اﻹﻧسﺎﱐ وﺑنﺎء الوعﻲ ليﺲ على ﻣستوى الفﺮد فﺤسب‪ ،‬ﺑﻞ ﻳتﻌداه اﱃ‬
‫ﻣستوى اﳉمﺎعة وتنﻈيﻢ الﻌﻼﻗﺎت القﺎﺋمة ﺑﲔ الطﺮفﲔ‪ ،‬ذلﻚ ﻷن ﻃﺮﺣﻪ ﰲ كﻞ ﻣﺮﺣلة رﳜية‪ ،‬ﳝﻜﻦ عده اﻫتمﺎﻣﺎ‬
‫ﻣبﺎشﺮا ﻹﻧسﺎن وعﻼﻗتﻪ ﳊيﺎة اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬وﻣﺎ ﻳﱰتب عﻦ ذلﻚ ﻣﻦ ﻣوﺿوعﺎت وأﻃﺮوﺣﺎت تتﻌلﻖ لوﺟود واﳌﻌﺮفة‬
‫والقيﻢ‪ ،‬ليﻜون ﺑذلﻚ ﻣوﺿوع اﳊﺮﻳة وﻣﺎ ﻳﺜﲑه ﻣﻦ إشﻜﺎﻻت فلسفية داﺋمﺎ ﻣﻦ ﺻميﻢ اﳌسﺎﺋﻞ اﻹﻧسﺎﻧية‪.‬‬

‫أﺳﺒﺎب اﺧﺘﻴﺎر اﳌوﺿوع‪:‬‬

‫ولﻌﻞ ﻣﻦ أﻫﻢ أسبﺎب اﺧتيﺎر ﳍذا اﳌوﺿوع ﻫو اﳌيﻞ الﺸﺨصﻲ للفﻜﺮ السيﺎسﻲ الﻐﺮﰊ اﳌﻌﺎﺻﺮ و ﻷﺧص‬
‫ﻃبيﻌة اﳌوﺿوع الﱵ أ رت اﻫتمﺎﻣﻲ ﳌﺎ ﳍﺎ ﻣﻦ ﺟواﻧب سيﺎسية واﺟتمﺎعية ﻣتﻌلقة لواﻗع اﻹﻧسﺎﱐ‪ ،‬وكذلﻚ رغبتنﺎ ﰲ‬
‫التﻌﺮف على شﺨصية وسﲑة الفيلسوف روخ سبينوزا وﻣدى ﺛﲑ فلسفتﻪ وفﻜﺮه على ﻣدار التﺎرﻳﺦ‪ ،‬ﻹﺿﺎفة إﱃ‬
‫ذلﻚ ﳒد ﻣﺸﻜلة اﳊﺮﻳة ﻣﻦ اﳌﺸﻜﻼت الﱵ ﻻﻗﺖ اﻫتمﺎﻣﺎ كبﲑا‪ ،‬ﳌﺎ كﺎن لفﻜﺮة اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية اﻣتداد ﰲ كﻞ‬
‫الفلسفﺎت الﻼﺣقة لﻪ سواء كﺎﻧﺖ غﺮﺑية او إسﻼﻣية‪ ،‬إﺿﺎفة إﱃ ﺿﺮورة اﻻلتفﺎت إﱃ ﲡﺮﺑة سبينوزا الفذة ﰲ عصﺮه‪،‬‬
‫واﻻستفﺎدة ﻣنﻬﺎ‪.‬‬

‫أﻣﺎ فيمﺎ ﻳتﻌلﻖ لدراسﺎت السﺎﺑقة ﺣول فﻜﺮ ﻫذا الفيلسوف‪ ،‬فنﺠدﻫﺎ ﻗليلة ﻧذكﺮ ﻣنﻬﺎ‪:‬‬

‫"اﺑﻦ ﻣيمون وسبينوزا‪ ،‬اﻻستمﺮار والقطيﻌة‪ :‬إشﻜﺎل اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ واﻹﻧسﺎن‪ ".‬أﻃﺮوﺣة دكتوراه ﻣﻦ إعداد الطﺎلب عبد‬
‫السميع البﺠيدي‪ ،‬كلية اﻵداب والﻌلوم اﻹﻧسﺎﻧية ﺟﺎﻣﻌة القﺎﺿﻲ عيﺎض‪-‬ﻣﺮاكﺶ‪2022 -2021،‬‬

‫"وﺣدة اﻹلﻪ والطبيﻌة ﰲ ﻣذﻫب سبينوزا"‪ ،‬ﻣذكﺮة ﻣﺎﺟستﲑ‪ ،‬ﻣﻦ إعداد ﲪﺎل فﺮﻳد‪ ،‬ﲜﺎﻣﻌة اﳉزاﺋﺮ‪ ،‬ﻣﻌﻬد الفلسفة‪،‬‬
‫‪.2002-2001‬‬

‫"أركيولوﺟيﺎ الﻌقﻞ الدﻳﲏ‪ :‬ﻗﺮاءة ﰲ رﳜية الوﺣﻲ عند سبينوزا وأركون"‪ ،‬ﻣذكﺮة ﻣﺎﺟستﲑ ﻣﻦ إعداد الطﺎلبة‪ :‬ﻣﺮوة ﷴ‬
‫إﺑﺮاﻫيﻢ ﺑﻜلية اﻵداب ‪ -‬ﺟﺎﻣﻌة القﺎﻫﺮة‪.2011 ،‬‬

‫"اﳊﺮﻳة والسلطة السيﺎسية ﰲ فلسفة سبينوزا " ﻣذكﺮة ﻣﺎﺟستﲑ ﻣﻦ إعداد الطﺎلبة رﺣﺎل عبﺎسية كلية الﻌلوم‬
‫اﻻﺟتمﺎعية ﺟﺎﻣﻌة وﻫﺮان اﳉزاﺋﺮ‪.2015-2014 ،‬‬

‫ﺻﻌو ت اﻟﺪراﺳﺔ‪:‬‬

‫د‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫ووكﻞ ﺣﺚ أكﺎدﳝﻲ واﺟﻬتنﺎ ﲨلة ﻣﻦ الصﻌو ت والﻌواﺋﻖ ﰲ اﳒﺎز ﻫذا البﺤﺚ ولﻌﻞ ﻣﻦ أﺑﺮزﻫﺎ‪:‬‬
‫‪ -‬الزﺧﻢ الفﻜﺮي للفيلسوف وتﺸﻌب أفﻜﺎره الفلسفية‪ ،‬ذلﻚ أن ﲝﺚ اﳌوﺿوع واﻹﺣﺎﻃة ﺑﻪ أكﺜﺮ ﻳتطلب ﻣنﺎ‬

‫اﻹﳌﺎم ﺑﻜﻞ أفﻜﺎره الفلسفية وﳎﺎﻻ ﺎ اﳌتﺸﻌبة اﻷﺧﻼﻗية والسيﺎسية والدﻳنية‪ .‬كمﺎ أن ﻣوﺿوع ﲝﺜنﺎ كﺎن ﻣﻦ‬

‫أﻫﻢ اﳌواﺿيع الفﻜﺮﻳة الﱵ تنﺎوﳍﺎ سبينوزا ‪ ،‬وفﻜﺮة اﳊﺮﻳة أ رت ﺟدﻻ كبﲑا على ﻣﺮ الﻌصور‪ ،‬لذا ﻳصﻌب‬

‫ﲢليلﻬﺎ وﻣنﺎﻗﺸتﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ -‬ﻗلة اﳌﺮاﺟع الفلسفية الﱵ ﲣص الفيلسوف روخ سبينوزا‪.‬‬

‫ه‬
‫‪‬‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ‬


‫‪ -1‬أﻓـﻼﻃﻮن‬
‫‪ -2‬أرﺳﻄﻮ‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ‬


‫‪ -1‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻓﻲ اﻟﻔـﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ‬
‫‪-‬اﻟﻘﺪﻳﺲ أوﻏﺴﻄﻴﻦ‬
‫‪ -2‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫‪-‬أﺑﻮ ﻧﺼﺮ اﻟﻔـﺎراﺑﻲ‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻓﻲ اﻟﻔـﻠﺴﻔﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ‬


‫‪ -1‬روﻧﻴﻪ دﻳﻜﺎرت‬
‫‪ -2‬ﺟﻮن ﻟﻮك‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫ﲤﻬﻴﺪ‪:‬‬

‫ﻳﻌد ﻣوﺿوع اﳊﺮﻳة ﻣﻦ أﻫﻢ اﳌوﺿوعﺎت الﱵ شﻐلﺖ تفﻜﲑ الﻌدﻳد ﻣﻦ الفﻼسفة واﳌفﻜﺮﻳﻦ عﱪ التﺎرﻳﺦ وذلﻚ‬
‫لطبيﻌتﻬﺎ‪ ،‬وﺑتتبع السيﺎق التﺎرﳜﻲ ﳍﺎ لوﺟد ﻫﺎ ﻗﺎﺑﻌة ﰲ كﻞ تفﻜﲑ‪ ،‬لذا فﺈن ﻣفﻬوﻣﻬﺎ ﳜتلﻒ ﻣﻦ فيلسوف إﱃ أﺧﺮ‪،‬‬
‫وﻣﻦ ﺑيﺌة إﱃ أﺧﺮى وﺑنﺎءا على ذلﻚ فﺈن البﺤﺚ عﻦ تﻌﺮﻳﻒ شﺎﻣﻞ ﳍﺎ سوف ﻳﻀﻞ أﻣﺮا ﺻﻌبﺎ ﻃﺎﳌﺎ أن ﻫذا اﳌفﻬوم‬
‫ﳐتلﻒ ﻣﻦ فﱰة زﻣنية إﱃ أﺧﺮى‪ ،‬ووفقﺎ ﳍذا فﺈﻧﲏ ار ﻳﺖ ﰲ ﺑداﻳة ﻫذا الفصﻞ الوﻗوف على اﳌﻌﲎ اﳊقيقﻲ للﺤﺮﻳة ﻣع‬
‫تقدﱘ ﻧﻈﺮة الفﻼسفة ﳍﺎ ﺑداﻳة ﻣﻦ الﻌﻬد اليو ﱐ وﺣﱴ الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول ‪:‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﰲ اﻟﻔكﺮ اﻟﻴو ﱐ‬

‫ﲡمع الﻜتﺎ ت ﰲ ﳎﺎل الفﻜﺮ السيﺎسﻲ على اعتبﺎر الﻌصﺮ اليو ﱐ ﻣنطلﻖ ﳉميع اﳌفﺎﻫيﻢ واﻷفﻜﺎر السيﺎسية‪،‬‬
‫"ﻓﻤﻌﻈﻢ اﳌﺜﻞ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟسﻴﺎﺳﻴﺔ اﳊﺪﻳﺜﺔ ﻛﺎﻟﻌﺪاﻟﺔ واﳊﺮﻳﺔ واﳊكوﻣﺔ اﻟﺪﺳﺘورﻳﺔ واﺣﱰام اﻟقﺎﻧون ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺑﺘﺄﻣﻞ‬
‫ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻹﻏﺮﻳق ﺑﻨﻈﻢ دوﻟﺔ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﱵ ﻛﺎﻧﺖ ﲢﺖ أﻧﻈﺎرﻫﻢ "‪.1‬إذ ﱂ تنﺸﺄ ﻫذه اﻷﺧﲑة إﱃ ﰲ ﺿﻞ توفﺮ اﳊﺮ ت‬
‫السيﺎسية ﻣﻦ ﻫنﺎ أﺻبﺤﺖ اﳌدﻳنة ذلﻚ النموذج الذي تﻈﻬﺮ فيﻪ ﻣﻼﻣﺢ ﻫذه اﻷﻧﻈمة والوعﻲ السيﺎسﻲ للمواﻃﻦ‬
‫اﻹغﺮﻳقﻲ‪" ،‬ﲝﻴﺚ ﲡسﺪت ﻣﻌﺎﱂ ﲡﺮﺑﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﲤﺜﻠﺖ ﰲ ﻗﺪر ﻢ ﻋﻠﻰ إﳚﺎد ﻧقﺎش ﻋﻤوﻣﻲ ﺣﺮ ﻣﺘﻌﻠق ﺑشؤو ﻢ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫ﺑﻌﻴﺪا ﻛﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻌﻨف أو اﻹﻛﺮاﻩ "‪ .2‬وﻫذا ﻣﺎ سوف ﳒده عند كﻞ ﻣﻦ أفﻼﻃون وأرسطو‪.‬‬

‫‪ -01‬أﻓﻼﻃون‬

‫ﻳﻌتﱪ أفﻼﻃون * ﻣﻦ ﺑﲔ الفﻼسفة السيﺎسيﲔ اﻷواﺋﻞ الذي ﻗدم ﻧسﻖ ﻣتﻜﺎﻣﻞ وشﺎﻣﻞ لفﻜﺮ البﺸﺮي وﻫذا ﻣﺎ‬
‫ﺟﻌلﻪ اﱂ رﺟع ﳉميع الفﻼسفة ﻣﻦ ﺑﻌده‪ ،‬ﺣيﺚ كﺎﻧﺖ كﻞ ﻣسﺎﺋلﻪ ﻣتصلة لفلسفة السيﺎسية‪ ،‬ﻳنطلﻖ أفﻼﻃون ﰲ‬
‫تفسﲑه للﺤيﺎة السيﺎسية واﻻﺟتمﺎعية لﻺﻧسﺎن ﻣﻦ إعطﺎء اﻷولوﻳة لفﻀيلة الﻌدل "ﻓﺎ ﺘﻤع اﻟسﻴﺎﺳﻲ اﻟﻔﺎﺿﻞ ﻫو‬
‫ا ﺘﻤع اﻟسﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎدل وﻳﺘﺤقق اﻟﻌﺪل ﰲ ا ﺘﻤع ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗكﺎﻣﻞ ﺟﻬود أﻓﺮادﻩ وﻗﻴﺎم ﻛﻞ ﻓﺮد ﻟوظﻴﻔﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬ﺟورج سبﺎﻳﻦ‪ ،‬تطور الفﻜﺮ السيﺎسﻲ‪ ،‬تﺮ‪ :‬الﻌﺮوسﻲ ﺣسﻦ ﺟﻼل‪ ،‬ج‪ ،1‬دار اﳌﻌﺎرف‪ ،‬ﻣصﺮ‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ /‬اﳌصطفى الﺸﺎدﱄ‪ ،‬ﺣنة ارﻧدت وﻧقد التصور الفلسفﻲ للﺤﺮﻳة‪ ،‬ﳎلة تبﲔ‪ ،‬ا لد‪ ،7‬الﻌدد‪ ،25‬اﳌﺮكز الﻌﺮﰊ لﻸﲝﺎث ودراسة‬
‫السيﺎسﺎت‪ ،2018 ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ ‬اﻓﻼﻃون‪ :‬اعﻈﻢ فيلسوف ﰲ الﻌصور القدﳝة ورﲟﺎ ﰲ اﻻزﻣنة القﺎﻃبة ولد ﺑﻌيد وفﺎة ﺑﺮﻳﻜليﺲ ﳓو عﺎم ‪ 427‬ق‪.‬م ﻣﻦ اسﺮة‬
‫ارستقﺮاﻃية اﺛينية كﺎن افﻼﻃون تلميذ سقﺮاط الذي ﱂ ﻳﻜتب شيﺌﺎ والذي كﺎن ﻳقنع ﲟﺎ ﳝﺎرسﻪ ﻣﻦ ﺛﲑ ﻗوالﻪ ﻳﺆﺛﺮ ﺑﻜﺜﲑ‬
‫اﶈﺎدﺛة اﳊوارﻳة‪ .‬كتب افﻼﻃون الﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﳌﺆلفﺎت وﻗد وﺻلتنﺎ ﻣﺆلفﺎتﻪ وﻫذا اﻣﺮ در لنسبة إﱃ ﻗداﻣى اﳌﺆلفﲔ ﻣﺜﻞ‪:‬‬
‫تيمﺎوس والقواﻧﲔ ﺣيﺚ ﻳﻌﺮض لنﺎ تصوراتﻪ الﻜوﲰولوﺟية والطبيﻌية والبيولوﺟية والقﺎﻧوﻧية واﻻﻫوتية‪.‬‬

‫ﺑيﺖ القصيد ﻣﻦ ﻣﺆلفﺎت افﻼﻃون تﻜوﻳﻦ ﻗﺮاﺋﻪ تطﻬﲑه ﻣﻦ ﻇنوﻧﻪ واﺣﻜﺎﻣﻪ اﳌسبقة اﳌتنﺎﻗﻀة لﲑﻗى ﺑﻪ تدرﳚيﺎ ﺑﻌد ذلﻚ ﻣﻦ اﶈسوس‬
‫إﱃ اﳌﻌقول لتمﻜنﻪ ﻣﻦ سيﺲ فﻌلﻪ على ﻣبﺎدئ ﺑتة وﺻﺎﳊة لتوافﻖ ﻣع الطبيﻌة الﻌميقة للوﺟود وشواغﻞ كﻬذه تستلزم ﺑنية اﶈﺎورات‬
‫) ﺟورج ﻃﺮاﺑﻴشﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬دار اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،3‬ص ‪(72-71‬‬

‫‪3‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﱵ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻣع ﻣﻬﺎراﺗﻪ واﺳﺘﻌﺪاداﺗﻪ اﻟﻨﻔسﻴﺔ واﳉسﺪﻳﺔ "‪ 1‬كﺎﻧﺖ فﻜﺮة الﻌدالة ﻫﻲ اﻷﻫﻢ ﰲ فلسفة‬
‫أفﻼﻃون إذ أعتﱪ أن كﻞ فﺮد ﻣﻦ أفﺮاد ا تمع عندﻣﺎ ﻳقوم ﲜميع ﻣﺎ فﺮض عليﻪ ﻣﻦ واﺟبﺎت وﻣﻬﺎم فﺈﻧﻪ ﻳتﺤقﻖ ﺑذلﻚ‬
‫ﳎتمع سيﺎسﻲ عﺎدل‪ ،‬ﺣيﺚ ﻳقول ﰲ ﻫذا الصدد" إن اﻟﻌﺪاﻟﺔ إﳕﺎ ﻫﻲ أن ﳝﺘﻠﻚ اﳌﺮء ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻓﻌﻼ وﻳؤدي‬
‫اﻟوظﻴﻔﺔ اﳋﺎﺻﺔ ﺑﻪ" ‪ 2‬فﺎلﺸﺎﻫد ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫذه القﺮاءة أن فلسفة أفﻼﻃون تقوم لدرﺟة اﻷوﱃ على الﻌدل والتوازن‬
‫الداﺧلﻲ ﰲ اﳌدﻳنة‪ ،‬وﻫذا الﻌدل ﻫو الذي ﻳوفﺮ للفﺮد أن ﻳﻌﺮف ﻣﻬﺎﻣﻪ ووﻇﺎﺋفﻪ وأن ﳝﺎرس ﺣﺮﻳتﻪ اﳌدﻧية ﻣﻦ ﺧﻼل‬
‫دﻳة ﲨيع الوﻇﺎﺋﻒ اﻻﺟتمﺎعية على أكمﻞ وﺟﻪ لﻪ‪.‬‬

‫و الدليﻞ على ﻗيمة الﻌدل واﳊﺮﻳة ﲟنﻈور أفﻼﻃون ﻫو تقسيمﻪ للمﺠتمع إﱃ ﻃبقﺎت وكﻞ ﻃبقة تﻌﺮف ﻣﺎ‬
‫تقوم ﺑﻪ " فﺄوﻻ ‪:‬ﻃبقة اﳊكﺎم اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﻫﻲ أرفع الطبقﺎت وﻳوكﻞ إليﻬﻢ أﻣﺮ اﳊﻜﻢ او إدارة دﻗة البﻼد لﻌقﻞ‬
‫واﳊﻜمة‪ ،‬و ﻧيﺎ ﻃبقة اﳉﻨﺪ أو اﶈﺎرﺑﲔ وﻳوكﻞ عليﻬﻢ ﻣﻬمة‪.‬‬

‫الدفﺎع عﻦ الدولة ﻣﻦ النﺎﺣيتﲔ الداﺧلية واﳋﺎرﺟية وﻫﺆﻻء ﳚب أن ﻳتسموا لﺸﺠﺎعة‪ ،‬و لﺜﺎ‪ :‬ﻃبقة اﻟﻌﻤﺎل‬
‫ﻣﻦ زراع وﺻﻨﺎع وﲡﺎر‪ :‬وﻫﻲ أدﱏ الطبقﺎت أي أ ﺎ تﻀﻢ السواد اﻷعﻈﻢ ﻣﻦ الﺸﻌب وﻳوكﻞ إليﻬﺎ أﻣﺮ اﻹﻧتﺎج والسﻬﺮ‬
‫على ﻣﲔ اﳊيﺎة‪ ،‬كﺎن غﺮض أفﻼﻃون ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫذا التقسيﻢ ﻫو الوﺻول إﱃ اﳌدﻳنة اﳌﺜﺎلية‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻌﺮفة كﻞ‬
‫ﻃبقة ﻣﻦ ﻫذه الطبقﺎت ﻣﺎ ﳚب أن تﺆدﻳﻪ ﻣﻦ وﻇﺎﺋﻒ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﱂ ﻳنﻈﺮ إﱃ النﺎس ﻧﻈﺮة ﻣتسﺎوﻳة ﰲ ا تمع فﺎعتﱪ أن‬
‫ﻫنﺎك تفﺎوت ﺑينﻬﻢ‪ ،‬و لتﺎﱄ ﳜﻀع ﲨيع البﺸﺮ ﳍذا التسﺎوي سواء ﰲ اﳊقوق والواﺟبﺎت واﳊﺮ ت‪ ،‬فﻜﺎﻧﺖ ﻫذه‬
‫اﻷﺧﲑة ﻣقسمة على ﻫذه الفﺌﺎت فﺎلفﺌة اﻷوﱃ تتمتع ﳊﺮﻳة السيﺎسية كو ﺎ ﻣسﺌولة على ﳑﺎرسة الﺸﺆون الﻌﺎﻣة‬
‫وإﺻدار القواﻧﲔ والتﺸﺮﻳﻌﺎت‪ ،‬والفﺌة الﺜﺎﻧية تتمتع ﺑتلﻚ اﳊﺮﻳة الﱵ ﲣوﳍﺎ على الدفﺎع عﻦ الدولة ﻷ ﺎ تتمتع ﺑصفة‬
‫الﺸﺠﺎعة‪ ،‬والفﺌة اﻷﺧﲑة أعطى ﳍﻢ اﳊﺮﻳة الﻜﺎﻣلة ﰲ الﻌمﻞ واﻹﻧتﺎج‪ ،‬وﻫﻲ تﺸمﻞ غﺎلبية ا تمع ولﻜﻦ ﺣﺮﻳتﻬﻢ تتوﻗﻒ‬
‫داﺧﻞ ﻫذا اﻹﻃﺎر دون ﳑﺎرسة اﳊﺮﻳة السيﺎسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬لﺆي ﺻﺎﰲ‪ ،‬اﳊﺮﻳة واﳌواﻃنة واﻹسﻼم السيﺎسﻲ‪ ،‬ﻗﻀﺎ الﺮﺑيع الﻌﺮﰊ والتﺤوﻻت السيﺎسية الﻜﱪى‪ ،‬دار ا تمع اﳌدﱐ والدستور‪،‬‬
‫ط‪ ،2012 ،1‬ص ‪.124‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ /‬أفﻼﻃون‪ ،‬اﳉمﻬورﻳة‪ ،‬تﺮ‪ :‬زكﺮ فﺆاد‪ ،‬دار الوفﺎء ‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،2004 ،‬ص‪.87‬‬

‫‪4‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫" ﻛﺎن اﳊكﻢ ﰲ اﻟﺪوﻟﺔ اﳌﺜﺎﻟﻴﺔ ﻳسﺘﻨﺪ إﱃ ﻃﺎﺋﻔﺔ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﳊكﻤﺎء‪ ،‬وذﻟﻚ ﻹﻧﺼﺎﻓﻬﻢ ﳌﻌﺮﻓﺔ واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ‬
‫وﻟقﺪر ﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺼور اﻟقواﻧﲔ اﻟﻌﺎدﻟﺔ "‪ 1‬ﻧلتمﺲ ﻣﻦ ﻫذا أن أفﻼﻃون ﰲ تصوره لنﻈﺎم ﻣدﻳنتﻪ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﳊﺎكمﲔ‬
‫ﻫﻲ الطبقة اﻷﺣﻖ ﰲ اﳊﻜﻢ وعلى اﳉميع اﳋﻀوع والطﺎعة ﳍذا النﻈﺎم‪ ،‬لﻜو ﺎ تتمتع ﺑسمة اﳊﻜمة واﳌﻌﺮفة‪.‬‬

‫" ﻻ ﻳﱰك ﻧﻈﺎم دوﻟﺔ أﻓﻼﻃون ﻣسﺎﺣﺔ ﻟقﻴﺎم ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺒشﺮي ﳌواﻃﲏ ﻫﺬﻩ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺎدي أﻓﻼﻃون ﰲ‬
‫"اﳉﻤﻬورﻳﺔ "و"اﻟقواﻧﲔ "ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻴوﻋﻴﺔ اﻟﻨسﺎء واﻷﻃﻔﺎل‪ ،‬واﳌﻠكﻴﺔ اﳋﺎﺻﺔ ﺑﲔ أﻓﺮاد اﻟﻄﺒقﺔ اﳊﺎرﺳﺔ ﻣﻦ‬
‫‪2‬‬
‫ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ اﳌﺜﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬وﻳؤﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة أن ﻳﻌﻴﺶ وﻳﻌﻤﻞ وﻳﺘﺼﺮف اﳉﻤﻴع ﰲ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺎ ﻢ وﻓقﺎ ﻟﺮوح اﳉﻤﺎﻋﺔ "‪.‬‬
‫سﻌى أفﻼﻃون على تطبيﻖ ﻧﻈﺎم ﰲ دولتﻪ تﻜون كﺎﻣﻞ اﳌسﺆولية للﺤﻜﺎم ﲝيﺚ تتدﺧﻞ ﻫذه اﻷﺧﲑة ﰲ كﺎفة اﻷﻣور‬
‫ﻣﻦ أكﱪﻫﺎ إﱃ أﺻﻐﺮﻫﺎ‪ ،‬وكﻞ فﻌﻞ ﻳقوم ﺑﻪ اﳌواﻃﻦ ﰲ ﻫذه الدولة ﻫو تﻜﺮﻳﺲ ﳋدﻣة ﻫذا اﳊﻜﻢ‪.‬‬

‫ﲣتﺎر الدولة للفﺮد ﻣﺎ ﻳنﺎسبﻪ ﻣﻦ النسﺎء‪ ،‬و ﻣﺮه لزواج ﻣنﻬﺎ وﰲ وﻗﺖ ﻣﻌﲔ‪ ،‬كمﺎ تتدﺧﻞ ﰲ ﲢدﻳد ﻃبيﻌة‬
‫اﻷﻃفﺎل‪ ،‬فﺈن رأت ﰲ ﺑﻌﻀﻬﻢ عيو ﺧلقية ﲣلصﺖ ﻣنﻬﻢ دون أسﻒ ﻣنﻬﺎ‪ ،‬فﻬﻲ الﱵ تﻌد الﱪ ﻣﺞ الﱰﺑوي الذي‬
‫ﻳصلﺢ ﻷفﺮاد كﻞ ﻃبقة‪ ،‬وتقوم ﺑدور اﻻﻧتﺨﺎب التﻌليمﻲ‪ ،‬وﻳنﺎدي أﻳﻀﺎ ﺑﻀﺮورة أن تسيطﺮ الدولة على النﺸﺮ ووسﺎﺋﻞ‬
‫تﻜوﻳﻦ الﺮأي الﻌﺎم وأﺧﻼق اﻷفﺮاد‪ ،‬وﰲ أﻣور الﻌبﺎدة والدﻳﻦ ﻻ ﻳسمﺢ أفﻼﻃون ي درﺟة ﻣﻦ اﳊﺮﻳة الدﻳنية فﻼ ﳚوز‬
‫ﻷي أﺣد اﳋﺮوج على الدﻳﻦ الﺮﲰﻲ للدولة‪ 3‬فﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻗدﻣﻪ ﰲ تفسﲑه لنﻈﺎم دولتﻪ أﻧﻪ كﺎن ﻧﻈﺎم ﴰوﱄ‬
‫ﻳتدﺧﻞ ﰲ كﻞ ﺻﻐﲑة وكبﲑة سواء ﰲ اﳊيﺎة السيﺎسية أو اﻻﺟتمﺎعية أو الﱰﺑوﻳة‪ ،‬وﻻ ﳎﺎل لﺮأي اﻷفﺮاد وﻻ ﳊﺮﻳتﻬﻢ‪ ،‬إذ‬
‫ﱂ تﻜﻦ ﻫذه اﻷﺧﲑة ﳉميع ﻣواﻃنﲔ الدولة ولﻜﻦ ﺧصصﻬﺎ للطبقة اﳊﺎكمة فلﻢ ﻳنﻈﺮ للفﺮد وإﳕﺎ لدولة كﻜﻞ‪.‬‬

‫ﱂ تﻜﻦ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة أفﻼﻃون السيﺎسية ﻇﺎﻫﺮة ﳌﻌﲎ اﳊﺮﰲ إذ ﺿمنﻬﺎ ﰲ دولتﻪ على ﺧﻀوع الفﺮد ﺿمﻦ‬
‫ﻧﻈﺎم ﲨﺎعﻲ أعلى وأﲰى وﻫﻲ الطبقة اﳊﺎكمة‪ ،‬أﻣﺎ غﺎلبية الﺸﻌب فقد ﺟﻌلﻬﻢ ﰲ دولتﻪ أدوات ﻣسﺎعدة ﳍذا اﳊﻜﻢ‪،‬‬
‫أﻣﺎ النﺎﻇﺮ لتقسيمﻪ للنفﺲ اﻹﻧسﺎﻧية فﺈﻧنﺎ ﳒد أﻧﻪ تﻜلﻢ عﻦ اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية ولﻜﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻧسﱯ ﺣيﺚ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ الﻌقﻞ‬
‫وسيلة ليتﺤﺮر الفﺮد ﻣﻦ الﺸﺮ وﻳتﺠﻪ ﳓو فﻀيلة اﳋﲑ‪.‬‬

‫‪ / 1‬عبﺎس عطيتو‪ ،‬ﺣﺮﰊ‪ ،‬ﻣﻼﻣﺢ الفﻜﺮ الفلسفﻲ عند اليو ن‪ ،‬دار اﳌﻌﺮفة اﳉﺎﻣﻌية‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،1992 ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ / 2‬ﳏمود ﻣﺮاد‪ ،‬اﳊﺮﻳة ﰲ الفلسفة اليو ﻧية‪ ،‬دار الوفﺎء‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،1999 ،‬ص ‪,185‬‬
‫‪ / 3‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.186‬‬

‫‪5‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫‪ -02‬أرﺳﻄو‬

‫ﻳقوم الفﻜﺮ السيﺎسﻲ عند أرسطو * ﻣﻦ ﳕوذﺟﺎ واﻗﻌيﺎ وﻫذا ﻣﻦ ﺧﻼل دراسة اﳊيﺎة اﻻﺟتمﺎعية والسيﺎسية‬
‫ﺑﻌيدا عﻦ ﻣﺜﺎلية أفﻼﻃون‪ ،‬إذ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ الدولة اﳌﻜﺎن الذي ﻳﻌﺮف اﻹﻧسﺎن ﻣﺎﻫيتﻪ‪ ،‬وﳝﺎرس ﺣﺮﻳتﻪ فيﻬﺎ فﻬﻲ الﱵ تﺆﻣﻦ‬
‫الﻌيﺶ ﻷفﺮادﻫﺎ وﲣلﻖ ﳍﻢ ﺣيﺎة سﻌيدة ذلﻚ ﻷن اﻹﻧسﺎن ﻻ ﻳستطيع أن ﻳﻌيﺶ ﲟفﺮده وليﺲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﲔ ﺿﺮور ت‬
‫اﳊيﺎة‪ ،‬ﺣيﺚ ﻳقول أرسطو‪" :‬إن اﻹﻧسﺎن ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ﻫو ﺣﻴوان ﺳﻴﺎﺳﻲ"‪ 1 .‬أي أن الﻌيﺶ ﰲ اﳉمﺎعة ﻫو أفﻀﻞ ﻃﺮﻳقة‬
‫لنسبة للفﺮد واﳌدﻳنة ﻫﻲ الﱵ ﲡﻌلﻪ ﳝﺎرس كﻞ أفﻌﺎلﻪ ﺿمنﻬﺎ وﳝيز ﺑﲔ اﳋﲑ والﺸﺮ والﻌدل والﻈلﻢ‪ ".‬ﻓكﻞ دوﻟﺔ‬
‫ﳎﺘﻤع وأن ﻛﻞ ﳎﺘﻤع ﻳﺘﺄﻟف اﺑﺘﻐﺎء ﻣﺼﻠﺤﺔ إذ اﳉﻤﻴع ﳚﺪون ﰲ ﻛﻞ ﺷﻲء إﻻ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﳍﻢ ﺧﲑا ﻣﻦ اﻟواﺿﺢ أن‬
‫ﻛﻞ ا ﺘﻤﻌﺎت ﺗﺮﻣﻲ ﺧﲑا‪ ،‬وأن أﺧﻄﺮﻫﺎ ﺷﺄ واﳊﺎوي ﻣﺎ دوﻧﻪ ﻳسﻌﻰ إﱃ أﻓﻀﻞ اﳋﲑات‪ ،‬وﻫﺬا ا ﺘﻤع ﻫو‬
‫اﳌسﻤﻰ دوﻟﺔ أو ﳎﺘﻤﻌﺎ ﻣﺪﻧﻴﺎ "‪.2‬‬

‫ﻧلتمﺲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫذا القول أن أرسطو أعتﱪ أن الﻐﺎﻳة ﻣﻦ التﺠمﻌﺎت ﻫو الوﺻول إﱃ اﳋﲑ‬
‫والفﻀيلة والذي ﻳﻜون ﰲ الدولة فقﻂ‪ ،‬فﻬﻲ الوﺣيدة الﱵ تسﻌى إﱃ ﲡسيد اﳊيﺎة اﳋﲑة‪.‬‬

‫ﺣيﺚ ﻳقول أرسطو" إن اﻟﻄﺒع إذن ﻳﺪﻓع اﻟﻨﺎس ﺑﻐﺮاﺋﺰﻫﻢ إﱃ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟسﻴﺎﺳﻲ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﺪل ﺿﺮورة‬
‫اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻷن اﳊق ﻫو ﻗﺎﻋﺪة اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟسﻴﺎﺳﻲ وﺗقﺮﻳﺮ اﻟﻌﺎدل ﻫو ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻳﺮﺗﺒﻪ اﳊق‪ 3".‬تﻜون ﻣﻬمة‬

‫‪ ‬ارﺳﻄو‪ :‬ولد ارسطو ﰲ اسطﺎغﲑا وتﻌﺮف اليوك سﻢ ستﺎفﺮو وﻫﻲ ﻣدﻳنة ﺻﻐﲑة ﰲ شبﻪ اﳉزﻳﺮة اﳋلقيدﻳة سنة ‪ 384‬ق‪.‬م‬
‫لﻪ‬ ‫وتوﰲ ﰲ ﺧليقﺲ سنة ‪ 322‬ق‪.‬م ﳝﻜﻦ القول عﻦ ارسطو اﻧﻪ كﺎن اعﻈﻢ ﻧواﺑغ النﻈﺮ الﻌقلﻲ ﰲ رﻳﺦ الفﻜﺮ اليو ﱐ‪،‬‬
‫ﳎموعة ﻣﻦ الﻜتب ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ‪ :‬اﻷﺧﻼق النيقوﻣﺎﺧية‪ ،‬ﻣسﺎﺋﻞ ﻫوﻣﲑﻳة‪ ،‬السيﺎسة‪ ،‬اسﺲ ﻣدرستﻪ الﱵ اشتﻬﺮت سﻢ اللقيون‪،‬‬
‫كمﺎ اﻧﻪ ﻣﺆسﺲ اﳌنطﻖ فقد ﺑقﻲ كتﺎﺑﻪ اﻻورغﺎﻧون او اﻷلة على ﻣدى ألفﻲ سنة ﻣﺜﺎﻻ ﻻ ﻳﻀﺎﻫﻲ على ذلﻚ الﻌلﻢ‪ ،‬عﻼوة‬
‫على اﳌﺆلفﺎت الﱵ تقدم ذكﺮﻫﺎ ﻳنبﻐﻲ أن ﻧﻀيﻒ أﻳﻀﺎ تصﺎﻧيفﻪ ﰲ اﻷﺧﻼق وعلﻢ النفﺲ فقد ت ﻣﻌلوﻣﺎ اليوم أن اﻷﺧﻼق‬
‫اﻻوداﻣية ﻫﻲ ﻣسودة أوﱃ لﻸﺧﻼق النيقوﻣﺎﺧية‪ ،‬وكتﺎب ﻣﺎ ﺑﻌد الطبيﻌية )اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ( ) ﺟورج ﻃﺮاﺑﻴشﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺮﺟع ﺳﺎﺑق‪ ،‬ص ‪(56-51‬‬
‫‪ / 1‬رﳝون غوش‪ ،‬الفلسفة السيﺎسية ﰲ الﻌﻬد السقﺮاﻃﻲ‪ ،‬دار السﺎﻗﻲ‪ ،‬ﺑيوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص ‪.143‬‬
‫‪ / 2‬ﺣﺎﰎ النقﺎﻃﻲ‪ ،‬ﻣفﻬوم اﳌدﻳنة ﰲ كتﺎب السيﺎسة ﻷرسطو‪ ،‬دار اﳊوار‪ ،‬سور ‪ ،‬ط‪ ،1995 ،1‬ص ‪.22‬‬
‫‪ / 3‬أرسطو ﻃﺎليﺲ‪ ،‬السيﺎسة‪ ،‬تﺮ‪ :‬أﲪد لطفﻲ السيد‪ ،‬اللﺠنة الدولية لﱰﲨة الﺮواﺋع‪ ،1948 ،‬ص ‪.97‬‬

‫‪6‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫الدولة ﻫنﺎ إذا عند أرسطو ﻫﻲ فﺮض سيﺎسة عﺎدلة ﻣبنية على القﺎﻧون‪ ،‬ﻣع تﻌليﻢ الفﺮد ﺣب الفﻀيلة فﻬذه القواﻧﲔ‬
‫ﻫﻲ الﱵ ﲡﻌﻞ ﻣﻦ الفﺮد ﺣﺮا ولﻜﻦ ﰲ ﻧفﺲ الوﻗﺖ ﻻ ﻳتﻌدى على غﲑه وﻻ ﻳﻈلﻢ أﺣدا‪.‬‬

‫فلﻢ "ﻳﻨﻈﺮ أرﺳﻄو إﱃ اﻟﺪوﻟﺔ اﳌﺜﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ أ ﺎ ﺑﻨﺎءا ﴰوﱄ ﺗﺬوب ﻓﻴﻪ ﲤﺎﻣﺎ ﻓﺮدﻳﺔ اﻹﻧسﺎن وﺣﺮﻳﺘﻪ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻳﻔﻌﻞ أﺳﺘﺎذﻩ ﺑﻞ ﻳﻌﺘﱪﻫﺎ ﺑﻨﺎءا ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺗكون ﻋﻼﻗﺔ اﳌواﻃﻨﲔ داﺧﻠﻪ ﻋﻼﻗﺔ أ س أﺣﺮار ﻣﺘسﺎوﻳﻦ ﰲ ﻛﺎﻓﺔ اﳊقوق‬
‫واﻟواﺟﺒﺎت "‪.1‬‬

‫وﻫو ﻣﺎ ﻳبﲔ أن فلسفتﻪ كﺎﻧﺖ تﺆﻣﻦ ﺑقيمة الفﺮد على غﺮار أفﻼﻃون فﺎعتﱪ أن اﳌواﻃﻦ ﺣﺮا ﰲ دولتﻪ وﺣﺮا ﰲ‬
‫أن ﻳﻌﱪ على ﻣﺎ ﻳﺸﺎء ﻣﻦ أفﻜﺎر و أراء‪ ،‬وأﻳﻀﺎ ﰲ التمتع ﲜميع ﺣقوﻗﻪ السيﺎسية ﺑﻌيدا عﻦ تدﺧﻞ الدولة ﰲ شﺆون‬
‫ﺣيﺎ ﻢ وﻫذا النﻈﺎم الذي ﻳﻜون ﰲ الدولة ﻫو الذي ﳛقﻖ السﻌﺎدة‪.‬‬

‫ﻳﺸﲑ أرسطو أن اﳊﻜﻢ الذي ﳛقﻖ السﻌﺎدة واﳋﲑ والﻌدل وأﻫﻢ شﻲء ﻳﱪز ﻗيمة الفﺮد وﳚﻌلﻪ ﺣﺮا ﻫو اﳊﻜﻢ‬
‫الدستوري الذي‪ " ،‬ﻳسﺘﻬﺪف اﻟﺼﺎﱀ اﻟﻌﺎم أو ﺻﺎﱀ اﳉﻤﻬور وﺑﺬﻟﻚ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ اﳊكﻢ اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ‪ ،‬أو اﳊكﻢ‬
‫‪2‬‬
‫اﻻﺳﺘﺒﺪادي اﻟﻠﺬان ﻳسﺘﻬﺪﻓﺎن ﺻﺎﱀ ﻃﺒقﺔ واﺣﺪة أو ﺻﺎﱀ ﻓﺮد واﺣﺪ "‪.‬‬

‫وﺣسب أرسطو تﻜون اﳊﻜوﻣﺎت ﺻﺎﳊة إذا كﺎﻧﺖ تستﻬدف اﻷغلبية ﰲ ا تمع وﲢقﻖ اﳋﲑ للﻌﺎﻣة‪ ،‬أﻣﺎ‬
‫اﳊﻜوﻣﺎت اﻷﺧﺮى الﻐﲑ ﺻﺎﳊة فﻬﻲ الﱵ تﻌمﻞ على التمييز ﺑﲔ فﺌة عﻦ أﺧﺮى و لتﺎﱄ ﲣلﻖ ﻧوع ﻣﻦ اﻻستبداد‬
‫والﻈلﻢ وﻫو ﻧﻈﺎم فﺎسد‪.‬‬

‫ﻳقﺮ ﰲ عﺮﺿﻪ لﻸشﻜﺎل اﳌﺨتلفة للﺤﻜوﻣﺎت أن" الدﳝقﺮاﻃية ﻫﻲ ﻣدﻳنة اﳊﺮﻳة وﻫﻲ الﱵ ﻣﻦ شﺄ ﺎ أن توفﺮ‬
‫اﳊﺮﻳة ﳉميع ﻣواﻃنيﻬﺎ‪ ،‬فﻬو ﻧﻈﺎم ﲢﻜﻢ فيﻪ اﻷغلبية عﻦ ﻃﺮﻳﻖ دستور ﻳﻀبﻂ اﳊقوق والواﺟبﺎت‪ ،‬ففﻲ ﻫذه اﳊﻜوﻣة‬
‫اﳊﻖ السيﺎسﻲ ﻫو ﺣﻖ اﳌسﺎواة‪ ،‬ﻻ على أسﺎس اﻷﻫلية ﺑﻞ ﺣسب الﻌدد‪ ،‬ﻷﻧﻪ إﳕﺎ ﻳصدر عﻦ ﻫذا اﳌبدأ أن ﲨيع‬
‫اﳌواﻃنﲔ ﳚب أن ﻳﻜوﻧوا سواء‪،..‬إن اﳊﺮﻳة ﰲ الدﳝقﺮاﻃية ﻫﻲ الﺮﺧصة لﻜﻞ واﺣد أن ﻳﻌيﺶ وفقﺎ ﳍواه ‪..‬إﻧﻪ ﻳلزم‬
‫اﻻﺣﱰاس ﻣﻦ ﺧلﻖ أي وﻇيفة ﳌدى اﳊيﺎة‪،..‬إن اﳊﺮﻳة ﰲ ﻇﻞ الدﳝقﺮاﻃية ليسﺖ ﻣطلقة وﻻ تسﲑ ﺣسب استسﻼم‬

‫‪ / 1‬ﻣﺮاد ﳏمود‪ ،‬اﳊﺮﻳة ﰲ الفلسفة اليو ﻧية‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.348‬‬
‫‪ / 2‬ﺟورج سبﺎﻳﻦ‪ ،‬تطور الفﻜﺮ السيﺎسﻲ‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.153‬‬

‫‪7‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﳌواﻃنﲔ ﻷﻫواﺋﻬﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳنبﻐﻲ أن تﻜون ﻫذه اﳊﺮﻳة ﻣقيدة ﻷﺧﻼق الفﺎﺿلة‪ 1.‬و ذا اﳌﻌﲎ تﻜون اﳊﻜوﻣة الدﳝقﺮاﻃية‬
‫عند أرسطو ﻫﻲ اﻷﻣﺜﻞ وﻫﻲ اﻷﻗﻞ فسﺎدا ﺑﲔ اﳊﻜوﻣﺎت‪ ،‬واﻷكﺜﺮ استقﺮار وتواز اﺟتمﺎعيﺎ‪ ،‬ﻫﻲ الﱵ توفﺮ اﳌسﺎواة‬
‫واﳊﺮﻳة ﳌواﻃنيﻬﺎ‪ ،‬ﺣيﺚ اﳊﻜﻢ للﺸﻌب‪ ،‬وﻫو النﻈﺎم الذي ﻳدافع على ﻗيمة الفﺮد وﺑصورة أعمﻖ ﻫو الذي ﳜدم‬
‫ﻣصلﺤة اﳉميع ﰲ الدولة وليﺲ ﻃبقة عﻦ أﺧﺮى كمﺎ ﻫو ﻣوﺟود ﰲ اﻷﻧﻈمة السيﺎسية اﻷﺧﺮى‬

‫‪ / 1‬ﻣصطفى النﺸﺎر‪ ،‬اﳊﺮﻳة والدﳝقﺮاﻃية واﳌواﻃنة ﻗﺮاءة ﰲ فلسفة أرسطو السيﺎسية‪ ،‬الدار اﳌصﺮﻳة السﻌودﻳة‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪،2009 ،1‬‬
‫ص ص ‪.52-51‬‬

‫‪8‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ ‪:‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﰲ اﻟﻌﺼور اﻟوﺳﻄﻰ‬

‫كﺎﻧﺖ اﳊﺮﻳة ﰲ الفﻜﺮ اليو ﱐ تصب داﺧﻞ الدولة إذ كﺎن اﳌواﻃﻦ ﳜﻀع ﳍﺎ ﺧﻀوعﺎ ﻣدﻧيﺎ واﺟتمﺎعيﺎ‪ ،‬فﺎﻗدا‬
‫ﳉميع ﺣقوﻗﻪ الﺸﺨصية‪ ،‬إﻻ أﻧﻪ ﰲ الﻌصﺮ الوسيﻂ وﻣع ﻇﻬور الد ت اﳌسيﺤية الﱵ أﺛﺮت وﺑﺸﻜﻞ كبﲑ على ﻣسﺎر‬
‫الفﻜﺮ السيﺎسﻲ آﻧذاك فقد اﲣذت اﳊﺮﻳة ﻣنﻌﺮﺟﺎ آﺧﺮا ﺣيﺚ كﺎن ﳍﺎ الدور ﰲ ﲢﺮﻳﺮ الفﺮد ﻣﻦ اﳋﻀوع التﺎم لسلطﺎن‬
‫الدولة‪ ،‬وﺑدأ اﻻﻫتمﺎم ﻹرادة اﳊﺮة للفﺮد وﻣصﲑه وﻗيمتﻪ‪ ،‬وﺟﻌﻞ كﻞ اﳌواﻃنﲔ ﻣتسﺎوﻳﻦ أﻣﺎم ﷲ وﺧﲑ ﳑﺜﻞ ﳍذا الفﻜﺮ‬
‫ﻫو القدﻳﺲ أوغسطﲔ‪.‬‬

‫‪ - 01‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﰲ اﻟﻔﻠسﻔﺔ اﳌسﻴﺤﻴﺔ‬

‫اﻟقﺪﻳﺲ أوﻏسﻄﲔ‬

‫ﻳﻌد القدﻳﺲ أوغسطﲔ * اﳌﺮﺟع اﳊقيقﻲ للفﻜﺮ السيﺎسﻲ اﳌسيﺤﻲ رغﻢ أن فﻜﺮه كﺎن دﻳنيﺎ لدرﺟة اﻷوﱃ‬
‫إﻻ أﻧﻪ كﺎن ﻣﻦ "اﻟﺬﻳﻦ ﻋﱪوا ﻋﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ اﻟكﻨﻴسﺔ واﻟﺪوﻟﺔ ﰲ إﻃﺎر ﻣﻦ ازدواج اﻟسﻠﻄﺘﲔ وﻗﺪ ﺟﺎءت آراءﻩ‬
‫ﻣﺪﻋﻤﺔ ﻷوﻟوﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ اﻟكﻨﻴسﺔ "‪ 1.‬ذا اﳌﻌﲎ ﳒد أن أوغسطﲔ " ﱂ ﻳﻌﺎﰿ اﻷﻣور اﻟسﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳقﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة وﻟكﻨﻬﺎ‬
‫ﺟﺎءت ﺿﻤﻨﻴﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﲟﻌﺎﳉﺔ اﻷﻣور اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﰲ ﻋﺎﱂ دﻧﻴوي‪ ،‬ﻓقﺪ أوﺿﺢ أن اﻟكﻨﻴسﺔ اﳌسﻴﺤﻴﺔ ﻟﻴسﺖ إﻻ‬
‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ ﲢقﻴق اﻟوﺣﺪة ﺑﲔ ﲨﻴع اﳌؤﻣﻨﲔ ﰲ ﻋﺎﱂ ﻫﻢ أﻗﺮب إﱃ أن ﻳكوﻧوا ﻣواﻃﻨﲔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﷲ" ‪ 2‬كﺎﻧﺖ‬
‫رؤﻳة أوغسطﲔ إﳝﺎﻧية ﺣيﺚ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ الﻜنيسة ﻫﻲ اﳌدﻳنة الﱵ تﻌﱪ عﻦ وﺟود ﷲ‪ ،‬فﻬﻲ اﳌلﺠﺄ لﻜﻞ ﻣواﻃﻦ‪ ،‬فﺎ ﻫو‬
‫ﺧﺎلﻖ كﻞ ﻫذه اﳌﺨلوﻗﺎت وﻻ ﻳوﺟد تفﺮﻳﻖ ﺑﲔ كﻞ اﳌﺆﻣنﲔ‪.‬‬

‫*اﻟقﺪﻳﺲ اوﻏسﻄﲔ‪ :‬اوراليوس اوغوسطينوس اشﻬﺮ آ ء الﻜنيسة اﻻتينية ولد ﰲ ﻃﺎﺟسطﺎ )اليوم سوق اﻫﺮاس( ﺑنوﻣيد ﰲ ‪13‬‬
‫تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 354‬م ﻣﺎت ﰲ اﻳبو ﰲ ‪ 14‬آب ‪430‬م كﺎن اﺑوه وﺛنيﺎ وﻳدعى تﺮﻳقيوس واﻣﻪ ﻧصﺮاﻧية تدعى ﻣوﻧيﻜﺎ‪ .‬ﺑﲔ ‪ 380‬و‬
‫‪ 381‬كتب كتﺎﺑﻪ اﻷول ﰲ ﳎلدﻳﻦ او ﺛﻼﺛة ﳎلدات ﰲ اﳉمﺎل وﰲ الليﺎﻗة وﻗد ﺿﺎع وعندﻣﺎ ﻗدم إﱃ ﻗﺮﻃﺎﺟة ﻣﻦ روﻣﺎ اﻻسقﻒ‬
‫فﺎوستوس وكﺎن فقيﻬﺎ ﻣﺎﻧو شﻬﲑا استقبلﻪ اوغسطينوس استقبﺎلﻪ ﻻﻧسﺎن ﻳنتﻈﺮ ﻣنﻪ أن ﻳبدد شﻜوكﻪ كلﻬﺎ‪.‬‬
‫اشتﻬﺮ ﲟﺠموعة ﻣﻦ اﶈﺎورات الفلسفية ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ‪ :‬ردا على فﻼسفة اﻻكﺎدﳝية‪ ،‬ﰲ اﳊيﺎة السﻌيدة‪ ،‬ﰲ النﻈﺎم‪ ،‬ﻣنﺎﺟﺎة النفﺲ‪ ،‬وﻗد‬
‫كتب اﶈﺎورات الﺜﻼث اﻻوﱃ سنة ‪ 376‬والﺮاﺑﻌة ﰲ ﻣطلع عﺎم ‪ 387‬ﰒ استقﺎل ﻣﻦ عملﻪ كمدرس للﺨطﺎﺑة‪) .‬ﺟورج ﻃﺮاﺑﻴشﻲ‪،‬‬
‫ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ﻣﺮﺟع ﺳﺎﺑق‪ ،‬ص ص ‪(119-117‬‬
‫‪ / 1‬توفيﻖ ﳎﺎﻫد‪ ،‬ﺣورﻳة‪ ،‬الفﻜﺮ السيﺎسﻲ ﻣﻦ أفﻼﻃون إﱃ ﷴ عبده‪ ،‬ﻣﻜتبة ‪ ،485‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ ،2019 ،7‬ص ‪167‬‬
‫‪ / 2‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص‪.170‬‬

‫‪9‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫"ﻣﻴﺰ أوﻏسﻄﲔ ﺑﲔ ﺻﻨﻔﲔ ﻣﻦ اﻟﺒشﺮ ﻳﻔﱰض أ ﻢ ﻳقﻄﻨون ﻧوﻋﲔ ﻣﻦ اﳌﺪن اﻟﺼﻨف اﻷول ﻫو أوﻟﺌﻚ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺐ اﻟﺬات ﻓﻴﻤﺎرﺳون اﻟشﻬوات اﳊسﻴﺔ وﻳﺘﺒﻌون اﻟشﻴﻄﺎن ﰲ ﺟﺮﻳﻬﻢ وراء ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﻢ‪،‬‬
‫وﻫؤﻻء ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳشكﻠون ﻣﺎ ﻳسﻤﻴﻪ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻷرﺿﻴﺔ أﻣﺎ اﻟﺼﻨف اﻟﺜﺎﱐ ﻓﻬﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺐ ﷲ‬
‫ﻟﺪرﺟﺔ إﳘﺎﳍﻢ ذوا ﻢ وﻗﻄع ﻋﻼﻗﺘﻬﻢ ﻣع اﻟشﻬوات اﻟﺪﻧﻴوﻳﺔ واﳌﻠﺬات‪ ،‬وﻫؤﻻء ﻣواﻃﻨو اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟسﻤﺎوﻳﺔ" ‪ 1‬فﻬذا‬
‫التصنيﻒ الذي تﺸﻜلﺖ ﻣنﻪ فلسفة أوغسطﲔ كﺎن ﻣﻦ أﺟﻞ توﺿيﺢ أن الفﺮد الذي ﻳنتمﻲ إﱃ عﺎﱂ اﻷرض ﻫو الذي‬
‫تسيطﺮ عليﻪ غﺮاﺋزه وشﻬواتﻪ‪ ،‬وﻫذا ﻷﻧﻪ ﺑﻌيد عﻦ الﻜنيسة وعﻦ اﳋﲑ اﻹﳍﻲ‪.‬‬

‫ولﻜﻲ ﻳصﻞ" اﻹﻧسﺎن إﱃ اﳋﲑ ﳚﺐ أن ﻳﺘﺠﻪ رادﺗﻪ اﳊﺮة ﳓو اﳋﲑ اﳌﻄﻠق وأن ﻳسﻌﻰ إﱃ ﲢقﻴق اﳋﲑ ﰲ‬
‫ﺣﻴﺎﺗﻪ وﰲ اﻟﻌﺎﱂ وﻟﻦ ﻳكون ذﻟﻚ ﳑكﻨﺎ إﻻ إذا ﻛﺎن ﺣﺮا"‪ 2‬ﻫنﺎ ﻳﻌطﻲ أوغسطﲔ أولوﻳة كبﲑة للﺤﺮﻳة وﻳﺮﺑطﻬﺎ رادة‬
‫اﻹﻧسﺎن إذ ﻳﻌﺮفﻬﺎ أ ﺎ القدرة على اﻻﺧتيﺎر أو الﺮفض و لتﺎﱄ ﺧذ اﳊﺮﻳة ﻣنﻌﺮﺟﺎ آﺧﺮا ﻣع أوغسطﲔ إذ أ ﺎ‪ " ،‬ﺑﻌﺔ‬
‫ﻣﻦ ﻋﺚ داﺧﻠﻲ ﻳﻌﱪ ﻣﻦ ﺧﻼﳍﺎ ﻋﻦ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﻫو‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤكﻢ ﻛﻞ ذات ﻓﻌﺎﳍﺎ‪ ،‬ﻋﱪ‬
‫إرﺟﺎﻋﻬﺎ إﱃ اﻹرادة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﳍﺬﻩ اﻟﺬات اﻟﱵ ﺗسﺘﻄﻴع أن ﺗﺜﺒﺖ أو ﺗﻨﻔﻲ ﻣﻦ دون أن ﺗكون ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻐﲑ‬
‫ﺳﻠﻄﺎ ﺎ" ‪ 3‬فيﻜون ﻫنﺎ اﻹﻧسﺎن ﻣسﺆول عﻦ كﻞ فﻌﻞ ﻳقوم ﺑﻪ ﻷﻧﻪ ﻫو ﻣﻦ إﺧتﺎر ﻫذا الفﻌﻞ ﲢﺖ ارادة اﳊﺮﻳة‪ ،‬فيﻜون‬
‫"اﻹﻧسﺎن أﺣﻴﺎ ﻳﱰك ﻫﺬﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ وﻳﺘﺠﻪ ﳓو ﻣﻠﺬات اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻨﺘﺞ اﻟشﺮ"‪ 4‬وﻫذا ﻣﺎ ﻳﺆكد أن اﳊﺮﻳة ليسﺖ‬
‫اﻻﺧتيﺎر ﺑﲔ الﺸﺮ و اﳋﲑ ﻷن اﻹﻧسﺎن عندﻣﺎ ﻳتﺠﻪ ﳓو الﺸﺮ فﻬو دليﻞ على ﻧقص ﰲ التفﻜﲑ ليﺲ دليﻞ على ﺣﺮﻳتﻪ‪،‬‬
‫فيﻜون ﻣوﻗﻒ أوغسطﲔ واﺿﺤﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل كيده‪ ،‬أن اﳋﻼص ﻣﻦ ﻫذه الﺸﺮور أو اﳋطيﺌة ﻫو التوﺟﻪ إﱃ ﻃﺮﻳﻖ ﷲ‬
‫واعتنﺎق اﳌسيﺤية‪ ،‬فﻬﻲ الﱵ ﲢﺮر الفﺮد ﻣﻦ كﻞ الﺮذاﺋﻞ واﳋطﺎ الدﻧيوﻳة‪.‬‬

‫إﻻ أن " اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻹﳍﻴﺔ ﻟﻴسﺖ ﻣﻼﺷﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ واﳕﺎ ﻫﻲ ﻣﻌوﻧﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﳋﲑ وﻟﻴسﺖ ﺳﺒق ﻋﻠﻢ ﷲ ﻷﻓﻌﺎل‪،‬‬
‫ﺣﺠﺔ ﺿﺪ اﳊﺮﻳﺔ ﻓﺈن ﺗوﻗع اﻟﻔﻌﻞ اﳊﺮ‪ ،‬ﻻ ﻳﺮﻓع ﻋﻨﻪ ﺻﻔﺔ اﳊﺮﻳﺔ إن ﷲ ﻳﺘوﻗع اﻟﻔﻌﻞ وإذن ﺳﻴكون اﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬وﷲ‬
‫ﻳﺘوﻗع اﻟﻔﻌﻞ ﺣﺮا ﺻﺎدرا ﻋﻦ ﻣﻴﻞ اﻹرادة ﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ‪ ،‬وإذن ﺳﻴكون اﻟﻔﻌﻞ ﺣﺮا ﳐﺘﺎرا إن ﷲ ﻫو اﳋﲑ ﻟﺬات وﻻ‬

‫‪ / 1‬ﻣصطفى النﺸﺎر‪ ،‬تطور الفﻜﺮ السيﺎسﻲ القدﱘ ﻣﻦ ﺻولون ﺣﱴ اﺑﻦ ﺧلدون‪ ،‬دار ﻗبﺎء‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ ،1991 ،1‬ص ص ‪-188‬‬
‫‪.189‬‬
‫‪ / 2‬كﺎﻣﻞ ﷴ ﷴ عوﻳﻀة‪ ،‬اوغسطﲔ فيلسوف الﻌصور الوسطى‪ ،‬دار الﻜتب الﻌلمية‪ ،‬ﺑﲑوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪ ،1993 ،1‬ص ‪40‬‬
‫‪ / 3‬اﳌصطفى الﺸﺎذﱄ‪ ،‬ﺣنة ارﻧدت وﻧقد التصور الفلسفﻲ للﺤﺮﻳة‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ / 4‬كمﻞ ﷴ ﷴ‪ ،‬أوغسطﲔ فيلسوف الﻌصور الوسطى‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪10‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫ﻳوﺟﺪ اﳌﺨﻠوق إﻻ ﻟﻠﺨﲑ واﳋﲑ ﻫو اﳌﻄﻠوب وﻷﺟﻞ ﻫﺬا أﻋﻄﺎ ﷲ اﻟﻌقﻞ ﻧﻌﻠﻢ ﺑﻪ اﳋﲑ وأﻋﻄﺎ اﶈﺒﺔ ﳕﻴﻞ ﺎ‬
‫‪1‬‬
‫إﱃ اﳋﲑ اﳌﻌﻠوم واﻟﻌقﻞ واﶈﺒﺔ ﻣﺒﺪأ اﳊﺮﻳﺔ وﻛﻠﻤﺎ ﻃﺎوﻋﻨﺎ ﻫﺪى اﻟﻌقﻞ وﲢﺮر ﻣﻦ اﻟشﺮ ازدادت اﻹرادة اﳊﺮة"‬
‫فﺎلﺸﺎﻫد ﻣﻦ كﻞ ﻫذا أن القدﻳﺲ أوغسطﲔ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﻣبدأ اﳊﺮﻳة ﻣﻼزﻣة لﻺرادة فﻌندﻣﺎ تﻜون ﻫذه اﻷﺧﲑة ﺣﺮة‬
‫تﻜون ﻣﻼزﻣة للفﻌﻞ اﳋﲑ‪ ،‬الذي ﻣصدره ﷲ فﻬو اﳋﲑ اﳌطلﻖ الذي ﺑواسطتﻪ ﻧتﺤﺮر ﻣﻦ فﻌﻞ الﺸﺮ فﻜلمﺎ اﻗﱰﺑنﺎ ﻣﻦ‬
‫ﷲ فﺈﻧنﺎ ﻧزداد ﺣﺮﻳة‪.‬‬

‫‪ -2‬اﳊﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﻔكﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬

‫تنﻈﺮ الفلسفة اﻹسﻼﻣية لﻜﺎفة اﻷﻣور ﻧﻈﺮة وسطية تقوم على اﻻعتدال وﲡﻌﻞ ﻣﻦ الﻌدل أسﺎس للﺤﻜﻢ‬
‫والدولة‪ ،‬وﻣﻦ اﳊﺮﻳة واﳌسﺎواة ﻫدفﺎ للﻌدل وأرسﺖ ﻧﻈﺮة شﺎﻣلة لﻺﻧسﺎن ﺣيﺚ ﺟﻌﻞ اﻹسﻼم النﺎس ﻣتسﺎوﻳﻦ ﰲ كﺎفة‬
‫اﻷﻣور‪ ،‬رغﻢ اﺧتﻼفﻬﻢ ﰲ أﺻوﳍﻢ وﻣﺮاكزﻫﻢ اﻻﺟتمﺎعية وﻣسﺆوليﺎ ﻢ السيﺎسية‪ ،‬فﺠﻌﻞ القﺮآن الﻜﺮﱘ ﻣبدأ" ﻻ إﻛﺮاﻩ ﰲ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ‪ "2‬ليﺆكد على اﳊﺮﻳة ﰲ ﲨيع أشﻜﺎﳍﺎ ﺑﻌيدا عﻦ الﻌبودﻳة و الﺮق‪.‬‬

‫الذﻳﻦ ﺣﺎولوا إﻗﺎﻣة فلسفة توفيقية ﺑﲔ الفﻜﺮ السيﺎسﻲ القدﱘ وﺑﲔ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻹسﻼم إﻻ أن ﻧﻈﺮتﻪ ﱂ تﻜﻦ ﳐتلفة عمﺎ‬
‫ﺟﺎء ﺑﻪ أفﻼﻃون وأرسطو فقد ﻗﺎم ﺑتﺄليﻒ الﻌدﻳد ﻣﻦ الﻜتب أﻣﺜﺎل "أراء أﻫﻞ اﳌدﻳنة الفﺎﺿلة"‪ ،‬و"اﳌدﻳنة السيﺎسية "‬
‫وغﲑﻫﺎ فﺤﺎول ﻣﻦ ﺧﻼﳍﺎ ﺑسﻂ اﻻﺟتمﺎع اﻷﻣﺜﻞ للبﺸﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﲢقيﻖ السﻌﺎدة والﻌدل واﳊيﺎة الصﺎﳊة ‪ ،‬ﺣيﺚ‬
‫ﻳقول ﰲ ﻫذا الصدد‪ :‬كﻞ واﺣد ﻣﻦ النﺎس ﻣفطور على أﻧﻪ ﳏتﺎج ﰲ ﻗواﻣﻪ وﰲ أن ﻳبلغ أفﻀﻞ كمﺎﻻتﻪ إﱃ أشيﺎء كﺜﲑة‬
‫ﻻ ﳝﻜنﻪ أن ﻳقوم ﺎ كلﻬﺎ ﻫو وﺣده ﺑﻞ ﳛتﺎج إﱃ ﻗوم ﻳقوم لﻪ كﻞ واﺣد ذا اﳊﺎل‪ ...‬وﳍذا كﺜﺮت أشﺨﺎص النﺎس‬
‫فﺤصلوا ﰲ اﳌﻌمورة ﻣﻦ اﻷرض فﺤدﺛﺖ ﻣنﻬﺎ اﻻﺟتمﺎعﺎت اﻹﻧسﺎﻧية‪ 3.‬ﻧلتمﺲ ﻣﻦ ﻗول الفﺎراﰊ أﻧﻪ ﻳﻌتﱪ اﻹﻧسﺎن‬
‫ﻣدﱐ ﺑطبﻌﻪ ﻻ ﻳستطيع أن ﻳﻌيﺶ ﰲ عزلة على أفﺮاد ﳎتمﻌﻪ فﺎﻻﺟتمﺎع الذي ﻳﻜون ﺑﲔ ﻫﺆﻻء اﻷفﺮاد غﺎﻳتﻪ فقﻂ‬
‫الوﺻول إﱃ ﻣﺎ ﻳسﻌى إليﻪ الفﺎراﰊ وﻫﻲ السﻌﺎدة وﻫذه اﻷﺧﲑة ﻫﻲ" اﳋﲑ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﻔع ﰲ أن ﺗﺒﻠﻎ ﺑﻪ‬
‫اﻟسﻌﺎدة‪ ،‬وﺗﻨﺎل ﺑﻪ ﻓﻬو أﻳﻀﺎ ﺧﲑا ﻻ ﻷﺟﻞ ذاﺗﻪ ﻟكﻦ ﻷﺟﻞ ﻧﻔﻌﻪ ﰲ اﻟسﻌﺎدة وﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺎق ﻋﻦ اﻟسﻌﺎدة ﺑوﺟﻪ ﻣﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬ﻳوسﻒ كﺮم‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة اﻷوروﺑية ﰲ الﻌصﺮ الوسيﻂ‪ ،‬ﻣﺆسسة ﻫنداوي‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،2012 ،‬ص ‪41‬‬
‫‪ / 2‬سورة البقﺮة‪ ،‬اﻵﻳة ‪.256‬‬
‫‪ / 3‬علﻲ عبد الواﺣد واﰲ‪ ،‬اﳌدﻳنة الفﺎﺿلة للفﺎراﰊ‪ ،‬ﻀة ﻣصﺮ‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪11‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫ﻓﻬو اﻟشﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق" ‪ 1‬وﻣﻦ ﻫذا اﳌنطلﻖ ﻳبﲔ الفﺎراﰊ أﻧﻪ لﻜﻲ ﻧصﻞ إﱃ اﳋﲑ الذي ﻫو السﻌﺎدة فيﺠب أن‬
‫ﻧقتدي ﲟبدأ اﻹرادة الﱵ ﻳﺸﱰط أن تﻜون ﺣﺮة‪ ،‬فﺎﻹﻧسﺎن ﻫو الذي ﳛدد أفﻌﺎلﻪ وﻫو اﳌسﺌول عنﻬﺎ‪.‬‬

‫إذ " أن اﻹﻧسﺎن ﳐﲑ ﻓﻬو ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ أن ﻳﺒﻠﻎ ﻛﻤﺎﻟﻪ وﻳﺼﻞ ﻟﻠسﻌﺎدة اﻟقﺼوى ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟوﻗﺖ‬
‫ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ إﺗﺒﺎع اﻟشﺮ‪ ،‬ﻓﻴﻨﺘﻬﻲ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻟﻠﺠﺤﻴﻢ اﻟﺪاﺋﻢ‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧسﺎن ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻟﻌقﻞ واﻟقﺪرة ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺬي‬
‫‪2‬‬
‫ﻳسﺘﻄﻴع ﺑﻪ أن ﻳسﻌﻰ ﳓو اﻟسﻌﺎدة وأن ﻻ ﻳسﻌﻰ ﺑﻪ ﺑقﺪر ﻋﻠﻰ أن ﻳﻔﻌﻞ اﳋﲑ وأن ﻳﻔﻌﻞ اﻟشﺮ واﳉﻤﻴﻞ واﻟقﺒﻴﺢ"‬
‫وﻫذا ﻣﺎ ﻳدل على أن اﻹﻧسﺎن ﺣﺮا ﰲ اﺧتيﺎراتﻪ وﻫو اﳌسﺌول عﻦ ﻫذه اﻷفﻌﺎل‪ ،‬فﺈذا كﺎن الﻌقﻞ ﻫو ﻣﻦ ﻳقود ﻫذه‬
‫اﻷفﻌﺎل فﺈﻧﻪ ﻳصﻞ إﱃ اﳋﲑ الذي ﳛقﻖ لﻪ لذة السﻌﺎدة‪ ،‬ولﻜﻦ إذا تﺮك رغبﺎتﻪ وشﻬواتﻪ تقوده فﺈﻧﻪ ﻳصﻞ ﰲ اﻷﺧﲑ إﱃ‬
‫ﻣطﺎف الفﺸﻞ‬

‫‪ / 1‬أﰊ ﻧصﺮ الفﺎراﰊ‪ ،‬كتﺎب السيﺎسة اﳌدﻧية‪ ،‬تقدﱘ علﻲ ﺑو ﻣلﺤﻢ‪ ،‬دار اﳍﻼل‪ ،‬ﺑﲑوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص ‪.79‬‬
‫‪ / 2‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ ‬دﻳكﺎرت‪ :‬اول فيلسوف ﳏدث وواﺣد ﻣﻦ اعﻈﻢ الﺮ ﺿيﲔ ﰲ اﻻزﻣﺎن القﺎﻃبة ولد ﰲ ﻻﻫﺎي ﰲ ‪ 31‬آذار ‪ 1596‬كﺎن اﺑوه‬
‫الﻒ ﰲ فﺮﻧسﺎ رسﺎلة غﲑ ﻣﻜتملة ﻃبﻖ فيﻬﺎ ﻣقدﻣﺎ ﺑنوع ﻣﺎ ﻣنﻬﺞ اﳌقﺎل‬ ‫ﻳواكيﻢ دﻳﻜﺎرت ﻳنتمﻲ إﱃ ﻧبﺎلة اﻫﻞ القﻀﺎءأ‬
‫ﰲ اﳌنﻬﺞ‪ ،‬ﻗواعد تدﺑﲑ الﻌقﻞ‪ ،‬ﺣﱴ اﳒز ﲢﺮﻳﺮ رسﺎلة ﰲ اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ ﺿﺎعﺖ ﻣع اﻻسﻒ لﻜﻦ ﺟوﻫﺮ سيتﻜﺮر ﰲ ﻣﻼت‬
‫ﻣيتﺎفيزﻳقية وﺑدءا ﻣﻦ عﺎم ‪ 1629‬ألﻒ كتﺎب الﻌﺎﱂ‪.‬‬

‫ﺣﺮر دﻳﻜﺎرت ﺑﲔ ‪ 1637-1634‬ﺛﻼث رسﺎﺋﻞ علمية اﻧﻜسﺎر الﻀوء‪ ،‬اﳍندسة‪ ،‬اﻻ ر الﻌلوﻳة‪ ،‬وﻗد سبﻖ دﻳﻜﺎرت تلﻚ الﺮسﺎﺋﻞ‬
‫الﺜﻼث ﲟقدﻣة ﺟﻌﻞ عنوا ﺎ ﻣقﺎل ﰲ اﳌنﻬﺞ وﻧﺸﺮﻫﺎ ﲨيﻌﻬﺎ ﰲ ﺣزﻳﺮان ‪.1637‬‬

‫‪12‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﳊﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﻔﻠسﻔﺔ اﳊﺪﻳﺜﺔ‬

‫تتميز الفلسفة اﳊدﻳﺜة لتطور والنﻬﻀة ﰲ ﲨيع ا ﺎﻻت‪ ،‬ﺣيﺚ عملﺖ ﻫذه الفلسفة على إلﻐﺎء سلطة‬
‫الﻜنيسة وإعﺎدة ﻣﻜﺎﻧة الﻌقﻞ ﳏﻞ الدﻳﻦ الذي كﺎن سبب ﰲ فقدان اﻹﻧسﺎن ﳊﺮﻳتﻪ ﰲ اﳊقبة الزﻣنية الوسطى فلﻢ ﻳﻌد‬
‫الفﺮد ﺧﺎﺿﻌﺎ لﻌبودﻳة اﳌفﺎرق لوﺟوده وﱂ تﻌد ﺣﺮﻳتﻪ وإرادتﻪ‪ ،‬اﻣتدادا لﻪ‪ ،‬وﲡسيدا لﻪ‪ ،‬وإﳕﺎ أﺻبﺢ اﻻﻫتمﺎم ﳊﺮﻳة ﻣﻦ‬
‫ﻣنطلﻖ أ ﺎ ﺧﺎﺻية إﻧسﺎﻧية وﺧﲑ ﳑﺜﻞ ﳍذا الفيلسوف دﻳﻜﺎرت والفيلسوف ﺟون لوك‪.‬‬

‫‪ -1‬روﱐ دﻳكﺎرت‬

‫إن للفيلسوف الﻌقﻼﱐ دﻳﻜﺎرت* الفﻀﻞ الﻜبﲑ ﰲ إرﺟﺎع ﺣﺮﻳة اﻹﻧسﺎن ﻫذه اﳊﺮﻳة الﱵ لوﻻﻫﺎ ﳌﺎ كﺎﻧﺖ لتﻜون‬
‫ﻀة أورﺑية‪ ،‬وﻻ اﻧقﻼب على تلﻚ اﳌفﺎﻫيﻢ واﳌنﺎﻫﺞ الﱵ كﺎﻧﺖ سﺎﺋدة ﺣيﺚ كﺎﻧﺖ لدى دﻳﻜﺎرت واﻗﻌة ﻣﻦ ﺧﻼل‬
‫ﻣواﺟﻬة كﻞ ﻣﺎ كﺎن سﺎﺋدا عﱪ التفﻜﲑ النقدي اﳊﺮ وﲢطيﻢ كﻞ القيود وإزالة الﻌواﺋﻖ الﱵ ﻗد ﲤنع ﳕو وتقدم اﻹﻧسﺎن‪،‬‬
‫ﺣيﺚ تبدأ فلسفتﻪ ﻣﻦ الﺸﻚ إﱃ اليقﲔ ﳍذا " ﻋﻠﻰ اﻹﻧسﺎن ﺣﲔ ﻳﺒﺤﺚ ﰲ اﳌسﺎﺋﻞ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ أو اﻟﻔﻠسﻔﻴﺔ أن‬
‫ﻳﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻠﻄﺔ إﻻ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻌقﻞ "‪ 1‬وﻫذا ﻣﺎ ﻳﻌﱪ على الﺜورة الدﻳﻜﺎرتية الﱵ ﲤﺠد سلطﺎن الﻌقﻞ وتسﻌى لتتﺤﺮ‬
‫ﻣﻦ القيﻢ واﻷفﻜﺎر السﺎﺑقة الﺮاسﺨة ﰲ اﻷذﻫﺎن وﺧﲑ دليﻞ على ﻫذه الفﻜﺮة ﻫو الﻜوﺟيطو الدﻳﻜﺎرﰐ"أ أﺷﻚ إذن‬
‫ﻓﺄ أﻓكﺮ إذن أ ﻣوﺟود" كﺎن ﻳقوم ﻷسﺎس على فﻜﺮة اﳊﺮﻳة كمبدأ ﻳﺮتﻜز عليﻪ الفﻜﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑنﺎء اﳊقيقة والﱵ‬
‫تسﻌى إﱃ إﺛبﺎت الوﺟود فيﺸﺮح دﻳﻜﺎرت لفﻈة" أ "ﰲ ﻗولﻪ" ‪:‬إذن أي ﺷﻲء أ أ ﺷﻲء ﻳﻔكﺮ‪ ،‬وﻣﺎ ﻫو اﻟشﻲء‬
‫اﻟﺬي ﻳﻔكﺮ؟ ﻫو ﺷﻲء ﻳشﻚ‪ ،‬وﻳﺪرك‪ ،‬وﻳﺘﺬﻫﻦ وﻳﺜﺒﺖ‪ ،‬وﻳﻨﻔﻲ‪ ،‬وﻳﺮﻳﺪ‪ ،‬وﻳﺮﻓﺾ‪ ،‬وﻳﺘﺨﻴﻞ"‪ 2‬فﺎلﺸﺎﻫد ﻣﻦ ﻫذا‬
‫القول أن دﻳﻜﺎرت ﻳبﲔ ن لفﻈة أ ليسﺖ لفﻈة عﺎدﻳة ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻫﻲ تﻌبﲑ عﻦ ﺣقيقة الذات ﰲ ذا ﺎ‪ ،‬وﻫﻲ تلﻚ‬
‫الذات الﱵ أﺻبﺤﺖ ﺣﺮة تﺸﻚ ﰲ كﻞ تلﻚ اﻷفﻜﺎر واﳌﻌتقدات السﺎﺑقة‪ ،‬وﲢﺎول أن تتﺠﺎوزﻫﺎ‪ ،‬تلﻚ الذات الﱵ‬
‫أﺻبﺤﺖ تﻌﺮف ﻧفسﻬﺎ ﺑنفسﻬﺎ‪ ،‬فﺎلتﺄﻣﻞ ﰲ عبﺎرة دﻳﻜﺎرت أ أﻓكﺮ ﻳﺸﲑ أن لفﻈة أ عندﻣﺎ تتﺤقﻖ فﺈﻧﻪ ﺑدوره‬
‫ﻳتﺤقﻖ التفﻜﲑ الذي ﻳﺸﱰط أن ﻳﻜون فيﻪ اﳊﺮﻳة فﻬذه اﻷﺧﲑة ﻻ تفﻜﲑ ﺑدو ﺎ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣﻼت ﻣيتﺎفيزﻳة ﰲ الفلسفة اﻷوﱃ‪ ،‬تﺮ‪:‬اﳊﺎج كمﺎل‪ ،‬ﻣنﺸورات عوﻳدات‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬رﻳﺲ‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ص‬
‫‪.26‬‬
‫‪ / 2‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣﻼت ﻣيتﺎفيزﻳة ﰲ الفلسفة اﻷوﱃ‪ ،‬ﻣصدر سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪13‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫تتﺠلى اﳊﺮﻳة أﻳﻀﺎ عند دﻳﻜﺎرت ﰲ ﻗواعده الﱵ ﻗدﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻴقﲔ الﱵ ﻳبﲔ فيﻬﺎ" أﻻ أﻗﺒﻞ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺣق ﻣﺎ ﱂ أﻋﺮف أﻧﻪ ﻳقﻴﻨﺎ "‪1‬وﻫﻲ القﺎعدة الﱵ ﻳﺆكد فيﻬﺎ أﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ القبول ﺑﺸﻲء إﻻ إذا كﺎن ﺑدﻳﻬيﺎ‬
‫وواﺿﺤﺎ أي ﻳﻜون ﻣﻌنﺎه ﻣتﻀمﻦ ﰲ ذاتﻪ فتﻜون اﳊﺮﻳة ﻫنﺎ ﻣﻼزﻣة للفﻜﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﲢﺮﻳﺮه ﻣﻦ تلﻚ اﻷوﻫﺎم واﳋﺮافﺎت‬
‫السﺎﺑقة‪ ،‬فيقول ﰲ ﻫذا الصدد" ﻗﺮرت أن أﺣﺮر ﻧﻔسﻲ ﺟﺪ ‪ ،‬ﻣﺮة ﰲ ﺣﻴﺎﰐ ﻣﻦ ﲨﻴع اﻵراء اﻟﱵ آﻣﻨﺖ ﺎ ﻗﺒﻼ‬
‫وأن أﺑﺘﺪئ ﻣﻦ أﺳﺲ ﺟﺪﻳﺪة ‪" 2‬وﻗﺎﻋﺪة اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ الﱵ تﻌﺮف على أﻧﻪ" ﳚﺐ أن ﺗقسﻢ اﳌﻌﻀﻠﺔ اﻟﱵ ﺗﺪرس إﱃ‬
‫أﺟﺰاء ﺑسﻴﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻣﺎ ﺗﺪﻋوا إﻟﻴﻪ اﳊﺎﺟﺔ"‪ 3‬فيﻜون الﻌقﻞ ﻫو الوﺣيد الذي ﻳستطيع أن ﳛلﻞ وﻳفﻜﻚ اﻷشيﺎء‬
‫للوﺻول إﱃ أﺑسطﻬﺎ وﻻ ﻳﻜون ﻫذا إﻻ ﲝﺮﻳة التفﻜﲑ الﱵ تسمﺢ للﻌقﻞ ن ﻳبدع وﻳفﻜﺮ وﳛلﻞ وفقﺎ ﳌﺎ تقتﻀيﻪ‬
‫الﻀﺮورة‪ ،‬كﺎن دﻳﻜﺎرت ﻳسﻌى ﻣﻦ ﺧﻼل اﳊﺮﻳة إﱃ ﺟﻌﻞ الفﺮد ﻗﺎدرا على اﻻﺧتيﺎر والفﻌﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﲡﺎوز كﻞ‬
‫اﻷوﻫﺎم واﳌﻌتقدات وﻣﻦ ﺧﻼل تبنيﻪ فﻜﺮ عقﻼﱐ ﻳﺆﻣﻦ ﺑوﺟود الوعﻲ الﻜﺎﻣﻞ للﺤﺮﻳة‪.‬‬

‫‪ -2‬ﺟون ﻟوك‬

‫ﻳﻌتﱪ الفيلسوف ﺟون لوك* ﻣﻦ أﻫﻢ الفﻼسفة الذﻳﻦ دافﻌوا عﻦ ﺣﺮﻳة اﻹﻧسﺎن وﻫذا ﻧتيﺠة ﳌﺎ كﺎﻧﺖ تﻌيﺸﻪ أورو‬
‫ﰲ ذلﻚ الوﻗﺖ‪ ،‬فلﻢ تﻜﻦ " أﳘﻴﺔ ﻟوك ﻣقﺼورة ﻓقﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺪان اﻟﻔﻠسﻔﺔ ﺑﻞ ﺗﻌﺪﺗﻪ واﻧﺘقﻠﺖ ﺑﻄﺮﻳقﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ‬
‫ﺗﻄﺒﻴقﻴﺔ إﱃ ﻣﻴﺪان اﻟسﻴﺎﺳﺔ واﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟكﱪى اﻟﱵ ﺳﺎدت أوور ﰲ اﻟقﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋشﺮ‬
‫ﱂ ﺗكﻦ ﺳوى اﻣﺘﺪاد ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻔﻠسﻔﺔ ﻟوك "‪4‬الﱵ كﺎﻧﺖ" ﺗقوم ﻋﻠﻰ اﺣﱰام اﻟقﻴﻢ اﻹﻧسﺎﻧﻴﺔ واﳊﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﺳواء ﰲ‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣقﺎل عﻦ اﳌنﻬﺞ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﳏمود ﷴ اﳋﻈﲑي‪ ،‬اﳍيﺌة اﳌصﺮﻳة الﻌﺎﻣة للﻜتﺎب‪ ،‬ط‪ ،1985 ،3‬ص ‪.142‬‬
‫‪ / 2‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣﻼت ﻣيتﺎفيزﻳقية ﰲ الفلسفة اﻷوﱃ‪ ،‬ﻣصدر سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣقﺎل عﻦ اﳌنﻬﺞ‪ ،‬ﻣصدر سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ ‬ﺟون ﻟوك‪ :‬فيلسوف اﳒليزي ولد ﰲ رﻳنﻐتون لقﺮب ﻣﻦ ﺑﺮﻳستول ﰲ ‪ 29‬آب ‪ 1632‬وتوﰲ ﰲ ‪ 28‬تﺸﺮﻳﻦ اﻷول ‪1704‬‬
‫ﻳنﺤدر ﻣﻦ اسﺮة ﻃﻬﺮاﻧية ﻣﻦ الطبقة الوسطى ﲡلﺖ لﻪ ﺿﺮورة البﺤﺚ اﻻستبﺎﻗﻲ عﻦ اﻣﻜﺎﻧيﺎت الﻌقﻞ البﺸﺮي واﻫدافع وتلﻚ‬
‫كﺎﻧﺖ ﻧقطﻪ اﻧطﻼﻗﻪ ﰲ ﻣﺆلفﻪ الﺮﺋيسﻲ‪ :‬ﳏﺎولة ﰲ الفﻬﻢ البﺸﺮي‪ ،‬والذي ﻳﻌد ﻣﻦ ﺑﲔ اﻫﻢ اﳌﺆلفﺎت ﰲ رﻳﺦ الفلسفة وﻗد‬
‫عمﻞ لوك فيﻪ ﳌدة ﲦﺎﻧية عﺸﺮ عﺎﻣﺎ‪.‬‬

‫وﻣﻦ ﺑﲔ اﻫﻢ تصﺎﻧيفﻪ اﳌﻬمة اﻻﺧﺮى ﳔص لذكﺮ‪ :‬ﰲ اﳊﻜﻢ‪ ،‬ﺣول اﳊﻜﻢ اﳌدﱐ الصﺎدرﻳﻦ عﺎم ‪ 1690‬ورسﺎﺋﻞ ﺣول‬
‫التسﺎﻣﺢ‪ ،‬اﳌسيﺤية الﻌﺎﻗلة ‪) 1695‬ﻃﺮاﺑﻴشﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ص ‪(599-594‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ /‬فﺎروق عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬ﺟون لوك‪ ،‬دار الﻜتب الﻌلمية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪ ،1993 ،1‬ص ص ‪.14-13‬‬

‫‪14‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﻟﺪﻳﻦ أو اﻟﻔكﺮ أو اﻟسﻴﺎﺳﺔ‪ ،‬وﺗﻨﺎدي ﺑﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻔﺮد اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﻄﻤسﺖ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﰲ ﺿﻞ اﺳﺘﺒﺪاد اﻟكﻨﻴسﺔ‬
‫"‪.1‬وﻫو ﻣﺎ ﻳﻌﲎ أن فلسفتﻪ كﺎن ﳍﺎ ﺛﲑ كبﲑ على ﳎﺮ ت اﻷﺣداث ﰲ أورو ‪ ،‬فﻜﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷشيﺎء الﱵ تسﻌى‬
‫إليﻬﺎ ﻫو إرﺟﺎع ﻗيمة الفﺮد والدفﺎع عﻦ ﺣقوﻗﻪ والدعوة إﱃ ﲢﺮﻳﺮه ﻣﻦ سلطﺎن الدﻳﻦ‪.‬‬

‫كﺎﻧﺖ ﺟﻞ كتﺎ ت ﻫذا الفيلسوف تﻌﱪ على ذلﻚ ﺣيﺚ كتب" رسﺎلتﺎن ﰲ اﳊﻜوﻣة" كﺎن اﳍدف ﻣنﻬﺎ‬
‫تﱪﻳﺮ النﻈﺎم السيﺎسﻲ فﺎلﺮسﺎلة اﻷوﱃ عﻦ اﳊﻜوﻣة ﻳنقد فيﻬﺎ توﻣﺎس ﻫوﺑز الذي كﺎن" ﳛﺼﺮ أﺷكﺎل اﳊكﻢ ﰲ‬
‫اﳌﻠكﻴﺔ اﳌﻄﻠقﺔ اﻟﱵ ﺗﻨﺒﲏ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻣﺎ ﻣﻦ إﻧسﺎن ﻳوﻟﺪ ﺣﺮ"‪2‬و ذا اﳌﻌﲎ ﻳﻜون ﺟون لوك رافﻀﺎ‬
‫للﺤﻜﻢ اﳌطلﻖ الذي ﳝﺠده توﻣﺎس ﻫوﺑز فﻬذا النﻈﺎم عمﻞ على ﲡﺮﻳد البﺸﺮ ﻣﻦ التمتع ﲝﺮﻳتﻬﻢ الطبيﻌية‪ ،‬فﺎلسلطة‬
‫تﻜون ﳌلﻚ واﺣد ﻫذا اﻷﺧﲑ لﻪ" اﳊق ﰲ ﺣكﻢ رﻋﺎ ﻩ ﺣكﻤﺎ ﻣﻄﻠق اﺳﺘﺒﺪادي ﻃﺒقﺎ ﳌﺒﺪأ اﳊق اﳌقﺪس ﻟﻠﻤﻠوك‬
‫ﻟﺬﻟﻚ ﳚﺐ ﻃﺎﻋﺘﻪ وﻟﻪ اﳊق ﰲ وﺿع اﻟقواﻧﲔ اﻟﱵ ﺗﱰاءى ﻟﻪ واﻟﱵ ﻳسﲑ اﻟشﻌﺐ ﲟقﺘﻀﺎﻩ دون ﻣﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻣﻦ‬
‫اﳌسﺘﺤﻴﻞ أن ﻳﻀع اﻟشﻌﺐ ﺑﻨﻔسﻪ ﻗﺎﻧو ﻳقﻴﺪ ﺣﺮﻳﺘﻪ‪ ،‬وأن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﱵ ﳛكﻤﻬﺎ اﳌﻠﻚ ﻟﻴسﺖ ﺳوى اﻣﺘﺪاد ﻃﺒﻴﻌﻲ‬
‫ﻟﻸﺳﺮة اﳊﺎﻛﻤﺔ اﻟﱵ ﻳﻔوﺿﻬﺎ اﻹﻟﻪ ﻟﺘوﱄ اﳊكﻢ ﻟﺬﻟﻚ ﳚﺐ أن ﳜﻀع اﻟشﻌﺐ ﺧﻀوع أﺑﻨﺎء اﻷﺳﺮة ﳊﺎﻛﻤﻬﺎ‬
‫اﻷﻛﱪ"‪ 3‬كﺎن اﳊﻜﻢ اﳌطلﻖ الذي ﻳﺆﻳده ﻫوﺑز ﻳﻌتمد على اﳌلﻚ الذي لدﻳﻪ كﺎفة اﳊقوق لتوﱄ السلطة وﻳﻜون ذلﻚ‬
‫عﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﳊﻖ اﻹﳍﻲ الذي ﻳﻜون لوراﺛة ﻻ ﳜﺮج ﻣﻦ اﻷسﺮة اﳊﺎكمة‪ ،‬وعلى الﺸﻌب اﳋﻀوع والطﺎعة فﻼ وﺟود‬
‫ﳊﺮﻳتﻪ‪.‬‬

‫عﺎرض لوك أﻳﻀﺎ ﻫوﺑز ﰲ وﺿﻌﻪ للﺤﺎلة الطبيﻌية الﱵ أكد فيﻬﺎ أن اﻹﻧسﺎن كﺎن ﻳﻌيﺶ ﺣﺎلة ﺻﺮاع وفوﺿى‬
‫وﺣﺮب الﻜﻞ ﺿد الﻜﻞ‪ ،‬على غﺮار لوك الذي أعتﱪ أن ﻫذه اﳊﺎلة ﻫﻲ الﱵ كﺎن ﻳﻌيﺶ فيﻬﺎ وﻳنﻌﻢ ﳊﺮﻳة واﳌسﺎواة إذ‬
‫كﺎن ﻳتمتع ﲟﺠموعة ﻣﻦ اﳊقوق " ﻛﺤق اﳊﻴﺎة أو اﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺣق اﳌﻠكﻴﺔ وﺗﻌﲏ اﳊﺮﻳﺔ اﻟﱵ ﻳﺘﻤﺘع ﺎ اﻟﻨﺎس‬
‫وﺟود ﻗﺎﻋﺪة داﺋﻤﺔ ﻳﻌﻴﺶ اﻟﻨﺎس ﰲ ﻛﻨﻔﻬﺎ و ﻟﻔﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﺮد ﰲ ا ﺘﻤع ﺗﻀﻌﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﺗشﺮﻳﻌﻴﺔ ﻣﻨﺘﺨﺒﺔ وأﻻ ﺗﻔﺮض‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬فﺎروق عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬ﺟون لوك‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ / 2‬ﺟون لوك‪ ،‬ﰲ اﳊﻜﻢ ﳌدﱐ‪ ،‬تﺮ‪:‬فﺨﺮي ﻣﺎﺟد‪ ،‬اللﺠنة الدولية لﱰﲨة الﺮواﺋع‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،1959 ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ / 3‬ﻣصطفى اﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬دار الوفﺎء‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،2001 ،‬ص ‪.282‬‬

‫‪15‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫ﻋﻠﻰ ارادة ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻨقﻠﺒﺔ وﳎﻬوﻟﺔ"‪ .1‬وﻫو ﻣﺎ ﻳﻌﲏ أن لوك أعتﱪ أن أفﻀﻞ ﺣﺎﻻت الﱵ كﺎن ﻳﻌيﺸﻬﺎ اﻹﻧسﺎن ﻫﻲ‬
‫اﳊﺎلة اﻷوﱃ‪ ،‬ﻷن ﻫذه اﻷﺧﲑة ﲤنﺢ لﻺﻧسﺎن التمتع ﺑﻜﺎفة ﺣقوﻗﻪ وﺣﺮ تﻪ‪.‬‬

‫"وﻟكﻲ ﻧﺪرك ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟسﻠﻄﺔ اﻟسﻴﺎﺳﻴﺔ إدراﻛﺎ ﺻﺤﻴﺤﺎ وﻧسﺘﻨﺒﻄﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺪرﻫﺎ اﻷﺻﻠﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻔﺤﺺ ﻋﻦ‬
‫اﻟوﺿع اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﺬي ﳒﺪ اﻟﺒشﺮ ﻋﻠﻴﻪ وﻫو وﺿع ﻣﻦ اﳊﺮﻳﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﰲ اﻟقﻴﺎم ﻋﻤﺎﳍﻢ واﻟﺘﺼﺮف ﻣﻼﻛﻬﻢ‬
‫وﺑﺬوا ﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺗﺌون ﺿﻤﻦ إﻃﺎر ﺳﻨﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺣﺪﻫﺎ ودون أن ﳛﺘﺎﺟوا إﱃ إذن أﺣﺪ أو ﻳﺘقﻴﺪ ﲟشﻴﺌﺔ أي إﻧسﺎن‬
‫وﻫو وﺿع م اﳌسﺎواة أﻳﻀﺎ ﺣﻴﺚ ﺗﺘكﺎﻓؤ اﻟسﻠﻄﺔ واﻟسﻴﺎدة ﻛﻞ اﻟﺘكﺎﻓؤ"‪ 2‬وﻫو ﻣﺎ ﻳﻌﲏ أن اﳊيﺎة الﱵ كﺎن ﻳﻌيﺸﻬﺎ‬
‫اﻹﻧسﺎن ﰲ اﳌﺮﺣلة الطبيﻌية اﻷوﱃ كﺎﻧﺖ ﺣﺮﻳة ﻣة‪ ،‬إذ ﻳتمتع اﻹﻧسﺎن ﲜميع ﺣقوﻗﻪ‪ ،‬ﺣيﺚ ﻳﻜون الﻜﻞ ﻣتسﺎوﻳﻦ‬
‫وأﺣﺮار وﻫذه اﳌبﺎدئ ﳚب أن تﻜون ﰲ ا تمع اﳌدﱐ عﻦ ﻃﺮﻳﻖ الﻌودة ﳍذا الوﺿع اﻷﺻلﻲ‪.‬‬

‫"ﺑﺪأ اﻟﺼﺮاع ﻳﻨشﺐ ﺑﲔ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪﻣﺎ ﰎ ﲢﺪﻳﺪ ﻣﻠكﻴﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻢ ﳑﺎ ﺟﻌﻞ ﺣق اﳌﻠكﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﺬي وﻫﺒﺘﻪ‬
‫اﻟﻔﻄﺮة اﻷوﱃ ﻟﻺﻧسﺎن ﻳﺘﺤول إﱃ رأس ﺣﺮﻳﺔ ﰲ ﺻﺪر ﻛﻞ إﻧسﺎن ﻟﻴﺘﺤول ﻣﻌﻪ ﳎﺘﻤع اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻵﻣﻦ إﱃ ﳎﺘﻤع‬
‫ﺣﺮب وﻋﺪاوة ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ" ‪ .3‬ﻇﻬﺮت ﻫذه الصﺮاعﺎت ﺑﻌد تقسيﻢ اﳌلﻜيﺎت فﺄﺻبﺢ كﻞ ﻣواﻃﻦ ﻳطﺎلب ﲝقﻪ وﻳبﺤﺚ‬
‫فقﻂ على ﻣﺎ ﻳﺮﺿيﻪ وﻳﺮﺿﻲ غﺎﻳتﻪ‪.‬‬

‫وﺿع ﺟون لوك فﻜﺮة اﻻﻧتقﺎل ﻣﻦ ﺣﺎلة الطبيﻌة إﱃ اﳊﺎلة اﳌدﻧية وﻫﻲ ﻣﺎ تسمى لﻌقد اﻻﺟتمﺎعﻲ" وﻫو ﺗﻌﺎﻗﺪ‬
‫اﻷﻓﺮاد ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺣﻴﺚ ﻛوﻧوا ﳎﺘﻤﻌﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﻳﺘﻨﺎزل اﻷﻓﺮاد ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺣقوﻗﻬﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ إﻗﺎﻣﺔ‬
‫ﳎﺘﻤع ﳛﻤﻲ وﻳﺼون اﳊقوق واﳊﺮ ت‪ ،‬ﻋﻠﻰ أن ﻳقوم اﳊﺎﻛﻢ ﺑﺘﺄدﻳﺔ واﺟﺒﻪ ﲡﺎﻩ ﻣﻦ ﳛكﻤﻬﻢ "‪.4‬ﻳدل ﻫذا الﻜﻼم‬
‫أن الﻌقد ﻣﺎ ﻫو إﻻ اتفﺎق ﻳقوم على الﱰاﺿﻲ ﺑﲔ النﺎس ﺣيﺚ ﻳتنﺎزلون عﻦ ﺑﻌض ﺣقوﻗﻬﻢ وﻫذا ﻣﻦ أﺟﻞ الﻌيﺶ ﰲ‬
‫ﺿﻞ ﳎتمع سيﺎسﻲ آﻣﻦ‪ ،‬إﺿﺎفة إﱃ ﲪﺎﻳة ﲨيع أﻣﻼكﻬﻢ واﶈﺎفﻈة على اﳊقوق الطبيﻌية ‪ ،‬ﺑﺸﺮط أن ﻳقوم اﳊﺎكﻢ‬
‫ﲟﻬﺎﻣﻪ الﻜﺎﻣلة لتوفﲑ ﻫذا اﻷﻣﻦ ‪ ،‬ﻳﺮﻳد لوك ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫذا أن تﻜون السلطة ﰲ ﻳد الﺸﻌب وليسﺖ ﰲ ﻳد واﺣدة‬
‫وإﻻ سوف ﳜلﻖ ﻧﻈﺎم استبدادي ﻗﺎﺋﻢ على الدﻳﻜتﺎتورﻳة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬ﻣصطفى إﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ /‬ﺟون لوك‪ ،‬ﰲ اﳊﻜﻢ اﳌدﱐ‪ ،‬ﻣصدر سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬ﻣصطفى إﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ /‬اﲰﺎعيﻞ ﷴ‪ ،‬فﻀﻞ ﷲ‪ ،‬ﻧﻈﺮﻳة القﺎﻧون الطبيﻌﻲ ﰲ الفﻜﺮ السيﺎسﻲ لﻌﺮﰊ‪ ،‬ﻣﻜتبة ﺑستﺎن اﳌﻌﺮفة‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،2005 ،‬ص ‪.73‬‬

‫‪16‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫ﻳبﲔ لوك أﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ لﻸفﺮاد التﺨلﻲ عﻦ ﺣقوﻗﻬﻢ ﰲ أي ﺣﺎل ﻣﻦ اﻷﺣوال فﺎلنﺎس ﻳتنﺎزلون فقﻂ للمﺠتمع‬
‫وليﺲ للﺤﺎكﻢ‪ ،‬وﻳﻀﻞ القدر البﺎﻗﻲ ﻣﻦ ﺣقوﻗﻬﻢ الطبيﻌية ﻣﻜفوﻻ داﺧﻞ ا تمع السيﺎسﻲ و ﳛد ﻣﻦ ﺣﺮﻳة السلطﺎن‪،‬‬
‫فﻼ ﳎﺎل للسلطة اﳌطلقة ﻷن السيﺎدة للﺸﻌب وﺣده‪ 1.‬تﻈﻬﺮ ﺻورة اﳊﺮﻳة عند لوك ﰲ رفﻀﻪ لتﺨلﻲ الفﺮد عﻦ‬
‫ﺣقوﻗﻬﻢ الطبيﻌية داﺧﻞ ا تمع السيﺎسﻲ و إرﺟﺎع اﻷولوﻳة للﺸﻌب ﰲ السيﺎدة وإلﻐﺎء ﺣﻜﻢ السلطﺎن‪.‬‬

‫دى لوك ﺑﻀﺮورة فصﻞ السلطة الدﻳنية عﻦ السلطة اﳌدﻧية ﻷﻧﻪ " إﻧﻪ ﳌﻦ واﺟﺐ اﳊﺎﻛﻢ اﳌﺪﱐ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺷؤون‬
‫اﻟﻨﺎس ﰲ اﳊﺮﻳﺔ واﳌﻠكﻴﺔ واﳊﻴﺎة) ﰲ اﻟﺼﺤﺔ‪ ،‬واﻷرض‪ ،‬واﳌﺎل‪ ،‬واﻟسكﻦ ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﱰﻓﻴﻪ وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ذﻟﻚ( ﻓﻬﺬﻩ‬
‫اﻷﻣور ﲣﺘﺺ ﺎ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟقواﻧﲔ وﻻ دﺧﻞ ﻟﻠﺪﻳﻦ أو اﻹﳝﺎن ﻓﻴﻬﺎ "‪ 2.‬فﺎلﺸﺎﻫد ﻣﻦ ﻫذا أن لوك ﺑيﲔ أن‬
‫الدﻳﻦ ﻫو أﻣﺮ ﳜص اﻹﻧسﺎن فﻬذا اﻷﺧﲑ لﻪ اﳊﺮﻳة ن ﻳﻌتنﻖ أي دﻳﻦ وﻻ دﺧﻞ للدولة وﺧﲑ دليﻞ على ﻫذا دفﺎعﻪ‬
‫عﻦ اﳊﺮﻳة وﻧبذ ﻣﻈﺎﻫﺮ التسلﻂ واﻻﺿطﻬﺎد" رﺳﺎﻟﺘﻪ ﰲ اﻟﺘسﺎﻣﺢ ‪ 1686‬ﺣيﺚ كﺎﻧﺖ ﻣوﺟﻬة إﱃ اﳊﺎكﻢ ﺑﻀﺮورة‬
‫ﻧﺸﺮ التسﺎﻣﺢ ورفض كﻞ أشﻜﺎل التﻌصب‪.‬‬

‫ﺣيﺚ ﻳقول ﰲ ﻫذا الصدد" إﻧﻚ ﺗشﻌﺮ ﻟﻐﺒﻄﺔ ﻷﻧﻚ ﺗﺘسﺎءل ﻋﻦ أﻓكﺎري اﳋﺎﺻﺔ ﻟﺘسﺎﻣﺢ اﳌﺘﺒﺎدل ﺑﲔ‬
‫اﳌسﻴﺤﻴﲔ اﳌﺨﺘﻠﻔﲔ ﰲ ﻣﻠﻠﻬﻢ ﻓﺄ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ أﺟﻴﺒﻚ ﺑﻼ ﲢﻔﻆ وﻫو أﻧﲏ أﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﺘسﺎﻣﺢ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻟﻌﻼﻣﺔ‬
‫اﳌﻤﻴﺰة ﻟﻠكﻨﻴسﺔ اﳊقﺔ" ‪ 3‬إن دعوة لوك لفصﻞ الدﻳﻦ عﻦ السيﺎسة ﻣﻦ أﺟﻞ كيده أن الدﻳﻦ ﻫو ﺣﺮﻳة شﺨصية‬
‫ﻳتمتع ﺎ اﻹﻧسﺎن‪ ،‬وأن التسﺎﻣﺢ ﻫو اﻷسﺎس الذي تقوم عليﻪ الﻜنيسة‪ ،‬وليﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺟﻌلﻪ سلطة ﳌمﺎرسة التسلﻂ‬
‫ﺑﲔ الﺸﻌب‪.‬‬

‫إن" اﻟكﻨﻴسﺔ ﳎﺘﻤع ﺣﺮ ذو إرادة ﻓﻼ أﺣﺪ ﻳوﻟﺪ ﻋﻀو ﰲ أي ﻛﻨﻴسﺔ"‪ 4‬كﺎن لوك ﻣدافع عﻦ اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية‬
‫ﰲ ﳐتلفﻬﺎ سواء السيﺎسية أو الدﻳنية‪ ،‬وﺑذلﻚ تﺮﺑع ﰲ السﺎﺣة الفلسفية ﺣيﺚ كﺎن لﻪ التﺄﺛﲑ على الﻜﺜﲑ ﻣﻦ‬
‫الفﻼسفة‪.‬‬

‫‪ / 1‬ﷴ إﲰﺎعيﻞ‪ ،‬فﻀﻞ ﷲ‪ ،‬رواد الفﻜﺮ السيﺎسﻲ الﻌﺮﰊ اﳊدﻳﺚ‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ / 2‬إﺑﺮاﻫيﻢ ﻣصطفى‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.286-285‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬ﺟون لوك‪ ،‬رسﺎلة ﰲ التسﺎﻣﺢ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﻣﲎ أﺑو سنة‪ ،‬ا لﺲ اﻷعلى لﺜقﺎفة‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪.19‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ /‬اﳌصدر ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪17‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫لﻌودة إﱃ النقﺎشﺎت التﺎرﳜية الﱵ سﺎﳘﺖ ﺑدورﻫﺎ ﰲ ﺑلورت ﻫذا ﻣفﻬوم اﳊﺮﻳة كو ﺎ ﻣﺮﺟع للفلسفﺎت‬
‫القﺎدﻣة ﺑداﻳة ﳊﻀﺎرة اليو ﻧية ﰲ تقدﻳسﻬﺎ للدولة والﻌدالة واﳊﺮﻳة‪ ،‬ﺣيﺚ اﻧطلقﺖ ﻫذه اﻷﺧﲑة ﻣﻦ ا تمع اﳌنﻈﻢ‬
‫اﳋﺎﺿع للدستور والقﺎﻧون‪ ،‬ﺑﻌد ذلﻚ استﻌنﺖ ﳊﻀﺎرة اﳌسيﺤية الﱵ رأت ﰲ اﳊﺮﻳة ﻃﺎﺑع أﺧﺮ ﳛﺮر اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ‬
‫سلطة الدولة واﳋﻀوع التﺎم ﳍﺎ‪ ،‬وﳝنع اﻣتيﺎز فﺮد على فﺮد‪ ،‬إذ أﺻبﺢ للدﻳﻦ دور ﰲ إعطﺎء ﻗيمة الفﺮد وﻫذا ﻣع القدﻳﺲ‬
‫أوغسطﲔ‪ ،‬ليﻜون اﻹسﻼم ﻣﺮﺟع وسطﻲ ﳝﺠد اﳊﺮﻳة وﻫذا ﻣع رؤﻳة الفﺎراﰊ ﰲ أن اﻹﻧسﺎن ﺣﺮ ﰲ ﲨيع إﺧتيﺎرتﻪ ‪،‬‬
‫ليﺸﻬد ﻫذا اﳌفﻬوم تطور كبﲑ ﰲ الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ ﰲ ﲢﺮﻳﺮ اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ سلطة الﻜنيسة وﻫذا ﻣع فﻼسفتﻪ‪ ،‬ليﻜون‬
‫ﺑواﺑة ﻧفﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻼلﻪ كيﻒ اﻧطلﻖ التفﻜﲑ الذي سﺎد عصﺮ اﻷﻧوار‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪‬‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﻣﺒﺪأ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎروخ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬


‫‪ -1‬ﻣﻦ اﻟﻀﺮورة إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ‬
‫‪ -2‬أﺳﺲ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎروخ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬


‫‪ -1‬ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻔﻜﺮة ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬
‫‪ -2‬أﺳﺲ اﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ :‬ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ‬


‫واﻟﻀﺮورة‬
‫‪ -1‬اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﻔـﻠﺴﻔﺔ اﺳﺒﻴﻨﻮزا‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻹﻧﺴﺎن وﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‪.‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﺳﺒﻴﻨﻮاز‪.‬‬
‫‪ -4‬اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت ﻋﻨﺪ إﺳﺒﻴﻨﻮزا‪.‬‬
‫‪ -5‬اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ ﻓﻲ ﻓـﻠﺴﻔﺔ إﺳﺒﻴﻨﻮزا‪.‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﲤﻬﻴﺪ‬

‫ﻳتقدم سبينوزا ﰲ ﻣﺸﺮوعﻪ الفلسفﻲ عﺎﻣة وﰲ فلسفتﻪ السيﺎسية ﺧﺎﺻة كفيلسوف للﺤﺮﻳة وﻣنﻈّﺮ تمع ﻣدﱐ‬
‫ليﱪاﱄ تقوم فيﻪ الدولة ﲝمﺎﻳة اﳊﺮﻳة عتبﺎرﻫﺎ الﻐﺎﻳة القصوى لقيﺎﻣﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻣقوم وﺟود الدولة واستمﺮارﻫﺎ‪ ،‬إذ ﳛذر ﻣﻦ عواﻗب اﻻعتداء على‬


‫وﻫو ﻳذﻫب إﱃ أﺑﻌد ﺣد‪ ،‬ﺣيﺚ ﻳﻌتﱪ اﳊﺮﻳة ّ‬
‫ﺣﺮﻳة اﳌواﻃنﲔ‪ .‬ولقد تطﺮﻗنﺎ ﰲ ﻫذا الفصﻞ ﰲ اﳌبﺤﺚ اﻷول إﱃ ﻣوﻗﻒ سبينوزا اﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﲢولﻪ ﻣﻦ الﻀﺮورة إﱃ‬
‫اﳊﺮﻳة و ﲢدﻳد أسﺲ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا‪ ،‬أﻣﺎ اﳌبﺤﺚ الﺜﺎﱐ فقد ﺧصصنﺎه للﻀﺮورة اﻹﳍية ﰲ فلسفة سبينوزا‬
‫اﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻣوﻗع ﻫذه الفﻜﺮة ﰲ فلسفتﻪ وﻣوﻗفﻪ ﺑﲔ الﻀﺮورة اﻹﳍية والطبيﻌة وأسﺲ الﻀﺮورة اﻹﳍية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول ‪:‬ﻣﺒﺪأ اﳊﺮﻳﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ روخ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫اﻹﻧسﺎن ﰲ تصور سبينوزا ﰲ اﳊﺎلة الطبيﻌية كﺎن ﻳتمتع ﲝﺮﻳة ﻣطلقة ووفﻖ ﻣﺎ تتيﺤﻪ لﻪ ﻗدراتﻪ الﻌقلية والبدﻧية دون‬
‫ﻗيد وﺿﺮورة وﻣﻦ ﺧﻼل ﻫذا اﳌبﺤﺚ سنوﺿﺢ ﻣﻌﲎ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا‪.‬‬

‫‪ - 01‬ﻣﻦ اﻟﻀﺮورة إﱃ اﳊﺮﻳﺔ‬

‫استطﺎع سبينوزا *الوﺻول إﱃ ﲢوﻳﻞ اﻷﻧﻈﺎر ﳓو ﺿﺮورة التفﻜﲑ واﳌﻌﺮفة لنسبة لﻺﻧسﺎن ﻷن استﺨدام‬
‫الﻌقﻞ عنده ﱂ ﻳﻌد فﻌﻼ اﺧتيﺎر ﺑﻞ إﺟبﺎر وﺣتميﺎ فﻬو الطﺮﻳﻖ الوﺣيد الذي ﻳﻀمﻦ لﻺﻧسﺎن ﲢقيﻖ ﻣﺸﺮوعﻪ‬
‫الوﺟودي)وﺟوده(‪ ،‬اﳊفﺎظ على الوﺟود واﻻستمﺮار إذ ﺑواسطة التﺄﻣﻞ والفﻬﻢ والتفﻜﲑ ﻳنتﺞ الفﺮد أفﻜﺎر ﻣنﺎسبة تقدم‬
‫الﻌﺎﱂ وفﻖ ﻣﺎﻫيتﻪ وﺣقيقتﻪ اﳌوﺿوعية ‪ .‬وﺣتمﺎ كلمﺎ عﺮف اﻹﻧسﺎن‪ ،‬ﲤﻜﻦ ﻣﻦ القدرة على الفﻌﻞ‪ ،‬واﳌﻌﺮفة ﺣسب‬
‫سبيينوزا ﻫﻲ أداة اﻧﻌتﺎق اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ عبودﻳتﻪ ﻻﻧفﻌﺎﻻتﻪ الﱵ ﻻ تستﻌبده إﻻ ﰲ ﺣﺎلة ﺟﻬلﻪ ﳊقيقتﻬﺎ‪.1‬‬

‫فﺎﳊﺮﻳة ﻻ تتمﺜﻞ ﰲ اﻹرادة اﳊﺮة كمﺎ تصورﻫﺎ دﻳﻜﺎرت ﺑﻞ ﰲ ﻣﻌﺮفة الذات لذا ﺎ وللذوات اﻷﺧﺮى الﱵ تﺆﺛﺮ‬
‫فيﻬﺎ‪ ،‬وﰲ أن تﻌمﻞ على استﺨدام كﻞ إﻣﻜﺎﻧيﺎ ﺎ الطبيﻌية ﻣﻦ أﺟﻞ ﲢصيﻞ القوة الﻜﺎفية للﺤفﺎظ على وﺟودﻫﺎ‬
‫واﳌﺜﺎﺑﺮة على اﻻستمﺮار ﰲ الوﺟود‪.‬‬

‫إن الصﺮاع ﻣﻦ أﺟﻞ البقﺎء والﻌمﻞ على اﻻﻧتصﺎر وﲡﺎوز اﳍزﳝة ﻗدر اﳌستطﺎع ﻫو ﻣﺎ تسﻌى إليﻪ الذات‪ ،‬ولﻦ‬
‫ﻳتﺤقﻖ ﳍﺎ ذلﻚ إﻻ إذا ﲤﻜﻦ الﻌقﻞ ﻣﻦ إﻧتﺎج ﻣﻌﺮفة ﺻﺤيﺤة عﻦ الﻌﺎﱂ سﺮه ‪ .‬وﳐطﺊ ﻣﻦ ﻳﻌتقد أن اﳊﺮﻳة ﻫبة ﻣﻦ‬
‫الطبيﻌة وﻫدﻳة ﻣﻦ ﷲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ ﺟﻬد ﻣﻦ أﺟﻞ التﺤﺮر ﻣﻦ اﳉﻬﻞ ‪ ،‬فﻜلمﺎ زادت ﻣﻌﺮفة اﻹﻧسﺎن أﺻبﺢ ﺟﻬده أكﺜﺮ‬
‫ﳒﺎﺣﺎ وفﺎعلية ‪.‬‬

‫‪ ‬ﺳﺒﻴﻨوزا‪ :‬ولد ﰲ اﻣسﱰدام ﰲ ‪ 24‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 1632‬وﻣﺎت ﰲ ﻻﻫﺎي ﰲ ‪ 20‬شبﺎط ‪ 1677‬ﱂ تﻌﺮف ﺣيﺎتﻪ اﺣدا‬
‫كﺜﲑة ﺑﻞ ﻗﻀﺎﻫﺎ ﺟلﻬﺎ ﰲ الدرس والتﺄﻣﻞ ﻳنﺤدر سبينوزا ﻣﻦ اسﺮة ﻣﻦ اليﻬود الﱪتﻐﺎليﲔ وﻗد ﻫﺮب ﺟد الفيلسوف واﺑوه‬
‫)اﺑﺮاﻫيﻢ وﻣيﺨﺎﺋيﻞ( ﻣﻦ اﻻﺿطﻬﺎدات الدﻳنية‪.‬‬

‫اﺑتداءا ﻣﻦ عﺎم ‪ 1660‬اﻗﺎم سبينوزا ﰲ رﻳسنبورغ ﺑدأ ﺑتﺤﺮﻳﺮ اﳌقﺎلة اﻻوﱃ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق ﻣﱪﻫنﺎ عليﻬﺎ وفﻖ ﻃﺮﻳقة اﳍندسيﲔ وﺑﻌد ذلﻚ‬
‫توﻗﻒ ﺑﻐتة عﻦ ﲢﺮﻳﺮه واﻧصﺮف إﱃ كتﺎﺑﻪ الﺮسﺎلة اﻻﻫوتية السيﺎسية ليﻜب ﻣﻦ ﺟدﻳد على عملﻪ ﰲ اﻷﺧﻼق )ﻃﺮاﺑﻴشﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ‬
‫اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ﻣﺮﺟع ﺳﺎﺑق‪ ،‬ص ‪(360-357‬‬
‫‪ / 1‬اﻧدري كوﻧﺖ سبوﻧفيﻞ‪ ،‬ﰲ اﳊﺮﻳة‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺣسﻦ اوزال‪ ،‬ﻣﺆﻣنون ﺑﻼ ﺣدود للدراسﺎت واﻷﲝﺎث‪ ،2016 ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪21‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫فﺎلﺮغبة اﻷوﱃ الﱵ ﲤﺜﻞ الدافع والﻌلة لﻜﻞ رغبﺎت اﻹﻧسﺎن ﻫﻲ التطلع و ستمﺮار إﱃ ﺑلوغ درﺟة عﺎلية ﻣﻦ‬
‫الﻜمﺎل‪ ،‬وﻫﻲ الﺮغبة ﰲ اﳌﻌﺮفة وكيﻒ ﻻ ﻧطﺎﺑﻖ ﺑينﻬمﺎ وﺧﺎﺻة إذا تسﺎءلنﺎ عﻦ دور اﳌﻌﺮفة ﰲ التقدم الذي ﻳسﻌى إﱃ‬
‫ﲢقيقﻪ اﻹﻧسﺎن؟ إن اﻹﻧسﺎن سيتﺤول إﱃ علة أفﻌﺎلﻪ وسيتصﺮف وﻳﻌمﻞ ﻣﻦ ﻣوﻗع ﻗوة إذ ﻻ تصبﺢ ﺣيﺎتﻪ اﻧفﻌﺎلية ﺑﻞ‬
‫فﺎعلة وذلﻚ ﺑفﻀﻞ الﻌقﻞ ﻷن ﻫذا اﻷﺧﲑ ﻻ ﻳسﻌى إﱃ تدﻣﲑ ﻃبيﻌة اﻹﻧسﺎن ﺑﻞ ﻫو ﻳتفﻖ ﻣﻌﻬﺎ وﻫذا ﻣﺎ عﱪ عنﻪ‬
‫ﻟﻴون ﺑﺮوﻧشﻔﻴﻚ ﺑقولﻪ ‪ ":‬ﻋقﻠﻨﺎ ﻳﺮﻓﺾ ﺑشكﻞ ﺗﻠقﺎﺋﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎرض ﻣع ﻗواﻧﲔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ" ‪ 1‬فﻜﻼﳘﺎ ﻳسﻌى إﱃ أن‬
‫ﻳسلﻚ اﻹﻧسﺎن ﺑتﺄﺛﲑ ﻣﻦ ﻃبيﻌتﻪ وليﺲ ﺑتﺄﺛﲑ الﻌواﻣﻞ اﳋﺎرﺟية أو الذوات اﻷﺧﺮى‪ .‬فﺎلﻌيﺶ وفﻖ الﻌقﻞ ﻫو الﻌيﺶ‬
‫وفﻖ الﺮغبة‪ ،‬لﻜﻦ ﺑفﺎرق ﺟوﻫﺮي ﻳتمﺜﻞ ﰲ أن اﳌﻌﺮفة اﳊسية ﻻ تﱰك ﳎﺎﻻ ﳊيﺎة فﺎﺿلة ﲝﻜﻢ أن الﻌيﺶ ﲢﺖ رﲪة‬
‫اﻻﻧفﻌﺎﻻت ﻳدعو الفﺮد إﱃ اﳋﻀوع لقوة اﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬واﻻﳒذاب إليﻬﻢ ﻹكﺮاه فﺎلفﺮد ﻻ ﳛب وﻻ ﻳﻜﺮه إﻻ ﲢﺖ ﺛﲑ‬
‫الﻐﲑ ووفﻖ ﻗواﻧﲔ ﻃبيﻌة غﲑﻳة‪ ،‬وﻫذا ليﺲ إﻻ شﻜﻞ ﻣﻦ أشﻜﺎل الﻌدﻣية ﺣيﺚ ﳒد ﻟﻴون ﺑﺮوﻧشﻔﻴﻚ ﻳقول ﰲ ذلﻚ "‬
‫ﺷﻲء ﻻ ﻣﻌﲎ ﻟﻪ "‪ .2‬ﻷن اﳊيﺎة اﻻﻧفﻌﺎلية تﻌﲏ أن ﻳتﺠﺎﻫﻞ اﻹﻧسﺎن ﻣﺎ ﳝﻜﻦ أن ﻳسﺎﻫﻢ ﰲ اﶈﺎفﻈة وﺟوده وتطوره‪،‬‬
‫ﺑينمﺎ اﳌنفﻌة ﻫﻲ عنﺎﻳة السلوك الﻌقﻼﱐ‪ ،‬إذ ﻳقﺎس ﻧفع ﻣوﺿوع ﻣﺎ ﺑقدر ﻣﺎ ﻳولد داﺧﻞ اﳌﺮء ﻣﻦ أفﻜﺎر وﻣﻌﺎرف وﻳنمﻲ‬
‫فيﻪ القدرة على إدراك وفﻬﻢ تصورات عدﻳدة وﻣتبﺎﻳنة والتﺄﺛﲑ ﻣﻦ ﺧﻼﳍﺎ ﰲ ذوات أﺧﺮى‪ .‬وﺣﲔ تتﺄﻣﻞ الذات ذا ﺎ‬
‫ﺎ ﻗﺎدرة على أن تدﻳﺮ ﺣيﺎ ﺎ ﺑنفسﻬﺎ‪ .‬فبﺎلﻌقﻞ ﻳﺮتفع‬ ‫وتلمﺲ ﺑﺸﻜﻞ واﻗﻌﻲ وﻣﺎدي ﻫذه القدرة واﻻستطﺎعة تﺸﻌﺮ‬
‫اﻹﻧسﺎن إﱃ ﻣﺮتبة اﳊﺮﻳة‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ سبﻖ ذكﺮه ﳒد أن اﳊﺮﻳة عند سبينوزا كفﺖ عﻦ أن تﻌد ﺣﺎلة شﻌورﻳة كمﺎ أ ﺎ ﱂ تﻌد ﻣسﺄلة‬
‫اﺧتيﺎرﻳة فﺎﻹﻧسﺎن ليﺲ لﻪ أن ﻳستﺨدم عقلﻪ أو أن ﻻ ﻳستﺨدﻣﻪ‪ ،‬كمﺎ ليﺲ لﻪ أن ﻳﻜون ﺣﺮا أو أن ﻻ ﻳﻜون ﺣﺮا ﺑﻞ‬
‫أﺻبﺢ ﻣﻦ الﻀﺮوري أن ﻳﻌيﺶ اﻹﻧسﺎن وفﻖ الﻌقﻞ وأن ﳚتﻬد ﻣﻦ أﺟﻞ اﳌﻌﺮفة لﻜﻲ ﻳستمﺮ ﰲ الوﺟود فﻀﻞ ﺣﺎل‬
‫ﳑﻜﻦ ‪.‬‬

‫إن اﳊﺮﻳة كمﺎ ﻳطﺮﺣﻬﺎ سبينوزا تتمﺜﻞ ﰲ أن ﻳبلغ اﻹﻧسﺎن استقﻼﻻ ﺣقيقيﺎ‪ ،‬أي أن ﻳﻌيﺶ وفﻖ ﻗواﻧﲔ ﻃبيﻌتﻪ‬
‫وأن ﻳﻜون علة أﺣوالﻪ ‪ .‬وﻗد ﺣﺮص سبينوزا على أن تﻜون اﳌﻌﺮفة اﳊقيقية السبيﻞ النﺎﺟﺢ لتﺤقيﻖ ذلﻚ ‪ .‬فﺎﳌﻌﺮفة‬
‫الصﺤيﺤة ﲡﺮد اﳊﺎلة اﻻﻧفﻌﺎلية ﻣﻦ كﻞ ﻣﺎ ﻫو ﺧيﺎﱄ وﻣﻐلوط وتﺆسﺲ لﻌﻼﻗة فﺎعلة ﺑﲔ الذات وﻣوﺿوعﻬﺎ ‪ ،‬ﳑﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪/ Léon Brunschvicg , Spinoza et ses contemporains, P.U.F, Paris ,4° édition 1951,p‬‬
‫‪126‬‬
‫‪2‬‬
‫‪/ Léon Brunschvicg ,ibid, p 126‬‬

‫‪22‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﻳسمﺢ ﺑتصﺮف سليﻢ وﺻﺤﻲ ﻳنﻢ عﻦ ﻗدرة الفﺎعﻞ على التصﺮف ﺧﺎرج التﺄﺛﲑات الﱵ تنتقﻞ إﱃ اﳉسﻢ ﻣﻦ الذوات‬
‫اﻷﺧﺮى ‪ ،‬وﺑﺸﻜﻞ ﻣستقﻞ ﳛول الذات إﱃ علة ذا ﺎ‪.‬‬

‫إن اﻹﻧسﺎن اﳊﺮ ﻫو الذي ﻳتصﺮف ﺣسب علة ﻣنﺎسبة أي ﺣسب ذاتﻪ‪ ،‬وليﺲ ﻫو ذلﻚ الﺸﺨص الذي ﳝﻜنﻪ‬
‫أن ﻳقﺮر أي شﻲء‪ ،‬ﺑﻞ إﻧﻪ اﳌستقﻞ ﺑذاتﻪ الذي ﻳتصﺮف ﺣسب ﻃبيﻌتﻪ ﻗدر اﳌستطﺎع ‪ .‬وﻳنبﻐﻲ أن ﻧنبﻪ إﱃ عبﺎرة "‬
‫ﻗﺪر اﳌسﺘﻄﺎع " الﱵ تتنﺎسب وﺑﺸﻜﻞ ﺟيد ﻣع تصور سبينوزا لﻺﻧسﺎن الذي ﻻ ﻳﻌتﱪه إﳍﺎ ﺑﻞ ﻫو الذي ﰲ ﻇنﻪ ﻣﻦ‬
‫ﳛسﻦ استﺨدام ﻗدراتﻪ الﻌقلية ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑنﺎء ﻣﻌﺮفة ﺻﺤيﺤة عﻦ ذاتﻪ أوﻻ وعﻦ الﻌﺎﱂ ﻧيﺎ أو ﲟﻌﲎ آﺧﺮ ﻫو اﳊﻜيﻢ‬
‫الذي ﻳستطيع أن ﳚﻌﻞ ﻧﻈﺎم أفﻜﺎره ﻣطﺎﺑقﺎ لنﻈﺎم الﻌﺎﱂ‪.‬‬

‫وﰲ ﻫذا الصدد ﻳﺸﲑ سبينوزا أﻳﻀﺎ إﱃ أن إﻣﻜﺎﻧية اﳌﻌﺮفة عند اﻹﻧسﺎن ليسﺖ ﻗدرة ذاتية ‪ ،‬ﺑﻞ تﻌود إﱃ البنية‬
‫الواعية لﻼﻧفﻌﺎﻻت ذا ﺎ " وعﻲ الﺮغبة " فسبينوزا ﻻ ﻳقﺮ ن اﳌﻌﺮفة ﻗﺎدرة على ﻧفﻲ ﺻفة السلبية على اﻷﻫواء إن ﱂ‬
‫تﻜﻦ ﻗﺎﺑلة للمﻌﺮفة ‪ .‬ﻳقول روﺑﲑ ﻣسﺮاﺣﻲ ‪ " :‬ﻓﺎﳊﺮﻳﺔ اﳊﺎﺻﻠﺔ ﻋﻦ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﳌﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻴسﺖ ﻓﻌﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻳﻌود ﻟﻠﺬات‬
‫‪ ،‬ﺑﻞ إﻧﻪ ﻓﻌﻞ ﻳﺮﺟع إﱃ اﻻﻧﻔﻌﺎل ذاﺗﻪ " ‪ 1‬ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫذا ﻳﻜﺸﻒ سبينوزا عﻦ عﺠز اﳌﻌﺮفة وﺣدﻫﺎ على ﲢوﻳﻞ‬
‫اﻻﻧفﻌﺎﻻت إﱃ أفﻌﺎل‪ ،‬إﳕﺎ ﻳﺆكد أن القوة الﻜﺎﻣنة فينﺎ ﳌقﺎوﻣة اﻻﻧفﻌﺎﻻت ﻫﻲ اﻻﻧفﻌﺎﻻت ﻧفسﻬﺎ ‪ .‬ولﻜﻦ ﻫذا ﻻ‬
‫ﳝﻜﻦ أن ﳛدث إﻻ داﺧﻞ ﻧﻈﺎم اﻷفﻜﺎر‪ ،‬فﺎﳌﻌﺮفة وﻣلﻜة الفﻬﻢ ﳘﺎ إذا وسﺎﺋﻞ ﺿﺮورﻳة لﻌمﻞ الفﻜﺮ ﻫذا اﻷﺧﲑ الذي‬
‫ﻳﻀع الﺮغبة ﰲ السﻌﺎدة واﳌﺜﺎﺑﺮة ﰲ الوﺟود ﻧقيﻀﺎ ﻻﻧفﻌﺎل اﳊزن واﻷﱂ إن ﻣﺎ ﲢققﻪ اﳌﻌﺮفة ﻫو أن ﲡﻌﻞ اﳌﺮور ﻣﻦ ﺣﺎلة‬
‫اﻻﻧفﻌﺎل إﱃ ﺣﺎلة الفﻌﻞ أﻣﺮا ﳑﻜنﺎ ‪ ،‬وﻳبقى أن الﺮغبة ﰲ السﻌﺎدة ﻫﻲ الﻌلة اﻷسﺎسية الﱵ تﻀمﻦ للمﻌﺮفة ﳒﺎعتﻬﺎ‬
‫كﺄداة ﳍذا اﻻﻧتقﺎل‪.‬‬

‫إن اﳊﺮﻳة تتمﺜﻞ ﰲ أن ﳝتلﻚ اﻹﻧسﺎن السﻌﺎدة الداﺋمة‪ ،‬ﻣﺎ ﳚﻌﻞ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا كمﺎ عﱪ عنﻬﺎ روﺑﲑ‬
‫ﻣسﺮاﺣﻲ " سلوك ﻧوعﻲ" فمﺎ ﻳبلﻐﻪ اﻹﻧسﺎن اﳊﺮ ﻫو الﺮﺿﺎ عﻦ الذات والو م ﻣﻌﻬﺎ ‪ ،‬ﻫذا الو م ﻣع الذات ﻣنبع‬
‫سﻌﺎد ﺎ الذي ﻳﺮﻗى ﺎ إﱃ درﺟة ﺣب الذات كمﺎ ﻫﻲ‪ ،‬ﺣسب ﻃبيﻌتﻬﺎ وﻗواﻧينﻬﺎ‪.‬‬

‫إن اﳌﻌﲎ الذي ﲢملﻪ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا ﳐتلﻒ ﲤﺎﻣﺎ ﳌﺎ عﺮفتﻪ الفلسفﺎت السﺎﺑقة ﺧﺎﺻة الفلسفة‬
‫الدﻳﻜﺎرتية‪ .‬ﻫذه اﻷﺧﲑة وﺿﻌﺖ اﳊﺮﻳة ﰲ ﻣقﺎﺑﻞ الﻀﺮورة واعتﱪت اﻹﻧسﺎن كﺎﺋنﺎ فوق عﻀوي أﻣﺎ فلسفة سبينوزا‬
‫اعﱰفﺖ وﻣنذ البدء ﲟبدأ الﻀﺮورة الﺸﺎﻣﻞ الذي ﱂ ﻳستﺜﻦ أي ﻣوﺟود ﺣﱴ ﷲ ‪ ،‬ﰒ أكدت أن لﻜﻞ ﻣوﺟود القدرة على‬

‫‪1‬‬
‫‪/ Robert Misrahi , Qu’est-ce que la liberté , Armand Colin, Paris 1998 ,p 51.52‬‬

‫‪23‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫التﺤﻜﻢ ﰲ الﻀﺮورة ﲟﻌﺮفتﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤيﺢ ‪ :‬فﺎ ﳛمﻞ ﰲ ذاتﻪ القدرة واﻻستطﺎعة على إﻧتﺎج الﻈواﻫﺮ الطبيﻌية وفﻖ‬
‫ﻗواﻧﲔ ‪ ،‬ولﻺﻧسﺎن أﻳﻀﺎ القدرة الﻜﺎفية ﰲ ﻃبيﻌتﻪ ﻷن ﻳتﺤﻜﻢ ﰲ أﻫواءه وشﻬواتﻪ ‪ .‬ﻧستنتﺞ إذا أن تصور سبينوزا لﻌلﻪ‬
‫التصور اﻷول استطﺎع أن ﳚمع ﺑﲔ الﻀﺮورة واﳊﺮﻳة ‪ .‬وﻫو ﺑذلﻚ ﻳﻀع اﻹﻧسﺎن أﻣﺎم ﻣسﺆوليﺎتﻪ ﰲ الوﺟود ‪ ،‬والﱵ‬
‫تتمﺜﻞ ﺣسب سبينوزا ﰲ ﲢوﻳﻞ الﻀﺮورة إﱃ ﻗوة ﻳتمﻜﻦ ﻣنﻬﺎ اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ أﺟﻞ اﶈﺎفﻈة على وﺟوده واﻻستمﺮارﻳة‪،‬‬
‫ﺑﻜيفية ﻳﻜون فيﻬﺎ سﻌيدا‪.‬‬

‫‪ - 02‬أﺳﺲ اﳊﺮﻳﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫كﺎن سبينوزا ﻳﺆﻣﻦ ن اﳉنﺲ البﺸﺮي ﻣﻜون وﺣده ﻣﻦ ﺣيﺎة عﻀوﻳة فﺄﻧﺖ أن آذﻳﺖ شﺨصﺎ أﺧﺮ تﺆذي ﻧفسﻚ‬
‫وﱂ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ دفع سبينوزا لﻜﻲ ﻳﻬب ﻣﲑاﺛﻪ لﺸقيقتﻪ ﳎﺮد تفﺎﺧﺮ او تﻈﺎﻫﺮ لبطولة فﺈﻧﻪ ﺑﻌد أن كفلﺖ لﻪ الﻌدالة ﰲ‬
‫اﳌﲑاث اﲣذ ﺟﺎﻧب الﺮﲪة فوق الﻌدل ﺣيﺚ ﻳقول ﰲ ذلﻚ‪ :‬ﻣﻦ أراد أن ﻳبﺎدل اﻹسﺎءة ﻹسﺎءة دوﻣﺎ ﰲ تﻌﺎسة ﻷﻧﻪ‬
‫سيﻌيﺶ كمﺎ ﻳﻌيﺶ الﻌﺎﱂ اليوم ﰲ ﺟو داﺋﻢ ﻣﻦ الﺸﻚ والﺜﺄر واﳊﺮوب وﱂ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮف غﲑ ﻧوع واﺣد ﻣﻦ الﻌدوان‬
‫وﻳتمﺜﻞ ﰲ عدوان عﺎم ﻣﻦ اﺟﻞ السﻼم وكﺎن ﻳﺆكد ن "أﻋﻈﻢ اﻻﻧﺘﺼﺎرات ﻫﻲ اﻟﱵ ﺗﻨﺎﳍﺎ ﺑﻨﻴﻞ اﻷرواح ﻻ ﺑقوة‬
‫اﻟسﻼح"‪ 1‬فﺎﻹﻧسﺎن اﳊﺮ سيد ﻧفسﻪ وليﺲ ﺧﺎدم ﻷﺣد والتﺤﺮر ﻣﻦ اﳉﻬﻞ والتﻌصب واﳊقد واﳊﻜمة تﺆدي إﱃ‬
‫الوﺻول إﱃ اﳌزﻳد ﻣﻦ اﳊﻜمة وﻫﻜذا ﲡد اﻹﻧسﺎن اﳊﺮ ﺣقﺎ ﻻ ﳛب لﻐﲑه اﻻ ﻣﺎ ﳛب لنفسﻪ‪.‬‬

‫ﻳﻌتﱪ الﻌﺎﱂ الذي ﻧﻌيﺶ فيﻪ عﺎﱂ ﻣﻀطﺮب ﻳسﻌى أن ﻳنﺠو ﻣﻦ اﻷﺧطﺎر‪" ،‬واﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻷﻛﺜﺮ ﺿﺮورة‬
‫وﻫو أن ﻳكون اﳌﺘﻤسﻚ ﻓكﺎر اﳌﺬﻫﺐ اﳊﺮ ﲤسكﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﱵ ﺗﻠﺘﺰم ﺬﻩ اﻷﻓكﺎر ﻻ أن ﺗكون ﻣﺪاﻓﻌﺔ ﻋﻦ‬
‫اﻷﻓكﺎر اﻟقﻄﻌﻴﺔ‪ ،‬وﻟكﻨﻬﺎ ﻣقﺘﻨﻌﺔ ﺑقﻴﻤﺔ اﳊﺮﻳﺔ واﻻﺣﺘﻤﺎل وﺿﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ اﳌﺘﺒﺎدل ﻓﺒﻐﲑ ﻫﺬﻩ اﻷﻓكﺎر ﺳﻴكون ﻣﻦ‬
‫اﻟﺼﻌﺐ إﻣكﺎﻧﻴﺔ اﺳﺘﻤﺮار اﳊﻴﺎة"‪ 2‬فﺎلدولة الﻜﺎﻣلة ﻫﻲ تلﻚ الدولة الﱵ ﲢد ﻣﻦ ﻗوى اﳌواﻃنﲔ فقﻂ ﻣﻦ ﺣيﺚ تﻜون‬
‫تلﻚ القوى ﻣدﻣﺮة ﺑصورة ﻣتبﺎدلة‪ ،‬وﻫﻲ لﻦ ﲢﺮم أﻳة ﺣﺮﻳة إﻻ لتﻀيﻒ ﺣﺮﻳة أوسع ﻣﻦ تلﻚ و ذا ﻳقول سبينوزا‪" :‬ﻻ‬
‫ﲤﺜﻞ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟسﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس وﻻ ﰲ ﻛﺒﺢ ﲨﺎﺣﻬﻢ ﳋوف ﺑﻞ ﻷﺣﺮى ﲢﺮﻳﺮ ﻛﻞ إﻧسﺎن ﻣﻦ‬
‫اﳋوف ﻛﻲ ﻳﻌﻴﺶ وﻳﻌﻤﻞ ﺑكﻞ آﻣﻦ واﻃﻤﺌﻨﺎن‪ ،‬وﺑﺪون أن ﻳؤذي ﻧﻔسﻪ او ﺟﺎرﻩ"‪. 3‬‬

‫‪ / 1‬ﻫنﺮي توﻣﺎس‪ ،‬أعﻼم الفلسفة كيﻒ ﻧفﻬمﻬﻢ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﻣﱰي أﻣﲔ‪ ،‬دار النﻬﻀة الﻌﺮﺑية‪ ،1969 ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ / 2‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪ / 3‬ﺑﺮتﺮاﻧد راسﻞ‪ ،‬الفلسفة والسيﺎسة‪ ،‬تﺮ‪ :‬عبد الﺮﲪﺎن القيسﻲ‪ ،‬ﻣﻜتبة النﻬﻀة‪ ،‬ﺑﻐداد‪ ،1962 ،‬ص ‪.300‬‬

‫‪24‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﳍذا ﻳﺮى سبينوزا أن " أي ﻣواﻃﻦ ﳚﺐ أن ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ وﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔسﻪ وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻨﻔﺬ أواﻣﺮﻫﺎ‪،‬‬
‫وﻟﻴﺲ ﻟﻪ اﳊق ﰲ أن ﻳقﺪر ﻣﺎﻫو ﻣﻼﺋﻢ او ﻏﲑ ﻣﻼﺋﻢ وﻣﺎ ﻫو ﻋﺎدل وﻏﲑ ﻋﺎدل ﻋﻠﻰ اﻟﻌكﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻋﺘﺒﺎرﻩ ﻋﻀوا ﰲ ﺟسﺪ اﻟﺪوﻟﺔ أن ﻳقﺒﻞ ﺗوﺟﻴﻪ ﻋقﻞ اﻟﺪوﻟﺔ وﻻ ﻳﻌﲏ ﻫﺬا اﻧﻪ ﻟﻴﺲ ذات ﻋقﻞ إذ أن ﻋقﻞ وإرادة‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺎﻫو إﻻ ﻋقﻞ وإرادة اﳉﻤﻴع وﻣﺎ ﺗقﺮرﻩ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻋﺪل وﺧﲑ ﳚﺐ أن ﻳكون ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻨسﺒﺔ إﱃ ﻛﻞ ﻓﺮد‬
‫ﻣﻨﻬﺎ"‪. 1‬‬

‫فﺎﻹﻧسﺎن الذي تﻜون أفﻜﺎره واﺿﺤو ﻫو الذي ﻳقﺎل عنﻪ اﻧﻪ ﺣﺮ وفﻌﺎل ﲟﻌﲎ أن تﻜون فيﻪ أسبﺎب أفﻌﺎلﻪ‬
‫داﺧﻞ ﻃبيﻌتﻪ اﳋﺎﺻة ﺑقدر ﻣﺎ تسمﺢ ﺑذلﻚ ﻃبيﻌتﻪ اﳌتنﺎﻫية ذلﻚ أن أسبﺎب الفﻌﻞ ﻷي كﺎﺋﻦ ﻣتنﺎه ﳏﺎل أن تﻜون‬
‫كلﻬﺎ ﻣوﺟودة ﰲ ﻃبيﻌتﻪ اﳋﺎﺻة ﳎسمة ﺟزء ﻣﻦ ﻧﻈﺎم ﻣﻜون ﻣﻦ أﺟسﺎم ﻣتفﺎعلة واﻹﻧسﺎن اﳊﺮ تﻜون لدﻳﻪ فﻜﺮة ﻣة‬
‫عﻦ ﺣﺎلتﻪ اﳋﺎﺻة إذ ﻳتصورﻫﺎ ﰲ ﳑﺜﻞ ﻫذه اﳊصيلة ﻣﻦ ﳎموع اﻷﺛﺮ وعلى الﺮغﻢ ﻣﻦ أ ﺎ ﻗد تﻜون ﺣﺎلة ﻣﺆﻣنة‪ ،‬فﺈن‬
‫اﻻﻧفﻌﺎل اﳌﻼﺋﻢ ﻳﻜون ﻫو اﻧفﻌﺎل الفﺮح ﻷن اﻷﱂ ﻳبدو لﻪ واﻗﻌﺎ ﻣوﻗﻌﻪ الصﺤيﺢ‪ "،2‬وإذا ﻛﺎن اﻷﱂ ﻗﺪ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﻓﻌﻞ‬
‫ﻛﺎﺋﻦ ﺑشﺮي آﺧﺮ ﻓﺈن اﻹﻧسﺎن اﳊﺮ ﺳوف ﻻ ﻟوﻣﻪ وﻻ ﻛﺮﻫﻪ‪ ،‬ﻓﺎﳊﺐ ﻫو ﻓﺮح ﻣﺼﺤو ﺑﻔكﺮة ﻋﻦ ﻣوﺿوﻋﺎ ﻣﺎ‬
‫واﻟكﺮاﻫﻴﺔ ﻫﻲ اﳊﺰن ﻣﺼﺤو ﺑﻔكﺮة ﻋﻦ ﻣوﺿوﻋﺎ ﻣﺎ‪ ،‬واﻹﻧسﺎن اﳊﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﲨﻴع اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أ ﻢ أﺟﺰاء‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﳉﱪي ﻻ ﻳشﻌﺮ إﻻ ﻟﻨشوة إزاء ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺣﱴ ﻳسﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺮاﻫﻴﺔ اﺣﺪ اﻟﻨﺎس"‪. 3‬‬

‫إذا فﻐﺎﻳة الدولة ليسﺖ السيطﺮة فﻬﻲ ﻻ تقوم ﺑﱰﻫيب اﻹﻧسﺎن وﲡﻌلﻪ ﺧﺎﺿﻌﺎ ﻹﻧسﺎن أﺧﺮ ﺑﻞ عﻜﺲ ذلﻚ‬
‫ﲤﺎﻣﺎ ﺣيﺚ ﺟﺮدتﻪ ﻣﻦ ﺧوفﻪ وﺟﻌلتﻪ ﳛيﺎ ﰲ اﻃمﺌنﺎن فﺤﺎفﻈﺖ ﺑذلﻚ على ﺣقﻪ الطبيﻌﻲ ﰲ الوﺟود لﻜﻦ دون إﳊﺎق‬
‫ﺿﺮر ﻵﺧﺮﻳﻦ‪.‬‬

‫ﻳقول ﺳﺘﻴوارت ﻫﺎﴰﲑ اﻧﻪ‪:‬‬

‫"ﻳﻌﺘقﺪ أن ﺳﺒﻴﻨوزا وﺿع اﻹﻃﺎر اﻟﺬي ﳝكﻦ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻪ ﰲ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮد ﻋﺘﺒﺎرﻩ اﻟقﻴﻤﺔ اﻻ ﳏﺪودة ﰲ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟسﻴﺎﺳﺔ"‬

‫‪ / 1‬ول دﻳوراﻧﺖ‪ ،‬ﻗصة الفلسفة‪ ،‬تﺮ‪ :‬اﲪد الﺸيبﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻜتبة اﻷﻫلية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪ / 2‬د‪.‬علﻲ عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬الفﻜﺮ السيﺎسﻲ الﻐﺮﰊ‪ ،‬دار اﳉﺎﻣﻌﺎت اﳌصﺮﻳة‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،1975 ،‬ص ص ‪.249-248‬‬
‫‪ / 3‬فﺆاد كﺎﻣﻞ‪ ،‬اﳌوسوعة الفلسفية اﳌﺨتصﺮة‪ ،‬دار القلﻢ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪ / 4‬زكﺮ إﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬دار التنوﻳﺮ للطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،1993 ،2‬ص ‪.198‬‬

‫‪25‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﻳﺆكد سبينوزا أن اﻻعتقﺎد ﲝﺮﻳة اﻹرادة وﻫﻢ ﻃﻞ واﺛﺮ ﻣﻦ أ ر اﳉﻬﻞ ﻷسبﺎب اﳊقيقية وإﻧنﺎ لﻦ ﻧستطيع فﻬﻢ‬
‫اﻹﻧسﺎن على ﺣقيقتﻪ و لتﺎﱄ فﻬﻢ ﻃبيﻌة سلوكﻪ ﻃﺎﳌﺎ أﻧنﺎ ﻧﻌﱰض ﻣقدﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﻫذه الفﻜﺮة البﺎﻃلة‪ ،‬ﳍذا ﳒد سبينوزا‬
‫ﻳوﺿﺢ ﻃﺮﻳقتﻪ ﰲ فﻬﻢ اﳊﺮﻳة ﰲ ﻗولﻪ‪ " :‬ﻳكون اﻟشﻲء ﰲ رأي ﺣﺮا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳوﺟﺪ وﻳﻔﻌﻞ ﺣسﺐ ﺿﺮورة ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ‬
‫وﺣﺪﻫﺎ وﻳكون ﻣﺮﻏﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤكﻢ ﺑشﻲء أﺧﺮ ﰲ وﺟودﻩ وﻓﻌﻠﻪ ﺗﺒﻌﺎ ﻟقﺎﻋﺪة ﳏﺪدة "‪.1‬‬

‫فﺎﻹﻧسﺎن ﻻ ﻳنفﺮد وﻻ ﻳنفصﻞ عﻦ اﳉﱪﻳة اﳌمﺎﺛلة ﰲ الﻜون فﻬو ﳜﻀع ﺑدوره لنﻈﺎم الﻌﺎﱂ إذ أن ﺣيﺎة‬
‫اﻹﻧسﺎن تﺮتبﻂ ارتبﺎﻃﺎ وﺛيقﺎ ﳊيﺎة اﻹﳍية فمﻦ غﲑ اﳌﻌقول إذن التﺤدث عﻦ ﺣﺮﻳة فﺮدﻳة ﻻن الﻀﺎﻣﻦ للﺤﺮﻳة ﻫو ﻣبدأ‬
‫اﻻستﻐﻼل وﳌﺎ كﺎﻧﺖ ﺣيﺎة اﻹﻧسﺎن غﲑ ﻣستقلة اﻧتفﺖ عنﻪ ﺻفة اﳊﺮﻳة وﻣﺎ اﻹﻧسﺎن إﻻ آلة ﻣفﻜﺮة ‪.‬‬

‫‪ / 1‬د‪.‬علﻲ عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬تيﺎرات فلسفية ﺣدﻳﺜة‪ ،‬دار اﳌﻌﺮفة اﳉﺎﻣﻌية‪ ،1974 ،‬ص ‪.176‬‬

‫‪26‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﻀﺮورة اﻹﳍﻴﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ روخ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫اﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ عﺮض ﻣﻌﲎ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا سنقوم ﺑﻌﺮض ﲝﺜﻪ ﰲ اﳌﺎﻫية اﻹﳍية ردا على ﻣﻦ ﻳنﻜﺮون إﻣﻜﺎن‬
‫ﻗيﺎم اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ وﻣﺎتتﻀمنﻪ ﻣﻦ أﲝﺎث ﻣتﻌلقة لﻼﻫوت‪.‬‬

‫‪ -01‬ﻣوﻗع اﻟﻔكﺮة ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫ﺣﺎول سبينوزا إﺛبﺎت أن كﻞ عصﺮ ﻣﻬمﺎ كﺎﻧﺖ السمة الفﻜﺮﻳة السﺎﺋدة فيﻪ ﻻ ﳜلو ﻣﻦ اﻫتمﺎم روﺣﻲ ﻣﻌﲔ واﻧﻪ‬
‫أول ﻣﻦ وﺿع لبنة اﳌﺜﺎلية اﳌوﺿوعية ﰲ الفلسفة اﳊدﻳﺜة فسبينوزا أول ﻣﻦ ﻗﺎل ﳉوﻫﺮ الواﺣد الذﻳﻦ ﻳتﺠسد ﰲ اﳌﺎدة‬
‫‪1‬‬
‫والﺮوح وتﻌد الطبيﻌة ﻣﻈﻬﺮا ﺧﺎرﺟيﺎ لﻪ واﻷفﻜﺎر واﳊﺎﻻت الﻌقلية ﻣﻈﻬﺮا ﻃنيﺎ لﻪ‬

‫أن ﻣذﻫب سبينوزا اﳌيتﺎفيزﻳقﻲ ﻫو ﻣﻦ النمﻂ الذي افتتﺤﻪ رﻣنيدس فﺜمة ﺟوﻫﺮ واﺣد فقﻂ )ﷲ أو الطبيﻌة(‬
‫وليﺲ ﲦة شﻲء ﻣتنﺎه ﻣوﺟود ﺑذاتﻪ وﻗد سلﻢ دﻳﻜﺎرت ﺑﺜﻼث ﺟواﻫﺮ ﷲ والذﻫﻦ واﳌﺎدة واﳊﻖ اﻧﻪ ﺣﱴ عند دﻳﻜﺎرت‬
‫ﻣﻦ ﻗدرة عليﻬﺎ فﺎلذﻫﻦ واﳌﺎدة ﺟوﻫﺮان‬ ‫كﺎن ﷲ اشد ﺟوﻫﺮﻳة ﻣﻦ الذﻫﻦ واﳌﺎدة ولﻜﻦ ستﺜنﺎء ﻣﺎ ﻳتﻌلﻖ ﲟﺎ‬
‫ﻣستقﻼن‪ ،‬ﻳﻌﺮفﺎن على التواﱄ ﺑصفﱵ الفﻜﺮ واﻻﻣتداد‪ ،‬ولﻦ ﻳﻜون لدى سبينوزا شﻲء ﻣﻦ ﻫذا فﻌنده أن الفﻜﺮ‬
‫‪2‬‬
‫واﻻﻣتداد ﻣﻌﺎ ﻣﻦ ﺻفﺎت ﷲ‬

‫كﺎﻧﺖ فﻜﺮة )ﷲ او الطبيﻌة( ﻫﻲ الفﻜﺮة اﻷﻗوى ﻇﻬورا ﰲ فلسفة سبينوزا وﻗد وﺟد ﻫذا التﻌبﲑ تفسﲑات ﻣتﻌددة‬
‫رغﻢ وﺿوﺣﻪ الﻈﺎﻫﺮ‪ 3،‬وﻳﺮى سبينوزا أن الﻌﺎﻣة ﻳنﻈﺮون إﱃ ﷲ والطبيﻌة على إ مﺎ ﻃﺮفﺎن ﻣتنﺎﻗﻀﺎن ﲟﻌﲎ اﻧﻪ إذا عمﻞ‬
‫ﷲ تتوﻗﻒ الطبيﻌة‪ ،‬وإذا عملﺖ الطبيﻌة توﻗﻒ ﷲ‪ ،‬فﻜﺎن ﻫنﺎك ﻗو ن ﻣتمﺎﻳز ن ﻣتﻌﺎرﺿتﺎن ﻗوة ﷲ‪ ،‬وﻗوة الطبيﻌة‬
‫فﺈن الﻌﺎﻣة ﻻ ﻳﻌﺮفون شيﺌﺎ سوى أ ﻢ ﻳتﺨيلون ﻗدرة‬ ‫والﱵ ﲣﻀع لقوة ﷲ ‪ 4.‬واﳌقصود ذه القوة او تلﻚ واﳌقصود‬
‫‪5‬‬
‫ﷲ كقدرة اﳌلﻚ الﻌﻈيﻢ وﻗدرة الطبيﻌة كقوة غﺎﴰة ﲣﻀع لقدرة ﷲ‪.‬‬

‫‪ / 1‬ﺟوزا روﻳﺲ‪ ،‬روح الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬تﺮ‪ :‬اﲪد اﻻﻧصﺎري‪ ،‬اﳍيﺌة الﻌﺎﻣة لﺸﺆون اﳌطﺎﺑع اﻷﻣﲑﻳة‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ ،2003 ،1‬القﺎﻫﺮة‪،‬‬
‫ص ‪.11‬‬
‫‪ / 2‬رﻳتﺸﺎرد شﺎﺧﺖ‪ ،‬رواد الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬تﺮ‪ :‬اﲪد ﲪدي ﳏمود‪ ،‬ﻣﻜتبة اﻷسﺮة‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ / 3‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺆسسة ﻫنداوي‪ ،‬اﳌملﻜة اﳌتﺤدة‪ ،2017 ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ / 4‬ﺣسﻦ ﺣنفﻲ‪ ،‬ﻣقدﻣتﻪ لﺮسﺎلة ﰲ الﻼﻫوت والسيﺎسة‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪ / 5‬سبينوزا‪ ،‬رسﺎلة ﰲ الﻼﻫوت والسيﺎسة‪ ،‬دار التنوﻳﺮ للطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص ‪.221‬‬

‫‪27‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫استﺨدم سبينوزا للتفﺮﻗة ﺑﲔ تصوري ﷲ والطبيﻌة تﻌبﲑي‪" :‬الطبيﻌة الطﺎﺑﻌة ‪ "natura naturans‬و‬
‫"الطبيﻌة اﳌطبوعة ‪ natura naturata‬وﻫو ﺑفﺮق ﺑﲔ ﻫذﻳﻦ التﻌبﲑﻳﻦ على النﺤو اﻵﰐ‪ :‬أعﲏ لطبيﻌة الطﺎﺑﻌة ﻣﺎ‬
‫ﻳوﺟد ﰲ ذاتﻪ‪ ،‬وﻣﺎ ﻳتصور ﺑذاتﻪ‪ ،‬أي ﻣﺎ للﺠوﻫﺮ ﻣﻦ ﺻفﺎت تﻌﱪ عﻦ اﳌﺎﻫية اﻷزلية اﻻ ﻣتنﺎﻫية‪ ،‬وﺑﻌبﺎرة أﺧﺮى‪... :‬‬
‫اعﲏ ﺎ ﷲ‪ ،‬ﺑقدر ﻣﺎ ﻳﻌد على ﺣﺮة‪.‬‬

‫وأعﲏ لطبيﻌة اﳌطبوعة كﻞ ﻣﺎ ﻳتلو ﺿﺮورة ﻃبيﻌة ‪ ،‬أو أﻳة ﺻفة ﻣﻦ ﺻفﺎت ‪ ،‬ﺑقدر ﻣﺎ تﻌد أشيﺎء توﺟد ﰲ ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وﻻ ﳝﻜﻦ أن توﺟد أو تُتصور ﻣﻦ دون ‪.‬‬

‫ﻫنﺎ تﻜون الطبيﻌة الطﺎﺑﻌة ﻫﻲ النﻈﺎم الﺸﺎﻣﻞ لﻸشيﺎء‪ ،‬ﻣﻦ ﺣيﺚ إﻧﻪ ذو وﺟود ﺿﺮوري‪ ،‬وﻻ ﳝﻜﻦ أن ﻳتصور‬
‫ﺑﻐﲑه ﻷن شيﺌًﺎ ﻻ ﳜﺮج عنﻪ‪ ،‬كمﺎ أن الﻌِلِّية فيﻪ ﻃنة؛ أي ﻻ ﻳتﺤﻜﻢ فيﻪ شﻲء ﺧﺎرج عنﻪ ‪.‬أﻣﺎ الطبيﻌة اﳌطبوعة فﻬﻲ‬
‫اﻷوﺟﻪ اﳉزﺋية أو اﳌﻜو ت الﺸﺎﻣلة للﺠوﻫﺮ وﻣﻦ أﻣﺜلتﻬﺎ‪" :‬الصفﺎت" اﳌوﺟودة ﰲ الﻌﺎﱂ ﻣﻦ ﺣيﺚ ﻫﻲ تﻌبﲑ ﺟزﺋﻲ عﻦ‬
‫الﺸﺎﻣلة ﰲ اﳉوﻫﺮ‪ ،‬وﻫﻲ أوﺟﻪ ﻻ « اﳉسمية » اﻷﺟسﺎم الفﺮدﻳة‪ ،‬الﱵ ﻫﻲ أوﺟﻪ لصفة تفﻬﻢ ﻗواﻧينﻬﺎ ﺑذا ﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳنبﻐﻲ‬
‫داﺋمﺎ رﺑطﻬﺎ لﻜﺎﻣﻞ الﺸﺎﻣﻞ الذي تنتمﻲ إليﻪ‪.‬‬
‫ً‬

‫ﻣﺜﻼ "وإ ًذا ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬اﻟﱵ ﻻ‬


‫وﻳصﻒ سﭙينوزا الطبيﻌة ﺑصفﺎت تﺮتبﻂ عﺎد ًة لصفﺎت اﻹﳍية ارتبﺎﻃًﺎ وﺛي ًقﺎ‪ ،‬فيقول ً‬
‫‪2‬‬
‫ﻛﺎﻣﻼ‪ ،‬ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ اﻟوﺟود"‬
‫ﰐ ﻣﻦ أﻳﺔ ﻋﻠﺔ‪ ،‬واﻟﱵ ﻧﻌﻠﻢ ﻣع ذﻟﻚ أ ﺎ ﻣوﺟودة‪ ،‬ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻀﺮورة أن ﺗكون ﻛﺎﺋﻨًﺎ ً‬
‫و ذا ﻳﻜون سبينوزا ﻳصﻒ الطبيﻌة ﺑصفﺎت تﺮتبﻂ لصفﺎت اﻹﳍية‪.‬‬

‫ﺟﺎء سبينوزا ﲟفﻬوم ﺟدﻳد لﻺلﻪ ورؤﻳة ﳐﺎلفة ﳌﺎ ﻳﻌتقد غﺎلبية أﺑنﺎء ذلﻚ الﻌصﺮ وﻣﻦ ﻗبلﻬﻢ إذ رأى أن الوﺟود‬
‫اﻹﳍﻲ كﺎﻣنﺎ ﰲ الطبيﻌة ذا ﺎ‪ ،‬وﺑتﻌبﲑ أكﺜﺮ دﻗة ﰲ القواﻧﲔ اﳌسﲑة واﳊﺎكمة لﻜﻞ ﻣﺎ ﰲ الطبيﻌة‪ ،‬ولﻜﻦ ﻫذا ﻻ ﻳﻌﲏ اﻧﻪ‬
‫كﺎن ﻣﻦ إتبﺎع ﻣذﻫب وﺣدة الوﺟود‪ ،‬أي ﻣﻦ الفﻼسفة‪ ،‬الذﻳﻦ وﺣدوا ﺑﲔ ﷲ والطبيﻌة‪ ،‬ﺑﻞ كﺎن سبينوزا واﺣدي‬
‫اﳌذﻫب ‪ Monistic‬وﻫذا اﳌذﻫب ﻳذﻫب إﱃ القول‪ " :‬أن ﻫﺬا اﻟﻌﺎﱂ ﻫو ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟوﺟود‪ ،‬وﻳﺮﻛﺰ ﺟﻬود‬
‫اﻹﻧسﺎن ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﱂ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ دون ﻏﲑﻩ‪ ،‬وﻗﺪ اﺳﺘﻤﺪ ﺳﺒﻴﻨوزا واﺣﺪﻳﺘﻪ ﻣﻦ إدراﻛﻪ ﻟﻠﻀﺮورة اﻟشﺎﻣﻠﺔ‬
‫اﳌﺘﺤكﻤﺔ ﰲ اﻟكون‪ ،‬واﻟﱵ ﺗسﺘﺒﻌﺪ اﻟقول ي ﻛﺎﺋﻦ ﻳﻌﻠو ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ"‪ 3‬وﻗد أدرك سبينوزا ﺧطورة فﻜﺮتﻪ عﻦ‬

‫‪ / 1‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.119‬‬


‫‪ / 2‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ / 3‬ﻣوسوعة فﻼسفة وﻣتصوفة اليﻬود‪ ،‬ﻣﻜتبة ﻣدﺑوﱄ‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ص ‪.130‬‬

‫‪28‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫واﺣدﻳة الوﺟود وﻗنﺎعتﻪ ن ﻻ إلﻪ غﲑ القﺎﻧون الطبيﻌﻲ دفﻌﻪ إﱃ تقسيﻢ الطبيﻌة إﱃ ﻗسمﲔ ﺣيﺚ اﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﻣﺜلﻪ لﻪ‬
‫كﺎﻣﻦ فيﻬﺎ‪ ،‬وان ﻫذا اﻹلﻪ ﻻ ﳜتلﻒ عﻦ إﳍﻬﻢ‪ .‬والقﺎﻧون الطبيﻌﻲ عند سبينوزا ﻻ ﻳبتﻌد عﻦ كوﻧﻪ تسمية أﺧﺮى او‬
‫‪1‬‬
‫شﻜﻼ أﺧﺮ ﻷواﻣﺮ ﷲ الﻜﺎﻣنة ﰲ الطبيﻌة‪.‬‬

‫وإذا ﲝﺜنﺎ عﻦ الدافع وراء اعتقﺎد سبينوزا ﺑواﺣدﻳة الوﺟود ﳒد أن فوﻳﺮ ﻳﻌزوه إﱃ ﺛورة ﻫذا الفيلسوف اﳌتﺤﺮر‬
‫على اﳌذاﻫب الدﻳنية اﻻرستقﺮاﻃية والﱵ كﺎﻧﺖ ﲡﻌﻞ اﳋﻼص ﻣﻦ ﻧصيب فﺌة ﳏﻈوﻇة اﺧتﺎرﻫﺎ ﷲ سلفﺎ‪ ،‬فﻌمﻞ سبينوزا‬
‫كﻐﲑه ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﳌذاﻫب التقدﻣية والﺜورﻳة ﰲ عصﺮه‪ ،‬على إشﺎعة الﺮوح اﻹﳍية ﰲ الوﺟود كلﻪ‪ ،‬لﻜﻲ ﻳتمتع اﳉميع‬
‫‪ ،‬والﱵ ﱂ تﻜﻦ‬ ‫ﺑﻌنﺎﻳتﻬﺎ ورعﺎﻳتﻬﺎ‪ ،‬و لتﺎﱄ ﲤﺤى الفوارق واﳌفﺎﺿﻼت الﱵ كﺎن ﻳﺮدﻫﺎ اﳌستفيدون ﻣنﻬﺎ إﱃ عﻼﻗتﻬﻢ‬
‫ﻣتﺎﺣة للﺠميع‪ 2‬وﻣﻦ اﺟﻞ ﲢدﻳد ﻣﺎﻫية الﻪ سبينوزا والذي ﻳسميﻪ ﳉوﻫﺮ والصفة لدﻳﻪ ﻫﻲ‪" :‬ﻣﺎﻳﺪرﻛﻪ اﻟﻌقﻞ ﰲ‬
‫اﳉوﻫﺮ ﻣكو ﳌﺎﻫﻴﺘﻪ"‪ 3.‬أي أن الصفة ﺣسبﻪ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳدركﻪ الﻌقﻞ ﰲ اﳉوﻫﺮ وﻫو اﻹلﻪ ﻣﻜو ﺑذلﻚ ﻣﺎﻫية ﻫذا‬
‫‪4‬‬
‫اﳉوﻫﺮ‪ .‬والذي عﺮفﻪ سبينوزا ﻧﻪ‪" :‬ﻣﺎﻫو ﰲ ذاﺗﻪ‪ ،‬وﻣﺘﺼور ﺑﺬاﺗﻪ أي ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻏﲑ ﻣﻔﺘقﺮ ﳌﻌﲎ ﺷﻲء أﺧﺮ ﻳكون ﻣﻨﻪ"‬
‫فﺎﳉوﻫﺮ ﻫنﺎ ﻫو علة ذاتﻪ أي أن وﺟوده ﱂ ﻳتسبب فيﻪ غﲑه‪ ،‬فلدﻳﻪ ﻗدرة ﻻ ﻣتنﺎﻫية على الوﺟود‪.‬‬

‫أﻧﻜﺮ سبينوزا ﺻفﱵ الﻌقﻞ واﻹرادة ﲝﺠة إ مﺎ ﻳفﱰﺿﺎن الﺸﺨصنة ﰲ الطبيﻌة اﻹﳍية ﻣع أن ﺻفة الفﻜﺮ ﰲ ﻫذه‬
‫اﳊﺎلة وﲝسب ﻣفﻬوﻣﻪ تفﱰض الﺸﻲء ذاتﻪ‪.‬‬

‫اذ ﳒد أن سبينوزا أﻧﻜﺮ ﻣﺎﻳوﺻﻒ ﳌﻌﺠزات اﻹﳍية واعتﱪ أن ﻣﺎ ﻳبدو للﻌﺎﻣة إعﺠﺎزا واﻗﻌﺎ ﳏﻜوﻣﺎ ﺑقواﻧﲔ الطبيﻌة‬
‫السﺮﻣدي عندﻣﺎ ﻗﺎل‪:‬‬
‫" أﻣﺎ اﳌﻌﺠﺰات ﻓﻬﻲ ﻋﻨﺪ اﳉﻤﻬور ﻣﺼﻨوﻋﺎت او إﺣﺪاث ﻏﲑ ﻣﺄﻟوﻓﺔ ﳌﺎ ﻛون ﻟﻪ ﻣﻦ رأي ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﻟﻌﺎدات اﳌكﺘسﺒﺔ وﻫﻲ ﻋﻨﺪﻩ )اﳉﻤﻬور( أوﺿﺢ ﺑﻴﺎن ﻟقﺪرة ﷲ وﻋﻨﺎﻳﺘﻪ‪ ،‬واﳊقﻴقﺔ أن ﺣﺪ ﳐﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﻻ ﻳقع‬
‫أﺑﺪا‪ ،‬ﻷن ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﻟسﺮﻣﺪي ﺑﺖ‪ ،‬وﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ اﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻴسﲑ أن ﻧﻌﲔ ﳌﺒﺎدئ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﳌﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻠﺔ ﻛﺜﲑ‬

‫‪ / 1‬ول دﻳوراﻧﺖ‪ ،‬ﻗصة الفلسفة‪ ،‬تﺮ‪ :‬فتﺢ ﷲ ﷴ الﺸﻌﺸع‪ ،‬ﻣﻜتبة اﳌﻌﺎرف‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،1979 ،‬ص ص ‪. 217 -216‬‬
‫‪ / 2‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬سلسلة الفﻜﺮ اﳌﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬دار التنوﻳﺮ للطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،1983 ،2‬ص ‪.76‬‬
‫‪ / 3‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ / 4‬ﻳوسﻒ كﺮم‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬دار القلﻢ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪29‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﻣﻦ اﻟوﻗﺎﺋع اﳌﺪﻋوة ﳌﻌﺠﺰات وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺈن إدراك وﺟود ﷲ وﻣﺎﻫﻴﺘﻪ وﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﻳﺘﻢ دراك اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺜﺎﺑﺖ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﺧﲑا ﳑﺎ ﻳﺘﻢ ﲟﻌﺮﻓﺔ اﳌﻌﺠﺰات ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ ﰲ اﻟﻐﺮض اﳌﺮﺟو ﻣﻨﻬﺎ"‪.‬‬

‫وذلﻚ ﻻن القول ﳌﻌﺠزات ﻳنطوي ﺿمنﺎ على اﻻعتقﺎد ﺑوﺟود ﻗوتﲔ‪" :‬ﷲ والطبيﻌة" و ن كﻼً ﻣﻦ القوتﲔ‬
‫تﻌمﻞ عندﻣﺎ تتوﻗﻒ اﻷﺧﺮى عﻦ الﻌمﻞ فقدرة ﷲ عندﻣﺎ تسﻜﺖ الطبيﻌة وﻗدرة الطبيﻌة تﻈﻬﺮ عندﻣﺎ تسﻜﺖ القدرة‬
‫اﻹﳍية‪.‬‬

‫‪ -02‬أﺳﺲ اﻟﻀﺮورة اﻹﳍﻴﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫ﻣﻦ ﺧﻼل النﻈﺮ ﰲ اﳌقصود لﻀﺮورة اﻹﳍية عند سبينوزا ﳝﻜﻦ لنﺎ أن ﲢدﻳد اﳌنطلقﺎت الﱵ اﻧطلﻖ فيﻬﺎ ﻣنﻬﺎ ﰲ‬
‫ﺣدﻳﺜﻪ عﻦ الﻀﺮورة اﻹﳍية وﻗد ﲤﺜلﺖ ﻫذه اﳌنطلقﺎت ﰲ اﺛنﲔ‪ :‬اﻷول ﻣبدأ اﳊتمية‪ ،‬والﺜﺎﱐ ﰲ اﳌسﺎواة ﺑﲔ ﷲ‬
‫والطبيﻌة‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﻣﺒﺪأ اﳊﺘﻤﻴﺔ‬

‫لقد ﻇﻬﺮت فلسفة سبينوزا ﰲ تلﻚ الفﱰة الﱵ اﺣتﻀنﺖ اﳌﺮاﺣﻞ اﻷوﱃ للﻌلﻢ اﳊدﻳﺚ‪ ،‬وﻫﻲ ﲢدﻳدا تلﻚ الفﱰة‬
‫الﱵ ﻇﻬﺮ فيﻬﺎ ﻣفﻬوم اﳊتمية ﺑوﺻفﻪ أﳕوذﺟﺎ فﺮض ﻧفسﻪ على كﻞ ﻣﻌﺮفة علمية‪ .‬والذي ﻳﻌﲏ أن الﻜون إذا ﻣﺎ ﻧﻈﺮ‬
‫إليﻪ ﰲ ذاتﻪ دون إﻗﺤﺎم ﻷﻳة علﻞ ﺧﺎرﺟية عنﻪ‪ ،‬ﻳﻜون ﻣنتﻈمﺎ ﺧﺎﺿﻌﺎ لقواﻧﲔ ﻣستمدة ﻣنﻪ وﻣﻌﱪة عنﻪ‪ ،‬وأن ﻇواﻫﺮه ﻻ‬
‫ﲢدث ﲟﺤض الصدفة واﻻتفﺎق‪ ،‬وإﳕﺎ ﻳنبﻐﻲ أن تﻜون ﳍﺎ عللﻬﺎ الطبيﻌية الﱵ تفسﺮﻫﺎ‪ ،‬وأﻧﻪ ﺣﱴ ﰲ اﳊﺎﻻت الﱵ ﻻ‬
‫ﻳستطيع فيﻬﺎ الﻌلﻢ أن ﳛدد ﻫذه الﻌلة ﻷي سبب ﻣﻦ اﻷسبﺎب فﺈﻧﻪ ﻳنبﻐﻲ أن ﻧﻌﱰف ﺑﻀﺮورة وﺟود ﻫذه الﻌلة‪،‬‬
‫وﺑﻀﺮورة وﺟود القﺎﻧون الذي ﳛﻜﻢ الﻌﻼﻗة ﺑﲔ الﻈواﻫﺮ وعللﻬﺎ‪ 2.‬وﻣنﻪ فﺎﳊتمية ﻫﻲ ذلﻚ اﳌبدأ القﺎﺋﻞ ﺑسيﺎدة الﻀﺮورة‬
‫ﰲ الﻜون واﻧﻪ ﺧﺎﺿع لنﻈﺎم ﺣتمﻲ ﺻﺎرم ﳚﻌﻞ ﻣﺎ ﻳصدق عليﻪ ﻫنﺎ ﻳصدق عليﻪ ﻫنﺎك‪.‬‬

‫‪ / 1‬ﻳوسﻒ كﺮم‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫‪ / 2‬ﲨيﻞ ﺻليبﺎ‪ ،‬اﳌﻌﺠﻢ الفلسفﻲ‪ ،‬ﻧﺸﺮ الﺸﺮكة الﻌﺎﳌية للﻜتﺎب‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص ‪.443‬‬

‫‪30‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫سبينوزا كﺎن ﻣﺆﻣنﺎ ذا اﳌبدأ إﳝﺎ ﻣطلقﺎ‪ ،‬وفﻌﻞ الﻜﺜﲑ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻧﺸﺮه ﰲ وﻗﺖ كﺎﻧﺖ فيﻪ الفﻜﺮة اﳌﻀﺎدة – فﻜﺮة‬
‫الﻌﺸواﺋية‪ ،‬واﻻتفﺎق‪ ،‬واﳊﺮﻳة‪ ،‬والﻐﺎﺋية – ﻫﻲ اﳌسيطﺮة على اﻷذﻫﺎن‪ 1‬أي اﻧﻪ كﺎن ﻣقتنﻌﺎ ﺑﻪ لدرﺟة اﻧﻪ عمﻞ على ﻧﺸﺮه‬
‫ﰲ الوﻗﺖ الذي كﺎﻧﺖ فيﻪ الفﻜﺮة الﻌﺸواﺋية اﳌﻀﺎدة ﳍذه الفﻜﺮة ﻣنتﺸﺮة‪.‬‬

‫فﻜﻞ شﻲء تبﻌﺎ ل " سبينوزا " ﲢﻜمﻪ ﺿﺮورة ﻣنطقية‪ ،‬وليﺲ ﲦة شﻲء ﻣﻦ ﻗبيﻞ اﻹرادة اﳊﺮة ﰲ ا ﺎل الﻌقلﻲ‬
‫أو الصدفة ﰲ الﻌﺎﱂ اﳌﺎدي‪ ،‬وﻣﻦ اﳌستﺤيﻞ ﻣنطقيﺎ أن تﻜون اﻷﺣداث على غﲑ ﻣﺎ ﻫﻲ عليﻪ فﺎﻷشيﺎء كلﻬﺎ ﳏدودة‬
‫ﺑﻀﺮورة الطبيﻌة اﻹﳍية كﻲ توﺟد وتﻌمﻞ على ﳓو ﻣﺎ‪ ،‬وأﻧﻪ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻹﻣﻜﺎن أن ﻳنتﺞ ﷲ اﻷشيﺎء ﺑطﺮﻳقة أﺧﺮى وﺑنﻈﺎم‬
‫‪2‬‬
‫آﺧﺮ غﲑ الطﺮﻳقة والنﻈﺎم اللذﻳﻦ ﻧتﺠﺖ ﻳﻬمﺎ‪.‬‬

‫وتﻈﻬﺮ ﻣسﺄلة اﳊتمية ﺑوﺻفﻬﺎ اﻷسﺎس الذي تستند عليﻪ فلسفة سبينوزا ﲜﺎﻧب توﺣيده ﺑﲔ ﷲ والطبيﻌة ﰲ‬
‫ﳎموعﻬﺎ الﻜلﻲ ﰲ كتﺎﺑﻪ اﻷﺧﻼق "إذ ﻳتﺤدث فيﻪ ﲟزﻳد ﻣﻦ التفصيﻞ عﻦ ﻣبدأ سيﺎدة الﻀﺮورة ﰲ الﻜون‪ ،‬فوﺻﻒ‬
‫ﻫذا اﳌبدأ ﻧﻪ ﻫو الطﺮﻳقة الﱵ ﻳنبﻐﻲ أن ﻳنﻈﺮ ﺎ الﻌقﻞ البﺸﺮي – إذا أﺣسﻦ استﺨداﻣﻪ لطبع – إﱃ اﻷشيﺎء ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬
‫" ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌقﻞ أن ﻳﻨﻈﺮ إﱃ اﻷﺷﻴﺎء ﻋﻠﻰ أ ﺎ ﻋﺮﺿﻴﺔ وإﳕﺎ ﻋﻠﻰ أ ﺎ ﺿﺮورﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌقﻞ أن ﻳﻨﻈﺮ إﱃ‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﺷﻴﺎء ﻣﻦ ﻣﻨﻈور اﻷزﻟﻴﺔ " وﻫﺬا ﻳﻌﲏ أن ﻧﻈﺮ اﻟﻌقﻞ إﱃ اﻷﺷﻴﺎء ﻣﻦ ﻣﻨﻈور اﻷزﻟﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﺤكﻢ اﻟﻀﺮورة"‪.‬‬

‫فمﻦ ﻣنﻈور سبينوزا ﻻ شﻲء ﰲ ﻫذا الﻜون ﻳﻜون عﺮﺿيﺎ فﺈن كﻞ الﻈواﻫﺮ تسﲑ وتﻌمﻞ ﻃبقﺎ لقواﻧﲔ ﺿﺮورﻳة‬
‫ﺑتة ﻻ تتﻐﲑ‪ ،‬ﻷ ﺎ ﻣستمدة ﻣﻦ ﺿﺮورة الطبيﻌة اﻹﳍية‪.‬‬

‫ﻳقول سبينوزا ‪ " :‬أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣوﺟود ﻳوﺟﺪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻹﻟﻪ‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎن اﻹﻟﻪ ﻣوﺟودا وﺟودا ﺿﺮور‬
‫وﻟﻴﺲ ﻋﺮﺿﻴﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻀﺮورة ﺳوف ﺗكون اﻷﺣوال اﻟﱵ ﺗﺘﺒع اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﳍﻴﺔ ﻣوﺟودة ﻟﻀﺮورة أﻳﻀﺎ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ‬
‫ﻣﻦ اﳌسﺘﺤﻴﻞ وﻏﲑ اﻟﻌﺮﺿﻲ أن ﺗقوم ﺗﻠﻚ اﻷﺣوال ﺑﺘوﺟﻴﻪ ﻧﻔسﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌكﺲ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣوﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻹﻟﻪ‬
‫ﻓﻤﻦ اﳌسﺘﺤﻴﻞ وﻏﲑ اﻟﻌﺮﺿﻲ أن ﺗﺼﲑ ﻧﻔسﻬﺎ ﻏﲑ ﻣوﺟﻬﺔ‪ ،‬إذ أن ﻛﻞ اﻷﺷﻴﺎء ﻣوﺟﻬﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﺮورة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻹﳍﻴﺔ"‪.‬‬

‫‪ / 1‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.87‬‬


‫‪ / 2‬فﺮﻳدﻳﺮﻳﻚ كوﺑلستون‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة الﻐﺮﺑية ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ليبنتز‪ ،‬اﳌﺮكز القوﻣﻲ للﱰﲨة‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪.302‬‬
‫‪ / 3‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ / 4‬زﻳد عبﺎس كﺮﱘ‪ ،‬سبينوزا وفلسفتﻪ اﻷﺧﻼﻗية‪ ،‬دار التنوﻳﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،2012 ،2‬ص ‪152‬‬

‫‪31‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﻳﺮﺑﻂ سبينوزا ﺑﲔ الطبيﻌة اﻹﳍية وﺑﲔ الﻀﺮورة كيدا ﻣنﻪ أن اﳊتمية ﻳستطيع أن ﻳفﻌﻞ غﲑ ﻣﺎ فﻌﻞ‪ ،‬فﻜﻞ‬
‫شﻲء ﲟﺎ فيﻪ اﻹلﻪ ﻳسﲑ تبﻌﺎ لنﻈﺎم وﻗواﻧﲔ ﻻ تنصﺮم‪ ،‬وﻫذا واﺿﺢ ﻣﻦ تﻌﺮﻳﻒ سبينوزا للﺸﻲء اﳊﺮ والﺸﻲء اﳌﺮغﻢ أو‬
‫ا ﱪ‪ "،‬ﻓﺎﻷول ‪ :‬ﻫو اﻟشﻲء اﻟﺬي وﺟﺪ ﻟﻀﺮورة ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ وﺣﺪﻫﺎ‪ ،‬وﻓﻌﻠﻪ ﲢﺪد ﺑﺬاﺗﻪ وﺣﺪﻫﺎ أﻣﺎ اﻟشﻲء اﻟﻀﺮوري‬
‫او ا ﱪ ﻓﻬو اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺷﻲء أﺧﺮ إﱃ أن ﻳوﺟﺪ ﺑﻨﺤو ﻣﻌﲔ وﳏﺪد"‪ 1‬فﺎلﺸﻲء اﳊﺮ ﺣسبﻪ وﺟد لﻀﺮورة ﻃبيﻌتﻪ‬
‫وﺣدﻫﺎ‪ ،‬وﳛدد فﻌلﻪ ﺑذاتﻪ‪ ،‬ﺑينمﺎ الﺸﻲء الﻀﺮوري او ا ﱪ ﻳدفﻌﻪ شﻲء أﺧﺮ ليوﺟد ﺑﺸﻜﻞ ﳏدد وﻣﻌﲔ‪.‬‬

‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘوﺣﻴﺪ ﺑﲔ ﷲ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬

‫ﳝﻜﻦ القول ن الفﻜﺮة اﻷسﺎسية الﱵ تقوم عليﻬﺎ فلسفة سبينوزا اﳌيتﺎفيزﻳقية البﺎرزة للﻌيﺎن والﻼفتة للنﻈﺮ ﻫﻲ أﻧﻪ‬
‫ﻻ ﻳوﺟد سوى ﺟوﻫﺮ واﺣد‪ ،‬ﻫو اﳉوﻫﺮ اﻹﳍﻲ الﻼﻣتنﺎﻫﻲ الذي ﻳتوﺣد لطبيﻌة‪. 2‬‬

‫ﻗد ﻣﺜلﺖ ﻫذه الفﻜﺮة ﻣنطلقﺎ أسﺎسيﺎ ﰲ رفض سبينوزا للمﻌﺠزة‪ ،‬وعليﻬﺎ أﻗﺎم اعﱰاﺿﺎتﻪ‪ ،‬فسبينوزا " ﻻ ﻳتصور‬
‫اﻹلﻪ ﺑوﺻفﻪ كﺎﺋنﺎ ﻳﻌلو على الطبيﻌة أو ﻣتﺤﻜﻢ فيﻬﺎ وﻫو ﻣنفصﻞ عنﻬﺎ‪ ،‬أو ﻣوﺟﻪ ﳍﺎ ﳓو غﺎﻳة تفﻬﻢ على ﻣﺜﺎل‬
‫غﺎ ت اﻹﻧسﺎن‪ ،‬ﺑﻞ إن كﻞ فﻜﺮة لدﻳنﺎ عﻦ ﻣﺜﻞ ﻫذا الﻜﺎﺋﻦ ﻳنبﻐﻲ أن تﺮد– ﺣسب سبينوزا – إﱃ ﳎموع الطبيﻌة ﰲ‬
‫ذا ﺎ‪ 3‬فﻬو ذا ﻻ ﻳفصﻞ ﺑﲔ اﻹلﻪ والطبيﻌة فﺎﻹلﻪ والطبيﻌة ﰲ ﻧﻈﺮ سبينوزا شﻲء واﺣد‪ ،‬ﻳتﺄكد ذلﻚ ﺑتصﺮﳛﻪ ﰲ‬
‫رسﺎلتﻪ إﱃ " ﻫنﺮي أولد ﻧبورغ " ﻧﻪ ﻳﻌتقد رأ عﻦ اﻹلﻪ والطبيﻌة ﳜتلﻒ كﻞ اﻻﺧتﻼف عﻦ الﺮأي الذي ﻳدافع عنﻪ‬
‫اﳌسيﺤيون إذ ﻳقول ‪ " :‬أﻋﺘقﺪ أن ﷲ ﻫو اﻟﻌﻠﺔ اﶈﺎﻳﺜﺔ ﻟﻸﺷﻴﺎء ﲨﻴﻌﺎ ﻻ اﻟﻌﻠﺔ اﳌﺘﻌﺪﻳﺔ"‬

‫وﻳقول‪ ":‬وأ أﻗول إن ﻛﺜﲑا ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﱵ ﻳﺮون وﻳﺮى ﲨﻴع اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﺮﻓﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ أ ﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻹﻟﻪ أرى أ ﺎ أﺷﻴﺎء ﳐﻠوﻗﺔ‪ ،‬وﻣﻦ ﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﺈن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﱵ ﻳﺮون أ ﺎ ﳐﻠوﻗﺔ ﺑسﺒﺐ ﲢﻴﺰا ﻢ أرى‬
‫‪4‬‬
‫أ ﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻹﻟﻪ وﻟكﻨﻬﻢ ﻳسﻴﺌون ﻓﻬﻤﻬﺎ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﻻ أﺳﺘﻄﻴع أن أﻓﺼﻞ اﻹﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق"‬

‫‪ / 1‬سبينوزا‪ ،‬اﻷﺧﻼق‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺟﻼل الدﻳﻦ سﻌيد‪ ،‬دار اﳉنوب‪ ،‬توﻧﺲ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ / 2‬فﺮﻳدﻳﺮﻳﻚ كوﺑلستون‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة "الفلسفة اﳊدﻳﺜة"‪ ،‬تﺮ‪ :‬سﻌيد توفيﻖ‪ ،‬ﳏمود سيد اﲪد‪ ،‬ا لد الﺮاﺑع‪ ،‬اﳌﺮكز القوﻣﻲ للﱰﲨة‪،‬‬
‫القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪.275‬‬
‫‪ / 3‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ / 4‬زﻳد عبﺎس كﺮﱘ‪ ،‬سبينوزا وفلسفتﻪ اﻷﺧﻼﻗية‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.147‬‬

‫‪32‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫فﺎﻹلﻪ ﰲ رأي سبينوزا كمﺎ ﻫو واﺿﺢ ﻣﻦ رسﺎلتﻪ ﻫو الذي ﻳتﺤد فيﻪ اﻹلﻪ لطبيﻌة فﺎ ﻫو الطبيﻌة والطبيﻌة‬
‫ﰲ ﳎموعﻬﺎ الﻜلﻲ ﻫﻲ ﷲ وعلى ﻫذا الﺮأي ﻳﺮفض سبينوزا ﻣفﻬوم اﻹلﻪ ﰲ اﻷد ن كوﻧﻪ ﺟوﻫﺮا ﻻ ﻣتنﺎه عﺎل عﻦ‬
‫الطبيﻌة ﻣفﺎرق ﳍﺎ‪ ،‬أفﻌﺎلﻪ رادة ﺣﺮة‪.‬‬

‫ﻻ ﲤﺎﻳز ﺑﲔ ﷲ والطبيﻌة وﺟود ‪ ،‬فﺎلطبيﻌة ﻫﻲ ﷲ وﷲ ﻫو الطبيﻌة‪ ،‬وأواﻣﺮ ﷲ وإرادتﻪ ﻫﻲ ﻗواﻧﲔ الطبيﻌة‬


‫الﻀﺮورﻳة وﺣﻜﻢ ﷲ ﻫو ﻧﻈﺎم الطبيﻌة‪ ،‬فﻼ ﳎﺎل ﰲ رأي سبينوزا للقول ﻣﻜﺎن اﳌﻌﺠزات أو وﻗوعﻬﺎ‪ ،‬ﻷن ﻣﻌﲎ ذلﻚ‬
‫أن ﷲ ﻳﻌمﻞ ﺿد ﻃبيﻌتﻪ وﻫو ﳏﺎل عقﻼ ‪ ،‬وعلى ﻫذا اﻷسﺎس ﲜﺎﻧب ﻣبدأ اﳊتمية أﻗﺎم سبينوزا اعﱰاﺿﺎتﻪ على‬
‫اﳌﻌﺠزة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ :‬ﻣسﺄﻟﺔ اﻟقﻴﻤﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا ﺑﲔ اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة‪.‬‬


‫‪ -1‬اﻟقﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﳌﻌﺮﻓﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‪:‬‬
‫ﻳبدو أن سبينوزا ﻳوافﻖ على رأي سقﺮاط القﺎﺋﻞ أن الفﻀيلة علﻢ والﺮذﻳلة ﺟﻬﻞ‪ .‬ولﻜنﻪ ﻳﻌﺮض الفﻜﺮة على‬
‫ﻃﺮﻳقتﻪ اﳋﺎﺻة‪ ،‬فللمﻌﺮفة أﻧواع ﺛﻼث ﻫﻲ الﻈﻦ واﻻعتقﺎد واﳌﻌﺮفة الواﺿﺤة‪ .‬اﻷوﱃ أﺻﻞ اﻻﻧفﻌﺎﻻت اﳌﺨﺎلفة للﻌقﻞ‪،‬‬
‫والﺜﺎﻧية أﺻﻞ الﺮغبﺎت الطبيﻌية‪ ،‬والﺜﺎلﺜة أﺻﻞ اﳊب اﳊقيقﻲ‪ 1.‬وﻫﻜذا ﻳصﺤﺢ سبينوزا ﻗول سقﺮاط ﲝيﺚ تصبﺢ‪:‬‬
‫الﺮذﻳلة ﻣﻌﺮفة ﻃلة أو ﻇنﺎ والفﻀيلة ﻣﻌﺮفة ﺻﺤيﺤة‪ .‬وليﺲ ﻣﻌﲎ ذلﻚ أن ﻳتﺨلى اﻹﻧسﺎن عﻦ ﻧفﻌﻪ ﰲ سبيﻞ التﺤليﻞ‬
‫الﻌقلﻲ اﳌنطقﻲ لﻜﻞ اﻻﻧفﻌﺎﻻت فﺎلتفﻜﲑ واﳌﻌﺮفة ﻻ ﻳتﻌﺎرﺿﺎن ﻣع ﲢقيﻖ اﻹﻧسﺎن لنفﻌﻪ‪ 2،‬ﺑﻞ أكمﺎ ﰲ الواﻗع‬
‫ﻳسﺎعدان عليﻪ‪ ،‬فﻬو ﻳﻌﺎرض القﺎﺋلﲔ ن سﻌﻲ اﻹﻧسﺎن إﱃ ﲢقيﻖ ﻧفﻌﻪ اﳋﺎص رذﻳلة ‪ ،‬وﻳﺜبﺖ أن سﻌﻲ اﻹﻧسﺎن إﱃ‬
‫ﻧفﻌﻪ اﳋﺎص‪ ،‬إذا أسﱰشد لﻌقﻞ‪ ،‬ﻳﻜون ﻫو ذاتﻪ ﻗوام الفﻀيلة ‪ .‬وﻫﻜذا ﻳﺆكد على أن كﻞ شﺨص ﻳﺮغب ﺑطبيﻌتﻪ‬
‫فيمﺎ ﻳﺮاه ﺧﲑا وﳛﺠﻢ عمﺎ ﻳﺮاه شﺮا‪ .‬وﻳقول )) أن فﻀيلة اﻹﻧسﺎن تﻜون ﰲ سﻌيﻪ إﱃ ﻧفﻌﻪ‪ ،‬أي ﺣفﻆ ﳊيﺎتﻪ‪ .‬وﻣﻦ‬
‫اﶈﺎل‪ ،‬أن ﻧتصور فﻀيلة أسبﻖ ﻣﻦ ﳏﺎولة اﻹﻧسﺎن ﺣفﻆ وﺟوده ((‪ .‬ﰒ ﻳﺸﺮح دور الﻌقﻞ والفﻬﻢ فيقول ))إن اﻹﻧسﺎن‬
‫ﻻ ﻳتصﺮف وفقﺎ لفﻀيلتﻪ إﻻ إذا كﺎن ﻳفﻬﻢ فﻌلﻪ (( وﻳلﺨص رأﻳﻪ ﺑقولﻪ ))أن السلوك وفقﺎ للفﻀيلة ﻳﻌﺎدل ﲤﺎم سلوك‬
‫اﳌﺮء وعيﺸﻪ وﺣفﻈﻪ لوﺟوده وﻫﻲ كلﻬﺎ ألفﺎظ ﻣﱰادفة وفقﺎ ﳌﺎ ﳝليﻪ الﻌقﻞ‪ ،‬على أسﺎس ﻣبدأ السﻌﻲ إﱃ ﻣﺎ فيﻪ ﻧفﻌﻪ‬
‫اﳋﺎص(( ‪ ،‬وﻳﻌﱪ عﻦ ذلﻚ تﻌبﲑا أكﺜﺮ إﳚﺎزة فيقول )) أن الﺸﻲء ﻳﻜون ﺧﲑة لﻀﺮورة ﺑقدر ﻣﺎ ﻳﻜون ﻣنسﺠمة ﻣع‬
‫ﻃبيﻌتﻪ (( ‪.‬‬
‫أي ﻃﺎﳌﺎ أن الفﻀيلة تﺮتبﻂ لفﻬﻢ‪ ،‬فمﻦ الطبيﻌﻲ أن ﻳزداد اﳌﺮء اﻗﱰا ﻣنﻬﺎ كلمﺎ اتسع ﻧطﺎق فﻬمﻪ لﻸشيﺎء ‪،‬‬
‫ﺣﱴ إذا ﻣﺎ توﺻﻞ إﱃ ﻣﻞ النﻈﺎم الﻜلﻲ لﻸشيﺎء ﰲ ﺿﺮورتﻪ الﺸﺎﻣلة ﺣقﻖ ﺑذلﻚ أﲰى ﻣﺎ ﳝﻜﻦ أن ﻳصﻞ إليﻪ‬
‫اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ الفﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬وأﻣﻜنﻪ التﻐلب ﲤﺎﻣﺎ على اﻧفﻌﺎﻻتﻪ عﻦ ﻃﺮﻳﻖ رﺑطﻬﺎ لﻀﺮورة الﻜوﻧية الﺸﺎﻣلة‪ ،‬وﻳﻌﱪ سبينوزا‬
‫عﻦ ﻫذه الفﻜﺮة ﺑقولﻪ أن ))أﲰى ﺧﲑ لﻺﻧسﺎن ﻫو ﻣﻌﺮفة ﷲ ‪ ،‬وأﲰى فﻀيلة للذﻫﻦ ﻫﻲ أن ﻳﻌﺮف ﷲ((‪ .‬وﻳﻈﻬﺮ‬
‫اﳌﻌﲏ اﳊقيقﻲ ﳍذه التﻌﺎﺑﲑ ﰲ ﻗولﻪ )) أن ﻣﻦ ﻳدرك ﲝﻖ أن ﲨيع اﻷشيﺎء تتﻜون ﻣﻦ ﺿﺮورة الطبيﻌة اﻻﳍية‪ ،‬وﲢدث‬
‫وفقﺎ لقواﻧﲔ الطبيﻌة وﻗواعدﻫﺎ اﻷزلية‪ ،‬لﻦ ﳚد شيﺌﺎ ﻳستﺤﻖ الﻜﺮاﻫية أو اﻻزدراء أو اﻻﺣتقﺎر‪ ،‬ولﻦ ﻳﺮﺛى لﺸﻲء‪ ،‬وإﳕﺎ‬
‫سيﺤﺎول على ﻗدر ﻣﺎ تسمﺢ ﺑﻪ فﻀيلة البﺸﺮ‪ ،‬أن ﻳسلﻚ سلوكﺎ ﻃيبﺎ وﻳنﻌﻢ((‪ 3.‬وﻳتﺤدث سبينوزا عﻦ ﺿﺮورة الطبيﻌة‬

‫‪ .01‬ص‪98‬‬ ‫م‪ ،‬ي سف‪ (2012) .‬تارخ الفل فة ال ي ة‪ .‬القاه ة‪ :‬م س ة ه او لل عل و ال قافة ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الفل في ‪ ،‬ج ‪. 03‬اﻻس رة‪ :‬دار ال ع فة ال ام ة‪98 .‬‬ ‫‪ -2‬ﷴ علي أب ران‪ (2008) .‬تارخ الف‬
‫ة الع ة لل ج ة‪،‬‬ ‫رة‪ (2009) .‬عل اﻷخﻼق‪ .‬ب وت‪ :‬ال‬ ‫از اروخ‪ ، ،‬ت ‪ :‬جﻼل ال ي سع ‪ ،‬م اجعة‪ :‬ج رج‬ ‫‪-3‬إس‬
‫‪ .1‬ص‪291‬‬

‫‪34‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫اﻹﳍية وﻳوﺿﺢ ﻣﺎ ﻳقصده ﻣنﻬﺎ ﺣﲔ ﻳلﺤقﻬﺎ لﻜﻼم عﻦ ﻗواﻧﲔ الطبيﻌة وﻗواعدﻫﺎ اﻷزلية وﻫﻜذا ﻳﻜون ﻫذان التﻐﲑان‬
‫ﰲ ﻫذا الصدد ﻣﱰادفﲔ عنده‪ .‬وعلى أسﺎس ﻫذا الﱰادف ﳝﻜﻦ أن ﻧدرك ﺑوﺿوح الدﻻلة اﳊقيقة للقﻀية اﻵتية‪)) :‬أن‬
‫ﻣﻦ ﻳفﻬﻢ ذاتﻪ واﻧفﻌﺎﻻتﻪ ﺑوﺿوح وﲤيز ﲝب ﷲ‪ ،‬وﻳزداد ﻫذا اﳊب ﻳقدر ﻣﺎ ﻳزداد فﻬمﺎ لذاتﻪ واﻧفﻌﺎﻻتﻪ((‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻹﻧسﺎن وﻗواﻧﲔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﺒﻴﻨوزا‪:‬‬
‫ﻻ ﺑد لنﺎ ﻣﻦ أن ﻧبدأ ﺑﺸﺮح عﺎم لﺮأي سبينوزا ﰲ ﻃبيﻌة اﻹﻧسﺎن وﻣﺮكزه ﰲ الﻜون ذلﻚ ﻷن أﻫﻢ ﻃﺎﺑع ﳝﺜﻞ النﻈﺮﻳة‬
‫اﻷﺧﻼﻗية عند سبينوزا ﻫو القول ن اﻹﻧسﺎن ﻻ ﻳﻜون ﲟﻌزل عﻦ الطبيﻌة وﻗواﻧينﻬﺎ‪ ، 1‬وﻫو ﻳنقد ﺑﺸدة أولﺌﻚ الذﻳﻦ‬
‫تصوروا اﻹﻧسﺎن على أﻧﻪ وﺣد‪ ،‬ﰲ الطبيﻌة وكﺄﻧﻪ دولة داﺧﻞ الدولة وﻳﻈنون أن لﻪ سلطﺎﻧة ﻣطلقة على أفﻌﺎلﻪ وأن شيﺌﺎ‬
‫ﻻ ﻳتﺤﻜﻢ فيﻪ سوى ذاتﻪ ذلﻚ ﻷن ﻧقطة البداﻳة اﻷسﺎسية ﰲ ﻧﻈﺮﻳتﻪ اﻷﺧﻼﻗية ﻫﻲ إدراك اﻹرتبﺎط ﺑﲔ اﻹﻧسﺎن‬
‫والطبيﻌة ﺑوﺟﻪ عﺎم‪ 2.‬وﰲ ﻫذا الصدد ﻳقول سبينوزا ))إن ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻦ ﻳﻜتبون عﻦ اﻻﻧفﻌﺎﻻت والسلوك البﺸﺮي ﻳبدو‬
‫كﺄ ﻢ ﻳﻌﺎﳉون أﻣورا ﺧﺎرﺟة عﻦ الطبيﻌة أكﺜﺮ ﳑﺎ ﻫﻢ ﻳﻌﺎﳉون ﻇواﻫﺮ تسﲑ وفقﺎ للقواﻧﲔ الﻌﺎﻣة الطبيﻌة‪ .‬وﻫﻜذا ﻳبدو‬
‫أ ﻢ ﻳتصورون اﻹﻧسﺎن كمﺎ لو كﺎن ﰲ الطبيﻌة ﳛتﻞ ﻣﺮكز دولة داﺧﻞ دولة((‪ )) ، 3‬إذ أ ﻢ ﻳﻈنوﻧﻪ ﺧﺎرﺟة على ﻧﻈﺎم‬
‫الطبيﻌة أكﺜﺮ ﻣنﻪ ﻣنقﺎدة لﻪ وﻳﻌتقدون أن لدﻳﻪ سيطﺮة ﻣطلقة على أفﻌﺎلﻪ‪ ،‬وأﻧﻪ ﻻ ﳜﻀع إﻻ لذاتﻪ(( وﻗد ﻗﺎم سبينوزا‬
‫ﺑتﻌﺮﻳﻒ ﻃبيﻌة اﻻﻧفﻌﺎﻻت وﻗو ﺎ وﻗدرة الذﻫﻦ على ﻣﻜﺎفﺤتﻬﺎ وﻗمﻌﻬﺎ‪)) .‬ﻫذه ﻫﻲ ﺧطﱵ‪ :‬فﻼ شﻲء ﳑﺎ ﳛدث ﰲ‬
‫الطبيﻌة ﳝﻜﻦ أن ﻳفسﺮ ﻧﻪ اﳓﺮاف عنﻬﺎ‪ ،‬إذ أن الطبيﻌة ﻫﻲ على الدوام وﻫﻲ دوﻣة ﻣتمﺎﺛلة ﰲ أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ وﻗدر ﺎ على‬
‫الفﻌﻞ أي أن ﻗواﻧﲔ الطبيﻌة وأواﻣﺮﻫﺎ الﱵ ﲢدث ﺎ كﻞ اﻷشيﺎء‪ ،‬وتتﻐﲑ ﻣﻦ ﺻورة إﱃ أﺧﺮى واﺣدة ﰲ كﻞ شﻲء وكﻞ‬
‫زﻣﺎن(( ‪ 4 ،‬ﲝيﺚ أﻧﻪ ))ﻳوﺟد ﻣنﻬﺞ واﺣد لفﻬﻢ ﻃبيﻌة كﻞ اﻷشيﺎء على اﻃﻼﻗﻬﺎ‪ ،‬أعﲏ ﻣﻦ ﺧﻼل القواﻧﲔ والقواعد‬
‫الﺸﺎﻣلة للطبيﻌة(( وﻳﻀيﻒ أﻳﻀﺎ أن اﻧفﻌﺎﻻت الﻜﺮاﻫية والﻐﻀب واﳊسد‪ ،‬إذا ﻣﺎ ﻧﻈﺮ إليﻬﺎ ﰲ ذا ﺎ تسﲑ وفقﺎ لنفﺲ‬
‫ﻫذه الﻀﺮورة واﻷﺣﻜﺎم ﰲ الطبيﻌة ﻫﻲ تﺮتد إﱃ أسبﺎب ﳏددة تفﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﳍﺎ‪ ،‬وﳍﺎ ﺧصﺎﺋص ﻣﻌلوﻣة تستﺤﻖ أن‬
‫تﻌﺮف شﺄ ﺎ شﺄن ﺧصﺎﺋص أي شﻲء آﺧﺮ ﻳﺆدي ﻣلﻪ ﰲ ذاتﻪ إﱃ إرﺿﺎﺋنﺎ((‪ 5‬وعﺎﰿ سبينوزا اﻻﻧفﻌﺎﻻت وﻗوﻫﺎ وفقﺎ‬
‫للمنﻬﺞ اﳍندسﻲ الذي استﺨدﻣﻪ ﻣﻦ ﻗبﻞ ﰲ أﲝﺎﺛﻪ عﻦ ﷲ والﻌقﻞ ﺣيﺚ ﻗﺎل ))وسوف أﻧﻈﺮ إﱃ اﻷفﻌﺎل والﺮغبﺎت‬

‫الفل فة‪ .‬ب ت ل ان‪ :‬ع ات ‪ ،‬ص‪161‬‬ ‫م ل ن ي‪ ، ،‬ت ‪ :‬ق ح ا فاخ ر ‪ (1983) ،‬تق‬ ‫‪ -1‬م ر‬
‫‪ :‬دار ال عارف‪ .‬ص ‪92‬‬ ‫اﻷخﻼقي‪ .‬القاه ة م‬ ‫‪ (1962) ،‬م احل ال ف‬ ‫ج‬ ‫‪.-2‬بل‬
‫ة الع ة لل ت ة‪،‬‬ ‫رة‪ (2009) .‬عل اﻷخﻼق‪ .‬ب ت‪ :‬ال‬ ‫از اروخ‪ ،‬ت ‪ :‬جﻼل ال ي سع ‪ ،‬م اجعة‪ :‬ج رج‬ ‫‪-3‬إس‬
‫‪ ،2‬ص‪.159‬‬
‫ال جع ال اب ‪،‬ص ‪.160‬‬ ‫از اروخ‪ ،‬نف‬ ‫‪-4‬إس‬
‫لل اعة‬ ‫ح في‪ ،‬م اجعة‪ :‬ف اد ز ا ‪ (2005) ،‬رسالة فاﻻله ت و ال اسة‪ .‬ب ت ‪:‬دار ال‬ ‫زا‪ ،‬اروخ ت ‪ :‬ح‬ ‫‪-5‬إس‬
‫وال زع‪ ،2 ،‬ص‪.93‬‬ ‫وال‬

‫‪35‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫البﺸﺮﻳة ﲤﺎﻣﺎ كمﺎ لو كنﺖ أﲝﺚ ﰲ ﺧطوط وﻣسطﺤﺎت وأﺣﺠﺎم فﻜﻞ إﻧسﺎن عنده ﻫو ﺟزء ﺻﻐﲑ ﻣﻦ ﻧﻈﺎم عﺎم ﰲ‬
‫الطبيﻌة‪ ،‬وﻫو ﻧسﻖ ﻣﻦ تﻌقيد داﺧلﻲ عﻈيﻢ للﻐﺎﻳة لﻪ ﺧﺎﺻية ﳑيزة ﻣﻦ الوﺣدة والتوازن‪ ،‬وﻫو ﰲ تفﺎعﻞ داﺋﻢ ﻣع غﲑه‬
‫ﻣﻦ النﺎس وﻣع ﺑقية أﺟزاء الطبيﻌة‪ ،‬وﻫذه التفﺎعﻼت أو اﻻﺣتﻜﺎكﺎت اﳌستمﺮة ﺑﲔ اﳌﺮء وغﲑه ﲤيﻞ إﱃ ﲢدﻳد توازﻧﻪ ﰲ‬
‫ﻫذا اﻻﲡﺎه أو ذاك‪ ،‬وﻃﺎﳌﺎ أن التوازن ﻗﺎﺋﻢ عند اﳌﺮء فﺈﻧﻪ ﻳستمﺮ ﰲ اﳊيﺎة وﻳﻈﻞ سليمﺎ ﻣﻌﺎﰲ ﻣﻦ ﺣيﺚ ﺻﺤتﻪ الﻌقلية‬
‫والبدﻧية ﰲ آن واﺣد ‪ ،‬أﻣﺎ إذا أﺧتﻞ التوازن اﺧتﻼط ﻣﺆﻗتﺎ إﱃ ﺣد ﻣﺎ‪ ،‬ﻣﺮض اﻹﻧسﺎن أو أﺻﺎﺑﻪ اﳉنون ‪ ،‬فﺈذا اﺧتﻞ‬
‫لدرﺟة ﻳستﺤيﻞ ﻣﻌﻬﺎ إﺻﻼﺣﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﺎت اﻹﻧسﺎن ‪ ،1‬ففﻲ اﻹﻧسﺎن كمﺎ ﻫﻲ اﳊﺎل ﰲ كﻞ وﺣدة أﺧﺮى ﰲ‬
‫الطبيﻌة ﻣيﻞ داﺧلﻲ ﻣﻼزم ﻳفﺮض على اﳉسﻢ التﻐﲑات ﺑطﺮﻳقة ﲡﻌلﻪ ﻳﺆكد ﻫذه الوﺣدة وﻫذا التوازن وﳛﺎفﻆ على‬
‫ﺑقﺎﺋﻪ‪ ،‬واﻹﻧسﺎن شﺄﻧﻪ شﺄن أي شﻲء آﺧﺮ ﰲ الطبيﻌة ‪ ،‬عند سبينوزا ‪ ،‬إﳕﺎ ﻫو ﻣوﺿوع لﻪ ﺟﺎﻧبﺎن أسﺎسيﺎن ﳐتلفﺎن‬
‫لﻜنﻬمﺎ ﻻ ﻳنفصﻼن ﺟﺎﻧب فيز ﺋﻲ )ﺟسﻢ( وﺟﺎﻧب سيﻜولوﺟﻲ )ﻧفﺲ(‪ ،‬وكﻞ ﺟﺎﻧب ﻣﻦ ﻫذﻳﻦ اﳉﺎﻧبﲔ لوﺣده ﻻ‬
‫ﻳﻌﱪ عﻦ اﻹﻧسﺎن كﻜﻞ‪ ،‬فﻜﻞ ﻣﺎ ﻫو ﻧفﺲ ﻫو أﻳﻀﺎ ﺟسﻢ‪ ،‬وكﻞ ﻣﺎ ﻫو ﺟسﻢ ﻫو أﻳﻀﺎ ﻧفﺲ ‪ ،‬على عﻜﺲ دﻳﻜﺎرت‬
‫الذي ﻣيز ﺑﲔ )اﳉسﻢ والنفﺲ( وﺟﻌلﻬمﺎ ﺟوﻫﺮﻳﻦ ﳐتلفﲔ ﻣتميزﻳﻦ ﻣنفصلﲔ أﺣدﳘﺎ عﻦ اﻵﺧﺮ‪ ،‬وكﻞ واﺣد ﻣنﻬمﺎ‬
‫ﺣقيقة ﻗﺎﺋمة ﺑذا ﺎ ‪ ،‬وإﳕﺎ اﻧتﻬى ﺑﻪ إﱃ ﺣدﻳﻦ ﻣﺎﺋيﲔ ﳘﺎ النفﺲ واﳉسﻢ ‪ ..‬فﺈذا كﺎن دﻳﮑﺎرت ﻫو اﳌسﺆول عﻦ ﺛنﺎﺋية‬
‫الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ‪ ،‬فﺄن سبينوزا ﻫو اﳌسﺆول عﻦ إعﺎدة الوﺣدة ﰲ الوﺟود ﺑﲔ الطبيﻌة الطﺎﺑﻌة والطبيﻌة اﳌطبوعة والتوﺣيد‬
‫ﺑﲔ النفﺲ واﳉسﻢ‪.‬‬
‫‪ -3‬اﳊﺮﻳﺔ اﻹﻧسﺎﻧﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﺳﺒﻴﻨواز‪:‬‬
‫ﻳﻈﻬﺮ اتسﺎق اﻹﲡﺎه اﳊتمﻲ ﰲ ﻧﻈﺮﻳة إسبينوزا اﻷﺧﻼﻗية ﺑوﺿوح ﰲ ﻧقده لفﻜﺮة ﺣﺮﻳة اﻹرادة فﻌلى ﺧﻼف ﻣﻌﻈﻢ‬
‫اﳌذاﻫب الفلسفية الﱵ ﱂ تتصور إﻣﻜﺎن ﻗيﺎم اﻷﺧﻼق دون إرادة ﺣﺮة ﻳﺆكد إسبينوزا أن اﻻعتقﺎد ﲝﺮﻳة اﻹرادة وﻫﻢ‬
‫ﻃﻞ‪ ،‬وأﺛﺮ ﻣﻦ آ ر اﳉﻬﻞ ﻷسبﺎب اﳊقيقة‪ ،‬وأﻧنﺎ لﻦ ﻧستطيع فﻬﻢ اﻹﻧسﺎن على ﺣقيقتﻪ‪ ،‬و لتﺎﱄ فﻬﻢ ﻃبيﻌة‬
‫سلوكﻪ‪ ،‬ﻃﺎﳌﺎ أﻧنﺎ ﻧفﱰض ﻣقدﻣة ﻣﺜﻞ ﻫذه الفﻜﺮة البﺎﻃلة‪.‬‬
‫وﻳوﺿﺢ إسبينوزا‪ ،‬ﻃﺮﻳقتﻪ اﳋﺎﺻة ﰲ فﻬﻢ اﳊﺮﻳة‪ ،‬فيقول‪ ) :‬ﻳﻜون الﺸﻲء ﺣﺮة عندﻣﺎ ﻳوﺟد وﻳفﻌﻞ ﺣسب ﺿﺮورة‬
‫ﻃبيﻌتﻪ وﺣدﻫﺎ‪ ،‬وﻳﻜون ﻣﺮغمﺎ عندﻣﺎ ﻳتﺤﻜﻢ شﻲء آﺧﺮ ﰲ وﺟوده وفﻌلﻪ تبﻌﺎ لقﺎعدة ﳏددة ‪ ،‬وﻳﺸﺮح إسبينوزاإعتقﺎد‬
‫اﻹﻧسﺎن ﲝﺮﻳة إرادتﻪ عﻦ ﻃﺮﻳﻖ التﺸبيﻪ اﻵﰐ‪ :‬إن اﳊﺠﺮ ﻻ ﻳتﺤﺮك إﻻ إذا دفﻌتﻪ علة ﺧﺎرﺟية‪ .‬فلنتصور أن ﻫذا اﳊﺠﺮ‬
‫ﻳﻌتقد أﺛنﺎء ﺣﺮكتﻪ‪ ،‬أن ﺟﻬده ﻫو الذي ﳚﻌلﻪ ﻳتﺤﺮك‪ ،‬إذ ليﺲ لدﻳﻪ وعﻲ إﻻ ﲜﻬده ﻫو‪ ،‬على ﺣﲔ أﻧﻪ ﳚﻬﻞ اﻷسبﺎب‬

‫‪66‬‬ ‫‪1‬ـ‬ ‫‪،‬ب‬ ‫از‪ .‬ب ت‪ -‬ل ان‪ :‬دار اﻷن ار لل اعة وال‬ ‫ش خ اﻷرض‪ (1966) .‬س‬ ‫ن‪ ،‬ت ‪ :‬ت‬ ‫‪ -1‬أن ره‬

‫‪36‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫اﳋﺎرﺟية الﱵ ﲢﻜمﺖ ﰲ ﺣﺮكتﻪ‪ ،‬وﻫﻜذا ﻳتصور ﻧفسﻪ ﺣﺮة‪ .‬وتلﻚ ﻫﻲ ﺣﺎل اﳊﺮﻳة البﺸﺮﻳة‪ . 1‬وﻳﺆكد إسبينوزا ﻗﺎﺋﻼ‪“ :‬‬
‫إن اﻻعتقﺎد ﲝﺮﻳة اﻹرادة وﻫﻢ ﻃﻞ‪ ،‬وأﺛﺮ ﻣﻦ آ ر اﳉﻬﻞ ﻷسبﺎب اﳊقيقية )إسبينوزا روخ‪ ، ،‬تﺮ‪ :‬ﺟﻼل الدﻳﻦ‬
‫سﻌيد‪ ،‬ﻣﺮاﺟﻌة‪ :‬ﺟورج كتورة‪ ،۲۰۰۹ ،‬ﺻفﺤة ‪ ،(۳۳۸‬أي أﻧنﺎ لﻦ ﻧستطيع فﻬﻢ اﻹﻧسﺎن على ﺣقيقتﻪ‪ ،‬و لتﺎﱄ فﻬﻢ‬
‫‪2‬‬
‫ﻃبيﻌة سلوكﻪ‪ ،‬ﻃﺎﳌﺎ أﻧنﺎ ﻧفﱰض ﻣقدﻣة ﻣﺜﻞ ﻫذه الفﻜﺮة البﺎﻃلة‪.‬‬
‫وﻳﻼﺣﻆ ﰲ تﻌﺮﻳﻒ إسبينوزا للﺤﺮﻳة‪ ،‬أ ﺎ ﻻ تتﻌﺎرض ﻣع الﻀﺮورة‪ ،‬وإﳕﺎ ﻣع التﺤﻜﻢ أو اﻹرغﺎم اﳋﺎرﺟﻲ‪ .‬فﺎﳊﺮﻳة ﻫﻲ‬
‫الﻀﺮورة البﺎﻃنة‪ ،‬أي الﻜﺎﺋﻦ ﻳﻜون ﺣﺮة إذ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻳﺮغمﻪ شﻲء ﺧﺎرج عنﻪ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻳﻜون سلوكﻪ ﻣتفقة ﻣع الﻀﺮورة‬
‫البﺎﻃنة لطبيﻌتﻪ فﺤسب‪ ،‬وﻣﻦ الواﺿﺢ أن اﳊﺮﻳة ﲟﻌنﺎﻫﺎ اﳊقيقﻲ ﻻ تتوافﺮ ﰲ ﻫذه اﳊﺎلة إﻻ للﻜون ﲟﻌنﺎه الﺸﺎﻣﻞ‪،‬‬
‫الذي ﻻ ﻳتﺤﻜﻢ فيﻪ شﻲء وﻻ ﻳوﺟد شﻲء ﺧﺎرﺟﻪ ﺣﱴ ﻳقﺎل إﻧﻪ ﻳﺮغمﻪ‪ .‬وﻫذه الﻌبﺎرة اﳌصوغة ﺑلﻐة ﻻﻫوتية والقﺎﺋلة إن‬
‫ﷲ وﺣده ﻫو اﳊﺮ‪) .‬فﺆاد‪ ،۲۰۰۹ ،‬ﺻفﺤة ‪ ( ۲۰۲‬والنتيﺠة اﳌﱰتبة ﳍذا الفﻬﻢ اﳋﺎص للﺤﺮﻳة‪ ،‬ورﺑطﻬﺎ لﻀﺮورة‬
‫البﺎﻃنة ﻫﻲ الﺮﺑﻂ ﺑﲔ اﻹعتقﺎد البﺎﻃﻞ ﲝﺮﻳة اﻹرادة البﺸﺮﻳة‪ ،‬وﺑﲔ اﳉﻬﻞ ﻷسبﺎب‪ “ .‬فﺎلنﺎس ﳜطﺌون ﺣﲔ ﻳﻈنون‬
‫أﻧفسﻬﻢ أﺣﺮارة‪ ،‬وﻣﺮد اعتقﺎدﻫﻢ ﻫذا إﱃ شﻌورﻫﻢ فﻌﺎﳍﻢ اﳋﺎﺻة‪ ،‬وﺟﻬلﻬﻢ ﻷسبﺎب اﳌتﺤﻜمة فيﻬﺎ‪ ،3‬وﻳﺆكد إسبينوزا‬
‫أﻳﻀﺎ ﺑقولﻪ‪ ) :‬إذن ففﻜﺮﻫﻢ عﻦ اﳊﺮﻳة ليسﺖ إﻻ ﺟﻬﻞ سبﺎب أفﻌﺎﳍﻢ‪ .‬أﻣﺎ ﻗوﳍﻢ أن اﻷفﻌﺎل البﺸﺮﻳة تتوﻗﻒ على‬
‫اﻹرادة‪ ،‬فمﺎ ﻫو إﻻ عبﺎرة ﻻ تطﺎﺑقﻬﺎ أﻳة فﻜﺮة‪ ،‬فﻼ أﺣد ﻣنﻬﻢ ﻳﻌلﻢ ﻣﺎ ﻫﻲ اﻹرادة‪ ،‬وكيﻒ ﲢﺮك اﳉسﻢ‪ ،‬أﻣﺎ أولﺌﻚ‬
‫الذﻳﻦ ﻳبﺎﻫون ﲟﺜﻞ ﻫذه اﳌﻌﺮفة‪ ،‬وﻳتﺨيلون ﻣسﺎكﻦ أو ﻣقﺎر ﲢﻞ فيﻬﺎ النفﺲ‪ ،‬فﻼ ﻳﺜﲑون إﻻ الﻀﺤﻚ واﻻﴰﺌزاز ‪.4‬‬
‫لقد أﻧﻜﺮ إسبينوزا "ﺣﺮﻳة اﻹرادة" ﻷن ﻣذﻫبﻪ الفلسفﻲ ﻳفﻀﻲ ﺑﻪ لﻀﺮورة إﱃ إﻧﻜﺎر فﻜﺮة ﺻﺮﳛة ﰲ اﳉﱪ‪ ،‬أﻣﺎ ﻣﺎ‬
‫ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﰲ أﻧفسنﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻳة ﰲ الﻌمﻞ والسلوك‪ ،‬فليﺲ ﰲ ﻧﻈﺮه سوی ﺟﻬﻞ ﻷسبﺎب الﱵ تﺆدي إليﻪ‪.‬‬
‫أﻣﺎ "اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية" فﺈن إسبينوزا ﻳﺮى أﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ النﻈﺮ إﱃ اﻹﻧسﺎن عتبﺎره دولة داﺧﻞ دولة‪ ،‬إذ أﻧﻪ ﻻ ﻳتمتع‬
‫ﳊﺮﻳة‪ ،‬فﻜﻞ شﻲء ﺿﺮوري‪ ،‬ﺑﻞ إن الوﺟود سﺮه ﳜﻀع "للﻀﺮورة"‪ .‬ﻣﻦ ﻫنﺎ ﳒد أن شﻌور اﻹﻧسﺎن ﲝﺮﻳتﻪ الﻜﺎﻣلة إﳕﺎ‬
‫ﻫو ﰲ واﻗع اﻷﻣﺮ إﳕﺎ ﻳﻌﱪ عﻦ ﺣﺮﻳة ﻗصة ﻷ ﺎ ﻣستمدة ﻣﻦ ﺣﺮﻳة ﷲ الﻜﺎﻣلة أو إرادتﻪ اﳌطلقة‪ ،‬الﱵ ﻫﻲ الﻐﺎﻳة ﰲ‬
‫ﺎﻳة اﳌطﺎف‪.‬‬

‫‪ .2 ،‬ص‪202‬‬ ‫از‪ .‬اﻹس رة‪ :‬دار ال فاء ل ن ا ال اعة وال‬ ‫‪-1‬ز ا ف اد‪ (2009) .‬س‬
‫‪ ، 1‬ص‪117‬‬ ‫وال زع‪،‬‬ ‫(‪ .‬س را‪ :‬دار ال ار لل‬ ‫العقل)فال فة الق ن ال ا ع ع‬ ‫‪ (1987) .‬ع‬ ‫‪-2‬س ارت هام‬
‫ح في‪ ،‬م اجعة‪ :‬ف اد ز ا ‪ (2005) .‬رسالة في الﻼه ت و ال اسة‪ .‬ب ت ‪:‬دار ال‬ ‫زا‪ ،‬اروخ ت ‪ :‬ح‬ ‫‪-3‬إس‬
‫وال زع‪ .1 ،‬ص‪58‬‬ ‫لل اعة وال‬
‫ة الع ة لل ج ة‪،‬‬ ‫رة‪ (2009) .‬عل اﻷخﻼق‪ .‬ب ت‪ :‬ال‬ ‫از اروخ‪ ، ،‬ت ‪ :‬جﻼل ال ي سع ‪ ،‬م اجعة‪ :‬ج رج‬ ‫‪.-4‬إس‬
‫‪ .1‬ص‪33‬‬

‫‪37‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫إن اﻹﻧسﺎن اﳊﺮ ﻫو اﻹﻧسﺎن الذي ﻳستطيع أن ﻳسيطﺮ على شﺨصيتﻪ الفﺮدﻳة الﱵ تطبع ﻧفسﻬﺎ ﲟﺜلﻪ وﻗيمﻪ الﻌليﺎ‪،‬‬
‫ﲝيﺚ تصبﺢ ﻫذه الفﺮدﻳة ﻫﻲ اﳌتﺤﻜمة واﳌسيطﺮة على ﻧﺸﺎﻃﻪ ورغبﺎتﻪ وﻣﺎ ﻳدﺧﻞ ﺑينﻬمﺎ ﻣﻦ إرتبﺎط‪ ،‬وإذا أرد ﲢليﻞ‬
‫تﻌﺎﱃ فقﻂ‪ ،‬أﻣﺎ اﻹﻧسﺎن فﻬو‬ ‫فﻜﺮة اﻹرادة اﳊﺮة عند إسبينوزا فسوف ﻧنتﻬﻲ ﻣﻦ ﲢليلنﺎ ﻫذا إﱃ أ ﺎ ﺧﺎﺻة‬
‫ﻣستﻌبد للنﻈﺎم الﻌﺎم سواء ﰲ ﻧطﺎق الطبيﻌة‪ ،‬أو ﰲ عﻼﻗتﻪ ﳉوﻫﺮ اﻹﳍﻲ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية اﳊقيقية فﻬﻲ تتﺤقﻖ ﰲ اﳌﻌﺮفة الﻌلمية الصﺤيﺤة وﻣﺎ "الﻌبودﻳة" إﻻ عﺠز اﻹﻧسﺎن عﻦ السيطﺮة‬
‫‪1‬‬
‫على إﻧفﻌﺎﻻ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﻳقع ﲢﺖ سلطﺎ ﻳصبﺢ أسﲑ اﻷﻗدار ﻻ سيد ﻧفسﻪ‪.‬‬
‫وإذا ﺣصﻞ اﻹﻧسﺎن على اﳊﺮﻳة فﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻬتدي ﰲ أفﻌﺎلﻪ ﻷفﻜﺎر اﳌﻀطﺮﺑة الﱵ تﻌﱪ عﻦ ﺧليﻂ ﻣﻦ ذاتﻪ واﻷﺣوال‬
‫اﻷﺧﺮى ﺑﻞ اﻷفﻜﺎر الوافية الﱵ ﲤﺜﻞ ﻣﺎﻫية اﳋﺎلصة الﱵ ﻫﻲ ﺟزء ﻣﻦ ﷲ‪ .‬وتﻜون الﻌﺎﻃفة فﻌﺎلة ﺣﲔ تنسﺄ ﻣﻦ فﻜﺮة‬
‫تﺮﺟع إﱃ ذاتنﺎ ﻻ إﱃ أشيﺎء ﺧﺎرﺟية وتﻜون ﻣنفﻌلة ﺣﲔ تنﺸﺄ ﻣﻦ فﻜﺮة ﻻ تﻌود إﱃ ذاتنﺎ ﺑﻞ إﱃ أشيﺎء ﺧﺎرﺟية‪ ،‬وعليﻪ‬
‫فﺎﻹﺧتﻼف ﺑﲔ الﻌواﻃﻒ الفﻌﺎلة واﳌنفﻌلة ﻳقوم ﰲ درﺟة وﺿوح و كفﺎﻳة اﻷفﻜﺎر‪ ،‬وﻫﻜذا تﻜون الﻀﺮورة لنسبة إﱃ‬
‫‪2‬‬
‫إسبينوزا ﻣﺜﻼ أعلى للمﻌﺮفة‪ ،‬فﺈذا ﻣلنﺎ اﻷشيﺎء ﻣﻦ وﺟﻬة ﻧﻈﺮ اﳌﻌﺮفة الﻜﺎﻣلة ﺎ‪.‬‬
‫إذا كﺎن القول ﺑسيﺎدة الﻀﺮورة ﰲ الطبيﻌة أﻣﺮا ﺻﻌبﺎ‪ ،‬فﺈن القول ﺑسيﺎد ﺎ ﰲ ﳎﺎل اﻹﻧسﺎن أﺻﻌب ﺑﻜﺜﲑ‪ .‬لذا فقد‬
‫كﺎن اﻹﻧسﺎن ﻳستﺜﲏ ﻧفسﻪ ﻣﻦ التيﺎر الﻌﺎم للﻈواﻫﺮ الطبيﻌية إﻻ أن إسبينوزا كﺎن ﻣﺆﻣنﺎ ذه الفﻜﺮة إﳝﺎ ﻣطلقﺎ‪ ،‬وإﻧﻪ‬
‫فﻌﻞ الﻜﺜﲑ لنﺸﺮﻫﺎ ﰲ وﻗﺖ كﺎﻧﺖ فيﻪ الفﻜﺮة اﳌﻀﺎدة‪ ،‬فﻜﺮة الﻐﺎﺋية ﻫﻲ اﳌسيطﺮة على اﻷذﻫﺎن وﰲ ﻫذا الصدد ﻳقول‬
‫إسبينوزا ‪ ) :‬ﻳتوﻗﻒ القﺎﻧون إﻣﺎ على ﺿﺮورة ﻃبيﻌية وإﻣﺎ على ﻗﺮار إﻧسﺎﱐ‪ ،‬فﺎلقﺎﻧون ﻳﻜون ﻣﻌتمدا على ﺿﺮورة ﻃبيﻌية‬
‫عندﻣﺎ ﻳصدر لﻀﺮورة ﻣﻦ ﻃبيﻌة الﺸﻲء ذاتﻪ‪ ،‬وﻳﻜون ﻣﻌتمدة على القﺮار اﻹﻧسﺎﱐ << ‪3،‬وﻳلﺨص إسبينوزا ﻣوﻗفﻪ‬
‫ﻣﻦ ﻗﻀية الﻀﺮورة اﳌطلقة ﺑقولﻪ‪ >> :‬إن القﺎﻧون الطبيﻌﻲ شﺎﻣﻞ‪ ،‬أي أﻧﻪ ﻳﻌﻢ النﺎس ﲨيﻌﺎ‪ ،‬ﻷﻧنﺎ ﻗد إستنبطنﺎه ﻣﻦ‬
‫الطبيﻌة اﻹﻧسﺎﻧية ﻣنﻈورة إليﻬﺎ ﰲ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ الﻜلﻲ الﺸﺎﻣﻞ ‪ ،‬أﻣﺎ ﺑصدد اﻷشيﺎء الفﺮدﻳة فيقول إسبينوزا ‪ “ :‬ﻣﻦ علة‬
‫ﳏددة ﻣفﱰﺿة‪ ،‬ﻳنتﺞ ﳏلول لﻀﺮورة ‪ ،‬وإن ﻇواﻫﺮ الطبيﻌة ﻳنبﻐﻲ أن تفسﺮ ﺑقواﻫﺎ اﳋﺎﺻة فقﻂ وإن ﻣﻦ الواﺟب‬
‫البﺤﺚ عﻦ علة ﻃبيﻌية‪ ،‬ﻻ أي ﻧوع آﺧﺮ ﻣﻦ الﻌلﻞ‪.‬‬
‫ﱂ ﻳﻌتقد إسبينوزا‪ ،‬ﻣﻦ ﺣيﺖ أﻧﻪ فيلسوف آﱄ دﻗيﻖ ﰲ ﺣﺮﻳة اﻹرادة ﲟﻌﲎ الﻼﺣتمية‪ ،‬فﻜﻞ ﺣدث ﻳقع ﲝﺚ ﺑﻀﺮورة‬
‫ر ﺿية‪ ،‬وعندﻣﺎ ﻻ ﻧﻌﻲ الﻈﺮوف اﳋﺎرﺟية و ﻧﻌﻲ فقﻂ ﺣﺎﻻتنﺎ الﻌقلية واﳉسمية‪ ،‬فﺈﻧنﺎ ﻧتﺨيﻞ أن أفﻌﺎلنﺎ تﻜون ﺣﺮة‪،‬‬

‫فى إب ا ‪ (2000) .‬تارخ الفل فة ال ي ة م د ارت إلى ه م ‪ .‬اﻹس رة‪ :‬دار ال فاء ل ن ا ال اعة‬ ‫‪-1‬إب ا ‪ ،‬م‬
‫‪) ،‬ب (‪،‬ص‪.206‬‬ ‫وال‬
‫‪ ، 01‬ص ‪.110‬‬ ‫‪-2‬ك م‪ ،‬ي سف‪ (2001) .‬تارخ الفل فة ال ي ة‪ .‬القاه ة‪ :‬م س ة ه او لل عل و ال قافة ‪،‬‬
‫ال جع ال اب ‪،‬ص ‪.60‬‬ ‫زا‪ ،‬اروخ ‪ ،‬نف‬ ‫‪ -3‬س‬

‫‪38‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫كﺎﳊﺠﺮ إذا كﺎن ﻻ ﻳﻌﻲ إﻻ ﺣﺎﻻتﻪ الداﺧلية فﺤسب فﺈﻧﻪ ﻳفﱰض أﻧﻪ ﳛدد رادتﻪ اﳋﺎﺻة ا ﺮى الذي ﻳتبﻌﻪ عندﻣﺎ‬
‫ﻳلقى ﰲ اﳍواء‪.‬‬
‫وﻫنﺎك ﻣﻦ ﺣية أﺧﺮى‪ ،‬ﲤييز ﻫﺎم للﻐﺎﻳة عند إسبينوزا ﺑﲔ "الﻌبودﻳة البﺸﺮﻳة واﳊﺮﻳة البﺸﺮﻳة‪ ،‬فطﺎﳌﺎ أن رغبﺎتنﺎ توﺟﻪ‬
‫إﲡﺎه اﻷشيﺎء اﳌتنﺎﻫية والطﺎرﺋة الﱵ ﻻ ﳝﻜﻦ أن تﺸبع على الدوام فﺈﻧنﺎ ﻧﻜون عبيدا للﻈﺮوف اﳋﺎرﺟية وﻧﻜون ﺿﺤﺎ‬
‫اﻷﺣداث‪ .‬إﻧنﺎ ﻧﻜون عبيد إﻧفﻌﺎﻻتنﺎ ودوافﻌنﺎ وأفﻜﺎر الﻐﺎﻣﻀة‪ ،‬الﱵ تدﻳﻦ ﺻلﻬﺎ إﱃ علﻞ ﻻ ﻧستطيع التﺤﻜﻢ فيﻬﺎ‪،‬‬
‫وﰲ إﻣﻜﺎﻧنﺎ أن ﳓﺮر أﻧفسنﺎ ﻣﻦ ﻫذه "الﻌبودﻳة" عﻦ ﻃﺮﻳﻖ التفﻜﲑ ﺑصورة واﺿﺤة و ﳑيزة‪ ،‬ودعنﺎ ﻧﺮى كيﻒ ﳝﻜننﺎ أن‬
‫ﻧفﻌﻞ ذلﻚ‪ ،‬ﻻ شﻲء ﻳسبب لنﺎ الﻜﺄﺑة إذا عﺮفنﺎ ﺣتميتﻪ‪ ،‬وذلﻚ أﻣﺮ ﳝﻜﻦ أن ﻧفﻌلﻪ إذا فﻜﺮ ﺑطﺮﻳقة عقلية‪ ،‬أعﲏ‬
‫ﺑوﺿوح وﲤيز‪ ،‬وإذا استﺨدﻣنﺎ ﻣﺜﺎلنﺎ ﳓﻦ ﳌﺎ ﻳﻌنيﻪ إسبينوزا لقلنﺎ‪ " :‬إذا كﺎن ﳏتمﺄ على ﺻدﻳقﻚ أن ﳝوت‪ ،‬وﻣﺮﺿﻪ ﻻ‬
‫ﳝﻜﻦ الﺸفﺎء ﻣنﻪ‪ ،‬فﻼ شﻲء ﳝﻜﻦ أن تفﻌلﻪ أﻧﺖ أو أي شﺨص آﺧﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻧقﺎذه‪ ،‬فمﱴ رأﻳﺖ أن ﻧتيﺠة ﻫذا‬
‫اﳊدث ﻫﻲ ﻣسﺄلة ﺿﺮورة ﻣﺜﻞ ﻧتيﺠة ‪ ،4 =2+2‬فﺈﻧﻚ لﻦ ﲢزن عليﻪ ﺑﻌد ذلﻚ ‪ ،‬وإذا استطﻌﺖ أن تتﺄﻣﻞ كﻞ ﺣدث‬
‫ﻣﻦ ﻣنﻈور اﻷزل‪ ،‬وتدرك أﻧﻪ ﺟزء ﻣﻦ ﻧسﻖ اﻷﺣداث ﳏددة ﺑصورة ﻣطلقة ﺑوﺻفﻬﺎ ﻧتﺎﺟﺎت ﰲ ﺟدول الﻀﺮب‪ ،‬فﺈﻧﻚ‬
‫لﻦ تقلﻖ عليﻪ ﺑﻌد ذلﻚ‪ ،‬وسوف تتﺨلص ﻣﻦ اﻷﱂ اﻻﻧفﻌﺎﱄ ‪.1‬‬
‫إن اﳌﻼﺣﻆ للﻀﺮورة اﳊتمية الﱵ أﻗﺮ ﲟﺎ إسبينوزا ﰲ ﻧفﻲ ﺣﺮﻳة اﻹرادة‪ ،‬تذﻫب ﺑنﺎ إﱃ القول‪ :‬إذا ﱂ أكﻦ ﺣﺮا ﰲ إﺧتيﺎر‬
‫سلوكيﺎﰐ وﲢدﻳد أفﻌﺎﱄ‪ ،‬فﻜيﻒ أﺣﺎسب عليﻬﺎ؟ وإذا كﺎﻧﺖ ﺑﻌة ﻣﻦ ﺿﺮورة إﳍية فمﺎ الفﺎﺋدة ﻣنﻬﺎ؟‪.‬‬
‫وﻳﺮد إسبينوزا على ﻫذا السﺆال ﻗﺎﺋﻼ‪ " :‬إذا كﺎن عقﺎﺑنﺎ ﻳقتصﺮ على ﻣﻦ ﻳذﻧبون ﲟﺤض إراد ﻢ واﺧتيﺎرﻫﻢ اﳊﺮ فلمﺎذا‬
‫ﻧبيد اﻷفﺎعﻲ السﺎﻣة الﱵ تذﻧب ﺑطبيﻌتﻬﺎ الﱵ ﻻ ﲤلﻚ غﲑ ذلﻚ؟‪ ...‬إن عقﺎب اﳌذﻧب والسﺎرق والﻜﺎذب‪ ...‬إﳕﺎ‬
‫ﻳﺮﺟع إﱃ أن ﻫذه اﻷفﻌﺎل تﻀﺮ ﻗﻲ أفﺮاد ا تمع أو إﱃ أن ﻃبيﻌتﻬﺎ ذا ﺎ تﻀﺮ ﻵﺧﺮﻳﻦ‪ .‬فﺎلﻌقﺎب واﳌسﺆولية ﺑوﺟﻪ‬
‫عﺎم تستﻬدف ﻧفع ا تمع‪ .‬وليﺲ ﳎﺮد تنمية الفﻌﻞ ذاتﻪ إذ أن الفﻌﻞ ﻧفسﻪ ﻻ ﻳﻜون شﺮا إﻻ ﻣﻦ اﳌنﻈور البﺸﺮي ‪.‬‬
‫وﻣع ذلﻚ فﻬنﺎك‪ ،‬رغﻢ ﻫذه الﻀﺮورة اﳌطلقة‪ ،‬شﻌور ﳊﺮﻳة لدى اﻹﻧسﺎن‪ ،‬ورغبة ﰲ اﳊﻜﻢ على اﻷشيﺎء كمﺎ لو كﺎن‬
‫اﳌﺮء ﻫو اﻷﻣﺮ النﺎﻫﻲ ﰲ ﳎﺎلﻪ اﳋﺎص‪ .‬وﻫﻜذا ﻳفﺮق إسبينوزا‪ ،‬رغﻢ إﳝﺎﻧﻪ ﺑفﻜﺮة الﻀﺮورة‪ ،‬ﺑﲔ القواﻧﲔ الطبيﻌية والقواﻧﲔ‬
‫الﱵ ﻳسنﻬﺎاﻹﻧسﺎن‪ ،‬وﻳفسﺮ اﻹعتقﺎد ﺑوﺟود النوع الﺜﺎﱐ ﻣﻦ القواﻧﲔ‪ ،‬اﳋﺎﺿﻌة ﻹرادة اﻹﻧسﺎن القﺮﻳبة‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆدي إﱃ‬
‫ﻗبول فﻜﺮة عﺮﺿية اﻷشيﺎء ﺣﱴ تﻜون اﳊيﺎة ﳑﻜنة لنسبة إلينﺎ‪.‬‬

‫د س أم ‪ ،‬م اجعة وتق مي‪ :‬إمام ع الف اح إمام‪(. 2010) .‬تارخ الفل فة ال ي ة‪ .‬ب ت‪:‬‬ ‫‪ -1‬ول ام لي راي ‪ ، ،‬ت ‪ :‬م‬
‫و ال زع‪.2 ،‬ص ‪125‬‬ ‫لل اعة وال‬ ‫ال‬

‫‪39‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫وواﺿﺢ ﻣﻦ ﻫذه الفﻜﺮة اﻷﺧﲑة‪ ،‬أن إسبينوزا ﻳقول ﲟستو ت ﳐتلفة لتفسﲑ فﻜﺮة اﳊﺮﻳة ففﻲ اﳌستوى اﳌطلﻖ ﻳﻜون كﻞ‬
‫شﻲء ﺿﺮورﻳة‪ ،‬وتنتفﻲ اﳊﺮﻳة ﲟﻌﲎ اﳌﺸيﺌة الﱵ ﻻ ﲣﻀع لﻌﺎﻣﻞ ﺧﺎرﺟﻲ‪ ،‬أﻣﺎ ﰲ اﳌستوى النسﱯ أو اﳊيوي فﺈن ﺑﻌض‬
‫اﻷشيﺎء ﻳﻜون عﺮﺿية إذا كﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮفتنﺎ سبﺎﺑﻪ غﲑ كﺎفية‪ ،‬وإذا كﺎﻧﺖ رغبتنﺎ ﻗوﻳة ﰲ أن ﻧسلﻚ كمﺎ لو كنﺎ ﻧتﺤﻜﻢ فيﻪ‬
‫لفﻌﻞ‪ .‬وﻫﻜذا تﻜون الﻀﺮورة لنسبة إﱃ إسبينوزا ﻣﺜﻼ أعلى للمﻌﺮفة‪ ،‬فﺈذا ﻣلنﺎ اﻷشيﺎء ﻣﻦ وﺟﻬة ﻧﻈﺮ اﳌﻌﺮفة‬
‫الﻜﺎﻣلة ﲟﺎ‪ ،‬أي إذا تصور أن لدﻳنﺎ ﻣﻌﺮفة كﺎﻣلة دق تفﺎﺻيﻞ الطبيﻌة‪ ،‬فمﻦ الواﺟب عندﺋذ أن ﳜتفﻲ اﻹعتقﺎد ﲝﺮﻳة‬
‫اﻹرادة‪ ،‬وﻳصبﺢ كﻞ شﻲء ﻣﺮتبطﺎ إرتبﺎط ﺿﺮورﻳة سبﺎﺑﻪ اﳌﻌﺮوفة‪ .‬ولﻜﻦ اﳌﻼﺣﻆ ﻣﻦ ﺟﻬة أﺧﺮى أن ﻣوﻗفنﺎ اﻹﻧسﺎﱐ‬
‫ذاتﻪ ﻻ ﻳتيﺢ لنﺎ الوﺻول إﱃ ﻫذا اﳌﻌﺮفة الﻜﺎﻣلة الﱵ تﻐدو كﻞ اﳊوادث ﰲ ﻇلﻬﺎ ﺿﺮورﻳة ‪.‬‬
‫ﳚﻌﻞ إسبينوزا لفﻜﺮة ﺣﺮﻳة اﻹرادة ﻣﻜﺎ ﰲ تفﻜﲑ على الدوام‪ .‬وإذن فﺤﺮﻳة اﻹرادة فﻜﺮة واﻗﻌية‪ ،‬أﻣﺎ فﻜﺮة الﻀﺮورة‬
‫فﻬﻲ تﻌبﲑ عﻦ ﻣﺜﻞ علمﻲ أعلى والفﻜﺮ ن تنتميﺎن إﱃ ﻣنﻈورﻳﻦ ﳐتلفﲔ‪ :‬ﻣنﻈور اﳊيﺎة الفﻌلية ﻣﻦ ﺟﻬة‪ ،‬وﻣنﻈور اﳌﺜﻞ‬
‫اﻷعلى للمﻌﺮفة الﻌلمية ﻣﻦ ﺟﻬة أﺧﺮى‪ .‬وﻳبدو أن إسبينوزا ﱂ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﻣﻲ إﻻ إﱃ إستﺨﻼص ﻫذه النتيﺠة‪ ،‬أي إﱃ أن‬
‫ﻳقول‪ :‬تستطيﻌون أن تﻌتقدوا أن إرادتﻜﻢ ﺣﺮة ﻃﺎﳌﺎ أﻧﻜﻢ ﲡﻬلون اﻷسبﺎب اﳊقيقية للﻈواﻫﺮ ‪1.‬فيقول>> وأ ﻻ‬
‫أﻧتقدكﻢ على ذلﻚ‪ .‬ولﻜﻦ كﻞ ﻣﺎ أرﻳده ﻣنﻜﻢ ﻫو أن تﻌﱰفوا ن اﳌﻌﺮفة الﻜﺎﻣلة ﳍذه اﻷسبﺎب كفيلة ن تقﻀﻲ على‬
‫إعتقﺎدكﻢ اﳊﺎﱄ ﲝﺮﻳة اﻹرادة وﻳقول أﻳﻀﺎ‪ >> :‬أن ﻣﻞ اﻷشيﺎء ﻣﻦ وﺟﻬة النﻈﺮ الﺸﺎﻣلة ﻳﺆدي ﺣتمﺎ إﱃ سيﺎدة‬
‫فﻜﺮة الﻀﺮورةإن اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬ﻣﻦ ﰒ‪ ،‬ﻫﻲ ﺑبسﺎﻃة ﻣسﺄلة ﻗبول الﻜون‪ ،‬ﻷﻧﻚ تفﻬﻢ ﺿﺮورتﻪ الﺮ ﺿية وﻣﱴ ﰎ ذلﻚ‪،‬‬
‫ستﺤصﻞ على سﻼم الﻌقﻞ‪ ،‬ستتﺤﺮر ﻣﻦ اﻹﻧفﻌﺎﻻت‪ ،‬وتﻜون ﻗﺎدرة على أن تﺮد الﺸﺮ إﱃ اﳋﲑ‪ ،‬وأﺻبﺢ إسبينوزا ﺑﻼ‬
‫شﻚ ذه الفلسفة راﺿية عﻦ ﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ﻣﻦ شﻌبﻪ‪ ،‬ﻷﻧﻪ رأى أﻧﻪ ﻣﻦ اﶈﺎل أن ﻳستطيع اﳊﺎﺧﺎﻣﺎت فﻬمﻪ‪ ،‬ولذلﻚ ففﻲ‬
‫إستطﺎعتﻪ أن ﻳصفﺢ عنﻬﻢ وﻳتوﻗﻒ عﻦ اﳊزن على ﻧتﺎﺋﺞ أفﻌﺎﳍﻢ‪ ،‬وﻗد ﻧفﱰض أﻧﻪ أﺧلد ذه الطﺮﻳقة ﰲ النﻬﺎﻳة إﱃ ﻻ‬
‫عقﻼﻧية الدﳘﺎء الذﻳﻦ ﻗتلوا أﺻدﻗﺎءه أعﲏ إﺧوة )دي فنﺖ( عندﻣﺎ ﺑذلوا أﻗصى ﻣﺎ ﰲ وسﻌﻬﻢ لﻜﻲ ﳛﺎفﻈوا على‬
‫ﺣﺮ ت ﻫولندا‪ .‬وﻻ ﺑد أن ﻫذا النوع ﻣﻦ الفلسفة سﺎعد إسبينوزا على أن ﳛصﻞ على ﺻفﺎء الذﻫﻦ‪ ،‬وأن ﻳنﺠو ﻣﻦ‬
‫‪2‬‬
‫شلﻞ اﳊزن البﺎﱄ على أﺣداث ليسﺖ ﰲ ﻣتنﺎولﻪ‪.‬‬

‫ال جع ال اب ‪،‬ص ‪.221‬‬ ‫‪ -1‬ز ا ف اد ‪ ،‬نف‬


‫ال جع ال اب ‪،‬ص ‪.125‬‬ ‫‪ -2‬ول ام لي راتي‪ ،‬نف‬

‫‪40‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫‪ -4‬اﻟسﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت ﻋﻨﺪ ﺳﺒﻴﻨوزا‪:‬‬


‫إذا كﺎن ﲨيع البﺸﺮ ﻻ ﻳبلﻐون ﺣﺮﻳتﻬﻢ وﻻ ﳛفﻈون سلطﺎﻗﻢ الﻌقلﻲ‪ ،‬فﺎن ذلﻚ ﻻ ﻳﻌود إﱃ ﻧقص فيﻬﻢ‪ ،‬واﱃ ﻧوا ﻫﻢ‬
‫‪1‬‬
‫اﳋبيﺜة ﺑﻞ إﱃ عدم ﻗدر ﻢ‪ ،‬أو ﻷن ﻗدر ﻢ على الفﻌﻞ أﺿﻌﻒ ﻣﻦ ﻗدرة اﻷسبﺎب اﳋﺎرﺟية‪.‬‬
‫وﻫﻢ ﲞﻀوعﻬﻢ للتﺄﺛﲑات الﻐﺮﻳبة وﺑﻌبودﻳتﻬﻢ لﻼﻫواء‪ ،‬ﻻ ﻳنﺠﺤون أﺑدأ ﰲ إدراك اﳊقيقة الﱵ تﺸﻜﻞ ﻫدف ﻣﺎ ﻳبذلوﻧﻪ‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬد‪ .‬ﻳقول سبينوزا )) ليﺲ ﺑوسﻌنﺎ أن ﻧﻜون عﺎﻗلﲔ ﲤﺎﻣﺎ‪ ،‬ﻣﺜلمﺎ ﺑوسﻌنﺎ أن ﻧﻜون داﺋمﺎ ﺑصﺤة ﺟيدة‪ ،‬ولﻜننﺎ‬
‫ﻧسﻌى داﺋمﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ذلﻚ((‪ .‬ﻷن اﻣتﻼك الصﺤة الﻌقلية ليﺲ ﳑﻜنﺎ كﺎﻣتﻼك الصﺤة اﳉسدﻳة ﻳﻀﺎف إﱃ ذلﻚ ‪،‬‬
‫أﻧﻪ ﻧﻈﺮة الﻜون للﺸﻲء ﻣتوﻗﻒ ﰲ الوﺟود على ذاتﻪ‪ ،‬ﲟقدار ﻣﺎ ﻳسﻌى للمﺤﺎفﻈة على ﻫذا الوﺟود ‪،‬فﺄﻧﻪ ﻻ ﻳسﻌنﺎ أن‬
‫ﻧﺸﻚ ‪ ،‬ﺑتﺎ ‪ ،‬ﰲ أﻧﻪ لو كﺎن ﲟقدور أن ﲣتﺎر ﺑﲔ أن ﻧقيﺲ ﲝسب تﻌليمﺎت الﻌقﻞ‪ ،‬أو أن ﻧستسلﻢ لقيﺎدة الﺮغبة‬
‫الﻌميﺎء‪ ،‬لفﻀﻞ اﳉميع اﻻﻧقيﺎد للﻌقﻞ ولﻀبطوا ﺣيﺎ ﻢ ﲝﻜمة وإذا كﺎن الواﻗع على ﺧﻼف ذلﻚ‪ ،‬فﻼن كﻞ فﺮد‬
‫ﻳنسﺎق لذاتﻪ‪ ،‬و لتﺎﱄ فﺄﻧنﺎ ﻧستنتﺞ أﻧﻪ ليﺲ ﲟقدور كﻞ إﻧسﺎن أن ﻳستﻌمﻞ عقلﻪ داﺋمﺎ وأن ﻳﺮﻗى إﱃ أوج اﳊﺮﻳة‬
‫اﻹﻧسﺎﻧية القصوى ‪.‬وﳍذا ﻳقول سبينوزا ))أن كﻞ فﺮد ﻳسﻌى على الدوام‪ ،‬ﻧﻈﺮا ﻷﻧﻪ كﺎﺋﻦ ﺑذاتﻪ‪ ،‬إﱃ اﶈﺎفﻈة على‬
‫وﺟوده( ‪ .‬وﻻﺑد ﻣﻦ إشﺎرة ﺧﺎﺻة إﱃ النتﺎﺋﺞ اﻻﺟتمﺎعية الواﺿﺤة الﱵ ﻳستﺨلصﻬﺎ سبينوزا ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳتﻪ ﰲ ﻗﻬﺮ‬
‫اﻻﻧفﻌﺎﻻت ﻫذه النتﺎﺋﺞ تلﺨص ﰲ أن اﻻﻧفﻌﺎﻻت ﻫﻲ أسﺎس الﺸقﺎق ﺑﲔ النﺎس وأن الﻌقﻞ أسﺎس التقﺮﻳب ﺑينﻬﻢ‪،‬‬
‫فﺈذا كﺎن الﻌقﻞ ﻫو وسيلتنﺎ إﱃ ﻗﻬﺮ اﻻﻧفﻌﺎﻻت فﺄﻧﻪ ﻳﺆدي ﻫو ذاتﻪ إﱃ كيد اﳌﻌﺎﱐ اﻻﺟتمﺎعية ﰲ ﻧفﺲ اﻹﻧسﺎن‪.‬‬
‫وﻗد ﺑﲔ سبينوزا ذلﻚ ﺑقولﻪ ))ﳝﻜﻦ ﻗيﺎم ا تمع‪ ،‬ﻃﺎﳌﺎ أﺣتفﻆ ﻫذا ا تمع لنفسﻪ ﳊﻖ الذي ﳝلﻜﻪ كﻞ شﺨص ﰲ‬
‫اﻻﻧتقﺎم لنفسﻪ ﻣﻦ اﻷذى واﳊﻜﻢ ﺑنفسﻪ على ﻣﺎ ﻫو ﺧﲑ وﻣﺎ ﻫو شﺮ(( ‪.‬وﻳﺆكد ذلﻚ ﺑقولﻪ ))ﻃﺎﳌﺎ أن للمﺠتمع‬
‫القدرة على وﺿع ﻗﺎعدة عﺎﻣة للسلوك وإﺻدار ﻗواﻧﲔ ﻳدعمﻬﺎ التﻬدﻳد ﻻ الﻌقﻞ الذي ﻳﻌﺠز عﻦ ﻗﻬﺮ اﻻﻧفﻌﺎل فﺄن‬
‫ﻣﺜﻞ ﻫذا ا تمع ﺑﲏ على ﻗواﻧﲔ وعلى ﻗوة ﻗﺎدرة على ﺣفﻈﻪ تسمى لدولة‪ ،‬وﻣﻦ ﻳﻌيﺸون ﻳسمون رعﺎ (( ‪ ،‬ولﻜﻦ‬
‫إذا كﺎن سبينوزا ﻗد أكد ﰲ النص السﺎﺑﻖ على عﺠز الﻌقﻞ عﻦ ﻗﻬﺮ اﻻﻧفﻌﺎل‪ ،‬فﺄﻧﻪ ﻳﻌﺎﰿ اﳌسﺄلة ﻣﻦ وﺟﻬة ﻧﻈﺮ أﺧﺮى‬
‫‪ ،‬وﻫﻲ وﺟﻬة ﲢﺮر اﻹﻧسﺎن‪ ،‬أي تلﻚ الﱵ ﻳﻜون الﻌقﻞ فيﻬﺎ ﻗﺎدرة لفﻌﻞ على ﲣليص اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ اﻧفﻌﺎﻻتﻪ لتفﻜﲑ‬
‫فيﻬﺎ‪ .2‬وﰲ ﻫذه اﳊﺎلة أﻳﻀﺎ تﺆدي ﳏﺎولة اﻹﻧسﺎن ﻗﻬﺮ اﻧفﻌﺎﻻتﻪ إﱃ التقﺮﻳب ﺑﲔ النﺎس و كيد القيﻢ اﻻﺟتمﺎعية ﰲ‬
‫النفﺲ البﺸﺮﻳة‪ ،‬ولﻜﻦ على ﻣستوى أعلى ﻣﻦ ﻣستوى اﳋوف اﳌتبﺎدل الذي أدت إليﻪ الوسيلة اﻷوﱃ‪.‬‬

‫‪،‬‬ ‫ارة ‪ .‬القاه ة ‪:‬م عة م‬ ‫د‪ (1963) .‬فل فة ال‬ ‫م‬ ‫ب و ‪ ،‬م اجعة‪ :‬ز ي ج‬ ‫‪ ،‬ت ج ة ع ال ح‬ ‫‪-1‬اشف تأل‬
‫ص‪.23‬‬
‫‪ ، 01‬ص‪.117‬‬ ‫م‪ ،‬ي سف‪(. 2012) .‬تارخ الفل فة ال ي ة‪ .‬القاه ة‪ :‬م س ة ه او لل عل و ال قافة ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪41‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫فﺎلﻌقﻞ ﻫو أسﺎس اﻻتفﺎق ﺑﲔ النﺎس )) وﺑقدر ﻣﺎ ﻳﻌيﺶ النﺎس ﻣتبﻌﲔ الﻌقﻞ تتفﻖ ﻃبيﻌتﻬﻢ لﻀﺮورة((‪ .‬وكلمﺎ أتسع‬
‫ﻧطﺎق ﳑﺎرسة اﳌﺮء لﻌقلﻪ‪ ،‬وﻣﻌﺮفتﻪ لطبيﻌة اﻷشيﺎء‪ ،‬زالﺖ اﳊواﺟز ﺑينﻪ وﺑﲔ اﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﲝيﺚ أن)) ﻣﺎ ﻳﺮغبﻪ الﺸﺨص‬
‫الذي ﻳتبع الفﻀيلة لنفسﻪ‪ ،‬ﻳﺮغبﻪ أﻳﻀﺎ لﻐﲑه‪ ،‬وتقوى رغبتﻪ ﻫذه ﺑقدر ﻣﺎ تزداد ﻣﻌﺮفتﻪ ﷲ((‪ .‬وﻫﻜذا فﺄن ﻣﻦ ﻳسﱰشد‬
‫ﰲ ﺣيﺎتﻪ لﻌقﻞ ‪ ،‬ﻳﻜﻦ ﻣصدر ﺧﲑ وﻧفع داﺋﻢ لﻐﲑه ﻣﻦ النﺎس‪)) ،‬فليﺲ أﻧفع لﻺﻧسﺎن ﰲ الطبيﻌة ﻣﻦ إﻧسﺎن ﻳﻌيﺶ‬
‫ﻣتبع للﻌقﻞ((‪ .‬ذلﻚ ﻻن سﻌﻲ اﻹﻧسﺎن إﱃ ﻧفﻌﻪ اﳋﺎص‪ ،‬إذا أسﱰشد لﻌقﻞ‪ ،‬ﻳﻐدو ﰲ الوﻗﺖ ذاتﻪ سﻌيﺎ إﱃ ﻧفع‬
‫اﻵﺧﺮﻳﻦ ‪ 1.‬و ﰐ سبينوزا ﰲ ﻫذا الصدد ﺑفﻜﺮة ﻫﺎﻣة ﰲ ﻧﻈﺮﻳتﻪ اﻷﺧﻼﻗية‪ ،‬ﻫﻲ القﺎﺋلة ن اﳋﲑ اﳊقيقﻲ شﻲء ﻻ‬
‫ﻳقتسﻢ وﻻ ﻳوزع‪ ،‬وﻻ ﻳتﺄﺛﺮ ﺑﻜﺜﺮة ﻣﻦ ﻳﺸﺎركون فيﻪ‪ ،‬ﺑﻞ أن ﻣﻦ اﳌمﻜﻦ أن ﻳﻜون لﻜﻞ شﺨص فيﻪ أكﱪ ﻧصيب‪ .‬ذلﻚ‬
‫ﻷن ﻫذا اﳋﲑ لو كﺎن ﻣﺎ أو ﻣنصبﺎ أو ﻧفوذ‪ ،‬ﻷدى التزاﺣﻢ عليﻪ إﱃ تفتيتﻪ على الدوام‪ ،‬ﲝيﺚ ﻳنبﻐﻲ أن ﻳﺸتد عليﻪ‬
‫التنﺎفﺲ والتﺸﺎﺣﻦ ﺑﲔ النﺎس‪ ،‬ﻃﺎﳌﺎ أن ﻣقدار ﻫذه الﻐﺎ ت ﳏدد وﻻ ﻳتسع للﺠميع‪.2‬‬
‫أﻣﺎ ﺣﲔ ﻳﻐدو ﻫذا اﳋﲑ ﻫو اﳌﻌﺮفة‪ ،‬فﺈﻧﻪ ﻳصبﺢ ﻣتﺎﺣة للﺠميع وﻻ ﻳﺆدي ازد د عدد اﳌﺸﺎركﲔ فيﻪ إﱃ أﻧقﺎﺻﻪ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫أن اﻷﻣﺮ على الﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذلﻚ‪ ،‬إذ أﻧﻪ كلمﺎ أزداد النﺎس ﻃلبة للمﻌﺮفة‪ ،‬أتسع ﻧطﺎق ﻫذه اﳌﻌﺮفة ذا ﺎ وتﺮاﻣﺖ آفﺎﻗﻬﺎ‪،‬‬
‫وﻫذا ﻫو تفسﲑ ﻗﻀية سبينوزا القﺎﺋلة )) أن اﳋﲑ اﻷﲰى ﳌﻦ ﻳتبﻌون الفﻀيلة ﻣﺸﱰك ﺑﲔ اﳉميع‪ ،‬و لتﺎﱄ ﳝﻜﻦ أن‬
‫ﻳتمتع ﺑﻪ اﳉميع على ﻗدم اﳌسﺎواة(( ‪ .‬وﰲ ﻣلﺤوﻇة على ﻫذه القﻀية ذا ﺎ ﻳقول‪ )) :‬وﻫذا ﻳستتبع ‪ -‬ﻻ ﺑطﺮﻳقة‬
‫عﺮﺿية‪ ،‬ولﻜﻦ ﺑنﺎء على ﻃبيﻌة الﻌقﻞ ذا ﺎ‪ -‬أن أﲰﻲ ﺧﲑ لﻺﻧسﺎن ﻣﺸﱰك ﺑﲔ اﳉميع‪ ،‬ﺑقدر ﻣﺎ ﻳستمد ﻣﻦ ﻣﺎﻫية‬
‫اﻹﻧسﺎن ذا ﺎ‪ ،‬كمﺎ تﻌﺮف ﻣﻦ ﺧﻼل الﻌقﻞ(( وﻻ ﻳﻜﻒ سبينوزا اﻹعﺮاب عﻦ ﲤﺠيده اﳊيﺎة اﻻﺟتمﺎعية ﰲ ﻇﻞ الﻌقﻞ‬
‫‪ ،‬وكﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳد ‪ ،‬ذا ‪ ،‬التﺄكيد على أولﺌﻚ الذﻳﻦ دأﺑوا على الﺮﺑﻂ ﺑﲔ الفﺮدﻳة والتفلسﻒ‪ ،‬وﱂ ﻳتصوروا إﻣﻜﺎن ﻗيﺎم‬
‫اﺟتمﺎع ﺑﲔ الﻌقول إﻻ على أسﺎس تنﺎزل ﻫذه الﻌقول عﻦ ﺟزء ﻣﻦ اﻣتيﺎزﻫﺎ وتفوﻗﻬﺎ‪ ،‬فيقول )) ﻻ شﻲء أﻧفع لﻺﻧسﺎن‬
‫ﻣﻦ اﻹﻧسﺎن ‪-‬أﺟﻞ‪ ،‬فليﺲ ﰲ وسع النﺎس أن ﻳتمنوا شيﺌﺎ كفيﻼ ﲝفﻆ وﺟودﻫﻢ‪ ،‬أعﻈﻢ ﻣﻦ أن ﻳتفﻖ اﳉميع على أن‬
‫تﻜون أذﻫﺎن اﳉميع وأﺟسﺎدﻫﻢ ذﻫنﺄ وﺟسمﺎ واﺣدا((‪) .‬وﻳقول أﻳﻀﺎ ) أن ﳛﺎول اﳉميع ﺑصوت واﺣد‪ ،‬ﺑقدر‬
‫استطﺎعتﻬﻢ‪ ،‬أن ﳛفﻈوا وﺟودﻫﻢ‪ ،‬وﻳسﻌوا ﲨيﻌﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻳفيدﻫﻢ ﲨيﻌﺎ((‪ .‬وﻫﻜذا ﻳﺮى )) أن النﺎس الذﻳﻦ ﳛﻜمﻬﻢ‬
‫الﻌقﻞ ‪ -‬أي الذﻳﻦ ﻳسﻌون إﱃ ﻣﺎ ﻫو ﻣفيد ﻷﻧفسﻬﻢ وفقﺎ للﻌقﻞ‪ ،‬ﻻ ﻳتمنون ﻷﻧفسﻬﻢ شيﺌﺎ ﻻ ﻳتمنوﻧﻪ أﻳﻀﺎ البقية‬
‫البﺸﺮ‪ ،‬و لتﺎﱄ ﻳتصﻒ سلوكﻬﻢ لﻌدالة واﻹﺧﻼص والﺸﺮف (‪ .‬وعلى ﻫذا النﺤو ﻳﺮد سبينوزا على أولﺌﻚ الذﻳﻦ‬

‫‪،‬ص‪72‬‬ ‫‪،‬ب‬ ‫از‪ .‬ب ت‪ -‬ل ان‪ :‬دار اﻷن ار لل اعة وال‬ ‫ش خ اﻷرض‪(. 1966) .‬س‬ ‫ن‪ ،‬ت ‪ :‬ت‬ ‫‪ -1‬أن ره‬
‫‪.1‬ص‪98‬‬ ‫وال زع‪،‬‬ ‫(‪ .‬س را‪ :‬دار ال ار لل‬ ‫العقل)فال فة الق ن ال ا ع ع‬ ‫‪(. 1989) .‬ع‬ ‫‪ -2‬س ارت هام‬

‫‪42‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﻳﺆكدون أن الﻌقﻞ ﻳفقد اﻣتيﺎزه إذا فقد عزلتﻪ‪ ،‬وﻳﻀع ﻣقﺎﺑﻞ ذلﻚ غﺎﻳة ﻣﻀﺎدة ﳉميع اﻷﺣﺮار ﻣﻦ النﺎس‪ ،‬ﻫﻲ عقﻞ‬
‫‪1‬‬
‫واﺣد وﺟسﻢ واﺣد‪.‬‬
‫‪ -5‬اﳋﲑ واﻟشﺮ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‪:‬‬
‫إن الطبيﻌة عند إسبينوزا ﺧﺎلية ﲤﺎﻣﺎ ﻣﻦ القيﻢ البﺸﺮﻳة و ﻳقول ذا الصدد‪ " :‬إﱐ ﻻ أعزو إﱃ الطبيﻌة ﲨﺎﻻ وﻻ ﻧﻈﺎم‬
‫وﻻ إﺿطﺮﺑة‪ ،‬فليﺲ ﰲ وسع اﳌﺮء أن ﻳقول عﻦ اﻷشيﺎء إ ﺎ ﲨيلة أو ﻗبيﺤة‪ ،‬ﻣنﻈمة أو ﻣﻀطﺮﺑة‪ ،‬إﻻ ﻣﻦ وﺟﻬة اﳋيﺎل‪،‬‬
‫واﳋﲑ والﺸﺮ ﻻ وﺟود ﳍمﺎ إﻻ ﰲ ذﻫننﺎ‪ ،‬ﻻ ﰲ الطبيﻌة‪ ،‬وليسﺖ ﳍمﺎ أﻳة دﻻلة ﻣيتﺎفيزﻳقية‪ ،‬و إﳕﺎ ﳘﺎ ﻳتﻌلقﺎن ﺑوﺟﻬة‬
‫ﻧﻈﺮ البﺸﺮ فﺤسب‪ ،‬وﺑﻌبﺎرة أﺧﺮى‪ ،‬فﺎﳋﲑ والﺸﺮ ﻻ ﻳدﻻن على ﺻفة إﳚﺎﺑية ﰲ اﻷشيﺎء ﻣنﻈورة إليﻬﺎ ﰲ ذا ﺎ‪ ،‬وإﳕﺎ‬
‫ﳘﺎ أﺣوال للفﻜﺮ أو ﻣوﺿوعﺎت فﻜﺮﻳة ﻧﻜﺆﻫﺎ ﻣﻦ ﻣقﺎرﻧة اﻷشيﺎء ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑبﻌض‪ .‬وﻫﻜذا ﳝﻜﻦ أن ﻳﻜون الﺸﻲء‬
‫‪2‬‬
‫الواﺣد ﰲ ﻧفﺲ اﻵن ﺧﲑ وشﺮ‪ ،‬وسوﻳة إزاء ﻫذا أو ذاك ‪.‬‬
‫ﻣﺜﺎل ذلﻚ‪ ،‬إن ﻫبوط سﻌﺮ سلﻌة ﻣﺎ ﳝﻜﻦ أن ﻳﻌد ﺧﲑة ﻣﻦ وﺟﻬة ﻧﻈﺮ الﺸﺎري‪ ،‬وشﺮة ﻣﻦ وﺟﻬة ﻧﻈﺮ البﺎﺋع‪ ،‬أﻣﺎ ﻣﻦ‬
‫وﺟﻬة ﻧﻈﺮ الﺸﺨص الذي لﻦ ﻳﺸﱰي ﻫذه السلﻌة ولﻦ ﻳبيﻌﻬﺎ وﻻ ﺻلة لﻪ ﺎ‪ ،‬فليﺲ ﳍذا اﳊﺎدث ﻣﻌﲎ أو ﻗيمة ﰲ‬
‫ذاتﻪ‪ .‬فﺈذا تسﺎءلنﺎ ﺑﻌد ذلﻚ عﻦ دﻻلة اﳊﺎدث أي ﻫبوط سﻌﺮ السلﻌة كمﺎ ﻫو ﰲ ذاتﻪ ‪ ،‬سيﻈﻬﺮ إن ﻫذا اﳊﺎدث ﰲ‬
‫ذاتﻪ ﻻ ﻳنطوي على ﻗيمة أو دﻻلة أﺧﻼﻗية ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳتﺨذ ﻫذه الدﻻلة ﻣﻦ وﺟﻬة النﻈﺮ الﺸﺨصية‪ ،‬وﻧتيﺠة للمقﺎرﻧة‬
‫ﳊوادث أﺧﺮى ﰲ سيﺎق اﳊيﺎة اليوﻣية‪ .‬ولذا ﻳذﻫب سبينوزا إﱃ وﺻﻒ الﺸﺮ ﻧﻪ سلب ﲝﺖ ﻷﻧﻪ ﻻ ﺻلة لﻪ ﳌﺎﻫية‬
‫الفﻌلية لﻸشيﺎء‪ .‬إذ أن الﺸﺮ ﳌفﻬوم السبينوزي ليﺲ إﻻ تﻌبﲑ عﻦ إﳔفﺎض ﻗوة الفﻌﻞ أو تفﻜيﻚ لﻌﻼﻗة‪ ،‬إﻻ أن‬
‫اﳔفﺎض ﻗوة الفﻌﻞ ليسﺖ شﺮ إﻻ ﻷ ﺎ تﻌدد الﻌﻼﻗة الﱵ تﺮكبنﺎ وﲣتزﳍﺎ‪ .‬لذلﻚ ﳝﻜﻦ أن ﻧﻀع تﻌﺮﻳفﺎ إﺟﺮاﺋية ﳌفﻬوم‬
‫الﺸﺮ عند إسبينوزا ‪ :‬ﻧﻪ تقدﱘ الﻌﻼﻗة الﱵ ﲤيز ﺣﺎﻻ ﻣﺎ وتفﻜﻜﻬﺎ‪ .‬وﻣﻦ ﻫذا اﳌنطلﻖ سوف ﻻ ﻳﻜون ﳑﻜنﺎ اﳊدﻳﺚ‬
‫عﻦ الﺸﺮ إﻻ ﻣﻦ وﺟﻬة النﻈﺮ اﳋﺎﺻة ﲝﺎل ﻣﺎ ﻣوﺟود فﻌﻼ‪ .‬فﻼ ﺧﲑ وﻻ شﺮ ﰲ الطبيﻌة‪ ،‬ﺑﻞ ﻫنﺎك فع وﺿﺎر لنسبة‬
‫لﻜﻞ ﳕﻂ ﻣوﺟود‪ .‬فﺎلﺸﺮ ﻫو سﻲء ﻣﻦ وﺟﻬة ﻧﻈﺮ ﻫذا اﳊﺎل أو ذاك‪ ،‬وﲟﺎ أﻧنﺎ ﺑﺸﺮ فﺈﻧنﺎ ﳓﻜﻢ على الﺸﺮ ﻣﻦ وﺟﻬة‬
‫‪3‬‬
‫ﻧﻈﺮ ‪.‬‬

‫‪.1 ،‬ص‪221‬‬ ‫از‪ .‬اﻹس رة‪ :‬دار ال فاء ل ن ا ال اعة وال‬ ‫‪ -1‬ز ا ف اد‪(. 2009) .‬س‬
‫ال جع ال اب ‪ ،‬ص‪.198‬‬ ‫‪-2‬ز ا ف اد)‪ ، (2009‬نف‬
‫وال اعة ‪ ،2 ،‬ص ‪.203‬‬ ‫لل‬ ‫‪:‬أ ل‬ ‫‪ .‬دم‬ ‫از وم لة ال ع‬ ‫ي‪ (2004) ،‬س‬ ‫‪-3‬ج ل دول ز‪،‬ت ‪ :‬أن ان م‬

‫‪43‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫وﻳﻌﺮف سبينوزا " اﳋﲑ" ﻣﺎ ﻧﻌلﻢ علﻢ ﻳقينﺎ أﻧﻪ فع لنﺎ ‪ ،‬و "الﺸﺮ" على الﻌﻜﺲ ﻣﻦ اﳋﲑ ﻣﺎ ﻧﻌلﻢ ﻳقينﺎ أﻧﻪ ﳛول دون‬
‫فوز ﲞﲑ ﻣﺎ ‪ ،1‬وﻫذا ﻳﻌﲏ أن اﳋﲑ والﺸﺮ إﳕﺎ ﻳوﺟدان ﰲ ذﻫننﺎ‪ ،‬أﻣﺎ ﰲ الطبيﻌة فﻬمﺎ ﻻ ﻳدﻻن على ﺻفة إﳚﺎﺑية ﰲ‬
‫اﻷشيﺎء ﻣنﻈورة إليﻬﺎ ﰲ ذا ﺎ وإﳕﺎ ﳘﺎ أﺣوال للفﻜﺮ أو ﻣوﺿوعﺎت ﻧﻜوﻫﺎ ﻣﻦ ﻣقﺎرﻧة اﻷشيﺎء ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑبﻌض‪ .‬وعلى‬
‫ﻫذا النﺤو ﻳستﻐﻞ إسبينوزا فﻜﺮتﻪ ﻫذه ﰲ ﺣﻞ اﳌﺸﻜلة القدﳝة الﻌﻬد‪ ،‬ﻣﺸﻜلة وﺟود الﺸﺮ ﰲ الﻌﺎﱂ‪ ،‬والتوفيﻖ ﺑﲔ الﺸﺮ‬
‫وﺑﲔ الفﺎعلية اﻹﳍية‪ .‬وﻧستطيع القول أن ﻃﺮﻳقة إسبينوزا اﳋﺎﺻة ﰲ ﺣﻞ ﻫذه اﳌﺸﻜلة ﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﻦ أوﺿﺢ أﻣﺜلة ﻣنﻬﺠﻪ‬
‫اﳋﺎص‪ ،‬أعﲏ ﻣنﻬﺞ اﳌﻌﺎدﻻت الذي عﺎﰿ فيﻪ ﻣﺸﺎكﻞ تقليدﻳة ﺑﻌبﺎرات تبدو ﰲ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ تقليدﻳة ﺑدورﻫﺎ‪ ،‬ولﻜﻦ دﻻلتﻬﺎ‬
‫اﳊقيقة ﺟدﻳدة كﻞ اﳉدة‪ ،‬وﲤﺜﻞ ﺧﺮوﺟة أسﺎسية على الﱰاث‪ .‬وﻫنﺎك وﺟﻬﺎن للﺤﻞ الذي أتى ﺑﻪ إسبينوزا ﳌﺸﻜلة‬
‫الﺸﺮ ﻣﻦ ﺣيﺚ عﻼﻗتﻬﺎ لفﺎعلية اﻹﳍية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ﰲ الوﺟﻪ اﻷول ﻳﺆكد إسبينوزا أن الﺸﺮ ﻗدم)‪ (Privation‬ﻻ ﺻلة لﻪ ﲟﺎﻫية اﻷشيﺎء‪ .‬وﻫو ﻳﺸﺮح ﻫذا الﻌدم ﻧﻪ‬
‫» کيﺎن عقلﻲ‪ ،‬وﻃﺮﻳقة ﰲ التفﻜﲑ عندﻣﺎ ﻧقوم ﺟﺮاء ﻣقﺎرﻧة ‪ ،‬ﰒ ﻳﻀﺮب إسبينوزا ﻣﺜﻼ لﺸﺨص الذي ﻧقول عنﻪ إﻧﻪ‬
‫أعمى ﻷﻧنﺎ ﻧقيسﻪ ﺑﻐﲑه ﻣﻦ اﳌبصﺮﻳﻦ‪ ،‬أﻣﺎ ﻣﻦ وﺟﻬة النﻈﺮ اﻹﳍية فﻼ ﳝﻜﻦ أن ﻳﻌد كذلﻚ‪ .‬فﺎﳊﺠﺮ ﻣﺜﻼ ﻻ ﻳقﺎل عنﻪ‬
‫إﻧﻪ أعمى‪ >> :‬إذ أن ﻫذا الﺮﺟﻞ ﻻ ﳝلﻚ وﻻ ﳝﻜﻦ أن ﳝلﻚ شيﺌﺎ سوى ﻣﺎ ﻣنﺤﻪ إ ه الﻌقﻞ اﻹﳍﻲ واﻹرادة اﻹﳍية‪.‬‬
‫كمﺎ أن ﷲ ليﺲ سبب عدم إﺑصﺎر ﻫذا الﺮﺟﻞ‪ ،‬ﻣﺜلمﺎ أﻧﻪ ليﺲ سبب عدم إﺑصﺎر اﳊﺠﺮ‪ ،‬وإﳕﺎ اﻷﻣﺮ ﻫنﺎ ﻳتﻌلﻖ‬
‫‪2‬‬
‫ﺑسلب ﲝﺖ‪.‬‬
‫ب‪ -‬وﻳﺮتبﻂ الوﺟﻪ الﺜﺎﱐ للﺤﻞ الذي أتى ﺑﻪ إسبينوزا ﳌﺸﻜلة عﻼﻗة الﺸﺮ لفﺎعلية اﻹﳍية لوﺟﻪ اﻷسﺎسﻲ اﻷول‬
‫إرتبﺎﻃﺎ وﺛيقة‪ .‬فﺈذا كﺎن الﺸﺮ ﻻ ﻳﻌﱪ عﻦ ﻣﺎﻫية إﳚﺎﺑية‪ ،‬وإﳕﺎ ﻫو عدم ﳏض ﻣستمد ﻣﻦ ﻣقﺎرﻧتنﺎ للﺤوادث ﺑﻌﻀﻬﺎ‬
‫ﺑبﻌض تبﻌﺎ لﻐﺎ تنﺎ اﳋﺎﺻة‪ ،‬فﻼ ﺑد أن الﺸﺮ‪ .‬واﳋﲑ أﻳﻀﺎ ﺑطبيﻌة اﳊﺎل ‪ -‬ﻣستمد ﻣﻦ ﻗيﻢ البﺸﺮ اﻹﺟتمﺎعية النﺎﲨة‬
‫عﻦ إتصﺎل النﺎس ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑبﻌض ﲝيﺚ أﻧنﺎ لو تصور ﺣﺎلة ﻃبيﻌية للنﺎس‪ ،‬ﻻ ﻳﻈﻬﺮ فيﻬﺎ ﺛﲑ القيﻢ اﻹﺟتمﺎعية ﺑﻌد‪،‬‬
‫فمﻦ اﶈﺎل أن ﻳﻜون للﺸﺮ فيﻬﺎ وﺟود‪ ،‬ففﻲ اﳊﺎلة الطبيﻌة‪ ،‬إذن‪ ،‬ﻳستﺤيﻞ تصور اﳋطيﺌة‪ ،‬وﻫﻲ ﻻ توﺟد إﻻ ﰲ ﺣﺎلة‬
‫ﻳتفﻖ فيﻬﺎ النﺎس على ﻣﻌﲎ اﳋﲑ والﺸﺮ‪ ،‬وﻳتﻌﲔ على كﻞ شﺨص أن ﻳطيع سلطة الدولة ‪ ...‬ففﻲ اﳊﺎلة الطبيﻌية ﻻ‬
‫ﻧستطيع أن ﻧتصور رغبة ﰲ إعطﺎء كﻞ ذي ﺣﻖ ﺣقﻪ‪ ،‬وﺑﻌبﺎرة أﺧﺮى ﻻ ﻳوﺟد ﰲ اﳊﺎلة الطبيﻌة شﻲء ﻳطﺎﺑﻖ الﻌدالة‬
‫والﻈلﻢ‪ ،‬وﻣﺜﻞ ﻫذه اﻷفﻜﺎر ﻻ تﻜون ﳑﻜنة إﻻ ﰲ دولة اﺟتمﺎعية‪ ،‬وﻣﻦ ﻫذا كلﻪ ﻳتﻀﺢ أن الﻌدل والﻈلﻢ‪ ،‬واﳋطيﺌة‬
‫والفﻀيلة‪ ،‬ﻫﻲ أفﻜﺎر ﺧﺎرﺟية وليسﺖ ﺻفﺎت تﻜﺸﻒ عﻦ ﻃبيﻌة الﻌقﻞ ‪.‬‬

‫ة الع ة لل ج ة‪،‬‬ ‫رة‪(2009) .‬عل اﻷخﻼق‪ .‬ب وت‪ :‬ال‬ ‫از اروخ‪ ، ،‬ت ‪ :‬جﻼل ال ي سع ‪ ،‬م اجعة‪ :‬ج رج‬ ‫‪-1‬اس‬
‫‪ ،1‬ص‪.29‬‬
‫ال جع ال اب ‪،‬ص ‪.199‬‬ ‫‪ -2‬ز ا ف اد ‪ ،‬نف‬

‫‪44‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫وﻳﻜﺸﻒ لنﺎ ﺣلﻪ ﻫذا عﻦ وﺟﻪ آﺧﺮ للﻐة إسبينوزا الﻼﻫوتية الﱵ إستﺨدﻣﺖ للتﻌبﲑ عﻦ ﻣﻌﺎﱐ ﻻ ﺻلة ﺎ ﲟﺠﺎل‬
‫الﻼﻫوت على اﻹﻃﻼق‪ ،‬فوﺟﻬة النﻈﺮ اﻹﳍية الﱵ ﻻ ﻳﻜون للﺸﺮ ﻣﻌﲎ فيﻬﺎ ليسﺖ إﻻ النﻈﺎم الﻀﺮوري لﻸشيﺎء‪،‬‬
‫والقول إن ﷲ ﻻ ﳝﻜﻦ أن ﻳﻜون علة للﺸﺮ ﻷن ﷲ للمﺎﻫيﺎت اﻹﳚﺎﺑية فﺤسب‪ ،‬ليﺲ إﻻ تﻌبﲑا ﻣدرسية عﻦ القول إن‬
‫الطبيﻌة إذا ﻣﺎ ﻧﻈﺮ إليﻬﺎ ﰲ ﺿﺮور ﺎ الﺸﺎﻣلة ﻻ تﻌﺮف القيﻢ ﲟﻌنﺎﻫﺎ البﺸﺮي‪ ،‬ﺑﻞ إن البﺸﺮ ﻫﻢ الذﻳﻦ ﻳقتطﻌون ﻣﻦ‬
‫‪1‬‬
‫ا ﺮى الﻀﺮوري للطبيﻌة ﺣوادث ﻣﻌينة ﻳنﻈﺮون إليﻬﺎ ﻣﻦ ﻣصﺎﳊﻬﻢ اﳋﺎﺻة فﲑون فيﻬﺎ ﺧﲑة أو شﺮ( ‪.‬‬

‫ال جع ال اب ‪،‬ص ‪.201‬‬ ‫‪ -1‬ز ا ف اد ‪ ،‬نف‬

‫‪45‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫استطﺎع سبينوزا أن ﻳقدم فلسفة عملية ﲢﺮر اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ اﳌفﺎﺟﺂت والﻼﻣتوﻗع الذي ﻳﺸﻐﻞ ﻗدرة اﻹﻧسﺎن‬
‫على الفﻬﻢ واﳌﻌﺮفة‪ ،‬وذلﻚ ﺑﺮد الﻜﺜﺮة والتنوع إﱃ الوﺣدة‪ ،‬والﺸتﺎت إﱃ الﻀﺮورة‪ ،‬وﻳﺮى أن ﻣبدأ وﺣدة الﻜﻞ ﻫو" ﷲ "‬
‫كﻒ ﷲ ﰲ عقﻼﻧية سبينوزا ﻣﻦ أن ﻳﻜون ﻣﺜﺎﻻ ﻣتﻌﺎليﺎ وﻳستﻌصﻲ على إدراك اﻹﻧسﺎن وفﻬمﻪ ‪.‬‬
‫أو" الطبيﻌة"‪ ،‬و لتﺎﱄ ّ‬
‫فﻬو ﻳتقدم ﰲ أﺑسﻂ ﺻوره وﻳدرك ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻفﺎتﻪ ‪ les attributs‬الﱵ اﺧتزلﺖ ﰲ الفﻜﺮ واﻻﻣتداد ‪.‬‬

‫وداﺧﻞ ﻫذه اﻷﻧطلوﺟيﺎ‪ ،‬اﻹﻧسﺎن ليﺲ ﳎﺮد ﺣﺎل ﻣﻦ أﺣوال الطبيﻌة‪ ،‬إﻧﻪ كﺎﺋﻦ ﻣفﻜﺮ ﻻ ﻳنقطع عﻦ اﳊﺮكة‬
‫ﻧتيﺠة تفﺎعلﻪ ﻣع اﻷﺟسﺎم اﳋﺎرﺟية‪ ،‬وﻳسﻌى إﱃ ﻣﻌﺮفة ذاتﻪ والﻌﺎﱂ ﺣيﺚ تزداد فﺎعليتﻪ وﻗدرتﻪ على الفﻌﻞ كلمﺎ‬
‫ازدادت ﻣﻌﺎرفﻪ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ ‬الف ل ال ال ‪:‬‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﻣﺆﻳﺪي ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬


‫‪ -1‬ﻫﻴﻐﻞ‬
‫‪ -2‬اﻧﺠﻠﺰ‬
‫‪ -3‬ﻓﺨﺘﻪ‬
‫‪ -4‬ارﻧﺴﺖ رﻳﻨﺎن‬
‫‪ -5‬ﻓﻮﻟﺘﻴﺮ‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻨﺘﻘﺪي ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا‬


‫‪ -1‬ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ‬
‫‪ -2‬راﻳﺸﻨﺒﺎخ‬
‫‪ -3‬ﻫﻴﻮم‬
‫‪ -4‬ﷴ إﻗﺒﺎل‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫ﲤﻬﻴﺪ‬

‫لﻌﻞ اﳌتتبع واﳌستقﺮئ لتﺎرﻳﺦ الفﻜﺮ‪ ،‬ﳚد عددا ﻗليﻼ ﻣﻦ الﺸﺨصيﺎت التﺎرﳜية الﱵ سﺠلﺖ أﲰﺎﺋﻬﺖ ﰲ ﻗﺎﺋمة‬
‫أكﺜﺮ الفﻼسفة ﲤيزا ﰲ ا ﺎﻻت السيﺎسية واﻻﺟتمﺎعية والﱰﺑوﻳة‪ ،‬ولﻌﻞ الففيلسوف سبينوزا ﻳﻌد واﺣدا ﻣنﻬﺎ‪ ،‬إذ ﺑﻌد‬
‫وفﺎة ﻫذا الفيلسوف ﻻزال ﻳﻈﻬﺮ ﺛﲑه وﻣﻜﺎﻧتﻪ البﺎرزة ﰲ الفﻜﺮ اﻹﻧسﺎﱐ والفﻜﺮ اﳊدﻳﺚ واﳌﻌﺎﺻﺮ ﻣﻌﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ‬
‫ﺟﺎء ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ ت وﺧﺎﺻة ﻣنﺎداتﻪ ﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية‪ ،‬وﻗد ذاع ﺻيﺖ سبينوزا ﰲ الفﻜﺮ الﻐﺮﰊ واﻹسﻼﻣﻲ‪،‬‬
‫فﻬنﺎك ﻣﻦ أﻳد ﻫذا الفﻜﺮ وﻫنﺎك ﻣﻦ اﻧتقده وﻫذا ﻣﺎ سنتنﺎولﻪ ﺧﻼل ﻫذا الفصﻞ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﻣؤﻳﺪي ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫كﺎن لفلسفة سبينوزا ﺻدى كبﲑ ﰲ فلسفة الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ وﺣﱴ ﰲ الفلسفة اﳌﻌﺎﺻﺮة فﻬﻲ ﻻ تﻌﱪ عﻦ أفﻜﺎر‬
‫وأراء سبينوزا فقﻂ وإﳕﺎ كﺎﻧﺖ تنص على إشﻜﺎليﺎت وﻗﻀﺎ راﻫنية وﻣستقبلية‪ ،‬فقد عﺎﳉﺖ ﻗﻀﺎ ﱂ ﻳسبﻖ اﻹشﺎرة ﳍﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻗبﻞ الفﻼسفة واﳌفﻜﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻗبلﻪ‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎ ﻳفسﺮ ﺛﺮ ﳎموعة ﻣﻦ الفﻼسفة ﲟﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﻣﻦ أفﻜﺎر وﻣنطلقﺎت‬
‫موعة ﻣﻦ الفﻼسفة الذي أﻳدوا فلسفة سبينوزا وﳘﺎ‪:‬‬ ‫فلسفية‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎ سنسلﻂ عليﻪ الﻀوء ﻣﻦ ﺧﻼل اﺧتيﺎر‬

‫‪ -1‬ﻫﻴﻐﻞ ‪:‬‬

‫ﺑﲔ ﻫﻴﻐﻞ* أن فلسفة سبينوزا ﻫﻲ النقطة اﳌﺮكزﻳة لبداﻳة الفلسفة اﳊدﻳﺜة فقد استطﺎع سبينوزا أن ﳚﻌﻞ ﻫذا الفﻜﺮ‬
‫‪1‬‬
‫اﳌتﺤﺮر ﻣﻦ كﻞ القيود أن ﻳﻜون ﻣﺮﺟع للﻌدﻳد ﻣﻦ الفﻼسفة واﳌفﻜﺮﻳﻦ ﰲ الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ واﳌﻌﺎﺻﺮ‪.‬‬

‫اﻧطلﻖ ﻫيﻐﻞ ﻣﻦ ﻣﻦ فﻜﺮ سبينوزا إذ ﳒد أن ﻫيﻐﻞ ﻗد اعتمد على ﻧفﺲ اﳌبدأ الذي ﻳتمﺜﻞ ﰲ أن" ﻟكﻞ ﺗﻌﲔ‬
‫ﺳﻠﺐ وان ﲨﻴع اﻟﺘﺤﺪ ت ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺳﻠﺐ‪ ،‬ﻓﺘﺤﺪﻳﺪك ﻟشﻲء ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻦ داﺋﺮة اﻟوﺟود ﻓقوﻟﻚ ﻋﻦ‬
‫ﺷﻲء اﻧﻪ اﺧﻀﺮ ﻳﻌﲏ ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻦ داﺋﺮة اﻷزرق واﻷﻟوان"‪ 2‬ﺣيﺚ اعتمد سبينوزا على ﲢدﻳد عنﺎﺻﺮ اﻷشيﺎء وتﻌيﲔ‬
‫ﺻفﺎ ﺎ ﻣﻦ اﺟﻞ ﻧفيﻬﺎ عﻦ اﻧتﺤﺎل الصفة الﺜﺎﻧية‪.‬‬

‫ﻗولنﺎ ن اﻷشيﺎء اﳌوﺟودة ﰲ الﻜون ﻳﻌﲏ إﻧنﺎ ﻧفينﺎ عنﻬﺎ ﺻفة اﻻﻧﻌدام فﺈﺛبﺎتنﺎ ﺻفة ﻣﻌينة لﺸﻲء ﻣﺎ ﻳﻌﲏ‬
‫ﻧفيﻬﺎ لﻀد الصفة اﻷوﱃ وﻗد كﺎن اﳌبدأ ﻫو اﻷسﺎس ﰲ فلسفة ﻫيﻐﻞ‪ ،‬اﻻ أن ﻫذا اﻷﺧﲑ ﻗد اﲣذ الصورة اﳌقﺎﺑلة والﱵ‬
‫تتمﺜﻞ ﰲ "كﻞ ﲢدﻳد ﻫو تﻌﲔ أو سلب‪ ،‬فمبدأ سبينوزا ﻫو إﳚﺎب الﺸﻲء ﻫو ﻧفيﻪ‪ ،‬أﻣﺎ ﻣبدأ ﻫيﻐﻞ فﺈن الﺸﻲء ﻫو‬
‫‪3‬‬
‫إﳚﺎﺑﻪ او سلب الﺸﻲء ﻳﻌﲏ وﺿﻌﻪ"‪.‬‬

‫*ﻫﻴﻐﻞ‪ :‬فيلسوف أﳌﺎﱐ ولد سنة ‪ ،1770‬وتوﰲ ‪ ،1831‬كتب ﰲ ﻣﻼت وﻣقﺎﻻت ﲢصﻞ على دﺑلوﻣﻪ ﰲ الﻼﻫوت‪ ،‬عزف عﻦ‬
‫ﻣﻬنة القﺲ واﲡﻪ إﱃ أن ﻳصﲑ ﻣﺆد ﺧصوﺻيﺎ‪) .‬ﺟورج ﻃﺮاﺑيﺸﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ الفﻼسفة‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪(721‬‬

‫‪ / 1‬ولﱰ سﱰﻳﺲ‪ ،‬فلسفة ﻫيﻐﻞ‪ ،‬ﻣيﺸيﻞ ﻣينﺎس‪ ،‬ﻫيﻐﻞ والدﳝوﻗﺮاﻃية‪ ،‬ا لد‪ ،2‬تﺮ‪ :‬إﻣﺎم عبد الفتﺎح إﻣﺎم‪ ،‬ﻣﻜتبة ﻣدﺑوﱄ‪ ،1996 ،‬ص‬
‫‪.60‬‬
‫‪ / 2‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪49‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫تﺆكد فلسفة سبينوزا ن إذا ﻧفينﺎ عﻦ الﺸﻲء ﺣﺎلة ﻣﻌينة فيﻌﲏ إﻧنﺎ ﺣصلنﺎ على اﳚﺎﺑيﺎت‪ ،‬أﻣﺎ ﰲ فلسفة ﻫيﻐﻞ‬
‫فﺄﺧذت الصورة ﻣبدأ ﻣﻐﺎﻳﺮ وان كﺎﻧﺖ ﳍﺎ ﻧفﺲ اﻻﻧطﻼﻗة‪ ،‬ولﻜﻦ ﺑﺸﻜﻞ أﺧﺮ فﺈن اﳚﺎﺑية الﺸﻲء تﻜمﻦ عندﻣﺎ تقوم‬
‫ﺑنفيﻪ ﻣﻦ اﺟﻞ أن ﻻ ﻳتﺨذ الصورة اﳌقﺎﺑلة وﻳنﺤصﺮ ﰲ الصفة اﳌنفية عليﻪ‪ ،‬فﺎلنفﻲ ﰲ فلسفة سبينوزا ﻳتﻀمﻦ إﺛبﺎت‬
‫اﻹﳚﺎب واﻹﳚﺎب ﻳتﻀمﻦ لﻀﺮورة النفﻲ‪ ،‬فﺈذا ﺣصلنﺎ على اﳚﺎﺑيﺎت اﻷشيﺎء فيﻌﲏ أﻧنﺎ ﻧفينﺎ عنﻬﺎ اﳉواﻧب السلبية‬
‫اﻷﺧﺮى‪ ،‬وﻫو اﻷﻣﺮ ﻧفسﻪ عند ﻫيﻐﻞ‪.‬‬

‫ﺛﺮ ﻫيﻐﻞ لفﻜﺮة الﱵ دى ﺎ سبينوزا وﻫﻲ فﻜﺮة اﻻ ﻣتنﺎﻫﻲ‪ ،‬وﻗد ﺣصﺮ سبينوزا ﻫذه الفﻜﺮة ﰲ اﳉوﻫﺮ اﻷزﱄ‬
‫الﺜﺎﺑﺖ وﻫو ﷲ والتنﺎﻫﻲ ﺻفة ﲣص اﳌوﺟودات الﱵ ﳍﺎ علة ﰲ الوﺟود‪ ،‬ﺣيﺚ تﻈﻬﺮ فﻜﺮة اﻻ ﻣتنﺎﻫﻲ ﰲ "أن اﻟشﻲء‬
‫اﻻ ﻣﺘﻌﲔ ﻓﺎﻻ ﻣﺘﻨﺎﻫﻲ ﻟﻴﺲ ﻫو اﻟﺬي ﻻ ﺎﻳﺔ ﻟﻪ وﻻ ﻏﲑ ﳏﺪد أو ﻣﺘﻌﲔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫو ﻣﺘﻌﲔ ﺑﺬاﺗﻪ واﶈﺪود ﺑﺬاﺗﻪ‪ ،‬وﻫﻲ‬
‫ﻓكﺮة رﺋﻴسﻴﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﻫﻴﻐﻞ"‪ 1‬فﻜﻞ ﻣوﺟود ﳝﻜﻦ ﲢدﻳده ﻫو شﻲء لﻪ علة ﰲ الوﺟود ﻳﻌود إﱃ وﺟود ﺟوﻫﺮ ﻫو‬
‫الذي أوﺟد اﻷشيﺎء اﳌمتدة ﻣنﻬﺎ وغﲑ اﳌمتدة وأﻧﻪ علة لﻜﻞ اﳌوﺟودات كمﺎ أﻧﻪ علة عدم وﺟود اﳌوﺟودات‪ ،‬وﻣﻦ‬
‫ﺧﻼل ﻫذا اﳌنطلﻖ أسﺲ ﻫيﻐﻞ فلسفتﻪ ﺣيﺚ ﳒده ﻳدافع عﻦ سبينوزا ﰲ ا ﺎﻣﻪ ﻹﳊﺎد ﻣﻦ ﻃﺮف ﻃﺎﺋفة ﻳﻬودﻳة‬
‫وذلﻚ ﺑسبب ﻧقده للﻜتﺎب اﳌقدس‪ ،‬ورفﻀﻪ لتﺠسيد الدﻳﻦ الذي كﺎن ﻣزﻳﻒ وﱂ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﱪ عﻦ ﺣقيقتﻪ‪ ،‬ﻫذا ﻣﺎ دفع‬
‫ﻫيﻐﻞ إﱃ توﺿيﺢ فﻜﺮة اﻹﳊﺎد الﱵ ﻧسبﺖ إﱃ سبينوزا ﺧﻼل القﺮن ‪ 17‬و ‪ ،18‬ﺣيﺚ رد ﻫيﻐﻞ على ﻫذه التﻬمة‬
‫ﺑقولﻪ‪" :‬أن ﻫوﻳﺔ ﷲ ﻣع اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﻠﻐﻲ اﻹﳊﺎد" ليقﱰح ﺑدﻳﻼ ﻣﻦ تسميتﻪ ﻹﳊﺎد )الﻺﳍية( أن ﻳسمى اﻟﻼﻛوﻧﻴﺔ * أو‬
‫الﻼ ﻃبيﻌة ﺣيﺚ ﻻ ﻳﻜون للﻜون وﺟود ﰲ ذاتﻪ‪ ،‬ﻷن كﻞ ﻣﺎ ﻳوﺟد إﳕﺎ ﻳوﺟد ﰲ ﷲ ﺣيﺚ ﻳقول أن ﻣزاعﻢ أولﺌﻚ‬
‫الذﻳنﻦ ﻳتﻬمون سبينوزا ﻹﳊﺎد ﳐﺎلفة للﺤقيقة على ﺧﻂ ﻣستقيﻢ‪ ،‬فلدى سبينوزا ﻣﻦ ﷲ‪ ،‬أكﺜﺮ ﳑﺎ ﻳنبﻐﻲ"‪ ،2‬ﺑﲔ‬
‫ﻫيﻐﻞ أن سبينوزا ﱂ ﻳﻜﻦ ﻣلﺤدا‪ ،‬وإﳕﺎ أراد أن ﻳبﲔ ن الﻜون ﻫو ﺟزء ﻣﻦ ﷲ وذلﻚ ﻻن ﻣﺎ ﳛدث فيﻪ ﻣﻦ إرادة ﷲ‪،‬‬
‫وان ﷲ ﻫو الذي أوﺟده‪ ،‬و لتﺎﱄ فﻬو ﺧﺎﺿع لقواﻧﲔ الﱵ ﻳفﺮﺿﻬﺎ ﷲ وﻗد وﺿﺢ ﻫيﻐﻞ فﻜﺮة اﻹﳊﺎد‪ ،‬ﺣيﺚ ﺑﲔ أن‬
‫ﷲ عند سبينوزا ﻣوﺟود ولﻜﻦ ليﺲ ﺑصورة الﱵ ﻳفﻬمﻬﺎ الﻌﺎﻣة ﻣﻦ النﺎس‪ ،‬ﺑﻞ ﲢتﺎج إﱃ ﻣﻞ فﻜﺮي وفلسفﻲ‪ ،‬وﻫذا‬
‫الطﺎﺑع الذي ﺟﻌﻞ فلسفة سبينوزا تتميز لﻌمﻖ والﻐموض ليصﻞ للمقصد اﳊقيقﻲ الذي ﻳﺮﻳد أن ﻳصﻞ إليﻪ وﻫو اليقﲔ‬
‫اﳌطلﻖ الذي ﻻ ﳝﻜﻦ التﺸﻜيﻚ فيﻪ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ /‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬دار الوفﺎ لدﻧيﺎ الطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﻣصﺮ‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص ‪.111‬‬
‫*اﻟﻼﻛوﻧﻴﺔ‪ :‬ﻣصطلﺢ استﺨدﻣﻪ ﻫيﻐﻞ ﰲ وﺻﻒ ﻣذﻫب سبينوزا القﺎﺋﻞ ن الﻜون ﻻ وﺟود لﻪ ﰲ ذاتﻪ ﻷن كﻞ ﻣوﺟود إﳕﺎ ﻣوﺟود ﰲ‬
‫ﷲ‪) .‬فﺆاد كﺎﻣﻞ واﺧﺮون‪ ،‬اﳌوسوعة الفلسفية اﳌﺨتصﺮة‪ ،‬دار اﳌﻌلﻢ‪ ،‬ﺑﲑوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ص ‪.(532‬‬
‫‪ / 2‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪105‬‬

‫‪50‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫‪ -2‬اﳒﻠﺰ ‪:‬‬

‫ﺛﺮ اﳒﻠﺰ* ﺑفﻜﺮ سبينوزا وﺧﺎﺻة لفﻜﺮة القﺎﺋلة ﺑوﺣداﻧية اﳉوﻫﺮ‪ ،‬فلقد اعتمدت فلسفة سبينوزا على فﻜﺮة وﺣدة‬
‫الوﺟود‪ ،‬وﻫﻲ فﻜﺮة ﺟﺎءت كﺮد على الﺜنﺎﺋية الدﻳﻜﺎرتية الذي ارﺟع أﺻﻞ الوﺟود إﱃ اﳌمتد والﻼ ﳑتد‪ ،‬أي ﻣﻦ اﳌﺎدة‬
‫والﱵ ﲤﺜﻞ اﳉسﻢ وﻣﻦ اﳉوﻫﺮ الذي ﳝﺜﻞ الﺮوح‪ ،‬لتﺄﰐ فلسفة سبينوزا والﱵ كد ن ﲨيع اﳌوﺟودات وﺟودﻫﺎ ﻣتوﻗﻒ‬
‫على ﺟوﻫﺮ واﺣد وﻫو الﺮوح الذي ﻳنﺤﻞ ﰲ ﷲ‪ ،‬وان ﻫذا اﳉوﻫﺮ ﻫو علة ﰲ إﺛبﺎت وﺟود اﻷشيﺎء ﰲ الﻜون وﻻ ﳝﻜﻦ‬
‫أن ﻳوﺟد شﻲء ﻣستقﻞ عنﻪ فﻬو أﺻﻞ الوﺟود كلﻪ سواء الوﺟود اﳌﺎدي او الوﺟود الﺮوﺣﻲ‪.‬‬

‫ﻳﺆكد اﳒلز ﰲ ﻫذه الفﻜﺮة‪ " :‬ﻧﻪ ﻳؤﻣﻦ ﺑﻔكﺮة ﺳﺒﻴﻨوزا اﻟقﺎﺋﻠﺔ أن اﻻﻣﺘﺪاد واﻟﻔكﺮ ﺻﻔﺘﺎن ﳉوﻫﺮ واﺣﺪ ﻻن‬
‫اﻟﻔكﺮة ﻟﻴسﺖ ﳍﺎ دﻻﻟﺔ ﺳوى اﻟﺪﻻﻟﺔ اﳌﺎدﻳﺔ"‪ 1‬ليﻌود ﻫنﺎ اﳒلز للتﺄكيد ن الﺸﻲء ﻳﻌود ﰲ اﻷﺻﻞ إﱃ ﻣصدر واﺣد‬
‫ﻫو اﳉوﻫﺮ‪ .‬فقد ﺟﻌﻞ سبينوزا عﻼﻗة ﺑﲔ الدال واﳌدلول ﻣﻦ ﺧﻼل ﲢليﻞ اﳌصطلﺤﺎت اللفﻈية وﺟﻌﻞ ﳍﺎ تفسﲑ ﻣﺎد‬
‫وإرﺟﺎعﻬمﺎ إﱃ ﻣصدر واﺣد ﻫو اﳉوﻫﺮ‪ ،‬فﺎلﻌﻼﻗة ﺑﲔ الدال واﳌدلول كﻌﻼﻗة اﳉﺎﻧب الﺮوﺣﻲ ﳉﺎﻧب اﳉسدي ﺣيﺚ‬
‫أن وﺟود اﳉسد ﻣتوﻗﻒ عﻦ وﺟود الﺮوح‬

‫‪ -3‬ﻓﺨﺘﻪ‪:‬‬

‫*ﻓﺮﻳﺪﻳﺮﻳﻚ اﳒﻠﺰ‪ :‬ولد سنة ‪ 1820‬وتوﰲ ﰲ لندن ‪ 1895‬كﺎﻧﺖ أسﺮتﻪ تﻌتنﻖ اﳌذﻫب اللوﺛﺮي وكﺎن والده ﺻﺎﺣب ﻣصنع ﻧسيﺞ وﻗد‬
‫غدا اﳒلز ﻣنذ سﻦ ﻣبﻜﺮة ﻣﻦ اﻷﻧصﺎر اﳌتﺤمسﲔ للﻬيﺠلية اليسﺎرﻳة ذات النزعة الﻼكوﻧية واﳌنﺎﻫﻀة لﻼﻫوت أﺻبﺢ ﺑﻌد ذلﻚ اشﱰاكيﺎ‬
‫وكتب على النقد اﻻﻗتصﺎدي السيﺎسﻲ ووﺿع الطبقة الﻌﺎﻣلة ﰲ اﳒلﱰا )ﺟورج ﻃﺮاﺑيﺸﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ الفﻼسفة‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.(99‬‬
‫‪ / 1‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ ‬ف ه‪ :‬إﺑﻦ فﻼح ﻣﻦ اﻫﻞ سﻜسوﻧيﺎ واﺧذ ﻳقطع ﻣﺮاﺣﻞ التﻌليﻢ‪ ،‬ﺣﱴ ﺑلغ إﱃ اﳌﺮﺣلة اﳉﺎﻣﻌية وﻫو ﰲ الﺜﺎﻣنة عﺸﺮة‬
‫فﺈﺟتﺎزﻫﺎ لﺮغﻢ ﳑﺎ ﻧزل ﺑﻪ ﻣﻦ ﺿنﻚ شدﻳد ﺑوفﺎة كفيلﻪ‪.‬‬

‫درس الﻼﻫوت وفقﻪ اللﻐةى والفلسفة ﰲ اﻳينﺎ وليزﺑﺞ وﻃوف ﰲ أرﺟﺎء أﳌﺎﻧيﺎ ليوسع ﻣﻦ ﺛقﺎفتﻪ‪.‬وﻫو ﰲ عمﺮ الﺜﺎﻣنة والﻌﺸﺮون‬
‫وﻗﻒ على كتب كﺎﻧﻂ وﻣﻦ ذلﻚ الوﻗﺖ وﺟد وﺟﻬتﻪ الﻌقلية وﰲ سنة ‪ 1793‬عﲔ استﺎذا ﲜﺎﻣﻌة اﻳينﺎ‪ .‬ﰲ ﻫذه اﳉﺎﻣﻌة ﺑسﻂ ﻣذﻫبﻪ‬
‫ﰒ ﻧﺸﺮه ﰲ كتﺎب اﳌبﺎدئ اﻷسﺎسية لنﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة ‪ 1794‬الذي ﻳﻌد اﻫﻢ كتبﻪ والذي كﺎن ﻣوﺿع عنﺎﻳة اﳌتصلة ﻳنقﺤﻪ ستمﺮار ليﺠﻌلﻪ‬
‫أكﺜﺮ كمﺎﻻ واﻗﺮب ﻣﺜﺎﻻ ﰒ ﻧﺸﺮ كتﺎ ﰲ القﺎﻧون الطبيﻌﻲ ‪ 1796‬واﳌدﺧﻞ اﻷول إﱃ ﻧﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة ‪ 1797‬ﻫو ﺧﲑ عﺮض ﳌذﻫبﻪ‬
‫والفلسفة اﳋلقية ‪ 1798‬واذاع ﻣقﺎﻻ ﰲ ﻣبدأ اعتقﺎد ﺑﻌنﺎﻳة إﳍية ‪ 1798‬فﺈ مﻪ كﺎتب ﻻﳊﺎد‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫ﻳﻌتﱪ فﺨتﻪ* ﻣﻦ الفﻼسفة اﳌتﺄﺛﺮﻳﻦ ﺑفلسفة سبينوزا وﻳﻈﻬﺮ ذلﻚ ﰲ فﻜﺮتﻪ عﻦ اﻻﻫوت والسيﺎسة فقد كﺎن ﻣيﻞ‬
‫فﺨتﻪ ﳍذا الفﻜﺮ واﺿﺤﺎ فقد "أﻛﻤﻞ ﻓﺨﺘﻪ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺻﻠﻲ اﳌﻤﺎﺛﻠﺔ ﳊﺮﻳﺔ اﳋﻄﺎب‬
‫اﻹﻧسﺎﱐ وﻣﺒﺪأ اﻻﻧﺘقﺎل ﻣﻦ ﷲ إﱃ اﻹﻧسﺎن"‪ 1‬ففلسفة سبينوزا ﺑدأت ﻣﻦ عﺎﱂ السمﺎء إﱃ عﺎﱂ اﻷرض‪ ،‬ليﺜبﺖ‬
‫سبينوزا ن ﷲ ﻣوﺟود ﰒ تطﺮق إﱃ إﺛبﺎت اﳌوﺟودات اﻷﺧﺮى على أسﺎس أن ﷲ ﻫو علة الوﺟود وﻗد اﻧطلﻖ فﺨتﻪ ﻣﻦ‬
‫ﻧفﺲ الطﺮﻳقة الﱵ ﺑدأ ﺎ سبينوزا‪ .‬لتمﺜﻞ ذا فلسفة فيﺨتﻪ اﻣتدادا لفلسفة سبينوزا والﱵ عﺎﳉﺖ ﲨيع ا ﺎﻻت‪.‬‬

‫‪ -4‬ارﻧسﺖ رﻳﻨﺎن ‪:‬‬

‫ﳒد أن ارﻧسﺖ رﻳﻨﺎن* ﺛﺮ ﺑفﻜﺮة وﺟود ﷲ عند سبينوزا ﺣيﺚ ﻳقول‪ " :‬رﲟﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺷوﻫﺪ ﷲ ﻣﻦ اﻗﺮب‬
‫ﻣسﺎﻓﺔ"‪ 2‬فسبينوزا أعطى الصورة اﳊقيقية والﱵ تقﺮب ﷲ إﱃ فﻜﺮ اﻷفﺮاد أكﺜﺮ وﺑﻌد إﺛبﺎت ﷲ عند سبينوزا وتقﺮﻳبﻪ إﱃ‬
‫اﻷذﻫﺎن فقد توﺻﻞ ﰲ اﻷﺧﲑ إﱃ أن ﷲ ﻫو علة الوﺟود ﰒ أن ﻣﻌﺮفة ﷲ تﺆدي لﻌقﻞ إﱃ ﳑﺎرسة وﻇيفتﻪ التفﻜﲑﻳة‬
‫وﻣنﻪ ﻳنطلﻖ إﱃ اكتﺸﺎف اﳌوﺟودات اﻷﺧﺮى‪.‬‬

‫‪ -5‬ﻓوﻟﺘﲑ ‪:‬‬

‫وﺟدت فلسفة سبينوزا ﻗبوﻻ ﻣﻦ ﻃﺮف الﻜﺜﲑ ﻣﻦ الفﻼسفة ﰲ زﻣﺎﻧﻪ وﺣﱴ ﺑﻌد عصﺮه‪ ،‬وكﺎﻧﺖ اﳌيزة اﻷكﺜﺮ ﺛﲑا‬
‫على الفﻼسفة ﻫﻲ ﻣيزة إﳊﺎده ﺣيﺚ ﻳبدو ﰲ ﻇﺎﻫﺮه ﻣلﺤدا أﻣﺎ ﰲ البﺎﻃﻦ فقد ﺟسد اﻹلﻪ ﺑطﺮﻳقة ﻣﻐﺎﻳﺮة ﳌﺎ كﺎن‬
‫سﺎﺋدا ﰲ الفلسفة القدﳝة وﺣﱴ اﳊدﻳﺜة‪.‬‬

‫ﺑﲔ الفيلسوف ﻓوﻟﺘﲑ* ﻫو اﻷﺧﺮ ن فﻜﺮة اﻹﳊﺎد الﱵ ﻳقع فيﻬﺎ كﺜﲑ ﻣﻦ الفﻼسفة واﳌفﻜﺮﻳﻦ ﻻ تﺸﲑ إﱃ اﳌﻌﲎ‬
‫اﳊقيقﻲ لﻺﳊﺎد ﻻن اﳌلﺤد ﰲ ﻧﻈﺮ فولتﲑ ﳚب أن ﻳقول ﲜميع اﻷشيﺎء ﺣيﺚ ﻳقول فولتﲑ‪" :‬إن اﳌﻠﺤﺪ ﻣﻀﻄﺮ أن‬
‫ﻳقﺮ ﺑﻠﺰوم ﺑكﻞ ﺷﻲء ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺳﺒﻴﻨوزا وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳقﺒﻞ ن ﻛﻞ ذرة ﻣﻦ اﻟﻐﺒﺎر ﺣﺘﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗكون ﻛﻤﺎ ﻫﻲ‪،‬‬

‫‪ / 1‬دﻳدﻳﻪ ﺟوليﺎ‪ ،‬فﺨﺖ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺣسيب النمﺮ‪ ،‬اﳌﺆسسﺎت الﻌﺮﺑية للدراسﺎت والنﺸﺮ‪ ،‬ط‪ ،1980 ،1‬ص ‪.29‬‬
‫*ارﻧسﺖ رﻳﻨﺎن‪ (1892-1823) :‬ﻣستﺸﺮق وﻣفﻜﺮ فﺮﻧسﻲ عﲎ ﺧصوﺻﺎ ﺑتﺎرﻳﺦ اﳌسيﺤية وشﻌب إسﺮاﺋيﻞ كﺎن ﻳتقﻦ اللﻐة الﻌﱪﻳة‪،‬‬
‫أﻣﺎ اللﻐة الﻌﺮﺑية فلﻢ ﻳتقنﻬﺎ وﻻ ﻳنﺸﺮ أي ﻧص عﺮﰊ‪) .‬عبد الﺮﲪﺎن ﺑدوي‪ ،‬ﻣوسوعة اﳌستﺸﺮﻗﲔ‪ ،‬دار اﳌﻌلﻢ للمﻼﻳﲔ‪ ،‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪ ،1993‬ص ‪.(311‬‬
‫‪ / 2‬ﺟورج ﻃﺮاﺑيﺸﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ الفﻼسفة‪ ،‬دار الطليﻌة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،2006 3‬ص ‪.359‬‬

‫‪52‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫وأن ﺗوﺟﺪ ﺑﻀﺒﻂ ﰲ اﻟﻨقﻄﺔ اﻟﱵ ﺗوﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ"‪ 1‬ليﺆكد فولتﲑ ن اﻹﳊﺎد الذي ا ﻢ ﺑﻪ سبينوزا على اﻧﻪ كﺎن اﳊﺎد‬
‫شﺎﻣﻞ لﻜﻞ اﳉواﻧب ﺣيﺚ أن اﳌلﺤد ﻻ ﻳتوﻗﻒ ﰲ كوﻧﻪ رافض لفﻜﺮة ﷲ فقﻂ وإﳕﺎ ﳚب عليﻪ أوﻻ أن ﻳﻌتمد على‬
‫ﺑﺮاﻫﲔ تﺜبﺖ ذلﻚ أي تﺜبﺖ وﺟود ﷲ او تﺜبﺖ عدم وﺟود ﷲ‪ ،‬وﻫذا وﻗد اعتمدت فلسفة فولتﲑ على ﻣبﺎدئ ليسﺖ‬
‫أﺻلية او ﻣبتﻜﺮة وإﳕﺎ استﻌﺎر فولتﲑ آراءه وﺣﺠﺠﻪ ﻣﻦ أسﻼفﻪ واستﺨلصﻬﺎ ﻣﻦ سبينوزا‪ 2‬ليﻜون ﻫنﺎ فولتﲑ ﻣتﺄﺛﺮ أﳝﺎ‬
‫ﺛﺮ سﺲ فلسفة سبينوزا‪.‬‬

‫‪ / 1‬ﺟﺎك درﻳدا وآﺧﺮون‪ ،‬ﻣسﺎرات فلسفية‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﷴ ﻣيﻼد‪ ،‬دار اﳊوار للنﺸﺮ‪ ،‬سور ‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪.47‬‬
‫*ﻓوﻟﺘﲑ‪ :‬ولد وﻣﺎت ﰲ رﻳﺲ ) ‪31‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 30-1694‬ا ر ‪ (1778‬ﺟﺎءت أزﻣة الﺮسﺎﺋﻞ الفلسفية لتصنﻒ فولتﲑ ﺎﺋيﺎ ﰲ‬
‫الﻜتﺎب اﳍداﻣﲔ‪ ،‬لﻪ ﳎموعة ﻣﻦ اﳌﺆلفﺎت ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ‪ :‬رسﺎلة ﰲ اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ‪ ،‬ﻣبﺎدئ فلسفة ﻧيوتﻦ‪.‬‬
‫إن فلسفة التﺎرﻳﺦ عند فولتﲑ اﺧطﺮ ﺧصوم التصور الﻼﻫوﰐ ﻫﻲ ﳏﺎولة لتﺄوﻳﻞ علمﻲ للتﺎرﻳﺦ‪) .‬ﺟورج ﻃﺮاﺑيﺸﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ الفﻼسفة‪،‬‬
‫ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.(475-471‬‬
‫‪ / 2‬اﻧدرﻳﻪ كﺮسون‪ ،‬فولتﲑ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺻبﺎح ﳏﻲ الدﻳﻦ‪ ،‬ﻣنﺸورات عوﻳدات‪ ،‬رﻳﺲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،2‬ص ‪.56‬‬

‫‪53‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻣﻨﺘقﺪي ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬

‫ﲤﺜﻞ فلسفة سبينوزا لدى ﺑﻌض الفﻼسفة ﻧسقﺎ ﻣتﻜﺎﻣﻼ فلقد كﺎن ﳍﺎ اﺛﺮ على فلسفﺎت الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ وﺣﱴ‬
‫الفلسفة اﳌﻌﺎﺻﺮة‪ ،‬وذلﻚ ﳌﺎ ﺟﺎءت ﻣﻦ ﻣنﻬﺞ ﻫندسﻲ وفﻜﺮة وﺣداﻧية الوﺟود‪ ،‬لﻜﻦ ﻫذا ﻻ ﻳﻌﲏ اﻧﻪ ﻻ وﺟود لفﻼسفة‬
‫ﺎ فلسفة عقيمة وأ ﺎ ﱂ ﰐ ﳉدﻳد‪ ،‬كمﺎ اعتﱪوا أن ﳍﺎ ﲡﺎوزات غﲑ ﻣنطقية وﺧﺎﺻة ﻣﺎ ﺑتﻌلﻖ ﳉﺎﻧب‬ ‫ﻳﺮون‬
‫الدﻳﲏ‪ ،‬وذلﻚ ﰲ ﻗولﻪ ن ﷲ والطبيﻌة شﻲء واﺣد‪ ،‬ﻹﺿﺎفة إﱃ ﲡسيد ﻣبدأ الﻀﺮورة ﺣيﺚ اﻧﻪ ﻳقﺮ ن الفﺮد إذا أراد‬
‫شﻲء ﳚب عليﻪ ﲢقيقﻪ ﺣﱴ وان تﻌﺎرض ﻣع ﻣبﺎدئ وﻗيﻢ ا تمع الذي ﻳﻌيﺶ فيﻪ‪ .‬فﺎﺧتلفﺖ اﻵراء ﰲ تقوﱘ فلسفة‬
‫سبينوزا فقد اعتﱪه البﻌض ﻣﺜﺎﻻ للملﺤدﻳﻦ وذلﻚ لﻌدم اعﱰافﻪ ﳊﺮﻳة واﻻﺧتيﺎر وأﻳﻀﺎ كمﺎ ألﻐى اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية‬
‫‪1‬‬
‫ﻣتمﺜلة ﰲ إرادة اﻹﻧسﺎن اﳌﻜبلة‪.‬‬

‫كمﺎ ﳒد أن ﻣﻦ اﻻﻧتقﺎدات اﳌوﺟﻬة لﻪ ﰲ ﳎﺎل اﻹﻧسﺎن اﻧﻪ ﻻ ﻳسلﻢ ﻣﻦ عدة ﻧقﺎﺋص والﱵ وﻗع فيﻬﺎ‪ ،‬ﻣﺜﻞ إﻗﺮاره‬
‫ن ﺟسﻢ اﻹﻧسﺎن ﻫو ﺟزء ﻣﻦ اﻻﻣتداد الﺸﺎﻣﻞ‪ ،‬و ذا ﻳﻌدم الوﺟود البﺸﺮي‪ ،‬ﰒ ﻳقﺮ ﺑوﺟود اﻹﻧسﺎن وﲢققﻪ للﻌيﺎن‪،‬‬
‫ﰒ إﻗﺮاره ن النفﺲ ﻫﻲ الفﻜﺮ ﰒ ﻳﻌود وﻳقﺮ ﻧفﻌﺎﳍﺎ وتﻌلقﻬﺎ لوﺟود وإﺧﻀﺎعﻬﺎ للﻌقﻞ وﻫذا ﻣﺎﻳﻌد تنﺎﻗﻀﺎ ﳏﻀﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ‪:‬‬

‫ﳒد أن الفيلسوف ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ* كﺎن ﻣﻦ اشد اﳌﻌﺎرﺿﲔ لفﻜﺮ سبينوزا ففﻲ ﻧﻈﺮه أن اﳌنﻬﺞ الذي اتبﻌﻪ سبينوزا ﻻ ﻳﺆدي‬
‫إﱃ اليقﲔ‪ ،‬كمﺎ ﳒده ﻳﻌﺎرض فﻜﺮتﻪ القﺎﺋلة ن على اﻷفﺮاد ﲡسيد القيﻢ اﻷﺧﻼﻗية وﺿﺮورة إﻃﺎعتﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻌيدا عﻦ أﻳة‬
‫عقيدة دﻳنية‪ ،‬ﺣيﺚ ﻳﺆكد ليبنتز على ﺿﺮورة تطبيﻖ ﻣبﺎدئ الﻌقيدة اﳌسيﺤية على عﻜﺲ سبينوزا الذي ﻳﺮى أن كﻞ ﻣﺎ‬
‫ﻫو دﻳﲏ ﻳقﻒ عﺎﺋﻖ أﻣﺎم اﳊﺮﻳة ﺑينمﺎ ليبنتز ﻳﺆكد على ﺿﺮورة ﻫذه الﻌقيدة ووﺟود ﲡسيدﻫﺎ ﰲ ا تمع‪ ،‬ﳍذا اعتﱪ ﻫذا‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﺧﲑ الﺮسﺎلة الﻼﻫوتية السيﺎسية ﺧطﺮا على الﻌقيدة اﳌسيﺤية فﻬﻲ ﲢمﻞ ﺣسبﻪ ﲰوم دد الدﻳﻦ‪.‬‬

‫‪ / 1‬إﺑﺮاﻫيﻢ ﻣصطفى إﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬دار الوفﺎء‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،2000 ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ ‬ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ‪ :‬اعﻈﻢ فيلسوف اﳌﺎﱐ ﻗبﻞ كﺎﻧﻂ وعﺎﱂ لﺮ ﺿيﺎت وﻻﻫوﰐ وكيميﺎﺋﻲ وﻫندسﻲ وﻣﺆرخ ودﺑلمﺎسﻲ ولد ﰲ ‪ 1‬ﲤوز‬
‫‪ 1646‬ﰲ ﻻﻳبتزغ وﻣﺎت ﰲ ‪ 14‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 1716‬ﰲ ﻫﺎﻧوفﺮ كﺎن اﺑوه استﺎذا للفلسفة اﻷﺧﻼﻗية ﰲ ﻣﺆسسة دﻳنية‬
‫ﺑﻼﻳبتزغ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫ففﻲ ﻧﻈﺮ ليبنتز أن كتﺎب سبينوزا‪ ،‬ﻳﻬدد ﻣقوﻣﺎت الﻌقيدة اﳌسيﺤية ﻧﻈﺮا ﳌﺎ ﳛتوﻳﻪ ﻣﻦ ﻧصوص تدعو إﱃ ﲢﺮر‬
‫الفﻜﺮ‪ ،‬أي أ ﺎ تدعو إﱃ التمﺮد على اﻷسﺲ الﱵ تنﺎدي ﺎ اﳌسيﺤية والﱵ ﳚب أن تطبﻖ كمﺎ ﻫيﺎ فمﻌﺎرﺿتﻬﺎ والتمﺮد‬
‫عليﻬﺎ ﻳﻌتﱪ ﻣﻦ اشد أﻧواع الﻜفﺮ ذه الﻌقيدة اﳌقدسة‪ ،‬وﻫذا اﳉﺎﻧب ﳝﺜﻞ اكﱪ ﺟﺎﻧب عﺎرض فيﻪ ليبنتز سبينوزا ﺣيﺚ‬
‫ﳒده ﳛﺎرﺑﻪ ﻷﻧﻪ زعزع الﺜقة ﰲ الﻌقيدة سﻢ التفلسﻒ‪ ،‬فليبنتز ﻳدعو البﺸﺮ إﱃ ﻃﺎعة اﳌبﺎدئ اﻷﺧﻼﻗية اﻷسﺎسية إذ‬
‫ﻫﻲ وﺣدﻫﺎ كفيلة ﺑتﺤقيﻖ اﳋﻼص فﻜﻞ اﻷﺧﻼق ﺣسبﻪ تتﺄسﺲ على اﳌسيﺤية ﺣيﺚ ﻳدافع عنﻬﺎ وﻳﺆكد أن "ﻫﺬﻩ‬
‫اﳌﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‪ ،‬واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻦ ﺗكون ﻛﺎﻓﻴﺔ ﺑﺪون اﳌسﻴﺤﻴﺔ"‪ 1‬ليﱪﻫﻦ ﻫنﺎ ليبنتز ن اﳌسيﺤية ﻫﻲ الﻌقيدة‬
‫والد ﻧة اﳉﺎﻣﻌة لﻜﻞ القيﻢ اﻻﺟتمﺎعية واﻷﺧﻼﻗية‪ ،‬وﻗد أكد الﻜتﺎب اﳌقدس على ﻫذه القيﻢ وكﻞ فﺮد ذو عقيدة‬
‫ﻣسيﺤية ﻳﻜون ﳎبور على تطبيﻖ ﻫذه القيﻢ والتﻌﺎليﻢ الﱵ ﺟﺎءت ﺑﻪ ﻫذه الد ﻧة‪ ،‬فﺎﳍدف ﻣﻦ اﳌسيﺤية ليﺲ دﻳﲏ‬
‫فقﻂ وإﳕﺎ ﻫو اﺟتمﺎعﻲ وأﺧﻼﻗﻲ فﻼ ﳝﻜﻦ ﲡسيد ﻫذه القيﻢ اﻻ ﰲ إﻃﺎر الﻌقيدة اﳌسيﺤية‪ ،‬فﺈذا كﺎن الﻌقﻞ ﻧقطة‬
‫اﻻرتﻜﺎز عند سبينوزا فﺈن عند ليبنتز اﳌسيﺤية ﻫﻲ الﱵ ستوﺣد اﳌبﺎدئ اﻻﺟتمﺎعية واﻷﺧﻼﻗية والسيﺎسية‪ 2‬ليبﲔ ليبنتز‬
‫أن الﻌقيدة اﳌسيﺤية ﻫﻲ ﻣﻦ تقﺮر اﳌبﺎدئ اﻻﺟتمﺎعية واﻷﺧﻼﻗية وﺣﱴ السيﺎسية الﱵ ﳚب أن ﻳسﲑ عليﻬﺎ الفﺮد داﺧﻞ‬
‫ا تمع وليﺲ الﻌقﻞ ﻫو ﻣﻦ ﻳقﺮر ذلﻞ فﺎلﻌقﻞ ﻳسﲑ وفﻖ أﻫواء ورغبﺎت الفﺮد‪.‬‬

‫ﱂ ﻳتوﻗﻒ رفض ليبنتز عند ﻣوﻗﻒ سبينوزا ﻣﻦ الﻌقيدة اﳌسﺤية فقﻂ وإﳕﺎ ﲡﺎوز ذلﻚ لﻜﻞ ﻣﺎ تطﺮﻗﺖ إليﻪ فلسفة‬
‫سبينوزا ﺧﺎﺻة ﰲ ﳎﺎﱄ الدﻳﻦ والسيﺎسة‪ ،‬فﺤﺎول أن ﻳدﺣﻀﻬﺎ وﻳﻌﺎرﺿﻬﺎ دفﺎعﺎ عﻦ اﳌسيﺤية ليﺆكد ن الﻌقيدة‬
‫اﳌسيﺤية ﻫﻲ الﻌقيدة الﱵ تسﻌى لفﺮد إﱃ ﺑلوغ غﺎ تﻪ ﰲ إﻃﺎر دﻳﲏ‪ ،‬لﲑفض ﻣﺎ ذﻫب إليﻪ سبينوزا ﻣﻦ وﺣدة ﷲ‬
‫والطبيﻌة ﻣﻦ ﺟﻬة ووﺣدة الﺮوح واﳉسد ﻣﻦ ﺟﻬة أﺧﺮى‪ ،‬كمﺎ ﻳﺮفض تفسﲑ سبينوزا للمﻌﺠزات ﺣيﺚ ﳒده ﻳقول‪:‬‬
‫"اﳌﻌﺠﺰات واﳉﻬﻞ أﻣﺮان ﺗسﺎو ن ﻷن أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﺘﺰﻣون ﺛﺒﺎت وﺟود ﷲ وﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺠﺰات‬
‫ﻳﺮﻳﺪون إﺛﺒﺎت اﻟﻐﺎﻣﺾ ﲟﺎ ﻫو أﻛﺜﺮ ﻏﻤوض"‪ 3‬وﻣنﻪ فليبنتز ﻳﺮفض ﻣوﻗﻒ سبينوزا القﺎﺋﻞ ن اﳌﻌﺠزات ﻣﺎﻫية اﻻ‬

‫ﰲ السﺎﺑﻌة عﺸﺮة ﻣﻦ الﻌمﺮ تقدم ﺑﺮسﺎلة ﰲ ﻣبدأ التﺸﺨص و ل شﻬﺎدة البﻜﺎلورﻳوس ﰲ الفنون ﰒ غﺎدر ﻻﻳبتزغ وﰲ عﺎم ‪ 1666‬ﻣنع‬
‫عنﻪ لقب دكتور ﺑسبب ﺻﻐﺮ سنﻪ وﰲ الﻌﺎم ﻧفسﻪ ﺻدر لﻪ ﻻتينية ﰲ فﻦ الﱰكيب وﻫو ﲟﺜﺎﺑة ﻣﺸﺮوع اوﱄ ﻹﺻﻼح الﺮﻣزﻳة واﳌنطﻖ ﰒ‬
‫عﻜﻒ على وﺿع رسﺎلة ﰲ ﻣنﻬﺞ ﺟدﻳد ﰲ ﻣﺸﻜﻼت القﺎﻧون ‪.1667‬‬
‫‪ / 2‬ج‪.‬ف‪.‬ليبنتز‪ ،‬أﲝﺎث ﺟدﻳدة ﰲ الفﻬﻢ اﻹﻧسﺎﱐ‪ ،‬ﻧﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة‪ ،‬دار التوفيﻖ‪ ،‬اﻷزﻫﺮ‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪ / 1‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ / 2‬ج‪.‬ف‪.‬ليبنتز‪ ،‬أﲝﺎث ﺟدﻳدة ﰲ الفﻬﻢ اﻹﻧسﺎﱐ‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ / 3‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪55‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫ﺧﺮافة وأسﺎﻃﲑ والﱵ ﻳقول ﺎ ليبنتز والﱵ اﻗﺮﻫﺎ ﷲ على النﱯ اﳌﺨتﺎر فﺎﳌﻌﺠزة ﺣسب ليبنتز ﻫﻲ اﳌقوم اﻷسﺎسﻲ الذي‬
‫تقوم عليﻪ الد ﻧة اﳌسيﺤية ليدافع ذا على اﳌﻌﺠزة وﻳﻌتﱪﻫﺎ دعﺎﻣة أسﺎسية للدﻳﻦ اﳌسيﺤﻲ‪ .‬ليقول ن‪" :‬اﳌﻌﺠﺰة‬
‫ﺗﻈﻬﺮ ﺳﻴﺎﻗﺎ ﻓﺮﻳﺪا ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻟﱵ ﻗﺪ رﺗﺒﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪ ،‬أ ﺎ ﻻ ﺗﻔوق ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﺑوﺟﻪ ﻋﺎم وإﳕﺎ ﻫو ﺗﻔوق ﻃﺒﻴﻌﺔ‬
‫اﻷﺟسﺎم اﳊسﻴﺔ‪ ...‬وﻗﺪ ﺑﲔ ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ اﻟﻨقﺎط اﻟﱵ رﻓﻀﻬﺎ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا وﻫﻲ‪ :‬اﳉوﻫﺮ اﻟوﺣﻴﺪ‪ ،‬واﻧﻪ ﻫو ﷲ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫واﻟقول ن اﳌﺨﻠوﻗﺎت واﻷﺣوال ﻫﻲ أ ر ﷲ وﻛﻞ ﺷﻲء ﻳﻌﻤﻞ وﻓق ﻏﺎﻳﺔ‪ ،‬وﻛﻞ ﺷﻲء ﺧﺎﺿع ﻟﻀﺮورة ﺣﺘﻤﻴﺔ"‬

‫ليﺆكد ليبنتز ﻣﺮة أﺧﺮى على غموض فلسفة سبينوزا وﺧﺎﺻة ﰲ اﳌوﺿع الذي ﺟﻌلﺖ فيﻪ وﺟود اﻹلﻪ ﻣندﳎﺎ ﺿمﻦ‬
‫الﻌﺎﱂ اﳌﺎدي‪ ،‬أي أن لﻺلﻪ ﺟسد ﻣﺎدي ﻳتمﺜﻞ ﰲ وﺟود الﻜون سﺮه‪ ،‬كمﺎ ﻳﺮفض فﻜﺮة الﻀﺮورة اﳊتمية فمنﺎداة سبينوزا‬
‫ﺑفﻜﺮة الﻀﺮورة اﳊتمية ليﺆكد على أن الفﺮد إذا أراد القيﺎم ﺑﺸﻲء ﻣﺎ وﲢقيقﻪ عليﻪ أن ﳛققﻪ ﺑفﻌﻞ أي شﻲء ﰲ سبيﻞ‬
‫ذلﻚ دون النﻈﺮ وﻣﺮاعﺎة للقواﻧﲔ سواء كﺎﻧﺖ ﻗواﻧﲔ وﺿﻌية او ﻗواﻧﲔ عقﺎﺋدﻳة‪.‬‬

‫‪ -2‬رﻳشﻨﺒﺎخ‪:‬‬

‫اﻧتقد رﻳشﻨﺒﺎخ* ﻣذﻫب اﻷﺧﻼق الذي ﺟﺎء ﺑﻪ سبينوزا ﺣيﺚ ﻳﺮى أن ﻫذا اﳌذﻫب ﻳﻌتمد على ﻣنﻬﺞ علمﻲ‬
‫عقلﻲ وﻫذا ﻣﺎ ﻳفسﺮ عدم وﺿوﺣﻪ‪ ،‬واﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ فﻬمﻪ اﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﲢليلﻪ وتفسﲑه ﺑطﺮﻳقة سيﻜولوﺟية ﺑدﻻ ﻣﻦ‬
‫الطﺮق الﻌلمية الﱵ اعتمد عليﻬﺎ سبينوزا ﰲ تفسﲑ السلوك البﺸﺮي‪ ،‬على عﻜﺲ سبينوزا الذي ﻳﺮى أن التﺤليﻞ الﻌقلﻲ‬
‫الﻌلمﻲ لسلوك اﻷفﺮاد ﻳﺆدي إﱃ ﲢليلﻪ ﻳقينيﺎ وﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤيﺢ‪ ،‬فﺮﻳﺸنبﺎخ ﻳﺮى أن ﻫذه الطﺮﻳقة ﲡﻌلﻬﺎ أكﺜﺮ غموﺿﺎ‬
‫ﻫذا ﻣﺎ ﻳستدعﻲ تفسﲑ السلوك وفﻖ ﻣنﻬﺞ ﻧفسﻲ‪ ،‬فﺎﳌذﻫب الﻌقلﻲ ﳚﻌﻞ ﻣﻦ الفﻜﺮ غﲑ ﻣنسﻖ‪ ،‬ﳍذا ﻳقول رﻳﺸنبﺎخ‬
‫أﻧﻪ‪:‬‬

‫"ﻻ ﳝكﻦ أن ﻳﻌﺪ ﻣﺬﻫﺒﺎ ﻣﻨسقﺎ داﺧﻠﻴﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ‪ ،‬أي ﻻﳝكﻦ أن ﻧسﺘﺨﻠﺺ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﺑﻄﺮﻳقﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﺑﺪﻳﻬﻴﺎﺗﻪ إذ أن ﻫﺬﻩ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺗﺘﺠﺎوز ﻣﻀﻤون ﻣقﺪﻣﺎﺗﻪ ﺑكﺜﲑ‪ ،‬ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﻧﻪ ﻳقول ﻟﺪﻟﻴﻞ اﻷﻧﻄﻠوﺟﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ وﺟود‬
‫‪2‬‬
‫ﷲ ﻏﲑ أن اﻟﱰﻛﻴﺒﺎت اﳌﻨﻄقﺔ ﻏﲑ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﳝكﻦ أن ﺗﻈﻞ ﳍﺎ ﺗﻠﻚ اﻟوظﻴﻔﺔ اﻟﻨﻔسﻴﺔ ﰲ دﻋﻢ اﳌﻌﺘقﺪات اﻟﺬاﺗﻴﺔ"‬

‫‪ / 1‬اﳌﺮﺟع ﻧفسﻪ‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫*رﻳشﻨﺒﺎخ‪ :‬فيلسوف أﳌﺎﱐ ولد ﰲ ‪ ،1881‬عﻀو ﰲ ﺣلقة فبينﺎ ولﻪ ﻣواﻗﻒ أﺻيلة ﰲ ﻣسﺎﺋﻞ اﳌنطﻖ وﻧﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة وذﻫب إﱃ أن‬
‫كﺎر ب والوﺿﻌيﲔ اﶈدﺛﲔ ﳜطﺌون إذ ﻳبﺤﺜون عﻦ اليقﲔ اﳌطلﻖ‪ ،‬كﺎﻧﺖ لﻪ ﻣﺆلفﺎت ﻣنﻬﺎ اكسيو ﻣﺎتيﻜﺎ اﻷﻫداف والطﺮق ﰲ الفلسفة‬
‫الطبيﻌية اﳌﻌﺎﺻﺮة اﳌنطﻖ اﻻﺣتمﺎﱄ‪ ،‬النﻈﺮﻳة اﻻﺣتمﺎلية‪) .‬ﺟورج ﻃﺮاﺑيﺸﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ الفﻼسفة‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.(321‬‬

‫‪56‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫وﻣنﻪ فسبينوزا ﻳﻌتمد على ﻣنﻬﺞ غﲑ ﻣتسﻖ وﻫذا ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻈﻪ ﻣﻦ عدم اتسﺎق واﻧسﺠﺎم ﺑﲔ اﳌقدﻣﺎت‬
‫والنتﺎﺋﺞ اﳌتوﺻﻞ إليﻬﺎ‪ ،‬فﺎعتمﺎد ﻫذا اﳌنﻬﺞ ﻳﺆدي إﱃ ﺣقﺎﺋﻖ أﺧﺮى غﲑ ﻣنطلﻖ ﻣنﻬﺎ‪ .‬فﲑى رﻳﺸنبﺎخ أن البنﺎء‬
‫اﻻستنبﺎﻃﻲ الذي أشﺎر إليﻪ سبينوزا ﻧﻪ غﺎﻣض وﱂ ﰐ ﳉدﻳد ﺣيﺚ ﻳقول رﻳﺸنبﺎخ ﰲ ﻫذا الصدد‪" :‬ﻟقﺪ ﻛﺎن‬
‫اﻟﺒﻨﺎء اﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻃﻲ ﻟﻸﺧﻼق ﻋﻨﺪ ﺳﺒﻴﻨوزا اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻬﺪف إﱃ إﺛﺒﺎت إﻣكﺎن اﻹﺗﻴﺎن ﺑﱪﻫﺎن ﻣﻨﻄقﻲ ﻋﻠﻰ اﻟقواﻋﺪ‬
‫اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﳎﺮد ﺻورة‪ ،‬أﻛﺜﺮ ﺗﻔﺼﻴﻼ وﺗﻌقﻴﺪا ﻟﻔكﺮة ﺳقﺮاط اﻟقﺎﺋﻠﺔ أن اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﻌﻠﻢ"‪ 1‬وﻫذا ﻣﺎﻳدل على أن‬
‫البنﺎء اﻻستنبﺎﻃﻲ ﰲ ﳎﺎل اﻷﺧﻼق الﱵ تنﺎولتﻬﺎ فلسفة سبينوزا ﻣﺎﻫو اﻻ اﻣتداد او إعﺎدة إدراج البنﺎء الذي كﺎن سﺎﺋدا‬
‫ﰲ الفلسفة اليو ﻧية لتﺤدﻳد فلسفة سقﺮاط الﱵ اﻣتﺎزت لوﺿوح والسﻬولة وأ ﺎ ﻻ ﲢتﺎج إﱃ وﻳﻞ‪ ،‬ليﺄﰐ ﺑﻌد ذلﻚ‬
‫سبينوزا ﺑفلسفتﻪ الﱵ اﻣتﺎزت لﻐموض والتﻌقيد‪.‬‬

‫أﺧذت فﻜﺮة وﺣداﻧية الوﺟود السﺎﺋدة ﰲ فلسفة سبينوزا ﺟداﻻ واسﻌﺎ وتﻀﺎرب ﺑﲔ الفﻼسفة واﳌفﻜﺮﻳﻦ وﺣﱴ‬
‫رﺟﺎل الدﻳﻦ‪ ،‬وذلﻚ راﺟع إﱃ إرﺟﺎعﻬﺎ للﻜون إﱃ ﷲ وﺟﻌﻞ اﻹلﻪ ﺟزءا ﻣﻦ الﻜون‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎﻳتنﺎﰱ ﻣع اﻻعتقﺎدات‬
‫الدﻳنية وﺧﺎﺻة ﻣع الد ﻧة اﳌسيﺤية والﱵ تﻌتﱪ أن ﻫذه الفﻜﺮة ﺧﺮوج عﻦ الدﻳﻦ‪ ،‬وعلى ﻫذا اﻷسﺎس ا ﻢ سبينوزا ﻧﻪ‬
‫ﻣلﺤد اﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻗولﻪ ذه الفﻜﺮة‪.‬‬

‫‪ -3‬ﻫﻴوم‪:‬‬

‫لقد كﺎﻧﺖ فﻜﺮة الﻀﺮورة الﱵ عﺎﳉتﻬﺎ فلسفة سبينوزا ﳏﻞ ﻧقد ﻣﻦ ﻃﺮف الﻌدﻳد ﻣﻦ الفﻼسفة وﺧﺎﺻة الفﻼسفة‬
‫التﺠﺮﻳبيﲔ وﻫذا ﻣﺎﳒده عند الفيلسوف ﻫيوم* ﺣيﺚ ﻳذﻫب إﱃ أن‪" :‬وﺟود ﺗﺮاﺑﻂ ﺑﲔ اﻷﻓكﺎر اﻟﺬي ﻳكون أﺳﺎﺳﻪ‬
‫اﻟﺘشﺎﺑﻪ واﻟﺘﻌﺎﻗﺐ ﰲ اﻟﺰﻣﺎن واﳌكﺎن‪ ،‬وراﺑﻄﺔ اﻟﻌﻠﺔ ﳌﻌﻠول اﻟﱵ ﻳﻌﺘﱪﻫﺎ ﻫﻴوم أﻫﻢ ﻫﺬﻩ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻷن ﲨﻴع‬
‫اﻻﺳﺘﺪﻻﻻت اﻟواﻗﻌﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻌﻠﺔ ﳌﻌﻠول وﻫﻲ اﻟوﺣﻴﺪة اﻟﱵ ﺗﻨﺒؤﻫﺎ ﺷﻴﺎء ﻻ ﻧﺮاﻫﺎ"‪ 2‬ليﺆكد ﻫيوم‬

‫‪ / 2‬ﻫﺎﻧز رﻳﺸنبﺎخ‪ ،‬ﻧﺸﺄة الفلسفة الﻌلمية‪ ،‬تﺮ‪ :‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬ﻣنتدى ليبيﺎ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ / 1‬سليمة ﻗﺎﻳد‪ ،‬اﳌذﻫﻲ اﻵﱄ عند ليبنتز‪ ،‬رسﺎلة دكتوراه‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌة اﳉزاﺋﺮ‪ ،2010/2009 ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ ‬ﻫﻴوم‪ :‬فيلسوف وﻣﺆرخ وعﺎﱂ اﻗتصﺎد اسﻜتلندي ولد ﰲ ادﻧﱪه ﰲ ‪ 26‬ﻧيسﺎن ﰲ التقوﱘ القدﱘ ‪ 7‬ا ر ﰲ التقوﱘ اﳉدﻳد‬
‫‪ 1711‬وتوﰲ فيﻬﺎ ﰲ ‪ 25‬اب ‪ 1776‬ﻳنﺤدر ﻣﻦ اسﺮة ﻣتوسطة اﳊﺎل ﺑﲔ الﺜﺎلﺜة والﻌﺸﺮﻳﻦ والسﺎدسة والﻌﺸﺮﻳﻦ كتب‬
‫عملﻪ الﺮﺋيسﻲ رسﺎلة ﰲ الطبيﻌة البﺸﺮﻳة وﰲ عﺎم ‪ 1739‬اﺻدر اﳉزﺋﲔ اﻷول والﺜﺎﱐ ﻣﻦ الﺮسﺎلة ﺑﻌنوان الفﻬﻢ اﻻﻧفﻌﺎﻻت‬
‫وﰲ عﺎم ‪ 1740‬اﳉزء الﺜﺎلﺚ ﺑﻌنوان اﻷﺧﻼق‪ ،‬ﺑﻌد ﻫذا النﺠﺎح عزم على ادﺧﺎل اﳌنﻬﺞ التﺠﺮﻳﱯ إﱃ ﺣقﻞ الﻌلوم اﻷﺧﻼﻗية‬

‫‪57‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫وﺟود عﻼﻗة ﺑﲔ السبب واﳌسبب فﻼ وﺟود لﻌلة ﺑدون ﲢقيﻖ ﻣﻌلول فﻜﻞ ﻣﺎﳛدث ﰲ الﻜون ﻳﻜون وفﻖ وﺟود علة‬
‫وﻣﻌلول‪.‬‬

‫أكد ﻫيوم على وﺟود عﻼﻗة تﺮاﺑﻂ ﺑﲔ الﻌلة واﳌﻌلول فﻼ ﳝﻜﻦ أن ﻳقتصﺮ وﺟود الﻈواﻫﺮ على الﻌلة فقﻂ وإﳕﺎ ﳚب‬
‫أن ﻳﻜون ﳍﺎ ﻣﻌلول ﻷن الﻌلة ﻫﻲ سبب ﰲ وﺟود اﳌوﺟودات والﱵ تﻌتﱪ ﻣﻌلول ﳍﺎ‪ ،‬أي أن "ﻓكﺮة اﻟﻀﺮورة ﰲ ﻧﻈﺮ‬
‫ﻫﻴوم ﻫﻲ ﺷﻲء ﻗﺎﺋﻢ ﰲ اﻟﺬﻫﻦ او ﰲ اﻟﺬات اﻟﻌﺎرﻓﺔ وﻟﻴﺲ ﰲ إﻣكﺎن اﻟﻌقﻞ أن ﻳﻼﺣﻆ أي راﺑﻄﺔ واﻗﻌﻴﺔ ﺑﲔ‬
‫اﳌوﺿوﻋﺎت ﺑﻞ أن ﻣﺼﺪر ﻫﺬا اﻟﱰاﺑﻂ ﺑﲔ اﳋﻴﺎل اﻟﺬي ﻳكون أﺳﺎﺳﻪ اﻟﻌﺎدة اﻟﱵ ﲡﻌﻞ اﻹﻧسﺎن ﻳشﻌﺮ ﺑوﺟود‬
‫راﺑﻄﺔ ﺿﺮورﻳﺔ ﺑﲔ اﳌوﺿوﻋﺎت"‪ 1‬ليبﲔ ﻫيوم ن عﻼﻗة الﻌلة ﳌﻌلول ﻳصﻞ إليﻬﺎ اﻹﻧسﺎن ﲞيﺎلﻪ واﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ النفﺲ‬
‫كمﺎ ﻳبﲔ أﻧﻪ ﻻﳝﻜﻦ أن ﻧﻌتمد على ﻣبدأ الﻀﺮورة ﰲ الﻌﺎﱂ‪ ،‬ﻻن إﺧﻀﺎع كﻞ شﻲء ﳌبدأ الﻀﺮورة ﻳﺆدي إﱃ ﻧفيﻪ لﻜﻞ‬
‫القيﻢ اﻷﺧﻼﻗية‪ ،‬فﺨﻀوع اﻷفﻌﺎل إﱃ الﻀﺮورة ﻳﻌﲏ ﻧفﻲ ﻣﻌﲎ اﳉزاء اﻹﳍﻲ‪ ،‬فﺎﳊدﻳﺚ عﻦ اﻷﺧﻼق ﻻﻳﻜون اﻻ إذا‬
‫كﺎن اﻹﻧسﺎن ﺣﺮا ﻗﺎدرا على ﻣﺎ ﻳسﻌى أليﻪ دون ﺧﻀوع أفﻌﺎلﻪ إﱃ الﻀﺮورة‪ 2‬أي اﻧﻪ ﻻﳝﻜﻦ تطبيﻖ ﻣبدأ الﻀﺮورة ﰲ‬
‫اﻷﺧﻼق الﱵ تﺮﺟع إﱃ اﳊﺮﻳة الﱵ ﻳتمتع ﺎ اﻹﻧسﺎن‪ ،‬فﺎلقول ن اﻹﻧسﺎن ﺧﺎﺿع للﻀﺮورة ﻳﻌﲏ اﻧﻪ غﲑ ﺣﺮ‪.‬‬

‫‪ -4‬ﷴ إﻗﺒﺎل‪:‬‬

‫ﳒد ﰲ الفلسفة اﻹسﻼﻣية الفيلسوف ﷴ إﻗﺒﺎل* ﻗد سﺎر عﻜﺲ ﻣﺎذﻫب إليﻪ سبينوزا ﰲ فﻜﺮة وﺣداﻧية الوﺟود‪،‬‬
‫ﺣيﺚ أن سبينوزا ﺟﻌﻞ ﷲ والﻌﺎﱂ اﳋﺎرﺟﻲ ﳘﺎ الﺸﻲء ﻧفسﻪ‪ ،‬فﻼ ﳝﻜﻦ فصﻞ ﷲ عﻦ الﻌﺎﱂ اﳋﺎرﺟﻲ ﺣيﺚ ﻳبﲔ إﻗبﺎل‬
‫أن‪" :‬اﻟﻌﺎﱂ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﳎﺮد ﺻورة او وﺟﻬﺎ او ﻣﻈﻬﺮا ﻟﻠﺤقﻴقﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﱵ ﻫﻲ اﻟﺬات اﻹﳍﻴﺔ وﺑقﺎء اﻟﻌﺎﱂ ﻫو ﺑقﺎء‬

‫فﺈعﺎد كتبة الﺮسﺎلة ﰲ الطبيﻌة البﺸﺮﻳة عﺎﻣﻼ فيﻬﺎ ارﺑﻌة اعوام ﺑتمﺎﻣﻬﺎ وتقدم ﰲ عﺎم ‪ 1746‬ﺑطلب لنيﻞ كﺮسﻲ الفلسفة‬
‫اﻷﺧﻼﻗية ﰲ ﺟﺎﻣﻌة ادﻧﱪه‪.‬‬

‫لﻪ ﳎموعة ﻣﻦ اﳌﺆلفﺎت ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ الفﺤص عﻦ الفﻬﻢ البﺸﺮي ‪ ،1748‬اﳋطب السيﺎسية ‪ ،1753‬ﳏﺎورات ﺣول الدﻳﻦ‬
‫الطبيﻌﻲ ﺻدرت ﺑﻌد وفﺎتﻪ ‪.1779‬‬
‫‪ / 2‬اﷴ الﺸيلﻲ‪ ،‬تﺮﺑية الذات اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬ﺑﲔ النفﻲ واﻹﺛبﺎت‪ ،‬رسﺎلة ﻣﺎﺟستﲑ‪ ،2009-2008 ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ /‬ﲪﺎل فﺮﻳدة‪ ،‬وﺣدة اﻹلﻪ والطبيﻌة ﰲ ﻣذﻫب سبينوزا‪ ،‬ﻣذكﺮة ﻣﺎﺟستﲑ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌة اﳉزاﺋﺮ‪ ،‬ﻣﻌﻬد الفلسفة‪ ،2002-2001 ،‬ص‬
‫‪.82‬‬
‫‪ / 2‬ﲪﺎل فﺮﻳدة‪ ،‬وﺣدة اﻹلﻪ والطبيﻌة ﰲ ﻣذﻫب سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.89‬‬

‫‪58‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫ﻟقوة ﻻ ﻟﻔﻌﻞ و ﻟﺘﺎﱄ ﺗﺰول ﻣﻌﻪ اﳉوﻫﺮﻳﺔ"‪ 1‬فﻬو ﻳﻌﺎرض سبينوزا ﰲ إرﺟﺎعﻪ الﻌﺎﱂ الطبيﻌﻲ إﱃ ﷲ ﰲ ﺣﲔ أن ﻫذا‬
‫الﻌﺎﱂ ﻣﺎﻫو اﻻ ﲡسيد وإﺑداع ﻣﻦ ﷲ ﺣﱴ تتﺠلى ﻗدرة ﷲ ﰲ ﺻنع ﻫذا الﻜون فوﺟوده ﻣﺮتبﻂ ﺑوﺟود ﷲ ﺑينمﺎ فنﺎءه ﻻ‬
‫ﻳﻌﲏ فنﺎء ﷲ فﻜﻞ ﻣﺎ كﺎن لﻪ علة ﻣﺮﻫوﻧة ﺑوﺟود ﷲ فﺈن وﺟوده غﲑ أزﱄ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻫو وﺟود فﺎﱐ‪" ،‬ﺣﻴﺚ أن اﻟﻌﺎﱂ‬
‫ﻻﳝكﻦ أن ﻳكون ﺣقﻴقﺔ ﻣسﺘقﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺬات اﻹﳍﻴﺔ وﻣواﺟﻬﺔ ﳍﺎ ﺑﻞ أن اﳋﻠق ﺻﻔﺔ أزﻟﻴﺔ ﻟﻠﺬات اﻹﳍﻴﺔ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﷲ ﻣﺎ ﻳشﺎء"‪ 2‬فبقﺎء الﻌﺎﱂ الطبيﻌﻲ ﻫو ﻣﻦ إرادة ﷲ فﻬو وﺣده ﻣﻦ أوﺟده فﻬذا الﻌﺎﱂ ﻳستﺤيﻞ وﺟوده ﺧﺎرج الذات‬
‫اﻹﳍية فﺎ لﻪ القدرة الفﺎعلة على ﺑقﺎء ﻫذا الﻌﺎﱂ الطبيﻌﻲ كمﺎ أن لﻪ القدرة على عدم وﺟوده‪ ،‬فﻬذا الﻌﺎﱂ ﻣﺎﻫو اﻻ‬
‫ﺑﻞ واستﺤﺎلة القول أن‬ ‫ﺧلﻖ ﻣﻦ اﳌﺨلوﻗﺎت الﱵ أﺑدع ﰲ ﺧلقﻬﺎ ﷲ‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎ ﻳﺆكد استﺤﺎلة دﻣﺞ الﻌﺎﱂ الطبيﻌﻲ‬
‫ﷲ ﻫو ﺟزء ﻣﻦ الﻌﺎﱂ اﳋﺎرﺟﻲ‪.‬‬

‫*ﷴ إﻗﺒﺎل‪ :‬ولد ﷴ إﻗبﺎل ﰲ ‪1294‬ه ‪1877‬م ﰲ ﻣدﻳنة سيﺎلﻜوت إﺣدى ﻣدن البنﺠﺎب ولد ﷴ إﻗبﺎل ﰲ أسﺮة كﺮﳝة اﻷﺻﻞ وﻣﻦ‬
‫أﺑوﻳﻦ فﺎﺿلﲔ استطﺎع أن ﻳﻐﺮس إﻗبﺎل اﻹﳝﺎن وﺣب اﻹسﻼم اﺧذ ﻣﻦ أﺑيﻪ الﱰﺑية الدﻳنية واﻷﺧﻼق اﶈمدﻳة وكﺜﲑا ﻣﺎﻳتطبع اﻷﻧبيﺎء‬
‫اﻷﺑنﺎء ﺑسﲑة اﻹ ء‪ ،‬توﰲ سنة ‪) .1938‬راﺋد عبد اﳉبﺎر‪ ،‬فلسفة الذات ﰲ فﻜﺮ ﷴ إﻗبﺎل‪ ،‬دار النينوي للدراسﺎت والنﺸﺮ والتوزﻳع‪،‬‬
‫سور ‪1429 ،‬ه‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.(43-37‬‬
‫‪ / 1‬اﷴ الﺸيلﻲ‪ ،‬تﺮﺑية الذات اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬ﺑﲔ النفﻲ واﻹﺛبﺎت‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ / 2‬ﲪﺎﱄ فﺮﻳدة‪ ،‬وﺣدة اﻹلﻪ والطبيﻌة ﰲ ﻣذﻫب سبينوزا‪ ،‬ﻣﺮﺟع سﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪59‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓـﻠﺴﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨﻮزا ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ‬

‫ﳝﻜﻦ القول أن فلسفة سبينوزا الﱵ اﺣتوت وعﺎﳉﺖ ﲨيع القﻀﺎ ﻗد ﻣﻬدت الطﺮﻳﻖ إﱃ الفﻼسفة ﻣﻦ ﺑﻌده‬
‫وﻣﻦ ﺧﻼﳍﺎ أسﺲ الفﻼسفة الذﻳﻦ ﺛﺮوا ﺑفﻜﺮه أراﺋﻬﻢ واﲡﺎﻫﺎ ﻢ الفلسفية وﻣﻦ أﻫﻢ الفﻼسفة الذﻳﻦ ﺛﺮوا ﺑفلسفتﻪ‬
‫ﳒد‪ :‬ﻫيﻐﻞ‪ ،‬فﺨتﻪ‪ ،‬فولتﲑ‪ ،‬ارﻧسﺖ رﻳنﺎن‪ ،‬ورغﻢ أﳘية ﻫذه الفلسفة و ﺛﲑﻫﺎ على ﳎموعة ﻣﻦ الفﻼسفة‪.‬‬

‫إﻻ أن ﻫنﺎك ﳎموعة الفﻼسفة واﳌفﻜﺮﻳﻦ الذﻳﻦ وﺟﻬوا اﻧتقﺎدات ﳍذه الفلسفة وأسسﻬﺎ وﻣﻦ ﺑﲔ ﻫﺆﻻء‬
‫الفﻼسفة ﳒد‪ :‬ليبنتز‪ ،‬رﻳﺸنبﺎخ‪ ،‬ﻫيوم كمﺎ ﳒد ﷴ إﻗبﺎل كنموذج ﻣﻦ الفﻼسفة اﳌسلمﲔ الذﻳﻦ اﻧتقدوا فلسفة سبينوزا‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫ﺧـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﺗﻤﺔ‬

‫إن ﲝﺜﻲ اﳌوسوم " ﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية عند سبينوزا "‪ ،‬والذي افتتﺤتﻪ ﳊدﻳﺚ عﻦ ﳎموعة ﻣﻦ الفﻼسفة كﺎن ﳍﻢ السبﻖ‬

‫ﰲ تنﺎول ﻫذه الفﻜﺮة ﺑداﻳة ﻣﻦ الفلسفة اليو ﻧية إﱃ الفلسفة اﳊدﻳﺜة وﺻوﻻ إﱃ الفيلسوف روخ سبينوزا الذي ﻫو اﳊﺠﺮ اﻷسﺎس ﰲ‬

‫ﻫذه الدراسة‪ ،‬وﺑﻌد اﻹﻃﻼع وﲨع اﳌصﺎدر واﳌﺮاﺟع والتدﻗيﻖ ﰲ الفصول توﺻلﺖ إﱃ ﳎموعة ﻣﻦ النتﺎﺋﺞ ﳝﻜﻦ ﺣصﺮﻫﺎ ﰲ النقﺎط‬

‫التﺎلية‪:‬‬

‫_ إن اﳊﺮﻳة اﻧطلقﺖ ﻣﻦ ا تمع اﳌنﻈﻢ اﳋﺎﺿع للدستور والقﺎﻧون‪ ،‬ﺑﻌد ذلﻚ استﻌﺎﻧﺖ ﳊﻀﺎرة اﳌسيﺤية الﱵ رأت ﰲ اﳊﺮﻳة ﻃﺎﺑع‬

‫آﺧﺮ ﳛﺮر اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ سلطة الدولة واﳋﻀوع التﺎم ﳍﺎ‪ ،‬وﳝنع اﻣتيﺎز فﺮد على فﺮد‪ ،‬إذ أﺻبﺢ للدﻳﻦ دور ﰲ إعطﺎء ﻗيمة الفﺮد وﻫذا ﻣع‬

‫القدﻳﺲ أوغسطﲔ‪.‬‬

‫_ إن اﻹسﻼم ﻣﺮﺟع وسطﻲ ﳝﺠد اﳊﺮﻳة وﻫذا ﻣع رؤﻳة الفﺎراﰊ ﰲ أن اﻹﻧسﺎن ﺣﺮ ﰲ ﲨيع اﺧتيﺎراتﻪ‪ ،‬ليﺸﻬد ﻫذا اﳌفﻬوم تطور كبﲑ‬

‫ﰲ الﻌصﺮ اﳊدﻳﺚ ﰲ ﲢﺮﻳﺮ اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ سلطة الﻜنيسة وﻫذا ﻣع فﻼسفة) روﱐ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﺟون لوك‪.(...‬‬

‫_ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﺎ توﺻلﺖ إليﻪ أن سبينوزا استطﺎع أن ﻳقدم فلسفة عملية ﲢﺮر اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ اﳌفﺎﺟﺂت والﻼﻣتوﻗع الذي ﻳﺸﻐﻞ ﻗدرة‬

‫اﻹﻧسﺎن على الفﻬﻢ واﳌﻌﺮفة‪.‬‬

‫كﻒ ﷲ ﰲ عقﻼﻧية سبينوزا ﻣﻦ أن ﻳﻜون ﻣﺜﺎﻻ ﻣتﻌﺎﱄ وﻳستﻌصى‬


‫_ ﻳﺮى روخ أن ﻣبدأ وﺣدة الﻜﻞ ﻫو" ﷲ "أو" الطبيﻌة " و لتﺎﱄ ّ‬
‫على إدراك اﻹﻧسﺎن وفﻬمﻪ‪ ،‬فﻬو ﻳتقدم ﰲ أﺑسﻂ ﺻورة وﻳدرك ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻفﺎتﻪ ‪ les attributs‬الﱵ اﺧتزلﺖ ﰲ الفﻜﺮ واﻻﻣتداد‪.‬‬

‫_ وداﺧﻞ ﻫذه اﻻﻧطولوﺟيﺎ اﻹﻧسﺎن ليﺲ ﳎﺮد ﺣﺎل ﻣﻦ أﺣوال الطبيﻌة‪ ،‬إﻧﻪ كﺎﺋﻦ ﻣفﻜﺮ ﻻ ﻳنقطع عﻦ اﳊﺮكة ﻧتيﺠة تفﺎعلﻪ ﻣع‬

‫اﻷﺟسﺎم اﳋﺎرﺟية‪ ،‬وﻳسﻌى إﱃ ﻣﻌﺮفة ذاتﻪ والﻌﺎﱂ ﺣيﺚ تزداد فﺎعليتﻪ وﻗدرتﻪ على الفﻌﻞ كلمﺎ ازدادت ﻣﻌﺎرفﻪ‪.‬‬

‫_ إن فلسفة سبينوزا الﱵ اﺣتوت وعﺎﳉﺖ ﲨيع القﻀﺎ ﻗدت ﻣﻬدت الطﺮﻳﻖ إﱃ الفﻼسفة ﻣﻦ ﺑﻌده وﻣﻦ ﺧﻼﳍﺎ أسﺲ اﳌتﺄﺛﺮون‬

‫ﺑفﻜﺮة آراﺋﻬﻢ واﲡﺎﻫﺎ ﻢ الفلسفية‪ ،‬وﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻦ ﺛﺮ و ﺑﻪ وأﻳدوه ﰲ أفﻜﺎره وتوﺟﻬﺎتﻪ)ﻫيﻐﻞ‪ ،‬اﳒلز‪ ،‬فﺨتﻪ‪ ،‬أرﻧسﺖ رﻳنﺎن‪ ،‬فولتﲑ(‪ ،‬لﻜﻦ‬

‫ﺎ فلسفة عقيمة وأ ﺎ ﱂ ﰐ ﲜدﻳد‪ ،‬على ﻫذا الﺮأي ﻳقوم كﻞ ﻣﻦ ليبتز‪ ،‬رﻳﺸتنبﺎخ‪ ،‬ﻫليوم‪،‬‬ ‫ﻫذا ﻻ ﻳﻌﲏ أﻧﻪ ﻻ وﺟود لفﻼسفة ﻳﺮون‬

‫وعلى الصﻌيد اﻹسﻼﻣﻲ ﷴ إﻗبﺎل‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ﺧـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﺗﻤﺔ‬

‫_ إن فلسفة سبينوزا ﲪلﺖ الﻌدﻳد ﻣﻦ اﻷفﻜﺎر واﳌبﺎدئ اﳉميلة القيمة فﺎﻹﻧسﺎن ﰲ تصوره ﰲ اﳊﺎلة الطبيﻌية كﺎن ﻳتمتع ﲝﺮﻳة ﻣطلقة‬

‫ووفﻖ ﻣﺎ تتيﺤﻪ لﻪ ﻗدراتﻪ الﻌقلية والبدﻧية دون ﻗيد‪ ،‬وﻳندد ﺑﻀﺮورة التفﻜﲑ واﳌﻌﺮفة‪ ،‬فﺎستﺨدام الﻌقﻞ عنده إﺟبﺎر ‪ ،‬فﻬو الذي ﳛقﻖ‬

‫وﺟوده‪.‬‬

‫وعلى عﻜﺲ ﺑﻌض الفﻼسفة ﳒد روخ ﻳلﺨص اﳊﺮﻳة ﰲ أ ﺎ ﻣﻌﺮفة الذات لذا ﺎ وللذوات اﻷﺧﺮى الﱵ تﺆﺛﺮ فيﻬﺎ‪ ،‬وﺑتﻌبﲑ‬

‫أدق أن تﻌمﻞ على استﺨدام كﻞ ﻣﺎ تدﺧﺮه ﻣﻦ إﻣﻜﺎﻧيﺎت للﺤفﺎظ على ﺑقﺎﺋﻬﺎ واﻻستمﺮار ﰲ الوﺟود‪ ،‬إﺿﺎفة إﱃ أﻧﻪ ﻳﻌتﱪ اﳊﺮﻳة ﻣقوم‬

‫وﺟود الدولة واستمﺮارﻫﺎ‪ ،‬وﳍذا أﻃلﻖ عليﻪ فيلسوف اﳊﺮﻳة‪ ،‬ﻫذا ﻣﺎ ﺟﻌﻞ فلسفة سبينوزا عملية ﲢﺮر اﻹﻧسﺎن ﻣﻦ القيود الﱵ ﲢول دون‬

‫وﺟوده‪.‬‬

‫_ لﻜﻦ ﻫذا ﻻ ﻳﻌﲏ أ ﺎ فلسفة كﺎﻣلة ﲣلو ﻣﻦ النقﺎﺋص‪ ،‬فقولﻪ ن ﷲ والﻌﺎﱂ اﳋﺎرﺟﻲ ﳘﺎ الﺸﻲء ﻧفسﻪ‪ ،‬وﻻ ﳝﻜﻦ فصﻞ ﷲ عﻦ الﻌﺎﱂ‬

‫اﳋﺎرﺟﻲ ﻣبﺎلغ فيﻪ وغﲑ ﻣنطقﻲ‪ ،‬فﻬذا الﻌﺎﱂ ﻣﺎ ﻫو إﻻ ﲡسيد وﺻنع وإﺑداع ﻣﻦ إﺑداعﺎت ﷲ وﺣﱴ تتﺠلى ﻗدرتﻪ تﻌﺎﱃ‪ ،‬ووﺟود الﻜون‬

‫ﻣﺮتبﻂ ﺑوﺟود ﷲ‪ ،‬ﺑينمﺎ فنﺎؤه ﻻ ﻳﻌﲏ فنﺎء ﷲ‪ ،‬فﺎﳋﺎلﻖ ﻻ ﻳتسﺎوى ﻣع اﳌﺨلوق‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎ ﻳﺆكد استﺤﺎلة تسﺎوي ﷲ ﻣع الﻌﺎﱂ اﳋﺎرﺟﻲ‪.‬‬

‫وأﺧﲑا ﻳنبﻐﻲ التوسع أكﺜﺮ ﰲ فﻜﺮة اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية عند سبينوزا‪ ،‬والتمﺤيص والتدﻗيﻖ ﰲ أسسﻬﺎ‪ ،‬وتوفﲑ اﳌﺮاﺟع‬

‫والﻜتب الﱵ تتنﺎوﳍﺎ ﺑﺸﻜﻞ أوسع وأدق‪ ،‬ﻷ ﺎ ﻣﻦ أﻫﻢ أفﻜﺎره إن ﱂ ﻧقﻞ أ ﺎ أسﺎس فلسفتﻪ إﻻ أ ﺎ ﻻ تتوفﺮ على الﻜﻢ اﳉيد ﻣﻦ‬

‫اﳌﺮاﺟع‪ ،‬فموﺿوع ذه اﻷﳘية ﻻﺑد ﻣﻦ إعطﺎﺋﻪ ﻗدر ﻗيمتﻪ‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬

‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﺼﺎدر‪:‬‬

‫ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪:‬‬

‫‪ (1‬روخ سبينوزا‪ ،‬اﻷﺧﻼق‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺟﻼل الدﻳﻦ سﻌيد‪ ،‬دار اﳉنوب‪ ،‬توﻧﺲ‪ ،‬دس‪.‬‬

‫‪ (2‬روخ سبينوزا‪ ،‬رسﺎلة ﰲ الﻼﻫوت والسيﺎسة‪ ،‬دار التنوﻳﺮ للطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪2005 ،1‬‬

‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﺮاﺟع‪:‬‬

‫ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪:‬‬

‫‪ (1‬أﰊ ﻧصﺮ الفﺎراﰊ‪ ،‬كتﺎب السيﺎسة اﳌدﻧية‪ ،‬تقدﱘ علﻲ ﺑو ﻣلﺤﻢ‪ ،‬دار اﳍﻼل‪ ،‬ﺑﲑوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪.1996 ،1‬‬

‫‪ (2‬أرسطو ﻃﺎليﺲ‪ ،‬السيﺎسة‪ ،‬تﺮ‪ :‬أﲪد لطفﻲ السيد‪ ،‬اللﺠنة الدولية لﱰﲨة الﺮواﺋع‪.1948 ،‬‬

‫‪ (3‬أفﻼﻃون‪ ،‬اﳉمﻬورﻳة‪ ،‬تﺮ‪ :‬زكﺮ فﺆاد‪ ،‬دار الوفﺎء ‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪.2004 ،‬‬

‫‪ (4‬اﻧدري كوﻧﺖ سبوﻧفيﻞ‪ ،‬ﰲ اﳊﺮﻳة‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺣسﻦ اوزال‪ ،‬ﻣﺆﻣنون ﺑﻼ ﺣدود للدراسﺎت واﻷﲝﺎث‪2016 ،‬‬

‫‪ (5‬ﺑﺮتﺮاﻧد راسﻞ‪ ،‬الفلسفة والسيﺎسة‪ ،‬تﺮ‪ :‬عبد الﺮﲪﺎن القيسﻲ‪ ،‬ﻣﻜتبة النﻬﻀة‪ ،‬ﺑﻐداد‪1962 ،‬‬

‫‪ (6‬ﺟﺎك درﻳدا وآﺧﺮون‪ ،‬ﻣسﺎرات فلسفية‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﷴ ﻣيﻼد‪ ،‬دار اﳊوار للنﺸﺮ‪ ،‬سور ‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪.47‬‬

‫‪ (7‬ﺟون لوك‪ ،‬رسﺎلة ﰲ التسﺎﻣﺢ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﻣﲎ أﺑو سنة‪ ،‬ا لﺲ اﻷعلى لﺜقﺎفة‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪ ،‬ط‪.1997 ،1‬‬

‫‪ (8‬ﺟون لوك‪ ،‬ﰲ اﳊﻜﻢ ﳌدﱐ‪ ،‬تﺮ‪:‬فﺨﺮي ﻣﺎﺟد‪ ،‬اللﺠنة الدولية لﱰﲨة الﺮواﺋع‪ ،‬ﺑﲑوت‪.1959 ،‬‬

‫‪ (9‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣﻼت ﻣيتﺎفيزﻳة ﰲ الفلسفة اﻷوﱃ‪ ،‬تﺮ‪:‬اﳊﺎج كمﺎل‪ ،‬ﻣنﺸورات عوﻳدات‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬رﻳﺲ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1988‬‬

‫روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‪ ،‬ﻣقﺎل عﻦ اﳌنﻬﺞ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﳏمود ﷴ اﳋﻈﲑي‪ ،‬اﳍيﺌة اﳌصﺮﻳة الﻌﺎﻣة للﻜتﺎب‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪(10‬‬
‫‪.1985‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬

‫ﻫﺎﻧز رﻳﺸنبﺎخ‪ ،‬ﻧﺸﺄة الفلسفة الﻌلمية‪ ،‬تﺮ‪ :‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬ﻣنتدى ليبيﺎ‪ ،‬دس‪.‬‬ ‫‪(11‬‬

‫ﻫنﺮي توﻣﺎس‪ ،‬أعﻼم الفلسفة كيﻒ ﻧفﻬمﻬﻢ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﻣﱰي أﻣﲔ‪ ،‬دار النﻬﻀة الﻌﺮﺑية‪1969 ،‬‬ ‫‪(12‬‬

‫إﺑﺮاﻫيﻢ ﻣصطفى إﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬دار الوفﺎء‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪2000 ،‬‬ ‫‪(13‬‬

‫اﲰﺎعيﻞ ﷴ‪ ،‬فﻀﻞ ﷲ‪ ،‬ﻧﻈﺮﻳة القﺎﻧون الطبيﻌﻲ ﰲ الفﻜﺮ السيﺎسﻲ لﻌﺮﰊ‪ ،‬ﻣﻜتبة ﺑستﺎن اﳌﻌﺮفة‪،‬‬ ‫‪(14‬‬
‫اﻹسﻜندرﻳة‪.2005 ،‬‬

‫اﻧدرﻳﻪ كﺮسون‪ ،‬فولتﲑ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺻبﺎح ﳏﻲ الدﻳﻦ‪ ،‬ﻣنﺸورات عوﻳدات‪ ،‬رﻳﺲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،2‬دس‪.‬‬ ‫‪(15‬‬

‫توفيﻖ ﳎﺎﻫد‪ ،‬ﺣورﻳة‪ ،‬الفﻜﺮ السيﺎسﻲ ﻣﻦ أفﻼﻃون إﱃ ﷴ عبده‪ ،‬ﻣﻜتبة ‪ ،485‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪،7‬‬ ‫‪(16‬‬
‫‪2019‬‬

‫ج‪.‬ف‪.‬ليبنتز‪ ،‬أﲝﺎث ﺟدﻳدة ﰲ الفﻬﻢ اﻹﻧسﺎﱐ‪ ،‬ﻧﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة‪ ،‬دار التوفيﻖ‪ ،‬اﻷزﻫﺮ‬ ‫‪(17‬‬

‫ﺟورج سبﺎﻳﻦ‪ ،‬تطور الفﻜﺮ السيﺎسﻲ‪ ،‬تﺮ‪ :‬الﻌﺮوسﻲ ﺣسﻦ ﺟﻼل‪ ،‬ج‪ ،1‬دار اﳌﻌﺎرف‪ ،‬ﻣصﺮ‪.‬‬ ‫‪(18‬‬

‫ﺟوزا روﻳﺲ‪ ،‬روح الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬تﺮ‪ :‬اﲪد اﻻﻧصﺎري‪ ،‬اﳍيﺌة الﻌﺎﻣة لﺸﺆون اﳌطﺎﺑع اﻷﻣﲑﻳة‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪،‬‬ ‫‪(19‬‬
‫ط‪ ،2003 ،1‬القﺎﻫﺮة‪.‬‬

‫ﺣﺎﰎ النقﺎﻃﻲ‪ ،‬ﻣفﻬوم اﳌدﻳنة ﰲ كتﺎب السيﺎسة ﻷرسطو‪ ،‬دار اﳊوار‪ ،‬سور ‪ ،‬ط‪.1995 ،1‬‬ ‫‪(20‬‬

‫د‪.‬علﻲ عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬الفﻜﺮ السيﺎسﻲ الﻐﺮﰊ‪ ،‬دار اﳉﺎﻣﻌﺎت اﳌصﺮﻳة‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪1975 ،‬‬ ‫‪(21‬‬

‫‪ (22‬د‪.‬علﻲ عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬تيﺎرات فلسفية ﺣدﻳﺜة‪ ،‬دار اﳌﻌﺮفة اﳉﺎﻣﻌية‪1974 ،‬‬

‫‪ (23‬دﻳدﻳﻪ ﺟوليﺎ‪ ،‬فﺨﺖ‪ ،‬تﺮ‪ :‬ﺣسيب النمﺮ‪ ،‬اﳌﺆسسﺎت الﻌﺮﺑية للدراسﺎت والنﺸﺮ‪ ،‬ط‪ ،1980 ،1‬ص ‪29‬‬

‫‪ (24‬راﺋد عبد اﳉبﺎر‪ ،‬فلسفة الذات ﰲ فﻜﺮ ﷴ إﻗبﺎل‪ ،‬دار النينوي للدراسﺎت والنﺸﺮ والتوزﻳع‪ ،‬سور ‪1429 ،‬ه‪،‬‬
‫‪2009‬م‬

‫‪ (25‬رﻳتﺸﺎرد شﺎﺧﺖ‪ ،‬رواد الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬تﺮ‪ :‬اﲪد ﲪدي ﳏمود‪ ،‬ﻣﻜتبة اﻷسﺮة‪ ،‬دس‪.‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬

‫‪ (26‬رﳝون غوش‪ ،‬الفلسفة السيﺎسية ﰲ الﻌﻬد السقﺮاﻃﻲ‪ ،‬دار السﺎﻗﻲ‪ ،‬ﺑيوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬

‫‪ (27‬زكﺮ إﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬دار التنوﻳﺮ للطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1993 ،2‬‬

‫‪ (28‬زﻳد عبﺎس كﺮﱘ‪ ،‬سبينوزا وفلسفتﻪ اﻷﺧﻼﻗية‪ ،‬دار التنوﻳﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪2012 ،2‬‬

‫‪ (29‬عبﺎس عطيتو‪ ،‬ﺣﺮﰊ‪ ،‬ﻣﻼﻣﺢ الفﻜﺮ الفلسفﻲ عند اليو ن‪ ،‬دار اﳌﻌﺮفة اﳉﺎﻣﻌية‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪.1992 ،‬‬

‫‪ (30‬علﻲ عبد الواﺣد واﰲ‪ ،‬اﳌدﻳنة الفﺎﺿلة للفﺎراﰊ‪ ،‬ﻀة ﻣصﺮ‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬دس‪.‬‬

‫‪ (31‬فﺎروق عبد اﳌﻌطﻲ‪ ،‬ﺟون لوك‪ ،‬دار الﻜتب الﻌلمية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬

‫‪ (32‬فﺮﻳدﻳﺮﻳﻚ كوﺑلستون‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة "الفلسفة اﳊدﻳﺜة"‪ ،‬تﺮ‪ :‬سﻌيد توفيﻖ‪ ،‬ﳏمود سيد اﲪد‪ ،‬ا لد الﺮاﺑع‪ ،‬اﳌﺮكز‬
‫القوﻣﻲ للﱰﲨة‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪2013 ،1‬‬

‫‪ (33‬فﺮﻳدﻳﺮﻳﻚ كوﺑلستون‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة الﻐﺮﺑية ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ليبنتز‪ ،‬اﳌﺮكز القوﻣﻲ للﱰﲨة‪ ،‬ط‪]2013 ،1‬‬

‫‪ (34‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬دار الوفﺎ لدﻧيﺎ الطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﻣصﺮ‪ ،‬ط‪2008 ،1‬‬

‫‪ (35‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬سلسلة الفﻜﺮ اﳌﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬دار التنوﻳﺮ للطبﺎعة والنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1983 ،2‬‬

‫‪ (36‬فﺆاد زكﺮ ‪ ،‬سبينوزا‪ ،‬ﻣﺆسسة ﻫنداوي‪ ،‬اﳌملﻜة اﳌتﺤدة‪.2017 ،‬‬

‫‪ (37‬فﺆاد كﺎﻣﻞ واﺧﺮون‪ ،‬اﳌوسوعة الفلسفية اﳌﺨتصﺮة‪ ،‬دار اﳌﻌلﻢ‪ ،‬ﺑﲑوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬دس‬

‫‪ (38‬كﺎﻣﻞ ﷴ ﷴ عوﻳﻀة‪ ،‬اوغسطﲔ فيلسوف الﻌصور الوسطى‪ ،‬دار الﻜتب الﻌلمية‪ ،‬ﺑﲑوت‪-‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1993‬‬

‫‪ (39‬لﺆي ﺻﺎﰲ‪ ،‬اﳊﺮﻳة واﳌواﻃنة واﻹسﻼم السيﺎسﻲ‪ ،‬ﻗﻀﺎ الﺮﺑيع الﻌﺮﰊ والتﺤوﻻت السيﺎسية الﻜﱪى‪ ،‬دار ا تمع‬
‫اﳌدﱐ والدستور‪ ،‬ط‪.2012 ،1‬‬

‫‪ (40‬ﳏمود ﻣﺮاد‪ ،‬اﳊﺮﻳة ﰲ الفلسفة اليو ﻧية‪ ،‬دار الوفﺎء‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪1999 ،‬‬

‫‪ (41‬ﻣصطفى اﺑﺮاﻫيﻢ‪ ،‬الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت إﱃ ﻫيوم‪ ،‬دار الوفﺎء‪ ،‬اﻹسﻜندرﻳة‪.2001 ،‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬

‫‪ (42‬ﻣصطفى النﺸﺎر‪ ،‬اﳊﺮﻳة والدﳝقﺮاﻃية واﳌواﻃنة ﻗﺮاءة ﰲ فلسفة أرسطو السيﺎسية‪ ،‬الدار اﳌصﺮﻳة السﻌودﻳة‪،‬‬
‫القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬

‫‪ (43‬ﻣصطفى النﺸﺎر‪ ،‬تطور الفﻜﺮ السيﺎسﻲ القدﱘ ﻣﻦ ﺻولون ﺣﱴ اﺑﻦ ﺧلدون‪ ،‬دار ﻗبﺎء‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1991‬‬

‫‪ (44‬ول دﻳوراﻧﺖ‪ ،‬ﻗصة الفلسفة‪ ،‬تﺮ‪ :‬اﲪد الﺸيبﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻜتبة اﻷﻫلية‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬دس‪.‬‬

‫‪ (45‬ول دﻳوراﻧﺖ‪ ،‬ﻗصة الفلسفة‪ ،‬تﺮ‪ :‬فتﺢ ﷲ ﷴ الﺸﻌﺸع‪ ،‬ﻣﻜتبة اﳌﻌﺎرف‪ ،‬ﺑﲑوت‪1979 ،‬‬

‫‪ (46‬ولﱰ سﱰﻳﺲ‪ ،‬فلسفة ﻫيﻐﻞ‪ ،‬ﻣيﺸيﻞ ﻣينﺎس‪ ،‬ﻫيﻐﻞ والدﳝوﻗﺮاﻃية‪ ،‬ا لد‪ ،2‬تﺮ‪ :‬إﻣﺎم عبد الفتﺎح إﻣﺎم‪ ،‬ﻣﻜتبة‬
‫ﻣدﺑوﱄ‪.1996 ،‬‬

‫‪ (47‬ﻳوسﻒ كﺮم‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة اﳊدﻳﺜة‪ ،‬دار القلﻢ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬دس‪.‬‬

‫‪ (48‬ﻳوسﻒ كﺮم‪ ،‬رﻳﺦ الفلسفة اﻷوروﺑية ﰲ الﻌصﺮ الوسيﻂ‪ ،‬ﻣﺆسسة ﻫنداوي‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪2012 ،‬‬

‫ﻟﻠﻐﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ‬

‫‪1) Léon Brunschvicg , spinoza et ses contemporains, P.U.F, Paris ,4‬‬


‫‪édition 1951.‬‬

‫‪2) Robert Misrahi , Qu’est-ce que la liberté , Armand Colin, Paris 1998‬‬

‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﻌﺎﺟﻢ واﳌوﺳوﻋﺎت‬

‫‪ (1‬ﲨيﻞ ﺻليبﺎ‪ ،‬اﳌﻌﺠﻢ الفلسفﻲ‪ ،‬ﻧﺸﺮ الﺸﺮكة الﻌﺎﳌية للﻜتﺎب‪ ،‬ط‪1994 ،1‬‬

‫‪ (2‬ﺟورج ﻃﺮاﺑيﺸﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ الفﻼسفة‪ ،‬دار الطليﻌة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪.2006 3‬‬

‫‪ (3‬عبد الﺮﲪﺎن ﺑدوي‪ ،‬ﻣوسوعة اﳌستﺸﺮﻗﲔ‪ ،‬دار اﳌﻌلﻢ للمﻼﻳﲔ‪ ،‬لبنﺎن‪ ،‬ط‪.1993 ،3‬‬

‫‪ (4‬فﺆاد كﺎﻣﻞ‪ ،‬اﳌوسوعة الفلسفية اﳌﺨتصﺮة‪ ،‬دار القلﻢ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬دس‬


‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬

‫‪ (5‬ﻣوسوعة فﻼسفة وﻣتصوفة اليﻬود‪ ،‬ﻣﻜتبة ﻣدﺑوﱄ‪ ،‬القﺎﻫﺮة‪ ،‬دس‪.‬‬

‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﳉﺎﻣﻌﻴﺔ‪:‬‬

‫‪ (1‬اﷴ الﺸيلﻲ‪ ،‬تﺮﺑية الذات اﻹﻧسﺎﻧية‪ ،‬ﺑﲔ النفﻲ واﻹﺛبﺎت‪ ،‬رسﺎلة ﻣﺎﺟستﲑ‪.2009-2008 ،‬‬

‫‪ (2‬ﲪﺎل فﺮﻳدة‪ ،‬وﺣدة اﻹلﻪ والطبيﻌة ﰲ ﻣذﻫب سبينوزا‪ ،‬ﻣذكﺮة ﻣﺎﺟستﲑ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌة اﳉزاﺋﺮ‪ ،‬ﻣﻌﻬد الفلسفة‪،‬‬
‫‪2002-2001‬‬

‫‪ (3‬سليمة ﻗﺎﻳد‪ ،‬اﳌذﻫﻲ اﻵﱄ عند ليبنتز‪ ،‬رسﺎلة دكتوراه‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌة اﳉزاﺋﺮ‪2010/2009 ،‬‬

‫ﻗﺎﺋﻤﺔ ا ﻼت‪:‬‬

‫‪ (1‬اﳌصطفى الﺸﺎدﱄ‪ ،‬ﺣنة ارﻧدت وﻧقد التصور الفلسفﻲ للﺤﺮﻳة‪ ،‬ﳎلة تبﲔ‪ ،‬ا لد‪ ،7‬الﻌدد‪ ،25‬اﳌﺮكز الﻌﺮﰊ‬
‫لﻸﲝﺎث ودراسة السيﺎسﺎت‪.2018 ،‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫ﻣﻠﺤق اﻟشﺨﺼﻴﺎت‪:‬‬

‫‪ ‬اﻓﻼﻃون‪:‬‬

‫اعﻈﻢ فيلسوف ﰲ الﻌصور القدﳝة ورﲟﺎ ﰲ اﻻزﻣنة القﺎﻃبة ولد ﺑﻌيد وفﺎة ﺑﺮﻳﻜليﺲ ﳓو عﺎم ‪ 427‬ق‪.‬م ﻣﻦ‬
‫اسﺮة ارستقﺮاﻃية اﺛينية اﺑوه ارسطون ﻳﻌد ﻣﻦ اﺣفﺎد كودروس اﺧﺮ ﻣلوك اﺛينﺎ واﻣﻪ افﺮﻳقطوﱐ‪ ،‬وﱂ ﺑفﱰق افﻼﻃون عﻦ‬
‫اﳌﻌلﻢ إﱃ ﻳوم ﳏﺎكمتﻪ وﻣوتﻪ ﺑﻌد ﲦﺎﻧية اعوام ﻣﻦ لقﺎﺋﻪ اﻷول ﺑﻪ سنة ‪.399‬‬

‫عﺎد افﻼﻃون ادراﺟﻪ إﱃ اﺛينﺎ ﳓو عﺎم ‪ 387‬وﻗد ت لﻪ ﻣﻦ الﻌمﺮ ارﺑﻌون ﺣوﻻ‪ ،‬فﺄسﺲ فيﻬﺎ ﻣدرستﻪ الﱵ‬
‫عﺮفﺖ سﻢ اﻷكﺎدﳝية ﻧسبة إﱃ إسﻢ البستﺎن الذي شيدﻫﺎ فيﻪ وﻫﻲ اول ﻣﻌﻬد للتﻌليﻢ الﻌﺎﱄ لنﺎ ﺑﻪ ﻣﻌﺮفة وكﺎﻧﺖ‬
‫ﲡﺮى فيﻬﺎ ﻣبﺎﺣﺚ علمية‪ ،‬وكﺎن تﻌليﻢ الﻌلوم الصﺤيﺤة ﻳﻬﻲء التﻼﻣيذ لدراسة الفلسفة ﲝد ذا ﺎ وﰲ تطبيقﺎ ﺎ على‬
‫السيﺎسة وﻗد ﲣﺮج ﻣﻦ اﳌدرسة فﻼسفة ﻣﻦ اﻣﺜﺎل ارسطو الذي اﻣﻀى فﻬﺎ عﺸﺮﻳﻦ سنة وكﺜﲑ ﻣﻦ رﺟﺎﻻت الدولة وﻗد‬
‫استمﺮت اﻻكﺎدﳝية ﰲ الوﺟود تسﻌة ﻗﺮون ﻣتتﺎلية‪.‬‬

‫كﺎن افﻼﻃون تلميذ سقﺮاط الذي ﱂ ﻳﻜتب شيﺌﺎ والذي كﺎن ﻳقنع ﲟﺎ ﳝﺎرسﻪ ﻣﻦ ﺛﲑ ﻗوالﻪ ﻳﺆﺛﺮ ﺑﻜﺜﲑ اﶈﺎدﺛة‬
‫اﳊوارﻳة‪.‬‬

‫كتب افﻼﻃون الﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﳌﺆلفﺎت وﻗد وﺻلتنﺎ ﻣﺆلفﺎتﻪ وﻫذا اﻣﺮ در لنسبة إﱃ ﻗداﻣى اﳌﺆلفﲔ ﻣﺜﻞ‪ :‬تيمﺎوس‬
‫والقواﻧﲔ ﺣيﺚ ﻳﻌﺮض لنﺎ تصوراتﻪ الﻜوﲰولوﺟية والطبيﻌية والبيولوﺟية والقﺎﻧوﻧية واﻻﻫوتية‪.‬‬

‫ﺑيﺖ القصيد ﻣﻦ ﻣﺆلفﺎت افﻼﻃون تﻜوﻳﻦ ﻗﺮاﺋﻪ تطﻬﲑه ﻣﻦ ﻇنوﻧﻪ واﺣﻜﺎﻣﻪ اﳌسبقة اﳌتنﺎﻗﻀة لﲑﻗى ﺑﻪ تدرﳚيﺎ‬
‫ﺑﻌد ذلﻚ ﻣﻦ اﶈسوس إﱃ اﳌﻌقول لتمﻜنﻪ ﻣﻦ سيﺲ فﻌلﻪ على ﻣبﺎدئ ﺑتة وﺻﺎﳊة لتوافﻖ ﻣع الطبيﻌة الﻌميقة‬
‫للوﺟود وشواغﻞ كﻬذه تستلزم ﺑنية اﶈﺎورات‪.‬‬

‫‪ ‬ارﺳﻄو ‪Aristote‬‬

‫ولد ارسطو ﰲ اسطﺎغﲑا وتﻌﺮف اليوك سﻢ ستﺎفﺮو وﻫﻲ ﻣدﻳنة ﺻﻐﲑة ﰲ شبﻪ اﳉزﻳﺮة اﳋلقيدﻳة سنة ‪ 384‬ق‪.‬م‬
‫وتوﰲ ﰲ ﺧليقﺲ سنة ‪ 322‬ق‪.‬م ﳝﻜﻦ القول عﻦ ارسطو اﻧﻪ كﺎن اعﻈﻢ ﻧواﺑغ النﻈﺮ الﻌقلﻲ ﰲ رﻳﺦ الفﻜﺮ اليو ﱐ‪،‬‬
‫وﻫذه الزعﺎﻣة ﻻﳝﻜﻦ أن تنﻜﺮ عليﻪ إﻻ لصﺎﱀ ﻣﻌلمﻪ افﻼﻃوﻧوﰲ الواﻗع أن رﻳﺦ الفلسفة سﺮه ﻳﻬيمﻦ عليﻪ ﻫذان‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫الوﺟﻬﺎن الﻜبﲑان‪ ،‬توﰲ ارسطو ﻗبﻞ أن ﻳﺸيﺦ توﺻﻞ إﱃ ﺣﻞ تلﻚ التنﺎﻗﻀﺎت اﳌبﺎﻃنة لﻼﲡﺎه اﻻسﺎسﻲ للفﻜﺮ اليو ﱐ‬
‫ﺑصفة عﺎﻣة ﲝيﺚ أن تﻚ التنﺎﻗﻀﺎت لذات ﲡﻌﻞ ﻣوﻗﻒ ارسطو أكﺜﺮ تﻌقيدا واكﺜﺮ ﳕوذﺟية ﺑﻌد(‪.‬‬

‫والد ارسطو ﻧيقوﻣﺎﺧوس كﺎن ﻃبيبﺎ‪ ،‬وﻗد فقد ارسطو ﰲ وﻗﺖ ﻣبﻜﺮ ا ه واﻣﻪ فﺠﻌﻞ اﻗﺮ ﺋﻪ وﻫو ﺑﺮوكسﺎﻧﺲ‬
‫وﺻيﺎ عليﻪ‪ ،‬اﻧتسب إﱃ اكﺎدﳝية افﻼﻃون كﺎن لﻪ ﻣﻦ الﻌمﺮ عندﺋذ سبﻌة عﺸﺮ او ﲦﺎﻧية عﺸﺮ عﺎﻣﺎ‪ ،‬وﻗد لبﺚ فيﻬﺎ إﱃ‬
‫ﺣﲔ وفﺎة اﳌﻌلﻢ )عﺎم‪ (347‬اي زﻫﺎء عﺸﺮﻳﻦ عﺎم‪.‬‬

‫لﻪ ﳎموعة ﻣﻦ الﻜتب ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ‪ :‬اﻷﺧﻼق النيقوﻣﺎﺧية‪ ،‬ﻣسﺎﺋﻞ ﻫوﻣﲑﻳة‪ ،‬السيﺎسة‪ ،‬اسﺲ ﻣدرستﻪ الﱵ اشتﻬﺮت‬
‫سﻢ اللقيون‪ ،‬كمﺎ اﻧﻪ ﻣﺆسﺲ اﳌنطﻖ فقد ﺑقﻲ كتﺎﺑﻪ اﻻورغﺎﻧون او اﻷلة على ﻣدى ألفﻲ سنة ﻣﺜﺎﻻ ﻻ ﻳﻀﺎﻫﻲ على‬
‫ذلﻚ الﻌلﻢ‪ ،‬عﻼوة على اﳌﺆلفﺎت الﱵ تقدم ذكﺮﻫﺎ ﻳنبﻐﻲ أن ﻧﻀيﻒ أﻳﻀﺎ تصﺎﻧيفﻪ ﰲ اﻷﺧﻼق وعلﻢ النفﺲ فقد ت‬
‫ﻣﻌلوﻣﺎ اليوم أن اﻷﺧﻼق اﻻوداﻣية ﻫﻲ ﻣسودة أوﱃ لﻸﺧﻼق النيقوﻣﺎﺧية‪ ،‬وكتﺎب ﻣﺎ ﺑﻌد الطبيﻌية )اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ(‬

‫‪ ‬اﻟقﺪﻳﺲ اوﻏسﻄﲔ ‪Saint Augustinus‬‬

‫اوراليوس اوغوسطينوس اشﻬﺮ آ ء الﻜنيسة اﻻتينية ولد ﰲ ﻃﺎﺟسطﺎ )اليوم سوق اﻫﺮاس( ﺑنوﻣيد ﰲ ‪13‬‬
‫تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 354‬م ﻣﺎت ﰲ اﻳبو ﰲ ‪ 14‬آب ‪430‬م كﺎن اﺑوه وﺛنيﺎ وﻳدعى تﺮﻳقيوس واﻣﻪ ﻧصﺮاﻧية تدعى ﻣوﻧيﻜﺎ‬
‫درس اوﻻ ﰲ ﻣسقﻂ رأسﻪ ﰒ اﻧتقﻞ إﱃ ﻣﺎدورا ليدرس اﳋطﺎﺑة اولع ﻻتينية و ﻻدب اﻻتيﲏ‪.‬‬

‫ﺑﲔ ‪ 380‬و ‪ 381‬كتب كتﺎﺑﻪ اﻷول ﰲ ﳎلدﻳﻦ او ﺛﻼﺛة ﳎلدات ﰲ اﳉمﺎل وﰲ الليﺎﻗة وﻗد ﺿﺎع وعندﻣﺎ ﻗدم‬
‫إﱃ ﻗﺮﻃﺎﺟة ﻣﻦ روﻣﺎ اﻻسقﻒ فﺎوستوس وكﺎن فقيﻬﺎ ﻣﺎﻧو شﻬﲑا استقبلﻪ اوغسطينوس استقبﺎلﻪ ﻻﻧسﺎن ﻳنتﻈﺮ ﻣنﻪ أن‬
‫ﻳبدد شﻜوكﻪ كلﻬﺎ‪.‬‬

‫اشتﻬﺮ ﲟﺠموعة ﻣﻦ اﶈﺎورات الفلسفية ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ‪ :‬ردا على فﻼسفة اﻻكﺎدﳝية‪ ،‬ﰲ اﳊيﺎة السﻌيدة‪ ،‬ﰲ النﻈﺎم‪،‬‬
‫ﻣنﺎﺟﺎة النفﺲ‪ ،‬وﻗد كتب اﶈﺎورات الﺜﻼث اﻻوﱃ سنة ‪ 376‬والﺮاﺑﻌة ﰲ ﻣطلع عﺎم ‪ 387‬ﰒ استقﺎل ﻣﻦ عملﻪ‬
‫كمدرس للﺨطﺎﺑة‪.‬‬

‫تﻌمد ﰲ ليلة ‪ 25-24‬ﻧيسﺎن ‪ 387‬على القدﻳﺲ اﻣﱪوزﻳوس ووﻗﻒ ﻧفسﻪ ﻣنذ ذلﻚ فصﺎعدا على ﺧدﻣة ﷲ‬
‫وكتب ﰲ ﻣيﻼﻧو ﰲ النفﺲ اﳋﺎلدة‪ ،‬وﰲ روﻣﺎ كذلﻚ كتب ﰲ عﻈمة النفﺲ‪ ،‬وﻫو ﻣﺆلﻒ ﺻوﰲ ﲡلﺖ فيﻪ واﺿﺤة‬
‫ﻣواﻫبﻪ كﻌﺎﱂ ﰲ النفﺲ‪ ،‬كمﺎ ﺣﺮر اﳌﻌلﻢ‪ ،‬وﰲ اﳌوسيقى‪ ،‬ﰲ الدﻳﻦ اﳊﻖ‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫‪ ‬اﺑو ﻧﺼﺮ اﻟﻔﺎراﰊ ‪AL Farabi‬‬

‫اﺑو النصﺮ ﷴ ﺑﻦ ﷴ ﻃﺮﺧﺎن الفﺎراﰊ ولد ﰲ واسﺞ ﰲ ﻣقﺎﻃﻌة فﺎراب ﺑﱰكستﺎن ﻣﻦ اب ﻳقﺎل اﻧﻪ كﺎن ﻗﺎﺋدا‬
‫عسﻜﺮ ﰲ ﺑﻼط السﺎﻣﺎﻧيﲔ درس ﰲ ﺑﻐداد اوﻻ على ﻣﻌلﻢ ﻣسيﺤﻲ ﻫو ﻳوﺣنﺎ ﺑﻦ ﺣيﻼن ودرس ﺑﻌد ذلﻚ اﳌنطﻖ‬
‫والفلسفة والنﺤو والصﺮف والﻌلوم والﺮ ﺿيﺎت واﳌوسيقى وارﲢﻞ إﱃ ﺣلب ﰲ ‪330‬ه‪941/‬م‪ ،‬واستقﺮ ﰲ ﳎلﺲ‬
‫سيﻒ الدولة‪ ،‬ﰒ ﻗﺎم ﺑﻌدة اسفﺎر وﺻوﻻ إﱃ القﺎﻫﺮة وﻣﺎت ﰲ دﻣﺸﻖ ﰲ ‪339‬ه‪950/‬م عﻦ ﲦﺎﻧﲔ عﺎم‪ ،‬لقب ﳌﻌلﻢ‬
‫الﺜﺎﱐ ﺑﻌد اﳌﻌلﻢ اﻷول ارسطو وأراد الﱪﻫﺎن على غﺮار اﻻفﻼﻃوﻧيﲔ اﳉدد‪ ،‬على اتفﺎق افﻼﻃون وارسطو‪ ،‬فﻬمﺎ ﰲ رأﻳﻪ‬
‫ﳜتلفﺎن ﰲ اﳌنﻬﺞ وﰲ اﻷسلوب وﰲ سية اﳊيﺎة اﻣﺎ ﻣذﻫبﻬمﺎ الفلسفﻲ فواﺣد‪.‬‬

‫ﺛﺮ فلوﻃﲔ واﻗتبﺲ عنﻪ ﻧﻈﺮﻳتﻪ ﰲ الواﺣد وتﻜﺜﺮه فمﻦ الواﺣد وﻫو ﷲ ﻳصدر الﻌﺎﱂ وذلﻚ عندﻣﺎ ﻳتﻌقﻞ ﷲ‬
‫ذاتﻪ‪ ،‬فﺎﻻﺻﻞ اذن علﻢ ﷲ‪ ،‬ﻻ ارادتﻪ وعنﻪ ﻳفيض الﻌقﻞ الول الذي ﳛﺮك الفلﻚ اﻻكﱪ وﺑﻌده ﰐ عقول ﲦﺎﻧية ﻧيطﺖ‬
‫ﺎ اﻻﺟﺮام السمﺎوﻳة وﻳليﻬﺎ ﰲ ﻣﺮاتب الوﺟود الﻌقﻞ الفﻌﺎل الذي ﻳﻜون ﺣلقة اﻻتصﺎل ﺑﲔ الﻌﺎﱂ الﻌلوي والﻌﺎﱂ‬
‫السفلﻲ وتليﻪ ﰲ اﳌﺮتبة النفﺲ والﻌقﻞ الفﻌﺎل والنفﺲ ﻳتﻜﺜﺮان ﰲ أفﺮاد البﺸﺮ وﰲ اﺧﺮ اﳌﺮاتب ﰐ اﳌﺎدة وﻣنﻬﺎ تتﻜون‬
‫اﻻشيﺎء‪.‬‬

‫اﳌﻌﺮفة عند الفﺎراﰊ ﻫﻲ ﰲ الصﻌود ﻣﻦ ادﱏ ﻣﺮاتب اﳌوﺟودات إﱃ اعﻼﻫﺎ وﰲ اﻻﻧتقﺎل ﻣﻦ الﻜﺜﺮة إﱃ الوﺣدة‪.‬‬

‫للفﺎراﰊ رسﺎلة ﰲ اراء اﻫﻞ اﳌدﻳنة الفﺎﺿلة ﺿمنﻬﺎ اراء ﰲ السيﺎسة‪ ،‬وﻳبدو فيﻬﺎ ﺛﺮه واﺿﺤﺎ ﲜمﻬورﻳة افﻼﻃون‪،‬‬
‫كمﺎ لﻪ ﳎموعة ﻣﻦ اﳌﺆلفﺎت ﻣنﻬﺎ‪ :‬كتﺎب اﳉمع ﺑﲔ رأﻳﻲ اﳊﻜيمﲔ )افﻼﻃون وأرسطو‪ ،‬اﺣصﺎء الﻌلوم‪ ،‬كتﺎب‬
‫السيﺎسة اﳌدﻧية )اﳌﻌﺮوف سﻢ ﻣبﺎدئ اﳌوﺟودات(‪ ،‬فلسفة ارسطوﻃﺎليﺲ‪ ،‬كتﺎب اﻻلفﺎظ اﳌستﻌملة ﰲ اﳌنطﻖ‪ ،‬كتﺎب‬
‫اﳊﺮوف‪ ،‬فصوص اﳊﻜﻢ(‪.‬‬

‫‪ ‬روﻧﻴﻪ دﻳكﺎرت ‪Rene Descarte‬‬

‫اول فيلسوف ﳏدث وواﺣد ﻣﻦ اعﻈﻢ الﺮ ﺿيﲔ ﰲ اﻻزﻣﺎن القﺎﻃبة ولد ﰲ ﻻﻫﺎي ﰲ ‪ 31‬آذار ‪ 1596‬كﺎن‬
‫اﺑوه ﻳواكيﻢ دﻳﻜﺎرت ﻳنتمﻲ إﱃ ﻧبﺎلة اﻫﻞ القﻀﺎءأ‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫اﻫتدى إﱃ كﺸﻒ عﻈيﻢ إﱃ اسﺲ علﻢ عﺠيب ﻣﺎﻫو؟ رﲟﺎ كﺎن ﻳقصد ﺑﻪ ﻣبﺎدئ ﻣنﻬﺠﻪ او ذلﻚ اﳉﱪ اﳍندسﻲ‬
‫الذي تطلﻌنﺎ ﺑﻌض ا ره ﰲ ﻗواعد تدﺑﲑ الﻌقﻞ والذي تﻀمﻦ ﺑذرة اﳍندسة التﺤليلة وﻣﻬمﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻣﺮ فﺤﺮر رسﺎلة‬
‫ﺻﻐﲑة ﰲ اﳉﱪ‪.‬‬

‫الﻒ ﰲ فﺮﻧسﺎ رسﺎلة غﲑ ﻣﻜتملة ﻃبﻖ فيﻬﺎ ﻣقدﻣﺎ ﺑنوع ﻣﺎ ﻣنﻬﺞ اﳌقﺎل ﰲ اﳌنﻬﺞ‪ ،‬ﻗواعد تدﺑﲑ الﻌقﻞ‪ ،‬ﺣﱴ‬
‫اﳒز ﲢﺮﻳﺮ رسﺎلة ﰲ اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ ﺿﺎعﺖ ﻣع اﻻسﻒ لﻜﻦ ﺟوﻫﺮ سيتﻜﺮر ﰲ ﻣﻼت ﻣيتﺎفيزﻳقية وﺑدءا ﻣﻦ عﺎم ‪1629‬‬
‫ألﻒ كتﺎب الﻌﺎﱂ‪.‬‬

‫ﺣﺮر دﻳﻜﺎرت ﺑﲔ ‪ 1637-1634‬ﺛﻼث رسﺎﺋﻞ علمية اﻧﻜسﺎر الﻀوء‪ ،‬اﳍندسة‪ ،‬اﻻ ر الﻌلوﻳة‪ ،‬وﻗد سبﻖ‬
‫دﻳﻜﺎرت تلﻚ الﺮسﺎﺋﻞ الﺜﻼث ﲟقدﻣة ﺟﻌﻞ عنوا ﺎ ﻣقﺎل ﰲ اﳌنﻬﺞ وﻧﺸﺮﻫﺎ ﲨيﻌﻬﺎ ﰲ ﺣزﻳﺮان ‪.1637‬‬

‫‪ ‬ﺟون ﻟوك ‪Jone Locke‬‬

‫فيلسوف اﳒليزي ولد ﰲ رﻳنﻐتون لقﺮب ﻣﻦ ﺑﺮﻳستول ﰲ ‪ 29‬آب ‪ 1632‬وتوﰲ ﰲ ‪ 28‬تﺸﺮﻳﻦ اﻷول ‪1704‬‬
‫ﻳنﺤدر ﻣﻦ اسﺮة ﻃﻬﺮاﻧية ﻣﻦ الطبقة الوسطى والتﺤﻖ ﲜﺎﻣﻌة اكسفورد عﺎم ‪ 1652‬ﺣيﺚ درس اﻻداب والفلسفة ﰲ‬
‫دئ اﻷﻣﺮ ﰒ الطب وسﺎﻫﻢ ﰲ اعمﺎل ﺑوﻳﻞ وسيد ﺎم وﱂ ﻳنقطع ﻳوﻣﺎ عﻦ اﻻﻫتمﺎم ﲝﺮكة عصﺮه الﻌلمية اﺻبﺢ ﻣنذ‬
‫عﺎم ‪ 1668‬عﻀوا ﰲ ﲨﻌية لندن اﳌلﻜية الﺸﻬﲑة ﰒ ﺻﺎر ﻣﻦ اعﻀﺎء ﳎلﺲ ادار ﺎ‪.‬‬

‫ﲡلﺖ لﻪ ﺿﺮورة البﺤﺚ اﻻستبﺎﻗﻲ عﻦ اﻣﻜﺎﻧيﺎت الﻌقﻞ البﺸﺮي واﻫدافع وتلﻚ كﺎﻧﺖ ﻧقطﻪ اﻧطﻼﻗﻪ ﰲ ﻣﺆلفﻪ‬
‫الﺮﺋيسﻲ‪ :‬ﳏﺎولة ﰲ الفﻬﻢ البﺸﺮي‪ ،‬والذي ﻳﻌد ﻣﻦ ﺑﲔ اﻫﻢ اﳌﺆلفﺎت ﰲ رﻳﺦ الفلسفة وﻗد عمﻞ لوك فيﻪ ﳌدة ﲦﺎﻧية‬
‫عﺸﺮ عﺎﻣﺎ‪.‬‬

‫وﻣﻦ ﺑﲔ اﻫﻢ تصﺎﻧيفﻪ اﳌﻬمة اﻻﺧﺮى ﳔص لذكﺮ‪ :‬ﰲ اﳊﻜﻢ‪ ،‬ﺣول اﳊﻜﻢ اﳌدﱐ الصﺎدرﻳﻦ عﺎم ‪1690‬‬
‫ورسﺎﺋﻞ ﺣول التسﺎﻣﺢ‪ ،‬اﳌسيﺤية الﻌﺎﻗلة ‪1695‬‬

‫‪ ‬ﺳﺒﻴﻨوزا ‪Baruch Ou Benedictus Spinoza‬‬

‫ولد ﰲ اﻣسﱰدام ﰲ ‪ 24‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 1632‬وﻣﺎت ﰲ ﻻﻫﺎي ﰲ ‪ 20‬شبﺎط ‪ 1677‬ﱂ تﻌﺮف ﺣيﺎتﻪ اﺣدا‬
‫كﺜﲑة ﺑﻞ ﻗﻀﺎﻫﺎ ﺟلﻬﺎ ﰲ الدرس والتﺄﻣﻞ‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫ﻳنﺤدر سبينوزا ﻣﻦ اسﺮة ﻣﻦ اليﻬود الﱪتﻐﺎليﲔ وﻗد ﻫﺮب ﺟد الفيلسوف واﺑوه )اﺑﺮاﻫيﻢ وﻣيﺨﺎﺋيﻞ( ﻣﻦ‬
‫اﻻﺿطﻬﺎدات الدﻳنية‪.‬‬

‫اﺑتداءا ﻣﻦ عﺎم ‪ 1660‬اﻗﺎم سبينوزا ﰲ رﻳسنبورغ ﺑدأ ﺑتﺤﺮﻳﺮ اﳌقﺎلة اﻻوﱃ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق ﻣﱪﻫنﺎ عليﻬﺎ وفﻖ ﻃﺮﻳقة‬
‫اﳍندسيﲔ وﺑﻌد ذلﻚ توﻗﻒ ﺑﻐتة عﻦ ﲢﺮﻳﺮه واﻧصﺮف إﱃ كتﺎﺑﻪ الﺮسﺎلة اﻻﻫوتية السيﺎسية ليﻜب ﻣﻦ ﺟدﻳد على عملﻪ‬
‫ﰲ اﻷﺧﻼق )ﻃﺮاﺑﻴشﻲ‪ ،‬ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ص ‪(360-357‬‬

‫‪ ‬ﻫﻴﻐﻞ ‪Gzorg Wllhelm Friedrlch Hegel‬‬

‫فيلسوف اﳌﺎﱐ ولد ﰲ شتوتﻐﺎرت ﰲ ‪ 27‬آب ‪ 1770‬وﻣﺎت لﻜولﲑا ﰲ ‪ 14‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 1831‬ﰲ ﺑﺮلﲔ‬
‫ﰲ عﺎم ‪ 1793‬ﺣصﻞ على دﺑلوﻣﻪ ﰲ الﻼﻫوت شﻬد لﻪ اسﺎتذتﻪ ﺑقوة اﳌنطﻖ وﻗد اﻧﻜﺮ عليﻪ كﻞ ﻣوﻫبة ﰲ الفصﺎﺣة‬
‫ﳍذا عزف ﻫيﻐﻞ عﻦ ﻣﻬنة القﺲ واﲡﻪ إﱃ أن ﻳصﲑ ﻣﺆد ﺧصوﺻيﺎ‪.‬‬

‫اﻫﻢ ﻣقﺎلﲔ ﳍيﻐﻞ كﺎ اﻻﳝﺎن والﻌلﻢ وﺣول اﳌنﻬﺞ الﻌلمﻲ للقﺎﻧون الطبيﻌﻲ الﱵ ﺻدرت ﰲ ا لة النقدﻳة للفلسفة‬
‫وﰲ عﺎم ‪ 1811‬تزوج ﻣﻦ فتﺎة تنتمﻲ إﱃ ﳔبة اﻷسﺮ النبيلة ﰲ اﳌدﻳنة ليﻌطﻲ ﰲ تلﻚ الفﱰة علﻢ اﳌنطﻖ والتمﻬيد‬
‫الفلسفﻲ ليﻜتب ﺑﻌدﺋذ كتب اﻻﺛﺮ الذي عﺎد عليﻪ وسع الﺸﻬﺮة ﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﻔﻠسﻔﻴﺔ ﺻيﻒ ‪ 1818‬وﰲ اﺛنﺎء‬
‫سنواتﻪ الﱪلينية اﺻدر ﻣبﺎدئ فلسفة القﺎﻧون ‪ 1818‬والدروس ﰲ فلسفة التﺎرﻳﺦ‪.‬‬

‫ﱂ ﻳنﺸﺮ ﻫيﻐﻞ ﰲ ﺣيﺎتﻪ إﻻ ﺟزءا ﻳسﲑا ﻣﻦ ﻧتﺎﺟﻪ وﻣنﻪ فينوﻣينولوﺟيﺎ الﺮوح وعلﻢ اﳌنطﻖ وﻣوسوعة الﻌلوم الفلسفية‪.‬‬

‫‪ ‬اﳒﻠﺰ ‪Friedrich Engeles‬‬

‫ولد ﰲ رﻣﻦ ‪ 28‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 1820‬وتوﰲ ﰲ لندن ﰲ ‪ 5‬آب ‪ 1895‬كﺎﻧﺖ اسﺮتﻪ تﻌتنﻖ اﳌذﻫب اللوﺛﺮي‬
‫وكﺎن والده ﺻﺎﺣب ﻣصنع ﻧسيﺞ وﻗد غدا اﳒلز ﰲ سﻦ ﻣبﻜﺮة ﻣﻦ اﻻﻧصﺎر اﳌتﺤمسﲔ للﻬيﻐلية اليسﺎرﻳة ذات النزعة‬
‫الﻜموﻧية واﳌنﺎﻫﻀة لﻼﻫوت اﺻبﺢ ﺑﻌذ ذلﻚ اشﱰاكيﺎ وتﻌﺮف على كﺎرل ﻣﺎركﺲ ﰲ ‪ 1844‬وﳌﺎ اكتﺸفﺎ تطورﳘﺎ‬
‫الفﻜﺮي كتب اﳒلز دئ ذي ﺑدء عنﺎﺻﺮ ﻧقد لﻼﻗتصﺎد السيﺎسﻲ ‪ 1844‬وﺿع الطبقة الﻌﺎﻣلة ﰲ اﳒلﱰا ‪ 1845‬ﰒ‬
‫تﻌﺎون ﻣع ﻣﺎركﺲ ﰲ وﺿع كتﺎ مﺎ الفلسفﻲ السيﺎسﻲ اﻷسﺮة اﳌقدسة الصﺎدر عﺎم ‪ 1848‬وﰲ اﻻعداد لﻜتﺎب‬
‫الﺮأﲰﺎل ‪.‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫‪ ‬ﻓﺨﺘﻪ‬

‫إﺑﻦ فﻼح ﻣﻦ اﻫﻞ سﻜسوﻧيﺎ واﺧذ ﻳقطع ﻣﺮاﺣﻞ التﻌليﻢ‪ ،‬ﺣﱴ ﺑلغ إﱃ اﳌﺮﺣلة اﳉﺎﻣﻌية وﻫو ﰲ الﺜﺎﻣنة عﺸﺮة‬
‫فﺈﺟتﺎزﻫﺎ لﺮغﻢ ﳑﺎ ﻧزل ﺑﻪ ﻣﻦ ﺿنﻚ شدﻳد ﺑوفﺎة كفيلﻪ‪.‬‬

‫درس الﻼﻫوت وفقﻪ اللﻐةى والفلسفة ﰲ اﻳينﺎ وليزﺑﺞ وﻃوف ﰲ أرﺟﺎء أﳌﺎﻧيﺎ ليوسع ﻣﻦ ﺛقﺎفتﻪ‪.‬‬

‫وﻫو ﰲ عمﺮ الﺜﺎﻣنة والﻌﺸﺮون وﻗﻒ على كتب كﺎﻧﻂ وﻣﻦ ذلﻚ الوﻗﺖ وﺟد وﺟﻬتﻪ الﻌقلية وﰲ سنة ‪1793‬‬
‫عﲔ استﺎذا ﲜﺎﻣﻌة اﻳينﺎ‪ .‬ﰲ ﻫذه اﳉﺎﻣﻌة ﺑسﻂ ﻣذﻫبﻪ ﰒ ﻧﺸﺮه ﰲ كتﺎب اﳌبﺎدئ اﻷسﺎسية لنﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة ‪ 1794‬الذي‬
‫ﻳﻌد اﻫﻢ كتبﻪ والذي كﺎن ﻣوﺿع عنﺎﻳة اﳌتصلة ﻳنقﺤﻪ ستمﺮار ليﺠﻌلﻪ أكﺜﺮ كمﺎﻻ واﻗﺮب ﻣﺜﺎﻻ ﰒ ﻧﺸﺮ كتﺎ ﰲ‬
‫القﺎﻧون الطبيﻌﻲ ‪ 1796‬واﳌدﺧﻞ اﻷول إﱃ ﻧﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة ‪ 1797‬ﻫو ﺧﲑ عﺮض ﳌذﻫبﻪ والفلسفة اﳋلقية ‪1798‬‬
‫واذاع ﻣقﺎﻻ ﰲ ﻣبدأ اعتقﺎد ﺑﻌنﺎﻳة إﳍية ‪ 1798‬فﺈ مﻪ كﺎتب ﻻﳊﺎد‪.‬‬

‫ﰲ سنة ‪ 1809‬أﻧﺸﺌﺖ ﺟﺎﻣﻌة ﺑﺮلﲔ وعﲔ استﺎذا ﺎ فمدﻳﺮا ﳍﺎ وﳌﺎ ﻧﺸبﺖ ﺣﺮب اﻻستقﻼل تطوعﺖ زوﺟتﻪ‬
‫للتمﺮﻳض فﺄﺻيبﺖ ﳊمى واﻧتقلﺖ الﻌدوى إليﻪ فتوﰲ‪.‬‬

‫‪ ‬ارﻧسﺖ رﻳﻨﺎن ‪Joseph Ernest Renan‬‬

‫كﺎتب وفيلسوف فﺮﻧسﻲ ولد ﰲ تﺮﻳﻐييﻪ ﰲ ‪ 28‬شبﺎط ‪ 1822‬وﻣﺎت ﰲ رﻳﺲ ﰲ ‪ 2‬تﺸﺮﻳﻦ اﻷول ‪1729‬‬
‫كﺎﻧﺖ دراستﻪ اﻷوﱃ ﰲ اﳌدرسة الﻜﻬنوتية ﰲ تﺮﻳﻐييﻪ ‪ 1838-1832‬على اﻳدي ﻣﻌلميﲔ دﻳنيﲔ ﰒ اﻧتقﻞ إﱃ دراسة‬
‫الﻼﻫوت ﰲ ﻣدرسة اسﻲ اﻻكلﲑﻳﻜية ‪. 1842-1841‬‬

‫ﳌﺎ كﻦ عمﺮه ﻳزﻳد على ﲬسة وعﺸﺮﻳﻦ عﺎﻣﺎ عندﻣﺎ شﺮع ﺑتﺤﺮﻳﺮ ﻣستقبﻞ الﻌقﻞ والذي تﺮكﻪ اﺟﻼ ﻃوﻳﻼ ﻣﻦ الزﻣﻦ‬
‫ﺑﻼ ﻧﺸﺮ‪.‬‬

‫اول ﲦﺮة ﻫﺎﻣة ﻗطفﻬﺎ التﺎرﻳﺦ الﻌﺎم للﻐﺎت السﺎﻣية وﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﳌقﺎرن ‪ ،1855‬كمﺎ ﻧﺸﺮ عددا ﻣﻦ اﳌقﺎﻻت والﱵ‬
‫ﲨﻌﺖ ﻻﺣقﺎ ﰲ دراسﺎت ﰲ التﺎرﻳﺦ الدﻳﲏ ‪ 1857‬وﻣقﺎﻻت ﰲ اﻷﺧﻼق والنقد ‪ ،1859‬ﺣيﺎة سوع ‪1863‬‬
‫والذي كﺎن ﻧﺸﺮه ﺣد ﻣﻦ اﺣداث الﻌصﺮ‪.‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫‪ ‬ﻓوﻟﺘﲑ ‪Voltaire‬‬

‫ولد وﻣﺎت ﰲ رﻳﺲ ‪ 21‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 30 -1694‬ا ر ‪ 1778‬كﺎن اﺑوه ﻣوﺛﻖ الﻌقود ﰒ اﳌﻌتمد ﰲ دﻳوان‬
‫اﶈﺎسبة رﺟﻞ اعمﺎل الدوق دي رﻳﺸيليو والدوق دي سﺎن سيمون‪ ،‬ﻧﺸﺄ ﰲ وسﻂ الﱪﺟوازﻳة اﳌﻌﺎرﺿة للﺠﺎﻧسينية‬
‫اﳌتقﺸفة درس ﰲ ﻣﻌﻬد لوي لوغﺮان وكﺎن ﺧﲑ ﻣﺆسسة ﻳسوعية للتﻌليﻢ ﰲ فﺮﻧسﺎ وﻗد تلقى فيﻪ تﺮﺑية ادﺑية ﳑتﺎزة‬
‫عمﺎدﻫﺎ اﻻتينية‪.‬‬

‫شﺎعﺮ اﳍﺎزل كﺎن ﺟﺎدا ﰲ ﻣطﺎﳏﻪ ففﻲ عﺎم ‪ 1718‬ﻣﺜلﺖ لﻪ ﻣسﺮﺣية اودﻳب وﻫﻲ ﻣﺄسﺎة فلسفية واﻧتقﺎدﻳة‬
‫فﻼﻗﺖ ﳒﺎﺣﺎ كبﲑا ‪.‬‬

‫ﺣﺎول أن ﻳزرق ﻣﺂسيﻪ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ النسﺦ الﺸﻜسبﲑي ﺑﺮوتوس ‪ 1730‬زاﺋﲑ ‪1732‬وكﺎن ﳒﺎﺣﻬﺎ ﻣدو وآدﻳﻼﺋيد‬
‫‪ 1734‬وﻣوت ﻗيصﺮ ‪ 1735‬والزﻳﺮ أو اﻻﻣﺮكيون ‪ 1736‬واﻻﻫﻢ ﻣﻦ ذلﻚ اﻧﻪ ﺧطﺎ ﺧطوتﻪ اﻻوﱃ كنﺎﺛﺮ فنﺸﺮ رﻳﺦ‬
‫شﺎرل الﺜﺎﱐ عﺸﺮ ‪ 1731‬وﻫو عبﺎرة عﻦ رﻳﺦ دراﻣﻲ وإﳕﺎ أﻳﻀﺎ فلسفﻲ‪.‬‬

‫ﺟﺎءت ازﻣة الﺮسﺎﺋﻞ الفلسفية لتصنﻒ فولتﲑ ﺎﺋيﺎ ﰲ عداد الﻜتﺎب اﳍداﻣﲔ فﻜﺎن ﲟﺜﺎﺑة فﻀيﺤة ليصدر اﻣﺮ‬
‫عتقﺎل فولتﲑ‪ ،‬ليﺆلﻒ ﺑﻌد ذلﻚ رسﺎلة ﰲ اﳌيتﺎفيزﻳقﺎ واﺧﺮى عﻦ ﻣبﺎدئ فلسفة ﻧيوتﻦ ﻣوﺿوعة ﰲ ﻣتنﺎول النﺎس‬
‫ﻗﺎﻃبة ‪ 1727‬وشﺮع ﰲ ﲢﺮﻳﺮ عصﺮ لوﻳﺲ الﺮاﺑع عﺸﺮ وذلﻚ التﺎرﻳﺦ الﻜوﱐ اﳌﻌﺮوف سﻢ ﳏﺎولة ﰲ اعﺮاف اﻻﻣﻢ‬
‫وروﺣﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ ‪Gottfried Wilhelm Leibniz‬‬

‫اعﻈﻢ فيلسوف اﳌﺎﱐ ﻗبﻞ كﺎﻧﻂ وعﺎﱂ لﺮ ﺿيﺎت وﻻﻫوﰐ وكيميﺎﺋﻲ وﻫندسﻲ وﻣﺆرخ ودﺑلمﺎسﻲ ولد ﰲ ‪ 1‬ﲤوز‬
‫‪ 1646‬ﰲ ﻻﻳبتزغ وﻣﺎت ﰲ ‪ 14‬تﺸﺮﻳﻦ الﺜﺎﱐ ‪ 1716‬ﰲ ﻫﺎﻧوفﺮ كﺎن اﺑوه استﺎذا للفلسفة اﻷﺧﻼﻗية ﰲ ﻣﺆسسة‬
‫دﻳنية ﺑﻼﻳبتزغ‪.‬‬

‫ﰲ السﺎﺑﻌة عﺸﺮة ﻣﻦ الﻌمﺮ تقدم ﺑﺮسﺎلة ﰲ ﻣبدأ التﺸﺨص و ل شﻬﺎدة البﻜﺎلورﻳوس ﰲ الفنون ﰒ غﺎدر ﻻﻳبتزغ‬
‫وﰲ عﺎم ‪ 1666‬ﻣنع عنﻪ لقب دكتور ﺑسبب ﺻﻐﺮ سنﻪ وﰲ الﻌﺎم ﻧفسﻪ ﺻدر لﻪ ﻻتينية ﰲ فﻦ الﱰكيب وﻫو ﲟﺜﺎﺑة‬
‫ﻣﺸﺮوع اوﱄ ﻹﺻﻼح الﺮﻣزﻳة واﳌنطﻖ ﰒ عﻜﻒ على وﺿع رسﺎلة ﰲ ﻣنﻬﺞ ﺟدﻳد ﰲ ﻣﺸﻜﻼت القﺎﻧون ‪.1667‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫‪ ‬راﻳشﻨﺒﺎخ ‪Hans Reichenbach‬‬

‫فيلسوف اﳌﺎﱐ )ﻫﺎﻣبورغ ‪-1791‬لوس اﳒلوس ‪ (1953‬ﻫﻀو ﰲ ﺣلقة فيينﺎ ولﻪ ﻣواﻗﻒ اﺻيلة ﰲ ﻣسﺎﺋﻞ‬
‫اﳌنطﻖ وﻧﻈﺮﻳة اﳌﻌﺮفة أرسى أسﺲ ﻣنطﻖ ﻻﻣتنﺎﻫﻲ الﻌدد ﻣﻦ القيﻢ وﻗﺎﺑﻞ ﻹستيﻌﺎب ﺣسﺎب اﻻﺣتمﺎﻻت ذﻫب إﱃ أن‬
‫كﺎر ب والوﺿﻌيﲔ اﶈدﺛﲔ ﳜطﺌون إذ ﻳبﺤون عﻦ ﻳقﲔ ﻣطلﻖ إذ ﻻ وﺟود لﻐﲑ اﻻﺣتمﺎل‪.‬‬

‫ﳔص لذكﺮ ﻣﻦ ﻣﺆلفﺎت راﻳﺸنبﺎخ اكسيوﻣﺎتيﻜﺎ اﻷﻫداف والطﺮق ﰲ فلسفة الطبيﻌة اﳌﻌﺎﺻﺮة ‪ ،1931‬اﳌنطﻖ‬
‫اﻻﺣتمﺎﱄ ‪ ،1932‬النﻈﺮﻳة اﻻﺣتمﺎلية ‪.1935‬‬

‫ﻣﻦ رواد ﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﺑفلسفة التﺤليﻞ اللﻐوي ﻣﺎرس ﺑﻌض التﺄﺛﲑ ﰲ الستنيﺎت ﻣﻦ ﻫذا القﺮن ﺑﻜتﺎﺑﻪ ﻣفﻬوم الذﻫﻦ‬
‫‪ 1949‬الذي عﺮض فيﻪ ﻣذﻫبﺎ سلوكيﺎ لﻐو وعﺎرض النﻈﺮﻳة الدﻳﻜﺎرتية ﰲ الذﻫﻦ ﻷ ﺎ ﻣﻦ اﳋطﺄ اعتبﺎر الذﻫﻦ‬
‫ﻣتمﺎﻳزة عﻦ الﻌﺎﱂ اﳌﺎدي تﻜون لﻪ ﲟﺜﺎﺑة ﻣﺮآة ﻣﻀﺎعفة‪.‬‬

‫‪ ‬ﻫﻴوم ‪David Hume‬‬

‫فيلسوف وﻣﺆرخ وعﺎﱂ اﻗتصﺎد اسﻜتلندي ولد ﰲ ادﻧﱪه ﰲ ‪ 26‬ﻧيسﺎن ﰲ التقوﱘ القدﱘ ‪ 7‬ا ر ﰲ التقوﱘ‬
‫اﳉدﻳد ‪ 1711‬وتوﰲ فيﻬﺎ ﰲ ‪ 25‬اب ‪ 1776‬ﻳنﺤدر ﻣﻦ اسﺮة ﻣتوسطة اﳊﺎل ﳍﺎ ﺻلة ﻗﺮاﺑة ﺑﻌيدة سﺮة ﻫوم‬
‫النبيلة‪.‬‬

‫ﺑﲔ الﺜﺎلﺜة والﻌﺸﺮﻳﻦ والسﺎدسة والﻌﺸﺮﻳﻦ كتب عملﻪ الﺮﺋيسﻲ رسﺎلة ﰲ الطبيﻌة البﺸﺮﻳة وﰲ عﺎم ‪ 1739‬اﺻدر‬
‫اﳉزﺋﲔ اﻷول والﺜﺎﱐ ﻣﻦ الﺮسﺎلة ﺑﻌنوان الفﻬﻢ اﻻﻧفﻌﺎﻻت وﰲ عﺎم ‪ 1740‬اﳉزء الﺜﺎلﺚ ﺑﻌنوان اﻷﺧﻼق‪ ،‬ﺑﻌد ﻫذا‬
‫النﺠﺎح عزم على ادﺧﺎل اﳌنﻬﺞ التﺠﺮﻳﱯ إﱃ ﺣقﻞ الﻌلوم اﻷﺧﻼﻗية فﺈعﺎد كتبة الﺮسﺎلة ﰲ الطبيﻌة البﺸﺮﻳة عﺎﻣﻼ فيﻬﺎ‬
‫ارﺑﻌة اعوام ﺑتمﺎﻣﻬﺎ وتقدم ﰲ عﺎم ‪ 1746‬ﺑطلب لنيﻞ كﺮسﻲ الفلسفة اﻷﺧﻼﻗية ﰲ ﺟﺎﻣﻌة ادﻧﱪه‪.‬‬

‫لﻪ ﳎموعة ﻣﻦ اﳌﺆلفﺎت ﻣﻦ ﺑينﻬﺎ الفﺤص عﻦ الفﻬﻢ البﺸﺮي ‪ ،1748‬اﳋطب السيﺎسية ‪ ،1753‬ﳏﺎورات ﺣول‬
‫الدﻳﻦ الطبيﻌﻲ ﺻدرت ﺑﻌد وفﺎتﻪ ‪.1779‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻼﺣﻖ‬

‫ﷴ اﻗﺒﺎل‬ ‫‪‬‬

‫ولد ﷴ إﻗبﺎل ﰲ الﺮاﺑع والﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ذي اﳊﺠة ‪1292‬ه‪22/‬شبﺎط سنة ‪1873‬م ﰲ ﻣدﻳنة سيﺎلﻜوت‬
‫إﺣدى ﻣدن البنﺠﺎب ولد ﷴ إﻗبﺎل ﰲ أسﺮة كﺮﳝة اﻷﺻﻞ وﻣﻦ أﺑوﻳﻦ فﺎﺿلﲔ استطﺎع أن ﻳﻐﺮس إﻗبﺎل اﻹﳝﺎن وﺣب‬
‫اﻹسﻼم اﺧذ ﻣﻦ أﺑيﻪ الﱰﺑية الدﻳنية واﻷﺧﻼق اﶈمدﻳة وكﺜﲑا ﻣﺎﻳتطبع اﻷﻧبيﺎء اﻷﺑنﺎء ﺑسﲑة اﻹ ء‪ ،‬توﰲ سنة ‪1938‬‬
‫وعمﺮه لتوﻗيﺖ اﳍﺠﺮي سبع وستون ‪ 67‬سنة‪.‬‬

‫أن ﳍذا الطفﻞ الوليد ﻷﺛﺮا ﻗيﺎ ﰲ اﻣتﻪ و رﻳﺦ اﳌسلمﲔ و رﻳﺦ البﺸﺮ اﲨﻌﲔ إذ تﺮك ﺛﺮوة ﺿﺨمة ﻣﻦ علمﻪ‬
‫فمﻦ ا ره عﺸﺮون كتﺎ ﰲ ﳎﺎل اﻻﻗتصﺎد والسيﺎسة والﱰﺑية والفلسفة والفﻜﺮ وتﺮك ﳎموعة ﻣﻦ الﻜتﺎ ت اﳌتفﺮﻗة‬
‫وﺑﻌض الﺮسﺎﺋﻞ الﱵ كﺎن ﻳبﻌﺚ ﺎ إﱃ اﺻدﻗﺎﺋﻪ او اﻣﺮاء الدول‪ ،‬إﱃ ﺟﺎﻧب رواﺋﻌﻪ ﻣﻦ الﺸﻌﺮ والﱵ كﲏ ﺑسببﻬﺎ شﺎعﺮ‬
‫اﻻسﻼم وﻣﻦ ﺑﲔ ﻣﺆلفﺎتﻪ‪ :‬رسﺎلة اﳌﺸﺮق‪ ،‬زﺑور الﻌﺠﻢ‪ ،‬الفتوﺣﺎت اﳊﺠﺎزﻳة‪ ،‬اسﺮار ﻣﻌﺮفة الذات‪ ،‬ﺟنﺎح ﺟﱪﻳﻞ‪.‬‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ‬ ‫اﻟﻌﻨوان‬
‫اﻹﻫداء‬
‫الﺸﻜﺮ‬
‫أ‪ -‬د‬ ‫ﻣقﺪﻣﺔ‬
‫‪18 -1‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‪ :‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻴﻨوزا‬
‫‪2‬‬ ‫ﲤﻬﻴﺪ‬
‫‪3‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﰲ اﻟﻔكﺮ اﻟﻴو ﱐ‬
‫‪3‬‬ ‫‪ -3‬أفﻼﻃون‬
‫‪6‬‬ ‫‪ -4‬أرسطو‬
‫‪9‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﰲ اﻟﻌﺼور اﻟوﺳﻄﻰ‬
‫‪9‬‬ ‫‪ -3‬اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة ﰲ الفلسفة اﳌسيﺤية‬
‫‪ -‬القدﻳﺲ اوغسطﲔ‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -4‬اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة ﰲ الفﻜﺮ اﻹسﻼﻣﻲ‬
‫‪ -‬اﺑو ﻧصﺮ الفﺎراﰊ‬
‫‪13‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة ﰲ اﻟﻔﻠسﻔﺔ اﳊﺪﻳﺜﺔ‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -3‬روﻧيﻪ دﻳﻜﺎرت‬
‫‪14‬‬ ‫‪ -4‬ﺟون لوك‬

‫‪18‬‬ ‫ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺼﻞ‬


‫‪34-20‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻣوﻗف ﺳﺒﻴﻨوزا ﻣﻦ ﻣشكﻠﺔ اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة اﻹﳍﻴﺔ‬
‫‪20‬‬ ‫ﲤﻬﻴﺪ‬
‫‪21‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﻣﺒﺪأ اﳊﺮﻳﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ روخ ﺳﺒﻴﻨوزا‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -3‬ﻣﻦ الﻀﺮورة إﱃ اﳊﺮﻳة‬
‫‪24‬‬ ‫‪ -4‬أسﺲ اﳊﺮﻳة ﰲ فلسفة سبينوزا‬
‫‪27‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﻀﺮورة اﻹﳍﻴﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ روخ ﺳﺒﻴﻨوزا‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت‬

‫‪27‬‬ ‫‪ -1‬ﻣوﻗع الفﻜﺮة ﰲ فلسفة سبينوزا‬


‫‪30‬‬ ‫‪ -2‬أسﺲ الﻀﺮورة اﻹﳍية ﰲ فلسفة سبينوزا‬
‫‪34‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ :‬ﻣسﺄﻟﺔ اﻟقﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﰲ ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا ﺑﲔ اﳊﺮﻳﺔ واﻟﻀﺮورة‬

‫‪34‬‬ ‫‪ -1‬القيﻢ اﻷﺧﻼﻗية واﳌﻌﺮفة ﰲ فلسفة سبينوزا‬


‫‪35‬‬ ‫‪ -2‬اﻹﻧسﺎن وﻗواﻧﲔ الطبيﻌة عند سبينوزا‬
‫‪36‬‬ ‫‪ -3‬اﳊﺮﻳة اﻹﻧسﺎﻧية عند سبينوزا‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -4‬السيطﺮة على اﻻﻧفﻌﺎﻻت عند سبينوزا‬
‫‪43‬‬ ‫‪ -5‬اﳋﲑ والﺸﺮ ﰲ فلسفة سبينوزا‬
‫‪46‬‬ ‫ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺼﻞ‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا ﰲ ﻣﻴﺰان اﻟﻨقﺪ واﻟﺘقﻴﻴﻢ‬
‫‪48‬‬ ‫ﲤﻬﻴﺪ‬
‫‪49‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬ﻣؤﻳﺪي ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬
‫‪49‬‬ ‫‪ -1‬ﻫيﻐﻞ‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -2‬اﳒلز‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -3‬فﺨتﻪ‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -4‬ارﻧسﺖ رﻳنﺎن‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -5‬فولتﲑ‬
‫‪54‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻣﻨﺘقﺪي ﻓﻠسﻔﺔ ﺳﺒﻴﻨوزا‬
‫‪54‬‬ ‫‪ -1‬ليبنتز‬
‫‪54‬‬ ‫‪ -2‬راﻳﺸنبﺎخ‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -3‬ﻫيوم‬
‫‪58‬‬ ‫‪ -4‬ﷴ إﻗبﺎل‬
‫‪60‬‬ ‫ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺼﻞ‬
‫ﻗـﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت‬

‫‪62‬‬ ‫ﺧﺎﲤﺔ‬
‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﺮاﺟع‬
‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﻼﺣق‬

‫اﳌﻠﺨﺺ‬

‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﶈﺘو ت‬
‫اﻟﻤﻠﺨﺺ‬

‫اﳌﻠﺨﺺ ‪:‬‬

‫ﻳتمﺤور ﻣوﺿوع ﲝﺜنﺎ ﺣول "اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية عند سبينوزا" وﻗد تنﺎولنﺎه اﻧطﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻣفﻬوم ﻫذه الفﻜﺮة‬
‫ﰲ الفلسفة اليو ﻧية والﻌصور الوسطى وﺻوﻻ اﱃ الفلسفة اﳊدﻳﺜة ﻣع تبلور ﻫذه الفﻜﺮة ﻣع الفيلسوف روخ سبينوزا‪.‬‬
‫ﺣيﺚ اﺑﺮز أسﺲ ﻣبدأ كﻞ ﻣﻦ اﳊﺮﻳة و الﻀﺮورة ﰲ الفلسفة السبينوزﻳة ﻣﻦ ﺟﺎﻧب‪ ،‬وﻣوﻗع القيﻢ اﻷﺧﻼﻗية ﺑﲔ اﳊﺮﻳة‬
‫والﻀﺮورة ﻣﻦ ﺟﺎﻧب آﺧﺮ‪ .‬وﱂ ﻳتوﻗﻒ ﲝﺜنﺎ عند ﻫذا اﳉﺎﻧب فﺤسب‪ ،‬ﺣيﺚ ﻗدﻣنﺎ ﻗﺮاءة تقييمية ﻧقدﻳة لفلسفة ﻫذا‬
‫الفيلسوف ﺑصفة عﺎﻣة وفﻜﺮة اﳊﺮﻳة والﻀﺮورة اﻹﳍية ﺑصفة ﺧﺎﺻة‪.‬‬

‫اﻟكﻠﻤﺎت اﳌﻔﺘﺎﺣﻴﺔ‪:‬‬

‫‪ -‬اﳊﺮﻳة‪.‬‬
‫‪ -‬الﻀﺮورة‪.‬‬
‫‪ -‬الﻀﺮورة اﻹﳍية‪ ،‬سبينوزا‪.‬‬
‫اﻟﻤﻠﺨﺺ‬

Résumé
Le sujet de notre recherche porte sur la liberté et la nécessité divine selon
Spinoza, et nous en a discuté en partant du concept de cette idée dans la
philosophie grecque et le moyen-âge jusqu'à la philosophie moderne avec la
clarification de cette idée avec le philosophe Baruch Spinoza.

Où nous avons mis en évidence les fondements du principe à la fois de liberté et de


nécessité dans la philosophie spinozienne d'une part, et la position des valeurs
morales entre liberté et nécessité d'autre part.
Et notre recherche ne s'est pas arrêtée à cet aspect seulement, nous avons
présenté une lecture critique de la philosophie de ce philosophe en général et de
l'idée de la liberté et de la nécessité divine en particulier.

Les Mots clés :

- La liberté.
- La nécessité
- La nécessité divine Spinoz

You might also like