You are on page 1of 6

‫‪#‬مسألة اإلنّية والغيرّية ‪/‬باكالوريا اداب‪.

‬‬
‫‪..........................................‬‬
‫المشكل الرئيسي و األساسي هو ‪ :‬تحديد" اإلنساني" في اإلنسان؛ أي تحديد ما يكون به اإلنسان إنسانا‪ ،‬و‬
‫ما يميز اإلنسان بإطالق عن الوجود الحيواني‪.‬‬
‫ما يجعل من تحديد" اإلنساني"مشكال باإلمكان مقاربته من خالل حدين متقابلين‪":‬االنية"و"الغيرية"‪.‬‬
‫االنية‪ :‬ما يتحدد به وجود الشيء فيكون حقيقته و قوامه‪:‬انية اإلنسان هي ما يكون به اإلنسان إنسانا سواء‬
‫بالنظر إليه كفكرة أو كواقع متعين أي ما يثبت وجوده كانسان متمايز بإطالق عن الوجود الحيواني‪.‬االنية‬
‫بهذا المعنى ترتبط بما جوهري في اإلنسان أي بما هو ثابت ال يلحقه تغير‪ ،‬وقائم بذاته بحيث ال يحتاج في‬
‫تحديد حقيقته أو إلثبات وجوده إلى غيره‪.‬‬
‫الغيرية‪:‬ما يتعلق بوجود اإلنسان كالجسد مثال ‪،‬إذ ال يمكن إنكار الوجود الجسدي لإلنسان‪ ،‬غير أن هذا‬
‫الوجود يضل عرضي وهامشي‪،‬بمعنى أن وجوده مثل عدمه ال يؤثر في تحديد االنية‪.‬‬
‫لتندرج بذلك مسالة اإلنية والغيرية في مسألة أهم هي مسألة اإلنساني بين الكثرة والوحدة‪ .‬وهذه المسألة‬
‫تتحرك في سياق مطلب الكونية‪ .‬ذلك أن اإلنسان قد كّف على صنع صورا وماهّيات وتعريفات متعالية‬
‫تنتزع الّصور عن ماّد تها وتحّو لها إلى تجريدات‪ ،‬ولعّل ذلك ما استجابت إليه التصّورات الفلسفّية بأن‬
‫تخّلت عن سؤال "ما اإلنسان؟" ( وهو سؤال ماهوي يبحث في حقيقة االنسان و جوهره و أصله يتطلب‬
‫تحديد الماهية الوحدة والثبات و الشمولية و االطالقية و الكلية لذلك فهو يفترض إجابة واحدة وثابتة مما‬
‫يؤدي إلى إختزال االنسان في بعد واحد وتجريده من جوانبه المتعددة التي قد يجد فيها السبيل الثبات‬
‫وجوده لذلك هو سؤال سيئ الطرح ) نحو سؤالم أكثر تجذيرا في خصوصّيته وأكثر تطّلعا لتحديد‬
‫"اإلنساني فينا" ألّنه وحده سيسمح بمشروع لقاء اإلنسان باإلنسان ممكنا وهو سؤال من هو االنسان ؟‬
‫( سؤال تاريخي تتطلب مقاربته العودة للخصائص الوجودية لالنسان فهو أكثر واقعية )‪ .‬وال يتحقق ذلك‬
‫إّال بتجاوز األوهام الميتافيزيقّية القديمة التي رّسختها الفلسفة الكالسيكّية نحو حاالت وجود واقعّية تعّين‬
‫وضعّية النوع اإلنساني‪.‬‬
‫ّد‬
‫=>الفلسفة بالتالي ستحّو ل وجهتها من البحث عن سؤال ما اإلنسان ؟ إلى البحث في أش الصفات التي‬
‫تحّقق إنسانّية اإلنسان‪.‬وهو ما يتجلى في إشكالية اإلنية و الغيرّية‪.‬‬
‫في إطار هذا البحث يمكن أن نمّيز بين ‪ 3‬مواقف أو ‪ 3‬منطلقات ‪:‬‬
‫• منطلق ميتافيزيقي‪.‬‬
‫• منطلق مادي واقعي وتاريخي‪.‬‬
‫• منطلق فينومينولوجي ‪.‬‬
‫• الموقف الميتافيزيقي ‪ :‬هو موقف يعطي األولية لإلنية على الغيرية في تحديد ماهية اإلنسان‬
‫حسب الموقف الميتافيزيقي‪،‬كل ما هو واقعي فهو نسبي ومن ذلك تظهر ضرورة ال‬
‫تجرد منه (أي من الواقع)لما يحمله من متناقضات نحو الُم طلق و القطع معه ( مع الواقع)‬
‫اإلقرار بأولوية العقل ‪ /‬الوعي على كل غيرّية أي على بقية الموضوعات وكل ما ليس عقال‪.‬‬
‫اختزال كل ما يتعلق باالنسان في العقل و إعطاء األسبقية للعقل‪/‬الوعي‬
‫الموقف الميتافيزيقي هو موقف يقر بتطابق اإلنية مع ذاتها ‪ ،‬و في ذلك إقصاء للغيرية فاألنا قادر على‬
‫تحديد ذاته بذاته بمعزل عن كل الموضوعات المتخارجة عنه ( سيادة األنا ) ‪.‬‬
‫يختزل الموقف الميتافيزيقي اإلنسان في بعده الواعي‪.‬‬
‫يعتبر الفالسفة الميتافيزيقيون النفس ‪ /‬الذات جوهرا‬
‫خاصية الوعي هي التي تشكل اإلنساني في اإلنسان وتميزه‪.‬‬
‫موقف يقر باستقاللية الذات وحريتها ومركزيتها‪.‬‬
‫فاألنا يدرك ذاته دون أن يكون في حاجة إلى أّي علة خارجة عنه سواء كانت جسدا أو أي شيء آخر‬
‫خارجي‪ (.‬تطابق الذات مع ذاتها وعزلتها عن العالم الخارجي )‬
‫أفالطون‪ ،‬أرسطو‪ ،‬ابن سينا و ديكارت فالسفة ميتافيزيقيين يثبتون إذا اإلنية بإقصاء كّل أشكال الغيرية‬
‫داخلية كانت أم خارجية فال الجسد وال العالم الخارجي يحددان ماهية اإلنسان‪ .‬ومن هذا المنطلق تتحدد‬
‫الذات باعتبارها واقعا ميتافيزيقيا‪ ،‬باعتبارها المعنى المؤسس لإلنسانية واألنا ليس إال الوعي بوحدة الذات‬
‫التي تربط وتجمع بين حاالتها المختلفة وأفعالها المتعاقبة في الزمان‪ .‬والذات عند هؤالء الفالسفة تتحّد د في‬
‫نهاية المطاف باعتبارها الجوهر وهو التحديد الذي أقّر ه أرسطو بما أن الذات كجوهر تسند إليها كل‬
‫الخصائص واألعراض بما في ذلك الجسد‪.‬‬
‫• الموقف الديكارتي ‪:‬يقول ديكارت ‪" :‬فعرفت أنني جوهر ُم فكر كل ماهيته أو طبيعته ال تقوم إال على‬
‫الفكر"‬
‫تمتاز اليقينيات بالبداهة و الوضوح و التمّيز ‪ ،‬وهي مناقضة لكل ما هو محل للشك أي لكل ما يقب‬
‫الزعزعة و الهدم و الّرجة‪.‬‬
‫توصل روني ديكارت إلى اليقين التالي ‪ :‬أنا أفكر إذن أنا موجود وهو ما ُيقر بوجود لتالزم واضح‬
‫وصريح بين التفكير و الوجود ‪ ،‬أي أن الوجود ال يتحقق إال من خالل التفكير و قد أسس ديكارت لهذا‬
‫اليقين من خالل عملية الشك باعتبار الشك ضربا من ضروب التفكير ‪ ،‬فقد شك ديكارت في كل‬
‫الموضوعات من حوله‪ ،‬فجل الموضوعات الخارجية تتعارض مع اليقين وهي بذلك قابلة للشك وهي ‪:‬‬
‫المعرفة الحسية ‪ ،‬إذ ال يمكن أن نثق في الحواس و المعرفة الحسية ألنها تخدعنا أحيانا ‪ ،‬و المعرفة‬
‫الرياضية باعتبار ما يشوبها من أخطاء ‪ ،‬إضافة إلى السائد و المألوف لدى العامة ‪ ،‬و الذي تلقته من خالل‬
‫التلقين ‪ ،‬فكل هذه الموضوع ال تحمل في طياتها ما يحيل على الوضوح والثبات و التميز أي ما يجعلنا نقر‬
‫بأنها يقينيات ‪ ،‬لذلك مارس عليها ديكارت فعل الشك ‪ ،‬وهو شك منهجي الغاية منه بلوغ اليقين وبلوغ‬
‫حقيقة الوجود‬
‫( تجاوز ديكارت بهذا الشك موقف الريبيين الذين ُيشكون من أجل الشك فقط و يتخذون الشك منهجا في‬
‫الحياة ويعتبرون الشك غاية في حد ذاته ‪ ،‬فهو شك يقف عند الهدم ‪ /‬ال يبني و ال ُيؤسس إذ أن الموقف‬
‫الريبي ال يثق في قدرة العقل على تأسيس اليقينيات وحجتهم في ذلك أن العقل ُيطلق أحكاما ُم طلقة‬
‫تتعارض مع سيرورة الواقع المتغير في حين أن أحكام العقل ثابتة ‪ ،‬فهل ُيمكن إصدار أحكام ُم طلقة في‬
‫المُتغيّر ؟ وهم بذلك ُيعطون األولوية للتجربة على األفكار ) هذا وقد اشترك ديكارت مع الريبيين في‬
‫ممارسة فعل الشك وفي شمولية الموضوعات التي يطالها الشك لكنه اختلف معهم في أن الشك ينتهي‬
‫بمجرد بلوغ اليقين المنشو والدائم ‪ ،‬وقد شكت الذات مع ديكارت في كل الموضوعات الخارجية باعتباره‬
‫تتعارض مع اليقين ( فهي تقبل الشك ) ‪ ،‬و عادت هذه الذات على ذاتها بالشك فتأكدت من كونها تشك ‪،‬‬
‫وبذلك استطاعت الذات ان ُتبت وجودها انطالقا من التفكير ‪ ،‬و هكذا يأتي الشك على كّل شيء إال على‬
‫اليقين الذي يتضمنه‪ ،‬يقين الذات بذاتها موجودة كفكر أي يقين الكوجيتو‪.‬‬
‫يتنزل الكوجيتو منزلة اليقين‪،‬يقينا مؤسسا من حيث هو الحقيقة األولى التي ستسمح الحقا بإثبات بقية‬
‫الحقائق‪.‬بذلك فان الكوجيتو يثبت نفسه بنفسه ؛من خالل عودة الذات على ذاتها وتأملها فيما تحمله من‬
‫معارف‪،‬وهي في ذلك ال تحتاج ألي واسطة لتدرك وتثبت وجودها‪،‬بل إن إثبات وجود الذات يقتضي بداية‬
‫كما سبق وأن أشرنا إلى ضرورة إستفراغ الذات من كل ما هو خارج الذات ‪.‬يتعين اإلنساني إذن بما هو‬
‫أنانة تعي ذاتها بذاتها في استقالل وتعال عن كل "الخارجات"‪.‬مقتضى االنية هو هذا الوعي ؛وعي الذات‬
‫بذاتها كذات مفكرة؛إذ منذ اللحظة التي تشرع فيها الذات بالتفكير تعي مباشرة بوجودها‪.‬‬
‫الذات مع ديكارت جوهر خاصيته التفكير ‪ /‬جوهر مفكر ‪ ،‬لذلك يعتبر ديكارت ماهية اإلنسان جوهره‬
‫الُم فكّر‪.‬‬
‫لم ُيقصي ديكارت الجسد بل عامله على أنه موضوع فيزيائي خارجي لديه أبعاده الهندسية التي تميزه عن‬
‫بقية األجسام فهو بذلك جوهر ممتد ‪ ،‬يحتل مكانا ‪ .‬وبهذا يكون اإلنسان عبارة عن ثنائية ‪ :‬جوهر مفكر‬
‫( فيه تكمن ماهية اإلنسان و إنيته ) و جوهر ممتد (جسد في حاجة إلى من ُيحرّك ه ‪ ،‬وهذا الُم حّرك هو‬
‫الوعي فالجسد وان كان في ذاته جوهر "جوهر ممتد" فهو بالنسبة للنفس مجرد عرض)‬
‫العالقة بين الجوهر المفكر و الجوهر الممتد وبين الجوهر المفكر وبقية الموضوعات هي عالقة تعال ‪،‬‬
‫وتتأسس بذلك عالقة سيطرة و هيمنة بين الفكر المتعالي وبقية األجسام التي هي في حاجة إلى من ُيسقط‬
‫عليها داللتها ‪ ،‬وهي الذات الوعاية بذاتها‪.‬خاصية الوعي هي التي تشكل اإلنساني في اإلنسان وتميزه‬
‫بشكل مطلق عن الحيوان‪.‬هذا الوعي ال يتحقق إال من خالل فاعلية الذات وجهدها الشخصي من خالل‬
‫خوض تجربة الشك أي فحص ومراجعة كل ما تحمله الذات من معارف وعدم قبول أي معطى باعتباره‬
‫يقيني ما لم يتصف بالبداهة يتعلق األمر إذن بالتحرر من الموروث الثقافي كما من االنطباعات العفوية‬
‫حول حقيقة الذات‪.‬‬
‫مسلمات موقف ديكارت‪ :‬ما يجعل من تحقق الوعي ممكنا هو توفر اإلنسان على "العقل" ف"العقل أعدل‬
‫قسمة توزعا بين البشر"‪:‬حسن استعمال العقل هو الكفيل بجعلنا نبلغ اليقين‪.‬‬
‫الضمنيات‪ :‬الوجود اإلنساني يختلف جذريا وبشكل مطلق على الوجود الحيواني بما أن اإلنسان هو الكائن‬
‫الذي ينفرد بميزة العقل‪.‬‬
‫‪ -‬االستتباعات‪ :‬األنا الديكارتي مكتف بذاته ال يحتاج لغيره في معرفة حقيقته واثبات وجوده وبذلك يرتبط‬
‫الجسد والغير بمجال الغيرية أي ما هو عرضي وهامشي‪.‬‬
‫• الموقف المادي ‪ :‬هو موقف يعطي األولية للغيرية على اإلنية في تحديد ماهية اإلنسان‬
‫نتناول في هذا اإلطار الغيرية باعتبارها أساس اإلنية ‪ ،‬أي أن إنية اإلنسان تتحقق في إطار غيرية‬
‫متخارجة عنها تضبطها و ُتشكلها ‪ ،‬ويمكن في هذا السياق أن نقول بأننا ال ننطلق من الذات في بناء‬
‫وجودنا و بأن الوعي الذي حددته الفلسفات الميتافيزيقية كالزمة أولى إلثبات وجود الذات يقف عند كونه‬
‫غاية وهدفا وليس منطلقا ‪ ،‬أي أننا نصل إلى الوعي و ال ننطلق منه‪.‬‬
‫التاريخ باعتباره غيرية خارجية هو الذي ُيؤسس اإلنية‬
‫أكدت التصورات الميتافيزيقية على اختزال كل ما يتعلق باالنسان في العقل باعتباره الوحيد القادر على‬
‫تحديد ماهيته و بالتالي النسانيته ‪ ،‬وهو كذلك الُم حدد لداللة الموضوعات الُم تخارجة عنه ( فحسب‬
‫التصورات الميتافيزيقية ‪ :‬اإلنية ُتحدد داللة الغيرية ‪ -‬أي الموضوعات الخارجية )‬
‫وهو ما ُيؤكد على عدم موضوعية هذا الموقف إذ أنه من ناحية يتعالى على كل ماهو مادّي وموضوعي و‬
‫الحال أنه حسب الموقف المادي عموما و التاريخ خصوصا ‪ :‬العقل ذاته الذي ُترجع إليه الميتافيزيقا مهمة‬
‫ضبط ماهية الوجود اإلنساني ال ُيمكن أن يتأسس ما لم يرتبط بشروط واقعية موضوعية‪.‬‬
‫• الموقف التاريخي ‪ :‬كار ماركس يقول كارل ماركس ‪ ":‬إن الوعي نتاج إجتماعي و يبقى كذلك طالما‬
‫ُو جدبشر "‬
‫تناول ماركس جانبا واسعا مّم ا سبق ذكره في فلسفته التي أكدت على أن الوعي ‪ /‬الذات ‪ /‬اإلنية تتشكل في‬
‫الواقع فهي محكومة بالنشاطات المادية وبصيرورة الواقع مما يجعل الوعي ُم كتسبا‪.‬ماركس يستحضر‬
‫الغيرية من زاوية تاريخية‪ .‬فالوعي بالذات بالنسبة لماركس ليس متعاليا وليس مستقال بذاته بما أن الوعي‬
‫هو انعكاس للواقع االجتماعي التاريخي‪ ،‬فالوعي مكتسب ومتطور‪ ،‬مكتسب ألنه يعكس عالقة مع الواقع‬
‫الطبيعي تتحّد د بالفعل في العالم وتشكيله من أجل المحافظة على البقاء و التكيف مع المحيط الخارجي‪،‬‬
‫فاالنسان ال يعيش إال من الطبيعة و لكن من الطبيعة المشكلة وفي كّل نشاط مشكل للطبيعة يشكل اإلنسان‬
‫ذاته‪ ،‬هذا يعني أن اإلنسان يحقق إنسانيته و يكتسب وعيه بواسطة العمل‪ ،‬و تقسيم العمل هو ما يفسر‬
‫تطور الوعي‪ ،‬لذلك تنعت نظرية ماركس في فلسفة التاريخ بالمادية التاريخية‪ .‬إذ يرى ماركس أن وسائل‬
‫اإلنتاج هي التي تحّد د ضروب الوجود اإلنساني‪ ،‬و الحياة المادية للبشر تفسر كّل األنشطة و تحّد د سيرورة‬
‫اإلنسان‪ .‬و من هذا المنطلق يجب أخد فعل القوى المنتجة بعين االعتبار لفهم التاريخ‪ ،‬و القوى المنتجة‬
‫تمثل مجموع الوسائل المادية وكّل أصناف القوى التي بحوزة المجتمع اإلنساني‪ ،‬و الوعي من هذا‬
‫المنطلق هو البنية الفوقية المتولدة عن العالقة االجتماعية المحكومة بعالقات اقتصادية والمحكومة بجملة‬
‫الشروط الموضوعية وبصيرورة الواقع التاريخية وتطوره (بنية تحتية )‪ .‬و هكذا فإن الوعي عند ماركس‬
‫هو وليد نشاطه المشّك ل للطبيعة في التاريخ ‪ ،‬وهو ما يخلق عالقة جدلية بين الوعي أو الفكر من جهة‬
‫باعتباره المستوى النظري للوجود االنساني و بين ماهو تاريخي مادي ( مجال البراكسيس ) ‪ ،‬وتلك‬
‫العالقة هي التي ُتفرز تطورا يكون ضرورة ال مناص منها في عملية تشكل الوعي ‪ ،‬فالوعي في عالقته‬
‫بالتاريخ يكون حركيا و ديناميكيا و غير ثابت‪.‬‬
‫يرى ماركس اذن بأن التاريخ بشروطه المادية اإلقتصادية و اإلجتماعية هو الفضاء األمثل الذي تتشكل‬
‫فيه اإلنية‪/‬الوعي‪/‬الذات‪.‬‬
‫التصور الماركسي يتجاوز استقاللية الذات و مركزيتها و حريتها ( أي تجاوز ما أسسته الميتافيزيقا‬
‫للوعي من مكانة متعالية ‪ ،‬فالوعي ليس وعيا طبيعيا و بديهيا وفطريا إذ هو وعي ُم كتسب داخل التاريخ )‬
‫ذلك أّن جملة األفكار والتمثالت ُتصبح ُم نَتجة ال ُم نِتجة‪.‬‬
‫=> الغيرية في سياقها التاريخي اإلجتماعي اإلقتصادي هي التي تحدد اإلنية ( أي أن هذه الغيرية‬
‫المحكومة بصيرورة الواقع و بالضرورة التاريخية هي التي ُتشّك ل اإلنّية ( الوعي ) وفق الشروط الماديّة‬
‫و الموضوعية التي ُيفرزها تطّو ر التاريخ و المجتمع و العالقات االقتصادية ) لننتقل بذلك مع ماركس‬
‫من ‪:‬‬
‫مركزية اإلنية إلى مركزية الغيرية‪.‬‬
‫• موقف سايكولوجلي ‪ :‬الّالوعي ‪ :‬فرويد ‪:‬يقول فرويد ‪ ":‬ولم يُعد األنا سيدا ح ى في بيته "‬
‫ّت‬
‫يجدر بنا هنا أن نطرح السؤال التالي ‪ :‬كيف لالوعي باعتباره غيرية أن ُيؤسس إلنّية اإلنسان ؟‬
‫اعتمد فرويد في تحليله النفسي دراسة بنيوية وهي دراسة تقوم على اعتبار اإلنسان كائنا ُم ركبا و ُم شكال‬
‫قابال للتفكيك ويتجّلى ذلك بوضوح في تحديده لمكونات الجهاز النفسي ( الجهاز النفسي هو شخصية الفرد‬
‫التي تتجلى من خالل جسده وليست هي الجسد )‪ .‬وهي ‪:‬‬
‫الهُو ‪ :‬أقدم منطقة في الجهاز النفسي ‪ ،‬يوجد لدى اإلنسان بالفطرة‪ ،‬وهو جملة الميوالت و الّر غبات‬
‫الحيوانّية المحكومة بجملة الدوافع الجنسية والعدوانية ( العنف ) ‪ُ ،‬يسمي فرويد هذه الدوافع الجنسية بمبدأ‬
‫الليبيدو‬
‫كل هذه الدوافع في الُهو الُم ندفع تتحول إلى رغبات تنتظر اإلشباع فالهو محكوم بمبدأ اللذة ‪ ،‬أي أّن كل‬
‫رغبة نفسية للهو محكومة بمبدأ اللّذ ة‪.‬‬
‫األنا األعلى ‪ :‬مجموعة األوامر والنواهي التي يضبطها المجتمع في سياق األخالق اإلجتماعية ‪ ،‬وهو‬
‫الضمير الذي ُيعتبر رقيبا على الذات ‪ ،‬هذا األنا األعلى أو هذا الضمير الرقيب الُم سّلط من طرف المجتمع‬
‫محكوم بمبدأ الواقع ( األنا األعلى هو عبارة عن مجموعة من األوامر و النواهي التي ُتؤسسها األخالق‬
‫اإلجتماعية لتصبح ضميرا ورقيبا ذاتيا للُهو ويحتكم األنا األعلى لمبدأ الواقع )‪.‬‬
‫الهو الُم ندفع محكوم بمبدأ اللذة ( أي جملة الدوافع الجنسية والعدوانية التي تحكم رغبات الهو و ميوالته‬
‫لتجعل منها رغبات تنتظر اإلشباع ) في عالقة صراعء مع األنا األعلى المحكوم بمبدأ الواقع و الذي يلعب‬
‫دور الضمير و الرقيب ‪ ،‬ليمارس عليه جملة األوامر و النواهي الُم لزمة التي تجعل من رغباته مكبوتة‪.‬‬
‫إن طبيعة هذه العالقة هي تجعل الهو مثجبرا على إنتاج األنا أو الوعي ليبقى وفيا له في تحويل المكبوت‬
‫لديه من رغبات تنتظر اإلشباع إلى رغبات مشروعة في المجتمع‪ ،‬فمهمة األنا أو الوعي إذن هي خلق‬
‫توازن نفسي ‪ /‬سايكولوجي ‪ /‬بسيكولوجي بين رغبات الهو الُم ندفع التي تنتظر اإلشباع و المحكومة بمبدأ‬
‫اللذة ‪ ،‬و بين مجموعة األوامر و النواهي التي يسلطها األنا األعلى على الهو تبعا الحتكامه لمبدأ الواقع‪.‬‬
‫مع فرويد إذن يتقدم الالوعي باعتباره اآلخر الذي على الوعي أن يتسع الستيعابه‪ .‬و هو ما يعني أن إقرار‬
‫فرويد بأهمية الالوعي في تركيبة اإلنسان ليس اقصاءا كليا للوعي بما أن الوعي يبقى المجال الذي يمكننا‬
‫من إدراك الالوعيإذ أن الالوعي يتمطظهر في الوعي الذي ُيفسره‪ .‬و هكذا يبرز فرويد وهم اختزال‬
‫اإلنسان في بعده الواعي فاإلنسان ال يتحّد د إال في إطار هذه الكثرة الداخلية التي تتجاوز اإلقرار‬
‫الميتافيزيقي بوحدة األنا إذ تنكشف نفسية اإلنسان متعدّد ة بل مركبة من منظمات ذات رغبات متناقضة‬
‫منظمات تنزل هي ذاتها في التاريخ بما أنها تتطور في السيرة الذاتية لكّل فرد ولكن أيضا تتمثل معطيات‬
‫عامة ترتبط بالتاريخ الحضاري اإلنساني العام مثل ما يتمظهر ذلك في العقد الكونية التي تحدث عنها‬
‫فرويد عقدة أوديب وعقدة الخصي‪.‬‬
‫• موقف جينيالوجي ‪ :‬الجسد ‪ :‬نيتشه ‪:‬يقول نيتشه ‪ ":‬إن وراء أفكارك ومشاعرك يقوم سيد جبار وحكم‬
‫مجهول ‪ ،‬إّنه الهو الذي يسكن جسدك ‪ ،‬بل هو جسدك "‬
‫الجينيالوجيا باختصار هي البحث في أصل الشيئ لنقده وهدمه و إعادة بنائه‬
‫مثله مثل بقية فالسفة الظّنة أو فالسفة التظّنن كما يسميهم بول ريكور ‪،‬راهن نيتشه على دحض العقل و‬
‫المكانة التي وهبتها له الميتافيزيقا من خالل أسلوبه الجينيالوجي‪.‬‬
‫يقوم هذا األسلوب على الكشف و التعريفة و الفضح ‪ ،‬لذلك قام نيتشه بإعادة البحث في أصل اإلنسان و‬
‫حقيقته كما حددتها التصورات الميتافيزيقية ليقوم بهدمها ساخرا بشدة من الوعي الميتافيزيقي إذ هو وعي‬
‫متواضع و سطحي و بسيط ويتسم بالثانوية ‪ ،‬وليست المركزية و االستقاللية التي حددتها له الميتافيزيقا‬
‫سوى وهما وزيفا‪.‬إذ تحدثت الفلسفة الميتافيزيقة عن تلك اإلرادة و القدرة و الحريّةة التي تكون الذات قادرة‬
‫على اكتسابها في غنى عن كّل ما هو متخارج عنها ومن ذلك الجسد ‪ ،‬غير أّن هذه اإلرادة و القدرة ال تجد‬
‫جوداها إّال في سياق مادّي ‪ ،‬في حين حين أن الميتافيزيقا تنأى عن هذا السياق لتدخل في سياق مجرد ‪،‬‬
‫سياق تغلب عليه األفكار و المتثالت و التأمالت ‪ ،‬فالسياق الميتافيزيقي حسب نيتشه يبعدنا كل البعد عن‬
‫التحديد الحقيقي و األصيل لوجود اإلنسان و لكينونته ‪ ،‬فكينونة اإلنسان ال تخرج عن دائرة إرادة الحياة ‪،‬‬
‫أي ما يجب أن يتوفر من آليات كي تكون إستمرارية الحياة ممكنة ‪ ،‬إّال أن الوعي الميتافيزيقي يعرقل هذه‬
‫اإلرادة باعتبار ما يؤسس له من عوالم مفارقة ُيمكن وصفها كوسيلة للهروب من الواقع وتناقضاته التي‬
‫نحن في حاجة لمجابهتها كي يكون لوجودنا معنى ‪ ،‬وُيعبّر ذلك حسب نيتثه عن عجز العقل على مواجهة‬
‫واقع أنيابه كأنياب الضواري ليجد الحل في تلك العوالم الميتافيزيقية ‪ ،‬فالواقع إذن يحتاج إلى أرادة القوة‬
‫التي تخدم إرادة الحياة و ال يكون ذلك ممكنا إال في إطار سياق جسدي عضوي ‪ ،‬أي من خالل االعتراف‬
‫بذلك البعد الحيواني الغرائزي الذي همشته الميتافيزيقا طيلة سنين ‪ ،‬وهكذا يميز نيتشه عبر منهجه‬
‫الجينيالوجي بين ‪ :‬وجود متعال ُم جّرد وعقلّي يقطع مع الواقع و يقف ضد إرادة الحياة وهو وجود زائف‬
‫يفتقر إلى جملة المقومات الواقعية الضرورية ( تتوفر هذه المقومات في سياق جسدي بامتياز ) ‪ ،‬ووجود‬
‫عضوّي حسّي شعورّي عاطفي ووجداني تتوفر فيه المقومات الضرورية التي تشدنا للحياة األصلية كي‬
‫نحياها دون التفكير فيها ‪ ،‬يقول نيتشه ‪ :‬إن الحياة ممكنة دون حاجة إلى أن تكون محل تفكير‪.‬‬
‫يعيد بذلك نيتشه لإلنسان و للجسد قيمته التي جردته منها الفلسفة الميتافيزيقية ‪ ،‬إذ أّنه يرى أصل الوجود‬
‫اإلنساني في الجسد و العقل البسيط ( الوعي الميتافيزيقي ) ال يجب أن يكون إّال آلة في خدمة العقل العظيم‬
‫( الجسد )‬
‫التصورات الميتافيزيقية ‪ :‬أكدت على إختزال اإلنسان في بعده الواعي ‪ ،‬وفي العقل برّد كل ما يتعلق‬
‫باالنسان ومن ذلك وجوده اإلنساني إليه ‪ ،‬لنتحدث بذلك عن مركزية األنا وسيادته ‪ ،‬فاإلنية وفق هذا‬
‫التصور تتسم بالمركزية و االستقاللية ‪ ،‬إذ هي قادرة على إثبات وجودها بمعزل عن كل غيرية خارجية ‪،‬‬
‫وتبقى هذه الغيرية في تبعية لإلنية التي ُتسقط عليها داللتها‪.‬‬
‫التصورات المادية ‪ :‬أكدت على إختزال اإلنسان و إنسانية اإلنسان و ما يتحقق به الوجود اإلنساني في‬
‫غيرية ( بعد نفسي ‪ /‬بعد تاريخي ‪ /‬بعد جسدي ) ‪ ،‬و اعتبرت الوعي مجرد شيئ يمكن التخلص منه ‪،‬‬
‫فاإلنسان قادر على تحديد كينونته ووجوده يمعزل عنه حتى ( كما الحال مع نيتشه )‪.‬‬
‫التصور الفينومينولوجي ‪:‬‬
‫هو تصور ظاهراتي يتجاوز اإلقرار بعزلة الذات و بانغالقها على ذاتها ( تجاوز التصور الميتافيزيقي )‬
‫و يتجاوز تطابق الذات مع ذاتها و عزلتها عن العالم الخرجي و يتجاوز التحديدات التي تربط االنسان‬
‫بمقومات جوهرية ثابتة ومطلقة كما ينفي عن االنسان الوحدة والثبات من جهة و التعالي و االنفصال عن‬
‫العالم من جهة ثانية مؤكدا على ضرورة تخارج الذات وانفتاحها على العالم الخارجي و االعتراف به يما‬
‫يحويه من ذوات أخرى وموضوعات أخرى لها تلك القيمة الُعظمى في تحديد إنسانية اإلنسان‪ ،‬إذ أن‬
‫إدراك اإلنساني يستوجب االنتفتاح على الغيرية ( فاالنساني يتحدد في اطار عالقات متشابكة ‪ ،‬واالوجود‬
‫االنساني ال يمكن مقاربته اال من جهة الكثرة )‬
‫بذلك يبدو التصور الفينومينولوجي تصورا تجاوزيا نقديا يهدف إلى تأسيس منظوةر تأليفي يأخذ بعين‬
‫االعتبار كل أبعاد االنسان و ال يختزلها في بعد واعد كما فعلت الفلسفة المادية او الميتافيزيقية ‪.‬‬
‫يقول هوسرل مؤسس هذا التصور ‪ ":‬أنا أفكر في موضوع ما ‪ /‬شيئ ما إذن أنا موجود" وهو ما يخلق‬
‫الزما بين الوعي باعتباره وعيا بشيئ ما ( بالعالم الخارجي ) وبين الوجود‪.‬‬
‫لسائل أن يسأل عن السبيل لهذا التخارج الذي تحول إلى ضرورة ال مناص منها على الذات توفيرها في‬
‫سياق بحثها عن وجودها األصلي ‪ ،‬يستوجب ذلك فهم قيمة الجسد الخاص في تحديد هذه الرؤية التأليفية‪:‬‬
‫الموقف الميتافيزيقي ‪ :‬اإلنسان هو عقل ‪ ،‬ذات تحدد ذاتها بذاتها ‪ ،‬مْو َض َع ُة كل ما هو متخارج عن الذات‬
‫بما في ذلك ‪ :‬الجسد وبقية الذوات األخرى ( اآلخر ) ‪ ،‬أي إستبعاد الجسد من مجال تحديد اإلنساني و‬
‫إلحاقه بمجال الغيرّية الُم هّم شة‪ ،‬هذا الموقف في الحقيقة يتقابل مع تجربتنا المعيشة في اليومي ‪ ،‬إذ ُتبت‬
‫هذه التجربة كثافة و أهمّي ’ حضور الجسد وتثبت أيضا تعلّق وجودنا مباشرة بالجسد‪.‬‬
‫يصبح التخارج و االنفتاح ضرورة أنطولوجية في مسيرة الذات إلثبات وجودها‪.‬‬
‫"الوسيلة" في ذلك هي الجسد الخاّص ( اإلقرار بالجسد في هذا السياق ال يعني العودة إلى التصورات‬
‫الفرويدية و النيتشوية ألن هذه التصورات ُتهمّش الوعي الذي هو ضرورة أنطولوجية في تحديد ماهية‬
‫اإلنسان‪ .‬وهي تصورات منقوصة ألنها تختزل الغيّر ية في ما يكون ُقبالة الذات فقط)‬
‫العالم ال يمكن أن نتحرر منه ألنه الموطن األصلي للجسد باعتباره جسدا معيشا و خاصا ‪ ،‬ننتقل بذلك‬
‫من ‪ :‬وعي مكتف بذاته ‪ /‬منغلق على ذاته ‪ /‬وعي في ذاته ولذاته إلى وعي قصدي ( يقصد شيئا ما ‪ /‬يتوجه‬
‫إلى شيئ ما ‪ /‬يستهدفه ‪( /‬تفيد القصدية كل فعل معيش نتوجه به إلى شيئ ما )) وهو وعي يقصد األشياء و‬
‫الذوات األخرى ( العالم الخارجي ) من خالل فعل التمعين ( القدرة على خلق المعنى و الداللة ) ‪ ،‬وهذه‬
‫القدرة مرتبطة أساسا باللغة التي ال يمكن أن تجد داللتها إال في سياق عالقتها بالجسد الخاّص ‪.‬‬
‫نحن بذلك إزاء اإلنتقال من جسد موضوع ‪ :‬هو الجسد المقابل للذات بما يجعل منه موضوعا لالستكشاف‬
‫و المعرفة ‪ /‬مستقل عن الذات وعن الوعي القصدي ‪ ..‬إلى الجسد الخاص ‪ /‬المعيش ‪ :‬هو ما ُندرك‬
‫بواسطته ( فهو وسيط ) العالم الخارجي وهو الوسيط األنطولوجي الذي يربط من خالل عملية اإلدراك‬
‫الوعي القدي بالعالم الخارجي‪ (.‬يقول ميرلوبونتي ‪ :‬الجسد دائما معي وليس أمامي ) فالوعي الذي يكون به‬
‫اإلنسان إنسانا‬

You might also like