Professional Documents
Culture Documents
مسألة الإنيّة والغيريّة
مسألة الإنيّة والغيريّة
..........................................
المشكل الرئيسي و األساسي هو :تحديد" اإلنساني" في اإلنسان؛ أي تحديد ما يكون به اإلنسان إنسانا ،و
ما يميز اإلنسان بإطالق عن الوجود الحيواني.
ما يجعل من تحديد" اإلنساني"مشكال باإلمكان مقاربته من خالل حدين متقابلين":االنية"و"الغيرية".
االنية :ما يتحدد به وجود الشيء فيكون حقيقته و قوامه:انية اإلنسان هي ما يكون به اإلنسان إنسانا سواء
بالنظر إليه كفكرة أو كواقع متعين أي ما يثبت وجوده كانسان متمايز بإطالق عن الوجود الحيواني.االنية
بهذا المعنى ترتبط بما جوهري في اإلنسان أي بما هو ثابت ال يلحقه تغير ،وقائم بذاته بحيث ال يحتاج في
تحديد حقيقته أو إلثبات وجوده إلى غيره.
الغيرية:ما يتعلق بوجود اإلنسان كالجسد مثال ،إذ ال يمكن إنكار الوجود الجسدي لإلنسان ،غير أن هذا
الوجود يضل عرضي وهامشي،بمعنى أن وجوده مثل عدمه ال يؤثر في تحديد االنية.
لتندرج بذلك مسالة اإلنية والغيرية في مسألة أهم هي مسألة اإلنساني بين الكثرة والوحدة .وهذه المسألة
تتحرك في سياق مطلب الكونية .ذلك أن اإلنسان قد كّف على صنع صورا وماهّيات وتعريفات متعالية
تنتزع الّصور عن ماّد تها وتحّو لها إلى تجريدات ،ولعّل ذلك ما استجابت إليه التصّورات الفلسفّية بأن
تخّلت عن سؤال "ما اإلنسان؟" ( وهو سؤال ماهوي يبحث في حقيقة االنسان و جوهره و أصله يتطلب
تحديد الماهية الوحدة والثبات و الشمولية و االطالقية و الكلية لذلك فهو يفترض إجابة واحدة وثابتة مما
يؤدي إلى إختزال االنسان في بعد واحد وتجريده من جوانبه المتعددة التي قد يجد فيها السبيل الثبات
وجوده لذلك هو سؤال سيئ الطرح ) نحو سؤالم أكثر تجذيرا في خصوصّيته وأكثر تطّلعا لتحديد
"اإلنساني فينا" ألّنه وحده سيسمح بمشروع لقاء اإلنسان باإلنسان ممكنا وهو سؤال من هو االنسان ؟
( سؤال تاريخي تتطلب مقاربته العودة للخصائص الوجودية لالنسان فهو أكثر واقعية ) .وال يتحقق ذلك
إّال بتجاوز األوهام الميتافيزيقّية القديمة التي رّسختها الفلسفة الكالسيكّية نحو حاالت وجود واقعّية تعّين
وضعّية النوع اإلنساني.
ّد
=>الفلسفة بالتالي ستحّو ل وجهتها من البحث عن سؤال ما اإلنسان ؟ إلى البحث في أش الصفات التي
تحّقق إنسانّية اإلنسان.وهو ما يتجلى في إشكالية اإلنية و الغيرّية.
في إطار هذا البحث يمكن أن نمّيز بين 3مواقف أو 3منطلقات :
• منطلق ميتافيزيقي.
• منطلق مادي واقعي وتاريخي.
• منطلق فينومينولوجي .
• الموقف الميتافيزيقي :هو موقف يعطي األولية لإلنية على الغيرية في تحديد ماهية اإلنسان
حسب الموقف الميتافيزيقي،كل ما هو واقعي فهو نسبي ومن ذلك تظهر ضرورة ال
تجرد منه (أي من الواقع)لما يحمله من متناقضات نحو الُم طلق و القطع معه ( مع الواقع)
اإلقرار بأولوية العقل /الوعي على كل غيرّية أي على بقية الموضوعات وكل ما ليس عقال.
اختزال كل ما يتعلق باالنسان في العقل و إعطاء األسبقية للعقل/الوعي
الموقف الميتافيزيقي هو موقف يقر بتطابق اإلنية مع ذاتها ،و في ذلك إقصاء للغيرية فاألنا قادر على
تحديد ذاته بذاته بمعزل عن كل الموضوعات المتخارجة عنه ( سيادة األنا ) .
يختزل الموقف الميتافيزيقي اإلنسان في بعده الواعي.
يعتبر الفالسفة الميتافيزيقيون النفس /الذات جوهرا
خاصية الوعي هي التي تشكل اإلنساني في اإلنسان وتميزه.
موقف يقر باستقاللية الذات وحريتها ومركزيتها.
فاألنا يدرك ذاته دون أن يكون في حاجة إلى أّي علة خارجة عنه سواء كانت جسدا أو أي شيء آخر
خارجي (.تطابق الذات مع ذاتها وعزلتها عن العالم الخارجي )
أفالطون ،أرسطو ،ابن سينا و ديكارت فالسفة ميتافيزيقيين يثبتون إذا اإلنية بإقصاء كّل أشكال الغيرية
داخلية كانت أم خارجية فال الجسد وال العالم الخارجي يحددان ماهية اإلنسان .ومن هذا المنطلق تتحدد
الذات باعتبارها واقعا ميتافيزيقيا ،باعتبارها المعنى المؤسس لإلنسانية واألنا ليس إال الوعي بوحدة الذات
التي تربط وتجمع بين حاالتها المختلفة وأفعالها المتعاقبة في الزمان .والذات عند هؤالء الفالسفة تتحّد د في
نهاية المطاف باعتبارها الجوهر وهو التحديد الذي أقّر ه أرسطو بما أن الذات كجوهر تسند إليها كل
الخصائص واألعراض بما في ذلك الجسد.
• الموقف الديكارتي :يقول ديكارت " :فعرفت أنني جوهر ُم فكر كل ماهيته أو طبيعته ال تقوم إال على
الفكر"
تمتاز اليقينيات بالبداهة و الوضوح و التمّيز ،وهي مناقضة لكل ما هو محل للشك أي لكل ما يقب
الزعزعة و الهدم و الّرجة.
توصل روني ديكارت إلى اليقين التالي :أنا أفكر إذن أنا موجود وهو ما ُيقر بوجود لتالزم واضح
وصريح بين التفكير و الوجود ،أي أن الوجود ال يتحقق إال من خالل التفكير و قد أسس ديكارت لهذا
اليقين من خالل عملية الشك باعتبار الشك ضربا من ضروب التفكير ،فقد شك ديكارت في كل
الموضوعات من حوله ،فجل الموضوعات الخارجية تتعارض مع اليقين وهي بذلك قابلة للشك وهي :
المعرفة الحسية ،إذ ال يمكن أن نثق في الحواس و المعرفة الحسية ألنها تخدعنا أحيانا ،و المعرفة
الرياضية باعتبار ما يشوبها من أخطاء ،إضافة إلى السائد و المألوف لدى العامة ،و الذي تلقته من خالل
التلقين ،فكل هذه الموضوع ال تحمل في طياتها ما يحيل على الوضوح والثبات و التميز أي ما يجعلنا نقر
بأنها يقينيات ،لذلك مارس عليها ديكارت فعل الشك ،وهو شك منهجي الغاية منه بلوغ اليقين وبلوغ
حقيقة الوجود
( تجاوز ديكارت بهذا الشك موقف الريبيين الذين ُيشكون من أجل الشك فقط و يتخذون الشك منهجا في
الحياة ويعتبرون الشك غاية في حد ذاته ،فهو شك يقف عند الهدم /ال يبني و ال ُيؤسس إذ أن الموقف
الريبي ال يثق في قدرة العقل على تأسيس اليقينيات وحجتهم في ذلك أن العقل ُيطلق أحكاما ُم طلقة
تتعارض مع سيرورة الواقع المتغير في حين أن أحكام العقل ثابتة ،فهل ُيمكن إصدار أحكام ُم طلقة في
المُتغيّر ؟ وهم بذلك ُيعطون األولوية للتجربة على األفكار ) هذا وقد اشترك ديكارت مع الريبيين في
ممارسة فعل الشك وفي شمولية الموضوعات التي يطالها الشك لكنه اختلف معهم في أن الشك ينتهي
بمجرد بلوغ اليقين المنشو والدائم ،وقد شكت الذات مع ديكارت في كل الموضوعات الخارجية باعتباره
تتعارض مع اليقين ( فهي تقبل الشك ) ،و عادت هذه الذات على ذاتها بالشك فتأكدت من كونها تشك ،
وبذلك استطاعت الذات ان ُتبت وجودها انطالقا من التفكير ،و هكذا يأتي الشك على كّل شيء إال على
اليقين الذي يتضمنه ،يقين الذات بذاتها موجودة كفكر أي يقين الكوجيتو.
يتنزل الكوجيتو منزلة اليقين،يقينا مؤسسا من حيث هو الحقيقة األولى التي ستسمح الحقا بإثبات بقية
الحقائق.بذلك فان الكوجيتو يثبت نفسه بنفسه ؛من خالل عودة الذات على ذاتها وتأملها فيما تحمله من
معارف،وهي في ذلك ال تحتاج ألي واسطة لتدرك وتثبت وجودها،بل إن إثبات وجود الذات يقتضي بداية
كما سبق وأن أشرنا إلى ضرورة إستفراغ الذات من كل ما هو خارج الذات .يتعين اإلنساني إذن بما هو
أنانة تعي ذاتها بذاتها في استقالل وتعال عن كل "الخارجات".مقتضى االنية هو هذا الوعي ؛وعي الذات
بذاتها كذات مفكرة؛إذ منذ اللحظة التي تشرع فيها الذات بالتفكير تعي مباشرة بوجودها.
الذات مع ديكارت جوهر خاصيته التفكير /جوهر مفكر ،لذلك يعتبر ديكارت ماهية اإلنسان جوهره
الُم فكّر.
لم ُيقصي ديكارت الجسد بل عامله على أنه موضوع فيزيائي خارجي لديه أبعاده الهندسية التي تميزه عن
بقية األجسام فهو بذلك جوهر ممتد ،يحتل مكانا .وبهذا يكون اإلنسان عبارة عن ثنائية :جوهر مفكر
( فيه تكمن ماهية اإلنسان و إنيته ) و جوهر ممتد (جسد في حاجة إلى من ُيحرّك ه ،وهذا الُم حّرك هو
الوعي فالجسد وان كان في ذاته جوهر "جوهر ممتد" فهو بالنسبة للنفس مجرد عرض)
العالقة بين الجوهر المفكر و الجوهر الممتد وبين الجوهر المفكر وبقية الموضوعات هي عالقة تعال ،
وتتأسس بذلك عالقة سيطرة و هيمنة بين الفكر المتعالي وبقية األجسام التي هي في حاجة إلى من ُيسقط
عليها داللتها ،وهي الذات الوعاية بذاتها.خاصية الوعي هي التي تشكل اإلنساني في اإلنسان وتميزه
بشكل مطلق عن الحيوان.هذا الوعي ال يتحقق إال من خالل فاعلية الذات وجهدها الشخصي من خالل
خوض تجربة الشك أي فحص ومراجعة كل ما تحمله الذات من معارف وعدم قبول أي معطى باعتباره
يقيني ما لم يتصف بالبداهة يتعلق األمر إذن بالتحرر من الموروث الثقافي كما من االنطباعات العفوية
حول حقيقة الذات.
مسلمات موقف ديكارت :ما يجعل من تحقق الوعي ممكنا هو توفر اإلنسان على "العقل" ف"العقل أعدل
قسمة توزعا بين البشر":حسن استعمال العقل هو الكفيل بجعلنا نبلغ اليقين.
الضمنيات :الوجود اإلنساني يختلف جذريا وبشكل مطلق على الوجود الحيواني بما أن اإلنسان هو الكائن
الذي ينفرد بميزة العقل.
-االستتباعات :األنا الديكارتي مكتف بذاته ال يحتاج لغيره في معرفة حقيقته واثبات وجوده وبذلك يرتبط
الجسد والغير بمجال الغيرية أي ما هو عرضي وهامشي.
• الموقف المادي :هو موقف يعطي األولية للغيرية على اإلنية في تحديد ماهية اإلنسان
نتناول في هذا اإلطار الغيرية باعتبارها أساس اإلنية ،أي أن إنية اإلنسان تتحقق في إطار غيرية
متخارجة عنها تضبطها و ُتشكلها ،ويمكن في هذا السياق أن نقول بأننا ال ننطلق من الذات في بناء
وجودنا و بأن الوعي الذي حددته الفلسفات الميتافيزيقية كالزمة أولى إلثبات وجود الذات يقف عند كونه
غاية وهدفا وليس منطلقا ،أي أننا نصل إلى الوعي و ال ننطلق منه.
التاريخ باعتباره غيرية خارجية هو الذي ُيؤسس اإلنية
أكدت التصورات الميتافيزيقية على اختزال كل ما يتعلق باالنسان في العقل باعتباره الوحيد القادر على
تحديد ماهيته و بالتالي النسانيته ،وهو كذلك الُم حدد لداللة الموضوعات الُم تخارجة عنه ( فحسب
التصورات الميتافيزيقية :اإلنية ُتحدد داللة الغيرية -أي الموضوعات الخارجية )
وهو ما ُيؤكد على عدم موضوعية هذا الموقف إذ أنه من ناحية يتعالى على كل ماهو مادّي وموضوعي و
الحال أنه حسب الموقف المادي عموما و التاريخ خصوصا :العقل ذاته الذي ُترجع إليه الميتافيزيقا مهمة
ضبط ماهية الوجود اإلنساني ال ُيمكن أن يتأسس ما لم يرتبط بشروط واقعية موضوعية.
• الموقف التاريخي :كار ماركس يقول كارل ماركس ":إن الوعي نتاج إجتماعي و يبقى كذلك طالما
ُو جدبشر "
تناول ماركس جانبا واسعا مّم ا سبق ذكره في فلسفته التي أكدت على أن الوعي /الذات /اإلنية تتشكل في
الواقع فهي محكومة بالنشاطات المادية وبصيرورة الواقع مما يجعل الوعي ُم كتسبا.ماركس يستحضر
الغيرية من زاوية تاريخية .فالوعي بالذات بالنسبة لماركس ليس متعاليا وليس مستقال بذاته بما أن الوعي
هو انعكاس للواقع االجتماعي التاريخي ،فالوعي مكتسب ومتطور ،مكتسب ألنه يعكس عالقة مع الواقع
الطبيعي تتحّد د بالفعل في العالم وتشكيله من أجل المحافظة على البقاء و التكيف مع المحيط الخارجي،
فاالنسان ال يعيش إال من الطبيعة و لكن من الطبيعة المشكلة وفي كّل نشاط مشكل للطبيعة يشكل اإلنسان
ذاته ،هذا يعني أن اإلنسان يحقق إنسانيته و يكتسب وعيه بواسطة العمل ،و تقسيم العمل هو ما يفسر
تطور الوعي ،لذلك تنعت نظرية ماركس في فلسفة التاريخ بالمادية التاريخية .إذ يرى ماركس أن وسائل
اإلنتاج هي التي تحّد د ضروب الوجود اإلنساني ،و الحياة المادية للبشر تفسر كّل األنشطة و تحّد د سيرورة
اإلنسان .و من هذا المنطلق يجب أخد فعل القوى المنتجة بعين االعتبار لفهم التاريخ ،و القوى المنتجة
تمثل مجموع الوسائل المادية وكّل أصناف القوى التي بحوزة المجتمع اإلنساني ،و الوعي من هذا
المنطلق هو البنية الفوقية المتولدة عن العالقة االجتماعية المحكومة بعالقات اقتصادية والمحكومة بجملة
الشروط الموضوعية وبصيرورة الواقع التاريخية وتطوره (بنية تحتية ) .و هكذا فإن الوعي عند ماركس
هو وليد نشاطه المشّك ل للطبيعة في التاريخ ،وهو ما يخلق عالقة جدلية بين الوعي أو الفكر من جهة
باعتباره المستوى النظري للوجود االنساني و بين ماهو تاريخي مادي ( مجال البراكسيس ) ،وتلك
العالقة هي التي ُتفرز تطورا يكون ضرورة ال مناص منها في عملية تشكل الوعي ،فالوعي في عالقته
بالتاريخ يكون حركيا و ديناميكيا و غير ثابت.
يرى ماركس اذن بأن التاريخ بشروطه المادية اإلقتصادية و اإلجتماعية هو الفضاء األمثل الذي تتشكل
فيه اإلنية/الوعي/الذات.
التصور الماركسي يتجاوز استقاللية الذات و مركزيتها و حريتها ( أي تجاوز ما أسسته الميتافيزيقا
للوعي من مكانة متعالية ،فالوعي ليس وعيا طبيعيا و بديهيا وفطريا إذ هو وعي ُم كتسب داخل التاريخ )
ذلك أّن جملة األفكار والتمثالت ُتصبح ُم نَتجة ال ُم نِتجة.
=> الغيرية في سياقها التاريخي اإلجتماعي اإلقتصادي هي التي تحدد اإلنية ( أي أن هذه الغيرية
المحكومة بصيرورة الواقع و بالضرورة التاريخية هي التي ُتشّك ل اإلنّية ( الوعي ) وفق الشروط الماديّة
و الموضوعية التي ُيفرزها تطّو ر التاريخ و المجتمع و العالقات االقتصادية ) لننتقل بذلك مع ماركس
من :
مركزية اإلنية إلى مركزية الغيرية.
• موقف سايكولوجلي :الّالوعي :فرويد :يقول فرويد ":ولم يُعد األنا سيدا ح ى في بيته "
ّت
يجدر بنا هنا أن نطرح السؤال التالي :كيف لالوعي باعتباره غيرية أن ُيؤسس إلنّية اإلنسان ؟
اعتمد فرويد في تحليله النفسي دراسة بنيوية وهي دراسة تقوم على اعتبار اإلنسان كائنا ُم ركبا و ُم شكال
قابال للتفكيك ويتجّلى ذلك بوضوح في تحديده لمكونات الجهاز النفسي ( الجهاز النفسي هو شخصية الفرد
التي تتجلى من خالل جسده وليست هي الجسد ) .وهي :
الهُو :أقدم منطقة في الجهاز النفسي ،يوجد لدى اإلنسان بالفطرة ،وهو جملة الميوالت و الّر غبات
الحيوانّية المحكومة بجملة الدوافع الجنسية والعدوانية ( العنف ) ُ ،يسمي فرويد هذه الدوافع الجنسية بمبدأ
الليبيدو
كل هذه الدوافع في الُهو الُم ندفع تتحول إلى رغبات تنتظر اإلشباع فالهو محكوم بمبدأ اللذة ،أي أّن كل
رغبة نفسية للهو محكومة بمبدأ اللّذ ة.
األنا األعلى :مجموعة األوامر والنواهي التي يضبطها المجتمع في سياق األخالق اإلجتماعية ،وهو
الضمير الذي ُيعتبر رقيبا على الذات ،هذا األنا األعلى أو هذا الضمير الرقيب الُم سّلط من طرف المجتمع
محكوم بمبدأ الواقع ( األنا األعلى هو عبارة عن مجموعة من األوامر و النواهي التي ُتؤسسها األخالق
اإلجتماعية لتصبح ضميرا ورقيبا ذاتيا للُهو ويحتكم األنا األعلى لمبدأ الواقع ).
الهو الُم ندفع محكوم بمبدأ اللذة ( أي جملة الدوافع الجنسية والعدوانية التي تحكم رغبات الهو و ميوالته
لتجعل منها رغبات تنتظر اإلشباع ) في عالقة صراعء مع األنا األعلى المحكوم بمبدأ الواقع و الذي يلعب
دور الضمير و الرقيب ،ليمارس عليه جملة األوامر و النواهي الُم لزمة التي تجعل من رغباته مكبوتة.
إن طبيعة هذه العالقة هي تجعل الهو مثجبرا على إنتاج األنا أو الوعي ليبقى وفيا له في تحويل المكبوت
لديه من رغبات تنتظر اإلشباع إلى رغبات مشروعة في المجتمع ،فمهمة األنا أو الوعي إذن هي خلق
توازن نفسي /سايكولوجي /بسيكولوجي بين رغبات الهو الُم ندفع التي تنتظر اإلشباع و المحكومة بمبدأ
اللذة ،و بين مجموعة األوامر و النواهي التي يسلطها األنا األعلى على الهو تبعا الحتكامه لمبدأ الواقع.
مع فرويد إذن يتقدم الالوعي باعتباره اآلخر الذي على الوعي أن يتسع الستيعابه .و هو ما يعني أن إقرار
فرويد بأهمية الالوعي في تركيبة اإلنسان ليس اقصاءا كليا للوعي بما أن الوعي يبقى المجال الذي يمكننا
من إدراك الالوعيإذ أن الالوعي يتمطظهر في الوعي الذي ُيفسره .و هكذا يبرز فرويد وهم اختزال
اإلنسان في بعده الواعي فاإلنسان ال يتحّد د إال في إطار هذه الكثرة الداخلية التي تتجاوز اإلقرار
الميتافيزيقي بوحدة األنا إذ تنكشف نفسية اإلنسان متعدّد ة بل مركبة من منظمات ذات رغبات متناقضة
منظمات تنزل هي ذاتها في التاريخ بما أنها تتطور في السيرة الذاتية لكّل فرد ولكن أيضا تتمثل معطيات
عامة ترتبط بالتاريخ الحضاري اإلنساني العام مثل ما يتمظهر ذلك في العقد الكونية التي تحدث عنها
فرويد عقدة أوديب وعقدة الخصي.
• موقف جينيالوجي :الجسد :نيتشه :يقول نيتشه ":إن وراء أفكارك ومشاعرك يقوم سيد جبار وحكم
مجهول ،إّنه الهو الذي يسكن جسدك ،بل هو جسدك "
الجينيالوجيا باختصار هي البحث في أصل الشيئ لنقده وهدمه و إعادة بنائه
مثله مثل بقية فالسفة الظّنة أو فالسفة التظّنن كما يسميهم بول ريكور ،راهن نيتشه على دحض العقل و
المكانة التي وهبتها له الميتافيزيقا من خالل أسلوبه الجينيالوجي.
يقوم هذا األسلوب على الكشف و التعريفة و الفضح ،لذلك قام نيتشه بإعادة البحث في أصل اإلنسان و
حقيقته كما حددتها التصورات الميتافيزيقية ليقوم بهدمها ساخرا بشدة من الوعي الميتافيزيقي إذ هو وعي
متواضع و سطحي و بسيط ويتسم بالثانوية ،وليست المركزية و االستقاللية التي حددتها له الميتافيزيقا
سوى وهما وزيفا.إذ تحدثت الفلسفة الميتافيزيقة عن تلك اإلرادة و القدرة و الحريّةة التي تكون الذات قادرة
على اكتسابها في غنى عن كّل ما هو متخارج عنها ومن ذلك الجسد ،غير أّن هذه اإلرادة و القدرة ال تجد
جوداها إّال في سياق مادّي ،في حين حين أن الميتافيزيقا تنأى عن هذا السياق لتدخل في سياق مجرد ،
سياق تغلب عليه األفكار و المتثالت و التأمالت ،فالسياق الميتافيزيقي حسب نيتشه يبعدنا كل البعد عن
التحديد الحقيقي و األصيل لوجود اإلنسان و لكينونته ،فكينونة اإلنسان ال تخرج عن دائرة إرادة الحياة ،
أي ما يجب أن يتوفر من آليات كي تكون إستمرارية الحياة ممكنة ،إّال أن الوعي الميتافيزيقي يعرقل هذه
اإلرادة باعتبار ما يؤسس له من عوالم مفارقة ُيمكن وصفها كوسيلة للهروب من الواقع وتناقضاته التي
نحن في حاجة لمجابهتها كي يكون لوجودنا معنى ،وُيعبّر ذلك حسب نيتثه عن عجز العقل على مواجهة
واقع أنيابه كأنياب الضواري ليجد الحل في تلك العوالم الميتافيزيقية ،فالواقع إذن يحتاج إلى أرادة القوة
التي تخدم إرادة الحياة و ال يكون ذلك ممكنا إال في إطار سياق جسدي عضوي ،أي من خالل االعتراف
بذلك البعد الحيواني الغرائزي الذي همشته الميتافيزيقا طيلة سنين ،وهكذا يميز نيتشه عبر منهجه
الجينيالوجي بين :وجود متعال ُم جّرد وعقلّي يقطع مع الواقع و يقف ضد إرادة الحياة وهو وجود زائف
يفتقر إلى جملة المقومات الواقعية الضرورية ( تتوفر هذه المقومات في سياق جسدي بامتياز ) ،ووجود
عضوّي حسّي شعورّي عاطفي ووجداني تتوفر فيه المقومات الضرورية التي تشدنا للحياة األصلية كي
نحياها دون التفكير فيها ،يقول نيتشه :إن الحياة ممكنة دون حاجة إلى أن تكون محل تفكير.
يعيد بذلك نيتشه لإلنسان و للجسد قيمته التي جردته منها الفلسفة الميتافيزيقية ،إذ أّنه يرى أصل الوجود
اإلنساني في الجسد و العقل البسيط ( الوعي الميتافيزيقي ) ال يجب أن يكون إّال آلة في خدمة العقل العظيم
( الجسد )
التصورات الميتافيزيقية :أكدت على إختزال اإلنسان في بعده الواعي ،وفي العقل برّد كل ما يتعلق
باالنسان ومن ذلك وجوده اإلنساني إليه ،لنتحدث بذلك عن مركزية األنا وسيادته ،فاإلنية وفق هذا
التصور تتسم بالمركزية و االستقاللية ،إذ هي قادرة على إثبات وجودها بمعزل عن كل غيرية خارجية ،
وتبقى هذه الغيرية في تبعية لإلنية التي ُتسقط عليها داللتها.
التصورات المادية :أكدت على إختزال اإلنسان و إنسانية اإلنسان و ما يتحقق به الوجود اإلنساني في
غيرية ( بعد نفسي /بعد تاريخي /بعد جسدي ) ،و اعتبرت الوعي مجرد شيئ يمكن التخلص منه ،
فاإلنسان قادر على تحديد كينونته ووجوده يمعزل عنه حتى ( كما الحال مع نيتشه ).
التصور الفينومينولوجي :
هو تصور ظاهراتي يتجاوز اإلقرار بعزلة الذات و بانغالقها على ذاتها ( تجاوز التصور الميتافيزيقي )
و يتجاوز تطابق الذات مع ذاتها و عزلتها عن العالم الخرجي و يتجاوز التحديدات التي تربط االنسان
بمقومات جوهرية ثابتة ومطلقة كما ينفي عن االنسان الوحدة والثبات من جهة و التعالي و االنفصال عن
العالم من جهة ثانية مؤكدا على ضرورة تخارج الذات وانفتاحها على العالم الخارجي و االعتراف به يما
يحويه من ذوات أخرى وموضوعات أخرى لها تلك القيمة الُعظمى في تحديد إنسانية اإلنسان ،إذ أن
إدراك اإلنساني يستوجب االنتفتاح على الغيرية ( فاالنساني يتحدد في اطار عالقات متشابكة ،واالوجود
االنساني ال يمكن مقاربته اال من جهة الكثرة )
بذلك يبدو التصور الفينومينولوجي تصورا تجاوزيا نقديا يهدف إلى تأسيس منظوةر تأليفي يأخذ بعين
االعتبار كل أبعاد االنسان و ال يختزلها في بعد واعد كما فعلت الفلسفة المادية او الميتافيزيقية .
يقول هوسرل مؤسس هذا التصور ":أنا أفكر في موضوع ما /شيئ ما إذن أنا موجود" وهو ما يخلق
الزما بين الوعي باعتباره وعيا بشيئ ما ( بالعالم الخارجي ) وبين الوجود.
لسائل أن يسأل عن السبيل لهذا التخارج الذي تحول إلى ضرورة ال مناص منها على الذات توفيرها في
سياق بحثها عن وجودها األصلي ،يستوجب ذلك فهم قيمة الجسد الخاص في تحديد هذه الرؤية التأليفية:
الموقف الميتافيزيقي :اإلنسان هو عقل ،ذات تحدد ذاتها بذاتها ،مْو َض َع ُة كل ما هو متخارج عن الذات
بما في ذلك :الجسد وبقية الذوات األخرى ( اآلخر ) ،أي إستبعاد الجسد من مجال تحديد اإلنساني و
إلحاقه بمجال الغيرّية الُم هّم شة ،هذا الموقف في الحقيقة يتقابل مع تجربتنا المعيشة في اليومي ،إذ ُتبت
هذه التجربة كثافة و أهمّي ’ حضور الجسد وتثبت أيضا تعلّق وجودنا مباشرة بالجسد.
يصبح التخارج و االنفتاح ضرورة أنطولوجية في مسيرة الذات إلثبات وجودها.
"الوسيلة" في ذلك هي الجسد الخاّص ( اإلقرار بالجسد في هذا السياق ال يعني العودة إلى التصورات
الفرويدية و النيتشوية ألن هذه التصورات ُتهمّش الوعي الذي هو ضرورة أنطولوجية في تحديد ماهية
اإلنسان .وهي تصورات منقوصة ألنها تختزل الغيّر ية في ما يكون ُقبالة الذات فقط)
العالم ال يمكن أن نتحرر منه ألنه الموطن األصلي للجسد باعتباره جسدا معيشا و خاصا ،ننتقل بذلك
من :وعي مكتف بذاته /منغلق على ذاته /وعي في ذاته ولذاته إلى وعي قصدي ( يقصد شيئا ما /يتوجه
إلى شيئ ما /يستهدفه ( /تفيد القصدية كل فعل معيش نتوجه به إلى شيئ ما )) وهو وعي يقصد األشياء و
الذوات األخرى ( العالم الخارجي ) من خالل فعل التمعين ( القدرة على خلق المعنى و الداللة ) ،وهذه
القدرة مرتبطة أساسا باللغة التي ال يمكن أن تجد داللتها إال في سياق عالقتها بالجسد الخاّص .
نحن بذلك إزاء اإلنتقال من جسد موضوع :هو الجسد المقابل للذات بما يجعل منه موضوعا لالستكشاف
و المعرفة /مستقل عن الذات وعن الوعي القصدي ..إلى الجسد الخاص /المعيش :هو ما ُندرك
بواسطته ( فهو وسيط ) العالم الخارجي وهو الوسيط األنطولوجي الذي يربط من خالل عملية اإلدراك
الوعي القدي بالعالم الخارجي (.يقول ميرلوبونتي :الجسد دائما معي وليس أمامي ) فالوعي الذي يكون به
اإلنسان إنسانا