Professional Documents
Culture Documents
ملخص:
تهدف هذه الدراسة الى التعرف على بعض الرموز األخالقية في تأويالت
فيلون السكندري ،أحد أهم فالسفة اليهود في مرحلة ما بعد أرسطو المتأخرة من تاريخ الفلسفة
اليونانية ،وطرحت الدراسة تساؤًال محوريًا هو :ما الرموز األخالقية التي تمثلت في تأويالت
فيلون السكندري للنص التوراتي؟ ومن ثم تطرقت الدراسة الى أهم مبادئ وآليات التأويل
الرمزي عند فيلون ،والتركيز على بعض التأويالت ذات العالقة بموضوع الدراسة.
:Summary
مقدمــة:
يعتبر الفيلسوف الهلنستي فيلون السكندري ( 20ق.م 50-م) من أبرز الفالسفة
اليهود الذين اهتموا بدراسة النص التوراتي ،وفق مبادئ وآليات معينة لتأويلة ،ولكن ما يميزه
افالطونيتة ،وتأثره الشديد باالتجاه الرواقي واألرسطي ولفيثاغورث في الفلسفة اليونانية،
وحضور هذه الفلسفات في تأويالته وأعماله مثل :شرح سفر التكوين ،أسفار موسى الخمسة،
شريعة موسى ،حياه التأمل ،ضد فالكيوس ،التساؤالت ،وغيرها من األعمال)Carrier, 2014, p. 364( .
وإذا كانت الفلسفة اليونانية حاضرة في تأويالت فيلون النظرية للنص التوراتي ،فهي في
الواقع مثلت أداة ووسيلة للدفاع عن الحقائق الدينية اليهودية وتبريرها ،وبالرغم من ذلك
رفض فيلون من الفلسفة اليونانية ما يتعارض مع النص الديني التوراتي& ,Howell, Carl Sigiegfried( .
)Jacob Lauterbachوفى تأويالت فيلون نجد حضورًا للرموز األخالقية ،والتي ال ُتخفى أهميتها
على المستوى الديني أو الفلسفي أو على مستوى الحياة اليومية للمجتمعات اإلنسانية ،باعتبار
أنها " تمثالت لمجموعة من القيم والمعايير األخالقية والمبادئ التي تحدد ما الخير أو الشر،
أو ما الفضيلة أو الرذيلة ،وتشير الى بعض األشياء أو األحداث بأنها انتهاك للمعايير المقبولة
اجتماعيًا" ( ،).britannica.com/morl code, n.dمن هنا كانت هذه الدراسة لإلجابة على تساؤل أساسي هو:
ما الرموز األخالقية الماثلة في تأويالت فيلون السكندري؟ ولإلجابة على هذا التساؤل ،تبنت
الدراسة منهج العرض والتحليل.
وهذا التأويل الفيلوني يتأسس على عدة مبادئ منها :أوًال :أن الشريعة والفلسفة هما
المصدران األساسيان في عملية التأويل فمنبع الفلسفة وحقائق الكتاب المقدس واحد وهو هللا
وكالهما آ ى الشريعة الموسوية والفلسفة يقودان الى معرفة هللا ،حيث طريق المعرفة الروحية
هلل يكون عبر بوابة الفلسفة ثانيًا :ضرورة اال يكون التأويل الرمزي سببًا للوصول الى معنى
يهدم أحد أركان الدين ،وأن يحافظ على الشعائر والتقاليد الدينية للشريعة الموسوية (النشار،1995 ،
صفحة . )58ثالثًا :الرمز الديني يخاطب العامة والخاصة بلغه رمزية مجازية وباألمثال لتقريب
الحقائق الى اذهان الناس ،فالعامة يفهمون من النص ظاهرة ،أما الخاصة يرون في النص
عالمات ودالالت فيعملون على تأويلها للوصول الى الحقائق الكامنة وراء االلفاظ والعبارات.
(بريهييه ،1954 ،صفحة )2
وباستقراء تأويالت فيلون السكندري سنرى انه اعتمد على قواعد وآليات معينه في
تأويالته الرمزية للنص التوراتي منها:
أوًال :تقسيمة للتأويل الى ثالث مستويات :التأويل الحرفي البسيط ،والتأويل الحرفي
ذي الغرض ،والتأويل الرمزي ،ويمثل التأويل الرمزي أساس التأويل عند فيلون وهو كائن
حي له جسم وروح ،فتأويل المعنى الحرفي السطحي يشبه الجسم ويمثله األوامر والنواهي
الحرفية ،بينما المعنى الكامن والخفي في النص هو الروح ،ومن ثم رؤية األمور الخفية من
خالل األشياء المرئية (بريهييه ،1954 ،صفحة ،)98،84فكأن عملية التأويل الرمزي تمثل قفزة أو وثبه تبدأ
من المعنى السطحي للنص الى الغوص في طبقات النص المتعددة للوصول الى المعنى
الباطني العميق المراد ،بهدف االرتقاء بمعنى النص المادي الى معنى يسمو ويتعالى على
المعنى السطحي للنص.
ثانيًا :التدليل بالنص الحرفي ثم تجاوزه الى التأويل الرمزي للرد على التأويالت
األسطورية للتوراة لدى بعض السابقين عليه ،ومثال ذلك تعمدهم الربط والتوحيد بين تضحية
النبي إبراهيم(ع) بابنه اسحق واألسطورة اإلغريقية الخاصة بالتضحية باألطفال ،فأعتبر
فيلون ان هذه التأويالت تمثل تأويل حرفي ساذج يجب تجاوزه الى التأويل الرمزي (بريهييه،1954 ،
الصفحات .)96-97
ثالثًا :االعتماد على ثالثة مصادر أساسية ساهمت في بلورة منهجه الرمزي فى تأويل
النصوص التوراتية وهي :االلهام ،والبحث الذاتي االعتقادي والمأثور الذي يمثل التأويالت
الرمزية السابقة عن فيلون ،والذي أعاد استعمالها بنفس الداللة والرمز كمرجعية لمنهجه
التأويلي وبخاصة عند اليهودي أرستوبول (بريهييه ،1954 ،صفحة )76،73
وفى تأويل فيلون لسفر التكوين االصحاح الرابع اآلية 8-1والذى يصف والدة حواء
لقابيل وهابيل ،رأى فيلون أن النفس الواحدة قد يكون لها رؤى ومعتقدات متعارضة ومتعادية
و تَم ثلها فى قابيل وهابيل ،فاألول يمثل الذاتية واالنانية ويعتبر العقل البشرى علة الواقع
والخير ،والثاني يمثل القناعة والمحبة هلل ويؤمن أن هللا عله الواقع والخير ،فقابيل وهابيل
نموذجان للصراع بين الرؤى والمعتقدات فبينما يمثل هابيل رمزًا لإليمان الديني الشرعي هو
وذريته ،يمثل قابيل القاتل رمزًا لإليمان الال ديني و الشرعي هو وذريته ،وقد استحق قابيل
هذه الحالة بانقطاعه عن التقوى وحب الذات و ابتغائه زوجة لم تكن له ،وباعتقاده أن العقل
هو مقياس كل األشياء )Runia, 2010, pp. 113-129.( .فهابيل هنا هو رمز للفضيلة
بينما قابيل يمثل رمزًا للرذيلة بكل أبعادها الغير أخالقية.
وحول ثنائية الروح /الجسد ،رأى فيلون أن الروح قبل أن تنزل الى األرض وترتدى
قميص الجسد كانت تتمتع بالكمال األخالقي لخلوها من المحسوسات ،ولكن عند نزولها الى
األرض وانحصارها في قميص الجسد المادي وبمرور الزمن ،فقدت الروح نقاوتها ،
وهبطت كماالتها األخالقية ،وبالرغم من ذلك كانت الروح دائمًا في حالة شوق وتعلق بشيء
أعلى ،فالجسد كما يقول فيلون خطر على الروح ألنه ،يجرها الى كل المتعلقات المادية
وروابط االحساس ،والتي تقودها الى األغراء والرغبة في االستمتاع الشهواني بكل ما هو
حسى ،وبالرغم من أنه يمثل ضرورة نفسية ،لكنها شر من وجهه النظر األخالقية ،ومن ثم
يدمر الجسد الروح ،فالجسد عند فيلون يعد رمزًا لألهواء والرغبات التي تؤدى الى شر
عظيم.
واالنسان يمر فى تطورة األخالقى طبًقا لفيلون بعدة مراحل ،تبدأ من حالة الكمون،
وهى حالة من الحياد األخالقي أطلق عليها فيلون مصطلح " النوس العاري" أو "وسطى"
إشارة الى حالة األنسان التي تكون ال الى الفضيلة وال الى الخطيئة ،ويسعى األنسان في
موقفة الوسطى هذا الى التطلع الى الفضيلة ،فيقدم له هللا الحكمة والفضيلة األرضية كصورة
للحكمة السماوية ،لكن االنسان سرعان ما يترك حالة الحيادة هذه بمجرد أن يلتقى بالمرأة
ويرتمى في أحضان الحياة الحسية حيث الشهوات والرغبات ،والتي تكون موقظة للروح في
البداية بفعل المثيرات والملذات الحسية ،ولكن سرعان ما تضح حماسها ودوافعها غير
العقالنية ،ويعيش االنسان حياة مضطربة ويدوم االحساس بألم عظيم ناتج عن الفراغ الداخلي
المستمر لرغبة وشهوة ال تشبع أبدًا ،وفى نهاية المطاف تؤدى الرغبة والشهوة الى فساد
الروح ،وموت كل إحساس بالواجب ،فذلك هو الموت األخالقي الناتج عن الجهل الذى يضع
األشياء الحسية فوق الروحانيات.
وفى تأويله أيضًا لسفر التكوين -االصحاح الثاني – اآلية 14-10يؤول األنهار
األربعة التي تخرج من "عدن" تأويًال رمزيًا ،حيث األنهار األربعة ترمز الى الفضائل
األربعة :نهر "فيشون" رمز التعقل ،و "جيجون" رمز الرزانة وضبط النفس ،و "دجلة"
رمز الثبات والصمود ،و "الفرات" رمز العدل ،ليضيف الى األمكنة رمزًا أخالقيًا لقدسيتها.
وفى تأويالت فيلون نرصد تأويالت لبعض األعداد بوصفها رموزًا أخالقية تمثل
فضيلة ،مستلهمًا في ذلك فلسفة فيثاغورث فيؤول الرقم ( )1بوصفه رقم هللا شمس الشموس
عله العلل والخير األعظم (النشار ،1995 ،صفحة )62واألساس لجميع األرقام ،الرقم ()2
هو رقم االنقسام ،والذي تم إنشاؤه من الموت ،الرقم ( )3رمز الجسد ،الرقم ( )4رمز الشر،
الرقم ( )5رمز الحواس الخمسة ،الرقم ( )9هو عدد الفتنة ،والعدد ( )10هو رمز الكمال.
()Howell, Carl Sigiegfried, & Jacob Lauterbach
ويؤول عبور البحر األحمر على أنه رمزًا لخروج النفس من الحياة الحسية .والفصح
رمز لترك النفس للجسم وشهواته ،وشجرة الحياة تمثل أعلى الفضائل أي التقوى والتي بها
يصير العقل خالدًا واقتران النبي إبراهيم بسارة رمز االتحاد بين الرجل الصالح والفضيلة (
النشار ،1995 ،الصفحات )59-60
ويؤول فيلون األشياء المتعلقة بالنص التوراتي تأويًال يجعلها رموزًا أخالقية للحالة
الداخلية للنفس ،فيؤول( :التابوت) بوصفة رمزًا لفضائل الروح غير القابلة للفساد وأعمالها
المرئية ،و (آنية الشراب) الموضوعة على المنضدة رمزًا للروح الكاملة التي تفتح ذاتها هلل،
و(زنبق الشمعدان) رمزًا للفصل بين األشياء البشرية وااللهية ،أو بين الخلود والفناء ،و(علو
التابوت) كرمز لعظمة الروح التي تضحى وتقدم ذاتها قربانًا ،و(زيت المصباح) بوصفة
رمزًا للحكمة( .بريهييه ،1954 ،صفحة )90
خاتمة:
إذا افترضنا صحة النقل والترجمة عن فيلون يمكن القول أن الرمز األخالقي
في تأويالت فيلون يمثل استعارة للفلسفة اليونانية ،فقد كان واضحًا تأثره في تأويالته بها
خاصة بأفالطون في حديثة عن الروح والجسد ،فنظرية الُم ثل حاضرة وبقوة في هذا التأويل،
وبفيثاغورث في تأويلة لألعداد ،وبالرواقية في استعارته لرموزها من قبيل مجاهدة النفس
والقناعة والزهد ،وهنا يجدر اإلشارة أنه ال يجوز اطالقًا تحميل النص التوراتي قبليات
خاصة واسقاطها عليه ،من قبيل األفكار الفلسفية والشخصية ،و في هذه التأويالت ال يوجد
تماثل بين المرموز والمرموز اليه ،أو بين الدال والمدلول ،فما العالقة بين آدم والعقل؟ وبين
حواء واإلدراك الحسي؟ وبين نهر الفرات والعدل؟ فكل ذلك استعارات و ال يوجد سند في
النص التوراتي أو واقع تاريخي يقول بذلك! كما أن داللة الرمز قد تتبدل أو تتغير ،طبًقا
لزاوية النظر ،عمومًا الرمز األخالقي في تأويالته قد ارتكز على بعض الفضائل والرذائل
األساسية ،فمن الفضائل التى ينبغى للنفس ان تتحلى بها للوصول لحالة الكمال :الحكمة،
العدالة ،الخير ،مجاهدة النفس ،الزهد ،القناعة ،األيمان ،الثبات والصمود ،ضبط النفس،
التقوى ،الكمال ،التضحية ،ومن الرذائل التى ينبغى للنفس أن تنأى عنها :الملذات الحسية،
الغواية ،الُعجب ،الشر ،األنانية وحب الذات ،الشهوات ،األهواء ،الفتنه ،القتل ،وتبدو أهمية
هذه الرموز كونها تمثل البوصلة التي تحدد للفرد والمجتمع السلوكيات المرغوب فيها
والسلوكيات غير المرغوب فيها ،وروشتة لعالج بعض األمراض المجتمعية التي يكون سببها
أخالقي ال مادي.
. دار المعارف: القاهرة. مدرسة األسكندررية الفلسفية بين التراث الشرقى والفلسفة اليونانية.)1995( . م,النشار
. دار الطليعة للطباعغة والنشر:) بيروت.Trans , طرابيشى. (ج.2 تاريخ الفلسفة ج.)1988( . ا,برهيية
وزارة:) القاهرة.Trans , & عبد الحليم النجار, موسى. ي. (م. اآلراء الدينية والفلسفية لفيلون السكندرى.)1954( . ا,بريهييه
. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى- المعارف العمومية
. جريدة المصرى اليوم. اليهودية المسالمة- المزيج السكندرى البديع.)16 اكتوبر,2010( . ي,زيدان
. دار الكتاب اللبنانى: بيروت. المعجم الفلسفى.)1984( . ج,صليبا
Runia, D. T. (2010). Dogma and Doxa in the allegorical writing of philo of Alexandria, Études.
platoniciennes. pp. 113-129. Retrieved from
https://journals.openedition.org/etudesplatoniciennes/629
Howell, C., Carl Sigiegfried, & Jacob Lauterbach. (n.d.). Philo Judaeus. Retrieved from www.jewish
encyclopedia.com/articles/12116/philo-judaeus
T.Runia, D. (1990). Philo Alexandrian and Jew,Idem,Exegesis and Philosophy: Studies on Philo of
.Alexandria. pp. 1-18